مقباس الهدایة في علم الدرایة المجلد 2

هوية الکتاب

مقباس الهداية في علم الدراية

الجزء الثاني

تألیف: الشیخ محمد رضا المامقاني

موسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

الطبعة: الأولی - ذي الحجة 1413 ه . ق

ص: 1

اشارة

ص: 2

مقباس الهداية في علم الدراية

ص: 3

مقباس الهداية في علم الدراية

الجزء الثاني

تألیف: الشیخ محمد رضا المامقاني

موسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

الطبعة: الأولی - ذي الحجة 1413 ه . ق

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

جمیع الحقوق محفوظة ومسجلة

لموسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

ص: 6

الامام الباقرعليه السلام :

يَا بُنَيَّ اعْرِفْ مَنَازِلَ الشِّيعَةِ عَلَى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِمْ فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ هِيَ الدِّرَايَةُ لِلرِّوَايَةِ وَ بِالدِّرَايَاتِ لِلرِّوَايَاتِ يَعْلُو الْمُؤْمِنُ إِلَى أَقْصَى دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابٍ لِعَلِيٍّ عليه السلام فَوَجَدْتُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ قِيمَةَ كُلِّ امْرِئٍ وَ قَدْرَهُ مَعْرِفَتُهُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يُحَاسِبُ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي دَارِ الدُّنْيَا.

معاني الاخبار(للصدوق)،ص1و2.

عنه بحارالأنوار 1 / 106

ص: 7

ص: 8

الفصل السادس فيمن تقبل روايته، و من تردّ روايته، و ما يتعلق به من الجرح و التعديل .

اشارة

الفصل السادس فيمن تقبل روايته، و من تردّ روايته، و ما يتعلق به من الجرح و التعديل(1).

و ينبغي قبل الأخذ في ذلك تقديم مقدمة، ذكرها في البداية(2) و هي: ان معرفة من تقبل روايته و من تردّ من أهم أنواع علم الحديث، و أتمها نفعا، و ألزمها ضبطا و حفظا، لأن بها يحصل التمييز بين صحيح الرواية و ضعيفها، و التفرقة بين الحجّة

ص: 9


1- كان هذا الفصل يعدّ عند قدماء المحدثين و من تبعهم من المتأخرين نوعا من أنواع الحديث، فقد عدّه - مثلا - الشيخ ابن الصلاح في مقدمته: 218، النوع الثالث و العشرين و قال: معرفة صفة من تقبل روايته و من تردّ روايته و ما يتعلق بذلك من قدح، و جرح و توثيق و تعديل، و كذا العراقي في ألفيته و تبعه السخاوي في شرحه: 314/3-330 و عبّر عنه ب: معرفة الثقات و الضعفاء. ثم أدرجوا بعد ذلك جملة من كتب العامة في الضعفاء الثقات، فلاحظ.
2- البداية: 62 [البقال: 18/2] بتصرف و زيادات، و للتوسع في البحث لاحظ: مقدمة ابن الصلاح: 60 [عائشة: 218]، الكفاية: 76-77، المستصفى: 99/1، فتح المغيث: 314/3-330.

اللاحجّة، و لذا جعلوا مصلحته أهم من مفسدة القدح في المسلم المستور(1)، و إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، و اللازمين لذكر الجرح في الرواة، و جوّزوا لذلك هذا البحث، و وجه الأهمية ظاهر، فان فيه صيانة الشريعة المطهرة من ادخال ما ليس منها فيها، و نفيا للخطإ و الكذب عنها(2)، و قد روى انه قيل لبعض العلماء(3): اما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماء لك عند اللّه يوم القيامة؟.

فقال: لان يكونوا خصمائي احب اليّ من أن يكون رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) خصمي، يقول ليّ: لم لم تذبّ الكذب عن حديثي؟!. و روى أن بعضهم سمع من بعض العلماء شيئا من ذلك فقال: يا شيخ! لا تغتاب(4) العلماء، فقال له: ويحك! هذه نصيحة، و ليست غيبة(5).

و قد ادّعى غير واحد من الأواخر الاجماع على استثنائه من حرمة الغيبة(6) و استدلوا على ذلك مضافا اليه بأهمية مصلحة حفظ أحكام اللّه

ص: 10


1- و لا يلزم منها اشاعة الفاحشة، و لا الغيبة المحرمة و غير ذلك، مما قيل.
2- و لذا عدّ من فروض الكفاية.
3- و هو يحيى بن سعيد القطان - شيخ الرجاليين في وقته و حجتهم - في جوابه لأبي بكر ابن خلاد و القصة بطولها في فتح المغيث: 323/3 و غيره.
4- كذا، و الظاهر: تغتب، لما جاء في التنزيل العزيز: «وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» (الحجرات: 12).
5- بألفاظ متقاربة في بداية الشهيد: 62 [البقال: 19/2]، و الباعث الحثيث: 243، و فتح المغيث: 317/3، و غيرها.
6- كما ادعاه غير واحد من العامة لاحظ كلماتهم في شرح الألفية للسخاوي: 8/3-317 و غيره، و عليه قامت السيرة العلمية للمتشرعة، و به اثبات الشرع، و به ندفع أضرار دنيوية و أخروية.

تعالى عن الضياع من مفسدة الغيبة، و بالأخبار الواردة عنهم (عليهم السّلام) في ذم جملة من الرواة، و بيان فسقهم و كذبهم.. و نحو ذلك. فالجواز مما لا شبهة فيه، بل هو من فروض الكفايات، كأصل المعرفة بالحديث. نعم يجب على المتكلم في ذلك التثبت في نظره و جرحه لئلا يقدح في برء(1) غير مجروح بما ظنه جرحا، فيجرح سليما، يسم بريئا بسمة سوء يبقى عليه الدهر عارها، فقد أخطأ في ذلك غير واحد، فطعنوا في أكابر من الرواة استنادا الى طعن ورد فيهم له محمل، كما لا يخفى على من راجع كتب الرجال المبسوطة. و لقد أجاد في البداية حيث قال بعد التنبيه على ذلك: (انه ينبغي للماهر(2) في هذه الصناعة، و من وهبه اللّه تعالى أحسن بضاعة، تدبر ما ذكروه، و مراعاة ما قرّروه، فلعله يظفر بكثير مما اهملوه، و يطّلع على توجيه في المدح و القدح قد أغفلوه، كما اطلعنا عليه كثيرا، و نبهنا عليه في مواضع كثيرة، وضعناها على كتب القوم، خصوصا مع تعارض الأخبار في الجرح و المدح، فانه وقع لكثير من أكابر الرواة، و قد أودعه الكشي في كتابه من غير ترجيح، و تكلم من بعده في ذلك فاختلفوا في ترجيح أيهما على الآخر اختلافا كثيرا، فلا ينبغي لمن قدر على البحث تقليدهم في ذلك، بل ينفق مما آتاه اللّه تعالى، فلكل

ص: 11


1- الظاهر انه: بريء، و إن كان يصح استعمال المصدر و إرادة اسم الفاعل منه أو الصفة المشبهة.
2- في نسختنا من البداية القديمة: المائز، و ما في المتن أصح، كما في الطبعة الجديدة.

مجتهد نصيب، فان طريق الجمع بينها ملتبس على كثير حسب اختلاف طرقه و أصوله في العمل بالأخبار الصحيحة و الحسنة و الموثقة و طرحها أو بعضها، فربما لم يكن في أحد الجانبين حديث صحيح فلا يحتاج الى البحث عن الجمع بينها، بل يعمل بالصحيح خاصة، حيث يكون ذلك من أصول الباحث، و ربما يكون بعضها صحيحا، و نقيضه حسنا أو موثقا، و يكون من أصله العمل بالجميع، و يجمع بينهما بما لا يوافق أصل الباحث الآخر و.. نحو ذلك، و كثيرا ما يتفق لهم التعديل، بما لا يصلح تعديلا)(1) أو يجرحون بما لا يكون جرحا، فلذلك يلزم المجتهد بذل الوسع في ذلك(2).

و اذ قد عرفت المقدمة، فاعلم أن هنا جهات من الكلام:

الجهة الأولى: شروطا قبول الخبر الواحد في الراوي

اشارة

الأولى: انهم قد ذكروا شروطا لقبول خبر الواحد في الراوي(3). و اشتراط أغلبها مبني على اعتبار الخبر من الأدلة

ص: 12


1- البداية: 63 بتصرف يسير [البقال: 25/2-28]. و الظاهر أن تتمة الكلام من الشهيد قدس سره الا أن درايتنا ليس فيها ذلك. و كذا ليست في الطبعة المحققة. أقول: و نظيره في فتح المغيث: 316/3 بقوله: و احذر... من غرض أو هوى يحملك كل منها على التحامل و الانحراف و ترك الانصاف أو الاطراء و الافتراء فذلك شر الأمور التي تدخل على القائم بذلك الآفة منها،.. الى آخره.
2- قيل عمدة ما كان من هذا القبيل في خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال للعلامة الحلي طاب ثراه في علم الرجال. و لا وجه لذلك.
3- كان الاولى البحث عن أهلية الراوي من جهتين: اهلية التحمل: اي تلقي الحديث و سماعه. و اهلية الاداء: أي تبليغ الحديث و روايته. و قد تعرض المصنف (قدس سره) الى الثانية هنا، و أشار في مطاوي كلماته الآتية في المقام الأول من الفصل السابع الى الاولى. و سنفصل القول هناك.

الخاصة(1)، و أما بناء على اعتباره من باب مطلق الظن، أو من باب الاطمئنان، فلا وجه لاعتبار غير العقل و الضبط، بل المدار حينئذ على حصول الظن على الأول، و الاطمئنان على الثاني.

و توهم ان اعتبار تلك الشرائط على هذا المبنى إنما هو للتنبيه على أن الخالي عن المذكورات لا يفيد الظن أو الاطمئنان، أو لبيان مراتب الظن أو(2) الاطمئنان، أو لاثبات تحريم العمل بالخالي عن الشرائط كالقياس، كما ترى، ضرورة كون حصول الاطمينان من خبر الفاسق و المخالف في جملة من المقامات، و إن لم يحتف بقرائن قطعية وجدانيا، و تحريم العمل بالاطمئنان العادي الذي على العمل به اتفاق العقلاء لا يحتمله أحد. نعم تحريم العمل بمطلق الظن الغير(3) البالغ حد الاطمينان موجّه، كما برهن عليه في محله.

الشروط التي اعتبروها في الراوي:

اشارة

و كيف كان فالأول: من الشروط التي اعتبروها في الراوي:(4)

الاول الاسلام:

فان المشهور اعتباره، بل نقل في البداية اتفاق ائمة الحديث

ص: 13


1- او على القول بجواز العمل به من حيث هو.
2- في الطبعة الاولى: و، و الظاهر ما أثبتناه.
3- كذا، و الظاهر: غير البالغ.
4- المراد في مقام الاداء لا التحمل، و كذا ما يأتي، فتدبر.

و الأصول الفقهية عليه(1)، فلا تقبل رواية الكافر مطلقا، سواء كان من غير أهل القبلة كاليهود و النصارى أو من أهل القبلة، كالمجسمة و الخوارج و الغلاة عند من يكفرهم(2)، و الظاهر أن القسم الأول و هو غير أهل القبلة محل الاتفاق.

و أما الثاني ففيه خلاف، و قد حكي عن أبي الحسين - من العامة - قبول روايته ان كان مذهبه تحريم الكذب، و عدم القبول ان لم يكن مذهبه ذلك. و قد ادعى السيد عميد الدين في منية اللبيب في شرح التهذيب الاجماع على عدم قبول رواية غير أهل القبلة من الكفار(3)،

ص: 14


1- البداية: 64 [البقال: 30/2] الا ان معقد الاجماع حال الرواية و إن لم يكن مسلما حال التحمل، و عليه إجماع جماهير أئمة الحديث و الفقه كما ادعاه النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: 300/1، و كذا والد الشيخ البهائي في وصول الاخيار: 183، و البغدادي في الكفاية: 135، و جامع المقال: 19، و القوانين: 457، و حكي عن الخلاصة في أصول الحديث: 89، و الباعث الحثيث: 92 و غيرهم. قال في جامع الاصول: 34/1: لا خلاف في ان رواية الكافر لا تقبل.
2- مطلقا، سواء علم من مذهبهم التحرز عن الكذب ام لا، و سواء اجازوا الكذب ام لا، و فيه ما فيه مما سنستدركه في محله.
3- منية اللبيب في شرح التهذيب - في الاصول - السيد عميد الدين أبو عبد اللّه عبد المطلب بن مجد الدين ابي الفوارس الحسيني الحلي (681-754 ه) و الكتاب مخطوط، لا اعرف له نسخة فعلا نعم طبعت بعض حواشيه على تهذيب الاصول للعلامة الحلي، انظر حاشية صفحة: 78 من التهذيب. و كذا في اصول الحديث: 230، و جملة من المصادر السابقة.

سواء كان من مذهبه تحريم الكذب أو لم يكن. قيل: و أبو حنيفة و إن كان يقبل شهادة الذمي على مثله للضرورة، صيانة للحقوق، اذ أكثر معاملاتهم لا يحضرها مسلمان الا أنه صرح بعدم قبول روايته، فلم يكن قادحا في الإجماع.

و كيف كان فقد استدل جمع منهم ثاني الشهيدين في البداية على عدم القبول بوجوه:

أحدها: ما في البداية و غيره من: (أنه يجب التثبت عند خبر الفاسق، فيلزم عدم اعتبار خبر الكافر بطريق أولى، إذ يشمل الفاسق الكافر، و قبول شهادته في الوصية - مع أن الرواية أضعف من الشهادة(1) - بنص خاص(2)، فيبقى العام معتبرا في الباقي)(3).

و أقول: لا يخفى عليك أن بين قوله في البداية: (فيلزم...

إلى آخره)، و قوله: (إذ يشمل.. إلى آخره) تهافتا، فإن ظاهر الأول عدم شمول الفاسق في الآية(4) للكافر، و أن الاستدلال بها

ص: 15


1- راجع مستدرك رقم (150) في الفرق بين الشهادة و الرواية.
2- النص هنا جملة من الروايات تجدها في الوسائل: 287/18. باب 40 و ما بعدها، و مستدركها: 213/3 - حجري -، و الكافي - الفروع -: 398/7، و التهذيب: 252/6 و الفقيه 29/3 و غيرها. و حكي عن المحرر في الفقيه: 272/2 و المحلى: م 495/6.
3- البداية: 64 [البقال: 31/2]. و في العبارة دفع دخل مقدر، و غموض يحتاج إلى تدبر...
4- و هي قوله عز اسمه: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ الحجرات: 6.

بمئونة الأولوية، و ظاهر الثاني شمول لفظ الفاسق للكافر، فيندرج تحت الآية(1).

على أنه يمكن المناقشة في الأول بمنع الأولوية، فإن الفاسق إنما لم تقبل روايته لما علم من اجترائه على فعل المحرمات، مع اعتقاد تحريمها، و هذا المعنى غير متحقق في حق الكافر، إذا كان عدلا في دينه، معتقدا لتحريم الكذب، ممتنعا منه، حسب امتناع العدل المسلم منه.

و يتّجه على الثاني ما في مسالكه من منع دلالة آية النبأ على اشتراط الإسلام في الشاهد، معللا بأن الفسق إنما يتحقق بفعل المعصية المخصوصة مع العلم بكونه معصية، أما مع عدمه، بل مع اعتقاد أنه طاعة، بل من أمهات الطاعات فلا.. إلى أن قال:

(و الحق أن العدالة تتحقق في جميع أهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم، و يحتاج في إخراج بعض الأفراد إلى الدليل)(2)

ص: 16


1- أقول: يمكن دفع تهافت الشهيد (رحمه اللّه) المدعى بأن يقال: إن في الكافر جهتين تمنعان من قبول خبره: الكفر و الفسق، و الأول هو جهة الأولوية فيه، و الثاني هو جهة الشمول، لأن الكافر فاسق و لا عكس، إذ الفسق يتحقق بما هو أقل من الكفر، فالفاسق لا يشمل الكافر من حيث هو كافر و يشمله من حيث إنه فاسق فلا تهافت. نعم فيه بحث من جهة أن ظاهر العبارة جعل شمول الفاسق للكافر علة و وجها للأولوية، و هذا غير صحيح، و بعبارة أخرى: إن حاصل الإشكال إنهما دليلان جعلا دليلا واحدا هنا، فتدبر.
2- إلى هنا ما في مسالك الأحكام: 493/2.

و إن كان يردّ ما ذكره تصريح جمع منهم الشيخ في الخلاف(1)و المبسوط(2)، و أبو الصلاح(3) و.. غيرهما(4) بصدق الفاسق على الكافر حقيقه لغة و شرعا، فإن الكافر يحكم بغير ما أنزل اللّه تعالى، و قد قال تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْفاسِقُونَ (5).

ثانيها: إن الكافر ظالم، و كل ظالم لا يجوز قبول خبره، فالكافر لا يجوز قبول خبره.

ص: 17


1- الخلاف: 614/2.
2- المبسوط: 113/8 و 187 و 219.
3- الكافي لابن الصلاح الحلبي: 411 و ما بعدها.
4- كالخطيب البغدادي في الكفاية: 135. نعم لا مانع من أن يسمع المشرك و الذمي و المغالي و الناصب الحديث ثم يؤدونه مسلمين إذا كان ضابطا لها شهادة و رواية.
5- المائدة: 47، فَأُولئِكَ هُمُ اَلْكافِرُونَ: المائدة: 44. هنا كلمة: انتهى، وضعنا بدلا منها قوس، و لم نجد العبارة في درايتنا، و لا أعلم لمن هي، و الظاهر عدم الحاجة إلى كلمة انتهى. أقول: هذا و يمكن أن يقال مع تسليم صدق الفاسق على الكافر أيضا لا تدل الآية على عدم قبول روايته إذا كان ثقة، لأن معرفة كونه ثقة نوع تثبت في خبره، و قد حصل و إن كان إجمالا. و كيف كان فلا ثمرة يعتد بها في خصوص العمل برواياتنا و إن كان يثمر في غير الرواية المصطلحة مما يحتاج إليه في الموضوعات. أو تكون الثمرة في رواياتنا المروية من قبل أهل الفرق الباطلة إذا حكمنا بكفرهم و اشترطنا الإسلام في الراوي، دون ما لو اكتفينا بالوثاقة خاصة، فتدبر.

أما الصغرى، فلأنه لا يحكم بما أنزل اللّه تعالى، و كل من كان كذلك، فهو ظالم لقوله تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اَللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلظّالِمُونَ (1)، و لا يختص هذا بمن نزل فيه و هم اليهود، لأن العبرة بعموم الجواب، لا خصوص المورد.

و أما الكبرى فلعموم قوله تعالى: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّارُ (2) و لا ريب في كون قبول روايته ركونا إليه، لكن يمكن التأمل في صدق الركون على قبول خبره، كما يأتي.

ثالثها: فحوى ما دلّ على عدم قبول شهادة الكافر، و عدم جواز الوصية، و في تمامية الفحوى نظر(3).

رابعها: إن قبول خبر الكافر يستلزم المساواة بينه و بين المسلم، و قد نفى اللّه تعالى المساواة بقوله عز من قائل: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (4) و قال اللّه تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ اَلنّارِ وَ أَصْحابُ اَلْجَنَّةِ (5)، و أنت خبير بعدم شمول المساواة المنفية لمثل ذلك.

احتج أبو الحسين لقبول رواية أهل القبلة من الكفار كالخوارج

ص: 18


1- المائدة: 45.
2- هود: 113.
3- و وجه ظاهر، إذ لا أولوية في الأحكام الشرعية التوقيفية، هذا مع قبول شهادته و وصيته في الجملة، و في موارد منصوصة و هي كافية لنفي الأولوية، فتدبر.
4- السجدة: 18.
5- الحشر: 20.

و الغلاة بأن أصحاب الحديث قبلوا أخبار السلف كالحسن البصري، و قتادة، و عمرو بن عبيدة، مع علمهم بمذهبهم، و اعتقادهم كفر القائل بذلك المذهب.

ورد:

أولا: بالمنع من قبول أصحاب الحديث رواية من يعتقدون بكفره منهم.

و ثانيا: بأن المراد إن كان مجموع أصحاب الحديث بحيث يكون ذلك إجماعا منهم منعناه، لوضوح أن المشهور بينهم عدم القبول، و إن كان البعض لم يكن قبوله حجة(1).

الثاني: العقل:

فلا يقبل خبر المجنون إجماعا، حكاه جماعة(2)، و يدلّ عليه

ص: 19


1- هذا، و لا يخفى ما في الجوابين من مسامحه، إذ المستدل - في الثاني - يدعى الإجماع العملي على قبول خبر هؤلاء الجماعة، و هو يكشف إما عن عدم كفرهم، أو قبول خبرهم مع كفرهم، و المستدل ناظر إلى أن الجمهور قبل خبرهم مع حكمه بكفرهم، و الراد يدعى قيام الشهرة على عدم قبول خبر الكافر، و جمع المستدل بين قولهم و فعلهم بحمل الكافر في كلامهم على غير أهل القبلة، فما نقض عليه لم يرد، و ما أورد لم يرد، فلاحظ. أما الجواب الأول فكذلك، إلا أن نمنع حجية فعلهم مع كونها سيرة عملية كاشفة و لا أقل من أن يؤخذ بالقدر المتيقن منها، فتأمل.
2- قاله المحقق القمي في قوانين الأصول: 456، و النووي في تقريبه و تبعه، السيوطي في تدريبه: 300/1، و الخطيب في الكفاية: 134 و غيرهم من المصادر المارة و الآتية.

عدم الاطمئنان و الوثوق بخبره، مضافا إلى رفع القلم عنه حتى يفيق(1)، و فحوى عدم قبول شهادته، و عدم صحة توكيله و الوصية إليه، و الظاهر انصراف إطلاق جمع إلى المطبق، ضرورة عدم المانع من قبول خبر الأدواري حال إفاقته التامة إذا انتفى عنه أثر الجنون بالمرة، و اجتمعت بقية شرائط قبول الرواية، لوجود الوثوق حينئذ، و ثبوت القلم عليه، نعم يعتبر الاطمئنان بإفاقته و لا يكفي الظن به على الأظهر، لعدم الدليل على حجيته حتى يرفع اليد به عن الاستصحاب.

ص: 20


1- راجع روايات رفع القلم في بحار الأنوار: 483/9 و ما بعدها. و عن الصادق (عليه السّلام) - في الاختصاص: 31 - رفع عن هذه الأمة ستة الخطأ و النسيان، و ما أكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطروا إليه و حكاه في البحار باب 14 من كتاب العدل و المعاد من المجلد الثالث الحجري - و انظر وسائل الشيعة: 66/19 باب 36 من قصاص النفس حديث 2 و الوسائل: 395/11، باب 56 حديث رفع عن أمتي تسعة أشياء، و التوحيد: 364، و الخصال: 44/2، و أصول الكافي: 515 - حجري -، و باب قواطع الصلاة من الوسائل و آداب السفر منه و من غيره. و قد نصت عليها كتب العامة بمضامين متفاوتة و طرق متعددة مستفيضة، كما حكي عن مسند أحمد: 140/1، و تيسير الوصول: 264/7، و إرشاد الساري 10 / 9 و غيرها كثير، و في الفتح الكبير: 135/2 رواه أبو داود و الحاكم عن غير واحد من الصحابة، أنهم قالوا: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، و عن النائم حتى يستيقظ، و عن الصبي حتى يحتلم. و عليه يلزم عدم المؤاخذة المقتضي لعدم التحفظ من ارتكاب الكذب على تقدير تمييزه، و مع عدم التمييز فلا عبرة بقوله بحال.

و يلحق بالمجنون السكران، و النائم، و المغمى عليه، و الساهي.

و أما السفيه فإن جمع الشرائط و منها الضبط قبلت روايته، و إلا فلا.

الثالث: البلوغ:
اشارة

اعتبره جمع كثير(1)، فلا يقبل خبر الصبي غير البالغ، و ذلك في غيره المميز مما لا ريب فيه(2)، بل و لا خلاف، لعدم الوثوق بخبره(3).

و أما المميز ففي قبول خبره قولان، فالمشهور عدم القبول، بل

ص: 21


1- قال في وصول الأخيار: 183: أجمع جماهير الفقهاء و المحدثين على اشتراط كونه... بالغا، و كذا في جامع المقال: 19 و الإجماع على عدم قبوله لو كان مميزا، و نظيره في معالم الدين: 426، و من العامة ادعاه غير واحد كما في الكفاية: 134، و أصول الحديث: 229، و مقدمة ابن الصلاح: 218 و غيرها، كل ذلك حين الأداء لا التحمل، إلا أن تعبير ابن السمعاني بقوله: و لا الصغير على الأصح. كما في التدريب يظهر منه وجود المخالف و عدم تمامية الإجماع المدعى إلا على نحو الشهرة، فتدبر.
2- كما نص عليه السيوطي في التدريب: 300/1، و السخاوي في شرحه: 1 / 271 و غيرهما.
3- إذ لا خشية له على الكذب لعدم تقديره للكذب و عقوبته، و لا رادع له عنه، مع أنه لم يكن وليا في دنياه ففي امور دينه أولى، و لما في قبول خبره من تنفيذ على جميع المسلمين. و قياس البلوغ بالعقل لا وجه له لما هناك من فرق بينهما، و منه صحة سماع الصبي قبل البلوغ و الأداء بعده بلا كلام بخلاف شرطية العقل، فمع عدمه لا يصح مطلقا إلا في الأدواري، و ذاك استثناء منقطع، و قد مرّ.

قيل(1): إنه المعروف من مذهب الأصحاب و جمهور العامة، و حكي عن جمع من العامة القبول إذا أفاد خبره الظن(2) و ظاهر بعض الأواخر من أصحابنا الميل إلى موافقتهم مطلقا، أو إذا أفاد الاطمئنان.

حجة المشهور أمور:

أحدها: أصالة حرمة العمل بالظن، خرج من ذلك خبر البالغ، و بقي غيره، و منه خبر الصبي المميز تحتها.

و يمكن المناقشة في ذلك بعدم جريانها في قبال بناء العقلاء على قبول الخبر المفيد للاطمئنان.

ثانيها: حديث رفع القلم(3) عنه حتى يحتلم و يبلغ، فإن لازمه سقوط جميع أفعاله و أقواله عن الاعتبار شرعا.

ثالثها: فحوى ما نطق بعدم قبول خبر الفاسق، فإن للفاسق خشية من اللّه تعالى، و(4) ربما تمنعه عن الكذب؛ سيما في أحكام اللّه تعالى بخلاف الصبي فإنه لعدم توجه التكاليف إليه، و عدم خوفه، قد يجتري على الكذب.

ص: 22


1- القائل هو الميرزا القمي في قوانين الأصول: 457.
2- و قيل: يقبل إن لم يجرّب عليه الكذب. و قيل: يقبل أخباره فيما كان طريقه المشاهدة بخلاف ما كان طريقه النقل كالإفتاء و رواية الأخبار و نحوها. و قيل: يقبل في ما إذا انضمت إليه قرينة، و في الكل تأمل.
3- مرّت طرق الحديث و مصادره قريبا.
4- الواو من مزيدات الطبعة الثانية.

و نوقش في ذلك بمنع اطّراد الخشية من اللّه تعالى في الفاسق، و منع كلية عدم الخشية في الصبي، كما هو ظاهر.

رابعها: فحوى ما دل على عدم جواز معاملته، و توكيله، و الإيصاء إليه(1)، و فيه تأمل.

حجة من قال بقبول خبره أمور:

أحدها: إنه يجوز الاقتداء به، فيجوز قبول روايته.

و ردّ ببطلان القياس أولا، و بمنع الأصل ثانيا، و بوجود الفارق ثالثا، فإن العامة يجيزون الاقتداء بالفاسق و لا يقبلون خبره.

ثانيها: إنه يقبل قوله في الأخبار عن كونه متطهرا، حتى يجوز الاقتداء به في الصلاة، فيلزم قبول أخباره بغير ذلك.

و الجواب عنه على نحو سابقه، مضافا إلى عدم تعقل الطهارة من الصبي على القول بكون عباداته تمرينية، و الى منع توقف صحة صلاة المأموم على صحة صلاة الإمام.

ثالثها: إن شهادة الصبي في الجراح مقبولة، فيجب قبول روايته.

و الجواب منع القياس أولا، و منع الأصل على الأظهر الأشهر

ص: 23


1- لاحظ رواياتها في وسائل الشيعة: 118/12 باب 33، و 267/12 باب 14، و 432/13 باب 45، و التهذيب: 385/2 - حجري - [الطبع الجديد: 382/9 باب 42 و ما بعده].

ثانيا، كما أوضحناه في منتهى المقاصد(1)، و وجود الفارق ثالثا.

أما اولا: فلا مكان أن يكون قبول شهادته في القتل احتياطا في الدم، لصحة خبره، كما يكشف عن ذلك تقييد النص: القبول بأول كلامه، و أنه لا يؤخذ بالثاني(2).

و أما ثانيا: فلأن منصب الرواية أعظم، إذ الحكم بها مستمر و الثابت عنها شرع عام في المكلفين إلى ظهور الحجة عجل اللّه تعالى فرجه و جعلنا من كل مكروه فداه، و ليس كذلك الشهادة في الجراح.

و أما ثالثا: فلأن مورد النص خصوص الجراح، فقياس كل

ص: 24


1- و هو كتاب المؤلف (قدس سره) الموسوم ب: منتهى مقاصد الأنام في نكت شرائع الإسلام - للمحقق الحلي - يعدّ بحق من أكبر الموسوعات الفقهية التي عرفتها الشيعة الإمامية إحاطة و استيعابا، شرع في تأليفه من كتاب الديات من آخر الشرائع في شهر جمادي الثانية سنة 1309 ه في ثلاثة و ستين (63) مجلدا كبارا حجري، آخره كتاب «الغصب» أنهاه سنة 1332 ه، طبعت بعض أجزائه في حياة المؤلف، و أعدم حرقا بعضه من بعض الحقراء و تلافى أكثره المصنف، و توجد الأجزاء بخطه (قدس سره) في مقبرة الأسرة في النجف الأشرف، انظر تنقيح المقال: 209/2، و مخزن المعاني: 265، و الذريعة: 13/23.
2- جاء في الوسائل: 252/18 باب 22 ما تقبل فيه شهادة الصبيان قبل البلوغ، و كذا في فروع الكافي: 389/7 حديث 1 و 2 و 3، و تهذيب الشيخ: 251/6 حديث 50 و ما بعده.. و غيرها، و هي إما صحيحة أو حسنة، كحسنة جميل عن الصادق (عليه السّلام) قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تجوز شهادة الصبيان؟ قال: نعم، في القتل يؤخذ بأول كلامه و لا يؤخذ بالثاني منه. و يدلّ على المقام ما ورد في موجبات الضمان أيضا، فلاحظ.

حكم به قياس مع الفارق(1).

رابعها: إن الصبي ليس بفاسق، فلا يجوز ردّ خبره، بل يقبل لعموم مفهوم آية النبأ.

و فيه مضافا إلى الإشكالات الواردة على مفهوم آية النبأ المذكورة في بشرى الشيخ الوالد العلامة (أنار اللّه تعالى برهانه)(2) و..

غيره، و إلى أن العدالة شرط عند جمع، لا أن الفسق مانع، حتى يكفي عدمه، و إلى انصراف الآية إلى البالغ، أن مقتضى ما مرّ في حجة المشهور هو مانعية نفس الصبا، فهو مانع مستقل غير الفسق، فالقول المشهور أقوى، و اللّه العالم.

الرابع: الإيمان:
اشارة

و المراد به كونه إماميا اثنى عشريا، و قد اعتبر هذا الشرط جمع

ص: 25


1- و بعبارة أخرى: إن الدليل أخص من المدعى، فلاحظ. إلا أن يقال: ليس المراد بالقياس هنا هو المصطلح، بل قياس الأولوية، بمعنى إن خصوص ما كان ثبوت الحكم فيه بالأولوية القطعية الملازم مع تسليمه، لوجود الفارق، إلا أن ينكر أصل حجيّة الأولوية هنا أو موضوعها، فتدبر.
2- بشرى الوصول إلى أسرار علم الأصول في ثمان مجلدات، من الموسوعات الضخمة الأصولية للطائفة للشيخ محمد حسن بن الشيخ عبد اللّه المامقاني (قدس سرهم) والد المصنف (1238-1323 ه) جملة منها في تقريرات الشيخ مرتضى الأنصاري أنار اللّه برهانه و جملة في تقريرات بحث السيد حسين الكوكمري طاب ثراه، لم يصنف إلى زمانه في الأصول مثله، لاحظ مخزن المعاني: 243-245، و تنقيح المقال: 105/3. و هو كتاب لم يطبع، توجد منه نسخة في مقبرة العائلة وقف، و أخرى في مكتبة السيد الميلاني (قدس سره) في مشهد، و كذا توجد منه نسخ في المكتبة الرضوية و المرعشية و غيرها.

منهم الفاضلان، و الشهيدان، و صاحب المعالم و المدارك و..

غيرهم(1)، و مقتضاه عدم جواز العمل بخبر المخالفين، و لا سائر فرق الشيعة. و خالف في ذلك الشيخ (رحمه اللّه) في محكي العدة، حيث جوز العمل بخبر المخالفين إذا رووا عن أئمتنا (عليهم السّلام) إذا لم يكن في روايات الأصحاب ما يخالفه، و لا يعرف لهم قول فيه(2)، لما روى عن الصادق (عليه السّلام) أنه قال: (إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون(3) حكمها فيما روى(4) عنا فانظروا إلى ما رووه عن علي (عليه السّلام) فاعملوا به)(5). قال: و لأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، و غياث بن كلوب، و نوح بن دراج، و السكوني و.. غيرهم من العامة عن أئمتنا (عليهم السّلام) فيما لم ينكروه، و لم يكن عندهم خلافه(6)، و قال

ص: 26


1- في غالب المصنفات الإمامية الأصولية منها و الفقهية، بل نسبه ثاني الشهيدين في درايته: 67 إلى الشهرة بين الأصحاب و قال: قطعوا به في كتب الأصول الفقهية و غيرها، و نظيره في جامع المقال: 19، و القوانين: 458، و الفوائد المدنية: 84 و غيرها.
2- فيما إذا كان الراوي ثقة متحرزا عن الكذب و إن كان فاسقا في العقائد و الجوارح، احتجاجا بعمل الطائفة بمن هذه صفتهم.
3- خ. ل: لا تعلمون، كذا في عدتنا القديمة.
4- خ. ل: ورد عنا، كذا في الوسائل و ما أثبته المصنف هو الموجود في العدة بنصه، و كذا القوانين.
5- عدة الأصول: 61 [الطبعة الجديدة: 379/1] و حكاه في الوسائل: 18 / 64 عنه و لم نجده في، غيره من المجاميع الحديثية، و المراد بما رووه أي العامة بطريق مستفيض أو معتبر موثوق.
6- عدة الأصول: 61 [الطبعة الجديدة: 380/1].

في محكي العدة أيضا: ان ما رواه سائر فرق الشيعة و الفطحية و الواقفية و الناووسية و.. غيرهم إن كان ليس هناك ما يخالفه، و لا يعرف من الطائفة العمل بخلافه، وجب أن يعمل به إذا كان متحرجا(1) في روايته موثوقا به في أمانته، و إن كان مخطئا في أصل الاعتقاد. و لأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد اللّه بن بكير و.. غيره، و أخبار الواقفية مثل سماعة بن مهران، و علي بن أبي حمزة، و عثمان بن عيسى، و من بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال، و بنو سماعة، و الطاطريون و.. غيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلاف(2)، و تبعه على ذلك أكثر الأواخر(3) بل لم يقل بالأول منهم إلا النادر.

ص: 27


1- في الطبعة الأولى: متخرجا، و الصحيح ما أثبتناه وفاقا للأصل و الطبعة الثانية من الكتاب.
2- عبارة العدة: 380/1-381 بنصها، هكذا: و أما إذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحية و الواقفية و الناووسية و غيرهم، نظر فيما يرويه فإن كان هناك قرينة تعضده أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم وجب العمل به، و إن كان هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين وجب اطّراح ما اختصوا بروايته و العمل بما رواه الثقة، و إن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه و لا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضا العمل به إذا كان متحرجا في روايته موثوقا في أمانته و إن كان مخطئا في أصل الاعتقاد، فلأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد اللّه بن بكير و غيره، و أخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران و علي بن أبي حمزة و عثمان بن عيسى، و من بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال و بنو سماعة و الطاطريون و غيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلاف، و إنما نقلنا تمام كلامه لما فيه من الاختلاف مع النص، فلاحظ.
3- بل نجدهم كثيرا ما عملوا في الفقه بالروايات الضعاف بسبب فساد عقيدة راويها مع أنها مخالفة لما قرّروه في أصولهم من عدم قبول رواية المخالف، معتذرين عن ذلك بانجبار ضعفها بالشهرة أو عمل الأصحاب بمضمونها فيثبت بها المذهب و إن ضعف الطريق، و على كل إطلاقهم اشتراط الإيمان مع استثناء ذلك غير جيد، إلا أن يقال: إن الرواية الصحيحة لو خليت و طبعها عمل بها، و بأن الرواية الضعيفة الأصل الأولي فيها عدم العمل، و هذا لا ينافي كون الإعراض عنها موجبا لوهنها و العمل بها موجبا لقوتها، كما لا يخفى.
حجة الأولين أمور:

أحدها: أول وجوه اعتبار البلوغ المتقدم، مع جوابه.

ثانيها: إن غير المؤمن فاسق، إذ لا فسق أعظم من عدم الإيمان، فيجب رد خبره بحكم الآية.

و فيه: إن الآية لم تنطق بردّ خبر الفاسق مطلقا، بل أوجبت التبين عند خبره. و التوثيق نوع تثبت.

ثالثها: انه لو جاز الاعتماد على خبر غير المؤمن، لساوى المؤمن، و هو منفي بقوله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (1).

و فيه ما مرّ من عدم شمول المساواة المنفية لمثل ذلك.

رابعها: إن غير المؤمن ظالم، لقوله تعالى: مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما

ص: 28


1- السجدة: 18.

أَنْزَلَ اَللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ اَلظّالِمُونَ (1) ، و للأخبار الناطقة بضلالة المخالف، و إن من مات و لم يعرف إمام زمانه مات موتة كفر و نفاق(2)، و حينئذ فلا يجوز الاعتماد على خبره، لأنه ركون إليه، و هو منهي عنه بقوله تعالى: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّارُ (3).

و فيه: إنه لا ملازمة بين عدم الإيمان و بين الحكم بغير ما أنزل اللّه تعالى حتى يترتب عليه كونه ظالما مطلقا، و ظاهر الذين ظلموا في الآية الجائرون، و الركون إليهم مفسّر بالمودّة و النصيحة و الطاعة، و عن الصادق (عليه السّلام) هو الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه إلى أن يدخل يده كيسه فيعطيه(4)، فلا يشمل العمل بخبره الموثوق به.

خامسها: فحوى ما دل على عدم قبول شهادته، و عدم صحة الاقتداء به، و عدم جواز الوصية إليه.

و فيه: منع الفحوى.

ص: 29


1- المائدة: 45.
2- جاء بمضامين مختلفة في أبواب متفرقة من كتب العامة و الخاصة، انظر: الكافي: 378/1 حديث 2، و 377/1 حديث 3، 376/1 حديث 2، و 371/1 حديث 5، و 20/2 ذيل حديث: 6، و 21/2 ذيل حديث 9، و الوافي: 1 / 5-104 حجري.
3- هود: 113.
4- تفسير الصافي - حجري - 266، الكافي - الفروع -: 108/5 حديث 12، من لا يحضره الفقيه: 6/4، الباب الأول، ذيل حديث 1.
و حجة الآخرين أمور:

أحدها: إن غير المؤمن إذا كان ثقة في مذهبه محترزا عن الكذب يحصل الاطمينان من خبره، فيجب قبول خبره. أما الصغرى فوجدانية، و أما الكبرى فلبناء العقلاء، و لذا ترى أصحابنا - حتى أهل القول الأول - متفقين خلفا عن سلف على الاعتماد على خبر غير المؤمن في متعلقات الأحكام من اللغة و التفسير و النحو و الصرف و التجويد و.. نحوها بمجرد الوثوق به، فيطالبون بالفارق(1) بين المقامين.

ثانيها: ما تمسك به في القوانين(2) من انه إن قلنا بصدق العدالة مع فساد العقيدة و عدم اطّلاع(3) الفاسق عليهم، فيدلّ على الحجية مفهوم الآية، و إن لم نقل بذلك و قلنا بكونهم فساقا لأجل عقائدهم، فيدلّ على الحجية منطوق الآية لأن التوثيق نوع من التثبت، سيما مع ملاحظة العلّة المنصوصة، فإن التثبت إنما يحصل بتفحص حال كل واحد واحد من الأخبار، أو بتفحّص حال الرجل في خبره، فإذ حصل التثبت في حال الرجل و ظهر أنه لا يكذب في خبره، فهذا تثبت في خبره، لاتحاد الفائدة. و ان أبيت عن ذلك مع ظهوره، فالعلة المنصوصة تكفي في ذلك.

ص: 30


1- الأنسب أن يقال: بالفرق.
2- قوانين الأصول: 458.
3- كذا و الصحيح: إطلاق.

ثالثها: ما سمعت التمسك به من الشيخ (رحمه اللّه) في العدة، و مرجعه إلى أمرين:

أحدهما: الرواية التي نقلها.

و ثانيهما: إجماع الطائفة على العمل بأخبار طائفة من غير(1)الإمامية. و قد نوقش في الرواية بالإرسال، و في الإجماع بالمنع، قال المحقق (رحمه اللّه) في رده: انا لا نعلم إلى الآن أن الطائفة عملت بأخبار هؤلاء(2).

قيل: و لعله أراد منع إجماعهم على العمل، و انه لا حجية في عمل البعض، و إلا فلا مجال لإنكار العمل مطلقا، كيف لا و قد عمل هو (رحمه اللّه) في المعتبر بأخبار المخالفين كثيرا، فلا وجه لإنكاره أصل العمل، بل الوجه هو المناقشة بأن عملهم بها لعله كان لاحتفافها بقرائن قطعية، و الفعل مجمل، فلا يكون حجة.

و قد يجاب عن المناقشة في السند بأن احتجاج الشيخ (رحمه اللّه) في إثبات هذا الأصل العظيم يكشف عن كون سنده معتبرا، فتأمل.

ص: 31


1- لا توجد غير في الطبعة الثانية، و بدونها فالمعنى غير مستقيم.
2- معارج الأصول: 149 و قال أيضا: و نحن نمنع هذه الدعوى و نطالب بدليلها، و لو سلمناها لاقتصرنا على المواضع التي عملت فيها بأخبار خاصة و لم نجز التعدي في العمل إلى غيرها، و دعوى التحرز عن الكذب مع ظهور الفسوق مستبعد، إذ الذي يظهر فسوقه لا يوثق بما يظهر من تحرّجه عن الكذب، كما في الحاشية الخليلية للشيخ خليل بن الغازي القزويني على عدة الأصول: 382/1، و نظيره أجاب به الأسترآبادي في الفوائد المدنية: 84.

و لا يضرّ كون مورده رواية المخالفين عن علي (عليه السّلام) بعد ظهور عدم القائل بالفصل بين ما يروونه عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) و ما يروونه عن غيره من الأئمة المعصومين (صلوات اللّه عليهم أجمعين).

رابعها: أمره (عليه السّلام) بالأخذ بما رواه بنو فضال و ترك ما رأوه(1)، فإن أمره (عليه السّلام) بذلك مع كونهم فطحيين يكشف عن عدم اعتبار الإيمان في الراوي، لعدم الفرق بين الفطحي و.. غيره من أصناف غير الإمامي بالإجماع، فالقول الثاني أقرب، و اللّه العالم.

الخامس: العدالة:
اشارة

و قد وقع الخلاف تارة في موضوعها، و أخرى في اعتبارها في الراوي في قبول خبره. و محل الأول علم الفقه، و قد أوضحنا الكلام فيه في شهادات منتهى المقاصد، و أثبتنا أنها عبارة عن ملكة نفسانية راسخة باعثة على ملازمة التقوى، و ترك ارتكاب الكبائر، و الإصرار على الصغائر، و ترك ارتكاب منافيات المروءة(2) الكاشف ارتكابها عن

ص: 32


1- كما في غيبة الشيخ الطوسي: 254. و الوسائل: 72/18 و 103. و سيأتي البحث عنها فيما بعد.
2- المروءة - بضم الميم و الراء و بالهمزة، بوزن سهولة، و قد تبدل الهمزة واوا و تدغم في ما قبلها و تشدد - و هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن الأخلاق و جميل العادات، و يرجع في معرفتها إلى العرف المختلف و المتخلف بحسب الأمكنة و الأزمنة و الأفراد، و من كونها جزءا من مفهوم العدالة أو شرطا أم لا؛ كلام، و الأقوى العدم، و تفصيل الكلام في المبسوطات الفقهية. فراجع. كما في جواهر الكلام: 275/13 و 102/32 و لشيخنا الأنصاري رسالة في العدالة مطبوعة في آخر مكاسبه المطبوعة في تبريز.

قلة المبالاة بالدين بحيث لا يوثق منه التحرز عن الذنوب، و أنه لا يكفي فيها مجرد الإسلام، و لا مجرد عدم ارتكاب الكبيرة ما لم ينبعث الترك عن ملكة. و لا حسن الظاهر فقط، و أنها تنكشف بالعلم و الاطمينان الحاصل من المعاشرة، و من مراجعة المعاشرين له، و أنه ليس الأصل في المسلم العدالة، و أنها لا تزول بارتكاب الصغيرة مرّة من غير إصرار، و لا بترك المندوبات و ارتكاب المكروهات، إلا أن يبلغ إلى حد يؤذن بالتهاون بالسنن و المكروهات و قلّة المبالاة بالدين، ذكرنا هناك معنى الكبائر، و عددها و.. غير ذلك مما يتعلق بتحقيق موضوع العدالة.

و أما حكمها المتعلق بالمقام - أعني اشتراطها في الراوي في قبول روايته - فتوضيح القول في ذلك أنهم اختلفوا فيه على قولين:

أحدهما: الاشتراط، فلا تقبل رواية غير العدل و إن حاز بقية الشروط، و هذا هو خيرة المعارج(1) و النهاية(2)، و التهذيب(3)، و المبادي، و شرحه(4) و المنية(5) و كنز

ص: 33


1- معارج الأصول: 149.
2- نهاية الوصول إلى علم الأصول للعلامة الحلي - خطي -: لم يطبع.
3- التهذيب (تهذيب الوصول إلى علم الأصول): 78.
4- المبادي (مبادي الوصول إلى علم الأصول للعلامة الحلي): 206.
5- منية اللبيب في شرح التهذيب - في الأصول - للسيد عميد الدين أبي الفوارس عبد المطلب الحسيني الحلي - مخطوط.

العرفان(1)، و شرح الدراية(2)، و المعالم(3) و الزبدة(4). و غيرها. بل في البداية: إن عليه جمهور أئمة الحديث و أصول الفقه(5) و في المعالم و محكي غاية المأمول: أنه المشهور بين الأصحاب(6).

ثانيهما: عدم الاشتراط، و هو خيرة جمع مفترقين على قولين:

أحدهما: حجية خبر مجهول الفسق، و هو المنقول عن ظاهر جمع من المتأخرين(7).

ص: 34


1- كنز العرفان: 384/2 و كذا: 51/2.
2- البداية: 65 [البقال: 34/2].
3- معالم الأصول: 427 [الحجرية: 201].
4- زبدة الأصول - للشيخ البهائي -: 70.
5- شرح الدراية: 65 [البقال: 34/2]، و ليس في نسختنا: و أصول الفقه، و لعل مرادهم الاصولان، و قد أخذ اللفظ من ابن الصلاح في المقدمة: 218. إذ قال: اجمع جماهير أئمة الحديث و الفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه... إلى آخره.
6- معالم الأصول: 427 [الحجرية: 201] و نظيره في جامع المقال: 19، و عن النووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه تبعا: 300/1 قولهم: أجمع الجماهير من أئمة الحديث و الفقه على أنه يشرط فيه - أي من يحتج بحديثه - أن يكون عدلا ضابطا و في كفاية الخطيب: 78: أجمع أهل العلم على أنه لا يقبل إلا خبر العدل.. و كذا صفحة: 135، بل في: 136-140 عقد فصلا مستقلا في ذلك، و غيرهم إلا أن العدالة عندهم أن يكون مسلما بالغا عاقلا سليما من أسباب الفسق و خوارم المروءة، و هي كبرويا و صغرويا، مفهوما و مصداقا تختلف عن العدالة عندنا.
7- بل و من المتقدمين منّا و منهم كأبي حنيفة محتجا بقبول خبره في تذكية اللحم و طهارة الماء ورق الجارية. و فصلنا الكلام فيه في بحث المجهول، موضوعا و حكما برقم (143).

ثانيهما: عدم حجية خبر مجهول الحال، بل من يوثق بتحرزه عن الكذب خاصة، و هو خيرة الشيخ (رحمه اللّه) في العدّة، حيث قال: فأما من كان مخطئا في بعض الأفعال أو فاسقا بأفعال الجوارح، و كان ثقة في روايته، متحرزا فيها، فإن ذلك لا يوجب ردّ خبره، و يجوز العمل به، لأن العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه، و إنما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته، و ليس بمانع من قبول خبره، و لأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم(1)، و وافقه على ذلك جمع كثير من الأواخر، بل لعله المشهور بينهم(2)، حتى تداولوا العمل بالأخبار الحسان(3).

حجة الأولين: هي نظير الوجوه الخمسة المتقدمة حجة لاشتراط الإيمان. و تقرير الوجه الثاني هنا أن الآية أمرت بالتثبت عند خبر

ص: 35


1- عدة الأصول: 61 [الطبعة الحديثة: 382/1] بنصه.
2- بل يظهر ذلك من جمع من العامة، قال في الكفاية في علم الرواية: 62: أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه عاقلا بما يحدث به.. و لكن في صفحة: 141 عقد بابا في الرد على من زعم أن العدالة هي إظهار الإسلام و عدم فسق الظاهر. و في معرفة علوم الحديث: 53: قال: و أصل عدالة المحدث أن يكون مسلما لا يدعو إلى بدعة و لا يعلن من أنواع المعاصي ما تسقط به عدالته، فإن كان مع ذلك حافظا لحديثه فهي أرفع درجات المحدثين، و إن كان صاحب كتاب فلا ينبغي أن يحدث إلا من أصوله.. إلى آخره.
3- الأولى أن يقال: حتى تداولوا العمل بالأخبار الموثقة، فتدبر.

الفاسق، فصار عدم الفسق شرطا لقبول الرواية، و مع الجهل يتحقق الجهل بالمشروط(1)، فيجب الحكم بنفيه حتى يعلم وجود سبب انتفاء التثبت. هكذا قرره في البداية ناقلا عن أهل القول الأول(2)، ثم تنظّر فيه بأن مقتضى الآية كون الفسق مانعا من قبول الرواية، فإذا جهل حال الراوي، لا يصح الحكم عليه بالفسق، فلا يجب التثبت عند خبره بمقتضى مفهوم الشرط، و لا نسلّم أن الشرط عدم الفسق. بل المانع ظهوره، فلا يجب العلم بانتفائه حيث يجهل، و الأصل عدم الفسق في المسلم و صحة قوله، ثم قال: و هذا بعض آراء شيخنا أبي جعفر الطوسي، فإنه كثيرا ما يقبل خبر غير العدل و لا يبيّن سبب ذلك، و مذهب أبي حنيفة قبول رواية مجهول الحال محتجا بنحو ذلك و بقبول قوله في تذكية اللحم، و طهارة الماء، ورق الجارية، و الفرق بين ذلك و بين الرواية واضح(3).

و أقول: أما منعه كون عدم الفسق شرطا فمتين، لما تقرّر في محله من أن الأمر العدمي لا يكون شرطا، مضافا إلى أن لسان الآية مانعية الفسق، لا شرطية العدالة أو عدم الفسق. و من هنا ظهر صحة ما ذكره من دفع المانع - و هو الفسق - بأصالة العدم، و إن كان فيه ما يأتي.

ص: 36


1- الظاهر أن هنا سقطا، و الصحيح أن يقال: و مع الجهل بتحقق الشرط يتحقق الجهل بالمشروط. أو يقال: و مع الجهل، يتحقق الجهل بالمشروط.. إلى آخره.
2- البداية: 65 [البقال: 34/2].
3- شرح الدراية: 65 [البقال: 35/2].

و ربما ناقش الفاضل القمي (رحمه اللّه)(1) في التمسك بالأصل، بأن الأظهر أن العدالة أمر وجودي، فالأصل بالنسبة إليهما سواء، مع أنه معارض بغلبة الفسق في الوجود، و أنه مقتضى الشهوة و الغضب اللتين هما غريزتان في الإنسان، و الراجح وقوع مقتضاهما ما لم يظهر عدمه.

و فيه إن التمسك بالأصل لا يسلّم شرطية العدالة، و إنما غرضه مانعية الفسق، و أصالة عدم المانع محكمة، و الظاهر لا يعارض الأصل، فلا تذهل.

و أما ما ذكره من وضوح الفرق بين قبول قول المسلم في التذكية و الطهارة ورق الجارية و.. نحو ذلك ففي محله أيضا، ضرورة أن قبول قوله في تلك الموارد إنما هو لقيام الدليل المخرج عن القاعدة على حمل فعله و قوله في نحو ذلك على الصحة، مضافا إلى موافقة بعض ذلك للأصل، كأصالة الطهارة و أصالة حجية قول ذي اليد في الاخبار عما بيده.

و ربما استدل في القوانين(2) لهذا القول بآية النبأ بتقريب أن الفاسق فيها من ثبت له الفسق في الواقع، لا خصوص من علم فسقه، لأن الألفاظ موضوعة لمعاني(3) النفس الأمرية، فإذا وجب التثبت عند خبر من له هذه الصفة في الواقع توقف القبول على العلم

ص: 37


1- قوانين الاصول: 461.
2- قوانين الأصول: 459-460.
3- في المصدر: للمعاني.

بانتفائها، و هو يقتضي اشتراط العدالة، إذ لا واسطة بين الفاسق و العادل في نفس الأمر فيما يبحث عنه من رواة الأخبار، لأن فرض كون الراوي في أول سن البلوغ مثلا بحيث لم يحصل له ملكة قبل البلوغ و لم يتجاوز عن أول زمان التكليف بمقدار تحصل له الملكة، و لم يصدر منه(1) فسق أيضا، فرض نادر لا التفات إليه.

و أما في غير ذلك، فهو إما فاسق في نفس الأمر أو عادل، و الواسطة إنما تحصل بين من علم عدالته و بين من علم فسقه، و هو من يشكّ في كونه عادلا أو فاسقا، و تلك الواسطة إنما هي في الذهن لا في نفس الأمر(2)، و الواجبات المشروطة بوجود شيء إنما يتوقف وجوبها على وجود المشروط(3)، لا على العلم بوجودها، فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط، و مقتضى تعليق الحكم على المتصف بوصف في نفس الأمر لزوم الفحص، ثم العمل على مقتضاه، و يؤيده التعليل المذكور في الآية، فإن الوقوع في الندم يحصل بقبول خبر من كان فاسقا في نفس الأمر و إن لم يحصل العلم به فيه، و أما خبر العدل و إن ظهر كذبه فيما بعد فلا ندم عليه(4)، و لا ذمّ فيه على عدم الفحص، لأنه عمل على مقتضى الدليل، و مقتضى طريقة العرف

ص: 38


1- الظاهر: عنه.
2- لا شبهة في أن تقدم العلة بالوصف لا مدخلية لها في ثبوت الوصف، فتدبر.
3- الصحيح: الشرط. أو الشروط.
4- الظاهر: فلا يذم عليه، و كذا في الأصل، و إن صح (فلا ندم) كما في الآية، و ما بعده قرينة عليه.

و العادة، بخلاف مجهول الحال، و من حكاية التعليل يظهر أن في صورة فرض ثبوت الواسطة أيضا لا يجوز العمل، لعدم الاطمينان بخبر مثله، فهو يوجب(1) الندم أيضا، مع أن العلم بتحقق الواسطة متعذر، لعدم إمكان العلم بانتفاء المعاصي الباطنية عادة، هذا ما في القوانين ملخصا(2)، و ما ذكره لا بأس به.

حجة القول بالعمل بخبر مجهول الحال:

إن اللّه تعالى علّق وجوب التثبت على فسق المخبر، و ليس المراد الفسق الواقعي، و إن لم نعلم به، و إلا لزم التكليف بما لا يطاق، فتعيّن أن يكون المراد الفسق المعلوم، و انتفاء التثبت عند عدم العلم بالفسق يجامع كلا من الرد و القبول، لكن المراد ليس هو الأول، و إلا لزم كون مجهول الحال أسوأ حالا من معلوم الفسق، حيث يقبل خبره بعد التثبت، فتعين الثاني، و هو القبول.

و ردّ بأن المراد بالفسق في الآية هو فسق(3) النفس الأمري لا المعلوم كما عرفت، و بعد إمكان تحصيل العلم به أو الظن، فلا يلزم تكليف بما لا يطاق.

حجة الشيخ (رحمه اللّه) و من وافقه وجوه:
اشارة

أحدها: ما أشار إليه في العدة(4) من عمل الطائفة بخبر

ص: 39


1- في الأصل: فهو قد يوجب.. إلى آخره.
2- قوانين الأصول: 459-460 بتصرف.
3- في الأصل: الفسق.
4- عدة الأصول: 61 [الطبعة الحديثة: 1 /حدود 379].

الفاسق إذا كان ثقة في روايته متحرزا فيها.

و أجاب عنه المحقق في المعارج:

أولا: بالمنع من ذلك، و المطالبة بالدليل.

و ثانيا: بأنا لو سلمناها لاقتصرنا على المواضع التي عملت فيها بأخبار خاصة، و لم يجز التعدي في العمل إلى غيرها(1)، و زاد في المعالم(2) تعليل الاقتصار بأن عملهم لعله كان لانضمام القرائن إليها لا بمجرد الخبر.

و ثالثا: بأن دعوى التحرز عن الكذب مع ظهور الفسق مستبعد، إذ الذي يظهر فسقه لا يوثق بما يظهر مما يخرجه عن الكذب، و قد وجّه الاستبعاد في القوانين(3) بأن الداعي على ترك المعصية قد يكون هو الخوف من فضيحة الخلق، و قد يكون لأجل إنكار الطبيعة لخصوص المعصية، و قد يكون من أجل الخوف من الحاكم، و قد يكون هو الخوف من اللّه تعالى، و هذا هو الذي يعتمد عليه في عدم حصول المعصية في السر و العلن، بخلاف غيره، فمن كان فاسقا بالجوارح، و لا يبالي عن معصية الخالق، فكيف يعتمد عليه في ترك الكذب؟!.

و أقول: أما إنكار عمل الطائفة بأخبار غير العدول فبعيد عن

ص: 40


1- معارج الأصول: 149، و أخذه منه الأسترآبادي في الفوائد المدنية: 84.
2- معالم الأصول: 429.
3- قوانين الأصول: 462.

الإنصاف، فإن من تتبع كتب الحديث و الرجال و الفقه وجد عملهم به في غاية الوضوح، حتى أنه (رحمه اللّه) بنفسه عمل في المعتبر و الشرائع بجملة منها(1). و أما قصر ذلك على موارد عملهم لاحتمال كونه لانضمام القرائن إليها، فيردّه كلمات جمع منهم، حيث إنها ظاهرة في العمل بالخبر من حيث هو، و لو سلم فلا وجه للاقتصار على مورد عملهم، بل اللازم التعميم لكل مورد قامت القرائن و الأمارات المفيدة للوثوق بالخبر، مضافا إلى أن الظاهر أن كل من جوّز الاعتماد على خبر الفاسق المتحرز عن الكذب في الجملة و في مورد خاص، جوّزه مطلقا، فالتفصيل خرق للإجماع المركب

و أما ما ذكره ثالثا فمدفوع بملاحظة سيرة كثير من الناس من أهل الإيمان و الإسلام و الكفر من التحاشي و التحرز جدا عن الكذب، و ارتكاب كثير من المحرمات، و الاستبعاد إنما يتّجه حيث يكون الأمر على خلاف العادة، و من الظاهر أن ما ذكرناه مما جرت به العادة، و لقد أجاد الفاضل القمي (رحمه اللّه) حيث قال: إن إنكار حصول الظن منه مطلقا لا وجه له، كما ترى بالعيان ان كثيرا ممن لا يجتنب عن أكل الحرام أنه يهتم في الصلاة و ترك الشرب و الزنا و.. غيرها

ص: 41


1- و له نظائر كثيرة في كتبه (قدس سره) مثل قوله في المعتبر - كتاب الطهارة - النفاس -: 67:.. و السكوني عامي لكنه ثقة، و لا معارض لروايته هذه. و قال هناك في مسألة التيمم بالجص: 103: و هذا السكوني ضعيف لكن روايته حسنة، و نظيره في خبر غياث بن إبراهيم باب الماء المضاف: 20 و غيرها من الموارد.

كثيرا، و كذلك ممن هو مبتلى بأنواع الفسوق أنه لا يستخف بكتاب اللّه تعالى و سائر شعائره، و كذلك الكذب خصوصا في الرواية بالنسبة إلى الأئمة (عليهم السّلام) - كما هو ظاهر كلام الشيخ (رحمه اللّه) فمجرد ظهور سائر الفسوق ممن يعظم في نظره الكذب على الإمام (عليه السّلام) لا يوجب عدم حصول الظن بصدقه، و كذلك إذا كانت طبيعته مجبولة على الاجتناب عن الكذب. نعم إن كان ترك الكذب محضا من جهة أن الشارع منعه أو وعد عليه لا يحصل الظن به، مع صدور ما هو أعظم منه مما يدلّ على عدم الاعتناء بوعيده تعالى و نواهيه(1).

ثانيها: إن طريق الإطاعة موكول إلى العقل و العقلاء، حتى إن ما ورد الأمر به من طرقه إنما هو من باب الإرشاد، و نحن نرى العقلاء مطبقين على العمل بخبر الفاسق بالجوارح، المتحرز عن الكذب في أمور معاشهم و معادهم عند الوثوق به.

ثالثها: آية النبأ، بتقريب أن معرفة حال الراوي بأنه متحرز عن الكذب في الرواية تثبّت إجمالي محصل للاطمئنان بصدق الراوي، فيجوز العمل به، لأن الظاهر من الآية انه إذا حصل الاطمئنان من جهة خبر الفاسق بعد التثبت بمقدار يحصل من خبر العدل، فهو يكفي، سيما

ص: 42


1- قوانين الأصول: 462 باختلاف يسير، ثم قال: فالأقوى ما ذهب إليه الشيخ: و يرجع هذا في الحقيقة إلى التثبت الاجمالي أو إلى مطلق العمل بالظن عند انسداد باب العلم.

العدل الذي ثبتت عدالته بالظن، و الأدلة الظنية، فإن المراد بالعادل النفس الأمري هو ما اقتضى الدليل اطلاق العادل عليه في نفس الأمر، لا ما كان عادلا في نفس الامر، و الدليل قد يفيد القطع، و قد يفيد الظن، و بالجملة فقول الشيخ (رحمه اللّه) هو الأقوى(1)، و اللّه العالم.

السادس: الضبط:
اشارة

لما يرويه، بمعنى كونه حافظا له مستيقظا غير مغفل(2) إن حدّث من حفظه، ضابطا لكتابه(3)، حافظا له من الغلط و التصحيف و التحريف إن حدّث منه، عارفا بما يختل به المعنى حيث يجوز له ذلك، و قد صرح باعتباره جمع كثير(4)، بل نفى الخلاف في اشتراطه جمع. و الوجه في ذلك أنه لا اعتماد و لا وثوق إلا مع الضبط، لأنه قد يسهو فيزيد في الحديث أو ينقص أو يغيّر أو يبدّل بما يوجب اختلاف الحكم، و اختلاف مدلوله المقصود، و قد يسهو عن الواسطة

ص: 43


1- انظر مستدرك رقم (151) ما يلزم أن يذكره العدل كي تحصل به العدالة و مستدرك رقم (152) فوائد حول العدالة.
2- على لفظة اسم المفعول من التغفيل، لا على لفظة اسم الفاعل من الإغفال، و إن توهمه البعض، فتدبر.
3- من التبديل و التغيّر إن حدث منه. سالما من الشك و التصحيف و غيرهما.
4- كما قاربت عبارته عبارة الشهيد في الدراية: 65-66، و كذا جامع المقال: 19، و وصول الأخيار: 183، و الكفاية في علم الرواية: 62-63، و السيوطي و النووي في التقريب و التدريب: 301/1، و ادعى في أصول الحديث: 229 الإجماع عليه، و سبقه في الادعاء ابن الصلاح في المقدمة: 218 حيث قال: عليه إجماع جماهير أئمة الحديث و الفقه.

مع وجودها، و بذلك قد يحصل الاشتباه بين السند الصحيح و الضعيف و.. غير ذلك. و أيضا الاعتماد على الخبر من باب بناء العقلاء، و من البيّن عدم اعتمادهم إلا على خبر الضابط. و أيضا فمفهوم آية النبأ. المقتضي لقبول خبر العدل مطلقا. مخصص بالضابط، لإشعار المنطوق به، و لإجماعهم ظاهرا عليه(1).

تنبيهات
الاول: ما المراد من الضابط؟

الأول: إن المراد بالضابط، من يغلب ذكره سهوه، لا من لا يسهو أصلا، و إلا لانحصر الأمر فيما يرويه المعصوم (عليه السّلام) من السهو، و هو باطل بالضرورة، فلا يقدح عروض السهو عليه نادرا، كما صرح به جماعة(2).

و قد فسر الضبط: بغلبة ذكره الأشياء المعلومة له على نسيانه إياها جماعة، منهم السيد عميد الدين في محكي المنية، قال: فلو كان بحيث لا يضبط الأحاديث و لا يفرق بين مزايا الألفاظ و لم يتمكن من حفظها لا تقبل روايته(3).

ص: 44


1- كما يظهر من غير واحد و نص عليه آخرون، لاحظ قوانين الأصول: 462، الكفاية للخطيب البغدادي: 101-102 و 135، فتح المغيث: 268/1 و غيرها من المصادر المارّة و الآتية.
2- كالعراقي في ألفيته و شارحها السخاوي في فتح المغيث: 279/1، و قوانين الأصول: 462 و غيرهما.
3- منية اللبيب في شرح التهذيب - في الأصول - للسيد عميد الدين أبي عبد اللّه عبد المطلب بن مجد الدين أبي الفوارس الحسيني الحلي (681-754 ه)، لا زال مخطوطا.
الثاني: هل قيد العدالة يغني عن الضبط؟

الثاني: إنه قال جمع منهم الشهيد الثاني في البداية: إن اعتبار العدالة في الحقيقة يغني عن اعتبار الضبط، لأن العدل لا يروي إلا ما ضبطه و تحققه على الوجه المعتبر، و تخصيصه بالذكر تأكيد و(1) جرى على العادة(2).

و ناقش في ذلك في محكي مشرق الشمسين(3) بأن العدالة إنما تمنع من تعمد نقل غير المضبوط عنده، لا من نقل ما يسهو عن كونه غير مضبوط فيظنه مضبوطا(4)، و ما ذكره موجّه.

و توهّم أن العادل إذا عرف من نفسه كثرة السهو لم يجترئ على الرواية تحرزا من إدخال ما ليس من الدّين فيه، مدفوع بأنه إذا كثر سهوه، فربما يسهو عن أنه كثير السهو، فيروي، فالحق أن اعتبار العدالة لا يغني عن اعتبار الضبط.

لا يقال: لو كان الضبط شرطا للزم أهل الرجال الاعتناء به و تحقيقه و التصريح به كما في العدالة.

لأنا نقول: ما ذكرته مدفوع بما ذكره جمع منهم الشيخ البهائي

ص: 45


1- الظاهر: أو.
2- البداية: 66 [37/2] بتصرف و زيادة.
3- مشرق الشمسين: 270 و قد حكاه عن غيره، و أجاب عنه في: 271 بقوله و قد يجاب عنه بأن العدل إذا عرف من نفسه كثرة السهو لم يجترئ على الرواية تحرزا عن إدخال ما ليس في الدين فيه.. إلى آخره.
4- قد مرّ منا و من صاحب المنتقى مناقشات في مسألة الضبط في مستدركاتنا السالفة، فراجع.

(رحمه اللّه) في محكي مشرق الشمسين بقوله: فإن قلت: فكيف يتمّ لنا الحكم بصحة الحديث بمجرد توثيق علماء الرجال رجال سنده من غير نص على ضبطهم.

قلت: إنهم يريدون بقولهم: فلان ثقة أنه عدل ضابط، لأن لفظة الثقة من الوثوق، و لا وثوق بمن يتساوى سهوه [مع](1) ذكره أو يغلب سهوه على ذكره، و هذا هو السّر في عدولهم عن قولهم عدل إلى قولهم ثقة(2).

الثالث: من يطلق عليه ضابط؟

الثالث: أنه صرّح جمع بأنه يكفي في إطلاق الضابط على الراوي كثرة اهتمامه في نقل الحديث، بأن يكون بمجرد سماعه الحديث يكتبه و يحفظه و يراجعه و يزاوله، بحيث يحصل له(3) الاعتماد و إن كان كثير السهو، إذ ربما يكون الإنسان متفطنا ذكيا لا يغفل عن درك المطلب حين الاستماع، و لكن يعرضه السهو بعد ساعة أو أكثر، فمثل هذا إذا كتب و أتقن حين السماع فقد ضبط الحديث، و هو ضابط، و بمثل هذا يجاب عما يقال من أن حبيبا الخثعمي(4) ممن وثقوه في الرجال، مع أن الصدوق (رحمه اللّه) روى في الفقيه أنه

ص: 46


1- ما بين المعقوفين لا يوجد في الطبعة الأولى، و ما في المتن مطابق للأصل.
2- مشرق الشمسين: 271 - بتصرف يسير.
3- الظاهر: عليه أو به.
4- المراد به حبيب بن المعلل الخثعمي المدايني و هو الثقة، و هو غير حبيب الأحول الخثعمي الذي عدّ إماميا مجهولا، لاحظ ترجمته في تنقيح المقال: 253/1 و غيره.

سأل أبا عبد اللّه (عليه السّلام) فقال: (إني رجل كثير السهو فما أحفظ على صلاتي... الحديث)(1) فإن كونه كثير السهو يجتمع مع توثيقهم له بأنه كان يضبط الخبر بالكتابة و الإتقان حين السماع.

و احتمل في القوانين الجواب بوجه آخر، و هو أن كثرة السهو في الصلاة لا تنافي الضبط و عدم السهو في الرواية، و بوجه ثالث و هو أن المراد كثير الشك لكثرة استعمال السهو في الشك(2).

الرابع: كيفية اعتبار الضبط في الراوي؟

الرابع: أنه يعتبر ضبط الراوي بأن تعتبر روايته برواية الثقات المعروفين بالضبط و الإتقان، فإن وجدت رواياته موافقة لها غالبا، و لو من حيث المعنى بحيث لا يخالفها، أو تكون المخالفة نادرة عرف حينئذ كونه ضابطا ثبتا، و إن وجدت(3) كثيرة المخالفة لروايات

ص: 47


1- بعد جهد مجد في من لا يحضره الفقيه لم أجد الرواية، و لا أحسبها فيه، و قد وجدتها في تهذيب الأحكام: 348/2 حديث 1444، و هي هكذا: الحسين بن سعيد عن محمد بن إسماعيل عن أبي إسماعيل السراج عن حبيب الخثعمي قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه (عليه السّلام) كثرة السهو في الصلاة، فقال: احص صلاتك بالحصى، أو قال: احفظها بالحصى. و قد أخذها المصنف (رحمه اللّه) من الميرزا القمي في القوانين: 463. و حكاه عن الفقيه.
2- القوانين: 463.
3- مراده و إن وجدناه بعد اعتبار رواياته برواياتهم كثير المخالفة لهم، كذا في البداية ص 70، و صرح به غير واحد كالسيوطي في تدريبه ج 304/1 تبعا للنووي في تقريبه، و أصول الحديث عنه في: 232، و في نهاية الدراية: 135: ثم إن الضبط يعرف بموافقة الثقات المتقنين غالبا و لا تضرّ مخالفته النادرة.

المعروفين عرف اختلال ضبطه، أو اختلال حاله في الضبط، و لم يحتجّ بحديثه(1).

ثم إن ضبط الراوي إن ثبت بالاعتبار المذكور أو بالبينة العادلة، فلا إشكال. و كذا إن حصل الاطمينان من شهادة ثقة ماهر.

و إن جهل الحال، قيل: يلزم التوقف، و قيل: يبنى حينئذ على ما هو الأغلب من حال الرواة بل مطلق الناس من الضبط، و عدم غلبة السهو، و هذا القول أظهر لحجية الظن في الرجال، و الغلبة تفيده وجدانا، و قد تؤيد الغلبة بأصالة بقاء التذكّر و العلم بالمعنى المنافي للنسيان لا بمعنى التذكّر الفعلي حتى يكون متعذرا أو متعسرا. و أصالة عدم كثرة السهو المنافية للقبول، فتأمل.

الخامس: الاكثار من الرواية لا يدل على عدم الضبط

الخامس: إن الأظهر أن الإكثار من الرواية لا تدلّ على عدم ضبط الراوي، كما صرح به جماعة، منهم العلامة في النهاية(2).

السادس: رواية الاصول لا تحتاج الى الضبط

السادس: إنه قال في البداية(3) أن اشتراط الضبط إنما يفتقر إليه فيمن يروي الأحاديث من حفظه، أو يخرّجها بغير الطرق المذكورة في المصنفات، و أما رواية الأصول المشهورة فلا يعتبر فيها ذلك.

السابع: تفرد الضابط الثقة، حجة و إن لم يكن له موافق

السابع: إذا أحرز ضبط الراوي و وثاقته أخذ بخبره، و لو لم

ص: 48


1- صرح بذلك غير واحد من علماء الدراية منهم ابن الصلاح في مقدمته: 220.
2- نهاية الوصول إلى علم الأصول للعلامة الحلي: - خطي -.
3- بداية الدراية: 70.

يكن له موافق فيما يرويه، و لم يعضده ظاهر مقطوع من كتاب أو سنّة متواترة و لا عمل بعض الصحابة به(1)، و لم يكن منتشرا و مشهورا بينهم، وفاقا لجماعة منهم العلامة و ابن أخته العميد(2)، بل قيل:

إن عليه المعظم، بل استظهر بعضهم اتفاق الأصحاب عليه، و خالف في ذلك أبو علي الجبائي فاعتبر تعدد الرواية، فلا تقبل عنده رواية الواحد إلا إذا اعتضد بظاهر مقطوع، أو عمل بها بعض الصحابة، أو كانت منتشرة بينهم. و احتجوا عليه بقبول أمير المؤمنين (عليه السّلام) و سائر الصحابة لخبر الواحد المجرد عن الأمور المذكورة، مضافا إلى مفهوم آية النبأ، و إلى بناء العقلاء و.. غير ذلك(3).

ثم إنه لا يخفى عليك أن جمعا من الفقهاء (رضي اللّه عنهم) قد تداولوا ردّ بعض الأخبار بعدم عمل الأصحاب به، و قد قرّرنا في محله أن شرطية عمل الأصحاب بالخبر في حجيته مما لا دليل عليه، و إنما الثابت مانعية إعراضهم عن الخبر عن حجيته. و تظهر الثمرة فيما إذا كان عدم العمل ثابتا، و الإعراض مشكوكا، فإنه على الشرطية يسقط عن الحجية، و على المانعية يدفع المانع بالأصل، فاحفظ ذلك و اغتنم، فقد اشتبه في ذلك أقوام.

ص: 49


1- لا توجد: به في الطبعة الأولى.
2- في الطبعة الأولى: و سبطه العميد. و هو غلط، لأن العلامة خاله، و كتب شرحه في حياة خاله، كما يظهر من دعائه له بطول البقاء. انظر: الذريعة: 207/23 برقم (8653).
3- لاحظ مستدرك رقم (153) فوائد حول الضبط.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى المتكفلة لشروط الخبر.

تذييل: فيه امران
اشارة

و قد بقي هنا أمران ينبغي تذييل هذه الجهة بهما:

الاول: لا يلزم غير ما ذكر من الشروط كالذكورية و الحرية و غيرهما
اشارة

الأول: أنه لا يشترط في الخبر غير ما ذكر من الشروط، و قد وقع التنصيص في كلماتهم على عدم اشتراط أمور للأصل، و وجود المقتضي و عدم المانع.

أحدها: الذكورة، فتقبل رواية الأنثى و الخنثى إذا جمعت الشروط المذكورة(1)، حرة كانت أو مملوكة، كما صرح بذلك كله الفاضلان و.. غيرهما، بل نفى العلامة في النهاية الخلاف فيه(2)و ادّعى في البداية إطباق السلف و الخلف على الرواية عن المرأة(3).

و الأصل في ذلك ما مرّ من الأصل، و عدم المانع. مضافا إلى أن شهادتها تقبل، فروايتها أولى بالقبول(4).

ثانيها: الحرية، فتقبل رواية المملوك مطلقا و لو كان قنّا، إذا جمع سائر الشرائط، كما صرح به الفاضلان و.. غيرهما، بل نفى في نهاية الأصول الخلاف فيه(5)، لنحو ما ذكر في سابقه(6).

ص: 50


1- في الطبعة الأولى: المزبورة بدلا من المذكورة، و المعنى واحد.
2- النهاية في الأصول للعلامة الحلي (قدس سره) - خطي -.
3- بداية الدراية: 66 [البقال: 38/2]، تدريب الراوي: 321/1.
4- خلافا لما نقله الماوردي في الحاوي عن أبي حنيفة قال: و استثنى أخبار عائشة و أم سلمة.
5- نهاية الأصول - خطي -، و قال في الكفاية: 160 (.. الإجماع على أن خبر العبد العدل مقبول).
6- و استدل في البداية بالأولوية في قبول شهادته في الجملة فالرواية أولى، و فيه ما لا يخفى، و لعله أخذه من الخطيب في كفايته ص 157.

ثالثها: البصر، فتقبل رواية الأعمى إذا جمع الشرائط، كما صرح بذلك جمع، بل نفى الخلاف فيه في النهاية، و ظاهر البداية اتفاق السلف و الخلف عليه(1)، و عن شرح المختصر نقل اتفاق الصحابة عليه، للأصل و.. غيره مما مرّ. نعم يخالفه نقل بعضهم عن غير واحد من علماء العامة ردّ رواية الأعمى، و إن كان هو كما ترى.

رابعها: عدم القرابة، فيجوز رواية الولد عن والده و بالعكس، لاتفاق الصحابة عليه - كما قيل - للأصل، و.. غيره، و كذا الحال في عدم العداوة و عدم الصداقة بين الراوي و المروي له، فإنه لا يعتبر شيء من ذلك.

خامسها: القدرة على الكتابة، فتقبل رواية الأمّي إذا جمع الشرائط بلا خلاف و لا إشكال، للأصل و.. غيره.

سادسها: العلم بالفقه و العربية، فإنه لا يشترط ذلك(2)، كما صرح بذلك جماعة للأصل و.. غيره مما مرّ، مضافا إلى أن الغرض من الخبر الرواية لا الدراية، و هي تتحقق بدونهما، و لعموم قوله

ص: 51


1- البداية 67 [البقال: 40/2] و قد قال: (و قد وجد ذلك في السلف و الخلف) و هو غير الاتفاق المدعى هنا.
2- جلّ هذه الشروط خلافا لأبي حنيفة، و خصّه البعض بما لو خالف القياس و غيره، و فصّل الكلام فيه السخاوي في شرحه: 271/1، و أجمل غيره.

(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): (نضّر(1) اللّه امرأ سمع مقالتي فوعاها و أداها كما سمعها، فربّ حامل(2) فقه ليس بفقيه)(3).

نعم في البداية أنه ينبغي مؤكدا معرفته بالعربية حذرا من اللحن

ص: 52


1- بالنون و الضاد المعجمة المشددة و الراء المهملة بمعنى: حسّنه بالسرور و البهجة. منه (قدس سره). انظر: الصحاح: 830/2، المصباح المنير: 839/2، القاموس المحيط: 144/2، لسان العرب 212/5، تاج العروس 573/3.. و غيرها. و في بداية الشهيد: 66: [البقال: 39/2]: نصر اللّه - بالنون و الصاد المعجمة - و سنفصل الكلام في الحديث في ما بعد.
2- في البداية: فرب سامع فقه.. و ما ذكرناه أشهر.
3- جاءت الرواية عن طريق الخاصة و العامة، ففي الكافي الشريف: 453/1 هكذا:.. فوعاها و حفظها و بلغها من لم يسمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه، و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه.. و بهذا المضمون و اختلاف يسير روايات، لاحظ وسائل الشيعة: 63/18 و 64 و 17/19 حديث 6، و هو جزء مما خطب به رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) في مسجد الخيف. أما عند العامة فانظر: سنن أبي داود: 289/2، جامع الترمذي: 34/5 و بهذا المضمون عن عبد اللّه بن مسعود كما في مسند أحمد: 96/6 حديث 4157. و في معرفة علوم الحديث: 27 عدّه من الحديث المشهور المستفيض.. و فصل في إسناده في فتح المغيث: 272/1 و بلفظ: رحم اللّه امرأ سمع مقالتي فأداها.. كما في جامع بيان العلم: 39/1 نقلا عن علوم الحديث: 304، و تعرّض في قواعد التحديث: 48، لطرق هذا الحديث بغير ما ذكرناه، و انظر معرفة علوم الحديث: 260، و قال الحاكم في معرفة علوم الحديث: 92 عن هذا الحديث انه: من الحديث المشهور الذي يخرّج في الصحيح.

و التصحيف(1) و قد روى عنهم (عليهم السّلام) أنهم قالوا: (أعربوا كلامنا فإنّا قوم فصحاء)(2) و هو يشمل إعراب القلم و اللسان، و قال بعض العلماء: جاءت هذه الأحاديث عن الأصل معربة، و عن آخر(3): أخوف ما أخاف على طالب الحديث إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، لأنه (صلّى اللّه عليه و آله) لم يكن يلحن، فمهما روى عنه حديثا و قد لحن فيه فقد كذب عليه. ثم قال: و المعتبر حينئذ أن يعلم قدرا يسلم معه من اللحن و التحريف(4).

سابعها: معروفية النسب، فلو لم يعرف نسبه، و حصلت الشرائط قبلت روايته، للأصل و.. نحوه مما مرّ، و لو كان جامعا للشرائط لكنه ولد الزنا، فعلى القول بعدم كفره فلا شبهة في قبول خبره، و أما على القول بكفره فلا يقبل خبره لفقد الشرط، و هو الإسلام(5).

ص: 53


1- البداية: 66 [البقال: 39/2] و كذا في جامع المقال: 20 و غيرهما.
2- كما في الكافي: 52/1، و وسائل الشيعة: 58/18، و في المصدرين: حديثنا بدلا من: كلامنا.
3- و هو الأصمعي، كما حكاه الطيبي في الخلاصة في أصول الحديث: 121، و غيره عنه.
4- كذا قاله الشهيد في درايته: 66 [البقال: 39/2-40] و قال في جامع المقال: 20: بل لو قيل بوجوبه لم يكن بعيدا لمكان الأمر.
5- و قد أضاف في البداية: 67 [البقال: 40/2] العدد فقال: و لا العدد بناء على اعتبار خبر الواحد، و على عدم اعتباره لا يعتبر في المقبول منه عدد خاص، بل ما يحصل به العلم. ثم قال: فالعدد غير معتبر في الجملة مطلقا. و عليه، فهو شرط مبنائي معتبر في الجملة لا مطلقا، فتدبر. انظر مستدرك رقم (154) الشروط التي قيل باعتبارها غير ما ذكره المصنّف رحمه اللّه. أقول: لا ريب أن في زماننا هذا لا تعتبر كثير من هذه الشروط الفرعية، و سقوط كثير من هذه الفروع العلمية ما مرّ منها أو سيأتي خروجا موضوعيا بانتفاء موضوعها أو سقوطا حكميا أو لتعذر الوفاء بها، و قد جارينا في بعضها ما ذكره العامة و ما بنوه و تبنوه، و نحن بحمد اللّه في غنى عن جملة منها، و قد آل السماع في يومنا هذا إلى مجرد إبقاء سلسلة السند لتبقى هذه الكرامة و الخصيصة التي خصت بها هذه الأمة المرحومة شرفا لنبينا (صلوات اللّه و سلامه عليه و آله) و كرامة من اللّه علينا، و سنرجع لهذا الموضوع في فصل أقسام تحمّل الحديث.
فرع: لو كان للراوي اسمان،

و هو بأحدهما أشهر، جازت الرواية عنه، و لو كان مترددا بينهما و هو بأحدهما مجروح، و بالآخر معدل ففي القبول تردد.

فائدة: لا يعتبر في حجية الخبر وجوده في أحد الكتب الأربعة

كما زعمه بعض القاصرين(1)، بل المدار على جمع الخبر للشرائط أينما وجد، و ليس من شرائط حجيته وجوده في هذه الأربعة، كيف و قصر

ص: 54


1- ذهب إلى هذا جمع من المحدثين و طائفة من الأخباريين بل جملة منهم و ادعوا قطيعة صدور هذه الأحاديث، و قد فصّلنا الكلام في مستدركاتنا السابقة، و هو باطل بالوجدان، حيث كيف يقطع بصدور حديث رواه واحد عن واحد مع ما هناك من رواة عرفوا بالكذب أو الوضع، و ما ذكروه من قرائن في المقام دالة على صدورها من المعصومين (عليهم السّلام) لا يرجع شيء منها إلى محصّل كما فصلناه، و قد أجمل القول فيها في معجم رجال الحديث: 36/1 و غيره.

الحجية على ما فيها من الأخبار يقتضي سقوط ما عداها من كتب الحديث عن درجة الاعتبار، مع أن كثيرا منها يقرب من هذه الأربعة في الاشتهار، و لا يقصر عنها بكثير في الظهور و الانتشار، كالعيون، و الخصال، و الإكمال من مصنفات الصدوق (رحمه اللّه) و.. غيرها من الكتب المعروفة المشهورة الظاهرة النسبة إلى مؤلفيها الثقات الأجلة و علماء الطائفة، و وجوه الفرقة المحقة، لم يزالوا في جميع الأعصار و الأمصار يستندون إليها و يفرعون عليها فيما تضمنته من الأخبار و الآثار المروية عن الأئمة الأطهار (عليهم صلوات اللّه الملك الجبار) و لم يسمع من أحد منهم الاقتصار على الكتب الأربعة، و لا إنكار الحديث لكونه من غيرها، و إقبال الفقهاء على تلك الأربعة، و انكبابهم عليها، ليس لعدم اعتبار غيرها عندهم، بل لما في الأربعة - مع جودة الترتيب، و حسن التهذيب و كون مؤلفيها رؤساء الشيعة، و شيوخ الطائفة - أجمع كتب الحديث و أشملها لما يناسب أنظار الفقهاء من أحاديث الفروع، و ما عدا الكافي منها مقصور على روايات الأحكام، موضوع لخصوص ما يتعلق بالحلال و الحرام، و سائر كتب الحديث و إن اشتملت على كثير من الأخبار المتعلقة بهذا الغرض، إلا أن وضعها لغيره اقتضى تفرق ذلك فيها، و شتاته في أبوابها و فصولها، على وجه يصعب الوصول إليه، و يعسر الإحاطة به، فلذلك قلّت رغبة من يطلب الفقه فيها، و انصرفت عمدة همتهم إلى تلك الأربعة، لا لقصر الحجية عليها لعموم أدلة حجية الخبر إذا جمع الشرائط. نعم، يعتبر كونه موجودا في كتب معتبرة معلومة النسبة إلى مؤلفيها، مأمونة من الدسّ و التغيير و التبديل، مصححة على

ص: 55

صاحبها، معتنى بها بين العلماء و شيوخ الطائفة، لا مرغوبة عنها و ساقطة من أعينهم، فإن ذلك من أعظم الوهن فيها.

ثم كما لا يعتبر وجوده في أحد الكتب الأربعة، فكذا لا يكفي في حجيته وجوده في أحدها ما لم يشتمل على شرائط القبول.

و ما زعمه بعضهم من كون أخبارها كلا مقطوعة الصدور، استنادا إلى شهادات سطرها في مقدمات الحدائق لا وجه له، كما أوضحناه في محله(1). نعم، لا بأس بجعل وجود الخبر في الكتب الأربعة بمقتضى تلك الشهادات من المرجحات عند التعارض بينه و بين ما ليس فيها(2).

الثاني: شرائط الراوي معتبرة حين الاداء لا حال التحمل

الأمر الثاني

إنه قد صرح جماعة بأن المعتبر في شرائط الراوي هو حال الأداء، لا حال التحمل، فلو كان حال الأداء جامعا للشرائط مع فقده للشرائط كلا أو بعضا حال التحمل قبلت روايته، فتقبل رواية البالغ إذا تحمل في حال الصبا، و قد ادعى في محكي نهاية الأحكام إجماع السلف و الخلف على إحضار الصبيان مجالس الحديث، و قبولهم بعد البلوغ لما تحملوه في حال الصبا(3)، و كذا من تاب و رجع عما كان عليه من مخالفة في دين

ص: 56


1- و قد مرّ كلام صاحب الحدائق و غيره بنصه في مستدركاتنا السابقة، فراجع.
2- انظر مستدرك رقم (155) فوائد الباب و تذييل الفصل.
3- نهاية الوصول إلى علم الأصول، للعلامة الحلي (طاب ثراه) - خطي -: لم يطبع. قال الشهيد الأول في القواعد و الفوائد: 223/1 قاعدة (67) ما نصه: كل شرط في الراوي و الشاهد فإنه معتبر عند الأداء لا عند التحمل، إلا في الطلاق قطعا، و في البراءة من ضمان الجريرة - على قول -. و لا نعتبر روايته قبل البلوغ و إن صح تحمله. و من العامة - كما في فتح المغيث للسخاوي: 271/1 نسبه إلى البعض - من اعتبرها، و فرّعوا عليه جواز تدبيره و وصيته و أمانه كافرا و إسلامه مميزا. و قال ابن الأثير في جامع الأصول: 34/1: أما إذا كان طفلا عند التحمل مميزا بالغا عند الرواية فتقبل.

أو فسق أو.. نحو ذلك، تقبل روايته حال استقامته، و قد جعلوا من هذا الباب قبول الصحابة رواية ابن عباس و.. غيره ممن تحمل الرواية قبل البلوغ، فإن ثبت ذلك، و إلا لكان لمانع منع قبولهم إلا لما تحمله بعد البلوغ، و جعل بعض الأصحاب ردّ الصدوق رواية محمد بن عيسى، عن يونس من باب كون تحمله في حال الصبا(1)، ورد بأن الوجه ليس ذلك، لأن الصدوق (رحمه اللّه) أيضا لا يعتبر الشروط حال التحمل بل حال الأداء خاصة، و جعل الشيخ (رحمه اللّه) من أمثلة المقام رواية أبي الخطاب و.. غيره قال (رحمه اللّه) في العدة: فأما ما يرويه الغلاة و المتهمون و المضعفون و.. غير هؤلاء، فما يختص الغلاة بروايته فإن كانوا ممن عرف لهم حال استقامة، و حال غلو، عمل بما رووه حال الاستقامة، و ترك ما رووه حال خطئهم(2)، فلأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب

ص: 57


1- هناك تحقيق شيق لسيدنا الخوئي (دام ظله) في معجم رجال الحديث 113/17 من اختلاف النسخ و غير ذلك، فلاحظ.
2- تخليطهم: في نسختنا، و في المتن: خطأهم.

محمد بن أبي زينب في حال استقامته، و تركوا ما رواه في حال تخليطه، و كذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي(1) و ابن أبي العزاقر(2)..

و غير هؤلاء. و أما ما يروونه في حال تخليطهم، فلا يجوز العمل به على كل حال(3).

و نوقش في جعله رواية أبي الخطاب من هذا الباب بأن خطأ مثله لم يكن بعنوان السهو و الغفلة، بل دعته الأهواء الفاسدة إلى تعمد الكذب، و أنه لم يكن في المدة التي لم يظهر منه الكفر بريئا من غاية الشقاوة، بل كان قلبه على ما كان، و لكن جعل إخفاء المعصية و إظهار الطاعة وسيلتين إلى ما أراد من الرئاسة، و إضلال الجماعة، فكيف يمكن الاعتماد على روايته و رواية أمثاله كعثمان بن عيسى، و علي بن أبي حمزة البطائني، و في وقت من الأوقات؟!

و أقول: ليس هنا محل التعرض لأحوال آحاد الرجال حتى نسوق الكلام في ذلك و الغرض التمثيل(4).

ص: 58


1- العبرتاء: قرية بناحية إسكاف بني جنيد. منه (قدس سره). و هي بالعين المهملة المفتوحة و الباء الموحدة كذلك و الراء المهملة الساكنة و التاء المثناة من فوق و الألف و الهمزة و الياء نسبة إلى عبرتاء قرية كبيرة من نواحي النهروان ببغداد، كما قاله في مراصد الاطلاع: 915/2 و معجم البلدان: 8/4-77، و نقل عن التاج و الإيضاح و غيرها في تنقيح المقال: 99/1 و له قول آخر في المسألة، فلاحظ.
2- في الطبعة الأولى: عزافر، و الصحيح: عذافر، و في التنقيح باب الكنى: 3 / 41 ما أثبته هنا.
3- عدة الأصول: 381/1-382.
4- و إن شئت التفصيل في ترجمتهم فراجع الموسوعة الرجالية تنقيح المقال: 99/1 - 101 حول أحمد بن هلال العبرتائي، و عن محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن العزاقر: 156/3-157، و عثمان بن عيسى الرواسي: 249/2-247، و علي بن أبي حمزة البطائني: 260/2-262.

و كيف كان فإذا ورد خبر من أخبار من له حالة استقامة، و حالة قصور، فإن علم تاريخ الرواية فلا شبهة في العمل بها إن كانت في حال الاستقامة و تركها إن كانت في حال القصور، و إن جهل التاريخ لزم الرجوع إلى القرائن الخارجية و الاجتهاد فيها، و قد جعل الفاضل القمي (رحمه اللّه)(1) و غيره من القرائن عمل جمهور الأصحاب بها، و هو كذلك حيثما يفيد الاطمينان العادي، فإن المعيار عليه، فلا بد من الفحص و البحث و التدبر حتى يحصل الاطمينان فيعمل به، أو لا يحصل فيترك، و قد جعل غير واحد من باب الوثوق على الرواية لأجل صدور الرواية حال الاستقامة، أو لأجل القرائن الخارجية ما يرويه الأصحاب عن الحسين بن بشار الواقفي و علي بن أسباط الفطحي، و.. غيرهما ممن كانوا من غير الإمامية ثم تابوا و رجعوا، و اعتمد الأصحاب على رواياتهم، و كذا ما يرويه الثقات عن علي بن رياح، و علي بن أبي حمزة، و إسحاق بن جرير من الواقفية الذين كانوا على الحق ثم توقفوا. فإن قبول الثقات رواياتهم إما للعلم بصدورها في حال الاستقامة أو للقرائن الخارجية، ضرورة أن المعهود من أصحاب الأئمة (عليهم السّلام) كمال الاجتناب عن الواقفية و.. أمثالهم

ص: 59


1- انظر: قوانين الأصول: 463، و سبقه الشيخ في العدة، و قد عقد فصل في ذكر القرائن التي تدل على صحة أخبار الآحاد أو على بطلانها 367/1-388 و قد استوفيناها في مستدركاتنا السالفة.

