مقباس الهدایة في علم الدرایة المجلد 1

هوية الكتاب

مقباس الهداية في علم الدراية

الجزء الأول

تألیف: الشیخ محمد رضا المامقاني

موسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

الطبعة: الأولی - ذي الحجة 1413 ه . ق

ص: 1

اشارة

ص: 2

مقباس الهداية في علم الدراية

ص: 3

مقباس الهداية في علم الدراية

الجزء الأول

تألیف: الشیخ محمد رضا المامقاني

موسسه آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث

الطبعة: الأولی - ذي الحجة 1413 ه . ق

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 5

ص: 6

اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا

ص: 7

ص: 8

مقدمة التحقيق

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه وحده، و الصلاة و السلام على محمد عبده، و أمين وحيه، و على وصيّه و خليفته من بعده، و على ذرّيته الطاهرين الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين. خاصة بقية اللّه الأعظم إمام زماننا، و منجي شريعتنا، و ممحق البدع اللاحقة بملتنا، و مهلك عدونا، القائم بالقسط بيننا، الحجّة المهدي المنتظر عجل اللّه تعالى فرجه الشريف و جعلنا من كل مكروه فداه.

و بعد.

من البديهي بمكان، ما للحديث - رواية و دراية، نقلا و ضبطا، و سندا و دلالة، اصولا و فروعا.. - من مكانة سامية في المجتمع الإسلامي تقنينا و تقديسا قديما و حديثا..

فالحديث بعد القرآن شرفا، و به يشفّ القرآن و يكشف، و هو العدل له و العديل، و هو - على حدّ تعبير القدماء - من علوم الآخرة التي من حرمها - و العياذ باللّه - فقد حرم الخير الكثير، و الأجر العظيم، بل حرم الخير كلّه، و من رزقها بشروطها فقد نال الفضل الجزيل و الأجر الوفير..

و قد توجّه له جمع من الفضلاء الأعلام، و أكبّ عليه دراسة و تدريسا

ص: 9

و تصنيفا و تعليقا طائفة من المحقّقين و النقّاد.. فكان من ذي و ذاك تراثا ضخما ضمّته المكتبة الإسلامية عبر قرون من الزمن.

و قواعده اسّه الحصين و قوامه، و بها يعرف حلال اللّه و حرامه، و مفروضه و مندوبه... هذا، و قد أعرض المتأخّرون - فضلا عن المعاصرين - عن اعتبار مجموع ما نبيّنه من الشروط سواء في رواة الحديث و مشايخه أو في الرواية و تحملها، لتعذّر الوفاء بها عموما، و الإغناء عنها غالبا.. و لأن الهدف هو المحافظة على خصيصة هذه الامة في الأسانيد، و المحاذرة من انقطاع سلسلتها.. و عليه فما تبقى من الشروط هو ما يليق بهذا الغرض، و اكتفوا لهذا في أهلية الشيخ بكونه مسلما بالغا عاقلا عدلا، و كون ضبطه لجودة سماعه متنبّها، و كونه يروي بأصل موافق لأصل شيخه و.. هذا سلفا، و اليوم اغنتنا المصادر و التراجم عن جلّ هذا و ذاك.

و من هنا قال ابن الصلاح في المقدمة: 237:... ان الاحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة و السقم قد دوّنت و كتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث، و لا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم و إن جاز أن يذهب على بعضهم، لضمان صاحب الشريعة حفظها، ثم قال - حاكيا عن البيهقي -: فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه، و من جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته و لا يوجد عند جميعهم ليقبل منه، و من جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته، و الحجّة قائمة بحديثه برواية غيره، و القصد من روايته و السماع منه أن يصير الحديث مسلسلا ب:

حدّثنا، و أخبرنا و نظائرهما، و تبقى هذه الكرامة التي خصّت بها هذه الامة شرفا لنبيّنا المصطفى صلّى اللّه عليه و [آله] و سلّم.

و جزى اللّه علماءنا الأبرار و سلفنا الصالح و ثقات رواتنا في حفظهم للشريعة، و تدوينهم للحديث، و ضبطهم قواعد الدراية و اصول الحديث، و لما بذلوه

ص: 10

و حقّقوه في بيان أروع القواعد و ادق المباني لمنهج التحقيق، و توثيق المرويات، و فحص الأسانيد، و نقد المصادر و.. كل ما يرتبط بالمنهج النقلي الذي تأصّل في مباحث علماء الحديث و الدراية.. و ذلك بتحديدهم ضوابط في الرواية و النقل.. و في التوثيق و الاسناد.. و في الراوي و المحدّث..

و قد ينبهر المتتبّع لما وصل إليه القوم من مستوى رفيع من الدقّة و المداقّة ممّا جعلها إلى يومنا هذا عمدة المنهج النقلي في توثيق المصادر في المجتمع العلمي الإسلامي.

بل - كما في مقدمة المنهج: 79 -: اشتدّت في صرامة دقتها بحيث يشقّ علينا اليوم أن نلتزمها..

و بعد كل هذا فإنّ هذه القواعد و تلك الاصول و المباني - مع كل ما فيها من مداقّة و عمق - لا يمكن التعلّق بها أو الاعتماد عليها بشكل أعمى و لا الأخذ بها من دون رويّة و سبر، بل يلزمنا مع كل ذاك متابعة الحديث متنا و إسنادا و ملاحظة ملابساته صدورا و فقها، و ملاحظة ما حاطته الظروف السياسية و الاجتماعية مماشاة أو تقية طبقا لما خطّه الاقدمون لنا من مشايخنا الأعلام رضوان اللّه عليهم.. فهم عند ما يعرضون عن حديث مثلا - مع توفر شروط الصحة فيه سندا و تمامية دلالته متنا - فليس ذلك جزافا، كما أنّهم لو اخذوا به مع ما فيه فليس ذلك اعتباطا و تشهيا. و هم قد فرقوا بعد هذا بين فروض اللّه سبحانه و ندبه و واجباته و سننه... مما سيأتيك بحثه و اجماله..

و قد صنّف في هذا العلم من الخاصة و العامة كثير، و تلاقفته أيدي التاريخ تدوينا و تبويبا و تنقيحا و ضبطا... و منه تراث مفقود و آخر مهمل، و ندر ما سطع من كل تلك الدفاتر المبسوط و الزبر المضبوطة.. و لعلّ من أجّل ما كتب في هذا الفنّ - من من نعرف - كتابنا الحاضر: مقباس الهداية في علم الدراية

ص: 11

لشيخنا المعظّم الآية العظمى:

الشيخ عبد اللّه المامقاني طاب رمسه.

و أقولها - لا حرصا و تعنّتا - بل شهادة للتاريخ أني مع كل مراجعاتي للمخطوط من هذا الفن و المطبوع من الفريقين ندر أن وجدت من أوفى الموضوع حقّه و أعطاه جدّه، أو استوفى البحث استيعابا، كمصنّفنا في مصنّفه هذا... فلله دره و عليه أجره... مع كل ما لنا من ملاحظات طفيفة عليه، و موارد شبهة لم نفهمها منه، و قد خرج المصنف رحمه اللّه في بعض مباحثه عن المنهجية المتداولة، فوسع في بعض الأبواب، و أدخل بعض المباحث الاصولية، و نقح جملة من المسائل الحديثية، و تفرّد في جملة من تحقيقاته و اختياراته... و يا حبذا لو هذّب الكتاب و لخّص، بل يحقّ لهذا الفنّ أن يبوب من جديد و يسبك بصياغة فنية تحافظ على جوهره، و تسهّل طلبه و توضح برهانه و تعطيه حقّه، و كم هو بحاجة إلى اهتمام اكبر و عناية جادة من العلماء كي تضفى عليه النظريات الجديدة في العلوم من اصوله و فروعه، و تهذّب منه الزوائد و توحد فيه المصطلحات، و يفرّق بينه و بين القواعد الرجالية و المسائل الاصولية و المباحث الكلامية و المطالب اللغوية و غيرها، مما سنشير له كلاّ في محله، و لعلّ محاولتنا هذه في تجميع شتاته، و ضبط جملة من مصادره، و حشد كميه اكبر من مصطلحاته، تكون بادرة أوليّة، و بذرة يانعة لما نصبوه له من تحقيق الكتاب و الاهتمام بهذا الفن.. و كان بودي الإسهاب في الحديث عنه لو لا ان الكتاب ينتظر مقدمته، التي تعورف درجها في أوله...

و الخّص عملي على الكتاب - مع كل ما فيه من نقص و قصور - بالنقاط التالية:

1 - ضبط النص و تقويمه... و حيث لم يكن بين يدي نسخة خطية للكتاب، و لا اعرف له نسخة سوى ما كتبه قدّس سرّه بخطّه، و هي نسخة سجينة في العراق مع كل ما لنا من تراث و رجالات، و لذا اضطررت الى الاعتماد على طبعتي

ص: 12

الكتاب، و هما:

الاولى: طبعة حجرية سنة 1345 ه في المطبعة المرتضوية، بخط ميرزا أحمد الزنجاني، و طبع بعدها رسالة مخزن المعاني في ترجمة المحقق المامقاني بحجم متوسط في 225 صفحة.

الثانية: طبعت في آخر كتاب: تنقيح المقال في علم الرجال - الجزء الثالث، و قد أعاد النظر في جملة من مواضعها، و أضاف جملة من المطالب عليها و انتهى منها ليلة الجمعة عاشرة ذي القعدة الحرام سنة 1350 ه و هي العمدة في تحقيقنا لهذا الكتاب، طبعت على الحجر بحجم كبير في 98 صفحة.

تمّ التوفيق بين نصيهما و الاشارة الى ما في الطبعة الثانية من زيادات على الاولى، و استعنت بهما في تقويم النصوص، مع عدم التعرض للفروق الجزئية بينهما.

2 - تخريج مصادر الكتاب و ضبطها و اشباعها بمصادر اخرى، حيث اقتصر المصنف رحمه اللّه على مصادر قليلة من الخاصة كدارية الشهيد و تعليقة الوحيد و الرواشح للسيد الداماد، و القوانين للميرزا القمي، و توضيح المقال للملاّ علي كني، و لب اللباب للاسترآبادي.. و من العامة تدريب الراوى للسيوطي، و قد زينتها بمصادر اخرى من الفريقين من ما وقع بيدي من مطبوعها و مخطوطها.

3 - التعرض لبعض الخلافات اجمالا، و نقد بعض النصوص اشارة، و كان ذلك غالبا في مستدركات الكتاب، كما ذكرت كل ما حصلت عليه من نقود على الكتاب مع ذكر المختار فيه، و ترجمة لغالب الأعلام الواردة في الكتاب، و اللغات التي فصلها المصنف رحمه اللّه. و المذاهب التي تعرض لها.

4 - تذييل الكتاب بحدود مائتين و خمسين مستدركا لكل ما يستوجبه النص أو تقتضيه ضرورة البحث، ضمنتها - مئات الفوائد - الدرائية و غيرها و ستطبع في ذيل الكتاب بعنوان: مستدركات مقباس الهداية: و يليها فهارس جامعة

ص: 13

أهمّها فهرست تحت عنوان: نتائج مقباس الهداية، يعدّ حصيلة الكتاب و مجمل مصطلحاته الدرائية على غرار نتائج تنقيح المقال. بذكر كل مصطلح مع تعريف مجمل له و موارد بحثه في خلال الكتاب.

5 - لقد كان - و لا زال - ديدن الخاصة من علماء الدراية ان يدرجوا جملة من مصطلحات العامة في هذا الفنّ ، و شرح بعض اصولهم و سرد أقوالهم و مناقشة جملة من آرائهم و كيفية الاعتماد على أسفارهم، بل: حتى يكون الناظر في هذا الكتاب و الآخذ بمجامع ما فيه على بصيرة تامة في كل باب، مستغنيا عن الرجوع إلى كتاب من كتب العامة و الخاصة - على حدّ تعبير المرحوم الدربندي في درايته: 30 - خطي -، فكان أن سايرت القوم و ماشيتهم فراجعت جملة من مصادر العامة و ذلك لما وجدت في بعضها من فوائد لا غنى للمحدّث عنها زيادة للبصيرة و تنويرا للطريق خصوصا و إنّا نعتمد على كتبهم في مقام النقض و الإبرام و الاحتجاج و الالتزام.. و لذا لزم معرفة مصطلحاتهم و مبانيهم، مع أنا قد تفرّدنا بمباحث درائية خاصة سنتعرض لها في ما بعد تحت عنوان: الشيعة و الدراية.

و ثمّة جملة امور و فوائد ذكرناها - و إن لم تكن بتلك المثابة - إلاّ أنّه مع ذلك مما تزيد بصيرة البصير بها و حذاقة المستنير، مع المحاولة في جمع اكبر كمية من المصطلحات المتداولة عندهم مما تغنى عن الرجوع الى سائر كتبهم و مصنفاتهم، مما لا تجده في كتاب كتب في هذا الفن احاطة وسعة و استيعابا.

6 - كان ان تمخض من تحقيق كتابنا هذا كتابين مهمين، سيخرجان مستقلّين بإذن اللّه بدءا مستدركا لهذا الكتاب ثم انّ لي أن أفردهما بالتأليف و اوسّع فيهما.

أحدهما: معجم الرموز و الاشارات - و سيطبع قريبا.

ثانيهما: مصباح الهداية في علماء الدراية، جمعت فيه جملة من الأعلام عند الخاصة و مؤلفاتهم من من كتب في هذا الفنّ و صنّف فيه كتابا مستقلا أو

ص: 14

رسالة على غرار كتاب شيخنا الطهراني: مصفّى المقال في علماء الرجال، حيث لم أحظ بمن ألّف فيهما.

و لا يسعني استيفاء الحديث عن الحديث في هذا العجالة، و الحديث ذو شجون، إذ لنا عودة له و عليه في: نشأته.. أهميّته.. علومه.. تدوينه.. اصوله.. فقه الحديث.. رجالاته.. مصنّفاته.. مجاميعه.

و ذلك في مقدّمة مستدركاتنا على هذا الكتاب بحول اللّه و منّه.

هذا و أملي باللّه سبحانه و باوليائه الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين أن يجعل عملي خالصا له مرضيا عندهم، راجيا من اساتذتي الكرام و أعزتي و إخواني تزويدي بملاحظاتهم و نظراتهم البناءة، شاكرا لهم سلفا لطفهم و اهتمامهم.

كما لا يفوتني شكر الأعلام العلماء و الإخوان الأفاضل من أعضاء مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث و غيرهم ممن حثني على تحقيق الكتاب أو أعانني على تصحيحه و مقابلته أو شجّعني على إخراجه بحلّته الجديدة، سائلا المولى عزّ اسمه لهم و لنا دوام التوفيق و التأييد و السؤدد.. و حسن العاقبة.

و ما توفيق إلاّ باللّه عليه توكلت و إليه انيب.

و هو حسبنا و نعم الوكيل

محمّدرضا المامقاني

ص: 15

ص: 16

المصنف (قدس سره): في سطور.....

اشارة

الشّيخ عبد اللّه المامقاني(1)(1290-1351 ه) (1873-1933 م)

اسمه و مولده...

بن الشيخ محمد حسن بن الشيخ عبد اللّه بن المولى محمد باقر بن علي أكبر بن رضا المامقاني النجفي الغروي.

ص: 17


1- ذكرنا له ترجمة ضافية جدا ضمن تحقيقنا لكتابه «مخزن المعاني في ترجمة المحقق المامقاني» (قدس سره)، و لا زال لم يطبع، و قد ترجم نفسه في خاتمة الكتاب بعد ترجمته لأبيه الشيخ محمد حسن و جدّه الشيخ عبد اللّه (رحمهما اللّه)، و استدركنا على كلا الترجمتين، بما عثرنا عليه في كتب التراجم و الموسوعات الرجالية من حياة الاسرة و مولدهم، و أساتذتهم، و تلامذتهم، و المجازون منهم، و المجيزين لهم - مع ترجمة لكل منهم - ثم مؤلفاتهم و مكتبتهم و أسفارهم.. و غير ذلك، و قد ترجم المصنف (رحمه اللّه) نفسه الزكية - كما هو ديدن الرجاليين - في موسوعته الرجالية: تنقيح المقال في علم الرجال: 208/2-211، و قد لخصنا هذه الترجمة منها غالبا، و قد ترجمه أيضا كل من عاصره أو تأخر عنه. انظر: معارف الرجال - الشيخ محمد حرز الدين -: 20/2، الأعلام خير الدين الزركلي -: 79/4 و 133/4، معجم المؤلفين: 116/6، ماضي النجف و حاضرها - الشيخ جعفر محبوبة -: 255/3، معجم رجال الفكر - الشيخ محمد هادي الأميني -: 395، الكنى و الألقاب - الشيخ عباس القمي -: 6/3-115، معجم المؤلفين العراقيين: 332/2، ريحانة الأدب - المدرس التبريزي -: 3/3-430، مصفى المقال - آغابزرگ الطهراني -: 138، شخصية الشيخ الأنصاري - الشيخ الأنصاري -: 376 - فارسي -، طبقات الشيعة - نقباء البشر - آغابزرگ الطهراني -: 1196/3 و ما بعدها، المآثر و الآثار - المراغي -: 148، الذريعة إلى تصانيف الشيعة - آغابزرگ الطهراني -: 120/1 و 528، 447/3، 466/4، 215/5 و 216، 149/6، 77/8 و 137، 127/10، 18/12 و 349، 157/13، و 286، 346/16، 161/17، 11/18 و 36، 229/20 و 230 و 272، 283، 336، 338، 339، 159/23، 48/24، 173/25.

كان عالما عاملا، فقيها جامعا، أديبا كاملا، محدثا اصوليا، رجاليا فطحلا، ورعا تقيا، حاوي للفروع و الاصول، مخالفا لهواه، مطيعا لأمر مولاه، ذا كمالات نفسية و أخلاق قدسية.. قيل فيه هذا و غيره من كل من عرفه أو عرّفه.

كان مرجعا لجمع كبير من الشيعة، حاز قصب السبق على من عاصره و قارنه، و كان يعدّ من كبار أئمة التقليد و الفتيا.. مع قصر عمره و كثرة الفطاحل في زمانه.

ولد - طاب رمسه - في حاضرة العالم الإسلامي - النجف الأشرف - بين الظهرين خامس عشر شهر ربيع الأول من سنة

ص: 18

ألف و مائتين و تسعين من الهجرة النبوية على صاحبها آلاف التحية.

تعلم القرآن الكريم و هو ابن الخامسة، و بعد ختمه بدأ بدراسة المقدمات المتداولة آنذاك على يد والده قدس سره، و الشيخ هاشم الأرونقي الملكي في سنتين و خمسة أشهر بلا تعطيل و لا وقفة إلا يوم عاشوراء، ثم درس القوانين في الأصول، و الرياض في الفقه عند المولى غلام حسين الدربندي، ثم درس الرسائل و المكاسب للشيخ الأعظم الأنصاري على المحقق الشيخ حسن الخراساني، ثم حضر أبحاث والده العلامة أعلى اللّه مقامه في الحادي عشر من ربيع الأول سنة 1308 ه، و هو ابن الثامنة عشرة سنة.

مؤلفاته:

1 - منتهى مقاصد الأنام في نكت شرائع الإسلام - للمحقق الحلي -. و هو باكورة مؤلفاته، إذ بدأ بتأليفه في شهر جمادى الثانية من سنة 1309 ه، و يعدّ من أكبر الموسوعات الفقهية التي عرفتها الطائفة الشيعية، شرع أولا في شرح كتاب الديات من الشرائع في مجلدين، ثم كتاب النكاح في مجلدين أيضا.. و هكذا(1)، و اتمّ الشرح في ثلاث و ستين مجلدا

ص: 19


1- قال.. و كنت اكلّ من طول المطالعة و ينحبس صدري، حتى شكي عند الوالد (قدس سره) خوفا عليّ ، فكان أن التجئت إلى شيخي الشيخ حسن الميرزا (رحمه اللّه) فأمرني بالتأليف و التصنيف دفعا للكسل و طلبا للتنوع، و لم أكن حينذاك قد حررت سوى بعض أبحاث سيدي الوالد - أعلى اللّه مقامه - في الاصول و الفقه، و كانت لي رهبة من التصنيف، و كان أن شرعت بالفقه امتثالا لأمره في ذاك، في الديات - لما هو معروف من شرع منه تمّ تصنيفه - فكان أول كتاب لي هو شرح على ديات شرائع الإسلام للمحقق (قدس سره) مسميا إياه... و ذاك في شهر جمادى الثاني من سنة ألف و ثلاثمائة و تسعة في أيام التعطيل، و بتحرير تقريرات بحث الوالد (قدس سره) في أيام التحصيل.. إلى آخره.

كبيرا(1)، و قد ذكر في كتاب مخزن المعاني تأريخ بدئه لكل مجلد و ختمه(2).

و قد طبع منه بعض المجلدات في زمان المؤلف، و لا زال الباقي منه مخطوطا في مكتبة الأسرة في مقبرتهم في النجف الأشرف.

ص: 20


1- قال في تنقيح المقال: 208/2: تحت رقم 7038.. و الأسف كلّ الأسف على سرقة بعض من لا مروة له نيفا و عشرين مجلدا و اتلافه لها و بقاء النسخة ناقصة، و انكسار خاطري الموجب لعدم التمكن من تحرير الناقص مرة أخرى إلا مقدار أربع مجلدات من الصلاة بالاستقلال، و يسير من تعليق أول الطهارة، و يسير من الغصب و الحدود، و عمدة الأسف على أن المسروق من المقامات المهمة، كتعليقي على كتاب الطهارة و الصلاة من ذرائع الأحلام للوالد العلامة (قدس سره)... إلى آخره.
2- قال (رحمه اللّه): و كنت زمان اشتغالي بهذا الكتاب مقتصرا بالواجب من العبادات و بقدر الضرورة من النوم و الأكل، حتى اني في جملة من الأيام لم أكن أتفرغ للغذاء... أقول: الموجود من هذا الكتاب فعلا في مكتبة المقبرة للأسرة في النجف الأشرف ثلاث و ستون مجلدا عدا ما فقد منها، و لعله يعد أكبر موسوعة فقهية شيعية عرفها العالم الإسلامي.

2 - مطارح الافهام في مباني الأحكام، في الاصول، قال طاب رمسه: اقتصرت فيه على ما يحتاج إليه في الفقه و اعرضت عن التطويلات الخالية عن الفائدة، و التشكيكات التي ليست لها عائدة.

ألّفه بعد إتمامه لكتاب الديات من منتهى المقاصد و بعد شروعه بكتاب النكاح، في تسعة أشهر، طبع في المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف، في زمان حياته.

3 - تقريرات بحث والده الشيخ محمد حسن (قدس سرهما) في الفقه.

4 - تقريرات بحث والده الشيخ محمد حسن (قدس سرهما) في الاصول، و كلاهما مخطوط في مقبرة الاسرة.

5 - هداية الأنام في أموال الإمام (عليه السلام)، رسالة فرغ منها سلخ شهر رمضان من سنة 1319 ه، طبعت في تبريز في سنة 1320 ه.

6 - تحفة الصفوة في أحكام الحبوة، طبعت في تبريز سنة 1328 ه، و جدّد طبعها شيخنا الوالد (دام ظله) بالاوفست سنة 1400 ه.

7 - نهاية المقال في تكملة غاية الآمال، تعليقة على الخيارات للشيخ المحقق الأنصاري (قدس سره)، طبع في النجف الأشرف في مجلد، ثم جدد طبعها بالاوفست.

8 - القلائد الثمينة على الرسائل الست السنية، و هي

ص: 21

الرسائل الستّ الملحقة بالمكاسب للشيخ الأنصاري: التقية، العدالة، القضاء عن الميت، المواسعة و المضايقة، من ملك شيئا ملك الاقرار به، و رسالة نفي الضرر - طبعت ملحقا بالكتاب السالف.

9 - مناهج المتقين في فقه أئمة الحق و اليقين، ضمنها فروع فقهية كثيرة، قيل: لم يصنف مثله إلى الآن في كثرة الفروع، فرغ منه ما بين الطلوعين من يوم مبعث النبي الأكرم صلوات اللّه و سلامه عليه و آله من سنة 1327 ه. طبع في النجف الأشرف على نفقة الشركة التجارية سنة 1344 ه على الحجر، ثم اعيد طبعه بالاوفست من قبل مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) في قم في مطبعة خيام.

10 - مقباس الهداية في علم الدراية، و هو كتابنا الحاضر، فرغ منه في الثاني و العشرين من محرم الحرام، سنة ألف و ثلاثمائة و ثلاث و ثلاثين، و طبع مستقلا، ثم أعاد النظر فيه و أضاف عليه، و طبع ملحقا بالجزء الثالث من كتابه تنقيح المقال في علم الرجال.

11 - الاثني عشرية، تتضمن اثني عشر رسالة، هدية إلى الأئمة الاثني عشر، طبعت في النجف الأشرف على نفقة الشركة التجارية سنة 1344 ه، و الرسائل هي:

رسالة وسيلة النجاة في أجوبة جملة من الاستفتاءات.

12 - رسالة مجمع الدرر في مسائل اثني عشر.

ص: 22

13 - رسالة المسائل الأربعين العاملية.

14 - رسالة المسائل الخوئية.

15 - رسالة في المسافرة لمن عليه قضاء شهر رمضان مع ضيق الوقت.

16 - رسالة عدم إيراث العقد و الوطء لذات البعل شبهة حرمتها عليه أبدا.

17 - رسالة المسألة الجيلانية، تتضمن المحاكمة بين علمين من المعاصرين في فرع فقهي و هو عدم إرث الزوجة من الأراضي، طبعت أخيرا ضمن كتاب (صيانة الابانة)، و قد قمت بتحقيقها و تصحيحها بدون اسم.

18 - رسالة كشف الريب و السوء عن إغناء كل غسل عن الوضوء.

19 - رسالة في اقرار بعض الورثة بدين و إنكار الباقين.

20 - رسالة كشف الأستار في وجوب الغسل على الكفار.

21 - رسالة غاية المسئول (السئول) في انتصاف المهر بالموت قبل الدخول، طبعت في ذيل كتاب تحفة الصفوة في أحكام الحبوة أخيرا، بالاوفست.

22 - رسالة مخزن اللآلي في فروع العلم الإجمالي مع

ص: 23

حواشي جديدة لم تكن عليها في الطبعة الأولى(1).

هذه الرسائل الاثنى عشر، و قد قمت بتحقيق أكثرها، و لعل اللّه يوفقنا لطبعها و نشرها.

23 - رسالة مرآة الرشاد في الوصية للأحبة و الأولاد، طبعت في واحد و عشرين صفحة على الحجر حجم كبير في مقدمة كتاب مرآة الكمال، ثم قام الشيخ الوالد (دام ظله) بتحقيقها و طبعها، و قد جدّد طبعها أربع مرات في العراق و إيران حتى هذا التاريخ، مع طباعة أوفست لها، و جدّد طبعها في بيروت، و ترجم أكثر من مرة إلى الفارسية.

24 - كتاب مرآة الكمال لمن رام درك مصالح (صالح) الأعمال، في الآداب و السنن، في مجلد، فرغ منه في الخامس و العشرين من ربيع الثاني سنة 1335 ه، و هو سفر جليل و كتاب قيم، أودعه شيخنا الجد (قدس سره) ذوقه الفقهي الرائع ببرمجة جديدة بذكر الراجح و المرجوح للمكلفين من قبل الولادة إلى ما بعد الوفاة، و طبع هو و الرسالة السالفة في سنة 1347 ه.

و قام الشيخ الوالد (دام بقاه) بتحقيقه في أربع مجلدات، طبع منها المجلد الأول، ثم جدّد النظر فيه و لا زال قيد التحقيق، و سيصدر قريبا بإذن اللّه.

ص: 24


1- طبعت مرتان، تارة ضمن الاثنا عشرية و فيها زيادات و حواش، و اخرى مع رسالة إزاحة الوسواس.

25 - رسالة مخزن المعاني في ترجمة المحقق المامقاني (قدس سره) طبع في آخر مقباس الهداية في سنة 1345 ه.

26 - رسالة الجمع بين فاطميتين في النكاح.

27 - رسالة في أحكام العزل عن الحرة الدائمة و غيرها.

28 - رسالة إرشاد المتبصرين، فقه على ترتيب تبصرة العلامة الحلي (قدس سره).

29 - رسالة المسائل البصرية، تتضمن السؤال و الجواب عن مائتين و خمس و ثمانين مسألة من المسائل المهمة.

30 - رسالة وسيلة التقى في حواش على العروة الوثقى، على ترتيب حسن ابتكره رحمه اللّه و تبعه من عاصره عليه.

31 - رسالة السيف البتار في دفع شبهات الكفار، في الكلام و إثبات اصول الدين و جملة من فروع الاصول.

32 - ترجمة رسالة السيف البتار السالفة.

33 - رسالة إزاحة الوسوسة عن تقبيل الأعتاب المقدسة، طبع مع الطبعة الاولى لكتاب مخزن اللآلي.

34 - الدر المنضود في صيغ الإيقاعات و العقود.

35 - أرجوزة الدّر المنضود - السالفة - في نيف و ألف بيت.

36 - تنقيح المقال في علم الرجال، و لنا حديث مسهب

ص: 25

عنه في أوله، حيث هو قيد التحقيق من قبل شيخنا الوالد (دام ظله).

37 - نتائج التنقيح - فهرست لرجالات التنقيح مع خلاصة من ما حكم به في الترجمة، طبع في أول التنقيح.

38 - سراج الشيعة، ترجمة لكتابه مرآة الكمال - بتصرف و اختصار - طبع مكررا في النجف و تبريز و طهران، على الحجر و الحروف و الأوفست.

39 - تحفة الخيرة في أحكام الحج و العمرة، فارسي مبسوط.

40 - منهج الرشاد، سؤال و جواب، فارسي، في العبادات و غيرها، طبع في النجف الأشرف سنة 1340 ه.

41 - سؤال و جواب - مسائل فقهية أخرى، فارسي، مبسوط، طبع في تبريز سنة 1321 ه.

42 - رسالة مناسك الحج، وسيط، عربي، طبع في النجف الأشرف سنة 1344 ه.

43 - رسالة مناسك الحج، وسيط، فارسي، طبع مع الأول في كتاب واحد.

44 - مناسك حج، صغير، فارسي، طبع في تبريز سنة 1338 ه.

ص: 26

45 - مناسك حج، صغير، عربي، طبع في النجف الأشرف.

46 - حواش على جامع عباسي - للشيخ البهائي - طبع مع المتن.

47 - حواش عديدة على جملة من الرسائل العربية و الفارسية كذخيرة الصالحين و منتخب المسائل و مجمع المسائل و صيغ العقود - الفارسي للفاضل الريحاني - و غيرها.

48 - كراريس في علوم الحروف و الأعداد و الفوائد الرجالية - غير مطبوع - و الفوائد الطبية، و صحائف في العلوم الغريبة و الكيمياء.

قال (رحمه اللّه) في التنقيح: 210/2:... و لو جمع جميع ما حررته لعدل الجواهر ثلاث مرات، و الحمد للّه تعالى على هذه النعمة العظمى.. إلى آخره.

لقد منح من قبل والده المعظم - (قدس سره) - اجازة الاجتهاد مرارا، كما و اجيز بالرواية منه - (طاب رمسه) - و مشايخ الشيخ الكبير (رحمه اللّه) ثلاث هم:

1 - الشيخ ملا علي بن ميرزا خليل الطهراني: بطرقه المسطورة في مواقع النجوم لشيخنا النوري (طاب رمسه).

و أشار لها المصنف في خاتمة كتابه هذا.

2 - الشيخ مرتضى الأنصاري - استاذه -.

3 - السيد حسين الكوه كمرئي - استاذه -.

ص: 27

كما و لشيخنا الجد طريق آخر و هو ما رواه عن شيخه و استاذه الشيخ حسن الخراساني (الميرزا) عن الفاضل الايرواني عن شريف العلماء. و سيأتي ذكره في آخر هذا الكتاب مجملا.

أما أسفار الشيخ، و تلامذته، و محل صلاته و درسه و غير ذلك فقد بسطنا الكلام فيها في تحقيقنا على كتابه: مخزن المعاني، فلاحظ هناك.

ص: 28

نماذج من طبعات الكتاب

الصورة

ص: 29

الصورة

ص: 30

الصورة

ص: 31

الصورة

ص: 32

مقباس الهداية في علم الدّراية تأليف العلاّمة الفقيه و الرّجاليّ الكبير الشّيخ عبد اللّه المامقانيّ (1290-1351 ه) تحقيق الشّيخ محمّد رضا المامقاني مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لاحياء التّراث

ص: 33

ص: 34

مقدمة المؤلف

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه السميع البصير، و الصلاة و السلام على سيدنا البشير النذير، و على آله الطيبين النازل فيهم آية التطهير، لا سيما ابن عمه و صهره و وصيه أبا شبر و شبير، و الرحمة و الرضوان على فقهائنا، و رواة أحاديثنا، الذين هم أعوان الشرع المنير.

و بعد:

فيقول الفقير إلى ربه الغني عبد اللّه المامقاني (عفا عنه ربه) ابن الشيخ (قدس سره) أنه لما كان علما(1) الدراية(2)

ص: 35


1- في الطبعة الاولى: علم، و ما ذكر أصح.
2- و يقال له عند علماء الحديث - من الفريقين -: علم الحديث، مصطلح الحديث، علوم الحديث، اصول الحديث، قواعد الحديث، و علم الإسناد و غير ذلك، و كلها أسماء لمسمى واحد. لاحظ: دراية الشهيد، الكفاية: 3، قواعد اصول الحديث: 5. اختصار علوم الحديث: 18، كشف الظنون: 636:1-641 و.. غيرها. و العجب من قول الدربندي في درايته: 1 - خطي -:.. و قد يستفاد من كلام جمع أن علمي الرجال و الدراية يطلق عليهما: علم اصول الحديث، و هكذا علم الإسناد... ثم قال: و بالجملة، فإنا نخص علمي الإسناد و هكذا علم اصول الحديث بعلم الدراية.! و الأعجب ما ذكره التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون: 311/2 من أن علم الدراية - بكسر الدال و بالراء المهملة - هو علم الفقه و اصول الفقه. و قال في المجلد الأول: 41 في تعريف علم الفقه: و يسمى هو و علم اصول الفقه بعلم الدراية أيضا!، و لم أجد من تابعه على ذلك و إن حكاه عن مجمع السلوك.

و الرجال(1) من العلوم المتوقف عليها الفقه و الاجتهاد عند اولي الفهم و الاعتبار، و صارا في أزمنتنا مهجورين بالمرة. حتى لا تكاد تجد بهما خبيرا، و بنكاتهما بصيرا، بل صارا من العلوم الغريبة، و المباحث المتروكة، رأيت من الفرض اللازم عليّ عينا تصنيف كتابين فيهما، جامعين لهما، باحثين عنهما، وافيين بشتاتهما، كافيين لمن طلبهما، كاشفين عن غوامضهما، مبيّنين لدقائقهما، موضحين لحقائقهما، مع اختلال البال، و تشتت الفكر و الخيال، و ملال الخاطر من عوارض الدهر الغدار.

و إني و إن لم أكن من فرسان هذا الميدان، و أبطال هذا المجال،

ص: 36


1- و عرّف بأنه: ما يبحث فيه عن أحوال الراوي من حيث اتصافه بشرائط القبول للخبر و عدمه، و هو أولى من قولهم في تعريفه: العلم الذي وضع لتشخيص رواة الحديث ذاتا و وصفا، مدحا و قدحا. و قد فصل البحث شيخنا المصنف أعلى اللّه مقامه في فوائده الرجالية المطبوعة في مقدمة موسوعته: تنقيح المقال، في الفائدة الاولى، تعريف علم الرجال و فرقه عن علم الدراية، و لاحظ مقدمة رجال أبي علي، و توضيح المقال: 2، و غالب الفوائد الرجالية.

إلا أن النوبة قد انتهت إليّ من قحط الرجال، و تعيّن الفرض عليّ من فقد أهل الكمال، و حيث قد كثر خلط مطالب أحد العلمين بالآخر، و شاع التعرض لجملة من مسائل علم الدراية في كتب الرجال، و كان ذلك غير محمود العاقبة، لأدائه إلى خلط أحدهما بالآخر بمرور الأيام و الأزمنة، التزمت بالتمييز بينهما، و قدمت التصنيف في علم الدراية لتقدّمه طبعا على علم الرجال(1)، و سميته ب:

مقباس الهداية في علم الدّراية و فيه مقدّمة و فصول و خاتمة...

ص: 37


1- يظهر وجه التقدم الطبعي من ما حد به كل منهما و ميزا به، فراجع..

ص: 38

أما المقدمة: ففي بيان حقيقته، و موضوعه، و غايته:

أما الأول: حقيقته

فهو أن الدراية في اللغة هو: العلم، كما صرح به جمع كثير من أهل اللغة(1)، يقال: دريته علمته، و منه دريت به ادري دريا، و دريت(2) - بفتح الدالين - كما هو المشهور بينهم، و يكسران أيضا، كما حكي عن اللحياني(3)، و عن نسخ الصحاح ضبط درية - بالضم - و يقال أيضا دريته دريانا - بالكسر، و يحرك، و دراية - بالكسر - علمته(4). و عن الصاغاني(5) دريته دريّا - بضم الدال و كسر الراء

ص: 39


1- انظر: لسان العرب: 255:14، القاموس: 327:4، المصباح المنير: 263:1، مجمع البحرين: 138:1 و غيرها.
2- كذا، و الظاهر: درية.
3- هو علي بن حازم (خ. ل: حاتم) اللحياني، من أعلام اللغة في أوائل القرن الثالث، معاصر للفراء، و أخذ عنه جمع كالقاسم بن سلام، له كتاب النوادر في اللغة. انظر: إنباه الرواة: 255/2، معجم المؤلفين: 56/7.
4- الصحاح: 2335:6.
5- هو رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن العدوي العمري الصاغاني (577-650 ه) محدث فقيه، قيل أعلم أهل عصره في اللغة، له الشوارد في اللغات، و الأضداد، و معجم اللغة، و غيرها. الأعلام: 232/2، معجم الادباء: 189/9، النجوم الزاهرة: 26/7، معجم المؤلفين: 3 / 279.

و تشديد الياء على وزن حلّي

و صريح أكثر أهل اللغة ترادف العلم و الدراية(1). و عن التوشيح و غيره أن الدراية أخص من العلم، و لعله لما عن أبي علي من أن درى يكون فيما سبقه شك، أو لما قيل من أن درى يستعمل بمعنى العلم بضرب من الحيلة، و على التقديرين فلا يطلق على اللّه تعالى لعدم تعقل سبق الشك و لا الحيلة منه تعالى. و يعدى بالهمزة فيقال: ادراه به: اعلمه. و منه قوله تعالى وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ (2) فأما من قرأ بالهمزة فقد الحن(3) و قال الجوهري: إن الوجه فيه ترك الهمزة(4).

و كيف كان، فأصل الدراية العلم مطلقا، أو بعد الشك. و نقل هنا إلى علم اصول الحديث، و خص به اصطلاحا، و لذلك ساغ بعد

ص: 40


1- و كذا المعرفة. كما هو صريح غير واحد كالصحاح. لاحظ مستدرك رقم (1): الفرق بين الدراية و المعرفة و العلم و كذا الدراية و الرواية.
2- يونس: 16.
3- الصواب: لحن - بلا همزة - كما في الصحاح و مجمع البحرين. إلا أن يراد من ألحن، أي أوقع في اللحن و الاشتباه.
4- تاج العروس: 126:10 بألفاظ متقاربة لكل ما قيل و حكي، و انظر: صحاح الجوهري: 2335:6.

صيرورته علما لهذا العلم إضافة العلم إليه، و إلا لكان من إضافة الشيء إلى نفسه(1).

و قد عرّف في الاصطلاح بأنه: علم يبحث فيه عن متن الحديث، و سنده(2) و طرقه من صحيحها و سقيمها و عليلها، و ما يحتاج إليه ليعرف المقبول منه من المردود، عرّفه به الشهيد الثاني (رحمه اللّه)(3) في بداية الدراية(4).

و عرفه شيخنا البهائي (رحمه اللّه)(5) في الوجيزة بأنه: علم

ص: 41


1- و عليه فلا يقال - كما قيل - من أن الأصح إطلاق عنوان: مصطلح الحديث دون: دراية الحديث، لأن فهم الحديث أقرب إلى علم فقه الحديث من مصطلحه، كذا قيل، خصوصا على كونه منقولا.
2- البحث عن السند ليس بعنوان تشخيص الرواة كي يدخل في علم الرجال، بل بلحاظ الإشارة إلى بيان انقسام الحديث سندا إلى الأقسام المعروفة الآتية، و معرفة أحوال الرواة هنا إجمالية من جهة الضبط أو العدالة أو غيرهما و بشكل كلي، و هذا أحد الفروق بين علم الدراية و الرجال - كما سيأتي -.
3- الشيخ زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد العاملي الشامي الجبعي الشهير بالشهيد الثاني (911-965 ه) فقيه جامع، و عالم بارع، ألف نحو ثمانين كتابا في علوم شتى، انظر خاتمة كتابنا هذا و: لؤلؤة البحرين: 35، أعيان الشيعة: 143/7، أمل الآمل: 87/1، روضات الجنات: 379/3 و غيرها.
4- بداية الدراية: 5، مع فرق يسير، و كذا (في طبعة البقال: 45/1)، و ليس فيهما قيد: السند.
5- الشيخ محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي الشهير بالشيخ البهائي (953 - 1031 ه) مجتهد في غالب العلوم، مبتكر في جملة فنون، ترجم في خاتمة هذا الكتاب، انظر تنقيح المقال: 107/3، معجم رجال الحديث: 15/16، مصفى المقال 94 و 404، و غيرها.

يبحث فيه عن سند الحديث، و متنه و كيفية تحمّله، و آداب نقله(1).

و هذا أجود من سابقه، لأن كيفية التحمل، و آداب النقل، من مسائل هذا العلم و إدراجهما في قوله: ما يحتاج إليه في تعريف البداية يحتاج إلى تكلف.

ثم إن العلم جنس يدخل فيه جميع العلوم. و بقوله «يبحث فيه عن سند الحديث و متنه» يخرج سائر العلوم ما عدا علم الرجال، فإنّه داخل في التعريف لأنه أيضا يبحث فيه عن سند الحديث.

اللهم إلا أن يقال: إن المراد بالسند في التعريفين المزبورين هو طريق الحديث مجموعا - أي جملة رواته - فالدراية هو الباحث عن أحوال السند الذي هو المجموع من حيث انه مجموع، بمعنى البحث الاجمالي كقولهم: إن رجال السند إن كانوا عدولا فالخبر صحيح مقبول.. و نحو ذلك، بخلاف علم الرجال فإنه الباحث عن أحوال آحاد رواة السند على وجه التفصيل.

و بعبارة اخرى: علم الرجال يبحث فيه بحثا صغرويا، بخلاف علم الدراية فإنه يبحث فيه بحثا كبرويا، إذ يستعلم منه أنه

ص: 42


1- الوجيزة: 1، و كذا شرحها النهاية: 7. و لا يخفى أن علم الدراية يبحث عن أحوال الحديث و ما يعرضه في نفسه و إن عمت إلى ما يعرضه مطلقا، كما صرح به غير واحد كما في توضيح المقال: 50 و غيره.

كلما كانت الرواة بصفة كذا فحكمه كذا، و على هذا فبينهما تباين، و يشهد بما ذكر أنهم قد أخذوا في تعريف الدراية لفظ السند الذي هو اسم للمجموع من حيث هو مجموع، و في تعريف الرجال رواة السلسلة(1).

لا يقال: إنه مع ذلك يصدق على من بحث(2) في أحوال رجال السند أنه بحث عن سند الحديث.

لأنا نقول: إن البحث الاجمالي بالمعنى المتقدم يمكن دعوى عدم صدق البحث عن السند عليه، فإن المتبادر منه هو البحث تفصيلا، و من حيث الصغرى، و البحث الاجمالي إنما يرجع إلى بيان التسمية بعد الفراغ عن معرفة أحوال السند فهو بحث عن بعض الأحوال اللاحقة بواسطة السند لا انه بحث عن السند، و الظاهر من التعريف

ص: 43


1- في بيان موضوع علم الدراية و الرجال و المائز بينهما فصّل المصنف قدس سره في مقدمة موسوعته الرجالية تنقيح المقال ضمن الفائدة الأولى من فوائد التنقيح: 172:1-185 بما لا مزيد عليه، فلاحظ، و اجمل الكنى - رحمه اللّه - في درايته: 2-3 و غيرهما - و حاصله إن البحث في علم الدراية بحث إجمالي لأحوال السند للمجموع من حيث المجموع و عوارض المتن (كبرويا)، و لكن في الرجال يبحث عن أوصاف الرواة على وجه التفصيل مدحا أو قدحا أي بحثا صغرويا. أقول: هذا، و لم أفهم وجه ما ذكره المرحوم الدربندي في درايته - خطي -: 1، من قوله: و قد يستفاد من كلام جمع أن علمي الرجال و الدراية يطلق عليهما اصول الحديث، و هكذا علم الإسناد.. ثم قال: و بالجملة فإنا نخص علمي (كذا) الإسناد و هكذا علم اصول الحديث بعلم الدراية كما مرّ.
2- في الطبعة الاولى من الكتاب: يصدق على البحث في...

هو البحث عن السند بعنوان أنه سند، و ذلك(1) يختص بالدراية، و إنما البحث في الرجال عن الآحاد دون المجموع الذي لا يطلق السند إلا عليه، و لذا يضاف(2) عند إرادة الآحاد لفظ الرجال، فيقال:

رجال السند، فتدبر(3).

و أما الثاني: موضوعه

فهو ان موضوع(4) هذا العلم هو السند و المتن، لأن موضوع العلم ما يبحث فيه عن عوارضه(5)، و المبحوث عنه هنا هو عوارض السند و المتن و أوصافهما(6).

ص: 44


1- أي ذلك البحث الإجمالي..
2- في الطبعة الاولى من الكتاب: و لذا يضاف اليه...
3- لاحظ مستدرك رقم (2): ما عرّف به علم الحديث عند العامة و الخاصة.
4- كان من ديدن القدماء البحث عن موضوع لكل علم، ليبحث عن عوارضه الذاتية، و لهم هنا مناقشات مفصلة و مباحث عميقة، و الحق إن علم الدراية غير متكفل بالبحث عن موضوع خاص - و إن قيل بلزوم تحديد الموضوع لكل علم - إذ مدار البحث فيه موضوعات شتى مشتركة في غرض واحد و هو معرفة الصحيح من الحديث عن سقيمه و المقبول من المردود سندا كان أو متنا، هذا مع أنه لا دليل على قاعدتهم من لزوم البحث عن عوارض موضوع معين و لا ملزم لها، فتدبر. و عليه فيمكن جعل الموضوع هنا هو الجامع العنواني لا المقولي.
5- أقول: تعورف تقييد العوارض بالذاتية، و قد اختلفت كلماتهم في تحديد الذاتي - سعة و ضيقا - لإخراج العوارض الغريبة.
6- من جهة أحوال أفراده اتصالا أو انقطاعا، علوا أو نزولا من جهة السند، و كذا المتن من جهة القبول و الرد و ما يلحق بهما.

و ما ذكرناه أولى مما في بداية الدراية(1) و غيره من أن موضوعه هو الراوي و المروي، ضرورة أن الراوي يطلق على آحاد رجال السند، و هو موضوع علم الرجال دون الدراية.

و أما ما ارتكبه بعضهم من أن موضوع هذا العلم هو المروي، و موضوع علم الرجال الراوي(2) فلا وجه له، لأن البحث في هذا العلم كما يقع عن المروي و هو المتن فكذا يقع عن الراوي أيضا، باعتبار البحث عن السند الذي هو مشتمل على جمع من الرواة، فإن المروي لا يكون صحيحا و حسنا و موثقا و ضعيفا و.. نحو ذلك، و إنما يتصف بذلك سند المروي كما هو ظاهر(3).

و أما الثالث: غايته

فهو أن غاية هذا العلم هو معرفة الاصطلاحات المتوقف عليها معرفة كلمات الأصحاب، و استنباط الأحكام، و تميّز المقبول من الأخبار ليعمل به، و المردود ليجتنب منه.

و لم يقع خلاف بين الأصحاب في الحاجة إلى هذا العلم مثل ما وقع في الحاجة إلى علم الرجال و عدمها(4)، و لعله لأجل وضوح

ص: 45


1- البداية: 5 (البقال: 45/1).
2- حكاه في تنقيح المقال: 172/1-173 و غيره، و فصله هناك، فلاحظ.
3- انظر مستدرك رقم (3): موضوع علم الحديث، و ما قيل فيه.
4- عبارة المصنف قدس سره نص في دعوى عدم الخلاف في الحاجة إلى هذا العلم عند الأصحاب، مع أن بعض الأخباريين ناقش في ذلك و فصلنا كلامهم في مقدمة مستدركاتنا و نذكر نموذجا من ذلك ما ذكره في هداية الأبرار: 101-102 من قوله: اعلم أن هذا العلم عندنا قليل الجدوى... و أما غير ذلك من مقاصده فإنما هو كلام مزخرف نسبته إلى المحدث الماهر كنسبة العروض إلى الشاعر المستقيم الطبع في عدم احتياجه إليه.

الحاجة إلى أكثر مسائله كبيان الأقسام و أنحاء التحمل المرتبط به رد الحديث و قبوله، و وضوح(1) عدم الحاجة إلى بعض مسائله، كآداب النقل، فإنه لا دخل لها في الاستنباط(2).

***

ص: 46


1- العبارة مشوشة تنسيقا و استدلالا، و من هنا إلى آخرها لا ربط لها بعدم الخلاف ظاهرا.
2- انظر مستدرك رقم (4) حول ما قيل في غاية هذا العلم و مسائله.

و أما الفصول:

ص: 47

و منها: ما صلب من الأرض و ارتفع و استوى(1) فكأنّ متن الحديث فيه صلابة و استواء و ارتفاع بالنسبة إلى سنده.

و منها: ما بين الريش من السهم إلى وسطه، و قيل: إن متن السهم وسطه(2)، فكان متن الخبر وسطه.

و منها: الظهر، جعله من معاني اللفظة اللحياني، و الفيومي(3) و.. غيرهما(4) فكما أن عمدة قوة الإنسان بالظهر، فكذا قوام الخبر بمتنه، و في تاج العروس: (إن المتن من كل شي ما صلب ظهره، و متن المزادة(5) وجهها البارزة، و متن العود وجهه أو وسطه، و من المجاز هو في متن الكتاب و حواشيه، و متون

ص: 48


1- كما في الصحاح: 2200:6، و جمعه متان و متون، و متن الشيء - بالضم - فهو متين، أي صلب، و قال الزبيدي: إنه مجاز.
2- أي خصوص وسطه، كما نقله ابن منظور في لسانه: 398/13.
3- هو أبو العباس أحمد بن محمد بن علي الفيومي الحموي، المتوفى نحو سنة 770 ه، صاحب كتاب المصباح المنير و غيره، انظر بغية الوعاة: 170، كشف الظنون: 1710، الأعلام: 216/1، الدرر الكامنة: 314/1، معجم المؤلفين: 132/2 و غيرها.
4- و نسبه في لسان العرب لهما خاصة دون غيرهما، و فيه: متنا الظهر: مكتنفاه الصلب عن يمين و شمال من عصب و لحم، و الجمع: متون.
5- المزادة: شطر الراوية - بفتح الميم - و القياس كسرها لأنها آلة يستسقى (في المصدر: يستقى) بها الماء و جمعها مزايد، و ربما قيل: مزاد - بغير هاء -. المصباح المنير منه (قدس سره). لا توجد في نسخة: أ. انظر: المصباح المنير: 354/1.

الكتب)(1). و ظاهره أن متن الكتاب مأخوذ من المتن بمعنى ما صلب ظهره، و في بداية الدراية: (إن المتن لغة ما اكتنف الصلب من الحيوان و به شبه المتن من الأرض، و متن الشيء قوى متنه، و منه حبل متين. فمتن كل شيء ما يقوم به(2) ذلك الشيء و يتقوى به(3)كما أن الإنسان يتقوم بالظهر و يتقوى به)(4). و ما ذكره لا يخلو من مناقشة، لأن المتن في اللغة لم يستعمل فيما اكتنف الصلب، و إنما المستعمل في ذلك المتنان - تثنية - دون المتن - مفردا - كما لا يخفى على من راجع كلماتهم، و كفاك منها قوله في المصباح المنير: و قال ابن فارس: المتنان مكتنفا الصلب(5) من العصب و اللحم(6). و قال في

ص: 49


1- تاج العروس: 340:9 بتصرف. و فيه: وجهها البارز.
2- في عدة نسخ من البداية: يتقوم به.
3- إلى هنا في البداية - طبع النجف -: 7، بلا ما جاء في الذيل.
4- الزيادة في دراية الشهيد - البقال -: 52:1.
5- الصلب - بالتحريك -: عظم من لدن الكاهل إلى العجز (في الأصل: العجب)، قاله في القاموس، و قال في مادة (كهل): الكاهل كصاحب: الحارك أو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق و هو الثلث الأعلى، و فيه ست فقرات و (في الأصل: فقر أو ما) ما بين الكتفين و (خ. ل: أو) و موصل العنق في الصلب. و قال في مادة (حرك): الحارك: أعلى الكاهل، و عظم مشرف من جانبيه و منبت أدنى العرك (في الأصل: العرف) إلى الظهر الذي يأخذ به من مركبه (في الأصل: يركبه). منه (قدس سره). القاموس المحيط: مادة (صلب): 93/1. مادة (كهل): 47/4، مادة (حرك): 298/3.
6- المصباح المنير: 772:2.

تاج العروس: و متنا الظهر: مكتنفا الصلب عن يمين و شمال من عصب و لحم، نقله الجوهري، و قيل: هو ما اتصل بالظهر إلى العجز(1) فيبعد أن يكون المتن مأخوذا من متني الظهر(2).

و كيف كان فمتن الحديث في الاصطلاح لفظه الذي يتقوم به المعنى(3).

ثانيها: السند:

و هو طريق المتن(4)، و هو جملة من رواة، مأخوذ من

ص: 50


1- تاج العروس: 340:9.
2- لا يخفى ما فيه من مسامحه، و قد استعمل المتن في ذلك، و كفانا منه ما ذكره امرؤ القيس في معلقته قفا نبك... من قوله: و فرع يزين المتن أسود فاحم اثيل كعنقود النخلة المتعتكل الشعر و الشعراء: 50، الخزانة: 302/1 - ديوان امرئ القيس - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم: و جاء العجز هكذا (اثيث كقنو النخلة المتعثكل) حيث شبه ذؤابتيها بقنو نخلة خرجت قنواتها، و الذوائب تشبه العثاكيل، أي العناقيد، و القنوات: التجعدات. انظر: المعلقات العشرة دراسة نصوص، فوزي عطوي: 32.
3- لاحظ مستدرك رقم (5) تعاريف المتن. و مستدرك رقم (6) فوائد حول المتن.
4- كذا عرف في أكثر كتب الدراية كالبداية للشهيد: 7 (البقال: 53/1) و نهاية الدراية: 8 و وصول الأخبار: 74، و الرواشح السماوية: 40. و قيل: هو الاخبار عن الطريق كما في جامع المقال: 3، و الرواشح: 40 - و قال: طبعا على الترتيب و التناقل: و حكاه في قواعد التحديث: 201 عن ابن جماعة و الطيبي، و فيه: عن طريق المتن.

قولهم فلان سند - أي معتمد -. قال في تاج العروس: (و السند معتمد الإنسان كالمستند، و هو مجاز)(1) فسمي الطريق سندا لاعتماد العلماء في صحة الحديث و ضعفه عليه. و عن ابن جماعة احتمال كونه مأخوذا من السند بمعنى ما ارتفع و علا من سفح الجبل، لأن المسند يرفعه إلى قائله(2)، و حكي عن بدر بن جماعة و الطيبي تفسير السند بالإخبار عن طريق المتن(3).

و فيه: إن الاخبار إسناد لا سند(4)، و لذا جعل في بداية

ص: 51


1- تاج العروس: 381:2 قال:.. و من المجاز حديث مسند و حديث قوي السند، و الأسانيد قوائم الأحاديث، و المسند - كمكرم - من الحديث ما أسنده إلى قائله، أي اتصل اسناده حتى يسنده إلى النبي، و المرسل و المنقطع ما لم يتصل، و الإسناد في الحديث: رفعه إلى قائله. و قال في المصباح المنير: 395:1: السند - بفتحتين - ما استند إليه من حائط و غيره.. و أسندت الحديث إلى قائله: رفعته إليه بذكر ناقله. و نظيره في مجمع البحرين: 71:3. لاحظ: لسان العرب: 220:3، القاموس المحيط: 303:1، المنجد: 354، معجم مقاييس اللغة: 105:3 النهاية: 408:2، التعريفات: 107 و غيرها.
2- كما في تدريب الراوي: 41:1، قواعد التحديث: 201 و غيرهما.
3- كما نصت عليه جملة من كلمات اللغويين السالفة و حكاه السيوطي في شرحه: 41:1، و شرح الزرقاني على البيقونة: 9، و حاشية لقط الدرر: 4، كما في حاشية البداية 53:1.
4- إلا أن يقال: إن السند و الإسناد شيء واحد - كما هو عند ابن جماعة - فيكون النزاع مبنائيا لا بنائيا.

الدراية الأول أظهر(1)، لأن الصحة و الضعف، إنما ينسبان إلى الطريق باعتبار رواته، لا باعتبار الاخبار، بل قد يكون الاخبار بالطريق الضعيف صحيحا بأن رواه الثقة الضابط بطريق ضعيف، فإن الاخبار بكون الرواة المذكورين في السند طريقه بنفسه صحيح مع كون الطريق بنفسه ضعيفا، فما ذكراه ينبغي أن يكون تفسيرا للإسناد الذي هو: رفع الحديث إلى قائله، و الاخبار عن الطريق دون السند الذي هو نفس الطريق، و إلا للزم اتحاد السند و الإسناد مع أنهما غيران. و ما عن ابن جماعة من أن المحدثين يستعملون السند و الإسناد لشيء واحد غلط و زور(2)، و يأتي الكلام في المسند في الفصل الخامس ان شاء اللّه تعالى(3).

ثالثها: الخبر:

- محركة -(4) و هو لغة مطلق ما يخبر به عظيما كان أم لا، فهو أعم من النبأ الذي هو الخبر المقيد بكونه عن أمر عظيم، كما

ص: 52


1- البداية: 7 [البقال: 53:1] أي مجموع من رووه واحدا عن واحد حتى يصل إلى صاحبه.
2- كما في قواعد التحديث: 201 و غيره. و عن الطيبي: هما متقاربان في معنى اعتماد الحفاظ في صحة الحديث و ضعفه عليهما - تدريب الراوي 42:1 - قال في الرواشح السماوية: 126: الإسناد قد يطلق و يراد به السند. و هو الطريق بتمامه، و قد يطلق و يراد به بعض السند.
3- لاحظ مستدرك رقم (7): فوائد حول السند.
4- الظاهر: محركا. أو بتقدير اللفظة، أي لفظة: الخبر.

قيده به الراغب(1) و... غيره من أئمة الاشتقاق و النظر في اصول العربية(2).

فما في القاموس من تفسير الخبر بالنبإ لا وجه له(3).

و في تاج العروس: (إن أعلام اللغة و الاصطلاح قالوا:

[إن](4) الخبر عرفا و لغة: ما ينقل عن الغير، و زاد فيه أهل العربية و احتمل الصدق و الكذب لذاته. و المحدثون استعملوه بمعنى الحديث... إلى آخره)(5). و يتجه عليه منع(6) اختصاص الخبر بما ينقل عن الغير، بل يشمل عرفا و لغة لما يخبر المخبر عن نفسه، لأن الاخبار بمعنى الاعلام، و منه الخبير بمعنى العالم(7)، فكل من أعلم غيره شيئا فقد أخبره به. و في المصباح المنير: خبرت الشيء اخبره،

ص: 53


1- قال في المفردات: 481 - مادة نبأ -: النبأ: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، و لا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، ثم قال: و حق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب... إلى آخره.
2- لسان العرب: 7:4-226 و فيه عن ابن سيده أنه قال: الخبر: ما أتاك من نبأ عمن تستخبره. مجمع البحرين: 281:3، النهاية: 6:2، المنجد: 167 و غيرها.
3- القاموس المحيط: 17:2.
4- ما بين المعكوفتين لا يوجد في التاج.
5- تاج العروس: 166:3.
6- في الطبعة الثانية: مع، و ما ذكر أظهر.
7- في الطبعة الثانية: العام، و الأظهر ما أثبتناه.

- من باب قتل - خبرا علمته(1).

[و ربما عرف الخبر في الاصطلاح بالكلام الذي لنسبته خارج(2)، و يدخل فيه قول علمت، ضرورة أن الخارج ظرف لوجود العلم، كيف لا يكون كذلك و الحال أن العلم له وجود خارجي رابطي للعالم، و إنما الاشكال في القضايا الذهنية التي يكون الذهن ظرفا لوجود المجهول(3) في الموضوع فيها، مثل الكلي موجود في الذهن، لا موضوعا للموجود، كما يقال ذهنه دقيق، أو حديد، فإن الذهن في مثله موضوع للدقة و الحدة الموجودتين، كما أن الجسم موضوع للبياض

ص: 54


1- المصباح المنير: 122:1. و في مجمع البحرين: 282:3: و الخبر - بضم الخاء فالسكون - العلم... إلى آخره، و فصّل في معجم مقاييس اللغة: 2: 238 فلاحظ. و لعل المراد منه هنا إعلام الغير، و منه قيل في أسماء اللّه سبحانه: الخبير، أي العالم، و في المثل: على الخبير سقطت، أي العالم البصير.
2- كما جاء في البداية: 5 [البقال: 49/1] و جملة كتب المنطق و المعاني و البيان، - كشرح المختصر: 16 مثلا - و ذلك في أحد الأزمنة الثلاثة، سواء كان له في الخارج نسبة ثبوتية أم سلبية، و سواء طابقت النسبة الخارج - بأن كانا سلبيين أو ثبوتيين - أم تخالفتا. و مرادهم بالخارج ما كان خارجا عن مدلول اللفظ و إن كان في الذهن، لا أن المراد منه ثبوته في جملة الأعيان الخارجية، و لا أن المراد منه خصوص ثبوته في الخارج المقابل للذهن و غيره، و على كل حال فقولهم: الكلام بمنزلة الجنس القريب، و قولهم: لنسبته خارج.. إلى آخره، خرج الإنشاء، حيث له نسبة و لكن ليس لها خارج تطابقه أولا و لأن الإنشاء وضع لإيجاد المعنى باللفظ - على الأظهر - فليس له خارج و إن فرض له النسبة، و هو يحتمل الصدق و الكذب لذاته، كما فصل في محله، و ثمّة تعاريف اخر و تفصيلات تجدها في المفصلات
3- الظاهر: المحمول.

الموجود فيه، لا أنه ظرف لهما، كما لا يخفى. و التفصي عنه يجعل الخارج المذكور في الحد الخارج من مدلول اللفظ، لا الخارج المقابل للذهن(1). و من هذا ظهر وهن ما قيل من أنه بالتعميم يدخل مثل ما علمت، كما أنه ظهر وهن ما قيل عليه.

و لعل منشأه قلة التدبر، فإن الخارج هو عالم ترتب الآثار التامة بالنسبة إلى الأشياء، و ذلك يختلف باختلاف الأشياء، فالخارج لمثل الماء و النار هو الخارج عن الذهن، لعدم ترتب آثارهما التامة على صورهما الذهنية. و الخارج لمثل العلم هو نفس حصول الصورة في الذهن أو نفس الصورة الحاصلة. وجه الوهن خروج عما هو المتبادر من لفظ الخارج، ضرورة أنه يطلق في قبال الذهن، و قد خلط بين الموضوعية و بين الظرفية، فتدبر](2).

ص: 55


1- في العبارة سقط و تشويش.
2- ما بين معكوفتين من زيادات المصنف قدس سره في الطبعة الثانية، كما أشرنا له في أول الكتاب. ثم إن المصنف رحمه اللّه لم يعرف الخبر لنا اصطلاحا، و لعله اعتمد على ما سيأتي في تعريف الحديث، و كونهما بمعنى واحد و مترادفين، كما هو الأكثر الأشهر عند أهل هذا الفن، و من هنا قال الدكتور صبحي الصالح في علوم الحديث: 10: و الخبر أجدر من السنة أن يرادف الحديث، فما التحديث إلا الأخبار، و ما حديث النبي عليه السلام إلا الخبر المرفوع!. و قد يطلق الخبر و يراد منه ما ورد عن غير المعصوم عليه السلام من صحابي أو تابعي - المعبر عن الأول بالموقوف و عن الثاني بالمقطوع - أو سائر العلماء، و لذا يقال لمن يشتغل بالتاريخ و السير: اخباري، و لمن يشتغل بالسنّة: المحدث، و ما يجيء عنه: حديث، تميزا له عن الخبر الذي يجيء عن غيره، قال في جامع المقال: في تعريف الحديث: لغة: الخبر: قليله و كثيره. و لعله يشير لمعنى الترادف، فتدبر. انظر: كشاف اصطلاحات الفنون: 184/2.

رابعها: الحديث:

اشارة

و هو - لغة على ما في مجمع البحرين - ما يرادف الكلام، قال: (و سمي به لتجدده و حدوثه شيئا فشيئا)(1).

و عليه، فالحديث فعيل من الحدوث بمعنى وجود الشيء بعد ما كان معدوما ضد القديم(2)، و لكن ظاهر المصباح أنه لغة ما يتحدث به و ينقل، قال: الحديث: ما يتحدث به و ينقل، و منه حديث رسول اللّه(3). فإن ظاهره وجود معنى لغوي له

ص: 56


1- مجمع البحرين: 246:2، قال: و سمي به لتجدده و حدوثه شيئا فشيئا، و به فسر قوله تعالى في سورة التحريم: 3 وَ إِذْ أَسَرَّ اَلنَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً اريد به مطلق الكلام، و جاء بمعنى العبرة كما في قوله عز اسمه في سورة سبأ: 19 فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ ، و جاء بمعنى الجديد و التبليغ و غير ذلك من المعاني.
2- قال في الفروق اللغوية: 28:.. و سمي الحديث حديثا، لأنه لا تقدم له، و إنما هو شيء حدث لك فحدثت به. و قال في المصباح المنير: 42:2 بعد أن قال: و استعمل في قليل الخبر و كثيره؛ لأنه يحدث شيئا فشيئا. و كانت العرب في الجاهلية تطلق على أيامهم المشهورة: الأحاديث، لكثرة ما يتحدث بها و ينقل فيها و عنها. و انظر: النهاية 350/1، و معجم المقاييس اللغة 36:2، و قال: و منه حديث: إياكم و محدثات الامور، حيث جمع محدثه - بالفتح -، و قال في معجم مقاييس - أيضا - 351/1 هو ما لم يكن معروفا في كتاب و لا سنّة و لا إجماع.
3- المصباح المنير 171/1. قال أبو البقاء في كلياته: 152: و هو اسم من التحديث، و هو الاخبار ثم سمي به قول أو فعل أو تقرير نسب إلى النبي عليه الصلاة و السلام.

قد اخذ منه المعنى الاصطلاحي.

و عن ابن حجر في شرح البخاري أن المراد بالحديث في عرف الشرع ما يضاف إلى النبي، و كأنه اريد به مقابلة القرآن، لأنه قديم بالنسبة(1).

و ذكر جمع من أصحابنا أن الحديث - في الاصطلاح - هو: ما يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره(2).

[و على كل حال فجمعه على أحاديث شاذ - قاله في القاموس -](3).

و ربما عرفه بعضهم بأنه: (قول المعصوم أو حكاية قوله(4) أو

ص: 57


1- فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 173/1 باب الحرص على الحديث، و ليس فيه لفظ: بالنسبة و قد أخذه المصنف رحمه الله مما حكاه السيوطي في تدريبه: 42:1 و غيره في غيره عنه. قال في قواعد التحديث: 61: و الحديث نقيض القديم كأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن.. و نظيره في كشاف اصطلاحات الفنون: 13/2، و قال: و يستعمل في قليل الكلام و كثيره. و قاله ابن حجر في شرح النخبة: 26 أيضا.
2- كما نص عليه أكثر من كتب في الدراية و الاصول، كما سيأتي، و انظر القوانين في الاصول: 408.
3- القاموس 164:1 و كذا في كليات أبي البقاء: 152. و ما بين المعكوفتين من زيادات الطبعة الثانية.
4- لعل وجه التردد من جهة شمول الحديث المنقول بالمعنى إن أريد حكاية القول بلفظه، بأن يقال: إن ذات لفظ ما صدر من المعصوم عليه السلام: قول، و نقله: حكاية، و الحديث يشملهما. و من هنا جعل البعض نفس قوله أو تقريره داخلا في السنة، و حكاية الحكاية داخلة في الحديث، و لا يبعد كونه تخرصا، فتدبر.

فعله أو تقريره) ليدخل فيه أصل الكلام المسموع عن المعصوم، و الأنسب بقاعدة النقل هو عدم الدخول لكون كلامه (عليه السلام) في الأغلب أمرا أو نهيا، بخلاف حكايته عنه (عليه السلام) فإنه دائما إخبار، و نفس الكلام المسموع هو الذي يسمونه بالمتن، و متن الحديث مغاير لنفسه، كما مرّ ذكره.

و كيف كان فقد وقع الخلاف في المعنى الاصطلاحي له و للخبر على أقوال:

الأول: انهما مترادفان(1)، و إنهما يشملان ما إذا كان المخبر به قول الرسول، أو الإمام (عليه السلام)، أو الصحابي، أو التابعي، أو غيرهم من العلماء و الصلحاء،.. أو

ص: 58


1- اصطلاحا، و الا فلغة قد نص غير واحد على ترادفهما، كما في البداية: 6 (البقال: 49/1)، و علوم الحديث: 3، و اصول الحديث 27، قال في جامع المقال: 1: و أما الأثر و الخبر فيرادفانه - أي الحديث - في الأكثر. و قد نسب ترادفهما مع الأثر في قواعد التحديث: 61 إلى المحدثين. و قد ذهب الشيخ ياسين في معين النبيه: 2 - خطي - إلى القول بأن: الحديث لغة الخبر. ثم عرفه بتعريف الخبر فقال: و اصطلاحا عرف بكلام لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه، و صدقه و كذبه باعتبارهما على الأصح أعم من أن يكون كلام معصوم أو غيره أو حاكيا له أو لقول أو فعل أو تقرير.. إلى آخره.

غيرهم من بقية بني آدم، و في معناه: فعلهم و تقريرهم(1). و قد حكي ذلك عن الطيبي. و يساعد عليه قول محب الدين و.. غيره(2)أن الخبر و الحديث مترادفان يأتي على القليل و الكثير، فإن شمول الخبر لقول كل إنسان بديهي(3) فإذا كانا مترادفين لزم شمول الحديث أيضا للكل. و قد وصف الشهيد الثاني (قدس سره) هذا القول في البداية بالأشهرية في الاستعمال، و الأوفقية، لعموم المعنى اللغوي(4). و لا

ص: 59


1- لا يخفى أن نفس الفعل و التقرير يقال لهما: سنة، و لا يقال لهما: حديث، فالسنة أعم من الحديث مطلقا، كما سيأتي.
2- كما في شرح نخبة الفكر (نزهة النظر): 3 (أو صفحة 7 من طبعة مصر)، تدريب الراوي: 42:1، و غيرهما و قد مرت مصادرها. قال في القوانين المحكمة: 409:.. ثم إن الخبر قد يطلق على ما يرادف الحديث كما هو مصطلح أصحاب الدراية. و في دراية الدربندي - خطي -: 1: و الخبر يرادف الحديث عند الكل أو المعظم.
3- مقتضى القياس الصرفي أن يقال: بدهي، و شاع قولهم: بديهي.
4- قال قدس سره في البداية: 6 [طبعة البقال: 50:1]: هذا هو الأشهر في الاستعمال و الأوفق، لعموم معناه اللغوي، و قال في الوجيزة: 2: إن الخبر يطلق على ما يرادف الحديث. ثم قال: و هو الأكثر. و مرت عبارة جامع المقال: 1 و غيره. أقول: لعل وجه تسمية الخبر بالحديث لأن له حدوثا و إبداعا و جودة في التشريع الإلهي، و القرآن كذلك و لذا كان أحسن الحديث، و ما في الكتاب الكريم من لفظ الحديث لعله يومي إلى ذلك كقوله عز من قائل اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ اَلْحَدِيثِ كِتاباً الزمر: 23، و قوله عز اسمه في المرسلات: 50 فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ و قوله سبحانه وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اَللّهِ حَدِيثاً النساء: 90... و غيرها، و احتمل في قواعد التحديث: 61:.. كما إن الحروف تتعاقب و الحرف البعدي يأتي متأخرا و يحدث بعده كذلك الحديث، أو أنه يحدث في قلب سامعه معنى جديدا لذا سمي حديثا... إلى غير ذلك من الوجوه المحتملة. قال في علوم الحديث: 4: و كيفما تقلب مادة الحديث تجد معنى الاخبار واضحا فيها حتى في قوله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ الطور: 34 و قوله نَزَّلَ أَحْسَنَ اَلْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً الزمر: 23.

يخفى عليك أن تسمية ما انتهى إلى غير المعصوم من الصحابي و التابعي حديثا مبني على اصول العامة، و أما أصحابنا فلا يسمون ما لا ينتهي إلى المعصوم بالحديث(1).

الثاني: إن الحديث أخص من الخبر، و إن الخبر عام لقول كل إنسان، و الحديث خاص بقول النبي (صلّى اللّه عليه و آله)..

و غيره ممن ذكر فكل حديث خبر، و ليس كل خبر بحديث، نقله جلال الدين السيوطي(2) قولا(3). [و قد ارتضاه بعض أجلة المحققين(4)، و معللا بأن قول الراوي قال النبي

ص: 60


1- بل هو تجوز عندنا، فتقسيم المصنف أعلى اللّه مقامه و غيره الخبر إلى موقوف و مرفوع و غيره - كما سيأتي - إنما هو من باب المماشاة للجمهور، و إلا فما لا ينتهي إلى المعصوم عليه السلام ليس بحديث عندنا إجماعا فضلا عن حجيته.
2- هو ابو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد جلال الدين السيوطي المصري الشافعي (849-911 ه) عالم مشارك. صاحب التصانيف الكثيرة في علوم شتى، كما له في الدراية ألفية في مصطلح الحديث، و تدريب الراوي - و يعد من مصادر المصنف رحمه اللّه في هذا الكتاب - معجم المؤلفين: 128/5، هدية العارفين: 534/1، الأعلام: 71/4 و غيرها.
3- تدريب الراوي: 42:1.
4- المراد منه: المولى ملا علي كني في جامع المقال.

أو الإمام (عليه السلام) كذا خبر، و ليس بحديث، لعدم كونه قول المعصوم (عليه السلام). قال: (و تخصيص الخبر بما جاء عن غير المعصوم فاسد بيّن، كتعميم الحديث بالنسبة إلى الصحابي و التابعي و نحوهما، و الاستشهاد له بأنه يقال(1) لمن اشتغل بالتواريخ و نحوها الأخباري، و لمن اشتغل بالسنة النبوية المحدث، كما ترى)(2)، فتأمل. و قال: في التكملة إنه: (يطلق لفظ الأخباري في لسان أهل الحديث من القدماء من العامة و الخاصة على أهل التواريخ و السير و من يحذو حذوهم في جمع الأخبار من أي وجه اتفق، من غير تثبت و تدقيق)(3) و عن الاسترآبادي(4) - في الفوائد المدنية - تفسير

ص: 61


1- كما قاله ابن حجر في نزهة الناظر: 7.
2- قال الكني في درايته: 2: و المراد بالحديث ما ينتهي سلسلة سنده إلى النبي أو أحد المعصومين عليهم السلام، و عند العامة: إلى النبي أو الصحابة أو التابعين، و هذا هو الأظهر من إطلاقه أيضا، فهو أولى من لفظ الخبر لفقد الظهور في إطلاقه، و إن تساويا مع قطع النظر في أظهر الأقوال التي منها أعمية الخبر عما ذكر و بالعكس.
3- تكملة الرجال للكاظمى: 114/1 في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن معلى. قال في اللؤلؤة في ترجمة الأسترآبادي: (أنه أول من قسم الفرقة الناجية إلى أخباري و اصولي، و لا أجاد و لا وافق الصواب، لما يترتب على ذلك من الفساد... إلى آخره) منه (قدس سره).
4- لا توجد هذه الحاشية في الطبعة الاولى من الكتاب. قال في لؤلؤة البحرين: 117-118 ترجمة 44:.. و هو أول من فتح باب الطعن على المجتهدين، و تقسيم الفرقة الناجية إلى أخباري و مجتهد، و أكثر في كتابه الفوائد المدنية من التشنيع على المجتهدين، بل ربما نسبهم إلى تخريب الدين، و ما أحسن و ما أجاد و لا وافق الصواب و السداد.. إلى آخره. و ما ذكره المصنف أخذه من التكملة للكاظمي: 115/1، و قد نقله بالمعنى، و ذكره صاحب الحدائق في الدرر النجفية: 87 طبع إيران سنة 1314 ه و فصل المقام بما لا مزيد عليه، فلاحظ.

الأخباري - في قول الفخر في المحصول: (و أما الإمامية فالاخباريون منهم لم يعولوا في اصول الدين و فروعه إلاّ على أخبار الآحاد.. إلى آخره) -، بأنه كل من تقدم على زمن المفيد من أصحاب الأئمة (عليهم السلام). و أما الاصوليون فهم الشيخ المفيد و من عاصره و المتاخرون عنه)(1).

و أقول: هذا التفسير غلط واضح، لوضوح فقد الفارق بين مسلك المفيد و من تقدمه](2).

الثالث: إنهما متباينان، و إن الحديث خاص بما جاء عن المعصوم من النبي و الإمام (عليه السلام)، و الخبر خاص بما جاء عن غيره(3). و من ثم قيل لمن يشتغل بالتواريخ

ص: 62


1- بعد بحث مجد و قراءة للكتاب أكثر من مرة لم أجد العبارة بنصها و وجدت ما يشهد لها و يحوي مضمونها في صفحة: 30 و 56، من الفوائد المدنية، فلاحظ، و انظر الفائدة السابعة من الفوائد طبع إيران سنة 1321 ه، و حكاه في معالم الاصول: 191.
2- ما بين المعكوفتين من زيادات المصنف رحمه اللّه على الطبعة الاولى.
3- كما قاله في الوجيزة: 3، و الرواشح السماوية: 47، و معين النبيه: 3 - خطي -، و حكاه ابن حجر في نزهة النظر: 7 و غيرهم، و إن قلنا إن إطلاق الحديث على ما روى عن غير المعصوم عليه السلام تجوز ظاهر. و اختار هذا القول في قواعد التحديث: 61، و حكاه السيوطي في التدريب: 1 - 42، و فيهما، لفظ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لا المعصوم عليه السلام، و تبعهما ابن حجر في شرح النخبة: 3 (16-17 مصر)، و انظر: كشاف اصطلاحات الفنون: 17/2.

و ما شاكلها الأخباري، و لمن يشتغل بالسنة النبوية المحدث(1)، و ما جاء عن الإمام (عليه السلام) عندنا في معناه.

و يردّه شيوع إطلاق الأخباري - سيما في العصر المتأخر - على من يتعاطى أخبار أهل البيت (عليهم السلام) و يعمل بها لا غير(2).

الرابع: عكس الثاني، نقله قولا في البداية، و نقل أن به قائلا و لم يسمه(3).

و ظني أنه اشتباه من قلمه الشريف، و أن غرضه نقل القول الثاني، لأن أعمية الحديث من الخبر مما لا شاهد عليه بوجه، و لا

ص: 63


1- كذا نص الشهيد في درايته: 7 [البقال: 50/1] و اختاره و ادعى أنه الأعرف.
2- و يلزم منه أنه لم يسمع أحد من المعصوم حديثا إلا ما كان حاكيا عن مثله فقيل فيه قوله أو حكاية قوله. و فيه: إنه إن اريد حكاية القول بلفظه، خرج الحديث المنقول بالمعنى، و لا ينبغي، و لا سيما عند مجوزيه مطلقا، و إن اريد الأعم دخل كثير من عبارات الفقهاء. و أجيب عنه: بإرادته العموم مع اعتبار قيد الحيثية في الحكاية، و تلك العبارات الفقهية مع تلك الحيثية خارجة البتة.
3- البداية: 7 [طبعة البقال: 50:1] قال: أو يجعل الثاني - و هو الحديث - أعم من الخبر مطلقا فيقال لكل خبر حديث من غير عكس.. ثم قال: و بكل واحد من هذه الترديدات قائل، و نظيره في الرواشح السماوية: 38 و غيرهما.

يمكن التفوه بدعواه، و يشهد بما قلناه أنه لم ينقل القول الثاني هنا مع أنه أولى بالنقل. نعم نقل في كلام له بعد ذلك أن الخبر أعم من الحديث(1).

ثم إنه قد صرح جمع منهم جلال الدين السيوطي(2) بأن الخبر و الحديث يطلقان على المرفوع، و الموقوف، و المقطوع أيضا، و لكن عن المحدثين تسمية المرفوع و الموقوف بالأثر، و عن فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر، و المرفوع بالخبر.

و قد اختلف النقل أيضا في اصطلاحهم في الأثر، فقيل: إنه أعم من الخبر و الحديث مطلقا، فيقال لكل منهما أثر بأي معنى اعتبر، لأنه مأخوذ من أثرت الحديث أي رويته.

و قيل: إن الأثر مساو للخبر(3).

ص: 64


1- أقول: إن ما ذكره الشهيد الثاني قدس سره قد يكون أخذه من السيوطي في تدريبه: 1 / 43، و لم يصرح بقائله. قال في اصول الحديث: 38: و قيل بين الحديث و الخبر عموم و خصوص مطلق، فكل حديث خبر و لا عكس. و نص عليه السيوطي في تدريبه: 43:1. و ثمة قول خامس يظهر من مطاوي الكلمات و هو ما قيل منه أنه لا يطلق الحديث على غير المرفوع من الخبر إلا بشرط التقييد، كما جاء في المصدر الأخير.
2- قاله في تدريب الراوي تبعا للنووي في متنه: 42:1-43. و في متن النووي من التدريب: 184:1 قال: و عند المحدثين كل هذا يسمى أثرا. و كذا في منهج ذوي النظر: 8 و غيرها. و هو خروج عن مصطلح أهل الحديث من الأثر الذي هو أعم.
3- قاله في تاج العروس: 166:3.

و قيل: الأثر ما جاء عن الصحابي، و الحديث ما جاء عن النبي، و الخبر على الأعم منهما(1)، و بكل من ذلك قائل. و لم يقم على شيء من ذلك شاهد. و أشبه الأقوال هو القول الأول، لأصالة عدم النقل(2).

تذييل: إطلاق الخبر على ما يرادف الحديث اصطلاح أهل هذا العلم،

و إلا فهو يطلق في العرف العام على ما يقابل الإنشاء، و قد عرفوه بهذا الاعتبار الثاني بأنه كلام يكون له في الخارج نسبة ثبوتية أو سلبية في أحد الأزمنة الثلاثة تطابق تلك النسبة ذلك الخارج، بأن يكونا سلبيين أو ثبوتيين أو لا تطابقه بأن يكون أحدهما ثبوتيا و الآخر سلبيا.

و حيث ان تحقيق ذلك خارج عن مقصد هذا العلم، و إنما محله علم المعاني طوينا شرحه(3).

ثم الخبر يطلق على: القول الدال بالوضع على حكم النفس بأمر على آخر إيجابا، مثل: فلان عدل، أو سلبا مثل: فلان ليس بعدل. و قد يطلق على غير(4) القول من الإشارات و الدلائل و الأحوال

ص: 65


1- حكاه في البداية: 7 [طبعة البقال: 50:1] قولا و لم ينسبه.
2- لاحظ مستدرك رقم (8) فوائد حول الحديث. و مستدرك رقم (9) معنى المحدث - بالكسر - و المحدث - بفتح الدال - و التحديث. و مستدرك رقم (10): معنى الأثر.
3- انظر مستدرك رقم (11) فائدة للشيخ البهائي رحمه اللّه.
4- في الطبعة الثانية من دون: غير، و هو غلط.

إذا كانت بحيث يفهم منه(1) معنى الخبر، و ذلك في الأشعار كثير غاية الكثرة(2)، و لا شبهة في كون استعمال الخبر في الأول حقيقة للتبادر، كما أنه لا ينبغي الريب في كون استعماله في الثاني مجازا، لعدم تبادره إلى الذهن عند الإطلاق، و احتياجه في الدلالة عليه إلى قرينة واضحة، و لصحة سلب الخبر عنه.

خامسها: السنة :

اشارة

خامسها: السنة(3):

و هي لغة: الطريقة(4)، [و منه قوله سبحانه:

ص: 66


1- الظاهر: منها.
2- مثل قول أبي العلاء: بني من الغربان ليسي يخبرنا أن الشعوب إلى الصدع و قول آخر: تخبرني العينان ما القلب كاتم و قول ثالث: و كم لظلام الليل عندك من يد تخبر ان المانوية تكذب إلى غير ذلك مما لا يخفى منه (قدس سره). ذكر هذه الأبيات في كتب اللغة و الأدب و ذكر الآمدي الأخير في الأحكام: 2 / 247 و نظير ما ذكره: قول قيس: تخبرني العيون بما أردنا و في القلبين ثم هوى دفين و قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ما أضمر امرؤ شيئا.. إلى آخره.. و غيرها.
3- كان الأولى البدء في المصطلحات بالسنة، و تقسيمها إلى قولية و فعلية، و إرجاع السنّة و المتن إلى الاولى دون الثانية، فتأمل.
4- في الطبعة الاولى: الطريق. و أضاف في تحفة العالم: 111/1: السيرة مطلقا، و المراد من الطريقة: السيرة، حسنة كانت أو سيئة، مرضية كانت أو قبيحة، و منها قول خالد بن عتبة الهذلي: فلا تجز عن سيرة أنت سرتها بأول راض سنة من يسيرها. و كل من أبدع أمرا و عمل به قوم من بعده قيل هو الذي سنها، و في الحديث النبوي: من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة، و من سن سنة سيئة.. إلى آخره. انظر النهاية: 409:2، مجمع البحرين: 268:6، معجم مقاييس اللغة: 61:3.

وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اَللّهِ تَبْدِيلاً ](1) و قيل: خصوص الطريقة المحمودة المستقيمة، حكي ذلك عن الأزهري(2). [و كثيرا ما تطلق على المستحب(3)، باعتبار أن الفريضة ما فرضه اللّه تعالى، و السنة ما سنه

ص: 67


1- الأحزاب: 62. و ما بين المعكوفتين من زيادات الطبعة الثانية للكتاب.
2- كما قاله في تاج العروس: 244/9، و انظر لسان العرب: 225/13، و القاموس المحيط: 236/4، و الصحاح: 2139/5. و الأزهري هو أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي (282-370 ه)، متبحر في العربية عارف بالفقه، له غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء و غيره، انظر: الوفيات: 501/1، الأعلام: 202/6، سير النبلاء: 10 / 226، معجم المؤلفين: 230/8 و غيرها.
3- إنما قال: و كثيرا ما.. إلى آخره، لأن الغالب أن السنة ترادف المستحب، كما يراد منها: التطوع، النفل، و الإحسان، و قد أطلقت على الواجب في مواضع، منها ما روى أن القراءة سنة و التشهد سنة - من لا يحضره الفقيه: 114:1، التهذيب: 178:1 - و أيضا غسل الميت سنة - التهذيب: 132:1، و وسائل الشيعة: 678:2 - مع أنه في رواية الكافي - الفروع: 59:1 و التهذيب: 96:1، قوله: و غسل الميت واجب و أيضا غسل مس الأموات سنة - الاستبصار 50:1 و الوسائل: 928:2 - و كذا قول ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه: 207:1: القنوت سنة واجبة من تركها متعمدا في كل صلاة فلا صلاة له. و نظيره قول الشيخ في رمي الجمرات: إنه مسنون - الاستبصار: 297:2 - حيث فسره ابن إدريس في سرائره: 139 بالواجب.. إلى غير ذلك، و على كل يراد بهذا كله الثبوت بالسنة. و من هنا قال الشهيد الأول في القواعد و الفوائد: 304:2: صار لفظ السنة من قبيل المشترك و هي على كل أعم من الحديث، قال في التلويح: 242/2 كما نص عليه في كشاف اصطلاحات الفنون: 13/2 قال: السنة ما صدر عن النبي عليه السلام غير القرآن من قول و يسمى الحديث أو فعل أو تقرير...

رسول اللّه و مرجعها أيضا إلى الطريقة](1).

و في الاصطلاح: ما يصدر من النبي أو مطلق المعصوم(2) من قول أو فعل أو تقرير غير عادي(3)، و احترزنا

ص: 68


1- قلنا إن ما بين المعكوفتين من زيادات المصنف رحمه اللّه في الطبعة الثانية.
2- في الطبعة الاولى: من المعصوم بدلا من مطلق المعصوم.
3- القوانين: 409، قال الطريحي في جامع المقال: 1 - بعد ذلك: أصالة منه صلى اللّه عليه و آله أو نيابة عنه، و لا تطلق على نفس الفعل و التقرير و غيرها، فهي أعم من الحديث. و كذا وصفه صلى اللّه عليه و آله و خلقه ككونه صلوات اللّه عليه و آله ليس بالطويل و لا بالقصير. كما أشار له في الحواشي المخطوطة على مجمع البحرين. و في مادة سنن منه: 268:6، و عرفها في تحفة العالم: 1 / 111: هي طريقة النبي أو الإمام أو مطلق المعصوم المحكية إلينا بقوله أو فعله أو تقريره، ثم قال: فتسميه ذلك سنة من باب نقل العام إلى الخاص كما إليه الإشارة في كلام الطريحي حيث عبر عنها في الصناعة بالطريقة... فكان كل من قول المعصوم أو فعله أو تقريره طريقة يجب أن يجرى عليها، لأنه حجة عليه (كذا).

بغير العادي عن العادي من الثلاثة، لعدم اندراجه حيث يضاف إلى المعصوم (عليه السلام) في السنة(1).

و الأجود تعريف السنة بأنه: قول من لا يجوز عليه الكذب و الخطأ و فعله و تقريره غير قرآن و لا عادي. و ما يحكى أحد الثلاثة يسمى خبرا و حديثا، و لعل من بيان المعنى الاصطلاحي ما في تاج العروس مازجا بالقاموس من قوله: (و السنة من اللّه إذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها حكمه و أمره و نهيه مما أمر به النبي (صلى اللّه عليه و آله) و نهى عنه و ندب إليه قولا و فعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز، و لهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب و السنة أي القرآن و الحديث)(2)و تعبيره بالنبي مبني على مذهبه، و أما على مذهبنا فيعم ما أمر به و نهى عنه و بيّنه أهل بيته المعصومون (عليهم السلام). [و الظاهر(3) أن المراد بالفعل ما يعم الكتابة و الإشارة و الترك، و يمكن إدخال الأولين في القول، كما يشهد به الإطلاق العرفي حيث يقال: قال فلان في كتابه كذا، و قال ذلك، مع أن المتحقق منه الإشارة، و كذا يمكن ادخال الترك أيضا في الفعل، و إن

ص: 69


1- أقول: تقيد التقرير ب: العادي و بغير العادي لم أفهم وجهه و المراد منه، إذ كل ما يصدر منهم صلوات اللّه عليهم من التقرير سنة، سواء كان عاديا أو غير عادي. و أما احتمال إرادة التقية و عدمها فهو مساو بالنسبة إلى القول و الفعل و التقرير، و لا وجه للتقييد.
2- تاج العروس: 244/9 و نقله عنه في اصول الحديث: 18، من دون ذكر المصدر.
3- لم نفهم وجها لهذا الاستظهار، و العدول عنه أولى.

كان الشائع في إطلاقه ما يقابله. و على هذا فيكون التقرير قسما منه، بل هو أجدر دخولا فيه من الترك، كما لا يخفى، فجعله قسيما له لعله من أجل اختصاصه بأحكام خاصة](1).

تذنيب:

[يتضمن امورا:

الأول: أنه](2) صرح غير واحد بأن حكاية الحديث - الذي هو عبارة عما حكاه أحد الأنبياء أو الأوصياء من الكلام المنزل، لا على وجه الإعجاز - داخلة في السنة، و حكاية هذه الحكاية عنه (صلى اللّه عليه و آله) داخل في الحديث، و أما نفس الحديث القدسي فهو خارج عن السنة و الحديث و القرآن. و الفرق بينه و بين القرآن: إن القرآن هو المنزل للتحدي و الإعجاز، بخلاف الحديث القدسي(3)، فتدبر.

[الثاني(4): إن الأحاديث الواردة عن الرسول الأكرم (صلى اللّه عليه و آله و سلم) أقسام؛ تضمّن شرحها، و كيفية الأخذ بها، ما رواه الكليني (رحمه اللّه) في باب اختلاف الحديث من الكافي(5):

ص: 70


1- لاحظ مستدرك رقم (12): فوائد حول السنة. مستدرك رقم (13): في معنى الرواية. مستدرك رقم (14): إشكال و دفع.
2- إلى هنا من مزيدات الطبعة الثانية من المصنف.
3- لاحظ مستدرك رقم (15) الحديث القدسي.
4- من هنا إلى الفصل الثاني لا يوجد في الطبعة الاولى من الكتاب.
5- اصول الكافي: 62:1-64(50-52 - من طبعة اخرى) كتاب فضل العلم - باب اختلاف الحديث، و لاحظ شرحه في مرآة العقول: 5:1 - 210، نهج البلاغة - محمد عبده -: 188. و نهج البلاغة - صبحي الصالح -: 325 - و من كلامه عليه السلام (210)، كتاب سليم بن قيس: 103-106 باختلاف كبير.

(عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام) اني سمعت من سلمان و المقداد و أبي ذر شيئا من تفسير القرآن، و أحاديث عن نبي اللّه غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن، و من الأحاديث عن نبي اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أنتم تخالفونهم فيها، و تزعمون أن ذلك كله باطل، افترى الناس يكذبون على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) متعمدين، و يفسرون القرآن بآرائهم ؟! قال: فأقبل عليّ فقال: قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقا و باطلا، و صدقا و كذبا، و ناسخا و منسوخا، و عاما و خاصا، و محكما و متشابها، و حفظا و وهما، و قد كذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيبا، فقال: (أيها الناس قد كثرت عليّ الكذابة، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)(1) ثم كذب عليه من بعده، و إنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس.

