مباني أُصول الفقه المجلد 5

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: رحمتي، محمد، 1307 -

عنوان واسم المؤلف: مباني أصول الفقه: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودي/ مولف آيت اللّه شيخ محمد رحمتي.

تفاصيل المنشور: قم: قرآن صاعد، 1440ق.= 1398.

خصائص المظهر : 5 ج.

ISBN : دوره:978-600-7282-94-6 ؛ ج.1:978-600-7282-89-2 ؛ ج.2:978-600-7282-90-8 ؛ ج.3:978-600-7282-91-5 ؛ ج.4:978-600-7282-92-2 ؛ ج.5:978-600-7282-93-9

حالة الاستماع: فیپا

لسان : العربية.

ملحوظة : ج.2-5(الإصدار الأول: 1398).

عنوان آخر: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودی.

مشكلة : أصول الفقه الشیعة -- قرن 14

Islamic law, shiites -- Interpretation and construction -- 20th century

المعرف المضاف: هاشمی شاهرودی، سیدمحمود، 1327-1397.

المعرف المضاف: Hashemi Shahroudi, Seyyed Mahmoud

ترتيب الكونجرس: BP159/8

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5841397

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

مباني أُصول الفقه

مؤلف: آيت اللّه شيخ محمد رحمتي

الناشر: قرآن صاعد

وقت وسنة النشر: 1398

الطباعة والتجليد: زلال کوثر

الدوران: 1000 نسخه

ISBN: 6-94-7282-600-978

ISBN: 2-89-7282-600-978

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین

الرحمن الرحیم

مالک یوم الدین

إیاک نعبد وإیاک نستعین

اهدنا الصراط المستقیم

صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین

لفت نظر

1 - رقم الآيات على حسب احتساب البسملة آية من السور غير سورة التوبة .

2 - مأخذ روايات الوسائل، طبعة ثلاثين مجلّداً .

3 - روايات المستدرك على طبعة 20 مجلّداً .

4 - صفحات الكفاية على طبعة جلدين مع حاشية المشكيني .

ص: 2

مباني أُصول الفقه

تقرير بحث المحقّق المدقّق آيت اللّه العظمى

السيّد محمود الشاهرودى قدس سره

لتلميذه آيت اللّه الحاج الشيخ محمد الرحمتي

الجزء الخامس

ص: 3

ص: 4

الاستصحاب

بسم الله الرحمن الرحیم

والكلام يقع في ما هو المراد منه وفي تعريفه وفي حجيّته وعدمها .

الاستصحاب لغة عبارة عن أخذ الشيء مصاحبا له ومنه ما يذكرونه من استصحاب اجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة ولعلّ هذا المعنى يختصّ بالاختياري لا الأعم منه ومن غيره كما في المصاحبة وفي اصطلاح الأصوليّين والفقهاء عبارة عن معنى معلوم اختلفت تعبيراتهم عنه .

فكلّ عرفه بتعريف اسدّها واخصرها على ما قاله الشيخ(1) هو ابقاء ما كان وعرف بالحكم ببقاء ما كان لكونه كان .

ولا يخفى ان هذه التعريفات ليست لتحديد الاستصحاب بعد أن كان معلوما عندهم بل هي اشارة إليه . الا ان لبعضها تمام مساس بذاك المعنى وأجمع للافراد ودفع للاغيار حسب الرسم من غيره ولوحظ في الجميع المناسبة للمعنى اللغوي بالنظر إلى المعنى . والمراد بابقاء ما كان وغيره من التعاريف هو الجري العملي على وفق الحالة السابقة وكذلك الحكم بدوام ما ثبت .

في تعريف الاستصحاب

ص: 5


1- . فرائد الأصول 2/541 .

وذلك بعد انه من المسلم في الاستصحاب عدم بقاء اليقين السابق في حال الشكّ متعلّقا بالمشكوك المتيقن قبل . فانه ليس كلّ ما ثبت يدوم ولا كلّ ما ثبت لا يدوم ولا يبقى خصوصا اذا عممنا المؤثّر في الزوال لمرور الزمان فان له تأثيراً في زوال بعض الأشياء كما ان الغالب تأثير العوامل الخارجة عن الزمان من ساير الزمانيّات . فالمراد من الابقاء أو الحكم بالبقاء ادامة الجري العملي في حال الشكّ

في متعلّق اليقين السابق والبقاء عليه وترتيب آثار بقائه على الشكّ فيه . وقيد الحكم إنّما يكون مأخوذا في ما إذا لم يعرف الاستصحاب بالابقاء والا فالابقاء هو الاستصحاب وتقييده بالحكم أو بالعكس أخذ للحكم في الموضوع .

وعرفه المحقّق النائيني(1) بعدم انتفاض اليقين السابق المتعلّق بشيء من حيث الأثر والجري العملي بالشكّ في بقاء المتعلّق وهو قدس سره لاحظ امورا في تعريف الاستصحاب فرارا عن ما أوردوا على تعريفات القوم ممّا يرد وممّا لا يرد . فقد أورد على تعريفه بابقاء ما كان أو الحكم ببقاء ما كان لكونه كان بوجوه ستّة والتعرّض لها ودفعها أو الالتزام بها لا يناسب الاختصار في ما لا يهمنا .

ومن الامور التي لاحظها في التعريف انطباق أخبار الباب عليه فان لفظ الاستصحاب ليس في الاخبار حتى ندور مدار لفظه فعبر بعدم الانتفاض لخروج الشكّ من حيث المقتضى عن حيّز الاستصحاب فانه ليس حجّة عنده على التحقيق .

ومنها تميز الاستصحاب عن قاعدة اليقين المعروف بالشكّ الساري

وقاعدة المقتضى والمانع فانّ الاستصحاب يكون متعلّق الشكّ واليقين فيه واحدا

ص: 6


1- . فوائد الأصول 4/307 مع تفاوت يسير في العبارة .

والزمان مختلف كما اذا علم بعدالة زيد يوم الخميس وشكّ فيها يوم الجمعة يعني في بقائها . اما في يوم الجمعة أو في نفس يوم الخميس فانه من الاستصحاب أيضا فالشكّ تعلق بالعدالة المحرزة يوم الخميس باعتبار بقائها بعده في يوم الجمعة ولم يسر إلى يوم الخميس . وليس كذلك قاعدة اليقين . بل يكون الشكّ ساريا من حينه حتّى إلى زمان حدوث المتيقن السابق فاليقين زائل فيه وبهذا الاعتبار لا يجتمع زمان اليقين والشك كما اذا علم بعدالته في يوم الخميس وشكّ فيها يوم الجمعة وانه هل كان يوم الخميس ذا عدالة أم لا .

وبهذا الوجه سموه الشكّ الساري لسريانه إلى وقت اليقين السابق ونفسه فيزول بذلك .

وأمّا قاعدة المقتضى والمانع على النحو الذي سنحرّره إن شاء اللّه فلا يكون متعلّق الشكّ واليقين فيه واحدا . لأنّ اليقين تعلّق بالمقتضى والمقتضى تام في اقتضائه بحيث لو لا المانع لأثّر أثره إلاّ انّه يشكّ في وجود المانع كما إذا كان نار

على الثوب مع الشرايط المعتبرة في الاحراق ويشكّ في الرطوبة المانعة وعدمها وبدون ذلك لا تحقّق للمقتضى كما إذا لم يكن المماسة بل بينهما بعد المشرقين .

ومنها عدم كون الاستصحاب من الامارات بل هو من الأصول المأخوذة

في موضوعها الشكّ كما ان المراد من ابقاء ما كان أي لأنّه كان . فعلة الابقاء هو كونه كان بناء على كونه من الامارات لظنّ البقاء في غالب الأشياء وهذه العلّة أوجبت الظن عند القائلين به وحجيّته عندهم كالمحقّق القمي رحمه الله ومدرك حجيّته

الأخبار الواردة في الباب على ما سيأتي التعرّض لها إن شاء اللّه . لا كونه من بناء

العقلاء في امورهم كما ربما يقال في قاعدة الفراغ وانها من الامارات . وكيف كان

ص: 7

فقد تبين ان المراد من الابقاء ليس هو ابقاء عين ما كان بل أثره والجري العملي على طبقه فانّه الذي يكون قابلاً للحكم ببقائه والتعبد به .

تنبيه: جرت عادتهم بعد تعريف الاستصحاب على البحث في انه مسئلة اصوليّة أو قاعدة فقهيّة أو مسئلة فقهيّة . وهذا بعد أن ذكرنا ان معنى الاستصحاب واضح معروف عندهم . يظهر ذلك ببيان تعريف المسئلة الأصوليّة والقاعدة الفقهيّة ومسئلتها والفرق بين هذه وإن كانت التعريفات لفظيّة لا يراد منها شرح حقيقة؛ المعرّف وبيانها بل مجرّد الاشارة إليه وإن كان بعضها أعرف من بعض لكونه أجمع لشتاته .

فنقول بعون اللّه الملك المعبود: ان ما يقولون هذه مسئلة اصوليّة أو ذلك البحث بحث اصولي للفرق بينه وبين الفقهي وغيرهما . فان في كلّ علم يبحث عن أحوال شيء يكون موضوعه وكذلك علم الأصول فانه يبحث فيه عن حال موضوعه وعرف بتعاريف أحسنها وأجمعها العلم بالكبريات التي تقع في طريق استنباط الحكم الفرعي عن أدلّتها إمّا واقعا أو ظاهرا بعد يأس المجتهد عن الدليل الاجتهادي وذلك التعريف أسدّ من انه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام أو التعريف الذي عرف به الآخوند رحمه الله في أوّل الكفاية بأنّه(1) صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو التي ينتهي إليها في مقام العمل الخ .

وذلك لأن علم الأصول إنّما يكون آخر العلوم المبنيّة عليها استنباط

الأحكام وباقي العلوم من اللغة والصرف والنحو حيث ان من الأدلّة الكتاب

تعريف علم الأصول

ص: 8


1- . كفاية الأصول 1/9 .

والسنّة ولابدّ في معرفة ذلك منها وكذا علم الرجال من العلوم الستّة المقدميّة إنّما يتشكّل منها صغرى الاستنباط ومعلوم ان الصغرى ما لم ينضم إليها الكبرى لا تفيد شيئا كالعكس . فلابدّ في قياس الاستنباط من صغرى وكبرى والمتكفّل للصغرى باقي العلوم المقدّميّة للاستنباط . مثلاً اذا علمنا ان هذا الخبر خبر الثقة فنجعله

صغرى وجدانيّة ونضمّ إليها كبرى المسئلة الأصوليّة وهي كلّ خبر ثقة حجّة . اذن صارت نتيجة البحث ذلك أو كلّ خبر عادل أو ممدوح ولو بالعدالة في مذهبه فينتج ان هذا الخبر حجّة وإذا اكتشفنا ما يتعلّق بباب ألفاظ الخبر ومتنه وما يظهر من مفرداته عند اطلاقها ومن الهيئة الكلاميّة يستفاد منه كلي فرعي قابل للالقاء إلى المكلّف والافتاء حسبه ومن هنا تبين رتبة علم الأصول وانّه متأخّر عن باقي العلوم الدخيلة في الاستنباط اذ تلك واقعة في طريق تشكل صغرى الاستنباط .

وهذا لتحقيق الكبرى ويكون كبرى القياس يعني نتيجته يكون كبرى القياس كما مثّلنا وذلك وجداني اذ يتحلّل إلى القياس الذي صغراه نتيجة باقيها والكبرى نتيجة المسئلة الاصوليّة فهي ما تكون نتيجته كبرى قياس الاستنباط كان يبقى بعد حذف الوسط حكم كلّي فرعي يلقيه المجتهد إلى المكلّف ويجعله كبرى قياس عمله اذا أطاع .

كان يقول هذا خمر وكلّ خمر نجس أو يحرم شربها لما أفتى به المجتهد فهذا نجس يحرم شربه فلا يشربه .

ولا يخفى ان هذا التعريف الذي ذكرنا لعلم الأصول والضابط الذي ذكرنا لتشخيص مسئلته عن الفقهيّة بناء على عدم انسداد باب العلم والعلمي . وإلاّ فعلى تقرير الحكومة لا استنباط ولا فقيه ولا يكون هناك مسئلة اصوليّة كما في تبعيض

ص: 9

الاحتياط وذلك إنّما يستقيم على انفتاح باب العلمي وعدم الانسداد لاستنتاج الأحكام ولو التي تكون أدلّة فقهيّة كالأصول العمليّة . فانّ البحث عن هذا أيضا بحث عن مسئلة اصوليّة ولذا عمّمنا التعريف لها فصار أحسن من تعريف الشيخ الحائري في أوّل(1) درره حيث قال فاعلم ان علم الأصول هو العلم بالقواعد الممهّدة لكشف حال الأحكام الواقعيّة المتعلّقة بأفعال المكلّفين سواء تقع في طريق العلم بها كما في بعض القواعد العقليّة أو تكون موجبة للعلم بتنجزها على تقدير الثبوت أو تكون موجبة للعلم بسقوط العقاب كذلك اذ فيه من التطويل والتعسف ما لا يخفى .

وأمّا المسئلة الفقهيّة فهي ما تكون نتيجته تنفع المكلّف كما مثّلنا ولا اختصاص لذلك بالمجتهد بل هو أيضا من هذه الجهة كأحدهم يجعل نتيجة المسئلة الفقهيّة كبرى القياس العملي وليس عليه ولا له تعيين الموضوعات وتشخيصها في مقام العمل حيث لا فرق في هذه الجهة بينه وبين المقلّد . نعم يكون قوله في بعض الموارد شهادة وتصديقا ينفع مثله وغيره كالعكس .

وأمّا القاعدة الفقهيّة فهي التي انطوى عنها عدّة أمور كلّ واحد منها يخصّ المكلّف وقابلة الانطباق على الموارد الجزئيّة أيضا كقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ومن ملك شيئا ملك الاقرار به وأمثال هذه من القواعد الفقهيّة كقاعدة الفراغ والتجاوز ويمكن الفتوى بها فانها نافعة للمقلّد بخلاف المسئلة الأصوليّة وقاعدتها فلا مساس للمكلّف المقلّد بحجيّة الخبر الواحد وعدمها وبل تنفعه بواسطة القياس الذي يكون فيه المسئلة الأصوليّة نتيجتها كبراه بخلاف

تعريف المسئلة الفقهيّة والقاعدة الفقهيّة

ص: 10


1- . درر الأصول 1/31 - 32 .

القاعدة الفقهيّة . ولكن القاعدة في ما اذا يستفاد منها الحكم الكلي تبين وظيفة المقلّد وباقي المكلّفين بلا احتياج إلى قياس آخر يكون المستفاد منها كبراء للاستنباط بل إذا كان فللعمل كما بينّاه .

وممّا ذكر ظهر الفرق بين المسئلة الأصوليّة والفقهيّة والفرق بين الاصوليّة والقاعدة الفقهيّة .

وأمّا الفرق بين المسئلة الفقهيّة وقاعدتها فهي ان القاعدة حاوية لعدّة امور جامعها اشتراكها في الحكم الذي تتكفّله القاعدة وما يكون محمولها كما في ما يضمن فانه لا اختصاص له بموضوع خاص أو عقد خاص بل يشمل كلّ العقود التي تكون كذلك بخلاف مسئلتها كحرمة الخمر ووجوب تثليث التسبيحات الأربع مثلاً في الصلاة فهي موضوع واحد لا يسري إلى غيره .

وبما ذكرنا ظهر ان البحث عن بعض المسائل اللّغويّة في الأصول بحث استطرادي كمباحث الوضع وما يكون موضوعا له الألفاظ والظواهر إلى الأوامر فان ذلك حيث لم يدون ولم يبين في علم آخر يكون البحث عن هذه من أحوالها ذكر في مبادي علم الأصول استطرادا لمساس لها بمسائله شديدا .

هذا ملخّص الكلام في ضابط هذه الأمور . ومحل ذلك أوّل الأصول . وعلى هذا فالاستصحاب إذا كان جاريا في الأحكام يكون المستفاد منه حكما كليا فرعيا ولو ظاهريا وبتوسطه علمنا به وصار واسطة في الاثبات كباقي مسائل الأصول فانها تقع واسطة في الاثبات ونتيجتها تختص بالمجتهد بلا احتياج إلى وجود الموضوع خارجا بل هي على نحو القضايا الحقيقيّة يفرض الموضوعات يبيّن محمولاتها وهي الأحكام الكليّة المتعلّقة بها .

ص: 11

أمّا الاستصحابات الجارية في الموضوعات فهي لا تكون من المسئلة الأصوليّة وقاعدتها بل داخلة في ضابط القاعدة الفقهيّة التي ذكرنا ان نتيجتها تختص بغير المجتهد بمعنى انه أيضا أحد من يكون له نفع منها هذا .

لكن الكلام كلّ الكلام في صغرى الاستصحاب الحكمي بحيث يكون فرق بينه وبين عدم النسخ الذي يكون منشأ الشكّ فيه مرور الزمان وذلك الذي تفطنا به أثناء أبحاثنا وكانّ المحقّق النائيني أيضا يلتفت إلى هذا المعنى .

وكيف كان فالاستصحاب الحكمي إنّما يكون اذا لم يكن يقين ببقاء الموضوع ولا بارتفاعه ولا الشكّ في بقائه بل يكون المشكوك نفس الحكم الكلي الشرعي من غير جهة النسخ الذي يكون بمرور الزمان ( أقول في تقرير بحث المرحوم النائيني ذكر المقرر بعد كلام له والسر(1) في ذلك هو ان متعلّق الشكّ في الاستصحابات الحكميّة إنّما هو الحكم الكلّي المترتّب على موضوعه المقدر وجوده مع تبدل بعض حالات الموضوع وبذلك يمتاز عن استصحاب عدم النسخ عند الشكّ فيه فانه في استصحاب عدم النسخ لا يحتاج إلى فرض وجود الموضوع وتبدل بعض حالاته . وأمّا استصحاب الحكم الكلّي في الشبهات الحكميّة فيحتاج إلى فرض وجود الموضوع وتبدّل بعض حالاته ولا يحتاج إلى تحقّق الموضوع خارجا كما هو الشأن في الاستصحابات الجارية في الشبهات الموضوعيّة الخ ) .

تكميل وتوضيح: قد تبيّن ممّا ذكرنا انطباق ضابط المسئلة الأصوليّة على الاستصحاب الجاري في الأحكام اذ لا يفتى المجتهد بالاستصحاب بل

انطباق ضابط المسئلة الأصوليّة على الاستصحاب

ص: 12


1- . فوائد الأصول 4/311 .

يجعل نتيجة أعمالها ملقاة إلى المكلّف فالبحث عنه يكون اصوليّا . إذ يماسّ العمل بالواسطة وهذا بخلاف الاستصحابات الموضوعيّة فانّها ( لا ) تكون من المسائل الأصوليّة إذ للمجتهد أن يفتى فيها بالاستصحاب وهذا لا اشكال فيه . إنّما الاشكال والكلام في صحّة الاستصحاب الحكمي ووجود صغرى لكبراه وذلك لأنّ الاستصحاب لا جريان له في ما إذا كان الموضوع مقطوع البقاء أو مقطوع الارتفاع اذ الحكم من الموضوع كالمعلول من العلّة يستحيل تخلّفه عنه وإلاّ يلزم الخلف والمناقضة وكلاهما محالان . كما انه يستحيل تقدّم الحكم على موضوعه فاذا كان الموضوع متيقن البقاء فلا شكّ في الحكم كما إذا كان مقطوع الارتفاع لا اشكال في عدم الحكم . وكذلك إذا كان الشكّ في بقاء الموضوع اذ لا جريان للاستصحاب في هذه الموارد .

نعم يمكن أن يكون الشكّ في الحكم من غير ناحية الموضوع والزمانيّات بل من نفس الزمان ومروره . وهذا إنّما هو استصحاب عدم النسخ .

والكلام في استصحاب الحكم المشكوك البقاء من غير ناحية الزمان اذ الاستصحاب في الحكم المشكوك الذي يكون منشأ الشكّ فيه هو الزمان لا مجال لجريانه بعد أن كان هناك ما يستفاد منه الاستمرار من الأدلّة اللفظيّة كالاطلاق كما

في العام والمطلق فالتمسّك بالعام والمطلق في ظرف الشكّ في التخصيص والتقييد ليس من الاستصحاب بشيء ولا تصل النوبة إليه بعد ان كان نفس ظهور دليل الحكم يتكفل ذلك امّا بالنظر في الأخبار الواردة في ان حلال(1) محمّد صلی الله علیه و آله حلال

ص: 13


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي واللفظ عن الباقر علیه السلام قال جدّي رسول اللّه صلی الله علیه و آله أيّها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة وحرامي حرام إلى يوم القيامة .

إلى يوم القيامة وحرامه حرام كذلك فينحصر الشكّ منشأً بالزمانيّات من حيث وجود الرافع أو رافعيّة الموجود .

وهذا يختصّ بالاستصحاب الموضوعي ويخرج الاستصحاب عن كونه أصلاً اصوليّا بل يكون قاعدة فقهيّة لو كان له موارد عديدة تنطبق عليها كقاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده واين الاستصحاب الموضوعي من ذاك إذ ليس له موارد عديدة بل يكون كالكلّي وتطبيقاته إنّما هي مصاديق لذلك الكلّي وافراد له .

فينحصر على هذا في المسئلة الفقهيّة ولا يكون مسئلة كلامية ولا اصوليّة بل فقهيّة متكفّلة لبيان حرمة نقض اليقين بالشكّ في ما إذا كان هناك شرايطه موجودة من اتّصال زمانه بالشكّ وغير ذلك وهذا لم يحتمله أحد .

كما إن كلمات الشيخ قدس سره بين ما يلوح منه كونه مسئلة اصوليّة أو قاعدة فقهيّة ومع ذلك فقد يعمل في موارد المسائل الأصوليّة كما في استصحاب حجيّة العام المخصّص بالنسبة إلى الباقي بعد التخصيص لو لم يكن هذا اصالة العموم ولا اختصاص لذلك بالاستصحاب بل لقاعدة العسر والحرج أيضا جريان في أمثال المورد من الموارد الأصوليّة كما إذا كان الفحص عن المخصّص للعام عسريّا موجبا للحرج فينفي ما يلزمه ذلك بهما مع انهما قاعدتان فقهيّتان ومورد جريانهما المسئلة الأصوليّة التي يتمّ نتيجتها بذلك .

والحاصل ان الاستصحاب الحكمي الذي تكون اركانه تامة وشرايطه موجودة والشكّ يكون في نفس الحكم لا في الموضوع من غير جهة الزمان لا وجود له(1) . اذ كلّ ما يكون منشأ للشكّ في بقاء الحكم من الزمانيات اما ان لا

بيان كونه مسئلة اصوليّة

ص: 14


1- . ذهب السيّد المحقّق البجنوردي منتهى الأصول 2/384 - 386 والمحقّق العراقي (نهاية الأفكار 4/12 - 13 ) إلى الجريان في الأحكام الكلّيّة والسيّد الحكيم ( حقائق الأصول 2/396 ) والسيّد العلاّمة الخوئي قدس سره م ( مصباح الأصول 48/42 - 45 ) يعارضه باستصحاب عدم الجعل بنحو الاطلاق .

يكون له دخل في بقاء الحكم فلا وجه للشكّ في بقائه بل يكون مقطوع البقاء كالموضوع كما انه اذا لم يكن كذلك بل له دخل فحينئذٍ يكون الشكّ في بقاء الموضوع ولا اشكال في اعتبار اتّحاد القضيّة المتيقنة مع المشكوكة موضوعا ومحمولاً .

نعم ربما يقال ان استصحاب نجاسة الماء المتغير الزائل تغيّره من قبل نفسه من هذا القبيل فانه لا اشكال في ان الماء سواء كان قليلاً أو كثيرا ينفعل بالتغير ويكون اتّصال الكر به أو الجاري أو القاء كرّ ممتزجا في هذه بالعاصم أم بدونه مطهّرا له كما في ماء البئر لأن له مادّة لا ينجس بدون التغير الا انه نشك في زوال النجاسة العارضة على نفس الجسم المائي وبقاء وجوب الاجتناب عنه الموجود عند زوال التغير الذي لا يكون معروض النجاسة لاستحالة قيام العرض بالعرض كاللون فالتغير والنجاسة حكم الماء ووصفه وهو الجسم ولا اشكال في بقاء الماء النجس المتغير بعد زوال تغيره وانما الزائل تغيره غير الدخيل في قوام الماء وهذا أمر خارج صار منشأ للشكّ في بقاء النجاسة وارتفاعها التي حكم شرعي وضعي .

لكنه يجيء في هذا المثال الفريد ما أشرنا إليه آنفا من انه إن لم يكن دخيلاً في الموضوع فلا وجه للشكّ في بقاء الحكم كما في المثال الاخر الذي هو وجوب اكرام العالم وهو زيد فزال عنه العلم . وشككنا في بقاء وجوب اكرامه وارتفاعه وان كان يمكن وجود أمثلة كثيرة بعضها حكمي وبعضها موضوعي .

وكذا اذا كان دخيلاً ولا أقل من الشكّ في دخله وعدمه فيمتنع جريان

ص: 15

الاستصحاب لاحتمال كون التغير من حالات الموضوع الدخيلة . فعلى هذا يكون الفاقد لهذه الصفة وهي التغيّر مباينا لذلك الواجد وموضوعا آخر لكون الوصف مقوما له . الا أن يقال بكونه ملاكا للحكم فيكتفي بوجوده في الجملة في الحكم لابقائه ودوران الحكم مداره وجودا وعدما حتى يكون الفاقد بعد الوجدان مباينا له فيكون كالعبد المبيع بشرط كونه كاتبا أو إذا كان كاتبا فتبين عدم كونه كذلك بخلاف ما إذا باع عبدا حبشيّا فطلع حمارا وحشيا وذلك لكونه غير ذلك وكون الحبشيّة كالعبديّة مقوّما له ولذلك نظائر كما في الملاكات التي يذكرونها كدفع ارياح الاباط في غسل الجمعة وعدم اختلاط المياه في العدّة في غير الخمس التي لا عدّة لهن فان الغسل مشروع حتّى في حق من استحم يوم الخميس فصار نظيفا غايته وكذلك العدّة لازمة على من لا ولادة لها وغيرها فلا مانع من كون وجود شيء في الجملة موجبا لعموم الحكم في غيره ولطائفة خاصّة موجبا لعمومه على الطبقات والطوائف لا أن يكون مخصوصا بمن يسكن الحجاز فينتن عرقه وبدنه .

وعلى أيّ فوجوده في بعض أفراد جنسه زمانا أو طائفة أو غيرهما يكون سببا للجعل على العموم فيكون التغير في ما نحن فيه كذلك بأن يكون له دخل حدوثي في الحكم وفي موضوعه فبزواله يبقى الحكم كما كان .

وفيه ما ذكرنا مرارا من عدم انحصار الملاك في ما يعلل به بعض الأحكام فكم من تعليل علل الأئمّة علیهم السلام به الأحكام حسب استعداد افهام الناس واحتمال عقولهم واضعاف ذلك لم تبين لهم لنقصهم فانّ العدّة لا تكون علّتها منحصرة في عدم اختلاط المياه بل الاحترام أصل أصيل في بابها كما في عدّة الوفاة مع فراق عشر سنين بينهما . فمن حين العلم بها تعتدّ عدّتها مع عدم انحصار المثال

ص: 16

للاستصحاب الحكمي في المثال المذكور وفيه ما سمعت .

وعلى كلّ حال حسب الضابط يكون الاستصحاب الحكمي من المسائل الأصوليّة سواء كان وجوبا أو عدما وجد له مورد أم لم يوجد وأمّا الموضوعي فله موارد لا تحصى وهي بين ما يكون منشأ الشكّ احتمال كون الموجود مزيلاً أو احتمال وجوده .

تذكرة: يمكن الاشكال بالاستصحاب الجاري في الحكم الذي لا يكون وجوديا كالحرمة والاباحة والوجوب إذا شككنا في بقاء أحدها لكنه مبني على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي وقد فرغنا(1) عن عدم تماميّة أركان ذلك في محلّه برائة واستصحابا لعدم فائدة في المحمولي منه وعدم حالة سابقة للنعتي فيه حتّى في الموضوعي فضلاً عن الحكمي . ومع ذلك لعلّ من الممكن تصوير مورد له بأن يدخل به الاستصحاب في المسائل الأصوليّة في باب ذلك ونظائره في العدميات وهو ما ذكروه وعنونه السيّد اليزدي رحمه الله في كتاب المضاربة من العروة وهي المسئلة الستون(2) فقال رحمه الله: ( إذا حصل تلف أو خسران فادعى المالك انه أقرضه وادّعى العامل انه ضاربه قدم قول المالك مع اليمين واختار المحقّق النائيني . ذلك والسيّد أبوالحسن الاصفهاني رحمه الله على اشكال .

ومجمل الكلام في ذلك انه عند تلف المال حيث لا أصل موضوعي هناك يحرز به ان الأصل تقديم قول المالك بسببه أو العامل كان يكون قرضا أو مضاربة وتعارض الأصلين العدميين من الطرفين . فانه يقتضي عدم كونه مضاربة كما

الاستصحاب الحكمي

ص: 17


1- . سيجيء تحقيقه إن شاء اللّه وانّه جاري .
2- . العروة الوثقى، كتاب المضاربة .

يقتضي عدم كونه قرضا فتصل النوبة حينئذٍ إلى الأصول المتأخّرة ونتيجتها مختلفة بالنسبة إلى قبل التلف وبعده فقبله لو كان العامل مدّعيا مضاربة فيكون للمالك ولا يكون على العامل ضمان لو تلف بخلاف ما لو ادّعى انه قرض . فالتلف يكون من ماله وعليه المثل أو القيمة وقبل التلف في ما لو ادّعى مضاربة يكون الربح للمالك على ما اشترطا عليه فلابدّ في المقام من تشخيص المنكر من المدعى ومصب الدعويين وإن كان القرض والمضاربة الا ان المآل إلى دعوى الضمان وعدمه . فالمالك يكون مدّعيا على العامل وربما يعكس الأمر لو كان قبل التلف . فلا أصل موضوعي هنا يكون مجرى الاستصحاب على القاعدة حيث ان قبل التلف لم يكن ضمان على العامل فانه لو كان قرضا كان يده يدا غير عدواني . غاية الأمر تعلّق الدين بذمّته وكان جريان الاستصحاب بلا مانع لتماميّة أركانه في عدم ضمان العامل لو لم يكن عدم الضمان مرتبا على عنوان والا فحين وصول المال في يده . امّا ان كان قرضا أو مضاربة ولا محرز لأحد العنوانين فلا مجرى للاستصحاب ولا أصل آخر للاحراز . بل لو كان في موارد انطباق ضابط التركيب كما ان اليد على مال الغير ولم يكن اذن يتحقّق به الضمان حيث انه من التركيب لا التقييد الذي لا يمكن تصحيحه جزءا بالوجدان وهو وضع اليد على مال الغير والجزء الآخر بالأصل وهو عدم الاذن أو رضى المالك فيكون القول قول العامل في ما نحن فيه لعدم احراز عنوان بخصوصه يوجب الضمان ويختلف الأثر بعد التلف فانه مادام باقيا ( ويمكن على بعض الوجوه رجوع المالك إلى عين ماله فلا ضمان ) .

وكيف كان فمقتضى القاعدة عدم ضمان العامل لعدم موجب له ويجري

الاستصحاب في المقام وهو عدم الضمان واشتغال ذمّته بالنسبة إلى المالك لكن

ضمان العامل وعدمه

ص: 18

الرواية الواردة في الوديعة من اسحاق بن عمّار قال(1): سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت فقال الرجل كانت عندي وديعة وقال الآخر إنّما كانت لي عليك قرضا . فقال المال لازم له الا ان يقيم البيّنة انها كانت

وديعة ( رواها في كتاب وديعة الوسائل وروى(2) أيضا عن أبي عبداللّه علیه السلام في رجل قال لرجل لي عليك ألف درهم فقال الرجل لا ولكنها وديعة فقال أبو عبداللّه علیه السلام القول قول صاحب المال مع يمنيه .

ورواها في كتاب الرهن . لو تعدينا منها إلى المقام تدلّ على خلاف القاعدة أو لعلّها توافق قاعدة اليد الا ان في على اليد اشكالاً مضى فانه لا يد عدواني في المقام ) بل الأصل يقتضي عدم ضمانه والرواية(3) على خلافه ولعلّ نظر السيّد الاصفهاني رحمه الله في اشكاله إلى ذلك . وعلى أيّ حال فالمسئلة غير صافية وتشخيص المنكر من المدعى في أمثال المقامات ممّا يفترق حال قبل التلف وبعده في غاية الصعوبة وذلك من أهم ما يجب على القاضي في باب القضاء ولا يوجد إلاّ في المجتهد المطلق الذي يكون هذه الموارد محكا لمعرفة اجتهاده وانّه مطلق وكذلك يمكن جريان الاستصحاب في الملكيّة الحاصلة بسبب المعاطاة لو فسخ بعدها وشككنا في الانفساخ ورجوع الملكيّة . وذلك مبنى على ما ذهبنا إليه

ص: 19


1- . الوسائل 19 الباب 7/1 من كتاب الوديعة .
2- . الوسائل 18 الباب 18/1 من كتاب الرهن .
3- . وصدر من بعض المحشّين في المقام ما لا يمكن توجيهه ولا مساس له به أقول لعلّ المراد به هوالسيّد البروجردي رحمه الله فانّه علّق على قول صاحب العروة المتقدّم قدم قول المالك بقوله لاصالة الضمان في الأموال التالفة عند غير مالكها الثابتة بالنص والفتوى ولولاها لكان القول قول العامل لاصالة عدم القرض وكون دعوى القراض غير ملزمة لا يتوجه بها حلف على منكرها .

من عدم كون الملكيّة حاصلة على نحوين وكذا في بقاء المال في ملكيّة المالك في المسئلة السابقة قبل تلفه لو حصل التداعي بينهما .

ولعلّه يوجد موارد كثيرة من هذا القبيل في الاستصحابات العدميّة الحكمية حتى تنقض ما قلنا وادّعيناه من عدم وجود مورد للاستصحاب الحكمي وانحصار ذلك بالشكّ من ناحية الزمان والتوقيت الذي ابطلنا جريانه فيه اذ التوقيت أمر زائد يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا وما لم يثبت لا يصار إليه بل نأخذ بالاطلاق ودوام الحكم بلا احتياج إلى الاستصحاب كما تقدّمت الاشارة إليه . لكنه كما ترى لا مساس لهذه الموارد بمدعانا فانه لو جرى في هذه الموارد لا يزيد على قاعدة فقهيّة لا تقع في طريق استنباط الحكم الكلي الفرعي ولا تصير كبرى الاستنباط بالضابط الذي تقدّم بيانه بل ينحصر الاستصحاب بالشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود الذي يختصّ بسببهما في الموضوعي وان اصررت على كون الاستصحاب قاعدة اصوليّة واقعة في طريق الاستنباط فلا ننازعك فيه لو وجدت له موردا على الضابط المذكور . وباقي الكلام في مطاوي الأبحاث إن شاء اللّه كما ان الأمور المتقدّمة على البحث إنّماوقعت على الرسم والا

فالكلام فيها مستوفى في المباحث الآتية لكن تقديمها للاعانة والاستمداد في ما سيأتي .

ومن الأمور بعد تعريف الاستصحاب في الأمر الأوّل وكونه مسئلة اصولية أم لا .

يقع البحث في الثاني وبيان الفرق بينه وبين قاعدة اليقين والمقتضي والمانع في الأمر الثالث وذلك لحمل اخبار الاستصحاب الآتية على قاعدة اليقين

الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين

ص: 20

من بعض وعلى المقتضي والمانع من آخر كما استفيد منها الاستصحاب على المعروف . وبعضهم حاول تصوير جامع بينها ويطبق الأخبار على الثلاث فلذا ينبغي بيان الفرق بين كلّ واحد من هذه تتميما لما مرّت إليه الإشارة .

فنقول: يعتبر في الاستصحاب اتّحاد متعلّق اليقين والشكّ موضوعا ومحمولاً فقوامه وحدة القضيّة المشكوكة والمتيقّنة واختلافهما حسب الزمان بأن يكون المتيقن غير المشكوك زمانا وعينه موضوعا ومحمولاً مع تقدم اليقين على الشكّ لا العكس . فانه من الاستصحاب القهقرى الذي سيجيء في محلّه بطلانه إن شاء اللّه وأمّا اختلاف زمان نفس اليقين والشكّ الوجدانيين فغير معتبر .

وأمّا قاعدة اليقين فقوامه اتّحاد زمان المتيقن والمشكوك حيث يتعلّق الشكّ بنفس ما تعلّق به اليقين في زمانه متأخّرا عنه . وذلك خلاف قاعدة المقتضى والمانع بأي من المعاني الثلاثة المتصوّرة فيه حسب ما بيّنه المحقّق النائيني رحمه الله .

فانّ اليقين في هذا الموارد تعلق بشيء والشكّ بشيء آخر .

الأوّل منها أن يكون المقتضى تكوينيّا كالمانع واحرزناالأوّل وشككنا في الثاني . مثاله ما إذا علمنا بوجود نار محرقة مماسة مع الثوب وشككنا في وجود البلّة المانعة عن الاحراق فيحكمون في هذه الموارد لاحراق الثوب بالضمان مستندا إلى القاعدة ولهذا الوجه أمثلة كثيرة مضحكة أيضا .

الثاني: أن يكونا تشريعيين لا باقتضاء من طبعهما كما إذا علمنا ببيان الشارع ان الملاقاة مع النجاسة مقتضية لنجاسة الماء الملاقى وعلمنا ان العاصم من ذلك هو كثرة الماء بحيث يكون كرا فوجد ماء دفعة غير مسبوق بالقلّة ولا الكثرة ولاقاه النجاسة ولم ندر انه كرّ أم قليل فحكم بعضهم فيه

ص: 21

بالانفعال مستندا إلى ذلك .

ويظهر من الشيخ في كتاب الطهارة الميل إليه وكذا المحقّق النائيني رحمه الله في بحثه كان يقبل القاعدة بهذا الوجه . وقد يعلل ذلك بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة .

وقال السيّد الاصفهاني رحمه الله في وسيلته بالنجاسة .

أقول: هكذا ببالي في افادته قدس سره في الدرس لكن الذي وجدته في الوسيلة هكذا: ( مسئلة: الماء المشكوك الكريّة ان علم حالته السابقة يبني على تلك الحالة والا فالأقوى عدم تنجسه بالملاقاة وان لم يجر عليه باقي أحكام الكر . وسيّدنا الأستاذ موافق في حاشيته على الوسيلة للماتن رحمه الله ونظير ذلك عن صاحب العروة(1) فيها ومن يقول بالنجاسة كانه يجري الأصل في عدم المانع . ولو لم نقل بتماميّة القاعدة فلابدّ من المصير إلى قاعدة الطهارة .

الثالث: أن يكون المراد بالمقتضى هو الملاك للحكم الشرعي والمانع ما يمنع عن تشريع الحكم على طبق الملاك كما اذا علمنا بالبديهة العقليّة حسن الاحسان وشككنا في كون شقاوة المحسن إليه مانعة عن ذلك .

ومرجع هذا إلى قاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل وما حكم به الشرع واقعا أو ظاهرا الا انه عبارة اخرى عنه والمقتضى والمانع بكل واحد من هذه المعاني له قائل وإليه مستند الا انا لسنا الآن بصدد بيان بطلان ذلك تفصيلاً لكن مجمل الكلام عدم تماميّته بأحد هذه الثلاثة خصوصا الأخير . فانّا قد بينّا في محلّه عدم ملازمة بين حكم العقل والشرع واقعا ولا ظاهرا بمعنى عدم تماميّة

ص: 22


1- . العروة الوثقى المسئلة 7 في المياه، فصل الراكد .

القاعدة بهذا المعنى . وحيث لم يعلم ان القائل بالمقتضى والمانع ايّها أراد فقد ذكرنا وجوه القاعدة . ومن الواضح الفرق بينها بوجوهها وبين الاستصحاب وكذا بينهما وبين قاعدة اليقين وبين الأوّل والأخير فلا يمكن تطبيق أخبار الباب إلاّ على واحد من هذه الثلاث ولا جامع بينها كما لا جامع بين بعضها مع بعض فتدبّر .

( أقول: يمكن تصوير الجامع بين قاعدة اليقين والاستصحاب بأخذ الشكّ أعم من الزمان بعد اليقين أو هو فتأمّل ) .

تكميل: لا يخفى ان المقتضى إنّما يؤثّر في المقتضى اذا اجتمع مع ما هو شرط التأثير ولم يمنع منه مانع وبدون ذلك لا يطلق عليه اسم المقتضى ومن شرايطه قابليّة القابل فلو لم يكن للشيء قابليّة التأثير كما في التكوينيّات بعضها من بعض فلا يكون أحدهما مقتضيا للذي لا قابليّة له مثل عدم قابليّة الخشب لتأثير الكهرباء فيه . وما يقال في بعض الحيوانات . وقلنا ان قاعدة المقتضى والمانع يمكن أن تفسر على أحد الوجوه الثلاثة تكوينيّا وتشريعيّا وملاكيا ومثلنا لبعضها وأشرنا إلى عدم تماميّتها بأي من المعاني الثلاثة وإن ذهب بعضهم إلى اعتبارها في التشريعي كما اذا وجد ماءً دفعة لم يعلم انه كر أو لا لاقاه النجاسة فحكم بنجاسته من باب قاعدة المقتضى والمانع . فان المقتضى وهو انفعال الماء بدليله موجود ويشكّ في كريته المانعة عن التأثر بالملاقاة مع النجاسة وقال بعض بالتأثر من باب ان كلّ حكم علّق على أمر وجودي حكم عليه بحكم ضدّه إلى أن يثبت ذلك الأمر الوجودي . ويوجد الايماء إليها في كلمات بعض السابقين كصاحب الجواهر قدس سره الا انه شيّد أركان هذه القاعدة المحقّق النائيني رحمه الله وبعض آخر كالسيّد في بعض المواضع ( والظاهر انه صاحب العروة ) ذهب إلى جواز

أثر المقتضي

ص: 23

التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة والموضوعيّة في خصوص المقام لخصوصيّة لا يسع المقام تفصيلها ولا أصل لأحد من هذه المباني والقواعد كما انه لا تتم بناء على ارادة الملاك المانع من الجعل حسب اقتضائه .

نعم يمكن في المسئلة السابقة تصحيح الفتوى بنجاسة الماء لو كان من باب التركيب الذي حقّقه المحقّق النائيني كما سيأتي إن شاء اللّه .

بما إذا كان عرضان لمحلين أو جوهر وجوهر لا كما إذا كان من قبيل عرضين لمحل كما يريد أن يجعله منه .

ومثال ذلك ما إذا وضع اليد على مال الغير بالوجدان ولم يعلم رضاه ولم يكن له اذن فهناك يقال بالضمان استنادا إلى هذه القاعدة التي تتمّ فيكون احراز جزء من المركب بالأصل والآخر بالوجدان وهو وضع اليد . ولكن إذا كان من باب التقييد فلا يجري فيه ذلك . والتشخيص راجع إلى أدلّة الموضوع .

والحاصل ان قاعدة المقتضي والمانع يختلف فيها متعلّق اليقين والشكّ فالأوّل يتعلّق بالمقتضي الذي لا يتعلّق الشكّ به بل بالمانع وبذلك يفترق عن الاستصحاب فيعتبر فيه اتّحاد متعلّق الشكّ واليقين بأن يكون المتيقّن عين المشكوك كما تفترق القاعدة عن قاعدة اليقين التي يعتبر فيها اتّحاد متعلّق الشكّ واليقين أيضا وتفترق هذه القاعدة أي قاعدة اليقين عن الاستصحاب باعتبار اتّحاد الزمان في المتيقن والمشكوك في القاعدة كما في عدالة زيد يوم السبت المتيقنة المشكوكة بعينها يوم الأحد على عكس الاستصحاب . فيعتبر فيه اختلاف زمان المتيقن والمشكوك كما في عدالة زيد يوم السبت المتيقّنة المشكوكة لا بعينها يوم الأحد بل بقائها . وإن كان لا يلزم اتّحاد زمان اليقين والشكّ فيمكن تقدّم

ص: 24

الثاني على الأوّل كما سنشير إلى ذلك إن شاء اللّه .

والمقصود عدم اتّحاد قاعدة اليقين مع الاستصحاب فان ما يكون في القاعدة متّحدا يكون فيه مختلفا وبالعكس . فيعتبر في القاعدة اتّحاد زمان المتيقّن والمشكوك واختلاف زمان اليقين والشكّ على عكس الاستصحاب فيعتبر فيه اختلاف زمان المتيقن والمشكوك يعني يكون المتيقن سابقا مشكوكا لاحقا واتّحاد زمان اليقين والشكّ فيتيقن بالمتيقن في السابق ويشكّ فيه بالاعتبار اللاحق .

إذا عرفت ما ذكرناه علمت عدم انطباق أخبار الاستصحاب الآتية على كلّ واحد من هذه القواعد الثلاث فانّه لا جامع بينها كما لا جامع بين بعضها مع بعض ولما كان النظر في حجيّة الاستصحاب إلى الأخبار وليس مستنده الظن فلذا اتبعنا المحقّق النائيني في الاشارة إلى اختلاف هذه في المقام فيكون على ذكر منك فينفعك في غير مقام .

الأمر الرابع: يعتبر في الاستصحاب امور:

الأوّل: كون اليقين والشكّ اللذين ينعقد بذلك باب الاستصحاب ويبتني أساسه على ذلك مجتمعين في الزمان فلو لم يكن يقين ولا شكّ فلا استصحاب كما انه لو لم يكونا مجتمعين وذلك بلا فرق بين تقدّم حدوث اليقين على الشكّ أم لا . بل حصلا دفعة واحدة كما إذا علم بنجاسة يده يوم الأربعاء في يوم الجمعة بعد أن توضّأ يوم الخميس والجمعة مثلاً ولا أثر للعين في عضو الوضوء وشكّ في تطهيرها أم يكون حصول اليقين متأخّرا عن الشكّ .

الثاني: تقدّم زمان اليقين على الشكّ يعني المتيقن يكون متقدّما زمانا على

عدم انطباق الأخبار على قاعدة اليقين

ص: 25

المشكوك سواء كان العلم واليقين أيضا كذلك أم لا فانّه يعتبر في الاستصحاب تقدّم المعلوم زمانا على المشكوك .

أمّا العلم فلا عبرة بتقدّمة فلو علم بنجاسة شيء في هذا اليوم وشكّ بعد ذلك في نجاسته في يومين أو أمس اليوم فلا يكون من الاستصحاب بأن يمتد اليقين قهقرى إلى آخر زمان الشكّ .

ووجه ذلك عدم انطباق أخبار الباب عليه وعدم صدق النقض على البناء على الطهارة في مثل المثال خلافا لمن يراه من النقض فيقول باعتبار الاستصحاب القهقرى كما انه لا يعتبر في الاستصحاب أن يتقدّم اليقين حدوثا على الشكّ بل المعتبر تقدّم المعلوم وإن تأخّر العلم . وتأخّر المشكوك .

وإن تقدّم الشكّ كما إذا عكسنا المثال فعلم في يوم الجمعة طهارة بدنه ولباسه يوم الأربعاء مع انه كان شاكّا في ذلك يوم الأربعاء والخميس .

الثالث: أن يكون الشكّ واليقين فعليّين وقد يعد هذا الأمر عمدة الأمور المعتبرة في الاستصحاب ويتفرّع عليه فروع . الا ان لكلّ دخلاً في ذلك ويكون منشأ لاختلاف الفروع وسرّ اشتراط هذا الأمر واضح بعد أن كان دخلهما دخلاً موضوعيّا في الاستصحاب بخلاف الامارات فانّه يكون الشكّ ظرفا لها فلا عبرة باليقين والشكّ التقديريين لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه وتقدّمه عليه وتأخّره عنه ولو بقدم أو شعرة وإلاّ يلزم الخلف والمناقضة ولهذا الشرط اختصاص بموضوع الأصول .

وأمّا موضوعات التكاليف فغير مشروطة بالعلم كما ان الأحكام أيضا كذلك .

ص: 26

وفي الأوّل يكون الحكم على الخمر الواقعي وعلى الأربعين غنما الواقعي البالغ حدّ النصاب سواءً علم بذلك أم لم يعلم . كما انه يستحيل دخل العلم بالحكم فيه للزوم الخلف المناقضة فان العلم بوجوب صلاة الظهر لا يمكن أن يكون دخيلاً في وجوبها وذلك لتقدّم الموضوع رتبة على الحكم والفرض ان الحكم الذي هو الوجوب أخذ في موضوعه العلم به المتأخّر عن وجوده .

نعم يمكن ذلك بنتجة التقييد كما في أعميّته بالاطلاق المتقابلين المستحيل الثاني منهما بعين استحالة الأوّل ولا مانع من كون العلم بموضوع أو حكم دخيلاً في حكم آخر فلا محذور فيه . وكيف كان فظاهر أدلّة الأصول كلا تنقض(1) اليقين بالشكّ ورفع ما لا(2) يعلمون وكلّ شيء(3) لك حلال حتّى تعرف انه حرام الخ

والأشياء(4) كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة وأمثالها هو فعليّة الشكّ بنحو الموضوعيّة فلو لم يكن متيقنا فعلاً فلا جريان للاستصحاب في حقّه كما انه لو لم يكن شاكّا بعد أن كان متيقّنا ويتفرّع على هذا فروع:

منها: انه لو تنجّست يده في المثال المذكور آنفا ولم يلتفت إلى ذلك حين الوضوء والصلاة فصلى ثمّ التفت فشكّ بعد الفراغ في تطهيرها . فهنا تصحّ صلاته ووضوئه وليس ذلك لتقدّم القاعدة على الاستصحاب أي استصحاب النجاسة والحدث في المثال الآخر . بل لعدم جريان الاستصحاب في المقام حيث انه كان غافلاً عن ذلك . الا ان بالنسبة إلى الصلاة الآتية لابدّ من التطهير وكذا بعد الوضوء

نتيجة اعتبار الفعليّة في اليقين والشكّ

ص: 27


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
4- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

لابدّ من تطهير يده . وهنا من الموارد التي حصل الانفكاك بين اللوازم والملزومات للتعبّد الشرعي فانّه لو كانت يده قبل الوضوء طاهرة فالوضوء صحيح كالصلاة ويمكنه أن يصلّي الصلاة المتأخّرة عن الالتفات بهذا الوضوء وإلاّ فلا يصح الوضوء ولا الصلاة هذا بخلاف ما اذا التفت قبل الصلاة إلى انه أحدث فغفل وصلّى .

فحينئذٍ لابدّ بعد الالتفات من التطهير والاعادة لتوجه الخطاب إليه بالاعادة وحصول موضوع وجوب التطهير .

توضيح وبيان: ذكرنا ان الشرط الثالث في الاستصحاب اعتبار كون اليقين والشكّ فعليين لأنّه موضوعه ولا اشكال في عدم الحكم قبل وجود موضوعه ولا تخلفه عنه بآن بل هما كالعلّة والمعلول وتقدّم الاولى على الثاني إنّما هو في الرتبة فكذلك الموضوع والحكم في التشريعيّات وإلاّ يلزم ما فرضناه موضوعا ان لا يكون موضوعا فيسأل عند وجوده وعدم حصول الحكم هل الموضوع تمام الحصول أم لا فان اجيب ببقاء جزء أو شرط في ترتب الحكم فذلك خلاف الفرض وإلاّ فيلزم الخلف وعلى هذا الأمر الواضح البديهي بيننا استحالة الواجب المعلّق والشرط المتأخّر .

هذا إذا كان الحكم والموضوع كذلك وإن قلنا بجعل السببيّة والشرطيّة والجزئيّة والمانعيّة وأمثالها ممّا يستحيل جعلها كذلك تشريعا لا ايجادها تكوينا فيترتب عليها ما رتب الشارع وله قلب الماهيّة فيكون باب التشريعيّات كالتكوينيّات فعند حصول السبب والشرط مثلاً يحصل الحكم بلا جعل إلاّ انا منعنا ذلك لاستحالة جعل ما ليس بسبب لخصوصيّته فيه سببا وكذلك البواقي .

ص: 28

غاية الأمر عند وجودها يحكم الشارع على طبقها لأن سببيّة السبب ذاتيّة فلا تحتاج إلى الجعل وكذلك الكلام في باب المعاملات والعقود والايقاعات فان الشارع إمّا أمضاها أو اسّسها أي الأحكام المترتّبة على الموضوعات الخاصّة عند حصول الأسباب ولا سببيّة بل يكون الأمر فيها بعينه في غيرها من جعل الشارع الملكيّة أو امضائها بناءً على جعلها وساير ما يشابهها عند حصول الجزء الأخير من العلّة التامّة . ولذا كان مقتضى القاعدة صحّة الفضولي في جميع أبواب المعاملات بالمعنى الأعم حتّى في النذر فضلاً عن غيره إلاّ انّه منع ذلك في باب الطلاق والعتق للنص(1) ففي باب البيع ما هو جزء العلّة التامّة الأخير رضى المالك ليس إلاّ صدور الايجاب والقبول من أيّ شخص فانّ ذلك ليس إلاّ مجرّد لفظ وايجاد المصداق لا يترتّب عليه أثره ما لم تتم العلّة وإذا رضى المالك فأجاز أو المكره فتتم العلّة . فنقول عند ذلك بالأثر على النقل لاستحالة الكشف ولا مانع من ذلك اعتبار الموالاة في صدور العقد ورضى المالك واذنه وذلك لصدق التجارة(2) عن تراض عليه . وعلى أيّ حال فلا اختصاص لما ذكرنا بالاستصحاب بل لابدّ في الحكم من وجود الموضوع ولو في غيره من باقي الأصول أو الامارات محرزا تنزيليّا كان أم غيره أم غير محرز على ما اصطلح عليه المحقّق النائيني وأشار إليه الشيخ في أوّل الرسائل عند قوله في القطع ( ثمّ من خواص(3) القطع الذي هو طريق إلى الواقع قيام الامارات الشرعيّة وبعض الأصول العمليّة مقامه في العمل

امضاء أو تأسيس الأحكام على الموضوعات

ص: 29


1- . يمكن استفادة ذلك من رواية ابن سماعة وذيلها وكلّ ما سوى ذلك فهو ملغى الوسائل 22 الباب 16/1 - 3 مقدّمات الطلاق .
2- . سورة النساء: 30 .
3- . فرائد الأصول 1/6 .

الخ وذلك ان القطع له جهات .

الاولى: جهة كونه صفة قائمة بنفس العالم وصورة ذات اضافة وهذه الجهة يقوم مقام القطع فيها الظن لو نزّله الشارع منزلته من هذا الحيث .

الثانيّة: جهة احرازه حيث يتعلّق بالمنكشف أي ذي الصورة المتعلّق به الصورة الحاصلة منه المعبّر عنه بالقطع ويقوم مقامه من هذه الجهة الامارات .

والثالثة: تطبيق الجهة الثانية على الخارج وترتيب الأثر عليه حيث انه إذا علم بوجود الأسد في المكان الكذائي الذي يقرب منه ويلتفت إلى الصورة فيحرز وجود الأسد القاضي عليه بالفرار . ويقوم مقام القطع في هذه الجهة الاستصحاب ولذا يقدم عليه الامارات كما يقدم هو على الأصول التي لا اعتبار بالجري العملي فيها وإنّما هي تنجيزيّة محضة . وهي الجهة الرابعة في القطع الحاصلة في كلّ من الامارة والأصل تنزيليّا أو غيره .

وعلى كلّ حال فلابدّ في جميع ذلك من تحقّق الموضوع لما أشرنا إليه من استحالة ترتب الحكم على غير موضوعه وتخلّفه عنه أو تقدمه عليه وكذلك الاستصحاب سواء كان اعتباره من باب الظن أو التعبد فيعتبر فيه حصول اليقين بالمتيقن السابق على المشكوك فيكون اليقين المتقدّم مستند العقلاء في بنائهم على استصحاب المتيقن في ظرف الشكّ لاحقا وكذا بناءً على حجيّته من باب الأخبار فانّها كما تأتي تنطبق على ما إذا تقدّم اليقين على الشكّ من جهة المتعلّق .

وإن تقدّم الشكّ حدوثا على اليقين . وما لم يكن الموضوع فعليّا فلا يترتّب عليه الحكم فيلزم في الاستصحاب فعليّة اليقين والشك مضافا إلى ما تقدّم من الشرايط والا لا حكم بعدم النقض أو حرمته والبناء على المتيقن عملاً وجريا عليه

جهات القطع

ص: 30

ويتفرّع على هذا أمور كثيرة في أمثلة كذلك . منها ما بيّنّاه سابقا من انه إذا أحدث فأبطل طهارته وغفل عن ذلك وصلّى فالتفت بعد الفراغ إلى انه كان محدثا وشكّ في التطهير قبل الصلاة حتّى يكون عن طهارة امّا قيدا لنفس المكلّف بأن يكون طاهرا حال صلاته أو قيدا للصلاة بأن يؤتى بالاجزاء عن طهارة فهناك تجري قاعدة الفراغ بلا اشكال ولا معارض لعدم حصول موضوع الاستصحاب وهو اليقين والشكّ قبل الصلاة حتّى يتوجّه إليه الأمر بالتطهر فعند الصلاة يكون غير محرز للطهارة فيستصحب ذلك وبتقدم الاستصحاب على القاعدة يلزمه الاعادة بل احدث وغفل ولا حقيقة لليقين والشكّ زائدة على كونهما صفتين وجدانيين فلا يشكّ انّه شاك أم لا فكذلك يكون شكّه في الطهارة كساير الأجزاء والشرايط جاريا فيها قاعدة الفراغ بعد الصلاة وبالنسبة إلى الصلوات المتأخّرة لمّا حصل موضوع الاستصحاب للحدث بالشكّ في التطهّر يجب عليه التطهّر .

إن قلت: فعلى هذا لا يبقى مورد لجريان القاعدة لعدم خلو مجاريها عن الاستصحاب فكما يقدم الاستصحاب في ما إذا شكّ قبل الصلاة في التطهّر بعد الحدث على القاعدة بل لا مجرى لها حيث انه كالقاطع(1) بعدم اتيان الصلاة مع الطهارة غير الجاري في حقّه القاعدة فيقدم في كلّ الموارد لعدم الفرق بينها وبين المقام وهذا يوجب عدم بقاء مورد للقاعدة مع كونها أخصّ من الاستصحاب .

قلت: في مجاري القاعدة لا يجري الاستصحاب لحكومتها عليه كحكومته على الأصول غير التنزيليّة من البرائة والاحتياط العقلي المنحصر جهة قيامها مقام

الاستصحاب في مورد قاعدة الفراغ

ص: 31


1- . ولا موضوع للاستصحاب قبل الصلاة مثلاً حيث لا يقين بعدم اتيان شيء من أفعالها بعنوانها .

العلم بالتنجز كما أشرنا إليه آنفا .

بل كلّ موارد جريان القاعدة من قبيل الأوّل في المثال ممّا لا موضوع للاستصحاب(1) وإلاّ فيقدم كما في المثال بعد الالتفات الحاصل عقيب فراغه من الصلاة بالنسبة إلى الصلوات الآتية وهذا كما أشرنا إليه من موارد الانفكاك بين اللوازم والملزومات . فانه يعلم إمّا ببطلان ما صلّى من جهة عدم كونه متطهّرا في الواقع مع كون الطهارة شرطا واقعيّا أو بجواز الصلاة بلا تطهر بعد شكّه والتفاته إلى

انه كان محدثا كما فيما إذا توضأ بعد كون عضو من أعضائه نجسا فشكّ بعد الوضوء في تطهيره ولم يكن الالتفات إلى ذلك حين الوضوء فيقال بصحّة وضوئه ووجوب تطهير العضو مع انه اما أن يكون الوضوء باطلاً لعدم حصول شرطه من طهارة العضو وإمّا أن يكون العضو طاهرا للملازمة الواقعيّة بين الأمرين كما فيما تقدّم من مثال الحدث والشكّ في التطهير فكيف يمكن التفكيك بين هذه الاُمور بعضها من بعض مع عدم تخصيص في اشتراط الصلاة بالطهارة كما يرشد إلى ذلك وجوب اعادة الصلاة بعد الالتفات إلى عدم طهارته حين ما صلّى علما .

وغاية ما يقال في المقام الأوّل جواز الانفكاك بين الملازمات تعبدا وفي ما نحن فيه الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي والقناعة بذلك .

وفي الأول انه لا يساعده انظار العرف وفي الأخير انّه يوجب عدم لزوم

ص: 32


1- . ولا يخفى انه لا ينافي ما ذكرنا جريان القاعدة في ما إذا حصل اليقين والشكّ أثناء الصلاة بالنسبة إلى فعل من أفعالها والشكّ بعد الفراغ في اتيانها وعدمه ( وذلك لعدم توارد الاستصحاب والقاعدة على شيء واحد حتّى يقدم الاستصحاب بل لا يكون ذلك أولى من القطع كما في أوّل الصلاة حيث يعلم بعدم اتيانه بشيء من أفعالها ومع ذلك تجري قاعدة الفراغ في موردها .

