مقباس الهدایة في علم الدرایة المجلد 3

هوية الكتاب

مقباس الهداية في علم الدراية

الجزء الثالث

تألیف: الشیخ محمد رضا المامقاني

موسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

الطبعة: الأولی - ذي الحجة 1413 ه . ق

ص: 1

اشارة

ص: 2

مقباس الهداية في علم الدراية

ص: 3

مقباس الهداية في علم الدراية

الجزء الثالث

تألیف: الشیخ محمد رضا المامقاني

موسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

الطبعة: الأولی - ذي الحجة 1413 ه . ق

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 5

جمیع الحقوق محفوظة ومسجلة

لموسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

ص: 6

ص: 7

ص: 8

تتمة الفصل السادس فى من تقبل روايته و من ترد

المقام الخامس في التعرض لألفاظ مستعملة في أحوال الرجال لا تفيد مدحا و لا قدحا

اشارة

و لو أفادت أحدهما فمما لا يعتنى به، أما لضعف الإفادة أو المفاد.

مولى

فمنها:

قولهم: مولى.

و لا طلاقه كيفيات:

فتارة: يقولون في الرجل إنه مولى فلان، و أخرى: إنه مولى بني فلان و ثالثة: إنه مولى آل فلان، و قد يضيفونه الى ضمير الجمع بعد نسبته الى قبيلة، و قد يقطعونه عن الإضافة فيقولون مولى، و ربّما يقولون مولى فلان ثم مولى فلان.

فمن الأول: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أبو إسحاق مولى أسلم بن قصي، مدني(1).

ص: 9


1- و كذا أحمد بن الحسن بن علي بن محمد بن فضال مولى عكرمة بن ربعي.

و من الثاني: أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار أبو عبد اللّه مولى بني أسد(1).

و من الثالث: ابراهيم بن سليمان أبي داحة المزني مولى آل طلحة، و إبراهيم بن محمد مولى قريش.

و من الرابع: إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي مولاهم.

و من الخامس: أحمد بن رياح بن أبي نصر السكوني مولى، و أيوب بن الحر الجعفي مولى(2).

و من السادس: تغلبة بن ميمون مولى بني أسد ثم مولى بني سلامة(3).

و إذ قد عرفت ذلك فاعلم: أن للفظ المولى معاني في اللغة و الاصطلاح، أما في اللغة(4) فله معاني(5) كثيرة فإنه يطلق على

ص: 10


1- و كذا إبراهيم بن عربي الأسدي مولاهم و كم له من نظير.
2- و أيضا إبراهيم بن أبي محمود الخراساني مولى، و أحمد بن أبي بشر السراج كوفي مولى، و نظائرهم في الرجال كثير.
3- و صفوان بن مهران بن المغيرة الأسدي مولاهم ثم مولى بني كاهل. و الحسن بن موسى بن سالم مولى بني أسد ثم بني والبة، و غيرهما.
4- لاحظ اللفظة في القاموس المحيط: 16/1 و هناك بحث مسهب جدا للعلامة الأميني في الغدير: 70/1-344 عن هذه اللفظة، يغني عن كل تطويل و بحث.
5- الظاهر: معان، عدّها في الغدير: 362/1-363 سبعة و عشرين معنى، فراجع

المالك(1) و العبد، و المعتق - بالكسر و بالفتح - و الصاحب، و القريب كابن العم و... نحوه، و الجار، و الحليف، و الابن، و العم، و النزيل، و الشريك، و ابن الاخت، و الولي، و الرب، و الناصر، و المنعم، و المنعم عليه، و المحب، و التابع، و الصهر(2).

و أما في اصطلاح أهل الرجال فقد يطلق على غير العربي الخالص، و لعله الأكثر كما عن الشهيد الثاني (رحمه اللّه)(3).

و استظهره المولى الوحيد في التعليقة، قال (رحمه اللّه): فعلى هذا لا يحمل على معنى إلا بالقرينة، و مع انتفائها فالراجح لعلّه الأول(4).

ص: 11


1- لا يخفى أن كلمة (ملا) في العجمية مصحف المولى و السيد و المالك، و زعم أنه مصحف مولى بمعنى العربي الغير خالص اشتباه. منه (قدس سره) الظاهر: غير الخالص. أقول: انظر تفصيل ما قيل في الكلمة في: لغتنامه دهخدا: 1026/48 - فارسي -.
2- أقول: و يأتي المولى - أيضا - بمعنى المعاقب، و منه قوله تعالى: مَأْواكُمُ اَلنّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ الحديد: 15، و لمن يلي الشيء من خلفه و أمامه، و منه يقال فلان مولى لفلان لملازمته له، و لمن ليس بعربي صريح كما في حماد بن عيسى لما عرفت كما قاله في معين النبيه في رجال من لا يحضره الفقيه: خطي: 32 و غيره.
3- البداية: 135، إلا أن النووي و تبعه السيوطي في التدريب: 382/2: قال: ثم منهم من يقال فيه مولى فلان و يراد مولى عتاقة، و هو الغالب. ثم قال: و منهم من يراد به مولى الإسلام كالبخاري... لأن جدّه المغيرة كان مجوسيا.
4- الفوائد البهبهانية: 9 [ذيل رجال الخاقاني: 44]. و ناقش البعض فيها أنها دعوى بلا دليل. و قال الشيخ ياسين بن صلاح الدين في معين النبيه: خطي: 32: نعم لو ادعى أنه عند الإطلاق و خفاء القرائن يراد به النزيل أو التابع لم يكن بعيدا.

قلت: وجه رجحان الأول بناء على شيوع إطلاقه عليه، أو استعماله فيه ظاهر، لانصراف الإطلاق حينئذ إليه، لكن في بداية الشهيد الثاني أن الأغلب مولى العتاقة، فإنه (رحمه اللّه): اعتبر معرفة الموالي من الرواة من أعلى و من أسفل بالرّق، بأن يكون قد أعتق رجلا فصار مولاه، أو أعتقه رجل فصار مولاه، فالمعتق - بالكسر - مولى من أعلى، و المعتق مولى من أسفل، أو بالحلف - بكسر الحاء - و أصله المعاقدة و المعاهدة على التعاضد و التساعد و الاتفاق، و منه الحديث: حالف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) بين المهاجرين و الأنصار مرتين، أي آخى بينهم، فإذا حالف أحد آخر صار كل منهما مولى الآخر بالحلف أو بالإسلام، فمن أسلم على يد آخر كان مولاه يعني بالإسلام، و فائدته معرفة الموالي المنسوبين الى القبائل بوصف مطلق، فإن الظاهر في المنسوب الى قبيلة كما إذا قيل: فلان القرشي إنه منهم، و قد تكون النسبة بسبب أنه مولى لهم بأحد المعاني، و الأغلب مولى العتاقة، و قد يطلق المولى على معنى رابع و هو الملازمة، كما قيل: مقسم مولى ابن عباس، للزومه إياه، و خامس و هو من ليس بعربي، فيقال فلان مولى و فلان عربي صريح، و هذا النوع أيضا كثير. انتهى المهم مما في البداية(1). و مقتضاه حمل المولى عند الإطلاق على مولى العتاقة لكونه الأغلب، و قد يتأمل في أصل الانصراف على فرض الغلبة و الكثرة في بعض المعاني، سواء كان هو الخامس الذي يقوله الوحيد أو... غيره، نظرا الى أن

ص: 12


1- البداية صفحة 135، ثم قال: و مرجع الجميع الى نص أهل المعرفة عليه، و في كتب الرجال تنبيه على بعضه.

الانصراف الموجب لحمل الإطلاق على المنصرف إليه إنما هو الوضعي الابتدائي، أو الحاصل بعد الهجر لغيره من المعاني بحيث بلغ حد الوضعي الثانوي لا الانصراف الإطلاقي الابتدائي الزائل بعد التروي في الجملة، فإن ذلك لا يوجب الحمل عليه، بل هو و غيره على حد سواء لا يتعين أحدهما إلاّ بمعيّن(1)، و ليس منه مطلق الغلبة و إن أفادت الظن، إذ لا دليل على اعتباره مطلقا، إذ غاية ما ثبت اعتبار الظن بالمراد في باب الألفاظ بواسطة الوضع و عدم نصب القرينة على خلاف الموضوع له، أما فيما تعددت حقائقه أو تعددت مجازاته بعد تعذر الحقيقة فلا دليل على تعيين بعضها بمطلق الظن و لو من غلبة و نحوها. نعم قد يقال إنه من جملة الإمارات و القرائن المعينة للتنصيص على أحد المعاني في مورد، فإن ذلك قرينة على ارادة ذلك المعنى المنصوص عليه من لفظ المولى في مورد آخر في كتاب واحد أو متعدد لمصنف واحد أو متعدد كما في إبراهيم بن أبي رافع، فإنهم ذكروا أنه كان مولى للعباس بن عبد المطلب، ثم وهبه للنبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)، فلما بشّر النبي بإسلام العباس أعتقه، فإن ذلك قرينة على إرادة المملوك من المولى، فتأمل.

و الذي يظهر لي أن المولى حيث يطلق من غير اضافة يراد به العربي

ص: 13


1- الانصراف المصطلح هو انسياق اللفظ الى بعض أفراده و مصاديقه لكثرة الاستعمال فيه و شيوعه عليه بحيث صار الذهن مأنوسا به، لا أنه وضع له خاصة مع هجر مصاديقه الأخرى، فما ذكره رحمه اللّه من انصراف اللفظ الى المعنى الوضعي الابتدائي أو الثانوي بعد هجره عن المعنى الأول خروج عن الاصطلاح، فتدبر.

الغير الخالص(1)، لعدم تمامية شيء من بقية المعاني من غير إضافة، فإطلاقه من غير إضافة و ارادة أحدها مجاز لا يصار إليه بخلاف العربي الغير الخالص(2)، فإن المعنى معه تام من غير إضافة، فيتعين حمله عليه، و اللّه العالم(1).

و كيف كان فلا تفيد هذه اللفظة مدحا يعتد به في أي من معانيه استعمل. نعم لو استعمل في المصاحب و الملازم و المملوك و..

نحوها(2) لم يبعد إفادته المدح فيما إذا أضيف الى المعصوم أو محدث ثقة جليل، و ذما إذا أضيف إلى ملحد أو فاسق(3) نظرا الى أن الطبع مكتسب من كل مصحوب(4)، فتأمل(5).

ص: 14


1- قال في توضيح المقال: 47: ثم إنه لا ينافي حمل اطلاق المولى على بعض ما ذكر من المعاني الاصطلاحية أو اللغوية التعبير عن ذلك المعنى في مقام آخر بلفظ آخر صريح فيه أو ظاهر كما قيل في أبان بن عمر الأسدي إنه ختن آل ميثم، و في إبراهيم (كذا) أبي رافع أنه عتيق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و في أحمد بن إسحاق الأشعري أنه كان واقد (كذا، و الظاهر وافد) القميين، و في الصدوق إنه نزيل الري، و في إبراهيم بن أحمد بن محمد الحسيني الموسوي الرومي إنه نزيل دار النقابة بالري... الى غير ذلك، و ذلك لإرادة التنصيص و الظهور في مقام دون آخر.
2- في الطبعة: الثانية: و نحوهما و هو غلط.
3- كما في الحسن بن راشد أو الحسن أنه مولى بني العباس.
4- و من هنا يظهر قولهم مولى فلان - و يراد واحد من المعصومين عليهم السّلام، و قد ذهب الوحيد في التعليقة: 10 الى أنه: لعل إظهار ذلك أيضا للاعتناء بشأنهم. و لكن الإنصاف أن المسألة أعم أيضا، و أن يظهر في ترجمة مسلم مولى أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام من ورود مدحه و تبجيله، إلا أن ما في ترجمة معتب مولى الصادق عليه السّلام ما يشير إلى ذم موالي الصادق عليه السّلام مطلقا، فتدبر.
5- وجه التأمل ظاهر.

و منها:

منها: الغلام

لفظ الغلام: فإنه كثيرا ما يقع استعماله في الرجال فيقال: إن فلانا من غلمان فلان، قيل: و المراد به المتأدب عليه و المتلمذ على يده، كما صرحوا به في كثير من التراجم، كما في: بكر بن محمد بن حبيب بن أبي عثمان المازني، فإنهم ذكروا فيه أنه من غلمان إسماعيل ابن ميثم، لكونه تأدّب عليه. و في المظفر بن محمد بن أحمد أبو الجيش البلخي، فإنهم ذكروا أنه كان من غلمان أبي سهل النوبختي، فإنه قرأ عليه. و في الكشي أنه من غلمان العياشي، لأنه صحبه و أخذ عنه..

الى غير ذلك من الموارد الكثيرة المستعمل فيها الغلام في كتب الرجال في التلميذ(1). [(2)و قد أشار في منتهى المقال الى جملة منها فقال:

لاحظ ترجمة أحمد بن عبد اللّه الكرخي(3)، و في ترجمة أحمد بن إسماعيل(4) سمكة(5)، و عبد العزيز بن البراج(6)، و محمد بن جعفر

ص: 15


1- قال الشيخ أسد اللّه الشوشتري في مقباس الأنوار: 11 بالنسبة الى القاضي ابن براج: هو من غلمان المرتضى، و كان خصيصا بالشيخ، و تلمّذ عليه، و صار خليفته في البلاد الشامية، و حكى عن مقباس الدراية و ريحانة الأدب قوله: غلام في اصطلاح علماء الرجال و الدراية عبارة عن التلميذ و الذي يربّى.
2- ما بين المعقوفين من زيادات المصنف في الطبعة الثانية.
3- منتهى المقال: 36.
4- الظاهر: بن سمكة.
5- منتهى المقال: 31.
6- منتهى المقال: 179، و هو عبد العزيز بن نحرير (بحر) بن عبد العزيز بن البراج أبو القاسم.

ابن محمد أبي الفتح الهمداني(1)، و المظفر بن محمد الخراساني(2)، و محمد بن بشر(3)، و ترجمة الكشي(4) و.. غيرها(5) ثم قال: بل لم أجد الى الآن استعمال الغلام في كتب الرجال في غير التلميذ، و يظهر ذلك من غير كتب الرجال أيضا. ففي كشف الغمة في جملة حديث: فدعا أبو الحسن (عليه السّلام) بعلي بن أبي حمزة البطائني و كان تلميذا لأبي بصير فجعل يوصيه.. الى أن قال: أنا أصحبه منذ(6) ثم يتخطاني بحوائجه الى بعض غلماني. و في تفسير مجمع البيان(7): الغلام للذكر أول ما يبلغ.. إلى أن قال: ثم يستعمل في التلميذ فيقال غلام، فغلب(8)].

ص: 16


1- منتهى المقال: 267.
2- منتهى المقال: 302.
3- منتهى المقال: 265.
4- هو أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، منتهى المقال: 285.
5- منتهى المقال: 68.
6- في الأصل هنا بياض و في المصدر: منذ حين، و لا يستقيم المعنى بدون حين.
7- مجمع البيان: 5/6، قال: الغلام اسم المذكر أول ما يبلغ.. ثم قال: ثم يستعمل في التلميذ، فيقال غلام ثعلب. و لا يخفى التصحيف الواقع في المتن. و قال صاحب المجمع في تفسيره: 439/2: و يقال غلام بين الغلومة و الغلومية، و هو الشاب من الناس، و الغلمة و الاغتلام شدة طلب النكاح، و سمي الغلام غلاما؛ لأنه في حال يطلب في مثلها النكاح. و قال أيضا في: 486/6 من مجمع البحرين:.. و غلام مراهق إذا قارب أن يغشاه حال البلوغ.. و لا يخفى ما بين التعاريف اللفظية من الفرق، فتدبر.
8- العبارة لصاحب منهج المقال - رجال أبي علي -: 68 في ترجمة بكر بن محمد بن حبيب بن بقية أبو عثمان المازني، و قد أتعبني الحصول عليها.

و أقول: استعماله بمعنى التلميذ إنما هو إذا أضيف، و أما إذا استعمل من غير اضافة فاللازم حمله على الذكر أول ما يبلغ، لعدم تمامية معنى التلميذ من غير إضافة(1).

ثم اللفظة بنفسها لا تدلّ على مدح و لا قدح كلفظ الصاحب، و إنما يمكن استفادة مدح ما من كون من تأدّب عليه أو صاحبه من أهل التقى و الصلاح، سيما إذا كانت الصحبة و التلمّذ طويلة، و هكذا العكس لو كان من تلمذ على يده أو صاحبه مذموما.

منها: الشاعر

و منها:

قولهم: شاعر، فإنه لا يدلّ على مدح و لا ذم. و ورود ذم الشعر في الأخبار لا يدلّ على ذم الشاعر بعد تقييد ذلك بالباطل من الشعر دون ما تضمن حكمة أو وعظا أو أحكاما أو رثاء المعصومين عليهم السّلام) و.. نحو ذلك(2).

ص: 17


1- و قد يستعمل في حق بعض الأعاظم و يتوهم أن المراد منه العبد، و هو من خلط اللغتين العربية و الفارسية، و إلا فلا تقف في كتب اللغة و قواميس الألفاظ على هذا المعنى، و الظاهر أن المراد بالكل التلميذ في مثل هذه الموارد، كما صرح في توضيح المقال: 47 و غيره.
2- و قد عدّه المولى الكني في منتهى المقال: 9 من المكملات فقال: ربما يضمّ الى التوثيق و ذكر أسباب الحسن و القوة إظهارا لزيادة الكمال فهو من المكملات. و هو على حق فيما أفاد إذا كان حقا أو في أهل البيت سلام اللّه عليهم أجمعين، و كذا لفظ القارئ. ثم أنه رحمه اللّه قال: و قولهم أديب و عارف باللغة أو النحو و أمثالهما هل هو من الأول - أي له دخل في قوة السند - أو الثاني - أي له دخل في قوة المتن - أو الثالث - أي ليس شيء منهما -، الظاهر عدم قصوره عن الثاني مع احتمال كونه من الأول، و لعل مثل القارئ كذلك. و هذا كلامه أعلى اللّه مقامه و لا يخفى ما فيه، و لعل أمره بالتأمل في آخره يومي الى ما أردنا التصريح به. قال في نهاية الدراية: 151:.. أما مثل: شاعر، أريب، قار (كذا)، عارف باللغة و النحو، نجيب، لا يفيد الحديث حسنا و لا قوة.

منها: كوفي

و منها:

قولهم: كوفي، فإني وجدت بعض القاصرين يزعم دلالته على نوع ذم، و لم أفهم له وجها(1)، و لا به من أهل الدراية و الرجال قائل، و لا له في شيء من الكتب و على لسان الشيوخ شاهد، و إنما مثل اللفظة مثل بغدادي و حجازي و مدني و.. نحوها(2)، و لقد راجعت استاذ الفن اليوم الشيخ الورع الزكي الشيخ علي الخاقاني فوجدته كما أقول مخطّئا للزعم المذكور، و لعل منشأ زعم البعض ما ورد في ذمّ أهل الكوفة من أنهم أهل نفاق و غدر(3). و أنت خبير بأن

ص: 18


1- و لعل وجهه ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام من قوله: إن أهل الكوفة لم يزل فيهم كذاب.. الحديث، كما في الوسائل: 592/2 حديث 15، و لا يخفى ما فيه.
2- في الطبعتين الاصل: و نحوهما.
3- كما في نهج البلاغة: الخطبة 25 - من طبعة صبحي الصالح (63/1 - محمد عبده) و 97 صبحي (187/1 عبده) و 180 صبحي (102/2 عبده) و غيرها. و يعارضه روايات مادحة لأهل الكوفة كثيرة تجدها في أول تاريخ الكوفة و غيره، منها ما ذكره الشيخ الطوسي في أماليه: 143/1 و بشارة المصطفى: 98، و في البحار المجلد: 20/68 و 21-131 و 132 منها ما بإسنادهم عن عبد اللّه بن الوليد قال دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام في زمن مروان فقال: ممّن أنتم؟ قلنا: من أهل الكوفة. قال: ما من البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة، لا سيما هذه العصابة، إن اللّه هداكم لأمر جهله الناس، فاحببتمونا و أبغضنا الناس، و تابعتمونا و خالفنا الناس، و صدّقتمونا و كذّبنا الناس، فأحياكم اللّه محيانا، و أماتكم مماتنا.. الى آخر الحديث. و غيره. و المراد - بلا سيما، هذه العصابة - هم حملة الآثار و نقاد الأخبار من الشيعة.

ذلك أجنبي عن المقام، و إنما غرضنا عدم تقرر اصطلاح خاص لأهل الرجال في هذه اللفظة.

منها: القطعي

و منها:

قولهم: القطعي - بضم القاف، و سكون الطاء - كما في إيضاح الاشتباه للعلامة. و بفتح القاف، كما عن ولده في الهامش، يراد به كل من قطع بموت الكاظم (عليه السّلام). ففي إيضاح الاشتباه في ترجمة الحسين بن الفرزدق(1): أن كل من قطع بموت الكاظم (عليه السّلام) كان قطعيا(2). و لا دلالة في هذه اللفظة على مدح و لا قدح، و إنما تدلّ على عدم الوقف و كونه اثنى عشريا، إذ لا وقف لمن قال به، فإن من قال به قال بما بعده من الأئمة (عليهم السّلام).

و منها:

ص: 19


1- الصحيح كما في الخطية: الحسين بن محمد الفرزدق بن يحيى - بضم الياء - الى آخره.
2- إيضاح الاشتباه: 15 - خطية -، و حكاه في منهج المقال: 116 و غيره.

منها: له اصل

اشارة

قولهم: له أصل، و مثله: له كتاب، و له نوادر(1)، و له مصنف، فإن شيئا من ذلك لا يدلّ على المدح عند المحققين(2).

بحث في الاصول الأربعمائة

و توضيح المقال في هذا المجال يستدعي الكلام في موضعين:

الأول:

في بيان ما وقفنا عليه من معاني مفرداتها مع النسبة بين بعضها مع بعض، فنقول:

المعروف في السنة العلماء بل كتبهم أن الأصول الأربعمائة جمعت في عهد مولانا الصادق (عليه السّلام) كما عن بعض(3)، و في

ص: 20


1- مطلقا أو مضافة الى باب من العلم كالمناقب أو المثالب أو تهذيب الأخلاق أو عمل يوم و ليلة و.. غير ذلك.
2- و قد قيل بدلالة بعض هذه الألفاظ على التوثيق - كصاحب أصل - كما قال المحدث النوري في مستدرك وسائل الشيعة، و قد مرّ في مستدركنا رقم (191) بيانه و مناقشته.
3- كما صرح بذلك في توضيح المقال: 47. قال المحقق الحلي - المتوفى سنة 676 ه - في المعتبر: 5: كتبت في أجوبة مسائل جعفر بن محمد أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف سموها أصولا. و قال الشهيد في الذكرى: 6 أنه كتبت من أجوبة الإمام الصادق عليه السّلام أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف، و دون من رجاله المعروفين أربعة آلاف رجل، و نظيره في وصول الأخيار: 40، و سبقه ثاني الشهيدين في درايته، و قال المحقق الداماد في الراشحة التاسعة و العشرين: 98-99 في كلام له: المشهور أن الأصول أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف من رجال أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام، بل و في مجالس السماع و الرواية عنه و رجاله زهاء أربعة آلاف رجل و كتبهم و مصنفاتهم كثيرة، إلا أن ما استقر الأمر على اعتبارها و التعويل عليها و تسميتها بالأصول هذه الأربعمائة. قال السيد الخوئي في معجمه: 70/1: أقول: الأصل في ذلك هو الشيخ المفيد قدس سره، و تبعه على ذلك ابن شهرآشوب و غيره، و أما ابن عقدة فهو و إن نسب إليه أنه عدّد أصحاب الصادق عليه السّلام أربعة آلاف، و ذكر لكل واحد منهم حديثا، إلا أنه لم ينسب إليه توثيقهم. ثم قال: و توهم المحدث النوري إن التوثيق إنما هو من ابن عقدة، و لكنه باطل جزما. لاحظ مستدرك رقم (202) حول الأصول الأربعمائة.

عهد الصادقين (عليهما السّلام) كما عن آخر، أو في عهد الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) كما ذكره الطبرسي في اعلام الورى حيث قال: روى عن الصادق (عليه السّلام) من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان، و صنف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب معروفة تسمى الأصول رواها أصحابه و أصحاب ابنه موسى (عليه السّلام)(1). لكن حكى الوحيد في فوائد التعليقة عن ابن شهرآشوب أنه في معالمه(2) نقل عن المفيد (رحمه اللّه)(3) أن الإمامية صنفوا من عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) الى زمان العسكري (عليه السّلام) أربعمائة كتاب تسمى الأصول(4).

ص: 21


1- اعلام الورى: - الطبعة الإسلامية طهران -: 276.
2- معالم العلماء: 1، و كلامه ليس صريحا في ذلك، و إن كان نسب ذلك له الحر العاملي في أمل الآمل، و ناقشه السيد الخوئي في معجمه: 70/1 بقوله: هذا سهو من قلمه الشريف، فإن ابن شهرآشوب لم يذكر هذا في معالم العلماء، و إنما ذكره في المناقب. و لا يخفى ما فيه.
3- الإرشاد - طبع الآخوندي - 253.
4- ثم قال الوحيد بعد ذلك:.. لا يخفى أن مصنفاتهم أزيد من الأصول، فلا بد من وجه تسمية بعضها أصولا دون البواقي. التعليقة: 7، و حكاه في شعب المقال: 27 و غيرهما. قال الدربندي في المقابيس: 73 - خطي -: إنه صنف الإمامية من عهد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه الى عهد أبي محمد الحسن العسكري عليه السّلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول.. الى آخره. و لا منافاة بين كلام الأعلام و الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه، و ما يبدو بدوي، و ذلك لأن الشيخ لم يرد الحصر لجميع مصنفاتهم في مجموع تلك المدة بلا شك في هذه الكتب الموسومة بالأصول، و لا أن هاتيك الأصول تأليفها كان موزعا على جميع تلك المدة، لاحظ المناقب لابن شهرآشوب: 247/4 طبع قم. و قال فيه: 324/2: نقل عن الصادق عليه السّلام من العلوم ما لم ينقل عن أحد، و قد جمع أصحاب الحديث اسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء و المقالات، و كانوا أربعة آلاف رجل (كذا)، ثم قال: و إن ابن عقدة مصنف كتاب الرجال لأبي عبد اللّه عددهم فيه.. قال في معين النبيه في بيان رجال من لا يحضره الفقيه - في المقدمة الخامسة - خطي: 15-16:... و هي - أي الكتب الأربعة - مجمع الأصول القديمة التي جمعها القدماء من علمائنا من زمن أمير المؤمنين عليه السّلام إلى زمن الصاحب عليه السّلام بأمرهم، و منها ما قد عرض عليهم.. إلى آخره. ثم أنه من سبر الأقوال وجد اختلافا كبيرا في زمن تأليف الأصول، ما بين ساكت عن تحديد الزمن لذلك كثاني الشهيدين في درايته، أو حاصر له بزمان الإمام الصادق عليه السّلام غالبا أو خصوص زمن الصادقين عليهما السّلام، أو الإمام الصادق و الكاظم عليهما السّلام، أو معمم له من زمن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام إلى زمان العسكري كالشيخ المفيد و صاحب معين النبيه و الذريعة و الأعيان و غيرهم.

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في مغايرة الأصل للكتاب، لأنك تراهم كثيرا ما يقولون في حق راوي أن له أصلا و له كتابا، ألا

ص: 22

ترى الى قول الشيخ (رحمه اللّه) في زكريا بن يحيى الواسطي: له كتاب الفضائل، و له أصل(1)؟ فلو كان الكتاب و الأصل شيئا واحدا لم يتم ذلك، و أيضا فتراهم يقولون: له كتب أو كتابان، و لا يقولون: له أصول أو أصلان. و أيضا فإن مصنفاتهم و كتبهم أزيد من أربعمائة [(2)فإن أهل الرجال قد ذكروا لابن أبي عمير أربعة و تسعين كتابا(3)، و لعلي بن مهزيار خمسة و ثلاثين كتابا(4)، و للفضل بن شاذان مائة و ثمانين كتابا(5)، و ليونس بن عبد الرحمن أكثر من ثلاثمائة كتاب(6)، و لمحمد بن أحمد بن إبراهيم ما يزيد على سبعين كتابا(7)، فهذه أزيد من ستمائة و تسعة و سبعين كتابا لخمسة أنفار، فكيف بالبقية]. فلا بد من وجه لتسمية بعضها أصولا دون

ص: 23


1- رجال الشيخ: 200، قال: له كتاب، و الظاهر أنه اشتباه في الاسم و قد وقع هنا غلط مبدئه الوحيد البهبهاني في التعليقة: 7، و تابعه المصنف و غيره كالاسترابادي في لب اللباب: 12 - خطي - و غيره. حيث الصحيح هو: زكار بن يحيى الواسطي حيث قال الشيخ في الفهرست - لا الرجال برقم: 316:101 له كتاب الفضائل و له أصل. و في أكثر من مكان و ترجمة. كما قال النجاشي: 323: قال أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه سمعت شيوخنا يقولون روى معاوية بن حكيم أربعة و عشرين أصلا لم يرو غيرها و له كتب... و له نوادر... إلى آخره.
2- ما بين المعقوفين من زيادات الطبعة الثانية من المصنف رحمه اللّه.
3- لاحظ ترجمته و مصنفاته في تنقيح المقال: 61/2-64 باب الميم، مفصلا.
4- تنقيح المقال: 310/2 الى 312: عدّ كتبه هناك.
5- تنقيح المقال: 9/2 الى 11 حرف الفاء. بل يزيد على ذلك.
6- تنقيح المقال: 338/3 الى 343. تجد له ترجمة ضافية.
7- تنقيح المقال: 65/2 الى 66 حرف الميم، المعروف بالصابوني.

البواقي، و في وجه الفرق أقوال:

الفرق بين له اصل و له كتاب

أحدها: ما حكاه المولى الوحيد عن قائل لم يسمه و هو: أن الأصل ما كان مجرد كلام المعصوم (عليه السّلام)، و الكتاب ما فيه كلام مصنفه أيضا(1).

و نوقش في ذلك تارة: بان الكتاب يطلق على الأصل أيضا، فهو أعمّ منه. و أخرى: بان كثيرا من الأصول فيه كلام مصنفه، و كثيرا من الكتب ليس فيه ككتاب سليم بن قيس.

و ردّ المولى الوحيد:

الأول: بان الغرض بيان الفرق بين الكتاب الذي ليس بأصل و مذكور في مقابله، و بين الكتاب الذي هو أصل، و بيان سبب قصر تسميتهم الأصل في الأربعمائة.

و الثاني: بأنه مجرد دعوى لا يخفى بعدها على المطلع على أحوال الأصول المعروفة. نعم لو ادعي ندرة وجود كلام المصنف فيها لم تكن

ص: 24


1- كما في مقدمة منهج المقال: 7، و ذكره في لب اللباب: 12 - خطي - و أيدّ الوحيد كلامه بما ذكره الشيخ رحمه اللّه في زكريا بن يحيى الواسطي من أن له كتاب الفضائل و له أصل، ثم قال: و في التأييد نظر، إلا أن ما ذكره لا يخلو من قرب و ظهور. و في توضيح المقال: 47: نصر هذا القول بما في الفهرست في ترجمة الحسين بن أبي العلاء من ان له كتابا يعدّ في الأصول. و في كلام الأعلام نظر بيّن، إذ غاية ما يلزم من كلامهم هو كون الأصل و الكتاب مختلفين. أما وجه الاختلاف فلا؟! فتدبر. انظر مستدرك رقم (203) الأقوال في الأصول الأربعمائة.

بعيدة. و لكنه لا يضر القائل، و من أين ثبت أن كتاب سليم بن قيس من الأصول؟!(1).

ثانيها: ما عن ظاهر الشيخ (رحمه اللّه) في ترجمة: أحمد بن محمد بن نوح من أن الأصول رتبت ترتيبا خاصا دون الكتاب(2)، و هذا مجمل، فإن أراد أن للأصول ترتيبا خاصا على حسب نظر صاحبه، ففيه: أن أغلب الكتب كذلك. و إن أراد أن لها ترتيبا خاصا لا يتعداه الكل، فليبيّن ذلك.

ثالثها: ما حكاه الوحيد عن بعضهم من أن الكتاب ما كان مبوبا و مفصلا، و الأصل مجمع أخبار و آثار(3)، و ردّ بأن كثيرا من الأصول مبوبة(4).

ص: 25


1- التعليقة المطبوعة في منهج المقال: 7 - ذيل رجال الخاقاني: 34 -. أقول: هنا اضطراب في النقل و الرد، و كلام في كتاب سليم بن قيس هل هو من الأصول أم لا، و مراجعة التعليقة و مستدركنا في موارد متعددة يظهر وجوه التأمل، فلاحظ. هذا مع أن المستشكل لم يدع كون كتاب سليم بن قيس من الأصول، بل الظاهر أنه مسلم عنده أنه ليس منها، و ما ذكره ضابط للأصل ينطبق عليه، فتدبر.
2- رجال الشيخ: باب من لم يرو عنهم (عليهم السّلام): 456 ترجمة: 108، و انظر: الفهرست: 48 ترجمة 84، و معالم العلماء: 22 برقم: 107 و غيرها، و العبارة في الفهرست هكذا: أحمد بن محمد بن نوح، يكنى أبا العباس السيرافي... له تصانيف منها كتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و زاد على ما ذكره ابن عقدة كثيرا، و له كتب في الفقه على ترتيب الأصول، و ذكر الاختلاف فيها.
3- التعليقة: 7 (ذيل رجال الخاقاني: 34).
4- و فيه أيضا أن لازمه كون كتب النوادر كلها أصولا: و لم يقل بذلك أحد، بل كل الرسائل و النسخ و المسائل كذلك. و أيضا لازمه تفضيل الكتاب لتبويبه على الأصل لتجميعه، مع أن الأمر بالعكس. أ لا ترى قول النجاشي في رجاله: 190 في علي بن جعفر - بما معناه - إن كتابه نرويه تارة مبوبا و تارة غير مبوب. مع كونه من الأصول بلا ريب، و لاحظ ترجمة سعد بن سعد الأحوص في رجال النجاشي: 135 و غيره إن بل من الكتب ما هو غير مبوب كما قال النجاشي في ترجمة الشيخ الصدوق: 305: له كتاب العلل غير مبوب.

رابعها:(1) [إن الأصول هي التي أخذت من المعصوم (عليه السّلام) مشافهة و دوّنت من غير واسطة راو، و غيرها أخذ منها، فهي أصل باعتبار أن غيرها أخذ منها(2).

خامسها: ما يقرب من سابقه، و به فسر الأصل العلامة الطباطبائي في ترجمة: زيد النرسي بقوله: الأصل في اصطلاح المحدثين من أصحابنا ما بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر، و ليس بمعنى مطلق الكتاب(3).

ص: 26


1- ما بين المعكوفين الى: سادسها... من زيادات المصنف رحمه اللّه في الطبعة الثانية.
2- لا يخفى أن كثيرا من الكتب التي وصلت بأيدينا ككتاب سليم بن قيس الهلالي - على المشهور -، و كتاب علي بن جعفر و غيرهما تخلو من كلام مصنفيها، و مع ذلك لم تعدّ من الأصول عندهم. كما أن كثيرا ما يؤخذ مشافهة و لا تعدّ أصلا. و قد عد الشيخ في الفهرست: 63 كتاب حريز بن عبد اللّه أصلا مع أنه لم يسمع من الصادق عليه السّلام مشافهة الا حديثين، كما حكاه المصنف رحمه اللّه في تنقيح المقال: 261/1-263.
3- رجال بحر العلوم: 367/2، و قاله في التنقيح: 464/1 و ناقشه في دراسة حول الأصول الأربعمائة: 10 بقوله: إذ لم نجد أي تصريح من المتقدمين بأن الأصل هو الكتاب المعتمد، بل نجد تصريحهم بضعف المؤلف الذي هو من أصحاب الأصول كعلي بن حمزة البطائني، فقد روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة لعن الرضا عليه السّلام إياه (راجع الفهرست: 122) و من لم يرد في حقه توثيق جمع كثير. أقول: و فيه ما لا يخفى: إما أولا: فإنه لو كان للمتقدمين تصريح فلا معنى لهذا النزاع أصلا. و ثانيا: إن كون كتاب معتمدا لا ينافي ضعف المؤلف أو عدم توثيقه، و كفى بذلك شاهدا ما ورد في بني فضال و الواقفة و جملة من العامة كالسكوني و النوفلي و نوح بن دراج و غياث بن كلوب و غيرهم. و قول الشيخ في أول الفهرست و حكاه غير واحد كالقهپائي في مجمع الرجال: 8/1 من أن: كثيرا من مصنفي أصحابنا و أصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة و إن كانت كتبهم معتبرة، فتدبر.

سادسها:] ما جعله المولى الوحيد قريبا في نظره(1) من: أن الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم أو عن الراوي، و الكتاب و المصنف لو كان فيهما حديث معتمد لكان مأخوذا من الأصل غالبا، قال: و إنما قيدنا بالغالب، لأنه ربّما كان بعض الروايات و قليلها يصل معنعنا و لا يؤخذ من أصل، و بوجود مثل هذا فيه لا يصير أصلا(2).

ص: 27


1- و اختاره في منتهى المقال: 11.
2- التعليقة: 7 (ذيل رجال الخاقاني: 7)، بل يمكن تأييد ذلك من أن تسميتها أصولا جاء من ابتناء الدين عليها. و ذهب في تهذيب المقال: 89/1 من أن الأصل كل ما صنفه أصحاب الصادق عليه السّلام فيما سمعوه منه و كان ذلك أربعمائة كتاب تسمى بالأصول، و قد عمّمه بعضهم لما صنفه الامامية من عهد أمير المؤمنين عليه السّلام الى زمان العسكري عليه السّلام. و هو مختار الدربندي في المقابيس: 73 - خطي - و جمع آخر قال في المقابيس: 73 - خطي - قال: و كان من داب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحدهم عليهم السّلام حديثا بادروا الى ضبطه في أصولهم من غير تأخير، ثم قال: و كتب حريز بن عبد اللّه السجستاني كلاّ تعدّ في الأصول و لا تعدّ فيها كتب الحسن بن محبوب. و قريب منه ما ذهب إليه المولى عناية اللّه القهپائي في مجمع الرجال: 9/1 من قوله: فالأصل مجمع عبارات الحجة عليه السّلام، و الكتاب يشتمل عليه و على الاستدلالات و الاستنباطات شرعا و عقلا. و لا يخفى ما فيه لما ذكرنا، و للزوم كون كل ما صنفه في عهدهم عليهم السّلام أصلا، و هو مخالف لظاهر كلامهم في عدّ بعض كتبهم أصولا، بل بعضها مع عرضه على المعصوم عليه السّلام و تصديقه و إمضاء له و مع ذلك لا يقال له إنه أصل أصلا. هذا و قد: عثر على بعض مصنفات القدماء التي عرّفت بأنها كتاب و مع ذلك لا يوجد فيها أي استدلال و لا استنباط للأحكام، بل فيها صرف سرد الأحاديث و النصوص خاصة، و مع ذلك لم يعبر عنها بأنها أصل. انظر مستدرك رقم (203) باقي الأقوال في الأصل و حصيلة البحث.

و ربما جعل بعض من عاصرناه من الأجلة (قدس سره)(1)مرجع هذه الأقوال جميعا الى أمر واحد خصوصا في تفسير الأصل، و جعل المتحصل أن الأصل مجمع أخبار و آثار جمعت لأجل الضبط و التحفظ عن الضياع لنسيان و.. نحوه، ليرجع الجامع و.. غيره في مقام الحاجة إليه، قال: و حيث أن الغرض منه ذلك لم ينقل فيه في الغالب ما كتب في أصل أو كتاب آخر لتحفّظه هناك، و لم يكن فيه من كلام الجامع أو غيره إلا قليل ممّا يتعلّق بأصل المقصود، و هذا بخلاف الكتاب، إذ الغرض به(2)

ص: 28


1- المراد به المولى ملا علي كني في كتابه توضيح المقال: 48 بتصرف.
2- كذا، و الظاهر: منه.

أمور: منها تحقيق الحال في مسألة، و منها سهولة الأمر على الرّاجع إليه في مقام العمل فيأخذ منه ما يحتاج إليه، و لذا ينقل فيه من كتاب أو أصل آخر ما يتعلّق بذلك و يبوّب و يفصّل، و يذكر فيه من كلام الجامع ما يتعلّق برد و إثبات و تقييد و تخصيص و توضيح و بيان و.. غير ذلك مما يتعلّق بالغرض المزبور، و نظير القسمين(1) موجود في زماننا أيضا، فمرّة نكتب في أوراق أو مجموعة ما نسمعه من صريح كلام فاضل أو.. غيره أو نستنبطه من فحواه أو إشاراته، أو نلتفت إليه بأفكارنا و سيرنا في المطالب، سواء كان ذلك مطلبا مستقلا أو دليلا على مطلب، أو إيرادا أو نقضا على خيال، أو نكتة(2) و دقيقة أو سرّا أو علّة المقصود(3).. الى غير ذلك، فنسرع الى جمعه في مقام ليكون محفوظا الى وقت الحاجة، و ربما ننقل فيه من كتاب وقفنا عليه مع زعم صعوبة وصولنا إليه بعد ذلك، و أخرى: نكتب تصنيفا لتحقيق مطالب و مقاصد بالاستدلال الكامل أو غيره، أو لجمع مهمّات المطالب برجوع الغير إليه كما في الرّسائل العمليّة و.. نحوها، أو تأليفا لجمع ما شتت من أخبار أو لغة أو رجال أو حكايات لغرض سهولة الأمر على الرّاجع، و كفايته بمقصوده كان من المستنبطين أو الوعاظ، أو الزهّاد أو.. نحو ذلك، فالقسم الأوّل كالأصل، و الثّاني كغيره من الكتب. ثم قال: و ممّا يؤيّد ما ذكرناه بعد ما سمعت من تصريح الجماعة أنّه لم نقف في التراجم على أن يقال لفلان أصلان أو

ص: 29


1- في المصدر زيادة: عندنا.
2- لعل الواو زائدة.
3- في المصدر: و علّة لمقصود... و هو الظّاهر.

أصول، أو مع الوصف بالكثرة، و كذا أنّ له أصلا في كذا، و هذا كلّه بخلاف الكتاب و المصنّف لمكان الدّواعي الى تكثرهما، و جعل كل قسم في مطلب أو باب من العلم بخلاف الأصل، فكلّما وصل إليه من الأخبار و عنده أنّه ليس بمكتوب و محفوظ، أو أنّه مكتوب فيما لا تصل الأيادي إليه(1) يكتبه في مجموعة واحدة، و لعدم اتحاد(2) ما فيه مقصدا لا يقال له إنّه في كذا(3).

معنى النوادر

ثمّ أخذ في بيان معنى النوادر فقال: أنّه و إن شارك الأصل فيما ذكرناه، إلاّ أنّ المجتمع فيه قليل من الأحاديث الغير المثبتة(4) في

ص: 30


1- في المصدر: ليس في مكتوب محفوظ أو أنّه فيما لا تصل الأيدي إليه.. و هو الظّاهر. و قد علّق المصنّف رحمه اللّه على الأيادي بكلمة الأيدي ثمّ رمز لها بالظّاهر، و لعلّ نسخته مغلوطة.
2- كذا، و الظاهر: اتّخاذ.
3- توضيح المقال: 48 بتصرف. أقول: هذا ثبوتا صحيح، إلاّ أنّا نجد في مقام الإثبات أن كثيرا من الموارد يعبّر عن الأصل بالكتاب، بل قلّ ما يعبّر عنه بكونه أصلا كما في قول الشّيخ رحمه اللّه في الفهرست: 64 برقم 131: بشّار بن يسار له كتاب عنه ابن أبي عمير. و النّجاشي في رجاله: 87 قال: له أصل عنه ابن أبي عمير. و أيضا ما ورد في ترجمة بشر بن سلمة حيث قال النّجاشي في رجاله: 87: له كتاب عنه ابن أبي عمير. و الشّيخ قال في فهرسته: 64: برقم: 5 بشر بن سلمة: له أصل عنه ابن أبي عمير. و لاحظ ترجمة الحسن بن رباط في رجال النّجاشي: 37، و الفهرست: 74 ترجمة: 175 بعنوان: الحسن الرّباطي، و لا شك بكون كتاب عليّ بن جعفر أصلا عندهم و مع هذا تجدهم عبّروا عنه بأنه كتاب.
4- في الأصل: المشتبه. و الصحيح: غير - بدون ألف و لام..

كتاب، فمرّة هي من سنخ واحد، فيقال أنّه من نوادر الصّلاة أو(1)الزّكاة مثلا، و أخرى من أصناف مختلفة فيقتصر على أنّه(2) نوادر أو كتاب نوادر،(3) «القلة» إليه للتميز عن الأصل كما صرّح به المولى الوحيد بقوله في التّعليقة: و أمّا النّوادر فالظّاهر إنّه ما اجتمع فيه أحاديث لا تنضبط في باب لقلّته، بأن يكون واحدا أو متعدّدا، لكن يكون قليلا جدّا، و من هذا قولهم في الكتب المتداولة نوادر الصّلاة و نوادر الزّكاة و أمثال ذلك. انتهى المهم ممّا في التّعليقة(4). [(5)و أمّا ما ذكره بعضهم من أنّ المراد بالنّوادر ما قلّت روايته و ندر العمل به فهو اشتباه، منشأه جعل النّوادر بمعنى الخبر النّادر الشّاذ المفسّر بذلك.

و يردّه وضوح كون جملة من الأخبار المسطورة في باب النوادر شائع الرّواية و العمل، فإنّ ذلك قرينة على أنّ المراد بالنّوادر ما ذكره الوحيد، لا ما ذكره هذا البعض، و يؤيّد ذلك أنّ كتاب نوادر الحكمة للثقة الجليل محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري كتاب ممدوح معتمد عليه، مدحه الصّدوق (رحمه اللّه) و غيره(6)، و كذا يؤيّده

ص: 31


1- في الأصل: و.
2- في المصدر: أنّ له، و هو الظّاهر.
3- كما هو بألفاظ متقاربة في توضيح المقال: 48.
4- التّعليقة المطبوعة في مقدّمة منهج المقال: 7 و فيه ما لا يخفى لأنّ في نوادر الصّلاة مثلا يذكر حديثا في القبلة و القيام و سجدة السّهو مثلا ممّا بوّب في محلّه من أبواب الصّلاة و مع ذلك لا يورده في بابه، و قلّته لا تمنع من ذلك، و لو تمّ فبغيره كثير.
5- ما بين المعكوفتين لا يوجد في الطّبعة الأولى.
6- انظر مسار الشّيعة للشيخ المفيد: 15 طبع إيران، و المقنعة: 33 و 34 و فهرست الشّيخ: 144، و في رجاله: 493، و رجال النّجاشي: 245، و العلاّمة في الخلاصة: 71، و نقد الرّجال: 290، و غيرهم.

تفسير المجلسي (رحمه اللّه) في مرآة العقول باب نادر من الفقيه بقوله: أي مشتمل على أخبار مختلفة متفرّقة لا يصلح كلّ منها لعقد باب مفرد له(1)، نعم يشهد للبعض قول المفيد (رحمه اللّه) في رسالته في الرّد على القائلين بأنّ شهر رمضان لا ينقص(2): فأمّا ما تعلّق به أصحاب العدد من أنّ شهر رمضان لا يكون أقل من ثلاثين يوما فهي أحاديث شاذّة، و قد طعن نقلة الآثار من الشّيعة في سندها، و هي مثبتة في كتب الصّيام في أبواب النّوادر، و النّوادر هي الّتي لا عمل عليها(3). فإنّه صريح في تفسير باب النّوادر بما ذكره البعض، فتأمّل جيّدا](4).

معنى له كتاب أو مصنف...

ثمّ ان الحاصل من ذلك كلّه أنّ الكتاب أعمّ من الجميع مطلقا بحسب اللغة، بل العرف - إلا عرف من اصطلح الأصل في نحو ما ذكروا الكتاب في مقابله كما عرفت -، فإنّهما عليه متباينان كظهور تباين

ص: 32


1- مرآة العقول: 154/1، و العبارة فيه هكذا: باب النّوادر، أي أخبار متفرّقة مناسبة للأبواب السّابقة، و لا يمكن إدخالها فيها، و لا عقد باب لها، لأنّها لا يجمعها باب، و لا يمكن عقد باب لكل منها.
2- حيث ذهب الصّدوق رحمه اللّه إلى أنّ شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشّهور من النّقص. من لا يحضره الفقيه: 55/2 باب صوم التّطوّع.
3- مشيرا الى رواية حذيفة، و الشّيخ رحمه اللّه قال: لا يصلح العمل بحديث حذيفة، لأن متنها لا يوجد في شيء من الأصول المصنّفة بل هو موجود في شواذ الأخبار.
4- انظر مستدرك رقم (204) حول النّوادر.

الأصل مع النّوادر، بل الجميع حتّى التّصنيف و التّأليف في العرف المتأخّر، و إن كان أحيانا يطلق بعضها على بعض إمّا للمناسبة أو بناء على خلاف الاصطلاح المتجدّد(1)، فلاحظ الموارد و تدبر.

الموضع الثّاني:

دلالة لفظ له كتاب او ذا مصنف او ذا أصل أو نوادر...

في أنّ كون الرّجل ذا أصل أو ذا كتاب أو ذا مصنف أو ذا نوادر أعمّ من المدح، لعدم دلالته عليه بشيء من الدّلالات، و عدم تحقّق اصطلاح في ذلك. و حكى المولى الوحيد عن خاله المجلسي الثّاني (رحمه اللّه)، بل و جدّه المجلسي الأوّل (رحمه اللّه) على ما بباله أنّ كون الرّجل ذا أصل من أسباب الحسن(2)، و تأمّل هو فيه نظرا

ص: 33


1- قال في منتهى المقال: 11: الكتاب مستعمل عندهم رضي اللّه عنهم في معناه المعروف، و هو أعم مطلقا من الأصل و النّوادر، فإنّه يطلق على الأصل كثيرا، منه ما يأتي في ترجمة أحمد بن محمد بن عمّار و أحمد بن ميثم و إسحاق بن جرير و الحسين بن أبي العلاء.. إلى آخره. و ربما يطلق الكتاب على النّوادر، فيقال له كتاب نوادر كما في محمد بن الحسين و هو كثير، و كذا يطلق النّوادر في مقابل الكتاب كما في ترجمة ابن أبي عمير، و الأكثر الاكتفاء بالتّسمية بالكتاب بقولهم له كتاب أو كتب كما فعل النّجاشي في فهرسته و الشيخ في كتابيه و غيرهما.
2- تعليقة الوحيد البهبهاني: 8 (ذيل رجال الخاقاني: 35) و حكاه أيضا في منتهى المقال: 11. قال في معين النّبيه في رجال من لا يحضره الفقيه، خطّي: 29: و قد نقل مولانا المجلسي رحمه اللّه عن والده الاكتفاء في اعتبار الرّجل بكونه من أهل التّصنيف، فقولهم له كتاب أو له أصل مدح له و وصف إليه و ثناء عليه. و قرّبه هو و هو حسن مع ما سمعت ممّا تلوناه عليك في المقدّمة الخامسة من أنّ الحاجة الى ذكر الإسناد و بيان الطّريق ليس إلاّ التّبرّك و اتّصال السلسلة و الاقتداء بسنة السّلف و حذرا من تعبير مخالفينا لنا بالجزم بأن أولئك المصنّفين إنّما رووا من الكتب المصنّفة و نقلوها من الأصول الممهّدة و الأخبار الموثّقة و ليس ذلك من الأفواه و لا حفظوها من السّماع، و لا يخفى ما فيه ثبوتا و إثباتا.

الى: أن كثيرا من أصحاب الأصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة و إن كانت كتبهم معتمدة، على ما صرّح به في أول الفهرست.

و أيضا الحسن بن صالح بن حيّ (1) متروك العمل بما يختص بروايته على ما صرّح به في التّهذيب، مع أنّه ذو أصل(2)، و كذلك عليّ بن أبي حمزة البطائني مع أنّه ذكر فيه ما ذكر(3)، قال: و أضعف من ذلك كون الرجل ذا كتاب. و في المعراج إنّ كون الرّجل ذا كتاب لا يخرجه عن الجهالة إلاّ عند بعض من لا يعتدّ به، ثمّ قال - أعني الوحيد - ما لفظه: و الظّاهر أنّ كون الرّجل ذا أصل يفيد حسنا لا الحسن الاصطلاحي، و كذا كونه كثير التّصنيف و جيّد التّصنيف و.. أمثال ذلك، بل كونه ذا كتاب أيضا يشير الى حسن ما، و لعل مرادهم ذلك ممّا ذكروا و سيجيء عن البلغة في الحسن بن أيّوب أنّ كون الرّجل ذا أصل يستفاد منه الحسن(4)، فلاحظ(5). و قال في منتهى المقال - بعد

ص: 34


1- في المصدر: تبري. و في ذيل رجال الخاقاني: بتري.
2- في ذيل رجال الخاقاني: صاحب الأصل، و كذا كل (ذو) هنا فهي (صاحب) هناك.
3- التّعليقة: 8 بألفاظ متقاربة (و كذا ذيل رجال الخاقاني: 34).
4- في تعليقة البهبهاني المطبوعة ذيل رجال الخاقاني بدلا من الحسن: المدح.
5- فوائد الوحيد: 8 بتصرّف، ذيل رجال الخاقاني: 36، و أمر بالتأمل بعده، و لعل المصنّف رحمه اللّه نقل عبارة الوحيد عن منتهى المقال الّذي من ديدنه نقل عبارات المولى الوحيد بتصرّف يسير، لتقارب ألفاظهما.

نقله، و لنعم ما قال -: إنّه لا يكاد يفهم حسن من قولهم له كتاب أو أصل أصلا، و افادة الحسن لا بالمعنى المصطلح لا يجدي في المقام نفعا، لكن تأمّله - سلّمه اللّه - في ذلك لانتحال كثير من أصحاب الأصول المذاهب الفاسدة لعلّه ليس بمكانه لأنّ ذلك لا ينافي الحسن بالمعنى الأعم كما سيعترف به - دام فضله - عند ذكر وجه الحكم بصحّة حديث ابن الوليد و أحمد بن محمد بن يحيى و.. ساير مشايخ الإجازة، فالأولى أن يقال: لأنّ كثيرا منهم فيهم مطاعن و ذموم، إلاّ أن يكون مراد خاله العلاّمة المجلسي الحسن بالمعنى الأخص، فتأمّل(1).

و أقول: المتحصّل من جميع ما سمعت أنّ في مفاد له كتاب أو أصل أو مصنّف أو نوادر أقوالا أربعة:

أحدها: عدم إفادة شيء من المدح فضلا عن الحسن و التّوثيق، و هو خيرة منتهى المقال(2) و صاحب المعراج(3)، بل قيل

ص: 35


1- منتهى المقال: 11.
2- المصدر السّابق نفس الصّفحة.
3- قال في المعراج: كما حكاه المولى الوحيد في التعليقة: 8 (ذيل رجال الخاقاني: 35) كون الرّجل ذا كتاب لا يخرجه عن الجهالة إلاّ عند بعض لا يعتد به. و المراد من: معراج أهل الكمال في علم الرجال للشيخ أبي الحسن سليمان بن عبد اللّه بن علي بن الحسن البحراني الستري الماحوزي (1075 - 1121 ه) و هو شرح لفهرست الشيخ الطوسي رحمه اللّه بلغ به إلى حرف التاء، مخطوط، توجد لدينا منه نسخة مصورة.

إنّ ظاهر بعضهم أنّ عليه الاكثر(1).

ثانيها: افادته التوثيق، حكى ذلك في التعليقة قولا عمن لم يسم قائله، لقول الشيخ (رحمه اللّه) في العدة: عملت الطائفة باخباره. و لقوله في الرجال: له اصل، و لقول ابن الغضائري في ابنه الحسن: ابوه اوثق منه(2).

و نوقش في ذلك باحتمال ارادته التوثيق من مجموع ما ذكر، لا من قولهم له اصل فقط، حتى يدلّ على ما نسب اليه.

ثالثها: افادته الحسن المصطلح، عدّ ذلك قولا، و لا اظن ان احدا يلتزم به(3).

رابعها: افادته الحسن المطلق المرادف للمدح، اختاره بعض الاجلة(4) مستدلا بوضوح: انه ليس مما يفيد الذم كوضوح ان الاكثار منه و من اثبات كتاب او كتب او اصل و.. نحوه لشخص في مقام المدح و القدح ليس عبثا، فالظاهر ارادتهم منه الاشارة الى مدح فيه، بل هو اولى

ص: 36


1- كما قاله في توضيح المقال: 49.
2- لا يخفى ما في العبارة من قصور و تشويش، ثم يظهر من المولى الكني في توضيحه: 49 - بعد ذكره لهذا القول - اختياره له و ذلك لقوله: و هو ظاهر القول المحكي في ترجمة البطائني مع احتمال ارادته التوثيق من مجموع ما ذكره. قال: و ليس ببعيد.
3- و قد حكي عن البلغة استفادة الحسن من قولهم له أصل خاصة كما في التوضيح: 49.
4- المراد المولى ملاّ علي كني الطهراني رحمه اللّه.

من المولى، فيستفاد منه نوع مدح متفاوت المراتب بتفاوت القرائن و التعبيرات، مثل ان يقال: له كتاب او اصل جيد، او رواه جماعة، او فلان و هو لا يروي عن الضعاف، و كالشهادة بانه صحيح كما ذكر النجاشي في الحسن بن علي بن النعمان: له كتاب نوادر صحيح(1) كثير الفوائد(2)، و في الحسن بن راشد: له كتاب نوادر حسن كثير العلم(3)، و ذكر الشيخ (رحمه اللّه) ان حفص بن غياث: عامي المذهب، له كتاب معتمد(4). فعن منهج المقال انه ربما يجعل مقام التوثيق من اصحابنا(5)، و ذكر ايضا ان طلحة بن زيد(6) عامي المذهب الا ان كتابه معتمد. و في التعليقة: حكم خالي بكونه كالموثق، و لعله لقول الشيخ: كتابه معتمد(7)، و من ذلك اذا قالوا ان كتابه في امور تدلّ على حسن حاله كفضائل الائمة او احدهم عليهم السّلام او الاعمال المستحبة و الزيارات

ص: 37


1- في المصدر: صحيح الحديث
2- رجال النجاشي: 31.
3- رجال النجاشي: 29.
4- فهرست الشيخ الطوسي: 86، ترجمة برقم 243.
5- الكلام للوحيد البهبهاني رحمه اللّه في حاشيته على منهج المقال: 120 في ترجمة حفص ابن غياث. لا للاسترابادي في منهج المقال، فلاحظ.
6- هو طلحة بن زيد (لا زياد) ابو الخرج النهدي الشامي - و يقال له: الجزري - قاله في منهج المقال: 185، و منشأ كلامه ما جاء في ترجمته في فهرست الشيخ الطوسي: 112 برقم 374 من قوله: هو عامي المذهب الا ان كتابه معتمد.
7- تعليقة الوحيد على منهج المقال: 185.

او الرد و النقض على المخالفين و المبطلين من فرق الشيعة و.. نحو ذلك(1).

و أقول: ما تمسك به أخص من مدعاه، لأن المدعي كون اللفظة من ألفاظ المدح، و دلالتها بنفسها مع قطع النظر عن القرائن المنضمة إليه على المدح و الحسن المطلق، و هو مما لا شاهد عليه و لا دليل، و مجرد عدم كونه مما يفيد الذم لا يدل على إفادته المدح لثبوت الواسطة كما في مولى و شاعر و.. نحوهما، و إكثارهم من ذكر أن له كتابا أو أصلا لا يدلّ على إرادتهم بذلك المدح، فإن بناءهم في التراجم على ذكر كل ما وقفوا عليه من أوصافه و حالاته.

نعم اذا انضم الى ذلك ما أشار إليه من القرائن أفاد مدحا.

و ذلك غير محل النزاع. أ لا ترى أن المولى ليس مفيدا للمدح، و لكنه إذا أضيف الى أحد الأئمة (عليهم السّلام) أفاد نوع مدح للإضافة و النسبة، فلا تذهل(2).

ص: 38


1- توضيح المقال في علم الرجال: 49. بتصرف يسير. أقول: و لا يخفى أن هذه الأقوال الأربعة ليست على وتيرة واحدة، و لم يتنبه القوم لذلك، اذ بعضها مطلق و البعض الآخر - كالثالث - قيل في خصوص من له أصل، فتدبر.
2- انظر مستدرك رقم (205) اعتبار الأصول و أصحابها و مستدرك رقم (206) الألفاظ التي تجري مجرى ما، كقولهم: له رسالة أو مسائل أو نسخة أو مصنف أو غيرها. و رقم (207) فوائد الباب

تذييل: في الالفاظ المستعملة في كتب الرجال لا ربط لها بعالم المدح و الذم

اشارة

حيث جرى ذكر تفسير الألفاظ المستعملة في كتب الرجال، فلنختم الفصل بعدّة ألفاظ مستعملة فيها لا ربط لها بعالم المدح و الذم تكميلا للفائدة:

منها: الفهرست

فمنها:

الفهرست(1):

و هو في اصطلاح أهل الدراية و الحديث جملة عدد المرويات، و قد فسره به في التقريب(2)، ثم حكى عن صاحب تثقيف اللسان أنه قال: الصواب أنها بالتاء المثناة الفوقية. قال:

و ربما وقف عليها بعضهم بالهاء - أي الفهرست أو الفهرس - و هو خطأ، قال: و معناها جملة العدد للكتب، لفظة فارسية(3). و في

ص: 39


1- الفهرست معرب من الفارسية - كما قاله دهخدا في موسوعته اللغوية - بالفارسي -: 346/79 - أو من الرومية - أقيانوس: 273/2 - و من هنا حكى في لسان العرب: 166/6 - عن الأزهري قوله: و ليس بعربي محض. و يقال: فهرس - بالكسر - الكتب الذي تجمع فيه الكتب كما قاله في القاموس المحيط: 238/2، و لسان العرب: 166/6، و أقرب الموارد: 2 / 948، و برهان قاطع: 844، و غيرها. و قد استعمله ابن خلدون في المقدمة، و ضبطها و ذكر الأقوال فيها في حاشية التدريب: 29/1. ثم أن الفهارس على قسمين: موضوعية و توصيفية. و لهم مباحث هنا و تفصيلات، فراجع مضانها.
2- التقريب - أي تقريب النووي - و هو خطأ، إذ الذي فسره هكذا هو السيوطي في تدريب الراوي في شرح تقريب النووي.
3- تدريب الراوي في شرح تقريب النووي: 29/2.

التاج مازجا بالقاموس: الفهرس - بالكسر - أهمله الجوهري. و قال الليث: هو الكتاب الذي تجمع فيه الكتب. قال: و ليس بعربي محض، و لكنه معرب. و قال غيره: هو معرب فهرست. و قد اشتقوا منه الفعل فقالوا فهرس كتابه فهرسة، و جمع الفهرست فهارس(1).

و منها: الترجمة

و منها:

الترجمة(2):

تطلق عندهم على شرح حال الرجل، و هي مأخوذة من ترجمة لفظ لغة بما يرادفه من لغة أخرى، يقال: ترجمة و ترجم عنه إذا فسر كلامه بلسان آخر، و المفسر ترجمان - بفتح أوله، و ضم الثالث على أحد الأقوال في ضبطه، و قيل: بضمهما كعنفوان، و قيل: بفتحهما كزعفران، و الأول هو المشهور على الألسنة -.

و هل اللفظة عربية أو معربة درغمان فتصرفوا فيه(3)؟ وجهان.

و على الثاني فالتاء أصلية دون الأول. و جعل الفيروزآبادي التاء أصلية ردا على الجوهري حيث جعل اللفظة مأخوذة من رجم، ثم عليه هل هو من الرجم بالحجارة، لأن المتكلم رمى به، أو من الرجم بالغيب لأن المترجم يتوصل لذلك به؟ قولان، لا تنافي بينهما.

و كيف كان، فإطلاق الترجمة على شرح حال الرجل مجازا اصطلحوا

ص: 40


1- تاج العروس: 211/4.
2- ذكر في تاج العروس: 211/8 أن فيها ثلاث لغات، ثم قال: ترجمه و ترجم عنه إذا فسر كلامه بلسان آخر، قاله الجوهري.. ثم قال: و قيل نقله من لغة الى أخرى. و انظر القاموس المحيط: 83/4.
3- كذا.

عليه، لأنه ليس من تفسير اسم الرجل بمعناه المرادف في لسان آخر، بل شرحا لحاله كما هو ظاهر.

و منها: النموذج

[(1)و منها:

النموذج:

بالنون المفتوحة، و الميم المضمومة، و الذال المعجمة المفتوحة، و الجيم و إبدال الذال بالزاي من العجم و المصريين. قال في التاج مازجا بالقاموس: إنه مثال الشيء، أي صورة تتخذ على مثال صورة الشيء ليعرف منه حاله، معرب نموده، و العوام يقولون نمونه، و لم تعربه العرب قديما، و لكن عربه المحدثون، قال البختري:

أو أبلق يلقى العيون إذا بدا *** من كل شيء معجب بنموذج

و الانموذج - بضم الهمزة لحن - كذا قاله الصاغاني في التكملة، و تبعه المصنف، قال: شيخنا نقلا عن النواجي في تذكرته: هذه دعوى لا تقوم عليها حجة، فما زالت العلماء قديما و حديثا يستعملون هذا اللفظ من غير نكير، حتى أن الزمخشري - و هو من أئمة اللغة - سمى كتابه في النحو الانموذج، و كذلك الحسن بن رشيق القيرواني و هو إمام المغرب في اللغة سمى كتابه في صناعة الأدب، و كذلك الخفاجي في شفاء الغليل(2) نقل عبارة المصباح، و أنكر على من ادعى فيه اللحن، و مثله عبارة المغرب للناصر بن عبد السيد المطرزي

ص: 41


1- من مزيدات الطبعة الثانية من المصنف رحمه اللّه الى قوله: و منها الشيخ.
2- الظاهر: شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل، و هو لشهاب الدين أحمد المصري صاحب الريحانة.

شارح المقامات. انتهى ما في التاج(1).

و أقول: ينبغي أن يكون مراد صاحب القاموس بمثال الشيء للذي فسر به النموذج ما يعمّ بعض الشيء إذا أحضر للاستعلام حال البقية به، ثم: إن كونه معرب نمونه أظهر، و كونه معرب نموده مما لم أفهم له وجها، فتدبر جيدا].

و منها: الشيخ:

و هو لغة: من استبانت فيه السن، و ظهر عليه الشيب، أو هو من تجاوز عمره أربعين سنة، أو هو شيخ من خمسين الى آخر عمره، أو هو من إحدى و خمسين الى آخر عمره، ذكرهما شراح الفصيح، أو من الخمسين الى الثمانين، حكاه ابن سيده، في المخصص، و القزاز في الجامع، و كراع و.. غير واحد(2). و قد تعارف إطلاق الشيخ على كثير العلم، و رئيس الطائفة، و الاستاد، و كثير المال، و كثير الولد.

و ليس في كلمات أهل اللغة منه عين و لا أثر، فلعله اصطلاح عرفي، و المراد به حيثما يطلق في علم الدراية و الرجال و الحديث يراد به من

ص: 42


1- تاج العروس: 109/2 و كلام ابن منظور إنما هو تعقيبا و ردا لكلام الفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط حيث قال: 210/1: النموذج - بفتح النون - مثال الشيء، معرب، و الأنموذج لحن.
2- انظر: القاموس المحيط: 263/1 و تاج العروس: 265/2، و صحاح اللغة: 425/1.

أخذ منه الرواية كما لا يخفى على من راجع ما يأتي من كلماتهم في المقام الثاني من الفصل الخامس إن شاء اللّه تعالى(1).

و منها: المشيخة:

و منها: المشيخة(2):

تطلق عندهم على عدة من شيوخ صاحب الكتاب، روى الأحاديث عنهم، فيراد بمشيخة الفقيه ما في آخره من بيان أسانيده الى الرواة الذين روى عنهم في الفقيه، و بمشيخة الشيخ ما في آخر التهذيبين في بيان أسانيده التي أسقطها فيهما، و روى عمن بعدهم.

قال في مجمع البحرين: المشيخة: اسم جمع الشيخ، و الجمع

ص: 43


1- قال علي القاري في شرح الشرح: 3 - كما حكاه في حاشية مقدمة علوم الحديث لابن الصلاح: 11 - أن الشيخ: هو الكامل في فنه و لو كان شابا. أقول: إذا أطلق الشيخ - عند العامة - في الدراية - أريد به ابن الصلاح أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (577-643 ه) كما نص غير واحد كالعراقي في الفيته و السخاوي في الفتح و السيوطي في التدريب. و غيرهم. انظر مستدرك رقم (208) حول معنى الشيخ و غيره.
2- هناك فرق بين المشيخة - بإسكان الشين بين الميم و الياء المفتوحين - و بين المشيخة - بفتح الميم و كسر الشين - فالأولى: جمع الشيخ كالشيوخ و الأشياخ و المشايخ كما هو المشهور، و حكي عن المطرزي في كتابيه المعرب و المغرب أنها اسم جمع، و المشايخ جميعها. و الثاني: اسم مكان، من الشيخ و الشيخوخة و معناها عند أهل الفن المسندة، أي محل ذكر الأشياخ و الأسانيد، فالمشيخة موضع ذكر المشيخة، قاله السيد الداماد في الرواشح السماوية: 74-75.

مشايخ(1). و جعل في القاموس(2) كلا من شيوخ - بضم الشين -، و شيوخ - بكسرها - أشياخ - وزان أبيات - و شيخة - بكسر ففتح - و شيخة كصبية، و شيخان - بكسر أوله -، و مشيخة - بفتح الميم، و كسر و سكون الشين، و فتح الياء و ضمها - و مشيخة - بفتح الميم و كسر الشين، و سكون الياء -، و مشيوخاء و مشيخا و مشايخ جمعا للشيخ، و جعل في التاج التحقيق كون مشايخ جمع مشيخة، و مشيخة جمع شيخ(3)، فتدبر جيدا(4).

و منها: الاستاذ:

بالذال المعجمة و يستعمل بالمهملة، قال الفيومي في المصباح:

ص: 44


1- مجمع البحرين 436/2 [الحجرية: 184].
2- القاموس المحيط: 263/1.
3- تاج العروس: 265/2.
4- قال شيخنا الطهراني في مصفى المقال: 301 في ترجمة علي بن موسى الحلي رضي الدين بن طاوس حول المشيخة ما نصه: فهذا النوع من الكتاب لاشتماله على ترجمة المشايخ الرواة و ذكر الراويين عنهم و المرويون عنهم يعد من الكتب الرجالية حقيقة، نعم لاقتصار مؤلفه على خصوص مشايخه يسمى مشيخة أيضا، و يضاف الى مؤلفه كمشيخة الحسن بن محبوب مثلا، كما أنه لو كان هذا النوع من الكتب أيضا مشتملا على الإذن من المؤلف لغيره في الرواية عنه فيسمى إجازة أيضا، فبين المشيخة و الإجازة عموم من وجه، مصداقهما الإجازات الكبيرة المشتملة على ذكر الطرق و الأسانيد، و المشيخة خاصة ما لم يشتمل على الإذن لأحد فيها، و الإجازة خاصة ما لم يكن فيها ذكر الطرق.

الاستاذ كلمة أعجمية و معناها الماهر بالشيء العظيم(1)، و إنما قيل أعجمية لأن السين و الذال المعجمة لا يجتمعان في كلمة عربية(2)، و قال في تاج العروس:

إنه من الألفاظ الدائرة المشهورة(3) و إن كان أعجميا، و كون الهمزة أصلا هو الذي يقتضيه صنيع الشهاب الفيومي، لأنه ذكره في الهمزة.. الى أن قال: و في شفاء العليل(4): و لم يوجد في كلام جاهلي، و العامة تقوله بمعنى الخصي، لأنه يؤدب الصغار غالبا. و قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتاب له سماه: المطرب في أشعار أهل المغرب: الاستاذ كلمة ليست بعربية، و لا توجد في الشعر الجاهلي، و اصطلحوا(5) العامة إذا عظّموا المحبوب أن يخاطبوه بالاستاذ، و إنما أخذوا ذلك من الماهر بصنعته، لأنه ربّما كان تحت يده غلمان يؤدبهم، فكانه استاذ في حسن الأدب، حدثنا بهذا جماعة ببغداد منهم أبو الفرج بن الجوزي، قال سمعته من شيخنا اللغوي أبي منصور الجواليقي في كتابه المعرب من تأليفه، قاله شيخنا. انتهى ما في التاج(6).

ص: 45


1- كلمة: العظيم، لا توجد في المصدر.
2- المصباح المنير: 19/1.
3- هنا سقط و هو:.. التي ينبغي التعرض لها و إيضاحها...
4- كذا، و الصحيح: شفاء الغليل، كما مرّ.
5- في المصدر: و اصطلحت، و هو الظاهر.
6- تاج العروس: 564/2.
و منها: التلميذ:

حكى عن اللسان(1) أن جمعه التلاميذ، و هم الخدم و الأتباع، و عن الشيخ عبد القادر البغدادي في شرحه على شواهد المغني، و حاشيته على الكعبية ان المراد منه: المتعلم أو الخادم الخاص للمعلم. و في آخر الخبر السادس عشر من الأخبار التي نقلناها في ترجمة هشام بن الحكم قول أبي عبد اللّه (عليه السّلام): يا هشام! علّمه فإني أحب أن يكون تلماذا لك(2) دلالة على أن الفصيح التلماذ و ان المراد به المتعلم](3).

و منها: المملي و المستملي:

و هما اسما فاعل من الإملاء الذي هو بمعنى إلقاء الكلام للكاتب ليكتب، و في الحديث: صحيفة هي إملاء رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و خط علي (عليه السّلام). فالمملي هو الملقي للحديث، و المستملي الذي يطلب إملاء الحديث من الشيخ.

ثم ان الإملاء - بالهمزة - لغة بني تميم و قيس، و أما في لغة

ص: 46


1- لسان العرب: 478/3 بتقديم و تأخير.
2- تنقيح المقال: 297/3. رجال الكشي: 277، ذيل حديث برقم 494.
3- من: و منها الاستاذ الى هنا لا يوجد في الطبعة الأولى اضافه المصنف رحمه اللّه في الطبعة الثانية. و هناك تحقيق لغوي في مادة تلمّذ لعبد القادر بن عمر البغدادي صاحب خزانة الأدب (1030-1093 ه) نشر الدكتور عبد السّلام هارون جاء في بحوث و مقالات: 102، جدير بالملاحظة.

الحجاز و بني أسد فباللام، يقال أمللت الكتاب على الكاتب إملالا - القيته عليه - و قد جاء الكتاب العزيز باللغتين جميعا، فعلى الأول قوله تعالى فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً (1) و على الثاني قوله تعالى وَ لْيُمْلِلِ اَلَّذِي عَلَيْهِ اَلْحَقُّ (2) الآية.

و المراد بالمستملي في هذا الفن هو الذي يبلغ عن الشيخ عند كثرة السامعين، و عدم وفاء صوت الشيخ لاسماع الجميع(3)

و منها: العدّة:

تراهم يقولون: عدّة من أصحابنا، و يريدون بذلك جماعة من الأصحاب، فإن العدّة - بكسر أوله، و فتح ثانيه مشدد - الجماعة قلّت أو كثرت، تقول رأيت عدّة رجال و عدّة نساء و أنفذت عدة كتب أي جماعة(4).

و منها: الرهط:

ص: 47


1- الفرقان: 5.
2- البقرة: 282.
3- انظر مستدرك رقم (209) حول الأمالي.
4- العبارة بألفاظ متقاربة في تاج العروس مازجا بالقاموس: 417/2، قارن بالصحاح: 7/2-505، قاموس المحيط: 313/1، لسان العرب: 3 / 3-281 و غيرها.

- بفتح أوله و سكون ثانيه، و فتحه أيضا - و هو ما فوق الثلاثة دون العشرة من الرجال خاصة دون النساء، و لا واحد له من لفظه.

و قيل: من السبعة الى العشرة، و ان ما دون السبعة الى الثلاثة: النفر.

و قيل: انه ما فوق العشرة الى الأربعين(1).

و منها: الطبقة:

و منها: الطبقة(2):

و هي في الاصطلاح عبارة عن جماعة اشتركوا في السن و لقاء المشايخ فهم طبقة، ثم بعدهم طبقة أخرى و هكذا، مأخوذة من طبقة البناء لكونهم في زمان واحد، كما أن بيوت الطبقة الواحدة في هواء واحد، و من المطابقة لموافقة بعضهم بعضا في الأخذ من شيخ واحد(3).

ص: 48


1- انظر: صحاح اللغة: 1128/3، و القاموس المحيط: 2/2-361، و تاج العروس: 144/5 و قال: إنه قوم الرجل و قبيله. و لم أجد للفظة في علم الدراية اصطلاح خاص، فراجع.
2- الطبقة: بالكسر الجماعة من الناس يعدلون جماعة مثلهم، قاله ابن سيده، و له عدّة معان أخر. انظر تاج العروس: 7/6-414، و صحاح اللغة: 1511/4، و القاموس المحيط: 6/3-255، لسان العرب: 209/10 - 215 و غيرها.
3- انظر المستدرك الآتي برقم (235) حول الطبقات.
و منها: الصحابي، و التابعي، و المخضرمي:

و يأتي تفسيرها في أول الفصل الثامن إن شاء اللّه تعالى.

و منها: الراوي، و المسند، و المحدث، و الحافظ

لا ريب في كون كل لاحق من هذه الأربعة أرفع من سابقه.