ص: 71


1- من الروايات المتفق عليها بين الفريقين، و ادعي تواترها اللفظي فضلا عن المعنوي و الاستفاضة، و سنذكر جملة من مصادرها.

رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثّم و لا يتحرج(1) أن يكذب على رسول الله متعمدا، فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه، و لم يصدقوه، و لكنهم قالوا هذا قد صحب رسول اللّه و رآه، و سمع منه، و أخذوا عنه، و هم لا يعرفون حاله، و قد أخبر(2) اللّه عن المنافقين بما اخبره، و وصفهم بما وصفهم، فقال عز و جل: وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ (3) ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة، و الدعاة إلى النار بالزور و الكذب و البهتان، فولوهم الأعمال، و حملوهم على رقاب الناس، و أكلوا بهم الدنيا، و إنما الناس مع الملوك و الدنيا إلا من عصم اللّه، فهذا أحد الأربعة.

و رجل سمع من رسول الله شيئا لم يحفظه(4) على وجهه و وهم فيه فلم(5) يتعمد كذبا، فهو في يده يقول به، و يعمل به، و يرويه، و يقول(6): أنا سمعته من رسول اللّه

ص: 72


1- لا يتأثّم: أي لا يخاف الإثم، أو لا يعد نفسه آثما بالكذب على اللّه و رسوله . و لا يتحرج: لا يخشى الوقوع في الحرج أي الحرام، أو لا يضيق صدره بالكذب.
2- في نسختنا و مرآة العقول: و قد أخبره اللّه... و هو الظاهر.
3- المنافقون: 4.
4- في المصدر: لم يحمله. و كذا في مرآة العقول.
5- في المصدر: و لم و كذا في مرآة العقول و هو الظاهر. و وهم: أي غلط و أخطأ.
6- في الكافي: فيقول، و كذا شرحه.

، فلو علم المسلمون أنه و هم لم يقبلوه، و لو علم هو أنه و هم لرفضه.

و رجل ثالث سمع من رسول الله شيئا أمر به، ثم نهى عنه و هو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء، ثم أمر به و هو لا يعلم، فحفظ منسوخه و لم يحفظ الناسخ، فلو(1) علم أنه منسوخ لرفضه، و لو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

و آخر رابع لم يكذب على رسول اللّه مبغض(2) للكذب خوفا من اللّه، و تعظيما لرسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)، لم يسر(3) بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع، لم يزد فيه و لم ينقص منه، و علم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ و رفض المنسوخ، فإن أمر النبي مثل القرآن ناسخ و منسوخ، و خاص و عام، و محكم و متشابه. قد كان يكون من رسول الله الكلام له وجهان: كلام عام، و كلام خاص، مثل القرآن. و قال اللّه عز و جل في كتابه: ما آتاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (4)، فيشتبه على من

ص: 73


1- في الكافي: و لو.
2- الأولى: مبغضا، إلا أن يكون بدلا. و في كتاب سليم بن قيس: بغضا.
3- كذا، و الصحيح: لم ينسه. كما في الأصل و الشرح، و في نسخة: لم يسه، من السهو. و في نهج البلاغة: و لم يهم، أي لم يخطأ، و لم يظن خلاف الواقع.
4- سورة الحشر: 7.

لم يعرف و لم يدر ما عنى اللّه به و رسوله، و ليس كل أصحاب رسول الله كان يسأله عن الشيء فيفهم، و كان منهم من يسأله و لا يستفهمه، حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي و الطاري(1) فيسأل رسول اللّه حتى يسمعوا(2).

و قد كنت أدخل على رسول الله كل يوم دخلة، و كل ليلة دخلة، فيخليني فيها، أدور معه حيثما دار(3). و قد علم أصحاب رسول الله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أكثر من(4) ذلك في بيتي، و كنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني، و أقام عني نساءه، فلا يبقى عنده غيري، و إذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عني فاطمة و لا أحد بني(5). و كنت إذا سألته أجابني، و إذا سكت عنه و فنيت مسائلي ابتداني، فما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأنيها، و أملاها عليّ فكتبته بخطي، و علمني تأويلها و تفسيرها، و ناسخها

ص: 74


1- الطاري: أي الغريب الذي أتاه عن قريب من غير أنس به و بكلامه.
2- في نهج البلاغة لا يوجد الذيل و فيه: و كان لا يمر بي من ذلك شيء إلا سألت عنه و حفظته، فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم و عللهم في رواياتهم.
3- في الكافي: حيث دار.
4- لا توجد: من: في ما عندنا، و المعنى واضح.
5- في نسختنا من الكافي: لم تقم عني فاطمة و لا أحد من بني.

و منسوخها، و محكمها و متشابهها، و خاصها و عامها، و دعا اللّه أن يعطيني فهمها و حفظها، فما نسيت آية من كتاب اللّه، و لا علما أملاه عليّ و كتبته منذ دعا اللّه لي بما دعا. و ما ترك شيئا علمه اللّه من حلال و لا حرام و لا أمر و لا نهي كان أو يكون منزل(1) على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه و حفظته، فلم أنس حرفا واحدا، ثم وضع يده على صدري و دعا اللّه لي أن يملأ قلبي علما و فهما و حكما و نورا، فقلت: يا نبي اللّه! بأبي أنت و امي منذ دعوت اللّه لي بما دعوت لم أنس شيئا، و لم يفتني شيء لم أكتبه، أ فتتخوف عليّ النسيان فيما بعد؟ فقال: لا، لست أتخوف عليك النسيان و الجهل)(2) هذا تمام الحديث.

و ناهيك به آخذا بمجامع الكلام المبين أنواع الحديث المروي عنه ، و قد ذكر شطرا من هذا الحديث بعينه السيد الرضي في نهج البلاغة حين سأل السائل عن أحاديث البدع، و عما في أيدي الناس من اختلاف الخبر(3)، و ذكر الحديث من عند قوله:

(إن في أيدي الناس حقا و باطلا.. إلى حد قوله: و كان لا يمر بي من ذلك شيء إلا سألت عنه و حفظت) مع تفاوت غير مخل

ص: 75


1- في نسختنا: و لا كتاب منزل...
2- و بهذا المضمون روايات الباب و ما بعده. و في كتاب سليم: 106 ذيل مفصل لهذه الرواية، فلاحظه.
3- نهج البلاغة - محمد عبده 188/2-191 [صبحي صالح/ 325 برقم 210].

بالمعنى(1).

و روى في أول كتاب المعيشة من الكافي(2) في باب دخول الصوفية على أبي عبد اللّه (عليه السلام) حديث يقول (عليه السلام) فيه: (.. أخبروني أيها النفر أ لكم علم بناسخ القرآن من منسوخه، و محكمه من متشابهه، الذي في مثله ضل من ضل، و هلك من هلك من هذه الامة ؟) فقالوا: كله أو بعضه ؟ فأما كله فلا فقال لهم:

(فمن هاهنا أوتيتم! و كذلك أحاديث رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)(3).. إلى أن قال: (فتأدبوا - أيها النفر - بآداب اللّه عز و جل للمؤمنين، و اقتصروا على أمر اللّه و نهيه، و دعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به، و ردوا العلم إلى أهله تؤجروا و تعذروا عند اللّه تبارك و تعالى) الحديث. و لا يخفى ما فيه أيضا من الإشارة إلى تفصيل الأحاديث الواردة عن النبي، و أنه لا يمكن الإقدام عليها، و العمل بظواهرها ما لم يعلم حالها، من كونها منسوخة أم لا، مقيدة أم لا، مكذوبة على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أم لا، بالرجوع إلى الأئمة (عليهم السلام) و أتباعهم.

و هذا بخلاف أحاديثنا المروية عن أئمتنا (عليهم السلام) فإنها خالية من النسخ، لكونها حاكية و مفسرة لما أخبر به الرسول (صلى اللّه عليه

ص: 76


1- مرّ قريبا ذكر الحديث مع ما فيه من تفاوت و ذيل، فراجع.
2- فروع الكافي 65/5-70. و هي صحيحة مسعدة بن صدقة، مفصلة جدا، ذات فوائد ثمينة.
3- أي فيها أيضا ناسخ و منسوخ و محكم و متشابه و أنتم لا تعرفونها.

و آله). و لأمر الأئمة (عليهم السلام) بالأخذ بها و التحديث بها و كتابتها. نعم ربما خالطها ما لا يوثق بوروده عنهم (عليهم السلام)، و يمكن التوصل إلى صدقه و كذبه بالعلامات و القرائن المقررة المائزة بينها، كما لا يخفى على أربابها(1).

الثالث: إن السنّة الفعليّة هي(2) ما فعله النبي (صلى اللّه عليه و آله) و الإمام (عليه السلام) قسمان: نبوية، و إمامية.

فما كان من فعله طبيعيا(3) عاديا، أو مجهولا لم يظهر وجهه، فلا حكم له في حقنا. و إن وقع بيانا لم علم وجهه، كان تابعا له في الوجوب و الندب و الإباحة و نحوها. و إن لم يكن بيانا، و علم منه قصد القربة، و لم يكن خاصا به، وجب التأسي به فيه(4)، و لما كان مؤسسا للأحكام الشرعية، لم يجر في فعله احتمال التقية(5)، لمنافاة

ص: 77


1- و قد نقل هذا بألفاظ متقاربة الشيخ فخر الدين الطريحي في جامع المقال: 28-31.
2- الظاهر: و هي، إلا أن تكون جملة معترضة.
3- الظاهر: طبعيا. و قد مرّ عليك ما في قيد: عاديا.
4- بل لا حجية فيه على الأقوى، إلاّ أن يعلم الوجه الذي وقع عليه، هذا إذا لم يكن من الأحكام المختصة به صلوات اللّه و سلامه عليه كنكاح ما زاد على الأربعة أو صلاة الليل وجوبا و غيرهما - كما فصل في محله -، و صرف الأمر بالتأسي لو دل لكان دالا على الندب، أو مطلق الاتباع أو عدم الحرمة. فتدبر. ثم الفعل المجرد - سنة نبوية كان أو سيرة علوية - فهو يدل على الجواز إن كان من الأفعال العرفية، و على الرجحان - أعم من المنع من الترك أو مرجوحية الترك - إن كان من العبادات الشرعية، على الأظهر.
5- الأولى أن يقال: لم يجر في حقه التقية في كثير من الأحكام فيما لا يعلم طريقها إلا من جهته، للزوم ارتفاع كثير منها و لزوم الإغراء بالقبيح، كذا قيل. أقول: رب مشهور لا أصل له، فإنه روحي له الفداء كان يتقي أشد التقية، و يظهر ذلك لمن سبر حياته صلوات اللّه و سلامه عليه، و كفاك منها آية التبليغ و الولاية. و على كل، لا فرق في حكم التقية بين الرسول الأعظم و الإمام المعصوم سلام اللّه عليهم و الناس كافة، فتدبر. و اللّه العالم.

التقية لمنصبه، و كونها منه إغراء بالقبيح، و أما الإمام (عليه السلام) فحيث هو حافظ للسنة و حاك لها جازت عليه التقية، و على ذلك دلت الأدلة القاطعة، نعم لو فرض حدوث ما لم يعلم جهته إلاّ منه (عليه السلام) كان كالنبي في عدم جواز التقية عليه(1)، فالسنة الفعلية الإمامية قسمان:

أحدهما: ما يجوز فيه التقية عليه.

و ثانيهما: ما ليس كذلك، و الحكم في الثاني ما عرفت.

و أما الأول: فأما أن يكون متعلقه مأذونا فيه بخصوصه كغسل الرجلين في الوضوء و نحوه عند التقية، أم لا. فإن كان الأول، فإيقاعه من المكلف للضرورة صحيح مقطوع بإجزائه، و لا يكلف فاعله بالإعادة وقتا و لا خارجا، لأن الأمر الواقعي الاضطراري يقتضي الاجزاء، كما بيناه في الاصول(2). و إن لم يكن مأذونا فيه بخصوصه، كالصلاة إلى غير القبلة و نحوها، فإيقاعه من المكلف

ص: 78


1- لاحظ مستدرك رقم (16) بحث مقتضب حول التقية.
2- بحث الأجزاء بحث مفصل في الاصول، له أقسامه و أحكامه لم نجد داعيا لاستدراكه بحثا و تفصيلا هنا، و للتوسع لاحظ: كفاية الاصول: 124:1 و شروحها: حقائق الاصول: 191:1، عناية الاصول: 253:1، شرح الرشتي: 113:1، و كذا تقريرات السيد الخوئي دام ظله كالمحاضرات: 2 / 220، و أجود التقريرات: 193:1، و فرائد الاصول: 241:1 و غيرها من الموسوعات الاصولية.

للضرورة مقطوع بصحته أيضا، إلا أن الإعادة في الوقت مع التمكن لازمة لعدم اقتضاء الأمر الظاهري الشرعي الأجزاء على الأقوى، كما أوضحناه في الاصول.

و بالجملة، فإطلاق الاذن في التقية لا يقتضي أزيد من إظهار الموافقة مع الحاجة، فمهما أمكن المكلف الاتيان بالفعل المأمور به شرعا على الوجه المخصوص وجب، و متى علم الاذن في التقية من جهة الإطلاق فهي مقدّرة بما تندفع به الضرورة، أما كون المأتي به من جهة ما هو المكلف به و المعتبر شرعا، من غير فرق بين ما علم الاذن فيه بخصوصه و غيره فغير واضح(1)، و هذا كلام جرى في البين، و توضيحه يطلب من مسألة اقتضاء الأمر الاجزاء و عدمه من علم الاصول](2).

ص: 79


1- نظير ما ذكره المصنف أعلى اللّه مقامه ما قاله الطريحي في جامع المقال: 6-7. فلاحظ. ثم بقي من الأقسام الثلاثة - أعني القول و الفعل - التقرير، و هو كل ما أمضاه المعصوم عليه السلام و أقر عليه مما صدر عن بعض المسلمين من قول أو فعل، سواء بسكوت منه و عدم إنكار، أم بإظهار الاستحسان و الموافقة عليه و تأييده، ما لم يكن لتقية، هذا من جهة المتن. أما سند السنة الفعلية و التقريرية ففيها ما في سند السنة القولية من الأقسام الآتية بإذن اللّه تعالى. انظر مستدرك رقم (17) فائدة: حصر الأخبار.
2- إلى هنا ما أضافه المصنف رحمه اللّه في الطبعة الثانية.

ص: 80

الفصل الثاني: في بيان الخبر و اقسامه

اشارة

في بيان أن الخبر اما أن يكون معلوم الصدق(1)، أو معلوم الكذب، أو مجهول الحال. و على الأولين فإما أن يكون معلوميّة صدقه، أو معلوميّة كذبه ضروريا، أو نظريا، فهذه خمسة أقسام(2):

ص: 81


1- قطعا، و كذا الكذب.
2- أو مظنون الكذب أو الصدق كذلك و كل منهما إما ضروريا أو كسبيا، فترتفع الأقسام إلى عشرة. ثم يمكن تقسيم الخبر إلى قسمين آخرين: الأول: المتواتر و الآحاد، و سيأتي بيانهما قريبا. الثاني: الصادق و الكاذب. و هذه القسمة متداخلة، و القسمة الثانية مما أطبق المحققون من الفريقين أنه لا ثالث لهما - أي الصدق و الكذب - لأن الخبر إما مطابق للمخبر عنه أو لا، و خالف الجاحظ و ذهب إلى منع الحصر و ثبوت الواسطة، و له وجوه مردودة ذكرت في المفصلات الاصولية، و فصل القول فيه في القوانين تحت عنوان قانون: 420. و للسيد المرتضى رحمه اللّه في الذريعة: 482:2 تقسيم آخر، فراجع. لاحظ مستدرك رقم (18) وجه انحصار الخبر في الصدق و الكذب.

أما الأول: و هو معلوم الصدق الذي كونه صدقا ضروري،

فعلى قسمين: لأنه إما ضروري بنفسه، و قد مثلوا له بالخبر المتواتر الآتي تفسيره إن شاء اللّه تعالى(1)، أو(2) بغيره كقول القائل: الواحد نصف الاثنين، و الكل أعظم من الجزء. فإن ضروريته ليست من مقتضى الخبر من حيث انه هذا الخبر، بل لمطابقة الخبر لما هو كذلك في نفس الأمر ضرورة.

ثم إن التمثيل للضروري بنفسه بالخبر المتواتر مبني على ما عليه الأكثر من إفادة الخبر المتواتر العلم، و كون العلم به ضروريا، و إلا(3) فهو ليس متفقا عليه، بل وقع الخلاف في كل من الفقرتين، و يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى(4).

ص: 82


1- و الحكم بكون العلم بالمتواتر ضروريا منهج الأكثر - كما صرح به ثاني الشهيدين في البداية و غيره، كما سيأتي - و مستنده أنه لو كان نظريا لما حصل لمن لم يكن من أهله كالصبيان و البله. و أيضا يلزم منه الافتقار إلى الدليل، و هو إما يدور أو يتسلسل، مع أنه بالوجدان ليس كذلك. و ثالثا: أنه لو كان كسبيا لم يحصل للعوام، و هذا باطل بالعيان، فلزم كونه ضروريا. و إن كان الحق أن العلم الحاصل منه كسبي. و قد توقف السيد المرتضى قدس سره في القطع بأحد الوجهين. ثم إن جماعة - كصاحب البداية - قيد المتواتر هنا باللفظي منه، و لم أعرف وجهه!.
2- الظاهر: و.
3- في الطبعة الاولى لا توجد: و إلا، و يكون المعنى غلطا.
4- و على كل، الصدق في المتواترات مقطوع به عند العقلاء كلا، و لا ينازع به ذو مسكة، و منكره منكر الوجدان، و نسب إلى البراهمة و السمنية الخلاف في ذلك، و لهم شبهات واهية و تشكيكات فارغة سوفسطائية. أما الأخبار الآحاد كالصحاح و الحسان و نحوهما فالصدق فيها مظنون و المنازع مكابر كجمع من من يسمون بالأخبارية. و ذهب الحسين الكرابيسي و جمع من العامة - كما حكاه في فتح المغيث: 21/1 و غيره - إلى أن الخبر الواحد يوجب العلم الظاهر و العمل جميعا، و قد أوّلوا كلامه و حملوه على إرادة غلبة الظن أو التوسع، لا سيما من قدم منهم الضعيف على القياس كأحمد في مسنده، و إلا فالعلم عند المحققين لا يتفاوت، و من هنا عقد الخطيب البغدادي في الكفاية: 6-65 بابا لشبهة من زعم أن خبر الواحد يوجب العلم و أبطلها و تبعه غيره.

و أما الثاني: و هو معلوم الصدق؛ الذي كونه صدقا نظري كسبي،

فقد مثلوا له بخبر اللّه جل شأنه، فإن كونه مقطوع الصدق إنما هو بالكسب و النظر، بضم ما دل على قبح الكذب عليه تعالى، و كذا خبر الأنبياء (صلوات اللّه عليهم)، و الأئمة المعصومين (عليهم السلام) عندنا، لكون العلم بصدقهم أيضا بانضمام أدلة قبح الكذب عليهم صلى اللّه عليهم(1)، و من هذا الباب الخبر الموافق للنظر الصحيح.

و ربما جعل في البداية(2) من هذا الباب خبر جميع الامة باعتبار

ص: 83


1- أو لثبوت عصمتهم صلوات اللّه و سلامه عليهم، أو علم وجود مخبره - بفتح الباء - بالضرورة أو الاكتساب كمن أخبر بوجود النجف الأشرف على القاطن بها آلاف التحية و السلام، أو وقوعه كقصة الغدير، أو الاخبار بوجوب الصلاة و الحج و الزكاة مما أجمعت الامة على وجوبه أو وجوده.
2- البداية: 7 [البقال: 60:1].

الإجماع الثابت حقيقة مدلولة بالاستدلال، و هو كما ترى، لانصراف الخبر إلى الحسي و الاخبار عن رأي المعصوم بالإجماع على مذهب الخاصة حدسي(1)، و على مذهب العامة قسيم للخبر، فتدبر.

و أما الثالث: و هو معلوم الكذب؛ الذي كونه كذبا ضروري،

فقد مثل له(2) بما خالف المتواتر، و ما علم عدم وجود المخبر به ضرورة حسا، أو وجدانا، أو بداهة، مثل الاخبار ببرودة النار، و بياض القير... و نحو ذلك(3).

و أما الرابع: و هو معلوم الكذب؛ الذي كونه كذبا نظري،

فقد مثل له(4) بالخبر المخالف لما دلّ عليه دليل قاطع بالكسب، مثل الاخبار بقدم العالم. و منه الخبر الذي تتوافر الدواعي على نقله و لم ينقل، كسقوط المؤذن عن المنارة.. و نحو ذلك.

و أما الخامس: و هو محتمل الأمرين الصدق و الكذب،

لا

ص: 84


1- هذا أحد الأقوال عند الخاصة، و إلا فلهم هنا كلام طويل و تفصيلات. تجدها في المفصلات الاصولية. و عدّ منه المتواتر المعنوي - كما سيأتي تفسيره - و الخبر المحتف بالقرائن، و أنكر جماعة أصل العلم به للتخلف عند الخطأ لجواز عدم الشرائط في صورة التخلف، و هذا - كما ترى - نزاع لفظي.
2- كما في بداية الشهيد: 12 [البقال: 61:1].
3- في كل خبر خالف ما علم صدقه.
4- كما في البداية: 12 [البقال: 61:1] و غيرها. و العجب من صاحب التعريفات: 87 حيث عرف الخبر الكاذب بكونه ما تقاصر عن التواتر!

بالنظر إلى ذاته، إذ جميع الأخبار تحتملها كذلك، و قد مثل له بأكثر الأخبار(1)، و هو ظاهر.

و ربما قسّم بعضهم هذا القسم(2) إلى أقسام ثلاثة: مظنون الصدق، كخبر العدل الواحد. و مظنون الكذب، كخبر الكذوب، و متساوي الطرفين، كخبر مجهول الحال، و لا بأس بذلك(3).

ص: 85


1- كما في البداية: 12 [البقال: 61:1] و غيرها.
2- أي ما لا يعلم صدقه و لا كذبه.
3- ثم إن البحث في حجية الخبر الواحد و عدمها - كما سيأتي - يرجع إلى اصطلاح خاص في الخبر الواحد شامل لمعلوم الصدق من غير جهة التواتر و معلوم الكذب و المظنون فيهما و المحتمل للأمرين احتمالا مساويا أو راجحا، لأنهم عرفوه - كما سنوافيك به - هو كل ما لم يبلغ حد التواتر، سواء قلّت رواته أو كثرت، مع ان النزاع فيما يظن صدقه لا مطلقا، بل قيل: في كل ما تسكن إليه النفس.

ص: 86

الفصل الثالث: انقسام الخبر الى متواتر و آحاد

اشارة

إن الخبر(1) ينقسم إلى: متواتر، و آحاد(2). و الآحاد على أقسام، فنضع الكلام هنا في موضعين:

الموضع الأول: في المتواتر ، و فيه مقامات:

اشارة

الموضع الأول: في المتواتر(3)، و فيه مقامات:

المقام الأول: في بيان حقيقته.

فنقول: إن التواتر لغة(4): عبارة عن مجيء الواحد بعد الواحد بفترة

ص: 87


1- مطلقا، سواء كان معلوم الصدق و عدمه أو محتمل الأمرين، ضروريا كان أم كسبيا، و قد يراد منه مطلق الخبر - أي من حيث هو هو - لا بلحاظ أو إضافة.
2- لاحظ مستدرك رقم (19) تقسيم الخبر عند بعض الخاصة. و انظر مستدرك رقم (20) تقسيم الخبر عند العامة.
3- لاحظ مستدرك رقم (21) مصادر البحث عن الحديث المتواتر عند العامة و الخاصة.
4- المواترة هي المتابعة، قيل و لا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة، و إلا فهي مداركة و مواصلة كما في مجمع البحرين: 508:3، لاحظ النهاية: 147:5، معجم مقاييس اللغة: 84:6 و غيرها.

بينهما و فصل. و منه قوله عز من قائل: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا (1) أي رسولا بعد رسول بزمان بينهما. فعن مرة(2):

المتواتر: الشيء يكون هنيهة(3) ثم يجيء الآخر، فإذا تتابعت فليست متواترة، إنما هي متداركة و متتابعة، و عن ابن الأعرابي(4): ترى يترى إذا تراخى في العمل فعمل شيئا بعد شيء. و عن الأصمعي(5): واترت الخبر اتبعت و بين الخبرين هنيهة(6).. إلى غير

ص: 88


1- المؤمنون: 45.
2- اسم أحد علماء العامة. منه (قدس سره). الحاشية غير موجودة في الطبعة الاولى. و لعل المراد به هو ابن سودة المري (1220-1294 ه) المهدي (أو محمد المهدي) بن الطالب بن محمد - بفتح الميم الاولى - ابن سودة المريّ أبو عيسى، قاضي فاس، من فضلاء المغرب، له حواشي في الحديث.
3- لغة في هنيئة و اللغة الثانية هنيّة - بتشديد الياء من دون همزة. منه (قدس سره). هذه الحاشية للمصنف غير موجودة في الطبعة الاولى. انظر: صحاح اللغة: 2536/6، لسان العرب: 365/15، قال في تاج العروس: 412/10: يقال هنى هنو من الليل أي وقت، و يقال: هن - بالهمز -.
4- هو أبو عبد اللّه محمد بن زياد (150-231 ه) علامة باللغة و النحو، له جملة مؤلفات، انظر عنه: وفيات الأعيان: 492/1، تاريخ بغداد: 282/5، فهرست النديم: 69/1، الأعلام: 366/6، معجم المؤلفين: 11/10 ، و غيرها.
5- ستأتي للأصمعي ترجمة ضافية في صفحة: 234 من هذا المجلد، فراجع
6- قاله الزبيدي في تاج العروس: 596/3، و ابن منظور في لسان العرب: 275/5 عمود (1)، و انظر: معجم مقاييس اللغة: 84/6، و الصحاح في اللغة: 3/2-842، و النهاية لابن الأثير: 9/5-147، و مجمع البحرين: 9/3-507.. و غيرها. و حكى عن الأصمعي في لسان العرب: 275/5 عمود (2) المواترة من النوق هي التي لا ترفع يدا حتى تستمكن من الاخرى، و إذا بركت وضعت الاخرى، فإذا اطمأنت وضعتهما جميعا ثم تضع وركيها قليلا قليلا، و حكاه عنه في تاج العروس: 598/3.

ذلك من كلماتهم الناطقة باعتبار الفترة، و عدم الاتصال بينهما، لكن في القاموس: إن التواتر التتابع أو مع فترات(1) و ظاهره إطلاق التواتر لغة على التتابع من غير فترة أيضا.

و كيف كان فقد عرفوا الخبر المتواتر - في الاصطلاح - بتعريفات متقاربة(2) أجودها أنه: خبر جماعة بلغوا في الكثرة إلى حد أحالت

ص: 89


1- القاموس المحيط: 157/2، بلفظه.
2- عرفه ثاني الشهيدين في درايته: 12 [البقال: 62:1 بفرق يسير]: ما بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطؤهم - أي اتفاقهم - على الكذب، و استمر ذلك الوصف في جميع الطبقات حتى يتعدد، بأن يرويه قوم عن قوم.. و هكذا إلى الأول.. ثم قال: و بهذا ينتفي التواتر عن كثير من الأخبار التي قد بلغت رواتها في زماننا ذلك الحد. و قال في الوجيزة: 4: فصل: ما يتقوم به معنى الحديث متنه و سلسلة رواته إلى المعصوم عليه السلام سنده، فإن بلغت سلاسله في كل طبقة حدا يؤمن معه تواطؤهم على الكذب فمتواتر، و يرسم بأنه: خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه، و إلا فخبر آحاد. و في معين النبيه: 7 - خطي - عرّفه: ما رواه في الطبقات الثلاث الطرفين (كذا) و ما بينهما جماعة يؤمن من تواطيهم على الكذب... إلى غير ذلك مما عرف به. انظر مستدرك رقم (22) المتواتر اللفظي بين السلب و الإيجاب.

العادة اتفاقهم و تواطيهم على الكذب(1)، و يحصل بأخبارهم العلم(2)، و إن كان للوازم الخبر مدخلية في إفادة تلك الكثرة العلم.

فالخبر جنس يشمل الآحاد، و بإضافته إلى الجماعة خرج خبر الشخص الواحد، و خرج بوصف الجماعة بالبلوغ إلى الحد خبر جمع لم يبلغوا الحد المذكور، و لم يحصل العلم بسبب الكثرة، و إن حصل العلم من جهة اخرى، فخرج خبر جماعة قليلين معصومين كلا أو بعضا، فإنه ليس متواترا اصطلاحا و إن أفاد العلم، ضرورة عدم مدخلية الكثرة في إفادته العلم، و كذا خرج من الأخبار ما وافق دليلا قطعيا يدل على مدلول الخبر، فإن حصول العلم منه ليس بسبب قولهم، بل لذلك الدليل القطعي.

و قولنا: و إن كان للوازم الخبر مدخلية في إفادة تلك الكثرة العلم، لإدخال ما إذا كان حصول العلم من الخبر مستندا إلى الكثرة و القرائن الخارجية، و إخراج ما إذا كان حصول العلم منه مستندا إلى غير الكثرة كما لو أخبر ثلاثة بشيء معلوم ضرورة أو نظرا، أو كان اخبارهم محفوفا بقرائن زائدة على ما لا ينفك الخبر عنه عادة من الامور الخارجية المتعلقة بحال المخبر؛ ككونه موسوما بالصدق و عدمه. أو حال السامع؛ ككونه خالي الذهن و عدمه. أو بالمخبر عنه؛ ككونه

ص: 90


1- عن مثلهم من أول السند إلى منتهاه، على أن لا يختل هذا الجمع في أي طبقة من طبقات السند.
2- إما بصدق اللفظ و المعنى أو اللفظ خاصة في كل مرتبة.

قريب الوقوع و عدمه. أو نفس الخبر؛ كالهيئات المقارنة له الدالة على الوقوع و عدمه، فإن شيئا من ذلك ليس من المتواتر. نعم لا يعتبر كون الكثرة علة تامة في حصول العلم، و لا نمنع من مدخلية الامور المذكورة أيضا مع الكثرة، كما يكشف عن ذلك ما علل به المحققون عدم اعتبار عدد خاص في التواتر من اختلاف ذلك باختلاف المقامات، فإنه ليس إلا لاختلافها(1) في انضمام شيء من الامور المذكورة إلى الكثرة و عدمه(2).

و مما ذكرنا ظهرت متانة ما نبّه عليه بعض المحققين (قدس سره)(3) من أنه قد يشتبه ما يحصل العلم فيه بسبب التسامع و التضافر و عدم وجود المخالف بالمتواتر، فمثل علمنا بالهند و الصين و حاتم و رستم ليس من جهة التواتر، لأنا لم نسمع إلا من أهل عصرنا و هم لم يرووا لنا عن سلفهم ذلك أصلا، فضلا عن عدد يحصل به التواتر و.. هكذا. و ليس غرضه (قدس سره) عدم إمكان التواتر فيه، و لا استلزام ما ذكره عدم حصوله في نفس الأمر، و إنما غرضه أن علمنا لم يحصل من جهة التواتر، بل من جهة إطباق أهل العصر قاطبة على ذلك، إما بالتصريح أو بظهور أن سكوتهم مبني على عدم بطلان هذا النقل، فالمفيد للقطع بصحة ما ذكر إنما هو كثرة تداول ذلك على

ص: 91


1- في الطبعة الثانية من الكتاب: ليس لاختلافها، و ما ذكر أصح.
2- و ليس المراد هنا الكشف التام حتى يورد عليه طردا و عكسا، بل تكفي المعرفة الإجمالية.
3- الظاهر الأسترآبادي في لب اللباب يراجع.

الألسنة، و عدم وجود مخالف في ذلك العصر، و لا نقل(1) إنكار عمن سلف، فهو نظير الإجماع على الحكم الشرعي المفيد للقطع برأي المعصوم، فوجود البلاد النائية، و الامم الخالية لنا من هذا الباب، لا من باب التواتر، كما لا يخفى على المتدبر.

المقام الثاني: امكان تحقق الخبر المتواتر

إنه اتفق أكثر العقلاء على إمكان تحقق الخبر المتواتر، و حصول العلم به. و حكى إنكار ذلك عن السمنية، و البراهمة(2). و عن بعضهم الموافقة على إفادته العلم إذا كان خبرا عن امور موجودة في

ص: 92


1- تقرأ بالمصدر المضاف لا بالفعل المبني للمجهول.
2- السمنية: طائفة منسوبة إلى سومنا، قرية بالهند غالب أهلها على مذهب الدهرية و الحلولية و التناسخية. و أما البراهمة فهم عبّاد الهند و زهادها و حكماؤها المخصوصون منسوبون إلى برهمن أو برهمان، و نونه مشابهة للتنوين و لذا يحذف عند النسبة، و برهمن رئيسهم المؤسس لقواعدهم، و هم لا يجوزون البعثة و لا يقولون بالديانات و يحرم عليهم أكل لحوم الحيوانات بناء منهم على أنه ظلم و ذنب. و قيل كان برهمن رئيس المجوس في الهند، و البراهمة أتباعه. منه (قدس سره). راجع حول البراهمة: القاموس المحيط طبعة مصر: 238/4. الملل و النحل - الشهرستاني: 250:2، ذيل الملل و النحل 9:2، فرق الشيعة - النوبختي - 143، خطط المقريزي: 344:2، دائرة المعارف الإسلامية: 498:3، دائرة المعارف - وجدي - 154:2 و غيرها. و حول السمنية راجع: فهرست النديم: 498، الفرق بين الفرق: 87، 193، 233، خاندان نوبختي - الحاشية -: 26، حور العين: 139 و غيرها.

زماننا، دون ما كان خبرا عن امور سالفة.

و الحق الأول؛ ضرورة أن كل عاقل يجد من نفسه العلم الضروري بالبلاد النائية(1)، و الامم الخالية، كقوم فرعون و عاد و ثمود، و الأنبياء (عليهم السلام) كموسى و عيسى و محمد (صلى اللّه عليه و آله)، و الملوك الماضية مثل كسرى و قيصر، و الفضلاء المشاهير كأفلاطون و أرسطو. و لا يكاد العلم بذلك يقصر عن العلم بالمحسوسات، و لا طريق لنا إلى ذلك إلا الاخبار. و المنكر لذلك كالمنكر للمشاهدات، فلا يستحق المكالمة(2).

و قد حكي عن الخصم شبهات واهية، مرجعها إلى الشبهة في قبال البداهة:

إحداها: إن كل واحد من المخبرين البالغين حد التواتر يجوز عليه الكذب عند انفراده، فعند اجتماعه يكون كذلك، و إلاّ لانقلب الجائز ممتنعا، و أنه محال، و حينئذ فيجوز الكذب على الجميع، فلا يكون قولهم مفيدا للعلم.

و الجواب: منع استلزام جواز الكذب على الآحاد جوازه على المجموع، فإن حكم المجموع كثيرا ما يخالف حكم أفراده. أ لا ترى إلى أن العسكر يفتح البلد و يظفر، و لا يتأتى ذلك من كل واحد.

ص: 93


1- في الطبعة الاولى: كالهند و الصين.
2- أقول: لعل هذه الأمثلة و ما شاكلها تعد من باب التسامع و التظافر دون بحث التواتر، و ذلك لأن الطبقة السالفة لم تنقل لنا ذلك على نحو الأخبار، فتدبر.

و أن من حكم العشرة أن الواحد جزؤها، بخلاف الواحد. فلا يلزم من حصول العلم من أخبار الجميع بسبب التعاضد و التقوّي حصوله من كل واحد. و لزوم انقلاب الجائز ممتنعا ممنوع(1)، إذ المحكوم عليه بجواز الكذب خبر الواحد حال انفراده، و المحكوم بعدمه خبر المجموع، واحدهما غير الآخر.

الثانية: إنه لو حصل العلم به لزم اجتماع النقيضين فيما إذا تواتر نقيضه أيضا.

و الجواب: إن ذلك فرض محال، لعدم تعقل تواتر النقيضين جميعا.

الثالثة: إنه كاجتماع الخلق الكثير على أكل طعام واحد، و هو محال عادة.

و الجواب:

أولا: منع استحالة اجتماع عدد التواتر على أكل طعام واحد إذا دعا إلى ذلك داع، كاجتماعهم على أكل النعناع في أيام مرض الوباء.

و ثانيا: إنه قياس مع الفارق(2)، و الوقوع بالوجدان أخص من الإمكان.

ص: 94


1- في أمثال المقام.
2- و ذلك، لأن الطعام الواحد بعد أكله من عدة ينتفي موضوعه، فلا يبقى للآخرين معنى للأكل، بخلاف المخبر به، فإن أخبار عدة عنه لا يرفع موضوع المخبر به، و هذا واضح.

الرابعة: إنه لو حصل العلم به لحصل بما نقله اليهود و النصارى عن نبيهم بأنه لا نبي بعده، فيبطل دين محمد (صلى اللّه عليه و آله).

و الجواب:

أولا: منع نقلهم ذلك بل ينقلون الأخبار بمجيء محمد (صلى اللّه عليه و آله) و ينكرون كون هذا الوجود الشريف ذلك، و ينتظرون ذاك، و يزعمون أنه الذي نعتقد أنه يجيء و يملأ الأرض عدلا (عجل اللّه تعالى فرجه، و جعلنا من كل مكروه فداه) و لذا أنهم في هذه السنين لا زالوا ينتقلون إلى بيت المقدس جيلا بعد جيل، و يتوطنون هناك، و يخبرون بقرب ظهور ذلك الموعود.

و ثانيا: إنه يشترط في المتواتر حصوله في جميع الطبقات و الوسائط، و بخت نصر(1) قد استأصل اليهود فلم يبق منهم عدد التواتر، و النصارى في أول الأمر لم يكونوا عدد التواتر، فتأمل.

مع أن عدم العلم بتساوي الطبقات يكفي في المنع، و لا يهمنا إثبات العدم.

إلى غير ذلك من شبهاتهم الواهية في مقابلة الضرورة، التي لا تستأهل جوابا، كالشبه السوفسطائية المنكرين للحسيات(2)، فإن غاية

ص: 95


1- كذا، و لعل الصواب: نبوخذنصر.
2- كذا، لعله: كالشبه السوفسطائية المنكرة للحسيات، أو كشبه السوفسطائيين المنكرين للحسيات.

ترقي الجواب في مقام القطعية أن يكون ضروريا، و هم ينكرون الضروريات، فلا جواب معهم(1).

المقام الثالث: هل العلم بالخبر المتواتر ضروري او كسبي نظرى

اشارة

إن القائلين بإمكان تحقق الخبر المتواتر و حصول العلم به اختلفوا؛ فقال أكثرهم: إن ذلك العلم ضروري(2)، و قال أبو الحسين البصري(3)، و أبو القاسم الكعبي(4)، و الجويني(5)،

ص: 96


1- قوانين الاصول: 421 - فقد ذكر فيه بعض الوجوه و الأجوبة هناك.
2- و أنه فعل اللّه تعالى بالعادة، و هو مذهب أبي علي و أبي هاشم و من تبعهما من المتكلمين و الفقهاء كما نص عليه السيد المرتضى في الذريعة: 485:2، و الخطيب البغدادي في الكفاية: 50، و والد الشيخ البهائي في درايته: 92 و غيرهم.
3- هو: أبو الحسين محمد بن علي الطيب البصري، أحد أئمة المعتزلة، ولد في البصرة و سكن بغداد و توفى بها في سنة 436 ه، له تصانيف في الاصول. وفيات الأعيان: 482:1، تاريخ بغداد: 100:3، لسان الميزان: 5: 298، الأعلام: 161:7.
4- هو: أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي الخراساني المتوفى سنة 319 ه أحد أئمة المعتزلة، رأس طائفة منهم تسمى: الكعبية، له آراء و مقالات في الكلام انفرد بها، و له جملة مؤلفات في الكلام و غيره منها: الطعن على المحدثين. تاريخ بغداد: 384:9، لسان الميزان: 255:3، هدية العارفين: 1: 444، الأعلام: 31:6.
5- جوين: كزبير بلدة في بلاد خراسان، و قرية سرخس. منه (قدس سره). انظر: معجم البلدان: 3:2-192، مراصد الاطلاع: 362:1. أقول: أربعة من علماء الدراية و الحديث بهذا اللقب كلهم من جوين - من نواحي نيسابور - هم: موسى بن العباس بن محمد المتوفى سنة 323 ه، له حاشية على صحيح مسلم. و إبراهيم بن محمد بن المؤيد أبو المجامع (644-724 ه) شيخ خراسان في وقته. و عبد اللّه بن يوسف بن محمد أبو محمد المتوفى سنة 438 ه والد إمام الحرمين. و رابعهم - و هو المقصود ظاهرا - عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف أبو المعالي ركن الدين المعروف بإمام الحرمين (419-478 ه) ولد في جوين و هو من أصحاب الشافعي، له مصنفات كثيرة توفى في نيشابور. الأعلام: 306:4، وفيات الأعيان: 287:1. شذرات الذهب: 3 / 358، مرآة الجنان: 123/3، النجوم الزاهرة: 121/5 و غيرها.

و الغزالي(1)، انه كسبي نظري، و توقف بعضهم في ذلك، و فصل علم الهدى (رحمه اللّه)(2) فقال: (إن أخبار البلدان و الوقائع و الملوك

ص: 97


1- أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي، حجة الإسلام (450 - 505 ه) ولد في الطابران - قصبة من طوس خراسان - رحل في طلب الحديث، و له أكثر من مائتي مؤلف كما قيل، و إذا أطلق هنا و في الاصول أريد هو دون أخيه أحمد المتوفى سنة 520. وفيات الأعيان: 463:1، طبقات الشافعية: 101:4، الأعلام: 7: 247. أقول: تعرض لهذا القول في كتابه المستصفى: 4:1-132 - و ص 140، و لم أجد له تصريحا بما هو المشهور عنه، إلا أنه له تفصيل في معنى الضروري لعله يرجع إلى إرادته الكسبي النظري... فراجع.
2- هو السيد المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم (ع) متوحد في علوم كثيرة، مجمع على فضله - على حد تعبير تلميذه الشيخ الطوسي في الفهرست: 219 - و انظر رجال الشيخ الطوسي: 485، رجال النجاشي: 206، الخلاصة: 95، رجال ابن داود: 241، الدرجات الرفيعة: 459، رياض العلماء: 14/4 رجال السيد بحر العلوم: 87/3، روضات الجنات: 295/1 و غيرها.

و هجرة النبي و مغازيه... و ما يجري هذا المجرى يجوز أن يكون العلم بها ضرورة من فعل اللّه تعالى، و يجوز أن تكون مكتسبة من أفعال العباد. و أما ما عدا ذلك، مثل العلم بمعجزات النبي، و كثير من أحكام الشريعة، و النص الحاصل على الأئمة (عليهم السلام) فنقطع على أنه مستدل عليه)(1). و حكي عن الشيخ(2) (رحمه اللّه) في العدة(3) أيضا اختيار ذلك.

ص: 98


1- لم أجد هذه العبارة عن السيد المرتضى رحمه اللّه في كتبه التي بأيدينا، و إن كانت قد نقلت عنه، و الذي وجدته في كلام السيد المرتضى القول بالتوقف، قال في الذريعة 485:2: و الذي نصرته - و هو الأقوى في نفسي - في كتاب الذخيرة و الكتاب الشافي التوقف عن القطع على صفة هذا العلم بأنه ضروري أو مكتسب، و يجوز كونه على كل واحد من الوجهين. و حكى الشيخ خليل القزويني في حاشيته على عدة الشيخ الطوسي: 62:1 عن السيد المرتضى في جواب المسائل الحلبيات قولا آخر، و ذكر في المسألة أقوالا خمسة فراجع.
2- انظر ترجمته في خاتمة الكتاب، و هو الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385-460 ه).
3- عدة الاصول: 59:1 و 97، الاقتصاد للشيخ الطوسي: 93 - الكلام في العوض.
حجة القول المشهور امور:

الأول: إنه لو لم يكن العلم الحاصل من الخبر المتواتر ضروريا و كان مكتسبا، لما حصل لمن لم يمارس النظر و الاستدلال، و التالي باطل، ضرورة حصوله للعوام و الصبيان القاصرين عن أهلية النظر، فالمقدم مثله، و الملازمة ظاهرة.

و نوقش في ذلك بأن العوام و الصبيان أيضا لهم معلومات نظرية بالضرورة، و أنهم يستفيدون ذلك من المقدمات، و يترتب في نظرهم مقدمات الدليل، و يحصل لهم النتيجة، لكنهم لا يتفطنون بها من حيث هي كذلك، و المقدمات العادية لا إشكال فيها و لا دقة بحيث لم تحصل للعوام و الصبيان، بل مدار العالم و أساس عيش بني آدم غالبا على المقدمات العادية التي يفهمها أكثر العقلاء، و إلا فلا نجد أحدا من غير العلماء و الأذكياء يعلم ضره من نفعه، و خيره من شره، مع أن ذلك مبني على قاعدة إدراك الحسن و القبح العقليين، و لزوم الاجتناب عن المضار، و حسن ارتكاب المنافع، و النظري هو ما كان العلم به موقوفا على المقدمتين، لا بالعلم بهما.

الثاني: إنه لو كان العلم به نظريا لما حصل لمن ترك النظر قصدا، إذ كل علم نظري، فإن العالم به يجد نفسه أولا(1) شاكا ثم طالبا، و نحن قد نعلم بأخبار جمع كثير بما لسنا طالبين لوجوده،

ص: 99


1- من قوله: لمن ترك النظر... إلى أولا، لا توجد في الطبعة الثانية من الكتاب، و لا يتم المعنى بدونها.

أولا(1) لعلمنا بوجوده.

و نوقش فيه بما يقرب من سابقه.

الثالث: أنه لو كان نظريا لتوقف على توسيط المقدمتين، و اللازم منتف، لأنا نعلم علما قطعيا بالمتواترات، مثل وجود مكة و الهند و غيرهما مع انتفاء توسيط المقدمتين.

و نوقش في ذلك بمنع عدم الاحتياج إلى توسط المقدمتين في المتواترات مطلقا. نعم، يتم ذلك فيما حصل القطع من جهة التواتر اضطرارا، و يتضح ذلك بما يأتي في حجة الثالث - إن شاء اللّه تعالى -.

و حجة القول الثاني:

إن حصول هذا العلم متوقف على مقدمات نظرية، و هي عدم المواطاة على الكذب، و انتفاء دواعي المخبرين إليه، و ان يخبروا عن أمر محسوس لا لبس فيه. و استحالة كونه كذبا عند تحقق هذه المقدمات فتعين كونه صدقا، و إلا لارتفع النقيضان، و متى اختل شيء من هذه المقدمات لم يحصل العلم بمدلول الخبر، و كل علم توقف حصوله على مقدمات مترتبة فهو نظري.

و اجيب عن ذلك بأن حصول العلم من الخبر لا يتوقف على

ص: 100


1- في الطبعة الاولى من الكتاب: و لا، و العبارة مشوشة ظاهرا، و لعل الأصح ما في الطبعة الثانية، فتدبر.

العلم بحصول هذه المقدمات بالضرورة، فإنا نعلم البلاد النائية و القرون الماضية علما ضروريا من دون أن يخطر ببالنا شيء من المقدمات المذكورة. نعم هو متوقف على حصولها في نفس الأمر لا على العلم بحصولها، و التوقف على حصولها في نفس الأمر لا ينافي ضرورية العلم، لوجود التوقف النفس الأمري في كل ضروري. أ لا ترى أن قولنا الكل أعظم من الجزء يتوقف في نفس الأمر على أن الكل مشتمل على جزء آخر غيره، و ما هو كذلك فهو أعظم، و إن كان العلم يحصل من دون التفات إلى المقدمتين(1).

حجة القول الثالث:

هي أن المتواترات على قسمين:

منها ما يحصل بعد حصول مباديها اضطرارا، و بدون الكسب كالمشاهدات، و ضروريات الدين و وجود مكة و الهند و أمثال ذلك.

و منها ما هو مسبوق بالكسب، كالمسائل العلمية التي لا بد من حصول التتبع فيها من جهة ملاحظة الكتب، و ملاقاة أهل العلم و الاستماع منهم، اصولية كانت أو فقهية، و لا ريب في أن التتبع و استماع الخبر يتدرج في حصول الرجحان في النظر إلى حيث يشرف المتتبع على حصول العلم، فيلاحظ حينئذ المقدمات، من كون هذه الأخبار مسموعة و منوطة بالحس، و أن هؤلاء الجماعة الكثيرين لا

ص: 101


1- التفاتا تفصيليا.

يتواطون على الكذب، ثم يحصل له القطع بمضمونها، فهذا متواتر نظري، و من علامات النظري أن بعد حصول العلم أيضا إذا ذهل عن المقدمتين قد يتزلزل القطع، و يحتاج إلى مراجعة المقدمات، و هو مما يحصل في كثير من المتواترات، بخلاف الضروري، فالضروري - أيضا - و إن كان لا ينفك عن المقدمات، إلا أنه لا حاجة إلى المراجعة إلى مقدماته، و الاعتماد عليها ما دام ضروريا.

و الحاصل إن الضروري قد يكون العلم الحاصل منه ضروريا، و قد يكون نظريا، و لا أظن دعوى المشهور الضرورية مطلقا، ضرورة قضاء الوجدان بخلافه.

و أما توقف السيد (رحمه اللّه) فمنشؤه التأمّل في أن العلم هل يحصل بجعل اللّه اضطرارا من دون اختيار العبد بعد حصول المقدمات، أو أنه يحصل من جهة كسب العبد، و التأمّل في المقدمات من كون المخبرين عددا يمتنع كذبهم، و أنهم أخبروا عن حس، و إن لم يكن متفطنا لها حين حصول العلم، اذ يصدق حينئذ أن العلم ناشئ عن الكسب، و ان لم يتفطن بالمكتسب منه حين حصول العلم، إذ لا فرق بين المعلومات الموصلة إلى المطلوب التي كانت حاصلة بالعلم الإجمالي أو إلى(1)التفصيلي، فإن من أسس أساسا، و اصّل أصلا و قاعدة، تتفرع عليه فروع كثيرة، فقد اكتسب في ذلك، فكلما ترتب عنده نتيجة على ما أصّله بسبب علمه به إجمالا يصدق أنه من كسبياته، و ان احتمل أيضا

ص: 102


1- الظاهر إلى زائدة.

أن يكون مع ذلك إلقاء العلم في روعه بفعل اللّه تعالى و مجرى عادته، عقيب اخبار هذا القدر من المخبرين(1).

فتلخص من ذلك كله قوة القول الثالث.

و ربما حكي عن الغزالي في كتابه المسمى المستصفى أنه قال:

(العلم الحاصل بالتواتر ضروري، بمعنى أنه لا يحتاج إلى الشعور به بتوسط واسطة مفضية إليه، مع أن الواسطة حاضرة في الذهن، و ليس ضروريا بمعنى أنه حاصل من غير واسطة، كقولنا الموجود لا يكون معدوما، فإنه لا بد فيه من حصول مقدمتين:

احداهما: إن هؤلاء مع كثرتهم، و اختلاف أحوالهم، لا يجمعهم على الكذب جامع.

الثانية: انهم قد اتفقوا على الاخبار عن الواقعة، لكنه لا يفتقر إلى ترتيب مقدمتين بلفظ منظوم، و لا إلى الشعور بتوسطهما، و إفضائهما إليه)(2).

ص: 103


1- فصّل القول فيه في الذريعة في اصول الشريعة: 284/2-289 و غيره.
2- بتصرف، قال في المستصفى: 133/1: في مقام إبطال مذهب الكعبي حيث ذهب إلى أن هذا العلم نظري، و جعل للنظري معنيين قال:.. و إن عنيتم به - أي العلم النظري - إن مجرد قول المخبر لا يفيد العلم ما لم ينتظم في النفس مقدمتان: إحداهما: إن هؤلاء مع اختلاف أحوالهم و تباين أغراضهم و مع كثرتهم على حال لا يجمعهم على الكذب جامع و لا يتفقون إلا على الصدق. و الثانية: إنهم قد اتفقوا على الاخبار عن الواقعة فيبتنى العلم بالصدق على مجموع المقدمتين، فهذا مسلم و لا بد و أن تشعر النفس بهاتين المقدمتين حتى يحصل له العلم و التصديق، و إن لم تشكل في النفس هذه المقدمات بلفظ منظوم فقد شعرت به حتى حصل التصديق و إن لم يشعر بشعورها، و تحقيق القول فيه إن الضروري.. إلى آخره.

و عن التفتازاني(1) - بعد نقل ذلك -: (إن حاصل كلامه أنه ليس أوليا و لا كسبيا، بل من قبيل القضايا التي قياساتها معها، مثل قولنا العشرة نصف العشرين)(2).

و اعترض عليه بأن الظاهر أن مراد الغزالي أنه نوع من النظري، لا أنه واسطة. و لذلك نسب العلامة (رحمه اللّه) في التهذيب إليه القول بالنظرية(3)، و احتمل بعضهم كون مراد الغزالي أنه من باب نظريات العوام، فإنهم و إن استفادوها من المقدمتين، لكنهم لم يتفطنوا لهما بكيفيتهما المترتبة في نفس الأمر، فكأن الغزالي قسم النظري إلى قسمين، بالنسبة إلى الناظرين، و هو في الحقيقة تقسيم للناظرين لا للنظري، فكأنه قال العالم و العامي كلاهما متساويان في النظر فيما نحن فيه، دون سائر النظريات، فتدبر(4).

ص: 104


1- هو سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد اللّه التفتازاني (712-793 ه) من أئمة العربية و البيان و المنطق، له المطول و المختصر و تهذيب المنطق و غيرها، انظر: بغية الوعاة: 398، الأعلام: 113/8، معجم المؤلفين: 228/12، شذرات الذهب: 319/6 و غيرها.
2- و أشار له في المطول: 32، في كون العلم هل هو كسبي أو نظري.
3- تهذيب الوصول إلى علم الأصول: 74، قال:.. و قال أبو الحسين البصري و الكعبي و الجويني و الغزالي إنه نظري، لتوقفه علم (كذا، و الظاهر: على) العلم بمقدمات نظرية...
4- ذكر بعض هذه الوجوه و الأجوبة في قوانين الاصول: 4-422.

المقام الرابع: شرائط افادة الخبر المتواتر للعلم

اشارة

إنهم ذكروا لإفادة المتواتر العلم شرائط منها: ما يتعلق بالسامع(1)، و منها: ما يتعلق بالمخبرين.

أما الأول: ما يتعلق بالسامع فأمران:

الأول: أن لا يكون السامع عالما بمدلول الخبر اضطرارا، كمن أخبر عما شاهده، و عللوا هذا الشرط بأنه لو أفاده ذلك الخبر علما، لكان إما عين العلم الحاصل له بالمشاهدة(2) أو غيره. و الأول:

تحصيل للحاصل، و هو محال(3). و الثاني: من اجتماع المثلين الذي هو أيضا محال، و لا يجوز كونه مفيدا تقوية الحكم الحاصل أولا، لأنا فرضناه ضروريا، و الضروري يستحيل أن يتقوى بغيره.

لا يقال: انا نمنع من لزوم اجتماع المثلين، على تقدير أن يحصل بالخبر علم مغاير للأول، لجواز مخالفته إياه بالنوع و إن ساواه في التعلق بالمعلوم، و أما استحالة تقوية الضروري بغيره فممنوعة أيضا.

ص: 105


1- في الأصل: بالصانع، و هو غلط.
2- في الطبعة الثانية: بالشهادة، و ما ذكر أصح.
3- و كذا تحصيل التقوية في العلم محال، لأن العلم يستحيل أن يكون أقوى مما كان عليه كذا قيل، و لعله لدورانه بين الوجود و العدم، إلا أن يقال إنه يتفاوت قوة و ضعفا بحسب متعلقه أو طريقه... كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ . ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ . كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اَلْيَقِينِ ...!.

لأنا نقول: إن ما ذكر خروج عن الفرض، لأن الذي ننكره حصول علم آخر على طبق ما علم قبل الاخبار، و أما العلمان المتخالفان نوعا فلا ينكره أحد، و ليس من محل البحث. و أما منع استحالة تقوية الضروري بغيره فلا وجه له أيضا، إذ ما وراء عبادان قرية.

الثاني: أن لا يسبق الخبر المتواتر حصول شبهة أو تقليد للسامع يوجب اعتقاده نفي موجب الخبر و مدلوله.

و أول من اعتبر هذا الشرط علم الهدى (رحمه اللّه)(1) و تبعه على ذلك المحققون(2)، و هو شرط متين، و به يندفع احتجاج المشركين من اليهود و النصارى و غيرهم على انتفاء معجزات الرسول (صلى اللّه عليه و آله)، كانشقاق القمر و حنين الجذع و تسبيح الحصا، و احتجاج مخالفينا في المذهب على انتفاء النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة.

و بيان ذلك: إن المنكرين لمعجزات النبي (صلى اللّه عليه و آله) و للنص بالإمامة، احتجوا بأنها لو كانت متواترة لشاركناكم في العلم بمدلولاتها، كما في الأخبار المتواترة بوجود البلدان النائية و القرون

ص: 106


1- في الذريعة إلى أصول الشريعة 491:2 و 500:2. و احتج على السيد رحمه اللّه بأن حصول العلم عقيب الخبر المتواتر إذا كان بالعادة جاز أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال فيحصل للسامع إذا لم يكن قد اعتقد نقيض ذلك الحكم قبل ذلك، و لا يحصل إذا اعتقد ذلك.
2- معالم الدين: 415، قوانين الاصول: 425 و غيرهما.

الماضية، و التالي باطل، فكذا المقدم، و الملازمة ظاهرة.

و جوابه: إن شرط إفادة التواتر العلم - و هو عدم السبق بالشبهة، أو التقليد المذكورين، حاصل في الأخبار عن البلاد النائية و القرون الخالية. للكل، فكان العلم شاملا للجميع، بخلاف معجزات النبي و النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة، فإن الشرط المذكور موجود عند المسلمين و الإمامية، مفقود عند خصومهم، لأن أسلافهم نصبوا لهم شبهات تقررت في أذهانهم تقتضي اعتقاد خلاف(1) الاخبار المذكور، فلهذا حصل الافتراق بحصول العلم للأولين دون الآخرين. أما لخواصهم فللشبهة، و أما لعوامهم فللتقليد. و كذلك كل من أشرب قلبه حب خلاف ما اقتضاه المتواتر لا يمكن حصول العلم له إلا مع تخليته عما شغله عن ذلك، إلا نادرا.

و أما الثاني: ما يتعلق بالمخبرين فامور:

الأول: أن يبلغوا في الكثرة إلى حد يمتنع تواطيهم على الكذب.

و هذا الشرط قد عرفت وجهه، كما عرفت عدم صدق المتواتر على خبر الثلاثة المفيد للعلم، بسبب الانضمام إلى قرائن خارجية، و لو بلغوا في الثقة و الصلاح الغاية، ضرورة أن العادة لا تستحيل(2) الكذب على الثقة الصالح الصادق، و لا ينافي الكذب

ص: 107


1- في الطبعة الاولى: منافي.
2- الظاهر: لا تحيل.

عدالته و لا صلاحه أيضا إذا دعاه إليه ما يبيحه من المصالح و الضرورات.

الثاني: أن يكونوا عالمين بما أخبروا به لا ظانين، اشترطه جمع(1)، و أنكره بعضهم، و اكتفى بحصول العلم من اجتماعهم، و إن كان بعضهم ظانين، مع كون الباقين عالمين، نظرا إلى أصالة عدم اشتراطه، بعد عدم الدليل عليه.

الثالث: أن يستندوا في علمهم بذلك إلى الإحساس(2)، فلو اتفقوا على الاخبار بمعقول، كحدوث العالم و وحدة الصانع، لم يفد العلم، و لم يكن من الخبر المتواتر في شيء.

الرابع: استواء الطرفين و الواسطة في ذلك، بأن يكون كل واحدة من الطبقات عالمة بما أخبرت به لا ظانة، لكن الطبقة الاولى عالمة بذلك بالمشاهدة و الثانية و الثالثة بالتواتر، و المراد بالطرفين الطبقة الاولى المشاهدون لمدلول الخبر، و الطبقة الأخيرة الناقلون عن الواسطة إلى المخبر أخيرا، و الواسطة الطبقة التي بينهما، ثم الواسطة قد تتحد و قد تتعدد، و استواء الواسطة و الطرفين إنما يعتبر فيما إذا كان بين المخبرين و المشاهدين طبقتان اخريان، و حينئذ فلا يكون شرط استواء الطرفين عاما في كل متواتر، و لا في مطلق الخبر المتواتر، فإن ما ينقله

ص: 108


1- كما في المصادر السابقة و كذا وصول الأخيار: 76، و في ألفية العراقي و شرحها فتح المغيث للسخاوي: 36:3.
2- باحدى الحواس الخمس مقابل المعقول، و دون الباطنية من الحواس.

المشاهدون إلى غيرهم بغير واسطة متواتر، و ليس له طرفان و واسطة، كما هو ظاهر.

و قد اشترط بعض الناس هنا شروطا اخر لا دليل عليها، و فسادها أوضح من أن يحتاج إلى الذكر(1).

فمنهم: من شرط الإسلام(2) و العدالة.

و منهم: من اشترط أن لا يحويهم بلد، و لا يحصرهم عدد، ليمتنع تواطؤهم على الكذب.

و هو باطل، فإن أهل بلد لو أخبرونا بقتل ملكهم و ما جرى مجراه لم يمتنع إفادته العلم. و كذا العدد المحصور، و لأنه منقوض بما علم من أحوال الرسول بتواتر الصحابة، مع انحصار عددهم، و اتحاد بلدهم.

ص: 109


1- وعدها المقدسي - في روضة الناظر: 50 - ثلاثة، كما حكاه السيد محمد تقي الحكيم في الاصول العامة للفقه المقارن: 195 و هي أكثر كما سيأتي.
2- عنونت في كتب الدراية مسألة و هي: هل يشترط في المخبرين بالخبر المتواتر الإسلام أم لا؟ المشهور و جملة الاصوليين على الثاني، منهم النووي في شرح مسلم: 63، و حكاه القاسمي في قواعد التحديث: 147 و شرذمة منهم. و الأول أشهر عند المحدثين. لأنه اشتراط رواية عدد من المسلمين له، و عدم قبول رواية الكافر في باب الأخبار و إن بلغ من الكثرة ما بلغ. أقول: لا محصل في هذا البحث لو جعلنا المدار على استحالة التواطي على الكذب، و كون حصول العلم بصدق المخبرين عليه ضروريا.

و منهم: من اشترط اختلافهم في النسب، و هو كسابقه في الفساد.

و منهم: من اشترط عدم اتفاقهم في الدين، و ضعفه ظاهر، ضرورة أنه لو كان شرطا لما حصل العلم من أخبار أهل ملة واحدة، و من المعلوم خلاف ذلك.

و منهم: من اشترط وجود المعصوم (عليه السلام) في المخبرين، حكي ذلك عن ابن الراوندي. و هو باطل، لتحقق العلم من دونه، و لقد أجاد من قال: إن نسبة اشتراطه إلى القوم افتراء أو اشتباه بالإجماع.

تذييل: هل يشترط في الخبر المتواتر عدد خاص

الأكثر على أنه لا يشترط في إفادة الخبر المتواتر العلم عدد مخصوص في المخبرين(1)، و أن المعيار هو ما حصل العلم بسبب كثرتهم، و استندوا في ذلك إلى أصالة عدم الاشتراط بعد اختلاف الموارد في حصول العلم، فرب عدد يوجب العلم في مورد و لا يوجبه

ص: 110


1- كما اختاره غالب من بحث الموضوع من الاصوليين، و ذهب إليه الشهيد في درايته: 13، و والد الشيخ البهائي في وصول الأخيار: 77 [التراث: 92]، و النووي في تقريبه و السيوطي في شرحه: 176:2. و الشيخ ياسين في معين النبيه: 7 - خطي - قال: و لا ينحصر أقلها في عدد بل مداره على اطمئنان (كذا) النفس بصدقهم. و غيرهم في غيرها. و حكي عن ابن حجر أنه قال: لا معنى لتعيين العدد على الصحيح، كما في علوم الحديث: 148 من شرح النخبة: 3.

في مورد آخر(1)، و قال جمع من العامة باشتراط العدد فيهم.

ثم إنهم اختلفوا على أقوال:

أحدها: ما عن القاضي أبي بكر(2) من أنه يشترط أن يكونوا زائدين على أربعة، لعدم إفادة خبر الأربعة العدول الصادقين العلم، و إلا لأفاد خبر كل أربعة عدول صادقين العلم، و التالي باطل، فكذا المقدم. أما الملازمة فلأنه لو أفاد العلم في بعض الصور دون غيرها، لكان أما لمرجح، فلا يكون اخبارهم بمجرده مفيدا للعلم، بل لا بد من انضمام اعتبار ذلك المرجح إليه، و إن كان لا لمرجح لزم الترجيح من غير مرجح، و أنه محال. و أما بطلان التالي(3) فلاستلزامه استغناء القاضي عن طلب مزكي شهود الزنا، لأنه إن أفاد خبرهم العلم بالزنا حكم به، و إن لم يفده علم كذبهم فيحدّهم للفرية، و هو باطل اتفاقا. و توقف القاضي في الخمسة لعدم اطراد الدليل المذكور

ص: 111


1- و بعبارة اخرى: إنّا بحصول العلم نستدل على كمال العدد، و ذلك يختلف باختلاف الأخبار و المخبرين، و يستمر الاخبار حتى يصل إلى حد الضرورة في إفادته العلم.
2- هو: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر المعروف: بالقاضي الباقلاني (338 - 403 ه) و هو المراد هنا. و يعد من كبار علماء الكلام، و رئيس الأشاعرة في وقته، ولد في البصرة، و سكن بغداد، له جملة من المصنفات أغلبها كلامي. وفيات الأعيان: 481:1، تاريخ بغداد: 379:5، دائرة المعارف الإسلامية: 294:3، الأعلام: 46:7، الوافي بالوفيات: 177:3.
3- في الطبعة الثانية من الكتاب: الثاني. و التالي أولى.

فيها، و عدم الظفر بما يدل على إفادته العلم و لا على عدمها، فوجب الوقف(1).

ثانيها: ما عن الاصطخري(2): من أن أقله عشرة، لأنه أول جموع الكثرة(3)، و هو استحسان سخيف.

ص: 112


1- كما نص عليه السيد المرتضى في الذريعة: 494:1 و بيّنه بقوله:.. لو وقع بخبر أربعة لوجب وقوعه بخبر كل أربعة، فكان شهود الزنا إذا شهدوا به عند الحاكم فلم يقع له العلم بما شهدوا به، ضرورة أن يعلم الحاكم أنهم كذبوا أو بعضهم أو أنهم شهدوا بما لم يشاهدوا، و هذا يقتضي أن ترد شهادتهم متى لم يكن مضطرا إلى صدقهم، و الإجماع على خلاف ذلك. أقول: و منهم من خصه بالأربعة فما زاد لقوله تعالى لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ النور: 13 في الشهادة على الزنا. و لا يخفى ما فيه من القياس و المهاترة. و منهم من قال خمسة كما في آيات الملاعنة - النور: 6-9 و قياسا عليها، و توقف فيه الباقلاني كما حكاه الغزالي في المستصفى: 137:1. و قيل: سبعة، قياسا على غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات!!.
2- اصطخر - بالكسر و سكون الخاء المعجمة - بلدة بفارس، مراصد الاطلاع: 1: 87 - و ينسب لها ثلاث من الأعلام هم: 1 - الحسن بن أحمد أبو سعيد المتوفى سنة 328 ه فقيه شافعي، ولي قضاء قم، و له جملة مصنفات فقهية. 2 - إبراهيم بن محمد أبو إسحاق المتوفى سنة 346 ه رحالة، جغرافي معروف. 3 - علي بن سعيد أبو الحسن (322-404 ه) قاضي، من شيوخ المعتزلة و مشاهيرهم، له جملة من المصنفات، و هو المراد هنا. (النجوم الزاهرة: 236:4، الأعلام: 102:5).
3- أي إن ما دون العشرة خبر آحاد، و لا يسمى الجمع جمعا إلا بها أو بما فوقها. و قيل إنه استند إلى قوله تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ - البقرة: 196 - و العجب من السيوطي في تدريب الراوي: 177:2 أنه قال: و هو المختار. مع أنه قبل ذلك قال: و لا يعتبر فيه عدد معين على الأصح، فراجع.

ثالثها: ما عن جمع من أنه اثنا عشر، عدد نقباء بني إسرائيل، لقوله تعالى: وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اِثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً (1) خصهم بذلك العدد لحصول العلم بخبرهم.

رابعها: إن أقله عشرون، حكي ذلك عن أبي هذيل العلاف(2)، لقوله تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ (3) خصهم بذلك لحصول العلم بما يخبرون.

خامسها: إن أقله أربعون، حكي ذلك عن جمع، لقوله تعالى: يا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ حَسْبُكَ اَللّهُ وَ مَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ (4) حيث نزلت في الأربعين(5).

ص: 113


1- المائدة: 15.
2- هو: محمد بن الهذيل بن عبد اللّه العبدي، مولى عبد القيس (135-235 ه على المشهور) من أئمة المعتزلة، ولد في البصرة و توفى بسامراء، و اشتهر في علم الكلام، له جملة مصنفات. وفيات الأعيان: 480:1، لسان الميزان: 413:5، أمالي السيد المرتضى: 124:1، الأعلام: 355:7، تاريخ بغداد: 366:3، دائرة المعارف الإسلامية: 416:1 و غيرها.
3- الأنفال: 65.
4- الأنفال: 64.
5- و قيل: استنادا إلى عدد المصلين في الجمعة، أو ما أرسل عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم من قوله: خير السرايا أربعون، تدريب الراوي: 177:2. و قيل: خمسون، قياسا على القسامة.

سادسها: ان أقله سبعون، حكي ذلك عن آخرين، لقوله جل شأنه وَ اِخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا (1) و إنما كان كذلك ليحصل اليقين باخبارهم أصحابهم ما يشاهدون من المعجزات.

سابعها: ما عن جمع أيضا من أن أقله ثلاثمائة و بضعة عشر، عدد أهل بدر(2)، و إنما خصهم بذلك ليحصل للمشركين العلم بما يخبرونهم من معجزات الرسول.

و هذه الأقوال كلها باطلة(3)، لأن كل واحد من هذه الأعداد قد يحصل العلم معه و قد يتخلف عنه، فلا يكون ضابطا له(4).

و لقد أجاد شيخنا الشهيد الثاني (رحمه اللّه) حيث قال: في البداية: - ما لفظه - (لا يخفى ما في هذه الاختلافات من فنون

ص: 114


1- الأعراف: 155.
2- أو لكونه عدد أصحاب طالوت، كما قاله السيوطي في شرح التقريب: 2: 177. و قيل: ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا و امرأتان.
3- فصلت في المفصلات الدرائية، و ذكرت لها أدلة و نقوض و لا غرض لنا بها، لاحظ المستصفى: 137:1، اصول الحديث: 148 و ما بعدها، تدريب الراوي: 177:2، علوم الحديث: 148، و غيرها.
4- بل لكل عدد منها حكمة و علاقة بالحادثة التي ذكر فيها. و لا ترجيح لكل واحد منها على الآخر.

الخرافات، و أي ارتباط لهذا العدد بالمراد، و ما الذي أخرج عن نظائره مما ذكر في القرآن من ضروب الأعداد)(1). و الحق ما عليه الأكثر من دوران الأمر مدار حصول العلم و عدم اعتبار عدد مخصوص فيه.

المقام الخامس: اقسام المتواتر

اشارة

في بيان ان المتواتر على قسمين: لفظي و معنوي.

المتواتر اللفظي

فالأول: ما اذا اتحد ألفاظ المخبرين في خبرهم(2).

المتواتر المعنوي
اشارة

و الثاني: ما إذا تعددت ألفاظهم، و لكن اشتمل كل منها على معنى مشترك بينها بالتضمن أو(3) الالتزام، و حصل العلم بذلك القدر المشترك بسبب كثرة الأخبار.

و ان شئت توضيح ذلك لقلنا إن:

الأول: ما كان محل الكثرة التي عليها مدار التواتر المفيد للعلم بصدق الخبر قضية ملفوظة مصرحا بها في الكلام، و مرجعه الى فرض

ص: 115


1- البداية: 13 (البقال: 63:1)، و في نسختنا الجزافات بدل الخرافات. و المعنى واحد.
2- أي ما رواه بلفظه جمع عن جمع عن جمع لا يتوهم تواطؤهم على الكذب من اوله الى منتهاه، كحديث: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. صحيح مسلم: 10:1، فتح الباري: 210:1. كما ادعاه الخطيب و حكاه في اصول الحديث: 301. و قيده الطريحي في جامع المقال: 3، بعدم حصر من اخبر. راجع مستدرك رقم (24) الحديث في كتب العامة و الخاصة.
3- في الطبعة الثانية من الكتاب: و.

تحقق التواتر بالنسبة الى المدلول المطابق(1) للخبر، و هو النسبة الموجودة فيه على الوجه الذي اعتبره المخبرون، كقولنا مكة موجودة و..

غيره من الأمثلة المتقدمة للتواتر.

و الثاني: ما كان محل الكثرة المذكورة قضية معقولة متولدة من القضية الملفوظة، باعتبار ما يفرض لها من دلالة تضمّن أو التزام حاصلة في كل واحد من الآحاد، على وجه أوجب كون تلك القضية المعقولة مشتركة بينها، متفقا عليها، متسالما فيها عند المخبرين الكثيرين، بحيث صارت كأنها أخبر بها الجميع، متفقين على الاخبار بها(2).

أما التواتر المعنوي: باعتبار الدلالة التضمنية فمثل ما لو أخبر واحد(3) بأن زيدا ضرب عمرا، و آخر بأنه ضرب بكرا، و ثالث بأنه ضرب خالدا و.. هكذا إلى أن يبلغوا حد الكثرة المعتبرة في التواتر، مع اختلاف الجميع في خصوص المضروب، فان هذه القضايا الملفوظة باعتبار دلالتها التضمنية تنحل الى قولنا صدر الضرب من زيد، و وقع على أحد هؤلاء، و الجزء الأول منه قضية مشتركة بين الجميع باعتبار كون صدور الضرب من زيد محل وفاق بين جميع المخبرين، فهو المتواتر، بخلاف الجزء(4) الثاني فانه مختلف فيه بينهم،

ص: 116


1- في الطبعة الاولى: المطابقي.
2- في الطبعة الثانية من الكتاب: لا توجد: بها.
3- في الطبعة الثانية من الكتاب: اخبروا احدا.
4- في الطبعة الثانية: جزء.

فهو من كل منهم خبر واحد. و ربما مثل بعضهم للمتواتر باعتبار الدلالة التضمنية بجود حاتم، فيما لو أخبر كل من عدد التواتر باعطائه لفلان كذا، من حيث تضمن كل واحد من الحكايات جود حاتم، من حيث أن الجود المطلق جزء الجود الخاص. و فيه مسامحة لأن الجود صفة النفس، و ليس من جملة الأفعال حتى تتضمنه، بل هو مبدأها و علتها، فالحق إن ذلك من باب الاستلزام، و مثال التضمن ما ذكرناه.

و قد مثلوا للتواتر المعنوي باعتبار الدلالة الالتزامية بشجاعة أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) حيث روى عنه أنه (عليه السلام) فعل في غزوة بدر كذا، و في احد كذا، و في خيبر كذا و.. هكذا، فان كل واحدة من الحكايات تستلزم شجاعته (عليه السلام)، فالحكايات المتكثرة يتولد منها قضية قولنا علي (عليه السلام) شجاع، فهي قضية معنوية أخبر(1) بها المخبرون على كثرتهم، - اي اتفقوا على الاخبار بها -، فتكون متواترة بخلاف الآحاد، فان كل واحد منها قضية ملفوظة هي باعتبار مدلولها المطابقي خبر واحد، فاللفظ و المعنى المنسوب اليهما المتواتر في التقسيم المزبور عبارتان عن القضية الملفوظة(2) و القضية المعقولة، لأنه معنى يدرك بالعقل لا بالحس، و الاولى خبر حقيقة، و الثانية بصورة الخبر، لعدم كونها من جنس الكلام.

ص: 117


1- في الطبعة الثانية: اخبروا.
2- لا توجد: القضية الملفوظة، في: الطبعة الثانية من الكتاب.
الوجوه في المتواتر المعنوي

و ربما صور بعض المحققين (رحمه اللّه)(1) التواتر المعنوي على وجوه.

احدها: ان يتواتر الاخبار باللفظ الواحد، سواء كان ذلك اللفظ تمام الحديث، مثل: إنما الأعمال بالنيات، على تقدير تواتره(2)، كما ادعوه، أو بعضه، كلفظ من كنت مولاه فعلي مولاه، و لفظ اني تارك فيكم الثقلين، لوجود التفاوت في بقية ألفاظ الخبرين(3).

الثاني: أن يتواتر بلفظين مترادفين، أو ألفاظ مترادفة، مثل ان الهر طاهر، و السنور طاهر، أو الهر نظيف، و السنور طاهر

ص: 118


1- هو الفاضل القمي (قدس سره)، منه (قدس سره) و ذلك في قوانين الاصول: 7-426.
2- لأنه و إن نقله الجمع الغفير المتجاوز عدد التواتر و زيادة، إلا أنه طرأ عليه في وسطه قلّة، بل في اوّله، لذا نجد جمعا من علماء العامة من لا يرى بأسا أن يكون المتواتر المعنوي من أوّله آحاديا ثم يشتهر بعد الطبقة الاولى و يستفيض، و لعل حديث: إنما الأعمال بالنّيات من هذا. قال السيوطي في التدريب: 189:1: انه لم يرو إلا عن عمر بن الخطاب، رواه عنه علقمة، و لم يروه عنه إلا محمد بن ابراهيم التيمي، و رواه عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، و إنما طرأت عليه الشهرة من عند يحيى.! انظر مستدرك رقم (69) عن سند الحديث عند العامة و الخاصة. لاحظ: صحيح البخاري: 2:1 و 13، 759:2 و 793، سنن البيهقي: 341:7، غوالي اللآلى: 81:1.
3- في الطبعة الثانية: في بقيّة الألفاظ المخبرين، و هو غلط. و في القوانين: 426، لوجود تفاوت في سائر الألفاظ الواردة في تلك الأخبار.

و.. هكذا، فيكون اختلاف الأخبار باختلاف الألفاظ المترادفة.

الثالث: أن تتواتر الأخبار بدلالتها على معنى مستقل، و ان كان دلالة بعضها بالمفهوم و الاخرى بالمنطوق، و ان اختلف ألفاظها أيضا، مثل نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة الحاصلة من مثل أن يرد في بعض الأخبار: إن الماء القليل ينجس بالملاقاة.

و في آخر: الماء الأنقص من الكر ينجس بالملاقاة.

و في ثالث: اذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء(1)، بل و يتمّ ذلك على وجه فيما كانت النجاسة في تلك الأخبار مختلفة، كما في قوله (عليه السلام): و لا تشرب سؤر الكلب إلا أن يكون حوضا كبيرا يستسقى منه الماء(2)، و قوله - حين سئل عن التوضّي في ماء دخلته الدجاجة التي وطئت العذرة -: لا، إلاّ أن يكون الماء كثيرا قدر كرّ(3)، و.. هكذا فان المطلوب بالنسبة الى الماء القليل - و هو انفعاله - أمر مستقل مقصود بالذات، لا أنه قدر مشترك منتزع من امور، فان الحكم لمفهوم الماء القليل لا لخصوصيات أفراده التي يشترك فيها هذا المفهوم، و ذلك أيضا أعم من أن تكون الأخبار

ص: 119


1- وسائل الشيعة: 99/1 باب 1 و ما بعده من الأبواب، و من لا يحضره الفقيه: 3/1 و 23 و 32 و غيرها.
2- الوسائل باب 1 من أبواب الأسآر: 163/1 حديث 7، و كذا في التهذيب: 64/1، و الاستبصار: 11/1.
3- الوسائل: 117/1 باب عدم نجاسة الكر حديث 4. التهذيب: 119/1 و غيرهما.

منحصرة في بيان هذا المطلب المستقل أو مشتملة على بيان مطلب آخر أيضا.

الرابع: أن يتواتر الاخبار بدلالة تضمنية على شيء مع اختلافها، بأن يكون ذلك المدلول التضمني قدرا مشتركا بين تلك الأخبار، مثل ما تقدم من مثال الاخبار بضرب زيد فلانا و فلانا و فلانا إلى أن يحصل عدد التواتر(1)، حيث يورث العلم بما اتفقت عليه الأخبار، و هو صدور الضرب من زيد(2)، و كذلك لو اختلفوا في كيفيات الضربات، و من ذلك ورود الأخبار فيما تحرم عنه الزوجة من الميراث، بأن يقال ان حرمانها في الجملة يقيني، لكن الخلاف فيما تحرم عنه، فالقدر المشترك هو مطلق الحرمان الموجود في ضمن كل واحد من الجزئيات.

الخامس: أن تتواتر الأخبار بدلالة التزامية، بكون ذلك المدلول الالتزامي قدرا مشتركا بينها، مثل أن ينهانا الشارع عن التوضي بمطلق الماء القليل إذا لاقته العذرة، و عن الشرب منه اذا ولغ فيه الكلب، و عن الاغتسال به اذا لاقته الميتة و.. هكذا، فان النهي عن الوضوء في عرف الشرع يدل بالالتزام على النجاسة، و كذا الشرب و الاغتسال فانه يحصل العلم بنجاسة الماء القليل بذلك.

السادس: أن يتكاثر(3) الاخبار بذكر أشياء ملزومات للازم يكون

ص: 120


1- لا يخفى ما في هذه العبارة من المسامحة، اذ انكر العدد في التواتر، و الأولى إن يقال: الى أن يحصل التواتر أو مدلوله أو حقيقته... و ما شابه ذلك.
2- و ان لم يحصل العلم بالمضروب.
3- كذا، و الظاهر: تتكاثر،

ذلك اللازم منشأ لظهور تلك الأشياء، مثل الأخبار الواردة في غزوات أمير المؤمنين (عليه السلام) و ما ورد في عطايا حاتم، و هذا القسم يتصور على وجهين:

احدهما: أن تذكر تلك الوقائع بحيث تدلّ بالالتزام على الشجاعة و السخاوة، مثل أن يذكر غزوة خيبر بالتفصيل الذي وقع، فانه لا يمكن صدورها بهذا التفصيل و التطويل و المقام الطويل، و الكرَّارية من دون الفرّارية الا عن شجاع بطل قوي بلغ أعلى درجة من الشجاعة، و هكذا غزوته (عليه السلام) في احد، و في الأحزاب و.. غيرها، فباجتماع هذه الدلالات يحصل العلم بثبوت أصل الشجاعة التي هي منشأ لهذه الآثار، و كذا عطايا حاتم، و الفرق بين هذا و سابقه أن الدلالة في الأول مقصودة جزما، و الأخبار مسوقة لبيان ذلك الحكم الالتزامي، بخلاف ما نحن فيه، فانه قد لا يكون بيان الشجاعة مقصودا أصلا، و إن دل عليها تبعا، فحصول العلم فيما نحن فيه من ملاحظة كل واحد من الأخبار، ثم تلاحق كل منها بالآخر.

الثاني: أن تذكر تلك الوقائع لا بحيث تدل على الشجاعة، مثل أن يقال إن فلانا قتل في حرب كذا رجلا، و قال آخر انه قتل في حرب آخر(1) رجلا و.. هكذا، فبعد ملاحظة المجموع يحصل العلم بأن مثل ذلك الاجتماع ناش عن ملكة نفسانية هي الشجاعة،

ص: 121


1- الظاهر: اخرى، أو رجلا آخر.

و ليس ذلك بمحض الاتفاق، أو مع الجبن، أو لأجل القصاص و..

نحو ذلك، و كذلك في قصة الجود، و القدر المشترك الحاصل من تلك الوقائع على النهج السابق هو كلي القتل و الاعطاء، و هو لا يفيد الشجاعة و لا الجود، و لكن الحاصل من ملاحظة المجموع من حيث المجموع هو الملكتان(1)، و لعل من جعل الجود من باب الدلالة التضمنية غفل عن هذا، و اختلط عليه الفرق بين الجود و العطاء(2).

تذييل: في تحقق المتواتر

لا شبهة في تحقق التواتر كثيرا في أخبار اصول الفروع(3)، كوجوب الصلاة اليومية و اعداد ركعاتها و الزكاة و الحج و.. نحو ذلك، الا أن مرجع ذلك الى التواتر المعنوي دون اللفظي، و أما تحقق التواتر اللفظي في الأحاديث الخاصة المنقولة بألفاظ مخصوصة، فقد قيل إنه قليل(4)، لعدم اتفاق الطرفين و الوسط فيها، و ان تواتر

ص: 122


1- و مثله: رفع اليد عند الدعاء، حيث روى عنه صلوات اللّه و سلامه عليه من طريق العامة و الخاصة أكثر من مائة حديث في موارد متعددة أنه رفع يديه في الدعاء، و قد جمعها السيوطي و تواترها باعتبار المجموع، و كذا مسألة فدك و أنها لبضعة الرسول الزهراء البتول سلام اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها ملكا طلقا من عهد رسول اللّه صلوات اللّه عليه و على آله.
2- قوانين الاصول: 426:8، بألفاظ متقاربة.
3- في الطبعة الثانية: الاصول الفروع.
4- كما صرح به غير واحد منّا و من العامة، كالشهيد في درايته: 4 [البقال: 66:1]، و العاملي في وصوله: 76، و جامع المقال: 3، و توضيح المقال: 56، و معين النبيه: 7 - خطي - و فصل البحث السيوطي في تدريبه: 190:1 و 176:2، و شيخ الاسلام في شرح النخبة: 4 و غيرهم. لاحظ مستدرك رقم (22) المتواتر اللفظي بين السلب و الايجاب - و قد مر - و مستدرك رقم (23) فائدة.

مدلولها في بعض الموارد، بل عن ابن الصلاح - و هو من العامة - أن من سأل عن ابراز مثال للمتواتر اللفظي فيها أعياه طلبه(1). و ان اكثر ما ادعي تواتره من قبيل متواتر الأخير و الوسط دون الأول، و المدعى للتواتر ينظر الى تحققه في زمانه، أو هو قبله(2)، من غير استقصاء جميع الأزمنة، و لو انصف لوجد في الأغلب خلو أول الأزمنة، بل ربما صار الحديث الموضوع ابتداء متواترا بعد ذلك، لكن شرط التواتر مفقود من جهة الابتداء.

و نازع بعض المتأخرين في ذلك، و ادعى وجود المتواتر بكثرة، و هو غريب(3). ثم قال: نعم، حديث من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار(4)، يمكن ادعاء تواتره، فقد نقله عن النبي (صلى

ص: 123


1- مقدمة ابن الصلاح: 393، بألفاظ متقاربة و ليس فيه قيد اللفظي، و حكاه السيوطي في التدريب: 190:1 و غيره.
2- في الطبعة الاولى: و هو قبله، و الأولى: أو هو و ما قبله.
3- العبارة غير تامة، حيث كيف نازع بعض المتأخرين، و قال: نعم.. يمكن ادعاء تواتره، مع أن القائل هو الشهيد الثاني في الرعاية في شرح البداية: 14-15 [البقال: 9:1-66] بتصرف و اختصار. و المنازع و مدعي وجود المتواتر بكثرة هو السيوطي في التدريب: 176:2، و انظر ما ذكره ابن الصلاح في مقدمته: 394:1.
4- لاحظ مستدرك رقم 24 حول حديث: من كذب عليّ .. الى آخره.

اللّه عليه و آله) اثنان و ستون صحابيا، و لم يزل العدد الراوي له في ازدياد، و ظاهر أن التواتر يتحقق بهذا العدد، بل بما دونه(1).

***

ص: 124


1- البداية: 14 [البقال: 66:1] بتصرف و اختصار. لاحظ مستدرك رقم (25) فوائد الباب.

الموضع الثاني: في خبر الواحد .

اشارة

الموضع الثاني: في خبر الواحد(1).

و هو ما لا ينتهي الى حد التواتر، سواء كان الراوي له واحدا أو أكثر(2). و له أقسام، و لكل قسم اسم برأسه، فمن تلك الأسماء:

المحفوف بالقرائن القطعية ،

المحفوف بالقرائن القطعية(3)،

مثل إخبار الشخص عن مرضه

ص: 125


1- و يقال له: الخبر الآحادي، و هو المصطلح الشائع عند العامة. انظر مستدرك رقم (26) حجية الخبر الواحد.
2- كما عرّفه بذلك جلّ من تعرض له كالشهيد في درايته: 70:1 و غيره. و عليه فلا يفيد بنفسه - مع قطع النظر عن القرائن الحالية و اللفظية - الا الظن.
3- و يراد بالقرائن هنا المزايا التي توجب الظن بالصدور أو القطع به، أي كل ما رجح الأخذ به و لولاه لامتنع ذلك كعمل الأصحاب - عند المشهور - و اعتمادهم عليه و اعتنائهم بشأنه تدوينا و ضبطا و حفظا و غير ذلك، لا القرائن العامة الأربع - اعني موافقة الكتاب، و معاضدة السنة المعلومة، و قيام الاجماع للطائفة عليه، أو الاصول العملية - حيث تدرجه في العلميات و تخرجه عن خبر الآحاد، و قد قام الاتفاق بل الاجماع - إلا من شرذمة - على الأخذ بالخبر المحفوف بالقرائن. و في اصول الفقه المقارن: 196 عرفه ب: الخبر غير المتواتر، سواء كان مشهورا أم غير مشهور على أن يحتف بقرائن توجب القطع بصدوره عن المعصوم. ثم قال: و المدار في حجية هذا النوع من الأخبار هو حصول العلم منه كالخبر المتواتر، و العلم بنفسه - كما سبق بيانه - حجة ذاتية، فلا نحتاج بعده الى التماس أدلة على حجيته.

عند الطبيب، مع دلالة لونه و نبضه و ضعف بدنه على ذلك، و كذا إخبار شخص بموت زيد مثلا، و ارتفاع النياح و الصياح من بيته و نوح أهله عليه، و شقهم أثوابهم، و قسمتهم تركته، و لبسهم السواد و.. نحو ذلك، مع سبق العلم بمرضه، و.. أمثال ذلك كثير، و قضاء الوجدان بحصول العلم عند احتفاف القرائن يكفينا حجة. و إنكار جمع أصل العلم به مكابرة. و الاحتجاج لذلك - بأنه لو أفاد العلم لم ينكشف خلافه، و التالي باطل، لأنه قد يظهر خلاف الخبر في بعض الأوقات، كالإخبار عن الموت، و حصول القرائن المذكورة، و تبين أنه قد اغمي عليه، أو عرضته سكتة - مدفوع بأن ما يظهر فيه خلاف مدلول الخبر، و القرائن يستبان فيه أنه لم يحصل شروط افادته العلم من كثرة القرائن و أحوالها التي قد تختلف، خصوصا مع كون تلك القرائن الموجبة لافادة الخبر العلم، و أحوالها غير مضبوطة بالعبارات، بل الضابط فيها حصول العلم عند تحققها، كما قلناه في المتواتر، و لا يضر قيام العقلي(1) في حصول العلم العادي.

و أما ما قيل(2) من أن العلم الحاصل من المحفوف لعله من جهة القرائن، من دون مدخلية الخبر، كالعلم بخجل الخجل، و وجل الوجل، و ارتضاع الطفل اللبن من الثدي، و.. نحوها، فان

ص: 126


1- اي الاحتمال العقلي.
2- كما حكاه الآمدي في الأحكام: 266/2 و غيره.

القرينة قد تستقل بافادة العلم، فمدفوع بأنا نفرض فيما حصل العلم بالخبر بضميمة القرائن، اذ لو لا الخبر لجوّز موت شخص آخر في المثال المزبور.

ثم ان بعضهم أنكر وقوع الخبر المحفوف بالقرائن القطعية في الشرعيات، فان أراد إنكار حصوله حتى للحاضرين لزمان ورود الشرع من الصحابة و التابعين و المقاربين عهد الأئمة (عليهم السلام) فلا ريب في كونه مكابرة، من غير فرق بين القرائن الخارجة و الداخلة. و ان أراد الإنكار في أمثال زماننا فلا بأس به، لعدم الوقوف على مصداقه في أخبارنا.

و ما ذكره الشيخ (رحمه اللّه) و.. غيره في كتب الأخبار من القرائن المفيدة للقطع، مثل موافقة الكتاب و السنة و الاجماع و العقل(1)، فهو ليس مما يفيد القطع، إذ غاية الأمر موافقة الخبر لأحد المذكورات و هو لا يفيد قطعية صدوره و لا دلالته، و لا فرض كون مضمونه قطعيا بسبب احدى تلك القرائن، فهو الخبر المقرون بالقرينة الدالة على صحة مضمون الخبر، لا صحة نفس الخبر، و موضوع المسألة إنما هو الثاني لا الأول، فاخبارنا اليوم كلها ظنية إلا ما ندر، و مخالفة الأخباريين في ذلك و دعواهم قطعيتها فاسدة، كما برهن على ذلك في محله.

ص: 127


1- سيأتي نص عبارة الشيخ الطوسي في عدّة الاصول قريبا، و مكررا، فلاحظ.

الخبر المستفيض

و منها: المستفيض:

من فاض الماء يفيض فيضا، و فيوضا، و فيوضة، و فيضانا:

كثر حتى سال كالوادي(1)، و المراد به هنا هو(2) الخبر الذي تكترث رواته في كل مرتبة، و الأكثر على اعتبار زيادتهم في كل طبقة عن ثلاثة(3)، و عن بعضهم أنه ما زادت عن اثنين(4)، فما رواه ثلاثة من المستفيض على الثاني، دون الأول.