الاعادة بعد ان التفت إلى عدم كونه متطهّرا واقعا حين ما صلّى سواء في ذلك التعميم في جريان قاعدة الفراغ أو اختصاصها ببعض الصور وهو ما إذا كان محرزا لبنائه على اتمام العمل . ولا اختصاص لها بباب العبادات بل تجري في كلّ مقام وموضوع من موضوعات الفقه لعدم اختصاص دليلها بمورد خاص بل لو ذكر فيه فللمثال .

نعم يختصّ جريانها في أبعاض باب الصلاة للتصرّف التعبّدي من الشارع في ذلك وإلاّ فقاعدة التجاوز والفراغ قاعدة(1) واحدة مختصّة الجريان بما إذا فرغ من العمل وعلى هذا فلا نحتاج إلى ما تكلّف به الحاج الآقا رضا قدس سره (2) في الجواب عن اشكال ( صادفه في المقام وان ذهب مذهبا جيدا فراجع .

توضيح وتكميل: قد أشرنا مرارا إلى ان نسبة الحكم إلى موضوعه كنسبة المعلول إلى علّته يستحيل تخلّفه عنه أو تقدّمه عليه وحصوله بدونه والاّ يلزم الخلف والمناقضة . فبوجود الموضوع وتحقّقه يتحقّق الحكم فكذلك في ما نحن فيه من الاستصحاب إنّما يحرم النقض ويجب اجرائه في ما إذا تحقّقت قيود الموضوع وصار فعليّا من اجتماع اليقين والشكّ وتقدّم زمان المتيقّن على المشكوك واتّصال زمانه بزمانه ووجود الأثر الشرعي وأن يكون اليقين والشكّ فعليين حسب ما أشار إليه دليل الاستصحاب .

فاليقين والشكّ التقديريان بمعنى انه لو التفت شكّ لا يفيد . بل ما ذكرنا من فعليّة الموضوع لا اختصاص له بالاستصحاب فيجري في جميع الأبواب حتّى في

مجرى قاعدة الفراغ

ص: 33


1- . هذا خلاف ظاهر الأخبار فانّهما قاعدتان كما سيحقّق في محلّه .
2- . لعلّ المراد ما في المصباح 3/180 وما بعده .

الامارات فلو لم يكن ملتفتا إلى موضوعه أو لم يحصل عنده قيوده فلا حكم .

كما انه لابدّ أن يعلم ذلك فانّ الحجّة غير المعلومة لا أثر لها . فعليه لابدّ في الاستصحاب من فعليّتهما كما ذكرنا وحينئذٍ يصحّ ما فرع على ذلك من لزوم الاعادة على من التفت إلى حدثه وشكّ فغفل وصلّى . لتنجز خطاب الاستصحاب عليه لتحقق موضوعه بخلاف من لم يكن له التفات إلى بعد الصلاة فيجري في حقّه قاعدة الفراغ وبالنسبة إلى ما أتي بعد ذلك يكون الخطاب منجزا عليه فلابدّ له من التطهّر وذلك واضح بعد ما ذكرنا وانّه لا معنى للشكّ في انه شاك أم لا بل لا واقع للشكّ واليقين سواهما اذ ليسا من الامور التي تبقى اذا غفل عنها .

ففي هذا الحال ليسا بموجودين حقيقة فلا شكّ في انّهما باقيان أم لا حتى يمكن الاشكال في ما ذكرنا بعدم الفرق بين الصورتين بما لا وجه له هذا .

الا ان الاشكال في جريان قاعدة الفراغ في أمثال هذه الموارد في غير الخمسة المستثناة من عمومه كعدّة موارد اخر خصّصت باخراجها عن عموم المستثنى منه بدليل في عرض لا تعاد(1) منها تكبيرة الاحرام(2) ومنها اذا ترك القرائة كلّ(3) من المصلّيين الواقفين بقرب الآخر زعماً منهما انه يقتدي بالآخر مع ان القرائة سنّة من غير الخمسة للنصّ(4) الخاص .

ومنها ما لو كبّر بزعم ادراك ركوع الامام فرفع رأسه قبل أن يركع أي يصل إلى حدّه فانّه لا اشكال في عدم صحّة ركوعه وانّه يسجد ولا يقرء في الركعة

ص: 34


1- . الوسائل 7 الباب 1/4 من أبواب قواطع الصلاة .
2- . الوسائل 6 الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام .
3- . الوسائل 8 الباب 29/1 من أبواب صلاة الجماعة .
4- . الوسائل 7 الباب 1/4 من أبواب قواطع الصلاة .

المأتي بها بعد اذا كان الامام قارئا وتكون من الاوليين . بل ذلك من جهة عدم حسبان ما أتى به ركعة بخلاف ما اذا تخيّل ان الركعة من أوليى الامام من الاخفاتى فترك القرائة فيما إذا كان الامام في الثالثة فانه تصح صلاته في هذا المقام لفرق دقيق بينه وبين ما اقتد يأ كلّ بالآخر وتحقيق ذلك كلّه في الفقه .

والحاصل انّه كيف يمكن الحكم بصحّة صلاة من يترك القرائة في ما إذا تصحّ صلاته أو التشهّد أو الطهارة في ما نحن فيه مع عدم تقيد دليل ذلك بصورة خاصّة فانه إمّا أن يرفع اليد عن الطهارة في ما نحن فيه لو كان في الواقع محدثا والفرض انها شرط واقعي وإلاّ فلا يمكن جريان القاعدة أو لا تعاد(1) في غير الخمسة من مواردها التي لم تخرج بالتخصيص فانّ الجمع بينهما مساوق للجمع بين المتناقضين واجيب بوجوه غير وجيهة:

منها: ان يكون المولى قنع في مقام الامتثال بالاحتمال في قبال من يقطع بعدم الاتيان وهذا الوجه مستلزم اما للتقييد أو ما يلازمه من كون انكشاف الخلاف من باب تبدّل الموضوع فانّه لا اشكال في وجوب الاعادة فيما هو دخيل جزءا في الصلاة حتّى بالاعادة اذا علم بعدم مراعاته بعد جريان أيّ قاعدة كما إذا علم في ما ذكرنا بعدم وجوب الاعادة وصحّة الصلاة لكونه غافلاً حين الصلاة بكونه محدثا وإلاّ لو لم نقل بالتقييد وكون ذلك من باب تبدّل الموضوع فكيف لنا التفوّه بالقناعة في مقام الامتثال . إلاّ أن يقال بأن ذلك مادام الشكّ باقيا ويقرر ذلك بأنّه إنّما تكون القاعدة جارية واقعا في حق من لا يعلم بعد شكّه هذا ولا يلتفت إلى عدم مراعاته ما اعتبر في العبادة ركنا مثلاً فانّه لا مشاحة حينئذٍ بالنسبة إليه

القناعة في مقام الامتثال

ص: 35


1- . الوسائل 7 الباب 1/4 من أبواب قواطع الصلاة .

من التقييد أيضا . ويرد عليه عدم جواز اجراء القاعدة في حقّ أحد لأنّه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة لعدم احراز شرطه وهو بقاء شكّه أبدا .

ومنها: ان المصلحة غير المستوفاة ليست بحيث توجب الاعادة كما أشار إلى هذا الموضوع المحقّق الآخوند رحمه الله في كفايته في بحث الاجزاء(1) فيما يثلث الموارد بما يوجب الاعادة وما لا يقتضي الاعادة لعدم كونها بحيث تكون من ذلك وما إذا يمنع ما أتى به عن اتيان المصلحة غير المستوفاة فيكون ما نحن فيه بالنسبة إلى من يبقى في الشكّ ممّن تقصر المصلحة الباقية عن ايجاب الاعادة عليه أو تكون مصلحة اخرى قائمة مقامها على قدرها .

وبالجملة لا مجال للاشكال بعد ورود النص بالمضيّ في أمثال هذه الموارد كقاعدة الحيلولة(2) فانّه من الممكن عدم اتيانه بالصلاة في هذا اليوم بعد ان تخلف عن عادته الجارية في التعجيل بها فللمولى الترخيص بالترك وعدم الاتيان وتوسعة المأمور به . وهذا مع بقاء الأمر بلا تنجز مستلزمٍ للتناقض كما انه لا اشكال

في ما اذا شكّ في المحل في لزوم التدارك وان كان من الركوع المستلزم زيادته البطلان كنقصانه فان احتمال الزيادة لا يضرّ كاحتمال النقصان فيما سمعت وإن كان الاشكال في الأركان أشدّ .

وعلى هذا فيأتي بالركوع في محلّه ولا يعتني بالشكّ في اتيانه بعد المضي والتجاوز .

بقي هنا اشكال الفرق بين الاثناء وبعد الفراغ بناء على اتّحاد قاعدة الفراغ

ص: 36


1- . كفاية الأصول 1/128 وما بعده .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 60/1 من أبواب المواقيت .

والتجاوز . وذلك مدفوع بما أشرنا إليه من مطاوي أبحاثنا وسيأتي في محلّه إن شاء اللّه من تصرّف الشارع بالنسبة إلى مصاديق قاعدة الفراغ في باب الصلاة وجعل اجزاء الشيء كالشيء .

ولا يخفى انه إذا لم يأت بمثل الركوع مثلاً في محلّه فالاجزاء السابقة عليه كاللاحقة تبقى مهملة غير داخلة في المأمور به وغير قابلة للامتثال بها لعدم حصول شرطها لمكان الارتباطيّة . وعلى ذلك ريما يشكل الأمر في وجوب دوام الصلاة وحرمة نقضها بعد أن كان انكشاف الخلاف كاشفا عن عدم صحّة ما أتى به كما في ما اذا لا تكون ناقصة أصلاً فتدبّر في أطراف ما ذكرناه جيدا .

الأمر الخامس: حيث ان الاستصحاب لم يكن متّفقا على حجيّته ولا عدمها مطلقا قسمّوه باعتبار المستصحب إلى الوجودي والعدمي والكلي والجزئي والحكمي وغيره الموضوعي والتكليفي في الحكمي والوضعي وباعتبار دليله إلى ما يكون حكم العقل والاجماع في قبال الكتاب والسنّة وباعتبار منشأ الشكّ إلى ما يكون الشكّ في البقاء من جهة وجود الرافع أو رافعيّة الموجود وما يكون الشكّ في بقاء المقتضى .

فقال بعضهم بالحجيّة مطلقا كالاخر النافي حجيّته مطلقا وفصّل جماعات كلّ في أحد هذه الوجوه .

وبالجملة فالوجوه ربما تعادل الستين ولا يهمنا التعرّض لذلك . بل الكلام في ما اختار الشيخ قدس سره (1) فاختار حجيّته في غير الشكّ في بقاء المقتضى بالمعنى الذي سيجيء في محّله إن شاء اللّه لكن في غير ما كان مستند الحكم الشرعي دليل

تقسيمات الاستصحاب

ص: 37


1- . فرائد الأصول 2/561 .

العقل وربما لا يكون له موافق .

ومحصل ما أفاده الشيخ في وجه مختاره من التفصيل الأخير انه لا يتصور شكّ في موضوع حكم العقل بل ما لم يحرز موضوعه لا حكم له ولا اختصاص لذلك بالعقل فاذا حكم بحكم في مورد كما إذا أدرك قبح الكذب الضار فحكم بذلك فاذا زال قيد المضريّة عن موضوعه فاما ان يقطع بعدم مدخليّة الضرر في حكمه بالقبح فحكمه غير مشكوك بل متيقن البقاء . ولو رأى فيه الدخل في موضوع حكمه فاذا انتفى هذا القيد ينتفي الحكم بانتفائه ولا ثالث للحالتين . الا ما اذا شككنا في الدخل وعدمه ولا ريب في انه عند الشكّ في تحقّق الموضوع لا حكم كما انه لا نقض فانه يعتبر في الاستصحاب ما ذكرنا سابقا من تقدّم المتيقّن على المشكوك واجتماع اليقين والشكّ وفعليّتهما واتّصال زمان الأوّل بالثاني ووجود الأثر الشرعي ومن المعلوم انه عند عدم اجتماع هذه القيود لا جريان للاستصحاب كما اذا لو كان الشكّ مقدما على المتيقن فانه من الاستصحاب القهقرى الذي يكون بمعزل عن مفاد أخبار الباب على ما تقدّمت إليه الاشارة وأيضا لابدّ من اتّحاد القضيتين لصدق النقض فينطبق على ذلك الاخبار بالمعنى الذي عن المحقّق رحمه الله فانّه اصطلح على التمسّك بعموم العام واطلاق المطلق عند الشكّ في التخصيص والتقييد بالاستصحاب .

وقال بالاضراب والاعراض عن الاستصحاب بغير هذا المعنى ( ويمكن أن يكون نظره وغيره إلى عدم تماميّة دلالة الأخبار على الاستصحاب بل استفاد منها قاعدة اليقين ) ومعلوم فيما نحن فيه ان ما لم يكن هناك تحقّق الاتّحاد لا مجال للجريان لعدم دليل عليه ففي أيّ من هذه الصور لا جريان للاستصحاب لعدم

ص: 38

تماميّة أركانه .

فعلى هذا لا يتصوّر جريان الاستصحاب في نفس حكم العقل لما ذكرنا .

إن قلت: يمكن جريانه في الحكم المستكشف من دليل العقل بقاعدة الملازمة في ما تتم لو سلم عدم اطلاقها .

فاذا زال قيد الضرر عن الكذب الذي كان محكوما شرعا بالحرمة فيوجب ذلك الشكّ في رفع الحرمة وبقائها وإن لم يكن شكّ في موضوع حكم العقل لكنّه يمكن في الحكم الشرعي كما إذا علمنا بحكم ابتداءً من الشرع ولم نعلم ملاكه فنستصحبه عند الشكّ .

قلت: لا مجال لذلك في المقام بعد فرض ان نفس الحاكم وهو العقل اما قاطع بارتفاع موضوعه فيكون الكذب الخارج عن الضرر كالصدق النافع أو ببقائه أو يشكّ كما فصّلنا . فيكون لا يترتب عليه ضرر ولا نفع وفي هذه الصورة لا وجه لاستصحاب حكم الشرع بعد تحقّق الشكّ في صدق النقض في ما هو موضوع مدركه .

وهذا منع صغرى النقض بعد تسليم أصل الكبرى .

مضافا إلى عدم تماميّة قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع حيث ان العقل لا حكم له وليس مشرعا حتّى في حسن الاحسان وقبح الظلم . بل انما يدرك حسن الشيء أو قبحه في مورده ولا يكون الحكم الشرعي مبتنيا على الحكم العقلي خصوصا بعد ما ورد في النصوص في الموارد المتعدّدة التي لا تحصى ما يشفى العليل وينقع الغليل كما ورد في الحلف(1) كاذبا على اصلاح ذات

منع قاعدة الملازمة

ص: 39


1- . بحار الأنوار 72/4 - 5 - 19 - 21 .

البين وجواز الكذب حينئذٍ وورد في حرمة الكذب(1) الضار أو مطلقا ( وكذا لا الزام للعقل في مسئلة النظر والمعرفة إلى المعجزة بل ذلك ارشاد إلى دفع المحذور عن نفسه واستحقاقه العذاب والعقاب لو خالفه .

والتحقيق انه لا مجال لانكار شكّ العقل في موضوع من الموضوعات لأنّه لا يحيط بتمام الأشياء علما تامّا فيدرك حسنها وقبحها بل يتوقّف في موارد عديدة لا يميز الحسن من القبح فيها كما يرى ان انقاذ المؤمن فيه حسن لان حسن الاحسان عنده ذاتي كما ان التعدّي والظلم قبحه كذلك الا انه قد يتوقّف في خصوص الكافر هل الاحسان إليه حسن أم لا حسن فيه فيكون قبيحا .

وحاصل الكلام في المقام ان الحكم بحسن شيء في بعض الموارد إمّا بالوجوه والاعتبارات أو لحسن الشيء الذاتي أو قبحه وحكمه يتصوّر على وجوه كان يكون من باب انطباق عنوان آخر على المورد ولعدم حصوله مجردا عن فعل بل مشوبا به كان ذلك الفعل والمعنون بهذا العنوان أيضا حسنا لحسنه أو قبيحا لقبحه كما في مثال قبح الكذب الضار فانه يمكن أن يكون حكم العقل بقبحه لانه مضر فالعنوان القبيح عنده إنّما هو المضريّة والضار أينما انطبق وبأيّ عنوان اتّحد ويمكن أن يكون لقبح الكذب في حدّ نفسه واحد مصاديق ذلك الكذب الضار وقد يكون له التوقّف كما اذا زال وصف المضريّة عن الكذب . فلو كان للضرر أو الكذب عنده مدخل في حكمه فلا مجال للشكّ حينئذٍ في عدم قبحه في الأوّل وفي بقائه في الثاني وإلاّ فلا يؤثّر زوال الوصف .

وبالجملة ظاهر كلام الشيخ وان أوهم عدم تصوّر الشكّ في موضوع حكم

ص: 40


1- . بحار الأنوار 72/2 - 7 - 8 - 14 - 24 - 27 - 31 - 37 .

العقل لعدم معنى له فلا يحكم العقل عند عدم موضوعه وكلّما يحكم عنده له دخل موضوعي الا انه لا يريد عدم تصوّر توقّف العقل في بعض الأحيان بل المراد نفي اتّحاد الموضوع المشكوك المتوقّف في حكمه عند العقل مع الموضوع المتيقن الذي هو عين المشكوك فيه مع وصف زائد كالضارية في المثال فاذا كان هذا ببالك فالوجوه ثلاثة: ان يكون للوصف دخل فعند الزوال مقطوع انتفاء حكمه واما ليس له دخل فمقطوع البقاء والشكّ لا ربط له بهذا الموضوع بل موضوع آخر عند العقل لا يرى فيه حكما كالكذب الخالي عن الضرر لعدم مسبوقيّة هذا الموضوع بعلم حكمه . بل من أوّل الأمر يتوقّف العقل في تقبيح مثل هذا الكذب . فاذا لم يكن مجال للعقل في هذه الصورة ولا يكون هذا الموضوع ذاك المتيقن الحكم يجري هذا الكلام بعينه في الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي بناءً على تماميّة قاعدة الملازمة بين كلّما حكم به العقل وبين ما يحكم به الشرع من هذا الطرف اذ الحكم الشرعي على هذا تبع الحكم العقلي في موضوعه وحكمه .

واذا لم يكن مجال لاستصحاب الحكم العقلي لاختلاف الموضوع من جهة بناء العقل على الدقّة لا يبقى محلّ لاستصحاب مثل هذا الحكم الشرعي لا لعدم كونه من شأن حكم الشارع باستصحابه كاستصحاب حكم العقل وموضوعه بل لعدم تماميّة اركان الاستصحاب من اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقنة .

هذا ملخّص ما أفاده الشيخ في بيان عدم جريان الاستصحاب في هذا المقام وظاهره عدم تصور مورد يشك العقل في موضوعه بل يحكم من باب القدر المتيقن .

ص: 41

وفيه ما أورده المحقّق النائيني قدس سره (1) اوّلا من امكان عدم درك ملاك حكمه

كما في هذا المثال فانه يحكم بقبح الكذب الضار وان لا يدري ان مناط القبح هو الكذب وحده أو عنوان الضارية لشهادة عدم حكمه مثلاً بالقبح لو انفرد كلّ من العنوانين عن الآخر . فعلى هذا لا مانع من تحقق الشكّ في موضوعه الدقى الموجب لجواز تحقق الشكّ في بقاء الحكم الشرعي المستكشف منه بقاعدة الملازمة وقتئذٍ كما في ساير مقامات الشكّ في الحكم الشرعي الذي يكون المشكوك القضيّة المتيقّنة سابقا وإن انتفى بعض قيودها . فاذا كان كذلك فلا مانع من اجراء الاستصحاب في نفس الحكم الشرعي دون العقلي ولا يكون ما ذكره الشيخ وجها للمنع الا راجعا إلى منع اتّحاد القضيتين للشكّ في بقاء الموضوع المعتبر في الاستصحاب ولا يكون ذلك موجبا للتفصيل في المسئلة . بل يتأتى في كلّ دليل سواء كان العقل أو الشرع بكتابه أو سنته أو الاجماع لاعتبار بقاء الموضوع فلو فرضنا ان الشرع كان حاكما بقبح الكذب الضار فانتفى عنه المضريّة فلو جرى الاستصحاب في هذه الصورة يجري في تلك أيضا وان لا فلا يجري في المقامين .

وحاصل هذا الايراد امكان شك العقل في موضوعه لحكمه من باب القدر المتيقّن .

ولقائل أن يقول ان القدر المتيقّن إنّما يتصوّر في حكم العقل بالنسبة إلى موضوعه واما الشرع فملاك حكمه معلوم واضح عند الشارع بلا سترة . بل لو جوزنا الشكّ في ذاك الصقع ربما يوجب الكفر فالحكم عنده اما على دخل

اشكال المحقّق النائيني على الشيخ

ص: 42


1- . فوائد الأصول 4/321 وما بعده .

موضوعيّة الضرر أو لا بخلافه عند العقل كما قرّر . فحينئذٍ ربما يكون لمنع جريان الاستصحاب مجال واسع لعدم تصوّر الشكّ في الحكم فانه إن كان موضوعه باقيا عند الشارع فالحكم باقٍ على التحقيق وإلاّ فلا . بل لو تنزّلنا يكون الشكّ في بقاء الموضوع ومعه لا مجال لجريان الاستصحاب .

نعم ربما يكون في بعض الموارد خصوصيّة توجب ورود الحكم على نفس الموضوع وعدم دخل لوصفه في ذلك كما في الماء المتغير فانه لا ريب في ورود النجاسة وهو حكم من الأحكام وعرض على الجسم وهو الماء المتغير لمناسبة بين هذا الحكم وموضوعه أوجبت صرف الكلام من أوّل الأمر وظهوره في ما يناسبه كالقرينة الحافّة بالكلام كما إذا أوقف مالاً خطيرا وجعل التولية في ذلك لأولاده مع ان هذا المال ربما لا يناسب توليته الا من جرب الامور وقلبها ظهر البطن لكثرة المنازعة فيه المستلزمة شدّة التدرّب والمواظبة عليه غير المناسب أصلاً وخصوصا لشؤون النساء فلو بقى من اناث اولاده من يصلح لتولي الوقف في الطبقة العالية لا يرجع إليها بل يكون الأمر بعد إن لم يكن رجل من تلك الطبقة إلى رجال الطبقة المتأخّرة وأولاد أولاده وهكذا حسب ما أوقف . لكنّه يبقى على هذا سؤال حصول مناط الشكّ في بقاء النجاسة بعد زوال وصف التغير مع انه لم تكن النجاسة الا عارضة على الماء . والجواب ان ذلك للشكّ في كون التغير ملاكا أوله دخل موضوعي .

توضيح وتكميل: سبق ايراد المحقّق النائيني على ما افاده الشيخ من التفصيل في جريان الاستصحاب في ما إذا كان مدركه حكم العقل وما إذا لم يكن فاورد اولاً بما مرّ عليك واستنتج جواز جريان الاستصحاب في ما اذا كان مدرك

اشكال استصحاب ما مدركه العقل

ص: 43

الحكم العقل وثانيا على فرض تسليم ان العقل لا يكون له شكّ في موضوع حكمه بل كلّما يأخذ في موضوعه له دخل قوامى عنده لترتب الحكم الكذائي وكونه ذا حسن أو قبح الا انه لا يزيد على موضوع الحكم في القضايا الواردة في الأدلّة اللفظيّة التي لا تكون لها مفهوم . وذلك لأنّ القضايا التوصيفيّة ما يذكر فيها من القيود إنّما هو دخيل في موضوع الحكم ويمكن أن ينعقد اطلاق له بالنسبة إلى الواو الذي اصطلحنا عليه بعدم تقييد الموضوع بقيد زائد بعد صلاحيّته للتقيد بالزمان والزماني وجودا وعدما المنكشف من عدم البيان عدم دخل عنده في ذلك المنعقد بذلك الاطلاق فانه عبارة عن تساوي الشيء ونقيضه في ترتب الحكم على موضوعه فاذا أوجب اكرام العالم ولم يعطف عليه بالواو ان يكون عالما بكذا وذا وصف كذا ينعقد للموضوع اطلاق واوي كما انه اذا رتب عدّة أوصاف للموضوع فبانتفاء أحدها تكون القضيّة سالبة بانتفاء الموضوع كما اذا أوجب اكرام زيد الجائي المعطى للفلوس المقبل يد المولى فاذا لم يحصل تمام هذه القيود لا موضوع للقضيّة فانتفائها بانتفاء موضوعها ولا مفهوم لها . اذ المفهوم

انما يؤخذ اذا كانت القضيّة تامّة القيود كما في الغنم اذا كانت سائمة ففيها الزكوة

مثلاً واذا تمّ الموضوع ورتّب عليه الحكم الا انه لم يعطف على الموضوع موضوعا آخر باو مثلاً نكشف من ذلك انحصار الموضوع بذلك الحكم أو على ما اصطلح عليه الآخوند(1) يكون هناك عليّة منحصرة وهذا الاطلاق الذي تصوّرناه في ناحية الموضوع بعينه يمكن أن يكون من ناحية متعلّق الحكم كالاكرام بالنسبة إلى الزمان والزماني على ما بين .

ص: 44


1- . كفاية الأصول 1/302 .

فتبين ان القضيّة الوصفيّة لا مفهوم لها بل لا حكم عند انتفاء القيود لا انه حكم بالعدم على ما قرّر في محلّه كما انه لا مفهوم أيضا للقب فاذا كان هذا حال القضايا الواردة اللفظية القابلة للمفهوم في غير دليل العقل فيكون حاله أيضا كذلك فلا مفهوم له عند انتفاء بعض قيود موضوعه فاما ان يحكم حينئذٍ في الكذب غير المضر بالحسن مثلاً أو يكون له توقّف في ذلك فلا حكم له . وعلى كلّ حال لا يكون له مضافا على العقد الايجابي عقد سلبي ينفي الحكم عن غير ما اجتمع فيه قيود الموضوع . وإذا كان كذلك فيمكن أن يكون لتمام هذه القيود دخل في نظر الشارع بل يكون موضوع الحرمة والوجوب المستكشفين من دليل العقل بالملازمة أوسع دائرة من موضوع حكم العقل وأعم فيكون له عين هذا الحكم في الموضوع المفتقد منه بعض قيوده المأخوذ في دليل العقل دخيلاً دخلاً موضوعيّا . فلا حكم للعقل في هذا الفرض بخلاف الشرع فان من المحتمل بقاء حكمه على هذا الموضوع وعدم تأثير زوال الوصف الكذائي كالضرر في زوال الحكم .

وليعلم ان هذا الذي شرحناه في القضايا اللفظيّة التي لا يكون لها عقد سلبي ربما يترتب عليه ثمرات كما في باب الوقف إذا وقف ماء البئر الغزير على الحمام مثلاً فزاد عليه فيجوز حينئذٍ صرف الزائد في ماء حوض المسجد وكذا اذا أوقف المدرسة على طالب العلوم فوسعتهم ولم تعوزهم فيجوز على هذا اسكان من ليس منهم في بعض حجرات المدرسة . كلّ ذلك لعدم عقد سلبي في موضوع الموقوف عليهم كما اتّفق لسيّدنا الاصفهاني رحمه الله في هذه الأواخر فانّه كان يفتى بذلك لما ذكرنا ( أقول كنا نصرّ على سيّدنا الأستاذ قدس سره في الدرس بعدم وجه للاشكال الثاني فانّه مع فرض تسلّم عدم الشكّ للعقل في موضوع حكمه لا يبقى مجال للشكّ

ص: 45

والترديد في الفاقد لبعض القيود اذ معنى هذا ان الحكم في مجتمع القيود إنّما صدر من باب القدر المتيقّن وهذا عين الاشكال الأوّل وكان اصرار سيّدنا الأستاذ لتصحيح ما أفاده النائيني أكثر فيجيب تارة بامكان حكم العقل في الفاقد بعدم الحسن أو القبح فيه في قسم ويتوقّف في قسم آخر والشكّ فيه وتارة بتنظيره المقام بالأدلّة اللفظيّة .

وأنت ترى ان العقل لا وجه لقياسه بالأدلة اللفظيّة فان شأنها بيان المجعول بها ويمكن أن لا يكون جعل للمولى في مثل زيد الجائي العالم غير المقبّل يد المولى مثلاً وليس كذلك العقل لأن شأنه ادراك مصالح الأشياء ومفاسدها

التي يرتبط بها كشفه عن حكم الشارع بالحرمة أو الوجوب وغيرهما وإذا أدرك المفسدة أو المصلحة في موضوع مع فرض دخل تمام قيوده في المصلحة أو المفسدة لا يمكن أن يشكّ في الفاقد الا أن يكون حكمه من باب وجود ذاك الوصف الزائل وبه مداره وهو غير ما نحن فيه من الفرض . بل بناء على تسليم عدم حكم للعقل في الموضوع الفاقد لبعض الخصوصيّات الدخيلة المأخوذة في جامعها كما يعترفون بذلك ولذلك لا معنى لاستصحاب حكمه أيضا ولو لم يكن عدم كون بيان استصحاب الحكم العقلي من حيث انه عقلي شأن الشارع مانعا لاختلاف الموضوع المتيقن وهذا الفاقد . وكذلك الشرع فان للعقل تصوّر حكم في هذا الفاقد في الموارد العديدة في الموضوعات المختلفة ويكون نظره كاشفا عن ملاك حكم الشارع وحكمه فتدبّر جيّدا فانه لا يبعد أن يكون الحق عدم جريان الاستصحاب في ما كان مدركه حكم العقل ) .

تتميم: لو كان المقام مقام استكشاف الحكم الشرعي عن حكم العقل

شأن العقل ادراك المصالح والمفاسد

ص: 46

فليس المستصحب الا حكم الشرع . وحينئذٍ فلا يقصر مثل هذا الموضوع عن الموضوع المأخوذ في لسان دليل الكتاب والسنة والاجماع مثلاً فكما انه يمكن جريان الاستصحاب في مثل الموضوعات التي تكون في لسان هذه الأدلّة .

ومراد النائيني يحتمل أن يكون موضوع الحكم في لسان الدليل أو في الاستصحاب .

والعرف يرى انه أوسع ممّا أخذ في لسان الدليل لعدم دخل بعض الأوصاف عنده حقيقة في موضوعيّة الموضوع غير الضار بوحدة القضيّة المشكوكة والمتيقّنة حسب الموضوع والمحمول . فكذلك الموضوع المأخوذ من دليل العقل حاله كحالها فلو وجب اكرام زيد العالم فلا يرى العرف العالم جزءا للموضوع بل ليس العلم المأخوذ بعنوانه الاشتقاقي قيدا وصفة لزيد الا حالاً من حالاته لدى العرف ولذا اذا زال وصف العلم عنه يقولون هو . بعينه هو ولا اختصاص لذلك في باب الأوامر والنواهي بل يجري في الانشائيّات والعقود أيضا . فلو باع الكاتب أو العبد الكاتب لا يكون المبيع عند العرف إلاّ ذات العبد . فلا فرق عندهم فيها مع كون المبيع هو نفس العبد في العقد . ففي كلّ هذه ليس المبيع الا العبد والعقد واقع عليه

غاية الأمر يكون وصف الكتابة مرغبا فيه موجبا لزيادة الثمن . فلذا لو يكن العبد كاتبا يكون للمشتري الخيار في مورده وليس ذلك إلاّ من جهة ان مصبّ العقد في كلّ هذه هو العبد بخلاف ما لو طلع العبد الحبشي حمارا وحشيّا فلا صحّة للعقد في هذه الصورة في الشخصي .

وإلاّ ففي الكلي له التبديل ويوضح ما نحن فيه التمثيل بالمثال المعروف وهو الماء المتغيّر العارض عليه حكم النجاسة فانّه حيث ان التغير والنجاسة

عدم دخل بعض الأوصاف في موضوعيّة الموضوع

ص: 47

كلاهما أمران عرضيان ولا معنى لعروض عرض على عرض فمناسبة الحكم لموضوعه تقتضي في المثال عروض النجاسة على ذات الماء . فاذا شكّ في بقاء الحكم فالموضوع عنده الموضوع السابق بلا تبدّل لعدم اعتباره التغير جزءا للموضوع بل يراه من قبيل الملاك . ولذا يكون اتّحاد القضيّة المشكوكة مع المتيقنة المعتبر في الاستصحاب حاصلاً عند ذلك فيجري الاستصحاب بلا اشكال ولا يخفى ان الشكّ حينئذٍ في بقاء الحكم مع اتّحاد القضيتين غير المتصوّر تخلف الحكم عند بقاء موضوعه وحصوله إنّما هو من ناحية الملاك وهو التغير . فيحتمل أن يكون الملاك في الحكم عند الشارع ليس إلاّ التغير الحدوثي كان يكون بوجوده الآني موجبا للحكم الدوامي البقائي على الماء وأن يكون ملاكا للحكم حدوثا وبقاءً يدور الحكم مداره وحيث ان الملاك لابدّ أن يصدر عنه الحكم وأن يكون الحكم بوجود ملاكه الا انه لا يضرّ عدم بقائه في اتّحاد الموضوع لعدم دخله فيه . بل المعتبر هو أن يكون للحكم ملاك إمّا بقائه واحرازه فليس بشرط وما كان الاستصحاب مشروطا باحراز ملاكه كما كان مشروطا باحراز موضوعه فلا يجري عند الشكّ في بقائه . بل يمكن أن يجري وإن لم يحرز الملاك لاحتمال عدم اعتبار كونه حدوثيّا وبقائيّا .

فعلى هذا يكون الشكّ في كون الملاك حدوثيا أو حدوثيّا وبقائيّا منشأ للشكّ في بقاء حكم الموضوع المحرز ويجري الاستصحاب لتماميّة أركانه وإن كان الحكم في الواقع امّا باقيا أو زائلاً قطعا لكن الشكّ في كون الملاك آنيا حدوثياً أو حدوثيّا وبقائيّا يوجب الشكّ المصحّح لجريان الاستصحاب في صورة زوال التغير وبالجملة لو كان الشيخ قائلاً بجريان الاستصحاب في مثل الموضوع

ص: 48

العرفي الذي لا يكون تبدّل بعض حالاته مضرّا ببقائه عند العرف في ما يكون مدرك الحكم غير العقل فلابدّ أن يقول فيه وإلاّ فليس هذا اشكالاً على الشيخ رحمه الله اذ هو على مبناه في كلّ هذه الموارد وينحصر الاستصحاب حينئذٍ في الشكّ في رافعيّة الموجود والشكّ في وجود الرافع .

هذا ملخّص ما أفاده سيّدنا الأستاذ قدس سره في بيان كلام النائيني وارتضى نفسه هذا الكلام الأخير عن المحّق النائيني واستجوده وهذبه بما ذكرنا . الا انه أورد عليه بعدم معنى لكون الملاك حدوثيّا آنيا تارة وحدوثيّا وبقائيّا اخرى كي يصح ما اشتهر من ان ملاكات الأحكام لا تطرد ولا تنعكس . بل هذا كلام لا حقيقة له اذ ليس مورد في الفقه يكون ملاكه حدوثيّا وما ذكر لذلك من الأمثلة ليس من هذا القبيل كمثال العدّة وغسل الجمعة لعدم انحصار ملاك ذلك بما بيّن أو تخيّل . بل الملاكات مطردة ومنعكسة اذ لا يكون الموضوع موضوعا إلاّ بملاكه فالملاك ليس شيئا زائدا على ذلك خارجا عن الموضوع . فالأربعون غنما المعتبر في نصاب الزكوة الواجبة عنده ليس شرطا للخطاب وتنجزه بل موجبا لوجوبها . نعم القدرة خارجة عن موضوع التكليف وليس لها ملاكيّة إلاّ للخطاب . أمّا دخلها في الحكم فليس إلاّ في بعض الموارد بل هي شرط الخطاب عند تحقّق المصلحة التامّة ومع كمال ميل المولى لانقاذ ابنه فلا يخاطب العبد العاجز لما يرى من قبح مطالبة العاجز مع تحقّق الملاك وتماميّة الموضوع . والعلم أيضا لا يكون له دخل في الملاك .

نعم هو موجب للتنجز . وكيف كان فحال دليل العقل حال باقي الأدلّة لو جرى الاستصحاب في موضوع أحد منها عند تغير بعض الخصوصيّات يجري فيه

تغير الماء ملاك النجاسة

ص: 49

كذلك وإلاّ فينحصر جريانه في ما إذا كان الموضوع باقيا بحدودوه وقيوده وانحصر الشكّ بوجود الرافع أو رافعيّة الموجود .

( أقول: اختلف بيان سيّدنا الأستاذ قدس سره لايراد المحقّق النائيني الثاني لرجوعه في صدره إلى الايراد الأوّل وصيرورته أخيراً كلاما مستقلاًّ كما ان نفس الايراد كذلك ولا بأس عليه في التقرير جزاه اللّه عنّا وعن باقي روّاد أهل العلم جزاء الخير .

عود على بدء وتتميم: ذكرنا كلام الشيخ في استصحاب حكم العقل وايراد المحقّق النائيني عليه على ما سبق . لكن لا يمكن المساعدة على ما أفاده المحقّق النائيني وذلك ان ملاكات الأحكام لا يمكن أن لا تكون منعكسة ومطردة لامتناع المجازفة في الأحكام الشرعيّة بناء على مذهب العدليّة القائلين بالمصالح والمفاسد النفس الأمريّة المقتضية لجعل الأحكام حسب ما تقتضيه خلافا لغير محقّقي الأشاعرة المنكرين لذلك الحاصرين الحسن والقبح فيما حسنه أو قبحه الشارع ولامتناع الترجيح بلا مرجح اذ يكون حينئذٍ انه لم صار الشيء حلالاً ولم يكن حراما وذلك لا يكون حلالاً وصار حراما . ومجرّد كون فرد من أفراد الطبيعة الواحدة أو جنس ذا ملاك لا يكون مرجحا لترتب الحكم على الباقي . اذ كلّ منها يقتضي ملاكا بنفسه ولا يمكن تخلّف الحكم عن الملاك حدوثا وبقاءا . اذ الملاك أمّ الموضوع فكما ان الحكم لا يتخلّف عن الموضوع ولا يوجد بدونه كذلك لا يتخلّف ولا يوجد بدون الملاك . وليس للخصم الا النقض بموارد عديدة كغسل الجمعة لدفع الأرياح وتشريع العدّة بملاك عدم اختلاط المياه ممّا لا يكون الملاك فيه مطردا ولا منعكسا بل في غالب الأفراد محقّق العدم . ولكن فيه منع انحصار

اشكال ايراد المحقّق النائيني

ص: 50

الملاك في ذلك بل لهما ملاكات عديدة تقصر أفهام الناس عن ذلك . ولذا لم يقع السؤال عن جميعها أو لم يهتدوا إليها ولم يتنبهوا . بل وقع السؤال حسب أفهام السائلين فاعطوا الجواب من منابع الحكم والعلم ومع ذلك فقد ورد في نحو غسل الجمعة في الأخبار ما يخرجه عن امكان النقض به على ما ذكرنا فراجع .

وما ذكرنا من المثال لمناسبة الحكم للموضوع مع عدم ثاني له فيه ان العرف إنّما يحكمون بما هم عقلاء وإلاّ فعدم امكان عروض العرض على مثله ليس حكما عرفيّا .

اذا عرفت ما ذكرناه تعرف ان حكم العقل وكذا الشرع لابدّ أن يكون عن ملاك مطرد ومنعكس ولا سبيل إلى ذلك في ما إذا علمنا حكم الشرع بتوسط الحكم العقلي بمجرّد احتمال عدم دخل الضرر والتغير في بقاء الحكم . بل يكون الموضوع الفاقد للوصف أمرا مشكوكا من أوّل الأمر بلا مجال لاستصحاب حكم هذا الموضوع اذا كان مقيّدا بوصف . اذ عند تغير الوصف وزواله نحتمل بقاء الموضوع كما كان ونحتمل عدم بقائه على الاشكال الأوّل بمعنى كون الفاقد محكوما بحكم الواجد وعدمه فيكون موضوعا مستقلاًّ . فهذا المشكوك لم يكن حدث عند ذلك بل كان أوّلاً كذلك هذا في الأحكام وكذلك الكلام في الموضوعات فعند تغير بعض أوصافها لا مجال للاستصحاب كما يأتي في بابه .

إن قلت: بناء على كون الموضوع في الاستصحاب أمرا عرفيّا والمدار في تشخيص اتّحاد القضيّتين والحكم بذلك هو العرف فلا يبقى ما يكون مورد الاعتراض من كلام المحقّق النائيني اذ هذا انما هو مع اتّحادهما وعدم دخل الوصف عند العرف موضوعيّا بل حتّى الشيخ قدس سره بنى على جريان الاستصحاب

ص: 51

عند تغير بعض أوصاف الموضوع ممّا لا يؤثّر عند العقلاء في بقاء الموضوع ووحدته مع الموضوع السابق .

قلت: هذا ممّا أجرء المحقّق النائيني على الشيخ رحمهم الله فأورد عليه ما أورده ويرد على الشيخ مع اتّحاد الموضوع في الصورتين بنظر العرف اذ على هذا فرقه رحمه الله بين ما كان موضوعا عند العقل وعند غيره من باقي الأدلّة تحكم . فاما أن يكون الموضوع مرادا به الموضوع في لسان الدليل فلابدّ من بقائه عند الاستصحاب سواء كان مدركه العقل أو الشرع كتابا أو سنّة أو اجماعا اذ دليل الاستصحاب إنّما ينظر إلى نفس الموضوع المأخوذ في لسان الدليل والمسامحة في موضوع دليله لا ربط لها باعتبار بقاء الموضوع في المستصحب والا فلا فرق بين العقل وغيره لجريان المسامحة العرفيّة بتخلّف بعض أوصاف الموضوع في كليهما .

فالتحقيق في المقام هو ما أفاده الشيخ قدس سره هنا الا ان ما يذكره هناك من عدم ضرر زوال بعض الأوصاف وتغيرها باتّحاد الموضوع يناقض مع ما هنا .

وقد أشرنا إلى ان مناسبة الحكم والموضوع لا تؤثّر في ذلك وقد سمعت ما في مثال الماء المتغيّر . فالحق منع جريان الاستصحاب في المقام وكذا ما في بابه إن شاء اللّه عند تغير بعض أوصاف الموضوع خلافا للشيخ رحمه الله حيث لابدّ له من القول بعدم الجريان في الموضعين الا انا ارتضينا ما حقّقه في المقام وجعلنا ما هناك مناقضا لما أفاده هنا(1) .

مصادقة الشيخ في ما اختار

ص: 52


1- . ويظهر من المحقّق البجنوردي منتهى الأصول 2/387 - 388 والعلاّمة آقا ضياء العراقي (نهاية الأفكار 4/21 ) والسيّد الحكيم ( حقائق الأصول 2/397 - 398 ) والسيّد العلاّمة الخوئي ( مصباح الأصول 48/41 ) اجراء الاستصحاب في محلّ البحث .

هذا تمام الكلام في التفصيل الذي عن الشيخ في المسئلة في مدرك الاستصحاب الا ان له رحمه الله كلاما وتفصيلاً في ذلك بالنسبة إلى الشكّ في المقتضي فلا يجري الاستصحاب وعند الشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود أو حصول وجود الغاية فيجري .

وأشرنا سابقا إلى قبول الاستصحاب لتقسيمات كثيرة حسب المستصحب من كونه أمرا وجوديا أو عدميا وكونه حكما شرعيّا كليا أو جزئيّا أو موضوعا والحكم إمّا تكليفي أو وضعي المضروب في تقسيماته حسب دليل المستصحب من أحد الأدلّة اجماعا أو دليل العقل أو الكتاب والسنّة الحاصل من الجميع أربعون قسما المضروب في تقسيماته حسب الشكّ في وجود المقتضي ووجود الرافع أو رافعيّة الموجود وحصول الغاية الحاصل من الجميع مائة وستّون قسما .

وكيف كان فلمّا كان الشيخ رحمه الله لا يقول بجريان الاستصحاب في الشكّ في بقاء المقتضي بخلاف باقي الأقسام من الشكّ في وجود الرافع والباقي ويترتب على هذه المسئلة آثار لعظمها واطردت كلمات محشّى مكاسب الشيخ بالنقض عليه في موارد يجري الاستصحاب بعدم قوله بذلك عند الشكّ في بقاء المقتضي كالآخوند والسيّد الطباطبائي رحمهم الله .

لذا تصدّى المحقّق النائيني لبيان المراد من المقتضي في كلام الشيخ رحمه الله(1) .

فانّ المقتضي يمكن أن يراد به الملاك لتشريع الحكم على طبقه وان يراد ماله أثر عند الشارع بجعله له تأسيسا أو بامضائه ولكن المراد ليس هذا ولا ذاك بل المراد منه في الشيء ما يكون فيه من استعداد البقاء عند عدم تأثير من زماني

تفصيل الشيخ في الشك في المقتضى ووجود الرافع ورافعيّة الموجود

ص: 53


1- . فوائد الأصول 4/315 - 373 - 374 .

فيه في النبات والجماد والحيوان عند وصول ما يحتاج إليه للبقاء إليه . وقد يمثّل لذلك بالسراج المشتعل عند عدم ما يكون سببا لاطفاء ناره . فانه بحسب استعداده بما فيه من النفط يكون مشتعلاً وفي الحيوان والانسان يكون ذلك معبّرا عنه بالعمر الطبيعي .

تحقيق الكلام: إن حاصل ما يتصور من المقتضى في كلام الشيخ نظرا إلى تفصيله في المقام كبعض من تقدّم عليه وتأخّر عنه بعدم قولهم بحجيّة الاستصحاب عند الشكّ فيه ثلاثة لا سبيل إلى اثنين منها لعدم كونهما مرادين له قدس سره

وهما ان يكون المراد بالمقتضى ملاك تشريع الحكم على طبقه حسب اقتضائه المستدعى للجعل . فالشكّ فيه إنّما يكون في بقاء المقتضي عند الأمر الكذائي مثلاً واستعداده واقتضائه للحكم .

وبعبارة اخرى وجود المقتضي للتشريع ورافع هذا القسم من المقتضي هو ما يكون مزاحما للجعل على طبقه فالشكّ في ان هذا الأمر رافع أم لا يكون من الشكّ في رافعيّة الموجود وفي وجود ما هو مسلم الرافعيّة من الشكّ في الرافع .

والثاني: أن يكون المراد ما يقتضي ترتّب المسبب عليه من الأسباب التي يرتّب عند الشارع الأحكام والمسبّبات عليها كما يقال ان العقد مقتضى للملكيّة والوضوء للطهارة والنكاح للزوجيّة والشكّ في المقتضى بهذا المعنى يرجع إلى بقاء الاقتضاء في ما هو مشكوك كما في العقد هل هو اذا وقع وحدث كان مغيي بغاية أم لا بل حدث على الدوام فهذا من الشكّ في المقتضى وان الملكيّة الحادثة هل يبقى اقتضاء مقتضيها حتّى عند قول أحدهما واختياره الفسخ في بعض المواقع وفي بقاء الوضوء واقتضائه الطهارة بعد المذي والودي مثلاً .

بيان المقتضي

ص: 54

فهذه من الشكّ في المقتضي ومانعهما ورافعهما يكون ما يختصّ بهما من الطلاق أو الفسخ وأمثالهما فاذا شكّ في ان الفسخ هل يحصل بمجرّد رضى أحدهما مثلاً بالرجوع أو يزول علقة الزوجيّة بمجرّد القاء القناع على رأس زوجته أو عند قول أنت خليّة أو بريّة أو بالفارسي أو زوال أثر الوضوء المقتضي لبقاء الطهارة حسب نفسها بعد المذي يكون من الشكّ في رافعيّة الموجود وفي وجود ما يزيل أثر هذه المقتضيات ونحوها يكون من الشكّ في الرافع كما اذا شكّ في وقوع الفسخ أو الطلاق وخروج البول المسلم مزيلتهما آثار مقتضيات ما ترفعه هذه بل مراد الشيخ رحمه الله من المقتضي معنى آخر وهو مقدار استعداد الشيء حسب طبعه للبقاء مقدارا من الزمان في عمره الطبيعي وهذا سواء كان في موضوع الحكم أو نفسه .

وتوضيحه انه لا اشكال في ان كلّ ما يكون من اصناف الموجودات من الجماد والنبات والحيوان بأنواعه والانسان له بحسب استعداد نفسه مع قطع النظر عن المؤثرات الخارجيّة من الزمانيّات بقاء لا يؤثر فيه إلاّ الزمان وهذا يختلف في هذه الأشياء من أقسام الماهيّات المتبائنة فما يكون لبعض الحيوانات من استعداد البقاء كالفيل لا يكون للبق وكذا بعض الطيور بل قد يكون موجود لا يكون له من ذلك الا حظّ يوم وليلة بلا خصوصيّة لذلك في الحيوان بل النبات ما يكون منه كذلك والجمادات أيضا حسب اقتضاء مؤثّرها لها بقاء ويعبّر عن ذلك بالعمر الطبيعي في الانسان إلى الستين أو السبعين أو أكثر مثلاً وهذا لابدّ من تصوّره في غير جهة الزماني فلا يكون منه ما اذا حدث مرض أوجب هلاكه . اذ المؤثّر في

ص: 55

الرفع في هذه الصورة هو غير تمام اقتضاء الشيء بل أثر فيه الزماني فأوجب موته .

فالمقتضى بهذا المعنى الذي ذكرنا إنّما هو ما للشيء من حظ البقاء الذي لا يتجاوزه قطعا بل يصل إليه ويكون منتهى سيره الطبيعي وانقضاء عمره الذي جعل له بمشيّة الباري تعالى . والرافع في هذا القسم ما يوجب عدم تأثير المقتضى أثره الذي يترتّب على الموضوع لو خلّى وطبعه فالشكّ . في المقتضى في استعداد بقائه بنفسه مع قطع النظر عن الزماني بل والزمان لأن تأثير الزمان إنّما هو اعتباري وإلاّ

فلو فرض الكلام في غيره لا يتعدى الموضوع ما لو كان في الزمان لا يتعداه بمقداره فقد يكون اشراق الشمس مؤثرا في فناء الموجودات كما في تربيتها وإن كان المثال لا يخلو عن مناقشة لأن الاشراق أيضا زمانيّ .

فاذا لم يعلم بقاء الحيوان الكذائي مثلاً بلا تأثير زماني فيه بعد تجاوزه عن السن الكذائي المقدر بمقدار من الزمان حسب اختلاف أفراده وشككنا في بقائه فهذا شكّ في المقتضى والرافع لهذا القسم ما يوجب هلاكه من اصابة الرصاص أو المرض المهلك كما ان في كلّ هذه يتصوّر الشكّ في رافعيّة الموجود .

وفي كلّ اصناف الموجودات يتصور الشكّ في المقتضى في غير القدر المتيقّن من الطرفين وكذا البناء الواقع على ساحل البحر وشاطئ النهر لا يكون له اقتضاء البقاء بنفسه مثلاً ما يكون لغيره لابتلائه برطوبة المكان وقد يكون هذا من الرافع وإن كان فيه كلتا الجهتين .

وعلى كلّ حال فتصور الشكّ في المقتضى والرافع في الموضوعات . ومنها الوضوء الموجب يقين بقاء الموضوع بقاء حكمه لا يحتاج إلى التكلف لبداهته

توضيح المقتضي في كلام الشيخ

ص: 56

ووقوعه . وأمّا الأحكام فالشكّ في المقتضي والرافع يتصور فيها أيضا . فان الحكم تارة يكون مرسلاً وعلى الدوام فان حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة مثل حرمة شرب الخمر وكون الوضوء موجبا للطهارة والصلاة واجبة وأمثال هذه التكاليف والأمور الثابتة في الشرع الأقدس التي لم يهمل بيان أمدها ولا ربط في هذه بالموضوع . بل نفس الحكم بين استمراره وارسل لا مهملاً والرافع لهذا القسم في الأحكام ما يكون موجبا لرفع الحكم ومنعه من بقائه كما كان من العناوين الثانويّة كالامتنان والضرورة المبيحة لشرب المسكر مثلاً ولو دواءً عند عدم وجدان المبيح المعالج به أو عدم تشخيصه فان هذه تزاحم المقتضى وتوجب تقيده بعد ان كان مطلقا من حيث امد الزمان مستمرا ولا يكون ذلك من النسخ .

فاذا شككنا في امد الحكم من حيث طول الزمان مثلاً وقصره يكون من الشكّ في المقتضى للحكم كما اذا لم نعلم ان المغرب الذي غاية حكم الصلاة اليوميّة هل هو عبارة عن استتار القرص أو علو الحمرة على الليل فوق السواد ( أي السواد كما هو مسطور في بعض المواضع فوق الجبل في الخبر(2) الوارد في

ص: 57


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي . واللفظ عن الباقر علیه السلام: « قال جدّي رسول اللّه صلی الله علیه و آله: أيّها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة وحرامي حرام إلى يوم القيامة » .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 16/4 - 14 من أبواب المواقيت فاذا جازت الحمرة قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط الفرض وفي الثاني في مكاتبته إلى العبد الصالح علیه السلام يتوارى القرص ويقبل الليل الى وتستتر عنا الشمس ويرتفع فوق الليل حمرة إلى أفاصلي حينئذٍ وأفطر إن كنت صائماً أو انتظر حتى يذهب الحمرة التي فوق الليل ؟ فكتب إلي: أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة .

تحديد الوقت ) أو وصول السواد(1) إلى قمّة الرأس فالشكّ في بقاء الوجوب عند استتار القرص إلى ما يكون متيقنا من الليل شكّ في مقتضى الحكم للشبهة المفهوميّة . وكذا بقاء وقت الصلاة الليليّة من المغرب والعشاء إلى الفجر الوارد فيه

بعض(2) النصوص كالمغرب الوارد فيه من الجانبين ولكن في امتداد وقت المغرب نصّه وارد(3) بالنسبة إلى بعض ذوي الأعذار ولذا به يثلث وقت المغرب فوقت الاضطرار ووقت الفضيلة ووقت الاجزاء .

وكذا الشكّ في انّ الفجر هو الكاذب أو الصادق كلّ ذلك يكون من الشكّ في المقتضى من الشبهة المفهوميّة في الأحكام وعرفت تصوّر الشكّ في الرافع فيها .

أمّا الشكّ في طلوع الشمس الذي جعل غاية لوقت صلاة الصبح أو في تحقّق المغرب الشرعي من غير جهة الشبهة المفهوميّة فشكّ في ما ملحق بالموضوع قبال الحكم اذ لا شكّ في أصل الحكم بل الوقت وهو أيضا لا يؤثّر فيه الزماني بل هو عبارة عن تصرّم الزمان باجزائه فيلحق بالشكّ في الموضوع . فتبين ممّا ذكرنا ان المراد بالمقتضى والرافع في كلام الشيخ قدس سره إنّما هو المقتضى

والرافع بالمعنى الأخير ولا اختصاص ذلك بالموضوعات للأحكام بل يتحقّق في

ص: 58


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 16/4 - 14 فاذا جازت ( الحمرة قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط الفرض وفي الثاني في مكاتبته إلى العبد الصالح علیه السلام يتوارى القرص ويقبل الليل الى وتستتر عنا الشمس ويرتفع فوق الجبل حمرة إلى أفاصلي حينئذٍ وأفطر إن كنت صائماً أو انتظر حتى يذهب الحمرة التي فوق الليل ؟ فكتب إلي: أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة .
2- . الوسائل 2 الباب 49/7 - 10 إلى 12 من أبواب الحيض .
3- . الوسائل 2 الباب 49/7 - 10 إلى 12 من أبواب الحيض والباب 10/9 .

أنفسها كما عرفت .

توضيح وتكميل: قد تبيّن ممّا ذكرنا ضابط الشكّ في المقتضى وإن المراد منه عند المفصلين هو المعنى الثالث ولا يمكن ارادة المقتضى بأحد المعنيين الأولين عندهم فيجري الاستصحاب في غيره ولا يجري فيه اذ لو منع جريانه في الشكّ في المقتضى بأحد المعنيين الأولين ويشترط في جريانه القطع ببقائه لزم سدّ باب الاستصحاب في غالب الموارد . بل لا يبقى مورد الا ويكون الشكّ في الملاك أو في سبب الحكم وموضوعه . لأنّه لا ينزل الملك المخبر عن بقاء الملاك ولم يعين مقدار استعداد بقاء المستصحب حتّى يكون المقتضى محرزا هذا مضافا إلى ان الشيخ وغيره من المفصلين يجرون الاستصحاب في الموارد التي يكون المقتضى أي الملاك وباب الأسباب والمسبّبات مشكوكا ويلزم على تفسيره بغير الأخير عدم بقاء مورد يكون الشكّ من ناحية رافعيّة الموجود أو وجود الرافع كما إذا شككنا في انتقاض التيمّم لدى رفع العذر الموجب لجواز التيمّم أو شككنا في انتقاضه لدى وجدان الماء والتمكّن من استعماله قبل الدخول في الصلاة الذي لم يرد النص لذلك والوارد(1) في ما لو كان داخلاً فيها قبل الركوع أو حصل الشكّ من ناحية نفس الوجدان وعدم التمكّن من استعماله لضيق الوقت . ففي كلّ ذلك مجال لجريان الاستصحاب مع ان سببيّته التيمّم مشكوكة وانه هل يقتضي الطهارة عند هذه الأمور . وكذا لو حصل الشكّ في حصول الرافع لعلقة الزوجيّة عند قول الزوج خلية أو برية ممّا يشكّ في وقوع الطلاق به فهذه كلّها وأمثالها مجرى الاستصحاب حتّى عند المانعين من جريانه عند الشكّ في المقتضى مع انه لا

المقتضي هو المعنى الثالث

ص: 59


1- . الوسائل 3 الباب 21/1 - 2 من أبواب التيمّم .

احراز له اذا كان بمعنى الملاك أو السببيّة .

وأمثلة ذلك كثيرة كأمثلة الشكّ في وجود الرافع كما ان في الوضوء يحصل الشكّ في رافعيّة الموجود بالنسبة إلى الودي هل هو ناقض أم لا .

وبالجملة فمراد المفصل معلوم وانه لا يجري عند الشكّ في المقتضى بالمعنى الثالث ولا ريب في امكان ذلك إذا كان المستصحب من الأمور الخارجيّة التي تكون موضوعات للأحكام لما لكلّ شيء من استعداد بقائه في ظرف الزمان بحيث لا يؤثّر فيه شيء إلاّ مرور الزمان المتصرّم بذلك هذا الشيء المنقضي عمره لتمام استعداده وعدم صلاحيّته للبقاء له حينئذٍ حسب اقتضاء طبعه .

وأمّا في الأحكام الشرعيّة فقد يشكل الأمر من حيث انه لا اقتضاء لها كما لا اقتضاء لعدمها فانها ليست من الموضوعات الخارجيّة المقتضية للبقاء حسب طبعها وإنّما حصول ذلك فيها بالنظر إلى الدليل .

فلو كان الدليل الدال على الحكم في غير الأحكام المغياة بغاية مرسلاً حسب الزمان فلا اشكال في جريان مقدّمات الحكمة لاطلاقه بحسب الأوقات والأزمنة وانه لا حدّ له .

كما اذا لم يكن الليل غاية للحكم في آية الصوم فانّ قوله تعالى « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ »(1) يحتمل فيه كون الليل غاية للموضوع والمغييّ بهذه الغاية المجعول عليه الحكم فلا غاية للحكم بل هو مرسل لأنّ الاطلاق يقتضي الدوام كما يقتضي العينيّة والتعيينيّة والنفسيّة وأمثالها فلا قيد للوجوب ويحتمل فيه كون الليل غاية للحكم فيكون مغييّ بهذه الغاية ويصير الموضوع كلّ آن آن وله حكم

ص: 60


1- . سورة البقرة: 188 .

بوجوب الصوم يخصّه .

وتارة يعلم الدوام للأحكام من غير ناحية مقدّمات الحكمة بل لأن حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة وكذا حرامه صلی الله علیه و آله والشكّ في هذه الموارد إنّما يتصوّر في رفع الحكم ونسخه أو طرو عنوان من العناوين الثانويّة المغيّرة للحكم كامتنان للضرر أو العسر والحرج أو حكم الحاكم . فان شرب الخمر في نفسه حرام والوضوء واجب للغايات المعيّنة وقد يحصل عنوان موجب لصيرورة الحرام واجبا كما لو توقّف حفظ النفس على شرب الخمر أو للاضطرار ونحوه وكذلك اذا كان عليه دين ولم يكن عنده ما يكفيه فلا اشكال في انه عند التمكن يجب عليه أداء الدين وعند عدم وفاء ماله بتمامه يوزع على ديون الديان حسب النسبة ويجعل لنفسه ما يقوت به كما ورد به الرواية(2) ولو لم يؤد بخيال العسر عليه يضيق عليه الأمر وجرب ذلك فلو حصل الشكّ في ان هذا الحرج اللازم عليه من تلك الجهة هل يوجب رفع الوجوب المتوجه إليه لأداء الدين ام لا فهذا يكون من الشكّ في رافعيّة الموجود . كما ان حكم الحاكم وإن كان مخالفا لفتوى من يحكم عليه يجب اتباعه لتقدمه على الفتوى ولا تحكم الفتوى على الحكم فلو لاقى غسالة البول لبنا موجبا لتنجس اللبن عند أحد المتعاملين المترافعين عند الحاكم وهو بان على طهارته فحكم بصحّه المعاملة يجب الاستسلام لحكمه فان حكمه اذا كان بحكم الأئمّة علیهم السلام لا بحكم الطاغوت يلزم اتباعه .