ثم الراوي: من يروي الحديث مطلقا، سواء رواه مسندا أو مرسلا أو.. غيرهما.

و أما المسند - بكسر النون - فهو من يروي الحديث بإسناده، سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد الرواية(1).

و أما المحدث: فالذي يظهر منهم أنه من علم طرق إثبات الحديث و أسماء رواته و عدالتهم، و أنه هل زيد في الحديث شيء أو نقص أم لا. فلا يصدق المحدث على من ليس له إلا مجرد سماع الحديث أو تحمله، بل خصوص من له علم بهذا الشأن. قال الشيخ فتح الدين من العامة(2): إن المحدث في عصرنا من اشتغل بالحديث

ص: 49


1- قاله في تدريب الراوي: 43/1، و على كل هو أدنى من الحافظ و المحدث بلا ريب.
2- هو ابن سيد الناس، أبو الفتح فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد اليعمري الأندلسي المصري الشافعي محدث حافظ، فقيه أديب، مصنف مجيد، انظر عنه: تذكرة الحفاظ: 285/4، مرآة الجنان: 291، شذرات الذهب: 6 / 108، معجم المؤلفين: 270/11 عن عدة مصادر.

رواية و دراية، و جمع رواه..(1)، و اطلع على كثير من الرواة و الروايات في عصره، و تميز في ذلك حتى عرف فيه خطه و اشتهر فيه ضبطه..(2) الى أن قال: و أما ما يحكى عن بعض المتقدمين من قولهم: كنّا لا نعد صاحب حديث من لم يكتب عشرين ألف حديث في الإملاء، فذلك بحسب أزمنتهم(3).

ص: 50


1- الظاهر: و جمع بين رواته، أو جمع رواته.
2- ثم قال: فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه و شيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة بحيث يكون ما يعرفه في كل طبقة أكثر مما يجهله منها فهذا هو الحافظ.
3- حكاه السيوطي عنه في التدريب: 43/1 و حاشية لقط الدرر: 5 و غيرهما. أقول: ذهب جمهور المحدثين الى أن من اقتصر على السماع ليس بعالم، و المحدث من علم طرق اثبات الحديث و عدالة رجاله و الأسانيد و العلل، بل و يلزمه - عندهم - معرفة علوم الحديث و مصطلحه، و المؤتلف و المختلف من رواته، و ضبطه على أئمة هذا العلم، و معرفة غريب ألفاظ الحديث و منكره و العالي و النازل.. و غير ذلك مما يصحح له تدريسه و إفادته و تحديثه، مع كون دأبه على السماع من الشيوخ. و في قواعد التحديث: 7-76: إنه يلزمه الإكثار من حفظ المتون و سماع الكتب الستة و المسانيد و المعاجم و الأجزاء الحديثية. بل قيل: إن المحدث من علم طرق اثبات الحديث و عدالة رجاله. و حكى السيوطي في تدريب الراوي: 43/1 عن الفقهاء أنهم لا يطلقون اسم المحدث إلا على من حفظ سند الحديث، و علم عدالة رجاله و جرحها دون المقتصر على السماع. و قال السخاوي في فتح المغيث: 45/1 حاكيا عن بعض المحدثين: اسم المحدث في عرف المحدثين أن يكون كتب و قرأ و سمع و وعى و رحل الى المدائن و القرى و حصّل أصولا و علق فروعا من كتب المسانيد و العلل و التواريخ التي تقرب من ألف تصنيف! ثم قال: فإذا كان كذلك فلا ينكر له ذلك.. الى آخر ما قاله. هذا و لا شك بكون المحدث أرفع من المسند. و أدون من الحافظ - كما سيأتي -.

و أما الحافظ: ففيه وجوه:

أحدها: ما عن الشيخ فتح الدين من أن المحدث بالمعنى الذي سمعت منه أن من عرف شيوخه و شيوخ شيوخه طبقة بعد طبقة، بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر ممن يجهله منها، فهو الحافظ(1).

ثانيها: أنه مطلق العارف بالحديث و المتقن له(2) لأن الحفظ المعرفة و الاتقان، نقل عن عدة من محدثي العامة.

ثالثها: ما يظهر من بعض محدثي العامة من استواء المحدث و الحافظ، و قد حكي أن السلف كانوا يطلقون المحدث و الحافظ

ص: 51


1- قاله السيوطي في تدريب الراوي: 43/1-52 تتمة لكلامه السابق عن ابن سيد الناس.
2- هذا معنى الحافظ لغة، لأنه عرف لغة بالاتفاق، و قيل المعرفة، و قيل الموكل بالحفظ، و يأتي بمعنى حرسته و استظهرته، و قيل غير ذلك، انظر: لسان العرب: 441/7، تاج العروس: 51/5-349، الصحاح: 1172/3، القاموس المحيط: 395/2 و غيرها.

بمعنى(1)، و الحق إن الحافظ أخص من المحدث مطلقا.

و عن أبي نصر الشيرازي(2) إن العالم الذي يعلم المتن و الإسناد جميعا، و الفقيه الذي عرف المتن و لا يعرف الإسناد، و الحافظ الذي يعرف الإسناد و لا يعرف المتن، و الراوي الذي لا يعرف المتن و لا الإسناد(3).

و عن بعضهم(4) إن علوم الحديث الآن ثلاثة:

أشرفها حفظ متونه و معرفة غريبها و فقهها(5).

ص: 52


1- حكاه السيوطي عن جمع في التدريب: 45/1. و قال في قواعد التحديث: 76: أما الحافظ: فهو مرادف للمحدث عند السلف. أقول: الحق انهما بمعنيين، و أخصية الأخير، إذ لا بد في الحافظ من اجتماع شروط و صفات المحدث و زيادة، مع ما أخذ في الحافظ من شروط منها كثرة حفظه و جمعه للطرق و غير ذلك. إلا إن يقال أن الاتحاد عند القدماء و الاختلاف عند المتأخرين.
2- كما حكاه السيوطي في تدريب الراوي: 44/1 عن ابن السمعاني في تاريخه بسنده عن الشيرازي. و عن ابن حجر - كما في قواعد التحديث: 77 -: أنه من جمع هذه الثلاثة كان فقيها محدثا كاملا، و من انفرد باثنين منها كان دونه.
3- لا يخفى ما فيه من مسامحة.
4- و هو الإمام الحافظ أبو شامة: كما قاله في شرح التقريب: 44/1. و هو أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدس الدمشقي الشافعي المؤرخ (595-665 ه) محدث، له جملة مصنفات في الرجال و التاريخ و غيرهما. انظر فوات الوفيات: 252/1 بغية الوعاة: 267، البداية و النهاية: 250/13، مرآة الجنان: 164/4 و غيرها.
5- كذا، و هو اما: حفظ متونه و معرفة غريبه و فقهه، و اما: حفظ متونها و معرفة غريبها و فقهها. و اللّه أعلم.

و الثاني: حفظ أسانيده و معرفة رجالها و تميز(1) صحيحها من سقيمها(2).

و الثالث: جمعه و كتابته و سماعه و تطريقه و طلب العلو فيه و الرحلة الى البلدان.. الى أن قال: فإن كان الاشتغال بالأول مهما(3)، فالاشتغال بالثاني أهم، لأنه المرقاة الى الأول، فمن أخلّ به خلط السقيم بالصحيح، و المعدّل بالمجروح و هو لا يشعر، فكل منهما في علم الحديث مهم، و لا شك أن من جمعهما حاز القدح المعلى، مع قصوره فيه ان أخلّ بالثالث، و من أخلّ بهما فلاحظ له في اسم الحافظ، و من أحرز الأول و أخلّ بالثاني كان بعيدا عن اسم المحدث عرفا، و من أحرز الثاني و أخل بالأول لم يبعد عنه اسم المحدث و لكن فيه نقص بالنسبة الى الأول(4)، هذا و ظاهره أيضا أن

ص: 53


1- كذا، و في المصدر: التمييز، و هو الصحيح.
2- و لعل العبارة: و معرفة رجاله، و تمييز صحيحة من سقيمه، و اللّه العالم. و هنا سقط و هو: و هذا كان مهما، و قد كفيه المشتغل بالعلم بما صنف فيه و ألف فيه من الكتب، فلا فائدة الى تحصيل ما هو حاصل.
3- هذا القول ليس تتمة القول الأول بل هو لابن حجر شيخ الإسلام - كما حكاه السيوطي في التدريب: 45/1 بتصرف.
4- و في تتمة كلامه قال: و بقي الكلام في الفن الثالث: و لا شك أن من جمع ذلك من الأولين كان أوفر سهما و أحظ قسما، و من اقتصر عليه كان أخس حظا و أبعد حفظا، و من جمع الثلاثة كان فقيها محدثا كاملا، و من انفرد باثنين منهما كان دونه، إلا أن من اقتصر على الثاني و الثالث فهو محدث صرف، لا حظ له في اسم الفقيه، كما أن من انفرد بالأول فلاحظ له في اسم المحدث، و من انفرد بالأول و الثاني فهل يسمى محدثا؟ فيه بحث. ثم قال السيوطي: و في غضون كلامه ما يشعر باستواء المحدث و الحافظ.

الحافظ أخص من المحدث(1)، فتدبر جيدا.

ص: 54


1- و قد فرق البعض، فرأى أن الحافظ من وعى مائة ألف حديث متنا و إسنادا، و لو بطرق متعددة، و عرف من الحديث ما صح، و عرف اصطلاح هذا العلم. و قيل: إن الحافظ هو ما فاته أقلّ مما يعرفه، فإذا وعى أكثر من مائة ألف و أصبح ما يحيط به ثلاثمائة ألف حديث مسند فهو: حافظ حجة. و لهم أقوال ركيكة أخرى أدرجها في تدريب الراوي: 49/1-52. أقول: الحق إن تحديد معنى الحافظ سعة و ضيقا لا يخضع تحت ضابطة معينة، بل يرجع الى عرف كل زمان، و لا يصدق على كثير ممن قيل فيه ذلك ما حده القوم، فتدبر. انظر مستدرك رقم (210) فائدة: معنى له كتاب تاريخ و كتاب تاريخ الرجال. و مستدرك رقم (211) المجاميع الحديثية عند العامة: الصحاح، المسانيد، المعاجم، الجوامع، الأجزاء، المستدركات، المشيخات، المستخرجات. و مستدرك رقم (212) ألقاب المحدثين: أمير المؤمنين في الحديث!، الإمام، الحاكم،... و غيرها. و مستدرك (213) ما بقي من مصطلحات درائية.

الفصل السابع في شرف علم الحديث، و كيفية تحمّله، و طرق نقله و آدابه:

اشارة

الفصل السابع في شرف علم الحديث، و كيفية تحمّله، و طرق نقله و آدابه(1):

لا شبهة في شرف علم الحديث و عظم شأنه، و سمو رتبته، و علوّ قدره، و مناسبته لمكارم الأخلاق و محاسن الشيم، و كونه من علوم الآخرة، و إن من حرمه فقد حرم خيرا عظيما، و من رزقه فقد نال فضلا جسيما، و كيف لا و هو الوصلة إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام)، و الباحث عن تصحيح أقوالهم و أفعالهم، و الذّب عن أن ينسب إليهم ما لم يقولوه، و لو لا إلا دخول صاحبه به في دعائه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): (نظر اللّه امرأ سمع مقالتي فوعاها)(2) لكفاه شرفا و فخرا.

و على صاحبه تصحيح النية و اخلاصها، و تطهير القلب من أغراض الدنيا الدنية و أدناسها كحب الرئاسة و..

ص: 55


1- عبّر البعض عن هذا الفصل - كما في جامع الأصول: 38/1 - ب: مسند الراوي و كيفية أخذه.
2- قد مرّ إسناد الحديث و ذكر مصادره: و ستأتي له مصادر اخرى.

نحوها، فإن الأعمال بالنيات، و ليكن أكبر همّه نشر الحديث و التبليغ عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و أئمة الهدى (عليهم السّلام).

و إذ قد عرفت ذلك فهنا مقامات:

***

ص: 56

المقام الأول: في أهلية التحمل. و فيه مطالب:

الاول: اشتراط العقل و التمييز في التحمل بالسماع

الأول: إنه لا ريب و لا إشكال في اعتبار العقل و التمييز فيمن تحمل بالسماع و ما في معناه ليتحقق فيه معناه. و المراد بالتمييز هنا - على ما في البداية(1) - ان يفرّق بين الحديث الذي هو بصدد روايته و غيره أن سمعه في أصل مصحح، و إلاّ اعتبر مع ذلك ضبطه، ثم قال: و فسّره بعضهم بفرقه(2) بين البقرة و الدابة و الحمار و.. أشباه ذلك، بحيث يميز أدنى تمييز(3)، و الأول أصح ثم قال: و يحترز بتحمله بالسماع عمّا لو كان بنحو الإجازة، فإنه لا يعتبر فيه ذلك، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

ثم قال: و المراد بما في معنى السماع القراءة على الشيخ و..

نحوها، و ما ذكره موجّه.

ص: 57


1- الدراية للشهيد: 82.
2- كذا، و الظاهر: بتفريقه.
3- في المصدر و الأصل التميز، و قد بدلنا الجميع إلى: التمييز، إذ لا معنى للأول و عدم ارادته لهم قطعا.

الثاني: عدم اشتراط الاسلام و لا الايمان و لا البلوغ و لا العدالة في تحمل الحديث

اشارة

الثاني: إنه لا يشترط في صحة تحمل الحديث بأقسامه الإسلام و لا الإيمان و لا البلوغ و لا العدالة، فلو تحمله كافرا أو منافقا أو صغيرا أو فاسقا و أداه في حال استجماعه للإسلام و الإيمان و البلوغ و العدالة قبل، كما صرح بذلك جمع(1)، بل لا خلاف في ذلك ينقل(2)، و لا إشكال يحتمل لما مرّ تحقيقه في الأمر الثاني من الأمرين المذيل بهما الجهة الاولى من الفصل الرابع من أن المعتبر في شرائط الراوي هو حال الأداء لا حال التحمل، و قد اتفق التحمل كافرا و الأداء مسلما للصحابة كرواية جبير بن مطعم حيث سمع النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) يقرأ في المغرب بالطور(3)، و كان قد جاء في فداء أسارى بدر فتحمله كافرا، ثم رواه بعد اسلامه، و كذلك رؤيته له (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) واقفا بعرفة قبل الهجرة، و رواية أبي

ص: 58


1- كما في البداية: 83، و تدريب الراوي و متنه: 4/2، و الكفاية: 55، و اصول الحديث: 229، الألفية للعراقي و شرحها للسخاوي: 4/2، مقدمة ابن الصلاح: النوع الرابع و العشرون: 241، و غيرها.
2- إلا ما حكاه السيوطي في تدريبه: 4/2 عن القطب القسطلاني في كتابه: المنهج في علوم الحديث، حيث أجرى الخلاف في التحمل في الصبي و الكفر عند البلوغ و الإسلام. بل منع بعض الشافعية - كما عن السخاوي في الفتح: 5/2 - عن قبول الصبي خاصة مستدلين على ذلك بأن الصبي مظنة عدم الضبط و عدم الفهم آنذاك، حكي عن أكثر من واحد. و ردّ هؤلاء و غيرهم بالإجماع.
3- صحيح البخاري كتاب المغازي: 35، باب القراءة في الصبح، رقم 463 حديث 1، صفحة 338 و غيرها.

سفيان في حديثه مع هرقل(1) و.. غيرها(2). و قد اتفق الناس - كما في البداية(3) - على رواية جماعة من الصحابة عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قبل البلوغ كالحسنين (عليهما السّلام)، فقد كان سنّ الحسن (عليه السّلام) عند رحلة النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) نحو الثمان سنين(4)، و الحسين (عليه السّلام) نحو السبع سنين، و كعبد اللّه بن العباس، و عبد اللّه بن الزبير(5)، و النعمان بن بشير، و السائب(6) بن يزيد، و المسور بن مخزمة(7) و.. غيرهم، حيث تحمّلوا جملة من الروايات في حال الصغر، و قبل الفقهاء (رضي اللّه عنهم) عنهم روايتهم، من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ و بعده، و لم تزل الناس يسمعون الصبيان

ص: 59


1- و القصة مفصلة، جاءت في كتب الحديث و التاريخ. انظر: صحيح مسلم: 163/5، مسند احمد بن حنبل: 262/1، طبقات الكبرى: 259/1، تاريخ الطبري: 290/2، الكامل: 80/20 و السيدة الحلبية: 273/3 و غيرها.
2- كما حكاه ثاني الشهيدين في البداية: 82، و السيوطي في التدريب تبعا للنووي في التقريب: 4/2، و فتح المغيث: 4/2، و غيرهم.
3- البداية: 82-83، شرح الألفية: 6/2، المقدمة: 241 بألفاظ متقاربة.
4- كذا في البداية، و الأصح أن يقال: نحو ثمان سنين لعدم جواز اجتماع الإضافة مع الألف و اللام، كما ذكره النحاة، و كذا السبع سنين.
5- بل و ابن عمر أيضا، المعبر عنهم بالعبادلة، و قد سبق ذكرهم في الأصل و المستدرك.
6- في فتح المغيث: السائب.
7- في الفتح: مخرمة.

و يحضرونهم مجالس التحديث و يعتدّون بروايتهم لذلك بعد البلوغ(1). و نقل في البداية عن شاذ اشتراط البلوغ في أهلية التحمل(2)في نسختنا: أو سبع بدلا من: أو أربع، و هو الأصح.(3)، و هو مردود بعدم الدليل عليه، و اصالة عدم الاشتراط تدفعه.

ثم إنّه كما لا يشترط البلوغ في أهلية السماع فكذا لا تحديد لسن من يتحمل بعد كون المدار على التمييز المختلف باختلاف الأشخاص. و في البداية: ان تحديد قوم سنهم المسوغ(4) بعشر سنين(5) أو خمس سنين(6) أو أربع(6) و..

نحوه خطأ، لاختلاف الناس في مراتب الفهم و التمييز. فمن فهم الخطاب و ميّز ما يسمعه صح سماعه و إن كان دون خمس،

ص: 60


1- أقول: صرف احضار العلماء الصبيان لا يستلزم اعتدادهم بروايتهم بعد ذلك إذ يمكن أن يكون ذلك لأجل التمرين و التبرك، و على كل إن ثبت الإجماع - و اناله - و إلا فإن الأصل عدم القبول، و لا أقل من التوقف، فتدبر. ثم ان ما ذكرناه من سماع الصبي بالنظر للصحة سواء بنفسه أو بغيره.
2- البداية: 83، راجع تعليقة رقم
3- من ص 303.
4- في نسختنا من الدراية: المسوغ للاستماع، و هو الظاهر.
5- كما نسب إلى أهل البصرة حيث كانت السن المألوفة لهم في الطلب، مقابل أهل الشام حيث عندهم سن الثلاثين أيضا، و فرقوا بين ابن العربي و ابن العجمي! و أمثال هذه التخرصات و التعصبات.
6- كما نسب إلى الجمهور و أهل الصيغة كما في فتح المغيث: 9/2. و أقول: وقع خلط عجيب في عبارة القوم بين تحديد زمن السماع و زمن الطلب و التحمل، و زمن الإسماع و زمن الكتابة و وقت الإجازة فلاحظ كلمات القوم تدرك مغزى ما أردناه و تدبر.

و من لم يكن كذلك لم يصح و إن كان ابن خمسين. و قد ذكر الشيخ الفاضل تقي الدين الحسن بن داود أن صاحبه و رفيقه السيد غياث بن طاوس اشتغل(1) بالكتابة و استغنى عن المعلم و عمره أربع سنين، و عن إبراهيم بن سعيد(2) الجوهري(3)قال: رأيت صبيا ابن أربع سنين قد حمل إلى المأمون قد قرأ في(4) القرآن، و نظر في الرأي غير أنه إذا جاع بكى(5). و قال أبو محمد عبد اللّه بن محمد(6) الأصفهاني: اني(7) حفظت القرآن و لي خمس سنين، و حملت إلى ابن المقري لأستمع منه ولي أربع سنين، فقال بعض الحاضرين: لا تستمعوا(8) له فيما

ص: 61


1- هنا سقط، و في نسختنا: و استقل، و هو الظاهر.
2- في نسختنا: بن سديد.
3- الطبري الأصل البغدادي أبو إسحاق (170-247 ه على الأشهر فيهما) محدث مكثر، له مسند. انظر عنه: تاريخ بغداد: 93/6، تهذيب التهذيب: 123/1، شذرات الذهب: 113/2، ميزان الاعتدال 18/1.. و غيرها.
4- في زائدة لا معنى لها، و لا توجد في درايتنا.
5- حكاه أكثر من واحد عن الخطيب و غيره، لاحظ فتح المغيث: 15/2 و غيره.
6- الظاهر: أبا محمد، كما في بعض النسخ، و هو الصحيح. و هو أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن جعفر بن حبان (حيان) الحيّاني الأنصاري الأصبهاني المعروف بابن الشيخ (274-369 ه) المحدث الحافظ المؤرخ المفسر - له جملة مصنفات. انظر: معجم المؤلفين: 114/6 عن عدة مصادر و كذا الأعلام: 264/4 و شذرات الذهب: 68/3 و غيرها.
7- لا توجد: اني في نسختنا، و كذا في التدريب 7/2. و المقدمة: 244.
8- في درايتنا: لا تسمعوا له، و هو الظاهر. و كذا في المقدمة.

قرئ فإنه صغير(1)، فقال لي ابن المقري: اقرأ سورة الكافرين(2) فقرأتها، فقال: اقرأ سورة التكوير، فقرأتها، فقال لي غيره اقرأ: سورة و المرسلات، فقرأتها و لم أغلط فيها. فقال ابن المقري: اسمعوا له و العهدة عليّ (3). و لا يخفى عليك أن الأخير دل على عدم اعتبار البلوغ في الأداء أيضا فضلا عن التحمل، و لا نقول به.

تحديد السن لمن يتحمل الرواية في الابتداء و الانتهاء

و قد صدر من محدثي العامة في تحديد السن أقوال واهية، فعن ابن خلاد(4) أن حده إذا بلغ خمسين سنة لأنها انتهاء الكهولة، و فيها مجتمع الأشد، قال: و لا ينكر عند الأربعين لأنها حد الاستواء و منتهى الكمال، و عندها ينتهي عزم الإنسان و قوته، و يتوفر عقله و يجود رأيه(5).

و ردّ باجماع السلف و الخلف على نشر الأحاديث قبل

ص: 62


1- في درايتنا و التدريب: فيما يقرأ فإنه صبي.
2- في المصدر عندنا: اقرأ قل يا أيها الكافرون.
3- راجع البداية: 83-84، و كذا في التدريب: 7/2، المقدمة لابن الصلاح: 244، و فتح المغيث: 14/2 بألفاظ متقاربة.
4- و هو أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي الفارسي المتوفى نحو سنة 360 ه، صاحب كتاب المحدث الفاصل بين الراوي و الواعي في علوم الحديث و غيره. انظر عنه الأعلام: 209/2 عن عدة مصادر و كذا معجم المؤلفين: 235/3، تذكرة الحفاظ: 113/3، و ترجمه سيد الأعيان في: 69/22، فراجع.
5- انظر المصادر السالفة قريبا.

البلوغ إلى هذا السن و شبهه.

و كما لا حد في الابتداء فكذا لا حد في الانتهاء. فيصح تحمل الحديث و نقله لمن طعن في السن، غايته ما دامت قواه مستقيمة. نعم ينبغي الإمساك على التحديث لمن خشى التخليط، لهرم أو خرف أو عمى حذارا من الوقوع فيما لا يجوز. و ضبطه ابن خلاد بالثمانين. و ردّ - أيضا - باجماع السلف و الخلف على السماع و الاستماع ممن تجاوزها من الشيوخ الثقات المتبحرين(1).

الثالث: لا يشترط في المروي عنه إن يكون اكبر من الراوي سنا و لا رتبة

الثالث: إنه لا يشترط في المروي عنه أن يكون أكبر من الراوي سنا و لا رتبة و قدرا و علما، بل يجوز أن يروي الكبير عن الصغير بعد اتصافه بصفات الراوي، كما صرح بذلك جمع(2)، بل لا شبهة فيه و لا ريب، لأصالة عدم الاشتراط.

و قد اتفق ذلك كثيرا للصحابة ممّن دونهم من التابعين و الفقهاء.

و قد مرّ في المقام الأول من الفصل الخامس عنوان رواية الأكابر عن الأصاغر(3). و في البداية: إن الغرض من هذا النوع أن لا يظنّ بناء على الغالب من كون المروي(4) أكبر بأحد الامور دأبا(5) فيجهل بذلك منزلتهما. و قد قال النبي (صلّى اللّه عليه

ص: 63


1- انظر مستدرك رقم (214) السن الذي عيّن فيه السماع و الإسماع و السن الذي ينبغي فيه الإمساك عن التحديث.
2- منهم ثاني الشهيدين في درايته: 84.
3- الصفحة: 304 من المجلد الأول من هذا الكتاب.
4- في درايتنا: المروي عنه.
5- في المصدر: دائما.

و آله و سلّم): امرّنا أن ننزل الناس منازلهم(1).

***

ص: 64


1- البداية: 84، و الرواية منقولة بالمعنى، و لم نجدها في كتب الحديث عند الفريقين بنصها، و الموجود ما ذكره الكليني في الكافي 50/1 باب نادر: اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنّا. و سنفصّل الحديث فيها.

المقام الثاني في طرق التحمل للحديث

اشارة

المقام الثاني في طرق التحمل للحديث(1).

و هي سبعة عند جمع(2)، و ثمانية عند آخرين(3) من دون نزاع معنوي: فإن من عدّها سبعة أدرج الوصية في الأعلام

ص: 65


1- أكثر هذه الطرق تعم المتحمل للحديث عن المعصوم (عليه السّلام) و غيره إن لم نقل كلها، و إن خص المشهور هذه الطرق بالمتحمل عن غير المعصوم (عليه السّلام) كما يظهر من عبارة المصنف (رحمه اللّه). أقول: لا بد للراوي من مستند يصح له من أجله رواية الحديث و يقبل منه بسببه، و هو في الرواية عن المعصوم نفسه ظاهر، و أما في الرواية عن الراوي كما في زمننا فترد فيه هذه الوجوه.
2- كما في البداية: 84، و نهاية الدراية: 172، و الوجيزة للبهائي: 10، و تحفة العالم: 112/1 و غيرها.
3- كما في وصول الأخيار لوالد الشيخ البهائي: 112، و السيوطي في التدريب 8/2، و السخاوي في شرح الألفية: 16/2، و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 245، و قد سار على ذلك المشهور. إلا أن العلامة القاسمي في قواعد التحديث عدها تسعة أقسام. للتوسع في هذا البحث - طرق تحمّل الحديث - راجع مقدمة ابن الصلاح: 50-70، الكفاية: 259 و ما بعدها و 296 و 311، و معرفة علوم الحديث: 256 و ما يليها، و شرح نخبة الفكر: 34، 37، اصول الحديث: 233 و ما بعدها، قواعد التحديث: 203 و ما يتلوها، الألفية و شرحها للسخاوي: 15/2، دراية الدربندي - خطي -: 26 فما بعد و غيرها.

و ذيله بها، و من عدّها ثمانية عدّ الوصية قسما مستقلا(1).

و كيف كان:

اولها: السماع من لفظ الشيخ. و فيه مطالب

اشارة

فأولها: السماع من لفظ الشيخ(2)، و هو المروي عنه، و فيه مطالب:

الاول: كون هذا الطريق اعلى طرق التحمل و أرفع اقسامه

الأول: إن هذا الطريق أعلى طرق التحمل و أرفع أقسامه عند جمهور المحدثين، كما في البداية(3) و.. غيره(4)،

ص: 66


1- و قد عدّ هذه الطرق ابن الأثير في جامع الاصول: 38/1 [تحقيق الارناءوط: 78/1] ستة، حيث قال: راوي الحديث لا يخلو في أخذه الحديث من طرق ست. اقول: مرجع الطرق عنده خمس حيث بعد ذكره للقراءة و السماع قال: [1 / 81] الطريق الثالث: سماع ما يقرأ على الشيخ و يتنزّل منزلة القراءة عليه، لكنه ينقص عنها بأن السامع ربما غفل عن سماع بعض القراءة - كما سبق - فأما القارئ فلا يجري هذا في حقه، و يجوز له أن يقول: حدثنا و أخبرنا سماعا، يقرأ عليه (كذا). و هو غريب منه، لم أجد من تابعه عليه.
2- سواء كان إملاء من حفظه أم كان تحديثه من كتابه، و يقال للأخير: الإملاء كما عن وصول الأخيار: 119، و نهاية الدراية: 172 و غيرهما، و إن كان اطلاقهم للإملاء على مطلق السماع من لفظ الشيخ. و في تحقيق التراث: 111 تفصيل غريب. انظر في المستدرك - فوائد -.
3- البداية: 84.
4- كما في الذريعة في اصول الشيعة: 80/2، توضيح المقال: 52، جامع المقال: 38، تحفة العالم: 112/1 و نسبه إلى المشهور، القوانين - في الاصول -: 488، لبّ اللباب - خطي -: 17، اصول الحديث: 234، المقدمة 245 و غيرها. و قيل: إن السماع من الشيخ و الكتابة عنه أرفع من السماع فقط، لأن الشيخ مشتغل بالتحديث و الراوي بالكتابة عنه، فيكونا أقرب إلى التحقيق و أبعد عن الغفلة. و قيل: غير ذلك. لاحظ مستدرك رقم (215) وجوه ترجيح السماع.

قال: لأن الشيخ أعرف بوجوه ضبط(1) الحديث و تأديته، و لأنه خليفة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و سفيره إلى امته، و الأخذ منه كالأخذ منه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و لأن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أخبر الناس أولا و أسمعهم ما جاء به، و التقرير على ما جرى بحضرته أولى(2)، و لأن السامع أربط جأشا و أوعى قلبا، و شغل القلب و توزع الفكر إلى القارئ أسرع. و في صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام) يجيئني القوم(3) فيسمعون مني حديثكم فاضجر و لا أقوى(4)، قال: فاقرأ عليهم من أوله حديثا، و من وسطه حديثا، و من آخره حديثا(5)، فعدوله (عليه السّلام) إلى قراءة هذه الأحاديث مع العجز يدلّ على أولويته على قراءة الراوي، و إلا لأمر بها(6).

و أقول: في دلالة الأخير تأمل لا يخفى(7).

ص: 67


1- كلمة: ضبط، لا توجد في نسختنا.
2- لاحظ ألفية العراقي و شرح السخاوي لها: 16/2.
3- في درايتنا: قوم، و الصحيح ما أثبته المصنف.
4- في جامع المقال: 38: و لا أقرأ. و لم أجده في غيره.
5- اصول الكافي: 51/1 حديث 5، وسائل الشيعة: 55/18.
6- الدراية: 84-85، و أيضا لأن الشيخ أعرف بوجوه ضبط الحديث من غيره، و لما فيه من المماثلة للتحديث.
7- بل في الكل تأمل، كما مرّ. قال ابن الأثير في جامعه: 38/1: الطريقة الاولى: و هي العليا، قراءة الشيخ في معرض الأخبار يروى عنه، و ذلك تسليط منه للراوي على أن يقول: حدثنا و أخبرنا.. إلى آخره.
الثاني: اقسام هذا الوجه

الثاني: إن هذا القسم على وجوه(1):

أحدها: ان يقرأها الشيخ من كتاب مصحح على خصوص الراوي عنه، بأن يكون هو المخاطب الملقى إليه الكلام(2).

و ثانيها: قراءته منه مع كون الراوي أحد المخاطبين.

و ثالثها: قراءته منه مع كون الخطاب إلى غير الراوي عنه، فيكون الراوي عنه مستمعا أو سامعا صرفا.

و الرابع و الخامس و السادس: ما ذكر مع كون قراءته من حفظه.

و قد قيل(3): إن أعلى هذه الوجوه الأول(4)، ثم الثاني

ص: 68


1- قسّمه ابن الصلاح في المقدمة: 245 إلى قسمين: إملاء و تحديث من غير إملاء، سواء كان من حفظه أو من كتابه، و تبعه من جاء بعده في ذكر هذه الوجوه.
2- و ذلك بأن يقول الراوي بالسماع من الشيخ في حالة كونه راويا لغيره ذلك المسموع سمعت فلانا يقول:..، و إنما صارت أعلاها لأن سمعت نص في الدلالة على السماع الذي هو أعلى الطرق كما قيل.
3- كما في تدريب الراوي: 8/2، و دراية الشهيد: 85، و توضيح المقال: 52، و فتح المغيث: 16/2-17، و القوانين: 488 و غيرها.
4- عدّ السمعاني في أدب الإملاء و الاستملاء: 8، أنواع أخذ الحديث عن المشايخ، ثم قال: و أصح هذه الأنواع أن يملي عليك و تكتبه من لفظه، لأنك إذا قرأت عليه ربما تغفل أو لا يستمع، و ان قرأ عليك فربّما تشتغل بشيء عن سماعه، و ان قرئ عليه و الحضّر سماعه كذلك. و نظيره في صفحة: 10.

و.. هكذا على ترتيب الذكر، و قد علّل ذلك بقلة احتمال الخطأ في الأول بالنسبة إلى غيره لمكانه من المحافظة بالذهول و النسيان بالقراءة من الحفظ بخلافه في القراءة من الكتاب و عروضه من البصر المختص بالقراءة من الكتاب و إن كان ممكنا، إلا أنه أبعد من نحو النسيان المختص بالقراءة من الحفظ، و كذا قلّة اعتناء السامع بل المستمع الخارج عن الخطاب بل الداخل فيه ممن اختص به.

الثالث: كيفية اداء الحديث المتحمل بالسماع أو الاستماع من الشيخ العبارات الواردة و بيان اعلاها في التأدية

الثالث: أنهم صرحوا بأن المتحمل بالسماع أو الاستماع من الشيخ إذا أراد أن يروي ذلك الحديث المسموع لغيره يقول: سمعت فلانا، أو حدث فلان، أو حدثني، أو حدثنا، أو أخبرنا، أو أنبأنا(1)، أو روى، أو ذكر لنا(2)، أو سمعته

ص: 69


1- عن العراقي - و أقره غير واحد - ان اطلاق أنبأنا بعد أن اشتهر استعمالها في الإجازة يؤدي إلى أن نظن بما أداه بها أنها اجازة فيسقطه من لا يحتج بها فينبغي أن لا يستعمل في السماع لما حدث من الاصطلاح، كذا قيل و هو صحيح ان ثبت ثمّة انصراف أو تبادر. و لا يلزم السامع تبين هل كان السماع إملاء أو عرضا.
2- و قد تنظّر في هذا ابن الصلاح في المقدمة: 245، إلا أن والد الشيخ البهائي في درايته: 119، قال: و أوضح العبارات: قال و ذكر من غير لي أو لنا.

يروي، أو يحدث، أو يخبر، أو.. نحو ذلك(1).

و قد وقع الخلاف في تعيين أعلى العبارات في تأدية المسموع على قولين:

أحدهما: ما عن الأكثر(2) من أن أعلاها هو قول:

سمعت فلانا يقول أو يحدث أو يروي أو يخبر، لدلالته نصا على السماع الذي هو أعلى الطرق(3).

ثم بعدها في المرتبة أن يقول: حدثني و حدثنا، لدلالته أيضا على قراءة الشيخ عليه، و إنما جعلوا هذا دون سمعت في المرتبة لاحتمال حدث الإجازة لما سيأتي من إجازة بعضهم هذه العبارة في الإجازة و المكاتبة بخلاف سمعت، فإنه لا يكاد أحد يقول

ص: 70


1- و ينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ مخصوصا بما سمع من غير لفظ الشيخ أن يطلق فيما سمع من لفظه، لما فيه من الإيهام و الإلباس، كما نص عليه الأعلام.
2- كما ادعاه في البداية: 85، و الكفاية: 413، و تدريب الراوي: 8/2 [245]، فتح المغيث: 17/2، بل ادعى القاضي عياض عليه الإجماع. قال الحاكم في معرفة علوم الحديث: 260: و الذي اختاره في الرواية و عهدت عليه أكثر مشايخي و أئمة عصري أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا و ليس معه أحد: حدثني فلان، و ما يأخذه عن المحدث لفظا مع غيره: حدثنا فلان، و ما قرأ على المحدث بنفسه: أخبرني فلان، و ما قرئ على المحدث و هو حاضر: أخبرنا فلان، و ما عرض على المحدث فأجاز له روايته شفاها يقول فيه: أنبأني فلان، و ما كتب إليه المحدث من مدينة و لم يشافهه بالإجازة يقول: كتب إليّ فلان.
3- و لكونها أبعد من التدليس و نصا في السماع و الرواية عن الإجازة بخلاف حدثنا و ما بعدها.

سمعت في أحاديث الإجازة و المكاتبة و لا في تدليس ما لم يسمعه(1). و روى عن الحسن البصري أنه كان يقول: حدّثنا أبو هريرة و يتأوّل أنه حدث أهل المدينة و كان هو حينئذ بها إلا أنه لم يسمع منه شيئا مدلسا بذلك(2) و هو كما ترى لأنه كذب بيّن.

ثانيهما: ما أرسله في البداية(3) قولا من أن حدثني

ص: 71


1- كما ذكره الخطيب في الكفاية: 413 و اختاره، و قال في صفحة: 518: أن قول حدثني و أخبرني فلان لفظ موضوع ظاهره للمخاطبة و ان استعمل ذلك فيما قرئ على المحدث و الطالب يسمع، و إنما يستعمل أخبرني في المناولة و الإجازة و الكتابة اتساعا و مجازا، فإن كان كذلك وجب حمل الكلام على ظاهره المفيد للسماع و رفع اللبس و الإشكال. و قال السيد المرتضى في الذريعة: 557/2: و أجاز كل من صنف في اصول الفقه أن يقول من قرأ الحديث على غيره ثم قرره عليه فأقرّ به على ما قرأه عليه أن يقول: حدثني و أخبرني، و أجروه مجرى أن يسمعه من لفظه. ثم انه ذهب جمع إلى المنع من الإتيان بلفظ الجمع فيما لو علم أنه لم يحدثه بغيره، و هو توهم لجواز الإتيان بلفظ الجمع على سبيل التعظيم و التفخيم.
2- كما حكاه ثاني الشهيدين في بدايته: 85 من دون ذكر الأسماء، و نص عليه في بعض المصادر السابقة كفتح المغيث: 18/2.
3- البداية: 85، و القول لابن الصلاح قاله في المقدمة: 247: قال الشيخ - أي ابن الصلاح - حدثنا و أخبرنا أرفع من سمعت من جهة اخرى، و هي أنه ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ رواه الحديث و خاطبه به، و في حدثنا و أخبرنا دلالة على أنه خاطبه به و رواه له، أو هو ممن فعل به ذلك. قال السيد الداماد في تعليقته على الكافي: 108:.. ثم في تفضيل سمعت و سمعنا على حدثني و حدثنا أو بالعكس خلافا، و الأول أشهر و أرجح.

و حدثنا أعلى من سمعت فلانا يقول، لأنه ليس في سمعت دلالة على أن الشيخ روى الحديث و خاطبه به، و في حدثنا و أخبرنا دلالة على أنه خاطبه و رواه له(1).

ثم ردّه بأن هذه و إن كانت مزيّة، إلا أن الخطب فيها أسهل من احتمال الإجازة و التدليس و.. نحوهما، فيكون تحصيل ما ينفي ذلك أولى من تخصيصه باللفظ، أو كونه من جملة المقصودين به، إذ لا يفرق الحال في صحة الرواية بهذه المزية بين قصده و عدمه(2).

الرابع: بعد قوله حدثني و حدثنا في المرتبة: أخبرنا ثم انبانا

الرابع: إنه ذكر في البداية(3) و.. غيرها(4) أن بعد حدثني و حدثنا في المرتبة قوله فيما سمعه: أخبرنا، لأن أخبرنا

ص: 72


1- و حكاه غير واحد كالدربندي في المقابيس في: 26 - خطي - و تنظّر فيه و لم يرده.
2- و هنا قول ثالث: و هو التفصيل في أن حدثنا أرفع أن حدثه على العموم، و سمعت أن حدثه على الخصوص، ذهب له الزركشي، و اختاره القسطلاني في المنهج.
3- البداية: 86.
4- المصادر السابقة و شرح ألفية العراقي: 19/2، و مقدمة ابن الصلاح: 247. قال السيد ميرداماد في تعليقته على الكافي: 107-108: المأخوذ عن الشيوخ إن حدثني و حدثنا أعلى مرتبة من أخبرني و أخبرنا، فحدثني ما سمعته من لفظ الشيخ وحدي، و حدثني ما سمعته في السامعين، و أخبرني ما قرأته عليه بنفسي، و أخبرنا ما قرئ عليه و أنا شاهد سامع، و لا يجوز إبدال شيء منها بغيره. أقول: لا يخفى أن هذه الألفاظ كلا عند أهل اللسان بمعنى واحد و هو التحديث، و الخلاف إنما هو فيها اصطلاحا.

و إن كان ظاهرا في القول و كثير الاستعمال، حتى أنه حكي عن جمع من المحدثين أنهم لا يكادون يستعملون فيما سمعوه من لفظ الشيخ غيره(1)، إلا أن استعماله في الإجازة و المكاتبة أيضا كثيرا، جعله(2) أدون من حدث(3).

ثم بعد أخبرنا أنبأنا و نبأنا، لأن الغالب استعماله في الإجازة مع كونه قليل الاستعمال هنا قبل ظهور الإجازة منه، فضلا عما بعد الظهور(4).

و أما قول الراوي: قال لنا، أولي، و ذكر لنا، أولي، فهو

ص: 73


1- كما نص عليه السيوطي تبعا للنووي في التدريب: 9/2، و حكاه عن الخطيب و غيره.
2- خبر أنّ (منه قدس سره).
3- حكى ابن الأثير في جامع الاصول: 9/1-38 [تحقيق الارناءوط: 78/1] عن عبد اللّه بن وهب أنه قال: ما قلت حدثنا، فهو ما سمعت مع الناس، و ما قلت حدثني فهو ما سمعت وحدي، و ما قلت أخبرنا فهو ما قرئ على و أنا أشاهد، و ما قلت أخبرني فهو ما قرأت على العالم. ثم قال: و كذلك قال الحاكم أبو عبد اللّه النيسابوري.
4- قال الخطيب في كفايته: 415:.. ثم نبأنا و أنبأنا، و هي قليلة في الاستعمال. و في تعليقة السيد الداماد على الكافي: 108 قوله:.. و أما أنبأني و أنبأنا فقد انعقد الاصطلاح على عدم إطلاقهما إلا على الإجازة فقط لي وحدي ولي مع غيري، أو عليها و على المناولة أيضا، و إلا فلا فرق بين الأخبار و الأنباء لغة، و قريب منه ما قاله الدربندي في درايته: 26 - خطي -، و نظيره في جامع الاصول: 39/1، و حكى عن الحاكم قوله: أنبأنا إنما يكون فيما يجيزه المحدث للراوي شفاها دون المكاتبة.

كحدثنا(1)، فيكون أولى من أنبأنا و نبأنا لدلالته على القول أيضا صريحا، لكنه ينقص عن حدثنا بأنه بما سمع في المذاكرة في المجالس و المناظرة بين الخصمين أشبه و أليق من حدثنا، لدلالتهما على أن المقام لم يكن مقام التحديث و إنما اقتضاه المقام(2).

الخامس: بيان ادنى العبارات الواقعة في هذا الطريق

الخامس: إنه قد صرح جمع(3) بأن أدنى العبارات الواقعة في هذا الطريق قول الراوي بالسماع: قال فلان، أو ذكر فلان، من دون أن يضم إلى ذلك كلمة لي أو لنا، لأنه بحسب مفهوم اللفظ أعمّ من كونه سمعه منه أو وصل إليه بواسطة أو وسائط، لكن في البداية(4) و.. غيرها(5) أنه مع ذلك محمول على السماع منه عرفا، إذا تحقق لقاؤه للمروي عنه، لا سيما إذا كان الراوي ممن عرف من حاله أنه لا يقول ذلك إلا فيما سمعه(6). و شرط الخطيب - من محدثي العامة -

ص: 74


1- في الحكم لها بالاتصال حسبما علم مما تقدم، مع الإحاطة بتقديم الأفراد على الجمع، لكن الغالب عندهم في استعمال هذه الألفاظ فيما لو كانت مذاكرة، و قال ابن مندة و غيره: ان «قال لي» دال على كونه اجازة - كما حكاه السخاوي في الفتح: 22/2 - و قيل هو عرض و مناولة و له حكمهما.
2- كما نصّ عليه غير واحد كالشهيد في درايته: 86، و النووي في التقريب و تبعه السيوطي في التدريب: 11/2، و غيرهم.
3- راجع المصادر السابقة و شرح ألفية العراقي: 23/2، و المقدمة: 247.
4- البداية: 86.
5- قوانين الاصول: 488، و ما سلف من المصادر.
6- أي سلم من التدليس.

في حمله على السماع أن يقع ممن عرف من عادته أنه لا يقول ذلك إلا فيما سمعه منه حذرا من التدليس(1). و قد جعل في البداية هذا الاشتراط أولى، قال: و إن كان عدم اشتراطه أشهر(2).

قلت: أولوية الاشتراط واضحة، و لكن المعروف بينهم عدم الاشتراط. و قد أفرط ابن مندة(3) فقال: حيث قال البخاري قال لنا فهو اجازة، و حيث قال: قال فلان فهو تدليس، و ردّ العلماء عليه ذلك و لم يقبلوه(4).

السادس: عدم صحة التحمل و السماع و الرواية لمن لا يفهم المقروء

السادس: إنه لو لم يتمكن السامع أو المستمع من السماع أو الاستماع إما لاشتغاله بنسخ و كتابة أو تحدث، أو

ص: 75


1- الكفاية: 413، و حكاه عنه السيوطي في التدريب: 11/2، و السخاوي في فتح المغيث: 23/2.
2- البداية: 86، و عدّ في القوانين: 488 بعد ذلك و أدنى منه أن يقول: أمر بكذا و نهى عن كذا، فإنه يحتمل مضافا إلى احتمال الواسطة الغفلة في فهم الأمر و النهي، أو اطلاق الأمر و النهي على ما فهمه بالدلالة التبعية من النهي عن ضده أو الأمر به و إن كان بعيدا. ثم قال: و أما مثل أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا و نحو ذلك بصيغة المجهول، أو من السنة كذا، أو قول الصحابي كنّا نفعل كذا و أمثال ذلك فهي أدون الكل، و يتبع العمل بها و قبولها الظهور من جهة القرائن.
3- هو المحدث المعروف إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده (اسمه إبراهيم) العبدي الأصبهاني (310-395 ه) صاحب كتاب معرفة الصحابة و التاريخ الكبير و غيرهما. انظر: معجم المؤلفين: 238/1 عن عدّة مصادر.
4- انظر المستدرك رقم (216): مراتب الأخبار.

افراط القارئ في الإسراع، أو الإخفات أو البعد عن القارئ بحيث يخفي بعض الكلم، و الضابط كونه بحيث لا يفهم المقروء(1)، فقد جزم جمع منهم الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية(2) بعدم صحة التحمل و السماع و الرواية حينئذ، لعدم تحقق معنى الاخبار و التحديث معه. و جزم آخرون منهم الحافظ موسى بن هارون الحمال(3) بالصحة، و فصل ثالث:

بين فهم الناسخ و نحوه المقروء و بين عدم فهمه ذلك، بالصحة في الأول دون الثاني، و على الصحة فالتعبير عنه حضرت و نحوه لا حدثنا و أخبرنا(4).

ثم انه صرح في البداية(5)

ص: 76


1- عنونة المسألة هكذا: إذا نسخ السامع أو المسمع حال القراءة و ما ذكر من فروع المسألة، و كان الأولى عنونتها بذلك، و هي ذات أربعة أقوال، لاحظ مستدرك رقم (217).
2- البداية: 90، و عدّ ابن الصلاح في المقدمة: 256 جمع منهم.
3- أقول لعله: ابو عمران موسى بن هارون بن عبد اللّه بن مروان البغدادي البزاز (214-294 ه) محدث حافظ: صنف الكتب و جمع، و لم أجد الحمال. انظر: تذكرة الحفاظ: 217/2، معجم المؤلفين: 49/13.
4- ما ذكره المصنف (رحمه اللّه) أخيرا يعد قولا رابعا في المسألة، لأنه لم يذهب له المفصلون، و إنما ذهب إليه أبو بكر الصبغي الشافعي، المتوفى 271 ه من لزوم قول حضرت عند الأداء و لا يقول حدثنا أو أخبرنا، فتدبر، و التفصيل الثالث لابن الصلاح في درايته: 257 و هو أوّل من قال به، كما صرح بذلك من جاء بعده.
5- البداية: 90 و مراده ما لو حدث الشيخ أو السامع أو أفرط القارئ في الإسراع بحيث يخفي بعض الكلام أو القارئ كذلك أو بعد السامع بحيث لا يفهم المقروء قال السيوطي في التدريب: 25/2: و الظاهر أنه يعفى في ذلك عن القدر اليسير الذي (لا: ظاهرا) يخلّ عدم سماعه بفهم الباقي نحو الكلمة و الكلمتين. ثم ان ثاني الشهيدين عبّر عن هذا القول بلفظ القيل، و لعله تمريضا له و تضعيفا، كما هو الحق للمتدبر.

و.. غيرها(1) بأنه يعفى عن اليسير من النسخ و.. نحوه على وجه لا يمنع أصل السماع، و إن منع وقوعه على الوجه الأكمل قال:

و يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس في حسن الفهم و عدمه و اندفاعه بالشواغل، فإن منهم(2) من لا يمنعه النسخ و نحوه مطلقا، و منهم من يمنعه أدنى عائق. و قد روى الحافظ أبو الحسن الدارقطني أنه حضر في حداثته مجلس الصفار(3) فجلس ينسخ جزء كان معه و الصفار يملي، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك و أنت تنسخ، فقال: فهي للإملاء خلاف فهمك، ثم قال: تحفظ كم املأ(4) الشيخ من حديث إلى الآن؟(4) فقال الدارقطني:

املأ(6) ثمانية عشر حديثا، فعددت(5) الأحاديث فوجدت(6)

ص: 77


1- كابن الصلاح في المقدمة: 258.
2- في درايتنا: فيهم.
3- أي إسماعيل الصفار: و هو أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح الصفار، المتوفى سنة 341 ه، له جزء. (4و6) الظاهر: أملى.
4- في نسختنا: فقال: لا، فقال.. إلى آخره و هو الصحيح، و كذا في المقدمة: 257.
5- الظاهر: فعدت.
6- في البداية: فوجدتها.

كما قال. ثم قال أبو الحسن(1): الحديث الأول منها عن فلان و متنه كذا، و الحديث الثاني عن فلان و متنه كذا.. و لم يزل يذكر أسانيد الأحاديث و متونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها، فتعجب الناس منه(2).

السابع: كيفية اجازة الشيخ للسامعين

السابع: إنه صرح جمع(3) بأنه يترجّح للشيخ أن يجيز السامعين رواية المسموع أجمع أو الكتاب بعد الفراغ منه و إن جرى على كله اسم السماع، و إنما كان الجمع بين السماع و الإجازة لاحتمال غلط القارئ و غفلة الشيخ أو غفلة السامع عن بعضه فيجيز ذلك بالإجازة لما فاته، و إذا أراد الشيخ أن يكتب لأحدهم الإجازة فليكتب: سمعه مني و أجزت له روايته عنّي جمعا بين الأمرين(4).

ص: 78


1- أي الدارقطني.
2- البداية: 90-91، و قد نقله بنصه عن التدريب: 24/2، و الأصل في المقدمة: 257-258. أقول: ما ذكر من الأقوال و التفصيل في النسخ يجري مثله فيما إذا كان الشيخ أو السامع يتحدث أو، كان القارئ خفيف القراءة يفرط في الإسراع، أو كان ضعيف الصوت بحيث يخفي بعض كلامه، أو كان السامع بعيدا عن القارئ.. و ما أشبه ذلك.
3- كثاني الشهيدين في درايته: 91، و الشيخ حسين العاملي في وصول الأخيار: 121 و ابن الصلاح في المقدمة 258، و غيرهم.
4- بل قيل: لا غنى في السماع عن الإجازة لجبرها للغفلة و الغلط. و سيأتي الكلام عنها في بحث الإجازة. ثم انه ذهب جمع - و أوّل من فعل ذلك فيما نعرف أبو طاهر إسماعيل بن عبد المحسن الأنماطي - إلى أنه ينبغي للكاتب أن يكتب اجازة الشيخ عقب كتابه السماع، و هذا ما نجده في كراريس و أسفار مشايخنا العظام (قدس اللّه أرواحهم) غالبا فيما بقي منها بأيدينا. و هي دعوى استحسانية صرفه قال الشيخ حسين في درايته: 121: فإن كتب لأحدهم كتب سمعه مني أو سمع بعضه أو عليّ و أجزت له روايته عني عن مشايخي بطرقي المتصلة إلى المصنف، ثم منه إلى الأئمة المعصومين (عليهم السّلام).
الثامن: من احكام المستملي و كيفية الرواية عنه

الثامن: إنه لو عظم مجلس المحدث المملي و كثر الخلق و لم يمكن اسماعه للجميع فبلغ عنه مستملي(1)، ففي جواز رواية السامع المستملي تلك الرواية عن المملي قولان:

أحدهما: الجواز، و هو المعزي إلى جماعة من متقدمي المحدثين(2)، لقيام القرائن الكثيرة بصدقه فيما بلغه عن مجلس الشيخ عنه(3)، و لجريان السلف عليه كما في البداية، قال:

فقد كان كثير من الأكابر يعظم الجمع في مجالسهم جدا حتى يبلغ الوفا مؤلفة، و يبلغ عنهم المستمعون(4) فيكتبون عنهم بواسطة تبليغهم(5)، و أجاز غير واحد رواية ذلك عن المملي، و أكثر ما بلغنا في ذلك عن أصحابنا أن الصاحب كافي الكفاة

ص: 79


1- انظر مستدرك رقم (209) الأمالي، المار ذكره.
2- كما عزاه النووي في التقريب و تبعه السيوطي في التدريب: 25/2 كذلك.
3- و هو حق إن كان المبلغ ثقة و أمن التغيير لقرائن الحال، و إن ذهب كثير من المحققين - كما صرح والد الشيخ البهائي في وصول الأخيار: 122 و غيره - أنه لا يجوز، كيف و ذلك بمنظر من الشيخ و مسمع منه! كما هو واضح.
4- في درايتنا: المستملون، و هو الأصح.
5- في المصدر: تبلغهم. و المعنى واحد.

إسماعيل بن عباد(1) لما جلس للإملاء حضر خلق كثير، فكان المستملي الواحد لا يقوم بالإملاء حتى انضاف إليه ستة كل يبلغ صاحبه.

و روى أبو سعيد السمعاني(2) في أدب الاستملاء أن المعتصم وجه من يحرز مجلس عاصم بن علي بن عاصم(3) في رحبة النخل الذي في جامع الرصافة، قال: و كان عاصم يجلس على سطح المسقفاة(4). و ينشر الناس في الرحبة و ما يليها، فيعظم الجمع جدا حتى سمع يوما يستعاد اسم رجل في الإسناد أربع عشرة مرة و الناس لا يسمعون(5) فلما بلغ المعتصم كثرة

ص: 80


1- هو أبو القاسم ابن عباد بن العباس الطالقاني (326-385 ه) الوزير الأديب، نادرة دهره، مصنف مبدع. انظر عنه: تنقيح المقال: 135/1، معجم الأدباء: 273/2، الأعلام: 312/1 عن جملة مصادر، و كذا معجم المؤلفين: 274/2، أعيان الشيعة: 322/11 و غيرها.
2- الشيباني، كذا في نسختنا. و هو غلط، إذ هو أبو سعد (لا أبو سعيد) عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المتوفى سنة 562 ه.
3- .. ابن صهيب التيمي بالولاء أبو الحسين المتوفى سنة 221 ه، من حفاظ الحديث الثقات عند العامة و من شيوخ البخاري، نقل القصة كل من ترجمه. انظر: تاريخ بغداد: 247/12، ميزان الاعتدال: 4/2، و غيرهما.
4- في الدراية: المسقاط. و في أدب الاملاء: المسقطات، و لا معنى له، و ما في المتن أولى معنى، و أكثر استعمالا.
5- هنا سقط و هو: قال: فكان هارون المستملي يركب نخلة معوجة و يستملي عليها.

الجمع أمر من يحرزهم(1)، فحرزوا المجلس عشرين ألفا و مائة ألف(2). ثم خمدت نار العلم و بار، و ولت عساكره الأدبار.

فكأنّه برق تألّق بالحمى *** ثم انطوى فكأنّه لم يلمع

انتهى ما في البداية(3).

ثانيهما: إنه لا يجوز لمن أخذ عن المستملي أن يرويه عن المملي بغير واسطة المستملي، لأنه خلاف الواقع، و هو الأظهر كما في البداية(4)، بل قيل أن عليه المحققين(5)، و الأولى أن يبين حالة الأداء أن سماعه لذلك أو لبعض الألفاظ من المستملي(6).

ص: 81


1- في المصدر: يحزرهم، و ما اثبت أصح.
2- أدب الاملاء و الاستملاء: 7-16، بألفاظ متقاربة. و انظر تاريخ بغداد: 108/1 و 248/12، تذكرة الحفاظ: 359/1، و غيرها.
3- البداية: 91-92، بتغير يسير.
4- البداية: 92.
5- كما قاله النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: 26/2، و صوّبوا هذا القول و حكوا الأول عن العراقي.
6- من فروع هذه المسألة أنه هل يجوز استفهام الكلمة أو الشيء من غير الراوي كالمستملي و نحوه. حكي عن محمد بن عبد اللّه الموصلي أنه قال: ما كتبت قط من في المستملي و لا التفت إليه و لا أدري أي شيء يقول، إنما أكتب عن في المحدث - كما في الكفاية في علم الرواية: 125 - قال: قد أجاز غير واحد من الأئمة الاستفهام من المستملي و نحوه، إلا أن المستحب عندي أن يبين ما حصل الاشتباه فيه.
التاسع: لا يشترط علم المحدث بالسامعين

التاسع: إنه لا يشترط علم المحدث بالسامعين، فلو استمع من لم يعلم المحدث به بوجه من الوجوه المانعة من العلم جاز للسامع أن يرويه عنه، لتحقق معنى السماع المعتبر(1)، و لو قال المحدث: أخبركم و لا أخبر فلانا أو خص قوما بالسماع، فسمع غيرهم، أو قال بعد السماع: لا ترو عني، أو رجعت عن اخبارك، أو لا اذن لك روايته، و الحال أنه غير ذاكر خطا للراوي موجبا للرجوع عن الرواية له، روى السامع عنه في الجميع لتحقق أخبار الجميع و إن لم يقصد بعضهم، كما صرح بذلك جمع(2) منهم الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية(3) ثم قال: حتى لو حلف لا يخبر فلانا بكذا فأخبر جماعة و هو فيهم فاستثناه حنث، بخلاف ما لو حلف لا يكلمه و استثناه، و كذلك نهيه عن الرواية لا يزيلها بعد تحققها، لأنه قد حدثه و هو شيء لا يرجع فيه(4). نعم لو كان رجوعه لتذكره الخطأ في الرواية تعين الرجوع و يقبل قوله(5).

ص: 82


1- كل هذا إذا عرف صوته أو أخبر به عدلان، أو ثقة على الأقوى، و اعتضد بقرائن الأحوال بحيث أمن التدليس، و كذا يجوز القراءة عليه و الرواية عنه كذلك.
2- منهم والد الشيخ البهائي في درايته: 122، و السيوطي في تدريبه: 28/2، و ابن الصلاح في مقدمته: 261، و غيرهم.
3- البداية: 93.
4- في نسختنا من البداية زيادة هي: و في معناه ما لو قال: رجعت عن اخباري إياك به، أو لا اذن لك في روايته، و نحو ذلك.
5- البداية: 93 بتصرف يسير. انظر مستدرك رقم (218) فوائد.

ثانيها: القراءة على الشيخ

اشارة

ثانيها: القراءة على الشيخ، و تسمى عند أكثر قدماء المحدثين: العرض(1)، لأن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرأه(2)، كما يعرض القرآن على المقرئ، و قيل أن القراءة أعم مطلقا من العرض، لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض و غيره، و لا يصدق العرض إلا بالقراءة، لأن العرض عبارة عما يعرض به الطالب أصل شيخه معه أو مع غيره بحضرته، فهو أخص من القراءة(3).

ص: 83


1- كما صرح بذلك ثاني الشهيدين في البداية: 86، و الشيخ الحسين العاملي في وصول الأخيار: 119، و تحفة العالم: 112/1 و قال: و هي التي عليها المدار في هذه الأعصار، و عرّفها الدربندي - كذلك - في درايته: 26 - خطي -، و نظيره في فتح المغيث: 24/2-32 و غيرهم و يقال لها: عرض القراءة أيضا، و المناولة كذلك، بل الظاهر الجواز في ذلك كله كما يظهر من المولى ملا علي كني في توضيح المقال: 52 و جمع، إلا أنه يستفاد من بعض القدماء - كالحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث: 257 و غيره - أن العرض هو كون الراوي حافظا متقننا فيقدم المستفيد إليه جزءا من حديثه أو أكثر من ذلك فيناوله فيتأمل الراوي حديثه فإذا أخبره و عرف أنه من حديثه قال للمستفيد: قد وقفت على ما ناولتنيه و عرفت الأحاديث كلها، و هذه رواياتي عن شيوخي فحدّث بها عني. و هو كما ترى خروج عن الاصطلاح، و لعله كان كذلك فيما مضى. قال الحاكم: فقال جماعة من أئمة الحديث أنه سماع. و على كل حال كان العرض عليه المدار قديما في الحلقات العلمية و الدراسات الحديثية.
2- و لا بد من حفظ الشيخ للأصل أو كونه مصحح بيده أو بيد ثقة ذي بصيرة.
3- كما اختاره ابن حجر في شرح البخاري، و لا وجه لما فعله البعض من درج عرض المناولة فيه كما سيأتي.

قلت: إن ثبت لهم اصطلاح خاص في المقام، و إلا أمكن دعوى أن بينهما عموما من وجه، إذ كما يمكن القراءة من غير عرض فكذا يمكن العرض من غير قراءة، كما لا يخفى.

ثم ان هنا مطالب:
الاول: انحاء هذا الطريق

الأول: إن هذا الطريق أيضا على أنحاء:

أحدها: قراءة الراوي على الشيخ من كتاب بيده و في يد الشيخ أيضا مثله مع الصحة، ثم يقترن(1) بالموافقة و بكونه روايته(2).

ثانيها: قراءته على الشيخ من كتاب بيده و الشيخ يستمع عن حفظه ثم يقرّ بصحته(3).

ثالثها: قراءته لما يحفظه و الأصل بيد الشيخ فيسمع، ثم يقرّ بصحة ما حفظه.

رابعها: قراءته عن حفظه و استماع الشيخ أيضا عن حفظه، و اقراره بصحته.

خامسها: قراءته من كتاب بيده و الأصل بيد ثقة غيره،

ص: 84


1- في الطبعة الأولى: يعترف، و المعنى واحد.
2- و هذا الطريق يعد أعلاها، لما مرّ و ما سيأتي من الوجوه المتفاوتة ضعفا و قوة.
3- و قد يكون المقابل غير الشيخ ممن يوثق به عندهم أو عند الشيخ مع اقراره له، كما أنه قد يكون على أكثر من واحد كل منهم لديه نسخة مقابلة مصححة يسمعون من يقرأ بحضرة الشيخ.

فيسمع الشيخ و يقرّ بصحته.

سادسها: قراءة غيره من كتاب بيده لما يحفظه الراوي، فيسمع الشيخ من كتاب بيده و يقرّ بصحته.

سابعها: هو السادس مع استماع الشيخ حفظا من دون أن يكون الأصل بيده أو يد ثقة.

.. إلى غير ذلك من الأقسام المختلفة في مراتب العلو و النزول بالبعد عن السهو و الخطأ و القرب منه، و يتكرر الأقسام بفرض سكوت الشيخ بعد الاستماع مع توجهه إليه و عدم مانع عن المنع و الردع من غفلة أو اكراه أو خوف، و انضمام القرائن الدالّة على رضاه و اقراره بصحته من دون أن يقرّ بها لفظا(1)، بناء على كفايته كما يأتي التعرض له إن شاء اللّه تعالى.

و لا عبرة بامساك غير الثقة الأصل، لاحتمال الغلط و التصحيف في مقرو الراوي و عدم رد غير الثقة، و هذا بخلاف احتمال سهو الثقة فيما إذا أمسك، فإنه لندرته لا يعتنى به، كما لا يعتنى باحتمال سهو الشيخ.

الثاني: ما يتحمل بهذا الطريق من الاخبار رواية صحيحة

الثاني: أنهم صرحوا بأنّ ما يتحمل بهذا الطريق من الأخبار رواية صحيحة، بل في البداية(2) و.. غيرها أن عليه اتفاق المحدثين(3) و إن خالف فيه من لا يعتد به، و أشار بمن لاو السيوطي في شرحه: 12/2-13، و صرح ابن الصلاح في المقدمة 248 بالأول.

ص: 85


1- كما نص على ذلك غير واحد كالميرزا القمي في القوانين: 489 و غيره.
2- البداية: 87.
3- و في وصول الأخيار: 120 دعوى عدم الخلاف، و كذا النووي فى التقريب

يعتد به إلى أبي عاصم النبيل(1)، حيث روى عنه الرامهرمزي المنع من صحة التحمل بهذا الوجه، و هو كما ترى لا دليل عليه(2).

الثالث: هل هذا الطريق يساوي السماع أو يرجح عليه؟

الثالث: أنهم اختلفوا في مساواة هذا الطريق للسماع من

ص: 86


1- و تعرض لغيرهم البلقيني في محاسن الاصطلاح المطبوع ذيل مقدمة ابن الصلاح: 248، و حكي عن بعض الظاهرية عدم الجواز بالرواية بهذا الطريق، و لعل دليلهم هو كون السكوت أعمّ من الرضا، و هو باطل، لأنه لو لم يكن صحيحا لكان سكوته عليه و هو يقرأ و تقريره له فسقا قادحا في عدالته، فتأمل. أقول: و أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني البصري المعروف بالنبيل (122-212 ه) محدث و شيخ حفاظ الحديث في عصره، سمع عن صادق آل محمد (عليهم السّلام)، له جزء في الحديث. انظر: تهذيب التهذيب: 450/4، الأعلام: 310/3، معجم المؤلفين: 27/5 كلاهما عن عدّة مصادر.
2- قال في الكفاية: 380: ذهب بعض الناس إلى كراهة العرض - و هو القراءة على المحدث - و رأوا أنه لا يعتد إلا بما سمع من لفظه، ثم قال: و قال جمهور الفقهاء و الكافة من أئمة العلم بالأثر: إنّ القراءة على المحدث بمنزلة السماع منه في الحكم. ثم إنّ الخطيب روى في الكفاية عن وكيع قوله: ما أخذت حديثا قط عرضا ، و نسب إلى محمد بن سالم من العامة أيضا. و لا أعرف من الخاصة من ناقش فيه أو استشكل، و كلام ابن سالم و أبو عاصم غير سالم مع أنه مسبوق بالإجماع و ملحوق به على مبناهم، و نحن في غنى عنهم و منهم.

لفظ الشيخ أو رجحان أحدهما على الآخر، على أقوال:

أحدها: إن السماع من الشيخ أعلى من القراءة عليه، و هو الأشهر كما في البداية(1). و عليه جمهور أهل المشرق كما في غيرها(2)، لما مرّ هناك من الوجه.

ثانيها: كونهما على حد سواء، و هو المنقول عن علماء الحجاز و الكوفة(3)، لتحقق القراءة في الحالين مع سماع

ص: 87


1- البداية: 87، و تبعه السيد الصدر في نهاية الدراية: 174، و السيد جعفر بحر العلوم في التحفة: 112/1، و عقد له الخطيب البغدادي له بابا في الكفاية في علم الرواية: 395-398، و نصّ عليه في اصول الحديث: 235، و فتح المغيث تبعا لألفية العراقي: 28/2، بل غالب المصادر السالفة. قال السيد الداماد في تعليقته على الكافي: 113-114 في ذيل حديث عبد اللّه بن سنان في باب رواية الكتب و الحديث في سؤال الصادق (عليه السّلام): يجيئني القوم فيسمعون مني حديثكم فاضجر و لا أقوى.. إلى آخره. و قد سبق نصه قريبا، قال: هذا حديث صحيح عالي الإسناد و مفاده تفضيل السماع المعبر عنه اصطلاحا بلفظ التحديث على العرض المعبر عنه بلفظ الأخبار، و ذلك هو الأشهر و عليه الأكثر. ثم قال: و ذهب رهط إلى أن القراءة و العرض على الشيخ كتحديث الشيخ و سماع التلميذ من لفظه من غير تفاضل، و شرذمة إلى أن العرض أعلى من السماع، ثم قال: و التعويل عندي على المشهور لقوة المستند و صحة السند.
2- كما جاء في كلام النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في شرحه: 15/2 و قالا: و هو الصحيح، و كذا في المقدمة: 250، و قاله في محاسن الاصطلاح ذيل المقدمة: 249 و غيرهم.
3- كما قاله ثاني الشهيدين في البداية: 87، و سبقه ابن الصلاح في المقدمة: 249، بل عن مالك أيضا كما حكاه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 259، و كذا أصحابه و أشياخه من علماء المدينة و علماء الكوفة و البخاري و غيرهم، و عقد الخطيب البغدادي في الكفاية: 383-395 بابا في أن القراءة على المحدث بمنزلة السماع منه، و لعل الأظهر أن ادعاء هؤلاء المساواة في صحة الأخذ بها ردّا على من أنكرها لا أنهما في مرتبة واحدة، فتدبر.

الآخر، و قيام سماع الشيخ مقام قراءته في مراعاة الضبط، و ورد به حديث عن ابن عباس أن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قال: قراءتك على العالم و قراءة العالم عليك سواء(1).

و الجواب: أما عن التساوي في الضبط فما مرّ، مضافا إلى وضوح كون قراءة العالم أقوى في الضبط من القراءة عليه لكون قراءته أبعد عن السهو من سماعه كما هو ظاهر. و أما النبوي (صلّى اللّه عليه و آله) فقد قيل أن المراد به المساواة في صحة

ص: 88


1- كذا قاله الشهيد في درايته: 87، إلا أن مضمون هذه الروايات ذكرها البغدادي في الكفاية: 383 عن علي (عليه السّلام) لا عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) - كما قاله الشهيد و الشيخ الجد (قدس سرهما) - و رواه في فتح المغيث: 27/2 عن علي (عليه السّلام) و ابن عباس و أبي هريرة، و قد روى في الكفاية: 386 عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه أنه قال: عرض الكتاب و الحديث سواء. بل روى بطريق عامي عن علي (عليه السّلام) أنه قال: القراءة على العالم أصح من قراءة العالم بعد ما أقرّ أنه حديثه، كما جاء في الكفاية، و قد نقل روايات بهذا المضمون في صفحة: 398-399. و عن غيره (عليه السّلام) حتى صفحة: 408 و فيه ما لا يخفى، و مقابل هذا من عكس، و آخر قد رجّح العرض. و في الكل كلام فصلناه في المستدرك.

الأخذ بالقراءة على العالم ردا على من أنكرها، لا في اتحاد المرتبة.

ثالثها: إن القراءة على الشيخ أعلى من السماع من لفظه، حكى القول به عن أبي حنيفة(1) و ابن أبي ذئب(2)و الليث بن سعد(3) و شعبة(4) و ابن لهيعة(5) و يحيى بن

ص: 89


1- أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي (80-150 ه) إمام الحنفية، له مسند في الحديث، و توجد ترجمته في غالب المعاجم. انظر: تاريخ بغداد: 323/13، مرآة الجنان: 309/1، النجوم الزاهرة: 323/13، البداية و النهاية: 107/10 و غيرها.
2- هو أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري المدني، (80-158 ه) من التابعين، مفتي المدينة و محدثها. انظر: تهذيب التهذيب: 303/9، النجوم الزاهرة: 35/2، الأعلام: 61/7، الفهرست لابن النديم: 225/1 و غيرها.
3- هو أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي بالولاء (94 - 175 ه) إمام أهل مصر في وقته، له أخبار و تصانيف. انظر: تهذيب التهذيب: 459/8، تذكرة الحفاظ: 207/1، ميزان الاعتدال: 361/2، تاريخ بغداد: 3/13 و غيرها.
4- أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي الواسطي البصري (82-160 ه) من أئمة الحديث عند العامة حفظا و دراية و تثبتا. له كتاب الغرائب في الحديث و غيره. انظر عنه: شذرات الذهب: 247/1، تهذيب التهذيب: 338/4، تاريخ بغداد: 255/9، و ترجمه أيضا الشيخ الجد في تنقيح المقال: 85/2 و العاملي في أعيان الشيعة: 113/36، و في رجال أبو علي: 161 و غيرها.
5- هو أبو عبد الرحمن عبد اللّه بن لهيعة بن فرعان الحضرمي (97-174 ه) قاضي الديار المصرية و عالمها و محدثها. انظر: الأعلام: 256/4 عن عدة مصادر.

سعيد(1) و يحيى بن عبد اللّه بن بكير(2) و العباس بن الوليد بن مزيد(3)و أبي الوليد و موسى بن داود الضبي(4) و أبي عبيد(5) و أبي حاتم(6)

ص: 90


1- قد مرت ترجمته في صفحة: 230 من المجلد الاول.
2- المعروف بابن بكير، القرشي المخزومي بالولاء، المتوفى سنة 231 ه، من حفاظ الحديث و التاريخ و رواته. انظر: تهذيب التهذيب: 238/11، و الأعلام: 191/9، و شذرات الذهب: 71/2، و غيرها.
3- هو أبو الوليد الفارسي، من أئمة العلم بالحديث في، قيل عنه إمام المغرب و المشرق. انظر عنه: الأعلام: 40/4 عن عدة مصادر. و لعل العبارة: العباس بن الوليد بن مزيد أبو الوليد - من دون عطف - و لا نعرف أبو الوليد هذا و لم يذكر في المصادر الآتية.
4- الكوفي، أبو عبد اللّه قاضي طرسوس توفى سنة 217 ه من العلماء بالحديث، و كان مصنفا مكثرا. انظر عنه: تذكرة الحفاظ: 343/1، شذرات الذهب: 38/2، ميزان الاعتدال: 210/3، تهذيب التهذيب: 342/10 و غيرها.
5- الظاهر المراد منه هو: علي بن الحسين بن حرب (232-319 ه) من القضاة - له جملة تصانيف. انظر: الأعلام: 87/5، معجم المؤلفين: 73/7 و غيرهما.
6- هو محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ اليمني الدارمي البستي الشافعي (270-354 ه) فقيه لغوي، محدث حافظ، صاحب كتاب الثقات و المسند الصحيح و الطبقات الأصفهانية و غيرها. انظر: البداية و النهاية: 259/11، النجوم الزاهرة: 342/3، تذكرة الحفاظ: 125/3، لسان الميزان: 16/3، ميزان الاعتدال: 39/3 و غيرها. و لعله قد مرّت ترجمته.

و ابن جريج(1) و الحسن بن عمارة(2) و.. غيرهم(3) من محدثي العامة.

و احتجوا بأن الشيخ لو غلط لم يتهيأ للطالب الرّدّ عليه(4). و فيه: إن غلط الشيخ في القراءة أبعد من سهوه في

ص: 91


1- هو أبو الوليد أو أبو خالد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الاموي (80-150 ه) إمام أهل الحجاز، قال الذهبي: كان ثبتا لكنه يدلس!. انظر: تذكرة الحفاظ: 160/1، تاريخ بغداد: 400/10، تهذيب التهذيب: 402/6، وفيات الأعيان: 359/1 و غيرها.
2- ابو محمد الكوفي مولى بجيلة مات سنة 153 ه، محدث متروك الحديث ضعيف عندهم. انظر عنه: تهذيب التهذيب: 304/2 برقم 532، تاريخ بغداد: 345/7 برقم 3870، شذرات الذهب: 234/1، العبر: 168/1 حوادث سنة (153 ه)، ميزان الاعتدال: 513/1، برقم (1918)، تقريب التهذيب: 169/1، الجرح و التعديل: 27/3 برقم: 116 و غيرها.
3- كما حكاه الدارقطني و الخطيب البغدادي و النووي و السيوطي و غيرهم عن غيرهم، لاحظ الكفاية: 276، تدريب الراوي: 13/2، معرفة علوم الحديث: 259، اصول الحديث: 235، و سبقهم ابن الصلاح في مقدمته: 65 و عقد الحاكم في معرفة علوم الحديث: 256-261 نوعا خاصا من أنواع الحديث في معرفة من رخص في العرض على العالم و رآه سماعا، و من رأى الكتابة بالإجازة من بلد إلى بلد أخبارا و من أنكر ذلك، و رأى شرح الحال فيه عند الرواية.. إلى آخره.
4- أما لأنه ليس من أهل المعرفة، أو لأن الغلط صادف موضع اختلاف بين أهل العلم فيه فيتوهم ذلك الغلط مذهب الشيخ فيحمله عنه على وجه الصواب، أو أن هيبة الشيخ و جلاله تكون مانعا من الرد عليه. و قيل: إذا قرأت عليّ شغلت نفسي بالإنصات لك و إذا حدثتك غفلت عنك! بل قيل: القراءة على العالم أصح من قراءة العالم بعد ما أقرّ أنه حديثه، رواه الخطيب في الكفاية: 398/9 و لاحظ صفحة: 408، هذا غاية ما يمكن أن يستدل لهم، و في الكل نظر.