من فرق الشيعة، و كانت معاندتهم معهم، و تبرّيهم عنهم، أزيد منها من العامة، سيما مع الواقفية، حتى إنهم كانوا يسمونهم الممطورة - أي الكلاب التي أصابها المطر - و كانوا يتنزهون عن صحبتهم و المكالمة معهم، و كان أئمتهم (عليهم السّلام) يأمرونهم باللعن عليهم، التبري منهم(1)، فرواية ثقاتهم و أجلائهم عنهم قرينة على أن الرواية كانت حال الاستقامة، أو أن الرواية عن أصلهم المعتمد المؤلف قبل فساد العقيدة، أو المأخوذ عن المشايخ المعتمدين من اصحابنا، ككتب علي بن الحسن الطاطري الذي هو من وجوه الواقفية، فإن الشيخ (رحمه اللّه) ذكر في الفهرست أنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم و بروايتهم(2)، و قد استظهر المحقق البهائي (رحمه اللّه) في محكي مشرق الشمسين كون قبول المحقق (رحمه اللّه) رواية علي بن حمزة المذكور - مع شدة تعصبه في مذهبه الفاسد - مبنيا على كونها مأخوذة من أصله، فإنه من أصحاب الأصول(3)، و كذا قول العلامة (رحمه اللّه) بصحة رواية إسحاق بن جرير عن الصادق (عليه السّلام) فإنه ثقة من أصحاب الأصول أيضا(4)، و تأليف هؤلاء أصولهم كان قبل الوقف، لأنه وقع في زمن الصادق (عليه السّلام)، فقد بلغنا

ص: 60


1- راجع بحث الواقفة في هذا الكتاب.
2- فهرست الشيخ: 118.
3- مشرق الشمسين: 274، و قد أخذه المصنف من صاحب القوانين: 464.
4- خلاصة العلامة: القسم الثاني - الباب الثالث: 200، و قال: الأقوى عندي التوقف من رواية ينفرد بها، و لم يذكر أنه من أصحاب الأصول، فراجع.

عن مشايخنا (قدس اللّه تعالى أسرارهم) أنه كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحد الأئمة (عليهم السّلام) حديثا بادروا إلى إثباته في أصولهم، لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أوكله بتمادي الأيام و توالي الشهور و الأعوام، كما صرح بذلك كله جمع منهم المحقق القمي (رحمه اللّه) في القوانين(1)، فيلزم بذل الجهد و الجدّ في تمييز من يقبل خبره عمن لا يقبل، وفقنا اللّه تعالى و إياك للعلم و العمل.

***

ص: 61


1- قوانين الأصول: 464. انظر: بحث له أصل، و مبدأ الأصول، و أنها ليست مختصة بزمن الصادق أو الصادقين (عليهما السّلام)، و يعلم منه وجه التأمل في الكلام.

ص: 62

الجهة الثانية كيفية ثبوت عدالة الراوي

اشارة

أنه تثبت عدالة الراوي(1) بشيء من أمور:

أحدها: الملازمة و الصحبة المؤكدة، و المعاشرة التامة المطلعة على سريرته و باطن أمره، بحيث يحصل العلم أو الاطمئنان العادي بعدالته. لكن لا يخفى عليك اختصاص هذا الطريق بالراوي المعاصر، و اشتراك بقية الطرق بينه و بين الراوي السابق على زماننا.

ثانيها: الاستفاضة و الشهرة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم من أهل الحديث و.. غيرهم، و شاع الثناء عليه بها، كفى في عدالته(2) و لا يحتاج مع ذلك إلى معدّل ينص عليها، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني (رحمه اللّه) و..

ص: 63


1- إن طرق ثبوت الجرح كثبوت العدالة بلا فرق، و تذكر في علم الدراية معا غالبا.
2- و من علماء العامة - و أحسبه ابن عبد البر - توسع بالقول: إن كل حامل علم معروف العناية به محمول أبدا على العدالة حتى يستبين جرحه، كما وجدته بعد ذلك في التدريب: 302/1، و هو كلام لم يرتضه القوم منهم، و ناقشه السيوطي مفصلا هناك، فلاحظ.

ما بعده إلى زماننا هذا، فإنه لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكية، و لا تنبيه على عدالة لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم و ضبطهم و ورعهم زيادة على العدالة، و إنما يتوقف على التزكية غير هؤلاء من الرواة الذين لم يشتهروا بذلك، ككثير ممن سبق على هؤلاء، و هم طرق الأحاديث المدونة في الكتب غالبا(1).

ثالثها: شهادة القرائن الكثيرة المتعاضدة الموجبة للاطمئنان بعدالته ككونه مرجع العلماء و الفقهاء، و كونه ممن يكثر عنه الرواية من لا يروي إلا عن عدل و.. نحو ذلك من القرائن، فإنه إذا حصل الاطمئنان و العلم العادي منها بوثاقة الرجل كفى في قبول خبره، لبناء العقلاء على ذلك.

رابعها: تنصيص عدلين على عدالته، بأن يقولا: هو ثقة أو عدل أو مقبول الرواية إن كانا ممن يرى العدالة شرطا أو.. نحو ذلك، و كفاية ذلك مما لا خلاف فيه و لا شبهة، لما قررناه في محله من حجية البينة في غير المرافعات أيضا مطلقا(2).

ص: 64


1- كذا بألفاظ متقاربة في دراية الشهيد: 69، و حكاه في الفوائد الطوسية: 9، و سيأتي للبحث صلة في ألفاظ التعديل: شيخ الإجازة أو الطائفة و غيرهما.
2- نص عليه و على الاستفاضة كل علماء العامة، انظر مقدمة ابن الصلاح 218 و ذيله محاسن الاصطلاح للبلقيني، و التقريب للنووي و التدريب للسيوطي: 308/1 و غيرهم. و قد حكى الباقلاني اشتراط اثنين في الرواية و التزكية عن أكثر فقهاء أهل المدينة و غيرهم، كما ذكره السخاوي في شرح الألفية: 277/1 و عدّ منهم جمعا. و في الكفاية: 161: و الذي نستحبه أن يكون من يزكي المحدث اثنين للاحتياط، فإن اقتصر على تزكية الواحد أجزأ.. و استدل على ذلك بوجوه منها: إن ما يثبت به الحكم يجب أن يكون أقوى مما تثبت به الصفة التي عند ثبوتها يجب الحكم، و كذلك يجب أن يكون ما يثبت عدالة المحدث أنقص مما يثبت الحكم بخبره، و الحكم في الشرعيات يثبت بخبر الواحد فيجب أن تثبت تزكيته بقول الواحد، و فيه ما لا يخفى. و قد ذكر القاسمي في الجرح و التعديل: 5 عن السيوطي في الاقتراح ما نصه: تعرف ثقة الراوي بالتنصيص عليه من رواية، أو ذكره في تاريخ الثقات أو تخريج أحد الشيخين له في الصحيح و إن تكلم في بعض من خرج له فلا يلتفت إليه، أو تخريج من اشترط الصحة له أو من خرج له فلا يلتفت إليه. و نظير قول المصنف (طاب ثراه) قول الجزائري (رحمه اللّه) في حاوي الأقوال: 5 - خطية من مكتبة ملك في طهران - قال: لا نعلم خلافا بين العلماء في الاكتفاء بشهادة العدلين في تزكية الراوي و الشاهد، و عدم الاكتفاء بالواحد في الشاهد، و هل يكفي ذلك في الراوي؟ فقيل: نعم فهو مختار جماعة من متأخري علمائنا، و اختاره العلامة، و قيل لا كالشهادة، و اختاره المحقق ابن سعيد و تبعه بعض مشايخنا المعاصرين.

و في كفاية تزكية العدل الواحد له في قبول روايته قولان:

اشارة

و في كفاية تزكية العدل الواحد له في قبول روايته(1) قولان:

أحدهما: الكفاية، و هو خيرة جمع كثير منهم العلامة (رحمه اللّه) في التهذيب(2)، بل قيل إن عليه الأكثر، و في البداية: إنه قول

ص: 65


1- لم نجد من استوفى البحث في هذه المسألة كالشيخ حسن نجل الشهيد الثاني في منتقى الجمان الفائدة الثانية من مقدمته: 14/1-21 فراجع.
2- تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 79، و في نهاية الدراية: 130، قال في صفحة 82:.. ثم ألحق أن الجرح و التعديل يثبتان بواحد، و قيل: لا بد من اثنين. و سبقه في الرواشح السماوية - الراشحة الحادية و الثلاثون -: 100 و قال: و عليه أكثر العلماء في الأصول من العامة و الخاصة. و قال في المنتقى: 14/1: و المشهور بين أصحابنا المتأخرين الاكتفاء بها. و هو مختار صاحب وسائل الشيعة 115/20 و غيرهم. قلنا: لا فرق بين التعديل و الجرح، و الكلام هنا في الرواية دون الشهادة و إن أطلق القوم و ذهب إليه البعض مما أحدث قولا ثالثا في المقام و هو: الاكتفاء في تعديل المحدث المزكى بواحد، و عدم الكفاية في تعديل الشاهد في الحقوق إلا باثنين.

مشهور لنا و لمخالفينا(1).

ثانيهما: عدم الكفاية و تعين الاثنين و هو خيرة آخرين منهم [المحقق(2)

ص: 66


1- البداية: 69 [البقال: 49/2]، و حكاه في الفوائد الطوسية: 9، بل حكى عن الشيخ البهائي في بعض حواشيه على الزبدة اعتبار تزكية العدل المخالف، و حسّنه السيد الصدر في نهاية الدراية: 130، و اختاره المصنف كما سيأتي في الشبهات، و عدّه الشيخ حسين بن الشيخ عبد الصمد العاملي في وصول الأخيار: 184 من الصحيح. و هو مذهب جلّ العامة كما نصّ عليه ابن الصلاح في المقدمة: 223 و قال: و هو الصحيح الذي اختاره الخطيب و غيره أيضا. و حكى في محاسن الاصطلاح للبلقيني: 223 - ذيل المقدمة - عن أبي حنيفة و أبي يوسف في الشهادة أيضا الاكتفاء لمعدّل أو مجرّح واحد. ثم قال: و هو اختيار أبي الطيب.
2- المراد به: أبو القاسم بن سعيد الحلي، كما نص عليه في منتقى الجمان: 14/1 و قال هناك: الأقرب عندي عدم الاكتفاء في تزكية الراوي بشهادة العدل الواحد، و هو قول جماعة من الأصوليين، و مختار المحقق أبو القاسم بن سعيد، و حكاه في نهاية الدراية: 130 و غيره.

و تابعوه و منهم](1) سيد المدارك(2).

حجية القول الأول أمور:
اشارة

الأول: أصالة عدم الاشتراط بعد عدم الدليل عليه، كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى.

الثاني: ما أشار إليه في البداية(3) و اشتهر الاستدلال به بين المتأخرين من أن العدالة شرط في الرواية، و شرط الشيء فرعه، و الاحتياط في الفرع لا يزيد على الاحتياط في الأصل(4)، و قد اكتفى في الأصل و هي الرواية بواحد، فيكفي الواحد في الفرع أيضا - أعني العدالة - و إلا زاد الاحتياط في الفرع على الأصل(5).

ص: 67


1- ما بين المعقوفتين لا يوجد في الطبعة الثانية للكتاب، لاحظ معارج الأصول: 150 و قد تبع المحقق جمع كالشيخ حسن صاحب منتقى الجمان: 14/1.
2- و يظهر من ابن حجر - كما حكاه في شرح التقريب: 309/1 - قول ثالث في المسألة غريب، حيث قال: و لو قيل يفصل بين ما إذا كانت التزكية مسندة من المزكي إلى اجتهاده أو إلى النقل عن غيره لكان متجها، لأنه إن كان الأول فلا يشترط العدد أصلا لأنه بمنزلة الحكم، و إن كان الثاني فيجري فيه الخلاف، و يتبين أيضا أنه لا يشترط العدد. لأن أصل النقل لا يشترط فيه، فكذا ما تفرع منه. و لا ثمرة في هذا التفصيل صغرا و كبرا، فتدبر.
3- صفحة: 69 من بداية الشهيد [البقال: 31/2]، و قاله أبو علي في رجاله الجهة الثالثة: 15.
4- أو قلّ: فكما لا يعتبر العدد في الأصل فكذا لا يعتبر في الفرع انظر: الرواشح السماوية: الراشحة الحادية و الثلاثون - 104/100، تعرض للمسألة و أدلتها.
5- أقول: هذه المسألة من متفرعات ما نوزع فيه في الفقه من الاكتفاء بخبر الثقة في الموضوعات. فإن قلنا إن توثيق الرجالي للراوي إخبار بذلك فيكفي فيه الواحد، و إن قلنا إنه شهادة لزم التعدد، فتكون العدالة كسائر الأمور التي يتوقف ثبوتها على البيّنة.
و أجيب عن ذلك بوجوه:

أحدها: أنه يشبه القياس، و توهم أنه من القياس، بالطريق الأولى ممنوع، لعدم القطع بالأولوية، بل يمكن دعوى كونه من القياس مع الفارق الذي لا يقول به حتى أهل القياس، و ذلك لأن ثبوت الحكم في الأصل أقوى منه في الفرع، لأن الأصل - و هو الرواية - معلوم أنه ليس بشهادة، فلا يعتبر فيه التعدد جزما، بخلاف الفرع لاحتمال كونه شهادة كما ادّعاه بعضهم، و إن كان فيه ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

ثانيها: منع لزوم زيادة الفرع على الأصل بناء على اعتبار التعدد، و ذلك لأن الأصل مشروط بثلاثة: الراوي، و مزكّييه، و الفرع باثنين و هما: المزكّيان، فالفرع لم يزد على الأصل.

و ردّ بأن المزية للفرع على الأصل بناء على اعتبار التعدد غير قابلة للانكار، ضرورة أنك تقبل رواية عدل واحد زكاه عدلان، و لا تقبل تزكية عدل واحد زكاه عدلان.

ثالثها: منع عدم جواز زيادة الفرع على الأصل بهذا المعنى، إذ لا دليل عليه من عقل و لا نقل، و الاستدلال عليه بأن المتبادر من الشرط أن لا يكون وجوده و اعتباره زائدا على المشروط كما هو شأن المقدمات، و إنكاره مكابرة، مردود بأن ذلك لو سلم فإنما هو من

ص: 68

جهة التبعية لا من حيث هو، أ لا ترى أن الإيمان شرط لصحة الصلاة، مع أن وجوده و اعتباره زائدا على المشروط من جهة اعتبار اليقين فيه، و الاكتفاء بالظن في المشروط، و كونه من أصول الدين، و هي من فروعه، مع أن فرض التعدد في الفرع دون الأصل أيضا موجود في الأحكام الشرعية، فإن بعض الحقوق يثبت بشهادة واحد، بل مرأة واحدة كربع ميراث المستهل، و ربع الوصية، مع أن تزكية الشاهد لا بد فيه من عدلين كما نبّه على ذلك في القوانين، ثم قال:

و أما ما مثّل به من ثبوت وجوب الحد بالقذف بخبر الواحد، و هو مشروط بثبوت القذف و بلوغ القاذف و كل منهما يتوقف ثبوته على الشاهدين، ففيه نظر، فإنه إن أريد من خبر الواحد حكم الحاكم فهو فرع الشهادة لا أصلها، و إن أريد منه الرواية الدالّة على أصل المسألة فهو ليس بمشروط بثبوت القذف بالشاهدين، بل المشروط به هو إجراؤه في المادة المخصوصة.

و ما قيل في دفعه: من أن هذه شهادة، و ثبوت التعدد فيها لا يوجب ثبوته في غيرها، و بعبارة أخرى إن هذا مخرّج بالدليل.

ففيه: إن عدم زيادة الفرع على الأصل إن سلّم فهي قاعدة عقلية لا تقبل التخصيص(1). و ما ذكره في محله(2).

ص: 69


1- قوانين الأصول: 472 بنصه.
2- و أيضا إن الشرط هو العدالة و المشروط هو قبول الرواية، و التقريب معهما لا يتم، فإذا كان المزكي عدلا لا يجب التثبت عند خبره، و يكتفي به، كذا قيل. و الذي يكفي فيه الواحد نفس الرواية، و العدالة ليست شرطا لها. و التزكية طريق من طرق المعرفة بالعدالة، و الطريق إلى معرفة الشرط لا يسمى شرطا.

الثالث: إن حجية خبر الواحد إنما هي من باب الاطمئنان العقلائي كما هو المختار، و لا شبهة في كفاية تزكية الواحد إذا أفاد الاطمئنان، بل لا معنى لاشتراط العدالة عليه إلا باعتبار أعلام طرق الاطمئنان و التنبيه عليها، و التنبيه على أن خبر الفاسق لا يفيد الاطمئنان.

و ربما جعل المحقق القمي في القوانين(1) مقتضى القاعدة كفاية الواحد في التزكية بناء على اعتبار خبر الواحد من حيث أنه خبر، أو اعتباره من باب أنه خبر مصطلح مروي عن المعصوم (عليه السّلام) أيضا، و بعض ما ذكره لا يخلو من نظر، فراجع و تدبر(2).

الرابع: آية النبأ، بتقريب أن النبأ يصدق على التزكية من جهة الأخبار عن موافقة المعتقد، فيلزم قبول الواحد فيها.

و فيه: إن غاية ما يفيده مفهوم الآية هو جواز العمل بنبإ غير الفاسق في الجملة، و إن كان من جهة كونه أحد شطري البينة، و ذلك

ص: 70


1- قوانين الأصول: 472.
2- و يمكن بيان هذا الوجه من باب الأولوية القطعية بأن يقال: إن عموم ما دل على حجية الخبر الواحد عام، و لو قبلناه في رواية الأحكام ففي نقل المحاسن و المساوى بطريق أولى. و أضاف في نهاية الدراية: 130 الأولوية بتقريب عموم ما دلّ على حجية الخبر الواحد العدل إذا قبل في رواية الأحكام ففي نقل المحاسن و المساوى بطريق أولى.

لا يفيد إلا جواز العمل به في الجملة، لا خصوص العمل إذا كان واحدا مطلقا كما هو المطلوب.

و ربما أجاب بعضهم عن الاستدلال بالآية بأنه مؤد إلى حصول التناقض في مدلول الآية، لأنه يدلّ على أن قبول خبر الواحد موقوف على انتفاء الفسق في نفس الأمر، و انتفاء الفسق في نفس الأمر لا يعلم إلا مع العلم بالعدالة، فشرط قبول الخبر هو العلم بالعدالة، و خبر المزكي الواحد لا يفيد العلم و إن كان عدلا، فإذا اعتبرنا تزكية الواحد فقد عملنا بالخبر مع عدم حصول العلم بعدالة الراوي، لعدم إفادته العلم، و هذا تناقض، فلا بد من حملها على ما سوى الاخبار بالعدالة(1).

و ردّ بأن المراد بالفاسق النفس الأمري و العادل النفس الأمري هو ما يجوز إطلاق العادل و الفاسق عليه، فنفس الأمر هنا مقابل مجهول الحال، لا مقابل مظنون الفسق و العدالة، أ لا ترى انا نكتفي في معرفة العدالة بالاختبار و الاشتهار، و هما لا يفيدان العلم غالبا، بل العدلان أيضا لا يفيدان العلم، فمن ظنناه عادلا بأحد الأمور المذكورة فنقول إنه عادل، و يؤيده قوله تعالى: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ (2)، و كذلك المرض المبيح للتيمم و الإفطار و إنبات

ص: 71


1- إن قلت: هذا وارد على تزكية العدلين أيضا، إذ لا علم معه. قلنا: الذي يلزم من قبول تزكية العدلين هو تخصيص الآية بدليل خارجي، و لا محذور فيه، بخلاف تزكية الواحد؛ فإنها على هذا التقدير يؤخذ من نفس الآية.
2- و هو قوله تعالى في سورة البقرة: 282 فَرَجُلٌ وَ اِمْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ اَلشُّهَداءِ.

اللحم، و شد العظم، و.. غير ذلك فإنه يطلق على ما هو مظنون أنه كذلك، و الكلام فيها و في العدالة على السواء، سلمنا، لكن لا ريب أن مع انسداد باب العلم يكتفى بالظن في الأحكام و الموضوعات جميعا، مع أن اشتراط العلم بالعدالة مستفاد من المنطوق، فلا مانع من تخصيصه بمفهومها حيث أفاد بعمومه قبول خبر العدل الواحد في التزكية.

و توهّم أن تخصيص المنطوق بالمفهوم ليس بأولى من العكس، بل العكس أولى، مدفوع بأن المفهوم إذا كان أقوى بسبب المعاضدات الخارجة فيجوز تخصيص المنطوق به، و هو معتضد بالشهرة و..

غيره، مع أنه مخصص بشهادة العدلين جزما، و هو لا يفيد العلم، و ذلك أيضا يوجب و هنا في عمومه، و إن كان العام المخصص حجة في الباقي(1).

الخامس: إن باب العلم بعدالة الرواة السلف للأخبار مسدود، و قيام البينة المصطلحة التي ثبتت حجيتها في الشريعة المطهرة متعذر، لأنا لا نجد الآن شهادة قطعية حسيّة بعدالة راو إلا نادرا، و أغلب ما يوجد في كتب الرجال من قبيل الشهادة الحدسية المبتنية على الظن و الاطمئنان، فتعين الاكتفاء في التزكية بالظن

ص: 72


1- لا شبهة في كون المفهوم تابعا للمنطوق وجودا و إن كان في تبعيته له في الحجية كلام، كما لا ريب أن المفهوم المخصص للمنطوق هو مفهوم ذلك المنطوق، و يتم كلامه (قدس سره) فيما لو كان المفهوم من غير هذا المنطوق مخصص له، لا مطلقا، فتدبر.

و الاطمئنان، حتى لو جعلناها من باب الشهادة، و لا ريب في حصوله بشهادة الواحد، و الأصل عدم اشتراط ما زاد على ذلك، على أن كونها من باب الشهادة ممنوع، لأن الشهادة اخبار جازم و ذلك غير ممكن التحقق بالنسبة إلى الرواة، لاقتضائه إدراك الشاهد لهم، و هذا غير واقع بالنسبة إلى من كان سابقا بأزمنة كثيرة كزرارة و.. أمثاله، و ما كتب في كتب الرجال ليس من باب الشهادة، لأنه نقش، و الشهادة لا بد أن تكون من باب اللفظ، مع أن أكثره من باب فرع الفرع، بل فرع فرع الفرع، فلا يندرج في الشهادة المصطلحة.

و لقد أجاد الفاضل القمي (رحمه اللّه) حيث قال: إن التزكية من باب الظنون الاجتهادية لا الرواية و الشهادة، و إن المعيار حصول الظن على أي نحو يكون، كيف لا و المزكون لم يلقوا أصحاب الأئمة (عليهم السّلام)، و إنما اعتمدوا على مثل ما رواه الكشي، و قد يفهمون منه ما لا دلالة فيه، أو فيه دلالة على خلافه، بل و كل منهم قد يعتمد على تزكية من تقدم عليه الحاصلة باجتهاده، و من ذلك قد يتطرق الخلل من جهة فهم كلام من تقدمه أيضا، فضلا عن عدم كونه موافقا للحق، أو كونه موافقا، مثل أن العلامة (رحمه اللّه) وثّق في الخلاصة حمزة بن بزيع، مع أنه لم يوثقه أحد ممن اعتمد عليه العلامة (رحمه اللّه)، و لعله توهمه من جهة عبارة النجاشي كما نبّه عليه جماعة من المحققين، فإن النجاشي قال: في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع: (إن ولد بزيع ليس(1) منهم حمزة بن بزيع) و ذكر بعد ذلك:

ص: 73


1- خ. ل: بيت، بدل ليس.

(كان هذا من صالحي هذه الطائفة و ثقاتهم) و مراده محمد لا حمزة، و لعلك تقول: فإذا كان الأمر كذلك فيلزم أن يكون مثل العلامة (رحمه اللّه) مقلدا لمن تقدمه، و كذلك من تقدمه لمن تقدمه، فإنهم قلّما ثبت لهم عدالة الرواة من جهة الاشتهار، كسلمان، و أبي ذر، أو من جهة المزكين الذين عاشروا الراوي و مع ذلك فلم يميزوا بينهم، و لم يفرقوا بين من ثبت عدالته عندهم من مثل ما ذكر، أو من جهة الاجتهاد، و يلزم من جميع ذلك جواز تقليد المجتهد للمجتهد، و إذا كان كذلك فلا فرق بين ما ذكر و بين أن يقول الصدوق مثلا أو الكليني مثلا: إن ما ذكرته من الروايات صحيحة، أو يقول العلامة هذه الرواية صحيحة، مع كون السند مشتملا على من لم يوثقه أحد من علماء الرجال.

قلت: إن اشتراط العدالة في الراوي إما للإجماع، أو للآية.

أما الأول: فلم يثبت إلا على اشتراطه لقبول الخبر من حيث هو، و إلا فلا ريب في أن أكثر الأصحاب يعملون بالأخبار الموثقة و الحسنة و الضعيفة المعمول بها عند جلّهم، و أما الآية فمنطوقها يدلّ على كفاية التثبت في العمل بخبر الفاسق فضلا من مجهول الحال، و هذا نوع تثبّت، مع أنّا قد حققنا سابقا أن المعيار في حجية خبر الواحد هو حصول الظن، و كذا الكلام في إثبات العدالة، فأي مانع من الاعتماد على هذا الظن؟ و ليس ذلك من باب التقليد، بل لأنه مفيد للظن للمجتهد كما يرجع إلى قول اللغوي، بل و اجتهادات المصنفين في اللغة، و ذلك لا ينافي حرمة تقليدهم في الفروع الشرعية، فإذا

ص: 74

حصل الظن من جهة تصحيح الصدوق (رحمه اللّه) للرواية أو تصحيح العلامة (رحمه اللّه) للسند، و لم يحصل ظن أقوى منه من جهة تزكية غيره للراوي صريحا أو غير ذلك، فيتبع، و لا مانع منه(1)هذا كلامه علا مقامه، و هو كلام متين، فإن الرجوع إلى أهل الخبرة لا يسمى تقليدا حتى يحرم، و لو سلم، فلا يحرم على المجتهد التقليد فيما انسد عليه باب الاجتهاد، و لا العمل بالاجتهاد الظني فيما انسد عليه باب العلم، كما هو ظاهر، لأن اللّه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها(2).

ص: 75


1- قوانين الاصول: 7-476 بتصرف يسير.
2- أقول: إن العبرة عند العقلاء و السيرة و إمضاء الشارع بالاطمئنان، و حجيته مفروغ عنها لمن أحرزه من أي طريق كان، و لكن الإشكال إنما هو في حصول الاطمئنان كلية بوثاقة من روى عنه أصحاب الإجماع مثلا بعد ما ذكر فيه، هذا مع ما في دليل الانسداد من الإشكال، و لو سلم به كيف يحصل الظن بالوثاقة به.. و للبحث مجال واسع اصوله و فروعه في الاصول. ثم يمكن ذكر وجه سادس على كفاية تزكية الواحد في ثبوت الوثاقة، و هو ما ذكره الشيخ أبو علي في رجاله، الجهة الثالثة: 15 و غيره في غيره من أن: التزكية بنفسها رواية مقابل القول بأنها شهادة، و على هذا الاختلاف في حقيقتها بنى كثير من الفقهاء الخلاف في كفاية تزكية الواحد و عدمها، حيث يكتفى به في الأول دون الثاني. و ناقش الميرزا القمي في القوانين: 416 هذا القول بما حاصله: إن الرواية لها إطلاقان: أحدهما: الخبر المصطلح الذي هو أحد أدلة الفقه. الثاني: الخبر مقابل الإنشاء. و التزكية ليست من الأول كي يشملها دليل حجية الخبر الواحد في الأحكام، و لم يقم دليل على كفاية الواحد في مطلق الخبر. و ذهب السيد الحكيم في مستمسكه: 30/1 إلى هذا القول، و استدل له بأن التوثيق بمدلوله الالتزامي يؤدي إلى الحكم الكلي. هذا و قد استدل السيوطي في تدريب الراوي: 308/1 لثبوت الجرح و التعديل بالواحد بأن التزكية بمنزلة الحكم و هو أيضا لا يشترط فيه العدد. و فيه ما لا يخفى.
حجة القول الثاني أمور:
اشارة

الأول: إن التزكية شهادة، و من شأن الشهادة اعتبار التعدد فيها(1).

و اجيب عن ذلك: تارة بمنع الصغرى، و أخرى بمنع الكبرى.

أما الأول: فتقريره من وجهين:

أحدهما: المعارضة، بأنها ليست بشهادة، بل خبر، و من شأن الخبر قبول الواحد فيه.

و ردّ بأنه إن اريد بأنه من الخبر مقابل الإنشاء، ففيه: أن كل

ص: 76


1- أقول: لو قلنا بأنها شهادة، فلا بد من أن تكون عن حس، لعدم قبول الأخبار الحدسية فيها كما في خبر الثقة في الأحكام و إن لم يشترطوا الجزم بكون الاخبار حسيا، بل يكفي صرف الاحتمال بصدوره عنه، حيث قامت السيرة على كفاية الحسن في قبول خبر الثقة، و مع عدم هذا الاحتمال فلا يقبل، و لذا نوقش في توثيقات الرواة التي يرسلها المتأخرون بدعوى عدم احتمال وجود طريق معتبر لهم.. و لهم وجوه و تفصيلات لاحظها في المفصلات.

شهادة كذلك، و إن اريد أنه من الخبر بالمعنى الخاص، فواضح الفساد.

ثانيهما: منع كونها شهادة لأنها اخبار بحق لازم للغير من غير الحاكم، و لا يصدق على المقام هذا العنوان، لعدم كون المراد بها إثبات حق لازم للمخلوق أو الخالق، و إفادته لذلك بالآخرة بعد العلم بالرواية بسبب التعديل مشترك الورود في الخبر و الشهادة، مع أن العلم معتبر في الشهادة غالبا، بخلاف ما نحن فيه، لاستحالة العلم بالعدالة واقعا، و إذ لم تكن شهادة بقيت تحت باقي أقسام الخبر بالمعنى العام، الذي يقبل فيها الواحد لمفهوم آية النبأ، أو يقال: إنها ليست من باب الشهادة و لا الرواية بالمعنى الأخص، بل هو من قبيل الفتوى، و أنه من الظنون الاجتهادية الحاصلة لأرباب الخبرة بكل مسلك، كمعرفة المرض المبيح للتيمم و الإفطار، و.. نحوهما، و القيمة، و الأرش، و.. غير ذلك. و إن اعتراه الخبرية بالعرض أيضا من جهة أنه اخبار عما هو مطابق لظنه، فخبر أهل الخبرة إنما يعتبر بالنظر إلى كون ما ذكروه مطابقا لنفس لأمر بمعتقدهم و بحسب ظنهم. و اعتبار العدالة في هؤلاء إنما هو لأجل حصول الاعتماد بعدم كذبهم في ذلك، و عدم مسامحتهم في اجتهادهم، فبهذا يحصل الاطمئنان، بل قد يكتفى بما يحصل الاطمئنان و إن كان أهل الخبرة فساقا(1)، فالأصل يقتضي الاكتفاء بالواحد في مطلق التزكية، إلا أن تزكية الشاهد خرج بالدليل من الإجماع كما ادّعاه بعضهم، أو لأجل

ص: 77


1- خ. ل: فاسقا، و كذا في الطبعة الاولى.

مقابلة حق المسلم، و لذلك خصّ حمل أفعال المسلمين و أقوالهم على الصحة بما لو لم يعارضه مثله أو أقوى منه، مع تأمل في الأخير، لأن الخبر أيضا قد يكون كذلك.

و أما الثاني: فتقريره أنّا نمنع أن كل شهادة يعتبر فيها التعدد، و سند المنع عدم الدليل عليه مع ثبوت كفاية الواحد في جملة من موارد الشهادة كربع ميراث المستهل، و ربع الوصية، و هلال شهر رمضان عند بعض، بل اجتزى بعضهم بالمرأة الواحدة في بعض الأحيان، و لا دليل على عدم كون التزكية مما يقبل فيه الواحد، فدعوى لزوم التعدد في كل شهادة إلا ما أخرجه الدليل ليس بأولى من دعوى كفاية مطلق الخبر إلا ما أثبت الدليل فيه اعتبار العدد فيتبع.

و توهم أن اعتبار التعدد في الشهادة صار أصلا من جهة الاستقراء و تتبع الآيات و الأخبار، خرج ما خرج و بقي الباقي، مدفوع بمنع حجية الاستقراء، مع عدم تماميته، لاختلاف المقامات.

و مجرد غلبة اعتبار التعدد في الشهادة لا دليل على حجيتها، كما لا يخفى.

الثاني: إن مقتضى اشتراط العدالة في الراوي هو اعتبار حصول العلم بها، و لا يحصل العلم بتزكية الواحد، و اكتفينا بالعدلين مع عدم إفادته العلم لقيامه مقامه شرعا، و لا دليل على قيام تزكية الواحد مقام العلم فلا يجتزي به(1).

ص: 78


1- قال في منتقى الجمان: 14/1 - بعد اختياره للزوم التعدد -: لنا: إن اشتراط العدالة في الراوي يقتضي اعتبار حصول العلم بها، و ظاهر أن تزكية الواحد لا تفيده بمجردها، و الاكتفاء بالعدلين مع عدم إفادتهما العلم إنما هو لقيامهما مقامه شرعا فلا يقاس عليه. و حكاه غير واحد عنه كالشيخ الجد في فوائده الرجالية: 206/1، و الشيخ أبو علي في رجاله: 15 و ردوه كما فصّل الجواب عنه السيد حسن الصدر في نهاية الدراية: 130 بما لا مزيد عليه. و ذكر العلامة المجلسي في روضة المتقين: 17/14 كلام صاحب المنتقى ثم رده بقوله: و هذا خيال ضعيف، لأن المدار على الشهادة، و من أين علم أن هؤلاء الأجلاء شهدوا كذبا، بل جميع أصحابنا حيث عدوا أخبارهم صحيحة مع أنهم لو ذكروا وجه الصحة كابن داود و المتأخرين بأن قالوا: ثقة (رجال الشيخ) أو (الفهرست) لكان له وجها؛ و إن كان الظاهر من قولهم (ثقة) الحكم بالتوثيق، و ذكروا هؤلاء لتقوية قوله: نعم إن قالوا وثقه الشيخ أو النجاشي فهو نقل التوثيق عنهما، على أن حكم القدماء بتوثيق من وثقهم كان أيضا من النقل، فينبغي أن لا يعتمد على توثيق أحد سيما إذا كان بمجرد نقلهم من الكتاب، لأنه تقدم الاخبار بأنه لا يجوز التعويل على الكتابة. فإن قال: إنه لم يصل إلينا توثيق هؤلاء الأجلاء، فكيف يعتمد على تزكيتهم؟. قلنا: وصل إلينا متواترا أو مستفيضا ثقتهم و عدالتهم مع تتبع كتبهم الواصلة إلينا متواترة، و يعلم من تقواهم أن مثل العلامة - مع كونه آية اللّه في العالمين - لا يجزم بفتوى غالبا، و مداره على الاشكال و النظر، بل الظاهر للمتتبع أن مدار القدماء في التوثيق كان على هذا، فإن محمد بن أبي عمير كان ينقل في كتابه عن زرارة و محمد بن مسلم و بريد و غيرهم، و كانت كتبهم عندهم، و كانوا ينظرون إلى الكتب و يقابلونها مع كتبهم و لا يحصل المخالفة في شيء من الفاء و الواو، فيعلمون أنهم كانوا ثقات و كان مدارهم على ذلك.. إلى آخر ما قاله (رحمه اللّه)، و فيه أوجه للنظر يظهر أكثرها مما مرّ. و يمكن تقرير هذا الوجه بأن يقال: إن التزكية صفة فتحتاج في ثبوتها إلى عدلين نظير الرشد و الكفاءة و أشباههما.

ص: 79

و ردّ بمنع اعتبار العلم فيها، كيف، و كل ما جعلوه طريقا لمعرفة العدالة لا يفيد إلا الظن؟ سلمنا، لكنه إنما يسلم إذا أمكن تحصيل العلم، و مع انسداد بابه يكفي الظن كما مرّ، و هو يحصل بالمزكى الواحد.

قلت: مضافا إلى أنه لو اعتبر العلم بها لزم عدم الاكتفاء بتزكية عدلين أيضا في خصوص المقام، لما مرّ من عدم تحقق الشهادة الحسية المصطلحة هنا حتى تكون بيّنة نازلة شرعا منزلة العلم.

الثالث: إن العدالة شيء واحد، و المشروط بالعدالة مشروط بماهيتها، فإن كانت تثبت و تتحقق في الخارج و يحصل شرط القبول في مشروطها بتزكية الواحد، فلتثبت في كل من الرواية و الشهادة، و إلا فلا فيهما، و التفرقة بينهما لا وجه لها، و حيث إن اعتبار التعدد في مزكي الشاهد غير قابل للإنكار، لزم اعتبار التعدد في مزكي الراوي أيضا بحكم اتحاد حقيقتها.

و اجيب بأن المراد أن قبول شهادة العدل موقوف على كون مزكيه اثنين دون الرواية، لا أن ثبوت العدالة في الشاهد مشروط بتزكية اثنين دون الرواية، فهو شرط لقبول شهادة العدلين، لا لثبوت العدالة.

فتلخص من ذلك كله أن القول الأول، هو الأظهر(1)، و اللّه العالم.

ص: 80


1- انظر الفائدة العاشرة من المستدرك رقم (162).
تنبيهات
الأول: إن لازم ما سلكناه في التزكية كفاية تزكية غير الإمامي الموثق أيضا،

مثل علي بن الحسن بن فضال، و ابن عقدة و..

غيرهما(1)، لأنه نوع تثبت و مورث للاطمئنان(2)، و لازم ما سلكه المعتبرون للتعدد في المزكى عدم كفاية ذلك، لعدم كفاية تزكية مثله للشاهد، كما هو ظاهر(3).

الثاني: ان الكلام في الجرح كالكلام في التزكية من حيث اعتبار التعدد و عدمه حرفا بحرف،

و نقل عن المحقق البهائي (رحمه اللّه) قول بالفرق بين التزكية و الجرح إذا صدر عن غير الإمامي(4)، فيقبل الأول دون الثاني(5) و هو كما ترى خال عن مستند صحيح(6).

ص: 81


1- في الطبعة الأولى لا توجد: ابن عقدة و غيرهما، بل هناك بدلا منهما: و غيره.
2- و أضاف الميرزا القمي في قوانين الاصول هنا: 473 قوله: و يؤيده؛ و الفضل ما شهدت به الأعداء.
3- قد تعرضنا لذلك بأوضح من هذا في فوائد مقدمة كتابنا: تنقيح المقال، فلاحظ. منه (قدس سره). هذه الحاشية لا توجد في الطبعة الأولى، و قد فصّل القول الشيخ الجد (قدس سره) في الفوائد الرجالية المطبوعة في مقدمة تنقيح المقال: 206/1.
4- أو صدر عن مجهول الحال.
5- قاله في مشرق الشمسين - المطبوع مع الحبل المتين و مجموعة رسائل -: 272، تحت عنوان تبصرة، و أخذه المصنف (رحمه اللّه) من صاحب القوانين: 473، و حكاه عنه غيره. انظر مستدرك رقم (157) مسألة: هل يعتبر كون المعدّل إماميا؟.
6- في كتاب معرفة علوم الحديث: 52 مثلا: قال: و هما - أي الجرح و التعديل - في الأصل نوعان، كل منهما علم برأسه، و هو ثمرة هذا العلم و المرقاة الكبرى منه.. إلى آخره، و الحاكم نفسه في كتابه المدخل إلى معرفة الإكليل عد أنواع العدالة على خمسة و الجرح على عشرة أقسام، فلاحظ.

و توهّم الفرق(1) بأن تزكيته من باب شهادة العدوّ بالفضل غير مشوب بالتهمة بخلاف جرحه فإنه مشوب فلا يقبل، لا وجه له، بعد كون المدار على الظن، و هو يستوي فيهما بعد إباء وثاقته عن جرحه من لا يستأهل الجرح(2)، فتأمل(3).

***

ص: 82


1- الأصل في التوهم الميرزا القمي (رحمه اللّه) - كما مرّ - إلا أنه جاء بلفظ التأييد لا الدليل.
2- و تظهر الثمرة في الخلاف عند التعارض في الجرح، و على القول بجواز العمل بخبر المجهول، و هذا إنما يرد فيما لو كانت التزكية أو الجرح من باب الشهادة و ليس كذلك، و عليه صح الاجتهاد فيها، و المجتهد ابتداء كالمشاهد يتعرف على العدالة و الجرح بملاحظة الأمارات القائمة عنده
3- انظر المستدركات التالية: رقم (158) مسألة: من عرف بالتساهل بالسماع أو الاسماع. و رقم (159) مسألة: في قبول خبر التائب من الفسق. و رقم (160) مسألة: هل يصح تعديل المرأة أو العبد أو الصبي أم لا؟. و رقم (161) مسألة: هل يصح أخذ العوض على التحديث. و رقم (162) التنبيهات العشرة. و رقم (163) تتمة الفصل.

الجهة الثالثة الخلاف في قبول الجرح و التعديل مطلقين او مع ذكر السبب

اشارة

انه قد وقع الخلاف في قبول الجرح و التعديل(1) مطلقين، بأن يقال: فلان عدل أو ضعيف من دون ذكر سبب العدالة و الضعف، على أقوال:

أحدها: عدم كفاية الشهادة بكل من العدالة و الفسق مطلقة، و عدم قبول الشهادة فيهما إلا بعد تفسير ما شهد به من العدالة و الجرح، بأن يقول: هذا عدل لأني عاشرته سفرا و حضرا، و لم أجده يرتكب المعصية، و وجدته صاحب ملكة، أو يقول: هذا عدل لأني أراه حسن الظاهر.. إلى غير ذلك من التفاسير المختلفة بالآراء في العدالة، فلا تقبل الشهادة بالتعديل إلا مع تفسيره بما يطابق رأي من يريد تصحيح السند، و هكذا في طرف الجرح، فيلزم أن يقول: هو فاسق لأني وجدته يرتكب الكبيرة الفلانية مثلا، فإن طابق رأي من يريد التصحيح قبل شهادته و إلاّ ردها، و هذا القول حكاه جمع قولا من دون تسمية قائله(2)، و عزاه في قضاء المسالك إلى الإسكافي(3).

ثانيها: كفاية الإطلاق فيهما، فلو قال أشهد أن فلانا عدل أو

ص: 83


1- المناسب للمقام التعبير بالقدح و المدح، كما قاله في توضيح المقال: 49، و لم أقف على من تفطن لذلك، لعدم شمول الجرح و التعديل لمطلق القدح و المدح و بحثهم فيهما. انظر مستدرك رقم (164) علم الجرح و التعديل. و مستدرك رقم (165) هل الجرح و التعديل من باب الشهادة أم لا؟.
2- كما حكاه الخطيب البغدادي في كفايته: 165 و غيره كالسخاوي في فتح المغيث: 328/3.
3- مسالك الأفهام في شرح شرائع الاسلام: 451/2 حجري.

فاسق قبل، و إن لم يبين سبب العدالة و الفسق، أرسله جمع قولا، و في خلاف الشيخ الطوسي (قدس سره) أن عليه أبا حنيفة(1)، و(2) عزاه بعض من عاصرناه إلى كثير من فقهائنا (رضي اللّه عنهم)(3)، و عزاه السيد عميد الدين في شرح التهذيب(4) إلى القاضي أبي بكر(5)، و المنقول عنه في كلام غيره القول الخامس.

ثالثها: كفاية الإطلاق مطلقا في التعديل دون الجرح، فإنه لا يقبل إلا مفسرا، و هو خيرة الشيخ (رحمه اللّه) في قضاء الخلاف(6)، حاكيا له عن الشافعي أيضا(7)، و عزاه غير واحد إلى الأكثر، بل في المسالك(8) و.. غيره(9) أنه المشهور.

ص: 84


1- الخلاف: 592/2.
2- في الطبعة الاولى بدل الواو: بل.
3- المراد به ملا علي كني في توضيح المقال: 49.
4- منية اللبيب في شرح التهذيب - في الاصول - للسيد عميد الدين أبي عبد اللّه عبد المطلب بن مجد الدين أبي الفوارس الحسيني الحلي (681-754 ه) ابن أخت العلامة الحلي، و كتابه لا زال مخطوطا نادر النسخة إلا جملة من حواشيه طبعت على تهذيب الاصول للعلامة الحلي، و لم أجد هذه النسبة فيها.
5- المراد منه هو القاضي أبو بكر الباقلاني الذي مرت ترجمته في ج 111:1.
6- الخلاف: 592/2.
7- و نسبه إلى الشافعي في نهاية الدراية: 136، و لعله أول من ذهب إليه، و أضاف في الكفاية: 176 له: مسلم بن الحجاج النيسابوري، و كذا في فتح المغيث: 282/1.
8- المسالك: 451/2.
9- كما في البداية لثاني الشهيدين: 70 [البقال: 51/2]، و حكى الشهرة في الفوائد المدنية: 254 عن الشيخ البهائي، و إليه ذهب النووي و تبعه السيوطي كما في التدريب: 305/1 قال: يقبل التعديل من غير ذكر سببه على الصحيح المشهور و لا يقبل الجرح إلا مبين السبب. و في مقدمة ابن الصلاح: 220/1 قال: و هذا ظاهر مقرر في الفقه و اصوله. و عن الخطيب: أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث كالشيخين و غيرهما. و في نهاية الدراية: 82: ثم إنه لا يقبل التعديل من غير ذكر سببه على الصحيح المشهور، و لا يقبل الجرح إلا بتبين السبب. إلا أنه في صفحة: 137 قال: و ربما يظن أنه على إطلاقه و ليس كذلك، بل المشهور تقديم الجارح عند عدم إمكان الجمع بينهما.. ثم قال: و الأولى فيه طلب الترجيح و التعديل على ما يثمر غلبة الظن كالأكثر عددا أو ورعا أو ممارسة لعلم الرجال.. إلى غير ذلك من المرجحات. و قد تبع بذلك الشيخ حسين بن الشيخ عبد الصمد العاملي في درايته: 184، و كأنّه مختار الخطيب في كفايته: 165 و 170 فلاحظ، إلا أن الذي يظهر من آخر كلام صاحب الكفاية: 176 أنه يشترط بيان سبب الجرح دون التعديل، و مال إليه العراقي في ألفيته و نسبه إلى المشهور السخاوي في شرحه 280/1 و قال الأول: هذا الذي عليه حفاظ الأثر مع أهل النظر الى غير ذلك من كلماتهم.

رابعها: عكس الثالث(1)، نقله الغزالي و الرازي(2) قولا(3)، و نقله السيد العميد في شرح التهذيب عن جمع(4) و في المسالك و..

غيره عن العلامة (رحمه اللّه)(5).

ص: 85


1- أي قبول الجرح غير مفسر و لا يقبل التعديل إلا بذكر سببه، لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها فيبني المعدّل على الظاهر.
2- مرت ترجمتهما في صفحة 97 و 347 من المجلد الاول.
3- في المحصول، و كذا إمام الحرمين، كما نصّ عليه السيوطي في تدريبه: 1 / 307. و قال البلقيني في محاسن الاصطلاح ذيل المقدمة: 221 - و أغرب من قال -: يكفي الإطلاق في الجرح دون التعديل.
4- منية اللبيب في شرح التهذيب - في الأصول -: مخطوط. و المطبوع منه في حاشية التهذيب لم ينص على ما ذكر المصنف (رحمه اللّه) هنا.
5- مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام: 451/2.

خامسها: القبول فيهما من غير ذكر السبب، إذا كان كل من الجارح و المعدّل عالما بأسباب الجرح و التعديل، و بالخلاف في ذلك بصيرا مرضيا في اعتقاده و أفعاله. و لزوم التفسير فيما إذا لم يكونا عارفين بالأسباب، اختاره العلامة(1) (رحمه اللّه)، و هو المحكي عن إمام الحرمين(2) و الغزالي(3) و الرازي و الخطيب(4) و الحافظ أبي الفضل العراقي(5) و البلقيني(6) في محاسن الاصطلاح(7).

ص: 86


1- كما ذكره في شعب المقال: 18 و غيره.
2- هو الجويني الذي مرت ترجمته في صفحة 96 من المجلد الاول، فراجع.
3- كما في المستصفى: 154/2.
4- هو أبو بكر أحمد بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي (392-463 ه) أحد الحفاظ المؤرخين، صاحب تاريخ بغداد و نيف و خمسين كتابا آخر، انظر عنه: معجم الأدباء: 248/1، النجوم الزاهرة: 87/5، معجم المؤلفين: 2 / 3، وفيات الأعيان: 27/1 و غيرها.
5- ذكره في الألفية و نصّ عليها شارحها السخاوي: 328/3، و استثنى النسائي من الحفاظ المتقدمين قال: و غيرهم. و العراقي هو: عبد الرحمن (عبد الرحيم) بن الحسين زين الدين البغدادي العراقي الشافعي (725-806 ه) كان فقيها اصوليا مقرئا، له كتب كثيرة في علوم الحديث كالإيضاح و الألفية و غيرهما. انظر: معجم المؤلفين: 204/5، الأعلام: 119/4، هدية العارفين: 562/1 عن عدة مصادر ذكروها هناك.
6- هو سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير العسقلاني البلقيني المصري الشافعي (724-905 ه) من أئمة العلماء الفقهاء، له جملة مصنفات، انظر عنه: شذرات الذهب: 51/7، الأعلام: 205/5، معجم المؤلفين: 84/7، و مقدمة محاسن الاصطلاح: 67 و ما بعدها.
7- انظر محاسن الاصطلاح: 221 المطبوع ذيل مقدمة ابن الصلاح، و حكاه السيوطي في تدريبه: 308/1 و اختار الأخير القاضي أبو بكر و نقله عن الجمهور؛ لا ما نسبه إليه السيد عميد الدين سالفا في شرح التهذيب.

سادسها: القبول فيهما مع العلم بالموافقة فيما يتحقق الجرح و التعديل، و عدم القبول إلا مفسرا في صورة عدم العلم بالموافقة، اختاره السيد عميد الدين في شرح التهذيب(1) و الشهيد الثاني(2)و ولده(3) و الفاضل القمي(4) و.. غيرهم(5).

ص: 87


1- كما نقله في قوانين الأصول: 475، و قال العلامة في التهذيب: 79: ثم المزكي إن كان عالما بأسباب الجرح و التعديل اكتفى بالإطلاق فيها منه، و الا وجب استفساره فيهما. و لم أجد تعليقه للسيد عميد الدين هنا، فلاحظ.
2- كما في البداية: 70 [البقال: 3/2-51].
3- في منتقى الجمان: 16/1.
4- قوانين الأصول: 475.
5- و حكاه في شعب المقال: 18، و صرح به الفاضل الجزائري في حاوي الأقوال: 6 - خطي - ثم قال: و أنت خبير بأن ذكر السبب في كتب الرجال نادر، مع عدم العلم بمذاهب المصنفين في الأسباب فيجيء الإشكال. و رده بعضهم بأن إطلاق الجرح موجب للريبة القوية في المجروح كذلك و إن لم يوجب الحكم بالفسق على ذلك التقدير. ثم قال: و يبقى الإشكال في جانب التعديل على تقدير اشتراط ذكر السبب، فإن ذكرهم لسبب التعديل نادر أيضا. هذا فيما لم نعلم مراد المعدّل أو الجارح، و الا فالحق قبول قوله مطلقا فيما اصطلح عليه من التوثيق و التضعيف لا مطلق الوثاقة، لأن كلام كل قوم يحمل على اصطلاحهم، فلو علمنا مراد الشيخ من العدالة في العدّة مثل كونه متحرزا عن الكذب و إن كان فاسقا بأفعال الجوارح حملنا قوله في رجاله و فهرسته بل كتابيه في الحديث على ذلك، و بهذا تبطل جملة من الأقوال، فتدبر.

سابعها: ما رجّحه بعض الأواخر من اعتبار التفسير إن كان اختلافهما بحسب المفهوم أو احتمل ذلك، و عدم وجوب التفسير مع عدم ذلك(1).

حجة القول الأول أمور:

الأول: أنه لو كفى الإطلاق في الجرح لكفى في ثبوت الرضاع و.. نحوه. و التالي باطل إجماعا، فكذا المقدم، و الملازمة ظاهرة، فإن الملاك هو وقوع الخلاف في موجباته.

و أنت خبير بأنه مع الإغماض عن كونه قياسا، و تسليم اتحاد المناط فيهما قطعا، و عدم كون اعتبار التفسير في الرضاع من باب الاحتياط في الفروج، نقول: إن لازم هذا الوجه هو اختيار القول السادس، لأنهم صرحوا في الرضاع أيضا بكفاية الإطلاق لو علم أن الشاهدين لا يخرجان عن مذهب الحاكم، بأن يكونا فقيهين مؤتمنين موافقين له في جميع أحكام الرضاع، أو يكونا من جملة مقلديه الموثوق بمراعاتهما في الشهادة مذهبه مع كونهما عارفين به.

الثاني: انه لو ثبت التعديل أو الجرح مع الإطلاق، لثبت مع الشك أيضا، إذ لا يزيد عليه، لمكان اختلاف الآراء في معنى العدالة و الفسق و ما يحصلان به، و في معنى الكبيرة و.. غير ذلك، فالمعاني مختلفة، و الإطلاق لا يثبت بعضها.

ص: 88


1- قاله في القوانين: 475 و يظهر منه الأخذ به.

و فيه ما يأتي في حجة الثاني.

الثالث: اصالة عدم كفاية الإطلاق، تمسّك بها بعضهم.

و أنت خبير بكونها محكومة باصالة عدم اشتراط التفسير.

الرابع: إن الشاهد إنما يشهد بما يراه و يعتقده، و ذلك لعله غير معتبر عند المشهود(1) عنده، فبعد اختلاف الآراء في العدالة و موجباتها، و الكبائر و غيرها، لا يصح الاعتماد على الشهادة المطلقة.

حجة القول الثاني امور:

الأول: ان العدالة و الفسق صفتان مستقلتان خارجتان، فإذا شهد الشاهدان العدلان بهما، وجب قبوله، كما في سائر الموارد التي يشهد بها، لشمول إطلاق أدلتها لجميعها، و إخراج خصوص مورد التزكية و الجرح عنها لا يخلو من تحكّم بحسب المحاورات لغة و عرفا، و دعوى الإجماع على ذلك واضحة المنع كدعوى الشهرة المعتبرة القادحة في التمسك بالإطلاقات و العمومات، و ذلك لكثرة الأقوال و تشتتها على وجه لا يحصل الظن بإرادة خلاف الإطلاقات في خصوص ذلك.

و جعل اختلاف(2) الآراء في أسباب العدالة و الفسق مانعا من قبول الشهادة عليهما مطلقة، مدفوع بأن عدالة الشاهدين مع

ص: 89


1- في الطبعة الثانية: المشهور، و هو غلط.
2- في الطبعة الأولى: خلاف، و هو غلط.

علمهما بهذا الاختلاف تأبى من الأخبار بما لا يوافق الواقع و نظر الحاكم، و أنت خبير بأن لازم هذا الوجه - إن تمّ - هو اختيار القول الخامس.

الثاني: أن كلا من المعدّل و الجارح لا بد أن يكون في نظر الحاكم عالما بسببهما، و إلا لم يصلح لهما، و مع العلم لا معنى للسؤال.

و ردّ بأنه لو سلّم لا يتمّ إلا مع علم الحاكم بموافقة مذهب المزكي لمذهبه في أسباب الجرح و التعديل، بأن يكون مقلدا له، أو موافقا له في الفتوى، و ذلك هو القول الخامس دون الثاني.

و قد يقرّر الدليل المذكور بأن المزكي إن كان من ذوي البصائر بهذا الشأن، لم يكن معنى للاستفسار، و إن لم يكن منهم لم يصلح للتزكية.

و يجاب بأنه مع اختلاف المجتهدين في معنى العدالة و الجرح و عدد الكبائر و.. غير ذلك فلا يكفي كونه ذا بصيرة، إذ لعله يبني كلامه على مذهبه، و لا يعلم موافقته للحاكم و المجتهد.

و هذا الجواب مخدوش، بأن إطلاق المزكي مع عدم علمه بالموافقة و احتماله عدم الموافقة تدليس تمنع منه عدالته.

فالأولى الجواب بما ذكر في ردّ التقرير الأول. إلا أن يقال: إن اللازم حينئذ اعتبار علمه بأسباب الجرح و التعديل حتى يكون إطلاقه في الشهادة مع عدم علمه بالسبب المتفق عليه تدليسا.

ص: 90

الثالث: إن ذلك مقتضى ما هو المعلوم من طريقة الشرح من حمل عبارة الشاهد على الواقع، و إن اختلف الاجتهاد في تشخيصه، و من هنا لا يجب سؤاله عن سبب التملك مع الشهادة به، و كذا التطهير و التنجيس و.. غيرها و إن كانت هي أيضا مختلفة في الاجتهاد، بل يحمل قول الشاهد على الواقع كما يحمل فعله على الصحيح في نفس الأمر، لا في حق الفاعل خاصة، و ما العدالة و الفسق إلا من هذا القبيل.

و المناقشة بأن الاختلاف في التعديل و الجرح في معناهما بخلاف الملك و التطهير و التنجيس و.. نحوها، فإنه اختلاف في أسبابها، كما ترى، فإن ذلك لا يصلح فارقا بين المقامين.

نعم لازم هذا الوجه - أيضا - اعتبار علمهما بالأسباب حتى يمكن منهما الشهادة المذكورة.

الرابع: إن العدالة حالة لها مقتضيات، منها: قبول قول صاحبها في الشهادة، و الفسق(1) حالة لها مقتضيات منها رد قول صاحبها في الشهادة، فإذا قامت الحجة الشرعية و هي البينة على وجود تلك الحالة و كشفت عن تحققها، وجب القبول لإطلاق الأدلة.

و أنت خبير بأن مرجع هذا الوجه إلى الوجه الأول، فجوابه جوابه.

ص: 91


1- في الطبعة الأولى: لا توجد (و الفسق حالة لها مقتضيات منها رد قول صاحبها في الشهادة).

حجة القول الثالث:

أما على الشق الأول - و هو كفاية الإطلاق في التعديل - فهو إطلاق ما دلّ على حجية البيّنة، و حيث إن المستدل أراد منع الإطلاق في الشق الثاني قرر ذلك بأن إطلاق أدلّة حجية البينة يقضي بلزوم سماع الشهادة مطلقة مطلقا، خرجنا عن ذلك في الجرح، لإعراض الأصحاب عن الإطلاقات فيه، و رجعنا فيه إلى الأصل، و بقي التعديل تحت الإطلاقات(1).

و فيه: منع قيام الإعراض الموهن للإطلاقات بعد تشتت الآراء في المسألة، فالإطلاقات في الجرح و التعديل كليهما محكمة.

و أما على الشق الثاني - و هو عدم كفاية الإطلاق في الجرح - فأمران:

الأول: إن المذاهب فيما يوجب الفسق مختلفة، فلا بد من البيان، ليعمل المجتهد باجتهاده، إذ لو لم يبيّن فربما جرح بما يعتقده جرحا، و ليس بجرح في نفس الأمر، أو في اعتقاد الآخر، فلا بد من ذكر سببه لينظر فيه أ هو جرح أم لا؟ قال في البداية: و قد اتفق لكثير من العلماء جرح بعض، فلما استفسر ذكر ما لا يصلح جارحا.

ص: 92


1- و أيضا، فإن أسباب التعديل كثيرة فيشق عدّها و إحصاؤها، و يحوج المعدّل أن يقول: لم يفعل كذا، و لم يرتكب كذا، و فعل كذا، و كذا.. و يعدّد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه، و ذلك شاق، بخلاف الجرح فإنه يحصل بأمر واحد و لا يشق ذكره.

قيل لبعضهم(1): لم تركت حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون(2). و سئل آخر من الرواة فقال: ما أصنع بحديثه؟ ذكر يوما عند حماد فامتخط(3) حماد(4).

و نوقش في ذلك بأنه لا فرق بين الجرح و التعديل، بل التعديل تابع للجرح، فإن العدالة ترك لما هو موجب للجرح، و الاختلاف في أسباب الفسق يقتضي الاختلاف في أسباب العدالة، فإن الاختلاف مثلا في عدد الكبائر كما يوجب في بعضها ترتب الفسق على فعله، يوجب في بعض آخر عدم قدحه في العدالة بدون الاصرار عليه، فربما يزكيه المزكي مع علمه بفعل ما لا يقدح عنده فيها، و هو قادح عند الحاكم، و كما اتفق لكثير الجرح بما ليس بجارح - كما سمعته من البداية - فكذا اتفق لكثير التعديل بما ليس موجبا للعدالة، فقد وثّق

ص: 93


1- و هو شعبة بن الحجاج، كما حكاه الخطيب البغدادي في الكفاية: 182 و 185 و نقل أكثر من واقعة نظيرها، و ذكرها و غيرها ابن الصلاح في المقدمة: 221، و السخاوي في فتح المغيث: 280/1 و غيرهم.
2- البرذون: بكسر الموحدة و ذال معجمة، الجافي الخلقة، الجلد على السير في الشعاب، و الوعر من الخيل غير العربية. و الأخير هو المراد. و هو كناية عن رداءة المركوب و عدم أصالته.
3- المخاط - بضم الميم - ما يسيل من أنف الحيوان من الماء، و الامتخاط رميه له من أنفه.
4- قاله الشهيد في بدايته: 71 [البقال: 53/2] بتصرف، و عدّ له في الكفاية: 7-181 بابا في ذكر بعض أخبار من استفسر في الجرح فذكر ما لا يسقط العدالة.

بعضهم بعضا برؤية لحيته و حسن هيئته، مع أن ذلك يشترك فيه العدل و غيره.

الثاني: إن الاطلاع على العدالة لا يحصل إلا بالمعاشرة مدة طويلة، و بملاحظة المزايا و الخفايا في أفعاله و أعماله و عباداته و معاملاته حتى يعرف منها باطنه من ظاهره، و حقه من باطله، و خلقه من تخلقه، و في ذكر هذه الأمور تعسّر بل تعذّر، و أيضا فأسباب العدالة كثيرة يشق ذكرها، لأن ذلك يحوج المعدل إلى قول لم يفعل كذا..، لم يرتكب كذا..، فعل كذا.. و كذا..، فيعدّد جميع ما يفسق بفعله أو تركه، و ذلك شاق جدا، بخلاف الجرح فإنه يكفي فيه معاينة صدور معصية كبيرة واحدة منه من غير أن يكون له تقادم عهد بالنسبة إليه.

و فيه: أن أحدا ممن يقول باعتبار التفسير في العدالة لم يعتبر ذكر المزايا و الدقائق المذكورة، و إنما اعتبر ذكر أنه صاحب ملكة، أو حسن الظاهر أو.. نحو ذلك من الأقوال في العدالة، و ذلك لا مشقة فيه كالجرح، مع أن التعسر لا يوجب سقوطه إن قام على اعتباره دليل، فتدبر.

حجة القول الرابع أمران:

الأول: أن اللبس كثيرا ما يقع في العدالة، بخلاف الجرح، و أيضا فالجارح إنما يشهد عن حس غالبا فلا يحتاج إلى ذكر السبب كما في سائر الحسيات المشهور بها، بخلاف المعدّل فإنه إنما يشهد عن

ص: 94

حدس، و الحدسيات مظنة الخطأ، فلا بد من ذكر السبب عند الحاكم كي يتضح خطأه من صوابه، فيعمل عليه عند الحاكم.

و ردّ بأن اللبس يقع في الجرح أيضا، فكثيرا ما ترى تفسيق جمع لشخص لأمر ليس قادحا في العدالة، كما سمعت من البداية التنبيه عليه، و الاخبار بالعدالة و إن كان ناشئا عن حدس، إلا أنه قد يكون الحدس الحاصل من أسبابه أقوى من الحس، و حينئذ فأما أن يعمل فيهما بقول الشاهد من غير تفسير لأصالتي الصحة و عدم الغفلة و الخطأ، و أما أن يطلب التفسير فيهما.

الثاني: إن مطلق الجرح كاف في إبطال الوثوق برواية المجروح و شهادته، و ليس مطلق التعديل كذلك، لتسارع الناس إلى البناء على الظاهر فيها، فلا بد من ذكر السبب.

و ردّ بما مر من أن الجرح أيضا مما وقع الاختلاف في أسبابه، فكيف يكتفى بمطلقه في إبطال الاعتماد؟ مع أن التسارع إلى البناء على الجرح أغلب و أقرب إلى طباع الناس من العدالة، لعدم اجتنابهم كثيرا من الظن، مضافا إلى أن تسارع الناس على البناء على الظاهر في العدالة مبني على القول المهجور عند عامة متأخري أصحابنا، بل و أكثر متقدميهم أيضا، و هو كون العدالة عبارة عن حسن الظاهر، فلا تذهل.

حجة القول الخامس:

على الشق الأول؛ هي حجة القول الثاني، و على الشق

ص: 95

الثاني؛ هي حجة القول الأول، بعد ضم ما ذكر في الجواب عن حجة الثاني إليهما، فإنّا قد ذكرنا أن غاية ما تفيده تلك الأدلة إنما هو اعتبار التفسير في شهادة من لا يعرف الأسباب و الخلافات فيها، و إلا فبعد معرفته بذلك تمنع عدالته من الشهادة بما يحتمل أن لا يكون كذلك عند المشهور عنده، لكون ذلك تدليسا و إغراء بالجهل، و هما قبيحان لا يصدران من العادل.

حجة القول السادس:

أما على كفاية الإطلاق عند فقد المخالفة بين الشاهد و الحاكم فحجة القول الثاني، و أما على اعتبار التفسير عند المخالفة فحجة الأول.

و فيه: إن إطلاق اعتبار التفسير في صورة المخالفة لا وجه له بعد منع عدالته من أن يشهد بما لا يدري موافقة الحاكم له فيه، فالقول الخامس أجود من هذا القول.

حجة القول السابع:

إن المفهوم هو الذي وقع فيه الخلاف، و أما المصداق فإنما يحتمل فيه عدم صحة الشهادة من باب احتمال الخطأ، و أصالة عدم الغفلة و الخطأ تنفي ذلك الاحتمال.

فتحصّل من ذلك كله أن الأقرب في المسألة هو القول الخامس.

و قد كنّا رجحنا في كتاب القضاء قولا ثامنا، و هو قبول الشهادة

ص: 96

مطلقة إن كان اختلافهما في المصداق، و التفصيل في صورة الاختلاف في المفهوم بين العارف بالأسباب و الخلافات و غير العارف بالقبول مطلقة من الأول دون الثاني، و إنما عدلنا هنا إلى القول الخامس نظرا إلى أن إجراء أصالة عدم غفلته، و عدم خطئه في المصداق فرع معرفته بالأسباب و الخلافات(1).

تنبيهان:

الاول: الجرح المجمل من ائمة الفن لا أثر له

الأول: إنه ربما حكى بعض العامة(2) عن شيخ الإسلام منهم قولا زعمه الحاكي خارجا عن أقوال المسألة و حسّنه، و هو أنه إن كان من جرح مجملا و قد وثّقه أحد من أئمة الفن لم يقبل الجرح فيه من

ص: 97


1- قال السيد حسن الصدر في نهاية الدراية: 136-137 - بعد عدّه للأقوال -: ... و جميع ما حكي عنهم في التعلق في ذلك مشترك في الضعف، و أما أصحابنا فالذي يظهر من تتبع طريقتهم في الرواة هو الأخذ بالإطلاق، غير أنهم لا يعولون إلا على أرباب البصائر التامة في هذا الشأن دون من ضعف مقامه أو كثر خطاؤه إلا أن يذكر السبب، فيستنهضون السبب و يجعلونه راويا و يجتهدون. ثم إنه أشكل بأن مثل هذا تقليدا، و دفعه بما حاصله أن المجتهد يحرم عليه التقليد في الأحكام و هنا موضوع الحكم الشرعي، و الحكم هو الأخذ بخبر الواحد العدل، و أما تعرّف العدالة فالناس في الاجتهاد فيه شرع سواء، و لا يختص بالعلماء، و أقصى ما يشترط الوثاقة لمكان الأخبار، فالأقوى الأخذ بإطلاقه من ذي البصيرة مع عدم العلم بالمخالفة، و فيه ما لا يخفى و سيأتي بيانه قريبا. أقول: تحقيق المصنف (قدس سره) للأقوال و أدلتها مما لم يسبقه أحد من الفريقين مما نعلم، و قد استدركت بقية الأقوال و الأدلة في مستدرك رقم (166)، فراجع.
2- المراد به جلال الدين السيوطي في تدريب الراوي: 308/1، و حسنه هناك.

أحد كائنا من كان إلا مفسرا، لأنه قد تثبت(1) له رتبة الثقة، فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي، فإن أئمة هذا الفن لا يوثّقون إلا من اعتبروا حاله في دينه، ثم في حديثه و نقدره كما ينبغي، و هم أيقظ الناس، فلا ينقض حكم أحدهم إلا بأمر صريح، و إن خلا عن التعديل قبل الجرح فيه غير مفسر إذا صدر من عارف، لأنه إذا لم يعدّل فهو في حيز المجهول، و إعمال قول الجارح(2) فيه أولى من إهماله.

و فيه: منع أولوية إعمال قول الجارح في حق المجهول من إهماله إذا لم يحرز معرفته بالأسباب و الاختلافات كما مرّ، فالقول الخامس هو الأظهر.

الثاني: الاشكالات الواردة في المقام

الثاني: إنه قد يورد في المقام [إشكالات:

أحدها: ما قد](3) وقع تقريره من وجهين:

أحدهما: ما سلكه جمع منهم(4)، و قد نبّه عليه - مع جوابه الصادر من بعضهم - الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية بقوله:

ص: 98


1- الظاهر: ثبتت.
2- في الأصل و في الطبعة الأولى: المجرح. و المعنى واحد.
3- ما بين المعكوفين لا يوجد في الطبعة الأولى، و الموجود هو: إشكال و قد.. إلى آخره.
4- قاله السيوطي في تدريبه: 309/1 [طبعة أخرى: 122]، و حكى عن الخلاصة في أصول الحديث: 90، و الباعث الحثيث: 94 و غيرهم.

و اعلم أنه يرد على المذهب المشهور من اعتبار التفصيل(1) في الجرح إشكال مشهور، من حيث إن اعتماد الناس اليوم في الجرح و التعديل على الكتب المصنفة فيهما، و قلّ ما يتعرضون فيها لبيان السبب، بل يقصرون على قولهم: فلان ضعيف و.. نحوه. فاشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك، و سد باب الجرح في الأغلب.

و أجيب: بأن ما أطلقه الجارحون في كتبهم من غير بيان سببه، و إن لم يقتض الجرح على مذهب من يعتبر التفسير، لكن يوجب الريبة القوية في المجروح كذلك، المفضية إلى ترك الحديث الذي يرويه، فيتوقف عند(2) قبول حديثه إلى أن تثبت العدالة، أو يتبين زوال موجب الجرح، و من انزاحت عنه تلك الريبة بحثنا عن حاله بحثا أوجب الثقة بعدالته فقبلنا روايته، و لم نتوقف، أو عدمها فنترك خبره(3).

ثانيهما: ما سلكه آخرون، و هو أن مذاهب علماء الرجال غير معلومة لنا الآن، فكيف نعلم موافقتهم لما هو مختارنا في العدالة، حتى يرجع إلى تعديلهم؟ إذ هم يطلقون العدالة و الجرح و لا نعلم سببه عندهم، بل نرى أن العلامة (رحمه اللّه) يبني تعديله على تعديل الشيخ (رحمه اللّه) مثلا، مع أنا نعلم مخالفتهما في المذهب.

ص: 99


1- في نسختنا من الدراية: التفسير.
2- في نسختنا من الدراية: عن، و المعنى واحد.
3- بداية الشهيد: 2-71 [البقال: 7/2-56] و ما عندنا من النسخ من البداية ليس فيها: فنترك خبره.

و قد أجيب عنه بما توضيحه ما في قوانين المحقق القمي (قدس سره) من أن احتمال أن يكون تعديلهم على وفق مذهبهم خاصة، مع كونهم عارفين بالاختلاف و تفاوت المذاهب، مع أن تأليفهم إنما هو للمجتهدين و أرباب النظر لا لمقلديهم في زمانهم، إذ لا يحتاج المقلد إلى معرفة الرجال، و الظاهر أن المصنف لمثل هذه الكتب لا يريد اختصاص مجتهدي زمانه به، حتى يقال: إنه صنفه للعارفين بطريقته، سيما و طريقة أهل العصر من العلماء عدم الرجوع إلى كتب معاصريهم من جهة الاستناد غالبا، و إنما تنفع المصنفات بعد موت مصنفه غالبا، و سيما إذا تباعد الزمان، فعمدة مقاصدهم في تأليف هذه الكتب بقاؤها أبد الدهر، و انتفاع من سيجيء بعدهم منها(1)، فإذا لوحظ هذا المعنى منضما إلى عدالة المصنفين و ورعهم و تقواهم و فطانتهم و حذقهم(2)، يظهر أنهم أرادوا بما ذكروا من العدالة المعنى الذي هو مسلّم الكل، حتى ينتفع الكل.

و احتمال الغفلة للمؤلف عن هذا المعنى حين التأليف - سيما مع تمادي زمان التأليف و الانتفاع به في حياته(3) - في غاية البعد، و خصوصا من مثل هؤلاء الفحول الصالحين.

ص: 100


1- في القوانين: منهم، و المعنى واحد.
2- في القوانين: و حذاقتهم، و هو الظاهر.
3- لعله يريد الانتفاع به في حياته من المصنف نفسه أو تلامذته كي لا ينافي ما ذكره قريبا من أن طريقة العلماء عدم الرجوع إلى كتب معاصريهم من جهة الاستناد غالبا، و إنما تنفع المصنفات بعد مصنفه غالبا.. إلى آخره.

لا يقال: إن ما ذكرت معارض بأن إرادة المعنى الأعلى و إن كان مستلزما لتعميم النفع، و لكنه مفوت لفائدة أخرى، و هي أنه قد يكون مذهب المجتهدين اللاحقين أن العدالة هو المعنى الأدنى، فلا يعلم حينئذ هل كان الراوي متصفا بهذا المعنى أم لا؟ فلو لم يسقط المؤلف اعتبار هذا المقدار لكان النفع أكثر.

لأنّا نقول:

أولا: إن هذا النفع بالنسبة إلى الأول أقلّ، لمهجورية القول بكون العدالة هو ظاهر الإسلام عند المتأخرين(1).

و ثانيا: إنّا نراهم كثيرا ما يمدحون الرجل بمدائح كثيرة توجب العدالة، بمعنى حسن الظاهر، بل و أكثر منه، و مع ذلك لا يصرحون بعدالتهم، بل امتنعوا من تعديل أشخاص لا ينبغي الريب في عدالتهم، كإبراهيم بن هاشم و غيره، و اقتصروا على بيان مدائحه، فمن لحق بهؤلاء و ليس مذهبه في العدالة هو المعنى الأعلى فليأخذ بمقتضى هذا المدح، و يجعله عدالة. و هذا من أعظم الشواهد على أنهم أرادوا بالعدالة المعنى الأعلى، فهم لاحظوا الأطراف، و أخذوا بمجامع النفع، سيما و قولهم: ثقة، لا يحتمل مجرد ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق كما هو واضح، بل الظاهر أنه ليس مجرد حسن الظاهر أيضا، فإن الوثوق غالبا لا يحصل إلا مع اعتبار الملكة.

و يؤيده أن العلماء اكتفوا بمجرد التعديل، و لم يتأملوا من هذه الجهة،

ص: 101


1- هذا، و من أين للعلماء المتقدمين من أئمة الرجال العلم بمذهب المتأخرين في العدالة؟!.

و لم يحصل لهم تشكيك من هذه الجهة(1).

و أقول: لا يخفى عليك أن هذا التقرير أولى من التقرير الأول، لأن هذا رافع للإشكال بتقريرية، بخلاف ذاك، فإنه ينحل إلى الالتزام بالإشكال لأن التوقف في حال من نص عليه بجرح من دون ذكر سببه نوع قبول للجرح.

لكن الإنصاف عدم رفع هذا الجواب للإشكال الأول، و إن الإشكالين لا يرجعان إلى إشكال واحد، لأن الأول ناظر إلى حيث الجرح، و الثاني ناظر إلى حيث التعديل، و من لاحظ كتب الرجال و أمعن النظر في أحوال أهل الحديث بأن له نهاية تدقيقهم في أمر العدالة، و عدم توثيقهم إلا من هو ثقة على المذاهب، و اكتفائهم في أمر الجرح بمجرد ما يكون موهنا، أ لا ترى إلى إخراج القميين عدّة من أجلاء الرواة من قم لأمور جزئية غير موجبة للفسق؟! فالحق الاكتفاء في أمر العدالة على التوثيقات الموجودة في كتب الرجال(2)، لما عرفت من مداقتهم في ذلك، الكاشفة عن إرادتهم الوثاقة المتفق عليها، و عدم الاكتفاء في أمر الجرح إلا بالتضعيف المبين سببه، بمعنى

ص: 102


1- قوانين الاصول: 474، بزيادة توضيح.
2- سبق منه اختيار القول الخامس و هو تشريك التعديل و الجرح في قبولهما مطلقين من العالم البصير المرضي و قبول التفسير فيهما من غيره. مضافا إلى أن عدالة صاحب الرجال تمنعه من الجرح بدون جارح كما تمنعه من التعديل بدون معدل. و كما إنه في صورة المدح الغير بالغ رتبة العدالة المجمع عليها يذكره بدون ذكر العدالة فليفعل في الجرح كذلك. كذا أفاده بعض الإخوان، فليتأمل.

التوقف عند الجرح المطلق و الفحص و البحث إلى أن يحصل الاطمئنان بضعفه فيردّ خبره، أو بوثاقته فيقبل حديثه، لأن المبادرة إلى ردّ خبر كل من ضعّفوه - مع ما ترى من مسامحتهم في أمر الضعف و مبادرتهم إلى التضعيف - قد يؤدي إلى رد خبر منحصر فيه الوقوف على الحكم الشرعي مع وثاقة راويه في الواقع، فعليك بالجدّ و الجهد في ذلك، فإنه من موارد دوران الأمر بين المحذورين - أعني هنا محذور الأخذ بقول الفاسق الجعّال، و الفتوى بما يخالف الواقع. و محذور ترك الحديث الصادر من مصدر الشرع، و الرجوع إلى الأصل المحتمل مخالفته للواقع -، وفقنا اللّه تعالى و إياك لنيل الصواب، بمحمد و آله الأطياب، عليهم صلوات اللّه الملك الوهاب.

[ثانيها(1): إنه كيف يجوز التعويل على توثيق الموثقين مع العلم بعدم ملاقاتهم للموثقين، مع أنه إن كانت التزكية رواية فالجرح و التعديل من النجاشي و أضرابه ممن لم يلق الراوي رواية مرسلة منقطعة معضلة، للعلم بسقوط الواسطة، و ظهورات(2) الواسطة ثقة عنده و من بعد الأول ثقة عند الأول، و من بعد الثاني ثقة عند الثاني، و..

هكذا لا يجدي نفعا، ضرورة أن الوثاقة عنده لا تستلزم الوثاقة عند غيره، و إن كانت التزكية شهادة؟

فاولا: يعتبر تعدد الشاهد على توثيق كل طبقة، و هو غير

ص: 103


1- من هنا إلى الجهة الرابعة لا توجد في الطبعة الأولى.
2- كذا في المطبوع أيضا. و الصواب: ظهور أن.

معلوم، لاحتمال أن يكون الواسطة في توثيق النجاشي لزرارة مثلا غير الواسطة في توثيق الكشي.

و ثانيا: شهادة فرع الفرع غير مسموعة، فحاصل الكلام عدم قبول الجرح و التعديل من النجاشي و الشيخ و.. أضرابهما إلا فيمن لقوه، أو كانت الواسطة واحدا على بعض الوجوه.

و الجواب عنه: أولا: إن العلم أو الظن بالعدالة المعتبرين في جواز الشهادة بها لا يشترط أن يكونا حاصلين من معاشرة الرجل و ملاقاته، بل يكفيان و إن حصلا من إمارات خارجية تحصل غالبا في الأزمنة القريبة من عصر الراوي، كزمان الكشي و النجاشي و أضرابهما، بل لا يبعد حصولها في أمثال زماننا أيضا، لكن لا يخفى الفرق بينه و بين الحاصل من الاجتهاد.

و ثانيا: إن التزكية رواية، و الإرسال غير قادح هنا، للإجماع على تصحيح التوثيق على مذهب الجميع، و حمل التزكية على ما زعمه من العدالة ينافي ثمرة التزكية، فقرينة المقام تقضي بتزكية كل طبقة للأخرى، و قد تقدم اختلاف المقام بالنظر إلى ظهور الأخبار عن الاجتهاد و الرأي، و الأخبار عن الأمر الواقعي، و لا ريب أن مقام التوثيق مما يظهر منه الثاني، و إن سلمنا كون التزكية شهادة.

نقول(1): لا دليل على عدم قبول شهادة فرع الفرع في المقام،

ص: 104


1- هذا النص يحتاج إلى تأمل، و إن كان مطابقا للمطبوع، إذ لعل فيه نقصا أو زيادة بل تهافتا.

بل مقتضى دليل حجية البينة عموم حجيتها في المقام و غيره، فالذي خرج بالدليل شهادة فرع الفرع في إثبات الحقوق و نحو ذلك من المخاصمات التي تظهر من قوله (عليه السّلام): (إنما أقضي بينكم بالبينات)(1) هو حجية نفس البينة المعلوم حصولها إلا ما أثبتته البينة، فشهادة الفرع خارجة عن ذلك، فضلا عن شهادة فرع الفرع. نعم، دل دليل آخر على اعتبار شهادة الفرع و لا ينافي ذلك لفظة: إنما، التي هي من أدوات الحصر على المشهور، إذ الدليل الدال على اعتبار شهادة الفرع كالقرينة على أن المراد بالبينات أعم مما علم حصوله أو أثبتته البينة، فتدبر جيدا.

ثالثها: إنه كيف يحكم باتفاق زمان الوثاقة و زمان الرواية مع العلم بأن كل راو له حالة خالية عن ملكة العدالة، مع أنّا لم نر للموثقين تحديدا و تاريخا للوثاقة، و لا من الرواة تاريخا للرواية.

و الجواب عن ذلك:

أولا: إنه إن سبق فسقه على زمان عدالته و كانت روايته في زمان العدالة، فواضح أنه كاف، لأن المدار على العدالة زمان الرواية، و إن سبق فسقه و كانت روايته حال فسقه، فسكوته في زمان عدالته بعد ذلك عن الأخبار بأن روايته حال فسقه لم تكن صحيحة

ص: 105


1- و الأيمان، و بعضكم الحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من حال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار، عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كما في فروع الكافي: 414/7، و التهذيب: 229/6، و معاني الأخبار: 279 و غيرها.

كاف في ترتب آثار خبر العدل على خبره(1) و إن سبقت عدالته على فسقه، كشف تعديل علماء الرجال له عن إحرازهم وقوع رواياته في حال العدالة.

و ثانيا: إن ظاهر التزكية له هو التوثيق بعد كونه راويا، و إن سبق له زمان لم يكن موثوقا به، فتوثيقهم كاشف عن وثاقته في زمان روايته. نعم يمكن ردّ الإشكال في ترجيح الجارح على المعدّل بعد ظهور كليهما في بيان صفة الراوي و عدم ظهور الجرح في تأخره أو في كونه إخبارا عن الجرح في زمان التوثيق، لأن يقال: إن الجرح مقدم على التوثيق، لأن الجارح يخبر عن أمر خفي على المعدّل.

و الحاصل: إن ثمرة تقديم الجارح على المعدل لا تظهر إلا بعد معرفة اتفاق زمان الجرح و التعديل و زمان الرواية، و إلا فلا يكاد شخص غير معصوم يخلو عن العلم بخلوه عن الملكة في بعض الأزمنة، فإن كان الجرح إخبارا عن عدم الملكة في زمان، فالعلم به حاصل قبل الاخبار عنه، و إن كان عدم قبول رواية المجروح للشبهة المحصورة، فالشبهة حاصلة قبل الاخبار بالجرح أيضا، فينبغي أن لا يسمع قول المعدّل. أو لا يكون في سماعه ثمرة إلا إذا تشخص زمان الوثاقة و الرواية أو كان زمان الجرح معينا، فيحكم بتأخر زمان الرواية و التعديل عن زمان الجرح، فإن ظهر أيضا صدور الرواية بعد فرض

ص: 106


1- قد يقال: لو التفت في زمان عدالته إلى خبره زمن فسقه و سكت عنه مع كون الاخبار ببطلانه ذا فائدة الآن يصح ما ذكر، و لكن لعله غفل عنه، أو أنه لا فائدة في الاستدراك. و أصالة عدم الغفلة غفلة، فتأمل.

تحقق العدالة صحت الرواية، لكن ترى الأصحاب من السلف إلى الخلف يجرحون بمجرد وجود الجارح، و يقدمونه على المعدّل، و حيث خلا رجل عن الجرح حكموا بصحة التوثيق فيه. و لعل السر فيه ما ذكرناه من أن التوثيق ظاهر في الوثاقة بعد صيرورته راويا، و هو لا ينافي العلم بوجود حالة للرجل قد خلت عن العدالة، بخلاف ما لو كان هناك جرح، فإن الجرح أيضا ظاهر في الاخبار عن جرح الراوي، لا من لم يصدر منه الرواية.

لا أقول: إن الجرح و التعديل ظاهران في الاخبار عن الأمرين بعد صدور الرواية، فيخرج تلك الرواية التي اعتبر تقدمها، فتشتبه بغيرها، فيخرج الباقي عن الحجية.

بل أقول: إن المراد أنهما ظاهران في أن الراوي حال روايته موثق أو مجروح، فيقدم الجرح على التعديل، لما ذكروه من أن الجارح يخبر عن أمر خفي على المعدّل.

و يرد عليه بالنّقض بما لو أخبر المعدل بوجود ملكة مانعة عن صدور ما يخبر عنه الجارح، فيكون كلاهما أمرين وجوديين لا ترجيح في أحدهما على الآخر. نعم، يمكن أن يقال: إن احتمال الخطأ في التّعديل أقوى - خصوصا في بعض الأزمنة - من احتماله في الجرح، فيقدّم الجرح حيث لا مرجّح في جانب التّعديل، و بالحمل على أنّ الجارح يخبر زيادة على ملكة الفسق بوجود أمر خارجي مناف للأصل، فتأمّل. و يكفي في الجرح عدل واحد أيضا، و من اعتبر التعدّد في التّعديل اعتبر هنا أيضا، لاتحاد المدرك. و لعلّه يوافق

ص: 107

المشهور في الجرح دون التّعديل، لقوّة الجرح، و موافقة لازمة للأصل، فيكفي فيه الواحد، و فيه ما فيه.

رابعها: إن في معنى العدالة خلافا معروفا، فلعلّ بناء المزكّي فيها على الدّرجة النّازلة، فكيف يجوز الاعتماد على تزكيته لمن لم يوافقه في المسلك؟ فما لم يعلم الموافقة في المسلك لا يجوز التّعويل عليها.

و الجواب عن ذلك: إن كون وضع كتب الرجال لرجوع من بعدهم إليها - مع العلم باختلاف المسالك في العدالة - قرينة واضحة على إرادتهم بالتّوثيق فيها الدّرجة العليا، و إلاّ لكان تدليسا يحاشون منه.

خامسها: إن جماعة كثيرة كانوا غير إماميّين في أول الأمر، ثمّ رجعوا و تابوا و حسنت عقيدتهم، كحسين بن بشار و عليّ بن أسباط(1)و غيرهما، و جماعة أخرى كانوا إماميّين على الحق ثمّ توقّفوا و وقفوا في ضلال مبين، مثل عليّ بن رياح(2) و عليّ بن أبي حمزة(3) و نحوهما، و قد ورد توثيق القبيلتين من أئمّة الرّجال، فكيف يعمل بروايتهم للتّوثيق، مع الجهل بالتّاريخ؟ و أصالة تأخّر الحادث غير مجدية، لا لكونها أصلا مثبتا، كما صدر من المحقّق الكاظمي(4)، إذ فيه: أنّ

ص: 108


1- تنقيح المقال: 9/2-268.
2- الظاهر أنه: علي بن محمد بن رياح - الآتي -.
3- انظر ترجمته في تنقيح المقال: 3/2-260.
4- تكملة الرّجال: 33/1.

الأصول المثبتة إنّما لا تعتبر في الأحكام من حيث عدم كون بيان العقليات و العاديات وظيفة الشارع، و أما في الموضوعات فلا مانع من حجيتها، بل لأنها معارضة بالمثل.

و الجواب عن ذلك: إن من كان فاسد المذهب ثم رجع إلى الحق يؤخذ برواياته مطلقا، لأن سكوته بعد رجوعه إلى الحق عن روايات حال اعوجاجه تكشف بمقتضى عدالته عن صدقه فيها(1) و من رجع من الحق إلى المذهب الفاسد لا يؤخذ من رواياته إلا بما علم أو ظن بصدور الرواية منه حال الاستقامة، و مجرد توثيق أئمة الرجال له لا يدلّ على الأخذ برواياته مطلقا، مع تنبيههم على حاله(2)، مضافا إلى أن الرجوع إلى الوقف و نحوه من المذاهب الفاسدة لا يقدح في حجية خبره و اعتباره، ما لم يؤد إلى الكفر، غاية الأمر كون روايته موثقة لا صحيحة، و مما يكشف عن صدور روايات الراجع عن الحق في زمان استقامته إجماعهم على العمل برواياته، كما في الحسين بن بشار(3) و علي بن محمد بن رياح(4) و لقد أجاد الشيخ (رحمه اللّه) في

ص: 109


1- تقدّم في الحاشية ما له تعلّق بالمسألة.
2- قد تقدم منه أن توثيق أئمة الرجال لمنتقل الحال راجع إلى زمان روايته، و أنه دليل على صحة روايته. فراجع، إلا أن يقال إن مرادهم من الإطلاق هذا، فتأمل.
3- سلف من المصنف (قدس سره) قريبا أن الحسين بن بشار ممن عدل إلى الحق، و هنا جعله ممن عدل عن الحق، فهو عدول، انظر ترجمته في تنقيح المقال: 1 / 321.
4- انظر ترجمته في تنقيح المقال: 304/2، و ذكره: رباح، و احتمل: رياح، في الحاشية.

العدة حيث قال: أما ما يرويه الغلاة و المصنفون(1) و غير هؤلاء، فما يختص الغلاة بروايته، فإن كانوا ممن عرف لهم حال استقامة و حال غلو عمل بما رووه حال الاستقامة، و ترك ما رووه حال التخليط، و لأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب محمد بن أبي زينب في حال الاستقامة، و تركوا ما رواه في حال تخليطه، و كذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي، و ابن أبي العزاقر، و غير هؤلاء. و أما ما يروونه في حال التخليط، فلا يجوز العمل به على كل حال(2).

و يقرب من الإشكالات المزبورة إشكالات سطرناها مع أجوبتها في أوائل حجج النافين للحاجة إلى علم الرجال، في المقام الثالث، من المقامات في مقدمة كتاب تنقيح المقال، فلاحظ(3) و تدبر جيدا](4).

***

ص: 110


1- في المصدر: المتهمون و المضعفون. و هو الصحيح.
2- عدة الأصول: 381-382 بتصرف يسير.
3- تنقيح المقال: 175/1-178 من المقدمة، تعرض إلى اثنى عشر إشكالا مع أجوبتها.
4- لاحظ مستدرك رقم (167) كلام السيد المرتضى (قدس سره).

الجهة الرابعة الأقوال في ما لو اجتمع الجرح و التعديل

أنه إذا اجتمع في واحد جرح و تعديل(1)، فالذي يظهر منهم في تقديم أيهما أقوال:

ص: 111


1- مطلقا، سواء تساوى عدد المعدلين مع الجارحين أم لا، و يظهر من جماعة أن هذه الأقوال في حالة تكافؤ الطرفين، أما لو رجحت كفة المعدلين على الجارحين أخذ بالأول، و كذا العكس. و استدل له بأن كثرة المعدلين تقوى حال الرجل و توجب العمل بخبره أو طرحه في الجرح، و هي ضعيفة، و هذا ما يستشم من كلام الخطيب في الكفاية: 175 قال: اتفق أهل العلم على أن من جرحه الواحد و الاثنان و عدله مثل عدد من جرحه فإن الجرح به أولى، و يظهر من البعض التوقف مع عدم تساوي الطرفين، و هذا قول سادس في المسألة قاله في وصول الأخيار: 182 بقوله: و قيل إن زاد المعدّلون قدم التعديل، و كذا في أصول الحديث: 270، و اختاره مع ما فيه من أن كثرة المعدلين لا ترد قدح الجارحين، و جمهور العلماء على أن الحكم للجرح مطلقا و العمل به أولى حتما - على المختار - و صنيع ابن الصلاح مشعر بذلك أيضا، فهو بعد تقديم الجرح مطلقا قال في المقدمة: 224 فإن كان عدد المعدلين أكثر فقد قيل التعديل أولى، و الصحيح الذي عليه الجمهور أن الجرح أولى. و قال البلقيني في محاسن الاصطلاح ذيل المقدمة: و قيل: يرجّح بالأحفظ. نعم لو عرف بسوء الحفظ مثلا من شيخ معين أو لم يكتب عنه لاعتماده على حافظته في حين أنه موثوق به و حافظ عن غير هذا الشيخ لاعتماده على كتبه مثلا فمثل هذا يمكن الجمع فيه، و كذا لو عرف بفسق منه فجرح له ثم علمت توبته لمن عدله.. و أشباه ذلك.

أحدها: تقديم الجرح مطلقا(1)، و هذا هو المنقول عن جمهور العلماء(2)، لأن المعدّل يخبر عما ظهر من حاله، و قول الجارح يشتمل(3) على زيادة علم لم يطلع عليه المعدّل، فهو مصدّق للمعدّل فيما أخبر به عن ظاهر حاله، إلا أنه يخبر عن أمر باطن خفي على المعدل.

و ان شئت قلت: ان التعديل و ان كان مشتملا على اثبات الملكة، الا أنه من حيث نفي المعصية الفعلية مستند الى الأصل، بخلاف الجرح فانه مثبت لها، و الاثبات مقدم على النفي.

و إن شئت قلت: إن كلا من المعدل و الجارح مثبت من جهة

ص: 112


1- سواء أمكن الجمع بينهما أو لم يمكن، و سواء تعارضا في أصل ثبوت الملكة أم لا، و سواء استوى الطرفان في العدد أم لا.
2- عبّر عنه صاحب البداية: 73 [البقال: 60/2] بأنه القول الأصح، و كذا صاحب نهاية الدراية: 132 بأنه المشهور، و قال في صفحة: 139: و أكثر الناس على إطلاق القول بتقديم الجرح من دون تعرض للتفصيل بذكر السبب و عدمه و إليه أذهب، و هو مختار الشيخ عبد الصمد في وصول الأخيار: 184، و ابن الصلاح في مقدمته: 42 [عائشة: 224]، و أصول الحديث: 270، و قواعد التحديث: 188 و غيرهم.
3- في الطبعة الأولى: يشمل.

و ناف من جهة أخرى، فالمعدّل مثبت من حيث ثبوت أصل الملكة، و ناف اتكالا على الأصل من حيث صدور المعصية. و الجارح مثبت من حيث صدور المعصية، و ناف من حيث تعقبه بالتوبة و الرجوع، فيقدم إثبات الجارح على نفي المعدل، لكونه نصا بالنسبة إليه، و ذاك ظاهر(1).

ثانيها: تقديم قول المعدل مطلقا، نقله بعضهم قولا(2)، و لم نقف على قائله، و لا على دليل له، و قصارى ما يتصور في توجيهه أنه إذا اجتمعا تعارضا، لأن احتمال اطلاع الجارح على ما خفي على المعدّل معارض باحتمال اطلاع المعدّل على ما خفي على الجارح من مجدد التوبة و الملكة، و إذا تعارضا تساقطا و رجعنا إلى أصالة العدالة في المسلم(3) و فيه:

ص: 113


1- و إن شئت قلت: إن المعدّل مخبر عن ظاهر الحال و الجارح عن الباطن الخفي. و يمكن أن يقال فيه: أولا: عدم الدليل على لزوم مثل هذا الجمع، و هو يستلزم عدم تحقق حديث صحيح. و ثانيا: لا يتم فيما لو تعارض التعيين على سبيل التباين الكلي أو الجزئي أو العموم المطلق أو من وجه. و على كل لا يقدم الجرح على التعديل من غير مرجح، إذ هما متساويان بالنظر إلى ذاتيهما لتساوي مستندهما من جهة الحسن. قال السبكي في طبقاته - كما حكاه القاسمي في قواعده: 189 - و لو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما من إمام إلا و قد طعن فيه طاعنون و هلك فيه الهالكون.
2- كما في شعب المقال: 20 و غيره مما مرّ.
3- أو يقال: إن الأصل هو العدالة و حسن الظاهر، أو يقال: إن كثرة التسارع إلى الجرح توجب أن يكون الجرح موهونا، و الكل كما ترى. و لعل مرجع هذا البحث إلى ما اختلف فيه الفقهاء و الأصوليون من أن الأصل الأولي في باب العدالة و الفسق ما هو؟ ثالثها: إن الأصل بالنسبة إليهما سواء، لأنهما كلاهما أمران وجوديان - كما حقق في محله - و ليسا من باب العدم و الملكة، فتدبر.