ص: 61


1- . الوسائل 27 تقدّم إلى مصدره الاشارة قريباً .
2- . الوسائل 18 الباب 27/1 من أبواب الدين لكن لا تنطبق على ما في المتن كمال الانطباق وفي الجواهر تعليقاً على الشرايع فيعطي هو وعياله نفقة ذلك اليوم . جواهر الكلام 25/340 .

والحاصل ان أمثال الموارد من الشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود كما ان الشكّ في وجود المقتضي في الأحكام يكون في ما إذا لم ندر ان غاية وقت صلاة العشاء هو ثلث الليل أو انتصافه فبعد الثلث إلى النصف الشكّ في المقتضى من جهة الشبهة الحكميّة لاختلاف الأخبار ومثله الشكّ في الغروب الذي يكون غاية وقت الظهرين وأوّل وقت المغرب هل هو مجرّد استتار القرص أو عبارة عن زمان ذهاب الحمرة العالية فوق الليل أي السواد الذي يكون حاصلاً عند غروب الشمس في جانب المشرق لا فوق الجبل ( والرواية أيضا الليل لا الجبل )(1) الذي يكون على هيئة المستطيل المظنون فيها الارتفاع إلى قمّة الرأس أو الانتشار والعدم وهذا من جهة الشبهة المفهوميّة والشكّ فيه يكون من الشكّ في المقتضى في الزائد على الاستتار الا انّه يستفاد من بعض(2) الأخبار الشاهدة للجمع بين المختلفات ان ذلك أي علو الحمرة وانتشارها يكون علامة الاستتار فراجع والشكّ في وجود الرافع كما اذا لم ندر هل طلعت الشمس من يومنا هذا أو دخل وقت المغرب لا من جهة الشبهة المفهوميّة من حيث الزمان . وممّا ذكرنا ظهر الفرق بين الشكّ في المقتضى والرافع ورافعيّة الموجود .

في أدلّة حجيّة الاستصحاب: قد ذكرنا مبنى الشيخ قدس سره في الاستصحاب وانه يراه حجّة في جميع أقسامه سوى الشكّ في المقتضي وما اذا كان دليل المستصحب حكم العقل وسبق ان أشرنا إلى ان في المسئلة أقوالاً متشتّتة منشأهااختلاف المدارك من بناء العقلاء والاجماع والأخبار فقد يدعى

الشك في وجود الرافع

دليل الاستصحاب

ص: 62


1- . الوسائل 4 الباب 16/14 من أبواب المواقيت .
2- . الوسائل 4 الباب 16/3 - 4 - 7 - 11 .

اختصاص الأخبار بغير الشكّ في المقتضي وتارة يدعى اختصاصها بقاعدة اليقين والعمدة النظر في مدرك الاستصحاب فمن ذلك بناء العقلاء .

وقد ادّعى المحقّق النائيني قدس سره (1) ثبوت ذلك البناء للعقلاء في امور معاشهم وجعله ممّا يحفظ به نظام ذلك فلولاه لاختلّ النظام ولم تصلح أمورهم بل ربما لو منع من ذلك ما استقرّ حجر على حجر .

وبالجملة فهم بمقتضى جبلتهم وفطرتهم يبنون في مثل هذه الموارد على عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف لطرف الحالة السابقة للشيء بل يمشون على طبق الحالة السابقة وهذا البناء منهم لا يحتاج في اثباته إلى أزيد من مراجعة الوجدان فانظره تراه شاهدا بالعيان حتّى ان الحيوانات لها أيضا هذا البناء وليس ذلك إلاّ لعدم الاعتناء بالاحتمال المخالف مع وجود الشكّ وجدانا . الا ان مجرّد وجود الشيء في الزمان السابق لا يكون عندهم موجبا للبناء على وجوده لاحقا مطلقا بل في ما إذا كان الشكّ في وجود رافع كما يشاهد في مراسلاتهم وتجاراتهم فيبيعون ويشترون ويرسلون الأجناس ويطلبونها من البلاد البعيدة لحصول النفع لهم بذلك بناءً منهم على بقاء المشكوك كما كان .

لا يقال هذا البناء إمّا من جهة حصول القطع وأمّا ولو بعض الموارد من جهة الرجاءولم يعلم بنائهم على عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف في امورهم في غير مورد الرجاء إلى أن يحصل لهم القطع .

لأنّا نقول انّ الرجاء إنّما هو في ما إذا لم يكن يترتّب على مخالفته ضرر لا يتحمل والا فمجرّد احتمال النفع لا يوجب البناء رجاءً بل إذا استوى الطرفان لا

ص: 63


1- . فوائد الأصول 4/332 .

يعلم منهم عمل على أحدهما . وفي ما إذا كان احتمال الضرر في مخالف المرجو فبمقتضى عملهم لا يقدمون على ما يرجى فيه النفع لأن دفع الضرر أولى من جلب المنفعة . وبالجملة فباب الرجاء وإن كان واسعا وله موارد كثيرة في مراجعاتهم للطبيب وفي اقداماتهم على الأمور الخطيرة الا ان ذلك في ما قوى الرجاء يعني المرجو عندهم ولم يكن ضرر في خلافه بل في مراجعة الطبيب ربما يكون يرون كثيرا تلف النفوس بما يعالج به الأطبّاء من الأدوية المخترعة خصوصا في عصرنا الحاضر غير المتدارك ضرره اذا أخطأ المتطبب .

ومع ذلك كله فيراجعون بحيث لابدّ لهم غالبا من ذلك .

هذا كما انه لا قطع للعقلاء البانين على طبق الحالة السابقة بل الشكّ منقدح في نفوسهم ويبنون على طبق الحالة السابقة . ولا ربط لما ذكرنا بقاعدة المقتضى والمانع فانه لا يوجب بنائهم على بقاء الموجود السابق مثلاً في ما إذا شكّ في بقائه لاحقا البناء على تحقّق المقتضى اذا حصل المقتضي وشكّ في وجود المانع والرافع من تعويذ وغير ذلك . وذلك لأنّه لم يعلم منهم البناء على تحقّق المقتضى ( بالفتح ) عند العلم بتحقّق المقتضى وان شكوا في وجود الرافع ما لم يقطعوا بعدمه .

هذا ملخّص ما أفاده المحقّق النائيني . الا انه هنا كلاملاً ما تذكر له في المقام ويظهر منه الجواب في الاستدلال على حجيّة الاستصحاب بالأخبار في ذيل خبر(1) زرارة فيتشبث هناك لتمام الاستدلال ببناء العقلاء وارتكازهم على حجيّته عند قوله ( لا تنقض اليقين أبداً بالشكّ ) أو ( ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين

ص: 64


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

بالشكّ )(1) وهو بعد تسلّمه ( أي المحقّق النائيني رحمه الله ) وغيره على عدم بناء تعبدي للعقلاء في امورهم فانّهم ما اجتمعوا ولا عقدوا هنجمنا لأمر من امورهم يبنون جميعهم عليه كيف يمكن بنائهم في ما نحن فيه على بقاء الموجود السابق في ما إذا حصل الشكّ في بقائه لاحقا مع انه لا طريقيّة عندهم للوجود السابق بالنسبة إلى البقاء ولا تنزيل لهم كما في الخبر الواحد بل بما يسكنون إليه نفسا . فانّه اذا

أخبر أحدهم بعدم سارق في الطريق ولا من يقطع عليهم السبيل يحصل لهم الاطمئنان بمقتضى ما أخبر ولا يعتنون باحتمال خلاف ذلك . بل يكون عندهم كعدمه ويحصل لهم العلم العادي النظامي ويمشون عليه في امور معاشهم وهذا هو المعنى للسيّد رحمه الله في دعواه قطعيّة الأخبار التي بأيدينا المحفوفة بالقرائن المفيدة للقطع أي العلم العادي الذي به يتمّ نظام امور العقلاء وأهل العرف لا اليقين الذي يكون له الانكشاف التامّ بحيث لا احتمال خلاف في جنبه لا يعتني به ويبني على عدمه .

والحاصل مع عدم التنزيل ولا التعبد في أفعالهم والفرض عدم السير على الشكّ لأنّ الشكّ لا طريقيّة له الى شيء فيمكن منهم البناء على وجود المشكوك لاحقا المتيقن سابقا .

فان قال رحمه الله كما يظهر من كلامه في ذيل الخبر كما سيجيء إن شاء اللّه بحصول الارتكاز لهم وممشيهم إنّما هو ممشى ارتكازي بحيث جرت فطرتهم وجبلتهم على ذلك كما نشاهد في من يمشي من المدرسة مثلاً إلى الصحن الشريف مباحثا رفيقه في مسئلة دقيقة علميّة فانّه مع مشيه غافل عنه متوجه بتمام

ص: 65


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

حواسه إلى البحث والايراد في مناظرته مع صاحبه فهذا يعبّر عنه بالارتكاز الذي هو أشبه شيء بالغفلة . فهذا ينافي ما مرّ منه سابقا من اعتبار الفعليّة في الشكّ واليقين المتعلّقين بالمستصحب وإلاّ فمع حصول الشكّ وجدانا فعلاً فكيف الاستصحاب والبناء على عدم الاعتناء بالطرف المخالف .

وبالجملة فالاشكال متوجه على ما أفاده قدس سره في المقام . فانّه لا بناء للعقلاء مطلقا في امورهم على غير اليقين . وفي الموارد التي ادّعى عليهم البناء على تحقّق المشكوك إمّا أن يكون هناك بناء منهم على ذلك رجاء نفع اذا لم يكن الضرر بخطير أو يحصل لهم العلم العادي النظامي على تحقّق المستصحب فلا شكّ حينئذٍ في بقائه وما ادّعى على العقلاء من البناء على العمل على الظن أو على الحالة السابقة أو غير ذلك افتراء عليهم لعدم بناء منهم على غير العلم ولو العادي منه الذي يركن إليه النفس وتطمئن به إلاّ فلا تنزيل منهم ولا تعبد ولا الطريقيّة المشكوكة في موارد الشكّ .

نعم ما أفاده من عدم الربط لما نحن فيه من بناء العقلاء بمسئلة المقتضي والمانع متين جدا كما عرفته سابقا .

تتمّة الكلام: قد علمت ان ما استدلّوا به لحجيّة الاستصحاب بناء العقلاء والاجماع والاخبار .

أمّا بناء العقلاء فقد عرفت ما فيه وانه لم ينعقد إلاّ على الاطمئنان والوثوق فاذا اطمأنّوا بشيء وجودا أو عدما فيمشون على طبقه ويجرون عليه والا فيحتاطون لو كان عندهم ذو خطر يترتب على تركه ما لا يتحملونه .

اما الاجماع وان ادّعى في المقام الذي كثرت الأقوال فيه حتّى انّه نسب

الاستدلال على الاستصحاب

ص: 66

القول بالانكار إلى السيّد والمحقّق رحمة اللّه عليهما الا انه ان كان مدركه بناء العقلاء فالمسئلة عقليّة لا طريق للاجماع إليها . وإن كان مدركه الأخبار فهي مدار البحث ولا يفيد الاجماع في ذلك شيئا . على انك قد عرفت عدم انعقاد الاجماع وعدم صحّته مع كثرة الأقوال ولا ظهور لكلام المحقّق فيما نسب إليه . بل كما يظهر من صدر كلامه وذيله انه لا ينكر الاستصحاب مطلقا . ويقول بالجريان في غير الشكّ في المقتضي وإن كان ظاهر بعض كلماته ان مراده بالاستصحاب اصالة الاطلاق واصالة العموم . وهذا لا ربط له بمسئلة الاستصحاب . فالعمدة اذن في الباب الأخبار وهي وإن كانت كثيرة إلاّ انها مختلفة الدلالة فمنها صحيحة(1) زرارة التي لا وجه لنقد السند فيها بعد كونها قطعيّة بحيث لا سترة عندنا ونقطع بصدورها من الامام علیه السلام ولا يضرّ اضمارها بذلك بعد علم ان مثل زرارة لا يضمر الا عن الامام علیه السلام بخلاف حريز(2) فانّه لما يرى من نفسه عدم اجتماع شرايط الأدب لحضوره بتشرّفه مجلس الامام علیه السلام ينقل غالبا بالواسطة وهو زرارة ونادرا ينقل عن الامام علیه السلام بلا واسطة في الاسناد . هذا مضافا إلى شهادة نفس الخبر والرواية بصدورها عن الامام علیه السلام خصوصا مع ملاحظة رفعة شأن زرارة في أصحاب الباقر علیه السلام فانّه من أجلّة الفقهاء والمتكلّمين من أصحابه صلوات اللّه عليه بخلاف هشام فانّه اشتهر في الكلام قال: قلت له: الرجل ينام وهو على وضؤ

ص: 67


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . هذا خلاف التحقيق اذ ان الامام علیه السلام حجبه لفتواه بقتل الخوارج في سيستان أو شهر السيف ولم يظنوا ان ذلك من ناحية الشيعة لقلّة عددهم فلما علموا خربوا المسجد وقتلوهم إلى أن توسط بعض الأصحاب فالامام علیه السلام عفى عنه ورخص له في الحضور عنده . معجم رجال الحديث 4/249، 252، تنقيح المقال في موضعين 1/252 - 262 ترجمة حذيفة بن منصور وفي ترجمة حريز .

أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء ؟ قال: يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن فاذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء .

قلت: فان حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم . قال: لا . حتّى يستيقن انه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشكّ أبدا ولكن ينقضه بيقين آخر .

والكلام يقع في مفردات الجمل قبل الاستدلال . قوله: قلت له: أي الامام علیه السلام قوله ينام وهو على وضوء لا يكون المراد من النوم في المقام هو النوم الحقيقي بل الشروع فيه وإلاّ فلا يناسب قوله وهو على وضوء لان ظاهر الواو الحاليّة وكيف يكون النوم مع الوضوء الذي لا يبقى عنده وهو يعلم ذلك . فسؤاله يكون عن الخفقة والخفقتين هل توجبان الوضوء شبهة حكميّة كما هو ظاهر السؤال . وهذا قرينة أخرى على عدم كون المراد بالنوم هو النوم الحقيقي . والا فيكون حال النوم في الناقضية أدون من الخفقة حيث انه بعد حصوله يسئل عن ايجاب ذلك الخفقة والخفقتان فكانّ المراد من ينام انه عرض له حالة الكسالة والنعسة التي قبل النوم وانه هل يوجب ذلك نقض الوضوء حتّى يجب عليه لحصولها بعد ان النوم لا محالة ناقض خلافا للعامّة(1) فعندهم لو كان مطمئنا بعدم حدوث حدث عند نومه لا نقض للوضوء .

ولما كان النوم ذا مراتب مختلفة في الشدّة والضعف فسأل عن حكم بعض مراتبه وانه هل له . الناقضيّة أم لا بل ذلك إنّما هو النوم الذي هو أعلى المراتب

الاستدلال بصحيحة زرارة

ص: 68


1- . بعضهم وافق الاماميّة في الجملة كالحنابلة والشافعيّة والمالكيّة لا يرون النقض بالنوم الخفيف . الفقه على المذاهب الأربعة 1/80 - 81 .

حتّى يحصل عنده نوم القلب والاذن والعين المتلازمات . ولا عكس من ناحية نوم العين كما في الرواية وكذا من ناحية القلب فيكون قد نام ولم تنم العين . بل لو نام القلب فالعين تكون نائمة وذلك قد يحصل لغير من نام قلبه أيضا فصدر منه علیه السلام حكم الشبهة وانّه ما لم تنم الاذن والعين معا المتلازمتان لنوم القلب فلا نقض للوضوء . بل اذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء .

وهذا جواب منه علیه السلام عن سؤاله عن حكم الخفقة وانّها لا تكون كالنوم ولا اماريّة لها بل الموضوعيّة منحصرة بالنوم من بين جميع مراتبه أو يكون النوم امارة على حصول الناقض لا ان له موضوعيّة . ويحتمل أن يكون السؤال عن الشبهة الموضوعيّة وان الخفقة هل هي ملحقة بالنوم ومن مراتبه الذي هو مفروغ الناقضيّة عند زرارة . الا انه يبعده عدم انطباق الجواب الا على الوجه الأول ولا يكون الناقضيّة إلاّ لخصوص نوم العين والاذن لا باقي مراتب النوم . وما نفي النوميّة عن الخفقة . بل قال قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن فالرافعيّة مختصّة بما ذكر علیه السلام لا غير .

وقد يكون في السؤال الثاني اشعار وتأييد لما ذكرنا من كون الشبهة حكميّة هذا . ولما علم زرارة انه لا ينقض الوضوء الا النوم وان الموجود لا ينقضه إلاّ أن يكون نوما غالبا على الحاستين .

وقبل حصول هذا الحال يجري الاستصحاب جعل السؤال عن الشبهة الموضوعيتة وصور ذلك بما سئل عنه علیه السلام فان حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم وانه هل يكون هذا نوما ناقضا فانه يمكن فرض الشبهة الموضوعيّة كما فرضه وان كان النوم اذا حصل لا شبهة فيه ولا شكّ يعتري حصوله . فأجابه علیه السلام بقوله لا فلا

ص: 69

يجب عليه الوضوء حتى يستيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ويعلم باليقين بنومه .

فعند الشكّ يبني على وضوئه ولا يرتب عليه آثار المرفوع والمنقوض .

وقال

علیه السلام: وإلاّ أي وان لم يستيقن ذلك ولم يجيء من ذلك أمر بين .

والخلاصة أي لم يتيقّن بالنوم اذ بمجرّد عدم شعوره بتحريك شيء في جنبه لا يحصل اليقين بنومه بل لابدّ من قطعه .

نعم ذلك قد يكون اذا كان لباسه منزوعا من بدنه أو لحافه وما يتّكئ عليه مأخوذا من محل تمدّده وهو ما علم فعند ذلك يحصل اليقين بنومه وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه وهذا جواب الشرط أي والا .

يعني ان لم يستيقن الخ فانه على يقين من وضوئه سواء كان نفس هذا الكلام جوابا للشرط أو يكون هذا تعليلاً .

والجواب فلا يجب عليه الوضوء . إلاّ ان ذلك يوجب حصول التكرار في كلامه علیه السلام بعد أن بيّن حكم ذلك بقوله لا وأجابه عن الشبهة الموضوعيّة . فحمل قوله فانّه على الشرطيّة أحسن . وإذا كان في الكلام نكتة لذكر قوله من وضوئه متعلّقا باليقين فلا ينحصر الوجه في حمله على الاحترازيّة التي توجب التقييد بالوضوء فقط ويكون قوله علیه السلام ( لا تنقض اليقين بالشكّ أبدا ) كبرى لهذه الصغرى الخاصّة بباب الوضوء بل لمّا كان العلم واليقين من الأمور ذات الاضافة ولا يمكن كونهما بلا متعلّق فذكر الوضوء متعلّقا لليقين لأنّه كان الكلام فيه وفرض حصول اليقين به فلا يكون قيدا موجبا لانحصار الكبرى عليه . بل هو مصداق من مصاديق اليقين وذكره لنكتة عدم كون اليقين بلا متعلّق لمناسبة السؤال ذلك .

بيان صحيحة زرارة

ص: 70

فيصحّ قوله ( ولا ينقض اليقين بالشكّ أبدا ) كبرى غير منحصرة بباب دون باب دالاًّ على اعتبار الاستصحاب المتنازع فيه .

ملخص ما سبق: تقدّم تقريب الكلام في استفادة الكليّة وانّه مبنيّ على عدم كون من وضوئه قيدا لليقين كي يمنع من الكليّة . وسبق ان لا خصوصيّة له بل ذكر لنكتة وهي سبق ذكر الوضوء وكون العلم كاليقين من الأمور التي تضاف إلى متعلّقاتها .

فيستفاد الكليّة على هذا على ترتيب الشكل الأوّل سواءً كان قوله وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه نفس الجزاء أو كان الجزاء محذوفا أو مقدرا لدلالة قوله لا قبل ذلك عليه مع حفظ فصاحة الكلام وبلاغته . ولا مانع من أن يكون فانّه على يقين من وضوئه علّة الجزاء المحذوف وهو لا يجب عليه الوضوء قام مقامه فاستغنى عنه وكذا يمكن كونه محذوفا بقرينة الجواب السابق كما ذكرنا .

ويقوله الشيخ(1) من ان قوله فانّه علّة الجزاء ويورد لذلك نظائر من الكتاب كقوله تعالى ومن كفر فانّ(2) اللّه غنيّ عن العالمين . وإن يسرق(3) فقد سرق أخ له من قبل وان تجهر(4) بالقول فانّه يعلم السرّ وأخفى .

وأمّا احتمال كون الجزاء قوله ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ فسخيف غايته وذلك لعدم معهوديّة عطف الجزاء على الشرط بالواو أو بغيره لو كان هذا الواو للعطف وكذا لا معنى للاستيناف .

ص: 71


1- . فرائد الأصول 2/563 - 564 .
2- . سورة آل عمران: 98 .
3- . سورة يوسف: 78 .
4- . سورة طه: 8 .

اذ لا يكون حينئذٍ جوابا للشرط وكون فانّه فاصلة بين الشرط وجوابه اشعارا للعليّة فالجواب حينئذٍ إمّا محذوف وهو فلا يجب أو قوله فانّه على يقين من وضوئه وعلى الأوّل فيكون ذلك تعليلاً إمّا تعبديّا أو ارتكازيّا للعقلاء .

بيان ذلك ما ذكره المحقّق الخراساني قدس سره (1) في كفايته انه لا ريب في ظهور هذا الكلام في النهي عن نقض اليقين بالشكّ في مطلق ما عرض عرفا وإن كان من المحتمل كون ذلك مختصّا بباب الوضوء إلاّ ان الاستشهاد بهذه الكبرى المذكورة في هذه الرواية في غير باب الوضوء في الروايات(2) الاخر يؤيّد ظهور الكبرى في الكليّة غير المختصّة بباب دون باب على ان قوله علیه السلام ( ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ) اشارة إلى قضيّة ارتكازيّة للعقلاء بما هم عقلاء . فانّهم بمقتضى بناءهم وارتكازهم لا يفرقون بين اليقين والشكّ في باب الوضوء وساير الأبواب بل كلّ ما حصل لهم يقين بشيء فعند الشكّ في بقائه يبنون عليه حسب ما جبلت عليه طباعهم وجرت عليه فطرتهم . واحتمال كون اللام للعهديّة في قوله علیه السلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ان بقي مع ما ذكرنا فمضافا إلى ان مجرّد الاحتمال لا يوجب التوقّف خصوصا كونه للعهد خلاف الظاهر . بل الأصل فيه الجنسيّة فالعهديّة محتاجة إلى القرينة . ان الجنسيّة ممّا تناسب المقام وتلائمه كمالها ولكن هذا بعد أن كان قوله على يقين من وضوئه غير مقيّد بأنه كان من وضوئه متعلّقا بالظرف لا أن يكون متعلّقا بيقين فيكون في قوّة هذا فانّه ثابت من طرف وضوئه على يقين فاليقين على هذا يكون بلا تعلّق بقيد أو ما يحتمل فيه القيديّة وتصلح صغرى

استدلال الكفاية

ص: 72


1- . كفاية الأصول 1/282 .
2- . الوسائل 3 الباب 41/1 و2/174 من أبواب النجاسات .

للكبرى الارتكازيّة العقلائيّة غير المختصّ بباب الظاهر حسب المتفاهم العرفي في عدم جواز نقض مطلق اليقين بالشكّ . ولا ربط لذلك بالمتيقن لأنّ اليقين بما هو يقين عندهم موضوع للبناء على بقاء متعلّقه عند الشكّ فيه . ولم يزد المحقّق النائيني قدس سره (1) بيانا على هذا الاّ انه جعل البحث عن كون الجزاء فانّه أو محذوفا بلا فائدة لعدم دخل ذلك في ما هو المهمّ في المقام . اذ العمدة ظهور الكليّة للكبرى وعدم القيديّة لقوله من وضوئه لاصالة الجنسيّة في اللام الموجبة لكون ولا ينقض كبرى كليّة للشكل الأوّل منطبقة على صغرى وجدانيّة وهي فانّه على يقين من وضوئه فالصغرى هي هكذا والكبرى عقليّة ارتكازيّة للعقلاء وقد تقدّم في ما مضى عدم وقوع الشكّ للعقل في موضوع حكمه بناء على تسليمه كما مرّ .

بل كلّ ما يحكم عنده له دخل في موضوع حكمه ولو من باب القدر المتيقّن ولا يكون أيضا اشارة إلى قاعدة اليقين بل لا تنطبق إلاّ على الاستصحاب .

هذا مضافا إلى اختلال الاستدلال لو كان اللام للعهد واليقين مختصّا بباب الوضوء لأنّ المدّعى ودليله يكون حينئذٍ شيئا واحدا . فانّ الكلام يكون كما إذا قال العالم متغير والعالم المتغير حادث . مع انه يشترط في كبرى الشكل الأوّل الكليّة فلابدّ أن يكون اللام للجنس حتّى يكون لكلّ يقين ويصحّ الاستدلال اذ بدونه يكون دليل حرمة النقض نفس الصغرى اذ الصغرى فانّه على يقين من وضوئه والكبرى على هذا يكون لا تنقض هذا اليقين أبدا بالشكّ لم يزد فيها شيء سوى تكرار أصل الصغرى غير القابلة للاستدلال الممتنع امثال ذلك من أهل الفصاحة فضلاً عن الامام علیه السلام .

ص: 73


1- . فوائد الأصول 4/335 وما بعده .

هذا ملخّص مرامهم وزبدة كلامهم في المقام . الا انه لا يمكن الجمع بين كون الاستصحاب من الأصول التنزيليّة التي تحتاج إلى عدّة من الشروط منها اتّصال(1) زمان الشكّ باليقين وتقدّم اليقين على الشكّ والاثر الشرعي وعدم كون مثبته حجّة وبين ما هو لازم استدلال هذين العلمين اذ على ما ذكراه لا يزيد على كونه امارة من الامارات العقلائيّة دليلاً امضائيّا لا تأسيس للشارع فيه . وأنت خبير بأن ذلك جمع بين المتناقضين . فامّا أن يكون أصلاً تنزيليّا فلا يمكن الاستناد في حجيّته إلى بناء العقلاء وارتكازهم بل لا سبيل فيه الا التعبّد الشرعي .

واما أن يكون امارة عقلائيّة وبناءً ارتكازيّا منهم فلا يكون أصلاً ويستحيل الجمع بين شيئين هما على طرفي نقيض بل قد عرفت سابقا منّا عدم تعبّد للعقلاء ولا جرى لهم في صورة الشكّ على التعبّد بل اما أن يحتاطوا أو يسيرون على العلم ولا تنزيل لهم كما انه ليس لهم تعبّد في مورد .

والجواب عن هذه المناقضة محصّله ان زرارة رضوان اللّه عليه سئل الامام علیه السلام عن حكم الشبهة الموضوعيّة بأنّه اذا شكّ في حدوث النوم وحصوله بما سأله بان حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم فأجابه علیه السلام بقوله لا إلى قوله علیه السلام والا فانه على يقين من وضوئه بلا تكرّر السؤال عن زرارة وعلل الجزاء بأنّه على يقين من وضوئه ممّا هو وجداني . لأنّه كان على الوضوء وحصل له الشكّ في حدوث الرافع له الا انه لما لم ينقطع ما منه يسئل زرارة الامام علیه السلام وكان موضع أن يقول كيف يمكن أن يدخل في الصلاة ويجيء بكلّ ما مشروط بالطهارة بلا تجديد وضوء في حال شكّه في طهارته مع ان هذه الأمور مشروطة بها ولابدّ في الشرط

اشكال الاستاد

ص: 74


1- . يأتي الكلام على هذا الشرط .

من الاحراز . قال علیه السلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ كبرى للمورد ولغيره تعبديا شرعيا مجعولة لا منجعلة امضائيّة بأن احاله على الارتكاز العقلائي لما له من الغفلة عن ذلك فيكون أرشده إلى ذلك بأن البناء العقلائي في كلّ مورد كان لهم يقين بشيء وشكوا في اللاحق فيه على بقائه لتكون كبرى ارتكازيّة عقلائيّة لكن نبّهه على ذلك بل ذكر العلّة وهي قوله فانّه على يقين من وضوئه توطئة وتمهيدا لبيان الكبرى المجعولة الشرعيّة المنطبقة على المقام وعلى كلّ مقام كان مثله ممّا كان له يقين فشكّ في ذلك .

وهذا لان أمر وضعه ورفعه بيد الشارع فله أن ينزل المشكوك منزله المتيقّن فيرتب عليه آثاره وله ان يرفع وينفي فعلى هذا أعطاه وأفاده علیه السلام كبرى كليّة شرعيّة مجعولة بلا اختصاص لها بمقام خاص دون آخر . سواء كان الشكّ في وجود الرافع أو في رافعيّة الموجود .

والحاصل ان منشأ اليقين كلّ ما كان كان وكذا منشأ الشكّ اذ لا عبرة بخصوصيّة معتبرة موجودة في مورد مفقودة في مورد آخر . بل المدار باليقين والشكّ الفعليين . واضافة اليقين إلى المورد وهو الوضوء لأنّ الكلام كان فيه ومفاد ذلك ان كلّ من شكّ في وجود الرافع لوضوئه أو لمتيقن آخر أو في رافعيّة الموجود لمتيقنه فيبنى على بقائه كما كان أوّلاً وجدانا ويرتب عليه آثاره وتشمل الكبرى ما إذا كان الشكّ في البقاء من ناحية المقتضى لأنّ الكبرى كليّة وهي لا تنقض اليقين بالشكّ واحتمال اختصاصها بالوضوء ليس إلاّ من جهة كون اللام للعهد ومنشأ الشكّ احتمال اضافة اليقين إلى الوضوء للتقييد وهو بعيد .

وذلك لأنّ الكلام والسؤال إنّما كان فيه وممّا يشهد لعدم التقييد بل لاحتياج

ص: 75

العلم إلى طرف مضاف كاليقين قوله فانّه على يقين من وضوئه فأتى بلفظة من التي لا يتعدى اليقين بها بل بالباء فهي متعلّقة بالظرف ويكون الكلام في قوّة أن يقال فانّه كان على يقين حاصلاً من وضوئه أو فانّه ثابت من وضوئه على يقين فلا تقيد لليقين بشيء فلا . تصلح قرينة على ظهور اللام في اليقين في قوله ( ولا ينقض اليقين ) في العهديّة وتكون ظاهرة حسب تأيده بالأصل في اللام أيضا في الجنسيّة وتصير كبرى كليّة للمورد ولغيره في الشكّ في الرافع ورافعيّة الموجود والمقتضى لو تمّت أركانه ولم يكن فيه اشكال من جهات اخرى ولا خصوصيّة رجل خاص كما لا خصوصيّة للشكّ في النوم وبباب الوضوء . بل يكون تنزيلاً شرعيّا اما واقعيّا أو ظاهريّا . غاية الأمر لمّا لم يكن غير خال عن أخذ الشكّ في موضوعه يكون تنزيلاً ظاهريّا وتعبّدا كذلك .

ويترتّب على ذلك لزوم الاعادة مثلاً ما لو انكشف الخلاف وانه لم يكن على وضوء حين ما صلّى . ومقتضى التعبّد والتنزيل للشكّ منزلة اليقين حسب ما يستفاد من قوله لا تنقض الممتنع حمله على ظاهره لعدم كونه تحت الاختيار وبداهة انتقاض اليقين قهرا حال حصول الشكّ به لزوم حمل كلّ أثر للمتيقن على المشكوك كما في الطواف(1) بالبيت صلاة المستفاد منه ترتيب كلّ ما للصلاة على الطواف من كونه متطهّرا ذا موالاة في أشواطه الاّ ما إذا قام الدليل على التخصيص بأنّه اذا عرض له حالة فترك ما نقص من أشواطه يتمّها من موضع القطع مثلاً .

بقي الكلام في ان قوله علیه السلام: ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ وانه يكون بمنزلة اليقين غير منقوض ويناسب نفي نقض كلّ يقين غير المنافي لنقض البعض لملائمة

معنى عدم نقض اليقين بالشك

ص: 76


1- . مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 من أبواب الطواف .

سلب العموم مع اثبات البعض .

نعم لو كان سالبة محصلة يفيد العموم وإن كلّ فرد من اليقين لا نقض له ولو كان لعموم النفي فمع اثبات البعض لجواز نقضه يكون على طرف نقيض له وذلك كما صار منشأ للشكّ في قوله علیه السلام: الماء(1) إذا كان قدر كرّ لم ينجّسه شيء ومفاد مفهومه بقرينة المقابلة بين السلب والايجاب انه إذا لم يكن قدر كرّ بل قليلاً ينجّسه

شيء ولا ينطبق إلاّ على ما إذا غيّره الملاقي فلا يمكن التمسّك به على هذا بانفعال القليل بمجرّد ملاقاة النجس ( بخلاف ما إذا لم يكن كذلك بل كان المفهوم ينجّسه كلّ شيء المستفاد من قوله لم ينجّسه شيء أي كلّ شيء شيء من النجاسات لا بالعنوان المجموعي وإن كان في الصورة السابقة أيضا لا يستفاد منه انه ينجس بكلّ شيء إذا غيّره لأن النكرة في سياق النفي استيفد منها العموم بخلاف الاثبات فعلى وحدتها .

وبعبارة اخرى: الحاصل من لا تنقض اليقين الخ هل عموم السلب أو سلب العموم وفرق الأوّل مع الثاني ان العموم في الثاني مسلوب فهو موضوع بخلاف الأوّل ففيه السلب عام لموضوعه .

وملخّص الكلام في ذلك انه تارة يكون المقام ممّا إذا يتصوّر المعنى قبل الحكم عليه كما في لفظة الكل والمجموع والجميع وأمثالها فاذا طرء على أحدها السلب يكون الكلّ مثلاً موضوعا للسلب ومقتضاه عدم ثبوت الحكم على المجموع فلا ينافي ثبوته للبعض كما اذا قال لا تأكل كلّ رمانة سواء كان ذلك في النفي أو النهي بلحاظ المعنى .

ص: 77


1- . الوسائل 1 الباب 9/1 - 2 - 4 الى 6 من أبواب الماء المطلق .

وتارة لا يمكن تصور المعنى لعدم كونه اسميا بل اذا استعمل اللفظ يحصل له الوجود بالانشاء والايجاد . فحينئذٍ يستحيل كون السلب واردا على العموم المستفاد من المعنى الحرفي كالألف واللام سواء كان الجمع أو المفرد المحليّان بالألف واللام موضوعين بهذه الهيئة للعموم على نحو التركيب أو لا فلا محالة يكون المعنى والمراد عموم السلب وعلى نحو يشمل كلّ فرد من موضوعه بلا فرق بين استفادة العموم من الوضع أو الاطلاق كما في النجس .

فعلى هذا قوله ( ولا ينقض اليقين الخ ) يفيد عموم السلب لا سلب العموم وحاصل المعنى حرمة نقض كلّ يقين بالشكّ .

تنبيه: قد تخيّل من قوله علیه السلام أو استشكل بعدم استفادة عموم السلب المفيد قاعدة كليّة هي حرمة نقض كلّ يقين بالشكّ بل المستفاد سلب العموم غير المنافي بجواز نقص بعض أفراد اليقين بالشكّ .

وتصدّى المحقّق النائيني قدس سره (1) لدفع هذا التوهم ببيان علمي وبرهان منطقي خارج عن دعوى الظهورات المبتنية عليها استفادة المطالب في المحاورات وأراد سيّدنا الأستاذ قدس سره في بدو كلامه شرح غرضه قدس سره الا ان عنان الكلام لم يستقم على لسانه وجال في ميادين نائية عن المقصد ولا بأس بذكر ما جرى منه على القلم فقال قدس سره: لا مجال لهذا التوهّم مع قطع النظر عن ذيل المضمرة بأن يكون المفاد

سلب العموم مع صرف النظر عمّا مرّ من كون المعنى الحرفي ايجاديا . واما معه فلا وجه له بداهة ظهور الكلام حينئذٍ في حرمة نقض كلّ فرد من اليقين بالشكّ اذ قوله في ذيلها ( ولكن ينقضه بيقين آخر في قوة حصر الناقض باليقين . فكيف يجامع

دفع توهم ارادة سلب العموم

ص: 78


1- . فوائد الأصول 4/338 وما بعده .

جواز التخصيص بغيره من الشكّ هذا . وما يمكن أن يكون شرحا لمراد المحقّق النائيني قدس سره هو ما أفاده من امتناع كون مقتضى الشيء رافعا له كما ان علّة عدم الشيء لا تكون موجبة لوجوده وحصوله .

ومن المعروف عن أهل الأدب ان حرف النفي لو تقدّم على المنفي يكون المستفاد ثبوته للبعض ( قال في التلخيص نقلاً عن عبدالقاهر انه إن كانت كلمة كلّ داخلة في حيّز النفي بأن أخّرت عن أداته نحو ( ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه ) أو معمولة للفعل المنفي إمّا فاعلاً نحو ما جائني القوم كلّهم أو ما جائني كلّ القوم أو

مفعولاً نحو لم آخذ كلّ الدراهم أو كلّ الدراهم لم آخذ توجه النفي إلى الشمول خاصّة وأفاد الكلام ثبوت الفعل أو الوصف لبعض أو تعلقه به والأعمّ كقول النبي صلی الله علیه و آله (1) لما قال له ذواليدين اقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول اللّه كلّ ذلك لم يكن الخ ) .

وهذا لو كان فا بمعنى والا ففي مثل ان اللّه لا يجب كلّ مختال فخور(2) لا ثبوت للبعض ونظير هذه الأمثلة ما يقال من ان ليس كلّ ما يعلم يقال أو كلّ ما يعلم ليس يقال وفي هذه الموارد وأمثالها لابدّ من كشف الأصل وتحرير القاعدة لو لم يكن قرينة والاّ فعند القرينة لا اشكال في استفادة العموم للنفي أو نفي العموم

كما في لا تأكل كلّ رمانة في البستان ممّا يمكن أكل الجميع .

والحاصل انه اختلفت كلمات الأصحاب في انّ للعموم صيغة تخصّه كما للخاص ومثل المثبت بكلّ والجميع وما شاكلهما في افادة معنى العموم كنفس لفظة

ص: 79


1- . بحار الأنوار 17/111 - 124 نقلاً عن العامّة .
2- . ان اللّه لا يحبّ من كان مختالاً فخوراً . النساء الآية 37 .

العموم كلّها من حيث المعنى كما في باقي اختلافاتهم في ما يستفاد من فنون تصاريف الكلام وأنحاء تطوّراته من جواز استعمال اللفظ في معنيين بعد أن كان اللفظ قالبا بتمامه للمعنى الا ان زبدة المقال انه اذا كان العموم متأخرا رتبة عن أداة

النفي كلّ ما كانت لا أو ليس أم ما أو غيرها فلا يمكن ما أوجد الشيء ان يرفعه وإلاّ فان كان متعلّقا وموضوعا لاداة النفي وهي ترد عليه فهنا يمكن أن يسلب العموم في غير ما اذا كان المعنى ايجاديا بل كان قابلاً للتصور في الرتبة السابقة .

ففي مثل النكرة في سياق النفي لا يمكن أن يستفاد سلب العموم لأنّ العموم إنّما يحصل بعد ورود أداة النفي فكيف ينفي بها وذلك لجريان مقدمات الحكمة واستفادة العموم الاطلاقي من اللفظ كما في مثل اذا كان(1) الماء قدر كر لم ينجسه شيء ففي هذا الكلام المسلوب تنجس الماء بالشيء المطلق الواقع في حيّز النفي وبمقتضى دلالة السياق استفيد عقلاً عموم السلب للتنجيس والا فالنفي لم يرد إلاّ على الطبيعة بلا تنوين للأفراد . فالعموم متأخّر رتبة عن أداة النفي فلا يكون منفيا

بها وداخلاً في حيّزها ولما كان المقام في باب المفاهيم مقام الاستفادة فكلّ ما يكون من العموم والخصوص للمنطوق بمقتضى دلالة المفهوم يكون له ولو كان نقيض السالبة الكليّة الموجبة الجزئيّة لعدم كون باب المفاهيم على التدقيق بل من باب ظهور الكلام . فلا غرو في دعوى كون المفهوم انه اذا لم يكن قدر كرّ ينجسه كلّ شيء أو شيء المراد به الطبيعة لا الوحدة فيستفاد من ذلك عموم التنجيس لمطلق النجس اذا لاقى الماء . وأمّا في مثل كلّ والجميع من المعاني الاسميّة القابلة

للتصوّر فالنفي يرد عليها وهي تقبل ذلك .

ص: 80


1- . الوسائل 1 الباب 9/1 - 2 - 4 إلى 6 من أبواب الماء المطلق .

فيستفاد منها في بعض الموارد أو غالبا نفي العموم وسلبه لتعدّد الدال والمدلول وتصورهما معا مع امكان ورود النفي في هذه الصورة أيضا على تالي لفظة الكل فيكون المستفاد عموم السلب . كما في لا تكرم كلّ فاسق فانّه قابل للوجهين وأمّا المفرد أو الجمع كذلك فقد تكون الكلمة بمجموعها موضوعة للعموم كما هو أحد القولين فهي قابلة للتصور ولا يرد النفي الا عليها وتسلب الكلية غير المنافية لثبوت البعض تحت الحكم كالكل . واخراج البعض ربما يكون بالتخصيص الذي هو اعدام الفرد إمّا تكوينا كما بالموت أو تعبّدا في مقابل التقييد فانّه عبارة عن الاخراج في حال مقابل الاطلاق الأحوالي . الا ان هذا كلّه يمكن أن يكون على نحو المجموعيّة أو الشموليّة وإمّا في غير هذه من المطلق البدلي والمفرد المحلّى باللام فبناء على ما حقّقه المحقّق النائيني وبنى عليه من ايجاديّة

المعنى الحرفي فلا تقدم للعموم في المحلّى على النفي فهو والبدلي سواء في استفادة العموم بعد ورود النفي منهما ولا يمكن جريان نفي العموم في ذلك كما في لا تنقض اليقين وبناء على كون المعنى الحرفي أيضا قابلاً للتصوّر كما في الاسمي غاية الامر لا بالاستقلال فيمكن فيه أيضا ما في الكلّ وكذا لام الاستغراق .

توضيح وتكميل: قد ذكرنا ما يقرب الاستدلال على حجيّة الاستصحاب من جهة الاخبار في صحيحة(1) زرارة ولها صحيحة(2) اخرى مضمرة ولا يضر اضمارها كما في الاولى فقد روى انه قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ فعلمت أثره إلى أن اصيب له (من ) الماء فاصبت وحضرت

الاستدلال على عموم السلب

ص: 81


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . الوسائل 3 الباب 7/2 من أبواب النجاسات، التهذيب 1/446 .

الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصلّيت ثمّ انّي ذكرت بعد ذلك .

قال علیه السلام: تعيد الصلاة وتغسله .

قلت: فاني لم أكن رأيت موضعه وعلمت انه أصابه فطلبت فلم أقدر عليه فلمّا صلّيت وجدته .

فقال

علیه السلام تغسله وتعيد .

قلت: فان ظننت انه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمّ صلّيت فيه فرأيت فيه قال علیه السلام تغسله ولا تعيد الصلاة .

قلت: لِم ذلك ؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبداً .

قلت: فاني قد علمت انّه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله .

قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك .

قلت: فهل عليّ إن شككت انه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟

قال: لا ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك .

قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة .

قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك . فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ وهذا الخبر قد اشتمل على قطعات من صورة العلم التفصيلي بوقوع النجاسة في الثوب والعلم الاجمالي وصورة النسيان لها وفي أثناء الصلاة ومن القطعات ما علّل فيها الحكم بعدم نقض

ص: 82

اليقين بالشكّ .

وقد تكلّم سيّدنا الأستاذ قدس سره في جملة منها في ما أفاد في ليالي شهر رمضان بعنوان البحث التعطيلي وقد فاتنا ضبطه وأتى بما لا مزيد عليه الا ان ما له ربط بالاستصحاب هو قوله فان ظننت انه أصابه ولم اتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمّ صلّيت فيه .

قال

علیه السلام: تغسله ولا تعيد الصلاة .

قلت: لِمَ ذلك ؟

قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا .

حيث علّل علیه السلام عدم اعادة الصلاة بعدم اليقين بوقوعها في النجاسة حسب ما وقع في كلام زرارة بقوله لانك كنت على يقين من طهارتك وليس ينبغي الخ واستشكل بأن الاعادة حينئذٍ لا تكون من نقض اليقين بالشكّ بل باليقين . لأنّه قد علم ان المعادة لم تقع في الطهارة التي هي شرط أو لم تكن فاقدة للمانع الذي هي النجاسة واجيب بوجوه:

منها: ان التعليل إنّما هو لجواز الدخول في الصلاة وأمّا بعد اليقين فالتزم بما ذكر .

ومنها: ان ذلك من جهة اقتضاء الأمر الظاهري الاجزاء ودليله نفس تلك الرواية وإن كانت الطهارة بواقعها شرطا .

ولا يخفى ما في هذين الجوابين فانّه كيف يكون لأنّك تعليلاً لجواز الدخول في الصلاة مع ظهور الرواية بخلافها مع ان فيه ما لا يخفى . ويبقى حينئذٍ

الكلام في صحيحة اخرى لزرارة

ص: 83

عدم الاعادة بلا وجه . وأجاب المحقّق النائيني رحمه الله(1) عن الاشكال وفصل في المقام وأطال الكلام الا انا نذكر ملخص ما أورده لدفع الاشكال .

قال

رحمه الله: ان الصلاة بالنسبة إلى النجاسة يمكن أن تكون مقيّدة بعدمها الواقعي بمعنى كونها مانعة بوجودها الواقعي وإن لم يعلم بها المصلّى ويمكن أن تكون الطهارة شرطا إمّا بوجودها الواقعي أو الأعم من ذلك ومن الاحراز فمن يكون ملتفتا إلى ذلك فبالنسبة إليه . الشرط . الاحراز ومن لم يكن كذلك فالشرط الوجود الواقعي اذ لو كان الاحراز مطلقا شرطاً للزم بطلان صلاة من صلّى مع الطهارة واقعا بلا التفات فيحرز ذلك وكذا لا يمكن أن تكون النجاسة بوجودها العلمي مانعة . والاحراز في ما ذكرنا والعلم تارة يكون بنحو الصفتية والموضوعيّة واخرى يتصوّر بنحو الكاشفيّة والطريقيّة . وذكر جهات القطع والعلم الاجمالي وارجعها إلى أربع . بماهي صفة . وبما هو كاشف . وبما هو يترتب عليه الأثر في مقام العمل . وبما هو منجز ( وليعلم ان مبنى الاشكال والجواب بناء على كون المنكشف بعد الصلاة هي التي ظنّ وجودها قبلها وإلاّ فان احتمل وقوعها بعد الصلاة أو في الاثناء ومن أوّل الأمر فينطبق على الصورة التي فرضها السائل بعد ذلك وأجيب بأنّه لعلّه شيء أوقع عليك ) .

والحاصل ان الاستصحاب يقوم مقام القطع بالنطر إلى جهتيه الاخيرتين

كساير الأصول بالنسبة إلى الأخيرة فله جهة احراز ويكون من الأصول المحرزة ( وتختلف عبارات الاستاذ في ذلك فتارة يجعل حظّ الاستصحاب من الأربع جهات الأخيرتين ويقدمه بذلك على باقي الأصول التي لا تكون محرزة كما يقدم

قيام الاستصحاب مقام القطع في جهتيه

ص: 84


1- . فوائد الأصول 4/344 وما بعده .

عليها الامارات لأن لها الجهة الثانية من القطع وهي كاشفيّتها واخرى يعبر عنه بالأصل المحرز وهو الكاشف الا ان يريد كشفه تعبّدا ) وأمّا الجهة التنجيزية فيشاركه فيها الأصول حتّى الاحتياط بقسميه كالشرعي في الأموال والأعراض والنفوس والعقلي في أطراف الشبهة المحصورة . فانّه يقوم مقام القطع في جهة التنجز . فلو كان الاحراز في ما نحن فيه شرطا فينطبق قوله علیه السلام في التعليل لأنّك كنت على يقين الخ غاية الأمر كان الامام علیه السلام نبّهه على ان الاستصحاب في المقام من جهة فعليّة اليقين والشكّ بالنسبة إليه حيث لم يتيقّن من الفحص بالعدم حتّى يخرج عن الاستصحاب . بل اليقين السابق على ظنّ الاصابة والشكّ اللاحق الحاصل بعد حصول الظن لا اليقين الحاصل من الفحص حتّى يكون قاعدة اليقين فانّه خلاف ظاهر الخبر . ويكون المتيقن من موارد عدم لزوم اعادة الصلاة حسب اتّفاق أخبار الباب عليه المفصل بعضها بين من فحص وغيره وكذا لو كان المانع هي النجاسة . الا انه يتوجّه على المحقّق النائيني رحمه الله انّه لو كان المانع هي النجاسة بوجودها العلمي والطهارة عن النجاسة المعلومة كانت شرطا فعند الشكّ يكون قاطعا بحصول الشرط وفقد المانع ولا واقع وراء ذلك . فحينئذٍ تعبده بالاستصحاب يكون من باب تحصيل الحاصل من ارائة الذي هو للحاصل بالوجدان بالتعبد فتأمّل .

توضيح وتبيان: قد مرّ تقسيم جهات القطع عن المحقّق النائيني قدس سره إلى أربع أوّلها بما هو صفة قائمة بنفس القاطع وفي هذه المرتبة والمرحلة لا يقوم مقامه شيء من الأمارات والأصول ويمكن أن يكون منه اليقين في ركعتي الرباعيّة الأوليين والثنائيّة كما انه يمكن أن يكون مأخوذا بعنوان الكاشفيّة

ص: 85

والاحراز وهي الجهة الثانية من جهاته وفي هذه الرتبة يقوم مقامه الامارات والأصول المحرزة ومنها الاستصحاب وهو المراد ببعض الأصول في تعبير الشيخ(1) بقيامه مقام القطع الطريقي في أوّل رسالة القطع . وحينئذٍ ففي الاوليين من الرياعيّة والثنائيّة فيما ذكرنا يحصل اليقين والعلم بهذه الجهة بالامارة كخبر العادل الواحد وكالظن فان له اماريّة وكاشفيّة والثالثة جهة التنجز أو هي الرابعة والثالثة تطبيق الصورة على الخارج وكونه القاطع وفي هذه المرتبة يقوم مقام القطع الأصول غير المحرزة بأقسامها من التنزيليّة وغيرها وحسب ترتب هذه المراتب تتقدّم الأمارات على الأصول ولو الاستصحاب ويقدم هو على باقي الأصول من حيث الرتبة الثالثة وهي كونه كالقاطع في العمل بخلاف ساير الأصول فانّ لها التنجّز لموضوعها لا غير وفي تربيع الجهات نظر من حيث عدم احراز في الاستصحاب بل له التنجز كساير الأصول وهي الرتبة الثالثة وان يعمل عمل القاطع وبينه وبينها فرق من جهة تصرّف الشارع تعبّدا في الشكّ بخلاف باقي الأصول فحكم على موضوعها بلا تصرّف . وفي رتبة التنجز يقوم كلّ شيء مقام القطع حتّى الأصل العقلي اذ لا يكون العلم الاجمالي كالتفصيلي بحيث يبيّن المعلوم انه هذا أو ذاك وإلاّ لخرج عن كونه اجمالاً بل هو قضيّة معلومة مضمومة إلى قضيّة اخرى مانعة الخلوّ إلاّ ان له المنجزيّة فلو ارتكب أحد أطرافها في المحصورة مثلاً وصادف الواقع يعاقب وكذا الأصل الشرعي من الاحتياط وغيره وبما ذكرنا ظهر وجه انحصار الأصول في الأربع عقلاً وأفاد سيّدنا الاستاذ قدس سره انه إمّا أن يتصرّف الشارع في الشكّ أم لا وحينئذٍ فاما يحكم بالترك أو بالفعل أو

ص: 86


1- . فرائد الأصول 1/6 .

بالتخيير هذا . ويمكن كون العلم مأخوذا في موضوع الحكم لمانعيّة النجاسة بنحو الكاشفيّة وكذا التنجزيّة واما الصفتية فاعترف بعدم العثور عليها وعدم مورد لها في موضوعات الأحكام وكذا يمكن أن تكون الطهارة شرطا للصلاة عن النجاسة المعلومة وينطبق التعليل على المقام بكلّ هذه الوجوه الا انه من جهة تعليل الحكم بعدم الاعادة بالمورد والاستصحاب كليهما في المقام استفاد أخذ العلم بنحو التنجز والاستصحاب دخيل في ذلك على هذا الوجه . ولو كانت النجاسة الواقعيّة بما هي غير مانعة والطهارة عنها لم تكن شرطا لكان التعليل بقوله علیه السلام لأنّك ما علمت بالنجاسة اذ حسب الفرض لا دخل لواقعها فيها لكنه يعلّل بذلك ولم يقتصر على المورد فقط بيان ذلك . ان السؤال ابتداءً في الصحيحة وقع عن النجاسة المعلومة تفصيلاً غاية الأمر عن نسيان وعقبه بسؤال ما إذا لم تكن معلومة الا اجمالاً وحيث ان العلم الاجمالي لا يؤثّر في الأطراف إلاّ التنجز . وعلى تقدير المصادفة يستحق العقاب والأطراف بعد باقية على مشكوكيّتها فالجامع بين الصورتين ما اذا علم تفصيلاً وما علم اجمالاً هو التنجز للعلم . وعليه فلابدّ أن يجتنب عن النجاسة الخبثيّة المنجزة في الصلاة في مفروض الفرضين حسب الجامع .

وأمّا ما نحن فيه فحيث لم تكن النجاسة منجزة بل ظنّ الاصابة والظنّ اذا لم يعتبره الشارع فلا يكون له حجيّة فعلّل عدم لزوم الاعادة بعد انكشاف الخلاف بأنّه كان على يقين من طهارته فلم تكن النجاسة معلومة له منجزاً لزوم الاجتناب عنها في الصلاة فلا يكون لوجودها الواقعي أثر . غاية الأمر حيث ان الشكّ بما هو شكّ لا يكون عذرا ما لم يجعله الشارع كذلك ولذا لا يمكن الاعتذار في الشبهات

امكان كون الشرط الطهارة عن النجاسة المعلومة

ص: 87

البدويّة بالشكّ في الحكم ما لم يدلّ دليل عقلي أو لم تقم حجّة شرعيّة على البرائة وخلو الذمّة عن شاغل فاحتيج إلى ما يكون عذرا للدخول في الصلاة حين الشكّ بأن يكون له احراز فاتى بالاستصحاب متمّما للعلّة حيث انّه تصرّف في الشكّ تعبّدا بأن يعمل حينئذٍ عمل المتيقن ولو اقتصر على غير المورد فقط وهو الاستصحاب لكان يكشف عنه دخل العلم بجهة الاحرازي الا انه لمكان حصول التعليل بالمورد وتحصيل الوجه بكونه موضوعا مأخوذا على المنجزيّة .

وعلى هذا فلا نحتاج إلى الجمع بين الأخبار الواردة في المقام بما أفادوا من الجمع الذي صار إليه سيّدنا الأستاذ قدس سره في بحث شهر رمضان من كون الغافل غير معتبر في حقه شيء بخلاف الملتفت فلابدّ من الاحراز وبدونه لا وجه لصحّة صلاته لو كانت في النجس . وإلاّ ففي غير صورة تحقّق قصد القربة ومن غير هذا الجمع بل من أوّل الأمر يدّعي كون النجاسة بوجودها العلمي المنجزي مانعة وأمّا وجودها الواقعي فلا سواءً في حقّ الغافل أو غيره بل الغافل لا مانع له واقعا .

وأمّا الملتفت الشاكّ فيحتاج إلى مجوز للدخول في الصلاة فرجع دعوى المحقّق في المقام إلى أمرين: أحدهما كون التعليل الصغرى اى المورد والكبرى أي الاستصحاب معا فاستنتج منه ما ذكر والآخر جمعه بين الأخبار بما سمعت وجعل الأمر الأوّل قرينة على ارادة المنجزيّة من قوله علیه السلام إن كان لا يعلم فلا يعيد في خبر(1) عبدالرحمن عمّن صلّى في عذرة انسان أو سنور أو كلب الا ان في افاده أخيرا من كون الشكّ ليس بمجرّده عذرا لا محصّل له في المقام بل هو إنّما يصحّ في الشبهات الحكميّة وأمّا فيما اذا لم يكن العلم طريقا بل أخذ على نحو

ص: 88


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .

الموضوعيّة فلا موضوع لهذا الكلام ولا محصل له فتدبر .

طور آخر من البيان: محصّل ما أفاده المحقّق النائيني قدس سره وأراده في المقام للتعليل المعلّل به عدم الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة . ان التعليل لو كان منحصرا بالاستصحاب بلا ضم المورد إليه كان هناك بدلالة الاقتضاء لحسن التعليل بالكبرى ( أي لا تنقض اليقين بالشكّ أحد شيئين . اما اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء واما كون الشرط هو احراز الطهارة أو كون الطهارة أعم من الواقعيّة والظاهريّة . وذلك لعدم حسن التعليل بالاستصحاب الا بذلك وحيث لا معين لأحد الاحتمالين يكون التعليل مجملاً لا يستفاد منه شيء بخلاف ما اذا ضمّ المورد إليه وكانا تعليلاً معا لعدم لزوم الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة الخبثيّة وذلك لرفع الاجمال عن وجه التعليل وتعينه في بيان نفي المانع التي هي النجاسة المنجزة لا بواقعها فحينئذٍ يكون تمام التعليل بالاستصحاب لكن بجهته التنجزيّة لا بما هو محرز للواقع تعبّدا بتصرّف من الشارع في الشكّ . الا ان التعليل بالمورد وهو انك كنت على يقين من طهارتك كان محتاجا إليه من جهة الشكّ . فلابدّ من رفعه للدخول في الصلاة بأصل أو بالوجدان أو امارة وحيث ان المقام مقام الأصل الموضوعي قدم على اصالة البرائة وأمثالها اذ الشكّ بما هو شكّ لا يكون عذرا كما تقدّمت إليه الاشارة ما لم يجعله الشارع كذلك . وفي الشبهات الحكميّة يكفينا الاطلاقات المقاميّة وغيرها الا ان في الشبهات الموضوعيّة كما في المقام فلم يعلم حمّاد مثلاً بأيّ نحو أوقع الامام علیه السلام الصلاة بالنسبة إليها في مثل النجاسة الخبثيّة . فلذا لابدّ من تحري ما به يدخل في الصلاة ولو كان المقام مقام استفادة ان النجاسة بواقعها لا تكون مانعة بل بما هي منجزة مع

بيان المحقّق النائيني

ص: 89

قطع النظر عن باقي أدلّة الباب ولا مضايقة في التعابير بل ما أفاد المرام متّبع اذا كان تام الدلالة على المطلوب والمدعى .

فمحصّل مرامه قدس سره إلى هنا .

ان المستفاد من المورد ومن كبرى الاستصحاب ان النجاسة بواقعها لا تكون مانعة ولا الطهارة عنها شرطا . وسيق المورد لجواز التلبّس بالصلاة حال الشكّ في النجاسة وعدمها فربما احتمل أن يكون الشارع أوجب الاحتياط والكبرى ( لتعميم التعليل ولابدّ فيها أن تكون منطبقة على المورد وعلى غيره كما هو الشأن في مطلق الكبريات فانّها ما لم تكن كلية لا تقع كبرى لصغرياتها بحيث يستنتج منها الأحكام حسب ترتب الشكل الأوّل كما هو الغالب . الا ان جهة كاشفيّة الاستصحاب واحتمالها اندفعت بضمّ المورد إليه مع دلالة الاقتضاء المقتضي لحسن التعليل لو كان بالاستصحاب وحده .

إن قلت سلّمنا ما ذكره قدس سره الا ان النجاسة المانعة لو كانت هي المنجزة المعلومة . فمجرّد الشكّ في النجاسة كافٍ في جواز الدخول في الصلاة بلا احتياج إلى الاستصحاب بل كان التعليل بعدم منجزيّة النجاسة فلم تكن بواقعها مانعة والطهارة عنها شرطا . فكان الامام علیه السلام من أوّل الأمر يقول في جوابه لم ذلك . لعدم تنجزها عليك حيث كنت شاكّا فيها .

قلت: انّ النجاسة لم تكن منعزلة كلية بحيث لا يكون لواقعها أثر أصلاً بل يستكشف من الأدلّة الدالّة على اعتبار خلو المصلّى عنها في لباسه وبدنه انّ لذلك مصلحة دخيلة في باقي ما يعتبر في الصلاة من الأجزاء والشرايط ولذا عبّرنا عن ذلك بالنجاسة المنجزة ولكن حيث كان المستفاد من ما ذكرنا عدم دخل كليا

ص: 90

لواقعها في الصلاة فاذا وقع الشكّ فيها فيمكن أن يكون الشارع أوجب الاحتياط حينئذٍ كما أوجب في الأموال والفروج والنفوس .