صورة السماع من الراوي.

و في البداية: إني ما وقفت لهؤلاء على دليل متبع(1) إلا ملاحظة الأدب مع الشيخ في عدم تكليفه للقراءة(2) التي هي بصورة أن يكون تلميذا لا شيخا(3).

قلت: لا أظن أن أحدا من هؤلاء نظر إلى ذلك في اختيار القول الثالث، ضرورة أن كون من يقرأ تلميذا ممنوع مع أن الأدب غير عالم(4) رتبة التحمل، كما لا يخفى.

ثم أنه حكى عن صاحب البديع - بعد اختياره التسوية - أن محل الخلاف ما إذا قرأ الشيخ في كتابه لا يسهو(5)، فلا فرق بينه و بين القراءة عليه، أما إذا قرأ الشيخ من حفظه فهو أعلى بالاتفاق.

و عن بعضهم أن محل ترجيح السماع ما إذا استوى الشيخ و الطالب أو كان الطالب أعلم لأنه أوعى لما يسمع، فإن كان مفضولا فقراءته أولى لأنها أضبط له، و لهذا كان السماع من

ص: 92


1- في درايتنا: مقنع، و المعنى واحد.
2- في المصدر: بالقراءة.
3- البداية: 87، و شرح الخطيب في الكفاية: 402، و قد ذكر أدلتهم مفصلا، و إن كان ما نص عليه ثاني الشهيدين عمدتها و حاصلها.
4- كذا، و العبارة مشوشة.
5- في الطبعة الاولى من الكتاب: لأنه قد يسهو.

لفظه في الإملاء أرفع الدرجات، لما يلزم منه من تحرير الشيخ و الطالب(1).

الرابع: كيفية اداء المتحمل بالقراءة اذا اراد رواية ذلك الحديث
اشارة

الرابع: أنهم صرحوا بأن المتحمل بالقراءة على الشيخ إذا أراد أن يروي ذلك الحديث يقول قرأت على فلان أو قرئ عليه و أنا أسمع(2) فأقرّه الشيخ به، أي لم يكتف بالقراءة عليه و لا بعدم انكاره و لا باشارته بل تلفظ بما يقتضي الإقرار بكونه مرويه. قال في البداية(3) و غيرها(4): و هذان أعلى اعتبارات هذا الطريق، لدلالتهما على الواقع صريحا، و عدم احتمالهما غير المطلوب، ثم يلي ذلك عبارات السماع مقيدة بالقراءة لا مطلقة كحدثنا بقراءتي أو قراءته عليه و أنا أسمع، أو أخبرنا بقراءتي أو بقراءته عليه و أنا أسمع، أو أنبأنا أو نبأنا، أو قال لنا كذلك قراءة(5).

ص: 93


1- و رابع الأقوال: التوقف، أو الوقف على حد ما ذكره السخاوي في شرح الألفية: 27/2 عن بعض لم يسمّه.
2- و ذلك للأمن من التدليس.
3- البداية: 87-88.
4- كما في وصول الأخيار: 120 قال: و الأحوط في الرواية بها قرأت على فلان أو قرئ عليه و أنا أسمع فأقر به. و كذا قاله في جامع المقال للطريحي: 39، و السيوطي في التدريب: 16/2 و قال: الأحوط الأجود، و في شرح ألفية العراقي تبعا للناظم: 28/2 أنه الأجود الأسلم في اداء ما سمع كذلك.. إلى آخره. و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 250.
5- كما قاله في شرح التقريب: 16/2-17، و كذا قولهم عرضت عليه أو عرض عليه فأقر به أو اظهره.. و أمثال ذلك في افادته المدعى من دون لزومه لكذب أو التدليس أو التكلم بظاهر وصفا أو غير ذلك و ارادة خلافه.
هل يجوز اطلاق حدثنا و اخبرنا و انبانا في هذا الطريق

و في جواز اطلاق حدثنا و أخبرنا و أنبأنا(1) حينئذ أقوال:

أحدها: الجواز في الجميع، و هو المحكى عن جمع من المحدثين منهم الزهري(2) و مالك بن أنس(3) و سفيان بن عيينة(3)و يحيى بن سعيد القطان(5) و البخاري، بل قيل أن عليه معظم الحجازيين و الكوفيين(4)، لأن اقرار الشيخ به قائم مقام التحديث و الاخبار، و من ثم جازا مقترنين بالقراءة عليه(5).

ص: 94


1- بل منهم من أجاز فيها سمعت أيضا و ألحقها بها، و روى عن جماعة - كما حكاه السيوطي في التدريب: 17/2 - و الحق عدم جواز ذلك كما يستشم ذلك من المشهور.
2- هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبد اللّه بن شهاب الزهري (58 - 124 ه) محدث مؤرخ، تابعي، قيل هو أول من دون الحديث، صاحب كتاب مغازي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و غيره. انظر: تذكرة الحفاظ: 102/1، الأعلام: 317/7، معجم المؤلفين: 21/12، حلية الأولياء: 360/3، تهذيب التهذيب: 445/9 و غيرها. (3و5) مرت ترجمتهما في صفحة رقم: 343 و 230 من المجلد الاول.
3- اسم أبيه: عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي أبو محمد (107-196 ه) محدث فقيه، رحالة و من من يرحل له، ترجمه الشيخ الجد (قدس سره) في تنقيحه: 2 / 39، و أعيان الشيعة: 151/35، و منهج المقال: 165، كما ترجم في ميزان الاعتدال: 397/1 و تهذيب التهذيب: 117/4 و غيرها.
4- كما نص عليه ابن الصلاح في المقدمة: 250 و حكاه غيره.
5- أي أن إعلام الشيخ عن الخبر و الحديث بالنحو المزبور يدخل في مطلق أخباره و تحديثه خصوصا في الاصطلاح، لصدق المحدث على الشيخ المقروء عليه.

ثانيها: عدم الجواز في الجميع، و هو المحكى عن عبد اللّه بن المبارك(1) و يحيى بن يحيى التميمي(2) و أحمد بن حنبل(3) و.. غيرهم(4). بل قيل(5) أنه مذهب خلق كثير من أصحاب الحديث، و عللوا ذلك بأن الشيخ لم يحدث و لم يخبر و إن أقرّ، و إنما سمع الحديث، و لا يلزم من جوازهما مقيدين جوازهما مطلقين، لأن الألفاظ المستعملة على وجه المجاز تقرن بغيرها من القرائن الدالة عليها، و لا تطلق كذلك مقيدة لمعناها(6).

ص: 95


1- .. ابن واضح الحنظلي التميمي المروزي أبو عبد الرحمن (118-181 ه) المعروف: بابن المبارك، شيخ الإسلام، صاحب التصانيف و الرحلات. انظر عنه: تذكرة الحفاظ: 253/1، حلية الأولياء: 162/8، تاريخ بغداد: 152/10، معجم المؤلفين: 106/6 و غيرها.
2- .. ابن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي أبو زكريا النيسابوري (142 - 226 ه) من أئمة الحديث حتى قال عنه ابن راهويه: مات و هو إمام الدنيا!!. انظر عنه: مرآة الجنان: 91/2، تهذيب التهذيب: 296/11 الأعلام: 223/9 و غيرها.
3- مرت ترجمته في صفحة: 343 من المجلد الأول لهذا الكتاب.
4- و النسائي كما قاله السيوطي في التدريب: 16/2.
5- و القائل الخطيب البغدادي و لم أجده في كتبه إلا أن السخاوي نسبه له في فتحه: 30/2.
6- لكون الإطلاق ظاهرا في غيره بحيث لا يصرف إلى غيره إلا بقرينة. كذا قيل.

ثالثها: جواز اطلاق أخبرنا و عدم جواز اطلاق حدثنا، حكي ذلك عن الشافعي و أصحابه، و مسلم بن الحجاج و جمهور أهل الشرق(1)، بل قيل أن عليه أكثر المحدثين(2) و أنه الشائع الغالب على أهل الحديث، حتى قيل أنه اصطلاح منهم أرادوا به التمييز بين النوعين، و الاحتجاج بعدم الفرق بينهما لغة عناء و تكلّف. و ربما علل مضافا إلى استقرار الاصطلاح عليه بقوة اشعار حدثنا بالنطق و المشافهة دون أخبرنا، فإنه يتجوز بها في غير النطق كثيرا، و من هنا قال في البداية: إن القول بالفرق هو الأظهر في الأقوال و الأشهر في الاستعمال(3). و أفرط السيد المرتضى (رحمه اللّه) فيما حكي عنه(4) حيث منع من الاستعمال مقيدين ب: قراءته عليه أيضا محتجا بأنه مناقضة، لأن معنى الاخبار و التحديث هو السماع منه، و قوله قراءته عليه يكذبه.

ص: 96


1- كما ذكرهم و غيرهم في شرح التقريب: 17/2، قال في وصول الأخيار: 120 في كلام له:.. و منع جماعة فيها سمعت، و منعت اخرى حدثنا، و لا بأس بالمنعين، نعم يجوز أخبرنا عند الجماهير و المتأخرين. قال ابن الأثير في جامع الاصول: 39/1: و لا فرق إذا قيده بقوله: قراءة عليه.
2- كما عزاه لهم محمد بن الحسن التميمي الجوهري في كتاب الانصاف. و ذكر ذلك ابن الصلاح في المقدمة: 251.
3- البداية: 88 كما هو نص كلام ابن الصلاح في مقدمته: 251، و صار اصطلاحا لهم و قد أرادوا به التمييز بين النوعين، مع أن اللغة لا يمكن الاحتجاج بها هنا إلا بتكلف و عناد.
4- قد نقلنا عبارته في الفائدة الرابعة من المستدرك برقم (218) عن الذريعة إلى اصول الشريعة: 84/2 و 86 فراجع.

و فيه: إن جميع المجازات و كثيرا من المشتركات المعنوية و اللفظية كذلك، حيث أن معانيها مع فقد القرينة تغايرها معها، و حيث أن الكلام يتمّ بآخره لا يكون قوله: قراءته عليه، مكذبا لقوله: حدثنا و أخبرنا(1).

الخامس: كيفية القراءة على الشيخ و السماع منه

الخامس: إنه إذا كان أصل الشيخ حال القراءة عليه بيد ثقة غير الشيخ مراع لما يقرأ، أهل له، فإن حفظ الشيخ ما يقرأ عليه فهو كإمساكه أصله بيده، بل أولى، لتعاضد ذهني شخصين عليه، و إن لم يحفظ الشيخ ما يقرأ عليه ففي صحة السماع حينئذ قولان:

أولهما: المعزى(2) إلى الشيوخ و أهل الحديث كافة(3)، لأن الأصل للشيخ و الثقة محافظ عليه، و الشيخ مستمع له، فكان كنطقه به. و حكي عن الباقلاني(4) و إمام الحرمين(5) عدم

ص: 97


1- و وقع بحث فيما لو قال: حدثنا أو أخبرنا مطلقا - من دون تقييده بالقراءة و غيرها - و كذا سمعت فلانا، ففيه خلاف ذهب جمع كابن الأثير في جامع الاصول: 39/1 - إلى عدم الجواز، قال: و الصحيح أنه لا يجوز، لأنه يشعر بالنطق، و ذلك منه كذب، إلا إذا علم بتصريح أو قرينة حال أنه يريد القراءة على الشيخ دون سماع نطقه، هذا و قد ذهب الحاكم و آخرون إلى أن القراءة على الشيخ إخبار. و قد مرّ هذا البحث مجملا.
2- هنا سقط في العبارة، و الصحيح أن يقال: أولهما: الصحة، و هو المعزى.. إلى آخره، كما هو ظاهر.
3- كما حكاه غير واحد منهم السيوطي في التدريب: 19/2، و كذا في فتح المغيث: 35/2، و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 253.
4- مرت ترجمته صفحة: 111 من المجلد الأول.
5- قال في المقدمة: 253 بعد قوله: و المختار أن ذلك صحيح، قوله: و به عمل معظم الشيوخ و أهل الحديث. ثم قال: و إذا كان الأصل بيد القارئ و هو موثوق به دينا و معرفة فكذلك الحكم فيه، و أولى بالتصحيح، و قد ذكره الماذري في شرح البرهان كما حكاه في شرح الألفية: 35/2، و الحق أن الباقلاني قد تردد فيه، و قيل: أكثر ميله إلى المنع، و حكي عن غيرهم.

الصحة، و لم أجد لهما دليلا(1). نعم ان كان الأصل بيد غير الثقة لم يصح السماع إن لم يحفظه الشيخ، لأنه لا يؤمن من اهماله شيئا، كما هو ظاهر لا يخفى.

السادس: اذا قرى على الشيخ و لم ينكر و لم يتكلم بما يقتضي الاقرار به، فهل يصح السماع و تجوز الرواية؟

السادس: إنه إذا قرئ على الشيخ و قال له أخبرك فلان بكذا(2)، و الشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر، و لكن لم يكن يتكلم بما يقتضي الإقرار به، ففي صحة السماع و جواز الرواية به وجهان:

أولهما:(3) خيرة الأكثر كما في البداية(4)، و به قطع جماهير أصحاب فنون الحديث و الفقه و الاصول كما في غيرها(5).

ص: 98


1- و قولهم بعدم الصحة ليس على اطلاقه، بل قالوا: يكون بحيث لو وقع من القارئ تحريف أو تصحيف لردّه، و إلا لا يصح التحمل عنه، و بذا يظهر وجه مستندهم، فتدبر. أو كما قيل: أنهما لا حجة عندهم إلا بما رواه الراوي عن حفظه، و ذلك يقتضي أنه لو كان الأصل بيده - فضلا عن يد ثقة غيره - لا يكفي.
2- أو قوله: قلت: أخبرنا فلان أو نحو ذلك.
3- أعني صحة السماع كذلك و جواز الرواية به.
4- البداية: 88.
5- تدريب الراوي: 20/2، فتح المغيث: 36/2، المقدمة: 254، و غيرهم.

و ثانيهما:(1) خيرة بعض الشافعية كأبي إسحاق الشيرازي(2) و ابن الصباغ(3)، و سليم الرازي(4) و بعض الظاهريين المقلدين لداود الظاهري(5).

حجة الأول: دلالة القرائن المتضافرة على أنه مقرّ به، و لأن عدالته تمنع من السكوت عن انكار ما ينسب إليه بغير صحة(6).

ص: 99


1- أي شرطية نطقه ليتحقق التحديث و الاخبار.
2- و هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي (393 - 476 ه) متكلم فقيه اصولي منطقي، له جملة مصنفات. انظر عنه: وفيات الأعيان: 5/1، الأعلام: 44/1، شذرات الذهب: 349/3، البداية و النهاية: 124/12 و غيرها.
3- هو أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن الصباغ (400 - 477 ه) فقيه شافعي، كانت الرحلة إليه في عصره، صنف في الحديث و الفقه و اصوله. انظر عنه: وفيات الأعيان: 303/1، و الأعلام: 132/4 و غيرهما.
4- أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم الرازي الشافعي المتوفى سنة 447 ه، محدث مفسر، فقيه على مذهبه مصنف مكثر. انظر عنه: مرآة الجنان: 64/3، شذرات الذهب: 275/3، وفيات الأعيان: 266/1 و معجم المؤلفين: 243/4 عن عدة مصادر.
5- كما حكاه السيوطي في شرحه على التقريب: 20/2، و شرح الألفية: 37/2. بل اشترطوا اقراره بذلك نطقا.
6- و سكوته نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ اكتفاء بالقرائن الظاهرة، بل هو موهم للصحة، و مع عدمه فهو بعيد عن العدل لما يتضمن من الغش و عدم النصح.

و حجة الثاني: إن السكوت أعمّ من الإقرار، و لهذا يقال لا ينسب إلى الساكت مذهب.

و فيه: منع الأعمية مطلقا حتى مع القرائن المشار إليها.

ثم على الأول، فلا شبهة في أن للراوي أن يعمل به و أن يرويه بقوله: قرأت عليه أو قرئ عليه و هو يسمع و لم ينكر، و هل يجوز له في مقام التحديث أن يقول: حدثنا أو أخبرنا تنزيلا لسكوته مع قيام القرائن على اقراره منزلة اقراره أم لا لأنه كذب، فإن السكوت مع القرائن تصحيح و امضاء لا تصريح و إخبار؟ وجهان، بل قولان:

أولهما خيرة أكثر الفقهاء و المحدثين.

و ثانيهما هو الأظهر وفاقا لبعض أهل الفن، فتدبر.

السابع: ما اصطلحه عدة من المحدثين في السماع

السابع: إنه قد اصطلح عدة من المحدثين(1) التعبير فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ بقول: حدّثني - بالإفراد -، و فيما سمعه منه مع غيره بقول: حدّثنا بالجمع، و ما قرأ عليه بنفسه أخبرني، و ما قرئ على المحدّث بحضرته أخبرنا، و ما التزم به

ص: 100


1- منهم الحاكم في المستدرك كما صرح في أوله، و عبد اللّه بن وهب كما رواه الترمذي عنه في العلل. و رواه البيهقي في المدخل عن سعيد بن أبي مريم و قال: عليه أدركت مشايخنا و هو قول الشافعي و أحمد. و اختاره ابن الصلاح في مقدمته: 254، و قد نقلنا كلام الحاكم في معرفة علوم الحديث: 260 قريبا، و كذا كلام السيد الداماد في الرواشح السماوية، فراجع.

أولى، و لكن لم يثبت تعيّنه، و كذا في صورة الشّك في أنّه سمعه وحده أو مع غيره، قال في البداية: و ما سمعه الرّاوي من الشيخ وحده أو شكّ هل سمعه وحده أو مع غيره قال عند روايته لغيره حدّثني و أخبرني - بصيغة المتكلّم وحده - فيكون مطابقا للواقع مع تحقّق الوحدة، و لأنّه المتيقّن مع الشّك، و لأصالة عدم سماع غيره معه، و ما سمعه مع غيره يقول: حدّثنا و أخبرنا - بصيغة الجمع - للمطابقة أيضا.

و قيل(1): أنّه يقول مع الشّك حدّثنا لا حدّثني، لأنّها أكمل مرتبة من حدّثنا، حيث أنّه يحتمل عدم قصده بل التّدليس بتحديث أهل بلده كما مرّ، فليقتصر إذا شك على الناقص وضعا لأن عدم الزائد هو الأصل(2).

قال في البداية: و هذا التفصيل بملاحظة أصل الأفراد، و الجمع هو الأولى، و لو عكس الأمر فيهما، فقال في حال الوحدة و الشك: حدّثنا بقصد التعظيم، و في حالة الاجتماع حدّثني نظرا إلى دخوله في العموم و عدم ادخال من معه في لفظه

ص: 101


1- القائل هو يحيى بن سعيد القطان (منه قدس سره). كما نصّ عليه ابن الصّلاح في المقدّمة: 255، و السّخاوي في شرح الألفيّة: 39/2-40، و غيرهما.
2- البداية: 89 بتغيير يسير، و نظيره في تدريب الرّاوي: 21/2، و فتح المغيث: 38/2، و الأصل في الاصطلاح الحاكم، و المفصّل ابن الصلاح في المقدّمة: 254-255 و تبعهم من تبع.

جاز لصحّته لغة و عرفا(1).

قلت: قد نقل بعضهم اتفاق العلماء على اولويّة ما ذكر من التّفصيل في التعبير و عدم تعيّنه(2)، و هو ظاهر. نعم منع العلماء من ابدال حدّثنا بأخبرنا و بالعكس في النقل عن الكتب المصنفة نظرا إلى احتمال أن يكون من قال ذلك لا يرى التسوية بينهما، و قد عبّر بما يطابق مذهبه، و كذا ليس له ابدال سمعت باخبرنا أو حدثنا و لا عكسه. نعم لو كان المصنف ممن يرى التسوية بين أخبرنا و حدثنا بنى على الخلاف المشهور في نقل الحديث بالمعنى، فإن جوزناه جاز الإبدال و إلا فلا. و أما المسموع منهما من غير أن يذكر في مصنف فيبنى جواز تعبيره بالآخر على جواز الرواية بالمعنى و عدمه، فإن قلنا به جاز التعبير، و إلا فلا، سواء قلنا بتساويهما في المعنى أم لا، لأنه حينئذ يكون مختارا لعبارة مؤدية لمعنى الاخرى و إن كانت أعلى رتبة أو أدنى، كما نبّه على ذلك كله في البداية(3) و.. غيرها(4).

الثامن: لا يشترط الترائي في صحة التحمل بالسماع

الثامن: إن الأشهر الأظهر أنه لا يشترط في صحة التحمل

ص: 102


1- البداية: 89 بتغيير يسير، و لاحظ المصادر السابقة.
2- قال السّيوطي تبعا للنّووي: و كل هذا مستحب باتفاق العلماء لا واجب، التدريب: 22/2، و ألفيّة العراقي و شرحها: 39/2 و قد تبعا ابن الصلاح في درايته: 255، و العبارة له.
3- البداية: 89-90.
4- التدريب: 22/2 و ما بعدها، و السخاوي في شرحه للألفية: 40/2.

بالسماع و القراءة الترائي - بأن يرى الراوي المروي عنه - بل يجوز له التحمل بالسماع أو القراءة من وراء الحجاب إذا عرف صوته ان حدث بلفظه أو عرف حضوره بمكان يسمع منه إن قرأ عليه. و قد قال جمع منهم الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية(1)، أنه يكفي في المعرفة بحضور الشيخ أو بصوته اخبار الثقة من أهل الخبرة بالشيخ. و فيه تأمل، إذ لا دليل على حجية خبر الثقة إلا إذا أفاد العلم أو انضم إليه خبر مثله لتتم البينة(2).

و عن شعبة(3) عدم تجويز التحمل من وراء حجاب و.. نحوه و اشتراطه الرؤية لإمكان المماثلة في الصوت. و قد كان بعض السلف(4) يقول: إذا حدثك المحدث فلم تر وجهه فلا ترو عنه، فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول حدثنا و أخبرنا(5)!

و رد بأن العلم بالصوت يدفع ذلك، و احتمال التصور مشترك بين المشافهة و وراء الحجاب، مضافا إلى أن الرؤية لو كانت شرطا لم تصح رواية الأعمى كابن ام مكتوم، و التالي بيّن

ص: 103


1- قاله في البداية: 92 تبعا لجماعة عدّهم النووي و استدرك عليه السيوطي في التدريب: 27/2، و كذا السخاوي في فتح المغيث: 52/2، سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 261.
2- مسألة مبنائية، و إلا فإن أكثر من قال بحجية خبر الثقة قالها مطلقا حتى في الموضوعات، و تفصيل البحث في الاصول.
3- مرت ترجمته قريبا في صفحة: 89.
4- هو شعبة بن الحجاج كما صرح ابن الصلاح في المقدمة: 261.
5- كذا حكاه السيوطي في التدريب: 27/2، و السخاوي في الشرح: 51/2-52، و غيرهما.

الفساد فكذا المقدم. و أيضا قد كان السلف يسمعون من أزواج النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و غيرهن من النساء من وراء الحجاب و يروون عنهن اعتمادا على الصوت.

و استدلوا على عدم الاشتراط أيضا(1) بأن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) أمر بالاعتماد على سماع صوت ابن ام مكتوم المؤذن في حديث: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا و اشربوا حتى تسمعوا آذان(2) ابن ام مكتوم.. الحديث(3)، مع غيبة شخصه عمن يسمعه(4).

و أنت خبير بأن هذا الوجه أجنبي عن المطلوب فإن الآذان غير الرواية المبحوث عنها، كما لا يخفى.

[(5)ثم لا يخفى عليك أنا تبعنا في نقل رواية الآذان النقلة، و إلا فالرواية على عكس ذلك، و قد غيرته العامة كما بيّنّا ذلك في التنقيح في ترجمة: عبد اللّه بن زائدة المكنى بابن ام مكتوم(6)، فلاحظ](7).

ص: 104


1- نسبه ابن الصلاح في المقدمة: 261 إلى عبد الغني بن سعيد الحافظ.
2- في المقدمة: حتى ينادى.
3- صحيح البخاري: 160/1، سنن الترمذي: 203/1-394، مسند أحمد بن حنبل: 9/2 و 57 و 44/6 و 54، سنن النسائي: 10/2 و غيرها.
4- تدريب الراوي: 27/2، فتح المغيث: 52/2.
5- ما بين المعقوفتين من زيادات المصنف طاب ثراه على الطبعة الثانية.
6- راجع ترجمته في تنقيح المقال: 181/2.
7- لاحظ مستدرك رقم (218) فوائد الباب.
ثالثها: الإجازة :
اشارة

ثالثها: الإجازة(1):

و هي على ما في البداية(2) و.. غيرها(3) في الأصل مصدر أجاز، و أصلها اجوازة تحركت الواو فتوهم انفتاح ما قبلها فقلبت الفا فبقيت الألف الزائدة التي بعدها فحذفت لالتقاء الساكنين فصارت اجازة، و في المحذوف من الألفين الزائدة و الأصلية قولان مشهوران؛ أولهما قول سيبويه(4)، و ثانيهما قول الأخفش(5)، و هي مأخوذة من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية و الحرث(6)، و منه قولهم: استجزته فأجازني إذا سقاك

ص: 105


1- انظر مستدرك رقم (219) الإجازة و أقسامها.
2- البداية: 93-96.
3- أكثر مباحث المعنى اللغوي للإجازة مأخوذة من مقدمة ابن الصلاح (المتوفى سنة 643 ه): 276 [الهند: 78] و ما بعدها، و حكاه عنه النووي و السيوطي في التقريب و التدريب: 42/2، و سبقهما البغدادي في الكفاية: 312، و لحقهما السخاوي في فتحه: 57/2-58 و غيرهم.
4- هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء أبو بشر (148-180 ه) إمام النحاة، صاحب الكتاب. انظر عنه: تاريخ بغداد: 195/12، البداية و النهاية: 176/10، الأعلام: 252/5 و غيرها.
5- هو أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد مولى قيس بن ثعلبة المتوفى سنة 177 ه من كبار العلماء بالعربية، و هو أول من فسر الشعر تحت كل بيت، أنباء الرواة: 157/2، الأعلام: 59/4 و غيرهما.
6- كما حكاه الحسين بن فارس كما في وصول الأخيار للشيخ حسين العاملي: 122، و نهاية الدراية: 176 و هو غلط، و الصواب: أبا الحسين أحمد بن فارس بن حبيب كما نقله أكثر من واحد منهم الخطيب البغدادي في كفايته: 446، و ابن الصلاح في المقدمة: 276.و تأتي الإجازة بمعنى اعطاء الإذن.

ماء لماشيتك أو أرضك، فالطالب للحديث يستجيز العالم علمه - أي يطلب اعطاءه له على وجه يحصل به الإصلاح لنفسه كما يحصل للأرض و الماشية الإصلاح بالماء فيجيزه له - و كثيرا ما يطلق على العلم اسم الماء، و على النفس اسم الأرض، و عليه بعض المفسرين في قوله تعالى: وَ تَرَى اَلْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا اَلْماءَ اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ (1). و حيث كانت مأخوذة من الإجازة التي هي الاستقاء فتتعدى إلى المفعول بغير حرف جر و لا ذكر رواية، فتقول: أجزته مسموعاتي مثلا، كما تقول أجزته مائي. و المعروف أن الإجازة بمعنى الإذن و التسويغ، و على هذا فتقول: أجزت له رواية كذا كما تقول أذنت له و سوغت له(2)، و قد يحذف المضاف الذي هو متعلق الإذن فتقول: أجزت له مسموعاتي مثلا من غير ذكر الرواية على وجه المجاز بالحذف، هذا ما في البداية بتغيير يسير(3). و قد أفاد ذلك غيره أيضا(4)، و حكي عن القسطلاني(5) في المنهج أن

ص: 106


1- الحج: 5.
2- قال في القاموس المحيط: 170/2، و أجاز له: سوغ له و رأيه: أنفذه. انظر: فوائد المستدرك رقم (221) كلام الدربندي.
3- البداية: 94.
4- كما في التقريب للنووي و التدريب للسيوطي: 43/2، و العراقي في الألفية و السخاوي في شرحها: 57/2، و سبقهم الخطيب في كفايته: 446-447، و ابن الصلاح في المقدمة: 277 و غيرهم.
5- هو أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري (851-923 ه) من علماء الحديث، صاحب ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري و غيره. انظر عنه: مقدمة كتابه هذا، و يحتمل ان يكون أبو بكر قطب الدين محمد بن أحمد بن علي القيسي الشاطبي (614-686 ه) عالم بالحديث و رجاله و مكثر في التصنيف. ترجم في فوات الوفيات: 181/2، النجوم الزاهرة: 273/7 و شذرات الذهب: 397/5 و غيرها، و الأول أولى و أظهر، و لم أحصل على كتاب المنهج كي اتثبت.

الإجازة مشتقة من التجوز و هو التعدي، فكأنه عدى روايته حتى أوصلها إلى الراوي عنه(1).

و إذ قد عرفت ذلك فهنا مطالب:
الاول: هل يجوز تحمل الرواية بالاجازة؟

الأول: إنه قد وقع الخلاف في جواز تحمل الرواية بالإجازة، و جواز ادائها و العمل بها. فالمشهور بين العلماء من المحدثين و الاصوليين كما في البداية(2) و.. غيرها(3) الجواز،

ص: 107


1- قاله في التدريب: 43/2، و قواعد التحديث: 205، و حكاه غيرهما، و على كل مطالب الحديث يستجيز الشيخ حديثه فيجيزه عليه، و لذا صح أن يقال: أجزت فلانا مسموعاتي، و أجزت له رواية مسموعاتي أو الكتاب الفلاني.
2- البداية: 94.
3- و نسبه في الكفاية: 446 إلى الأكثر، و نص عليه في القوانين: 489، و في نهاية الدراية: 176 قوله: أن الأكثر من الخاصة و العامة على قبولها و جواز العمل بها. و غير ذلك من المصادر المارة و الآتية، بل في الألفية و شرحها: 61/2، قال: لكن على جوازها.. استقر عملهم أي أهل الحديث قاطبة و صار بعد الخلف اجماعا.. إلى آخره. و قال الدربندي في درايته: 27 - خطي -:.. و كيف كان فإن الأكثر من الخاصة و العامة على قبولها، بل يمكن ادعاء السيرة القطعية في ذلك؛ و لو كان بالنسبة إلى أول نوع من أنواعها. بل جعلها مؤيدة بالاعتبار الصحيح بأنها أخبار بمروياته، و الاخبار لا يفتقر إلى النطق.

و ادعى جماعة الإجماع عليه نظرا إلى شذوذ المخالف(1)، و حكي عن جمع من المحدثين - كشعبة و إبراهيم الحربي(2)و أبي نصر الوائلي(3) و أبي الشيخ الأصبهاني(4) و جمع من

ص: 108


1- كما حكاه في البداية و غيره، بل قيل أن السيرة القطعية قديما و حديثا متحققة بذلك، و عقد في الكفاية بابا لذكر بعض أخبار من يقول بالإجازة و مستعملها: 456-465، و كذا في المقدمة: 263. قال ابن الصلاح في صفحة: 262 من المقدمة - ما معناه -: إن القاضي المالكي أطلق نفي الخلاف و قال: لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الامة و خلفها، و ادعى الإجماع من غير تفصيل، و حكى الخلاف في العمل بها.
2- هو أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن بشير البغدادي الحربي (198 - 285 ه) من أعلام المحدثين و حفاظه، له جملة مصنفات منها غريب الحديث و غيره. انظر: تذكرة الحفاظ: 147/2، تاريخ بغداد: 27/6. فوات الوفيات: 3/1، شذرات الذهب: 190/2 و غيرها.
3- هو أبو نصر عبد اللّه بن سعيد بن حاتم السجزي الوائلي (المتوفى سنة 469 ه) من محدثي العامة و حفاظهم. انظر: معجم المؤلفين: 58/6 و 239/6، عنونهما بعنوانين (عبيد اللّه و عبد اللّه) و هما واحد، و ذكر أن وفاة عبيد اللّه سنة 444 ه. و قارن بتذكرة الحفاظ: 297/3 و الأعلام: 349/4.
4- هو أبو محمد عبد اللّه بن جعفر بن حبان (حيان) الأنصاري الأصبهاني (274-369 ه) محدث حافظ مؤرخ مفسر له جملة مصنفات. انظر عنه: تذكرة الحفاظ: 147/3، شذرات الذهب: 68/3، معجم المؤلفين: 114/6 عن عدة مصادر.

الفقهاء كأبي حنيفة، و أبي يوسف(1) - على ما حكاه الآمدي - و مالك(2) - على ما حكاه القاضي عبد الوهاب(3) و الشافعي في أحد قوليه - و جماعة من أصحابه، منهم القاضيان حسين(4)

ص: 109


1- هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي (113 - 182 ه) صاحب أبي حنيفة من قضاة بغداد و فقهاءها و صنف في فقه أبي حنيفة أكثر من كتاب و نشر فقهه. انظر عنه: تاريخ بغداد: 242/14، تذكرة الحفاظ: 269/1، النجوم الزاهرة: 107/2، البداية و النهاية: 180/10، الأعلام: 252/9، و غيرها.
2- لم تثبت النسبة إلى مالك و لا لأكثر من نسب لهم، و لا حاجة للدخول في التفصيلات، و عليك بالمفصلات، و غاية ما يستفاد من كلماتهم عند المراجعة كراهة الإجازة مع إمكان السماع و القراءة، فاغتنم.
3- هو أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي (362 - 422 ه) من فقهاء المالكية. له جملة مصنفات أكثرها على فقه مالك. انظر عنه: شذرات الذهب: 223/3، النجوم الزاهرة: 276/4، البداية و النهاية: 32/12، الأعلام: 335/4 عن جملة مصادر و كذا الأعلام: 227/6.
4- في البداية: 94 من نسختنا: يعزي إلى الشافعي في أحد قوليه و جماعة من أصحابه منهم الفاضل حسين و الماوردي لا يجوز، لا القاضيان حسين و الماوردي و هو غلط؛ و المراد بالحسين هنا هو: الحسين بن محمد المروزي و أبو الحسن الماوردي كما جاء في مقدمة ابن الصلاح: 72، و في طبعة بنت الشاطئ من المقدمة: 262، الحسن بدلا من الحسين، و في فتح المغيث: 60/2: القاضي الحسين المروزي و القاضي حسن الماوردي. أقول: الصحيح هو أن الأول: أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد المروزي و يقال له: المرورذي، المعروف بالقاضي، المتوفى سنة 462 ه، فقيه اصولي و له جملة مصنفات فقهية على مذهب الشافعي. انظر عنه: مرآة الجنان: 85/3، وفيات الأعيان: 182/1. أما الثاني: فهو: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي (364-450 ه) فقيه اصولي جامع صاحب كتاب الحاوي الكبير في فروع فقه الشافعي و غيره. انظر عنه: تاريخ بغداد: 102/12، لسان الميزان: 260/4، شذرات الذهب: 285/3، مرآة الجنان: 72/3، معجم المؤلفين: 189/7 عن عدّة مصادر.

و الماوردي و أبو بكر الخجندي الشافعي(1)، و أبو طاهر الدباس الحنفي - المنع(2)، بل عن أبي حزم(3) أنها بدعة. و فصّل بعض الظاهرية و متابعوهم فأجازوا التحديث بها و منعوا من العمل

ص: 110


1- هو أبو بكر محمد بن ثابت بن الحسين بن إبراهيم الخجندي المتوفى سنة 483 ه و قيل 482 ه. من فقهاء الشافعية و محدثيهم، له بعض المؤلفات. انظر عنه: شذرات الذهب: 368/3، معجم المؤلفين: 143/9 عن عدّة مصادر.
2- مراد الأكثر بالمنع بالنسبة إلى العمل لا في التحمل، لعدّهم إياها جارية مجرى المراسيل، و الرواية عن المجاهيل، فتدبر. و جوابه واضح، لأنه مع معرفة المجيز بعينه و عدالته و أمانته فكيف ينزل بمنزلة من لا يعرفه؟!
3- هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري القرطبي اليزيدي (384-456 ه) عالم الأندلس في عصره و إمام الظاهرية، مكثر في التأليف، و معروف بالانحراف. انظر عنه: مرآة الجنان: 79/3، شذرات الذهب: 299/3، لسان الميزان: 198/4، الأعلام: 59/5، معجم المؤلفين: 16/7 عن جملة مصادر فيها.

بها كالمرسل. و عن الأوزاعي(1) عكس ذلك فجوز العمل بها دون التحديث.

حجة المشهور: إن الإجازة عرفا في قوة الاخبار بمروياته جملة، فهو كما لو أخبره تفصيلا، و الاخبار غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ، و إنما الغرض حصول الافهام، و هو يتحقق بالإجازة المفهمة(2)، و ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها و في الثقة به، فيجري عليها حكم السماع من الشيخ.

و حجة المانع: ان قول المحدث أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع في معنى أجزت لك ما لا يجوز في الشرع،

ص: 111


1- هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد (يحمد) الأوزاعي الدمشقي (88-157) و قيل: (150 ه) من فقهاء المحدثين، صاحب مصنفات في الحديث، ترجمه الشيخ الجد في تنقيح المقال: 146/2. و انظر: تذكرة الحفاظ: 178/1، علوم الحديث: 132، الفهرست: 277/1، حلية الأولياء: 135/6، الأعلام: 94/4 و غيرها.
2- كذا قاله في البداية: 95 بألفاظ متقاربة و أضاف: بأنّ الاجازة و الرواية بالاجازة؛ مشروطان بتصحيح الخبر من المخبر بحيث يوجد في أصل صحيح مع بقية ما يعتبر، لا الرواية عنه مطلقا سواء عرف ام لا، فلا يتحقق الكذب. هذا مع أن الإجماع لو ثبت و كذا السيرة القطعية على الجواز و العمل في المقام لا غنى عن الاستدلال. و به استدل ابن الصلاح في المقدمة : 263، و تعرض في المقابيس: 84 خطي - لوجه الحاجة إلى الإجازة في رواية الأحاديث غير ما في الكتب الأربعة مفصلا.

لأنه لا يبيح رواية ما لم يسمع، فكأنه في قوة أجزت لك أن تكذب عليّ.

و ردّ بأن الإجازة و الرواية بالإجازة مشروطتان بتصحيح الخبر من المخبر، بحيث يوجد في أصل صحيح مع بقية ما يعتبر فيها، لا الرواية عنه مطلقا، سواء عرف أم لا، فلا يتحقق الكذب(1).

و حجة الظاهري: إما على جواز التحديث فحجة المشهور، و إما على المنع من العمل فكونه كالمرسل.

و ضعفه ظاهر، بل هو تناقض، لاتحاد ملاك التحديث و العمل(2).

و حجة الأوزاعي: إما على جواز العمل فالوثوق بالصدور، و إما على المنع من التحديث فحجة المانع، و هو كسابقه(3).

و أشهر الأقوال أظهرها.

ص: 112


1- لاحظ مستدرك رقم (220) أدلة المانعين للإجازة.
2- و أيضا ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها و الثقة بها بخلاف المرسل، ثم كيف يكون من نعرف أمانته و عدالته بمنزلة من لا نعرفه على حد قول الخطيب، و الحق أن الدليل لو تمّ لكان مقتضيا لمنع العمل بالإجازة دون التحديث، فتدبر.
3- و ثمّة قول خامس اختاره أبو بكر الرازي من الحنفية كما ذكره السيوطي في تدريبه: 30/2: و هو إن كان المجيز و المجاز عالمين بالكتاب جاز، و إلا فلا. و فيه ما لا يخفى.

و عليه ففي ترجيح السماع عليها أو العكس أقوال:

فالأشهر ترجيحه عليها مطلقا، لكون السماع أبعد عن الاشتباه من الإجازة. و عن بعض المحققين تفضيل الإجازة على السماع مطلقا(1).

و عن أحمد بن ميسرة المالكي أن الإجازة على وجهها خير من السماع الرديء.

و عن عبد الرحمن بن أحمد بن بقى بن مخلد و أبيه و جده: أنهما على حد سواء.

و عن الطوفي(2) التفصيل بين عصر السلف قبل جمع الكتب المعتبرة التي يعول عليها و يرجع إليها و بين عصر المتأخرين، ففي الأول السماع أرجح، لأن السلف كانوا يجمعون

ص: 113


1- كما ذكره المولى الكني في جامع المقال: 39، قال: إلا أن القول بأرجحية السماع مطلقا لأرجحية الضبط فيه أو الاطلاع على ما لم يحصل الاطلاع عليه فيها أحسن. بل قيل إن الإجازة أقوى من السماع و القراءة معا، كما نص عليه صاحب مفتاح الكرامة في إجازته لمحمد بن علي بن آغا باقر المازندراني، و حكاه الميرزا النوري في مستدرك الوسائل: المجلد الثالث - الفائدة الثالثة -: 391.
2- هو أبو الربيع نجم الدين سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصوصري (657-716 ه) و يعرف بالصرصري أيضا، فقيه حنبلي، له جملة مؤلفات منها: العذاب الواصب على أرواح النواصب حبس من أجله. انظر عنه: شذرات الذهب: 39/6، الأعلام: 190/3، مرآة الجنان: 255/4، بغية الوعاة: 262 و غيرها.

الحديث من صحف الناس و صدور الرجال فدعت الحاجة إلى السماع خوفا من التدليس و التلبيس، بخلاف ما بعد تدوينها، لأن فائدة الرواية حينئذ إنما هي اتصال سلسلة الإسناد بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) تبركا و تيمنا، و إلا فالحجة تقوم بما في الكتب و يعرف القوي منها و الضعيف من كتب الجرح و التعديل(1).

و في البداية: إن هذا القول قوي متين(2).

قلت: و الأقوى عندي هو القول الأول، ضرورة بعد السماع من الشيخ ثم القراءة عليه عن الاشتباه(3) بما لا يوجد مثله في غير المقروء و المسموع منه كما هو ظاهر(4).

الثاني: اقسام الإجازة
اشارة

الثاني: أن الإجازة تتصور على أقسام كثيرة، لأنها:

تارة: بالقول الصريح كقوله: أجزت لك رواية الحديث الفلاني مثلا عني.

و اخرى: بالقول الظاهر كقوله: لا أمنع من روايتك

ص: 114


1- تعرض للأقوال مجملا غير واحد منهم كما في جامع المقال: 39، و قد حسّن القول الأخير، و اختار ما ذكرناه عنه.
2- البداية: 95.
3- في العبارة سقط ظاهر و تشويش. و المعنى واضح.
4- خصوصا أنهم اشترطوا معرفة المحدث ما يجيز به و أن تكون نسخة الطالب معارضة بأصل الراوي حتى كأنّها هو، و أن يكون المستجيز من أهل العلم و عليه سمته.. و غير ذلك مما سنذكره مما يسوغ العمل بالإجازة و يدفع شبهة مانعيتها.

الحديث الفلاني.

و ثالثة: بالقول المقدر كقوله: نعم، عند السؤال عنه بقول: أجزتني أو أجزت فلانا أو أجزني أو أجزه و.. هكذا.

و رابعة: بالإشارة.

و خامسة: بالكتابة.

و على التقادير الخمسة، فإما أن يكون المجاز حاضرا أو غائبا.

و على التقادير العشرة فإما أن يكون المجاز معينا أو غير معين، فهذه عشرون قسما.

و على العشرة المتأخرة فإما أن يكون غير المعين عاما كقوله: أجزت لكل من أراد أن يروي عني، أو داخلا تحت عنوان خاص صنفا كعلماء العرب، أو قيدا في العلم كعلماء الفقه، أو مكانا كعلماء بلدة كذا، فهذه أربعون صورة، و هي مع العشرة الاولى خمسون.

و على التقادير فإما أن يكون متعلق الرواية المجاز فيها رواية أو روايات معينة أو كتب، ككتب فلان أو كتبه في كذا، أو جميع رواياته و مسموعاته عن فلان، أو عن كل أحد، أو جميع المصنفات، فهذه مائتان و خمسون نوعا. و إذا كانت الإجازة لمعدوم داخلا في العنوان لقلنا أنه على التقادير أما أن يكون المجاز موجودا أو معدوما فتبلغ الصور خمسمائة.

و قد تعارف بين أهل الدراية تقسيمها إلى أربعة أضرب أو

ص: 115

سبعة(1) أو تسعة. ففي البداية أنها تتنوع أنواعا أربعة(2) لأنها إما أن تتعلق بأمر معين لشخص معين أو عكسه، أو بأمر معين لغيره(3)، و نحن نتعرض للتسعة فنقول:

الضرب الاول: اجازه معين لمعين

الضرب الأول

أن يجيز معينا لمعين(4)، كأجزتك أو أجزتكم أو أجزت فلانا الكتاب الفلاني، أو ما اشتمل عليه فهرستي هذا، أو كتابي هذا.

و هذا الضرب أعلى أضرب الإجازة لانضباطها بالتعيين(5)، حتى زعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها و إنما الخلاف في غير هذا النوع(6)، و ادعى أبو الوليد

ص: 116


1- كما ذكرها ابن الصلاح في مقدمته: 262-275 بعد أن ادرج الخامس في الرابع و السابع في السادس، و عدّها الدربندي في درايته: 27-28 - خطي - ثمانية، و مثّل لكل واحد منها.
2- البداية: 95: و إنما اقتصر على هذا العدد لمسيس الحاجة إليه، و إلا فيمكن أن تتركب منها أنواع اخر.
3- أو عكسه كما في البداية، و لعل - عكسه - سقط من قلم الناسخ، و إلا فلا تصير الضروب أربعة كما هو واضح. و قد ذكر ابن الصلاح في مقدمته و النووي في تقريبه الأضرب سبعة، كما سيأتي.
4- الأولى أن يقال: أن يجيز معينا لمعين بمعين، و المعين تارة خاص و اخرى عام. و هي تارة مجردة عن المناولة و اخرى مقرونة بها. أو يقال: أن يجيز لمعين في معين، فتدبر.
5- مع تجرده عن المناولة و القراءة و قد استقرت عليه كلمة الخاصة و العامة مع غض النظر عن من شذّ منهما.
6- كما حكاه ثاني الشهيدين في البداية: 96، و السخاوي في فتح المغيث: 59/2، و ابن الصلاح في المقدمة: 262. قال والد الشيخ البهائي في درايته: 123: [التراث: 135]: و الذي استقر عليه رأي العامة و الخاصة جواز الرواية بإجازة المعين للمعين و أن يحرد [الظاهر: تجرد] عن المناولة و القراءة، ثم قال: و قال بعضهم: لها حكم المرسل، و هو باطل. و ادعى عليها المرحوم الدربندي في درايته: 27 - خطي - السيرة القطعية.

الباجي(1) و عياض(2) الإجماع على جواز الرواية و العمل بها(3)و إن كان فيه تعميم بعض المخالفين المنع لهذا الضرب أيضا، كما لا يخفى على من راجع كلماتهم.

الضرب الثاني: اجازه معين بغير معين

الضرب الثاني

أن يجيز لمعين بغير معين(4)، كقوله أجزتك(5) جميع

ص: 117


1- هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي الباجي (403 - 474 ه) فقيه مالكي و من رجال الحديث، له جملة مصنفات. انظر عنه: فوات الوفيات: 175/1، الأعلام: 186/3، مرآة الجنان: 108/3، تذكرة الحفاظ: 349/3، معجم المؤلفين: 261/4 عن عدة مصادر.
2- هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي (476 - 544 ه)، يعرف بالقاضي عياض، عالم أهل المغرب و محدثهم، و له جملة مصنفات في الفقه و الحديث. انظر عنه: وفيات الأعيان: 496/1، تذكرة الحفاظ: 96/4، أنباء الرواة: 363/2، الأعلام: 282/5 عن جملة مصادر و كذا معجم المؤلفين: 16/8.
3- كما قاله النووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 29/2، و العراقي في الألفية و السخاوي في فتح المغيث: 59/2، بل قصر أبو مروان الطيبي الصحة عليها.
4- الأولى أن يقال: أن يجيز معينا غير معين من كتاب و غيره، أو أن يجيز لمعين في غير معين.
5- لك أو لكم أو لمن قرأ عليّ و غير ذلك.

مسموعاتي أو مروياتي و ما أشبهه.

و الخلاف في جواز هذا الضرب أقوى و أكثر من الضرب الأول من حيث عدم انضباط المجاز، فيبعد الإذن الإجمالي المسوغ له. و الجمهور من الطوائف جوزوا الرواية بها، و أوجبوا العمل بما روى بها بشرطه(1). قال في البداية: و لو قيدت بوصف خاص كمسموعاتي من فلان أو في بلد كذا إذا كانت متميزة فأولى بالجواز(2).

الضرب الثالث: اجازه لغير معين

الضرب الثالث

أن يجيز لغير معين(3) كجميع المسلمين أو كل واحد أو من أدرك زماني و ما أشبه ذلك، سواء كان بمعين كالكتاب الفلاني، أو بغير معين كما(4) يجوز لي روايته و.. نحوه.

و فيه أيضا خلاف مرتب في القوة بحسب المرتبتين، فجوّزه على التقديرين جمع من الفقهاء و المحدثين كالقاضي أبي الطيب الطبري(5) و الخطيب البغدادي و أبي عبد اللّه بن

ص: 118


1- كما صرح في تدريب الراوي: 32/2، و العراقي في الألفية و السخاوي في شرحها: 66/2، و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 265-266.
2- البداية: 96، و وصول الأخيار: 123 [التراث: 135] و غيرهما ممن سبقهما و لحقهما.
3- لو قيل: أن يجيز معين غير معين بوصف العموم كان أولى، و المراد هنا: التعميم في المجاز له.
4- كذا، و الظاهر: كلما.
5- هو طاهر بن عبد اللّه بن طاهر الطبري أبو الطيب (348-450 ه) من القضاة و أعيان الشافعية، و صنف أكثر من كتاب. انظر عنه: الوفيات: 233/1، الأعلام: 321/3، مرآة الجنان: 70/3، البداية و النهاية: 79/12 و غيرها.

مندة(1) و ابن عتاب(2) و أبي العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني(3) من العامة(4)، و الشهيد (رحمه اللّه)(5) من أصحابنا حيث طلب من شيخه السيد تاج الدين ابن معية الإجازة له

ص: 119


1- و هو محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي الأصفهاني (310-395 ه على الأشهر فيهما) محدث حافظ، صاحب تاريخ أصفهان و الناسخ و المنسوخ و غيرهما. انظر عنه: تذكرة الحفاظ: 230/3، لسان الميزان: 70/5، شذرات الذهب: 146/3، ميزان الاعتدال: 26/3، معجم المؤلفين: 42/9، الأعلام: 253/6.
2- هو عبد الرحمن بن محمد بن عتاب أبو محمد (433-520 ه) يعرف بابن عتاب، فاضل من أعلام قرطبة له شفاء الصدور و غيره. انظر: الأعلام: 103/4، معجم المؤلفين: 184/5 عن عدّة مصادر.
3- يعرف بابي العلاء الهمذاني (488-569 ه) و هو محدث حافظ، لغوي أديب، شيخ همذان، و إمام العراقيين في القراءات، له جملة مصنفات غالبها في التفسير. انظر عنه: مرآة الجنان: 389/3، بغية الوعاة: 215، معجم المؤلفين: 197/3 عن جملة مصادر و كذا الأعلام: 195/2.
4- و آخرون كأبي الفضل بن خيرون و أبي الوليد بن رشد و السلفي، بل قد رتبوا على حروف المعجم لكثرتهم، كما قاله السيوطي في شرحه للتقريب: 33/2، و السخاوي في فتح المغيث: 67/2-68 قال عياض: و إلى صحة الإجازة العامة للمسلمين من وجد منهم و من لم يوجد ذهب غير واحد من مشايخ الحديث. و تعرض البلقيني في محاسن الاصطلاح: 267 - ذيل مقدمة ابن الصلاح - لجمع آخر منهم.
5- في البداية: 96، قال في وصول الأخيار: 124: [التراث: 136] و فيه خلاف و الأقوى أنه كالأولين، و قد استعمله أكابر علمائنا.

و لأولاده و لجميع المسلمين ممن أدرك جزء من حياته جميع مروياته، فأجازهم ذلك بخطه(1). و منعه آخرون(2).

ثم ان بعض المانعين جوّز ذلك فيما إذا قيده بوصف خاص(3) كأجزت طلبة العلم ببلد كذا، أو من قرأ عليّ قبل هذا، بل عن القاضي عياض أنه قال: ما أظنهم اختلفوا في جواز ذلك، و لا رأيت منعه لأحد، لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو إخوة فلان(4).

الضرب الرابع: إن يكون المجاز أو المجاز فيه مجهولا

الضرب الرابع

ان يكون المجاز أو المجاز فيه مجهولا، كأن يجيز الشخص المعين بمروي مجهول ككتاب كذا و للمجيز مرويات كثيرة بذلك الاسم، أو يجيز لشخص مجهول بمعين من الكتب

ص: 120


1- كما حكاه ثاني الشهيدين في درايته: 96 و آخرون منّا في اجازاتهم.
2- متذرعين لذلك بأبعديته عن الإذن الإجمالي المسوغ، و منهم ابن الصلاح في مقدمته: 267، و العراقي في ألفيته و تبعه السخاوي في شرحه: 69/2-74، لاحظ أدلتهم التي ترجع إلى صرف الاستبعاد و نوع من الاستحسان.
3- لا معنى لقوله (قدس سره) بوصف خاص إلا إذا أراد منه وصفا حاصرا مقابل ما لا حصر له كأهل بلد كذا على نحو العامة المطلقة، فتدبر.
4- كما حكاه السيوطي عنه في تدريبه: 32/2، و السخاوي في شرحه: 69/2 و غيرهما، و عليه: فكل ما قلّ فيه العموم بالقرب من الخصوص الحقيقي لوجود الخصوص الإضافي فيه يكون أقرب إلى الجواز من غيره عندهم.

كقوله: أجزت لمحمد بن خالد بكتاب كذا، و هناك جماعة مشتركون في ذلك الاسم و لا يعين المجاز له منهم.

و قد صرح ببطلان هذا الضرب جمع(1) للجهالة(2)و قالوا: إنه ليست من هذا القبيل اجازته لجماعة مسمين معينين بأنسابهم و المجيز لا يعرف أعيانهم، فإنه غير قادح، كما لا يقدح جهله بهم إذا حضروا في السماع منه، لحصول العلم في الجملة و تميزهم في أنفسهم(3).

الضرب الخامس: تعليق الاجازة على الشرط

الضرب الخامس(4)

تعليق الإجازة على الشرط(5) كقوله: أجزت لمن شاء

ص: 121


1- كما صرح به في تدريب الراوي: 35/2، و العراقي في الألفية و كذا شرحها: 75/2، و قبلهما: ابن الصلاح في المقدمة: 268. قال في جامع الأصول: 42/1: أما المجهول - أي الإجازة له - فمثل أن يقول المحدث أجزت لبعض الناس، فلا يصح ذلك، لأنه لا سبيل إلى معرفة البعض الذي أجيز له.
2- إذ لا فائدة فيه إلا إذا اتصلت به قرينة. إذ لم يتضح مراد المجيز من ذلك كله.
3- و كذا لو أجاز غير معين لمعين كأجزتك كتاب الصلاة و هناك كتب متعددة. نعم لو أجاز رجلا يعرفه باسمه أو بوجهه، أو جماعة كذلك جاز و إن لم يعرفهم بأعيانهم، كما لا يشترط معرفة المسمع عين السامع الذي سمع منه، كما مرّ في المصادر السالفة و غيرها.
4- أدرج الضرب الخامس في النوع الرابع ابن الصلاح في مقدمته، و لذا عدّهما ثمانية و تبعه من تبعه على هذا.
5- و يقال لها: الإجازة المعلقة بالشرط، و ذكر القولين الآتيين البعض من دون ترجيح و لا ذكر دليل.

فلان أو.. نحو ذلك، و في بطلانها قولان: فقطع بالبطلان القاضي أبو الطيب الشافعي(1) للجهالة و التعليق قياسا على الوكالة كقوله: أجزت لبعض الناس(2)، و صححها أبو يعلى بن الفراء الحنبلي(3)، و أبو الفضل محمد بن عبيد اللّه بن عمروس(4)المالكي(5) لارتفاع الجهالة عند وجود المشيئة(6)، و يتعيّن المجاز

ص: 122


1- أي الطبري، و قد مرت ترجمته قريبا في صفحة: 119.
2- و ذهب جمع منّا كثاني الشهيدين في بدايته: 97، و الشيخ حسين العاملي في درايته: 124 [التراث: 136] قال: و بالجملة التعليق مبطل على ما يتعارفه أهل الصناعة. بل أدخلت في ضرب الإجازة المجهولة، و إلى هذا ذهب الخطيب البغدادي في كفايته و النووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 35/2، و فرق أبو عبد اللّه الدامغاني بينهما و بين الوكالة بأن الوكيل ينعزل بعزل الموكل له بخلاف المجاز، و ثمّة أقوال شاذة متشتتة لا أثر لنقلها.
3- هو محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن خلف بن أحمد بن الفراء، عماد الدين المعروف بأبي يعلى الصغير (494-560 ه) محدث، اصولي، فقيه على مذهبه، له جملة مصنفات. انظر عنه: شذرات الذهب: 19/4، الأعلام: 251/7، معجم المؤلفين: 276/11 و غيرها.
4- الصحيح: عبيد اللّه بن أحمد بن محمد بن عمروس.
5- .. البغدادي، شيخ المالكية (372-452 ه) و يقال له: ابو عمر عمروس المالكي قال الخطيب: انتهت إليه الفتوى ببغداد. و هو من كبار المقرئين. انظر: تاريخ بغداد: 339/2، سير أعلام النبلاء: 74/18 ترجمة (34). طبقات الفقهاء: 169، و غيرها.
6- بخلاف الجهالة الواقعة في الإجازة لبعض الناس التي مرت في الضرب الرابع، فلاحظ.

له عندها بخلاف الجهالة الواقعة في الإجازة لبعض الناس، مضافا إلى قول النّبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) لما أمّر زيدا على غزوة موتة: فإن قتل زيد فجعفرا، و إن قتل جعفر فابن رواحة(1). حيث علّق (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) التّأمير.

و القياس على الوكالة فاسد للفرق بينهما بأن الوكيل ينعزل بعزل الموكّل له بخلاف المجاز.

هذا و لو قال: أجزت لمن شاء الإجازة أو الرّواية(2) أو لفلان إن شاء أو لك إن شئت، فقد صرّح جمع منهم الشّهيد الثّاني (رحمه اللّه) في البداية بصحّتها(3)، لأنّها و إن كانت

ص: 123


1- انظر طبقات ابن سعد: 25/4 - القسم الأول، و سيرة ابن هشام: 794، و مغازي الواقدي: 309 و 311، و مسند أحمد بن حنبل: 204/1 و 299/5 و 300 و غيرها.
2- أقول: فرق ابن الصلاح في المقدمة: 269 بين ما لو أجاز لمن شاء الإجازة منه له، و بين من أجاز لمن شاء الرواية عنه، و ذهب إلى أن الأخير أولى بالجواز، و قال: من حيث أن مقتضى كل اجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له. فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا بما يقتضيه الإطلاق و حكاية للحال لا تعليقا في الحقيقة، و لهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين في البيع أن يقول: بعتك هذا بكذا إن شئت، فيقول: قبلت. و ناقش فيه البلقيني في محاسن الاصطلاح - المطبوع ذيل مقدمة ابن الصلاح - و لا وجه في التفريق الا بما سيأتي.
3- البداية: 97، المقدمة: 269، و تكون في قوة المطلقة، و قال في الحجرية من وصول الأخيار: 124 اتجه الجواز.

معلّقة إلاّ أنّها في قوّة المطلقة، لأنّ مقتضى كلّ اجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئة المجاز له، فكان - مع كونه بصفة التعليق في قوة ما يقتضيه الإطلاق و حكاية الحال لا تعليقا حقيقة، حتى أجاز بعض الفقهاء بعتك إن شئت إذا لحقه القبول(1).

الضرب السادس: الاجازة للمعدوم

الضرب السادس

الإجازة للمعدوم، كقوله: أجزت لمن يولد لفلان(2) فإن جمعا صححوها للأصل، و لأنها اذن لا محادثة فتشمل المعدوم، و آخرون أبطلوها قياسا على الوقف على المعدوم

ص: 124


1- و قد مرّ نسبته إلى أئمة الشافعيين، كما صرح به ابن الصلاح في المقدمة: 269 أما ان قال: أجزت لفلان كذا و كذا إن شاء روايته عني أو لك إن شئت أو أحببت أو أردت فالأظهر الأقوى أن ذلك جائز، إذ قد انتفت فيه الجهالة و حقيقة التعليق و لم يبق فيه سوى صيغته، فتدبر.
2- أو من يولد لي أو يولد لك قال في نهاية الدراية: 181-182: قيل: الجمهور منا و من العامة لم يقبلوه و أجازها بعضهم بناء على أنها إذن لا محادثة. أقول: جوزها الخطيب البغدادي و ألف فيها جزءا و حكى صحتها عن أبي الفراء الحنبلي و أبي عمروس المالكي، و نسبه القاضي عياض لمعظم الشيوخ، و منعها غيرهم، و صححها النووي في التقريب: 35/2 و قواعد التحديث: 203. و هي على قسمين: الإجازة لمعدوم تبعا لموجود، كأجزت لفلان و ذريته. و اخرى لما خصص المجيز فيه المعدوم بالإذن و لم يعطفه على موجود سابق كأجزت لمن يولد لفلان فهو منقطع الأول، و هذا أوهى من الذي قبله، و ذاك أقرب إلى الجواز، و من هنا فصل البعض بينهما كالحافظ السجستاني. و قد ضمّ ابن الصلاح في المقدمة: 270 لهذا النوع الإجازة إلى الطفل الصغير الذي هو قسم من أقسام الضرب السابع - الآتي -.

ابتداء، و هو كما ترى(1)، فالأولى الاستدلال للبطلان بما في البداية من أنها لا تخرج عن الاخبار بطريق الجملة كما سلف، و هو لا يعقل للمعدوم ابتداء، و لو سلم كونها اذنا فهي لا تصح للمعدوم كذلك، كما لا تصح الوكالة للمعدوم(2) فتأمل.

ثم ان أكثر المانعين صرحوا بالجواز و الصحة فيما إذا ضم المعدوم إلى الموجود، كما إذا قال أجزت لك و لعقبك و من يولد لك كما يصح الوقف على المعدوم بضميمة الموجود.

ص: 125


1- و يظهر من ثالث التوقف و عدم الترجيح، كما في جامع الاصول لابن الأثير: 40/1.
2- البداية: 97-98، و ادعى الشيخ حسين العاملي في درايته: 124: [التراث: 7-136]: أن الجمهور منا و منهم لم يقبلوها، ثم قال: و لو عطفها على موجود كأجزتك و من يولد لك أمكن جوازه، و قد فعله جماعة من العلماء. أقول: كان الأولى التفصيل بين القولين و عدّها اثنين كما صنعنا كي تفرز الأقوال و الأدلة.

ثم ان في كون الحمل من الموجود أو المعدوم وجهان بل قولان: فمن استند في المنع من الإجازة للمعدوم إلى قياسها على الوقف صحح الإجازة للحمل لصحة الوقف عليه(1)، و من استند في ذلك إلى عدم خروج الإجازة عن الاخبار بطريق الجملة و عدم تعقل ذلك بالنسبة إلى المعدوم ابتداء منع من الإجازة للحمل، و عن الخطيب بناء الخلاف في الحمل على أن الحمل هل يعلم أم لا؟ قال: فإن قلنا يعلم - و هو الأصح - صحت الإجازة له، و إن قلنا: لا يعلم كانت كالإجازة للمعدوم(2). و عن أبي الفضل الهاشمي(3) أن الجواز فيما بعد نفخ الروح أولى، و أنها قبل نفخ الروح مرتبة متوسطة بينها و بين الإجازة للمعدوم فهو أولى بالمنع من الاولى، و بالجواز من الثانية.

ص: 126


1- كما ذهب إليه الشهيد في درايته: 98 و قال: قولان بالصحة نظرا إلى وجوده و عدمه نظرا إلى عدم تميزه، و قد تقدم أنه غير مانع فيتجه الجواز قال الخطيب: لم نرهم أجازوا لمن لم يكن مولودا في الحال، ثم قال: و لا شك أنه أولى بالصحة من المعدوم. و في نهاية الدراية: 182 جعل المدار هو التمييز و عدمه، و انظر: وصول الأخبار: 138 - التراث -.
2- الكفاية في علم الرواية: 466. و حكاه في المقدمة: 272 عنه.
3- هو ابو الفضل محمد بن إبراهيم بن الفضل الهاشمي النيسابوري المزكي، أحد أصحاب الحديث المتوفى في شوال سنة 347 ه. سير اعلام النبلاء: 572/15 ترجمة برقم 346، و لم اقع له على ترجمة اخرى في المصادر التي بين أيدنيا.
الضرب السابع: الاجازة لموجود فاقد لأحد شروط اداء الرواية

الضرب السابع

الإجازة لموجود فاقد لأحد شروط اداء الرواية كالطفل و المجنون و الكافر و الفاسق و المبتدع و.. غيرهم.

أما الطفل المميز فلا خلاف في صحة الإجازة له و كذا المجنون و الطفل الغير المميز على ما صرح به جمع(1) منهم ثاني الشهيدين في البداية حيث قال: و تصح لغير مميز من المجانين و الأطفال بعد انفصالهم بغير خلاف ينقل في ذلك، و قد رأيت خطوط جماعة

ص: 127


1- كالنووي في التقريب ثم السيوطي في التدريب: 38/2-39، و السخاوي في الشرح تبعا للعراقي في المتن: 83/2-84، و سبقهم الخطيب في الكفاية: 466 حيث عنون المسألة كذلك. بل ادعى الأخير أن عليه كافة شيوخنا لأنه نوع إباحة تصح للعاقل و غيره و المميز و غيره، أما المميز فلا خلاف في صحة الإجازة له كما عن غير واحد كما في التدريب: 38/2، و النهاية: 182، و قواعد التحديث: 203 و غيرهم. و المراد بالإباحة هنا عدم الحظر و المنع لا صرف الأعلام، و عليه فلا يفرق فيها. و قد ادعى أبو الوليد الباجي و القاضي عياض الإجماع عليها. و عن ابن حزم أنها بدعة! قال القاسمي: و هو الذي درج عليه المحدثون سلفا و خلفا.

من فضلائنا بالإجازة لأبنائهم عند ولادتهم مع تاريخ ولادتهم منهم السيد جمال الدين بن طاوس لولده غياث الدين، و شيخنا الشهيد (رحمه اللّه) استجاز من أكثر مشايخه بالعراق لأولاده الذين ولدوا بالشام قريبا من ولادتهم، و عندي الآن خطوطهم لهم بالإجازة، و ذكر الشيخ جمال الدين أحمد بن صالح الشبتي(1) (قدس سره) أن السيد فخار(2) الموسوي اجتاز بوالده مسافرا إلى الحج، قال: فأوقفني والدي بين يدي السيد فحفظت منه أنه قال لي: يا ولدي! أجزت لك ما يجوز لي روايته، ثم قال: و ستعلم فيما بعد حلاوة ما خصصتك به.

و على هذا جرى السلف و الخلف و كأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع حمل الحديث(3) ليؤدي به بعد حصول أهليته حرصا على توسع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه الامة، و تقريبه من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بعلو الإسناد، انتهى ما في البداية(4).

ص: 128


1- في درايتنا: السبتي.
2- في نسختنا: فخار الدين، و في وصول الأخيار [التراث] 137: فخار.
3- في نسختنا: الحديث النبوي، و في وصول الأخيار: 137 حذفهما معا.
4- البداية: 98. و أخذه من ابن الصلاح في المقدمة: 272، و احتج له الخطيب بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز الرواية للمجاز له، و الإباحة تصح لغير المميز بل و للمجنون، و أبطلها قوم ممن لم يصحح التحمل إلا في سن معين كما مرّ، أو اشترط كون المجاز عالما كما سيأتي في لفظ الإجازة.

و أما الكافر فقد صرحوا بصحة الإجازة له كما يصح سماعه للأصل، قالوا: و تظهر الفائدة إذا أسلم. قال في البداية: و قد وقع ذلك في قريب من عصرنا و حصل بها(1)النفع(2). و إذا جاز للكافر جاز للفاسق و المبتدع بطريق أولى(3).

لكن قد يخالجني الإشكال في صحة الإجازة لهما و للكافر بأنه قد تؤدي الإجازة لهم إلى الإغراء بالجهل، لأنه إذا كان مجازا من الشيخ أوجب ذلك قبول غير العالم بحقيقة حالهم لروايتهم، و ذلك فساد عظيم، فينبغي المنع من الإجازة لهم سدا لهذا الباب، و أيضا فالإجازة لهم ركون إليهم و لا شبهة في كونهم من الظالمين، و قد نهى اللّه تعالى عن الركون إلى الذين ظلموا. و التحمل غير الإجازة، فالمنع في نظري القاصر من الإجازة لهم أظهر، و لا يوحشني الانفراد إذا ساعد مقالتي الدليل و الاعتبار، و عليك بامعان النظر لعلك توافقنا فيما قلناه(4).

ص: 129


1- في درايتنا: به.
2- البداية: 99.
3- لرجاء زوال فسق المسلم، و أن رواية المبتدع تقبل على بعض الوجوه، و قد فصلنا الكلام فيها في المستدرك رقم (155).
4- اقول: في دلالة الوجهين على ما انفرد به خفاء علينا. إذ أي ركون لهم بصرف اجازتهم بل هو ركون منهم، مع ما في ذلك من ترغيبهم إلى حظيرة الدين و سلك المؤمنين، بل السيرة القطعية قائمة بين السلف و الخلف لإجازة العامة و استجازتهم. و قبول غير العالم بحقيقة حالهم لروايتهم لا يمنع من صحة اجازتهم و غير ذلك، و اتخاذ الحكم بالعناوين الثانوية لا يمنع من صحته بالعنوان الأولي كما لا يخفى، فتدبر.
الضرب الثامن: الاجازة بما لم يتحمله المجيز من الحديث بعد بوجه ليرويه عنه المجاز

الضرب الثامن

الإجازة بما لم يتحمله المجيز من الحديث بعد بوجه(1)ليرويه عنه المجاز إذا تحمله المجيز بعد ذلك(2).

و في جواز هذا الضرب وجهان: فالأكثر على المنع منه(3)، لأن الإجازة في حكم الأخبار بالمجاز جملة أو أذن، و لا يعقل أن يخبر بما لا يخبر به(4) و لا أن يأذن فيما لم يملك، كما لو وكل في بيع ما لم يملكه و يريد أن يشتريه، و ذهب بعضهم إلى جوازه بناء على جواز الاذن كذلك حتى في الوكالة.

و على الأول(5): فيتعين على من أراد أن يروي عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته أن يبحث حتى يعلم أن هذا مما تحمله شيخه قبل الإجازة له ليرويه، و أما لو قال أجزت لك ما صح و ما

ص: 130


1- أي لا من سماع و لا اجازة.
2- و هذا بخلاف قولهم: أجزت لك ما صح أو يصح عندك من مسموعاتي، حيث هو صحيح بلا كلام لأنه ما صح حين الرواية لا الإجازة، كما نص عليه غير واحد كالعراقي و النووي و السيوطي في التدريب: 40/2 و غيرهم. و سبقت الإشارة له منّا.
3- قال في وصول الأخيار: 124 [التراث: 137] و هي باطلة قطعا. و في نهاية الدراية: 182 قال: (و لا ريب في بطلان هذا النوع). و قد اختاره جلّ العامة من المتأخرين و لم يتكلم فيه من مشايخ الحديث المتقدمين، لاحظ: فتح المغيث: 86/2، مقدمة ابن الصلاح 273-274 و غيرهما.
4- الأول بصيغة المعلوم و الثاني بصيغة المجهول [منه (قدس سره)]. و في نسختنا من البداية: يجيز بدلا من يخبر في كلا الموضعين، و المعنى واحد.
5- و هو القول بالمنع من الإجازة بما لم يتحمله.

يصح عندك من مسموعاتي مثلا، فيصح أن يروي بذلك عنه ما صح عنده بعد الإجازة أنه سمعه قبل الإجازة(1)، و أجاز بعضهم اجازة ما يتجدد روايته مما لم يتحمله ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك، و قد فعله جمع من الأفاضل(2).

الضرب التاسع: اجازة المجاز لغيره بما تحمله بالاجازة

الضرب التاسع

إجازة المجاز لغيره بما تحمله بالإجازة فيقول: أجزت لك مجازاتي أو رواية ما اجيز لي روايته و المشهور جواز ذلك(3)، لأن روايته إذا صحت لنفسه جاز له أن يرويها لغيره،

ص: 131


1- لا بعد الإجازة، و ما شك فيه بعد البحث عليه مما كان قد تحمله قبل الإجازة لا يصح روايته على هذا.
2- كما حكاه ثاني الشهيدين في البداية: 99، و الفرق بين هذا و الذي قبله أنه هناك لم يرو بعد بخلافه هنا فقد روى، و لكن تارة يكون عالما بما رواه و اخرى لا يعلم فيحيله على ثبوته عند المجاز. أقول: ينبغي أن يبنى الخلاف - كما قيل - على أن الإجازة هل هي في حكم الأخبار بالمجاز جملة أو هي اذن، فإن جعلت في حكم الأخبار لم تصح هذه الإجازة، إذ كيف يخبر بما لا خبر عنده منه؟ و إن جعلت إذنا ابتنى هذا على الخلاف في تصحيح الإذن في باب الوكالة فيما لا يملكه الآذن الموكل بعد مثل أن يوكل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه، فتدبر جيدا.
3- قال في نهاية الدراية: 182: و لا ريب في صحة ذلك، و عليه السيرة القطعية، و قد ذهب إليه السخاوي في فتح المغيث: 89/2، و ابن الصلاح في المقدمة: 274 و قال: و الصحيح و الذي عليه العمل أن ذلك جائز. و قال العاملي في درايته: 138: و الأصح جوازه. هذا و يلزمه التروي في ما يرويه بذلك لئلا يروي ما لم يدخل تحته.

و عن عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي(1) المنع من ذلك، و إنه إنما يجوز له العمل بها لنفسه خاصة و هو متروك حتى، أن بعضهم لعدم الاعتناء بخلافه ادعى الاتفاق على الجواز، و قد وقع منهم توالي إجازات كثيرة بعضها ببعض.

هذه هي الضروب التي تداولوا التعرض لها(2) و قد بآن لك منها حكم سائر الأقسام.

و بقي هنا أمور ينبغي التعرض لها:
الاول: ما يلزم من يروي بالاجازة عن الإجازة

الأول: أنه ينبغي لمن يروي بالإجازة عن الإجازة أن يتأمل و يفهم كيفية إجازة شيخ شيخه التي أجاز له بها شيخه ليروي المجاز الثاني ما دخل تحتها و لا يتجاوزها، فربما قيدها بعضهم بما صح عند المجاز له أو بما سمعه المجيز و.. نحو ذلك، فإن كانت إجازة شيخ شيخه أجزت له ما صح عنده من سماعي فرأى سماع شيخه(3) فليس له روايته عن شيخه عنه حتى يعرف أنه صح عند شيخه كونه من مسموعات شيخه، و كذا ان قيدها بما سمعه لم يتعد إلى مجازاته(4)، و لو اخبر شيخه بما صح سماعه عنده من مسموعات شيخه لم يرو هذا

ص: 132


1- شيخ ابن الجوزي، و صنف الأخير في ترجمته كتابا. و هو الحافظ أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن البغدادي الحنبلي عرف بابن الأنماطي (462-537 ه) و كان لا يجيز الرواية بالإجازة عن الإجازة، و جمع في ذلك تأليفا ذكر ذلك كل من ترجمه.
2- بالإضافة إلى المصادر السابقة راجع معرفة علوم الحديث: 273 و ما بعدها.
3- الظاهر: سماع شيخ شيخه.
4- كما نص عليه السيوطي تبعا للنووي في التدريب: 41/2-42، و غيره.

المجاز الثاني عن شيخه - و هو الأوسط - إلا ما تحقق عند الراوي الأخير أنه صح عند شيخه - و هو الأوسط - أنه سماع شيخه الأول، و لا يكتفي بمجرد صحة ذلك عنده الآن من غير أن يكون قد صح سماعه عند شيخه، عملا بمقتضى لفظه و تقييده، فينبغي التنبه لذلك و.. أشباهه، فقد زلّ في ذلك أقدام أقوام.

الثاني: هل يشترط من صحة الإجازة العلم؟

الثاني: أنهم قالوا(1): إنما تستحسن الإجازة مع علم المجيز بما أجازه، و كون المجاز له من أهل العلم أيضا، لأنها توسع و ترخيص يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها، قال عيسى بن مسكين(2): الإجازة رأس مال كبير.

و اشترط بعضهم في صحتها العلم، و الأشهر عدمه(3).

و عن ابن عبد البر(4) أنه قال: الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر

ص: 133


1- كما قاله السيوطي في التدريب: 43/2-44، و سبقه ابن الصلاح في المقدمة: 276.
2- ابو محمد الأفريقي هو شيخ المالكية بالمغرب. له جملة تصانيف توفى سنة خمس و تسعين و مائتين لاحظ: سير أعلام النبلاء: 573/13 ترجمة برقم (296) شذرات الذهب: 220/2 و غيرهما.
3- كما حكاه في الدراية: 100 و نسبه إلى الأشهر. و عن ابن سيد الناس أن: أقل مراتب المجيز أن يكون عالما بمعنى الإجازة العلم الإجمالي، من أنه روى شيئا، و أن معنى اجازته لذلك الغير في رواية ذلك الشيء عنه بطريق الإجازة المعهودة. لا العلم التفصيلي بما روى، و بما يتعلق بأحكام الإجازة.. كما حكاه القاسمي في قواعده: 205. و لا يخفى أن لازم هذا على اطلاقه اخراج الطفل و المجنون و غيرهم.
4- هو أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمد بن عبد البر النمري الأندلسي القرطبي (368-463 ه) محدث حافظ، مؤرخ فقيه عارف بالرجال و الأنساب، صاحب كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب، و جامع بيان العلم و فضله و التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد في عشرين مجلد و غيرها. انظر عنه: وفيات الأعيان: 348/2، مرآة الجنان: 89/3، البداية و النهاية: 104/12، معجم المؤلفين: 315/13، الأعلام: 316/9 و غيرها.