ثم إن ظاهر أكثر العبائر اعتبار اتحاد لفظ الجميع في صدق

ص: 128


1- قاله في مجمع البحرين: 223:4، النهاية: 484:3، معجم مقاييس اللغة: 464:4، تهذيب اللغة للأزهرى: 79:12، و حكاه أكثر المحدثين كما في فتح المغيث: 32:3، علوم الحديث: 234 و غيرهم.
2- انما قال هنا: لعله من جهة أن ضبط الاستفاضة عند أكثر الأصحاب بما يتاخم العلم، كما ذهب اليه المحقق في شرائعه: 133:4، و العلامة في قواعده: 239، و الشهيد الأول في القواعد و الفوائد: 221:1 قاعدة 65. و قد ذهب العلامة في التحرير: 211:2 منا، و الماوردي منهم الى كون الاستفاضة محصل العلم، كما أفاده في حاشية القواعد و الفوائد.
3- كما في بداية الشهيد: 16 [البقال: 70:1]، و الوجيزة: 4، و توضيح المقال: 56، و نهاية الدراية: 32، و لب اللباب: 13 - خطي -، و النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في شرحه: 368:1 و ابن حجر في شرح النخبة: 5: و فتح المغيث: 7:1-50 و أيضا 27:3، و غيرهم. قال الشهيد الأول في قواعده: 222:1: و هذه - أي الاستفاضة - مأخوذة من الخبر المستفيض عند الاصوليين، و هو المشهور، بحيث يزيد نقلته عن ثلاثة. و قد جمع بين الاصطلاحين.
4- قال في معين النبيه: 9 - خطي -: و ان زاد - اي على الواحد - فمستفيض.

المستفيض و لكن مقتضى اطلاق آخرين، و صنيع جمع من الأواخر - منهم سيد الرياض(1) و شيخ الجواهر(2) - عدم الاعتبار، فيتحقق الصدق باتحاد المعنى. و ان تعددت الألفاظ فهو كالمتواتر ينقسم الى لفظي و معنوي(3) - حسبما مر -(4).

الفرق بين المشهور و المستفيض

اشارة

و قد يسمى المستفيض بالمشهور أيضا(5) لوضوحه(6)، ذكر ذلك

ص: 129


1- ذكرنا له ترجمة اضافية في تحقيقنا لكتابه رياض المسائل في شرح المختصر النافع، فراجع.
2- الشيخ محمد حسن بن باقر بن عبد الرحيم الاصفهاني النجفي (1202-1266 ه) فقيه جامع، و مجتهد كبير له جملة مصنفات فقهية منها موسوعته جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام انظر: اعلام الشيعة: 310/2، معجم المؤلفين: 184/9، اعيان الشيعة: 5/44، الفوائد الرضوية: 452 و غيرها.
3- بل يظهر من توضيح المقال: 56 أنه على أقسام ثلاثة: ثالثها: المستفيض لفظا و معنى.
4- صفحة: 115 من هذا المجلد.
5- كما في أكثر عبارات من سبق ذكره، و نسبه الى الأكثر في نهاية الدراية: 32 حيث اذا زادت الرواة على ثلاثة من كل الطبقات أو بعضها، كذا قيل، و لعله الأكثر عند العامة. و العجب من السيد الداماد في رواشحه: 122 حيث قال: المستفيض: و يقال له: المشهور و الشائع، و هو ما ذاع و شاع أما عند أهل الحديث خاصة دون غيرهم، بأن نقله منهم رواة كثيرون!.
6- او لكونه مشهورا على الألسن، نظرا الى المعنى اللغوي للكلمة، هذا لو زادت رواته على اثنين أو ثلاثة لا مطلقا، كما يظهر من عبارة المصنف رحمه اللّه، و نص على ذلك جمع، قال الطريحي في المجمع 224:4: و استفاض الحديث: شاع في الناس و انتشر، فهو مستفيض اسم فاعل. و منه: أثر مستفيض أي مشهور.

في مقدمات الذكرى(1).

و ربما منع بعضهم اتحادهما، و غاير بينهما، بأن المستفيض ما اتصف بذلك في جميع الطبقات الابتداء و الانتهاء على السواء، و المشهور أعم من ذلك، فحديث: (إنما الأعمال بالنيّات)(2) مشهور، غير مستفيض، لأنّ الشهرة إنما طرأت له في وسط اسناده الى الآن دون أوّله، فانه قد انفرد به في أوله جمع مترتّبون، أو شاركهم من لا يندرج بذلك في المستفيض(3).

و قد يطلق المشهور على ما اشتهر على الألسنة و إن اختص باسناد واحد، بل لا يوجد له اسناد أصلا، و هذا القسم من الشهرة هي الّتي يختص بها غير علماء الحديث، بل مطلقا. و الأوّلان يجري فيهما الاختصاص و التعميم(4).

و هل يدخل الجميع في قوله (عليه السلام): (خذ بما اشتهر بين اصحابك)(5) أو الأول فقط، أو هو مع الثاني ؟ وجوه: اوسطها

ص: 130


1- الذكرى: 4 الطبعة الحجرية، و لم أجد ما ذكره بأنه بمعنى الوضوح.
2- قد مر منا قريبا بيان سنده. و المناقشة فيه: و انظر مستدرك رقم (69).
3- و منهم من عكس ذلك، كما ذهب إليه السيوطي في تدريبه تبعا للنووي في تقريبه: 368:1، و كذا ابن حجر في شرح النخبة: 5، و غيرهم.
4- ثم ان هنا أقوال شاذة غير ما ذكر، منها ما حكي عن ظفر الأماني من القول بأن المستفيض: ما تلقته الأمة بالقبول بدون اعتبار عدد، فهو اذن و المقبول واحد. و نقل عن القفال انه و المتواتر بمعنى واحد، و كلاهما شاذ و خارج عن الاصطلاح.
5- اصول الكافي: 67:1 حديث 10، التهذيب: 301:6، حديث 52، الفقيه: 5:3 الاحتجاج: 194، الوسائل: 76:18 حديث 1 و غيرها. و سنرجع للبحث عن هذا الموضوع في قسم: المشهور، من الأقسام المشتركة في الحديث.

الوسط، مع انه - في الجملة - احوط، و الأظهر الأخير، و أما الأول فمشكل جدّا، حتى على شمول الخبر للشهرة في الفتوى أيضا.

فائدة: هل الخبر المستفيض من أخبار الآحاد

الأظهر انّ الخبر المستفيض من أخبار الآحاد، و هو الذي صرّح به ثاني الشهيدين في بداية الدراية(1)، و هو مقتضى مقابلة الأصحاب بينه و بين المتواتر في كتب الاستدلال تارة، و ترقيهم عنه الى المتواتر اخرى. و لا نمنع من حصول العلم من المستفيض بضميمة القرائن الداخلة و الخارجة. نعم يعتبر عدم كون منشأ العلم كثرة الرواة له، و إلا لكان من المتواتر.

و ربّما يستفاد من اطلاق تعريف المستفيض صدقه على المتواتر أيضا، و هو خطأ، ضرورة ان اطلاق التعريف بقرينة مقابلته بالمتواتر هو إرادة زيادة رواته عن ثلاثة، مع عدم الوصول الى حدّ التواتر.

و ربّما عزا بعض الأجلاء (قدّس سرّه)(2) الى الفاضل القمي

ص: 131


1- البداية: 16 [البقال: 70:1]، و في لب اللباب: 13 - خطي - عدّ المستفيض و الغريب من أقسام المسند، و جعلهما من أقسام الخبر غير المتضافر، و هو منه غريب.
2- المراد به المولى ملاّ عليّ كني رحمه اللّه في توضيح المقال: 56.

(رحمه اللّه)(1) اختيار(2) صدق المستفيض على المتواتر أيضا، بعد استظهاره له عن الحاجبي و العضدي، و هذه النسبة نشأت من عدم امعان النظر في كلام القميّ ، فانّ الموجود في كلامه مجرد احتمال ذلك لا اختياره، و لم ينسب الى الحاجبي و العضدي(3) القول بصدق المتواتر على المستفيض، و إنما استظهر منهما أمرا آخر، حيث قال: (انّ للخبر الواحد أقساما كثيرة):

منها: ما يفيد القطع من جهة القرائن الداخلة.

و منها: ما يفيد القطع من جهة القرائن الخارجة.

و منها: ما يفيد الظن.

و منها: ما لا يفيده أيضا.

و على هذا فالمستفيض يمكن دخوله في كل من القسمين، فيكون قسما ثالثا، و لا مانع من تداخل الأقسام، و هذا هو ظاهر ابن الحاجب و العضدي، فإذا لم تبلغ الكثرة الى حيث يكون له في العرف و العادة مدخليّة في الامتناع من التواطي على الكذب، مثل الثلاثة و الأربعة و الخمسة، و ان حصل العلم من جهة القرائن الداخلة، فهو مستفيض قطعيّ ، و إن زاد على المذكورات بحيث يمتنع التواطي على

ص: 132


1- الشيخ ابو القاسم بن محمد حسين الجيلاني الشفتي القمي (1150-1231 ه) المعروف بالميرزا القمي، الفقيه الاصولي صاحب القوانين المحكمة في الاصول و غيره انظر: أعيان الشيعة: 139/7، الاعلام: 116/8، اعلام الشيعة: 52/2، معجم المؤلفين: 116/8، روضات الجنات: 518/2 و غيرها.
2- اختيار: لا توجد في الطبعة الاولى من الكتاب.
3- ستأتي لهما ترجمة ضافية من صفحة: 346 من هذا المجلد، فراجع.

الكذب بمثل هذا العدد في بعض الأوقات، و لكن لم يحصل فيما نحن فيه، فهذا مستفيض ظنّي، و يمكن الحاق الأول بالمتواتر على وجه مرّت اليه الاشارة من القول بكون خبر الثلاثة إن كان قطعيّا متواترا، و إلحاق الثاني بخبر الواحد.. الى آخره(1). فانه نص في أن الأرجح عنده كون المستفيض من الآحاد، و إنما احتمل كون القطعي منه من المتواتر احتمالا، و منشأ اشتباه البعض المزبور زعمه كون مراد القمي من القسمين في قوله: (و يمكن دخوله في كل من القسمين.. الى آخره) المتواتر و الآحاد، كما زعمه بعض المحشين أيضا(2)، و ليس كذلك، بل مراده بالقسمين ما لا يثبت به العلم أصلا، و ما لا يثبت به العلم من جهة الكثرة و ان حصل من جهة القرائن الداخلة أو الخارجة، فيكون قسما ثالثا بالمفهوم، و قد يتحقق في ضمن أفراد القسم الأول، و قد يتحقق في ضمن أفراد القسم الثاني، اذ لا مانع من تداخل الأقسام، كما يقال: الحيوان إما إنسان أو غير انسان، و إما أبيض أو غير ابيض، و هذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به هو في الحاشية، و يكشف عنه ذيل كلامه أيضا، فتدبر جيدا(3).

الخبر الغريب - بقول مطلق -

و منها: الغريب - بقول مطلق -:

و هو على ما صرح به جمع، هو: الخبر الذي انفرد بروايته

ص: 133


1- القوانين: 429-430، باختلاف يسير.
2- و هو السيد علي القزويني في حاشيته على القوانين، نفس الصفحة السابقة من المصدر السالف.
3- لاحظ مستدرك رقم (27) فوائد حول المستفيض.

الطبقات جميعا أو بعضها واحد في أي موضع من السند وقع التفرد به(1)، اوله كان، أو وسطه، أو آخره، و إن تعددت الرواة في سائر طبقات السند(2)، و يأتي توضيح القول فيه في الفصل الخامس (ان شاء اللّه تعالى).

الخبر العزيز

و منها: العزيز:

و هو ما لا يرويه أقل من اثنين(3)، سمي عزيزا لقلة

ص: 134


1- و قيد البعض هنا بكونه ثقة، و هو في محله ان عدّ الغريب من أقسام الصحيح خاصة، و الصحيح انه أعم، فتدبر. ثم ان كان المتفرد ثقة ضابطا اماميا عدّ ما رواه صحيحا، و إن كان دون ذلك كان حسنا أو ضعيفا، و عليه فلا تنافي بين وصف الحديث بالغرابة و الصحة، أو وصفه بالغرابة و الحسن.. و هكذا، اذ أن الغرابة حكم بتفرد الراوي، و الصحة أو الحسن حكم على الحديث أو على سنده بما اجتمع فيه من شروط الصحة و الحسن و غيرهما.
2- و عرفه ثاني الشهيدين في بدايته: 16 [70:1] ب: ما انفرد به راو واحد في أي موضع وقع التفرد به من السند، و إن تعددت الطرق اليه أو منه، ثم قال: ثم ان كان الانفراد في اصل سنده فهو الفرد المطلق و إلا فالفرد النسبي. و عرفه في الوجيزة: 4: ب: ما انفرد به واحد في احدها - أي المراتب -، و قريب منه في نهاية الدراية: 38، و معين النبيه: 9 - خطي -، و القواميس: 23 - خطي - و غيرها. و سيأتي له مزيد بيان في الأقسام المشتركة - بين الصحيح و الحسن و الضعيف - من الفصل الخامس باذن اللّه. فراجع.
3- فلا يرويه أقل من اثنين عن اثنين.. و هكذا، و لو رواه بعد ذلك عن الاثنين جماعة لا يخرج عن كونه عزيزا، و لكن تنضم اليه صفة اخرى و هي الشهرة، و يسمى: عزيزا مشهورا. لاحظ: مستدرك رقم (28) العزيز المشهور.

وجوده(1)، أو لكونه عزّ، أي قوي، لمجيئه من طريق آخر، كما صرح به في البداية(2)، و الظاهر المصرح به في كلام بعضهم(3) ارادة ذلك في جميع المراتب، حتى يقرب الى عزّة الوجود في الجملة، بل الى القوة.

و قد حكي عن ابن حيان(4) ان رواية اثنين عن اثنين لا توجد اصلا(5).

و قيل(6): عليه أنّه إن أراد عدم وجدان رواية اثنين فقط عن اثنين فقط فغير بعيد، و إن أراد عدم وجدان العزيز بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين فلا وجه له، لوجود ذلك كثيرا، كما لا

ص: 135


1- و بهذا يعد نوعا من أنواع الغريب الذي هو الفرد النسبي، كما سيأتي تحقيقه، و يكون من الألفاظ المشتركة بين الصحة و الحسن و الضعف - الآتية في الفصل الخامس - و لا داعي لذكره هنا الا لما ذكره المصنف رحمه اللّه بأنه باعتبار عدد الراوي للخبر، فتدبر.
2- البداية: 16 [البقال: 71:1].
3- كما ذهب اليه غير واحد كالمولى الكني في توضيح المقال: 46، و سبقه الدربندي في درايته: 9 - خطي -، و في فتح المغيث: 30:3، و تدريب الراوي: 180:2 و غيرهم.
4- الصحيح هو: ابن حبان.. اي محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي - بضم الباء و اسكان السين - المتوفى سنة 354 ه مؤرخ، محدث، علامة، جغرافي، له كتب عدة في الحديث و الرجال، و هو من المكثرين في التصنيف. معجم البلدان: 171:2، تذكرة الحفاظ: 125:3، الاعلام: 307:6، ميزان الاعتدال: 39:3، لسان الميزان: 112:5، مرآة الجنان: 357:2.
5- حكاه عنه في علوم الحديث: 235، و في هامش التوضيح: 405:2 و غيرهما.
6- القائل هو السيوطي في تدريب الراوي: 181:2.

يخفى على المتدرب(1).

ثم إن هذه الأسماء إنما هي باعتبار عدد الراوي للخبر، و هناك اسماء اخر باعتبارات اخر تأتي في الفصل الآتي و ما بعده (ان شاء اللّه تعالى)(2).

ص: 136


1- فقد ذكرت له أمثلة في التدريب: 180:2، و شرح نخبة الفكر: 5، و علوم الحديث: 235. لاحظ مستدرك رقم (29) فوائد حول العزيز.
2- في الطبعة الاولى من الكتاب ذكر بعد هذا ما نصه: على أن التوثيق و التعديل كان أحد القرائن الموجبة للاعتماد عند القدماء ايضا. و حذفت في الطبعة الثانية، و نعمّا فعل.

الفصل الرابع: تنويع خبر الواحد باعتبار اختلاف احوال رواته

اشارة

انه قد اصطلح المتأخرون من أصحابنا بتنويع خبر الواحد باعتبار اختلاف احوال رواته في الاتصاف بالايمان و العدالة و الضبط و عدمها بأنواع أربعة(1)، هي اصول الأقسام، و إليها يرجع الباقي من الأقسام، و قد يزاد في التقسيم بتقسيم كل الى أعلى و غيره، و قد يزاد على الادنى انه كالاعلى، فيقال مثلا الحسن كالصحيح أو كالموثق، و القوي كالحسن، و.. نحو ذلك.

رد الاخباريين في انكار القسمة

و قد زعم القاصرون من الاخباريين(2) اختصاص هذا الاصطلاح بالمتأخرين(3) الذين أولهم العلامة (رحمه اللّه) على ما حكاه

ص: 137


1- لاحظ مستدرك رقم (30) حول تنويع الخبر.
2- كما اختاره الفيض الكاشاني في الوافي: 11:1، و صاحب الحدائق: 141 و فيه تردد بين كون الاصطلاح لابن طاوس أو العلامة. و نقله عن جماعة من المتأخرين و قال: بل متفق الاصوليين. و كذا الحر العاملي في وسائل الشيعة: الفائدة التاسعة: 96:20-104 و الفائدة العاشرة، و غيرهم. لاحظ مستدرك رقم (31) تاريخ تنويع الخبر.
3- قالوا: ان القدماء لا يخلو عندهم الخبر عن صحيح يعمل به سواء بذاته أو بواسطة القرائن المختصة به، أو للوثوق بصدوره من المعصوم عليه السلام، و ضعيف لا غير قاله في المنتقى: 3:1، ثم قال: فان القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعا، لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر..، و ذكره غيره ممن سبق منهم، و كذا الطريحي في جامع المقال: 36.

جمع منهم الشيخ البهائي(1) (رحمه اللّه) في مشرق الشمسين(2)، أو ابن طاوس(3) كما حكاه بعضهم(3) فأطالوا التشنيع عليهم، بانه اجتهاد منهم و بدعة، و إن الدين هدم به كانهدامه بالسقيفة و.. نحو ذلك(4)، و لكن الخبير المتدبر يرى أن ذلك جهل منهم و عناد، لوجود أصل الاصطلاح عند القدماء، أ لا ترى الى قولهم لفلان كتاب صحيح، و قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن فلان، و قول الصدوق(6) (رحمه اللّه) كل ما صححه شيخي فهو عندي صحيح(5)، و قولهم فلان ضعيف و ضعيف الحديث و.. نحو ذلك،

ص: 138


1- مرت ترجمته صفحة: 41.
2- مشرق الشمسين: 4 [بصيرتي: 270]، و هو ليس من الاخباريين. بل حكاه عنهم. و هو مختار الفيض في الوافي: 11:1، و حكاه البحراني في مقدمة الحدائق: 14:1، قال الأول: و أول من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخرين شيخنا العلامة جمال الحق و الدين الحسن بن المطهر الحلي قدس اللّه روحه، فتأمل، و نظيره في الفوائد المدنية: 88 قال: اول من قسم الأقسام الأربعة العلامة الحلي، ثم قال: أو رجل آخر. (3و6) انظر ترجمتهما في خاتمة الكتاب.
3- و هو الشيخ حسن بن الشهيد الثاني في كتابه منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان: 13:1، و صرح به أيضا صاحب الوسائل في خاتمته: 96:20.
4- لاحظ مستدرك رقم (32) التنويع بين (سلب و الايجاب!
5- من لا يحضره الفقيه: 55:2 - باب صوم التطوع - خبر صلاة يوم الغدير.

فالصادر من المتأخرين تغيير الاصطلاح [الى ما هو اضبط و أنفع تسهيلا للضبط و تمييزا لما هو المعتبر منها عن غيره، و ما كل تغيير ببدعة و ضلالة](1) كيف و لو كان مثل ذلك من البدعة و الضلال لورد ذلك على جميع اصطلاحات العلماء و تقسيماتهم في الاصول و الفروع، و الضرورة قاضية ببطلانه، مع أن البدعة المذمومة الموصوفة بكونها ضلالة هو الحدث في الدين(1)، و ما ليس [له أصل](3) من كتاب و لا سنة، و جعل الاصطلاح و ضبط الأقسام الموجودة في الخارج المندرجة تحت عنوان كلي منضبط مشروع ليس منها جزما، على أن الصحيح و الضعيف كان مستعملا في ألسنة القدماء أيضا(2) غاية ما هناك أنهم كانوا يطلقون الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، مثل وجوده في كثير من الاصول الأربعمائة، و تكرره في أصل و اصلين فصاعدا بطرق متعددة، أو وجوده في اصل أحد من الجماعة الذين اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، كصفوان و نظائره، أو على تصديقهم كزرارة، و محمد بن مسلم، و فضيل بن يسار، أو على العمل بروايتهم كعمار الساباطي و نظائره ممن عده الشيخ رحمه اللّه في كتاب العدة(3)، أو وجوده في احد الكتب

ص: 139


1- انظر مستدرك رقم (33) البدعة: موضوعا و حكما، و ما سنستدركه عن حكم رواية المبتدع.
2- لاحظ مستدرك رقم (34) الصحة عند القدماء، و فوائد ثلاث.
3- عدة الاصول: 384:1. و عدّ الدربندي في المقابيس: 76-77 - خطي - قرابة عشرين وجها من القرائن المعتبرة. و قسمها الى ما يدل على ثبوت الخبر عنهم عليهم السلام و ما يدل على صحة مضمونه و إن احتمل كونه موضوعا و بما يفيد ترجيحه على معارضه.

المعروضة على الأئمة (عليهم السلام)(1) فأثنوا على مؤلفيها، ككتاب عبد اللّه الحلبي المعروض على الصادق (عليه السلام)(2)، و كتابي يونس بن عبد الرحمن(3)، و الفضل بن شاذان(4)، و المعروضين على

ص: 140


1- كما رواه جمع من الثقات - كما في الكافي: 324:7 حديث 9 - من عرضهم كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين عليه السلام على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال (عليه السلام): هو صحيح. و ناقش ذلك في الوسائل: 60:18 في الحاشية، فراجع.
2- الحق انه عبيد اللّه بن علي بن أبي شعبة الحلبي كما حققه المصنف قدس سره في رجاله: 199/2. انظر ترجمته في تنقيح المقال: 240/2. قال البرقي في رجاله: 23 عن كتابه: و هو اول ما صنفته الشيعة. انظر فهرست الشيخ الطوسي: 132 برقم 467، رجال الشيخ: 229 برقم 104، رجال النجاشي: 171 [طبعة اخرى: 244] و انه عليه السلام صححه و استحسنه.
3- روى بمضامين مختلفة عن رواة متعددين، منه ما رواه داود بن القاسم الجعفري قال: أدخلت كتاب يوم و ليلة الذي ألفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكري فنظر فيه و تصفحه كله ثم قال: هذا ديني و دين آبائي كله، و هو الحق كله. و عرض أيضا من قبل أحمد بن أبي خلف كما ذكره الكشي في رجاله: 301، و ايضا عن بورق البوشجاني عرض على الامام العسكري عليه السلام - كما في رجال الكشي: 333 و رجال النجاشي: 312 و حكاها الشيخ الحر في الوسائل: 72/18 حديث 74 و 75 و 76 و 80.
4- ما رواه الكشي في رجاله: 335 - و حكاه الحر في الوسائل: 72/18 - في حديث قال: فتناوله أبو محمد عليه السلام و نظر فيه - و كان الكتاب من تصنيف الفضل - فترحم عليه و ذكر أنه قال: اغبط أهل خراسان لمكان الفضل بن شاذان و كونه بين أظهرهم. انظر تنقيح المقال: 2 - حرف الفاء - 9 و ما بعدها.

العسكري (عليه السلام)، أو كونه مأخوذا من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها و الاعتماد عليها، ككتاب الصلاة لحريز بن عبد اللّه السجستاني(1)، و كتب بني سعيد(2)، و علي بن مهزيار(3)، و كتاب حفص بن غياث القاضي(4).. و امثالها(5). [و نحو ذلك مما

ص: 141


1- انظر ترجمته في تنقيح المقال: 3/1-261 ذكر كلمات القوم فيه و في أصله، و علق عليه شيخنا الوالد دام ظله بما لا مزيد عليه. لاحظ: رجال الشيخ: 181 برقم 275، و فهرسته: 88 برقم 250، البرقي في رجاله: 41، رجال النجاشي: 111 برقم 370، الخلاصة: 63، منهج المقال: 93 و غيرها من المجاميع الرجالية.
2- هما الحسن و الحسين ابنا سعيد بن حماد بن مهران الأهوازي. انظر رجال النجاشي: 46، و رجال الكشي: 551، و البرقي: 54، و الفهرست: 104، و رجال ابن داود: برقم 743، و فهرست النديم: 277. قال النجاشي: 43: كتب بني سعيد كتب حسنة معمول عليها (كذا، و الظاهر: معول عليها أو معمول بها)، و هي ثلاثون كتابا.. الى آخره.
3- تنقيح المقال: 2/2-310، معجم رجال الحديث: 213/13 و ما بعدها، رجال النجاشي: 235 و غيرها.
4- كما نص عليه النجاشي في رجاله: 8-97. و قد ورد هذا النص بألفاظ متقاربة في قوانين الاصول: 484.
5- كما روى عن عرض كتاب ظريف في الديات على الامام الصادق و الامام الرضا عليهما السلام - الكافي: 324/7 حديث 10، الفقيه: 54/4 حديث 1، التهذيب: 395/10 حديث 26. الوسائل: 60/18. و عرض كتاب سليم بن قيس على الامام علي بن الحسين عليهما السلام و قوله عليه السلام: صدق سليم، هذا حديث نعرفه - رجال الكشي: 68. و ما رواه في الكافي: 451/5 حديث 6، و حكاه في الوسائل: 100/18 - من عرض كتاب عبد الملك بن جريح على أبي عبد اللّه عليه السلام و قوله (عليه السلام): صدق، و أقرّ به.. و غير هؤلاء رضوان اللّه عليهم. و قد تعرض الشيخ في فهرسته: 21-28، و النجاشي في رجاله: 55-69: و غيرهم الى عد كثير من كتب الجرح و التعديل تمييزا للأخبار الضعيفة عن غيرها و كتب في التراجم و أحوال الرجال، كما عدّ منهم جمع في مصفى المقال و غيره.

يفيد الاقتران به صحة الحديث، حتى أن الشيخ في العدة(1) جعل من جملة القرائن المفيدة لصحة الأخبار أشياء:

منها: موافقتها لأدلة العقل و مقتضاها.

و منها: مطابقة الخبر لنص الكتاب أما خصوصه، أو عمومه، أو دليله، أو فحواه.

و منها: كون الخبر موافقا للسنة المقطوع بها من جهة التواتر.

و منها: موافقة الخبر لما اجتمعت الفرقة المحقة عليه.. الى أن قال:

فهذه القرائن كلها تدلّ على صحة متضمن أخبار الآحاد، و لا تدل على صحتها في نفسها، لجواز أن تكون مصنوعة(2).

ص: 142


1- عدة الاصول: 369/1-372.
2- عدة الاصول: 372/1، باختلاف يسير. و ذكر بألفاظ متقاربة في جامع المقال: 35. أقول: و هناك قرائن اخرى غير ما ذكر: منها: شياع الخبر و شهرته بينهم حتى كأنّ كل واحد راو له. و منها: كون راويه ثقة أو ممدوحا كما سيأتي تفصيله. و منها: وجوده في أحد الكتب المعروضة على المعصومين عليهم السلام و إقرارهم و رضاهم بها، و توثيقهم لمؤلفيها.. الى غير ذلك من القرائن العامة الآتية. غاية الأمر أن غالب تلك القرائن حظى بها القدماء و حرمنا من أكثرها. قال في منتقى الجمان: 3/1:.. و غير خاف انه لم يبق لنا سبيل الى الاطلاع على الجهات التي عرفوا منها ما ذكر، حيث حظوا بالعين و أصبح حظنا الأثر...

و بالجملة فعلى هذا الاصطلاح جرى أئمة المحدثين الثلاثة ... و غيرهم](1) و لذا ان ابن بابويه (رحمه اللّه) فيمن لا يحضره الفقيه قد حكم بصحة ما أورده فيه، مع عدم كون المجموع صحيحا باصطلاح المتأخرين(2).

ص: 143


1- ما بين المعكوفتين من زيادات الطبعة الثانية، و في الاولى بدلا منها: و على هذا الاصطلاح جرى ابن بابويه (رحمه اللّه) في من لا يحضره الفقيه فحكم... الى آخره.
2- قال في مقدمة من لا يحضره الفقيه: 3/1:.. بل قصدت الى ايراد ما افتي به و احكم بصحته، و اعتقد فيه أنه حجة فيما بيني و بين ربي تقدس ذكره. و قال فيه: 55/2، في باب صوم التطوع: و أما خبر صلاة يوم غدير خم و الثواب المذكور فيه لمن صامه، فان شيخنا محمد بن الحسن رضي اللّه عنه كان لا يصححه و يقول: ان من طريق محمد بن موسى الهمداني، و كان غير ثقة، و كل ما لم يصححه ذلك الشيخ قدس اللّه روحه و لم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح. و لذا نجد الشيخ الصدوق رحمه اللّه ألف كتابه الرجال الكبير - المصابيح - كما ذكره النجاشي في ترجمته: 377. و قال في كتاب المقنع و الهداية: 2: و حذفت الاسناد (خ. ل: الأسانيد) منه لئلا يثقل حمله و لا يصعب حفظه و لا يمله قارئه اذا كان ما أبينه فيه في الكتب الأصولية موجودا مبينا على المشايخ العلماء الفقهاء الثقات. و نظيره ما ذهب إليه الكليني رحمه اللّه في مقدمة الكافي: 7/1.. كتاب كاف.. يأخذ منه من يريد علم الدين و العمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام، و السنن القائمة التي عليها العمل... الى آخره. و ذكر في ميراث ابن الأخ من روضة الكافي: 115/7: هذا و قد روى و هي أخبار صحيحة. و مثله ما ذكره ابن قولويه في مقدمة كامل الزيارات: 4:.. لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم اللّه برحمته، و لا أخرجت حديثا روى عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث و العلم. و اصرح ما في الباب ما ذكره الشيخ في عدة الاصول: 58 [ط ج: 366/1]:.. انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، فوثقت الثقات منهم و ضعفت الضعفاء، و فرقوا بين من يعتمد على حديثه و روايته و من لا يعتمد على خبره، و مدحوا الممدوح منهم، و ذموا المذموم.. الى آخره.

و [قيل: ان](1) الذي الجأ المتأخرين الى العدول عن طريقة القدماء

ص: 144


1- ما بين المعكوفين لا يوجد في الطبعة الاولى، و قد نسب هذا القول الى بعض المتأخرين في جامع المقال: 36، و نقله بتفصيله، و بعد البحث وجدته للشيخ البهائي في مشرق الشمسين: [بصيرتي: 270] بتصرف و اختصار. أقول: لعل علة قول المصنف رحمه اللّه: قيل، ممرض للقول و مضعف له، لأن هذه العلة غير معلومة الثبوت، لعدم قيام الدليل على اندراس الاصول قبل تدوين الكتب المشهورة أو اختلاطها بما هو غير مشهور بعد تأليفها، و الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم أجّل و أسمى من أن يصدر منهم ذلك من دون بيان. نعم المتأخرون من الأصحاب قد اعتمدوا في صحة الأحاديث و معرفة سليمها من سقيمها على القرائن المختلفة باختلاف الأنظار و الأحوال، و جرى ائمة الحديث على هذا المنوال، و قد خفيت علينا و اندرست لبعد المسافة و تطاول الأيام.. فوضع الاصطلاح إنما جيء به لتمييز الصحيح مما نقل عن غيره، لكن ليس بواجب الاتباع لمن يظهر له خلافه.. فتأمل.

و وضع هذا الاصطلاح، تطاول الأزمنة بينهم و بين الصدر الأول، و اندراس بعض الاصول المعتمدة، لتسلط الجائرين و الظلمة من أهل الضلال، و الخوف من اظهارها و انتساخها(1) و التباس المأخوذ من الاصول المعتمدة بغيرها، و اشتباه المتكررة منها بغير المتكرر، و خفاء كثير من القرائن، فان ذلك كله الجأهم الى قانون يتميز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها، فقرروا هذا الاصطلاح. على أن التوثيق و التعديل كان أحد القرائن الموجبة للاعتماد عند القدماء أيضا(2).

و كيف كان ف:

النوع الأول: الصحيح :

اشارة

النوع الأول: الصحيح(3):

التعريف

و قد عرفه جمع منهم الشهيد الثاني (رحمه اللّه) - في

ص: 145


1- و في قوانين الاصول: 484 و مشرق الشمسين: [بصيرتي: 270] هنا سقط سطر، و لعله أخذه من الأول حيث قال بعد انتساخها أو انضم الى ذلك اجتماع ما وصل اليهم من الاصول في الكتب المشهورة في هذا الزمان.
2- في الطبعة الاولى هنا: الى ما هو اضبط و أنفع تسهيلا للضبط و تمييزا لما هو المعتبر منها عن غيره، و ما كل تغيير ببدعة و ضلالة. و قد ذكره المصنف فيما تقدم و وضعناه بين معكوفين، فلاحظ.
3- صحيح: فعيل بمعنى فاعل، من الصحّة، و حقيقتها في الأجسام و استعمالها هنا و في العبادات و المعاملات مجاز و استعارة بالتبعيّة، و هو لغة ضد المكسور و السقيم. و اختلف العلماء في ضبطها: هل هي بكسر الصاد أم بفتحها، انظر مقدّمة الصحاح للأستاذ أحمد عبد الغفور عطّار: 111/1.

البداية(1) -: بانه ما اتصل سنده الى المعصوم (عليه السلام) بنقل العدل الإماميّ عن مثله في جميع الطبقات، حيث تكون متعدّدة، قال: فخرج بالاتّصال السند المقطوع في ايّ مرتبة اتّفقت، فانه لا يسمّى صحيحا(2)، و ان كان رواته من رجال الصحيح، و شمل قوله: الى المعصوم (عليه السلام) النبيّ و الامام (عليه السلام). و خرج بقوله: بنقل العدل؛ الحسن.

و بقوله: الاماميّ ؛ الموثّق(3) و بقوله: في جميع الطبقات، ما اتّفق فيه واحد بغير الوصف المذكور، فانه بسببه يلحق بما يناسبه من الأوصاف لا بالصحيح(4).

ص: 146


1- البداية: 19 [البقال: 79/1] بتصرف. و في نسختنا من الدراية هنا قيد: و ان اعتراه شذوذ، و هو الأصح لما سيذكره فيما بعد.
2- و كذا يخرج المعضل و المرسل عند من لا يقبلهما مطلقا، كما هو عند الأكثر، فتدبر.
3- و لا يخفى ما في التخريج من مسامحة، و إن كانت العبارة للشهيد في الدراية.
4- و نظيره عرفه في الوجيزة: 5 بقوله:.. ثم سلسلة السند، امّا اماميّون ممدوحون بالتعديل فصحيح. و قال في توضيح المقال: 5: الصحيح - فالمراد به عند المتأخرين - ما كان جميع سلسلة سنده اماميين ممدوحين بالتوثيق مع اتّصال السند الى المعصوم عليه السلام، و مع التعدّد في مرتبة أو أزيد كفى اتّصاف واحد منها بما ذكر. و قاله في جامع المقال: 3. و قوانين الاصول: 3-482 و غيرهم.

و عرّفه في مقدمات الذكرى بانّه: ما اتّصلت روايته الى المعصوم بعدل اماميّ (1).

و اعترضه في البداية بانّ ما كان أحد رجاله غير اماميّ داخل في التعريف، لأنّ اتّصاله بالعدل المذكور لا يلزم أن يكون في جميع الطبقات بحسب اطلاق اللفظ مع أنه خارج، و كون الاتّصال في جميع الطبقات مرادا لا يدفع الايراد بعد اطلاق الاتّصال(2).

و فيه: انّ المتبادر من اتّصال الرّواة، الاتّصال في جميع الطبقات، و الألفاظ يجب حملها على معانيها المتبادرة منها، فلا اطلاق للاتّصال حتّى يتمّ الاعتراض(3).

ص: 147


1- ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة (الذكرى): 4.
2- دراية الشهيد: 19 بتصرّف و زيادة [البقال: 80/1].
3- و أورد في منتقى الجمان: 5/1 على تعريف الذكرى و الشهيد الثاني بقوله: و يرد: أولا: إن قيد العدالة مغني عن التقيّد بالاماميّ ، لأن فاسد المذهب لا يتّصف بالعدالة حقيقة، كيف و العدالة حقيقة عرفيّة في معنى معروف لا يجامع فساد العقيدة قطعا. و ادّعاء والدي رحمه اللّه في بعض كتبه توقّف صدق الفسق بفعل المعاصي المخصوصة على اعتقاد الفاعل كونها معصية عجيب! و كأنّ البناء في تخيّل الحاجة الى هذا القيد على تلك الدعوى و البرهان الواضح قائم على خلافها، و لم أقف للشهيد على ما يقتضي موافقته الوالد عليها ليكون التفاته ايضا اليها، فلا ندري الى ايّ اعتبار نظر..؟!. و سيأتي الوجه الثاني له رحمه اللّه. أقول: الحق إن لفظ العدالة عند الرجاليّين بل عند غالب المحدّثين يستعمل بمعنى عام مساوق للفظ الثقة، و عليه فهو أعمّ من الإمامي و العدالة بمفهومها الفقهي، اذ المراد منها هنا كل متحرج في روايته و دينه، أ لا ترى الكشيّ - مثلا - في رجاله: 563 يقول في محمد بن الوليد الخزاز و معاوية بن الحكم (حكيم) و مصدق بن صدقة و محمد بن سالم بن عبد الحميد: هؤلاء كلهم فطحيّة، و هم من اجلّ العلماء و الفقهاء و العدول. بل حكي عن جمع من المحقّقين و نسب الى الشيخ في العدّة و غيره الى أن العدالة عبارة عن الاسلام مع عدم ظهور الفسق، و عليه فلا يغني التقيّد بكون الراوي عدلا عن قيد كونه اماميّا، و هذا مبنيّ على أصالة العدالة في كل مسلم لم يرد فيه مدح و لا قدح، نعم بناء على اعتبار الايمان و جعله قيدا في العدالة - كما هو المشهور عند الفقهاء - يكون قيد الاماميّ لغوا، و نعم ما أفاده السيد بحر العلوم قدس سره في رجاله كما نقله المصنف، فلاحظ و تدبّر.

و ربما زاد بعضهم في التعريف قيودا أخر:

قيوده

فمنها: أن يكون العدل ضابطا ،

فمنها: أن يكون العدل ضابطا(1)،

نظرا الى أن من كثر الخطأ في حديثه استحق الترك.

ص: 148


1- كما اختاره من الخاصة - الشيخ حسين العاملي في وصول الأخيار: 77 [التراث: 93] و الاسترآبادي في لب اللباب: 16 - خطي -، و الشيخ حسن ولد الشهيد الثاني في منتقى الجمان: 5/1 حيث أورد على كلام والده رحمه اللّه بقوله: و ثانيا: ان الضبط شرط في قبول خبر الواحد فلا وجه لعدم التعرض له في التعريف، و قد ذكره العامة في تعريفهم. أقول: الحق انه انما تركوا قيد الضبط - كما نبّه الشيخ الجد طاب ثراه - لأن قيد العدالة يغني عنه، و العدل لا يجازف برواية ما ليس مضبوطا على الوجه المعتبر، نعم لا بأس به تأكيدا و مجاراة للقوم. الا أن يقال: إن الضبط مغاير للعدالة، حيث يراد منه الأمن من غلبة السهو و الخطأ و الغفلة الموجبة لوقوع الخلل على سبيل الخطأ، فتأمل كي يظهر لك ان اصالة عدم الغفلة و الخطأ و النسيان محكمة و متفق عليها عند الجميع. و ظواهر الألفاظ حجة. الاّ أن يكون على خلاف المتعارف في الحفظ و الضبط و كثرة النسيان و الغفلة، فذاك بحث آخر، سيأتي تفصيله، فالضابط الذي نريده من كان ذكره أكثر من سهوه. و من هنا علم ما في كلام العلامة أعلى اللّه مقامه في النهاية: ان الضبط من أعظم الشرائط في الرواية، فان من لا ضبط له قد يسهو عن بعض الحديث و يكون مما يتم به فائدته، و يختلف الحكم به، أو يسهو فيزيد في الحديث ما يضطرب معناه، أو يبدّل لفظا بآخر، أو يروي عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و يسهو عن الواسطة، أو يروي عن شخص فيسهو عنه و يروي عن آخر... و أشكل في نهاية الدراية: 75 على التعريف بما حاصله: ان ظاهر التعريف الذي ذكر للصحيح منتقض في طرده بالمضطرب اذا اتصلت رواته الى المعصوم عليه السلام بنقل العدل الامامي.. الى آخره، مع انه ذكر المضطرب في أقسام الحديث الضعيف، و لا شك ان الاضطراب في الاسناد مانع عن الصحة. اقول: لعل مراد القوم هنا من الضعيف - كما هو الظاهر - ما لا يقبل، الذي هو أعم من الضعيف المصطلح. هذا عند الخاصة. أما علماء العامة فقد ذهب جلّهم - إن لم نقل كلهم - الى اشتراط الضبط في التعريف كما نص عليه ابن الصلاح في مقدمته: 82، و كذا في الباعث الحثيث: 22، و الخلاصة في اصول الحديث: 35، و قواعد التحديث: 79-80. قال ابن حجر في نخبة الفكر: 12: خبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل الاسناد غير معلل و لا شاذ هو الصحيح. و قريب منه ما عرّفه النووي في التقريب و تبعه السيوطي في التدريب: 22/1، و كذا السخاوي في فتح المغيث: 18/1 تبعا للعراقي في الألفية بقوله: ضابط الفؤاد قال: و اشتراطه في الصحيح لا بد منه. قال في علوم الحديث: 6: الحديث الصحيح: هو المسند الذي يتصل اسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط.. إلى منتهاه، و لا يكون شاذا و لا معللا. و قد أخذه من المقدمة: 82 و نظيره في تذكرة الموضوعات: 5. و مرادهم بالضبط هو تيقظ الراوي حين التحمل و فهمه لما سمعه و حفظه لذلك من وقت التحمل الى وقت الأداء. و سنفصل الكلام فيه في شرائط الراوي.

ص: 149

و انت خبير بأن قيد العدل يغني عن ذلك، لأن المغفّل المستحق للترك لا يعدّله أهل الرجال، و أيضا فالعدالة تستدعي صدق الراوي، و عدم غفلته، و عدم تساهله عند التحمل و الاداء. نعم لو زيد قيد الضابط توضيحا لكان امتن.

[و للعلامة(1) الطباطبائي (رحمه اللّه)(2) في ترجمة الحسن بن حمزة - في توضيح هذا الباب كلام يعجبني نقله برمته -، قال (رحمه اللّه): أما الضبط فالأمر فيه هيّن عند من يجعله من لوازم العدالة، كالشهيد الثاني و من وافقه، فانهم عرفوا الصحيح بما اتصل سنده الى المعصوم بنقل العدل عن مثله في جميع الطبقات، و اسقطوا قيد الضبط من الحد، و عللوه بالاستغناء عنه بالعدالة المانعة من(3) نقل غير المضبوط، و أما من جعله شرطا زائدا و هم الأكثر، فقد صرحوا بأن الحاجة إليه - بعد اعتبار العدالة - للأمن من غلبة السهو و الغفلة الموجبة لكثرة وقوع الخلل في النقل على سبيل الخطأ دون العمد،

ص: 150


1- من هنا الى قوله: من ألفاظ التوثيق. من اضافات الطبعة الثانية.
2- ستأتي له ترجمة في خاتمة الكتاب، فراجع.
3- في المصدر: عن و هو أولى.

و المراد نفي الغلبة الزائدة(1) على القدر الطبيعي الذي لا يسلم منه غير المعصوم(2)، و هو أمر عدمي طبيعي ثابت بمقتضى الأصل و الظاهر معا، و الحاجة اليه بعد اعتبار العدالة ليست الا في فرض نادر بعيد الوقوع، و هو أن يبلغ كثرة السهو و الغفلة حدا يغفل معه الساهي عن كثرة سهوه و غفلته، أو يعلم ذلك من نفسه و لا يمكنه التحفظ مع المبالغة في التيقظ، و الا فتذكره لكثرة سهوه مع فرض العدالة يدعوه الى التثبت في مواقع الاشتباه، حتى يأمن من الغلط، و ربما كان الاعتماد على مثل هذا الأكثر(3) من الضابط فانه لا يتكل على حفظه فيتوقف، بخلاف الضابط المعتمد على حفظه، و هذا كالذكي الحديد الخاطر، فانه يتسرع الى الحكم فيخطئ كثيرا، أو أما(4) البطيء فلعدم وثوقه بنفسه ينعم النظر غالبا فيصيب، و ليس الداعي الى التثبت منحصرا في العدالة، فان الضبط في نفسه أمر مطلوب مقصود، و(5) للعقلاء معدود من الفضائل و المفاخر، و كثير من الناس يتحفظون في أخبارهم، و يتوقفون في روايتهم، محافظة على الحشمة، و تحرزا من(6) التهمة، و حذرا من الانتقاد، و خوفا من ظهور الكساد، و متى وجد الداعي الى الضبط من عدالة أو غيرها

ص: 151


1- في المصدر: الغلبة الفاحشة الزائدة.
2- في المصدر: أحد غير المعصوم.
3- كذا، و في المصدر: أكثر، و هو الظاهر.
4- في المصدر: و أما، و هو الظاهر.
5- لا توجد الواو في المصدر.
6- في المصدر: عن.

فالظاهر حصوله إلا أن يمتنع، و ليس إلا في الفرد البعيد النادر الخارج عن الطبيعة و أصل الخلقة، و مثل ذلك لا يلتفت اليه و لا يحتاج نفيه الى التصريح و التنصيص، و لعل هذا هو السر في اكتفاء البعض بقيد العدالة، و اسقاط الضبط، و كذا في عدّ علماء الدراية لفظ العدل و العادل من الفاظ التوثيق](1).

و منها: أن لا يعتريه شذوذ .

و منها: أن لا يعتريه شذوذ(2).

اعتبره جمهور العامة(3)، و انكر ذلك اصحابنا(4)، نظرا الى ان الصحة بالنظر الى حال الرواة،

ص: 152


1- رجال السيد بحر العلوم: 4/2-192، بألفاظ متقاربة غير ما ذكرناه.
2- و احترزوا بالسلامة من الشذوذ عما رواه الثقة مع مخالفة ما روى الناس فلا يكون صحيحا، أو بتعبير اصول الحديث: 305: هو مخالفة الثقة من هو أرجح منه، لاحظ بحث الشاذ من أقسام الحديث المشترك.
3- مرت عبارة أكثرهم آنفا، و لذا أسنده الشهيد في درايته: 20 [البقال: 80/1] الى جمهورهم، ثم حكى عن بعضهم موافقته لنا، قال السيوطي في تدريب الراوي: 22/1: ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ و لا علة، و نظيره في فتح المغيث: 19/1، و قواعد التحديث: 79 و غيرهم، و الكل أخذه من ابن الصلاح في المقدمة: 82.
4- سوى الشيخ حسن في منتقى الجمان: 76/1 ممن نعرف قال ردا على والده الشهيد: 7/1-8: ان مناط وصف الصحة هو اجتماع وصفي العدالة و الضبط في جميع رواة الحديث مع اتصال روايتهم له بالمعصوم عليه السلام، فيجب حينئذ مراعاة الامور المنافية لذلك، و لا ريب أن الشذوذ بالمعنى الذي فسره به - و هو ما روى الناس خلافه - لا منافاة فيه بوجه، نعم وجود الرواية المخالفة يوجب الدخول في باب التعارض و طلب المرجّح، و ظاهر أن رواية الأكثر من جملة المرجحات، فيطرح الشاذ بهذا الاعتبار، و هو أمر خارج عن الجهة التي قلنا أنها مناط وصف الصحة، كما لا يخفى. و جوّد في وصول الأخيار والد الشيخ البهائي رحمهما اللّه: 78 [التراث: 93] بقوله: اذ لا مانع أن يقال: صحيح شاذ، أو شاذ غير صحيح، و هو المنكر. و ناقشه بعد ذلك. و اليه ذهب الشيخ ياسين بن صلاح الدين في معين النبيه: 6 - خطي -. أقول: غير خفي أن ذلك حال المتن بحسب نفسه، و موضع البحث حاله بحسب الطريق لا بحسب نفسه، فتدبر. فاذن اصحابنا بين مخالف و مشكك في اعتباره و متردد.

و الشذوذ امر آخر مسقط للخبر عن الحجية، و لذا قال بعض من عاصرناه(1): ان عدم الشذوذ شرط في اعتبار الخبر، لا في تسميته صحيحا، و كيف كان فالاصحاب لم يعتبروا في اصطلاحهم عدم الشذوذ.

و منها: عدم كونه معللا .

و منها: عدم كونه معللا(2).

اشترطه جمع من العامة مريدين

ص: 153


1- المراد به المولى ملا علي كني رحمه اللّه في كتابه توضيح المقال: 50 - المطبوع ذيل رجال ابي علي.
2- ما كان في الحديث من أسباب خفية قادحة يقال لها علة، لا يستخرجها إلا الماهر في الفن، و هي غالبا لا تصل الى حد القطع بل تكون مستفادة من قرائن يغلب معها الظن، أو يوجب التردد و الشك، و هي ان كانت قوية يتقوى بها ظن القدح، فقيد الاتصال و العدالة يحترز بهما عنهما، و إلا فان كانت ظنا فلا تغني عن الحق شيئا. ثم انها إن كانت متعلقة بذات المتن فخارجة عن الموضوع، و إن كانت متعلقة بالسند كالقطع و الارسال فيما ظاهره الاتصال أو الجرح فيما ظاهره التعديل من دون أن يصل الى الجزم.. و تفصيل الكلام فيها في علم علل الحديث، و يأتي لها بحث مجمل في النوع المعروف بالمعلل من أقسام الحديث المشترك.

بالمعلل ما اشتمل على علة خفية في متنه أو سنده لا يطلع عليها الا الماهر، كالارسال فيما ظاهره الاتصال، أو مخالفته لصريح العقل أو الحس(1).

و نوقش فيه بأن هذا القيد مستغني عنه إذ ما ظهر كونه منقطعا أو ما شك فيه فلا يصح الحكم بأنه متصل السند الى المعصوم (عليه السلام) بالامامي العدل الثقة، فان ظاهر هذا التعريف هو ما حصل اليقين بكونه متصل السند بالعدول، أو ما ترجّح في النظر كونه كذلك، فالمعلل - أعني ما حصل الشك في اتصاله بالعدول - خارج عن التعريف، فوصف بعضهم مثل ذلك بالصحة مع ظهور كونه معللا عند آخر، مبني على غفلة الواصف و خطئه في اجتهاده و ترجيحه انه غير معلل. و أما عيب المتن بكونه مخالفا لصريح العقل أو الحس فلا مدخلية له بهذا الاصطلاح(2).

و لقد أجاد ثاني الشهيدين (رحمهما اللّه) حيث قال: ان الخلاف بين العامة و الخاصة في أخذ قيد عدم الشذوذ، و عدم كونه معللا، خلاف في مجرد الاصطلاح، و إلا فقد يقبلون الخبر الشاذ و المعلل

ص: 154


1- لاحظ مستدرك رقم (35) علة اسقاط قيد الشذوذ و العلة من تعريف الصحيح.
2- لأن العلة إن كانت في السند فظاهر، و في المتن كذلك. لأن المتن يكون حينئذ غير صحيح لما فيه خلل بالعلة، فيعلم أو يغلب على الظن أنه على ما هو عليه ليس من كلامهم عليهم السلام. نعم يقال فيه صحيح السند أو المتن، فعليه يكون الصحيح بالمعنى الأخص هو ما صح سنده من الضعف و القطع و غير ذلك، و متنه من العلة، و هذا اختلاف في الاصطلاح.

و نحن قد لا نقبلهما، و ان دخلا في الصحيح بحسب العوارض(1).

انقسام آخر للصحيح

ثم إن جمعا قد قسموا الصحيح الى ثلاثة أقسام: أعلى، و أوسط، و أدنى(2).

فالأعلى: ما كان اتصاف الجميع بالصحة بالعلم، أو بشهادة عدلين، أو في البعض بالأول و في البعض الآخر بالثاني.

و الأوسط: ما كان اتصاف الجميع بما ذكر بقول عدل يفيد الظن المعتمد، أو كان اتصاف البعض به بأحد الطرق المزبورة في الأعلى و البعض الآخر بقول العدل المفيد للظن المعتمد.

و الأدنى: ما كان اتصاف الجميع بالصحة بالظن الاجتهادي، و كذا اذا كان صحة بعضه بذلك و البعض الآخر بالظن المعتمد أو العلم، أو شهادة عدلين.

و هل يجري هنا نظير ما يجيء في البواقي من زيادة الأقسام بتشبيه الأدنى من نوع بنوع أعلى منه، فيشبه الأدنى هنا بأعلى منه مع اتحاد النوع بل في البواقي أيضا، فيقال الصحيح الأوسط كالصحيح الأعلى، و الصحيح الأدنى كالصحيح الأوسط، أو الأعلى، و الموثق الأوسط كالموثق الأعلى و.. هكذا، بل بتشبيه الأعلى من نوع بالأدنى

ص: 155


1- البداية: 20 [البقال: 81/1] بزيادة توضيح. لاحظ مستدرك رقم (36) بعض ما اشترط في تعريف الصحيح غير ما ذكر.
2- كما حكاه في توضيح المقال: 50 و وجدته للأسترابادي في لب اللباب: 16 خطي.

منه، بل الأعلى من نوع بنوع أدنى، إشارة الى كونه من أدنى مراتبه، فيقال: الصحيح الأعلى كالصحيح الأوسط، أو الأدنى، أو الصحيح كالموثق، أو كالحسن و.. هكذا أم لا؟.

قال بعض أساطين الفن(1): اني لم أقف على من نص عليه(2)، و لا على من استعمله. و لا ريب في امكانه، فلا بأس به لو فعل، و عليه فتكثر الأقسام الى ما ترى، و لا يخفى اختلاف القوة و الضعف باختلاف المراتب المزبورة و.. غيرها، مثلا في الصحيح الأدنى باختلاف الظنون الاجتهادية قوة و ضعفا خصوصا حيث اختص التوثيق بالظن المزبور بواحد من سلسلة السند، و كان من أقوى الظنون، فربما يقوى هذا الأدنى على الأوسط، حيث كان توثيق غير الموثق بالظن المزبور بما في الصحيح الأعلى.. الى غير ذلك مما لا يخفى على المتأمل، خصوصا اذا انضم الى ذلك بعض القرائن الخارجية الموجبة للقوة أو الضعف، و هذا يثمر عند التعارض، و كذا في مراتب الاطمينان فربما يجترأ في القوي على مخالفة جمع، بل الأكثرين و لا يجترأ في غيره.

و بالجملة هذا باب واسع لا ينبغي للفقيه المستفرغ، بل الفارغ

ص: 156


1- المراد به المولى ملا علي كني في كتابه توضيح المقال.
2- نعم، قد نص عليه الأسترابادي في لب اللباب: 16 - خطي - حيث قال: و لكل مراتب عديدة: أما الأول فبملاحظة كون المزكي معلوم العدالة بالصحة المتأكدة أو حسن الظاهر أو الظن الاجتهادي، و بملاحظة كون الرواة من القسم الثاني أو الثالث أو اثنين أو أزيد، و أما الثاني فلذلك أيضا مع ملاحظة كون المعدل بعدل واحد أو أزيد. و أما الثالث: فلذلك أيضا مع ملاحظة كون التعديل... الى آخر كلامه.

أن يغفل عنه(1).

تذييل: فى معان آخر (للصحيح)

قال الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في بداية الدراية(2)، و غيره في غيره(3) - ما معناه -: انه قد يطلق الصحيح عندنا على سليم الطريق من الطعن بما ينافي كون الراوي اماميا عدلا، و ان اعتراه مع ذلك الطريق السالم ارسال أو قطع، و بهذا الاعتبار يقولون كثيرا: روى ابن أبي عمير في الصحيح كذا، و في صحيحته كذا(4)، مع كون روايته المنقولة كذلك مرسلة، و مثله وقع لهم في المقطوع كثيرا.

ص: 157


1- توضيح المقال: 50. لاحظ مستدرك رقم (37) تقسيم الصحيح عند العامة: صحيح لذاته و صحيح لغيره.
2- البداية: 20 [البقال: 2/1-81] بتصرف.
3- ذكرى الشهيد: 4، منتقى الجمان: 5/1، وصول الأخيار: 78، و قال الأخير بأنه اطلاق نادر، و هو على حق إن أراد به عند المتقدمين، حيث ندر في كلمات المتقدمين كالشيخ و من ناظره، و الا فقد كثر حكايته و اطلاقه عند المتأخرين كما لا يخفى، و راجع قوانين الاصول: 483، و الدربندي في درايته: 23 - خطي -.
4- لبعض الإخوان الأفاضل تعليقة في هامش دراية الشهيد: 81/1 ما نصه: اذ الظاهر من الاتصال الى المعصوم بعدل امامي باعتبار العدالة و الايمان في الراوي عن المعصوم مباشرة، و لا يدل على اعتبار العدالة و الايمان في جميع الطبقات. و هو كلام غريب من مثله، و لعله غفل عن معنى الاتصال المصطلح عند القوم و نظر الى معناه اللغوي، و إلا فظاهر قولنا سند صحيح أو باسناد صحيح هو تحقق الشروط المعتبرة في الجميع: و قول الشهيد هنا، و هو كون الراوي باتصال عدلا.. الى آخره، لا متصلا، فتدبر.

و بالجملة قد يطلقون الصحيح على ما كان رجال طريقه المذكورون فيه عدولا اماميين، و إن اشتمل على أمر آخر بعد ذلك، حتى اطلقوا الصحيح على بعض الأحاديث المروية عن غير إمامي بسبب صحة السند اليه، فقالوا: في صحيحة فلان، و وجدناها صحيحة بمن عداه، و في الخلاصة(1) و غيرها: إن طريق الفقيه الى معاوية بن ميسرة، و الى عائذ الأحمسي، و الى خالد بن نجيح، و الى عبد الأعلى مولى آل سام، صحيح مع أن الثلاثة الأول لم ينص عليهم بتوثيق و لا غيره، و الرابع لم يوثقه و إن ذكره في القسم الأول(2). و كذلك نقلوا الاجماع على تصحيح ما يصح عن ابان بن عثمان مع كونه فطحيا(3)، و هذا كله خارج عن تعريف الصحيح الذي ذكروه(4).

ثم في هذا الصحيح ما يفيد فائدة الصحيح المشهور(5) كصحيح ابان، و منه ما يراد منه وصف الصحة دون فائدتها، كالسالم طريقه مع لحوق الارسال به أو القطع أو الضعف أو الجهالة بمن اتصل به الصحيح، فينبغي التدبر لذلك، فقد زل فيه أقدام أقوام(6).

ص: 158


1- الخلاصة - الخاتمة -: 277 و ما بعدها.
2- الخلاصة - القسم الأول - الباب العشرون: 127.
3- رجال العلامة الحلي: 21، تنقيح المقال: 3/1، و غيرهما.
4- راجع مستدرك رقم (38) مناقشة صاحب منتقى الجمان لوالده. قدس سرهما.
5- و لكن لا يقال له صحيحا اصطلاحا. و المراد بفائدة الصحيح انه يفيد فائدة الصحيح في الاعتبار و الحجية، فهو بمنزلة الصحيح حكما، و إن غايره موضوعا.
6- الى هنا مجمل كلام ثاني الشهيدين رحمهما اللّه في درايته: 20 [البقال 2/1-81].

و أقول: حق التعبير في الصحيح الى شخص أن يقال:

الصحيح الى فلان دون أن يضاف اليه الصحيح، فيقال صحيح فلان، و إلا كان تجوزا(1) و خروجا عن الاصطلاح كما يأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى. أما تسمية الصحيح الى من كان من أصحاب الاجماع صحيحا مضافا إلى ذلك الرجل فليس المراد فيه الصحة المصطلحة، على أن المراد به بيان اعتبار من كان راويا عن ذلك الرجل من دون نظر الى نفس ذلك الرجل و من بعده، و أما ما نقله عن الخلاصة فليس من قبيل المقام، ضرورة أن صحة الطريق إلى هؤلاء لا يدل في الاصطلاح بشيء من الدلالات على صحة نفس هؤلاء. نعم كان يلزم المجاز لو كان يترك كلمة الى و يضيف الصحة الى خبر هؤلاء بقوله صحيحة معاوية، أو عائذ، أو خالد، أو عبد الأعلى، فاتيانه بإلى قرينة على انتهاء الصحة عندهم، بمعنى كونهم بأنفسهم مسكوتا عنهم في هذه العبارة، فلا تذهل فان المقام كما ذكره (قدس اللّه نفسه الزكية) من مزال الأقدام، عصمنا اللّه تعالى و إياك

ص: 159


1- اي استعارة لوحظت فيها علاقة المشابهة بينها و بين طرق الأخبار الصحيحة في كون رجالها كلا ثقات، و القرينة فيه واضحة. و يبقى اطلاقها في صورة الاضافة الى بعض الرواة من جهة السند مع اشتماله على موجب الضعف، و قد رجح في منتقى الجمان: 14/1 هجر هذا الاصطلاح رأسا لبعده عن الاعتبار و اضراره بالاصطلاح السابق، و يكون على هذا مصطلحا خاصا. بخلاف ما لو كانت الصحة وصفا للحديث، فانها تفيد سلامته، و سلامة سنده كله عن أسباب الضعف، و كذا لو وصف بها الاسناد بكماله.

عن ذلك(1).

النوع الثاني: الحسن :

اشارة

النوع الثاني: الحسن(2):

تعريفه

و هو - على ما ذكروه -(3) ما اتصل سنده الى المعصوم (عليه السلام) بامامي ممدوح مدحا مقبولا معتدا به(4)، غير معارض بذم،

ص: 160


1- لاحظ مستدرك رقم (39) مراتب الصحيح و أصح الأسانيد. و مستدرك رقم (40) الفوائد العشرة حول الصحيح. و مستدرك رقم (41) كتب الصحاح عند العامة و الخاصة.
2- الحسن: هو كون الشيء ملائما للطبع كالفرح، و كون الشيء صفة كمال كالعلم، و كون الشيء متعلق المدح كالعبادات، كذا في التعريفات: 77. و انظر: تاج العروس: 8/9-175، و صحاح اللغة: 2099/5، و لسان العرب: 8/13-115، و معجم مقاييس اللغة: 57/2، و مجمع البحرين: 5/6-232، و النهاية: 387/1، و غيرها. و لعل وجه تسمية الحسن حسنا أن لنا بالنسبة الى رواة ذلك الحديث حسن ظن.
3- كما في بداية الدراية للشهيد: 21 [البقال: 83/1]، و نهاية الدراية: 86، و دراية الدربندي: 23 و 24 - خطي - و الوجيزة: 5 قال الأخير بعد قوله: ثم سلسلة السند أما اماميون ممدوحون بالتعديل فصحيح و ان شذ قال: أو بدونه كلا أو بعضا مع تعديل البقية فحسن.. و غيرهم ممن سيأتي.
4- و قيد في توضيح المقال: 50 هنا بقوله: بما لا يبلغ حد الوثاقة مطلقا، و نعم ما فعل، و كذا نظيره في معين النبيه: 6 - خطي - قال:.. ممدوحين بغير التوثيق أو مع توثيق احدهم. و قد تبعا الأسترابادي في لب اللباب: 16 - خطي - حيث قال:.. اماميا ممدوحا بمدح موجب للاعتماد و يكون مدح الكل غير بالغ الى حد الوثاقة، أو يكون مدح البعض كذلك مع بلوغ مدح الباقي الى حدها. ثم أضاف: و له مراتب تعرف بالتأمل، و في خاتمة القوانين: 483 عرفه ب: ما كانوا اماميين ممدوحين بغير التوثيق كلا أو بعضا مع توثيق الباقي. و في تعريف الطريحي في جامع المقال: 3 ما لا يخفى، فلاحظ، و أعجب منه ما عرف به الحسن في حاشيته الخطية على مجمع البحرين لفظ (سنن) من قوله: هو ما عرف مخرجه من كونه مكيا عراقيا، كأن يكون الحديث عن راو قد اشتهر برواية أهل بلده!!.

من غير نص على عدالته، مع تحقق ذلك في جميع مراتب رواة طريقه أو في بعضها، بأن كان فيهم واحد امامي ممدوح غير موثق مع كون الباقي من الطريق من رجال الصحيح، فيوصف الطريق بالحسن لأجل ذلك الواحد، و احترزوا بكون الباقي من رجال الصحيح عمّا لو كان دونه، فانه يلحق بالمرتبة الدنيا، كما لو كان فيه واحد ضعيف فانه يكون ضعيفا، أو واحد غير امامي عدل فانه يكون من الموثق.

و بالجملة فيتبع أخس ما فيه من الصفات حيث تتعدد.

و ربما عرفه الشهيد (رحمه اللّه)(1) في الذكرى(2) بأنه: ما رواه الممدوح من غير نص على عدالته، و اعترضه ثاني الشهيدين في البداية(3) بأنه يشمل ما كان في طريقه واحد كذلك، و ان كان الباقي

ص: 161


1- سنذكر للشهيد الأول ترجمة مختصرة مع مصادرها في خاتمة الكتاب. فلاحظ.
2- الذكرى: 4.
3- البداية: 24 [البقال: 83/1]، و تبعه الشيخ حسين العاملي في وصول الأخيار: 81 [التراث: 6-95] فقال: و فيه نظر، لأنه شامل لصحيح العقيدة و فاسدها، و لمن، ممدوحا من وجه و إن نص على ضعفه من وجه آخر، و شامل لأقسام الممدوح كلها و بعضها لا يخرج الممدوح بها عن قسم المجهولين.. و لذا عدل الى تعريف الحسن بقوله: هو ما رواه الممدوح مدحا يقرب من التعديل و لم يصرح بعدالته و لا ضعفه مع صحة عقيدته. و لا يخلو تعريفه من تأمل و نقد، هذا و ان القيد الأخير في تعريف الحسن لإخراج من كان فاسد العقيدة و لم ينص على وثاقته و مدحه، فانه من قسم الضعيف على ما ذكره، و من أقسام الحسن بحسب تعريف الشهيد في الذكرى، فتدبر. لاحظ مستدرك رقم (42) تعريف الحسن عند العامة.

ضعيفا فضلا عن غيره، و بأنه لم يقيد الممدوح بكونه إماميا مع أنه مراد.

تنبيهات:

الاول: مناقشة الشهيد الثاني في تعريفه للحديث الحسن

الأول:

ان الشهيد الثاني (رحمه اللّه) صرح هنا بنحو ما مر في الصحيح(1) و هو أنه قد يطلق الحسن على ما كان رواته متصفين بوصف الحسن الى واحد معين، ثم يصير بعد ذلك ضعيفا أو مقطوعا أو مرسلا.

أقول: قد عرفت أنه مجاز في الاصطلاح، و القرينة عليه هو الإتيان بكلمة «الى» قبل ذلك المعين بأن يقال: الحسن الى فلان،

ص: 162


1- البداية: 22 [البقال: 4/1-83]، قال في وصول الأخيار: 96: و اعلم أن ما تقدم في الصحيح آت هنا، و هو أن الحديث يوصف بالحسن و إن اعتراه قطع أو إرسال بل أو ضعف اذا وقع الحسن بعد من النسب اليه [الظاهر أضيف اليه] كما حكم العلامة و غيره بأن طريق الفقيه الى منذر بن جبير حسن مع أن منذرا مجهول، و كذا طريقه الى ادريس بن زيد، و ان طريقه الى سماعة حسن مع أنه واقفي، و ذكر جماعة ان رواية زرارة، في مفسد الحج حسنة مع أنها مقطوعة، و نظيره في معين النبيه: 6 - خطي -. و سيذكر المصنف رحمه اللّه عبارة الشهيد.

و استعماله بالاضافة من غير مجاوزة بكلمة «الى» خروج عن الاصطلاح. و ربما جعل (رحمه اللّه) من الباب الذي ذكره حكم العلامة (رحمه اللّه)(1) و غيره(2) بكون طريق الفقيه الى منذر بن جبير حسنا(3)، مع أنهم لم يذكروا حال منذر بمدح و لا قدح، و مثله طريقه الى ادريس بن يزيد(4)، و ان طريقه الى سماعة بن مهران حسن(5)، مع أن سماعة واقفي و إن كان ثقة فيكون من الموثّق، لكنه حسن بهذا المعنى. و قد ذكر جماعة من الفقهاء (رحمهم اللّه)(6) ان رواية زرارة(7) - في مفسد الحج اذا قضاه، ان الاولى حجة الاسلام - من

ص: 163


1- الخلاصة: 20، و انظر ترجمته في خاتمة الكتاب.
2- كما في تنقيح المقال: 248/3 و غيره.
3- شرح مشيخة من لا يحضره الفقيه: 99/4، وصول الأخيار: 96، و في رجال العلامة: 280 قال: و عن منذر بن جعفر: حسن، لا جبير، الا أن في تنقيح المقال: 248/3: منذر بن جيفر (او جفير) بن الحكيم العبدي و الظاهر هو هذا، فراجع إذ فيه كلام.
4- في نسختنا من الدراية: زيد بدلا من يزيد و هو الصحيح، لاحظ تنقيح المقال: 105/1 معجم رجال الحديث: 14/3. و صرح بذلك العلامة في الفائدة الثامنة من رجاله: 281.
5- كما صرح به غير واحد منهم العلامة في الخلاصة: 277، و الشيخ الجد (قدس سره) في تنقيح المقال: 67/2.
6- منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد: 184/1، و الشهيد الثاني في الروضة البهية: 195/2 و غيرهما.
7- و هي ما رواه الكليني أعلى اللّه مقامه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة قال سألته عن محرم غشى (خ. ل: غشي) امرأته و هي محرمة ؟ فقال: جاهلين أو عالمين ؟ قلت اجبني في (خ. ل: عن) الوجهين جميعا. قال: إن كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما و ليس عليهما شيء، و إن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه و عليهما بدنة (خ. ل: بدنة و بدنة) و عليهما الحج من قابل، و إذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما (مناسكهما خ ل) و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. قلت: فأي الحجتين لهما؟ قال: الاولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الاخرى عليهما عقوبة. الكافي، الفروع: 373/4. و رواه الشيخ في التهذيب 317/5 برقم (1092)، و وسائل الشيعة: 257/9، حديث 9. و جامع أحاديث الشيعة: 177/11 برقم: 2184، و كونها حسنة على المشهور من جهة ابراهيم ابن هاشم، و إلا فهي صحيحة على مبنى المصنف رحمه اللّه فيه.

الحسن، مع أنها مقطوعة(1) و مثل هذا كثير، فينبغي مراعاته(2) كما مرّ.

قلت: قد عرفت أن كلمة الى قرينة المجاز في ذلك.

الثاني: أخذ قيد المدح و المعتد به

الثاني:

انا إنما قيدنا المدح بالمعتد به، احترازا عن مطلق المدح، فمرادنا بالمدح المعتد به ما له دخل في قوة السند.

و توضيح ذلك: ان من المدح ما له دخل في قوة السند، و صدق القول مثل صالح و خيّر و.. نحوهما، و منه ما لا دخل له في السند

ص: 164


1- قد وجدت جملة من الفقهاء في مصنفاتهم يعبرون عن هذه الرواية المضمرة بالمقطوعة، و لا يعد الاضمار من قبل زرارة أعلى اللّه مقامه نقصا بعد ان كان لا يروي إلا عن معصوم عليه السلام، كما قيل.
2- الى هنا نقل لكلام ثاني الشهيدين في درايته بتصرف و اختصار.

بل في المتن، مثل فهيم و حافظ و.. نحوهما، و منه ما لا دخل له فيهما مثل شاعر و قاري، و الذي يفيد في كون السند حسنا أو قويا هو الأول، و أما الثاني فإنما ينفع في مقام الترجيح و التقوية، بعد اثبات حجية الخبر بصحة أو حسن أو موثقيّة، و أما الثالث فلا عبرة به في المقامين، و إنما يمدح به إظهارا لزيادة الكمال، فهو من المكملات كما صرح بذلك استاذ الكل في التعليقة، ثم قال: و أما قولهم أديب أو عارف باللغة أو النحو و.. أمثال ذلك، فهل هو من الأول أو الثاني أو الثالث ؟ الظاهر أنه لا يقصر عن الثاني، مع احتمال كونه من الأول(1).

قلت: كونه من الأول ممنوع، إذ لا ربط له بالسند بوجه، و إنما هو من الثاني المتعلق بالمتن، ثم ان مراتب المدح مختلفة متفاوتة، كما أن تعدد المادح و اتحاده يختلف أثره و لم يقدروا حدا و مرتبة للمدح المعتبر في صيرورة الرجل حسنا، بل جعلوا المدار على المعتد به،

ص: 165


1- تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال: 6. ذيل رجال الخاقاني - نص التعليقة -: 24، و علق المولى الرازي هنا بما نصه: احتمال كون الأول من الأول وجيه ان اريد التأدب بالآداب الشرعية، بل لعله يشعر بالوثاقة حينئذ، و أما الثاني فالحاقه به لم أر له وجها و لا إشعار بكونه مرجعا متحرزا عن الكذب فيهما، و أما وجه الحاقهما بالثاني فلان الأدب و المعرفة باللغة له مدخلية تامة في صون المتن عن الخطأ سواء قلنا بتغايرهما لكون ظاهر الأدب غير النحو و اللغة، أو كان ذلك من قبيل الخاص بعد العام، و قوله: مع احتمال كونه من الأول، كأنه تكرار لقوله: هل هو من الأول ؟!.

فذلك يتبع نظر الفقيه(1).

الثالث: هل القدح ينافي المدح ام لا؟

الثالث:

حيث أن المدح يجامع القدح، بغير فساد المذهب أيضا، لعدم المنافاة بين كونه ممدوحا من جهة و مقدوحا من اخرى، لزم عند اجتماعهما ملاحظة أن القدح هل ينافي المدح أم لا؟ فان نافاه جرى عليهما حكم التعارض الآتي في المسألة الرابعة من الفصل الرابع إن شاء اللّه تعالى، و إن لم يكن ينافيه أخذ بها و رتب على كل منهما أثره.

و قد جعل المولى الوحيد(2) غير المنافي على أقسام أربعة: لأن المدح و القدح اما أن يكونا جميعا مما له دخل في السند، مثل شيخوخة الإجازة، و الرواية عن المجاهيل، أو يكونا جميعا مما له دخل في المتن، مثل جيد الحفظ، رديء الحافظة، أو المدح من الأول، و القدح من الثاني، مثل: أن يكون صالحا سيئ الفهم أو الحافظة، أو بالعكس، مثل الرواية عن المجاهيل مع جودة الفهم. ثم حكم في الأول بعدم اعتبار المدح في الحسن و القوة. قال: نعم، لو كان القدح هاهنا في جنب مدحه(3) بحيث يحصل قوة معتد بها، فالظاهر

ص: 166


1- اقول: لا وجه لتخصيص الحسن بكون المدح فيه مقبولا من غير معارض بذم، و إن صرح به الكل هنا، بل الاشكال ساري في الموثق و الصحيح أيضا، فلاحظ، و تأمل.
2- تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال: 6 ذيل رجال الخاقاني: 25. و انظر ترجمة الوحيد في خاتمة الكتاب.
3- صحيح العبارة عكس ما ذكر و هي: نعم لو كان المدح هاهنا في جنب قدحه.

الاعتبار، ثم جعل الحال في الثاني مثله، ثم احتمل في الثالث اعتبار المدح لأنه كما لا يعد سوء الفهم أو الحافظة ضررا بالنسبة الى الثقات و الموثقين فكذا هنا، و احتمل عدم الاعتبار إذ لعل الضرر هناك من نفي التثبت، أو من الإجماع على قبول خبر العادل، و المناط في المقام لعله الظن، فيكون الأمر دائرا معه على قياس سابقيه.

قال: و أما الرابع فغير معتبر في المقام، و البناء على عدم القدح، و عدّ الحديث حسنا أو قويا بسبب عدم وجدانه - كما مر - مضافا إلى أصل العدم(1).

و أقول: في كلامه مجال للنظر و التأمل، ضرورة أن الصور التي فرضها لا تلائم فرض عدم منافاة القدح للمدح، و الأظهر في جميع تلك الصور الاجتهاد و العمل بما يحصل به الظن، من تقدم المدح أو القدح، و التوقف عند عدم ترجح أحدهما على الآخر، فتدبر.

الرابع: الحديث القوي

الرابع:

ان مقتضى القاعدة إن ما كان بعض رجاله ممدوحا بمدح معتد به، إن احرز كونه إماميا عدّ من الحسن، و إلا عدّ من القوي، و لكنا نراهم بمجرد ورود المدح المعتد به يعدونه حسنا، و لعله لما قيل من أن بيان المدح مع السكوت عن التعرض لفساد العقيدة في مقام البيان يكشف عن كونه إماميا، فتأمل(2).

ص: 167


1- تعليقة الوحيد البهبهاني على منهج المقال: 6، ذيل رجال الخاقاني: 25-26.
2- لاحظ مستدرك رقم (43) تقسيمات الحديث الحسن و مراتبه. و مستدرك رقم (44) حجية الحديث الحسن عند العامة و الخاصة. و مستدرك رقم (45) الفوائد الاثنا عشر حول الحسن.

النوع الثالث: الموثّق :

اشارة

النوع الثالث: الموثّق(1):

تعريفه

و هو - على ما ذكروه - ما اتصل سنده الى المعصوم بمن نص الأصحاب على توثيقه، مع فساد عقيدته(2)، بأن كان من أحد الفرق المخالفة للإمامية و إن كان من الشيعة(3)، مع تحقق ذلك في جميع رواة طريقه أو بعضهم مع كون الباقين من رجال الصحيح، و إلا فلو كان في الطريق ضعيف تبع السند الأخس و كان ضعيفا، و احترزوا بقولهم من نص الأصحاب على توثيقه، عما رواه المخالفون في صحاحهم التي وثّقوا رواتها، فانها لا تدخل في الموثق عندنا لأن العبرة بتوثيق أصحابنا للمخالف لا بتوثيق غيرنا، لأنا لا نقبل أخبارهم بذلك، و بهذا يندفع ما يتوهم من عدم الفرق بين رواية من خالفناه ممن ذكر

ص: 168


1- سمي بذلك لأن راويه ثقة و إن كان مخالفا، و بهذا فارق الصحيح لاشتراكهما في الوثاقة، و هذا النوع من مختصات الامامية، لأن العامة تدخله في قسم الصحيح أو الحسن كما لا يخفى.
2- كذا عرّفه الشهيد في درايته: 23 [البقال: 86/1] و لعله أخذ من الذكرى للشهيد الأول: 4 و أضاف في البداية: و لم يشتمل باقيه على ضعف، و إلا لكان الطريق ضعيفا، لأنه يتبع الأخس.
3- الشيعي: من قال بخلافة علي أمير المؤمنين عليه السلام بلا فصل، و الامامي: من قال بإمامة الأئمة الاثني عشر، فالواقفي و الفطحي و نظائرهما من الشيعة، و ليسوا من الامامية اصطلاحا. منه (قدس سره).

من كتب احاديثنا و ما رووه في كتبهم، فان الفرق بينهما واضح، و ما رووه في كتبهم ملحق بالضعيف عندنا لصدق تعريف الضعيف الآتي عليه، فيعمل منه بما يعمل به من الضعيف(1).

تنبيهات:

الاول: اقسام الحديث الحسن و الموثق

الأول:

ان كلا من الحسن و الموثق، يقسم الى أعلى و أوسط و أدنى، على نحو ما مرّ في الصحيح.

الثاني: لو كان رجال السند منحصرين في الامامي الممدوح بدون التوثيق و غير الامامي الموثق، ففي لحوقه بايهما وجهان ؟

الثاني:

انه لو كان رجال السند منحصرين في(2) الامامي الممدوح بدون التوثيق و غير الإمامي الموثق، ففي لحوقه بأيهما وجهان: مرجعها الى الترجيح بين الموثق و الحسن، لأن السند يتبع في التوصيف أخس رجاله، كتبعية النتيجة لأخس مقدمتيها. و رجّح بعض الأجلة(3) كون

ص: 169


1- قال في الوجيزة:.. و أما غير الاماميين كلا أو بعضا مع تعديل الكل فموثق و يسمى ايضا قويا، و نظيره في نهاية الدراية: 89. و في توضيح المقال: 50 قال: ما كان جميع سلسلة سنده ممدوحين بالتوثيق الأعم الشامل للمقيد بالجوارح مع كون الجميع أو البعض في غير الامامية مع اشتراط الاتصال. و في جامع المقال: 3: ما دخل في طريقه غير إمامي مما نص على توثيقه و لم يشتمل باقيه على ضعف. و في لب اللباب: 16 - خطي -: ما يكون كل واحد من رواة سلسلته ثقة في الجوارح مع عدم كون البعض أو الكل إماميا. ثم قال: و له مراتب تعرف بالمقايسة.
2- في الطبعة الاولى: منحصر في.
3- هو الفاضل القمي قدس سره. منه (طاب رمسه).

الموثق أقوى فيتصف السند بالحسن، ثم قال: نعم قد يصير الحسن أقوى بسبب خصوص المدح في خصوص الرجل، و هو لا يوجب ترجيح نوع الحسن(1)، و وافقه على ذلك بعض من عاصرناه(2) نظرا إلى أن عمدة أسباب الاعتبار تدور مدار الظن بالصدور، فالموثق من هذه الجهة أقوى، فيلحق السند بالحسن.

و أقول: الأظهر كون الحسن أقوى، لأن كونه إماميا مع كونه ممدوحا، أقوى من كونه موثقا غير إمامي في الغالب، فيقتضي توصيف السند بالموثقية إلا أن مقتضى مراعاة الاصطلاح عدم توصيفه بشيء من الحسن و الموثقية و تسميته بالقوي، كما فعل ذلك جمع(3)، و ستطلع عليه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 170


1- خاتمة قوانين الاصول: 483.
2- و هو المولى ملا علي كني في كتابه توضيح المقال: 50.
3- سيأتي ذكر الجمع بعيد هذا. و أقول: على كلا القولين - سواء رجحنا الحسن على الموثق أو العكس - فلازم تقديم كل منهما لزوم اضافة قيد في تعريف الآخر فيقال مثلا في تعريف الموثق:... و عدم اشتمال طريقة على راو حسن، و إلا لصار حسنا لا موثقا بناء على ترجيحه، و كذا في تعريف الموثق. ان قلت: انه لو اجتمع موثق و حسن خرج عن الوصف بهما و صار قويا. قلت: هو كرّ على ما فرّ منه، و غير خال عن الاشكال، خصوصا على المبنى المختار من كون القوي شقا ثالثا، كما سترى، فتأمل. ثم ان هذه المسألة لم تكن معنونة عند القدماء كما يظهر ذلك من كلام الشيخ حسين العاملي والد الشيخ البهائي رحمهما اللّه حيث قال في وصول الأخيار: 175 [التراث: 180]: و أما ترجيح الحسن عندنا على الموثق أو بالعكس أو التساوي فمما لا يحضرني لأصحابنا فيه مقال، و للنظر فيه مجال. و لعله أول من عنونها.
الثالث: هل يطلق على الموثق قوي ؟

الثالث:

انه ذكر في بداية الدراية أنه يقال للموثق: القوي(1) أيضا، لقوة الظن بجانبه بسبب توثيقه.

و أقول: تسمية الموثق قويا، و إن كان صحيحا لغة(2)، إلا أنه خلاف الاصطلاح، لأن ما اندرج في أحد العناوين المزبورة من الصحة و الحسن و الموثقية لا يسمى قويا، و إنما القوي في الاصطلاح يطلق على ما خرج عن الأقسام الثلاثة المزبورة و لم يدخل في الضعيف(3)، وفاقا لبعض من عاصرناه(4).

مراتب الحديث الموثق

و له أيضا لتلك الأقسام مراتب أعلى و أوسط و أدنى، و له أقسام:

ص: 171


1- البداية: 23 [البقال: 87/1] و كذا في الوجيزة: 5، و نهاية الدراية 89، و جامع المقال: 3، و وصول الأخيار: 82 [التراث: 98]، معين النبيه: 6 - خطي - و القوانين المحكمة: 483، دراية الدربندي: 23 - خطي - و غيرها.
2- بل نسبه الشهيد و والد البهائي في درايتهما الى أنه المتعارف عند الفقهاء، و كونهما اسمين لمسمى واحد.
3- و العجب من المصنف قدس سره مع اختياره التغاير بين الموثق و القوي لما ذا لم يجعل القسمة الأولية خماسية ؟ كما فعله في الوجيزة: 5 و تبعه في شرحها: 89 و قال: و هو ما لو كانت سلسلة السند اماميون مسكون (كذا، و الظاهر: مسكوت) عن مدحهم و ذمهم كذلك كلا أو بعضا، و لو واحدا مع تعديل البقية. و انظر: في توضيح المقال: 50 و جامع المقال: 3 و غيرهما. لاحظ مستدرك رقم (46) حول القوي و معانيه العشرة.
4- و هو المولى ملا علي كني في كتابه توضيح المقال: 50.
الرابع: مصطلحات تفرد ببعضها البعض

فمنها: ما كان جميع سلسلة سنده اماميين، لم ينص في حق احدهم بمدح و لا قدح، كما صرح بذلك غير واحد(1)، و الأولى تبديل لم ينص ب: لم يثبت، كما لعله المراد، ضرورة انه لو لم ينص عليه بمدح و لا ذم و لكن استفيد احد الأمرين من الظنون الاجتهادية كان مرة من قبيل الصحيح الأدنى، و اخرى من الحسن الأدنى، و ثالثة من الموثق الأدنى، و لم يكن حينئذ قسيما للثلاثة بل قسما من احدها، و قد صرح باطلاق القوي على ما ذكر في البداية أيضا حيث قال: انه (قد يطلق القوي على مروي الامامي غير الممدوح و لا المذموم كنوح بن دراج، و ناجية بن عمار الصيداوي، و أحمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري و.. غيرهم، و هم كثيرون) ثم قال: (و قولنا: غير الممدوح و لا المذموم خير من قول الشهيد (رحمه اللّه)(2) و غيره في تعريفه غير المذموم مقتصرين عليه لأنه يشمل الحسن، فان الامامي الممدوح غير مذموم، و لو فرض كونه قد مدح و ذم كما اتفق لكثير ورد على تعريف الحسن أيضا، و الأولى ان يطلب حينئذ الترجيح، و يعمل بمقتضاه، فان تحقق التعارض لم يكن حسنا، و على هذا فينبغي زيادة تعريف الحسن بكون المدح مقبولا أو غير معارض بذم)(3) هذا كلامه علا

ص: 172


1- فصّل القول في لب اللباب: 16 - خطي - و قال بعد ذلك: مع كون البعض أو الكل مسكوتا عن المدح أو القدح كنوح بن دراج. و توضيح المقال: 51 و غيرهما.
2- اي الشهيد الأول في الذكرى: 4.
3- البداية: 3-22 [البقال: 87/1] بتصرف و اختصار.

مقامه. و قال بعض من عاصرناه(1) - بعد جعل ما كان جميع سلسلته اماميين، لم ينص على أحد منهم بمدح و لا ذم من القوي - انه ينبغي تقييده بعدم استفادة أحد الأمرين فيهم من امور اخر، كالظنون الاجتهادية، و إلا كان مرة من أقسام الصحيح، و اخرى من الحسن، و ثالثة من الضعيف، و لا يحسن جعله في مقابل الجميع، و كأنه مراد الجميع(2).

و منها: ما اتصف بعض رجال سنده بوصف رجال الموثق، و البعض الآخر بوصف رجال الحسن، فانه يسمى في الاصطلاح قويا، و القول بالحاقه بالموثق أو الحسن خلاف الاصطلاح(3)، كما لوّحنا اليه آنفا.

و منها: ما كان جميع رجال سنده من غير الامامي، مع مدح الجميع بما لم يبلغ حد الوثاقة.

ص: 173


1- و هو المولى ملا علي كني الطهراني رحمه اللّه في كتابه توضيح المقال: 50، و نظيره في جامع المقال: 3 قال: و اطلقوه - أي القوي - على ما رواه من سكت عن مدحهم و قدحهم، كما مر.
2- للسيد الداماد في الرواشح السماوية: 2-41 بحث حريّ بالملاحظة، فراجع.
3- لا توجد (خلاف الاصطلاح) في الطبعة الاولى من الكتاب، و هو الصواب، اذ لا معنى لها، و قد سبق ان منشأ الخلاف هو الاختلاف في كون الموثق أقوى من الحسن أو العكس، و النتيجة تتبع الاخس، و تقوية الموثق أقوى كما أن أفراد القوي و مغايرته لهما أصح كما مرّ بيانه، خصوصا باعتبار أن عمدة أسباب الاعتبار تدور مدار الظن بالصدور، كما هو مبنى المصنف (قدس سره) و غيره.

و منها: ما تركب سنده من امامي ثقة، و غير امامي ممدوح مدحا غير بالغ حد الوثاقة، أو بالعكس(1).

و منها: ما كان الجميع غير امامي، مع توثيق بعض، و مدح آخرين(2).

ص: 174


1- أي ما تركب منهما مع قدح الجميع بما دون الوثاقة، أو ما تركب سنده من غير امامي ثقة و إمامي ممدوح مدحا غير بالغ حد الوثاقة.
2- قال في توضيح المقال: 51 بعد ما سبق: (فهذه أحد عشر قسما، و هنا عشرة اخرى بتركيب أول أقسام القوي مع بواقيها، و مع الخمسة السابقة عليه بأن يكون بعض السند من الاماميين المسكوت عن أحوالهم، و بعضه من سائر الأقسام، و إذا لوحظ مع ذلك انقسام كل منها الى الثلاثة الجارية في كل و ان لم يذكروه - و هي كون كل أعلى و أوسط و أدنى - بلغت الأقسام الى ثلاثة و ستين قسما، و لو لوحظ مع ذلك الانقسام الى اعتبار تشبيه بعض ببعض في جهة القوة بل الضعف و إن لم يذكروا الا بعضه زادت الى ما لا يخلو ضبطه مع تعسر، كما أنه مع ملاحظة اختلاف المراتب قوة و ضعفا بما أشرنا اليه تبلغ الى ما يقرب ضبطه الى التعذر..)، و ليت شعري أي ثمرة هناك في عدّه و حصره ؟! قال في لب اللباب: 16 - خطي - بعد ما سبق: و منها: ما يكون كذلك، إلا أن البعض أو الكل يكون ممدوحا بمدح غير بالغ الى مرتبة الحسن. و منها: ما يكون الجميع غير اماميين ممدوحين بمدح بالغ الى مرتبة الحسن او البعض غير امامي و الباقي اماميا مع مدح الامامي الى مرتبة الحسن و وثاقة غير الامامي أو العكس، أو مدح كليهما الى مرتبة الحسن، ثم قال: و للكل مراتب باعتبار كثرة الأخس و قلته و تعدده و وحدته.

الرابع:

ان الفاضل الاسترآبادي(1) في لبّ اللباب(2) تفرد عن أهل الدراية بذكر ألفاظ اخر، بعضها قد استعمل في كلمات أواخر الفقهاء (رحمهم اللّه) و بعضها غير مستعمل في كلماتهم أيضا.

فمنها: الحسن كالصحيح، قال: و هو ما كان جميع رواة سلسلته اماميين مع مدح البعض مدحا غير بالغ مرتبة الوثاقة، و البعض الآخر بمدح بالغ مرتبة الوثاقة، أو كون اوائل رجال سنده اماميين ثقات، و أواخرهم اماميين ممدوحين بمدح غير بالغ درجة الوثاقة، مع كونهم واقعين بعد أحد الجماعة المجمع على تصحيح ما يصح عنهم(3).

و أقول: ان اطلاق الحسن كالصحيح على الأخير لا بأس به، و قد وقع من أواخر الفقهاء (رحمهم اللّه) أيضا، إلا أن اطلاقه على الأول مما لم أجد به قائلا، بل صرحوا باطلاق الحسن على مثله، لتبعية اسماء الأحاديث أخس رجالها - كما مرّ - إلا أن يكون اصطلاحا

ص: 175


1- له ترجمة مفصلة مع مصادرها في خاتمة الكتاب، فراجع.
2- النسخة الخطية المصورة من مكتبة السيد المرعشي النجفي المرقمة على ترقيمنا: 16-17.
3- الموجود في نسختنا هكذا: هو ما كان كل واحد من رواة سلسلته اماميا و كان البعض ممدوحا بمدح معتد به بالغ الى حد الوثاقة و الباقي ثقة، و كان مدح ذلك البعض تاليا لمرتبة الوثاقة ككونه شيخ الاجازة على المشهور، و كذا لو كان الكل كذلك، أو كان البعض الممدوح واقعا بعد من يقال في حقه إنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه كابن ابي عمير.

خاصا منه على خلاف اصطلاح أهل الحديث، فلا مشاحة فيه.

و منها: الموثق كالصحيح، و قد فسّره بأنه: ما كان كل واحد من رواة سلسلته ثقة، و لم يكن الكل اماميا، بل كان بعضهم غير امامي، أو كان غير امامي ممن يقال في حقه انه ممن اجتمعت(1) العصابة عليه، كأبان بن عثمان أو واقعا بعد من يقال في حقه ذلك(2).

قلت: يأتي هنا ما ذكرنا في سابقه.

و منها: القوي كالصحيح، و قد فسره: بما يكون كل واحد من رواته اماميين و يكون البعض مسكوتا عنه مدحا و ذما، أو ممدوحا بمدح غير بالغ الى حد الحسن، و كان واقعا في الذكر بعد الثقات، و بعد من يقال في حقه أنه اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه(3).

و منها: القوي كالحسن، و هو على ما ذكر: أن يكون(4) كل واحد من رواة سلسلته إماميا، و كان الكل أو البعض مع وثاقة الباقي و.. نحوها ممدوحا بمدح يكون تاليا لمرتبة الحسن.

ثم جعل من القوي كالحسن ما ادعى العلم العادي بكونه من المعصوم، كالرضوي، فانه مما ادعى السيد الفاضل القاضي الأمير حسين أنه

ص: 176


1- في الطبعة الثانية من الكتاب: اجتمع.
2- لب اللباب: 17 - خطي - بتغيير - يسير.
3- نفس المصدر: 17 / - خطي - بتصرف يسير. ثم قال: على قول.
4- في الطبعة الاولى: على ما ذكره يكون.