ولا اشكال في لزوم متابعته عند ذلك وعدم جواز الدخول في الصلاة على حال الشكّ بل لو لم يكن الا الاحتياط العقلي أيضا فخالف وصلى وانكشف وقوعها في النجاسة كان عليه الاعادة لتنجزها عليه .

ولما ذكرنا وقع في تعبير المحقّق النائيني المنجزة ولو بوجه وهو كالاحتياط العقلي . فعلى هذا لابدّ في صورة الشكّ من مجوز للدخول في الصلاة ولو كان أصل البرائة اذ كررّنا إنّ الشكّ لا يكون عذرا لاحتمال ايجاب الاحتياط من الشارع .

فاذا كان الأمر كذلك فحيث ان ما نحن فيه من الشبهة الموضوعيّة وكان له أصل موضوعي قدم على البرائة وجرى لاحراز عدم النجاسة كي يدخل في الصلاة . وعدم الاعادة بعد انكشاف الوقوع في النجاسة إنّما هو على القاعدة لعدم دخل للواقع بما هو واقع في ذلك . ولو لم يكن مقام الأصل الموضوعي كان المقام من الأصل الحكمي فاما أن يصار إلى الاحتياط أو البرائة على المبنيين في الأقل والأكثر الارتباطيين في الشكّ في المكلّف فيه .

ولو لا جريان البرائة لما جاز الدخول في الصلاة والتلبّس بها لتوقّف امتثال الاجزاء والشرايط المعلومة على ذلك وربما جرى استصحاب الاشتغال في بعض الموارد ولا ينافي ذلك كون النجاسة بوجودها التنجزي مانعة والطهارة عنها شرطا . اذ الاتيان بالباقي مربوط به للفرق بين الشكّ في اعتبار شيء في شيء وفي اشتغال الذمّة بشيء ابتداءً مع ان فيه أيضا نحتاج إلى البرائة ولا يجوز بمجرّد

لابدّ من مجوّز للدخول في الصلاة

ص: 91

الشكّ التقحم فيه . وعلى هذا فما استشكلنا عليه قدس سره من كفاية نفس الشكّ في جواز الدخول في الصلاة في ما كان النجاسة المعلومة مانعة لا يرد عليه ولا وجه له كما علمت ممّا ذكرنا في بيان مرامه قدس سره فتأمّل في أطراف ما ذكره جيدا .

فذلكة: قد تبيّن ممّا ذكرنا انه لو كان المورد والاستصحاب معا تعليلاً لعدم الاعادة فيستفاد منه انّ النجاسة المنجزة مانعة بالتقريب الذي تقدّم وقد أستظهرنا ان ذلك هو التعليل لا الاستصحاب فقط . والمورد ذكر توطئة كما قيل مثل ذلك في مضمرة زرارة(1) الأولى ولو كان الاستصحاب بنفسه تعليلاً للمورد فيستفاد أحد أمور ثلاثة على نحو الاجمال . اما ان الطهارة شرط أي الطهارة المستصحبة لا احرازها . وذلك لأنّ الاستصحاب لا اماريّة له حتّى يكون من شأنه الاحراز بل إنّما هو أصل عملي مقتضاه لزوم عمل الشاكّ عمل المتيقّن ممّن يشكّ وبعد يقينه ولا معنى للاحراز التعبّدي كما هو الدائر على الألسنة . وذلك لأن الاحراز عبارة عن الكشف وهو من شؤون الامارات فالاستصحاب بمعزل عنه بمعنى ان الشرط أعم من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة المستصحبة أو الثابتة بالأصل غير التنزيلي . أو

يفصل بين الغافل والملتفت فالاحراز شرط للثاني دون الأوّل فلا شرطيّة في حقّه أصلاً وأمّا إنّ النجاسة بوجودها التنجيزي مانعة . واما أن الأمر الظاهري مقتضى للاجزاء وذلك لأنّ التعليل بالاستصحاب في حدّ نفسه لا حسن فيه بعد ان لم تكن النجاسة بواقعها مانعة وإلاّ فالاعادة بعد كشف وقوع الصلاة فيها ليست من نقض اليقين بالشكّ بل باليقين . فدلالة الاقتضاء في المقام تقتضي تتميم التعليل بأحد الأمرين اما الاشارة إلى كفاية الاحراز يعني الاستصحاب فلا دخل للواقع . أو

ص: 92


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ( أقول كان الاحتمال الثالث وهو كون مانعيّة النجاسة بوجودها التنجزي لم يقع في كلام النائيني على هذا التقدير وهو زيادة بيان من سيّدنا الأستاذ لاستقصاء الاحتمالات .

وعلى هذا فانطباق التعليل عليه إنّما هو لبيان عدم تنجز النجاسة لا لخصوصيّة في الاستصحاب . بل الاستصحاب في المقام صار مانعا من تنجز النجاسة في الحكم . والوجهان السابقان لهما الموضوعيّة لا من باب المورديّة وحينئذٍ يرد عليه بأنّه خروج عن محلّ البحث . اذ هو مبنى على أن يكون التعليل بنفس الكبرى وفي المقام لم تقع الكبرى تعليلاً بل قوله ( لأنّك كيف على يقين الخ ) لأنّه مانع عن تنجز حكم النجاسة ولو بتبعيّة الكبرى وكونه فردا لها . وحينئذٍ

لا تكون الكبرى بنفسها تعليلاً بل يرجع إلى أنّ التعليل وقع بكليهما فيرجع إلى ما تقدّم البحث فيه . بل يمكن أن يقال بعدم كفاية التعليل بالاستصحاب نفسه في الصورتين ما لم ينضم إليه المورد . الا ان فيه انه لا احتياج إلى ضم المورد الذي وقع في كلام الامام علیه السلام بقوله ( لأنّك ) بل نفس الكبرى والتعليل واردان على المورد للسؤال وهو الشبهة الموضوعيّة ) .

إن قلت: كون النجاسة منجزة ومانعيتها على هذا التقدير تستلزم الدور وذلك لأنّ التنجّز ليس من أحكام نفس النجاسة اذ هي اما موجودة تكوينا أو لا بل ذلك من أحكام الحكم والتكليف فلابدّ أن يكون لواقعه دخل وجعل حتّى يكون تنجزه متمّما لموضوع المانعيّة في الصلاة للنجاسة . والفرض ان بالتنجز تحصل المانعيّة فالمانعيّة موقوفة على التنجز والتنجز موقوف على المانعيّة أي الحكم وإن لم يكن منجزا وهذا هو الدور .

الكبرى وحدها لا تكون تعليلاً

ص: 93

قلت: نعم إذا كان حكم النجاسة منحصرا بالمانعيّة فيلزم ما ذكرت من الدور وامّا إذا كان للنجاسة بوجودها الواقعي أحكام من حرمة الأكل والشرب والاستعمال في غير الصلاة ممّا هو مشروط بالطهارة وتنجس ملاقيها فيمكن ان يكون تنجز حكم النجاسة بالنسبة إلى هذه الأمور موجبا لحصول المانعيّة وبالجملة يكون الحكم ولو بتعبير المحقّق الخراساني ثبوت له في مرحلة الاقتضاء دون التنجز وهذا ليس من أخذ العلم بالشيء في متعلّق نفس ذلك الشيء موضوعا أو حكما حتّى يجري فيه الدور . وهذا من آثار نفس النجاسة بذاتها لا بوجودها في محل حتّى يستشكل بفرض مورد لا يكون له هذه الآثار لوجودها في ذلك المحل غير القابل للأكل والشرب وانحصار أثره بالمانعيّة للصلاة كما أوردوا ذلك على سيّدنا الأستاذ قدس سره في البحث بالعباء النجس مع ما في هذا المثال أيضا من الخدشة بعدم الانحصار لحكمه فيما ذكر . بل يمكن أن يكون موردا للاحتياط الشرعي أو العقلي بالاجتناب عنه ولو عن ملاقيه لا في الصلاة بل بالرطوبة في الأكل والشرب ( وكذا لا اشكال في تقيد الحكم بالعلم بالنجاسة بنحو انه اذا علمت بالنجاسة فلا تصل فيها الا ان ذلك بوجودها الاحرازي والطريقي وخارج عن محطّ البحث ) . وعلى هذا فلا مانع على تقدير كون التعليل نفس كبرى دليل الاستصحاب بلا ضم المورد إليه بل هو إنّما وقع توطئة لبيانها كما في مضمرة زرارة(1) الأولى من قوله علیه السلام ( والا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ) وينطبق التعليل على المورد أيضا ( أقول: ما ذكره هنا من مقايسة المقام بمضمرة زرارة الأولى لا يخفى ما فيه لأن كون والا فانه على يقين بناء على

ص: 94


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من نواقض الوضوء .

ذكره أي فانه الخ تمهيدا وتوطئة للكبرى يمنع من صيرورة الكبرى كبرى حيث ان اللام يكون ظاهرا في العهديّة ولا صغرى لهذه الكبرى . بل يقع جوابا لقوله إلاّ وقد مرّ تزييفه في محلّه بعدم معهوديّة ربط الجزاء بالشرط بالواو بل بمطلق حرف العطف الا ان انطباقه على المورد بتتميم ذلك بضم اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء حيث لا يصحّ ولو بدلالة الاقتضاء فلابدّ من الحمل على اشتراط الطهارة الظاهريّة أو على عدم تنجز النجاسة .

ولكنّه على هذا يقع الاشكال بكفاية الشكّ في جواز الدخول في الصلاة بلا احتياج إلى الاستصحاب على التقدير الثاني وبجريان البرائة على الأوّل . والأوّل مدفوع بعدم اجتماع شرايط البرائة في المقام وإن كانت الشبهة موضوعيّة موردا لجريانها الا انه لمكان الأصل الموضوعي اختلّت أركانه الأربعة من كون المجرى مجعولاً مجهولاً وفي رفعه منّة وعدم جريان الأصل الموضوعي فيه وهو في المقام الاستصحاب والثاني بما وقع في كلام المحقّق النائيني في تذييله الأبحاث المتقدّمة في مقام الجمع بين الأخبار الدالّة على اشتراط الطهارة ودلالة بعضها على عدم الاعادة عند تبين وقوع الصلاة في النجاسة بأحد وجوه ثلاثة امتنها عنده القناعة في مقام الامتثال بكون الأمر الظاهري في كلّ مقام واجدا لمصلحة الواقع بتمامها غاية الأمر يكون في طول الواقع بدلاً تخييريّا بهذا النحو لا عرضيا كالتخيير بين القصر والاتمام في اماكنه وطبّق كلام الأصحاب عليه .

والوجهان الآخران غير خاليين عن المناقشة عنده وهما كون النجاسة بوجودها العلمي مانعة فاذا لم يعلم بها فلا مانعيّة أصلاً وكون الشرط هو الأعم من الواقع والوجود العلمي للطهارة .

اشكال كفاية الشك في جواز الدخول في الصلاة

ص: 95

الا ان ما ذكره في التذييل مناقض لما ذكره في هذه الأبحاث كما سنبين وعلى تقدير صحّته فلابدّ من اجرائه في كلّ مقام من مقامات الأوامر الظاهريّة .

الا ان الأمر الظاهري لا أصل له بل لو كان مخالفا للواقع فيلزم اجتماع المتضادين أو موافقا فليس شيئا زائدا وبهذا ابطلنا دلالة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء وهو رحمه اللّه ادّعى دلالة الدليل ذلك في المقام وتسليمه القبول بكلّ ما ورد من أمثال المقام .

اشارة: تخيل المحقّق النائيني قدس سره قيام خبر(1) الجارية معارضا لبعض روايات الباب الا انه من أول الأمر ليس له نهضة في قبالها لاشتمالها على بعض ما يمنع من ذلك ولا بأس بذكرها .

روى ميسر قال قلت لأبي عبداللّه علیه السلام آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فاصلّي فيه فاذا هو يابس قال علیه السلام: أعد صلاتك . اما انك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء .

وذلك لتنجز النجاسة له في فرض الرواية وعلمه بعدم مبالغة الجارية في غسلها . وعمدة النظر حينئذٍ إلى ما ذكره قدس سره في وجه الجمع بين الروايات وطبّق عليه كلمات الأصحاب في المسئلة الفقهيّة في الطهارة وكيفيّة دخلها في الصلاة تذليلاً للبحث . فانه لو كان للنجاسة بوجودها الواقعي دخل ويتحقق لها المانعيّة بهذه المثابة فيلزم بطلان صلاة من احرز الطهارة عنها وهو خلاف عليه المشهور على الظاهر من الأصحاب ( وكذا لو كان بوجودها التنجيزي شرطا أو مانعا فيلزم عدم المانعيّة واقعا فيما إذا شكّ في وجودها . الا انا وجّهنا ذلك حسب ما أفاده في

ص: 96


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 18/1 من أبواب النجاسات .

التعليل الظاهر في كونه المورد والاستصحاب في ما ذكرنا سابقا الذي يناقض ظاهرا ما ذكره هنا كما يظهر ذلك حيث ان هناك جعل النجاسة مانعة بوجودها التنجيزي وهنا قال بالقناعة ومانعيّة النجاسة الواقعيّة وكون قيام مجوز للصلاة فيها

بأصل بدلاً عن احراز عدمها أو الطهارة عنها واختلطت الكلمات بعضها ببعض ولا تثريب على المقرّر ) .

وكذا إذا كان الشرط هي الأعم من الطهارة الواقعيّة أو الاحرازيّة أي المستصحبة فانّه لا يخلو عن ضعف الا ان اسلم الوجوه الثلاثة التي بها جمع الأصحاب بين روايات الباب هو كون النجاسة بوجودها الواقعي مانعة لازما عنها الطهارة الا ان المولى يقنع في مقام الامتثال لقيام الدليل . وهذا بحث كلي جاري في كلّ مقام كان له المشابهة بما نحن فيه كباب اعتبار عدم وقوع الصلاة في ما لا يؤكل لحمه . وضابط ما ذكرنا هو أن يأتي المكلّف بالعمل العبادي بعنوان الامتثال وقصد الأمر لا الرجاء فانّ له بابا آخر لسنا فعلاً بصدده . الا ان ذلك ليس مطلقا وعلى كلّ حال بل في ما قام الدليل على الاجتزاء به من المولى وامكانه لا ريب فيه . غاية الأمر نتوقف في القول به على مورد الدليل . ولذا نقول في باب النسيان بلزوم الاعادة وان قصد الأمر وأتى بعنوان الامتثال لعدم الاجتزاء بما أتى به مع النجاسة المعلومة سابقا بخلاف المقام لورود(1) الروايات بالاجتزاء وعدم الاعادة في الغافل الذي يتمشى منه قصد الأمر . لا بعنوان التشريع والمحرز لعدم النجاسة والطهارة عنها ولو بالأصل استصحابا كان أم غيره ولا نقول باجزاء الأمر

اسلم الوجوه في الجمع بين الروايات

ص: 97


1- . لعلّ نظره قدس سره إلى رواية عبدالرحمن في من صلّى مع عذرة انسان أو سنور أو كلب . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .

الظاهري بل لاشتمال هذا العمل الذي أتى به على هذا النحو على تمام مصلحة المأمور به الواقعي بحيث لم يبق حتّى ما به يستحب اعادته في صورة كشف الخلاف .

ولا نقيّد الروايات بعضها ببعض بل نبقيها على اطلاقها كما هو ظاهرها ونجمع بينها بهذا الوجه وهذا أي القناعة في مقام الامتثال لا تختصّ بالمقام بل تجري هذا في صورة قاعدة الفراغ مع علم المولى بعدم اتيان المكلّف أيضا وكذا قاعدة التجاوز وما شابهها .

فالمتحصّل هو دخل النجاسة بوجودها الواقعي ولها المانعيّة لا بوجودها العلمي . غاية الأمر اذا أتى بالعمل معها في حال الغفلة عن أصلها أو في صورة الشكّ مع مجوز الدخول في العمل ولو بأصل عملي كما أشرنا إلى ذلك سابقا يكون واجدا لتمام المصلحة في المأمور به الواقعي . وهذا أي القناعة في مقام الامتثال كان رحمه اللّه يكرّرها في دورات بحثه كالدورة الأولى والثانية والثالثة التي كتبت

التقريرات فيها .

وعلى أيّ حال فعلى ما ذكرنا يتوجه عليه الاشكال كما أورده على نفسه .

بأن قلت . يلزمك على ما ذكرت كون المكلّف مخيّرا في الاتيان بأيّ الفردين من الواجد للشرط والفاقد له بقصد الامتثال لكون الثاني أيضا واجدا لتمام مصلحة الأوّل .

قلت: الاشكال في امكان اجتزاء المولى بما يكون بقصد امتثال الواجد للشرط الفاقد للمانع حسب ما جعله ولنا الشاهد على ذلك باب القصر والاتمام في المواطن الأربعة . فانّ المكلّف مخيّر بينهما من أوّل الأمر فيستكشف من هذا

ص: 98

ان المصلحة قائمة بكليهما ولا يكون هذا التخيير في حرم أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه مع انّه لا مكان أشرف منه ( لعلّه ممنوع بل بلا لعلّ ) الا ان بين الصورتين

فرقا فانّ المكلّف في مسئلة القصر والاتمام من أوّل الأمر مخيّر في الاتيان بأيّ نحو من الكيفيتين شاء ولهما العرضيّة تحت الأمر كما انه نتيجة جميع الروايات(1) المجموعة بعضها مع بعض الواردة في صلاة المسافر الواجب عليه القصر مع اجتماع الشرايط الا في هذه المواطن فيتخيّر . وفي مقامنا الأمر ليس كذلك بل الأمر بالبدلي أي القناعي يكون في طول الأوّل .

وبعبارة اخرى يكون من الانقسامات المتأخّرة عن الأمر الممتنع أخذه في متعلّق الأمر وأفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره بيانا في تصوير ذلك ما ارتضيناه واستشكلنا عليه .

وأجاب بأنّه لما كان المدعى ترتب أحد الخطابين على الآخر أي الطوليّة بينهما يعني بين الخطاب الواقعي الاولى بكونه طاهرا أو مصليا في غير النجاسة والخطاب الآخر أي اجتزاء الشارع بما أتى به امتثالاً للخطاب الأول ولو اعتقادا بأن يكون هذا الثاني بدلاً عن المأمور به الواقعي بحيث يكون وافيا بمصلحته اما بجلّها أو كلّها فلا يبقى ما به يستحب اعادته لعدم امكان كون الخطاب بلا ملاك وعن غير صفة كما في تعبير الشيخ الطوسي قدس سره ولا يكون في عرض الواقع فيكون المكلّف مخيّرا من ابتداء الأمر على تصوير التخيير بنحويه العقلي والشرعي ودفع الاشكال الوارد على الثاني على بعض المباني . فكلّ قد اختار مذهبا كما ذهب النائيني إلى مذهب والخراساني رحمهم الله إلى آخر وصار سيّدنا الأستاذ قدس سره إلى ثالث

أمر القناعي في طول الأمر الأوّل

ص: 99


1- . وسائل الشيعة 8 أبواب صلاة المسافر والباب 25 .

ولمّا كان عمدة الكلام في تصوير هذه الطوليّة تصدى سيّدنا الأستاذ شرحا لمرام شيخه المحقّق النائيني رحمهم الله إلى تمهيد مقدّمة في كيفيّة تصوير الاطلاق والتقييد دخيلة في ما نحن فيه .

وهي انّه لا ريب في ان موضوع كلّ خطاب بحسب لب الواقع ونفس الأمر

بالنسبة إلى الزمان والزماني من الجواهر والاعراض بأنواعها وأقسامها من الحالات والاطوار والصفات وغير ذلك من الأمور أي بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني . إمّا أن يكون مربوطا بأن يكون لزمان خاص أو زماني خاص دخل في متعلّق الخطاب وموضوعه أم لا والدخل إمّا وجودي فيكون لوجود وقت خاص أو زماني خاص بأن يأتي به على كيفيّة خاصّة وفي وقت خاص عند تحقّق أمر مثلاً في متعلّقه وموضوعه هذا الدخل أو عدمي كذلك فالأقسام ثلاثة بحسب الواقع ونفس الأمر ولا رابع لها سواء كان في التكليفيّات أو الوضعيّات . فتارة يكون للاختيار دخل فلا يترتّب الأمر على غيره كما في الايقاعات مثلاً فيشترط فيها القصد الاختياري . وتارة لا دخل لوجوده ولا لعدمه كما في باب الضمانات ولا رابع لهذه الأقسام . اذ يستحيل غير هذا الا أن يكون مهملاً والكلام ليس في هذا بل حسب الواقع . ولذا يمكن أن يكون للحكم اطلاق من جهة وتقييد من اخرى فذلك يلاحظ بالنسبة إلى كلّ شيء وعدمه أي نقيضه فاذا خصّص العامّ بالنسبة إلى بعض الأفراد فيكون حجّة في الباقي ( لأنّ الاطلاق عبارة عن عدم دخل شيء في المتعلّق وعدم تقيّده به أي سواء كان كذلك أم لا فتقييده بالنسبة إلى سواء لا يوجب تقيده بالباقي ) فالتقييد عبارة عن هذا الدخل بنحويه وجودا أو عدما بالنسبة إلى الزمان والزماني والاطلاق عبارة عن عدم هذا التقييد . بأن

ص: 100

يكون شيء صالحا لأن يقيد به موضوع الحكم وله الدخل في الحكم فالحكم بالنسبة إليه مقيّد بوجوده أو عدمه والا فمطلق .

فالمطلق هو الذي لم يقيد في ما يمكن التقييد . هذا بالنسبة إلى ما يمكن أن يتصوّر بالنسبة إلى الحكم قبله المصطلح عليه حسب اصطلاحنا بالانقسامات الأوليّة التي تكون رتبتها قبل الخطاب وكذا بالنسبة إلى ما يكون متأخّرا عن الخطاب بحيث لا يمكن لحاظها قبل الخطاب المصطلح عليه بالانقسامات المتأخّرة عنه من كون امتثاله منوطا بقصد الأمر والقربة كما في العباديّات بحيث ان ذلك ركنه الثاني والركن الأوّل قصد الفعل والعمل بعنوانه وقصد العنوان وقصد الوجه عند من يعتبره . فان ذلك كلّها من قبيل الثاني ولا يمكن لحاظها قبل الخطاب والأمر بحيث تكون دخيلة في موضوعه كما ان العلم والجهل بأصل الخطاب أيضا كذلك .

أمّا بالنسبة إلى المتعلّق لشيء آخر فلا اشكال فيه وذلك لاستحالة كون العلم بالخطاب مأخوذا في متعلّق نفسه للزم الدور المحال . وذلك في عالم الخطاب فلا يمكن تقييد الخطاب بالعالم بالحكم أو بالجاهل غير العالم أو الأعم لاستحالة الاطلاق بعين استحالة التقييد بناءً على مبنى من يقول ان تقابلهما تقابل العدم والملكة لا الايجاب والسلب ولا التضاد . وقد دللنا في محلّه عدم صحّته إلاّ بهذا النحو أي العدم والملكة لأنّ التقييد بذلك يوجب ما أشرنا إليه من لزوم الدور فلا يتحقّق إلى الأبد مصداق لهذا الموضوع المقيّد حكمه بالعالم أو بغير العالم أو الأعم لما في العلم من استلزام كون معلوم فلا يمكن علم بلا معلوم وقبل تحقّقه .

( أقول: كأنّه غفلة عمّا ورد من ان اللّه تعالى عالم بالأشياء قبل كونها وخلقها

لا يمكن لحاظ الانقسامات المتأخّرة في الخطاب

ص: 101

كما انّه تعالى عالم بها بعد خلقها وعليه اتفاق الاماميّة على الظاهر إلاّ ما قد ينسب إلى بعضهم وفي النسبة تأمّل بل كأنّه افتراء أو جهل بوجهه ) فاذا القى هذا الخطاب إلى المكلّفين فلا يراه أحد متوجها إلى نفسه اذ كيف يمكن أن يكون خطاب اذا علمت بوجوب الصلاة فهي واجبة عليك أو اذا لم تكن عالما بها فتجب عليك وكذا في جانب الأعم .

ولذا لابدّ للمولى من بيان مراده الواقعي الذي لا يمكن الاهمال فيه بل اما أن يكون للعالمين أو لغيرهم أو للأعم من خطاب آخر يفسر مراده من الخطاب الأوّل بملاكه يسميه المحقّق النائيني رحمه الله متمّم الخطاب .

ويكون حاصل هذا الخطاب تارة نتيجة التقييد واخرى نتيجة الاطلاق وذلك لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه وتقدّمه عليه وإلاّ لزم الخلف والمناقضة بل نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة المعلول إلى علّته . فكما انه لا يكون فصل زماني بين العلّة والمعلول في التكوينيّات فكذا في الحكم إنّما هو الرتبة فرتبة العلّة متقدّمة على المعلول وهي مقدّمة عليه بالرتبة فكذا الحكم بذينك البرهانين اللذين يوجبان استحالة الواجب التعليقي وعدم امكانه بوجه .

هذا في الخطاب وأمّا في لبّ الواقع ونفس الأمر فيلاحظ المولى قيام المصلحة في المتعلّق إمّا بالعالمين أو بغيرهم أو الأعم لعدم الاهمال هناك غاية الأمر على نحو القضيّة الحقيقيّة التي يتصوّر قيام المصلحة فيها بالذين يكونون علماء بالحكم أو الأعم منهم ومن الجهال لاستواء غير العالمين معهم في كون الخطاب بالنسبة إليهم فعليّا . الا انه لا يستقيم ما ذهب إليه النائيني فلابدّ من التزام

مبنى الشيخ والمحقّق الخراساني رحمهم الله من كون الحكم بالعلم بوجوده الانشائي

ص: 102

موضوعا للخطاب الفعلي .

( أقول قد اعترف حسب تقرير كلام النائيني رحمه الله بعدم الاهمال في لبّ الواقع فانّه إمّا أن يكون مقيّدا بالعالمين أو بالجاهلين ( أي غير العالمين ) أو الأعم وهذا

يسري في كلّ ما كان سبيله سبيل ما ذكر من كون تقيد الحكم أو الامتثال به في الانقسامات اللاحقة والزم النائيني بأن يلتزم مبنى الشيخ والآخوند كما ذكرنا وللكلام والنظر في ذلك مجال واسع بل صرّح نفسه بامكان ما ذهب إليه استاذه المحقّق النائيني من تصور قيام المصلحة بحصوص العالمين وذلك بأن يكونوا بذواتهم أو بعنوان العلم الطارى عليهم بعد ذلك . الا انه لما لم يمكن هذا التقييد في

موضوع الحكم مع كونه مرادا في الواقع فلذا تمّمه بما يبين المراد من الخطاب الأول غير القابل للاطلاق والتقييد بما يطرء عليه من العلم والجهل وغيرهما وليس هذا الا ما ذكره بعض المحقّقين قدس سره المعبّر عنه بالحصّة الملازمة وذلك كما بيّن بأن يكون المصلحة قائمة بخصوص العالمين بالأحكام ويمكن ملاحظة ذلك بذواتهم أو بعنوان ملازم للعلم ولو بألف قيد في الكل أو على اختلاف أقسام العالمين وأصنافهم ويكون القيد منوعا ولا اشكال في ذلك بالغاء خصوص جهة العلم على نحو التقييد فالعالم موضوع للحكم بذاته لا بما هو عالم وهذا قبول لهذا المبنى من حيث لا يشعرون فتدبّر جيّدا والحمد للّه على كلّ حال ) .

نتيجة التحقيق: قد تبين ممّا ذكرنا عدم امكان تقدّم العلم بشيء قبل كونه وان يعلم بالحكم قبل جعله ( وليعلم ان هذا في الاشياء التي يكون وجودها بالانشاء وإن كان كلّها كذلك والمراد بالعلم بها العلم بها بما هي موجودة لا بماهياتها وان كان قد استشكلنا على سيّدنا الأستاذ قدس سره لاطلاق كلامه المانع من

حلّ الاشكال بقبول الحصّة الملازمة

ص: 103

تحقّق ذلك الموجب لعدم صحّة العلم بقيام زيد لمن تحقّقت عنده مقدّمات ذلك من طريق كاشف . والاشكال أظهر في الباري تعالى قبل خلقه الأشياء كما أشرنا إليه الا أن يقال هنا كما قيل عن جماعة من أهل الفلسفة أو التفلسف والكلام بكون الذات للمعدومات وليس المقام مجال البحث في ذلك ) لأن رتبة العلم بشيء بما هو موجود أو معدوم بعده ويكون من الانقسامات اللاحقة للخطاب لاستحالة أخذ العلم بالحكم في موضوعه ومتعلّقه بخلاف حكم آخر .

الا انه لو أتى بالمأمور به الفاقد لقيد معتبر فيه بقصد أمره المتأخّر عن الخطاب فيمكن أن يكون فيه المصلحة الموجبة لاستيفاء ملاك الأمر الواقعي . واذا كان كذلك فلا يبقى الأمر الأوّل الواقعي بعد ذلك ضرورة انتفاء الحكم بانتفاء ملاكه . ولا يلزم من ذلك كون المقام من باب التخيير بين الأقلّ والأكثر والقصر والاتمام في مواضع التخيير لأن في ذلك المقام التخيير عرضي فالمولى من أوّل الأمر يجعل المكلّف بالخيار بين الفردين الذين يكون مصلحتهما سواء وما نحن فيه الاجتزاء بالمأمور به بقصد امتثال الأمر وإن لم يكن في الواقع منطبقا عليه الأمر الواقعي . الا ان فيه مصلحة المأمور به الواقعي وحيث ان رتبة العلم والجهل متأخّرة عن رتبة ذات الشيء فالبدليّة لهذا المأتي به عن المأمور به الواقعي في طول الواقع كما في كلّ ما يكون الشيء بدلاً عن آخر على أنحائه وأقسامه . فاذا أمكن ذلك فنتوقّف في مقام الاثبات على قيام الدليل ولنا ظاهر الأدلّة الواردة(1) في عدم اعادة من صلّى غافلاً أو باعتقاد الطهارة عن النجاسة أو عدم النجاسة ولو

ص: 104


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 20 - 21 - 40 - 44/2 - 1 - 2 - 3 - 5 - 7 - 10 - 2 من أبواب النجاسات .

بأصل تنزيلي أو غيره في ما اذا انكشف الخلاف على نحوي الفرض من كون الطهارة شرطا أو النجاسة مانعا ولا نقول بذلك في الناسي لورود الدليل الخاص بالاعادة(1) كما هو مبنى النائيني قدس سره ولا علينا لو لم نعلم السر في عدم الاجزاء في صورة النسيان واجتزائه في غيره .

اذ بعد فرض صدق النبيّ صلی الله علیه و آله ووسائط الخلق إلى اللّه وسفرائه وخلفاء رسوله عليهم السلام فلابدّ من تصديق كلّ ما جاءوا به وإن لم نعلم سرّه وفلسفته لعدم طوقنا تحمل فلسفة الأحكام إلاّ القليل في بعض الموارد وهم ما ضايقوا عن بيان ذلك فمع كون حضرة العلويّة المشرّفة على ساكنها آلاف السلام وأشرف البقاع بعد بقعة النبي صلی الله علیه و آله فمع ذلك لا يكون للمكلّف التخيير بين القصر والاتمام إذا كان مسافرا مع ما ورد(2) في الصلاة فيها من كثير الثواب والفضل بالنسبة إلى مسجد النبي صلی الله علیه و آله والكوفة وغير ذلك . ويكون التخيير مجعولاً بالنسبة إلى مسجد الكوفة والحائر الحسيني وإن كان للحائر مختصّات اخرى فان بابه أوسع وسفينته أسرع صلوات اللّه عليهم . وكذا لا غرو في كلّ مورد كان حسب ظاهر الأدلّة لشيء اشتراط واقعي ودخل كذلك وجودا أو عدما ومع ذلك ورد الدليل الثانوي بالاجتزاء بما هو فاقد له كالصلاة(3) في ما اعتقد انّه ماكول فبان عدمه بخلاف الميتة مثلاً الا ان في بعض الموارد يمكن أن يكون التكليف حسب الجمع بين الأدلّة تقييديا كما في موارد عدم استثناء لا تعاد(4) الصلاة الا من خمسة ففي

مقتضى الجمع بين الأدلّة

ص: 105


1- . الوسائل 3 الباب 40/7 - 42/2 - 4 - 5 - 6 من أبواب النجاسات .
2- . الوسائل 14 الباب 23 من أبواب المزار .
3- . الظاهر ان دليله حديث لا تعاد .
4- . الوسائل 6/7 الباب 10/5 و1/4 من أبواب الركوع ومن قواطع الصلاة .

الخمسة تجب الاعادة لركنيتها الموجبة لجزئيّتها بالاعادة بخلاف غيرها فلا يكون بهذه المثابة .

وهذا نظير المقام وإن لم يكن منه وكذا في موارد قاعدتي الفراغ والتجاوز وما شابههما من غيرهما ففي نحو لا تعاد لحكومته على أدلّة الاجزاء والشرايط تكون النتيجة هي التقييد بحال الالتفات والعمد في غير الخمسة . فلو لم يأت بها نسيانا فلا بأس بخلاف الخمسة ولو عمّمنا لا تعاد بحال الترك عن جهل فيوجب التقييد بذلك الا ان تقييد الأحكام بالعالمين يوجب التصويب المجمع على بطلانه الذي يقول به المعتزلي لا التصويب الذي يقول به الأشعري فانه محال .

ووردت على الأوّل روايات(1) مستفيضة بل متواترة مقتضاها استواء

الجاهل بالحكم مع العالم به في كونهما مرادين به وعلى كلّ حال فحيث ان لا تعاد وما مثله من الأدلّة الحاكمة على الأدلّة الأوليّة متكفّلة لحال الأدلّة الأوليّة فحكمها

حكم القرينة فكما ان القرينة المبيّنة لحال ذي القرينة حاكمة عليه وهو متكفّل لبيان العرض والمحل وتلك للكيفيّة كما في جاء زيد راكبا فلا تلاحظ النسبة بينهما بل تقدّم عليه وينتج ما ذكرنا . ولا يكون ما نحن فيه من ذاك القبيل لاتفاق الأصحاب ظاهرا على اعتبار احراز الطهارة بوجه للملتفت . وهذا الاتفاق مع روايات الباب الظاهرة بعضها في دخل الطهارة بوجودها الواقعي يوجب الجمع بينهما .

وما ورد من الاكتفاء بما اذا انكشف الخلاف بما ذكرنا فلا تنطبق هي إلاّ على ذلك وهذا هو الأمتن والأسلم عن الاشكال ولو كان للطهارة شرطيّة في

ص: 106


1- . الوسائل 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

ظرف العلم بالنجاسة فلا وجه لاعتبار احراز الطهارة عند الدخول في الصلاة بل نفس الشكّ يكفي في احراز عدم اعتبارها فيها . وكذا كون الشرط أعم من الظاهريّة والواقعيّة مع ان الغافل لا احراز له ولا اشكال في صحّة صلاته حسب منطوق رواية عبدالرحمن(1) ( ان كان لا يعلم فلا يعيد ) وروايات اخر(2) ظاهرة أو مصرحة بدخل الطهارة أو مانعيّة النجاسة بوجودها الواقعي الذي يكون قد سلب الماهيّة عن فاقدها الموجب للشرطيّة أو الجزئيّة في قبال سلب الشيء عن الماهيّة الظاهر في المانعيّة . فلو كان المقام تقييديا لما كان لما ذكر وجه اذ لا يمكن

التخيير بين فردين أو طبيعتين يكون العلم بأحدهما بأمره موضوعا للأمر بالآخر ولا يرد على ما ذكرنا ان ذلك ينتج نتيجة التخيير العملي بالاخرة فالمكلّف بالخيار في الامتثال مع واقع الشرط أو القيد أو بقصد امتثال المأمور به المعتبر فيه ذلك .

وذلك لعدم زيادة دعوى النائيني على طوليّة الأمرين والنحوين في مقام الجعل والمصلحة .

وأمّا بالنسبة إلى مقام الامتثال فالأمر كما ذكر ولا يكون أيضا مقامنا من اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء للفرق بينه وبين المقام بما لا يخفى عند التدبّر فتدبّر .

أقول أراد بعض أصحاب البحث تصوير العرضيّة بين النحوين بأن يقول المولى صلّ مع الطهارة أو مع اعتقادها وبعبارة أوضح ائت بالاجزاء الصلاتيّة مع الطهارة أو ائت بها اذا اعتقدت بالطهارة .

ص: 107


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 40 - 41/2 - 9 - 3 - 4 .

ولا يخفى ما في هذا الفرض وان سلم عن اشكال ترتب الأمرين ولكن وجه ثالث للمقام أو يكون توسعة للثاني وهو أو قام لك الحجة على كونك طاهرا وهو عبارة اخرى عن اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء أو كون الشرط احراز الطهارة الآبي الاخبار عن حملها على هذا الوجه حسب ما ادّعى النائيني(1) وان كنّا قد أوردنا على سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن مختار النائيني بعينه اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء غاية الأمر هو يقول عند قيام الدليل الخاص كما في المقام ولم يجب الا بما أشرنا إليه .

خلاصة الكلام: قد تبيّن ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره (2) في تذييله بحثه

من الجمع بين الأخبار وان الأسلم والامتن عنده هو ما بينه من كون الاتيان بقصد امتثال الواقع مجزيا عنه ومسقطا له بحيث يستوفي ملاكه فلا يبقى ما به يكون واجبا بعده ولكن حسب ما يرشد إليه ظاهر الأدلّة بعد جمع مضامينها ومعلوميّة عدم امكان أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه ( للزوم تقدم الشيء على نفسه وعدم استحالة أخذه في موضوع حكم آخر فيكون هذا في طول الواقع ولا اشكال في ذلك بعد ورود الدليل ضرورة ادليّة الوقوع من غيره على الامكان ولذلك نظائر في موارد اخر كالتخيير بين القصر والاتمام في مواطنه . غاية الأمر فرق بينها وبين المقام من عدم قيام المصلحة بما يأتي امتثالاً على نحو يوجب كونه في عرض الواقع بخلاف ذلك المقام لقيام المصلحة بالجامع أو بكل واحد منهما في موارد التخيير . الا ان هذا الذي ذيل به البحث ينافي ما تقدّم منه سابقا

اشكال مختار المحقّق النائيني

ص: 108


1- . فوائد الأصول 4/344 وبعده .
2- . فوائد الأصول 4/354 وما بعده .

في الكلام عن المسئلة الأصوليّة عند دفع الاشكال الوارد على عدم كون الاعادة بعد انكشاف الخلاف من النقض بالشكّ .

فاختار هناك ان النجاسة بوجودها التنجزي مانعة بمعنى ان العلم بالحكم التكليفي بالنجاسة كوجوب الاجتناب عنها يكون موضوعا للمانعيّة أي الحكم الوضعي والا فالحكم بالمانعيّة لا يمكن أن يكون موضوعا لنفسه لما ذكرنا . ولا فرق في ذلك بين الامارة التي يكون كشفها ذاتيا كالعلم أو الامارة التعبديّة أو أصل تنزيلي ( احرازي ) أو غيره لحصول التنجز بكلّ هذه حسب ما مرّ عليك مفصّلاً .

ولا يخفى رجوع ذلك إلى التقييد وعدم دخل النجاسة بوجودها الواقعي بخلاف ما بيّنه في المسئلة الفقهيّة إلاّ ان ذلك لعله عدول عن مختاره في المسئلة الاصوليّة أو غفلة منه قدس سره أو من المقرّرين . وأيّا ما كان فهذا الذي جعله أسلم الوجوه في المسئلة الاصوليّة مذهب حسن ينبغي البناء عليه لدفع عويصات في مقامات كثيرة .

منها في موارد قاعدة الفراغ والتجاوز فانه مع طلبه المأمور به المشكوك اتيانه كيف يمكن أن يحكم بالمضي عليه خصوصا مع امكان الرجوع أو اعادة أصل العمل وعدم اكتفائه بما أتى به خاليا عن بعض الاجزاء والشرايط في ما إذا انكشف الخلاف كموارد الاستثناء عن دليل لا تعاد(1) الموجب لتقييد الواقع وبعد امكان اشتمال المأتيّ به الفاقد لجزء أو شرط مستثنى عن المستثنى منه في دليل لا تعاد على مصلحة المأمور به الواقعي الواجد له وقيام الدليل عليه شرعا فلا وجه

ص: 109


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

للتوقّف من المصير إليه . وإلاّ فكيف يمكن أن يقال بالقناعة في مقام الامتثال بالامتثال الاحتمالي مع حكم العقل بلزوم الامتثال علميّا وتقدّمه على الظنّي وتقدّمه على الاحتمالي ( الا أن يكون رجع المولى عن أمره وطلبه وبالنسبة إلى هذا الشخص الناسي مثلاً أو معتقد الخلاف لا امر له . وهذا بظاهره لا يمكن الالتزام به للزوم المحذور ) لكن قد مضى في بحث ليالي شهر رمضان ان لا حاجة لنا إلى ما اختاره في المقام للجمع بين أخبار الباب في المسئلة الفقهيّة المرتبطة بالأصوليّة بعدم شرطيّة الطهارة بالنسبة إلى الغافل غير الملتفت أصلاً واشتراطها في حقّ الملتفت أعم من الواقع والمستصحبة لدفع تهافت الأخبار بما ذكرنا . فيكون جمعا موضوعيّا رافعا للنزاع من البين .

أمّا الناسي فقد اختار المحقّق النائيني لزوم الاعادة عليه وذلك لورود الأخبار(1) في ذلك ولعلّه لا بأس به في الوقت وأمّا خارجه فلا اعادة وعلى ما اخترناه فلا وجه للقول بمانعيّة النجاسة بوجودها التنجزي بل يشترط الطهارة على الملتفت سواء كان جاهلاً مركبا أم لا ويكتفي بذلك بمعنى كونها أعم من الواقعيّة أو الحاصلة بالاستصحاب حسب ورود الدليل وعدم التعدّي عن مورده إلى ما كان بأصل الطهارة فلو دخل في الصلاة بأصل غير الاستصحاب وانكشف الخلاف فعليه الاعادة لاختصاص دليل الاكتفاء بغير الطهارة الواقعيّة للملتفت بالاستصحاب أي ما استصحبت من الطهارة .

ورواية الجارية(2) لا تنافي ما ذكرنا للعلم بالنجاسة له حسب منطوقها .

اشكال مختار المحقّق النائيني

ص: 110


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 42/1 - 2 - 4 - 5 - 6 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 18/1 من أبواب النجاسات .

فعلى كلّ تقدير حصلت له المانعيّة ولم يوجب غسل الجارية للثوب سقوط العلم بالنجاسة عن منعه الاعادة لفرض انها لم تبالغ في غسله . هذا .

وممّا ذكرنا من تقريب مرام المحقّق النائيني في المقام ظهر ما أفاده في الكفاية(1) في دفع اشكال الرواية وان لم يزد على احتمال دلالتها على اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء وكون الشرط أعم من الواقع والطهارة المستصحبة شيئا . وجعل نفس الاستصحاب في المقام كاشفا اِنا عن أحد الأمرين . الا انك قد عرفت ان المحقّق النائيني لم يقتصر على هذا بل جعل الاحتمالات ثلاثا والثالث كون النجاسة بوجودها التنجزي مانعة باستظهار كون التعليل مركبا من المورد وكبرى الاستصحاب وأورد صاحب الكفاية(2) على نفسه ايرادين: أوّلهما ما ذكرنا من الاشكال المعروف في هذه الرواية وأجاب بما تقدّم . والثاني: عدم ترتّب أثر على جريان الاستصحاب في المقام مع انه لا اشكال في اعتبار جريانه من الأثر الشرعي لو كان موضوعا . وإلاّ فنفس المستصحب يكون هو الأثر وكلا الأمرين مفقودان في المقام . فانه وان جرى الاستصحاب واحرز الشرط الأعم من المستصحب وواقع الطهارة الا ان الجريان موقوف على كون الواقع ذا أثر وفي الفرض لا أثر للواقع بعد كون الشرط أعم وعدم لزوم وقوع الصلاة للملتفت في الطاهر الواقعي .

وأجاب عن الاشكال الثاني بما يوافق مبناه من الاكتفاء في الأثر على الأثر الاقتضائي فانّ النجاسة وإن لم تكن محرزة حسب الفرض ولكنّها لا تكون

ص: 111


1- . كفاية الأصول 2/290 - 292 - 293 .
2- . كفاية الأصول 2/292 - 293 .

منعزلة بالمرّة بعد اقتضائها لصيرورتها مانعة عند العلم بها أو موجبة لعدم حصول الشرط وهي الطهارة . فاستصحاب الطهارة التي هي ملازمة لعدم النجاسة وترتيب آثار المعدوم الواقعي على مشكوكها جاري لذلك دافعا عن اقتضاء النجاسة المشكوكة في هذا الحال مانعة أو موجبة لعدم حصول الطهارة التي هي شرط بأحد نحوى وجوديها . ولكن ذلك لا يستقيم على مذهب النائيني لعدم تصوّره الحكم في مرحلته الاقتضائي أو الفعلي غير المنجز الذي هو أحد قسمي الفعلي حسب ما اختاره صاحب الكفاية(1) أخيرا وعنده ذلك عبارة عن استعداد في الموضوع لاجتماع قيوده وعند تمامها يكون الحكم فعليّا .

وظهر من سيّدنا الأستاذ قدس سره الميل إلى تصوير مراتب للحكم حسب مذهب الآخوند رحمه الله للزوم ذلك في موارد وقد بنى أو ادّعى نفسه في شهر رمضان كفاية جريان الاستصحاب بلحاظ نفسه . اذ هو حكم شرعي بعدم النقض وأوردنا عليه ان ذلك يستلزم كونه موضوعا لحكم اعتقادي بأن يكون معتقدا للحكم الكذائي في هذا الحال وهو لم يجب ولعلّه لعدم تبين وجه صحيح عنده فيه لم يشر إليه في المقام .

توضيح كلام المحقّق الخراساني: قد تبيّن مراد المحقّق الخراساني قدس سره

وانّه يجعل صحّة جريان الاستصحاب في المقام من حيث اقتضاء وجود النجاسة واقعا لتنجز الحكم بالاجتناب والمانعيّة أو شرطيّة الطهارة وله في مراتب الحكم مذهبان رجع عن اولهما الذي كان مختاره في الحاشية إلى الثاني الذي اختاره في

مراد المحقّق الخراساني

ص: 112


1- . كفاية الأصول 292 .

الكفاية(1) وجعل الفعلي على نحوين .

ثانيهما التنجزي الذي يتعقب البعث من المولى وحيث كانت للنجاسة بوجودها الواقعي هذه المرتبة من الأثر ولها الحكم الفعلي غير التنجزي أو الاقتضائي على مختار حاشيته فيستصحب الطهارة بلحاظ هذا الأثر على ضده في المقام ويكون الشرط أعم من الطهارة الواقعيّة واحرازها أو المستصحبة بدلالة اقتضاء التعليل بالكبرى ذلك مع احتمال أن يكون اشارة إلى اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء . الا انه بناء على ما ذكره المحقّق(2) النائيني لا ينحصر الوجه فيما ذكر بل ربما تكون الاحتمالات أربعا فينطبق الكبرى على كلّها بدلالة الاقتضاء فانه يمكن أن يكون اشارة إلى اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء أو كون الشرط أعم من الطهارة واحرازها أو الطهارة المستصحبة . وان يكون عدم العلم بالنجاسة موجبا لعدم المانعيّة واقعا . أي المانع هي النجاسة المنجزة أو كفاية اتيان

غير المأمور به بداعي امتثال المأمور به على نحو البدليّة . غاية الأمر ربما لا ينطبق

ما ذكرنا على كبرى الاستصحاب الا بلحاظ كونه موردا ويشترك الجميع في اقتضائها شيئا ينضم إليها كي يصح التعليل ضرورة توقف جعلها دليلاً في قياس الاستدلال على ذلك . فانه لو لا هذا لكان الاشكال بلزوم نقض اليقين باليقين في الاعادة واردا كما قرّرنا . فانحصر حسن التعليل حيث لم يكن معلوما قبل ذلك مفروغا عنه على أن يكون نفس المقام دليلاً عليه كما في نحو لا تشرب الخمر لأنّه مسكر أو فانّه مسكر . فلابدّ من كون ذلك كبرى كي تنطبق على المقام والا لا يصح

ص: 113


1- . كفاية الأصول 293 .
2- . فوائد الأصول 4/344 وما بعده .

التعليل لأنّه يكون في قوّة أن يقال: لا تشرب الخمر لأنّه مسكر وبعض المسكر حرام فانّه لا يكون حسنا لاحتمال أن يكون هذا البعض غير الخمر ولا يكون أحد هذه الاحتمالات أظهر من الآخر على تقدير كون الكبرى منحصرا بدليل الاستصحاب بلا ضم المورد إليه ( وقد قلنا انه لا يلزم أن يكون اشارة إلى الكبرى الكليّة كما أشار إليه سيّدنا الأستاذ قدس سره وبنى على ذلك في تعدّيهم عن المورد وجعله من المنصوص العلّة إلى الموارد الاخر غير المورد على هذا لعدم انحصار حسن التعليل بما ذكر .

بل يجوز أن يكون بضم خصوصيّة المورد إلى الاسكار يكون حراما بلا حصول تلك الخصوصيّة في غيره فتدبّر ) .

ولا يلزم على ما ذكرنا من حسن التعليل بلحاظ كفاية الاتيان بداعي الامتثال كونه في عرض الواقع بل يصح بالطوليّة كما في اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء . غاية الأمر يكون في هذين الموردين على نحو تقييد الحكم الواقعي بما اذا لم يأت بالمأمور به بغير وجهه المسقط عنه بداعي امتثاله أو بقيام أمر ظاهري موجب للاجزاء كما ان من موارد لا تعاد يستفاد تقييد الاجزاء بحال العلم غير الخمسة وكذا الشرايط بل الموانع . نهاية الأمر لا تكون شاملة لترك أحدها عمدا للمناقضة مع أدلّة الاجزاء والشرايط .

وتحقيق الكلام في لا تعاد في محلّه من الفقه والحمد للّه على كلّ حال .

تتمّة الكلام: قد ذكرنا ما أفاده المحقّق النائيني قدس سره (1) في الجملة الوسطى

الكلام في باقي فقرات الرواية

ص: 114


1- . فوائد الأصول 335 - 336 .

من مضمرة زرارة(1) المشتملة على الاستصحاب . فلنشرع الآن في البحث عن الجملة الاخرى التي فيها أيضا ذكر الاستصحاب وهي الصورة التي فرض العلم بالنجاسة في أثناء الصلاة . قال بعد كلام:

قلت: ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ؟ قال علیه السلام: تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ الخ بخلاف الجملة الوسطى التي تقدّم الكلام عليها .

فان الفرض فيها العلم بوقوع الصلاة في النجاسة بعد الصلاة .

وحاصل الكلام في هذه الجملة على ما في تقرير بعض السادة من الأصحاب ان الامام علیه السلام فصّل بين ما إذا علم بالنجاسة قبل الصلاة وما إذا لم يعلم بوجوب النقض والاعادة في الأوّل والقطع والغسل والبناء في الثاني الذي وقع الاستشهاد فيه بالاستصحاب للطهارة وحصول الشرط . وهذا بناءً على أن يكون قوله ( إذا شككت في موضع منه ) يراد به العلم بالاصابة والشكّ في موضعها وحينئذٍ يشكل جواز الدخول في الصلاة الا انه بعد ان المقام مجرّد فرض يدفعه احتمال ان ذلك في مورد تقدّم له العلم بالنجاسة من جهة احساس البرودة أو الرطوبة مثلاً وفحص قبل أن يدخل في الصلاة فما أصاب شيئا ويتقّن بالعدم وكونه طاهرا ثمّ رآها أي النجاسة التي يستفاد من قوله ان رأيته ) اشارة بالضمير إلى ما صدر به السؤال من الدم أو المني أو غيرهما وانكشف خلاف الواقع من قطعه وفيه ان ذلك خلاف ما استظهرناه من الجمع بين الاخبار من عدم كون واقع

ص: 115


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 44/1 من أبواب النجاسات .

الطهارة شرطا والنجاسة مانعة . ويمكنه حين العلم باصابة النجاسة في الصلاة أن ينزع ثوبه أو يغسله ويتم الباقي مع الشرط وبالنسبة إلى ما أتى به لم يكن واقعها شرطا بل الأعم من الواقع والمحرزة وهو حاصل بالفرض .

الا أن يقال بالتفصيل بين العلم بها بعد الصلاة والعلم بها حينها . فلابدّ في الثاني من كونها واقعا ولا يكفي صرف الاحراز بخلاف بعدها فكشف الخلاف لا يضرّه وذلك للتعبد من الشارع . وهو مردود بأنّه لم يقل بذلك أحد وما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين .

نعم يمكن الفرق بين القطع وغيره بأنّه لا وجه للاجزاء به في ما إذا انكشف الخلاف كما في فرضنا هذا بخلاف مثل الاستصحاب الذي هو حجّة شرعيّة وغيره من الأصول بالاكتفاء بها ولازمه كون الطهارة أعم من الواقع ومن الحاصل ظاهرا بأحدها .

وليس القطع كذلك بل الاتفاق واقع على عدم الاجتزاء بما خالف فيه الواقع الا انه على هذا يعارض ما تقدّم من خبر(1) الجارية المفصل بين غسله بنفسه

وغسل الجارية بعدم الاعادة في الأوّل مع ان التوجيه الذي وجهنا به الرواية في المقام آتي هناك .

هذا ما يتعلّق بقوله ( إن رأيته في ثوبي الخ ) امّا القطعة الاخرى وهي قوله ( وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا )(2) والمراد من قوله لم تشك ينحصر في أمرين بعد عدم امكان ارادة الأمر الثالث وهو اليقين بالنجاسة لمخالفته لذيل الخبر وهما

الكلام في فقرات الرواية

ص: 116


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 18/1 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 44/1 من أبواب النجاسات .

القطع بعدم النجاسة والغفلة عنها .

ولا مجال للثاني أيضا لمخالفته لقوله ( فلا ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ ) ممّا هو ظاهر في المقام وغيره كما أشرنا إليه سابقا من ظهورها في اليقين والشكّ الفعليين وكيف يكون الغافل ملتفتا إلى شيء حتّى يتيقن أو يشكّ فيه هذا مع عدم شرطيّة للطهارة للغافل أصلاً كما تقدّم .

تنبيه: بيّن سيّدنا الأستاذ قدس سره ما قرّره بما ينضبط بأنّ فرض الكلام في جملة صحيحة زرارة(1) المضمرة في أثناء الصلاة ولابدّ من أن يكون النجاسة الواقعة أو محتملة الوقوع ممّا يمكن أن تكون من أوّل الصلاة وإلاّ فلا مجال لما فصّل الامام علیه السلام بقوله ( تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته وان لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس لك أن تنقض اليقين بالشكّ ) وفقه الرواية ان قوله علیه السلام اذا شككت في موضع منه يحتمل وجهين:

أحدهما أن يكون الشكّ في موضع منه شكّا في أصل الاصابة . غاية الأمر كان باقي مواضع ثوبه معلوم الطهارة مثلاً عنده وكان شاكا في اصابتها موضعا منه فعلى هذا الفرض لابدّ له من الاعادة ونقض الصلاة لأنّه كان شاكّا من أوّل الصلاة في الاصابة وكان متردّدا وإن كان جريان استصحاب الطهارة أو أصلها في حقّه بلا اشكال . الا انه فرق بين اثناء الصلاة وبعدها في انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة وبهذا القدر يمكن رفع المناقصة لهذه الجملة مع ما تقدم من ظنّ الراوي اصابة النجاسة وانكشاف الخلاف بمعنى خلاف الاستصحاب بعدها للزوم النقض

ص: 117


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 44/1 من أبواب النجاسات .

بالشكّ لو أعادها للعلم بوقوعها فيها بعدها .

وعلى هذا الوجه يكون قوله ( وإن لم تشكّ ثمّ رأيته ) تصريحا بالمفهوم للقضيّة الشرطيّة وعدم الشكّ يجامع ثلاثة أشياء: العلم بالنجاسة والعلم بالطهارة والغفلة فكلّ واحد من هذه الثلاث يكون موردا لمصداق عدم وقوع الشكّ منه . أمّا صورة العلم بالنجاسة فخارجة عن ما يكون محمولاً عليه بقوله قطعت الصلاة وغسلته إلى قوله لأنّك لا تدري .

لفرض الكلام في ما لم يعلم بالنجاسة ( وإن كان نوع النجاسة مختلفا لا في الحكم ) فتبقى صورة الغفلة والعلم بالطهارة . والغافل وإن لم يمكن له اجراء الاستصحاب لانخرام القاعدة العقليّة التي تقدّمت في اعتبار كون اليقين والشكّ فعليّين لأنّهما موضوع الاستصحاب الا ان امكان جريانه بعد الالتفات حين الصلاة حاصل ( وإن كان الجريان في أوّل الصلاة لا وجه له مضافا إلى ما ذكرنا للزوم كونها شرطا واقعيّا فيناقض ما تقدّم منّا الكلام عليه تفصيلاً من عدم اشتراط صلاة الغافل بها ولا وجه صحيحا لخروج الغافل عن محتمل المقام .

الا أن يقال بعدم فرض حصول يقين ولو قبل الصلاة له قبل الغفلة . وفيه ما لا يخفى .

وعلى كلّ حال فلا يدفع احتمال الغفلة الا أن يقال بقرينة الروايات الاخر بالجمع بينهما بعدم اشتراطها للغافل فيكون نفس الرواية دليلاً على انحصار ذلك بالصورة الباقية فيكون ظاهرها العلم بالطهارة . ولكن عند العلم بالاصابة يحتمل انّها باقية من أوّل الصلاة ولا منافاة لكونها رطبا لأن الفرض في ذلك . الا ان الشكّ

لاحقا في كونها من أوّل الصلاة فيستصحب بالنسبة إلى موضع اليقين ويحرز

ص: 118

بالنسبة إلى الباقي كما هو مفروض الرواية فيكون دليلاً على الاستصحاب على هذا الفرض .

ان قلت: على هذا لا وجه لكونها دليلاً على الاستصحاب لأنّ الفرض كون الشكّ من وقوع النجاسة من أوّلها فيكون الشكّ ساريا بالنسبة إلى اليقين الحاصل قبل الصلاة فلا يكون إلاّ دليلاً على قاعدة اليقين .

قلت: اليقين تارة يلاحظ بالنسبة إلى قبل الصلاة فبالنسبة إليه يكون الشكّ ساريا . وأمّا اليقين الذي كان قبل ذلك اليقين الذي لم ينقض بناقض فيمكن أن يكون هو المراد بل ذلك هو المتعين .

إن قلت: هذا لا يستقيم أيضا لأن مدرك اليقين الثاني إنّما كان هو الأوّل أو مستند الأوّل فيسري لا محالة بالاخرة إلى الأوّل فاين اليقين المحفوظ حتّى يستصحب عند الشكّ .

قلت: الاشكال وارد على كلّ حال الا ان يجعل قوله ( وليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ ) قرينة على فرض المقام في مورد الاستصحاب كما في لا تضرب أحدا فان الاحد قرينة على عدم عموم الضرب للأموات لا أن يكون الضرب مرادا به الشتم حيث استشهد بالاستصحاب لاحتمال ايقاعها من أوّل الصلاة الا ان الأظهر هو الاحتمال الثاني . وهو أن يكون المقام من فرض العلم بالاصابة والشكّ في موضعها لحسن التعبير عن هذا المعنى بهذه العبارة وعدم حسن عن المعنى الأول مضافا لوقوع الجواب بقوله ( ان شككت في موضع منه ولا وجه للموضع الخاص بذلك . بل يمكنه أن يقول ان شككت في اصابة النجاسة مضافا إلى كون الفقرات السابقة في العلم الاجمالي الا الصورة التي قبل فرض

دفع الاشكال في دلالة الرواية على الاستصحاب

ص: 119

السؤال . وهكذا استفاد منه المحقّق النائيني حيث جعل الفرض مورد العلم بالنجاسة والشكّ في موضعها وينطبق على القاعدة لفرض صلاتها في النجاسة على كلّ مبنى سواء كان المانع هو وجودها تنجزا أو واقعا ويكون قوله ( وان لم تشك ) على هذا ظاهرا في صورة الشكّ في الاصابة لأن مفهوم قوله ( إن شككت ) الظاهر في ان علمت بالنجاسة ولم تدر الموضع إنما ينحصر في أمرين باضافة ثالث وهو الغفلة كما في الفرض الأوّل لكنه مستبعد في المقام .

والأمر ان العلم بعدم النجاسة والشكّ البدوي ( الاستظهار للظهور في الشكّ البدوي بأن يقال ان لم تشك يعني لم يكن لك علم فتكون شاكا ) واستظهر سيّدنا الأستاذ قدس سره .

الثاني منهما ولعلّه بقرينة الروايات الاخر في باب الاستصحاب حتّى ينطبق على المورد ويستفاد من الذيل أيضا انه لو علم بوقوع النجاسة من أوّل الصلاة فلابدّ من الاعادة حيث ان التعليل بلعلّه شيء أوقع عليك لا يستقيم إلاّ مع ما ذكرنا . ويلزم على هذا المناقضة بين صدر رواية زرارة(1) حيث انه ما جعل عبرة بالعلم بوقوع الصلاة في النجاسة بعد الصلاة . ويستفاد من الذيل على هذا لزوم الاعادة لو علم في الأثناء فيسقط الخبر عن الاستدلال . وكلّ ما ذكروه في توجيه ما يترائى منه المناقضة للموارد الاخرى يكون هباءً منثورا .