بالصناعة في شيء معين لا يشكل إسناده(1).

الثالث: ينبغي للمجيز بالكتابة إن يتلفظ بالاجازة
اشارة

الثالث: أنه صرح جمع(2) بأنه ينبغي للمجيز بالكتابة أن يتلفظ بالإجازة أيضا ليتحقق الاخبار أو الإذن اللذين حقيقتهما التلفظ، فإن اقتصر على الكتابة و لم يتلفظ مع قصد الإجازة صحت بغير لفظ، كما صحت الرواية بالقراءة على الشيخ مع أنه لم يتلفظ بما قرئ عليه.

و أيضا فهي إما إذن - و هو يتحقق بغير اللفظة - كتقديم الطعام إلى الضيف و دفع الثوب إلى العريان ليلبسه و.. نحو ذلك، أو إخبار، و هو يتوسع به في غير اللفظ عرفا، غايته أن الكتابة مع القصد من غير لفظ دون الملفوظ في الرتبة، و أما لو

ص: 134


1- كما في تدريب الراوي: 43/2، و اصول الحديث: 237 و غيرهما. قال والد الشيخ البهائي في درايته: 125 [التراث: 138]: و ليس بمعتبر عند الفقهاء و لا المحدثين. ثم انه غير خفي رجحان كون المجاز من أهل الصلاح و الورع و لا يبذلها لكل أحد ممن لا يبالي بما قال أو قيل له أو قيل فيه.
2- منهم النووي في التقريب و السيوطي في التدريب: 43/2، و السخاوي تبعا للعراقي في ألفيته: 95/2، و سبقهم ابن الصلاح في مقدمته: 277.

لم يقصد بالكتابة الإجازة فالظاهر عدم الصحة(1).

تذييل: لا يشترط في الإجازة القبول

تذييل: صرح جماعة(2) بعدم اشتراط القبول في الإجازة.

نعم يقدح فيها كل من الرّد من المجاز و رجوع المجيز عند بعضهم، و لا يقدح عند آخر، و ربما بنى ذلك ثالث(3) على أن الإجازة إن كانت أخبارا لم يضر الرد و لا الرجوع، و إن كانت اذنا و إباحة أضر الرد و الرجوع كما في الوكالة.

رابعها: المناولة:
اشارة

و هي أن يناول الشيخ الطالب كتابا(4).

ص: 135


1- راجع مستدرك رقم (221) الفوائد حول الإجازة.
2- كالنووي في التقريب و البلقيني و السيوطي في التدريب: 43/2 و غيرهم.
3- المراد به السيوطي في شرحه للتقريب: 44/2.
4- بأن يدفع الشيخ مكتوبا فيه خبر أو أخبار - أصلا كان أو كتابا، له أو لغيره إلى راو معين أو إلى جماعة أو يبعثه إليه أو إليهم برسول، بل يمكن في المعدوم - كما صرح به شرذمة - بأن يوصي بالدفع إليه كل ذلك مع تصريح أو غيره بما يفيد أنه روايته و سماعه، و كل ذلك مع تجويزه للمدفوع إليه أو لغيره أيضا في أن يرويه عنه بطريق الإجازة له أو بغيره. فمرة يقول: أجزتك في روايته، و اخرى يقول: أروه عني - و إن كانا شيء واحدا و لكن قيل بأولوية الأخير - أو مع الاقتصار عليه، فيقول هذا سماعي أو روايتي. قال السيد المرتضى في الذريعة: 84/2-85 في تعريف المناولة: فهو أن يشافه المحدث غيره و يقول له في كتاب أشار إليه: هذا الكتاب سماعي من فلان فجرى ذلك مجرى أن يقرأه عليه و يعترف له به في علمه بأنه حديثه و سماعه.. قال في جامع الاصول: 43/1 في تعريف المناولة: إن يكون الراوي متقنا حافظا، فيقدم المستفيد إليه جزءا من حديثه أو أكثر من ذلك فيناوله إياه، فيتأمل الراوي حديثه، فإذا خبره و عرف أنه من حديثه قال للمستفيد: قد وقفت على ما ناولتنيه و عرفت ما فيه، و أنه روايتي عن شيوخي، فحدث به عني.

قيل(1): و الأصل فيها أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كتب لأمير السرية كتابا و قال: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا و كذا(2)، فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس و أخبرهم بأمر النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم).

و هي ضربان: مقرونة بالإجازة، و مجردة عنها .
اشارة

و هي ضربان: مقرونة بالإجازة، و مجردة عنها(3).

ص: 136


1- و القائل هو البخاري أخرجه في كتاب العلم من صحيحه تعليقا: - كما سيأتي - و قد وصله البيهقي و الطبري بسند حسن كما في التدريب: 44/2، و استدل له بغير ذلك. لاحظ فتح الباري: 163/1 كما حكاه في اصول الحديث: 239، و كذا كتابته (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) لبعض الصحابة و الامراء في القضاء و السنن و غيره و أمرهم بالعمل بما فيها.
2- صحيح البخاري كتاب العلم، و انظر عن وصاياه صلوات اللّه عليه و آله: صحيح مسلم - كتاب الجهاد -، حديث 2-7 و 47، 1356/3، 1731، 1733 و 1756. سنن الترمذي، كتاب الديات باب 14، 22/4، و كتاب السير: باب 2 و 48، 120/4 و 162، و سنن ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب 38، 953/2، و مسند الدارمي: كتاب السير، باب 8، 216/2، و موطأ مالك: كتاب الجهاد حديث 11، 448/2، و مسند زيد بن علي حديث 850، و مسند أحمد بن حنبل: 300/1، 440/3 و 448، 240/4، 276/5 و 352 و 358.
3- جمع من علماء الدراية - كالخطيب البغدادي في كفايته: 466 - عدّوا المناولة من ضروب الإجازة و قال: هي أرفع ضروب الإجازة أو أعلاها. خلافا لجمع حيث جعلوها قسما برأسها، و الأولى ما فعله المصنف (قدس سره) تبعا لجمع لما بينهما من العموم من وجه.
الاول: المناولة المقرونة بالإجازة، و لها مراتب
اشارة

أما الأول: و هي المناولة المقرونة بالإجازة(1) فهي على(2) أنواع الإجازة على الإطلاق، و ادعى عياض الاتفاق على صحتها(3) حتى أنكر بعضهم أفرادها عنها لرجوعها إليها.

و إنما يفترقان في أن المناولة تفترق(4) إلى مشافهة المجيز للمجاز له و حضوره دون الإجازة، و قيل: إنها أخص(5) من الإجازة لأنها إجازة مخصوصة في كتاب بعينه بخلاف الإجازة.

ثم ان لهذا الضرب مراتب:

منها: إن يدفع الشيخ الى الطالب الأصل و يقول له: اروه عني...

فمنها: أن يدفع الشيخ إلى الطالب تمليكا أو عارية للنسخ أصل سماعه أو فرعا مقابلا به و يقول له: هذا سماعي من فلان أو روايتي عنه فاروه عني، أو أجزت لك روايته عني، ثم يملّكه إياه، أو يقول: خذه و انسخه و قابل به ثم ردّه إليّ، و نحو هذا(6)، و يسمى هذا: عرض المناولة في مقابل عرض

ص: 137


1- لفظا، و قيل: مطلقا.
2- الظاهر أنه هنا: أعلى، و إلا لما تمّ المعنى.
3- حكاه غير واحد كالعراقي كما في اصول الحديث: 239 و السيوطي في التدريب: 45/2، و السخاوي في فتح المغيث: 101/2، و الغزالي في المستصفى: 165/1، و غيرهم.
4- كذا، و كذا في البداية، إلا أن الظاهر: تفتقر.
5- الأولى أن يقال: أخفض، و هو الظاهر.
6- و تحلّ تلك الإجازة محل السماع عند جماعة من أئمة الحديث في القوة، و إن كان الأقوى أنها أقل قوتا، فتدبر.

القراءة(1).

و هذه المرتبة أعلى مراتب المناولة و هي دون السماع و القراءة في المرتبة على الأصح(2)، لاشتمال كل من السماع و القراءة على ضبط الرواية و تفصيلها بما لا يتحقق بالمناولة، و قيل: إن المناولة مع الإجازة مثل السماع من حيث تحقق أصل الضبط من الشيخ و لم يحصل منه مع سماعه من الراوي إخبار مفصل بل إجمالي فتكون المناولة بمنزلته(3)، و هو كما ترى.

ص: 138


1- و يظهر من دراية الشهيد: 101 أنهما شيء واحد، قال (رحمه اللّه): و يسمى هذا عرض المناولة إذ القراءة عرض، و يقال لها: عرض القراءة. و الصحيح غير ما نص عليه الشهيد و المصنف (قدس سرهما) حيث القسم الآتي يسمى: عرضا للتمييز عن القراءة عليه، سموه عرض المناولة و سمى هذا: عرض القراءة، لاحظ التدريب: 46/2 و غيره. و عبارتهما موهمة فتدبر. و أشار إلى هذا في وصول الأخيار: 126 [التراث: 139] - بتفاوت بين الطبعتين - من أن هذا القسم سماه البعض عرضا و قد سبق أن القراءة عليه تسمى عرضا، و لذا قال البعض أن هذا يسمى عرض المناولة و ذاك عرض القراءة، و منه قول المرحوم الدربندي في درايته: 27: و هذا مما سماه غير واحد من حذقة الفن عرضا فيسمى هذا عرض المناولة و ذلك عرض القراءة. و الغريب أن ابن الأثير في جامع الأصول: 43/1 سمى المناولة: العرض، بقول مطلق، و لم يفصّل، و المشهور كون القراءة على الشيخ يقال لها: عرض، كما مرّ.
2- قال في نهاية الدراية: 184: و هذه المناولة كالسماع في القوة عند الأكثر، بل رجحها بعض محققي أرباب الدراية على السماع و القراءة و غيرهما من أنواع التحمل، ثم اختار مختار المصنف (قدس سرهما) و سبقه الدربندي في درايته: 27 - خطي - و حكى الأقوال جملة و دليلا السخاوي في شرحه: 102/2 و ما بعدها.
3- كما حكاه الشهيد في البداية: 101 و العراقي في الألفية و السخاوي في الفتح: 103/2، بل في مقدمة جامع الاصول لابن الأثير: 44/1 قال: و أصحاب الحديث يرتبون المناولة قبل الإجازة، و هي عندهم أعلى درجة منها. ثم قال: و منهم - أي أن من أصحاب الحديث - من ذهب إلى [ان] المناولة أوفى من السماع.
و منها: أن يدفع الطالب إلى الشيخ سماع الشيخ أصلا أو مقابلا به

فيتأمله الشيخ و هو عارف متيقظ ثم يعيده إلى الطالب، و يقول له: هو حديثي أو روايتي عن فلان أو عمن ذكر فيه فاروه عني، أو أجزت لك روايته عني، و هذا الضرب دون سابقه في الرتبة. و عن جمع كثير من محدثي العامة - منهم الزهري و مجاهد(1) و الشعبي(2) و.. غيرهم - أنه كالسماع في القوة و الرتبة، و عن بعضهم أنه أرفع من السماع، لأن الثقة بكتاب الشيخ مع اذنه فوق الثقة بالسماع منه و اثبت، لما يدخل من الوهم على السامع و المستمع. و عن جمع آخرين - منهم الثوري(3) و الأوزاعي و ابن المبارك و أبو حنيفة و الشافعي و..

ص: 139


1- مرت ترجمة الزهري، و مجاهد هو أبو الحجاج مجاهد بن جبير المكي مولى بني محزوم (21-104 ه على الأشهر) صاحب تفسير القرآن. انظر عنه: ميزان الاعتدال: 9/3، حلية الأولياء: 279/3، معجم المؤلفين: 177/8، الأعلام: 161/6 عن عدّة مصادر، و كل كتب الرجال و الصحابة.
2- هو أبو عمرو عامر بن شراحيل (عبد اللّه) بن عبد ذي قباز الشعبي الحميري (19-103 ه) من رواة التابعين. انظر عنه: تهذيب التهذيب: 65/5، تاريخ بغداد: 227/12 ترجمة: 6680، حلية الأولياء: 310/4 و غيرها.
3- هو أبو عبد اللّه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (97 161 ه) فقيه محدث مصنف، له الجامع الكبير و الصغير و الفرائض و غيرها، ترجمه الشيخ الجد في تنقيح المقال: 36/2، و كذا سيد الأعيان: 137/35، و منتهى المقال: 148، و تهذيب التهذيب: 111/4 و غيرها. و مرت ترجمة الباقين في صفحات رقم: 111، 95، 89، و صفحة: 347 من المجلد الاول. فلاحظ.

غيرهم - انها دون السماع و القراءة(1).

و منها: إن يناول الشيخ الطالب سماعه و يجيزه ثم يسترجعه الشيخ و يمسكه

و منها: أن يناول الشيخ الطالب سماعه و يجيزه ثم يسترجعه الشيخ و يمسكه عنده و لا يبقيه عند الطالب، فيرويه الطالب عنه إذا وجده و ظفر به، أو ما قوبل به على وجه يثق معه بموافقته لما تناولته الإجازة على ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة(2).

و هذه المرتبة دون ما سبق، لعدم احتواء الطالب على ما تحمله و غيبته عنه، فلهذا لا يكاد يظهر لها مزية على الإجازة المجردة عنها الواقعة في معيّن من الكتب. و قد قال جمع من أصحاب الفقه و الاصول أنه لا فائدة فيها(3)، و لكن المشهور بين

ص: 140


1- فصل القول في الأقوال الخطيب البغدادي في الكفاية: 477-479، و حكاها السيوطي في التدريب: 46/2-47، و اختار هو و النووي الأخير. و قال الحاكم: و عليه عهدنا أئمتنا و إليه نذهب.
2- أو وجد فرعا مقابلا به موثوقا بموافقته ما تناولته الإجازة.
3- كذا قاله و اختاره ابن الصلاح في مقدمته: 282، و حكاه العراقي و السخاوي في شرحه: 107/2، و سبقهم القاضي عياض مستدلا: أنه لا فرق بين اجازته إياه أن يحدث عنه بكتاب.. و هو غائب أو حاضر، إذ المقصود تعيين ما أجاز له.

شيوخ الحديث قديما و حديثا - كما في البداية(1) و.. غيرها(2)ان لها مزيّة معتبرة على الإجازة المجرّدة في الجملة باعتبار تحقّق أصل المناولة(3).

و منها: إن يأتي الطالب الشيخ بكتاب و يقول: هذا روايتك فناولنيه و اجزني روايته
اشارة

و منها: أن يأتي الطّالب الشيخ بكتاب و يقول: هذا روايتك فناولنيه و اجز لي روايته، فيجيبه إليه اعتمادا عليه من دون نظر فيه و لا تحقّق لروايته له. و قد صرّح غير واحد(4) ببطلان هذا القسم إن لم يثق بمعرفة الطّالب(5)، و إن وثق بخبره و بمعرفته بحيث كان ثقة متيقّظا معتمدا عليه صحّ الاعتماد عليه، و كانت مناولة و إجازة جائزة، كما جاز في القراءة على الشّيخ الاعتماد على الطّالب حتّى يكون هو القارئ من الأصل إذا كان موثوقا به معرفة و دينا(6).

فرعان:

[الاول: من اجاز من لا يوثق به ثم بآن أنه يوثق به]

الأول:

انّ الشّيخ إن أجاز في صورة كون الطّالب غير موثوق به

ص: 141


1- البداية: 102.
2- كالنّووي في التّقريب و السّيوطي في التّدريب: 49/2، و الخطيب في الكفاية: 479، و غيرهم.
3- لا زلنا لا نعرف لها ثمّة مزيّة مهمة، فتأمّل.
4- كما في الكفاية في علم الرّواية: 469، و التّقريب و التّدريب: 49/2، و الألفيّة و شرحها: 109/2 و هنا لم تصح الإجازة فضلا عن المناولة. نعم إن تبيّن بعد ذلك بطريق معتمد صحّته و ثبوته في مرويّه فالظاهر الصحّة.
5- بل يجوز أن لا يكون من حديثه أو كان إلاّ أنّه غير صحيح أن أراد، و غير ذلك.
6- كما صرّح بذلك غير واحد كالشّهيد في درايته: 102.

ثمّ تبيّن بعد ذلك بخبر من يعتمد عليه إنّ ذلك كان من مرويّاته، فهل يحكم بصحّة الإجازة و المناولة السّابقتين؟ لم نر من تعرّض لذلك، و الظّاهر نعم، لزوال ما كنّا نخشاه من عدم ثقة المجيز.

[الثاني: لو قال الشيخ: حدث عني بما فيه إن كان حديثي]

الثاني:

انّه إن قال الشيخ في الفرض: حدّث عنّي بما فيه إن كان حديثي مع براءتي من الغلط و الوهم، كان ذلك جائزا حسنا(1)لزوال المانع السّابق مع احتمال بقاء المنع للشّك عند الإجازة و تعليقها على الشّرط(2).

الثاني: المناولة المجردة عن الاجازة
اشارة

و أمّا الثّاني: و هي المناولة المجرّدة عن الإجازة بأن يناوله كتابا، و يقول: هذا سماعي أو روايتي أو حديثي مقتصرا عليه من غير أن يقول: أروه عنّي، و لا: أجزت لك روايته عنّي و..

ص: 142


1- كذا قاله الخطيب في الكفاية: 469، و السّيوطي في التّدريب: 49/2، تبعا للنّووي في التّقريب، و السّخاوي في الفتح: 109/2، و غيرهم.
2- فرع: و من الإجازة المقرونة بالمناولة أو العكس أن يقرأ عليه حديثا من أول المجاز و حديثا من وسطه و حديثا من آخره ثمّ يجيزه ما قرأه و ما بقي منه، كما روى في الكافي: 51/1 حديث 5 بسنده عن عبد اللّه بن سنان قال قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): يجيئني القوم فيسمعون منّي حديثكم فاضجر و لا أقوى. قال: فاقرأ عليهم من أوّله حديثا و من وسطه حديثا و من آخره حديثا. الوسائل: 55/18، و قد مرّ. و الحق إنّ هذا من باب نقل الحديث بالمناولة إلاّ أنّه تبرك بقراءة بعض الأحاديث، و عليه فعدّه من القسم الثّاني أولى.

نحو ذلك، و هذه مناولة مختلّة(1).

و قد وقع الخلاف في جواز الرّواية بها(2) على قولين:

أحدهما: الجواز.

و هو المحكي عن بعض المحدّثين كالرّازي(3) استنادا إلى حصول العلم بكونه مرويّا له مع إشعارها بالإذن له في الرّواية، و إلى ما روى عن ابن عباس أن النّبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد اللّه بن حذافة و أمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، و يدفعه عظيم البحرين إلى

ص: 143


1- و الإجازة المجرّدة عن المناولة - أو بالعكس - قسّمها القاسمي في قواعد التّحديث: 203 إلى أنواع فقال: أعلاها: أن يجيز لخاص في خاص، أي يكون المجاز له معيّنا و المجاز به معيّنا، كأجزت لك أن تروي عنّي البخاري، و يليه الإجازة لخاص في عام، كأجزت لك رواية جميع مسموعاتي، ثمّ لعام في خاص، نحو أجزت لمن أدركني رواية البخاري، ثمّ لعام في عام، كأجزت لمن عاصرني رواية جميع مرويّاتي، ثمّ لمعدوم تبعا للموجود كأجزت لفلان و من يوجد بعد ذلك من نسله... إلى آخر كلامه، و هي ترجع إلى ضروب الإجازة، و لا ربط لها بالمناولة إلاّ في الجملة.
2- الأولى جعل الخلاف في أصل المناولة ثمّ في الأقسام، فتدبّر. و إن قيل: لا خلاف بين جمهور أهل النّقل في قبول المناولة - كما في اصول الحديث - العجاج -: 239. و لعلّ لكون الرّواية بالمناولة مع الضّميمة متيقنا جوازها حتّى ساواها: بالسّماع. في الرّتبة، لتحقّق أصل الضّبط من الشّيخ، و فيها أخبار مجمل، فتدبّر.
3- مرت ترجمته صفحة: 346 من المجلد الاول. فراجع.

كسرى(1).

و في أخبارنا روى في الكافي بإسناده إلى أحمد بن عمر الحلاّل قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام):

الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب و لا يقول اروه عنّي، يجوز لي أن ارويه عنه؟ قال: فقال: إذا علمت أنّ الكتاب له فاروه عنه(2)، و أيضا سيأتي أنّ منهم من أجاز الرّواية بمجرّد إعلام

ص: 144


1- تدريب الرّاوي: 44/2-45 و حكاه عن البلقيني و قال: أحسن ما يستدل عليها - أي المناولة - ما استدل به الحاكم من حديث ابن عباس.. إلى آخره، و قد رأيته في محاسن الاصطلاح المطبوع ذيل مقدّمة ابن الصّلاح: 279. و نصت على الرواية المعاجم الحديثية عند العامة. انظر: صحيح البخاري: كتاب العلم باب 7، و كتاب الجهاد باب 95 و المغازي باب 82 باب كتاب النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) إلى كسرى و قيصر، كتاب أخبار الآحاد، باب 4، صفحة: 25/1 و 54/4 و 10/6 و 111/9. و صحيح مسلم - كتاب الجهاد - حديث 75: 1397/3 و 1774، فراجع. و انظر: مسند أحمد بن حنبل: 243/1 و 305، 133/3، 75/4، و طبقات ابن سعد: حديث 1، قسم 2 صفحة 16 و حديث 4، قسم 1 صفحة: 139، و غيرها.
2- كما نصّ على ذلك في البداية: 102-103، راجع الكافي: 52/1 حديث 6، و حكاه في الوسائل: 55/18. و في تعليقة السّيد الدّاماد على الكافي: 5-114 في ذيل هذا الحديث ما نصّه: ذهب فريق من الأصحاب إلى جواز الرّواية بالمناولة المجرّدة عن صريح الإجازة إذا ناول الشيخ تلميذه كتابا و قال له: هذا سماعي أو روايتي مقتصرا عليه، استدلالا بحصول العلم في ذلك بكونه مرويّا له، مع الإشعار بالاذن للتلميذ في الرّواية، و استنادا إلى رواية أحمد بن عمر الحلال. هذه [كذا، و الظاهر: هذا] و من [في المصدر: من] العامة من يذهب إلى ذلك يستند بما روى عن ابن عباس... ثمّ قال: و الصّحيح عندي عدم الجواز على ما عليه الأكثر، و الإشعار بالإذن بمجرّد تلك المناولة غير مستبين، و الرّواية ليست في حريم النّزاع أصلا، فإن أحد العائدين [بالتثنية، أي الضمير] للكتاب و الآخر للرجل، و المفاد جواز رواية ذلك الكتاب عن ذلك الرّجل و التّحدث بأنه له و بأنه قال فيه كذا، و لذلك قال (عليه السّلام): إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه، و ليس في منطوقها و لا في شيء من مفاهيمها رواية ما في الكتاب من الحديث عنه عمّن يرويه عنه أحد من المعصومين صلوات اللّه و تسليماته عليهم أجمعين. ثمّ قال: و بالجملة أنّ رواية الكتاب عن الرّجل و اسناده إليه و الحكم بأنه قال أو روى فيه كذا، أو رواية ما في الكتاب من الحديث عن الرّجل بسنده عن المعصوم مقامان متباينان في علم أصول الحديث، و هذه الرواية إنما هي في المقام الأول، و ليست هي من المقام الثّاني في شيء.

الشيخ الطّالب انّ هذا الكتاب سماعه من فلان، و هذا يزيد على ذلك و يرجح بما فيه من المناولة، فإنّها لا تخلو من إشعار بالإذن.

ثانيهما: المنع.

و هو المحكي عن الفقهاء و أصحاب الاصول(1) و عابوا

ص: 145


1- كما في وصول الأخيار: 127 [التراث: 140 بتفاوت] قال: و قيل يجوز و هو غير بعيد، و عدّ جماعة. و كذا في نهاية الدّراية: 183، بل قال في القوانين: 489: و الأكثر على عدم جواز الرّواية عنه بذلك حينئذ. و في الكفاية: 499 قال: و قد قال بعض أهل العلم: لا يجوز لأحد أن يروي عن المحدث ما لم يسمعه منه أو يجزه له و إن ناوله إيّاه.. ثمّ عدّ جماعة من القائلين. و قال القاسمي في قواعده: 204: و الصّحيح المنع، و كذا العراقي في ألفيّته و السّخاوي في شرحه: 110/2، و الغزالي في المستصفى: 166/1، و ابن الصّلاح في المقدّمة: 283، و غيرهم.

المحدّثين المجوّزين لها و للرواية بها، و لم أقف لهذا القول على مستند صالح(1)، فالأظهر ما في خبر أحمد المذكور من جواز الرّواية بها إذا علم أنّ الكتاب للشيخ دون ما إذا لم يعلم.

و لقد أجاد بعض الأجلّة(2) حيث قال: لا يعقل للمنع من رواية ما تحمله بالمناولة المجرّدة وجه، و أي مدخل لإذن الشيخ بعد إذن الإمام (عليه السّلام)، بل أمره و أمر اللّه تعالى برواية الأحاديث، بل ضبطها و نشرها بين الشّيعة و في المجالس؟ و منه يظهر أنه لا يلتفت إلى منعه لو منع أيضا ما لم يكن منشأه خلل في نقله أو ضبطه(3).

و العجب من الشّهيد الثّاني (رحمه اللّه) في الدّراية(4)حيث أنّه مع مصيره إلى المنع من غير ذكر وجهه، روى خبر أحمد بن عمر المذكور الدّال على الجواز و لم يردّه(5).

تذييل: الفاظ الأداء لمن تحمل بالاجازة و المناولة

تذييل:

في ألفاظ الأداء لمن تحمل بالإجازة و المناولة.

و قد قال جمع(6): أنّه إذا روى بالمناولة بأيّ معنى فرض

ص: 146


1- إلا أن المرحوم الدربندي بعد أن نقل العبارة السالفة بنصها في درايته: 29 - خطي - قال: أقول: قد تقدم [كذا] القرائن الحاليّة المفيدة تحقق الإجازة و قصدها في هذه الصورة و إن لم يتلفظ بها.
2- المراد به المولى ملاّ عليّ كني في كتابه توضيح المقال في علم الرجال.
3- توضيح المقال: 53، بتصرف و توضيح.
4- البداية: 102 و 103.
5- كما تجده في شرح الألفيّة للعراقي: 118/2، بل يرد هذا الإشكال على جملة من المحدثين في ذكرهم رواية البخاري أو الكافي، من دون تنبيه.
6- منهم الشّهيد في درايته: 103، و النّووي في تقريبه و السّيوطي في تدريبه: 51/2، و قواعد التحديث: 204، و سبقهم ابن الصلاح في المقدّمة: 284 و غيرهم.

قال: حدّثنا فلان مناولة أو أخبرنا مناولة غير مقتصر على حدّثنا و أخبرنا لإيهامه السّماع أو القراءة(1)، و قيل: يجوز أن يطلق، خصوصا في المناولة المقترنة بالإجازة، لما عرفت من أنّها في معنى السّماع.

و جوّز الزّهري(2) و مالك و الحسن البصري(3)إطلاق حدّثنا و أخبرنا في الرّواية بالمناولة مطلقا، و عن أبي نعيم الأصبهاني(4) و أبي عبد اللّه المرزباني(5) تجويز إطلاق حدّثنا

ص: 147


1- بل استحسن الخطيب في الكفاية: 472 أن يقول في المناولة: أعطاني فلان، أو دفع إليّ كتابه، كما عرف ذلك عن غير واحد من السّلف، و سيأتي الكلام فيه. أقول: و ليس ما قاله متّفقا عليه كما قاله في أول ثالث أقسام التّحمل، و هذا تهافت منه.
2- مرت ترجمته قريبا في صفحة: 94.
3- هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري مولى الأنصار (21 - 110 ه) من كبار التابعين و علماءهم المشهورين بالزهد. قال في ميزان الاعتدال: 254/1: ثقة لكنه يدلس عن أبي هريرة!. أمالي المرتضى: 106/1، الأعلام: 242/2 عن عدة مصادر.
4- و هو أحمد بن عبد اللّه بن أحمد الشافعي المعروف بأبي نعيم الأصفهاني (336-430 ه) حافظ مؤرخ صاحب كتاب حلية الأولياء و تاريخ أصبهان و غيرهما ترجمه المصنف (رحمه اللّه) في تنقيح المقال: 65/1 و أبو علي في منتهى المقال: 36 و السيد الأمين في الأعيان: 5/9، و ميرزا محمد الاسترآبادي في منهج المقال: 37 و غالب مصادر العام في التراجم مثل ميزان الاعتدال: 52/1 و تذكرة الحفاظ: 275/3 و لسان الميزان: 201/1.
5- الصّحيح أبو عبيد اللّه محمد بن عمران بن موسى بن عبيد المرزباني - بضم الزاي - نسبة لجد له اسمه المرزبان - البغدادي صاحب أخبار و رواية للأدب و تصانيف كثيرة، مات سنة أربع و ثمانين و ثلاثمائة. انظر: الفهرست لابن النديم: 132/1، ميزان الاعتدال: 114/3، لسان الميزان: 226/5، تاريخ بغداد: 135/3، الأعلام: 210/7، معجم المؤلفين: 97/11 عن عدة مصادر.

و أخبرنا في الإجازة المجرّدة عن المناولة أيضا، و لكن الأشهر - كما في البداية(1) و.. غيره(2) - المنع من إطلاق ذلك و اعتبار ضميمة القيد بالمناولة أو الإجازة أو الإذن و.. نحوها، كحدّثنا، أو أخبرنا إجازة، أو مناولة و إجازة، أو إذنا، أو في اذنه، أو فيما أذن لي فيه، أو فيما اطلق لي روايته، أو أجازني، أو أجاز لي، أو ناولني، أو سوغ لي أن أروي عنه و أباح لي. و عن الأوزاعي تخصيص الإجازة بخبّرنا - بالتّشديد - و تخصيص القراءة باخبرنا - بالهمزة -. قال العراقي(3): و لم يخل من النّزاع لأنّ خبر و اخبر بمعنى واحد لغة و اصطلاحا(4). و عن ابن دقيق العبد(5) أنّه لا يجوز في الإجازة اخبرنا لا مطلقا و لا

ص: 148


1- البداية: 103.
2- كما في الكفاية مفصلا: 472-477، و اصول الحديث: 250 و غيرهما، قال في وصول الأخبار: 127 [التراث: 140]: تنبيه: جوز جماعة اطلاق «حدثنا» و «اخبرنا» في الرواية بالمناولة، و هو مقتضى قول من جعلها سماعا، و حكي عن بعض جوازهما في الإجازة المجردة أيضا، و الصّحيح المنع فيها منهما، و تخصيصها بعبارة مشعرة بهما، لاحظ المقدّمة: 284-285، فتح المغيث في شرح ألفيّة العراقي: 112/2-120 تجد تفصيل الأقوال و أدلّتها.
3- مرت ترجمة الأوزاعي صفحة: 111، و العراقي في: 86 من المجلد الثاني.
4- كما نجده في شرح ألفية العراقي: 118/2 و غيره.
5- الظاهر: العيد. و هو أبو الفتح تقي الدين: محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المنفلوطي المصري (625-702 ه) له جملة مصنفات في علوم الحديث و الفقه المالكي. انظر عنه: الأعلام: 173/7 عن عدة مصادر، و تذكرة الحفاظ: 262/4، شذرات الذهب: 236/6، مرآة الجنان: 236/4 و غيرها.

مقيّدا، لبعد دلالة لفظ الإجازة على الأخبار، إذ معناه في الوضع الإذن في الرّواية، قال: و لو سمع الإسناد من الشّيخ و ناوله الكتاب جاز له إطلاق اخبرنا، لأنّه صدق عليه أنّه اخبره بالكتاب و إن كان إخبارا جمليا(1)، فلا فرق بينه و بين التّفصيلي(2). و قد نسب إلى قوم من المتأخرين انّهم اصطلحوا على إطلاق انبأنا في الإجازة(3)، و لكن المعروف عند المتقدّمين انّها بمنزلة اخبرنا. و للجمع بين الاصطلاحين عبّر بعضهم بأنبأنا إجازة، فإنّه جامع بين اصطلاح المتأخّرين و بين التّصريح بالإجازة(4). و عن آخرين التّعبير فيما عرض على المحدّث فأجازه شفاها: انبأني، و فيما كتب إليه كتب إليّ (5)،

ص: 149


1- كذا، و الظاهر: اجماليا.
2- كما نصّ على ذلك بألفاظ متقاربة في تدريب الراوي: 51/2-52.
3- كما حكاه والد البهائي في درايته: 127 [التّراث: 140] و غيره، و نسبه في التّدريب: 53/2 إلى البيهقي، و السّخاوي في شرحه: 119/2 إلى جمع، و قال في القوانين: 489: و عبارته الشّائعة - أي الإجازة - أنبأنا و نبّأنا و يجوز حدّثنا و أخبرنا أيضا، ثمّ قال: و الأظهر عدم الجواز على الإطلاق إلاّ مع القرينة، بل يقول أنبأنا بهذا الكتاب اجازة.
4- كما في وصول الأخيار: 127 [التراث: 141] و غيره.
5- كما في البداية: 104 نقلا عن التّدريب، و لا يخفى أنّا قد نقلنا غالب هذه الكلمات مع مصادرها قريبا، فراجع.

و عن قوم تخصيص الإجازة بعبارات لم يسلموا فيها من التّدليس كقولهم في الإجازة: اخبرنا و حدّثنا مشافهة إذا كان قد شافهه بالإجازة(1)، و اخبرنا كتابة أو فيما كتب إلي إذا كان قد أجازه بخطّه، و هذا و نحوه لا يخلو من التّدليس لما فيه من الاشتراك و الاشتباه بما هو أعلى منه، أمّا المشافهة فلتوهّم مشافهته بالتّحديث، و أمّا الكتابة فلتوهّم أنه كتب إليه بذلك الحديث بعينه كما كان يفعله المتقدّمون، و قد نصّ أبو المظفّر الهمداني(2) على المنع من ذلك للإيهام المذكور، لكن ربّما قيل إنّه بعد أن صار الآن ذلك اصطلاحا زال ذلك المحذور، و لذا يحكى عن القسطلاني أنه قال: إنّ العرف الخاص من كثرة الاستعمال يرفع ما يتوقّع من الإشكال(3)، و عبّر قوم في الرّواية بالسّماع عن الإجازة باخبرنا فلان أنّ فلانا حدّثه أو اخبره، فاستعملوا لفظ «أنّ في الإجازة، و ضعّفه بعضهم ببعده عن الإشعار بالإجازة و عدم انفهام المراد منه، و لا اعتيد هذا الوضع في المسألة لغة و لا عرفا، و استعمل المتأخّرون - كما في البداية(4) و.. غيرها(5) - في الإجازة الواقعة في رواية من فوق

ص: 150


1- لا بدّ من تقييد الإجازة باللفظ حتّى يصح التّدليس، و إن كان هذا كذبا، كما أشرنا إليه في بحث المدلّس.
2- لم اجد له ترجمة في ما لديّ من مصادر، فراجع.
3- كما حكاه السّيوطي في تدريب الرّاوي: 53/2.
4- البداية: 104.
5- لاحظ تدريب الرّاوي: 54/2 و قد سبق أن تعرّضنا لهذا في الفوائد العشرة من المستدرك على الإجازة، و تعرّض القاسمي لأقوال اخر في قواعد التّحديث: 207 و ما بعدها فلاحظ.

الشيخ حرف عن، فيقول احدهم إذا سمع شيخا بإجازته عن شيخه: قرأت على فلان عن فلان - كما تقدّم في العنعنة - ليتميّز عن السّماع الصّريح، فإنّ عن في نحو: رويت عن فلان و انبأتك عن فلان للمجاوزة، لأن المروي و المنبأ به مجاوز لمن أخذ عنه(1).

بقي هنا أمر نبّه عليه جمع(2) و هو أنّه لا يزول المنع من إطلاق اخبرنا و حدّثنا في الإجازة بإباحة المجيز لذلك كما اعتاده قوم من المشايخ من قولهم في إجازاتهم لمن يجيزون له: إن شاء قال حدّثنا و إن شاء قال اخبرنا، لأنّ إباحة الشيخ لا يغيّر بها الممنوع في المصطلح، و العبارة إذا لم تفد ذلك لم تفد إذن المجيز كما هو ظاهر.

ص: 151


1- هذا و لا يخفى أن لفظ «عن» مشترك بين السّماع و الإجازة لغة و عرفا، و لعلّه هنا ثمّة اصطلاح خاص، فتأمّل. قال الدّربندي في درايته: 13 - خطي - صيغ الأداء على ثمان مراتب: الأولى: سمعت و حدّثني ثمّ أخبرني و قرأت عليه ثم قرئ عليه و أنا أسمع ثمّ أنبأني ثمّ ناولني ثمّ شافهني بالإجازة ثمّ كتب إليّ بالإجازة ثمّ عن و نحوها من الصّيغ المحتملة للسماع و الإجازة و لعدم السّماع أيضا، و هذا مثل: قال و ذكر و روى. و لا يخفى ما فيه من عده ثماني.
2- منهم ثاني الشّهيدين في البداية: 104، و ابن الصّلاح في المقدّمة: 286، و السّيوطي في التّدريب: 55/2، و العراقي في الألفيّة و السّخاوي في شرحها: 118/2، و غيرهم.
خامسها: الكتابة: و هنا مطالب:
اشارة

و قد عبّر عنها بعضهم بالمكاتبة(1) و هو خطأ، لمنافاة ذلك لما اصطلحوا عليه من إطلاق المكاتبة - كما مرّ(2) - على ما إذا كان سؤال الرّاوي و جواب الإمام (عليه السّلام) بالكتابة، فالأجود التّعبير بالكتابة هنا كما عليه الأكثر حتّى يزول الاشتباه.

ثمّ التّحمل بالكتابة هو أن يكتب الشيخ مسموعه أو شيئا من حديثه لحاضر عنده أو غائب عنه(3)، أو يأذن لثقة يعرف خطّه بكتبه له أو يكتب مجهول الخطّ بأمره، و يكتب الشيخ بعده ما يدلّ على أمره بكتابته(4).

ص: 152


1- كما في وصول الأخيار: 128، و نهاية الدّراية: 43 و 185، و جامع المقال: 40، و توضيح المقال: 57، و تحفة العالم: 112/1، و القواميس: 29 - خطّي - و غيرها من كتب الخاصّة و جملة من كتب العامة كما سيأتي، و في مقدّمة ابن الصّلاح: 104 الكتابة أو المكاتبة، و في طبعة بنت الشاطئ: 287: المكاتبة خاصة، و كذا في فتح المغيث: 121/2 بكلا اللفظين. ثمّ انّ البعض - كالخطيب في الكفاية: 280 - عدّ الكتابة من ضروب الإجازة و قال: فهذا النّوع شبيه بالمناولة لو لا مزيّة المشافهة، و الأولى ما فعله المصنف (رحمه اللّه) لما سيأتي.
2- في صفحة: 284 من المجلد الاول.
3- خصّ جمع الكتابة بالغائب خاصّة، قال في التّحفة: 113/1: و هو أن يكتب إليه و هو غائب أن ما في هذا الكتاب أو ما صحّ من الكتاب الفلاني هو من مسموعاتي، فلذلك الغائب أن يعمل بكتابه إذا علم أو ظنّ أنّه كتابه. و الحق التّعميم.
4- أقول: إنّ الكتابة قد تجامع المناولة إلاّ أنّ المناولة أقوى من الكتابة، لأن المكاتبة (كذا) هو أن يكتب إليه و هو غائب عنه أن الذي في الكتاب الفلاني هو سماعي - كما نصّ عليه السّيد المرتضى في الذّريعة: 84/2-85. و قد تجامع الوصية كما إذا ناوله بنفسه أو أمر أو أوصى به موصل مع ابلاغ قوله أنّه روايتي أو سماعي إليه بغير هذا المكتوب، و قد يفارقه كما إذا وجده مكتوبا إليه من غير مناولة أو من غير ضم: هذا سماعي، و إن كان مكتوبا فيه ذلك، و على كل بين الكتابة و المناولة عموم من وجه بحسب المورد، أمّا اعتبار مورد الجمع أو قوته، فيتبع الأقوى لفرض ثبوت أكمل الوجودين الّذي لا ينافيه الأنقص، و هو في الحقيقة مجمع أسباب الاعتضاد و الاعتبار فيكون أكمل، و هذا غير مورد التّبعيّة للأضعف، فإنّها حيث انتفت القوة في بعض المراتب و المقدّمات و الفرق واضح. و أمّا في موارد الافتراق فالظّاهر خصوصا بملاحظة تعبيراتهم من جهة التّرتيب الذكري و غيره أن المناولة أقوى لوضوح استفادة كونه روايته و إذنه لغيره في الرواية عنه بما هو منتف في الكتابة، فإن الخط غايته المظنّة في الغالب، و لهذا ادعي الإجماع على عدم اجازة الأحكام للقضاة و غيرهم بالكتابة دون المناولة، هذا و قد يقوى الأخير مع حصول الاهتمام حيث كان بخط و إن ندر، كما أفاده المولى الكني في توضيح المقال: 54 و غيره في الموسوعات الفقهيّة، فراجع.

و هنا مطالب:

الاول: الكتابة على حزبين
اشارة

الأول: إنّ الكتابة ضربان:

الكتابة مقرونة بالاجازة

أحدهما: ما إذا كانت الكتابة مقرونة بالإجازة، بأن يكتب إليه و يقول: أجزت لك ما كتبته لك أو كتبت إليك أو ما كتبت به إليك و.. نحو ذلك من عبارات الإجازة.

الكتابة المجردة عن الاجازة

ثانيهما: ما إذا كانت مجرّدة عن الإجازة.

أمّا المقرونة بالإجازة، فقد صرّح جمع(1) بأنّها في الصّحة

ص: 153


1- منهم ثاني الشّهيدين في درايته: 104، و الشّيخ حسين العاملي في وصول -

و القوّة كالمناولة المقرونة بالإجازة.

و أمّا المجرّدة عنها، فقد وقع الخلاف في جواز الرّواية بها، فمنعها قوم منهم القاضي أبو الحسن الماوردي و الآمدي و ابن القطان(1)، من حيث أنّ الكتابة لا تقتضي الإجازة لما تقدّم من أنّها اخبار أو اذن و كلاهما لفظي، و لأنّ الخطوط تشتبه فلا يجوز الاعتماد عليها. و لكن عزى إلى كثير من المتقدّمين و المتأخّرين و أصحاب الاصول تجويز ذلك(2)، بل في البداية أنّه الأشهر(3)، و في غيرها أنّه المشهور بين أهل الحديث(4)لتضمّنها الإجازة معنى و إن لم تقترن بها لفظا، لأنّ الكتابة

ص: 154


1- الأخيار: 128، و الميرزا القمي في القوانين: 489. و الرواية به صحيحة بلا خلاف على ما حكاه السّخاوي في فتح المغيث: 122/2، و قبله ابن الصّلاح في المقدّمة: 287، و في غالب المصادر المارّة، لاحظ أيضا مقدّمة ابن الصّلاح: 104 (مصر) و ما بعدها، و جامع الاصول: 45/6.
2- كما نصّ عليه في التّدريب: 55/2-56، و الباعث الحثيث: 139، و اصول الحديث: 240، و فتح المغيث: 125/2، و المقدّمة: 287 و غيرهم. و كذا في نهاية الدراية: 43، و توضيح المقال: 57، و غيرهما.
3- البداية: 105، و كذا في نهاية الدّراية: 185، و مفصلا في الكفاية: 480-492.
4- قال السّيوطي في تدريب الرّاوي: 56/2:.. و هو الصّحيح المشهور بين أهل الحديث. و كذا في نهاية الدّراية: 43، و قال في القوانين: 490: و الأكثر على الصّحة، و هو الأظهر، و هذا في الحقيقة معدود في الموصول لاشعاره بمعنى الإجازة، و معرفة خط الكاتب تكفي. و اشتراطه البتة ضعيف.

للشخص المعيّن و إرسالها إليه أو تسليمها إيّاه قرينة قويّة و إشارة واضحة تشعر بالإجازة للمكتوب له(1)، و قد تقدّم أن الاخبار لا ينحصر في اللّفظ، و تعليل المنع باشتباه الخطوط خروج عن الفرض، و قد اكتفوا في الفتاوى الشّرعيّة بالكتابة من المفتي مع أنّ الأمر في الفتوى أخطر و الاحتياط فيها أقوى(2).

ما يعتبر في الكتابة
الاول يعتبر في الرّواية بالكتابة معرفة المكتوب له خطّا لكاتب

ثمّ انّه يعتبر في الرّواية بالكتابة معرفة المكتوب له خطّ الكاتب للحديث بحيث يأمن المكتوب إليه التّزوير. و شرط بعضهم(3) البيّنة على الخطوط، و لم يكتف بالعلم بكونه خطّه حذرا من المشابهة، و العلم في مثل ذلك عاديّ لا عقليّ.

و ضعّف بأنّ العلم العادي حجّة، عليه بني جميع أمور المعاش و المعاد و اشتباه الخط نادر، فعدم اشتراط البيّنة في صورة العلم العادي بخطّه أقوى للأصل، و إن كانت إقامة البينة أحوط(4).

ص: 155


1- بل عن السمعاني - كما حكاه غير واحد - انها أقوى من المناولة، و لا وجه للمنع، لعدم دوران الجواز مدارها، حيث عرف الخط و امن من اللبس و التزوير. بل السيرة العقلائية جارية على ذلك، حيث مكاتبات المعصومين سلام اللّه عليهم إلى وكلائهم و ولاتهم و أصحابهم و غيرهم شاهد على ذلك، و فقد اذن الشيخ لا أثر له في المقام، و مقتضاه أن يمنع هنا كل من منع المناولة لذلك، بل و زيادة لغرض ضعف الكتابة لا أن يعكس، كما قد مرّ.
2- لا يخفى ما في هذه التقوية من التأمل إن لم نقل الأمر بالعكس.
3- منهم الغزالي في المستصفى: 166/1، قال: فلا يجوز أن يروي عنه، لأن روايته شهادة عليه بأنه قاله، و الخط لا يعرفه - يعني جزما -.
4- و إن كان الأول أصح كما صرح به ثاني الشهيدين في بدايته: 105. ثم أنه مع تعذر العلم فالأقوى كفاية العدل الواحد في الأخبار عن ذلك، و اعتبر بعضهم الاثنين و هو الأحوط. هذا و لا ينبغي التأمل في صحة الكتابة و العمل بها و الرواية لها، و قد وقع في زمان العسكريين سلام اللّه عليهما الكثير منها، و لم ينكر أحد منّا جواز العمل بها، و لو لا ذلك لكانت مكاتيبهم صلوات اللّه عليهم عبثا، و لبعض أساتذتنا دام ظله مناقشة هنا هي للوسوسة أقرب، و قد وقع خلط بين الكتابة و المكاتبة هنا كما مرّ، فتدبر، ثم إن كان الكاتب غير المعصوم أو الشيخ فلا بد من ثبوت كونه ثقة ضابط، كما لا يخفى.
الثاني: كون الكتابة أنزل من السماع

الثاني: إن الكتابة أنزل من السماع، لكون السماع أبعد عن الاشتباه، و لذا يرجح ما روى بالسماع على ما روى بالكتابة مع تساويهما في الصحة و.. غيرها من المرجحات، و إلا فقد ترجّح المكاتبة لأمور اخر. قال في البداية: و قد وقع في مثل ذلك مناظرة بين الشافعي و إسحاق بن راهويه(1) في جلود الميتة إذا دبغت هل تطهر أم لا؟ - يناسب ذكرها هنا لفوائد كثيرة - قال الشافعي: دباغها طهورها، فقال إسحاق: ما الدليل؟ فقال حديث ابن عباس عن ميمونة: هلاّ انتفعتم بجلدها؟! - يعني الشاة الميتة - فقال إسحاق: حديث ابن حكيم: كتب إلينا النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) - قبل موته بشهر -: لا تنتفعوا من الميتة باهاب و لا عصب، أشبه أن يكون ناسخا

ص: 156


1- هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي (161 - 238 ه) المعروف بابن راهويه. حافظ محدث، صاحب مسند كبير. انظر عنه: تهذيب التهذيب: 216/1، ميزان الاعتدال: 85/1، حلية الأولياء: 234/9، الأعلام: 284/1، علوم الحديث: 133، الرسالة المستطرفة: 49 و غيرها.

لحديث ميمونة، لأنه قبل موته بشهر، فقال الشافعي: هذا كتاب و ذاك سماع. فقال إسحاق: إن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كتب إلى كسرى و قيصر و كان حجة عليهم، فسكت الشافعي(1).

الثالث: كيفية الاداء لمن روى بالكتابة

الثالث: انه صرح جمع(2) بأن من روى بالكتابة يقول:

كتب إليّ فلان قال حدثنا فلان أو أخبرنا مكالمة أو كتابة أو..

نحوه، و لا يجوز إطلاق حدثنا و أخبرنا مجردا لعدم التمييز حينئذ عن السماع و ما في معناه، و جوّز بعضهم إطلاق اللفظين حيث أنهما أخبار في المعنى(3). و قد اطلقوا الاخبار لغة على ما هو أعم من اللفظ كما قيل:

... *** تخبرني العينان ما القلب كاتم(4)

فتأمل كي يظهر لك كون استعمال الخبر في غير اللفظي مجازا، كما مرّ التنبيه عليه في أوائل الكتاب(5).

ص: 157


1- البداية: 105-106 بتغيير يسير.
2- منهم ثاني الشهيدين في البداية: 106، و ابن الصلاح في مقدمته: 288، و العراقي في الألفية و السخاوي في شرحها: 128/2 و غيرهم.
3- و نسبه في نهاية الدراية: 185-186 إلى الأكثر و قال: و أخبرنا هنا أقرب من حدثنا. و في الكفاية: 489 قال: و ذهب غير واحد من علماء المحدثين إلى أن قول حدثنا في الرواية عن المكاتبة جائز.
4- القاموس المحيط: 17/2.
5- انظر مستدرك رقم (222) فوائد حول المكاتبة.
سادسها: الاعلام:
اشارة

و هو أن يعلم الشيخ شخصا أو أشخاصا بقوله الصريح أو الظاهر أو المقدّر أو الإشارة أو الكتابة أن هذا الكتاب أو هذا الحديث روايته أو سماعه من فلان مقتصرا عليه من غير أن يأذن في روايته عنه(1) و يقول اروه عني أو اذنت لك في روايته و..

نحوه(2) و في جواز الرواية به قولان:

حكم الرواية بالاعلام

أحدهما: الجواز، عزي إلى كثير من أصحاب الحديث و الفقه و الاصول منهم ابن جريح(3) و ابن الصباغ(4) و أبو العباس(5)

ص: 158


1- سواء كان حديثا واحدا فأكثر، عن شيخ واحد أو أكثر، حسب ما اتفق له وقوعه سماعا أو اجازة أو غيرهما من أقسام التحمل، مجردا عن التلفظ بالإجازة و ما في معناها.
2- بألفاظ متقاربة في دراية الشهيد: 106، مقدمة ابن الصلاح: 289، تحفة العالم: 113/1، و غيرها و هذا يتفق عند المسافرة أو الموت أو زعم أحدهما و لا يأذن في الرواية بالإجازة أو المناولة أو غير ذلك.
3- هو أبو الوليد (أبو خالد) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح الاموي المكي (80-150 ه على الأشهر) قيل هو إمام أهل الحجاز في عصره، قال الذهبي: كان ثبتا لكنه يدلس. و قد مرّت ترجمته صفحة: 91، فراجع.
4- الظاهر هو نور الدين علي بن محمد أحمد (784-855 ه) المعروف ب: ابن الصباغ، فقيه مالكي، له الفصول المهمة في معرفة الأئمة و غيره. انظر: الأعلام: 161/5، معجم المؤلفين: 178/7 كلاهما عن عدّة مصادر و الاقوى المارّ صفحة 99 من هذا المجلد.
5- الظاهر المراد منه أبو العباس الأصم محمد بن يعقوب بن يوسف الأموي بالولاء (247-346 ه) محدث رحالة.انظر عنه: تذكرة الحفاظ: 73/3، شذرات الذهب: 373/2، الأعلام: 17/8 و غيرها.

و صاحب المحصول(1) و.. غيرهم(2) تنزيلا له منزلة القراءة على الشيخ، فإنه إذا قرأ عليه شيئا من حديثه و اقرّ بأنه روايته عن فلان جاز له أن يرويه عنه و إن لم يسمعه من لفظه و لم يقل له أروه عني أو أذنت لك في روايته عني، تنزيلا لهذا الاعلام منزلة من سمع غيره يقرّ بشيء فله أن يشهد عليه به و إن لم يشهده، بل و إن نهاه، و كذا لو سمع شاهدا يشهد بشيء فإنه يصير شاهد فرع و إن لم يستشهده، و لأنه يشعر بإجازته له كما مر في الكتابة و إن كان أضعف منها(3).

ثم إن بعض أهل هذا القول كالرامهرمزي(4) صرح بجواز

ص: 159


1- هو كتاب المحصول في اصول الفقه مبسوط في بابه عليه عدة شروح و تعاليق لفخر الدين محمد بن عمر الرازي المتوفى سنة 606 ه و قد مرت ترجمته صفحة: 346 من المجلد الاول.
2- كما حكاه السيوطي في التدريب: 58/2-59، و كذا في اصول الحديث: 241، و فتح المغيث: 130/2، و غيرهم.
3- و يظهر من الشيخ عبد الصمد في درايته: 129 الإجماع في لزوم العمل حيث قال: (و قد أوجب لكل العمل به إذا صح سنده) و إنما الخلاف في جواز الرواية و عدمها حيث قال بعد ذلك: و جوز الرواية به كثير من علماء الحديث و منعها بعض. و ذهب المرحوم الدربندي في القواميس: 29 - خطي - إلى: أن الاعلام هاهنا كإرسال الكتابة في السابق، بمعنى أن الاعلام كالإرسال من القرائن الدالة على وقوع الإجازة من الشيخ و قصده إياها و إن لم يتلفظ بها حين الاعلام، ثم قال: فتأمل، و وجهه واضح.
4- في كتابه الفصل بين الراوي و الواعي كما حكاه ابن الصلاح في المقدمة: 289، و قد مرت ترجمته صفحة: 62.

روايته و إن نهاه عن روايته كما سمع منه حديثا ثم قال: لا تروه عني و لا أجيزه لك فإنه لا يضرّه ذلك، لأن منعه أن لا يحدث بما حدثه لا لعلة و لا ريبة لا يؤثر، لأنه قد حدثه فهو شيء لا يرجع فيه إليه(1).

ثانيهما: المنع من روايته(2) لأنه قد لا يجوز روايته مع كونه سماعه لخلل يعرفه فيه(3) و لأن الشاهد على الشهادة لا يكون شاهد فرع إلا إذا استدعى شاهد الأصل أن يتحمله الفرع و يأذن بذلك و لا يكفي اعلامه بالمشهود به.

و الجواب عن الأول: أنه أخص من المدعي، لاختصاصه بصورة النهي و عدم شموله صورة السكوت، مضافا إلى عدم تأتيه فيما إذا علم أن منعه لا لعلة و لا ريبة، فإن منعه حينئذ غير مؤثر.

و عن الثاني: منع الأصل أولا و منع القياس ثانيا سيما مع الفارق، فإن الحديث عن السماع و القراءة لا يحتاج فيه إلى اذن

ص: 160


1- و ذلك لأن الاعلام عندهم طريق يصح التحمل به و الاعتماد عليه في الرواية عنه فمنعه من ذلك بعد وقوعه غير معتبر، و اختاره عياض و قال: ما قاله صحيح لا يقتضي النظر سواه.
2- و إليه ذهب ابن الصلاح في مقدمته: 84 [بنت الشاطئ: 290]، و النووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 58/2، و الغزالي في المستصفى: 166/1، و العراقي في ألفيته و السخاوي في شرحه: 129/2. و نسب إلى غير واحد من المحدثين و أئمة الاصول.
3- حيث لم يجزه الرواية فكانت روايته كاذبة، و لم يوجد منه التلفظ به و لا ما ينزل منزلة تلفظه به.

بالاتفاق، بخلاف الشهادة فإنها على مبنى المستدل تتوقف على الإذن، و العجب من دعوى عياض و.. غيره الاتفاق على وجوب(1) ما أخبر به الشيخ انه سمعه إن صح سنده، فإنه لا يلائم المنع من روايته، فإن احتمال الخلل إن كان موجودا لزم عدم جواز العمل بما اعلمه أيضا، و إلا لزم جواز روايته أيضا كما يجوز العمل به، فالتفصيل بين العمل و التحديث - كما صدر - منهم لا وجه له، و الأظهر جواز كل من التحديث و العمل مع الوثوق بروايته و عدم جواز شيء منهما مع عدمه، بل الأظهر جواز كل من التحديث و العمل حتى في صورة نهيه عن رواية ما أعلم به إذا علم أن نهيه ليس لعلة فيما أعلم به أو ريبة فيه(2).

ص: 161


1- الظاهر هنا سقط و الصحيح: وجوب العمل بما أخبر به... و وجهه ظاهر لأن العمل واجب على من سمعه إذا صح اسناده عنده و لم يبتل بالمعارض، بل في اصول الحديث: 242: و أوجب ذلك كثير من علماء الحديث، و كذا قاله السيوطي في التدريب: 59/2.
2- فتحصل أن الأقوال في المسألة أربعة: ثالثها: هو أن له أن يرويه عنه بالإعلام المذكور و إن نهاه، كما لو سمع منه حديثا ثم قال له لا تروه عني و لا أجيزه لك فإنه لا يضره ذلك، و رابع الأقوال مختار المصنف فتدبر. ثم ان الشهيد (قدس سره) ذهب إلى تقوية القول بالعدم مطلقا في درايته: 107 مستدلا على ذلك بوجهين: الأول: عدم وجود ما يحصل به الإذن. الثاني: منع الإشعار به بخلافه في الكتابة إليه. أقول: رواية أحمد بن عمر الحلال عن الرضا (عليه السّلام) الماضية - صفحة: 144، تعليقة: (2) و كذا ما رواه في الكافي: 53/1 (اسلامية: 43/1) حديث 15 بسنده عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شتبولة قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السّلام) جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السّلام) و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم ترو عنهم (خ. ل: لم يرووا، خ. ل: و لم ترو)، فلما ماتوا صارت تلك الكتب إلينا، فقال: حدثوا بها فإنها حق.. و غيرها من الروايات شاهدة على الجواز، فتدبر. ثم ان العبارة في الاعلام كما مرّ، إلا أن ذكر التحديث و الأخبار و لو مع قيد الاعلام لا يخلوا من شيء، لكونه أبعد عن ما تقدم من صدق التحديث و لو مجازا. قال في أصول الحديث: 250: و أما أداء ما تحمل بالإعلام فمع أنا لم نجد أحدا في العصور المتقدمة روى به سوى ابن جريح، لا بد لمن أخذ به أن يبين ذلك حين الأداء، كأن يقول: فيما أعلمني شيخي أن فلانا حدثه أو نحو ذلك.
سابعها: الوصية

سابعها:

الوصية(1):

و هي أن يوصي الشيخ عند موته أو سفره لشخص بكتاب(2) يرويه ذلك الشيخ(3) و قد جوّز بعض السلف كمحمد بن سيرين(4)

ص: 162


1- و قد عبر عنها البعض: الوصية بالكتاب كما في فتح المغيث: 133/2.
2- الأولى: أن يقال: لشخص أو أكثر بكتاب أو أكثر.
3- بشرط أن يرويه فلان بعد موت الشيخ. هذا و إن جمع من علماء الدراية كالشهيد في درايته: 107 نزلوا الوصية منزلة الاعلام و أدرجوهما في عنوان واحد و أول من أفردهما مما - نعلم - هو ابن الصلاح في مقدمته: 85 هند [بنت الشاطئ: 291] و نعما فعل.
4- أبو بكر محمد بن سيرين البصري الأنصاري مولاهم (33-110 ه) محدث مفسر معبر للرؤيا، قيل كان إمام عصره في علوم الدين بالبصرة. انظر عنه: روضات الجنات: 151، تهذيب التهذيب: 214/9، فهرست ابن النديم: 316، معجم المؤلفين: 59/10 عن عدّة مصادر و كذا الأعلام: 25/7.

و أبي قلاية(1) للموصى له روايته عنه بتلك الوصية لأن فى دفعه له نوعا من الإذن و شبها من العرض و المناولة، و أنها قريبة من الاعلام، و إنها أرفع رتبة من الوجادة بلا خلاف، و هي معمولة بها عند جمع فهذه أولى. و منعه الأكثر لبعد هذا الضرب جدا عن الإذن(2). و تشبيهه بالعرض و المناولة اشتباه كما أن ما قيل(3): من أن القول بالجواز إما زلّة عالم أو متأول بإرادة الرواية على سبيل الوجادة - التي تأتي - مما لا وجه له، لأن القائل بهذا النوع دون الوجادة موجود، و لما عرفت من عدم الخلاف في كونها أرفع من الوجادة، فلا وجه للتأويل بإرادة الرواية على سبيل الوجادة(4).

ص: 163


1- الصحيح: أبو قلابة عبد اللّه بن زيد (يزيد) الجرحي (الجرمي) البصري المتوفى سنة 104 ه أحد أعلام التابعين حيث أوصى بكتبه إلى تلميذه أيوب السختياني (66-131 ه) إن كان حيا و إلا فلتحرق!.. و القصة مفصلة.
2- راجع تفصيل ذلك في الكفاية: 502-505، و قواعد التحديث: 204، و شرح الألفية: 133/2-134 و غيرهما. بل نقل الخطيب البغدادي في كفايته: 504 القول بالمنع عن كافة العلماء، قال: و لا فرق بين الوصية بها - أي الكتب - و ابتياعها بعد موته في عدم جواز الرواية إلا على سبيل الوجادة، و تبعه ابن الصلاح في مقدمته: 85 و قال: إن القول بالجواز بعيد جدا، و هو زلة عالم. و حكاهما السخاوي في شرح الألفية: 4/2-133 و غيره، كل هذا إذا لم يرد الوجادة - كما صرح بذلك الجل، قال العراقي في ألفيته: ... و ردّ ما لم يرد الوجادة.
3- و القائل هو السيوطي في التدريب: 60/2 بل و سبقه ابن الصلاح في المقدمة: 291.
4- قال في البداية: 107:.. و وجهوه باء دفع الكتابة [كذا، و في نسخة دفع الكتاب اليه، و هو الظاهر] إليه نوعا من الإذن و شبها بالعرض و المناولة. و روى حماد بن يزيد عن أيوب السجستاني [كذا، و الصحيح السختياني] قال: قلت: لمحمد بن سيرين: إن فلانا أوصى إليّ بكتبه، أ فأحدث عنه؟ قال: نعم، قال حماد: و كان أبو فلانة (كذا) يقول ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حيا و إلا فاحرقوها. أقول: يمكن الاستيناس من أكثر من رواية في صحة الوصاية بذلك، بل في رجحانها كما في الكافي: 52/1 حديث 11 عن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد اللّه (عليه السّلام): اكتب و بثّ علمك في اخوانك، فإن مت فاورث كتبك بنيك.. إلى آخره و غيرها، هذا مع ما في الوصية من اشعار بالإذن في الرواية. قال في أصول الحديث: 250: و أما اداء ما تحمل بالوصية فعلى من جوزه أن يبين ذلك في أدائه كأن يقول أوصى إليّ فلان أو أخبرني فلان بالوصية أو وجدت فيما أوصى إليّ فلان أن فلانا حدثه بكذا أو كذا، و لم نجد أحدا من المتقدمين حدث بالوصية. أقول: الحق أن صرف الوصية ليست بتحديث لا اجمالا و لا تفصيلا و لا يتضمن الأعلام لا صريحا و لا كناية، فتدبر. و قد أوصى جمع من مشايخ الرواة بكتبهم كيحيى بن زيد و علي و داود بن النعمان، و غيرهم كما جاء في تراجمهم.
ثامنها: الوجادة:
اشارة

و هي - بكسر الواو - مصدر وجد يجد، مولّد غير مسموع من العرب الموثوق بعربيتهم. و في البداية: أنه إنما ولّده العلماء بلفظ الوجادة لما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع و لا إجازة و لا مناولة، حيث وجدوا العرب قد فرّقوا بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة، فإنهم قالوا: وجد

ص: 164

ضالته وجدانا - بكسر الواو - و اجدانا - بالهمزة المكسورة - و وجد مطلوبه وجودا، و في الغضب موجدة و جدة، و في الغناء(1)وجدا - مثلث الواو - و جدة، و قرئ بالثلاثة في قوله تعالى:

أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ (2) ، و في الحب وجدا، فلما رأى المولدون مصادر هذا الفعل مختلفة بسبب اختلاف المعاني ولّدوا لهذا المعنى الوجادة للتمييز(3).

ثم ان هذا الضرب من أخذ الحديث و تحمله هو أن يجد إنسان كتابا أو حديثا بخط راوية غير معاصر له كان، أو معاصرا لم يلقه، أو لقيه و لكن لم يسمع منه هذا الواجد و لا له منه إجازة و لا نحوها، فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه حدثنا فلان.. و يسوق باقي الإسناد و المتن، أو يقول وجدت بخط فلان عن فلان.. إلى آخره، قالوا: و هذا الذي استمر(4) عليه العمل قديما و حديثا، و هو منقطع مرسل و لكن فيه شوب اتصال لقوله: وجدت بخط فلان. و ربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد بخطه، و قال فيه عن فلان أو قال فلان، و ذلك تدليس قبيح إن أوهم سماعه، و جازف بعضهم فاطلق في هذا حدثنا و اخبرنا

ص: 165


1- الصحيح: الغنى، كما في الدراية. قال في المقدمة: 292:.. و في الغضب موجدة و في الغنى: وجدا، و في الحب: وجدا.
2- الطلاق: 6.
3- انظر من كتب اللغة: لسان العرب: 6/3-445، تاج العروس: 5/2 - 522، القاموس المحيط: 4/1-343، و النهاية لابن الأثير: 155/5. و غيرها.
4- في الدراية: استقر. و هو أولى.

و هو غلط منكر لم يجوزه أحد ممن يعتمد عليه، كما صرح بذلك كله في البداية(1)، و غيرها(2).

ثم ذكروا أن هذا كلّه إذا وثق بأنه خط المذكور أو كتابه، و أما إذا لم يتحقق الواجد الخط فيقول: بلغني عن فلان أو وجدت في كتاب اخبرني فلان أنه بخط فلان إن كان اخبره به أحد، و في كتاب ظننت أنه بخط فلان أو في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان أو قيل بخط فلان و.. نحو ذلك، و إذا نقل من نسخة موثوق بها في الصحة بأن قابلها هو أو ثقة على وجه يوثق بها المصنف من العلماء قال في نقله من تلك النسخة: قال فلان، و سمى ذلك المصنف، و إن لم يثق بالنسخة قال: بلغني عن فلان أنه ذكر كذا، أو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني و.. ما اشبه ذلك من العبارات، كما صرح بذلك في البداية(3) و.. غيرها(4).

قالوا - و لنعم ما قالوا -: أنه قد تسامح أكثر الناس في هذه

ص: 166


1- البداية: 107-108، بألفاظ متقاربة، و حكاه في حاشية رجال السيد بحر العلوم: 275/3.
2- تدريب الراوي: 61/2 بتصرف يسير، و سبقه ابن الصلاح في مقدمته: 69 [بنت الشاطئ: 292-293] (أو صفحة 86 من طبعة مصر)، اصول الحديث: 244، فتح المغيث: 135/2-136، تحفة العالم: 113/1، و غيرها.
3- البداية: 108-109.
4- تدريب الراوي: 62/2، و لعل الشهيد أخذ منه أو هما أخذا من مقدمة ابن الصلاح: 293.

الأعصار بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر و تثبت، فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين، و ينقل منه عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا: قال: فلان، أو ذكر فلان كذا، و هو كما ترى مسامحة في الدين، و الصواب ما ذكر، نعم إن كان الناقل فطنا متقنا يعرف الساقط من الكتاب و المغير منه و المصحف و تأمل و وثق بالعبارة كان المرجو له جواز إطلاق اللفظ الجازم فيما يحكيه من ذلك، و الظاهر أنه إلى هذا استراح كثير من المصنفين فيما نقلوه من ذلك.

حكم الرواية بالوجادة مع الإجازة و عدمها

و إذ قد عرفت ذلك كله فاعلم: أنه لا خلاف بينهم - كما في البداية(1) و.. غيرها(2) - في منع الرواية بالوجادة المجردة لفقد الأخبار فيها الذي هو المدار في صحة الرواية عن شخص، نعم لو اقترنت بالإجازة بأن كان الموجود خطه حيا و أجازه أو أجازه غيره عنه و لو بوسائط فلا إشكال في جواز الرواية، لأن الإجازة اخبار اجمالي، [فتكون الكتابة بعد لحوقها بمنزلة القول نظير ما ذكروا في الوصية و الإقرار، من أن كتابة الموصي و المقرّ ليست وصية و لا إقرارا إلا إذا لحق بها قوله: هذه

ص: 167


1- البداية: 109.
2- قال في القوانين: 490: لم يجوزوا الرواية بمجرد ذلك، بل يقول وجدت أو قرأت بخط فلان، و في جواز العمل به قولان.. إلى آخره، و فصل القول به السخاوي في شرح الألفية: 136/2، بل قيل أنه ليس من باب الرواية بل هو حكاية عما وجده في الكتاب. و انظر المقدمة: 294-295.

وصيتي و إقراري. فقول المجيز: اجزت لك أن تروي عني كتابي هذا أو الكتب الفلانية معناه إن هذه رواياتي اروها عني.

و لو نوقش في دلالته لغة على ذلك فلا يكاد ينكر قضاء العرف بذلك، فما توهمه بعضهم من عدم جواز الرواية بالوجادة حتى مع لحوق الإجازة لا وجه له](1).

حكم الرواية بالوجادة الموثوق بها من دون اجازه
اشارة

نعم وقع الخلاف بين المحدثين و الاصوليين في جواز العمل بالوجادة الموثوق بها من دون إجازة على قولين(2):

أحدهما: الجواز، و هو المنقول عن جمع منهم الشافعي و نظار اصحابه، و عن بعض المحققين التعبير بوجوب العمل بها(3) و هو مراد الباقين بالجواز فإن من جوز العمل بها اوجبه.

ص: 168


1- ما بين المعكوفتين من زيادات المصنف (رحمه اللّه) في الطبعة الثانية.
2- مع الفراغ من كونها انزل وجوه التحمل، حتى أن من وجوه القدح التي عدّوها لمحمد بن سنان المشهور أنه روى بعض الأخبار بالوجادة.
3- كما قاله السيوطي تبعا للنووي قال: و أما العمل بالوجادة.. و قطع بعض المحققين الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به، ثم قال: و هذا هو الصحيح الذي لا يتجه في هذه الأزمنة غيره. تدريب الراوي: 63/2. و لا شك أنه لو توقف العمل فيها على الرواية و السماع لانسد باب العمل بالمنقول الموجود في الكتب و الموسوعات في زماننا لتعذر غيره. و قد فصل القول بالأقوال و القائلين و الأدلة السخاوي في شرحه على ألفية العراقي: 136/2 و ما بعدها. و ذكر الدربندي في القواميس: 30 - خطي - عبارة السيوطي بقوله: و استحسنه جمع، ثم قال: و أنت خبير بما فيه، لأنه لا يمكن أن يقال أن خلو... هذه الأزمان عن طرق تحمل الحديث و أداءه غير طريق الوجادة محل نظر، بل لا شك في أن هذه الدعوى من المجازفات الصرفة و التخمينات المحضة، و كيف لا فإن طريق الإجازة من الامور السهلة الجارية الموجودة في جميع الأزمنة، و لا سيما إذ لوحظ فيها القسم الأعم الأشمل الأسهل، على أنه فرق واضح بين كون المعتبرة كالكتب الأربعة مثلا عند الخاصة و الصحاح الست مثلا عند العامة من مصنفيها و جامعيها من الامور القطعية الحاصلة بالتسامع و التضافر، كذا كون وجوب العمل بهما من هذا الوجه و ذلك اللحاظ، و بين كونها من قبيل الوجادة المصطلحة، و وجوب العمل بها لأجل حصول الثقة بها. هذا اللهم إلا أن يقال أن المراد من حصول الثقة هو ما أشرنا إليه، و مع هذا نقول أن اطلاق الوجادة على مثل ذلك كما ترى، اللهم إلا أن يبنى الأمر على التسامح، فتأمل.

و ثانيهما: المنع، و هو المعزى إلى معظم المحدثين و الفقهاء المالكيين(1).

حجة المجوزين وجوه:

الأول: عموم أدلة حجية الخبر السالم عن المعارض.

و توهم منع صدق الخبر على الوجادة بدعوى ان الخبر هو القول و ليس القول إلا اللفظ و ليس شيء من الوجادة بلفظ، و إنما هي مجرد نقوش و رسوم. و لذا ان المجوزين للعمل بالخبر اختلفوا في الوجادة، كما ترى، فإن عمدة دليل حجية الخبر و هو بناء العقلاء على العمل بالخبر الموثوق به - جار في الخبر الكتبي كجريه في اللفظي فإنا نرى العقلاء متسالمين على اعتبار النقوش و الكتابة و الاعتماد عليها مع الوثوق بها و الأمن

ص: 169


1- قال في وصول الأخيار: 130 [التراث: 144]: و منع أكثر العامة من العمل بها. و في نهاية الدراية: 187: أنه جوزه أكثر المحققين و منعه أكثر العامة، و قد ناقش العبارة في القواميس: 29 - خطي -.

من عروض التغير(1) و التزوير عليها من دون تأمل من أحد و لا مناقشة أصلا و كلية.

الثاني: أنه لو توقف عن العمل بالوجادة لانسد باب العمل بالمنقول، لفقد شرط الخبر اللفظي غالبا(2).

الثالث: السيرة و الطريقة، فإنها قد استقرت في جميع الأعصار و الأمصار على العمل بالوجادة، و نراهم يعملون بها و يرتبون الآثار عليها من غير نكير، و يلزمون من لم يأخذ بها و لم يجر على هذا المنوال فيها. و على هذا جرت السيرة و الطريقة في عصر النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام) مع اطلاعهم على ذلك و إقرارهم، بل و فعلهم هم في أنفسهم و جريهم (عليهم السّلام) على ذلك، فترى الإمام (عليه السّلام) يكتب إليه الراوي بما يريد و يكتب إليه الإمام (عليه السّلام) بجوابه حتى عد العلماء المكاتبة قسما من الخبر(3)، و على ذلك طريقة الناس و سيرتهم المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار، فإنهم يتوصلون إلى أغراضهم بالكتابات كما يتوصلون إليها بالألفاظ و الخطابات الشفاهية من بعضهم لبعض من غير فرق أصلا، و لو لا ذلك ما انتفع الناس من العلماء و.. غيرهم بجمع الكتب المدونة في جميع الفنون و العلوم، بل

ص: 170


1- كذا، و الظاهر: التغيير، كما في أكثر الموارد.
2- كما صرح به غير واحد و سبق منّا، لاحظ مقدمة ابن الصلاح: 70 [بنت الشاطئ: 295]، و اصول الحديث: 247، و جماعة آخرين.
3- انظر صفحة: 284 من المجلد الأول.

تكون عاطلة باطلة، بل و ما كان القرآن حجة عليهم، و في ذلك إبطال للدين و المذهب بل و سائر الأديان و المذاهب.

و الحاصل أنه قام الإجماع بل الضرورة على اعتبار النقوش و الاعتماد على ظاهرها، و لكن مع الأمن من التزوير و الوثوق بها، كما قام الإجماع و الضرورة على اعتبار ظواهر الألفاظ و الخطابات الشفاهية، و في هذا غنى و كفاية، بل فوق الكفاية.

الرابع: الأحاديث الكثيرة الدالة على أمر الأئمة (عليهم السّلام) أصحابهم بكتابة ما يسمعونه منهم، و تأليفه و جمعه قائلين أنه: سيأتي على الناس زمان لا يأنسون إلا بكتبهم(1)، بل و أمروا بالعمل بتلك الكتب كما في الخبر الذي رواه الشيخ (رحمه اللّه) في كتاب الغيبة(2) عن عبد اللّه الكوفي خادم الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضي اللّه عنه)، و فيه

ص: 171


1- الرواية في الكافي: 52/1 حديث 11 و هي عن المفضل بن عمر: و قد سبق أن نقلناها، و فيها:.. فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم. ففيه دلالة على جواز العمل بالوجادة و رجحان كتابة الحديث و النقل، و بمضمونها رواية عبيد اللّه بن زرارة قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها. الوسائل: 56/18، و كذا عموم الجواب في سؤال أحمد بن عمر الحلال عن الرضا (عليه السّلام) المار، و بمضمونه روايات كثيرة. و قد استقرّت سيرة الأصحاب و عملهم على النقل من الكتب المعلومة الانتساب إلى مؤلفيها من غير نظر منهم في رجال السند إليها، فتأمل.
2- غيبة الشيخ الطوسي: 239.