أولا: إن أصالة العدالة في المسلم ممنوعة، كما أوضحنا ذلك في محله.

و ثانيا: إن قول الجارح نص في ثبوت المعصية الفعلية، فلا محيص عن وروده و حكومته على الأصل الذي هو مناط التعديل.

و ثالثا: إن اللازم عند تحقق التعارض هو التماس المرجح لا التساقط.

و رابعا: إن ذلك لا يكون من تقديم التعديل على الجرح، بل هو طرح لهما و رجوع إلى الأصل.

ثالثها: التفصيل بين صورة إمكان الجمع بينهما، بحيث لا يلزم تكذيب أحدهما في شهادته، كما إذا قال المزكي: هو عدل، و قال الجارح: رأيته يشرب الخمر، فإن المزكي إنما شهد بالملكة، و هي لا تقتضي العصمة، حتى ينافي صدور المحرم منه، فيجتمعان، و بين صورة عدم إمكان الجمع كما لو عيّن الجارح السبب و نفاه المعدل، كما لو قال الجارح: رأيته في أول الظهر من اليوم

ص: 114

الفلاني يشرب الخمر، و قال المعدّل: إني رأيته في ذلك الوقت بعينه يصلي، بتقديم الجرح على الأول لأنهما حجتان مجتمعتان، فيعمل بهما مع الإمكان، و الرجوع إلى المرجحات من الأكثرية و الأعدلية و الأورعية و الأضبطية و نحوها على الثاني، فيعمل بالراجح و يترك المرجوح، لما تقرّر في محله من الرجوع إلى المرجحات عند تعارض البينتين(1)، فإن لم يتفق الترجيح وجب التوقف، للتعارض، مع استحالة الترجيح، من غير مرجح(2) اختاره الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية(3) و المحقق القمي(4) و غيرهما(5).

رابعها: هو الثالث مع التوقف في الصورة الثانية مطلقا، و هو المحكي عن الشيخ (رحمه اللّه) في الخلاف(6)، و علّل بأن مقتضى

ص: 115


1- و أيضا مع عدم كون أحدهما أقوى، فابن الغضائري ضعيف في تضعيفه و جرحه و كذا القميون - كما قالوا - في نسبتهم الغلو، فيقدم التعديل كما هو الحال في داود الرقي حيث قال عنه ابن الغضائري - كما حكاه في تنقيح المقال: 414/1 و غيره - أنه كان فاسد المذهب لا يلتفت إليه، مع أن الأصحاب وثقوه بالاتفاق، و له نظائر كثيرة يجدها المتتبع في المجاميع الرجالية، و لا يصح الأخذ بالإطلاق مطلقا، فلا تذهل.
2- و الحاصل، يلزم تقديم قول من لا يلزم من تقديمه تكذيب الآخر تعديلا كان أو جرحا، كل ذلك مع عدم عروض مانع من التقديم في الصورتين.
3- البداية: 73 [البقال: 61/2] بتصرف يسير.
4- قوانين الأصول: 475.
5- كالنراقي في شعب المقال: 21 و غيره.
6- الخلاف: 592/2: قال: و دليلنا إذا تقابل الشهادتان (الشهادات) و لا ترجيح لأحد الشاهدين، وجب التوقف.

القاعدة في صورة تعارض البينتين هو التساقط و التوقف، إلا أن يكون أصل في المورد فيرجع إليه، و الرجوع إلى الترجيح بالأكثرية و الأعدلية و نحوها في تعارض البينتين في الأملاك إنما هو لدليل خاص، فيقتصر على مورده، و يتوقف في غيره.

خامسها: التفصيل بين أن يتعارضا في أصل ثبوت الملكة و عدمه، كأنّ يقول أحدهما: هو عدل ذو ملكة رادعة، و قال الآخر: هو عشّار(1) في جميع ما مضى من عمره، بالتعارض و التساقط و الرجوع إلى الأصل الموجود، و هو في المقام على عدم الملكة بين أن يتعارضا في مجرد صدور المعصية و عدمه، فيقدم قول المعدّل و يعمل عليه، لأن الملكة قد ثبتت بقوله، و قد تساقطا من حيث صدور المعصية و عدمه فيرجع إلى أصالة العدم.

و هذا القول أقرب في مسألة تعارض البينتين في باب القضاء، لأن حجية البينة هناك ليست من باب الظن و الاطمئنان، كي تنفع فيها المرجحات الظنية، و إنما هي من باب التعبد، و لا مسرح

ص: 116


1- عشار - بالعين المهملة المفتوحة و الشين المشددة - مأخوذ من التعشير و هو أخذ العشر من أموال الناس بأمر الظالم: قال في مجمع البحرين: 404/3 - بعد كلامه السابق -: يقال عشرت القوم عشرا - بالضم - أخذت منهم عشر أموالهم، انظر: القاموس المحيط: 2 / 92، لسان العرب: 75/4-568 و محل الكلام صفحة: 572، الصحاح: 8/2-746، تاج العروس: 399/3-404، النهاية: 3 / 239.. و غيرها.

للمرجحات الظنية في مثله، لعدم تقويتها لمناط الحجية التي هي المناط في الترجيح، إلا أن الأظهر هنا هو القول الرابع، لأن اعتبار التعديل هنا من باب الاطمئنان، و لذا أسقطنا فيه اعتبار التعدد. و لا ريب في مدخلية المرجحات الظنية للاطمئنان في جانب مصاحبها، فيتعين تقديمه (1).

***

ص: 117

ص: 118

الجهة الخامسة ما يعتبر في تصحيح السند

اشارة

إنه يعتبر في تصحيح السند أمران:

أحدهما: تعيين رجال السند واحدا بعد واحد، و تمييز المشترك منهم بين اثنين فما زاد، إذ بعد العلم الإجمالي بكثرة المشتركات لا يجوز الحكم بأن صاحب هذا الاسم هو الذي وثقه الكشي مثلا، إذ لعله غيره ممن سمي باسمه، فلا بد أولا من الجد و الجهد بحسب الوسع و الطاقة في تعيين رجال السند، و إحراز أن صاحب هذا الاسم هو الذي وثقه الكشي أو النجاشي مثلا، أما لاتحاد المسمى بذلك الاسم أو للقرائن المعينة للرجل من بين المسمّين بهذا الاسم من راو و مروي عنه و نحوهما.

ثانيهما: الفحص عن معارض التوثيق الصادر عن أحد علماء الرجال و مخصصه، لأن العلم الإجمالي بوجود المتعارضات في الرجال كثيرا يلجئنا إلى ذلك، كما أن العلم الإجمالي الجأنا إلى ترك العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص و اليأس منه، و ترك الخبر حتى

ص: 119

يحصل اليأس عن وجود معارض له، فحال التزكية و الجرح حال إخبار الآحاد في عدم جواز العمل بها إلاّ بعد الفحص و اليأس عن المعارض و المخصص، و العلم الإجمالي المذكور هو الفارق بين المقام و بين التعديل للبينة في المرافعات حيث يؤخذ به من غير فحص عن المعارض في وجه.

هل يقبل التوثيق المجهول؟

اشارة

و مما ذكرنا ظهر أنه إذا قال الثقة: حدثني ثقة بكذا و لم يسم الثقة لم يكف ذلك الإطلاق و التوثيق في عدّ الخبر صحيحا اصطلاحا حتى على القول بكفاية الواحد في تزكية الراوي، لأنه إذا لم يسمه لم يمكن النظر في أمره و الفحص عن وجود معارض لتوثيقه و عدمه، و من هنا سموا الرواية الصحيحة إلى من كان من أصحاب الإجماع كالصحيح، و لم يعدوه صحيحا.

إلا أن يقال: إن اعتبار الفحص إنما هو حيث يمكن، و لا يمكن ذلك في المجهول، و لا مانع من قبول مثل هذا التوثيق ما لم يظهر الخلاف.

و كيف كان، ففي جواز العمل بمثل هذا الخبر و عدمه وجهان، بل قولان: أولهما عدم الجواز، و هو للعلامة في النهاية(1) و ثاني الشهيدين في البداية(2)، و صاحب المعالم(3)، و غيرهم(4).

ص: 120


1- نهاية الوصول إلى علم الأصول للعلامة الحلي: - خطي -.
2- البداية: 73 [البقال: 62/2].
3- معالم الأصول: 433.
4- قال ابن الصلاح في المقدمة: 224: لا يجزي التعديل على الإبهام من غير تسمية المعدّل، فإذا قال: حدثني الثقة أو نحو ذلك مقتصرا عليه لم يكتف به فيما ذكره الخطيب الحافظ و الصيرفي الفقيه و غيرهما، خلافا لمن اكتفى بذلك، ثم قال: و ذلك لأنه قد يكون ثقة عنده و غيره قد اطلع على جرحه بما هو جارح عنده أو بالإجماع فيحتاج إلى تسميته حتى يعرف، ثم قال: بل اضرابه عن تسميته مريب يوقع في القلوب فيه ترددا، فإن كان القائل لذلك عالما أجزأ ذلك في حق من يوافقه في مذهبه.

و ثانيهما: الجواز، و هو للمحقق البهبهاني(1)، و سيد الرياض، و الآمدي في محكي الأحكام(2)، و غيرهم، و هو المستفاد من عبارة المحقق(3)، بل في المفاتيح(4) أنه لو قيل إن ذلك مذهب المعظم لم يكن بعيدا.

حجة الأولين:

إنه يجوز أن يكون المروي عنه ثقة عند الراوي المصرح بوثاقته، و كأن غيره قد اطلع على جرحه بما هو جارح عند هذا الشاهد أيضا، و إنه إنما وثقه بناء على ظاهر حاله، و لو علم بما علم به الجارح لما وثقه. و أصالة عدم الجارح مع ظهور تزكيته غير كاف في هذا المقام لمنع العلم إجمالا بوقوع الاختلاف في شأن كثير من الرواة من جريانها، فلا بد حينئذ من تسميته لينظر في أمره هل أطلق القوم عليه

ص: 121


1- لفوائد - تعليقة الوحيد البهبهاني -: 10 - ذيل رجال الخاقاني.
2- الاحكام في أصول الأحكام: 316/2، و في أكثر من مورد.
3- معارج الأصول: 154.
4- المفاتيح - مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني -: 292/3.

التعديل أو تعارض كلامهم فيه أو لم يذكروه، و لا بد من البحث عن حال الرواة على وجه يظهر به أحد الأمور الثلاثة من الجرح و التعديل أو تعارضهما حيث يمكن، بل إضرابه عن تسميته مريب في القلوب، كما نبّه عليه في البداية(1).

و حجة الآخرين:

بأن المدار في التعديل و الجرح على الظن، فإن أراد أهل القول الأول أن ذلك لا يفيد الظن بسبب ذلك الاحتمال فهو باطل، لظهور حصول الظن من تعديل العدل العالم بأحوال الجرح و التعديل، و عدم الظفر بما يوجب الجرح، و لو كان الاحتمال المذكور مانعا من حصول الظن للزم أن لا يحصل من خبر العدل الظن بالحكم الشرعي أو المطلب اللغوي أو الجرح و التعديل و.. نحو ذلك، لاحتمال الخطأ في مستند عمله بالمذكورات، و أنه لو أبرزه لكان غير تام عندنا، و ذلك باطل بالضرورة. و إن أرادوا أن هذا الظن ليس بحجة لأنه يشترط في حجية كل ظن حصول ظن آخر من جهة الفحص بعدم وجود معارض له فهو باطل، لأن ذلك لو سلم فإنما هو في صورة إمكان الفحص عن المعارض، و أما مع عدمه فلا يشترط، كما هو الظاهر من سيرة العقلاء في موارد عملهم بالظن، و كذلك معظم الأصحاب.

و أقول: في إطلاق كل من الحجتين نظر، ضرورة أن اعتبار

ص: 122


1- البداية: 73 [البقال: 63/2] مع زيادة توضيح.

الفحص في العمل بالتعديل على نحو العمل بالعام المتوقف على الفحص على(1) المخصص مما لا ينبغي التأمل فيه، كما لا ينبغي التأمل في اختصاص اعتبار الفحص بصورة الإمكان، و لازم الفقرتين هو التفصيل في المسألة بين إمكان استعلام الراوي الشاهد بالعدالة و الفحص عن حال المشهود له، و أنه هل ورد فيه جرح أم لا؟ و بين عدم إمكان الاستعلام باعتبار الاستعلام في الأول لتوقف قوة الظن عليه، و قضاء العلم الإجمالي بوجود الاختلاف في شأن كثير من الرواة بذلك، و وضوح أن من تمكن من تحصيل الاطمينان لم يجز له الاقتصار على مطلق الظن، و عدم اعتبار الاستعلام في الثاني، لأن اللّه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، و لقضاء بناء العقلاء على ذلك، فإنهم في الرجوع إلى الخبرة يعتمدون على خبر ذي الخبرة إذا لم يمكنهم الفحص، و يتفحصون في صورة إمكانه، و لازم ما ذكرنا جواز الاعتماد على تصحيح الغير للسند إذا لم يمكن للمجتهد الفحص عنه، و عدم جواز الاعتماد في صورة إمكان الفحص تحصيلا لقوة الظن.

و مما ذكرنا ظهر ما في إطلاق صاحب المعالم في قوله في آخر المسألة: اعلم أن وصف جماعة من الأصحاب كثيرا من الروايات بالصحة من هذا القبيل، لأنه في الحقيقة شهادة بتعديل رواتها، و هو بمجرده غير كاف في جواز العمل بالحديث، بل لا بد من مراجعة

ص: 123


1- الظاهر: عن.

السند و النظر في حال الرواة ليؤمن من معارضة الجرح(1). بل اللازم تقييده بصورة إمكان الفحص، [و لعل القيد مراد له، بل لا ينبغي الريب في ذلك](2) فلا تذهل.

بقي هنا أمور ينبغي التنبيه عليها:
الاول: قول الثقة حدثني الثقة تزكية للمروي عنه

الأول: إنه لا ينبغي الإشكال في كون قول الثقة حدثني ثقة به(3) تزكية للمروي عنه، لصراحة كلامه في ذلك، و ثمرة ذلك أنه إذا سماه بعد ذلك و تفحصنا عن حاله و لم نجد ما يعارض ذلك التوثيق جاز الاعتماد عليه و الاستناد إليه. و ربما يظهر من الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية اعتبار إحراز قصده بقوله: حدثني الثقة التوثيق، حيث قيّد كون ذلك توثيقا بقصده ذلك بعبارته، معللا بأنه قد يقصد به مجرد الاخبار من غير تعديل، فإنه قد يتجوّز في مثل هذه الألفاظ في غير مجلس الشهادات(4).

ص: 124


1- معالم الأصول: 434، بلفظه.
2- ما بين المعكوفين لا يوجد في الطبعة الأولى.
3- أو أن يقول الثقة حدثني من لا يتهم. أقول: هذه المسألة من المسائل المهمة في علم دراية الحديث، و قد دونت مستقلا من الفريقين، و قد ألف فيها الشيخ ميرزا أبو المعالي بن الحاج محمد إبراهيم الكلباسي الاصفهاني المتوفى سنة 1315 رسالة سماها: تصحيح الغير للرواية، و قد اختار عدم جواز الاكتفاء بتصحيح الغير في العمل بالحديث، كما نصّ عليه شيخنا في الذريعة: 195/4 برقم 968.
4- البداية للشهيد: 74 [البقال: 63/2]، و انظر أصول الحديث: 272، و فتح المغيث: 18/2، و شرح نخبة الفكر: 24 و غيرهم. قال في قواعد التحديث: 196 - بعد عنونة المسألة -: ذهب الأكثرون إلى أنه لا يكتفى به في التعديل حتى يسميه، لأنه و إن كان ثقة عنده فلعله ممن جرح بجرح قادح عند غيره، بل إضرابه عن تسميته ريبة توقع ترددا في القلب. و قيل: إن القائل ذلك متى كان ثقة مأمونا فإنه يكتفى به، كما لو عيّنه، إذ لو علم فيه جرحا لذكره، و لو لم يذكره لكان غاشا في الدين، و لا يلزم من إبهامه له تضعيفه عنده، لأنه قد يبهم لصغر سنة أو لطبقته المعاصرة أو المجاورة مما تقتضيه ظروف الزمان، و المحققون على الأول كما في التقريب و شرحه. قال الخطيب في الكفاية: 531: فصل: و لو قال الراوي: حدثنا الثقة و هو يعرفه بعينه و اسمه و صفته إلا أنه لم يسمعه (الظاهر: لم يسمه) لم يلزم السامع قبول ذلك الخبر. لأن شيخ الراوي مجهول عنده، و وصفه إياه بالثقة غير معمول به و لا معتمد عليه في حق السامع، لجواز أن يعرف إذا سماه الراوي بخلاف الثقة و الأمانة. و يظهر من مطاوي كلمات المصنف (رحمه اللّه) ما يجيب عن ما استدلوا به.

و أنت خبير بأن ظاهر كلامه حجة، و حمله على خلاف ظاهره من غير قرينة لا وجه له، و لذا قال في البداية بعد ذلك: انه هل(1) ينزل الإطلاق على التزكية أم لا بد من استعلامه؟ وجهان، أجودهما تنزيله على ظاهره من عدم مجازفة الثقة في مثل ذلك(2).

ص: 125


1- في نسختنا من الدراية: و هل.
2- البداية: 74 [البقال: 63/2] بتصرف، ثم قال بعد ذلك: و على تقدير تصريحه بقصد التزكية أو حمل الإطلاق عليها فيستتبع قوله مع ظهور عدم التعارض، و إنما يتحقق ظهوره مع تعيّنه بعد ذلك و البحث عن حاله، و إلا فالاحتمال قائم كما مرّ، ذهب بعضهم إلى الاكتفاء بذلك ما لم يظهر المعارض أو الخلاف و قد ظهر ضعفه. أقول: و قد اختاره جمع من أعلام الأخباريين منهم الشيخ ياسين في معين النبيه: 28 - خطي - قال: و اختلفوا في قول الثقة حدثني الثقة، هل يكتفى به في التوثيق؟ و الحق الاكتفاء.
الثاني: هل مجرد رواية العدل عن رجل يكون تعديلا له؟

الثاني: إنه إذا روى العدل الذي يعتمد على تزكيته عن رجل غير معلوم العدالة و سماه باسمه، و لم يعلم من حال العدل الراوي أنه لا يروي إلا عن ثقة، فهل مجرد روايته عنه يكون تعديلا له، مثل ما لو عدّ له صريحا أم لا؟ وجهان، فالمعروف بين العلماء من الفقهاء و الأصوليين و أهل الدراية و الحديث العدم(1)، و أرسل جمع قولا بكونه تعديلا من دون تسمية قائله، و عزاه في البداية إلى شذوذ من المحدثين(2).

و الحق المألوف هو القول المعروف.

لنا على ذلك أن رواية العدل عن غيره لا تدلّ (3) على تعديله له بشيء من الدلالات، أما المطابقة و التضمن فظاهر، و أما الالتزام فلأنه لا ملازمة بين الأمرين لا عقلا و لا شرعا و لا عادة، و العدل كما يروي عن العدل فكذا يروي عن غيره. و قد جرت عادة أكثر الأكابر من المحدثين و المصنفين الرواية عن كل من سمعوه، و لو كلفوا الثناء عليه لسكتوا و توقفوا.

و توهم أن رواية العدل عمن عرف فسقه غش و تدليس في الدين، مدفوع بالمنع من كون ذلك غشا و تدليسا، لأنه لم يوجب على

ص: 126


1- لما هو واضح من أن العدل قد يروي عن غير العدل، و ذهب إليه أكثر أهل الحديث - على ما نص عليه في أصول الحديث: 271 و غيره -.
2- البداية: 75 [البقال: 65/2].
3- في الطبعة الأولى: لا يدل.

غيره العمل، بل قال: سمعت فلانا قال.. كذا، و قد صدق في ذلك، ثم قد يكون لم يعرف عدالة المروي عنه و لا فسقه، و أحال البحث عن حاله إلى من يريد العمل بروايته كما هي سجيتهم.

و دعوى أن ظاهر إطلاق العدل الرواية كون المروي عنه عدلا واضحة الفساد(1).

ثم على المختار، فهل يعمّ ذلك ما لو علم أن ذلك العدل لا يروي إلا عن العدل دون غيره، أو يختص بغيره؟ وجهان، اختار العضدي الأول، و حكي عن نهاية الأصول(2) و تهذيبه(3) و المبادئ و المنية و غاية المبادئ و المحصول و الأحكام(4) و.. غيرها الثاني(5)، بل هو ظاهر الأكثر، حيث اعتمدوا على مراسيل ابن أبي عمير و.. غيره

ص: 127


1- بل استدل في البداية على ذلك بالأولوية القطعية، مع أنه قد وقع ذلك من أكثر الأكابر من الرواة و المصنفين، و قد نسب ابن الصلاح في المقدمة: 225 إلى أكثر العلماء من أهل الحديث و غيرهم العدم، ثم قال: و قال بعض أهل الحديث و بعض أصحاب الشافعي: يجعل ذلك تعديلا منه له، لأن ذلك يتضمن تعديلا. ثم قال: و الصحيح هو الأول؛ لأنه يجوز أن يروي عن غير عدل فلم يتضمن روايته عنه تعديلا.
2- نهاية الوصول إلى علم الأصول للعلامة الحلي (طاب ثراه) - خطي - لم يطبع.
3- تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 78.
4- الأحكام للآمدي: 319/2. و أكثر هذه المصادر لا زالت خطية كما مرّ، قيّض اللّه من يبرزها إلى النور.
5- قال في أصول الحديث: 272: و هذا هو الرأي المختار عند الأصوليين و عند بعض أئمة الحديث.

ممن علم أنه لا يروي أو لا يرسل إلا عن ثقة. و الأظهر إدارة الأمر مدار حصول الاطمينان و عدمه، فإن حصل الاطمينان اجتزئ به، و إلا فلا، و من منع من الاجتزاء به فإنما ذلك منه لعدم الاجتزاء بتزكية مجهول العين.

الثالث: فتوى المجتهد على طبق حديث ليس حكما منه بصحته
اشارة

الثالث: إن عمل المجتهد العدل في الأحكام و فتياه لغيره بفتوى على طبق حديث ليس حكما منه بصحته، و لا مخالفته له قدحا فيه و لا في رواته(1)، كما صرح بذلك جماعة منهم ثاني الشهيدين (رحمهما اللّه) في البداية(2)، خلافا لما حكى عن التهذيب(3) و الأحكام(4)و المحصول(5) و المنهاج(6) و المختصر(7) و.. غيرها. بل عن الأحكام دعوى الاتفاق عليه(8) و إن كان ظاهر الفساد.

ص: 128


1- خ. ل: في راويه.
2- البداية: 75 [البقال: 65/2] و ذهب إليه ابن الصلاح في المقدمة: 225، و تبعه البلقيني في محاسن الاصطلاح - المطبوع ذيل المقدمة -.. و غيرهم.
3- انظر الأحكام للآمدي: 390/2، و 385/2، و الإجماع لم أحصل عليه إلا في اجتهاد الصحابي لا مطلقا.
4- الظاهر هو المحصول في شرح وافية الأصول - للتوني - للمحقق السيد محسن بن السيد حسن الكاظمي الأعرجي المتوفى سنة 1227 ه، خطي.
5- المنهاج في أصول الفقه، للشيخ إسماعيل بن الشيخ أسد اللّه الدزفولي الكاظمي، المتوفى سنة 1247 ه، - خطي -.
6- لعله مختصر التذكرة في أصول الفقه للكراجكي الشيخ أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان المتوفى سنة 449، مخطوط، و لا يحتمل كونه المختصر النافع للمحقق.
7- تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 103، و لم أجد تصريحا في المقام منه (قدس سره)، فراجع.
8- الاحكام للآمدي: 390/2
حجة الأول:

ان كل واحد من العمل و المخالفة أعم من كونه مستندا إليه أو قادحا فيه، لإمكان كون الاستناد في العمل إلى دليل آخر من حديث صحيح أو غيره، أو إلى انجبار بشهرة أو قرينة أخرى توجب ظن الصدق، و إمكان كون المخالفة لشذوذه أو معارضته بما هو أرجح منه أو.. غيرهما، و العام لا يدلّ على الخاص.

و حجة الثاني:

ما تمسّك به جمع من أهل هذا القول؛ من أن الراوي الذي عمل العدل بروايته لو لم يكن عدلا لزم عمل العدل بخبر غير العدل، و هو فسق، و التالي باطل، لأن المفروض عدالة العامل، فبطل المقدم.

و فيه: منع كون عمله بخبر غير العدل فسقا مطلقا، لما عرفت من إمكان استناد العمل إلى قيام قرينة من شهرة جابرة و.. نحوها بصدقه مع فسق راويه، فالقول الأول أظهر.

نعم لو علم أن العدل المذكور لا يعمل إلا بخبر الثقة، بحيث حصل الاطمينان باستناده إلى ذلك الخبر بخصوصه دون دليل آخر(1)، و بعدم قيام قرينة خارجية بصدقه كان ذلك منه تعديلا، لكنه فرض نادر.

الرابع: موافقة الحديث للاجماع لا يدلّ على صحة سنده

الرابع: الحق أن موافقة الحديث للإجمال(2) لا يدلّ على صحة

ص: 129


1- أو بكتاب معين، كما قيل ذلك في كتاب كامل الزيارات لابن قولويه (رحمه اللّه)، انظر مقدمة معجم رجال الحديث: 64/1.
2- كذا في الطبعتين، و هو غلط قطعا، و الصحيح: الإجماع.

سنده، لجواز أن يكون مستند المجمعين غيره، أو يكونوا قد استندوا إليه لقيام قرينة خارجية بصدقه، و كذا إبقائهم خبرا تتوفر الدواعي إلى إبطاله لا يدلّ على صحة سنده، لما أبديناه من الاحتمال. المانع للملازمة بين الإبقاء و بين صحة سنده.

الخامس: من لم يقع في كتب الرجال تصريح بعدالته فهو مجهول

الخامس: إنه قد يدخل في بعض الأسانيد من لم يقع في كتب الرجال تصريح بعدالته و وثاقته و لا بضعفه و مجروحيته(1)، فمقتضى القاعدة إدخالهم في المجهولين، بل لعل القاصر يستكشف من عدم تعرضهم لذكرهم في كتب الرجال عن عدم الاعتماد عليهم، بل و عدم الاعتداد بهم. و لكن التأمل الصادق يقضي بخلاف ذلك، فإنا إذا وجدنا بعض الأعاظم من علمائنا المحدثين يعتني كثيرا بشأنه، و يكثر الرواية عنه، أو يترحّم عليه، و يترضّى عنه، كما يتفق ذلك للصدوق (رحمه اللّه) في بعض من يروي عنه، و لم يكن حاله معروفا من غير هذه الجهة. أو يقدح في سند روايته من غير جهته و هو في طريقها، فلا ريب و لا إشكال في إفادة ذلك مدحا معتدا به، بل ربّما يبلغ هذا و أمثاله - بسبب تكثّر الأمارات و تراكم الظنون - حدّ التوثيق، و يحصل لذلك الظن بعدالته و ضبطه، و يكون حاله حال الرجل المعدّل بتعديل معتبر. و قد نبّه على ذلك جمع منهم الشيخ البهائي (رحمه اللّه) في مشرق الشمسين حيث قال: قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث من ليس له ذكر في كتب الجرح و التعديل بمدح و لا قدح غير أن أعاظم علمائنا المتقدمين - قدس اللّه أرواحهم -

ص: 130


1- في الطبعة الأولى: و لا مجروحيته.

قد اعتنوا بشأنه و أكثروا الرواية عنه، و أعيان مشايخنا المتأخرين قد حكموا بصحة روايات هو في سندها، و الظاهر أن هذا القدر كاف في حصول الظن بعدالته(1). و لو تنزّلنا عن دعوى إفادته الظن بالعدالة، فلا أقل من إفادته الظن بوثاقته من جهة الخبر، و كونه موثوقا بصدقه، ضابطا في النقل، متحرزا عن الكذب، و ذلك كاف في الخبر، إذ الشرط في قبوله عندنا هو هذا.

و الحاصل: أنه لا يقطع النظر عن الراوي بمجرد عدم النص عليه بجرح أو تعديل، بل لا بد من الفحص عن حاله، و تطلب الأمارات الدّالة عليه، فلربما تبلغ حد القبول و إن لم تبلغ حد التوثيق و التعديل، و من ذلك: أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد(2)، فإن المذكور في كتب الرجال توثيق أبيه. و أما هو ففي مشرق الشمسين(3)أنه غير مذكور بجرح و لا تعديل، و مثله عن الحاوي(4)، فإنه ذكره في خاتمة قسم الثقات التي عقدها لمن لم ينص على توثيقه، بل يستفاد من قرائن أخر أنه من مشايخ الإجازة و من مشايخ المفيد (رحمه اللّه) و الواسطة بينه و بين أبيه. و عن الوجيزة(5) و الشهيد الثاني (رحمه

ص: 131


1- مشرق الشمسين - المطبوع ضمن كتاب الحبل المتين -: 276 تحت عنوان تبيين، و سيأتي للمقام مزيد بيان و فروع في المقام الثاني في سائر أسباب المدح و أماراته، فلاحظ.
2- انظر تنقيح المقال: 2/1-81 هذا مع أنه من مشايخ المفيد (رحمه اللّه).
3- مشرق الشمسين: 276.
4- حاوي المقال للشيخ عبد النبي الجزائري، لدينا منه نسخة خطية سبق الإشارة إليها.
5- الوجيزة - المجلسي: 11-12 قال: و (أحمد) بن محمد بن الحسن بن الوليد أستاذ المفيد، يعد حديثه صحيحا، لكونه من مشايخ الإجازة، و وثقه الشهيد الثاني أيضا.

اللّه)(1) توثيقه، و عن المتوسط(2) أنه من المشايخ المعتبرين، و قد صحح العلامة (رحمه اللّه) كثيرا من الروايات(3) و هو في الطريق، بحيث لا يحتمل الغفلة، و لم أدر إلى الآن و لا أسمع من أحد يتأمل في توثيقه. فمثل هذا الشيخ الجليل - و إن لم ينص على تعديله كما ذكروا - و لكن فيما سمعت مما يتعلق بأحواله كفاية، و مثله: أحمد بن محمد بن يحيى العطار(4)، فإن الصدوق (رحمه اللّه) يروي عنه كثيرا، و هو من مشايخه، و الواسطة بينه و بين سعد بن عبد اللّه، و مثلهما:

أبو الحسين علي بن أبي جيد(5)، فإن الشيخ (رحمه اللّه) يكثر الرواية

ص: 132


1- البداية و كتب الشهيد و كلّ العبارة للوحيد البهبهاني في التعليقة: 8، و قاله أيضا في حاشيته على منهج المقال: 42 في ترجمة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد. و قد نوقش الوحيد بأنه إن كان نظره إلى حكم العلامة بصحة روايته فهو لا يدل على توثيقه، لأن الحكم من باب الشهادة بالصحة، و ربما كان مبنيا على ما رجحه من دون قطع له فيه به، و شهادته بذلك.
2- كذا، و الظاهر: الوسيط في علم الرجال للميرزا محمد الاسترآبادي صاحب الرجال الكبير و الصغير توجد عندنا منه نسخه خطية ممتازة مكتوبة سنة 1092 ه. جاءت العبارة هناك و قال بعدها: و قد صحح العلامة رحمه اللّه كثيرا من الروايات و هو في الطريق بحيث لا يحتمل الغفلة، و لم أر الى الآن و لم اسمع من أحد يتأمل في توثيقه.
3- في الطبعة الأولى هنا: و حكم العلامة في المختلف.
4- تنقيح المقال: 6/1-95، معجم رجال الحديث: 5/2-323، و غيرهما.
5- تنقيح المقال: 260/2، معجم رجال الحديث: 253/11، و غيرهما.

عنه سيما في الاستبصار و سنده أعلى من سند المفيد، لأنه يروي عن محمد بن الحسن بن الوليد بغير واسطة، و هو من مشايخ النجاشي أيضا. قال في مشرق الشمسين: فهؤلاء و أمثالهم من مشايخ الأصحاب لنا ظن بحسن حالهم و عدالتهم، و قد عددت حديثهم في الحبل المتين و في هذا الكتاب في الصحيح جريا على منوال مشايخنا المتأخرين، و نرجو من اللّه سبحانه أن يكون اعتقادنا فيهم مطابقا للواقع، و هو ولي الإعانة و التوفيق(1). و هو كلام متين، فإن من البعيد جدا اتخاذ أولئك الأجلاء الرجل الضعيف أو المجهول شيخا يكثرون الرواية عنه، و يظهرون الاعتناء به، مع ما علم من حالهم من القدح في جملة من الرواة، و إخراجهم لهم عن قم بأمور غير موجبة للفسق، أ لا ترى إلى إخراجهم رئيسهم أحمد بن محمد بن عيسى البرقي عنها لكونه يروي عن الضعفاء و يعتمد المراسيل، و حينئذ فرواية الجليل فضلا عن الأجلاء عن شخص مما يشهد بحسن حاله، بل ربما يشير إلى الوثاقة و الاعتماد، و إذا انضمت إلى ذلك قرائن أخر أفادت الظن بالعدالة و الثقة، و كان الخبر الذي رواه حجة شرعية، فعليك بالجد و الاجتهاد حتى لا تبادر إلى ترك ما هو حجة(2).

السادس: اذا روى ثقة عن ثقة حديثا و نفاه المروي عنه

السادس: انه إذا روى ثقة عن ثقة حديثا، و روجع المروي عنه في ذلك الحديث فنفاه و أنكر روايته، و كان جازما بنفيه، بأن قال

ص: 133


1- مشرق الشمسين: 277، بلفظه.
2- و كلام المصنف (رحمه اللّه) لا غبار عليه، وجيه على مبناه من الاكتفاء بمجرد الوثوق و الاطمينان دون التنصيص على التوثيق و غيره، فتدبر.

على وجه الجزم ما رويته، أو كذب عليّ و.. نحوه، فقد صرح جمع بأنه يتعارض الجزمان، و الجاحد هو الأصل(1)، و حينئذ فيجب ردّ ذلك الحديث، لكن لا يكون ذلك جرحا للفرع و لا يقدح في باقي رواياته عنه و لا عن غيره، و إن كان مكذّبا لشيخه في ذلك، إذ ليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا، و مقابل قول الجماعة أقوال أخر:

فمنها: عدم ردّ ذلك الحديث المروي، حكي اختياره عن السمعاني و الشافعي(2).

و منها: عدم قدح ذلك في صحة ذلك الحديث، إلا أنه لا يجوز للفرع أن يرويه عن ذلك الأصل، جزم به الماوردي و الروياني(3).

و منها: أنهما يتعارضان و يرجّح أحدهما بأحد المرجحات، حكي ذلك عن إمام الحرمين(4).

ص: 134


1- كما هو صريح الشهيد الثاني في البداية: 80 [البقال: 80/2]، و السخاوي في فتح المغيث: 314/1، و الآمدي في الأحكام: 5/1-334 و غيرهم. و هو نظير البينتين إذا تكاذبتا، إذ الشيخ قطع بكذب الراوي، و الراوي قطع بالنقل، و لكل منهما جهة ترجيح، فيتعارضا و يتساقطا.
2- و أضاف لهما في الفتح: 320/1: ابن السبكي.
3- تدريب الراوي: 335/1. أقول: عنوان المسألة في كتب العامة في ما إذا روى حديثا ثم نفاه المسمع، ثم عددت هذه الأقوال، لا ما إذا روى ثقة عن ثقة حديثا و روجع المروي عنه في ذلك الحديث فنفاه، فتدبر.
4- و قيل بالتوقف فيهما و في الرواية، حكاه في شرح الألفية: 317/1.

و كل ذلك عدا الأول فاسد.

هذا إذا أنكر الأصل رواية ذلك الحديث و كان جازما بنفيه(1).

و أما إذا لم ينكره و لكن قال: لا أعرفه، أو لا أذكره، أو..

نحو ذلك مما يقتضي جواز نسيانه لم يقدح ذلك في رواية الفرع على الأصح الأشهر، لعدم دلالة كلامه على تكذيب الفرع لاحتمال السهو و النسيان من الأصل، و الحال أن الفرع ثقة جازم فلا يرد بالاحتمال(2)، بل كما لا تبطل رواية الفرع و يجوز لغيره أن يروي عنه بعد ذلك، فكذا يجوز للمروي عنه أولا الذي لا يذكر الحديث روايته عمّن ادعى أنه سمعه منه فيقول: هذا الأصل الذي قد صار فرعا إذا أراد التحديث بهذا الحديث: حدثني فلان عني أني حدثته عن فلان بكذا و كذا(3). و قد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعد ما حدثوا بها، و كان أحدهم يقول: حدثني فلان عني عن فلان بكذا، و صنّف في ذلك الخطيب البغدادي أخبار من حدث و نسى، و كذلك الدارقطني(4)، و من ذلك حديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن

ص: 135


1- في الطبعة الثانية من الكتاب: بنفسه، و هو غلط.
2- و استدل له في البداية: 80 بقوله: و بالجملة، فالمانع مفقود، و المقتضي للقبول موجود، و صيرورة الأصل فرعا غير قادح بوجه، كما سيذكره فيما بعد.
3- بألفاظ متقاربة في دراية الشهيد: 80/2.
4- هو أبو الحسين علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني الشافعي (305 أو 306-385 ه) عبّر عنه بأمير المؤمنين في الحديث! صاحب السنن و غيره، انظر تذكرة الحفاظ: 186/3، وفيات الأعيان: 417/1، معجم المؤلفين: 157/7، الأعلام: 130/5، طبقات الشافعية: 310/2، و غيرها.

سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قضى باليمين مع الشاهد(1). قال عبد العزيز الدراوردي: فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة - و هو عندي ثقة - أني حدثته إياه و لا أحفظه، قال عبد العزيز: و قد كان سهيل أصابته علّة أذهبت بعض عقله و نسى بعض حديثه، و كان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة، عنه، عن أبيه(2).

و كيف كان فجمهور أهل الحديث و الفقه و الكلام على أن من روى حديثا ثم نسيه، جاز العمل به لوجود المقتضى و عدم المانع، إذ ليس إلا صيرورة الأصل فرعا، و ذلك غير صالح للمانعية، و خالف في ذلك بعض الحنفية فأسقطوه عن الاعتبار، و هو منهم خطأ.

و الاستدلال لذلك بأن الأصل كما أنه معرض للسهو و النسيان فكذا الفرع مردود، بأن الأصل غير ناف وقوعه، غايته أنه غير ذاكر، و الفرع جازم فيقدم عليه(3).

ص: 136


1- ورد هذا الحديث بمضامين مختلفة عن طريق الخاصة و العامة، انظر الكافي - الفروع -: 385/7 حديث 2 و 8، التهذيب: 375/6 حديث 153، الاستبصار: 33/3. و انظر من مجاميع العامة: صحيح مسلم: كتاب الأقضية: حديث 3، سنن أبي داود: كتاب الأقضية: باب: 21، سنن الترمذي: كتاب الاحكام، باب 13، سنن ابن ماجة: كتاب الأحكام: باب: 31، موطأ مالك: كتاب الأقضية: حديث 5 و 6 و 7، مسند أحمد بن حنبل: 248/1 و 315، 323، 3 / 305، 285/5... و غيرها.
2- حكاه في البداية و غيره.
3- انظر: مستدرك (169) فروع الباب.

الجهة السادسة في بيان الألفاظ المستعملة في التعديل و الجرح بين أهل هذا الشأن:

اشارة

قد استعمل المحدثون و علماء الرجال ألفاظا في التزكية و المدح، و أمارات دالة على المدح و ألفاظا في الجرح و الذم، و أمارات دالة على الذم، و لا بد من البحث عن كل منها ليتبين الصريح منها من الظاهر، و تذييلها بسائر الألفاظ المستعملة في كلمات أهل الرجال الغير(1)الدالّة على التحقيق على مدح و لا قدح.

فنضع الكلام في مقامات:

ص: 137


1- كذا.

ص: 138

المقام الأول في ألفاظ المدح و هي على أقسام:

اشارة

المقام الأول في ألفاظ المدح(1)و هي على أقسام:

فإن منها: ما يستفاد منه مدح الراوي و حسن حاله مطابقة، و حسن روايته بالالتزام، كثقة و عدل و.. نحوهما.

و منها: ما هو بالعكس، كصحيح الحديث، و ثقة في الحديث، و صدوق، و شيخ الإجازة، و أجمع على تصديقه، أو على تصحيح ما يصح عنه و.. نحو ذلك.

ص: 139


1- كان الأولى بالمصنف (قدس سره) تقسيم الألفاظ إلى قسمين: ألفاظ التعديل: كعدل و ثقة و حجة، و ألفاظ المدح غيرها، و المختلف فيه يفرده بالذكر، و يقسم المدح إلى عالي و متوسط و داني، و ما يفيد المدح المطلق و غيره، فتدبر. و في نهاية الدراية: 140 جعل ألفاظ التعديل قسمين: المتفق عليه و هو ثلاثة: عدل و ثقة و حجة، و الباقي مختلف فيه. لاحظ للتوسع في ألفاظ التوثيق و الجرح، الرواشح السماوية: الراشحة الثانية عشرة: 60، و مستدرك رقم (170).

و كل من القسمين: إمّا يبلغ المدح المستفاد منه إلى حد التوثيق أم لا.

ثم كل منهما: إما أن يكون دالا على الاعتقاد الحق أو خلافه أم لا(1).

فهذه اثنا عشر قسما، و يزيد بضم بعض الامور إليه، بأن يكون مع ما ذكر، له دخل في قوة المتن كفقيه، و رئيس العلماء، و فهيم، و حافظ، و له ذهن وقّاد و طبع نقّاد، و.. هكذا، أو لا يكون كذلك، و كذا بتعميم المدح إلى ما ليس له دخل لا في السند و لا في المتن كقارئ و منشئ و شاعر و.. نحوها(2).

ص: 140


1- و ثمرتها - أي الأقسام - تظهر في صورة التعارض و الترجيح، فإن الصحيح بالظن الاجتهادي الحاصل من القسم الأول مقدم على الصحيح الحاصل من القسم الثاني، و يكون أقوى سندا.. و هكذا.
2- و منشأ الاختلاف في عدد ألفاظ المدح و كونها ذات مراتب من حيث الصراحة و الظهور هو الاختلاف في معنى العدالة. فمن اعتبر خصوص الملكة كالشهيد الثاني و الشيخ البهائي و غيرهما - كما مرّ - اقتصر على الألفاظ الصريحة الكاشفة عن ذلك، و من اكتفى بظاهر الإسلام مثلا كالشيخ وسّع دائرة هذه الألفاظ، هذا مع أن هناك ألفاظا متفقا على دلالتها على المدح و العدالة كالضابط و الثقة أو العادل.. و أشباهها. ثم لا يخفى أن منشأ صيرورة الحديث حسنا أو قويا هي الألفاظ التي لها دخل في قوة السند و صدق القول مثل صالح، عدل، خيّر، أما الألفاظ التي لها دخل في المتن كحافظ و فهيم و عالم و غير ذلك فتعتبر في مقام الترجيح و التقوية بعد كون الحديث معتبرا. أما أمثال: شاعر أو قارئ و نظائرهما التي لا دخل لها في المتن و لا السند فلا اعتبار لها من جهة الراوي أو المروي، نعم ربما تضمّ إلى بعض التوثيقات و التعديلات و تصير من أسباب الحسن و القوة إظهارا لزيادة الكمال فهي من المكملات - على حد تعبير المولى الوحيد في التعليقة: 6، و المولى الكني في توضيح المقال: 36 و غيرهما - و على كل فمراتب المدح متفاوتة جدا، و لا بد من القدر المعتد به في الجملة كي يحكم بالتوثيق و التعديل أو الحسن كما لا يخفى، و قد يحصل المعتد به باجتماع قرائن كثيرة كي يصير معتبرا في مقام التقوية و الترجيح، فتدبر. و لا شك أن اعتبار هذه الألفاظ و دلالتها على المدح أو التوثيق فيما لو صدرت من أصحابنا لا مطلقا. بل قد يفيد قدحهم مدحا و مدحهم ذما كالرافضي و الشيعي و غيرهما.

ثم اعلم أن الذي فهمته أن الأواخر إذا قالوا الوثاقة بالمعنى الأعم أرادوا بذلك كون الرجل في نفسه محل وثوق و طمأنينة من دون نظر إلى مذهبه، و إذا قالوا الوثاقة بالمعنى الأخص أرادوا به كونه عدلا إماميا ضابطا، و إذا قالوا العدالة بالمعنى الأخص أرادوا به العدالة في مذهبنا، و إذا قالوا العدالة بالمعنى الاعم أرادوا بذلك كونه ذا ملكة و إن لم يكن إماميا، بأن كان عدلا في مذهبه.

و إذا قد عرفت ذلك فاعلم: أن من ألفاظ المدح قولهم:

قولهم: فلان عدل امامي ضابط

فلان عدل إمامي ضابط،

قولهم: عدل من اصحابنا الامامية ضابط

أو عدل من اصحابنا الإمامية ضابط.

و هذا أحسن العبائر و أصرحها في جعل الرجل من الصحاح.

و قد نفى بعض من عاصرناه من الأجلة(1) الخلاف في إفادته التزكية

ص: 141


1- المراد به الملا علي الطهراني الكني في كتابه توضيح المقال في علم الرجال: 36. فلاحظ. قال في نهاية الدراية: 140: إنها متفق عليها فيما لو أضيفت إلى ثبت أو حافظ أو متقن أو حجة أو غيرها.

المترتب عليها التصحيح بالاصطلاح المتأخر، حتى إذا كان المزكي من إحدى فرق الشيعة الغير(1) الاثنى عشرية(2)، فإن كونه منهم لا يكشف عن إرادته بالإمامي الإمامي بالمعنى الأعم الشامل لتلك الفرق، ضرورة ظهور الإمامي في الاثنى عشري، و كونه اصطلاحا فيه، فوثاقة المزكى تمنع من إرادته باللفظ خلاف ظاهره، كما أنها تمنع من إرادته بالعدالة إلا ما وقع الاتفاق عليه، كما مر توضيحه في ذيل المسألة الثالثة.

ثم لو اقتصر على أحد الألفاظ الثلاثة أو اثنين منها فإن كان أحد الأخيرين أو هما فلا ريب في عدم إفادته المدح البالغ حدّ التوثيق، بل و لا مطلق المدح، و إن كان غيرهما فإما أن يكون الأول خاصة، أو هو مع الثاني، أو هو مع الثالث.

أما على الأول - أعني الاقتصار على كلمة عدل - ففي الاقتصار على المذكور أو استفادة مفاد الأخيرين منه وجهان: للأول منهما أن إحراز كل من الثلاثة شرط في قبول خبره، و الأصل عدم تحقق الشرط إلا بمقدار ما وقع التصريح به، و الاقتصار على المتيقن و دفع المشكوك بالأصل لازم، و لكن الأظهر هو الوجه الثاني(3)، وفاقا لجمع من أهل التحقيق(4).

ص: 142


1- كذا.
2- كابن عقدة و ابن فضال - على قول في الأخير - و أشباههما.
3- و هو كفاية لفظة عدل في التزكية و عدم الحاجة إلى إضافة ضابط و حافظ و نحوها.
4- كالشهيد في درايته: 75 [32/2]، و صاحب نهاية الدراية: 140، بل ادعى في جامع المقال: 36 حكاية الاتفاق على ثبوت التعديل في لفظ ثقة و عدل و حجة، و لا يخلو من تأمل.

لنا؛ أما على الشق الأول - أعني إغناء قولهم عدل عن التصريح بكونه إماميا - فهو أن العدالة المطلقة فرع الإسلام و الإيمان، فإن الكافر و المخالف و الفرق الباطلة من الشيعة ليسوا بعدول قطعا، فحمل العدل في كلام الشاهد على ظاهره - و هو الإمامي العدل - لازم، إذ لا يعدل عن الظاهر إلا لدليل هو هنا مفقود بالفرض. و قد يؤيد هذا الظاهر تارة بالاصالة المستفادة من ولادة كل شخص على الفطرة الظاهرة في التامة في الحق، و لو لانصرافها إليها، فتأمل.

و اخرى: بشهادة كلمات أهل الرجال بذلك، فإن المذكور في أوائل كثير من الكتب الرجالية ككتاب النجاشي(1)، و الفهرست(2)، و رجال ابن شهرآشوب(3) أنها موضوعة لذكر رجال الشيعة. و قد حكي عن الحاوي أنه قال: اعلم أن إطلاق الأصحاب لذكر الرجال يقتضي كونه إماميا، فلا يحتاج إلى التقييد بكونه من أصحابنا، و لو

ص: 143


1- قال النجاشي في أول رجاله: 2 - الهند -:.. و ها أنا ذا أذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح و هي أسماء قليلة.. إلى آخره.
2- قال الشيخ الطوسي في أول الفهرست: 1: فإني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرس كتب أصحابنا و ما صنفوه من التصانيف ثم قال: 3-4:.. فإن تصانيف أصحابنا و اصولهم لا تكاد تضبط لكثرة انتشار أصحابنا في البلدان و أقاصي الأرض.. إلى آخره.
3- في مقدمة رجال ابن شهرآشوب: (معالم العلماء): 2، قال: في فهرست كتب الشيعة و أسماء المصنفين منهم قديما و حديثا.. إلى آخره.

صرح كان تصريحا بما علم من العادة(1).

و عن رواشح السيد الداماد: إن عدم ذكر النجاشي كون الرجل إماميا في ترجمته يدلّ على عدم كونه عاميا عنده(2).

و في منتهى المقال في ترجمة: عبد السّلام الهروي: إن الشيخ محمدا (رحمه اللّه) قال في جملة كلام له ذكرناه في بعض ما كتبنا على التهذيب أن عدم نقل النجاشي كونه عاميا يدلّ على نفيه(3).

و أما على الشق الثاني - و هو كفاية قولهم عدل في التزكية المترتب عليها التصحيح، و عدم اعتبار التصريح بالضبط - فهو أنه يستفاد

ص: 144


1- حاوي الأقوال للشيخ عبد النبي الجزائري المتوفى سنة 1027 ه: 6 - خطي -. بتفاوت يسير، و قال بعده: نعم ربما يقع نادرا خلاف ذلك، و الحمل على ما ذكرناه عند الإطلاق مع عدم الصارف متعين.
2- الرواشح السماوية: الراشحة السابعة عشرة: 68 قال - بعد بحث -: فإذن قد استبان لك أن من يذكره النجاشي من غير ذم و مدح و يكون سليما عنده عن الطعن في مذهبه و عن القدح في روايته، فيكون بحسب ذلك طريق الحديث من جهته قويا لا حسنا و لا موثقا، و لم أجد نص عبارة المصنف (رحمه اللّه) في الرواشح، فراجع. أقول: سيأتي كلام القوم في جمع من الرجاليين - كالنجاشي و العلامة و غيرهما - فيما إذا ذكروا رجلا و لم يمدح و لم يقدح منهم فهل يدّل ذلك على وثاقته أو حسنه أو قوته أم لا.
3- منتهى المقال: 177، و قال بعده: و يؤيده ما رواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (عليه السّلام).. إلى آخره.

الضبط بمئونة غلبة الضبط في الرواة المؤيدة تلك الغلبة بالأصل، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في ذيل الكلام على اعتبار الضبط(1)، فراجع.

و ربما علّل بعضهم إغناء قولهم: عدل عن التصريح بالإمامية و الضبط بظهور قولهم في ذلك عند الإطلاق، أما لانصرافه إلى الفرد الكامل، أو لأن القائل إذا شهد به فظاهره بيان أنه ممن يترتب على قوله ما يترتب على قول البينة إذا انضم إلى مثله، و على الشاهد الواحد مع عدمه، بل ظاهره بيان أنه ممن يثبت له جميع آثار العدالة خصوصا في علم الرجال الموضوع لتشخيص من يؤخذ بقوله و لو مع فقد قرائن أخر للاعتماد و الاعتبار، و لعله لذلك يكتفي بالشهادة بالعدالة في تزكية الشاهد في مقام المرافعات و التقليد مع اعتبار الإمامية و الضبط في الشاهد و المجتهد المقلد أيضا. و قد يؤيد المطلوب بأنهم يصفون الخبر بالحسن إذا مدح رواته بما لا يبلغ الوثاقة مع اعتبار الضبط و الإمامية في العمل به، بل في مفهومه أيضا، و كذا في الموثق بالنسبة إلى الضبط، و أقوى تأييدا لاستفادة الضبط بعد البناء على اعتباره أنهم قلّما يذكرونه في حق الرجال، فلو لا دلالة المدح و التوثيق و.. نحوهما على الضبط لكان مدحهم و توثيقهم من غير تصريح بالضبط خاليا عن فائدة، فتصريحهم في بعض الرجال بالضبط تأكيد منهم.

و مما ذكرنا ظهر الحال فيما لو اقتصر على اللفظ الأول مع الثاني أو هو مع الثالث(1).

ص: 145


1- انظر صفحة: 43 من هذا المجلد.
قولهم: ثقة
اشارة

و منها: قولهم: ثقة(1) [(2)و أصلها من الوثوق، يقال: وثق به ثقة ائتمنه، و الوثيق: المحكم، كذا قال في القاموس(3) و.. غيره(4)، فهي صفة مشبهة تدل على الدوام و الثبوت، و تقتضي الاطمئنان من الكذب و التحرز عن السهو و النسيان، إذ مع اعتياد الرجل الكذب و كثرة السهو و النسيان لا يمكن الوثوق به، و يمكن أن يسري إلى باقي

ص: 146


1- لا ينبغي التأمل في ما أفاده (قدس سره) إذا كان النظر إلى كتاب رجاله بل و لا يختص به، و أما لفظة: من أصحابنا، فالظاهر أنها كذلك عند الإطلاق، إلا أنه قد يظهر من بعض كلمات قدمى الرجاليين خلاف ذلك، كما في ترجمة عبد اللّه بن جبلة و معاوية بن حكيم و غيرهما، مع ما صرح به الشيخ في أول فهرسته - و قد مرّت عبارته آنفا - من أن كثيرا من مصنفي أصحابنا ينتحلون المذاهب الفاسدة.. كما نصّ عليه غير واحد من أعلامنا كالمولى الوحيد في فوائده - التعليقة -، و الملا علي الكني في توضيحه و غيرهما في غيرهما. و يقوي الاحتمال أيضا من اكتفائهم بقولهم: ثقة، في ثبوت العدالة و الإمامية، أو مع الضبط أيضا - كما سيأتي -، لأن قولهم: عدل أما مثله أو أقوى. و أيضا فهم يصفون الخبر بالحسن إذا مدح رواته بما لا يبلغ الوثاقة مع اعتبار الضبط و الإمامية في العمل به بل في مفهومه أيضا، و كذا في الموثق بالنسبة إلى الضبط بل هو أقوى مؤيدا لاستفادة الضبط بعد البناء على اعتباره، فلاحظ.
2- ما بين المعكوفين من زيادات الطبعة الثانية.
3- القاموس المحيط: 287/3 بتصرف. [أو صفحة: 297 من طبعة دار الجيل].
4- قاله الفيومي في المصباح المنير: 891/2. انظر أيضا: لسان العرب: 2/10-371، تاج العروس: 4/7-83، قال في معجم مقاييس اللغة: 85/6: وثق كلمة تدلّ على عقد و إحكام، و وثقت الشيء أحكمته... و الميثاق العهد المحكم، و هو ثقة، و قد وثقت به. بل الذي يظهر من الشهيد في المسالك أنها حقيقة شرعية في العدل - كما نص عليه

أنواع المعاصي، فإن العادة تقضي بعدم الوثوق بشارب الخمر و مرتكب الفجور و.. غير ذلك من المعاصي، و هذا هو المراد بالعدالة بمعنى الملكة التي تبعث على ملازمة التقوى و اجتناب الكبائر و الإصرار على الصغائر، و لذلك اتفق الكل على إثبات العدالة بهذه الكلمة من غير شك و لا اضطراب(1)، و حينئذ فحيثما](2) تستعمل هذه الكلمة في كتب الرجال مطلقا من غير تعقيبها بما يكشف عن فساد المذهب تكفي في إفادتها التزكية المترتب عليها التصحيح باصطلاح المتأخرين، لشهادة جمع باستقرار اصطلاحهم على إرادة العدل الإمامي الضابط من قولهم: ثقة(3). و قد سمعت في تنبيهات الكلام على اشتراط

ص: 147


1- في نهاية الدراية: 141 - قال: و الظاهر أن المراد بالثقة العدل لأنه الثقة شرعا. و حكى عن صاحب الرياض أنه معنى مصطلح عليه بين المتشرعة، و ادعى الأسترآبادي في لب اللباب: 20 - خطي -: الاتفاق في كون ثقة من ألفاظ التعديل و كذا غيرهم.
2- إلى هنا من زيادات الطبعة الثانية، و في الاولى: فإنه حيثما.. إلى آخره.
3- بل عن جمع من المحققين - كما مرّ - أنه إذا قال النجاشي: ثقة و لم يتعرض لفساد المذهب فظاهر أنه عدل إمامي، لأن ديدنه التعرض لفساد المذهب، فعدمه ظاهر في عدم الظفر، و هو ظاهر في عدمه، لشدة بذل جهده وسعة باعه في الفن، و هذا القدر المتيقن من الدعوى، و لا يخفى ما فيه من تأمل، و من أين لهم هذه الملازمة في ما لو لم يتعرض إلى فساد المذهب لزم كونه إماميا مع أن ديدنه التعرض إلى الصحة إن كان صحيحا، و الإمامية إن كان إماميا.. و الحق التوقف مع عدم مرجّح من غيره، إذا لم تحرز كون ديدنه التعرض، أو أحرز كون ديدنه عدم التعرض إلا من كان مخالفا في المذهب، فتدبر.

الضبط عبارة مشرق الشمسين الناطقة بذلك(1) و بان السر في عدولهم عن قولهم: عدل الى قولهم: ثقة افادة الضبط، لاجتماع العدالة مع عدم الضبط بخلاف قولهم: ثقة، اذ لا وثوق بمن يتساوى سهوه و ذكره أو يغلب سهوه على ذكره، فقولهم ثقة اقوى في التزكية المصححة للحديث من قولهم: عدل. لان الضبط هناك كان يحرز بالاصل و الغلبة، و هنا بدلالة اللفظ بعد استقرار اصطلاحهم المذكور مع ما تقرر في محله من حمل كلام كل ذي اصطلاح على مصطلحه عند عدم القرينة على الخلاف، و كفى بالمحقق البهائي (رحمه اللّه) شاهدا باستقرار الاصطلاح(2)، مضافا الى تأييدها بشهادة المحقق الشيخ محمد (رحمه اللّه) بانه اذا قال النجاشي: ثقة، و لم يتعرض لفساد المذهب، فظاهره انه: عدل امامي، لان ديدنه التعرض للفساد، فعدمه ظاهر في عدم ظفره، و هو ظاهر في عدمه، لبعد وجوده مع عدم ظفره، لشدة بذل جهده و زيادة معرفته، و عليه جماعة من المحققين(3). [و ان كان قصره على النجاشي محل منع، فان الاصحاب لا يفرقون بين صدور هذه الكلمة من النجاشي أو..

غيره، و لقد اجاد الوحيد البهبهاني (رحمه اللّه) حيث جعل](4) ذلك من

ص: 148


1- راجع الصفحة: من هذا المجلد.
2- مشرق الشمسين: 296 (من طبعة بصيرتي ضمن كتاب الحبل المتين و غيره).
3- كما حكى العبارة الوحيد في تعليقته على منهج المقال: 5 بتغير يسير. و قد ناقشنا العبارة قريبا، فلاحظ.
4- ما بين المعقوفين من زيادات على الطبعة الاولى، و فيها: بل جعل الوحيد البهبهاني.. إلى آخره.

المسلّمات في حق النجاشي و.. غيره. قال في التعليقة - بعد نقل عبارة الشيخ محمد (رحمه اللّه) ما لفظه -: لا يخفى ان الرواية المتعارفة المسلّمة المقبولة انه اذا قال عدل إمامي - النجاشي كان أو غيره - فلان ثقة انهم يحكمون بمجرد هذا القول بانه عدل إمامي(1)، اما لما ذكر، أو لأن الظاهر من الرواة التشيّع(2)، و الظاهر من الشيعة حسن العقيدة، أو لأنهم وجدوا منهم انهم اصطلحوا ذلك في الإمامية و ان كانوا يطلقون على غيرهم مع القرينة، فان معنى ثقة عادل أو عادل ثبت، فكما ان عادلا ظاهر فيهم فكذا ثقة، أو لأن المطلق ينصرف الى الكامل أو.. لغير ذلك على سبيل منع الخلو(3).

و يؤيد ذلك انك تراهم يصححون السند اذا كان رجاله ممن قيل في حقه ثقة أو عادل بدون التصريح بالضبط او كونه اماميا، مع ان المعروف المدعى عليه الاجماع اعتبار كونه اماميا ضابطا في التسمية

ص: 149


1- كما هو ظاهر، كذا في نسختنا من المصدر.
2- لا يخفى ان هذا ليس من باب الظهور بل من باب الانصراف الى الفرد الشائع كما نص عليه النراقي في شعب المقال: 23، هذا و دعوى شيوع الشيعة في الاثني عشرية ممنوعة، بل قد يقال في غيرهم اظهر آنذاك، لا سيما في زمن الائمة سلام اللّه عليهم، و لا اقل من كونهم و غيرهم على حد سواء، فتدبر. هذا اذا لم يكن المزكي اماميا و ظهور حاله بكلمة الثقة ذلك، خصوصا اذا كان ديدنه التعرض لغير الامامى.
3- التعليقة: 5، مع تغير يسير. قال في التكملة: 46/1... لكن يؤخذ بالمتيقن و هو الاعتماد بالحديث. و لا يبعد ادعاء الخلاف في مثله في الوثاقة النفسية أو المقيدة بما قيدت به.

بالصحيح، فعملهم مع بنائهم على اشتراط الضبط أقوى شاهد على استفادة الضبط من هذه اللفظة(1) فتأمل كي يظهر لك إمكان استفادة الضبط من الخارج صرفا للأصل أو للغلبة على ما مرّ(2).

و ربما جعل بعضهم قولهم: ثقة مع عدم التنبيه على فساد المذهب دالا على أمور:

أحدها: إنه ضابط، للأصل و الغلبة المزبورتين، مضافا إلى تصريح اللغويين بما يقتضي ذلك، قال في المصباح المنير: وثق الشيء

ص: 150


1- خصوصا و أن ديدن الرجاليين إطلاق لفظة الثقة غالبا دون لفظ عدل أو عادل و قلنا: إن الضبط يرادف الثبت وضعا و استعمالا و إرادة، أو يقرب منه، كما نصّ عليه في الفصول و في غيره من كتب الأصول. و هذا هو الظاهر من آخر كلام المصنف (قدس سره).
2- أقول: هذا الاحتمال و إن لم يكن بعيدا في اللفظة إلا أنه بعيد في المقام، لظهور الوثوق الشخصي لغة و عرفا في الائتمان و الاعتماد به - كما سطرنا لك قريبا كلمات اللغويين - و الأصل عدم النقل، أ لا ترى أنه يقال: ثقة إلا أنه قليل الضبط أو كثير النسيان و أشباه ذلك مع أنهم قالوا: فلان ثقة واقفي و لا منافرة. فتأمل. فإن إطلاق الثقة واردة غير الضابط و كذا غير الإمامي مع القرينة لا ينافي قولهم إن هذه الكلمة عند إطلاقها من دون قرينة ظاهر في العدل الإمامي الضابط، نعم إن كان قولهم ثقة نصا فيما أفادوه لصح ما ورد، و سيأتي له قريبا مزيد بيان. ثم قد مرّ كلام الشيخ في العدة و غيره في بحث الصحيح، و أن اصطلاح القدماء في الصحيح أن يطلق على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، أو اقترانه بما يوجب الوثوق به و الركون إليه، أما بالذات أو بالعرض، فتأمل أيضا كي يظهر لك الفرق بين الوصف للراوي و الرواية.

- بالضم - وثاقة، قوي و ثبت فهو وثيق ثابت محكم. و أوثقته جعلته وثيقا، و وثقت به أثق - بكسرهما - ثقة و وثوقا ائتمنته، و هو و هي و هم ثقة لأنه مصدر، و قد يجمع في الذكور و الإناث فيقال: ثقاة(1) كما قيل: عدات(2). و مثله في كلمات غيره من أهل اللغة(3)قال في فتح المغيث: 18/1: إن تفسير الثقة بمن فيه وصف زائد على العدالة و هو الضبط إنما هو اصطلاح لبعضهم.

أقول: لا تنافي في كلام المصنف (رحمه اللّه) هنا و ما سيأتي من البحث في كيفية الجمع بين قولهم: ثقة غير ضابط، حيث الكلام هنا ناظر إلى الاقتضاء الأولي للكلمة و المنصرف العرفي لها.(4)، و لا اعتماد مع عدم الضبط، و إذا ثبت ذلك لغة فكذا عرفا لأصالة عدم النقل، مضافا إلى التنافر في عرف أهل الرجال في قولهم: فلان ثقة كثير النسيان، ما ليس في قولهم فلان ثقة فطحي أو واقفي، و يقال كثيرا:

فلان نصراني ثقة، و لا يقال: ثقة كثير النسيان(4).

ثانيها: أنه إمامي، للشهادات المزبورة، مضافا إلى كشف اللفظة عن العدالة كما يأتي، فتكشف عن الإمامية بالطريق الأولي(5)، لوضوح عدم اجتماع العدالة المصطلحة مع فساد المذهب.

ثالثها. أنه مأمون الكذب صدوق معتمد عليه، لأنه مقتضى ما سمعت من أهل اللغة في تفسير اللفظة، مضافا إلى أنه المفهوم

ص: 151


1- كذا، و الصحيح: ثقات، كما في طبعة المصباح، و إن كان لما ذكره هنا وجه.
2- المصباح المنير: 891/2، بنصه.
3- انظر المصادر اللغوية في صفحة: 145 تعليقه رقم (3)
4- .
5- الظاهر زيادة الألف و اللام في الكلمتين: بطريق أولي. و لعله: الأولى، و اللّه أعلم.

و المتبادر منها عرفا، و إلى عدم صحة سلبها عمن اتصف بذلك.

رابعها: إنه عادل متجنب عن المعاصي مقبول الشهادة، لتبادر ذلك من اللفظة و صحة السلب، فإنه يصح أن يقال لمن لم يكن عادلا أنه ليس بثقة و إن كان صدوقا، و يكذب من قال رأيت الثقة إذا رأى فاسقا متحرزا عن الكذب، و يستقبح قول فلان ثقة و يشرب النبيذ، كما يستقبح أن يستفهم بعد قوله فلان ثقة عن ارتكاب الفجور.

لا يقال: المعنى المذكور مخالف للمعنى اللغوي، و هو مطلق الأمانة، فصيرورته حقيقة في هذا المعنى يستلزم النقل، و الأصل عدمه.

لأنّا نقول: أصالة عدم النقل لا تجري في قبال الوجوه المزبورة المثبتة للنقل.

لا يقال: إن غاية ما يستفاد من تلك الوجوه كون لفظ الثقة حقيقة في المعنى المزبور في هذه الأزمنة، و لا يستلزم ذلك أن يكون كذلك في الأزمنة السابقة، كزمان الشيخ و النجاشي و العلامة، بل مقتضى أصالة تأخر الحادث الحكم بموافقة زمانهم لزمان اللغة.

لأنّا نقول: أولا: إن كلماتهم تكشف عن سبق النقل كما لا يخفى على من لاحظها، و كفاك قول الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية: إن لفظة الثقة و إن كانت مستعملة في أبواب الفقه أعمّ من العدالة، لكنها هنا لم تستعمل إلا بمعنى العدل، بل الأغلب

ص: 152

استعمالها خاصة(1).

و ثانيا: إن أصالة تأخر الحادث محكومة بأصالة تشابه الأزمان(2)، و لو تنزّلنا عن جميع ذلك و سلمنا عدم استقرار اصطلاح علماء الرجال على إرادة العدل من الثقة، فقد يقال بإمكان دعوى لزوم الحكم بعدالة من صرحوا بأنه ثقة إذا لم يقم على فسقه دليل.

أما لأن الغالب استعماله في العدل، فالإطلاق ينصرف إليه.

أو لأنه إذا لم يتعرضوا لفسقه يظهر عدمه، لأنه يبعد عدم اطّلاعهم على فسقه أو سكوتهم عن بيان فسقه بعد الاطلاع عليه.

أو لأن الغالب كون الصادق المتحرز عن الكذب عادلا فيلحق الفرد المشكوك فيه بالغالب عملا بالاستقراء.

أو لأن المستفاد من طريقة متأخري الأصحاب الحكم بعدالة الراوي بمجرد قولهم فلان ثقة.

أو لأنه إنما يصرحون بالتوثيق ليعمل بخبره، و هو لا يجوز إلا مع عدالته.

بقي هنا أمور ينبغي التنبيه عليها:
الاول: حكم ما لو قال القائل: ثقة غير عدل أو ما شاكل ذلك

الأول: إن قائل اللفظة لو عقبها متصلا بها أو منفصلا أو أتى

ص: 153


1- البداية: 76 [67/2].
2- أقول: لا معنى لأصالة تشابه الأزمان مع فرض النقل و تغاير الأزمان، و كون الشك في التشابه شكا في مقوم موضوع الاستصحاب أو الأصل، فتأمل.

غيره ممن يقدم قوله على قول القائل المذكور أو يعارض بقوله بما فيه نفي أحد المعاني المزبورة، كما إذا قال القائل: إن فلانا ثقة غير عدل، أو ثقة غير إمامي، أو ثقة فطحي، أو مخالف، أو ثقة غير ضابط، او كثير السهو، أو قال القائل: إنه ثقة، فهل يستند إلى اللفظة في غير المنفي من مداليلها أم لا؟.

أو يفصل بين ما ينفي العدالة و بين ما ينفي الضبط أو الإمامية بالقبول في الباقي على الثاني دون الأول.

أو بين ما إذا كان نفي أحد المعاني من القائل نفسه أو من غيره بالعمل بما بقي بعد النفي من مداليلها على الأول، و إلقاء التعارض و التماس المرجّح على الثاني، وجوه:

للأول منها: إن اللفظة تنحل إلى المعاني المذكورة، فنفي أحد المعاني إنما يعارض اللفظة في ذلك المعنى خاصة، فيجب قبولها في الباقي لعدم المعارض، فإنه لا ملازمة بين نفي مفاد أحد مداليل لفظ نفي غيره حتى يتصور التعارض، فهو كعام خصّ، أو مطلق قيّد، فكما أنهما حجة في الباقي فكذا هنا.

و للثاني: إنه إذا كانت اللفظة دالّة على المعاني المزبورة كان نفي أحدها معارضا لها، فتسقط اللفظة عن الاعتبار بالنسبة إلى الباقي أيضا على نحو ما قيل في العام المخصص، و أنت خبير بأنه غلط فاحش، ضرورة أن رفع اليد عن بعض ظواهر لفظ لقرينة لا يوجب رفع اليد عما لا قرينة على إخراجه. و ما أقيم دليلا على عدم حجية

ص: 154

العام المخصص في الباقي واضح الفساد، كما قرّر في محله.

و للثالث: أما على القبول في الباقي إذا كان المنفي غير العدالة فحجة الأول، و أما على عدم القبول فيما إذا كان المنفي العدالة فهو أن قولهم: عدل، و قولهم: ثقة مترادفان، فنفي العدالة يعارض إثبات الثقة.

و فيه: منع ترادفهما، و إنما الوثاقة تنحل إلى معاني أحدها:

العدالة، فنفي أحدها لا يستلزم نفي الباقي، فقوله: هو ثقة غير عدل، بمنزلة قوله: هو إمامي ضابط(1) مأمون الكذب و ليس بصاحب ملكة، فكما لا منافاة بين قوله إمامي ضابط مأمون الكذب و قوله ليس بصاحب ملكة، فكذا لا منافاة بين قوله ثقة و ليس بعدل، فيؤخذ باللّفظة في غير المخرج من ظواهرها.

و للرابع: أما على الشق الأول فحجة الأول، و أما على الشق الثاني: فهو أن لفظة ثقة ظاهرة في المعاني المزبورة، فيعارضه نفي أحد تلك المعاني لإثباتها، و ليس النفي و الإثبات من واحد حتى يجعل النفي نصا في عدم بعض المعاني مقدما على ظاهر اللفظة في ذلك المعنى بالخصوص، و إبقاء اللفظة بالنسبة إلى بقية المعاني على أصالة حجية الظاهر، فإن كلام شخص لا يكون قرينة على المراد بكلام الآخر.

و فيه: أنه كما التزم هذا القائل بجعل النفي عند اتحاد القائل قرينة على كون المثبت غير المنفي، فليلتزم بتقديم نص النافي فيما نفاه

ص: 155


1- في الطبعة الأولى: غير ضابط، و هو غلط.

من المعاني على ظاهر المثبت، و الأخذ في غير المنفي من المعاني بظاهر المثبت السليم عن المعارض، فكأن المثبت قال: هو عدل إمامي ضابط. و قال النافي: أما عدالته أو إماميته أو ضبطه فلا، و أما الوصفان الآخران فلا أدري، فإن شهادة المثبت تبقى بالنسبة إلى ما سكت عنه النافي سليما عن المعارض.

فظهر أن أظهر الاحتمالات الأربعة هو الأول، و عليه عمل المتأخرين في ملاحظة أسانيد الأخبار(1)، كما لا يخفى.

الثاني: تقرير اشكال على المختار

الثاني: قد يورد على ما بيناه من استقرار الاصطلاح على ارادة العدل الإمامي الضابط من قولهم ثقة إشكال، تقريره: إنهم كثيرا ما يطلقون اللفظة في حق شخص ثم يصرحون متصلا به أو منفصلا، و كذا يصرح غيرهم بأنه فطحي أو واقفي أو عامي، فلو كان فيها دلالة على الإمامية كان بين التصريحين تناف و تناقض، و نحن نراهم لا يرتبون آثار التنافي، بل يبنون على الجمع بينهما إلا عند مرجح خارجي للأول. و بالجملة، فمقتضى التناقض التزام الترجيح مطلقا، فالتزامهم بتقديم الأخير على الأول و عدم التماس المرجح يكشف عن عدم دلالة اللفظة على الإمامية(2).

و يمكن دفع هذا الإشكال تارة: بأن عملهم يكشف عن

ص: 156


1- و هذا مختار جمع من المتأخرين على رأسهم مجدد المذهب الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال: 5.
2- انظر مستدرك رقم (171) الإشكال و جوابه.

إرادتهم بقولهم ثقة فيما إذا عقبوه بقولهم واقفي أو.. نحوه أنه موثق مؤتمن ضابط(1).

و أخرى: بأن استفادة الإمامية من نفس قولهم ثقة أو مع القرينة لم تكن لدعوى صراحتها في ذلك حتى يلزم ما ذكر، بل المدعى ظهورها فيه، و لا ريب في أنه يخرج عن الظهور بالتصريح بالخلاف إذا لم يكن موهونا في نفسه، أو بأمر خارج، و لم يكن الظهور معتضدا بما لا يقاومه التصريح المذكور، فإن الجمع بين إطلاق توثيق شخص و رمي الآخر للموثق بالفطحية و.. نحوها ليس من الجمع بين المطلق و المقيد تعبدا أو ما يقرب منه، بل للظهور النوعي الذي يقدم عليه الظهور الشخصي على البناء على اعتبار الظن - كما هنا و في باب الألفاظ -، و الموثّق لعله لم يقف على ما ذكره المضعّف، أو اكتفى بظهور حال المضعف، أو بقرينة أخرى خارجية، فلا نقول بمسامحته و لا تقصيره و لا خطئه، مع أنه لا يوجب خطأه في أصل مدلول اللفظ، و هو العدالة المطلقة.

و المناقشة في ذلك بناء على القول بالملكة بأن المعدّل ادّعى كونه عادلا في مذهبنا، فإذا ظهر كذبه فالعدالة في مذهبه من أين؟ مدفوعة، بمنع ظهور كذبه بمجرد ظهور كونه فطحيا أو عاميا بعد إمكان وجود الملكة في المشهود له، غايته أنه ليس عدلا على مذهبنا. و خطأه في كونه من أهل مذهبنا لا يستلزم خطأه في إحراز كونه ذا ملكة رادعة.

ص: 157


1- و بعبارة أخرى: أن كل ذلك مع القرينة الصارفة لا مطلقا، و الكلام في صورة الإطلاق كما لا يخفى.

و بعبارة اخرى، أصل المعنى المعبّر عنه بالعدالة و الوثوق الموجب للركون إلى قول صاحبه و الاعتماد عليه هو معنى عام لا يختص بدين دون دين، و لا بمذهب دون مذهب، فإنه عبارة عن التزام العبد بمهمات ما في دينه، و معظمات ما في مذهبه، أو عن حالة ذلك فيه.

و إنما الاختلاف فيما في الدين و المذهب، غايته ظهورها عند الإطلاق و موافقة المعدّل و المعدّل في المذهب في العدالة في ذلك المذهب، و لذا يقيدونها عند الاختلاف في المذهب بالعدالة في مذهبه، صرفا للفظ عن الظهور الناشئ من الإطلاق الموجب للاختصاص ببعض أفراد المطلق، فتدبر جيدا.

الثالث: حكم قول الامامي ان فلانا ثقة

الثالث: إنه إذا قال غير الإمامي: إن فلانا ثقة، دلّ على أنه متحرز عن الكذب صدوق مؤتمن، بل لا يبعد دلالته على أنه عادل في مذهبه، و في دلالته على كونه إماميا عدلا في مذهبنا مبني على إحراز التزام ذلك القائل بالاصطلاح الجاري في لفظ الثقة، فإن علم إرادته الثقة بالاصطلاح المزبور اعتبر، و إلا فالأظهر عدم دلالتها(1) على كون المشهود له إماميا، و لا كونه عدلا على مذهبنا، ضرورة أن حمل اللفظ على المعنى المصطلح فرع إحراز كون المتفوه به من أهل ذلك الاصطلاح، فما لم يحرز ذلك يلزم حمل اللفظ على معناه اللغوي، و قد مرّ أن الثقة في اللغة و العرف هو المؤتمن المعتمد المتحرز عن الكذب، و ذلك أعم من كونه إماميا أو عدلا على مذهبنا، بل لو شهد غير الإمامي بعدالة شخص بقوله: هو عدل، كان ظاهر حاله

ص: 158


1- كذا في الطبعة الأولى و هو الظاهر، و في الطبعة الثانية له: دلالتهما.

بالظهور النوعي إرادته العادل عنده و في مذهبه، فيلزمه موافقة مذهب المشهود له لمذهب الشاهد. نعم لو أحرز من الخارج التزام الشاهد بالاصطلاح الحادث في لفظي الثقة و العدل كان لازم ديانته و وثاقته في مذهبه ارادته من لفظ الثقة الإمامي العدل الضابط، و لو شك في التزامه بالاصطلاح فالأصل العدم. فظهر مما ذكرنا سقوط ما صدر من بعض أجلّة من عاصرناه من إطلاق دلالة قول غير الإمامي فلان ثقة على كون المشهود له إماميا بالمعنى الأخص عادلا بمذهبنا، فلاحظ ما ذكره و تأمل(1).

الرابع: حكم قول العدل: إن فلانا ليس بثقة

الرابع: إنه إذا قال عدل من أهل الرجال: إن فلانا ليس بثقة

ص: 159


1- قاله ملا علي الكني في توضيح المقال: 38، بعنوان تنبيه: إنه إذا كان الجرح في حق من قيل في حقه عدل أو ثقة من غير أصحابنا كجرح ابن فضال لأبان برميه بالناووسية، سواء كان في الاعتقاد - كما مرّ - أو في الجوارح، فهل يقبل مطلقا أو لا كذلك، أو يبنى على حصول الظن الشخصي إن كان في أحد الجانبين و إلا فالنوعي، الأظهر الأخير، لأنه إذا كان عدلا أخبر عن أمر، فالقاعدة قبول قوله سواء أخبر عن مثل ما فيه في غيره أو غيره أو يلاحظ بعد ذلك ما هو المقرّر في تعارض الجرح و التعديل بالإطلاق و التقيد إذا جرح بالاعتقاد خاصة، و بالتباين إذا جرح بغيره.. هذا كلامه (علا مقامه)، و أنت بصير بما فيه، و عدم تمامية إطلاق المصنف (قدس سره)، فتدبر. و قد فصّل المسألة في نهاية الدراية: 144-145 و لم يتعرض للإشكال. و أكثر إشكالا ما لو كان الجارح إماميا و المعدّل غيره و هو ثقة، أما عكس ذلك فحاله ظاهر سواء قلنا إن التعديل و الجرح من باب الشهادة أو الرواية أو الظنون الاجتهادية. انظر مستدرك رقم (172) فوائد: النسبة بين العدالة و الوثاقة، و إذا وثق رجل فهل يدلّ ذلك على عدالته؟.

فعند من ينكر استقرار الاصطلاح في لفظ الثقة، و يدعى استفادة عدالة الراوي، و كونه إماميا من القرائن الخارجية لا تفيد الشهادة المزبورة إلا نفي تحرزه عن الكذب، و أما عند من التزم باستقرار الاصطلاح(1)، فمفاد الشهادة المذكورة أنه ليس فيه مجموع الصفات الثلاث، و لا يدلّ على انتفاء جميعها أو بعض منها بالخصوص، فلو قام دليل على اتصافه ببعضها لم يكن ذلك معارضا له. نعم لو قام دليل على اتصافه بجميعها كان ذلك معارضا له، و وجب الرجوع إلى ما تقتضيه قاعدة التعارض. و يحتمل بعيدا عدم دلالة النفي المزبور إلاّ على نفي تحرزه عن الكذب حتى على المختار من استقرار الاصطلاح، لأن الاصطلاح المذكور إنما ثبت استقراره عند إثبات الثقة لشخص دون نفيها عن شخص(2)، فتأمل(3).

الخامس: من كرر في حقه لفظ الثقة

الخامس: إنه قد يتفق في بعض الرواة أنه يكرر في حقه لفظ الثقة(4)، و ذلك يدل على زيادة المدح، كما صرّح بذلك جمع منهم ثاني الشهيدين في البداية(5) و لكن ربما يحكى عن جمع من أهل اللغة

ص: 160


1- أي كون لفظ الثقة موضوعا للمفهوم المركب من التحرز عن الكذب و العدالة و كونه إماميا.
2- إلى هنا بألفاظ متقاربة حكاه في نهاية الدراية: 145-146 عن المفاتيح للسيد.
3- وجه التأمل ظاهر، حيث لا قائل بالفصل، و سياق الدلالة و كذا اللغة و العرف لا يفرق فيهما، فتأمل.
4- كما في أحمد بن داود بن علي القمي، و ابن حمزة بن اليسع القمي، و الجارود بن المنذر (رجال النجاشي - إيران -: 74-71-101)، و غيرهم.
5- البداية: 76 [البقال: 67/2]، و شعب المقال: 23، معين النبيه: خطي - 27، و الشيخ البهائي في مشرق الشمسين، قال والد البهائي في وصول الاخيار : 188 [التراث: 192، بتفاوت] و أعلى مراتب التعديل ثقة، و قد يؤكد بالتكرار و إضافة ثبت و ورع و شبههما مما يدل على علو شأنه. و في التكملة: 46/1 قال و هو المشهور، و تبعه الوحيد في تعليقته 6 و غيرهما، و اتفق التكرار في جماعة كصفوان بن يحيى، و عبيد بن زرارة، و حميد بن المثنى و غيرهم.

- منهم ابن دريد في الجمهرة(1) - أن من جملة الاتباع قولهم: ثقة نقة - بالثاء في الأول و النون في الثاني - و حينئذ فاحتمل بعضهم أن يكون ما وقع فيه الجمع بين هاتين الجملتين جرى على طريق الاتباع لا التكرار، ثم ضعف فاعتقد أنه مكرر(2) و يبعد هذا الاحتمال جزم جمع منهم ابن داود(3) في رجاله بالتكرار، و لا يضرّ خلو كلام السابقين عليه عن التعرض لبيان المراد منه، [(4)و يزداد الاحتمال بعدا بعدم تداول كلمة نقة - بالنون - على ألسن أهل الرجال و الحديث، و لا تكلّم بها أحد قط، و استعمالها عقيب ثقة فقط لا

ص: 161


1- جمهرة اللغة: 1253/3 العمود الثاني، باب جمهرة من الاتباع.
2- كما جاء في تعليقة الوحيد: 6 من قوله: و اعلم أن الظاهر و المشهور أن قولهم ثقة ثقة تكرارا [خ. ل: تكرر اللفظة] للفظ تأكيدا، و ربما قيل إن الثاني بالنون موضع الثاء.. إلى آخره، و كان شيخنا الأستاذ التبريزي دام ظله مصّر و مصرح بهذا في درسه.
3- حيث عقد بابا في آخر الباب الأول فيمن كرر النجاشي في حقه كلمة الثقة. منه (قدس سره). لا توجد هذه الحاشية في الطبعة الأولى للكتاب. انظر رجال ابن داود أواخر القسم الأول منه ذكر جماعة قال النجاشي في كل منهم ثقة ثقة: عمود: 382 و عدّ منهم: أربعة و ثلاثين رجلا، و زاد ابن الغضائري خمسة عليهم غيرهم.
4- ما بين المعقوفين من زيادات الطبعة الثانية.

مقتضي له، و يبعد اختصاصه من بين جميع مواضع استعمالاتها بهذا الموضع مع عدم استعمالها في غيره](1).

و منها:

قولهم: ثقة في الحديث أو في الرواية

قولهم: ثقة في الحديث أو في الرواية:

و لا ريب في إفادته المدح التام(2) و كونه معتمدا ضابطا، فيكون حكمه حكم الموثّق. و في دلالته على كونه إماميا وجهان، استظهر أولهما بعض من عاصرناه من الأجلة في أول كلامه، بل جزم بذلك في آخر كلامه حيث قال: لا ينبغي التأمل في استفادة الإمامية منه على حد استفادته من إطلاق الثقة ما لم يصرح بالخلاف(3). بل مقتضى ما ذكره الوحيد البهبهاني (رحمه اللّه) دلالته على عدالته أيضا، فيكون حديثه من الصحيح قال (رحمه اللّه): المتعارف المشهور أنه تعديل و توثيق للراوي نفسه، و لعل منشأه الاتفاق على ثبوت العدالة، و إن يذكر لأجل الاعتماد على قياس ما ذكر في التوثيق، و إن الشيخ الواحد ربما يحكم على واحد بأنه ثقة و في موضع آخر بأنه ثقة في

ص: 162


1- و قال الكاظمي في التكملة: 46/1-47: في هذا المقام:.. و هو تصحيف بمحض الاحتمال على خلاف الوجدان، فإن النسخ التي تقع في أيدينا كلها خمس نقط. ثم علّق بما ذكره المصنف (رحمه اللّه) و نعم ما أفادا. أقول: غرضه أن اللفظ وقع عليه خمس نقط، ثلاث للثاء و اثنتان للقاف، فلو لم يكن الثاني للتكرار لوقع عليه ثلاث نقط.
2- من ظهور كونه متحرزا عن الكذب في الحديث، و السكوت من غيره عنه، كما لا دلالة في اللفظ على غير صحة الحديث، فتدبر.
3- قاله المولى ملا علي كني في توضيح المقال في أحوال الرجال: 38.

الحديث، مضافا إلى أنه في الموضع الأول كان ملحوظ نظره الموضع الآخر كما سيجيء في: أحمد بن إبراهيم بن أحمد، فتأمل(1).

و أقول: حيث إن المدار في التزكية و الجرح على الظن، فالأظهر دلالة قولهم ثقة في الحديث أو في الرواية على كون المشهود له إماميا عادلا، لكفاية شهادة مثل الوحيد (رحمه اللّه) بكونه المتعارف المشهور في إفادة الظن بالعدالة و الإمامية، مضافا إلى شهادة الجمع بين قولهم ثقة و بين قولهم ثقة في الحديث في حق أشخاص باتحاد المراد بهما. و قد مرّ دلالة الأول على العدالة و الإمامية، فكذا الثاني. و أما الضبط فيكفي في إحرازه الأصل و الغلبة، و حينئذ فلا ينبغي التأمل في دلالة قولهم ثقة في الحديث في حق شخص على كونه عدلا إماميا.

و كون حديثه من الصحيح بالاصطلاح المتأخر، [(2)بل ادّعى بعض المحققين(3) كون قولهم ثقة في الحديث أبلغ من مطلق ثقة، لكونه نصا في ضبطه المعتبر انضمامه مع العدالة في قبول حديثه بخلاف ثقة، فإنه ظاهر في ذلك.

لا يقال: الجار لا يصح تعلقه بلفظ ثقة، بل هو خبر لمبتدإ محذوف، فالتقدير فلان ثقة و وثاقته في الحديث، فينساق منه الانحصار.

ص: 163


1- لاحظ التعليقة المطبوعة على حاشية منهج المقال: 6، و حكاه الكني في توضيح المقال: 39، بتصرف يسير.
2- ما بين المعكوفتين من اضافات الطبعة الثانية من المصنف (طاب ثراه).
3- ستأتي عبارة الوحيد البهبهاني في التعليقة: 6، فراجع.

لأنّا نقول: إن كلمة ثقة مصدر كعدة، فالجار متعلق به و التقدير خلاف الظاهر. و إذا كان موثوقا به في الحديث فبغيره أولى، نظير: يا عدتي في شدتي، فلا وجه حينئذ لقول] بعض من عاصرناه من المشايخ(1): إن في استفادة العدالة بالمعنى الأخص أو الأعم من ذلك لا يخلو من نوع خفاء، لظهور التقييد في اختصاص وثاقته بالرواية، و لعل المستفاد منه كونه متحرزا عن الكذب، و هو الذي نقل عن الشيخ (رحمه اللّه) كفايته في حجية الخبر، بل و زيادة اهتمامه في الرواية بأخذها عمن يوثق به و.. غير ذلك مما مرجعه الوثوق بالرواية(2). و سبقه في إنكار الدلالة على العدالة غيره على ما حكى الوحيد (قدس سره) في التعليقة بقوله: و ربما قيل بالفرق بين الثقة في الحديث و الثقة، و ليس ببالي القائل، و يمكن أن يقال بعد ملاحظة اشتراطهم العدالة أن العدالة المستفادة من الأول هي بالمعنى الأعم، و قد أشرنا و سنشير أيضا إلى أن التي وقع الاتفاق على اشتراطها هي بالمعنى الأعم. و وجه الاستفادة إشعار العبارة و كثير من التراجم مثل ترجمة(3) أحمد بن بشير، و أحمد بن الحسن، و أبيه الحسن بن علي بن فضال، و الحسين بن أبي سعيد، و الحسين بن أحمد بن المغيرة، و علي بن الحسن الطاطري، و عمار بن موسى و..

غير ذلك. إلا(4) أن المحقق (رحمه اللّه) نقل عن الشيخ (رحمه اللّه)

ص: 164


1- المراد منه المولى ملا علي كني الطهراني.
2- كما نصّ عليه في توضيح المقال في علم الرجال: 38.
3- لا توجد هذه اللفظة: ترجمة في الأصل و لا في الطبعة الأولى من الكتاب.
4- في هذا الاستثناء ما لم نفهمه، فإنه غير مخالف لما قبله حتى يصح الاستثناء. منه (قدس سره). أقول: لعل هذا الاستثناء راجع الى ما قبل قوله: و ربما قيل بالفرق.. إلى آخره، بل يمكن توجيهه بأن يقال: إن غير العدالة بالمعنى الأخص - أعني العدالة في مذهبنا - و العدالة بالمعنى الأعم - التي هي العدالة على مذهب الراوي و إن لم يكن إماميا - يمكن فرض كون الراوي ثقة متحرزا عن الكذب في الرواية و إن كان فاسقا بجوارحه، و هذا غير المعنى الأعم للعدالة التي يراد استفادتها من قولهم ثقة في الحديث، و لذا صح أن يقال إن العدالة بالمعنى الأعم هي التي وقع الاتفاق على اشتراطها دون ما دونها، و الماتن يقول بكفاية ما هو أقلّ منها، فلاحظ و تدبر.

أنه قال: يكفي في الراوي أن يكون ثقة متحرزا عن الكذب في الرواية و إن كان فاسقا بجوارحه، فتأمل(1).

و اعترض عليه بأن إشعار العبارة - أعني قولهم ثقة في الحديث - إنما هو في اختصاص الوثوق بالرواية لا أعمّية العدالة بحيث يجامع فساد العقيدة، و ما وجدنا في شيء من التراجم المزبورة إشعارا بما ذكره، فلا ينبغي التأمل في استفادة الإمامية منه على حد استفادتها من إطلاق الثقة ما لم يصرح بالخلاف، مضافا إلى استفادتها(2) من جمعهم

ص: 165


1- لاحظ تعليقة الوحيد البهبهاني: 6، و حكاه في منتهى المقال: 9، بتصرف يسير، و هو في توضيح المقال: 38.
2- إلى هنا اعتراض ملا علي كني في توضيح المقال - المطبوع ذيل رجال أبي علي الحائري -: 38-39 بتصرف، ثم قال بعده: من إطلاق الثقة ما لم يصرح بالخلاف، مضافا إلى ما مرّ من استفادتها من أمور أخر مشتركة بينهما. ثم قال بعد ذلك: و أما الوثاقة و العدالة فلا يبعد ما أسند إلى المشهور لما مرّ و لوجود العبارتين معا في أحوال كثير منهم و لو من أشخاص.

بين ثقة على الإطلاق و بين ثقة في الحديث في ترجمة شخص واحد من واحد أو متعدد الكاشف عن اتحاد المراد بهما، بل ذلك يكشف عن الدلالة على العدالة أيضا على نحو دلالة لفظة ثقة إذا أطلقت(1) [و احتمل بعضهم كون تقييد الثقة بالحديث للإشارة إلى مأخذ التوثيق، لأنه يمكن عدم تمكن المعدل على الوقوف على جميع أحوال الرجل فيراه مراقبا على العبادات محترزا من الكذب و الغيبة و سائر المحرمات و لا يدري أنه يحترز من الباقي أم لا؟ لكنه يطمئن بعدالته بسبب مراقبة أحاديثه، فيقيد تعديله بأن منشأه الوثوق بأحاديثه بالمزاولة، فتدبر](2).

و منها:

قولهم: صحيح الحديث

قولهم: صحيح الحديث:

لا ينبغي التأمل في إفادته صحة روايته بالاصطلاح المتأخر إن كانت العبارة في كلام أهل هذا الاصطلاح، ضرورة أن كلام كل ذي اصطلاح يحمل على مصطلحه عند عدم القرينة على خلافه، كما أوضحناه

ص: 166


1- في الطبعة الأولى هنا: و اللّه العالم. و ما بين المعكوفين من زيادات الطبعة الثانية.
2- بقي هنا اصطلاح اختص به السيد في الرواشح السماوية: 104 حيث قال: إن علم من عادته - أي الثقة - أنه لا يروي إلا عن عدل: فهو تعديل، و إلا فلا، و ثقة ثقة صحيح الحديث في اصطلاح أئمة التوثيق و التوهين من أصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم تعبير عن هذا المعنى، و لم أجد هذا المصطلح في كلماتهم رضوان اللّه عليهم. فراجع.

في محله، و من البين عدم الفرق بين تصريح أهل هذا الاصطلاح بأنه عدل إمامي ضابط، و بين تصريحهم بأنه صحيح الحديث، و أما إن كانت العبارة في كلمات القدماء فلا ريب و لا شبهة في إفادتها مدح الراوي مدحا كاملا في روايته، بل في نفسه أيضا، و كون روايته من القوى(1).