الا ان يرفع المناقضة بظهور قوله ( ان لم تشك ثمّ رأيته رطبا ) في عدم كون المرئى هو نفس المشكوك بل من جنسه أي نجسا غير ذلك المشكوك . فعلى هذا لامناقضة بين أخبار الباب . والا فعلى ما ذكرنا لا تسلم عن المناقضة ولا تصلح

ص: 120


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 43/1 من أبواب النجاسات .

للاستدلال ولا يخفى ما في ما استظهره سيّدنا الأستاذ قدس سره وكذا لم نعلم في اخراج صورة الغفلة عن كلا الموردين وجها صحيحا فتدبّر .

تلخيص: قد ذكرنا ما يتعلّق بصحيحة زرارة(1) الثانية . وملخص الكلام فيها ان قوله ( لعلّه شيء أوقع عليك ) يستفاد منه لزوم الاعادة لو كان علم في الاثناء على ما استظهرناه ولا ينافي الجملة الوسطيّة لأنّ الأخيرة تكون قرينة على المراد منها إذ ليس في الجملة الوسطيّة الا هذا ( قلت: فان ظننت انه أصابه ولم ايتقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه ) وهذا لا يكون صريحا أو ظاهرا في ان ما راه هو الذي ظنّه من أوّل الأمر كي ينافي ذيل الرواية من لزوم الاعادة اذا وجدها في الاثناء وكان من أوّل الصلاة . فحينئذٍ يجمع بين الأخبار بهذا بلا حاجة إلى ما أفاده القوم . فكلّ ما ذكروه يكون اتعابا للنفس بلا حاجة لما أطال فيه البحث المحقّق النائيني والمحقّق الآخوند وغيرهما رحمهم الله ودلالة الصحيحة(2) على حجيّة الاستصحاب لا غبار عليها ( بالنسبة إلى الوسطيّة وأمّا الأخيرة فقد عرفت الكلام عليها .

صحيحة(3) ثالثة لزرارة قد استدلّ بها في المقام على حجيّة الاستصحاب . قال: قلت له: من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد احرز ثنتين . قال يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه .

ومورد الاستدلال بها ذيلها وهو ( وإذا(4) لم يدر في ثلاث هو أو فى أربع

الكلام في صحيحة ثالثة لزرارة

ص: 121


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 43/1 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 43/1 من أبواب النجاسات .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 11 - 3 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . وسائل الشيعة 8 الباب 10/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

وقد احرز الثلاث قام فاضاف إليها اخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشكّ ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين ويبنى عليه ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات .

وفقه الرواية ان المراد بقوله يركع ركعتين وأربع سجدات يحتمل وجهين بأن يكون لبيان الاتيان بما ذكر مفصولة بقرينة قوله وهو قائم بفاتحة الكتاب كي لا يبقى توهّم جواز الاتيان بها متّصلة بالتسبيح وفي حال الجلوس كما في بعض الركعات الاحتياطيّة وأن يكون لمطلق ذلك بلا اشعار بالاتصال والانفصال . وهذا هو الظاهر الا انه بقرينة الأخبار الواردة في ذلك يتبيّن المراد ويتعيّن في كون الاتيان بذلك منفصلة بتعين الحمد . والا فمجرّد اشتمال هذا الجواب على تعين الحمد لا يجعله قرينة على ارادة ما ذكر منه بل يكون من أخبار تعين الحمد المجموع بينها وبين أخبار التسبيح والتخيير بينهما بالتخيير وقوله ( وإذا لم يدر في

ثلاث هو أو أربع يحتمل أن يكون في الثلاثيّة وأن يكون في الرباعيّة الا ان الظاهر هو الثاني والمراد من احراز الثلاث ليس احرازها منحازة عن الركعة المشكوكة بل يتعيّن مصداقا لاحراز الثلاث بعد اتيان السجدتين ثمّ هو يشكّ في ان هذه الركعة هي ثالثتها أو الرابعة . والا فلابدّ من كون الشكّ في الأربع والخمس بناء على عدم كون المشكوكة داخلة في المحرزة .

ان قلت: يلزم على هذا اختصاص صحّة الصلاة في الشكّ بين الثلاث والأربع بما اذا رفع الرأس من السجدة الثانية وهذا ينافي ما اتّفقوا عليه ظاهرا من كونها مطلقة يبني فيها على أربع كما هو معلوم .

قلت: كون هذا الفرض إنّما هو بعد السجدتين لا ينافي ثبوت جواز البناء

ص: 122

على الأكثر أي الرابع مطلقا في أيّ حال من حالات الصلاة لدلالة المطلقات عليه كما وردت بذلك روايات(1) بعضها غير معمول بها عند الأصحاب واخرى(2) مورد الاستدلال لهم كما بيّن في محلّه من الفقه .

وتوهّم اختصاص هذه الصورة أيضا بالصلاة الاحتياطيّة التي تكون الوظيفة في الفرض التخيير بين الاتيان بركعة قائما أو ركعتين من جلوس بقرينة قوله قام المستغنى عنه في أثناء الصلاة ضرورة معلوميّة ذلك بلا احتياج إلى ذكره فلابدّ أن يكون لهذه الجهة . مدفوع أوّلاً بالمعارضة بقوله ( فاضاف ) ممّا هو ظاهر في الاتّصال خلاف الانفصال .

وثانيا على تقدير الاغماض عن الأوّل كما لم يرتضه سيّدنا الأستاذ قدس سره عدم ظهور لذلك بل العادة جارية في أمثال هذه المقامات بذكر مثل هذا الكلام وإن كان معلوما فلا ينحصر وجه حسنه بنكتة حيث ان ظاهره في فرض المورد نهي أو بحكم النهي عن نقض اليقين بالشكّ فيكون من روايات الباب ويستفاد منه ان الاتيان بالركعة المشكوكة الاتيان وهي الرابعة لازم بحكم الاستصحاب ( وان الاستصحاب ليس بمنعزل في الصلاة بل يجري فيها ) .

وهاهنا اشكال تنبّهنا له ولم يسبقنا إليه ظاهرا أحد بأنّ المقام مقام الفراغ والامتثال ولم يكن الشكّ في الأمر بل إنّما وقع في الاتيان امتثالاً . وهنا لا مجال

للاستصحاب ضرورة استقلال العقل بلزوم الاتيان بالرابعة تحصيلاً لليقين بالبرائة وهنا من الموارد التي مع وجود القاعدة لا مجال لجريان الاستصحاب لأن نفس

ص: 123


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/2 - 3 - 4 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/2 - 3 - 4 من أبواب الخلل في الصلاة .

الشكّ تمام موضوع حكم العقل بلا حاجة إلى احراز ذلك تعبدا بالاستصحاب كما في المشكوك الحجيّة .

وهذا الاشكال مع الغض عنه فيتمّ تقريب الاستدلال بأن يقال لما كان اتيان الركعة مشكوكا فيستصحب عدمه أو يستصحب الأمر كي يلزم عليه الاتيان لأنّه هو أثره بعد عدم خلوّ استصحاب عدم الاتيان عن اشكال عدم الأثر الشرعي لأن أثر عدم الاتيان وبقاء الأمر لا يكون إلاّ العقاب على تقدير عدم الاتيان والاجزاء لو أتى به . وهذا أمر عقلي لا مجال لجريان الاستصحاب له . الا أن يقال ان المتيقّن بعدم الاتيان كان لازما عليه الاتيان فتنزيل الشاكّ فيه منزلة المتيقّن يوجب الاتيان والالزام عليه . ويرد على الثاني ان لا اشكال في الأمر ولا شكّ فيه بل الشكّ في البقاء وعدمه مستند إلى الشكّ في الامتثال .

هذا الا ان الذي وجّه به الرواية المحقّق النائيني قدس سره بقرينة باقي أخبار الصلاة الاحتياطيّة والشكّ هو كون المراد من قوله ( ولا ينقض اليقين بالشكّ البناء بحكم الاستصحاب على عدم الاتيان بالركعة الرابعة . وأمّا كيفيّة الاتيان بها فلا مجال للعقل فيها فبيّن علیه السلام بقوله ( ولا يدخل الشكّ في اليقين ) ان الركعة المشكوكة لابدّ أن يؤتى بها مفصولة غير داخلة في التي تعلّق بها اليقين بالاتيان وكذا لا يخلط أحدهما بالآخر فلا اشكال على هذا على الرواية .

تكميل وتوضيح: ينبغي قبل النظر في مطابقة الرواية لما عليه الاماميّة الكلام في مدلولها حسب الظهور العرفي .

فنقول وباللّه نستعين ان ظاهر الرواية من قوله ( اذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع الى ولا شيء عليه هو لزوم الاتيان بالركعة الرابعة المشكوك الاتيان . والوجه

الكلام في مدلول الرواية

ص: 124

في ذلك قوله ( ولا ينقض اليقين بالشكّ ) فيستفاد منه ان ذلك تعليل لذلك الحكم وان الاستصحاب جاري في الشكّ في الركعة الرابعة وليس بمعزل عن الصلاة وجريان الاستصحاب في المقام مع ان الشكّ في الامتثال تمام الموضوع لحكم العقل بالاشتغال ولزوم الاتيان لأجل انه لا موضوع للقاعدة هنا من حيث ترتب الأثر على نفس الواقع .

بيان ذلك انه على تقدير الاتيان بالركعة المشكوكة لو أتى بها أيضا لأجل الشكّ فتكون زائدة في الصلاة موجبة للبطلان كما انه لو اقتصر بنفس الشكّ عن الاتيان واكتفى بهذا المأتي به الذي احرز فيه الثلاث يحتمل نقصانها عن المأمور به الواقعي . فالشاكّ حينئذٍ متحيّر لا يدري أيّ شيء يفعل للزوم الاشكال عليه على كلّ تقدير كما في الشكّ في الركوع قبل الهويّ أو بعده إلى السجدة فلو كان مأتيا به يكون ما يأتي للشكّ زائدا عمدا في الصلاة موجبا لبطلانها وإن لم يكن عمدا ولم يأت يحتمل النقصان الذي لا يعفي عنه في خصوص المستثنى من الخمسة في لا تعاد وإن كان مرجع الزيادة في الحقيقة هو النقصان أيضا لأنّ الصلاة مقيّدة بقيد عدمي وهي مشروطة بعدم الزيادة فاذا أتى بالزائد أتى بالماهيّة المقيّدة لا مع قيدها فلا ينطبق عليه المأمور به فاذا كان المقام من هذا القبيل فبيّن(1) علیه السلام بقوله قام فاضاف إليها اخرى ان الوظيفة في هذا المورد الاتيان

ص: 125


1- . ولما كان الاستصحاب جاريا لترتّب الأثر على الواقع كما أشرنا إليه فلا وجه لتقدّم القاعدة عليه كما في الشكّ في حجيّة مشكوك الحجيّة . فان ذلك تمام الموضوع للقبح في الاستناد إليه وموضوع لأدلّة الحرمة سواء كان كذبا أم لم يكن لعدم دوران الحرمة مداره بل تمام المناط الجهل بكونه حجّة وليس للشكّ طريقيّة كي يكون مجرى للاستصحاب بل التشريع ادخال ما لم يعلم من الدين فيه وإن كان في الواقع منه كما ورد وسائل الشيعة 27 الباب 12/66 من أبواب صفات القاضي في ان من قضى بالحق وهو لا يعلم انه في النار وليس التشريع ادخال ما ليس في الدين فيه كما حقّقنا ذلك في محلّه فراجع بل في المقام يقدم الاستصحاب على القاعدة لما بيّنّا .

بالرابعة متّصلة على ما هو ظاهر الرواية ولا يعبأ باحتمال الزيادة لحصول المؤمن من الشارع فلا اضطراب بعد ذلك . وحيث ان واقع الرابعة يترتب عليها آثار ( من حرمة التنفل في وقت الفريضة ) أو تقدّم القضاء على الأداء أو غير ذلك فالاستصحاب له مجرى . ولذا صار قوله ( ولا ينقض اليقين بالشكّ ) بمنزلة علّة لذلك الحكم أي ولا ينقض اليقين بعدم الاتيان بالرابعة قبل الصلاة أو بعد أن تلبس بها بالشكّ في اتيانها بل يأتي بها حتّى يكون من نقض اليقين باليقين لا بالشكّ .

إن قلت ان الاستصحاب يحتاج إلى أثر شرعي وهو في المقام مفقود .

وأيضا هذا بناء على جريان الاستصحاب في العدم الازلي الذي كان قبل الصلاة وإلاّ فلا مجال للاستصحاب لعدم حصول يقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة في حال كونه مصليا بعنوان انه مصلى واليقين الباقي قبل الصلاة غير اليقين المتعلّق بالعدم النعتي .

قلت: اما جريان الاستصحاب في العدم النعتي فهو مفروض المقام حيث ان المصلى بعد تلبّسه بالركعة الأولى من الصلاة متيقن بعدم الاتيان بالرابعة وفي حال الصلاة له يقينان قبل الصلاة الباقي حينها واليقين بالعدم النعتي الحاصل حينها .

فلا اشكال وأمّا الأثر الشرعي المترتّب على عدم الاتيان الذي هو المتيقّن فهو أيضا حاصل بعد ان معنى الاستصحاب عبارة عن جعل الشاكّ منزلة المتيقن والشكّ منزلة اليقين في ترتيب الآثار المترتّبة عليه .

ولو كان متيقن العدم فكان ينبغي له أن يأتي بالرابعة متّصلة فكذا فيما لو

نتيجة الاستصحاب في المقام

ص: 126

كان شاكّا فيكون نتيجة الاستصحاب هاهنا لزوم الاتيان بالمشكوك على نحو كان لازم الاتيان لو كان تعلّق به اليقين .

أو يقرّر على وجه آخر . وهو تعلّق اليقين بعدم الرابعة لا متّصلة بالثلاث بل مطلقاً فحينئذٍ معنى الاستصحاب لترتّب الأثر هو عدم الاتيان وأمّا تعيين كيفيّة الاتيان فموكول إلى بيان الشارع . بل ظاهر الخبر يحتمل من جهة الاستصحاب لايجادها متّصلة بالثلاث المحرزة أو منفصلة لأن كليهما كيفيّتان لذلك الا انه بيّن كيفيّة الاتيان قبل التمسّك بالاستصحاب . وهو انه قام فأضاف إليها اخرى وأشار إلى ابقاء يقين العدم بأصل اتيان الرابعة بالاستصحاب . هذا .

الا ان في الصورة الاولى لابدّ في تعيين الكيفيّة من بيان آخر من الشارع لمنع اطلاق الرواية من ناحية اقتضاء الاستصحاب لاتيانها مطلقا . بل نهاية أثرها في المقام عدم الاتيان بالركعة ويكون قوله علیه السلام ( ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالاخر لبيان ان المشكوكة لابدّ أن يؤتى بها مفصولة عن الباقي ولا يخلطها بالمتيقن أي الثلاث المحرزة باليقين كما بيّن ذلك المحقّق النائيني ومنع اطلاق الرواية في عموم استصحابها لاتّصال الركعة وانفصالها اذ يتشبت بظهور قوله قام فأضاف بقرينة قام إلى لزوم الاتيان منفصلة لعدم احتياج إلى القيد على تقدير الاتّصال وصيرورته لغوا لو لم يعارض بظهور قوله فأضاف في العكس وهو الاتيان متّصلة . والانصاف ان ظهوره في الانفصال والاتّصال لا وجه له لصلاحيّة هاتين قرينتين احداها للاتّصال والاخرى للانفصال فلا ينعقد له ظهور في أحدهما .

توضيح وتتميم: قد ذكرنا ما يظهر من الرواية وانه بيّن وظيفة الشاكّ في

ص: 127

اتيان الرابعة وانه يضيف الى ما أتى به اخرى وانه لا اشكال في جريان الاستصحاب في المقام لعدم اتيان الرابعة وترتّب أثر اليقين بالعدم الذي لازمه اتيان الركعة عليه وليس من الموارد التي تكون القاعدة العقليّة بلزوم الاتيان بها بالشكّ في افراغ الذمّة عن شيء ويتعين الاشتغال جارية مقدّمة على الاستصحاب لأن موردها في ما اذا كان يترتب على القاعدة الحكم الواقعي كما في الشكّ في حجيّة مشكوكها فانه لا حاجة إلى احراز عدم جعل الحجيّة له حتّى يجري الاستصحاب بخلاف المقام فانه من أردء أنواع تحصيل الحاصل ما بالوجدان بالتعبّد . فان الأثر يترتب على الواقع بلحاظ ما تقدم الكلام عليه . ومقامنا نظير تقدم استصحاب الطهارة على قاعدتها ولا يكون الاستصحاب في المقام مثبتا لعدم كون هذه الركعة المشكوكة رابعتها بل هي منشأ الشكّ في اتيان الرابعة ويجري الاستصحاب للعدم ولازمه عقلاً وشرعا الاتيان وكونه مأمورا به .

إن قلت: انّ الاستصحاب لا مجرى له من حيث انّ اليقين لم يتعلّق بالرابعة مستقلاًّ عن الكلّ فاستصحاب وجوب الركعة الذي هو عبارة اخرى عن عدم اتيان الرابعة يكون من قبيل استصحاب مرتبة ضعيفة من السواد بعد ذهاب المرتبة القويّة منه ونشكّ في تبدّله بالبياض أو بقاء مرتبة ضعيفة منه وهو أحد أقسام الاستصحاب التي لا يكون المتيقّن مشكوكا فيه بل له بالوجود الاستقلالي مباينة للمرتبة المستصحبة فلا يكون استصحابها جاريا لعدم تماميّة أركانه من ناحية عدم كون المشكوك متيقّنا سابقا .

هذا الاشكال أوردته على سيّدنا الأستاذ قدس سره وما أجاب عن الاشكال إلاّ بقياس المقام بباب اجراء البرائة في الأقلّ والأكثر الارتباطي مع كون السورة

اشكال الاستصحاب

ص: 128

المشكوكة جزءا من الكلّ . لكن تجري البرائة هناك ولا يضرّ عدم الاستقلال ويترتّب عليه الأثر وهو عدم لزوم اتيان السورة في الصلاة فكذا في المقام . وعلى كلّ حال فيمكن الاشكال في جريان الاستصحاب في المقام لعدم مساعدة العرف لمباينة المشكوك المستصحب مع المتيقن سابقا فتأمّل .

وأمّا قوله ولا ينقض اليقين بالشكّ فتعليل للاستصحاب الجاري في عدم الاتيان بالركعة المشكوكة . وأمّا كيفيّة الاتيان بها فمع قطع النظر عن وجوب البناء

على الأكثر حسب استفادة ذلك من الأخبار(1) الاخر المخصّصة للاستصحاب على تقدير كونه مقتضيا في المقام لاتيان الركعة متّصلة بالباقي فيمكن أن يستفاد من القطعات التالية للخبر .

وذلك لأن مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة ونتيجة ذلك لزوم الاتيان بها الا انه لما كان الاتيان بها محتمل الزيادة حيث ان زيادة الركعة بوجودها الواقعي مبطلة للصلاة كالنقصان فيدور أمر الركعة اللازم الاتيان بين كونها زيادة على المفروضة ومتمّمة لنقصانها . وكذلك عدم الاتيان بها لعلّه مورد نقصان المأمور به الذي أخذت بحيثيتين أن لا تكون ناقصة عن الأربعة ولا تكون زائدة عليها فلو أتى بالركعة متّصلة حصل إلا من من جهة النقيصة ويبقى في الشكّ من جهة الزيادة ولا احراز له بحصول القيد العدمي وهو عدم الزيادة على الأربع فأشار الامام علیه السلام إلى عدم الاكتفاء بهذا المأتي به بقوله ( ولا يدخل الشكّ في اليقين ضرورة عدم ارادة اليقين والشكّ بما هما صفتان وعدم ادخال أحدهما في الآخر اذ عدم امكانه ضروري . بل المراد عدم ادخال الشكّ في الامتثال باليقين

ص: 129


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/2 - 3 - 4 من أبواب الخلل في الصلاة .

بالامتثال . فانّ الثلاث محرزة يقينا والاكتفاء بالشكّ في الرابعة ادخال الشكّ في اليقين الحاصل من اتيان الثلاث وكذا قوله ( ولا يخلط أحدهما بالآخر ) وإن كان الطريق لا ينحصر بذلك بل له التبديل للامتثال بأن يأتي بالمأمور به مستأنفا لكن لما كان وظيفة الشاكّ في هذه الموارد غير وظيفة غيره . ففي حقّه تبدّلت الأربع ركعات بالترقيعي بأن يتمّ ما نقص بذلك . فلو لم يأت بالمنافي وشرع في صلاة اخرى ما حصل الامتثال ولم تكن مأمورا بها . بل لابدّ أن يتمّ المشكوك فيها بالاحتياط بل تعدي بعض الأصحاب حتّى قال بعدم صحّة ما يأتي به مستأنفا بعد اتيان المنافي الاّ اننا ما ساعدنا الدليل على ذلك . فاذن الوظيفة منحصرة في هذا المقام باتمام المشكوك فيها وضم الركعة الاحتياطيّة إليها تتميما لها حتّى لا يكون خلط الشك باليقين ولما كان زرارة فهم كلام الامام علیه السلام ولو بقرينة الأخبار الاخر فلذا لم يستوضح المراد من هذه القطعات في كلامه علیه السلام وهذا من شؤون هذا الراوي الجليل وكان المقام مقام تقيّة في الافصاح عن الوظيفة ولا يوجب ذلك مخالفة الخبر لما هو مسلم عند الاماميّة من عدم جريان الاستصحاب في الركعات الصلاتيّة اذ هو أمر مردود . الا ان تخطئة العامّة من جهة اتّصال المشكوك بالمتيقن ودفعه ببيانه علیه السلام ومجرّد احتمال صدور الخبر تقية لا يوجب التوقف اذ لابدّ لها من جهة عارضة وما لم تحرز لا وجه للحمل على التقيّة . وموافقة الاماميّة في جريان الاستصحاب للعامّة لا يوجب حمل الخبر على التقيّة كما لا يخفى .

وكيف كان فدلالة الخبر على الاستصحاب واضحة وصدور القطعات التالية

لتوضيح المراد وتأكيد جريان الاستصحاب الا ان في كيفيّة الاتيان مخالفة للعامّة ولما لعلّه مقتضى الاستصحاب من جهة دفع محذور احتمال زيادة الركوع الجاري

ص: 130

في لزوم الاعادة في مورده لا تعاد الصلاة(1) .

والخلاصة دلالة قوله علیه السلام ( قام فاضاف إليها اخرى ) في الركعة المتّصلة وان الاقتصار على الثلاث المحرزة نقض اليقين بالشكّ بلا اشكال . فجرى الاستصحاب ولا يلزم من جريانه اثبات ان هذه الركعة المشكوكة هي الثالثة أو التي يأتي بها هي الرابعة بل مجرّد عدم الاتيان أو بقاء الوجوب وهو لا يلازم شرعا بالتعبد ما ذكر . كما ان استصحاب شهر رمضان وانه باق لا يثبت ان اليوم الآتي من رمضان واقعا أو يوم عيد .

وقد أشرنا إلى تقدّم الاستصحاب على القاعدة مع ان الشكّ في الامتثال تمام موضوع العقل بوجوب الاتيان وجريانه دونها بالضابط الذي تقدّم بيانه من انه لو كان الواقع في ظرف الشكّ محفوظا وله حكم وفي مقام الشكّ أيضا له شيء آخر ( وحكم آخر ) فالمقام ظاهرا مقام الاستصحاب . والا فلو لم يكن كذلك فمجرى القاعدة كما في حجيّة مشكوكها . وحيث ان الواقع محفوظ في المقام ويترتب عليه الأثر وهو نفس بقاء الوجوب والاتيان بالركعة استنادا إلى ذلك فيجري الاستصحاب .

وأمّا القاعدة فلازمها وحكمها في كلّ مورد لزوم الاتيان بالمشكوك

الامتثال . امّا ان الأمر الواقعي باق أم ليس بباقٍ فليس بيانه من شأن القاعدة . هذا

غاية الأمر في المقام حسب حكم الشارع لابدّ من اتيان الركعة المشكوكة منفصلة لاحتمال الزيادة وإن كانت مساوية للنقيصة مع ان لوجودها الواقعي في الأركان أثر البطلان وإن كان سهوا ولا عن علم بخلاف غيرها فيختص البطلان بما اذا كان

ص: 131


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

عن علم وحيث ان بحكم الاستصحاب يلزم الاتيان بالرابعة ولم تكن الزيادة غير موجبة للبطلان بل لو كانت هذه الركعة زائدة على المأتي بها على تقدير كونه أربعا فيبطل العبادة فلذلك بدلّ الشارع المتّصلة بالمنفصلة .

إن قلت: معنى الاستصحاب في المقام بقاء الرابعة والغاء احتمال ضدّه .

وعلى هذا فلا وجه للانفصال مراعاة لعدم الزيادة كما ان في الشكّ في الركوع قبل الوصول إلى السجدة الأولى ( أو الثانية ) الغى الاحتمال والا فلا مخلص للمكلّف لدوران الأمر بين المحذورين فلو لم يأت ولم يعتن بالشكّ فمحتمل النقصان . وإن أتى فالزيادة وليس حكم العقل في هذه الموارد الا الاتمام رجاءً والاعادة الا ان معنى المضي على الشكّ مع تجاوز المحل اذ لزوم التدارك في المحل الغاء احتمال المخالف لطرف الحكم .

قلت: فرق بين ما نحن فيه وتلك المقامات فان الأمر هناك كما ذكرت وربما لا يكون في غير الأركان مزيد خصوصيّة عليها فيكتفي الشارع في هذه الموارد بالمضي على طرف .

ولو انكشف الخلاف لما ذكرنا سابقا من كون المأتي به ذا خصوصيّة وافية بمصلحة الواقع على نحو القناعة في مقام الامتثال على ما مرّ . حتّى انه ربما لا يوجب شيئا في انكشاف الخلاف كما في القرائة حتّى سجدتي السهو وفي بعضها يلزم الاتيان بهما وفي الأركان لابدّ من الاعادة إن انكشف الخلاف وإن لم ينكشف فالقناعة بداعي امتثال الأمر .

وأمّا المقام فلم يكن الواقع منعزلاً بالكلية ولا الغى احتمال الخلاف بل راعي ذلك على نحو لو كانت الركعة الرابعة ناقصة فهذا السلام والتشهّد لم يكن في

الفرق بين القاعدة والاستصحاب في المقام

ص: 132

محلّه وإن كان باذن الشارع لا يوجب البطلان بل تكون هذه المنفصلة متممة للملاك والجزئيّة كليهما للصلاة الناقصة عن الرابعة وإن كان المأتي بها تمام المأمور به فالسلام وقع في محلّه وكانت هذه نافلة .

وهذا في المقام من حكم الشارع والا لو انحصر الميدان للعقل فربما ما استقلّ بلزوم الاتيان بالمشكوكة على هذا الترتيب . فتبين من ذلك ان لجريان الاستصحاب في المقام أثراً بخلاف العامّة فانّهم يجعلونها متّصلة بالمأتي بها .

إن قلت: ان جريان الاستصحاب في المقام لم يوجب الا أن يأتي المكلّف بالرابعة منفصلة وعلى تقدير نقصان المأتي بها تمامها ملاكا وجزءا وإلاّ فنافلة .

وهذا القدر كان من شأن القاعدة لأن الفرض ان الاستصحاب لم يكن آمرا بالاتيان بل جرى في نفس بقاء الوجوب والالزام ولزوم الاتيان حكم العقل والقاعدة حاكمة بعينها على هذا الترتيب .

نعم لو كان تبدّل الاتصال بالانفصال من أثر الاستصحاب لكان له التقدّم على القاعدة الا ان الفرض خلافه . وثانيا ان الاستصحاب لا مجرى له من جهة اخرى وهي ان الأمر بالرابعة حيث كان ضمنيا في الأمر بالكل والفرض اتيان ثلاث ركعات وسقوط الأمر بمقدارها بناءً على تدريجيّة الامتثال ولازم ذلك عدم امكان اجراء الاستصحاب لعدم الأمر بالكل . والأمر بالرابعة لم يكن مستقلاً حتى يصح استصحابه بل هو من قبيل استصحاب الكلي من القسم الثالث الذي نستصحبه بعد ذهاب المرتبة القويّة من السواد في الشكّ في تبدلها بالبياض أو بمرتبة اخرى ضعيفة والعرف ليس بمساعد في هذه الصورة لجريان الاستصحاب لتعدّد الموضوع حينئذٍ عندهم . والجامع المتقوم بفرد خاص لابقاء له بعد ذهاب

ص: 133

ذلك الفرد الا على جريان الاستصحاب في القسم الثالث وهو ممنوع .

قلت اما الاشكال الأول فجوابه يعلم ممّا ذكرنا سابقا ولا بأس بالشرح فنقول وإن كانت نتيجة القاعدة والاستصحاب في أصل الاتيان بالمشكوك واحدة الا ان بينهما فرقا واضحا . وذلك لأن أثر الاستصحاب بقاء نفس الأمر بالواقع فيجوز حينئذٍ للمكلّف الاتيان بالركعة بقصد أمرها الواقعي بخلاف القاعدة . فليس إلاّ عدم المؤمّن للشّاك في الرابعة وأما اتيانها بما هي رابعة فليس ذلك من شأنها بل ليس له حينئذٍ وظيفة الا ان يعيّن اعادة أصل الصلاة أو اتمام ما بيده قبلها لمكان حرمة القطع ولكن رجاءً .

وهذا المقدار من الأثر كافٍ في جريان الاستصحاب لأنّه على هذا التقدير حاكم على القاعدة كما في حكومته على اصالة الطهارة وإن كان يوافقها فيها .

( أقول: الاشكال بحاله لأن الفرض مراعاة زيادة الركعة حسب ما حكم الامام علیه السلام في نفس هذه الرواية على ما فسّره الاستاذ وهذا لازم أيضا على تقدير جريان القاعدة الا ان يقال تعبد الشارع بالاتيان مفصولة بتكبير وتشهد وتسليم لم يكن من حكم القاعدة وربما ذلك بلحاظ الاستصحاب والا فمجرّد كون الاستصحاب ذا أثر وإن لم يجر بلحاظه لا يوجب تقدّمه على القاعدة .

اللهم إلاّ أن يقال جواز الاتيان بالركعة الاحتياطيّة بقصد أمر الواقع وكونها متممة للملاك والجزء أثر ولم يذكره الاستاذ ولم يجعله أثرا أو يقال ان الاستصحاب جاري في نفس الركعة لوجوبها وهذا أثر شرعي بلا حاجة إلى هذه التكلفات .

وعلى هذا فيتضح جواب الاشكال الثاني وتقريره ببيان أوضح ان الثلاث

ص: 134

ركعات لو كانت غير مرتبطة بالركعة الباقية كان لاستصحاب نفس الرابعة مقام لان المركب الارتباطي يكون كلّ جزء منه جزءا وقيدا للأجزاء الاخر .

فلو اقتصر الشاكّ على هذا المشكوك ولم يحرز القيد الوجودي للصلاة وهي كونها أربع ركعات فهذه الثلاث المحرزة أيضا لم يسقط أمرها قطعا بل يشكّ في ذلك فمجرى لاستصحابها أمرا وإن أتى بالمشكوك متّصلاً بها لم يحرز القيد العدمي وهو عدم الزيادة .

فعلى كلّ تقدير لم يحرز امتثال الأمر بالثلاث ركعات لعدم كون الامتثال تدريجيّا بمعنى سقوط أمر كلّ جزء بمجرّد الاتيان به بل بعد تمام الاجزاء والقيود على النحو المعتبر ينكشف كون الاجزاء المأتي بها موافقة للأمر وإن الامتثال وقع بها فعلى هذا يمكننا أن نقول خلافا للعامّة ان المستصحب هو وجوب الأمر بالصلاة المنحل إلى أربع ركعات لا انه هو الركعة الرابعة أو عدم الاتيان بها .

فلا يبقى بعد هذا مجال للاشكالين أصلاً . اذ لابدّ أن يكون الامتثال عن قطع وفي غير ما ذكرنا يكون من خلط التقين بالشكّ لو كان الثلاث ركعات غير مرتبطة بالباقي فيكون اليقين بالاتيان بها داخلاً فيه الشكّ في الرابعة ومخلوطا به وهو منهي عنه وعلى الارتباطيّة لا يكون خلط اليقين بامتثال ثلاث ركعات بالشكّ في الرابعة الا على تقدير ذلك صورة لاحقيقة لتعلّقها بالرابعة المجهول حالها أو يكون نفسها بلا تقيدها ) بل يمكن استصحاب نفس الاشتغال بالصلاة المنكشف التابع للحكم التكليفي .

وهذا معنى ما يقال ان كلّ تكليف يستتبع وضعا ولذا بعد ان مات الميت وسقط التكليف نستصحب مثلاً اشتغال ذمّته بالصلاة والصيام أو نخرج ما يبذل

ص: 135

لقضائها إن لم يكن له الولد الأكبر من أصل المال لكون ذلك من حقّ اللّه وديونه(1) .

وعلى كلّ حال فانكشف معنى الرواية وصحّة التمسّك بها للاستصحاب بما ذكرنا . وإلى ما ذكرنا يرجع ما ذكره المحقّق الآخوند والمحقّق النائيني فانّ الثاني(2) قال ان دلالة الرواية على لزوم الاتيان بالركعة متّصلة بالاطلاق لكنّها قيّدت بالروايات الآخر الدالّة على لزوم الاتيان بها منفصلة بتكبير وسلام .

والمراد من الاطلاق على هذا اطلاق المادّة وإن كان المراد ان استصحاب الركعة في عدم اتيانها متّصلة يوجب الاتيان بها كذلك لا ان يكون جريانه ولزوم الاتيان بها يلازم تخييره في الكيفيّة وإلاّ فلو لم يجر الاستصحاب على هذا النحو فمعناه عدم الجريان بالأصل . اذ الفرض ان الرابعة مشكوك الاتيان بها وهي مجرى الاستصحاب ومعنى الاستصحاب كون الشاكّ كالمتيقّن في ترتيب آثار اليقين على المجرى والمورد فهو كانه متيقن ولا يكون تقييد للاطلاق الا انه غير مراد له بل نفس الرواية ولو بضميمة صدرها يمكن أن تكون ظاهرة في التقييد مع الغض عن الفقرات المذيل بها هذه الرواية . وعن الشيخ قدس سره (3) احتمال صدور هذه

الرواية تقية وهو خلاف الظاهر ولذا احتمل وجها آخر كان تكون الرواية تطبيقا منطبقة على التقيّة بلا لزوم تقيّة في أصل الكبرى . فعلى هذا يجوز التمسّك بالكبرى في ساير الموارد وإن كان تطبيقها على المورد تقيّة واستشهد لامكان

ص: 136


1- . لكن الأقوى عدم خروج الاجرة من أصل المال .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 10/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . فرائد الأصول 1/569 .

ذلك في المقام بما ورد من قول الامام علیه السلام (1) في قضيّة واردة حاكية عن قوله علیه السلام في مجلس اللعين جوابا عن سؤاله عن الافطار في اليوم الذي شهد فيه بعض المسلمين بأنّه يوم العيد ( ذاك إلى إمام المسلمين ان صام صمنا معه وإن أفطر أفطرنا معه ) .

الرواية التي استدلّ بها على ثبوت الهلال بحكم الحاكم وإن كان بيان الامام علیه السلام إنّما كان لأجل التقيّة تطبيقا والقى الكبرى التي ليس فيها تقيّة ليوهم انطباقها على المورد ليحفظ نفسه فليكن المقام من هذا القبيل بأن يكون تطبيق الكبرى على عدم اتيان الرابعة كي يلزم الاتيان بها متّصلة تقية ولا تقية في أصلها .

وذلك لا يضرّ بالاستدلال بها في ساير الموارد إلى ان حمل الشيخ هذه الرواية ولو بعيدا على ان المراد باليقين اليقين بالبرائة بالبناء على الأكثر واتمام الصلاة كذلك

والاتيان بالركعة منفصلة احتياطا . وقد عبّر عن هذا العمل في غير واحد من الروايات بالبناء على اليقين إلى آخر ما قال . إلاّ ان ذلك كلّه أتعاب للنفس بلا موجب لما بينّا من دلالة الرواية على الاستصحاب بلا تقيّة في البين بيانا وإن كانت فسيجيء بيانها والقضيّة التي استشهد بها لا صغرى لها ولا كبرى ( مع ان قوله علیه السلام إلى ذاك إلى امام المسلمين ) إلى اخره صحيح ولا تطبيق في المقام لأن قوله ان صام صمنا معه وان افطر أفطرنا معه لا يوجب تطبيقا بعد ان كان المراد من الضمير هو امام المسلمين وليس في البين الا ايهام المخاطب انه هو وهو لا يكون تطبيقا ) .

التقيّة في التطبيق لا في أصل الكبرى

ص: 137


1- . وسائل الشيعة 10 الباب 57/5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم مع تفاوت في الألفاظ .

وفي كلام المحقّق الخراساني رحمه الله(1) أن يكون الاستصحاب جاريا في نفس الركعة .

ولا يخفى ما فيه لما عرفت من ظهور الرواية فيما ذكرنا سابقا . بل يمكن توجيه الرواية على وجه تنطبق على فتوى العامّة وعلى فتوى الخاصّة كي يستفيد كلّ فريق منهم ما يوافق مذهبه بأن يكون المراد من اليقين والشكّ في قوله ولا يدخل الشكّ باليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولا ينقض اليقين بالشكّ عدم الاقتصار على هذه المشكوكة كي يكون من نقض اليقين بالشكّ وخلط الامتثال اليقيني بالشكّ في الرابعة وادخال الشكّ بالاتيان بالرابعة باليقين باتيان الثلاث ركعات وهذا بناء على مذهب العامّة الجاري عندهم الاستصحاب يكون بأن يأتي بالناقص المستصحب منضما إلى الثلاث فيبنى على اليقين .

من جهة عدم النقيصة التي عدمها قيد للصلاة فيكون ممتثلاً يقينا وعلى مذهب الخاصّة يمكن أن ينطبق على هذا المعنى وتقييده بالروايات الاخر أو ان يكون ظاهرا بقرينة الصدر في الركعة الاحتياطيّة حيث ان الوظيفة قد تقدّمت على بيان التعليل بلا تقييد أصلاً .

وعلى هذا الوجه فالرواية يمكن استفادة جريان الاستصحاب في عدم الاتيان بالرابعة على المذهبين فلا يكون منعزلاً عن الشكّ في عدد الركعات .

وفي المقام توجيه آخر موافق لظاهر الرواية أشرنا إليه ونزيده هنا بيانا وهوأن يكون المراد من الاستصحاب والفقرات التالية لقوله ولا ينقض مراعاة الصلاة بقيودها الوجوديّة والعدميّة حيث ان اتيان الركعة الرابعة على كلّ تقدير

توجيه آخر للرواية

ص: 138


1- . كفاية الأصول 2/295 .

لليقين بالقيد الوجودي وهو وجود أربع ركعات . فبناء على مذهب العامّة يجري الاستصحاب ويكون هذا القيد محرزا الا ان في المقام لما روعيت جهة الزيادة ولم تكن ملغاةً رأسا فلذا لابدّ من الاتيان بالركعة المشكوكة على نحو لو كان المأتي بها ناقصا عنها تكون متمّمة لها وعلى تقدير تمامها فتكون نافلة وتستلزم أن يكون لها راسم وحدة .

فلذا شرعت بالتكبيرة والفاتحة اذ لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ولا تكون التسبيحات قائمة مقام الحمد على هذا الفرض ويكون معنى لا يخلط أحدهما بالآخر ولا يدخل الشكّ في اليقين هو عدم خلط الشكّ في القيد العدمي أي عدم الزيادة في اليقين بحصول القيد الوجودي وهو اتيان الرابعة وعدم ادخال هذا الشكّ في اليقين الذي يحصل على النحو المذكور .

فقوله لا ينقض اشارة إلى احراز القيد الوجودي أومع العدمي والفقرات

التالية إلى لزوم احراز القيد العدمي من جهة الزيادة فتبين ممّا ذكرنا عدم مخالفة هذه الرواية لمذهب الخاصّة بل هي منطبقة على المورد دالّة على الاستصحاب بأحسن وجه وروعى فيها احتمال الزيادة فسّد ذلك بتشريع الركعة المنفصلة على ما ذكرنا فتكون متمّمة للملاك أو مع الجزئيّة كما أشرنا إليه سابقا . وبناء على استظهار تبدّل وظيفة الشاكّ إلى الاتيان منفصلة بين الركعات بالتكبير وبالسلام فنقول بمقتضاه من كون الأربع ركعات وظيفة غير الشاكّ أي الذاكر غير الساهي . وأمّا من شكّ فوظيفته هكذا ولذا لو لم يأت بالركعة الاحتياطيّة واستأنف الصلاة من رأس لا تكون مجزية مسقطة للامر مع عدم فاصلة حدث . والا فيستأنف بل بعضهم تعدى حتى في هذه الصورة فالتزم بزوم الركعة الاحتياطيّة ولا وجه له

ص: 139

وشرح ذلك في الفقه . ولا ينافي ما ذكرنا ظهور الرواية في تعين الركعة من قيام وذلك للجمع بين هذه الرواية والأخبار الآخر الواردة(1) بركعتين من جلوس بالتخيير وأفضليّة الجلوس ولا تكون قرينة على كون المراد الركعة الاتصاليّة كي يكون تقية هذا .

وقد استشكل في الرواية بعدم ظهورها في القاعدة الكليّة لاحتمال كون الفقرات المذكورة فيها مبنيّة للفاعل .

كما استشكل في الصحيحة الاولى من كون المراد من اليقين فيها اليقين بالوضوء ولا ينقضه بالشكّ اشارة إلى موضوع من لم يدر في ثلاث أم في أربع .

وعلى هذا فلا ربط لهذه الرواية بالاستصحاب أصلاً كما أشار إلى هذا الاشكال المرحوم المحقّق الآخوند قدس سره (2) الا انه لا يخفى امكان البناء للمفعول كما أشار إليه هذا المحقّق بقرائن اخرى منها صدور مضمونها مناسبا للمفعول في باقي الروايات . ولا ينافي ذلك كون المراد من الفقرات الذيليّة أي قوله ( يبني على اليقين ويتمّ على اليقين ولا يعتدّ بالشكّ في شيء من الحالات . الفاعل والتعليل أي قوله لا ينقض على المفعول .

وعلى كلّ حال فقد عرفت ظهور الرواية في حجيّة الاستصحاب في غير مورد ولا تكون محمولة على التقيّة كما سمعت .

وبما ذكر ظهر ما في كلام الشيخ العلاّمة الأنصاري بمخالفة كون المراد من اليقين والشكّ في لايدخل الشكّ في اليقين الثلاث ركعات والركعة الرابعة

ظهور الرواية في الاستصحاب

ص: 140


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 10/1 - 2 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . كفاية الأصول 2/295 .

المشكوكة بأن يأتي بها مفصولة للفقرات الست أو السبع مع ان الفقرات الست أو السبع لا تكون في الرواية الا على كون المراد بها هي كلّ من قوله ولا يخلط ولا يدخل ويتم الخ .

ومن الروايات المستدلّ بها على حجيّة الاستصحاب رواية محمّد بن مسلم(1) عن أبي عبداللّه علیه السلام ( من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه أو فليبن على يقينه وفيها احتمال أن يكون اشارة إلى قاعدة اليقين والشكّ الساري .

وهذه الرواية نقلت على أنحاء منهاما عن أبي عبداللّه قال: قال أميرالمؤمنين عليهماالسلام: من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه فانّ الشكّ لا ينقض اليقين .

ومنها: ما يقارب(2) هذا المضمون من انه يبنى على يقينه أو فليبن على يقينه ويحتمل تعددها لذلك ودلالتها على الاستصحاب مبنيّة على عدم ظهورها في قاعدة اليقين أو يكون الأعم من الاستصحاب والقاعدة فيشمل الاستصحاب أيضا .

والتعبير فيه بقوله من كان على يقين فشكّ أو ثمّ يشك يناسب القاعدة فقد يقال بظهورها فيها لا في الاستصحاب لصراحتها في اختلاف زمان اليقين والشكّ وهذا ليس بلازم في الاستصحاب . لأنّ الاستصحاب مورده في الشكّ في البقاء وهذا يمكن أن يكون مجتمعا مع اليقين بالحدوث بخلاف القاعدة . فانّ الشكّ فيها يتعلّق بعين المتيقن سابقا في حدوثه ولذلك يسمّى بالشكّ الساري أيضا . ففي

ص: 141


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8 - 9 - 10/2 - 5 - 2 - 3 من أبواب الخلل في الصلاة .

مورد القاعدة لا يمكن اجتماع اليقين والشكّ بل بالشكّ لا يقين وهذا بخلاف الاستصحاب فليس يعتبر فيه اختلاف زمان اليقين والشكّ لعدم كون متعلّق اليقين هو متعلّق الشكّ بعينه بل متعلّق اليقين الشيء بوجوده الحدوثي ومتعلّق الشكّ الشيء بوجوده البقائي فالشكّ وإن كان متعلّقا بنفس الشيء الا انه ليس في الحدوث بل في البقاء بعد بقاء اليقين بالحدوث .

فعلى هذا يتصوّر فيه اجتماع اليقين والشكّ بخلاف القاعدة كان تيقّن بعدالة زيد في يوم الجمعة ثمّ شكّ يوم السبت في نفس عدالته يوم الجمعة فتعلّق الشكّ في الزمان الثاني بعين ما تعلّق به اليقين به في الزمان الأوّل .

وعلى تقدير أن يكون ظاهرا في القاعدة فالمراد بالمضي على اليقين ليس على اطلاقه بل بالنسبة إلى آثار حال اليقين غير الباقي فلو كان أثر لذلك في البقاء فلا يترتّب عليه كان صلّى يوم الجمعة عقيب زيد فلا يعيد ذلك من جهة الشكّ في عدالته بعد يومها .

نعم في زمان الشكّ يترتّب عليه آثار الشكّ الفعلي حسب ما هو مبين في أدلّته . وأمّا لو يترتّب على العدالة أثر بقاءً فلا يترتّب عليه لعدم استفادة ذلك من القاعدة كما إذا كان يقلّد مجتهدا وذهب رأي المجتهد إلى جواز الأكل للذبيحة بودج واحد بقي منه أو جواز أكلها وحليّتها لو قطعت الأوداج ممّا يتّصل بالرأس بخلاف ما إذا لم يبق اتّصال في الأوداج أصلاً . بل في هذه الصورة يمكن أن يبنى على جواز نحر الذبيحة من منحره وكان على هذه الفتوى مدّة من الزمان فشكّ في الأزمنة المتأخّرة في مدرك الحكم .

وإن ما حكم به سابقا وأفتى به هل كان هو حكم اللّه أو أخطأ . فبالنسبة إلى

لو استفيد القاعدة

ص: 142

الآثار المعدومة فيمضي من نجاسة يده أو الأكل من الذبيحة كذلك وبيعها وأمّا لو كانت باقية فلا يجوز الأكل منها أو بيعها إذا كانت منفعتها منحصرة بالأكل لعدم الاحراز .

وكذا لو كان فتواه أو مجتهده عدم جواز بيع اللبن المتنجس لعدم منفعة محلّلة مقصودة وكان طرف المعاملة والطرف الآخر بخلاف ذلك عن اجتهاد أو تقليد فتنازعا وتحاكما إلى من كان يحكم بمقتضى فتواه على جواز البيع فينقض هذه الفتوى في المقام لتسلّم تقدّم الحكم على الفتوى أمّا إذا لم يكن قاطعا بفساد الحكم بخلافه فحينئذٍ لابدّ من امضاء حكم الحاكم والبناء على صحّة المعاملة كما هو مسلم بين الفقهاء . أو كان يقلّد شخصا بخيال انه حي مع البناء على عدم جواز تقليد الميّت ابتداءً وبعد مدّة شكّ في حياته حين رجع إليه .

فهذا كلّه من موارد قاعدة اليقين وعلى تقدير تماميتها لابدّ من القول بمقتضاها في هذه الموارد وأشباهها .

وليعلم انّ ذلك اذا لم يكن قاطعا ثانيا على الخلاف بل تبدّل الاجتهاد لقيام الامارة عنده على خلاف ما أفتى به وذهب إليه سابقا وكذا مورد الكلام ما إذا لم يطرء عنوان آخر على ما ذكرنا من هذه الموارد بل في كلّ مورد ويمكن القول في فرض تقدّم حكم الحاكم على الفتوى ان اللازم على من فتواه على خلاف الحكم التعبد بصحّة المعاملة .

وأمّا جواز الأكل والشرب أو الاستعمالات التي تكون عند الحاكم محلّلة فلا ) .

وعلى كلّ حال فالقاعدة على تقدير قيام الدليل عليها لا اشكال في ترتب

ص: 143

الحكم والآثار عليها . إنّما الكلام في الدليل وهذا الخبر المبحوث عنه في المقام يحتمل انطباقه على القاعدة بأن يكون المراد من اليقين والشكّ ما يظهر منهما لا المتيقن والمشكوك ويكون المتعلّق للشكّ هو المتعلّق لليقين فكما انّ اليقين تعلّق بالحدوث فالشكّ كذلك ويلزم على هذا أن يكون ماضيا على اليقين كما هو المناسب للرواية . ويمكن أن يراد منها خصوص الاستصحاب وذلك بأن يكون المراد من اليقين والشكّ ظاهرهما وإن كان الأوّل مقدما على الثاني وجودا إلاّ انه ليس بلازم بل يمكن اجتماعها في زمان واحد ولكن الاستصحاب لا ينافي تقدّم اليقين على الشكّ كي لا يمكن استفادته من هذا الخبر بل الغالب في مورده هو تقدّم اليقين على الشكّ والمتعلّق في اليقين هو المتيقن بوجوده الحدوثي والشكّ يتعلّق بذلك المتيقّن لاحقا ومقتضاه كون الشكّ في البقاء مع بقاء أصل اليقين بالحدوث .

وأمّا لو تعلّق اليقين بشيء والشكّ بشيء آخر فذلك خارج عن مدلول الخبر ويكون من قاعدة المقتضى والمانع ولا ربط لها بالاستصحاب . ويمكن ارادة الأعم من الاستصحاب والقاعدة . والأكثر فهموا من الرواية الاستصحاب وجعلوها دليلاً عليه وإن قال بعضهم بالأعم منهما أو لعلّه بخصوص القاعدة . والأظهر في الرواية بل الظاهر الذي يساعده الوجدان هو اختصاصها بمورد الاستصحاب وذلك لمكان قوله ذيلاً فليمض على يقينه .

الذي من المسلم عدم موضوعيّة له في متعلّق نفسه .

نعم يمكن أن يكون موضوعا لحكم آخر إمّا في مورده فله الطريقيّة عقلاً ولا مساس للجعل والتعبّد الشرعي أثرا له . فيقرب على هذا كون المراد من اليقين

ص: 144

هو المتيقن وهو كما إذا تيقّن عدالة زيد وشكّ في بقائها فليمض على متيقّنه ويرتّب آثار العدالة عليه بقاءً ولا يمكن الالتزام بهذا في قاعدة اليقين كما إذا طلّق

زوجته عند من تيقّن المتزوّج بها بعد العدّة بعدالته وشكّ لاحقا في أصل العدالة حين الطلاق مع انّه قبل الشكّ وطئها افترى دلالة الخبر على جواز وطئها ثانيا وثالثا حين الشكّ وبعده في عدالة من طلقت عنده واما في الاستصحاب فلا يرد ذلك أصلاً هذا .

وعلى تقدير عدم الظهور في ما ذكرنا فلا أقل من الاحتمال المسقط له عن كونه دليلاً عليه وعلى القاعدة .

ملخّص الكلام: قد ذكرنا دلالة الرواية على الاستصحاب ولو كان المراد منه الأعم من القاعدة والاستصحاب فالاستصحاب يكون داخلاً قطعا وذلك بأن يراد من اليقين اليقين مطلقا ويتعلّق الشكّ بذلك ولكن حيث انّ اليقين ليس له حكم الا الأحكام العقليّة فالمراد منه في الرواية هو المتيقّن الذي جعل موضوعا للمضي ثانيا . غاية الأمر جهة الشكّ مختلفة فتارة يكون في الحدوث واخرى هو البقاء وعلى هذا التقدير فالجامع هو اليقين . وإلاّ فلا جامع بين الاستصحاب والقاعدة على نحو يشمل خصوصيّة كليهما .

وأشرنا إلى انّ ليس لليقين أثر شرعي إلاّ ما يترتّب عليه عقلاً .

فعلى هذا ليس المراد من يقينه الذي لابدّ من المضي عليه الا المتيقّن اذ هو الذي يكون موضوعا للأحكام الشرعيّة .

وعلى كلّ تقدير فالخبر شامل للاستصحاب متيقنا .

وأمّا القاعدة فلو كان لها أساس في أدلّة الشرع فيمكن استفادة حجيّتها من

استظهار كون الرواية في مورد الاستصحاب

ص: 145

هذا الخبر على هذا التقريب . وإلاّ فلا وجه ولا دليل عليها . بل لم يعلم العمل بها في مورد وما يتخيّل كون القاعدة فيه دليلاً فليس بصحيح . اذ من هذه الموارد قضيّة تبدّل رأي المجتهد والبناء على صحّة أعماله السابقة له ولمقلديه والصلاة عقيب من كان جنبا واقعا أو كان يهوديّا أو فاسقا وأمثال هذه وليس الدليل فيها هي القاعدة فان عدم اعادة المأموم واعادة الامام في ما إذا كان جنبا كما ورد(1) من ان الامام يعيد ولا يعيد المأمومون فلم يبين الوجه في ذلك الخبر لكنّه ينطبق على قاعدة لا تعاد بالنسبة إلى المأمومين اذ لم ينقص من صلاتهم الا القرائة وهي لا تعاد الصلاة من جهتها اذا كان تركها عن ( سهو ) لا عن عمد كما في المورد ويمكن أن يكون العلم بالعدالة موضوعا للجواز وصحّة الصلاة لا واقعها أو ( اكتفى بالظاهر ) وعلى هذا فدلالة الرواية على الاستصحاب واضحة .

وقد استدلّ على حجيّة الاستصحاب بمكاتبة(2) علي بن محمّد بن القاشاني أو القاساني .

قال: كتبت إليه وأنا بالمدينة أسأله عن اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان هل يصام أم لا ؟

فكتب

علیه السلام: اليقين لا يدخله الشكّ صم للرؤية وافطر للرؤية .

ويظهر من بعض الرجاليين ان راوي هذا الخبر ضعيف وصدرت منه أشياء

أو أقوال منكرة وعن آخر أو آخرين مدحه لكنه مشترك بين اثنين(3) أحدهما

ص: 146


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 1/36 من أبواب صلاة الجماعة .
2- . وسائل الشيعة 10 الباب 3/13 من أبواب أحكام شهر رمضان .
3- . راجع تنقيح المقال 2/305 - 308 ومعجم رجال الحديث 12/149 - 150 - 172 - 175 .

علي بن محمّد بن شيرة والثاني بلا زيادة ويظهر من تتبع كتب الرجال ان أحدهما كان من جبل عامل وهو القاساني اسم محلّة أو موضع أو بلد لهم والآخر هو القاشاني كان اصبهانيّا تعد قاشان من توابع اصبهان والذي كان عامليا كانه غير مقدوح بخلاف الثاني ولاشتراكهما يحتاج التميز بينهما كما في ساير موارد الاشتراك بين الاسمين أو الأسماء إلى ما يشخص أحدهما أو أحدهم عن الآخر بروايته عن شخص خاص أو كونه في طبقة خاصّة دون الآخر أو من أصحاب امام خاص أو غير ذلك من المميزات .

وعلى كلّ حال فراوي هذا الخبر كأنّه هو القاشاني بالمعجمة الذي قد سمعت ما فيه .

ويظهر انّه كان من أصحاب الهادي علیه السلام ويمكن ادراكه الجواد علیه السلام في شبابه وعلى تقدير الاغماض عن السند فلابدّ من النظر في دلالتها . وتقريب الاستدلال بها على الاستصحاب ان اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان له فردان . احدهما ما يشكّ فيه انّه من شعبان والثاني مشكوك انّه من أوّل شوال وقوله هل يصام أم لا سؤال عن وجوب الصوم وعدمه . فأجاب في المكاتبة بقوله علیه السلام ( اليقين لا يدخله الشكّ ) وذلك فانّ اليقين بشعبان لا يرفع اليد عنه بالشكّ في خروجه ودخول رمضان وكذا في اليوم المشكوك انّه من شوّال لا يرفع اليقين برمضان بالشكّ في شوال وكلّ ذلك لعدم دخول الشكّ في اليقين .

فلو بنى على دخول رمضان في الأوّل وشوّال في الثاني وصام هذين

اليومين أو أحدهما كذلك على انّه من أحدهما فدخل الشكّ في اليقين . وذلك لا يجوز وعلى هذا فيصح قوله ( صم للرؤية وافطر لرؤية ) تفريعا على هذه الكبرى

الاشكال في سند الرواية

ص: 147

وهذا لا اشكال فيه وانّه دليل على الاستصحاب . ولذا جعل الشيخ(1) هذه الرواية أظهر الروايات في دلالتها على الاستصحاب الا ان المحقّق النائيني قدس سره م احتمل(2) وجها آخر في الجواب . وذلك بأن يكون صادرا في اعتبار اليقين برمضان في وجوب الصوم فقبل يقين موضوع رمضان لا يجوز أن يصوم بنيته كما ورد(3) في الروايات الاخر الدالّة على ذلك حتّى انّه لو اتّفق ما صامه بنيّة رمضان رمضانا لا يقع له .

نعم يجوز بنية آخر يوم من شعبان أو بنيّة صوم آخر ويقع رمضان . فعلى هذا لا مساس لهذه الرواية بباب الاستصحاب بل هي أجنبيّة عن ذلك وقوله افطر للرؤية وصم للرؤية بيان لحكم وجوب الصوم والافطار لحرمة الافطار في رمضان والصوم في يوم العيد فعلّق وجوب الصوم والافطار على الرؤية .

وأمّا صوم يوم الشكّ فلم يتعرّض له في الجواب هذا إلاّ ان ذلك لا يوجب ظهور الرواية في ما ذكره المحقّق النائيني رحمه الله لأن استفادة الحكم من الروايات الاخر وعدم جواز صوم يوم الشكّ على انّه من رمضان أو شعبان على انه من رمضان لا ربط له بما هو مورد الرواية وهي ظاهرة فيه .

والانصاف ان الرواية ظاهرة في الاستصحاب(4) مضافا إلى بعد ما ذهب إليه النائيني انه لم يبين حكم يوم الشكّ من شوّال ( بل ظاهر الرواية انّه يصام للاستصحاب .

ص: 148


1- . فرائد الأصول 2/570 .
2- . فوائد الأصول 4/366 .
3- . وسائل الشيعة 10 الباب 1/4 - 7 - 8 من أبواب الصوم المحرّم .
4- . كما استظهر ذلك استاذنا المحقّق البجنوردي قدس سره . منتهى الأصول 2/434 .

هذه عمدة روايات الاستصحاب التي ذكر الشيخ رحمه الله(1) بعد ايرادها وبعض الروايات الاخر ان المجموع باعتبار التعاضد والتجابر دال على الاستصحاب وانّه حجّة . ومراده رحمه الله ان بعضها كصحاح(2) زرارة أو الاولى(3) والثانية(4) دالّ على الاستصحاب ولو في الجملة ( وفي باب الوضوء والخبر(5) الأخير في الصوم وباقي الأخبار(6) في الطهارة والنجاسة الخبثيّة وغيرها فبالمجموع تستفاد القاعدة أي الاستصحاب وينجبر سند بعضها بالآخر ) مع صحّة السند وبعض الأخبار الآخر وان لم يكن صحيح السند الا انه تام دلالة فيمكن الاتّكال على المجموع خصوصا الخبر الأخير الذي ذكرنا انّه أظهر الروايات عند الشيخ لا أن يكون السند مأخوذا متعددا في بعضها ونأخذ الدلالة من آخر حتّى يصحّ الاستناد إلى المجموع في ذلك .

وعلى كلّ حال فقد عرفت عدم أظهريّة الأخير وعرفت ان دلالة كلّ هذه الأخبار على النحو الذي قربناه في كلّ واحدة منها تامة بلا حاجة إلى التعاضد والتجابر . وعرفت الاشكال من المحقّق النائيني في الأخير وربما يستدلّ ببعض الأخبار الواردة في بعض المقامات على الاستصحاب كقوله علیه السلام: كلّ شيء(7) لك

دلالة الروايات على الاستصحاب

ص: 149


1- . فرائد الأصول 2/570 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1 ح1 من أبواب نواقض الوضوء .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 1 ح1 من أبواب نواقض الوضوء .
4- . وسائل الشيعة 3 الباب 37 - 41 - 44/1 - 1 - 1 من أبواب النجاسات .
5- . الوسائل 10 الباب 3/13 من أبواب أحكام شهر رمضان .
6- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/5 من أبواب الماء المطلق و3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .
7- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

حلال حتّى تعلم انّه حرام أو كلّ شيء(1) لك حلال حتّى تعرف انّه حرام بعينه .