بعد ما سئل الشيخ عن كتب الشلمغاني: أقول فيها ما قال العسكري في كتب بني فضال، حيث قالوا: ما نصنع بكتبهم و بيوتنا منها ملىء؟(1) قال: خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا(2) [و روى(3)الكليني (رحمه اللّه) في الكافي(4) عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن محمد بن الحسن بن خالد شنبولة(5) قال:

قلت لأبي جعفر(6) (عليه السّلام): جعلت فداك ان مشايخنا رووا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السّلام) و كانت التقية شديدة فكتموا لكتبهم فلم يرو عنهم(7)، فلما ماتوا صارت الكتب(8) إلينا، فقال: حدثوا بها فإنها حق(9). فإنه نص في جواز التحديث بالوجادة مع عدم تعيين كتاب خاص حتى يكون تصديقا منه (عليه السّلام) لشخصه و يكون بحكم الصادر من

ص: 172


1- كذا، و الظاهر: ملاء.
2- في الوسائل: 72/18:... خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا.
3- ما بين المعكوفين من زيادات المصنف (رحمه اللّه) على الطبعة الثانية.
4- الكافي: 53/1 حديث 15.
5- في الوسائل: شينولة و كذا في حاشية رجال السيد بحر العلوم: 276/3. و هو غلط و الصحيح: شنبولة القمي الأشعري.
6- الثاني، كذا في الوسائل و معجم رجال الحديث: 203/15 و غيره، و هو الصحيح.
7- في الوسائل: فكتموا كتبهم فلم ترو عنهم. و كذا في الكافي.
8- تلك الكتب، كذا في الوسائل.
9- أصول الكافي: 53/1، كتاب فضل العلم، حديث 15. الوسائل: 58/18 حديث 27. و قد ذكرناه قريبا.

لفظه (عليه السّلام)(1).

حجة المانعين:

[(2)أمور لفّقها بعض أساطين الفن:

الأول]: انه لم يحدث به لفظا و لا معنى، تفصيلا و لا إجمالا، فلا يجوز العمل به(3) و إن كان قطعي الصدور إلا بعد لحوق الإجازة المنزّلة للفعل منزلة القول، الذي اتفق جميع الملل و أهل اللغات على اعتبار الظن الحاصل به.

و فيه منع انحصار الحجة في الحديث و اللفظ، بل كل ما

ص: 173


1- ذكر الخطيب في الكفاية: 505-507 طائفة من الروايات عن طريق العامة في الوجادة، قال البلقيني في محاسن الاصطلاح: 295 - ذيل المقدمة - ما لفظه: احتج بعضهم بالعمل بالوجادة بما ورد في الحديث عن النبي (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم) أنه قال: أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ قالوا: الملائكة، قال: و كيف لا يؤمنون و الوحي ينزل عليهم؟ قالوا: فنحن، قال: و كيف لا تؤمنون و أنا بين أظهركم؟ قالوا: فمن يا رسول اللّه؟ قال: قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها. ثم قال: و هذا استنباط حسن. أقول لم أفهم وجه حسنه بعد فرض صحة سنده، لقصور دلالته، و عدم ظهوره في المراد، فتدبر.
2- ما بين المعقوفتين لا يوجد في الطبعة الاولى.
3- من هنا إلى قوله: بقي هنا أمران نبّه عليهما... من زيادات الطبعة الثانية و في الأولى ما نصه: و سقوطه ظهر مما مرّ في حجية المجوز، فالقول بجواز العمل بالوجادة و إن لم تنضم إليها الإجازة و لا غيرها من طرق التحمل للرواية مع الوثوق و الأمن من الغلط و التزوير هو الأظهر. نعم الأحسن ضمّ الإجازة إليها محافظة على اتصال السند و الخروج عن حد الإرسال للتيمن.

يفيد الاطمئنان بالحكم فهو حجة، لبناء العقلاء عليه في أمور معاشهم و معادهم.

الثاني: صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام) يجيئني القوم فيستمعون مني حديثكم فاضجر فلا أقوى(1) قال: فاقرأ عليهم من أوّله حديثا، و من وسطه حديثا، و من آخره حديثا(2).

بتقريب: ان الكيفية المزبورة ليس اعتبارها إلا من حيث أن قراءة الأول و الوسط و الآخر متضمنة لإجازة الباقي، و ظاهر الرواية أن ذلك بيان لأقل ما يجتزي به في مقام الاعتداد بالروايات عملا و رواية.

و فيه: أولا: منع كون الكيفية المذكورة في الخبر متضمنة لإجازة الباقي.

و ثانيا: منع كون ذلك لبيان أقل ما يجتزي به.

و ثالثا: على فرض تسليم الأولين أنه كما يمكن أن يكون لتوقف العمل بالحديث الموثوق به على إجازة راويه، فكذا يمكن أن يكون لبيان أقلّ ما يحصل به التيمن باتصال سلسلة الإسناد إلى المعصوم (عليه السّلام)، فإنه أمر مهم(3).

ص: 174


1- في الوسائل: فيسمعون.. و لا أقوى.
2- الكافي: 51/1 حديث 5. الوسائل: 55/18 حديث 12.
3- و لا يبعد عدّ الرواية من باب نقل الحديث بالمناولة إلا أنه تبرك بقراءة بعض الأحاديث، و تنزّل قراءة أول الكتاب أو الباب الذي اريد إلقائه عليهم ذلك بمنزلة سماع الكتاب أو الباب كلّه كما أفاده شارح الوسائل، و وجه التأمل في الرواية أيضا أن قوله: فيستمعون مني، بدلا أنهم يريدون أن يستمعوا من لفظي و لو من باب التبرك و التيمن، لا مجرد الرواية بأي نحو كان، فإن معنى الاستماع طلب السماع، أي غرض السماع مني لا أن غرضهم الرواية عني. و إلا فلا معنى لأمر الإمام (عليه السّلام) بقراءتهم عليه، لعدم مطابقة السؤال مع الجواب، فتدبر.

الثالث: ان سجية السلف إلى الخلف وضع كتاب الإجازات، و بيان أحوال المشايخ واحدا بعد واحد كالشيخ و المنتجب و الفاضلين و الشهيدين و الفاضل المجلسي و من تأخر عنهم، و لو لا أن الإجازة معتبرة و أنها ليست لمجرد التيمن و التبرك - كما يظهر من الفاضل القمي(1) و.. غيره - لكان الاشتغال بما هو أهم أولى و أجدر.

و دعوى أن الإجازة إنما تفيد في غير المتواترات فما وجه تعميمها لها؟ مدفوعة بأنه خلاف ظاهرهم، حيث أن الظاهر منها أن المطمح في النظر هي الكتب الأربعة مع أنه لم يثبت اتصال الإجازات في غيرها، و هذا هو المنشأ في عدم فحصهم عن المخصص و المعارض من غيرها. و أيضا سجية الرواة المسافرة لأخذ الحديث و قطع الفيافي و القفار لملاقاة الأجلة و الأبرار مع إمكان التوسل(2) إلى كتبهم بغير ذلك، و ليت شعري أي تيمن و تبرك في لفظ اجزت لك؟! خصوصا في اللغة و النحو و الصرف و كتب سيبويه و.. غيره، كما صرحوا بها في

ص: 175


1- القوانين: 389، و قد ذكرنا عبارته في المستدرك و لا يظهر منها ما استظهره المصنف (رحمه اللّه)، فراجع.
2- كذا، و الظاهر: التوصل.

أواخر الإجازات(1)، و يتبين منها أنهم لم يتركوا طريق الإجازة فيما لا محيص لهم عن تنزيله منزلة الألفاظ، لشدة احتياجهم إليه كالنحو و الصرف.

هذا و أنت خبير بأنه و إن بذل جهده في تنقيح دليله إلا أنه لم يأت بما يلزم خصمه، ضرورة أن للخصم أن يقول إن ما تكلفوا به من المسافرة إلى الأمكنة البعيدة إنما كان لقلّة الكتب و عدم الاطمئنان بالكتاب الذي يجدوه(2)، فكانوا يسافرون إلى الشيوخ في البلاد البعيدة لتحصيل الاطمئنان بكتاب من كتب الأخبار يروى عنه، و أين ذلك من مفروض البحث الذي هو وجود كتب مطمأن بها عليها إجازة الشيوخ؟! على أن عنوان التيمن و التبرك و اتصال النفس بالمعصوم (عليه السّلام) ليس أمرا لا يسوى بالمسافرة لأجله إلى البلاد البعيدة بل هو من الأغراض العقلائية التي يقام لها و يقعد(3).

و بالجملة ففعلهم الذي تمسك به هذا الشيخ الجليل غير معلوم الوجه، لأنه كما يمكن أن يكون لتوقف العمل بالرواية على الإجازة و كان فعلهم ذلك لتحصيل الشرط، فكذا يمكن أن يكون لتحصيل اتصال النّفس بنفس المعصوم، و ما هذا حاله مجمل لا حجة فيه، كما برهن عليه في محلّه.

ص: 176


1- انظر بحث الإجازات في المستدرك و المجلد: 105-110 من بحار الأنوار.
2- الظاهر: يجدونه.
3- انظر مستدرك رقم (223) الرحلة في طلب الحديث.

الرابع: إن المعلوم من طريقة المتقدمين - كما يظهر من ترجمة علي بن الحسن بن فضال(1) و حسن بن علي الوشاء(2)، و.. غيرهما - اتفاقهم على عدم جواز الاعتماد على الرواية وجادة، و لم يعلم من المتأخرين خلاف ذلك من سيرة و غيرها كما توهم، فإن شيوع الإجازة ثابت إلى زماننا اليوم، فلعل من كان يأخذ الخبر من الكتب الأربعة لم يكن تعويله عليها وجادة، بل الاعتماد كان على الإجازة.

و أنت خبير بأنه كسابقه، ضرورة ان عدم اعتماد القدماء، بل و كذا المتأخرين على الرواية وجادة إنما كان فيما لا يطمئنون بكون الرواية ممن نسبت إليه، فاعتبروا إجازة الشيخ لتحصيل الوثوق بذلك لا لتوقف الرواية على الإجازة على وجه الموضوعية، و إذا كان اعتبار الإجازة من باب الطريقية إلى تحصيل الاطمئنان بالخبر جاز العمل لكل خبر يطمأن به و إن كان من الوجادة بغير إجازة.

و كون تعويل من كان يأخذ من الكتب الأربعة للاعتماد على الإجازة دون الوجادة المطمأن بها ممنوع.

و يوضح ما ذكرنا ما رواه الكليني(3) (رحمه اللّه) باسناده عن أحمد بن عمر الحلال قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام) الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب و لا يقول

ص: 177


1- تنقيح المقال: 278/2.
2- تنقيح المقال: 294/1.
3- الكافي: 52/1 حديث: 6.

اروه عني(1) فقال: إن علمت أن الكتاب له فاروه عنه(2)، بل في خبر شنبولة - المتقدم(3) - أيضا دلالة على المطلوب، فلاحظ و تدبر.

الخامس: إن أصحابنا قديما و حديثا لم يتفحصوا عن المخصص و المعارض في غير الكتب الأربعة، حتى أن الشهيد (رحمه اللّه) في الدراية(4) ادعى انحصار عملهم فيها، و ليس ذلك إلا من حيث عدم معلومية اتصال الإجازات في غيرها من الكتب و الخطب و الزيارات و الدعوات، فبقيت بحكم النقوش و الأفعال التي لم ينهض دليل على اعتبار الظن الحاصل منها.

نعم يمكن أن يقال أن وضع الكتب من المصنفين خصوصا الكتب الأربعة و نشرها بين الناس بمنزلة الإجازة الإجمالية بقرينة المقام، لكن ينقل الكلام في نفس هذه الإجازة، فمنع كونها معتبرة لكونها دلالة غير اللفظ.

و أنت خبير بما فيه:

أولا: من منع اختصاص فحصهم بالكتب الأربعة، لقضاء الوجدان بفحصهم عن جميع كتب الأخبار.

ص: 178


1- هنا سقط و هو: يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال:
2- الوسائل: 55/18 حديث 13: و بدل إن علمت: إذا علمت.
3- صفحة: 172.
4- الدراية: 17 [البقال: 74/1] قال:.. و كيف كان فاخبارنا ليست منحصرة فيها، إلا أن ما خرجت عنها صارت الآن غير مضبوطة و لا يكلّف الفقيه بالبحث عنها. و هذه العبارة كما ترى لا تلائم ما نسبه المستدل طاب ثراه له (قدس سره).

و ثانيا: إن إجازاتهم من يوم حدوث الإجازة إلى الآن تعمّ جميع كتب الأخبار و غيرها حتى اللغة و النحو و الصرف، فما معنى قوله: انه ليس انحصار عملهم في الفحص على الكتب الأربعة إلا من حيث عدم معلومية اتصال الإجازات في غيرها؟! إن هذا إلا رجما بالغيب، بل تفوها بما يقضي الوجدان بخلافه، و لو تفوه بمثل ذلك من لم ير الإجازات لعذرناه، و أما مثل هذا الاستاذ فنطقه به لفي غاية الغرابة، و أهون شيء ما اعتذر به أخيرا و إن عقّبه بالردّ، و كان المناسب أن لا يتفوه بمثله حتى يحتاج إلى الجواب بما أجاب.

السادس: إن المعلوم من سيرتهم قديما و حديثا أنهم إذا رأوا في سند الخبر رجلا ضعيفا أو مجهولا يحكمون بسقوط الخبر عن درجة الاعتبار من غير ملاحظة كون المروي عنه صاحب أصل أو كتاب، فلو جاز الأخذ وجادة لما حكموا كذلك، بل حكموا بصحة الخبر بمجرد احتمال الأخذ وجادة، و كذلك يحكمون بانقطاع السند إذا كانت طبقة الراوي و المروي عنه غير ملائمة، و لو جازت الوجادة لما حكموا بذلك.

و أنت خبير بأن محل البحث إنما هي الوجادة الموثوق بها، فإذا كان الراوي مجهولا أو ضعيفا لم يوثق بخبره، سواء كان للمروي عنه أصل أو كتاب أم لا.

و بالجملة فلم أفهم لما ذكره (قدس سره) وجها، فالقول بجواز العمل بالوجادة و إن لم تنضمّ إليها إجازة و لا غيرها من طرق التحمل للرواية مع الوثوق و الأمن من الغلط و التزوير هو

ص: 179

الأظهر. نعم الأحسن ضمّ الإجازة إليها محافظة على اتصال السند و الخروج عن حد الإرسال للتيمن(1).

دواعي الإجازة

و ربّما ذكر بعض مشايخ الفن للإجازة(2) دواعي:

أحدها: ان الإجازة تكشف عن كون المجاز في مرتبة القابلية للتحمل، فإن الظاهر من أحوال المجيزين أنهم كانوا يختارون للرواية من يكون اهلا، و ما كانوا يلقون الأخبار إلى من كان ظاهر الفسق و عدم(3) الضبط، و يجيزون في نقل الأخبار عنهم.

ثانيها: انها تكشف عن علو في الرواية، فإن الراوي له حالة عند القاء الرواية إلى المتحمل من اجتماع الحواس و الالتفات إلى متن الرواية و سندها غير حالته في نقل الخبر في غير هذا المقام، فيوجب علوا في الرواية لقوة احتمال الضبط.

ثالثها: ان الإجازة كاشفة عن اتصال السند على وجه الرسالة عن الإمام (عليه السّلام) إلى الرعية، و لا ريب في الفرق بين الحكاية على سبيل الرسالة و بينها على غير ذلك.

رابعها: ان الرواية إذا أخذت على وجه الإجازة كان أحوط، لإمكان المناقشة فيما أخذ من الكتب وجادة، بمنع

ص: 180


1- قال في نهاية الدراية: 188: فرع: لو اقترنت الوجادة بالإجازة بأن كان الموجود خطه حيا و أجازه أو أجاز غيره عنه و لو بوسائط، فلا ريب في جواز الرواية أيضا، حيث يجوز العمل بالإجازة.
2- أقول: هذا من متممات بحث الإجازة، و كان الأولى أن يذكر هناك.
3- كذا، و لعله: عديم.

صدق النبأ على المرسوم أو ظهوره فيما أخذ، كان الظاهر المتبادر من النبأ هو القول المحتمل للصدق و الكذب، و لا ريب في أن الكتابة ليست قولا بل و لا كاشفا عنه، لإمكان عدم التلفظ مطابقا للمرسوم، بل هي كاشفة عما في النفس ككشف اللفظ عنه].

تنبيهان
اشارة

بقي هنا أمران نبّه عليهما بعض الأجلة(1).

الاول: لو وجد كتابا شهد عدلان عندنا به فهل يجوز العمل به و الرواية عنه

الأول: انه لو وجدنا كتابا من كتب الأخبار سواء ذكر فيه أنه تأليف فلان أو رواية فلان أو لم يذكر و لم يكن لنا علم بأنه لفلان لكن شهد عندنا عدلان بذلك، فهل يثبت ذلك بشهادتهما فيجوز لنا العمل به و الرواية عنه، و لو بقولنا روى فلان أو بإضافة في كتابه أو في كتاب كذا، و إن لم نقل اخبرنا أو عنه و.. غير ذلك. و كذا لو شهدا بأنه من الإمام (عليه السّلام) بخطه الشريف أو بغيره أو لا؟ وجهان، أظهرهما ذلك، لما حققناه في كتاب القضاء [من منتهى المقاصد](2) من عموم حجية البينة.

نعم لو علمنا أو ظننا بأن شهادتهما أو شهادة أحدهما من باب الاجتهاد أو العلم بالامارات لم تنفع شهادتهما و لم يجز لنا العمل به و الرواية عنه، لأصالة عدم الثبوت و الاعتبار بعد خروج قولهما عن عنوان الشهادة، و دخوله في عنوان الفتوى الذي لا حجة فيه على المجتهد الآخر، و لو جاز الاعتماد عليه للمجتهد

ص: 181


1- هو المولى ملا علي كني في توضيح المقال: 54-55 بتصرف و زيادة.
2- ما بين المعكوفتين من زيادات الطبعة الثانية، و المراد من كتاب منتهى المقاصد ما مرّ تفصيله للمصنف (قدس سره)، و المراد من كتاب القضاء للمولى ملا علي كني، المطبوع كرارا.

للزم جواز التقليد للمجتهد و رجوعه إلى مثله في الفتيا و الأحكام للمقلدين له و لغيرهم، بأن يجعله كسائر أدلة الأحكام، إذ لا فرق بين ما ذكر و بين شهادة عدلين منهم على أن حكم اللّه تعالى في هذه المسألة كذا، و ان الصلاة أو الصوم أو البيع أو.. غير ذلك من الموضوعات المستنبطة و.. غيرها، ذلك، و الملازمة واضحة، و بطلان اللازم أوضح للإجماع و الضرورة على عدم جواز التقليد للمجتهد. و أيضا فالشهادة الاجتهادية إما بطريق الظن و هو الغالب في الاجتهاد، أو بطريق العلم الغير المستند إلى الحس، إذ لو استند إليه لم يكن من باب الاجتهاد، و الاولى غير مسموعة إجماعا، لاعتبار العلم في الشهادة. و الثانية فيها كلام، إن لم يكن الأظهر عدم السماع خصوصا فى أمثال هذه الامور العظيمة العامة.

و من هنا يظهر عدم سماع شهادة الواحد حيث كانت بطريق الاجتهاد و الأخذ بالامارات بطريق أولى(1)، فلا وجه حينئذ لما صدر من جمع من القول باعتبار الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السّلام) لدعواهم القطع العادي بكونه من الإمام (عليه السّلام)، فإن قطعهم لا حجة فيه علينا، سيما مع امارات في نفس الكتاب المذكور تشهد بعدم كونه منه (عليه السّلام) كما لا يخفى على من تتبعه(2)، و قد بسط كل من القائلين باعتباره و المنكرين له الكلام في ذلك، و اجمعها

ص: 182


1- قد مرّ الخلاف في صفحة: 289 من المجلد الثاني في قبول مثل هذه الشهادة و عدمها في بحث الأمارات التي تفيد المدح أو التوثيق، فراجع.
2- انظر مستدرك رقم (224) بحث حول كتاب فقه الرضا (عليه السّلام).

لذلك خاتمة مستدركات الفاضل المحدث التقي النوري (قدس سره)(1)، و لكن لم يأت المعتبرون له بما يدفع ما ذكرناه من الإشكال، و لا يلزم مما ذكرناه نفي حجية خبر الواحد إذا كان بطريق النقل و الرواية المعتبر فيه شرائطه التي منها صدق الأخذ من المروي عنه و الرواية عنه و لو من كتابه مع اعترافه بأنه روايته أو كتابه، أو ثبوته بطريق يجري في حق الجميع، فتدبر و لا يختلط عليك الأمر، فلو قال عدل: قال فلان أو روى عن فلان بطريق وقوفه على ذلك قبلناه، و لو قال ظننت أو علمت عاديا أو غير عادي ان فلانا الذي لم يلاقه ذكر ذلك أو روى كذا - كل ذا بطريق اجتهاده - ما قبلناه منه، و الفرق بينهما في غاية الوضوح.

الثاني: أن اقسام التحمل جارية في المعصوم عليه السّلام ايضا

الثاني: إن فرض الكلام في أقسام تحمل الرواية المذكورة و إن كان في التحمل عن غير الإمام (عليه السّلام) إلا أن التحقيق جريانها في التحمل عنه (عليه السّلام) أيضا، بل اكثرها واقع.

أما السماع فغاية كثرته لا تخفى.

و أما القراءة فإمكانها فيه أيضا معلوم، بل الظاهر وقوعها في بعض الروايات، مثل ما ورد أنه سأله (عليه السّلام) عن صدق بعض الروايات فقال (عليه السّلام): نعم هو كذلك في كتاب علي (عليه السّلام)، فالمقابلة بينه و بين محفوظه

ص: 183


1- مستدرك وسائل الشيعة: 336/3-361.

(عليه السّلام) واقعة، و إن لم يكن ذلك بقصد المقابلة.

و ربما جعل البعض المذكور من هذا الباب قراءته (عليه السّلام) أشياء كثيرة على الرواة، مثل ما نقله لهم عن خط علي (عليه السّلام) و إملاء رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، أو من خطه و إملاء غيره كالصحيفة السجادية، فذكر راويها أنه املى عليّ أبو عبد اللّه (عليه السّلام) الأدعية، و كذا ما قرأه (عليه السّلام) عليهم بطريق الرواية عن أبيه (عليه السّلام) عن آبائه (عليهم السّلام) كما في أكثر روايات السكوني و.. إضرابه.

و أنت خبير بأن ذلك كله من ضروب السماع دون القراءة، فإن المراد بالقراءة القراءة على الشيخ أو الإمام (عليه السّلام) لا قراءة الشيخ أو الإمام (عليه السّلام) على الطالب، فما ذكره (رحمه اللّه) سهو من قلمه الشريف.

و أما الإجازة فقد اذنوا (عليهم السّلام) لشيعتهم، بل أمروهم بنقل ما ورد عنهم و ما يصدر لأمثالهم، بقوله: الرواية لحديثنا نشبت(1) به قلوب شيعتنا(2) و في الكافي(3) باسناده إلى

ص: 184


1- خ. ل: نثبت (منه قدس سره). و في نسخة: تثبت، و معنى نشب اي لزم و علق.
2- الكافي: 13/1 حديث: 9، بصائر الدرجات: 7 حديث 6. و الرواية هكذا: الرواية لحديثنا يشد به (يسدده في: خ. ل) قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد. و رواه في الوسائل: 52/18-53 حديث 1.
3- الكافي: 53/1 حديث 15.

أبي خالد قال قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السّلام): جعلت فداك ان مشايخنا رووا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السّلام) و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم نرو(1)عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقالوا(2) حدثوا بها فإنها حق.

و خبر أحمد بن عمر الحلال - المتقدم(3) - في المناولة دالّ على الإجازة أيضا(4).

و أما المناولة فيدلّ عليها خبر ابن عباس المتقدم(5) في المناولة.

و أما الكتابة فوقوعها منهم (عليهم السّلام) في غاية الكثرة، و لذا جعلت من أقسام الخبر كما مرّ(6).

و أما الاعلام فقد وقع بالنسبة إلى كثير من الكتب ككتاب

ص: 185


1- خ. ل: ترو عنهم، كذا في الوسائل.
2- في الوسائل: فقال، و هو الظاهر.
3- صفحة 114 من هذا المجلد.
4- قال في توضيح المقال: 55: و الأخبار في هذا الباب تبلغ إلى حد تعسر الإحصاء، و من هنا يظهر أن اجازة الرواية لنا و لامثالنا حاصلة من أئمتنا (عليهم السّلام)، فأية حاجة بعد إلى اجازة الغير. و إن كانت حاصلة لنا أيضا، اللهم إلا على المنع من الإجازة للمعدوم، و هو مع ضعفه مندفع باجازة إمام عصرنا عجل اللّه تعالى فرجه التي أجازها قبل وجودنا و استمر عليها إن لم يحددها بعد تأهلنا لذلك، و نعوذ باللّه من رجوعه (عليه السّلام) عن ذلك!.
5- صفحة 143 من هذا المجلد.
6- في صفحة 284 من المجلد الأول.

يونس في عمل يوم و ليلة(1)، و كتاب عبيد اللّه بن أبي شعبة الحلبي فإنه عرض على الصادق (عليه السّلام) فصححه و استحسنه(2)، و هو أول كتاب صنفه الشيعة(3)... إلى غير ذلك.

و أما الوجادة فالظاهر وقوعها - أيضا - كما في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السّلام)، حيث وجده القاضي أمير حسين عند جماعة من شيعة قم الواردين إلى مكة المعظمة، و هو كجمع ممن تأخر عنه بنوا على اعتباره، لثبوت النسبة عندهم بقطع عادي.. و إن كنّا كالأكثر خالفناهم في ذلك، لأمور مرت الإشارة إليها إجمالا آنفا(4)، و صرح الصدوق (رحمه اللّه) في مواضع من كتبه و كذا بعض من قارب عصره أو سبقه بوجود جملة من مكاتبات الأئمة (عليهم السّلام) و توقيعاتهم عندهم، و من المستبعد أن لا يكون وقوفهم على

ص: 186


1- راجع روايات الباب في رجال الكشي: 301 و 333، و الوسائل: 71/18، رجال النجاشي: 312.
2- رجال النجاشي: 244.
3- كما ادعاه البعض، و قد سبق منّا ذكره فراجع. و ذكر النديم في الفهرست: 275، ان كتاب سليم بن قيس الهلالي هو أول كتاب ظهر للشيعة، انظر تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للعلامة السيد حسن الصدر (قدس سره)، و لا شك بأن للشيعة من المصنفات قبل ذلك ما شاء اللّه، و حسبنا منها كتاب علي (عليه السّلام) و مصحف فاطمة صلوات اللّه عليها و غيرها.
4- راجع صفحة: 182 و ما استدركناه برقم 224.

بعض ذلك بطريق الوجادة و لو في كتب من قاربهم أو سبقهم(1).

و بالجملة فلا ينبغي التأمل فيما ذكرناه من عدم اختصاص الأقسام المزبورة بالتحمل عن غير الإمام (عليه السّلام) و إن كان بعضها أدون من بعض في معلومية الثبوت أو ظهوره(2).

ص: 187


1- قد ذكرنا سابقا جملة من روايات الباب، فراجع.
2- مستدرك رقم (225): فوائد حول الوجادة.

ص: 188

المقام الثالث في كتابة الحديث و ضبطه و فيه مطالب:

اشارة

المقام الثالث في كتابة الحديث و ضبطه(1)و فيه مطالب:

الأول: في حكمها:

فقد وقع الخلاف بين الصحابة و التابعين في ذلك(2)

ص: 189


1- عدّه جمع من علماء العامة - كابن الصلاح في مقدمته: 296 - من أنواع الحديث، و هو عنده النوع الخامس و العشرين.
2- الروايات في نسبة المنع أو الجواز في كتابة الحديث إلى هؤلاء و غيرهم متضاربة بل متعارضة جدا، و لا يمكن أن يجزم بنسبة المنع لأحد هؤلاء و لا الإباحة، لوجود روايات مناقضة لها، و يعدّ أول من عرف بالكراهة بل المنع عمر بن الخطاب و ابنه عبد اللّه - و إن كان النووي و تبعا له السيوطي في تقريبهما و تدريبهما: 65/2 و سبقهم البلقيني في محاسن الاصطلاح: 296 - ذيل المقدمة - حاولوا نسبة الإباحة إليهما. لاحظ تقييد العلم: 50 و ما بعدها، طبقات ابن سعد: 206/3، اصول الحديث: 153 - 165، فتح المغيث: 142/2، و المقدمة: 296، و سنن الدارمي: 125/1 و غيرها، حتى بالنسبة إلى ما روى عن أبي سعيد الخدري كما في تقييد العلم: 93 إلا أن نقول أنهم رجعوا عن الكراهة! و لم نعرف المنع إلا من الخليفة الثاني و حزبه، و للمرحوم الدربندي في مقابيسه: 17 - خطي - توجيه حري بالملاحظة. كما و أن الشيخ الأميني (رحمه اللّه) في غديره: 7/6-294 قد تتبع الروايات في مسألة نهي الخليفة الثاني عن كتابة الحديث عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و ضربه لوجوه الصحابة و حبسه لهم، ثم أردف - بحثه في رأي الخليفة في كتابة السنن، و اجتهاده حول الكتب و المؤلفات. و هناك بحث شيق في معالم المدرستين: 44/2 و ما بعدها جدير بالمطالعة.

فكرهها جمع منهم ابن مسعود و زيد بن ثابت و أبو موسى و أبو سعيد الخدري و أبو هريرة و ابن عباس(1) استنادا إلى ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قال: لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن، و من كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه(2).

ص: 190


1- و مسألة المنع عن الكتابة و اباحتها سرت إلى التابعين أيضا، راجع فصل التدوين في عصر التابعين من اصول الحديث: 165-176 و تقييد العلم 45-48 و 58 و 99 و ما بعدها، إلا أن الدواعي فيها كانت تختلف عما كان عليه في الصدر الأول، لاحظ مقدمة تقييد العلم ليوسف العش و غيره.
2- أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الزهد باب التثبت في الحديث، الحديث المتقدم، و لفظه هناك: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): لا تكتبوا عني، و من كتب عني غير القرآن فليمحه، و حدّثوا عني و لا حرج، من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. صحيح مسلم بشرح النووي: 129/18، و ذكر هذا في مقدمة ابن الصلاح: 170 [بنت الشاطئ: 296]، و تقييد العلم للخطيب البغدادي؛ 29-32، تأويل مختلف الحديث: 365 و غيرها، و الحديث جاء بألفاظ مختلفة، و قد حكوا عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قولهم: جهدنا بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أن يأذن لنا في الكتاب فأبى. و في رواية عن أبي سعيد أيضا قال: استأذنا النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) في الكتابة فأبى أن يأذن لنا. أدرجها في اصول الحديث: 147 عن عدّة مصادر، و ذكر البغدادي في تقييد العلم: 34 عن أبي هريرة أنه قال: خرج علينا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و نحن نكتب الأحاديث فقال: ما هذا الذي تكتبون؟ قلنا: أحاديث سمعناها منك، قال: كتاب غير كتاب اللّه؟! أ تدرون! ما ضل [خ. ل: أ كتابا غير كتاب اللّه تريدون؟ ما أضل..] الأمم قبلكم إلا ما كتبوا من الكتب مع كتاب اللّه. و غيره بألفاظ متقاربة. و لعل كل هذا و غيره لتوجيه نظر خليفتهم الثاني في التحريم و اعطاء شيء من الشرعية لفعله، لذا تجد أن هذه الروايات معارضة بما روى عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) من طريقهم من قوله: قيّدوا العلم بالكتاب و ما جاء في جامع بيان العلم لابن عبد البر: 71/1 و علوم الحديث: 17 و غيرهما من أنه جاء عبد اللّه يستفتي رسول اللّه في شأن الكتابة قائلا: اكتب كل ما أسمع؟ قال: نعم، قال في الرضا و الغضب؟! قال: نعم، لا أقول في ذلك إلا حقا.. و غيرها مما سنوافيك به.

و أباحها من غير كراهة آخرون منهم أمير المؤمنين (عليه السّلام)(1). و الحسن (عليه السّلام)(2) و ابن

ص: 191


1- ففي صحيح البخاري: 22/1، 119/2 و 137، و فتح الباري: 214 - 215، و هدى الساري مقدمة فتح الباري - لابن حجر العسقلاني -: 4 - 5، و مسند أحمد بن حنبل: 79/1 و 126 و 151 و غيرها من مصادر العامة أن علي بن أبي طالب كانت معه صحيفة فيها العقل - أي الدية - و فكاك الأسير و لا يقتل مسلم بكافر. بل موضوع صحيفة علي (عليه السّلام) مسألة مفروغ عنها تاريخيا و روائيا عند الفريقين، و عرفت بكتاب علي (عليه السّلام)، لاحظ رجال النجاشي: 279، و تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام و غيرهما، و كذا مصحف فاطمة سلام اللّه عليها و الجريدة.
2- فقد روى عنه سلام اللّه عليه من طريق العامة قوله لبنيه و بني أخيه: تعلموا.. تعلموا، فإنكم صغار قوم اليوم تكونون كبارها غدا، فمن لم يحفظ منكم فليكتب - خ. ل فليكتبه - و ليضعه في بيته. كما في الكفاية للخطيب: 229، تقييد العلم: 91 و غيرهما.

عمر(1) و أنس و جابر و عطا و سعيد بن جبير و عمر بن عبد العزيز(1) و..

ص: 192


1- ذكر البخاري في صحيحه في كتاب العلم أن عبد اللّه بن عمر كان يكتب الحديث، فإنه روى عن أبي هريرة أنه قال: ما من أحد من أصحاب النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد اللّه بن عمر فإنه كان يكتب و لا أكتب! - مع معاشرة أبي هريرة له (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) ثلاث سنين و طفولة ابن عمر!! - و مع ذلك نجد السيوطي في التدريب: 65/2-66 عدّه ممن كره الحديث، و لعل مستنده ما ذكره في تقييد العلم: 44، و سنن الدارمي: 122/1 من رواية سعيد بن جبير، فلاحظ.

غيرهم(1) بل نسب(2) ذلك إلى أكثر الصحابة و التابعين(3) بل قيل أنه وقع الإجماع بعد الصحابة و التابعين على الجواز من غير

ص: 193


1- في مكة، و ابن إسحاق أو مالك في المدينة و غيرهما في غيرهما، و مبدأ الجمع أولا كان مختلطا مع أقوال الصحابة و فتاوى التابعين و اجتهاد المصنفين. و الكل يعدّ من القرن الثاني، و أوج النهضة كان في ثالث الهجرة، و فيها الّفت صحاحهم و غيرها. قال في فتح المغيث: 146/2 و أول من دون الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة الثانية بأمر عمر بن عبد العزيز و بعث به إلى كل أرض له عليها سلطان، ثم كثّر اللّه التدوين ثم التصنيف و حصل بذلك خير كثير، و حينئذ فقد قال السبكي: ينبغي للمرء أن يتخذ كتابة العلم عبادة، سواء توقع أن تترتب عليها فائدة أم لا. أما الخاصة فتبعا لمدرسة أهل البيت سلام اللّه عليهم الرائدة السبّاقة كان عصر التأليف و الجمع عندهم من زمن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و كفاك صحيفة علي (عليه السّلام) و مصحف فاطمة سلام اللّه عليها و غيرهما، و وسعت زمن الصادقين (عليهما السّلام) رواية و كتابة و دراية و نشرا. و لنا عودة للبحث في مقدمة مستدركنا على هذا الكتاب باذن اللّه، و في أول من دون الحديث.
2- كما قاله القاضي عياض و حكاه عنه السيوطي في التدريب: 65/2.
3- يظهر من مقدمة المصحح على معرفة علوم الحديث: ي عكس هذا، فلاحظ.

كراهة و زال الخلاف(1).

قلت: رجحان كتابة الحديث فضلا عن إباحته مما يستقل به العقل و استمرت عليه السيرة القطعية خلفا عن سلف من لدن زمان أهل البيت (عليهم السّلام)، و استفاضت النصوص بالأمر بها، و قد صدر منهم (عليهم السّلام) كتابة الحديث في جواب أسئلة(2) المكاتبات عن آبائهم (عليهم السّلام)، بل لو لا كتابة الأحاديث و الأحكام لا ندرس الدين في الأعصار المتأخرة، و لانمحى آثار الإسلام في الأزمنة اللاحقة(3)، فالقول بكراهتها من بعض السلف من الخرافات التي لا يعتنى بها، و النبوي المزبور لا بد من حمله على ما لا ينافي ذلك، على أن سنده قاصر،

ص: 194


1- كما ذكره غير واحد كابن الصلاح في مقدمته: 171، و البلقيني في ذيل المقدمة: 297، و ادعى الإجماع عليه في اصول الحديث: 176 و 186، و السخاوي في فتح المغيث: 142/2 تبعا للعراقي في ألفيته. و قد نسب للبلقيني قول ثالث في المسألة مسندا إياه إلى الرامهرمزي و هو: الكتابة و المحو بعد الحفظ. و قيل أنه قد فعله سفيان الثوري (المتوفى سنة 161 ه) و حماد بن سلمة (المتوفى سنة 167 ه) هذا و قد قام اجماع المتقدمين و المتأخرين على جوازها في القرآن 58-60 و غيرهما لاحظ تقييد العلم.
2- في الأصل: اسئولة.
3- قال الدربندي في درايته: 17 - خطي -:.. و بالجملة فإنه لا ريب في كون كتابة الأحاديث من المندوبات العينية و الواجبات الكفائية، بل قد تجب على جمع فرضا عينيا، و الأمر بذلك من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و أوصيائه من آله المعصومين صلوات اللّه عليه و عليهم أجمعين مما قد بلغ حد التسامع و التظافر.

و بأخبار عديدة معارض:

فمنها: ما روى عن ابن عمر(1) قال: قلت يا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) إني اسمع منك الشيء فاكتبه؟ قال: نعم، قال: في الغضب و الرضا؟ قال: نعم، قال:

فإني لا أقول فيهما إلا حقا(2).

و منها: ما رواه الترمذي عن أبي هريرة قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فيسمع منه الحديث فيعجبه و لا يحفظه، فشكى ذلك إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فقال: استعن بيمينك - و أومأ بيده إلى الخط -(3).

و منها: ما اسنده الرامهرمزي عن رافع بن خديج قال:

قلت: يا رسول اللّه! إنّا نسمع منك أشياء أ فنكتبها؟ قال: اكتبوا ذلك و لا حرج.. إلى غير ذلك من الأخبار(4).

و قد صدر منهم في الجمع بين هذه الأخبار و النبوي

ص: 195


1- المراد به عبد اللّه بن عمر بن العاص - لا الخطاب - كما يظهر من البعض، و قد ذكر له الخطيب أكثر من عشرة طرق في تقييد العلم: 74 و ما بعدها.
2- جامع بيان العلم لابن عبد البر: 71/1، علوم الحديث: 17 و غيرهما من المصادر السالفة.
3- لاحظ سنن الترمذي: 134/1 باب ما جاء في الرخصة من أبواب العلم، تقييد العلم: 65-68. و رواه في بحار الأنوار: 110/1 عنه، و ذكر الخطيب للحديث تسعة طرق، فراجع.
4- روى في البحار: 108/1 عن غوالي اللئالئ عن عبد اللّه بن عمر قال: قلت: يا رسول اللّه أقيد العلم؟ قال: نعم، قيل: و ما تقييده؟ قال: كتابته. و ذكره السيوطي في التدريب: 66/2، و في صحيح البخاري: 22/1 باب كتابة العلم: أن رجلا من أهل اليمن سمع حديث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فقال: اكتب لي يا رسول اللّه. فقال: اكتبوا لأبي فلان - و هو أبو شاة كما في بعض المصادر - لاحظ مسند أحمد: 235/12، و بهذا المضمون روايات في سنن الدارمي: 125/1 باب من رخص في الكتابة، المستدرك على الصحيحين: 105/1-106، جامع بيان العلم و فضله لابن عبد البر: 171/1، سنن ابن داود: 126/2 باب كتابة العلم، مسند أحمد: 162/2 و 192، صحيح البخاري: 16/1 باب العلم قبل القول، الكفاية: 102، فتح المغيث: 142/2 - 144، و قد أسهب الخطيب البغدادي في تقييد العلم حيث جمع كل ما في الباب تقريبا: 64-86 مما ورد عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) في إباحة كتابه العلم بل وجوبها. انظر: مستدرك رقم (226) نبذة من روايات الخاصة الحاثّة على الكتابة.

المزبور وجوه:

فمنها: ان الاذن لمن خيف نسيانه و النهي لمن أمن النسيان و وثق بحفظه و خيف اتكاله على الخط إذا كتب فيكون النهي مخصوصا. و قد حكى عن الأوزاعي انه كان يقول: كان هذا العلم كريما يتلقاه الرجال بينهم، فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله(1).

و منها: ان النهي عن الكتابة حين خيف اختلاطه بالقرآن، و الاذن فيه حين أمن ذلك، فيكون النهي منسوخا(2).

ص: 196


1- قاله ابن الصلاح في مقدمته: 2-301، و النووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 67/2، و شرح الألفية: 145/2.
2- قاله ابن حجر في مقدمة فتح الباري: 4، و حكاه في قواعد التحديث: 70، و ذكره السمعاني في أدب الإملاء و الاستملاء: 146 و أضاف بعده: و كانوا يكرهون الكتابة - أيضا - لكي لا يعتمد العالم على الكتاب بل يحفظه. و يدّل عليه ما رواه البيهقي في المدخل عن عروة بن الزبير من أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير اللّه فيها، ثم أصبح يوما و قد عزم اللّه له! فقال: إني كنت أردت أن أكتب السنن و إني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فاكبوا عليها و تركوا كتاب اللّه، و إني و اللّه لا ألبس كتاب اللّه بشيء أبدا. و في تقييد العلم: 49-53 جملة من هذه الروايات بهذا المضمون.

و منها: ان النهي إنما هو عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، لأنهم كانوا يسمعون تأويل الآية فربما كتبوه معها فنهوا عن ذلك لخوف الاشتباه(1).

و منها: ان النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه، و الاذن في غيره(2).

ص: 197


1- حكاه أكثر من واحد كما في فتح المغيث: 145/2، و عن توضيح الأفكار: 354/2 و غيرهما.
2- فيكون الحكم منسوخا كذا قيل، لاحظ اصول الحديث: 150، و الباعث الحثيث: 148، و فتح المغيث: 145/2 و غيرهم. و انظر عن كتابة القرآن بين المنع و عدمه، سنن الدارمي - المقدمة ب، 41 و 42، مجلد: 119/1، و سنن الترمذي، كتاب الاستئذان و الآداب باب 20 و 21، 66/5 و حديث 2713 و 2714، و سنن ابن ماجة: كتاب الأدب باب 49، 124/2، طبقات ابن سعد: حديث 2 قسم 2 صفحة: 125، و صحيح البخاري: كتاب العلم باب 39، 38/1، و صحيح مسلم: كتاب الزهد حديث 72، 4 /حديث 2298 و 3004، و سنن أبي داود، كتاب العلم، باب 3، 318/3، و مسند أحمد بن حنبل: 162/2 و 192 و 207 و 215، 248، 403، 12/3 و 21 و 39، 56، 182/5 و غيرها في غيرها، و فيها في موارد اخر.

و منها: ان النهي مخصوص بأبي سعيد(1).

إلى غير ذلك من المحامل التي بعضها أقرب من بعض(2).

الثاني: ما يشترط في كاتب الحديث

الثاني: ان من اللازم(3) على كاتب الحديث صرف الهمّة إلى ضبطه و تحقيقه شكلا و نقطا حتى يؤمن معهما اللبس بكلمة

ص: 198


1- قاله البخاري و تبعه غيره، و في سنن الدارمي: 114/1 و 115 و 124 باب ما يتقى من تفسير حديث النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و صفحة: 132 و 133 باب البلاغ عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) نسبه إلى مرة الهمداني. و نسبه إلى بعض الصحابة من أنه منع شخص خاص أن يكتب، أو منع حديث معين أن يدوّن. لاحظ طبقات ابن سعد: 354/2، و الباعث الحثيث: 148 و غيرهما.
2- مثل ما فهمه ابن قتيبة في أحد قوليه - كما ذكره في تأويل مختلف الحديث 365 - من أن يكون النهي عاما، و خص بالسماح له من كان قارئا كاتبا مجيدا لا يخطئ في كتابته و لا يخشى عليه الغلط. و لعل خير الوجوه ما ذكره الخطيب البغدادي في تقييد العلم: 57 من قوله:... لئلا يضاهي بكتاب اللّه تعالى غيره، أو يشتغل عن القرآن بسواه.. إلى آخر كلامه، مع ما فيه من أوجه النظر. و ذكر البلقيني في محاسن الاصطلاح: 302 من المقدمة وجها آخر عن الرامهرمزي: و هو أن من السلف من كان يكتب فإذا حفظ محاه، و حكاه عن غير واحد.
3- قيل بالاستحباب المؤكد كما عن أكثر من واحد، بل يظهر من عبارة غير واحد القول بالوجوب، لاحظ: فتح المغيث: 146/2، و فصّل القول فيه في: 155/2، و سبقه ابن الصلاح في المقدمة: 305 و ما بعدها.

أخرى مغيرة للحديث، ليؤديه كما سمعه، و لا يكون قد كذب من حيث لا يشعر على المعصوم (عليه السّلام).

و المراد بالنقط ظاهر، و هو تمييز المهمل عن المعجم، و ذي النقطة الواحدة عن ذي النقطتين - كالباء و الياء -، و ذي النقط من فوق عن ذي النقطة من تحت - كالياء و التاء -.

و بالشكل تقييد الإعراب سيما حيث يقع الاشتباه بغيره.

و قد قيل أن النصارى كفروا بلفظة اخطئوا في إعجامها و شكلها، قال اللّه تعالى في الإنجيل لعيسى: أنت نبي ولّدتك من البتول، فصحفوها ولدتك - مخففا(1) - فقالوا: المسيح ابن اللّه. و نقل أن عثمان بن عفان كتب للذي ارسله أميرا إلى مصر: إذا جاءكم فاقبلوه، فصحفوها: فاقتلوه، فجرى ما جرى، و كتب بعض الخلفاء إلى عامل له ببلدان: أحص المحسنين - أي بالعدد - فصحفها - بالمعجمة - فخصاهم(2).

ثم إن رجحان ضبط الشكل و النقط يعمّ ما يلتبس و ما لا يلتبس، و إن كان في الأول أرجح(3)، و ما نقل عن بعض أهل

ص: 199


1- الظاهر بتخفيف ولدتك، و قولهم: أنت نبي ولدتك.. كما نص عليه في التدريب: 68/2.
2- انظر بحث المصحّف: 238/1 من هذا الكتاب، فقد ذكرنا جملة من المصادر و الأمثلة هناك.
3- قال الدربندي في درايته: 32 - خطي -: في بيان آداب كتابة الحديث:.. و قد ذكر بعض فضلائنا و جم غفير من علماء العامة أن معرفة ذلك من الامور المهمة، فينبغي تبين الخط... ثم ينبغي أن يكون اعتناؤه بضبط الملتبس من الأسماء أكثر.

العلم من كراهية الإعجام و الإعراب في الثاني غلط(1)، و التعليل بعدم الحاجة إليهما عليل، فإنه مع الإعجام و الإعراب ينفع كل أحد، حتى غير المتبحر في العلم، بخلافه مع عدمهما، فإن غير المتبحر لا يميز ما يشكّل مما لا يشكّل، و لا صواب وجه إعراب الكلمة عن خطأه، و تعميم النفع للجميع أولى. و أيضا فالإعجام و الإعراب إتقان، فيندرج فيما يروى من قوله (عليه السّلام): رحم اللّه امرأ عمل عملا فاتقنه(2).

و ربما جعل بعضهم(3) الاولى في المشكّل مضافا إلى ضبطه في نفس الكتاب كتابته مضبوطا واضحا في الحاشية قبالته أيضا، لأن ذلك أبلغ، لأن المضبوط في نفس الأسطر ربما داخله نقط غيره، و شكله مما فوقه أو تحته لا سيما عند ضيق الأسطر و دقة الخط، فإذا كتبه في الحاشية أيضا مضبوطا واضحا أمن من الاشتباه، و أوضح من ذلك أن يقطع حروف الكلمة المشكلة في الهامش لأنه يظهر شكل الحرف بكتابته مفردا في بعض الحروف كالنون و الياء التحتانية، بخلاف ما إذا كتبت

ص: 200


1- كما حكاه السيوطي في تدريب الراوي: 68/2-69، و السخاوي في فتح المغيث: 147/2 و غيرهما.
2- جاء بمضامين مختلفة في كتب الفريقين، ففي كشف الخفاء و مزيل الإلباس: 513/1 حديث 1369:.. و اتقنه، و في جامع الاصول لابن الأثير: 185/11 حديث 8716: رحم اللّه امرأ أحسن صنعته.
3- و لعل أولهم ابن الصلاح في المقدمة: 304، و تبعه جمع كالسيوطي في التدريب: 70/2 ثم قال: بل قيل بتقطيع حروف الكلمة المشكلة في الهامش و تضبط حرفا حرفا. بحمرة و كذا العنوان و النقص يحذف عليه بحمرة، و كذا نسخ البدل و غيرها.

الكلمة كلها .

وينبغي تحقيق الخط وتبيينه والتحرز من مشقه - يعني الإسراع فيه - وتعليقه وتدقيقه(1) ، فإن المكتوب مشقاً وتعليقاً يكثر الاشتباه فيه ، وقد يصعب قراءته ، والمكتوب دقيقاً لا ينتفع به صاحب النظر الضعيف ، وربما ضعف بصر كاتبه بعد ذلك فلا ينتفع به هو أيضاً ، نعم لا بأس بالتدقيق لعذر كضيق الورق وتخفيفه للحمل في السفر و . . نحوه .

قيل : وينبغي ضبط الحروف المهملة أيضاً ثم اختلف في كيفية ضبطها على أقوال(2) :

أحدها : انه يجعل تحت الدال والراء والسين والصاد والطاء والعين النقط التي فوق نظائرها ، واختلف على هذا في نقط السين من تحت ، فقيل كصورة النقط من فوق ، وصورته هكذا (پس) ، وقيل : لا بل تجعل من تحت مبسوطة صفاً هكذا(3).

ثانيها : انه يجعل فوق المهملات المذكورة صورة هلال

ص: 201


1- وأضاف له في تدريب الراوي : 70/2 : وتكبير كتابة الكلمة . ولا وجه له
2- ذكرها مسهباً السخاوي في شرح الألفية : 155/2 ، وسبقه ابن الصلاح في المقدمة : 305 وغيرهما.
3- ويجعل من فوقها كالأثافي ، قاله في المقدمة : 305 : والتي فوق الشين المعجمة تكون كالأثافي . والمراد بالأثافي : مأخوذ من الأحجار الثلاث التي توضع تحت القدر المتفرقة

كقلامة الظفر مضجعة على قفاها ، هكذا ( س ) .

ثالثها : انه يجعل تحتها حرف صغير مثلها ، هكذا ( س ) ، وعليه عمل أهل المشرق والأندلس(1) ، وفي بعض الكتب القديمة فوقها خط صغير كفتحة ، هكذا ( س ) ، وقيل : كهمزة ، وفي بعضها تحتها همزة(2) ولم يتعرض أهل هذا الفن للكاف واللام ، وذكرهما أصحاب التصانيف في الخط ، فالكاف إذا لم تكتب مبسوطة تكتب في بطنها كاف صغيرة أو همزة ، هكذا ( ك ك ) ، واللام يكتب في بطنها لام، أي هذه الكلمة بحروفها الثلاثة هكذا ( للام ) ، لا صورة ( ل ) ، ويوجد ذلك في خط الأدباء ، والهاء آخر الكلمة يكتب عليها هاء مشقوقة ، هكذا ( الرحمة ) ، حتى تميزها من هاء التأنيث التي في الصفات و ... نحوها . والهمزة المكسورة هل تكتب فوق الألف والكسرة اسفلها أو كلاهما اسفل ؟ اصطلاحان للكتاب ، والثاني أوضح ولا ينبغي أن يصطلح كاتب الحديث مع نفسه في كتاب برمز لا يعرفه الناس فيوق-ع غيره في حيرة في فهم مراده ، فإن فعل فليبين ذلك في أول الكتاب أو آخره(3)

ص: 202


1- كما قاله القاضي عياض ، وحكى عنه أكثر من واحد
2- كذا نص عليه السيوطي في التدريب : 71/2 - 72 ، وسبقه النووي في التقريب وشرح مسلم وابن الصلاح في المقدمة
3- كما صرح بذلك في المقدمة : 305 ، والتدريب : 92/2 وغيرهما ، بل قد تعاهد القدماء في مخطوطاتهم غالباً بالتمييز بالحمرة ، فالزيادة تلحق

ثم أنهم قالوا(1): أنه ينبغي أن يكون اعتناء كاتب الحديث بضبط الملتبس من الأسماء أكثر من غيرها، لأن الأسماء لا يدخلها القياس و لا تستدرك بالمعنى و لا يستدل عليها بما قبل و لا ما بعد بخلاف غيرها، و قد نقل عن عبد اللّه بن إدريس أنه قال: لما حدثني شعبة بحديث أبي الحوراء(2) عن الحسن بن علي (عليهما السّلام) كتبت تحته: حور عين لئلا اغلط فاقرأه أبا الجوزاء - بالجيم و الزاي -(3).

الثالث: انه ينبغي لكاتب الحديث أمور.

منها: إن يجعل بين كل حديثين دائرة للفصل بينهما

فمنها: أن يجعل بين كل حديثين دائرة للفصل بينهما(4)، كما صرح بذلك جمع من المتقدمين كأحمد بن

ص: 203


1- كابن الصلاح في المقدمة: 304، و وصول الأخيار: 193، و الدربندي في درايته: 32 - خطي - و غيرهم من من مرّ قريبا.
2- في تدريب الراوي: الحوراء - من دون كنية - و الصحيح ما أثبته المصنف (رحمه اللّه). و هو ربيعة بن شيبان السعدي من التابعين، و يعد من أهل البصرة، يروي عن الإمام الحسن بن علي (عليهما السّلام) و غيره. انظر عنه: كتاب الثقاة لابن حبان: 229/4 و غيره.
3- كذا ذكره السيوطي في تدريبه: 69/2، و عقبه الشيخ حسين العاملي في درايته: 190 (التراث: 4-193) بقوله: فإن لم يتيسر في نفس الكتاب كتبه و ضبطه على الحاشية قبالته.
4- كي يتميز أحدهما عن الآخر، و لئلا يحصل التداخل بأن يدخل عجز الأول في صدر الحديث الثاني أو العكس، خصوصا لو تجردت المتون عن أسانيدها، خصوصا ما لو كان آخره ايضاح لغريب أو شرح لمعنى مما يسبب الإدراج و غيره.

حنبل و أبي الزناد(1) و إبراهيم الحوبي(2) و ابن جرير(3)، و استحسن بعضهم(4) كون الدائرات خالية الوسط، فإذا قابل نقط وسط كل دائرة عقيب الحديث الذي يفرغ من مقابلتها، أو خط في وسطها خطا، و قد كان بعض أهل الحديث لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك، أو في معناه(5).

ص: 204


1- و هو عبد اللّه بن ذكوان القرشي المدني (65-131 ه) من كبار التابعين، فقيه أهل المدينة، و كان يكنى بأبي عبد الرحمن أيضا. انظر عنه: تذكرة الحفاظ: 126/1، الأعلام: 217/4 و غيرهما.
2- الصحيح: الحربي، و المراد منه إبراهيم بن إسحاق الحربي، و قد مرّت ترجمته صفحة: 158.
3- هو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري (224-310 ه) مفسر مقرئ، مؤرخ محدث، له جملة مصنفات منها جامع البيان في تأويل القرآن و تاريخ الامم و الملوك و غيرهما. انظر عنه: ميزان الاعتدال: 25/3، تاريخ بغداد: 162/2، النجوم الزاهرة: 205/3، تذكرة الحفاظ: 351/3 و غيرها.
4- كما حكي عن الخطيب البغدادي في تقييد العلم، و لم اظفر بمحله و العراقي في الألفية و شارحها في فتح المغيث: 157/2 و حكاه عن كثير.
5- قاله في المقدمة: 306 أيضا عنه و غيره. و في وصول الأخيار: 191 [التراث: 194 باختلاف يسير]:.. ثم تجعل بين كل حديثين دائرة حمراء أو سوداء كبيرة بيّنة، أبين من كتابة الأحاديث، كما كان يفعله المتقدمون، و لو ترك بياضا متسعا بينا جاز، لأن القصد التمييز، و آكد من ذلك أن يفصل بين الحديث و غيره مما يتصل به من كلام المؤلف بهاء مشقوقة هكذا (هى ) و نحوها، لئلا يختلط لفظ الحديث بغيره، كما وقع لنا في بعض أحاديث التهذيب من الالتباس بكلام المقنعة و كلام الشيخ الطوسي (رحمه اللّه).
و منها: إن لا يفصل بين الاسماء المضافة

و منها: أن يحترز في مثل عبد اللّه و عبد الرحمن بن فلان، و كل اسم مضاف إلى كلمة اللّه أو سائر اسمائه المقدسة ملحوق بابن فلان من كتابة المضاف في آخر السطر، و اسم اللّه مع ابن فلان أول السطر الآخر، لأن من بدأ بالسطر قرأ اللّه بن فلان و ذلك محذور(1).

و منها: إن لا يكتب رسول اللّه أو نبي اللّه بشكل منفصل في الاسطر

و منها: أن يحترز في مثل رسول اللّه و نبي اللّه من كتابة الرسول أو النبي آخر السطر و كتابة اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) في أول السطر الآخر، لأن من بدأ بالسطر اللاحق وجده موهما مستبشعا، و مثله الحال في سائر الموهمات و المستبشعات، مثل أن يكتب قاتل، من قوله: قاتل ابن صفية في النار في آخر السطر، و ابن صفية في النار في أول السطر اللاحق. و لا يتأتى مثل ذلك في المتضايفين كسبحان اللّه العظيم، إذا كتب سبحان آخر السطر، و اللّه العظيم أول السطر اللاحق، و إن قيل أن جمعهما أيضا في سطر واحد أولى(2).

ص: 205


1- و ذهب جمع من العامة كالخطيب البغدادي و ابن بطة إلى الحرمة، و آخرين كابن العيد إلى الكراهة، و كذا العراقي في الألفية و السخاوي في الفتح: 158/2.
2- و أقبح من ذلك ما لو كان التفريق بين العاطف و المعطوف إن عطف بالواو، و قد يسهل فيما لو كان بغيرها، و أقبح من كل ذلك - بل لا يفعله ذو بصيرة - ما لو فرق في الكلمة الواحدة، كذا أفاده والد الشيخ البهائي في درايته: 193 [التراث: 195]، و سبقه السيوطي و قبله النووي في التقريب و التدريب: 74/2، و فتح المغيث: 159/2 و غيرهم.
و منها: كتابة الثناء على اللّه سبحانه

و منها: المحافظة على كتابة الثناء على اللّه سبحانه عقيب اسماء اللّه تعالى بكتابة عزّ و جلّ أو تعالى أو تقدس أو.. نحو ذلك.

و منها: كتابة التحية و السّلام بعد اسماء المعصومين عليهم الصلاة و السّلام

و منها: المحافظة على كتابة الصلاة و السّلام عقيب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و كتابة الصلاة أو السّلام أو هما عقيب بقية الأئمة المعصومين (صلوات اللّه عليهم أجمعين)، و كتابة على نبينا و آله و عليه السّلام عقيب اسماء سائر الأنبياء، و لا يسأم من تكرر الصلاة و السّلام عليهم، و من اغفله عند التكرر حرم أجرا عظيما، فقد ارسل عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة(1)، و عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أيضا حديث: من صلى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب(2).

و ينبغي أن يضيف إلى كتابة الصلاة عليه و آله التلفظ

ص: 206


1- تدريب الراوي: 75/2، قواعد التحديث: 237، فتح المغيث: 161/2، المقدمة: 306، و محاسن الاصطلاح - ذيل المقدمة -: 307. هذا في كتب الدراية، و جاء في كتب الحديث للعامة منها: صحيح ابن حبان: 133/2 حديث 908، كنز العمال: 507/1 حديث 2243 نقلا عن المعجم الأوسط للطبراني، و انظر جامع الأخبار: 69.
2- ذكره ابن الجوزي في الموضوعات: 228/1، بدون كلمة: ذلك و ان كان له طرق تخرجه من الوضع، و نسب في كتب العامة إلى جعفر بن محمد و بألفاظ اخرى كما في فتح المغيث: 160/2، و حكاه في محاسن الاصطلاح ذيل المقدمة: 308 عن تاريخ أصفهان لأبي نعيم مسندا إلى الصادق (عليه السّلام)، و لم أظفر به، و انظر جامع الأخبار: 71، كنز العمال: 489/1 حديث 2145 نقلا عن المعجم الكبير للطبراني.

بالصلاة عليه و آله.

و كره بعضهم الاقتصار على الصلاة من دون اتباعه بالسلام للجمع في الأمر بهما في الآية(1)، و هو كما ترى، فإن غاية ذلك استحباب الجمع لا كراهة التفريق(2).

و كره أيضا جمع الرمز إلى الصلاة و السّلام بحرف أو حرفين ك (صلعم) أو (ص) و يقال: إن أول من رمز بصلعم قطعت يده، و لكني لم أفهم لهذه الكراهة وجها، لأن هذه الخطوط للكشف عن المرادات، فإذا كان (ص) أو (صلعم) دالا على المراد، ينطق به القارئ تماما دون الحرف، فما معنى الكراهة؟ إلا أن يستأنس لذلك بكشف الرمز عن التثاقل من كتابة التمام، و عدم الاهتمام بالصلاة و السّلام، فتأمل.

و منها: كتابة الترضي و الترحم على الفقهاء و المحدثين

و منها: كتابة الترضي و الترحم على الفقهاء و المحدثين

ص: 207


1- في قوله عز اسمه: إِنَّ اَللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً الأحزاب: 56، كما صرح به غير واحد كابن الصلاح في المقدمة 309 و غيره.
2- هذا و يكره - بل قيل بالحرمة - فيما لو أفرد النبي بالصلاة و السّلام دون الآل صلوات اللّه و سلامه عليهم، كما يفعله أعداءهم و شانئيهم لعنة اللّه عليهم و ملائكته. و قد عبّر عنها بالصلاة البتراء، و نهى عنها بروايات منهم و منا، منها ما روى عن صادق آل البيت (عليه السّلام) أنه قال: سمع أبي (عليه السّلام) رجلا متعلقا بالبيت و هو يقول: اللهم صلى على محمد، فقال له أبي (عليه السّلام): يا عبد اللّه! لا تبترها، لا تظلمنا حقنا! قل: اللهم صلى على محمد و أهل بيته. اصول الكافي: 359/2 حديث: 21 (طبعة اخرى: 495/2).

و الأخيار عقيب اسمائهم، و لا يستعمل عزّ و جلّ في النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و إن كان عزيزا جليلا، و لا الصلاة و السّلام في غير المعصومين (عليهم السّلام) تبعا للاصطلاح، و إن جاز ذلك لغة(1).

الرابع: يلزم على كاتب الحديث مقابلة كتابه باصل شيخه

الرابع: انه أوجب جمع(2) على كاتب الحديث مقابلة كتابه بأصل شيخه(3) و إن أجازه(4)، لأن المقابلة تورث شدّة الاطمئنان بصحته، و ترك المقابلة قد يؤدي إلى الزيادة و النقصان في الاخبار، و قد ارسل عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)

ص: 208


1- بل يظهر من رواية في الكافي الشريف: 278/6 حديث 2: أنّه تصح الصلاة على غير الأنبياء كسلمان و مقداد و أبو ذر. و في ذيله قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): رحمهم اللّه و رضي اللّه عنهم و صلى عليهم. قال السيد حسن الصدر في نهاية الدراية: 190: و لم أر أشد مواظبة على كل ذلك مثل السيد الأواه السيد جمال الدين علي بن طاوس طاب ثراه.
2- كابن الصلاح في المقدمة: 310، و السيوطي تبعا للنووي و غيره في تدريب الراوي: 77/2، و الخطيب و عياض و العراقي في الألفية و تبعه شارحها في فتح المغيث: 166/2 و ما بعدها، و يقال لهذا البحث: مقابلة، و كذا: معارضة. ثم أن منهم من يجعل عقب كل باب أو كراس ما يعلم منه المقرض، و ربما اقتصر بعضهم على الاعلام بذلك آخر الكتاب. و قيل - عن بعضهم كما حكاه السخاوي في فتحه: 169/2 -: إن صح بالمعارضة و سلم بالمقابلة من المناقضة و ذلك من البسملة إلى الحسبلة.
3- أو مقابلته بأصل معتمد معلوم الصحة. و الأفضل أن يمسك هو و شيخه كتابيهما أو ثقة ضابط ذو بصيرة غيره أو غير شيخه ثقتان ضابطان غيرهما، قالوا و إن لم يقابل بهذا الشرط لم يجز روايته و لا النقل منه.
4- الظاهر: و إن كان أجازه، أي قبلا بذا صرح ابن الصلاح في المقدمة: 310.

أنه قال لمن كتب و لم يعارض: لم تكتب حتى تعرضه فيصح(1).

و لقد اساء يحيى بن أبي كثير(2) و الأوزاعي(3) في قولهما: إن من كتب الحديث و لم يقابله كان كمن دخل الخلاء و لم يستنج(4). فإن تشبيه كتابة الحديث بقضاء الحاجة في الخلاء كما ترى.

و الأفضل في المقابلة أن يمسك هو و شيخه كتابيهما حال التسميع، و من لا نسخة له من الطلبة حال السماع ينظر مع من له نسخة إن أراد النقل من نسخته(5)، و الأظهر جواز نقله عن

ص: 209


1- قاله في التدريب: 77/2 و ذكره السمعاني في أدب الإملاء: 77-78. و سبق منّا عدّة مصادر و أقوال في أنواع التحمل: العرض، فلاحظ.
2- هو أبو نصر يحيى بن صالح الطائي بالولاء اليماني المتوفى سنة 129 ه من أتباع التابعين و علماء أهل اليمامة. انظر عنه: تهذيب التهذيب: 268/12، طبقات ابن سعد: 404/5 عن الأعلام: 186/9 و غيرها.
3- مرت ترجمته قريبا في صفحة: 91.
4- ذكرت الحكاية عنهما في الكفاية و الجامع معا و لا يحضرني محله فعلا، و ذكرها السمعاني في أدب الإملاء و الاستملاء: 78، و فيه: و لا يستنجي.
5- الأصل في الترجيح هو ابن الصلاح في مقدمته: 311، و تبعه غير واحد ممن تبعه كالعراقي و السخاوي و غيرهم لاحظ شرح السخاوي: 167/2. و لهم هنا أقوال و تفصيلات لاحظها في المفصلات. قال في المقدمة: ثم ان فضل المعارضة أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ من حالة تحديثه إياه من كتابه، لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط و الإتقان -

تلك النسخة إذا كان صاحبها المستمع لها ثقة.

واكتفى جمع في الرواية عما كتبه بمقابلته بفرع قوبل بأصل الشيخ، أو مقابلته بأصل أصل الشيخ المقابل به أصل الشيخ لأن الغرض مطابقة كتابته لأصل الشيخ ، فسواء حصل ذلك بغير واسطة أو بواسطة

الخامس : في كيفية تخريج الساقط في الحواشي ، ويسمى عند أهل الحديث والكتابة ب- : اللحق - بفتح اللام والحاء المهملة - أخذاً من الإلحاق ، أو من الزيادة ، فإنه يطلق على

كل منهما لغة . وقد ذكروا لذلك آداباً

فمنها : أن يخط من موضع سقوطه في السطر خطاً صاعداً لفوق معطوفاً بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق ، هكذا : (1)

وقيل : يمد العطف من موضع التخريج إلى أول اللحق الذي في الهامش هكذا (:::...) . ورد(2) بأنه وإن كان فيه زيادة تبيين لكنه تسخيم للكتاب وتسويد له لا سيما عند كثرة الإلحاقات

ص: 210


1- اختاره ابن الصلاح في المقدمة : 313 ، وتبعه جمع
2- حكاه غير واحد عن عياض وتعرض لهذا البحث مسهباً ابن الصلاح في المقدمة : 5 - 313 ، والسخاوي في فتح المغيث : 6/2 - 172 تعرضا مفصلاً .

وأقول : المدار على رفع اللبس والاشتباه وتبين الخارج من ذلك الموضع ، وذلك بأي وجه حصل كفى ، ولو بجعل علامة بين الكلمتين المسقط مما بينهما أي علامة كانت مثل .. أو ... أو . . نحوهما ، وكلما كانت العلامة أبعد عن الاشتباه كانت أولى.

ومنها : أن يكتب اللحق قبالة العطفة في الحاشية اليمنى إن اتسعت له ، لاحتمال أن يطرأ في بقية السطر سقط آخر فيخرج له إلى جهة اليسار فلو خرجت للأولى إلى اليسار ثم ظهر في السطر سقط آخر، فإن خرج له إلى اليسار أيضاً اشتبه موضع هذا بموضع ذاك ، وإن خرج إلى اليمين تق-اب-ل ط-رف--ا التخريجتين . وربما التقيا لقربهما ، فيظن أنه ضرب على ما بينهما ، إلا أن يسقط إلا أن يسقط في آخر السطر فيخ-رج-ه إلى جهة

الشمال(1)

وعندي أن ذلك كله مما لا وجه له لعدم عموم العلة ، والأولى إدارة الأمر مدار البعد عن الاشتباه ، فكل ما كان من طريق كتابة اللحق أبعد عن الاشتباه كان أولى ، وذلك يتبع نظر الكاتب في الموارد الخاصة .

ومنها : أن يكتب الساقط صاعداً إلى أعلى الصفحة من

ص: 211


1- وأضاف ابن الصلاح في المقدمة : 313 قوله : ويبدأ في الحاشية بكتبه ( الظاهر : بكتابة ( اللحق مقابلا للخط المنعطف ، وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين وإن كان تلي وسط الورقة إن اتسعت له ، وليكتب إلى أعلى الورقة لا نازلاً به إلى أسفل . وقد مرّ .

أي جهة كان، ليبقى الأسفل للسقط الآخر المحتمل وقوعه نعم لو علم بعدم سقط آخر في الصفحة أو عدم منع الكتابة إلى أسفل من مقابلة اللحق الآخر لموضع التخريج تخيّر بين الكتابة إلى أعلى أو أسفل، مع اولوية اختياره لما كان أبعد من اشتباه القاري بعد ذلك منهما.

و منها: كتابة كلمة صح في آخر اللحق و منتهاه، و زاد بعضهم كتابة كلمة رجع بعد صح(1)، و ثالث كتابة الكلمة المتصلة به داخل الكتاب ليدلّ على أن الكلام انتظم، و كلتا الزيادتين لا وجه لهما لما فيهما من التطويل الموهم، لأنه قد يشتبه القارئ بجعل رجع جزء من العبارة، و قد يجيء في الكلام ما هو مكرر مرتين أو ثلاثا لمعنى صحيح، فإذا كررنا الحرف لم نأمن أن يوافق ما يتكرر حقيقة(2)، أو يشكل أمره فيوجب ارتيابا و زيادة إشكال، و ربما اختصر بعضهم علامة التصحيح فيكتبها هكذا [صح] أو هكذا [ص].

و منها: أن الحواشي المكتوبة من غير الأصل كشرح و بيان غلطا(3)، و اختلاف في رواية أو صفة أو.. نحو ذلك لا يخرج له خط، لأنه يدخل اللبس و يحسب من الأصل، بل يجعل على الكلمة ضبّة أو نحوها تدلّ عليه (هكذا)، أو

ص: 212


1- اختاره ابن الصلاح في المقدمة: 313.
2- في الطبعة الاولى: حقيقته.
3- الظاهر: غلط.

(هكذا) أو.. نحوهما، و جعل بعضهم(1) الأولى التخريج لها لكن من على وسط الكلمة المخرج لأجلها، لا بين الكلمتين (هكذا)، ليفارق التخريج للساقط. و ما قلناه أولى، لكونه أبعد عن اشتباه الحاشية باللّحق فقد يشتبه الناسخ و يقدم التخريج قليلا أو يؤخره قليلا فيشتبه بتخريج اللّحق.

السادس: معنى التصحيح و التضبيب

السادس: ان من جملة استعمالات المتقنين لكتابة الحديث التصحيح و التضبيب مبالغة في العناية بضبط الكتاب، فالتصحيح كتابة (صح) على كلام صح رواية و معنى، و هو عرضة للشك فيه أو الخلاف، فيكتب عليه (صح) ليعرف القارئ أن الكاتب لم يغفل عنه، و انه قد ضبط و صح على ذلك الوجه، و التضبيب - و يسمى: التمريض أيضا(2) - أن يمدّ على الكلمة الثابتة نقلا الفاسدة لفظا أو معنى أو خطا أو المصحفة أو الناقصة خطا أوّله كالصاد هكذا (ص) ليلتفت القارئ إلى أن النسخة كانت هكذا، و لكنه محل شك، فيدلّ نقص الحرف على اختلاف الكلمة كدلالة صح تاما على تمامية الكلمة المكتوب عليها، و تسمية الخط الذي أوله الصاد بالضبّة لكون الكلمة مقفلة بها، لا تتجه لقراءة كضبّة الباب مقفل بها(3) و لا يلزق التضبيب بالممدود عليه لئلا يظن ضربا،

ص: 213


1- هو ابن الصلاح في مقدمته: 315 و أوّل من تعرض لذلك.
2- و قد يسمى التشكيك أيضا.
3- قال في المقدمة: 316 - بعد نقله ما سبق -: قلت: و لأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبّة التي تجعل على كسر أو خلل، فاستعير لها اسمها، و مثل ذلك غير مستنكر في باب الاستعارات.

و من الناقص الذي تمد عليه الضبة موضع الإرسال أو الانقطاع في الإسناد.

و ربّما يوجد في بعض الاصول القديمة في الإسناد الجامع جماعة من الرواة في طبقة معطوفا بعضهم على بعض علامة تشبه الضبّة فيما بين اسمائهم فيتوهّم من لا خبرة له أنها ضبّة و ليست ضبّة، بل هي علامة اتصال بينهم اثبتت تأكيدا للعطف خوفا من أن يجعل كلمة «عن» مكان الواو(1).

السابع: اذا وقع في الكتاب ما ليس منه نفي عنه اما بالضرب عليه أو الحك له أو المحو

السابع: إذا وقع في الكتاب ما ليس منه نفي عنه، إما بالضرب عليه أو الحك له أو المحو.

و قيل(2): ان الضرب أولى، لأن في الحك يبقى محل

ص: 214


1- قال في وصول الأخيار: 196 [التراث: 8-197]:.. هكذا كان يفعل الصدر الأول و ما بعده، و أما المتأخرون فربّما استعملوه قليلا، و المستعمل بين المتأخرين في عصر الشهيد و ما قاربه التضبيب بباء هندية هكذا (2) فوق الكلمة، ثم يكتبون باء هندية اخرى مثلها بازائها على الحاشية ليسهل تصحيحه إذا أريد، و هو في غاية الحسن، و عليه عملنا في كتب الأحاديث و غيرها، و بعضهم ينقط ثلاث نقط عليه، ثم على الحاشية بازائه، و لا بأس به. و لم أجد الأخير في كتب أصحابنا. انظر: مقدمة ابن الصلاح: 7-315، و فتح المغيث: 9/2-177 و غيرهما.
2- من القائلين والد الشيخ البهائي في درايته: 169 [التراث: 198]، و سبقه السيوطي في تدريبه: 85/2-86، و ابن الصلاح في المقدمة 317، و حكي عن الرامهرمزي قوله: قال أصحابنا: الحك تهمة. قال -

الكلمة خالياً ، فقد يشتبه الأمر على القارىء ، وفي المح-وق-د يبقى الأثر فيزعمه القاريء صحيحاً(1).

وفي كيفية الضرب أقوال :

أحدها : ما عليه الأكثر من مدّ خط واضح فوق المضروب عليه مختلطاً بأوائل كلماته ليدلّ على إبطاله ، ولا يطمسه ب-ل يكون ما تحته ممكن القراءة هكذا ( قال )(2) ويسمى هذا عند أهل المشرق : ضرباً ، وعند أهل المغرب : شقاً - وهو بفتح الشين المعجمة وتشديد القاف - من الشق وهو الصدع ، أو من شق العصا وهو التفريق ، كأنه فرق بين الزائد وما قبله وبعده من الثابت بالضرب . وقيل(3) هو : النشق - بفتح النون والمعجمة - من نشق الضبي في حبالته: علق فيها ، فكأنه أبطل حركة الكلمة وأعمالها بجعلها في وثاق يمنعها من التصرف(4) .

ص: 215


1- قال الشيخ حسين العاملي في درايته : 197[ التراث : 198 ] : وأما الحك والكشط فهو عندهم مكروه ، لأن-ه عن-اء وربما أفسد الورق أو أضعفه .
2- وقد يكون الخط في وسطه لا عليه مع إمكان قراءة ما تحته، كما هو متعارف ، اليوم .
3- كما حكاه غير واحد عن ابن الصلاح في مقدمته: 318 خاصة، وكأنه مبدأه . انظر : شرح السخاوي : 182/2
4- كما ذكره السيوطي في التدريب تبعاً للنووي في التقريب : 84/2 ، والسخاوي في الفتح تبعاً للعراقي في الألفية : 8/2 - 187 وغيرهم .