حصل لي العلم العادي بأنه من تأليف مولانا الرضا (عليه السلام)، قال(1): بل لا يبعد العلم بكونه قويا كالصحيح(2).

و منها: القوي كالموثق، و قد فسره بأنه ما كان بعض رواته مسكوتا عن مدحه و ذمه واقعا بعد من يقال في حقه انه ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه و كان الباقي ثقة، و كان بعض الثقات غير امامي، أو كان بعض من الإمامي ممدوحا بمدح يكون تاليا لمرتبة الوثاقة، و كان الباقي ثقة(3).

النوع الرابع: الضعيف:

تعريفه

و هو ما لم يجتمع فيه شروط أحد الأقسام السابقة، بأن اشتمل طريقه على مجروح بالفسق و.. نحوه، أو على مجهول الحال(4)، أو

ص: 177


1- في الطبعة الاولى: ثم قال:
2- لب اللباب - خطي -: 17 مع فرق جزئي.
3- كذا بتصرف، و قد سقط من نسخة الشيخ رحمه اللّه أو قلمه قسم ذكره أولا و هو: الحسن المحتمل الصحة، و عرفه: ما كان جميع سلسلته اماميين ممدوحين و كان بعضهم ممن اختلف في وثاقته و قصوره عن حدها، و حصل للناظر بعد الملاحظة الكاملة الميل الى الوثاقة من دون اطمئنان و كان الباقي ثقة أو كذلك، و يمكن ادخاله في متلوه كإدخال الموثق محتمل الصحة في الموثق كالصحيح نحو ذلك القوي محتمل الصحة أو الحسن أو الموثقية.. و نحو ذلك. لاحظ مستدرك رقم (47) الحديث الصالح.
4- و ان كان باقي رجاله عدولا، لأن الحديث يتبع أخس رجاله.

ما دون ذلك كالوضاع(1).

و قد أوضح ذلك بعض من عاصرناه(2) بأن الضعيف: ما لم يدخل في أحد الأقسام السابقة بجرح جميع سلسلة سنده بالجوارح أو بالعقيدة، مع عدم مدحه بالجوارح أو بهما معا، أو جرح البعض بأحدهما أو بهما، أو جرح البعض بأحد الأمرين و جرح البعض الآخر بالأمر الآخر، أو بهما أو مع جرح بعض بالأمر الآخر و بعض آخر بهما معا و.. هكذا، سواء كان الجرح من جهة التنصيص عليه، أو الاجتهاد، أو من جهة أصالة عدم أسباب المدح و الاعتبار، سواء جعلنا الأصل هو الفسق و الجرح، أو قلنا بأنه لا أصل هناك، و لا فرق في صورة اختصاص الجرح بالبعض بين كون الباقي أو بعض الباقي من أحد أقسام القوي أو الحسن أو الموثق بل الصحيح بل أعلاه، لما مر من تبعية الوصف لاخس(3) الأوصاف(4).

هذا هو الكلام في تفسير الأقسام(5).

ص: 178


1- لا شك في دخول الوضاع في المجروح، و عليه يستغني عن القيد الأخير في التعريف، و كذا مجهول الحال، لأن الجهالة عندهم من أهلها جرح، فتدبر. فما استحسنه البعض من ابقاء القيد للفرق الواضح بين خبر شارب الخمر مثلا و خبر الكذاب الوضاع لا وجه له، مع ملاحظة كون الايجاز و الجامعية و المانعية مأخوذة في التعاريف و الرسوم العلمية.
2- هو المولى ملا علي كني الطهراني طاب ثراه.
3- في المصدر: من تبعية النتيجة لأخس.. الى آخره، و هو اولى.
4- توضيح المقال: 51، بتصرف يسير.
5- لاحظ مستدرك رقم (48) معاني الضعيف و اطلاقاته. و مستدرك رقم (49) الغرض من التنويع.

الامور التى ينبغي التعرض لها

اشارة

و قد بقي هنا امور متعلقة بهذا المقام، ينبغي التعرض لها.

الاول: تفاوت درجات الضعف

الأول: انه قال ثاني الشهيدين رحمهما اللّه في البداية - و لنعم ما قال -: ان درجات الضعيف متفاوتة بحسب بعده عن شروط الصحة، فكلما بعد بعض رجاله عنها كان أشد ضعفا، و كذا ما كثر فيه الرواة المجروحون بالنسبة الى ما قلّ فيه، كما تتفاوت درجات الصحيح و أخويه الحسن و الموثق بحسب تفاوتها في الأوصاف، فما رواه الإمامي الثقة الفقيه الورع الضابط كابن أبي عمير أصح كثيرا(1) مما نقص في بعض الأوصاف، و هكذا الى أن ينتهي الى أقل مراتبه، و كذا ما رواه الممدوح كثيرا، كإبراهيم بن هاشم الحسن(2)، على المشهور(3)، مما رواه من هو دونه في المدح، و.. هكذا إلى أن يتحقق مسماه، و كذا القول في الموثق، فان ما كان في طريقه مثل علي بن فضال و أبان بن عثمان أقوى من غيره و.. هكذا، و يظهر أثر القوة عند التعارض، حيث يعمل بالأقسام الثلاثة، أو يخرج أحد الآخرين شاهدا، أو يتعارض صحيحان أو حسنان حيث يجوز العمل به(4).

ص: 179


1- في المصدر: احسن مما رواه.
2- في المتن: احسن، و ما ذكرناه من الأصل أحسن.
3- عبارة على المشهور من المصنف، و لا توجد في الطبعة الاولى و لا المصدر.
4- بداية الدراية: 24-25 [البقال: 88/1-89] بتصرف و زيادة. ثم قال: (و كثيرا ما يطلق الضعيف في كلام الفقهاء على رواية المجروح خاصة، و هو استعمال الضعيف في بعض موارده، و أمره سهل). قال السيد الداماد قدس سره في الرواشح السماوية: 117. و لكل من الأقسام الخمسة الاّ القسم الرابع - و هو القوي - درجات متفاوتة تفاوتا تشكيكيا بالشدة و الضعف و الكمال و النقص، فصحيحة الامامي الثقة الفقيه العالم المتقن الضابط الورع الزاهد كأبان بن تغلب... أصح و أرجح و أشد صحة و أقوى رجحانا من صحاح من نقص في بعض الاوصاف، و على ذلك يقاس الأمر في ساير الأقسام. ثم قال: و أما القوي - و هو القسم الرابع - فلا يتصحح فيه درجات متفاوتة بالقوة و الضعف الا بتفاوت درجات الايمان قوة و ضعفا عند من يقول إن اليقين قابل للشدّة و الضعف.
الثاني: الفرق بين في الصحيح و الصحيح الى...

الثاني:

ان ما ذكر من تفاسير الأقسام إنما هو مع اطلاق ألفاظها، كقولهم في الصحيح، و في الموثق، و في الحسن، و كذا اذا كان مع التقييد بكلمة المجاوزة المتعلقة بالمعصوم (عليه السلام)، كقولهم في الصحيح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) و.. نحو ذلك، أو مع الاضافة الى الراوي الناقل عنه (عليه السلام)، كقولهم في صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، و أما اذا كانت كلمة المجاوزة متعلقة ببعض السند كقولهم الصحيح الى النوفلي، أو كانت الاضافة الى غير أخير السند، كقولهم صحيح صفوان، فالمراد بذلك حينئذ اتصاف السند الى الرجل المذكور بالوصف المزبور، فمرة بخروج الغاية و هو الرجل المذكور كما في المثال الأول، و اخرى بدخوله أيضا في الضعف المتصف، كما في المثال الثاني، فان كان الوصف المزبور أخس مراتب أوصاف السند في الاعتبار كالقوي، كان بقية السند من أقسام الضعيف، و ان كان مما هو فوق الأخس احتمل كون البقية مما

ص: 180

هو أخس منه و من الضعيف. و من هنا يتكثر الاحتمال إن كان الوصف المزبور من أعلى المراتب في الاعتبار كالصحيح أو الاعلى من أقسامه، و حيث يقوم في الجميع احتمال الضعف، و لم تكن قرينة على نفيه، الحق الجميع بالضعيف، لما عرفت من تبعية الوصف أخس رجال السند حالا.

و ربما تقع الغفلة عن ذلك، فيظن من كلماتهم تصحيح السند أو توثيقه بنحو ما سمعت، و منشأه عدم الاطلاع على ما ذكر من الاصطلاح، أو قلّة التأمل، فاجعل ذلك نصب عينيك و لا تغفل(1).

الثالث: قد يروى الحديث من طريقين حسنين أو موثقين..

الثالث:

انه قد يروى الحديث من طريقين حسنين أو موثقين أو ضعيفين أو بالتفريق، أو يروى بأكثر من طريقين كذلك، و لا شبهة في أنه أقوى مما روى بطريق واحد من ذلك الصنف. و هل يعادل ما فوقه من الدرجة في مقام التعارض أم لا؟ لم نقف لأصحابنا في ذلك على تصريح، و للعامة في ذلك قولان، و تحقيق القول في ذلك اختلاف ذلك باختلاف الموارد، من جهة تفاوت الرواة في مراتب المدح، و من جهة تكثر الطرق و قلّتها، و من جهة المتن من حيث موافقته لعمومات الكتاب أو السنة أو عمل العلماء أو.. نحو ذلك، و قد يساوي الحسن - اذا تكثرت طرقه - الصحيح، أو يزيد عليه اذا كان

ص: 181


1- كما نبه عليه المولى ملا علي كني في توضيح المقال: 51، و غيره في الفوائد الرجالية.

ذا مرجحات اخر، لأن مدار ذلك على غلبة الظن بصدق مضمونه التي هي مناط العمل و إن لم يسمّ في العرف صحيحا، كما لا يخفى، و حينئذ فيلزم المستنبط الالتفات الى ذلك، و بذل الجهد و اتعاب النفس حتى يكون بذلك معذورا عند اللّه تعالى على فرض الخطأ(1).

الرابع: الداعي لوضع الاصطلاح عند المتأخرين

الرابع:

انا قد نبهنا آنفا على أن تطاول العهد، و اختفاء أكثر القرائن، و التباس الأمر، هو الذي دعا المتأخرين الى جعل هذا الاصطلاح لتتميز الأخبار المعتبرة عن غيرها، و حينئذ فاعلم أن متعلق نظرهم في ذلك هو ضبط طريق اعتبار الرواية و عدمه، من جهة رجال السند

ص: 182


1- و هذا ما نبه عليه والد الشيخ البهائي في درايته: 83 [التراث: 97]، و غيره. و التحقيق في المقام أن يقال: انه عند استقراء أسباب الضعف في الرواية نجدها ترجع الى أحد أمرين: إما قدح في عدالة الراوي لكذب أو فسق أو غلو أو بدعة و ما شابه ذلك. أو الى قدح فيه لقلّة حفظ أو ضبط أو غفلة أو خلط و غيرها، فان كان الضعف من القسم الأول، فان كثرة الطرق و قلّتها لا تؤثر فيه و لا ترقيه، بل لا تخرجه من الانكار. و أما اذا كان من القسم الثاني فحيث لم تثلم عدالته، فان كثرة الطرق تقويه و تجبر ضعفه و ترقيه الى درجة الحسن بل الصحة. و هذا مراد شيخنا الجد (قدس سره). و كذا قولهم: الضعيف عند تعدد الطرق يرتقي عن الضعف الى الحسن و يصير مقبولا معمولا به هو هذا المعنى، فتدبر. ثم الضعيف - بكلا قسميه - لا ينجبر بتعدد طرقه المماثلة له لقوة الضعف و تقاعد الجابر، نعم يرتقي عن كونه منكرا أو لا أصل له، بل لعله يوصل الى درجة المستور بكثرة طرقه، بل لو كان منشأ الضعف سوء الحفظ فبكثرة طرقه يرتقي الى مرتبة الحسن و يصير مقبولا معمولا به.

خاصة، مع قطع النظر عن القرائن الخارجة، لا حصر اعتبار الرواية و عدمه فيما ذكروه على الاطلاق، و لذا تراهم كثيرا ما يطرحون الموثق بل الصحيح، و يعملون بالقوي بل بالضعيف، فقد يكون ذلك لقرائن خارجة، منها: الانجبار بالشهرة رواية أو عملا. و قد يكون لخصوص ما قيل في حق بعض رجال السند، كالإجماع على تصحيح ما يصح عنه، أو على العمل بما يرويه على أحد الاحتمالين فيه، أو قولهم إنه لا يروي أو لا يرسل إلا عن ثقة و.. نحو ذلك، فالنسبة بين الصحيح عندهم و المعمول به عموم من وجه. و قد يسمى المعمول به من غير الصحيح و الموثق و الحسن بالمعمول به، و قد يسمى بالمقبول، و هو - على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى - ما تلقاه العلماء بالقبول و العمل بمضمونه، من أي الأقسام كان. و من هنا ظهر قرب مسلك المتأخرين من مسلك القدماء غاية القرب، بل اتحاد المسلكين، و كون الفرق بينهما في مجرد الاصطلاح، حيث اصطلح المتقدمون اطلاق الصحيح على ما وثقوا بكونه من المعصوم (عليه السلام) اعم من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات، أو إمارات اخر، و اصطلح المتأخرون اطلاق الصحيح و الموثق و الحسن على ما مرّ، و إطلاق المقبول على ما وثقوا بصدوره من عمل الأصحاب، و القوي على ما خرج من الأقسام و لم يدخل في الضعيف، فالنسبة بين صحيح القدماء و صحيح المتأخرين هو العموم المطلق، بأعمية الأول من الثاني، كما نبّه على ذلك المولى الوحيد (رحمه اللّه) في فوائده(1)،

ص: 183


1- الفوائد الرجالية - تعليقة البهبهاني -: 6 الفوائد المطبوع ذيل رجال الخاقاني: 27.

و لكن بعض من عاصرناه(1) نفى البعد عن كون النسبة بينهما هو(2)العموم من وجه، نظرا الى ان: (وثاقة الرواة لا تلازم الوثوق بالصدور عن المعصوم (عليه السلام) و إن كان كذلك في الغالب، فغير الموثوق بصدوره عنه (عليه السلام) مع صحة سنده غير صحيح عند القدماء)(3)، و ما ذكره لا بأس به، كما لعله يكشف عن ذلك عدم منافاة الصحة عند المتأخرين للشذوذ، كما مرّ. و أما المعمول به عند الفريقين فالظاهر أنه لا مغايرة بينهما بحسب المفهوم، و ان تغاير المصداقان بسبب تغاير أسباب جواز العمل عندهم.

و أما الضعيف بالاصطلاحين ففي كون النسبة بينهما العموم المطلق، لأن كثيرا من ضعاف المتأخرين معمول به عند القدماء، و هم يخصّون الضعيف بما يغاير الصحيح و المعمول به عندهم، أو العموم من وجه، لطرحهم لبعض الصحاح عند المتأخرين بضعف الأصل المأخوذ منه الخبر عندهم و.. نحو ذلك، وجهان، و حيث انه لا ثمرة معتدا بها في اختلاف الاصطلاحين، و معرفة كيفيته، و إنما المهم معرفة اصطلاح المتأخرين، و أقسام ما عندهم، كان فيما ذكر و ما يأتي كفاية، و اللّه الموفق.

الخامس: ليس من اقسام الضعيف ما اطلق عليه الصحة!؟

الخامس:

انه لا يتوهم أن من أقسام الضعيف جملة من أقسام ما اطلق

ص: 184


1- هو المولى ملا علي كني في توضيح المقال.
2- كذا، و الظاهر: هي لعود الضمير الى النسبة.
3- توضيح المقال: 52.

عليه الصحة، كما كثر في كلام العلامة (رحمه اللّه)، حيث ان رواته كلا أو بعضا غير موثقين في كتب الرجال، و ذلك لما مرّت الاشارة إليه من أن من أقسام الصحيح ما يكون التوثيق لجميع سنده أو بعضه بطريق الظنون الاجتهادية، فمثل هذا الاطلاق يحمل على ذلك حملا على الصحة، و لا وجه للمبادرة الى التخطئة ما دام احتماله باقيا، فتدبر.

السادس: من انكر حجية الخبر الواحد لا حاجة له الى علم الرجال الا في مقام الترجيح

السادس:

ان من أنكر - في علم الاصول - حجية الخبر الواحد، و قصر العمل بالمتواتر، أو المحفوف بالقرائن القطعية، في فسحة من مراجعة الرجال، إلا في مقام الترجيح، و أما القائلون بحجية الخبر الواحد، و هم الأكثرون، فمن قال منهم بحجيته من باب بناء العقلاء و الوثوق و الاطمينان العقلائي، كما هو الحق المنصور، جوّز العمل بما يوثق به من الصحيح و الموثق و الحسن و الضعيف المنجبر بالشهرة، و منع من العمل بالخبر الشاذ المتروك المعرض عنه بين الأصحاب، و بالخبر المعارض بمثله، إلا مع وجود المرجح.

و أما القائلون بحجيته من باب التعبد، فمنهم من اقتصر على العمل بالصحيح الأعلى(1) و لم يعتبر غيره، نظرا منه الى كون ما لا

ص: 185


1- لكن لا مطلقا، بل فيما لو لم يكن شاذا، أو معارضا بغيره من الأخبار الصحيحة، فانه حينئذ يطلب المرجح. بل و ربما عمل بعضهم بالشاذ أيضا، كما اتفق للشيخ المفيد و الطوسي رحمهما اللّه في صحيحة زرارة: في من دخل في الصلاة بتيمم ثم أحدث ؟ انه يتوضأ حيث الماء و يبني على الصلاة، و ان خصّاها بحالة الحدث ناسيا، راجع من لا يحضره الفقيه: 58/1، التهذيب: 205/1، الاستبصار: 167/1. كما حكاه ثاني الشهيدين في درايته: 25 [البقال: 90/1-91]. اقول: ان الشذوذ المصطلح عندنا هو: ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الأكثر - كما سيأتي - و عليه فالرواية ليست ثمة شاذة اذ لم يرد على خلافها رواية فضلا عن رواية الأكثر. نعم لو قلنا إن الشذوذ هو ما انفرد به راو واحد - كما هو عند بعض العامة - صح الحكم عليها بالشذوذ، فتدبر. و عدم حكم الفقهاء بمضمونها ليس لشذوذها كما صرح به ولد الشهيد الحسن في تعليقته على دراية والده إلا أن يقال: ان الشذوذ هنا بمعناه اللغوي، و أنى لهم باثبات ذلك عنوانا و معنونا، فتأمل.

يعتبر فيه التثبت و يجوز العمل به هو خبر العدل، و الى أن التعديل من باب الشهادة فيعتبر فيه التعدد. و منهم من زاد على ذلك الصحيح المعدّل بعدل واحد، نظرا الى أصالة عدم اعتبار التعدد فيه، و فيه نظر ظاهر، ضرورة أن هذه الأصالة إنما كانت تنفع أن لو كان هناك عموم مثبت لاعتبار الشهادة على الاطلاق و لو من واحد، و انى للخصم بذلك! و غاية ما ثبت حجية البينة، و هي عبارة عن شهادة عدلين، و لا تشمل شهادة الواحد، فتبقى شهادة الواحد تحت أصالة عدم الحجية من غير معارض، فالأقوى بناء على اعتبار خبر الواحد من باب التعبد هو قصر الحجية على الصحيح الأعلى(1)، كما عليه سيد المدارك (قدس سره)(2).

ص: 186


1- و هو القدر المتيقن ارادته من دليل الحجية.
2- يظهر ذلك من موارد عديدة من كتابه مدارك الأحكام في شرح شرائع الاسلام، و نسب له ذلك كل من جاء بعده، انظر المصادر الاصولية الآتية. و هو السيد شمس الدين محمد بن السيد علي بن ابي الحسن بن الحسين العاملي الجبعي الموسوي (946-1009 ه) من اسباط الشهيد الثاني، صاحب كتاب مدارك الأحكام في شرح شرائع الاسلام: و جملة حواشي انظر: أعيان الشيعة: 103/46، الفوائد الرضوية: 559، مصفى المقال: 413، معجم المؤلفين: 320/10.

[(1)هذا ما اخترته في سالف الزمان و هو اشتباه، ضرورة عدم كون اعتبار التوثيقات من باب الشهادة حتى يعتبر فيها التعدد، لفقدها لأغلب أوصاف الشهادة، كما نقحنا ذلك في فوائد مقدمة التنقيح(2)، فما عليه صاحب المدارك و من وافقه خطأ جزما](3).

و منهم: من اعتبر الحسن أيضا(4)، نظرا الى كفاية ظاهر الاسلام، و عدم ظهور الفسق في العدالة.

و منهم: من اعتبر الموثق أيضا(5)، نظرا الى كشف ورود الأمر

ص: 187


1- ما بين المعكوفتين من زيادات الطبعة الثانية.
2- تنقيح المقال: فوائد التنقيح - الفائدة العشرون -: 8/1-206.
3- و هو تام على مبناهم القائل بكون اعتبار التوثيقات من باب الشهادة المأخوذ فيها التعدد، فتدبر.
4- مطلقا كالصحيح، مبدؤه الشيخ رحمه اللّه على ما يظهر من عمله. و منهم من رده مطلقا و هم الأكثر كما نسبه ثاني الشهيدين رحمه اللّه في درايته: 25 [البقال: 92/1] حيث اشترطوا في قبول الرواية الايمان و العدالة، كما قطع به العلامة في كتبه الاصولية و غيره. بل أكثر المتأخرين كما مر تحقيقه في المستدركات السابقة.
5- و اختلفوا في العمل بالموثق نحو اختلافهم في الحسن، فقبله قوم مطلقا، و رده آخرون كذلك، و فصل ثالث كالمحقق في المعتبر، و الشهيد في الذكرى، بل أكثر متقدم المتأخرين فقبلوه فيما إذا كان العمل بمضمونه مشتهرا بين الاصحاب، بل يقدم على الصحيح حيث لا يكون العمل بمضمونه مشتهرا دون غيره.

بالعمل بإخبار بني فضال و.. غيرهم عن حجية الموثق أيضا، و إلى أن المانع من قبول خبر الفاسق هو فسقه، فمتى لم يعلم الفسق لا يجب التثبت عند خبر المخبر مع جهل حاله، فكيف مع توثيقه و مدحه و إن لم يبلغ حد التعديل ؟!

و نوقش فيه(1): بأن الفسق لما كان علة التثبت، وجب العلم بنفيه، حتى يعلم انتفاء سبب التثبت فيجب التفحص عن الفسق حتى يعلم ثبوته فيجب التثبت أو نفيه حتى يرتفع.

ورد(2): بأن الأصل عدم وجود المانع في المسلم، و بأن مجهول الحال لا يمكن الحكم بفسقه، و المراد بالآية(3) هو المحكوم عليه بالفسق، فما لم يثبت الفسق لم يجب التثبت(4).

ص: 188


1- كما في البداية: 26 [البقال: 93/1].
2- من قبل الشهيد في درايته: 27 [البقال: 93/1] و غيره.
3- و هي قوله عزّ اسمه: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا.. الحجرات: 6.
4- و الحق حجيتهما معا، لا لما ذكر بل لقيام السيرة العقلائية على قبول كل خبر جاء من موثوق به، و من كان حسن الظاهر ممدوحا، و عدم ردع الشارع المقدس لهذه السيرة، بل امضاؤه لها في كثير من الموارد، و الروايات في الوسائل: 18 /باب 11 في صفات القاضي، و ما ذكر في الجوامع الرجالية و غيرها الدالة على اعتبار خبر الثقة مطلقا، و دعوى الشيخ رحمه اللّه الاجماع على عمل الطائفة و اعتبارهم لخبر الموثوق به و الممدوح كما في عدة الاصول: 58 الكاشفة عن حجية الخبر الموثق و الحسن، و تفصيل ذلك في كتب الاصول و المقدمات الرجالية كما في فوائد التنقيح للشيخ الجد (قدس سره)، و غيره. راجع مستدرك رقم (50) ترتيب القسمة الأولية بحسب الاختلاف في الحجية.

و منهم: من زاد على ذلك الضعيف المنجبر بالشهرة(1)، نظرا الى كشفها عن قرينة شاهدة بصدوره من مصدر الحق، و ان الشهرة القائمة على طبق الخبر لا تقصر في ايراث الوثوق عن التوثيق الرجالي. و أنكر الشهيد الثاني (رحمه اللّه) ذلك غاية الانكار، فقال في طيّ كلماته في الفقه:

ان الشهرة جابرة على ما زعموا، و قال في البداية - بعد نقل العمل بالضعيف المنجبر بالشهرة رواية، بأن يكثر تدوينها و روايتها بلفظ واحد أو الفاظ متغايرة متقاربة المعنى، أو فتوى بمضمونها في كتب الفقه عن جماعة كثيرة نظرا الى قوة الظن بصدق الراوي في جانب الشهرة و ان ضعف الطريق، فان الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع اشتهار مضمونه، كما تعلم مذاهب الفرق الاسلامية بأخبار

ص: 189


1- مع المفروغية عن عدم حجية الضعيف المحض، بل قام الاجماع بكلا قسميه عليه، و لعدم الدليل على جواز العمل به فيبقى تحت العنوان العام، أعني الظنون التي لا يجوز العمل بها، و لا تغني عن الحق شيئا. نعم ذكروا طريقين لجواز العمل بالضعيف المنجبر بالشهرة: و هما: الأول: ما ذكره شيخنا المصنف أعلى اللّه مقامه، من قيام الشهرة العملية لدى قدماء الفقهاء. و الثاني: كون الراوي له من أصحاب الاجماع اذا صح السند اليه و إن ضعف من بعده من الرواة على خلاف سيأتي في ألفاظ المدح باذن اللّه.

أهلها، مع الحكم بضعفهم عندنا، و إن لم يبلغوا حد التواتر(1)، ما لفظه -: (و فيه نظر؛ يخرج تحريره عن وضع الرسالة، فانها مبنية على الاختصار، و وجهه على وجه الايجاز: انا نمنع من كون هذه الشهرة التي ادعوها مؤثرة في جبر الخبر الضعيف، فان هذا إنما يتم لو كانت الشهرة متحققة قبل(2) زمان الشيخ (رحمه اللّه)، و الأمر ليس كذلك، فان من قبله من العلماء كانوا بين مانع من خبر الواحد مطلقا، كالمرتضى، و الأكثر على ما نقله جماعة، و بين جامع للأحاديث من غير التفات الى تصحيح ما يصح، و ردّ ما يرد، و كان البحث عن الفتوى مجردة لغير الفريقين قليلا جدا، كما لا يخفى على من اطلع على حالهم، فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشيخ (رحمه اللّه) على وجه يجبر ضعفه ليس بمتحقق، و لما عمل الشيخ (رحمه اللّه) بمضمونه في كتبه الفقهية، جاء من بعده من الفقهاء و اتبعه منهم عليها الأكثر تقليدا له، الا من شذّ منهم، و لم يكن منهم من يسبر الأحاديث و ينقب على الادلة بنفسه سوى الشيخ المحقق ابن ادريس (رحمه اللّه)، و قد كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقا، فجاء المتأخرون بعد ذلك و وجدوا الشيخ (رحمه اللّه) و من تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضعيف لأمر ما رأوه في ذلك لعل اللّه يعذرهم فيه، فحسبوا العمل به مشهورا، و جعلوا هذه

ص: 190


1- بهذا و أشباهه اعتذر الشيخ الطوسي رحمه اللّه في عمله بالخبر الضعيف، و عليه فيكون العمل بالخبر الحسن و الموثق و القوي بطريق أولى.
2- في المتن: في، و في نسخة الدراية المصححة: قبل، و مقتضى السياق الأخير لذا ذكرناه.

الشهرة جابرة لضعفه. و لو تأمل المنصف، و جرّب المنقب، لوجد مرجع ذلك كله الى الشيخ (رحمه اللّه)، و مثل هذه الشهرة لا تكفي في جبر خبر الضعيف، و من هذا يظهر الفرق بينه و بين ثبوت فتوى المخالفين بأخبار أصحابهم، فانهم كانوا منتشرين في أقطار الأرض من أول زمانهم، و لم يزالوا(1) في ازدياد، و ممن اطلع على أصل هذه القاعدة - التي بينتها و تحققتها من غير تقليد - الشيخ الفاضل المحقق سديد الدين محمود الحمصي، و السيد رضي(2) بن طاوس، و جماعة.

قال السيد (رحمه اللّه) - في كتابه البهجة لثمرة المهجة(3) -: (اخبرني جدي الصالح و رام بن أبي فراس (قدس اللّه روحه) أن الحمصي حدثه انه لم يبق للإمامية مفت على التحقيق، بل كلهم حاك). و قال السيد عقيبه: (و الآن فقد ظهر أن الذي يفتي به، و يجاب عنه، على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدمين). و قد كشفت لك بعض الحال، و بقي الباقي في الخيال، و إنما يتنبه لهذا المقال من عرف

ص: 191


1- كذا، لعل: و ما زالوا أولى، و اللّه العالم.
2- كذا، و الظاهر: رضي الدين. و هو السيد أبو القاسم (أبو الحسن، أبو موسى) رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاوس الحسني الفاطمي الداودي السليماني الحلي (595 او 589-664 ه) صاحب كتاب الاقبال و جمال الاسبوع و غيرها من كتب الأدعية و الحديث. انظر معجم المؤلفين: 248/7، الفوائد الرضوية: 330/1 الذريعة: 343/2، نهج المقال: 239 و غيرها.
3- الظاهر هو كتاب: كشف المحجة لثمرة المهجة - طبع النجف - و قد ذكر هذا الكلام بعينه صفحة: 127. و انظر كلامه قدس سره في مستدرك رقم (50): السالف.

الرجال بالحق، و ينكره من عرف الحق بالرجال)(1).

ثم قال في البداية: (و جوّز الأكثر العمل به، - أي بالخبر الضعيف - في نحو القصص و المواعظ و فضائل الأعمال، لا في نحو صفات اللّه تعالى، و أحكام الحلال و الحرام، و هو حسن. حيث لا يبلغ بالضعيف(2) حد الوضع و الاختلاق)، قال: (لما اشتهر بين العلماء المحققين من التساهل بأدلة السنن، و ليس في المواعظ و القصص غير محض الخبر، و لما ورد عن النبي من طريق الخاصة و العامة، أنه قال: من بلغه عن اللّه عز و جل فضيلة فأخذها و عمل بما فيها، إيمانا باللّه، و رجاء ثوابه، أعطاه اللّه تعالى ذلك و إن لم يكن كذلك(3). و روى هشام بن سالم - في الحسن - عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له أجره، و إن لم يكن على ما بلغه(4)

ص: 192


1- البداية: 9-28 [البقال: 94/1-96] بتصرف يسير.
2- في نسختنا من الدراية: الضعف، و هو أولى.
3- عدة الداعي: 4، و فيه رواية اخرى بهذا المضمون.
4- المحاسن للبرقي: 25، و الوسائل: 60/1 حديث 3، و هي تختلف متنا و سندا عمّا هنا، و تجد روايات الباب في البحار: 256/2، و عدة الداعي: 3، و جامع أحاديث الشيعة: 9/1 باب المقدمات، و اصول الكافي: 87/2(71/2، اسلامية). و ما رواه الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال: 72 [طبع بيروت: 162] عن علي بن موسى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن هشام عن صفوان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال: من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمله (خ. ل: فعمل به)، كان له أجر ذلك و إن كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لم يقله (خ. ل: و ان لم يكن على ما بلغه). و من هذا الباب ما ورد في عيون الأخبار: 75، و المحاسن - أيضا -: 246، و توحيد الشيخ الصدوق: 417. و الاقبال: 627، و الوسائل: 59/1-61. و أيضا ما رواه الكليني باسناده عن محمد بن مروان. (خ. ل: هارون) قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من بلغه ثواب من اللّه (عز و جل، خ. ل) على عمل فعمل ذلك العمل (خ. ل: و عمل) ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه و إن لم يكن (خ. ل: الحديث) كما بلغه. اصول الكافي - حجري -: 351، 87/2(71/2 اسلامية)، باب من بلغه ثواب من اللّه على عمل، و قد جاءت هذه النصوص عن طريق العامة ايضا بطرق متظافرة، منها ما ذكره في فتح المغيث 8/2-317 و غيره مما أدرجناه في المستدرك فلاحظ.. الى غير ذلك من الروايات التي فيها الصحيح أو الحسن، فيكون الاستناد جيدا، حيث العمل في الحقيقة يكون بهذه الأخبار لا بما تضمنه الخبر الضعيف، فتدبر. نعم يمكن أن يقال: إن ثبوت الشرعية في العمل مقدمة على العمل بما دلّ عليه الخبر الضعيف بطريق صحيح ليرتب الثواب عليه بهذا الخبر و إن لم يكن صحيحا، جمعا بين هذه الأخبار و بين ما دل على اشتراط العدالة في الراوي، فبطل الاستدلال في الجملة، و يتم عند من لم يمنع من العمل بها و لم يشترط العدالة في الراوي و يجعل الاعتماد في الحكم دائرا مدار حصول الظن من أي طريق جاء و حصول الاطمئنان بذلك. مستدرك رقم (51) بحث في القاعدة عند الاصوليين.

انتهى ما في البداية(1).

و أقول: أما ما ذكره من منع كون هذه الشهرة الّتي ادّعوها مؤثّرة في الخبر الضعيف، ففيه: انّ هذا المنع مما لا وجه له، فان من

ص: 193


1- البداية: 29 [البقال: 96/1] بتصرف يسير.

لاحظ كثرة القرائن للمقاربين لعهد الأئمة (عليهم السلام) و اختفاءها علينا، اطمأنّ من اشتهار العمل بالخبر الضعيف بصدوره من مصدر الحق، و المنصف يجد أن الوثوق الحاصل من الشهرة ليس بأقل من الوثوق الحاصل من توثيق رجال السند.

و أما ما جعله سندا للمنع من عدم تحقّق الشهرة في زمان الشيخ (رحمه اللّه) ففيه: على فرض التسليم، انه لا حاجة الى تحقّقها في زمانه، بل يكفي تحقّقها من فتواه و فتوى موافقيه، ضرورة أن المدار على الوثوق و الاطمينان، فاذا حصل من الشّهرة الحاصلة بعد زمن الشيخ (رحمه اللّه) فما المانع من جعلها بمنزلة توثيق الشيخ (رحمه اللّه) و من تأخر عنه ؟

و أما منع جمع - منهم علم الهدى - من العمل بخبر الواحد فهو مما ينفعنا، ضرورة انا إذا وجدنا أن المانع من العمل بخبر الواحد و هم أكثر المتقدمين - على زعمه - قد عمل بكثير من الأخبار التي هي في زماننا آحاد، كشف ذلك عن كثرة القرائن المفيدة للقطع في أزمنتهم و قد اختفت علينا، فيورث عمل جمع منهم بخبر - هو الآن يعد ضعيفا الاطمينان بأن هناك قرائن مورثة للقطع بصدور ذلك الخبر من المعصوم.

و أما نسبة التقليد الى من تأخر عن الشيخ (رحمه اللّه) فيجلّ عنه مثله، لأنه سوء ظن بحملة الشرع، و ليس التقليد الا الأخذ بقول الغير من غير دليل(1)، و من البين أن من تأخر عن الشيخ (رحمه اللّه) لم يأخذوا بقوله تقليدا، بل اعتمادا على ما اعتمد عليه من

ص: 194


1- هذا أحد الأقوال الأربعة في تعريف التقليد، فليراجع.

الأخبار وثوقا بتصحيحه، و ليت شعري ما الفرق بين الخبر الذي وثق الشيخ (رحمه اللّه) آحاد رجاله، و بين الخبر الذي شهد بصحة طريقه، و عمل به هو و جمع ممن تأخر عنه ؟! و لو لم يكن العامل بالخبر الضعيف وثوقا بعمل جمع كثير مجتهدا بل مقلدا، للزم كون أكثر فقهائنا حتى الفاضلين(1) (رحمهما اللّه)(2) مقلدين، لأنهم لم يعرفوا أحوال أغلب الرجال الا وثوقا بشهادة الشيخ و النجاشي و الكشي(3)... و أضرابهم. و ان كان الاجتهاد عبارة عن اساءة الأدب مع الأكابر، لانحصر في الحلي (رحمه اللّه) و واحد ممن عاصرناه(4). و لقد أجاد ولد الشهيد الثاني (رحمه اللّه)(5) حيث علق

ص: 195


1- بالتثنية أي المحقق الحلي: أبو القاسم جعفر بن الحسن، المتوفى سنة 676 ه. و العلامة الحلي: الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المتوفى سنة 726 ه. و قيل: العلامة الحلي و ولده فخر المحققين: أبو طالب محمد بن الحسن المتوفى سنة 771 ه. انظر بحث الاشارات في كتابنا: معجم الرموز و الاشارات.
2- في الطبعة الأولى: حتى العلامة رحمه اللّه.
3- انظر ترجمتهم: في خاتمة الكتاب.
4- و في الطبعة الاولى: و بعض الأواخر.
5- هو الشيخ أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين بن علي الشامي الجبعي العاملي (959-1011 ه) صاحب كتاب منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان، و معالم الاصول، و التحرير الطاوسي و غيرها، انظر أعيان الشيعة 374/21، روضات الجنات: 14/2، خلاصة الاثر: 21/2، و مقدمة معالم الاصول و التحرير حيث فيهما ترجمة مفصلة له رحمه اللّه.

على نسبة التقليد الى من تأخر عن الشيخ، و نقل تلك النسبة عن الحمصي و ابن طاوس ايضا - ما لفظه -: (العجب من هؤلاء كيف تلقوا هذه الخيالات الواهية، و شنعوا بها على المجتهدين)(1).

و أما ما نقله عن الأكثر و حسّنه من العمل بالخبر الضعيف، و ان لم ينجبر في السنن و القصص و المواعظ، ففيه نظر ظاهر، ضرورة أن كون المواعظ و القصص محض الخبر ليس إلا؛ لا يسوغ نسبة الخبر الى المعصوم (عليه السلام) من دون طريق معتبر، و ورود الاذن بالمسامحة في أدلة السنن عن النبي المختار (صلوات اللّه عليه و آله) و الأئمة الأطهار (سلام اللّه تعالى عليهم) ممنوع، و الأخبار التي استدل بها عليه قاصرة عن إفادة مطلوبة، و إن وافقه في الاستدلال به الأكثر، إلا أنهم عند التأمل و التحقيق اشتبهوا في فهم معناها، كما أوضحناه في محله.

و مجمل المقال في حلّه: إن البلوغ فيها ليس هو البلوغ و لو بطريق لا يطمأن به، بل المراد به البلوغ العقلائي المطمأن به نحو البلوغ في الالزاميات، و ليس المراد بما فيه فضيلة خصوص المندوبات، بل كل ما فيه فضل اعم منها و من الواجبات، فالمراد بتلك الأخبار - و اللّه العالم - انه إذا بلغ المكلف بالطريق العقلائي المطمأن به رجحان عمل مع المنع من تركه، أو مع عدم المنع من

ص: 196


1- في تعليقته الخطية على البداية لوالده الشهيد الثاني رحمهما اللّه، و لم يتأت لي رؤيتها.

تركه، و امتثله العبد اطاعة و انقيادا و رجاء للأجر الموعود عليه، و ظهرت يوم القيامة مخالفة البالغ المأتي به للواقع و نفس الأمر، لم يضيع اللّه الكريم المنان عمل ذلك العامل لمجرد تخلفه عن الواقع، بل تفضّل عليه بالأجر المأتي بالعمل برجائه، و من البيّن أن وعد اللّه تعالى بالتفضل بالأجر المرجو لا يدل بشيء من الدلالات على رجحان نفس ذلك العمل، و كونه واجبا أو مستحبا، و كيف يعقل وجوب أو استحباب ما لا مصلحة فيه أصلا؟! نعم اقدام العبد على الاطاعة بذلك العمل فيه حسن و رجحان، و التفضل بالأجر إنما هو بالنظر اليه، و إن لم يكن نفس العمل راجحا، فظهر أن التسامح في أدلة السنن و الكراهة مما لا وجه له، و أن حالها حال الأحكام الالزامية في توقف ثبوتها و التعبد بها على دليل شرعي. غاية الأمر في المقامين جواز الاتيان بهما لمجرد احتمال الوجوب و الندب، و الترك لمجرد احتمال الحرمة و الكراهة، لحكم العقل بحسن انقياد العبد لمولاه باتيانه بمحتمل المطلوبية، و تركه لمحتمل المبغوضية، لكن ذلك لا يثبت الاستحباب و الوجوب الشرعيين و لا الكراهة و الحرمة الشرعيتين، و حينئذ فتظهر الثمرة في ترتيب آثار الاستحباب و الوجوب و الكراهة و الحرمة، و لذا اثبتنا في مبحث الاغسال الاستحباب التسامحي العقلي لجملة من الأغسال و الوضوءات، و لم نرتب عليها آثار الاغسال و الوضوءات الشرعية، و لم نجوّز الدخول بها في المشروط بالطهارة، و جوزنا الدخول بالأغسال و الوضوءات المستحبة بالاستحباب الشرعي، لارتفاع الحدث بهما، و اغناء كل غسل عن الوضوء على المختار.

ص: 197

بقي هنا شيء ينبغي التنبيه عليه، و هو: ان ثاني الشهيدين (رحمه اللّه) - بعد نقله في البداية عن الأكثر عدم العمل بالحسن و الموثق لاشتراطهم في قبول الخبر الايمان و العدالة كما قطع به العلامة (رحمه اللّه) في كتبه الاصولية - قال: و العجب أن الشيخ (رحمه اللّه) اشترط ذلك ايضا في كتبه الاصولية، و وقع له في الحديث و كتب الفروع الغرائب، فتارة: يعمل بالخبر الضعيف مطلقا حتى أنه يخصّص به أخبارا كثيرة صحيحة حيث تعارضه باطلاقها، و تارة:

يصرح برد الحديث لضعفه، و اخرى: برد الصحيح معللا بأنه خبر واحد لا يوجب علما و لا عملا، كما هي عبارة المرتضى، و فصل آخرون في الحسن كالمحقق في المعتبر و الشهيد في الذكرى فقبلوا الحسن بل الموثق، و ربما ترقّوا الى الضعيف ايضا اذا كان العمل بمضمونه مشتهرا بين الأصحاب، حتى قدموه على الخبر الصحيح، حيث لا يكون العمل بمضمونه مشتهرا. انتهى المهم من كلامه علا مقامه(1).

و علّق عليه ولده ما يدفعه فقال: اعلم - ارشدك اللّه الى معرفة الحق، و إصابة الصواب في جميع الأحكام الشرعية - ان عمل فقهاء الامامية في الأحكام الفرعية بالأخبار الضعيفة، و ردّ بعض الأخبار الصحاح و.. نحوها مما لا مرية فيه، و لا شبهة تعتريه، و ليس ذلك نقضا لقواعدهم الاصولية، و لا خبطا في الامور الدينية، و لا خلطا في الفتاوي الشرعية، حتى نطلب لهم من اللّه سبحانه المسامحة كما تخيّله الشارح (سامحه اللّه)، بل لما قامت عليه الأدلة و البراهين من وجوب

ص: 198


1- البداية: 26 [البقال: 92/1] بتصرف.

العمل بأقوى الظنين، و الظنون من الامور الوجدانية كالشبع و الجوع و اللذة و الألم، فمتى ترجّح عند الفقيه الظن بصدق خبر واحد - و إن كان ضعيفا على مقابله و إن كان صحيحا - وجب العمل بذلك الضعيف، و ترك ما قابله، و المرجّحات كثيرة، و وجوب التثبت عند خبر الفاسق المستفاد من الآية الكريمة محمول على ما قلناه، و هو عند تجرده عن جميع الوجوه المفيدة للترجيح(1).

و أقول: ان ما ذكره (قدس سره) في غاية المتانة، و نهاية القوة، و القرائن الموجبة للوثوق كثيرة، و قد أشرنا الى عدة منها في صدر هذا الفصل، مثل وجوده في أصل أو اصلين فصاعدا بطرق متعددة، أو وجوده في أصل أحد الجماعة الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم.. الى غير ذلك مما مر، و مثلها الألفاظ الدالة على وجاهة الراوي عند من لا يجعلها دالة على التوثيق، كقولهم: عين، و وجه، و شيخ الاجازة، و.. نحو ذلك عند من لا يفهم منها التوثيق، فانها قرائن توجب تقوية الظن بصدق الخبر، فتدبر(2).

ص: 199


1- تعليقة الشيخ حسن على البداية - خطية -.
2- راجع مستدرك رقم (52) حكم العمل بالضعيف عند العامة. و مستدرك رقم (53) حكم العمل بالضعيف عند الخاصة. و مستدرك رقم (54) الفوائد الاثنا عشر في الضعيف. و مستدرك رقم (55) خاتمة الفصل: معنى الحديث: الجيد، القوي، المجود، الثابت، الصالح، المشبّه، المستحسن، المتظافر، المعمول به، المجمع عليه.

ص: 200

الفصل الخامس مصطلحات علماء الحديث غير ما مرّ

اشارة

انهم قد اصطلحوا عبارات اخر غير ما مرّ في الفصلين السابقين، لمعان شتى لا بد من التعرض لها(1).

و هي على قسمين:

الأول: ما يشترك فيه الأقسام الأربعة المزبورة في الفصل السابق، أما جميعها أو بعضها، بحيث لا يختص بالضعيف(2).

الثاني: ما يختص بالضعيف و لا يطلق على غيره، و قد عدّ في البداية(3) هذا القسم ثمانية أنواع، و القسم الأول ثمانية عشر نوعا،

ص: 201


1- و تسمى أقسام أو أنواع أو أصناف الحديث أو اضراب الحديث و معانيها متقاربة، و ربما تستعمل بمعنى واحد، و سماها بعض بعلوم الحديث.
2- اقول: من هذه الأقسام ما هو خاص بالصحة، أو خاص بالحسن أو الضعيف، و منها ما هو مشترك بين الصحيح و الحسن و قد ذكرنا في مستدركنا السابق (55) ما هو خاص بالصحيح أو الأعم منه و الحسن، و هنا نتعرض تبعا للمصنف رحمه اللّه لما اشترك منها مما لم يتعرض له. فتدبر.
3- البداية: 29 [البقال: 97/1].

فيكون المجموع ستة و عشرون نوعا، و هي مع الاصول الأربعة المزبورة(1) في الفصل السابق ثلاثون نوعا، ثم قال: ان ذلك على وجه الحصر الجعلي أو الاستقرائي، لامكان ابداء أقسام اخر(2).

قلت: الألفاظ تزود على ما ذكره بكثير، فان المختص بالضعيف ثلاثة عشر، و المشترك بين الأربعة اثنان و أربعون، و الاصول خمسة خامسها القوي، فذلك ستون، و باضافة ما مر في المقام الخامس من خبر الواحد و المحفوف بالقرائن و المتواتر و المستفيض و العزيز تكون خمسة و ستين، و لو أضفنا الى ذلك أقسام الصحيح و الموثق و الحسن لزاد على ذلك أيضا(3).

و كيف كان فهنا مقامان:

المقام الأول: في العبارات المشتركة.

اشارة

فمنها:

1 - المسند:

و قد عرفوه بأنه: ما اتصل سنده بذكر جميع رجاله في كل مرتبة الى أن ينتهي الى المعصوم (عليه السلام) من دون أن يعرضه قطع

ص: 202


1- و يقال لها: اصول علم الحديث أو القسمة الأولية، هذا إذا لم نقل إنها خمسة كما اخترناه.
2- البداية: 29-30 [البقال: 98/1].
3- راجع مستدرك رقم (56) في أنواع علم الحديث.

بسقوط شيء منه، و إليه يرجع ما في البداية من أنه ما اتصل سنده مرفوعا من رواية الى منتهاه الى المعصوم (عليه السلام)، قال:

فخرج باتصال السند المرسل و المعلق و المعضل. و بالغاية الموقوف، اذا جاء بسند متصل فانه لا يسمى في الاصطلاح مسندا(1). و ربما زاد بعضهم عطف غير المعصوم عليه، اذا كان هو صاحب الخبر المنقول، كالأخبار عن قول أو فعل بعض الصحابة او الرواة أو غيرهم، و لا بأس بذلك بناء على ادخال ذلك كله في الخبر و الحديث و الرواية في الاصطلاح، كما مرّ ترجيحه عند البحث عنه في الفصل الأول(2)، و في البداية: ان أكثر ما يستعمل المسند فيما جاء عن النبي قال: و ربما اطلقه بعضهم على المتصل مطلقا، و آخرون على ما رفع الى النبي و ان كان السند منقطعا(3).

قلت: قد سبقه في نسبة استعمال المسند فيما جاء عن النبي الى اكثر الاستعمالات جمع من العامة كابن الصلاح(4) و محيي الدين

ص: 203


1- البداية: 30 [البقال: 98/1] القوانين: 486، و هو اختيار جمع من العامة منهم الحاكم في علوم الحديث: 48 و غيره.
2- صفحة 58 من هذا المجلد.
3- البداية: 30 [البقال: 9/1-98]، و قد نسبه في الرواشح: 127 الى الحاكم من العامة. انظر معرفة علوم الحديث: 18، و الكفاية للبغدادي: 21، و غيرهم.
4- الحافظ المعروف أبو عمر تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوري المشهور بابن الصلاح (577-643 ه) محدث فقيه عارف بالرجال و الدراية، له جملة مؤلفات و ترجمة ضافية في مقدمة كتابه (المقدمة) انظر: تذكرة الحفاظ: 214/4، علوم الحديث: 70، معجم المؤلفين: 257/6، الاعلام: 369/4.

النووي(1) و غيرهما(2). و البعض الذي عمّم المسند للمقطوع هو ابن عبد البر من علماء العامة في محكي التمهيد(3) و عليه فيستوي المسند و المرفوع(4).

و اعترضه شيخ الاسلام(5) - فيما حكي عنه - بأن لازمه أن

ص: 204


1- الحافظ محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الحوراني الشافعي (631-676 ه)، له في علوم الحديث تصانيف كثيرة أشهرها شرح صحيح مسلم، و شرح ألفية العراقي، و غيرهما، و هو مشارك في بعض العلوم. انظر: الاعلام: 184/9، معجم المؤلفين: 202/13، علوم الحديث: 70، شذرات الذهب: 354/5.
2- تدريب الراوي شرح تقريب النووي: 182/1، و مقدمة ابن الصلاح: 17. [عائشة: 119] و محاسن الاصطلاح للبلقيني ذيل المقدمة.
3- التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد، في عشرين مجدا، لابي عمر يوسف بن عبد البر النمري الاندلسي المتوفى سنة 463 ه، و لم أحصل على نسخته، و له تلخيص له سماه تجريد التمهيد أو التفصي، رأيته مطبوعا في المكتبة الرضوية - في مشهد تحت رقم 21807، و قد حكى السخاوي عن التمهيد في فتح المغيث: 99/1 و غيره. الا أنه قال: و المسند كما قاله أبو عمر بن عبد البر في التمهيد هو المرفوع الى النبي خاصة، و اختاره العراقي و السخاوي و غيرهم.
4- بل يشمل الموقوف و المقطوع ايضا، فلاحظ.
5- هو ابن حجر العسقلاني (773-852 ه) ابو الفضل أحمد بن علي بن محمد ابن محمد بن علي بن شهاب الدين الكناني الشافعي، من أئمة الحديث و حفاظه، كثير التصنيف في فنون شتى. انظر الاعلام: 174/1، دائرة المعارف الاسلامية: 131/1، الرسالة المستطرفة: 121، معجم المؤلفين: 21/2.

يصدق على المرسل و المعضل و المنقطع اذا كان مرفوعا، و لا قائل به(1).

قلت: قد استقرّ اصطلاح الخاصة على ما سمعت تعريفهم إياه به(2). و عليه فمن شرط المسند أن لا يكون في اسناده: اخبرت عن فلان، و لا حدثت عن فلان، و لا بلغني عن فلان، و لا أظنه مرفوعا، و لا رفعه فلان، كما هو واضح(3).

و منها:

ص: 205


1- راجع كلماتهم في المستدرك رقم (57) في المسند.
2- كقول الشيخ البهائي في الوجيزة: 4: و ان علمت سلسلته بأجمعها فمسند. و نظيره في جامع المقال: 4، وصول الأخيار: 85 [التراث: 100] و الرواشح السماوية: 127، و غيرهم.
3- و أضاف الى ذلك في معرفة علوم الحديث: 18: ان لا يكون في روايته مدلس، بل كل ما يفسده. و هناك شروط اخر ذكرت للمسند لا شرطية فيها أو ليست بشروط للمسند خاصة، هذا عدا ما قلناه من عدم كونه موقوفا و لا مرسلا و لا معضلا. و العجب من الهندي - و لا عجب - اذ عرّف المسند في تذكرة الموضوعات: 5: ما اتصل سنده مرفوعا اليه صلى اللّه عليه (و آله) و سلم أو موقوفا. و قد قسم الأسترابادي في لب اللباب: 13 - خطي - المسند - بعد تعريفه - الى أقسام: المستفيض و الغريب و المشهور و الشاذ و المردود و المعتبر و غيرها، و لم أجد من تابعه على ذلك.

2 - المتصل:

و يسمى الموصول ايضا، و هو - على ما صرح به جمع(1) - ما اتصل سنده بنقل كل راو عمن فوقه(2)، سواء رفع الى المعصوم (عليه السلام) كذلك، أو وقف على غيره(3)، فهو لا يخص بالانتهاء الى المعصوم (عليه السلام) أو غيره ممن هو صاحب الخبر و الحديث، بل يعمّه المرفوع(4) و الموقوف و في البداية: أنه قد يخص بما اتصل اسناده الى المعصوم (عليه السلام) أو الصحابي دون غيرهم. هذا مع الاطلاق، أما مع التقييد فجائز مطلقا واقع، كقولهم: هذا متصل الاسناد بفلان و نحو ذلك(5).

ص: 206


1- انظر: اختصار علوم الحديث: 48، علوم الحديث: 1-220، و حكاه عن التوضيح: 155/1، المقدمة: 121 و حاشيتها محاسن الاصطلاح للبلقيني، و كذا في الرواشح السماوية: 127، و فتح المغيث: 102/1، و دراية الدربندي: 7 - خطي - و غيرهم.
2- سواء كان سمعه ممن فوقه أو ما في معنى السماع كالمناولة و الاجازة، كذا عرّفه الأسترابادي في لب اللباب: 14-15 - خطي - فيكون أعم من المسند كما قاله في قوانين الاصول: 486 و استدركناه، و بذا يخرج المرسل و المنقطع و المعضل و المعلق و نحوها عنه.
3- المراد بالوقف هنا الوقف بالمعنى الأعم، أي كل ما روى عن الصحابي أو التابعي من قول أو فعل، و الموقوف على غير المعصوم عليه السلام يسمى مقطوعا اصطلاحا، و سيأتي بيانهما.
4- كذا، و الظاهر: بل يعم المرفوع، فتدبر، أو يقال: بل يعمه و المرفوع، و لعل العبارة كانت كذلك.
5- البداية: 30 [البقال: 99/1]، و هو صريح العراقي في الألفية و شرحها: 102/1 و جمع من العامة.

و أقول: من خصّ فانما نظر الى أن هذه العبارات من أوصاف الخبر و الحديث، و قد مرّ قصر جمع اطلاق هذا الاسم على ما كان عن المعصوم أو الصحابي(1).

و منها:

3 - المرفوع:

و له اطلاقان:

احدهما: ما سقط من وسط سنده أو آخره واحد أو أكثر مع التصريح بلفظ الرفع، كأن يقال: روى الكليني (رحمه اللّه) عن علي بن ابراهيم عن ابيه، رفعه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، و هذا داخل في أقسام المرسل بالمعنى الأعم.

و الثاني: ما اضيف الى المعصوم (عليه السلام) من قول أو فعل أو تقرير، أي وصل آخر السند اليه، سواء اعتراه قطع أو إرسال في سنده أم لا، فهو خلاف الموقوف، و مغاير للمرسل تباينا جزئيا(2)، و أكثر ما يستعمل في المعنى الثاني، و لذا اقتصر جمع على بيانه من غير إشارة الى الأول. قال في البداية: المرفوع هو ما اضيف الى المعصوم (عليه السلام) من قول، بأن يقول في الرواية: انه (عليه السلام) قال كذا، أو فعل، بأن يقول: فعل كذا، أو

ص: 207


1- راجع ما ذكرناه في مستدرك رقم (57) عن الموصول و المتصل.
2- استدركنا في بحث المرسل: تعارض المتصل و المرسل، و في بحث الموقوف: تعارض المرفوع و الموقوف، و النسبة بينهما، فراجع.

تقرير، بأن يقول: فعل فلان بحضرته كذا و لم ينكره عليه، فانه يكون قد أقرّه عليه، و أولى منه ما لو صرح بالتقرير، سواء كان اسناده متصلا بالمعصوم بالمعنى السابق أو منقطعا بترك بعض الرواة أو ابهامه، أو رواية بعض رجال سنده عمن لم يلقه(1). لكن استعماله في المعنى الأول في كتب الفقه أشيع.

ثم انه قال في البداية: انه قد تبين من التعريفات الثلاثة - يعني للألفاظ الثلاثة المزبورة - ان بين الأخيرين - يعني المتصل و المرفوع - منها عموما من وجه، بمعنى صدق كل منهما على شيء مما صدق عليه الآخر مع عدم استلزام صدق شيء منهما صدق الآخر.

و مادة تصادقهما هنا فيما اذا كان الحديث متصل الاسناد بالمعصوم، فانه يصدق عليه الاتصال و الرفع، لشمول تعريفهما له، و يختص المتصل بمتصل الاسناد على الوجه المقرّر، مع كونه موقوفا على غير المعصوم، و يختص المرفوع بما اضيف الى المعصوم (عليه السلام) باسناد منقطع، و تبيّن أيضا انهما أعم من الأول(2)، و هو المسند مطلقا،

ص: 208


1- البداية: 30 [البقال: 99/1]. قال في نهاية الدراية: 7-46: فان اضيف - أي الحديث - الى المعصوم سواء اتصل اسناده، بأن كان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه أم كان منقطعا بترك بعض الرواة أو إبهامه فهو المرفوع عندنا، و عرّفه الجمهور: بما اضيف الى النبي خاصة دون الصحابة و التابعين، و إن كانوا العترة الطاهرة، لأنهم نبذوا العترة الطاهرة...!. لاحظ مستدرك رقم (58) المرفوع عند العامة و الخاصة.
2- مطلقا، كذا في نسخ البداية عندنا.

بمعنى استلزام صدقه صدقهما من غير عكس، و وجه عمومهما كذلك اشتراك الثلاثة في الحديث المتصل الاسناد على الوجه السابق الى المعصوم، و اختصاص المتصل بحالة كونه موقوفا، و المرفوع بحالة انقطاعه(1). و ما ذكره موجّه(2).

و منها:

4 - المعنعن:

و هو - على ما صرح به جمع(3) - ما يقال في سنده عن فلان، عن فلان.. الى آخر السند، من غير بيان متعلق الجار من رواية أو تحديث أو اخبار أو سماع أو نحو ذلك. و بذلك يظهر وجه تسميته معنعنا، فهو مأخوذ من العنعنة، مصدر جعلي، مأخوذ من تكرار حرف المجاوزة، و له نظائر كثيرة، و ليس هنا محل تحقيق محتملاته،

ص: 209


1- البداية: 31 [البقال: 1/1-100].
2- انظر مستدرك رقم (59) اقسام المرفوع، و سوف نذكر في مستدرك رقم (117) تعارض المرفوع و الموقوف فلاحظ.
3- كالسيد الداماد في الرواشح السماوية: 127، و الأسترابادي في لب اللباب 15 - خطي -، و الميرزا القمي في القوانين: 486، و الطريحي في الحاشية الخطية على مجمع البحرين مادة سنن، و الشيخ البهائي في الوجيزة: 4، و الشيخ عبد الصمد في وصول الأخيار: 85 [التراث: 100]، و الكني في توضيح المقال: 57. و في علوم الحديث: 222، و حكاه عن التوضيح: 230/1، و قواعد التحديث: 123، و فتح المغيث: 155/1، و الكفاية: 406، و اصول الحديث: 356، و معرفة علوم الحديث: 34، و التدريب: 214/1، و مقدمة ابن الصلاح: 152، الا ان العامة اشترطت فيه سلامته من التدليس و غيره مما سيأتي بيانه، و ما فيه من الايراد.

و قد صرح بعضهم(1) بأن من المعنعن أيضا ما إذا فصل بالضمير، بأن قال: روى الكليني (رحمه اللّه) عن علي بن ابراهيم، و هو عن أبيه، و هو عن ابن أبي عمير و.. هكذا(2).

ثم انه قد وقع الخلاف في حكم الاسناد المعنعن على قولين:

أحدهما: انه متصل اذا امكن ملاقاة الراوي بالعنعنة لما رواه مع براءته من التدليس(3)، بأن لا يكون معروفا به، و الا لم يكف اللقاء، لأن من عرف بالتدليس قد يتجوز في العنعنة مع عدم الاتصال، نظرا الى ظهور صدقه في الاطلاق، و إن كان خلاف الاصطلاح و المتبادر من معناها. و قد اختار هذا القول جمع، بل في البداية - بعد اختياره -: ان عليه جمهور المحدثين، بل كاد يكون

ص: 210


1- و هو المولى ملا علي كني في كتابه: توضيح المقال: 57.
2- أقول: إنه كما تستعمل العنعنة كذلك قد تستعمل في الاجازة و القراءة و السماع و المناولة و غيرها، قال ابن الصلاح في مقدمته: 152: و كثر في عصرنا و ما قاربه بين المنتسبين الى الحديث استعمال عن عندهم في الاجازة، فاذا قال احدهم: قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك، فظن به أنه رواه عنه بالاجازة، و لا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال. قال الشيخ عبد الصمد في درايته: 6-85 [التراث: 100]: و أما عندنا، فالذي يظهر أنه يستعمل في الأعم منها - أي الاجازة - و من القراءة و السماع. و قال في الرواشح: 128 - بعد نقل كلام ابن الصلاح -: و لعل ذلك في عصره و في اصطلاحات اصحابه و استعمالاتهم، و أما عندنا و في أعصارنا و في استعمالات أصحابنا فأكثر ما يراد بالعنعنة الاتصال. و هو كذلك.
3- أضاف في علوم الحديث: 222 هنا تبعا لجمع: عدالة الرواة، و لا داعي له، إلا على القول بأن المعنعن من أقسام الصحيح، و لم يقل به أحد، على أن الكلام في الأعم.

اجماعا(1). و في التدريب أنه خيرة الجماهير من أصحاب الحديث و الفقه و الاصول(2)، و قد ادعى جمع من العامة(3) اجماع أئمة الحديث عليه، و مستندهم حمل قوله على الصحة(4).

و ثانيهما: انه من قبيل المرسل و المنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره، ارسله جمع قولا(5) و لم نظفر بقائله، و مستنده: ان العنعنة أعم

ص: 211


1- البداية: 31 [البقال: 102/1] قوانين الاصول: 486، و كذا الخطيب في الكفاية: 406، و اصول الحديث: 356 و غيرهم، قال في معرفة علوم الحديث: 34: و هي متصلة باجماع ائمة أهل النقل على تورع رواتها عن أنواع التدليس. و قال ابن الصلاح في المقدمة: 152: و أودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم فيه و قبلوه.
2- تدريب الراوي: 214/1.
3- مبدأ الاجماع ابن عبد البر في مقدمة التمهيد - كما قيل - و قد تبعه السخاوي في فتح المغيث: 156/1 و نسبه الى جمع، و سبقهم الخطيب في الكفاية: 406، و كذا ابن الصلاح في المقدمة: 152 و غيرهم.
4- و قيده في قواعد التحديث: 123 ب: براءة المعنعن من التدليس، و الا فليس بمتصل. و حكي عن شعبة - كما في فتح المغيث: 158/1 - من قوله: كل اسناد ليس فيه حدثنا و أخبرنا فهو خلّ و بقل! و قيل: فلان عن فلان ليس بحديث. و على كل حال فقد قال والد البهائي: 85-86 [التراث: 100-101]: و في اشتراط ثبوت اللقاء و طول الصحبة و معرفته بالرواية عنه خلاف بين المحدثين، و الأصح عدم اشتراط شيء من ذلك بحمل فعل المسلم على الصحة. و أما عندنا فلا شبهة في اتصاله بالشرطين المذكورين - أي اذا امكن اللقاء و أمن من التدليس -. بل عندنا - العنعنة - يقصد بها الاتصال غالبا، خصوصا في لسان من لا يقول بالمراسيل.
5- قاله في البداية: 31، و جاء في معرفة علوم الحديث: 47، و مقدمة ابن الصلاح: 152 و الخلاصة في اصول الحديث: 47، كما حكى الأخير في حاشية البداية: 102/1، و كذا في قواعد التحديث: 123 من ذهابهم الى أن الحق أن هذا القول ينحل الى أقوال، لأن منهم من نزله بمنزلة المرسل، و آخرون - كالحاكم في علومه - نزله بمنزلة المنقطع، و ثالث عمم و نزله بمنزلتهما.

من الاتصال لغة. و فيه: ان الأعمية لغة لا تنفع بعد ظهوره في الاتصال المستلزم وضع قرينة على عدمه حيث استعمل في غير المتصل، مثل كلمة بلغني في قوله: بلغني عن فلان.

ثم ان أهل القول الأول اختلفوا:

فمنهم: من اكتفى بامكان اللقاء(1)، اختاره كثير من أهل الحديث، بل عن مسلم بن الحجاج(2) من العامة أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالاخبار قديما و حديثا أنه يكفي أن يثبت كونهما في عصر واحد، و إن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها(3).

ص: 212


1- كما عن الشهيد في درايته: 31 [البقال: 102/1]. و يطلق اليوم عليها - المعاصرة - أي يثبت كونهما في عصر واحد، و إن لم يثبت اجتماعهما و تشافههما - و فرق بين هذا و ثبوت اللقاء أو امكانه، فتدبر كلامه أعلى اللّه مقامه.
2- صاحب الصحيح، و هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيشابوري (204-261 ه) من ائمة العامة في الحديث - و له غير صحيحه جملة مصنفات في التراجم و الحديث و الرجال، انظر: تذكرة الحفاظ: 150/2، تهذيب التهذيب: 126/10، و البداية و النهاية: 33/11، و عدّ في معجم المؤلفين: 232/12 جملة مصادر اخرى.
3- حكي عن صحيح مسلم بن الحجاج ذلك، حكاه غير واحد كثاني الشهيدين في رعايته، و هو القول المشهور، و السيد في الرواشح: 128. و كذا ما يأتي عنه. قال في المقدمة: 157: و ان القول الشائع المتفق عليه... الى آخر ما ذكره المصنف رحمه اللّه نقلا عن الشهيد.

و منهم: من شرط ثبوت اللقاء، و لم يكتف بامكانه(1)، حكي ذلك عن البخاري(2) و ابن المديني(3)، و عزاه بعضهم الى المحققين من أهل هذا العلم(4)، و ما أبعد ما بينه و بين قول مسلم بن الحجاج إنه: قول مخترع لم يسبق قائله.

و منهم: من زاد على ثبوت اللقاء اشتراط طول الصحبة بينهما،

ص: 213


1- اي كون الراوي قد أدرك المروي عنه بالعنعنة ادراكا بينا.
2- محمد بن اسماعيل بن ابراهيم، أبو عبد اللّه (194-256 ه) من حفاظ الحديث و شيوخهم عند العامة، قيل عن كتابه الجامع الصحيح: انه أصح الكتب بعد القرآن المجيد!. و له التواريخ الثلاثة، و كتاب الكنى، و كتاب الضعفاء.. و غير ذلك. انظر: معجم المؤلفين: 53/9، وفيات الأعيان: 576/1، تهذيب التهذيب: 47/9، مرآة الجنان: 167/2، الاعلام: 258/6، تذكرة الحفاظ: 122/2 و غيرها.
3- هو ابو الحسن علي بن عبد اللّه بن جعفر السعدي المديني المعروف بابن المديني (161-234 ه) محدث حافظ، و مؤرخ نسابة - مشارك في العلوم - له غريب الحديث و اختلاف الحديث و المسند في الحديث، و غيرها، قيل له نحو مائتي مصنف، انظر: الفهرست: 231/1، ميزان الاعتدال: 229/2، تذكرة الحفاظ: 15/2، تهذيب التهذيب: 349/7، الاعلام: 118/5، تاريخ بغداد: 458/11 و غيرها.
4- صرح بذلك كله النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: 214/1، و سبقه ابن الصلاح في المقدمة: 152 و 157.

و لم يكتف بثبوت اللقاء، و هو أبو المظفر السمعاني(1).

و منهم: من زاد على اللقاء و طول الصحبة معرفته بالرواية عنه. و هو ابو عمرو الداني على ما حكي عنه(2).

و الأظهر من بين هذه الأقوال هو القول الأول، لأصالة عدم اشتراط أزيد من امكان اللقاء. بعد ظهور قوله عن فلان في الرواية عنه بلا واسطة، بل الأظهر عدم كون امكان اللقاء شرطا حتى ينفى عند الشك بالأصل، و إنما عدم اللقاء مانع، فما لم يثبت عدم اللقاء

ص: 214


1- و كذا القالي كما في نهاية الدراية: 54، و فتح المغيث: 158/1، و قبلهما حكاه في مقدمة ابن الصلاح: 157، و محاسن الاصطلاح: 158 من هامش المقدمة و فيه تضييق. و السمعاني: منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي التميمي الحنفي ثم الشافعي المعروف بابن السمعاني (426-489) - و هو غير صاحب الانساب المعروف - من علماء الحديث و التفسير، و له جملة مؤلفات، انظر الاعلام: 244/8، مرآة الجنان: 151/3، شذرات الذهب: 393/3، النجوم الزاهرة: 160/5، معجم المؤلفين: 20/13، و غيرها
2- اول من حكاه عنه ابن الصلاح في المقدمة: 157 الا انه قال: أبو عمرو المقري، و علق عليه البلقيني في المحاسن انه: الداني، و حكاه جمع كالسخاوي في شرح الألفية: 158/1 و غيره. و الداني: هو ابو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الداني القرطبي و يقال له: ابن الصيرفي (371-444 ه) من حفاظ الحديث و القراءات، و له اكثر من مائة مصنف، انظر: النجوم الزاهرة: 54/5، الاعلام: 367/4، تذكرة الحفاظ: 298/3، معجم المؤلفين: 255/6، شذرات الذهب: 272/3، و غيرها.

يبنى على ظاهر اللفظ، و يطلق عليه المعنعن، فلا تذهل(1).

و منها:

5 - المعلق:

و هو: - على ما صرح به جمع -(2): ما حذف من أول اسناده واحد أو أكثر على التوالي، و نسبة الحديث الى من فوق المحذوف من رواته، مثل أغلب روايات الفقيه و التهذيبين، حيث اسقطا فيها جملة من أول اسناد الأخبار، و بيّن كل منهما في آخر كتابه من اسقطه، بقوله: ما رويته عن فلان، فقد رويته عن فلان، عن فلان، عنه(3). و تسمية ذلك معلقا مأخوذ من تعليق الجدار أو الطاق لاشتراكهما في قطع الاتصال(4)، و قد خرج بقيد الأول المنقطع

ص: 215


1- لاحظ مستدرك رقم (60) تنبيهات حول المعنعن: ثم ان هنا نوعا مستقلا يعرف بالمؤنن، ادمجه البعض مع المعنعن، و لم يتعرض له المصنف قدس سره راجع مستدرك رقم (61) حول: المؤنن.
2- كالشيخ البهائي في الوجيزة: 4، و المولى الكني في توضيح المقال: 57، و السيد الداماد في الرواشح السماوية: 128، و الشهيد الثاني في البداية: 104/1، و القاسمي في قواعد التحديث: 124، و الدكتور صبحي الصالح في علوم الحديث: 224، و مقدمة ابن الصلاح: 161، و كذا في تذكرة الموضوعات: 5، القوانين: 486 و قال: فان علم المحذوف فهو كالمذكور و الا فهو كالمرسل... و غيرهم.
3- و انما اوردوا رواياتهم معلقة، اختصارا، و مجانبة للتكرار، أو لوضوح المحذوف.
4- و قيل: هو مأخوذ من تعليق الطلاق لاشتراكهما في قطع الاتصال، و لعل الطاق هنا مصحف الطلاق فتدبر.

و المرسل، حيث أن المحذوف في المنقطع وسط السند، و المرسل أعم منهما. و خرج بقوله: واحد أو أكثر المعضل، حيث انه ما حذف من سنده اثنان فأكثر لا أقل(1). و في البداية: انهم لم يستعملوا المعلق فيما سقط وسط اسناده و آخره، لتسميتها بالمنقطع و المرسل(2).

ثم انه صرح جمع بأنه لا يخرج المعلق عن الصحيح و الموثق و الحسن إذا عرف المحذوف، و عرف حاله(3)، خصوصا اذا كان العلم من جهة الراوي كتصريح الشيخ (رحمه اللّه) في كتابيه،

ص: 216


1- و بينهما عموم من وجه، فيجامع المعضل في حذف اثنين فصاعدا، و يفارقه في حذف واحد، و في اختصاصه بأول السند. و أيضا لا يستعمل في مثل: يروى عن فلان و يذكر أو يحكى و ما شابه ذلك على صيغة المجهول، لأنها لا تستعمل في معنى الجزم المعتبر في الحديث، إلا أنها معلقة. و قد صرح السيوطي تبعا للنووي في التدريب: 220/1 انهم لم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم كيروى عن فلان كذا أو يقال عنه و يذكر و يحكى و شبهها، بل خصّوا به صيغة الجزم كقال و فعل و أمر و نهى و ذكر و حكى. و لم يستعملوه فيما سقط وسط اسناده - كما في علوم الحديث: 226 - فهو حكم بصحته عن المضاف اليه، لأنه لا يستجيز العدل أن يجزم بذلك عن المضاف اليه الا و قد صح عنده عنه، فهو صحيح. و لا يخلو كلامهم من تأمل و نظر.
2- البداية: 32 [البقال: 104/1] و قاله الدربندي في درايته: 7 - خطي - و غيرهما. ثم قال الأخير: و لا في غير صيغة الجزم كيروى عن فلان كذا، و يقال عنه و يذكر و يحكى و شبهها، بل خصّوا به صيغة الجزم كقال و فعل و أمر و نهى و ذكر و حكى و نحو ذلك. انظر مستدرك رقم (62) في الفرق بين المعلق و المنقطع و المرسل.
3- كما نص عليه جل الأصحاب، راجع جامع المقال: 4، و المصادر السالفة.

و الصدوق (رحمه اللّه) في الفقيه بعدم دركهما المروي عنه، و بيانهما لطريقهما الى كل واحد ممن رويا عنه، فان هذا المحذوف في قوة المذكور، لأن الحذف إنما هو من الكتابة أو اللفظ حيث تكون الرواية به، و إلا فالمقصود بقوله: روى محمد بن يعقوب، عن أحمد بن محمد، هو روى الشيخ المفيد (رحمه اللّه)، عن قولويه(1)، عن محمد بن يعقوب، لأن ذلك طريقه اليه على ما صرح به(2).

نعم لو لم يعلم المحذوف، خرج المعلق عن الصحيح الى الارسال أو ما في حكمه(3)..

و منها:

6 - المفرد :

6 - المفرد(4):

و هو - على ما في البداية(5) - قسمان: لأنه إما أن ينفرد به

ص: 217


1- كذا، و الظاهر: ابن قولويه.
2- انظر شرح مشيخة الشيخ الصدوق أعلى اللّه مقامه في آخر الجزء الرابع من كتابه من لا يحضره الفقيه: 2-137، و شرح مشيخة تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي - قدس سره - آخر الجزء العاشر: 4-88.
3- انظر مستدرك رقم (63) تنبيهات حول المعلق.
4- و يقال له الفرد - كما عند اكثر العامة و بعض الخاصة - كالطريحي في حاشيته الخطية على مجمع البحرين مادة سنن، و عنونه جمع ب: معرفة الأفراد كما فعله النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: 248/1 و غيرهما. و في معرفة علوم الحديث: 96 عنونه ب: معرفة الأفراد من الأحاديث، و عبر عنه الدربندي في درايته: 8 - خطي - ب: الفارد ثم قال: و يقال له المفرد. و هو يغاير بحث: المنفردات أو الوحدان، و قد خلطا ببحث الأفراد، و سنستدركهما في آخر الكتاب ضمن ذكر الأنواع.
5- البداية: 32-33 [البقال: 106/1] بتصرف، و كلامه عين كلام النووي في التقريب و السيوطي في التدريب: 249/1، و قال في البداية: 16 [البقال: 71/1]:.. ثم إن كان الانفراد في أصل سنده فهو الفرد المطلق و إلا فالفرد النسبي، و تبعهم في ذلك جمع كالدربندي في درايته: 8 - خطي - و غيره. الا ان السيد الموسوي في الكفاية في علم الدراية - خطي - قسّم المفرد الى مطلق و الى منفرد (كذا) الى جهة خاصة، ثم قال: و قد يتحقق الانفراد بالنسبة الى الجهتين، كما لو انفرد واحد من البغداديين برواية عن النبي (صلى اللّه عليه و آله)، و لا يخفى ما فيه من تأمل.

راويه عن جميع الرواة(1)، و هو الانفراد المطلق(2). و الحقه بعضهم بالشاذ. و سيأتي أنه يخالفه، أو ينفرد به بالنسبة الى جهة، و هو النسبي، كتفرد أهل بلد معين كمكة و البصرة و الكوفة، أو يتفرد واحد من أهلها به(3).

و أقول: الوجه في مخالفة المفرد للشاذ، ان شذوذ الرواية فرع وجود رواية مشهورة في قبالها، و شذوذ الفتوى فرع اعراض

ص: 218


1- و ان تعددت الطرق اليه، و قد خصّه العراقي في الفيته و تبعه السخاوي في شرحه: 208/1 بكون الراوي ثقة، و عرفه في المقدمة: 192 ب: ما ينفرد به واحد عن كل احد.
2- بأن تفرد بالحديث صحابي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، أو راو عن المعصوم عليه السلام، أو تابعي عن صحابي - على فرض الحجية - و لم يرو ما تفرد به عن طريق آخر لا باللفظ و لا بالمعنى عدّ من الفرد المطلق، و الحديث صحيح لا غبار عليه ان تفرد به الثقة مع عدم المعارض و المخالف أو يحكم عليه بالحسن، و مع المعارضة تجري قواعد التعادل و التراجيح.
3- لاحظ مستدرك رقم (64) الفرد النسبي و أنواعه. و مستدرك رقم (65) فوائد حول المفرد.

الأصحاب عن العمل بتلك الرواية، فلو تفرد واحد برواية خبر لم يرو غيره خبرا مخالفا له، و تلقى الأصحاب ذلك الخبر المفرد بالقبول، كان ذلك الخبر مفردا غير شاذ، كما هو ظاهر، و من هنا ظهر الوجه في جريان الافراد في الصحيح و الموثق و الحسن، و عدم صيرورة الحديث بالافراد ضعيفا، و إن كان لو لحق الافراد بالشذوذ كان مردودا لذلك(1).

و منها:

7 - المدرج :

7 - المدرج(2):

و هو على أقسام أربعة(3) - يجمعها درج الراوي أمرا في

ص: 219


1- و من هنا كان شرط الشاذ المردود هو التفرد و المخالفة معا - كما سيأتي - انظر مستدرك رقم (66) الفرق بين المفرد و الغريب. و مستدرك رقم (67) معنى الاعتبار و المتابع و الشاهد و الفرد.
2- المدرج اسم مفعول مأخوذ لغة من أدرج الشيء في الشيء أي ادخله فيه و ضمّه إياه. و يقال للزائد مدرج - بفتح الراء - و للحديث مدرج فيه، لاحظ: لسان العرب: 266/2-270، القاموس المحيط: 187/1 تاج العروس: 39/2-43. المصباح المنير: 260/1، مجمع البحرين: 299/2، و يأتي بمعنى الطريق كما في النهاية: 111/2، و يدّل على مضي الشيء أيضا كما في معجم مقاييس اللغة: 275/2 و غيرهم. قال في كشاف اصطلاحات الفنون: 252/2: و هو عند المحدثين الحديث الذي يقع فيه أو في اسناده تغير بسبب اندراج شيء.
3- عدّها في توضيح المقال: 59 ثلاثة - بحذف الثاني -، و منهم من جعلها اثنين: مدرج المتن و مدرج الاسناد كما هو في تدريب الراوي: 268/1، و علوم الحديث: 246، و نهاية الدراية: 102. و الحق جعلها ثنائية: في المتن و السند، ثم تفريع كل منهما عليهما.

أمر(1) -:

أولها: ما ادرج فيه كلام بعض الرواة، فيظن انه من الأصل، و هذا يسمى مندرج المتن(2) و هو على أقسام:

لأنه تارة: يذكر الراوي عقيب الخبر كلاما لنفسه، أو لغيره، فيرويه من بعده متصلا بالحديث من غير فصل، فيتوهم أنه من تتمة الحديث(3).

ص: 220


1- و أوجز التعريف في الوجيزة: 8 - و نعم ما قال -: و ان اختلط به - أي الحديث - كلام الراوي فتوهم أنه منه، أو نقل مختلفي الاسناد أو المتن بواحد، فمدرج. أو قلّ المدرج: يقال للحديث الذي يطلع فيه على زيادة ليست منه، سواء في متنه أو اسناده، كما في الباعث الحثيث: 80، و علوم الحديث: 244، أو هو أن يدرج في الحديث كلام بعض الرواة فيظن أنه منه، كما قاله في القوانين: 486. و العجب من الأسترابادي في لب اللباب: 15 - خطي - انه قال في تعريفه: و هو ما روى باسناد واحد أو متن واحد مع كونه مختلف الاسناد أو المتن، و هو منه درج غريب لم يدرج عليه.
2- و هذا باب متسع كثيرا ما يقتحم فيه المحدثون، فيجب التيقظ فيه و التحفظ عنه - على حد تعبير السيد في الرواشح: 129 -: و كثيرا ما يقع عن غير عمد - على حد لفظ السيد في نهاية الدراية: 102 -.
3- و هو الغالب، و كون الزيادة في وسط المتن أكثر من كونها في الأول.

و اخرى: يقول الراوي كلاما يريد أن يستدل عليه بالحديث، فيأتي به بلا فصل، فيتوهم أن الكل حديث.

و ثالثة: يذكر كلمة في تفسير كلمة اخرى في وسط الخبر، أو يستنبط حكما من الحديث قبل أن يتم، فيدرجه في وسطه فيتوهم أن التفسير أو ذلك من المعصوم (عليه السلام).

و يدرك درج المتن بوروده منفصلا عن ذلك في رواية اخرى، أو بالتنصيص على ذلك من الراوي، أو بعض الأئمة المطلعين، أو باستحالة كون المعصوم (عليه السلام) يقول ذلك.

و قيل(1): انه قد وقع الادراج فيمن لا يحضره الفقيه كثيرا.

ثانيها: مدرج السند: كان يعتقد بعض الرواة أن فلانا الواقع في السند لقبه أو كنيته أو قبيلته أو بلده أو صنعته أو غير ذلك كذا، فيوصفه بعد ذكر اسمه بذلك، أو يعتقد معرفة من عبّر عنه في السند ببعض أصحابنا و نحوه فيعبر مكانه بما عرّفه من اسمه.

ثالثها: أن يكون عنده متنان مختلفان باسنادين مختلفين، فيدرج أحدهما في الآخر، بأن يروى أحد المتنين خاصة بالسندين أو المتنين جميعا بسند واحد، أو يروى احدهما باسناده الخاص به و يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس في الأول، أو يكون عنده المتن باسناد إلاّ طرفا منه، فانه عنده باسناد آخر، فيرويه تاما بالاسناد الأول، أو

ص: 221


1- و القائل هو المولى ملا علي كني في توضيح المقال: 59.

يسمع الحديث من شيخه الا طرفا منه فيسمعه بواسطة عنه فيرويه تاما بحذف الواسطة(1).

رابعها: أن يسمع الحديث من جماعة مختلفين في سنده أو متنه فيرويه عنهم باتفاق.

أما الأول: فبأن يرويه كل بسند يغاير سند الآخر، أو اختلفوا في خصوص راو أنه موجود في السند أم لا، أو في تعيينه، بأن اختلفوا في أن ثالث رجال السند مثلا فلان أو فلان.

و أما الثاني: فبأن يختلفوا في وجود لفظ فيه و عدمه، أو في أن الموجود هذا أو غيره، فيسقط موضع الاختلاف و يدرج روايتهم جميعا على الاتفاق في المتن أو السند و لا يذكر الاختلاف.

و قد صرح جمع بحرمة تعمد الادراج بأقسامه(2)، بل ادعوا الإجماع عليه(3)، لأنه تحريف للكلم عن مواضعه، و كذب

ص: 222


1- كما نص عليه غير واحد كالسيوطي في تدريبه تبعا للنووي في تقريبه: 271/1. و في علوم الحديث: 246 حكاه عن الباعث الحثيث: 82، و الكل يرجع لابن الصلاح في مقدمته: 209.
2- كما صرح به السيد في الرواشح السماوية: 130، و سبقه الشهيد في درايته: 107/1، و نهاية الدراية: 102 بل عليه العامة كابن الصلاح في مقدمته: 211، و القاسمي في قواعد التحديث: 124، بل كل من كتب في المسألة من الفريقين.
3- مدعي الاجماع هو السيوطي في تدريب الراوي: 274/1، قال: اجماع أهل الحديث و الفقه على ذلك.

و تدليس(1). و استثنى جلال الدين السيوطي ادراج تفسير غريب كلمات الحديث فيه(2)، فان أراد تجويز الادراج و لو لإراءة أن التفسير من المعصوم، فهو غلط فاحش، و ان أراد تجويز الادراج لا بذلك القصد، فليس ذلك من تعمد الادراج الذي أجمعوا على تحريمه.

و بعبارة اخرى: موضوع الحرمة تعمد الادراج بإراءة المدرج قول المعصوم، فلا يشمل صورة عدم التعمد، كما هو ظاهر(3).

و منها:

8 - المشهور :

8 - المشهور(4):

و هو - على ما صرح به جمع(5) -: ما شاع عند أهل الحديث،

ص: 223


1- على حد قول ابن السمعاني: من تعمد الإدراج فهو ساقط العدالة و ممن يحرف الكلم عن مواضعه، و هو ملحق بالكذابين، كما حكته عنه أكثر المصادر السابقة.
2- قاله في تدريب الراوي: 274/1، و حكاه القاسمي في قواعد التحديث: 124 و غيره عنه، و ذلك ما لو كان تفسيرا لشيء من معنى الحديث، و لا بد له من بيانه بشكل لا يوجب اللبس و الاشتباه، و ان تسومح فيه ان لم يكن عن قصد بل سهوا.
3- انظر مستدرك رقم (68) المدرج و كيفية معرفته.
4- قيل المشهور مأخوذ من شهر فلان سيفه فهو شاهر - قاله الموسوي في الكفاية خطي -، و هو صحيح في الجملة.
5- كما عرفته مجاميع العامة انظر: معرفة علوم الحديث: 94، علوم الحديث: 233 و حكاه عن التوضيح: 409/2، قال ابن الصلاح: 389 من المقدمة: و معنى الشهرة مفهوم. و حكاه عنهم من الخاصة الشهيد في البداية: 33: [البقال: 108/1]، و قال في وصول الأخيار: 99 انه عند العامة كذلك. و ظاهر الميرزا القمي في القوانين: 486 انه مختارنا. و لا يخفى أن هذا هو المشهور بحسب الرواية.

بأن نقله جماعة منهم. و توهم بعضهم اتحاده مع المستفيض(1)، و هو خطأ، لشموله لما اذا تعددت رواته في مرتبة من المراتب دون المستفيض، بل قيل: انه ربما يطلق على ما اشتهر في الألسن، و إن اختص باسناد واحد، بل ما لا يوجد له اسناد أصلا، و صرح جمع بأعمية المشهور مما شاع عند خصوص أهل الحديث أو.. غيرهم(2).

قال في البداية: هو ما شاع عند أهل الحديث خاصة دون غيرهم،

ص: 224


1- كما ذهب اليه جلّ العامة ان لم نقل كلهم، لاحظ علوم الحديث: 229-235، اختصار علوم الحديث: 187، تدريب الراوي: 173/2، الفتح المغيث: 32/3، النخبة: 5، و قواعد التحديث: 124، قال الأخير: و هو ماله طرق محصورة بأكثر من اثنين، ثم قال: سمي بذلك لوضوحه، و هو ناظر الى أن المشهور و المستفيض واحد. بل ذهب الى هذا من الخاصة جمع. قال الشيخ عبد الصمد العاملي في وصول الأخيار: 85: و هو ما زاد رواته عن ثلاثة في كل الطبقات أو في بعضها فهو المشهور. و عرفه في صفحة: 99 ب: ما زاد راويه على ثلاثة و سماه المستفيض أيضا، و نظيره في نهاية الدراية: 32 و غيرهما. قال السيد في الرواشح: 130: من الذائع المقرر عند أئمة هذا الفن أن العدل الضابط ممن يجمع حديثه و يقبل لعدالته و ثقته و ضبطه... و ان رواه جماعة كان من الذي يسمى مشهورا. لاحظ الفوائد المستدركة لتوضيح الفرق بين المشهور و المستفيض.
2- ذهب السيد الصدر في نهاية الدراية: 32 و غيره الى القول بأن المشهور أعم من المستفيض عند الأكثر. و الحق كون النسبة بينهما عموما من وجه فتدبر.

بأن نقله منهم رواة كثيرون، و لا يعلم هذا القسم الا أهل الصناعة، أو عندهم و عند غيرهم، كحديث (انما الأعمال بالنيات)(1) و أمره واضح، و هو بهذا المعنى أعم من الصحيح(2)، أو عند غيرهم خاصة، و لا أصل له عندهم، و هو كثير، قال بعض العلماء(3):

اربعة أحاديث تدور على الألسن و ليس لها أصل «من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة» و «من آذى ذميا فأنا خصيمه(4) يوم القيامة» و «يوم نحركم يوم صومكم» و «للسائل حق و إن جاء على

ص: 225


1- عدّه السيوطي في تدريبه: 174/2 و 183 في ما كان اسناده غريبا كله و المتن صحيحا، و أصل ما ذكره المصنف هو ما سنذكره مفصلا في مستدرك رقم (69) حديث «إنما الأعمال بالنيات» عند العامة و الخاصة.
2- اذ رب حديث مشهور لم يخرج في الصحيح، فمثلا عدّ الحاكم في معرفة علوم الحديث: 92 حديث: نضّر اللّه امرأ سمع مقالتي فوعاها.. من الحديث المشهور الذي لم يخرج في الصحيح.
3- و هو ابن الصلاح من العامة في مقدمته: 389-390 و حكاه عنه غير واحد كالسيوطي في التدريب: 174/2 تبعا للنووي في التقريب، و عن الباعث الحثيث: 166. و الأصل في القول لأحمد بن حنبل - كما أخرجه ابن الجوزي في موضوعاته: آخر الجهاد: 236/2. و قيل: ان هذا لا يصح عن أحمد، لأن حديث من بشرني... عنده في مسنده، و سنده جيد، مع مجيئه من طرق اخرى، و حديث: يوم صومكم... ذكره أبو داود، و سنده جيد أيضا، انظر: اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: 484/1 و نوقش في كون بعضها لها أصل، و البعض الآخر له طريق حسن، و لا داعي لنا للتفصيل، و للبلقيني في محاسن الاصطلاح: 390-391 من المقدمة ما يلزم ملاحظته لمن أراد التوسع هنا.
4- خ. ل: خصمه كذا في أكثر المصادر.

فرس»(1) انتهى ما في البداية(2)، و في سكوته على ما حكاه عن بعض العلماء من حصر المشهور على الألسن و ليس لها أصل نظر ظاهر، ضرورة كثرة الأحاديث المشهورة على الألسن الغير المبين(3) لها أصل، مثل (العلم علمان: علم الأديان و علم الأبدان و ما عدا ذلك فضل)(4) و.. غيره مما لا يحصى كثرة.

ثم لا يخفى عليك أن الذي ينفع في مقام الترجيح، بحكم قوله: (خذ بما اشتهر بين أصحابك و دع الشاذ النادر)(5) إنما الشهرة بين أهل الحديث، أو بينهم و بين غيرهم، دون الشهرة بين غيرهم خاصة، مع عدم أصل له بينهم، فانها لا تنفع في مقام الترجيح على الأظهر، حتى بناء على المختار من الترجيح بشهرة الفتوى، كما لا

ص: 226


1- سنن أبي داود: 126/2 و غيره.
2- البداية: 33 [البقال: 9/1-108] بنصه.
3- كذا، و الظاهر: غير المبين
4- اقول: لم أجد كتابا مستوفيا في الباب مثل كتاب: كشف الخفاء و مزيل الألباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، للشيخ اسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي المتوفى سنة 1162 ه، مجلد في جزءين حيث ذكر فيه (3281) حديثا من هذا الباب، و ذكر هذه الأحاديث هنا و منها حديث من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة حيث ذكره في: 237/2 و قال: لا أصل له، كما نقله المعيني في شرح البخاري عن أحمد بن حنبل. و كذا حديث يوم صومكم يوم نحركم، ذكره في جزء: 398/2، فراجع.
5- اصول الكافي: 67/1، التهذيب: 301/6، من لا يحضره الفقيه: 5/3، الاحتجاج: 194، و بهذا المضمون روايات تجدها في وسائل الشيعة: 75/18-89 باب 9 و غيره.

يخفى(1).

و منها:

9 - الغريب:

بقول مطلق(2)، و هو على أقسام ثلاثة: لأن الغرابة قد تكون في السند خاصة، و قد تكون في المتن خاصة، و قد تكون فيهما.

فالأول: ما تفرد بروايته واحد عن مثله و هكذا الى آخر السند، مع كون المتن معروفا(3) عن جماعة من الصحابة أو.. غيرهم، و يعبر عنه بأنه غريب من هذا الوجه(4). و منه غرائب المخرجين في أسانيد المتون الصحيحة(5)، و ظاهرهم اعتبار أن

ص: 227


1- لاحظ مستدرك رقم (70) الشهرة الفتوائية و الروائية و في الاسناد. و مستدرك رقم (71) انواع المشهور. و مستدرك رقم (72) فوائد حول المشهور.
2- مقابل الغريب النسبي و الغريب لفظا، و لم يعرفه المصنف قدس سره. لاحظ مستدرك رقم (73) تعريف الغريب.
3- و الى هذا أشار ثاني الشهيدين رحمه اللّه في أول البداية: 16 [البقال: 70/1] حيث قال: و غريب ان انفرد به راو واحد في أي موضع وقع التفرد به من السند، و إن تعددت الطرق إليه أو منه. و لنا كلام سنوافيك به في المستدرك لعدّ الشهيد الثاني (رحمه اللّه) الغريب و المفرد واحدا، حيث قال بعد ذلك:.. ثم ان كان الانفراد في أصل سنده فهو الفرد المطلق، و إلا فالفرد النسبي.
4- كما عبر عنه الترمذي - و هو أول من قال به - كما صرح الطيبي و حكاه غير واحد عنه. و يقال له - أيضا - الغريب في السند.
5- اي كل من رواه ثقة مأمون، و غير الشواذ.