وقوله علیه السلام كلّ شيء(2) نظيف حتّى تعلم انّه قذر والماء كلّه طاهر حتّى تعلم انه قذر وليس في الأخبار كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر وان ادّعى صاحب الحدائق ذلك .

( أقول(3): قد اعترف على خلاف ما اسنده الاستاذ إليه في أوّل باب النجاسات ) واستند بعضهم إلى هذه المضامين في حجيّة الاستصحاب والقاعدة معا كصاحب الفصول . والمحقّق الخراساني(4) زاد على هذا استفادة الحكم الواقعي في قبال آخر مستفيد دلالتها على خصوص القاعدة .

والمحقّق الخراساني في تقريب الكلام للدلالة على هذا المدعى تارة يوافق ما في كفايته واخرى يعبر بأن في الكفاية كذا ونحن نقول كذا وقد رجع رحمه الله في درسه وكان يصرّح على خلاف ما في الكفاية في مواضع:

منها: ما أفاد في باب الطلب(5) والارادة الذي أورد فيه كلمات لا توافق الاختيار وأخذها من غيره وقرّبها بما ظاهره الجبر عند قوله ما جعل اللّه المشمشة مشمشة ولكن أوجدها وإن الذاتي لا يعلل إلى ( قلم اينجا رسيد سر بشكست ) حتّى عبّر عنه بعض المحشّين في هذا الموضع بالزنديق الهروي الا انه لم يكن قام أحد بحذف ذلك من كفايته فطبع مرّة بعد اخرى إلى ان اشتهر في الآفاق .

ص: 150


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . الوسائل 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات والوسائل 1 الباب 1/5 من أبواب الماء المطلق .
3- . الحدائق 5/11 .
4- . كفاية الأصول 2/298 - 300 - 301 .
5- . كفاية الأصول 1/99 إلى 101 .

ومنها: ما أفاده في أوّل بحث حجيّة الظن الا ان كلامه هنا اهذب . وكيف كان فيمكن تقريب الدلالة على استفادة المطالب الثلاثة من قوله كلّ شيء(1) لك حلال حتّى تعلم انّه حرام واخته بأن يستفاد الحليّة الواقعيّة والظاهريّة والاستصحاب المنحصر دلالة هذه عليها وإن كان الاحتمالات تصل إلى سبعة بأن يراد كلّ هذه الثلاثة واثنين منها وهما القاعدة والاستصحاب وهو والحكم الواقعي وهو والقاعدة وهذه أربعة وكلّ واحد من الثلاثة فتكمل السبعة . وذلك بأن يكون المراد من الشيء العنوان الاولى له أي شيء كان من الذوات التي تكون موضوعة لمتعلّقات التكاليف أو يكون من المتعلّقات وإن كان مرجع الأوّل أيضا إلى الثاني . اذ الحرمة والطهارة إنّما تتعلّق باعتبار التصرّفات القابلة التعلّق بالحرام والشيء

بالمعنى الأوّل اشارة إلى الماهيّات والعناوين الخارجيّة كالحنطة والشعير وكلّ ما يمكن أن يتعلّق فعل المكلّف به من الموضوعات الخارجيّة ويكون حكم هذا الشيء من الفعل والموضوع الخارجي اللذين هما فردان للشيء منطبقين على الموارد الكثيرة التي تكون لها حسب افرادها بالنسبة إلى كلّ مكلّف الحلية بحسب العنوان الاولى بلا تعلّق شكّ بحكمه .

وعلى هذا فيكون نظير اصالة الاباحة في الأشياء وإن كان يتصوّر فيه المنع من جهة تصرّف المكلّف في ملك المولى بخلافه هنا . الا من حيث طرو عنوان عارضي كالغصب وأمثاله ومثله في ذلك قوله كلّ شيء(2) مطلق حتّى يرد فيه نهي لو اريد به الوصول إلى المكلّف لا ما اذا كان المراد بالورود مجرّد جعل الحكم

ص: 151


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . الوسائل 27 الباب 12/67 من أبواب صفات القاضي .

على خلاف اطلاقه .

وهذا أي استفادة الحكم الواقعي بهذا النحو يلازم كون المصلحة في كلّ شيء بعنوانه الاولى موجبة لجعل الحليّة على نحوها إلى ان يطرء عليه عنوان آخر من جهة اخرى تكون مزاحمة للمصلحة الاوليّة موجبة لجعل الحرمة وتخصيص الحليّة الأوليّة الذي مرجعه إلى التخصّص لأن مرجع التخصيص والتقييد حقيقة إلى ان الواقع مقيد ونحن كنا نتخيل(1) له العموم والاطلاق فزال بالمخصّص

والمقيّد إذ ليس المقام ممّا يطرق فيه البداء بل باب التشريع والتكوين من واد واحد .

فالجهة الموجبة لجعل الحرمة لا محالة تغلب الجهة الاولى في الشيء الموجبة لجعل الحلية .

والحاصل ان مورد الكلام ما اذا لم يوجب العنوان الطارى والجهة العارضة الكراهة حسب ما تدعوا كلّ جهة إلى جعل المولى حكما يناسبه .

ومفاد هذا الخبر على هذا البيان يوافق قوله تعالى: « خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا »(2) وذلك لأن الانتفاع بكلّ شيء على حسب ما يقتضي . فالانتفاع بالمأكول في أكله والمشموم في شمّه والماء في شربه فكلّ شيء بحسبه فيما يكون له من النفع متوقعا اذ معنى قوله تعالى: « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ »(3) ليس حرمة لحومهن بل الانتفاع الحاصل من نوعهن . هذا في دلالته على حكم الشيء بعنوانه الاولى الذي لم يؤخذ في موضوعه الشكّ في الحكم الاولى . ولو

ص: 152


1- . هذا خلاف التحقيق .
2- . سورة البقرة: 30 .
3- . سورة النساء: 23 .

أخذ فيه الشكّ فيكون المراد الشيء المشكوك حكمه كالتتن والواقعة المشكوك حكمها فله الحليّة الظاهريّة . إذ موضوع الحكم الظاهري هو الشكّ في الحكم بالعنوان الاولى فالشيء على هذا يراد به الأعم من الموضوع الواقعي ومتعلّق التكليف كذلك . وهما بما هما مشكوكان حكما . ولما كان كلمة حتّى دالّة على قطع استمرار المغييّ بها في خصوص المقام وبعض الموارد الاخر وإن كان استعمالها غالبا في اتّحاد حكم ما بعدها لما قبلها أي الغاية للمغييّ الا ان في المقام لا يعقل

ذلك فهو ينظر إلى عدم كون بعد الغاية داخلاً في ما قبلها بل يختلفان . فالعلم موجب لعدم الحليّة وكون الحكم هو الحرمة فذلك دال بالالتزام على استمرار الحكم الاولى والثانوي على موضوعيهما إلى زمان العلم بالخلاف . وهذا هو الاستصحاب وأمّا تقريب استفادة القاعدة والاستصحاب فظاهر ممّا ذكرنا بكون الشيء هو خصوص الشيء المشكوك الحكم وأمّا دلالته على القاعدة فقط فتقريبه بأن يقال ان العلم بالحرمة والقذارة ليس غاية للحكم كما في التقريبين السابقين بل داخل في الموضوع فيكون الحكم مطلقا غير مغييّ بغاية والموضوع الواقعة المشكوكة حكما هو الفعل المتعلّق للتكليف كذلك أي كلّ شيء لم يعلم قذارته في الثاني أو لم يعلم حرمته في الأوّل طاهر أو حلال .

فلا يستفاد منه شئسوى القاعدة .

هذه ثلاث تقريبات وجعل سيّدنا الأستاذ قدس سره أقربها الأخير كي ينطبق على القاعدة ويكون الاستصحاب والحكم الواقعي بمعزل عن مورد تلك الأخبار .

توضيح وتبيين: قد ذكرنا تقريب دلالة قوله علیه السلام كلّ شيء(1) لك حلال

ما يستفاد من الرواية

ص: 153


1- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

حتّى تعلم انّه حرام وكلّ شيء(1) نظيف حتّى تعلم انّه قذر على الاستصحاب ولا بأس لتوضيح المقام من بيان آخر وهو ان الشيء المدخول للفظة كلّ هو الشيء بعنوانه الاولي الذي يطرء عليه الحكم الواقعي المجعول أوّلاً بلا لحاظ شك فيه سواء كان من متعلّقات التكاليف أو من موضوعات المتعلّقات . وذلك فيما يكون له موضوع خارجي كالحنطة والشعير وغيرهما والحكم في الخبرين على هذا يكون هو الحلية الواقعيّة والطهارة والنظافة كذلك .

هذا مع قطع النظر عن الذيل المشتمل على قوله حتى الظاهرة في كونها غاية للحكم كما في الموارد الآخر حيث انها لبيان انتهاء امد الحكم المجعول أو لموضوعه مثل العصير حلال حتّى لم يغل أو يجوز التنفّل في وقت الفريضة حتّى لم يضيق الوقت ( في صحّة استعمالهما نظر ) الا ان الفرق هو تقيدهما بغير العلم والجهل بخلاف هاتين الروايتين وأمثالهما ممّا قيد المغييّ بالعلم بالخلاف ومن ذلك نكشف عدم كون الحكم فيهما حكما واقعيّا بل هو حكم ظاهري موضوعه الشكّ غاية الأمر مع ابقاء صدرهما على ظهوره في عدم كون الموضوع مقيدا بالشكّ . فالاستفادة من الذيل بدلالة الاقتضاء الموجبة لكون المستمر إلى حين العلم غير المجعول أولاً والا فلا وجه لتأجيله إلى العلم بالخلاف بل إلى ما يوجب رفعه من حكم ضدّها واستشكل عليه المحقّق النائيني قدس سره (2) بعدم وجود لفظة ( وهذا الحكم مستمر إلى حين العلم بالخلاف كي يكون دالاًّ على الاستصحاب الذي موضوعه اليقين والشكّ الفعليّان ولابدّ من وجود المتيقّن محرزا في ظرف

توضيح المستفاد من الرواية

ص: 154


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .
2- . فوائد الأصول 4/370 - 371 .

الاستصحاب . والفرض ان صدر الكلام ظاهر في خصوص الحكم الواقعي وليس في الكلام ما نستفيد منه الاستمرار وفرض تيقن المتيقن كي يصح الاستصحاب . اذ الغاية غاية واحدة فاما ان يكون غاية للحكم أو غاية للموضوع وعلى كلا التقديرين لا وجه لاستفادة حكمين أحدهما بدلالة الاقتضاء والالتزام بل الظاهر من الجملتين هو القاعدة المجعولة في ظرف الشكّ في الطهارة والحلية .

وبعبارة اخرى فيما اذا لم يكن حجّة عقليّة أو شرعيّة عليهما لدخول الظن غير المعتبر أيضا في الشكّ .

بيان ذلك ان ظاهر القضيتين كما ذكرنا ان الشيء هو الشيء بعنوانه الاولى اذ لم يقيد بالشكّ في حكمه بل ولا فرض له حكم حتى يشكّ فيه فضلاً عن أن يكون مأخوذا فيه . والحكم المجعول على هذا الشيء بهذا العنوان منحصر في الحكم الواقعي .

ومن المسلم عدم كون العلم بالحكم الواقعي والجهل به مأخوذا في

موضوعه كما انه لا اختصاص له باحدى الطائفتين دون الاخرى لاستواء العالم والجاهل فيه . وحينئذٍ فلا يمكن كون المراد بالشيء الشيء بعنوانه الاولي . اذ لا يناسبه الغاية الظاهرة بالعلم بالخلاف لعدم دخل للعلم بالخلاف في ثبوت الحكم بل على هذا يكون ظاهرا في عدم النسخ ويوافق من وجه ما ورد من ان حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ) ومعناه ان الحكم المجعول ما لم يعلم نسخه وارتفاعه بطريان ضدّه فهو مستمر موجود .

ص: 155


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي . واللفظ عن الباقر علیه السلام عن جدّه رسول اللّه صلی الله علیه و آله: أيّها الناس حلالي إلخ وحرامي إلخ .

وذلك لا مدخل له بباب الاستصحاب ولا القاعدة ( بل كانه يكون من تطبيقات قاعدة كلّ حكم علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه إلى أن يعلم ذلك الأمر الوجودي ) مضافا إلى عدم معقوليّة أن يقال ان الحلال ما لم تعلم انّه حرام فهو حلال لو كان غاية للحكم . فاذا لم يمكن استفادة ذلك منه ولا القاعدة والاستصحاب اذ الأمر فيه اشكل ولا الحكم الواقعي كما هو مفروض المقام وكذا ما سبق إليه الاشارة من كونه ظاهرا في ثلاثتها فلا محيص لما ذكرنا عن كون المراد بذلك هو القاعدة وذلك لمناسبتها تامّة في صيرورتها مغيّاة موردا بالعلم بالخلاف .

وعلى ذلك فالغاية غاية للموضوع لعدم امكان كونها غاية لهما معا ولا للحكم لدورانه مدار موضوعه . ومع فرض بقاء الموضوع بعينه فلا تقيد للحكم فمعنى قوله كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم انّه حرام على ما ذكرنا .

انه كلّ شيء لم يعلم انّه حرام وشكّ في حرمته فهو لك حلال .

فالموضوع مقيّد والحكم مطلق ولا أمد له بل باقٍ مادام الموضوع باقيا . فاذا زال الشكّ يزول الحكم تبعا لعدم موضوعه اذ الموضوع على هذا عبارة عن الشيء بوصف كونه مشكوك الحكم وعند العلم بخلاف الحكم المشكوك أو بوفاقه فلا شكّ .

والحاصل انه لا يمكن استفادة شيء من هذه القضيّة الا القاعدة وعلى فرض التنزل والتسليم فاحسن ما يمكن فيها هو ما أفاده المحقّق الخراساني(1) من كونها ظاهرة في الحكم الواقعي بلحاظ صدرها والاستصحاب بلحاظ ذيلها .

ما يمكن استفادته من الرواية

ص: 156


1- . كفاية الأصول 2/298 - 300 - 301 .

الا ان المحقّق النائيني ما ساعده على ذلك وأورد(1) عليه بعدم فرض موضوع للاستصحاب . اذ تقدير الكلام على ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمه الله انّ كلّ شيء لك حلال وهذه الحليّة مستمرّة إلى زمان العلم بالخلاف مع خلو القضيّة عن هذا الحكم مستمر وإن كان يمكن استفادة الاستمرار من حتى . وتقريب استفادة مختار الآخوند رحمه الله بما تقدّم من ظهور الذيل بدلالة الاقتضاء من فرض الشكّ في الحكم بلحاظ العلم بالخلاف الذي لا يناسب الا الحكم الظاهري وما يفرض فيه العلم بالخلاف أمدا للحكم ليس الا الاستصحاب الذي هو قسم من الحكم الظاهري فمفاد الذيل مفاد انقضه بيقين آخر . الا ان ذلك بعد محل تأمّل لامكان أن يبقى الغاية على ظاهرها في غير المورد من ورودها مورد التقييد والغاية الواقعيّة وان استفيد منها على هذا غير الاستصحاب والقاعدة لعدم دوراننا مدار استفادتها أو أحدها بل نتبع الظهورات .

تنبيه: قد تقدّم بيان التقريبات ولا يمكن استفادة حكمين الحكم الواقعي والظاهري ولا يمكن اجتماع لحاظين في استعمال واحد لاستحالة الجمع بين المعاني المتعدّدة مضافا إلى تعدّد الرتبة اذ رتبة الحكم الواقعي مقدّمة على رتبة الحكم الظاهري بمرتبتين كما ان موضوعه كذلك .

إن قلت: لِم لا يجوز استفادة حكمين من قوله علیه السلام (2) كلّ شيء لك حلال

حتّى تعلم انّه حرام كما جازت في نحو لا(3) يحلّ مال امرء مسلم إلاّ عن طيب نفسه فاستفادوا منه حكمين واقعي وهو حرمة التصرّف في مال الناس المعلوم

ص: 157


1- . فوائد الأصول 4/370 - 371 .
2- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . الوسائل 5 الباب 3/1 من أبواب مكان المصلّي مع اختلاف في اللفظ .

عدم رضاهم وظاهري وهو حرمة التصرّف في أموالهم المشكوك رضاهم وطيب أنفسهم بالتصرّف حرمة ظاهريّة ممّا علّق الحكم أي الحليّة على أمر وجودي وكلّ ما كان الحكم معلّقا على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه إلى أن يثبت ذلك الأمر الوجودي . وجعلوا هذه الاستفادة أحد مدارك اصالة الاحتياط المنقلبة عن الأصل الأوّلي في الأموال كما في النفوس والأعراض وأشار إلى ذلك صاحب الجواهر(1) في كتاب النكاح .

اذ لابدّ من احراز ان هذه المرئة ليست من المحرمات رضاعا ونسبا اللهمّ إلاّ أن يقال قوله تعالى: « وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ »(2) عام يشمل المشكوكات والا فللكلام فيه مجال وان نوقش في القاعدة أو في عمومها بل قيل باختصاصها بما إذا كان الأمر المعلّق عليه الوجودي تسهيليّاً كحلية التصرّف في المثال المزبور .

قلت: ان استفادة ذلك على تقدير تسليمه ليست من انشاء واحد بل استفادة الحكم الظاهري من باب الملازمة العرفيّة بين تعليقه على ذلك الأمر الوجودي واقعا ولزوم الاحتياط والحرمة قبل ذلك ظاهراً لفهم العرف ذلك فحقيقة الاستفادتين راجعة إلى تعدد الدال والمدلول والشارع إنّما أنشأ وجعل الحرمة الواقعيّة وبيّنه بهذا البيان واستفاد أهل المحاورة منه ذلك . وهو يعلم باستفادتهم فليس ذلك من باب استعمال قوله لا يحل في معنيين وانشاء حكمين . فالمقام نظير قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع فيستفيد العقل حكما وبقاعدة

الأظهر في مدلول الرواية

ص: 158


1- . جواهر الكلام 29/133 - 255 والجواهر 30/310 عن جامع المقاصد .
2- . سورة النساء: 24 .

الملازمة لو تمّت نكشف حكم الشارع بمقتضى حكمه . وهذا بخلاف ما نحن فيه اذ لا يمكن أن تكون الحرمة مقيّدة بالعلم بها كان يقول المولى إذا علمت بالحرام يحرم عليك . اذ ذلك يستلزم تقدّم الجعل على الحرمة في الرتبة المتقدّمة كي يتعلّق به العلم تارة والشكّ والجهل اخرى .

ويكون العلم بالحرمة دخيلاً في موضوعها مضافا إلى لزوم اختصاص الأحكام بالعالمين مع ان المذهب قد استقرّ على استواء العالم للجاهل في الأحكام إلاّ في ما استثنى وذلك موردان .

نعم هنا يمكن الاستفادة بنحو آخر وهو كون الصدر ظاهرا في ارادة

الموضوع بعنوانه الاولى كما هو قضيّة عدم تقيد الشيء بالشكّ واذن فالحكم المجعول لا يمكن أن يكون إلاّ الواقعي كما تقدّم إليه الاشارة . لكن بقرينة حتى الدالة على استمرار السابق للاّحق في خصوص أمثال المقام يستكشف حكم آخر غايته العلم بالخلاف وذلك المستمرّ هو الحليّة المختصّة بالشيء المشكوك الحكم بقرينة الغاية المناسبة للحكم الظاهري دون الواقعي لعدم كون العلم بالخلاف غاية له . وهذا وإن كان بنحو تعدد الدال والمدلول إلاّ ان بينه وبين قاعدة الملازمة فرقاً

واضحاً لاستفادة الحكم الثاني في المقام من قوله حتّى الدالّة على الاستمرار الظاهر بقرينة الغاية في الحكم الظاهري . وهو اما خصوص الاستصحاب فقط أو هو مع القاعدة واحتمال أن يكون قوله حتّى تعلم غاية للموضوع بعيد . وعليه فليس المستفاد من القضيّة الا القاعدة . ويكون الكلام في قوّة أن يقال كلّ شيء مشكوك الحلية حلال بلا غاية للحكم . بل هو مطلق مرسل كما بينّا . ومن ذلك عرفت عدم انحصار ما يدلّ عليه الخبر في خصوص الحكم الواقعي لعدم مناسبة

ص: 159

الغاية أي العلم له كما ان الظاهر عدم كونه ظاهرا في القاعدة للزوم ارجاع الغاية إلى الموضوع وهو خلاف الظاهر خصوصا اذا قلنا ان الشيء من أوّل الأمر اريد به المشكوك الحكم اذ عليه يكون حتّى تعلم جييء به بلا فائدة لعدم بقاء الحكم بعد انتفاء موضوعه عقلاً فبعد تبدّل الشكّ في الحكم باليقين لا مجال لبقاء حكم الشكّ .

فالأظهر في مدلول الرواية هو ما اختاره المحقّق الآخوند رحمه الله(1) من كونها مفيدة للحكم الواقعي والظاهري الذي هو الاستصحاب لأن الأنسب بقوله حتى الظاهرة في الاستمرار هو ذلك .

وممّا ذكرنا تعرف ما في كلام المحقّق النائيني على ما قرّره(2) صاحب التقريرات .

اعلام: يمكن أن يقال ان قوله علیه السلام (3) كلّ شيء لك حلال وكذلك كلّ شيء

نظيف(4) ظاهر ان في الحكم الظاهري لعدم مناسبة العلم بالحرمة والنجاسة غاية للحكم الواقعي فيكون هذا قرينة على ان المراد من الشيء هو الشيء المشكوك الحكم فان الشيء بعنوانه الاولى لا يكون غايته العلم بخلاف الحكم المجعول عليه بهذا العنوان .

نعم يمكن ارادة عدم النسخ من قوله حتّى تعلم كان يكون كلّ شيء حلال واقعا إلى أن يعلم نسخه . وهنا يتصوّر تارة كون النسخ الواقعي غاية للحكم

ص: 160


1- . كفاية الأصول 2/298 - 300 - 301 .
2- . فوائد الأصول 4/367 - 371 .
3- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
4- . الوسائل 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .

الواقعي كما في الليل والغليان غاية لوجوب الصوم وحلية العصير .

فعلى هذا فيكون استمرار الحكم الاولى إلى زمان العلم بالنسخ من الاستصحاب . بل لا استصحاب حقيقة للتمسّك بالاطلاق . فانّ الاستصحاب إنّما مورده ما إذا لم يتكفّل الدليل الاولى للمتيقن حكم زمان الشكّ . وبناءً على أن يكون الحكم في زمان الشكّ في النسخ غير ما جعل اولاً فيما اذا نسخ فيخرج ذلك عن كونه استصحابا واحرى أن يكون الأمد العلم بالنسخ فيكون وزانه وزان قوله حلال(1) محمّد صلی الله علیه و آله حلال إلى يوم القيامة وحرامه كذلك ولا ربط لذلك بالاستصحاب أصلاً .

وعلى هذا فلا يناسب قوله في القضيتين للحكم الواقعي لما ذكرنا ويدور الأمر بين أن يراد منه القاعدة المضروبة أصلاً وحكما ظاهريا مأخوذا في موضوعه الشك . وحينئذٍ فغايته عقلاً رفع الشكّ بتبدل الموضوع أو يراد منهما الاستصحاب بأن يكون الشيء الشيء المتيقن الحكم سابقا حلية كانت أو طهارة مستمراً طهارته وحلّيته إلى أن يعلم بالخلاف فلذلك يكون العلم بالخلاف غاية عقلاً وحيث ان الاستصحاب لابدّ فيه من فرض اليقين بالحكم أوّلاً وتعلّق الشكّ به ثانيا على نحو يتعلّق اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء وذلك ممّا يأبى ظاهر القضيتين عنه . بل يحتاج إلى تقدير وأن يكون ذلك الحكم مستمرا إلى حين العلم فيتعين أن يكون المراد من ذلك هو القاعدة في الحلية والطهارة لكلّ ما هو مشكوكهما كما اختار ذلك المحقّق النائيني(2) وممّا ذكرنا ظهر عدم امكان كونهما

مجرى الاستصحاب

ص: 161


1- . الوسائل 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في الألفاظ .
2- . فوائد الأصول 4/371 .

دليلين على القاعدة والاستصحاب معا . وتوهم اطلاق الشيء لما سبق باليقين بالحكم أو لم يسبق فيشمل الاستصحاب والقاعدة معا مدفوع بما ذكرنا . وكيف كان فيمكن كون الظاهر هو خصوص القاعدة ويمكن أن يدلّ على الحكم الواقعي والاستصحاب كما ذهب إليه المحقّق الخراساني(1) بالتقريب المتقدّم وإلى أيّهما

صار المصير فهو حسن وكان الاستاذ قدس سره كان يميل إلى ما اختاره استاده النائيني قدس سره (2) .

ويظهر من الشيخ قدس سره أيضا استفادة حكمين من قوله الماء كلّه(3) طاهر حتّى تعلم انّه قذر ولا وجه للفرق بينه وبين القضيتين السابقتين والوجه فيه ما ذكرنا وتقدّمت إليه الاشارة من عدم مناسبة كون العلم بالخلاف غاية للحكم الواقعي بخلاف ما إذا كان العلم بشيء دخيلاً في موضوع حكم آخر كما في مشكوك الخمريّة فيحكم الشارع بطهارته وجواز شربه إلى العلم بالخمريّة ويترتّب عليه قبل ذلك حكم الماء وذلك لا اشكال فيه .

إذا عرفت ما ذكرناه ودريت وعلمت الدليل على حجيّة الاستصحاب وإن ما ذكرنا صالح لكون كلّ منها دليلاً عليه وان تأمّل الشيخ في ذلك وجعل تجابرها وتعاضدها من حيث المجموع متمّا للدلالة والسند ونظره قدس سره إلى استفادة الاستصحاب في الجملة من بعض ما له سند ولو في خصوص باب الوضوء

ص: 162


1- . كفاية الأصول 2/298 - 300 - 301 .
2- . لعلّه اشارة إلى ما ذكره الشيخ ذيل الحديث لكن على خلاف ما اسنده إليه الأستاذ . فرائد الأصول 2/571 - 574 .
3- . الوسائل 1 الباب 1/5 من أبواب الماء المطلق .

لاحتمال أن يكون اللام في اليقين في صحيحة(1) زرارة للعهد .

الا انه بقرينة ما لا سند له واشتماله على هذه القضيّة بعينها في مورد آخر غير مورد الوضوء كعدم دخول شهر رمضان مثلاً يعلم ان المراد بالقضيّة ليس هو الاهمال بأن يكون في خصوص مورد خاص بل هي عامّة في جميع الأبواب وعلى كلّ حال فقد تعرّض الشيخ للأقوال في المسئلة وتفاصيلها وايراد حجج المفصلين وردها بالنقض والابرام من التفصيل بين المستصحب الوجودي والعدمي والجزئي والحكم الكلي والموضوع الخارجي وغيره وباعتبار مدرك المستصحب من الاجماع ودليل العقل وغيره والتعرض لذلك ممّا لا يهمّنا .

إنّما المهم هو ما يستفاد من الأدلّة وان الاستصحاب قاعدة كليّة جارية في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات بخلاف بعض القواعد الآخر لاختصاصه بخصوص باب دون باب كباب الصلاة والمعاملات . وهي لابدّ فيها من اليقين السابق والشكّ اللاحق ووجود الأثر الشرعي واتّصال زمان الشكّ باليقين .

ولابدّ من النظر في الأدلّة كي يعلم مقدار دلالتها فيتبع .

الكلام في عموم الاستصحاب وخصوصه:

الأقوال في ذلك وان كثرت الا انها حادثة ولم تكن معروفة بين المتقدمين واختار المحقّق الخراساني حجيّته مطلقا(2) كما هو مختار قوم واختار الشيخ الأنصاري قدس سره ومن تقدّمه عدم حجيّته الا فيما إذا كان الشكّ في وجود الرافع أو

عموم الاستصحاب وخصوصه

ص: 163


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . كفاية الأصول 2/285 واختار الاطلاق المحقّق نهاية الأفكار 3/87 العراقي والعلاّمة الخوئي (مصباح الأصول 48/35 ) ووافق المحقّق البجنوردي ( منتهى الأصول 2/393 ) أعلى اللّه مقامهم الشيخ .

رافعيّته الوجود وهو الذي اختاره المحقّق النائيني قدّس اللّه أسرارهم .

وعلى كلّ حال فلابدّ من بيان عدم دلالتها على ما إذا كان منشأ الشكّ في البقاء الشكّ في وجود المقتضى واستفادة ذلك من قوله علیه السلام في الصحاح(1) ( ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أو لا تنقص اليقين بالشك وكذا قوله من كان(2) على يقين فاصابه شك فليمض على يقينه . وعلينا ان نرجع كلّ ما في الباب من ما يستفاد منه حجيّة الاستصحاب إلى ما ذكرنا .

وحاصل الكلام في ذلك ان دعوى انحصار حجيّة الاستصحاب في غير ما إذا كان الشكّ من جهة المقتضي تنحل إلى دعويين . الاولى دلالتها على حجيّة الاستصحاب في غيره ولا ريب في ذلك لظهور أخبار الباب كما أشرنا إليه في ذلك . والدعوى الثانية عدم دلالتها عليه مع كون اليقين عاما في كلّ يقين وكذا الشكّ واثبات هذه الدعوى بمدعاها موقوف على أمرين لو تما تتمّ الدعوى ويثبت المدعى . وهما كون النقض قرينة على التصرّف في اليقين وبعبارة اخرى عدم شمول النقض لما إذا لم يكن يقين بالمقتضى يوجب كون المراد باليقين اليقين في غير المقتضى وانحصاره فيه . والاخر بيان المراد من النقض وانه هل يكون المراد منه معنى لا يناسب الشك في المقتضي . ولابدّ من تقديم الكلام في الثانية ثمّ التكلّم في الجهة الاولى .

فنقول لا اشكال في عدم كون المراد بالنقض معناه الحقيقي لاستحالة ذلك

ص: 164


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء والوسائل 3 الباب 37 - 41 - 44/1 - 1 - 1 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 من أبواب نواقض الوضوء والمستدرك 1 الباب 1/4 من أبواب النجاسات واللفظ للأخير .

في المقام من حيث عدم قدرة المكلّف من نقضه وابرامه وابقائه على حاله اذ بالشكّ لا بقاء لليقين تكوينا فلا معنى لحمل النقض على معناه الحقيقي بالنسبة إلى نفس اليقين لما ذكرنا . ولا ريب أيضا في ان المراد باليقين ليس هو اليقين الموضوعي ولا بما هو يترتّب عليه أحكامه العقليّة وكأنّه مسلم . فيبقى كون المراد باليقين هو بما انه طريق إلى المتيقن ولا اشكال في عدم بقاء المتيقن على اليقين به عند الشكّ . إذ الشكّ حقيقة يتعلّق به وعلى هذا فالمراد بعدم نقض اليقين بالشكّ عدم نقض آثار المتيقن المترتبة عليه حال اليقين اذ المراد بالنقض رفع اليد عن الاستمرار على الشيء اذ المتيقن يبني على ما تيقن به ويرتب عليه آثاراً مستمرة مادام اليقين باقيا . فرفع اليد عن ترتيب هذه الآثار يكون نقضاً لليقين أي بلحاظ تلك الآثار سواء في معنى النقض نقض العهد والعزم أو الجدار من المحسوس والمعقول وان كان الاطلاق في أحدهما مجازيا وفي الآخر حقيقيّا الا ان النقص عبارة عن قطع هذا الاستمرار وفصل المتّصل وعلى هذا فلو لم يكن يقين بالشيء من ابتداء الأمر فلا يعقل كون عدم ترتيب الأثر على شيء لم يتعلّق به اليقين نقضا وإنّما مورد صدق النقض وما يمكن أن يقال في مورده ما اذا تعلق اليقين بالمقتضى فان الشيء بحسب ماله من اقتضاء العمر في شأنه أن يبقى مقدارا من الزمان كما تقدّم الكلام في المراد من المقتضى سابقا مفصلاً وعلى هذا فيستفاد من ذلك تقدّم اليقين بالمقتضى لبقاء الشيء واليقين به والشكّ فيه وكونه ذا أثر حال الشك لاعتبار جميع ذلك مضافا إلى استمرار اتّصال زمان الشكّ واليقين في تحقق النقص اذ لو لم يكن للمتيقن في ظرف بقائه حال الشكّ أثر فلا وجه لصدق النقص لعدم مورد وشيء يكون رفع اليد عن اليقين نقضا بلحاظه فما لم يكن هناك أثر

ص: 165

يترتّب على اليقين والمتيقن لا يتحقّق معنى النقص ولا وجه لصدقه فاذا ثبت هذا فنقول ان اتمام الدعوى موقوف على تماميّة الأمر الثاني وعدم كون اليقين قرينة على التصرّف في النقص بل يكون الأمر بالعكس وذلك بالضابط المعين في كلّ مورد كان أحد الشيئين قرينة والاخر ذا القرينة يكون الأول مقدّما على الثاني لحكومته عليه حيث انه يتعرض لشيء لا يتعرض له الآخر اذ لا اشكال في ان القرينة حاكمة على ذي القرينة لبيانها متعلّقات المحمول والعرض العارض على المحل كما في نحو جاء زيد راكبا فراكبا مضافا إلى تقريره أصل ثبوت المجيء لزيد يزيد عليه انه كان في حال الركوب ولا ينفي هذا المعنى ذو القرينة بل لا تعرض له بالنسبة إليه ولو كان له تعرض فيتحقق المعارضة ولابدّ من رفعها بنحو وكذلك القول في نحو رأيت أسدا يرمي وكلّ ما كان من قبيل القرينة وذي القرينة لدخول ذلك في عنوان الحاكم والمحكوم والحاكم مقدم على المحكوم وإن كان اعم واخفى دلالة من المحكوم لعدم لحاظ النسبة بينهما ولا الدلالة . الا ان المقام ليس من مصاديق كبرى القرينة وذي القرينة حيث ان النقض اسند إلى اليقين بسبب الشكّ ولا تعرض في القضيّة لحال الملابسات والمتعلّقات الا من جهة الشكّ كما في مثل زيد قائم ولكن لنا وجه آخر في كون المراد باليقين هو غير المتيقن في خصوص المقتضي لا الأعم وهو خارج عن باب القرينة وذي القرينة . وذلك عدم معقوليّة أعميّة الموضوع من المحمول . وإن كان العكس ممكنا .

كما انه لا اشكال في امكان تساويهما اذ لا يمكن حمل المحمول الأخص على الموضوع الأعم فالمقام نظير ما لو قال لا تضرب أحدا فان الأحد وإن كان يشمل الأحياء والأموات الا ان عدم تعلّق الضرب بالميت خصوصا من صار بدنه

ص: 166

ترابا ولم يبق إلا نفسه الناطقة غير القابلة والمقدورة لتعلّق الضرب بها يكون موجبا لكون المراد بالأحد خصوص الاحياء كما انه لا يراد به الجدار والهواء والماء . وكون المحمول قرينة على بيان الموضوع أخص أولى من التصرّف فيه بتأويله بما يناسب عموم الموضوع كما في المثال بأن يكون المراد بالضرب الشتم .

فاذا تمت هاتان الدعويان يتم المطلوب وهو عدم شمول أخبار عدم نقض اليقين بالشكّ صورة كون منشأ الشكّ هو المقتضى وينحصر بما إذا كان المقتضى موجودا تعلّق به اليقين كي يصدق النقض بلحاظ أثره حال الشكّ فتدبّر .

شرح وتوضيح: تقدّم منّا الاشارة إلى المقتضى وانه يطلق على المصالح والمفاسد التكوينيّة الموجبة لجعل الأحكام على طبقها كما يطلق على المقتضيات باعتبار التعبّد وتقدّم المثال له بدليل انفعال الماء وكون الكثرة مانعة وقلنا ان له

اطلاقا ثالثا وهو المراد بالبحث هنا والذي فصلّ في جريان الاستصحاب بالنسبة إليه جماعة كما عن آخرين عدم القول بذلك اذا كان الشكّ في البقاء مستندا إلى الشكّ في المقتضى . والمراد به كما سبق ما يكون للشيء بحسب طبعه من استعداد البقاء لو خلّى وطبعه ولم يمنعه مانع . وهذا يختلف حسب اختلاف الأشياء من النبات والحيوان والانسان وكلّ شيء حتّى الأحكام حسب ما يقتضي دليل جعلها فالانسان مثلاً لو لم يمنعه مانع له استعداد البقاء وان يعمر إلى كذا سنة كما ان الشيء الفلاني من أوّل الأمر ليس له ذلك . والمقتضى بهذا المعنى قد يقع فيه الشكّ من ان له هذه الخصوصيّة وذلك الاستعداد إلى هذا الوقت من العمر .

المراد من المقتضى

ص: 167

وذهب الشيخ قدس سره (1) إلى عدم حجيّة الاستصحاب في الشكّ في المقتضى من جهته فتخيل بعض محشي مصنفاته كالسيّد الطباطبائي والمحقّق الخراساني غير ذلك المعنى وأوردوا عليه في ما يقول بجريان الاستصحاب فيه بأن هذا الشكّ في المقتضى وهو لا يقول به .

وعلى كلّ حال فلابدّ من بيان الوجه في عدم شمول قوله لا تنقض اليقين بالشكّ لما اذا كان الشكّ في الاستصحاب من ناحية المقتضى مع ان ظاهر القضيّة ان اليقين ليس يقينا مخصوصا بل يعمّ كلّ يقين . وذلك يتمّ ببيان مقدمة وقبل ذلك ينبغي أن يعلم ان قوله لا تنقض ليس خطابا تكليفيّا بحيث يكون مخالفته حراما من ناحية التكليف ويختصّ بخصوص التكاليف . بل يجري في الوضعيات .

وتلك المقدّمة هي ان جهة اسناد النقض إلى اليقين واستعمال هذه اللفظة في المقام دون العلم والقطع لابدّ أن يكون لنكتة وهي انه لما كان للعلم جهات بحسب المراتب فانه انكشاف للمنكشف الخارجي والمعلوم كما انه صفة للنفس ويوجب الجري العملي على طبقه فاختلف في حقيقته لذلك فجعله بعضهم من الكيفيّات النفسانيّة كالارادة والتمنى وأمثالهما وجعله بعضهم من الاضافات إلى غير ذلك مع ان له تمام هذه الجهات . الا ان نظر كل في تعريفه إلى جهة منها .

وهذا في علم المخلوق وأمّا في علم الباري جلّت عظمته فالأقوال فيه بلغت خمسا وعشرين مع ان جلاًّ منها لا مجال لها وتتنزه تلك الساحة المقدّسة من مثل هذه الأوهام ويتعالى مقام الالوهيّة عن تلك .

فلما كان الانكشاف يحصل ابتداءً في الذهن في أيّ مخزن كان له وبعد ذلك

ص: 168


1- . فرائد الأصول 2/561 .

له تعلق وانطباق على الخارج وباعتبار توجه العالم حينئذٍ إلى الخارج وعدم التفات إلى ما في نفسه كانه يرى الخارج ولذا يقع في مقام الجري العملي على وفقه وإن لم يكن كذلك في ما لو كان المعلوم غير معلوم عنده . فقد يحصل له العلم بوجود العقرب في ذلك المكان أو الأسد ويفرّ من الثاني كما انه يعدّ لقتل الأوّل ولذا يعبرون عن ذلك بأن المؤثر الشيء بوجوده العلمي والا فربما بل يتفق كثيرا ان لا علم للانسان بشيء كالأسد مع انه في البيت وينام على حاله ورسله بلا توجه واضطراب . فحيث ان العلم ينطبق على الخارج وله تعلق به كانه يراه ولذا يجرى على وفقه يقال له في هذه المرتبة اليقين كما ان له مراتب اخرى وذلك معروف مضبوط في محلّه عند أهله كعلم اليقين وعين اليقين وحق اليقين فان لكلّ هذه مرتبة محفوظة في مقامه .

اذا عرفت ذلك علمت ان للعلم علاوة انه صفة من صفات النفس حاصلة فيه جهتين اخريين . الانكشاف والجري . ولو جعلنا ذلك لما كان له منكشف واقعا لا يرد النقض بالجهل المركب . والاستصحاب إنّما يقوم مقام العلم من هذه الحيثيّة الثالثة وهي الجري العملي ولذا يكون من الأصول غير المحرزة . فان هذه الحيثيّة تختصّ بالامارات مع ما فيها من المشارب من لزوم حصول الوثوق ويعبّر عنه بالعلم العادي أو منجزيّة الاحتمال أو تتميم الكشف ولا مجال لهذه في الأصول كالاستصحاب . فانه إمّا خطاب تكليفي ينتزع عنه الحجيّة كما هو مبنى الشيخ قدس سره

ومن يرى الاستحالة في جعل الحجيّة أو يجعل فيه الحجيّة والجري على طبقه من آثارها التعبّد الشرعي .

وعلى هذا فاذا لم يكن وجود علمي للمنكشف والمعلوم لا جرى على وفقه

جهات العلم

ص: 169

كما انه لو كان متيقنا يجري . فمعنى قول الشارع لا تنقض اليقين بالشكّ هو الواسطة بين هذين المعنيين بلحاظ ان العلم واليقين له الطريقيّة إلى المتيقن الا ان

اليقين استعمل بمعنى المتيقن كما مال إليه الشيخ وأورد عليه المحقّق النائيني(1) بعدم صحّة الاستعمال حتّى كاد أن يلحق بالاغلاط فلابدّ أن لا ينقض عند الشكّ وهذا المعنى إنّما يكون إذا كان العلم بالمقتضى متحقّقاً والا فلا نقض حقيقة كما إذا

لم يكن له علم ويقين أصلاً بشيء وإلى ذلك يرجع دعوى من يقول بعدم حجّيّة الاستصحاب في الشكّ في المقتضى .

وعلى كلّ حال فلابدّ في الاستصحاب ان يرجع إلى الشكّ في البقاء لدلالة قوله لا تنقض عليه كذلك لا ان ما ثبت يدوم كي يكون نظير قوله علیه السلام حلال محمد صلی الله علیه و آله حلال إلى يوم القيامة وحرامه كذلك(2) .

وعلى فرض اختصاص اجراء الاستصحاب في الوضع فالسبب والمؤثر من العقد الخارجي مثلاً اما تام أو ليس بتام ولا ربط لمعنى وجوب البناء أو حرمة النقض بكون العقد موجبا للانتقال .

بيان آخر وتقريب: ان اليقين ولعلّه هو العلم المنطبق على الخارج او ما استحكم واستقرّ في الذهن اذا تعلق بشيء يتم اقتضائه وسببيّته لما يترتّب عليه من أثره المختصّ به كلّ شيء حسب أثره فالأسد مثلاً مع قطع النظر عن تعلق العلم واليقين بوجوده في مكان كذا معرض لمساس العالم والمتيقن به مقتضى للفرار وبعد ما تم اقتضائه لاحتياجه إلى ما يكون جزء العلّة التامّة الأخير وهو العلم . اذ

ص: 170


1- . فوائد الأصول 4/374 .
2- . سبق الايعاز إلى مصدره .

لا ريب ان الأسد غير المعلوم لا يحكم العقل بالفرار عنه كما انه بوجوده التصوري بحيث لا يكون له حقيقة في الخارج لا اقتضاء له في الفرار والتخدر عنه . إنّما الأثر والحذر اذا كان معلوما ويكون صورته حاصلة عند العالم بحيث لا يرمي إلاّ الأسد الخارجي مع عدم التفاته إلى انه يرمى في ذهنه كذا بل نظره إلى الخارج ويرى الأسد موجبا ومقتضيا للفرار وإن لم يكن الأسد حاصلاً بوجوده الخارجي في ذهنه لاستحالة ذلك . بل بوجوده الذهني لكن لا بما هو هو كما أشرنا إليه بل بالوجود الذي يكون الذهن عين الخارج ويكون كانّ ما في ذهنه هو الخارج أو الصورة صورة خارجيّة وبأيّ تعبير شئت فالمراد معلوم ولا نقض بالجهل المركب بوجود الأسد في مكان كذا مع انه موجب للفرار للفرق بينه وبين المقام بأنّه لو علم انه لم يكن الا الصورة التخيليّة فقط لا فرار له أصلاً بل لا تضطرب نفسه لهذا أبدا .

إذا عرفت هذا علمت ان اليقين بما هو يقين لا أثر له في المقام بل إنّما هو طريق إلى المتيقن بلحاظ آثاره وقائم مقام القطع في مرحلة الجري العملي . وذلك لما في حصول العلم واليقين بالمقتضى المؤثر من ترتب جرى استمراري كانما هو أمر متصل وشيء قد انعقدوا شبه الجدار في لبناته حيث وضع كلّ واحدة على الاخرى فحصلت لها هيئة تركيبيّة متصلة ذات ابرام لا تزول الا بالنقض وانفصال تلك بعضها عن بعض فحيث لا لبنة لا جدار كما انه لاهيئة هناك مبرمة مستحكمة فكذا لو لم يكن أسد لا موجب للفرار والتحذّر عنه . كما انه لو شككنا في وجوده فالأمر كذلك ولو علمنا بأنّه يكون في المكان الكذائي الا انه لم نعلم ببقائه فيه ولا

احرزنا المقتضى حيث ان بقائه مستلزم لآجام وغياض فيها قصبات ومياه وغير ذلك تكون مرتع الحيوانات ومصيدة الأسد لا نحكم في هذه الصورة بلزوم الجري

قيام الاستصحاب والأصول الآخر مقام العلم

ص: 171

على اليقين بوجوده سابقا ولا نوجب الفرار وببيان أوضح بمثال مقرب ولكن من باب الطريقة العقلائيّة وجريهم في امورهم حسب فطرتهم .

فانا نراهم يفرقون بين ما اذا احرزوا مقتضى الأثر وبين ما لم يحرزوا الا مجرد احتمال فلا يعتنون في الثاني بخلاف الأول . وإن حصل عندهم احتمال الرافع والمزيل كما اذا علمنا بوجود قطّاع الطريق في طريقنا إلى كربلاء المشرّفة من عشيرة فلان بحيث نظنّ بقائهم واحرزنا المقتضى لبنائهم بيوتا حصلت منها قرية بين الخان الفلاني والخان الآخر فبعد مدّة كستة أشهر طالت بنا المسافرة إلى البلاد لو أردنا الرجوع إلى النجف الأشرف من ذاك الطريق فلا نقدم على المجيء إلاّ بعد أن يثبت لنا رحيلهم من ذلك المكان أو اجبارهم واخافتهم من جانب الحكومة بعدم التعرّض للمسافرين . والاّ ففي فرض استحكام بنائهم وقريتهم الكاشف عن استيطانهم ذلك المكان وعدم العلم والظن بالمزيل نتوقف ولا نسافر الا مع الحذر . وما يمكن أن يكون دافعا لهم بخلاف ما إذا لم يكن توقفهم في المكان المزبور الا بعد تخييمهم ونصب أعمدتها الا انه يحتمل بقائهم أو رجوعهم لعلّة حصلت أوجبت للبقاء فلا نعتني به في الثاني بخلاف الأوّل . وعلى هذا فلا عبرة باليقين من حيث هو يقين بل المناط المتيقن وهو كما رأيت اقتضى الجري في الأوّل دون الثاني . والفارق ليس الا وجود المقتضى للبقاء وعدمه أو عدم احرازه مع احتمال حصوله عند الشكّ وهذا ديدن العقلاء في امور معاشهم بل والحيوانات حيث لو احرزوا المقتضى يبنون عليه إلى أن ينكشف لهم خلاف ذلك برافع ومزيل فلا ينقضون بنائهم في مورد احراز المقتضى وينقضون في صورة الشكّ بل لا بناء لهم أصلاً على وجوده وعليه ففرق يبن جريان الاستصحاب في

الفرق بين احراز المقتضي وعدمه

ص: 172

الشكّ في غير المقتضي والشكّ من ناحيته .

هذا غاية ما يمكن تقريب الكلام في انحصار مورده بغير الشكّ من ناحية المقتضى الا انه ان تمّ فيكون من باب الظن العقلائي وعلى بناء القدماء في اجراء الاستصحاب من باب الظن حيث ان بنائهم على اجراء الاستصحاب في ما لم يظنوا عدمه وعلموه سابقا . ومقتضى ذلك كون مثبتاته أيضا حجّة وقد عرفت في أوائل مبحث الاستصحاب عند بيان الأدلّة التي استدلّوا بها على حجيّته تزييف هذا القول وأدلّتهم واما على حجيّته من باب التعبد للاخبار المتقدّمة فلا فرق بين الشكّ من جهة المقتضى ووجود الرافع ورافعيّة الموجود .

نعم لو كانت الأخبار مرشدة إلى طريقة العقلاء أمكن الفرق بما سمعت وذلك خلاف المبنى . وما فرّق(1) به المحقّق النائيني قدس سره بناء على التعبّد ومرجعه إلى عدم صدق النقض لا وجه له ولا يصح أصلاً اذ لا فرق في ما اذا احرزنا المقتضى للبقاء مثلاً في الحيوان الكذائي ثلاثة أيّام وشككنا من أوّل الأمر في وجوده ولو لم يكن مانع وقاطع لاستمرار حياته في اليوم الرابع بين الشكّ في حدوثه في اليوم الثاني اذا شككنا في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود وبين الشكّ في حدوثه من رأس في اليوم الرابع.

نعم ان علمنا بوجوده ثلاثة أيّام قبل الثلاثة وعلمنا بعدم وجود مانع ورافع ولا ما يشكّ في رافعيّته أمكن الفرق ولكنه كما ترى يرجع إلى الشكّ الساري لحصول الشكّ في ما تيقناه سابقا ويرجع العلم شكّا وحيرة ومجرّد ان العلم بوجود المقتضى للبقاء إلى ثلاثة أيّام في الثلاثة دون الرابع فهو مشكوك من أوّل الأمر لا

ص: 173


1- . فوائد الأصول 4/376 .

يصلح فرقا بين المقامين كي يختصّ الجريان بالصورة الأولى دون الثانية لما عرفت من رجوع كليهما إلى الشكّ في الحدوث . بل يرجع الاستصحاب على هذا إلى قاعدة المقتضى والمانع وهو ينكرها أشدّ الانكار كما عرفت في المباحث السابقة وعلى كلّ حال فلا يمكن تصديق المحقّق النائيني في ما أفاده في المقام فرقا بين الصورتين .

توضيح وتأكيد: سبق ذكر ما يمكن أن يكون وجها لتعميم اليقين والشكّ في ما إذا كان الشكّ في ناحية المقتضى بعدم الفرق حقيقة بين أفراد الشكّ من جهة حصوله من أيّ سبب كان كما ان الأمر في اليقين أيضا كذلك فسواء كان الشكّ من ناحية المقتضى أو جهة الرافع أو كون الموجود هو الرافع اذ كلّ ذلك شك ولا ينقض اليقين بالشكّ . ولا فرق بين ما إذا علمنا اقتضاء البقاء في المتيقن مثلاً إلى

ما بعد اليوم الثالث أو كان مشكوكا من أوّل الأمر لعدم الأثر في ما هو المناط من كون اليقين متقدّما على الشكّ كما ان النقض إنّما يكون حقيقة في ما إذا كان للمنقوض ابرام وأحكام كما في اليقين لما في ورود النقض عليه إنّما هو بهذا اللحاظ لكن أصل ذلك في المحسوس الخارجي الذي يكون فيه اتّصال وابرام واستعماله في المعقول للتنزيل والتشبيه بالمحسوس كما في نحو كان بيننا وبين قوم حبل فنقضناه وان استعمال ذلك في العهد والبيعة بهذا اللحاظ .

وبالجملة موارد استعمال النفض مشتركة في أصل الأحكام والابرام كي يصحّ ورود النقض الا انّها تختلف حسب كونها محسوسة خارجا كنقض البناء والجدار ونقض الحبل وقطعه وكونه معقولاً مشبّهاً بالخارج المحسوس بالعناية كتناقض الكلمتين والعهد واليقين فان لكلّ واحدة من الكلمتين بحسب نفسها

جريان الاستصحاب في الشكّ في المقتضي

ص: 174

اقتضاء وابرام موجب لعدم الآخر الذي ينافيه . وبهذا اللحاظ صحّ التناقض من الطرفين وكذلك الوجود والعدم حيث ان نسبة المناقضة بينهما إنّما هي بلحاظ كون كلّ مقتضيا لنفي الاخر ولا يناسب ثبوته هذا .

ويمكن أن يقال في المقام تصحيحا لكلام المحقّق النائيني قدس سره بأنّ اليقين وإن كان له ابرام واستحكام الا ان النقض لا يعقل أن يسند إليه حقيقة لانتفائه وجدانا حين الشكّ كما لا يناسب أن يكون ورود النقض والنهي عنه بلحاظ آثاره لعدم أثر له حسب الفرض . اذ هو طريق إلى المتيقن فما عن المحقّق الخراساني(1) من عدم فرق بين الشكّ في المقتضى والشكّ في غيره في جريان الاستصحاب لصدق النقض ووجود العناية المصحّحة لاستعمال هذه اللفظة باعتبار اليقين . ان اريد به نفس اليقين فهو مسلم البطلان . وكذا ان اريد بلحاظ آثاره . فلم يبق الا أن يكون بلحاظ المتيقن سواء قلنا ان اليقين طريق إلى المتيقن وحرمة النقض إنّما هو بلحاظه أو قلنا بكون المراد من اليقين هو المتيقن(2) كما عن الشيخ قدس سره . اذ لا اشكال ظاهرا في صحّة استعمال اليقين بمعنى المتيقن لوجود كمال المناسبة فما عن النائيني(3) اعتراضا على الشيخ لا يخفى ما فيه حتى انّه أراد أن يلحق ذلك بالاغلاط وعلى كلّ فالنقض إنّما اريد حرمته بلحاظ المتيقن بماله من الآثار اذ هوالمستصحب فاذا كان كذلك فيمكن الفرق بين ما كان احرز المقتضى لبقائه مثلاً إلى اليوم الرابع وحين الشكّ بحيث لو لم يكن مانع ودافع لأثر المقتضى أثره بلا رادع له الا ان الشكّ وقع في حصول الأثر من ناحية احتمال وجود الرافع مثلاً فلم

ص: 175


1- . كفاية الأصول 2/285 .
2- . فرائد الأصول 2/574 .
3- . فوائد الأصول 4/374 .

ندر هل حصل للمرمي قتل حتى يكون ميتا بسبب اصابة البندقة المقتضية للقتل لولا المانع كان يكون معه عوذة وحرز ودعاء يكون مانعا من اصابته وتأثير ذلك في قطع حياته ( لا يخفى ان ذلك مجرّد المثال فلا يورد على انه من باب قاعدة المقتضى والمانع ) أم لا فاثرت في موته كما ان في الأسد كذلك حيث انه بوجوده العلمي مقتضى للفرار لكن عند عدم مانع خارجي يمنع ذلك كيأسه عن الحيوة وعدم رغبته فيها . فحينئذٍ لا يفر وهذا استدراك لما بينّاه قبل من كون المقتضى وجود المعلوم واقعا والعلم جزء اخير للعلّة التامّة المقتضية للأثر بل تمام المقتضى

إنّما هو وجوده العلمي ولا ربط للواقع بذلك بل يفرّ من تصور وجود الأسد في هذا المكان مثلاً بخيال انه فيه وإن لم يكن الا البقر .

وهذا بخلاف ما اذا لم يكن له علم لعدم المقتضى للفرار حينئذٍ . فالوجوه المتصوّرة إنّما هي ثلاثة: تارة يعلم ببقاء المقتضى واخرى يعلم بعدم بقائه وثالثة يشكّ والنقض للمتيقن والعناية المصحّحة لاستعماله يكون في الصورة الأولى عند الشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود .

وعلى كلّ حال فيمكن أن يفصل بين الشكّ في المقتضى والشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود من جهة عدم صحّة استعمال اللفظة فيما اذا لم يكن للمتيقن اقتضاء البقاء اذ لا يعقل كون الموضوع أعم من المحمول وإمكان عكسه فلو حللنا قضيّة لا تنقض إلى قضيّة حملية فلابدّ من امكان حمل النقض على اليقين مطلقا كان يقال اليقين غير منقوض مطلقا بالشكّ وإن كان من جهة المقتضى .

وبيان ذلك يتمّ بمثال أقرب إلى الذهن . وذلك بأن يقال انّ العلّة مقتضية

الوجوه في المقتضي ثلاثة

ص: 176

لوجود المعلول في التكوينيّات ولا يعقل تقدّم أحدهما على الآخر زمانا فعند وجود العلّة يوجد المعلول والتقدّم إنّما هو بالرتبة .

كذلك التكليفيّات من الوضع والتكليف فعند استفادة العموم ودوام الحكم في التكاليف الشرعيّة التي هي من سنخ الاعتباريّات قبال التكوينيّات ولو من ناحية ما ورد من ان حلال محمّد صلی الله علیه و آله حلال إلى يوم القيامة(1) كما انه يستفاد الدوام من العموم أو الاطلاق وإن كان فيما اذا خصّص أو قيد ونسخ نكشف ان ما زعمناه اطلاقا أو عموما إنّما هو تخيّل(2) ذلك لرجوع كلّ تخصيص إلى التخصّص

لبا يقتضي هذا الدوام والعموم كون المكلّف مخاطبا بمضمون خطابات الأحكام فعند الشكّ في ورود المقيّد والمخصّص يحصل الشكّ في قطع استمرار مخاطبته ولزوم جريه حسب التكليف المعلوم سابقا المقتضى لو خلّى وطبعه ولم يردعه رادع من تقييد أو تخصيص أو نسخ لكون المكلّف عاملاً عليه على الدوام .

قال المحقّق رحمه الله فيما حكى عن معارجه لو(3) اريد بالاستصحاب هذا المعنى فنحن موافقون وان اريد غير ذلك فنحن معرضون عنه انتهى .

فعند الشكّ في ورود المخصّص والمقيّد والناسخ يتمسّك بالاطلاق والعموم من جهة كشف تماميّة الاقتضاء الا ان الشكّ في الرافع من جهة احتمال طرو عنوان ثانوي أوجب تقيد الحكم كعنوان الضرر والحرج وغيرهما .

فعلى هذا لو رفعنا اليد عن المقتضى والدوام المستفاد من أدلّته من الجري على وفقه في صورة الشكّ في طرو عنوان الرافع نكون قد نقضنا اليقين بالشكّ

ص: 177


1- . سبق الاشارة إلى مصدره .
2- . تقدّم منعه .
3- . معارج الأصول: 208 مع تفاوت في المورد والعبارة .

ولابدّ ان ننقضه بيقين آخر . وينبغي أن يعلم انه لا يعقل ورود الرافع حال بقاء المرفوع كما ان الدفع أيضا كذلك لرجوع ذلك إلى اجتماع الوجود والعدم وذلك محال . بل الرافع حين تحقّقه موجب لعدم المرفوع هذا الحين والدفع أيضا كذلك الا ان الفرق بينهما بالاعتبار . وقد عرفت فيما تقدم ان المقتضى إنّما هو الوجود العلمي واما واقع الشيء بلا احراز فلا يوجب شيئا .

فعلى هذا فلا يمكن في صورة الشكّ في وجود المقتضى في غير محل الفرض كما اذا خاطب الشارع المكلفين بحكم ولم نعلم ان له الدوام ولم نستفد ذلك لا من دليله ولا من دليل خارجي بل نحتمل أن يكون مختصا بالساعة الاولى وينتهي بعد ذلك ولا يبقى صدق النقض أصلاً اذ لم نعلم المقتضى للبقاء واحتمال كون ذلك واقعا لا يؤثر ما لم نحرزه . وهذا بخلاف ما قربناه في احراز المقتضى للبقاء والشكّ حصل في الرافع اذ يصدق النقض حقيقة بالعناية ولو شككنا في صدق النقض لليقين في ما اذا كان منشأ الشكّ عدم احراز المقتضى والشكّ فيه اما من جهة الشبهة الصدقيّة لعدم سعة المفهوم عرفا كي يشمل ذلك اليقين أو للشكّ في المصداق فلا يجوز التمسّك أيضا حينئذٍ بعموم لا تنقض للشكّ في المقتضى اذ هو من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المفهوميّة والمصداقيّة . وقد تحقّق في محلّه عدم

جواز التمسّك بالعام في الموردين كما في الشكّ في كون زيد عالما كي يكون داخلاً في عموم اكرم العلماء . فنفس الشكّ في ذلك مساوق للقطع بالعدم فلا يمكن الا اجراء الاستصحاب في خصوص الشكّ في الرافع لوجود العناية المصحّحة لاستعمال النقض وفي غيره اما مقطوع العدم أو مشكوك .

وبما ذكرنا من عدم امكان اعميّة الموضوع من الحكم يتّضح فساد اسراء

توجيه عدم جريان الاستصحاب في الشك في المقتضي

ص: 178

الحكم للشكّ في المقتضى الا ان يقطع بالصدق .

وأمّا الشكّ في رافعيّة الموجود أيضا فيمكن تقريب الكلام فيه بعينه .

هذابالنسبة إلى الأخبار التي اشتملت على نقض اليقين بالشكّ وأمّا التي مثل قوله(1) من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه بناء على استفادة الاستصحاب منه كما تقدّم فتارة نقف في سنده لعدم العمل الجابر للضعف والا فيشكل الأمر حيث ان اشتمل على مضى الذي كان على يقين بلا اختصاص له بصورة احراز المقتضى من أوّل الأمر .