ثانيها : مد خط فوق المضروب عليه من دون خلطه به بل ، يكون فوقه منفصلاً عن-ه معطوفاً طرفا الخط على أوله وآخره ، مثاله هكذا : (-).

ثالثها : وضع نصف دائرة على أول-ه ونصف دائرة على آخره ، هكذا : ( ) .

رابعها : وضع دائرة صغيرة أول الزيادة وآخرها، سماهما صفراً لإشعارهما بخلو ما بينهما من صحة ، مثاله :

هكذا .

خامسها : أنه يكتب كلمة ( لا ) أو زائدة في أوله و ( إلى ) في آخره(1)

وأول الأقوال أجودها لكونه أبعد عن الاشتباه

فرع : لو كانت الزيادة من قبيل المكرر فقيل : يضرب على الثاني مطلقاً دون الأول ، لأنه كتب على صواب ، فالخطأ أولى بالضرب عليه والإبطال.

وقيل يبقى أحسنهما صورة وأبينهما قراءة ويضرب على الآخر .

وقيل : إن كانا في أول السطر ضرب على الثاني وإن كانا في آخره فعلى الأول ، صوناً لأوائل السطور وأواخ-ره-ا عن ، وإن كان الأول في آخر السطر والثاني في أول السطر

ص: 216


1- وسادسها : كتابة « لا » في أوله و « لا » في آخره وسابعها : كتابة « ز » في اوله و «الى» في آخره .

الثاني ضرب على آخر السطر، لأن مراعاة عدم طمس أول السطر أولى، و لو تكرر المضاف و المضاف إليه و الموصوف و الصفة و.. نحو ذلك روعي اتصالهما، بأن لا يضرب على المتكرر بينهما، بل على الأول في المضاف و الموصوف، أو الآخر في المضاف إليه و الصفة، لأن ذلك مضطر إليه للفهم، فمراعاته أولى من مراعاة تحسين الصورة في الخط.

الثامن: ذكر جملة من الرموز المتعارفة عند المحدثين

الثامن: قد شاع منهم الاقتصار في الخط على الرمز في حدثنا و أخبرنا و جملة من اسماء الكتب لتكررها، و قد ظهر ذلك لكثرة استعمالهم له بحيث لا يختفي و لا يلتبس، فيرمزون لحدثنا: (ثنا)(1)، و لحدثني (ثني) - بحذف الحاء و الدال و إبقاء الثاء و النون و الألف - و قد يحذف أيضا و يقتصر على الضمير. و يرمزون لاخبرنا: (أنا) - بإبقاء الهمزة و الضمير، و حذف الخاء و الباء و الراء - و قد تزاد راء و خاء بعد الهمزة، و لا تحسن زيادة الباء قبل النون، لئلا يلتبس برمز حدثنا، و إن فعله بعضهم. و يرمز لقال: بقاف، ثم منهم من يجمعها مع أداة التحديث فيكتب: قثنا، يريد: قال حدثنا. و منهم من يفردها فيكتب: (ق ثنا)، و هذا اصطلاح متروك(2).

ص: 217


1- و قد يحذفون الثاء أيضا فيقولون: نا.
2- قاله ابن الصلاح في المقدمة: 1-320، و فصّل القول به السخاوي تبعا لماتنه العراقي في فتح المغيث: 8/2-193، قال الأخير: 190/2: و أما كلمة قال الواقعة بين الإسناد بين الرواة حسب ما روى في بعض المعاجم الحديثة (ق) فيقال: ق ثنا، و ربّما خلط كما صنع الدمياطي، و قيل أنه تفرد بذلك. إلى هنا نصّ عليه السيوطي أيضا في التدريب: 2 / 86-87 ثم قال: تنبيه: يرمز أيضا حدثني، فيكتب: ثني أو دثني دون أخبرني و أنبأنا و أنبأني، و أما «قال»، فقال العراقي منهم من يرمز لها بقاف، ثم اختلفوا فبعضهم يجمعها مع أداة التحديث فيكتب قثنا، يريد قال حدثنا، قال: و قد توهم بعض من رآها هكذا أنها: واو التي تأتي بعد حاء التحويل و ليس كذلك، و بعضهم يفردها فيكتب: ق. ثنا و هذا اصطلاح متروك. قال في وصول الأخيار: 196 [التراث: 9-198]:.. و أما ما فعله عامة محدثينا كابن بابويه و الشيخ الطوسي (رحمهم اللّه) و أمثالهما من ذكر الرجل فقط من غير «حدثنا» و لا «أنبأنا» و لا الرمز له فإنما يفعلونه في الأكثر في أعالي السند إذا حذفوا أوله للعلم به، فيكون المعنى عن محمد بن يحيى مثلا، فيحذفون «عن» أيضا اختصارا، و إنما فعلوا ذلك لأن كيفية الأخذ في أعالي السند يخفى في الأغلب على متأخري المحدثين، و إنما المقصود أن يثبتوا [خ. ل: يبينوا] أنه مروي عنهم، أعم من أن يكون بقراءة أو اجازة أو غير ذلك من طرق النقل، فلهذا اقتصروا على ذكر الراوي فقط، و من غير الأكثر ما فعله محمد بن يعقوب الكليني (رحمه اللّه) فإنه حذف ذلك من الأول أيضا، لما ذكرناه من أن المراد اثبات الرواية، أما إذا اتصل بهم السند فلا يكادون يخلون بذكر حدثنا و أخبرنا، أو الرمز له كما هو في كثير من التهذيب و باقي كتب الأحاديث.

و يرمز للكافي: كا - بالكاف بعده الألف -، و لمن لا يحضره الفقيه: يه - بالياء المثناة ثم الهاء - و للتهذيب: يب - بالياء المثناة ثم الباء الموحدة - و للاستبصار: صا - بالصاد المهملة بعدها ألف -.. إلى غير ذلك من الرموز المذكورة في أول كل من كتب الأخبار و الرجال المستعمل فيها الرموز كالوافي و البحار و منتهى المقال و.. غيرها(1).

ص: 218


1- انظر مقالنا المطبوع في مجلة تراثنا - السنة الثانية - العدد: 6 و 7 -

و إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر و جمعوا بينهما في متن واحد كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد: (ح) مفردة مهملة، و قد اختلفوا في المراد بذلك.

فقيل: إنها رمز كلمة «صح» لما استعمله جمع من كتابة كلمة صح بين الإسنادين، لئلا يتوهم أن حديث الإسناد الأول ساقط، و لا يركب الإسناد الثاني على الأول فيجعلا إسنادا واحدا.

و قيل: انها رمز التحويل من إسناد إلى إسناد.

و قيل: هي رمز حائل، لأنها تحول بين إسنادين.

و قيل: هي رمز الحديث(1).

التاسع: كيفية كتابة التسميع

التاسع: انه ينبغي في كتابة التسميع(2) أن يكتب الطالب بعد البسملة اسم الشيخ المسمع و نسبه و كنيته، بأن يكتب حدثنا فلان بن فلان الفلاني قال حدثنا فلان.. ثم يسوق المسموع

ص: 219


1- و 8 (معجم الرموز و الإشارات) حيث ذكرنا حدود ألف رمز علمي عام للعامة و الخاصة، و لم نتعرض للرموز الخاصة بالمؤلفين، بل ما تداوله القوم، و الأصل في المقال أنه كان مستدرك لهذا الكتاب، ثم استل منه: و استدركنا عليه كثيرا، و سيطبع باذن اللّه مستقلا.
2- و كيفية التسميع يقال لها: الطبقة.

على لفظه، و يكتب فوق البسملة اسماء السامعين و أنسابهم و تاريخ وقت السماع، أو يكتبه في حاشية أول ورقة من الكتاب أو آخر الكتاب أو موضع آخر حيث لا يخفى منه، و إن كان السماع في مجالس عديدة كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس (بلغ)، و ينبغي أن يكون ذلك بخط ثقة معروف الخط. و إذا كان الشيخ هو السامع كتب علامة البلاغ بخط نفسه.

و على كاتب التسميع التحري في ذلك و الاحتياط و بيان السامع و المسمع و المسموع بلفظ غير محتمل، و مجانبة التساهل فيمن يثبته، و الحذر من إسقاط بعض السامعين لغرض فاسد، فإن ذلك مما يؤديه إلى عدم انتفاعه بما سمع، فإن لم يحضر مثبت السامع ما سمع فله أن يعتمد في إثباته في حضورهم على خبر ثقة حضر ذلك، و من ثبت في كتابه سماع غيره فلا يكتمه، و لا يمنع نقل سماعه منه و لا نسخ الكتاب، فإن أول بركة الحديث إعارة الكتب.

و قد قيل: إن من بخل بالعلم ابتلى بأحد ثلاث:

أن ينساه، أو يموت و لا ينتفع به، أو تذهب كتبه. و قد ذم اللّه تعالى في كتابه مانع عارية الماعون بقوله وَ يَمْنَعُونَ اَلْماعُونَ (1)، و إعارة الكتب أهم من إعارة الماعون، و لا يبطي المستعير بكتاب المعير إلا بقدر حاجته(2).

ص: 220


1- الماعون: 7.
2- هذه الفوائد التسعة مأخوذة بتصرف و زيادة في بعضها و اختصار في آخر من تدريب الراوي: 64/2-92 تبعا لابن الصلاح في مقدمته: 304-325 عدها خمسة عشر، و تواردتها كتب الدراية عند الخاصة و العامة كما في فتح المغيث: 194/2-200. قال في المقدمة: 323: ثم على كاتب التسميع التحري و الاحتياط و بيان السامع و المسموع و المسموع منه بلفظ غير محتمل، و مجانبة التساهل فيمن يثبت اسمه، و الحذر من اسقاط اسم أحد منهم لغرض فاسد، فإن كان مثبت السماع غير حاضر في جميعه لكن أثبته معتمدا على إخبار من يثق بخبره من حاضريه فلا بأس بذلك إن شاء اللّه تعالى. انظر: مستدرك رقم (227) ما اصطلح حذفه من الكتاب دون القراءة و بالعكس. و مستدرك رقم (228) فوائد الباب.

المقام الرابع في كيفية رواية الحديث و ما يتعلق بذلك . و فيه مطالب:

اشارة

المقام الرابع في كيفية رواية الحديث و ما يتعلق بذلك(1). و فيه مطالب:

المطلب الاول: ما يجوز به رواية الحديث

الأول: إن أهل هذا الفن قد اختلفوا فيما يجوز به رواية الحديث، ففرط فيه قوم و تساهلوا أو جوّزوا الرواية بكل من الوجادة و الأعلام و الوصية كما مرّ(2)، و أفرط فيه آخرون و بالغوا في التشديد، و قالوا أنه لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه و تذكره، حكي ذلك عن مالك و أبي حنيفة و بعض الشافعية(3)،

ص: 221


1- قد مرت من المصنف (رحمه اللّه) و منّا بيان جملة من صفات رواية الحديث كألفاظ الأداء و غيرها، و كان الأولى الجمع بينهما في مقام واحد.
2- بل و حتى الكتب التي لم تقابل، و هذا تفريط لا يجوّزه ذو مسكه.
3- قاله النووي في التقريب و قرره السيوطي في التدريب: 93/2، و سبقهما ابن الصلاح في المقدمة: 326، و كذا العراقي في الألفية و شارحها في الفتح: 210/2 و غيرهم منا و منهم. قال في الكفاية: 337: اختلف أهل العلم أولا في الاحتجاج برواية من كان لا يحفظ حديثه غير أن معوله على الكتاب، فمنهم من لم يصحح ذلك و منهم من صححه... و ذكر جملة من الروايات.

و قد سئل مالك: أ يؤخذ العلم ممن لا يحفظ حديثه و هو ثقة؟ فقال: لا، فقيل له: إن أتى بكتب؟ فقال: سمعتها و هو ثقة؟ فقال: لا يؤخذ عنه(1).

و هناك قول ثالث و هو جواز الاعتماد على الكتاب في رواية ما سمعه و لم يحفظ بشرط بقائه في يده، فلو أخرجه عن يده - و لو باعارة ثقة - لم تجز الرواية منه لغيبته عنه المجوزة للتغيير(2).

و رابع: هو جواز الاعتماد في رواية ما سمعه و لم يحفظه على الكتاب و إن خرج من يده مع أمن التغيير و التبديل و الدسّ، و عدم جواز الاعتماد مع عدم أمن ذلك، و هذا هو القول الفصل الذي استقر عليه عمل الأكثر و ساعده الدليل(3)، فإن الاطمئنان مرجع

ص: 222


1- و في ذيله: أخاف أن يزداد في حديثه بالليل! يعني و هو لا يدري!
2- و هو دليل من يمنع الاعتماد على الكتاب مطلقا أو بالقيد، و قد استقر العمل على خلافه في الجملة. قال في الكفاية: 347: و يجب على صاحب الكتاب أن يحتفظ بكتابه الذي سمع فيه، فإن خرج عن يده و عاد إليه فقد توقف بعض العلماء عن جواز الحديث منه.
3- و قد اتفقت كلمة العامة و مذهب أكثر علمائنا و محدثينا على ذلك، و أنه يجوز الكتابة عليه و الرواية منه إذا جمع الراوي شرائط الأخذ و التحمل، هذا إذا أمن من التزوير و كان مقابلا مصححا، و إن أعاره الثقة لندرة التغير و عدم خفاء الدس و التزوير و التحريف غالبا، و عدم خفاء مثل ذلك على أهل الفن إلا نادرا.

كافة العقلاء في جميع امور معاشهم و معادهم، و رواية الحديث من جملتها، فيجوز بناؤها على ما يطمأن بكونه ما سمعه من شيخه، و التزام أزيد من ذلك يؤدي إلى العسر و الحرج و تعطيل الأحكام(1)، كما أن تجويز الرواية بدون ذلك يؤدي إلى تضييع الأحكام، و لذا إن المفرطين بتجويز الرواية من نسخة غير مقابلة باصول كتبوا بذلك في طبقات المجروحين(2).

و من ظريف ما نقل عن بعض المتساهلين - و هو عبد اللّه ابن لهيعة الحضرمي قاضي مصر(3) - أن يحيى بن حسان(4)رأى قوما معهم جزء سمعوه من ابن لهيعة فنظر فيه فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة، فجاء إليه فأخبره بذلك، فقال: ما أصنع؟ يجيئوني بكتاب فيقولون هذا من حديثك

ص: 223


1- بل يلزم منه تقليل الرواية و تضييقها مع ما يتطرق إليه من النسيان و الشك و الوهم، و ذلك لا يتأتى في الكتابة.
2- كما فعله الحاكم النيشابوري في مستدركه على الصحيحين و قال: و هذا كثير تعاطاه قوم من أكابر العلماء و الصلحاء!
3- هو أبو عبد الرحمن الحضرمي المصري المعروف بابن لهيعة (97 - 174 ه)، عن سفيان الثوري قال: عند ابن لهيعة الاصول و عندنا الفروع! قال ابن حنبل: ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة. انظر: ميزان الاعتدال: 64/2، النجوم الزاهرة: 77/2، الأعلام: 255/4 عن عدة مصادر.
4- هو أبو زكريا الشامي ثم المصري التنيسي (144-208 ه) عالم بالحديث، من مشايخ الشافعي و له عدّة مصنفات في الحديث. انظر: تهذيب التهذيب: 197/11، معجم المؤلفين: 190/13، الأعلام: 170/9 عن عدّة مصادر.

فأحدثهم به. و هذا خطأ عظيم، و غفلة فاحشة(1).

المطلب الثاني: كيفية رواية الاعمى

الثاني: إنه تقدم في ذيل الكلام على شروط العمل بالخبر من الفصل الرابع عدم اعتبار البصر في راوي الحديث، فيجوز للضرير الذي عرضه عدم البصر و الذي تولد غير بصير رواية الحديث الذي تحمله و حفظه، و لو لم يحفظ الأعمى ما سمعه من فم من حدثه لم يجز له الرواية إلا أن يستعين بثقة في ضبط سماعه و حفظ كتابته عن التغيير، و يحتاط عند القراءة عليه على حسب حاله حتى يغلب على ظنه سلامته من التغيير، فإنه تصح حينئذ روايته(2)، و مثله الامي الذي لا يقرأ الخط و لم يحفظ ما سمعه.

و من منع من رواية البصير الذي ضبط كتابه قبل العمى و إن استعان بثقة في قراءة ذلك الكتاب عليه يلزمه المنع من رواية الضرير إذا استعان بكتاب الثقة، لكن المنع قد عرفت سابقا ما فيه، لأن مدار العالم و مجرى عادة بني آدم على الاعتماد على الاطمئنان، فإذا حصل للأعمى الاطمئنان برواية جاز له أن يرويها على الأشهر الأقوى.

المطلب الثالث: كيفية رواية الكتابة او النسخة

الثالث: إنه إذا سمع الثقة كتابا و لم يحفظه و أراد روايته، فإن روى من النسخة التي سمعها و قابلها و ضبطها فلا كلام،

ص: 224


1- حكاه الشهيد في درايته: 110-111 و غيره.
2- قال في الكفاية: 338: قلت: و السماع من البصير الامي و الضرير اللذين لم يحفظا من المحدث ما سمعاه منه لكنه كتب لهما بمثابة واحدة. و قد منع منه غير واحد من العلماء و رخص فيه بعضهم.

و كذا إن روى من نسخة قوبلت بنسخة سماعه مقابلة موثوقا بها، و إن أراد الرّواية من نسخة لم يسمعها بعينها و لم تقابل بنسخة سماعه أيضا لكنها سمعت على شيخه الذي سمع هو عليه، أو فيها سماع شيخه على الشيخ الأعلى، أو كتبت عن شيخه و سكنت نفسه إليها، فإن كانت له من شيخه اجازة عامة لمرويّاته فلا ينبغي التأمل أيضا في صحة روايته لها، إذ ليس فيها حينئذ أكثر من رواية الزيادة على مسموعاته إن كانت بالإجازة، و إن لم تكن له اجازة عامة فإن وثق هو بعدم مغايرتها لنسخة سماعه جازت له روايتها أيضا، لعدم المانع، و إن لم يثق بذلك فالمعزي إلى عامة المحدثين المنع من روايته لها(1)، لاحتمال أن تكون فيها رواية ليست في نسخة سماعه، و مجرد كونها مسموعة عن شيخه أو شيخ شيخه لا ينفع بعد عدم اجازة عامة له تشمل روايته لمثلها حتى تسوغ له الرواية لها، فتدبر جيدا.

المطلب الرابع: اذا وجد الحافظ في كتابه خلاف ما حفظه

الرابع: إنه إذا وجد الحافظ للحديث في كتابه خلاف ما في حفظه، فإن كان مستند حفظه ذلك الكتاب رجع إليه، لأنه الأصل، و تبين أن الخطأ من قبل الحفظ، و إن كان حفظه من فم شيخه اعتمد حفظه إن لم يشك، و الأحسن أن يجمع حينئذ بينهما في روايته بأن يقول: حفظي كذا و في كتابي كذا، منبها على الاختلاف لاحتمال الخطأ على كل منهما، فينبغي أن يتخلص بذلك(2). و كذا إن خالف ما يحفظه لما يحفظه غيره

ص: 225


1- قاله ابن الصلاح في المقدمة: 9-328 و غيره.
2- و كذا الرواية عنه، بل و حتى لو كان حفظه عن نسخة مأمونة معتمدة فقد ذكرها ابن الصلاح في المقدمة: 40-339 و تبعه من تبعه.

من الحفاظ المضبوطين. فالأولى أن يقول في روايته: حفظي كذا و غيري أو فلان يقول كذا، ليتخلص من تبعته(1)، و لو اطلق و روى ما عنده جاز، لكن الأول هو الورع.

و إذا وجد الكتاب بخطه أو خط ثقة بسماع له أو رواية بأحد وجوهها و هو لا يذكر سماع الحديث الذي في الكتاب؛ فمن منع من الرواية لما لا يحفظه مطلقا كأبي حنيفة و.. غيره ممن مرّ فلا كلام في منعه من الرواية، و من جوّز رواية ما لا يحفظه مع الاطمئنان - و هم الأكثر - فالأقوى عنده جواز أن يروي ما في الكتاب، إذ كما يعتمد على كتاب في ضبطه ما سمعه فكذا يعتمد عليه في ضبط أصل السماع، فإن ضبط أصل السماع كضبط المسموع، فإذا جاز اعتماده عليه و إن لم يذكره حديثا حديثا فكذا هنا، غايته أنه يشترط كون الكتاب بخطه أو بخط من يثق به، و كونه مصونا بحيث يغلب على الظن سلامته من تطرق التزوير، و تسكن إليه نفسه. و إن لم يذكر أحاديثه حديثا حديثا. نعم إن شك فيه لم يجز الاعتماد عليه، و كذا إذا لم يكن الكتاب بخط ثقة بلا خلاف.

و قد قال بعضهم أن المعتمد عند العلماء قديما و حديثا العمل بما يوجد من السماع و الإجازة مكتوبا في الطباق التي يغلب على الظن صحتها، و إن لم يتذكر السماع و لا الإجازة

ص: 226


1- و كذا إذا وجد في نسخة اخرى مثل نسخته في الصحة قال في نسختي أو حفظي - إن كان من حفظه -.. كذا، و في نسخة فلان كذا.

و لم تكن الطبقة محفوظة عنده.

المطلب الخامس: حكم رواية الحديث بالمعنى، ثمان اقوال

اشارة

الخامس: إن من لم يكن عالما بالألفاظ و مدلولاتها و مقاصدها خبيرا بما يحلّ (1) معانيها، بصيرا بمقادير التفاوت بينها لا يجوز له أن يروي الحديث بالمعنى، بل يقتصر على رواية ما سمعه باللفظ الذي سمعه بغير خلاف، كما في البداية(2) و..

غيرها(3).

و إنما وقع الخلاف في أن العالم بذلك كله هل يجوز له النقل بالمعنى أم لا(4)، على أقوال:

ص: 227


1- كذا و الظاهر: يخل.
2- البداية: 112.
3- كما في تدريب الراوي تبعا للتقريب: 98/2، و وصول الأخيار: 136 - 137 [التراث: 4-151]، المقدمة: 331، و فتح المغيث: 212/2-220، و الكفاية للخطيب: 300 و غيرها، حيث لم يجوزوا في هذا المورد الرواية بالمعنى بلا خلاف، بل يتعين اللفظ الذي سمعه إذا تحققه، و إلاّ لم يجز له الرواية. قال ابن الأثير في جامع الاصول: 51/1: قال العلماء بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب و دقائق الألفاظ، أما العالم بالفرق بين المحتمل و غير المحتمل و الظاهر و الأظهر و العام و الأعم، فقد جوّز له الشافعي و أبو حنيفة و جماهير الفقهاء و معظم أهل الحديث. هذا و يظهر من كلمات أعلام العامة و مشايخهم صحة النقل بالمعنى مطلقا، كما أورد جملة منها في قواعد التحديث: 221-225، فراجع.
4- أقول: خصت العامة في كتبها غالبا هذا البحث و الخلاف في خصوص حديث الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كما قاله الآمدي في الأحكام: 33/1 قال: اختلفوا في نقل حديث النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) بالمعنى دون اللفظ... إلى آخره. و انظر: ارشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري: 47/1 و غيره. و الحق أن النزاع أعم، فتدبر.

أحدها: الجواز إذا قطع باداء المعنى تماما و عدم سقوطه بذلك عن الحجية، و هو المعروف بين أصحابنا و المعزى إلى جمهور السلف و الخلف من الطوائف(1)، بل في القوانين أنه لا خلاف فيه بين أصحابنا، و أن المخالف بعض العامة(2)، و نفى في الفصول معرفة الخلاف في ذلك بين أصحابنا، قال: و عليه أكثر مخالفينا(3).

ثانيها: المنع منه مطلقا(4)، عزاه بعض العامة إلى طائفة

ص: 228


1- كما قاله الشهيد الثاني في البداية: 112، و الخطيب في الكفاية: 308 - 317، و ابن الصلاح في المقدمة: 331، و السيوطي في شرح التقريب: 99/2، و العراقي في الألفية و السخاوي في شرحها: 112/2، و ابن الأثير في جامعه: 52/1، و غيرهم. و قال السخاوي - بعد نقل الأقوال -: 216/2 و المعتمد الأول، و هو الذي استقر عليه العمل.
2- قوانين الاصول: 479، و نظيره في جامع المقال: 42 قال:.. كما عليه عامة المحدثين، إلا من شذّ من أهل الخلاف.
3- الفصول: 308، و نظيره في دراية الدربندي: 34 - خطي - و نسبه إلى المحققين منّا و من العامة.
4- أي لا يجوز مخالفة الألفاظ و لا التقديم و التأخير لبعض الكلام على البعض و إن كان المعنى في الجميع واحدا، و كذا الزيادة و النقصان في شيء من الحروف، حتى أنهم قالوا: لا يجوز تغيير قال النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) إلى قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)!.

من أصحاب الحديث و الفقه و الاصول(1)، و آخر إلى ابن سيرين و ثعلب(2) و أبي بكر الرازي من الحنفية(3) و ابن عمر(4).

ثالثها: التفصيل بالجواز في النقل بالمرادف و المنع في

ص: 229


1- كما نص عليه الخطيب البغدادي في الكفاية في علم الرواية: 264 و قال في صفحة: 300: قال كثير من السلف و أهل التحري في الحديث: لا تجوز الرواية على المعنى، بل يجب مثل تأدية اللفظ بعينه من غير تقديم و لا تأخير و لا زيادة و لا حذف. و حكاه السخاوي في فتح المغيث: 214/2 و قال: و هو الصحيح من مذهب مالك.
2- و هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني بالولاء المعروف بثعلب (200-291 ه) إمام الكوفيين في النحو و اللغة، له جملة مصنفات في الأدب. انظر: تذكرة الحفاظ: 214/2، تاريخ بغداد: 204/5، أنباء الرواة: 138/1، بغية الوعاة للسيوطي: 172 و غيرها.
3- عدّ في الكفاية بابا في ذكر الرواية عمّن كان لا يرى تغير اللحن في الحديث: 284 و ما بعدها، و ذهب القاضي عياض لذلك و قال: ينبغي سدّ باب الرواية بالمعنى، لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن، كما وقع لكثير من الرواة قديما و حديثا، كما قاله القاسمي في قواعد التحديث: 222 و غيره، و فصّل الماوردي في المقام فأوجب اداؤه بمعناه إذا نسي لفظه، لأن عدم ادائه بمعناه قد يكون كتما للأحكام، ثم قال - كما حكاه في التدريب: 9/2-98 و اصول الحديث: 252 و غيرهما -: فإن لم ينس لفظ الحديث لم يجز أن يورده بغيره، لأن في كلامه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) من الفصاحة ما ليس في غيره. هذا و غير خفي أن جمع من من أجاز ذلك إنما أجازه بشرط أن لا يكون المروي مما يتعبد به أو من جوامع كلماته صلوات اللّه و سلامه عليه و آله.
4- نقلت جملة من الروايات عن عبد اللّه بن عمر - لا ابن عباس، كما توهم - كما في الكفاية: 265، و اصول الحديث: 251 و غيرهما.

غيره، و حكي اختياره عن الخطيب(1).

رابعها: التفصيل بين الحديث النبوي و غيره، بجواز نقل غير النبوي بالمعنى و المنع في النبوي، أرسله في البداية(2) قولا.

خامسها: تجويز النقل بالمعنى للصحابي دون غيره، حكي اختياره عن ابن العربي(3) في اعجاز القرآن(4).

ص: 230


1- عدّ في الكفاية بابا للرواية عمن لم يجز إبدال كلمة بكلمة: 268-270 و لا يظهر منه الاختيار، و لعل من حكاه عنه أخذه من قوله في صفحة: 293:.. و إن كان النقصان من الحديث شيئا لا يتغير به المعنى كحذف بعض الحروف و الألفاظ، و الراوي عالم واع محصل لما يغير المعنى، و ما لا يغيره من الزيادة و النقصان، فإن ذلك سائغ له على قول من أجاز الرواية على المعنى دون من لم يجز ذلك. و هو كما ترى، و لعله يظهر من مضامين كلماته في صفحة: 300 فراجع و تدبر. و قد يكون أخذ من كتاب آخر له. أقول: النزاع في هذه المسألة يتفرع على النزاع، في جواز اقامة كل من المترادفين مقام الآخر، و فيها أقوال ثلاث، ثالثها: التفصيل بين ما كان من لغته فيجوز و إلا فلا.
2- قاله الشهيد في البداية: 113، وعد له في الكفاية بابا: 288 و ذكر أربعة روايات، و حكاه قبل ذلك في صفحة: 264 عن مالك بن أنس، و نسبه له السيوطي في التدريب: 101/2، و العراقي و السخاوي في الألفية و شرحها: 215/2 و ابن الصلاح في المقدمة: 331.
3- هو أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد المعافري الأشبيلي المالكي (468-543 ه) قاض، من حفاظ الحديث، كثير التصنيف في فنون شتى. انظر عنه: الوافي بالوفيات: 330/3، الأعلام: 106/7، شذرات الذهب: 141/4، مرآة الجنان: 279/3، تذكرة الحفاظ: 86/4 و غيرها.
4- لا يوجد كتاب لابن العربي بهذا الاسم، و كل ما له هو كتاب أحكام القرآن في أربع مجلدات، قال في المجلد الأول صفحة: 22 ما نصه.. و هو أن هذا الخلاف إنما يكون في عصر الصحابة و منهم، و أما من سواهم فلا يجوز لهم تبديل اللفظ بالمعنى و إن استوفى ذلك المعنى. ثم قال: فإنا لو جوّزنا لكل أحد لما كنّا على ثقة من الأخذ بالحديث، إذ كل أحد إلى زماننا هذا قد بدّل ما نقل، و جعل الحرف بدل الحرف فيما رواه، فيكون خروجا من الاخبار بالجملة، و الصحابة بخلاف ذلك، فإنهم اجتمع فيهم أمران عظيمان: أحدهما: الفصاحة و البلاغة.. و الثاني: أنهم شاهدوا قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و فعله.. إلى آخره. أقول: حاصل التعليل هو ظهور الخلل في اللسان بالنسبة لمن قبلهم، بخلاف الصحابة، فهم أرباب اللسان و أعلم الخلق بالكلام. ثم ان في اختصاص النسبة لابن العربي مسامحة، و إلا فقد حكاه الماوردي و الروياني في باب القضاء، بل جزما بأنه لا يجوز لغير الصحابي، و جعلا الخلاف في الصحابي دون غيره، كما نص عليه غير واحد، و نسبه لهما كما في فتح المغيث: 215/2.

سادسها: الجواز لمن نسي اللفظ دون غيره، حكي ذلك عن الماوردي(1).

سابعها: عكس السادس.

ثامنها: الجواز فيما كان موجبه علما، و المنع فيما كان موجبه عملا، أرسله بعضهم قولا(2).

ص: 231


1- حيث من يحفظ اللفظ لا داعي للرخصة له، و لزوال العلة التي رخص فيه بسببها و يجوز لغيره، لأنه تحمّل اللفظ و المعنى و عجز عن أحدهما، فلزمه أداء الآخر، لأنه بتركه يكون كاتما للأحكام، قاله الماوردي في الحاوي و ذهب إليه. فظهر أن له قولان، فلاحظ.
2- ذكرت هذه الأقوال في تدريب الراوي: 102/2 و غيره، فلاحظ. انظر: مستدرك رقم (229) بقية الأقوال في الباب.
حجة المجوزين امور:

الأول: ان ذلك هو الذي جرت عليه طريقة الصحابة و السلف الأولين كما يظهر بالتتبع و التدبر، فإنهم كثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة، و ما ذلك إلا لأن معوّلهم كان على المعنى دون اللفظ، و أيضا فأنا نعلم بالضرورة أن الصحابة الذين رووا عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) هذه الأخبار ما كانوا يكتبونها في ذلك المجلس و لا كانوا يكررون عليها بحيث تصير محفوظة لهم، بل كانوا يتركونها و لا يذكرونها إلا بعد مدة، و من المعلوم أن بقاء تلك الألفاظ التي خاطبهم الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بها على أذهانهم بحيث لا يشذّ منها شيء متعذر، فعلم من ذلك اقتصارهم على حفظ المعنى دون لفظه.

و بالجملة، فطريقة السلف قد جرت على ذلك، و لم يسبق من أحد انكار على الناقل و لا على العامل، مع ما نرى من اكثارهم الإنكار و القدح بما كانوا يعدونه من أسبابه، كالرواية عن الضعفاء و التعويل على المراسيل و.. ما أشبه ذلك، و ذلك اجماع منهم على جوازه و حجيته، و هو المطلوب.

الثاني: إن ذلك هو الطريقة المعهودة في العرف و العادة من لدن زمان آدم على نبينا و آله و عليه الصلاة و السّلام إلى زماننا

ص: 232

هذا، و الشارع أيضا بناؤه في المحاورات على طريقة العرف و العادة، فإن المقصود في العرف و العادة هو افهام المراد من دون اعتبار خصوصية لفظه، و حيث أن اللّه تعالى ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه و مجرى عادتهم في التفهيم و التفهم تبيّن بالضرورة امضاؤه لتلك الطريقة و تجويزه النقل بالمعنى.

و لا يخفى عليك أن هذا الوجه يوهن سابقه، لأن مطرح النظر في ذلك استكشاف رضا الشرع بالنقل بالمعنى من جريان طريقة المتشرعة على ذلك، و في هذا استكشاف امضائه للطريقة العادية العامة، فلا تذهل.

الثالث: انه يجوز تفسير الحديث لغير العربي بلغته اتفاقا، و إذا جاز ابدال ألفاظ الحديث العربية بألفاظ غير عربية مفيدة للمعنى، فجواز ابدالها بألفاظ عربية أولى، فإن من المعلوم أن التفاوت بين العربية و ترجمتها العربية أقل مما بينها و بين ترجمتها الغير العربية، و تنظر في ذلك السيد عميد الدين بالمنع من الأولوية، و ذلك لأن الترجمة(1) العربية تقتضي اعتقاد سامعها أنها من ألفاظ النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و هو جهل، بخلاف الترجمة(2) العجمية.

و بعبارة اخرى؛ موضع الاتفاق جواز ذلك مع القرينة، و الاعتداد به تعذر الوصول إلى الأصل لا مطلقا، و هو خارج عن محل البحث(1).

ص: 233


1- ذكر دليل هذا القول الخطيب مفصلا في الكفاية صفحة: 300-306 و عبّر عن هذا الدليل ابن الصلاح في المقدمة: 332: أنه أقوى الحجج. قال في فتح المغيث: 216/2: و الحجة فيه، أن في ضبط الألفاظ و الجمود عليها ما لا يخفى من الحرج و النصب المؤدي إلى تعطيل الانتفاع بكثير من الأحاديث، حتى قال الحسن: لو لا المعنى ما حدثنا، و قال الثوري: لو أردنا أن نحدثكم بالحديث كما سمعناه ما حدثناكم بحرف واحد، و قال وكيع: إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس... إلى آخره.

الرابع: ما في الفصول(1) من أن الغرض من الخطابات إفادة المعنى، فلا معنى للعبرة بخصوص الألفاظ.

الخامس: انه تعالى قصّ القصص بلغة العرب و حكاها بلفظ القول، و هي بين ما لم يقع بلغتهم، و بين ما وقع بلغتهم لكن بلفظ و اسلوب آخر، لاشتمال القرآن على فصاحة لا توجد في غيره، و لا يساعد عليها وسع البشر.

و أيضا قد قص القصة الواحدة بعبارات مختلفة مع أن الواقع غير متعدد، فالمنقول ليس إلا المعنى، تمسك بذلك في القوانين(2)، ثم أمر بالتأمل مشيرا به إما إلى أن جواز النقل بالمعنى من اللّه تعالى لا يستلزم جوازه من غيره تعالى، أو - إلى ما في الفصول(3) - من أن ما دلّ دليل أو امارة، على كونه نقلا بالمعنى - و منها الوجوه المذكورة - فلا اشكال فيه، لأنه نقل بالمعنى مع القرينة، و الكلام فيما تجرد عنها، و أما فيما عدى ذلك فنمنع كونه نقلا بالمعنى تعويلا على الظاهر(4).

ص: 234


1- الفصول: 308 و عدّه ثالثا.
2- قوانين الاصول: 2-481.
3- الفصول: 308 بنصه، و عدّه رابعا.
4- و نظيره ما حكي عن الشافعي في كلام طويل بهذا المعنى، و كذا عن يحيى بن سعيد القطان و حماد بن سلمة و غيرهم، لاحظ فتح المغيث: 216/2 - 217.

السادس: شهادة عدّة من الاخبار بذلك:

فمنها: صحيح محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): اسمع الحديث منك فأزيده و انقص، قال:

إن كنت تريد معانيه فلا بأس(1).

فإنه ظاهر في المطلوب، إذ الظاهر من الزيادة و النقصان هي الزيادة و النقصان اللتان لا مدخلية لهما في تغيير المراد، بقرينة جلالة شأن الراوي و جواب الإمام (عليه السّلام)، و قوله: (عليه السّلام): إن كنت تريد معانيه، يعني إن لم تقصد نسبة اللفظ إلينا فإنه كذب، قال في القوانين: و لا يخفى أن أفراد العام كلها من مدلولات العام، و كذلك لوازم المفهوم، فيصدق أن الكل معاني اللفظ، فإذا أراد أن ينقل أن(2) الإمام قال: اتقوا اللّه مثلا، فيقول: قال الإمام (عليه السّلام) خافوا من اللّه و اجتنبوا عمّا نهاكم اللّه عنه من الشرك و الفسق و شرب الخمر و الزنا.. إلى غير ذلك، و واظبوا على ما أوجبه عليكم من اقامة الصلاة و ايتاء الزكاة.. و نحو ذلك، فيصدق على ذلك أنه نقل لمعاني كلام الإمام (عليه السّلام)(3).

لا يقال: لعل المراد الزيادة و النقصان في مقام التفسير أو

ص: 235


1- الكافي: 51/1 حديث 2، وسائل الشيعة: 54/18.
2- في المصدر: عن، و هو الظاهر.
3- قوانين الأصول: 481، بلفظه.

الفتوى و التفريع أو النقل المقرون بالقرينة.

لأنا نقول: اطلاق الرواية يقتضي عدم الاختصاص بذلك، و التقييد يستدعي دليلا، و إذ ليس فليس.

و منها: خبر داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): إني أسمع الكلام منك فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجيء، قال: تتعمد ذلك؟ فقلت(1): لا، فقال: تريد المعاني؟ قلت: نعم، قال: فلا بأس(2).

و هو كسابقه في الظهور.

و منها: خبر آخر لداود بن فرقد عنه (عليه السّلام) حين سأل: أسمع الحديث منك فلعلي لا أرويه كما سمعته؟ فقال:

إذا حفظت الصلب منه فلا بأس، إنما هو بمنزلة تعال هلم، اقعد(3) و اجلس(4).

ص: 236


1- في الوسائل: قال: فتعمد ذلك؟ قلت: لا.. إلى آخره.
2- الكافي: 51/1 حديث 3. وسائل الشيعة: 54/18-55.
3- خ. ل: و اقعد.
4- كذا نقل الروايات الثلاث الشهيد في الدراية: 113، إلا أن في الوسائل 74/18-75 رفع الرواية الثالثة إلى أبي عبد اللّه (عليه السّلام) من أنه سئل: اسمع الحديث منك فلعلي لا أرويه كما سمعته فقال: إذا أصبت الصلب منه فلا بأس، إنما هو بمنزلة تعال و هلم، و اقعد و اجلس، و قد حكاه الحر العاملي عن كتاب الإجازات للسيد ابن طاوس. و يستشهد للمقام بما ذكره في المقام ابن إدريس في آخر السرائر: 476 [حجري، النوادر تحقيق مدرسة الإمام المهدي (ع): 50] مرفوعا إلى الصادق (عليه السّلام) من قوله: إذا أصبت معنى حديثنا فاعرب عنه بما شئت. و قال بعضهم: لا بأس إذا نقّصت أو زدت أو قدّمت أو أخّرت، اذا اصبت المعنى، و قال: هؤلاء يأتون بالحديث مستويا كما يسمعونه، و إنا ربما قدّمنا و أخّرنا و زدنا و نقصنا، فقال: ذلك زخرف القول غرورا، إذا أصبت المعنى فلا بأس. أقول: و كأنها روايات ثلاث. جاءت في البحار: 162/2 حديث 23 و 24، و الوسائل 75/18 حديث: 88 انظر: مستدرك رقم (230) فائدة درج بعض الروايات المجوزة للنقل للحديث عن غير من سمعه من المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين

و هذا أظهر من سابقيه في الدلالة.

و من طريق العامة: ما رووه عن عبد اللّه بن سليمان بن أكتمة(1) الليثي قال: قلت يا رسول اللّه (ص) إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أرويه كما أسمع منك يزيد حرفا أو ينقص حرفا؟ فقال: إذا لم تحلّوا حراما و لم تحرموا حلالا و أصبتم المعنى فلا بأس(2).. إلى غير ذلك مما روى

ص: 237


1- الصحيح: اكيمة، كما نصّ عليه أبو نعيم في كتابه معرفة الصحابة في ترجمته، و العسقلاني في الإصابة: 322/2 و عبّر عنه ب: عبد اللّه بن سليم، إلا أنه في: 72/2، نسب الرواية إلى: سليم بن أكيمة الليثي، و أوردها ابن الجوزي في الموضوعات: و في الكل كلام، و حكاه البلقيني في محاسن الاصطلاح: 332 - ذيل مقدمة ابن الصلاح - و غيره.
2- و هو حديث مرفوع و مضطرب، بل ذكره الجوزقاني و ابن الجوزي في الموضوعات، و كذا ما يروون عن أبي امامة مرفوعا: من كذب عليّ... قال: فشق ذلك على أصحابه حتى عرف في وجوههم، و قالوا: يا رسول اللّه! قلت هذا و نحن نسمع منك الحديث فنزيد و ننقص و نقدم و نؤخر، فقال: لم أعن ذلك، و لكن من كذب عليّ يريد عيبي و شين الإسلام... قال الحاكم: إنه حديث باطل. و في اسناده محمد بن الفضل المتفق على تكذيبه عندهم.

من الطريقين(1).

حجة المانعين امور:
اشارة

أحدها: إن قول الراوي: قال: ظاهر في صدور اللفظ، فإذا اطلقه و أراد به نقل المعنى فقط كان كذبا و تدليسا، فيكون ممنوعا منه.

و ردّ: بالمنع من الظهور المدعى، لجريان العادة في الحكايات على خلافه، فإن السامع إنما يحفظ المعاني غالبا دون الألفاظ، لتعسر ضبطها مع عرائه عن فائدة يعتد بها، فلفظ القول إما حقيقة في القدر المشترك أو مجاز شائع فيه بحيث لا ينصرف عند الإطلاق إلى نقل اللفظ.

الثاني: إن فهم المعاني من الألفاظ بالاجتهاد، و تعويل الفقيه فيه على نظر الراوي تقليد له، فلا يجوز العمل بالخبر المنقول بالمعنى.

ص: 238


1- أقول: لا شبهة أن رواية الحديث بلفظه أولى، و لذا تجد جمهرة الفقهاء ذهبوا إلى ترجيح المروي بلفظه على المروي بمعناه، بل قد يستشم من بعض الروايات لزوم ذلك كما روى عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) عن قول اللّه عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ إلى آخر الآية سورة الزمر 18/39 فقال: هم المسلّمون لآل محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) الذين إذا سمعوا الحديث لم يزيدوا فيه و لم ينقصوا منه جاءوا به كما سمعوه، كذا ذكره في الكافي: 391/1 حديث 8، و حكاه عنه في وسائل الشيعة: 57/18 حديث 23، و قريب منه في تفسير الصافي: 463/2، و تفسير نور الثقلين: 482/4، و مجمع البحرين: 232/6 باختلاف يسير.

و ردّ أولا: بالمنع من كونه تقليدا له، بل التعويل عليه من حيث افادته الظن بالمراد، كالتعويل على نقل اللغوي، بل كالتعويل عليه في نقل اللفظ.

و ثانيا: بأنه لو سلّم أن مثل ذلك تقليد فبطلانه ممنوع.

قلت: لم أفهم سند المنع بعد كون حرمة التقليد للمجتهد من المسلّمات.

و ثالثا: بأن الخطاب الشفاهي كثيرا ما يفهم معانيه بطريق الضرورة، فاطلاق القول بأن المعنى يفهم بالاجتهاد ممنوع.

الثالث: ان النقل بالمعنى يوجب اختلال المقصود، و استحالة المعنى، سيما مع كثرة الطبقات و تطاول الأزمنة و تغيير كل منهم للفظ، لاختلاف أهل اللسان بل العلماء في فهم الألفاظ و استنباط المقصود.

و اجيب: بأنا لا نجوّز النقل مطلقا، بل عند خلوصه عن التفاوت و الاختلاف من جميع الجهات - كما عرفت في صدر المقال، و يأتي إن شاء اللّه تعالى في ذيل الكلام - و منع امكانه عادة واضح الفساد، و لو فرض الاشتباه و الغفلة في مورد فهو معفو عنه.

الرابع: ما روى عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) من أنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قال: نضّر اللّه عبدا سمع مقالتي فحفظها و وعاها و أداها كما سمعها، فربّ حامل فقه غير

ص: 239

فقيه، و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه(1).

و رد أولا: بمنع صحة السند.

و ثانيا: بأنها مضطربة المتن، ففي البداية كما نقلناه، و في نسخة نضر - بالضاد المعجمة(2) - و في ثالثة: بالصاد المهملة، و في رابعة: رحم اللّه بدل نضّر اللّه. ثم ان جملة من النسخ اقتصرت على الفقرة الأخيرة، و اخرى على التي قبلها بتلك العبارة أو بتغييرها إلى قوله (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): فربّ

ص: 240


1- سبق أن ذكرنا اسناد الحديث بالطريقين و هي خطبته (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) في حجة الوداع في مسجد الخيف، و نضيف هنا أيضا بما حكاه الخطيب البغدادي في الكفاية: 267 و 289 - بالفاظ متفاوتة - كما أورده الترمذي في سننه: 34/5. و أخرجه عن زياد بن ثابت بأسانيد متعددة و ورد بألفاظ و جاء بلفظه عند ابن ماجة في سننه: 84/1، 1015/2، 322/3، و أحمد، و السيوطي في الجامع الصغير: 22/2 و 187 و حاشية و أبي داود في سننه: تدريب الراوي: 126/2، و كذا في قواعد التحديث: 48 و غيرها. ثم أنه قد ذكره في الكفاية: 289 و احتج به، إلى القول بأنه دلّ على أن النقصان منه جائز مقابل من لم يستجز أن يحذف منه حرف واحدا، بل و لا حركة و لو كان ملحونا فلاحظ.
2- كما هو في الكافي: 453/1 حديث 1 و 3، و الوسائل: 63/18-64 حديث 43 و 44، و ورد في بعض النسخ مشددا، و هو الأظهر. و قد روى عن طريق العامة بطرق متعددة قد مرت منا و ألفاظ مختلفة: رحم اللّه، من سمع، مقالتي، بلغه، و أفقه، لا فقه له. مكان: نضر اللّه، و امرؤ، و منّا حديثا، و أداه، و أوعى، و ليس بفقيه. لاحظ فتح المغيث: 218/2، و قارن بين المصادر السالفة. و فيه ما يرشد إلى الفرق بين العارف و غيره بقوله: فرب مبلغ أوعى من سامع... إلى آخره.
حامل فقه إلى من لا فقه له.

و ثالثا: بأنها قد تضمنت دعاء، و لا دلالة في ذلك على الوجوب.

و رابعا: بمنع الدلالة على وجوب التأدية بلفظه، لصدق التأدية كما سمعه عرفا بمجرد اداء المعنى كما هو من غير تفاوت.

و خامسا: بأنها معارضة بما مرّ مما هو أقوى منها سندا و دلالة، و قضية الجمع تنزيلها على تأدية المعنى كما سمع، أو على الاستحباب.

هذا تمام حجج المانعين(1)، و لا يخفى عليك أنها لو تمت لدلّ بعضها على منع الجواز و بعضها الآخر على منع الحجية(2).

حجة القول الثالث:

أما على الجواز في النقل عن غير النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فحجة المجوز(3).

ص: 241


1- و هنا وجه خامس و هو: أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قد خص بجوامع الكلم، ففي النقل بعبارة اخرى لا يؤمن الزيادة و النقصان، كذا في المرآة و حواشيها، كما حكاه في قواعد التحديث: 225. و فيه؛ أن الكلام في غير موضع جوامع الكلم و نظائرها.
2- و قد سرد المرحوم الدربندي في المقابيس - خطي -: 80-81 الروايات المانعة عن نقل الحديث بالمعنى و أجاب عنها مجملا، فلاحظ.
3- وقع هنا لبس، حيث ما ذكره حجة للقول الثالث إنما هو دليل للقول الرابع من التفصيل بالجواز في النقل بالمرادف و المنع في غيره، و العكس بالعكس، فلاحظ.

و أما على المنع في النقل عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فهو أنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أفصح من نطق بالضاد، و في تراكيبه أسرار و دقائق لا يوقف عليها إلا بها كما هي، فإن لكل تركيب من التراكيب معنى بحسب الفصل و الوصل و التقديم و التأخير، لو لم يراع لذهبت مقاصدها، بل لكل كلمة مع صاحبتها خاصية مستقلة كالتخصيص و الإتمام و.. غيرهما، و كذا الألفاظ التي ترى مشتركة أو مرادفة إذا وضع كل موضع الآخر فات المعنى الذي قصد به(1).

و فيه أنه إن تمّ لجرى في النقل عن الأئمة (عليهم السّلام) أيضا على مذهبنا، لأنهم أيضا أفصح أهل أزمنتهم بالضرورة من مذهبنا، إلا أن الجواب عن الكل أنهم صلوات اللّه عليهم لم يكونوا في أجوبة السؤالات و عند بيان الأحكام بصدد أعمال الفصاحة و البلاغة، بل لمّا كانت كلماتهم في هذا المقام على نحو كتب المصنفين للبقاء أبد الدهر و استفادة كل جيل منها أحكام اللّه تعالى تركوا أعمال قواعد الفصاحة و البلاغة و نطقوا نطق أواسط الناس، كما لا يخفى

ص: 242


1- كما نص على ذلك الشهيد الثاني في البداية: 113 بلفظه. ثم قال: و من ثم قال (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): نضر اللّه عبدا سمع مقالتي فحفظها و وعاها و أداها كما سمعها، فرب حامل... إلى آخره. قاله غيره أيضا و عقبوه بقولهم: كفى هذا الحديث شاهدا بصدق ذلك. و قد سبق مناقشة المصنف (رحمه اللّه) إياه.

على المتتبع المتدبر(1).

حجة القول الرابع:

عدم تغيير المعنى في المرادف دون غير المرادف، فيجوز الأول دون الثاني.

و فيه عدم الفرق بينهما، و جريان أدلة الجواز بالنسبة إليهما جميعا. و مفروض البحث هو النقل الغير المغير، و لو تمّ دليل المانع لجرى فيهما أيضا، كما لا يخفى.

حجة القول الخامس:

إنا لو جوّزنا النقل بالمعنى لكل أحد لما كنّا على ثقة من الأخذ بالحديث، و الصحابة اجتمع فيهم أمران: الفصاحة و البلاغة جبلة، و مشاهدة أقوال النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و أفعاله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة و استيفاء المقصد كلّه.

و فيه: ان ذلك لو تمّ لجرى في أصحاب الأئمة (عليهم السّلام) أيضا، على أن حجة المانع بالنسبة إلى الجميع على السواء، و أيضا فقد عرفت أنهم - صلوات اللّه عليهم - ليسوا في مقام بيان الأحكام بصدد أعمال قواعد

ص: 243


1- أقول: هذا لا ينافي أولوية النقل و إن كان الأصح الأول عملا بتلك النصوص، مع أن ما ذكروه خروجا عن موضوع البحث، لأنّا إنما جوّزنا لمن يفهم الألفاظ و يعرف خواصها و مقاصدها و يعلم عدم الاختلال للمراد منها فيما أداه.

الفصاحة و البلاغة حتى يتأتى ما ذكره.

حجة القول السادس:

أما على المنع في غير الناسي للفظ فحجة المانع، و أما على الجواز في ناسي اللفظ فهي أنه قد تحمل اللفظ و المعنى و عجز عن اداء أحدهما، فيلزمه اداء، الآخر لا سيما أنّ تركه قد يكون كتما للأحكام، فإن لم ينسبه لم يجز أن يورده بغيره، لأن في كلامه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) من الفصاحة ما ليس في غيره.

و فيه: انه إن تمّت حجة المانع لجرت بالنسبة إلى الناسي للفظ أيضا، و يكون نسيان اللفظ عذرا له في ترك اظهار الحكم و لا يعاقب على الكتمان، و إن لم تتم جاز لناسي اللفظ و ذاكره جميعا النقل بالمعنى.

حجة القول السابع:

ان الذاكر للفظ متمكن من التصرف فيه دون من نسيه، فيجوز النقل بالمعنى دون الذاكر.

و فيه ما في سابقه.

حجة القول الثامن:

ان المعول في العمليات على المعنى دون اللفظ، فيجوز فيها النقل بالمعنى دون العمليات.

و فيه: ما في سابقيه، على أن هذا القول مشتبه المراد.

فتلخص من ذلك كله أن القول المعروف بين الأصحاب

ص: 244

هو الحق المألوف في هذا الباب.

بقي هنا امور ينبغي التنبيه عليها:
الأمر الاول: الشروط التي تلزم في نقل الحديث بالمعنى

الأول:

إن المجوزين لنقل الحديث بالمعنى اشترطوا في جوازه امورا تقدمت الإشارة إليها في صدر المقال:

أحدها: أن يكون الناقل عالما بمواقع الألفاظ و معانيها بوضعها، و بالقرائن الدالة على خلافه، قيل(1): و هذا الشرط كما يعتبر بالنسبة إلى الكلام المنقول منه كذلك يعتبر بالنسبة إلى الكلام المنقول إليه. و المراد من العلم بمواقع الألفاظ العلم بمداليلها و بما يلزمها باعتبار الهيئات و الأحوال، سواء علم ذلك بمساعدة الطبع أو بأعمال القواعد المقرّرة، و الظاهر منه اعتبار العلم التفصيلي، فيتوجه عليه الإشكال بامكان التعويل في ذلك على قول الثقة العارف بوحدة المفاد، فيصح الإسناد حينئذ مع انتفاء الشرط.

و يمكن التفصي عنه بأن يراد بالعلم ما يعمّ التفصيلي و الإجمالي الذي في الفرض المذكور، فإن علم الناقل فيه بوحدة المفادين علم بمواقع تلك الألفاظ اجمالا، أو يعتبر(2)بالنسبة إلى الناقل من قبل نفسه كما هو الغالب، كذا في

ص: 245


1- و القائل هو صاحب الفصول: 308.
2- في المصدر زيادة: الاشتراط، و هو الظاهر.

الفصول(1). و ما في الذيل ليس تفصيا عن الإشكال، بل التزاما به، و لعله أولى من الاعتذار بأعمية العلم من التفصيلي و الإجمالي، ضرورة بعد الالتزام بكون قوله: (قال) - مع استفادة وحدة المفادين من قول الثقة العارف - صدقا.

ثانيها: أن لا يقصر النقل عن افادة المراد، يعني لا يكون النقل بحيث يظهر منه خلاف مراد المروي عنه، كنقل المقيد بمطلق مجرد عن القيد، و الحقيقة بمجاز مجرد عن القرينة. و أما مجرد القصور عن الإفادة - و لو كنقل المبين بلفظ مجمل - فلا دليل على منعه في غير مقام الحاجة، بعد جواز تأخير البيان عن غير وقت الحاجة، كما نبّه على ذلك في الفصول(2)، و ينبغي تقييده بما إذا لم يؤد ذلك إلى اختفاء الحكم المبين عند الحاجة أيضا، و إلا لكان ممنوعا منه، لكونه اخفاء لحكم اللّه تعالى، و هو محظور بلا شبهة.

ثالثها: أن يكون مساويا للأصل في الخفاء و الجلاء، و علّل بأن الخطاب الشرعي تارة يكون بالمحكم، و اخرى بالمتشابه، لحكم و أسرار لا يصل إليها عقول البشر. فلو نقل أحدهما بلفظ الآخر أدى إلى فوات تلك المصلحة.

و ناقش في ذلك الفاضل القمي (قدس سره)(3) بعدم

ص: 246


1- الفصول: 308.
2- الفصول: 9-308 بزيادة توضيح من المصنف.
3- القوانين 479-481.

وضوحه، لأن المتشابه إذا اقترن بقرينة تدلّ السامع على المراد فلا يضرّ نقله بالمعنى، فإنه ليس بمتشابه عند السامع، بل هو كأحد الظواهر فلا يضرّ تغييره و إن لم يقترن بقرينة، فحمله على أحد المعاني المحتملة من دون علم من جانب الشارع باطل، و لا معنى لاشتراط المساواة في الخفاء و الجلاء، بل الشرطان السابقان يكفيان مئونة ذلك، ثم قال: نعم لو اريد مثل ما لو نقل غير السامع من الرواة الوسائط و ادّاه بمعنى أدى إليه اجتهاده، بملاحظة سائر الأخبار و الأدلة فهو كذلك، إذ ربّما كانت الرواية في الأصل متشابهة بالنسبة إلى السامع أيضا و الحكمة اقتضت ذلك، أو الحكمة اقتضت أن يوصل إلى المراد بالاجتهاد و الفحص، فحينئذ لا بد للناقل من ذكر اللفظ المتشابه و تعقيبه بالتفسير الذي فهمه، و هذا ليس من باب النقل بالمعنى، بل هو مسألة اخرى ذكروها بعنوان آخر، و سنشير إليها.

اللهم إلا أن يكون المراد أنه لو أدى المعصوم (عليه السّلام) المطلوب بلفظ متشابه بالذات مبين للسامع بانضمام القرائن، فيجب على الناقل ذكر هذا اللفظ المتشابه، و إن عقبه ببيان ما قارنه بالعرض من القرينة المبينة له بانضمام أحوال التحاور و التخاطب، بناء على الفرق بين أقسام الدلالات، مثل ما(1) حصل من المشترك مع القرينة أو من اللفظ الآحادي المعنى، ثم قال: و يظهر من ذلك أنه ينبغي

ص: 247


1- في المصدر: ما لو.

مراعاة النص و الظاهر أيضا، بل و أقسام الظواهر، إذ في عدم مراعاة ذلك يحصل الاختلال في مدلول الأخبار في غاية الكثرة، فإذا ذكر الإمام (عليه السّلام) لفظ القرء في بيان العدة و فهم الراوي بقرينة المقام الطهر مثلا، فلا يروي الحديث بلفظ الطهر، إذ ربما كان فهم الراوي خطأ لاشتباه القرينة عليه، فلو أراد بيان ذلك فليذكر لفظ القرء ثم يفسره بما فهمه، و كذا في النص و الظاهر، مثلا إذا قال الإمام (عليه السّلام): لو بقي من اليوم بمقدار صلاة العصر فهو مختص به، فنقله الراوي بقوله: إذا بقي من اليوم بمقدار أربع ركعات العصر فهو مختص به، مريدا به صلاة العصر، أيضا لم يجز ذلك(1)، إذ يتفاوت الأمر بين اللفظين بملاحظة شمول صلاة العصر لركعتي المسافر و أقلّ منه كصلاة الخوف و.. أمثال ذلك. و كذلك في صلاة العشاء و نصف الليل، و من أجل ذلك الفرق انفردت(2) في هذه المسألة عن الأصحاب في جواز الإتيان بصلاة المغرب و العشاء كليهما إذا بقي من نصف الليل مقدار أربع ركعات، فإنهم يخصونه بالعشاء، و أنا أجمع بينهما لما استفاض من النقل الصحيح من أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله(3)، فيصدق على هذا أنه أدرك وقت الصلاتين، و إن لم يدرك وقت الثلاث و الأربع.

ص: 248


1- في نسختنا من القوانين: لا توجد كلمة: لم يجز ذلك، و لا يتم المعنى بدونها.
2- في نسختنا: أفردت، و ما ذكر أولى.
3- لا توجد كلمة: كله في نسختنا.

و بالجملة فلا بد لناقل الحديث بالمعنى من ملاحظة العنوانات المتواردة على مصداق واحد مع اختلاف الحكم باختلافها، و ملاحظة تفاوت الأحكام بتفاوت العنوانات أهم شيء للمجتهد في المسائل الشرعية، فبأدنى غفلة يختل الأمر و يحصل الاشتباه.

هذا و أما ضبط مراتب الوضوح و الخفاء بالنسبة إلى مؤدي الألفاظ فهو ما يصعب اثبات اشتراطه، إذ الظاهر أن المعصوم (عليه السّلام) إنما يقصد من الاخبار غالبا تفهيم المخاطب و رفع حاجته في الموارد الخاصة المحتاج إليها بحسب اتفاق الوقائع التي دعتهم إلى السؤال عنه (عليه السّلام)، أو علم المعصوم عليه الصلاة و السّلام احتياجهم إليها، فهم يتكلمون مع أصحابهم بقدر فهمهم، لا أنهم (عليهم السّلام) يتكلمون على معيار خاص يكون هو المرجع و المعول حتى يعتبر نقله للآخر ذلك المقدار، بل الناقل للغير أيضا لا بد أن يلاحظ مقدار فهم مخاطبه لا كل مخاطب و.. هكذا، فنقل المطلوب بعبارة أوجز إذا كان المخاطب ألمعيا فطنا ذكيا لا مانع منه، و كذلك نقله أبسط و أوضح إذا كان بليدا غبيا. إلى هنا كلام الفاضل القمي (قدس سره) نقلناه بتمامه لاستيفائه المقال(1)، و لقد أجاد و أفاد و أتى بما هو الحق المراد(2) و ما ذكره من لزوم

ص: 249


1- قوانين الاصول: 1-480 باختلاف يسير.
2- إلا أن صاحب الفصول: 309، استشكل بشكل آخر فقال: و يشكل بأن تلك المصلحة لعلها كانت مقصورة على زمان ورود الحديث فتكون منتفية بالنسبة إلى النقل، و لو سلم فلعلها مصلحة يسوغ للناقل اهمالها كالنكات البيانية التي لا تعلق لها بافادة المراد، مع أنّا نمنع كون أصل الدعوى قطعية، بل هي احتمالية، و لو أثر مثل هذا الاحتمال لأدّى إلى منع النقل بالمعنى مطلقا، لجواز أن يكون قد روعي في لفظ الحديث مصلحة لا توجد في غيره. و يمكن توجيه المنع من تبديل الظاهر بالنص بأدائه إلى اختلاف طريق الجمع عند التعارض، مع أن الغالب وقوعه، و أما مع العلم بوجود المعارض و حصول الاختلاف فأوضح، و هذا لا يجري في عكسه، إذ غاية الأمر أن لا يترتب على النقل فائدة ما لم يكن هناك مقام حاجة، فيجب المساواة لما مرّ.

الإتيان بالعشاءين جميعا فيما إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات مما جزمنا به سابقا، و إن كان لنا فيه - في المنتهى(1) عند الكلام في ثمرات القول بالاختصاص - كلام ليس هنا محل نقله، فراجع و تدبر.

الأمر الثاني: لا يجوز نقل الاحاديث الواردة في الأدعية و الاذكار و الأوراد

الأمر الثاني:

إن محل النزاع إنما هو نقل أحاديث الأحكام بالمعنى، و أما مثل الأحاديث الواردة في الأدعية و الأذكار و الأوراد فلا كلام ظاهرا في عدم جواز نقلها بالمعنى و لا تغييرها بزيادة و لا نقصان، لأن لترتيب الألفاظ فيها خصوصية، و قراءتها على ما وردت تعبدية توقيفية، و طريقة النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام) في ذلك غالبا أنهم كانوا يملون على أصحابهم و هم يكتبون، و لذلك ندر الاختلاف فيها،

ص: 250


1- منتهى مقاصد الأنام في شرح شرائع الإسلام، و قد مرّ ترجمة الكتاب، و هو لا يزال خطيا في مكتبة الأسرة في النجف الأشرف.

بخلاف الاخبار. و ببالي أني عثرت على رواية فيما بعد السّلام من أبواب صلاة الوسائل ناطقة بعدم جواز الزيادة فيها و لو بما يكون وضعا مؤكدا، حيث زاد السائل على كلمة لا قوة إلا باللّه، قوله: العلي العظيم، فنهره الإمام (عليه السّلام) و أنكر عليه ذلك(1)، [و قد نبهنا على ذلك في ذيل المقام الثالث و آخر المقام الثاني من الفصل العاشر، و موضع ثالث من مرآة الكمال(2) لا أذكره، فراجع](3)، و أوضح من الأدعية في عدم جواز نقلها بالمعنى كلام اللّه تعالى بعنوان أنه قرآن، لما علم من خصوصية ترتيبه و اسلوبه.

الأمر الثالث: عدم جريان الحكم في النقل عن المصنفات

الأمر الثالث:

إن الخلاف المذكور لا يجري في المصنفات، فإنها لا

ص: 251


1- جاء في كمال الدين للشيخ الصدوق: 2/2-351 حديث 49 عن عبد اللّه بن سنان عن صادق آل محمد (عليه السّلام) في حديث:.. قال (عليه السّلام) - في بيان حديث الغريق - يقول: يا اللّه يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت: يا اللّه يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلبي على دينك. قال (عليه السّلام): إن اللّه عزّ و جلّ مقلب القلوب و الأبصار، و لكن قلّ كما أقول لك: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. و ذكره العلامة المجلسي في بحار الأنوار: 9/52-148 حديث 73، و في ذكري أني رأيته في وسائل الشيعة و حكاه الشيخ الجد (قدس سره) في مرآة الكمال و لا أذكر محلهما فعلا، و على كل، فهو شاهد على أنه لا ينبغي تغير ألفاظ الدعاء - إن لم نقل مطلقا - بزيادة، و لو كانت في نظر الراوي أولى و أحسن.
2- مرآة الكمال لمن رام درك صالح الأعمال: 131 و 133 الحجرية.
3- ما بين المعكوفتين من زيادات الطبعة الثانية.

يجوز تغييرها أصلا و ابدالها بلفظ آخر - و إن كان بمعناه - على وجه لا يخرج بالتغيير عن وضعه و مقصود مصنفه، كما صرح بذلك جمع(1) منهم الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية(2)لأن النقل بالمعنى إنما رخص فيه لما في الجمود على الألفاظ من الحرج، و ذلك غير موجود في المصنفات المدونة في الأوراق، و لأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره، كما هو ظاهر(3)، نعم لو دعى إلى النقل بالمعنى شيء و نبّه على كون نقله بالمعنى جاز.

الأمر الرابع: من نقل حديثا بالمعنى إن يقول بعده: او كما قال او نحوه

الأمر الرابع:

إنه ينبغي لراوي حديث بالمعنى و الشاك في أنه نقل

ص: 252


1- منهم والد البهائي في صفحة: 142 [التراث: 155] من وصول الأخيار، و منهم ابن الصلاح في مقدمته: 256 [بنت الشاطئ: 333] و حكى عن ابن حنبل قوله: اتبع لفظ الشيخ في قوله: حدثنا و حدثني و سمعت و أخبرنا و لا تعدوه، و العراقي في ألفيته و السخاوي في شرحها: 218/2 و غيرهم.
2- البداية: 114.
3- و أيضا لأن في اقامة أحدهما مقام الآخر خلاف و تفصيل سبق منّا ذكره، و لاحتمال أن يكون من قال به لا يرى التسوية بينهما، هذا مع ما في اقامة أحدهما مقام الآخر من كونه في باب تجويز الرواية بالمعنى الذي هو محل خلاف أيضا، فتدبر، إلا أن المرحوم الدربندي في درايته: 34 - خطي - بعد نقله ذلك قال: و أنت خبير بما فيه، إذ الأصل يقتضي الجواز، و لا معارض له، ثم قال: فتأمل. و لعله يشير في ذلك إلى التفصيل بينما لو اريد ذكر نص من كتاب مع النسبة إليه فلا يجوز تغييره للزوم الافتراء أو الكذب، و اخرى يريد نقل ما معناه و مضمونه فيصح، فتأمل.

باللفظ أو بالمعنى أن يقول بعد الفراغ من الحديث.. أو كما قال أو نحوه أو شبهه أو ما أشبهه عاطفا له على كلمة قال التي ذكرها في ابتداء النقل. و قد روى أن قوما من الصحابة(1) كانوا يفعلون ذلك و هم أعلم الناس بمعاني الكلام خوفا من الزلل، لمعرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر. فعن ابن مسعود أنه قال يوما: قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فاغرورقت عيناه و انتفخت أوداجه ثم قال أو مثله أو نحوه أو شبيه به. و عن أبي الدرداء(2) أنه كان إذا حدّث عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قال: أو نحوه أو شبهه، و عن أنس بن مالك أنه كان إذا حدّث عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) ففرغ قال: أو كما قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم). و قال بعضهم: إنه إذا اشتبهت على القارئ لفظة فحسن أن يقول بعد قراءتها على الشك: أو كما قال لتضمنه اجازة من الشيخ و إذنا في رواية صوابها عنه إذا بآن(3).

ص: 253


1- كما حكيت أكثر من قصة و واقعة في مسند الدارمي: 114/1 و غيره عن ابن مسعود، و ان ناقشها البلقيني في محاسن الاصطلاح - ذيل المقدمة: 333 - فلاحظ.
2- هو عويمر بن مالك بن قيس الأنصاري الخزرجي، المتوفى سنة 32 ه من الصحابة. انظر: الإصابة: 183/3، حلية الأولياء: 208/1، الاستيعاب: 15/3 و غيرها.
3- لاحظ ألفية العراقي و شرحها: 219/2 و قد أخذه من مقدمة ابن الصلاح: 333.
الأمر الخامس: من نقل مجملا و فسره بأحد محامله

الأمر الخامس:

ان الراوي الثقة إذا روى مجملا و فسره بأحد محامله فالأكثر - كما في القوانين(1) - على لزوم حمله عليه، بخلاف ما لو روى ظاهرا و حمله على خلاف الظاهر، لأن فهم الراوي الثقة قرينة، و ليس له معارض من جهة اللفظ لعدم دلالة المجمل على شيء، بخلاف الثاني، فإن فهمه معارض بالظاهر الذي هو حجة.

و ناقش في ذلك في القوانين(2) بأن مقتضى الظاهر العمل عليه، فمقتضى المجمل السكوت عنه، و لا يتفاوت الحال، مع أن الظاهر إنما يعتبر لأن الظاهر أنه هو الظاهر عند المخاطب بالحديث لا لظهوره عندنا، لأن الخطاب مختص بالمشافهين - كما بيناه في محله - فإذا ذكر المخاطب به أن مراده هو ما هو خلاف الظاهر فالظاهر اعتباره، و لا أقلّ من التوقف، و أما تقديم الظاهر فلا، و الأولى ادارة الأمر مدار الظن الفعلي(3).

الأمر السادس: حكم تقطيع الحديث و اختصاره

الأمر السادس:

ص: 254


1- قوانين الاصول: 482.
2- قوانين الاصول: 482 - تحت عنوان أقول - بتصرف و زيادة.
3- و عنون هذا الأمر في جامع الاصول: 57/1 بقوله: في الإضافة إلى الحديث ما ليس منه. هو أشبه ببحثي المزيد و المدرج السالفين.

أحدها: المنع مطلقا، اختاره المانعون من رواية الحديث بالمعنى، لتحقق التغيير و عدم ادائه كما سمعه. و به قال بعض مجوزي رواية الحديث بالمعنى أيضا(1).

ثانيها: المنع إن لم يكن هذا المقطع قد رواه في محل آخر أو رواه غيره تماما ليرجع إلى تمامه من ذلك المحل، أرسله غير واحد قولا(2).

ثالثها: الجواز مطلقا(3)، اختاره بعضهم، و فسر الإطلاق

ص: 255


1- كما ذهب إليه العراقي في ألفيته - مع أنه من المجوزين - فقد منعه مطلقا سواء تقدمت روايته له تاما أم لا، كان عارفا بما يحصل به الخلل في ذلك أم لا، و هو مختار ابن الصلاح في المقدمة: 334 و ذلك لأن رواية الحديث على النقصان و الحذف لبعض متنه يقطع الخبر و يغيره عن وجهه، و ربّما حصل الخلل و المختصر لا يشعر، و احتج له الخليل بن أحمد بقوله (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): فبلغه كما سمعه، قال ابن الأثير في الجامع: 55/1: و ما العجب إلا ممن منع من ذلك و قد رأى كتب الأئمة و مصنفاتهم و أحاديثهم و هي مشحونة بأبعاض الحديث، كيف و المقصد الأعظم من ذكر الحديث إنما هو الاستدلال به على الحكم الشرعي!.
2- كما في البداية: 114، و تدريب الراوي: 103/2. و نص عليه و اختاره ابن الأثير في جامع الاصول: 55/1 قال: و من جوّز نقل الحديث بالمعنى جوّز ذلك إن كان رواه مرة بتمامه و لم يتعلق المذكور بغير معناه... و إلا فنقل البعض تحريف و تلبيس.
3- و حكي عن ابن حجر في شرح النخبة ثم عقب: و أما اختصار الحديث فالأكثرون على جوازه. و كذا في قواعد التحديث: 225 و يمكن ارجاع قول الأكثر إلى الوجه الرابع، فتدبر. إلا أن كلام الخطيب في الكفاية يردّه قال في صفحة: 290: و قال كثير من الناس يجوز ذلك للراوي على كل حال و لم يفصلوا.

في البداية(1) بأنه سواء كان قد رواه أو غيره على التمام أم لا(2)، و ينبغي تقييد هذا القول بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعلقا يخل بالمعنى حذفه كالاستثناء و الشرط و الغاية و.. نحو ذلك، و إلا فالظاهر عدم الخلاف في المنع منه، و ادعى بعضهم الاتفاق عليه(3)، و من هنا يتحد هذا القول مع:

الرابع: و هو التفصيل بالجواز إن وقع ذلك ممن يعرف تمييز ما تركه منه عمّا نقله، و عدم تعلقه به بحيث لا يختل البيان و لا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه، فيجوز حينئذ و إن لم تجز الرواية بالمعنى، لأن المروي و المتروك حينئذ بمنزلة خبرين منفصلين، و المنع إن وقع ذلك من غير العارف، و هذا القول هو الأظهر(4) و لا يخفى عليك أن ذلك فيما إذا

ص: 256


1- البداية: 114.
2- و أيضا سواء احتاج إلى تغيير لا يخل بالمعنى أم لا، و به قال مجاهد. ثم ان ما ذهب إليه الجمهور لا ينازع فيه من لم يجز النقل بالمعنى، لأن الذي نقله و الذي حذفه - و الحالة هذه - بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر.
3- المدعي للاتفاق هو الصفي الهندي - كما حكاه غير واحد - و مورد دعواه المنع فيما لو كان كذلك، لا الجواز، فتدبر.
4- و هو مختار جماعة منّا كما في وصول الأخيار: 141 [التراث: 145]، و المرحوم الدربندي في درايته: 35 - خطي - انظر كلامه في فوائد المستدرك. و منهم السيوطي كما في تدريب الراوي: 104/2، سواء جوّزنا الرواية بالمعنى أم لا، و سواء رواه قبله تاما أم لا، لأنه بمنزلة خبرين منفصلين. و قد اختاره النووي في شرح مسلم كما في قواعد التحديث: 225، و فتح المغيث: 223/2 و غيرهم. ثم ان في الكفاية: 290 اختار قولا آخر قال: و الذي نختاره في ذلك أنه إن كان فيما حذف من الخبر معرفة حكم و شرط و أمر لا يتم التعبد و المراد بالخبر إلا بروايته على وجهه، فإنه يجب نقله على تمامه، و يحرم حذفه، لأن القصد بالخبر لا يتم إلا به، فلا فرق بين أن يكون ذلك تركا لنقل العبادة كنقل بعض أفعال الصلاة، أو تركا لنقل فرض آخر هو الشرط في صحة العبادة كترك نقل وجوب الطهارة و نحوها. ثم قال: و على هذا يحمل قول من قال: لا يحلّ اختصار الحديث. و نظيره صفحة: 358.

ارتفعت منزلته عن التهمة، فأما من رواه مرة تاما فخاف إن رواه ثانيا ناقصا أن يتهم بزيادة فيما رواه أولا أو نسيان لغفلة و قلّة ضبط فيما رواه ثانيا فلا يجوز له النقصان ثانيا و لا ابتداءا ان تعين عليه اداء تمامه، لئلا يخرج بذلك باقية عن حيز الاحتجاج(1).