و في إفادته كونه عدلا وجهان: أظهرهما ذلك(2)، ضرورة أن إضافة الصحة إلى مطلق حديثه يكشف عن أن له أوصافا تورث بنفسها الاطمئنان به، و الائتمان بحديثه، و لا ريب في عدم الاطمئنان بمطلق حديث من لم يكن عادلا.

ص: 167


1- الظاهر كون روايته من الحسن كالصحيح: إلا أن المصنف (رحمه اللّه) تبع المولى الكني في توضيحه: 41 حيث قال: إن العبارة المذكورة لا تفيد الوثاقة لا في من وردت في حقه.. و لا في من روى هو عنه أيضا، بتوهم إرادة ان ما يضاف أو يسند إليه من الأحاديث فهو صحيح، إذ الصحة عند القدماء لا تلازم الوثاقة أصلا، نعم لو كانت العبارة في كلام المتأخرين أفادته. و نظيره في التكملة: 50/1 قال: اعلم أن الصحة في لسان القدماء يجعلونها صفة لمتن الحديث على خلاف اصطلاح المتأخرين حيث يجعلونها صفة للسند، و يريدون به ما جمع شرائط العمل أما من كونه خبر ثقة كما هو في اصطلاح المتأخرين، أو لكونه محفوفا بقرائن تدلّ على العلم أو الظن بواقعية مضمونه و هي كثيرة.. إلى آخره.
2- لا بد من تقيد العبارة بما إذا كانت في اصطلاح المتأخرين - كما فعل البعض و سيأتي ما فيه - و إلا فالقدماء لا يستظهر منهم ذلك، حيث إن الصحة عندهم - كما قاله المصنف (رحمه اللّه) - كل ما وثقوا بكونه من المعصوم (عليه السّلام) أعمّ من كون الراوي عدلا أم لا. إلا أن الشهيد في درايته نص على أنها من ألفاظ التعديل الدالة عليه صريحا، و تبعه من تبعه.

و استظهر بعض من عاصرناه من الأجلة(1) عدم إفادته العدالة في عبائر القدماء، و أنه أضعف من قولهم: ثقة في الحديث. و استدل على ذلك بما حكاه غير واحد منهم الوحيد (قدس سره) في الفوائد من أن المراد بالصحيح عند القدماء هو ما وثقوا بكونه من المعصوم (عليه السّلام) أعم من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات أو أمارات اخر، و من أن يقطعوا بصدوره عنه (عليه السّلام) أو يظنوا به(2).

و أقول: ما نقله الوحيد و.. غيره في محله، و قد مرّ منا في تنبيهات الفصل الرابع(3) بيان أن الصحيح عند القدماء هو ما وثقوا بكونه من المعصوم، أعمّ من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات أو من أمارات أخر، إلا أن ذلك لا يدل على مختار البعض هنا، لوضوح الفرق بين إطلاق اسم الصحيح على حديث، و بين

ص: 168


1- و هو المولى ملا علي الكني الطهراني في كتابه توضيح المقال: 41.
2- كما في التعليقة المطبوعة في أول منهج المقال: 6 و قال في آخر كلامه: أعلى اللّه مقامه:.. ثم إنه مما ذكرنا ظهر فساد ما توهم بعض المتأخرين من أن قول مشايخ الرجال صحيح الحديث تعديل و سيجيء في الحسن بن علي بن النعمان أيضا. نعم هو ممدوح، فتدبر. و قال في مشرق الشمسين: 3: كان المتعارف بينهم - أي القدماء - إطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه و اقترن بما يوجب الوثوق به أو الركون إليه و ذلك امور... ثم أخذ بتفصيلها. و قد صرح بمثله السيد نعمة اللّه الجزائري في شرح التهذيب، و الشيخ الحر (رحمه اللّه) في أكثر من مكان، و الكاظمي في التكملة: 50/1 و غيرهم. لاحظ مستدرك رقم (34) الصحيح عند القدماء، و قد مرّ.
3- صفحة: 158 من المجلد الاول.

إطلاق صحيح الحديث على شخص، فإن الأول يجامع ما إذا كان منشأ الوثوق أمارات أخر، و أما الثاني فلا يجامع ذلك، لأنه لا يكون ممن يوثق بصدور جميع رواياته من المعصوم (عليه السّلام) إلا إذا كان عدلا إماميا ضابطا، كما هو ظاهر بأدنى تأمل. فالذي يظهر لي أن قولهم: صحيح الحديث ليس بأضعف من قولهم: ثقة في الحديث إن لم يكن أقوى منه، بل الأظهر أنه أقوى منه(1). و يؤيد ما قلناه قول الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية: ألفاظ التعديل الدالة عليه صريحا قول المعدل: هو عدل، أو هو ثقة(2).. إلى أن قال: و كذا قوله: هو حجة... إلى أن قال: و كذا قوله هو صحيح الحديث، فإنه يقتضي كونه ثقة ضابطا، ففيه زيادة تزكية(3).

ص: 169


1- و بعبارة اخرى: إن الكلام في الراوي لا الحديث، و الصحة فيه إنما جاءت لأجل صدوره عن هذا الراوي بالذات، و هو ظاهر في التوثيق، و بمنزلة القرينة المورثة للاعتماد، و كون الرواية مستندة إلى هذا الراوي. و يبعد جدا كون الراوي ملتزما بعدم روايته إلا ما صدر عن المعصوم (عليه السّلام)، و معه لا يستلزم ذلك وثاقته، فتدبر. و الحاصل أن صحيح الحديث لفظة تدلّ على وثاقة الراوي بالالتزام.
2- البداية: 75 [البقال: 67/2].
3- البداية: 76 [البقال: 68/2]. قال في مستدرك وسائل الشيعة: 769/3: (و أما دلالة قولهم صحيح الحديث على وثاقة من قيل في حقه ذلك فهو صريح جماعة، قال الشهيد الثاني في البداية.. و هو ظاهر سبطه في شرح الاستبصار... و الشيخ عبد النبي الجزائري في حاوي الأقوال و المحقق البحراني و الشيخ سليمان في البلغة). و هو مختار صاحب المستدرك أيضا. قال في التكملة: 50/1: و على هذا فمفاد هذه الكلمة أن الحديث الذي يرويه هذا الراوي معتمد معمول به و معول عليه و جامع لشرائط العمل، و هذا تحسين للرجل و مدح له و لا يقتضي توثيقه في نفسه و عدالته لأنه أعمّ منه. و انظر تكملة الرجال: 19/1. ثم هنا إشكال ظهر جوابه مما مرّ حاصله: أن الإضافة تقتضي اختصاص المدح بالحديث دون المحدث، كما قال الشيخ في رجاله: 92 (و فيه سعد الحنظلي). في سعيد بن طريف القاضي: أنه صحيح الحديث و قد قال النجاشي في رجاله: 135 و فيه (سعد لا سعيد، و في نسخة ظريف): أنه يعرف و ينكر، و روى الكشي في اختياره: 384 عن حمدويه أنه ناووسي، اللهم إلا أن تقوم قرينة على عدم إرادة ذلك، كما إذا قيل ذلك في الأجلاء بعد توثيقهم هذا. و إنما يعدّ حديث المحدث صحيحا في نفسه و يتلقى منه بالقبول إذا كان ثقة، و الصدوق الضابط الإمامي لا يوصف عند المتقدمين بصحيح الحديث، بل بمقبول الحديث، فتأمل.
و منها: قولهم: حجة:

و لا شبهة في إفادته في حق من أطلق عليه مدحا كاملا في روايته، بل نفسه، و كون روايته من القوي، بل الأظهر دلالته على كونه عدلا إماميا ضابطا، لاستقرار اصطلاحهم على ذلك، كما شهد به الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية حيث قال: حجة - أي ممن يحتج(1) بحديثه - و في إطلاق اسم المصدر عليه مبالغة ظاهرة في الثناء عليه بالثقة(2)، و الاحتجاج بالحديث و إن كان أعمّ من الصحيح،

ص: 170


1- في نسختنا من الدراية: ما يحتج، و المذكور أصح.
2- كأنه صار من شدة الوثوق و تمام الاعتماد هو الحجة بنفسه، و إن كان الاحتجاج بحديثه.

كما يتفق بالحسن و الموثق بل بالضعيف على ما سبق تفصيله، لكن الاستعمال العرفي لأهل هذا الشأن لهذه اللفظة يدلّ على ما هو أخص من ذلك، و هو التعديل و زيادة. نعم، لو قيل يحتج بحديثه و نحوه لم يدلّ على التعديل لما ذكره، بخلاف إطلاق هذه اللفظة على نفس الراوي بدلالة العرف الخاص(1). و مثل هذه الشهادة بضرس قاطع كاف في إثبات المطلوب(2).

و منها: قولهم: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه :
اشارة

و منها: قولهم: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه(3):

لا شبهة في وقوع هذا الإجماع في حق جمع، و أول من ادّعاه فيما نعلم الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو الكشي(4)

ص: 171


1- البداية: 76 [البقال: 67/2-68] بتصرف يسير.
2- و العجب من المولى الوحيد من عدم عدّه لهذه اللفظة في فوائده مع بنائه فيها على الاستقصاء. و قد ذكره من سبقه كما في وصول الأخيار: 189 [التراث: 192] و لم يقلّ بكونها توثيقا بانفرادها، و هو على حق إن لم يكن ثمّة اصطلاح خاص في المقام. نعم عند العامة تعدّ من أعلى مراتب التعديل، قال في الكفاية: 59: فأما أقسام العبارات بالأخبار عن أحوال الرواة فارفعها أن يقال: حجة أو ثقة، و أدونها أن يقال: كذاب أو ساقط.
3- لاحظ مستدرك رقم (173) أصحاب الإجماع، و الاختلافات الأساسية. فيهم.
4- تطلب عبارة الكشي الناطقة بذلك من الفائدة الثامنة عشرة من مقدمة تنقيح المقال تحت عنوان الفقهاء. منه (قدس سره). هذه الحاشية من إضافات الطبعة الثانية. راجع: تنقيح المقال: الجزء الأول - الفوائد: و الصحيح الفائدة الثانية عشرة: 196 لا الثامنة عشرة. لاحظ رجال الكشي - بمبي -: 155، و جامع الرواة: 165/1 و 239 و 357/2 و 344، و المناقب لابن شهرآشوب: 211/4 و 280/4، و رجال ابن داود: 84 و غيرهم، و لا حاجة للحاشية بعد ما سيذكر المصنف (رحمه اللّه) نص كلام الكشي فيما بعد، و لعله (قدس سره) غفل عما كتبه، فلاحظ.

في رجاله(1)، ثم الشيخ (رحمه اللّه)(2)

ص: 172


1- رجال الكشي - بمبي -: 155.
2- لم يصرح الشيخ بالإجماع في خصوص المورد، بل ما نقلناه عنه سابقا في العدة: 380/1 من قوله:.. و لأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، و غياث بن كلوب، و نوح بن دراج و السكوني و غيرهم من العامة. و قال في: 381/1:.. و لأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد اللّه بن بكير و غيره. و أخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران و علي بن أبي حمزة و عثمان بن عيسى، و من بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال و بنو سماعة و الطاطريون و غيرهم. و قال في: 381/1-382 - من عدة الاصول -:.. و لأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب محمد بن أبي زينب... و أحمد بن هلال العبرتائي و ابن أبي عذاقر و غير هؤلاء. و أنت خبير أن دعوى العمل و كونه معمولا به غير دعوى الإجماع، و غير تصحيح ما يصح عنهم، و كذا قول الشيخ في العدة 384/1: قدمت الطائفة ما يرويه زرارة و محمد بن مسلم.. إلى آخره. و كذا قوله في: 386/1: سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير و صفوان بن يحيى و أحمد بن أبي نصر و غيرهم من الثقات. و أين هذا من دعوى الإجماع أو التصحيح؟ فتدبر و اغتنم. و نقل الشهيد الثاني في الروضة البهية: 9/6-38 - كتاب الطلاق - عن الشيخ قوله: إن العصابة اجمعت على تصحيح ما يصح عن عبد اللّه بن بكير و أقرّوا له بالفقه و الثقة. أما ما ذكره صاحب قواعد الحديث: 42. من قوله: لكن الشيخ النوري ذكر أن الشيخ الطوسي ناظر إلى أصحاب الإجماع الذي ذكرهم الكشي. لا ينفع في المقام، كما أنه ليس في عبارة الكشي - التي هي الأصل في ذلك - لهذه اللفظة - أصحاب الإجماع - عين و لا أثر، سوى ما سنوافيك به و لقائل بالفرق بينهما، إذ اللفظة من محدثات المتأخرين.

و النجاشي(1)، ثم من بعدهما من المتقدمين و المتأخرين كابن طاوس و العلامة(2) و ابن داود(3) و صاحب المعالم(4)و الشهيدين(5) و الشيخ سليمان(6) و السيد الداماد(7) و.. غيرهم(8)،

ص: 173


1- تتبعت رجال النجاشي في تراجم كل من أصحاب الإجماع، فلم أجد تصريحا بالإجماع، إلا أن يراد منه أن النجاشي صرح بوثاقة جميع هؤلاء، و هو كذلك.
2- في الخلاصة: في موارد متعددة في ترجمة أصحاب الإجماع انظر صفحة: 13، 37، 106 و غيرها من تراجم رجالات أصحاب الإجماع، و في الكل حكاية الإجماع لا ادّعاؤه فلاحظ، و كذا نص عليه في جملة كتبه الفقهية في أبواب متفرقة.
3- رجال ابن داود: 84 و غيرها.
4- منتقى الجمان: 13/1 و غيرها.
5- كما في الروضة البهية: كتاب الطلاق: 39/6.
6- هو الشيخ أبو الحسن سليمان بن عبد اللّه الماحوزي البحراني المتوفى في السابع عشر من شهر رجب سنة 1121 ه الذي جاءت ترجمته في خاتمة الكتاب.
7- الرواشح السماوية: 47، انظر ترجمته في خاتمة الكتاب.
8- لا شك أن هناك فرقا بين دعوى الإجماع و نقله، و ما عدا الكشي نقل دعواه، لا أنه ادّعاه، فتأمل. و من هنا قال في منتهى المقال: 10: إن هذا الإجماع ربما ذكر من كلام النجاشي لكن بعنوان النقل عن الكشي لا أنه ادّعاه بنفسه. لذا قال من القواميس: 27 - خطي -: أقول: إن ظني أن كل من هم بعد الكشي قد أجمعوا على أحقية ما قال به الكشي و نقله. بل قال - قبل ذلك؛ و ظني أنه قد سبقه في هذه الدعوى غيره و أنه اعتمد في ذلك على قول أستاذه أبو النظر العياشي.. إلى آخره. و قد ناقش السيد الغريفي في قواعد الحديث: 41-45 المصنف (رحمه اللّه) و خلص إلى النتيجة التي أراد مناقشة الشيخ الجد (قدس سره) لها فقال: .. و بذلك اتضح وهن القول بأن كلمات جميع الذين نقلوا الإجماع صريحة في المسلّمية و القبول. و هذا عين ما سنوافيك به من كلام المصنف (رحمه اللّه)، بل هو مختاره فيما بعد، فلا يرد عليه بما أورده عليه، فلاحظ و تدبر.

حتى أنه لو صح وصف الإجماع المنقول بالتواتر، لصح أن يقال إن هذا الإجماع قد تواتر نقله(1)، و صار أصل انعقاده في الجملة من ضروريات الفقهاء و المحدثين و أهل الدراية و الرجال، و المراد بهذا الإجماع ليس هو المعنى اللغوي - و هو مجرد اتفاق الكل -(2) بل المعنى المصطلح، و هو الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم، على أن يكون المجمع عليه هو القبول و العمل بروايات أولئك الذين قيل في حقهم ذلك، إذ إمام ذلك العصر عليه السّلام بمرأى من أولئك العاملين بأخبار هؤلاء و مسمع، مع عدم ظهور إنكار لهم و لا ردع، بل أقرهم

ص: 174


1- لا يخفى ما في كلامه من مسامحة، خصوصا بملاحظة قوله إن مبدأ الإجماع النجاشي، فكيف يتواتر في جميع الطبقات!.
2- كما يظهر ذلك من عبارة جمع من أصحابنا: قال في نهاية الدراية: 152 - و غيره قال به كغيره -: و تقريب الدعوى هو أن يقال: ما كانوا ليتفقوا في الرجل على الحكم بصحة كل ما يحكيه إلا و هو بمكانة من الوثاقة. و هذا إجماع لغوي لا اصطلاحي كاشف. و نظيره في منتهى المقال: 10، قال:.. لكن هذا الإجماع لم يثبت وجوب اتباعه كالذي بالمعنى المصطلح، لكونه مجرد وفاق. و نعم ما قال كما سنوافيك بالمقال. هذا و أن ديدن القدماء خاصة الفقهاء على استعمال لفظة الإجماع و إرادة معناه اللغوي - الاتفاق - أو يراد منه غالبا الشهرة، كما لا يخفى.

على ذلك، بل و أمر بالرجوع إليهم و الأخذ منهم(1).

ص: 175


1- و عليه يصير إجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم (عليه السّلام)، و ليس على حد سائر الإجماعات المدعاة في الأبواب المتفرقة من الفقه. و أوهى الوجوه ما ذكره المصنف (قدس سره) من كونه إجماعا تعبديا و لا ربط له بالتوثيق أو الوثوق، و يظهر فيما يأتي من كلامه الإعراض عنه. ثم لو سلمنا كون الإجماع تعبديا، إلا أن الذي بحث عن حجيته و استدلّ عليه هو الإجماع على فتوى في حكم شرعي - المسألة الفرعية - و هنا موضوع أجنبي عن الحكم، إلا على بعض الوجوه الضعيفة في باب الإجماع المتفق على بطلانها عند متأخري الأصوليين. و أيضا الإجماع لا يوجب هنا إلا الحدس المحض بوثاقة من روى عنه أصحاب الإجماع، و هو لا يجدي في ثبوت وثاقتهم، و التوثيق في كتب الرجال لا يقبل منه إلى الحسي القطعي. و يرد على مثل هذا الإجماع أيضا أنه محتمل المدرك بل مقطوع المدرك، و هو على هذا ليس بحجة في الأحكام الشرعية فضلا عن الموضوعات الخارجية. إن قلت: لعل هناك إجماع على اقتران روايات أصحاب إجماعا بقرائن الصحة مترشح من الإجماع عليهم. قلنا: بعد الفراع عن عدم حجية مثل هذا الإجماع لو كان، و منافاته للوجوه الماضية، من أين لنا بتحصيل الوثوق به بتلك القرائن المدعاة؟! هذا و قد قالوا في الأصول إن الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجة. و أدلة حجة الخبر الواحد لا تشمل الأخبار الحدسية. و غير ذلك من النقوض و الشبه. و قد ذهب جمهرة من الرجاليين إلى القول بكثرة الأغلاط في رجال الكشي و التصحيف و السقط، كما صرح به النجاشي و غيره، و كما نصّ عليه الشيخ الجد في فوائده الرجالية، و صاحب قاموس الرجال: 43/1-46 و غيرهما. و على كل، المسألة مبنائية، و لا حجية فيها على فقيه يرى بطلان تلك المباني، فلاحظ و تدبر. و غاية ما يفيده الإجماع هو تصديق أولئك الثمانية عشر. مع ما هناك من طعون على بعض المجمع عليهم، كما طعن في يونس بن عبد الرحمن القميّون، و في الحسن بن محبوب آخرون، نعم لو حصل اتفاق موجب للعلم أو الاطمئنان كفى في المقام، و من أين لنا بمثل هذا، مع أنه لا طريق للكشف عن قول المعصوم عليه السّلام، ثم الاتفاق على أمر فرع عدم دليل عقلي أو شرعي من كتاب أو سنة أو حجة شرعية عليه، و هذا مختص بالأحكام الكلية التي لا يستفاد من شيء من ذلك، و لا مساغ للتمسك به في الموضوعات الخارجية. و قد أورد في تهذيب المقال: 125/1: أن ذلك إنما يفيد لو كان المراد من تصحيح ما يصح عن هؤلاء تصحيح رواياتهم، و أنهم رووها عن الثقات لا تصحيح أقوالهم من باب الأخذ بقول الفقيه، و هذا محل نظر، فإن قوله و انقادوا لهم بالفقه و نحوه. و قوله: وافقه الأولين... و كذا و تصديقهم لما يقولون - بدل لما يروون - يشهد للثاني. هذا و إن التصحيح بالحمل الشائع لا يدلّ على وثاقة من روى عنه. نعم لو كانت ثمّة قرينة خارجية من استقرار طريقة المجمعين أو غير ذلك على التصحيح و الأخذ بما رواه الثقات صحت.

و إذ قد عرفت ذلك فاعلم أن الكلام يقع هنا في مقامين:

مقامان
الاول: ما المراد من هذه العبارة؟

الأول: في المراد بهذه العبارة، فإن فيه احتمالات بكل منها قائل.

أحدها: أن المراد بذلك تصحيح رواية من قيل في حقه ذلك بحيث لو صحت من أول السند إليه عدّت صحيحة، من غير اعتبار ملاحظة أحواله و أحوال من يروي عنه إلى المعصوم (عليه السّلام)(1)، و لا فرق بين العلم بمن رووا عنه و معرفة حاله و عدمه،

ص: 176


1- بل و إن كان فيه ضعف، ذهب إليه الحر العاملي في خاتمة وسائل الشيعة: الفائدة السابعة: 80/20 و حكم بصحة كل حديث رواه هؤلاء إذا صح السند إليه، حتى لو كانت روايته عن من هو معروف بالفسق و الوضع، فضلا عما إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل أو أرسلت روايته.

فلا فرق حينئذ بين مسانيدهم و مراسيلهم و مرافيعهم، و هذا القول قد وصفه المحقق الوحيد (رحمه اللّه) في فوائده الرجالية بالشهرة، و جعله هو ظاهر هذه العبارة(1). و قد جعله في منتهى المقال أيضا هو الظاهر المنساق إلى الذهن من العبارة. و حكى عن بعض أجلاء عصره أيضا وصفه بالشهرة، بل هو أيضا في آخر كلامه وصفه بالشهرة و المعروفية(2)، بل نسب ذلك المحقق الداماد إلى الأصحاب

ص: 177


1- تعليقة الوحيد البهبهاني المطبوعة في مقدمة منهج المقال: 6. و قال المجلسي الأول في روضة المتقين: 19/14: اعلم أن الظاهر من إجماع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه أنهم لم يكونوا ينظرون إلى ما بعده، فإنهم كانوا يعلمون أنه لا يروي إلا ما كان معلوم الصدور عن الأئمة عليهم السّلام، و من تتبع آثارهم يعلم أن مرادهم هذا، لا أنه لا يروي كاذبا على من يروي عنه، و يكون عبارة أخرى عن التوثيق، فإنه إذا كان كذلك، فأي اختصاص لهذا المعنى لهؤلاء الثمانية عشر، لكن المتأخرين ينظرون إلى حال من بعده، و نحن نسجنا على منوالهم و سمينا مثله (كالصحيح) إذا كان من بعده مجهولا أو ضعيفا، و الظاهر أنه لا يحتاج إلى النظر إلى من كان قبله، فإن الظاهر أن كتبه كانت من الأصول و كانت متواترة عنه، فلا يضر ضعفهم.. إلى آخر ما قال.
2- قال في منتهى المقال: 9: و المشهور أن المراد صحة ما رواه حيث تصح الرواية إليه فلا يلاحظ ما بعدها إلى المعصوم و إن كان فيه ضعف. و نظير هذا ما قاله الحسيني في مختصر درايته - خطي الرضوية برقم: 11542 - ثم قال: و هذا هو الظاهر من العبارة. و نسب هذا القول إلى الشهرة في شعب المقال: 24، قال: و عندي أن هذا الكلام يدلّ على الوثاقة و أعلى، و الأخبار المروية عن هؤلاء بطريق صحيح لا تقصر عن أكثر الصحاح، و إن كان ما قبله مجهولا أو مرسلا بل و ضعيفا.

مؤذنا بدعوى الإجماع، حيث قال - في محكي الرواشح السماوية(1)، بعد عدّ الجماعة -: و بالجملة هؤلاء على اعتبار الأقوال المختلفة في تعيينهم أحد و عشرون أو اثنان و عشرون رجلا، و مراسيلهم و مرافيعهم و مقاطيعهم و مسانيدهم إلى من يسمون من غير المعروفين معدودة عند الأصحاب من الصحاح من غير اكتراث منهم، لعدم صدق حد الصحيح على ما قد علمته عليها...(2) إلى آخر كلامه زيد في إكرامه.

قلت: لا يخفى عليك أن عطفه مقاطيعهم على مراسيلهم و مرافيعهم محل نظر و تأمل، ضرورة خروج ذلك عن منصرف هذا الإجماع، فإن منصرفه ما إذا نسبت الرواية إلى الإمام (عليه السّلام) دون ما إذا وقفت على غيره و صارت مقطوعة.

و كيف كان، فهذا القول في تفسير هذا الإجماع هو الذي عزاه في أول الوافي إلى جماعة من المتأخرين(3) حيث قال - بعد نقل عبارة

ص: 178


1- كما حكاه شيخنا النوري في خاتمة المستدرك: 762/3، و حكاه المولى الكني في منتهى المقال: 9-10.
2- الرواشح السماوية: 47. و في معين النبيه - خطي -: 30 نسبته إلى العلامة في المختلف، بل في الخلاصة و الشهيدين و الشيخ البهائي و الآخوند المجلسي و ابيه.
3- حيث يظهر من كلامه عدم وجدانه في كلام المتقدمين. قال (رحمه اللّه) في الوافي - الطبعة المحققة -: 7/1-26 تحت عنوان توقيف:.. و قد فهم جماعة من المتأخرين من قوله: أجمعت... الحكم بصحة الحديث المنقول عنهم، و نسبته إلى أهل البيت عليهم السّلام بمجرد صحته عنهم من دون اعتبار العدالة في من يروون عنه، حتى لو رووا عن معروف بالفسق أو بالوضع فضلا عما لو ارسلوا الحديث كأن نقلوه صحيحا محكوما على نسبته إلى أهل العصمة صلوات اللّه و سلامه عليهم. ثم قال: و أنت خبير بأن هذه العبارة ليست صريحة في ذلك و لا ظاهرة فيه، فإن ما يصح عنهم إنما هو الرواية لا المروي، بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الإجماع على عدالتهم و صدقهم بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته.

الكشي المتضمنة لنقل هذا الإجماع -: أنه قد فهم جماعة من المتأخرين من قوله: أجمعت العصابة(1) على تصحيح ما يصح عن هؤلاء الحكم بصحة الحديث المنقول عنهم، و نسبته إلى أهل البيت (عليهم السّلام) بمجرد صحته عنهم، من دون اعتبار العدالة في من يروون عنه حتى لو رووا عن معروف بالفسق أو بالوضع فضلا عما لو أرسلوا الحديث كان ما نقلوه صحيحا محكوما على نسبته إلى أهل العصمة (صلوات اللّه عليهم)(2). و حكى في منتهى

ص: 179


1- أو الأصحاب: كذا في معجم رجال الحديث: 74/1.
2- الوافي: المقدمة الثانية: 12/1 ثم عقبه بقوله: و أنت خبير بأن هذه العبارة ليست صريحة في ذلك و لا ظاهرة فيه، فإن ما يصح عنهم إنما هو الرواية لا المروي، بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونها كناية عن الإجماع على عدالتهم و صدقهم، بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته... و عقبه السيد الخوئي (دام ظله) في معجمه: 74/1 بقوله: و كيف كان، فمن الظاهر أن كلام الكشي لا ينظر إلى الحكم بصحة ما رواه أحد المذكورين عن المعصومين عليهم السّلام حتى إذا كانت الرواية مرسلة أو مروية عن ضعيف أو مجهول الحال، و إنما ينظر إلى بيان جلالة هؤلاء و إن الإجماع قد انعقد على وثاقتهم و فقههم و تصديقهم في ما يروونه، و معنى ذلك أنهم لا يتهمون بالكذب في أخبارهم و روايتهم، و أين هذا من دعوى الإجماع على الحكم بصحة جميع ما رووه عن المعصومين عليهم السّلام، و إن كانت الواسطة مجهولا أو ضعيفا.. هذا كلامه أدام اللّه أيامه، و هو مبنى خامس في المقام، و سيأتي ما فيه.

المقال(1) نحوه عن البهائي في مشرق الشمسين(2)، و الشهيد الثاني(3)، و الشيخ محمد أمين الكاظمي(4)، و السيد محمد(5)، و من عدا سيد الرياض من أساتيذه و مشايخه، و استظهره من الفوائد النجفية أيضا، و حكاه المجلسي عن جماعة من المحققين منهم والده المقدس التقي(6).

و ربما نوقش في هذا التفسير بأن لازمه كون مراسيلهم بحكم المسانيد الصحاح، و نحن نرى أن الشيخ (رحمه اللّه) ربما يقدح فيما صح عن هؤلاء بالإرسال الواقع بعدهم، و أيضا ابن أبي عمير من هؤلاء الجماعة، و المناقشة في قبول مراسيله معروفة.

ص: 180


1- منتهى المقال: المقدمة الخامسة: 9.
2- مشرق الشمسين: المطبوع ضمن الحبل المتين: 270.
3- و في نسخة رجال أبو علي: الشهيدين: انظر الروضة البهية - كتاب الطلاق -: 39/6.
4- تكملة الرجال: 50/1 و قد مرت كلماتهم.
5- المراد به المحقق الماهر السيد محمد باقر الجيلاني - حجة الإسلام - في رسالته في تحقيق حال أبان كما نصّ عليه شيخنا النوري في المستدرك: 762/3.
6- كما مرت عبارته في روضة المتقين: 19/14. و حكي عن العلامة في المختلف، و عن البهائي في غير مشرق الشمسين أن من الأمور الموجبة لعدّ الحديث من الصحيح عند فقهائنا وجوده في الأصل المعروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم. و فصّل القول في هذا شيخنا العاملي في الفائدة السابعة من الجزء الثالث من وسائله و المجلد العشرين: 80 من الطبعة الجديدة.

و أجاب عن ذلك في الفوائد(1) ب (أن القادح و المناقش ربما لم يثبت عندهما الإجماع، أو لم يثبت وجوب اتباعه لعدم كونه بالمعنى المعهود، بل كونه مجرد الاتفاق، أو لم يفهما على وفق المشهور، و لا يضرّ ذلك، أو لم يقنعا بمجرد ذلك، و الظاهر هو الأول بالنسبة إلى الشيخ (رحمه اللّه) لعدم ذكره إياه في كتابه كما ذكره الكشي، و كذا(2)بالنسبة إلى النجاشي و.. أمثاله، فتدبر).

قلت: مضافا إلى أن مناقشة بعض في مراسيل ابن أبي عمير لا تدفع الشهرة و المعروفية، فإن المعروف الاعتماد على مراسيله، بل في رجال النجاشي إن أصحابنا يسكنون إلى مراسيله(3)، و في الذكرى إن الأصحاب أجمعوا على قبول مراسيله(4).. إلى غير ذلك من الشهادات في حق مراسيله(5).

ص: 181


1- التعليقة: 7 [ذيل رجال الخاقاني: 30].
2- في المصدر: و كذلك.
3- رجال النجاشي: 30-228 (و انظر: 250 من طبعة المصطفوي).
4- الذكرى: 4 - وسط الصفحة، و كذا في أكثر من موضع، تصريحا أو عملا، كما في صفحة 14 - وسط الصفحة و آخرها - و صفحة 65، و غيرها.
5- راجع ترجمة الرجل في تنقيح المقال: 61/2-64 حرف الميم تجد ما يغنيك. أقول: و هذا القول و إن ادّعى عليه الشهرة، و ذهب إليه جهابذة القوم، بعيد عن مفهوم كلام الكشي - الذى هو الأصل في هذا الإجماع - كيف مع روايتهم كثيرا عن الضعفاء في عدّة موارد كما في تراجمهم، و ما ذكره الشيخ الجد (قدس سره) و قبله الشيخ الوحيد، و سبقهما الشيخ البهائي لا يشفي الغليل خصوصا بعد عدم كون الإجماع تعبديا، بل ممنوعا لعدم شهرته عندهم و عند ذكرهم له سوى ما جاء في مراسيل ابن أبي عمير و لم يقبلها - كما مرّ في بحث المرسل -جملة من الأعلام كالمحقق الحلي و صاحب المدارك و غيرهما فضلا عن مراسيل غيره فتدبر، انظر بحث المرسل من هذا الكتاب. ثم انه قد أنكر صاحب الوافي في حاشية كتابه: 24/1 (اصفهان) كون ابن أبي عمير و من لفّ لفّه لا يرسلون إلا عن ثقة، و قال: إن الأخذ بذلك خروج عن الاصطلاح الذي قرّروه. و هذا منه مبنى و بناء غريب. فراجع.

ثانيها: إن المراد به كون من قيل في حقه ذلك صحيح الحديث لا غير، بحيث إذا كان في سند فوثق من عداه ممن قبله و بعده، أو صحح السند بغير التوثيق بالنسبة إلى غيره، عدّ السند حينئذ صحيحا، و لا يتوقف من جهته، و أما من قبله و بعده فلا يحكم بصحة حديث أحد منهم لهذا الإجماع. و قد نقل هذا الوجه في منتهى المقال عن أستاذه السيد صاحب الرياض و معاصر له قال (رحمه اللّه) - بعد نقل القول الأول ما لفظه -: و السيد الأستاذ - دام علاه - بعد حكمه بذلك - يعني بالقول الأول - و سلوكه في كثير من مصنفاته كذلك، بالغ في الإنكار، و قال: بل المراد دعوى الإجماع على صدق الجماعة و صحة ما ترويه إذا لم يكن في السند من يتوقف فيه، فإذا قال أحد الجماعة: حدثني فلان، يكون الإجماع منعقدا على صدق دعواه، و اذا كان فلان ضعيفا أو غير معروف لا يجديه ذلك نفعا(1).

و قد ذهب إلى ما ذهب إليه بعض أفاضل العصر(2)، و ليس لهما - دام

ص: 182


1- هذا لعله صحيح في من تقدم على زمن العلامة أعلى اللّه مقامه، أما من تأخر عنه فتجده في كلمات جملة من الأعاظم كالشهيد الثاني و كذا الأول و العلامة المجلسي و شيخنا البهائي و من تأخر عنهم، و قد مرت جملة من كلماتهم، و العجب كيف خفي على من مثله.
2- المراد به - كما يظهر من بعض الحواشي - أنه السيد محمد مهدي بحر العلوم (قدس سره)، و هذا خلاف ما يظهر من رجاله كما في: 358/1 و لم أعرف وجه النسبة.

فضلهما - ثالث، و ساير أساتيذنا و مشايخنا على ما ذهب إليه الأستاذ العلامة - أعلى اللّه تعالى في الدارين مقامهم و مقامه - و ادّعى السيد الأستاذ - دام ظله - أنه لم يعثر في الكتب الفقهية من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديات على عمل فقيه من فقهائنا (رضي اللّه عنهم) بخبر ضعيف، محتجا بأن في سنده أحد الجماعة و هو إليه صحيح، و إذا وقفت على ما تلوناه عليك عرفت أن كلامه - سلمه تعالى - ليس على حقيقته(1). انتهى ما في منتهى المقال(2).

ص: 183


1- منتهى المقال: المقدمة الخامسة: 9-10.
2- و نقل شيخنا النوري في مستدركه: 760/3-761 كلمات جمع لخصنا بعضها بتصرف، منها: أن الأستاذ الأكبر نسب - هذا المعنى - في الفوائد إلى القيل، و إن السيد محمد باقر الجيلاني في رسالته في تحقيق حال أبان صرح بأن متعلق التصحيح الرواية بالمعنى المصدري أي قولهم: أخبرني أو حدثني أو سمعت من فلان، و نتيجة العبارة أن أحدا من الجماعة إذا تحقق أنه قال حدثني فلان فالعصابة أجمعوا على أنه صادق في اعتقاده. و أن المحقق الشيخ محمدا في شرح الاستبصار قال: إن البعض توقف فيما إذا اشتهر من معنى الإجماع، قائلا: أنا لا نفهم إلا كونه ثقة، و أن السيد المحقق الكاظمي في عدته جعل اتفاق الكلمة على الحكم بصحة ما يصح عنه أمارة على وثاقة الراوي. و قال قبل صفحة:.. و ما ذكره يتم على القول بكون مفاد العبارة وثاقة الجماعة المذكورين أو وثاقتهم و وثاقة كل من كان في السند بعد أحدهم، و أما على ما هو المشهور من أن المراد صحة أحاديث الجماعة بالمعنى المصطلح عند القدماء فلا دلالة فيها و لو بالالتزام على وثاقتهم، لجواز كون وجه الصحة احتفاف أحاديثهم بالقرائن الخارجية التي تجامع ضعف راويها كما صرح به جماعة منهم.. و قال في معين النبيه الشيخ ياسين بن صلاح الدين - خطي -: 30 فقيل إنها كناية عن الإجماع على عدالة أولئك المذكورين و ثقتهم بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع لهم على عدالتهم، قال: و هذا هو المتيقن من هذه اللفظة، و إلى هذا مال سيدنا الماجد البحراني و شيخنا العلامة المعاصر سليمان الثاني و غيرهما. ثم قال: و أقول: فيه نظر، لأن الإجماع على عدالة أولئك المذكورين ممنوع لما قيل.. ثم سرد ما جرح بعض من ادعى الإجماع عليهم و عدم تصريح عدالة بعضهم كيحيى بن القاسم الأسدي و أبان بن عثمان و غيرهما، ثم قال: و الاستدلال بتلك العبارة عين المصادرة، على أنه لو كان المراد بها ذلك لما كان في التعبير بها لتلك الجماعة دون غيرهما مما لا خلاف في عدالتهم و لا نزاع في ثقتهم، و قيل لهم ثقة مرتين فائدة و لا مزية.

و أقول: الإنصاف إن هذا التفسير خلاف ظاهر العبارة، و إن ظاهرها هو التفسير الأول، للفرق الواضح بين إجماعهم على صحته أو صحة حديثه، و بين إجماعهم على صحة ما يصح عنه، فإن ظاهر الثاني الأول، و ظاهر الأول الثاني، فإما أن ينكر الإجماع المزبور رأسا، أو يفسّر بالتفسير الأول. و إما إنكاره الوقوف على عملهم بخبر ضعيف، محتجا بأن في سنده أحد هؤلاء فمن الغرائب، فإن كلمات متأخري فقهائنا من الطهارة إلى الديات مشحونة بذلك، و كفاك منها بحث جماعة مختلف العلامة فيما تبين فسق الإمام(1)، و بيع غاية المراد للشهيد(2)، و بحث الارتداد من المسالك(3) و..

ص: 184


1- مختلف العلامة: 154/1 مسألة ظهور فسق إمام الجماعة قال: إن حديث عبد اللّه بن بكير صحيح.
2- المراد نكت الإرشاد كما صرح به أبو علي في توضيحه: 40.
3- مسالك الافهام: 561/2، و هو حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد، حيث وصفه بالصحة. و العبارة ليست صريحة هناك فلاحظ، و انظر تعليقة رجال بحر العلوم: 186/3.

غيرها(1).

ثالثها: إن المراد به توثيق خصوص من قيل في حقه ذلك، حكى في الفصول(2) إسناد هذا التفسير إلى الأكثر عن قائل لم يسمه، و اختاره الفاضل الاسترآبادي في لب اللباب مدعيا عليه الإجماع حيث قال: إن قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ظاهر في مدح الرواية، و لكنه يفيد وثاقة الراوي أيضا... إلى أن قال: فلا بد من كون الموصوف بذلك الوصف ثقة معتمدا حتى يمكن أن يقال في حقه: إن ما يصح عنه فهو صحيح، مع أن الإتيان بلفظ المضارع دون الماضي دليل على ما ذكر كما لا يخفى، مضافا إلى أنه أجمعت العصابة على أن

ص: 185


1- أقول: أصل العبارة للشيخ البهائي في كتابه مشرق الشمسين - المطبوع مع الحبل المتين -: 270 [طبع إيران: 3]. قال في توضيح المقال: 40 - بعد ذلك -: و مناقشة الشيخ في مرسلات الجماعة، و الجماعة في مراسيل ابن أبي عمير، فمع أن ذلك كله مشترك الورود على الجميع لعله لعدم ثبوت الإجماع عندهم، أو عدم وقوفهم عليه أو عدم اعتنائهم به، أو بيان أن رواياتهم ليست كسائر الصحاح و غير ذلك، و بالجملة ما ذكر لا يدفع الشهرة.
2- باب معرفة توثيق المزكي للراوي من الفصول: 303 - وسط الصفحة - و احتمل هذا القول الفيض الكاشاني في الوافي: 12/1، قال الأول بعد ذلك: و لعل هذه الدلالة مستفادة منه بالالتزام نظرا إلى استبعاد إجماعهم على الاعتماد على روايات غير الثقة، و إلا فهذه العبارة منقولة عن المتقدمين، و قد عرفت أن تصحيحهم لا يقتضي التوثيق.

قولهم أجمعت العصابة يفيد الوثاقة بالنسبة إلى من ورد في حقه تلك اللفظة، و لا نزاع في ذلك و إنما النزاع في إفادته صحة الحديث مطلقا، فلا يلاحظ من كان بعد ذلك الشخص في الذكر إلى المعصوم (عليه السّلام)، بل لو كان ضعيفا لم يكن قادحا في الصحة كما عن المشهور. و عدمها - كما عن بعض - كما هو المتيقن، فإن دلالة الألفاظ بالوضع(1) أو بالقرينة، و الوضع إما لغوي أو عرفي، عام أو خاص، و لم يثبت الوضع بأنواعه بالنسبة إلى إفادة تعديل من كان واقعا بعد ذلك الشخص و كذا القرينة، و إن كان الأول لعله الظاهر من العبارة كما قيل(2).

و ربما استدل بعضهم(3) لدلالة العبارة على وثاقة المقولة فيه بأن من المستبعد جدا إجماعهم على تصحيح جميع ما يرويه من ليس بثقة، سيما بعد ملاحظة دعوى الشيخ (رحمه اللّه) الاتفاق على اعتبار العدالة لقبول خبرهم، و ملاحظة اختلاف مشاربهم، بل رميهم كثيرا من الثقات بالضعف و فساد العقيدة، سيما القميين منهم، خصوصا بعد استثناء مثل الصدوق (رحمه اللّه) و شيخه روايات جماعة عن أخرى، كرواية محمد بن عيسى من كتب يونس، و رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن يحيى المعاذي، أو عن أبي عبد اللّه

ص: 186


1- أما بالوضع، كذا في الأصل. و هو الظاهر.
2- لب اللباب: النسخة الخطية: 21 بحسب ترقيمنا، مع فرق يسير.
3- المراد به المولى الوحيد في التعليقة: 7، و قد فصل كلامه المصنف هنا، و دفعه الأسترآبادي في لب اللباب: 21 بعد كلامه السابق، فلاحظ.

الرازي و.. غير ذلك، فإجماعهم مع هذا المسلك على صحة جميع ما رواه شخص، بل جميع ما يرويه، كما هو مفاد هيئة المضارع يكشف عن كونه ثقة.

هذا و نوقش في هذا التفسير بوجوه:

الأول: إن كونه ثقة أمر مشترك، فلا وجه لاختصاص الإجماع بالمذكورين(1). و ردّ ذلك المولى الوحيد (رحمه اللّه) في الفوائد بأنه:

بظاهره في غاية السخافة، إذ كون الرجل ثقة لا يستلزم وقوع الإجماع على وثاقته(2).

ثم قال: إلا أن يكون المراد ما أورده بعض المحققين(3) من أنه ليس في التعبير بها لتلك الجماعة دون غيرهم ممن لا خلاف في عدالته فائدة.

و فيه: إنه إن أردت عدم خلاف من المعدّلين المعروفين في

ص: 187


1- قاله المحقق الشيخ محمد في شرح الاستبصار كما حكاه العلامة النوري في مستدركه: 760/3 و قد وجّه كلامه و نقحه، و حكاه السيد الصدر في نهاية الدراية: 152 و قال ما نصه: لم يدع هذا المورد الإجماع على الوثاقة، بل مراده الإجماع على التصحيح، و كل ثقة مجمع على تصحيح خبره، نعم يرد عليه أن التصحيح في كلام القدماء بمعنى آخر، فينبغي التأمل في أن الصحيح بالمعنى المعروف فيراد منه أم لا؟ ثم عقبه بقوله: و هو الحق، و قال: و ما أورده جدى في شرح الاستبصار بأنه ليس في التعبير بها لتلك الجماعة دون غيرهم ممن لا خلاف في عدالته فائدة. ثم أورد اعتراض الوحيد البهبهاني في الفوائد و ناقشه.
2- الفوائد المطبوعة في مقدمة منهج المقال: 6.
3- العبارة للشيخ محمد في شرح الاستبصار، كما مرّت قريبا.

الرجال(1) ففيه:

أولا: إنّا لم نجد من وثقه جميعهم، و إن أردت عدم وجدان خلاف منهم.

ففيه: إن هذا غير ظهور الوفاق، مع أن سكوتهم ربما يكون فيه شيء، فتأمل.

و ثانيا: إن اتفاق خصوص هؤلاء(2) غير إجماع العصابة، و خصوصا إن مدعي هذا الإجماع الكشي ناقلا عن مشايخه، فتدبر.

هذا مع أنه لعل عند هذا القائل يكون تصحيح الحديث أمرا زائدا على التوثيق، فتأمل.

و إن أردت اتفاق جميع العصابة فلم يوجد إلا في مثل سلمان ممن هو عدالته ضرورية لا تحتاج إلى الإظهار، و أما غيره(3) فلا يكاد يوجد ثقة جليل سالما عن قدح، فضلا عن أن يتحقق اتفاقهم على سلامته منه، فضلا عن أن يثبت عندك، فتأمل(4).

ص: 188


1- أي عدم الخلاف من هذه الجماعة.
2- خ. ل: هؤلاء المعدلين.
3- في الطبعة الأولى و الأصل: غيرهم.
4- التعليقة المطبوعة في مقدمة منهج المقال: 6-7. و الحاصل إن الاتفاق واقع على عدّ أخبار جملة من الرواة كثيرة في قسم الصحيح، لكن ليس الوفاق على تعديلهم بل للتوثيق على أن من عدّله واحد أو أكثر كان حديثه في الصحيح.. و ظاهر كلام المستشكل أنه ليس ثمّة فائدة معلومة في حصر الإجماع بهؤلاء الجماعة دون غيرهم، مع أن هناك عدولا ثقات بلا خلاف لم يجمع عليهم، فتدبر. و قد أجاب السيد صدر الدين (رحمه اللّه) في حواشيه - كما حكاه في نهاية الدراية: 155 - بوجوه: الأول: إن الصدق مطابقة الواقع، فالإجماع على التصديق يقتضي الإجماع على اعتقاد مطابقة الواقع، و لعل الطائفة وقفوا على مطابقة كثير من أخبارهم أو أكثر فاستدلوا بما وجدوا على ما لم يجدوا، و الاتفاق على وثاقة الرجل و تقواه و صلاحه و ورعه لا يقتضي أكثر من ظن مطابقة خبره لاعتقاده. الثاني: إن الإجماع في الستة الأوائل على الأمرين: التصديق، و الإقرار لهم بالفقه. الثالث: أن يكون الستة الاوائل قد علم لهم ذلك من جميع الطائفة اتفاقا محققا فلذلك نقلوه، و أما غيرهم فلم يعلم أكثر من اعتماد كثيرا، و ظهور الأكثر عليهم و سكوت الباقين بعدم الخلاف منهم. و أنت خبير بما فيها، خصوصا الوجهين الأخيرين من القول بالتفصيل، و الفصل بين الستة الأوائل و ما بعدهم.

الثاني: ما عن بعض المحققين من منع الإجماع على الوثاقة، لأن بعض هؤلاء لم يدّع أحد توثيقه، بل قدح بعض في بعضهم، و بعض منهم و إن ادّعى توثيقه إلا أنه ورد منهم قدح فيه. قال في الفوائد: و هذا الاعتراض أيضا فيه تأمل، و سيظهر لك بعض من وجهه(1).

الثالث: ما ناقش به في الفوائد من: أن تصحيح القدماء حديث شخص لا يستلزم توثيقه منهم، لما مرّت الإشارة إليه(2).

ص: 189


1- فوائد الوحيد المطبوع في مقدمة منهج المقال: 5. و مرّت كلمات البعض في البعض، فراجع.
2- فوائد الوحيد المطبوع في مقدمة منهج المقال: 5.

و توضيح ذلك ما في الفصول(1) من أن اعتمادهم على رواية رجل في خصوص مقام لا يدلّ على توثيقه بشيء من الدلالات، أ لا ترى أن علي بن حمزة قد ذكر الشيخ في حقه أنه واقفي، و ذكر النجاشي أنه أحد عمد الواقفة، و قال علي بن الحسن بن فضال: أنه كذاب متهم ملعون، و قال ابن الغضائري: هو أصل الوقف و أشد الناس عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم (عليه السّلام).

و روى الكشي في ذمّه روايات، و لم يحك عن أحد توثيقه. و مع ذلك فقد ذكر الشيخ (رحمه اللّه) في الفهرست أن له أصلا نقل عنه ابن أبي عمير و صفوان.. إلى غير ذلك من النظائر مما يطلع عليه المتتبع الماهر.

و أما ما يقال: من أن أصحابنا الإمامية كانوا يتبرءون من فرق المخالفين لهم لا سيما الواقفية، و كانوا يسمونهم الكلاب الممطورة، فكيف يعقل ركونهم(2) إليهم و روايتهم عنهم؟ بل كل ما يوجد من رواياتهم عنهم فلا بد أن يكون في حال استقامتهم، فمما لا وجه له، إذ الذي يظهر أن أصحابنا كانوا يعتمدون على الأخبار المحفوفة بأمارة الوثوق و إن كان الراوي غير إمامي، و كفاك في ذاك روايتهم عن

ص: 190


1- الفصول: 303 - وسط الصفحة - قال: و ربما قيل بأنها تدلّ على وثاقة الرجال الذين بعده أيضا. ثم قال: و هو بعيد لأن، اعتمادهم على رواية رجل في خصوص مقام لا يدل على توثيقه.. إلى آخره.
2- خ. ل: سكونهم.

النوفلي و السكوني مع أنهما عاميان، و لم يكن لهما حال استقامة(1)، فتأمل(2).

رابعها: إن المراد به توثيق من كان بعد من قيل في حقه ذلك، أسنده في الفوائد إلى توهم بعض(3)، و لا ريب في أن مراد هذا القائل توثيق المقول في حقه أيضا، كما يشهد بذلك أن صاحب الفصول

ص: 191


1- إلى هنا كلام صاحب الفصول.
2- فتأمل، ليست في الطبعة الأولى. أقول: نعم يمكن أن يقال: يبعد أن لا يكون رجل ثقة و مع ذلك اتفق جميع العصابة على تصحيح جميع ما رواه سيما بعد ملاحظة دعوى الشيخ الاتفاق على اعتبار العدالة لقبول خبرهم، إلا أن يقال بمقالة السيد صدر الدين في حواشيه كما في ما حكاه في النهاية: 155 من قوله: لم يدع أحد فضلا عن الشيخ بخصوصه إجماعا على العدالة شرطا ينتفي الخبر بانتفائه، بل الشيخ بنفسه مصرح بإجماع الفرقة على العمل بأخبار ثقات ليس من الإمامية كالفطحية و الواقفة. و بالجملة، فالمدار في الخبر على ظن الصدور من المعصوم عليه السّلام أو القطع به. و قد يقع الإجمال على أخبار الرجل إذا قوبلت و علم من الخارج صدقها و مطابقتها للواقع، أو علم مطابقة الباقي، نعم لك أن تقول وقوع المطابقة و حصولها في أخبار شخص أعظم دليل على وجود الوثاقة بالمعنى الأعم، بل هو عينها، بل أعلى أفرادها، و بعد تحقيق كون الرجل إماميا المانع من كون شدّة تحرجه في الصدق بحسب ما يظهر لنا دليلا على العدالة، فإنّا إنما استدللنا عليها بالآثار، و هذا أعظم أثر. فتأمل.
3- التعليقة: 7.. و يظهر من كلام العلامة النوري في المستدرك: 759/3 أن هذا القول ظاهر كلام السيد محمد باقر الجيلاني في رسالته في تحقيق حال أبان، و هو متأخر زمانا.

(رحمه اللّه) بعد(1) نقل القول السابق قال: و ربما قيل بأنها تدلّ على وثاقة الرجال الذين بعده أيضا(2).

و أقول: يتّجه على هذا التفسير ما نوقش به في سابقه و زيادة.

و تحقيق القول في المسألة: أنك قد عرفت فيما مضى حجية الظن في الرجال لانسداد باب العلم في هذا الباب، و لا ريب في إيراث الإجماع المزبور الظن، كما لا ريب في حجية ما يظهر من اللفظ المزبور لكونه كغيره من الألفاظ التي هي حجة. و الذي يظهر لكل ذي ذهن مستقيم هو التفسير الأول الذي فهمه المشهور، بل قيل(3): إنه لو كان في الظهور المزبور في نفسه قصور فهو بفهم المشهور مجبور، و إن لم نقل بجبر الشهرة لقصور الدلالة في الأخبار، لأن المدار هنا على مطلق الظن دون الأخبار، فإن المدار فيها على الاطمئنان(4).

و أما التفسير الثاني، فقد عرفت سقوطه.

ص: 192


1- الصحيح: قبل لا بعد.
2- الفصول: 303.
3- القائل هو الملا علي كني في توضيح المقال: 39.
4- حيث جعلوا البناء على الركون إلى الإجماع المزبور أما من باب التعبد، أو للبناء على اعتبار الظن في الطريق، أو على اعتباره في نفس الأحكام بناء على قاعدة الانسداد المقررة في أحدهما أو في خصوص الرجال، و حيث أفاد الظن وجب علينا البناء على ما يظهر من اللفظ المزبور، لكونه حينئذ كغيره من الألفاظ التي هي حجة أو من أجزائها، فتأمل. فأكثر الوجوه لا تخلو من نظر، مع التسليم بلزوم اتباع مثل هذا الإجماع، و حجية مثل ذلك الظن.

و أما التفسير الثالث، فقد سمعت ما فيه من المناقشات، مضافا إلى ما قيل عليه(1) من أنه إن كان المراد به ما ينفي التفسير الأول فلا ريب في ضعفه، فإن الظهور بمرأى منّا و هو مع التفسير الأول كما أن مصير المشهور هو ذاك، بل لم نقف على مصرح بالثالث غير من مرّ(2).

فأين الكثرة و الإجماع اللذان ادعاهما الأسترآبادي؟! و إن كان المراد به زيادة على التفسير الأول إثبات وثاقة الرجل المقول في حقه اللفظ المزبور نظرا إلى ما نقلناه عن البعض الاستدلال للتفسير الثالث به، ففيه أن ذلك على فرض تسليم إفادته بنفسه أو بانضمام اللفظ المزبور شرطا أو شطرا للظن المعتبر معارض بظهور عبارات المشهور، بل صراحتها في نفي ذلك، مع أن الظاهر خلافه، بل هو استدلال بالأعم، لإمكان أن يكون منشأ إجماعهم مع اختلاف مشاربهم هو وقوفهم على نهاية دقّة المقول فيه ذلك اللفظ في نقل الرواية بحيث لا يروي إلا ما علم أو ظن بصحته، مع معرفته بعيوب الرواية و الرواة، و هذا لا يستلزم وثاقته في نفسه، غاية الأمر كونه ثقة في نقل الحديث خاصة كما مرّ في اللفظ المزبور، إلا أن هناك استظهرنا وثاقته في نفسه من قرائن أخر، فلو وجد مثلها في المقام لم نكن نأبى عنه، و إلا فالمسلم وثاقته في الحديث لا وثاقته في نفسه حتى يحكم بكونه ثقة بالاصطلاح المتأخر.

فإن قلت: أنّا لم نستفد من نفس العبارة وثاقة هؤلاء في

ص: 193


1- كما في توضيح المقال في علم الرجال: 39، مع زيادة من المصنف و تغيير.
2- خ. ل: غير ما ذكر.

أنفسهم، فلا اقلّ من استفادة ذلك بضميمة أنه يبعد كل البعد عدم وثاقة الراوي في نفسه بالمعنى الأخص، و مع ذلك اتفق جميع العصابة على تصحيح جميع ما رواه و على الاعتماد على أحاديثه و أخباره، مع ملاحظة أن كثيرا من الأعاظم الثقات من الرواة لم يتحقق منهم الاتفاق على تصحيح حديثه، و لا قيل في حقه هذا القول، و لا ادعيت هذه الدعوى له، فليس إلا لكون هؤلاء بمرتبة فوق العدالة بمراتب.

قلت: نعم، و لكنا لما وجدنا منهم من هو فطحي كعبد اللّه بن بكير، بل و الحسن بن علي بن فضال - على قول - علمنا بأن المراد بالوثاقة الموثقية و العدالة بالمعنى الأعم، دون الوثاقة، فتأمل جيدا.

و أما التفسير الرابع فقد قيل: إن منشأه الأخذ بالتفسير الأول مع حمل لفظ التصحيح و الصحة في العبارة على الصحة بالاصطلاح المتأخر المتوقفة على عدالة الرواة.

و أنت خبير بأنه لا وجه لذلك، لأن لعبارة المزبورة أصلها من الكشي و. نحوه من القدماء الذين لم يكن اصطلاحهم في لفظ الصحيح هو الاصطلاح المتأخر، بل الصحة في اصطلاحهم عبارة عن كون الرّواية معتبرة موثوقا بصدورها عن المعصوم (عليه السّلام) و لو لقرائن خارجيّة، فلازم حمل كلام كل ذي اصطلاح على مصطلحه هو كون مرادهم بالإجماع على صحة ما يصحّ عن هؤلاء الإجماع على كون ما يوثق برواية هؤلاء له موثوقا بصدوره عن المعصوم (عليه السّلام) و لو لقرائن خارجيّة.

لا يقال: كما نقل الإجماع المزبور الكشّي و.. غيره من القدماء

ص: 194

فكذا نقله المتأخّرون الذين اصطلاحهم في الصّحة: الوثاقة و العدالة و الإماميّة(1)، فكما نحمل ما في كلام القدماء على اصطلاحهم، يلزمك حمل ما في كلمات المتأخرين أيضا على مصطلحهم، فيثبت مطلوب أهل التّفسير الرابع.

لأنّا نقول: حيث إن انعقاد الإجماع في الزّمان المتأخّر على خلاف ما انعقد في الزّمان السّابق غير ممكن على طريقتنا في الإجماع، كشف ذلك عن إرادة المتأخّرين بالصّحة في هذه العبارة الصحيح بالاصطلاح المتقدّم و هو المطلوب، فتأمّل.

و قد تلخّص من ذلك كلّه أنّ المعتمد في تفسير العبارة هو التّفسير الأول، و إن ما يصح عن هؤلاء مع ضعف أحد من بعدهم من رجال السّند لا ينبغي أن يسمّى صحيحا بالاصطلاح المتأخّر، بل ينبغي تسميته قويّا أو كالصحيح، و لعلّ هذا هو مراد المحقّق الوحيد (قدّس سره) بقوله - في آخر كلامه -: و عندي أنّ رواية هؤلاء إذا صحّت إليهم لا تقصر عن أكثر الصّحاح(2). و لا وجه لما صدر من الشيخ أبي عليّ (3) في منتهى المقال من التأمّل في اعتبار الإجماع المزبور، حيث قال: الإنصاف أن مثل هذا الصّحيح ليس في القوّة كسائر الصّحاح، بل و أضعف من كثير من الحسان لا لما فهّمه السّيد الاستاذ

ص: 195


1- الظاهر: و الإيمان.
2- تعليقة الوحيد: 7، و اختاره الأسترآبادي في لبّ اللباب: 21 - خطّي - و لم يذكر غير استاذه و أيّده بما لا مزيد عليه، و غيرهما ممّن مرّ كلامه.
3- ترجمه المصنف (رحمه اللّه) في خاتمة الكتاب، فراجع.

- مدّ في بقاه - و من شاركه، إذ لا يكاد يفهم ذلك من تلك العبارة أبدا، و لا يتبادر إلى الذّهن مطلقا، و من المعلوم أنّ صدق الرجل غير تصحيح ما يصحّ عنه، بل لوهن الإجماع المزبور إذ لم نقف على ما(1)وافق الكشي في ذلك من معاصريه و المتقدمين عليه و المتأخرين عنه إلى زمان العلامة (رحمه اللّه) أو ما قاربه. نعم ربما يوجد ذكر هذا الإجماع في كلام النجاشي فقط من المتقدمين، و ذلك بعنوان النقل عن الكشي، إلا أن غير واحد من علمائنا منهم الشيخ البهائي (رحمه اللّه) صرح بأن الأمور الموجبة لعد الحديث من الصحيح عند قدمائنا وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم، فتدبر. لكن هذا الإجماع لم يثبت وجوب اتباعه كالذي بالمعنى المصطلح لكونه مجرد وفاق(2).

فإن فيه: أنه قد حكي عن الشيخ - أيضا - نقل هذا الإجماع، و قد نقله العلامة (رحمه اللّه) و من تأخر عنه أيضا، و حكاه النجاشي بعنوان القبول دون مجرد النقل، بل كلمات الكل صريحة في المسلمية و القبول، و كفى بأحد هؤلاء ناقلا بعد إفادته الظن الكافي في الرجال، حتى لو اريد به الوفاق دون الإجماع المصطلح، مع أن ظاهرهم الإجماع المصطلح، و هو صريح الشيخ الحر في فوائد وسائل الشيعة حيث قال - بعد نقل عبارة الكشي، ما لفظه -: و ذكر أيضا - أي الكشي - أحاديث في حق هؤلاء و الذين قبلهم تدلّ على مضمون

ص: 196


1- في الطبعة الأولى، و في نسخة: من.
2- منتهى المقال: 10.

الإجماع المذكور(1)، فعلم من هذه الأحاديث الشريفة دخول المعصوم بل المعصومين (عليهم السّلام) في هذا الإجماع الشريف المنقول بخبر هذا الثقة الجليل و.. غيره، و قد ذكر نحو ذلك، بل ما هو أبلغ منه الشيخ (رحمه اللّه) في كتاب العدة(2) و جماعة من المتقدمين و المتأخرين، و ذكروا أنهم أجمعوا على العمل بمراسيل هؤلاء الأجلاء و أمثالهم كما أجمعوا على العمل بمسانيدهم(3). و لا يخفى عليك أن ما في ذيله يقوي ما اخترناه من التفسير الأول، فلاحظ و تدبر جيدا(4).

المقام الثاني: في تعداد الجماعة و تعيين أسمائهم:

و حيث إن أول من نقل الإجماع هو الكشي(5)، لزمنا نقل

ص: 197


1- لاحظ وسائل الشيعة: 98/18 باب: 11.
2- عدة الأصول: 367/1-388، فصل في ذكر القرائن التي تدلّ على صحة أخبار الآحاد أو على بطلانها، و ما يرجّح به الأخبار بعضها على بعض و صفحة: 56 و صفحة: 60 و ما بعدها من الطبعة الحجرية.
3- وسائل الشيعة: الطبعة الحجرية: الجزء الثالث: الخاتمة: الفائدة السابعة. الطبعة الجديدة: 80/20.
4- انظر مستدرك رقم (174) بقية الأقوال و الوجوه في المسألة.
5- الشيخ أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي صاحب كتاب الرجال المعروف. و هو الأصل في دعوى الإجماع كما قيل، و نقله الآخرون عنه. إلا أنه يظهر من تضاعيف كلماته أنه قد سبقه غيره في دعوى الإجماع، فهو (رحمه اللّه) يقول في فضالة بن أيوب: 556 برقم (1050)، في بيان من أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنهم و تصديقهم قال: و فضالة بن أيوب، و قال بعضهم مكان ابن فضال (و في نسخة: فضالة بن أيوب) عثمان بن عيسى. و كذا في غيره كثيرا، بل التدبر في كلماته الآتية بقوله قيل: كذا، أو منهم فلان أو زعم أبو إسحاق الفقيه أو.. و غيره مما يكشف عن قدم المسألة عن زمانه. و قد ذكر بما هو أبلغ منه الشيخ في العدة - كما مرت الإشارة إليه - و جماعة من المتقدمين و المتأخرين، و دعوى الإجماع على العمل بمراسيل بعض الأجلاء فضلا عن مسانيدهم من الأصحاب كثيرة، و ربما يشارك الكشي النجاشي في نقل الإجماع المزبور، و كذا العلامة لا بطريق النقل عنه، كما أن للكشي عبارات غير دعوى الإجماع مثل: أنه ممن أجمعت العصابة على تصديقه و الإقرار له بالفقه كما قاله في الفضيل: 238، برقم (431)، فتدبر.

كلامه برمته، قال (رحمه اللّه) - ما هذا لفظه -: قال الكشي: أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر و أبي عبد اللّه (عليهما السّلام) و انقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين ستة: زرارة، و معروف بن خربوذ، و بريد، و أبو بصير الأسدي، و الفضيل بن يسار، و محمد بن مسلم الطائفي. قالوا: و أفقه الستة زرارة. و قال بعضهم: مكان أبي(1) بصير الأسدي: أبي(2) بصير المرادي و هو ليث البختري(3).. ثم أورد أحاديث كثيرة في مدحهم و جلالتهم و علو منزلتهم و الأمر بالرجوع إليهم ثم قال: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السّلام): أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء و تصديقهم لما يقولون و أقرّوا لهم بالفقه

ص: 198


1- الظاهر: أبو بصير. أو يكون: أبي بصير الأول بالجر، و الثاني بالرفع أو النصب.
2- الظاهر: أبو بصير. أو يكون: أبي بصير الأول بالجر، و الثاني بالرفع أو النصب.
3- رجال الكشي: تحت عنوان: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام: 155 طبعة الهند 1317 ه. و صفحة: 206 من الطبعة الحديثة مع اختلاف يسير بينهما.

- من دون أولئك الستة الذين عددناهم و سميناهم - ستة نفر: جميل بن دراج، و عبد اللّه بن مسكان، و عبد اللّه بن بكير، و حماد بن عيسى، و حماد بن عثمان، و أبان بن عثمان. قالوا: و زعم أبو إسحاق الفقيه - يعني ثعلبة بن ميمون - أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج، و هم أحداث أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السّلام)(1).

.. ثم قال بعد ذلك: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم، و أبي الحسن الرضا (عليهما السّلام) أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء و تصديقهم و أقروا لهم بالفقه و العلم و هم ستة نفر أخر - دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السّلام) - منهم: يونس بن عبد الرحمن، و صفوان بن يحيى بياع السابري، و محمد بن أبي عمير، و عبد اللّه بن المغيرة، و الحسن بن محبوب، و أحمد بن محمد بن أبي نصر. و قال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال، و فضالة بن أيوب، و قال بعضهم: مكان فضالة: عثمان بن عيسى، و أفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيى(2): ثم ذكر أحاديث في حق هؤلاء و الذين قبلهم.

و أقول: قد جعل (قدس سره) في الستة الأولى الخلاف في

ص: 199


1- رجال الكشي: طبع الهند: 239، و الطبعة الجديدة: 322. و الظاهر أن يقال: تحت تسمية الفقهاء.. إلى آخره.
2- الظاهر أن يقال: تحت عنوان: تسمية الفقهاء من... إلى آخره، لاحظ رجال الكشي: 344 - الهند - و الطبعة الجديدة: 466. و ظهر أن أصحاب الإجماع طائفتان: إحداهما: من حكي الإجماع على تصديقهم و الثانية: من حكي الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم. و دعوى الكشي في تصديق الستة الأوائل و توثيقهم دون غيرهم، فتأمل.

واحد و هو أبو بصير حيث قال: إنه الأسدي، و حكى عن بعضهم أنه ليث المرادي، و في الستة الأخيرة جعل مكان ابن محبوب الحسن بن علي بن فضال، و فضالة - على قول - و ابن محبوب و عثمان بن عيسى - على قول آخر -.

و قد نظم العلامة الطباطبائي (قدس سره) في الستة الأخيرة من عيّنه هو و في الستة الأولى من نقله عن بعض قولا، و جعل ذلك الأصح عنده(1) قال (رحمه اللّه):

قد أجمع الكل على تصحيح ما *** يصح عن جماعة فليعلما

و هم أولو نجابة و رفعة أربعة و خمسة و ستة(2)

فالستة الاولى من الأمجاد أربعة منهم من الأوتاد

زرارة(3) كذا يريد(4) قد أتى ثم محمد(5) و ليث(6) يا فتى

كذا فضيل(7) بعده معروف(8) و هو الذي ما بيننا معروف

ص: 200


1- و قد اختار السيد أن يكون أبو بصير المرادي دون الأسدي، و بذا خالف الكشي.
2- كذا، و الصحيح: و تسعة.
3- زرارة بن أعين بن سنسن الشيباني. تجد له ترجمة ضافية في الموسوعة الرجالية تنقيح المقال: 438/1-446.
4- بريد بن معاوية العجلي أبو القاسم. لاحظ ترجمته في تنقيح المقال: 164/1-167.
5- محمد بن مسلم بن رباح الطحان الأعور السمان الطائفي الكوفي القصير الحداج الثقفي. انظر: تنقيح المقال: 184/3-187.
6- ليث بن البختري أبو بصير المرادي. تنقيح المقال: 44/2-46 حرف اللام.
7- فضيل بن يسار النهدي. تنقيح المقال: 15/2 حرف الفاء، و الصحيح كذا الفضيل.. إلى آخره.
8- معروف بن خربوذ المكي. لاحظ ترجمته في تنقيح المقال: 227/3-228.

و الستة الوسطى أولو الفضائل *** رتبتهم أدنى من الأوائل

جميل(1) الجميل مع أبان(2) و العبدلان(3) ثم حمادان(4)

و الستة الأخرى هم صفوان(5) و يونس(6) عليهما الرضوان

ثم ابن محبوب(7) كذا محمد(8) كذاك عبد اللّه(9) ثم أحمد(10)

ص: 201


1- جميل بن دراج بن عبد اللّه النخعي، ترجمه في تنقيح المقال: 231/1-232.
2- أبان بن عثمان الأحمر البجلي أبو عبد اللّه. ترجمه المصنف (رحمه اللّه) في تنقيح المقال: 5/1-8.
3- هما: عبد اللّه بن مسكان، تنقيح المقال: 216/2-217. و عبد اللّه بن بكير الأرجاني، تنقيح المقال: 170/2-171.
4- هما: حماد بن عثمان بن زياد الرواسي الملقب بالناب، ترجمه الشيخ في تنقيح المقال: 365/1-366، و حماد بن عيسى أبو محمد الجهني البصري، تنقيح المقال: 366/1-368.
5- صفوان بن يحيى أبو محمد البجلي بيع السابري، تنقيح المقال: 100/2 - 102.
6- يونس بن عبد الرحمن مولى علي بن يقطين أبو محمد. تنقيح المقال: 338/3 - 343.
7- الحسن بن محبوب السراد و يقال له الزراد، تنقيح المقال: 304/1-305.
8- محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى الأزدي أبو أحمد. تنقيح المقال: 61/2 حرف الميم.
9- عبد اللّه بن المغيرة أبو محمد البجلي مولى جندب بن عبد اللّه بن سفيان العقلي، تنقيح المقال: 218/2-219.
10- أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، تنقيح المقال: 77/1-79.

و ما ذكرناه الأصح عندنا *** و شذّ قول من به خالفنا(1)

قلت: وجه الأصحّية في عد ابن محبوب في الستة الأخيرة ظاهر لموافقته لإجماع الكشي، و أما الأصحية في عدّ الليث بدل الأسدي فلم أفهم وجهها لمخالفته لعدّ الكشي الذي هو الأصل في هذا الإجماع(2)، فتدبر جيدا. بقي هنا شيء و هو: أن من عدا الكشي عدّ الستة الأولى ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و عبارة الكشي المزبورة قاصرة عن إفادة ذلك، لأنه نقل الإجماع على

ص: 202


1- ملحق خلاصة الرجال للعلامة: 185. و كذا في منظومته، و لكنه في فوائده: 93/4 قد حكى دعوى الإجماع عن الكشي و اعتمد حكايته. هذا، و قد حكم السيد بصحة أصل زيد النرسي لأن رواية ابن أبي عمير في رجاله 3/2-361 و صفحة 366 من ذلك المجلد، بل حكم في ترجمة علي بن حديد الأزدي بالوثاقة لرواية ابن أبي عمير عنه، رجال بحر العلوم: 405/1 و هذا ما يرتبط ببحث المرسل الثقة، و الخلاف فيه طويل، كما مرّ. انظر تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال: 143 و 160، فراجع.
2- و لم يزد الكشي على هؤلاء الثمانية عشر، إلا أن ابن داود في رجاله: 133 في ترجمة حمدان بن أحمد نقل عن الكشي أنه قال: هو من خاصة الخاصة، أجمعت العصابة (خ. ل: الصحابة) على تصحيح ما يصح عنه و الإقرار له بالفقه، و حيث ان أصل رجال الكشي ليس بأيدينا، و كل ما بأيدينا هو اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي، فلعل ابن داود قد اعتمد في نقله على الأصل في رجال الكشي كما احتمل ذلك شيخنا النوري في مستدركه: 757/3، و للسيد محمد صادق بحر العلوم (رحمه اللّه) - محقق كتاب رجال ابن داود - توجيه للعبارة يصعب الأخذ به.

تصديقهم، و ظاهر التصديق غير تصحيح ما يصح عنهم، لكن دعوى غيره ممن نقل الإجماع سيما مثل العلامة الحلي(1) و العلامة الطباطبائي(2) و.. غيرهما يكشف عن وجود قرينة على إرادة الكشي من تصديق هؤلاء تصحيح ما يصح عنهم، و لو أغمضنا عن ذلك ففي دعوى مثل العلامتين الاجماع كفاية في إفادة الظن الكافي في الرجال، فلا وجه لما حكي عن السيد الأجل السيد محسن الأعرجي (قدس سره) في عدّته من التأمل في كون الستة الاولى ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم حيث قال: إنه قد حكي الإجماع على تصحيح ما يصح عن الأواسط و الأواخر غير واحد من المتأخرين كابن طاوس و العلامة و ابن داود، و حينئذ فما اشتهر بين جملة من أهل هذا الفن كالشيخ أبي علي في كتابه منتهى المقال، و صاحب المعالم في كتابه منتقى الجمان و.. غيرهما من أن الطائفة أجمعت على تصحيح ما يصح عن ثمانية عشر، ستة من الأوائل و ستة من الأواسط و ستة من الأواخر مما لا وجه له و لا أصل، فان الستة الاوائل لم يدع في حقهم هذه الدعوى و لا قيل فيهم هذا القول، و إنما المدعى فيهم إنما هو إجماع العصابة على تصديقهم و الانقياد لهم بالفقه، و أين هذه الدعوى من تلك؟(3).

فإن فيه ما عرفت من كفاية نقل من ذكر في إفادة الظن الكافي في الرجال، و ما أبعد ما بينه و ما بين ما صدر من بعضهم من عدّهم

ص: 203


1- رجال العلامة، في غالب ترجمة أصحاب الإجماع نظير صفحة: 13، 37، 106 و غيرها.
2- رجال بحر العلوم: 366/3.
3- العدّة للسيد الأعرجي - مخطوط -.

اثنين و عشرين جمعا بين الأقوال(1).

تذنيب:
قد شهد الثقاة بوثاقة جمع غير اصحاب الاجماع

قد شهد الثقات بوثاقة جمع غير أصحاب الإجماع، و عملت الطائفة بأخبارهم لوثاقتهم(2)، و هم أكثر من أن يحصوا. و قد قال الشيخ المفيد (رحمه اللّه)(3) و ابن شهرآشوب(4) و الطبرسي(5) و..

ص: 204


1- كما فعل شيخنا النوري قدس سره في مستدركه: 757/3 من عدّه أصحاب الإجماع اثنين و عشرين رجلا، جمعا بين ما اختاره الكشي و ما نقله البعض عنه، و ما ذكره ابن داود، و قال مستدلا لذلك: لا منافاة بين الإجماعين في محل الانفراد لعدم نفي أحد النقلين ما أثبته الآخر، و عدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة، و إنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الآخر، و الجمع بينهما ممكن، فيكون الجمع موردا للإجماع. هذا كلامه علا مقامه، و أنت خبير بما فيه، لأن بعض ما نقله الكشي عن بعضهم لم يرتضه هو (رحمه اللّه) و لم يصححه، فكيف ينسب له، كما أنا لا نعلم من هو ذلك البعض حتى يجمع له بمثل هذا الجمع! فتدبر.
2- راجع بحث المرسل و عبارة الشيخ في العدة و غيره في غيرها.
3- الإرشاد: 289 [طبعة النجف: 271] قال: إن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه (عليه السّلام) من الثقات على اختلافهم في الآراء و المقالات فكانوا أربعة آلاف.
4- قال في المناقب: 324/2 ما نصه: نقل عن الصادق عليه السّلام من العلوم ما لم ينقل عن أحد، و قد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء و المقالات و كانوا أربعة آلاف رجل. ثم قال: إن ابن عقدة مصنف كتاب الرجال لأبي عبد اللّه عدّهم فيه... و لذا قال الشيخ في أول رجاله بأنه يذكر فيه جميع ما ذكره ابن عقدة. و انظر معالم العلماء: 3.
5- اعلام الورى: 7-276، قال: و إن أصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات و الديانات فكانوا أربعة آلاف رجل. و قد ترجمه المصنف (رحمه اللّه) في خاتمة الكتاب، فلاحظ.

غيرهم(1) إن الذين رووا عن الصادق (عليه السّلام) من الثقات كانوا أربعة آلاف رجل، و زاد الطبرسي أنه: (صنّف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب معروفة و تسمى الأصول)(2)، و أما

ص: 205


1- انظر رجال العلامة: 240، أمل الآمل: 83/1 و غيرهما. و يؤيده قول ابن سيرين - كما نقله السيوطي في تدريب الراوي: 400/2 -: قدمت الكوفة و بها أربعة آلاف يطلبون الحديث، فتدبر.
2- اعلام الورى: 387، باختلاف يسير، لاحظ بحث الأصل من هذا الكتاب. و من هذا و غيره عد من التوثيقات العامة كون الرجل من أصحاب الصادق عليه السّلام الذي ذكرهم الشيخ في رجاله، كما جاء في معجم رجال الحديث: 1 / 70 و غيره. و قد مال إلى هذا القول الشيخ الحر في أمل الآمل في ترجمة خليد بن أوفى أبي الربيع الشامي: 83/1 قال: و لو قيل بتوثيقه و توثيق جميع أصحاب الصادق عليه السّلام إلا من ثبت ضعفه، لم يكن بعيدا... و هي دعوى باطلة، لأنه إما أن يراد منها أن أصحاب الصادق عليه السّلام كان عددهم أربعة آلاف و كلهم ثقات. و فيه: أولا: كيف يكون جماعة ذوو آراء مختلفة و اعتقادات متباينة و مع ذلك يكونون جميعهم ثقات، إن ذلك مستحيل عادة، كذا قيل، و لم أفهم وجهه، و ما المنافاة بين اختلاف الرأي و الوثاقة. و ثانيا: ينافيه تصريح الشيخ (قدس سره) و غيره بتضعيف جماعة كثيرة منهم في رجاله. و هو كما ترى، إذ معنى التوثيق العام هو اعتباره عدم وجود الجارح، و لا ينافي كلام الحر. و ثالثا: إنها تشبه دعوى أن كل من صحب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو عادل. و هذا ليس بدليل، و هو أشبه بالقياس. و إن أريد منها أن من أصحاب الصادق عليه السّلام أربعة آلاف ثقة و الباقي مهمل أو مجهول، فذاك محتمل إلا أنه لا مثبت له، و ذلك: أولا: أن ابن عقدة - الذي هو الأصل في عدّ الأربعة آلاف - لم ينسب إليه توثيقهم، و إنما التوثيق أستفيد من عبارة الشيخ المفيد الآنفة، مع أن أحمد بن نوح زاد على ما جمعه ابن عقدة ممن روى عن الصادق عليه السّلام - على ما ذكره النجاشي - و لم يبلغ الشيخ في ما ذكره في رجاله هذا العدد، مع أنه كان حريصا على عدّهم، و زاد عليهم الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام و منصور الدوانيقي لعنه اللّه. و ثانيا: لا أثر لهذه الدعوى، لأنها قضية مهملة، إذ لا طريق لنا إلى معرفة الثقات من الأصحاب، مع أن الشيخ لم يعدّ خصوص الثقات، و عليه فالدعوى باطلة من أساسها - كما أفاد سيد أساتذتنا في معجمه: 70/1 إن أغمضنا النظر عن ما ناقشناه به، و عدم فهمنا لبعض مصادراته (أدام اللّه ظله). و اهملنا عبارة الارشاد السالفة (من الثقات). أقول: مما يثبت دعوى الشيخ المفيد (رحمه اللّه) و من تبعه و أن العدد أكثر من ذلك بكثير ما جمعه السيد محمد علي الموحد الأبطحي (حفظه اللّه) من رجالات الإمام الصادق عليه السّلام فناهز عددهم خمسة آلاف. و قد رأيت الكتاب في مكتبته العامرة بأصفهان - خطي - و لم أحصهم.

الأصول المعتمدة و الكتب المعوّل عليها و ما حكموا بصحته فكثيرة جدا(1). و أما الذين وثقهم الأئمة (عليهم السّلام) و أمروا بالرجوع إليهم و العمل بأخبارهم، و جعلوا منهم الوكلاء و الامناء فكثيرون أيضا يعرفون بالتتبع في كتب أهل الفن. و أما من عرف بين الأصحاب بأنه لا يروي إلا عن ثقة، فقد اشتهر بذلك جماعة منهم: محمد بن أبي عمير، و صفوان، و أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي بل ادعى على ذلك الإجماع، و لذلك اشتهر بين الأصحاب قبول مراسيلهم كما في

ص: 206


1- و سنوافيك ببحثها في مصطلح: أصل.

الذكرى(1) و.. غيرها، بل عن ظاهر الشهيد (رحمه اللّه) دعوى الإجماع على ذلك(2).

لكن قد يقال: إنّا وجدناهم كثيرا ما يروون عن الموثقين كأبان بن عثمان، و عثمان بن عيسى، و منه رواية ابن أبي عمير و البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو الثقة الواقفي، فلعلهم أرادوا بالثقة في قولهم لا يروون إلا عن ثقة - كما عن الشيخ (رحمه اللّه) في العدة و غيره - المعنى الأعم، فإنهم كثيرا ما يطلقونه على ذلك.

لا يقال: إنّا قد وجدناهم يروون عن الضعفاء أيضا كعلي بن أبي حمزة البطائني الضعيف على المشهور.

ص: 207


1- الذكرى: 4 حجري - وسط الصفحة -.
2- و الأصل في ذلك ما حكاه الشيخ في العدة - كما مرّت عبارته - و في غيرها من إسناده العمل ببعض الروايات إلى عمل الطائفة، و ادعى إجماع الإمامية على العمل بروايات آخرين مثل السكوني و حفص بن غياث و غياث بن كلوب و نوح بن دراج و طلحة بن زيد و من ماثلهم من العامة، و من الشيعة غير الإمامية كعبد اللّه بن بكير و سماعة بن مهران و الطاطريين و بني فضال و علي بن حمزة البطائني و عثمان بن عيسى و غيرهم، و تجري جميع الأقوال السابقة هنا أيضا، فتدبّر. و قيل: غاية ما تفيده مثل هذه التوثيقات ليس وثاقة من قيل في حقه بل قبول روايته من جهته لا مطلقا. و قيل: قبول رواياتهم مطلقا و لا يلاحظ من بعدهم من السند.. و غير ذلك من الأقوال. و من هنا حكم ثاني الشهيدين بصحة حديث محمد بن إسماعيل النيسابوري لإطباق أصحابنا عدا ابن داود عليه.

لأنّا نقول: إن علي بن أبي حمزة ممن قال الشيخ (رحمه اللّه) إن الطائفة عملت بأخباره، و له حالة استقامة(1)، فلعل رواية هؤلاء عنه كانت في حال استقامته، و إن الطائفة إنما عملت بأخبار زمان استقامته فتأمل جيدا، [(2)و عليك بمراجعة ما نقلناه في ذيل ترجمة عبد اللّه بن سنان عن السيد صدر الدين، فإنه من مكملات المقام(3)].

و منها: قولهم: من أصحابنا:

فإن بعضهم جعل ذلك من ألفاظ المدح، و استفاد منه كون

ص: 208


1- عدة الأصول: 381/1. فهرست الشيخ: 210.
2- ما بين المعكوفتين من إضافات الطبعة الثانية.
3- قال (رحمه اللّه) في تنقيح المقال: 187/2 ما نصه: الثاني: إن السيد صدر الدين (رحمه اللّه) قال في تعليقته: قد يقال: كيف لم يعدوا عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه بن يعقوب و علي بن يقطين ممن لا يطعن عليهم في شيء مع الستة المجمع على تصديقهم، و يمكن الجواب بوجوه: الأول: إن الصدق مطابق للواقع، فالإجماع على التصديق يقتضي الإجماع على اعتقاد مطابقة الواقع، و لعل الطائفة وقفوا على مطابقة كثير من أخبارهم أو أكثر، فاستدلوا بما وجدوا على ما لم يجدوا، و الاتفاق على وثاقة الرجل و تقواه و صلاحه و ورعه لا يقتضي أكثر من ظن مطابقة خبره لاعتقاده. الثاني: إن الإجماع في الستة الأوائل على الأمرين من التصديق و الإقرار لهم بالفقه. الثالث: أن يكون الستة الأوائل قد علم لهم ذلك من جميع الطائفة اتفاقا محققا فلذلك نقلوه، و أما غيرهم فلم يعلم أكثر من اعتماد كثير أو ظهور الأكثر عليهم، و سكوت الباقين بعدم الخلاف منهم. انظر مستدرك رقم (175) فوائد.

المقول فيه إماميا إذا كان القائل إماميا، و لا بأس به. و الاستدلال على العدم(1) بظهور عباراتهم في عدم اختصاصه بالفرق الناجية كما في عبد اللّه بن جبلة، و معاوية بن حكيم، حيث عدّا من أصحابنا مع أن الأول واقفي، و الثاني فطحي. و بقول الشيخ في أول الفهرست:

كثير من مصنفي أصحابنا و أصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة(2)، مردود بأن استعمالهم العبارة في مورد أو موردين في خلاف ظاهرها للقرينة لا يسقط ظاهرها عن الاعتبار. و أما عبارة الشيخ (رحمه اللّه) فلا دلالة فيها على مدعى المستدل، إذ لعل غرضه فساد عقيدتهم بعد التصنيف، فتدبر(3).

و منها: قولهم: عين و وجه:

و قد يضمّ إلى الأول: من عيون أصحابنا، و إلى الثاني: من وجوه أصحابنا، و قد يضاف الجمع إلى الطائفة(4). و قد جعل المولى الوحيد (رحمه اللّه) المنضم أقوى من المفرد(5)، و نقل في مفرد كل

ص: 209


1- كما استدلّ به الوحيد في تعليقته المطبوعة في مقدمة منهج المقال: 9.
2- الفهرست: 3.
3- و لا يخفى أن إطلاق الأصحاب لذكر الرجل يقتضي كونه إماميا، فلا يحتاج إلى التقييد بكونه من أصحابنا و شبهه، و لو صرح كان تصريحا بما علم من العادة. نعم ربما يقع نادرا خلاف ذلك.
4- انظر مجمع البحرين مادة عين: 8/6-286.
5- التعليقة المطبوعة في مقدمة منهج المقال: 7.

منهما قولا لم يسمّ قائله بإفادته التعديل، ثم قال: و يظهر ذلك من المصنف(1) (رحمه اللّه) في ترجمة الحسن بن علي بن زياد(2)، و سنذكر عن جدي(3) في تلك الترجمة معناهما، و استدلاله على كونهما توثيقا.

و ربما يظهر ذلك من المحقق الداماد - أيضا - في الحسين بن أبي العلاء، و عندي أنهما يفيدان مدحا معتدا به(4). و أشار بما يظهر من المصنف إلى ما حكى عن مصنفه في تلك الترجمة من قوله: ربما استفيد توثيقه من استجازة أحمد بن محمد بن عيسى، و لا ريب أن كونه عينا من عيون هذه الطائفة، و وجها من وجوهها أولى(5). و عن

ص: 210


1- مراده من المصنف (رحمه اللّه) المولى ميرزا محمد الأسترآبادي، مصنف كتب الرجال الوسيط و الكبير و الصغير.
2- في الأصل: الحسن بن زياد، من دون اسم الأب، و الأصح ما ذكره الشيخ الجد (قدس سره) و يراد منه: الوشاء البجلي الكوفي.
3- أي التقي المجلسي.
4- ثمّ قال: و أقوى من هذين: وجه من وجوه أصحابنا، فتأمّل. لاحظ التّعليقة: 7. و حكاه في منتهى المقال: 110، و نهاية الدّراية: 146 و غيرها. و قد خالف الوحيد البهبهاني تلميذه الوحيد السيّد المقدّس في العدّة قال: و ما كان ليكون عينا للطائفة تنظر بها و إنسانها فإنه معنى العين عرفا و وجهها الّذي به تتوجّه و لا تقع الأنظار إلاّ عليه و لا تعرف إلاّ به، فإن ذلك هو معنى الوجه في العرف، ألا و هو بالمكانة العليا، و ليس الغرض من جهة الدّنيا قطعا، فيكون من جهة الأخرى. و لا يخفى وجه التأمّل في كلامه أعلى اللّه مقامهما.
5- منهج المقال: 103.

التعليقة في الترجمة المزبورة عن جده أنه قال: عين توثيق، لأن الظاهر استعارته(1) بمعنى الميزان(2) باعتبار صدقه كما كان الصادق (عليه السّلام) يسمى أبا الصباح بالميزان لصدقه، و يحتمل أن يكون بمعنى شمسها أو خياره، بل الظّاهر أن قولهم وجه توثيق، لأن دأب علمائنا السّابقين في نقل الأخبار كان عدم النّقل إلاّ(3) عمّن كان في غاية الثقة، و لم يكن يومئذ مال و لا جاه، حتّى يتوجهوا إليهم بها بخلاف اليوم، و لذا يحكمون بصحة خبره(4).

قلت: إن تمّ ما ذكره كان المقول فيه من الموثق، و إلا لكونه اجتهادا منه لم يعلم إصابته، و عدم كونه نقلا للاصطلاح فهو من القوي. و على كل منهما فاسم التفضيل منه أدلّ على ذلك، فقولهم فلان أوجه من فلان يفيد الوثاقة على اجتهاده إذا كان المفضل عليه وجها، و القوة على القول الآخر(5). و أما قولهم: أوثق من فلان مع

ص: 211


1- في نسختنا: استعارة.
2- في المصدر: الميزان له.
3- كانوا لا ينقلون إلاّ.. كذا في المصدر.
4- تعليقة الوحيد على منهج المقال: 104. قيل: و ما كان عليه دأب علمائنا السّابقين رضوان اللّه عليهم أجمعين من عدم النّقل إلاّ عمّن كان في غاية الوثاقة و العدالة لزم أن يكون كل من يتوجّه إليه لأخذ الأخبار ثقة و أيّ ثقة. كذا قيل.
5- و اختار السيد حسن الصدر في نهايته: 147 كونه من الحسن كالصحيح فقال: و الأظهر عندي عدّ حديث المتصف بهما في الحسن كالصحيح. و في التكملة للمحقق الكاظمي: 52/1: أنه لا يدلّ على أكثر من الحسن. أقول: لو قيل في حق رجل إنه وجه من وجوه أصحابنا فلا يبعد القول بإفادته التوثيق لما فيه من القوّة في الدلالة على المدح، كما أفاده غير واحد.

وثاقة المفضل عليه فلا شبهة في دلالته على الوثاقة، كما أن قولهم أصدق من فلان أو أورع من فلان مع وثاقة فلان يكون توثيقا، قضاء لحق اسم التفضيل(1).

و منها: قولهم: ممدوح:

و لا ريب في إفادته المدح في الجملة لا الوثاقة و لا الإمامية(2)، بل و لا المدح المعتد به الموجب لصيرورة الحديث حسنا، ضرورة أن من المدح ما له دخل في قوة السند و صدق القول مثل: صالح، و خيّر. و منه مالا دخل له في السند بل في المتن مثل: فهيم، و حافظ. و منه مالا دخل له فيهما. مثل: شاعر، و قارئ فحيث يطلق و لا توضع قرينة على إرادة الأول لم يدل على المدح المعتد به، لأن العام لا يدل على الخاص.

و منها:

ص: 212


1- كما أشار له المولى البهبهاني في فوائده: 10، و تعليقته على منهج المقال في ترجمة الحسين بن أبي العلاء: 110 و غيره.
2- كما حكاه الوحيد في التعليقة: 7، و في ترجمة محمد بن قيس الأسدي غير واحد. إلا أن ثاني الشهيدين في درايته: 78 [البقال: 73/2] في بيان معنى الخاص قال: (و ظاهر كون الممدوح أعم، بل هو إلى وصف الحسن أقرب) من الخاص.
و منها قولهم: من أولياء أمير المؤمنين (عليه السّلام) :

و منها قولهم: من أولياء أمير المؤمنين (عليه السّلام)(1):

و لا ريب في دلالته على المدح المعتد به الموجب لصيرورة السند من القوي إن لم يثبت كونه إماميا، و من الحسن إن ثبت كونه إماميا، و ربما جعل ذلك دالا على العدالة، و يستشهد له بعدّ العلامة (رحمه اللّه) سليم بن قيس من أولياء أمير المؤمنين (عليه السّلام) في آخر القسم الأول من الخلاصة(2). و أنت خبير بعدم الشهادة إلا على أنه

ص: 213


1- أو من خاصة أمير المؤمنين (ع). و كذا من أولياء الصادق عليه السّلام، أو صاحب الرضا عليه السّلام، و أشباه ذلك مما يفيد مدحا بلا شبهة في الجملة، و لا يبعد كون الأخير أقوى لكونه لا يكون إلا إماميا اثنى عشريا. بل إن السيد المقدس في العدة عدّ كون الرجل من خواص الشيعة أو حواري الإمام و غير ذلك كله في التوثيق فضلا عن المدح، و ظاهره الاكتفاء بحسن الظاهر في التعديل، فتأمل. و قال الدربندي في رجاله المقابيس: 60 - خطي -: ثم لا يخفى عليك أنه يمكن أن يقال إن ما ورد في جملة من الأخبار في شأن جمع من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام أنهم من السابقين الراجعين إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و هكذا، مثل أنهم كانوا من خواصه و بطانته و كذا ما يؤدي هذا المؤدى يفيد الدرجة العليا من المدح بحيث يمكن إلحاقه بالتوثيق. ثم قال: و كذا لفظ الأوتاد و الأبدال إن وقع في الأخبار، فتأمل.
2- خلاصة العلامة: 3-82. و قد عدّ في الخلاصة جمع منهم ممن اشترك في هذا اللقب أو قيل عنه أنه من خواص أمير المؤمنين عليه السّلام، أو أصفياء أمير المؤمنين (ع)، أو ثقات أمير المؤمنين، أو الباقون على منهاج نبيهم، و الاثنا عشر الذين بايعوا رسول اللّه (ص) بعد العقبة، و الاثنا عشر منافقا، و الاثنا عشر الذين أنكروا على أبي بكر، و السفراء الأربعة، و غيرها، راجعها في مستدرك رقم (185).

معتمد، لأن القسم الأول وضعه فيمن يعتمد هو عليه أعمّ من العدالة و عدمها. فالأظهر أعمية العبارة من العدالة.

و في حكمها قولهم: من أولياء أحد الأئمة (عليهم السّلام).

نعم في الفوائد: إن قولهم من الأولياء من دون إضافة ظاهر في العدالة(1). و لم أفهم الوجه في ذلك، و لعله لذا أمر بالتأمل.