ينتهي(1) اسناد الواحد المنفرد الى أحد الجماعة المعروف عنهم الحديث، و بذلك يفارق المفرد(2)، فتدبر.

و الثاني: ما تفرد واحد برواية متنه، ثم يرويه عنه أو عن واحد آخر يرويه عنه جماعة كثيرة، فيشتهر نقله عن المتفرد، و قد يعبر عنه للتمييز بالغريب المشهور(3) لاتصافه بالغرابة في طرفه الأول، و بالشهرة في طرفه الآخر(4). و قد جعل في بداية الدراية من هذا الباب حديث

ص: 228


1- الظاهر أنه: لا ينتهي، كي يفارق المفرد، و في كلا الوجهين تأمل، و يختلفان باختلاف المبنى فيهما.
2- و قيل - بعد القول بكونهما مترادفين لغة و اصطلاحا - انهما متغايران من حيث كثرة الاستعمال و قلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق و هو الحديث الذي لا يعرف الا من طريق ذلك الصحابي و لو تعددت الطرق اليه، و الغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي، و إلا فيقال من حيث الاستعمال تفرد به فلان أو اغرب به فلان بلا تفريق بينهما، كما نص عليه في فتح المغيث: 29/3، و بذكري قاله غيره، هذا كله مقابل ما فرّق به ابن الصلاح و حكاه عنه المصنف رحمه اللّه و اختاره جمع من المتأخرين.
3- او الغريب في خصوص المتن.
4- قال في نهاية الدّراية: 38: و لا يوجد ما هو غريب متنا لا اسنادا الاّ اذا اشتهر الحديث المفرد فرواه عمّن تفرد به جماعة كثيرة، فانه يصير غريبا مشهورا. و أخذه من السيوطي الذي تبع النووي كما في التدريب: 183/2، و قال بعد ذلك: غريبا متنا لا اسنادا بالنسبة الى أحد طرفيه المشتهر. و وافقه السيد الداماد في الرواشح: 130 و قال بعد الأول: أو غريب المتن أو غريب المتن غير غريب الاسناد الاّ بالنسبة الى أحد طرفيه فان اسناده متّصف بالغرابة في طرفه الأول و بالشهرة في وسطه و في طرفه الآخر، و مبدأ الكل ابن الصلاح في مقدّمته: 389، و اليه ذهب الشيخ عبد الصمد العاملي في وصول الأخيار 99: [التراث: 111] أيضا و غيرهم.

«انما الأعمال بالنيات» قال: فانه غريب في طرفه الأول(1)، لأنه مما تفرد به من الصحابة عمر، و إن كان قد خطب به على المنبر فلم ينكر عليه، فان ذلك أعم من كونهم سمعوه من غيره، ثم تفرد به عنه علقمة، ثم تفرد به عن علقمة محمد بن ابراهيم(2)، ثم تفرد به يحيى ابن سعيد، عن محمد، مشهور في طرفه الآخر، لتعدد رواته بعد من ذكر و اشتهاره، حتى قيل إنه رواه عن يحيى بن سعيد أكثر من مائتي نفس، و حكي عن أبي اسماعيل الهروي(3) انه كتبه عن سبعمائة طريق، عن يحيى بن سعيد(4). ثم قال: و ما ذكرناه من تفرّد الأربعة

ص: 229


1- و كذا سائر الغرائب الّتي اشتملت عليها التصانيف ثمّ اشتهرت.
2- و في نهاية الدراية: 38: مجد بن ابراهيم بن الحارث التميمي، و هو غلط، بل هو ابن أبي وقاص الليثي المدني التابعي، و لعلّه جاء من كون النسخة مغلوطة جدا.
3- هو ابو اسماعيل عبد اللّه بن محمد بن علي بن محمد الانصاري الهروي الحنبلي (396-481) حافظ محدث، مؤرخ و مفسر، له كتاب منازل السائرين الى الحق المبين و غيره، انظر شذرات الذهب: 365/3، تذكرة الحفاظ: 354/3، معجم المؤلفين: 134/6، الاعلام: 267/4، و غيرها، و يحتمل ضعيفا أن يكون احمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي صاحب الغريبين - غريب القرآن و الحديث - الا أن كنيته ابو عبيد لا ابو اسماعيل.
4- المراد به: يحيى بن سعيد القطان، ذكر هذا النّووي و تبعه السيوطي في التدريب: 183/2 و كذا العراقي في الفيته و شارحها السخاوي في فتحه: 32/3 و السيد الداماد في الرواشح: 132، و هو - كما في الاعلام: 181/9، و معجم المؤلفين: 199/13، و تاريخ بغداد: 135/14، و تذكرة الحفاظ: 274/1 و غيرها - أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي الاحول البصري (120-198 ه) من حفاظ الحديث، و من أئمة الجرح و التعديل، و لم يعرف له تأليف.

بهذا الحديث هو المشهور بين المحدّثين، و لكن ادّعى بعض المتأخّرين انه روى ايضا عن عليّ (عليه السلام) و أبي سعيد الخدري(1) و أنس(2) بلفظه. و من حديث جمع من الصّحابة بمعناه(3)، و على هذا فيخرج عن الغرابة(4)، و نظائره في الأحاديث كثيرة، فان كثيرا من الأحاديث يتفرّد به واحد، ثم تتعدّد رواته، خصوصا بعد الكتب المصنّفة الّتي يودع فيها الحديث(5).

قلت: ما ذكره كلّه في حديث «انّما الأعمال بالنيّات» إنّما هو على طريقة العامّة، و إلاّ فقد روى في طرقنا عن أئمّتنا (عليهم السلام) عن النبيّ كما لا يخفى(6).

ص: 230


1- هو سعد بن مالك بن سنان الخدري الانصاري الخزرجي ابو سعيد (10 ق ه - 74 ه) الصحابي المعروف، انظر عنه: تهذيب التهذيب: 479/3، حلية الأولياء: 369/1، و غيرها من كتب الرجال.
2- هو أنس بن مالك بن النضر البخاري الخزرجي الانصاري ابو ثمامة (10 ق ه - 93 ه) و هو آخر من مات من الصحابة في البصرة، انظر طبقات ابن سعد: 10/7، الاعلام: 366/1 و غيرهما.
3- في نسخنا من البداية: و عن جمع من الصحابة بمعناه، و لعلّه الأصح.
4- خ. ل: عن حد الغرابة.
5- بداية الدراية: 34 [البقال: 1/1-110] بتصرّف غير مخلّ .
6- قد استدركنا هذا الحديث في مستدرك رقم (69) و ذكرنا جملة من مصادره عند الفريقين، فلاحظ.

و أما الثالث: فهو ما كان راويه في جميع المراتب واحدا، مع اشتهار متنه عن جماعة، و هذا هو المراد من اطلاق الغريب.

و قد يطلق الغريب على غير المتداول في الألسنة و الكتب المعروفة، كما نبّه على ذلك في البداية، حيث قال: و قد يطلق على الغريب اسم الشاذ، و المشهور المغايرة بينهما على ما ستعرفه في تعريف الشاذ(1).

و أقول: الوجه في مغايرة الغريب المذكور للشاذ هو ما مرّ في تفسير المفرد من وجه مغايرته للشاذ، فلاحظ و تدبّر.

بقي هنا شيء و هو: انّ من الغريب بقول مطلق متنا ما اشتمل على بيان أمر أو حكم أو طرز أو تفصيل غريب(2).

و منها:

10 - الغريب لفظا :

10 - الغريب لفظا(3):

و هو - في عرف الرواة و المحدثين - عبارة عن: الحديث المشتمل

ص: 231


1- البداية: 34-35 [البقال: 111/1] اقول: لم أعرف وجه ربط عبارة الشهيد أعلى اللّه مقامه بكلام المصنف (قدّس سرّه)، بل قد يعرف منها العكس، فتأمّل.
2- لاحظ مستدرك رقم (74) فوائد حول الغريب.
3- و يقال له نادرا: الغريب فقها، كما يقال له: غريب الألفاظ كما قاله في علم الحديث: 110، و قبله في فتح المغيث: 42/3، و عبّر عنه في المقدمة 397 ب: معرفة غريب الحديث و كل القيود انما هي للاحتراز عن الغريب المطلق - السالف - الذي يرجع الى الانفراد من جهة الرواية - و عن الغريب النسبي.

متنه على لفظ خاص غامض بعيد عن الفهم، لقلة استعماله في الشائع من اللغة(1). و قد جعلوه قسما مستقلا في قبال الغريب بقول مطلق، محترزين بقيد اللفظ عنه، و قالوا ان فهم الحديث الغريب لفظا فنّ مهم من علوم الحديث يجب أن يثبّت فيه أشد تثبت، لانتشار اللغة، و قلّة تميز معاني الألفاظ الغريبة، فربّما ظهر معنى مناسب للمراد و المقصود في الواقع غيره مما لم يصل اليه، و الخوض فيه صعب حقيق بالتحري، جدير بالتوقي، فليتحرّ خائضه، و ليتق اللّه تعالى في الاقدام على تفسير كلام النبي و الأئمة (عليهم السلام) بالحدس و التخمين(2).

و قد صنف فيه جماعة من العلماء، و قد قال الحاكم - من العامة -: ان أول من صنّف فيه النظر بن شميل(3)

ص: 232


1- كذا عرفه الشهيد في البداية: 35 [البقال: 132/1]، و نهاية الدراية: 39، و الرواشح السماوية: 169، و دراية الدربندي: 9 - خطي -، و تدريب الراوي: 184/2-187، و ألفية العراقي و شرحها: 42/3، و ابن الصلاح في المقدمة: 397 و غيرهم.
2- و تتأكد العناية به لمن يروي الحديث بالمعنى، و لأجل ذلك قد أكثر العلماء التصنيف فيه.
3- في الطبعة الاولى: النضر، و في البداية: النظر بن سهل، و كذا في غيرها، و في بعض النسخ: و قال ابو عبيد، و قيل: النضر - كما في فتح المغيث: 43/3 - و ان وفاته سنة ثلاث و ثمانين و مائة، و قيل: مائتين و ثلاثة كما اختاره ابن الأثير في النهاية: 5:1 من المقدمة. و قيل: مائتين و تسع، و اختلف في ولادته ايضا و الحق ما اثبتناه في اسمه و أنه النظر بن شميل أبو الحسن المازني.

و قال(1) أبو عبيد: معمر بن المثنى(2) ثم النضر، ثم الأصمعي(3). و ألّف بعدهما أبو عبيد القاسم بن سلام(4) بعد سنة المائتين، ثم تتبع أبو محمد

ص: 233


1- الظاهر: و قيل - لا و قال - أي ان أول من صنف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي، و المسألة خلافية، و فصل القول فيه ابن الأثير في أول النهاية 5/1، و اختار القيل.
2- قيل: ان أبا عبيدة من تلامذة أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي، من اصحاب الامام أبي عبد اللّه الصادق و الامام أبي الحسن الكاظم عليهما السلام، و أبان من تلامذة السجاد و الصادقين عليهم السلام. كانت وفاة أبي عبيدة سنة عشر و مائتين كما في فتح المغيث: 43/3 و النهاية: 1 /المقدمة 3: أي بعد النضر بسبع و عشرين سنة - على ما اختاره في وفاته - و كتابهما صغيران، كما قاله ابن الصلاح في المقدمة: 398 الا أن كتاب النضر اكبر كما أفاده ابن الاثير: 5/1.
3- الاصمعي: هو ابو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي البصري اللغوي النحوي، أديب محدث اصولي، من أهل البصرة، له جملة مصنفات، ولد سنة 122 و توفى سنة 213، و قيل: 216 كما في النهاية، و قيل: 217 ه. انظر: وفيات الأعيان: 362/1 انباه الرواة: 197/20، شذرات الذهب: 36/2، معجم المؤلفين: 187/6، تاريخ بغداد: 410/10 الاعلام: 307/4، الكنى و الألقاب: 37/2-40 و غيرها.
4- ابو عبيد القاسم بن سلام الهروي الازدي الخزاعي بالولاء الخراساني البغدادي المولود سنة 150 أو سنة 157 ه و المتوفى سنة أربع و عشرين و مائتين، جمع كتابه المشهور في غريب الحديث و الآثار، و تعب فيه جدا، فانه أقام فيه أربعين سنة بحيث سعى أن يستقصي و أجاد بالنسبة لمن قبله - على حد تعبير السخاوي في فتح المغيث: 44/3 - و له جملة مصنفات اخرى غالبها في اللغة و الأدب، انظر تهذيب التهذيب: 315/7 و الاعلام: 10/6 و غيرهما. و قيل ان بعد المعمر بن المثنى صنف أبو عبيدة القاسم بن سلام فاستقصى و أجاد كما قاله في نهاية الدراية: 39.

عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري(1) ما فات أبا عبيد، ثم تتبع أبو سليمان الخطابي(2) ما فاتهما، نبّه على أغاليط لهما، فهذه امهاته، ثم ألف بعدهم غيرهم كتبا كثيرة فيها زوائد و فوائد كمجمع الغرائب لعبد الغافر الفارسي(3)، و غريب الحديث لقاسم السرقسطي(4) و الفائق للزمخشري(5)، و الغريبين(6) للهروي(7) ثم النهاية لابن الاثير(8) فانه بلغ

ص: 234


1- كانت وفاة ابن قتيبة في سنة ست و سبعين و مائتين، و جعل كتابه ذيلا على كتاب أبي عبيد و كان أكبر حجما من أصله، و يقال له: القتيبي كما عبر بذلك ابن الصلاح في المقدمة: 398.
2- في بعض النسخ: الخطائي، و هو غلط، و هو أبو سليمان حمد بن محمد بن ابراهيم الخطابي البستي المتوفى سنة ثمان و ثمانين و ثلاثمائة، و قيل سنة ثلاث و ثمانين و ثلاثمائة.
3- هو عبد الغافر بن اسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيشابوري المتوفى سنة تسع و عشرين و خمسمائة.
4- قاسم السرقسطي بن ثابت بن حزم من رجالات القرن الرابع المتوفى سنة 302 ه و أكمل كتابه والده المتوفى بعده في سنة 313 ه انظر: ترجمته في معجم الأدباء: 237/16، و إنباه الرواة: 262/1، و هو متقدم على الخطابي المتوفى سنة 388 ه، فحقه التقديم.
5- الزمخشري هو: أبو القاسم جار اللّه محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي (467 - 538 ه) صاحب الكشاف في تفسير القرآن و غيره.
6- المراد بهما: غريب القرآن و غريب الحديث،
7- و هو أبو عبيد أحمد بن محمد بن محمد الهروي، و هو من علماء المائة الخامسة مات سنة احدى و أربعمائة.
8- أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، عوّل عليه كل من جاء بعده لجمعه و سهولة التناول منه، كانت وفاته آخر يوم من سنة ست و ستمائة.

بها النهاية، و هي أحسن كتب الغريب و أجمعها و أشهرها الآن و أكثرها تداولا، و مع ذلك فقد فاته الكثير(1). و صنّف البحر المواج الشيخ الطريحي(2) في ذلك مجمع البحرين، و حسنه غني عن البيان. و صنف المرحوم الحاج الأمير زاده محمود - الملقب بشيخ الاسلام التبريزي - فيه كتابا أبسط من مجمع البحرين بكثير، يعادله أربع مرات، سماه بغاية الآملين، و الأسف على أنه لا نسخة له إلا نسخة الأصل، و هي في خزانة كتب مولانا الرضا (عليه السلام)، و قد رأيتها و طالعت فيها في سفره الى هنا(3) قبل أن تنقل الى الخزانة بوصيته(4).

ص: 235


1- لاحظ مقدمة النهاية لابن الأثير تجد فصلا مشبعا جدا في الموضوع و تراجم لهم و لغيرهم مع مصادر وافية، لا حاجة لذكرها هنا، أجمل القول فيها السخاوي في فتح المغيث: 7/3-42.
2- الشيخ فخر الدين الطريحي النجفي المتوفى سنة 1087 ه و قيل: سنة: 1085 ه، جمع في مجمع البحرين بين غريب القرآن و غريب الحديث معا مع الالماع الى أسماء بعض الأنباء و المحدثين و العلماء و الملوك و الوقائع التاريخية و العقائدية و غير ذلك و بحق يعد الكتاب دائرة معارف صغيرة جامعة. و له كتاب غريب أحاديث الخاصة ذكره شيخنا الطهراني في الذريعة: 46/16.
3- أي الى النجف الأشرف، حيث كانت هناك تزاور بين الاسرتين و ترابط، و لنا ترجمة له ضافية في بحث علماء الدراية و الرجال.
4- و يقال له: غاية الآمال في شرح الأحاديث و تفسير الآيات، و احتمل شيخنا الطهراني في الذريعة 6/16 و 230/23 كونه «مواقع النجوم» كما ذكره المصنف في فهرس كتبه المطبوع على ظهر «ابداء البداء» و كذا في «حديقة الصالحين» و الظاهر أن شيخنا لم يره، و لذا كان موضوعه غير واضح عنده، و الظاهر مغايرته مع «مواقع النجوم». و المؤلف هو الحاج ميرزا محمود بن شيخ الاسلام الحاج ميرزا علي اصغر الطباطبائي التبريزي، المتوفى بالوباء بمكة سنة 1310 ه. و قد ذكر الشيخ حسين العاملي - والد البهائي - في وصول الأخيار: 116، أن لأبي جعفر محمد بن بابويه كتابا في غريب أحاديث النبي صلى اللّه عليه و آله و الائمة عليهم السلام، و ذكره ايضا في كشف الحجب و الاستار عن اسماء الكتب و الأسفار: 393، و الذريعة: 46/16، و لعله أقدم من نعرف في هذا الباب. و قد عدّ في الرواشح السماوية: 170 جمعا من الخاصة الذين الّفوا في هذا الباب، كما و ان للعلامة الحلي الحسن بن يوسف المتوفى سنة 726 ه كتاب حل مشكلات الأخبار، و للسيد عبد اللّه شبر كتاب الأنوار في حل مشكلات الاخبار. و للشيخ محمد رضا بن الشيخ قاسم الغراوي النجفي كتاب لب اللباب في غريب الحديث، في ثلاث مجلدات، كما جاء في الذريعة: 290/18.. و غير ذلك كثير. اقول: لا يخفى أنه وقع خلط في المتن و الحاشية في المصنفات، حيث إن دراستها للحديث و الغرابة فيه من جهات متعددة، و هي أعم من الغرابة اللفظية، و غالب ما ذكر في الغرابة المعنوية، فلاحظ.

بقي هنا شيء نبّه عليه(1) في البداية(2) و غيره، و هو أنه قد يقيد الغريب بالمفرد لتفرد راويه به و وحدته، و حينئذ فان كان جميع السند كذلك فهو المفرد المطلق، و إلا فالمفرد النسبي، سمي نسبيا لكون التفرد به حصل بالنسبة الى شخص معين، و إن كان الحديث في نفسه مشهورا، بأن يكون له طريق آخر يكون به مشهورا، فتأمل جيدا(3).

ص: 236


1- كان الأولى ذكر هذا التنبيه بعد الغريب بقول مطلق لا هنا.
2- البداية: 16 [البقال: 1/1-70] و مرّ لنا كلام سابقا و استدرك في فوائد الغريب، فلاحظ.
3- و قد يطلق عليه اسم: الشاذ، كما صرح بذلك في توضيح المقال: 56، الا أن المشهور المنصور تغايرهما، كما سيأتي بيانه.

و منها:

11 - المصحف:

اشارة

11 - المصحف(1):

و هو ما غيّر بعض سنده، أو متنه بما يشابهه، أو يقرب منه(2).

فمن الأول: و هو(3) تصحيف السند(4)، تصحيف بريد - بالباء

ص: 237


1- المصحف - بضم الميم و فتح الحاء و تشديدها -: مأخوذ لغة من الصحيفة.. و الصحيفة في اللغة الكتاب، و تجمع قياسا على صحائف و سماعا على صحف، و معنى التصحيف لغة الخط في الصحيفة أي الخط في قراءتها، و من هنا سمي من يخطأ في قراءة الصحيفة (صحفيا) بفتح أوله و ثانيه. اقول: و من هنا سرى معنى التصحيف و في استعماله - من باب الاتساع في اللغة - عند المعنيين بشئون التراث العربي الى الخطأ في الكتابة أيضا، و شمل هذا سائر مشتقات المادة... و على أساس منه عرّف معجم مصطلحات الأدب: 193 - كما حكاه في تحقيق التراث: 154 - الكلمة المصحفة ب «الكلمة الموضوعة خطأ نتيجة لإهمال الناسخ أو الطابع أو جهل كل منهما».
2- و المصحف اصطلاحا: هو ما وقع فيه التغير في اللفظ أو المعنى، أو هما معا، و خصّه بعض بما كان فيه تغير حرف أو حروف بتغير النقط مع بقاء صورة الخط، كما ادعاه ابن حجر في شرح النخبة: 22 و غيره. قال في قواعد التحديث: 126. فائدة: التصحيف: لغة: الخطأ في الصحيفة باشتباه الحروف، مولدة، و قد تصحف عليه لفظ كذا، و الصحفي - محركة - من يخطئ في قراءة الصحيفة، و قول العامة الصحفي - بضمتين - لحن. و على كل، فهو فن جليل مهمّ إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ، كما قاله في المقدمة: 410، لمعرفة كيفية تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة، و للدارقطني فيه تصنيف مفيد.
3- في الأصل: فهو، و ما ذكر أصح.
4- و يقال له: تصحيف الراوي، أي يكون التصحيف في اسم الراوي.

الموحدة المضمومة، و الراء المهملة المفتوحة، و الياء المثناة من تحت، و الدال المهملة - بيزيد - بالياء المثناة من تحت المفتوحة، و الزاي المعجمة المكسورة، ثم المثناة من تحت، و الدال المهملة -، و تصحيف حريز - بضم الحاء المهملة، و فتح الراء المهملة، و سكون الياء المثناة من تحت، ثم الزاي المعجمة - بجرير - بالجيم المعجمة المفتوحة، ثم الراء المكسورة، و الياء، ثم الراء المهملة - و نحو ذلك(1).

و من الثاني: أعني تصحيف المتن(2)، تصحيف ستا - بالسين المهملة المكسورة، ثم التاء من فوق المفتوحة بفتحتين - اسم عدد، بكلمة(3): شيئا - بالشين المعجمة المفتوحة، ثم الياء المثناة من تحت الساكنة، ثم الهمزة المفتوحة بفتحتين -، في حديث (من صام رمضان و اتبعه شيئا من شوال)(4)، و كذا تصحيف خزف - بالفاء، و إعجام الوسط - بخرق - بالقاف، و إهمال الوسط -، و تصحيف احتجر - بالراء - بمعنى اتخذ حجرة من حصير أو نحوه يصلي عليها،

ص: 238


1- كتصحيف مراجم - بالراء المهملة و الجيم - بمزاحم - بالزاي المعجمة و الحاء -.
2- غالب ما يقع التصحيف في المتون، لانحصار غالب ما صحف في الأسانيد، مما يغيّر المعنى و يشوه الحقائق. قال الحاكم في معرفة علوم الحديث: 146: و قد زلق فيه جماعة من أئمة الحديث.
3- لا توجد: كلمة، في الطبعة الاولى.
4- الرواية أصلها في صحيح مسلم: 822/1، و الحديث لابي أيوب مرفوعا، و التصحيف وقع لأبي بكر الصولي كما قاله في المقدمة: 412، و فتح المغيث: 68/3.

في حديث ان النبي (احتجر بالمسجد)(1)، باحتجم - بالميم -(2) و نحو ذلك من التصحيفات(3).

و في البداية: ان تمييز المصحفات فنّ جليل، إنما ينهض بأعبائه الحذاق من العلماء، قال: و قد صحف العلامة (رحمه اللّه) في كتب الرجال كثيرا من الأسماء من أراد الوقوف عليها فليطالع الخلاصة، و إيضاح الاشتباه في اسماء الرواة، و ينظر ما بينهما من الاختلاف، و قد نبّه الشيخ تقي الدين بن داود(4) على كثير من ذلك(5).

ص: 239


1- في الطبعة الاولى و بعض النسخ: في المسجد، و كذا جاء في طبقات ابن سعد (الطبقات الكبرى): 445/1 و غيره.
2- قد وقع هنا تصحيف في التصحيف! حيث الحديث عن زيد بن ثابت: احتجم النبي في المسجد، حيث جعله ابن لهيعة - فيما ذكره مسلم في التميز له - مكان احتجر - بالراء بدل الميم. و في ذيله - كما في المقدمة: 411 - بخصّ أو حصير حجرة يصلي فيها. و قد جعل ابن الجزري هذا مثالا لتصحيف السمع في المتن، و هو ظاهر، كما قاله السخاوي في فتح المغيث: 72/3.
3- تجد أمثلة كثيرة - هذه و غيرها - في تقريب النووي و شرحه للسيوطي: 194/2، و سبقه في مقدمة ابن الصلاح: 410، و علوم الحديث و حكاه عن حاشية لقط الدرر: 95، و وصول الاخيار: 107، و دراية الدربندي: 9 - خطي - و غيرهم.
4- انظر ترجمته في خاتمة هذا الكتاب.
5- البداية: 35 [البقال: 112/1-113]. اقول: قد بيّن علماؤنا رضوان اللّه عليهم في كتب الرجال كثيرا من الأسماء المصحفة كما في ايضاح الاشتباه للعلامة أعلى اللّه مقامه في ضبط أسماء الرواة، و رجال ابن داود حيث نبّه على كثير من ذلك، و عقد المصنف قدس سره في موسوعته الرجالية: تنقيح المقال لكل ترجمة ضبط اسم كل راو من الرواة و نسبه و غير ذلك. و ما نبّه عليه الشهيد الثاني رحمه اللّه هنا و نسبه الى العلامة من تصحيف كثير من الأسماء في الخلاصة و الايضاح لعله من سهو النساخ، كيف! و العلامة يعدّ من أوائل من سن الضبط لأسماء الرجال في كتابيه دفعا للتصحيف كما هو واضح، و لعل مراد الشهيد رحمه اللّه أن العلامة بيّن المصحف من الرجال و ذكر ما صحف من الأسماء. أو مراده ما أورده عليه ابن داود في رجاله. أو وقوع التصحيف في الخلاصة خاصة، و لا بد من مراجعة الايضاح للاستيضاح. و للشيخ الجد قدس سره في تنقيح المقال: 293/1 بحث حقيق بالمراجعة.

ثم ان متعلق التصحيف إما البصر، أو السمع(1).

و الأول: مثل ما ذكر من أمثلة تصحيف السند و المتن، حيث أن ذلك التصحيف إنما يعرض للبصر، لتقارب الحروف، لا للسمع اذ لا يلتبس عليه مثل ذلك.

و الثاني: بأن يكون الاسم و اللقب أو الاسم و اسم الأب، على وزن اسم آخر و لقبه أو اسم آخر و اسم ابيه، و الحروف مختلفة شكلا

ص: 240


1- قال في فتح المغيث: 71/3:.. و ينقسم كل منهما الى تصحيف بصر و هو الأكثر، و سمع و هو قليل، ثم قال: و كذا الى تصحيف لفظ و هو الأكثر، و معنى و هو قليل. و الأصل في التصحيف أن يكون من اخطاء النظر في الصحف و الجهل و عدم الإحاطة بمتون الأحاديث و سلاسل الأسناد، و من هنا جاءت التسمية. أما تصحيف السمع فهو كون الكلمة على وزن كلمة اخرى مشابهة، أو يكون اسم الأب و اللقب على وزان آخر و لقبه.. و ما شابه ذلك مع الاختلاف في التنقيط، خصوصا مع ملاحظة التأخر الزماني في تنقيط الكلمات و إعجامها عند المسلمين.

و نقطا(1)، فيشتبه ذلك على السامع، مثل تصحيف بعضهم عاصم الأحول؛ بواصل الأحدب، و خالد بن علقمة؛ بمالك بن عرفطة، فان ذلك لا يشتبه في الكتابة على البصر، و كذا اذا كانت كلمة في المتن على وزن كلمة اخرى متقاربة الحروف نطقا، مع الاختلاف شكلا في الكتابة.

ثم ان جمعا منهم(2) قسموا التصحيف تقسيما آخر فقالوا: انه قد يكون في اللفظ نحو ما مر(3)، و قد يكون في المعنى كما حكي عن أبي موسى محمد بن المثنى العنزي الملقب بالزمن(4) انه قال: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، صلى الينا رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله). يريد بذلك ما روى من أنه صلى الى عنزة(5)، و هي الحربة تنصب بين يديه سترة، فتوهم انه (صلى اللّه

ص: 241


1- الظاهر: نطقا، و لعل ما في المتن صحيحا باعتبار شكلا، و ان صرح بخلافه.
2- و أول من تنبّه له - ممن نعلم - ابن الصلاح في مقدمته: 412، و تبعه النووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 195/2 [الهند: 196] حيث فصّلا القول به. لاحظ مستدرك رقم (75) كلام السيد الداماد رحمه اللّه في الرواشح.
3- و هو الأكثر وجودا، و المتبادر اطلاقا.
4- الزمن: بفتح الزاي و كسر الميم، و يقال له أبو موسى العنزي (167-252 ه) عالم بالحديث و من الحفاظ، انظر عنه تاريخ بغداد: 283/3، تهذيب التهذيب: 425/9، الاعلام: 240/7 و غيرها.
5- الرواية في صحيح البخاري صلاة الخوف باب 14، و سنن النسائي كتاب السهو باب 10، و مسند أحمد بن حنبل: 98/2 و 106 و 112 و 145 و 151، و طبقات ابن سعد: جزء 3 قسم 1 صفحة: 167. و في الجامع: 63/4 وجه 1، و حكاه غير واحد كالسخاوي في فتح المغيث: 73/3، و ابن الصلاح في المقدمة: 412، و كذا الذي بعده و غيرها. ثم ان العنزة - بفتح النون - قال في مجمع البحرين: 27/4: و العنزة - بالتحريك - أطول من العصا و أقصر من الرمح. و قال في معجم مقاييس اللغة: 154/4: و مما شذّ عن هذا الباب و عن الأول: العنزة كهيئة العصا... الى آخره. انظر لسان العرب: 4/5-381، القاموس المحيط: 184/2، تاج العروس: 61/4، المصباح المنير: 591/2، النهاية: 308/3 و غيرها. اقول: اطلاق التصحيف على بعض الأمثلة المارة أو المسطور في الكتب مجاز.

عليه و آله) صلى الى قبيلتهم بني عنزة أو الى قريتهم المسماة بعنزة، الموجودة الآن، و هو تصحيف معنوي عجيب، و أعجب منه ما حكاه الحاكم(1) من علماء العامة عن اعرابي انه زعم أنه (صلى اللّه عليه و آله) صلى الى شاة، صحفها عنزة(2)، ثم رواه بالمعنى على وهمه، فأخطأ من وجهين(3).

ص: 242


1- هو: أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن محمد بن حمدويه، المعروف بالحاكم النيسابوري، و بابن البيّع (321-405، أو 403 ه)، من أكابر المحدثين، حافظ مؤرخ متفنن في علوم شتى صاحب التصانيف الشهيرة و أهمها المستدرك على الصحيحين، و المدخل. انظر: علوم الحديث: 75، معجم المؤلفين: 238/10، وفيات الأعيان: 613/1، لسان الميزان: 232/5، اعيان الشيعة: 289/45، ميزان الاعتدال: 85/3، الاعلام: 107/7، و كل المصادر في التراجم.
2- الظاهر: صحف عنزه ثم رواه... الى آخره.
3- معرفة علوم الحديث: 184 - الهند -. لاحظ مستدرك رقم (76) فوائد في المصحف.
تذييل: الفرق بين التصحيف و التحريف

قد بان لك بالتأمل كون التصحيف في المقام أعم من التحريف، و فرّق بعضهم بينهما فخص اسم المصحّف بما غيّر فيه النقط، و ما غيّر فيه الشكل مع بقاء الحروف سماه بالمحرّف، و هو أوفق(1).

و منها:

12، 13 - العالي و النازل :

12، 13 - العالي و النازل(2):

فالعالي من السند في الاصطلاح هو: قليل الواسطة مع اتصاله(3): و النازل بخلافه.

و توضيح الحال في هذا المجال يستدعي رسم مطالب:

ص: 243


1- و كان الاولى عدّهما اثنين، كما فعل البعض. انظر مستدرك رقم (77) المحرف. و مستدرك رقم (78) المصنفات في المصحّف و المحرّف.
2- ذهب البعض الى عدّها اثنين - كما فعله الحاكم في معرفة علوم الحديث: 5 و 12 و كذا المصنف بالترقيم و غيره. و استدل للتعدد و التفرقة بأن: للنزول مراتب لا يعرفها الا أهل الصنعة، فمنها ما تؤدي الضرورة الى سماعه نازلا، و منها ما يحتاج طلب العلم الى معرفة و تبحر فيه فلا يكتب النازل و هو موجود باسناد اعلى منه. و ليس فيه وجه وجيه - كما سيأتي - و الكل أمر نسبي يعرف بالمقابلة، فتدبر.
3- اطلق البعض قلّة الوسائط في العالي من دون تقييده بالاتصال - كما فعله الأسترابادي في لب اللباب: 15 - خطي - و الميرزا القمي في القوانين: 486، و السيد الداماد في الرواشح السماوية: 126 و غيرهما - و لا يخفى ما فيه. قال الشيخ البهائي في الوجيزة: و قصير السلسلة عال.

الأول: ان الاسناد في أصله من خواص هذه الامة دون سائر الملل(1)، فان اليهود ليس لهم خبر مسند متصل الى موسى (عليه السلام)، بل يقفون على من بينه و بين موسى (عليه السلام) اكثر من ثلاثين عصرا، و إنما يبلغون الى شمعون و.. نحوه، و كذا النصارى لا يمكنهم أن يصلوا في الأحكام مسندا(2) الى عيسى (عليه السلام) إلا في تحريم الطلاق، و شرح ذلك يطلب من محله(3).

الثاني: ان طلب علو السند سنّة مؤكدة عند أكثر السلف(4)،

ص: 244


1- قاله غير واحد كابن الصلاح في المقدمة: 378 و غيره ثم قال: و سنّة بالغة من السنن المؤكدة. و يكفي شاهدا لاستحباب الاسناد ما ورد عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام أنه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: اذا حدثتم بحديث فاسندوه إلى الذي حدثكم، فإن كان حقا فلكم، و إن كان كذبا فعليه. الكافي: 52/1 حديث: 7، وسائل الشيعة: 56/18.
2- كذا، و الظاهر: مسندة
3- كما حكاه غير واحد كثاني الشهيدين في درايته: 37 [البقال: 116/1] تبعا للنووي في تقريبه و شارحه السيوطي في تدريبه: 159/2، و القاسمي في قواعده: 201، و قاله ابن حزم و نصّ عليه السخاوي في فتح المغيث: 3/3 و غيرهم.
4- حتى أنهم قالوا: قرب الاسناد قربه الى اللّه - كما في الجامع: 13/1 وجه 2 - و حكي في غير واحد من كتب الحديث كما في علوم الحديث: 236، اختصار علوم الحديث: 184، و فتح المغيث: 6/3 و غيرهم. و شاع على ألسن المحدثين إن النازل مفضول مطلقا، و إن الاسناد سلاح المؤمن، و الاسناد من الدين، و لو لا الاسناد لقال من شاء ما يشاء على حد تعبير ابن المبارك.. الى غير ذلك، لاحظ أيضا تدريب الراوي: 160/2.

و قد كانوا يرحلون الى المشايخ من أقصى البلاد لأجل ذلك، و ربّما ادعى بعضهم اتفاق ائمة الحديث قديما و حديثا على الرحلة الى من عنده الاسناد العالي، و قد أفتى جمع باستحباب الرحلة لذلك(1)، و لا بأس به، لاندراجه في طلب العلم و التفقه المندوبين، و ذلك يغنينا عن التمسك له بحديث أنس في الرجل الذي أتى النبي (صلى اللّه عليه و آله) و قال: (أتانا رسولك فزعم... كذا.. الحديث) [كما] صدر ذلك من بعضهم(2)، بتقريب أن طلب العلو في الاسناد لو لم يكن مستحبا لأنكر عليه سؤاله لذلك، و لأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه.

فان فيه: إنه أجنبي عن مسألتنا، اذ لم يكن ذلك طلبا للعلو، بل كان شاكا في قول الرسول، فرحل حتى يتثبت و يطمئن بكون ما أخبر به الرسول من جانب النبي(3).

الثالث: ان في رجحان عالي السند على النازل مطلقا، أو

ص: 245


1- كما صرح به الحاكم في معرفة علوم الحديث: 5-7 و غيره ممن سبق، و كذا العراقي في الفيته، و السخاوي في شرحها: 5/3، و مقدمة ابن الصلاح: 9-278.
2- كما استدل به الحاكم النيشابوري في معرفة علوم الحديث: 5-6، و هو أول من فعل ذلك ممن يعرف، و حكاه عنه غير واحد، و فصل القول به في فتح المغيث: 5/3-6، و محاسن الاصطلاح: 379 - من المقدمة - لابن الصلاح، بل قيل: إن في الاقتصار على النازل إبطالا للرحلة و تركا لها، كما فصلنا ذلك في مستدركنا - الآتي - رقم (223): الرحلة في طلب الحديث.
3- لاحظ النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: 160/2-161 و غيرهما.

العكس مطلقا، أو التفصيل برجحان العلو إلا إذا اتفق للنازل مزيّة خارجية، وجوه:

للأول منها: إن العلو يبعد الحديث عن الخلل المتطرق الى كل راو، إذ ما من رجال الإسناد إلاّ و الخطأ جائز عليه، و كلما كثرت الوسائط و طال السند كثرت مظان التجويز، و كلما قلّت قلّت(1).

و للثاني: إن النزول يوجب كثرة البحث، و هي تقتضي المشقة، فيعظم الأجر.

و ضعفه ظاهر، ضرورة أن عظم الأجر أمر أجنبي عن مسألة التصحيح و التضعيف، و كثرة المشقة ليست مطلوبة لذاتها، و مراعاة المعنى المقصود من الرواية - و هو الصحة - أولى.

و للثالث: إنه قد يتفق في النزول مزيّة ليست في العلو، كأن تكون رواته أوثق أو احفظ أو اضبط أو الاتصال فيه اظهر، للتصريح فيه باللقاء، و اشتمال العالي على ما يحتمله و عدمه، مثل عن فلان فيكون النزول حينئذ أولى بالعرض(2)، و هذا القول هو الفصل(3).

ص: 246


1- فيكون أقرب الى الصحة، و ببعده عن كثرة مظان التحوير و الزلل و السهو.
2- أي يكون في معرض الاستدلال و الحجية، و يقال لغة: عرض المسألة: جاء بها واسعة كبيرة، أو هو أولى بالأخذ، و قد يكون بالمعجمة: الغرض، كما صرح بذلك ثاني الشهيدين في درايته: 37 [البقال: 116/1]، أو يكون لأحدهما إجازة و الآخر سماع فيقدم الأخير، أو لوجود فائدة فيه.. أو ما شابه ذلك.
3- فصّل القول به في التدريب: 165/2-167، و السخاوي في الفتح: 10/3 و غيرهما. اقول:.. الحق إن جودة الحديث ليس بقربه و لا ببعده، بل بصحة رجالاته و وثاقتهم، و الأخذ من عالم فقيه عادل ثبت و إن نزل أولى من العلو عن جاهل منحرف فضلا عن وضاع و إن علا، و عليه فليس العالي من الإسناد ما يتوهمه عوام الناس.. كما قاله البعض - فيعدون الأسانيد و رجالاتها، فما وجدوا منه أقرب الى المعصوم عليه السلام يتوهمونه أعلى، إذ قد لا يحتج ببعض العوالي، بل إن النزول حينئذ أولى من العلو لأنه عندهم كالعدم حينئذ، فالعلو المعنوي هو المطلوب عند التحقيق، و إن كان هذا خروجا عن الاصطلاح علوا من حيث المعنى، فتدبر، اذ أن العلو و النزول صارا محلا للبحث بما هما من دون تعرض الى ما يعرضهما من الصحة و الضعف و غيرهما، و بهذا الاعتبار تصبح المسألة ذات قولين، فلاحظ.

الرابع: ان للعلو اقساما خمسة(1)، و كذا النزول، فضدّ كل قسم من العالي النازل(2):

احدها: و هو أعلى الأقسام و أشرفها و أجلّها، قرب الإسناد من المعصوم بالنسبة الى سند آخر يروى به ذلك الحديث بعينه بعدد كثير(3)، فان اتفق مع ذلك أن يكون سنده صحيحا، و لم يرجح غيره

ص: 247


1- الظاهر إن أول من قسمها بذلك هو أبو الفضل بن طاهر و تبعه ابن الصلاح في مقدمته: 381-389 و تبعهما من تبعهما، و قد اختلف في ماهية بعضها، و ما ذكره المصنف قدس سره هو مشهور الأقوال فيها، و قد قسما الى علو المسافة و علو الصفة أيضا - كما سيأتي..
2- الاولى: أن يقال: نازل، اذ ضد العوالي الخمسة نوازل لا ضد كلها نازل واحد، فتدبر.
3- و عبّر عنه ب: العلو المطلق، كما جاء ذلك عن الشيخ الطريحي في حاشيته الخطية على مجمع البحرين مادة: سنن. و قيده في المقدمة: 381 باسناد نظيف غير ضعيف.

عليه بأوثقية أو اضبطية و.. نحوهما مما ذكر، فهو الغاية القصوى، و إلاّ فصورة العلو فيه موجودة ما لم يكن موضوعا ضعيفا(1) غير مجبور، و إلا كان كالمعدوم، و تعيّن الأخذ بالنازل(2).

ثانيها: و هو بعد المرتبة الاولى في العلو، قرب الاسناد من أحد أئمة الحديث، كالحسين(3) بن سعيد و الكليني و الصدوق و الشيخ و.. اضرابهم، و ان كثر بعده العدد الى المعصوم(4).

ثالثها: العلو المقيد بالنسبة الى رواية أحد كتب الحديث

ص: 248


1- الظاهر أن العبارة هكذا: موضوعا أو ضعيفا، إذ لا معنى لجبر الموضوع، فتدبر.
2- مثل له في مصادرنا بثلاثيات الكليني في الكافي، و ستأتي في الفائدة السابعة من مستدرك رقم (82). بل قال: الأسترابادي في لب اللباب: 15 - خطي -: كثير من روايات الكافي. و مثّل له عند العامة بثلاثيات البخاري في صحيحه، و هي تنيف على عشرين حديثا كما قاله السخاوي في فتح المغيث: 11/3.
3- في دراية الشهيد الموجودة عندنا: الحسن، و هو غلط.
4- و عبر عنه بالعلو النسبي، أو العلو الاضافي، و هو ما يقلّ العدد فيه الى ذلك الشيخ و إن بعد بعده، و كونه من أئمة الحديث و مشايخ الرواة يصيره ذا صفة عليه من حفظ و فقه و ضبط تسوغ مثل هذا القرب أو المدح. انظر مستدرك رقم (79) العلو الحقيقي و الاضافي.

لمعتمدة(1)، و يسمى علو التنزيل(2). و ليس بعلو مطلق، إذ الراوي لو روى الحديث من طريق كتاب منها، وقع أنزل(3) مما لو رواه من غير طريقها، و قد يكون عاليا مطلقا أيضا، و هو ما كثر اعتناء المتأخرين به من الموافقة و الأبدال و المساواة و المصافحة(4).

فالموافقة: أن يقع لك حديث عن شيخ مسلم(5) مثلا من غير جهته، بعدد أقل من عددك اذ رويته بإسنادك عن شيخ مسلم عنه(6).

و البدل: أن يقع هذا العلو عن شيخ غير شيخ مسلم، و هو مثل شيخ مسلم في ذلك الحديث، و قد يسمى هذا موافقة بالنسبة الى شيخ شيخ مسلم، فهو موافقة مقيدة. و قد تطلق الموافقة و البدل مع عدم العلو به(7)، و مع النزول أيضا.

ص: 249


1- أو غيرها من الاصول المعتبرة، كالاربعمائة.
2- كما سماه ابن دقيق العيد، و حكاه السيوطي في التدريب: 165/2 عنه، و يقال لهذا: العلو النسبي، و العلو بتقدم السماع - أيضا -.
3- الظاهر: اعلى، أو يقال: إنه يأتي الحديث من طريق لو رويته عن كتاب آخر كان الطريق إليه أقصر.
4- لاحظ مستدرك رقم (80): الموافقة، الابدال، المساواة، المصافحة.
5- المراد هنا من مسلم هو ابن الحجاج - المارّ قريبا - صاحب الصحيح و المثال أخذ من كتب العامة، و الأولى ما مثلنا له و لغيره من الأنواع في مستدركنا، فراجع، و لعله يقرأ بالتشديد، أما كون المراد منه وصفا فبعيد جدا، و إن ظهر من بعض الخواص الأعلام ذلك، فلاحظ.
6- الظاهر: عن مسلم عنه، أو يقال: روايتك عن مسلم بواسطة شيخه.
7- الظاهر: بل.

و المساواة: أن يقع بينك و بين من لقى المعصوم من العدد مثل ما وقع بين شيخ مسلم و بينه، و هذا نادر في هذا الزمان، بل لا يوجد.

و المصافحة: أن تقع هذه المساواة لشيخك فيكون لك مصافحة، كأنك صافحت شيخك، فأخذته عنه، و إن كانت المساواة لشيخ شيخ شيخك، كانت المصافحة لشيخك، و إن كانت المساواة لشيخ شيخ شيخك فالمصافحة لشيخ شيخك و.. هكذا(1).

رابعها: أن يتقدم سماع أحد الراويين في الاسنادين على زمان سماع الآخر و إن اتفقا في العدد الواقع في الاسناد، أو في عدم الواسطة إن كانا قد رويا عن واحد في زمانين مختلفين، فأولهما سماعا أعلى من الآخر لقرب زمانه من المعصوم (عليه السلام) بالنسبة الى الآخر، و العلو بهذا المعنى و بسابقيه يعبّر عنه بالعلو النسبي، و في البداية: ان شرف اعتباره قليل، خصوصا الأخير، لكن قد اعتبره جماعة من أئمة الحديث، فذكرناه لذلك(2).

خامسها: تقدم وفاة راوي أحد السندين المتساويين في العدد على من في طبقته من راوي السند الآخر، فان المتقدم عال بالنسبة الى المتأخر على زعم بعضهم، و مثّل له في البداية بما نرويه باسنادنا الى

ص: 250


1- و يقال لهذه الثلاثة السالفة: علو المسافة - و هو قلة الوسائط - مقابل علو الصفة التي هي القسمان الآخران. لاحظ مستدرك رقم (81) علو الصفة.
2- البداية: 37 [البقال: 116/1].

شيخنا الشهيد (رحمه اللّه)، عن السيد عميد الدين، عن العلامة جمال الدين بن المطهر، فانه أعلى مما نرويه عن الشهيد (رحمه اللّه)، عن فخر الدين بن المطهر، عن والده جمال الدين، و إن تساوى الاسنادان عددا، لتقدم وفاة السيد عميد الدين (رحمه اللّه) على وفاة فخر الدين بنحو خمس عشرة سنة(1).

قلت: إنما يكون ما ذكره مثالا، لو لم يكن للسبق مدة معينة كما عليه بعضهم و أما بناء على تحديده بمضي خمسين سنة، كما عن الحافظ أحمد بن عمير بن الجوصاء(2)، أو بثلاثين سنة كما عن ابن مندة(3)، فلا يتم المثال، نعم لا وجه للتحديد، كما لا وجه لاعتبار

ص: 251


1- البداية: 37 [البقال: 117/1] بتصرف يسير، و قد جعل بعض علماء الدراية كابن دقيق و ابن طاهر و جمع و تبعهم ثاني الشهيدين في درايته هذا القسم و الذي قبله واحدا، إلا أن ترقيم المصنف يظهر منه خلاف ذلك.
2- في فتح المغيث: 21/3: الجرصاء الدمشقي، شيخ الاسلام. و الصحيح ما هنا، و هو أحمد بن عمير (عمر) بن يوسف بن موسى بن الجوصاء الدمشقي، مولى بني هاشم، محدث الشام، توفى سنة 320 ه. انظر تذكرة الذهبي 16/3، و لسان الميزان: 239/1، و معجم المؤلفين 37/2، و غيرها.
3- هناك أكثر من سبعة ممن يعرف بابن مندة، و أكثرهم من أهل أصفهان، و هم محدثون و مصنفون، و لعل المذكور هنا هو ابراهيم بن محمد بن يحيى بن مندة المتوفى في شهر الصيام سنة 320 ه، انظر.. طبقات المحدثين باصبهان: 309 خطي نقلا عن معجم المؤلفين: 110/1. حكاهما غير واحد عنهما، لاحظ فتح المغيث: 21/3.

أصل هذا القسم من العلو، كما نبّه عليه في البداية، بقوله:

و الكلام في هذا العلو كالذي قبله و أضعف(1).

و منها:

14-19 - الشاذ، و النادر، و المحفوظ، و المنكر، و المردود، و المعروف:

فالشاذ و النادر هنا مترادفان(2)، و الشائع استعمال الأول، و استعمال الثاني نادر(3)، لكن واقع، و كفاك في ذلك قول المفيد

ص: 252


1- البداية: 37 [البقال: 117/1]. و لم يتعرض المصنف قدس سره للنزول و أقسامه إلا مجملا، لاحظ: وصول الأخيار: 131-133، مقدمة ابن الصلاح: 388 و غيرها. و يعرف من مقابله خلافا لمن زعم كون العلو قد يقع غير تابع للنازل، أو كون التنزل في الاسناد أفضل كما حكاه في المقدمة: 388. و على كل هو مفضول مرغوب عنه الاّ أن يميز بفائدة كزيادة الثقة في رجاله على العالي أو كونه أحفظ أو أفقه و نحو ذلك مما مرّ. انظر مستدرك رقم (82) فوائد حول العالي و النازل.
2- فرّق بعضهم بين الشاذ و النادر في العرف العام: بأن الشاذ ما خالف القياس و إن شاع في الاستعمال، و النادر ما وافق القياس و قلّ استعماله، و مثّل للأول بمسجد - بكسر الجيم - و الثاني بمسجد - بفتح الجيم - فتدبر. منه (قدس سره). و فرق بينهما الطريحي في المجمع: 490/3 بقوله: و النادر في الحديث في الاصطلاح: ما ليس له أخ، أو يكون لكنه قليل جدا، و يسلم من المعارض، و لا كلام في صحته، بخلاف الشاذ، فانه غير صحيح، أو له معارض. و فرق في مجمع البحرين: 3/3-182 بين الشاذ و الفاذ بقوله: و قيل: الشاذ هو الذي يكون مع الجماعة ثم يفارقهم، و الفاذّ: هو الذي لم يكن قد اختلط معهم.
3- و عبّر عنهما: مخالف المشهور أيضا، كما نص عليه في نهاية الدراية: 63. و الظاهر أنه ليس مصطلحا خاصا في الباب، بل بمقتضى مدلولهما.

(رحمه اللّه) في رسالته في الرد على الصدوق، في أن شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقص: (ان النوادر هي التي لا عمل عليها)(1). و أشار بذلك الى رواية حذيفة(2) كما يكشف عن ذلك، و عن ترادفهما قول الشيخ (رحمه اللّه) في التهذيب في هذه المسألة، أنه:

(لا يصلح العمل بحديث حذيفة، لأن متنها لا يوجد في شيء من الاصول المصنفة، بل هو موجود في الشواذ من الأخبار)(3).

ص: 253


1- انظر الفصل الرابع من الرسالة المذكورة للشيخ المفيد رحمه اللّه، و هي لا تزال مخطوطة لا أعرف طبعها، لاحظ: تكملة الرجال: 41/1 الحاشية.
2- و هو حذيفة بن منصور بن كثير بن سلمة الخزاعي أبو محمد، روى عن الباقر و الصادق و الكاظم عليهم السلام، له كتاب يرويه عدة من أصحابنا، انظر رجال الكشي: 615 و 717، و الخلاصة للعلامة: 60، و رجال الشيخ: 119 و تنقيح المقال: 9/1-258، و معجم رجال الحديث: 242/4 و غيرها.
3- تهذيب الأحكام: 169/4 و النص هو: و هذا الخبر لا يصح العمل به من وجوه، أحدها: أن متن هذا الحديث لا يوجد في شيء من الاصول المصنفة و إنما هو موجود في الشواذ من الأخبار.. الى آخره، و قد تابع المصنف رحمه اللّه عبارة التعليقة، اذ قد حكاه الوحيد في التعليقة: 7 [ذيل رجال الخاقاني: 34] الاّ أنه قال في صفحة: 8 [ذيل رجال الخاقاني: 35]: و نقل عن بعض أن النادر ما قل روايته و ندر العمل به، و ادعى أنه الظاهر من كلام الأصحاب، و لا يخلو من تأمل. ثم ان الرواية هي ما رواه ابن أبي عمير عن حذيفة بن منصور قال: أتيت معاذ ابن كثير في شهر رمضان - و كان معي اسحاق بن محوّل - فقال معاذ: لا و اللّه ما نقص من شهر رمضان قط.

حيث اطلق الشاذ على ما أطلق عليه المفيد النادر، بل لا يبعد استفادة ترادفهما من قوله (عليه السلام) - في المرفوعة -: (ودع الشاذ النادر)(1).

و أما المحفوظ: فهو في اصطلاح أهل الدراية، ما كان في قبال الشاذ من الراجح المشهور(2).

و أما المعروف: فهو في الاصطلاح، ما كان في قبال المنكر من الرواية الشائعة.

و أما المنكر و المردود: فهما ايضا مترادفان على ما يظهر من كلمات أهل الدراية و الحديث(3).

فهنا أربع عبارات: الشاذ، و المحفوظ، و المنكر و المعروف، و قد عرفت المراد بالمحفوظ و المعروف، و إن تأملت بأن لك الفرق بينهما و بين المشهور، و أنهما أخص منه، فان المشهور ما شاع روايته سواء كان في مقابله رواية اخرى شاذة غير شائعة أم لا، بخلاف المحفوظ فانه خصوص المشهور الذي في قباله حديث شاذ، و المعروف خصوص

ص: 254


1- ذكرنا مصادر الرواية في بحث المشهور و هي: اصول الكافي: 67/1، التهذيب 301/6، من لا يحضره الفقيه: 5/3، الاحتجاج: 194، وسائل الشيعة: 75/18-89.
2- أي ما قابل الشاذ المردود، بأن كان الراوي عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا و لم يخالف من هو أرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من الوجوه المرجحة.
3- انظر مستدرك رقم (83): المردود.

المشهور الذي في قباله حديث منكر، فبقيت عبارتان.

الاولى:

الشاذ: و هو على الأظهر الأشهر بين أهل الدراية و الحديث(1) هو: ما رواه الثقة، مخالفا لما رواه جماعة(2)، و لم يكن له إلا اسناد واحد(3)، فخرج بقيد الثقة المنكر و المردود. و بقيد المخالفة المفرد بأول معنييه المزبورين، و بقيد اتحاد الاسناد عن المتن الواحد المروي بأسانيد فانه ليس بشاذ(4)، و هناك أقوال أخر شاذة ساقطة، و ما ذكرناه تبعا للأكثر هو الفصل.

ثم ان كان راوي المحفوظ المقابل للشاذ أحفظ أو أضبط أو أعدل من راوي الشّاذ، سمّي ذلك الشّاذ: بالشّاذ المردود، لشذوذه و مرجوحيّته لفقده للأوصاف الثّلاثة(5). و ان انعكس فكان الرّاوي

ص: 255


1- الشهرة من الخاصة، و الشافعي و أتباعه، و الشهرة مطلقا غير ثابتة.
2- أو الجمهور، أو الأكثر، أو جماعة الثقات، أو جماعة، أو الناس، و بكل قائل، و المعنى متقارب.
3- كذا عرّفه في دراية الشهيد: 37 [البقال: 118/1]، و الذكرى: 4، و الرواشح السماوية: 163، و القوانين: 486، و تذكرة الموضوعات: 5، و الوجيزة: 5، و شرح ألفية العراقي: 185/1، و غيرها من المصادر. لاحظ تفصيلها في مستدرك رقم (84) تعريف الشاذ.
4- فامتاز بميزتين: التفرد و المخالفة، فلو تفرد الثقة بحديث لم يخالف فيه غيره فهو حديث صحيح غير شاذ، و لو خولف بما هو أرجح منه يأتي ما ذكره المصنف رحمه اللّه.
5- الأشبه أن يقال: لأحد الأوصاف الثّلاثة.

للشاذ أحفظ للحديث أو أضبط له أو أعدل من غيره من رواة مقابله، ففيه أقوال:

احدها: عدم ردّه، اختاره جماعة منهم ثاني الشّهيدين في البداية(1)، نظرا إلى أنّ في كل منهما صفة راجحة و صفة مرجوحة فيتعارضان، فلا ترجيح. قال: و كذا ان كان راوي الشّاذ مثل مقابله في الحفظ و الضّبط و العدالة - ففي البداية -(2) انّه لا يرد، لأنّ سماعه(3) من الثّقة يوجب قبوله و لا رجحان للآخر عليه من تلك الجهة.

ثانيها: ردّه مطلقا، لأنّ نفس اشتهار الرّواية من أسباب قوّة الظّن بصدقها، و سقوط مقابلها(4) مضافا الى تنصيص المعصوم(5) (عليه السّلام) بكون الشهرة مرجّحة، و أمره بردّ الشاذ النادر من دون استفصال.

ص: 256


1- البداية: 37 [البقال: 118/1]، و الأصل فيه ما أخذه النّووي عن ابن الصّلاح في مقدّمته: 177 و تعرّض له السّيوطي في تدريبه: 234/1، و غيرهم.
2- نفس المصدر و الصفحة من البداية. و يمكن التّمثيل له بما اشتهر في الكتب الفقهيّة ممّا اتّفق عليه الشّيخان في صحيحة زرارة المرويّة في من دخل الصّلاة بتيمّم ثمّ أحدث: انّه يتوضّأ حيث يصيب الماء و يبني على الصّلاة، و إن خصت بحالة الحدث تأسّيا. وسائل الشيعة: 3/2-991 - باب 21.
3- خ. ل: ما معه.
4- لأنّ المقابل شاذ أولا، و لقوّة الظّن في الطرف الآخر شهرة ثانيا.
5- في المرفوعة الّتي ذكرت قريبا.

و يمكن الجواب عن الأول بمنع سببيّة الشّهرة لقوّة الظّن، حتّى في صورة كون راوي الشّاذ أحفظ أو أضبط أو أعدل، بل قد يقوى الظّن حينئذ بصدق الشّاذ، فالكلّيّة لا وجه لها بل اللازم الادارة مدار الرّجحان في الموارد الجزئيّة. و أما تنصيص المعصوم (عليه السلام) بردّ الشّاذ، فمنصرف الى غير صورة حصول الرّجحان له، فتأمّل جيّدا.

ثالثها: قبول الشاذ مطلقا، لأنّه لازم وثاقة راويه، و هو كما ترى اجتهاد في قبال النّص، ثمّ انّه قال بعض من عاصرناه(1) انّ المشهور كما قد يطلق على ما اشتهر الفتوى به و إن لم يشتهر نقله، فكذا الشّاذ قد يطلق على ما يندر الفتوى به و إن اشتهر نقله(2)، و من هنا يظهر انّه لو شمل قوله (عليه السلام): (خذ بما اشتهر بين أصحابك) ما اشتهر في النقل و الفتوى أيضا، فكذا الشّاذ يشمل ما شذّ نقله، و الفتوى به(3).

الثّانية:

المنكر(4):

و هو ما رواه غير الثّقة مخالفا لما رواه جماعة و لم يكن له الاّ اسناد

ص: 257


1- و هو المولى ملاّ عليّ كني الطهراني طاب ثراه.
2- توضيح المقال: 51، و سبقه الأسترآبادي في لب اللباب: 14 - خطّي -، و قبلهما الشيخ حسين والد الشيخ البهائي في وصول الأخيار: 96 [التراث: 118] و غيرهم.
3- انظر مستدرك رقم (85) فوائد عشر حول الشّاذ.
4- المنكر: لغة اسم مفعول من أنكره بمعنى جحده و لم يعرفه، مجمع البحرين: 501/3 و قال: و المنكر: الشيء القبيح أعني الحرام، ثمّ قال: و المنكر في الحديث ضد المعروف، و في معجم مقاييس اللغة: 476/5 قال: و يدل على خلاف المعرفة الّتي يسكن اليها القلب، و انظر: لسان العرب: 4/5-232، و القاموس المحيط: 148/2، و تاج العروس: 5/3-583، و المصباح المنير: 858/2، و النهاية: 5/5-114.

واحد(1)، قال في البداية: و لو كان راوي الشّاذ المخالف لغيره غير ثقة، فحديثه منكر مردود، لجمعه بين الشّذوذ و عدم الثّقة، و يقال لمقابله المعروف، و منهم من جعلهما - أي الشّاذ و المنكر - مترادفين، بمعنى الشّاذ المذكور، و ما ذكرناه من الفرق اضبط(2)، و البعض الّذي جعلهما واحدا هو ابن الصّلاح من العامّة(3)، و قد رماه شيخ الاسلام(4) بالغفلة عن الاصطلاح(5).

ص: 258


1- فمن شرطه تفرّد الضعيف و المخالفة، فلو تفرّد راو ضعيف بحديث لم يخالف فيه الثّقات لا يعد حديثا منكرا، بل ضعيف بقول مطلق، و الضعيف ان خولف برواية ثقة فالراجح يقال له: المعروف، و المرجوح هو: المنكر.
2- لاحظ مستدرك رقم (86) تعريف المنكر. البداية: 38 [البقال: 9/1-118].
3- مقدّمة ابن الصّلاح: 179 و الحق انّ القول للبرديجي كما حكاه النّووي و أقرّه السيوطي في شرحه للتقريب: 238/1-240، و السّخاوي في شرحه على الألفية: 190/1 و غيرهم.
4- هو ابن حجر شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني أبو الفضل (773-852 ه) من أئمة العلم و التاريخ و الحديث و الفقه الشافعي، له تصانيف كثيرة جدا، انظر: الأعلام: 173/1، شذرات الذهب: 270/7، معجم المؤلفين: 21/2 و غيرها.
5- المراد منه ابن حجر في شرح النّخبة: 34 قال: و قد غفل من سوّى بينهما. انظر مستدرك رقم (87) الفوائد العشر حول المنكر و غيره.

و منها:

20 - المسلسل :

20 - المسلسل(1):

و هو ما تتابع رجال اسناده واحدا فواحدا الى منتهى الاسناد على صفة واحدة، أو حالة واحدة، للرواة تارة، و للرواية اخرى(2).

و صفات الرواة و أحوالهم: إما قوليّة أو فعليّة أو هما معا.

و صفات الرّواة(3): إمّا تتعلّق بصيغ الأداء أو بزمنها أو أمكنتها(4).

ص: 259


1- التسلسل: لغة، اتّصال الشّيء بعضه ببعض، و منه سلسلة الحديث، قال في مجمع البحرين: 399/5: و شيء مسلسل: متّصل بعضه ببعض، انظر النّهاية: 389/2، المصباح المنير: 387/1، تاج العروس: 379/7، القاموس المحيط: 397/3، لسان العرب: 338/11-345 و غيرها، و هو من صفات الاسناد.
2- و على كل سواء كانت هذه الصّفات للرواة أم للاسناد، و سواء كان ما وقع منه في الاسناد في صيغ الاداء أو متعلقا بزمن الرواية أو بمكانها، و سواء كانت أحوال الرواة أو صفاتهم أقوالا أو أفعالا، و سواء كان في كل الرواية أو جلّها، و سواء كان ذلك في حال تحمّل الرّواية من الراوي أو المروي عنه.. الى غير ذلك من الحالات.
3- الظاهر: الرّواية.
4- كما في التقريب و التّدريب: 187/2، و ألفيّة العراقي و شرحها: 53/3، و دراية الدربندي: 13 - خطّي -، و أصل التّعريف لابن جماعة في حاشية لقط الدّرر: 36 كما نسبه له في علوم الحديث: 249 و عرّفه بقوله: الحديث المسند المتّصل الخالي من التدليس الّذي تتكرّر في وصف روايته عبارات أو أفعال متماثلة كلّ راو عمّن فوقه في السند حتّى ينتهي الى رسول اللّه، و هو أظهر التعاريف الواردة، و أخصرها ما في الوجيزة: 5 من قوله: و مشتركا كلا أو جلا في أمر خاص كالاسم و الأولويّة و المصافحة و التلقيم و نحو ذلك مسلسل، و قريب منه في قوانين الاصول: 487، و تقدم الجميع ابن الصّلاح في المقدمة: 401. و على كل، فالحديث الذي يتصل اسناده بحال أو هيئة أو وصف قولي أو فعلي يتكرر في الرواة أو الرواية أو يتعلق بزمن الرواية أو مكانها فهو مسلسل.

فالمسلسل بصفات الرّواة القوليّة، كنطق كلّ منهم حال الرّواية بالاستعاذة أو البسملة أو الحمد للّه و الصّلاة على النبيّ (صلى اللّه عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) أو.. نحو ذلك(1).

و المسلسل بأحوالهم القولية(2)، كقول كلّ منهم سمعت فلانا يقول، أو اتيان كلّ منهم بصيغة القسم، مثل اخبرني فلان و اللّه قال، اخبرنا فلان و اللّه.. الى آخر الاسناد أو.. نحو ذلك(3).

ص: 260


1- مثاله المشهور عند العامة حديث قراءة سورة الصف، و هو أن الصحابة سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عن أحب الأعمال الى اللّه عز و جل ليعملوه ؟ فقرأ عليهم سورة الصف... فتسلسل الحديث بقراءة كل من رواته ذلك، ذكره كل من تعرض لهذا النوع. قال الطريحي في حاشيته الخطية على مجمع البحرين مادة (سنن) بعد تعريف المسلسل: و أصحها قراءة سورة الصف!. و لم يثبت الحكم.
2- قال العراقي و تبعه السخاوي في شرحه للألفية: 13/3: و أحوال الرواة القولية و صفاتهم القولية متقاربة، بل متماثلة، و هو الظاهر.
3- مثاله ما روته العامة عن معاذ بن جبل من أن النبي قال له: يا معاذ! اني أحبك، فقل في دبر كل صلاة: «اللهم اعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك» فقد تسلسل الحديث بقول كل من رواته: و أنا أحبك فقل: «اللهم..» الحديث كما جاء في فتح المغيث للسخاوي: 12/4، و ذكره في تدريب الراوي: 188/2 و غيرهما، و سبقهم في المقدمة: 402.

و المسلسل بأحوالهم الفعلية، كما في تشبيك كل منهم يده بيد من رواه عنه، أو عد كل منهم كلمات الرواية، أو فقرات الدعاء بإصبعه، أو مصافحة كل منهم عند الرواية مع من يروي عنه، أو الأخذ بيده، أو وضع اليد على رأسه، أو قبض كل منهم حال الرواية بلحية نفسه، أو قيام كل منهم حالة الرواية، أو الاتكاء، أو المشي، أو الجلوس أو... نحو ذلك(1).

و يجتمع القولية و الفعلية في مثل قول كل منهم صافحني فلان و روى لي، قال: صافحني فلان و روى لي و.. هكذا، فانه اجتمع فيه قول صافحني مع فعل المصافحة(2).

ص: 261


1- مثاله: حديث ابي هريرة عن طريقهم قال شبك أبو القاسم (صلى اللّه عليه و آله) و قال: خلق اللّه الأرض يوم السبت، فقد تسلسل هذا الحديث بتشبيك كل واحد من رواته بيد من رواه عنه. كما ذكره في معرفة علوم الحديث: 12/4 و غيره.
2- مثاله: حديث أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه: لا يجد العبد حلاوة الايمان.. و قبض رسول اللّه: على لحيته و قال: امنت بالقدر خيره و شره و حلوه و مره. فقد تسلسل بقبض كل من رواته على لحيته و بقوله: آمنت بالقدر.. تدريب الراوي: 189/2 [الهند: 380] و غيره. و منه المسلسل بصفات الرواة الفعلية، و مثاله حديث: البيعان بالخيار، فقد تسلسل برواية الفقهاء له، أو الحفاظ أو غير ذلك، و هو من الأمثلة التي تجدها في كتب العامة غالبا، و المسلسلات التي يذكرها الحاكم في معرفة علوم الحديث: 30-34 و غيره من المصادر الآتية.

و مثل(1) المسلسل بالتلقيم، فانه تضمن الوصف بالقول، كقول كل واحد لقمني فلان بيده لقمة و روى لي، قال: لقمني فلان بيده لقمة و روى لي.. الى آخر الاسناد، و الفعل و هو التلقيم(2).

و مثله المسلسل بقرّب اليّ جبنا و جوزا، أو المسلسل بأطعمني و سقاني، و المسلسل بالضيافة على الأسودين: التمر و الماء.

و من المسلسل بصفات الرواة، المسلسل باتفاق اسماء الرواة، كالمسلسل بالمحمدين(3)، و الأحمدين و.. نحو ذلك، أو اسماء آبائهم، أو كناهم، أو أنسابهم، أو ألقابهم، أو بلدانهم، أو صنائعهم و حرفهم، و... نحو ذلك، و صفات الرواية المتعلقة بصيغ الأداء كالمسلسل بسمعت فلانا، أو اخبرنا فلان، أو أخبرنا فلان و اللّه، أو أشهد باللّه لسمعت فلانا يقول كذا، كل راو عمن روى عنه كذلك.

ص: 262


1- الظاهر: و مثله.
2- قال في نهاية الدراية: 60: رأيت السيد حسين بن السيد حيدر الكركي العاملي في إجازته المبسوطة يذكر انه قرأ على الشيخ المصنف بهاء الدين الحديث المسلسل بألقمني الخبز و الجبن و ألقمني لقمة منها.
3- كما في رواية الشيخ محمد بن الحسن الطوسي عن محمد بن النعمان عن محمد بن علي بن بابويه عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن عمر بن يزيد، كما ذكره البهائي و والده، و قد ذكر شيخنا الميرزا النوري في كتابه نفس الرحمن في فضائل سلمان: 88 و ما بعدها جملة من الروايات المسلسلة عن طريقنا.

و المتعلقة بالزمان كالمسلسل بروايته في اليوم الفلاني كالعيد و الخميس و.. نحو ذلك، أو وقت الصبح أو الظهر أو.. نحو ذلك.

و بالمكان كالمسلسل بسماع كل منهم عن صاحبه في المسجد أو المدرسة أو.. نحو ذلك.

و قد يقع التسلسل في معظم الاسناد دون جميعه(1).

ثم ان التسلسل ليس له مدخل في قبول الحديث و عدمه، و إنما هو في(2) فنّ من فنون الرواية، و ضروب المحافظة عليها و الاهتمام(3)، و فضيلته اشتماله على مزيد الضبط و الحرص على أداء الحديث بالحالة التي اتفق بها من المعصوم (عليه السلام).

و أفضل أقسامه ما دل على اتصال السماع، لأنه أعلى مراتب الرواية على ما سيأتي - ان شاء اللّه تعالى -. و في البداية و..

غيره انه، (قلما تسلم المسلسلات عن ضعف في وصف بالتسلسل(4)، فقد طعن في وصف كثير منها لا في أصله)(5) ثم قال: (و من الحديث المسلسل ما ينقطع تسلسله في وسط اسناده، كالمسلسل بالأولية

ص: 263


1- لاحظ مستدرك رقم (88) حول المسلسل.
2- كذا في الأصل، و الظاهر زيادة: في.
3- الظاهر: الاهتمام بها.
4- كذا، و الصحيح: وصف التسلسل كما في دراية طبعة النجف - الحيدرية، و في الطبعة المصححة: الوصف بالتسلسل مقابل الضعف في أصل المتن، و كأنهم أرادوا امكان ضعف السند بدون المتن، فتدبر.
5- البداية: 39 [البقال: 123/1]، و صرح بذلك كل من عنون المسألة كما في قواعد التحديث: 127، و المقدمة: 402، و دراية الدربندي: 14 - خطي - و غيرها.

على الصحيح عند الناقدين، و إن كان المشهور بينهم خلافه)(1)، و غرضه أن المسلسل أوله المنقطع تسلسله، [في وسطه من المسلسل](2)في اصطلاح المدققين و إن لم يكن مسلسلا عند المشهور(3).

و منها:

21 - المزيد :

21 - المزيد(4):

و هو الحديث الذي زيد فيه على سائر الأحاديث المروية في معناه.

و الزيادة تقع تارة في المتن، بأن يروي فيه كلمة زائدة تتضمن معنى لا يستفاد من غيره، و اخرى في الاسناد، بأن يرويه بعضهم باسناد مشتمل على ثلاثة رجال معينين مثلا، و يرويه الآخر بأربعة يتخلل الرابع بين الثلاثة.

أما الأول: و هو المزيد في المتن فمعتمد مقبول إن كانت الزيادة من الثقة(5)، لما في البداية و... غيره من أنه (لا يزيد على ايراد

ص: 264


1- البداية: 39 [البقال: 123/1].
2- ما بين معكوفتين ليس في الطبعة الاولى، و هو أولى.
3- راجع مستدرك رقم (89) فوائد حول المسلسل.
4- و يقال له: المزيد على غيره. كما في القوانين: 487 و غيره، و قد يدرج في بحث معرفة زيادات الثقات كما صنعه ابن الصلاح في درايته: 185.
5- اذا لم تكن منافية لما رواه غيره من الثقات و لا مخالفة فيها لأصل أصيل، كما ذكره الشهيد الثاني في درايته، و سيأتي. و ادعي على هذا الاجماع و عدم المخالفة من أحد كما في الكفاية: 424 و غيره.

حديث مستقل حيث لا يقع المزيد منافيا لما رواه غيره من الثقات، و لو كانت المنافاة في العموم و الخصوص، بأن يكون المروي بغير زيادة عاما بدونها فيصير بها خاصا، أو بالعكس، فيكون المزيد حينئذ كالشاذ.

و قد تقدم حكمه، مثاله حديث و «جعلت لي(1) الأرض مسجدا و ترابها طهورا» فهذه الزيادة تفرد بها بعض الرواة(2)، و رواية الأكثر: (جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا)(3)، فما رواه الجماعة عام لتناوله لأصناف الأرض من الحجر و الرمل و التراب، و ما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص بالتراب، و ذلك نوع من المخالفة يختلف به الحكم)(4).

و أما الثاني: و هو المزيد في الاسناد، كما إذا اسنده و أرسلوه،

ص: 265


1- خ. ل: لنا، و الصحيح ما أثبتناه، راجع مستدرك الوسائل: 156/1.
2- تفرد بها - عند الخاصة - جابر بن عبد اللّه الأنصاري عن رسول اللّه - صلى اللّه عليه و آله و سلّم - كما جاء في المستدرك.
3- صحيح البخاري: كتاب التيمم: باب 80/1:1 بولاق، و كتاب الصلاة: باب 56، صحيح مسلم: كتاب المساجد: حديث 3 و 371/1:4 بمضامين مختلفة، سنن ابي داود كتاب الصلاة باب 24، سنن الترمذي كتاب مواقيت الصلاة باب 81/1:92، سنن النسائي: كتاب المساجد: باب 41، سنن ابن ماجة: كتاب المساجد 4 و 7، سنن الدارمي: كتاب الصلاة باب 111 و وردت في مستدرك الوسائل: 156/1 بزيادة: و ترابها، و جملة كتب الدراية كالمقدمة: 189-190.
4- البداية: 40 [البقال: 124/1-125] بتصرف. ثم قد تكون الزيادة في حكاية الفعل، كما لو قيل دخل المسجد و صلى. و ورد دخل و صلى، و ناقش السيوطي في تدريبه: 247/1 في المثال، فلاحظ.

أو وصله و قطعوه، أو رفعه الى المعصوم و وقفوه على من دونه و.. نحو ذلك. و هو مقبول، كمزيد المتن غير المنافي لعدم المنافاة، اذ يجوز اطلاع المسند و الموصل و الرافع على ما لم يطلع عليه غيره، أو تحريره لما لم يحرره(1).

و بالجملة فهو كالزيادة غير المنافية فيقبل، ذكر ذلك في البداية(2) و.. غيرها(3)، ثم نقل قولا بأن الإرسال نوع قدح في الحديث، بناء على رد المرسل، فيرجح على الموصول، كما يقدم الجرح على التعديل عند تعارضهما، ثم ردّه بأن في هذا الدليل منع الملازمة بين تقديم الجرح على التعديل، و تقديم الإرسال على الوصل، مع وجود الفارق بينهما، فان الجرح إنما قدّم على التعديل

ص: 266


1- و شرط أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة، و إذا كان من قسم المعنعن مثلا ترجحت الزيادة حينئذ، و المرجوحية في المزيد في متصل الاسناد اذا كان الراوي غير المزيد اتقن من الراوي للمزيد، و لو كان الراوي للمزيد أتقن فلا مرجوحية عليه. و لا شك أن الزيادة لها حكم الشاذ ان انفرد بها صاحبها و كان ثقة، و إلا فمنكرة على المختار، و تقبل ان لم يكن ثمّة منافاة بين المزيد و غيره، فيصبح لها حكم المتعارضين و يدخل عليها أوجه الترجيح. و للسيد الداماد في رواشحه: 162-163 مناقشة هنا، فلاحظ.
2- البداية: 40 [البقال: 125/1].
3- في الطبعة الثانية: و غيره. راجع مستدرك رقم (90) فرع: معرفة زيادات الثقات و حكمها. مستدرك رقم (91) فوائد الباب.

بسبب زيادة العلم من الجارح على المعدل، لأنه بني على الظاهر، و اطلع الجارح على ما لم يطلع عليه المعدّل، و هي - أي زيادة العلم التي أوجبت تقديم الجارح - هنا - أي في صورة تعارض الإرسال و الوصل - مع من وصل لا مع من أرسل، لأن من وصل اطلع على أن الراوي للحديث فلان عن فلان.. الى آخره، و من أرسل لم يطلع على ذلك كله، فترك بعض السند لجهله به(1)، و ذلك يقتضي ترجيح من وصل على من أرسل، كما يقدم الجارح على المعدل، لقلب الدليل(2).

و منها:

22 - المختلف :

22 - المختلف(3):

و ضدّه الموافق، و الوصف بالاختلاف و الموافقة إنما هو بالنظر الى صنف الحديث دون الشخص، ضرورة أن الحديث الواحد نفسه ليس بمختلف و لا متفق، و إنما الاختلاف و الاتفاق يتصور بين اثنين، و المراد هنا اختلاف المتنين و توافقهما، و ذلك غير المؤتلف و المختلف

ص: 267


1- خ. ل: لجهله له.
2- في البداية: بقلب الدليل، و هو الظاهر. البداية: 40-41 [البقال: 125/1-126] و فصّل القول في ردّه السيد الموسوي في الكفاية في علم الدراية - خطي - بعد أن قال: و هذا كلام عجيب نشأ من قصور القوة المميزة. ثم بدأ بالتوضيح لمدعاه.
3- و يقال له: مختلف الحديث. و قد يقال له: علم تلفيق الحديث.

سندا الذي يأتي التعرض له، ان شاء اللّه تعالى.

و قد عرّف المختلف في البداية و.. غيرها بأنه (ان يوجد حديثان متضادان في المعنى ظاهرا)(1) سواء تضادا واقعا أيضا، كأن لا يمكن التوفيق بينهما بوجه، أو ظاهرا فقط، كأن يمكن الجمع بينهما، فالمختلفان - في اصطلاح الدراية - هما المتعارضان في اصطلاح الأصوليين، و المتوافقان خلافه.

و قد صرح أهل الدراية بأن حكم الحديث المختلف الجمع بينهما إن أمكن و لو بوجه بعيد يوجب تخصيص العام منهما، أو يقيد مطلقه، أو حمله على خلاف ظاهره و إن لم يمكن الجمع، فإن علمنا أن أحدهما ناسخ قدمناه، و إلاّ رجّح أحدهما على الآخر بمرجّحه المقرر في الأصول؛ من صفة الراوي و الرواية و الكثرة و مخالفة

ص: 268


1- البداية: 41 [البقال: 127/1]، و عن الخلاصة في أصول الحديث: 59 (هامش)، التدريب: 196/2، ألفية العراقي و شرحها للسخاوي: 76/3، كشاف اصطلاحات الفنون: 223/2 و غيرهم. و إنما قيد التعريف ب: ظاهرا، لأن الاختلاف قد يمكن معه الجمع و التوفيق بينهما فيكون الاختلاف ظاهريا بدويا خاصة، و قد لا يمكن التوفيق فيكون ظاهرا و باطنا، و القدر الجامع بينهما هو الاختلاف الظاهري، و قد نبّه لهذا المصنف (قدس سره)، و لو قيل بدل المتضادين: المتعارضان، كان أولى و أقرب للاصطلاح. و لا يخفى ان الجامع هو الاختلاف الظاهري، اذ قد يكون الظاهر محفوظا و الاختلاف باطنيا، إلا أنه قد لا يكون مرادا خاصة، و أن أكثر المباحث لفظية، فتدبر.

العامة و.. غيرها، كذا قالوا(1)، و هو موجّه، الاّ في الجمع بالحمل على خلاف الظاهر، فانه لا يرتكب الاّ مع قرينة عليه في الأخبار، لما قررناه في الأصول من عدم تمامية كلية قاعدة تقدم الجمع على الطرح، و أنها إنما تسلم في الجمع بحمل العام على الخاص أو المطلق على المقيد، أو الجمع الذي يساعد عليه فهم العرف، مثل الجمع بحمل الظاهر على النص، و الظاهر على الأظهر، أو الجمع الذي عليه شاهد مفصل من الأخبار، و إن شئت توضيح ذلك فراجع ما حررناه في الاصول.

ثم انّ الجمع بين المتعارضين من أهمّ فنون علم الحديث و أصعبها، امّا الأهميّة فلأنّه يضطر اليه جميع طوائف العلماء سيّما الفقهاء، و لا يملك القيام به الاّ المحقّقون من أهل البصائر، الجامعون بين الحديث و الفقه و الأصول، الغوّاصون على المعاني و البيان، و أمّا الأصعبيّة فلأنه عمدة فنون الاجتهاد الّذي هو أصعب من الجهاد بالسيف، و قد صنّف العلماء في الجمع بين الأخبار كتبا كثيرة، و قد قيل انّ أوّل من صنف فيه الشافعيّ (2)، ثمّ ابن قتيبة(3)،

ص: 269


1- كما صرح به ثاني الشهيدين في البداية: 41-42 [البقال: 127/1]، و الرواشح: 166-167، و دراية الدربندي: 6 - خطي -، و وصول الأخيار: 163-170 و غيرهم.
2- و هو كتابه المعروف ب: كتاب اختلاف الحديث، لمحمد بن ادريس الشافعي (150-204 ه) و قد طبع مستقلا و على هامش الجزء السابع من كتاب الام.
3- و هو كتاب تأويل مختلف الحديث لعبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوري (213-276 ه) توخى الرد فيه على أعداء الحديث - على حسب قوله - و جمع بين الأخبار المتناقضة، طبع مكرّرا، أولها في مصر سنة 1326 ه، و قيل: انه أول من تعرّض لهذا المقال. و قال بعض الأفاضل - كما حكاه في نهاية الدّراية: 32 و لعلّه أخذه من السيوطي في التدريب: 196/2 -: صنف فيه الشافعي و لم يقصد استيفاءه، ثم صنف فيه ابن قتيبة فأتى بأشياء حسنة و ترك معظم المختلف، ثم حكى عن بعض فضلاء العامّة قوله: لا أعرف حديثين صحيحين متضادّين، فمن كان عنده فليأتني لأؤلّف بينهما؟ و هي قولة ابن خزيمة كما حكاه الطيّبي في الخلاصة في أصول الحديث: 59 (هامش الدّراية: 127/1)، و السّخاوي في فتح المغيث: 75/3، و سبقهم ابن الصلاح في المقدّمة: 416، و تبعه البلقيني في محاسن الاصطلاح - هامش المقدّمة -: 415. و العجب من نقل كلامه و عدّه فاضلا، و قول السّيوطي في التّدريب: 196/2: و كان ابن خزيمة من أحسن الناس كلاما فيه. و ما أبعد هذا عن قول صاحب جامع المقال: 5 (و منه ما سمّوه مختلفا، و هو في الأخبار كثير). و عدّ البلقيني في محاسن الاصطلاح - ذيل المقدّمة - كتاب اختلاف الحديث للشافعي مدخلا عظيما في هذا النوع الجامعون بين صناعتي الحديث و الفقه، و على كل انّما يكمل للقيام به الائمّة الغوّاصون على المعاني الدقيقة - على حد تعبير ابن الصّلاح في المقدّمة: 414 -.

و من أصحابنا (رضي اللّه عنهم) الشيخ أبو جعفر الطوسي التهذيب و الاستبصار(1)، و قد جمعوا بين الأخبار على حسب ما فهموه. و قد قال في البداية: انه قلّما يتفق فهمان على جمع واحد، و من أراد

ص: 270


1- و هذا الكتاب موضوع لهذا الفن و لذا سماه ب: الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار، بخلاف التهذيب، كذا قالوا، و لا يخلو من تأمل لمن راجع الكتابين. لاحظ الفائدة الخامسة من مستدرك (92) حول من صنّف في هذا العلم من علمائنا.

الوقوف على جلية الحال فليطالع المسائل الفقهية الخلافية التي ورد فيها أخبار مختلفة يطلع على ما ذكرناه(1).

ثم ان أهل الدراية قد جعلوا من أمثلة المختلف من أحاديث الأحكام حديث: (اذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا)(2) و حديث: (خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شيء، الاّ ما غير طعمه أو لونه أو ريحه)(3) فان الأول ظاهر في طهارة القلتين تغيرا أم لا، و الثاني ظاهر في طهارة غير المتغير، سواء كان قلتين أو أقل(4)، و من أحاديث غير

ص: 271


1- البداية: 42 [البقال: 129/1].
2- و في نسخة: لم يحمل الخبث، انظر سنن البيهقي: 260/1، و مسند الطيالسي: حديث 1954، و مسند أحمد بن حنبل: 12/2 و 23 و 26 و 38. و بمضمونه روايات عن طريقنا: ان الماء اذا بلغ كرا لم يحمل خبثا، حكاه في المستدرك: 27/1 عن غوالي اللآلي. و نسبه المحقق في المعتبر: 12 الى السيد و الشيخ. قال في حاشية تقريرات السيد الخوئي - التنقيح -: 96/1: و كتب الحديث عن الأئمة عليهم السلام خالية منه أصلا.
3- جاءت الرواية في غالب سنن العامة و مسانيدهم، انظر: سنن ابي داود كتاب الطهارة: باب 34 و 35، سنن الترمذي: كتاب الطهارة: باب 48 و 49، سنن النسائي: كتاب المياه باب 1 و 2، سنن ابن ماجة: كتاب الطهارة: باب 33 و 76، كنز العمال: 94/5، سنن البيهقي: 259/1 و 260، مسند أحمد بن حنبل: 235/1 و 284 و 308، 15/3 و 31 و 86، 33/6 و 172، و مسند الطيالسي: حديث 2155 و 2199 و غيرها. و بهذا المضمون انظر كتاب وسائل الشيعة الباب الأول من أبواب الماء المطلق، و مستدرك الوسائل: 28/1 حكاه عن غوالي اللآلي.
4- و بيان التعارض أن يقال: إن الأول يفيد عدم تنجس القلتين و إن تغيرا، و الثاني يفيد تنجس كل متغير و إن بلغ قلتين، و بينهما عموم من وجه، فيتعارضان في القلتين المتغيرتين، و هذا من موارد انقلاب النسبة، و لهم بحث مفصل هنا، راجعه في مظانه.

الأحكام حديث: (لا يورد ممرض على مصحّ ) و حديث: (فرّ من المجذوم فرارك من الأسد) مع حديث: (لا عدوى)(1).

و بيان ذلك: أن يورد - بكسر الراء - مضارع أورد، أي عرض عليه الماء، و مفعوله محذوف. و ممرض - باسكان الميم الثانية، و كسر الراء - صاحب الابل المراض، من أمرض الرجل إذا وقع في ماله المرض، المصح - بكسر الصاد - صاحب الابل الصحاح.

و المعنى أنه لا يورد صاحب الابل المراض إبله على الابل الصحاح، أي فوقها من جانب الماء الجاري، حيث يجري سؤر المراض فتشربه الصحاح فتتمرض. و وجه مخالفة الخبرين الأولين للثالث، دلالتهما على اثبات سراية المرض من المريض الى غيره، و نفي الثالث السراية، و قد جمعوا بين الخبرين بوجوه(2):

احدها: ما عن ابن الصلاح - من العامة -(3) من أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، لكن اللّه تعالى جعل مخالطة المريض بها

ص: 272


1- اول من ذكر هذا المثال - على ما نعلم - ابن قتيبة في كتاب تأويل مختلف الحديث: 433-434. و ذكرت هناك مصادر الحديث عند العامة، و للخاصة بهذا المضمون روايات عديدة.
2- نقل هذه الوجوه السيوطي تبعا للنووي في تقريبه، التدريب: 197/2-198. و السخاوي تبعا للعراقي في شرح الألفية: 7/3-76، و غيرهم.
3- المقدمة لابن الصلاح: 415.

للصحيح سببا لإعدائه مرضه، و قد يتخلّف ذلك عن سببه، كما في غيره من الأسباب(1).

ثانيها: ما عن شيخ الاسلام من أن نفي العدوى باق على عمومه، و الأمر بالفرار إنما هو من باب سد الذرائع(2)، لئلا يتفق للذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير اللّه تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحة العدوى، فيقع في الحرج، فأمر بتجنبه حسما للمادة(3).

ص: 273


1- اختار هذا الوجه جمع من أصحابنا كثاني الشهيدين و غيره، و حاصله: حمل العدوى المنفية على العدوى بالطبع، بمعنى أن من طبيعة المرض و خصوصيته كونه معديا [كذا، و الظاهر: غير معد] بطبعه لا بفعل اللّه سبحانه، و لذا حكي عنه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: فمن اعدى الأول. و الثاني - فر من المجذوم -.. الاعلام بلزوم الفرار و عدم ورود الممرض على المصح، و ذلك لأن اللّه سبحانه جعل ذلك سببا، و حذّر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده، و هذا لا ينافي كون المؤثر هو اللّه سبحانه و تعالى، و كذا نهيه صلى اللّه عليه و آله دخول بلد يكون فيه الوباء أو التبول في المياه الراكدة.. و نظائر ذلك.
2- وقع كلام في تحديد معنى الذريعة اصطلاحا بعد الاتفاق على معناه اللغوي بأنها بمعنى الوسيلة التي يتوصل بها الى الشيء. و حددها الشاطبي ب: توسل بما هو مصلحة الى مفسدة. و لعل أقرب التعاريف قول ابن القيم: من أن الذريعة ما كان وسيلة و طريقا الى الشيء، اخذا بمفهومها اللغوي - أو الوسيلة المفضية الى الأحكام الخمسة - كما فصلها في أصول الفقه المقارن: 408، و حررت هذه المسألة في كتب الشيعة في مبحث مقدمة الواجب من الأصول، فراجع.
3- اختاره السخاوي في فتح المغيث: 76/3 و جعله الاولى في الجمع تبعا لشيخه في توضيح النخبة، و ابن خزيمة و الطحاوي و جماعة و الدربندي رحمه اللّه في درايته منا: 6 - خطي - و قال: الاولى في الجمع بينهما.. ثم ناقشه بقوله: و أنت خبير بما فيه من عدم الاستقامة لان احتجاجه على مطلبه بقوله: و قد صح قوله (صلى اللّه عليه و آله): لا يعدي شيء شيئا، من جملة المصادرات، اذ ما في هذا الحديث أيضا يحتمل أن يكون المراد منه عدم العدوى بالطبع، ثم ان ما ذكره في قضية الأمر بالفرار من المجذوم فهو أيضا مما ركاكته ظاهرة، لأنه لا يكون حينئذ وجه لتخصيص المجذوم بالذكر في الحديث. و قال - في نفس الصفحة -: و كيف كان، فان مقتضى التحقيق أن العدوى المنفية هي عدوى الطبع، أي ما كان يعتقده الجاهل من أن ذلك يتعدى من فعل الطبيعة من غير استناد الى اذن اللّه تعالى و أمره و سلطانه جلّ سلطانه، فلذلك قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): فمن أعدى الأول ؟. ثم قال: ثم لا يخفى عليك انه اذا لم يتيسر الجمع، فان علمنا أحدهما ناسخا قدمناه، و إلا رجعنا الى الأصول و القواعد المقرّرة في علم الأصول.

ثالثها: ما عن القاضي الباقلاني من أن إثبات التعدي(1) في الجذام و.. نحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، فيكون معنى قوله (عليه السلام) (لا عدوى) اي الاّ من الجذام و.. نحوه(2).

رابعها: إن الأمر بالفرار إنما هو لرعاية حال المجذوم، لأنه إذا رأى الصحيح عظمت مصيبته، و ازدادت حسرته.. الى غير ذلك من وجوه الجمع(3).

ص: 274


1- كذا، و المراد: العدوى، كما هو ظاهر.
2- فكأنه قال: لا يعدي شيء شيئا الا فيما تقدم تبييني له انه يعدي. و يؤيده ما أرسل من قوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تديموا النظر الى المجذومين.
3- راجع مستدرك رقم (92) فوائد حول المختلف. و مستدرك رقم (93) كلام السيد الموسوي في الكفاية و مناقشته.