الأمر السابع: جواز تقطيع الحديث الواحد في المصنف

الأمر السابع:

انه صرح جمع بجواز تقطيع المصنف الحديث الواحد في مصنفه؛ بأن يفرقه على الأبواب اللائقة به للاحتجاج المناسب في كل مسألة مع مراعاة ما سبق من تمامية معنى المقطوع، و قد فعله أئمة الحديث منّا و من الجمهور و لا مانع منه(2)، و عن ابن

ص: 257


1- قاله العراقي في ألفيته و السخاوي في شرحه: 224/2، و الغزالي في المستصفى: 168/1 و غيرهم.
2- أقول: قد وقع خلط منا و من العامة بين تجويز النقصان في الحديث و جواز تقطيع الحديث، و قد ذكرهما المصنف (رحمه اللّه) في الأمر السادس معا، ثم فصل جواز التقطيع للحديث هنا، و يكفي في المقام ذكر بعض كلمات الخطيب البغدادي في الكفاية و تبعه غيره غالبا و قد مرّت بعض كلماته. قال في صفحة: 292 بعد اختيار الجواز: فإن كان المتروك في الخبر متضمنا لعبارة اخرى و أمرا لا تعلق له بمتضمن البعض الذي رواه و لا شرط فيه جاز للمحدث رواية الحديث على النقصان و حذف بعضه و قام ذلك مقام خبرين متضمنين عبارتين منفصلتين و سيرتين و قضيتين لا تعلق لأحداهما بالاخرى.. و قال في صفحة: 294: و.. هكذا إذا كان المتن متضمنا لعبارات و أحكام لا تعلق لبعضها ببعض، فإنه بمثابة الأحاديث المنفصل بعضها عن بعض، و يجوز تقطيعه و كان غير واحد من الأئمة يفعله. ثم أنه قد مرّ منّا نقل قول آخر في تجويز النقصان في الحديث و عدم جواز الزيادة كما حكي عن مجاهد: انقص من الحديث و لا تزد! و كذا قول يحيى بن معين: إذا خفت أن تخطئ في الحديث فانقص منه و لا تزد! و لم نعرف وجه ذلك إلا برجوعه إلى قول المشهور أو القول الثالث مما عدّه المصنف (رحمه اللّه) كما هو الظاهر، فتأمل. و في الكفاية: 289 احتج بقوله (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): نضّر اللّه من سمع مقالتي فلم يزد فيها.. إلى آخره، حيث دلّ على جواز النقصان مقابل المنع المطلق، فتدبر. أقول: و هناك قول سادس بالتوقف حكي عن البدر بن جماعة كما في فتح المغيث: 221/2.

الصلاح(1) أنه لا يخلو من كراهة(2) و لم يوافقه أحد، و لا ساعد

ص: 258


1- مقدمة ابن الصلاح: 336. و فصّل الكلام فيه البلقيني في محاسن الاصطلاح - ذيل المقدمة - فلاحظ.
2- و عن أحمد بن حنبل: ينبغي أن لا يفعل، قال الدربندي في درايته: 35 - خطي - فهو جائز قطعا، بل مما قامت عليه السيرة بين العامة و الخاصة، و ردّ من خالف بمخالفته للأصل و عدم الدليل له.

عليه الدليل(1).

المطلب السادس: ما ينبغي تعلمه للمحدث قبل الشروع في الحديث

اشارة

انه صرح جمع(2) بأنه ينبغي للشيخ أن لا يروي الحديث بقراءة لحّان و لا مصحّف(3)، بل لا يتولاه إلا متقن اللغة و العربية ليكون مطابقا لما وقع من النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام)، و يتحقق اداؤه كما سمعه امتثالا لأمر الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم).

و في صحيحة جميل بن دراج قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): اعربوا حديثنا فإنا قوم فصحاء(4).

و ينبغي لمن يريد قراءة الحديث أن يتعلم قبل الشروع فيه من العربية و اللغة ما يسلم به من اللحن(5) و لا يسلم من

ص: 259


1- و عبارة الشهيد في الدراية: 115: فهو أقرب إلى الجواز.. لعله يستشم منها ذلك.
2- منهم العراقي في ألفيته، و السخاوي في شرحه: 227/2 و سبقهما ابن الصلاح في المقدمة: 337، و الشيخ حسين العاملي في وصول الأخيار: 6-155 و غيرهم.
3- اللحان - بصيغة المبالغة - أي كثير اللحن في الألفاظ، و المصحف من يصحف الألفاظ و أسماء الرواة و لو كان لا يلحن.
4- الكافي: 52/1 حديث 13، وسائل الشيعة: 58/18 حديث 25.
5- و عن الأصمعي قوله: إن أخوف ما أخاف به على طالب الحديث إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، لأنه لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه و لحنت فيه كذبت به عليه كما حكاه في وصول الأخيار: 142 143، و فتح المغيث: 227/2. انظر: مستدرك رقم (231) ما يتوقف عليه قراءة الحديث من العلوم.

التصحيف بذلك، بل بالأخذ من أفواه الرجال العارفين بأحوال الرواة و ضبط أسمائهم و بالروايات و ضبط كلماتها(1).

و إذا أحرز لحنا أو تصحيفا فيما تحمله من الرواية و تحقق ذلك ففي كيفية روايته لها قولان: فالأكثر على أنه يرويه على الصواب لا سيما في اللحن الذي لا يختلف المعنى به، و يقول:

روايتنا كذا، أو يقدم الرواية الملحونة أو المصحفة، و يقول بعد ذلك: و صوابه كذا، و عن ابن سيرين(2) و عبد اللّه بن سخيرة(3)و أبي معمر(4) و أبي عبيدة القاسم بن سلام(5) أنه يرويه كما سمعه باللحن و التصحيف الذي سمعه. و ردّه ابن الصلاح و غيره بأنه غلو في اتباع اللفظ و المنع من الرواية بالمعنى(6).

و هناك قول ثالث يحكى عن عبد السّلام(7) و هو ترك الخطأ

ص: 260


1- كما ذكر ذلك غالب المصنفات السالفة، و نص عليه الدربندي في درايته: 34 - خطي - و غيره.
2- مرت ترجمته في صفحة: 162، فراجع.
3- الصحيح: سخبره.
4- الظاهر هو أبو الحسين بن معمر الكوفي المحدث كان حيا سنة 329 ه سمع من التلعكبري في سنة 329 ه، و يبعد كونه فقيه الطالبيين أحمد بن علي، فراجع.
5- مرت ترجمته في صفحة: 233 من المجلد الاول، فراجع.
6- انظر المقدمة لابن الصلاح: 338. و حكاه غير واحد كالعراقي في الألفية و السخاوي في شرحها: 4/2-233 و غيرهما.
7- الصحيح هو: المعز بن عبد السّلام، كما حكاه عنه صاحبه ابن دقيق العيد في الاقتراح، و نسبه لهما في فتح المغيث: 234/2.

و الصواب جميعا، أما الصواب فلأنه لم يسمع كذلك، و أما الخطأ فلأن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) لم يقله كذلك(1).

و أقول: فالأولى أن يروي كما سمعه و ينبّه على كونه خطأ و كون الصواب كذا و كذا، حتى يسلم من شبهتي اخفاء الحكم الشرعي و رواية ما لم يسمعه.

اصلاح التحريف و التصحيف في الكتاب

و أما اصلاح التحريف و التصحيف في الكتاب و تغيير ما وقع فيه فجوّزه بعضهم، و الأولى ما ذكره جمع(2) من ترك التحريف و التصحيف في الأصل على حاله، و التضبيب عليه و بيان صوابه في الحاشية، فإن ذلك أجمع للمصلحة و أنفى للمفسدة، و قد يأتي من يظهر له وجه صحته، و لو فتح باب التغيير لجسر عليه من ليس بأهل. و قد روى أن بعض أصحاب الحديث رأى في المنام و كأنه قد ذهب شيء من لسانه أو شفته، فسئل عن سببه فقال: لفظة من حديث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) غيّرتها برأيي ففعل بي هذا، و كثيرا ما ترى ما يتوهمه كثير من أهل العلم خطأ و هو صواب ذو وجه صحيح خفي.

قالوا: و أحسن الإصلاح أن يكون بما جاء في رواية اخرى أو حديث آخر، فإن ذاكره أمن من النقول المذكورة. و قالوا

ص: 261


1- و فصل الأقوال السيوطي في التدريب تبعا للعراقي في التقريب: 102/2 - 111، و شرح الألفية: 233/2-243.
2- قاله ابن الصلاح في المقدمة: 338 و غيره ممن تبعه.

أيضا: إنه إن كان الإصلاح بزيادة الساقط من الأصل فإن لم يغاير معنى الأصل فلا بأس بإلحاقه في الأصل من غير تنبيه على سقوطه، بأن يعلم أنه سقط في الكتابة كلفظة ابن في النسب و كحرف لا يختلف المعنى به، و إن غاير الساقط معنى ما وقع في الأصل تأكد الحكم بذكر الأصل مقرونا بالبيان لما سقط، فإن علم أن بعض الرواة له أسقطه وحده و أن من فوقه من الرواة أتى به فله أيضا أن يلحقه في نفس الكتاب مع كلمة: يعني قبله، هذا إذا علم أن شيخه رواه له على الخطأ.

و أما لو رواه في كتاب نفسه و غلب على ظنه أن السقط من كتابه لا من شيخه اتّجه حينئذ اصلاحه في كتابه، و في روايته عند تحديثه، كما إذا درس من كتابه بعض الإسناد أو المتن بتقطع أو بلل و نحوه، فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته و وثق به، بأن يكون أخذه عن شيخه و هو ثقة و سكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط، و منع بعضهم من ذلك لا وجه له. نعم بيان حال الرواية و كتابة أن الإصلاح من نسخة موثوق بها أولى، و كذا الكلام في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب ثقة غيره أو حفظه. و في البداية(1): أن الأولى على كل حال سد باب الإصلاح ما أمكن لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

و لو وجد المحدث في كتابه كلمة من غريب العربية غير

ص: 262


1- البداية: 116.

مضبوطة اشكلت عليه جاز أن يسأل عنها العلماء بها و يرويها على ما يخبرونه به، و الأولى أن يشرح الحال و يذكر ما في كتابه أو حفظه و ما أخبر به المسئول عنه.

المطلب السابع: في من روى عن اثنين او اكثر متفقين في المعنى دون اللفظ

اشارة

انه إذا كان الحديث عنده عن اثنين أو أكثر من الشيوخ و اتفقا في المعنى دون اللفظ فله جمعهما أو جمعهم في الإسناد بأسمائهم، ثم يسوق الحديث على لفظ رواية أحدهما أو أحدهم مبينا فيقول: أخبرنا فلان و فلان و اللفظ لفلان أو هذا لفظ فلان، أو يقول: أخبرنا فلان و.. ما أشبه ذلك من العبارات، و لو لم يخصّ أحدهما بنسبة اللفظ إليه بل أتى ببعض لفظ هذا و بعض لفظ الآخر فقال: أخبرنا فلان و فلان و تقاربا في اللفظ أو و المعنى واحد قالا: حدثنا فلان جاز، بناء على جواز الرواية بالمعنى، و لم يجز بناء على عدم جوازها، و لو لم يقلّ تقاربا و نحوه فلا بأس به أيضا بناء على جواز الرواية بالمعنى، و إن كان الإتيان بقوله: تقاربا في اللفظ أو ما يؤدي ذلك أولى(1).

اذا سمع من جماعة كتابا و قابل نسخته باصل بعضهم دون الباقي

و إذا سمع من جماعة كتابا مصنفا فقابل نسخته بأصل بعضهم دون الباقي ثم رواه عنهم كلّهم و قال: اللفظ لفلان المقابل بأصله ففي جوازه وجهان؛ من أن ما أورده قد سمعه

ص: 263


1- كما صرح به غير واحد كالعراقي في الألفية و شارحها في فتح المغيث: 244/2 و ما بعدها، و جامع المقال: 44، و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 5-343 و عقّبه البلقيني في محاسن الاصطلاح المطبوع ذيل المقدمة.

ممن ذكره أنه بلفظه، و من أنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها، بخلاف ما سبق، فإنه اطلع على رواية غير من نسب اللفظ إليه و على موافقتها معنى فأخبر بذلك. و عن بدر بن جماعة - من علماء العامة -(1) التفصيل بين تباين الطرق بأحاديث مستقلة و بين تفاوتها في ألفاظ و لغات أو اختلاف ضبط بالجواز في الثاني دون الأول.

المطلب الثامن: لا يصح للراوي إن يزيد في نسب غير شيخه من رجال السنة

انه صرح جمع(2) بأنه ليس للراوي أن يزيد في نسب غير شيخه من رجال السند أو صفته مدرجا ذلك حيث اقتصر شيخه على بعضه، إلا أن يميزه بهو أو يعني أو.. نحو ذلك، مثاله أن يروي الشيخ عن أحمد بن محمد كما يتفق للشيخ أبي جعفر الطوسي و الكليني (رحمهما اللّه تعالى) كثيرا، فليس للراوي أن يروي عنهما و يقول: قالا أخبرني أحمد بن محمد بن عيسى، بل يقول أحمد بن محمد هو ابن عيسى أو يعني ابن عيسى و نحوه، ليتميز كلامه و زيادته عن كلام شيخه، و إذا ذكر شيخه نسب شيخه بتمامه أو وصفه بما هو أهله في أول حديث،

ص: 264


1- في كتابه المنهل الروي حكاه و ما سبقه السيوطي تبعا للنووي في التدريب: 111/2-112، فتح المغيث: 248/2 و غيرهم.
2- منهم النووي في التقريب و السيوطي في التدريب: 113/2، و الطريحي في جامع المقال: 44، و العراقي في الألفية و السخاوي في شرحها: 249/2، و ابن الصلاح في المقدمة: 346، و الدربندي في درايته: 35 - 36 - خطي - و غيرهم.

ثم اقتصر في باقي أحاديث الكتاب على اسمه أو بعض نسبه فالأكثر على جواز روايته تلك الأحاديث مفصولة عن الحديث الأول مستوفيا نسب شيخ شيخه على ما في أول الحديث الأول(1). و عن بعضهم أن الأولى فيه أيضا أن يقول: يعني ابن فلان، أو يقول: حدثني فلان أن فلانا بن فلان حدثه(2).

و الأظهر عندي المنع من اقتصاره على ما اقتصر عليه شيخه في باقي الأحاديث، لأنه يؤدي إلى صيرورة الرجل مشتركا، و وهن الرواية لذلك، بل الأظهر أن التعبير ب (يعني) و نحوه أيضا مرجوح فيما إذا علم أن المراد بالرجل في باقي الأحاديث هو الذي في اسناد الحديث الأول، لأن كلمة يعني و نحوه ظاهرة في اجتهاده، بخلاف ما لو قال فلان بن فلان بن فلان فإنه ظاهر في كون النسب من شيخه، و لا ريب في كون الثاني أضبط، فلا وجه لجعل السند من قبيل الأول، فتدبر.

و منع بعضهم من زيادته تاريخ سماع شيخه إذا لم يذكره

ص: 265


1- كذا نصّ عليه الخطيب في الكفاية و غيره كما سيأتي.
2- و حكي عن علي بن المدايني و شيخه أبي بكر الأصبهاني الحافظ و غيرهما أنه يقول: حدثني شيخي أن فلان بن فلان حدثه. و حكي عن بعضهم أنه يقول: أنبأنا فلان هو ابن فلان و استحبه الخطيب، لأن لفظ أن استعملها قوم في الإجازة، كذا في التدريب: 113/2، و قال ابن الصلاح في المقدمة - بعد ذلك - و كلّه جائز، و هو مصيب إن لم يثبت للرجل اصطلاح خاص. انظر: مستدرك رقم (232) مسائل الباب.

الشيخ(1).

المطلب التاسع: جرت العادة بحذف بعض الألفاظ كقال و نحوه بين رجال السنة

إنه قد جرت العادة بحذف قال و نحوه بين رجال السند خطا اختصارا، و قد قال جمع(2) أنه ينبغي للقارئ التلفظ بها، و إذا وجد في الإسناد ما هذا لفظه: قرئ على فلان أخبرك فلان يقول القارئ: قيل له: أخبرك فلان، و إذا وجد قراء(3)على فلان حدثنا فلان، يقول: قال حدثنا فلان، و إذا وجد قرأت على فلان يقول: قلت له: أخبرك فلان. و إذا تكررت كلمة قال كما في قوله عن زرارة قال: قال الصادق (عليه السّلام) مثلا، فالعادة أنهم يحذفون إحداهما خطا، و على القارئ أن يلفظ بهما، و لو ترك القارئ أحدهما فقد أخطأ، لأن حذف أحدهما يخلّ بالمعنى، لأن ضمير الأول

ص: 266


1- كذا قاله السيوطي في تدريبه: 114/2 و كذا أن يقول بقراءة فلان أو بتخريج فلان حيث لم يذكره شيخه. هذا و قد استحب المحدثين ذكر الراوي شيخه متميزا بوصفه و نسبه في أول ما يرويه و بعده إن شاء ذكره كذلك أو اقتصر على الأول، كأن يقول: محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي رحمه اللّه مثلا ثم يقول في آخر محمد عن فلان إلى آخره اعتمادا في الإجمال على ما فصّله أولا.
2- كما صرح به النووي في التقريب: 157، و حكاه القاسمي في قواعد التحديث: 209، و العراقي في ألفيته و السخاوي في شرحها: 190/2، و نصّ عليه السيوطي في التدريب: 114/2، و ابن الصلاح سبقهم في المقدمة: 347، و غيرهم. لاحظ مستدرك رقم (227) ما اصطلح حذفه في الكتابة دون القراءة أو العكس.
3- الظاهر: قرأ.

للراوي الأول و هو الفاعل و فاعل الفعل الثاني هو الاسم الظاهر الذي بعده، فإذا اقتصر على واحدة صار الموجود فعل الاسم الظاهر الثاني، فلا يرتبط الإسناد بالراوي السابق. و لكن ذكر غير واحد أنه لو حذف أحدهما نطقا صح السماع، لأن حذف القول جائز اختصارا جاء به القرآن المجيد، بل عن شهاب الدين عبد اللطيف بن المرحل(1) انكار أصل اعتبار التلفظ بقال في أثناء السند، و وجّهه بعضهم(2) بأن أخبرنا و حدثنا بمعنى قال لنا، إذ حدّث بمعنى قال، و نا بمعنى لنا، فقوله حدثنا فلان حدثنا فلان: قال لنا فلان قال لنا فلان.

فلا وقع حينئذ للمناقشة فيما ذكره شهاب الدين(3) بأن الأصل هو الفصل بين كلامي المتكلمين للتمييز بينهما(4) و حيث لم يفصّل فهو مضمر، و الإضمار خلاف الأصل فإن فيها أنه لا اضمار بعد التوجيه المذكور.

المطلب العاشر: ما اشتمل من النسخ و الابواب على احاديث متعدده باسناد واحد

إن ما اشتمل من النسخ و الأبواب و نحوها على أحاديث

ص: 267


1- كما قاله العراقي و حكاه السيوطي في تدريب الراوي: 115/2.
2- التوجيه من السيوطي في شرحه للتقريب: 115/2.
3- المراد به ظاهرا هو شهاب الدين عبد اللطيف بن المرجل - السالف الذي لم نجد له ترجمة في المصادر التي بين أيدينا -، و قاله ابن الصلاح في المقدمة: 347، و إليه نسبه العراقي في ألفيته، و السخاوي في فتح المغيث: 191/2. و لكن لا نعرف لقب له بعنوان شهاب الدين، فراجع.
4- كما حكاه في التدريب: 115/2، و المطلب التاسع غالبا منه.

متعددة باسناد واحد، فإن شاء ذكر الإسناد في كل حديث، و إن شاء ذكره عند أول حديث منها، أو في كل مجلس من مجالس سماعها، و يقول بعد الحديث الأول: و بالإسناد، أو يقول:

و به - أي بالإسناد السابق - و الأول أحوط(1)، إلا أنه لطوله كان الأغلب الأكثر في الاستعمال الثاني.

ثم من سمع هكذا فأراد تفريق تلك الأحاديث و رواية كل حديث منها بالإسناد المذكور في أولها جاز له ذلك عند الأكثر(2)، لأن الجميع معطوف على الأول، فالإسناد في حكم المذكور في كل حديث، و هو بمثابة تقطيع المتن الواحد في الأبواب بإسناده المذكور في أوله(3)، و لكن المحكي عن أبي

ص: 268


1- و الاحتياط ذكره النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: 116/2، و كذا العراقي في ألفيته و شرحها للسخاوي: 252/2، بل أوجبه بعض المتشددين.
2- كما صرح به ابن صلاح في المقدمة: 348، و عقد الخطيب في الكفاية: 319 بابا في ما جاء في المحدث يروي حديثا ثم يتبعه باسناد آخر و يقول عند منتهى الإسناد مثله - يعني مثل الحديث المتقدم - هل يجوز أن يروي عنه الحديث الثاني مفردا و يساق فيه لفظ الحديث الأول أم لا؟ قال: كان شعبة بن الحجاج لا يجيز ذلك، و قال بعض أهل العلم: يجوز ذلك إذا عرف أن المحدث ضابط متحفظ يذهب إلى تمييز الألفاظ و عدّ الحروف، فإن لم يعرف منه ذلك لم يجز افراد الإسناد الثاني و سياق المتن فيه. ثم قال: و كان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا يورد الإسناد و يقول مثل حديث قبله: متنه كذا و كذا.. ثم يسوقه، و كذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه، ثم قال: و هذا هو الذي اختاره.
3- لأن المعطوف له حكم المعطوف عليه، و هو منزل بمنزلة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أول المتن، و قريب الشبه بالنقل من الكتب و المصنفات التي يقع ايراد السند بها في أول الكتاب أو المجلس. و لعل المنع هنا تنزيهي، أو أنه بمعنى مخالف الأولى.

إسحاق الأسفرايني(1) المنع من ذلك إلا مبينا للحال(2)، نظرا إلى أن ذلك من دون بيان الحال تدليس(3)، و هو كما ترى.

و أما إعادة بعض المحدثين الإسناد في آخر الكتاب أو الجزء فلا يرفع هذا الخلاف الذي يمنع إفراد كل حديث بذلك الإسناد عند روايتها، لكونه لا يقع متصلا بواحد منها، إلا أنه تفيد احتياطا و يتضمن اجازة بالغة من أعلى أنواعها، و يفيد سماعه لمن لم يسمعه أولا.

المطلب الحادي عشر: من قدم المتن على الاسناد

اشارة

انه إذا قدم الراوي المتن على الإسناد(4) كقال رسول اللّه

ص: 269


1- و هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران المتوفى سنة 418 ه لقب بركن الدين، و كان عالما في الفقه و الاصول صاحب كتاب الجامع في اصول الدين و غيره. انظر عنه: شذرات الذهب: 209/3 وفيات الأعيان: 4/1، تذكرة الحفاظ: 268/3، مرآة الجنان: 31/3، و الأعلام: 59/1 و غيرها.
2- كذا حكاه النووي و تبعه السيوطي في التقريب و التدريب: 116/2 و غيرهما منهما. و كذا في فتح المغيث: 253/2، و كذا منعه بعض المحدثين و رآه تدليسا - من جهة ايهامه أنه كذلك - سمع بتكرار السند و أنه كان مكررا تحقيقا لا حكما و تقديرا.
3- قال به ابن الصلاح في مقدمته: 347 و إليه نسبه العراقي في ألفيته و السخاوي في فتح المغيث: 191/2.
4- كله أو بعضه على جميعه أو جزءه.

(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كذا.. ثم ذكر الإسناد بعده فقال: رواه فلان عن فلان، أو يذكر آخر الإسناد ثم المتن ثم ما قبل ذلك من الإسناد، كما إذا قال: روى الحلبي عن الصادق (عليه السّلام).. كذا رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عنه - أي عن الحلبي - صح، و كان متصلا، فإذا أراد من سمعه هكذا تقديم جميع الأسناد بأن يبدأ به أولا ثم يذكر المتن فالأظهر جواز ذلك إذا لم يتغير المعنى، وفاقا لجمع من أهل الحديث(1)، و حكي عن بعضهم المنع منه بناء على المنع من نقل الحديث بالمعنى(2)، و هو كما ترى، بل مقتضى القاعدة جوازه حتى على القول بعدم جواز نقل الحديث بالمعنى، فإن تقديم بعض السند أو كله لا ربط له بالنقل(3).

من روى حديثا باسناد له ثم اتبعه باسناد آخر و حذف متنه

و لو روى الشيخ حديثا بإسناد له ثم اتبعه بإسناد آخر و حذف متنه احالة على المتن الأول، و قال في آخر السند الثاني

ص: 270


1- منهم الشهيد في البداية: 118، و السيوطي في تدريب الراوي: 118/2، و عبّر عنه النووي أنه الصحيح، و قال به العراقي في الألفية و السخاوي في الفتح: 256/2.
2- و هو الخطيب البغدادي - كما مرّت عبارته - و نسبه له ابن الصلاح في المقدمة: 353 و قال: أقول: لا يجوز مطلقا حتى عند من لا يجوز الرواية بالمعنى، لأن نحوه و مثله ليس من متن الحديث، و العرف و اللغة محكمة في ما نحن فيه...
3- بل لا يوجب الإخلال بالمقصود في العطف و عود الضمير، بل لا يرد فيه ما ادعى في باب المنع من نقل الحديث بالمعنى.

مثله، فأراد السامع لذلك منه رواية المتن المذكور بعد الإسناد الأول بالإسناد الثاني فقط، فعن جمع منهم شعبة المنع منه لاحتمال أن يكون الثاني مماثلا للأول في المعنى و مغايرا له في اللفظ(1). و عن سفيان الثوري(2) و ابن معين(3) تجويز ذلك إذا كان الراوي متحفظا ضابطا مميزا بين الألفاظ، و لم يكن الثاني مغايرا للأول في اللفظ أيضا(4).

قيل و قد كان جماعة من العلماء إذا روى أحدهم مثل هذا يورد الإسناد و يقول: مثل حديث قبله متنه كذا و كذا..

ثم يسوقه، و أما لو كان بدل مثله نحوه فالحال فيه هي الحال في مثله. و فرّق بعضهم(5) بينهما بأن مثله لا يطلق إلا إذا اتفقا

ص: 271


1- المحكي عن شعبة قوله: ان «نحوه» شك، و هو مغاير لما نسب له هنا.
2- هو أبو عبد اللّه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (97-161 ه) محدث، ولد و نشأ بالكوفة، و عادى أهل البيت (عليهم السّلام). انظر ترجمته في تهذيب التهذيب: 111/4، الأعلام: 158/3، معجم المؤلفين: 234/4 كلاهما عن عدّة مصادر.
3- هو يحيى بن معين، الذي مرت ترجمته في صفحة: 409 من المجلد الاول.
4- كما حكاه عنهما و عن غيرهما جمع كالسخاوي في فتح المغيث: 256/2، و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 350، و المحكي عن يحيى بن معين أنه أجاز مثل ذلك في «مثله» و لم يجزه في قولهم «و نحوه».
5- هو ابن معين، كما نص عليه الخطيب في الكفاية: 319 و فتح المغيث: 257/2 روى عنه أنه قال: إذا كان حديث عن رجل و عن رجل آخر مثله فلا بأس أن يرويه إذا قال مثله، إلا أن يقول: نحوه، يعني عملا بظاهر اللفظين، إذ مثله يعطي المتساوي في اللفظ بخلاف نحوه، حتى قال الحاكم: أنه لا يحلّ للمحدث أن يقول مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد، و يحلّ أن يقول: نحوه إذا كان على مثل معانيه، كما نقله في الفتح: 260/2.

لفظا و معنى، و أما نحوه، فيكفي في صحة اطلاقه الاتفاق معنى و إن اختلفا لفظا، و لعل من هذا الباب استعمال الشيخ الحر (رحمه اللّه) في الوسائل لكلمة(1) مثله و نحوه فراجع و تدبر(2).

المطلب الثاني عشر: اذا ذكر حديثا بسنده و متنه ثم ذكر اسنادا آخر و بعض المتن

انه إذا ذكر المحدث حديثا بسنده و متنه ثم ذكر اسنادا آخر و بعض المتن، ثم قال بدل اتمامه: ما لفظه.. و ذكر الحديث، أو ذكر الحديث بطوله أو قال بطوله أو الحديث أو الخبر و أضمر كلمة ذكر مشيرا بذلك كلّه إلى كون ذيله الذي تركه كذيل سابقه، فأراد السامع أو الواجد روايته عنه بكماله، ففي جواز رواية الحديث السابق كلّه بالإسناد الثاني القولان السابقان في

ص: 272


1- الظاهر: كلمة، و زيادة اللام.
2- هذا فيما لو أورد الحديث بتمامه ثم عطف عليه، أما لو حذف بعض المتن و اقتصر على طرف منه و قال: و ذكر الحديث أو ذكره و نحوهما كقوله: الحديث بتمامه أو بطوله أو إلى آخره كما هو ديدن بعض الرواة، فلا شك من المنع في سياق تمام الحديث في هذه الصورة، و هو أولى بالمنع من الذي قبله، فتدبر. قال والد الشيخ البهائي في درايته: 136 [التراث: 151]: يستحب للراوي أن يقدم الإسناد - كما هو المتعارف - ثم يسرد [خ. ل يورد] الحديث، فإذا أراد النقل في أثناء المتن إلى حديث آخر قال: الخبر، أو الخبر بتمامه. و يكره أن يتعمد تغيير صورة المتن و الاختصار منه، و ابدال لفظ بمرادفه للعالم بمدلولات الألفاظ... و قيل بتحريم ذلك.

قوله مثله و نحوه، من حيث أن الحديث الثاني قد يغاير الأول في بعض الألفاظ و إن اتحد المعنى، و من أن الظاهر أنه هو بعينه(1)، و لا يخفى أن من منع في نحوه و مثله لزمه المنع هنا بطريق أولى، لأنه لم يصرح بالمماثلة، و من الممكن كون اللام في الحديث الثاني للعهد الذهني، و هو الحديث الذي لم يكمله و إنما اقتصر عليه لكونه بمعنى الأول، و الأحوط و الأولى أن يقتصر على ما ذكره الشيخ ثم يقول قال: و ذكر الحديث و هو هكذا.. أو و تمامه هكذا.. و يسوقه بكماله، و عن ابن كثير(2) التفصيل بأنه إن كان سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على(3) الشيخ في

ص: 273


1- فقد ذهب ابن الصلاح في المقدمة: 353 إلى أنه: الأظهر المنع من ذلك. و خالفه البلقيني في محاسن الاصطلاح المطبوع ذيل المقدمة. انظر: الفائدة العاشرة من فوائد الباب. و ذهب الخطيب إلى الاستحباب في بيانه كما قاله في فتح المغيث: 265/2. و كما يستحب ذلك يستحب بيان ما فيه من دلالة لمزيد ضبط و اتقان، كتكرر سماعه للمروي مثلا.
2- كما حكاه عنه غير واحد كالسيوطي في التدريب: 121/2، و السخاوي في فتح المغيث: 259/2، و غيرهما. و هو عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير البصروي الدمشقي الشافعي المعروف ب: ابن كثير (701-774 ه) محدث مؤرخ، مفسر فقيه، له مختصر علوم الحديث، و التفسير، و البداية و النهاية و غيرها. انظر عنه: شذرات الذهب: 231/6، النجوم الزاهرة: 123/11، الأعلام: 318/1، و غيرها. و يحتمل ضعيفا أن يكون ولده محمد (759-803 ه).
3- كذا، الظاهر: من أو عن.

ذلك المجلس أو غيره جاز و إلا فلا.

ثم بناء على الجواز فقد قيل أنه بطريق الإجازة القوية الأكيدة من جهات عديدة فيما لم يذكره الشيخ، فجاز لهذا مع كونه أوّله سماعا ادراج الباقي عليه، و لا يفتقر إلى إفراده بالإجازة.

المطلب الثالث عشر: اذا روى حديثا عن رسول اللّه (ص) حاز رواية المتحمل عن النبي (ص) و كذا العكس

ان الشيخ إذا روى حديثه عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فالأظهر جواز رواية المتحمل للحديث ذلك عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و هكذا العكس، فيجوز تبديل أحد التعبيرين بالآخر، و حكي عن بعض محدثي العامة المنع من ذلك(1)، و إن جازت الرواية بالمعنى، لاختلاف معنى النبي و الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، لأن الرسول من اوحي إليه للتبليغ، و النبي من اوحي إليه للعمل فقط.

و فيه: ان اختلاف معناهما بحسب المادة لا يضر بعد عدم اختلاف المعنى المقصود بهما هنا، و هو الذات الشريفة المتشخصة في الخارج، فإن المقصود نسبة القول إليه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)، و ذلك حاصل فيهما، و من هنا ظهر سقوط ما فصّل به ثالث(2) من جواز تغيير النبي (صلّى اللّه عليه

ص: 274


1- و هو ابن الصلاح في مقدمته: 355 مستدلا بأن المعنى هنا مختلف! بناء على عدم تساوي مفهومهما. و حكاه عنه النووي في التقريب و السيوطي في التدريب: 121/2، و رداه و كذا العراقي في الألفية و شارحها في الفتح: 263/2 و غيرهم.
2- و هو بدر بن جماعة كما قاله في فتح المغيث: 264/2، و السيوطي في تدريب الراوي: 122/2، و استدلّ له بما لا محصل في نقله و ردّه.

و آله و سلّم) بالرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) دون العكس، لأن في الرسول معنى زائدا على النبي(1).

المطلب الرابع عشر: من كان في سماعه وهن أو ضعف لزم بيانه

انه إذا كان في سماعه بعض الوهن و الضعف فعليه بيان(2)حال الرواية، لأن في اغفاله نوعا من التدليس، و ذلك كأنّ

ص: 275


1- نعم يمكن الاستدلال له بحديث البراء بن عازب في الدعاء عند النوم. و فيه: و نبيك الذي أرسلت، فاعاده على النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) فقال: و رسولك الذي أرسلت فقال: لا، و نبيك الذي أرسلت. مفتاح كنوز السنة: 512 عن جملة مصادر. و انظر: صحيح البخاري - كتاب الوضوء - باب: 69/1:75 و 106/4 و 22/5، و كتاب الدعوات: باب 6 و غيره: 85/8 و 86 و 87 و 88 و 89 و غيرها و صحيح مسلم: كتاب الذكر و الدعاء: حديث 56 و 64 و 80 و 81، 2081/4-2091-2092-2710-2727-2728 و غيرها، سنن أبي داود: كتاب الأدب: 306/4 و 307 و 308، الترمذي في كتاب الدعوات: 468/5 و 472 و 476 و 478 و 481 و 538 و 539 و 565، و النسائي في كتاب السهو باب 74/3:91 و ابن ماجة في كتاب الدعاء: 1274/2، الدارمي، كتاب الاستئذان: 54 و 55، 292/2، و أحمد بن حنبل في مسنده: 95/1 و 106 و موارد متعددة، و الموطأ حديث 93 و 708 و غيرها. و فيه: - بالإضافة إلى ما ذكره الشيخ الجد (قدس سره) هنا - فلعله من باب أن الفاظ الذكر و الدعاء توقيفية على الأقوى، و قد يكون في اللفظ سر لا يحصل بغيره، و قد مرّ تفصيل ذلك في جواز نقل الحديث بالمعنى، فراجع.
2- الظاهر: بيانه.

يسمع من غير أصل أو يحدّث هو أو الشيخ وقت القراءة، أو يحصل نوم أو نسخ، أو يسمع بقراءة مصحّف أو لحّان و كان التسميع بخط من فيه نظر، و منه إذا حدثه من حفظه في المذاكرة لتساهلهم فيها، فليقل حينئذ حدثنا في المذاكرة و..

نحوه، بل منع جمع من أئمة الحديث(1) التحمل حال المذاكرة للتساهل المعتاد حالها، و لأن الحفظ خوان.

المطلب الخامس عشر: من تحمل حديثا عن رجلين أحدهما ثقة و الآخر مجروح

اشارة

إذا تحمل حديثا واحدا عن رجلين أحدهما ثقة و الآخر مجروح، فالأولى أن يذكر ما سمعه من كل منهما، لجواز أن يكون فيه شيء لأحدهما لم يذكره الآخر، و إن اقتصر على رواية الثقة لم يكن به بأس. و قد حكي(2) عن مسلم بن الحجاج أنه كان في مثل هذا يذكر الثقة و يسقط المجروح و أشار إليه بقوله: و آخر.

من تحمل بعض حديثا عن شيخ و بعضه عن آخر لم يجز إن يرويه جميعا عن احدهما

و إذا سمع بعض حديث عن شيخ و بعضه عن شيخ آخر لم يجز له أن يروي جميعه عن أحدهما، بل يروي كلا من البعضين عن صاحبه، و لو روى الجملة عنهما مبينا أن بعضه

ص: 276


1- منهم عبد الرحمن بن المهدي، و أبو زرعة الرازي، و ابن المبارك كما عدهم كذلك ابن الصلاح في المقدمة: 7-356، و السيوطي في التدريب: 123/2 و السخاوي في فتح المغيث: 266/2.
2- كما حكاه الخطيب، و نقله السيوطي عنه و عن مسلم في تدريبه: 124/2، و السخاوي في فتحه: 266/2 و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 357. و انظر: الكفاية للخطيب: 8-536.

عن أحدهما و بعضه الآخر عن الآخر غير مميز لما سمعه من كل شيخ عن الآخر جاز، و صار الحديث لذلك مشاعا بينهما، حيث لم يبين مقدار ما روى منه عن كل منهما، فإذا كانا ثقتين فالأمر سهل، لأنه يعمل به على كل حال(1)، و إن كان أحدهما مجروحا لم يحتج بشيء منه، إذ ما من جزء منه إلا و يجوز أن يكون عن ذلك المجروح، حيث لم يبين مقدار ما رواه عن كل واحد منهما ليحتج بالخبر الذي رواه عن الثقة إن أمكن و يطرح الآخر. و على هذا فيلزمه أن ينسب كل بعض إلى صاحبه حتى لا يسقط ما رواه عن الثقة عن الحجية بسبب الاشتباه بما رواه عن غير الثقة، و قد يتعطل لذلك حكم اللّه المتعال لانحصار طريق الحكم فيما رواه عن الثقة، كما لا يخفى(2).

ص: 277


1- قال في وصول الأخيار: 187 [التراث: 191] إذا قال الراوي حدثني فلان أو فلان و هما عدلان احتج به، و إلا فلا، و كذا لا يحتج به إذا قال فلان أو غيره، و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 358، و قال العراقي في ألفيته أنه أخف، و قرّره الشارح السخاوي: 268/2. أقول: إذا تقرر صحة المجروح فالظاهر عدم صحة الاقتصار عليه، لما قد ينشأ عنه تضعيف المتن و عدم الاحتجاج به للقاصر أو المشروح، مع ما فيه من الضرر و اللبس.
2- انظر مستدرك رقم (233) فوائد الباب.

ص: 278

المقام الخامس في آداب التحديث و المحدث و طالب الحديث: و فيه موضعان:

اشارة

فيما لم يسبق ذكره من آداب التحديث و المحدث و طالب الحديث.

و فيه موضعان:

الموضع الأول: في آداب التحديث و المحدث .

اشارة

الموضع الأول: في آداب التحديث و المحدث(1).

ص: 279


1- لا ريب في أهمية مقام التحديث و رفعته لما له من خلافة المعصوم (عليه السّلام) في بيان الأحكام و تبليغها، و قد أولوه المحدثين غاية الأهمية نقدا و تمحيصا، و للتوسع راجع: مقدمة ابن الصلاح: 96-105 بل عدّه نوعا مستقلا من أنواع الحديث - و هو السابع و العشرون -: معرفة آداب المحدث [بنت الشاطئ: 359-367] و دراية الدربندي: 36 - خطي -، و المقابيس: 22 - خطي -، معرفة علوم الحديث: 6-140 تدريب الراوي: 131/2 و ما بعدها، اختصار علوم الحديث: 170 - 178، المحدث الفاصل فقره: 825-836، و حكاه عنه في اصول الحديث: 439-449، و عن جامع بيان العلم: 105/1، الجامع لأخلاق الراوي و المروي: 114 و ما بعدها، تذكرة السامع و المتكلم: 38 و ما بعدها، فتح المغيث - شرح الألفية -: 272/2-310 و غيرها من المصادر التي سنوافيك بها.

و هي امور:

منها: التطهير لمجلس الحديث

فمنها: أن يتطهر المحدّث إذا أراد حضور مجلس التحديث و يتطيب و يتبخر و يستاك(1) و يسرح لحيته للتأكيد فيها

ص: 280


1- قال الغزالي في كتاب الأدب في الدين: 5 - كما حكاه القاسمي في قواعد التحديث: 233 - في آداب المحدث: يقصد الصدق، و يجتنب الكذب و يحدّث بالمشهور، و يروي عن الثقات، و يترك المناكير، و لا يذكر ما جرى بين السلف!!؟ و يعرف الزمان و يتحفظ من الزلل و التصحيف و اللحن و التحريف، و يدع المداعبة، و يقل المشاغبة - و يشكر النعمة - إذ جعل في درجة الرسول (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلم) - و يلزم التواضع، و يكون معظم ما يحدث به ما ينتفع المسلمون به من فرائضهم و سننهم و آدابهم في معاني كتاب ربهم عزّ و جلّ! و لا يحمل علمه إلى الوزراء، و لا يغشى أبواب الامراء، فإن ذلك يزري بالعلماء، و يذهب بهاء علمهم إذا حملوه إلى ملوكهم و مياسيرهم، و لا يحدّث بما لا يعلمه في أصله، و لا يقرأ عليه ما لا يراه في كتابه، و لا يتحدث إذا قرئ عليه، و يحذر أن يدخل حديثا في حديث... أقول: جملة من هذه الشروط أخلاقية، و بعضها الزامي، و لم نفهم وجه الباقي، فتدبر. و لعل عمدة الشروط تصحيح النية و تطهير القلب من أعراض الدنيا و أدناسها لما فيه من خيلاء في القلب، و ليكن غايته و همّه نشر الحديث و التبليغ عن بيت العصمة سلام اللّه عليهم.. إلى غير ذلك مما سنوافيك به في كلمات شيخنا الجد (قدس سره) و غيره. و هذه الشروط في المحدّث و المحدّث و قد غفل مولانا المصنف (رحمه اللّه) عن هذه الشروط و لعله أهملها لوضوحها أو كونها شرطا في كل عبادة.

عند العبادات التي منها التحديث و التحدث، و يجلس المحدّث في صدر مجلسه متمكنا في جلوسه بوقار و هيبة(1) و لا يحدث محدثا و لا مضطجعا لأنه خلاف الأدب، و لا يقوم في أثناء التحديث لأحد، فقد قيل: انه إذا قام القارئ لحديث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) لأحد فإنه يكتب عليه بخطيئة(2)، و إن رفع أحد صوته في المجلس زجره و انتهره، فإن اللّه تعالى يقول: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اَلنَّبِيِّ (3)، فمن رفع صوته عند حديثه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فكأنما رفع صوته فوق صوته، و أن يقبل على الحاضرين كلهم، و يفتتح مجلسه بالبسملة و حمد اللّه تعالى و الصلاة على النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و دعاء يليق بالحال بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئا من القرآن، و أن لا يسرد الحديث سردا عجلا يمنع فهم بعضه(4).

منها: ان لا يتحدث بحضرة من هو اولى منه

و منها: أن لا يحدّث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو

ص: 281


1- و ان يكون مستدبرا للقبلة ليستقبلها الطلاب لأنهم أكثر منه، كحال القضاء و إن قال غير واحد أنه يلزم أن يكون مستقبلا للقبلة كما في فتح المغيث: 277/2.
2- كما قاله النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: 131/2، و العراقي في الألفية، و شارحه في الفتح: 275/2 و 290/2 و غيرهم.
3- الحجرات: 2.
4- كما في اصول الحديث: 440، و قواعد التحديث: 234-235 و غيرهما، و أضاف في الأول كون المحدث: حسن الأخلاق، حميد السيرة، جميل الشيم.

علمه أو كونه أعلى سندا أو سماعه متصلا، بل كره بعضهم(1)التحديث في بلد فيه أولى منه، و إن كان هو كما ترى.

منها: أنه إذا طلب منه ما يعلمه عند ارجح منه أن يرشد إليه

و منها: أنه إذا طلب منه ما يعلمه عند ارجح منه أن يرشد إليه، فإن الدين النصيحة(2).

منها: ان لا يمتنع من تحديث أحد

و منها: أن لا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية، فإنه يرجى له صحتها بعد ذلك، فقد ورد الأمر بطلب العلم و لو لغير اللّه تعالى. فإنه يدعو إلى اللّه تعالى(3).

منها: الحرص على نشر الحديث

و منها: الحرص على نشر الحديث مبتغيا جزيل أجره، فقد وردت أوامر أكيدة بنشره و اشاعته(4).

منها: عقد مجلس الاملاء

و منها: أن يعقد المحدث العارف مجلسا لإملاء الحديث، فإنه أعلى مراتب الرواية، و السماع فيه أحسن وجوه التحمل و أقواها، و يتخذ مستمليا محصلا متيقظا يبلغ عنه إذا كثر

ص: 282


1- و هو يحيى بن معين - كما نص عليه السيوطي في تدريب الراوي: 129/2 و قال عنه: من فعل ذلك فهو أحمق! و قد أخذه من ابن الصلاح في المقدمة: 362.
2- كذا نص عليه النووي و شارحه في تدريبه: 129/2، و العراقي في الألفية و شارحها في فتحه: 288/2، و غيرهم.
3- انظر منية المريد - للشهيد الثاني -: 76، تحفة العالم في شرح خطبة المعالم: 165/2 و غيرها، و يعارضها مرويات وردت في المقام منها ما جاء في بحار الأنوار: 260/2 الباب التاسع: استعمال العلم و الإخلاص في طلبه، و تشديد الأمر على العالم، و لا بد من الجمع بينهما.
4- سلفت منا جملة منها، و فصّل القول بها صاحب شرح الألفية: 275/2 و ما بعدها.

الجمع، و إن كثر الجمع بحيث لا يكفي مستملي واحد اتخذ مستمليين فأكثر(1)، و يستملي مرتفعا على كرسي و نحوه، و إلا فقائما على قدميه ليكون أبلغ للسامعين.

و على المستملي تبليغ لفظ المملى و اداؤه على وجهه من غير تغيير، و فائدة المستملي تفهيم السامع لفظ المملي على بعد ليتحققه بصوته، و أما من لم يسمع إلا المبلّغ فلا يروي عن المملي إلا أن يبيّن الحال كما مرّ.

و ينبغي أن يستنصت المستملي أهل المجلس حيث احتيج إلى الاستنصات، و أن يدعو للشيخ المملي إذا أراد استفسار شيء منه بقوله: رحمك اللّه، أو رضي عنك و..

شبهه(2).

منها: غير ذلك

و منها: أن لا يترك المحدث عند ذكر اللّه تعظيمه و لا عند ذكر الأئمة (عليهم السّلام) التسليم عليهم.

و منها: أن يحسن المحدث الثناء على شيخه حال الرواية عنه بما هو أهله، و يعتني بالدعاء له، و يجمع في الشيخ بين اسمه و كنيته، لأنه أبلغ في اعظامه، و لا بأس بذكر من يروي عنه بلقب أو وصف أو حرفة أو أمّ عرف بها - إذا قصد تعريفه لا عيبه -.

ص: 283


1- قال السمعاني في أدب الإملاء و الاستملاء: 96:.. و مع كثرة الزحام ينبغي أن يزاد من المستملي حتى يبلغ بعضهم بعضا.
2- انظر مستدرك رقم (209) الأمالي، المار سابقا.

و منها: أن يجمع المملي في املائه الرواية ذكر جميع شيوخه و لا يقتصر على شيخ واحد، مقدما أرجحهم بعلو سنده و غيره، و لا يروي إلا عن ثقاة من شيوخه دون كذاب أو فاسق أو مبتدع، و يروي عن كل شيخ حديثا واحدا في مجلس، و يختار من الأحاديث ما علا سنده و قصر متنه و كان في الفقه أو الترغيب.

و منها: أن يتحرى المستفاد من الحديث الذي يرويه و ينبّه على صحته أو حسنه أو ضعفه أو علته إن كان معلولا، و على ما فيه من علو في الإسناد و فائدة في الحديث أو السند كتقديم تاريخ سماعه و انفراده عن شيخه، و كونه لا يوجد إلا عنده، و ضبط مشكّل في الأسماء أو غريب أو معنى غامض في المتن.

و منها: أن يجتنب من الأحاديث ما لا يحتمله عقول السامعين و ما لا يفهمونه(1)، كأحاديث الصفات لما لا يؤمن

ص: 284


1- لما رواه الكليني في الكافي - الاصول: 23/1 حديث 15 - الروضة: 268/8 الحديث: 394 و غيره عن الصادق (عليه السّلام) من أنه قال: ما كلّم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) العباد بكنه عقله قط، و قال: انا معاشر الأنبياء امرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم. و جاء الحديث بمضامين مختلفة، لاحظ الخصال للشيخ الصدوق: 15/1، و وسائل الشيعة: 471/11 حديث 4، و المجلد الرابع منه أبواب صلاة الجماعة باب 6، و غيرها. و نزّل المحدث منزلته (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و نص عليه كل من تعرض للآداب كالعراقي في ألفيته و شارحها في فتحه: 306/2، و استدل له بقول علي (عليه السّلام): حدّثوا الناس بما يعرفون و دعوا ما ينكرون، أ تحبون أن يكذّب اللّه و رسوله؟!

عليهم من الخطأ و الوهم و الوقوع في التشبيه و التجسيم.

و منها: أن يختم الإملاء بحكايات و نوادر و انشادات بأسانيدها، و أولاها ما كان في الزهد و الأدب و مكارم الأخلاق(1).

و منها: أنه إذا قصر المحدث عن تخريج الإملاء لقصوره عن المعرفة بالحديث و علمه و اختلاف وجوهه أو اشتغل عن تخريج الإملاء استعان ببعض الحفاظ في تخريج الأحاديث التي يريد املاءها قبل يوم مجلسه.

و منها: أنه إذا فرغ من الإملاء قابله و اتقنه لإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم و طغيانه.. إلى غير ذلك من الآداب.

ص: 285


1- لما روى عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) - كما نقله الكليني (رحمه اللّه) عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري رفعه - من أنه قال: روحوا أنفسكم ببديع الحكمة فإنها تكلّ كما تكلّ الأبدان. انظر: الكافي - الاصول: 48/1 حديث 1، و رواه الخطيب - كما حكاه في التدريب: 138/2 - عنه (عليه السّلام): روحوا القلوب و ابتغوا لها طرف الحكمة. و نقله في اصول الحديث: 108-109، و فتح المغيث: 308/2، و غيرها.

ص: 286

الموضع الثاني: في آداب طالب الحديث .

الموضع الثاني: في آداب طالب الحديث(1).

و هي امور:

فمنها: تصحيح النية و الإخلاص للّه تعالى في طلبه، و الحذر من التوصل به إلى أغراض الدنيا، فقد روى مسندا عن مولانا الصادق (عليه السّلام) أنه قال: من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب(2).

ص: 287


1- و هي كثيرة جدا قال الغزالي في كتاب الأدب في الدين: 5 - و حكاه القاسمي في قواعد التحديث: 233 - في آداب طالب الحديث: يكتب المشهور، و لا يكتب الغريب، و لا يكتب المناكير، و يكتب عن الثقاة، و لا يغلبه شهرة الحديث على قرينه، و لا يشغله طلبه عن مروءته و صلاته، و يجتنب الغيبة، و ينصت للسماع، و يلزم الصمت بين يدي محدثه، و يكثر التلفت عنه اصلاح نسخته! و لا يقول سمعت و هو ما سمع، و لا ينشره لطلب العلو فيكتب من غير ثقة، و يلزم أهل المعرفة بالحديث من أهل الدين، و لا يكتب عمّن لا يعرف الحديث من الصالحين.. إلى آخره. و أنت خبير بما في هذه الآداب من تسامح مبنا و بناء. و فصّلها غير واحد كما في المقدمة لابن الصلاح: النوع الثامن و العشرون: 368-377، و شرح ألفية النووي للسخاوي: 311/2-346. و لا يخفى: أن جملة مهمة من هذه الآداب حرية بكل مؤمن، و لازمة لكل متدين؛ فضلا عن طالب الحديث و سالكه، و هي شرط الإيمان قبل أن تكون لطالب الحديث.
2- أصول الكافي: 46/1 حديث 2، و حكاه في الوسائل: 53/18 حديث 4، و في ذيله: و من أراد به خير الآخرة أعطاه اللّه خير الدنيا و الآخرة. و بهذا المضمون رواية عامية راجع سنن ابن ماجة: 92/1، و المقدمة: 368، و غيرهما، بل ان ملازمة التقوى و مكارم الأخلاق و التواضع و محاسن الشيم ضرورية لطالب الحديث و حامله، مع ما يلزمه من تطهير القلب من دنس المباهات و رجس الممارات كما مر قريبا، فقد روى الكليني (رحمه اللّه) باسناده عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنه قال: من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار!. و ذكره العلامة المجلسي في بحار الأنوار: 38/2 حديث: 65. و عن علي بن إبراهيم رفعه إلى أبي عبد اللّه (عليه السّلام) أنه قال: طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم و صفاتهم: صنف يطلبه للجهل و المراء، و صنف يطلبه للاستظهار: (خ. ل: للاستطالة) و الختل، و صنف يطلبه للفقه و العقل، فصاحب الجهل و المراء مؤذ ممار متعرض للمقال في أندية الرجال بتذاكر العلم و صفة الحلم، قد تسربل بالخشوع و تخلى من الورع فدق اللّه من هذا خيشومه و قطع منه حيزومه. و صاحب الاستطالة و الحيل (خ. ل: الختل) ذو خب و ملق يستطيل على مثله من أشباهه، و يتواضع للأغنياء من دونه، فهو لحلوائهم هاضم و لدينه حاطم، فأعمى اللّه على هذا خبره، و قطع من العلماء أثره. و صاحب الفقه و العقل ذو كآبة و حزن و سهر، قد تحنك في برنسه، و قام الليل في حندسه، يعمل و يخشى و جلا داعيا (خ. ل: راغبا) مشفقا مقبلا على شأنه عارفا بأهل زمانه، مستوحشا من أوثق اخوانه، فشد اللّه من هذا أركانه، و أعطاه يوم القيامة امانه. الكافي - الاصول: 49/1 حديث: 5. اللهم اجعلنا منهم و احشرنا معهم، آمين رب العالمين.

و منها: أن يسأل اللّه تعالى التوفيق و التسديد لذلك، و التيسير و الإعانة عليه.

و منها: أن يستعمل الأخلاق الجميلة و الآداب الرضية

ص: 288

و يجتنب الأخلاق الردية الرذيلة.

و منها: أن يفرغ جهده في تحصيله و يغتنم امكانه، و يجتنب الكسل و التملل و التثاقل.

و منها: أن يبدأ بالسماع عن أرجح شيوخ بلده إسنادا و علما و تقوى و دينا و غيره إلى أن يفرغ منهم، و يبدأ بإفرادهم، و يأخذ من كل منهم ما تفرد به، فإذا فرغ من مهماتهم و سماع عواليهم فليرحل إلى سائر البلدان على عادة الحفاظ المبرزين و لا يرحل قبل ذلك، فإن المقصود بالرحلة أمران:

أحدهما: تحصيل علو الإسناد و قدم السماع.

و الثاني: لقاء الحفاظ و المذاكرة لهم و الاستفادة منهم(1)، فإذا كان الأمران موجودين في بلده و معدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة، أو موجودين في كل منهما فليحصّل حديث بلده ثم يرحل، و إذا عزم على الرحلة فلا يترك أحدا في بلده من الرواة إلا و يكتب عنه ما تيسر من الأحاديث، فقد قيل: ضيّع ورقة و لا تضيّع شيخا(2).

ص: 289


1- حكى عن الخطيب في الكفاية كما عن السيوطي في تدريبه: 142/2 و غيره، و لم اظفر به، و نص عليه في الألفية و تبعه في فتح المغيث مسهبا: 313/2 و ما بعدها.
2- هذا في الصدر الأول، و اليوم بعد انحصار الأحاديث غالبا بالاصول الخمسة المشهورة و المصنفات المعروفة - يلزم المحافظة عليها كتابة و تصحيحا و تحقيقا و ضبطا. انظر: المستدرك السالف رقم (223) الرحلة في طلب الحديث.

و منها: أن يستعمل ما يسمعه من أحاديث العبادات و الآداب و فضائل الأعمال، فذلك زكاة الحديث و سبب حفظه(1).

و منها: أن يعظّم شيخه و من يسمع منه(2) فإن ذلك من اجلال العلم و أسباب الانتفاع به، و أن يتحرى رضاه و يحذر سخطه، و لا يطيل الكلام معه بحيث يضجره(3)، بل يقنع بما يحدثه به، فإن الإضجار يغيّر الأفهام، و يفسد الأخلاق، و يحيل

ص: 290


1- كما دلّت عليه جملة من النصوص و الروايات و نصّ عليه جمهور علماء الدراية لاحظ المقدمة: 380، و فتح المغيث: 317/2-319 و غيرهما.
2- فعن الصادق (عليه السّلام) - كما في الكافي - الاصول -: 36/1 حديث: 1 و غيره - اطلبوا العلم، و تزينوا معه بالحلم و الوقار، و تواضعوا لمن تعلمونه العلم، و تواضعوا لمن طلبتم منه العلم، و لا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم. و قد جاء من طرق العامة و الخاصة في تبجيل و توقير كبرائنا - فضلا عن الشيخ و المعلم الذي هو منزّل بمنزلة الوالد و أعظم - ما لا يحصى.
3- روى عن أبي عبد اللّه الصادق سلام اللّه عليه مرسلا أنه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): إن من حق العالم ألا تكثر عليه السؤال و لا تأخذ بثوبه، و إذا دخلت عليه و عنده قوم فسلّم عليهم جميعا و خصّه بالتحية دونهم، و اجلس بين يديه و لا تجلس خلفه و لا تغمز بعينك، و لا تشر له بيدك، و لا تكثر من القول قال فلان و قال فلان خلافا لقوله، و لا تضجره بطول صحبته... و العالم أعظم أجرا من القائم الغازي في سبيل اللّه: اصول الكافي: 37/1 حديث 1. و قاله في منية المريد: 106، و جاء بألفاظ متعددة.

الطباع، و يخشى على فاعله أن يحرم من الانتفاع.

و منها: أن يستشير شيخه في اموره التي تعرض له، و في كيفية اشتغاله و ما يشتغل به، و على الشيخ نصحه في ذلك.

و منها: أنه إذا ظفر بسماع لشيخ يرشد إليه غيره من الطلبة، فإن كتمانه عنهم لؤم يقع فيه جهلة الطلبة.

و منها: أن يحذر كل الحذر من أن يمنعه الحياء أو الكبر من السعي التام في تحصيل العلم ممن دونه في نسب أو سن أو... غير ذلك.

و منها: أن يصبر على جفاء شيخه، و أن يعتني بالمهم، و لا يضيّع وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد اسم الكثرة وصيتها، فإن ذلك شيء لا طائل تحته.

و منها: أن يكتب و يسمع ما يقع له من كتاب أو جزء بكماله و لا ينتخب، فربّما احتاج بعد ذلك إلى رواية شيء منه لم يكن فيما انتخبه فيندم، و إن احتاج إلى الانتخاب لكون الشيخ مكثرا و في الرواية عسرا، أو كون الطالب غريبا لا يمكنه طول الإقامة تولاه بنفسه و انتخب عواليه و ما تكرر من رواياته و ما لا يجده عند غيره، فإن قصر عنه لقلّة معرفته استعان عليه بحافظ، و يعلّم في الأصل على أول اسناد الأحاديث المنتخبة بخط عريض أحمر أو بصاد ممدودة أو بطاء ممدودة أو.. نحو ذلك، و فائدته لأجل المعارضة أو لاحتمال ذهاب الفرع فيرجع إليه.

ص: 291

و منها: أن لا يقتصر من الحديث على سماعه و كتبه دون معرفته و فهمه، فيكون قد اتعب نفسه من غير أن يظفر بطائل، و ليتعرف أيضا صحته و حسنه و ضعفه و فقهه و معانيه و لغته و اعرابه و أسماء رجاله محققا ذلك كله معتنيا باتقان مشكلها حفظا و كتابة، و ليذاكر بمحفوظه و يباحث أهل المعرفة، فإن المذاكرة تعين على دوام الحفظ(1).

و منها: أن يشتغل بالتخريج و التصنيف إذا تأهل له مبادرا إليه و ليعتن بالتصنيف في شرحه و بيان مشكله متقنا واضحا، فقلّما تمهر في علم الحديث من لم يفعل هذا.

و قد قيل(2): انه لا يتمهر في الحديث و يقف على

ص: 292


1- بل روى عن طريقنا مرفوعا إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أنه قال: تذاكروا و تلاقوا و تحدثوا، فإن الحديث جلاء القلوب، إن القلوب لترين كما يرين السيف و جلاؤها الحديث. اصول الكافي: 41/1 حديث 8، بل يحرص على العمل بما سمع من الأحاديث من عبارات و سنن و آداب، بل أنهم كانوا يستعينون على حفظ الحديث بالعمل به، و أن زينة العلم العمل به، و زكاته تعليمه و سبب لقراره و حفظه و يؤكد التوفيق. فقد روى عن صادق آل البيت (عليهم السّلام) أنه قال: العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل و من عمل علم، و العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه و إلا ارتحل عنه، الكافي - الاصول: 44/1 حديث 2. و عنه (عليه السّلام): من تعلم العلم و عمل به و علّم للّه دعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل تعلّم للّه و عمل للّه و علّم للّه. اصول الكافي: 35/1 حديث 6.. إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.
2- القائل الخطيب البغدادي كما حكاه السيوطي في التدريب: 153/2، و فتح المغيث: 9/2-338، و فيه: قلّ ما يتمهر، مع فرق يسير و سقط.

غوامضه و يستبين الخفي من فوائده إلا من جمع متفرقه و ألّف متشتته(1)، و ضمّ بعضه إلى بعض، فإن ذلك مما يقوي النفس و يثبت الحفظ، و يذكّي القلب و يشحذ الطبع و يبسط اللسان، و يجيد البيان، و يكشف المشتبه، و يوضح الملتبس، و يكسب أيضا جميل الذكر، و يخلده إلى آخر الدهر، كما قال الشاعر:

يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم و الجهل يلحق أمواتا بأموات(2).

و ليحذر من اخراج تصنيفه من يده إلا بعد تهذيبه و تحريره و تكرير النظر فيه، و ليحذر من التصنيف من لم يتأهل له و إلا ضرّه في دينه و علمه و عرضه.

و ينبغي أن يتحرى في تصنيفه العبارات الواضحة و الاصطلاحات المستعملة، و لا يبالغ في الإيجاز بحيث يفضي إلى الاستغلاق، و لا في الإيضاح بحيث يؤدي إلى الركاكة،

ص: 293


1- الظاهر: مشتته، و هو في التدريب كذلك و إن صح قولهم: متشتته كما في بعض النسخ.
2- و في نسخة ذيل البيت هكذا: و الجهل يجعل احياء كاموات، و الموجود موافق لما في شرح ألفية العراقي. و نحوه قول الحسن البصري: العلم أفضل شيء أنت كاسبه فكن له طالبا ما عشت مكتسبا و الجاهل الحي ميت حين تنسبه و العالم الميت حي كلّما نسبا و منها: أن يتحمل من الشيوخ الثقات. و منها: أن لا يتتبع الأحاديث الغريبة و المنكرة. انظر: مستدرك رقم (234) طرق درس الحديث.

و ليكن تصنيفه فيما يعمّ الانتفاع به و يكثر الاحتياج إليه...(1)

و إلى غير ذلك من الآداب ذكرناها على وجه الإيجاز، و من أراد شرح ذلك كلّه فليراجع منية المريد في آداب المفيد و المستفيد للشيخ الشهيد الثاني - أعلى اللّه تعالى مقامه - فإنه قد استوفى المقال، و استقصى الحال، جزاه اللّه تعالى عنّا و عن الإسلام و المسلمين خيرا(2).

ص: 294


1- كما ينبغي لطالب الحديث ترك رواية ما يشك في صحته إلا أن يبيّن حاله، كما روى عن الباقر (عليه السّلام) أنه قال: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، و تركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه. وسائل الشيعة: 126/18 حديث: 50 و 112/18 حديث: 2.
2- و قد تبع الشهيد الثاني (رحمه اللّه) تلميذه الشيخ عز الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي والد الشيخ البهائي. في كتابه: نور الحقيقة و نور الحديقة، حيث عقد الباب الثالث منه في الكتابة و آدابها: 107 الطبعة الاولى سنة 1403 و عدّ اثنان و عشرون فصلا من الباب الثاني في العلم. و قد صنف الخطيب البغدادي كتابا حافلا لأدب الشيخ و الطالب - المحدث و السامع - سماه: الجامع لآداب الراوي و أخلاق السامع، و هو أوّل كتاب صنف في هذا الباب مستقلا، ثم صنف أبو سعد السمعاني كتابه: آداب الإملاء و الاستملاء - و قد نقلت عنه في المستدرك بحث الأمالي - و للحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي المتوفى سنة 409 كتاب: آداب المحدثين، ذكره في كشف الظنون: 43/1 و غيرها.

الفصل الثامن في أسماء الرجال و طبقاتهم و ما يتصل به:

اشارة

و هو فنّ مهم يعرف به المرسل و المتصل، و مزايا الإسناد، و يحصل به معرفة الصحابة و التابعين و تابعي التابعين إلى الآخر.

فهنا مطالب:

المطلب الاول: ما هو حد الصحابي و التابعي و المخضرم

اشارة

الأول: أنه وقع الخلاف في حدّ الصحابي و التابعي و المخضرمي(1).

ص: 295


1- كل واحد من هذه الثلاثة يعد فنا من فنون علم الحديث أفرد بالذكر، خصوصا الأولان، فيقال: فن معرفة الصحابة. و هو من مقدمات الشروع في علم الرجال و طبقات العلماء و ما يتصل بذلك. و معرفة الصحابة فنّ جليل فائدته تمييز المرسل و الحكم لهم بالعدالة - عندهم - و غير ذلك، و لهم تصانيف كثيرة مستقلة في ذلك، و قيل: أول من صنف فيه علي بن المديني في كتابه: معرفة من نزل من الصحابة في خمسة أجزاء. و عدّ في فتح المغيث: 84/3 أكثر من أربعين مصنف في هذا الفن إلى زمانه.

تعريف الصحابي

اشارة

أما الصحابي: ففي حدّه أقوال:

أحدها: ما عن أصحاب الاصول(1) من أنه من طالت مجالسته مع النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) على طريق التتبع له(2) و الأخذ عنه، بخلاف من وفد إليه و انصرف بلا مصاحبة و لا متابعة(3)، قالوا: و ذلك معنى الصحابي لغة.

و ردّ(4) باجماع أهل اللغة على أنّه مشتق من الصحبة، لا من قدر منها مخصوص، و ذلك يطلق على كل من صحب غيره قليلا كان أو كثيرا، يقال صحبت فلانا حولا أو شهرا أو يوما أو ساعة(5).

ص: 296


1- و أول من قال به أبو المظفر السمعاني كما حكاه ابن الصلاح في المقدمة: 423، و نسبه إلى طريق الاصوليين.
2- الظاهر: التبع له.
3- إلا أن البلقيني في محاسن الاصطلاح - ذيل المقدمة - أضاف له قوله: و قيل: لا بد من رواية حديث أو حديثين. و قريب من قول أصحاب الاصول ما ذهب إليه أنس بن مالك و سعيد بن المسيب - كما نص عليه في فتح المغيث: 31/4-33، و أصول الحديث: 389، و دراية الدربندي: 37 - خطي - و غيرهم. و الظاهر المغايرة كما سيأتي من المصنف (رحمه اللّه).
4- كما في تدريب الراوي تبعا للتقريب: 211/2، و غيرهما.
5- لا شك أن هذا ليس معنى الصحابي اصطلاحا، بل هو لفظ منقول كأكثر مصطلحات هذا العلم، انظر عن الصحابي بمعنى المعاشر كتب اللغة، كلسان العرب: 519/1، تاج العروس: 332/1، صحاح اللغة: 161/1، قاموس المحيط: 91/1.. و غيرها. قال ابن الأثير في جامع الاصول: 74/1 بعد تعريفه للصحابي: ثم الصحبة من حيث الوضع تنطبق على من صحب النبي (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلم) و لو ساعة، و لكن العرف يخصص الاسم بمن كثرت صحبته، و لا حدّ لتلك الكثرة بتقدير، بل بتقريب.

ثانيها: ما عن سعيد بن المسيب(1) من أنه كان لا يعدّ صحابيا إلا من أقام مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) سنة أو سنتين، و غزى معه غزوة أو غزوتين(2). و علل بأن لصحبة النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) شرفا عظيما فلا تنال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السّفر - الذي هو قطعة من سقر - و السنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف بها المزاج.

و الجواب: أولا: بالنقض، بأن مقتضاه أن لا يعدّ جرير بن عبد اللّه البجلي و وائل بن حجر صحابيا، و لا خلاف في كونهما من الصحابة.

و ثانيا: بالحلّ، بأن ما ذكره اعتبار صرف لا يساعده اللغة، و لا دليل عليه من عقل و لا نقل(3).

ص: 297


1- هو أبو محمد سعيد بن مسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي (13-94 ه) سيد التابعين، و أحد الفقهاء السبعة في المدينة، عرف بالحديث و الفقه و الزهد. انظر عنه: حلية الأولياء: 161/2، الوفيات: 206/1، طبقات ابن سعد: 88/5 عن الأعلام: 155/3 و غيرها.
2- قاله الخطيب في الكفاية: 50-51، و الباعث الحثيث: 203، و ابن الصلاح في المقدمة: 424 و غيرهم، و قال السخاوي في شرح الألفية: 94/3: و هو الأشهر، و الأول هو مذهب أهل المدينة.
3- هذا مع عدم ثبوت النسبة إلى سعيد بن المسيب، لأن في الإسناد محمد بن عمر الواقدي و قد ضعف في الحديث كما قاله العراقي، و حكاه في فتح المغيث: 94/3 و اصول الحديث: 387.

ثالثها: أنه من طالت صحبته و روى عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، حكي اختياره عن الجاحظ(1).

رابعها: أنه من رآه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بالغا، حكاه الواقدي(2)، و رمي بالشذوذ(3).

خامسها: أنه من أدرك زمنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)

ص: 298


1- بل حكي عن غير واحد كابن الصباغ في العدة، و أبو الحسين في المعتمد.. و غيرهم، قال صاحب الواضح: و هذا قول شيوخ المعتزلة، لاحظ شرح الألفية: 3/3-92 و قال: 95/3: و اشترط بعضهم مع طول الصحبة الأخذ. و هو عمرو بن يحيى الجاحظ أحد أئمة المعتزلة الذي قال فيه ثعلب: أنه غير ثقة و لا مأمون. و في المقدمة: 423 نسب للبخاري صاحب الصحيح في حدّه: من صحب النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) من المسلمين فهو من أصحابه. و أقول: الجاحظ هو أبو عثمان عمرو بن يحيى (بحر) بن محبوب الكناني بالولاء الليثي (163-255 ه) من كبار أئمة الأدب، معتزلي، رئيس فرقة الجاحظية، له جملة تصانيف غالبها في الأدب. انظر عنه: لسان الميزان: 355/4، تاريخ بغداد. 212/12، أمالي السيد المرتضى: 138/1، الوفيات: 388/1 و غيرها.
2- تلقيح فهوم أهل الأثر: 27 نقلا عن اصول الحديث: 386، و قاله الخطيب في الكفاية: 51 و غيرهم، و قاله الاموي و حكاه عن أحمد و أكثر أصحابهم و اختاره ابن الحاجب أيضا و لم يقيده بالبلوغ كما في فتح المغيث: 87/3 و لا بالقليل و الكثير.
3- قال العراقي: و التقيد بالبلوغ شاذ، كما في فتح المغيث: 92/3، و قاله غيره.

و هو مسلم و إن لم يره، حكي اختياره عن يحيى بن عثمان بن صالح المصري(1)، و ابن عبد البر(2) و ابن مندة(3)(4).

سادسها: أنه من تخصص بالرسول و تخصص به الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)(5).

و كلّ هذه الأقوال شاذة مردودة.

ص: 299


1- أبو زكريا السهمي حافظ اخباري، انظر عنه: الجرح و التعديل: 175/9، ميزان الاعتدال: 396/4، تهذيب التهذيب: 257/11، سير أعلام النبلاء: 354/13، و غيرهم.
2- الظاهر أنه مرّت ترجمة ابن عبد البر و هو أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي (368-463 ه) من حفاظ الحديث، عارف بالرجال، فقيه على مذهبه قاضي، له جملة مصنفات منها الاستيعاب في معرفة الصحابة و التمهيد.. و غيرهما. انظر عنه: وفيات الأعيان: 358/2 - و قيل: يوسف بن عمر بن عبد البر - الأعلام: 317/9، معجم المؤلفين: 315/13، مرآة الجنان: 89/3، تذكرة الحفاظ: 306/3، شذرات الذهب: 314/3 و غيرها.
3- هو محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن مندة أبو عبد اللّه العبدي الأصبهاني (310-395 ه) من حفاظ الحديث المكثرين في التصنيف، له جملة كتب منها في معرفة الصحابة و التاريخ و غيرها. انظر عنه: ميزان الاعتدال: 26/3، لسان الميزان: 70/5، تذكرة الحفاظ: 338/3، شذرات الذهب: 146/3، الأعلام: 253/6، معجم المؤلفين: 42/9 كلاهما عن عدّة مصادر.
4- كما حكاه في تدريب الراوي: 212/2.
5- و هو اختيار الماوردي، كما قاله السيوطي في التدريب: 213/2، و نسبه إلى غيره في فتح المغيث: 95/3 و قال: و إن لم يتعلم منه و لم يرو عنه.

سابعها: أنه كل مسلم رأى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم). وصفه بعضهم بالمعروفيّة بين المحدثين(1).

و نوقش فيه بأنه إن كان فاعل الرؤية الرّائي الأعمى كابن أم مكتوم و نحوه فهو صحابي بلا خلاف و لا رؤية له، و من رآه كافرا ثم أسلم بعد موته كرسول قيصر فلا صحبة له، و من رآه بعد موته (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قبل الدفن كأبي ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي فإنه لا صحبة له، و إن كان فاعلها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) دخل فيه جميع الامة، فإنه كشف له عنهم ليلة الإسراء و غيرها و رآهم(2).

و من هنا حدّه جمع من المحققين منهم الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية(3) بحد ثامن و هو: أنه من لقي النبي

ص: 300


1- كما قاله ابن الصلاح في مقدمته: 118 [بنت الشاطئ: 423] و تبعه في النقل النووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 208/2-209، و نقله الأخير عن البخاري، و كذا الباعث الحثيث: 201، و دراية الدربندي: 37 - خطي -، و ألفية العراقي و شرحها: 86/3، و غيرهم قال الأخير: على الأصح كما ذهب إليه الجمهور من المحدثين و الأصوليين و غيرهم. و قد اكتفوا هؤلاء بمجرد الرؤية و لو لحظة و إن لم يقع معها مجالسة و لا مماشاة و لا مكالمة.
2- كذا بنصه في شرح التقريب للسيوطي: 209/2. و يردّ عليه عكسا فيمن صحبه ثم ارتد كابن خطل و نحوه. أقول: لعل اطلاق الرؤية على الغالب، كما صرح به البلقيني في محاسن الاصطلاح - ذيل المقدمة -: 422، فتأمل.
3- البداية: 120، و سبقه ابن حجر في الإصابة: 10/1، و نسبه إلى رأي الجمهور في اصول الحديث: 387. و استظهره في نهاية الدراية: 121، و معين النبيه: خطي: 31، و حكاه في قواعد التحديث: 200 عن حصول المأمول: 65 و غيرهم.

(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) مؤمنا به(1) و مات على الإيمان و الإسلام و إن تخللت ردته بين كونه مؤمنا و بين موته مسلما على الأظهر(2)، مريدين باللقاء ما هو أعمّ من المجالسة و المماشاة و وصول أحدهما إلى الآخر، و إن لم يكالمه و لم يره بعينه، و غرضهم بالعدول من التعبير بالرؤية إلى التعبير باللقاء ادخال ابن ام مكتوم المانع عماه من رؤيته له (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و لعل من عبّر بالرؤية أراد الأعم من رؤية العين، كما يكشف عن ذلك عدم الخلاف في كون ابن ام مكتوم صحابيا(3)، و احترزوا بقيد الإيمان عمّن لقيه كافرا و إن أسلم بعد وفاته (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كرسول قيصر، و من رآه

ص: 301


1- و لو ساعة، سواء روى عنه أم لا، طالت مجالسته أم لا، و من غزا معه أو لم يغز، و من رآه رؤية و لم يجالسه و من لم يره.
2- مع تسالمهم أن ذلك خروجا عن المصطلح اللغوي، و كون اللغة تقتضي أن الصاحب هو من كثرت ملازمته. كما قالوا. و النصوص الواردة عن طريق العامة تدل على اثبات الفضيلة لمن لم يحصل منه إلا مجرد اللقاء القليل و الرؤية و لو مرة، و عليه فلا يشترط البلوغ أيضا لوجود كثير من من عرف بالصحبة و أدركوا عصر النبوة و رووا عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و لم يبلغوا إلا بعد موته سلام اللّه عليه و آله.
3- و لعله من هنا عبّر غير واحد باللقاء بدل الرؤية، و إن قيل: انها تكون من الرائي بنفسه و كذا بغيره لكن مجازا، أو تغليبا. أو لعله لوحظ شمولها للقوة أو الفعل.

بعد وفاته (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قبل الدفن كخويلد بن خالد الهذلي فإنهما لا يعدّان من الصحابة في الاصطلاح، و بقولهم: به عمّن لقيه مؤمنا بغيره من الأنبياء(1)، و بقولهم:

مات على الإسلام عمّن ارتد و مات كعبد اللّه بن جحش و ابن حنظل(2)، و غرضهم من قولهم: و إن تخللت ردّته.. إلى آخره، ادخال من رجع عن الإسلام في حياته (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أو بعده إذا مات على الإسلام كالأشعث بن قيس(3)، فإنه كان قد وفد على النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) ثم ارتد ثم اسر في خلافة الأول، فأسلم على يده، فزوجه اخته - و كانت عوراء - فولدت له محمدا الذي شهد قتل الحسين (عليه السّلام)، فإن المعروف كون الأشعث صحابيا، بل قيل: انه متفق عليه، و لذا زادوا قولهم: و إن تخللت.. إلى آخره، و نبّهوا بقولهم: على الأظهر إلى رد ما سمعت من الأقوال.