[(2)نعم يمكن الاستئناس لذلك بما رواه في البحار(3) عن محمد بن الحسين، عن محمد بن جعفر، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، قال: (قال علي بن الحكم: من أولياء علي (عليه السّلام) العلم الأزدي، و سويد بن غفلة الجعفي، و الحرث(4) بن عبد اللّه الأعور الهمداني، و أبو عبد اللّه الجدلي، و أبو يحيى حكم(5) بن سعد

ص: 214


1- التعليقة: 7، و حكاه في منتهى المقال: 13. و فرق في شعب المقال: 25 بين قولهم: من الأولياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام في كونه دالا على التعديل، و بين قولهم من أولياء أمير المؤمنين عليه السّلام أو غيره من الأئمة سلام اللّه عليهم أجمعين، و ذلك أن الإطلاق يفيد تعظيما لا يفيده التقييد، و لا يخفى ما فيه. أقول: و أكثر ما جاءت هذه اللفظة في رجال البرقي، فلاحظ. و يمكن أن يقال في إفادة هذه اللفظة التوثيق عند استعمالها عرفا، بل لو قيل إن المطلقة ملحوظة فيها إضافته للباري عز اسمه لكان وجها، فتدبر.
2- ما بين المعكوفتين من الإضافات على الطبعة الثانية من المصنف (قدس سره).
3- بحار الأنوار - الطبعة الحجرية -: 725/8.
4- في نسخة الاختصاص: الحارث و يكتب كذلك.
5- في نسخة الاختصاص: حكيم و كذا في البحار.

الحنفي(1). و معنى الأولياء يظهر ما رواه - أيضا - في البحار عن محمد بن الحسن الشحاذ، عن سعد، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد بن الهيثم، عن علي بن الحسين الفزاري، عن آدم التمار الحضرمي، عن ابن ظريف(2)، عن ابن نباتة قال: (3)و ضرب علي (عليه السّلام) على كتفي ثم شبك أصابعه في أصابعي، ثم قال: يا أصبغ! قلت: لبيك و سعديك يا أمير المؤمنين(4) (عليه السّلام). فقال: إن ولينا ولي اللّه، فإذا مات ولي اللّه كان من اللّه بالرفيق الأعلى، و سقاه من نهر أبرد من الثلج، و أحلى من الشهد، و ألين من الزبد. فقلت: بأبي أنت و أمي و إن كان مذنبا؟! فقال: نعم، و إن كان مذنبا. أما تقرأ القرآن فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اَللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اَللّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) يا أصبغ! إن ولينا لو لقى اللّه و عليه من الذنوب مثل زبد البحر، و مثل عدد الرمل لغفرها اللّه إن شاء اللّه)(6) هذا.

ص: 215


1- الاختصاص: 2 طبع الحيدرية في النجف، و رجال البرقي: 4.
2- في المصدر: بالمهملة: طريف.
3- هنا سقط، حيث في المصدر: أتيت أمير المؤمنين عليه السّلام لأسلم عليه، فجلست انتظره، فخرج إليّ، فقمت إليه فسلمت عليه، فضرب على كفي.. إلى آخره.
4- الظاهر: فقال عليه السّلام.
5- الفرقان: 70.
6- بحار الأنوار: 727/8 - حجرية - بتصرف. و عن أصبغ بن نباتة أيضا قال: كنت جالسا عند علي فأتاه ابن الكواء فسأله عن قوله تعالى: وَ عَلَى اَلْأَعْرافِ رِجالٌ.. الآية. فقال: ويحك يا ابن الكواء! نحن نوقف يوم القيامة بين الجنة و النار، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة، و من أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار. أخرجه الحاكم ابن الحداد الحسكاني و غيره و رواه بطرقه العلامة الأميني في الغدير: 325/2. و بهذا المضمون روى في تفسير الفرات: 108، و حكاه في البحار عنه: 60/68 برقم 110 عن الأصبغ بن نباتة قال: توجهت إلى أمير المؤمنين علي عليه السّلام لأسلم عليه فلم ألبث أن خرج، فقمت قائما على رجلي فاستقبلته، فضرب بكفه إلى كفي فشبك أصابعه في أصابعي، فقال لي: يا أصبغ بن نباتة!. فقلت: لبيك و سعديك يا أمير المؤمنين. فقال: إن ولينا ولي اللّه، فإذا مات كان في الرفيق الأعلى و سقاه اللّه من نهر أبرد من الثلج و أحلى من الشهد. فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين، و إن كان مذنبا؟ قال: نعم، أ لم تقرأ كتاب اللّه «أولئك يُبَدِّلُ اَللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اَللّهُ غَفُوراً رَحِيماً.
قولهم: خاصي
اشارة

و أما قولهم: خاصي(1)

فإن أريد به ما يراد من قولهم من خاصة الإمام الفلاني (عليه السّلام) دلّ على المدح المعتد به و أفاد الحسن، و إن أريد ما قابل قولهم عامي - كما هو الأظهر - لم يفد إلا كونه إماميا، و عند الإطلاق يكون الأمر فيه مشتبها و تعيّن الأخذ منه بالقدر المتيقن و هذا بخلاف قولهم:

ص: 216


1- سيأتي بيانه مستقلا، و كأنّ المصنف (رحمه اللّه) غفل عما هناك و جدد هنا زيادته في الطبعة الثانية.
صاحب سر أمير المؤمنين (عليه السّلام):

كما في قول كميل(1) للأمير (عليه السّلام): أ لست صاحب سرك؟! حين سأله عن الحقيقة. فإن الظاهر أنه يفيد ما فوق الوثاقة، فإن تحميل السّر إنما يكون لمن هو فوق العدالة ممن له نفس قدسية مطمئنة منقادة مطيعة لحبس ما تحملت، أمينة على ما اطلعت، و لذلك قال (عليه السّلام) في الحديث المشهور: (لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله)(2) و لقد كان أكثر أصحابه ثقات عدولا، و لم يكن صاحب سره إلا معدودا، و لذا كان كاتما للأسرار لا يبيّن منها إلا نادرا لنادر، و كذلك كان أصحاب سائر الأئمة (عليهم السّلام). فكون الرجل صاحب السر مرتبة فوق مرتبة العدالة

ص: 217


1- الكميل بن زياد بن نهيك بن هيثم النخعي من أصحاب علي عليه السّلام و شيعته و خاصته، قتله الحجاج لعنة اللّه عليه على المذهب، و كان عامل علي عليه السّلام على هيت. انظر: الاستيعاب: 328/3 و 329، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 227/4، بحار الأنوار: 163/42 و كذا ما قيل في المعلى بن خنيس.
2- الاختصاص: 9 - طبعة الحيدرية -، و الموجود: علم سلمان علما لو علمه أبو ذر كفر. و الحديث في أواخر أبواب الحجة من أصول الكافي: 330/1 حديث 2: باب إن حديثهم عليهم السّلام صعب مستصعب. عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ذكرت التقية يوما عند علي بن الحسين عليهما السّلام فقال: و اللّه! لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، و لقد آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق؟!. و قد فصل القول في شرح الحديث السيد عبد اللّه شبر في مصابيح الأنوار: 1 / 348-358، و ذكر فيه وجوها سبعة جديرة بالملاحظة.

بمراتب شتى كما لا يخفى](1).

و منها: قولهم: هو من مشايخ الإجازة، أو هو شيخ الإجازة:
اشارة

و لا ريب في إفادته المدح المعتد به، و في الفوائد(2) أن المتعارف عدّه من أسباب الحسن.

قلت: و في دلالته على الوثاقة وجهان؛ و قد حكى دلالته في التعليقة عن المجلسي الأول، و مصنّفه الميرزا محمد الأسترآبادي في ترجمة: الحسن بن علي بن زياد، و نادرة الزمان الشيخ سليمان البحراني، بل حكى عن الأخير أنه في أعلى درجات الوثاقة و الجلالة، ثم نفى هو (رحمه اللّه) خلوه عن قرب، إلا أنه تأمل في كونه في أعلى درجاتها(3).

ص: 218


1- انتهى ما أضافه المصنف (رحمه اللّه) على الطبعة الثانية.
2- تعليقة الوحيد: 9. و المراد من الشيخوخة من يستجاز في رواية الكتب المشهورة و المجامع الحديثية، و إن أخذت في لسان البعض اعمّ، و لا بد من عدّها من الأمارات لا من ألفاظ المدح بالمعنى الأخص، فتدبر.
3- تعليقة الوحيد المطبوعة في أول منهج المقال: 9، و حكى عن المحقق الشيخ محمد: عادة المصنفين من عدم توثيق الشيوخ، و فيها صفحة: 284 من منهج المقال في ترجمة محمد بن سليمان البندقي حكى عن المعراج من أنه لا ريب في عدالة شيوخ الإجازة، ثم قال: و مشايخنا من عهد الكليني (رحمه اللّه) إلى زماننا لا يحتاجون إلى التنصيص، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم و ورعهم. قال السيد في الرواشح: 179: و مما يجب أن يعلم و لا يجوز أن يسهل عنه أن مشيخة المشايخ الذين هم كالأساطين و الأركان أمرهم أجلّ من الاحتياج إلى تزكية مزك و توثيق موثق. و ذهب إلى هذا السيد في العدّة قال: و ما كان العلماء و جملة الأخيار ليطلبوا الإجازة من رواياتها إلا من شيخ الطائفة و فقيهها و محدثها و ثقتها و من يسكنون إليه و يعتمدون عليه. و بالجملة فشيخ الإجازة مقام ليس للراوين.

و أقول: نسبة ذلك إلى مصنفه لم يقع في محله، لأن الموجود فيه في ترجمة الحسن بن علي بن زياد هو قوله: و ربما استفيد توثيقه من استجازة أحمد بن محمد بن عيسى، و لا ريب أن كونه عينا من عيون الطائفة و وجها من وجوهها أولى بذلك(1). فإن ظاهره نقل الاستفادة عن مجهول دون أن يكون هو المستفيد، فتدبر.

و على أي حال، فقد حكي عن المعراج(2) أن التعديل بهذه الجهة طريقة كثير من المتأخرين.

و قال الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية: إن مشايخ الإجازة لا يحتاجون إلى التنصيص على تزكيتهم.. إلى أن قال: إن مشايخنا من عهد الكليني إلى زماننا لا يحتاجون إلى التنصيص، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم و ورعهم(3).

ص: 219


1- منهج المقال: 103.
2- كما حكاه في التعليقة: 9، و توضيح المقال: 41 و غيرهما. و لدينا نسخة مصورة من المعراج - خطية - لم أجد هذه العبارة بعد بحث ليس بمستوف.
3- البداية: 69: قال (رحمه اللّه): تعرف العدالة... و بالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل و غيرهم من أهل العلم كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني و ما بعده إلى زماننا هذا لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ إلى تنصيص على تزكيته و لا تنبيه على عدالته، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم و ضبطهم و ورعهم زيادة على العدالة. هذا كلامه (أعلى اللّه مقامه) و هو يختلف عما ذكره المصنف (طاب ثراه) كثيرا، و لم أجد ما نقله عنه (قدس سرهما) غير هذا، فراجع. و نظيره ما ذكره ولده في منتقى الجمان: 39/1-40 قال: يروي المتقدمون من علمائنا رضي اللّه عنهم عن جماعة من مشايخهم الذين يظهر من حالهم الاعتناء بشأنهم و ليس لهم ذكر في كتب الرجال، و البناء على الظاهر يقتضي إدخالهم في قسم المجهولين، و يشكّل بأن قرائن الأحوال شاهدة ببعد اتخاذ أولئك الأجلاء الرجل الضعيف و المجهول شيخا يكثرون الرواية عنه و يظهرون الاعتناء به، و رأيت لوالدي (رحمه اللّه) كتابا في شأن بعض مشايخ الصدوق (رحمه اللّه) قريبا مما قلناه. و ربما يتوهم أن في ترك التعرض لذكرهم في كتب الرجال إشعارا بعدم الاعتماد عليهم، و ليس بشيء، فإن الأسباب في مثله كثيرة، و أظهرها أنه لا تصنيف لهم، و أكثر الكتب المصنفة في الرجال لمتقدمي أصحابنا اقتصروا فيها على ذكر المصنفين و بيان الطرق إلى روايات كتبهم.. إلى آخر كلامه.

قلت: هذا ليس منه شهادة باستقرار الاصطلاح حتى يكون حجة، بل تمسكا بالاستقراء أو بالغلبة و لا بأس بذلك إن تمّ لإفادته الظن الذي ثبتت حجيته في الرجال.

و قال المولى الوحيد إنه: إذا كان المستجيز ممن يطعن على الرجال في روايتهم عن المجاهيل و الضعفاء و غير الموثقين فدلالة استجازته على الوثاقة ففي غاية الظهور، سيما إذا كان المجيز من المشاهير، و ربما يفرق بينهم و بين غير المشاهير بكون الأول من الثقاة(1) و لعله ليس بشيء(2).

ص: 220


1- كذا، و الظاهر: الثقات، كما مر كرارا.
2- التعليقة: 9.

و أقول: الوجه فيما ذكره ظاهر، لأن كون المستجيز و المجيز على الحالة التي ذكرها يقوي الظن بوثاقة المجيز، و لعل مراد المحقق الشيخ محمد بقوله: عادة المصنفين عدم توثيق الشيوخ(1) بيان أن جريان عادتهم على ذلك يكشف عن كون وثاقته مسلما بينهم، فتأمل(2).

ص: 221


1- كما مرت الإشارة إليه في كلام الوحيد في التعليقة: 9، و حكاه الكني في توضيح المقال: 41. و لاحظ: نهاية الدراية: 155، و شعب المقال: 26 و غيرها. و من هنا قال شيخنا البهائي في مشرق الشمسين: 7-276 - من مجموعة رسائل الشيخ البهائي التي أولها الحبل المتين -: قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث من ليس له ذكر في كتب الجرح و التعديل بمدح و لا قدح، غير أن أعاظم علمائنا المتقدمين (قدس اللّه أرواحهم) قد اعتنوا بشأنه و أكثروا الرواية عنه، و أعيان مشايخنا المتأخرين (طاب ثراهم) قد حكموا بصحة روايات هو في سندها، و الظاهر أن هذا القدر كاف في حصول الظن بالعدالة: [كذا].. ثم عدّ جماعة منهم أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، و أحمد بن محمد بن يحيى العطار، و الحسين بن الحسن بن أبان، أبو الحسين علي بن أبي جيد، ثم قال: فهؤلاء و أمثالهم من مشايخ الأصحاب لنا ظنّ بحسن حالهم و عدالتهم. و قد عددت حديثهم في الحبل المتين و في هذا الكتاب في الصحيح جريا على منوال مشايخنا المتأخرين، و نرجو من اللّه سبحانه أن يكون اعتقادنا فيهم مطابقا للواقع.
2- قال في نهاية الدراية: 158: أقول: مجرد كونه من مشايخ الإجازة لا يفيد شيئا إذ ربما أخذوا من الضعيف لعلو إسناده أو لمجرد إخراج الحديث من الإرسال و اتصال المشيخة بالسند ليدخل في المسانيد و إن كان المجيز فاسد المذهب، و لكان لمجرد كونه من مشايخ الإجازة ظهورا في الوثاقة لصححوا أخبار سهل بن زياد، فإنه من مشايخ الإجازة كما حكى المجلسيان (رحمهما اللّه)، و لما قالوا إن الجهل بمشايخ الإجازة غير قادح، لأن المستجاز فيه من الأصول المعلومة، و أجمل الوجوه من قال بدلالة ذلك على المدح، و القائل بالعدالة ظاهرا لا يريد كلية الكبرى بل يريد توثيق هؤلاء الأعلام المشهورين بالتعظيم و الجلالة عند الطائفة. أقول: لعل وجه تأمل المصنف (رحمه اللّه) ما ذكرناه، أو أن مشايخ الإجازة على تقدير تسليم وثاقتهم لا يزيدون في الجلالة و العظمة في الرتبة على أصحاب الإجماع و أمثالهم ممن عرفوا بصدق الحديث و الوثاقة، فكيف يتعرض في كتب الرجال و الفقه لوثاقتهم و لا يتعرض لوثاقة مشايخ الإجازة لوضوحها و عدم الحاجة إلى التعرض لها، كما أفاده سيد أساتذتنا في معجمه: 89/1. و الحق إن صرف الشيخوخة لا تكشف عن حسن صاحبها فضلا عن وثاقته، و إن عدّها المشهور من التوثيقات العامة، فتأمل.
تذييل :
اشارة

تذييل(1):

ليست شيخوخة الرواية كشيخوخة الإجازة في إفادة الحسن أو الوثاقة

كما نصّ عليه بعض أساطين الفن(2)، و الفرق بينهما على ما أفاده صاحب التكملة في ترجمة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد أن الأول من ليس له كتاب يروى و لا رواية تنقل، بل يخبر كتب غيره و يذكر في السند لمحض اتصال السند، فلو كان ضعيفا لم يضرّ ضعفه. و الثاني هو من تؤخذ الرواية منه و يكون في الأغلب صاحب كتاب بحيث يكون هو أحد من تستند إليه الرواية، و هذا تضرّ جهالته في الرواية، و يشترط في قبولها عدالته، و طريق العلم بأحد الأمرين هو أنه إن ذكر له كتاب كان من مشايخ الرواية، و إلا كان من مشايخ

ص: 222


1- التذييل ليس في الطبعة الأولى.
2- بعد تتبع مضن وجدت مراد المصنف (رحمه اللّه) هو الشيخ عبد النبي الكاظمي المتوفى سنة 1256 و قد أخذه من صاحب التكملة.

الإجازة على إشكال في الثاني(1).

و منها: قولهم: شيخ الطائفة أو من أجلائها أو معتمدها :

و منها: قولهم: شيخ الطائفة أو من أجلائها أو معتمدها(2):

فإن دلالة كل منها على المدح المعتدّ به ظاهرة لا يرتاب فيها،

ص: 223


1- التكملة: 149/1، بتصرف. و بعبارة أخرى: إن الراوي قد يروي رواية عن أحد بسماعه منه أو بقراءتها عليه، و قد تروى لوجودها في كتاب قد أجازه شيخه أن يروي ذلك الكتاب أو ناوله إياه من دون سماع و لا قراءة، و الإجازة إنما تفيد صحة الحكاية عن الشيخ و صدقها. إلا أن يقال: إن رواية الثقة عن شخص كاشفة عن حسنه أو وثاقته فيها، و إلا فلا تثبت وثاقة الشيخ المجيز و لا المستجيز كما هو واضح. و قد ضعّف النجاشي بعض مشايخ الإجازة كما في الحسن بن محمد بن يحيى: 51، و الحسن بن محمد النوفلي: 29، و الحسين بن أحمد المنقري التميمي: 42، و غيرهم. لاحظ مستدرك رقم (176) إشكالان و جوابهما. و مستدرك رقم (177) فوائد.
2- و كذا قولهم: فقيهها، شيخ القميين و فقيههم، وجه الطائفة و كذا رئيسها.. بل إن أمثال هذه الألفاظ عدّها غير واحد - كالسيد المقدس في العدّة - مفيدة للتوثيق فضلا عن المدح. قال في نهاية الدراية: 149 حكاية عن صاحب العدّة: و ما كانت الطائفة لترجع إلا لمن تثق بدينه و أمانته، و كون هذه الألفاظ مفيدة للمدح بل أعلى مراتبه مما لا شبهة فيه و لا شك يعتريه، أما دلالتها على العدالة فإنما تتم فيما لو كانت العدالة حسن الظاهر و ما شاكل ذلك لا مطلقا، فتدبر. إذ كيف يرضى منصف أن يكون شيخ الطائفة في مثل هذه الموارد فاسقا على حد تعبير الوحيد البهبهاني (رحمه اللّه) أو حتى صرف ممدوح، بل هو عبارة عن درجة فوق الوثاقة و أنه يوثّق و لا يوثّق.

بل في التعليقة، إن: إشارتها إلى الوثاقة ظاهرة مضافا إلى الجلالة، بل أولى من الوكالة و شيخية الاجازة و.. غيرهما مما حكموا بشهادته على الوثاقة، سيما بعد ملاحظة أن كثيرا من الطائفة ثقات فقهاء فحول أجلّة، و بالجملة، كيف يرضى منصف بأن يكون شيخ الطائفة في أمثال المقامات فاسقا(1).

فإذا قيل: فلان شيخ الطائفة كان التعرض لإماميته و وثاقته مستنكرا حشوا، لكون مفاد العبارة عرفا أعظم من الوثاقة، أ لا ترى أنك لو سألت أحدا عن عدالة شيخ من شيوخ الطائفة استنكر أهل العرف ذلك؟!(2).

و منها: قولهم: لا بأس به.

و قد اختلف في ذلك(3) على أقوال:

ص: 224


1- التعليقة: 10.
2- و من هنا قال في وصول الأخيار: 192 و أما نحو شيخ هذه الطائفة عمدتها و وجهها و رئيسها و نحو ذلك فقد استعمله أصحابنا فيمن يستغني عن التوثيق لشهرته إيماء إلى أن التوثيق دون مرتبته. و حكاه في نهاية الدراية: 149 و غيره و فيه ما مرّ و جوابه.
3- هذا الاختلاف من جهة المعنى العرفي أو الاصطلاحي مع ملاحظة القرائن الحالية أو المقالية، و إلا فظاهر المعنى اللغوي التوثيق و لا أقلّ من المدح، فإن من لا عذاب له أي لا يستحقه و لا يكون في الغالب إلا عدلا، كما سيذكره المصنف (رحمه اللّه) فيما يأتي عن المولى الكني و فيه ما لا يخفى. ثم هل المراد به: لا بأس به: أي بمذهبه أو رواياته. الأول أظهر إن ذكر مطلقا كما قاله في منتهى المقال: 11.

أحدها: أنه لا يفيد شيئا حتى المدح، أرسله في الفصول(1)و.. غيره(2) قولا، و لم يعلم قائله و لا مستنده. نعم في البداية(3)عن المشهور أن نفي البأس يوهم البأس، و لعله أراد المشهور بين العوام(4).

ثانيها: إنه يفيد مطلق المدح أعمّ من المعتد به و غيره، عزاه في الفصول(5) إلى الأكثر، و هو اشتباه، و إنما الأكثر على ثالثها:

و هو إفادته المدح المعتد به الموجب لحسن من كان صحيح العقيدة، و هذا هو المستظهر من العلامة (رحمه اللّه) في الخلاصة(6)، بل في التعليقة أنه المشهور(7).

ص: 225


1- الفصول: نسختنا غير مرقمة و هو بعد فصل في كيفية توثيق المزكي للراوي و قبل قاعدة التسامح في أدلة السنن - الثلث الأخير من الكتاب -: 50 - من النسخة المرقمة -.
2- انظر: منتهى المقال: 11، و نهاية الدراية: 149 و غيرهما.
3- البداية: 78 [البقال: 72/2].
4- مع أنه ادعى غير واحد من أن العرف يستفاد منه المدح. و لا يخفى ما فيه من تأمل.
5- الفصول: نفس الصفحة السالفة: 50.
6- الخلاصة: 302 المقدمة، و كذا في عدّه بشار بن يسار مثلا في القسم الأول: 27 و غيره.
7- التعليقة: 7. قال في نهاية الدراية: 149: و توهّم بعضهم فعدّه في التوثيق، لتضمنه نفي البأس على العموم بزعمه و مرجعه إلى مقام الوصف، و يختلف ذلك بحسب المقامات، فإن كان من التجار مثلا نزّل على حسن المعاملة، و كان نفي البأس و القصور عنها، و إن كان من العلماء ففي العلم، و إن كان من الرواة ففي الرواة، فأين العموم؟!.

رابعها: انه يفيد الوثاقة المصطلحة الموجبة لإطلاق اسم الصحيح عليه، حكاه في البداية عن بعض المحدثين(1).

و ردّه: بأنه اصطلاح مخصوص به لا يتعداه(2)، و قد اختار هذا القول بعض من عاصرناه(3)، و مال إليه المولى الوحيد حاكيا له عن وسيط الميرزا محمد(4) مصنفه حيث قال: و الأوفق بالعبارة

ص: 226


1- البداية: 78 [البقال: 72/2].
2- قال ثاني الشهيدين في درايته: 78 [البقال: 72/2]: و ما نقل عن بعض المحدثين من أنه إذا اعتبره فمراده الثقة، فذلك أمر مخصوص باصطلاحه لا يتعداه. أقول: و مراده يحيى بن معمر حيث قيل له: إنك تقول: فلان ليس به بأس و فلان ضعيف. قال: إذا قلت: ليس به بأس فهو ثقة. و هذا - كما ترى - حكم خاص به يعرف منه، و لا شاهد عليه في الاصطلاح، و لا مثبت له من تعميم. كما يظهر من عبارة الشهيد (رحمه اللّه) في كونه اصطلاحا خاصا.
3- و هو المولى ملا علي كني في كتابه توضيح المقال: 42 حيث قال: الذي يظهر لنا منه أنه لا يقدح في السند من جهته أي يعمل به، و هذا يلازم كونه ممدوحا مدحا معتدا به، بل ثقة في الرواية مطلقا و إن لم يكن كسائر الثقات، و يؤيده ما في ترجمة إبراهيم بن محمد بن فارس أنه لا بأس به في نفسه، و لكن بعض من يروي هو عنه و ما في ترجمة حفص بن سالم أنه ثقة لا بأس به.
4- هو الميرزا محمد بن علي بن إبراهيم الأسترآبادي المتوفى في 13 ذي القعدة الحرام سنة 1028 ه و قيل غير ذلك، ترجمه المصنف (رحمه اللّه) في خاتمة الكتاب.

و الأظهر أنه لا بأس به بوجه من الوجوه، و لعله لذا(1) قيل بإفادته التوثيق و استقربها(2) المصنف (رحمه اللّه) في متوسطه، و يومي إليه ما في تلك الترجمة - يعني ترجمة إبراهيم بن محمد بن فارس - و ترجمة بشار بن يسار، و يؤيده قولهم ثقة لا بأس به، و منه ما سيجيء في:

حفص بن سالم(3).

و أقول: أما جعله الأظهر نفي البأس من جميع الجهات فلظهور النكرة المنفية في العموم، و أشار بما في ترجمة إبراهيم إلى ما قيل في حقه من أنه: لا بأس به في نفسه، و لكن ببعض من يروي هو عنه(4). و بما في ترجمة بشار إلى قول علي بن الحسين (عليهما السّلام) فيه: هو خير من أبان، و ليس به بأس(5). و بما في ترجمة حفص إلى قول الصادق (عليه السّلام) فيه: إنه ثقة لا بأس به(6)، حيث جعل

ص: 227


1- في المصدر: لهذا.
2- الظاهر: استقر به المصنف...
3- التعليقة: 7 ثم قال: و المشهور أنه يفيد المدح، و قيل بمنع إفادته المدح أيضا. و في الخلاصة عده من القسم الأول فعنده أنه يفيد مدحا معتدا به، فتأمل. و هو نظير ما قاله في منتهى المقال: 11.
4- منهج المقال: 27 و في نسخة: و لكن بعض.. إلى آخره.
5- منهج المقال: 69، بنصه.
6- منهج المقال: 119. أقول: و قد حصل هذا الوصف لجماعة - غير ما ذكرهم المصنف (رحمه اللّه) - منهم: أحمد بن أبي عوف البخاري و ابنه محمد و قد ذكرهما العلامة (رحمه اللّه) في قسم من يعتمد على روايته من الخلاصة: 18 و 148، و قد نسب إلى المشهور كون نفي البأس يوهم البأس، و هو كذلك إن لم يثبت اصطلاح خاص في المقام.

(عليه السّلام) لا بأس به بدلا عن قوله: ثقة، فإن من مجموع ذلك يحصل الظن بإفادته التوثيق. قال بعض الأجلة ممن عاصرناه: إن هذا الاختلاف من جهة المعنى العرفي مع ملاحظة القرائن، و إلا فظاهر معناه اللغوي التوثيق، فإن من لا عذاب له أي لا استحقاق له لا يكون في الغالب إلا عدلا، فتدبر. و حيث إن النظر إلى العرف فالذي يظهر لنا منه أنه لا يقدح في السند من جهته - أي يعمل به - و هذا يلازم كونه ممدوحا مدحا معتدا به، بل ثقة في الرواية، بل مطلقا و إن لم يكن كسائر الثقات انتهى المهم من كلامه(1).

و أقول: من حصل له الظن مما ذكر بإفادته الوثاقة(2)، و إلا فإفادته غاية المدح مما لا ينبغي التأمل فيه.

و منها: قولهم: أسند عنه:

فإنه يعد من ألفاظ المدح(3)، و قد نفى في منتهى المقال العثور

ص: 228


1- المراد المولى ملا علي كني في كتابه توضيح المقال: 41-42.
2- العبارة ناقصة الخبر، و الظاهر سقوط: فبها مثلا.
3- بل يظهر من التقي المجلسي أنه كالتوثيق بناء على أن المراد أنه روى عنه الشيوخ و اعتمدوا عليه، و كذا المحقق الأسترآبادي في لب اللباب: 22 - خطي - حيث قال: إن المراد منه السماع على وجه الاستناد و الاعتماد، و إلا فكثير ممن سمع عنه ليس ممن أسند عنه، ثم قال: فيفيد المدح العظيم و إن لم يبلغ إلى حدّ الوثاقة. و قيل: معناه أنه لم يسمع منه بل سمع عن أصحابه الموثقين عنه.

على هذه الكلمة إلا في كلام الشيخ (رحمه اللّه)(1). و ما ربّما يوجد في الخلاصة فإنما أخذه من رجال الشيخ (رحمه اللّه)، و الشيخ (رحمه اللّه) إنما ذكرها في رجاله دون فهرسته، و في أصحاب الصادق (عليه السّلام) دون غيره(2)، إلا في أصحاب الباقر (عليه السّلام) ندرة غاية الندرة(3). ثم نقل أقوالا في كيفية قراءته و مرجع ضميره:

أحدها: قراءته بالمجهول، و إرجاع الضمير إلى صاحب الترجمة(4): قال: و لعل عليه الأكثر، و قالوا بدلالتها على المدح لأنه

ص: 229


1- منتهى المقال: 12 و نص عليه السيد الصدر في نهاية الدراية: 149 و كذا في سماء المقال: 59/2 و غيرهم.
2- بل ادعى المرحوم الدربندي في القواميس: 120 - خطي - ما نصه: إن كل من ذكر علماء الرجال في ترجمته أنه ممن أسند عنه فهو بحكم التتبع التام و الاستقراء الكامل ليس إلا من أصحاب الصادق عليه السّلام: و فيه ما لا يخفى.
3- منتهى المقال: 12.
4- أي إن الأجلاء رووا عنه على وجه الاعتماد، و يكون مدحا لمن قيل في حقه و وصف به. و لكن فيه: إن هذا خلاف التبادر و الظاهر من العبارة في نفسها أولا. و ثانيا: إن غالب من وصفهم الشيخ بهذه الصفة مجاهيل أو مهملون، بل ليس لبعضهم رواية واحدة. و ثالثا: إن هذا غير مختص بجمع من أصحاب الصادق عليه السّلام، و بعدد قليل من أصحاب الباقر و الكاظم عليهما السّلام، بل هو جار في أصحاب جميع المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين من عرف بالصدق و الصلاح، مثل أصحاب الإجماع و من يقاربهم في العظمة و الجلالة، على حد تعبير سيدنا في المعجم: 118/1 و العجب من المرحوم الدربندي في القواميس: 120 - خطي - أنه قال: ثم إنّا لم نفرق بين أصحاب الأصول و الكتب الذين ليسوا من الثقات و لا من الموثقين و لا من المصرحين بضعفهم و بين الذين (أسند عنهم) حيث أدرجنا الكل في حزب الممدوحين، و إن كان جمع كثير من أصحاب الأصول و الكتب من الذين لم يذكر علماء الرجال في شأنهم مدحا و لا قدحا. ثم قال: و مما يحكم به التتبع التام و الاستقراء الكامل في كتب الرجال أن الذين أسند عنهم ليس فيهم من صرح بمدح له أو قدح له أو قدح فيه، بل كلهم ذكر فيها على نمط الإهمال إلا من شذّ و ندر!!

لا يسند إلا عمن يسند إليه و يعتمد عليه(1).

ثم ناقش في ذلك: بأن تعقيب أسند عنه في ترجمة: محمد بن عبد الملك الأنصاري بأنه ضعيف(2)، يكشف عن عدم دلالة أسند عنه على المدح، ثم أمر بالتأمل، و لعله للإشارة إلى إمكان منع المنافاة بأن الإسناد و الاعتماد عليه من المحدثين لا ينافي اطلاع القائل على ما يوجب ضعفه، فكأنه قال: اعتمدوا عليه و لكنه عندي ضعيف.

ثم إنه نقل في وجه اختصاص هذه العبارة ببعض دون بعض أنها لا تقال إلا في حق من لم يكن معروفا بالتناول منه و الأخذ عنه.

ثانيها: قراءته بالمعلوم، و إرجاع الضمير إلى الإمام (عليه السّلام) الذي صاحب الترجمة من أصحابه، نقل ذلك عن المحقق الشيخ محمد، و الفاضل الشيخ عبد النبي في الحاوي، و استشهد لذلك بقول العلامة (رحمه اللّه) في الخلاصة في ترجمة: يحيى بن سعيد الأنصاري أنه: تابعي أسند عنه(3) فإنه بصيغة المعلوم. ثم ردّه

ص: 230


1- منتهى المقال: 12.
2- انظر رجال الشيخ الطوسي - أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام -: 294 برقم (223).
3- الخلاصة: 264.

بأنه ينافيه الجمع بين أسند عنه و بين روى عن الإمام الفلاني من الشيخ في ترجمة: جابر بن يزيد، حيث قال: جابر بن يزيد أسند عنه، روى عنهما(1).

و قوله في محمد بن إسحاق بن يسار: أسند عنه يكنى: أبا بكر، صاحب المغازي من سبي عين التمر، و هو أول سبي دخل المدينة، و قيل: كنيته أبو عبد اللّه، روى عنهما(2).

ثالثها: قراءته كالثاني، لكن تفسيره بعدم السماع عن الإمام (عليه السّلام) بل روايته عن أصحابه الموثقين، و هو الذي حكى عن المحقق الداماد في الرواشح(3) جعله اصطلاحا للشيخ (رحمه اللّه) حيث قال - ما ملخصه على ما حكي -: إن الصحابي على

ص: 231


1- رجال الطوسي - أصحاب الصادق عليه السّلام -: 163، و ما نقل بتصرف. و كذا ما ورد في ترجمة محمد بن مسلم حيث، صرح الشيخ نفسه في رجاله: 300 بروايته عن غير الصادق عليه السّلام أيضا و غيرهما، هذا إلى ما في هذا الوجه من كونه مخالفا لظاهر اللفظ، و لا دلالة فيه على الحصر بحال.
2- الخلاصة: 264. و انظر: رجال الشيخ الطوسي - أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام -: 281. قال في التكملة: 48/1: و يحتمل أن تقرأ بالبناء للفاعل، فيعود الضمير المستتر إلى الرجل، و المجرور إلى المعصوم عليه السّلام، و معناها على هذا أنه روى عنه بلا واسطة. ثم قال: و هو ظاهر بعضهم حيث قال: معناه سمع عنه الحديث.
3- الرواشح السماوية: 65، و وافقه الكلباسي في سماء المقال: 61/2، و الخاقاني في رجاله: 24 و غيرهم.

مصطلح الشيخ (رحمه اللّه) في رجاله على معان، منها: أصحاب الرواية عن الإمام (عليه السّلام) بالسماع منه، و منها: بإسناد عنه، بمعنى أنه روى الخبر عن أصحابه الموثوق بهم و أخذ عن أصولهم المعتمد عليها، فمعنى أسند عنه أنه لم يسمع منه بل سمع من أصحابه الموثقين و أخذ منهم(1) عن أصولهم المعتمد عليها. و بالجملة قد أورد الشيخ (رحمه اللّه) في أصحاب الصادق (عليه السّلام) جماعة جمّة إنما روايتهم عنه بالسماع من أصحابه الموثوق بهم، و الأخذ من أصولهم المعتمد عليها(2)، ذكر كلا منهم و قال: أسند عنه(3).

ص: 232


1- في نسختنا من المنتهى: عنهم.
2- في المصدر: المعول عليها.
3- الرواشح السماوية: 65. و المراد أنه روى عن الصادق عليه السّلام مع الواسطة. قال السيد الخوئي (دام ظله) في معجمه: 118/1: و هذا المعنى هو الظاهر في نفسه، و هو الذي تعارف استعماله فيه، فيقال: روى الشيخ الصدوق بإسناده عن حريز مثلا و يراد به أنه روى عنه مع الواسطة. ثم قال: و قد يؤيد ذلك بقول الشيخ في غياث بن إبراهيم أسند عنه، و روى عن أبي الحسن عليه السّلام، فإن ظاهر هذا الكلام أنه لم يرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و إنما أسند عنه أي روى عنه مع الواسطة. و حاصل ما في هذا الوجه أمور جاءت في المصدر السابق و غيره: أما أولا: إنه لو صح ذلك لم يكن وجه حينئذ لذكر الرجل في أصحاب الصادق عليه السّلام، فإن المفروض أنه لم يرو عنه إلا مع الواسطة، بل لا بد من ذكره فيمن لم يرو عنهم عليهم السّلام، أو في أصحاب من روى عنه بلا واسطة. و فيه: أنه أعم أولا، و خالف السيد الداماد فيه صريحا. الثاني: إن كثيرا ممن ذكره الشيخ في أصحاب الصادق عليه السّلام و قال: أسند عنه قد ذكرهم الشيخ نفسه في فهرسته و النجاشي في رجاله و قالا: إنه روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. الثالث: إن هذا ينافي ما ذكره الشيخ في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي: 163 برقم (30)، و محمد بن إسحاق بن يسار: 281 برقم (22)، و محمد بن مسلم بن رياح: 300 برقم (317) من رجاله، و الثلاثة في أصحاب الصادق عليه السّلام حيث قال: أسند عنه و روى عنهما. فإن الإسناد عنه إذا كان معناه أن روايته عن الصادق عليه السّلام مع واسطة فكيف يجتمع هذا مع روايته عنه عليه السّلام بلا واسطة؟.

و ردّ بأن جماعة ممن قيلت فيه رووا عنه (عليه السّلام) مشافهة، و ما أبعد ما بين هذا التفسير و بين ما حكاه عن بعض السادة الأزكياء من جعل الأشبه كون المراد أنه أسند عن المعصوم (عليه السّلام) و لم يسند عن غيره من الرواة، نظرا إلى أنه تتبع فلم يجد رواية أحد ممن قيل في حقه ذلك عن غيره (عليه السّلام) إلا أحمد بن عائذ، فإنه صحب أبا خديجة و أخذ عنه كما نص عليه النجاشي، و الأمر فيه سهل فكأنه مستثنى لظهوره(1).

فإن فيه: إن غير واحد ممن قيل في حقه أسند عنه - غير أحمد بن عائذ - رووا عن غيره (عليه السّلام) أيضا، منهم:

محمد بن مسلم، و الحارث بن المغيرة، و بسام بن عبد اللّه الصيرفي و.. غيرهم.

رابعها: قراءته بالمعلوم، و إرجاع الضمير إلى الراوي، إلا أن

ص: 233


1- بألفاظ متقاربة في منتهى المقال: 12.

فاعل أسند ابن عقدة(1)، حكي ذلك عن بعضهم(2)، لأن الشيخ (رحمه اللّه) ذكر في أول رجاله أن ابن عقدة ذكر أصحاب الصادق (عليه السّلام) و بلغ في ذلك الغاية. قال (رحمه اللّه): و إني ذاكر ما ذكره و أورد بعد(3) ذلك ما لم يذكره(4). فيكون المراد أخبر عنه ابن عقدة و ليس بذلك البعيد. و ربما يظهر منه وجه عدم وجوده إلا في كلام الشيخ (رحمه اللّه). و سبب ذكر الشيخ (رحمه اللّه) ذلك في رجاله دون فهرسته، و في أصحاب الصادق (عليه السّلام) دون غيره، بل و ثمرة قوله (رحمه اللّه) أني ذاكر ما ذكره ابن عقدة، ثم أورد ما لم يذكره فتأمل جدا(5).

و نوقش فيه: أولا: بتنافر أسند عنه مع أخبر عنه، بل القريب إليه أسند به(6)، إذ مفاد أخبر عنه أنه نقل عنه أمرا آخر و هو غير مقصود في توجيهه.

و ثانيا: بأن مقتضى كلام الشيخ (رحمه اللّه) حيث ذكر أنه يذكر ما ذكره مع اعترافه بأنه بلغ في ذلك الغاية أن يكون أكثر رجال

ص: 234


1- و هو الحافظ ابن عقدة أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي المتوفى سنة 2-333، بمعنى أن ابن عقدة حينما ذكر الموصوف بهذه الصفة روى عنه رواية.
2- كما قاله المولى ملا علي كني في المصدر السابق.
3- في نسختنا: من بعد ذلك. و كذا في الرجال.
4- رجال الشيخ الطوسي: 2.
5- إلى هنا انتهى كلام منتهى المقال: 12، بإضافات و تصرفات من المصنف (رحمه اللّه).
6- الظاهر القريب هو أسند له، لا: به، و لا: عنه، فتدبر.

الصادق (عليه السّلام) ممن أسند عنه، و الواقع خلافه(1).

و إذ قد عرفت ذلك كله فاعلم: أن ظاهر المولى الوحيد (رحمه اللّه) عدم الريب في إفادة هذه اللفظة المدح المعتد به، حيث حكى عن جده - يعني المجلسي الأول (قدس سره) - أن المراد بها أنه روى عنه الشيوخ و اعتمدوا عليه و هو كالتوثيق، و لا شك أن هذا المدح أحسن من لا بأس به(2). ثم قال: قوله (رحمه اللّه) و هو كالتوثيق

ص: 235


1- لاحظ مستدرك رقم (178) إحصاء لمن ذكرهم الشيخ (رحمه اللّه) في رجاله ممن اتصف بهذه الصفة و ردا لهذا القول. و يرد عليه أيضا ما صرح به السيد الخوئي (دام ظله) في معجمه: 120/1 و جعله وجها ثانيا و هو: أن الشيخ صرح في ديباجة كتابه: أن ابن عقدة لم يذكر غير أصحاب الصادق عليه السّلام، و الشيخ قد ذكر هذه الجملة في جمع من أصحاب الباقر و الكاظم و الرضا عليهم السّلام أيضا كحماد بن راشد الأزدي، و يزيد بن الحسن، و أحمد بن عامر بن سليمان و داود بن سليمان بن يوسف، و عبد اللّه بن علي، و محمد بن أسلم الطوسي. إلا أن يقال: إن ابن عقدة و إن عقد كتابه لأصحاب الصادق عليه السّلام إلا أنه من المستبعد أن يخلو عن ذكر غيرهم استطرادا، و لعل هذا من ذلك، و هو واضح البطلان، و نصّ على خلافه.
2- التعليقة المطبوعة في مقدمة منهج المقال للأسترآبادي: 7، و في ذيل رجال الخاقاني: 31، و حكاه في سماء المقال: 60/2، و نتيجة المقال: 84، و بهجة الآمال: 155/1، و رجال الخاقاني: 122. قال في التكملة: 49/1: و يحتمل البناء للمفعول، و معناه كما نقله أستاذ المتأخرين عن جده أنه روى عنه الشيوخ و اعتمدوا عليه، و هذا يقتضي التوثيق كما نص عليه أستاذ المتأخرين. ثم قال: و يمكن المناقشة فيه بأنه غير دالّ على خصوص من اعتمد و أسند إليه و لا على عمومه، بل على مجرد وقوع الإسناد، و هذا القدر واقع في حق غير من قيلت فيه العبارة. ثم قال: ثم إن الذي يدلّ على التوثيق هو العمل بها و القبول لها، و هذه العبارة لا تستلزم ذلك، فإن الإسناد واقع على الضعفاء، اللهم إلا أن ينضم إلى ذلك قرائن، و يعلم من حال الشيخ أن مراده الإسناد عنه على جهة القبول، و أنى لنا بإثبات ذلك.. ثم استشهد بمجموعة من الشواهد و القرائن على ذلك.

لا يخلو من تأمل، نعم إن أراد منه التوثيق بما هو أعمّ من العدل الإمامي فلعله لا بأس به، فتأمل، لكن لعله توثيق من غير معلوم الوثاقة، أما أنه روى عنه الشيوخ كذلك حتى يظهر وثاقته لبعد اتفاقهم على الاعتماد على من ليس بثقة أو بعد اتفاقهم(1) كونهم بأجمعهم غير ثقات، فليس بظاهر. نعم و ربما يستفاد منه مدح و قوة، لكن ليس بمثابة قولهم لا بأس به، بل أضعف منه لو لم نقل بإفادته التوثيق، و ربما قيل بإيمائه إلى عدم الوثوق، و لعله ليس كذلك، فتأمل(2).

قلت: دلالته على المدح إنما هو على القراءة الأولى(3)، و قد عرفت عدم تعينها، فلا اعتماد على هذه اللفظة في المدح [(4)ضرورة أن الذي يدلّ على التوثيق هو العمل بالرواية و القبول لها، و هذه العبارة أعمّ من ذلك، لوقوع الإسناد عن الضعفاء أيضا، اللهم إلا أن ينضم إلى ذلك قرائن تدلّ على إرادته الإسناد عنه على جهة القبول،

ص: 236


1- في المصدر: اتفاق.
2- فوائد الوحيد: 7.
3- الأولى، لا توجد في الطبعة الأولى.
4- من هنا إلى قوله: كما لا يخفى على المتتبع، من زيادات الطبعة الثانية للكتاب.

و أنى لنا بإثبات ذلك. و يشهد بالعدم أمور:

منها: توقف العلامة في الحسن بن محمد بن القطان(1)، مع أنه ممن قال الشيخ (رحمه اللّه) فيه أسند عنه(2).

و منها: إن الشيخ (رحمه اللّه) قال في حفص بن غياث القاضي ذلك مع رميه له بأنه عامي(3).

و منها: إنه لو كانت فيها دلالة على الوثوق لشاع بين أهل الرجال و الحديث التمسك به للوثاقة، مع أن كلّهم أو جلّهم يضعفون الحديث بجهالة من قيل في حقه ذلك، و لم يعتبروا تلك العبارة في الوثاقة و لا الحسن كما لا يخفى على المتتبع].

و أما من جعله دالا على الذم فلعله بالنظر الى قراءته مجهولا مع دعوى إشعاره بعدم الاعتناء و عدم الاعتداد به، و أنه ليس ممن يعتنى برواياته، بل هو مهجور متروك ساقط من الأعين، و لكن قد تتفق الرواية عنه، فتأمل(4).

ص: 237


1- الخلاصة - الباب الأول -: 45.
2- رجال الشيخ الطوسي - أصحاب الصادق (عليه السّلام) -: 167.
3- رجال الشيخ - باب أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام -: 6-175 برقم (176).
4- و حيث رأيت الاختلاف في معنى هذه اللفظة و في هيئتها صار الجلّ ممن تعرض لها إلى عدم فائدتها و عدم بقاء لقائل قولا، كما نص عليه المولى الكني في توضيح المقال: 42، و قال سيدنا الخوئي (دام ظله) في معجمه: 118/1: و لا يكاد يظهر معنى محصّل خال من الإشكال. و قال في صفحة: 120 من المجلد: فتلخص أنه لا يكاد يظهر معنى صحيح لهذه الجملة في كلام الشيخ (قدس سره) في هذه الموارد، و هو أعلم بمراده. راجع مستدرك رقم (179) وجوه أخر في اللفظة. و مستدرك (180) فوائد. و مستدرك (181) تذييل.
و منها: قولهم: مضطلع بالرّواية:

أي قوي و عال لها(1)، و لا ريب في إفادته المدح لكونه كناية عن قوته و قدرته عليها، فإن اضطلاع الأمر القدرة عليه، كأنّه قوّيت ضلوعه بحمله، و لكن في إفادته المدح المعتدّ به تأمّل. و أمّا التّوثيق فلا ريب في عدم دلالته عليه(2).

و منها: قولهم: سليم الجنبة:

و فسّر بسليم الأحاديث و سليم الطّريقة(3)، و عليه فلا شبهة في دلالته على المدح المعتدّ به(4)، لكنّه أعمّ من التّوثيق المصطلح.

ص: 238


1- و في فوائد الوحيد أضاف كلمة: و مالك: و لعل مراده أنّه يحوي كميّة من الرّوايات، أو مالك لمعناها و مغزاها أو غير ذلك، و الأول أظهر.
2- و من هنا عدّه غير واحد كما في توضيح المقال: 49 من الألفاظ الّتي لا تفيد مدحا و لا قدحا، إلاّ أنّه قال: و المدح المستفاد منه أقوى من غيره ممّا ذكر.
3- كما قاله الوحيد في التّعليقة: 8، و في إحراز المراد و تعيّن الاصطلاح تأمّل.
4- عدّه أيضا المولى الكني في توضيح المقال: 49 في الألفاظ الّتي لا تفيد مدحا و لا قدحا، و قال: و لا يخفى أنّه أقوى من غيره، ثمّ قال: لكن حيث لم يثبت أحد التّفاسير - من قريب الأمر و مضطلع بالرّواية و سليم الجنبة - فلا يمكن البناء على حسن حال الرجل، ثمّ قال معقّبا: نعم، استفادة مطلق المدح من ذلك معلوم. و من هنا يظهر التهافت بين المقسّم و الأقسام، فتدبّر. نعم يمكن أن يقال في سليم الجنبة لو ثبت كونه بمعنى سليم الحديث و الطريقة أنّه يدلّ بالالتزام على وثاقة راويه.
و منها: قولهم: خاصيّ :

و منها: قولهم: خاصيّ (1):

و فيه احتمالان:

أحدهما: كون المراد به الشّيعي مقابل العاميّ.

و الثاني: كون المراد به أنّه من خواصّ الأئمة (عليهم السّلام) و على الأوّل: فهو دالّ على كونه إماميّا.

و على الثاني: فهو دالّ على المدح المعتد به، بل يمكن استفادة التوثيق(2) منه لبعد تمكينهم (عليهم السّلام) من صيرورة غير الثقة من خواصهم، لكن استعمال اللفظة في الأول في هذه الأزمنة أشيع، و إن كان في الأزمنة السابقة بالمساواة إن لم يكن بالعكس.

و في البداية(3) - ما معناه - إن قولهم خاص مدح معتد به إلا أنه

ص: 239


1- قد استدركه المصنف (رحمه اللّه) قريبا صفحة: 216.
2- كما اتفق ذلك لهاشم بن شعيب الطالقاني كذا قيل، و لم أتثبت حاله.
3- البداية: 78 [البقال: 73/2] قال: أما الخاصي، فمرجع وصفه إلى الدخول مع إمام معين أو مذهب معين، و شدّة التزامه به أعمّ من كونه ثقة في نفسه، كما يدل عليه العرف، و ظاهره كون الممدوح أعم، ثم قال: بل هو إلى وصف الحسن أقرب. أقول: و عند إطلاق الخاص أو الخاصي يكون الأمر فيه مشتبها ليحمل على القدر المتيقن كما لا يخفى.

لا يدل على التوثيق، لأن مرجع وصفه إلى الدخول مع إمام معين أو في مذهب معين و شدة التزامه به أعم من كونه ثقة في نفسه، كما يدلّ عليه العرف(1).

و منها: قولهم: متقن.
و منها: حافظ و ثبت و ضابط

و مثله: حافظ، و ثبت و ضابط:

و قد صرح في البداية بإفادة كل منها المدح الملحق لحديث المقول فيه بالحسن إن أحرز كونه إماميا، و بالقوي إن لم يحرز. و جزم بعدم إفادتها التوثيق(2)، لأن كلا منها يجامع الضعيف و إن كان من صفات الكمال. [(3)و قال بعض الأجلة(4): إن قولهم ثبت صفة مشبهة دالّة على ثبوت التثبت في الحديث و دوامه، أو في جميع أموره، فلا

ص: 240


1- أما لفظ: العامي، فلا يراد منه مقابل الخواص و إن ادعاه البعض، و قد قال في التعليقة: إنه بعيد: و لا يخلو من تأمل، لاختلاف ذلك في الأزمنة و الأمكنة و السياق.
2- البداية: 76 [البقال: 71/2].
3- ما بين المعكوفين من زيادات الطبعة الثانية.
4- هو العلامة الشيخ عبد النبي الكاظمي (رحمه اللّه) المتوفى سنة 1256 ه في كتابه: تكملة الرجال.

يجزيه(1) إلا عن ثبوت المخبر به عنده و تيقنه لديه، و لا يحكم إلا عن اطمينان و اعتقاد، و هكذا في جميع أموره، قال في المصباح المنير:

و ثبت الأمر صح.. إلى أن قال: و رجل ثبت - ساكن الباء - متثبت في أموره، و على هذا فيستفاد من هذه الكلمة الحسن قطعا كما نص عليه بعض أهل الفن، و هو الظاهر من الشهيد الثاني في الدراية و شرحها(2)، و كان هذا في مقابلة من قيل في حقه يروي عن الضعفاء و يعتمد المراسيل و لا يبالي عمن أخذ، و مرادفه في المصداق قولهم متقن و ضابط، هذا إذا قيل في حق إمامي، و أما إذا قيل(3) في حق غيره من الزيدية أو الواقفية أو الفطحية فهي مرادفة لثقة، إذ ليس لكلمة ثقة بالنسبة إلى غير الإمامي أكثر من التثبت و التحرز عن الكذب، فبينهما تلازم في الخارج، و لا فرق بين أن يطلق أنه ثبت(4)بالنسبة إلينا هو الحديث، فكلما كان بالنسبة إلى غيره فلا يضرنا و لا

ص: 241


1- في التكملة: فلا يخبر به، و هو الصحيح.
2- قال في الدراية: 76-77 [البقال: 68/2-69]: أما قوله: متقن، ثبت، حافظ، ضابط، يحتج بحديثه، صدوق - مبالغة في صادق - محله الصدق - بالخبرية أو الإضافة على التوسع - يكتب حديثه، ينظر فيه - أي في حديثه بمعنى أنه (خ. ل: لا يطرح بل) ينظر فيه و يختبر حتى يعرف حاله فلعله يقبل، - لا بأس به - بمعنى أنه ليس بظاهر الضعف -، و قد اتفق هذا الوصف لجماعة منهم أحمد بن أبي عوف البخاري و ابنه محمد، و ذكرهما العلامة (رحمه اللّه) في قسم من يعتمد على روايته.. إلى آخر ما ذكره.
3- في المصدر: قيلت.
4- هنا سقط و هو:.. إنه ثبت، أو يقيد بأن يقال ثبت في الحديث، لأن الثمرة في تثبته بالنسبة إلينا.. إلى آخره.

ينفعنا](1).

و منها: قولهم: يحتج بحديثه:

و قد صرح في البداية بمثل ما في سابقه(2) من إفادته المدح دون التوثيق، لأنه قد يحتج بالضعيف إذا انجبر(3).

و منها: قولهم: صدوق، و مثله: محل الصدق:

و قد صرح فيهما - أيضا - بإفادة المدح المعتد به دون التوثيق(4)لأن الوثاقة الصدق و زيادة، و الذي أظن أن قولهم محله الصدق أقوى في الدلالة على المدح من قولهم صدوق، بل يمكن استشعار التوثيق

ص: 242


1- تكملة الرجال: 47/1-48 بتصرف. ثم إن الثبت - بسكون الباء - هو المتثبت في أموره كما مرّ عن المصباح المنير: 1 / 110، و ثبت الجنان أي ثابت القلب، و رجل ثبت - بفتحها - عدل ضابط، و جمعه إثبات. و قال السخاوي في فتح المغيث: 337/1: ثبت - بسكون الباء - الثابت القلب و اللسان، و الكتاب الحجة، و أما بالفتح فيما يثبت فيه المحدث مسموعه مع أسماء المشاركين له فيه، لأنه كالحجة عند الشخص لسماعه و سماع غيره.
2- البداية: 76 [البقال: 68/2].
3- فضلا عن الحسن و القوة، و كذا: ينظر في حديثه، و واسع الرواية، روى عنه الناس، ورع بصير بالحديث و الرواة، مسكون إلى روايته، كذا قيل.
4- البداية: 76 [البقال: 69/2].

من قولهم محله الصدق، لأن غير الثقة ليس محله الصدق، فتأمل.

و منها: قولهم: يكتب حديثه: و مثله: ينظر في حديثه:

و لا ريب في إفادة كل منهما المدح المعتد به، لدلالته على كونه محل اعتناء و اعتماد في الحديث. نعم هو أعم من التوثيق، و ربما فسّرهما في البداية بأنه لا يطرح حديثه، بل ينظر فيه و يختبر حتى يعرف حاله فلعله يقبل، ثم استظهر دلالتهما على عدم التوثيق(1)، و هو كما ترى.

و على كل حال فقد أذعن بإفادته المدح الملحق حديث المتصف به بالحسن.

و منها: قولهم: شيخ:

صرح في البداية بإفادته المدح المعتد به دون التوثيق، لأنه و إن أريد به المقدم في العلم و رئاسة الحديث، لكن لا يدلّ على التوثيق فقد يقدم من ليس بثقة(2).

قلت: ليته علله بعدم معلومية متعلق الشيخوخة و التقدم، و إلا فالتقدم في الحديث - سيما في الأزمنة السابقة - ربما يدلّ على الوثاقة،

ص: 243


1- البداية: 77 [البقال: 72/2].
2- بألفاظ متقاربة في البداية: 78 [البقال: 72/2].

كما مرّ وجهه عند الكلام في شيخ الإجازة و شيخ الطائفة(1).

و منها: قولهم: جليل:

و قد صرح في البداية(2) بإفادته المدح المعتد به دون التوثيق، لأنه قد يكون غير الثقة جليلا. و مثله: جليل القدر.

و منها: قولهم: صالح الحديث:

و لا شبهة في إفادته المدح المعتد به، و في إفادته التوثيق وجهان: من أن غير الثقة لا يكون صالح الحديث على الإطلاق، و مما في البداية من أن الصلاح أمر إضافي، فالموثق بالنسبة إلى الضعيف صالح و إن لم يكن صالحا بالنسبة إلى الحسن و الصحيح، و كذا الحسن بالإضافة إلى ما فوقه و ما دونه(3)، و لذا جزم في البداية

ص: 244


1- صفحة: 218-222 من هذا المجلد. و سيأتي للبحث تتمة في لفظ (الشيخ) في ألقاب أصحاب الحديث، فلاحظ.
2- البداية: 78 [البقال: 69/2].
3- البداية: 78 [البقال: 73/2]. و قد يقال: شيخ صالح الحديث ثم يضاف إليه مشكور أو خيّر أو فاضل و ما شاكلها من الصفات، كما اتفق هذا الوصف لجماعة منهم: إبراهيم بن أبي الكرام، و الياس الصيرمي، و بنان الجزي، و علي بن قتيبة القتبي، و عبد الرحمن بن عبد ربه، و عنبسة العابد، و القاسم بن هاشم، و قيس بن عمار و غيرهم. قال البغدادي في الكفاية: 60: حديث الرجل فيه ضعف و هو رجل صدوق فيقول: رجل صالح الحديث. و فيه ما لا يخفى.

بالثاني، و مما ذكرنا ظهر الحال في قولهم:

نقي الحديث:

و منها: قولهم: مسكون إلى روايته :

و منها: قولهم: مسكون إلى روايته(1):

و لا ريب في دلالته على المدح المعتد به، بل نهاية قوة روايته.

و قد جعله في البداية نظير قولهم صالح الحديث(2)، و هو يوافق ما قلناه.

ص: 245


1- كمحمد بن بدران بن عمران أبو جعفر الرازي انظر ترجمته في تنقيح المقال - باب الميم - 86/2، قاله في الخلاصة: 163.
2- البداية: 78 [البقال: 74/2] إلا أنه قال في صفحة: 77 [البقال: 2 / 71]: فالأقوى في جميع هذه الأوصاف - أعني: شيخ، جليل، صالح الحديث، مشكور، خير، فاضل، خاص، ممدوح، زاهد، علم، صالح، قريب الأمر، مسكون إلى روايته - عدم الاكتفاء بها في التعديل، و إن كان بعضها أقرب إليه من بعض لأنه أعم من المطلوب، فلا تدلّ عليه. إلا أنه في تهذيب المقال: 115/1 جعل اللفظة مما يشار بها إلى الرواية عن الثقات و الاجتناب عن الرواية عن الضعاف، سكون (كذا، و الظاهر: و سكون، أو لسكون) الأصحاب إلى رواية الرجل لكونه إمارة خلوه عن الطعون و أحاديثه عن المناكير. و تجد اللفظة كثيرا في كلام النجاشي، و نظير هذه اللفظة: لا يطعن عليه في شيء أو بشيء - سواء في مذهبه أو طريقته أو مشيخته أو غير ذلك من وجوه الطعن -، و كذا قولهم: يعتمد على جميع رواياته، لأنه لا يكون كذلك إلا إذا كانت خالية من التخليط و الغلو و المناكير، و عدم الاعتماد على الضعاف، و من لا يبالي بالحديث. و نظيره قولهم: مأمون في الحديث.
و منها: قولهم: بصير بالحديث و الرواية:

و هو من ألفاظ المدح المعتد به، كما صرح به المولى الوحيد(1)و.. غيره. و يظهر من ترجمة أحمد بن علي بن العباس، و أحمد بن محمد بن الربيع و.. غيرهما(2) أيضا.

و منها: قولهم: مشكور. و مثله: خيّر و مرضي :

و منها: قولهم: مشكور. و مثله: خيّر و مرضي(3):

و لا ريب في دلالة كل منها على المدح المعتد به، و في إفادتها التوثيق وجهان: من شيوع استعمالها عرفا سيما الثاني في الثقة، و من أنه قد يكون الشكران على صفات لا تبلغ حد العدالة و لا يدخل فيها، و كذا الخيرورة [كذا] قد لا تبلغ العدالة، و كذا كونه مرضيا، و قد احتمل في البداية دلالة الأولين على التوثيق مائلا إلى ذلك(4).

ص: 246


1- التعليقة: 10 و كذا لو قيل بصير بالرواة، إلا أنه أدنى مرتبة من صاحبه.
2- انظر ترجمتهما مفصلا في موسوعة المصنف (رحمه اللّه) تنقيح المقال في علم الرجال: 69/1-71 و 84/1. و يراد بالأول النجاشي صاحب الرجال.
3- و كذا مستقيم و ممدوح.
4- البداية: 78 [البقال: 73/2]. و في شعب المقال: 26 أنه في أعلى درجات الجلالة و الوثاقة، لإطلاقه على الأركان و العظماء مثل سلمان و أبي ذر و ميثم التمار و نظائرهم. و لا يخفى ما في المثال الممثل، و الكلام في اللفظة بما هي.
و منها: قولهم: ديّن:

و لا شبهة في دلالته على المدح المعتد به المقارب للتوثيق، بل يحتمل دلالته على ذلك، لأن الدّين لا يطلق إلا على من كان ملتزما بجميع أحكام الدين، و من كان كذلك فهو عدل(1).

و منها: فاضل:

و قد صرح في البداية(2) بإفادته المدح الملحق لحديث المقول فيه بالحسن و عدم افادته التوثيق لظهور أعميته من الوثاقة، لأن مرجع الفضل إلى العلم و هو يجامع الضعيف بكثرة.

قلت: الفضل في اللغة الزيادة(3)، فيحتمل أن يكون المراد بالفاضل من كان عالما بما يزيد على علم الدين من العلوم، و أظن أن منشأ انتزاع كلمة الفاضل؛ النبوي المعروف: (العلم علمان: علم الأبدان و علم الأديان و ما عدى ذلك فضل)(4)، فيكون الفاضل من

ص: 247


1- لاحظ ترجمة الحسن بن علي بن فضال في منهج المقال: 103-105، و تعليقة المولى الوحيد عليها هناك. و كذا في تنقيح المقال: 9/1-297.
2- البداية: 78 [البقال: 73/2].
3- انظر صحاح اللغة: 1791/5 قال: و هو خلاف النقص و النقيصة، و الإفضال: الإحسان، و أيضا: تاج العروس: 61/8 قال: و هو ضد النقص، و لسان العرب: 524/11، القاموس المحيط: 31/4 و غيرها.
4- رواه في بحار الأنوار: 220/1 حديث 52، عن كنز الكراجكي. من دون ذكر ذيله و مقلوبا، هكذا: عن النبي (ص): العلم علمان: علم الأديان و علم الأبدان.

علم بغير علمي الطب و الفقه و متعلقاته من العلوم، و لا يضرّ في ذلك إنكار الشيخ البهائي (رحمه اللّه) هذا الحديث و عدّه له من الأحاديث المجعولة(1).

و منها: قولهم: فقيه . و مثله: عالم، و محدّث، و قارئ:

و منها: قولهم: فقيه(2). و مثله: عالم، و محدّث، و قارئ:

و لا شبهة في إفادة كل منها المدح المعتد به، و عدم إفادة الوثاقة للأعمية منها كما هو ظاهر، و يتأكد إفادة المدح لو قيل: فقيه من فقهائنا(3)، أو من محدثينا، أو من علمائنا، أو قرائنا.

ص: 248


1- في ذكرى أني رأيت تصريح الشيخ البهائي من ذلك و بحثت و لم أظفر بمحله، و قد صرح العجلوني في كشف الخفاء: 68/2 برقم (1765) أنه موضوع و نسبه إلى الخلاصة، و نقل السيوطي في أوائل خطبة كتابه الطب النبوي أنه من كلام الشافعي، و صرّح بوضعه في الأسرار المرفوعة: 247/2 حديث رقم (301).
2- و كذا فقيه أصحابنا و وجههم، و عارضهم بالحديث، و المسموع قوله فيه. و قد عدّ السيد المقدس في العدة - كما صرح السيد الصدر في نهاية الدراية: 148 - كل هذا في التوثيق فضلا عن المدح المعتد به، و كأنه اكتفى بحسن الظاهر و لو في تعرّفها فهان عليه الخطب، و لا يخفى كون هذه اللفظة من المراتب العالية في المدح، و لا وجه لعطف المصنف (رحمه اللّه) هذه اللفظة على المحدث و القارئ، فتأمل.
3- كما أفاده الوحيد في التعليقة: 10 بقوله: و منها: قولهم: فقيه من فقهائنا، و هو يفيد الجلالة بلا شبهة و يشير إلى الوثاقة، ثم قال: و البعض بل الأكثر لا يعدّه من أماراتها أما لعدم الدلالة عنده، أو لعدم نفع مثل تلك الدلالة، و كلاهما ليس بشيء، بل ربما يكون أنفع في بعض توثيقاتهم. ثم أمر بالتأمل، و قال: و عبارة النجاشي في إسماعيل بن عبد الخالق تشير إلى ما ذكرناه فلاحظ و تأمل.
و منها: قولهم: ورع:

و هو دالّ على المدح التام القريب من الوثاقة، بل لعله دالّ عليها، لأن الورع - بكسر الراء - هو من يتصف بالورع - بفتح الراء - على وجه يكون صفة لازمة له، و الورع لغة هو الكفّ عن محارم اللّه تعالى و التحرج منها(1) و لا يكون كذلك إلا من له ملكة العدالة، و يؤيده أنه عرفا لا يطلق إلا على من كان في أعلى درجات الثقة و العدالة.

و منها: قولهم: صالح

و منها: قولهم: صالح(2)

من دون اضافة الى الحديث.

و مثله: زاهد :

و مثله: زاهد(3):

و الحال فيهما هي الحال في سابقهما لغة و عرفا، فإن العرف لا

ص: 249


1- عرّف الورع في لسان العرب: 388/8 بمطلق التحرج، و في تاج العروس: 538/5 قال: محركة: التقوى، و انظر الصحاح: 1296/3، و القاموس المحيط: 93/3.
2- و قد ورد الوصف في جماعة كإبراهيم بن محمد الختلي، و أحمد بن عابد، و شهاب بن عبد ربه و أخويه عبد الخالق و وهب و كذا: ديّن، حسن المعرفة و الدين، حسن العبادة..
3- قيل في حق إبراهيم بن علي الكوفي إنه: زاهد عالم. و وردت في حق الزهاد الثمانية و غيرهم لاحظ فوائد التنقيح للمصنف (رحمه اللّه) - المجلد الأول -: 196.

يطلقهما إلاّ على العادل. و ربّما يظهر من ثاني الشهيدين (رحمهما اللّه) في البداية(1) أن صالحا أظهر في العدالة من الزاهد حيث جعل كلا من زاهد و عالم و صالح دالاّ على المدح الملحق للمتصف به بالحسن، ثم قال: مع احتمال دلالة الصلاح على العدالة و زيادة، ثم قال:

لكن فيه إن الشرط مع التعديل الضبط الذي من جملته عدم غلبة النسيان و الصلاح يجامعه أكثريا(2). فإن في تخصيصه الصلاح من بين أخويه في احتمال الدلالة على العدالة إيذانا بما قلناه، لكن الأقرب خلاف ذلك، فإن الزهد عرفا يتضمن الصلاح و زيادة، فهو في الدلالة على العدالة أظهر، فتدبر جيدا.

و منها: قولهم: قريب الأمر:

و قد اتفق هذا الوصف للربيع بن سليمان، و مصبح بن هلقام، و هيثم بن أبي مسروق النهدي(3). و قد صرح في البداية بإفادته المدح الملحق لحديث المتصف به بالحسن إن أحرز كونه إماميا،

ص: 250


1- البداية: 78 [البقال: 73/2].
2- البداية: 78 [البقال: 73/2].
3- لاحظ ترجمتهم و كلمات الأصحاب فيهم في تنقيح المقال: 427/1، 3 / 218، 305/3-306.

و بالقوي إن لم يحرز، و بعدم إفادته العدالة. قال في وجه عدم دلالته على الوثاقة ما لفظه: و أما قريب الأمر فليس بواصل إلى حد المطلوب، و إلا لما كان قريبا منه، بل ربما كان قريبا إلى المذهب من غير دخول فيه رأسا(1). و أنت خبير بأن ما ذكره يناسب قول قريب من الأمر، و قريب إلى الأمر، دون قريب الأمر - بالإضافة -، و أما بالإضافة كما هو المبحوث عنه فهو إن لم يدلّ على الذم فلا دلالة فيه على المدح بوجه، لأن المراد به قريب الأمر بالحديث، كما يشهد بذلك أنهم أطلقوا قريب الأمر في مصبح بن هلقام إلا أنهم قيدوه بقولهم بالحديث في الربيع، و قرب الأمر بالحديث لا يخلو من ذم، لأن من كان قريب عهد به لا يكون ماهرا فيه، فيكثر اشتباهه كما لا يخفى على المتدبر. و إنما أدرجنا هذه العبارة في عبائر المدح تبعا للبداية(2)، فتأمل كي يظهر لك استعمالهم قريب الأمر بالإضافة في المعنى الذي

ص: 251


1- البداية: 78 [البقال: 73/2-74].
2- قال في نهاية الدراية: 149: و أما عد المصنف - أي الشيخ البهائي صاحب الوجيزة - من ذلك قولهم قريب الأمر فغريب، لأن الظاهر منه أنه على خلاف الطريقة، لكنه ليس بذلك البعيد، بل هو قريب الأمر. و المولى الوحيد في التعليقة: 8 عدّها في ألفاظ المدح و قال: و قد أخذه أهل الدراية مدحا و يحتاج إلى التأمل. و لقد أجاد المولى الكني - و نعم ما أفاد - حيث عده في توضيح المقال: 49 - المطبوع ذيل رجال أبي علي - في الألفاظ التي لا تفيد مدحا و لا قدحا في نفسها ثم قال: و المراد... إما أنه قريب العهد إلى التشيع، أو يقرب أمر قبول روايته، أو قريب المذهب إلينا، أو غير ذلك، ثم قال: و لا يخفى أن شيئا مما ذكر لا يوجب مدحا معتبرا و إن أخذه أهل الدراية مدحا، فلعلهم أرادوا مطلقه. قال في معين النبيه: 28 - خطي -... قال شيخنا الشهيد الثاني في درايته: الأقوى عدم الاكتفاء بهذه - أي خاصي قريب الأمر و غيرهما - في التعديل، لأنها أعم من المطلوب، نعم يفيد المدح فيدخل الحديث في الحسن. و أورد عليه: بأن بعضها في نحو شيخ و جليل و خاص و عالم و لا بأس به و قريب الأمر و مسكون إلى روايته و ينظر في حديثه لا يفيد تعديلا و لا مدحا، فكما لا يدخل الحديث المتصف راويه بها في الصحيح لا يدخل في الحسن. أقول: مقارب الحديث من القرب ضد البعد، و هو بكسر الراء - كما ضبط - و معناه - كما قالوا - إن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات، فيكون من ألفاظ المدح إن أحرز إرادتهم لذلك، و لا أقلّ لا يدلّ على القدح، و عليه فالحديث لا ينتهي إلى درجة السقوط و لا الجلالة فيكون نوع مدح، فليس حديثه شاذا و لا منكرا، لذا قالوا: ثقة مقارب الحديث - لاحظ جامع الترمذي باب فضائل الجهاد عند ذكره لإسماعيل بن رافع -.

ذكره هو (رحمه اللّه) في ترجمة علي بن الحسن بن فضال و.. غيره، ففي ترجمته من الفهرست: أنه غير معاند قريب الأمر إلى أصحابنا الإمامية القائلين بالاثنى عشر(1).

و منها: قولهم: معتمد الكتاب:

فإنه على المدح المعتد به، بل ربّما جعل في مقام التوثيق، و هو كما ترى، فإن الاعتماد على كتابه أعمّ من عدالته في نفسه(2).

و منها:

ص: 252


1- الفهرست: 118 ترجمة رقم (393) بتصرف.
2- راجع التعليقة على منهج المقال: 120 في ترجمة حفص بن غياث، و تأمل، الفوائد المطبوع في ذيل رجال الخاقاني: 50. و كذا لاحظ تنقيح المقال: 355/1 حيث وثقه بواسطة الاعتماد على كتابه.
و منها قولهم: كثير المنزلة:

أي عالي الرتبة، و هو من ألفاظ المدح الأعم من العدالة، و في الحديث: (اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنّا)(1) أي منازلهم و مراتبهم في الفضيلة و التفضيل.

و منها: قولهم: صاحب الإمام الفلاني (عليه السّلام):
اشارة

فإن فيه دلالة على المدح، بل في التعليقة: أنه ربّما زعم بعضهم أنه يزيد على التوثيق. و فيه نظر ظاهر(2). و وجه النظر أنّا نرى بالوجدان في(3) صاحب جمع من المعصومين (عليهم السّلام) من لا يوثق به، غايته أنّا نستفيد المدح من ظهور كون إظهارهم لذلك في ترجمة راو لإظهار كونه ممن يعتنى به و يعتد بشأنه(4)، و من هنا يظهر

ص: 253


1- في الكافي: 50/1 حديث 13: الناس بدل الرجال. و حكاه في الوسائل: 54/18 و 99/18، و في رجال الكشي: 2 حديث 1: اعرفوا منازل الرجال منّا، و حكاه في الوسائل: 108/18، و بطريق آخر في رجال الكشي: 2 حديث 4. و سنذكر له مصادر أخر.
2- التعليقة: 10.
3- الظاهر: في من صاحب.
4- لا يخفى ما فيه من تأمل، بل الأمر أعمّ و لا يدلّ على الأخص بأحد الدلالات الثلاث، فتدبر. إلا أن يراد من الصحبة بمعنى الوصف التام دون اللقب، و الكلام في إحراز ذلك، و يكفي شاهدا أصحاب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، و قد مرّ ذكر لأصحاب الائمة عليهم الصلاة و السّلام قريبا، صفحة: 208.

الحال في قولهم: مولى الإمام الفلاني (عليه السّلام)(1). و قد روى في ترجمة معتب مسندا عن الصادق (عليه السّلام) أنه قال: هم - يعني مواليه - عشرة، فخيرهم و أفضلهم معتب و فيهم خائن فاحذروه(2). و فيه دلالة على ذم بعض مواليه(3).

تذنيب: قد جعل محدثو العامة للتعديل مراتب ،

تذنيب: قد جعل محدثو العامة للتعديل مراتب(4)،

و جعلوا المرتبة الأولى التي هي أعلى المراتب قولهم: أوثق الناس، أو اتقن الناس،

ص: 254


1- و سيأتي البحث عن لفظة مولى في المقام الخامس في الألفاظ التي لا تفيد مدحا و لا قدحا.
2- انظر تنقيح المقال: 227/3، و الرواية في رجال الكشي: 6-465، و انظر منهج المقال: 336، و مما يؤيد ما ذكره المصنف ما صرح به غير واحد في ترجمة إدريس بن يزيد و غيره في غيره، كما في منهج المقال: 50، فلاحظ.
3- و قد تلخص مما ذكر أن كثيرا من هذه الأوصاف ليست بالصريحة في التعديل و الوثاقة، و إن كان بعضها قريبا منه، و لو أفاد اللفظ المدح الحق الحديث المتصف به بالحسن لأنه - كما مرّ - أن رواية الممدوح من أصحابنا مدحا لا يبلغ التعديل يعدّ الحديث حسنا، أما لو لم يعلم كون الممدوح من أصحابنا الإمامية و صدر المدح منهم فلا يصح إطلاق الحسن عليه. قال في نهاية الدراية: 151: ثم اعلم أن المدح إن جاء من أصحابنا أفاد الحديث حسنا و عدّ حسنا، و إن جاء من غيرهم أفاد قوة. و لا يخفى ما في ذيل كلامه أعلى اللّه مقامه، إذ قد يكون ذمهم لنا مدحا، و يكون الحديث حسنا، إن لم يكن صحيحا، فتدبر. انظر مستدرك رقم (182) مراتب التعديل عند الدربندي.
4- لاحظ مستدرك رقم (183) حول مراتب التعديل عند العامة.

أو أثبت الناس، أو أعدل الناس، أو أحفظ الناس، أو أضبط الناس(1). و دونها:

المرتبة الثانية: و هي قولهم: ثقة أو متقن، أو ثبت، أو حجة، أو عدل، أو حافظ، أو ضابط، مع التكرار بأن يقال: ثقة ثقة(2). و دونها:

المرتبة الثالثة: و هي الألفاظ المذكورة من غير تكرار(3). و دونها:

المرتبة الرابعة: و هي صدوق، أو محله الصدق(4)، أو لا بأس

ص: 255


1- و الضابط كل ما دلّ على المبالغة في التعديل بصيغة أفعل التفضيل و نحوه، و عدّ من هذه المرتبة قولهم: لا أعرف له نظيرا و لا أحد أثبت منه، و لا يسأل عنه، و من مثل فلان؟ - كما قال الأول الشافعي في ابن المصري -، أو أصدق من أدركت من البشر - كما قيل في ابن سيرين -. و العجب من عدّ ابن حجر في التقريب: 4/1: الصحبة أعلى المراتب، و يثبت بها التوثيق و أنه ثقة حافظ، و هذا لا يتلاءم حتى على مباينهم، فإن ضعف الحفظ أو الضبط لا ينافي الصحبة، و نستجير باللّه من اعوجاج المذهب و السليقة!.
2- و الضابط له هو ما تأكد توثيقه بصفة من الصفات الدّالة على العدالة و التوثيق سواء كان باللفظ أو المعنى، مثل: ثقة ثقة أو ثقة مأمون، عدل ضابط.. و نظائرهما.
3- و قيل هنا كل ما دل على العدالة بلفظ يشعر بالضبط مثل: ثبت متقن حجة إمام، و ما شاكلها.
4- قد فرّق البعض بين صدوق و محله الصدق، حيث جعل الأولى مقدمة لأنه مبالغة في الصدق، أما محله الصدق فإنه دالّ على أن صاحبها محله و مرتبته مطلق الصدق.

به، أو مأمون، أو خيار، أو ليس به بأس(1). و دونها:

المرتبة الخامسة: و هي قولهم: يكتب حديثه و ينظر فيه(2).

و دونها:

السادسة: و هي قولهم: صالح الحديث(3).

و هذا الذي نقلناه لبّ مقالهم، و إلا فلهم في ذلك خلاف و أقوال طوينا شرحها لعدم الفائدة فيها و ابتنائها على الخرافات(4).

ص: 256


1- الثلاثة الأخيرة أضافها العراقي في ألفيته. و الضابطة: فيها كل ما دل على التعديل و التوثيق بما لا يشعر بالضبط و الإتقان.
2- و الملاك فيها ما دلّ على صدق الراوي و عدم ضبطه كما لو قال: محله الصدق، صالح الحديث.. و قس عليهما. و يكتب حديثه و ينظر فيه عبارة لا تشعر بالضبط، فيعتبر حديثه بموافقة الضابطين.
3- قيل و المناط فيها هو كل لفظ أشعر بقربه من التجريح، كقرن صفة المرتبة بالمشيئة مثل صويلح صدوق إن شاء اللّه ليس ببعيد عن الصواب.. و ما شاكلها. و الملاحظ أنه يتوخى في المرتبتين الأخيرتين الشواهد و قرائن أخرى، و إلا ففي حد ذاتها لا يحتج بها إلا في الآداب و السنن على قاعدتهم المشهورة.
4- قد ذكرت بعض الوجوه في المستدرك، و حيث إن غالب جمهور العامة لا يعتبر العدالة في تحققها ظاهرا، و يكتفي بظاهر الإسلام ما لم يظهر الخلاف - و قد نسب إلى شاذ منّا - لذا تجدهم يكتفون بكثير من هذه الألفاظ على التعديل خصوصا مثل العالم و المتقن و الصالح و الضابط و الفاضل و الثبت و نظائرها. و سنوافيك بمراتب الجرح عندهم حيث لم يتعرض المصنف (قدس سره) لها في محلها المناسب. لاحظ مستدرك رقم (184) فوائد حول ألفاظ المدح و التعديل. و مستدرك رقم (185) ألفاظ أخر تفيد المدح أو التعديل.

المقام الثاني في سائر أسباب المدح و أماراته غير ما ذكر.

اشارة

المقام الثاني في سائر أسباب المدح و أماراته(1) غير ما ذكر.

و قد تصدّى لبيانها المولى الوحيد (رحمه اللّه)(2) في التعليقة:

ص: 257


1- المعبر عنها اليوم ب: التوثيقات العامة، انظر مستدرك رقم (186). و ثمّة إشكال مهم في المقام ذكره غير واحد، و فصله في تهذيب المقال: 132/1-136، راجع مقدمة معجم رجال الحديث المجلد الأول لسيدنا الخوئي دام ظله. و غالب هذه الأسباب قد ذكرها في منتهى المقال: 13 و ما بعدها و قد ذكر في خاتمة وسائل الشيعة: 93/20 الفائدة الثامنة جملة وافية من القرائن المعتبرة التي تقترن بالخبر فتثبته، أو على صحة مضمونه و ان احتمل وضعه، أو على ترجيحه على معارضه، و عدّ منها واحدة و عشرين قرينة، و أشار الى بعضها آخرون.
2- حيث أنه قد استوفى المقال في ذلك في التعليقة اقتصرت غالبا على نقل كلامه، و كلما قلت في هذا المقال (قال) من دون ذكر الفاعل فهو المراد به، و ربما عقبته بقولي: (قلت)، و عقبته بما ينبغي أن يقال، و ربما لخّصت عبارته أو غيرتها للتوضيح. (منه قدس سره). أقول: انظر التعليقة: الفائدة الثالثة: 9 و ما بعدها، و الفوائد للوحيد البهبهاني المطبوع في ذيل رجال الخاقاني: 45-63.
فمنها: كونه وكيلا لأحد الأئمة (عليهم السّلام)

فإنه من أقوى أمارات المدح بل الوثاقة و العدالة(1)، لأن من الممتنع عادة جعلهم (عليهم السّلام) غير العدل وكيلا، سيما إذا كان وكيلا على الزكوات و.. نحوها من حقوق اللّه تعالى، و قد صرح المولى الوحيد في ترجمة إبراهيم بن سلام نقلا عن الشيخ البهائي (قدس سره) بأن قولهم: وكيل من دون إضافته إلى أحد الأئمة (عليهم السّلام) أيضا يفيد ذلك، لأن من الاصطلاح المقرّر بين علماء الرجال من أصحابنا أنهم إذا قالوا فلان وكيل يريدون أنه وكيل أحدهم (عليهم السّلام)، فلا يحتمل كونه وكيل بني أمية، قال: و هذا مما لا يرتاب فيه من مارس كلامهم و عرف لسانهم، نعم من غيروه عن الوكالة و هم معروفون لا يعتمد عليهم(2).

ص: 258


1- كما صرح به غير واحد منهم رضوان اللّه عليهم، كما في منتقى الجمان: 18/1 و لب اللباب: 22 - خطي - و غيرهما. قال. السيد في العدة - كما حكاه السيد في نهاية الدراية: 160 -: و ما كانوا ليعتمدوا إلا على ثقة سالم العقيدة، و أنى يعتمدون على الفاسد و يميلون إليه و هم مما ينهون عنه و ينأون، و من ثمة إذا ظهر الفساد من أحدهم عزلوه، و قد عدّل بهذه الطريقة غير واحد من الأصحاب كالعلامة و صاحب المنهج و الشيخ البهائي و غيرهم، و من هنا تعرف مقام المفضل بن عمر و محمد بن سنان و أضرابهم من الوكلاء، و إن غمز عليهم بارتفاع القول. هذا و يراد من الوكيل النيابة عن الإمام عليه السّلام في جميع حقوق اللّه من الأموال على الناس كالزكاة و الأخماس و غيرها كما صرح في التكملة: 51/1.
2- تعليقة الوحيد على منهج المقال: 21. و انظر ما علقه رحمه اللّه في ترجمة إبراهيم ابن سلام: 21 على منهج المقال.

[(1)ثم ان شيخنا البهائي ذكر أن اصطلاح علماء الرجال من أصحابنا جرى على أنهم اذا قالوا فلان وكيل و أطلقوا أرادوا به أنه وكيل لأحدهم (عليهم السّلام) قال: و هذا مما لا يرتاب فيه من مارس كلامهم، و عرف لسانهم. ثم أفاد أن الوكالة عنهم (عليهم السّلام) من أقوى أسباب الوثوق، لأنهم لا يجعلون الفاسق وكيلا. و قرّره المولى الوحيد (رحمه اللّه) على ذلك، ثم اعترض على نفسه بأن في الوكلاء عنهم (عليهم السّلام) جماعة مذمومين، فكيف تجعل الوكالة أمارة الوثاقة، ثم أجاب بأن ظاهر توكيلهم لهم هو حسن حال الوكلاء و الاعتماد عليهم و جلالتهم، بل وثاقتهم، إلا أن يثبت خلافه و تغيير و تبديل و خيانة، و المغيّرون معروفون.

و بالجملة فالأصل في الوكالة عنهم الثقة، بل ما فوقها، فيحتج بها عليها الى أن يثبت الخلاف(2).

و لقد أجاد (قدس سره) فيما أفاد، و يستفاد ما ذكره من كلمات غيره - أيضا - فلا وجه لما صدر من الشيخ عبد النبي الجزائري (رحمه اللّه) من منع دلالة اللفظة على العدالة(3)، ضرورة عدم

ص: 259


1- ما بين معكوفتين الى: «و منها» من إضافات الطبعة الثانية.
2- الى هنا بألفاظ متقاربة في تعليقة الوحيد رحمه اللّه على منهج المقال: 21.
3- قال الشيخ عبد النبي الجزائري في حاوي الأقوال: 4 - من النسخة الخطية الموجودة في مكتبة الحاج حسين ملك في طهران - ما نصه: و اعلم أيضا أن مجرد توكيل بعض المعصومين للرجل لا يثبت عدالة ذلك الرجل ما لم تكن للوكالة جهة شروط بها، فلا يتوهم من قولهم فلانا وكيل الاكتفاء بذلك تعديله كما تشعر به عبارة الخلاصة في كثير من المواضع. و حكاه في التكملة: 51/1 عنه أيضا. و قال في معين النبيه في بيان رجال من لا يحضره الفقيه - خطي -: 28: و لا يفيد التوكيل التعديل خلافا لبعض قليل.

تعقل تسليط الإمام (عليه السّلام) غير العادل على حقوق اللّه، و جعله (عليه السّلام) واسطة بين عباد اللّه في امورهم الشرعية و بين نفسه، و لو تنزلنا عن ذلك فلا أقل من إفادته المدح المعتد به الملحق للسند بالحسن، كما هو ظاهر](1).

و منها: أن يكون ممن يترك رواية الثقة أو الجليل أو يتناول محتجا بروايته و مرجحا لها عليها،

فإنه يكشف عن جلالته، و كذا لو خصص الكتاب أو المجمع عليه بها كما اتفق كثيرا، و كذا الحال فيما ماثل التخصيص(2).

و دون ذلك أن يؤتى بروايته بإزاء روايتهما أو غيرها من الأدلة فتوجه و تجمع بينهما أو تطرح من غير جهة(3).

و منها: كونه كثير الرواية عن الأئمة (عليهم السّلام) في الامور

الدينية الاصولية و الفروعية، فإنه يدلّ على اهتمامه في امور الدين، و يكشف عن فضيلته، و يورث مدحه. و قد صرح جماعة منهم الشهيد

ص: 260


1- الى هنا من الإضافات على الطبعة الثانية. مستدرك رقم (187) حول الوكالة.
2- كذا في آخر رجال الخاقاني صفحة 45 ثم قال: و منها: أن يؤتى بروايته..، و لا يوجد: و دون ذلك.
3- كما نص عليه الوحيد في الفوائد: 9. و الظاهر صحة العبارة بقوله: من غير جهته، فتدبر.

(رحمه اللّه) بإيجاب ذلك العمل بروايته ان لم يرد فيه طعن(1)، و عن المجلسي الأول في ترجمة علي بن الحسين السعدابادي أن الظاهر أنه لكثرة الرواية عدّ جماعة حديثه من الحسان(2).

و بالجملة فيظهر من كثير من التراجم أن كثرة الرواية من أسباب المدح و القوة و القبول(3).

ص: 261


1- لاحظ المسالك، قاله في الحكم بن مسكين لما كان كثير الرواية و لم يرد فيه طعن فأنا أعمل بروايته.
2- كما حكاه الوحيد في التعليقة: 9 [ذيل رجال الخاقاني: 46] و عن صاحب البحار أن ذلك من شواهد الوثاقة، و ذهب العلامة في الخلاصة: 4-5 في ترجمة إبراهيم بن هاشم القمي القسم الاول قائلا: أنه من أسباب قبول الرواية. و انظر كلام الميرزا النوري في المستدرك: 774/3، و قد مر بعضه في الفوائد من مستدرك (162). قال في روضة المتقين: 395/1 - في الترجمة المذكورة -:.. و جعل بعض الأصحاب حديثه حسنا و لا بأس به، لأنه من مشايخ الإجازة البحت، بل لا يستبعد جعله صحيحا.. الى آخره. و لم أجد نص ما ذكره المصنف طاب ثراه هنا، و لعله في محل آخر، أو كتاب للمجلسي الأول غير ما ذكرناه: فلاحظ.
3- و يمكن أن يستشهد له بقول الصادق عليه السّلام: اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنّا، كما رواه الكشي في رجاله: 2/1. و قوله عليه السّلام: اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا. فانا لا نعدّ الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا، و بهذا المضمون روايات راجع المجلد الثامن عشر من وسائل الشيعة و مقدمة رجال الكشي و غيرها. و أقول: إن قيل بالاكتفاء في العدالة بحسن الظاهر فلا يبعد دلالة مثل هذه الألفاظ على التوثيق، و بذا يمكن تعديل أمثال السكوني - إسماعيل بن أبي زياد - و الآدمي - سهل بن زياد - و غيرهما، فتأمل. و أولى من هذا كونه كثير السماع، كما صرح غير واحد، و لا يخفى ما فيه.
و منها: كونه ممن يروى عنه أو كتابه جماعة من الأصحاب ،

و منها: كونه ممن يروى عنه أو كتابه جماعة من الأصحاب(1)،

فإنه من أمارات الاعتماد عليه. قال: بل بملاحظة اشتراطهم العدالة في الراوي يقوى كونه من أمارات العدالة،(2) سيما و أن يكون الراوي عنه كلا أو بعضا ممن يطعن على الرجال بروايتهم(3) عن المجاهيل و الضعفاء(4). و ما في بعض التراجم مثل: صالح بن الحكم(5) من تضعيفه مع ذكره ذلك لا يضرّ، إذ لعله ظهر ضعفه من الخارج(6)، و إن كان الجماعة معتمدين عليه. و التخلف في الأمارات الظنية غير عزيز(7).

ص: 262


1- أضاف هنا في توضيح المقال: 42: مما علم من حاله أو قيل في حقه أنه لا يروي إلا عن ثقة. و بهذا القيد يخرج عن الامارات العامة، فتدبر.
2- لم يدع أحد أن العدالة شرط ينتفي الحديث بانتفائه، بل نقل شيخ الطائفة إجماع الطائفة على العمل بأخبار الثقات من الفطحية و الناووسية و نحوهما من الفرق الفاسدة، إلا أن يؤخذ بلازم كلام المحقق الحلي - السالف - بأنا الى الآن لم نعلم عملهم باخبار هؤلاء. فتدبر.
3- في الأصل: في روايتهم، و هو الظاهر، أو يكون بدلا.
4- في ذيل رجال الخاقاني الفوائد: 46-47. هنا سقط و هو: بل الظاهر من ترجمة عبد اللّه عن النجاشي أنه كان كذلك، فتأمل.
5- أي النيلي الأحول، و قد عدّ من أصحاب الصادق عليه السّلام. قال الشيخ الجد قدس سره في آخر ترجمته في التنقيح: 91/2:.. و لكن تضعيف النجاشي لا معدل عنه لشدة الوثوق به.
6- في الأصل: عليه من الخارج.
7- فوائد الوحيد: 10 [ذيل رجال الخاقاني: 47].

قلت: جعل ذلك أمارة على العدالة محل تأمل، إلا أنه أمارة قوته و كونه معتمدا.

و منها: روايته عن جماعة من الأصحاب،

عدّه(1) من الأمارات. و فيه نظر ظاهر.

و منها: رواية الجليل أو الأجلاء عنه،

عدّه(2) على الإطلاق من أمارات الجلالة و القوة، و فيما إذا كان الجليل ممن يطعن على الرجال في الرواية عن المجاهيل و نظائرها من أمارات الوثاقة. و الأولى(3) جعل ذلك من أمارات القوة دون الوثاقة، و دون مطلق رواية الجليل عنه(4).

و منها: رواية صفوان بن يحيى و ابن أبي عمير عنه،

قال(5) - ما حاصله -: إنها أمارة الوثاقة لقول الشيخ (رحمه اللّه) في العدّة أنهما لا يرويان إلا عن ثقة(6)، و الفاضل الخراساني جرى في ذخيرته على

ص: 263


1- أي المولى الوحيد قدس سره (منه قدس سره). كما في التعليقة صفحة 10.
2- أي المولى البهبهاني في التعليقة: 10 [صفحة 47 من ذيل رجال الخاقاني]. أقول: لو كانت رواية جماعة من الأصحاب تشير الى الوثاقة، فرواية أجلائهم بطريق أولى.
3- لعل وجه الأولوية أنه لا يوجد ضعيف لا يروي عن ثقة، فتدبر.
4- لاحظ المستدرك رقم (188) كلام صاحب المستدرك.
5- أي الوحيد البهبهاني في تعليقته: 10 [ذيل رجال الخاقاني: 47-48].
6- الأصل في هذه الدعوى ما ذكره الشيخ في عدة الأصول: 7/1-386 في آخر بحثه عن الخبر الواحد قال: و إذا كان أحد الراويين مسندا و الآخر مرسلا، نظر في حال المرسل فإن كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، و لأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير و صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون و لا يرسلون الا ممن يوثق به و بين ما أسنده غيرهم. و لذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم. و عليه يؤخذ بمراسيلهم و مسانيدهم حتى لو كانت الواسطة مجهولة أو مهملة. و قد مرّ منّا مناقشة العبارة في بحث المرسل من أقسام الضعيف، فراجع ما ذكرناه هناك. قال السيد الخوئي في معجمه: 80/1: (بيروت: 68/1) إن قلت: إن رواية هؤلاء الضعفاء - كما ذكرت - لا تنافي دعوى الشيخ أنهم لا يروون إلا عن ثقة، فإن الظاهر أن الشيخ يريد بذلك أنهم لا يروون إلا عن ثقة عندهم، فرواية أحدهم عن شخص شهادة منه على وثاقته، و هذه الشهادة يؤخذ بها ما لم يثبت خلافها، و قد ثبت خلافها كالموارد السابقة (في الطبعة الجديدة: المتقدمة). قلت: لا يصح ذلك، بل الشيخ أراد بما ذكر: أنهم لا يروون و لا يرسلون إلا عن ثقة في الواقع و نفس الأمر، لا من يكون ثقة باعتقادهم، إذ لو أراد ذلك لم يمكن الحكم بالتسوية بين مراسيلهم و مسانيد غيرهم، فإنه إذا ثبت في موارد روايتهم من الضعفاء - و إن كانوا ثقات عندهم - لم يمكن الحكم بصحة مراسيله، إذ من المحتمل إن الواسطة هو من ثبت ضعفه عنه، فكيف يمكن الأخذ به... الى آخره.