و منها:

23 - الناسخ و المنسوخ :

23 - الناسخ و المنسوخ(1):

فان من الأحاديث ما ينسخ بعضها بعضا، كالقرآن المجيد، لكن يختص ذلك بالأخبار النبوية إذ لا نسخ بعده (صلى اللّه عليه و آله)، كما برهن عليه في محله، نعم لا يختص ذلك بما كان من طريق العامة، بل يعمّه، و ما كان من طريقنا و لو بتوسيط أحد أئمتنا (عليهم السلام)، و قد عرّفوا الحديث الناسخ(2) بأنه: ما دلّ على

ص: 275


1- النسخ لغة يطلق على معنيين: الازالة و النقل و الرفع. لسان العرب: 61/3، و تاج العروس: 282/2، و القاموس المحيط: 271/1، و النهاية: 47/5، و مجمع البحرين: 444/2، و في معجم مقاييس اللغة: 424/5 قال: مختلف في قياسه. قيل قياسه تحويل شيء الى شيء، و له معاني. و المراد هنا الأول، يقال نسخت الشمس الظل إذا أزالته و خلفته، و قيل مشترك بين الازالة و التحويل لان الأصل في الاستعمال الحقيقة، و قيل: انه حقيقة في الأول مجاز في الثاني، و قيل غير ذلك، لا فائدة في تتبعه، لاحظ فتح المغيث: 59/3. و قال في المصباح المنير: 827/2:.. و النسخ الشرعي ازالة ما كان ثابتا بنص شرعي، أو هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجوه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه.. على حد تعبير ابن الاثير في جامع الاصول: 81/1، و يكون في اللفظ و الحكم، و في أحدهما، سواء فعل كما في أكثر الأحكام، أو لم يفعل كنسخ اسماعيل بالفداء، لأن الخليل عليه السلام امر بذبحه ثم نسخ قبل وقوع الفعل. و الناسخ ما دلّ على الرفع المذكور، و تسميته ناسخا مجاز، لأن الناسخ الحقيقي هو اللّه سبحانه. و على كل، فهو فنّ مستصعب على حد تعبير ابن الصلاح في المقدمة: 405.
2- كما عن بداية الشهيد: 42 [البقال: 130/1]، و قريب منه في أصول الحديث 287، و المستصفى: 69/1، و حكاه عن الناسخ و المنسوخ: 6، و ما بعدها و غيرها، و في التدريب تبعا للتقريب: 190/2: ان النسخ رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر، راجع أيضا للتوسع: معرفة علوم الحديث: 87. و الاصل في التعريف لابن الصلاح في المقدمة: 405، و حكاه العراقي في ألفيته و شارحها في فتحه: 59/3، و قال الأول: في ذيل.. بحكم منه متأخر، ثم قال: و هذا حدّ وقع لنا سالم من اعتراضات وردت على غيره. و عرّفه البلقيني في محاسن الاصطلاح - ذيل المقدمة - بغير ذلك. قال الدربندي في درايته: 16 - خطي -: فالحديث الناسخ حديث دلّ على نهاية استمرار حكم شرعي ثابت بدليل سمعي سابق، و المنسوخ منه حديث قطع استمرار حكمه الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه. و لهم في تعريفه تطويلات و مناقشات لا غرض لنا بها هنا.

رفع حكم شرعي سابق، فالحديث المدلول عليه بكلمة ما بمنزلة الجنس يشمل الناسخ و.. غيره، و مع ذلك خرج به ناسخ القرآن، و بالرفع خرج الحديث الدال على حكم مؤكد للحكم السابق، و بإضافة الرفع الى الحكم خرج رفع الذوات و الصفات الحقيقية، و الحكم شامل للوجودي كالوجوب و الندب. و العدمي كالتحريم و الكراهة، و بتقييد الحكم بالشرعي خرج الشرع المبتدأ بالحديث الرافع لحكم عقلي من البراءة الأصلية(1)، و خرج بقيد السابق الاستثناء و الصفة و الشرط و الغاية الواقعة في الحديث، فانها ترفع حكما شرعيا لكن ليس سابقا.

و ربما زيد في التعريف قيود اخر لا حاجة اليها، و من أراد العثور على ذلك فليراجع كتب الأصول.

ص: 276


1- لكن لا يسمى شرعيا.

و بالمقايسة يعلم المراد بالمنسوخ(1) قال في البداية: (و هذا فنّ صعب مهم حتى أدخل بعض أهل الحديث فيه ما ليس منه، لخفاء معناه، و طريق معرفته النص من النبي مثل:

«كنت نهيتكم عن زيارة القبور، الا فزوروها»(2).

أو نقل الصحابي(3) مثل: كان آخر الأمرين من رسول اللّه انه ترك الوضوء مما(4) مسته النار.

ص: 277


1- فهو اذا: ما رفع حكمه الشرعي بدليل شرعي يتأخر عنه، و قيوده تعرف بالمقايسة الى الناسخ، و هما يعرفان بالنص من المعصوم عليه السلام أو بالاجماع التعبدي.
2- ذكر الحديث في أكثر المجاميع الحديثية للعامة، انظر: مسند أحمد بن حنبل: 145/1 و 452، 441/2، 38/3 و 63 و عدة مواضع اخر، صحيح مسلم: كتاب الجنائز: حديث 105 و 108، سنن ابن داود - كتاب الجنائز: باب 75، و كتاب الأشربة باب 7، سنن الترمذي: كتاب الجنائز: باب 60، سنن ابن ماجة كتاب الجنائز باب 47 و 49 و غيرها. أقول: الفاء في: فزوروها، ليست زائدة كما توهم، بل هي فصيحة، و هي من أفراد لحن الخطاب أي ابحت لكم الآن فزوروها، و في ذيل الحديث: فانها تذكر الآخرة. و يمكن أن تكون الفاء عاطفة، بأن تكون كلمة «ألا» أنابت مناب (تنبهوا)، أي تنبهوا برفع النهي فزوروها.
3- و هو جابر بن عبد اللّه الانصاري رضوان اللّه عليه كما قاله في فتح المغيث: 62/3. و أخرجه النسائي و غيره كما صرح به ابن الصلاح في المقدمة: 406.
4- خ. ل: بما.

أو التاريخ(1)، فان المتأخر منهما يكون ناسخا للمتقدم(2).

أو الاجماع كحديث «قتل شارب الخمر في المرّة الرابعة»(3) نسخه الاجماع على خلافه، حيث لا يتخلل الحد، و الاجماع لا ينسخ بنفسه و إنما يدلّ على النسخ)(4) فتدبر(5).

[و قال فخر المحققين (رحمه اللّه)(6) فيما حكى عنه(7):

(ورود السنة على معنيين: احدهما على ابتداء الشريعة، و ثانيهما

ص: 278


1- سقط من قلمه الشريف هنا قول الشهيد رحمه اللّه: لما روى عن الصحابة: كنا نعمل بالأحدث فالأحدث.
2- و في نسخة بعد للمتقدم: لما روى عن الضحاك: نعمل بالأحدث فالأحدث، و لا شبهة في كونه سهوا. و على كل، لا يوجد في أحاديثنا من هذين النوعين.
3- تجد هذه الأمثلة و نظائرها في: التدريب: 189/2-192، و مقدمة ابن الصلاح: 406، و فتح المغيث: 59/2-66، و حكي عن الخلاصة في أصول الحديث: 60-61 و غيرها.
4- البداية: 43 [البقال: 130/1-131]، و قريب منه في شرح النخبة لابن حجر، و حكاه في قواعد التحديث: 316، و قد أخذه الأول من مقدمة ابن الصلاح: 406 و مثّل لها بجملة أمثلة، هذا و الاجماع عندنا لا ينسخ بنفسه اذ ان حجيته ليست قائمة بذاته بل بمقدار كشفه عن رأي المعصوم عليه السلام، و إلا فهو على مبنى العامة ذو حجية ذاتية و ناسخ بنفسه.
5- قد حذف المصنف كلمة: فتدبر من الطبعة الثانية.
6- هو أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (682-771 ه) ولد العلامة الحلي، و يعرف أيضا بفخر الدين و فخر الاسلام، صاحب ايضاح القواعد و غيره، انظر: أعيان الشيعة: 32/44، تنقيح المقال: 106/3، الفوائد الرضوية: 486 و غيرها.
7- حكاه في جامع المقال: 5، و سبقه السيد الداماد في الرواشح: 168-169، و قال الأول بعده: و هو جيد متين.

الاخبار عن ثبوت حكمها فيما تقدم، و أخبار أئمتنا (عليهم السلام) من القسم الثاني، فهي سليمة من النسخ و سائر وجوه التأويلات، لأنها في الحقيقة اخبار عن حكمه عليه السلام) قال: (و بهذا يندفع جميع ما يرد من معارضة عموم القرآن لأخبار أئمتنا (عليهم السلام) إذا وردت بتخصيصه، و اندفع أيضا عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد، كما هو المشهور، فانها ليست واردة بعد حضور وقت العمل، بل مقارنة، فتكون مخصصة لا ناسخة)(1). و لقد أجاد فيما أفاد، و أتى بما هو الحق المراد(2)](3).

و منها:

24 - المقبول:

و هو على ما في البداية(4) و.. غيرها(5) هو: الحديث الذي تلقوه بالقبول و عملوا بمضمونه من غير التفات الى صحته و عدمها، قال في البداية:

ص: 279


1- انظر مستدرك رقم (94) أهمية النسخ و موارده و شرائطه.
2- انظر مستدرك رقم (95) اسباب ورود الحديث.
3- ما بين المعكوفتين من زيادات الطبعة الثانية.
4- البداية: 44 [البقال: 133/1]. و لكنه قبل ذلك في البداية: 16 [البقال: 71/1] عرّفه بشكل آخر قال: و هو ما يجب العمل به عند الجمهور كالخبر المحتف بالقرائن، و الصحيح عند الأكثر، و الحسن على قول. لاحظ مستدرك رقم (96) هل المقبول من الصحيح ؟
5- كما في وصول الأخيار: 84 [التراث: 99] و أضاف للتعريف قوله: و يجب العمل بمضمونه، القوانين: 487، و الرواشح السماوية: 164، و توضيح المقال: 56، و في تنبيه النبيه: 9 - خطي - قال: و ان احتف - أي الخبر - بقرائن توجب العمل به فمقبول، و في دراية الدربندي: 11 - خطي - بعد تعريفه قال: و مقبولات أصحابنا كثيرة، و غيرهم، كما سيأتي.

و بهذا الاعتبار دخل هذا النوع في القسم المشترك بين الصحيح و.. غيره، و يمكن جعله من أنواع الضعيف(1)، إلا أن الصحيح مقبول مطلقا الا لعارض بخلاف الضعيف، فان منه المقبول و.. غيره(2) ثم قال: و مما يرجح دخوله في القسم الأول انّه يشمل الحسن و الموثّق عند من لا يعمل بهما مطلقا، فقد يعمل بالمقبول منهما، حيث يعمل بالمقبول من الضعيف بطريق أولى فيكون حينئذ من القسم العام، و إن لم يشمل الصحيح، اذ ليس له قسم ثالث(3)، [و ربما يسمّى المتلقّى بالقبول من الضعيف بالمقهور](4).

ثمّ انّه (رحمه اللّه) مثّل للمقبول بحديث عمر بن حنظلة في

ص: 280


1- كما صنع الشيخ البهائي في وجيزته: 5 قال: فان اشتهر العمل بمضمونه - أي الضعيف - فمقبول، و تبعه الاسترآبادي في لب اللباب: 14 - خطي - و عقّب عليه: سواء رواه ثقة أو غيره، قال الطريحي في حاشيته الخطية على مجمع البحرين مادة (سنن): و ضعيف: و هو ما لم يجتمع فيه شرائط أحد الثلاثة فلا حجية فيه إلا إذا اشتهر العمل به، و حينئذ يسمى مقبولا: فهو من الضعيف المقبول. قال في فتح المغيث: 93/1 في باب الضعيف: المقبول أعم من الصحيح و الحسن، و شروطه اتصال السند و العدالة و الضبط و نفي الشذوذ و نفي العلة القادحة و العاضد. و لنا في بعض شروطه تأمل سيأتي.
2- البداية: 44 [البقال: 133/1].
3- البداية: 44 [البقال: 133/1].
4- ما بين المعكوفتين من زيادات الطبعة الثانية.

حال المتخاصمين من أصحابنا، و أمرهما بالرجوع الى رجل منهم قد روى حديثهم و عرف أحكامهم.. الخبر(1).

و إنّما و سموه بالمقبول، لأن في طريقه محمد بن عيسى(2)، و داود ابن الحصين، و هما ضعيفان(3). و عمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب فيه بجرح و لا تعديل، ثم قال: لكن امره عندي سهل، لأنّي قد تحقّقت توثيقه من محلّ آخر، و إن كانوا قد أهملوه(4).

قلت: قد ينقل(5) عن بعض الحواشي المنسوبة اليه أن توثيق ابن حنظلة مستفاد من رواية الوقت و هي قوله (عليه السلام): اذا لا يكذب علينا(6). و يعترض عليه بأن رواية الوقت في سندها

ص: 281


1- لاحظ مستدرك رقم (97) الحديث عن مقبولة عمر بن حنظلة.
2- خ. ل: محمد بن عدي، و هو خطأ بلا شك.
3- قد توهّم اكثر من واحد ضعف الرجلين: أما محمد بن عيسى فلاستثناء شيخ الشيخ الصدوق محمد بن الحسن بن الوليد إياه في رجال نوادر الحكمة، و الحق عدم دلالة مثل ذلك على الضعف كما برهن في محلّه. بل ثمّة أدلّة ناهضة بتوثيقه، و أما داود بن الحصين فموثّق عند المتأخّرين، و القول بوقفه - ان ثبت - غير ضائر في وثاقته، راجع الموسوعة الرجاليّة للمصنف قدّس سرّه تنقيح المقال: 170/3-167 و 408/1.
4- البداية: 44 [البقال: 134/1] بتصرّف.
5- الناقل هو الشيخ حسن نجل الشهيد الثاني قدّس سرّهما في منتقى الجمان: 17/1-18، و أيضا له حواشي خطيّة على البداية لم أرها و حكي عنها انّه نصّ هناك على ذلك.
6- و هي ما رواه الكليني عن عليّ بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن يزيد ابن خليفة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: اذن لا يكذب علينا.. و رواه الشيخ عن الكليني مثله. انظر: الكافي: 275/3 حديث 1 [حجري: 77]، التهذيب: 31/2، الاستبصار: 267/1، الوسائل: 59/18.

ضعف(1)، فلا يمكن إثبات التوثيق بها.

و كيف كان فخبر ابن حنظلة المذكور مع ما في اسناده ممّا عرفت قد قبل الأصحاب متنه و عملوا بمضمونه، و جعلوه عمدة التفقّه، و استنبطوا منه شرائطه كلها، و سمّوه مقبولا، و مثله في تضاعيف اخبار كتب الفقه كثير(2).

و منها:

25 - المعتبر:

و هو - على ما صرح به جمع هو - ما عمل الجميع أو الأكثر به لو(3) أقيم الدليل على اعتباره، لصحّة اجتهاديّة أو وثاقة أو حسن، و هو بهذا التفسير أعمّ من المقبول و القوي(4).

و منها:

ص: 282


1- قيل الضعف بواسطة يزيد بن خليفة الحارثي، لعدم توثيقه، و هو واقفي، و قيل ثقة لرواية صفوان عنه، و فصّل الكلام المصنف رحمه اللّه في رجاله: 6/3-225.
2- لاحظ مستدرك رقم (98) تقسيمات المقبول.
3- الظاهر: أو.
4- راجع مستدرك رقم (99) حول مراتب الاعتبار.

26 - المكاتب:

و هو الحديث الحاكي لكتابة المعصوم (عليه السلام) الحكم، سواء كتبه (عليه السلام) ابتداء لبيان حكم أو غيره، أو في مقام الجواب(1)، و ظاهر جمع اعتبار كون الكتابة بخطّه الشريف(2)، و عمّمه بعضهم(3)، لما إذا كان بغير خطّه مع كون الاملاء منه، و الحق إن المكاتبة حجة، غاية ما هناك كون احتمال التقيّة فيها أزيد من غيرها(4).

و منها:

ص: 283


1- أضاف هنا البعض قيد: جزما. كما في توضيح المقال: 57.
2- كما صرّح به الاسترآبادي في لبّ اللباب: 14 - خطّي -، و لعلّه أخذه من السّيوطي في تدريب الرّاوي: 334/2-335. قال في نهاية الدّراية: 43: و هي ان يروي آخر طبقات الاسناد الحديث عن توقيع المعصوم مكتوبا بخطّه عليه السلام عند آخرها، ثم قال: و ربما تكون المكاتبة في بعض أوساط الاسناد بين الطبقات، بعض عن بعض دون الطبقة الاخيرة عن المعصوم عليه السلام، فهذا منهج الذي ذكرنا في المكاتبة، مما لا يتمشى عند العامة.
3- قال في توضيح المقال: 57: و التعميم غير بعيد.
4- ثم انّه صرّح غير واحد منهم السيّد في الرّواشح: 164 بأنّ المكاتبة ربّما تكون في بعض أوساط الاسناد بين الطبقات بعض عن بعض دون الطبقة الأخيرة عن المعصوم عليه السلام. انظر: مستدرك رقم (100) المكاتبة عند العامة. و مستدرك رقم (101) رواية المشافهة.

27، 28 - المحكم و المتشابه:

فالمحكم هو ما كان للفظه معنى راجح، سواء كان مانعا من النقيض أم لا، و عرفه في لبّ اللباب بأنه: ما علم المراد به من ظاهره من غير قرينة تقترن اليه، و لا دلالة تدلّ على المراد به لوضوحه(1).

و أما المتشابه فقد يكون في المتن، و قد يكون في السند.

فالمتشابه متنا هو: ما كان للفظه معنى غير راجح، و في لبّ اللباب انّه: ما علم المراد منه لقرينة و دلالة و لو بحسب أحد الاحتمالين(2).

و المتشابه سندا: ما اتّفقت أسماء سنده خطا و نطقا، و اختلفت اسماء آبائهم نطقا، مع الائتلاف خطا أو بالعكس(3)، باتفاق الاتّفاق المذكور بأسماء الآباء، و الاختلاف المذكور بالأبناء كمحمد بن عقيل - بفتح العين - للنيسابوري و - بضمها - للفريابي في الأول، و شريح بن النعمان - بإعجام أوله - لشخص تابعي يروي عن علي (عليه السلام)، و سريح بن النعمان - باهمال أوله - لآخر، أحد

ص: 284


1- لبّ اللباب: 15 - خطّي - بلفظه.
2- في نسختنا من لب اللباب: 14 - خطي - قوله: المتشابه: و هو ما لا يعلم المراد به الا بقرينة و لادلّة (كذا) و لو بسبب احتمال الوجهين.
3- و هو المراد بالمتشابه اصطلاحا و ندر اطلاقه على ما كان في المتن، و عرّفه في لبّ اللباب: 15 - خطّي - بعد ذكره ب: ما وافق رواية الآخر لفظا و أبوه أب الآخر خطا.

رجال العامة في الأول و بالعكس في الثاني(1)، و اللازم في الجميع الرجوع الى المميّزات الرجاليّة(2).

و منها:

29 - المشتبه المقلوب :

29 - المشتبه المقلوب(3):

و هو اسم للسند الّذي يقع الاشتباه فيه في الذهن لا في الخط،

ص: 285


1- قد أدرج المتشابه في أكثر من كتاب ضمن المؤتلف و المختلف، أو جيء به بعده. قال في نهاية الدّراية: 43-44: فان وافق الراوي آخر في لقبه أو في اسمه سواء وافقه خطا و نقطا [الظاهر: نطقا]، أو خطا فقط و كان الأبوان أيضا مؤتلفين خطا أو نقطا [الظاهر: نطقا] أو خطا فقط فهو المتشابه في الاصطلاح. و لم يذكر المحكم في قباله، و قد تبع في ذلك صاحب متنه في الوجيزة: 9 حيث عرفه بعد تعريف المؤتلف و المختلف و المتّفق و المفترق و بعد قوله: و ان وافق قال: أو في اسمه فقط و الابوان مؤتلفان فهو المتشابه. و ثاني الشهيدين في بدايته: 133 - بعد ان ذكر المؤتلف و المختلف - قال: و إن اتّفقت الأسماء خطا و نطقا و اختلفت الآباء نطقا مع ائتلافهما خطا أو بالعكس كأن تختلف الأسماء نطقا، و تأتلف خطا، و تأتلف الآباء خطا و نطقا فهو النوع الّذي يقال له: المتشابه، و راجع جامع المقال: 151، و توضيح المقال: 58. فهو على كل تلفيق من نوعين من الحديث هما المختلف و المؤتلف، و المتّفق و المفترق، و هو غير تلخيص المتشابه، و لأن ما فيه من الاختلاف ليس من نوع المؤتلف، كما سيأتي استدراكه. و المرجع في الكل المميّزات الرجاليّة لاستعلام الأسماء المتشابهة من الرجال ممّن مسّت الحاجة الى ذكره.
2- راجع مستدرك رقم (102) حول معرفة المتشابه و أقسامه.
3- و هو غير المقلوب الآتي في أقسام الضعيف، و غير المتشابه الماضي قريبا، و غير تلخيص المتشابه الّذي استدركناه، و كذا غير المشتبه الّذي لم يتعرّض له المصنف رحمه اللّه. قال في المقدّمة: 565: النوع السادس و الخمسون: معرفة الرّواة المتشابهين في الاسم و النّسب المتمايزين بالتقديم و التأخير في الابن و الأب، ثم مثّل له ب: يزيد بن الأسود، و الأسود بن يزيد و غيرهما. و فائدة هذا النوع ضبط الأمن من توهّم القلب، خصوصا و قد انقلب على بعض المحدّثين، و قد يقع التقديم و التأخير مع ذلك في بعض حروف الاسم المشتبه كأيّوب بن يسار، و يسار بن ايّوب و نحو ذلك، كما فصّله السّخاوي تبعا للعراقي في الألفيّة و شرحها: 5/3-364. و قد صنّف الخطيب البغدادي فيه مجلدا ضخما سمّاه: رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء و الأنساب.

و يتّفق ذلك في الرّواة المتشابهين في الاسم و النسب، المتمايزين بالتقديم و التأخير، بأن يكون اسم أحد الراويين كاسم أبي الآخر خطا و لفظا، و اسم الآخر كاسم أبي الأول كذلك، فينقلب على بعض أهل الحديث، كما انقلب كثيرا أحمد بن محمد بن يحيى بمحمد بن أحمد بن يحيى، و أمثلته كثيرة، و الاهتمام بتمييز ذلك مهم(1).

و منها:

30 - المتّفق و المفترق :

30 - المتّفق و المفترق(2):

مجموعهما اسم لسند اتّفقت أسماء رواته و أسماء آبائهم

ص: 286


1- انظر مستدرك رقم (103) المشتبه. و مستدرك رقم (104) تلخيص المتشابه.
2- وجه التسمية: ان من في السند مع غيره متّفق في الاسم مفترق في الشخص، نظير ما يسمّيه الأصوليّون بالمشترك اللفظي لا المعنوي.

فصاعدا(1)، و اختلفت أشخاصهم(2)، فالاتّفاق بالنّظر الى الأسماء، و الافتراق بالنّظر الى الأشخاص(3)، و ظاهر البداية(4) عدم صدق هذا الاسم بمجرّد الاتّفاق في اسم الراوي من دون اتّفاق اسم الأب و الجد، و صريح غيره صدق هذا الاسم مع الاتّفاق في اسم الراوي فقط، و إن اختلفت أسماء الآباء و الأجداد، أو لم يذكر اسم الأب و الجد أصلا، و لا يعتبر في صدق هذا الاسم كون تمام السند كذلك، بل يكفي في ذلك أن يتّفق اثنان من رجاله أو أكثر في ذلك كما صرّحوا به، و لا بدّ من تمييز المتّفق حتّى لا يظن الشخصان شخصا واحدا، فيكتفي بثبوت وثاقته(5).

ص: 287


1- لفظا و نطقا.
2- سواء اتّفق في الموافقة اثنان أو أكثر.
3- قال في توضيح المقال: 58 في تعريفه: هو ما اشترك بعض من في السند واحدا كان أو اكثر مع غيره في الاسم، اختص الاشتراك بالأبناء أو مع الآباء أو مع الأجداد أيضا. و قال في الوجيزة: 8-9: و الراوي إن وافق في اسمه و اسم أبيه آخر فهو المتّفق و المفترق. و قال في المقدّمة: 552: هذا النوع متّفق لفظا و خطا بخلاف النوع الّذي قبله - أي المؤتلف و المختلف - فان فيه الاتّفاق في صورة الخط مع الافتراق في اللفظ، و ذكر هذا و الّذي قبله الدّربندي في درايته: 21 - خطّي - معرفا ايّاها بقوله: ان اتّفقت الأسماء خطا و اختلفت نطقا سواء كان مرجع الاختلاف النقط أو الشكل.
4- البداية: 128.
5- و يتميّز عند الاطلاق بقرائن الزمان و معرفة الطبقة، و يحتاج الى فضل و قوّة و تمييز للمشترك و اطلاع على الرجال و مراتبهم و طبقاتهم. انظر مستدرك رقم (105) اقسام المتّفق و المفترق.

و منها:

31 - المشترك:

و هو ما كان أحد رجاله أو أكثرها مشتركا بين الثّقة و غيره، و أمثلة ذلك كثيرة(1)، و لا بدّ من التمييز، لتوقّف معرفة حال السّند عليه.

و التمييز: تارة بقرائن الزمان، و أخرى بالرّاوي، و ثالثة بالمرويّ عنه و.. و غير ذلك من المميّزات. و قد صنّفوا في تمييز المشتركات كتبا و رسائل، و أتعبوا أنفسهم في ذلك جزاهم اللّه تعالى عنّا خيرا، و لعلّنا نتوفّق للكلام في ذلك.

ثمّ ان تميّز بشيء ممّا ذكر أو كان جميع أطراف الشبهة ثقات فلا كلام، و الاّ لزم التوقّف و عدم العمل بالخبر. نعم ليس للفقيه ردّ

ص: 288


1- مثل ما لو جاءت رواية للشيخ في أحد كتابيه أو غيره في غيرهما من مشايخنا رضوان اللّه عليهم عن أحمد بن محمد مطلقة، فلا يعلم من هو؟ لأنّه مشترك بين جماعة كثيرة، تنيف على أحد عشر راويا، و أكثر دورانه بين أربعة من الثّقات هم: ابن الوليد، و ابن أبي نصر، و ابن خالد، و ابن عيسى، و مع ذلك لا بدّ من الاستعلام لدفع الاشتراك. بل عدّ سيدنا الخوئي دام ظله في معجم رجال الحديث: 194/2-338(185) راويا بهذا الاسم، و ابن الوليد - المار - باعتبار جد أبيه، أي أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، من مشايخ الشيخ المفيد الذي وثقه الشهيد الثاني في درايته و كذا الشيخ البهائي في حاشيته على الحبل المتين و غيرهما.

الرواية بمجرّد الاتّفاق في الاسم مع الاشتراك بين ثقة و غيره، بل يلزمه الفحص و التميّز و التوقّف عند العجز، و قد اتّفق لجمع من الأكابر منهم ثاني الشهيدين (رحمهما اللّه) في المسالك ردّ جملة من الروايات بالاشتراك في بعض رجالها، مع امكان التميّز فيها، و من عجيب ما وقع له ردّه في المسالك لبعض روايات محمد بن قيس عن الصادق (عليه السلام) بالاشتراك بين ثقة و غيره(1)، مع تحقيقه في البداية كون الراوي عن الصادق (عليه السلام) و هو الثّقة، حيث قال: انّ محمد بن قيس مشترك بين أربعة، اثنان ثقتان و هو محمد بن قيس الأسدي - أبو نصر - و محمد بن قيس البجلي الأسدي(2) - أبو عبد اللّه - و كلاهما رويا عن الباقر و الصادق (عليهما السلام)، و واحد ممدوح من غير توثيق و هو محمد بن قيس الأسدي مولى بني نصر، و لم يذكروا عمّن روى، و واحد ضعيف و هو محمد بن قيس - أبو أحمد - روى عن الباقر (عليه السلام) خاصة.. الى أن قال: و التحقيق في ذلك أن الرواية إن كانت عن الباقر (عليه السلام) فهي مردودة، لاشتراكه حينئذ بين الثلاثة الذين أحدهم الضعيف، و احتمال كونه الرابع، حيث لم يذكروا طبقته، و إن كانت الرواية عن الصادق (عليه السلام) فالضعيف منتف عنها، لأنّ الضّعيف لم يرو عن الصادق (عليه السلام) كما عرفت، و لكنها محتملة لأن تكون من

ص: 289


1- راجع مستدرك رقم (106) سبر كلمات ثاني الشهيدين رحمهما اللّه في المسالك فيما يرويه عن محمد بن قيس.
2- لا توجد: الأسدي في الطبعة الاولى و لا في نسختنا من البداية.

الصّحيح إن كان هو أحد الثّقتين، و هو الظاهر، لأنّهما وجهان من وجوه الرواة، و لكل منهما أصل، بخلاف الممدوح خاصة، و يحتمل - على بعد - أن يكون هو الممدوح، فتكون الرواية من الحسن، فيبنى(1) على قبول الحسن في ذلك المقام و عدمه، فتنبّه لذلك فانّه ممّا غفل عنه الجميع، و ردّوا بسبب الغفلة عنه روايات، و جعلوها ضعيفة، و الأمر فيها ليس كذلك(2).

بل زاد عليه بعض المحقّقين(3) أن محمد بن قيس إن كان راويا عن أبي جعفر (عليه السلام)، فان كان الراوي عنه عاصم بن حميد أو يوسف بن عقيل أو عبيد ابنه فالظاهر انّه الثّقة لما ذكره النّجاشي(4) من أن هؤلاء يروون عنه كتاب القضايا، بل لا يبعد كونه الثقة متى كان راويا عن أبي جعفر (عليه السلام) عن عليّ (عليه السلام). لأنّ كلاّ من البجلي و الأسدي صنّف كتاب القضايا لأمير المؤمنين (عليه السلام) كما ذكره النّجاشي، و هما ثقتان(5) فتدبّر.

ص: 290


1- في المصدر: فتبنى.
2- البداية: 129-130.
3- كما حكاه الكاظمي في المشتركات: 251، ثم قال عنه: و مع انتفاء هذه القرائن فالحديث المروي عن محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام مردود لما ذكره، و أما المروي عن ابي عبد اللّه عليه السلام فيحتمل أن يكون من الصحيح و أن يكون من الحسن.
4- رجال النجاشي: 247.
5- للمصنّف (قدس سره) تذييل و تنقيح في التنقيح: 177/3 فراجعه، و انظر تكملة الرجال: 473/2.

و منها:

32 - المؤتلف و المختلف :

32 - المؤتلف و المختلف(1):

و مجموعهما اسم لسند اتّفق فيه اسمان فما زاد خطا(2)، و اختلف نطقا(3)، و معرفته من مهمّات هذا الفنّ ، حتى انّ اشدّ التّصحيف ما يقع في الأسماء لانّه شيء لا يدخله القياس، و لا قبله شيء يدلّ عليه و لا بعده(4)، بخلاف التصحيف الواقع في المتن، و هذا النوع منتشر جدا(5) لا ينضبط مفصلا الاّ بالحفظ، و قد ذكروا لذلك

ص: 291


1- من الأسماء و الألقاب و الأنساب و نحوها، قال في الوجيزة: 9 بعد قوله: و الراوي ان وافق في اسمه و اسم أبيه آخر فهو المتّفق و المفترق قال: أو خطا فقط فهو المؤتلف و المختلف.
2- لا شبهة أن العجمة و التشديد خارجان عن أصل الخط، و داخلان في النطق و ان علّم لهما، و في الكل جوهر الكلمة محفوظ كما لا يخفى.
3- سواء كان منشأ الاختلاف شكليّا أو لفظيّا من التنقيط و غيره. و قيل: و هو ما يأتلف اي يتّفق في الخط صورته، و يختلف في اللفظ صيغته، كما قاله ابن الصّلاح في المقدّمة: 528 و المعنى واحد. و المراد من الاسم مرادف العلم، فيشمل اللقب و الكنية أيضا، انظر: شرح النخبة: 224، كشاف اصطلاحات الفنون: 116/1.
4- على حد تعبير عليّ بن المديني، كما نسبه له السّخاوي في فتح المغيث: 213/3.
5- لكن ليس بذلك الكثير فيما مست الحاجة اليه، و الّذي ذكر في كتب المشتركات عند الخاصّة جماعة لا يزيدون على اثني عشر، كما أفاده السيد في نهاية الدّراية: 114، و بقي واحد و هو: ميثم و ميتم، الأول احمد بن ميثم ثقة و هو الفضل بن دكين المشهور، و ما ذكره المصنّف اثنا عشر عدا الأخير الذي ذكره السيد فيصبح المجموع ثلاثة عشر. فلاحظ، و الاّ فامثلته في موسوعات العامة لا تحصى، لاحظ الألفيّة للعراقي و شرحها للسخاوي: 211/3-244، و كشّاف اصطلاحات الفنون: 116/1.

أمثلة(1):

فمنها: جرير و حريز:

فالأول: بالجيم المفتوحة في أوّله، و الراء المهملة في آخره، و الثاني: بالحاء المهملة المضمومة في اوّله، و الزاي في آخره، فالأول جرير بن عبد اللّه البجلي صحابيّ (2)، و الثّاني حريز بن عبد اللّه السجستاني(3) يروي عن الصادق (عليه السلام)، فاسم أبيهما واحد و اسمهما مؤتلف، و المائز بينهما الطبقة.

و منها: بريد و يزيد:

الأول: بالباء الموحّدة المضمومة، ثم الراء المفتوحة، الثاني:

بالياء المثنّاة من تحت المفتوحة، ثم الزاي المكسورة، و كل منهما يطلق على جمع، و المائز قد يكون من جهة الآباء، فإنّ بريدا - بالباء الموحّدة - ابن معاوية العجلي(4)، و هو يروي عن الباقر و الصّادق (عليهما السلام)، و أكثر الاطلاقات محمولة عليه، و بريد - بالباء - الأسلمي

ص: 292


1- كما في بداية الشهيد: 130-131، و نهاية الدّراية: 114 و غيرهما.
2- انظر ترجمته في تنقيح المقال: 210/1.
3- راجع ما ذكره عنه في تنقيح المقال: 261/1-263.
4- ترجمه في تنقيح المقال: 164/1-166. و انظر رجال الشيخ الطوسي: 109 برقم (22) في اصحاب الباقر عليه السلام، و صفحة 158 برقم (59) في اصحاب الصادق عليه السلام.

صحابيّ (1)، فيتميّز عن الأول بالطبقة، و أما يزيد - بالمثنّاة من تحت - فمنه يزيد بن اسحاق شعر(2) و ما وجد مطلقا، فالأب و اللقب مميّزان، و يزيد أبو خالد القماط(3) يتميّز بالكنية و إن شاركا الأول في الرّواية عن الصادق (عليه السلام)، و هؤلاء كلّهم ثقات، و ليس لنا بريد - بالموحّدة - في باب الضّعفاء(4)، و لنا فيه يزيد متعدّدا، و لكن يتميّز بالطبقة و الأب و غيرهما مثل يزيد بن خليفة، و يزيد بن سليط(5)، و كلاهما من أصحاب الكاظم (عليه السلام).

و منها: بنان و بيان:

ص: 293


1- له ترجمة في تنقيح المقال: 164/1، و لا اعلم كيف هو صحابيّ مع انه في رجال الشيخ رحمه اللّه: 159، برقم (86) قال: و منه بريدة بن عامر الاسلمي مولاهم المدني، من أصحاب الصادق عليه السلام فيتوافقان في الطبقة، و لعله غيره فتدبّر. و لعل المراد به هنا هو: بريدة بن الخصيب الاسلمي الذي ذكره الشيخ في رجاله في اصحاب رسول اللّه (ص) صفحة: 10 برقم (21).
2- في نسختنا من البداية: شغر، و هو الصحيح، و قد ترجمه المصنّف في رجاله تنقيح المقال: 324/3، فراجع.
3- ترجمه في تنقيح المقال: 323/3.
4- لم أفهم وجه كلام الشيخ طاب ثراه مع انّه ترجم لثلاثة في تنقيحه باسم بريد هم من الضّعفاء احدهما: بريد بن اسماعيل الطائي أبو عامر، و الثّاني: بريد بن عامر الأسلمي، و الثّالث: بريد مولى عبد الرحمن القصير، التنقيح: 164/1-166، و الثّلاثة من أصحاب الصادق عليه السلام كما عدّهم الشيخ في رجاله: 158 برقم (62، 86، 61). مجهولون عند الرجاليين، فتدبّر. و لعل الشيخ الجد (قدس سره) أخذ العبارة من ثاني الشهيدين في الدّراية و لم يراجع.
5- كلاهما في تنقيح المقال: 326/3.

الأول: بالنون بعد الباء الموحّدة، و الثاني: بالياء المثنّاة بعد الباء الموحّدة، قال في البداية: فالأول غير منسوب الى أب، و لكنّه - بضم الباء - ضعيف، و قد لعنه الصادق (عليه السلام)، و الثاني - بفتحها - الجزري كان خيرا فاضلا، و مع الاشتباه توقّف الرّواية(1).

و منها: حنّان و حيّان:

الأول: بالنّون، و الثّاني: بالياء المثنّاة من تحت، فالأول حنّان ابن سدير(2) من أصحاب الكاظم (عليه السلام) واقفيّ ، و الثاني: حيّان السراج(3) كيساني غير منسوب الى أب، و حيّان العنزي(4) روى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) ثقة.

و منها: بشّار و يسار:

الأوّل: بالباء الموحّدة و الشّين المعجمة المشدّدة، و الثّاني بالياء المثنّاة من تحت، و السّين المهملة المخفّفة، فالأوّل: بشّار بن يسار الضبيعي(5) أخو سعيد بن يسار، و الثّاني: أبو همام(6).

ص: 294


1- البداية: 131 و ترجمتهما في تنقيح المقال، الأول تحت عنوان بنان التبان: 183/1 و الثاني: 184/1.
2- جاءت ترجمته في تنقيح المقال: 280/1-281.
3- راجع ترجمته في تنقيح المقال: 383/1.
4- لاحظ ما ذكره عنه في تنقيح المقال: 383/1.
5- له ترجمة ضافية في تنقيح المقال: 170/1-171.
6- الصحيح هو أبوهما - من دون ميم - أي يسار الضبيعي أبو بشّار و سعيد، و لم نعرف حاله رجاليا، و ذكر جملة رجال من العامة في المقدّمة 537 فلاحظ.

و منها: خيثم و خثيم:

كلاهما بالخاء المعجمة، الاّ ان الأول بفتحها ثم الياء المثنّاة من تحت ثم المثلثة، و الثاني بضمها، و تقديم الثاء المثلثة المفتوحة على الياء، فالأول: أبو سعيد بن خيثم الهلالي التّابعي الضعيف(1)، و الثاني: أبو الربيع بن خثيم(2) أحد الزهاد الثمانية.. الى غير ذلك من الأمثلة الّتي ذكرها في البداية(3) و.. غيرها.

و قد بان لك منها انّ العجمة و التشديد خارجان عن أصل الخط، و إلاّ لم يكن شيء ممّا ذكر مثالا، قال في البداية: و قد يحصل الائتلاف و الاختلاف في النّسبة و الصنعة و.. غيرهما(4) ثم مثّل له بأمثلة:

و منها: الهمداني، و الهمذاني.

الأول: بسكون الميم و الدّال المهملة، نسبة الى همدان، قبيلة، و الثاني: بفتح الميم، و الذال المعجمة، اسم بلدة(5) فمن الأول:

ص: 295


1- تنقيح المقال في علم الرجال: 3 /باب الكنى: 18.
2- تنقيح المقال في علم الرجال: الفوائد الرجاليّة في مقدّمة الكتاب: 196/1.
3- البداية: 129-132.
4- البداية: 132-133.
5- همذان: بفتح الهاء و الميم ثم الذال المعجمة، اسم بلدة من بلاد العجم معروفة الى الآن، سمّيت باسم بانيها: همذان بن الفلّوج بن سام بن نوح، و هو أخو أصفهان بن الفلّوج، كما صرّح به في القاموس، و التّاج و غيرهما. و عن شرح الشّفاء للشهاب: انّ المعروف بين العجم اهمال داله، فكأنّ هذا تعريب له، و قد غلط في المصباح و المجمع حيث قالا في مادة (ه م د) بالمهملة: انّ همدان - بفتح الهاء و الميم - بلد من عراق العجم، سمّي باسم بانيه همدان بن الفلّوج بن سام.. الى آخره، مع أن همذان بن الفلّوج بالذال المعجمة دون الدال المهملة، كما صرّح به جمع، فلا تذهل. (منه قدس سره). لاحظ: القاموس: 348/1، تاج العروس: 547/2، المصباح المنير: 881/2 و فيه همذان - بالمعجمة -، مجمع البحرين 168/3، و لم يثبت كون همذان - بالذال المعجمة - و قد اختلفوا فيه، و للسخاوي تحقيق في همذان حكاه عن غير واحد في فتح المغيث: 243/3، انظر: مراصد الاطلاع: 5/3-1464، معجم البلدان: 407/5-410. و قال ابن الصلاح في المقدمة: 551: و ليس في الصحيحين و الموطأ: الهمذاني - بالذال المنقوطة - و جميع ما فيها على هذه الصورة فهو الهمداني - بالدال المهملة و سكون الميم - و قال ابو نصر بن ماكولا: الهمداني في المتقدمين بسكون الميم أكثر و بفتح الميم في المتأخرين أكثر، ثم قال ابن الصلاح: و هو كما قال.

محمد بن الحسين بن أبي الخطاب(1)، و محمد بن الأصبغ(2)، و سندي ابن عيسى(3)، و محفوظ بن نصر(4)، و.. خلق كثير، بل هم أكثر المنسوبين من الرّواة الى هذا الاسم، لأنّها قبيلة صالحة مختصّة بنا من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام).

و منها: الحارث الهمداني(5) - صاحبه (عليه السلام) -.

ص: 296


1- راجع في ترجمته تنقيح المقال: 106/3-107.
2- انظر تنقيح المقال: 83/2 حرف الميم.
3- له ترجمة ضافية في تنقيح المقال: 71/2.
4- و قد ترجمه في تنقيح المقال: 54/2 حرف الميم.
5- تنقيح المقال: ذكر جمع بهذا الاسم من أصحاب علي عليه السلام: 242/1 و 248.

و من الثاني: محمد بن علي الهمذاني(1)، و محمد بن موسى(2)، و محمد بن علي بن ابراهيم(3) - وكيل الناحية - و ابنه: القاسم(4)، و أبوه: علي(5)، وجده: ابراهيم(6)، و ابراهيم بن محمد(7)، و علي بن المسيب(8)، و علي بن الحسين الهمذاني(9)، كلهم بالذال المعجمة.

و منها: الخراز و الخزاز:

الأول: بالراء المهملة، و الزاي. و الثاني: بزاءين معجمتين، فالأول: لجماعة، منهم ابراهيم بن عيسى - أبو أيوب(10) -، و ابراهيم ابن زياد(11)، على ما ذكره ابن داود(12). و من الثاني: محمد بن يحيى(13)،

ص: 297


1- تنقيح المقال: 163/3.
2- تنقيح المقال: 193/3-194.
3- تنقيح المقال: 151/3.
4- تنقيح المقال: 25/2 حرف القاف.
5- تنقيح المقال: 306/2.
6- راجعته في التنقيح: 26/1 بعنوان ابراهيم بن علي بن محمد بن علي بن ابراهيم، فلم أجده، فراجع.
7- تنقيح المقال: 32/1 حرف الألف.
8- تنقيح المقال: 309/2.
9- تنقيح المقال: 285/2.
10- تنقيح المقال: 28/1 حرف الألف.
11- تنقيح المقال: 17/1 حرف الألف، و رجال ابن داود: عمود 14.
12- رجال ابن داود: عمود: 16-17، و فيه ابراهيم بن عثمان الخزاز.
13- تنقيح المقال: 200/3.

و محمد بن الوليد(1)، و علي بن الفضيل(2)، و ابراهيم بن سليمان(3)، و أحمد بن النضر(4)، و عمرو بن عثمان(5)، و عبد الكريم ابن هلال(6) الجعفي(7).

و منها: الحناط و الخياط:

الأول: بالحاء المهملة، و النون. و الثاني: بالمعجمة، و الياء المثناة من تحت. فالأول يطلق على جماعة، منهم: أبو ولاّد(8) الثقة الجليل، و محمد بن مروان(9)، و الحسن بن عطية(10)، و محمد بن عمر ابن خالد(11).

و من الثاني: على قول بعضهم علي بن أبي صالح بزرج(12) - بالباء الموحدة المضمومة، و الزاي المضمومة، و الراء

ص: 298


1- تنقيح المقال: 196/3-197.
2- تنقيح المقال: 30/2 و الصواب مكبرا: الفضل.
3- تنقيح المقال: 18/1 حرف الألف.
4- تنقيح المقال: 99/1 حرف الألف، و في نسختنا: النصر، و هو غلط.
5- تنقيح المقال: 335/2.
6- في نسختنا من دراية الشهيد: هليل، و الصواب ما أثبته المصنف رحمه اللّه.
7- تنقيح المقال: 160/2.
8- هو حفص بن سالم الثقة: تنقيح المقال: 353/1.
9- تنقيح المقال: 182/2.
10- تنقيح المقال: 288/1.
11- الصحيح: عمر بن خالد الحناط كما في دراية ثاني الشهيدين راجع ترجمته في تنقيح المقال: 343/2.
12- تنقيح المقال: 263/2-264. كذا و في دراية الشهيد: بزرح، بالحاء المهملة و هو الظاهر.

الساكنة، و الجيم المهملة -، و لكن في البداية: ان الأصح كونه حناطا - أيضا - بالحاء و النون(1).

[و منها: رشيد و رشيد:

فالأول: مكبرا، و هو: رشيد بن زيد الجعفي(2). و الثاني:

مصغرا و هو: رشيد الهجري(3).

و منها: شريح و سريج:

فالأول: بالشين المعجمة في أوله، و الحاء المهملة في آخره، و هو: شريح بن النعمان التابعي الراوي عن علي (عليه السلام)(4). و الثاني: بالسين المهملة في أوله، و الجيم في آخره، و هو سريج بن النعمان، أحد رواة العامة(5).

و منها: عقيل و عقيل(6):

فالأول: مكبرا، و هو والد محمد النيسابوري، و الثاني:

ص: 299


1- البداية: 133، و أضاف في كتب العامة كفتح المغيث: 229/3 خباطا - بالمعجمة ثم الموحدة -، و عدّ جمع اشتركوا في هذه الصفة، و سبقه ابن الصلاح في المقدمة: 536.
2- الكوفي الثقة، تنقيح المقال: 430/1.
3- تنقيح المقال: 431/1.
4- تنقيح المقال: 83/2.
5- لم يعنونه الشيخ الجد رحمه اللّه في كتابه حيث خصه برواة الامامية غالبا، و هو الجوهري اللؤلؤي البغدادي الذي روى عنه البخاري في صحيحه، كما نص عليه السخاوي في فتح المغيث: 227/3 و غيره.
6- الأول بفتح العين المهملة و الثاني بضمها.

مصغرا، و هو والد محمد الغرباني(1) و.. هكذا أمثال ذلك(2)](3).

و منها:

33 - المدبج و رواية الأقران :

33 - المدبج و رواية الأقران(4):

و ذلك أن الراوي و المروي عنه إن تقارنا في السن، أو في الاسناد و اللقاء، و هو الأخذ من المشايخ(5)، فهو النوع الذي يقال

ص: 300


1- لم أجد لهما ذكرا في كتب الرجال، لا بعنوان محمد بن عقيل كما قاله في نهاية الدراية: 114، و لا بعنوان عقيل بن محمد. فراجع، و له امثلة في شرح الألفية: 240/3.
2- راجع مستدرك (107) من ألف في هذا الفن.
3- ما بين المعكوفتين لا يوجد في الطبعة الاولى من الكتاب.
4- الحق أنهما نوعان من أنواع الحديث، و قد افردا في بعض كتب الدراية، و كان الاولى ترقيمها برقمين، و يقال للثاني: رواية القرين عن القرين. و في المقدمة: 462 عدهما واحدا و قال: النوع الثاني و الأربعون: معرفة المدبج و ما عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض، و زلت قلم الناسخ أو المؤلف الطريحي في حاشيته الخطية على مجمع البحرين مادة (سنن). حيث كتب: مدمج، لاحظ الوجيزة: 9، و كشاف اصطلاحات الفنون: 249/2، و غيرهما. و قيل - كما ذهب اليه العراقي و تبعه السخاوي في شرح الألفية: 160/3 و غيرهما - ان رواية الأقران قسمان مدبجا و غيره، فيما لو انفرد أحد القرنين بالرواية عن الآخر و عدم الوقوف على رواية الآخر عنه، فيكون الأول أخص منه، فكل مدبج اقران و لا عكس. و قال الدربندي في درايته: 14 - خطي - و قد يقال للتدبيج المقارضة أيضا.
5- قال في المقدمة: 462: و هم المتقاربون في السن و الاسناد، و ربما اكتفى الحاكم ابوعبد اللّه فيه بالتقارب في الاسناد و إن لم يوجد التقارب في السن. انظر معرفة علوم الحديث: 215.

له: راوية الأقران، لأنه حينئذ يكون راويا عن قرينه، و ذلك كالشيخ ابي جعفر الطوسي و علم الهدى، فانهما أقران في طلب العلم و القراءة على الشيخ المفيد (رحمه اللّه)(1).

و فائدة معرفة هذا النوع أن لا يظن الزيادة في الاسناد، أو ابدال عن بالواو(2).

فإذا روى كل من القرينين(3) عن الآخر فهو النوع الذي يقال له: المدبّج(4) - بضم الميم، و فتح الدال المهملة، و تشديد الباء

ص: 301


1- و الشيخ ابو جعفر يروي عن السيد علم الهدى المرتضى بعد أن قرأ عليه مصنفاته، كما ذكره في كتاب الرجال: باب من لم يرو عنهم عليهم السلام: 5-484 /برقم 52، و انظر الفهرست: 125، برقم: 433. و كرواية العلامة المجلسي عن السيد علي خان شارح الصحيفة و روايته عنه، و رواية الشيخ الحر عن المجلسي و روايته عنه، كما نص على الأخير الميرزا النوري في مستدرك الوسائل: 403/3، و له أمثلة كثيرة.
2- الظاهر: أو ابدال الواو بعن: إن كانت الرواية بالعنعنة، فتدبر.
3- المتقاربين في السن و الاسناد و الأخذ عن الشيوخ، و الحاكم في معرفة علوم الحديث: 215 اكتفى بالتقارب بالاسناد دون السن، و قد جعل القرينين على ثلاثة أقسام، راجعها.
4- فهو على هذا ما وافق رواية المروي عنه في السن و الأخذ عن الشيخ، أو روى كل عن الآخر. قال العراقي: و أول من سماه الدارقطني فيما أعلم، كما حكاه السيوطي في تدريب الراوي: 247/2.

الموحدة، و بعده جيم معجمة -.

و في وجه التسمية وجوه، فقيل: انه مأخوذ من التدبيج، من ديباجتي الوجه، كأنّ كل واحد منهما بذل ديباجة وجهه للآخر عند الأخذ منه(1).

و قيل: انه بمعنى المزيّن، فكأنّه يحصل برواية كل منهما عن الآخر تزيين للاسناد(2).

و قيل: انه لنزول الاسناد، فيكون ذمّا، من قولهم: رجل مدبج، قبيح الوجه و الهامة.

و قيل: ان القرينين الواقعين في المدبّج في طبقة واحدة بمنزلة واحدة، شبّها بالخدين، إذ يقال لهما: الديباجتان(3)، و الأول أقرب.

و على كل حال، فلو روى أحد القرينين عن الآخر من دون

ص: 302


1- كما اختاره الأسترابادي في لب اللباب: 15 - خطي -، و لعله أخذه من الديباج بمعنى الحرير، و مدبج اي موشى اي معلم وصف لهذا النوع.
2- و هو مختار العراقي حيث قال: لم أر من تعرض لها - أي لوجه التسمية - الا أن الظاهر أنه سمي به لحسنه، لأنه لغة المزيّن، و الرواية كذلك انما تقع لنكتة يعدل فيها عن العلو الى المساواة أو النزول فيحصل للاسناد بذلك تزيين، ثم قال: و يحتمل أن يكون سمي بذلك لنزول الاسناد فيكون ذما، من قولهم رجل مدبج، قبيح الوجه و الهامة... و الظاهر الأول.
3- قاله الجوهري في الصحاح 6/1-315، و جزم به ابن حجر في شرح النخبة: 201.

رواية الثاني عن الأول لم يكن ذلك مدبّجا، بل رواية الأقران فقط، فالمدبّج أخص من رواية الأقران، فكل مدبّج رواية أقران، و لا عكس، كما صرح به في البداية(1) و... غيرها(2).

و منها:

34 - رواية الأكابر عن الاصاغر :

34 - رواية الأكابر عن الاصاغر(3):

إذا كان الراوي دون المروي عنه في السن، أو في اللقاء، أو في المقدار من علم أو إكثار رواية و... نحو ذلك، فذلك لكثرته و شيوعه لانه الغالب في الروايات، لم يخص باسم خاص، و إذا كان فوقه في شيء من ذلك فروى عمن دونه فهو النوع المسمى ب «رواية الأكابر عن الاصاغر»(4) كرواية الصحابي عن التابعي، و التابعي عن تابعي التابعي(5).

ص: 303


1- البداية: 123 بتصرف، و توسع في معرفة علوم الحديث: 215-220، دراية الدربندي: 14 - خطى - و غيرهم.
2- اقول: و لو لا الحديّة في الاصطلاح لكان مقتضى التسمية شموله لغير الأول أيضا، حيث ما روى المروي عنه عن الراوي من غير اعتبار الاقتران المتقدم كذلك. انظر: مستدرك رقم (108) رواية الصحابة بعضهم عن بعض.
3- كان هذا النوع يسمى: معرفة الأكابر من الأصاغر - كما في معرفة علوم الحديث: 48 - و هو يفيد معنى غير المعنون.
4- و قريب من هذا التعريف في الوجيزة: 9، و فصّل القول فيه و في أقسامه في فتح المغيث: 155/3-162.
5- و روى العامة عن رسول الله انه قال: الكبر.. الكبر. و قيل عنه: البركة في الأكابر. و يستشم منها رائحة الوضع، فتدبر. ثم ان فائدة معرفة هذا النوع أن لا يتوهم ان المروي عنه أفضل و أكبر من الراوي لكونه الأغلب كذلك، و أن لا يظن أن في الاسناد انقلابا. و قيل: هذا و أمثاله مما يعدّ من مفاخر كل من الراوي و المروي عنه.

قال - في البداية(1) -:

و قد وقع من رواية الصحابي من التابعي رواية العبادلة و.. غيرهم عن كعب الاحبار، و في حاشيته: ان العبادلة أربعة: عبد اللّه بن عباس، و عبد اللّه بن عمر، و عبد اللّه بن الزبير، و عبد اللّه بن عمرو بن العاص(2) ثم مثّل لرواية التابعي عن تابعي التابعي كعمرو ابن شعيب حيث لم يكن من التابعين، و روى عنه خلق كثير منهم(3)، حتى قيل انهم أكثر من سبعين، قال في البداية:

و ممن رأيت خطّه من العلماء بذلك السيد تاج الدين بن معيّة الحسني(4) الديباجي، فانه أجاز لشيخنا الشهيد (رحمه اللّه) رواية مروياته، و كان معدودا من مشيخته و استجاز في آخر اجازته منه، و هو يصلح مثالا لهذا القسم من حيث الكبر و النسب و اللقاء(5).

ثم ان رواية الأكابر عن الأصاغر قسمان: مطلق، مثل ما مرّ،

ص: 304


1- البداية: 123 بزيادة توضيح.
2- راجع الفائدة الاولى من مستدرك رقم (109): العبادلة.
3- أي من التابعين.
4- في نسختنا من الدراية: الحسيني، و هو غلط، اذ هو السيد تاج الدين ابو عبد اللّه محمد بن القاسم بن معيّة الحسني الديباجي.
5- و هذا يصلح مثالا للمدبج من حيث العلم أو تعارض الروايتين، فتدبر.

و خاص، و هو رواية الآباء عن الأبناء(1)، كما صرح بذلك في الدراية(2)، قال: و منه من الصحابة رواية العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل، ان النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) جمع بين الصلاتين بالمزدلفة. و روى عن معمر بن سليمان التميمي قال:

حدثني أبي، قال حدثتني أنت، عن أيوب، عن الحسن، قال:

(ويح كلمة رحمه)(3).

و أما عكس ذلك، و هو رواية الأبناء عن الآباء، فلكثرته و شيوعه و موافقته للجادة المسلوكة الغالبة، و خلوه عن الغرابة مطلقا، فغير مسمى باسم(4)، و له أقسام كثيرة أيضا باعتبار تعدد الأب المروي عنه، فتارة يروي ابن عن أبيه و هو عن أبيه، و أخرى يزيد العدد، و قد قيل(5) ان الممكن منه و من صور وجود ذلك في الصدر أو الذيل أو الوسط أو المركب من اثنين أو ثلاثة، و كذا من صور تخلل المختلف لرواية الابن عن الاب، كرواية ابن عن أبيه، و هو عن أجنبي، و هو عن أبيه.. الى غير ذلك، يقرب الى تعسر الضبط، قال - في البداية -:

ص: 305


1- لاحظ الفائدة الثانية من مستدرك رقم (109): رواية الآباء عن الابناء و عكسها و أقسامها.
2- البداية: 123.
3- ذكر هذه الأمثلة ابن الصلاح في مقدمته: 484، و النووي و تبعه السيوطي في تدريبه 254/2، و الألفية و شرحها للسخاوي: 171/3 و غيرهم.
4- انظر الفائدة الثانية من مستدرك رقم (109).
5- و القائل ملا علي كني في توضيح المقال: 58.

ان رواية الابناء عن الآباء قسمان: رواية الابن عن أبيه دون جده، و هو كثير لا ينحصر، و روايته عن أزيد منه، فروايته عن أبوين - أعني عن أبيه عن جده - و هو كثير أيضا. و منه في رأس الاسناد رواية زين العابدين (عليه السلام)، عن أبيه الحسين (عليه السلام)، عن أبيه علي (عليه السلام)، عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم). و في طريق الفقهاء (رضي اللّه عنهم) رواية الشيخ فخر الدين محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر، عن أبيه الشيخ جمال الدين الحسن، عن جده سديد الدين يوسف. و مثله الشيخ المحقق نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد، فانه يروي ايضا عن أبيه، عن جدّه يحيى، و هو يروي عن عربي بن مسافر العبادي، عن الياس بن هشام الحائري، عن ابي علي بن الشيخ، عن والده الشيخ أبي جعفر الطوسي.

و روايته عن ثلاثة: كرواية محمد بن الشيخ نجيب الدين يحيى ابن أحمد بن يحيى الأكبر بن سعيد، فانه روى عن أبيه يحيى، عن أبيه أحمد، عن أبيه يحيى الأكبر.

و عن أربعة: و قد اتفق منه رواية السيد الزاهد رضي الدين محمد بن محمد بن محمد بن زيد، عن أبيه الداعي(1) المعمر الحسني(2)، عن أبيه محمد، عن أبيه محمد، عن أبيه زيد، عن أبيه

ص: 306


1- في بدايتنا: زيد بن الراعي، و الصحيح ما أثبتناه.
2- في البداية: الحسيني.

الداعي(1)، و هو يروي عن الشيخ أبي جعفر الطوسي، و السيد المرتضى و... غيرهما. و السيد رضي الدين يروي(2) عنه باسنادنا الى الشيخ أبي عبد اللّه الشهيد (قدس سره)، عن الشيخ رضي الدين المزيدي، عن الشيخ محمد بن أحمد بن صالح الشبيبي(3)، عنه.

و مثله في الرواية عن أربعة آباء: رواية الشيخ جلال الدين الحسن ابن أحمد بن نجيب الدين محمد(4) بن جعفر بن هبة اللّه بن نما، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن ابيه هبة اللّه بن نما، و هو يروي عن الحسين بن طحال المقدادي، عن الشيخ ابي علي، عن ابيه الشيخ أبي جعفر الطوسي، و هذا الشيخ جلال الدين الحسن يروي عنه(5) شيخنا الشهيد بغير واسطة.

و عن خمسة آباء: و قد اتفق لنا منه رواية الشيخ الجليل بابويه،

ص: 307


1- في بدايتنا: الراعي، و الصحيح ما اثبتناه.
2- كذا، و الظاهر: نروي.
3- في بدايتنا: السبيبي.
4- في بدايتنا: بن محمد. و هو غلط، و محمد هذا هو المنصرف عند اطلاق لفظة ابن نما - على الاطلاق - كما صرح بذلك شيخنا النوري في مستدرك الوسائل: 443/3، 477/3. و قد يأتي السند هكذا: الشيخ جلال الدين ابو محمد الحسن بن نظام الدين احمد بن الشيخ نجيب الدين بن ابي ابراهيم أو ابي عبد اللّه محمد.. الى آخره.
5- في البداية: عن، و هو غلط.

عن(1) سعد بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه، عن أبيه سعد، عن أبيه محمد، عن أبيه الحسن، عن أبيه الحسين، و هو أخو الشيخ الصدوق (رحمه اللّه) ابي جعفر محمّد بن علي بن بابويه، عن أبيه علي بن بابويه.

و عن ستة آباء و قد وقع لنا منه أيضا رواية الشيخ منتجب الدين أبي الحسن(2) علي بن عبيد اللّه بن(3) الحسن بن الحسين بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه، فانه يروي أيضا عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه علي بن الحسين الصدوق بن بابويه. و هذا الشيخ منتجب الدين كثير الرواية، واسع الطرق عن آبائه و أقاربه و أسلافه، و يروي عن ابن عمه الشيخ بابويه ابن سعد بن محمّد المتقدم بغير واسطة، و أنا(4) لي رواية عن الشيخ منتجب الدين بعدّة طرق مذكورة فيما وضعته من الطرق في الاجازات.

و أكثر ما نرويه بتسعة آباء عن الأئمة (عليهم السلام) رواية «الحب في اللّه و البغض في اللّه» فانا نرويه باسنادنا الى مولانا أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي ابن ابي طالب، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن

ص: 308


1- في نسختنا: بن بدلا عن و ما ذكرناه هو الصحيح.
2- في نسختنا من البداية: ابن الحسن.
3- في البداية: عبد اللّه عن.
4- المراد ب: أنا، هو الشهيد الثاني رحمه اللّه.

أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) انه قال - لبعض أصحابه ذات يوم -: (يا عبد اللّه! احبب في اللّه و ابغض في اللّه، و وال(1) في اللّه، و عاد في اللّه، فانه لا تنال ولاية اللّه الاّ بذلك، و لا يجد أحد طعم الايمان و إن كثرت صلاته و صيامه حتى يكون كذلك) الحديث.

و نروي عن تسعة آباء بغير طريقهم (عليهم السلام)(2) باسنادنا الى عبد الوهاب بن عبد العزيز بن أسد(3) بن الليث بن سليمان، عن(4) الاسود بن سفيان بن يزيد بن أكنية(5) بن عبد اللّه التميمي - في لفظه -، قال: سمعت أبي يقول:، سمعت أبي يقول:، سمعت أبي يقول:، سمعت ابي يقول:، سمعت ابي يقول:، سمعت ابي يقول:، سمعت ابي يقول:، سمعت ابي يقول:، سمعت ابي يقول:، سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و قد سئل عن الحنّان المنّان، فقال: (الحنّان هو(6) الذي يقبل على من أعرض عنه، و المنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال)، فبين عبد الوهاب و بين علي (عليه

ص: 309


1- في نسخة: و ودّ.
2- يعني من العامة، و قد ذكره ابن الصلاح في مقدمته: 484.
3- بن الحارث، هو الصحيح، و هو جدّ عبد العزيز.
4- في درايتنا: بن و هو الصحيح، كي يكونوا تسعة.
5- اكتيه، كذا في دراية الشهيد، و كلاهما غلط، و الصحيح: اكينة، و هو آخرهم و هو السامع من علي عليه السلام، فتدبر.
6- لا توجد: هو، في بعض النسخ.

السلام) في هذا الاسناد تسعة آباء آخرهم أكينة بن(1) عبد اللّه الذي ذكر أنه سمع عليا (عليه السلام).

و نروي بهذا الطريق أيضا حديثا متسلسلا باثني عشر أبا عن رزق اللّه بن عبد الوهاب المذكور، عن أبيه عبد الوهاب، عن آبائه المذكورين الى أكنية(2)، قال سمعت أبي الهيثم يقول، سمعت أبي:

عبد اللّه(3) يقول، سمعت رسول الله يقول:

(ما اجتمع قوم على ذكر الا حفّتهم الملائكة، و غشيتهم الرحمة).

و أكثر ما وصل إلينا من الحديث المتسلسل بأربعة عشر أبا، و هو ما رواه الحافظ أبو سعد بن السمعاني - في الذيل(4) - قال: أخبرنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي الامام بقراءتي(5)، قال: حدثنا السيد أبو محمد الحسن(6) بن علي بن أبي طالب - من لفظه ببلخ -، حدثني سيدي و والدي أبو الحسن علي بن أبي طالب سنة ست

ص: 310


1- في البداية: اكتيه، و في فتح المغيث: 180/3: اكينة: و هو الصحيح و كذا في المقدمة: 484 و هو بن عبد اللّه التميمي - كما مرّ -.
2- في البداية: اكتيه، و في فتح المغيث: 180/3: اكينة: و هو الصحيح و كذا في المقدمة: 484 و هو بن عبد اللّه التميمي - كما مرّ -.
3- في الأصل: سمعت أبي عبد اللّه (عليه السلام) و هو غلط من الناسخ بوضع (عليه السلام) على الكنية.
4- خ. ل: الزبل، و هو غلط، و المراد منه: أبو سعد عبد الكريم بن منصور التميمي السمعاني المروزي (506-562 ه) المؤرخ النسابة، و المراد هنا كتابة ذيل تاريخ بغداد.
5- قال السخاوي في شرح الألفية: 181/3: الامام بقراني.
6- في البداية: الحسين، و المذكور هو الصحيح.

و ستين و أربعمائة، حدثني أبي أبو طالب الحسن بن عبد اللّه(1) سنة أربع و ثلاثين و أربعمائة، حدثني والدي أبو علي عبيد اللّه بن محمد، حدثني أبي محمد بن عبد اللّه(2)، حدثني أبي عبد اللّه(3) بن علي، حدثني أبي علي بن الحسن، حدثني أبي الحسن ابن الحسين، حدثني أبي الحسين بن جعفر - و هو أول من دخل بلخ من هذه الطائفة -، حدثني ابي جعفر - الملقب بالحجّة -، حدثني أبي عبد اللّه(4)، حدثني أبي الحسين الاصغر، حدثني أبي(1) علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جده علي (عليه السلام) قال:

قال رسول اللّه: (ليس الخبر كالمعاينة)(2)، فهذا أكثر ما اتّفق لنا روايته من الأحاديث المتسلسلة بالآباء. الى هنا كلام الشّهيد الثّاني (رحمه اللّه) في البداية(3) نقلناه بطوله تيمّنا(4).

و يلتحق برواية الرجل عن أبيه، عن جدّه، رواية المرأة، عن أمّها، عن جدّتها، و ذلك عزيز جدّا، و عدّ منها ما روى من طرق

ص: 311


1- في فتح المغيث: 181/3: زين العابدين علي.
2- و كذا حديث: «المجالس بالأمانة» و «الحرب خدعة» و «المستشار مؤتمن» و «المسلم مرآة المسلم» بالاسناد.
3- البداية: 123-127 بتصرّف و زيادة أشرنا لها اجمالا.
4- لاحظ الفائدة الثالثة من فوائد المستدرك رقم (109): المسلسلات بالآباء و أكثر ما وصل له الخاصة.

العامّة عن سنن أبي داود، عن(1) عبد الحميد بن عبد الواحد، قال حدّثتني امّ جنوب بنت نميلة، عن امّها سويدة بنت جابر، عن أمّها عقيلة بنت أسمر(2)، عن أبيها أسمر بن مضرس قال: أتيت النبيّ (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) فبايعته، فقال: (من سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فهو له)(3).

و منها:

35 - المسمى: بالسابق و اللاحق :

35 - المسمى: بالسابق و اللاحق(4):

و هو ما اشترك اثنان في الأخذ عن شيخ، و تقدم موت احدهما

ص: 312


1- في الدّراية: عن بندار حدّثنا عبد الحميد.. الى آخره.
2- في البداية: بن مضرس، و الصحيح ما أثبتناه. و لعلّه نسبة الى الجد.
3- كما جاء في تدريب الراوي: 2/2-261 و غيره. انظر مستدرك رقم (109) فوائد حول رواية الأكابر عن الأصاغر. و مستدرك رقم (110) رواية الأخوة و الأخوان.
4- كذا سماه الخطيب و تبعه جمهور، الا ان ابن الصلاح في المقدمة: 491 قال: معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم و متأخر تباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا، فحصل بينهما أمد بعيد و إن كان المتأخر منهما غير معدود من معاصري الأول و ذوي طبقته، كذا قال، و عدّه النوع السادس و الأربعين. ثم قال: و من فوائد ذلك تقرير حلاوة علو الاسناد في القلوب، و قد أفرده الخطيب الحافظ في كتاب حسن سماه (كتاب السابق و اللاحق). و هو فنّ ظريف فائدته ضبط الأمن من ظنّ سقوط شيء في اسناد المتأخر، و تفقّه الطالب في معرفة العالي و النازل، و الأقدم من الرواة عن الشيخ، و من به ختم حديثه، و تقرير حلاوة علو الاسناد في القلوب على حدّ تعبير السخاوي في شرح الألفية: 183/3، و سبقه السيوطي في تدريب الراوي: 263/2.

على الآخر. قال في البداية: و أكثر ما وقفنا عليه في عصرنا من ذلك ست و ثمانون سنة، فان شيخنا المبرور نور الدين علي بن عبد العالي الميسي، و الشيخ الفاضل ناصر بن ابراهيم البويهي(1) الاحسائي، كلاهما يروي عن الشيخ ظهير الدين بن(2) محمد بن الحسام، و بين وفاتيهما ما ذكرناه، لأن الشيخ ناصرا البويهي توفى سنة اثنتين و خمسين و ثمانمائة، و شيخنا توفى سنة ثمان و ثلاثين و تسعمائة. و أكثر ما بلغنا قبل ذلك من طرق الجمهور ما بين الروايتين(3) في الوفاة مائة و خمسون سنة، فان الحافظ السلقي(4) سمع منه أبو علي البرداني(5) أحد مشايخه حديثا، و رواه عنه و مات على رأس الخمسمائة(6) ثم كان آخر

ص: 313


1- في درايتنا: البرهمي، و الصحيح ما أثبتناه.
2- لا توجد في نسختنا: بن.
3- في الدراية للشهيد: الراويين، و هو الظاهر.
4- لا توجد في نسختنا: السلقي، و في نهاية الدراية: السلعي، و الصواب هو: السلفي، و هو ابو طاهر صدر الدين احمد بن محمد بن سلفة - بكسر السين و فتح اللام - (478-576 ه). حافظ محدث، له جملة تعاليق و امالي و معاجم، انظر: مرآة الزمان: 361/8، الاعلام: 209/1 و غيرهما.
5- البرداني: ينسب الى بردان - بضم الباء - قرية على سبعة فراسخ من بغداد، و موضع بالكوفة، و قيل بالفتح، قرية فوق بغداد. معجم البلدان: 6/1-375، مراصد الاطلاع: 179/1 و عدّوا لها مواضع عديدة، و يشكل الجزم بواحد منها له، لوجوده في أكثر من مكان، فلاحظ.
6- و قيل: وفاته في جمادى كما قاله ابن السمعاني و تبعه ابن الاثير، أو شوال كما جزم به الذهبي سنة ثمان و تسعين و أربعمائة، كما حكاه في فتح المغيث: 185/3.

أصحاب السلقي(1) بالسماع سبطه أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي و كانت وفاته سنة خمسين و ستمائة(2)، و غالب ما يقع من ذلك أن المسموع منه قد يتأخر بعد أحد الراويين عنه زمانا حتى يسمع منه بعض الأحاديث و يعيش بعد السماع منه دهرا طويلا، فيحصل من مجموع ذلك نحو هذه المدة(3).

قلت: من أمعن النظر فيما ذكره علم أن المراد في المقام تمييز رواية السابق و اللاحق، لا رواية السابق عن اللاحق، فهو وصف روايتين لا رواية واحدة، و فائدة تمييز ذلك تبين كون السابق عالي السند بالنسبة الى المتأخر، بناء على ما مر في تفسير عالي السند من كونه أحد أقسامه الخسيسة، فلاحظ و تدبّر(4).

و منها:

36 - المطروح:

و هو على ما في لب اللباب(5): ما كان مخالفا للدليل القطعي،

ص: 314


1- الصواب كما قلناه: السلفي، و ما قيل من: السلعي، أو السلقي غلط.
2- ذكر هذا في تدريب الراوي: 264/2 عن شيخ اسلامهم ابن حجر، و كذا في فتح المغيث: 184/3 و غيرهم.
3- البداية: 8-127 بتصرف، و نقل السخاوي أمثلة كثيرة في شرح الألفية: 6/3-183. قال في التدريب: 3/2-262: للخطيب فيه كتاب حسن سماه: السابق و اللاحق.
4- انظر: مستدرك رقم (111) فوائد حول السابق و اللاحق.
5- لب اللباب: 14 - خطي - حسب ترقيمنا.

و لم يقبل التأويل(1).

و منها:

37 - المتروك:

و هو ما يرويه من يتهم بالكذب، و لا يعرف ذلك الحديث الا من جهته، و يكون مخالفا للقواعد المعلومة، و كذا من عرف بالكذب في كلامه و إن لم يظهر منه وقوعه في الحديث(2).

ص: 315


1- أقول: لم يذكر هذا النوع قبل الذهبي أحد، و قد جاء من قولهم: فلان مطروح الحديث، و هو دون الضعيف و أرفع من الموضوع - ان عدّ الموضوع حديثا -، و قالوا: انه يروي في الأجزاء كثيرا، و كذا في بعض المسانيد الطوال.. و قد وجدناه في صحاحهم ايضا. قال السخاوي في آخر بحث الموضوع في فتح المغيث: 252/1 - بعد ذكره -: و هو غير الموضوع جزما، و قد اثبته الذهبي نوعا مستقلا و عرفه بأنه: ما نزل عن الضعيف و ارتفع عن الموضوع، و مثل له لحديث [الظاهر: بحديث] عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحسن عن علي... الى آخره، و حكى عن شيخه انه هو المتروك في التحقيق. أقول: المطروح عندنا و عند العامة بمعنيين، يظهران بالتأمل، فتأمل.
2- لم يتعرض له الأكثر، إلا أنه عرّف في كتب العامة الدرائية بكونه: الحديث الذي يرويه متهم بالكذب في الحديث النبوي أو كذاب في كلامه، أو من ظهر فسقه بالفعل أو بالقول، أو من فحش غلطه و كثرت غفلته و الوهم عليه. لاحظ: تدريب الراوي: 295/1، شرح نخبة الفكر: 19، علوم الحديث: 207، معرفة علوم الحديث: 57، شرح الألفية: 252/1، و غيرها. و هو أنزل مراتب الضعيف ان لم يعدّ الموضوع، و الحق ان عدّه و الذي قبله من أقسام الحديث المشترك غلط شائع، و الأولى عدّه من أقسام الحديث الضعيف خاصة، فلاحظ. هذا، و قد ذهب البعض كالشيخ طاهر الجزائري أن المطروح و المتروك مترادفان و لا فرق بينهما لغة و لا اصطلاحا، و قد تبع في ذلك ابن حجر في شرح النخبة: 19، الا ان الأكثر ميز بينهما.

و منها:

38 - المشكل:

و هو ما اشتمل على ألفاظ صعبة لا يعرف معانيها الا الماهرون، أو مطالب غامضة لا يفهمها الاّ العارفون(1).

و منها:

39 - النص:

و هو ما كان راجحا في الدلالة على المقصود، من غير معارضة الاقوى أو المثل(2).

و منها:

40 - الظاهر:

و هو ما دلّ على معنى دلالة ظنية راجحة، مع احتمال غيره،

ص: 316


1- كذا عرّفه الأسترآبادي في لب اللباب: 14 - خطي -، و قد أفرده بالتصنيف فيه من الخاصة جماعة منهم السيد عبد اللّه شبر في كتابه: مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار، و سبقه النراقي في كتابه مشكلات العلوم، و من العامة جماعة كالطحاوي و الخطابي و ابن عبد البر و غيرهم. و هو من أقسام المتن خاصة.
2- لب اللباب: 14 - خطي -. و تفصيله في الأصول، و كذا ما بعده.

كالألفاظ التي لها معان حقيقية إذا استعملت بلا قرينة تجوّزا، سواء كانت لغوية أو شرعية أو غيرها، و منه المجاز المقترن بالقرينة الواضحة، على ما أشرنا اليه سابقا.

و منها:

41 - المؤول:

و هو اللفظ المحمول على معناه المرجوح بقرينة مقتضية له عقلية كانت أو نقلية(1).

و منها:

42 - المجمل:

و هو ما كان غير ظاهر الدلالة على المقصود(2).

و الأجود تعريفه بأنه: اللفظ الموضوع الذي لم يتضح معناه، الذي من شأنه أن يقصد به بحسب قانون الاستعمال عند المتحاورين باللغة التي هو منها، و ما في حكمه مما هو موضوع.

و منها:

ص: 317


1- و عرفه في لب اللباب: 14 بقوله: هو ما كان ظاهره مخالفا للدليل القطعي و نحوه، فينصرف عن ظاهره.
2- كذا عرفه في لب اللباب: 14 خطي. ثم قال: سواء كان من كل جهة أو من بعض جهته [كذا، و الظاهر جهاته]. انظر مستدرك رقم (112) حصيلة الأقسام الأخيرة.

43 - المبين:

و هو ما اتضحت دلالته و ظهرت.

الى غير ذلك من الأقسام(1).

و إنما أجملنا الكلام في النص و ما بعده، لشرحهم لها مستوفى [كذا] في كتب الأصول، مضافا الى كون هذه أوصاف مطلق اللفظ في الكتاب كان أو في السنة، و إنما غرضنا في هذا الكتاب بيان الألفاظ المخصوصة بالسنة، و إنما ذكرناها في عداد الألفاظ اجمالا، تبعا لبعض أهل الدراية، لكن يتجه عليه انه إذا كان قد عدّ المجمل و المبيّن فما باله ترك عد المطلق و المقيد و العام و الخاص. و لا يرد مثل ذلك علينا في عدّ المحكم و المتشابه، لأن التشابه في السند بالخصوص مصطلح، فأشرنا الى المحكم و المتشابه متنا تبعا له، فلا تذهل.

***

ص: 318


1- لاحظ مستدرك رقم (113) فهرست ما أدرج من الأنواع غير ما ذكره المصنف (قدس سره) و هي اكثر من أربعين نوعا.

المقام الثاني في الألفاظ المستعملة في وصف خصوص الحديث الضعيف

اشارة

المقام الثاني في الألفاظ المستعملة في وصف خصوص الحديث الضعيف(1)

فمنها:

1 - الموقوف :

اشارة

1 - الموقوف(2):

ص: 319


1- و الأنواع له كثيرة، و مرجع الضعف أحد أمرين: اما لعدم اتصال السند أو غيره، و من الأول المرسل و الموقوف و المعضل و المنقطع و التدليس السندي. و من الثاني: المهمل و المضعّف و المجهول و المقلوب و المضطرب و الموضوع - ان عدّ حديثا -. و عدّ في أصول الحديث: 337 و ما بعدها، من النوع الأول الشاذ و المنكر و المتروك و المطروح و المعلّل التي قد مرّ كونها من الألفاظ المشتركة، و لا يخلو هذا الوجه في الجملة من الصحة على بعض المباني، كما مرت الاشارة اليه سابقا.
2- الوقف لغة: السكون، و منه يقال وقف القاري على الكلمة اذا نطق بها مسكّنة الآخر قاطعا لها عما بعدها، لسان العرب: 359/9-362، القاموس: 205/3، تاج العروس: 368/6، المصباح المنير: 922/2، النهاية: 216/5، مجمع البحرين: 130/5، قال في معجم مقاييس اللغة: 135/6، و أصله يدل على تمكث في شيء و غيرهما. و قد عدّه جمهور المحدثين من القدماء من الأقسام المشتركة دون خصوص الضعيف، كما في تدريب الراوي: 184/1 و غيره.

و هو قسمان: مطلق و مقيّد:

فالأول:

هو ما روى عن مصاحب المعصوم من النبي (صلى اللّه عليه و آله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) من قول أو فعل أو تقرير، مع(1) الوقوف على ذلك المصاحب، و عدم وصل السند الى المعصوم (عليه السلام)(2)، من غير فرق بين كون سنده متصلا أو منقطعا(3).

و الثاني:

هو ما روى عن غير مصاحب المعصوم (عليه السلام) مع الوقوف على ذلك الغير، مثل قوله: وقفه فلان على فلان، إذا كان

ص: 320


1- خ. ل: من، و الظاهر ما أثبتناه.
2- و يسمى الراوي موقوفا عليه كما يسمى الحديث موقوفا، كقول جابر بن عبد اللّه: كنّا نعزل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم. قال الخطيب في الكفاية: 58 ما أسنده الراوي الى الصحابي و لم يجاوزه. و قريب منه كل من عرّفه من العامة كابن الصلاح في المقدمة: 123، و الهندي في تذكرة الموضوعات: 5، و غيرهم. و في القوانين: 487 مثله بتبديل اسناده الى المعصوم عليه السلام.
3- صحيحا كان أو غيره، و اشترط البعض - كما في اصول الحديث 380 - كونه متصل الاسناد الى الصحابي غير منقطع و الاكثر خلافه. و يظهر من ابن الصلاح في المقدمة: 123 تقسيمه الى قسمين: منه ما يتصل الى الاسناد فيه الى الصحابي فيكون من الموقوف الموصول، و منه ما لا يتصل اسناده فيكون من الموقوف غير الموصول. اقول: الوقف على الصحابة و عدمه جاء في كلمات علماء العامة القائلين - اكثرهم - بعدالة الصحابة، و به ميّزوا الموقوف عن المقطوع في الحجية و عدمها، و الكل عندنا مشترك في عدم الحجية.

الموقوف عليه غير مصاحب(1).

و كيف كان فالأكثر على أن الموقوف ليس بحجة و إن صح سنده، لأن مرجعه الى قول من وقف عليه، و قوله ليس بحجة(2).

و قيل بحجيته مع صحة السند لافادته الظن الموجب للعمل.

و فيه منع افادته الظنّ مطلقا، و لو سلّم فلا دليل على حجيته(3) مثل هذا الظن. نعم لو وصل الى حد الاطمئنان بصدور الحكم من المعصوم (عليه السلام) كان حجة. و أين ذلك من مدعي

ص: 321


1- و لا يستعمل الا بالقيد و عليه فينصرف لفظ الموقوف المطلق الى الأول. هذا و لو كان الوقف على التابعي سمي الحديث مقطوعا كما سيأتي.
2- انظر: مستدرك رقم (114) نقل كلام السيد حسن الصدر في نهاية الدراية. و عليه أكثر الفقهاء كما في دراية الشهيد: 46 [البقال 137/1]، و كذا في الرواشح: 182، و سبقهم المحقق في المعتبر و الشهيد في الذكرى: 4 و صاحب المعالم و المدارك و غيرهم. و كذا في قواعد التحديث: 130 و غيره من العامة. راجع مستدرك رقم (115) حجية الموقوف.
3- كذا و الظاهر: حجية.

الخصم ؟!(1)

تنبيهات
الأولى: قد يطلق على الموقوف الأثر

الأول:

انه قد صرح جمع(2) بأنه قد يطلق

الموقوف(3) عند بعض الفقهاء على الموقوف: الأثر، إذا كان الموقوف عليه

ص: 322


1- و لهم قول ثالث: و هو ان الموقوف بحكم المراسيل اثباتا و نفيا، و يجري عليه حكمها، كما ذكره المصنف و نسبه الى بعض الأجلة. و استدل للمسألة و حققها في قواعد الحديث: 227-229. فلاحظ. هذا و ان امكن اجراء حكم المضمرة على الموقوفة فيما لو احرز كون الراوي ممن لا يأخذ الحكم الا من المعصوم عليه السلام امكن القول بالحجية، كما هو ظاهر عند من يقول بها. قال السيد في المحصول و حكاه السيد في نهاية الدراية: 48: و يكفي في ذلك ان يروي عن الراوي من لا يرجع الى غير المعصوم عليه السلام كابن أبي عمير، و زرارة، و غيرهما، بل الظاهر في كل وقت يقع في كتب الحديث ذلك و الا لم يذكره المحدثون مسندا بصورة الرواية، فانه ضرب من التدليس منهم، كأنّ عدم ذكر المروي عنه انما وقع من صاحب الأصل السابق كاصل ابن أبي عمير أو من الجامع اللاحق كأصحاب الكتب الأربعة أو من بينهما من الرواة.
2- منهم ثاني الشهيدين في درايته: 45 [البقال: 135/1]، ذكرى الشهيد: 4، فتح المغيث: 103/1، مقدمة ابن الصلاح: 123، الكفاية: 21، معرفة علوم الحديث: 19، تدريب الراوي 109/1، اصول الحديث: 380، و غيرهم كثير، و نسب الى فقهاء خراسان، و لا شك انه خروج عن المصطلح، لما سيأتي.
3- الظاهر: الموقوف زائدة.

صحابيا للنبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)، و يطلق على الخبر المرفوع(1)و المعضل(2)، و لكن أهل الحديث يطلقون الأثر عليهما، و يجعلون الأثر أعم منه مطلقا كما مرّ، و صرح بعض الأجلة بأن الموقوف من أقسام المرسل(3)، فيجري عليه ما يأتي من حكمه.

الثانية: قول الصحابي: كنّا نفعل كذا أو...

الثاني:

انه قال جمع من علماء الدراية و الحديث(4) إذا قال الصحابي:

كنا نفعل كذا و نقول كذا أو... نحوه(5)، فاما أن يطلقه و لا يقيده بزمان، أو يقيده و لكن لا يضيفه الى زمانه (صلى اللّه عليه و آله

ص: 323


1- الظاهر: و يطلق على المرفوع الخبر، او و يطلق الخبر على المرفوع و هو سهو من قلمه الشريف او الناسخ، و قد يكون من المحتمل ان مراده ان الموقوف يطلق على الخبر المعضل و المرفوع.
2- لم يقل احد: المعضل، و عبارة الشهيد الثاني: و المفصّل لذلك بعض الفقهاء و لعل نسخة المصنف طاب ثراه مصحفة بدل المفصل: المعضل، فتدبر.
3- و مراده غالبا من بعض الأجلة هو المولى ملا علي كني في توضيح المقال: 57، و قد سبقه السيد في رواشحه كما يظهر من كلامه في صفحة: 170، و فصّل القول فيه صفحة: 180، فراجع.
4- كما في تدريب الراوي تبعا لتقريب النووي: 185/1، و ابن الصلاح في مقدمته: 19 [عائشة: 126] تبعا للخطيب في كفايته: 21 و غيرهم، و العبارة للأول هنا، و نظيره في وصول الأخيار: 105 بتبديل الصحابي بالراوي، و النبي بالمعصوم (عليه السلام).
5- أو كنا نرى أو كان يقال كذا في عهده أو يؤكل أو.. الى آخره من الألفاظ المفيدة للتكرار و الاستمرار.

و سلّم)، أو لا يطلقه بل يضيفه الى زمانه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) فعلى الأولين فهو موقوف، لأن ذلك لا يستلزم اطلاع النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) عليه، و لا أمره به، بل هو أعم، فلا يكون مرفوعا على الأصح، خلافا للرازي و الآمدي(1) و الحاكم(2)، فجعلوه من المرفوع بالمعنى الثاني، و هو خطأ.

و على الثالث فان بين اطلاعه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) عليه و عدم انكاره، فهو مرفوع بلا شبهة، بل - في البداية -: ان عليه الاجماع(3) يعني الاتفاق، لا الاجماع المصطلح في الفقه، و إن لم يبين اطلاعه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) و عدم انكاره، ففي كونه من الموقوف مطلقا، أو من المرفوع كذلك، أو التفصيل بين كون الفعل مما لا يخفى غالبا و غيره، بكون الأول مرفوعا، و الثاني موقوفا(4)، وجوه:

ص: 324


1- الأحكام للآمدي: 135/2.
2- معرفة علوم الحديث للحاكم: 19، و صرّح بهم و بغيرهم السخاوي في فتح المغيث: 114/1 و غيره.
3- البداية: 46 [البقال: 136/1]، و حكاه عن الخلاصة في أصول الحديث: 65، و ظاهر ذلك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم اطلع على ذلك و أقرّهم عليه.
4- و هنا قول رابع بالتفصيل بين ما كان ذلك الفعل مما لا يخفي غالبا فمرفوع و الا فموقوف، نسب الى أبي اسحاق الشيرازي و قاله ابن السمعاني، و حكي عن آخرين، و لعلّه يظهر من كلمات المصنف قدس سره. و لهم قول خامس و هو ما إذا أورده في معرض الاحتجاج فمرفوع، و إلا فموقوف، حكاه القرطبي. و قول سادس: و هو انه ان كان قائله من أهل الاجتهاد فموقوف، و إلا فمرفوع. و سابع الأقوال: الفرق بين كنّا نرى و كنّا نفعل، بأن الأول مشتق من الرأي فيحتمل أن يكون مستنده تنصيصا و استنباطا... و غير ذلك. راجع تفصيل المسألة في فتح المغيث: 114/1 و ما بعدها و غيره، و لا حاجة لنا في ايراد التفاصيل. اقول: اذا جاء عن التابعي كنّا نفعل أو ما في معناه فليس بمرفوع قطعا و لا بموقوف ان لم يضفه الى زمن الصحابة، بل هو مقطوع - كما سيأتي -، نعم ان اضيف احتمل الوقف لأن ظاهر اصطلاحهم على ذلك، و يحتمل قويا عدمه - على مذهبهم - لما قيل من أن تقرير الصحابي لا ينسب اليه بخلاف تقريره صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و حكم الكل عندنا واحد، و الاجماع عاضد.

للأول: منها - الذي عليه أبو بكر الاسماعيلي(1) - ان فعلهم أعم من اطلاعه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) و تقريره، فيكون الخبر موقوفا.

و للثاني: الذي عليه جمع من الاصوليين و أهل الحديث(2)، ان

ص: 325


1- كما صرح به السيوطي في التدريب: 186/1. و أبو بكر الاسماعيلي، هو محمد بن اسماعيل بن مهران النيسابوري المعروف بالاسماعيلي، من حفاظ الحديث، انظر لسان الميزان: 81/5 و الاعلام: 259/6، و غيرهما.
2- الكفاية: 21، مقدمة ابن الصلاح: 19، فتح المغيث للسخاوي: 59/1، و جامع الاصول: 65/1، شرح النخبة لابن حجر: 30 و غيرهم. و العبارة لثاني الشهيدين في البداية: 46 [البقال 136/1].

الظاهر كونه اطلع عليه فقرّره، فيكون مرفوعا، بل ظاهر قوله: كنّا نفعل أو نقول، ان جميع الصحابة كانوا يفعلون، لأن الصحابي إنما ذكر هذا اللفظ في معرض الاحتجاج، و إنما يصح الاحتجاج إذا كان فعل جميعهم، لأن فعل البعض لا يكون حجة(1).

و نوقش في ذلك بأنه لو كان فعل جميع الصحابة، لما ساغ الاختلاف بالاجتهاد، لامتناع مخالفة الاجماع، لكنه ساغ، فلا يكون فعل جميع الصحابة.

و أجيب بأن طريق ثبوت الاجماع ظني، لأنه منقول بطريق الآحاد، فيجوز مخالفته، و هذا مبني على امكان الاجماع في زمانه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)، و فيه خلاف، و إن كان الحق جوازه من باب الكشف عن رأي الرئيس.

و للثالث: ظهور تقريره فيما لا يخفى غالبا، فيلحقه بالمرفوع.

و عدم ثبوت تقريره فيما يخفى في الغالب، و الأصل عدم تحقق تقريره، فيلحق بالموقوف، و هذا أقرب(2). و مما ذكر ظهر الحال في

ص: 326


1- قاله في البداية: 46 [البقال: 136/1]. و هذا هو أصح القولين عند الاصوليين.
2- كما نبّه عليه والد الشيخ البهائي في درايته: 91. و قد قطع الشيخ ابو اسحاق الشيرازي بذلك، أما لو كان في الخبر تصريح باطلاعه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و اقرارهم عليه فمرفوع. و من الأحاديث المرفوعة الروايات التي ذكرت صفات النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و شمائله و سلوكه و غيرها، هذا اذا أضيف الى زمن الصحابة. و لا يخفى أن قولهم: كانوا يفعلون و أشباهه لا يدل على فعل جميع الأمة، بل البعض، لأن الجزئية هي المتيقنة من المهملة، فلا حجية، فتدبر.

قول الصحابي: كنّا لا نرى بأسا بكذا في حياة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)، أو و هو فينا، أو هو بين أظهرنا، أو كانوا يقولون أو يفعلون أو لا يرون بأسا بكذا في حياته (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)(1).

الثالثة: قول الصحابي أمرنا بكذا و نهانا عن كذا

الثالث: ان قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهانا (2) عن كذا، أو من السنة كذا(2)، أو أمر بلال(3) أن يشفع

ص: 327


1- و من هذا القبيل قول الصحابي: كنّا لا نرى بأسا بكذا و رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فينا، أو كان يقال كذا و كذا على عهده، أو يفعلون كذا في حياته .. و أشباه ذلك مما عدّه ابن الصلاح في المقدمة: 126 من المرفوع المسند، و لا يخلو ما فيه. الأمر و النهي هنا مبنيان للمفعول.
2- لا يخفى ان ظاهر اطلاقهم للفظ: السنة هو سنته صلى اللّه عليه و آله و سلّم لا يريدون غيرها، و أما عدم نسبتها اليه صلى اللّه عليه و آله و عدم الجزم بذلك فلعله من باب التورع و الاحتياط. قال ابن الصلاح في المقدمة: 127: و هكذا قول الصحابي من السنة كذا، فالأصح أنه مسند مرفوع لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و ما يجب اتباعه، فتأمل.
3- كذا، و إذا كان الفعل: أمر نقول: بلالا، إلا إن يكون على نحو الاخبار.