و ربما زاد بعضهم(4) بعد قوله لقي النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قوله: بعد بعثته، احترازا به عمّن لقيه مؤمنا بأنه

ص: 302


1- و كذا من كان مؤمنا ببعثته صلوات اللّه و سلامه عليه إلا أنه لم يدرك رؤيته أو بعثته.
2- الظاهر ابن خطل و هو عبد اللّه بن خطل.
3- انظر ترجمته في الإصابة: 66/1، ترجمة رقم 205 و اسد الغابة: 97/1، و غيرهما.
4- منهم ثاني الشهيدين في درايته: 120 و غيره.

سيبعث و لم يدرك بعثته فإنه ليس صحابيا، كما يكشف عن ذلك عدّهم من الصحابة ولده (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) إبراهيم، دون من مات قبل البعثة كالقاسم، لكنه ينتقض بزيد بن عمرو بن نفيل حيث عدّه ابن مندة في الصحابة(1) مع أنه لم يلقه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بعد البعثة بل قبلها، و عدم عدّ القاسم من الصحابة لعلّه لاعتبار التمييز في الرائي، و عدم كون القاسم كذلك، فتأمل(2).

و قد اشترط جمع التمييز و صرحوا بعدم كون الأطفال الذين حنكهم النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أو مسح وجوههم أو تفل في أفواههم كمحمد بن حاطب و عبد اللّه(3) بن عثمان التميمي و عبيد اللّه بن معمر.. و نحوهم من الصحابة، نعم لا يشترط البلوغ في حال اللقاء اتفاقا لاتفاقهم على عدّ الحسن و الحسين (عليهما السّلام) و ابن الزبير و.. نحوهم من الصحابة.

و يشترط في الرؤية و اللقاء أن يكون في عالم الشهود و العيان، فلا يطلق اسم الصحبة على من رآه من الملائكة

ص: 303


1- و انظر ترجمته في: اسد الغابة: 236/2.
2- انظر فتح المغيث: 92/3 و غيره. و يظهر وجه التأمل مما ذكره طاب ثراه قريبا.
3- الظاهر: عبد الرحمن بن عثمان التميمي كما نصّ عليه السيوطي في تدريب الراوي: 210/2. لاحظ اسد الغابة: 9/3-308، الإصابة في معرفة الصحابة: 402/3 ترجمة 5161.

و النبيين و الجن(1).

ص: 304


1- و يظهر من بعض الكلمات - غير ما ذكره المصنف (رحمه اللّه) - أنه لا بد من اطلاق الصحبة مع الرؤية أن يروي عنه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) حديثا أو حديثين، كما نص عليه في الباعث الحثيث: 203، كما حكاه في اصول الحديث: 386، و حكاه عن فتح المغيث: 32/4، و محاسن الاصطلاح: 423 - ذيل المقدمة -. و قالوا: أن الصحابي مشتق من الصحبة و ليس مشتقا من قدر خاص منها، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلا كان أو كثيرا، و هذا الحال في كل الأسماء المشتقة من الأفعال. و القول المشهور يريد بيان اصطلاح خاص منقول لهذه التسمية، و آخرين في خصوص من كثرت صحبته و اتصل لقاؤه. لاحظ الكفاية: 51، اصول الحديث: 385، لسان العرب: 7/2 و غيرها. أقول: هذا و لا ريب في شمول لفظ الصحابي للأحرار و العبيد على حد سواء و كذا الذكور و الإناث بلا خلاف، لأن المراد منه الجنس. و كذا يدخل فيهم من رآه و أمن به من الجن، لأنه صلوات اللّه و سلامه عليه و آله بعث إليهم قطعا، و آمن به نفر منهم جزما، و سمعوا منه القرآن حتما، بنص محكم الكتاب، فلهم صحبة و فضل، و لذا ذكر من عرف منهم في الصحابة. نعم معرفة أمثال هؤلاء لا أثر له، كما لا تجدي رؤية الملائكة له صلوات اللّه عليه و آله. ثم هل يدخل من رآه ميتا قبل أن يدفن، كما وقع لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر - كما قيل -؟ قيل: لا، و قيل: محل نظر، و الحق عدم الدخول، لكون من رأى جسده الشريف الآن لا يعد صحابيا، و كذا من كشف له عنه كرامة له أو في منام، لأن حياته ليست دنيوية، و من هنا لزم كون شرط الرؤية بحياة دنيوية. إلا أن جمعا - كالبلقيني في محاسن الاصطلاح: 434 - ذيل المقدمة - و كذا -
مراتب الصحابة

ثم ان مراتب الصحابة مختلفة بحسب التقدم في الإسلام و الهجرة و الملازمة و القتال معه و القتل تحت رايته و الرواية عنه و مكالمته و مشاهدته و مماشاته (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و..

نحوها، و إن اشترك الجميع في شرف الصحبة(1).

و حكم الصحابة في العدالة حكم غيرهم(2)، فمجرد كون الرجل صحابيا لا يدّل على عدالته، بل لا بد من احرازها.

نعم ثبوت كونه صحابيا مغن عن الفحص عن اسلامه، إلا أن يكون ممن ارتد بعد فوت النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، فما عليه جمع من العامة من الحكم بعدالة الصحابة كلّهم حتى

ص: 305


1- السخاوي في فتح المغيث: 89/3 - عدوّه صحابيا، لحصول شرف الرؤية له و إن فاته السماع. و لا يخفى ما فيه.
2- قد مرّ منّا نقل كلمات القوم في المقام، و نزيد على ما سبق ما ذكره الشيخ حسين العاملي في وصول الأخيار: 151-155 مفصلا. و ما ذكره العلامة الأميني في غديره، و ما جاء في اصول الفقه المقارن: 439-441 مذهب الصحابي و صحبته: و دراية الدربندي: 37 - خطي - و غيرها.

من قاتل أمير المؤمنين (عليه السّلام) عناد محض، يردّه واضح الدليل(1).

و يثبت كون الرجل صحابيا بما يثبت به غيره من التواتر و الشياع العلمي و البينة(2).

و في كفاية خبر الواحد الثقة في ذلك وجه(3).

ص: 306


1- قال المصنف (رحمه اللّه) في فوائد التنقيح - الفائدة الثامنة و العشرون: 6/1-213، بعد احالته لتحديد معنى الصحابي على كتابه هذا - ما نصه -: قد اتفق أصحابنا الإمامية على أن صحبة النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بنفسها و بمجردها لا تستلزم عدالة المتصف بها، و لا حسن حاله، و إن حال الصحابي حال من لم يدرك الصحبة في توقف قبول خبره على ثبوت عدالته أو وثاقته أو حسن حاله و مدحه المعتد به مع ايمانه. ثم قال: و خالفنا في ذلك جمهور العامة فبنوا على تعديل جميع الصحابة.. و منهم من قال: أنهم عدول إلى حين قتل عثمان، و يبحث عن عدالتهم من حين قتله، لوقوع الفتن بينهم حينئذ، و منهم من قال: هم عدول إلا من قاتل عليا (عليه السّلام)، فهم فساق! لخروجهم على الإمام الحق، و منهم من أنكر عليه ذلك و قال: أنهم في قتالهم مجتهدون! فلا يأثمون و إن أخطئوا بل يؤجرون! و الحق المعول ما عليه أصحابنا رضوان اللّه عليهم، ثم قال: لنا وجوه ستة:... فراجع.
2- و كذا بالاستفاضة، و يثبت بكونه من المهاجرين أو من الأنصار، و كذا لو ادعى الصحبة من أمكن في حقه و هو عدل.
3- هذا هو مختار غير واحد من علماء الدراية كما في نهاية الدراية: 121، و المقدمة: 436، و ألفية العراقي و شرحها: 96/3 و 127 و غيرهم، و هو القول المنصور في الاصول. و شرط البعض كونه معروفا باسلامه آنذاك. أما لو ادعى الصحبة بنفسه و هو عدل ثقة قيل بقبوله، و قيد البعض بكون ادعاءه يؤيده الظاهر، أو لم ينفيه عدل آخر، و ثمة أقوال اخر.
افضل الصحابة

ثم ان أفضل الصحابة من جميع الجهات أمير المؤمنين (عليه السّلام) و ولداه (عليهما السّلام)، و هو أوّل الصحابة اسلاما(1)، و أقدمهم إيمانا، و أقومهم على الدين(2)، كما برهن عليه في محله.

و العجب كل العجب ممن قال ان أفضلهم أبو بكر! و لا عجب ممن أزال عصيان اللّه تعالى حياءه.

و أما آخرهم موتا فقد قيل على الإطلاق من غير اضافة إلى

ص: 307


1- ذكر العلامة الأميني في الغدير: 224/3 جملة من النصوص النبوية و كلمات أكثر من ستين من الصحابة في أن عليا (عليه السّلام) أول القوم اسلاما. أقول: لا شك أن توصيف أمير المؤمنين (عليه السّلام) و هو يعسوب الدين بالسبق إلى الإسلام من جهة مماشاة الخصم، و إلا فمتى كان صلوات اللّه عليه غير مسلم حتى يصير مسلما! خلقه اللّه مع نبيه (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) من نور واحد فصار هذا رسوله و ذاك خليفته صلوات اللّه عليهما و آلهما.
2- رواه الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس و عن أبي ذر و سلمان رضوان اللّه عليهم، و رواه الترمذي من طريق آخر، و أحمد في مسنده، و روى عن جمع كبير من الصحابة كما في مستدرك الحاكم، بل ادعي اجماع أهل التاريخ عليه منهم. انظر: سنن الترمذي: 642/5 برقم: 3734 و 3735، مسند أحمد: 368/4 و 371، مستدرك الحاكم: 136/3. و الروايات المستفيضة عن حذيفة و غيره من طريقهم من أن: علي خير البشر و من أبى (من شك فيه، فمن امترى) فقد كفر. لسان الميزان: 25، ينابيع المودة - استانبول -: 208، في باب 56. و انظر: الفردوس: 62/3 برقم 4175، كنز العمال: 625/11 برقم 33045، ميزان الاعتدال: 521/1، تاريخ بغداد: 21/7.

النواحي و البلاد أبو الطفيل عامر بن واثلة، مات سنة مائة من الهجرة(1).

و أما بالإضافة إلى النواحي، فآخرهم بالمدينة جابر بن عبد اللّه الأنصاري أو سهل بن سعد، أو السائب بن يزيد(2)، و بمكة عبد اللّه بن عمر أو جابر(3)، و بالبصرة أنس(4)، و بالكوفة

ص: 308


1- كما في دراية الشهيد: 121. و سبقه النووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 228/2، و كذا في علوم الحديث: 354، و رواه الحاكم في المستدرك. و قيل: مات و عمره اثنان و مائة، و قيل سبع أو عشر و مائة، و ذاك سنة ثلاث و سبعين أو اثنين و تسعين. قيل: كانت وفاته بمكة كما قاله ابن المديني، و ابن حبان و غيرهما، و قيل بالكوفة، و الأول أصح، كما صرح به السخاوي في شرح الألفية: 127/3. و انظر ترجمته في أسد الغابة: 96/3، و الاستيعاب: 452/2، و الإصابة في معرفة الصحابة: 252/2.
2- قاله الواقدي و ابن المديني و إبراهيم بن المنذر و ابن حبان و ابن مندة و غيرهم، و ان آخر من مات في المدينة سهل بن سعد الأنصاري، و ادعى ابن سعد نفي الخلاف فيه، و كانت وفاته سنة ثمان و ثمانين، و قيل: احدى و تسعين، و قيل: مات بمصر، و قيل: بالإسكندرية. لاحظ فتح المغيث: 130/3، و ما بعدها، و تدريب الراوي: 229/2، و ما والاها مفصلا. و انظر ترجمة سهل في: أسد الغابة: 366/2، و الإصابة: 87/2، و الاستيعاب: 571/2.
3- أي جابر بن عبد اللّه الأنصاري، و ذكر علي بن المديني أن أبا الطفيل بمكة مات، فهو إذا الآخر بها، كما حكاه ابن الصلاح في المقدمة: 436، و لم يثبت.
4- هو أنس بن مالك كما في تدريب الراوي: 229/2، و ثمّة أقوال اخر ذكرها هناك. و في غيره، و فصّلها في أول الاستيعاب و الإصابة، فلاحظ.

عبد اللّه بن أبي أوفى، و بمصر عبد اللّه بن الحارث بن جزء الزبيدي، و بفلسطين أبو ابي بن امّ خزام(1)، و بدمشق واثلة بن الأسقع، و بحمص عبد اللّه بن بسر(2)، و باليمامة الهرماس بن زياد، و بالجزيرة الفرس بن عميرة(3)، و بافريقية رويفع(4) بن ثابت، و بالبادية في الأعراب سلمة بن الأكوع(5).

و قد حكي(6) عن أبي زرعة الرازي أنه قال: ان

ص: 309


1- كما قاله البلقيني، و حكاه السيوطي في شرح التقريب: 243/2، و ذكره في اختصار علوم الحديث: 232.
2- في الدراية للشهيد: بشر، و الصحيح ما ذكر هنا تبعا للتدريب. انظر عنه: أسد الغابة: 125/3، و الإصابة: 273/2 برقم 4564، و الاستيعاب: 339/1 قال: مات بالشام سنة ثمانين و هو ابن أربع و تسعين، و هو آخر من مات بالشام بحمص من أصحاب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم).
3- الظاهر: العرس بن عميرة الكندي، بل هو الصحيح، لعدم وجود اسم بهذا، لاحظ كتب معرفة الصحابة كالإصابة: 266/2، و اسد الغابة: 400/3 و غيرها.
4- في البداية: رويقع، و الصحيح ما أثبته المصنف (رحمه اللّه) هنا.
5- في البداية للشهيد: 121 ما ذكر بألفاظ متقاربة، و قد أخذه عن التقريب للنووي، و التدريب للسيوطي: 228/2-232. و قد ذكر من مات من الصحابة في غير هذه الأمكنة، ذكرها في حاشية التدريب لعبد الوهاب عبد اللطيف، و كذا في اصول الحديث: 406-407 و ألفية العراقي و شرحها، فتح المغيث: 127/3-138، و مقدمة ابن الصلاح: 436 - 443، و في الكل كلام و اختلاف.
6- كما في اختصار علوم الحديث: 224، و علوم الحديث: 354، و مقدمة ابن الصلاح: 432 و ألفية العراقي و شرحها: 2/3-111، و دراية الدربندي: 37 - خطي - و غيرهم، و حكاه أيضا ثاني الشهيدين في درايته: 122، و والد البهائي في وصول الأخيار: 151، و نهاية الدراية: 121، و قاله في اصول الحديث: 401 و حكاه عن عدّة مصادر، و كذا في معين النبيه في رجال من لا يحضره الفقيه - خطي -: 31: و فيه: أبا زرعة الراوي لا الرازي، و لعله تصحيف. إلا أن في تجريد أسماء الصحابة للذهبي: 1 /مقدمة، عن أبي زرعة: أنه توفى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و قد رآه و سمع منه زيادة على مائة ألف انسان، و حكاه ابن حجر العسقلاني في الإصابة: 4/1 عنه أيضا، و أن أصحاب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) عند وفاته كانوا مائة ألف رجل و امرأة، و قال الحاكم: روى عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): أربعة الآف نفس. مع أن ما ذكروه و عدوه في كتبهم المعدة لذلك أكثر من ذلك. و عن الشافعي: أنه توفى النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و المسلمون ستون ألفا، ثلاثون ألفا بالمدينة، و ثلاثون ألفا بغيرها، و على كل هناك أقوال عديدة في عدّهم و عددهم تجدها في المفصلات.

رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قد قبض عن مائة و أربعة عشر ألف صحابي ممن روى عنه و سمع منه، فقيل له: أين كانوا؟ و أين سمعوا؟ قال: أهل المدينة و أهل مكة و من بينهما و من الأعراب، و من شهد معه حجة الوداع، كل رآه و سمع منه بعرفة(1).

ص: 310


1- أقول: إن احصاء الصحابة دقيقا أو عدّهم أمر متعذر آنذاك فضلا عن يومنا هذا، لتفرقهم في البلاد و تشتتهم، و كل ما ذكر في الباب مقربات كما في نصوص الغدير و حجة الوداع و أن من حضرها مائة و عشرون ألف حاجا، و على كل لا يخلو قول الرازي عن تأمل. علما بأن المسألة تختلف و تتخلف بحسب تعريف الصحابي و حدّه، فتدبر.

معنى التابعي

و أما التابعي(1): فهو من لقي الصحابي مؤمنا بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)(2) و مات على الإيمان و إن تخللت ردّته بين كونه مؤمنا و بين موته مسلما(3)، و اشترط بعضهم فيه طول الملازمة، و آخر صحة السماع، و ثالث التمييز(4)، و الأول

ص: 311


1- التابعي و يقال له: التابع، أو التبع، و يجمع عليه أيضا، و كذا على أتباع. انظر: تاج العروس: 288/5، لسان العرب: 27/8، الصحاح: 90/3-1189 و غيرها.
2- سواء سمع من الصحابي أم لا، و قيّده ابن حبان بكونه حين رويته للصحابي في سن من يحفظ عنه، و الأولى اشتراط اللقاء دون الرؤية كي يشمل من لم يكن حين ذاك مسلما ثم أسلم بعد ذلك، حيث لا يشترط في تحمل الرواية الإسلام - كما مرّ -.
3- اختلفت الأقوال في التابعي كاختلافها في الصحابي، و قد اشترط الخطيب البغدادي الصحبة للصحابي دون صرف اللقاء و كذا التابعي، و هو المنصرف عند الإطلاق، و ما عرّفه المصنف (رحمه اللّه) إنما هو مختار الحاكم في معرفة علوم الحديث، و استظهار النووي في التقريب و تبعه السيوطي في التدريب. لمزيد الاطلاع راجع: معرفة علوم الحديث: 41، مقدمة ابن الصلاح: 123، الباعث الحثيث: 216، اصول الحديث: 410، فتح المغيث: 140/3 و ما بعدها، كشاف اصطلاحات الفنون: 8/1-237، إلا أن ابن الصلاح قيّده بالتابع باحسان، نظرا إلى قوله سبحانه: وَ اَلسّابِقُونَ اَلْأَوَّلُونَ مِنَ اَلْمُهاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصارِ وَ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اَللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ التوبة: 100. و هناك أقوال شاذة لا ثمرة في التعرض لها، و ما ذكره المصنف (قدس سره) هو المختار المشهور.
4- و عليه جلّ العامة كابن الصلاح في المقدمة: 433 و غيره، بل ادّعوا عليه اجماعهم الذي ركبوه في خلافتهم.

أظهر(1).

و التابعيون أيضا كثيرون، و قد عدّ قوم منهم طبقة لم يلقوا الصحابة فهم تابعو التابعين، و عدّ جمع في التابعين جماعة هم من الصحابة(2).

و أول التابعين موتا أبو زيد معمر بن زيد، قتل بخراسان،

ص: 312


1- أقول: منهم من جعل التابعي قسمان: المخضرمين و غيرهم. و منهم من جعل المخضرم قسما على حده كالمصنف (رحمه اللّه)، و منهم من عدّ المخضرم و التابعي واحدا كما في اصول الحديث: 411. و سوف يأتي. و لو أن شخصا لم يلاق أحدا من الصحابة و هو مسلم، و لكن لاقى التابعين سمي: تابع التابعين أو تبع التابعين. و عدّت سنة 150 ه آخر عصر التابعين، و سنة 220 ه آخر عصر أتباع التابعين. و قد عدّ الحاكم في معرفة علوم الحديث: 49 النوع الخامس عشر من علوم الحديث هو معرفة أتباع التابعين. و كذا ابن الصلاح في المقدمة النوع الموفى أربعين: 444، و انظر كشاف اصطلاحات الفنون: 338/1.
2- ثم التابعين تتفاوت مراتبهم كثيرا، و منهم من له صحبة طويلة للصحابة و له مزية و فضيلة على سائرهم، أو رواية الصحابة عنه أو التصدي للفتوى منهم.. إلى غير ذلك من المرجحات. و لتفاوت مراتبهم و مقامهم قد صنّفوا التابعين على طبقات، فعدّهم الحاكم النيشابوري في النوع الرابع عشر من أنواع علوم الحديث: 41-46 في خمسة عشر طبقة، و حكاه عنه الدربندي في درايته: 37 - خطي -، و عند مسلم ثلاث طبقات، و عند ابن سعد أربعة طبقات، و أفرده العراقي في الألفية و عقب عليه السخاوي في شرحها: 139/3-156، و الغرض من معرفتهم تمييز المرسل عن المتصل، كما لا يخفى.

و قيل: باذربيجان سنة ثلاثين، و آخرهم موتا خلف بن خليفة سنة ثمانين و مائة(1).

معنى المخضرم

و أما المخضرمون(2): و هم الذين أدركوا الجاهلية و الإسلام و لم يلقوا النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و لم يدركوا صحبته، سواء أسلموا في زمن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كالنجاشي أم لا كغيره(3)، واحدهم مخضرم - بفتح

ص: 313


1- و قيل سنة إحدى و ثمانين و مائة، و ما في فتح المغيث: 142/3 بكونه مات سنة إحدى و ثمانين و مائتين غلط قطعا. و لذا قيل أن عصر التابعين كمل على رأس هذه السنة، و قد قيل أنه لقي آخر الصحابة موتا أبا الطفيل عامر بن واثلة في مكة. و قد قيل آخرهم أبو أبيّ عبد اللّه بن حرام ربيب عبادة بن الصامت، مات بدمشق، و قيل ببيت المقدس. و قيل آخرهم سليمان بن نافع إن صح أن والده من الصحابة.. و قيل غير ذلك، قال الكشي في رجاله: 69 برقم: 124، قال الفضل بن شاذان: فمن التابعين الكبار و رؤسائهم و زهادهم جندب بن زهير، قاتل الساحر و... إلى آخره.
2- المخضرم - بالخاء و الضاء المعجمتين و فتح الراء - كما عزاه أبو موسى المديني في آخر ذيله للمحدثين على أنه اسم مفعول، و حكى عن بعض اللغويين فيها الكسر، و في وجه التسمية كلام راجعه إن شئت.
3- كذا عرّفه السيوطي في تدريب الراوي: 238/2، تبعا للنووي في التقريب، و ماشاهم جماعة كما في اصول الحديث: 411 و ألفية العراقي و شرحها للسخاوي: 149/3-150 كشاف اصطلاحات الفنون: 241/2، و غيرهم، و هناك أقوال شاذة اخرى في حده و تحديدهم لغة و اصطلاحا، و على كل فهم ليسوا صحبة بل يعدّون من كبار التابعين بالاتفاق. و منهم - كالحاكم - جعلهم طبقة مستقلة من التابعين، فتكون أحاديثهم عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) مرسلة بالاتفاق بين أهل العلم و الحديث. و يلحق بهؤلاء من أسلم في حياته (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) كزيد بن وهب، فإنه أتى النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، فقبض صلوات اللّه عليه و آله و سلّم و زيد في الطريق، و قيل: المخضرمون جماعة كانت في عصر النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و لم يعرف هل لقوه أم لا، كما يستفاد من شرح النخبة: 118 في تعريف المدلّس.

الراء - من قولهم: لحم مخضرم لا يدري من ذكر هو أو أنثى كما في المحكم(1) و الصحاح(2)، و طعام مخضرم ليس بحلو و لا مرّ كما حكاه ابن الأعرابي(3)، و قيل: من الخضرمة بمعنى القطع، من خضرموا اذان الإبل قطعوها، لأنه اقتطع عن الصحابة و إن عاصر لعدم الرؤية، أو من قولهم: رجل مخضرم ناقص الحسب، و قيل: ليس بكريم النسب، و قيل: دعيّ. و قيل:

لا يعرف أبواه، و قيل: ولدته السراري لكونه ناقص الرتبة عن الصحابة لعدم الرؤية مع امكانه، و سواء أدرك في الجاهلية نصف عمره أم لا.. إلى غير ذلك من الاحتمالات في وجه المناسبة(4).

و قال بعضهم: ان المخضرم في اصطلاح أهل اللغة هو

ص: 314


1- لم احصل على نسخة مطبوعة، فراجع، و قد حكاه عنه غير واحد.
2- الصحاح: 1914/5.
3- كما حكاه عنه في تاج العروس: 381/8.
4- ذكرها مفصلا من علماء الدراية السخاوي في فتح المغيث: 1/3-150 و نصّ عليه علماء اللغة و الأدب. انظر غير ما مرّ: لسان العرب: 185/12، و فصّل القول فيه الزبيدي في تاج العروس: 1/8-380.

الذي عاش نصف عمره في الجاهلية و نصفه في الإسلام، سواء أدرك الصحابة أم لا، فبين اصطلاح المحدثين و اللغويين عموم و خصوص من وجه، لأن الأول عام من جهة شموله لما(1) إذا كان ادراكه الجاهلية بنصف عمره أو أقل أو أكثر دون الثاني، و الثاني عام من جهة شموله لمن رأى النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أم لا دون الأول، فحكيم بن حزام مخضرم باصطلاح اللغة دون الحديث، و بشير بن عمرو مخضرم باصطلاح الحديث دون اللغة(2).

و قد وقع الخلاف في أن المخضرمين من الصحابة أو التابعين، و الأشهر الأظهر الثاني، لاعتبارهم فيه عدم ملاقاة النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و الصحابي من لاقاه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)(3).

و قد عدهم بعضهم(4)، فبلغ بهم عشرين نفسا، و قيل:

انهم أكثر(5)، و إن منهم سويد بن غفلة(6) صاحب أمير المؤمنين

ص: 315


1- كذا، و الظاهر: لمن.
2- شرح التقريب: 238/2 و حكاه عنه غير واحد.
3- و نسب إلى ابن عبد البر كونهم من الصحابة، و ليس بصحيح، و إن توهمه البعض. انظر: شرح النخبة: 186.
4- و هو مسلم بن الحجاج كما في تدريب الراوي: 239/2، و الأولى أن يقال: و قد عدّهم البعض.
5- كما ذهب إليه النووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 239/2 و ذكره ابن حجر في الإصابة: 100/2 برقم (3606).
6- في دراية الشهيد: عفلة، و الصحيح ما ذكرناه. انظر ترجمته في: أسد الغابة: 379/2، و الإصابة: 117/2 برقم (3720)، و الاستيعاب: 579/2 برقم (2531) و غيرها.

(عليه السّلام)، و ربيعة بن زرارة، و أبو مسلم الخولاني، و الأحنف بن قيس(1) و سعد بن إياس الشيباني، و شريح بن هاني، و بشير بن عمرو بن جابر، و عمرو بن ميمون الأودي، و الأسود بن يزيد النخعي، و الأسود بن هلال المحاربي، و المعرور بن سويد، و عبد خير بن يزيد الخيواني، و شميل بن عوف الأحمسي، و مسعود بن خراش، و مالك بن عمير، و أبو عثمان النهدي، و أبو رجاء العطاردي، و غنيم بن قيس، و أبو رافع الصائغ، و خالد بن عمير العدوي، و تمامة بن حزن القشيري، و جبير بن نفير الحضرمي و.. غيرهم(2).

ص: 316


1- قال ثاني الشهيدين في درايته: 122 - بعد عد هؤلاء الأربعة - و الأولى عدّهم في التابعين باحسان. أقول: هناك رسالة باسم: تذكرة الطالب المعلم بمن يقال أنه مخضرم لبرهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمد العجمي المتوفى سنة 841 ه مخطوطة قال فيها: أن المخضرمون من رواة الحديث بلغ عددهم (42) رجلا. و قال: و الخضرمة في مصطلح الحديث أن يتردد الراوي بين طبقتين من طبقات الرواة بحيث لا يدري من أيتهما هو؟ جاء ذكرها في مجلة المجمع العلمي العربي، السنة الثانية عشر: 574.
2- هذا و قد عدّ قوم من طبقة التابعين مع أنهم لم يلقوا الصحابة فهم من أتباع التابعين كإبراهيم بن سويد النخعي، كما أنه عد من التابعين جماعة هم من الصحابة غلطا أو لصغر السن، و كذا وقع العكس. و لعل منشأ الاختلاف جاء من تحديد كل من هؤلاء.

المطلب الثاني: رواية الاكابر عن الاصاغر

إن الراوي و المروي عنه إن استويا في السن أو في اللقاء - أعني الأخذ من المشايخ - فهو النوع الذي يقال له: رواية الأقران، فإن روى كل من القرينين عن الآخر فهو: المدبّج(1)، و إن اختلفا في السن أو في اللقاء أو في المقدار، و روى الأسن و نحوه عمّن دونه فهو النوع المسمى ب: رواية الأكابر عن الأصاغر، و فائدة معرفة هذا النوع أن لا يتوهم أن المروي عنه أفضل و أكبر من الراوي، لكونه الأغلب في ذلك.

ثم هو على أقسام، لأن الراوي إما أن يكون أكبر من المروي عنه سنا و أقدم طبقة، أو يكون أكبر قدرا لا سنا، أو يكون أكبر سنا و قدرا.

و عدّ من رواية الأكابر عن الأصاغر رواية الصحابي عن التابعي، و منه أيضا رواية الآباء عن الأبناء، و الأكثر الأغلب عكسه - أعني رواية الأبناء عن الآباء و الأصاغر عن الأكابر -.

و إن اشترك اثنان في التحمل عن شيخ و تقدم موت أحدهما على الآخر فهو النوع المسمى ب: السابق و اللاحق.

ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم و أسماء آباؤهم فصاعدا و اختلفت أشخاصهم فهو النوع الذي يقال له: المتفق و المفترق، و إن اتفقت الأسماء خطا و اختلفت نطقا سواء كان مرجع الاختلاف إلى النطق أو الشكل فهو النوع الذي يقال له:

ص: 317


1- و هو أخص من الأول لأن كل مدبج قرن و لا عكس

المؤتلف و المختلف، و إن اتفقت الأسماء خطأ و نطقا و اختلفت الآباء نطقا مع ائتلافهما خطأ، أو بالعكس كإن تختلف الأسماء نطقا و تأتلف خطأ و تأتلف الآباء خطأ و نطقا، فهو النوع الذي يقال له: المتشابه.

و قد تقدم الكلام في هذه الأنواع في المقام الأول من الفصل الخامس المتكفل لشرح العبارات التي اصطلحوها في أسماء الأخبار(1) فراجع و تدبر جيدا.

ص: 318


1- قد فصلنا الكلام فيها و استدركنا ما يلزمه الاستدراك في مستدركاتنا برقم: (103) (104) (105) (106) (108) (109) (110) (111) (113).

المطلب الثالث: إن المهم في هذا الباب معرفة امور

اشارة

- غير ما مرّ -.

فمنها:

منها: معرفة طبقات الرواة

معرفة طبقات الرواة.

و فائدتها الأمن من تداخل المشتبهين و امكان الاطلاع على تدليس المدلسين، و الوقوف على حقيقة المراد من العنعنة.

و الطبقة - في الاصطلاح كما مرّ في ذيل المقام الخامس من الجهة السادسة من الفصل السادس -(1) عبارة عن جماعة مشتركين في السن و لقاء المشايخ(2).

منها: معرفة مواليد الرواة و غيره

و منها:

معرفة مواليد الرواة و قد و مهم للبلدة الفلانية و وفياتهم، فإن بمعرفتها يحصل الأمن من دعوى المدعي لقاء المروي عنه و الحال أنه كاذب في دعواه، و أمره في اللقاء ليس كذلك. و كم تبين بواسطة معرفة ذلك كذب أخبار شائعة بين أهل العلم - فضلا عن غيرهم - حتى كادت أن تبلغ مرتبة الاستفاضة، و من هنا تداولوا ذكر مواليد الأئمة (عليهم السّلام)

ص: 319


1- صفحة: 47 من هذا المجلد.
2- ثم من بعدهم طبقة اخرى.. و هكذا، كما عرّفه الشهيد في درايته: 134، و غيره ممن ذكرناه في المستدرك رقم (235): علم الطبقات.

و وفياتهم في أوائل كتب الرجال، ليتبين من أدرك الإمام الفلاني (عليه السّلام) من الرواة و من لم يدركه(1).

منها: معرفة الموالي

و منها:

معرفة الموالي(2) منهم من أعلى و من أسفل بالرّق(3) أو بالحلف(4) أو بالإسلام(5). و فائدة ذلك تمييز

ص: 320


1- انظر مستدرك رقم (236) تاريخ الرواة و الوفيات.
2- و أضاف له ابن الصلاح في مقدمته: 602: العلماء، و عدّه النوع الرابع و الستون. و لا ريب أن لفظ المولى من الألفاظ المشتركة بالاشتراك اللفظي الموضوعة لكل واحد من الضدين، و المهم في ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق، فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة - كما إذا قيل فلان القرشي - أنه منهم صليبا لا صلبيا، فإذا بيان من قيل فيه: قرشي، من أجل كونه مولى لهم مهم، كما نص عليه غير واحد كما في المقدمة: 602.
3- سواء كان مولى من أعلى بأن يكون قد اعتق رجلا فصار مولاه، أو مولى من أسفل إذا اعتق رجلا فصار مولا له، و الأول بالكسر و الثاني بالفتح، قال في المقدمة: 602: و اعلم أن فيهم من يقال فيه: مولى فلان أو لبني فلان، و المراد به مولى العتاقة، و هذا هو الأغلب.. و ذكر جملة من الأمثلة على ذلك، و قيل الأغلب أولو الحلف، و أنه هو المراد كما في فتح المغيث: 355/3. و قيل غير ذلك.
4- بكسر الحاء، و أصله المعاقدة و المعاهدة على التعاضد و التعاون و المؤاخاة و الاتفاق، و يسمى مولى الحلف، و يضاف إليه غالبا لفظ: الموالاة، و يصير كل مولى الآخر، و لعل منه ما روى أن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) حالف بين المهاجرين و الأنصار، و قد يراد منه آخى بينهم.
5- لأن كل من أسلم على يد آخر كان مولا له بالإسلام كجد البخاري صاحب الصحيح. و لها معاني آخر حيث تطلق لكل غير عربي و تعرف بالمقابلة، و تأتي بمعنى الملازم و الجار و الناصر و ابن العم - بنحو التضايف - و غير ذلك.

الرجال(1)، و المدار في معرفة ذلك على نص أهل المعرفة بذلك(2)، و في كتب الرجال تنبيه على بعضه، و قد تقدم الكلام في تفسير المولى في أول المقام الخامس من الجهة السادسة من الفصل السادس(3)، فراجع و تدبر.

و منها: معرفة الاخوة و الاخوات

و منها:

معرفة الاخوة و الأخوات من العلماء و الرواة، و فائدة

ص: 321


1- أي تمييز الأصيل من الهجين حيث مجرد النسبة إلى قبيلة مطلقا يفيد أنه منها صلبا، و قد يكون منشأ النسبة أحد المعاني في المولى، و الغالب كونه مولى العتاق. و قد عدّ في معرفة علوم الحديث: 196-202 معرفة الموالي و أولاد الموالي من رواة الحديث في الصحابة و التابعين و أتباعهم نوعا - ثالث و أربعون - برأسه، و قد تابعه غيره كالعراقي في الألفية و السخاوي في شرحها: 8/3-355 و غيرهم. و ذكر الحاكم له جملة أمثلة و شواهد، و هو أول من تنبّه له. أقول: لا يمكن التمييز في المراد من كل هاتيك المعاني إلا بالقرائن، أو التنصيص عليه. و لكن قيل ان المراد منها في باب معرفة الرواة إرادة غير العربي الصريح، و هذا يحتاج إلى تتبع، و لا يخلو من نظر. ثم ربما توسع حيث ينسب للقبيلة من يكون مولى المولى لها. و قيل: إن معرفة الموالي من الضروريات! لاشتراط حقيقة النسب في الإمامة العظمى و الكفاءة في النكاح و التوارث و غيرها من الأحكام الشرعية، و لاستحباب التقديم به في الصلاة و غيرها، كما في فتح المغيث: 357/3 و لا يخفى ما فيه.
2- كما نصوا عليه كلا، و إن اختلفوا فيه فيما لو اطلق أيّ المعاني مرادا منه.
3- صفحة: 9 من هذا المجلد.

معرفته زيادة التوسع في الاطلاع على الرواة و أنسابهم(1)، و قد أفردوه بالتصنيف للاهتمام بشأنه لذلك، كما نبّه على ذلك في البداية(2) ثم قال:

فمثال الأخوين من الصحابة: عبد اللّه بن مسعود و عتبة بن مسعود اخوان، و زيد بن ثابت و يزيد بن ثابت اخوان.

و من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام): زيد و صعصعة ابنا صوحان، و ربعي و مسعود ابنا خراش العبسيّان.

و من التابعين عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة، و أرقم بن شرحبيل اخوان فاضلان من أصحاب ابن مسعود و آخرون لا يحصى عددهم.

و مثال الثلاثة من الصحابة: سهل و عباد و عثمان بنو حنيف(3).

ص: 322


1- و من فوائده أنه لا يظن من ليس بأخ أخا عند الاشتراك في اسم الأب. قال الحاكم:.. و هو علم برأسه عزيز، و قد صنف أبو العباس السراج فيه كتابا. و عدّه الحاكم نوعا برأسه: 152-157، و كذا عده النوع الثالث و الأربعون في التقريب و كذا التدريب: 249/2، و العراقي في ألفيته و السخاوي في شرحه: 9/3-163. و قد صنف فيه غير السراج (المتوفى سنة 313 ه) علي بن المدايني ثم النسائي و مسلم و أبو داود و غيرهم. و اقدم من نعرف من من الف في هذا الفن او زرعة الدمشقي المتوفى سنة 281 ه و اسم كتابه: كتاب الاخوة و الاخوات، كما جاء في ترجمته.
2- البداية: 135.
3- حنيف: بضم الحاء المهملة ثم نون و آخره فاء مصغرا.

و من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام): سفيان بن زيد(1) و أخواه عبيد و الحرب(2) كلهم أخذ رايته و قتلوا في موقف واحد، و سالم و عبيدة(3) و زياد بنوا الجعد(4) الأشجعيون.

و من أصحاب الصادق (عليه السّلام): الحسن و محمد و علي بنو عطية الدغشي المحاربي، و محمد و علي و الحسن(5) بنو أبي حمزة الثمالي، و عبد اللّه و عبد الملك و عريق(6) بنو عطاء بن أبي رياح(7) نجباء.

و من أصحاب الرضا (عليه السّلام): حماد بن عثمان و الحسين(8) و جعفر أخواه و.. غيرهم، و هم كثيرون أيضا.

ص: 323


1- في البداية: سفيان بن يزيد، و الظاهر ما ذكرناه و إن جاء كذلك في معجم رجال الحديث: 161/8. انظر: وقعة صفين: 250، و شرح نهج البلاغة: 201/5 و غيرها.
2- خ. ل: عبيدة و الحرث. و الظاهر الحارث، لا حرب، و عبيد لا عبيدة، فلاحظ.
3- كذا، و الظاهر انه: عبيد، انظر رجال الشيخ: 48 و تهذيب التهذيب: 67/7 و غيرهما و في الكل كلام لا محل له هنا.
4- في الدراية: الأجعد، و الصحيح: بنو أبي الجعد. انظر: رجال بحر العلوم: 269/1.
5- في الدراية الحسين، و انظر رجال السيد بحر العلوم: 276/1 و 258، و تدبر.
6- في المصدر: عريف.
7- كذا، و الظاهر: رباح، كما في معجم رجال الحديث: 255/10 و غيره.
8- في درايتنا: و الحسن. و ما أثبت أصح.

و مثال الأربعة: عبيد اللّه و محمد و عمران و عبد الأعلى بنو علي بن أبي شعبة الحلبي ثقات فاضلون، و كذلك أبوهم و جدهم(1)، و بسطام أبو الحسين الواسطي و زكريا و زياد و حفص بنو سابور(2) و كلهم ثقات أيضا، و محمد و إسماعيل و إسحاق و يعقوب بنو الفضل بن يعقوب بن سعيد(3) بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و كل هؤلاء ثقات من أصحاب الصادق (عليه السّلام)(4) و داود بن فرقد و إخوته: يزيد و عبد الرحمن و عبد الحميد بنو فرقد(5)، و عبد الرحيم و عبد الخالق و شهاب

ص: 324


1- انظر الفوائد الرجالية - رجال السيد بحر العلوم -: 22/1-214.
2- في طبعة النجف من الدراية: شاپور، أو: شابور و المعنى واحد.
3- في نسختنا: سعد، و كذا في معجم رجال الحديث و انظر تكملة الرجال: 198/1. و رجال السيد بحر العلوم: 8/1-367.
4- ناقش سيدنا في معجمه: 66/3 كلام ثاني الشهيدين في الدراية بقوله: أقول: إن كان منشأ توثيق الشهيد (قدس سره) اجتهاده و رأيه فهو ليس بحجة لغيره، و إن كان منشأه أنه فهم و استفاد ذلك من عبارة النجاشي، فهو سهو جزما، إذ لا يستفاد منها التوثيق بوجه، فإنه قال في ترجمة الحسين بن محمد: الحسين بن محمد بن الفضل، ثقة روى أبوه عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن (عليهما السّلام)، ذكره أبو العباس و عمومته كذلك إسحاق و يعقوب و إسماعيل و كان ثقة... و من الظاهر أن قوله: كذلك، أي عمومته أيضا كأبيه رووا عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن (عليهما السّلام)، و الضمير في قوله: و كان ثقة إما يرجع إلى أبيه (محمد)، و لعل في تأخير هذه الجملة حينئذ دلالة على عدم توثيقه لعمومته و اختصاص التوثيق بأبيه، و إما أنه يرجع إلى الحسين نفسه، فيكون تكرارا لا محالة
5- لا توجد في نسختنا من دراية الشهيد: بنو فرقد. و انظر: الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم: 382/1.

و وهب بنو عبد ربه، و كلهم خيار فاضلون(1).

و محمد و أحمد و الحسين و جعفر بنو عبد اللّه بن جعفر الحميري.

و من غريب الإخوة الأربعة بنو راشد أبي إسماعيل السلمي ولدوا في بطن واحد و كانوا علماء، و هم: محمد و عمر و إسماعيل و رابع لم يسموه(2).

و مثال الخمسة: سفيان و محمد و آدم و عمران(3) و إبراهيم بنو عيينة، كلهم حدثوا(4).

و مثال الستة من التابعين: أولاد سيرين: محمد - المشهور - و أنس و يحيى و معبد(5) و حفصة و كريمة، و من رواة الصادق (عليه السّلام): محمد و عبد اللّه و عبيد و حسن و حسين و رومي بنو زرارة بن أعين.

ص: 325


1- ترجمة السيد بحر العلوم من الفوائد الرجالية: 7/1-352.
2- و حكاه في الباعث الحثيث: 198. اقول: ذكر البلقيني و في محاسن الاصطلاح: 468 - ذيل المقدمة - ان من لم يسم لنا هو «نعيم» و قد ذكره بن عبد اللّه في الاستيعاب، فراجع.
3- في درايتنا: عمر. و الصحيح ما ذكر، و هؤلاء عشرة - كما حكاه الحاكم.
4- قيل و من الصحابة: علي و جعفر و عقيل و ام هاني - فاختة على المشهور، و جمانة بنو أبي طالب. فتح المغيث: 164/3.
5- أكبرهم سنا و أقدمهم موتا، و حفصة أصغرهم. أما مثاله من الأصحاب فقد ذكروا حمزة و العباس و صفية و أميمة و أروى و عاتكة بنو عبد المطلب، على القول بإسلام الثلاث الأخيرات، و عدم اشتراط التحديث. و لا يخفى منافاته لما مر قريبا عددا و اسما.

و مثال السبعة: من الصحابة بنو مقرّن المزني و هم النعمان و معقل و عقيل و سويد و سنان و عبد الرحمن و عبد اللّه(1)كلّهم صحابة مهاجرون. قال جمع منهم ابن عبد البر(2): انه لم يشارك أولاد مقرن أحد في هذه المكرمة من كونهم سبعة هاجروا و صحبوا.

و نوقش في ذلك بأن أولاد الحرث بن قيس السهمي كلهم هاجروا و صحبوا و هم سبعة أو تسعة: بشر و تميم و الحرث و الحجاج و السائب و سعيد و عبد اللّه و معمر و أبو قيس، و هم أشرف نسبا في الجاهلية و الإسلام من بني مقرن، و زادوا عليهم بأنه قد استشهد منهم سبعة في سبيل اللّه تعالى. و قيل(3): ان بني مقرن كانوا عشرة و فيهم ضرار و نعيم.

و مثال الثمانية: زرارة و بكير و حمران و عبد الملك و عبد الرحمن و مالك و قعنب و عبد اللّه بنو أعين من رواة الصادق

ص: 326


1- إلى هنا كلام الشهيد في البداية: 135-136 بتصرف جزئي.
2- انظر ترجمتهم في الاستيعاب و الإصابة و أسد الغابة و غيرها من كتب تراجم الصحابة، و في الكل كلام كما راجعنا، إلا أنه تبع ابن عبد البر جمع من علماء الدراية كابن الصلاح في المقدمة: 605. و ابن حجر في الباعث الحديث:
3- و القائل ثاني الشهيدين في درايته: 136 تبعا لجماعة منهم السيوطي في تدريبه: 252/2 و السخاوي في فتح المغيث: 166/3، و البلقيني في محاسن الاصطلاح ذيل مقدمة ابن الصلاح: 468. و ان تسمية عبد اللّه في بنو مقرن جاءت من ذيل الاستيعاب من قبل ابن فتحون. و قد اعترض ابن الصلاح في مقدمته بأن ابن عبد البر زاد فيهم ضرارا و نعيما. و قد قال في التدريب: و الصحيح في المثال - أي الثمانية - أولاد عفراء: معاذ و معوذ و أنس و خالد و عاقل و عامر و عوف... و انظر: الباعث الحثيث: 199. و ثمة أمثلة كثيرة أخرى في مطاوي كتب الرجال و الدراية لمن تتبع.

(عليه السّلام)(1). و يوجد في بعض الطرق نجم بن أعين(2)فيكونون من أمثلة التسعة، و لو اضيفت إليهم اختهم ام الأسود صاروا عشرة(3).

و مثال التسعة: في الصحابة أولاد الحرث المزبورين، و في التابعين أولاد أبي بكرة: عبد اللّه و عبيد اللّه و عبد الرحمن و عبد العزيز و مسلم و رواد و يزيد و عتبة و كبشة.

و ما زاد على هذا العدد نادر، فلذا وقف عليه الأكثر.

و ذكر بعضهم عشرة و هم أولاد العباس بن عبد المطلب و هم: الفضل و عبد اللّه و عبيد اللّه و عبد الرحمن و قثم و معبد

ص: 327


1- استوفى البحث فيهم السيد الابطحي في تاريخ آل زرارة بن اعين و انظر رجال السيد بحر العلوم: 222/1-257.
2- قال العلامة في الخلاصة: 176 - الباب الأول - حرف الميم - في ترجمته: روى العقيقي عن أبيه عن عمران بن أبان عن عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام): أنه يجاهد في الرجعة، و جاء في رجال ابن داود: 780 برقم (1599) القسم الأول: نجم بن أعين (عق، ق): كان مجاهدا في الرجعة، و حكاه سيدنا الخوئي في معجم رجال الحديث: 154/19 برقم: 12982.
3- من: و مثال الثمانية إلى هنا كلام الشهيد في البداية: 137 باختلاف يسير. ثم قال: و ما زاد على هذا العدد نادر، فلذا وقف عليه الأكثر. و لعل هنا سقط في نسختنا من الدراية طبع النجف - الحيدرية - التي قلّ الصحيح فيها، و لا اعتماد عليها.

و عون و الحرث و كثير و تمام(1) و كان أصغرهم، و كان العباس يحمله و يقول:

تمّوا بتمام فصاروا عشرة *** يا رب فاجعلهم كراما بررة

و اجعل لهم خيرا(2) و انم الثمرة

و كان له ثلاث بنات: ام كلثوم و ام حبيب و آمنة أو اميمة(3)، و زاد بعضهم رابعة و هي ام تميم، و من هنا عدّهم بعضهم من مثال الأربعة عشر(4)

و منها: معرفة اوطان الرواة و بلدانهم

و منها:

معرفة أوطانهم و بلدانهم، فإن ذلك ربما يميز بين الاسمين

ص: 328


1- بالتخفيف، كذا في دراية الشهيد. و كذا (و مسهر و صبح) في فتح المغيث: 167/3 و قال: و أنكرهما الزبير بن بكار.
2- في فتح المغيث: 167/3: ذكرا بدلا من خيرا. و انظر الدرجات الرفيعة: 153.
3- البداية: 137 باختلاف يسير، و ذكر السخاوي: و اميمة و ام القثم.
4- و ذكرت أمثلة اخرى كثيرة لكل ما تقدم من الأعداد، بل و لزيادة على ذلك.. قال ابن حزم في الملل و النحل: 175/1: و لم يبلغنا عن أحد من الامم من عدد الأولاد إلا من أربعة عشر فأقل، و أما ما زاد على العشرين فنادر... إلى آخره - بتصرف - و حكاه في فتح المغيث: 167/3، و سمى ابن الجوزي لسعد بن أبي وقاص خمس و ثلاثين. و هناك أساطير و حكايات لا تغني و لا تسمن.. أما الاخوان فجملة يطول عدّهم، و لكن قد يقع الاتفاق فيه بين الأخوين أو الاخوة في الاسم و هو من المتأخرين كثير - كما قاله السخاوي في شرح الألفية: 168/3 - و منه أحمد بن يحيى بن فضل اللّه العمري اخوان، و تميز غالبا باللقب أو الكنية و نحوه.

المتفقين في اللفظ(1)، و أيضا ربّما يستدل بذكر وطن الشيخ أو ذكر مكان السماع على الإرسال بين الروايتين(2)، إذا لم يعرف

ص: 329


1- كما تقدم في المتفق و المفترق، و من مظانه الطبقات لابن سعد و تواريخ البلدان، و أجمعه الأنساب لابن السمعاني و مختصره لابن الأثير و غيرهم.
2- يمكن قراءتها: بين الراويين، و المعنى واحد. قال الحاكم في معرفة علوم الحديث بعد عدّ هذا النوع الثاني و الأربعين من أنواع علوم الحديث: 190-196 قال: و هو علم قد زلق فيه جماعة من كبار العلماء بما يشتبه عليهم فيه، فأول ما يلزمنا من ذلك أن نذكر تفرق الصحابة من المدينة بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و انجلائهم عنها، و وقوع كل منهم إلى نواحي متفرقة، و صبر جماعة من الصحابة بالمدينة.. إلى آخره، و عدّه ابن الصلاح في المقدمة: 607 النوع الخامس و الستون، و قال: و ذلك مما يفتقر حفاظ الحديث إلى معرفته في كثير من تصرفاتهم. هذا، و قد عدّ في معرفة علوم الحديث: 161-168 النوع الثامن و الثلاثين.. معرفة قبائل الرواة من الصحابة و التابعين و أتباعهم ثم إلى عصرنا هذا كل من له نسب من العرب مشهور، و جعل الجنس الآخر و هو معرفة نسخ العرب وقعت إلى العجم فصاروا رواتها و تفردوا بها حتى لا يقع إلى العرب في بلادهم منها إلا اليسير. ثم الجنس الثالث: معرفة شعوب القبائل. الرابع: معرفة شعب مؤتلفة في اللفظ مختلفة في قبيلتين، الخامس: قوم من المحدثين عرفوا بقبائل أخوالهم و أكثرهم من صميم العرب صلبية فغلبت عليهم قبائل الأخوال... إلى آخره. كما و قد جعله من أنواع الحديث العراقي في ألفيته و تبعه السخاوي في شرحه: 359/3-362 معرفة أوطان الرواة و بلدانهم، و قال الأخير: و هو مهم جليل يعتني به كثير من علماء الحديث، لا سيما و ربما يتبين منه الراوي المدلس، و ما في السند من إرسال خفي و يزول به توهم ذلك.

لهما اجتماع عند من لا يكتفي بالمعاصرة، و قد كانت العرب تنسب إلى القبائل، و إنما حدث لهم الانتساب إلى البلاد و الأوطان لما توطّنوا فسكنوا القرى و المدائن فضاعت الأنساب و لم يبق لها سوى الانتساب إلى البلدان و القرى فانتسبوا إليها كالعجم فاحتاجوا إلى ذكرها، فالساكن ببلد و إن قلّ ينسب إليه. و قيل: يشترط سكناه أربع سنين بعد أن كان قد سكن بلدا آخر، و حينئذ ينسب إلى أيهما شاء أو ينسب إليهما معا، مقدما للأول من البلدين سكنى(1)، و يحسن عند ذلك ترتيب البلد الثاني بثمّ، فيقول مثلا: البغدادي ثم الدمشقي، و الساكن بقرية بلد بناحية اقليم ينسب إلى أيها شاء من القرية و البلد و الناحية و الاقليم(2)، فمن هو من أهل جبع مثلا له أن يقول في نسبته: الجبعي أو الصيداوي أو الشامي، و لو أراد الجمع بينهما فليبدأ بالأعم فيقول: الشامي الصيداوي الجبعي(3) ليحصل بالتالي فائدة لم تكن لازمة في المقدم.

ص: 330


1- و في محاسن الاصطلاح للبلقيني - ذيل المقدمة: 607 - قال: إنه نقل عن بعضهم أنه إنما يسوغ الانتساب إلى البلد إذا قام فيه أربع سنين فأكثر و قاله في تدريب الراوي: 385/2 - أيضا - ثم قال الأول: و هذا قول ساقط لا يقوم عليه دليل. و في تسويغ الانتساب إلى المدينة التي هو من قراها نظر، و الأقرب منعه، إلا إذا كان اسم المدينة يطلق على الكل، فإن الانتساب إنما وضع للتعارف و إزالة الالتباس.
2- كما في فتح المغيث: 360/3، و أخذه من دراية الشيخ ابن الصلاح: 605.
3- قاله الشهيد الثاني في البداية: 8-137، بألفاظ متقاربة، و نصّ عليه انظر: الألفية و شرحها: 199/3-205.

و كذا يبدأ في النسبة إلى القبائل بالأعم، فيقال: القرشي الهاشمي، إذ لو عكس لم يبق للثاني فائدة(1).

و منها: معرفة من ذكر باسماء او صفات مختلفة

و منها:

معرفة من ذكر بأسماء أو صفات مختلفة من كنى أو ألقاب أو أنساب، أما من جماعة من الرواة عنه يعرفه كل واحد بغير ما عرفه الآخر، و من راو واحد عنه يعرّفه مرة بهذا و مرة بذاك فيلتبس على من لا معرفة عنده، بل على كثير من أهل المعرفة و الحفظ.

و هو فنّ عويص تمس الحاجة إليه لمعرفة التدليس(2)،

ص: 331


1- قاله النووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 385/2 و غيرهما، قالا: و كثيرا ما نجدهم يقتصرون على العامة خاصة أو الخاص فقط. و قيل: إذا اجتمع بين النسب إلى القبيلة و النسب إلى البلد قدم الأول. و من مظان هذا الفن طبقات ابن سعد و قبله أنساب الحازمي و السمعاني و لباب ابن الأثير و لب اللباب للسيوطي و غيرها. أقول: و من الشائع وقوع النسبة إلى الصنائع كالخياطة، أو إلى الحرف كالبزاز أو ألقابا أو أوصافا أو غير ذلك.
2- قال في الفتح: و من فنون هذا العلم المهمة المطلوبة و فائدته الأمن من ظن تعدد الراوي الواحد المكنى في موضع و المسمى في آخر. قال ابن الصلاح: و لم يزل أهل العلم بالحديث يعتنون به و يتحفظونه و يطارحونه فيما بينهم و ينقصون من جهله.. و قد عيب على جمع من الأعلام و امتحن آخرون بذلك، و ربما ينشأ من الغفلة فيه زيادة في السند أو نقصان منه، و لهم في هذا الفن تصانيف عديدة.

و أمثلته كثيرة لا تخفى على من لاحظ باب الأسماء و الألقاب و الكنى من كتب الرجال. فتراهم يتعرضون لترجمة الرجل تارة في الأسماء، و اخرى في الكنى، و ثالثة في الألقاب، و كفاك في ذلك مثالا سالم الذي يروي عن أبي سعيد الخدري، فإنه يعبّر عنه تارة: بأبي عبد اللّه المدني، و اخرى: بسالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصري، و ثالثة: بسالم مولى شدّاد بن الهاد النصري، و رابعة: بسالم مولى المهري، و خامسة: بسالم سبلان، و سادسة: بسالم أبي عبد اللّه الأوسي و سابعة: بسالم مولى دوس، و ثامنة: بأبي عبد اللّه مولى شداد، و المراد بالكل واحد، فينبغي التفطّن و الفحص و العناية بذلك حتى لا يذكر الراوي مرة باسمه و اخرى بكنيته فيظنهما من لا معرفة له رجلين. و ربّما جعل بعضهم ذلك أقساما(1).

أحدها: من سمي بالكنية و لا اسم له غيرها، و له كنية اخرى كأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي، اسمه: أبو بكر و كنيته: أبو عبد الرحمن.

ص: 332


1- انظر ما سبق ذكره من الأنواع في مستدركنا رقم (112) حيث استوفينا الأقسام هناك، و الأصل في هذه القسمة هو ابن الصلاح في المقدمة: 500، و حكاه عنه جمع كالسخاوي في فتح المغيث: 204/3 و استدرك عليه بقسمين: الأول: من وافقت كنيته اسم أبيه، و فائدته نفي الغلط عمّن نسب إلى أبيه. الثاني: من وافقت كنيته كنية زوجته، و فائدته دفع توهم تصحيف أداة الكنية.

ثانيها: من لا كنية له غير الكنية التي هي اسمه كأبي بلال الأشعري.

ثالثها: من عرف بكنيته و لم يعلم أن له اسما أم لا، كأبي أناس الصحابي، و أبي مويهبة مولى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و أبي الأبيض التابعي.

رابعها: من لقّب بكنية و له اسم و كنية غيرها، كأبي الحسن لأمير المؤمنين (عليه السّلام) لقّبه به النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و اسمه عليّ و كنيته أبو تراب(1).

خامسها: من له كنيتان أو أكثر كابن جريح: أبي الوليد، و أبي خالد و منصور.

سادسها: من اختلف في كنيته دون اسمه كأسامة حيث

ص: 333


1- و هو المعروف بعلم معرفة الألقاب، و هو نوع مستقل في بابه، و هو تارة لقب بلفظ الاسم و اخرى بلفظ الكنية و ثالثة بسبب حرفة أو بلدة أو شغل أو غيرها. و قد اهتمّ بهذا الفن العلماء و المحدثون و عدّ من أقسام أفراد العلم - الذي سنستدركه - حيث قد يجعل الواحد اثنين لكونه يأتي تارة باسمه و اخرى بلقبه أو أكثر، لظنه في الألقاب أنها أسامي، و قد خلط جملة من الأعلام فيه. كما و قد صنف فيه جملة من العلماء و أئمة الرجال. و الألقاب تارة تكون بألفاظ الأسماء كأشهب، و بالصنائع و الحرف كالبقال و الحائك، و بالصفات كالأعمش، و الكنى كابن بطن، و كذا النسبة إلى القبائل و البلدان و غيرها، و أمثلتها كثيرة، و يستحسن معرفة السبب الظاهر للّقب. انظر: الألفية و شرحها فتح المغيث: 206/3-210.

اختلف في كنيته، فقيل: أبو زيد، و قيل: أبو محمد، و قيل: أبو عبد اللّه، و قيل: أبو خارجة.

سابعها: من عرف كنيته و اختلف في اسمه كأبي هريرة، فإن في اسمه ثلاثين قولا على ما نقل.

ثامنها: من اختلف في اسمه و كنيته جميعا، كسفينة مولى النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، أما كنيته فقيل: أبو عبد الرحمن و قيل: أبو البختري، و أما اسمه فقيل: عمير، و قيل: صالح، و قيل: مهران، و قيل: بحران، و قيل:

رومان، و قيل: قيس، و قيل: شنبه - بفتح المعجمة، و الموحدة بينهما نون ساكنة - و قيل: سنبه - بالمهملة - و قيل:

طهمان، و قيل: مروان، و قيل: ذكوان، و قيل: كيسان، و قيل: سليمان، و قيل: أيمن، و قيل: أحمد، و قيل:

رباح، و قيل: مفلح، و قيل: رفعه، و قيل: مبعث، و قيل:

عبس، و قيل: عيسى، فهذه اثنان و عشرون قولا.

تاسعها: من عرف باسم و كنية و لم يقع خلاف في شيء منهما، كعلي و أبي تراب لأمير المؤمنين (عليه السّلام)، و أمثلته في الرواة كثيرة.

عاشرها: من اشتهر بكنيته مع العلم باسمه كأبي خديجة، حيث اشتهر بذلك و اسمه: سالم بن مكرم، و نظائره كثيرة.

و منها:

ص: 334

معرفة كنى المعروفين بالأسماء حتى أنه إذا وجد التعبير عنه بكنيته لا يزعم كونه غير صاحب الاسم، و لذا تصدوا في كتب الرجال لذكر الكنى أيضا في تراجم الأسماء(1)، و كذا الحال في معرفة الألقاب.

و منها:

و منها: معرفة الوحدان

معرفة الوحدان(2) و هو من لم يرو عنه إلا واحد.

و فائدة معرفته عدم قبول رواية غير ذلك الواحد عنه(3)، و مثال ذلك في الصحابة وهب بن خنبش - بفتح الخاء المعجمة و الموحدة بينهما نون ساكنة - الطائي الكوفي، و عروة بن مضرس، و محمد بن صفوان الأنصاري، و محمد بن صيفي الأنصاري صحابيون لم يرو عنهم غير الشعبي.

و في التابعين: أبو العشراء الدارمي لم يرو عنه غير

ص: 335


1- حصلت على رسالة خطية تحت عنوان: رسالة في كنى أصحاب الحديث لعبد اللّه بن محمد جعفر الأصفهاني المشهدي، كتبها في يوم الجمعة سابع شهر جمادي الثاني سنة 1086 ه، توجد منها نسخة في مكتبة مدرسة سليمان خان في مشهد الرضا (عليه السّلام)، و قد جاء ذكرها في فهرست المدرسة المطبوع 18 تحت رقم 108.
2- و يقال له: المنفردات، و هو غير علم معرفة الأفراد، و يغاير علم أفراد العلم.
3- و من فوائده معرفة المجهول إذا لم يكن صحابيا. كما جاء في التقريب و تبعه في التدريب: 264/2، و الّف فيه مسلم صاحب الصحيح و غيره كما قاله في الألفية و شرحها: 9/3-187 و ذكر جملة أمثلة، و عدّه ابن الصلاح في المقدمة: 492 - نوعا برأسه - السابع و الأربعون.

حماد بن سلمة، و تفرد الزهري - على ما قيل - عن نيف و عشرين من التابعين لم يرو عنهم غيره منهم.

و منها: معرفة كنى المعروفين بالاسماء

و منها:

معرفة ضبط المفردات من الأسماء و الألقاب و الكنى.

و هو فن حسن لازم المراعاة حتى لا يشتبه شخص بآخر، و قد أفردوا ذلك بالتصنيف، و صنف فيه آية اللّه العلامة (رحمه اللّه) ايضاح الاشتباه، و يوجد في تراجم جملة من الرواة في كتب الرجال.

و منها: معرفة المنسوبين الى غير آبائهم

و منها:

معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم(1).

و فائدتها دفع توهم التعدد عند نسبتهم إلى آبائهم(2)، و أمثلته كثيرة، فممن نسب إلى امه ابن الحنفية أبوه أمير المؤمنين (عليه السّلام) و اسم امه: خولة من بني حنيفة، و ممن نسب إلى جدته الدنيا يعلى بن منية صحابي مشهور، نسب إلى ام امه، و أبوه امية بن أبي عبيد، و ممن نسب إلى جدته العليا

ص: 336


1- كما نسب أهل الحديث البعض إلى امهاتهم أو لأجدادهم أو لمن تبناهم أو...
2- و أيضا لدفع ظن الاثنين واحدا عند موافقة اسميهما و اسم أبي أحدهما اسم الجد الذي نسب إليه الآخر. و قد ذكرت في كتب الدراية و الرجال أمثلة كثيرة لها. انظر من باب المثال: فتح المغيث: 9/3-266.

بشير بن الخصاصية - بتخفيف الياء - صحابي مشهور نسب إلى ام الثالث من أجداده على ما قيل.

ص: 337

لنزوله بها، و سليمان بن طرخان(1) التيمي أبو المعتمر نزل في بني تيم و ليس منهم(2)... إلى غير ذلك(3).

***

ص: 338


1- في الطبعة الاولى: طرحان.
2- قال في فتح المغيث: 273/3 - ما حاصله -: و من المؤسف كثرة وقوع الاشتباه و عموم الضرر في من ينسب حسينيا لسكناه محلا في القاهرة أو بلد أو غيرهما فيتوهم أنه نسبة إلى الإمام الحسين بن علي (عليهما السّلام)، و يوصف بالشرف و السيادة! هذا غير الأدعياء و ما أكثرهم!!.
3- انظر مستدرك رقم (236) حول: معرفة أفراد العلم، معرفة تاريخ الرواة و الوفيات، معرفة المبهمات، معرفة من اختلط من الثقات، معرفة الثقات و الضعفاء.

فهرس الجزء الثالث من مقباس الهداية في علم الرواية

الموضوع الصفحة

المقام الخامس:

الالفاظ التي لا تعنيه مدحا و لا قدحا 9

منها: مولى 9

منها: الغلام 15

منها: الشاعر 17

منها: كوفي 18

منها: القطعي 19

منها: له اصل 20

بحث في الاصول الأربعمائة 21

الفرق بين له اصل و له كتاب 24

معنى النوادر 30

معنى له كتاب أو مصنف... 32

دلالة لفظ له كتاب او ذا مصنف او ذا أصل أو نوادر... 33

تذييل:

الالفاظ المستعملة في كتب الرجال لا ربط لها بعالم المدح و الذم 39

ص: 339

منها: الفهرست 39

و منها: الترجمة 40

و منها: النموذج 41

و منها: الشيخ 42

و منها: المشيخة 43

و منها: الاستاذ 44

و منها: التلميذ 46

و منها: المملي و المستملي 46

و منها: العدّة 47

و منها: الرهط 47

و منها: الطبقة 48

و منها: الصحابي و التابعي و المخضرمي 49

و منها: الراوي 49

و منها: المسند 49

و منها: المحدث 49

و منها: الحافظ 51

الفصل السابع:

في شرف علم الحديث، و كيفية تحمله، و طرق نقله و آدابه 55

المقام الاول:

في أهلية التحمل، و فيه مطالب 57

الاول: اشتراط العقل و التمييز في التحمل بالسماع 57

الثاني: عدم اشتراط الاسلام و لا الايمان و لا البلوغ و لا العدالة في تحمل الحديث 58

تحديد السن لمن يتحمل الرواية في الابتداء و الانتهاء 62

الثالث: لا يشترط في المروي عنه إن يكون اكبر من الراوي سنا و لا رتبة 63

ص: 340

المقام الثاني:

في طرق تحمل الحديث 65

اولها: السماع من لفظ الشيخ. و فيه مطالب 66

الاول: كون هذا الطريق اعلى طرق التحمل و أرفع اقسامه 66

الثاني: اقسام هذا الوجه 68

الثالث: كيفية اداء الحديث المتحمل بالسماع أو الاستماع من الشيخ العبارات الواردة و بيان اعلاها في التأدية 69

الرابع: بعد قوله حدثني و حدثنا في المرتبة: أخبرنا ثم انبانا 72

الخامس: بيان ادنى العبارات الواقعة في هذا الطريق 74

السادس: عدم صحة التحمل و السماع و الرواية لمن لا يفهم المقروء 75

السابع: كيفية اجازة الشيخ للسامعين 78

الثامن: من احكام المستملي و كيفية الرواية عنه 79

التاسع: لا يشترط علم المحدث بالسامعين 82

ثانيها: القراءة على الشيخ 83

و هنا مطالب:

الاول: انحاء هذا الطريق 84

الثاني: ما يتحمل بهذا الطريق من الاخبار رواية صحيحة 85

الثالث: هل هذا الطريق يساوي السماع أو يرجح عليه؟ 86

الرابع: كيفية اداء المتحمل بالقراءة اذا اراد رواية ذلك الحديث 93

هل يجوز اطلاق حدثنا و اخبرنا و انبانا في هذا الطريق 94

الخامس: كيفية القراءة على الشيخ و السماع منه 97

السادس: اذا قرى على الشيخ و لم ينكر و لم يتكلم بما يقتضي الاقرار به، فهل يصح السماع و تجوز الرواية؟ 98

السابع: ما اصطلحه عدة من المحدثين في السماع 100

الثامن: لا يشترط الترائي في صحة التحمل بالسماع 102

ص: 341

ثالثها:

الاجازة:

معنى الاجازة لغة و اصطلاحا 105

و هنا مطالب:

الاول: هل يجوز تحمل الرواية بالاجازة؟ 107

الثاني: اقسام الإجازة 114

الضرب الاول: اجازه معين لمعين 116

الضرب الثاني: اجازه معين بغير معين 117

الضرب الثالث: اجازه لغير معين 118

الضرب الرابع: إن يكون المجاز أو المجاز فيه مجهولا 120

الضرب الخامس: تعليق الاجازة على الشرط 121

الضرب السادس: الاجازة للمعدوم 124

الضرب السابع: الاجازة لموجود فاقد لأحد شروط اداء الرواية 127

الضرب الثامن: الاجازة بما لم يتحمله المجيز من الحديث بعد بوجه ليرويه عنه المجاز 130

الضرب التاسع: اجازة المجاز لغيره بما تحمله بالاجازة 131

هنا امور:

الاول: ما يلزم من يروي بالاجازة عن الإجازة 132

الثاني: هل يشترط من صحة الإجازة العلم؟ 133

الثالث: ينبغي للمجيز بالكتابة إن يتلفظ بالاجازة 134

تذييل: لا يشترط في الإجازة القبول 135

رابعها: المناولة 135

و هي حزبان:

الاول: المناولة المقرونة بالإجازة، و لها مراتب 137

منها: إن يدفع الشيخ الى الطالب الأصل و يقول له: اروه عني... 137

و منها: إن يدفع الطالب الى الشيخ سماعه فيتأمله الشيخ

ص: 342

و يقول هو حديثي 139

و منها: إن يناول الشيخ الطالب سماعه و يجيزه ثم يسترجعه الشيخ و يمسكه 140

و منها: إن يأتي الطالب الشيخ بكتاب و يقول: هذا روايتك فناولنيه و اجزني روايته 141

فرعان:

الاول: من اجاز من لا يوثق به ثم بآن أنه يوثق به 141

الثاني: لو قال الشيخ: حدث عني بما فيه إن كان حديثي 142

الثاني: المناولة المجردة عن الاجازة 142

تذييل: الفاظ الأداء لمن تحمل بالاجازة و المناولة 146

خامسها: الكتابة 152

خامسها: الكتابة و هنا مطالب

الاول: الكتابة على حزبين 153

الكتابة مقرونة بالاجازة 153

الكتابة المجردة عن الاجازة 154

ما يعتبر في الكتابة 155

الثاني: كون الكتابة أنزل من السماع 156

الثالث: كيفية الاداء لمن روى بالكتابة 157

سادسها: الاعلام

حكم الرواية بالاعلام 158

سابعها: الوصية 162

ثامنها: الوجادة 164

حكم الرواية بالوجادة مع الإجازة و عدمها 167

حكم الرواية بالوجادة الموثوق بها من دون اجازه 168

دواعي الإجازة 180

ص: 343

تنبيهات:

الاول: لو وجد كتابا شهد عدلان عندنا به فهل يجوز العمل به و الرواية عنه 181

الثاني: أن اقسام التحمل جارية في المعصوم عليه السّلام ايضا 183

المقام الثالث:

في كتابة الحديث و ضبطه 189

و فيه مطالب:

الاول: في حكمها 189

الثاني: ما يشترط في كاتب الحديث 198

كيفية ضبط الحروف المهملة 201

الثالث: ما ينبغي لكاتب الحديث 203

منها: إن يجعل بين كل حديثين دائرة للفصل بينهما 203

و منها: إن لا يفصل بين الاسماء المضافة 205

و منها: إن لا يكتب رسول اللّه أو نبي اللّه بشكل منفصل في الاسطر 205

و منها: كتابة الثناء على اللّه سبحانه 206

و منها: كتابة التحية و السّلام بعد اسماء المعصومين عليهم الصلاة و السّلام 206

و منها: كتابة الترضي و الترحم على الفقهاء و المحدثين 207

الرابع: يلزم على كاتب الحديث مقابلة كتابه باصل شيخه 208

الخامس: في كيفية تخريج الساقط في الحواشي اللحق) 210

السادس: معنى التصحيح و التضبيب 213

السابع: اذا وقع في الكتاب ما ليس منه نفي عنه اما بالضرب عليه أو الحك له أو المحو 214

كيفية الضرب 215

الثامن: ذكر جملة من الرموز المتعارفة عند المحدثين 217

معنى (جاء) الحيلولة 219

ص: 344

التاسع: كيفية كتابة التسميع 219

المقام الرابع:

في كيفية رواية الحديث 221

و فيه مطالب:

الاول: ما يجوز به رواية الحديث 221

الثاني: كيفية رواية الاعمى 224

الثالث: كيفية رواية الكتابة او النسخة 224

الرابع: اذا وجد الحافظ في كتابه خلاف ما حفظه 225

الخامس: حكم رواية الحديث بالمعنى، ثمان اقوال 227

حجة المجوزين 232

حجة المانعين 238

حجة القول الثالث 241

حجة القول الرابع 243

حجة القول الخامس 243

حجة القول السادس 244

حجة القول السابع 244

حجة القول الثامن 244

تنبيهات:

الأمر الاول: الشروط التي تلزم في نقل الحديث بالمعنى 245

الأمر الثاني: لا يجوز نقل الاحاديث الواردة في الأدعية و الاذكار و الأوراد 250

الأمر الثالث: عدم جريان الحكم في النقل عن المصنفات 251

الأمر الرابع: من نقل حديثا بالمعنى إن يقول بعده:

او كما قال او نحوه 252

الأمر الخامس: من نقل مجملا و فسره بأحد محامله 254

الأمر السادس: حكم تقطيع الحديث و اختصاره 254

ص: 345

الأمر السابع: جواز تقطيع الحديث الواحد في المصنف

المطلب السادس:

فينبغي للشيخ ان لا يروي الحديث بقراءة لحان و لا مصحف 259

ما ينبغي تعلمه للمحدث قبل الشروع في الحديث 259

اصلاح التحريف و التصحيف في الكتاب 261

المطلب السابع:

في من روى عن اثنين او اكثر متفقين في المعنى دون اللفظ 263

اذا سمع من جماعة كتابا و قابل نسخته باصل بعضهم دون الباقي 263

المطلب الثامن:

لا يصح للراوي إن يزيد في نسب غير شيخه من رجال السنة 264

المطلب التاسع:

جرت العادة بحذف بعض الألفاظ كقال و نحوه بين رجال السنة 266

المطلب العاشر:

ما اشتمل من النسخ و الابواب على احاديث متعدده باسناد واحد 267

المطلب الحادي عشر:

من قدم المتن على الاسناد 269

من روى حديثا باسناد له ثم اتبعه باسناد آخر و حذف متنه 270

المطلب الثاني عشر:

اذا ذكر حديثا بسنده و متنه ثم ذكر اسنادا آخر و بعض المتن 272

المطلب الثالث عشر:

اذا روى حديثا عن رسول اللّه (ص) حاز رواية المتحمل عن النبي (ص) و كذا العكس 274

المطلب الرابع عشر:

من كان في سماعه وهن أو ضعف لزم بيانه 275

ص: 346

المطلب الخامس عشر:

من تحمل حديثا عن رجلين أحدهما ثقة و الآخر مجروح 276

من تحمل بعض حديثا عن شيخ و بعضه عن آخر لم يجز إن يرويه جميعا عن احدهما 276

المقام الخامس:

في آداب التحديث و المحدث و طالب الحديث: 279

و فيه موضعان:

الاول: في آداب التحديث و المحدث 279

منها: التطهير لمجلس الحديث 280

منها: ان لا يتحدث بحضرة من هو اولى منه 281

منها: ان لا يمتنع من تحديث أحد 282

منها: عقد مجلس الاملاء 282

منها: غير ذلك 284

الموضع الثاني:

في آداب طالب الحديث و هي أمور 287

الفصل الثامن

من اسماء الرجال و طبقاتهم و ما يتصل به 295

و هنا مطالب:

الاول: ما هو حد الصحابي و التابعي و المخضرم 295

تعريف الصحابي 296

مراتب الصحابة 305

افضل الصحابة 307

معنى التابعي 311

معنى المخضرم 313

المطلب الثاني:

رواية الاكابر عن الاصاغر 317

ص: 347

المطلب الثالث:

يلزم معرفة امور 319

منها: معرفة طبقات الرواة 319

منها: معرفة مواليد الرواة و غيره 319

منها: معرفة الموالي 320

و منها: معرفة الاخوة و الاخوات 321

و منها: معرفة اوطان الرواة و بلدانهم 328

و منها: معرفة من ذكر باسماء او صفات مختلفة 331

و منها: معرفة كنى المعروفين بالاسماء 336

و منها: معرفة الوحدان 336

و منها: معرفة ضبط المفردات من الاسماء و الالقاب و الكنى 337

و منها: معرفة المنسوبين الى غير آبائهم 337

و منها: معرفة النسبة التي على خلاف ظاهرها 338

ص: 348

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.