القبول من هذه العلة و نظيرهما البزنطي(1)، و قريب منهم علي بن الحسن الطاطري.

و منها: رواية محمد بن إسماعيل بن ميمون، أو جعفر بن بشير

ص: 264


1- أي أحمد بن محمد بن أبي نصر له ترجمة ضافية في تنقيح المقال: 9/1-77، فراجع.

عنه، أو روايته عنهما. قال (رحمه اللّه): فإن كلا منهما أمارة التوثيق لما ذكر في ترجمتهما(1).

قلت: المذكور في ترجمة كل منهما أنه روى عن الثقات و رووا عنه(2)، و أنت خبير بعدم دلالة ذلك على ما رامه (قدس سره) لأن روايته عن الثقات و رواية الثقات عنه لا ينافي روايته عن الضعفاء و رواية الضعفاء عنه، و إنما كان يدلّ على التوثيق لو كانت العبارة أنه لم يرو إلا عن الثقات، و لم يرو عنه إلا الثقات، و ليس كذلك، فلا تذهل(3).

و منها: كونه ممن يروي عن الثقات،

قال: فإنه مدح و أمارة للاعتماد(4) و أنت خبير بأن الرواية عن الثقات لا دلالة فيها على ما رامه. نعم لو قيل في حقه: لا يروي إلا عن الثقات دلّ على المدح.

و منها: رواية علي بن الحسن بن فضال و من ماثله

عن

ص: 265


1- تنقيح المقال: 83/2 - حرف الميم -، و ابن بشير البجلي الوشاء من أصحاب الرضا عليه السّلام انظر تنقيح المقال: 4/1-213.
2- كذا قاله الوحيد في التعليقة، و علّق على ترجمتهما في منهج المقال صفحة: 82 و لمحمد بن إسماعيل صفحة: 283، فلاحظ.
3- فالعبارة لا تدل على الحصر، أي أنهما لا يرويان إلا عن ثقة، و يؤكد ذلك قولهم: و رووا عنه، حيث لا يحتمل أنهما لم يرويا عنهما غير الثقات، مع أن الضعفاء يروون عن كل أحد، و في مقام التمييز في ترجمتهما تجد أنهما يرويان عن الضعفاء و يروون عنهما، و غاية ما توجّه به عبارة النجاشي إن رواياتهما عن الثقات و رواية الثقات عنهما كثيرة، فتدبر.
4- لاحظ التعليقة: 10 [ذيل رجال الخاقاني: 48].

شخص. قال: فإنها من المرجحات، لما ذكر في ترجمتهم(1).

قلت: الموجود في ترجمته: أنه قل ما روى عن ضعيف و كان فطحيا، و لم يرو عن أبيه شيئا(2).. و دلالته على ما رام إثباته كما ترى، لأن قلّة روايته عن الضعيف تجتمع مع كون من نريد استعلام حاله ضعيفا، لأنهم لم يشهدوا بعدم روايته عن ضعيف، بل بقلّة روايته عن ضعيف، فلا تذهل.

[(3)و توهم إمكان الاستدلال للمطلوب بما ورد من الأمر بالأخذ بما رووا بنو فضال و ترك ما رأوا(4)، مدفوع، بأن الأخذ بما يرويه عبارة عن تصديقه في روايته، و أين ذلك و كيف هو من الدلالة على عدالة من رووا عنه شيئا أو صدقه؟ فهم مصدّقون في الأخبار بأن فلانا روى عن الصادق (عليه السّلام) كذا، و ذلك لا يستلزم بوجهه صدق فلان أيضا، هذا مضافا الى أنه ان تمّ لاقتضى كون رواية كل من بني فضال كذلك لا خصوص عليّ، و لم يلتزم بذلك أحد(5) كما لا يخفى].

ص: 266


1- التعليقة: 10 [ذيل رجال الخاقاني: 48].
2- لاحظ ترجمته في منهج المقال: 230 و تعليقات المولى البهبهاني هناك، و كذا تنقيح المقال: 278/3-280.
3- ما بين المعكوفين من زيادات المصنف في الطبعة الثانية.
4- ذكر الشيخ في الغيبة: 254 بعد ذكر التوقيعات في حديث عن أبي محمد الحسن ابن علي صلوات اللّه عليه أنه سئل عن كتب بني فضال فقال: خذوا بما رووا، و ذروا ما رأوا. و رواه في الوسائل: 72/18 و 103.
5- بل التزم بها و أرسلها إرسال المسلمات الشيخ الأنصاري في أول صلاته: 2 في باب التعرض لرواية داود بن فرقد الواردة في أوقات الصلاة قال: و هذه الرواية و إن كانت مرسلة إلا أن سندها الى الحسن بن فضال صحيح و بنو فضال ممن أمرنا بالأخذ بكتبهم و رواياتهم.. الى آخره، و عليه ينزّلون بمنزلة أصحاب الإجماع. و ناقش سيد أساتذتنا في أكثر من مكان من تقريراته و كتبه بأنه أولا: ضعف سند الروايات الآمرة بالأخذ عن بني فضال، فالرواية السالفة رواها الشيخ عن أبي الحسين بن تمام عن عبد اللّه الكوفي، و كلاهما لم يوثقا عند الرجاليين، فلا يعتمد عليها. و ثانيا: إنها أجنبية عن المقام، لأنها في صدد بيان أن فساد العقيدة بعد الاستقامة لا يضر بحجية الروايات المتقدمة على الفساد، لا أنه أخذ بكل رواياتهم و لو رووا عن ضعيف أو مجهول. بمعنى أنهم كسائر الثقات من الإمامية، و انحرافهم رأيا لا يضر في قبول رواياتهم، لا قبول جميع ما رووه مرسلا كان أو مسندا، و إلا لزم ترجيحهم على أمثال زرارة و محمد بن مسلم و نظائرهم من فقهاء رواتنا و أعاظم الإمامية رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين.
و منها: كونه ممن تكثر الرواية عنه و يفتى بها،

فإنه أمارة الاعتماد عليه كما هو ظاهر(1). و قد اعترف بذلك المحقق (رحمه اللّه) في ترجمة السكوني(2)، و إذا كان مجرد كثرة الرواية عنه يوجب العمل بروايته بل و من شواهد الوثاقة، فما نحن فيه بطريق أولى.

و كذا رواية جماعة من الأصحاب عنه تكون من أماراتها على ما

ص: 267


1- لاحظ فوائد الوحيد: 10، ذيل رجال الخاقاني: 9-48.
2- كما حكاه الوحيد في تعليقته على منهج المقال في ترجمة إسماعيل بن أبي زياد: 55، و قد قاله المحقق في نكت النهاية في مسألة انعتاق الحمل بعتق امه، و كذا قالها في المسائل العزية في رواية: الماء يطهّر و لا يطهر، فراجع.

ذكر، فهنا بطريق أولى [بل(1) قد ورد عنهم (عليهم السّلام) التنصيص على كشف كثرة الرواية عن علو قدر الرجل. ففي أول رجال الكشي عن حمدويه بن نصير الكشي قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: (اعرفوا منازل الرجال منّا على قدر رواياتهم عنا)(2). و فيه أيضا عن إبراهيم بن محمد بن العباس الختلي قال: حدثنا أحمد بن إدريس القمي المعلم، قال: حدثني أحمد بن محمد بن يحيى بن عمران(3) قال: حدثني سليمان الخطابي قال: حدثني محمد بن محمد، عن بعض رجاله، عن محمد بن حمران العجلي، عن علي بن حنظلة، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: (اعرفوا منازل الناس منّا على قدر رواياتهم عنّا)(4).

دلّ الخبران على كشف كثرة رواية الرجل عنهم (عليهم السّلام) عن قربه منهم معنى و تقرّبه عندهم، و كونه باحثا عن أحكام دينه الكاشف عن قوة ديانته.

ص: 268


1- من هنا الى قوله: و منها رواية الثقة عن... لا توجد في الطبعة الأولى.
2- رجال الكشي: باب فضل الرواية و الحديث: 3 حديث: 1، الوسائل: 18 / 108 عنه و كذا القهبائي في أول مجمع الرجال، و آخر منهج المقال: 417 و غيرهم.
3- و في الوسائل: عن محمد بن أحمد بن يحيى... الى أخره.
4- رجال الكشي: باب فضل الرواية و الحديث: 3 حديث: 3، الوسائل: 18 / 109 عنه.

ثم ان ظاهر الخبرين الكم، و هناك خبر ثالث رواه أيضا الكشي يدلّ على الكيف، و هو ما رواه عن محمد بن سعيد الكشي بن يزيد(1)، و أبي جعفر محمد بن أبي عوف النجاري(2) قالا: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن(3) حماد المروزي المحمودي، رفعه قال: قال الصادق (عليه السّلام): (اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا، فانا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا)(4)، فقيل له: أو يكون المؤمن محدثا؟ قال: (يكون مفهما، و المفهم محدث)(5).

ص: 269


1- في المصدر: محمد بن سعد الكشي ابن فريد، و هو الظاهر، و في نسخة: ابن يزيد.
2- كذا، و الصحيح: البخاري، كما في المصدر.
3- بن، لا توجد في المصدر.
4- رجال الكشي: 3 حديث 2.
5- رجال الكشي باب فضل الرواية و الحديث: 9، و قريب منه في الوسائل: 18 / 108 و نظير هذه الرواية، ما ذكرناه في صدر الكتاب عن الباقر عليه السّلام التي رواها العلامة المجلسي في بحار الأنوار: 106/1 فلاحظ. أقول: الروايات الثلاث ضعيفة السند إما بالإرسال أو بمحمد بن سنان الذي ضعّفه المشهور، و مع الإغماض من السند فالمراد من الروايات هو قدر ما تحمّله الشخص من رواياتهم عليهم السّلام، و هذا لا يمكن إحرازه إلا بعد ثبوت حجية قول الراوي، و إن ما يرويه قد صدر عنهم عليهم السّلام، لا إن المراد قدر ما يخبر الراوي عنهم عليهم السّلام و إن كان لا يعرف صدقه و كذبه، فإن ذلك لا يكون مدحا في الراوي، إذ لعل روايات الكاذب أكثر من روايات الصادق. كما أفاده مشايخنا عن سيد أساتذتنا دام ظله و حفظهم اللّه.
بيان: معنى كونهم عليهم السّلام محدثون
اشارة

بيان: حيث ورد في حق الأئمة (عليهم السّلام) أنهم محدثون(1) - أي يتحدثون مع الملك، أو يحدثهم اللّه سبحانه بصوت يخلقه - و زعم الراوي كون المراد بالمحدث في الشيعة ذلك. فاستغرب ذلك فأجابه (عليه السّلام) بأن المؤمن يكون مفهّما أي ملهما من جانب اللّه تعالى، و قوله: (المفهم محدث) يعني به أن الملهم منهم بمنزلة المحدث منه تعالى، و لذا أطلق عليه المحدث. و من هنا يعلم أن المحدث من له ملكة فهم الأحاديث لا مجرد رواية الحديث كما ارتكز في أذهان البسطاء.

و كيف كان فرواية الكيف لا تعارض روايتي الكم المزبورتين، إذ لا مانع من الأخذ بظاهر كل منهما، و جعل كثرة هذه الرواية مدحا للكشف عن اهتمامه في أحكام دينه، و حسن فهم الرواية مدحا آخر لكشفه عن عناية ربانية به.

ثم أنه هل يختص كون كثرة الرواية مدحا بما إذا روى عن الإمام (عليه السّلام) بغير واسطة، أو يشمل ما إذا روى بالواسطة؟ وجهان، أظهرهما الثاني، فإن الرواية عنهم (عليهم السّلام) و إن كان ظاهرا في كلمات علماء الرجال في الرواية عنهم (عليهم السّلام) بغير واسطة، و لذا يصرحون في حق من روى عنهم (عليهم السّلام) بواسطة أنه لم يرو عنهم (عليهم السّلام)، إلا أن ذلك في العرف العام الوارد عليه الأخبار يعمّ الرواية عنهم (عليهم السّلام)

ص: 270


1- في الكافي الشريف - الأصول - المجلد الأول: 212 عقد بابا في أن الأئمة عليهم السّلام محدثون مفهمون، فراجع روايات الباب، و مستدركنا رقم (9) السالف.

بغير واسطة أو بواسطة.

لا يقال: إن قوله (عليه السّلام): (اعرفوا) خطاب للحاضرين، و هو قرينة على أن المراد الراوي من غير واسطة.

لانا نقول: الاستلزام ممنوع، لأن الرواة الموجودين في زمنهم (عليهم السّلام) كما كانوا يروون بغير واسطة فكذا كانوا يروون بواسطة، كما لا يخفى](1).

و منها: رواية الثقة عن شخص مشترك الاسم و إكثاره منها مع عدم إتيانه بما يميزه عن الثقة،

فإنه امارة الاعتماد عليه(2)، سيما إذا كان الراوي ممن يطعن على الرجال بروايتهم عن المجاهيل، و كون الرواية عنه كذلك من غير واحد من المشايخ(3).

و منها: اعتماد شيخ على شخص و هو أمارة كونه معتمدا عليه،

كما هو ظاهر، و يظهر من النجاشي(4) و العلامة في الخلاصة في علي بن محمد بن قتيبة(5)، فإذا كان جمع منهم اعتمدوا عليه فهو في مرتبة معتد بها من الاعتماد. و ربّما يشير الى الوثاقة سيما إذا كثر منهم،

ص: 271


1- هذا أولا، و ثانيا لو صح الإشكال لسقط الاعتماد على هذه الرواية من رأسها، لا أنها تخصص بمن روى بلا واسطة، فتدبر.
2- انظر مستدرك رقم (189): نقل كلام صاحب الرواشح و مناقشته.
3- التعليقة: 10، ذيل رجال الخاقاني صفحة 49 بتصرف - كما قيل - عن شيخ القميين و رئيسهم أحمد بن محمد بن عيسى الذي أخرج جمعا كالبرقي أحمد بن محمد بن خالد من قم لرواياتهم عن الضعفاء و اعتمادهم المراسيل.
4- رجال النجاشي: 197.
5- الخلاصة: 94.

و خصوصا بملاحظة اشتراطهم العدالة، و خصوصا اذا كانوا ممن يطعن في الرواية عن المجاهيل و نظائرها(1).

و منها: اعتماد القميّين عليه أو روايتهم عنه ،

و منها: اعتماد القميّين عليه أو روايتهم عنه(2)،

فإنه أمارة الاعتماد، بل الوثاقة في الرّواية، لأنهم كانوا يخدشون في الرّواة بأدنى شيء، فاعتمادهم عليه يكشف عن عدم الخدشة فيه، و يقرب من ذلك اعتماد ابن الغضائري عليه و روايته عنه(3).

و منها: أن يكون رواياته كلّها أو جلّها مقبولة أو سديدة ،

و منها: أن يكون رواياته كلّها أو جلّها مقبولة أو سديدة(4)،

ص: 272


1- كما حكاه الوحيد في التعليقة: 10 [ذيل رجال الخاقاني: صفحة 49 بتصرف]. و الأولى عنونة المسألة بما فعله السيد في الرواشح: 104 من أن رواية الثقة الثبت عن رجل سماه تعديل أم لا. و حكاه عن شرح العضدي، و نقل فيه مذاهب: التعديل، لأن الظاهر أنه لا يروي إلا عن عدل. و عدم التعديل: لكونه أعم، و كثرة المخالفة. الثالث: إن علم أن من عادته أنه لا يروي إلا عن عدل فهو تعديل، و إلا فلا، ثم قال: و هو المختار.
2- حبّذا تعميم العنوان باعتماد من لا يعتمد إلا على ثقة و معتمد، أو رواية من يطعن على الرّجال في روايتهم عن المجاهيل غير الثّقات و الضّعفاء.. و لا يخفى من تداخل كثير من هذه الوجوه لو عمّم العنوان فيها، و قد جعل شيخنا الوحيد دلالة هذا على الوثاقة في غاية الظّهور، و لا يخفى ما فيه. إذ الرواية عن الضعفاء كثيرا كان يعدّ قدحا في الراوي، مما يثبت عدم تثبته في الرواية بروايته عن الضعفاء و اعتماده المراسيل، و هذا غير الرواية عن ضعيف أو ضعيفين أو أكثر في موارد خاصة، إذ لا يعدّ هذا قدحا عرفا، بل لا نجد من الرواة من لم يرو عن ضعيف أو مهمل أو مجهول إلا نادرا.
3- الفوائد البهبهانيّة: 10، [ذيل رجال الخاقاني: 49].
4- قاله في التعليقة: 10، [ذيل رجال الخاقاني: 49].

فإن ذلك أمارة كونه ممدوحا، بل معتمدا و موثّقا في الرّواية(1).

و منها: وقوعه في سند حديث وقع اتفاق الكل أو الجلّ على صحّته،

فإنّه أخذ دليلا على الوثاقة(2)، كما لا يخفى على من راجع التّعليقة في ترجمة محمد بن إسماعيل البندقي، و أحمد بن عبد الواحد(3)، فتأمّل(4).

و منها: وقوعه في سند حديث صدر الطّعن فيه

من غير

ص: 273


1- لا يخفى ما فيه من الدّور و المسامحة، إلاّ أن يقال: لا مانع من إثبات الوثاقة من قبولهم لرواياته، و تظهر الثمرة عند التعارض، أو أنّه كشف أنّي، فتأمل.
2- و من هنا حكم باعتبار كل ما روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى و لم يستثن من رواياته إلاّ ما استثناه ابن الوليد.
3- الفوائد: 10، [ذيل رجال الخاقاني: 49-50]، أمّا تعليقة الوحيد على منهج المقال في ترجمة محمد بن إسماعيل البندقي فهي في صفحة: 284 حكى عن الشّهيد الثّاني رحمه اللّه إطباق أصحابنا على الحكم بصحّة حديثه إلاّ ابن داود، و له كلام طويل لا محصّل في ذكره. و قال في ترجمة أحمد بن عبد الواحد: 38 ما نصّه: قلت: و من المؤيّدات أيضا استناد النجاشي الى قوله و اعتماده عليه، منه ما سيجيء في داود بن كثير الرّقي و يستند إليه الشّيخ أيضا و يذكره مترحما. أقول: و لا يستفاد من الكلامين إطباق الكل أو الجلّ، فتأمّل.
4- لعل وجه التأمّل هو أن صرف الوقوع في السّند و الحكم بالصحّة لا يكشف عن حسن الرّاوي، فضلا عن وثاقته، لاحتمال أن الحكم جاء من أصالة العدالة أو الاكتفاء بظاهر الإسلام و حسن الظّاهر و عدم ظهور الفسق أو الغفلة، أ لا ترى ان كثيرا من الرّوايات ضعّفت من المتأخّرين مع كونها مورد اتّفاق عند المتقدّمين أو بالعكس، و تصحيح القدماء لرواية أو اعتمادهم عليها لا يدلّ على وثاقة راويها بحال، كما هو واضح.

جهته(1)، فإن السّكوت عنه و التعرّض لغيره ربما يكشف عن عدم مقدوحيّته، بل ربّما يكشف عن مدحه و قوّته، بل وثاقته.

و منها: إكثار الكافي و الفقيه من الرّواية عنه ، فإنه - أيضا -

و منها: إكثار الكافي و الفقيه من الرّواية عنه(2)، فإنه - أيضا -

أخذ دليلا على قوّته، بل وثاقته كما لا يخفى على من راجع التّعليقة في محمد بن إسماعيل البندقي(3)، فلاحظ و تأمّل(4).

و منها: رواية الثقة الجليل عن غير واحد و عن رهط مطلقا أو مقيدا بقولهم: من أصحابنا،

قال: و عندي أن هذه الرواية قوية غاية القوة، بل و أقوى من كثير من الصحاح، و ربّما يعدّ من الصحاح بناء على أنه يبعد أن لا يكون فيهم ثقة، و فيه تأمل(5).

قلت: وجه التأمل ظاهر، ضرورة كون المدار على الظن، و هو لا يحصل من مجرد الاستبعاد.

ص: 274


1- الفوائد البهبهانيّة: 10، و لا يخفى ما فيه.
2- كما في التعليقة: 10-11 [ذيل رجال الخاقاني: 50]. أي كثرة تناول الأجلاء منه و روايتهم عنه، بل إكثار الجليل المتحرج في روايته في الرّواية عنه كالكليني عن محمد بن إسماعيل النّيسابوري مثلا.
3- التّعليقة على منهج المقال: 284، و قد مرّ قريبا نقل كلامه أعلى اللّه مقامه.
4- لعل وجه التّأمل أن من لاحظ كتب القوم من المتقدّمين و المتأخّرين حتّى شيخنا الكليني علم أنّهم لا يتحاشون عن الرواية عن الضّعفاء و المجاهيل فيما لا يتعلق بالحلال و الحرام بل فيه أيضا، نعم مثل هذا و أشباهه يفيد قوة في الرواية لا دخل لها في الحسن فضلا عن الصحّة، فتدبر.
5- التعليقة: 11 [ذيل رجال الخاقاني: 53].

ثم أنه نقل عن المحقق الشيخ محمد (رحمه اللّه) أنه قال:

إذا قال ابن أبي عمير عن غير واحد عد روايته من الصحيح حتى عند من لم يعمل بمراسيله. و قال في المدارك: (لا يضر إرسالها، لأن في قوله: (غير واحد) إشعارا بثبوت مدلولها عنده)(1) و في تعليله تأمل فتأمل(2).

و منها: رواية الثقة الجليل عن أشياخه قال (رحمه اللّه):

فإن علم أن فيهم ثقة فالظاهر صحة الرواية، لأن هذه الإضافة تفيد العموم، و إلا فإن علم أنه من مشايخ الإجازة، أو فيهم من جملتهم، فالظاهر - أيضا - صحتها. و قد عرفت الوجه، و كذا الحال فيما إذا كانوا أو كان فيهم من هو مثل شيخ الإجازة، و إلا فهي قوية غاية القوة مع احتمال الصحة لبعد الخلو عن الثقة. ثم قال:

و رواية حمدويه عن أشياخه من قبيل الأول، لأن من جملتهم العبيدي و هو ثقة(3)، و أيضا يروي عن الثقة و هو من جملة الشيوخ، فتدبر(4).

و منها: ذكر الجليل شخصا مترضيا أو مترحما،

فإنه يكشف عن

ص: 275


1- المدارك: 23 - حجري -، في شرحه لقول المحقق قدس سره: لا ينقض الطهارة مذي..، بتصرف. و شرح الاستبصار للشيخ محمد سبط الشهيد الثاني - خطي -
2- الفوائد البهبهانية: 11.
3- هنا سقط، حيث في الفوائد: على ما نثبته في ترجمته.
4- التعليقة: 11. [ذيل رجال الخاقاني: 53].

حسن ذلك الشخص بل جلالته(1).

قلت: قد أوضحنا ذلك في خامس تنبيهات المسألة الخامسة(2)، فراجع.

و منها: أن يقول الثقة: لا أحسبه إلا فلانا

و يسمى ثقة أو

ص: 276


1- كما حكاه الوحيد في التعليقة: 11 و ارتضاه، حيث نجد الكليني و الصدوق و الشيخ و غيرهم من مشايخنا كثير ما يترحمون على البعض و يترضّون عنهم، مما يكشف عن وجود خصوصية و مكانة و جلالة لهم و ثمّت عناية خاصة بالمترحم عليه، ا لا تراهم كثيرا ما يذكرون الأجلاء و الثقات ساكنين عنهم، و إن كانت الخصوصية تنشأ غالبا من الشيخوخة و غيرها. و أقول: هذا و غيره لا يفيد الوثاقة و لا العدالة، بل و لا الحسن أيضا. نعم فيه نوع تقوية و مدح و حسن، بل يمكن التشكيك في هذا أيضا، لأن الترحم دعاء مطلوب مستحب في حق كل مؤمن. أ لا ترى أن الصادق عليه السّلام ترحم لكل من زار الحسين عليه السّلام.. و نظائره كثير. و من هنا قال سيدنا الخوئي دام ظله و عزّه و شوكته في معجمه: 91/1 أن الصادق عليه السّلام: قد ترحم لأشخاص خاصة معروفين بالفسق لما فيه ما يقتضي ذلك كالسيد إسماعيل الحميري و غيره!، فكيف يكون ترحّم الشيخ الصدوق أو محمد بن يعقوب و أمثالهما كاشفا عن حسن المترحم عليه؟!. و هذا النجاشي قد ترحّم على محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه بن البهلول بعد ما ذكر أنه رأى شيوخنا يضعفونه، و إنه لأجل ذلك لم يرو عنه شيئا و تجنبه. و على كل، طلب الرحمة تشمل الفاسق و المؤمن، و لعله من باب: اذكروا موتاكم بالخير، و الترضي عن الشخص أعمّ من الحسن، و إن أمكن أن يقال أنه يعطي نوع قوة للراوي. لا تنفع إلا في مقام الترجيح، فتدبر.
2- انظر صفحة: 130 من هذا الكتاب.

ممدوحا، فإن ظاهرهم العمل به و البناء عليه(1). و قد يتأمل فيه بأنه لا دليل على حجية ظنّه بكون الواسطة هو من سماه، و ثبوت حجية الظن في الرجال لا يستلزم حجية الظن بالرجل أيضا، فتأمل.

و منها: أن يقول الثقة: حدثني الثقة،

قال (رحمه اللّه):

و في إفادته التوثيق المعتبر خلاف معروف، و حصول الظن منه ظاهر، و احتمال كونه في الواقع مقدوحا لا يمنع الظن فضلا عن احتمال كونه ممن ورد فيه قدح كما هو الحال في سائر التوثيقات(2).

قلت: قد مرت الإشارة الى الخلاف في إفادته التوثيق في أول تنبيهات المسألة الخامسة، فراجع و تدبر.

ثم إنه قال أيضا - أعني الوحيد (رحمه اللّه) -: و ربما يقال:

الأصل تحصيل العلم و لما تعذّر اكتفى بالظن الأقرب، و هو الحاصل بعد البحث. و يمكن أن يقال مع تعذّر البحث يكتفى بالظن كما هو الحال في التوثيقات و سائر الأدلة و الأمارات الاجتهادية، و ما دلّ على ذلك دلّ على هذا، و مراتب الظن متفاوتة جدا، و كون المعتبر هو أقوى مراتبه لم يقلّ به أحد، مع أنه على هذا لا يكاد يوجد حديث صحيح،

ص: 277


1- التعليقة: 11 [ذيل رجال الخاقاني: 54].
2- التعليقة: 11 [ذيل رجال الخاقاني: 54] و أمر بالتأمل بعد ذلك، فلاحظ. قال في وصول الأخبار للشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي: 184: و لو قال الراوي الثقة حدثني الثقة أو العدل و نحوهما لم يكف عند بعضهم، و الأصح الاكتفاء. و قال السيد الصدر في نهاية الدراية: 162: و منها قول الثقة حدثني الثقة، و أما لو قال حدثني غير واحد من أصحابنا أو جماعة من أصحابنا فلا.

بل و لا يوجد. و تخصيص خصوص ما اعتبر من الحد بأن هذا الحد معتبر دون ما هو أدون؛ انى لك بإثباته؟ بل ربما يكون الظن الحاصل في بعض التوثيقات بهذا الحد، بل و أدون، فتأمل)(1).

قلت: لعل وجه التأمل أنه لو فرض تعيين حد له يكون الحاصل في بعض التوثيقات الذي هو أدون من الحد غير معتبر. نعم أصل التحديد غير ثابت، و مقتضى دليل الانسداد المتقدم تقريره في كفاية توثيق الواحد هو حجية كل ظن في الرجال، فراجع و تدبر(2).

و منها: أن يكون الراوي ممن ادعي اتفاق الشيعة على العمل بروايته مثل: السكوني،

و حفص بن غياث، و غياث بن كلوب، و نوح بن دراج و.. من ماثلهم من العامة، مثل: طلحة بن زيد و.. غيره، و كذا مثل: عبد اللّه بن بكير، و سماعة بن مهران، و بني فضال(3)، و الطاطريين(4)، و عمار الساباطي، و علي بن أبي

ص: 278


1- التعليقة صفحة 11 مع فرق يسير [ذيل رجال الخاقاني: 5-54].
2- أجملنا البحث في حجية الظنون الرجالية في مستدرك رقم (190)، فراجع.
3- بنو فضال: هم علي بن الحسن بن علي بن فضال و أخواه أحمد و محمد و أبوهم الحسن بن علي، قال في نقد الرجال: 405 - باب الكنى: و من بين الثلاثة في الآخر الأخيرة، - أي إطلاق ابن فضال على الأخير - أشهر. و انظر كتابنا معجم الرموز و الإشارات.
4- الطاطريون: الطاطري - بطاءين مهملتين بينهما ألف ثم راء و ياء - نسبة الى بيع الثياب الطاطرية المنسوبة الى طاطري. قال الحموي في معجم البلدان: 4/4 مادة (طاطري) ما نصه: لا أدري أين هي؟ و على كل. هو لقب جماعة منهم علي بن الحسن و محمد بن خلف و يوسف بن إبراهيم.. و غيرهم. و يطلق أيضا على سعد بن محمد - عمّ علي بن الحسن - و إذا قيد بالجرمي تعيّن علي بن الحسن الطاطري خاصة لما قاله الشيخ في الفهرست في ترجمته: 118، برقم: 392: و له كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم و برواياتهم.. فلأجل ذلك ذكرناها. و انظر ترجمته في رجال النجاشي: 189 و غيره. و هذا و إن كان أخص من المدعى لأنه خصوص مروياته في الفقه إذا لم تعارض، إلا أنه يستشم منه قوة فيه و في رواياته في الجملة، أما ما رواه في أثناء السند فلا يحكم بوثاقته، لعدم إحراز روايته عنه في كتابه، فتدبر.

حمزة، و عثمان بن عيسى من غير العامة(1)، فإن جميع هؤلاء نقل الشيخ عمل الطائفة بما رووه(2)، و ربما ادعى بعضهم ثبوت الموثقية من نقل الشيخ هذا، و هو في محله، بل ربما جعل ذلك من الشيخ (رحمه اللّه) شهادة بالموثقية، و هو غير بعيد.

و حكى المولى الوحيد(3) (قدس سره) عن المحقق الشيخ محمد إنكار كون الإجماع على العمل بروايته توثيقا، ثم نفى البعد عن كونه توثيقا على قياس ما ذكر في قولهم: أجمعت العصابة.

ص: 279


1- قد تكررت بعض هذه الأسماء بعناوين مختلفة ضمن عدّة من الأمارات، و كان الأولى جمعها في مورد واحد. قال في توضيح المقال: 43:.. و نظير صفوان و ابن أبي عمير و أحمد بن محمد بن أبي نصر لما ستعرف في ترجمته. و غرضه ما قيل من أنهم لا يرويان أو لا يرون إلا عن ثقة، و قد حكي الإجماع على هؤلاء الثلاثة، كما نص عليه مولانا الوحيد في التعليقة و غيره.
2- و قد أسلفنا نقل عبارة الشيخ في عدة الأصول في بحث المرسل، فلاحظ.
3- كما في الفوائد: 11، و كذا الذي قبله.

قلت: ان لم يكن ذلك توثيقا لهم في أنفسهم باعتبار عدم إمكان إجماعهم على العمل برواية غير الثقة، سيما مع اختلاف مشاربهم، و اعتبار جمع منهم العدالة، فلا أقل من كون ذلك توثيقا لهم في خصوص الرواية، و ذلك كاف على الأظهر(1).

ثم انه حكى المولى عن المحقق الشيخ محمد (رحمه اللّه) أنه قال: قال شيخنا أبو جعفر (رحمه اللّه) في غير موضع من كتبه:

إن الإمامية مجمعة على العمل برواية السكوني، و عمار و.. من ماثلهما من الثقات، و أظن أن توثيق السكوني أخذ من قول الشيخ (رحمه اللّه) و من ماثلهما من الثقات، و احتمال أن يريد من ماثلهما من مخالفي(2) الثقات، لأن كون السكوني ثقة ممكن و ان بعد، إلا أن عدم توثيقه في الرجال يؤيده ثم قال - أي المولى -: و لا يخفى ما فيه، على أنه قال في العدة: يجوز العمل برواية الواقفية و الفطحية

ص: 280


1- و أقول: إن رواية هؤلاء تقتضي قوة الحديث في نفسه لا الحسن بالمعنى المصطلح بين المتأخرين، لما مرّ منّا كرارا، فلاحظ. أقول: الأخذ بإطلاق كلام النجاشي في جعفر بن بشير و محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني و كلام الشيخ في علي بن الحسن الطاطري و أشباههم، لا يفيد الحصر في عدم روايتهم عن غير الثقة، غاية الأمر كون روايتهم عن الثقات و رواية الثقات عنهم كثيرة، و قد أفرط شيخنا النوري رضوان اللّه عليه في مستدركه فجعل رواية مطلق الثقة عن أحد كاشفا عن وثاقته و اعتباره، و قد مر كلامه في المستدرك رقم (188) و مناقشتنا اياه، فلاحظ، و غاية ما يفيده الاعتماد و هو بعيد عن الشهادة بالوثاقة أو الحسن، بل الرواية عن أحد لا تدل على الاعتماد.
2- في الأصل: من مخالفي المذهب الثقات، و هو الصحيح.

إذا كانوا ثقات في النقل و ان كانوا مخطئين في الاعتقاد، و إذا علم من اعتقادهم تمسكهم بالدين و تحرزهم عن الكذب و وضع الأحاديث، و هذه كانت طريقة جماعة عاصروا الأئمة (عليهم السّلام) نحو عبد اللّه بن بكير، و سماعة بن مهران، و نحو بني فضال من المتأخرين، و بني سماعة و من شاكلهم.. على إنا نقول الظن الحاصل من عمل الطائفة أقوى من الموثقية بمراتب شتى، و لا أقل من التساوي، و كون العمل برواية الموثق من جهة عدالته محل تأمل)(1).

و منها: وقوع الرجل في السند الذي حكم العلامة (رحمه اللّه) بصحة حديثه،

قال: فإنه حكم بعض بتوثيقه من هذه الجهة، و منهم المصنف (رحمه اللّه) في ترجمة: الحسن بن متيل، و إبراهيم بن مهزيار، و أحمد بن عبد الواحد و... غيرهم(2).

و فيه: إن العلامة (رحمه اللّه) لم يقصر إطلاق الصحة في الثقات إلا أن يقال: إطلاقه إياها على غيرها نادر، و هو لا يضر، لعدم منع ذلك ظهوره فيما ذكرنا، سيما بعد ملاحظة طريقته، و جعل الصحة اصطلاحا فيها.

ص: 281


1- الى هنا كلام المولى الوحيد في التعليقة: 11.
2- التعليقة: 11. و كذا أبي الحسن محمد بن إسماعيل البندقي حيث قال في منتقى الجمان: 41/1: و قد وصف جماعة من الأصحاب أولهم العلامة أحاديث كثيرة - و هو في طرقها - بالصحة.

لكن لا يخفى أن حكمه بصحة حديثه دفعة أو دفعتين مثلا غير ظاهر في توثيقه، بل ظاهر في خلافه، بملاحظة عدم توثيقه و عدم قصره.

نعم لو كان ممن أكثر تصحيح حديثه مثل: أحمد بن محمد بن يحيى، و أحمد بن عبد الواحد و.. نظائرهما فلا يبعد ظهوره في التوثيق(1)، و احتمال كون تصحيحه كذلك من أنهم من مشايخ الإجازة فلا يضر مجهوليتهم، أو لظنه بوثاقتهم فليس من باب الشهادة، فيه ما لا يخفى. على أن بناءه التصحيح على كونهم من مشايخ الإجازة لا وجه له، ضرورة أن مشايخ الإجازة كثيرون، فلا وجه لقصر التصحيح على بعض دون بعض.

نعم الاعتراض بأن كثيرا من مشايخ الاجازة كانوا فاسدي العقيدة، مندفع بأن ذلك ينافي العدالة بالمعنى الأخص لا بالمعنى الأعم، و خصوصية الاخص تثبت بانضمام ظهور كونه اماميا من الخارج، فتأمل.

على أنه ربما يكون ظاهر شيخوخة الاجازة حسن العقيدة الا أن يظهر الخلاف، فتأمل.

و قال جمع أن مشايخ الإجازة لا يضر مجهوليتهم، لأن حديثهم مأخوذ عن الأصول المعلومة، و ذكرهم لمجرد الاتصال أو للتبرك.

و فيه: إن ذلك غير ظاهر، مضافا الى عدم انحصار ما ذكر في خصوص تلك الجماعة، فكم معروف منهم بالجلالة و الحسن لم

ص: 282


1- كما في الفوائد: 11 بألفاظ متقاربة و سقط. و اعترض أن التوثيق من باب الشهادة و التصحيح ربما كان مبنيا على الاجتهاد. و فيه ما لا يخفى على المطلع بأحوال التوثيقات، مع أنهم قالوا بالاكتفاء بالظن و البناء عليه، فتأمل.

يصححوا حديثه فضلا عن المجهول؟ على أنه لا وجه حينئذ لتضعيف أحاديث سهل بن زياد و.. أمثاله من الضعفاء ممن حاله في الوساطة للكتب حال تلك الجماعة، مشايخ الإجازة كانوا أم لا، فلا وجه للتخصيص بمشايخ الإجازة، و لا من بينهم بتلك الجماعة.

و دعوى أن غيرهم ربما يروي من غير تلك الأصول و الجماعة لا يروون عنه أصلا و كان ذلك ظاهرا على العلامة، بل و من تأخر عنه أيضا الى حد لم يتحقق خلاف و لا تأمل منهم، و إن كان في أمثال زماننا خفيا لعله جزاف، بل خروج عن الانصاف، على أن النقل عنها غير معلوم اغناؤه عن التعديل لعدم معلومية كل واحد من أحاديثنا بالخصوص، و كذا بالكيفية المودعة. و القدماء كانوا لا يروونها إلا بالإجازة أو القراءة و.. أمثالهما، و يلاحظون الواسطة غالبا، حتى في كتب الحسين بن سعيد الذي رواية تلك الجماعة جلّها عنه.. الى أن قال: و ربما يقال في وجه الحكم بالصحة إن الاتفاق على الحكم بها دليل على الوثاقة(1).

و فيه: أن الظاهر إن منشأ الاتفاق أحد الأمور المذكورة(2).

ص: 283


1- الى هنا عبارة الوحيد البهبهاني في التعليقة: 11-12، مع تصرف كثير و اختصار أحيانا.
2- هذا و إن سيد أساتذتنا ناقش في توثيقات و تصحيحات أمثال العلامة في أكثر من مكان في كتبه منها في المعجم: 57/1 قال:.. و أما في غير ذلك كما في توثيقات ابن طاوس و العلامة و ابن داود و من تأخر عنهم كالمجلسي لمن كان بعيدا عن عصرهم فلا عبرة بها، فإنها مبنية على الحدس و الاجتهاد جزما، و ذلك فإن السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ فأصبح عامة الناس إلا قليلا منهم مقلدين يعملون بفتاوي الشيخ و يستدلون بها كما يستدل بالرواية على ما صرح به الحلي في السرائر و غيره في غيره. أقول: إن جميع سلسلة إسناد الاعلام المتأخرين إنما تنتهي طرقهم الى الأصول العامة و الكتب و المعاصرين للمعصومين عليهم السّلام الى الشيخ، و يحيلون ما بعد ذلك الى طرقه، و الشيخ هو حلقة الاتصال بين المتأخرين و أرباب الأصول، و لا طريق للمتأخرين الى توثيقات رواتها و تضعيفهم غالبا إلا الاستنباط و إعمال الرأي و النظر الذي ليس بحجة على مجتهد آخر و لا هو شهادة حسية له. فتأمل. و قال السيد في معجمه: 258/11 في ترجمة علي بن أحمد العقيقي ردا على أبي علي الحائري..: بأن العلامة يعتمد على كل امامي لم يرد فيه قدح، فلا أثر لاعتماده. و قال دام ظله في: 60/1 (بيروت: 46/1) - أيضا -:.. فترى العلامة يعتمد على كل إمامي لم يرد فيه قدح، يظهر ذلك مما ذكره في ترجمة أحمد ابن إسماعيل بن سمكة و غيره.
و منها: أن ينقل حديث غير صحيح متضمن لوثاقة الرجل أو جلالته أو مدحه،

فإن المظنون تحققها فيه و إن لم يصل الحديث الى حد الصحة حتى يكون حجة في نفسه عند المتأخرين، و الظن نافع في مقام الاعتداد و الاكتفاء به، و إذا تأيد مثل هذا الحديث باعتداد المشايخ و نقلهم إياه في مقام بيان حال الرجل و عدم إظهار تأمل فيه الظاهر في اعتمادهم عليه قوي الظن، و ربما يحكمون بثبوتها بمثله(1)كما في تراجم كثيرة، و إذا تأيد بمؤيد معتد به يحكمون بها البتة.

و منها: أن يروي الراوي لنفسه ما يدلّ على أحد الأمور

ص: 284


1- كما قاله في الفوائد: 12. و لا يخفى ما فيه من عدم الاعتبار و الحجية في ضعيف الحديث بالحديث الضعيف، و لعل الحجية في نقل الرواية و عدم تأمل الناقل فيها، فتدبر.

المذكورة، و هذا أضعف من السابق، و قد يحصل الظن به بسبب اعتداد المشايخ و.. غيره و قد اعتبروا مثل هذا في كثير من التراجم(1).

و منها: أن يكون الراوي من آل أبي جهم ،

و منها: أن يكون الراوي من آل أبي جهم(2)،

لما ذكره النجاشي و.. غيره في ترجمة: منذر بن محمد بن المنذر بن سعيد بن أبي الجهم من أنه: ثقة من أصحابنا من بيت جليل(3). و في ترجمة: سعيد بن أبي الجهم من أنّ: آل أبي الجهم بيت كبير بالكوفة(4). فإن مدح البيت مدح لرجاله لا محالة(5).

و منها: أن يكون الراوي من آل أبي شعبة ،

و منها: أن يكون الراوي من آل أبي شعبة(6)،

لما ذكره النجاشي و.. غيره - أيضا - في ترجمة: عبيد اللّه بن عليّ بن أبي

ص: 285


1- كذا في الفوائد، و لا يخفى ما فيه من دور مضمر، و قد حكم ثاني الشهيدين و غيره بوثاقة عمر بن حنظلة لقول الصادق عليه السّلام في حديث الوقت:.. إذن لا يكذب علينا، كما في التهذيب: 31/2، و الاستبصار: 267/1 و الوسائل: 59/18 و غيرها، مع ما في سنده من الضعف لمكان يزيد بن خليفة و ما ذلك إلا لرواية الأجلاء كالشيخ و الكليني له و عمل كثيرين به، فتأمّل.
2- كما نصّ عليه في الفوائد: 12.
3- رجال النجاشي: 328.
4- رجال النجاشي: 136.
5- قال المصنف رحمه اللّه في الطبعة الأولى هنا: قلت: لا يخفى عليك أن جلالة البيت و كبره أعم من مدح رجاله، فتأمّل، و نعم ما قال بلا تأمّل.
6- الفوائد البهبهانيّة: 12.

شعبة الحلبي من أنّ: آل أبي شعبة(1) بيت مذكور من أصحابنا(2). و روى جدهم أبو شعبة عن الحسن و الحسين (عليهما السّلام)، و كانوا جميعهم ثقات مرجوعا الى ما يقولون.

و منها: كون الرّاوي من بيت آل نعيم الأزدي ،

و منها: كون الرّاوي من بيت آل نعيم الأزدي(3)،

لما ذكره النجاشي في ترجمة: بكر بن محمد الأزدي(4) من أنه: وجه في هذه الطّائفة، من بيت جليل بالكوفة من آل نعيم(5). [(6)و قد بسط العلامة الطباطبائي (قدس سره) في أول كتابه في الرجال الكلام في جملة من أهل البيوت تحت عنوان الآل و بني، و بالنظر الى فوائده نأمر بطبعه عينا بعد هذه الرسالة إن شاء اللّه تعالى(7)].

و منها: أن يذكره الكشّي و لا يطعن عليه ،

و منها: أن يذكره الكشّي و لا يطعن عليه(8)،

فإنه ربّما جعله

ص: 286


1- هنا سقط و هو: بالكوفة بيت.. الى آخره.
2- رجال النجاشي: 171.
3- كما في التعليقة: 12.
4- ابن عبد الرحمن بن نعيم الغامدي أبو محمد.
5- رجال النّجاشي: 108 ترجمة: 273 [طبعة جماعة المدرسين]. و كذا في ترجمة جعفر بن المثنّى من قوله صفحة: 121 ترجمة 309: ثقة، من وجوه أصحابنا الكوفيّين، و من بيت آل نعيم. فتأمّل.
6- ما بين المعكوفين لا يوجد في الطّبعة الأولى، و الموجود: قلت: الحال هنا على نحو ما أشرنا في آل أبي جهم.
7- حيث طبعت هذه الرّسالة مقباس الهداية - الطّبعة الثّانية في آخر تنقيح المقال المجلّد الثّالث ثم بعدها رجال السيد بحر العلوم، و حيث طبع الكتاب مستقلا و منقّحا فراجعه في المجلّد الأول من رجال بحر العلوم صفحة: 214-257.
8- كما قاله في التّعليقة: 12 و فيها: أن يذكره النّجاشي أو مثله، و لعلّه اشتبه عليه الرّمز فراجع، و كذا لاحظ منهج المقال في ترجمة الحكم بن مسكين: 121، و تعليقة الوحيد عليه: 122-123. بل يظهر من عدّة من أصحابنا وثاقة مشايخ النّجاشي كأحمد بن عليّ المتوفّى سنة 372 ه و غيره، و صرّح بذلك غير واحد من أعاظم المتأخّرين، و لذا تجدهم اعتمدوا على رواية جماعة ممّن لم يصرح بتوثيقه من مشايخه، و مستندهم أنه رحمه اللّه لا يروي إلاّ عن الثّقات، و تلك أمارة على التّوثيق فيما لو ظهر التزامه بعدم الرواية عن غير الثّقات. كما فصّل البحث فيه في تهذيب المقال: 67/1-73.

بعضهم سبب قبول روايته، أ لا ترى الى قول الشهيد (رحمه اللّه) في مبحث الجمعة من الذّكرى: أنّ وجود الحكم بن مسكين في السّند غير قادح و لا موجب للضّعف، لأنّ الكشّي (رحمه اللّه) ذكره و لم يطعن عليه(1)، فتأمّل.

و منها: أن يقول العدل: حدثني بعض أصحابنا.
اشارة

فقد قال المحقّق (رحمه اللّه): إنه يقبل و ان لم يصفه بالعدالة إذا لم يصفه بالفسوق، لأنّ اخباره بمذهبه شهادة بأنّه من أهل الأمانة، و لم يعلم منه الفسق المانع من القبول، فإن قال: عن بعض أصحابنا لم يقبل، لإمكان أن يعني نسبته الى الرّواة و أهل العلم، فيكون البحث فيه كالمجهول(2). و أنت خبير بأنّ ما ذكره غير

ص: 287


1- الذكرى: 231 - الحجرية - في الشرط الثاني في صلاة الجمعة و العبارة هكذا: و قال الفاضل في المختلف في طريق رواية محمد بن مسلم: الحكم بن مسكين.. الى أن قال: قلت: الحكم ذكره الكشي و لم يتعرض له بذم.. الى آخره.
2- كما حكاه الوحيد في تعليقته: 12 و راجع المعارج للمحقّق: 151، و العبارة للأخير، و قد نقلت عبارته هنا و في التّعليقة مشوّشا، و لم يظهر الفرق بين (حدثني بعض أصحابنا) و (عن بعض أصحابنا) و لذا نضطر لنقل عبارة المحقّق قدّس سره، قال رحمه اللّه ما نصّه: إذا قال: أخبرني بعض أصحابنا - و عني الإماميّة - يقبل و إن لم يصفه بالعدالة - إذا لم يصفه بالفسوق - لأنّ أخباره بمذهبه شهادة بأنّه من أهل الأمانة، و لم يعلم منه الفسوق المانع من القبول. فإن قال: عن بعض أصحابه (خ. ل: أصحابنا)، لم يقبل، لإمكان أن يعني نسبته الى الرّواة و (خ. ل: أو) أهل العلم، فيكون البحث فيه كالمجهول.

مستقيم، لأنّ السّكوت عن تفسيقه أعمّ من التّوثيق، مضافا الى عدم صراحة بعض أصحابنا في كون المقول فيه إماميا كما مرّ، فتأمّل(1).

تذييل يتضمن أمرين:
الاول: كون هذه الامارات كثيرة جدا

الأول: إنه قال الوحيد (رحمه اللّه) - بعد إيراد ما ذكر من الأمارات -: اعلم أن الأمارات و القرائن كثيرة، و من القرائن لحجية الخبر وقوع الاتفاق على العمل به، أو على الفتوى به، أو كونه مشهورا بحسب الرواية أو الفتوى، أو مقبولا مثل مقبولة عمر بن حنظلة، أو موافقا للكتاب أو السنة أو الإجماع أو حكم العقل أو التجربة، مثل ما ورد في خواص الآيات و الأعمال و الأدعية التي خاصيتها مجربة، مثل قراءة آخر الكهف للانتباه في الساعة التي تراد،

ص: 288


1- لاحظ مستدرك رقم (191) في استدراك ما هناك من أمارات. و رقم (192) كلام المولى النراقي.

و.. غير ذلك، أو يكون في متنه ما يشهد بكونه من الأئمة (عليهم السّلام) مثل خطب نهج البلاغة و.. نظائرها و الصحيفة السجادية، و دعاء أبي حمزة، و الزيارة الجامعة الكبيرة.. الى غير ذلك، و مثل كونه كثيرا مستفيضا، أو عالي السند مثل الروايات التي رواها الكليني و ابن الوليد و الصفار و.. أمثالهم، بل و الصدوق و.. أمثاله أيضا عن القائم المنتظر - عجل اللّه تعالى فرجه - و العسكري و التقي و النقي (عليهم السّلام).

و بالجملة ينبغي للمجتهد التنبّه لنظائر ما نبّهنا عليه، و الهداية من اللّه تعالى(1).

الثاني: كون المدار في هذه الامارات على الظن الفعلي

الثاني: إنه لا يخفى عليك أن المدار فيما ذكرناه في هذا المقام و سابقه من ألفاظ التوثيق و المدح و أماراتها إنما هو على الظن الفعلي، فما لم يفد منها الظن الفعلي لا عبرة به، و ما أفاده كان معتبرا و إن كان من أضعف الألفاظ دلالة، فقد تكون كلمة (مرضي) من شخص أدل على الوثاقة من قول آخر (ثقة) بملاحظة مسامحة الثاني و نهاية دقّة الأول، أ لا ترى الى وقوع التأمل في توثيقات جماعة حتى عدوه من إمارات المدح دون التوثيق، فمن تلك الجماعة ابن فضال و ابن عقدة

ص: 289


1- قاله الوحيد البهبهاني رحمه اللّه في التعليقة: 12 [ذيل رجال الخاقاني: 59-60] بألفاظ متقاربة و تصرف.

و.. من ماثلهما في عدم كونه إماميا، فإنه قد تأمل جمع في توثيقاتهم نظرا الى عدم كونهم من الإمامية، و هو بناء على كون اعتبار التزكية من باب الشهادة لا بأس به، و أما على المشهور المنصور من كونها من باب الوثوق و الظن الذي ثبتت حجيته في الرجال فلا وجه له.

قال المولى الوحيد (رحمه اللّه): و أما توثيق ابن نمير و.. من ماثله فلا يبعد حصول وثاقة منه، بعد ملاحظة اعتداد المشايخ به و اعتمادهم، سيما إذا ظهر تشيع من وثّقوه كما هو في كثير من التراجم، و خصوصا إذا اعترف الموثّق نفسه بتشيعه.

و منهم: العلامة و ابن طاوس، فإن المحقق الشيخ محمدا توقف في توثيقاته، و توقف صاحب المعالم في توثيقاتهما و توثيق الشهيد، و هو كما ترى، و لذا اعترض عليهما المجلسي الأول بأن العادل أخبر بالعدالة أو شهد بها فلا بد من القبول(1).

ص: 290


1- بتصرف و اختصار قاله في الفوائد البهبهانية: 10-11 [ذيل رجال الخاقاني: 52] ثم أمر بالتأمل، و قال: نعم لو كان في مقام أمارة مشيرة الى توهم منهم فالتوقف فيه كما هو الحال في غيرها، و قصرهم توثيقهم في توثيقات القدماء غير ظاهر، بل ربما يكون الظاهر خلافه، كما يظهر من غير واحد من التراجم، مع أن ضرر القصر - أيضا - غير ظاهر، فتدبر. قال في معجم رجال الحديث: 7/1-56: و مما تثبت به الوثاقة أو الحسن أيضا أن ينص على ذلك أحد الاعلام المتأخرين، بشرط أن يكون من أخبر عن وثاقته معاصرا للمخبر أو قريب العصر منه، كما يتفق ذلك في توثيقات الشيخ منتجب الدين أو ابن شهرآشوب، و أما في غير ذلك كما في توثيقات ابن طاوس و العلامة و ابن داود و من تأخر عنهم كالمجلسي لمن كان بعيدا عن عصرهم فلا عبرة بها، فإنها مبنية على الحدس و الاجتهاد جزما. و لا يخفى ما فيه، لعدم الفرق بين القدماء و المتأخرين في شهاداتهم الرجالية و عدم قبول دعوى من لحق الشيخ تبعه و قلده، و ما استشهد به في انتهاء سلسلة أسانيدهم الى الشيخ، فذاك تام في مقام الرواية و لا يمكن إسراؤه الى مقام الشهادة.. الى غير ذلك مما يوهن الجزم بهذه الدعوى، خصوصا عند من كان مداره الوثوق و الاطمئنان، فتدبر.

و دعوى قصرهم توثيقهم في توثيقات القدماء، مدفوعة بأنه غير ظاهر، بل ظاهر جملة من التراجم خلافه، مع أن ضرر القصر غير ظاهر، بل لا شبهة في إرادتهم بالثقة العدل. نعم لو قالوا في حق شخص أنه صحيح لم يفد في إثبات الاصطلاح المتأخر، لأن الصحة عندهم أعم من الصحة عند المتأخرين، نعم لو قامت أمارة على توهم منهم في موضع في أصل التوثيق لزم التوقف، و أما حيث لم يظهر التوهم فالأقوى الاعتبار.

و منهم: المفيد (رحمه اللّه) في الإرشاد، فإنه(1) تأمل المولى الوحيد في استفادة العدالة من توثيقاته فيه قال: نعم يستفاد منها القوة و الاعتماد، و ربما تأمل المحقق الشيخ محمد (رحمه اللّه) أيضا في توثيقاته لتحققها بالنسبة الى جماعة اختص بهم من دون كتب الرجال، بل وقع التصريح بضعفهم من غيره على وجه يقرب الاتفاق، و لعل مراده من التوثيق أمر آخر(2).

و هو كما ترى، فإن توثيقه من ضعفوه أو توقفوا في حاله لا يوجب وهن توثيقاته، غايته عدم الأخذ بتوثيقه عند تحقق اشتباهه،

ص: 291


1- كذا.
2- التعليقة: 11. و لا يخفى ما في التعليل من نظر.

فإن الخطأ من غير المعصوم (عليهم السّلام) غير عزيز(1).

ص: 292


1- عنون المسألة السيد الداماد كبرويا في رواشحه: الراشحة الحادية عشرة: 59 و ناقشها، فراجع. لاحظ مستدرك رقم (193) في ذكر جملة من من قيل بحجية كتبه و توثيقاته غير ما ذكره المصنف. و مستدرك رقم (194) فوائد الباب.

المقام الثالث في ألفاظ الذم و القدح

اشارة

المقام الثالث في ألفاظ الذم(1) و القدح

فمنها:

قولهم: فاسق.. و ليس بعدل... و غيرهما

قولهم: فاسق، و مثله شارب الخمر و النبيذ، و كذاب، و وضاع للحديث من قبل نفسه، و يختلق الحديث كذبا(2)، و لا شبهة في كون كل من هذه الألفاظ دالا على الجرح و الذم(3).

و منها:

قولهم: ليس بعادل، و ليس بصادق، و ليس بمرضي، و ليس بمشكور و.. نحو ذلك مما تضمن نفي أحد الفاظ المدح المزبورة،

ص: 293


1- الذم أعمّ من الجرح في العدالة، و القدح و الجرح بمعنى. (منه قدس سره) و هذه الألفاظ تختلف جرحا و قدحا، و كان الأولى ترتيبها نظما و سلكها رتبا.
2- و قد عدّ ابن داود في رجاله: 549 أربعة عشر رجلا ممن قيل فيه أنه يضع الحديث.
3- ما لم يستعقب التوبة و الندم، لا مطلقا كما هو واضح. و كذا غيره من الألفاظ على تفصيل في بعضها، لاحظ المستدرك.

فإن نفي المدح ذم، بل بعضها نص في الجرح(1).

و منها:

قولهم: غال و مثله ناصب و فاسد العقيدة(2) و.. نحوها، مما يدلّ على فساد الاعتقاد.

و منها:

قولهم: ملعون(3) و مثله خبيث و رجس و.. نحوها، فإن كلا منها ذم أكيد.

و منها:

قولهم: متهم(4)، و متعصب(5)،

ص: 294


1- كقولهم ليس بثقة، ليس بمأمون.
2- أو فاسد المذهب، إن صدرت منّا.
3- ممن وردت فيه اللعنة من الرواة عدّ ابن داود في رجاله: 551 (18) شخص، فراجع. و هم أكثر من ذلك.
4- الظاهر ان صرف كونه متهما لا يفيد جرحا ما لم يعلق بكذب أو غلو أو نحوهما من الأوصاف القادحة أو ينصرف أو يتبادر من حاق اللفظ مدلول الجرح، و ليس من السهل قبول صرف الاتهام ما لم يتثبت منه، لاختلافهم في المسائل الأصولية كالفرعية، فتدبر.
5- التعصب لغة، مأخوذ من العصبية، و العصب و الأعصاب هي أطناب المفاصل، و يأتي بمعنى اشتد. انظر: تاج العروس: 6/1-382، القاموس المحيط: 5/1-104، لسان العرب: 8/1-602 و صحاح اللغة: 3/1-182. و لا ريب ان صرف التعصب لا يعدّ ذما، فقد يكون مدحا لو كان للّه أو لإحقاق حق و إدحاض باطل، ما لم يقل أن في المقام انصرافا أو قرينة حالية أو مقالية، فتدبر.

و ساقط(1)، و متروك(2)، و ليس بشيء(3)، و لا شيء(4)، و لا يعتد به، و لا يعتنى به، و.. نحو ذلك(5)، فإن كلا منها يدلّ على عدم الاعتبار بل الذم.

و منها:

قولهم: ضعيف

قولهم: ضعيف، و لا ريب في دلالته على الذم و القدح، بل عدّه جمع منهم ثاني الشهيدين (رحمهما اللّه) من ألفاظ الجرح (6).

ص: 295


1- يلزم التفريق بين ما لو أريد بالسقوط في نفسه أو في خصوص حديثه، و إن أطلق البعض كالمصنف رحمه اللّه، فتأمل. و نظيره هالك - تجدها في جرح العامة - و كذا ذاهب.
2- سئل أحدهم عمن يترك حديثه قال: من يتهم بالكذب، و من يكثر الغلط، و من يخطئ في حديث يجمع عليه فلا يتهم نفسه و يقيّم غلطه، و رجل روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون.. قاله في فتح المغيث: 344/1. و قيل: لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه. بخلاف قولهم ضعيف، و في الكل تأمل.
3- من قيل فيه هذا اللفظ جمع من الرواة ذكر منهم ثمانية ابن داود في رجاله: 552، فراجع.
4- مبالغة في نفي اعتباره و كونه لا شيء يعتد به.
5- و كذا واه - اسم فاعل من و هى - أي ضعف في الغاية، كناية عن شدة ضعفه و سقوط اعتبار حديثه، و كذا ليس بذاك. و في هذا و الذي قبله تأمل خصوصا ليس بشيء و ليس بذاك، إذ لعل المراد ليس بذاك الثقة العظيم، أو ليس بشيء مهم و غير ذلك. أما قولهم: واه بمرة، أي قولا واحدا لا نردد فيه، كما نص عليه السيوطي في التدريب: 350/1، فتكون الباء زائدة. البداية: 79 [البقال: 75/2]، قال في شعب المقال: 29: و الظاهر أنه متى استعمل - أي الضعيف - أريد منه ما يقابل الثقة - أعني يحصل من الوثوق بصدور رواياته عن المعصوم عليه السّلام - فيشمل من لا يبالي عمن أخذ الحديث، و لا ريب أنه يجامع العدالة. ثم قال: و منه قولهم ضعيف في الحديث، و القدح بالنسبة الى الراوي في الأول أقوى، و بالنسبة الى الرواية في الثاني، كما لا يخفى. و قال في نهاية الدراية: 162: و لا ريب من أنه قدح مناف للعدالة إذا قيل على الإطلاق دون التخصيص بالحديث، لأن المراد في الأول أنه ضعيف في نفسه، و في الثاني أن الضعف في روايته، فلا تدلّ على القدح في الراوي مع الإضافة الى الحديث.

و قال بعض الأجلة(1): إنه لا ريب في إفادته سقوط الرواية و ضعفها(2)، و إن لم يكن في الشدة مثل أكثر ما سبق، فيتميز عند التعارض. و أما إفادته القدح في نفس الرجل كالألفاظ السابقة فلعله كذلك حيث أطلق و لم يكن قرينة كتصريح أو غيره على الخلاف، و لعله عليه يبتني ما حكاه المولى الوحيد (رحمه اللّه) عن الأكثر من أنهم يفهمون منه القدح في نفس الرجل و يحكمون به بسببه(3)، لكنه قد تأمل هو (رحمه اللّه) في ذلك نظرا إلى أعمية الضعف عند القدماء من الفسق، لأن أسباب الضعف عندهم كثيرة، فإنهم أطلقوه على أشخاص لمجرد قلّة الحفظ أو سوء الضبط أو الرواية من غير إجازة، أو الرواية عمن لم يلقه، أو الرواية لما ألفاظه مضطربة، أو الرواية

ص: 296


1- المراد: المولى ملا علي كني الطهراني.
2- توضيح المقال في علم الرجال - المطبوع ذيل منهج المقال -: 43، و لم أجد نص العبارة.
3- الفوائد البهبهانية: 8 [ذيل رجال الخاقاني: 37].

عن الضعفاء و المجاهيل، أو رواية راوي فاسد العقيدة عنه، أو أبرز الرواية التي ظاهرها الغلو أو التفويض أو الجبر أو التشبيه أو.. نحو ذلك مما لا يوجب الفسق، فكما أن تصحيحهم غير مقصور على العدالة، فكذا تضعيفهم غير مقصور على الفسق، كما لا يخفى على من تتبع و تأمل(1). و قد يعترض عليه بأن فهم الأكثر منه القدح في نفس الرجل إنما هو عند الإطلاق، و الموارد التي أشار إليها مما قامت فيه قرينة على الخلاف، و لا مانع من استفادة الجرح منه عند الإطلاق

ص: 297


1- ان نسبة الضعف عند بعض القدماء خاصة القميين منهم و ابن الغضائري من غيرهم كانت هينة، بل تراهم يضعّفون بما ليس بموجب للفسق كالرواية عن الضعفاء أو الحكاية عن المجاهيل أو اعتماد المراسيل، بل قال الوحيد رحمه اللّه في التعليقة 8: بل و ربما كانت مثل الرواية بالمعنى و نظائره سببا، و لعل من أسباب الضعف عندهم قلّه الحافظة و سوء الضبط، و الرواية من غير إجازة، و الرواية عمن لم يلقه، و اضطراب ألفاظ الرواية... و كذا نسبة الغلو عندهم حتى تراهم ان نفي السهو عنهم عليهم السّلام غلوّا، بل ربما جعلوا نسبة مطلق التفويض إليهم أو المختلف فيه أو الإغراق في تعظيمهم و رواية المعجزات عنهم و خوارق العادات لهم أو المبالغة في تنزيههم من النقائص و إظهار سعة قدرتهم و إحاطة العلم بمكنونات الغيوب في السماء و الأرض ارتفاعا موجبا للتهمة، على حد تعبير صاحب نهاية الدراية: 168 و قال: فينبغي التأمل في جرح القدماء بأمثال هذه الأمور، و من لحظ موقع قدحهم في كثير من المشاهير كيونس بن عبد الرحمن و محمد بن سنان و المفضل بن عمر و معلى بن خنيس و سهل بن زياد و نصر ابن الصباح عرف أنهم قشريون كما ذكرنا. و الحاصل أن تضعيفهم ليس بقادح عكس مدحهم، و الضعف عندهم أعم من الضعف في الحديث أو المحدث.

و عدم القرينة(1).

و منها:

قولهم: ضعيف الحديث

قولهم: ضعيف الحديث، و مضطرب الحديث(2)و مختلط الحديث(3) و منكر الحديث - بفتح

ص: 298


1- و الذي يظهر من كلامهم أو ينبغي إرادتهم مطلق القدح في نفس الرجل لا خصوص الفسق، و عليه فيشمل ما لو كان التضعيف لسوء ضبطه أو قلّة حفظه أو عدم المبالاة في الرواية في أخذها و نقلها. و نعمّ ما قال في الفوائد: 8: كما أن تصحيحهم غير مقصور على العدالة فكذا تضعيفهم غير مقصور على الفسق.
2- و يراد منه أن حديثه تارة يصلح و تارة يفسد كما قال ابن الغضائري في إسماعيل ابن مهران - كما حكاه العلامة في الخلاصة: 8، و غيره - حديثه ليس بالنقي، يضطرب تارة و يصلح أخرى. و هي كلمة كثيرا ما تتردد على لسان ابن الغضائري. و قد يقال: مضطرب من دون إضافة، و يراد منها: الراوي يستقيم تارة و ينحرف أخرى.
3- من خلط أو اختلط بعد استقامة بخرق - بضم الخاء فسكون الراء - و هو الحمق و ضعف العقل و فسق، كالواقفة بعد استقامتهم في زمن الكاظم (عليه السّلام)، و الفطحية في زمن الصادق عليه السّلام. هذا و لا شك بقبول ما رواه قبل الاختلاط إن اجتمعت شرائطه و ارتفعت موانعه دون ما بعده، أما لو شك في التقدم و التأخر فيرد الحديث مع الإطلاق لكونه شك في المحصل، و يعلم ذلك إما بالتاريخ أو بقول الراوي عنه و غير ذلك. و قد عدّ ابن داود في رجاله: 546 جمعا ممن كان مخلطا أو مضطربا. و ذكر الشيخ في رجاله باب من لم يرو عنهم (عليهم السّلام): 486 علي بن أحمد العقيقي و قال: روى عنه ابن أخي طاهر، مخلط و ذكر في أصحاب الإمام علي (عليه السّلام): 51 برقم (79) عطاء بن رياح مخلط، و من أصحاب الصادق عليه السّلام: 211 برقم 148 سلمة بن صالح الأحمر الواسطي، أصله كوفي مخلط. و لم أجد غير هؤلاء في رجاله.

الكاف -(1) و لين الحديث(2) - أي يتساهل في روايته من(3) غير الثقة - و ساقط الحديث، و متروك الحديث(4)، و ليس بنقي الحديث(5)، و يعرف حديثه و ينكر(6)، و غمز عليه في حديثه، و واهي الحديث - اسم فاعل من وهى أي ضعف في الغاية، تقول: و هى الحائط إذا ضعف و هم بالسقوط، و هو كناية عن شدة ضعفه و سقوط اعتبار حديثه -(7)، و كذا ليس بمرضي الحديث، و.. أمثال ذلك(8)، و لا شبهة في إفادة كل منها الذم في حديثه،

ص: 299


1- عن البخاري - كما حكاه ابن قطان - إن: كل من قلت فيه: منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه - حكاه في ميزان الاعتدال: 5/1 و حاشية البداية. و ليس بشيء، إذ هذا اصطلاح خاص منه، و إن صحّ في الجملة.
2- سئل الدارقطني - كما حكاه البغدادي في الكفاية: 60 - ما المراد من ليّن الحديث؟ فقال: لا يكون ساقطا متروك الحديث، و لكن مجروحا بشيء لا يسقط عن العدالة، و حكاه السخاوي في شرح الالفية: 346/1، فتدبر.
3- خ. ل: عن.
4- و قد يقال: متروك، و يراد منه في نفسه، كما مر.
5- و المراد الغض عن حديثه.
6- قد بسطنا الكلام في قولهم: يعرف حديثه و ينكر في الفائدة الخامسة من فوائد مقدمة تنقيح المقال، فلاحظ. (منه قدس سره). لاحظ مستدرك رقم (195) حيث ذكرنا نص عبارة المصنف رحمه اللّه هناك.
7- و نظيره واه بمرة، أي قولا واحدا لا تردد فيه، و كأنّ الباء زيدت تأكيدا.
8- مثل ليس بكل التثبت في الحديث. أو لم يكن بذلك. أو حديثه ليس بذلك النقي، أو متقارب الحديث، أو ليس بذلك القوي، و اشباه ذلك مما لا دلالة فيه على كونه جارحا، نعم يصلح أغلبه في عدّه شاهدا أو مقويا في مقام الترجيح، فتدبر. و منها قولهم: مقارب الحديث، و قد أفاد البلقيني في محاسن الاصطلاح المطبوع ذيل مقدمة ابن الصلاح: 240: من أن مقارب الحديث - بكسر الراء - من ألفاظ التعديل، و سوى البطليموسي بين الفتح و الكسر، ثم قال: و فيه نظر، فالفتح تجريح، تقول هذا بتر مقارب أي رديء، ذكره ثعلب.

و في دلالتها على القدح في العدالة وجهان: من أن مقتضى مصيرهم الى استفادة وثاقة الرجل من قولهم: ثقة في الحديث هو القدح في وثاقته بما ذكر، فكما أنه يبعد الوثوق بأحاديث رجل ما لم يكن ثقة في نفسه، فكذا يبعد الحكم بأمثال ما ذكر ما لم يكن ضعيفا في نفسه.

و من أنه لا ملازمة بين ما ذكر و بين فسق الرجل أو ضعفه في نفسه، و ظاهر تقييد الضعف و نحوه بالحديث هو عدمه في نفسه، و الفرق بين ثقة في الحديث و ضعيف في الحديث ظاهر، ضرورة كون الوثاقة منشأ الوثوق بالرّواية، و ضعف الحديث غير ملازم للفسق.

و من هنا استظهر بعض الأجلّة الوجه الثاني، بل زاد أنه لم يذهب الى الأول ذاهب(1) و أن كان فيه إن الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية عدّ مضطرب الحديث و منكره و لينه و ساقطه من ألفاظ الجرح(2)، و كفى به ذاهبا الى الأول.

و فرّق المولى الوحيد(3) بين قولهم: ضعيف الحديث و بين ما بعده من العبارات المزبورة، حيث جزم بعد التأمّل في دلالة ضعيف

ص: 300


1- قاله المولى ملاّ عليّ كني في توضيح المقال: 43 - المطبوع في آخر منهج المقال -
2- البداية: 79 [البقال: 75/2].
3- في التّعليقة على منهج المقال: 8 و 9.

على القدح بكون ضعيف الحديث أدون منه دلالة، ثم جزم في بقيّة العبارات بعدم الظّهور في القدح في العدالة، و عدم كونها من أسباب الجرح و ضعف الحديث على رواية المتأخرين، و إنما هي أسباب مرجوحية الرواية تعتبر في مقام الترجيح، و بينها تفاوت في المرجوحية، فمضطرب الحديث أشد بالقياس الى الثاني و..

هكذا(1).

ثم إنّ ما ذكر إنما هو فيما إذا أضيفت الألفاظ المزبورة الى الحديث، و أما مع عدم الإضافة كقولهم: متروك، و ساقط، و واهي، و ليس بمرضيّ و.. نحو ذلك فلا ينبغي التأمّل في إفادتها ذمّا في الراوي نفسه، بل عدّها في البداية من ألفاظ الجرح(2).

و منها:

قولهم: ليس بذلك الثّقة أو العدل أو الوصف المعتبر في ذلك، عدّه في البداية من ألفاظ الجرح(3)، و حكى الوحيد عن جده المجلسي الأول عدّ قولهم: ليس بذلك؛ ذمّا، ثم قال: و لا يخلو من تأمّل، لاحتمال أن يراد أنه ليس بحيث يوثق به وثوقا تامّا، و إن كان فيه نوع من وثوق من قبيل قولهم: ليس بذلك الثقة، و لعل هذا هو

ص: 301


1- بل كل أسباب المدح و القدح كذلك، فلاحظ و تدبّر.
2- البداية: 79-80 [البقال: 75/2] إلا أن بعض نسخ البداية الخطية ليست معنونة بألفاظ الجرح، و لعل العنوان من زيادات الشراح، فتدبر.
3- البداية: 79 [البقال: 75/2].

الظاهر، فيشعر بنوع مدح، فتأمّل(1).

و الإنصاف أن ما في البداية و ما ذكره في طرفي الإفراط و التّفريط، و إن الأظهر كون ليس بذلك ظاهرا في الذّم غير دال على الجرح، و مجرد الاحتمال الّذي ذكره لا ينافي ظهور اللفظ في الذّم، و أما قولهم ليس بذلك الثّقة و.. نحوه فلا يخلو من إشعار بمدح ما، فتدبّر(2).

و منها:

قولهم: مخلط أو مختلط

قولهم: مخلّط و مختلط(3)، ففي منتهى المقال عن بعض أجلاء

ص: 302


1- الفوائد البهبهانيّة: 9، و تبعه في شعب المقال: 30 فقال: بل لا يبعد دلالة ذلك على نوع مدح يعني ليس بحيث يوثّق به وثوقا تامّا و إن كان فيه وثوق في الجملة. و قال في توضيح المقال: 43: و لعله لذا أو غيره لم يذهب ذاهب هنا الى افادتها القدح في العدالة.
2- و كذا قولهم: ليس حديثه بذلك النّقي، فإنه أضعف في ذم الحديث من ليس بنقي الحديث، أما أن هذه الألفاظ هل هي قادحة في العدالة؟ فلا، كما هو واضح.
3- إذا قيل على الإطلاق فيراد منه مخلّط في نفسه و اعتقاده كمختلط الأمر، و إن قيل فيما يرويه كما قال ابن الوليد - على ما حكي عنه في محمد بن جعفر بن بطّة - مخلّط فيما يسنده، فالظاهر منه أنه ليس بمخلّط في اعتقاده، و كثيرا ما يضاف في مقام الذّم فيقال: مخلّط الحديث أو مضطرب الحديث أو ليس بنقي الحديث و أشباه ذلك. قال في نهاية الدّراية: 169: إنّي عثرت على حديث في التّهذيب يدلّ على استعمال الإمام لفظ مخلّط فيما ذكرنا من فساد المذهب رواه الشّيخ عن إسماعيل الجعفري [كذا، و الصحيح: الجعفي] قال قلت لابي جعفر عليه السّلام: رجل يحب أمير المؤمنين عليه السّلام و لا يتبرأ من أعدائه [في المصدر: يبرأ من عدوه] و يقول هو أحبّ إليّ [في المصدر: ممن خالفه]، فقال عليه السّلام: هو مخلّط، و هو عدوّ لا تصل خلفه و لا كرامة، إلاّ أن تتقيه. انظر: تهذيب الأحكام: 28/3، حديث: 97.

عصره - أيضا - ظاهر في القدح، لظهوره في فساد العقيدة، ثم قال:

و فيه نظر، بل الظاهر أن المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي و عمّن(1) يأخذ، يجمع(2) بين الغث و السّمين، و العاطل و الثمين، و ليس هذا طعنا في الرجل، ثم قال: و لو كان المراد فاسد العقيدة، كيف يقول سديد الدين محمود الحمصي(3) أن ابن إدريس مخلّط؟ و كيف يقول الشيخ (رحمه اللّه) في باب من لم يرو عنهم (عليهم السّلام) أنّ عليّ بن أحمد العقيقي مخلّط(4)؟ مع عدم تأمّل من أحد في كونه إماميّا و(5) في: النجاشي في محمد بن جعفر بن أحمد بن بطّة(6)، بعد اعترافه بكونه كثير(7) المنزلة بقم، كثير الأدب و العلم و الفضل قال: كان يتساهل في الحديث، و يعلّق الأسانيد

ص: 303


1- في المنتهى: و ممّن.
2- الظاهر: و يجمع، و كذا في توضيح المقال (رجال أبو عليّ): 44، فراجع، و في المنتهى: يأخذ، و كتب عليها: يجمع، و كلاهما بدون واو.
3- في المصدر هنا هكذا: على ما في المقنعة (عه).
4- رجال الشّيخ: 486 - باب من لم يرو عنهم عليهم السّلام - برقم 60.
5- في حاشية الأصل: و كيف يقول.
6- هنا سقط و هو: أنه مخلط مع، و قد كتب في الحاشية، و لا معنى ل (مع) و (بعد).
7- في المنتهى: كبير، و هو الصّحيح و كذا في رجال النّجاشي.

بالإجازات. و في فهرست: ما رواه غلط كثير، قال ابن الوليد كان ضعيفا مختلطا فيما يسنده(1)، فتدبّر. و قوله: في جابر بن يزيد أنه كان في نفسه مختلطا(2)، و يؤيد ما قلناه، لأن الكلمة إذا كانت تدلّ بنفسها على ذلك لما زاد قبلها كلمة بنفسه لهذا، مع أن تشيّع الرجل في الظهور كالنور على الطّور. و في ترجمة: محمد بن وهبان الدّبيلي:

ثقة من أصحابنا واضح الرّواية قليل التّخليط(3)، فلاحظ و تدبّر، فإنه ينادي بما قلناه و صريح فيما فهمناه، و في محمد بن أرومة(4) في النجاشي: كتبه صحاح إلاّ كتابا ينسب إليه من ترجمة(5) تفسير الباطن، فإنّه مختلط(6) و نحوه في الفهرست(7).

فإن قلت: الأصل ما قلناه، الى أن يظهر الخلاف فلا خلاف.

قلت: اقلب تصب، لأن الكلمتين المذكورتين مأخوذتان من

ص: 304


1- رجال النجاشي: 288، بتصرّف.
2- رجال النّجاشي: 100.
3- رجال النّجاشي: 309، بنصّه.
4- في الأصل: أورمة، و كذا في رجال النّجاشي، و قال الشّيخ في الفهرست:
5- محمد بن أورمة، و ضبطه العلاّمة في الخلاصة هكذا، أي بضم الهمزة و إسكان الواو و فتح الراء المهملة و الميم و الهاء، ثم قال: و قد تقدّم الراء على الواو، فراجع. في النّجاشي: ترجمته، و هو الظاهر.
6- رجال النّجاشي: 253، بلفظه.
7- فهرست الشّيخ: 170 ترجمة رقم (621).

الخلط و هو الخبط - أي المزج - و الأصل بقاؤهما على معناهما الأصلي الى أن تتحقّق حقيقة ثانية، فتدبر(1). و ما ذكره لا بأس به.

و منها:

قولهم: مرتفع القول

قولهم: مرتفع القول، جعله في البداية من ألفاظ الجرح، و فسّره بأنه لا يقبل قوله و لا يعتمد عليه(2)، و لم أفهم الوجه في هذا التفسير و لا في جعله من أسباب الجرح، فإن عدم قبول قوله قد يكون لجهات اخر غير الفسق، و العام لا يدل على الخاص، فلا يكون من ألفاظ الجرح، بل الذم خاصة، إلا أن يريد بالجرح مطلق الذم، كما لعله غير بعيد بملاحظة بعض آخر من الألفاظ التي جعلها من أسباب الجرح، و إن كان إطلاق الجرح على مطلق الذم خلاف الاصطلاح، و خلاف جعله في صدر العنوان للجرح مقابل التعديل، و الذي أظن أن المراد بقولهم مرتفع القول أنه من أهل الارتفاع و الغلو(3) فيكون

ص: 305


1- الى هنا كلام صاحب منتهى المقال: 6-15، و قال في توضيح المقال: 44 - بعد نقله عبارة المنتهى -: ثم استشهد على مختاره بما لا يشهد له، إذ غايته إطلاق ذلك على غير فاسد العقيدة، و لا مجال لإنكاره، و أين هذا من ظهور الإطلاق؟ كما أن كون المبدأ الخلط الّذي هو المزج لا يقتضي ما ذكره، فإن استعمال التّخليط في فساد العقيدة أمر عرفي لا ينكر، و لا ينافيه كون أصل وضع اللغة على خلافه، مع أنه لا مخالفة أن فساد العقيدة ربما يكون بتخليط صحيحها بسقيمها، بل الغالب في المرتدين عن الدين أو المذهب كذلك، لبعد الرّجوع عن جميع العقائد.
2- البداية: 79 [البقال: 75/2].
3- و كذا في مذهبه ارتفاع كمرتفع القول، أو من أهل الارتفاع، و كان من الطيارة، يريدون بذلك كله التّجاوز بالأئمّة عليهم السّلام الى ما لا يسوغ، و كونه غاليا، لاحظ بحث الغلو.

ذلك جرحا حينئذ لذلك، فتأمل.

و منها:

قولهم: متهم بالكذب أو الغلو..

قولهم: متّهم بالكذب، أو الغلو أو.. نحوهما من الأوصاف القادحة، و لا ريب في إفادته الذم، بل جعله في البداية من ألفاظ الجرح(1).

و فيه: ما عرفت، إلا على التّوجيه الذي عرفت، مع ما فيه كما عرفت(2).

***

ص: 306


1- البداية: 79 [البقال: 75/2].
2- لاحظ مستدرك رقم (196) مراتب الذم و الجرح عند العامة. و مستدرك رقم (197) طبقات المجروحين. و مستدرك رقم (198) فوائد الباب.

المقام الرابع في سائر أسباب الذم و ما تخيل كونه من ذلك:

منها: كثرة روايته عن الضعفاء و المجاهيل

فمنها:

كثرة روايته عن الضعفاء و المجاهيل(1)، جعله القميون و ابن الغضائري من أسباب الذم، لكشف ذلك عن مسامحة في أمر الرواية.

و أنت خبير بأنه كما يمكن أن يكون لذلك يمكن أن يكون لكونه سريع التصديق، أو لأن الرواية غير العمل(2)، فتأمل.

و منها:

ص: 307


1- و كذا قولهم لا يبالي عمن أخذ، أو يعتمد المراسيل و أشباه ذلك.
2- لعدم وجود منافاة بين الوثاقة و الرواية عن الضعفاء. و قد رمى القميون كثيرا و طردوا البعض لذلك مثل أحمد بن محمد البرقي، و الحسن بن محمد بن جمهور القمي، و حاتم ابن أبي حاتم القزويني، و محمد بن عبد اللّه، و علي بن أبي سهل و غيرهم مع أن أكثرهم ثقات بلا شبهة و ريب.
منها: كثرة رواية المذمومين عنه

كثرة رواية المذمومين عنه، أو ادعاؤهم كونه منهم.

و هذا كسابقه في عدم الدلالة على الذم، بل أضعف من سابقه، لأن الرواية عن الضعيف تحت طوعه دون رواية المذموم عنه، فتأمل.

منها: روايته عنهم (ع) على وجه يظهر منه كونهم رواة لا حججا

و منها:

أن يروي عن الأئمة (عليهم السّلام) على وجه يظهر منه أخذهم (عليهم السّلام) رواة لا حججا، كأن يقول: عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عن علي (عليه السّلام) أو عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم). قال المولى الوحيد (رحمه اللّه):.. فإنه مظنة عدم كونه من الشيعة، إلا أن يظهر من القرائن كونه منهم، مثل أن يكون ما رواه موافقا لمذهبهم و مخالفا لمذهب غيرهم، أو أنه يكثر من الرواية عنهم غاية الإكثار، أو أن غالب رواياته يفتون بها و يرجحونها على ما رواه الشيعة أو.. غير ذلك، فيحمل كيفية روايته على التقية، أو تصحيح مضمونها عند المخالفين و(1) ترويجه فيهم سيما المستضعفين و(2) غير الناصبين منهم، أو تأليفا لقلوبهم، أو استعطافا لهم الى التشيع، أو.. غير ذلك(1).

ص: 308


1- التعليقة: 12 [ذيل رجال الخاقاني: 1-60] ثم أمر بالتأمل. هذا و إن هذه الطريقة شائعة بين الطائفة تبركا بأسمائهم سلام اللّه عليهم فلا يحكم بمجرد ذلك بقدحه، و إن كان في النفس شيء على من يطالبهم سلام اللّه عليهم بإسناد أقوالهم و إثبات دعاويهم. و في الكافي الشريف: 53/1 حديث 14 و في الوسائل: 58/18 أحاديث أن كل ما يحدثونه فهو عن الباري عزّ اسمه، و قد سبق ان نقلناه في المستدرك.

قلت: مجرد كيفية الرواية لا دلالة فيه على كونه من غير الشيعة بوجه، فكان الأولى جعل الأصل عدم الدلالة، و ذكر ضد الشواهد المذكورة شواهد على الدلالة، بحيث تفيد بانضمامها عدم كونه شيعيا، و لعله لذا أمر في ذيل كلامه بالتأمل.

منها: كونه كاتب الخليفة و من عماله

و منها:

كونه كاتب الخليفة أو الوالي أو من عماله، فإن ظاهره الذم كما اعترف به العلامة في ترجمة: حذيفة(1)، حيث أنه قيل في حقه إنه كان واليا من قبل بني أمية، فقال العلامة (رحمه اللّه): إنه يبعد انفكاكه عن القبيح(2). و يؤيد ذلك ما رواه في أحمد بن عبد اللّه الكرخي(3) من أنه: كان كاتب إسحاق بن إبراهيم فتاب، و أقبل على تصنيف الكتب(4) فإن التوبة لا تكون إلا عن ذنب. نعم يرفع

ص: 309


1- المراد به: حذيفة بن منصور بن كثير بن سلمة الخزاعي أبو محمد.
2- الخلاصة: 1-60.
3- المراد به أبو جعفر أحمد بن عبد اللّه بن مهران المعروف بابن خانبة، ذكره الشيخ في رجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السّلام: 453 برقم 93، و في الفهرست: 50 برقم 79 و كان من غلمان يونس بن عبد الرحمن، و له مكاتبة مع الإمام الرضا عليه السّلام ذكرها النجاشي في رجاله: 266 في ترجمة ولده محمد.
4- كما ذكره في التعليقة: 12، و في منهج المقال: 38 في ترجمة أحمد بن عبد اللّه بن مهران، و تنقيح المقال: 65/1، و النص في رجال الكشي: 561 برقم: 1071.

اليد عن الظاهر المذكور بورود المدح و التعديل فيه كما في علي بن يقطين(1) و.. نحوه. و قال المولى الوحيد: إنا لم نر من المشهور التأمل من هذه الجهة كما في يعقوب بن يزيد، و حذيفة بن منصور و..

غيرهما. و لعله لعدم مقاومتهما(2) التوثيق المنصوص أو المدح المنافي باحتمال كونها باذنهم (عليهم السّلام) أو تقية و حفظا لأنفسهم أو غيرهم، أو اعتقادهم الإباحة أو.. غير ذلك من الوجوه الصحيحة.. الى أن قال: و بالجملة، تحققها منهم على الوجه الفاسد بحيث لا تأمل في فساده و لا يقبل الاجتهاد في تصحيحه بأن تكون في اعتقادهم صحيحة و إن أخطئوا في اجتهادهم غير معلوم، مع أن الأصل في أفعال المسلمين الصحة. و ورد: كذّب سمعك و بصرك ما تجد إليه سبيلا، و أمثاله كثيرة، و أيضا أنهم عليهم السّلام أبقوهم على حالهم و أقرّوا لهم ظاهرا مع أنهم كانوا متدينين بأمرهم (عليهم السّلام) مطيعين لهم و يصلون الى خدمتهم، و يسألونهم عن أحوال أفعالهم و.. غيرها. و ربما كانوا (عليهم السّلام) ينهون بعضهم فينتهي.. الى غير ذلك من أمثال ما ذكر، بل ربما ظهر مما ذكر أن القدح بأمثالها مشكل و إن لم يصادمها التوثيق و المدح، فتأمل(3).

ص: 310


1- تجد له ترجمة ضافية مع كل ما روى فيه و عنه في رجال المامقاني: 7/2 - 315، فراجع.
2- لفظ التثنية في كلامه أعلى اللّه مقامه راجع الى لفظي: كاتب الخليفة و كاتب الوالي، و لعله خبر (لكونها).
3- فوائد الوحيد البهبهاني: 12 بلفظه. [ذيل رجال الخاقاني: 2-61].

قلت: لعل وجه التأمل أن ظاهر الفعل القدح ما لم تقم القرائن الصارفة، فما لم يصادمه التوثيق و المدح ينبغي عدّه قادحا، كما بنى على ذلك بعض من تأخر عنه.

منها: كون الرجل من بني امية

[(1)و منها:

كون الرجل من بني أمية، فإنه من أسباب الذم، و لذا توقف بعضهم في رواية سعد الخير مع دلالة الأخبار على جلالته و علو شأنه، و جعل منشأ التوقف و الإشكال أنه قد تواتر عنهم (عليهم السّلام) لعن بني أمية قاطبة كما في زيارة عاشوراء المقطوع أنها منهم (عليهم السّلام). و ما استفاض عنهم (عليهم السّلام) من أن بني أمية يؤاخذون بأفعال آبائهم لأنهم يرضون بها، و ما رواه في الصافي(2)عن الاحتجاج عن الحسن بن علي (عليهما السّلام) في حديث قال لمروان بن الحكم: أما أنت يا مروان، فلست أنا سببتك و لا سببت أباك(3)، و لكن اللّه(4) لعنك و لعن أباك و أهل بيتك و ذريتك و ما خرج من صلب أبيك الى يوم القيامة على لسان نبيه محمد (صلى اللّه عليه و آله و سلّم). و اللّه يا مروان! ما تنكر أنت و لا أحد ممن حضر

ص: 311


1- من هنا الى قوله: و منها فساد العقيدة من زيادات الطبعة الثانية.
2- تفسير الصافي: 2/3-201. بنصه.
3- في الأصل: سبيتك و لا سبيت أباك.. الى آخره، و هو غلط، و الصحيح ما أثبتناه.
4- خ. ل: عز و جل، كذا في الاحتجاج.

هذه اللعنة من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) لك و لأبيك من قبلك، و ما زادك اللّه(1) بما خوفك إلا طغيانا كبيرا.(2) الحديث.

و ألطف منه تعميم كلام اللّه المجيد و الشجرة الملعونة في القرآن(3)، فإنه روى الخاصة و العامة مستفيضا أنها في بني أمية(4)، فهذا التعميم مع أنه متواتر النقل محفوف بالقرائن على إرادة التعميم، فإن رمت تخصيصه بما ورد في حق سعد و.. نحوه كان ذلك هادما لأساس جواز تعميم اللعن. و قد ورد التعبد به، بل وجوبه، فلو كان يجوز ذلك لحرم تعميمه و إطلاقه، فكان يجب تقييده، مع أن الذي ورد فيه زيادة على ذلك تأكيده كما في زيارة عاشوراء ب «قاطبة»، ثم قال البعض:

فإن قلت: قد ورد الذم و المدح لطوائف و أهل قبائل و بلدان على ذلك النحو، كما ورد أن أهل أصفهان لا يكون فيهم خمس

ص: 312


1- يا مروان، كذا في الأصل.
2- الاحتجاج: 416/1. و بذا خاطبت عائشة مروان بقولها: لعن اللّه أباك و أنت في صلبه، فأنت بعض من لعنه اللّه، ثم قالت: و الشجرة الملعونة في القرآن. تفسير القرطبي: 286/10.
3- و هي قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنَا اَلرُّؤْيَا اَلَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَ اَلشَّجَرَةَ اَلْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ... الآية، الإسراء: 60.
4- كما ذكره السيوطي في الدر المنثور: 191/4 و السيرة الحلبية: 337/1 و الآلوسي في تفسيره: 107/15 و الشوكاني في تفسيره: 231/3. و ذكر العلامة الأميني رحمه اللّه في غديره أكثر من خمسة عشر مصدرا غير ما ذكرناه، لاحظ الغدير: 249/8 و ما بعدها، أما عن طريق الخاصة فأجدني في غنى عن عدّ المصادر لتسالمهم عليها.

خصال: الغيرة، و السماحة، و الشجاعة، و الكرم، و حبنا أهل البيت (عليهم السّلام)(1). و مثله: في مدح أهل مصر، و الظاهر من أمثال هذه الإطلاقات هو الأغلب من أولئك، لأنا نجد في بعض الأفراد على خلاف ما ورد، و لا سيما أهل مصر، فإنه لا يبعد أن يقال انقلب المدح الى الذم.

قلت: لا يبعد ذلك في أمثال هذه الخطابات، و لكن في خصوص الشجرة الملعونة حيث تأكدت العمومات و تعبدنا اللّه بلعنهم وجوبا، و لا يتمّ هذا التعبد إلا بالتعميم الحقيقي، و متى قام احتمال التخصيص و لو بفرد امتنع التعبد قطعا، ففرق بين الأمرين، فلذلك لا يجوز اللعن و الذم فيما ورد من غير الشجرة. و يؤيده احتجاج أبي ذر بإطلاق قول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) إذا بلغ بنو العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال اللّه دولا، و عباده خولا، و دينه دخلا(2)، على ذم عثمان بن عفان، فلو كان التخصيص محتملا لما

ص: 313


1- قد وردت الرواية في بحار الأنوار: 301/41 حديث: 32 هكذا: إن أهل أصفهان لا يكون فيهم خمس خصال: السخاوة، و الشجاعة، و الأمانة، و الغيرة، و حبنا أهل البيت. و للعلامة المجلسي هنا بيان جدير بالملاحظة.
2- و الرواية هكذا: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللّه دولا، و عباد اللّه خولا، و دين اللّه دغلا، كما أخرجه الحاكم في مستدركه: 479/4 و المتقي الهندي في كنز العمال: 39/6 و غيرهما، و في صفحة: 91 من المجلد السادس من كنز العمال عن علي أمير المؤمنين عليه السّلام: لكل أمة آفة و آفة هذه الأمة بنو أمية. و في الإصابة: 353/1 في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: ويل لبني أمية - ثلاث - و عن طريق العامة: كان أبغض الأحياء أو الناس الى رسول اللّه بنو أمية، كما ذكره في هامش الصواعق: 143.

صح الاستدلال. و يؤكده استدلال الحسن (عليه السّلام) على ذم مروان بن الحكم بعموم رواية الاحتجاج، على أن الظاهر من سياق الحديث التعميم كما لا يخفى.

و أما تأويل تلك الآية و الأخبار بأن المراد ببني أمية جميع و الجهنميين من أهل الإسلام سواء كانوا من نسل أو غيرهم، فمردود، بأن ذلك ان تمّ يكون شاهدا للتعميم لغيرهم من حذوهم، و لا يوجب التخصيص بغير الثقة العدل منهم.

و الاستشهاد للتخصيص بكثرة الأخبار بمدح علي بن يقطين مع كونه أمويا مردود، بعدم نطق أحد بهذا النسب لابن يقطين، و لو ثبت أمكن كون نسبته الى بني أمية لتبني واحد منهم إياه، لا لكونه من نسلهم حقيقة، و كذا الحال في كون سعد الخير من ولد عمر بن عبد العزيز، و قد كان التبني دأبا في الجاهلية و الإسلام كما ذكرنا شرحه في ترجمة: زيد بن حارثة الكلبي(1). و لقد تبنى النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) زيدا كما في قوله تعالى وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ (2)مع أنه عمه أو زوج أمه، سمي بالأب لتبنيه إياه. فظهر من ذلك كله أن كون الرجل من بني أمية من أسباب الذم، إلا أنه ما دام احتمال التبني الذي كان شائعا قائما لا يجرح العدل به.