الاشكال في ما تقدم: قد تقدّم تقريب الكلام في التفصيل لجريان الاستصحاب بين الشكّ في المقتضى وغيره من رافعيّة الموجود ووجود الرافع بالبيان الأخير الا ان مرجع ذلك إلى انكار الاستصحاب وذلك لاستفادة العموم والاطلاق من الدليل فما لم يعلم له المقيّد والمخصّص لنا التمسّك بالعموم والاطلاق وهذا استصحاب باصطلاح المحقّق رحمه الله مع وضوح عدم احتياج إلى

جريان الاستصحاب في ما اذا كان مقام التمسّك بالاطلاق والعموم بل منعه ( والحاصل ان عند الشكّ في المقتضى للبقاء لجريان الاستصحاب يشكل الأمر في غير الأحكام الا بالمعنى الذي ذكرناه من المحقّق ( وهو راجع إلى المقتضى التشريعي والمانع كذلك ) وله موارد متعدّدة فالخيار مثلاً بناء على كون مدركه في الغبن الضرر فيمكن القول بكونه بمقدار يمكن ذوه الفسخ اما فعلاً أو قولاً وبناء على رجوعه إلى الشرط الضمني كخيار تخلّف الشرط والوصف فالخيار باق لعدم

ص: 179


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 والمستدرك 1 الباب 1/4 من أبواب نواقض الوضوء واللفظ للأوّل .

ارادته العقد الا مشروطا وليس قابلاً للاسقاط لعدم كونه حقا بخلاف خيار المجلس والحيوان لكونهما حقين ) وعلى كلّ حال فلا يبقى الا دعوى الانصراف في مثل قوله لا تنقض إلى غير الشكّ في ناحية المقتضى ويمكن منع الانصراف ولكن الشكّ في الاطلاق كاف في عدم الجريان عند الشكّ في المقتضى .

وما أفاده المحقّق الخراساني رحمه الله(1) في غاية المتانة حيث ان عناية النقض

موجودة حتى في ما اذا لم يكن اقتضاء البقاء الا انه في الآثار المترتبة على اليقين وهذا ليس محلّ الكلام .

وأمّا مثال صحّة استعمال النقض في ما اذا لم يكن للسراج اقتضاء بقاء اشتعاله لعدم وجود نفط فيه مثلاً فهذا راجع إلى المصالح والمفاسد النفس الامريّة ومقتضيات الجعل ولا ربط له بالمقام .

وأمّا في غير ما ورد بلسان لا تنقض فيمكن استفادة العموم من خبر(2) محمّد بن مسلم بناءً على ما تقدّم من استفادة حجيّة الاستصحاب منه وان المراد بالمضي على اليقين على اليقين السابق الاستصحابي كخبر القاشاني(3) مع قطع النظر عن ضعف السند وعدم كون الشكّ في حصول الغاية للصوم أو شعبان . والا فلا مجال لذلك وعلى كلّ حال فحيث لم يحصل لنا الجزم بالعموم والاطلاق فلا موجب لاطالة الكلام .

هذا كلّه في التفصيل بين الشكّ في المقتضى ووجود الرافع .

وأمّا التفصيل بين رافعيّة الموجود وغيره فلا يجري في الاول بخلاف الشكّ

جواب الاشكال

ص: 180


1- . كفاية الأصول 1/285 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 من أبواب نواقض الوضوء .
3- . وسائل الشيعة 10 الباب 3/13 من أبواب أحكام شهر رمضان .

في وجود الرافع فلا وجه له أصلاً لوضوح عدم الفرق بين ما اذا كان الشكّ في رافعيّة الموجود أو وجود الرافع بعد كون مرجع الأوّل إلى الثاني واحراز المقتضى للبقاء في كليهما وما ذكر وجها في كلام المفصّل ( وهو المحقّق الخونساري رحمه الله ) من كون ذلك نقضا لليقين باليقين حيث ان مشكوك الرافعيّة متيقن الوجود ممّا يضحك به الثكلى ولعلّه أراد به غير ظاهره والاّ فكيف يمكن أن يكون اليقين بوجود شيء آخر ناقضا ليقين آخر كما اذا علمنا الطهارة سابقا وتيقّنا بوجود زيد فأيّ عقل يرى اليقين بوجود زيد ناقضا لليقين بالطهارة بل لابدّ من كون الناقض ناقضا لليقين السابق ومتعلّقا بخلاف ما تعلّق به الأوّل .

لا يقال ان الشكّ في رافعيّة الموجود راجع في الحقيقة إلى الشكّ في ان المقتضى هل يكون حتى مع وجود المشكوك أم ليس له اقتضاء لرجوع المقتضى بهذا المعنى إلى ملاكات الأحكام وهو غير المقتضى في ما نحن فيه ممّا قد ذكرناه مرارا من كونه عبارة عن عمر الشيء بحسب استعداده بل المقتضى بهذا المعنى محرز في الشكّ في رافعيّة الموجود . غاية الأمر الشكّ في ان هذا المذي أو الوذي هل يرفع اقتضاء الوضوء للبقاء ويقطعه أم هو باقٍ على اقتضائه كما كان وعليه مبنى الشيخ وهو يرى المقتضى بهذا المعنى مدار كلامه الا انه اشرنا مكررا إلى وقوع الخلط من بعض في مراد الشيخ وجعلوه من مقتضيات الجعل من المصالح أو المفاسد .

والحاصل ان عند الشكّ في وقوع الطلاق بغير لفظ طالق من الكتابة أو باقي الألفاظ كقوله أنت خلية أو برية فالشكّ حقيقة في وجود الرافع ومجال واسع للاستصحاب في مثل هذا المقام .

ص: 181

وأمّا في الأحكام فتقدّم فيما سبق وسيأتي إن شاء اللّه في موضعه من عدم احراز الموضوع فيها .

فتحصّل ممّا ذكرنا عدم الفرق بين الشكّ في وجود الرافع وبين رافعيّة الموجود كما لا وجه لباقي التفاصيل الموجودة في الاستصحاب وأكثرها لا يستأهل البيان الا ان هنا تفصيلاً بين الحكم التكليفي والوضعي بالجريان في الثاني دون الأوّل وكان منشأ ذلك تخيل انتزاعيّة الأحكام التكليفيّة من الوضعيّة ففصّل المفصل .

ولما كان مناسبة للمقام بالتعرض للأحكام الوضعيّة وبسط الكلام فيها فتصدى المحقّق النائيني قدس سره كغيره ممّن تقدّمه أو عاصره لبيان تفاصيلها وشرح ذلك بأحسن وجه ورتب(1) امورا لتوضيح مرامه .

الأمر الأوّل: في حقيقة الحكم وانّه عبارة عن العلم بالمصالح والمفاسد أو هو مع الابراز والاظهار التابع لحصول الحب من ناحية العلم بالمصلحة أو البغض من ناحية المفسدة الداعيين للمولى الى الاظهار المعبّر عن ذلك بالشوق المؤكّد فتارة يستتبع ذلك انبعاث الشائق بنفسه وحركة عضلاته نحو المحبوب مثلاً واخرى يطلبه من الغير باظهاره الحب له والبغض كي يأتي به في الأوّل ويتركه في الثاني . أو ان الأحكام عبارة عن الانشاءات الحاصلة في نفس الحاكم في مقام الثبوت وهذه الخطابات الاثباتيّة منطبقة عليها وطريق إليها . ومن الواضح ان الحكم لو كان عبارة عن العلم بالمصالح والمفاسد بلا استتباع جعل وانشاء على حسبه لا مجال للتفصيل بين الوضع والتكليف لاستوائهما في الجريان وعدمه . بل

في الأحكام الوضعيّة ···ص: 182


1- . فوائد الأصول 3/379 - 403 .

لا وجه لجريان الاستصحاب حينئذٍ أصلاً لا في الأحكام ولا في الموضوعات للشكّ في أصل كيفيّة العلم وهل هو متعلّق بالأعم من حال متعلّق اليقين حاله والشكّ أو مختصّ التعلّق بالأوّل . ولا وجه لاجرائه بالنسبة إلى الصلاح والفساد لعدم علمنا به الا من قبل اللّه تعالى بتوسط سفرائه الكرام صلوات اللّه عليهم أجمعين وحينئذٍ فلا معنى لحصول الشكّ .

وحاصل الكلام: هو انه وقع الاتّفاق في أصل العلم بالمصالح والمفاسد من الفريقين والنزاع إنّما وقع في استتباع ذلك الانشاء في عالم التشريع الذي هو عبارة عن التكوين للأحكام او ليس الا ابراز الارادة والكراهة فعن صاحب الدرر والغرر الشيخ عبدالكريم الحائري رحمه الله في درره(1) ذلك كما انّ المحقّق آقاضياء العراقي(2) كان يصر بذلك ولا يرى معقوليّة الانشاء والجعل للأحكام . بل ليس إلاّ ابراز الحب والبغض بتوسط الانبياء ولهم مقام الوساطة والتبليغ بلا تفويض للجعل من المبدء الأعلى إليهم وعدم تصور ما يمكن أن يكون مجعولاً هناك .

قال سيّدنا الأستاذ قدس سره وكنا نصر عليه بالجعل وان للمولى صفحة تشريع في عالمه هوعالم تكوين الأحكام كتكوين الخارجيّات ووقع الكلام والبحث منا مع المحقّق العراقي رحمه الله مرارا حتّى انه جعل الحكم بيني وبينه صاحب العصر عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف .

وخلاصة الكلام انّه يتصوّر في الموالي العرفيّة بالنسبة إلى عبيدهم بعد العلم لمصلحة فعل حالة نفسانيّة مستتبعة لانشاء الطلب الخارجي منهم فعلاً أو تركا كما

في أنّ الأحكام مجعولة

ص: 183


1- . درر الاصول 1/71 .
2- . نهاية الأفكار 1/57 - 157 .

هو واضح . اما بالنسبة إلى المولى الحقيقي فمحصل المرام ان له عالم تشريع وانشاء سوى عالم بالعلم بالمصلحة والمفسدة وفي كيفيّة ذلك اعتقادنا ما اعتقده جعفر بن محمّد صلوات اللّه عليهما لعدم ميدان لنا للحوم حول هذا المقام لتقدّس الذات وتنزهه عن كونه محلاً للحوادث كما انه ليس صفاته زائدة على ذاته بل ورد في الأخبار(1) التعبير عن القادر بانه ليس بعاجز اذ ليس تركب هناك تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوا كبيرا . ولذا منعنا عن اطلاق اسم لم يرد من قبلهم .

ولو كان أمر الجعل بيد النبي أو الولي صلوات اللّه عليهما فهناك يتصوّر الحالة النفسانيّة التي يمكن تصوّر الانشاء والجعل منه ولقد أشار المحقّق الخراساني إلى هذا المعنى في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري(2) فانه لو كان أحدهما هو الجاعل كما وردت بذلك أخبار(3) التفويض فيمكن اجتماع ارادتين احداهما متعلّقة بالواقعة من حيث هي هي والاخرى بما هي مشكوكة .

تحقيق الكلام: قد تبيّن ممّا تقدّم بطلان دعوى كون الحكم هو العلم بالمصالح والمفاسد بلا استتباع جعل وانشاء بل لا مانع من الجعل والانشاء للحكم في عالم الثبوت وتكون هذه الخطابات الواردة كاشفة عنها وبمنزلة الآلة كما للنجّار وذلك يتّضح بالقياس إلى جعل المولى للتكوينيّات فان أمكن تصور ذلك بالنسبة إلى المبدء الأعلى وان يكون له عالم خلق وعالم أمر تكويني تكوينه اعتباره وايجاد النسبة بين الفاعل والفعل المنتزع عنه عنوان الوجوب والحرمة وباقي عناوين الأحكام الخمسة مثلاً . وإن لم يمكن ذلك بالنسبة إلى المبدء

المراد من الحكم

ص: 184


1- . بحار الأنوار 4/136 ح3 - 4 - 8 الى 11 - 17 - 21 الى 24 .
2- . كفاية الأصول 2/49 - 50 - 52 وما بعده .
3- . بحار الأنوار 25 فصل في بيان التفويض ص328 وبعده ح1 - 6 الى 9 - 11 - 12 - 13 .

الأعلى فلا محيص عن الالتزام بذلك في بعض المبادي العالية كنفس النبي صلی الله علیه و آله وكنفس الولي عليهما السلام لتصوّر حالة نفسانيّة هناك الا انك خبير بفساد الجعل والانشاء لو كان مستلزما لتصوّر مقدّماته من العزم والجزم والشوق المؤكّد بداهة امتناع ذلك في المبدء الأعلى . نعم يتصوّر ذلك بالنحو الذي قلناه كما وافق عليه الروايات غاية الأمر تكون(1) هذه الخطابات كاشفة عنها بلسان جبرئيل النازل على النبي صلی الله علیه و آله أو يكون قد الهم النبي صلی الله علیه و آله وأوحى إليه وهو انشاء وجعل منشأ

انتزاع الأحكام كما ورد في بعض الروايات مثل سبع ركعات فرضها النبي صلی الله علیه و آله (2) بل انكار الجعل في المبدأ الأعلى كان ان يكون اجتهادا في مقابل النص لورود الروايات(3) من النقش في اللوح وكتابة القلم إلى أن يتّصل بالنبي صلی الله علیه و آله ولا يمكن الالتزام بأن كلّ ذلك اخبار واظهار لما في الفعل من المصلحة والمفسدة . ولا وجه لانكار الجعل بعد ان كان للمولى نحوان من الارادة: ارادة متعلّقة(4) بالأشياء كالتكوينيّات فليكن المقام مثلها اذ لا مانع من ذلك وارادة ذاتيّة هي عين الذات كما انه هو الخالق والرازق والمميت والمحيي من الأفعال المتعلّقة بالتكوينيّات .

فاذا تحقّق ما ذكرنا وتبيّن فساد التخيل كما انه لا مجازفة في الأحكام وكذا لا يوجد المصلحة بالجعل كان تكون فيه أو في المجعول فان بعضه محال وبعضه الاخر غير معقول .

ص: 185


1- . ولذا التزمنا بأن انتزاع الوجوب عن ذلك مثلاً يستدعي مولويّة وإلاّ فخطاب الفقير للغني باعطاء الفلوس ربما يمكن أشد من مولى مالك للعبد مع عدم لزوم اتباعه وعدم الزام لاطاعته .
2- . الوسائل 4 الباب 13/2 - 14 - 19 - 22 من أبواب اعداد الفرائض .
3- . بحار الأنوار 18 باب كيفيّة صدور الوحي الحديث 9 - 10 - 11 .
4- . بحار الأنوار 4 كتاب القدرة والارادة الأحاديث 4 - 5 - 16 .

فاعلم ان النزاع وقع بين الاعلام في ان الحكم الوضعي هل هو مجعول أصلاً بعد الاتفاق الا من قليل على كون الأحكام التكليفيّة مجعولة فنفي بعضهم الجعل فيها رأسا أصلاً لا اصالة ولا تبعا ( كما في مقدّمة الواجب لوقلنا بترشح ارادة المولى من الامر وان كان غافلاً إلى المقدّمة بالتبع فانه من لوازم ذلك ) بخلاف آخرين فذهبوا إلى انها كالتكليفيّة يتعلّق بها الجعل ابتداءً . وفصل بعض بين مثل الشرطيّة والسببيّة والمانعيّة والجزئيّة فنفى فيها الجعل وجعل الباقي قابلاً

له دونها فهي منتزعة وذلك كالملكيّة مثلاً فيمكن انتزاعها من نحو يجوز التصرّف للذي حاز ما لم يسبقه إليه غيره ولا يجوز التصرّف لغيره كما انه يمكن انتزاع ذلك من نفس الايجاب والقبول وقس عليه كلية باب الأسباب والمسببات فيمكن الجعل فيها ابتداءً لمنشأ الانتزاع ويمكن تصور الجعل ابتداءً للملكيّة والاعتبار لها

سواء كان ظرف العروض والاتصاف في الذهن أو الأوّل في الخارج والثاني في الذهن الذي يعبر عن مثل ذلك أهل المعقول بالمعقولات الثانية حيث ان المنطق إنّما هو مرتبط بنحو المعقول وبحث المنطقي يدور مدار المعقولات . وإلاّ فالملكيّة وعدم الجواز أوالجواز ليس عارضا في الخارج على متعلّقاتها ومن له الملكيّة بل ذلك مثل المبتدء والخبر كما أشار إلى ذلك المحقّق الطوسي الخواجه نصيرالدين في كتابه التجريد(1) وكذا أهل المعقول كشراح التجريد من ان الوضع والحمل من الامور الانتزاعيّة التي لا حقيقة الا لمنشأ انتزاعها وإنّما هي أوصاف تعرض لها في الذهن كالكليّة والجزئيّة والنوع والجنس وبعضها ظرف عروضها الخارج وظرف اتصافها الذهن ويمكن كون الوحدة والكثرة من هذا القبيل .

ص: 186


1- . تجريد الكلام: 66 .

والحاصل ان الموضوع والمحمول كزيد قائم الذي قد يعبّر عنهما في لسان أهل المعقول والحكمة بالامور الانتزاعيّة وقد يعبّر في لسان أهل المنطق بالمعقول الثاني كما انه عند أهل الأدب زيد مبتدء مسند إليه وقائم خبر ومسند لا حقيقة لهما في الخارج الا ان زيدا له وجود متأصّل وليس بازاء الحمل والوضع والمسند إليه والمسنديّة شيء خارجا فليس وعائها الا الذهن . فهو ظرف اتصاف الموضوع بالموضوعيّة والمحمول بالمحموليّة كما ان مثل الانسان كلي ونوع ظرف الاتّصاف والعروض كلاهما ذهني كما يعلم ذلك أوضح من هذا في نحو زيد واجب الوجود بالغير ممكنه بالذات وامتناع اجتماع النقيضين ممّا يكون فيه المعروض والعروض والاتّصاف كلّها في الذهن اذ لا اجتماع للنقيضين في الخارج كي يحكم عليه بالامتناع فالامكان والوجوب والامتناع التي هي جهات الوجود والعدم في الموجودات والمعدومات طرا والموجود والمعدوم باعتبار انتزاع عناوين اخرى على الأشياء المتصوّرة وإن كان لها ما بحذاء في الخارج .

كلّ ذلك من التي يكون لها منشأ انتزاع تنتزع منه وإلاّ فليس في الخارج إلاّ زيد واما انه ممكن أو واجب فليس له في الخارج شيء وكذا الامتناع في نحو شريك الباري واجتماع النقيضين .

نعم نفس الذات وحقيقة الشيء لا بما انها حقيقة ليس معقولاً ثانيا كي تكون منتزعة عن شيء بل لها تأصّل في نفسها وليس كلّ ذلك من الخيال والوهم كان لا يكون في عالم الوجود والعين شيء أصلاً بل كلّ ما في الكون وهم أو خيال لفساد ذلك وبطلان هذه الدعوى ضرورة . وعلى كلّ حال فقد وقع الخلط من بعض بين المعقولات الثانية والانتزاعيّات والاعتباريّات .

ما يكون ظرف العروض والاتّصاف له هو الذهن

ص: 187

وتصدّى المحقّق النائيني رحمه اللهلكشف النقاب عن وجه الحق في ذلك ففسّر الشيء باعتبار عالمه(1) إلى ثلاثة . ما يكون له وجود عيني لا دخل للاعتبار وعدمه في ذلك . بل هو موجود في عالمه ولو مع قطع النظر عن تصوّره بل مع تصوّر عدمه والبناء على اعتبار عدمه . وذلك مثل كلّ الممكنات الوجودية التي تلبّست بلباس الوجود فلها وجود عيني حقيقي لا ربط للاعتبار ولا دخل للانتزاع فيها . وما يكون وجوده بالنظر إلى اعتبار المعتبر ووجوده في عالم الاعتبار كالتكويني الحقيقي في عالم الحقيقة والعين . غاية الأمر له هذا النحو من الوجود . والثالث ما يكون منتزعا عن أحد هذين . وهو موجود تبعا لمنشأ انتزاعه ووجوده إنّما هو بالنظر إليه .

توضيح وتكميل: سبق انّ التفصيل بين الوضع والتكليف إنّما هو بناء على جعل الأحكام كما ينشأ الموالي العرفيّة بحصول مقدّماته من الشوق المؤكّد لكنّا نلتزم بالجعل على نحو يمكن في ذاك الصقع تعالى اللّه عن ما يكون للمكنات ويعرضها علوا كبيرا . بل الحاصل انه يوجد النسبة بين الفعل والفاعل ويكون هذا المنشأ والموجد بالانشاء غير المتخلّف عنه تمام الموضوع لحكم العقل بلزوم الاطاعة فيعتبر المولى عبده مصلّيا تشريعيّا ليكون تكوينه على حسب تشريع المولى وهذا الاعتبار بيد من بيده الاعتبار كما في ساير الاعتباريات وليس هناك مجرّد العلم بالصلاح والفساد بل يكون ذلك داعيا إلى الجعل كالتكوينيّات .

غاية الأمر للاعتبار عالم آخر وإن كان خارجيا كما ان الانشائيّات كلّها من هذا القبيل واللفظ يكون آلة للايجاد والانشاء في عالمه .

كيفيّة جعل الحكم

ص: 188


1- . فوائد الأصول 4/381 وما بعده .

توضيح المقام: ان الانسان قد يخطر الشيء بباله بلا ارادة منه أو بالنظر إلى شيء أو بنحو آخر ويتوجّه إليه وحينئذٍ فاما ان يكون له ميل إلى حصوله أو كونه كذا وكذا أو لا أو إلى عدمه وبالجملة الميل والحب إلى طرف منه ورجحان عنده يترقى من هذه المرحلة إلى أن يحصل له العزم والجزم والشوق المؤكّد إلى حصول وجوده مثلاً لا عدمه .

وفي هذه المرتبة تارة يتصدّى بنفسه لايجاد المتعلّق في الخارج كان يريد شرب الماء ويشربه بعد حصول الارادة بمقدّماتها منه ولو في لحظة بل وأقل . وتارة حسب تدريج الزمان كما يعلم ذلك وعلم بالتجارب . واخرى في مقام التصدي يرى مصلحة في حصول متعلّق الارادة والشوق من آخر غيره فيترتب المقدّمات إلى أن يطلب منه بايجاد النسبة بين الفعل والفاعل كي يوجده في الخارج وعالم العين . وعلى هذا فعلم انه كم فرق بين الطلب والارادة وأين هذا من تلك . اذ بينهما مراتب ومراحل كما ترى . وعلى كلّ فهذه النسبة الايجاديّة الحاصلة من المولى والآمر اعتبار بين الفعل والفاعل أوجدها وأنشأها نظير باقي الانشائيّات كالعقود والايقاعات حيث ان البيع مثلاً ليس عبارة عن التبدّل المكاني للعوضين وإلاّ فيمكن أن يحصل ذلك في مقام اعتبار البيع تارة واخرى لا يحصل . بل يمكن أن يكون من سنخ الاضافات القائمة بين المضاف والمضاف إليه ولا وجود لهذه الاضافة الا في عالم الاعتبار اذ في الخارج لا يكون الا التبديل وتعويض المضاف أو المضاف إليه كان يموت شخص ويقوم مقامه آخر . بل البيع عبارة عن تبديل المالين والملكين في عالم الاعتبار بأن يكون هذا بازاء ذاك أو عبارة عن تبديل الاضافة باضافة اخرى مثال ذلك في الخارجيّات أنّه

ص: 189

يتصوّر أن يكون كلّ انسان فرضناه بايعا أو مشتريا فيما بعد أن يحصل له شدّ بالحبل الموصول بينه وبين المال الكذائي مثلاً فهذا الحبل أحد طرفيه مشدود بوسط المالك والطرف الآخر على المال فاينما يتوجه المالك فالمال بعقبه وله السلطنة المطلقة عليه بأيّ نحو شاء لانه في حيطة سلطنته مشدود رأسه بالحبل أو تعلّق على عنقه . وليس له الفرار عن سلطان المالك كما ان للمالك الآخر الذي يريد أن يكون مشتريا مثلاً هذا النحو من الاتّصال بالنسبة إلى ماله بمثل ذلك الحبل فكما ان لهما أن يتبادلا في الخارج ويضع كلّ ماله في موضع مال الآخر ويجعل رأس الحبل على عنقه ورأس حبل ماله على عنق مال الآخر وأن يحلّ الحبل المعقود المشدود على وسطه برأسه الآخر المعلّق على عنق الحيوان مثلاً ويشدّه في وسط الآخر وهو يفعل ذلك به كذلك يمكن أن يكون مثل ذلك في عالم الاعتبار بأن يجعل رأس حبل الاضافة الحاصلة بينه وبين ما يملكه على عنق مال الآخر أو شدّه على وسط الآخر كي يعبر عن ذلك بالبيع غاية الأمر في عالم الاعتبار فيكون المالك بعد ذلك الآخر الذي شدّ رأس الحبل بوسطه وبالعكس بالنسبة إلى المالين كما عبّر عن ذلك آقا ضياءالدين العراقى رحمه الله وكذلك الزوجيّة

المعبّر عن الايجاب والقبول المتعقب أحدهما بالآخر عن العلقة فانّه لا محالة يوجد هذا الاعتبار وتلك العلقة وإن لم يكن بين الزوجين قرب مكاني بل بينهما كمال البعد مثلاً . وإن لم يكونا منضمّين كي يناسب الزوجيّة . بل الحاصل عند ذلك هو المعنى الذي يعبّر عنه بالفارسيّة ( زناشوئى ) وكذلك في الطلاق والعتاق والهبة فانّ الهبة عبارة عن سلب الاضافة وايجادها عقيب السلب . فانّه يستحيل أن يكون كلّ واحد من المتعاقدين في الخارج آخذا بزمام المال مستقلاًّ في زمان

ص: 190

واحد . ومال واحد بل لابدّ أن يخليه أحدهما ويأخذه الآخر كما انه لا يعقل أن يكون لمال المالكين إلاّ بالاشتراك فيسلب اضافة المالكيّة ابتداءً الواهب له ويوجدها ويجعلها على المتهب الموهوب له لا مجرّد جعل المال عنده خارجا وكذا في المعاطاة فانّه لا يعقل أن يكون بيعا لأنّها عبارة عن الاعطاء والقبض الشخصيين ولا يكون ذلك في الكلي وليس هذا الا عبارة عن العمل والتبادل التكويني ومجرّد هذا لا يكون بيعا كي يكون لازما أو جائزا اذ لا انشاء للفعل فكيف يقال ان بالانشاء يوجد مفهوم البيع وبالمعاطاة مصداقه .

نعم يمكن أن يقال بالمعاطاة يحصل مصداق للبيع ويكون هذا النقل والانتقال الخارجي التكويني يتحقّق به البيع .

فعلى هذا هي بيع لا عقد وحاصل فيها نتيجة العقد خارجا وبهذا الاعتبار لابدّ أن نلتزم بما قاله المفيد رحمه الله من كونه بيعا لازما .

وبالجملة بالمعاطاة أي الاعطاء والقبض الخارجيّان يوجد مصداق للبيع وتحصل تلك الاضافة كما تحصل بالألفاظ ولا وجه لدعوى عدم معقوليّة ذلك لأنّ الفعل الخارجي لا يكون سببا لحصول الاضافة الاعتباريّة لتعدّد المقولة اذ هو من مقولة الفعل أي الاعطاء والقبض والبيع من مقولة الاضافة . وذلك كما ان الأمر في ألفاظ البيع كذلك . لأنّهاعبارة عن الفعل أو المسموعات والمعاني والموجدات من مقولة المعاني .

إذا تحقّق هذا فاعلم: ان انشاء الحكم أيضا على هذا النحو من الايجاد والوجود فكما ان الموجب والقابل يعقدان باللفظ وينشآن بالآلة وهي الألفاظ المعلومة العقد والايقاع في الاعتبار كذلك يوجد النسبة بين الفعل والفاعل الحاكم

تصوير المبادلة في البيع

ص: 191

على غيره بحكمه فيوجد النسبة وهي الايجاب ولا فرق بين الايجاب والوجوب إلاّ بالاعتبار ويكون الوجوب عين الايجاب كما في باقي الأحكام .

غاية الأمر ما ذكرنا من المراتب المقدّميّة للارادة إنّما هي في الممكنات الفاعلين بالارادة غير الموجب منها وأمّا بالنسبة إليه تعالى فلا شيء الا الغاية من

هذه المقدّمات وإلاّ فلا عزم ولا جزم ولا ميل تعالى اللّه لما يقول الظالمون علوّا

كبيرا .

بل غير هذا خلاف ما ورد من الآيات والروايات ويكون هذه الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة دالّة على الحكم ولابدّ أن نقول انه حاصل بها الانشاء كما ان الانشاء في باقي الاعتباريّات يحصل بالألفاظ واللفظ إنّما هو بمنزلة الآلة كآلة النجارة للنجّار .

تلخيص وتتميم: قد تبيّن في الأمر الأوّل الذي رتّبة المحقّق النائيني اوّل الأمور المتقدّمة على المطلب ان الأحكام مجعولة وليست هي تبرز في الخارج ارادات كما ان في الانشائيّات مثلاً في الزوجيّة والبيع يتحقّق معنى لم يكن حاصلاً قبل بل وجد بنفس الانشاء وإلاّ فأيّ معنى كان موجودا قبل الزوجيّة والبيع المترتّب عليهما آثار .

الأمر الثاني: الذي رتّبه قبل بيان المطلب لبيان تحقّق الوجود الاعتباري وانه في مقابل الوجود العيني الحاصل في عالم العين وفي قبال الانتزاعي الذي لايتجاوز مجرّد الخيال والوهم بخلاف الاولين فانّه مع قطع النظر عن الانتزاع وجود حقيقي للموجود في عالم العين كالانسان والحيوان والحنطة والشعير وكلّ ما من سنخ عالم العين بالوجودات الخاصّة الخارجيّة وكذا الاعتباري الحاصل

ص: 192

باعتبار المعتبر فانّ المدّعى ان الوجود الاعتباري غير الوجود الانتزاعي الذي يكون بتبع منشأ الانتزاع . بل لا شيء في الحقيقة إلاّ مجرّد التصوّر كزوجيّة الأربعة . فانّ الموجود في الخارج أو الذهن هو المعدود أي الأربعة وينتزع منه ثانيا عنوان الزوجيّة وفرق كثير بين هذه الزوجيّة والزوجيّة المنشأة بالعقد أي الايجاب والقبول فانّ له تحقّقا في عالمه مع قطع النظر عن من ينتزع هذا الوجود الخاص عن شيء .

غاية الامر سنخ وجود متوسط بين الوجود العيني والانتزاعي الذي لا يكون إلاّ السراب المحض .

وتقريب ذلك انّه انه لا اشكال بالنظر إلى الأمور الخارجيّة ان السلطان القاهر الذي بيده أمور مملكته له أن يعتبر شيئا خاصّا بلحاظ اشتماله على بعض الخصوصيّات ذا أثر ونتيجة تترتب عليه كما في القراطيس والكواغذ المنقوشة بالنقوش الخاصّة الرائجة عند الدول فانها تبذل بازائها الليرات والفضّة والذهب وساير مالها ماليّة وإن كان في الخارج ليس إلاّ نفس القراطيس بلا انضمام شيء إليها إلاّ بلحاظ ذلك الحيث الحاصل لها من قبل اعتبار السلطان حصل لها خصوصيّة باعتبارها يكون الواجد لمقدار معتنى بها منها مثريا والمحتاج إليها فقيرا وذلك الاعتبار بيد من بيده الاعتبار كالسلطان كما ان له رفع هذا الاعتبار والغائه فلا يكون هناك شيء ولا يبذل بازائها شيء وكذلك في الفضّة والذهب وساير الاعيان الكونيّة الا ان هناك تارة ما يكون اعتباره حسب فطرة العقلاء بلا اجتماع منهم وبناء على أن يكون للشيء الفلاني كذا من الاعتبار وهذا الأثر الخاص كما في الحنطة فانّها إذا أكلها انسان يشبع حقيقة فالخصوصيّة الموجودة

الفرق بين الوجود الاعتباري والانتزاعي

ص: 193

فيها التي هي عبارة عن الانتفاع بها بذاتها حتى تكون ذات منفعة أوجبت رغبة العقلاء فيها فاعتبر لها حيث شخصيّة ونوعيّة وماليّة كما ان في القيميّات اعتبر خصوص الشخص والقيمة . فعند التلف لابدّ من اداء القيمة المتفاوتة حسب تفاوت رغبات يوم التلف والاداء . فالاعتبار الخاص فيها الحاصل حسب فطرتهم دعى إلى تفاوت قيمتها ورغباتهم إليها . وتارة لا خصوصيّة موجبة فيه لذلك . بل يعتبره معتبر ويبنى على ذلك ويروجه في ملكه بالسكّة أو النقش الخاص وبدون ذلك لا حظّ له من ذلك لعدم الانتفاع به بنفسه وبلحاظ ان فيه منفعة أو نفسه منفعة موجبة لعدمه عند ذلك كاختلاف حقيقة البيع والاجارة والعارية فان الأوّل موجب لانتقال العين والثاني للمنفعة والثالث مقتضى لانتفاع المستعير وليس ما ذكرناه عبارة عن مجرّد التصوّر والخيال لعدم منشأيّتهما للآثار المترتّبة على هذا النحو . وهذا واضح لا اشكال فيه فكذلك الملكيّة الحاصلة بالايجاب والقبول والزوجيّة فانّهما مع قطع النظر عن عالم الخيال والتصوّر لهما وجود حقيقي تأصلي لا تبعي بتبع منشأ انتزاعهما من شيء .

غاية الأمر حقيقة عالمهما غير عالم العين وإن كان تشترك مع الانتزاعيّات

بعدم حصول رؤية لهما كما ان في الأشياء الحقيقيّة الكونيّة ما يكون من سنخها كوجع الرأس والعين وفرق واضح بين الاعتباري بهذا المعنى وبين الأمر الانتزاعي كزوجيّة الأربعة لعدم حصول الثاني إلاّ بلحاظ منشأ الانتزاع واعتبار توجه والتفات إليه بخلاف الاعتباري فانه بعد أن وجد في عالم اعتباره الخاص لا يلزم التصور والالتفات إلى شيء يكون تابعا له . فاذا حصل الايجاب والقبول مثلاً لايجاد علقة الزوجيّة في عالم اعتبارها فيوجد هناك شيء لم يكن قبل ذلك

ص: 194

كما ان العدم الباقي إلى هذا الحين يعدم ويتبدّل بالوجود الحاصل منه آثار مخصوصة مترتبة عليها وإن كنّا لا نعرف حقيقة الزوجيّة والعلقة الحاصلة فتارة يعبّر عنها بالزوجيّة واخرى بلسان آخر الاّ انّ حقيقتها غير منكرة بل لها تأصّل .

غاية ما هناك ان اعتبار الشارع لها مع كونها ممّا تعلّقت به عناية العقلاء لابدّ أن يكون بنحو يصحّح استصحابها عند الشكّ فيها .

وبعبارة اخرى لابدّ أن يكون للشارع اعتبار فيها وإن لم يكن تأسيسيّا .

وان شئت قلت لا نعقل فرقا بين الأمر الاعتباري والانتزاعي بل كلّ ذلك لا حقيقة له خارجيّة ونعقل الفرق بين ذلك وبين ما يكون في عالم العين وإن لم يكن مرئيا كوجع الأعضاء بل عند الايجاب والقبول ينتزع عنوان خاص معبّر عنه مثلاً بالبيع أو بالتزويج والنكاح مستتبع لآثار خاصّة أو يعتبر حقيقة كذائيّة لعدم كوننا بصدد اثبات ان لنا عالم انتزاع مغاير لعالم الاعتبار بل تمام المهمّ في اثبات ان هنا

عالم اعتبار سواء كان مخالفا لعالم الانتزاع أم لا والانتزاعيّات أيضا رجعت إلى الاعتباريّات الا ان في الثاني توسعة لعالم الاعتبار وارى ان الأمر صار واضحا لا يحتاج إلى مزيد بيان .

لكن هنا نكتة لابدّ من التنبيه عليها . وهي ان المحقّق النائيني قدس سره على ما في تقريراته(1) صار بصدد بيان ان للملكيّة مراتب تكون بذلك من الموجود الحقيقي . أعلاها ملكيّة الباري تعالى للسموات والأرضين واحاطته بها وانها عبارة عن مراتب وجودها في قبال أهل المعقول المعبّرين عن ذلك بالجدة فانّهم قسّموا الممكن إلى جوهر وعرض والثاني إلى نسبيّة وغير نسبيّة وجعلوا منها الجدة

عالم الاعتبار

ص: 195


1- . فوائد الأصول 4/383 - 384 .

وفسّروها باحاطة شيء لشيء آخر كالرأس للعمامة الموضوعة عليه أو كالبدن للقميص وكون الانسان متقمّصا والتسربل والتنعل والتقبقب فانّ لها حظّا من الوجود في قبال الاعراض الباقية . وهذه هي أدنى مراتب الملكيّة ولا وجه لقصر هذه المقولة عليها . ونظّرها ومثل لذلك بالصور النفسانيّة المخلوقة لها أو احاطة العلّة بالمعلول لاستحالة كون معطئ الشيء فاقدها وهذا اما غفلة منه أو من المقرّر أو لايراد بظاهره فانّه لا يناسب مقامه الشامخ لاستلزامه المحذورات التي لا مفرّ عنها بعد ان كانت الماهيّة أمرا اعتباريّا عدميا والمجعول بالأصل هو الوجود لتوقف التوحيد المحض عليه بخلافها .

وللفرار عن بعض هذه المحاذير جعلوا الوجود ذا مراتب حذرا من لزوم وحدة الموجود . وذلك بخلاف ما عبروا به من الفيض والوجود الترشحي . نعم يصحّ القياس على الممكنات بالنسبة إليها فالنفوس الخالقة للصور تكون واجدة لها غير مقصور بلحاظ ذلك مقولة الجدة في أدنى مراتبها كما سمعت .

توضيح وتكميل: قد عرفت حقيقة الأمر في الأمور الاعتباريّة ووجودها في عالم الاعتبار الذي هو مقابل عالم العين والانتزاع . وهي تارة تأسيسيّة من الشارع واخرى امضائيّة بمعنى ان للعقلاء ذلك في امورهم مع قطع النظر عن تعرض الشارع له . فان لهم نصب السلطان ولهم عزله نظير اعتبارهم اختصاصا لكلّ انسان بالنسبة إلى ماله وملكيّته له وغير ذلك من شؤون حياته . بل ذلك حاصل حتى بالنسبة إلى الحيوانات كما يعلم ذلك بالتجربة فترى ان للكلب اختصاصه بالجيفة التي سبق غيره عليها وهو يرى ما له من التقدم . غاية الأمر ربما يكون للشارع تخطئة للعقلاء وأهل العرف في بعض الموارد فالذي يهب ماله لغيره

ص: 196

مثلاً إنّما يوجد معنى لم يكن من قبل بلحاظه يسلب مالية نفسه ويجعلها للغير كما في ساير العقود والايقاعات فان لكلّ عندهم حقيقة وليس حكما تكليفيّا بل اعتبار فانّ السلطنة مثلاً عبارة عن اعتبار عقلائي حاصلة للمالك بالنسبة إلى ملكه وكذا الماليّة للمال وليس للمالك سلب هذه السلطنة عن نفسه الا أن يقال مثلاً بالاعراض وان له تأثيرا في ذلك وبعد ذلك .

فقد وقع الخلاف في عدد الوضعيّات وان كلّها أحكام في قبال التكليفيّات . فعدّ بعضهم كلّ ما لم يكن بتكليف وللشارع فيه اعتبار وجعل من الأحكام الوضعيّة وحصرها بعضهم في ثلاثة السببيّة والشرطيّة والمانعيّة وبعض في أربعة وآخر في خمسة بزيادة الجزئيّة والعلّة والعلامة وآخر في تسعة أو أزيد الا انه يتوجه على الأوّل كون القضاوة والولاية بل والامامة والنبوّة التي هي من المناصب من الأحكام الوضعيّة باعتبار ان للشارع جعلاً فيها اما بالاصالة وتأسيسا كالنبوّة والامامة واما امضاءً كالقضاوة والولاية والوكالة التي هي بجعل من له ذلك لغيره . فانها اعتبارات شرعيّة وليس الشارع لم يتصرّف فيها ولو امضاءً .

وعلى الثاني انّه ليس مثل الوصاية التي يجعلها من له ذلك والولاية والقضاوة ونحوها من الاعتبارات الشرعيّة لحصره الأحكام الوضعيّة في ما ذكر فالحق ان القوم أفرطوا وفرطوا ولم يأخذوا بالجادّة الوسطى .

وذلك لأن الامور الاعتباريّة على قسمين قسم منها من المناصب وهي كالنبوّة والامامة والقضاوة لا تستحقّ اسم الحكم واطلاقه عليها لانها اعتبارات خاصّة وجعل شيء للمتلبس بها والمجعول لهم هذه . وقسم آخر من الأحكام

ص: 197

الوضعيّة كالمالكيّة والبيع والمعاملات التي تشتمل على التكليف ويتوجه على المكلّفين خطابات شرعيّة متعلّقة بأفعالهم بواسطة هذه الاعتباريّات بخلاف الأحكام التكليفيّة فان الجعل يتوجه إليها ابتداءً بلا توسط عنوان آخر فيتعلق الحكم والخطاب بالفعل وللفعل قد يكون متعلق خارجي مفعول به كالخمر في نحو لا تشرب الخمر . وهذه الأحكام الوضعيّة التي تستحقّ اطلاق اسم الوضع عليها اعتبارات شرعيّة تأسيسيّة أوامضائيّة للشارع يترتّب عليها آثار خاصّة . مثلاً تنفذ الوصيّة اذا بلغت الوصي بعد الموت . وليس له الاباء عن ذلك كما انه فيها ما يمكن لمن توجه إليه الوضع أن يسلبه عن نفسه ويسقطه وذلك في ما يكون تحت يده بخلاف ما يكون عليه . فله اسقاط حق الخيار وماله في ذمّة مديونه وليس له اسقاط الزوجيّة ولا تبديلها . بل له الطلاق كما ان الحريّة والرقيّة أيضا لا يكون للمكلّف حقّ الاسقاط والتصرّف فيها .

ومن ذلك يشكل اطلاق الحكم الوضعي على مثل هذه فالاعتبارات التي تكون تحت يده وله اسقاطها كالملكيّة بالاعراض مثلاً بخلاف ما ليس له فيها ذلك ويشكل الفرق بين نوعي الاعتباريّات واعتبار ميزان عامّ في المناصب لا يكون في غيرها من باقي الاعتباريّات مع ان كلّ هذه من مجعولات الشارع كما ان القضاوة والنيابة الحاصلة للفقيه عموما من الامام علیه السلام التي قلنا انها من المناصب تستوجب امضاء من بيده الاعتبار ورضاء الحجّة صلوات اللّه عليه بما يعملونه في هذه الموارد . وللقوم وجوه استحسانيّة من الطرفين لمثل التصرّفات الواقعة من الفقيه بعنوان النيابة تشبه قياسات العامّة لعنهم اللّه ولابدّ من احضار ما يكون جوابا

والاتّكاء في مثل ذلك إلى البرهان والدليل .

ص: 198

وعلى كلّ حال فالأحكام الوضعيّة هي من سنخ الاعتبارات الحاصل نظيرها عند العقلاء كما في اعتبار الذمّة فانّها ليست شيئا خارجيّا مع مالها من الوسعة وينقسم الوضع إليها وإلى غيرها من المناصب المجعولة نحو القضاوة في نحو ( فاني(1) قد جعلته قاضيا عليكم أو حاكما عليكم أو مثل فانظروا(2) إلى رجل قد روى حديثنا ونحو ذلك . وللشارع في هذه الأمور والموارد أحكام خاصّة مترتّبة على العناوين بواسطة الوضعيّات . وقد يشتبه بعض ذلك ببعض فان الامور الحسبيّة مثلاً تخالف تولية الأوقاف في جريان النزاع في انها هل للحاكم توكيل الغير في النظر إليها كأموال القصر والقيمومة على الصغار فينعزل بموت المجتهد الموكل لذلك الغير المنصوب من قبله أو من قبيل اعطاء المنصب كتولية الأوقاف فتبقى مادام المنصوب باقيا ولا يلزمه كسب الاجازة والاذن ثانيا بعد موت الناصب الأوّل ولذلك قد وقع لبعض المحشين لعروة السيّد اليزدي رحمه الله(3) الاحتياط بكسب الاذن والاجازة مجددا . والمحقّق النائيني رحمه الله(4) رتّب في مقدّماته بعض الامور المفروغة عنها ككون الأحكام مجعولة على نحو القضايا الحقيقيّة ممّا لا يستحقّ بحثا عنه للكلام فيه في محله .

الا ان الاشارة إلى كيفيّة جعل الامور الاعتباريّة التي هي أحكام وضعيّة لا تخلو من فائدة . فقد وقع الخلاف في انها مجعولة اصالة أو تبعا فانكر بعضهم

سنخ الأحكام الوضعيّة

ص: 199


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 1/5 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في الألفاظ .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 1/5 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في الألفاظ .
3- . العروة الوثقى مسئلة 51 من التقليد .
4- . فوائد الأصول 4/388 .

كالشيخ رحمه الله(1) الجعل الاصالي لها بل هي تنتزع من الأحكام التكليفيّة في مواردها وكلامه في الرسائل مشوش لا يمكن الجزم بطرف من ذلك . وذهب آخر إلى انها مجعولة بالاصالة كالأحكام التكليفيّة .

وفصل ثالث كما هو المختار بعدم مجعوليّة بعضها وانها بتبع منشأ الانتزاع كما ان للشارع الجعل في آخر موضوعا ومحمولاً أو حكما كالفقراء في آية الزكوة وجعل الخمس لأهلها فانّ هذه لا يد لغير الجعل فيها فاعتبر الموضوع موضوعا الذي هو من المعقولات الثانية وكذا المحمول ورتب الحكم وجعله على هذا الموضوع الخاص .

تكميل وتتميم: رتب المحقّق النائيني قدس سره أمرا آخر(2) تمهيدا لتحقق الحال في الأحكام وضعيّة كانت أو تكليفيّة . وحاصله ان موضوعات الأحكام تارة تكون مجعولة للشارع ولا دخل للعقلاء في ذلك واخرى تكون امضائيّة للشارع . الا ان موضوعات الأحكام التكليفيّة دائما من التأسيسيّات . كما ان محمولها أي نفس الأحكام أيضا كذلك سواء كان متعلّق المتعلّق أو هو المكلّف وذلك غير ملاكات الأحكام والمصالح والمفاسد النفس الأمريّة فانّ الأمر السادس ممهّد وأمّا بالنسبة إلى الوضعيّات والاعتباريّات يختلف فالغالب انها امضائيّة كما انه ربما يكون للشارع فيها جعل وتأسيس لموضوعاتها .

والسرّ في ذلك عدم ادراك العرف والعقلاء ما هو الملاك والميزان لجعل الأحكام على متعلّقات التكاليف الشرعيّة فمثل الولد الذي لم يبلغ الحلم ولم

ص: 200


1- . فرائد الأصول 2/518 .
2- . فوائد الأصول 4/386 - 387 الى 389 .

يدرك ربما يكون في الامور الماليّة ارشد من الذي بلغ عشرات سنين ومع ذلك فلم يعتد الشارع بمعاملاته وجعل عمده في الديات في حكم الخطأ الوارد على العاقلة .

كما انه لم يرد منه غسل الجنابة ونحوها مع عدم تمييز العرف فرقا بين البالغ الكامل ومن لم يبق إلى بلوغه مثلاً إلاّ دقيقة أو يوم الا في بعض الموارد الخاصّة فاستثنى(1) تصرّفاته اذا كان بالغا عشرا . والمسئلة وان كانت خلافيّة في نفوذ تصرّفاته إذا كانت باذن الولي كان يبيع ويشتري ولعلّ الحقّ عدم نفوذ ذلك لا اصالة ولا باذن الولي على نحو الانضمام لا الاستقلال .

لكن المقصود في المقام مجرّد التمثيل كما ان العقلاء لا يدركون ولا يفهمون ما في وجوب الحج على كيفيّاته المعهودة المعلومة المشتملة على الطواف والسعي الذين ربما يتحيّر العقول فيهما حتّى من بعض أنحائها قد يصدر ما يكون فيه استهزاء الا ان الحكمة في ذلك خفية عنّا وان اشير إلى بعض ما يحتمله عقولنا وكذا كون البالغ العاقل المدرك للوقت أو المالك للنصاب موضوعا لكذا من الحكم وهذا أيضا لا اشكال فيه .

والمهم الذي يستدعي عناية به ما بينه في الأمر السادس(2) من تقسيم العلّة إلى علّة الجعل وعلة المجعول . والمراد بالأوّل ملاكات الأحكام من المصالح والمفاسد النفس الأمريّة الداعية للجعل . وبالثاني ما يكون له دخل في موضوع التكليف والحكم وبيان ان الأوّل لا دخل له إلاّ بوجوده العلمي بل ربما لا يكون

ما بيّنه في الأمر السادس

ص: 201


1- . وسائل الشيعة 19 الباب 44/1 - 18 من أبواب كتاب الوصايا والباب 15/1 الى 4 من كتاب الوقوف .
2- . فوائد الأصول 4/390 - 392 .

لواقعه دخل أيضا ويعبر عنه بالعلل الغائيّة فان الفعل إنّما يقع لأجلها ويستحيل كونها موجبا لجعل الحكم في ظرف وجودها بخلاف الثاني فان لوجوده الواقعي دخلاً في الحكم وقبل وجوده يستحيل وجوده لأنّه من قبيل العلّة بالنسبة إلى الحكم والحكم كالمعلول له .

فكما يستحيل الانفكاك بين العلّة والمعلول في التكوينيّات ولا يمكن تقدّم المعلول على العلّة ولو بآن وتخلّفه عنها ولو بشعرة والا يلزم الخلف والمناقضة والتقدّم للعلّة بالنسبة إلى معلولها ليس بالزمان بل بالطبع وكذلك موضوع الحكم بالنسبة إليه لا يمكن وجود الحكم بلا موضوع وتخلّفه عنه أو تقدّمه عليه وإلاّ يلزم المناقضة .

ولهذا كان الشرط المتأخّر من المحالات كان يكون شرط التكليف الذي هو شرط الوجوب وله الدخل فيه دخلاً موضوعيّا متأخّرا عن مشروطه ويوجد الحكم مع ان موضوعه لم يتحقّق أو لم يتمّ بعد . اذ ذلك من قبيل انفكاك العلّة عن معلولها وتقدّم المعلول على العلّة فكما انه يستحيل ذلك كذلك الحكم بالنسبة إلى موضوعه .

وما صدر عن بعض فانّما هو لبيان معنى آخر واختلاف في الاسلوب وتبديل الطريق وإلاّ فلا ينكر أحد استحالة تقدّم الحكم على الموضوع الذي هو بمنزلة تقدّم المعلول على علّته .

وعلى كلّ فقيل وجود الموضوع لا جعل للحكم ولا انشاء بخلاف العلل

الغائيّة التي تقدّم انها بوجودها العلمي مؤثّرة في الجعل لوضوح عدم امكان جعل وجوب بعد أن صلى المكلّف وأوجد الصلاة ووصل إلى الغاية المطلوبة منها . كما

ص: 202

ان التاجر في تجارته أيضا كذلك . بل بناء العقلاء في امورهم على ذلك وليس لهم البناء في كلّ الموارد على التحرّك عن العلم بل ربما يكون الاطمئنان موجبا للجري العملي كما انه تارة بنائهم على الاحتمال والرجاء فيما لم يترتّب على مخالفه الاحتمال والرجاء ضرر أو تلف أموال ونفوس لا يتحملونه ففرق بين العلل الغائيّة التي هي ملاكات الجعل وعلله وبين علل المجعول وهو الحكم الشرعي .

ولابدّ في الثاني من الوجود الخارجي في ترتب الأثر المطلوب عليه فقبل بلوغ الطفل لا تكليف عليه بالصلاة والحج وغير ذلك بخلاف الأوّل .

فدخله انما هو بوجوده العلمي أو الاحتمالي أو الاطمئناني على ما تقدّم .

الا انه قد وقع خلط في كلمات المحقّق الخراساني في المقام بين علل الجعل والمجعول في تصويره امكان الشرط(1) المتأخّر فقرب الكلام وأتى بما لا مزيد عليه وحقّق المرام في العلل الغائيّة بأحسن وجه وأجود من أهل الحكمة والمعقول وارجع الشروط المتأخرة إلى كون اشتراطها بالوجود العلمي مثل اغتسالها في الليل لصحّة صوم اليوم الماضي إلى أن قال ولم يسبقني أحد إليه فيما اعلم .

وقال في موضع آخر(2) بعدم احتياج تصور الواجب المعلّق بعد أن حقّقنا ذلك .

مناقشة صاحب الكفاية

ص: 203


1- . كفاية الأصول 1/146 - 148 .
2- . كفاية الأصول 1/161 .

وفيه ان ذلك لو تمّ يكون هو عين الواجب المعلّق الا ان الكلام في ذلك ليس لدخل هذه بالوجود العلمي فمرجعه إلى الوجود المقارن والشرط كذلك . بل الشرط في هذه من شرايط المجعول ويستحيل تخلف الحكم عنه وكونه مقدما على شرط موضوعه . ولذا بيّن المحقّق النائيني في هذا الأمر الفرق بين نحوي الشرط حذرا من وقوع الخلط ودفعا للتوهّم .

وبالجملة فما لم يتحقّق شرط المجعول فلا تحقّق له ولا بعث على المكلّف ولا وضع عليه بخلاف الجعل فعند كون المصلحة والمفسدة على الشيء يجعل الحكم عليه ولا تأسيس لأصل موضوع المصلحة إلاّ بالتكوين . فغير البالغ يمكن أن يجعله الشارع بالغا تكوينا كما انه يجعل عليه الحكم بعد أن صار بالغا وإلاّ لا معنى لكونه بالغا بالجعل التشريعي . وكذلك المصالح والمفاسد ليست امورا تأسيسيّة بل هي اما موجودة في الأشياء كالشيء الكذائي وكونه ذا مصلحة أو مفسدة أو لا ويرتب الشارع عليه الحكم ويجعله موضوعا بهذا النحو .

فالجعل إنّما يتعلّق بالحكم على موضوع خاص معتبر في نظر الشارع يرتب عليه الحكم وبذلك يفترق عن الحق فلا يقبل الاسقاط ولا جعل للموضوع بذاته إلاّ تكوينا .

إذ باعتبار الشارع لا يكون المكلّف مصليّا تكوينا .

نعم في المخترعات الشرعيّة الموضوع أيضا يكون تأسيسا كما في المناصب كالامامة فان الامام ليس اماما تكوينا بل بالجعل يكون اماما وتشريعه كذلك .

إذا تمهدت هذه المقدمات فلنشرع فيما هو المقصود من تحقيق الكلام في

ص: 204

الحكم الوضعي وانه هل شيء زائد على الحكم التكليفي الذي تقدّم انه مجعول للشارع بانشائه النسبة بين الفعل والفاعل أو طلب الفعل منه وان يوجده في الخارج أو تركه كذلك سواء كان الحكم عبارة عن خطاب اللّه المتعلّق بأفعال المكلّفين كما ذهب إليه الأشاعرة أو كان عبارة عن طلب مؤدّى الخطاب وهو إمّا فعل أو ترك على أنحاء الطلب .

فنقول قد اختلف العلماء في الحكم الوضعي فذهب فريق إلى أن المجعول بالاصالة هو الحكم التكليفي ولا حكم لنا سوى الأحكام الخمسة التكليفيّة لا أصلاً ولا تبعا . وفريق إلى ان الأحكام على قسمين وضعيّة وتكليفيّة والجعل يتعلّق بكليهما على حد سواء .

غاية الأمر استثنى بعضهم بعضها كالسببيّة فذهب إلى امتناع جعلها للشارع لا اصالة ولا تبعا وزاد بعض بالحاق الشرطيّة والمانعيّة والجزئيّة أيضا بالسببيّة في

عدم كونها مجعولة للشارع . وبعضهم إلى كون الجعل المتعلّق بالوضعيّات تبعيّا ولا فرق عند من استثنى السببيّة بين سببيّة الأسباب في الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة كالملكيّة مثلاً الحاصلة بالايجاب والقبول .

هذا حاصل الاختلاف وينبغي سوق الكلام على نحو يتبين انه هل يمكن أن يكون وراء حكم الشارع على متعلقاتها شيء مجعول أم لا .

فنقول: امّا المصالح والمفاسد النفس الأمريّة الكائنة في الأشياء فلا تنالها يد الجعل التشريعي اثباتا ونفيا . بل هي موجودة في الأشياء أين ما وجدت توجد معها وكذا موضوعات الأحكام ومتعلّقاتها الخارجيّة كالانسان البالغ المستطيع مثلاً وكالخمر الخارجي الذي يكون مفعولاً به للفعل الذي تعلّق به التكليف وكذلك

اختلاف العلماء في الأحكام الوضعيّة

ص: 205

فعل المكلّف فهو مولود قدرة المكلّف ولا يكون الجعل التشريعي سببا لكون المكلّف فاعلاً للفعل أو تاركا له فليس المجعول في هذه الموارد إلاّ الأحكام .

اما بايجاد النسبة في عالم الاعتبار أو بطلب الفعل من المكلف أو تركه منه مثلاً ولا تعلّق ليد التشريع في المصالح والمفاسد الداعية إلى الجعل إلى متعلّقات التكاليف وفي موضوعاتها الخارجيّة الا ان الشارع يعتبر هذا الشيء واجبا يلزم المكلّف الاتيان به أو حراما لابدّ أن ينتهي عنه .

كلّ ذلك على نحو أشرنا إليه من انشاء النسبة أو الطلب لما في ذلك من الالزام على المكلّف والأحكام والاتقان عليه كما يرشد إلى ذلك مادة حكم في تصاريفها فان الجامع بينها هو الأحكام والاتقان كما في الحكمة والحكيم والحكمة التي هي اسم للجام الموضوع في فم الفرس فكما تمنعه عن الطغيان وتقوده إلى الانقياد عن الشماس فكذلك الحكم المجعول من الشارع يمنع المكلّف في عالم الاعتبار من المخالفة سواء كان في جانب الفعل مع المنع من الترك أو في جانب الترك بأن لا يخالفه إذا كان عن جد ولو كان بداعي التهديد أو الحث والترغيب وغير ذلك فذلك يكون مستحبا أو مكروها الا ان الداعى لما لم يكن جدا بل للحث فيكون الحكم المجعول هو الاستحباب أو الكراهة .

فالمناسبة الحاصلة بين المعنى اللغوي والحكم المصطلح هي كون العبد مقودا حيث يقوده المولى . فعنان المكلّف بيده لكن في خصوص هذه الأحكام الأربعة وأمّا في الاباحة فينشأ الاباحة وتساوي طرفى الفعل والترك بالنسبة إلى المكلّف . ولذا ذهب بعضهم كالمحقّق النائيني رحمه الله(1) إلى عدم جواز أخذ الأجرة

ص: 206


1- . منية الطالب 1/19 - 20 .

على الواجبات حيث ان الفعل مملوك للمولى وهو ساق المكلّف نحوه كما يقال في العدالة انّها عبارة عن ترك الأفعال المنهي عنها وفعل الواجبات عن داعي الهي حيث ما يقوده لجام أمر المولى ونهيه لا بداعي نفساني هذا .

وهل يعقل معنى زائد يكون مجعولاً للمولى وراء هذه الخمسة التكليفيّة التي اطلاق الحكم على بعضها بالمسامحة أم لا ؟ والحق هو وجوده وان للشارع وراء حكمه بالترك أو الفعل على نحو ما شرح حكم آخر وانشاء غيرها في ما ذكرنا يتعلّق بأفعال المكلّفين ومايوجدونه في الخارج .

فعند وجود سبب كذائي يحكم على ترتب المسبّب على السبب كما في باقي الموارد التي للشارع فيها حكم على موضوع . الا ان الحكم ربما لا يتحقّق لعدم تحقّق ما هو دخيل في موضوعه كالوقف والاستطاعة فعند وجود تمام ما له دخل في الحكم فالشارع يحكم في التكاليف وكذلك في غيرها من ما يكون للعقلاء فيها اعتبار خاص أو يرونه في الأشياء من الأثر الخاص .

غاية الأمر في بعضها حكم الشارع تأسيسي لعدم فهم العرف وكشفهم عنه وفي بعض آخر كما هو الغالب له حكم امضائي بامضاء ما هو عندهم من الاعتبارات الخاصّة في البيع وغيره . الا انه باضافة بعض القيود والحدود كما في شرايط العوضين والمتعاملين ونفس العقد والقبض في ما هو شرط فيه وفي الهبة وغيرها من العقود والايقاعات . فامضائه بمثل أحلّ اللّه البيع(1) والصلح جائز(2) بين المسلمين امضاء لما هو المعتبر عند العقلاء من ترتب المسبّب عند وجود سببه

ص: 207


1- . سورة البقرة الآية 276 .
2- . وسائل الشيعة 18 الباب 3/2 من كتاب الصلح .