الأذان(1) و.. ما أشبه ذلك من المرفوع بالمعنى الثاني عند الجمهور(2)، لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره الى من له الأمر و النهي، و من يجب اتباع سنته و هو رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)، و لأن مقصود الصحابي بذلك بيان الشرع لا اللغة و لا العادة و الشرع يتلقى من الكتاب و السنة و الاجماع، و لا يصح أن يريد أمر الكتاب لكون ما في الكتاب مشهورا يعرفه الناس، و لا الاجماع؛ لأن المتكلم بهذا من أهل الاجماع، و يستحيل أمره نفسه، فتعين كون المراد أمر الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم)، و بذلك ظهر سقوط ما عن بعضهم من الحاقه بالموقوف مطلقا نظرا الى احتمال أن يكون الآمر و الناهي غيره (صلى اللّه عليه و آله و سلم)، فان فيه سقوط الاحتمال لبعده(3).

ص: 328


1- كما في التهذيب: 9 - باب الصيد و الذباحة - حديث: 170.
2- كما قاله السيوطي في تدريبه: 188/1، و تبعه في أصول الحديث: 381، و فتح المغيث: 107/1، و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة 127، و قال: و هو قول أكثر أهل العلم و غيرهم. و قيل: ليس بمرفوع، و لا فرق بين قوله في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم او بعده، قاله صلوات اللّه و سلامه عليه في مقام الاحتجاج أم لا، تأمر عليه غير النبي أم لا، كبيرا كان أو صغيرا. و يؤيد الأول كثرة استعمال السنة في الطريقة.
3- و كذا اذا قال الراوي عند ذكر الصحابي يرفعه أو ينميه أو يبلغ به، فكل هذا و نحوه له حكم الرفع، و إذا قيل عن التابعي يرفعه أو سائر الألفاظ المارة فمرفوع مرسل. كما صرح به غير واحد كابن الصلاح في المقدمة: 129 و غيره. و نسب الى الحاكم كونه من المسند، بل ادعى عليه عدم الخلاف! و هذا عجاب، و لهم كلام في المسألة لاحظ فتح المغيث: 107/1-113 و 120-127، و الغزالي في المستصفى: 129/1 و غيرهما.
الرابعة: تفسير الصحابي لآيات القرآن

الرابع: انهم اختلفوا في تفسير الصحابي لآيات القرآن، فقيل: هو من الموقوف، لأصالة عدم كون تفسيره رواية عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) بعد جواز التفسير، للعلم بطريقه من نفسه(1). و قيل: هو من المرفوع(2)، لأن الظاهر ابتناء تفسيره على مشاهدته الوحي و التنزيل، فيكون تفسيره رواية عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم). و ضعفه ظاهر، لأعمية التفسير من كونه بعنوان الرواية عنه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)(3).

و قيل: بالتفصيل بين التفسير المتعلق بسبب نزول الآية يخبر به الصحابي، مثل قول جابر: «كانت اليهود تقول من أتى امرأة(4) من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل اللّه تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ (5)، و بين غيره مما لا يشتمل على

ص: 329


1- اختار هذا القول ثاني الشهيدين في درايته: 45 [6/1-135] و استند في ذلك الى الأصل، و أضاف: لجواز التفسير للعالم بطريقة من نفسه، فلا يكون ذلك قادحا.
2- و عليه جمهور العامة، راجع المصادر السابقة، و ذهب اليه الحاكم في المستدرك. و اختاره في وصول الأخيار: 91 و قال: و هو قريب اذا كان مما لا دخل للاجتهاد فيه كشأن النزول و نحوه، و إلا فهو موقوف. و هو القول بالتفصيل - الآتي - ظاهرا.
3- و العام لا يدل على الخاص بأحد الدلالات الثلاث.
4- امرأته: خ. ل.
5- البقرة: 223. و الرواية جاءت في تفسير الصافي: 66 ذيل الآية 222 من سورة البقرة، و كذا البرهان في تفسير القرآن: 214/1 حديث 5 عن التهذيب باسناده الى الرضا عليه السلام، باختلاف يسير، و في ذيلها: من خلف أو قدام خلافا لقول اليهود.. الحديث، و بهذا المضمون روايات بطرق العامة انظر تفسير الطبري: 393/2 و غيره.

إضافة شيء الى الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) بكون الأول من المرفوع، و الثاني من الموقوف، لعدم إمكان الأول الا بالأخذ عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) باخباره بنزول الآية بخلاف الثاني(1).

و منها:

2 - المقطوع:

و هو الموقوف على التابعي(2) و من في حكمه - و هو تابع مصاحب

ص: 330


1- حيث قالوا: ان هذا مما لا يمكن ان يؤخذ به الا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و لا مدخل للرأي فيه، و أما ما كان للرأي مدخل فيه و قد خلا من القرينة الدالة على رفعه فكله موقوف، و كذا الروايات الواردة في أسباب النزول كلها من المرفوع، كل هذا اذا لم يذكر ما يدل على انه أخذ منه صلوات اللّه و سلامه عليه. و أول من نعرف اختيارا لهذا التفصيل هو النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في شرحه: 193/1. انظر مستدرك رقم (116) تفصيل رابع في المسألة و أقوال أخر. و مستدرك رقم (117) تعارض المرفوع و الموقوف.
2- أو من دونه، كما صرح به البعض كالقاسمي في قواعده: 130، و المشهور - كالمصنف رحمه اللّه - و ابن الصلاح في المقدمة: 125 - اقتصر عليه، و منهم من عرفه ب: ما جاء عن التابعين، كما في تذكرة الموضوعات: 5 و غيره.

النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم). أو الامام (عليه السلام) - قولا له أو فعلا. و يقال له: المنقطع أيضا(1)، فهما بمعنى(2). و الفرق بينهما و بين الموقوف بالمعنى الأول؛ ان ذلك يوقف على مصاحب المعصوم، و هذا على تابع المصاحب. و هما أخص من الوقوف بالمعنى الثاني، لأن ذلك يشمل الوقوف على غير التابعي، بخلاف هذين، فانهما مختصان به(3). و ربما حكي في البداية(4) اطلاق المقطوع على الموقوف بالمعنى الثاني أيضا. و حكى اكثر الفقهاء (رضي اللّه عنهم) اطلاقه على ذلك، فيكونا حينئذ مترادفين(5).

و كيف كان فالمقطوع ليس بحجة، لعدم اتصال الخبر الى

ص: 331


1- كما استعمله الشافعي ثم الطبراني، حيث انقطع و لم يتصل اسناده، و كذا في كلام ابي بكر الحميدي، و الدارقطني كما صرح بذلك في تدريب الراوي: 194/1، و فتح المغيث 106/1، و نسبه الى بعض أهل الحديث في الكفاية: 59، و القوانين: 487، و دراية الدربندي: 8 - خطي -، و عدّه قسما من المرسل، و قاله في البداية: 47 [البقال: 138/1] و حكاه في الهامش عن الباعث الحثيث: 46، و غيرهم.
2- الظاهر انهما ليسا بمعنى واحد، بل اني أفردت المنقطع بالذكر. انظر مستدرك رقم (118) المنقطع.
3- و كذا اذا حكي عن التابعي قوله: أمرنا بكذا.. أو نهينا عن كذا.. أو من السنة.. كذا، قيل: انه بحكم المرسل، و عن آخرين: فيه احتمالان: اما أنه موقوف، أو مرسل مرفوع.
4- البداية: 47 [البقال: 138/1].
5- قال في وصول الأخيار: 91: و أصحابنا لم يفرقوا بينه و بين الموقوف فيما يظهر من كلامهم - أي في عدم الحجية -، و الا فهما اثنان بالوجدان اصطلاحا، كما لا يخفى.

المعصوم، و عدم حجية قول التابعي من حيث هو و لا فعله(1)، نعم لو كان التابعى معصوما كمولانا السجاد (عليه السلام) - حيث يعدّ من التابعين - كان حجة، و خرج عن الفرض، كما هو ظاهر(2).

و منها:

3 - المضمر :

3 - المضمر(3):

و هو ما يطوى فيه ذكر المعصوم (عليه السلام) [عند انتهاء

ص: 332


1- بل هو أسوأ حالا من المرسل، كما صرح بذلك في علوم الحديث: 170 و غيره، و هو كذلك، بل عندي ان في عدّه من أنواع الحديث تسامحا فاحشا!.
2- و حكى البلقيني في محاسن الاصطلاح - حاشية المقدمة: 125 - عن الحاكم قوله - بعد تعريف المقطوع -: فيلزم كتبها و النظر فيها ليختبر من أقوالهم و لا يشذّ عن مذاهبهم. انظر مستدرك رقم (119) المقطوع من الوقف، و المنقطع في الوقف. و مستدرك رقم (120) فوائد عشرة حول المقطوع و المنقطع.
3- الاضمار: لغة الاخفاء، فيقال: أضمر الضمير في نفسه إذا أخفاه، و أضمرت الأرض الرجل اذا غيبته، و أضمرت في ضميري شيئا غيبته في قلبي، انظر لسان العرب: 493/4، القاموس المحيط: 76/2، تاج العروس: 352/3، النهاية: 99/3، معجم مقاييس اللغة: 371/3، مجمع البحرين: 374/3. و من هنا سمي الضمير من الأسماء ضميرا لخفائه، مقابل ظهور الاسم الظاهر، و حيث اخفى المسئول هنا فسميت الأحاديث مضمرة سواء بضمير بارز كقول الراوي: قلت له، سألته. أو المستتر مثل: قال، أجاب.. و أشباههما. ثم المضمر مصطلح خاص بالخاصة، لم تعرفه العامة و لم تعرّفه، فرضته غالبا ظروف سياسية معينة لتقية و نحوها.

السند اليه، بأن يعبر عنه (عليه السلام)](1) في ذلك المقام بالضمير الغائب، أما لتقية، أو سبق ذكر في اللفظ، أو الكتابة ثم عرض القطع لداع، و ذلك كما لو قال سألته، أو سمعته يقول، أو عنه أو.. نحو ذلك(2)، و هو كسابقيه في عدم الحجية. لاحتمال أن لا يكون المراد بالضمير هو المعصوم (عليه السلام)، نعم لو علم كون المراد به الامام (عليه السلام)، بأن سبق ذكره في الفقرة الاولى، و اقتصر في الفقرة الثانية على إرجاع الضمير اليه (عليه السلام) خرج ذلك عن عنوان الاضمار القادح، و ذلك مما كاد يقطع به المتتبع في مضمرات سماعة، و علي بن جعفر(3) و.. غيرهما، بل قال بعض المحققين (رحمه اللّه)(4): ان الاضمار إن كان من مثل زرارة و محمد

ص: 333


1- ما بين المعقوفتين من اضافات المصنف قدس سره في الطبعة الثانية.
2- و عرفه في الوجيزة: 4 بقوله: و مطوي ذكر المعصوم عليه السلام مضمر. و أحسن من عرفه السيد الموسوي في كفايته - خطي - قال: و هو ما أسند الى مجهول ظاهره المعصوم، كسألته، و قلت له، و قال.. و نحوها. ثم قال: و لهذه الحيثية دخلت الرواية في جنس الضعاف للجهل بالمسئول عنه و القائل.
3- في كتابه الموجود في قرب الاسناد و حكاه في البحار، بل كثيرا ما نجد ذلك في المجاميع الحديثية كالوسائل و غيرها، جاء من فعل المصنف بواسطة التقطيع أو طلبا للاختصار.
4- الظاهر المراد هو الميرزا حسين النوري في خاتمة المستدرك: الجزء الثالث و لا أذكر كلامه فعلا و محله، إلا أني بعد بحث وجدت العبارة للميرزا القمي في القوانين: 487، و لعل الميرزا النوري نقل عنه، و قد تعرض لبحث المضمر في وسائل الشيعة - الخاتمة -: 112/20-113. و كذا في منتقى الجمان: 8/1.

ابن مسلم و.. اضرابهما من الأجلاء، فالأظهر حجيته، بل الظاهر أن مطلق الموثقين من أصحابنا أيضا كذلك، لأن ظاهر حال أصحاب الائمة (عليهم السلام) أنهم لا يسألون إلا عنهم، و لا ينقلون حكما شرعيا يعمل به العباد الا عنهم، و إن سبب الاضمار أما التقية أو تقطيع الأخبار من الأصول، فانهم كانوا يكتبون في صدر سؤالاتهم سألت فلانا عن فلان كذا، و سألته عن كذا، فقال كذا و..

هكذا. ثم بعد تقطيعها و جمعها في الكتب المؤلفة صار مشتبها(1).

ص: 334


1- أو وجود القرينة المعينة للامام عليه السلام الذي صدر عنه الحكم عند نقل الراوي سواء كانت حالية أو مقالية. و يمكن القول بأنه لو كان هناك واسطة بين الراوي و الامام عليه السلام لذكرها، فاهمالها قرينة على عدمها، كما ان الأصل يقتضي العدم عند الشك فيها، و يؤيده بعض الأحاديث المروية المقطوعة في باب تجدها مسندة في باب آخر بلا واسطة و لا اضمار، و مع كل هذا فلا يرتفع الاحتمال و لم يثبت صدور الحكم عن المعصوم عليه السلام ليجب التعبد به. و الاضمار في حد نفسه مضعّف للحديث لاحتمال أن يكون المسئول غير الامام عليه السلام، فتدبر. قال في الرواشح: 164: و ربما يكون في قوة المصرحة اذ كانت دلالة القرائن الناطقة بالكناية عن المعصوم قوية. لاحظ مستدرك رقم (121) الاقوال في حجية الحديث المضمر. و مستدرك رقم (122) فائدة الفرق بين الموقوف و المضمر. و مستدرك رقم (123) نقل كلام السيد الموسوي في الكفاية في علم الرواية.

و منها:

4 - المعضّل:

4 - المعضّل:(1)

بفتح الضاد المعجمة، مأخوذ من قولهم أمر معضّل أي مستغلق شديد(2). و قد فسروه بأنه الحديث الذي حذف من سنده اثنان

ص: 335


1- قيل ان وجه تسميته بالمعضل من جهة كونه أشد استغلاقا و ابهاما من المنقطع، بل عد قسما من المنقطع و أخص منه كما صرح به غير واحد منهم، راجع: علوم الحديث: 170، و حكاه عن التوضيح: 327/1، و يقال له المنقطع أيضا كما صرح بذلك النووي في تقريبه و تبعه السيوطي في تدريبه: 211/1، و يسمى مرسلا عند الفقهاء، لأنه نوع من الارسال بالمعنى الأعم، كما سيأتي، الا أنه حكي عن الجوزجاني في أول موضوعاته - و قيل ابن الجوزي - انه قال: المعضل اسوء حالا من المنقطع، و المنقطع عندنا اسوء حالا من المرسل، و المرسل عندنا لا تقوم به الحجة. و لم يوجّه القول الا بوجه غير وجيه، فتدبر.
2- اقول: الأعضال لغة يدل على شدة و التواء في الأمر كما قاله في معجم مقاييس اللغة: 345/4 ثم قال: و منه الأمر المعضل و هو الشديد الذي يعي اصلاحه و تداركه... و المعضلات: الشدائد. و قال في النهاية: 2534/3، و أصل العضل: المنع و الشدة، يقال: أعضل بي الأمر: اذا ضاقت عليك الحيل، و انظر: لسان العرب: 3/11-451، تاج العروس: 21/8، القاموس المحيط: 16/4، المصباح المنير: 568/2، مجمع البحرين: 423/5، و غيرها. و قد ناقش السيد الداماد كلام ثاني الشهيدين في رواشحه: 172 هنا فقال: انه لا يطابق اللغة و لا يساعد عليه كلام ائمة العربية، لأن الأعضال المتعدي بمعنى الاعياء، و الذي معناه الاستغلاق و الاستبهام و الشدة و الصعوبة فهو لازم، يقال: أعضل بي الأمر اذا ضاقت عليك فيه الحيل.. الى آخر كلامه، و هو على حق بمراجعة المجاميع اللغوية و موارد الاستعمال، و لعله يشير إليه في مقدمة ابن الصلاح: 147 اذ قال: و هو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة. و للبلقيني في محاسن الاصطلاح - نفس الصفحة من المقدمة - فائدة جديرة بالملاحظة. و على كل، وجه الاستعارة ان المحدث الذي حدث به أعضله حيث ضيق المجال على من يوفيه اليه، و حال بينه و بين معرفة روايته بالتعديل أو الجرح، و شدّد عليه الحال، و يكون الحديث معضلا لاعضال الراوي له.

فأكثر(1). فلو حذف أقل من الاثنين لم يكن من المعضل، بل ان كان من أوله كان من أقسام المعلّق. و إن كان من آخره كان من اقسام

ص: 336


1- كما في مقدمة ابن الصلاح: 147 و نسبه الى الاكثر، هذا بشرط التوالي، أما اذا لم يتوال فهو منقطع من موضعين أو أكثر كما في علوم الحديث: 169، و شرح النخبة: 3، و فتح المغيث: 151/1، و غيرهم. هذا هو المشهور في تعريفه، الا ان المعضل منهم ما جعله ما يرسله تابع التابعي عن النبي (صلى اللّه عليه و آله) كما قاله الخطيب البغدادي في الكفاية: 58 و قال: و هو اخفض مرتبة من المرسل. و عن بعض المحدثين: قول المصنفين من الفقهاء قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كذا.. و كذا من المعضل، لأن بين هؤلاء المصنفين و الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم راويين و أكثر، و لأن جل الفقهاء كانوا بعد عصر التابعين - كما في تدريب الراوي: 211/1، و كذا أصول الحديث: 34، معرفة علوم الحديث: 36. و في وصول الأخيار: 93، و اختصار علوم الحديث: 55 - ان من العامة من جعل سقوط اكثر من واحد بين قول كبراء التابعين قال رسول الله كذا مثلا و بينه مقطوع، و ان سقط اثنان فهو المنقطع، و ان سقط أكثر فهو المعضل. ثم ان الشيخ البهائي في الوجيزة: 4 خصّ موضع السقوط بالوسط، و قيل: الغالب استعماله فيما يكون ذلك السقوط في وسط السند، حتى اذا كان في أحد الطرفين كان قسما من أقسام المرسل لا مقطوعا و لا معضلا، و عمّمه والده الشيخ حسين العاملي في درايته بين ما لو كان موضع السقوط الوسط أو الطرفان، و أطلقه في البداية، و الأكثر كالمصنف، و خصّ البعض كالهندي في تذكرة الموضوعات: 5 كون المعضّل: ما سقط من سنده اثنان خاصة. و في نهاية الدراية: 54 لم يشترط الوسطية و لا الاثنينية بل قال بلا بديّة سقوط البعض و لكن في محل واحد، فلو كان في موضعين لكان منقطعا لا معضلا، و قد مرّ منا تفصيل في المنقطع، و الكلمات هنا و هناك مضطربة جدا، فتدبر. للتوسعة في المعضل و أقسامه لاحظ معرفة علوم الحديث: 36-39، فتح المغيث: 151/1-154.

المرسل. فالمعضل مقابل المعلق، و أخص من المرسل(1)، و لذا ذكره في البداية في طي الكلام على المرسل(2). و حال المعضل حال المضمر و المرسل و المعلق في عدم الحجية، إلا مع احراز من سقط منه اسما و وثاقة.

و في النفس هنا اشكال على ثاني الشهيدين (رحمهما اللّه) حيث ذكر المعلق في طي العبارات المشتركة بين الأقسام الأربعة، و ذكر المرسل و المعضل في طي العبارات المختصة بالضعيف، مع اشتراك الجميع في الحجية(3)، و عدم المنافاة للصحة ان عرف الساقط اسما و وثاقة، و عدم الحجية مع المنافاة للصحة و أخويها إن لم يعلم الساقط، فما وجه التفريق بينها؟ الا أن يعتذر عنه بأن اسقاط عدّة من رجال أول الأسانيد مع التصريح بالساقط، في(4) آخر الكتاب

ص: 337


1- بل عدّه ابن الصلاح في المقدمة: 147 لقب لنوع خاص من المنقطع، و قال: فكل معضل منقطع و ليس كل منقطع معضلا، ثم قال: و قوم يسمّونه مرسلا.
2- البداية: 47 [البقال: 140/1] و قد أخذه من ذكرى الشهيد الأول: 4.
3- لو قيل: مع اشتراك الجميع في الملاك و عدم الحجية، كان أولى.
4- الموجود في الطبعة الثانية: و في، و هو خلاف الظاهر.

لما(1) صدر من الصدوق و الشيخ (رحمهما اللّه) فكان جميع ما روياه من المعلق، فلذا عدّ ذلك في الألفاظ المشتركة بين الأقسام الأربعة، لكنه كما ترى ليس عذرا موجها. و الأمر سهل بعد وضوح المراد(2).

و منها:

5 - المرسل :

اشارة

5 - المرسل(3):

بفتح السين، لعله مأخوذ من ارسال الدابة، أي رفع القيد و الربط عنها(4)، فكأنه باسقاط الراوي رفع الربط الذي بين رجال السند بعضها ببعض، و له اطلاقان:

احدهما: المرسل بمعناه العام، و هو حينئذ كل حديث حذفت رواته أجمع أو بعضها واحدا و أكثر(5)، و إن ذكر الساقط بلفظ مبهم

ص: 338


1- الظاهر: كما.
2- انظر مستدرك رقم (124) فوائد حول المعضل.
3- المرسل - بصيغة المجهول و قد يراد به صيغة المفعول - من الإرسال بمعنى الاطلاق و عدم المنع، و منه قوله تعالى: أَنّا أَرْسَلْنَا اَلشَّياطِينَ عَلَى اَلْكافِرِينَ . انظر معاني الكلمة و مشتقاتها في: لسان العرب: 5/11-281، القاموس المحيط: 384/3، تاج العروس: 343/7، المصباح المنير: 308/1، النهاية: 4/2-222، مجمع البحرين: 383/5 و غيرها. و هنا حيث الراوي لا يقيد السند براو و يطلقه صار مرسلا. و جمعه مراسيل - باثبات الياء و حذفها -.
4- أو يكون الارسال مأخوذا من قولهم ناقة مرسال أي سريعة السير، كأنّ المرسل أسرع فيه عجلا فحذف بعض اسناده، أو من قولهم جاء القوم ارسالا، أي متفرقين، لانقطاع بعض الاسناد عن الباقين.
5- و يقرأ: لعله واحد أو اكثر.

كبعض و بعض اصحابنا، دون ما إذا ذكر بلفظ مشترك و إن لم يميز.

فالمرسل بهذا الاعتبار يشمل المرفوع بالأول من اطلاقيه المتقدمين و الموقوف و المعلق و المقطوع و المنقطع و المعضل، و قد فسّر في البداية(1) المرسل بالمعنى العام بما رواه عن المعصوم من لم يدركه(2)، قال: و المراد بالادراك هنا هو التلاقي في ذلك الحديث المحدث عنه، بأن رواه عنه بواسطة و إن أدركه، بمعنى اجتماعه معه به(3) و نحوه قال: و بهذا المعنى يتحقق إرسال الصحابي عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)، بأن يروي الحديث عنه صلى اللّه عليه و آله و سلّم بواسطة صحابي آخر، سواء كان الراوي تابعيا أم غيره، صغيرا أم كبيرا(4)، و سواء كان الساقط واحدا أو(5) اكثر، و سواء كان بغير واسطة بأن قال التابعي: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) مثلا، أو بواسطة نسيها، بأن صرح بذلك، أو تركها مع علمه بها، أو

ص: 339


1- البداية: 47 [البقال: 139/1]، و عرّفه في الذكرى: 4 ب: ما رواه عن المعصوم من يدركه بغير واسطة أو بواسطة نسيها أو تركها. و قريب منه في القوانين: 487.
2- و ان ادركه في غير ذلك و اجتمع معه، فان رواه حينئذ بغير واسطة أو بواسطة سقطت من السلسلة من آخرها كذلك، واحدا كان الساقط أو أكثر، عمدا كان أو سهوا أو نسيانا.. كل هذا مرسل بالمعنى الأعم عند المشهور، و هذا وجه اطلاقه على المعضل و المنقطع، و السبب في ترجيح قول ابن قطان في تعريفه: ان الارسال رواية الرجل عمن لم يسمع منه.
3- لا توجد في نسخة من البداية: به.
4- انظر فوائد المرسل حول معنى الصحابي الكبير و الصغير.
5- خ. ل: أم، و هو الظاهر لمكان سواء.

أبهمها كقوله: عن رجل، أو عن بعض أصحابنا و.. نحو ذلك قال: و هذا هو المعنى العام للمرسل المتعارف عند أصحابنا(1).

و الثاني: المرسل بالمعنى الخاص، و هو: كل حديث أسنده التابعي الى النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) من غير ذكر الواسطة، كقول سعيد بن المسيب قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) كذا(2)، قال في البداية:

ص: 340


1- البداية: 47 بنصه [البقال: 139/1] بتصرف. قال الخطيب في كفايته: 404: لا خلاف بين أهل العلم ان ارسال الحديث الذي ليس بمدلس هو رواية الراوي عن من لم يعاصره... أو من عاصره و لم يلقه... و حاصله التسوية بين الارسال الظاهر و الخفي و التدليس في الحكم و نحوه. و انظر: الوجيزة للشيخ البهائي: 4، و فتح المغيث: 130/1 و تعرض له مفصلا، تذكرة الموضوعات: 5 و غيرها من المصادر الآتية.
2- بل قيده البعض بما سمعه التابعي من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ليخرج من لقيه كافرا فسمع منه ثم أسلم بعد وفاته صلوات اللّه و سلامه عليه و آله، و حدث بما سمعه منه كالتنوخي رسول هرقل، و لعله أعرض عن القيد لندرته. ثم انه قيد بالتابعي كي يخرج مرسل الصحابي - كبيرا كان أو صغيرا - لما سنذكره، خلافا لابن عبد البر في مقدمة تمهيده حيث قيد التابعي بالكبير، و ابن الصلاح في المقدمة: 130، ثم قال في: 132: و المشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك، و عبّر هو و جماعة عن مرسل الصغير انه منقطع، بل عده ابن الصلاح القدر المتيقن انما هو رواية الكبير خاصة مرسلا، أما ما رواه تابع التابعي فيسمونه معضلا، و الكل شاذ، و سيأتيك تفصيله مستدركا. أقول: لا يراد من قولهم قال رسول الله حصر ذلك في القول، بل لو ذكر فعل النبي كان مرسلا كما صرح به البلقيني في محاسن الاصطلاح - ذيل المقدمة: 132 -

و هذا هو المعنى الأشهر له عند الجمهور، و قيده بعضهم بما إذا كان التابعي المرسل كبيرا كابن المسيب، و إلا فهو منقطع. و اختار جماعة منهم معناه العام الذي ذكرناه(1)، و قد استعمل الفقهاء (رضي اللّه عنهم) المرسل في المعنى العام.

ثم إن هنا أمرين ينبغي التعرض لهما:

الأول: انه قد وقع الخلاف في حجية المراسيل(2) على قولين:

أحدهما: الحجية و القبول مطلقا إذا كان المرسل ثقة، سواء كان صحابيا أم لا، جليلا أم لا، أسقط واحدا أم أكثر، و هو

ص: 341


1- البداية: 47-48 بتصرف غير مخل [البقال: 139/1-140، بنصه]. و حكاه في الهامش عن الخلاصة في أصول الحديث: 65 و غيره، و اختاره الحاكم و حكاه و ابن عبد البر عن مشهور ائمة المحدثين، و وافقهم جماعة من الفقهاء و الأصوليين. و عده السيد في الرواشح: 171: الأشهر لدى الأكثر. و مال له السخاوي في فتح المغيث: 129/1: و قال: و عبّر عنه بعضهم - كالتوافي في التنقيح - باسقاط الصحابي من السند، و ليس بمتعين فيه. و نقل الحاكم تقييدهم له باتصال سنده الى التابعين، و قيده في المدخل بما لم يأت اتصاله من وجه آخر. و انظر مقدمة ابن الصلاح: 140 [عائشة: 130] و علوم الحديث: 168، و قواعد التحديث: 114 و غيرها. و انظر مستدرك رقم (125) في تعاريف المرسل.
2- و لعلماء الجمهور في حجية المراسيل أقوال كثيرة أنهاها بعضهم الى أحد عشر و أوصلناها الى ثمانية عشر. انظر مستدرك رقم (126) الأقوال في حجية المراسيل.

المحكي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي و والده من أصحابنا(1)، و جمع من العامة منهم الآمدي(2) و مالك(3) و أحمد(4) و أبو

ص: 342


1- المراد بالبرقي هو ابو جعفر احمد بن محمد بن خالد بن ابي عبد اللّه البرقي صاحب كتاب المحاسن، له نحو مائة كتاب منها اختلاف الحديث. المتوفى - على المشهور - سنة 274 ه و قيل سنة 280 ه. انظر: اعيان الشيعة: 399/9، منهج المقال: 42، رجال النجاشي: 55، الاعلام: 195/1، الكنى و الألقاب: 69/2-70 و غيرها. أما والده فهو ابو عبد اللّه محمد بن خالد بن عبد الرحمن، عدّ من اصحاب الامام الرضا عليه السلام. اقول: قد جرحوا بأخذهم المراسيل و أنكر عليهم ذلك، و الحق انه كان يجيئهم الرجل بالحديث يرسله ارسالا فيعتمدوه و لم يكن ذلك في الكتب المعتمدة و لا تضافر النقل له و لا أثبت في الاصول، لا مطلقا، فتدبر.
2- أبو الحسن علي بن محمد بن سالم التغلبي، سيف الدين الآمدي (551-631 ه) اصولي بحاثة، كثير التصنيف منها: الاحكام في أصول الاحكام، و مختصره منتهى السئول، و كلاهما في اصول الفقه و مطبوعان. انظر: ميزان الاعتدال: 439/1، لسان الميزان: 134/3، الاعلام: 153/5، قال كلامه هذا في الاحكام: 350/2 ثم قال: و المختار قبول مراسيل العدل مطلقا، و دليله الاجماع و المعقول.
3- أبو عبد اللّه مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي (93-179 ه) و قيل (91 أو 94 و توفى سنة 178 ه) امام أهل المدينة، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، له كتاب الموطأ، انظر: فهرست النديم: 198/1، تذكرة الحفاظ: 193/1، تهذيب التهذيب: 5/10، الاعلام: 128/6، علوم الحديث: 89، معجم المؤلفين: 168/8.
4- ابو عبد اللّه احمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي البغدادي (164-241 ه) امام الحنابلة في الفقه و الحديث، أحد الأئمة الأربعة، له جملة مصنفات منها المسند و الجرح و التعديل و غيرهما. انظر: تاريخ بغداد: 412/4، تذكرة الحفاظ: 17/2، تهذيب التهذيب: 72/1، و عدّ في الاعلام: 203/1 و معجم المؤلفين: 97/2، جملة من المصادر الاخرى.

هاشم(1) و أتباعه من المعتزلة(2)، بل حكي عن بعضهم جعله أقوى من المسند(3).

ثانيهما: عدم الحجية(4)، و هو خيرة جمع كثير من أصحابنا(5). منهم:

ص: 343


1- ابو هاشم المعتزلي (247-321 ه) عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، متكلم و من كبار المعتزلة، رئيس الفرقة البهشمية، انظر: وفيات الأعيان: 292/1، البداية و النهاية: 176/11، ميزان الاعتدال: 131/2، تاريخ بغداد: 55/11، الاعلام: 130/4 و غيرها.
2- كما نص عليه في التدريب: 198/1. و نسب الى أهل المدينة و العراق و أبي حنيفة و غيرهم كما قاله الخطيب في الكفاية: 547، و علوم الحديث: 166-176، و حكاه عن التوضيح: 285/1، و في قواعد التحديث: 134 و غيرهم: و الذي يظهر من كلمات العامة هنا ان المشهور منهم يقولون بالحجية مطلقا سواء ارسله الثقة أم لا. و المرسل عن الثقة قول ثالث لهم. و بقية الأقوال في المستدرك.
3- و قالوا: من أسند فقد أحالك، و من أرسل فقد تكفل لك! نقله الرازي في المحصول عن الأكثرين!، كما قاله في تدريب الراوي: 198/1، و القرافي في شرح التنقيح: 164 كما عن القاسمي في قواعد التحديث: 134 و غيرهم.
4- مطلقا ايضا، سواء أرسله الصحابي أو التابعي أو غيرهما، و سواء اسقط منه واحد أم أكثر، و سواء كان المرسل جليلا أو شيخا أو ثقة أو لا يرسل الا عن ثقة ام لا. قال في اختصار علوم الحديث: 52: استقر عليه حفاظ الحديث و نقاد الاثر و تداولوه في تصانيفهم.
5- من الأصوليين و المحدثين، و لكن يظهر من جمع - و المصنف رحمه اللّه منهم - ان الاطلاق غير مراد لهم مطلقا، و ذلك لاستثنائهم فيما بعد مورد ما لو كان المرسل متلقى بالقبول بين الأصحاب، أو انه لا يرسل الا عن ثقة. هذا و إن جمعا من المتأخرين و بعض مشايخ اساتذتنا ردوا المراسيل مطلقا حتى من مثل ابن أبي عمير الذي ادعى الاجماع على قبول مراسيله و أنها كمسانيده، بل يظهر من القدماء - خاصة القميين - ان أخذ الراوي بالمراسيل جرح له، و لذا أنكر محمد بن عيسى القمي على محمد بن خالد البرقي ذلك، و اخرج البعض من البلد، و جرح آخرون بذلك.

الشيخ(1) و الفاضلان(2) و الشهيدان(3) و سائر من تأخر عنهم،

ص: 344


1- الظاهر أن للشيخ قدس سره تفصيلا ثالثا حيث ادعى - كما في عدة الأصول: 63 - عمل الطائفة بالمراسيل اذا لم يعارضها المسانيد الصحيحة كعملها بالمسانيد، فلاحظ، و عليه فالمرسل حجة مطلقا ما لم يعارض سندا صحيحا، و سنتعرض لكلامه، و هذا نظير ما حكاه في علوم الحديث: 168.
2- هما المحقق الحلي: أبو القاسم جعفر بن الحسن المتوفى سنة 676 ه، و العلامة الحلي: الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المتوفى سنة 726 ه. و قيل: العلامة و ولده فخر المحققين: أبو طالب محمد بن الحسن المتوفى سنة 771 ه. و الأول اظهر و أشهر، انظر معجم الرموز و الاشارات من مجلة تراثنا - السنة الثانية و الثالثة، و سيطبع مستقلا بأذن اللّه.
3- هما: الشهيد الأول: شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن جمال الدين مكي المطلبي العاملي الجزيني (734-786 ه). و الشهيد الثاني: زين الدين بن نور الدين علي بن احمد بن محمد الجبعي العاملي (911-965 أو 966 ه) و جعله الأخير في البداية: 48 [البقال: 140/1] الأصح من الأقوال للأصوليين و المحدثين، و استدل لذلك من جهة الجهل بحال المحذوف فيحتمل كونه ضعيفا، و بذا يزداد الاحتمال بزيادة الساقط فيقوى احتمال الضعف، و مجرد روايته عن المعصوم عليه السلام ليست تعديلا له، بل اعمّ ، كما هو واضح.

و آخرين من العلامة كالحاجبي(1)و العضدي(2) و البيضاوي(3) و الرازي(4) و القاضي أبي

ص: 345


1- الحاجبي، و يقال له ابن الحاجب (570-646 ه) عثمان بن عمر بن أبي بكر ابن يونس ابو عمرو جمال الدين الكردي ابن الحاجب، فقيه مالكي، و من علماء العربية و فقهائها، صاحب الكافية في النحو، و الشافية في الصرف و له كتاب في الاصول سماه الأمل في علمي الأصول و الجدل، و كذا مختصره، و كلاهما مطبوع. انظر ترجمته في: وفيات الاعيان: 395/1، بغية الوعاة: 323، مرآة الجنان: 114/4، معجم المؤلفين: 266/6، مفتاح السعادة: 117/1، الاعلام: 374/4 و غيرها.
2- القاضي ابو الفضل عضد الدين عبد الرحمن بن احمد بن عبد الغفاري الفارسي الشافعي الاصولي المتكلم (حدود - 756 ه و قيل: 757 أو 58)، له جملة مؤلفات منها المواقف و الرسالة العضدية و شرح مختصر ابن الحاجب و غيرها، انظر ترجمته في: بغية الوعاة: 296، الاعلام: 66/4، هدية العارفين: 527/1، شذرات الذهب: 174/6، معجم المؤلفين: 119/5، و غيرها.
3- ابو سعيد (أبو الخير) عبد اللّه بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي البيضاوي المتوفى سنة 685 ه، القاضي في شيراز من اعلام الشافعية، له جملة مؤلفات، و لعل قوله هذا ذكره في كتابه منهاج الوصول الى علم الاصول المطبوع و لم احصل عليه. انظر ترجمته في: البداية و النهاية: 309/13، بغية الوعاة: 286، الاعلام: 249/4.
4- ابو عبد اللّه فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين البكري التيمي (543 أو 544-606 ه) عدّ إماما في المعقول و المنقول، صاحب كتاب التفسير المشهور، له جملة مصنفات في الأصول و علم الاصول، مشارك في علوم شتى، انظر: وفيات الأعيان: 600/1، لسان الميزان 426/4، ميزان الاعتدال: 324/2، معجم المؤلفين: 79/11، الاعلام: 203/7.

بكر(1) و الشافعي(2) و.. غيرهم(3). و لكل من الفريقين حجج كثيرة مذكورة في كتب الأصول المبسوطة(4)، و امتن حجج المثبتين وجوه:

احدها: ان عدالة الأصل و الواسطة ظاهرة فيجب العمل به، أما التالي فلا شبهة فيها لتحقق شرط قبول الخبر، و هو عدالة رواته، و أما المقدم فلأن عدالة المرسل ثابتة بالفرض فيلزم عدالة الأصل المسقط أيضا، لأن رواية الفرع عن الأصل تعديل له، لأن العدل لا يروي إلا عن العدل، و إلا لم يكن عدلا، بل كان مدلسا و غاشا.

ص: 346


1- مرت ترجمته قريبا في صفحة: 111.
2- أبو عبد اللّه محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع - و الى هذا نسب و عرف - القرشي المطلبي المكي (150-204 ه) صاحب المذهب المسمى باسمه، له جملة مصنفات في فنون شتى أشهرها الرسالة و المبسوط و الأم: انظر: الفهرست: 209/1، تهذيب التهذيب: 35/9، معجم المؤلفين: 32/9، تنقيح المقال: 76/2، الاعلام: 249/6، حلية الأولياء: 63/9.
3- كما حكاه مسلم في صدر صحيحه: 6/1 عن الشافعي و عن جمهور المحدثين، و ابن عبد البر في التمهيد، و حكاه الحاكم عن ابن المسيب و مالك، و ابن حجر في شرح النخبة: 66. قال السيوطي في تدريب الراوي: 198/1: (و كثير من الفقهاء و أصحاب الأصول). و قال في علوم الحديث: 168: و المرسل ليس حجة في الدين. و هم مختلفون في الاختيار و الرد كأصحابنا، و قد فصلناه في المستدرك، فلاحظ.
4- انظر الى قوانين الأصول: 9-478. الا أنه قال في صفحة: 487: و اختصاص هذا القسم بالضعيف مبني على اصطلاح المتأخرين، و إلا فقد عرفت أن بعض المرسلات في قوة الصحيح في الحجية.

و ردّ مضافا الى اختصاصه بما اذا اسقط الواسطة، لا ما اذا أبهمه، بمنع اقتضاء رواية العدل عنه توثيقه، بعد شيوع رواية العدول عن الضعفاء.

ثانيها: ان ظاهر اسناد الخبر الى المعصوم (عليه السلام) هو العلم بصدوره منه (عليه السلام)، و صدق النسبة لمنافاة اسناد الكذب العدالة، فلازم عدالة المرسل قبول المرسل.

و رد مضافا الى عدم تماميته فيما إذا أبهم الواسطة، بأن غاية ما يفيده الدليل هو كشف نسبة المرسل الحديث الى المعصوم (عليه السلام) عن عدالة الواسطة، و غايته الشهادة منه بوثاقة مجهول العين و ذلك غير مجد، لاحتمال ان له جارحا.

ثالثها: ان علّة التثبت في الخبر هو الفسق، و هي منتفية هنا.

و فيه: ان العلّة احتمال الفسق، و هو موجود هنا دون نفس الفسق حتى تنفى عند الشك فيه(1).

و أمتن حجج المانعين أن شرط جواز قبول الرواية معرفة عدالة الراوي، و لم يثبت، لعدم دلالة رواية العدل عليه(2) - كما عرفت -

ص: 347


1- و بعبارة اخرى: انتفاء علة التثبت موقوف على ثبوت العدالة. و استدل ايضا من أوجب قبول المراسيل و العمل بها بأنه لو لم يجب ذلك فيها لم يكن لروايتها وجه، كما ذكره البغدادي في الكفاية: 568، و قال: و هذا خطأ ظاهر.
2- و مجرد رواية الثقة عنه ليس تعديلا بل هو أعم، كما هو ظاهر.

فينتفي المشروط - و هو جواز القبول -، فعدم حجية المرسل أقوى(1).

نعم يستثنى من ذلك ما إذا كان المرسل متلقى بين الأصحاب بالقبول فانه حجة على الأظهر، لكشف علمهم به، و تلقيهم له بالقبول عن قرينة قوية على صدقه و صدوره عن المعصوم، فلا يقصر عن المسند الصحيح.

ثم ان جمعا من المانعين منهم الشيخ في العدة(2)، و العلامة في النهاية(3)،

ص: 348


1- و اذا كان المجهول المسمى لا يقبل، فالمجهول عينا و حالا أولى.
2- قال في العدة: 386/1-387: و اذا كان أحد الراويين مسندا و الآخر مرسلا، نظر في حال المرسل، فان كان مما يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجح لخبر غيره على خبره، و لأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير و صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون و لا يرسلون الا ممن يوثق به، و بينما أسنده غيرهم، و لذلك عملوا بمرسلهم اذا انفرد عن رواية غيرهم. فأما اذا لم يكن كذلك. و يكون ممن يرسل عن ثقة و عن غير ثقة، فانه يقدم خبر غيره عليه، و اذا انفرد وجب التوقف في خبره الى أن يدل دليل على وجوب العمل به. فأما اذا انفردت المراسيل، فيجوز العمل بها على الشرط الذي ذكرناه... فان الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل، فما يطعن في واحد منهما يطعن في الآخر، و ما أجاز احدهما أجاز الآخر، فلا فرق بينهما على حال. و الغرض من نقل كلامه قدس سره بطوله هو بيان أن الشيخ ليس من النافين مطلقا كما تسالم عليه القوم، فتدبر.
3- النهاية - نهاية الوصول الى علم الاصول - للعلامة الحلي: خطي. قال المحقق الحلي في المعتبر - كتاب الطهارة: في تقدير الكر وزنا: 10 - ما نصه:.. و على هذا عمل الأصحاب، و لا طعن في هذه بطريق الارسال لعمل اصحاب الحديث بمراسيل ابن أبي عمير و لو كان ذلك ضعيفا لانجبر بالعمل، فاني لا اعرف من الأصحاب رادا لها.. الى آخره.

و الشهيد في الذكرى(1)، و المحقق البهائي في الزبدة(2)، و جمع من فقهاء الأواخر [(3)ككاشف الرموز(4)، و المحقق الأردبيلي(5)، و صاحب الذخيرة(6)، و الشيخ البهائي(7)، و المحقق

ص: 349


1- الذكرى: 4.
2- الزبدة - زبدة الاصول للشيخ البهائي: 75 قال: و لا عمل بالمرسل الا مع ظن عدم ارساله عن غير الثقة كابن ابي عمير، و لا يقدح روايته عنه - اي عن غير الثقة - أحيانا، كما ظن، اذ المنقول عدم ارساله عنه لا عدم روايته عنه.
3- لا يوجد ما بين القوسين المركنين في الطبعة الاولى.
4- عبّر عنه شيخنا الطهراني في الذريعة: 35/18 برقم (557) ب كشف الرموز، و هو شرح على مختصر الشرائع الموسوم بالنافع للمحقق الحلي للشيخ عز الدين الحسن بن ابي طالب اليوسفي الآبي المتوفى سنة 672 ه. و الكتاب لم يطبع و هو قيد التحقيق.
5- مجمع الفائدة و البرهان: 7/1-126 و غيره، و كذا المنية للسيد العميدي و شرح المبادئ لفخر الدين و وصول الأخيار لوالد الشيخ البهائي: 93 و 107 [التراث : 173 و 178] و غيرهم.
6- الذخيرة - ذخيرة المعاد في شرح الارشاد - في اكثر من مورد منها صفحة: 16 حرمة استقبال القبلة و استدبارها و كذا في صفحة: 63 في الحيض، و صفحة: 89 باب التكفين، و غيرها.
7- لعله في غير الزبدة، قال في الوجيزة: 5-6: و قد يعلم من حال مرسله عدم الارسال عن غير الثقة فينظم حينئذ في سلك الصحاح كمراسيل محمد بن ابي عمير رحمه اللّه، و روايته احيانا عن غير الثقة لا يقدح في ذلك كما يظن، لأنهم ذكروا انه لا يرسل الا عن ثقة، لا انه لا يروي الا عن ثقة.

الشيخ علي(1)، و الشيخ الحر(2) و.. غيرهم] استثنوا من ذلك المرسل الذي عرف أن مرسله العدل متحرز عن الرواية عن غير الثقة كابن أبي عمير من اصحابنا على ما ذكروه(3)، و سعيد بن المسيب عند الشافعي(4)، فجعلوا مرسله في قوة المسند و قبلوه [(5)بل ظاهر الشهيد (رحمه اللّه) في الذكرى اتفاق الأصحاب عليه حيث قال - عند تعداد ما يعمل به من الخبر - ما لفظه: أو كان مرسله معلوم التحرز عن الرواية عن مجروح(6)، و لهذا قبلت الأصحاب مراسيل ابن أبي عمير، و صفوان بن يحيى، و أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي

ص: 350


1- جامع المقاصد: 16/1 - كتاب الطهارة، و 39/1.. و في اكثر من مورد.
2- وسائل الشيعة الى تحصيل الشريعة: 1/20-310 برقم (959).
3- جماعة اقتصروا على محمد بن ابي عمير خاصة، و جماعة عمموا كما نقلنا عبارة الشيخ في العدة آنفا، و فصلنا البحث في المستدرك، فلاحظ.
4- في الكفاية: 571-573 باب في مراسيل سعيد بن المسيب و من يلحق به من كبار التابعين، و هناك لهم بحث مفصل و اختلاف بين فقهائهم في قول الشافعي: و ارسال ابن المسيب عندنا حسن، في أن مرسله هل هو حجة أم لا؟ أو يرجح به من دون احتجاج و اختاره الخطيب و جمع، و قيل ان الشافعي تتبع مراسيل سعيد بن المسيب فوجدها مسندة. الباعث الحثيث: 48، و مقدمة ابن الصلاح: 139، و هو نظير بحث اعاظمنا في مراسيل ابن أبي عمير و نظرائه، لاحظ معجم رجال الحديث: 75/1-80.
5- ما بين المعكوفتين من اضافات المصنف في الطبعة الثانية.
6- خبر الجملة ساقط و هو: قبل، الا أن تكون الجملة بنفسها خبرا لما ذكر قبلها، فلاحظ.

لأنهم لا يرسلون إلا عن ثقة(1). و قريب من ذلك عبارة كاشف الرموز و الشيخ البهائي (رحمه اللّه)، بل صريح الشيخ (رحمه اللّه) في العدة دعوى الاجماع على ذلك حيث قال: أجمعت الطائفة على أن محمد بن أبي عمير، و يونس بن عبد الرحمن، و صفوان بن يحيى و.. اضرابهم لا يروون و لا يرسلون إلا عن ثقة(2). و أيّد ذلك في التكملة(3) بأن هؤلاء كثيرا ما يستعملون الصحة صفة للخبر فيقولون خبر صحيح، و لازم ذلك أنهم لا ينقلون الا الخبر الذي جمع شرائط العمل، ثم أيّد ذلك بأنا لم نجدهم رووا خبرا شاذا وقع الاتفاق على طرحه كما يتفق لغيرهم، حتى أنه لم يوجد ذلك في مراسيلهم، فهذا يورث الاعتماد على ما رووه من الأخبار، و روايتهم للخبر تكشف عن أنه جامع لشرائط العمل، و أنه لا مانع من العمل به، و ذلك لا يكون الاّ إذا كان محفوفا بقرائن الصدق و صحة الصدور عن المعصوم، و لازمه أيضا كمال التثبت و شدة الاحتياط في رواية الخبر.

ثم ان للقائلين بحجية مرسل من تحرز عن الرواية عن غير

ص: 351


1- ذكرى الشيعة: 4.
2- لم أجد العبارة في عدة الاصول و لعلها نقلت بالمعنى و الموجود فيها ما ذكره في صفحة: 60 حجري [386/1]: و لأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير و صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر و غيرهم من الثقات.. الى آخره، و قد ذكرنا العبارة قريبا، فراجع.
3- تكملة الرجال: 51/1.

الثقة(1) مسلكين].

احدهما: ما سلكه جمع من أن إرساله تعديل منه للمحذوف، سيما بعد اخباره بأنه لا يرسل الا عن ثقة(2).

و نوقش في ذلك بأنه على فرض تسليمه شهادة بعدالة الراوي المجهول، و ذلك مما لا يعتمد عليه، لاحتمال ثبوت الجارح.

ثانيهما: ما سلكه الفاضل القمي(3) و.. غيره من أن المرسل اذا كان لا يرسل الا عن ثقة أفاد ذلك نوع تثبت اجمالي، اذ غايته أن العدل يعتمد على صدق الواسطة، و يعتقد الوثوق بخبره و إن لم يكن من جهة العدالة عنده أيضا، و لا ريب في أن ذلك يفيد الاطمينان بصدق خبره، و هو لا يقصر عن الاطمينان الحاصل بالتوثيق

ص: 352


1- في الطبعة الاولى: و لهم في ذلك مسلكان.. الى آخره. بدلا عمّا بين المعكوفتين.
2- و قرر ثاني الشهيدين في درايته: 49 [البقال: 142/1-143] بشكل آخر عن قولهم و قال: بأن الفرع لا يجوز له أن يخبر عن المعصوم [الا] و له صحة الاخبار عنه، و إنما يكون كذلك اذا ظن العدالة، و بأن علة التثبت هو الفسق و هي منتفية فيجب القبول، و بأن المسند جاز أن يكون مرسلا، فانه يحتمل أن يكون بين فلان و فلان رواة لم تذكر فلا يقبل الا أن يستفصل، و أجاب عنه بما حاصله: ان حمل أخباره عنه على أنه قال أولى من حمله على أنه سمع أنه قال، و إذا احتمل الأمران لم يظهر حمله على أحدهما، و انتفاء علّة التثبت موقوف على ثبوت العدالة.
3- قوانين الاصول: 478. و قد مرت ترجمة المحقق القمي في صفحة: 132 من هذا المجلد.

الرجالي، و الحاصل بصدق خبر الفاسق بعد التثبت، و لذلك نعتمد على مسانيد ابن أبي عمير مثلا و ان كان المروي عنه المذكور في السند ممن لا يوثّقه علماء الرجال، فان رواية ابن أبي عمير عنه يفيد الاطمينان بكون المروي عنه ثقة، معتمدا عليه في الحديث، لما ذكره الشيخ (رحمه اللّه) في العدّة من أنه لا يروي و لا يرسل إلا عن ثقة، و لما ذكره الكشي من أنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و لما ذكروا من أن أصحابنا يسكنون الى مراسيله و.. غير ذلك، و كذلك نظرائه مثل البزنطي و صفوان بن يحيى و الحمادين(1) و.. غيرهم. و الحاصل أن ذلك يوجب الوثوق ما لم يعارضه أقوى منه.

و بالجملة حجية الخبر لا تنحصر في الصحيح و خبر العدل، بل المراد من اشتراط العدالة في قبول الخبر هو أنه شرط في قبوله نفسه، و أما من جهة ملاحظة التثبت و الاعتضادات الخارجية، فلا ريب انه لا تنحصر الحجة في خبر العدل، و غرضنا اثبات حجية مثل هذه المراسيل لا اثبات أن أمثالها صحيحة في الاصطلاح و الواسطة عادل، و لذا لا نسميه صحيحا بل كالصحيح.

و بما ذكرنا ظهر سقوط المناقشة بأن غاية ما هناك كون إرسال ابن أبي عمير عمن حذفه توثيقا لمجهول فلا يكون حجة(2).

ص: 353


1- المراد منهما: حماد بن عثمان بن زياد الراوي الملقب بالناب. تنقيح المقال: 365/1. و حماد بن عيسى ابو محمد الجهني البصري، تنقيح المقال: 366/1.
2- لاحظ مستدرك رقم (127) محصل كلام الشيخ في العدة باجماع العصابة على قبول مراسيل جماعة و مناقشته.

و أما ما صدر من الشيخ الشهيد الثاني (رحمه اللّه) في البداية من المناقشة في حصول العلم بكون المرسل لا يروي الا عن ثقة(1) بأن: مستند العلم ان كان هو الاستقراء لمراسيله بحيث يجدون المحذوف ثقة، فهذا في معنى الاسناد و لا بحث فيه، و إن كان لحسن الظن به في أنه لا يرسل الا عن ثقة، فهو غير كاف شرعا في الاعتماد عليه، و مع ذلك غير مختص بمن يخصونه به، و إن كان اسناده(2) الى اخباره بأنه لا يرسل الا عن الثقة، فمرجعه الى شهادته بعدالة الراوي المجهول، و سيأتي ما فيه. و على تقدير قبوله فالاعتماد على التعديل، و ظاهر كلام الأصحاب في قبول مراسيل ابن أبي عمير هو المعنى الأول، و دون إثباته خرط القتاد. و قد نازعهم صاحب البشرى - يعني ابن طاوس - في ذلك، و منع تلك الدعوى. و أما الشافعية فاعتذروا عن مراسيل ابن المسيب بأنهم وجدوها مسانيد من وجوه اخر، و أجابوا عما أورد عليهم من ان الاعتماد حينئذ يقع على المسند دون المرسل، فيقع لغوا بأنه بالمسند تبين صحة الاسناد الذي فيه الارسال حتى يحكم له مع ارساله بأنه اسناد صحيح تقوم به الحجة، و تظهر الفائدة في صيرورتهما دليلين يرجح بهما عند معارضة دليل واحد(3).

ص: 354


1- لا يوجد خبر لهذه الجملة، الا أن يكون جوابا لأما، فلاحظ.
2- خ. ل: استناده.
3- البداية: 49 بتغير بسيط [البقال: 141/1-142]، و أجاب الشيخ البهائي في الوجيزة: 6 بما لا مزيد عليه مختصرا قال: (و روايته - اي ابن أبي عمير - أحيانا عن غير الثقة لو سلم لا يقدح في ذلك كما يظن، لأنهم ذكروا انه لا يرسل الا عن ثقة لا انه لا يروي الا عن ثقة). و من ثم لا تدليس هنا كي ينافي العدالة لقيام القرائن عنده، و لو قلنا بحجية مثل هذا الظن فلا فرق فيه بين أن يكون حاصلا من أخبار المرسل أو غيره أو من استقراء حاله، نعم لو قيل بعدم كفاية الظن و عدم حجيته في المقام الا اذا رجع الأمر الى اخبار الثقات كظن خاص قام الدليل على حجيته - كما هو مذهب سيدنا الخوئي دام ظله - لم ينفع ما قلناه. فتدبر.

[(1)هذا ما في البداية، و سبقه على ذلك المحقق في موضع من المعتبر حيث ردّ رواية بالطعن في سندها، ثم قال: (و لو قال قائل ان مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك لأن في رجاله من طعن الأصحاب فيه، فاذا أرسل احتمل أن يكون الراوي احدهم)(2). و تبعهما الشيخ محمد

ص: 355


1- ما بين المعكوفتين من اضافات الطبعة الثانية من المصنف (قدس سره).
2- المعتبر: في آداب الوضوء و سننه - الحجرية -: 43. بل ثبت رواياتهم عن بعض الضعفاء، مما يوهن دعوى الشيخ (قدس سره) بناء على كون الملاك في قبولها وثاقة من يروون عنه، فقد رووا عن الحكم بن عتيبة الذي ضعفه الرجاليون - تنقيح المقال: 358/1، و جامع الرواة: 266/1 -، و عمر بن جميع الازدي البصري قاضي الري روى عنه يونس بن عبد الرحمن مع تضعيف الشيخ و النجاشي و غيره له - تنقيح المقال: 326/2 - و كذا رووا عن مجهولين مثل الحكم الاعمى و الحكم بن ايمن حيث روى عنهما صفوان و ابن أبي عمير - تنقيح المقال: 356/1 - و رووا عن البطائني - علي بن أبي حمزة - الذي هو مضرب المثل في الضعف.. تنقيح المقال: 260/2-263 و لاحظ ترجمته في رجال النجاشي: 175، فهرست الشيخ: 96، و رجاله: 242 و 353، و قواعد الحديث: 77-105 و غيرها. اللهم الا أن يقال: ان رواية امثال هؤلاء عنهم تكفي في وثاقتهم و لا أقل من مدحهم، فتأمل.

السبط(1)]. و قد(2) بان لك من تحقيق الفاضل القمي (رحمه اللّه) سقوط ذلك، فانا لا نريد اثبات الصحة المصطلحة حتى تتم مناقشته، بل الغرض اثبات حجيته لإيراث شهادة من ذكر بأن ابن أبي عمير [(3)و صفوان و البزنطي لا يرسلون] الا عن ثقة، و إجماع الأصحاب على الأخذ بمراسيلهم و جعلها كالمسانيد الصحاح، و على تصحيح ما يصح عن جماعة الاطمينان الكافي في الحجية، و إنكار حصول الاطمينان مكابرة، و ليس الاطمينان الحاصل من ذلك بأقل من الاطمينان الحاصل من توثيق من لم يدرك الراوي من علماء الرجال، كما لا يخفى. [(4)سيما بعد ما نقلوا من أن كتب ابن أبي عمير قد حرّفت(5) فكان يروي عن حفظه، و كان يعرف أن المروي عنه عدل، و لكن نسي اسمه(6).

ص: 356


1- اي سبط الشهيد الثاني، و هو الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين الجبعي العاملي (980 أو 990-1030 ه) فاضل عالم بالرجال له حواشي كثيرة و تعاليق على جملة من المصنفات و له رسالة في تزكية الراوي انظر: مصفى المقال: 400، الفوائد الرضوية: 264، معجم المؤلفين: 191/9، و غيرها.
2- الظاهر: فقد.
3- ما بين المعكوفتين ليس في الطبعة الاولى و الموجود: ابن أبي عمير لا يرسل الا عن ثقة. و بدل مراسيلهم: مراسيله.
4- ما بين المعكوفتين من اضافات المصنف (قدس سره) على الطبعة الثانية.
5- الظاهر: حرقت. و لم يقل أحد بالتحريف.
6- لاحظ رجال النجاشي: 229، و رجال الكشي: 363، و مزيدا من البحث في التنقيح: 61/2-64 حرف الميم.
تنبيهان:
الأول: انك قد عرفت تشريك الشيخ (رحمه اللّه) يونس بن عبد الرحمن(1) و صفوان بن يحيى و.. اضرابهما مع ابن عمير في دعوى اتفاق الأصحاب على كون مراسيله بحكم المسانيد .

الأول: انك قد عرفت تشريك الشيخ (رحمه اللّه) يونس بن عبد الرحمن(1) و صفوان بن يحيى و.. اضرابهما مع ابن عمير في دعوى اتفاق الأصحاب على كون مراسيله بحكم المسانيد(2).

و كذلك الشهيد في الذكرى(3) صنع مثل ذلك و عطف عليهم احمد بن محمد بن أبي نصر، كما سمعت كلامه، و تراهم في الفقه لم يلتزموا بذلك الا في حق ابن أبي عمير، و لا أرى للقصر عليه وجها، لأن المستند في حق مراسيل ابن أبي عمير هو الاجماع المزبور، و هو مشترك بينهم، فقبوله في ابن أبي عمير و الاغماض عنه في يونس و صفوان و البزنطي مما لم أفهم وجهه.

الثاني: انه قد صدر من جمع اجراء الحكم المذكور - اعني كون مراسيله كالمسانيد المعتمدة - في حق نفر من علماء ما بعد الغيبة.

فمنهم: الصدوق (رحمه اللّه)(4)، فان المحكي عن الشيخ الحر (رحمه اللّه) في التحرير البناء على جعل مراسيله كالمسانيد، و هو الذي يظهر من الفاضل السبزواري في الذخيرة، حيث أورد رواية ثم

ص: 357


1- لم يرد يونس بن عبد الرحمن في كلام الشيخ الطوسي، فراجع و تأمل.
2- عدة الاصول: 7/1-386.
3- الذكرى: 4.
4- و لقد اعتمد الشيخ الصدوق في تصحيح الأخبار على شيخه محمد بن الحسن بن الوليد، و صرح بأن ما صححه شيخه المذكور هو الصحيح، و ما لم يصححه فمتروك و غير صحيح، كما جاء في الفقيه: 55/2.

قال: و في طريق الرواية عبد الواحد بن عبدوس و لم يثبت توثيقه الا ان ايراد ابن بابويه لهذه الرواية في كتابه مع ضمانه صحة ما يورده فيه قرينة الاعتماد(1). و ضعفه ظاهر لما أوضحناه في محله من عدم وفاء الصدوق (رحمه اللّه) في كتابه بما التزم به في أوله، على أنه - على ما ذكره السبزواري - يلزم أن يكون جميع رجال الفقيه معتمدين، و إن من كان مجروحا عند أهل الرجال يكون ممن تعارض فيه جرح أهل

ص: 358


1- ذخيرة المعاد في شرح الارشاد: 510، في لزوم كفارة الجمع على من أفطر في شهر رمضان على الحرام، و نص عبارته هذا: و لا يخفى إن عبد الواحد بن عبدوس، و إن لم يوثق صريحا، لكنه من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين أخذ منهم الحديث، و في ذلك اشعار بالاعتماد على ما نقله، على إن الظاهر انه من مشايخ الاجازة من المصنفين و النقل من كتاب بعض الرواة المتقدمة عليه، فلا يتوقف الاعتماد على الرواية على حسن حاله. و قد صحح هذه الرواية العلامة في التحرير في نفس المسألة، و كذا في معين النبيه في رجال من لا يحضره الفقيه: 9-10 - خطي -، و اليه ذهب غالب الاخباريين. و لسيد اساتذتنا في معجمه: 38/11 كلام يعجبني نقله. قال دام ظله: ثم إن الصدوق ذكر في العيون عيون اخبار الرضا عليه السلام - باب 35، ذيل الرواية الثانية -: 126/2 - بعد أن روى هذه الرواية بطريق آخر مع اختلاف ما هذا نصه: و حديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس رضي اللّه عنه عندي أصح، و لا قوة الا باللّه. ثم قال السيد: كلام الصدوق قدس سره لا يدل على توثيق عبد الواحد بل و لا على حسنه، فإن تصحيح الصدوق خبره غايته انه يدلّ على حجيته عنده، لأصالة العدالة التي بنى عليها غير واحد، و أما التوثيق أو المدح فلا يستفاد من كلامه.

الرجال و تعديل الصدوق (رحمه اللّه)، و لم أجد أحدا من علمائنا التزمه، بل هو بديهي البطلان.

و مما ذكرنا ظهر سقوط ما عن الشيخ البهائي (رحمه اللّه) من إجراء حكم المسانيد على مراسيل الصدوق (رحمه اللّه)، حيث قال في محكي شرحه للفقيه عقيب رواية ما لفظه: هذا الحديث كتالييه من مراسيل المؤلف، و هي كثيرة في هذا الكتاب تزيد على ثلث الأحاديث الموردة فيه، و ينبغي أن لا يقصر في الاعتماد عن مسانيده من حيث تشريكه بين النوعين، من كونه مما يفتي به و يعتقد أنه حجة فيما بينه و بين اللّه تعالى، بل ذهب جماعة من الأصوليين الى ترجيح مراسيل العدل على مسانيده، محتجين بأن قول العدل قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم). كذا يشعر باذعانه بمضمون الخبر بخلاف ما لو قال: حدثني فلان عن فلان انه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) قال كذا. و قد جعل أصحابنا (رضي اللّه عنهم) مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده في الاعتماد عليها لما علموا من عادته انه لا يرسل الا عن ثقة. فجعل مراسيل المؤلف كمسانيده نظرا الى ما ذكره في صدر الكتاب جار على نهج الصواب. و قد عددنا ما اشتمل عليه هذا الكتاب من المراسيل، فبلغت ألفين و خمسين حديثا، و أما مسانيده فثلاثة آلاف و تسعمائة و ثلاثة عشر حديثا، فجميع الأحاديث المودعة فيه خمسة آلاف و تسعمائة و خمسون حديثا(1)، نسأل اللّه التوفيق لابراز

ص: 359


1- مجموع الأحاديث 5963، لا ما ذكره رحمه اللّه. فلاحظ.

كنوز حقائقها. انتهى ما نقل من كلام البهائي (رحمه اللّه)(1)، و فيه ما عرفت.

و لقد أجاد صاحب التكملة حيث ردّه بوجود الفارق بين مراسيل ابن أبي عمير و مراسيل الصدوق (رحمه اللّه) بما مرّ، ثم قال: و لو قال ابن أبي عمير ما قاله الصدوق (رحمه اللّه)، لقلنا له هو حجة عليه، فلا يلزم من ذلك أن يكون حجة علينا، فلنفحص هل هو حجة علينا أو لا كما فحصت أنت و لكن لما تطأطأت(2) العصابة رءوسها لأحاديث ابن أبي عمير و أضرابه تطأطأناها(3). و نراهم أخذوا في كمال البحث و الفحص لاخبار ابن بابويه في أخذ بعض و طرح بعض، كذلك يجب علينا و هو الفارق و أي فارق، على انا وجدناه في الفقيه يذكر روايتين متناقضتين لا يمكن الفتوى بهما معا، و ذهب الى ما اتفق الأصحاب على خلافه، و لم نجد في اخبار ابن أبي عمير ما أجمعوا على خلافه. ثم قال: و الأعجب أن الفاضل المذكور - يعني البهائي - و الشيخ الحر ذهبا الى وثاقة بعض الرجال لذلك - أي لوقوعه

ص: 360


1- و حكاه في معين النبيه: 10 - خطي -، بألفاظ متقاربة عن شرح الشيخ البهائي للفقيه. و قال في الحبل المتين: 11.. على إن الرواية الاولى من مراسيل الصدوق رحمه اللّه في كتاب من لا يحضره الفقيه، و قد ذكر رحمه اللّه إن ما أورده فيه فهو حاكم بصحته و معتقد انه حجة فيما بينه و بين اللّه تعالى، فينبغي أن لا يقصر مراسيله عن مراسيل ابن أبي عمير و ان تعامل معاملتها، و لا تطرح بمجرد الارسال. (2و3) الظاهر في الموضعين طأطأت، و طأطأناها، و كذا وجدته في الاصل.

في طريق الصدوق في الفقيه - مع أنه لا دخل له بوجه من الوجوه انتهى ما في التكملة،(1) و هو كلام كامل متين، و بالتلقي بالقبول قمين.

و منهم: الشيخ الطوسي (رحمه اللّه)، فان الفاضل المقداد قال في حقه أنه لا يرسل الا عن ثقة، حيث قال في التنقيح ما لفظه:

ص: 361


1- تكملة الرجال: 324/2.

الصواب لمن تدبر طريقته و سيرته في كتابي الأخبار، و أمعن النظر في الديباجة.

و منهم: الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني، فان الفاضل المقداد قال في حقه ذلك، حيث قال في التنقيح ما لفظه: الرابع: ما رواه ابن أبي عقيل مرسلا، و مثله لا يرسل الا عن ثقة خصوصا اذا عمل بالرواية(1). و هو كما ترى مما لم نفهم مستنده و لا له موافقا.

و منهم: محمد بن أحمد بن الجنيد الاسكافي المعروف، فان الشهيد (رحمه اللّه) في الذكرى نطق في حقه ذلك، حيث نقل ارسال ابن الجنيد رواية عن أهل البيت (عليهم السلام) ثم ساق الرواية، ثم قال: و هذه زيادة لم نقف على مأخذها، إلا أنه ثقة، و إرساله في قوة المسند، لانه من أعاظم العلماء(2).

و فيه ما في سوابقه، بل مقتضى العلة التي ذكرها حجية مراسيل جميع أعاظم العلماء. و هو كما ترى. و ما أبعد ما بين ما ذكره و بين ما ارتكبه العلامة (رحمه اللّه) في المختلف من قوله - بعد دعوى الاجماع على طهارة المذي -. و خلاف ابن الجنيد لا يعتد به(3). ثم استند الى

ص: 362


1- التنقيح: 574/1.
2- الذكرى - الشهيد الأول -: 4-253، المسألة الثانية من مسائل نافلة شهر رمضان.
3- المختلف: 57، و ادعى الشهرة لا الاجماع. و قال في صفحة 18: مسألة: اتفق اكثر علمائنا على أنّ المذي لا ينقض الوضوء، و لا اعلم فيه مخالفا منا الا ابن جنيد.. الى آخره.

قول الشيخ في الفهرست في حق ابن الجنيد انه: كان جيد التصنيف حسنه الا أنه كان يرى القول بالقياس فترك لتلك كتبه، و لم يعوّل عليها(1).

و منهم: النجاشي، فان صاحب التكملة مال الى جعل مراسيله كالمسانيد، بل قال بذلك، حيث قال في ترجمة احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري (رحمه اللّه) - بعد جملة من الكلام ما لفظه -:

يمكن استفادة انه معتمد من كلام النجاشي، و ذلك أنه يظهر منه أنه لا يروي عن الضعفاء من غير واسطة، كما استظهر منه الشيخ البهائي (رحمه اللّه) ايضا(2)، و صرح به هو - أي النجاشي - في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيد اللّه بن الحسن قال فيها:

رأيت هذا الشيخ و كان صديقا لي و لوالدي، سمعت منه شيئا كثيرا، و رأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا و تجنبته.. الى آخره(3).

و هذا مبالغة في التحرز، فانه بمجرد تضعيف شيوخه له ضعّفه مع معاشرته إياه، و عدم اطلاعه على ضعفه. و قال - أيضا - في ترجمة محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه: رأيت هذا الشيخ و سمعت منه كثيرا، ثم توقفت عن الرواية عنه الا بواسطة بيني و بينه(4). و له مثل هذا الكلام في اسحاق بن الحسن بن بكير(5)، فقد

ص: 363


1- الفهرست للشيخ: 268.
2- مشرق الشمسين - المقدمة -: 7.
3- رجال النجاشي: 67 تكملة الرجال - للشيخ عبد النبي الكاظمي -: 130/1.
4- رجال النجاشي: 309.
5- رجال النجاشي: 57. و في المصدر: بكران بدلا من: بكير.

ثبت بهذا انّ النّجاشي لا يروي عن الضّعفاء من غير واسطة، و هو روى عن أحمد بن الغضائري بغير واسطة.. الى آخر كلام صاحب التكملة)(1). و قال - أيضا في ترجمة محمّد بن أبي عمير عند تعداد الّذين مراسيلهم كالمسانيد ما لفظه -: (و من ذلك النّجاشي - المشهور - فانّه صرّح في كتاب الرّجال انّه لا يروي الاّ عن ثقة، و قد نقلنا كلامه في ترجمة أحمد بن الحسين الغضائري، فيثبت باعترافه انّ الراوي عنه ثقة عنده، و هل يقتضي ذلك أن يكون ثقة عندنا؟ احتمالان، الأظهر نعم، لحصول الظّن بقوله، كقوله: هو ثقة، لا فرق الاّ من جهة التّخصيص و التّعميم، و هذا لا يقتضي التّفرقة في الحكم، اذ كلّ من الخصوص و العموم حجّة يجب العمل به، فهو كقول القائل كلّما اشتمل عليه هذا الصندوق فهو لزيد)(2). و أنت خبير بأنّ الّذي أفاده في ترجمة ابن الغضائري انّما هو عدم رواية النّجاشي عن الضّعفاء بغير واسطة، و انّه لا يروي الاّ عن ثقة، و كلامه نصّ في ذلك، الاّ انّه لا ربط له بعدم الارسال الا عن ثقة الّذي رام في ترجمة ابن أبي عمير اثباته من كون مراسيل النّجاشي كالمسانيد، بل هو كغيره من الثّقات في عدم حجيّة مراسيله، كما لا يخفى(3).

ص: 364


1- ذكره في الجزء الأول من تكملة الرجال: 1-130، من الترجمة المذكورة.
2- تكملة الرجال: 325/2، بنصه.
3- انظر: مستدرك رقم (128) خفي الارسال و المزيد في متّصل الاسناد.
تذنيب: كلّ ثقة لا يرسل و لا يروي الا عن ثقة

يظهر ممّا سمعته من الشّهيد (رحمه اللّه) في الذّكرى ، و الفاضل المقداد في التّنقيح، القول بأنّ كلّ ثقة لا يرسل و لا يروي الاّ عن ثقة، و عند الأخباريّة انّ المحمّدين الثّلاثة لا يروون الاّ الخبر الصّحيح كابن أبي عمير، و ضعفه ظاهر، كما أوضحناه في مقدّمات التّنقيح(1)، فلاحظ](2).

الأمر الثاني: انّه قال في البداية(3) و غيره، انّ طريق ما يعلم به الارسال في الحديث امران: جليّ و خفيّ .

فالأوّل: بعدم(4) التّلافي بين الرّاوي و المرويّ عنه، امّا لكونه لم يدرك عصره، أو ادركه و لكن لم يجتمعا و ليست له منه اجازة و لا وجادة، و من ثمّ احتيج الى التّاريخ لتضمنه تحرير مواليد الرّواة و وفاتهم، و أوقات طلبهم، و ارتحالهم، و قد افتضح أقوام ادّعوا الرّواية عن شيوخ ظهر بالتّاريخ كذب دعواهم.

ص: 365


1- تنقيح المقال: - المقدمة - المقام الثالث: 179/1.
2- انتهت الزيادة على الطبعة الثانية: ثمّ ان قلنا بانجبار ضعف سند الحديث باشتهار عمل الفقهاء به، ثبت حجيّة المرسل الّذي عملوا به، قال سيّد المستمسك طاب ثراه: 317/5 - بعد ذكره لمرسلة أيّوب بن نوح الواردة في صلاة العاري -: و ارسالها غير قادح لاعتماد جماعة من الأكابر عليها كالفاضلين و الشهيدين، و المحقّق الثّاني و غيرهم. و أيضا قد يحصل وثوق و اطمينان بصدور المرسل عن المعصوم عليه السلام فيكون حجّة عند من اعتبر ذلك، كم له من نظير في الفقه.
3- البداية: 49 [البقال: 142/1-143].
4- في نسختنا بعد، و هو غلط.

و الثّاني: ان يعبّر في الرّواية عن المرويّ عنه بصيغة(1) تحتمل اللقاء و عدمه، مع عدم اللقاء في الواقع، كعن فلان، و قال: فلان كذا، فانّهما و إن استعملا في حالة يكون قد حدّثه يحتملان كونه حدّث غيره، فاذا ظهر بالتّثبّت(2) كونه غير راو عنه، تبيّن الارسال، و هو ضرب من التّدليس(3)، و سيأتي ان شاء اللّه تعالى.

و منها:

6 - المعلّل :

اشارة

6 - المعلّل(4):

و له اطلاقان:

احدهما:

اصطلاح أواخر الفقهاء (رضي اللّه عنهم)، فانهم يطلقونه

ص: 366


1- في درايتنا: بصفة، و المعنى واحد.
2- في الدّراية: التنقيب، و المعنى واحد.
3- انظر مستدرك رقم (129) تعارض الوصل و الارسال. و مستدرك رقم (130) فوائد عشر حول المرسل.
4- المعلل - بفتح اللام - بمعنى المرض، من علّ يعلّ و اعتلّ اي مرض فهو عليل، و لحن من قال معلول - كالبخاري و الترمذي و الحاكم و مسلم و القاسمي في قواعد التحديث: 131 و غيرهم ممن أفرده بكتاب أو عنوان - بدعوى ان اسم المفعول من أعل الرباعي لا يتأتى على مفعول، و الأجود فيه: معلّ - بلام واحدة - لأنه مفعول أعل قياسا، و معلل مفعول علل، و هو لغة بمعنى ألهاه عن الشيء و شغله عنه، كما في التدريب: 251/1 و غيره، لاحظ أصول الحديث: 291، معرفة علوم الحديث: 114، شرح السخاوي: 210/1، و غيرها. و قد وجّه شيخنا المصنف (قدس سره) بما لا يخلو من تأمل. و عنونه في المحصول بما كان فيه مظنة ريبة، و يقال للمعلل: معرفة علل الحديث كما عبر عنه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 112 و غيره، كذا عنونه القدماء، قال ابن الصلاح في المقدمة: 194 معرفة الحديث المعلل. ثم قال: و يسميه أهل الحديث: المعلول. لاحظ الفوائد في المستدرك. و على كل هو ما كان ظاهر السلامة و اطلع فيه بعد التفتيش على قادح. انظر في كتب اللغة مادة علل: لسان العرب: 467/11-474، تاج العروس: 4/8-31، القاموس المحيط: 20/4، المصباح المنير: 583/2، النهاية: 291/3، معجم مقاييس اللغة: 111/4، مجمع البحرين: 428/5 و غيرها.

على حديث اشتمل على ذكر علّة الحكم و سببه، تامة كانت العلّة - كما في موارد تتعدى بها الى غير المنصوص لوجودها فيه كاسكار الخمر - أو ناقصة، و هو المسمى بالوجه و المصلحة كرفع أرياح الآباط في غسل الجمعة.. و نحوه مما يقرب الى حد تعذر الضبط.

ثانيهما: اصطلاح المحدثين و أهل الدراية(1)، فانهم يطلقونه على حديث اشتمل على أمر خفي غامض في متنه أو سنده في نفس الأمر، قادح في اعتباره مع كون ظاهره السلامة بل الصحة(2)، فهو بهذا الاطلاق مأخوذ من العلة بمعنى المرض، و بالاطلاق الأول من

ص: 367


1- كما في البداية: 50 [البقال: 144/1]، و المقدمة لابن الصلاح: 194، و أصول الحديث: 291 بألفاظ متقاربة، و الوجيزة: 8، شرح الألفية: 209/1-211، وصول الأخيار: 111، و كذا جامع المقال: 5 ثم قال: و في أخبارنا كثير.
2- فعليه يتطرق الى الاسناد الجامع لشروط الصحة الظاهرية، و كثيرا ما يكون كذلك، و صنف المسند معللا - أي بيان علته -.

العلة بمعنى السبب، كما انه بهذا الاطلاق من أوصاف الحديث الضعيف. و أما على الاطلاق الأول فهو من الأوصاف المشتركة بين الأنواع الأربعة، و يسمى بالاطلاق الثاني بالمعلول أيضا كما صرح به جمع، و ليتهم سموه بالاطلاق الثاني معلولا - من العلة بمعنى المرض - و بالاطلاق الأول معللا حتى يفترقا.

فان قلت: ان تركهم لذلك لعله من جهة كون المعلول لحنا، لأن اسم المفعول من أعل(1) الرباعي لا يأتي على مفعول، و لذا قال في القاموس: (أعله اللّه تعالى فهو معل و عليل و لا تقل معلول.

و المتكلمون يقولونها، و لست منه على ثلج(2). اي على طمأنينة.

قلت: كما أن معلول من العلّة بمعنى المرض غير مستقيم على القياس، فكذا معلل لا يستعمل من أعلّ بمعنى أصابه مرض، و إنما القياس في اسم مفعول أعلّ معلّ - بلام واحدة - و أما معلّل - بلامين - فهو اسم مفعول علل بمعنى ألهاه بالشيء و شغله، فظهر ان كلا من معلّل و معلول على خلاف القياس، فحيث استعملوا الأول كان لهم أن يستعملوا الثاني أيضا.

و على كل حال فمعرفة المعلّل و تمييزه من أجل أنواع علوم الحديث و أشرفها و أدقها، و إنما يتمكن منها أهل الخبرة بطريق الحديث

ص: 368


1- في الطبعة الثانية: علل.
2- القاموس: 20/4.

و متونه و مراتب الرواة الضابطة لذلك، و أهل الفهم الثاقب في ذلك(1).

و يستعان على ادراك العلل المذكورة بتفرد الراوي بذلك الطريق، أو المتن الذي يظهر عليه قرائن العلّة، و بمخالفة غيره له في ذلك مع انضمام قرائن تنبّه العارف على تلك العلة من ارسال في الموصول(2). أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم، أو غير ذلك من الأسباب المعللة للحديث بحيث يغلب على الظن ذلك و لا يبلغ اليقين، و إلا لحقه حكم ما تيقن من ارسال أو غيره، فإذا ظن العلة حكم بعدم حجيته، و إن تردد في ثبوت تلك العلة من غير ترجيح يوجب الظن لزم التوقف، و الطريق الى معرفة العلّة جمع الأحاديث و النظر في أسانيدها و متونها، و ملاحظة أن راوي

ص: 369


1- قال في نهاية الدراية: 102: قالوا و هو أغمض أنواع علوم الحديث و أدقها، و لا يقوم به الا من رزقه اللّه تعالى فهما ثاقبا و حفظا واسعا، و معرفة تامة بمراتب الرواة، و ملكة قوية بالأسانيد و المتون. و الكلام لابن حجر في شرح النخبة: 21، كما حكاه صبحي الصالح في علوم الحديث: 180، و نظيره في التدريب: 251/1 و لاحظ أصول الحديث: 291، و قال السخاوي في فتح المغيث: 219/1:.. و لذا لم يتكلم فيه الا الجهابذة، و لخفائه كان بعض الحفاظ يقول معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل، و قيل هو الهام...! الى آخر ما أورده، و في معرفة علوم الحديث: 112 قال: و إنما يعلّل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فان حديث المجروح ساقط واه، و علة الحديث يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولا، و الحجة فيه عندنا الحفظ و الفهم و المعرفة لا غير.
2- في الطبعة الاولى: الموقوف، و هو غلط.

أيها أضبط و أتقن، كما صرح بذلك كلّه جمع منهم ثاني الشهيدين في البداية(1).

تنبيهات
الأول: العلة لا تنافي الصحة

الأول: انه قال في البداية و غيره ان: (هذه العلة عند الجمهور مانعة من صحة الحديث على تقدير كون ظاهره الصحة لو لا ذلك، و من ثمّة شرطوا في تعريف الصحيح سلامته عن العلة، و أما أصحابنا فلم يشترطوا السلامة منها، و حينئذ فقد ينقسم الصحيح الى معلل و غيره، و إن ردّ المعلل كما يردّ الصحيح الشاذ، و بعضهم وافقنا على هذا أيضا، و الاختلاف في مجرد الاصطلاح)(2).

و أقول: ما ذكره مناف لعدّه المعلل في النوع المختص من الأوصاف بالحديث الضعيف، إلا أن يعتذر بأنه لما كان حكمه مطلقا حكم الضعيف من ردّه و عدم قبوله، عده في أقسام الضعيف كما عدّ الشاذ بسبب قبول بعضه في النوع المشترك بين الأقسام الأربعة، و إن كان بعضه الآخر مردودا(3).

ص: 370


1- البداية: 50 [البقال: 144/1]، و انظر وصول الأخيار: 99، و نهاية الدراية: 101، و تدريب الراوي: 254/1، و شرح الألفية: 209/1-220 و غيرها.
2- البداية: 51 [البقال: 145/1] و بقية المصادر السابقة.
3- و على كل لم نفهم وجه عدهم للمعلل من أقسام الضعيف المختصة، الا أن نقول بما قاله والد الشيخ البهائي في وصول الأخيار: 99 بكون المعلل غير صحيح، فصح عده في الضعيف عنده دون غيره، فتدبر.
الثاني: العلة في الاسناد و المتن

الثاني: ان العلّة تقع في الاسناد تارة، و في المتن اخرى(1)، و الأول كثير(2)، و الثاني قليل، و ما وقع منهما في السند قد يقدح فيه و في المتن أيضا كالإرسال و الوقف، و قد يقدح في الاسناد خاصة، و يكون المتن مرفوعا صحيحا، مثل حديث يعلى بن عبيد الطنافسي، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) قال: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) فان في السند علة و هي غلط يعلى بتسمية عمرو بن دينار، و إنما الراوي عن ابن عمر هو عبد اللّه بن دينار(3)، فاذا احرز ذلك كان السند

ص: 371


1- و فيهما ثالثة، و قد ذكر هذا الصنف الثالث جماعة و أهمله المشهور، و تجد له أمثلة في علل الحديث: 172، و اصول الحديث: 294-295 و غيرهما. اقول: ان ما يقع في الاسناد قد يقدح في صحة الاسناد و المتن جميعا كما في التعليل بالارسال و الوقف، و قد يقدح في الاسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن، و لعل الثالث يرجع الى هذا.
2- كما صرح السيوطي تبعا للنووي في التقريب، التدريب: 254/1، و سبقهما ابن الصلاح في المقدمة: 195 و غيرهم، و عليه يقدح في الحديث متنا غالبا، و قد يقتصر عليه كما لو كانت خفية سواء كان الاعلال بالوقف أو الارسال أو الانقطاع و غيرها، و قد مثل لها بأمثلة كثيرة في معرفة علوم الحديث: 113، و فتح المغيث: 214/1 و ما بعدها و غيرهما. هذا مع امكان كون السند رجاله ثقات و الحديث جامع لشروط الصحة من حيث الظاهر.
3- كما مثّل له بهذا المثال النووي في التقريب و شارحه في التدريب: 254/1، و السخاوي في شرحه: 213/1، و ابن الصلاح في المقدمة: 195، و على كل هما عند العامة اخوان و ثقتان و لا جرح فيهما، كما هو الحال عندنا في أحمد بن محمد بن عيسى و أحمد بن محمد بن خالد و كلاهما ثقة، و علي بن الرئاب و علي بن الريان، أو علي بن حنظلة و الغالب أخوه عمر بن حنظلة، و الكل ثقة و لا قدح بحال.

معللا، و المتن صحيحا مرفوعا(1).

الثالث: العلة تكثر في كتاب التهذيب

الثالث: انه قال في البداية: (ان هذه العلة توجد في كتاب التهذيب متنا و اسنادا بكثرة، و التعرض الى تمثيلها(2) يخرج الى التطويل المنافي لغرض الرسالة)(3).

و أقول: ان تمّ ما ذكره، لزم عدم جواز التعويل على شيء مما في التهذيب الا بعد فحص موجب للظن بانتفاء العلة في متنه و سنده، و ترى لا يلتزم به أحد.

الرابع: مدعي العلة قاصر عن التعليل غالبا

الرابع: قيل انه ربما تقصر عبارة مدعي كون حديث معللا عن إقامة الحجة على دعواه، كالصيرفي في نقد الدينار و الدرهم، و قد حكي عن بعض محدثي العامة(4) انه قال: في معرفة علم الحديث

ص: 372


1- و من ضروب العلة في المتن كون الحديث مضطرب المتن من راو واحد دون السند، أو مخالفته للقواعد العربية أو لدليل قاطع، أما في السند فكالاشتراك أو عدم اللقاء قطعا أو قرائن اخر كإرسال خفي أو تداخل الاسناد فيوجب غلبة الظن بالوهم و الخلل فيحكم بعدم الصحة أو التوقف.
2- في درايتنا: الى مثلها.
3- البداية: 51 [البقال: 145/1]. أقول: للشيخ يوسف البحراني (رحمه اللّه) في حدائقه: 209/4 بحث شيق و نقاش حاد للعبارة، فراجع.
4- و هو ابن المهدي كما في التدريب: 252/1، و محاسن الاصطلاح للبلقيني: هامش المقدمة: 197. و لم ينسبه له في فتح المغيث: 219/1، فراجع. و قد مرت ترجمة ابن المهدي.

الهام لو قلت للعالم بعلل الحديث من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة، و كم من شخص لا يهتدي لذلك، فالعارف بالعلّة كالصيرفي تحصل له المعرفة بالمجالسة و المناظرة و الخبرة و لا يكون له غير الخبرة(1) حجة.

الخامس: العلة قد تطلق على غير مقتضاها

الخامس: انه قد تطلق العلة على غير مقتضاها الذي قدمناها من الأسباب القادحة، ككذب الراوي و فسقه و غفلته و سوء حفظه و.. نحوها من أسباب ضعف الحديث(2)، و عن الترمذي انه سمى النسخ علة(3).

و قيل(4) عليه أنه إن أراد أن النسخ علّة في العمل بالحديث

ص: 373


1- خبرته: خ. ل.
2- و أنواع الجرح، كما حكاه في وصول الأخيار: 99 [التراث: 111]، و أصول الحديث: 297، و مقدمة ابن الصلاح: 35 و غيرهم، و قد تطلق العلة على أسباب لا تقدح في الحديث كإرسال ما وصله الثقة الضابط مثلا، حتى قيل: من الصحيح صحيح معلل كما قيل منه صحيح شاذ، كل هذا على مذهبنا من عدم اشتراط السلامة من العلة في الحديث الصحيح. و قد يرد عندنا المعلل الصحيح كما يرد الصحيح الشاذ، و خالفنا أهل الخلاف الا من شذ و قد مرّ.
3- هذا نص ما ذكره النووي في تقريبه و أيده الشارح في تدريبه: 257/1-258، و غيره عنه. و قد نسب الى الخليل بن عبد اللّه الخليلي اطلاق اسم العلة على غير القادح توسعا كما في قواعد التحديث: 131، و سبقه السخاوي في فتح المغيث: 218/1 و غيرهما، و ذلك كالحديث الذي وصله الثقة و أرسله غيره.
4- القائل هو العراقي من محدثي العامة، و حكاه عنه غير واحد كشارح الألفية: 219/1 و غيره، و لعله سبقه غيره.

فصحيح(1)، أو في صحته فلا، لكثرة الأحاديث الصحيحة المنسوخة.

السادس: الأقسام العشرة للمعلل

السادس: أنه قسّم بعض محدثي العامة(2) أجناس المعلل الى عشرة:

احدها: أن يكون السند ظاهره الصحة، و فيه من لا يعرف بالسماع ممن روى عنه.

ثانيها: أن يكون الحديث مرسلا من وجه رواة الثقات الحفاظ، و يسند من وجه ظاهره الصحة(3).

ثالثها: أن يكون الحديث محفوظا عن صحابي و يروي عن غيره، لاختلاف بلاد رواته، كرواية المدنيين عن الكوفيين.

رابعها: أن يكون محفوظا عن صحابي يروي عن تابعي يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحته(4)، بل و لا يكون معروفا من جهته.

ص: 374


1- اي من كونه علة انه لا يعمل بالمنسوخ فهو جيد مقبول، و الا فلا يمكن أن يريد به العلة الاصطلاحية كما هو ظاهر. فتدبر عبارة المصنف رحمه اللّه فهي قاصرة كعبارة السيوطي.
2- و هو الحاكم في معرفة علوم الحديث: 119، و ما ذكره المصنف قدس سره حاصل الأجناس و ملخصها، و ذكرها و مثل لها البلقيني في محاسن الاصطلاح 198-203 - من المقدمة -.
3- و لكن فيه علة تمنع من صحة السند.
4- الظاهر: صحبته، و لعله تصحيف، و ان صح الأول.

خامسها: أن يكون روى بالعنعنة، و سقط منه رجل دل عليه طريق آخر محفوظ.

سادسها: أن يختلف على رجل بالاسناد و غيره، و يكون المحفوظ عنه ما قابل الاسناد(1).

سابعها: الاختلاف على رجل في تسمية شيخه أو تجهيله.

ثامنها: أن يكون الراوي عن شخص أدركه و سمع منه، لكنه لم يسمع منه أحاديث معينة، فاذا رواها عنه بلا واسطة فعلّتها انه لم يسمعها منه.

تاسعها: أن يكون طريقه معروفا يروي أحد رجاله حديثا من غير ذلك الطريق، فيقع ما رواه من ذلك الطريق في(2) الوهم.

عاشرها: أن يروي الحديث مرفوعا من وجه و موقوفا من وجه(3).. الى غير ذلك من الأقسام.

و منها:

ص: 375


1- فيكون ذلك علة في المسند.
2- في الطبعة الاولى: بناء على الجارة في الوهم. و هو غلط، و هنا سقط و الصحيح: فيقع من رواه من تلك الطريقة «ثنا» على الجادة في الوهم.
3- قال الحاكم في معرفة علوم الحديث: 119: فقد ذكرنا علل الحديث على عشرة أجناس و بقيت أجناس لم نذكرها و إنما جعلتها مثالا لأحاديث كثيرة معلولة ليهتدي اليها المتبحر في هذا العلم، فان معرفة علل الحديث من أجلّ هذه العلوم، و ذكر في التدريب: 258/1-261، و كذا البلقيني في المحاسن كما مرّ أمثلة كثيرة فراجعها. انظر مستدرك رقم (131) من ألّف في المعلل. و مستدرك رقم (132) فوائد في المعلل.

7 - المدلّس :

7 - المدلّس(1):

بفتح اللام المشددة، اسم مفعول من التدليس، تفعيل من الدّلس، بمعنى الظلمة(2)، و أصله من المدالسة، بمعنى المخادعة، كأن المدلّس لما روى المدلّس للمروي له أتاه في الظلمة و خدعه(3).

قال في البداية: و اشتقاقه من الدلس - بالتحريك - و هو اختلاط الظلام، سمي بذلك لاشتراكهما في الخفاء، حيث ان الراوي لم يصرح بمن حدثه، و أوهم سماعه للحديث ممن لم يحدثه(4)

و هو قسمان(5):

احدهما: تدليس الاسناد، و هو أن يخفي عيبه الذي في

ص: 376


1- و يقال له: تدليس، و المعنى واحد.
2- بمعنى اختلاط الظلام، كأنه لتغطيته على الواقف عليه أظلم أمره. قال في مجمع البحرين: 71/4: و الدلسة - بالضم - الخديعة. و قال في معجم مقاييس اللغة: 296/2:.. و منه قولهم لا يدلس أي لا يخادع، و أصل آخر يدل على القلّة، يقول العرب: تدلست الطعام اذا أخذت منه قليلا قليلا. انظر النهاية: 129/2، المصباح المنير: 270/1، تاج العروس: 153/4، القاموس المحيط: 216/2، لسان العرب: 7/6-86.
3- و على كل، كل من أخفى عيب الشيء و أظهر حسنه قيل له مدلس، و دلس في البيع و في كل شيء اذا أخفى ما به من عيب، و في البيع كتمان عيب السلعة على المشتري، و منه تدليس الماشطة.
4- البداية: 51 [البقال: 146/1]، قال في الوجيزة: 8: او أوهم السماع ممن لم يسمع منه لو تعدد شيخه بايراد ما لم يشتهر من ألقابه مثلا فمدلس.
5- لاحظ مستدرك رقم (133) في أقسام التدليس: القطع، العطف، السكون، البلاد، التجويد، التسوية.