ص: 314


1- تنقيح المقال: 462/1.
2- الأنعام: 74، و لا يخفى ما في العبارة من تشويش.

هذا ثم لا يخفى عليك أن ما ذكرناه على فرض تماميته لا يتم في كل من لقّب بالأموي ما لم يعلم انتسابه الى بني أمية المعروفين، ضرورة أن الأموي - بفتح الهمزة و الميم - نسبة الى أمية بن نخالة(1) بن مازن، - و بضم الهمزة و فتح الميم - نسبة الى أمية بن عبد بن شمس ابن مناف، كما قاله السمعاني(2)، و المذموم إنما هو المنتسب الى أن الموسوم بالأمية الأكبر دون الأول المدعو بأمية الأصغر.

و قد عثرت بعد حين على ما يهدم أساس ما ذكرناه، و هو ما رواه الشيخ المفيد (رحمه اللّه) في كتاب الاختصاص بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال: دخل سعد - و كان أبو جعفر (عليه السّلام) يسميه سعد الخير و هو من ولد عبد العزيز بن مروان - على أبي جعفر (عليه السّلام) فبينا ينشج كما تنشج النساء، فقال له أبو جعفر (عليه السّلام): ما يبكيك يا سعد؟ قال: و كيف لا أبكي و أنا من الشجرة الملعونة في القرآن؟ فقال (عليه السّلام): لست منهم أموي، أنت(3) منّا أهل البيت (عليهم السّلام) أ ما سمعت قوله تعالى: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي )(4). فإنه يدلّ على أن المدار على الإيمان و التقوى، و هو الذي يساعد عليه أصول المذهب و قواعد العدل و الأخبار و الآيات الكثيرة، حيث ترى نفي الولاية عن ابن نوح

ص: 315


1- في المصدر: بحاله، و هو الصحيح.
2- الأنساب: 348/1.
3- في المصدر: أنت أموي.
4- الاختصاص: 81-82 بتصرف.

و إثبات الجزئية لمن تبع](1).

منها: فساد العقيدة

و منها:

من الفرق الفاسدة: العامة
اشارة

فساد العقيدة، سواء كان في نفس الأصول أو في فروعها، و حيث جرى الكلام الى هنا لزمنا الإشارة إجمالا الى أسباب فساد العقيدة ليعلم المراد بها حيثما استعملت في كتب الرجال فنقول:

من فرق الإسلام(2) - بالمعنى الأعم - العامة، و هم معروفون.

ص: 316


1- لاحظ مستدرك رقم (199) عدّ ما سقط عن قلم الشيخ الجد قدس سره في سائر أسباب الذم أو تخيل كونه منه. أقول: في مثل هذه المطلقات التي هي قضية خارجية صادرة من المعصوم عليه السّلام من دون قرينة تدلّ على إيكال إحراز الموضوع - كما و كيفا - بنظر المكلف، فبطبيعة الحال تدل على أن المتكلم لاحظ الموضوع بتمام افراده و قد أحرز فيه أن لا مؤمن فيهم، و عليه فلا مانع من التمسك بالعام لاثبات جواز لعن الفرد المشكوك في إيمانه. أو فقل - كما قاله سيدنا الاستاذ في المحاضرات: 202/5 في باب جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية - إنّا إذا علمنا من الخارج أن فيهم مؤمنا فهو خارج عن العموم، و لا يجوز لعنه جزما، و أما إذا شك في فرد أنه مؤمن أو ليس بمؤمن فلا مانع من التمسك بعمومه لاثبات جواز لعنه، و يستكشف منه بدليل الآن أنه ليس بمؤمن، فتدبر.
2- عقد في بحار الأنوار المجلد السابع و الثلاثون من الطبعة الجديدة بابا مستقلا في ذكر مذاهب الذين خالفوا الفرقة المحقة في القول بالأئمة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم، و ذكر أكثر ما ذهب له المصنف رحمه اللّه من المذاهب و تاريخ اختلافها و منشأ ذلك و رجالاتها و غير ذلك. ثم حكى عن الشيخ المفيد - 23/37 من - أنه: و ليس من هؤلاء الفرق التي ذكرناها فرقة موجودة في زماننا هذا و هو من سنة ثلاث و سبعين و ثلاثمائة إلا الإمامية الاثنا عشرية القائلة... و هم أكثر فرق الشيعة عددا و علما.. الى آخره. و طبعا لا يريد الزيدية و فرقها و لا الطوائف التي أحدثتها السياسات المتأخرة. و كذا تجد تفصيل هذه المذاهب في الفصول المختارة: 81/2-104. عدا كتب الملل و النحل و الفرق و الأديان، و لم نبسط الكلام فيها لخروجها موضوعا عما نحن فيه. و قد ذكرنا لكل فرقة جملة من المصادر. و في اعتقادات الصدوق: 109-111 ذكر عقيدتنا في كل واحد من هذه المذاهب و الفرق. أقول: هناك خطأ شاع في تاريخ المذاهب و الأديان و تداوله الأصحاب و سطروه في مدوناتهم لا يرد على مصنفنا خاصة و هو أنهم قالوا بأن الشيعي هو من اعتقد بإمامة علي عليه السّلام بلا فصل بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مع ذلك تجدهم ذكروا فرقا من الشيعة، الشيعة منهم براء و لا ينطبق عليهم الحد الذي ذكروه كأكثر فرق الزيدية و جمهرة مما ذكره المصنف هنا المعتقدين بإمامة الشيخين أو غيرهم، فاغتنم. و لعل نظر صاحب جامع المقال: 192 - إذ قال: و أما باقي الفرق كالتبرية (كذا)... و المفوضة... و المرجئة... و الغلاة... و كالمجسمة من الغلاة... فهولاء ليسوا من فرق الشيعة في شيء - إلى ما ذكرناه، و إن كان يرد عليه ما مرّ في الجملة فراجع.
و منها: الكيسانية:
اشارة

و هم على ما نقل عن الشيخ المفيد (رحمه اللّه) أول من شذ عن الحق(1)، و هم [(2)أصحاب كيسان غلام أمير المؤمنين (عليه

ص: 317


1- الفصول المختارة: 81/2، و حكاه السيد المرتضى عن الفصول للشيخ المفيد قدس اللّه سرهما كما ذكره المجلسي في البحار: 1/37 و ما بعدها بتفصيل، فراجعه.
2- ما بين المعكوفين ليس في الطبعة الأولى.

السّلام)، أو]. أصحاب المختار بن أبي عبيدة الثقفي المشهور، سموا بذلك لأن اسم المختار كان كيسان(1). و قد قيل: إن أباه حمله و وضعه بين يدي أمير المؤمنين (عليه السّلام) فجعل يمسح بيده على رأسه و يقول: يا كيس يا كيس(2). و اعتقاد هذه الفرقة أن الإمام بعد الحسين (عليه السّلام) هو ابن الحنفية(3)، و أنه هو المهدي

ص: 318


1- و في الصحاح: 973/3 قال: إن لقبه كان كيسان.. الى آخره، و حكاه في معين النبيه: 26 - خطي - عن الكيسانية أنهم: صنف من الروافض، و هم أصحاب المختار بن عبيدة، يقال أن لقبه كان كيسان. و من هنا قيل لهم المختارية، انظر رجال الكشي: 8-127 حديث 204.
2- كما قاله الوحيد في التعليقة: 13، و قد حكى في توضيح المقال: 45: أنه سمي كيسان بكيسان مولى علي بن أبي طالب عليه السّلام، و هو الذي حمله على الطلب بدم الحسين عليه السّلام و دله على قتله، و كان صاحب سره و الغالب على أمره.
3- قال المصنف رحمه اللّه في تنقيح المقال: 112/3 في ترجمة ابن الحنفية:.. إن في وقت وفاته و محل دفنه خلافا فعن أحمد بن حنبل أنه مات سنة ثمانين، و عن يحيى بن بكر أنه مات سنة إحدى و ثمانين، و له خمس و ستون سنة، و قيل مات برضوى جبل بالمدينة.. الى آخره. أقول: لا شك في تبري محمد بن الحنفية من الحنفية و الكيسانية و المختارية و ما نسبوه له، لما روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام من قوله: إن المحامدة تابى أن يعصى اللّه عز و جل. قلت: و من المحامدة؟ قال عليه السّلام: محمد بن جعفر... و محمد بن أمير المؤمنين - كما جاء في تحفة العالم: 237/1 و غيرها - و نص عليه الرجاليون في ترجمته. و يؤيده ما روى صحيحا في الكافي الشريف: 3/1-282 في باب ما يفصل به بين دعوى المحق و المبطل في أمر الإمامة الحديث: 5 عن أبي عبيدة و زرارة جميعا عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: لما قتل الحسين عليه السّلام أرسل محمد بن الحنفية الى علي بن الحسين عليهما السّلام فخلا به فقال له:.. الى آخر الحديث، و في ذيله:.. فانصرف محمد بن علي و هو يتولى علي بن الحسين عليهما السّلام.

الذي يملأ اللّه الأرض به قسطا و عدلا، و أنه حي لا يموت، و قد غاب في جبل رضوى [باليمن](1)، و ربما يجتمعون ليالي الجمعة و يشتغلون بالعبادة، و أقصى تعلقهم في قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) له يوم البصرة: (أنت ابني حقا) و أنه كان صاحب رايته كما كان هو صاحب راية رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، فكان أولى بمقامه، و في أنه المهدي قول النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم): (لن تنقضي الأيام و الليالي حتى يبعث اللّه تعالى رجلا من أهل بيتي، اسمه اسمي، و كنيته كنيتي، و اسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا)(2)، قالوا: و كان من أسماء أمير المؤمنين (عليه السّلام) عبد اللّه لقوله: أنا عبد اللّه و أخو رسوله (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم). و في حياته، [كذا]، و أنه لم

ص: 319


1- ما بين المعكوفين لا يوجد في الطبعة الأولى و الموجود: رضوى بين المدينة و مكة، و هذا ما ذكره في فرق الشيعة: 50 و المصنف رحمه اللّه في التنقيح و تحفة العالم في شرح خطبة المعالم: 236/1 و غيرهم.
2- وردت الرواية بمضامين متعددة و اسانيد مستفيضة بل متواترة في كتب الفريقين انظر - من باب المثال -: تذكرة الخواص: 377، ينابيع المودة: 488 و 493، و منتخب الأثر: 4-182 و في أكثر من مورد، و إكمال الدين: 214 و 219 و غيرهما، و دلائل الإمامة و كفاية الأثر و بحار الأنوار و الغيبة للشيخ و للنعماني و التوحيد للشيخ الصدوق: 64 و حكاه عنه و عن الإكمال في الوسائل: 11 / 418 و غيرها.

يمت أنه إذا ثبتت إمامته، و أنه القائم تعين بقاؤه لئلا تخلو الأرض من حجة.

و حكي عن فرقة أخرى منهم أن ابن الحنفية هو الإمام بعد أمير المؤمنين (عليه السّلام) دون الحسنين، و إن الحسن إنما دعي في الباطن إليه بأمره، و الحسين إنما ظهر بالسيف، و أنهما كانا داعيين إليه و امرين من قبله.

و عن فرقة ثالثة منهم أنه مات و انتقلت الإمامة الى ولده(1)، و عدّ بعضهم منهم الواقفية.

و عن فرقة رابعة: أن محمدا مات و أنه يقوم بعد الموت، و أنه المهدي(2).

ص: 320


1- في الطبعة الأولى هنا قوله: ثم منهم الى بني العباس، و عن فرقة رابعة... الى آخره.
2- انظر عن فرقة الكيسانية: الملل و النحل: 147/1، بيان الأديان: 26 و 521، فرق الشيعة: 28، نفايس الفنون: 275/2، التبصرة: 178، دائرة المعارف لفريد و جدي: 244/8، الفرق بين الفرق: 40 و 311، حور العين: 157، و لقد عدّ في مقالات الإسلاميين: 90/1 و ما بعدها عدة فرق منهم، الغدير: 244/2، ريحانة الأدب: 398/3 قال في الملل و النحل: الكيسانية: أصحاب كيسان مولى أمير المؤمنين علي عليه السّلام، و قيل: تلميذ للسيد محمد بن الحنفية.. يعتقد فيه اعتقادا بالغا... و قال في فرق الشيعة: و فرقة قالت إن محمد بن الحنفية حي لم يمت و مقيم بجبل رضوى بين مكة و المدينة تغذوه الآرام، تغدو عليه و تروح، فيشرب من ألبانها و يأكل من لحومها، و عن يمينه أسد و عن يساره أسد يحفظانه الى أوان خروجه و مجيئه و قيامه... الى آخره. قال في المذاهب الإسلامية: 67: الكيسانية: هم أتباع المختار بن عبيد الثقفي، و قد كان خارجيا ثم صار من الشيعة الذين يناصرون عليا، و سميت الكيسانية نسبة الى كيسان، و قيل أنه اسم المختار، و قيل أنه مولى لعلي بن أبي طالب، أو تلميذ لابنه محمد الحنفية. أقول: قد انقرضت الكيسانية و لا يعرف منها في هذا الزمان أحد، و منهم السيد الحميري في أول أمره و غيره، و قد تصدى علماؤنا الأقدمون رضوان اللّه عليهم أجمعين لرد طرهاتهم بما لا مزيد عليه، انظر غيبة الشيخ الطوسي: 15 و البحار 1/37-9. و قد عدّ منهم ابن داود في رجاله: 537: سبعة، فلاحظ.

و منها:

الإسماعيلية:

و هم القائلون بالإمامة الى مولانا الصادق (عليه السّلام) ثم من بعده الى ابنه إسماعيل(1)، و هم على ما عن

ص: 321


1- انظر: أعلام الاسماعيلية - في مواضع متعددة -، فرق الاسماعيلية - هاجس -: 14 و ما بعدها، مقدمة دعائم الإسلام و تأويل الدعائم: 2/1، اختيار معرفة الرجال: 244، التبصرة: 181، وفيات الأعيان: 109/3-235، معجم المؤلفين: 297/1، الأعلام: 149/1، دائرة المعارف الإسلامية: 187/2، فرهنگ معين: 148/5، ريحانة الأدب: 2/1-71، فرق الشيعة: 88. قال في المذاهب الإسلامية: 89: و الإسماعيلية: طائفة من الإمامية - كما أشرنا - و هي منبثة في أقاليم متفرقة من البلاد الإسلامية، و بعضها في جنوب إفريقية و وسطها، و بعضهم في بلاد الشام، و كثير منها في الهند، و بعضها في پاكستان، و قد كانت لها في الإسلام دولة، فالفاطميون في مصر و الشام كانوا منهم، و القرامطة - الذين سيطروا وقتا على عدة أقاليم اسلامية - كانوا منهم.. قال في معين النبيه: 26 - خطي -: و ربما لقبوا بالسبعية و الباطنية و الملاحدة.. إلا أن العلامة المجلسي في بحاره: 10/37 عدّ لهم ثلاث فرق تبعا للشيخ المفيد في فصوله، و ردهم و أبطل أحجيتهم.

التعليقة(1) فرق.(2)و منها:

من الفرق الفاسدة: الهاشمية

الهاشمية(3):

و هم المنتسبون الى أبي هاشم، و هم أيضا فرق:

من الفرق الفاسدة: الحيانية

فمنهم:

الحيانية(4):

أصحاب حيّان السّراج، يزعمون أن الإمام بعد عليّ (عليه السّلام) ابنه محمد بن الحنفيّة، و لا يرون للحسنين إمامة.

و منهم:

من الفرق الفاسدة: الرزامية

الرزّامية(5):

ص: 322


1- تعليقة الوحيد البهبهاني - ذيل منهج المقال - الحاشية: 1-410، فراجع.
2- ما بين المعكوفين الى و منها الفطحية، من زيادات المصنف رحمه اللّه على الطبعة الثانية.
3- انظر حول الهاشمية: الملل و النحل: 150/1، فرق الشيعة: 36 و 57، حور العين: 159، نفايس الفنون: 276/2 و قد عدّهم فيه من فرقة الكيسانية، التبصرة: 163، الريحانة: 307/4.
4- انظر ترجمة فرق الشّيعة: 89 و غيره، و هم من فرق الكيسانيّة أو المختاريّة، فراجع هناك.
5- انظر حول الرزاميّة: الملل و النّحل: 153/1، بيان الأديان: 28، ذيل فرق الشّيعة: 51، قاموس إسلامي - فارسي -: 515/2، الفرق بين الفرق: 170 و 186 و 259 و 399، مقالات إسلاميّين: 94/1، نفايس الفنون: 276/2، فرهنگ معين: 588/5.

أتباع رزام، ساقوا الإمامة بعد أبي هاشم بن محمد بن الحنفية الى عبد اللّه بن العباس بالنص].

من الفرق الفاسدة: الفطحية

و منها:

الفطحيّة(1):

و هم القائلون بإمامة الأئمة الاثنى عشر (عليهم السّلام) مع عبد اللّه الأفطح بن الصّادق (عليه السّلام) يدخلونه بين أبيه و أخيه. و عن الشّهيد (رحمه اللّه) أنهم يدخلونه بين الكاظم و الرّضا (عليهما السّلام)(2)، و عن الاختيار(3) أنهم سمّوا بذلك لأنه قيل أنه كان أفطح الرّأس - أي عريضه(4) -.

و قال بعضهم: نسبوا الى رئيس لهم يقال له عبد اللّه بن فطيح من أهل الكوفة، و الذين قالوا بإمامة عامة مشايخ العصابة و فقهائها،

ص: 323


1- و قد يقال لها: أفطحيّة، و لعلّهما اثنان.
2- كما في منهج المقال: 418.
3- اختيار معرفة الرّجال: 254 حديث: 472 و أيضا في صفحة 385 حديث: 720 بتصرّف.
4- و في الطبعة الأولى من الكتاب هنا: و قال بعضهم: أنه كان أفطح الرّجلين.. الى آخره، و قد أسقطت في الطّبعة الثّانية و هو سهو، لأنّها موجودة في الاختيار و غيره، إلاّ أن القول بأنه أفطح الرّجلين جاء في جامع المقال: 191، و معين النّبيه - خطي -: 26 و حكاه في البحار: 11/37،.. و غيرهم.

قالوا بهذه المقالة فدخلت عليهم الشّبهة لما روى عنهم (عليهم السّلام) أنهم قالوا الإمامة في الأكبر من ولد الإمام (عليه السّلام) إذا مضى إمام، ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لمّا امتحنه بمسائل من الحلال و الحرام لم يكن عنده جواب، و لما ظهر منه الأشياء التي لا ينبغي أن تظهر من الإمام.

ثم ان عبد اللّه مات بعد أبيه بسبعين يوما فرجع الباقون إلا شذاذا منهم عن القول بإمامته الى القول بإمامة أبي الحسن موسى (عليه السّلام)، و رجعوا الى الذي روى أن الإمامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن و الحسين (عليهما السّلام)(1)، و بقي شذاذ منهم على القول بإمامته، و بعد أن مات قالوا بإمامة أبي الحسن موسى (عليه السّلام)(2).

و لازمه صحة قول من قال أنّهم يدخلونه بين الصّادق و الكاظم (عليهما السلام)(3).

ص: 324


1- انظر روايات الباب في أصول الكافي: 235/1(286/1 حديث 4) باب إثبات الإمامة في الأعقاب، و غيره.
2- إلى هنا ما ذكره الكشّي في رجاله: 254 حديث 472 بألفاظ متقاربة، و نقله عنه في منهج المقال - الرّجال الكبير للأسترآبادي -: 418، و غيره ممن مرّ.
3- كما ذهب إليه في المنتهى خلافا لما ذكره الشّهيد الثّاني رحمه اللّه. و قد فصّل القول في ردّهم العلاّمة المجلسي في بحاره: 14/37 و ما بعدها. و روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال لموسى (عليه السّلام): يا بنيّ! إن أخاك سيجلس مجلسا و يدّعي الإمامة بعدي فلا تنازعه بكلمة، فإنه أول أهلي لحوقا بي، كذا في منهج المقال: 418، و جامع المقال: 191 و غيرهما. و قد عقد ابن داود في رجاله بابا لرجالاتهم: 532، و عدّ منهم ستّة عشر راويا.

[تذييل: لا يخفى عليك أن القول بالفطحية أقرب مذاهب الشّيعة الى الحق، كما نبّهنا على ذلك في ذيل الفائدة السّابعة من مقدّمة تنقيح المقال(1)، فراجع و تدبّر](2).

من الفرق الفاسدة: السمطية

و منها:

السمطية:

و هم القائلون بإمامة محمد بن جعفر الملقب ب: ديباجة دون أخيه(3) موسى (عليه السّلام) و(4) عبد اللّه الأفطح(5)، نسبوا الى

ص: 325


1- تنقيح المقال: المجلد الأول - الفائدة السّابعة: 4-193، و من هنا قال في التّكملة: 193/1 في الفائدة السّابعة، حيث ذهب الى أن صرف وجود رجال من الفطحيّة لا يضر في السّند و لا يوجب الطعن فيه.
2- ما بين المعكوفين لا يوجد في الطّبعة الأولى من الكتاب. انظر حول الفطحيّة: المقالات و الفرق: 87، حور العين: 163، ريحانة الأدب: 223/3، خطط الشّام: 351/2، و تعرّض الشّيخ الطّوسي لمذهبهم في الغيبة: 135 و ردّهم، و قد وردت في ذمّهم روايات كما في رجال الكشّي: 562 حديث: 1061 و غيره، و انظر تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال: 418 و عدّ جملة من الرّوايات.
3- كذا، و الظاهر: أخويه.
4- أي و دون أخيه عبد اللّه... الى آخره.
5- يدعون أن أباه نص عليه بالإمامة دون سائر أخوته، و قد خرج هذا بالسيف و تسمى بأمير المؤمنين!

رئيس لهم يقال له: يحيى بن أبي السمط(1).

من الفرق الفاسدة: الناووسية

و منها:

الناووسيّة(2):

[اتباع رجل يقال له: ناووس(3)، و قيل نسبوا الى قرية ناووسيا](4) و هم القائلون بالإمامة الى مولانا الصادق (عليه السّلام) و وقفوا عليه، و قالوا إنه حي لن يموت حتى يظهر و يظهر أمره، و هو القائم المهدي. و عن الملل و النحل أنهم زعموا أن عليا (عليه السّلام) مات و ستنشق الأرض عنه قبل يوم القيامة فيملأ

ص: 326


1- كذا في التعليقة للوحيد - آخر منهج المقال - 410 - حاشية -. إلا أن المحدث المجلسي رحمه اللّه في البحار: 10/37 سماهم: السبطية نسبة الى رئيسهم هذا. و هو يحيى بن أبي السبط - كذا في البحار لا السمط -. انظر حول السمطية: فرق الشيعة للنوبختي: 78، فرهنگ علوم: 305، مقالات الإسلاميين: 99/1 بعنوان: سميطيه، ريحانة الأدب: 227/2.
2- ذهب الشيخ المفيد في كتاب الفصول كما حكاه السيد المرتضى و العلامة المجلسي في البحار: 9/37 أن الناووسية ثاني افتراق حصل عند الإمامية بعد الكيسانية، و كان مبدأ كثير من المذاهب بعد رحلة الإمام الصادق عليه السّلام.
3- كما جاء في رجال الكشي: 365 حديث: 676 في ترجمة عنبسة بن مصعب: إنما سميت الناووسية برئيس كان لهم يقال له: فلان بن فلان الناووسي. و هذا مما يؤيد الوجه الأول الذي ذكره المصنف رحمه اللّه.
4- ما بين المعكوفين من زيادات الطبعة الثانية و هو مكرر لما سيذكره فيما بعد. و قد حكى كلا الوجهين في جامع المقال: 192 و غيره.

الأرض عدلا(1).

قيل نسبوا الى رجل يقال له: ناووس، و قيل إلى قرية تسمى بذلك، [و يسمون: الصارمية أيضا](2).

من الفرق الفاسدة: الواقفية

و منها:

الواقفية:

و هم الذين وقفوا على مولانا الكاظم (عليه السّلام) كما هو

ص: 327


1- الملل و النحل: 166/1، و حكاه عنه عدّة مصادر منها معين النبيه - خطي -: 26 و غيره.
2- ما بين المعقوفين من زيادات الطبعة الثانية، و ما قبله مكرر لما ألحقه قدس سره. انظر حول الناووسية: فرق الشيعة: 69، ريحانة الأدب: 161/4، دائرة معارف فريد و جدي: 724/9، الفرق بين الفرق: 323، حور العين: 162، نفايس الفنون: 276/2، و كذا مقالات الإسلاميين: 97/1 حيث عدّها من فرق الشيعة الإمامية، فرهنگ علوم: 548، و قد تعرض الشيخ الطوسي في الغيبة: 15 و 118 لأباطيلهم. و قد روى الكشي في رجاله: 414 حديث 782 عن سبب الناووسية رواية عن شهاب عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) أنه قال: يا شهاب! كيف أنت إذا نعاني إليك محمد بن سليمان؟! فمكثت ما شاء اللّه، ثم أن محمد بن سليمان لقيني فقال: يا شهاب! عظم اللّه أجرك في أبي عبد اللّه (عليه السّلام) فكان سبب إقامة الناووسية على أبي عبد اللّه عليه السّلام، بهذا الحديث، فتأمل. و قد عقد ابن داود في رجاله: 538 فصلا في ذكر جماعة من الناووسية منهم: أبان بن عثمان الأحمر و سعد بن طريف الحنظلي الإسكافي و عبد اللّه بن أحمد بن أبي زيد الأنباري. ذكره الشيخ في الفهرست: 3-42، و ذكر الأولان الكشي في رجاله: 352 برقم 661، و صفحة: 215 برقم: 384.

المعروف من هذا اللفظ حيثما يطلق. و ربما يقال لهم: الممطورة - أي الكلاب المبتلّة من المطر - و وجه الإطلاق ظاهر(1)، و إنما وقفوا على الكاظم (عليه السّلام) بزعم أنه القائم المنتظر، أما بدعوى حياته و غيبته، أو موته و بعثته، مع تضليل من بعده بدعوى الإمامة، أو باعتقاد أنهم خلفاؤه و قضاته الى زمان ظهوره.

[(2)و صريح بعض المتأخرين أن القائلين بختم الإمامة على الكاظم (عليه السّلام) هم: الموسوية، و لهم ثلاث فرق.

فمنهم: من يشكون في حياته و مماته، و يسمون: بالممطورة.

و منهم: من يجزمون بموته و يسمون: بالقطعية.

و منهم: من يقولون بحياته، و يسمون: بالواقفية.

و عليه فالممطورة قسيم للواقفية، و روى الكشي عن أبي القاسم الحسن بن محمد، عن عمر بن يزيد، عن عمه قال]: كان بدء الواقفة أنه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثة زكاة أموالهم، و ما كان يجب عليهم فيها، فحملوها الى وكيلين لموسى (عليه السّلام) بالكوفة، أحدهما حيان السراج، و آخر كان معه، و كان موسى (عليه السّلام) في الحبس فاتخذوا بذلك دورا و عقارا(3)،

ص: 328


1- و قيل هما فرقتان، و لعله يظهر ذلك من بعض الروايات المروية في الكشي و غيره، و سيتعرض المصنف لذلك.
2- ما بين المعكوفين من زيادات الطبعة الثانية، و هنا في الاولى: و في بعض الأخبار أنه كان بدء.. الى آخره.
3- في الغيبة: و عقدا العقود، بدلا من عقارا.

و اشتروا(1) الغلات، فلما مات موسى (عليه السّلام) و انتهى الخبر إليهما أنكرا موته، و أذاعا في الشيعة أنه لا يموت لأنه القائم، فاعتمدت عليهما طائفة من الشيعة و انتشر قولهما في الناس حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع المال الى ورثة موسى (عليه السّلام)، و استبان للشيعة أنهما انما قالا ذلك حرصا على المال(2). [(3)و في العيون(4)و العلل(5)، و كتاب الغيبة(6)، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: مات أبو الحسن (عليه السّلام) و ليس من نوابه أحد إلا و عنده المال الكثير، و كان سبب وقوفهم و جحودهم لموته، و كان عند زياد القندي سبعون ألف دينار(7)، و عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألفا. قال:

و لما رأيت ذلك و تبين لي الحق و عرفت من أمر أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) ما عرفت، تكلمت و دعوت الناس إليه، فبعثا إليّ و قالا:

ص: 329


1- في الغيبة: و اشتريا.
2- رجال الكشي: 459 حديث: 871 بتصرف. و الذي فيه: انه حدثه محمد بن الحسن البراثي قال: حدثني أبو علي الفارسي قال: حدثني أبو القسم الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد عن عمه قال: كان بدء.. الى آخره بنصه، و الظاهر أن ما في المتن سهو.
3- ما بين المعقوفين من زيادات الطبعة الثانية.
4- عيون أخبار الرضا عليه السّلام: 113/1 باب 10 حديث 2، باختلاف يسير. و انظر بحار الأنوار: 308/11.
5- علل الشرائع: 235 باب 171 حديث 1 بتصرف، و انظر حديث: 2 من الباب.
6- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 3-42، بتصرف، و روايات الباب.
7- الى هنا يوجد في رجال الكشي: 467 برقم: 888.

ما يدعوك الى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن نعينك(1)؛ و ضمنا لى عشرة آلاف، و قالا لي: كف، فأبيت، و قلت لهم: انا روينا عن الصادقين (عليهما السّلام) أنهم قالوا: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان، و ما كنت لادع الجهاد في أمر(2) على كل حال، فناصباني و اظهرا لي العداوة. و رواه الكشي(3) - أيضا -].

هذا و ربما يطلق الواقفي على من وقف على غير الكاظم (عليه السّلام)(4) كمن وقف على أمير المؤمنين (عليه السّلام) او وقف على الصادق (عليه السّلام) او الحسن العسكري (عليه السّلام) كما وقع ذلك في إكمال الدين و إتمام النعمة(5)، لكن مع التقييد بالموقوف عليه كما يقال الواقفة على الصادق (عليه السّلام). و إن كان لهم أسماء اخر كالناووسية لمن وقف عليه كما مرّ، و من ذلك قولهم في عنبسة بن مصعب واقفي على أبي عبد اللّه (عليه السّلام)(6).

ص: 330


1- في العيون: نغنيك..
2- في العيون: في أمر اللّه عز و جل..
3- اختيار معرفة الرجال: 493، برقم 946، باختلاف يسير، و انظر صفحة 467 برقم 888.
4- كما قاله في الفوائد: 8 - الحاشية من منهج المقال -.
5- إكمال الدين و إتمام النعمة - للشيخ الصدوق -: 40.
6- انظر ترجمته مسهبا في تنقيح المقال: 4/2-353. و كذا قيل في يحيى بن القاسم كما في رجال أبو علي: 328. و كذا علي بن الحسان: 210 من منهج المقال. و غيرهم، فلا بد من ملاحظة الطبقة و غيرها مما قد يعين عدم بقائه الى زمانه سلام اللّه عليه.

و كيف كان فقد جزم المولى الوحيد(1) و.. غيره(2) بأن إطلاق الواقفي في الرجال ينصرف الى من وقف على الكاظم (عليه السّلام) و لا يحمل مع الإطلاق إلا عليه. نعم مع القرينة يحمل على من قامت عليه، و لعل من جملة القرائن عدم دركه للكاظم (عليه السّلام) و موته قبله أو في زمانه (عليه السّلام) مثل سماعة بن مهران، و علي ابن حيان، و يحيى بن القاسم.

و حكى الوحيد (رحمه اللّه)(3) عن جده المجلسي الأول أن الواقفة صنفان: صنف منهم وقفوا عليه في زمانه، بأن اعتقدوا كونه قائم آل محمد (صلوات اللّه عليهم) و ذلك لشبهة حصلت لهم مما ورد عنه و عن أبيه أنه صاحب الأمر، و لم يفهموا أن كل واحد منهم صاحب الأمر - يعني أمر الإمامة -. و منهم(4): سماعة بن مهران، لما نقل أنه مات في زمانه (عليه السّلام) قال: و غير معلوم كفر هذا الشخص، لأنه عرف إمام زمانه و لم يجب عليه معرفة الإمام الذي بعده. نعم لو سمع أن الإمام الذي بعده فلان و لم يعتقد صار كافرا(5)، ثم أيد كلام جده بأن: الشيعة من فرط حبهم دولة الأئمة (عليهم السّلام) و شدة تمنيهم إياها، و بسبب الشدائد و المحن التي

ص: 331


1- في تعليقته على منهج المقال: 8 و 9.
2- كما في توضيح المقال: 46، و منتهى المقال: 13، و غيرهما.
3- في الفوائد - التعليقة -: 9 باختلاف يسير.
4- أي من هذا الصنف. [منه (قدس سره)].
5- تعليقة الوحيد البهبهاني: 9 بتصرف يسير.

كانت عليهم و على أئمتهم من القتل و الخوف و سائر الاذايا، و كذا من بغضهم أعداءهم الذين كانوا يرون الدولة و بسط اليد و التسلط و ساير نعم الدنيا عندهم.. الى غير ذلك كانوا مشتاقين(1) الى دولة قائم آل محمد (صلوات اللّه عليه و آله) الذي يملأ الأرض قسطا(2)، مسلمين أنفسهم بظهوره، متوقعين لوقوعه عن قريب، و هم (عليهم السّلام) كانوا يسلون خاطرهم، حتى قيل إن الشيعة تربى بالأماني(3)، ثم استشهد (رحمه اللّه) لذلك بما ذكره في ترجمة:

يقطين(4)، مما تضمن قول علي بن يقطين، أن أمرنا لم يحضر فعلّلنا بالأماني. فلو قيل لنا أن هذا الأمر لا يكون إلا بعد مأتي سنة و ثلاث مائة سنة لقست قلوب، و لرجع عامة الناس عن الإسلام. و لكن قالوا ما أسرعه و ما أقربه تألفا لقلوب الناس و تقريبا للفرج(5) ثم قال: و من ذلك أنهم كثيرا ما يسألونهم عن قائمهم فربما قال واحد منهم: فلان - يعني الذي بعده - و ما كان يظهر مراده من القائم مصلحة(6)، و تسلية لخواطرهم، سيما بالنسبة إلى من علم عدم بقائه الى ما بعد زمانه، كما وقع من الباقر (عليه السّلام) بالنسبة الى

ص: 332


1- في المصدر: دائما مشتاقين.
2- في المصدر: يملأ الدنيا قسطا و عدلا.
3- التعليقة: 9، بتصرف.
4- منهج المقال: 375، و ما علقه الوحيد البهبهاني عليها.
5- بنصه في منهج المقال: 376.
6- في المصدر: مصلحة لهم.

جابر(1)، كما سنذكره في ترجمة عنبسة، و ربما كانوا يشيرون الى مرادهم، و هم من فرط ميل قلوبهم و زيادة حرصهم ربما كانوا لا يتفطنون(2).

قلت: أشار بما يذكره في ترجمة عنبسة الى ما رواه في الكافي في باب النص على الصادق (عليه السّلام) عن أبي الصباح، أن الباقر (عليه السّلام) قال مشيرا الى الصادق (عليه السّلام): هذا من الذين قال اللّه عز و جل وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا الآية(3).

و عن جابر الجعفي عن الباقر (عليه السّلام) قال: سئل عن القائم عليه السّلام(4) فقال: هذا و اللّه قائم آل محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم). قال عنبسة: فلما قبض [أبو جعفر] (عليه السّلام) دخلت على الصادق (عليه السّلام) فاخبرته بذلك فقال: صدق جابر، ثم قال: أ ترون أن ليس كل إمام فهو القائم (عليه السّلام) بعد الإمام الذي كان قبله(5).. الى آخر ما ذكره في تلك الترجمة(6)،

ص: 333


1- في المصدر: الى جابر من الصادق عليه السّلام.
2- تعليقة الوحيد - الفوائد -: 9.
3- الكافي: 4/1-243 حديث: 1، بتصرف، و الآية في سورة القصص: 5.
4- هنا سقط و هو: فضرب بيده على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:.. الى آخره.
5- الكافي: 244/1 حديث 7، باختلاف يسير.
6- تعليقة الوحيد: 253.

و هو كما ترى يشير الى حصول الشبهة لعنبسة من جهة قوله: هذا و اللّه قائم آل محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و لذا سأل مولانا الصادق (عليه السّلام) و لم ترتفع عنه الشبهة حتى كشف له عن المراد بأن كلا منّا قائم آل محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) - بمعنى القائم بأمر الإمامة و الخلافة - لا القائم المعروف الذي يكون في آخر الزمان - عجل اللّه تعالى فرجه، و جعلنا من كل مكروه فداه -.

و على كل حال، فمجرد الرمي بالوقف لعله لا يرتب عليه الأثر إلا بعد الفحص و البحث عن أن الوقف هل كان في حياة الكاظم (عليه السّلام) أو قبل زمانه أو بعد موته، و هل هو عند التحمل أو الاداء، كما لا يخفى وجهه.

[(1)و ينبغي تذييل المقام بالأخبار التي رواها الكشي (رحمه اللّه) في حق الواقفة، مثل ما رواه هو (رحمه اللّه) عن محمد بن مسعود، و محمد بن الحسن البراني(2)، قالا: حدثنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن فارس، قال: حدثني أبو جعفر أحمد بن عبدوس الخليجي(3) أو.. غيره عن علي بن عبد اللّه الزهري(4)، قال: كتبت الى أبي الحسن (عليه السّلام) أسأله عن الواقفة،

ص: 334


1- من هنا الى: و منها: الزيدية، من إضافات المصنف رحمه اللّه على الطبعة الأولى.
2- في رجال الكشي: البراثي، و كل ما هنا من لفظ البراني فكذلك.
3- في المصدر: الخلنجي.
4- في الرجال: الخلنجي.

فكتب: الواقف عاند عن الحق، و مقيم على سيئة ان مات بها كانت جهنم مأواه و بئس المصير(1).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن جعفر بن معروف، قال: حدثني سهل بن يحيى(2)، قال: حدثني الفضل بن شاذان - رفعه - عن الرضا (عليه السّلام) قال: سئل عن الواقفة فقال:

يعيشون حيارى، و يموتون زنادقة(3).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - قال: وجدت بخط جبرئيل ابن أحمد كتابه(4)، قال: حدثني سهل بن زياد الآدمي، قال:

حدثني محمد بن أحمد بن الربيع الأقرع، قال: حدثني جعفر بن بكير، قال: حدثني يوسف(5) بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام): أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حي من الزكاة شيئا؟ قال: لا تعطهم، فإنهم كفار مشركون زنادقة(6).

قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سمعناه يقول(7): هو كافر إن مات موسى بن جعفر

ص: 335


1- رجال الكشي: 455 حديث رقم: 860.
2- في المصدر: سهل بن بحر.
3- رجال الكشي: 456 برقم 861.
4- في المصدر: في كتابه، و هو الظاهر.
5- في نسخة: يونس.
6- رجال الكشي: 456 برقم 862.
7- هنا سقط: يعيشون شكاكا، و يموتون زنادقة، قال: فقال: بعضنا أما الشكاك فقد علمناه، فكيف يموتون زنادقة؟ قال: فقال: حضرت رجلا منهم و قد احتضر فسمعته يقول:...

(عليه السّلام) قال: فقلت: هذا هو(1).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن أبي صالح خلف بن حامد الكشي، عن الحسن بن طلحة، عن بكير(2) بن صالح، قال: سمعت الرضا (عليه السّلام) يقول: ما يقول الناس في هذه الآية؟ قلت: جعلت فداك، فأي آية؟ قال: قول اللّه عز و جل:

وَ قالَتِ اَلْيَهُودُ يَدُ اَللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ (3) قلت: اختلفوا فيها، قال أبو الحسن (عليه السّلام): و لكن(4) أقول: نزلت في الواقفة أنهم قالوا: لا إمام بعد موسى (عليه السّلام)، فردّ اللّه عليهم بل يداه مبسوطتان، و اليد هو الإمام في باطن الكتاب، و إنما عنى بقولهم لا إمام بعد موسى ابن جعفر (عليه السّلام)(5).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن خلف، عن الحسن بن طلحة المروزي، عن محمد بن عاصم، قال: سمعت الرضا (عليه السّلام) يقول: يا محمد! بلغني أنك تجالس الواقفة. قلت: نعم، جعلت فداك، أجالسهم و أنا مخالف لهم، قال: لا تجالسهم، فإن

ص: 336


1- نفس المصدر و الصفحة و ذيل الحديث.
2- في نسخة: بكر.
3- سورة المائدة: 64.
4- في المصدر: لكني.. و هو الظاهر.
5- رجال الكشي: 7-456، الحديث: 863 بتصرف.

اللّه عز و جل يقول: وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اَللّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ (1) يعني بالآيات الأوصياء الذين كفروا بها الواقفة(2).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن خلف، قال: حدثني الحسن بن علي، عن سليمان الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السّلام) بالمدينة إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة فسأله عن الواقفة، فقال أبو الحسن (عليه السّلام): «ملعونين أينما ثقفوا اخذوا و قتلوا تقتيلا، سنة اللّه في الذين خلوا من قبل و لن تجد لسنة اللّه تبديلا»(3). و اللّه، إن اللّه لا يبدلها حتى يقتلوا عن آخرهم(4).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن محمد بن الحسن البراني(5)، قال: حدثني أبو علي الفارسي، قال حدثني عبدوس الكوفي، عن حمدويه، عمّن حدثه، عن الحكم بن مسكين، قال:

حدثني بذلك إسماعيل بن محمد بن موسى بن سلام، عن الحكم بن

ص: 337


1- النساء: 140.
2- رجال الكشي: 457 حديث برقم 864 بتصرف.
3- الأحزاب: 61.
4- رجال الكشي: 457 برقم: 865.
5- في المصدر: البراثي.

عيص(1) قال: دخلت مع خالي سليمان(2) فقال: من هذا الغلام؟ فقال: ابن أختي فقال: يعرف(3) هذا الأمر؟ فقال:

نعم، فقال: الحمد اللّه الذي لم يخلقه شيطانا، ثم قال: يا سليمان! نعوذ(4) باللّه ولدك من فتنة شيعتنا، قلت: جعلت فداك، و ما تلك الفتنة؟ قال: إنكارهم الأئمة، و وقوفهم(5) على ابنى موسى (عليه السّلام)، قال: ينكرون موته، و يزعمون أن لا إمام بعده، أولئك شر الخلق(6).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن محمد بن الحسن البراني، قال: حدثني أبو علي، قال: حدثني يعقوب بن زيد(7)، عن محمد بن أبي عمير، عن رجل من أصحابنا، قال: قلت للرضا (عليه السّلام): جعلت فداك، قوم قد وقفوا على أبيك يزعمون أنه لم يمت، قال: قال: كذبوا، و هم كذّاب(8) بما أنزل اللّه - عز

ص: 338


1- كذا في المصدر، و لعل هنا سقط، و الظاهر هكذا: عن إسماعيل بن محمد عن موسى بن سلام عن الحكم بن مسكين عن عيص بن القاسم.
2- هنا سقط و في المصدر: سليمان بن خالد على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: يا سليمان.
3- في المصدر: هل يعرف.
4- في المصدر: عوّذ باللّه، و هو الظاهر.
5- خ. ل: و غرضهم، خ: و عرضهم.
6- رجال الكشي: 8-457 برقم: 866.
7- في المصدر: يزيد.
8- في المصدر: كفار، و هو الظاهر.

و جل - على محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، و لو كان اللّه يمد في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه لمدّ اللّه في أجل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)(1).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) عن محمد بن الحسن البراني، قال:

حدثني أبو علي الفارسي، قال حدثني ميمونة النحاس(2)، عن محمد ابن الفضيل قال: قلت للرضا (عليه السّلام): جعلت فداك، ما حال قوم قد وقفوا على أبيك موسى (عليه السّلام)؟ قال: لعنهم اللّه، ما أشد كذبهم، أما أنهم يزعمون أني عقيم، و ينكرون من يلي هذا الأمر من ولدي(3).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) عن محمد بن الحسن البراني، قال:

حدثني أبو علي، قال: حدثني أبو القاسم الحسين بن محمد بن عمر ابن يزيد، عن عمه، عن جده عمر بن يزيد، قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السّلام) فحدثني مليا في فضائل الشيعة ثم قال: إن من الشيعة بعد ثامنهم (عليه السّلام) شرّ من النصاب،(4) قلت:

جعلت فداك، بيّن لنا نعرفهم فلعلنا منهم؟ قال: كلا يا عمر ما أنت منهم، إنما هم قوم يفتنون بزيد و يفتنون بموسى (عليه

ص: 339


1- رجال الكشي: 458 برقم: 867، بتصرف.
2- في المصدر: ميمون النخاس.
3- رجال الكشي: 458 برقم: 868، بتصرف.
4- هنا سقط و هو: قلت جعلت فداك! أ ليس يتحلّون حبكم و يتولونكم و يتبرون من عدوكم (خ: أعدائكم) قال: نعم، قال:

السّلام)(1).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن محمد بن الحسن البراني، قال: حدثني أبو علي، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، عن موسى ابن القاسم البجلي، عن علي بن جعفر (عليه السّلام)، قال: جاء رجل الى أخي (عليه السّلام) فقال له: جعلت فداك، من صاحب هذا الأمر؟ فقال: أما أنهم يفتنون بعد موتي فيقولون هو القائم، و ما القائم إلا بعدي بسنين(2).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن محمد بن الحسن البراني، قال: حدثني أبو علي الفارسي، قال: حدثني أبو القاسم الحسين بن محمد بن عمر بن يزيد، عن عمّه، قال: كان بدو الواقفة أنه كان اجتمع ثلاثون ألف دينار عند الأشاعثة لزكاة مالهم(3)، و ما كان يجب عليهم فيها، فحملوه الى وكيلين لموسى (عليه السّلام) بالكوفة أحدهما: حنان(4) السراج و الآخر كان معه، و كان موسى (عليه السّلام) في الحبس، فاتخذا بذلك دورا و عقدا العقود و اشتريا الغلات، فلما مات موسى فانتهى(5) الخبر إليهما أنكرا موته، و اذاعا في الشيعة أنه لا يموت، لأنه هو القائم، فاعتمدت

ص: 340


1- رجال الكشي 9-458 برقم: 869.
2- رجال الكشي: 459 برقم: 870.
3- خ. ل: زكاة أموالهم.
4- في المصدر: حيان.
5- في المصدر: و انتهى.

عليه(1) طائفة من الشيعة، و انتشر قولهما في الناس حتى كان عند موتهما أوصيا بدفع ذلك المال الى ورثة موسى (عليه السّلام) فاستبان للشيعة أنهما قالا ذلك حرصا على المال(2).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن محمد بن الحسن البراني، قال: حدثني أبو علي، قال: حدثني محمد بن رجاء الحناط، عن محمد بن علي الرضا (عليه السّلام)، أنه قال: الواقفة هم حمر(3) الشيعة، ثم تلا هذه الآية إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (4).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن محمد بن الحسن البراني(5) قال: حدثني أبو علي، قال: حدثني منصور، عن(6)محمد بن علي الرضا (عليه السّلام): ان الزيدية و الواقفة و النصاب عنده بمنزلة واحدة(7).

ص: 341


1- الظاهر: عليهما، و لعل الضمير يرجع الى الخبر.
2- رجال الكشي: 459-460 برقم 871 بتصرف، و قد مرّ ذكره من المصنف رحمه اللّه أول البحث.
3- في نسخة: حمير.
4- رجال الكشي: 460 برقم: 872.
5- في المصدر: البراثي قال: حدثني أبو علي الفارسي، و كل الروايات في رجال الكشي كذلك، كما مرّ.
6- في المصدر: عن الصادق محمد بن علي..
7- رجال الكشي: 229 برقم: 410 باختلاف يسير و صفحة: 460 حديث: 873 بنصه. و حكاه في معين النبيه: 26 - خطي - بمعناه.

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن محمد بن الحسن البراني، قال: حدثني الفارسي - يعني أبا علي -، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عمن حدثه، قال: قال سألت محمد بن علي الرضا (عليه السّلام) عن هذه الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (1) قال: نزلت في النصاب و الزيدية، و الواقفة من النصاب(2).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) عن محمد بن الحسن البراني، قال:

حدثني أبو علي، قال: حدثني إبراهيم بن عقبة، قال: كتبت الى العسكري (عليه السّلام): جعلت فداك، قد عرفت هؤلاء الممطورة، فاقنت عليهم في الصلاة(3)؟ قال: نعم، أقنت عليهم في الصلاة(4).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - عن محمد بن الحسن البراني، قال: حدثني أبو علي الفارسي، عن محمد بن الحسين الكوفي، عن محمد بن جبار(5)، عن عمر بن فرات، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن الواقفة، قال: يعيشون حيارى

ص: 342


1- الغاشية: 2-3.
2- رجال الكشي: 460 برقم 874.
3- في المصدر: في صلاتي.
4- في نسخة: في صلواتك، و اخرى: في صلاتك، و المعنى واحد.
5- في المصدر: بن عبد الجبار.

و يموتون زنادقة(1).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - بهذا الإسناد عن(2) أحمد بن إدريس القمي، قال: حدثني محمد بن أحمد بن يحيى، قال: حدثني العباس بن معروف، عن الحجال، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: ذكرت الممطورة و شكهم فقال: يعيشون ما عاشوا في شك، ثم يموتون زنادقة(3).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) عن حمدويه، قال: حدثني محمد بن عيسى، عن إبراهيم بن عقبة، قال: كتبت إليه - يعني أبا الحسن (عليه السّلام) - جعلت فداك: قد عرفت بعض هذه الممطورة، أ فأقنت عليهم في صلاتي؟ قال: نعم أقنت عليهم في صلاتك(4).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) عن خلف(5) بن جابر الكشي، قال:

ص: 343


1- رجال الكشي: 1-460 برقم 876.
2- هنا سقطت رواية، و لعلها اسقطت من قبل المصنف (رحمه اللّه)، و لكن في الرواية برقم: 877 صفحة: 461 هكذا: بهذا الإسناد عن أحمد بن محمد البرقي عن جعفر بن محمد بن يونس، قال جاءني جماعة من أصحابنا معهم رقاع فيها جوابات المسائل إلا رقعة الواقف قد رجعت (خ: جعلت) على حالها لم يوقّع فيها شيء. ثم قال الكشي: إبراهيم بن محمد بن العباس الختلي قال حدثني أحمد بن إدريس القمي... الى آخره.
3- رجال الكشي: 461 برقم: 878 بتصرف.
4- رجال الكشي: 461 برقم: 879. و قد مرت هذه المكاتبة قريبا بإسناد آخر.
5- في المصدر: حامد.

أخبرني الحسن بن طلحة المروزي، عن يحيى بن المبارك، قال:

كتبت الى الرضا (عليه السّلام) بمسائل فأجابني، و كتبت(1) و ذكرت في آخر الكتاب قول اللّه عز و جل: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ (2) فقال: نزلت في الواقفة. و وجدت الجواب كله بخطه: ليس هم من المؤمنين و لا من المسلمين، هم ممن كذّب بآيات اللّه، و نحن أشهر معلومات، فلا جدال فينا و لا رفث، و لا فسوق فينا، انصب لهم من العداوة - يا يحيى - ما استطعت(3).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) عن محمد بن الحسن، قال:

حدثني(4) محمد بن الصباح، قال: حدثنا إسماعيل بن عامر، عن أبان، عن حبيب الخثعمي، عن ابن أبي يعفور، قال كنت عند الصادق (عليه السّلام) إذ دخل موسى (عليه السّلام) فجلس، فقال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): يا ابن أبي يعفور! هذا خير ولدي و احبهم إليّ غير أن اللّه عز و جل يضل قوما من شيعتنا(5) بعد موته جزعا عليه فيقولون لم يمت، و ينكرون الأئمة من بعده، و يدعون

ص: 344


1- في نسخة: و كنت، و اخرى: و كتب
2- النساء: 143.
3- رجال الكشي: 2-461 برقم: 880.
4- هنا سقط و هو: أبو علي قال حدثنا:..
5- هنا سقط و هو: فاعلم أنهم قوم لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم اللّه يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم، قلت: جعلت فداك! قد أزغت قلبي عن هؤلاء! قال: يضل به (خ: بهم) قوم من شيعتنا بعد.. الى آخره.

الشيعة الى ضلالتهم، و في ذلك ابطال حقوقنا، و هدم دين اللّه، يا ابن أبي يعفور، و اللّه و رسوله منهم بريء، و نحن منهم براء(1).

و ما رواه هو (رحمه اللّه) - أيضا - بهذا الإسناد، قال: حدثني أيوب بن نوح، عن سعيد العطار، عن حمزة الزيات، قال:

سمعت حمران بن أعين يقول: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام):

أمن شيعتكم أنا؟ قال: إي و اللّه في الدنيا و الآخرة، و ما أحد من شيعتنا إلا و هو مكتوب عندنا اسمه و اسم أبيه، إلا من يتولى منهم عنّا، قال: قلت جعلت فداك، أو من شيعتكم من يتولى عنكم بعد المعرفة؟ قال: يا حمران! نعم، و أنت لا تدركهم. قال حمزة:

فتناظرنا في هذا الحديث فكتبنا به الى الرضا (عليه السّلام) نسأله عمن استثنى به أبو جعفر (عليه السّلام)، فكتب: هم الواقفة على موسى بن جعفر (عليه السّلام)(2).

و روى في العيون(3) و غيبة الشيخ(4) (رحمه اللّه) عن يونس بن عبد الرحمن، قال: مات أبو الحسن (عليه السّلام) و ليس من نوابه(5)أحد إلا و عنده المال الكثير، و كان ذلك سبب وقوفهم

ص: 345


1- رجال الكشي: 462 برقم: 881 بتصرف.
2- رجال الكشي: 462 برقم: 884 بتصرف.
3- عيون أخبار الرضا عليه السّلام - للشيخ الصدوق -: 113/1 حديث 2، و قد مرّ سابقا في الصفحة: 329.
4- الغيبة للشيخ الطوسي: 43 - بتصرف و اختلاف -
5- في رجال الكشي و أكثر النسخ: قوامه، و كذا في الغيبة و العيون.

و جحودهم(1) لموته (عليه السّلام)، و كان عند زياد القندي سبعون ألف دينار، و عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، قال: و لما رأيت ذلك، و تبين لي الحق، و عرفت أمر أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) ما عرفت، فكلمت(2) و دعوت الناس إليه، فبعثا إليّ و قالا لي: ما يدعوك الى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك، و ضمنّا لك عشرة آلاف دينار، و قالا: كف، فأبيت و قلت لهما: إنا روينا عن الصادق (عليه السّلام)(3) إذا ظهرت البدع فعلى العالم(4) ان يظهر علمه، و إن لم يفعل سلب نور الإيمان من قلبه، و ما كنت لادع الجهاد في أمر اللّه على كل حال، فناصباني و اظهرا لي العداوة(5).

و في العيون(6) - أيضا - عن ربيع بن عبد الرحمن قال: كان و اللّه موسى بن جعفر (عليه السّلام) من المتوسمين، يعلم من يقف عليه بعد موته (عليه السّلام)(7). و كان يكظم عليهم غيظه و لا

ص: 346


1- في رجال الكشي: جهودهم، و هو غلط، و في الغيبة: جحدهم.
2- في العيون: تكلمت، و هو الظاهر.
3- في المصدر: الصادقين عليهما السّلام.
4- خ. ل: الإمام.
5- بتصرف و اختصار في رجال الكشي: 405 حديث: 759. و قد مرّ من المصنف رحمه اللّه ذكره، و هو من زياداته على الطبعة الثانية.
6- عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): 112/1 باب 10 حديث 1، باختلاف يسير، و انظر بحار الأنوار: 309/11.
7- هنا سقط يوجد في العيون: و يجحد الإمام بعد إمامته.. و في البحار: و يجحد الإمامة بعده [كذا] إمامته.

يبدي لهم ما يعرف منهم، فسمي الكاظم (عليه السّلام) لذلك(1)].

من الفرق الفاسدة: الزيدية

و منها:

الزيدية:

و هم القائلون بإمامة زيد بن علي بن الحسين (عليهما السّلام) و هم فرق(2) أغلبهم يقولون بإمامة كل فاطمي عالم صالح ذي رأي

ص: 347


1- و رواه في علل الشرائع: 235 باب 170، و فيه:... بعد موته و يجحد الإمامة بعد إمامته و كان.. الى آخر. و عد جملة من هذه الروايات أيضا الوحيد البهبهاني في آخر تعليقته: 9-418. انظر حول الواقفية: فرق الشيعة: 82، كشاف اصطلاحات الفنون: 2 / 1500، خطط الشام: 351/2، فرهنك علوم: 573، الفرق بين الفرق: 67 و 341، مقالات الإسلاميين: 99/1، المقالات و الفرق: 87، ريحانة الأدب 3/4-272. و هناك واقفية بمعنى آخر لاحظها في فرق الشيعة: 95، و حور العين: 175، و غيرهما. أقول: تعرض الشيخ في الغيبة: 19 و 44 و 120 الى عقائد الواقفة و ردهم، كما عقد لهم ابن داود في رجاله: 528 بابا، و عدّ منهم ستا و ستين رجلا. انظر مستدرك رقم (200) حول الروايات الواردة في رجال الكشي مما فات المصنف رحمه اللّه حول الواقفة، و كذا حول الزيدية و المرجئة و الخوارج و الغلاة، ثم عدّ أسماء من ذكرهم الشيخ الطوسي من هؤلاء الطوائف في رجاله.
2- عدّ منها في ذيل روضات الجنات: 10/1: الجارودية و السليمانية و البترية. و قال في معين النبيه: 25 - خطي -: و هم ثلاث فرق: الجارودية، و يقال لهم: السرحوبية، منسوبة الى زياد بن المنذر أبي الجارود الخراساني الأعمى السرحوب، و هم القائلون بالنص على علي و كفر من أنكره. و السليمانية: منسوبة الى سليمان بن حريز، و هم القائلون بإمامة الشيخين و كفر عثمان، و البترية.. الى آخره، و نظيره في جامع المقال: 191، قال في توضيح المقال: 44: (و البترية و السليمانية و الصالحية من الزيدية، يقولون بإمامة الشيخين و اختلفوا في غيرهما). و هم كالسليمانية في الاعتقاد، إلا في كفر عثمان كما في جامع المقال: 191.

يخرج بالسيف، و زيد هذا قتل و صلب بالكناسة موضع قريب من الكوفة، و قد نهاه الباقر (عليه السّلام) عن الخروج و الجهاد فلم ينته فصار الى ذلك، و اختلفت الروايات في أمره، فبعضها يدلّ على ذمه بل كفره لدعواه الإمامة بغير حق، و بعضها يدل على علو قدره و جلالة شأنه، و ربما جمع بعضهم بينهما بحمل النهي عن الخروج على التقية، أو(1) أنه ليس نهي تحريم، بل شفقة و خوفا عليه، [(2)و قد أوضحنا في ترجمته في تنقيح المقال(3) حسن حاله بنفسه، و صحة خروجه، فلاحظ و تدبر](4).

ص: 348


1- في الطبعة الثانية: و، و ما ذكر أولى.
2- ما بين المعقوفين من زيادات الطبعة الثانية.
3- تنقيح المقال: 71/1-467.
4- انظر حول الزيدية: الملل و النحل: 154/1، فرق الشيعة للنوبختي: 46، رجال بحر العلوم: 113/4 (حاشية)، فرهنگ علوم: 395، مقالات الإسلاميين: 129/1، كشاف الاصطلاحات: 614/1، دائرة المعارف فريد و جدي: 789/4، دائرة المعارف الإسلامية: 24/11، الفرق بين الفرق: 40 و 302، ريحانة الأدب: 142/2، نفايس الفنون 275/2، التبصرة: 185، حور العين: 184، القاموس الإسلامي: 157/3، و عقد لهم ابن داود في رجاله: 533 فصلا في ذكر جماعة منهم و ذكر سبعة و عشرين رجلا. و انظر مستدرك رقم (200) الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام فيهم.
من الفرق الفاسدة: البترية

و منها:

البترية(1) - بضم الباء الموحدة و قيل بكسرها(2)، ثم سكون التاء المثناة من فوق(3) -، فرق من الزيدية، قيل نسبوا الى المغيرة بن سعد(4)، و لقبه: الأبتر، و قيل(5): البترية، هم أصحاب كثير النوا الحسن(6) بن صالح بن حي(7) و سالم بن أبي حفصة، و الحكم بن عيينة(8)، و سلمة بن كهيل، و أبي المقدام(9) ثابت الحداد، و هم الذين دعوا الى ولاية علي (عليه السّلام) ثم خلطوها بولاية أبي بكر و عمر، و يثبتون لهم الإمامة و يبغضون عثمان و طلحة و الزبير

ص: 349


1- و قد يقال لهم: أبترية، و قيل: هما اثنان. و قيل هما و المغيرية واحد.
2- أقول: القياس يقتضي الفتح، لأنه مصدر: بتر، و الحق التثليث فيه، فتدبر.
3- و قيل بضم التاء، كما في كشاف اصطلاحات الفنون: 167/1.
4- الظاهر: سعيد، و نص عليه في توضيح المقال: 44، و معين النبيه: 26 - خطي -، و غيرهما.
5- كما ذكره في الاختيار و كذا في منهج المقال: 417 و الكل أخذه من رجال الكشي: 202 (طبعة اخرى صفحة: 152).
6- في البحار هنا: و الحسن.. و هو الظاهر الصحيح.
7- و من هنا قيل لهم الصالحية، كذا قال في معين النبيه: 26 - خطي - و غيره. و قال في البحار: 30/37: و البترية يسمون بالصالحية أيضا، لأن من رؤسائهم الحسن بن صالح.
8- في نسخة منهج المقال و كذا البحار: عتيبة.
9- الظاهر: أبو المقدام.

و عايشة، و يرون الخروج مع بطون ولد علي (عليه السّلام)، و يثبتون [من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر](1) لكل من خرج منهم عند خروجه الإمامة(2).

[(3)و الذي اعتقده ان البترية هم زيدية العامة.

ثم إن في وجه تسمية البترية وجهين:

أحدهما: ما هو المعروف من أنه بتقديم الباء الموحدة، نسبة الى المغيرة بن سعد(4) الأبتر(5)، أو لأنهم لما تبرءوا من أعداء الشيخين التفت إليهم زيد بن علي (عليه السّلام) و قال: أ تبرءون من فاطمة (عليها السّلام)؟! بترتم أمرنا بتركم اللّه. فقد روى الكشي (رحمه اللّه)(6) عن سعد(7) بن جناح الكشي، عن علي بن محمد بن

ص: 350


1- ما بين المعكوفتين من زيادات المصنف على الطبعة الثانية.
2- كذا بتصرف في المصادر السابقة، و كذا في البحار: 181/72 و أيضا في 37 / 310 و غيرها من المصادر الآتية.
3- من هنا الى قوله: و منها الجارودية، من زيادات المصنف رحمه اللّه على الطبعة الثانية.
4- الظاهر أنه: سعيد، كما مرّ.
5- لأنه كان أبتر اليد كما نص عليه في توضيح المقال: 44، و جامع المقال: 191، و معين النبيه: 26 - خطي -
6- في رجاله: 205 و ذكره العلامة المجلسي في بحاره: 178/72، و البحار: 31/37.
7- في المنهج: سعيد. خ. ل. و في البحار: 178/72: سعد. و في البحار 31/37: سعيد.

يزيد القمي(1)، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن الحسين(2) بن عثمان الرواسي، عن سدير قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السّلام) و معي سلمة ابن كهيل، و أبو المقدام، و(3) ثابت الحداد، و سالم بن أبي حفصة، و كثير النوا و جماعة معهم(4) و عند أبي جعفر (عليه السّلام) أخوه زيد ابن علي (عليه السّلام) فقالوا لأبي جعفر (عليه السّلام): نتولى عليا و حسنا و حسينا و نتبرأ من أعدائهم؟ قال: نعم قالوا: نتولى أبا بكر و عمر و نتبرأ من أعدائهم، قال فالتفت اليهم زيد بن علي (عليه السّلام) قال لهم: (أ تبرءون(5) من فاطمة (عليها السّلام)؟! بترتم أمرنا بتركم اللّه). فيومئذ سموا البترية(6).

ثانيهما: إنه بتقديم التاء المثناة من فوق على الباء الموحدة، و هو

ص: 351


1- في البحار: 31/37: العمي.
2- خ. ل: الحسن.
3- لا توجد واو في البحار و لا التكملة و هو الظاهر، لأن كنية ثابت الحداد أبو المقدام، فلاحظ.
4- في المنهج: منهم. خ. ل.
5- خ. ل: أ تتبرءون، و كذا في التكملة: أ تتبرون و المعنى واحد.
6- انظر الرواية في رجال الكشي: 205 (طبعة اخرى: 154) البحار: 72 / 178. قال في البحار: 30/37: و هم - أي البترية - وافقوا السليمانية إلا أنهم توقفوا في عثمان، هذا ما ذكره شارح المواقف في تحرير مذهبهم، و رأيت في شرح الأصول للناصر للحق.. الى آخر كلامه.

الذي اختاره الفاضل الكاظمي في تكملة النقد(1)، حيث روى الرواية هكذا: أ تتبرءون من فاطمة (عليها السّلام)؟! تبرأتم أمرنا تبرأكم اللّه، فيومئذ سموا التبرية. ثم فرع على هذه الرواية أن التبرية بتقديم التاء المثناة على الموحدة، و هو كما ترى.

و على كل حال، فقد روى الكشي في رجاله عن سعد بن جناح(2) الكشي، عن علي بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن فضيل، عن أبي عمر سعد الجلاب(3)، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: لو أن التبرية(4) صف واحد ما بين المشرق و المغرب ما أعزّ اللّه لهم(5)دينا(6).

ص: 352


1- التكملة: 292/1.
2- في البحار: سعد بن صباح.
3- في البحار: 31/37 هكذا: عن سعد الجلاب، و الظاهر أن السند هكذا: عن ابن أبي عمير عن سعد الجلاب فلاحظ.
4- في البحار: البترية.
5- خ. ل: بهم.
6- قاله الكشي في رجاله: 202، و حكاه المجلسي في بحاره: 180/72. انظر عن هذه الفرقة: بيان الأديان: 26 و 519، فرق الشيعة للنوبختي: 61، ريحانة الأدب: 142/2، تعليقة الوحيد على منهج المقال: 417، حور العين: 155، دائرة المعارف الإسلامية: 360/3. و في مقالات الإسلاميين للأشعري: 136/1 عدّها من فرق الزيدية، و كذا في كشاف اصطلاحات الفنون: 167/1، و شرح المواقف: 488/2 و كذا غيره. أقول: يظهر من رواية نقلها الكشي في رجاله: 206 أن مؤسس التبرية هو: عمر بن رباح، في قصة مفصلة.

و منها:

من الفرق الفاسدة: الجارودية

الجارودية:]

و يقال لهم: السرحوبية أيضا، لنسبتهم الى أبي جارود زياد بن المنذر السرحوب [الأعمى المذموم بالذم المفرط](1)، و هم القائلون بالنص على علي (عليه السّلام) و كفر الثلاثة و كل من أنكره(2). و في مجمع البحرين: هم فرقة من الشيعة ينسبون الى الزيدية و ليسوا منهم، نسبوا الى رئيس لهم من أهل خراسان يقال له أبو الجارود زياد ابن المنذر. و عن بعض الأفاضل أنهم فرقتان زيدية و هم شيعة، و فرقة بترية و هم لا يجعلون الإمامة لعلي (عليه السّلام) بالنص، بل عندهم هي شورى، و يجوّزون تقديم المفضول على الفاضل(3). و في بعض الكتب(4) أن الجارودية لا يعتقدون إمامة الشيخين، و لكن حيث رضي علي (عليه السّلام) بهما لم ينازعهما جريا مجرى الأئمة في

ص: 353


1- ما بين المعقوفين من زيادات الطبعة الثانية من المصنف رحمه اللّه. و قد ذكر الشيخ الكشي في رجاله: 150 روايات الذم و حكاها عنه و غيرها في البحار: 3/37 - 32، و ترجمه مفصلا الشيخ الجد قدس سره في رجاله: تنقيح المقال: 60/1 - 459.
2- نصّ على ذلك أكثر من واحد كما في جامع المقال: 191 و غيره.
3- قاله في مجمع البحرين: 191 - الحجرية - باب جرد، الطبعة الجديدة: 24/3 و اضاف:.. فلا يدخلون في الشيعة. و فيه بدلا من زياد بن المنذر: زياد بن أبي زياد.
4- المراد به كتاب توضيح المقال في علم الرجال: 44.

وجوب الإطاعة(1).

من الفرق الفاسدة: السليمانية

و منها:

السليمانية:

و هم القائلون بإمامة الشيخين و كفر عثمان، منسوبون الى سليمان بن جرير(2) [(3)القائل بان الإمامة شورى فيما بين الخلق، و يصح أن ينعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين، و أثبت لذلك إمامة الشيخين، و قال بكفر عثمان للأحداث التي أحدثها، و كفر عائشة و طلحة و الزبير لإقدامهم على قتال علي أمير المؤمنين (عليه السّلام)](4).

ص: 354


1- إلا أن في البحار: 29/37-30 قال: قالوا بالنص من النبي صلّى اللّه عليه و آله في الإمامة على أمير المؤمنين عليه السّلام وصفا لا تسمية!، و الصحابة كفروا بمخالفته و تركهم الاقتداء به بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الإمامة بعد الحسن و الحسين عليهما السّلام سوي في أولادهما، فمن خرج بالسيف و هو عالم شجاع فهو إمام، و اختلفوا في الإمام المنتظر عجل اللّه تعالى فرجه الشريف.. الى آخره، و يظهر من رجال الكشي: 229 برقم 413 كون السرحوبية من الزيدية خاصة. انظر رجال الكشي: 149 و 154 و 155. و فرق الشيعة: 59، فرهنگ علوم: 301، التبصرة: 185، ريحانة الأدب: 5/1-244. و 142/2. و كشاف اصطلاحات الفنون: 277/1.
2- قاله غير واحد كما في جامع المقال: 191 و غيره، إلا أن العلامة المجلسي في البحار: 30/37 قال هو سليمان بن حريز.
3- ما بين المعقوفين من زيادات الطبعة الثانية.
4- و من عقائدهم أنه تصح إمامة المفضول مع وجود الأفضل!، و أبو بكر و عمر إمامان و إن أخطأت الامة في البيعة لهما مع وجود علي عليه السّلام، لكنه خطأ لم ينته الى درجة الفسق.. الى غير ذلك من عقائدهم السخيفة. انظر: الملل و النحل: 159/1، كشاف الاصطلاحات: 697/1، ريحانة الأدب: 142/2، الفرق بين الفرق: 16، التبصرة: 186، و قد عدّهم في مقالات الإسلاميين: 135/1 و غيره من فرق الزيدية.
من الفرق الفاسدة: الصالحية

و منها:

الصالحية:

و هم فرقة من الزيدية يقولون بإمامة الشيخين(1).

من الفرق الفاسدة: الخطابية

و منها:

الخطابية:

و هم طائفة منسوبة الى الخطاب محمد بن وهب الأسدي(2)الأجدع، [و قيل: محمد بن مقلاص](3)، و كانوا يدينون بشهادة

ص: 355


1- انظر: الملل و النحل: 145/1، فرهنگ علوم: 325، كشاف الاصطلاحات: 821/1، الفرق بين الفرق: 171، الخطط: 350/2، نفائس الفنون: 275/2 عدّها من فرق الزيدية، و في مقالات الإسلاميين: 182/1 عدها من الخوارج، إلا أنه في صفحة: 198 من نفس المجلد عدّها من فرق المرجئة.
2- و قيل هم: أصحاب أبي الخطاب - لا خطاب - الأسدي، انظر كشاف اصطلاحات الفنون: 178/2، و شرح المواقف: 5/2-184.
3- من إضافات المصنف رحمه اللّه في الطبعة الثانية للكتاب. أقول: المشهور هو أن رئيس الخطابية هو هذا - أي محمد بن مقلاص أبي زينب الأسدي الكوفي الأجدع الزراد، و كنيته أبو الخطاب - و لعل هذا هو وجه الاشتباه - أو أبو إسماعيل أو أبو الظبيان - و كتب التراجم مملوءة بلعنه و البراءة منه، انظر رجال الكشي: 246 و 260، و فرق الشيعة: 42.. و غيرهما.

الزور على من خالفهم و خادعهم لمخالفتهم له في العقيدة إذا حلف على صدق دعواه، قاله في المجمع، ثم قال: و في الحديث سأله رجل:

اؤخر المغرب حتى يشتبك النجوم؟(1) فقال: خطابية، أي سنة سنها أبو الخطاب محمد بن مقلاص المكنى بأبي زينب(2).

قلت: الذي يفهم من الحديث أن أبا الخطاب - أيضا - كان مبدعا، و يظهر من تمام ما ذكره أن للخطابية إطلاقين:

أحدهما: المنسوبون الى محمد بن وهب.

و الآخر: المنسوبون الى أبي الخطاب(3)، و لعل الثاني هو الذي قيل إنه كان يزعم أن الأئمة (عليهم السّلام) أنبياء ثم آلهة(4)، و الآلهة نور من النبوة و نور من الإمامة، و لا يخلو العالم من هذه الأنوار، و ان الصادق (عليه السّلام) هو اللّه تعالى، و ليس المحسوس الذي

ص: 356


1- في رجال الكشي: 247: حتى تستبين النجوم، و مثله في الاستبصار: 1 / 292، فراجع.
2- مجمع البحرين: 52/2 [الحجرية: 108].
3- قاله في المجمع في آخر كلامه، و هو محمد بن المقلاص المكنى بأبي زينب، و ام الخطاب كانت أمة لزيد بن عبد المطلب فسطر بها نفيل فأحبلها!.
4- كما حكاه به غير واحد كما في معين النبيه: 27 - خطي -.

يرونه، بل أنه لما نزل الى العالم لبس هذه الصورة(1) الإنسانية لئلا ينفر منه، ثم تمادى الكفر به.. الى أن قال: (إن اللّه تعالى انفصل من الصادق (عليه السّلام) و حلّ فيه: و أنه أكمل من اللّه، تعالى عما يقولون علوا كبيرا)(2).

من الفرق الفاسدة: البزيعية

و منها:

البزيعية(3):

ص: 357


1- هنا سقط و هو: فرآه الناس الى وقت، و إنما لبس تلك الصورة الإنسانية.. إلى آخره.
2- قال في معين النبيه: 27 - خطي - بعد هذا الكلام و لما وقف عيسى بن موسى صاحب المنصور على خبث هذه المقالة قتله بالكوفة، و افترقوا بعده فرقا، فمنهم من قال إن الإمام بعده بزيع، و يقال لهم: البزيعية، و يقولون كل مؤمن يوحى إليه، و إن الإنسان إذا بلغ من الكمال لا يقال له مات بل رفع الى الملكوت. الى آخره. و بنص ما ذكره المصنف رحمه اللّه في توضيح المقال: 44، و الأصل فيه ما ذكره الوحيد البهبهاني في الفوائد: 411 - حاشية - مع فرق يسير، فراجع. انظر حول الخطابية: الملل و النحل: 179/1، فرق الشيعة للنوبختي: 47، كشاف الاصطلاحات: 430/1، دائرة معارف فريد و جدي: 3 / 720، الفرق بين الفرق: 165 و 170 و 180 و 182، و دائرة المعارف الإسلامية: 368/8، حور العين: 166، المعارف: 623، و انظر المستدرك رقم (200) الروايات الذامة لهم في رجال الكشي.
3- وقع كلام هل هم البزيعية أو البزيغية، و مرجع البحث الى أن رأسهم هل هو بزيع أو بزيغ.

فعن تاريخ أبي زيد البلخي(1) أنهم أصحاب بزيع الحائك، أقرّوا بنبوته و زعموا أن الأئمة (عليهم السّلام) كلهم أنبياء، و أنهم لا يموتون و لكنهم يرفعون. و زعم بزيع أنه صعد الى السماء، و أن اللّه تعالى مسح على رأسه و مج في فيه، فإن الحكمة تثبت في صدره. و في التعليقة: أنهم فرقة من الخطابية يقولون الإمام بعد أبي الخطاب بزيع، و ان كل مؤمن يوحى إليه، و ان الإنسان إذا بلغ الكمال لا يقال له مات، بل رفع الى الملكوت، و ادعوا معاينة أمواتهم بكرة و عشية(2).

من الفرق الفاسدة: البيانية

و منها:

البيانية:

فعن تاريخ أبي زيد البلخي - المزبور -(3) أنهم فرقة أقرّوا بنبوة بيان و هو رجل من سواد الكوفة، تأول قول اللّه عز و جل: هذا بَيانٌ لِلنّاسِ (4) انه هو، و كان يقول بالتناسخ و الرجعة، فقتله خالد ابن عبد اللّه القسري.

ص: 358


1- كما في توضيح المقال: 44، و حكى عنه غيره، و لم أجد التاريخ.
2- التعليقة للوحيد البهبهاني ذيل منهج المقال: 411 - الحاشية - بتصرف. و قد عدهم في مقالات إسلامية: 77/1 من غلاة فرق الشيعة، و انظر عنهم في: بيان الأديان: 27 و 530، فرق الشيعة: 29 و ما بعدها، الفرق بين الفرق: 181 و 396، المقالات و الفرق: 52 و 189، خطط المقريزي: 2 / 352، ريحانة الأدب: 160/1.
3- حكاه المصنف رحمه اللّه عن توضيح المقال: 44.
4- آل عمران: 138. و العجب كيف عدّوها من فرق الشيعة و هم ليسوا من فرق المسلمين!؟.
من الفرق الفاسدة: البنانية

[(1)و منها:

البنانية(2):

- بالباء الموحدة، و نونين بينهما ألف - و هم اتباع بنان بن سمعان الهندي الذاهب الى الحلول، و القائل بإمامة أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، و قد يطلق البنانية على أتباع بنان التبّان الذي ذكرنا ما ورد فيه و في بزيع الحائك من الذم و اللعن في ترجمتهما من تنقيح المقال(3)، فلاحظ].

من الفرق الفاسدة: الحرورية

و منها:

الحرورية:

و هم الذين تبرّءوا من عليّ (عليه السّلام) و شهدوا عليه

ص: 359


1- ما بين المعقوفتين الى: و منها الحرورية، لا توجد في الطبعة الأولى للكتاب.
2- هناك فرقتان على جناس واحد، هما: البنانية و البيانية، و قد تعرض لهما في كتب الأديان و المذاهب، و قيل بالتصحيف و وحدتهما، و الظاهر تعددهما. انظر عن البنانية و البيانية المصادر التالية: الملل و النحل: 152/1، فرق الشيعة: 39، دائرة المعارف الإسلامية: 361/4، الفرق بين الفرق: 165 و 170 و 173 و 314 و 387، التبصرة: 169، و قد عدّها المقريزي - في خططه - من فرق المشبهة: 349/2، إلا أنه في مقالات إسلامية: 66/1 و 95، عدّها من غلاة فرق الشيعة، و كذا في كشاف اصطلاحات الفنون: 219/1 و قال: اتباع بيان بن سمعان، و نظيره في شرح المواقف: 484/2.
3- تنقيح المقال: 4/1-183 و 8/1-167.

بالكفر - لعنهم اللّه(1) -.

[و قد روى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حكم(2)، و حمّاد(3) بن أبي مسروق قال:

سألني أبو عبد اللّه (عليه السّلام) عن أهل البصرة فقال لي: ما هم؟ قلت: مرجئة و قدريّة و حروريّة، فقال: لعن اللّه تلك الملل الكافرة المشركة الّتي لا تعبد اللّه على شيء(4).

هذا ثم لا يخفى عليك أن الحروريّة](5) نسبة الى حروراء موضع بقرب الكوفة(6) كان أول مجمعهم فيه(7). و في المجمع: أن الحروريّة - بفتح الحاء و ضمّها - و هم الخوارج، كان أول مجتمعهم

ص: 360


1- و لذا عدّهم في مقالات الإسلاميّين: 191/1 من فرق الخوارج.
2- في المصدر: حكيم.
3- هنا سقط و هو: و حماد بن عثمان عن أبي مسروق.
4- الكافي: 301/2 حديث 2.
5- الى هنا من زيادات المصنّف رحمه اللّه على الطّبعة الأولى.
6- حروراء - بالضم ممدودا أو مقصورا - قال في مراصد الاطلاع: 394/1: حروراء - بفتحتين و سكون الواو، و راء اخرى و ألف ممدودة - قرية بظاهر الكوفة، و قيل: موضع على ميلين منها، اجتمع فيها الخوارج الذين خالفوا عليّ ابن أبي طالب رضي اللّه عنه فنسبوا إليها، و انظر معجم البلدان: 245/2.
7- كما قاله في توضيح المقال: 45، و معين النّبيه: 27 - خطّي - و قال بعده: و هم أحد الخوارج الّذين قاتلهم عليّ عليه السّلام، فيكونوا من فرق الخوارج لا الشيعة.

فيها، تعمّقوا في الدّين حتّى مرقوا منه، فهم المارقون(1)، و منه الخبر: أ حروريّة أنت - بفتح الحاء، و ضم الراء الاولى - أي خارجيّة، توجبون قضاء صلاة الحيض. [(2)و قال بعض الأعاظم: إن الحروريّة فرقة من الخوارج، و يسمّون بالشّراة أيضا - بالشين المعجمة - جمع شاري، زعموا أنهم شروا أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون و يقتلون، و يظهر من بعضهم أن كل خارجي فهو من الشراة](3).

من الفرق الفاسدة: المخمسة

و منها:

المخمسة:

و هم فرقة من الغلاة يقولون إن الخمسة: سلمان و أبا ذر و المقداد و عمارا و عمرو بن أمية الضمري هم النبيون و الموكلون بمصالح العالم من قبل الرب(4)، و الرب عندهم علي (عليه السّلام)(5).

ص: 361


1- مجمع البحرين: 9/1-98 [الحجريّة: 20] بتصرف.
2- ما بين المعكوفين لا يوجد في الطبعة الاولى من الكتاب
3- انظر حول الحرورية المصادر التالية: الفرق بين الفرق: 43 و 328 و 343، قاموس إسلامي: 682/2، المقالات و الفرق: 128 و 129 و 130، حور العين: 200، خطط المقريزي: 4/2-350. و قد جاء في الأغاني: 3/7 في قصة السيد الحميري و ان ابويه كانا اباضيين قال: و هم قوم من الحرورية: كفروا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و أكثر الصحابة، انظر أعيان الشيعة: 149/12، و الغدير: 232/2. و انظر فرقة العلياوية - الآتية -.
4- قال في معين النبيه: 27 خطي:... من قبل علي الرب.
5- انظر حول المخمسة أيضا: ترجمة فرق الشيعة: 29 و 195 و 209 و 213 و المصادر الآتية في بحث الغلاة.
من الفرق الفاسدة: العلياوية

و منها:

العلياوية(1):

و هم - على ما في اختيار الكشي(2) - يقولون إن عليا (عليه السّلام) رب، و ظهر بالعلوية الهاشمية، و أظهر أنه عبده و أظهر وليه من عنده و رسوله بالمحمدية، و وافق أصحاب أبي الخطاب في أربعة أشخاص: علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السّلام)، و أن مضي الأشخاص الثلاثة فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السّلام) تلبيس، و الحقيقة شخص علي (عليه السّلام)، لأنه أول هذه الأشخاص في الإمامة، و أنكروا شخص محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلم) و زعموا أن محمدا عبد علي، و أن عليا (عليه السّلام) هو رب، و أقاموا محمدا (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) مقام ما أقامت المخمسة سلمان، و جعلوه رسولا لعلي (عليه السّلام)، فوافقوهم في الإباحات و التعطيل و التناسخ.

و العلياوية تسميها المخمسة: عليائية، و زعموا أن بشارا الشعيري لما أنكر ربوبية محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و جعلها في

ص: 362


1- و قيل: العليائية. و هما واحد، إلا أنهما غير العليانية، و إن قيل بوحدتهما - أيضا - كما في الفرق بين الفرق: 161، و يظهر من حاشية رجال الكشي أن الصحيح: العلباوية.
2- رجال الكشي: 398 حديث 744، بألفاظ متقاربة.

علي، و جعل محمدا (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) عبد علي (عليه السّلام)، و أنكر رسالة سلمان [و أقام مقام سلمان محمدا] مسخ على صورة طير يقال له: علياء، يكون في البحر، فلذلك سموهم:

العليائية، [و بشار الشعيري هو الذي روى الكشي في ترجمته عن الصادق (عليه السّلام) أنه: شيطان بن شيطان خرج من البحر فأغوى أصحابي(1)]. و في ترجمة محمد بن بشير: و زعمت هذه الفرقة و المخمسة و العلياوية و أصحاب أبي الخطاب أن كل من انتسب الى أنه من آل محمد فهو مبطل في نفسه مفتر على اللّه تعالى كاذب، و أنهم الذين قال اللّه تعالى فيهم أنهم يهودا أو و نصارى في قوله: وَ قالَتِ اَلْيَهُودُ وَ اَلنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اَللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ (2) محمد في مذهب الخطابية، و علي (عليه السّلام) في مذهب العلياوية، فهم ممن خلق، هذان كاذبون(3) فيما ادعوا من النسب، إذ كان محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) عندهم و علي (عليه السّلام) هو رب لا يلد و لم يولد و لم يستولد، جلّ اللّه و تعالى عما يصفون علوا كبيرا(4).

ص: 363


1- رجال الكشي: 400 حديث 746، و انظر حديث 744 و ما بعده. و كل ما بين المعقوفين فهو من زيادات الطبعة الثانية.
2- المائدة: 18.
3- كذا، و لعله: هؤلاء كاذبون.
4- رجال الكشي: 479-480 حديث 907 بتصرف، و انظر في ذمهم من رجال الكشي صفحة 571 برقم 1082، هذا على القول بوحدة العلياوية و العليائية، فراجع. و قد عدّهم في نفائس الفنون: 278/2 من فرق الغلاة، و انظر: ترجمة فرق الشيعة: 196 و 199 و 201، و خطط الشام: 353/2، و فرهنگ معين: 120/5.
من الفرق الفاسدة: القدرية

و منها:

القدرية:

و هم على ما في المجمع(1) و غيره(2): المنسوبون الى القدر، و يزعمون ان كل عبد خالق فعله، و لا يرون المعاصي و الكفر بتقدير اللّه و مشيئته، فنسبوا الى القدر لانه بدعتهم و ضلالتهم. و في شرح المواقف: قيل: القدرية هم المعتزلة، لإسناد أفعالهم الى قدرتهم.

و في الحديث: لا يدخل الجنة قدري، و هو الذي يقول(3): لا يكون ما شاء اللّه و يكون ما شاء إبليس(4). [و روى عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم): إن القدري(5) مجوس هذه الامة].

ص: 364


1- مجمع البحرين: 451/3.
2- كما في معين النبيه: خطي: 27، و غيره من المصادر الآتية.
3- في توضيح المقال: 45: بصيغة الجمع: و هم الذين يقولون...
4- مجمع البحرين: 451/3 [الحجرية: 279] بلفظه.
5- أقول: أحسبها: القدرية، و هي بالفاظ مختلفه في الروايات منها القائلين بالقدرة، و لا قدره. ذكر شيخنا الصدوق عليه الرحمة هذه الرواية و تسع روايات اخر في ذمهم في كتاب ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: 252 و ما بعدها. و روى الكشي: في ترجمة عبد اللّه بن عباس حديثا طويلا فيه:.. أن القدرية هم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا: لا قدر.. و روى: أن القرآن يخاصم المرجي و القدري و الزنديق، و فسّر المرجي بالأشعري، و القدري بالمعتزلي، كما حكاه في معين النبيه: 27 - خطي -.

و قد يقال: إنه لما كان المعتزلي من العدلية لقوله بالقدرة و الاختيار دون الجبر - كما عليه العدلية - من أن أفعال اللّه تعالى مخلوقة لهم لقدرتهم عليها و اختيارهم لها من غير إجبار عليها و لا مشارك فيها، فلذا نسبوا الى القدر لقولهم به، فهم مشاركون لاولئك من هذه الجهة. و أما من جهة نفي القضاء و القدر بالنسبة الى اللّه - كما هي مقالة أولئك - فغير معلوم موافقتهم لهم فيه، بل لعلهم موافقون الإمامية في ثبوت القضاء و القدر للّه، إذ القول بنفيه مخالف لصريح القرآن.

و كيف كان فتسميتهم به غير مناسبة(1)، لعدم قولهم به حتى ينسبوا إليه، فهي من باب تسمية الشيء باسم ضده كالبصير للأعمى(2).

[(3)ثم أن القدرية يسمون: المعتزلة أيضا، و هم فرق مختلفة فمنهم: الواصلية: أصحاب أبي حنيفة، واصل بن عطا الغزال(4).

ص: 365


1- في الأصل المطبوع: مناسب، و هو غير مناسب.
2- و من هنا قال المولى الكني في توضيح المقال: 45 - بعد ما سبق -: قلت: حيث أن التفسير المزبور مأخوذ من الخبر، و من حكاية الناقل المعتبر، فاللازم التزام السكوت، و إلا فتسمية شيء بما أنكره كما ترى، بل كان المناسب حينئذ تسميتنا بالقدري! لكن كيف مع الذم؟!.
3- ما بين المعقوفتين الى و منها: المرجئة، و كذا بين المعقوفتين السابقتين من إضافات المصنف رحمه اللّه على الطبعة الأولى.
4- في الأصل: العزال او الغرال، انظر عنهم: الملل و النحل: 46/1، فرهنگ علوم: 573، كشاف اصطلاحات الفنون: 1506/2، دائرة معارف فريد و جدي: 615/10 و 618، حور العين: 206، خطط الشام: 345/2، و عدّهم فيها من المعتزلة، نفايس الفنون: 270/2، و هناك فرقة صوفية تدعى بالواصلية كما في التبصرة: 131.

و الهذيلية: أصحاب أبي الهذيل العلاف(1).

و النظامية: أصحاب إبراهيم بن سيار بن هاني النظام(2).

و البشرية: أصحاب بشر بن المعتمر(3).

و المعمرية: أصحاب معمر بن عباد السلمي(4).

ص: 366


1- انظر عنهم: الملل و النحل: 49/1، بيان الأديان: 26 و 501، فرهنك علوم: 598، كشاف اصطلاحات الفنون: 1532/2، دائرة المعارف الإسلامية: 1 / 416، الفرق بين الفرق: 72 و 78، خطط المقريزي: 346/2، مقالات الإسلاميين: 103/1، التبصرة: 47.
2- انظر عنهم: الملل و النحل: 53/1، فرهنك علوم: 557، فرق الشيعة: 18 و 20، كشاف اصطلاحات الفنون: 1429/2، بيان الأديان: 26 و 509، دائرة معارف فريد و جدي: 309/10، الفرق بين الفرق: 72 و 87، حور العين: 152، التبصرة: 48 و 57، خطط الشام: 346/2.
3- انظر عنهم: الملل و النحل: 64/1، فرق الشيعة: 20 و 83. قاموس إسلامي: 321 و 515، الفرق بين الفرق: 72 و 107، اختيار معرفة الرجال - رجال الكشي -: 398 و 401. قال في كشاف اصطلاحات الفنون: 171/1 عن بشر بن المعتمر: كان من أفاضل علماء المعتزلة، و هو الذي أحدث القول بالتوليد.
4- انظر عنهم: الملل و النحل: 65/1، فرهنك علوم: 513، بيان الأديان: 26، فرق الشيعة للنوبختي: 21 و 138، كشاف الاصطلاحات: 963/2، الفرق بين الفرق: 72 و 104 و 181، حور العين: 167، نفايس الفنون: 2 / 270، التبصرة: 52، و عدهم في خطط الشام: 347/2 من فرق المعتزلة، إلا أنه في مقالات الإسلاميين: 77/1 عدهم من غلاة الشيعة.

و المزوارية(1): أصحاب عيسى بن صبيح المكنى: بأبي موسى الملقب: بالمزوار(2).

و الثمامية: أصحاب ثمامة بن أشرس النميري(3).

و الهشامية: أصحاب هشام بن عمرو الفوطي(4).

ص: 367


1- الظاهر أن الصحيح أنهم: مزدارية.
2- انظر عنهم: كشاف الاصطلاحات: 616/1، دائرة المعارف لفريد و جدي: 8 / 785، خطط الشام: 341/2، فرهنك علوم: 488.
3- انظر عنهم: الملل و النحل: 70/1، فرهنك علوم: 204، قاموس إسلامي: 1 / 541، نفائس الفنون: 270/2، الفرق بين الفرق: 72 و 73 و 364، خطط الشام: 347/2، التبصرة: 52، دائرة المعارف لفريد و جدي: 2 / 765. و في كشاف اصطلاحات الفنون: 252/1: التمامية - بالتاء لا الثاء - قال: فرقة من المعتزلة أتباع تمامه بن الشرس النميري.. إلى آخره.
4- انظر عنهم: و الملل و النحل: 72/1 و 184، فرهنك علوم: 597، بيان الأديان: 27 و 471، كشاف الاصطلاحات: 1536/2، الفرق بين الفرق: 72 و 110 259، التبصرة: 50 و 171 و 172، خطط الشام: 346/2.

و الجاحظية: أصحاب عمرو بن بحر الجاحظ(1).

و الخياطية: أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط(2).

و الجبائية(3) و البهشمية(4): أصحاب أبي علي محمد بن

ص: 368


1- انظر عن الجاحظية: الملل و النحل: 75/1، بيان الأديان: 26 و 515، فرهنك علوم: 205، قاموس إسلامي: 551/1، دائرة المعارف الإسلامية: 235/6، الفرق بين الفرق: 72 و 121 و 366، خطط الشام: 348/2، كشاف اصطلاحات الفنون: 329/1، شرح المواقف: 4/1-383.
2- انظر عن الخياطية: الملل و النحل: 76/1، التبصرة: 47، فرهنك علوم: 268، دائرة المعارف لفريد و جدي: 803/3، قاموس إسلامي: 306/2، الفرق بين الفرق: 72 و 124 و 367، خطط الشام: 341/2؟؟؟، نفايس الفنون: 2 / 2700، كشاف اصطلاحات الفنون: 217/2، شرح المواقف: 483/1.
3- انظر عن الجبائية: الملل و النحل: 78/1، الفرق بين الفرق: 73 و 127 و 369، دائرة معارف فريد و جدي: 21/3، فرهنگ علوم: 207، كشاف الاصطلاحات: 1 / 264، خطط الشام: 348/2.
4- انظر عن البهشمية و قيل: البهثمية: الملل و النحل: 78/1، فرهنگ علوم: 140، قاموس إسلامي: 1 / 382، الفرق بين الفرق: 82 و 128 و 369، خطط الشام: 348/2، كشاف اصطلاحات الفنون: 215/1، شرح المواقف: 483/2. إلا أنه يظهر من مجمع البحرين: 395/6 وحدة الفرقتين الأخيرتين حيث قال: فائدة: في بيان فرق المعتزلة: ذكر الصفدي: أن المعتزلة جنس يطلق على فرق منهم: الواصلية، و الهذلية... ثم قال: و الجبائية و هم البهثمية. ثم ذكر جملة من مشاهير كل طائفة.

عبد الوهاب الجبائي، و ابنه أبي هاشم عبد السّلام.

و إن شئت العثور على خرافاتهم فراجع الكتب المعدّة لشرح الملل و النحل](1).

من الفرق الفاسدة: المرجئة

و منها:

المرجئة:

المرجئة - بالميم، ثم الراء، ثم الهمزة بغير تشديد - من الارجاء بمعنى التأخير عند أكثر اللغويين(2)، و بالياء بدل الهمزة من غير تشديد أيضا. و وهم الجوهري فجعله عند إثبات الياء بدل الهمزة مشددا(3). و قد وقع الخلاف في تفسير اللفظة:

ص: 369


1- وقع كلام هل المعتزلة جنس فرده القدرية أم بالعكس، انظر عنهما: الملل و النحل: 43/1، فرهنگ علوم: 511، بيان الأديان: 26 و 503، التبصرة: 91 و 97، فرق الشيعة: 18، قاموس إسلامي: 1 / 130، دائرة معارف فريد و جدي: 423/6، معارف ابن قتيبة: 625، حور العين: 204، خطط الشام: 349/2 و 356، و في موارد متعددة من الفرق بين الفرق منها 76 و 80 و 88 و 110 و 119 و 140 و 145 و 147 و 153 و غيرها كثير. وعد في خطط الشام: 345/2 عشرين فرقة من المعتزلة. و في كشاف اصطلاحات الفنون: 54/2، و كذا في شرح المواقف: 483/2. عدا «الحابطية» من فرق المعتزلة.
2- قاله و ما بعده في مجمع البحرين: 35 - الحجرية - 176/1.
3- صحاح اللغة: 52/1.

فقيل(1): هم فرقة من المسلمين يقولون الإيمان قول بلا عمل، كأنهم قدموا القول و أرجئوا(2) العمل أي أخروه، لأنهم يريدون أنهم لو لم يصلّوا و لم يصوموا لنجاهم إيمانهم، ذكره في تاج العروس(3)، و حكي تفسيره به عن ابن قتيبة(4).

و قيل: هم فرقة من المسلمين يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن اللّه تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي أي أخره عنهم(5).

قلت: لا يبعد اتحاد هذا القول مع سابقه، و إن عدّمها بعضهم قولين، نعم هما مختلفان في وجه التسمية.

و قيل: هم الفرقة الجبرية الذين يقولون إن العبد لا فعل له، و إضافة الفعل إليه بمنزلة إضافته إلى المجازات، كجرى النهر

ص: 370


1- و القائل هو ابن قتيبة كما صرح به الشيخ يس في معين النبيه في رجال من لا يحضره الفقيه: 27 - خطي -، و نص عليه في توضيح المقال: 45 و غيره.
2- كذا، و الظاهر: أرجئوا
3- تاج العروس: 69/1. - بألفاظ متقاربة -. و قال: و هم - أي الطائفة المرجئة - بالهمز - و المرجية - بالياء المخففة لا المشددة. و في لسان العرب: 4/1-83 نقل العبارة، ثم تعرض لتحقيق رشيق، و قارن به القاموس المحيط: 16/1.
4- بحثنا عن هذا في المعارف لابن قتيبة فلم نجده، و لعله في مصنفاته الاخر. و قد حكاه عنه الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال: 411، فراجع.
5- كما في تعليقة الوحيد - ذيل منهج المقال: 411 - الحاشية -، و اختاره في معين النبيه: 27 - خطي -.

و دارت الرحى، و إنما سميت المرجئة: مجبرة(1) لأنهم يؤخرون أمر اللّه و يرتكبون الكبائر، حكي ذلك عن بعض أهل المعرفة بالملل. و عن المغرب عنه أنهم سمّوا بذلك لإرجائهم حكم الكبائر إلى يوم القيامة(2).

و قيل: هم الذين يقولون كل الأفعال من اللّه تعالى.

و قيل: المرجي هو الأشعري.

و ربما يطلق على أهل السنة لتأخيرهم عليا (عليه السّلام) عن الثلاثة(3).

و في الأحاديث المرجي يقول: من لم يصل و لم يصم و لم يغتسل من جنابة و هدم الكعبة و نكح امه فهو على إيمان جبرئيل و ميكائيل، و في الحديث خطابا للشيعة: أنتم أشد تقليدا أم المرجئة؟! قيل: أراد بهم ما عدا الشيعة من العامة، اختاروا من عند أنفسهم رجلا بعد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و جعلوه رئيسا و لم يقولوا بعصمته عن الخطأ، و أوجبوا طاعته في كل ما يقول، و مع ذلك قلدوه في كل ما قال، و أنتم نصبتم رجلا - يعني عليا (عليه السّلام) - و اعتقدتم عصمته عن الخطأ و مع ذلك خالفتموه في كثير من الامور، و سماهم مرجئة لأنهم زعموا أن اللّه تعالى أخر نصب الإمام ليكون نصبه باختيار الأمة بعد النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)(4). و في

ص: 371


1- في المصدر بالعكس، و إنما سميت المجبرة مرجئة.. الى آخره.
2- هنا كلمة (انتهى) و الظاهر كلام صاحب مجمع البحرين: 35-36 - حجري بتصرف -: 177/1.
3- حكى القيلات الثلاثة في توضيح المقال: 45.
4- الحديث في أصول الكافي: 53/1 حديث 2، و عنه في وسائل الشيعة: 9/18؟؟؟ حديث 2، و في ذيله: قال: قلت: قلّدنا و قلّدوا، فقال: لم أسألك عن هذا. فلم يكن عندي جواب أكثر من الجواب الأول، فقال أبو الحسن عليه السّلام: إن المرجئة نصبت رجلا لم تفرض طاعته و قلدوه، و انكم (خ. ل: و أنتم) نصبتم رجلا و فرضتم طاعته ثم لم تقلّدوه، فهم أشد منكم تقليدا. و هو في الكافي: 43/1 باب التقليد.

حديث آخر قال: ذكرت المرجئة و القدرية و الحرورية فقال: لعن اللّه تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد اللّه على شيء(1).

من الفرق الفاسدة: المغيرية

و منها:

المغيرية:

نسبة الى المغيرة بن سعيد و هم اتباعه(2)، يعتقدون ان اللّه تعالى جسّم على صورة رجل من نور على رأسه تاج من نور و قلبه منبع الحكمة(3).

ص: 372


1- الكافي الشريف: 301/2 حديث 2، باب في صنوف أهل الخلاف و ذكر القدرية و الخوارج و المرجئة... و قد سبق. انظر بقية الروايات في المستدرك رقم (200). و عن المرجئة: الملل و النحل: 139/1 و 144-146، فرق الشيعة: 14، دائرة المعارف لفريد و جدي: 723/8، و 195/4، الفرق بين الفرق: 19 و 134 و 145 و 146 و 371، المعارف لابن قتيبة: 625، حور العين: 203.
2- كما في التعليقة على منهج المقال: 340، و نصّ عليه كل من ترجم الرجل في المجاميع الرجالية.
3- و عقبه في معين النبيه: 26 - خطي - بقوله: و لما أراد أن يخلق الخلق تكلم بالاسم الأعظم فطار فوقع تاجا على رأسه.. الى آخر ترهاتهم.

[(1)و قيل: انه يقول بإمامة محمد بن عبد اللّه بن الحسن بعد الباقر، و ان محمد بن عبد اللّه حي لا يموت.

و يردّ ذلك ان لازمه حدوث المغيرية بعد الباقر (عليه السّلام)، و ظاهر رواية جابر المذكورة في الخوارج وجود هذا المذهب في زمان الباقر (عليه السّلام)، و هي ما رواه في الخرائج، عن جابر قال: كنّا عند الباقر (عليه السّلام) نحوا من خمسين رجلا، إذ دخل عليه كثير النوا - و كان من المغيرية - فسلم و جلس ثم قال: إن المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم ان ملكا يعرّفك الكافر من المؤمن، و شيعتك من أعدائك قال: ما عرفتك(2)؟ قال: أبيع الحنطة، قال: كذبت، قال: و ربما أبيع الشعير، فقال: ليس كما قلت، بل تبيع النوا، قال: من أخبرك بهذا؟ قال: الملك الذي يعرّفني شيعتي من عدوي، و لست تموت إلا تائها، قال جابر الجعفي: فلما انصرفنا الى الكوفة ذهبت في جماعة نسأل عنه فدللنا على عجوز، فقالت مات تائها منذ ثلاثة أيام(3)].

و ربما استظهر المولى الوحيد من التراجم كونهم من الغلاة، قال: و بعضهم نسبوهم إليهم(4).

ص: 373


1- ما بين المعقوفين من إضافات المصنف قدس سره على الطبعة الأولى. الى قوله: و ربما استظهر المولى.
2- كذا، و الصحيح: ما حرفتك؟
3- الخرائج و الجرائح: 246، باختلاف يسير.
4- التعليقة: 340. و قد عدّهم من غلاة فرق الشيعة في مقالات إسلاميين: 95/1 و قيل هم من التبرية الزيدية، كما تقدمت الإشارة الى ذلك. انظر عنهم: الملل و النحل: 176/1، فرق الشيعة: 46 و 63 و 66، دائرة المعارف لفريد و جدي: 94/7، الفرق بين الفرق: 165 و 170 و 174 و 177 و 178 و 240 و 322 و 388، المعارف لابن قتيبة: 623، الحور العين: 168.
من الفرق الفاسدة: النصيرية

و منها:

النصيريّة:

و هم - على ما في التعليقة(1) - من الغلاة أصحاب محمد بن نصير النّميري(2) - لعنه اللّه - كان يقول: الرّب هو عليّ بن محمد العسكري (عليهما السّلام)، و هو نبيّ من قبله، و أباح المحارم، و أحلّ نكاح الرجال. و عن الكشّي أنهم فرقة قالوا بنبوّة محمد بن نصير الفهري النّميري(3).

و قال بعض أجلّة من عاصرناه(4): أن المعروف عند الشّيعة - عوامهم و أكثر خواصّهم - لا سيّما شعرائهم إطلاق النّصيري

ص: 374


1- التّعليقة: 406، و صرّح بذلك في نفائس الفنون: 280/2 و غيره، انظر: منهج المقال: 327، و ترجمة الشّلمغاني في: 308، و تعليقة الوحيد البهبهاني عليه، و منتهى المقال لأبي عليّ: 12.
2- في الطّبعة الأولى من الكتاب: الفهري، و كذا في توضيح المقال: 46 و هو الظّاهر.
3- رجال الكشّي - اختيار معرفة الرّجال -: 521 حديث 1000، و انظر الحديث الّذي قبله، و عن ابن الغضائري اليه تنسب النّصيريّة. و في الخلاصة: 257 منه بدوا [كذا] النّصيريّة و إليه ينتسبون.
4- و هو المولى ملاّ عليّ الكني في كتابه توضيح المقال: 46.

على من قال بربوبية عليّ (عليه السّلام). قال: و في بعض الكتب حكاية قتله (عليه السّلام) لرئيسهم أو جمع منهم ثم إحيائهم ليرتدعوا عن ذلك فما نفعهم حتّى فعل بهم ذلك مرارا، بل أحرقهم ثم أحياهم فأصرّوا و زادوا في العقيدة المزبورة قائلين: إنّا اعتقدنا بربوبيّتك قبل أن نرى منك احياء، فكيف و قد رأيناه؟ ثم قال: إلاّ ان الكتاب المزبور لم يثبت اعتباره، و ان كان مسندا الى ثاني المجلسيّين (رحمهما اللّه) و هو كتاب تذكرة الأئمّة(1).

من الفرق الفاسدة: الشريعية

[و منها:

الشّريعيّة:(2)

و هم فرقة ينتسبون الى الحسن الشّريعي الّذي ادّعى السّفارة عن الحجّة عجّل اللّه تعالى فرجه كذبا، و ادّعى مقاما ليس له بأهل، و لعنته الشيعة، و خرج التّوقيع الشّريف بلعنه(3)، و من الشّريعيّة: محمد بن موسى بن الحسن بن فرات، و ابنه محمد(4)و أحمد بن الحسين بن بشر بن زيد(5)].

ص: 375


1- انظر عنهم: الملل و النحل: 188/1، كشاف الاصطلاحات: 1385/2، دائرة معارف فريد و جدي: 249/10، فرهنگ علوم: 556، التّبصرة: 180.
2- و منها الشّريعيّة الى المفوّضة من زيادات الطبعة الثّانية من المصنّف رحمه اللّه.
3- كتاب الغيبة للشّيخ الطّوسي: 244.
4- كذا، و الصّحيح أحمد بن محمد، لا محمد بن محمد.
5- انظر ترجمتهم في تنقيح المقال: 5/1-284، 193/3، 94/1، و انظر عن الشّريعيّة: الفرق بين الفرق: 184 و 398، دائرة المعارف لفريد و جدي 378/5، مقالات الإسلاميّين: 82/1 و عدّهم فيها من غلاة فرق الشيعة، إلاّ أنّ المقريزي في خطط الشّام: 191 عدّهم من فرق الخوارج، و انظر التّبصرة: 171.
من الفرق الفاسدة: المفوضة

و منها:

المفوّضة:

و هي على ما أفاده الوحيد(1) و العلاّمة المجلسي(2) و.. غيرهما (رحمهم اللّه) تطلق على معان كثيرة فيها الصّحيح و الفاسد:

أحدها: ما ذكره في آخر التّعليقة(3) من: أن اللّه تعالى خلق محمدا (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) و فوّض إليه أمر العالم، فهو الخلاق للدّنيا و ما فيها.

و قيل: فوّض ذلك إلى عليّ (عليه السّلام)(4). و ربما يقولون بالتّفويض إلى سائر الأئمّة (عليهم السّلام) أيضا، كما يظهر من

ص: 376


1- في التّعليقة: 8 - الحاشية -، ذيل رجال الخاقاني: 39.
2- في البحار: 328/25 و 347 و ما بعدها، فصل في بيان التفويض و معانيه. و عقد ثقة الإسلام في الكافي الشريف في باب الحجة من أصوله بابا في التفويض الى رسول اللّه (ص) و الأئمة عليهم السّلام في أمر الدين، و انظر شرحه للمولى المجلسي: مرآة العقول: 141/3 و ما بعدها، و شرح أصول الكافي للمولى ملا صالح المازندراني: 129/7 و ما بعدها.
3- آخر التعليقة للوحيد المطبوع في هامش منهج المقال: 410، عند ذكر الفرق.
4- بنصّه في معين النبيه: 26 - خطّي - و نقله غيره عنه، و الأصل للمجلسي قدّس سرّه ظاهرا لاتحاد اللفظ و سبق التّاريخ.

بعض التّراجم(1).

قلت: قد نسب الاعتقاد بذلك إلى طائفة، فإن أرادوا ظاهره و هو أنهم هم الفاعلون لذلك حقيقة فهو الكفر الصّريح، و قد دلّت الأدلّة العقليّة و النّقليّة على بطلانه، و في العيون عن الرّضا (عليه السّلام): إن من زعم أن اللّه تعالى فوّض أمر الخلق و الرّزق إلى حججه فهو مشرك.. الحديث(2). و إن أرادوا أنّ اللّه تعالى هو الفاعل وحده لا شريك له، و لكن مقارنا لإرادتهم و دعائهم و سؤالهم من اللّه ذلك كشقّ القمر و إحياء الموتى و قلب العصا و.. غير ذلك من المعجزات فهو حق، لكرامتهم عند اللّه، و زيادة قربهم منه،

ص: 377


1- الى هنا كلام الوحيد في التعليقة: 410، و انظر ترجمة محمد بن سنان في 297-300، و منهج المقال: 298، و غيرها.
2- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام: 124/1 حديث: 17، و فيه: و من زعم أن اللّه عزّ و جل فوّض أمر الخلق و الرّزق الى حججه عليهم السّلام فقد قال بالتّفويض، و القائل بالجبر كافر و القائل بالتّفويض مشرك. و بهذا المضمون في العيون: 203/2 حديث 4 و حكاه عنه في البحار: 329/25، و له نظائر كثيرة في عيون أخبار الرّضا عليه السّلام و غيره كما في صفحة 326، و انظر الاحتجاج: 264. و في غيبة الشّيخ الطّوسي: 159 في حديث طويل عن الحجّة سلام اللّه عليه،.. و جئت تسأل عن مقالة المفوّضة؛ كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة اللّه، فإذا شاء شئنا.. و سنوافيك في المستدرك ببقيّة روايات الباب. و قد نفي التّفويض في جملة من الرّوايات عنهم عليهم السّلام كما في تفسير العيّاشي: 197/1 و 198، و إنّما أريد به نفي اختيارهم فيما حتم اللّه و أوحى به إليهم، فلا ينافي تفويض الأمر إليهم في بعض الموارد الآتية.

و إظهار فضلهم و رفعة مقامهم بين خلقه و عباده حتّى يصدّقوهم و ينقادوا لهم، و يهتدوا بهداهم و يقتدوا بهم، فإنّهم الدّعاة إلى اللّه، و الأدلاء على مرضاته، و لكن هذا المعنى ليس من التّفويض في شيء، بل هو المعجز الصّرف نشأ على يدي حجّة اللّه تعالى لبلوغه أعلى مراتب الاخلاص و العبوديّة، فتفسير التّفويض بذلك لا وجه له.

الثّاني: التّفويض في أمر الدين، بمعنى أن اللّه تعالى فوّض إليهم أن يحلّلوا ما شاءوا و يحرّموا ما شاءوا، و يصحّحوا ما شاءوا و يبطلوا ما شاءوا بآرائهم من غير وحي، و هذا أيضا ضروريّ البطلان، و قد تظافرت الآيات و تواترت الأخبار بأنّهم لا ينطقون عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، و انّ اللّه تعالى كان متفضّلا عليهم بملكة كانوا يفهمون من كتاب اللّه تعالى ما كان و ما يكون، و أنّ الكتاب تبيان كل شيء، و إن أرادوا بذلك أنه تعالى لمّا أكمل نبيّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بحيث لا يختار إلاّ ما يوافق الحق و لا يخالف مشيّته، فوّض إليه تعيين بعض الأمور كزيادة بعض الرّكعات و تعيين النّوافل من الصّلاة و الصّيام، و طعمة الجد و.. نحو ذلك إظهارا لشرفه و كرامته، ثم لما اختار أكد ذلك بالوحي من عنده، فلا فساد عقلا و لا نقلا فيه، بل في كثير من الأخبار ما يدل عليه، و قد عقد له في الكافي بابا(1)، بل نسبه بعضهم إلى أكثر

ص: 378


1- أصول الكافي: 438/1. و كذا في بصائر الدّرجات: 111 و 114. أقول: ما عن بصائر الدّرجات: 113 و كذا الاختصاص: 330 من قول الإمام الباقر عليه السّلام: من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظّالمين فهو له حلال، لأن الأئمّة منّا مفوّض إليهم. حيث استعمل لفظ التّفويض فيه، و كذا في نصوص اخر كقولهم عليهم السّلام:.. فإن الأمر مفوّض إليه، فإنّها مفسّرة بما ذكره العلاّمة المجلسي رحمه اللّه و غيره، لا ما يقوله بعض جهّال الشّيعة و المنحرفين!!.

المحدّثين(1).

الثالث: تفويض أمر الخلق إليهم في السّياسة و التّأديب و التّكميل، و أمرهم بطاعتهم، بمعنى أنه يجب عليهم طاعتهم في كل ما يأمرون به و ينهون عنه، سواء علموا وجه الصّحة أم لا، بل و لو كان بحسب ظاهر نظرهم عدم الصّحّة، بل الواجب عليهم القبول و تفويض الأمر إليهم و التّسليم لهم بحيث لا يجدون حرجا فيما قضوا و يسلّموا تسليما، كما قال سبحانه(2)، و هذا لا شبهة في صحّته.

الرّابع: تفويض بيان العلوم و الأحكام على ما أرادوا و رأوا

ص: 379


1- في أصول الكافي الشّريف: 366/1 كتاب الحجّة، باب قول النّبي (صلّى اللّه عليه و آله) حديث 5 بسنده عن الإمام الجواد عليه السّلام في حديث: إن اللّه تبارك و تعالى لم يزل متفردا بوحدانيّته ثم خلق محمدا و عليّا و فاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها و أجرى طاعتهم عليها و فوّض أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاءون و يحرّمون ما يشاءون، و لن يشاءوا إلا أن يشاء اللّه تبارك و تعالى، ثم قال: يا محمد (ابن سنان)! هذه الدّيانة الّتي من تقدّمها مرق و من تخلّف عنها محق و من لزمها لحق. و في عيون أخبار الرّضا عليه السّلام: 326 بسنده قال قلت للرضا عليه السّلام: ما تقول في التّفويض؟ فقال: إن اللّه تبارك و تعالى فوّض الى نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أمر دينه فقال ما آتاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فأمّا الخلق و الرّزق فلا... إلى آخره.
2- إشارة الى قوله عزّ من قائل: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً النساء: 65.

المصلحة فيه، لاختلاف عقول النّاس أو للتّقيّة، فيفتون بعض الناس بالأحكام الواقعيّة و بعضهم بالتّقيّة، و يسكتون عن جواب آخرين بحسب المصلحة، و يجيبون في تفسير الآيات و تأويلها و بيان الحكم و المعارف بحسب ما يحتمله عقل كل سائل، و قد جاء في غير واحد من الأخبار: عليكم أن تسألوا و ليس علينا أن نجيب(1). و هذا أيضا لا ريب في صحّته.

الخامس: التّفويض في الإعطاء و المنع، فإن اللّه تعالى خلق لهم الأرض و ما فيها، و جعل لهم الأنفال و صفو المال و الخمس و..

غيرها، فلهم أن يعطوا ما شاءوا و يمعنوا كذلك، و هذا أيضا لا إشكال في صحّته(2).

السّادس: الاختيار في أن يحكموا في كل واقعة بظاهر الشّريعة أو بعلمهم أو ما يلهمهم اللّه تعالى من الواقع، كما دلّ عليه بعض الأخبار، ذكره السّيد (رحمه اللّه) في محكي رجاله. و هو على ظاهره من التّخيير المطلق في الحكم في كل واقعة من دون ملاحظة

ص: 380


1- جاء في البحار: 349/25 عنهم عليهم السّلام: عليكم المسألة و ليس علينا الجواب.
2- انظر روايات الباب في الاختصاص: 322، و بصائر الدّرجات: 112، و كشف الغمّة: 85 - حجريّة -، و البحار: 339/25، و 310.. و غيرها. و انظر الوسائل: 1065/4 باب 36 حديث 11 و غيره.

خصوصيّات المقام، و ما فيه من المصالح و المفاسد و الحكم المترتّبة عليه كالتّخيير الابتدائي الثّابت بدليله كالقصر و الاتمام في مواضع التّخيير و خصال الكفّارة التّخييريّة و.. نحوهما محل تأمّل و إشكال(1).

السابع: تفويض تقسيم الأرزاق، جعله في الفوائد مما يطلق عليه التفويض(2) و صحته و فساده يعرف من المعنى الأول، و لعله يرجع إليه أو عينه، إلا أن يعمم الأول للخلق و الرزق و الآجال و..

غيرها.

و يختص هذا بخصوص الأرزاق كما هو ظاهره.

الثامن: ما عليه المعتزلة من أن اللّه سبحانه لا صنع له و لا دخل في أفعال العباد سوى أن خلقهم و أقدرهم ثم فوض إليهم أمر الأفعال يفعلون ما يشاءون على وجه الاستقلال، عكس مقالة المجبّرة، فهم بين إفراط و تفريط، و هو الذي ينبغي أن ينزل عليه قولهم (عليهم السّلام): لا جبر و لا تفويض لمقابلته بالجبر، إذ كما أن في الجبر نسبة العدل الرءوف الى الظلم و العدوان، فكذا في التفويض عزل للمحيط القائم على كل نفس بما كسبت من السلطان.

ص: 381


1- قال في منتهى المقال: 12: و هذا محل اشكال عندهم رحمهم اللّه لمنافاته لظاهر: و ما ينطق عن الهوى - و أمثالها. أقول: لم أفهم وجه المنافاة، كيف و الوحي هو المميّز، و الآية لنا لا علينا، فتدبّر.
2- التعليقة - الفوائد للوحيد -: 8 [ذيل رجال الخاقاني: 39] قال: و لعله مما يطلق عليه.

و قد جاءت الأخبار بذم الفريقين، و ان الحق أمر بين الأمرين(1).

التاسع: قول الزنادقة و أصحاب الإباحات، و هو القول برفع الحضر عن الخلق في الأفعال و الإباحة لهم ما شاءوا من الأعمال(2).

و إذ قد عرفت ذلك كله و أن بعض الأقسام صحيح، و بعضها فاسد، فلا ينبغي المسارعة الى القدح في الرجل بمجرد عد بعضهم له من المفوضة، إذ لعله يقول بالقسم الصحيح من التفويض، بل لا بد من التأمل و التروي.

و دعوى اشتهار التفويض في المعاني المنكرة فينصرف الإطلاق إليها و ينزل عليها(3) كما ترى.

ص: 382


1- عقد الشيخ الكليني رحمه اللّه في أصوله: 119/1-122 بابا في الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين، و ذكر جملة روايات، و كذا غيره من مشايخنا رضوان اللّه عليهم.
2- و قد ذكر المولى الوحيد البهبهاني قدس سره في تعليقته: 8، معنى عاشرا للتفويض فقال: تفويض الإرادة، بأن يريد شيئا لحسنه، و لا يريد شيئا لقبحه كإرادة تغير (الظاهر: تغيير) القبلة، فأوحى اللّه بما أراد. أقول: لم أفهم المراد و لا المثال و لا الممثل، فتأمل. و لعل مراده أن تكون إرادته سبحانه و تعالى تابعة لإرادتهم عليهم السّلام. بعد تفويض الإرادة لهم (عليهم السّلام)، و هو أقرب للتفويض المبغوض، و كأنه سبحانه و تعالى تابع لإرادتهم عليهم السّلام، تعالى اللّه و تعالوا عن ذلك علوا كبيرا.
3- كما ادعاه غير واحد، قال في توضيح المقال: 46: و لكن الذي يظهر بإطلاق المفوضة أن المراد منها من قال بأحد الوجهين الأولين - أي تفويض الخلق و الرزق - خصوصا، و الغالب أنهم يذكرون ذلك في مقام الذم، و اختصاص الرجل باعتقاد مخصوص. ثم قال: و لا اختصاص للاعتقاد بأكثر المعاني المزبورة ببعض طوائف الشيعة. و نعم ما أفاد. إلا أن الشيخ المفيد رحمه اللّه - في تصحيح الاعتقاد: 64 - عدّ المفوضة صنفا من الغلاة مطلقا، و ان قولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمة و خلقهم و نفي القدم عنهم و إضافة الخلق و الرزق إليهم، و دعواهم ان اللّه تعالى تفرد بخلقهم خاصة، و أنه فوض إليهم خلق العالم و ما فيه و جميع الأفعال.. انظر حول المفوضة: الفرق بين الفرق - غير ما مر -: 170 و 182 و 240 و 397. مقالات الإسلاميين: 86/1 عدّهم من غلاة الشيعة، كشاف الاصطلاحات: 2 / 1128، دائرة المعارف الإسلامية: 322/1 مادة آل البيت.
من الفرق الفاسدة: الجبرية

و منها:

الجبرية:

الجبرية: بالجيم المفتوحة، ثم الباء الساكنة خلاف القدرية(1)، و في عرف أهل الكلام يسمون المجبرة و المرجئة لأنهم يؤخرون أمر اللّه، و يرتكبون الكبائر، قاله في المجمع(2)، ثم قال:

و المفهوم من كلام الأئمة (عليهم السّلام) ان المراد من الجبرية

ص: 383


1- قال في كشاف اصطلاحات الفنون: 283/1، و سبقه في شرح المواقف: 2 / 491: إن الجبرية - بفتحتين - خلاف القدرية على ما في الصراح، و في المنتخب. ثم قال: و فتح الباء - كما اشتهر - أما غلط، و أما لجهة مناسبة بالقدرية.
2- في نسختنا من المجمع: و هذا معنى التفويض ثم قال: يعني ان اللّه تعالى فوض إليهم أفعالهم.

الأشاعرة، و من القدرية المعتزلة، لأنهم شهروا أنفسهم بإنكار ركن عظيم من الدين و هو كون الحوادث بقدرة اللّه تعالى و قضائه، و زعموا أن العبد قبل أن يقع منه الفعل مستطيع تام - يعني لا يتوقف فعله على تجدد فعل من أفعاله تعالى - و هذا أحد معاني التفويض(1).

و قال علي بن إبراهيم: المجبرة الذين قالوا ليس لنا صنع و نحن مجبرون، يحدث اللّه لنا الفعل عند الفعل، و إنما الأفعال منسوبة الى الناس على المجاز لا على الحقيقة، و تأولوا في ذلك بآيات من كتاب اللّه لم يعرفوا معناها مثل قوله:

وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اَللّهُ (2) ، و قوله: «من يُرِدِ اَللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً (3) و.. غير ذلك من الآيات التي تأويلها على خلاف معانيها، و فيما قالوه ابطال للثواب و العقاب، و إذا قالوا ذلك ثم أقرّوا بالثواب و العقاب نسبوا الى اللّه تعالى الجور، و ان يعذب على غير اكتساب و فعل، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا أن يعاقب أحدا على غير فعل، و بغير حجة واضحة عليه، و القرآن كله و العقل(4) ردّ عليهم(5)، كما لا يخفى على من راجع و تدبر.

ص: 384


1- مجمع البحرين: 241/3 [الحجرية: 236] بتصرف.
2- الإنسان: 30.
3- الأنعام: 125.
4- كلمة (و العقل) لا توجد في نسختنا من المجمع.
5- الى هنا ما في مجمع البحرين: 241/3 [الحجرية: 236] بتصرف و توضيح.

[(1)ثم لا يخفى عليك أن الجبرية فرق: فمنهم:

الجهمية: أصحاب جهم بن صفوان(2).

و النجارية: أصحاب الحسين بن محمد النجار(3).

و الضرارية: أصحاب ضرار بن عمرو(4) و.. غيرهم و يطلب

ص: 385


1- من زيادات المصنف رحمه اللّه في الطبعة الثانية للكتاب الى: و منها الغلاة.
2- انظر عن الجهمية: الملل و النحل: 86/1، بيان الأديان: 28، فرق الشيعة للنوبختي: 14، فرهنگ علوم: 217، المقالات و الفرق: 6، قاموس إسلامي: 649/1، فهرست ابن النديم: 489، دائرة معارف فريد و جدي: 266/3، الفرق بين الفرق: 145 و 153 و 160، حور العين: 146 و 255، مقالات الإسلاميين: 197/1 و 244، و كشاف اصطلاحات الفنون: 373/1، قال: فرقة جبرية خالصة.
3- انظر عن النجارية: الملل و النحل: 88/1، فرهنگ علوم: 549، بيان الأديان: 27 و 461، نفائس الفنون: 272/2 و عدّهم من الجبرية، التبصرة: 62 و 91 و 163، الفرق بين الفرق: 88 و 113 و 150 و 152، كشاف الاصطلاحات: 1382/2، خطط الشام: 350/2، مقالات الإسلاميين: 199/1 و عدّهم من المرجئة.
4- انظر عن الضرارية: الملل و النحل: 90/1، فرهنگ علوم: 345، بيان الأديان: 27 و 463، فرق الشيعة: 18 و 21، دائرة المعارف لفريد و جدي: 650/5، الفرق بين الفرق: 113 و 155 و 253 و 376 و 442، حور العين: 255، خطط الشام: 349/2، مقالات الإسلاميين: 313/1، نفايس الفنون: 2 / 272.

شرح عقائدهم الفاسدة من الكتب المعدة لبيان الملل و النحل(1).

ثم ان الخوارج فرق منهم:

الأزارقة: أصحاب أبي راشد نافع بن الأزرق(2).

و البيهسية: أصحاب أبي بيهس الهيصم بن جابر(3).

و العجاردة: أصحاب عبد الكريم بن عجرد(4).

ص: 386


1- انظر حول الجبرية: الملل و النحل: 85/1، قاموس إسلامي: 577/1، دائرة معارف فريد و جدي: 24/3، دائرة المعارف الإسلامية: 282/6، كشاف اصطلاحات الفنون: 200/1، خطط الشام: 349/2، فرهنگ معين: 425/5، و ما مرّ من المصادر.
2- انظر عن الأزارقة: الكامل لابن الأثير: 443/4، الأعلام: 315/8، الفرق بين الفرق: 47، التبصرة: 38، بيان الأديان: 27 و 547، القاموس الإسلامي: 1 / 75، كشاف الاصطلاحات: 617/1، دائرة المعارف لفريد و جدي: 4 / 553، دائرة المعارف الإسلامية: 32/2، حور العين: 177.
3- انظر عن البيهسية: بيان الأديان: 27 و 555، الملل و النحل: 125/1، الفرق بين الفرق: 54 و 67 و 68 و 341، دائرة المعارف الإسلامية: 316/1، مقالات الإسلاميين: 177/1، قاموس إسلامي: 415/1، المقالات و الفرق: 85 و 221، المعارف لابن قتيبة: 622، حور العين: 176، خطط الشام: 355/2. و في شرح المواقف: البيهشية - بالشين المعجمة - انظر كشاف اصطلاحات الفنون: 177/1 و قال: أصحاب بيهس (كذا) بن الهيصم بن جابر.
4- انظر عن العجاردة: الملل و النحل: 128/1، التبصرة: 38، فرهنگ علوم: 366، نفائس الفنون: 273/2، بيان الأديان: 27 و 550، الفرق بين الفرق: 41 و 55 و 57 و 200 و 336، حور العين: 171، خطط الشام: 354/2، و في مقالات الإسلاميين: 164/1 عدهم من فرق عطوية الخوارج، و عد في كشاف اصطلاحات الفنون: 356/1: المجهولية من العجاردة.

و الصلتية: أصحاب عثمان بن أبي الصلت(1).

و الحمزية: أصحاب حمزة بن أدرك(2).

و الشعيبية: أصحاب شعيب بن محمد(3).

و الميمونية: أصحاب ميمون بن خالد(4).

ص: 387


1- انظر عن الصلتية: كشاف الاصطلاحات: 811/1، التبصرة: 40، حور العين: 171، فرهنگ علوم: 333، دائرة المعارف الإسلامية: 308/14، فرهنگ معين: 1028/5، و عدّهم في مقالات الإسلاميين: 166/1 من العجاردة الخوارج.
2- انظر عن الحمزية: القاموس الإسلامي: 158/2، كشاف اصطلاحات الفنون: 297/1، دائرة المعارف لفريد و جدي: 594/3، الفرق بين الفرق: 57 و 59، حور العين: 171، التبصرة: 40، خطط الشام: 355/2، و عدهم في مقالات الإسلاميين: 165/1، من العجاردة الخوارج.
3- انظر عن الشعيبية: كشاف الاصطلاحات: 733/1، فرهنگ علوم: 318، الفرق بين الفرق: 57، خطط الشام: 355/2، نفائس الفنون: 274/2 و في مقالات الإسلاميين: 165/1 عدهم من عجاردة الخوارج.
4- انظر حول الميمونية: حور العين: 171، التبصرة: 40 و 182، فرهنگ علوم: 545 كشاف اصطلاحات الفنون: 1550/2، الفرق بين الفرق: 67 و 170 و 259، نفايس الفنون: 273/2، خطط الشام: 354/2، و عدهم في مقالات الإسلاميين: 164/1 من عجاردة الخوارج، إلا أن في نفايس الفنون: 2 / 278 عدهم من غلاة الشيعة و لكن بعنوان: ميمنية، و لعلهما اثنان و إن قيل بوحدتهما.

و الأطرافية: القائلين بمعذورية أصحاب الأطراف(1).

و الحازمية: أصحاب حازم بن علي(2).

و الثعالبة: أصحاب ثعلبة بن عامر(3).

ص: 388


1- انظر حول الأطرافية: دائرة المعارف لفريد و جدي: 717/5، كشاف الاصطلاحات: 1 / 916، الملل و النحل: 130/1، التبصرة: 43.
2- قيل الحازمية و الخازمية واحدة، و قيل فرقتان: انظر: خطط الشام: 355/3، نفايس الفنون: 274/2، فرهنگ علوم: 219. و قال في كشاف اصطلاحات الفنون: 131/2 انهم أصحاب حازم بن عاصم و كذا في شرح المواقف: 490/2.
3- انظر عن الثعالبة: الملل و النحل: 131/1، بيان الأديان: 27 و 551، فرهنگ علوم: 203، قاموس إسلامي: 537/1، الفرق بين الفرق: 61 و 339، حور العين: 172، نفايس الفنون: 274/2، و في كشاف اصطلاحات الفنون: 245/1، قال: من الخوارج أصحاب ثعلب - لا ثعلبة - بن عامر.

و الرشيدية: أصحاب الطوسي، و يقال لهم: العشيرية(1).

و الشيبانية: أصحاب شيبان بن سلمة(2).

و المكرمية: أصحاب مكرم بن عبد اللّه العجلي(3).

و الإباضية: أصحاب عبد اللّه بن إباض(4).

ص: 389


1- انظر عن الرشيدية: الملل و النحل: 132/1، قاموس إسلامي: 538/2، التبصرة: 43، الفرق بين الفرق: 63 و 339، حور العين: 172، نفائس الفنون: 2 / 274، و في مقالات الإسلاميين: 168/1 عدّهم من عجاردة الخوارج، و في خطط الشام: 355/2 سماهم ب: العشرية، و عبر عنهم المصنف هنا ب: العشيرية.
2- انظر عن الشيبانية: الملل و النحل: 132/1، بيان الأديان: 28، فرهنگ علوم: 323، نفائس الفنون: 274/2، كشاف الاصطلاحات: 734/1، الفرق بين الفرق: 62 و 339، حور العين: 172، خطط الشام: 355/2، و في مقالات الإسلاميين: 167/1 عدهم من العجاردة الخوارج.
3- انظر عن المكرمية: الملل و النحل: 133/1، فرهنگ علوم: 530، كشاف الاصطلاحات: 1266/2، حور العين: 172، التبصرة: 41، مقالات الإسلاميين: 1 / 168.
4- انظر حول الإباضية: الفرق بين الفرق: 63 و 67، القاموس الإسلامي: 251/2، قاموس إسلامي - فارسي -: 6/1، الملل و النحل: 134/1، الأعلام: 184/4 و 289، حور العين: 173 و 202، دائرة معارف فريد و جدي: 25/1، و مقالات الإسلاميين: 170/1. قال في كشاف اصطلاحات الفنون: 1 / 4-113:.. و افترقوا أربع فرق: الحفصية، و اليزيدية، و الحارثية، و الرابعة: العبادلة.

و الحفصية: أصحاب حفص بن أبي المقدام(1).

و الحارثية: أصحاب الحارث الإباضي(2).

و اليزيدية: أصحاب يزيد بن نيسة(3).

ص: 390


1- انظر عن الحفصية: الملل و النحل: 135/1، بيان الأديان: 27 و 554، قاموس إسلامي: 118/2، دائرة معارف فريد و جدي: 462/3، الفرق بين الفرق: 41 و 63 و 64 و 340، حور العين: 175، خطط الشام: 355/2، نفائس الفنون: 275/2، و عدهم في مقالات الإسلاميين: 170/1 من الإباضية الخوارج، كشاف اصطلاحات الفنون: 52/2 و عدهم من فرق الإباضية، أصحاب أبي حفص بن أبي المقدام.
2- انظر حول الحارثية: الملل و النحل: 136/1، نفايس الفنون: 275/2، فرهنگ علوم: 219، قاموس إسلامي: 11/2 قال: يطلق على فرق ثلاثة، المقالات و الفرق: 30 و 179، خطط الشام: 355/2، الفرق بين الفرق: 41 و 64 و 340، كشاف اصطلاحات الفنون: 19/2، و عدهم من فرق الإباضية لا الخوارج.
3- انظر عن اليزيدية: الملل و النحل: 136/1، فرهنگ علوم: 600، بيان الأديان: 27 و 557، كشاف اصطلاحات الفنون: 614/1، وفيات الأعيان: 254/3، التبصرة: 41 و 99، الفرق بين الفرق: 41 و 64 و 170 و 200 و 259، حور العين: 175، فرهنگ معين: 1165/5، خطط الشام: 355/2، نفايس الفنون: 275/2، و في مقالات الإسلاميين: 170/1 عدهم من الإباضية الخوارج.

و الصفرية الزيادية: أصحاب زياد بن الأصفر(1).

و اليونسية: أصحاب يونس السمري(2).

و العبيدية: أصحاب عبيد المكبت(3).

و الغسانية: أصحاب غسان الكوفي(4).

ص: 391


1- انظر حول الصفرية (الزيادية): الملل و النحل: 137/1، بيان الأديان: 27 و 552، مقالات الإسلاميين: 169/1، دائرة معارف فريد و جدي: 522/5، الفرق بين الفرق: 41 و 53 و 54 و 75 و 335، دائرة المعارف الإسلامية: 229/14، حور العين: 177، و قال في نفائس الفنون: 275/2: و يقال لها: أصفرية. و في خطط الشام: 354/2 سماها ب: صفرية زيادية.
2- و هؤلاء غير اليونسية الغلاة و سيأتي ذكرهم، انظر عن هؤلاء: الملل و النحل: 140/1، كشاف اصطلاحات الفنون: 1544/2، الفرق بين الفرق: 145 و 146، خطط الشام: 350/2 و 353، نفائس الفنون: 275/2، و عدها في مقالات الإسلاميين: 198/1، من المرجئة. و انظر أيضا: الفرق بين الفرق: 40، 166، 325، مقالات الإسلاميين: 106/1، ريحانة الأدب: 342/4، خطط الشام: 349/2 و عدّهم من المشبه، التبصرة: 59 و 173، لتعرف الفرق بين الفرقتين مع وحدة الاسم.
3- انظر حول العبيدية: الملل و النحل: 140/1، كشاف اصطلاحات الفنون: 949/2، وعدها في نفائس الفنون: 275/2 من فرق المرجئة.
4- انظر حول الغسانية: الملل و النحل: 141/1، فرهنگ علوم: 392، كشاف الاصطلاحات: 1098/2، الفرق بين الفرق: 145-146، التبصرة: 59، فرهنگ معين: 1261/5.

و الثوبائية: أصحاب أبي ثوبان المرجي(1).

و الصالحية: أصحاب صالح بن عمرو الصالحي(2) و..

غيرهم.

و لكل من هذه الفرق عقائد سخيفة، جملة منها موجبة للكفر، و اخرى مورثة للفسق(3)، و شرح ذلك كله يطلب من الكتب المعدة لشرح الملل و النحل].

من الفرق الفاسدة: الغلاة

و منها:

ص: 392


1- و يقال للثوبائية الثوبانية أيضا، انظر: الملل و النحل: 142/1، فرهنگ علوم: 204، قاموس إسلامي: 1 / 545، دائرة معارف فريد و جدي: 774/2، الفرق بين الفرق: 145، نفائس الفنون: 275/2، التبصرة: 60، خطط الشام: 350/2، و عدّها في مقالات الإسلاميين: 199/1 من فرق المرجئة، و قال في كشاف اصطلاحات الفنون: 245/1: أنهم أصحاب ثوبان المرجي.
2- انظر حول الصالحية: الملل و النحل: 145/1، فرهنگ علوم: 325، الفرق بين الفرق: 171، ريحانة الأدب: 142/2، كشاف الاصطلاحات: 821/1، و عدها في نفائس الفنون: 275/2، من فرق الزيدية، و لعلها تلك الغالية لا هذه، و في خطط الشام: 350/2، عدها من فرق المرجئة.
3- انظر مستدرك رقم (200) الروايات الواردة في ذمهم في رجال الكشي و اسماء بعض الرواة منهم في رجال الشيخ الطوسي رحمهما اللّه.

الغلاة(1):

ص: 393


1- الغلو في اللغة هو التجاوز عن الحد و الخروج عن القصد، قال الزبيدي في تاج العروس: 269/10: غلا في الأمر غلوا - كسمو من باب قعد - جاوز حده. و في الصحاح: 2448/6: غلا في الدين غلوا: تشدد و تصلب حتى جاوز الحد. و انظر القاموس المحيط: 371/4، قال ابن الأثير في النهاية: 382/3 الغلو في الدين: البحث عن مواطن الأشياء و الكشف عن عللها و غوامض متعبداتها. قال اللّه سبحانه يا أَهْلَ اَلْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اَللّهِ إِلاَّ اَلْحَقَّ النساء: 170. و الآيات الدالة على كفر من أشرك باللّه أو اتخذ غيره إلها. و كذا ما دلّ منها على ذم اليهود و النصارى في الغلو في العزيز و عيسى كلها شاهد بل دليل على قبحه. و الغلو ممقوت لا محالة أينما كان و ممن كان، و الإفراط كالتفريط كله سيئة، و الحسنة بين السيئتين، و الكلام فيه إنما في تعين حده كي لا يلزم الإغراء بالجهل تارة أو الكذب اخرى. و على كل فالغلاة من المتظاهرين بالإسلام و هم الذين نسبوا أمير المؤمنين و الأئمة من ذريته عليهم السّلام الى الألوهية و النبوة، و وصفوهم في الفضل في الدين و الدنيا الى ما تجاوزوا فيه الحد و خرجوا عن القصد، و هم - على حد تعبير الشيخ المفيد رحمه اللّه في تصحيح الاعتقاد: 63 - ضلال كفار، حكم فيهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بالقتل و التحريق بالنار، و قضت عليهم الأئمة عليهم السّلام بالكفر و الخروج عن الإسلام، و قد بحث عنهم الشيخ المجلسي أعلى اللّه مقامه في البحار: 346/25 تحت عنوان: فذلكة، و عدّ منهم طوائف في البحار: 305/25، فلاحظ. و عقد ابن داود في رجاله: 538 فصلا في عد جمع منهم (67 رجلا). و قد تعرض شيخنا الأميني طاب ثراه في غديره: 69/7-73 الى بحث الغلو مفصلا، فراجع. و قد عبرت عنهم كتب الأديان، و المذاهب بالغالية أيضا، و ب (الشيعة الغالية) إلا أن في رجال الكشي: 560 برقم 1058 عبر عن الغلاة بالعلائية، و أراد به: الشيعة! انظر عنهم: الملل و النحل: 173/1، فرق الشيعة: 44، الفرق بين الفرق: 72 و 174 و 184 و 203 و 231 و 250، فرهنگ معين: 1265/5، دائرة المعارف لفريد و جدي: 83/7، مقالات الإسلاميين: 114/1، نفائس الفنون: 275/2، و غيرها.
فرق الغلاة

[(1)و هم معروفون، و جعلهم بعض الأجلّة عشر(2) فرق، مفسرا لها بالغالين في محبة علي (عليه السّلام) في قبال الخوارج.

منهم: الهشامية: و هم المنسوبون الى هشام بن سالم و هشام بن الحكم(3)، القائلون بالمشابهة بين الخالق و المخلوق(4).

ص: 394


1- ما بين المعقوفتين من إضافات المصنف رحمه اللّه على الطبعة الأولى.
2- و هو المولى ملا علي الكني الطهراني.
3- أقول: في صحة نسبة الفرقة الى العالمين العلمين و في المراد من كلامهم خلاف بين الأعلام، خصوصا مع تضارب الروايات في المقام، فراجعها في محلها، و خير ما ينير الدرب هنا ما رواه الكشي في رجاله في ترجمة هشام بن الحكم: 265 برقم 479 فراجعه. ثم ان هناك فرقا من الشيعة بهذا الاسم انظرها في مصادرها الآتية، و هناك هشامية اتباع الفوطي، انظر خطط الشام: 346/2، و في نفائس الفنون: 270/2 و 279 عدهم من الغلاة، و قد مر.
4- انظر عن الهشامية: ترجمة هشام بن سالم في تنقيح المقال: 2/3-301 و ترجمة هشام بن الحكم في رجال المامقاني: 294/3-301، و الفرق بين الفرق: 36 و 166 تحت عنوان اتباع هشام بن الحكم، التبصرة: 76، مقالات الإسلاميين: 102/1 و 107، خطط الشام: 348/2 و عدّهم فيها من المشبه و 353/2، ذكر فرق منها.

و منهم: اليونسية: و هم بايعوا يونس القمي(1).

و منهم: النعمانية: و هم قوم محمد بن نعمان(2).

و منهم: السبئية، و هم اتباع عبد اللّه بن سبأ(3)، حيث قال لعلي (عليه السّلام): أنت الإله حقا! فنفاه (عليه السّلام) الى المدائن، و الذي يظهر من الشهرستاني أن عبد اللّه هذا كان يهوديا فاسلم، و كان في حال تهوّده يقول في يوشع بن نون وصي موسى

ص: 395


1- راجع عن اليونسية: التبصرة: 59، 173، الفرق بين الفرق: 40 و 166 و 325، مقالات الإسلاميين: 106/1، خطط الشام: 359/2 و عدّهم من المشبهة.
2- انظر عنهم: الملل و النحل: 186/1، بيان الأديان: 28 و 481، دائرة معارف فريد و جدي: 316/10، الفرق بين الفرق: 26، نفائس الفنون: 280/2.
3- انظر عن السبئية: بيان الأديان: 27 و 528، كشاف اصطلاحات الفنون: 625/1، خطط الشام: 356/2، نفايس الفنون: 276/2، التبصرة: 167، دائرة معارف فريد و جدي: 17/5، الفرق بين الفرق: 165 و 170 و 171 و 194 و 300 و 383 و 386، فرهنگ معين: 728/5، حور العين: 154، مقالات الإسلاميين: 85/1. و ذكرهم الشيخ الطوسي في الغيبة: 117 و ردّ مذهبهم، و فصل الكلام فيه السيد مرتضى العسكري في كتابه: عبد اللّه بن سبأ، و خمسون و مائة صحابي مختلق.

(عليه السّلام) بمثل ما قال في علي (عليه السّلام)(1)، و في المواقف إن ابن سبأ كان يقول إن عليا لم يمت و لم يقتل و إنما قتل ابن ملجم شيطانا، و علي (عليه السّلام) في السحاب و الرعد و البرق سوطه، و أنه ينزل بعد هذا الى الأرض و يملأها عدلا، و هؤلاء يقولون عند سماع الرعد عليك السّلام يا أمير المؤمنين(2).

و منهم: الطيارة(3):

.. الى غير ذلك من فرقهم(4)].

و المشهور أن الغلاة هم الذين يقولون في أهل البيت (عليهم السّلام) ما لا يلتزمون أهل البيت (عليهم السّلام) بثبوت تلك المرتبة لهم، كمن يدعى فيهم النبوة كالبزيعية(5)، و الإلهية(6) كالنصيرية(7)

ص: 396


1- قاله في الملل و النحل: 174/1، و حكاه الكشي في رجاله: 71، و غيره عنه.
2- و قد جاءت روايات كثيرة في انظر بحار الأنوار: 289/25 و ما بعدها، و كذا رجال الكشي: 70 و ترجمته في تنقيح المقال: 4/2-183.
3- و يقال لهم: الطيارية، انظر عنهم الفرق بين الفرق: 392، و ترجمة فرق الشيعة: 208.
4- و قد عد من الغلاة: الجناحية أصحاب عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر ذي الجناحين، كما في كشاف اصطلاحات الفنون: 273/1، و شرح المواقف: 484/3.. و غيرهما.
5- و قد مرت البزيعية في صفحة: 357.
6- كذا، و الظاهر: الألوهية.
7- راجع عن النصيرية ما ذكرناه في صفحة: 374. قال في معين النبيه 26 إلى 27 - خطي -: فرقة من الغلاة منسوبة الى محمد بن نصير الفهري لعنه اللّه، كان يقول إن الرب هو علي بن محمد العسكري و إنه نبي من قبله، و كان يقول بإباحة المحارم و يحلل نكاح الرجال.

و العلياوية(1) و المخمسة(2) و... نحوهم، مأخوذ من الغلو بمعنى التجاوز عن الحد، قال اللّه تعالى لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ (3) أي لا تجاوزوا الحد. و قد يقال في الرجال: فلان كان من أهل الطيارة، و من أهل الارتفاع، و يريدون بذلك أنه كان غاليا.

لكن لا يخفى عليك أنه قد كثر رمي رجال بالغلو و ليس(4) من الغلاة عند التحقيق، فينبغي التأمل و الاجتهاد في ذلك و عدم المبادرة الى القدح بمجرد ذلك، و لقد أجاد المولى الوحيد حيث قال: اعلم أن كثيرا من القدماء - سيما القميين منهم و ابن الغضائري - كانوا يعتقدون للأئمة (عليهم السّلام) منزلة خاصة من الرفعة و الجلال، و مرتبة معينة من العصمة و الكمال بحسب اجتهادهم و رأيهم، و ما كانوا يجوزون التعدي عنها، و كانوا يعدون التعدي ارتفاعا و غلوا على حسب معتقدهم، حتى أنهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوا، بل

ص: 397


1- و قد مرّت العلياوية في صفحة: 362 من هذا المجلد، تجدها مع مصادرها. و في معين النبيه أيضا: 26 - خطي - أنهم: نسبة الى عليان بن أبي ذراع، و هم قوم من الغلاة يقولون إن عليا هو اللّه، و يوقعون من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، و كان الحسن بن علي بن أبي عثمان الملقب بسجادة منهم، و يفضّل محمد بن أبي زينب على محمد بن عبد اللّه صلوات اللّه عليه، لأن اللّه تعالى عاتبه بقوله: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ.. و لم يعاتب محمد بن أبي زينب..!!؟.
2- و قد مرّت المخمسة في صفحة: 361.
3- سورة النساء: 171.
4- كذا، و الظاهر: و ليسوا.

ربّما جعلوا مطلق التفويض إليهم أو التفويض المختلف فيه أو المبالغة في معجزاتهم، و نقل العجائب من خوارق العادات عنهم و الإغراق في شأنهم أو إجلالهم و تنزيههم عن كثير من النقائص و إظهار كثرة قدرة لهم، و ذكر علمهم بمكنونات السماء و الأرض ارتفاعا أو موروثا للتهمة به، سيما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلسين.

و بالجملة الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية أيضا، فربما كان شيء عند بعضهم فاسدا و كفرا أو غلوا أو تفويضا أو جبرا أو تشبيها أو.. غير ذلك و كان عند آخر مما يجب اعتقاده، أولا هذا و لا ذاك. و ربما كان منشأ جرحهم بالأمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم كما أشرنا إليه آنفا. أو ادعاء أرباب المذهب كونه منهم، أو روايتهم عنه. و ربّما كان المنشأ روايتهم المناكير عنهم.. الى غير ذلك.

فعلى هذا ربما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة.. الى أن قال: ثم اعلم أنه - يعني أحمد بن محمد بن عيسى و ابن الغضائري - ربما ينسبان الراوي الى الكذب و وضع الحديث أيضا بعد ما ينسبانه الى الغلو، و كأنه لرواية(1) ما يدلّ عليه، و لا يخفى ما فيه(2).

ص: 398


1- في التعليقة: لروايته، و هو الأصح.
2- التعليقة المطبوعة في مقدمة و هامش منهج المقال للأسترابادي: 8 [ذيل رجال الخاقاني: 39] بتفاوت يسير، ثم قال بعد ذلك: و ربّما كان غيرهما - أي غير أحمد بن محمد بن عيسى و ابن الغضائري - أيضا كذلك، ثم أمر بالتأمل، و لعل وجهه أنه لم يعرف من غيرهما ذلك، و أنّي لنا إحرازه. أقول: لا يخفى أن ما أفاد به (قدس سره) جار في كل جرح لا في خصوص الغلو الذي خصّه به، إذ قد يرد مثل ذلك في القدح بالتفويض أو التشبيه أو غير ذلك فتدبر، نعم هو في الغلو أشهر. و نقل أول مقالة الوحيد في شعب المقال: 30 من دون نسبته إليه، و قال:.. فإياك و رمي الرجال على (كذا) الغلو و الارتفاع و المذاهب الفاسدة إلا بعد الفحص و التفتيش.

قلت: فلا بد حينئذ من التأمل في جرحهم بأمثال هذه الأمور، و من لحظ مواضع قدحهم في كثير من المشاهير كيونس بن عبد الرحمن، و محمد بن سنان، و المفضل بن عمر و أمثالهم عرف الوجه في ذلك، و كفاك شاهدا إخراج أحمد بن محمد بن عيسى لأحمد ابن محمد بن خالد البرقي من قم، بل عن المجلسي الأول أنه أخرج جماعة من قم(1)، بل عن المحقق الشيخ محمد بن صاحب المعالم أن أهل قم كانوا يخرجون الراوي بمجرد توهم الريب فيه(2)، فإذا كانت هذه حالتهم و ذا ديدنهم فكيف يعول على جرحهم و قدحهم بمجرده، بل لا بد من التروي و البحث عن سببه و الحمل على الصحة مهما أمكن، كيف لا و لو كان مجرد اعتقاد ما ليس بضروري البطلان عن

ص: 399


1- روضة المتقين: 42/14.
2- للشيخ محمد سبط الشهيد بن الشيخ حسن جملة مصنفات، كشرح التهذيب و شرح الاستبصار و روضة الخواطر، و غيرها، كما و له جملة حواشي على بعض المتون. و لا نعرف المطبوع منها. و ذكر الكشي في اختياره: 512 حديث: 990 بسنده: أن الحسين بن عبيد اللّه القمي أخرج من قم في وقت كانوا يخرجون منها من اتهموا بالغلو.

اجتهاد موجبا للقدح في الرجل للزم القدح في كثير من علمائنا المتقدمين، لأن كلا منهم نسب الى القول بما ظاهره مستنكر فاسد، كما نبّه على ذلك المولى الوحيد في ترجمة أحمد بن محمد بن نوح السيرافي حيث قال: أنه حكى في الخلاصة أن الشيخ (رحمه اللّه) كان يذهب الى مذهب الوعيدية(1)، و هو و شيخه المفيد الى أنه تعالى لا يقدر على غير مقدور العبد، كما هو مذهب الجبائي، و السيد المرتضى (رحمه اللّه) الى مذهب البهشمية من أن إرادته عرض لا في محل، و الشيخ الجليل إبراهيم بن نوبخت الى جواز اللذّة العقلية عليه سبحانه، و ان ماهيته تعالى معلومة كوجوده، و ان ماهيته الوجود، و ان المخالفين يخرجون من النار و لا يدخلون الجنة، و الصدوق و شيخه ابن الوليد و الطبرسي الى جواز السهو على(2) النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلم)، و محمد بن عبد اللّه الأسدي(3) الى الجبر و التشبيه و..

غير ذلك مما يطول تعداده، و الحكم بعدم عدالة هؤلاء لا يلتزمه أحد يؤمن باللّه، و الذي ظهر لي من كلمات أصحابنا المتقدمين و سيرة أساطين المحدثين أن المخالفة في غير الأصول الخمسة لا توجب الفسق، إلا أن تستلزم إنكار ضروري الدّين كالتجسيم بالحقيقة لا بالتّسمية، و كذا القول بالرؤية بالانطباع أو الانعكاس، و أمّا القول بها لا معهما فلا، لأنّه لا يبعد حملها على إرادة اليقين التّام

ص: 400


1- في التعليقة: و في المعراج أن الشيخ رحمه اللّه حكى في الخلاصة أنه كان يذهب الوعيدية (كذا)...
2- كذا، و في المصدر: عن.
3- في المصدر: محمد بن أبي عبد اللّه الأسدي.

و الانكشاف العلمي، و أما تجويز السّهو عليه و إدراك اللذّة العقليّة عليه تعالى مع تفسيرها بإرادة(1) الكمال من حيث أنّه كمال فلا يوجب فسقا، و أمّا الجبر و التّشبيه فالبحث في ذلك عريض... الى أن قال: و نسب ابن طاوس و نصير الدّين المحقّق الطوسي و ابن فهد و الشّهيد الثّاني و شيخنا البهائي و جدّي العلاّمة و.. غيرهم من الأجلّة الى التّصوف، و غير خفي أن ضرر التّصوف إنما هو فساد الاعتقاد من القول بالحلول أو الوحدة في الوجود أو الاتّحاد أو فساد الأعمال(2) المخالفة للشّرع الّتي يرتكبها كثير من المتصوّفة في مقام الرّياضة أو العبادة، و غير خفيّ على المطّلعين على أحوال(3) هؤلاء الأجلّة من كتبهم و غيرها أنّهم منزّهون من كلتا المفسدتين قطعا، و نسب جدّي العالم(4) الرّباني و المقدّس الصّمداني مولانا محمد صالح المازندراني و غيره من الأجلّة الى القول باشتراك اللفظ، و فيه أيضا ما أشرنا إليه، و نسب المحمّدون الثّلاثة و الطّبرسي رضي اللّه عنهم الى القول بتجويز السّهو على النّبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)،(5)و نسب ابن الوليد و الصّدوق - أيضا - منكر السّهو(6) الى الغلو.

و بالجملة أكثر الأجلّة ليسوا بخالصين عن أمثال ما أشرنا إليه، و من

ص: 401


1- كذا، و في المصدر: بإدراك، و هو الصّحيح.
2- هنا سقط، و الصحيح: أو فساد الأعمال أو الأعمال المخالفة.. الى آخره.
3- في المصدر: المطّلع بأحوال.
4- في المصدر: الفاضل الرّباني.
5- هنا سقط و هو: كابن الوليد رحمه اللّه و نسب.. الى آخره.
6- هنا سقط و هو: السّهو عليه صلّى اللّه عليه و آله الى الغلو.. الى آخره.

هذا يظهر التّأمل في ثبوت الغلو و فساد المذهب بمجرّد رمي علماء الرّجال(1) من دون ظهور الحال. انتهى ما في التّعليقة(2).

فظهر أنّ الرّمي بما يتضمّن عيبا فضلا عن فساد العقيدة مما لا ينبغي الأخذ به بمجرّده، بل لا يجوز لما في ذلك من المفاسد الكثيرة العظيمة، إذ لعلّ الرّامي قد اشتبه في اجتهاده، أو عوّل على من يراه أهلا في ذلك، و كان مخطئا في اعتقاده، أو وجد في كتابه أخبارا تدلّ على ذلك و هو بريء منه و لا يقول به، أو ادّعى بعض أهل تلك المذاهب الفاسدة أنّه منهم و هو كاذب، أو روى أخبارا ربما توهّم من كان قاصرا أو ناقصا في الإدراك و العلم أنّ ذلك ارتفاع و غلو و ليس كذلك، أو كان جملة من الأخبار يرويها و يحدّث بها و يعترف بمضامينها و يصدق بها من غير تحاشي و اتّقاء من غيره من أهل زمانه، بل يتجاهر بها لا تتحمّلها أغلب العقول فلذا رمي.

[(3)و قد ورد في ذمّ الغلاة و تفسيقهم و تكفيرهم أخبار أوردها الكشّي في رجاله(4):

ص: 402


1- هنا كلمة مطموسة في التّعليقة و ساقطة هنا، و الظاهر أنها: إليهما - أي الغلو و فساد المذهب -
2- التعليقة للوحيد البهبهاني على منهج المقال: - ترجمة أحمد بن محمد بن نوح: 8 - 47، باختلاف كثير أشرنا الى بعضه، و نظيره عن المجلسي في البحار: 25 / 347.
3- من هنا الى المقام الخامس ممّا أضافه المصنّف قدّس سرّه على الطبعة الثّانية.
4- أقول: تعرّض الشّيخ الحر العاملي في إثبات الهداة بالنّصوص و المعجزات: - 744/3 الى جملة من الرّوايات في ابطال الغلو و الرّد على الغلاة، و كذا العلاّمة المجلسي ذكرها و أضاف عليها في بحار الأنوار: 25 /باب (9) نفي الغلو في النبي و الأئمة صلوات اللّه عليه و عليهم و بيان معاني التفويض، و ما لا ينبغي أن ينسب إليهم منها و ما ينبغي: 261-350 خاصة حدود صفحة: 308 و ما بعدها، و قد سبقهم الكليني رحمه اللّه في الكافي بذكر 20 حديثا، و الصّدوق في من لا يحضره الفقيه و العيون و إكمال الدّين و الأمالي و الخصال و ثواب الأعمال و التّوحيد و العلل و الاعتقادات بذكر جملة روايات بحذف المكرّر (21 حديثا)، و ما رواه الشّيخ الطّوسي في كتاب الغيبة و المجالس (الأمالي): 6 أحاديث، و الصفّار في بصائر الدّرجات: 10 أحاديث، و الطّبرسي في الاحتجاج: 16 حديثا، و الرّاوندي في الخرائج، و سعد بن عبد اللّه في كتاب بصائر الدّرجات و العيّاشي في التّفسير جملة روايات، و كذا ابن شهرآشوب في المناقب له سبعة أحاديث، و غيرهم في غيرها، أما ما ذكره الكشّي في رجاله فهو أربعة و عشرون حديثا، جاءت كلّها في ترجمة مقلاص بن أبي الخطاب البراد (أبا الخطاب). و انظر رجال الكشّي: 516 برقم 994 و 995 في ترجمة عليّ بن حسكه و القاسم ابن يقطين القميين. و قد طبقت هذه الرّوايات على نسختين من رجال الكشّي و البحار و إثبات الهداة و ذكرنا باقي ما لم يتعرّض له المصنف رحمه اللّه من الرّوايات الذامة للغلو في المستدرك رقم (200) فراجع. و الفائدة الأخيرة من المستدرك رقم (201) في من نسبهم الشيخ الطوسي في رجاله الى الغلو.

فمنها: ما رواه عن حمدويه و ابراهيم، قالا: حدّثنا العبيدي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) و ذكر الغلاة فقال: أنّ فيهم من يكذب حتّى أنّ الشّيطان ليحتاج الى كذبه.

ص: 403

و منها: ما رواه محمد بن مسعود(1)، قال: حدّثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): قلّ (2) للغالية: توبوا الى اللّه فإنّكم فسّاق كفّار(3).

و منها: ما رواه حمدويه قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم الكرخي، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال:

أنّ ممّن ينتحل هذا الأمر لمن هو شرّ من اليهود و النّصارى و المجوس و الّذين أشركوا(4).

و منها: ما رواه حمدويه قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن عثمان، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام):

يا أبا محمد! أبرأ ممّن يزعم أنّا أرباب، قلت: برىء اللّه منه، فقال: أبرأ ممن يزعم أنّا أنبياء، قلت: برىء اللّه منه(5).

ص: 404


1- هنا سقط: قال: حدّثني عليّ بن محمد قال: حدّثني أحمد.. الى آخره.
2- في نسخة: قال للغالية.
3- رجال الكشّي: برقم 527 صفحة: 297.
4- رجال الكشي: برقم: 528 صفحة: 297. أقول: الظاهر أن الرواية أجنبية عن المقام، و ذكرت تبعا للكشي من قبل الأصحاب، إلا أن يتمسك بعمومها فتكون أعم من المدعى.
5- رجال الكشي: برقم 529 صفحة 8-297 (طبعة أخرى صفحة: 192) و انظر البحار: 297/25

و منها: ما رواه حمدويه قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن المغيرة، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السّلام) أنا و يحيى بن عبد اللّه بن الحسن (عليه السّلام) فقال يحيى: جعلت فداك أنهم يزعمون أنك تعلم الغيب، فقال: سبحان اللّه! ضع يدك على رأسي فو اللّه ما بقيت في جسدي شعرة و لا في رأسي إلاّ قامت، قال: ثم قال: لا و اللّه ما هي إلاّ رواية(1) عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)(2).

و منها: ما رواه حمدويه قال: حدّثنا يعقوب، عن ابن أبي عمير، عن شعيب، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): إنّهم يقولون، قال: و ما يقولون؟ قلت: يقولون تعلم قطر المطر، و عدد النجوم، و ورق الشجر، و وزن ما في البحر، و عدد التراب، فرفع يده الى السماء و قال: سبحان اللّه! سبحان اللّه! لا و اللّه ما يعلم هذا إلا اللّه(3).

و منها: ما رواه حمدويه، قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن يحيى(4) بن المفضل بن عمر، قال:

سمعت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) يقول: لو قام قائمنا بدأ بكذابي

ص: 405


1- في نسخة: وراثة: و المعنى متقارب.
2- رجال الكشي: برقم 530، صفحة 298.
3- رجال الكشي: برقم 532 صفحة 299 (طبعة أخرى: 193) بحار الأنوار: 294/25.
4- في الكشي: عن يحيى الحلبي عن المفضل.. الى آخره، و هو الصحيح.

الشيعة فقتلهم(1).

و منها: ما رواه حمدويه و إبراهيم، قال(2): حدثنا محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة(3) قال أبو جعفر محمد بن عيسى و لقد لقيت محمدا رفعه الى أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: جاء رجل الى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) فقال: السّلام عليك يا ربي، فقال: مالك - لعنك اللّه -؟! ربي و ربك اللّه، أما و اللّه لكنت ما علمتك لجبانا في الحرب، لئيما في السّلام(4)(5).

و منها: ما رواه خالد بن حماد(6)، قال: حدثني الحسن بن طلحة رفعه، عن محمد بن اسماعيل، عن علي بن يزيد الشامي، قال: قال ابو الحسن (عليه السّلام): قال ابو عبد اللّه (عليه السّلام): ما انزل اللّه

ص: 406


1- رجال الكشي: رقم: 533 صفحة 299. و غير خفي بعدها عن المطلوب، أو عمومها المطلق عن المقصود.
2- في المصدر: قالا، و هو الظاهر.
3- من: قال أبو جعفر محمد بن عيسى.. الى ابن أبي حمزة، مكرر في المصدر و غير موجود في المتن و هو من غلط النساخ.
4- في نسخة: السلم.
5- رجال الكشي: 299 تحت رقم: 534 (طبعة أخرى: 193) و بحار الأنوار: 297/25.
6- في نسخة: خلف بن حماد.

سبحانه آية في المنافقين الا و هي فيمن ينتحل التشيع(1).

و منها: ما رواه محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن محمد، قال: حدثني به(2) محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن الحسن(3) بن مياح، عن عيسى، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): إياك و مخالطة السفلة، فإن السفلة لا يئون(4) الى خير(5).

و منها: ما رواه قال: وجدت بخط جبرئيل بن أحمد، قال:

حدثني محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن حماد بن عثمان، عن زرارة، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): أخبرني عن حمزة أ يزعم أن أبي يأتيه؟ قلت: نعم، قال: كذب - و اللّه - ما يأتيه إلا المتكون(6)، إن إبليس سلط شيطانا يقال له المتكون يأتي في أي صورة شاء، إن شاء في صورة كبيرة، و إن شاء في صورة صغيرة(7)، و لا و اللّه ما يستطيع أن يجيء في صورة أبي (عليه

ص: 407


1- رجال الكشي: 299 برقم 535، و لا يخفى ما فيهما سندا و دلالة، و العمدة في تفسير كلمة (الانتحال)، فتدبر.
2- في بعض النسخ لا توجد: به.
3- في نسخة: الحسين.
4- في نسخة: لا يؤول، لا تؤول. و لعلها: يأوون.
5- رجال الكشي: 299-300 تحت رقم 536. أقول: لا شك في كونها أجنبية عن المقام، فتدبر.
6- في نسخة: المتلون، و كذا التي بعدها.
7- في الكشي عكس ما هنا: بتقديم الصغيرة على الكبيرة.

السّلام)(1).

و منها: ما رواه، محمد بن مسعود، قال حدثني علي بن محمد، قال: حدثني محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى، عن زكريا، عن ابن مسكان، عن قاسم الصيرفي، قال:

سمعت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) يقول: قوم يزعمون إني لهم إمام(2)، و اللّه ما أنا لهم بإمام، لعنهم اللّه(3) كلما سترت سرا(4)هتكوه، هتك اللّه ستورهم، أقول: كذا، يقولون إنما يعني كذا، أنا إمام من أطاعني(5).

و منها: ما رواه محمد بن مسعود، قال: حدثني عبد اللّه بن محمد بن خالد، قال: حدثني الحسن الوشاء، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: من قال بأنا(6) أنبياء فعليه لعنة اللّه، و من شك في ذلك فعليه لعنة اللّه(7).

و منها: ما رواه قال: حدثني الحسين بن الحسن بن بندار، و محمد بن قولويه القميان، قالا: حدثنا سعد بن عبد اللّه بن أبي

ص: 408


1- رجال الكشي: 300 برقم: 537.
2- كذا، و الظاهر إماما.
3- في نسخة الكشي: ما لهم لعنهم اللّه..
4- في نسخة: سترا، و هو الظاهر.
5- رجال الكشي: 301 برقم: 539، و لا يخفى ما فيها.
6- في نسخة: إنا، و أخرى: بأننا.
7- رجال الكشي: 301 برقم: 540.

خلف، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال سمعته يقول: لعن اللّه بنان(1) التبان، و أما بنان(2) - لعنه اللّه - كان يكذب على اللّه(3)، أشهد أن أبي علي بن الحسين كان عبدا صالحا(4).

و منها: ما رواه سعد، قال: حدثنا محمد بن الحسين و الحسن بن موسى، قال: حدثنا صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عمّن حدثه من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال سمعته يقول: لعن اللّه المغيرة بن سعيد إنه كان يكذب على أبي فأذاقه اللّه حرّ الحديد، لعن اللّه من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا، و لعن اللّه من أزالنا عن العبودية للّه الذي خلقنا و إليه مآبنا و معادنا، و بيده نواصينا(5).

و منها: ما رواه سعد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه و يعقوب ابن يزيد، و الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن حصين(6) بن عمرو النخعي، قال: كنت جالسا

ص: 409


1- في نسخة الكشي: بيان.
2- في نسخة الكشي: و إن بنانا، و منه يظهر غلط ما قبله.
3- في المصدر هكذا: كان يكذب على أبي، أشهد أن أبي.. الى آخره.
4- رجال الكشي: 301 برقم: 541.
5- رجال الكشي: 302 برقم: 542 (في طبعة أخرى: 5-194) البحار: 297/25.
6- في نسخة: حصن، و في أخرى: حفص.

عند أبي عبد اللّه (عليه السّلام) فقال له رجل: جعلت فداك، إن أبا منصور حدثني أنه رفع الى ربه و مسح على رأسه و قال له بالفارسية: يا پسر! فقال له أبو عبد اللّه (عليه السّلام): حدثني أبي عن جدي(1) رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قال: ان إبليس اتخذ عرشا فيما بين السماء و الأرض و اتخذ زبانية بعدد(2) الملائكة، فإذا دعا رجلا، فأجابه و وطئ [كذا] عقبه و تخطت إليه الأقدام تراءى له إبليس و رفع إليه، فإن أبا منصور كان رسول إبليس، لعن اللّه أبا منصور ثلاثا(3).

و منها: ما رواه سعد، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال: إن بنانا(4) و السري و بزيعا - لعنهم اللّه - تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة آدمي من قرنه الى سرته، قال فقلت: ان بنانا يتأول هذه الآية وَ هُوَ اَلَّذِي فِي اَلسَّماءِ إِلهٌ وَ فِي اَلْأَرْضِ إِلهٌ (5) إن الذي في الأرض غير اله السماء، و اله السماء غير اله الأرض، و ان اله السماء أعظم من اله الأرض، و إن أهل الأرض يعرفون فضل اله السماء و يعظمونه، فقال: و اللّه ما هو إلا اللّه وحده لا شريك له، إله السماوات(6) و إله

ص: 410


1- في المصدر: أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله).
2- في نسخة: كعدد
3- رجال الكشي: 4-303 برقم 546.
4- في نسخة: بيانا.
5- الزخرف: 84.
6- في المصدر: من في السماوات.

في(1) الأرضين، كذب بنان، عليه لعنه اللّه لقد صغّر اللّه جل جلاله(2)و صغّر عظمته(3).

و منها: ما رواه سعد، قال: حدثني أحمد بن محمد، عن أبيه الحسين(4) بن سعيد، عن ابن أبي عمير، و حدثني محمد بن عيسى، عن يونس و محمد بن أبي عمير، عن محمد بن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية العجلي، قال: كان حمزة بن عمارة اليزيدي(5) - لعنه اللّه - يقول لأصحابه:

إن أبا جعفر (عليه السّلام) يأتيني في كل ليلة، و لا يزال إنسان يزعم أنه قد أراه إياه فقد ولى(6) إني لقيت أبا جعفر (عليه السّلام) فحدثته بما يقول حمزة، فقال: كذّب عليه - لعنه اللّه(7) -، ما يقدر الشيطان أن يتمثل في صورة نبي و لا وصي نبي(8).

و منها: ما رواه سعد، قال: حدثني العبيدي، عن يونس،

ص: 411


1- في المصدر: من في الأرضين. و هو الصواب فيهما.
2- في المصدر: جل و عز.
3- رجال الكشي: 304 برقم 547.
4- في المصدر: و الحسين، و هو الصواب.
5- في المصدر: البربري.
6- الظاهر: و اللّه [منه (قدس سره)]. إلا أن في المصدر: فقدر لي، و هو الظاهر.
7- قد تقرأ: كذب، عليه لعنة اللّه.
8- رجال الكشي: 304 برقم: 548. و هي كما ترى أجنبية عن المقام إلا بملاحظة القرائن، فتدبر.

عن العباس بن عامر القصباني.

و حدثني أيوب بن نوح، و الحسن بن موسى الخشاب، و الحسن ابن عبد اللّه بن المغيرة، عن العباس بن عامر، عن حماد بن أبي طلحة، عن ابن أبي يعفور، قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السّلام) فقال: ما فعل بزيع؟ فقلت له: قتل، فقال: الحمد للّه، أما أنه ليس لهؤلاء المغيرة(1) شيء خيرا من القتل، لأنهم لا يتوبون أبدا(2).

و منها: ما رواه محمد بن مسعود(3)، قال: حدثني محمد بن أورمة، عن محمد بن خالد البرقي، عن أبي طالب القمي، عن حنان بن سدير عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام): إن قوما يزعمون أنكم آلهة، يتلون علينا بذلك قرآنا(4)يا أَيُّهَا اَلرُّسُلُ كُلُوا مِنَ اَلطَّيِّباتِ وَ اِعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (5) قال: يا سدير! سمعي و بصري و شعري و بشري و لحمي و(6) دمي من هؤلاء براء، براء(7) اللّه منهم و رسوله، ما هؤلاء على

ص: 412


1- في المصدر: المغيرية.
2- رجال الكشي: 6-305 برقم 505.
3- الظاهر أن هنا سقط، حيث في رجال الكشي و البحار: عن الحسين بن أشكيب عن ابن أورمة.
4- ادعى العلامة المجلسي في البحار و حاشية رجال الكشي وجود سقط هنا، فلاحظ.
5- سورة المؤمنون: 51.
6- في البحار: و اللّه.
7- في نسخة: برء، و الظاهر: بريء.

ديني و دين آبائي، لا يجمعني(1) و إياهم يوم القيامة إلا و هو عليهم ساخط، قال قلت: فما أنتم جعلت فداك؟ قال: خزان علم اللّه، و تراجمة وحي اللّه، و نحن قوم معصومون، أمر اللّه بطاعتنا، و نهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء و فوق الأرض.

قال الحسين بن أشكيب: و سمعت من أبي طالب عن سدير - إن شاء اللّه تعالى(2).

و منها: ما رواه إبراهيم بن علي الكوفي، قال: حدثنا إبراهيم ابن إسحاق الموصلي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن العلاء بن رزين، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: و إياك و السفلة، إنما شيعة جعفر بن محمد من عف بطنه و فرجه، و اشتد جهاده، و عمل لخالقه، و رجا ثوابه، و خاف عقابه(3).

و منها: ما رواه محمد بن مسعود، قال: حدثني علي بن محمد

ص: 413


1- في رجال الكشي: و اللّه لا يجمعني.
2- رجال الكشي: 306 برقم 551 [طبعة أخرى: 8-197]، البحار: 25 / 298 و ذكر وجه الاستدلال على كونهم سلام اللّه عليهم رسلا بالآية في المجلد المذكور صفحة: 299، و قريب منه في أصول الكافي: 269/1، فراجع.
3- رجال الكشي: 306 برقم: 552 و هي أجنبية عن المقام كما هو ظاهر، إلا أن يكون المراد من السفلة هم الغلاة كما سيأتي.

القمي، قال: حدثني محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سلام، عن حبيب الخثعمي، عن ابن أبي يعفور(1)، قال: كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السّلام) فاستأذن عليه رجل حسن الهيئة فقال: اتق السفلة، فما تقارب(2) في الأرض حتى خرجت، فسألت عنه فوجدته غاليا(3).

و منها: ما رواه إبراهيم بن محمد بن العباس، قال: حدثني أحمد بن إدريس القمي، عن حمدان بن سليمان، عن محمد بن الحسين، عن ابن فضال، عن ابن المعزا(4)، عن عنبسة، قال:

قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): لقد أمسينا و ما أحد ادعى(5) لنا ممن انتحل(6) مودتنا(7).

و منها: ما رواه محمد بن الحسن البرقي(8) و عثمان بن حامد،

ص: 414


1- في البحار هكذا: عن الأشعري عن محمد بن الحسين عن موسى بن سلام عن حبيب الخثعمي عن ابن أبي يعفور.
2- في نسخة: تقارت، من القور - أجوف من التفعيل، و قلب الواو همزة - بمعنى المشي و التفرق، و في البحار: تقارت بي.
3- رجال الكشي: 307 برقم 553 (طبعة أخرى: 198)، بحار الأنوار 25 / 300.
4- في نسخة: ابن المغرا.
5- في نسخة: أعدى.
6- في نسخة: ينتحل.
7- رجال الكشي: 307 برقم 555، و لا يخفى التكلف في الاستدلال بأمثال هذه الروايات.
8- في رجال الكشي طبع جامعة مشهد: البراني، و في البحار: البراثي.

قالا: حدثنا محمد بن يزداد، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن بشار، عن عبد اللّه بن شريك، عن أبيه(1) قال: بيّنا علي (عليه السّلام) عند امرأة(2) من عنزة، و هي أم عمرو، إذ أتاه قنبر فقال(3): إن عشرة نفر بالباب يزعمون انك ربهم، فقال:

ادخلهم(4). قال: فدخلوا عليه، فقال(5): ما تقولون؟ فقالوا نقول: إنك ربنا، و أنت الذي خلقتنا، و أنت الذي رزقتنا(6)، فقال لهم: ويلكم لا تفعلوا، إنّما(7) أنا مخلوق مثلكم، فأبوا أن يفعلوا(8) فقال لهم: ويلكم، ربي و ربكم اللّه، ويلكم توبوا و ارجعوا، فقالوا: لا نرجع عن مقالتنا، أنت ربّنا ترزقنا(9)، و أنت خلقتنا، فقال قنبر(10): ائتني بالفعلة، فخرج قنبر فأتاه بعشرة رجال

ص: 415


1- في البحار: عن يسار. و في إثبات الهداة: 768/3 جاء السند هكذا: محمد بن عمرو الكشي في كتاب الرجال عن محمد بن الحسن عن محمد بن يزداد عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن موسى بن يسار عن عبيد اللّه بن شريك عن أبيه...
2- في البحار: امرأة له.
3- في نسخة: فقال له.
4- في نسخة: أدخلهم عليّ.
5- في نسخة: فقال لهم.
6- في نسخة: ترزقنا.
7- في نسخة: فإنما.
8- في نسخة: أن يقلعوا، و هو الظاهر.
9- في نسخة: و ترزقنا.
10- في البحار: يا قنبر: ايتني.. و كذا عند الكشي، و هو الصواب.

مع الزبل و المرور(1)، فأمرهم(2) أن يحفروا لهم في الأرض، فلمّا حفروا خدا أمر بالحطب و النار فطرح فيه حتى صار نارا تتوقد، قال لهم: توبوا،(3) قالوا: لا نرجع، فقذف(4) على بعضهم ثم قذف بقيتهم في النار(5)، قال علي (عليه السّلام):

إني إذا أبصرت شيئا منكرا ***

أوقدت نارا(6) و دعوت قنبرا(7)].

ص: 416


1- الزبيل - كأمير - القفة أو الجراب أو الوعاء، و الجمع الزبل. و المر - بالفتح - المسحاة، و الخد: الحفرة المستطيلة في الأرض.
2- في البحار: فأمر.
3- في رجال الكشي: ويلكم توبوا و ارجعوا! فابوا و قالوا...
4- في رجال الكشي: فقذف علي عليه السّلام بعضهم ثم قذف بقيتهم.
5- في نسخة: ثم قال:
6- في نسخة: ناري.
7- الى هنا من مزيدات الطبعة الثانية: انظر رجال الكشي: 8-307 برقم: 556 (الكشي: 72) و جاء في البحار: 288/25 بألفاظ متقاربة و جاء في صفحة 9-198 من رجال الكشي الحديث بألفاظ اخر، ذكرها المجلسي في البحار 300/25 كذلك، فلاحظ. إلا أن في مناقب آل أبي طالب: 8/1-227 جاءت الرواية هكذا: روى أن سبعين رجلا من الزط أتوه - يعني أمير المؤمنين عليه السّلام - بعد قتال أهل البصرة يدعونه إلها بلسانهم و سجدوا له، فقال لهم: ويلكم! لا تفعلوا، إنما أنا مخلوق مثلكم، فأبوا عليه، فقال: لئن لم ترجعوا عما قلتم في و تتوبوا الى اللّه لأقتلنكم، قال فأبوا، فخد عليه السّلام لهم أخاديد، و أوقد نارا، فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ثم قال: إنّي إذا أبصرت أمرا منكرا أوقدت نارا و دعوت قنبرا ثم احتفرت حفرا فحفرا و قنبر يحطم حطما منكرا و في الديوان المنسوب له عليه السّلام: 63 جاءت الأبيات هكذا: لما رأيت الأمر أمرا منكرا أوقدت ناري و دعوت قنبرا .. الى آخره و قد وجدت الرواية بعد ذلك في رجال الكشي: 109 برقم 175 و هي تختلف عما هنا كثيرا، فراجع. و الزط - كما قاله المجلسي في البحار: 288/25 - جنس من السودان و الهنود. و في لسان العرب: 308/7: - بالضم و التشديد - جيل أسود من السند إليهم تنسب الثياب الزطية، و قيل، الزط إعراب جت بالهندية و هم جيل من أهل الهند. أقول: لقد استعنت في بعض مصادر الأديان و الفرق بكتاب الشيخ جعفر الأميني النطنزي - المخطوط - باسم: فرهنگ أديان و مذاهب و فرق - فارسي -. قسم معجم مصادره لذكر بعض المصادر التي لم أحصل عليها. انظر مستدرك رقم (200) ما أورده الكشي حول ذم بعض الفرق غير ما تعرض له المصنف رحمه اللّه. و مستدرك رقم (201) فوائد الباب.

ص: 417

ص: 418

فهرس موضوعات الجزء الثاني من كتاب مقباس الهداية في علم الدراية

الموضوع الصفحة

الفصل السادس:

من تقبل روايته و من ترد 9

شروط قبول خبر الواحد في الراوي 12

الشروط المعتبرة في الراوي:

الاول: الاسلام 13

الثاني: العقل 19

الثالث: البلوغ 21

الرابع: الايمان 25

الخامس: العدالة 32

السادس: الضبط 43

تنبيهات:

الاول: ما المراد من الضابط؟ 44

الثاني: هل قيد العدالة يغني عن الضبط؟ 45

الثالث: من يطلق عليه ضابط؟ 46

الرابع: كيفية اعتبار الضبط في الراوي؟ 47

ص: 419

الخامس: الاكثار من الرواية لا يدل على عدم الضبط 48

السادس: رواية الاصول لا تحتاج الى الضبط 48

السابع: تفرد الضابط الثقة، حجة و إن لم يكن له موافق 48

تذييل: فيه امران.

الاول: لا يلزم غير ما ذكر من الشروط كالذكورية و الحرية و غيرهما 50

فرع: من كان له اسمان جازت الرواية عنه! 54

فائدة: لا يعتبر في حجية الخبر وجوده في أحد الكتب الاربعة 54

الثاني: شرائط الراوي معتبرة حين الاداء لا حال التحمل 56

الجهة الثانية:

كيفية ثبوت عدالة الراوي 63

هل تكفي تزكية العدل الواحد في قبول الرواية؟ 65

تنبيهات:

الاول: تكفي تزكية غير الامامي الموثق ايضا 81

الثاني: اعتبار التعدد و عدمه جار في الجرح كالتزكية 81

الجهة الثالثة:

الخلاف في قبول الجرح و التعديل مطلقين او مع ذكر السبب، اقوال: 83

حجة القول الاول 88

حجة القول الثاني 89

حجة القول الثالث 92

حجة القول الرابع 94

حجة القول الخامس 95

حجة القول السادس 96

حجة القول السابع 96

تنبيهان:

الاول: الجرح المجمل من ائمة الفن لا أثر له 97

الثاني: الاشكالات الواردة في المقام 98

ص: 420

الجهة الرابعة:

الاقوال في ما لو اجتمع الجرح و التعديل 111

الجهة الخامسة:

ما يعتبر في تصحيح السند 119

هل يقبل التوثيق المجهول؟ 120

تنبيهات:

الاول: قول الثقة حدثني الثقة تزكية للمروي عنه 124

الثاني: هل مجرد رواية العدل عن رجل يكون تعديلا له؟ 126

الثالث: فتوى المجتهد على طبق حديث ليس حكما منه بصحته 128

الرابع: موافقة الحديث للاجماع لا يدلّ على صحة سنده 129

الخامس: من لم يقع في كتب الرجال تصريح بعدالته فهو مجهول 130

السادس: اذا روى ثقة عن ثقة حديثا و نفاه المروي عنه 133

الجهة السادسة:

الالفاظ المستعملة في التعديل و الجرح 137

المقام الاول:

الفاظ المدح و اقسامها 138

قولهم: فلان عدل امامي ضابط 141

قولهم: عدل من اصحابنا الامامية ضابط 141

قولهم: ثقة 146

تنبيهات:

الاول: حكم ما لو قال القائل: ثقة غير عدل أو ما شاكل ذلك 154

الثاني: تقرير اشكال على المختار 156

الثالث: حكم قول الامامي ان فلانا ثقة 158

الرابع: حكم قول العدل: إن فلانا ليس بثقة 159

الخامس: من كرر في حقه لفظ الثقة 160

قولهم: ثقة في الحديث أو في الرواية 162

ص: 421

قولهم: صحيح الحديث 166

قولهم: حجة 170

قولهم: اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه 171

مقامان:

الاول: ما المراد من هذه العبارة؟ 176

الثاني: تعداد الجماعة و تعيين اسمائهم 197

تذنيب:

قد شهد الثقاة بوثاقة جمع غير اصحاب الاجماع 204

قولهم: من اصحابنا 208

قولهم: عين و وجه 209

قولهم: ممدوح 212

قولهم: من اولياء أمير المؤمنين عليه السّلام 213

قولهم: خاصي 216

قولهم: صاحب سر أمير المؤمنين عليه السّلام 217

قولهم: من مشايخ الاجازة أو شيخ الاجازة 218

تذييل:

الفرق بين شيخوخة الرواية و الاجازة في افادة الوثاقة 223

قولهم: شيخ الطائفة أو من اجلائها أو معتمدها 223

قولهم: لا بأس به 224

قولهم: أسند عنه 228

قولهم: مضطلع بالرواية 238

قولهم: سليم الجنبة 238

قولهم: خاصي 239

قولهم: متقن 240

قولهم: حافظ و ثبت و ضابط 240

قولهم: يحتج بحديثه 242

ص: 422

قولهم: صدوق 242

قولهم: محل الصدق 242

قولهم: يكتب حديثه 243

قولهم: ينظر في حديثه 243

قولهم: شيخ 243

قولهم: جليل 244

قولهم: صالح الحديث 244

قولهم: نقي الحديث 245

قولهم: مسكون الى روايته 245

قولهم: بصير بالحديث و الرواية 246

قولهم: مشكور 246

قولهم: مرضي 246

قولهم: ديّن 247

قولهم: فاضل 247

قولهم: فقيه 248

قولهم: عالم و محدث و قارئ 248

قولهم: ورع 249

قولهم: صالح (من دون اضافة الى الحديث) 249

قولهم: زاهد 249

قولهم: قريب الأمر 250

قولهم: معتمد الكتاب 252

قولهم: كثير المنزلة 253

قولهم: صاحب الامام الفلاني (عليه السّلام) 253

تذنيب

قولهم: مراتب التعديل عند العامة 254

***

ص: 423

المقام الثاني

في ساير اسباب المدح و أماراته 257

منها: كونه وكيلا لأحد الائمة (عليهم السّلام) 258

منها: من يترك رواية الثقة أو الجليل.. 260

منها: من يروي عنه أو كتابه جماعة من الاصحاب 262

منها: روايته عن جماعة من الاصحاب 263

منها: رواية الجليل او الاجلاء عنه 263

منها: رواية صفوان بن يحيى و ابن ابي عمير عنه 263

منها: رواية محمد بن اسماعيل أو جعفر بن بشير عنه 264

منها: كونه ممن يروي عن الثقات 265

منها: رواية علي بن الحسن بن فضال و نظائره عنه 265

منها: كونه ممن تكثر الرواية عنه و يغنى بها 267

بيان:

معنى كونهم عليهم السّلام محدثون 270

منها: رواية الثقة عن شخص مشترك الاسم و اكثاره منها 271

منها: اعتماد شيخ على شخص 271

منها: اعتماد القميين عليه 272

منها: كون رواياته كلها او جلّها مقبولة أو سديدة 272

منها: وقوعه في سند حديث وقع اتفاق الكل أو الجلّ على صحته 273

منها: وقوعه في سند حديث صدر الطعن فيه من غير جهته 273

منها: اكثار الكافي و الفقيه من الرواية عنه 274

منها: رواية الثقة عن رهط مطلقا او مقيدا بقوله: من اصحابنا 274

منها: رواية الثقة الجليل عن اشياخه 275

منها: ذكر الجليل شخصا مترضيا أو مترحما عليه 275

منها: ان يقول الثقة: لا أحسبه الا فلانا 276

منها: ان يقول الثقة: حدثني الثقة 277

ص: 424

منها: ان يكون الراوي ممن ادعي اتفاق الشيعة على العمل بروايته 278

منها: وقوع الراوي في سند حكم العلامة بصحة حديثه 281

منها: نقل حديث غير صحيح متضمن لوثاقته أو جلالته 284

منها: أن يكون الراوي من آل ابي جهم 285

منها: أن يكون الراوي من آل ابي شعبة 285

منها: أن يكون الراوي من آل ابي نعيم الأزدي 286

منها: ان يذكره الكشي و لا يطعن عليه 286

منها: قول العدل: حدثني بعض اصحابنا 287

تذييل: يتضمن أمرين:

الاول: كون هذه الامارات كثيرة جدا 288

الثاني: كون المدار في هذه الامارات على الظن الفعلي 289

وقوع كلام في توثيق جماعة 289

المقام الثالث:

في الفاظ الذم و القدح 293

قولهم: فاسق.. و ليس بعدل... و غيرهما 293

قولهم: ضعيف 295

قولهم: ضعيف الحديث 298

قولهم: مخلط أو مختلط 302

قولهم: مرتفع القول 305

قولهم: متهم بالكذب أو الغلو.. 306

المقام الرابع:

في ساير اسباب الذم و ما تخيل كونه من ذلك

منها: كثرة روايته عن الضعفاء و المجاهيل 307

منها: كثرة رواية المذمومين عنه 308

منها: روايته عنهم (ع) على وجه يظهر منه كونهم رواة لا حججا 308

منها: كونه كاتب الخليفة و من عماله 309

ص: 425

منها: كون الرجل من بني امية 311

منها: فساد العقيدة 316

من الفرق الفاسدة: العامة 316

من الفرق الفاسدة: الكيسانية 317

من الفرق الفاسدة: الاسماعيلية 321

من الفرق الفاسدة: الهاشمية 322

من الفرق الفاسدة: الحيانية 322

من الفرق الفاسدة: الرزامية 322

من الفرق الفاسدة: الفطحية 323

من الفرق الفاسدة: السمطية 325

من الفرق الفاسدة: الناووسية 326

من الفرق الفاسدة: الواقفية 327

اصناف الواقفية 331

الاخبار الواردة في الواقفية 334

من الفرق الفاسدة: الزيدية 347

من الفرق الفاسدة: البترية 349

من الفرق الفاسدة: الجارودية 353

من الفرق الفاسدة: السليمانية 354

من الفرق الفاسدة: الصالحية 355

من الفرق الفاسدة: الخطابية 355

من الفرق الفاسدة: البزيعية 357

من الفرق الفاسدة: البيانية 358

من الفرق الفاسدة: البنانية 359

من الفرق الفاسدة: الحرورية 359

من الفرق الفاسدة: المخمسة 361

من الفرق الفاسدة: العلياوية 362

ص: 426

من الفرق الفاسدة: القدرية 364

فرق القدرية أو المعتزلة 365

من الفرق الفاسدة: المرجئة 369

من الفرق الفاسدة: المغيرية 372

من الفرق الفاسدة: النصيرية 374

من الفرق الفاسدة: الشريعية 375

من الفرق الفاسدة: المفوضة 376

معاني التفويض 377

من الفرق الفاسدة: الجبرية 383

فرق الجبرية 385

من الفرق الفاسدة: الغلاة 393

فرق الغلاة 394

الاخبار الذامة للغلاة 402

ص: 427

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.