السند، و هو قسمان(1) أيضا:

الأول(2): أن يروي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمع منه على وجه يوهم انه سمعه منه(3)، فانه قد دلّس بايراده بلفظ يوهم الاتصال و لا يقتضيه كأن يقول: قال فلان، أو عن فلان، و التقيد باللقاء أو المعاصرة لإخراج ما لو لم يلقه و لم يعاصره، فان الرواية عنه ليس تدليسا على المشهور(4). و قال قوم إنه تدليس، فلم يعتبروا قيد اللقاء و المعاصرة. و حدوه بأن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضي تصريحا بالسماع(5). و حكي عن ابن

ص: 377


1- و قد أفرد كل من القسمين الخطيب البغدادي بكتاب، كما صرح بذلك في كفايته: 510، و ذكر كتاب: التبيين لأسماء المدلسين في: 515 من الكفاية. لاحظ مستدرك رقم (134) أقسام التدليس في الاسناد.
2- و يمكن أن يعدّ له أنواع، كما فعل البعض لاحظ شرح ألفية الحديث للعراقي: 169/1 و غيرها.
3- او عمن عاصره و لم يلقه موهما انه قد لقيه و سمعه. و ذهب جمع منهم كالبزاز الى ما هو أخص من هذا فقال: هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه، ثم قد يكون بينهما واحد و قد يكون أكثر. و من شأنه أن لا يقول في ذلك أخبرنا فلان و لا حدثنا و ما أشبههما، و إنما يقول قال فلان أو عن فلان و نحو ذلك كما صرح به ابن الصلاح في المقدمة: 166. ثم ان كل صيغة تقتضي سماعه منه فهو كذب و ليس تدليسا.
4- حيث عدّ من المرسل الخفي، فهما و إن اشتركا في الانقطاع إلا أن المرسل يختص بمن روى عمن عاصره و لم يعرف انه لقيه دون ذاك.
5- كما لو قال فيما لم يسمعه: حدثني أو سمعته يقول.. أو غير ذلك من الألفاظ الصريحة في اللقاء، فعندها يكون كاذبا لا مدلسا. مع أن شرط التدليس عدم الكذب، و إن قيل انه أخو الكذب، فهو هنا يحكي ما لم يسمعه، و قد ادعى عليه الشهرة في التدريب: 224/1، و كذا العراقي، إلا أن قوما منهم عدوه من التدليس. و عليه فلا فرق بينه و بين الإرسال، لأن الإرسال عبارة عن روايته عمن لم يسمع منه، و هذا الذي ذكروه كذلك. لاحظ مستدرك رقم (135) الفرق بين التدليس و الإرسال الخفي.

القطان(1) اعتبار المعاصرة، و اسقاط قيد عدم السماع، فحده بأنه أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمع منه من غير أن يذكر انه سمعه منه، و عن بعضهم التقييد باللقاء خاصة، و جعل قسم المعاصرة ارسالا خفيا(2).

الثاني: أن لا يسقط شيخه الذي أخبره و لا يوقع التدليس في أول السند، و لكن يسقط ممن بعده رجلا ضعيفا أو صغير السن، ليحسن الحديث باسقاطه(3).

و قد صرح جمع بأن من حق المدلس بأحد هذين القسمين و شأنه بحيث يصير مدلسا لا كذابا أن لا يقول حدثنا، و لا أخبرنا و.. ما أشبههما لأنه كذب صريح، بل يقول: قال فلان، أو عن فلان،

ص: 378


1- مرت ترجمته في صفحة: 230، فراجع.
2- قيل: و غرضه ترويج الحديث و تحسينه! و علو الاسناد أو الترفع عن ان يرويه عمن رواه عنه! و هو عذر أقبح من فعل.
3- و يقال له: تدليس التسوية، لاحظ ما استدركنا برقم (133) في أقسام التدليس. و من هذا ما لو دلس في الاسناد بأن أوجد عيبا في السند كتجهيل شيخه أو غيره من الرواة.

أو حدّث فلان، أو أخبر فلان، أو... نحو ذلك(1)، حتى يوهم أنه أخبره. و العبارة أعم من ذلك فلا يكون كاذبا، و هذا القسم من التدليس بقسميه مذموم جدا(2)، لما فيه من ايهام اتصال السند مع

ص: 379


1- من الصيغ المحتملة التي يوهم بها الاتصال. و عقد الخطيب لهذه الألفاظ بابا في الكفاية: 515-517، و تعرض له غيره عرضا. انظر كشاف اصطلاحات الفنون: 276/2.
2- قال في وصول الأخيار [التراث: 113] و هو مكروه جدا بين أهل الحديث حتى قال بعضهم: من عرف به صار مجروحا مردود الرواية، و عن نهاية الدراية: 103: انه محرم لا مكروه في خصوص تدليس الاسناد، و سبقهم الخطيب البغدادي في الكفاية: 508، فقال: التدليس للحديث مكروه عند أكثر أهل العلم، و قد عظم بعضهم الشأن في ذمه، و تبجح بعضهم بالبراءة منه.. و عن شعبة بن الحجاج: التدليس أخو الكذب، ثم قال: التدليس في الحديث أشد من الزنا. و قال الطيالسي: لئن أخر من السماء الى الأرض أحب الي من أن أدلس، أقول: زعم فلان و لم أسمع ذلك الحديث منه، و نقل عبارات جمهور من كره التدليس أو حرمه، انظر الكفاية: 508-511 [ط ج: 516-527]. و قد نقل عن بعض علماء الحديث قولهم: لئن ازني احب اليّ من أن أدلس، و الظاهر أنه غلط حيث هو تصحيف: لئن اربي من الربا بمعنى زيادة الروايات و تكثيرها كما في تدريب الراوي: 228/1، و انظر شرح ألفية العراقي للسخاوي: 177/1، و علوم الحديث: 171، و حكاه عن التوضيح: 366/1. و مقدمة ابن الصلاح: 169-172، و محاسن الاصطلاح: 170 - هامش المقدمة -. و على كل، هو توعير للطريق على السامع، و يشكل اطلاق الكذب على بعض أقسامه جزما و يحرم قطعا فيما لو غير حكما أو أوجب بدعة أو أضل جمعا. و استثنى الميرزا القمي في القوانين: 488 من المذموم ما كان لأجل تقية أو غيرها من الأغراض الصحيحة.

كونه مقطوعا، فيترتّب عليه أحكام غير صحيحة، حتّى قال بعضهم:

انّ التّدليس أخو الكذب.

و في جرح من عرف به حتّى ترد روايته الّتي لم يدلّس فيه(1) ايضا(2) اقوال:

احدها: الرّد مطلقا(3) لسقوطه عن العدالة بالتّدليس المترتّب عليه الضّرر، حيث أوجب وصل المقطوع و اتّصال المرسل في مستند الحكم الشّرعي، فقد دلّس في الحقيقة في حكم اللّه تعالى، و هو جرح واضح(4).

ثانيها: عدم الرّد بمجرّد ذلك بل ما علم فيه من التّدليس يرد،

ص: 380


1- كذا، و الظاهر: لم يدلس فيها.
2- لا كلام في عدم قبول الأحاديث المدلّس بها لو علم ذلك لعدم قبولها جزما، و إنّما الكلام من عرف بالتدليس و لو مرّة ثم روى حديثا نعلم انه لم يدلّس به، ففي قبوله ما ذكره المصنف قدس سره من الخلاف، فتدبّر، و الحق أن النّزاع أعم، و عبارة المصنف قدس سره لا تتلاءم مع ذيلها و لا الأقوال التي ذكرها، فتدبّر.
3- اي سواء تبيّنوا السماع أم لا، دلّسوا عن الثّقات أم لا، صرّحوا بما يقتضي الاتّصال أم لا، نسب هذا ابن الصّلاح في مقدّمته: 171 الى فريق من أهل الحديث و الفقهاء، و عدّ مجروحا، و اختاره الخطيب في كفايته: 508 و ما بعدها، و غيرهما من المحدّثين و الفقهاء، حتّى انّ من احتجّ بالمراسيل و قبلها رفضه لكونه بنفسه جرحا و فيه من الغش، حيث عدل عن الكشف الى الاحتمال و التّهمة و توعير الطريق و ترتّب أحكام شرعيّة كانت منتفية لولاه، و إثبات احكام خر كانت مرفوضة بسواه، و هو الأقوى.
4- لاحظ الفائدة الثامنة من المستدرك رقم (137).

و ما لا فلا. لأن المفروض أنه كان ثقة بدونه، و التدليس ليس كذبا، بل تمويها غير قادح في العدالة(1).

ثالثها: ما استجوده في البداية(2) من التّفصيل بالقبول لحديثه ان صرّح بما يقتضي الاتّصال، كحدثنا و أخبرنا، و عدم القبول ان أتى بما يحتمل الأمرين كعن فلان و قال فلان، و انّه حينئذ حكمه حكم المرسل، قال: و مرجع هذا التفصيل الى انّ التّدليس غير قادح في العدالة، و لكن تحصل الرّيبة في اسناده لأجل الوصف، فلا يحكم باتّصال سنده الاّ مع اتيانه بلفظ لا يحتمل التّدليس، بخلاف غيره فانّه يحكم على سنده بالاتّصال عملا بالظّاهر حيث لا معارض له(3).

ص: 381


1- هذا مذهب جمهور علماء الزيديّة كما في توضيح الأفكار: 347/1 عن علوم الحديث: 171، بل غالب علماء العامّة عملا إن لم نقل كلّهم جمعا - لما ذكرناه في المستدرك عنهم - أما من يقبل المرسل مطلقا فقد قبل هذا قولا و عملا كما هو واضح، و حكاه الخطيب في الكفاية: 510 عن خلق كثير من أهل العلم من قبولهم ايّاه، سواء صرّحوا به أم لا فهو غير هذا، فتدبّر و راجع، ثمّ قال: و زعموا أن نهاية أمره أن يكون مرسلا.
2- البداية: 52 [البقال: 148/1] و نظيره في توضيح المقال: 60 قال: و التّدليس ليس كذبا، بل تمويها غير قادح في العدالة.. الى آخره، و هو لابن الصّلاح في المقدّمة: 171 قال: و الصحيح التفصيل و إن ما رواه المدلّس بلفظ محتمل لم يبيّن فيه السماع و الاتّصال حكمه حكم المرسل و أنواعه، و ما رواه بلفظ مبيّن للاتّصال نحو: سمعت و حدّثنا و أخبرنا.. و أشباهها فهو مقبول محتجّ به.
3- البداية: 52 [البقال: 148/1] فالقبول حيث احرزت الشرائط، و هذا القول للسيوطي في تدريب الراوي: 229/1 و عبّر عنه بأنه الصحيح، و نسب القول الأول الى الشّافعي في علوم الحديث: 171، و قال في الكفاية: 515: خبر المدلّس لا يقبل الاّ أن يورده على وجه مبيّن غير محتمل للايهام، فان أورده على ذلك قبل، و هذا هو الصّحيح عندنا، و كذا في مقدّمة ابن الصّلاح: 169 [عائشة: 171]، و شرح الفيّة العراقي: 173/1، و غيرها، و نسبه الأخير الى اكثر أئمة الحديث و الفقه و الأصول في فتح المغيث: 175/1، و اختاره - غير ما ذكر - الشّافعي و ابن معين و ابن المديني. انظر بقيّة الأقوال في مستدرك رقم (136).

ثم انّ عدم اللقاء الموجب للتدليس يعلم باخباره عن نفسه بذلك، و بجزم عالم مطّلع عليه.

و في كفاية أن يقع في بعض الطرق زيادة راوي بينهما وجهان، اختار ثانيهما في البداية(1) لاحتمال أن يكون من المزيد في الاسناد المتقدم تفسيره، قال: (و لا يحكم في هذه الصورة بحكم كلي، لتعارض الاتصال و الانقطاع)(2). و غرضه بذلك أن أصالة عدم كون الراوي في السند الآخر معارضة بأصالة عدم نقص راوي من هذا السند فتتساقطان و لا يحكم بشيء منهما(3)، لكن لا يخفى عليك جواز العمل بهما ما لم يثبت سقوط شيء من السند(4).

ص: 382


1- البداية: 53 [البقال: 148/1] و يحتمل أن يكون نوعا من الدرج في الاسناد أو من أنواع المقلوب، فتدبر.
2- البداية: 53 [البقال: 148/1].
3- و لازمه عدم وجود أصل في البين، و عليه يسقط الخبر عن الاعتبار حيث انتفى شرطه في الزائد، و لم يثبت التدليس طبعا.
4- أما لو أسقط من السند راويا ضعيفا عمدا مع علمه بضعفه فهو تعمد للكذب و التمويه و جرح له لتدليسه على المسلمين أمر دينهم، نعم لو احتمل منه السماع لم يحكم بالتدليس حملا لفعل المسلم و قوله على الصحة.

القسم الثاني: التدليس في الشيوخ لا في نفس الاسناد، بأن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه، و لكن لا يحب معرفة ذلك الشيخ لغرض من الأغراض(1) فيسميه أو يكنيه باسم أو كنية غير معروف بهما، أو يلقبه بلقب غير معروف به، أو ينسبه الى بلد أو قبيلة غير معروف بهما، أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف(2). قال في البداية: و هذا القسم: (من التدليس أخف ضررا من الأول لان ذلك الشيخ مع الاعراب به(3) اما أن يعرف فيترتب عليه ما يلزمه من ثقة و(4) ضعف. او لا يعرف فيصير الحديث مجهول السند فيرد)(5) ثم

ص: 383


1- و يكون لدواعي مختلفة سواء لترويج الحديث و تحسينه أو علو الاسناد أو الترفع عن أن يروي عمن رواه عنه، أو لاستصغار سن من حدثه إما لكونه أصغر منه أو أكبر لكن بيسير أو بكثير لكن تأخرت وفاته حتى شاركه في الأخذ عنه من هو دونه، و قد يكون للخوف من عدم أخذه عنه و انتشاره مع الاحتياج اليه، أو لكون المدلس عنه حيا. و لا شك أن عدم التصريح به أبعد و أولى من حذفه، كذا قيل، و غير ذلك. ثم انه ذكر الخطيب و غيره كما في هامش المقدمة: 167، و محاسن الاصطلاح و غيرهما بأنه: ربما لم يسقط شيخه لكن يسقط ممن بعده رجلا ضعيفا أو صغير السن ليحسن الحديث بذلك، ثم قال: و كان الأعمش و الثوري و بقية يفعلون هذا النوع! أقول: عبر عن بعضهم بأنه أمير المؤمنين بالحديث!.
2- أي ما يشتهر به من اسم أو كنية أو نسبة الى قبيلة أو بلدة أو صنعة أو نحو ذلك كي تعسر معرفته على السامع.
3- الظاهر: الاغراب به، و هو الموجود في الطبعة الجديدة من البداية.
4- الظاهر: او.
5- البداية: 52 [البقال: 148/1]، و نظيره في وصول الأخيار: 114، و الرواشح السماوية: 188، و فصّله مع أمثلته الخطيب في الكفاية: 520-527، و شرح الألفية للسخاوي: 176/1 و ما بعدها، و سبقه في المقدمة ابن الصلاح: 167 و غيرهم.

قال: (لكن فيه تضييع للمروي عنه، و توعير لطريق معرفة حاله.

فلا ينبغي للمحدث فعل ذلك، و نقل ان الحامل لبعضهم على ذلك كان منافرة بينهما اقتضته، و لم يسعه ترك حديثه صونا للدين، و هو عذر غير واضح)(1).

و أقول: الظاهر أن الوجه في عدم وضوح عذره أن ذلك تسبيب لرد الخبر، و خفاء حكم اللّه الذي فيه. و قد يورد على جعله هذا القسم من التدليس أقل ضررا من الأول، بأنه كثيرا ما يكون لمثل الخبر المذكور مدخل في الحكم، بحيث لولاه لم يحكم بالحق الذي

ص: 384


1- البداية: 52 [البقال: 148/1] بتصرف. و نظيره التدليس في البلاد، الآتي في المستدرك. قال الخطيب في الكفاية: 527.. و في الجملة، فان كان من روى عن شيخ شيئا سمعه منه و عدل عن تعريفه بما اشتهر من أمره فخفي ذلك على سامعه لم يصح الاحتجاج بذلك الحديث للسامع، لكون الذي حدث عنه في حاله ثابت الجهالة معدوم العدالة، و من كان هذا صفته فحديثه ساقط، و للعمل به غير لازم. قال ابن الصلاح في المقدمة: 171: و أما القسم الثاني فأمره أخف.. ثم ذكر ما في البداية.. ثم قال: و يختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه!! فقد يحمله على ذلك - و ذكر عدة وجوه - و كأن صحة الغرض أو توجيه العذر مصحح للحديث أو معدّل للمدلّس، و لعمري إنه عذر أقبح من فعل، و لا أقل من كونه ترويجا للباطل و عدم النصح و قلّة المروءة.

فيه، إما للانحصار فيه، أو لاعتباره في الترجيح، فمع ردّه يقع الحكم بغير الحق، فيكون التدليس المذكور منه تسبيبا للحكم بغير الحق، و أي ضرر أعظم من ذلك ؟.

ثم ان التدليس بهذا النحو يختلف الحال في قبحه باختلاف غرض المدلس؛ فان فعل ذلك لكون شيخه ضعيفا فيدلسه حتى لا يظهر روايته عن الضعفاء، فهو شر هذا القسم، و ان كان لكونه معتقدا بعدالة شيخه مع اعتقاد الناس بعدم عدالة ذلك الشيخ فدلس حتى يقبل خبره كان دون ذلك، و لا يخلو من ضرر ايضا، لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه(1)، و إن كان لمنافرة بينهما كان دونهما(2).

ص: 385


1- بل جزم البعض أن من دلس لكون شيخه غير ثقة عند الناس فغيّره ليقبل خبره يجب أن لا يقبل خبره، و إن كان يعتقد فيه الثقة لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه هو كما اختاره السيوطي في تدريبه: 231/1 و جمع. و عن الآمدي: إن فعله لضعفه فجرح و كذا لضعف نسبه، أما لو كان لاختلافهم في قبول روايته فلا. و عن ابن السمعاني: ان كان بحيث لو سئل عنه لم يبينه فجرح، و الا فلا، و العجب من بعضهم حيث منع اطلاق اسم التدليس على مثل هذا.
2- قال الطريحي في الحاشية الخطية على مجمع البحرين مادة (سنن): و هو - أي التدليس - جائز لقصد تيقظه الطالب و اختباره. و لا يخفى ما فيه، و لعله خلط مع المقلوب، و يحتمل أن يكون قد أخذه من ابن دقيق العيد - كما ذكره في شرح الألفية: 181/1 - قال: ان في تدليس الشيخ الثقة مصلحة و هي امتحان الاذهان و استخراج ذلك و القاؤه الى من يراد اختبار حفظه و معرفته بالرجال. انظر مستدرك رقم (137) الفوائد العشر في المدلس.

و منها:

8 - المضطرب :

8 - المضطرب(1):

و هو كل حديث اختلف في متنه أو سنده(2)، فروي مرة على وجه، و أخرى على وجه آخر مخالف له، سواء وقع الاختلاف من رواة متعددين(3)، أو راو واحد، أو من المؤلفين أو الكتاب كذلك، بحيث يشتبه الواقع.

ص: 386


1- المضطرب: بكسر الراء المهملة - و وهم من قال بفتحها - اسم فاعل من الاضطراب أي الاختلاف يقال: اضطرب الأمر اذا اختل و فسد. انظر: تاج العروس: 348/1، القاموس المحيط: 95/1، لسان العرب: 543/1-551، مجمع البحرين: 107/2. و يراد به هنا الحديث الذي يروى من وجوه يخالف بعضها بعضا مع عدم امكان ترجيح احدهما على غيره، سواء كان راوي الوجوه واحدا أو أكثر.
2- او هما معا، سواء اختلفت الرواة أو النسخ أو الكتب، و سواء كان الاختلاف في وصل أو ارسال أو في اثبات راو أو حذفه.. أو غير ذلك، كل ذلك فيما لو اتضح فيه تساوي الاختلاف في الجهتين أو الجهات بحيث لم يترجح منه شيء، و لم يمكن الجمع. أما اذا ترجحت احداهما بحيث لا تقاومها الأخرى، بأن يكون راويها احفظ أو اكثر صحبة للمروي عنه أو غير ذلك من الترجيحات فالحكم للراجحة. ان قلت: ان ادخال لفظة كل في التعريف خطأ، لان كل سور لحصر الأفراد، و التعاريف للطبائع لا الأفراد. قلت: ان التعاريف في امثال المقام شرح اسم و تعاريف لفظيه لا حقيقية، مع ما في أصل الدعوى من كلام.
3- قال السيد في الرواشح: 191-192: و قد يكون من رواة يروي كل واحد منها على خلاف ما يرويه الآخر، و ذلك كثير في إضعاف الأحاديث.

ثم ان الاختلاف المذكور قد يوجب اختلاف الحكم في المتن و الاعتبار في السند، و قد لا يوجب، فعلى الثاني فلا مانع من الحجية، و على الأول فان ترجح أحد الحديثين أو السندين على الآخر بمرجح معتبر، كأن يكون راوي أحدهما احفظ أو أضبط أو أكثر صحبة للمروي عنه و.. نحو ذلك من وجوه الترجيح، فالحكم للراجح(1)، و الا لزم التوقف.

و هل يختص الاتصاف بالاضطراب بما اذا أوجب اختلاف الحكم أو الاعتبار و لا ترجيح، أو يعمه و غيره ؟ وجهان، بل قولان:

اولهما: صريح البداية حيث قال: (و انما يتحقق الوصف بالاضطراب مع تساوي الروايتين المختلفتين في الصحة و.. غيرها بحيث لم يترجح احداهما(2) على الأخرى ببعض المرجحات، أما لو

ص: 387


1- و لا يطلق الاضطراب حينئذ، لا على الراجح لانه يعدّ من المقبول، و لا على المرجوح لانه من قسم الشاذ أو المنكر، فتدبر. و بالجملة، مع تساويهما في جميع الوجوه و الاعتبارات بحسب درجات أقسام الحديث الأصلية و الفرعية إلا في فحوى الروايتين المختلفتين اللتين بحسبهما الحكم يوصف بالاضطراب بحيث لا يترجح احدهما على الآخر بالمرجحات المقررة. لاحظ الرواشح السماوية: 190، و قارن بعلوم الحديث: 187، و عرفه فيه بقوله: هو الذي تتعدد رواياته و هي على تعددها متساوية متعادلة لا يمكن ترجيح احداها بشيء من وجوه الترجيح، و قد يرويه راو واحد مرتين أو أكثر، أو يرويه اثنان أو رواة متعددون. و نظيره في الحاشية الخطية للطريحي على مجمع البحرين مادة (سنن) و غيرهم.
2- خ. ل: احدهما.

ترجحت احداهما على الأخرى بوجه من وجوهه، كأن يكون راوي احداهما احفظ أو اضبط او اكثر صحبة للمروي عنه و.. نحو ذلك من وجوه الترجيح، فالحكم للراجح من الأمرين أو الأمور، فلا يكون مضطربا)(1). و يؤيده ظاهر التسمية.

و ثانيهما: ظاهر اطلاق غير واحد(2)، و صريح بعضهم مؤيدا له بوصفهم بالاضطراب جملة من الأخبار، مع عملهم بشطر منها، فالاضطراب عند أهل هذا القول يعمّ البدوي و الاستمراري و القادح و.. غيره، و هو اصطلاح فلا مشاحة فيه.

ثم ان الاضطراب يقع تارة في السند(3)، و أخرى في المتن خاصة.

أما الأول: فبأن يرويه الراوي تارة: عن أبيه عن جده، و تارة: عن جده بلا واسطة، و ثالثة: عن ثالث غيرهما، و مثّل ذلك(4)في البداية برواية أمر النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) بالخط للمصلي

ص: 388


1- البداية: 53 [البقال: 149/1] بتصرف. و جاء في غالب كتب العامة و ذكره الدربندي في درايته: 5-6 - خطي - ثم قال: فتأمل. و ناقشها السيد الموسوي في الكفاية في علم الدراية - خطي - لاحظ مستدرك رقم (138).
2- كما هو ظاهر القوانين: 488، و لب اللباب للاسترابادي، و توضيح المقال: 59، و منتقى الجمان: 8، و غيرهم، و هو اصطلاح منه غير قادح، و عليه فينقسم الاضطراب الى قادح و غيره.
3- و هو الواقع غالبا، بل قلّ ما يحكم المحدث على الحديث بالاضطراب في المتن دون الاسناد. كما في شرح النخبة: 22 و غيرها و عمدته يؤخذ من كتاب العلل للدارقطني عند العامة.
4- كذا، و الظاهر: لذلك.

سترة حيث لا يجد العصا(1).

قلت: من راجع كتب الحديث للعامة بان له عدم انطباق المثال للممثل(2)، و إن كان الخبر من مضطرب السند من وجه آخر.

ص: 389


1- كذا مثل له في البداية: 53 [البقال: 150/1]، و ابن الصلاح في المقدمة: 205، و جمع، إلا انه في الرواشح: 190 قال معلقا: و التحقيق عندي ان ذلك - أي المثال - يليق بباب المزيد في الاسناد و باب التعدد في بعض السند، و هو قسم من عالي الاسناد، و ليس هو من الاضطراب في شيء الا يعلم وقوعه منه على الاستدلال، فالحكم على تلك الرواية بالاضطراب ليس بمجرد هذه الجهة، إلا أن يخالف في الترتيب، كانّ يرويه تارة مثلا عن أبي بصير عن زرارة عن الصادق عليه السلام و الأخرى بعكس ذلك فيرويه عن زرارة عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام. و قد ناقش صاحب المنتقى كلام والده ثاني الشهيدين رحمهما اللّه بوجوه ثلاثة: 9/1-11، و دافع عن الشهيد صاحب نهاية الدراية: 66 فلاحظ. و الرواية في مسند أحمد بن حنبل: 404/3.
2- لاحظ للتوسع: مقدمة ابن الصلاح: 35 [عائشة: 204-207]، اختصار علوم الحديث: 78، شرح نخبة الفكر: 22، فتح المغيث للسخاوي: 221/1-225، توضيح الأفكار: 34/2 و ما بعدها، علوم الحديث: 187، معرفة علوم الحديث: 112. و ذكر السيوطي في تدريب الراوي: 262/1-266 مثالا آخر للاضطراب في السند، و عبّر عنه بأنه المثال الصحيح قال: و هو حديث أبي بكر أنه قال: يا رسول اللّه! أراك شبت ؟ قال: شيبتني هود و اخواتها. قال الدارقطني: هذا مضطرب، فانه لم يرو الا من طريق ابي اسحاق - اي السبيعي -، و قد اختلف فيه على نحو عشرة أوجه. فمنهم من رواه مرسلا، و منهم من رواه موصولا، و منهم من جعله من مسند أبي بكر، و منهم من جعله من مسند سعد، و منهم من جعله من مسند عائشة، و غير ذلك. و رواة الحديث عندهم ثقات لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض و لا يمكن الجمع، و قال السيوطي: و خير مثال للاضطراب في المتن حديث البسملة لاحظ: 254/1-256.

و أما الثاني: فبأن يروى حديث بمتنين مختلفين، كخبر اعتبار الدم عند اشتباهه بالقرحة بخروجه من الجانب الايمن فيكون حيضا أو بالعكس، فرواه في الكافي بالأول(1)، و كذا في كثير من نسخ التهذيب(2). و في بعض نسخه بالثاني، و اختلف الفتوى بذلك حتى

ص: 390


1- فروع الكافي: 27/1.
2- التهذيب: 110/1، و قال في الوسائل: 561/2 بعد ذكره للروايتين: أقول: رواية الشيخ أثبت لموافقتها لما ذكره المفيد و الصدوق و المحقق و العلامة و غيرهم. و قال المحقق: لعل رواية الكليني سهو من الناسخ. ثم قال: و قد نقل ان رواية الشيخ وجدت في بعض النسخ القديمة موافقة لرواية الكليني، و لا يبعد صحة الروايتين و تعددهما و تكون احداهما تقييدا، أو لها تأويل آخر. و قيل: رواية الشيخ أشهر فهي مرجحة. و خير مثال للمضطرب متنا ما في التهذيب: 369/7 برقم 1494 باب المهور بسنده عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام عن أبيه عليه السلام ان عليا عليه السلام قال في الرجل يتزوج المرأة على وصيف فكبر عندها فيريد أن يطلقها قبل أن يدخل بها، قال: عليه نصف قيمة يوم دفعه اليها لا ينظر في زيادة و لا نقصان. و ما في فروع الكافي: 108/6 حديث 13 و بسند آخر عن الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: في المرأة تزوج على الوصيف فيكبر عندها فيزيد أو ينقص ثم يطلقها قبل أن يدخل بها؟ قال: عليها نصف قيمته يوم دفع إليها، لا ينظر زيادة و لا نقصان. و في «عليه» أو «عليها» اضطراب حكما و موضوعا كما لا يخفى، فتأمل و اغتنم. لاحظ مستدرك رقم (139) فوائد حول المضطرب.

من الفقيه الواحد، مع ان الاضطراب يمنع من العمل بمضمون الحديث مطلقا، و ربما قيل بترجيح الثاني(1) و رفع الاضطراب من حيث عمل الشيخ (رحمه اللّه) في النهاية(2) بمضمونه، فرجح على الرواية الأخرى بذلك. و بأن الشيخ (رحمه اللّه) اضبط من الكليني و أعرف بوجوه الحديث. و قال(3) في البداية بعد نقل ذلك: ان فيهما معا نظرا بيّنا يعرفه من يقف على أحوال الشيخ (رحمه اللّه) و طرق فتواه(4) ثم قال: و أما تسمية صاحب البشرى(5) - يعني ابن طاوس - مثل ذلك تدليسا فهو سهو و اصطلاح غير ما يعرفه المحدثون(6).

و منها:

9 - المقلوب:

و هو على ما يظهر من أمثلتهم له - و هو المناسب للتسمية - ما قلب بعض ما في سنده أو متنه الى بعض آخر مما فيه، لا الى الخارج

ص: 391


1- و القائل المحقق الثاني في جامع المقاصد: 36/1 و غيره.
2- النهاية للشيخ: 24.
3- لا توجد قال في الطبعة الاولى.
4- البداية: 54 [البقال: 152/1].
5- كتاب بشرى المحققين (المخبتين) في الفقه للسيد جمال الدين ابي الفضائل احمد ابن موسى بن طاوس الحسني الحلي المتوفى سنة 673 ه. له ترجمة في خاتمة الكتاب.
6- البداية: 54 [البقال: 152/1]، و كذا حكاه عن البشرى السيد الداماد في الرواشح: 191 و أجاب عنه بما أجاب ثاني الشهيدين.

عنهما(1). و حاصله ما وقع فيه القلب المكاني.

ففي السند(2): بأن يقال محمد بن أحمد بن عيسى، و الواقع احمد بن محمد بن عيسى. أو يقال محمد بن احمد بن يحيى عن أبيه محمد بن يحيى، و الواقع احمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه محمد بن يحيى.. الى غير ذلك.

و في المتن(3): كما في حديث السبعة الذين يظلهم اللّه تعالى في عرشه و فيه: (و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا يعلم يمينه ما ينفق(4) شماله)(5) فانه مما انقلب على بعض الرواة، و إنما هو - حتى لا

ص: 392


1- انظر مستدرك رقم (140) حول تعريف المقلوب.
2- و هو الأكثر، كما صرح به اكثر من واحد كالسيد في نهاية الدراية: 105، و هو على حق، بأن يكون الحديث مشهورا عن راو فيجعله عن آخر نظيره في الطبقة أو أعلى منه، أو أنه بدل بعض الرواة ليرغب فيه، أو بدل كل السند بغيره سهوا أو عمدا، و يصح أن يقال لمثل هذا قلبا أو وضعا. و له أقسام استدركناها، فلاحظ.
3- و هو ما لو بدل لفظ بآخر، و قدم ما حقّه التأخير، و آخر ما حقّه التقديم و غير ذلك.
4- في تدريب الراوي: 291/1:.. اخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق.. و كذا في الصحيحين و موطأ مالك.
5- صحيح مسلم: 715/2 كتاب الزكاة حديث 1021، و صحيح البخاري: كتاب الزكاة و العيدين و الكسوف، سنن النسائي كتاب الزكاة حديث 21، مسند زيد بن علي حديث 409، مسند أحمد بن حنبل: 439/2 و 124/3، مسند الطيالسي: حديث 2462، و هي عن ابي هريرة بفرق يسير، و في أخبار النساء لابن الجوزي: 43 و فيه: سبعة يظلهم اللّه بظله يوم لا ظل الاّ ظله.. الى آخره.

يعلم شماله ما ينفق يمينه - كما حكاه في البداية عن الأصول المعتبرة(1).

ثم القلب(2) قد يقع سهوا مثل ما ذكر، و قد يقع عمدا(3).

و ربما يظهر من البداية شمول المقلوب لما غيّر جميع الطريق حيث قال - في تفسير المقلوب - (انه حديث ورد بطريق فيروى بغيره، اما بمجموع الطريق، أو ببعض رجاله، بأن يقلب بعض رجاله خاصة بحيث يكون أجود منه ليرغب فيه)(4).

و قد يعترض عليه(5) بانه على ما ذكره لا يبقى فرق بين المقلوب و بين المصحف بخلافه على التفسير المذكور.

و ربما جعل بعضهم القلب عبارة عن كون الحديث مشهورا براو، فيجعل مكانه آخر في طبقته ليرغب فيه، و جعل ذلك.

ص: 393


1- البداية: 55 [البقال: 154/1]، الرواشح السماوية: 3-192، التدريب: 291/1.
2- خص البعض هذه القسمة بالقلب السندي خاصة، لأنه الأكثر.
3- و هذا قد قسّم الى ما كان متنه مشهورا براو مقلوب عن آخر نظيره في الطبقة للترغيب في روايته و ترويج سوقه، و قد يقال له مسروق، و فيه مسامحة، الا أن يراد بالمسروق ما كان الراوي المبدل به عنه بعض المحدثين منفردا فسرق الفاعل منه ذلك. و عن ابن دقيق العيد قوله: و هذا هو الذي يطلق على راويه انه يسرق الحديث. و هو مسقط للعدالة، و محرم قطعا، لتضمنه الكذب و التحريف و التدليس.
4- البداية: 54 [البقال: 153/1]، و قريب منه في علوم الحديث: 191 و غيرهما.
5- المعترض هو المولى ملا علي كني في كتابه توضيح المقال: 59.

تفسير المقلوب على اطلاقه، و ذكر ما مثّلنا به للمقلوب من السّند قسما آخر سمّاه المشتبه المقلوب(1)، و فسّره بانّه ما يقع فيه الاشتباه في الذّهن لا في الخط، قال: (و المراد بذلك الرواة المتشابهون في الاسم و النّسب، و المتمايزون بالتقديم و التأخير، بأن يكون اسم احد الرّاويين كاسم أبي الآخر خطّا و لفظا، و اسم الآخر كاسم أبي الأول، فينقلب على بعض أهل الحديث، كما انقلب على بعضهم محمّد بن أحمد بن عيسى بأحمد بن محمد بن عيسى، و على هذا فيكون المشتبه المقلوب قسما، و مطلق المقلوب قسما آخر(2).

ثمّ انّه لا شبهة في قبح تعمّد القلب لكونه تدليسا، بل كذبا(3). نعم، قد يسوغ ذلك لغرض صحيح، كامتحان حفظ المحدّث و ضبطه مع عدم اشاعة المقلوب(4) كما اتّفق ذلك للبخاري

ص: 394


1- لاحظ ما استدركنا سابقا برقم (103) حول المشتبه المقلوب، و فرقه مع المشتبه و المقلوب.
2- و المشتبه قسما ثالثا ذكرناه في المستدرك الآتي.
3- و لا شبهة ان ما وقع من الرّاوي عن غفلة و سهو لا قبح فيه الاّ انّه يوجب وهنا للحديث مضعّف للراوي ان تكرّر منه، لكشفه عن قلة الضّبط. قال الزركشي - كما حكاه السّيوطي في التدريب: 293/1 -: (و قد يدخل القلب و الشذوذ و الاضطراب في قسم الصحيح و الحسن)، و على هذا فلا معنى لعدّ المضطرب من الأقسام المختصّة بالضعيف، بل لا بد من عدّه في المشترك، فتدبّر. ثمّ لا يخفى انّه قد يقع القلب غلطا لا قصدا، و لا يكون بهذا جارحا.
4- ليعرف مدى قبولهم التلقين غير قاصدين الى الوضع و لا معتقدين أن ما قلبوه استقرّ حديثا. الا أن بعض العلماء كره لطلاب العلم قلب الأحاديث على الشّيوخ. و استدل العراقي له انّه اذا جاز هذا الفعل لم يستقر حديثا، فتأمّل.

ببغداد، حيث انّه لمّا قدمها اجتمع اليه قوم من أصحاب الحديث، و عمدوا الى مائة حديث فقلبوا متونها و أسانيدها و جعلوا متن هذا الاسناد لاسناد آخر، و اسناد هذا المتن لمتن آخر، و دفعوا الى عشرة أنفس الى كل رجل عشرة، و أمروهم اذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، و أخذوا الوعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان و.. غيرهم من البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب اليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته و البخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم الى بعض و يقولون الرجل فهم، و من كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز و التقصير و قلّة الفهم، ثم انتدب اليه رجل آخر من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال البخاري: لا اعرفه، فلم يزل يلقي اليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، و البخاري يقول:

لا أعرفه. ثم انتدب اليه الثالث و الرابع.. الى تمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة و البخاري لا يزيدهم على لا أعرفه، فلما علم البخاري انهم قد فرغوا، التفت الى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فهو كذا، و حديثك الثاني فهو كذا، و الثالث

ص: 395

و الرابع.. على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن الى اسناده، و كل اسناد الى متنه، و فعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها الى أسانيدها، و أسانيدها الى متونها، فأقر له الناس بالحفظ و اذعنوا له بالفضل(1).

و منها:

ص: 396


1- اتفق علماء الدراية و الرجال على نقل هذه الواقعة بمضامين متقاربة، لاحظ: تاريخ بغداد: 4/2، تاريخ الأدب العربي: 165/3، طبقات الشافعية: 2/2، سير اعلام النبلاء: 238/8، تدريب الراوي: 293/1، التوضيح: 104/2 كما في علوم الحديث: 193، فتح المغيث: 254/1، مقدمة ابن الصلاح: 216.. و غيرها. و الحق ان هذه الواقعة ليست من القلب - و ان ذكرها علماء الحديث في القلب قاطبة - الا أنها من نوع المركب الذي لم يتعرض له المصنف (قدس سره) و ذكرناه في المستدرك، و هو أن يؤخذ اسناد متن فيجعل على متن آخر و بالعكس، و قد فعل ذلك شعبة و حماد بن مسلم و غيرهم من أهل الحديث. فتأمل. نعم يمكن عده من المقلوب السندي بأحد تعاريفه التي استدركتها. ثم لا يخفى ان معرفة قلب الحديث - متنا او اسنادا - بحاجة الى تتبع واسع و احاطة تامة و ممارسة في المتون و الأسانيد مع حفظ و ضبط و مهارة من المحدث و تثبت. قال في علوم الحديث: 195 حاكيا عن التوضيح: 103/2: و منشأ الضعف في الحديث المقلوب قلّة الضبط لما يقع فيه من تقديم و تأخير و استبدال شيء بشيء، و هو فوق ذلك يخلّ بفهم السامع و يحمله على الخطأ. انظر: مستدرك رقم (141) فوائد حول المقلوب. و مستدرك رقم (142): المركّب، المنقلب، المتقلب، المسروق.

10 - المهمل:

و هو ما لم يذكر بعض رواته في كتاب الرجال ذاتا و وصفا(1).

و منها:

11 - المجهول:

و هو ما ذكر رواته في كتاب الرجال، و لكن لم يعلم حال البعض أو الكل بالنسبة الى العقيدة(2).

و منها:

12 - القاصر:

و هو ما لم يعلم مدح رواته كلا أو بعضا مع معلومية الباقي بالارسال، أو بجهل الحال، أو بالتوقف عند تعارض الأقوال في بيان الأحوال، عدّ هذا و سابقيه في لب اللباب من الأقسام(3) ثم قال:

و هذه الأقسام في حكم الضعيف، و هي ضعيفة فقاهة، و لكنها أولى

ص: 397


1- و هو من المصطلحات الرجالية، و من أقسام الحديث من جهة السند، و يراد به الحديث الذي لم يتعرض لرجال سنده كلا أو بعضا في الكتب الرجالية ذاتا و وصفا، أو ذكر و لكن لم يوثق أو يوصف بوصف راجح. و الحاكم في معرفة علوم الحديث: 254 عدّه من أنواع الحديث و تبعه القوم و قال: (.. من هذه العلوم جماعة من الرواة التابعين. فمن بعدهم لم يحتج بحديثهم في الصحيح و لم يسقطوا..) ثم ذكر جملة من الأمثلة على ذلك.
2- اختلفت كلمات القوم في المجهول تعريفا و حكما، لاحظ مستدرك رقم (143).
3- كما في النسخة الخطية لب اللباب: 17 - بترقيمنا -. و فيها: بالارسال أو بالاهمال، و بدل الأقوال: الأفعال.

من الضعيف الاجتهادي(1).

و منها:

13 - الموضوع :

اشارة

13 - الموضوع(2):

ص: 398


1- لب اللباب - خطية - 17 بتصرف، و على كل فلكل واحد من هذه الأقسام مراتب تعرف بالتأمل و تنفع عند التعارض في موارد كونها حجة في الجملة - من السنن و الكراهية و التسامح على القول بها - لا أنها ساقطة عن الحجية بالجملة، فتدبر. ثم حيث أنا لا نعد، (الموضوع) من أقسام الحديث لذا ندرج ما سقط من قلم المصنف رحمه اللّه من الأقسام المختصة بالضعيف اتماما للفائدة، طبعا المهم منها: لاحظ مستدرك رقم (144) الأقسام الباقية من الضعيف: 1 - المستور، 2 - المضعّف، 3 - المبهم، 4 - السقيم، 5 - المتروك. 6 - المجرد.
2- الموضوع: لغة اسم مفعول من وضع يضع، و الوضع يأتي لمعان عدة: منها الاسقاط كوضع الجنابة عنه أي اسقطها، و كوضع الشيء أو الأمر عن كاهله أي أسقطه، و بمعنى الترك كالابل الموضوعة، أي المتروكة في المرعى، و يأتي بمعنى الافتراء و الاختلاق كوضع فلان القصة أي اختلقها و افتراها القاموس المحيط: 5/3-94 و المراد الأخير، أي الحديث المكذوب المخترع. و قيل هو الملصق - كما قاله ابن دحية - يقال وضع فلان على فلان أي لصقه، ذكره في الباعث الحثيث: 234/1 انظر: لسان العرب: 396/8-401، تاج العروس: 6/5-543، معجم مقاييس اللغة: 117/6، مجمع البحرين: 405/4، قال الوضع: الحط و الطرح، ثم قال: و الحديث الموضوع: المكذوب على رسول اللّه و الأئمة عليهم السلام، و قال في المصباح المنير: 913/2.. و وضع الرجل الحديث: افتراه و كذبه فالحديث موضوع. و كذا في النهاية: 8/5-197. هذا، و لا يمكن اعتباره حديثا اصطلاحا - كما قلنا، و ان تسالم الجمهور على ذلك - الا تسامحا و مجازا، و هو في الحقيقة ليس بحديث بل بزعم واضعه حديثا، نعم هو حديث لغة. و نعم ما أفاده السيوطي في التدريب من عدم عده كذلك. لاحظ تدريب الراوي: 274/1. و ما قيل من انه انما ادرج في الحديث بارادة القدر المشترك و هو ما يحدث به، أو بالنظر لما في زعم واضعه، ليس بشيء، و الاولى أن يقال: انه لأجل معرفة الطرق التي يتوصل بها لمعرفته لينفى عن المقبول و غيره.

من الوضع، بمعنى الجعل، و لذا فسروه(1): بالمكذوب المختلق المصنوع، بمعنى أن واضعه اختلقه و صنعه، لا مطلق حديث الكذوب، فان الكذوب قد يصدق(2)، و قد صرحوا(3) بأن الموضوع شرّ أقسام الضعيف، و لا يحل روايته للعالم بوضعه في أي معنى كان، سواء الأحكام و المواعظ و القصص و.. غيرها الا مبينا لحاله، و مقرونا ببيان كونه موضوعا(4)، بخلاف غيره من الضعيف المحتمل

ص: 399


1- لاحظ شرح النخبة: 20، و تدريب الراوي: 274/1، و للتوسعة في بحث الموضوع لاحظ: علوم الحديث: 263-274، مقدمة ابن الصلاح: 38. اختصار علوم الحديث: 85 و ما بعدها، قواعد التحديث: 150-185 الرواشح السماوية: 193، و ما بعدها، شرح النخبة: 19 و ما بعدها، تاريخ التمدن الاسلامي لجرجي زيدان: 73/3، و اصول الحديث: 415 و ما بعدها و حكاه عن السنة قبل التدوين.
2- البداية: 55 [البقال: 155/1].
3- كما صرح في البداية: 55 [البقال: 155/1]، وصول الاخيار: 102 [التراث: 114]، تدريب الراوي: 274/1، مقدمة ابن الصلاح: 213 و غيرها.
4- فصّل القول في حكمه مسهبا في مقدمة الموضوعات الكبرى للقاري: 11، و القاسمي في قواعد التحديث: 150، و سبقهم ابن الصلاح في المقدمة: 212 فراجع، و من أدلتهم ما جاء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله: من حدّث عني حديثا يرى انه كذب فهو أحد الكذابين - كما في الصحيحين و غيرهما - مطلقا سواء في الأحكام أم المواعظ أم الترغيب أم الترهيب و غيره من الروايات، و قد بالغ أبو محمد الجويني فكفّر من تعمد الكذب على النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم كما قاله ابن حجر في شرح النخبة: 19 و هو غير بعيد ان اخذ بلوازمه.

للصدق، حيث جوّزوا روايته في الترغيب و الترهيب، كما يأتي ان شاء اللّه تعالى.

معرفات الوضع

و قد جعلوا للوضع معرفات:(1)

فمنها: اقرار واضعه بوضعه، مثل رواية فضائل القرآن التي رواها ابو عصمة نوح بن أبي مريم المروزي(2) فقيل له: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة و ليس عند أصحاب عكرمة هذا؟! فقال: اني رأيت الناس قد أعرضوا عن

ص: 400


1- و يمكن تقسيم علامات الوضع الى قسمين: السندية، و المتنية. فالأولى - مما ذكره الصنف (قدس سره) - سندية، و الثانية في المتن - و الباقي في السند أو الأعم.
2- القرشي بالولاء، قاضي مرو، جمع فقه أبي حنيفة، كان مرجئا مطعونا، و يقال له الجامع، لجمعه بين التفسير و الحديث و المغازي و الفقه مع العلم بامور الدنيا. و كان قاضيا!!. و قيل انما قيل له الجامع لانه أخذ العلم عن أبي حنيفة و ابن أبي ليلى. قال الخليل بن أحمد: اجمعوا على ضعفه. و مع هذا تجدهم ذكروه في اكثر مجامعهم. انظر ترجمته في الاعلام: 28/9، و معجم المؤلفين: 119/13 و ميزان الاعتدال: 245/3 و غيرها.

القرآن، و اشتغلوا بفقه أبي حنيفة، و مغازي محمد بن محمد بن اسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة(1) و قد كان يقال لابي عصمة هذا الجامع(2). فقال أبو حاتم ابن حيان(3): (جمع كل شيء الا الصدق(4).

و حيث يعترف الواضع بالوضع، يحكم عليه بما يحكم على الموضوع الواقعي، لا أن اقراره به يورث القطع بكونه موضوعا، ضرورة عدم(5) امكان كذبه في اقراره، بل اقراره يورث المنع من قبوله(6)، لأنه يتبع الظن الغالب، و هو هنا كذلك، و لأن اقرار

ص: 401


1- ذكره في اكثر من مصدر، لاحظ شرح النخبة: 20، و حكاه الحاكم بسنده و رواه السيوطي في تدريبه: 282/1، و ابن الصلاح في مقدمته: 214، و ابن الجوزي في الموضوعات: 41/1 و ابن، الاثير في جامع الاصول: 76/1 و غيرهم.
2- الظاهر انه يقال له: نوح الجامع، كما صرح به غير واحد كما في نهاية الدراية: 109، و هو نوح بن ابي مريم و قد مرت ترجمته قريبا.
3- الصحيح: ابن حبان، و هو محمد بن حبان بن أحمد بن معاذ اليمني الدارمي أبو حاتم البستي - بضم الباء و اسكان السين - (270-354 ه) محدث حافظ، فقيه لغوي، انظر: ميزان الاعتدال: 39/3، الاعلام: 306/6، معجم المؤلفين: 173/9، لسان الميزان: 112/5، تذكرة الحفاظ: 125/3، البداية و النهاية: 259/11، علوم الحديث: 182 و غيرهم.
4- في الطبعة الاولى: للصدق، و هو غلط.
5- لا توجد: عدم، في الطبعة الاولى.
6- خلافا لما في البداية: 55 [البقال: 155/1] حيث قال: و يعرف الموضوع باقرار... لا بمعنى القطع بكونه موضوعا، لجواز كذبه في اقراره و إنما يقطع بحكمه. و هنا تهافت في كلام المصنف (قدس سره)، الا أن الطبعة الاولى من الكتاب لا توجد فيها كلمة عدم، بل فيها: ضرورة امكان كذبه.. و هو كلام لا غبار عليه، فلاحظ.

العقلاء على أنفسهم جائز، و لولاه لما ساغ قتل المقرّ بالقتل، و لا رجم المعترف بالزنا، لاحتمال أن يكونا كاذبين فيما اعترفا به.

و منها: معنى اقراره و ما ينزل منزلة اقراره(1)، كأن يحدّث بحديث عن شيخ و يسأل عن مولده، فيذكر تاريخا يعلم وفاة الشيخ قبله، و لا يعرف ذلك الحديث الا عنده، فهذا لم يعترف بوضعه، و لكن اعترافه بوقت مولده ينزل منزلة اقراره بالوضع، لأن ذلك الحديث لا يعرف الا عن ذلك الشيخ، و لا يعرف الا برواية هذا عنه، مع صراحة كلامه في السماع منه، و إلا جرى احتمال الارسال.

و منها: قرينة في الرواية أو الراوي، مثل ركاكة ألفاظها و معانيها، فقد وضعت أحاديث يشهد لوضعها ركاكة ألفاظها

ص: 402


1- بوجود قرينة تقوم مقام الاعتراف بالوضع منه. و مثله ما لو روى عن شيخ في بلد لم يرحل إليه، أو عن شيخ ولد الراوي بعد وفاته بل معرفة مولد الراوي و موت المروي عنه مهم في الباب، حتى قيل: اذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين. كما حكاه ابن الصلاح في المقدمة: 577 عن حفص بن غياث و عن الثوري قوله: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ! كذا عدوّه، الا انه يمكن عدم كونه وضعا، بل هو نوع من الارسال الخفي بالمعنى الأعم أو الرفع و التدليس، فتدبر. و ما ذكره المصنف (قدس سره) بألفاظ متقاربة ذكره العراقي و نصّ عليه في تدريب الراوي: 275/1، و مثل به الزركشي في مختصره.

و معانيها، فان للحديث ضوء كضوء النهار يعرف، و ظلمة كظلمة الليل تنكر(1)، و لأهل العلم بالحديث ملكة قوية يميزون بها ذلك(2)، و ذلك أن للمباشرة مدخلا في فهم لحن صاحبه، و تمييز ما يوافق مذاقه عما يخالفه، أ لا ترى أن إنسانا لو باشر آخر سنتين، و عرف ما يحب و يكره، فادعى آخر انه كان يكره الشيء الفلاني، و هو يعلم بأنه كان يحبه، فمجرد سماعه للخبر يبادر الى تكذيبه(3).

و بالجملة من كانت له ملكة قوية، و اطلاع تام، و ذهن ثاقب، و فهم قوي، و معرفة بالقرائن، يميز بين الأصيل و الموضوع.

و قد اقتصر في البداية على جعل ركاكة اللفظ من جملة ما يستكشف به الوضع(4). و يمكن المناقشة فيه بمنع دلالة ركّة اللفظ فقط

ص: 403


1- على حد تعبير الربيع بن خيثم التابعي حيث قال: ان من الحديث حديثا له ضوء كضوء النهار نعرفه به، و إن من الحديث حديثا له ظلمة كظلمة الليل نعرفه بها، كما ذكره في معرفة علوم الحديث: 62، الباعث الحثيث: 249/1 و غيرهما.
2- كما حكي عن الربيع بن خيثم - أيضا - و عن ابن الجوزي - كما في الباعث الحثيث: 90 - انه قال: الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم و ينفر منه قلبه في الغالب، لاحظ أصول الحديث: 264، و حكاه عن التوضيح: 94/2 شرح ألفية العراقي: 249/1. و قد اهتم بركة المعنى أكثر من ركة الألفاظ، لأن فساد المعنى أدل دليل على الوضع، و يحتمل في ركة اللفظ أن يكون رواه الراوي بالمعنى فغير الألفاظ و لم يفصح.
3- الكلام هنا للبلقيني كما حكاه في الباعث الحثيث: 90 و غيره.
4- لاحظ البداية: 55 [البقال: 155/1] و قد أخذه من التدريب: 275/1.

على الوضع، لاحتمال أن يكون رواه بالمعنى فغير ألفاظه بغير فصيح، الا أن يصرح بأنه لفظ المعصوم (عليه السلام)، بل عليه أيضا لا يمكن استكشاف الوضع، لأنهم (عليهم السلام) في مقام بيان الأحكام لم يكونوا بصدد الفصاحة، بل لاحظوا غالبا حال الراوي، و أجابوا بلغته، كما لا يخفى على الناقد. و حينئذ فالعمدة ركة المعنى.

و منها: أن يكون مخالفا للعقل، بحيث لا يقبل التأويل.

و يلتحق به ما يدفعه الحس و المشاهدة(1)، أو يكون مخالفا لدلالة الكتاب القطعية، أو السنة المتواترة، أو الاجماع القطعي، مع عدم امكان الجمع.

و منها: أن يكون اخبارا عن أمر جسيم، تتوفر الدواعي على نقله بمحضر الجمع، ثم لا ينقله منهم الا واحد(2).

و منها: الافراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير، أو الوعد العظيم على الفعل الحقير. ذكره بعضهم، و ذكر انه كثير في حديث

ص: 404


1- مثل قولهم: الباذنجان شفاء من كل داء، و كذا كل ما يسخر منه كحديث من اتّخذ ديكا أبيض لم يقربه الشيطان و لا سحر: المنار: 19-21، و ما أحسن قول القائل: اذا رأيت الحديث يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الاصول فاعلم انّه موضوع، كما قاله ابن الجوزي، لاحظ مقدّمة موضوعاته، و حكاه عنه غير واحد كما في فتح المغيث: 250/1.
2- كمسألة الوصاية لأبي بكر، أو عدم توريث الأنبياء و ما تركوه صدقة، و صلاة التّراويح، و انكار متعة الحج و النساء، و نظائر ذلك كثير جدا.

القصاص(1).

و أنت خبير بأن الافراط في الوعيد على الأمر الصغير، مما يستشهد به الفقهاء على الكراهة، كما أن عظم الوعد على الفعل الحقير يستشهدون به على الاستحباب.

و منها: كون الراوي سنيّا، و الحديث في خلافة الثلاثة و فضائلهم.. الى غير ذلك من القرائن و الامارات الدالّة على الوضع(2)، لكن ينبغي التثبّت و عدم المبادرة الى كون الحديث موضوعا بمجرّد الاحتمال ما لم يقطع به أو يطمئن.

ص: 405


1- و يمكن ارجاع هذا الوجه الى الرّكة في المعنى.
2- كأن يتفرّد راو معروف بالكذب برواية حديث و لا يرويه ثقة غيره، أو اختلاق الأحاديث و الأسانيد انتصارا لاهواء أو اباحة لمفاسد و السير وراء الشهوات و الغرائز. أو ما يؤخذ من حال الراوي كما في قصّة سعد بن طريف حين جاء ابنه يبكي شاكيا من معلمه فوضع حديث: «معلمو صبيانكم شراركم» حكاه ابن الجوزي في الموضوعات: 42/1، و ذكرناه في المستدرك. و سرد الخطيب في الكفاية: 27 غير هذا، و حكى ابن الجوزي: انّ سفينة نوح طافت بالبيت سبعا و صلّت عند المقام ركعتين!؟ الباعث الحثيث: 91، و علوم الحديث: 265، و تدريب الراوي، و عند مراجعة الموضوعات لأبي فرج ابن الجوزي و الضّعفاء لابن حيّان و العقيلي و الأزدي و الأباطيل للجوزقاني و غير هؤلاء تجد العجب العجاب من القصص و الخرافات. هذا و قد ذكر في علوم الحديث: 271-273 خمس قواعد لتشخيص الموضوعات، و سبقه في الكفاية للخطيب: 51-52 بذكر وجوه اخر، فلاحظ. و انظر: مستدرك رقم (145) ما يعرف به الوضع ؟.

ثمّ انّه لا شبهة في حرمة تعمّد الوضع أشدّ حرمة، لكونه كذبا و بهتانا على المعصوم (عليه السلام)(1). نعم لو لم يتعمّد في ذلك، لم يحكم بفسقه، كما نقل أنّ شيخا كان يحدّث في جماعة، فدخل رجل حسن الوجه، فقال الشيخ في أثناء حديثه: من كثرت صلاته بالليل، حسن وجهه بالنهار، فزعم ثابت بن موسى الزّاهد(2) انّه من الحديث فرواه(3)، مع انّه ليس من الحديث، فبذلك لا يحكم بفسقه لو فرض عدالته في نفسه(4).

اصناف الواضعين

ثم ان الواضعين اصناف(5):

احدها: قوم قصدوا بوضع الحديث التقرب الى الملوك و أبناء الدنيا، مثل: غياث بن ابراهيم دخل على المهدي بن المنصور - و كان يعجبه الحمام الطيارة الواردة من الأماكن البعيدة - فروى حديثا عن

ص: 406


1- بل قيل بكفر واضع الحديث كما حكي عن الجويني، لاحظ وصول الاخيار: 103 و غيره، و قد حصل الاجماع من المسلمين - بكلا قسميه - على حرمته مطلقا، الاّ طائفة من الكرامية سيأتي الكلام عنهم، و بطلان قولهم بالوجدان و البداهة.
2- الضبّي، ابو يزيد الكوفي العابد! الضرير.
3- اللآلئ المصنوعة: 32/2.
4- و قد وقع هذا الثابت بن موسى فرواه على علاّته، و حيث أوقف على غلطه تسامح فيه، و الحق عدّه من المدرج لا الموضوع، فتدبّر، و لا يرد ما أورده بعض الاخوان حفظهم اللّه في حاشية البداية هنا، لانّ مراد ثاني الشهيدين و المصنّف ان: من كثرت صلاته بالليل..، وضع في الحديث الذي لم يكن فيه فصار منه، لا ان هذا الحديث لا أصل له، فتدبّر.
5- اي بحسب الدوافع الحاملة لهم على الوضع و الاختلاق.

النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) انه قال: (لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل أو جناح)(1)، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما خرج، قال المهدي: أشهد ان قفاه قفا كذّاب على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)، و ما قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم): جناح، و لكن هو أراد أن يتقرب الينا، و أمر بذبحها و قال:

انا حملته على ذلك(2).

ثانيها: قوم كانوا يضعون على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) احاديث يكتسبون بذلك و يرتزقون به، كأبي سعيد المدايني

ص: 407


1- حين رآه يلعب بالحمام.
2- كما حكاه الشهيد في البداية: 56 [البقال: 157/1-158]، و سبقه في التدريب: 285/1-286، و الموضوعات لابن الجوزي: 42/1، و جامع الاصول لابن الاثير: 76/1، و الباعث الحثيث: 94، و شرح النخبة: 20، و علوم الحديث: 268، و الرواشح السماوية: 196، و فتح المغيث: 240/1، و مجمع البحرين: 406/4 و غيرهم. و مبدع الفن و شيخه معاوية عليه الهاوية حيث كثر الوضع في عصره و شجع عليه حفظا لكرسيه، و منافعه الدنيوية، قال ابن ابي الحديد في شرح النهج: 17/1 و 63/4، و عن غيره ايضا: استولى بنو امية على سلطان الاسلام في شرق الأرض و غربها و اجتهدوا بكل حيلة في اطفاء نوره و التحريض عليه و وضع المعايب و المثالب له - اي على امير المؤمنين سلام اللّه عليه -.. ثم قال: ان معاوية وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعين على رواية اخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه و البراءة منه، و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة، و من التابعين: عمرو بن الزبير. هذا كلامه و كفانا من ذلك قولهم: الأمناء عند اللّه ثلاثة: انا و جبرئيل و معاوية! و لاحظ اصول الحديث: 420، و غيره و على كل فقد بذل الأموال الطائلة في ذلك ليصد الناس عن آل محمد سلام اللّه عليهم كما اعترف به الصنعاني في الدّر الملتقط في تبيين الغلط و عدّ الكثير منها، و كذا كتاب الموضوعات للملا علي القاري الهروي الحنفي - المطبوع في دهلي - و المقاصد الحسنة للسخاوي و غيرهم، و اهتم بهذا قدماء أصحابنا رضوان اللّه عليهم، فللشيخ المتكلم ابي محمد تبيب (خ. ل. بثيث) بن محمد العسكري من أصحاب العسكريين و صاحب محمد بن هارون الوراق كتاب توليدات بني أمية في الحديث كما ذكره النجاشي: 5-84 و غيره.

و.. غيره، و قد جعل في البداية(1) من هذا الباب ما اتفق لأحمد بن حنبل، و يحيى بن معين(2). في مسجد الرصافة، حيث دخلا المسجد فسمعا قاضيا(3) يقول: أخبرنا أحمد بن حنبل و يحيى بن معين عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس انه قال: (من قال لا اله الا اللّه، خلق اللّه من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب، و ريشه من مرجانة..) و أخذ في قصة طويلة، فأنكرا عليه الحديث، فقال: أ ليس في الدنيا غيركما أحمد و يحيى ؟(4).

ص: 408


1- البداية: 56 [البقال: 158/1].
2- مرت ترجمة الاول صفحة: 343، و أما الثاني فهو يحيى بن معين بن عون بن زياد المري القطفاني، أبو زكريا البغدادي (158-233 ه) من أئمة الجرح و التعديل و مؤرخي رجالاته، صاحب كتاب التاريخ و العلل في الرجال و في مقدمته ترجمة ضافية له، انظر: وفيات الأعيان: 214/2، تاريخ بغداد: 177/14، الأعلام: 219/9، لسان الميزان: 767/6، علوم الحديث: 73 و غيرها.
3- الظاهر: قاصا.
4- نقلت الرواية مفصلا في أكثر من مصدر، لاحظ: الباعث الحثيث: 93، الجامع لاخلاق الراوي و آداب السامع: 149 عن علوم الحديث: 269. و الموضوعات لابن الجوزي: 46/1 و جامع الاصول لابن الاثير: 77/1 و غيرها.

و أقول: جعل ذلك مثالا للصنف الثالث أولى(1).

ثالثها: قوم ينسبون الى الزهد و الصلاح بغير علم، فيضعون أحاديث حسبة للّه و تقربا اليه، ليجذب بها قلوب الناس الى اللّه تعالى بالترهيب و الترغيب، فقبل الناس موضوعاتهم ثقة بهم، و ركونا اليهم، لظهور حالهم بالصلاح و الزهد، و يظهر لك ذلك من احوال الأخبار التي وضعها هؤلاء في الوعظ و الزهد، و ضمنوها اخبارا عنهم، و نسبوا اليهم أقوالا و أحوالا خارقة للعادة، و كرامات لم يتفق مثلها لأولي العزم من الرسل، بحيث يقطع العقل بكونها موضوعة، و إن كانت كرامات الأولياء ممكنة في نفسها، قال يحيى بن القطان:

ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب الى الخير(2). و ذلك

ص: 409


1- لم أفهم وجه الأولوية، و لعل دراسة ظروف الواقعة ترجّح كونها قسما مستقلا لم يتعرض له المصنف (قدس سره) و لا غيره، و هو وضع الأحاديث لأجل التفاخر و الدخول في زمرة المشايخ و الرواة و كي يشار إليهم بالبنان، و ان أغمضنا النظر عن ذلك فهي بالقسم الثاني أجدر أن تلحق، كما فعله ثاني الشهيدين في البداية: 56 [البقال: 158/1]، فتدبر.
2- و في نسخة: الى الخير و الزهد، لاحظ اللآلئ المصنوعة: 248/2، و الموضوعات لابن الجوزي: 41/1 و نسبه الى يحيى بن سعيد. و انظر تدريب الراوي: 282/1 و عدّه النووي و السيوطي اعظم الوضاعين ضررا، و في الكفاية: 247 قول يحيى بن سعيد قال: ما رأيت الصالحين في شيء اشد فتنة منهم في الحديث، قال في وصول الاخيار: 103: و الواضعون أقسام أعظمهم ضررا قوم ينسبون الى الزهد و وضعوا أحاديث حسبة في زعمهم فيتلقى الناس موضوعاتهم بالقبول ثقة بهم، و كذا ذكره ابن الصلاح في المقدمة: 212، و الفتني في تذكرة الموضوعات: 6، و في ميزان الاعتدال 66/1 عن أبي عبد اللّه النهاوندي انه قال لغلام الخليل: ما هذه الرقائق التي تحدث بها؟ فقال: وضعناها لنرقق بها قلوب العامة، لاحظ فتح المغيث: 241/1.

منهم اما لعدم علمهم بتفرقة ما يجوز لهم و ما يمتنع عليهم، أو لأن عندهم حسن ظن و سلامة صدر فيحملون ما سمعوه على الصدق.

و لا يهتدون لتمييز الخطأ من الصواب، و لكن الواضعين منهم و إن خفي حالهم على كثير من الناس، فانه لم يخف على جهابذة الحديث و نقاده.

و من الأحاديث الموضوعة للترغيب اخبار فضائل سور القرآن، و قد تقدم آنفا نقل اعتراف أبي عصمة بوضعها حسبة، و عن ابن حيان(1) عن ابن مهدي(2) قال:

قلت لميسرة بن عبد ربه(3): من اين جئت بهذه الأحاديث، من قرأ كذا فله كذا؟ فقال: وضعتها لارغب الناس فيها(4). و هكذا

ص: 410


1- كذا، و الظاهر ابن حبان
2- مرت ترجمة الاول في صفحة: 402، و ابن المهدي هو: عبد الرحمن بن مهدي ابن حسان اللؤلؤي ابو سعيد البصري الحافظ (135-198 ه) له في الحديث: تصانيف، انظر: تهذيب التهذيب: 279/6، حلية الاولياء: 3/9، تاريخ بغداد: 24/10 و غيرها.
3- ميسرة بن عبد ربه الفارسي البصري التراس الاكال، كان يضع الحديث و يروي الموضوعات، كما في ميزان الاعتدال: 230/4 و غيره و قد ذكر السائل هناك محمد بن عيسى الطباع، لا ابن المهدي.
4- كما في تدريب الراوي: 283/1 و 288، فتح المغيث: 242/1، اللآلئ المصنوعة: 248/2، أصول الحديث: 425 و غيرها، و لا شك بوجود روايات صحيحة وردت في فضائل بعض السور و أجرها غير هذه، أدرجها المفسرون في تفاسيرهم.

قيل في حديث أبي الطويل(1) في فضائل سور القرآن سورة سورة، فروى عن المؤمل(2) بن اسماعيل، قال حدثني شيخ به، فقلت للشيخ:

من حدثك ؟ فقال: حدثني رجل بالمدائن، و هو حي فصرت اليه فقلت من حدثك ؟ فقال: حدثني شيخ بواسط و هو حي، فصرت اليه، فقال حدثني شيخ بالبصرة فصرت اليه، فقال: حدثني شيخ بعبادان، فصرت اليه، فأخذ بيدي فأدخلني بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة، و منهم شيخ فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت:

يا شيخ من حدثك ؟ فقال: لم يحدثني أحد، و لكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن، فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم الى القرآن(3).

قال في البداية: و كل من اودع هذه الأحاديث تفسيره

ص: 411


1- المراد به ابي - بضم أوله - بن كعب الصحابي المشهور، و الطويل هنا صفة للحديث.
2- الظاهر بل الصواب انه المؤمل لا ما ذهب اليه السيوطي تبعا للنووي في تقريبه التدريب: 288/1 من كونه: المرمل و هو: ابو عبد الرحمن مولى آل عمر بن الخطاب القرشي، سمع الثوري و حماد بن سلمة و غيرهم، مات سنة 265 ه، انظر التاريخ الكبير: 49/8، و تهذيب التهذيب: 380/10 و غيرهما، بل لا يوجد في الرجال من هو باسم: المرمل، فراجع.
3- كما في البداية: 57 [البقال: 161/1] و ذكره ابن الجوزي في موضوعاته، و ذكر نظيره في الكفاية: 567-568 - و في طبعة اخرى من الكفاية: 238 - ذكر قصة ابن لهيعة و جملة من القصاصين و الوضاعين و المتساهلين في رواية الحديث و من عرف بقبول التلقين، و حديث أهل الغفلة و من كثر غلطه، و أيضا في شرح الألفية: 242/1 و ما بعدها.

كالواحدي(1) و الثعلبي(2) و الزمخشري(3) فقد أخطأ في ذلك، و لعلهم لم يطلعوا على وضعه، مع أن جماعة من العلماء قد نبّهوا عليه، و خطب من ذكره مسندا كالواحدي أسهل(4).

رابعها: قوم زنادقة وضعوا أحاديث ليفسدوا بها الاسلام، و ينصروا بها المذاهب الفاسدة(5)، فقد روى العقيلي(6)، عن حماد بن

ص: 412


1- الواحدي، هو ابو الحسن علي بن احمد بن محمد بن علي النيسابوري الشافعي، المتوفى في نيشابور سنة 468 ه، المفسر، العالم بالأدب له جملة مصنفات في التفسير و الأدب، انظر: النجوم الزاهرة: 104/5، إنباه الرواة: 323/2، الاعلام: 60/5، معجم الأدباء: 257/12، البداية: 114/12، شذرات الذهب: 330/3 و غيرها.
2- الثعلبي: هو ابو اسحاق احمد بن محمد بن ابراهيم النيسابوري الثعلبي و يقال له الثعالبي المتوفى سنة 427 ه، اشتغل بالتفسير و التاريخ، له جملة مصنفات، انظر: إنباه الرواة: 119/1، البداية و النهاية: 40/12، الاعلام: 106/1، مرآة الجنان: 46/3، شذرات الذهب: 230/3 و غيرها.
3- الزمخشري، هو ابو القاسم جار اللّه محمود بن عمر بن محمد بن احمد الخوارزمي الزمخشري (467-538 ه) من علماء اللغة و التفسير، معتزلي المذهب، مكثر في التأليف، مشارك في عدة علوم، انظر عنه: لسان الميزان: 4/6، وفيات الاعيان: 107/2، الاعلام: 55/8، مرآة الجنان: 269/3، تذكرة الحفاظ: 76/4، ميزان الاعتدال: 154/3 و غيرها.
4- البداية: 57-58 [البقال: 161/1].
5- و كذا قوم من الغلاة من فرق الشيعة كأبي الخطاب، و يونس بن ظبيان - كما قيل - و يزيد الصائغ و أضرابهم.
6- هو ابو جعفر المكي الحافظ محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكي الحجازي، توفى في مكة المكرمة سنة 322 ه، من حفاظ الحديث، قيل له مصنفات خطيرة، انظر: تذكرة الحفاظ: 50/3، شذرات الذهب: 295/2، الاعلام: 210/7، معجم المؤلفين: 98/11 و غيرها.

زيد(1)، قال: وضعت الزنادقة على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) أربعة عشر ألف حديث(2)، منهم عبد الكريم بن أبي العوجاء، الذي قتل و صلب في زمان المهدي بن المنصور(3)، قال ابن عدي(4): لما أخذ لتضرب عنقه قال: وضعت فيكم أربعة آلاف

ص: 413


1- الظاهر هو ابو اسماعيل حماد بن اسحاق بن حماد بن زيد بن درهم الازدهي الجهضي البغدادي المالكي (199-267 ه) من حفاظ الحديث و الفقهاء، له تصانيف كثيرة، انظر عنه: شذرات الذهب: 152/2، الفهرست: 200/1، تاريخ بغداد: 159/8 و غيرها، و لعله جده حماد بن زيد (98-179 ه) المعروف بالازرق، الذي كان شيخ العراق و من حفاظ الحديث، انظر: تذكرة الحفاظ: 211/1، تهذيب التهذيب: 9/3، حلية الاولياء: 257/6، و غيرها، الا أنه يلزم أن تكون الرواية مرسلة مقطوعة، فتدبر.
2- شرح ألفية العراقي: 239/1 و غيرها من المصادر الآتية و المارة.
3- حيث أمر بضرب عنقه محمد بن سليمان بن علي العباسي أمير البصرة، كانت امارته بين سنة 160-173 ه.
4- هو ابو أحمد عبد اللّه بن عدي بن عبد اللّه بن محمد بن المبارك بن القطان الجرجاني (265-277 ه) المعروف بابن قطان و اشتهر بين علماء الحديث ب: ابن عدي، من علماء الجرح و التعديل و حفاظ الحديث، له كتاب الكامل في معرفة الضعفاء و المتروكين من الرواة و غيره، انظر عنه: الاعلام: 239/4، تذكرة الحفاظ: 143/3، شذرات الذهب: 51/3، معجم المؤلفين: 82/6 و غيرها.

حديث أحرم فيها الحلال و أحلل الحرام(1).

و منهم بيان(2) بن سمعان النهدي الذي قتله خالد القشيري(3) و أحرقه بالنار، و محمد بن سعيد الشامي المصلوب(4) في الزندقة، حيث روى عن حميد عن أنس مرفوعا: أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، إلا أن يشاء اللّه(5) وضع هذا الاستثناء لما كان يدعو اليه من الالحاد و الزندقة، و الدعوة الى التنبي. و روى عن عبد اللّه بن يزيد المقري(6) أن رجلا من الخوارج رجع عن بدعته، فجعل يقول

ص: 414


1- و في ذيلها: و اللّه، لقد فطرتكم يوم صومكم، و صومتكم في يوم فطركم!. قال تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا... و قد ذكر الواقعة أكثر من واحد، لاحظ: ميزان الاعتدال: 642/2، تدريب الراوي: 284/1، اللآلئ المصنوعة: 248/2، علوم الحديث: 291، و الموضوعات لابن الجوزي: 37/1، اصول الحديث: 422، و كذا البحار: 11/2، فتح المغيث: 239/1 و غيرها. و في الكفاية: 80: عن جعفر بن سليمان انه قال: سمعت المهدي يقول: اقرّ عندي رجل من الزنادقة انه وضع اربعمائة حديث؛ فهي تجول في ايدي الناس.
2- خ. ل: بنان، و هو الظاهر، لاحظ الملل و النحل: 103/1.
3- خ. ل: القسري. و هو الظاهر.
4- في الطبعة الثانية: المسلوب، و الصحيح ما أثبتناه.
5- كما نص على الواقعة السيوطي في تدريبه: 284/1 و حكي عنه انه قال: الكذاب الوضاع لا بأس به اذا كان كلام حسن أن يضع له اسنادا.
6- ابو عبد الرحمن عبد اللّه بن يزيد بن عبد الرحمن الاهوازي الاصل البصري المسكن المكي العدوي مولى آل عمر المتولد نحو سنة 120 ه انظر: سير اعلام النبلاء: 166/10، تذكرة الحفاظ: 367/1، شذرات الذهب: 29/2، تهذيب التهذيب: 83/6 و غيرها.

انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه، فانا كنّا اذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا(1)، قال في البداية(2) و غيرها(3) انه قد ذهب الكرامية - بكسر الكاف و تفتح، و تشديد الراء و تخفف و الأول أشهر - و هم طائفة منتسبون بمذهبهم الى محمد بن كرام السجستاني(4)، و بعض المبتدعة من المتصوفة الى جواز وضع الحديث للترغيب و الترهيب، ترغيبا للناس في الطاعة و زجرا لهم عن المعصية، و استدلوا بما روى في بعض طرق الحديث: من كذب عليّ متعمدا ليضل به الناس فليتبوأ مقعده من النار، و حمل بعضهم ذلك على من قال: انه ساحر أو مجنون.

و قال آخر: انما قال: من كذب عليّ و نحن نكذب له، و نقوّي

ص: 415


1- قاله ابن الجوزي في الموضوعات: 38/1 و غيره.
2- البداية: 58 [البقال: 165/1].
3- اختصار علوم الحديث: 86، تدريب الراوي: 283/1-284، الباعث الحثيث: 85، وصول الاخيار: 103، مقدمة ابن الصلاح: 212-213، الرواشح السماوية: 198 و غيرها.
4- تبعه جمع من خراسان و فلسطين توفى سنة 255 ه، لاحظ الباعث الحثيث: 85، و فتح المغيث: 243/1، ريحانة الأدب: 353/3 و كان متكلما مبتدعا نسب الى الزهد، و عن ابن حبان انه التقط من المذاهب أرداها، و من الأحاديث أوهاها، كما حكاه السيوطي في التدريب: 283/1، قال في معين النبيه: 27 - خطي -: الكرامية و هم المنتسبون الى عبد الكريم بن عمرو بن صالح الملقب ب: كرام، يقول ان معبوده جوهر، و انه مستقر على العرش.

شرعه، و نسأل اللّه السلامة من الخذلان. و حكى القرطبي - في محكي المفهم(1) - عن بعض أهل الرأي: ان ما وافق القياس الجلي جاز أن يعزى و ينسب الى النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلّم)(2).

ثم المروي تارة يخترعه الواضع من نفسه، و تارة يأخذ كلام غيره، كبعض السلف الصالح، أو قدماء الحكماء، أو الاسرائيليات، فيجعله حديثا ينسبه الى المعصوم (عليه السلام)، أو يأخذ حديثا ضعيف الاسناد فيركب له اسنادا صحيحا ليروج، و قيل: ان هذا الأخير من المقلوب، دون الموضوع(3). و قد صنفوا في

ص: 416


1- المراد منه المفهم في شرح شرح صحيح مسلم في الحديث لاحمد بن عمرو القرطبي (578-656 ه). و أغرب من هذا كله ما سيذكره المصنف رحمه اللّه و عزاه الزركشي و غيره الى القرطبي هذا في كتاب المفهم انه قال: استجاز بعض فقهاء أصحاب الرأي نسبة الحكم الذي دلّ عليه القياس الى رسول الله نسبة قوليه، فيقول في ذلك قال رسول الله كذا، و لهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة، لأنها تشبه فتاوى الفقهاء و لا تليق بجزالة كلام سيد المرسلين و لأنهم لا يقيمون لها سندا صحيحا كما حكاه عنه غير واحد لاحظ فتح المغيث: 245/1.
2- ذكر هذا مجملا في البداية: 58-59، و نجده مفصلا في الموضوعات: 94/1-98، و الحق عدّ هذه طائفة مستقلة خامسة ممن يضع الحديث لان دينه جواز الكذب بما يراه حقا. انظر مستدرك رقم (146) بقية الدواعي لوضع الحديث.
3- و ربما وقع الراوي في شبه الوضع غلطا منه بغير قصد، و هذا ليس بموضوع حقيقة بل هو من أقسام المدرج خلافا للنووي في تقريبه و السيوطي في تدريبه: 287/1، فتدبر.

الأحاديث الموضوعة كتبا أصاب بعضهم في نسبة الوضع الى أغلب ما نقله، و بعضهم في جملة منها(1).

تذييل :
اشارة

تذييل(2):

يتضمن مطالب مختصرة:

الاول: حرمة رواية الحديث الموضوع

الأول: انه إذا ثبت كون حديث موضوعا، حرمت روايته، لكونها اعانة على الاثم، و إشاعة للفاحشة، و اضلالا للمسلمين(3).

و أما ضعيف السند غير الموضوع فلا بأس بروايته مطلقا، نعم لا

ص: 417


1- و من القسم الاول كتاب الدّر الملتقط في تبيين الغلط للحسن بن محمد الصنعاني، و من القسم الثاني كتاب ابي الفرج بن الجوزي و فيه كثير من الأحاديث التي وضعها و لم يكن ثمّة دليل على وضعها، و لذا الحقها من بعده بالضعيف، بل عدّها بعض أهل النقد في الحسن و حتى الصحيح. و ذكر احمد بن علي بن حجر العسقلاني في كتابه: تبيين العجب بما ورد في فضل رجب جماعة من أهل الوضع، و إنما سمى كتابه بذلك لما ذكر فيه من الروايات الكثيرة الموضوعة في فضل رجب، و العجب من السيوطي مع كونه ألف كتابه اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة قد كتب كتاب الأساس في فضائل بني العباس، ذكر فيه جملة من الروايات كلها موضوع مجعول لتأييد الحكم القائم آنذاك. انظر مستدرك رقم (147) فوائد حول الموضوع.
2- الاولى جعل هذا التذييل للضعيف لا خصوص الموضوع لاشتماله على مباحث و أحكام راجعة للضعيف مطلقا.
3- و قد أسلفنا ذكر إجماع المسلمين على حرمة الوضع للحديث مطلقا، بل ادّعى الاجماع من كثيرين على حرمة نقل الموضوع من غير بيان وضعه و كذبه مطلقا كما في علوم الحديث: 274، و حكاه عن التوضيح: 71/2، و فتح المغيث: 236/1، و تذكرة الموضوعات: 6، و مقدمة ابن الصلاح: 212 و غيرهم، و روى عن طريق العامة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال: من حدث عني بحديث يرى انه كذب فهو أحد الكذابين، صحيح مسلم: 9/1، و لا شك في جواز رواية الموضوع مع بيان حاله، لما في ذلك من تمييز الموضوع عن غيره، و حفظ السنة و صيانتها من كل دخيل. و كان الاولى بالمصنف (قدس سره) تقييده بذلك. هذا و ان الجمهور تصور أن صرف سياق الحديث باسناده مبرئ للذمة، مع انه لا يجوز له السكوت بلا بيان، حتى قال ابن الجوزي في موضوعاته على حديث ابي.. ان ستره جمهور المحدثين يحمل على ذلك، فان من عادتهم تنفيق حديثهم و لو بالأباطيل ثم قال: و هذا قبيح منهم. و قيل بمنع رواية الضعيف في الأحكام و العقائد خاصة لما يترتب عليه من الضرر في الأحكام الالهية سواء منها الفرعية و الأصولية، و لم أجد لهم مستندا قويما إلا على نحو التأويل، فتدبر.

يجوز الاذعان به، و العمل عليه، حتى في السنن، و الكراهة على الأظهر، كما تقدم تحقيقه في ذيل الكلام على الضعيف، خلافا للمشهور.

الثاني: كيفية رواية الحديث الضعيف

الثاني: ان من أراد أن يروي حديثا ضعيفا أو مشكوكا في صحته بغير اسناد. يقول روى.. أو بلغنا، أو ورد، أو جاء، أو نقل و.. نحوه من صيغ التمريض و لا يذكره بصيغة الجزم، كقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) و فعل و.. نحوها من الألفاظ الجازمة، اذ ليس ثمة ما يوجب الجزم، و لو أتى بالاسناد مع المتن لم يجب عليه بيان الحال، لأنه قد أتى به عند أهل الاعتبار، و الجاهل

ص: 418

بالحال غير معذور في تقليد ظاهره، بل مقصّر في ترك التثبت، و أما الصحيح فينبغي ذكره بصيغة الجزم، بل يقبح فيه الاتيان بصيغة التمريض كما يقبح في الضعيف صيغة الجزم.

الثالث: ما كان ضعيف السند لا يصح فيه تضعيف المتن

الثالث: انه قال غير واحد(1) انه اذا رأيت حديثا باسناد ضعيف، فلك أن تقول هو ضعيف بهذا الاسناد، و لا تقل ضعيف المتن، و لا ضعيف و تطلق بمجرد ضعف ذلك الاسناد فقد يكون له اسناد آخر صحيح، الا أن يقول ماهر في الفن انه لم يرو من وجه صحيح، أو ليس له اسناد يثبت به، أو انه حديث ضعيف مفسرا ضعفه، فان أطلق ذلك الماهر ضعفه و لم يفسره، ففي جوازه لغيره كذلك وجهان، مبنيان على أن الجرح هل يثبت مجملا، أم يفتقر الى التفسير؟ و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى فتأمل(2).

ص: 419


1- كالشهيد الثاني في البداية: 60 [البقال: 8/1-167]، و النووي في التقريب و تبعه السيوطي في التدريب: 296/1، و السيد الداماد في الرواشح السماوية: 203، و ألفية العراقي و شرح السخاوي لها: 262/1-266، و مقدمة ابن الصلاح: 216-217 و غيرهم.
2- لا توجد: فتأمل في الطبعة الاولى. و الأولى أن يقال، فراجع. انظر مستدرك رقم (148) تذييل على التذييل و مستدرك رقم (149) تذنيب الفصل.

ص: 420

فهرس موضوعات الجزء الأول من كتاب مقباس الهداية في علم الدراية

الموضوع الصفحة

مقدمة التحقيق 9

المصنف (قدس سره) في سطور... 17

نماذج من طبعات الكتاب 29

ديباجة المؤلف 35

المقدمة

حقيقة علم الدراية 40

تعريف علم الدراية 41

موضوع علم الدراية 44

غاية علم الدراية 45

الفصل الاول:

بيان اصطلاحات علم الدراية

متن الحديث 47

سند الحديث 50

الخبر 52

الحديث 56

ص: 421

الاقوال في معنى الحديث و الخبر 58

الأثر 64

تذييل:

الخبر مقابل الانشاء 65

السنة 66

تذنيب: يتضمن امور:

الاول: الحديث القدسي 70

الثاني: كيفية الأخذ بالأحاديث 70

الثالث: السنة الفعلية 77

الفصل الثاني:

في بيان الخبر.. و اقسامه 81

الخبر المعلوم الصدق و صدقه ضروري 82

الخبر المعلوم الصدق و صدقه نظري 83

الخبر المعلوم الكذب و كذبه ضروري 84

الخبر المعلوم الكذب و كذبه نظري 84

الخبر المحتمل الأمرين 84

الفصل الثالث:

انقسام الخبر الى: متواتر و آحاد 87

الموضوع الاول: الخبر المتواتر:

و فيه مقامات:

الاول: حقيقة المتواتر و تعريفه 87

الثاني: امكان تحقق الخبر المتواتر 92

الثالث: هل العلم بالخبر المتواتر ضروري او كسبي نظري 96

الرابع: شرائط افادة الخبر المتواتر للعلم 105

شروط اخر لا دليل عليها 109

ص: 422

تذييل:

هل يشترط في الخبر المتواتر عدد خاص ؟ 110

الخامس: اقسام المتواتر

المتواتر اللفظي 115

المتواتر المعنوي 116

الوجوه في المتواتر المعنوي 118

تذييل:

في تحقق المتواتر 122

الموضع الثاني: الخبر الواحد

تعريفه 125

الخبر المحفوف بالقرائن القطعية 125

الخبر المستفيض 128

الفرق بين المشهور و المستفيض 129

فائدة:

هل الخبر المستفيض من أخبار الآحاد أم هو قسم برأسه ؟ 131

الخبر الغريب - بقول مطلق 133

الخبر العزيز 134

الفصل الرابع:

تنويع الخبر الواحد باعتبار احوال رواته 137

رد الاخباريين في انكار القسمة 137

النوع الاول: الصحيح

تعريف الحديث الصحيح 145

اخذ قيد الضبط في تعريف الصحيح 148

اخذ قيد الشذوذ في تعريف الصحيح 152

اخذ قيد العلة في تعريف الصحيح 153

ص: 423

تذييل:

يطلق الصحيح على سليم الطريق من الطعن و إن اعتراه ارسال أو قطع 157

من الصحيح ما يفيد فائدة الصحيح 158

من الصحيح ما يراد منه وصف الصحة 159

معنى الصحيح الى فلان و صحيح فلان 159

النوع الثاني: الحسن

تعريف الحديث الحسن 160

تنبيهات:

الاول: مناقشة الشهيد الثاني في تعريفه للحديث الحسن 162

الثاني: أخذ قيد المدح و المعتد به 164

الثالث: هل القدح ينافي المدح ام لا؟ 166

الرابع: الحديث القوي 167

النوع الثالث: الموثق

تعريف الحديث الموثق 168

تنبيهات:

الاول: اقسام الحديث الحسن و الموثق 169

الثاني: لو كان رجال السند منحصرين في الامامي الممدوح بدون التوثيق و غير الامامي الموثق، ففي لحوقه بايهما وجهان ؟ 169

الثالث: هل يطلق على الموثق قوي ؟ 171

مراتب الحديث الموثق 171

الرابع: مصطلحات تفرد ببعضها البعض

الحسن كالصحيح 175

الموثق كالصحيح 176

القوي كالحسن 176

القوي كالموثق 177

ص: 424

النوع الرابع: الضعيف

تعريف الحديث الضعيف 177

الامور التي ينبغي التعرض لها:

الاول: تفاوت درجات الضعف 179

الثاني: الفرق بين في الصحيح و الصحيح الى... 180

الثالث: قد يروى الحديث من طريقين حسنين أو موثقين.. 181

الرابع: الداعي لوضع الاصطلاح عند المتأخرين 182

الخامس: ليس من اقسام الضعيف ما اطلق عليه الصحة!؟ 184

السادس: من انكر حجية الخبر الواحد لا حاجة له الى علم الرجال الا في مقام الترجيح 185

في حجة الضعيف المنجر بالشهرة 189

هل يجوز العمل بالخبر الضعيف في نحو القصص و المواعظ و فضائل الاعمال 192

كيفية العمل بالحديث الضعيف 193

قاعدة التسامح في ادلة السنن 196

الفصل الخامس:

مصطلحات علماء الحديث غير ما مرّ 201

القسم الاول

ما يشترك فيه الاقسام الاربعة و لا يختص بالضعيف 201

1 - الحديث المسند 202

2 - الحديث المتصل 206

3 - الحديث المرفوع 207

4 - الحديث المعنعن 209

5 - الحديث المعلق 215

6 - الحديث المفرد 217

7 - الحديث المدرج 219

8 - الحديث المشهور 223

ص: 425

9 - الحديث الغريب (بقول مطلق) 227

10 - الحديث الغريب (لفظا) 231

11 - الحديث المصحف 237

تذييل:

الفرق بين التصحيف و التحريف 243

12-13 الحديث العالي و النازل 243

14 - الحديث الشاذ 252

15 - الحديث النادر 252

16 - الحديث المحفوظ 252

17 - الحديث المنكر 252

18 - الحديث المردود 252

19 - الحديث المعروف 252

الحديث الشاذ 255

الحديث المنكر 257

20 - الحديث المسلسل 259

21 - الحديث المزيد 264

22 - الحديث المختلف 267

23 - الحديث الناسخ و المنسوخ 275

24 - الحديث المقبول 279

25 - الحديث المعتبر 282

26 - الحديث المكاتب 283

27-28 - الحديث المحكم و المتشابه 284

29 - الحديث المشتبه المقلوب 285

30 - الحديث المتفق و المفترق 286

31 - الحديث المشترك 288

32 - الحديث المؤتلف و المختلف 291

ص: 426

33 - الحديث المدبج و رواية الاقران 300

34 - رواية الاكابر عن الاصاغر 303

رواية الآباء عن الابناء 305

رواية الابناء عن الآباء 306

35 - السابق و اللاحق 313

36 - الحديث المطروح 314

37 - الحديث المتروك 315

38 - الحديث المشكل 316

39 - النص 316

40 - الظاهر 316

41 - المؤول 317

42 - المجمل 317

43 - المبين 318

المقام الثاني:

الالفاظ المستعملة في وصف الحديث الضعيف 319

1 - الحديث الموقوف 319

تنبيهات:

الأولى: قد يطلق على الموقوف الأثر 322

الثانية: قول الصحابي: كنّا نفعل كذا أو... 322

الثالثة: قول الصحابي أمرنا بكذا و نهانا عن كذا 327

الرابعة: تفسير الصحابي لآيات القرآن 329

2 - الحديث المقطوع: 330

3 - الحديث المضمر 342

4 - الحديث المعضل 335

5 - الحديث المرسل 338

المرسل بالمعنى الاعم 338

ص: 427

المرسل بالمعنى الخاص 340

حجية المراسيل 341

تنبيهان:

الأول: اشتراك أرسال ابن ابي عمير و غيره في الحجية 357

الثاني: كون مراسيل البعض كالمسانيد المعتمدة 357

الارسال الجلي و الخفي 365

6 - المعلل 366

تنبيهات:

الأول: العلة لا تنافي الصحة 370

الثاني: العلة في الاسناد و المتن 371

الثالث: العلة تكثر في كتاب التهذيب 372

الرابع: مدعي العلة قاصر عن التعليل غالبا 372

الخامس: العلة قد تطلق على غير مقتضاها 373

السادس: الأقسام العشرة للمعلل 374

7 - المدلس 376

تدليس الاسناد 376

حجية تدليس الاسناد و جرح من عرف به 380

تدليس الشيوخ 383

8 - المضطرب 386

الاضطراب في السند و المتن 388

9 - المقلوب 391

القلب السندي و المتن 392

10 - المهمل 397

11 - المجهول 397

12 - القاصر 397

13 - الموضوع 398

ص: 428

معرفات الوضع 400

اصناف الواضعين 406

تذييل: و فيه مطالب

الاول: حرمة رواية الحديث الموضوع 417

الثاني: كيفية رواية الحديث الضعيف 418

الثالث: ما كان ضعيف السند لا يصح فيه تضعيف المتن 419

ص: 429

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.