الخاص اذا كان البيع عبارة عن معنى اسم المصدر وحصول النقل والانتقال فاحلّ عبارة عن ترتيب الأثر وكذا الجواز في الصلح جائز جواز وضعي امضاء لما عند العقلاء وحق ذلك عدم بناء وتعبد للعقلاء في مثل هذه الأسباب والمسبّبات بل يرون المسبب عند وجود السبب غاية الأمر في عالم الاعتبار . فالدلوك سبب لوجوب الصلاة كالايجاب والقبول سبب للملكيّة عبارة عن ايجاب الشارع عند حصول السبب الصلاة وترتيبه الأثر على الايجاب والقبول بالملكيّة .

نهاية الأمر نصطلح على ذلك في التكاليف بالموضوع وفي الوضعيّات بالأسباب فالعقد سبب والدلوك موضوع كما ان المكلّف موضوع وسببيّة السبب ليست مجعولة بل امّا أن يكون في الشيء خصوصيّة تقتضي ترتب المسبب عليه أو لا .

فان كان فالشارع يرتب عليه والا فلا يمكن اعطاء السببيّة لما ليس بسبب الا بالتكوين ولا تصرف ليد التشريع هناك وليعلم قبل ذلك وقوع الكلام في ضابط الحق والحكم .

فقيل الأول ما يقبل الاسقاط والثاني ما لا يقبله الا ان تطبيق هذا الضابط في موارده ربما يكون من قبيل المصادرة . كما قيل الحق ما لا تعلّق له بفعل المكلّف بخلاف الحكم فكيف يمكن تطبيق هذا الضابط على مثل خيار الحيوان والمجلس وخياري تخلف الوصف والشرط حيث ان في بعضها حكم وفي آخر حق أو في المعاطاة وفي البيع العقدي بالفرق بين حق التراد بأصل العقد بخلاف المعاطاة فانّه يتعلّق بالعوضين . الا ان حق المقام ما تقدّم من كون ذلك لما في رؤية الشارع ما يراه العقلاء من الحق المخصوص عند الحيازة أو ايجاد العقد

للشارع حكم وضعي

ص: 208

الخاص فيرتب على ذلك أحكاما خاصّة ويجعل السلطنة التشريعيّة للمالك الذي انتقل إليه المال ويجعل تصرّف غيره حراما الا باذنه . فالموجب ينشأ البيع والقابل يقبل هذا المنشأ ويتحقّق السبب الذي هو موجب لحصول الملكيّة في عالم الاعتبار وعقيب ذلك يكون مورد الناس مسلّطون على أموالهم(1) .

ومحصّل الكلام: ان في هذه الموارد حكم الشارع على قسمين: تأسيسي وامضائي والامضائي عبارة عن تنفيذ ما يراه العقلاء عندهم من ترتب المسبب عند وجود سببه والشارع أيضا يراه ويمضي وفي التأسيسي لا يرون الخصوصيّة كما في القمار فيحرم عليهم .

نتيجة ما تقدّم واضافة: حاصل الكلام في الوضعيّات والاعتباريّات التي لا تكون أحكاما تكليفيّة انه لا وجه لحصر الشيء في العيني الخارجي والانتزاعي العقلي الذي يكون له وجود تصوّري وان تخيّل ذلك جماعة فرأوا الوجود في هذين القسمين ونفوا أمرا آخر يكون واسطة بين هذين الأمرين يسمّى بالأمر الاعتباري الذي وجوده وتكوينه باعتباره وانشائه في عالم نفسه قبال عالم العين والتأصل سواء كان في الأمور النسبيّة أو غيرها . فالجدة مثلاً حصروا مصاديقها في التعمّم والتنعّل وغيرهما من الوضع الذي يكون من احاطة شيء بشيء آخر غافلين عن وجود أمر آخر في المقام اعتبره العقلاء وهو كثير في امورهم وعليه بنائهم كالملكيّة الحاصلة بين المالك والمملوك فانّه نسبة بينهما كالجدة وهي من مراتبها بل وراء العالم العيني والعالم الذهني الذي يتعقّل فيه الصور والمفاهيم عالم آخر هو عالم الاعتبار وهو ليس بمنكر وجوده وحصوله

ص: 209


1- . بحار الأنوار 22/2 كتاب العلم ص272 ح7 غو .

وليس كلّ موجود اما موجودا تاصليا عينيا أو انتزاعيا عقليا حتى صار انكار ذلك من قدماء الفلاسفة سببا لتعجّب المتأخّرين منهم وانهم هل كانوا عقلاء في ذلك فصار ذلك موردا للمثال المعروف ( كم ترك الأوّل للآخر ) فصار ببركة الاكتشافات كثير من المعاني حاصلة معلومة ( بلا ربط لذلك بما هو كانوا بصدده ولا شاهد عليهم ( وكذا لا وجه لاعتبار الجدة بنحو تكون الملكيّة قسما منها ) لأن وعاء ذلك وعاء الاعتبار بخلاف الجدة فانها من الاعراض التسعة المنقسم بها وبالجوهر الممكن ولا ازيد منها كما اعترف به سيّدنا الأستاذ قدس سره فلم يمكن تعقّل ذلك في عالم نفسه وهو الاعتبار لا العين ) .

وعلى كلّ فانكار الوضع ليس إليه سبيل لوضوح الأمر وكثرة الاعتبارات

عند العقلاء التي تتزايد كلّ يوم تغنينا عن اقامة البرهان على امكانه اذ أدل دليل على الامكان الوقوع . وكذلك في الشرعيّات فجعل الأحكام بعد أن تسلّم في محلّه انّها مجعولة من الشارع منحصرا بخصوص التكليفيّة لا معنى له وجعل الوضعيّة مطلقا منتزعة عنها لا يتعلّق بها الجعل لا أصلاً كوجوب ذي المقدّمة ولا تبعا كوجوب المقدّمة أو انكار ذلك في خصوص السببيّة والقول بجعل المسبّب أو مع القول بجعل السبب فالمجعول في بابها اثنان السببيّة والمسبب وترتبه على السبب كلّ ذلك لابدّ له من شاهد ولا يعقل انكار الحكم الوضعي وجعله مطلقا منتزعا عن التكليفي بلا جعل له أصلاً بنحويه . اذ ربما يكون وضع ولا تكليف كالطفل الساقط حيا الذي يرث من مورثه مع انه لا حكم هناك وكباب الضمانات . فالنائم وإن كان لا يتوجه إليه التكليف الا ان اتلافه شيئا للغير موجب للضمان واشتغال العهدة . بل الصبي الذي لم يبلغ عمده خطا في الدية وهي على عاقلته مع

حكم الشارع الوضعي على قسمين

ص: 210

انه لا قلم عليه كما ان في باب الضمان العقدي مادام لم يكن نقل الذمّة إلى الذمّة لا ضمها إليها كما يقول العامّة لا يكون هناك خطاب . أو كباب الدين خصوصا الدين الالهي فانّ الذي مات لا خطاب عليه بعد ذهاب الموضوع مع ان من المسلم ان الصلاة والزكوة والصوم والحج لابدّ أن تؤدّي عنه بل في بعض الأخبار ( ان دين اللّه أحق من دين الناس )(1) ولهذا ذهب السيّد صاحب العروة أعلى اللّه مقامه في مسائل مربوطة بالباب إلى الميل إلى هذا المعنى(2) فيستثنى ثمن الاستيجار من أصل ماله وإن لم يوص مع ان الوضع لو كان في هذه الأبواب منتزعاً من التكليف فلا تكليف حتّى ينتزع منه الوضع مع تسلّم وجوب الصلاة عن الميت لاشتغال ذمّته . ليس هذا الا ان أصل الوضع أمر مجعول وهو حكم .

وقد أشرنا إلى وجه العناية في تسمية الوضع حكما لأحكام ذلك واتقانه كما في الأحكام التكليفيّة على ما يرشد إلى ذلك تصاريف حكم من حكيم والأحكام والاستحكام والحكمة . بل يمكن أن يقال وإن لم يقل بذلك أحد أو لم نعرف القائل ان كلّ تكليف مشتمل على تكليف ووضع . غاية الأمر ربما يكونان معا فيتعلّق بهما الجعل وربما يتقدّم الوضع على التكليف ويوجب التكليف واخرى بالعكس بل الحق المحقّق ان الوضع لا معنى له في ما لا تكليف ولا يترتب عليه أثر تكليفي مع التمكن .

كان يكون انسان مديوناً مشتغلاً ذمّته لشخص آخر ويتمكّن من أداء ذلك ولا يتوجه إليه خطاب ادّ الدين . الا انه تارة يكون الوضع بوجوده الحدوثي

ص: 211


1- . مستدرك الوسائل 2 الباب 18/3 من أبواب وجوب الحجّ .
2- . العروة الوثقى المسئلة 83 من مسائل الحج .

موجبا للتكليف ولو باقيا واخرى لا بل بحدوثه الحدوث وان لم يبق فلا بقاء للوضع وشواهد ما قلنا في هذه الأبحاث في الفقه كثيرة . بل من أوّل باب الطهارة إلى باب الديات يمكن تصوير ذلك فيه . وكذا في ردّ السلام وغيره من الواجبات فانه وغيره وان كان غير موقت فالوضع باق يوجب الخروج عن عهدته وإن كانت موقتات ولها قضاء لا على نحو التعدّد المطلوبي كما في صلاة القضاء فكذلك . والا فان عدم الوضع فلا . كذلك الكلام في الغيبة وغيرها .

وان ابيت في بعض ما يرجع إلى ما ذكرنا عن اطلاق الحكم الوضعي فلا تضائق في أصل الوضع والوضع أي الحكم الوضعي بل والتكليفي يفارق الحق . والأقرب أن يكون الفرق بينهما بكون الحق ينفع الانسان وله بخلاف الحكم فانّه عليه لو سلمت هذه القاعدة عن النقض بمثل المباحات بل والمستحبات التي هي من الأحكام الشرعيّة . والحق يستتبع الحكم التكليفي اذ مطلق الحكم فان كان وضعيا يقبل الاسقاط لو لم يكن علّة تامّة للحكم بل مقتضيا والا فلا يتعلّق به الاسقاط لكونه علّة تامّة للأثر الخاص .

وبهذا الضابط نفرق بين الشرط المخالف للكتاب والسنّة والموافق الذي لا يخالفهما كخيار الغبن والعيب ونحوهما ممّا يقبل الاسقاط بخلاف مثل خيار الحيوان . الا ان الذي بقي في المقام هو انكار فريق جعل السببيّة كما أشرنا إلى ذلك بعدم تعلّق الجعل التشريعي بما لا يكون سببا وآلة حقيقة ضرورة عدم ربط للتشريع بالتكوين . فالعقد اما أن يكون آلة وسببا لايجاد الملكيّة أو لا .

فعلى تقدير العدم لا وجه لاعتبار الشارع إيّاه كذلك بلا فرق بين التأسيسي والامضائي . ويمكن النقض عليهم بوضع الألفاظ بناءً على بطلان ما هو المعروف

اثر الحكم الوضعي

ص: 212

من سليمان بن عباد الصميري من كون المناسبة الذاتيّة بين اللفظ والمعنى بلا احتياج إلى الجعل وهو مشيعه حتى في الأعلام الشخصيّة ضرورة فساد ذلك ( كما في الألفاظ الدالّة على المتضادين فلا يمكن الضدان بما هما ضدان إن لم يكونا أثراً لشيء واحد بما هو واحد فاللفظ الواحد يدلّ على هذا المعنى وذاك بلا اعطائه الاعتبار بل بالمناسبة الذاتيّة امر غير معقول ) .

وإن كان ربما يؤيّد ذلك باقتضاء الأوضاع الطبيعيّة في كلّ قطر وصقع خصوصيّة في الأوضاع اللفظيّة والتكلّمات وبناء على البطلان كما هوالمسلم .

فلابدّ في الدلالة من الوضع وهو عبارة عن اعتبار شيء سببا لشيء آخر بعد أن كانا متبائنين لا ربط بينهما فيكون أحدهما سببا للانتقال إلى الثاني وحصوله في الذهن وفهم المراد منه وليس هذا إلاّ من جعل السببيّة مع انها أمر اعتباري .

( أقول: هذا الذي ذكره سيّدنا الأستاذ قدس سره في الألفاظ جاري في كلّ المعاملات والايقاعات العرفيّة بداهة بطلان كون عملهم كاشفا عن سببيّة السبب بلا اعتبار واعطاء للأسباب تترتب عليها المسبّبات بذلك .

تذييل: وقع في كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره الاشارة إلى أن المؤمنون(1) عند شروطهم حكم وضعي ويشمل الشروط الابتدائيّة ولا وجه لما عن القاموس من ان الشرط التزام في التزام .

توضيح: لا يخلو عن تكرار: مقتضى كلام العلمين المحقّقين الخراساني(2) والنائيني(3) رحمة اللّه عليهما ان الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة والسببيّة غير مجعولة

عدم تعلّق الجعل بأمور

ص: 213


1- . الوسائل 18 الباب 6/1 - 2 - 5 من أبواب الخيار .
2- . كفاية الأصول 2/303 .
3- . فوائد الأصول 4/392 - 393 .

للشارع بل هي انتزاعيّة صرف وكان كلام الشيخ رحمه الله(1) أيضا يساعد على انتزاعيّة هذه .

وحاصل الكلام على ما أشار إليه المحقّق النائيني ان هنا شيئين . المصلحة القائمة بالمتعلّق والموضوع وهي أمر تكويني لا مجال لأن تناله يد التشريع بما هو تشريع فلا يعقل تصور الجزئيّة والشرطيّة وغيرهما أن تكون مجعولة ولا شيء بعد ذلك الا أمر الشارع وطلبه وايقاع ما تعلّق به المصلحة في الخارج وهو تعلّق بالمجموع بعد لحاظه فينتزع بعد الأمر الجزئيّة بالنسبة إلى شيء والمانعيّة بالنسبة إلى آخر والشرطيّة كذلك ولا شيء وراء هذين الأمرين قابلاً لأن يتعلّق به الجعل التشريعي من المولى .

هذا في غير السببيّة . وأمّا هي فقد يظهر منهم انّها أدون من هذه الثلاثة ولكنّه لا يخفى أن بناءً على امتناع جعل السببيّة أيضا كما هو المحقّق عندهما لا يمكن جعل الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة فانه على ذلك محال في محال . وملخص الأمر في ما نحن فيه عدم امكان تعلّق الجعل التشريعي بأن يكون شيء جزءا لشيء أو مانعا مثلاً الاتكوينا وذلك بقلب الماهيّة أو اعطاء الفاقد خصوصيّة الواجد أو أخذها من الواجد كما في يا نار كوني(2) بردا وسلاما على إبراهيم كما انه ربما يكون صورة الأسد باذن الامام علیه السلام أو دعائه أسدا حقيقيّا .

وعلى كلّ حال فكون المكلّف مصليا في الخارج أمر تكويني لا تشريعي

وكذا المصلحة القائمة بالشيء فما فى البين ممّا يمكن أن يتعلّق به الجعل ليس إلاّ

ص: 214


1- . فرائد الأصول 2/602 - 603 .
2- . سورة الأنبياء الآية 70 .

الحكم بانشاء المولى وهو بعد ملاحظة قيام المصلحة مثلاً على نحو دخل هذا الجزء وعدم دخل هذا ودخل عدم ذاك وهكذا .

هذا ملخص مرامه قدس سره في هذه .

وأمّا السببيّة فقد جعلها(1) أيضا كهذه . وقبل بيان دليله فيها ينبغي التعرض للنظر في ما أفاده في هذه الثلاثة فانّه يمكن أن يقال بل قيل كما عن بعض القدماء أن جعل المولى لهذه الثلاثة بل والسببيّة بأن يلاحظها قبل الأمر فان المتصوّر منا قبل أن يحكم بشيء لابدّ من لحاظ موضوع حكمه والا فلا يحكم ولو حكم فلا وقع لحكمه وهذا المعنى وان لا نقوله ولا نعتقده في حق الباري تعالى وجلّ شأنه الا انه قد اشير إلى امكانه في نفس النبي صلی الله علیه و آله .

فهذا اللحاظ لكلّ واحد من الأمور المتركب منها الكل هو جعل الجزئيّة اذا كان لكلّ منها دخل في غرضه بحيث يترتّب على وجودها أو بلحاظ عدمه في المانعيّة وكذلك لكن إن كان أمر الشارع ارشادا إلى دخل الأشياء وجودا أو عدما مثلاً في غرضه ولب الواقع الذي هو أمر تكويني لا مجال لتعلّق الجعل به وأمر الشارع في ذلك كأمر الطبيب في ترتب أثر مخصوص على معجون واجزاء مقوّمة.

فكما ان أمره ليس جعلاً لجزئية هذا الجزء وذاك فكذلك أمر الشارع بعد ان كان عن مصلحة في نفس المتعلّق فلا معنى لنسبة الجعل إليه . ولذا لم يكن فرق بين الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة والسببيّة التي يكاد المحقّقان أن يفرقا بينها كان يكون الاستحالة في هذه الثلاثة أشد من السببيّة بل لو أمكن ففي الكل كما انّه لو لم يمكن ففيه .

ص: 215


1- . فوائد الأصول 4/394 .

ووجه استحالة جعل السببيّة أمران:

أحدهما(1) بعد أن جعل الدلوك مثلاً سببا لوجوب الصلاة والاستطاعة للحج والعقد لحصول الملكيّة وكذا باقي الأسباب بالنسبة إلى مسبّباتها فلا جعل له بالنسبة إلى الحكم أي وجوب الصلاة لأن معنى كون الشيء سببا كونه علّة بحيث يكون وجوده محصلاً لوجود مسبّبه بلا احتياج إلى أمر زائد كما في النار للاحراق فاذا القى القطن فالاحراق من النار لا من الملقى وكذا اذا اجرى الماء أو أوقد النيران وإن فعلا ما فعلا فانّ ذلك كلّه يترتّب على وجود العلّة والسبب الذي يترشّح من وجوده وجود المعلول والمسبب . ولا معنى لتعلّق الجعل به ثانيا بعد أن كان موجودا .

والثاني ان مذهب العدليّة تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة قبالاً للأشاعرة بكون الحسن ما حسنه الشارع والقبيح كذلك ولا قبح ولا حسن للشيء . وهذا المعنى باطل بضرورة الوجدان بلا لزوم تجشم اقامة برهان . فاذا جعل الدلوك سببا لوجوب الصلاة فان كان ساعة قبله معه مساوية فيكون من الترجيح بلا مرجح وهو اما محال أو قبيح . وكلاهما مستحيل صدوره من الحكيم وكذا كلّ حكم اذ بعد أن جعل الحكم لا معنى لوجود المصلحة بالحكم فيسأل الجاعل عن جهة ترجيحه هذا الشيء وجعله علّة وسببا للأمر الفلاني . فاذا تسلم بطلان هذا فلابدّ أن يكون ذلك عن خصوصيّة في نفس هذا الشيء مستدعية للجعل وداعية للمولى الجاعل أن ينشئ ويجعل الحكم حسب ما تقتضيه وكلا

دليل استحالة جعل السببيّة

ص: 216


1- . مرجع هذا الوجه إلى قضيّة شرطيّة وقياس وهي ان جعل السببيّة معناه هذا ومقتضى ذلك عدم كون المسبب من فعل الجاعل بل من السبب فلا وجه لنسبته إليه والتالي باطل فالمقدّم مثله .

الأمرين موضع النظر . اذ في الأوّل ان ذلك يكون من المسبب التوليدي وفي الثاني انه قد مرّ في محلّه من بحث المفهوم اعتبار المحقّق النائيني خصوصيّة(1) في الشرط المترتب عليه الجزاء وهي أن يكون باعتبار ارتباط بينهما غير مستند إلى الاتفاق بل لعليّة بينهما يوجب وجود الأوّل حصول الثاني وإذا كان الجزاء في إذا جائك زيد فأكرمه أو زيد إن جائك فأكرمه بما هو محمول منتسب مترتبا على الشرط فيكون علّة له موجبا انتفائها انتفائه وهذا منه صريح بجعل السببيّة لكن على نحو العليّة المنحصرة وهذا يناقض قوله هنا الا انا قد وجهنا كلامه هناك وكلام المحقّق الخراساني رحمه اللهعليهما ان المراد بذلك هو الاشارة إلى الموضوع بمعنى كونه دخيلاً فيه وانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي .

تكميل وتبيان: حاصل الكلام في جعل السببيّة ما بيّنه المحقّق الخراساني في كفايته(2) وهو انه لابدّ للسبب في كونه سببا من خصوصيّته ذاتية فيه وإلاّ يلزم أن يكون كلّ شيء سببا لكلّ شيء . فاذا لا يمكن جعل السببيّة لما ليس بسبب ولا يكون فيه هذه الخصوصيّة التي توجب له المزيّة على غيره بلحاظها يتحقّق له الجعل .

كما ان في التكوينيّات يترتّب على كلّ منها أثر خاص وكلّ يشتمل على خصوصيّة ليست في غيره ولا يمكن اعطائها الغير إلاّ بالتكوين ولا معنى لتشريع ما ليس بسبب في التكوينيّات كي يكون له السببيّة بالتشريع . بل حقّ المقام ان السبب يشتمل على خصوصيّة ذاتيّة غير قابلة للانفكاك ولا مجعولة . بل ذلك تابع

دليل عدم جعل السببيّة

ص: 217


1- . فوائد الأصول 1/479 وما بعده .
2- . كفاية الأصول 2/303 - 304 .

وجودها أينما وجدت يوجد معها لامتناع تخلف ذاتي الشيء عنه تدعوا المولى إلى الجعل على طبقها . وليس شأن المولى جعل السببيّة واعطائها السبب بل شأنه جعل الحكم من الوجوب والحرمة عند أسبابها الخاصّة فيشرع الصوم والصلاة عند أسبابهما ويرتّب المسبّبات عليهما فالترتب والأثر كلاهما شرعيّان كما في مسئلة الشك السببي والمسبّبي التي ستجيء في محلّها ويعلم هناك انّه لابدّ في ذلك من كون الأثر والترتب كليهما شرعيّين وجريان الاستصحاب في السبب يوجب عدم شمول لا تنقض الشكّ في ناحية المسبب كي يعارض السبب بعد ان كانا في عرض واحد بالنسبة إلى دليل العام . وبذلك يتقدّم الشكّ السببي لكون المسبّب من أثره وترتّبه عليه شرعي اذ بغير هذا المعنى لا يكون وجه لتقدم الأول على المسبب بل يمكن العكس . فعلى هذا لابدّ أن يكون الترتّب والأثر شرعيّين . بل اشتراط كون الأثر شرعيّا يغني عن شرعيّة الترتّب .

وليعلم انّ هذا كلّه على تقدير كون الأحكام مجعولة على نحو القضايا الحقيقيّة فيلاحظ البالغ العاقل المدرك للوقت أو المستطيع ويجعل عليه الحكم لدخل كلّ هذه في الموضوع المستتبع لجعل الحكم . وإلاّ فعلى تقدير كونه مجعولاً على نحو القضيّة الشخصيّة فلا موضوع الاّ ذات زيد وهذه الأشياء تكون من قبيل ملاك الجعل ودواعيه والحكم مجعول على ذات المكلّف بلا لحاظ عنوان خاص في جعله عليه إلاّ على نحو الملاكيّة لا الموضوعيّة .

وملخّص: مرام النائيني قدس سره (1) في ذلك عدم جعل السببيّة ولا يجعل المولى الا المسبب ويرتبه عليه عند وجود سببه الخاص على نحو القضيّة الحقيقيّة سواء

ص: 218


1- . فوائد الأصول 4/394 - 395 .

في ذلك التكليف والوضع ولا وجود ولا انتزاع للسببيّة وكذا للشرطيّة وغيرهما ممّا تقدّم الا بعد حكم الشارع بترتّب المسبب وبسط الأمر على الأجزاء الدخيلة في غرضه المجموعة المعتبر وحدتهابلحاظ دخلهافي غرض واحد وأثر كذلك . فقبل بسط الأمر لا معنى لجزئيّه المأمور به وشرطيّته اذ لا أمر حتّى ينتزع المأمور به وجزئه وشرطه . وفي كيفيّة بسط الأمر على الاجزاء والشرايط وكلّ ما له دخل في غرض المولى تفصيل يقتضي مقاما آخر لشرحه .

بخلاف المحقّق الخراساني رحمه الله فانّه في الاجزاء يوافق النائيني قدس سره (1) وكذا المانعيّة والشرطيّة اذ لا يعقل انتزاع الشرطيّة قبل اعتبار الشارع الشرط دخيلاً في

غرضه بلحاظ أمره باشتماله عليه . وكذا في الاجزاء فانتزاعهما يكون في رتبة متأخّرة عن منشأ الانتزاع الذي لا يتحقّق إلاّ بالأمر وقبله لا يكون هناك مأمور به وإن كان عدّة امور متبائنة يجمعها دخلها في غرض واحد . الا ان المحقّق النائيني يخالف الخراساني رحمهم الله في السببيّة اذ عرفت عدم فرق النائيني بين هذه الثلاثة وبين السببيّة بخلاف المحقّق الخراساني فانّه يذهب إلى امتناع كون السبب سببا يترتّب المسبب عليه اذ بعد ان كان السبب بذاته كذلك لخصوصيّة مستدعية لترتب المسبب عليه فيكون من قبيل العلّة بالنسبة إلى المعلول ولا يعقل التخلّف بينهما ولو بآن بل عند وجود السبب يوجد المسبب كما في التكوينيّات فالسببيّة على هذا منتزعة عن مقام ذات السبب بلا لحاظ ترتب مسبب عليه كي يكون من المحمولات بالضميمة كالأعراض التي وجودها في المعروضات عين المعروض وإن كان لها وجود حقيقي وحمل الأسوديّة على الأسود إنّما يكون بعد عروض

ص: 219


1- . كفاية الأصول 2/304 - 305 .

السواد الذي هو أمر حقيقي خارجي عليه وبضميمة ذلك ولذا اصطلح عليه بذلك . بخلاف ما نحن فيه من السببيّة لما عرفت من عدم معقوليّة انتزاع السببيّة بعد وجود المسبب مع ان السبب بنفسه قبل المسبب وهو أمر تكويني فانتزاع السببيّة عنه كانتزاع عنوان الواجب والممكن والعلّة والمعلول من ذات الواجب والممكن وغيرهما في كونها من خارج المحمول الذي ليس بازائها شيء في الخارج بخلاف باب الجزئيّة وغيرها فان اعتبار انّه جزء المأمور به لا يمكن إلاّ بعد انبساط الأمر على هذا الجزء في عرض باقي الأجزاء للمأمور به كي ينتزع لكلّ منها هذا العنوان .

هذا محصّل كلام هذين المحقّقين والمحقّق النائيني نسب الآخوند (1) إلى الخلط بين علل الجعل والمجعول وبعبارة اخرى بين ملاكات الأحكام وموضوعاتها . فان الملاك يكفي وجوده العلمي في جعل الحكم اما وجوده الواقعي فبعد تحقّق المجعول خارجا اذ هو من العلل الغائيّة الداعية إلى الجعل والفعل لأجل حصولها بخلاف علّة المجعول فانّها عبارة عن موضوعه ومسلم ان وجود الموضوع لابدّ له في وجود الحكم ولا يمكن تخلّفه عنه . وإلاّ يلزم الخلف والمناقضة . وهذا بخلاف ملاك الجعل وعلّته التي كفى تصوّره ووجوده العلمي والحق عدم نزاع بينهما في ما يرجع إلى معنى محصل يترتّب عليه فائدة لائقة بالبحث . اذ لو كان الدلوك مثلاً سببا لوجوب الصلاة والعقد للملكيّة فعند كليهما مسلم ان عند وجود السبب يتحقّق حكم الشارع ويجعل المسبب ويحكم بترتبه عليه كما ان المسلم أيضا عدم كون السببيّة مجعولة قابلة له تشريعا بل عند كليهما

محصّل كلام المحقّقين

ص: 220


1- . فوائد الأصول 4/395 - 397 .

في السبب خصوصيّته مستدعية لترتب المسبب عليه فاذا كان السبب بمعنى العلّة فلا ينفك وجودا عن المسبب ( وكأنّه لا احتياج إلى ترتب المسبب عليه في انتزاع السببيّة له .

نقاش: في كلام المحقّق النائيني:

قد عرفت كلام المحقّقين في باب السببيّة وكانّ كلام الآخوند رحمه الله أقرب إلى الصواب . ويمكن المناقشة في اطلاق كلام المحقّق النائيني رحمه الله في الوجه الثاني بعد مسلمية الأمر الأوّل اذ كما أفاده وحقّقه الآخوند اذا كان السبب بمعناه الحقيقي أي العلّة فعند وجودها يوجد المعلول ويترشح منها ومن المعلوم اذن ما ليس فيه اقتضاء الترشح طبعا وبحسب تكوينه لا معنى لكونه موجبا له بالتشريع كما مثلنا مرارا ان باعتبار الشارع غير المصلي مصليا لا يصير مصليا تكوينا وكذلك لو كان الأثر والتأثير منوطا باذن الشارع .

اما لو كان اطلاق السبب على الموضوع الذي يشرع عنده الشارع الحكم فلا مشاحّة في الاصطلاح كما انه لابدّ أن يسأل من يدعي جعل السببيّة ان ذلك في ما ليس سببا أو عبارة عن ترتّب المسبب على السبب ولا يعقل الأوّل كما عرفت ولا ننازعه في الثاني . واطلاق السبب على ما حكم الشارع عنده بوجود شيء آخر .

وعلى كلّ حال فيمكن منع كلام المحقّق النائيني بأن ذلك من قبيل المسبب التوليدي . فاذا جعل الشارع شيئا سببا وأعطاه السببيّة فترتب المسبّب وإن كان بلا جعل مستقل حينئذٍ لأن بوجود السبب يتحقّق وجود المسبب الا انه حيث لم

ص: 221

يفصل بين فعل الشارع وهو اعطاء السببيّة وبين الأثر والنتيجة فعل فاعل مختار بارادته .

فيستند النتيجة إلى الشارع ويكون الحكم من فعله وانشائه كما اذا أرسل انسان الماء إلى بيت جاره فخربه أو أرسل الكلب إلى غيره فعضّه . فالفعل وإن كان من قبل الماء والكلب الا انهما حيث لم يكن لهما شعور يصدران عنه بارادتهما فيستند إلى من صار سببا لذلك وفعل الارسال كما هو أحد قسمي الفعل المستند إلى الفاعل . والقسم الآخر الصدور بالمباشرة فكان الماء والكلب بمنزلة الآلة للمباشر كالنجار في نجارته . لكن الانصاف عدم انطباق ضابط المسبب التوليدي في المقام . اذ ضابطه على ما عرفت ما اذا لم يتوسط بين فعل الفاعل وحصول الأثر ارادة فاعل مختار كما في المثالين وما اذا القى ما يقبل الاحتراق في النار فاحرقته .

وهذا لا ينطبق على ما نحن فيه اذ بعد ان اعطى السببيّة للسبب فيكون السبب كالماء في اقتضائه رفع العطش أو كالنار في اقتضائه الاحراق أو السكين في حصول القتل بسببه ويكون الصانع للسكين انما حصّل المعدّ للقتل لكن تمام العلّة وجزءها الأخير إنّما يحصل بفعل الفاعل الذي يقتل بالسكين أو يلقى في النار أو يوجر الشراب في حلق الغير بلا اختيار منه . مع ان في هذه الأشياء اقتضاء هذه الآثار ولم يكن المعطى للأثر والخالق لهما ذات أثر هو القاتل أو المشرب وكذا في ما نحن فيه العقد المعطى سببيّة للملك إنّما يوجد بفعل الموجب والقابل والشارع بجعله سببا لا يكون فاعلاً له وموجدا إيّاه .

نعم ذلك إنّما يتمّ في ما إذا كان السبب من الأمور القهريّة كالزمان في

فعل الفاعل على قسمين

ص: 222

الدلوك فانه يمكن الالتزام بأن الجعل من الشارع .

إن قلت: سلّمنا ذلك في الجملة لكن لايلزم أن يكون ما ذكر ساريا في الوضعيّات والتكليفيّات كلاًّ فيمكن حصر ذلك في خصوص الأسباب القهريّة للتكاليف كالدلوك مثلاً . واما في الأحكام الوضعيّة في باب العقود والايقاعات وباقي الاعتبارات فالاعتبار والجعل بيد الشارع ولا يكون نظير ذلك البعض الذي لابدّ من الالتزام فيه بعدم جعل السببيّة أوّلاً وترتب المسبب شرعا على السبب واستناد ذلك إلى الشارع بمجرّد جعل السببيّة ثانيا بل الجعل في الاعتباريّات ويمكنه أخذ كلّ شيء في موضوع حكمه واعتباره .

قلت: أمّا التكاليف فكالدلوك مثلاً سبب قهري فالحكم إنّما يكون مستندا إلى الشارع وأمّا في الوضعيّات فلا يكون امضاء الشارع انشاء حكم بل الشارع يرى ما يراه العرف . اذ هم يرون عند وجود الأسباب الخاصّة آثارا يرتبونها عليها ولا تعبد عندهم كما لا جعل ولا بناء والشارع انما يصوّبهم في ذلك وربما يخطئهم في المصداق فلا جعل حتّى يلتزم فيه بالسببيّة أو عدمها . بل لو فرض ان اعطى السببيّة ولو محالاً فيلزم المحذور الذي ذكره المحقّق النائيني من عدم استناد ذلك إلى الشارع بل يكون الموجد للعقد والسبب الذي يترتّب عليه الملكيّة هو الموجب والقابل ولا اعتبار عند الشارع بالموضوع والمحمول كي يستند إليه انه جعل الموضوع موضوعا بل الموضوع فيه خصوصيّة تكوينيّة رتّب عليه الحكم .

فملخص الكلام: ان السببيّة لا تقبل الجعل اذ يلزم أن يكون كلّ شيء سببا لكلّ شيء بل لابدّ في السبب من خصوصيّة داعية مستتبعة للمسبب .

وعلى فرض امكان جعل السببيّة فيلزم المحذور المذكور الا في ما اذا لم

الأحكام الوضعيّة على قسمين

ص: 223

يكن السبب أمرا اختياريا ايجاديا للمكلف . وذلك في متعلّقات التكاليف وأسبابها وليس اعتبار الاستطاعة اعتبارا شرعيّا بل لدخلها في مصلحة التكليف . فالجعل من الشارع في نفس التكليف ولا جعل له في الوضعيّات بل امضاء لعمل العقلاء وما يرونه هم في الأسباب الخاصّة عند وجودها من الآثار المخصوصة المختلفة فلا جعل هناك حتّى يقال يجعل السبب أو المسبب واباء جعل السببيّة .

خلاصة البحث: فقد تبيّن ممّا تقدّم محل نزاع المحقّقين الخراساني والنائيني بعد اتّفاقهما على عدم مجعوليّة السببيّة بل الخصوصيّة المستدعية للجعل لابدّ أن تكون في السبب كي بها يمتاز عن غيره والا كان كلّ شيء سببا لكلّ شيء ولزم الترجيح بلا مرجح . فالنزاع إنّما هو في انتزاعيّة السببيّة عن مقام ذات السبب كما يدّعيه المحقّق الخراساني(1) بلا دخل للمسبب في ذلك وضعا أو

تكليفا كي يكون بهذا اللحاظ من الخارج المحمول أو من ترتب المسبب(2) على السبب وترتب الأثر على ذلك كي يكون من المحمولات بالضميمة كما هو مدعى النائيني قدس سره .

وحقّ المقام أن يقال ان السببيّة تارة يراد بها الخصوصيّة الذاتيّة التي كمنت في ذات السبب بها يكون السبب موجبا لترتّب المسبّب عليه كالنار بالنسبة إلى الاحراق فهي منتزعة عن مقام الذات بلا دخل للمسبب في الانتزاع . واخرى يراد منها السببيّة المجعولة التي تترتب على سببها المجعول والمعلول قهرا عند وجوده في الاعتبار . أو ترتب المسبب عند وجود السبب فحينئذٍ مجال لتصديق المحقّق

امكان تعلّق الاعتبار بالسبب

ص: 224


1- . كفاية الأصول 2/303 .
2- . فوائد الأصول 4/394 - 395 .

النائيني بكون السببيّة أمرا انتزاعيا من ترتب المسبب والأثر . اما على النحو الأوّل بأن يوجد في الاعتبار عند السبب الاعتباري الذي أعطى السببيّة أو بنفس اعتبار الأثر عند وجود العقد الكذائي .

وحاصل الكلام: انّه يمكن أن يقال بتعلّق الاعتبار بنفس السبب بلحاظ خصوصيّته ذاتيّة فيه أوجبت أثرا خاصا حصل الاعتبار والجعل من جهته كان يكون العقد الكذائي موجبا لحصول الملكيّة واعتبار العربيّة فيه وكونه بصيغة الماضي صريحا لا بنحو أبيع ولا بنحو الكناية مثلاً فالمعاطاة على هذا لا تكون بيعا عقديا . بل توجب الملكيّة المتزلزلة عند الأصحاب كما فسّر بذلك عباراتهم ترجمانهم المحقّق الكركي رحمه الله أو تكون لازما كما عند المفيد رحمه الله ولو لم تكن بيعا متزلزلاً لزم تأسيس فيه جديد للاشكالات التسعة إلى غير ذلك ممّا فرع على ذلك وكذلك الفضولي لا يكون على وفق القاعدة من جهة ويوافقها من جهة اخرى اما بلحاظ المباشرة وصدور العقد فلن يستند إلى المالك إلى الأبد .

وأمّا النتيجة فهي مستندة إلى المالك وهو الذي يوجد الجزء الأخير للعلّة التامّة فهي مستندة إليه كما انه يمكن أن يتعلّق الاعتبار والامضاء بالمسبب كمعنى الاسم المصدري في البيع بلحاظ أحلّ اللّه البيع(1) .

غاية الأمر اعتبار هذه الألفاظ الخاصّة إمّا بلحاظ انها هي الأسباب التي يوجد بها المعنى والنتائج أو هي بمنزلة الآلة كما في الفاس والمنشار للنجار في نجارته والأصوب ان الألفاظ وكذا غيرها ممّا يقوم مقامها بمنزلة آلة الايجاد في التكوينيّات والموجد حقيقة هو الموجب والقابل لا ان اللفظ سبب والعقد كذلك اذ

ص: 225


1- . سورة البقرة الآية 276 .

ربما يكون المنشار موجودا كالفاس واللفظ ولا أثر ولا نتيجة كما انه ربما يكون الموجب والقابل والنجار موجودا ولا شيء فلا يكون المقام مقام العلّة والمعلول كي يعبر عن اللفظ بالعلّة وعن النتيجة بالمعلول لأن ذلك لا يكون في الفاعل بالاختيار والارادة .

كما ذهب إلى ذلك بالنسبة إلى الممكنات جماعة من الحائدين عن طرق الصواب فالتزام ذلك التزام بأنّ الممكنات قديمة زمانا حادثة ذاتا لعدم الانفكاك بين العلّة والمعلول فاذا كانت العلّة قديما فالمعلول كذلك اذ قد تحقّق في محلّه بطلان هذا المذهب الفاسد ولا داعي إلى المصير إليه خصوصا مع ان اللّه تبارك وتعالى إذا أراد شيئا(1) أن يقول له كن فيكون بل ذلك لا يمكن الالتزام به حتى في أفعالنا وبالنسبة إلينا فكيف به تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا فالفاعل إنّما

يوجد بالآلة في مثل المخلوقين . اما الباري تعالى فذاته بريئة عن كلّ احتياج وبالجملة .

محصّل مرام المحقّق الخراساني قدس سره تقسيم الوضعيّات(2) إلى أقسام ثلاثة: الأوّل ما لا يمكن فيه الجعل لا اصالة ولا تبعا فالأوّل كجعل وجوب ذي المقدّمة والثاني كوجوبها التولدي من وجوب ذيها وإنّما هي مجعولة بتبع موضوعه تكوينا وذلك كالسببيّة والرافعيّة والشرطيّة والمانعيّة والجزئيّة لما هو سبب للتكليف اذ الخصوصيّة الذاتيّة المستتبعة للجعل في نفس السبب وكذا ما يكون في ذات المانع والشرط ليست مجعولة ولا منتزعة من التكليف أو الوضع المتأخر من نفس

ص: 226


1- . سورة يس: 87 .
2- . كفاية الأصول 2/302 وبعده .

السبب والشرط وهذا إنّما يتمّ في السببيّة التكوينيّة التي فيها خصوصيّة ذاتيّة للسبب موجبة وداعية لترتب المسبب والأثر عليه فلا يقبل الجعل التشريعي أصلاً ووجه ذلك ما تقدّم إليه الإشارة وفي هذا القسم السببيّة منتزعة عن ذات السبب بلا انتظار لترتب المسبّب وإنشاء الحكم والأثر عقيب المؤثر والسبب ولو اطلق على انشاء الشارع الحكم أو اعتباره الوضع الخاص انه سبب للتكليف أو الوضع فعنده مجاز وكناية عن الخصوصيّة المستتبعة لانشاء الشارع الداعية إليه .

القسم الثاني ما يمكن فيه الجعل أيضا كذلك الا انه منتزع عن انشاء الشارع وجعله وذلك كالجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة للمأمور به فان هذه منتزعة بعد ورود الأمر ولا يمكن فيها قبل ذلك اذ ما لم يكن أمر فلا مأمور به حتى يكون له جزء أو شرط أو مانع .

وما يكون قبل تعلّق الأمر من الدخل التكويني للجزء أو الشرط مثلاً أو لاعتباره عند التصور أيضا لا يتّصف بجزء المأمور به أو شرطه اذ ذلك بعد تعلّق الأمر فقبله انما يكون جزءا للمصلحة أو دخيلة فيها وله الدخل التكويني ولا يقبل الجعل كما ان التصور والاعتبار قبل تعلّق الأمر أيضا لا يوجب وصفه بأنّه جزء للمأمور به أو شرطه وكذلك . فتبين مراد المحقّق الخراساني رحمه الله ولا موقع لورود

النقض عليه بالتناقض في كلامه بانكاره الانتزاعيّة عن التكليف للشرط والمانع مثلاً والتزامه ثانيا بانتزاعيّتهما وغيرهما عن التكليف . اذ الأوّل في سبب التكليف

باجزائه من الشرط والجزء وفي الرافع والمانع . والثاني في المكلّف به بعد ورود التكليف فهو رحمه اللّه أورد الكلام بنحو لا يرد عليه النقض وكان ملتفتا إلى ما يقول ولم يقع في كلامه خلط بين علل التشريع وموضوعات الأحكام كما نسبه

أقسام الوضعيّات

ص: 227

إلى ذلك المحقّق النائيني فلا موقع لاشكاله على الآخوند رحمه الله .

نعم بقى على المحقّق الخراساني شيء ياليته أشار إليه في كلامه في السببيّة والشرطيّة للتكليف من تصوير المراتب الثلاث في ذلك كما فعل بالنسبة إلى المكلّف به قبل الأمر والتصور في مقام دخل الجزء تكوينا والشرط والمانع كذلك .

وثانيا في الاعتبار واللحاظ الذي بالنسبة إلى هذين الأمرين يتّصف الجزء بالجزئيّة والشرط بالشرطيّة لكن لا للمأمور به بل للمصلحة والمتصوّر والمعتبر والثالث بعد تعلّق الأمر فينتزع الجزئيّة للمأمور به والشرطيّة له اذ يتصوّر هذه المراحل في السببيّة من الدخل التكويني في المصلحة والمفسدة والاعتبار وبعد ترتّب المسبّب فاخلى كلامه عن غير الخصوصيّة الذاتيّة والاعتبار .

والقسم الثالث ما يمكن فيه الانتزاع من الأحكام والآثار في مورده كما انه يمكن فيه الجعل ابتداءً بلا توسط انتزاع وذلك كالملكيّة والزوجيّة والحريّة والوكالة والنيابة والقضاوة . الا ان مع تصور كلا الأمرين وامكان كلتا الجهتين استظهر تعلق الجعل بها ابتداءً بلا انتزاع بل منع أخيرا من امكان انتزاعيتها عن التكاليف في مواردها كان يكون الملكيّة منتزعة عن حرمة التصرّف في المال وجواز تصرّف المالك والزوجيّة من جواز مباشرته للزوجة . وذلك للزوم ملاحظة التكاليف في الانشاء وهو لا يختصّ بباب دون باب بل في العقود والايقاعات طرا ممّن بيده الاعتبار والاختيار وكان ابداله الاختيار بدلاً عن الاعتبار بلحاظ جواز تصرّف الولي وغيره في المال . عن صاحب المال وملاحظة التكاليف ربما تكون مشكلة في النظر .

تفسير كلام المحقّق الخراساني قدس سره

ص: 228

فالمراد هو ان تكون منشأة بانشائه الايجاب والقبول أو تكون ملحوظة كي تحصل في الخارج لزوم(1) عدم وقوع ما قصد وان يقع غير ما قصد لأن العقد لم يتعلّق بالتكاليف مثلاً أو ربما يتعلّق بها ولا ملكيّة ولعلّ غرضه ينطبق على انشاء هذه الأحكام كي يلاحظ جواز التصرّفات كما انّ تسمية العقد والايقاع بالسبب دون الموضوع بلحاظ التسبب بها إلى المسبّبات والآثار في قبال الموضوعات في متعلّقات التكاليف فانّ الخمر لا يوجب حرمتها ولا يحصل التسبب بها إلى حكمها وأثرها الشرعي واذا كان الجعل والاعتبار تعلّق بنحو الملكيّة والقضاوة ونحوها ممّا في كلام المحقّق الخراساني فتصوّره بامضاء عمل العقلاء وبنائهم واعتبارهم حصول الملكيّة عقيب العقد مثلاً وليتدبّر في كلام المحقّق الخراساني كي يعلم هل يصحّ تعلّق الجعل والاعتبار بمثل هذه أم لا فتأمّل .

ومن المعلوم ان عند العقلاء اعتبارات خاصّة كنصب وزير أو أمير أو سلطان وعزل آخر واعطاء الأوّل الاعتبار فيقتل ويحبس ويأخذ ولا يترتب عليه وعلى أمره وفعله الآثار التي يوقعها في حال تعلّق الاعتبار به في غير هذا الحال ولا يجب في الاعتبار الخصوصيّة الذاتيّة . بل ما كان منشأته عقلائيا لذلك ولو بالترجيح عنده . غاية الأمر تارة يمضي اعتباره الشارع ويرتّب عليه الآثار المطلوبة منه عرفا المترتبة عليه عندهم فيكون ذلك صحيحا عنده واخرى لا يرتب الآثار والثمرات المترتبة عندهم فيكون فاسدا(2) .

ص: 229


1- . كفاية الأصول 2/306 .
2- . ورأى المحقّق البجنوردي انّ كلّما هو مجعول شرعي من المحمولات الفقهيّة وليست من الأحكام الخمسة المعروفة فهو حكم وضعي ولم يفرق بين ما كان مجعولاً ابتداءً واستقلالاً أو اعتباره ينتهي إلى الجعل الشرعي وان الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة للمكلّف به والصحّة والفساد والقضاوة والولاية والحجيّة والملكيّة والزوجيّة والرقية والطهارة والنجاسة من الأحكام الوضعيّة ولم ير الماهيّات المخترعة منها . منتهى الأصول 2/396 - 397 . وفرق المحقّق العراقي بعد جعل جزئيّة الواجب انتزاعيّاً بين شرط الواجب ومانعه وبين كونهما للوجوب والتكليف فلم ير شرط الواجب ومانعه من الأحكام الوضعيّة المجعولة وما للحكم من الامور الاعتباريّة وأضاف إليهما سببيّة الحكم . نهاية الأفكار 4/91 - 94 والعلاّمة الخوئي بعد أن ناقش المحقّق الخراساني في بعض ما اختاره في الأحكام الوضعيّة قسمها على قسمين قسم مجعول بالاستقلال كالملكيّة والزوجيّة وقسم منتزع من التكليف وناقش الشيخ في الطهارة والنجاسة وصحّح مجعوليّة الطهارة شرعاً بكلا قسميها الواقعيّة والظاهريّة . مصباح الأصول 48/93 - 101 .

توضيح وتكميل: فسّر سيّدنا الأستاذ قدس سره ما سبق في كلام المحقّق الخراساني ( من قوله وقع ما لم يقصد وقصد ما لم يقع ) بانّ الواهب مثلاً في انشاء الهبة وايجاد العقد إنّما نظره إلى تمليك المتهب المال الموهوب وليس له النظر إلى جواز تصرّفه كي يكون بلحاظه ينتزع ملكيّته له بالهبة . وبضميمة عدم جواز تصرّف غيره والفرض ان ما قصده الواهب الموجب لم يقع لفرض انتزاعيّة الملكيّة عن الحكم التكليفي من عدم جواز تصرف الغير وجواز تصرف الموهوب له وهذا أيضا لم يكن مقصودا للمتعاقدين كي كان وقع ما قصداه وقوله وما وقع لم يقصد لا يستقيم . إذ في المثال المزبور ما لم يكن هناك مال لا يترتّب عليه الحكم بجواز التصرّف وحرمته اذ الناس مسلّطون على أموالهم والفرض ان الموهوب لم يصر مالاً للمتهب بنفس الايجاب والقبول وتصوره كون المتهب مالكا لا يوجب له الملكيّة وحكم الشارع الذي ينتزع عنه الملكيّة لا موضوع له كي ينتزع عنه ذلك لأن موضوعه المال والموهوب بعد باق في ملك مالكه الأصلي ولم ينتقل بالايجاب والقبول إلى غيره .

ص: 230

نعم في مثل حيازة المباحات أو الارث يتحقّق موضوع المال فيحكم الشارع بجواز التصرّف وعدم جوازه لغير الحائز .

وحاصل الاشكال ان المنتزع لا يتحقّق قبل وجود منشأ انتزاعه وتحقّقه . ونفس تصور منشأ الانتزاع لا يوجب صحّة الانتزاع وترتب الأثر عليه فلابدّ أن يتحقّق موضوع الماليّة لمن نريد أن يحكم الشارع بجواز تصرّفه وحرمة تصرّف الغير في ما يتصرّف هو فيه . ومنشأ الانتزاع للملكيّة في ما نحن فيه عبارة عن حكم الشارع بجواز تصرّفه في هذا المال وحرمة مزاحمته من الغير . وموضوع هذين الحكمين هو مال من يجوز له التصرّف ويحرم مزاحمته والفرض انا نريد اثبات الماليّة بنفس هذا الحكم من الشارع .

فهذا دور واضح لا معدل عنه ولا يرد هذا في مثل حيازة المباحات وباب الارث اذ الموضوع تحقّق هناك لأن في الثاني هو الموت فعنده يحكم الشارع مثلاً عند اجتماع شرايط الارث وعدم المانع في الوارث بما يمكن أن ينتزع منه الملكيّة وفي الأوّل نفس حيازته خارجا فلا تقدّم للحكم على الموضوع بخلاف ما سبق ولا انشاء لنفس الأحكام من المتعاقدين وحكم الشارع لابدّ له من موضوع . بل في هذه الموارد اعتبارات للعقلاء في عالم الاعتبار في الأسباب والمسبّبات ويرتبون الثانية على الأولى لما يرون فيها من الخصوصيّة وإن لم تكن ذاتيّة بل يكفي المرجح الخارجي ولا وجه لدعوى انحصار العالم في عالم الذهن والخارج العيني وانتزاع نحو الملكيّة من عالم الذهن اذ ذلك واضح البطلان . بل هناك عالم الاعتبار وعند وجوب أسباب خاصّة يعتبر من بيده الاعتبار معنىً يكون منشأ لانتزاع آثار خاصّة وهذا عالم له تحقق في قبال هذين العالمين الذهن

الانتزاع بعد منشأ الانتزاع

ص: 231

والعين والشارع تارة يوافق نظره نظر العرف واعتباراتهم ويصحّحها واخرى يخطئهم في ذلك .

وخلاصة الكلام: قد يضيق المفهوم العرفي وقد يوسع فيرون للقمار سببيّة للنقل والانتقال وهو يخطئهم ويرون البيع سببا وهو يمضي ذلك وقد يزيد قيودا ويضيف على ما عندهم شرايط ويرى بيع الربا باطلاً ولا سببيّة له عند الشارع لحصول النقل والانتقال .

وعلى كلّ حال فمثل أحلّ اللّه (1) البيع يدلّ على امضاء الشارع وموافقته لما هو بيع عند العقلاء والعرف فاذا شككنا في اعتبار قيد في البيع الكذائي فلنا مجال لدفع الشكّ بالتمسّك بأحلّ اللّه البيع(2) وكذا اذا شككنا في مشروعيّة معاملة

خاصّة معهودة أو غير معهودة عند العقلاء فيمكن التمسّك في ذلك بعموم واطلاق تجارة عن تراض(3) اذ لا تأكلوا أموالكم بالباطل(4) لم يتعلّق بمثل الأراضي المبيعة والعقار لعدم صلاحيّتها للأكل فكان الشارع قال في هذه الآية الشريفة لا تسبّبوا بكلّ سبب الا أن يكون تجارة عن تراض . فهذه ونحوها من مثل أوفوا بالعقود(5) امضاء لعمل العقلاء واعتباراتهم وبهذا المعنى يكون البيع وساير المعاملات صحيحا عند الشارع وفي قبالها ما لم يتعلّق به الامضاء ولم يرتضه الشارع فيكون ناقصا وفاسدا بمعنى عدم ترتّب الآثار المطلوبة منه عليه .

ص: 232


1- . سورة البقرة: 276 .
2- . سورة البقرة: 276 .
3- . سورة النساء: 30 .
4- . سورة النساء: 30 .
5- . سورة المائدة: 2 .

فالتصرّف قد يتحقّق في عالم الأسباب التي يتسبّب بها لايجاد المسبّب وترتّبه عليها عرفا كان يعتبر العربيّة في العقد أو الرضا المقارن أو مطلقا وأمّا في

ناحية المسبّب فمثل الملكيّة أمر بسيط فهو إمّا حاصل أو ليس بحاصل كما ان الربا لم يمضه الشارع بقوله وحرّم الربا(1) وإن كان ربما يشكل بطلانه على القاعدة في غير ما اذا كان المعاملة معاملة شخصيّة كما اذا وقع العقد على الكلي لامكان ردّ الزائد في المكيل والموزون . وأمّا الشخصي فيمكن تصوير البطلان فيه على وفق القاعدة لأن تلك الزيادة المرجوعة لا يعلم انها تكون هذه أو تلك مثلاً كما اذا وقعت المعاملة على النقدين . وأمّا ما في ما راج في هذه الأزمنة فلا يتحقّق فيه الربا المعاملي كما يتحقّق الربا القرضي وهي الاسكناسات كما لا يتحقّق فيها الزكوة بخلاف الخمس وأمّا امضاء الشارع العقد والسبب الخاص وترتّب المسبّب عنده على الأسباب ربما ينتزع عن عدم الردع ولكنّ الامضاء أمر وجودي ولذا قد يشكل جريان الاستصحاب في مثل هذه الأمور العرفيّة العقلائيّة إذا لم يتصرّف الشارع فيها بتخطئة وردع .

إذ لابدّ في الاستصحاب من كون المستصحب أمرا مجعولاً تشريعيّا ومجرّد عدم الردع أو الامضاء لا يصحّح الجعل إلاّ أن يقال بكفاية ذلك في كونه أمرا تشريعيّا مستندا إلى الشارع .

فلو كان مثل أحلّ اللّه البيع(2) عبارة عن معنى اسم المصدري ونتيجة البيع أي المسبّب فلا يلازم ذلك امضاء الأسباب بخلاف العكس فامضاء السبب امضاءً للمسبّب .

امضاء السبب امضاء المسبّب لا العكس

ص: 233


1- . سورة البقرة: 276 .
2- . سورة البقرة: 276 .

وذكر الشيخ كلاما في ما ذكره الشهيدان واستشكل في ذلك ووجه ذلك بنحوين اخيرهما ان الاسم المصدر والبيع بمعنى المصدر والفرق بينهما اعتباري فكأنّه لا يلزم تعدّد الامضاء أحدهما يتعلّق بالسبب والآخر بالمسبّب إلاّ ان هذا الوجه لا يخلو عن نظر في حلّ الكلام فان الشارع قد يرى ما يراه العقلاء في هذه الموارد فيمضي ويوافق نظره نظرهم وقد يرى غير ذلك فيعتبره ( وملخص مدّعى الأستاذ في هذه ان عالم الاعتبار كعالم العين فكما ان في عالم العين مجعول ومنجعل فكذا في عالم الاعتبار وسألته بعد الدرس في مثال الانجعال فمثل بمثل رؤية حق في ما إذا سبق كلب على الجيفة او اوى إلى مأوى فلا يعتدى إلى ذلك غيره وهذا أمر ارتكازي لهما فضلاً عنا لرؤيتهم أمرا وحقا في هذه الموارد لا أن يكون لهم بناء واعتبار فهذا يكون انجعالاً كما ان الجعل في عالم الاعتبار في غالب أفعال العقلاء خصوصا في هذه الأزمان التي ذهب تمدّن البشر مرقىٍ عظيما وأنت ترى انّه لا يمكن الالتزام بذلك بل يمكن كون المصلحة في اعطاء السببيّة لمعاملة خاصّة على نحو خاص من باب الخروج عن التوقّف والتحيّر فيكون هذا مرجحا خارجيّا موجبا للخروج عن الترحيج بلا مرجّح إذ لا يلزم المصلحة والخصوصيّة التكوينيّة في ذلك وبعبارة اخرى المصلحة في الجعل وأمر الالتزام لا المجعول والملتزم به فتدبّر جيّدا .

في النزاع لبعض ما تردّد أمره:

وقع النزاع في عدّة أمور انّها مجعولة للشارع أم لا . منها الرخصة والعزيمة ومنها الطهارة والنجاسة ومنها الصحّة والفساد وهذا بعد ما علمت مجعوليّة الحكم الشرعي وانّه ليس عبارة عن الارادة والحبّ والبغض بل له انشاء وإن العناية

ص: 234

المصحّحة لاطلاق الحكم على الوضع أيّ شيء وان الامور الوضعيّة على أنحاء وتبيّن عدم مانع من تعلّق الجعل بالسببيّة في الأمور الاعتباريّة كما اعتبر الشارع لفظا خاصّا مثلاً في الايجاب والقبول أو في الايقاعات . نهاية الأمر ترتّب المسبّب عليه قهري ولازم ذلك عدم امكان استصحاب المسبّبات بناء على هذا لعدم كونها مجعولة للشارع .

أمّا الأسباب ففي غير الشكّ في وجود الرافع ورافعيّة الموجود لا مجال له لتغير بعض ما يشكّ معه في بقاء الموضوع ومن ناحية وجود الرافع أو رافعيّة الموجود لا يتصوّر الشكّ لعدم تعلّق الشك بالأسباب من هذه الناحية لعدم فرض تيقّن سبب يشكّ مع تحقّقه في وجود الرافع له لان بتحقّق السبب يترتّب المسبّب والفسخ في البيع ليس رافعا بل حلّ العقد اذ يشكّ معه من ناحية تأثيره في حلّ العقد .

نعم قد يشكّ في وقوع هذا العقد بالكناية أو بلفظ المستقبل أو بالأخبار بالجملة الاسميّة كما في أنا بايع مثلاً الا ان مثل أحلّ اللّه البيع(1) امضاء لنفس المسبّب الذي هو عبارة عن ما يترتّب على الانشائين انشاء للبايع وآخر للمشتري لقبول انشاء البايع وعند حصول السبب يحصل المسبّب وكان الألفاظ آلات الايجاد كما في آلات التكوين كمنشار النجار وفرق بين هذه وبين موضوعات التكاليف وإن كان الكل موضوعا إلا ان المناسبة اقتضت تسمية الموضوعات التي توجد بالألفاظ أسبابا . وكذلك المعاطاة فانّه بيع يعتبر فيها جميع ما يعتبر في البيع العقدي إلاّ اللفظ فحقيقة البيع تصدر من البايع وهو المنشأ

في بعض ما تردّد أمره

ص: 235


1- . سورة البقرة: 276 .

لها والمشتري إنّما يقبل ذلك بانشاء القبول وليس البيع غير هذا وإن قيل في حقيقته وجوه أخرى كلّها سخيفة لا يمكن المساعدة على أيّ منها .

منها كون البيع انشاء الايجاب والقبول وهذا لا معنى له بل اطلاق البيع عليهما مسامحة . ومنها صدور الايجاب على نحو يوجد مقارنا لوجود القبول من المشتري أو بشرط القبول أو على نحو الحصّة الملازمة وإن كان هذه المباني تحقيقات عند قائليها إلاّ انّه يترتّب عليها لوازم لا يلتزمون بها .

وممّا ذكرنا تذكرت النحو الآخر من الحكم الأمر الوضعي وهو ما يكون قابلاً للانشاء وتعلّق الجعل به ابتداءً كما في الملكيّة التي تحصل عند العقلاء من أسباب خاصّة والشارع يمضيها باعتبارها عند العقلاء أو في الشرايع السابقة ولا يمضي الربا ويحرمه ومحط ذلك هو البيع المنتج من الأسباب اي النقل والانتقال ويكون للشارع اعتبار ألفاظ خاصّة . وإن كنّا نذهب إلى كفاية كلّ ما يؤدّي مضامين الحقائق المعامليّة كما في البيع فيحصل ولو بلفظ آخر مرادف للبيع لا الكناية وكذلك الوقف وكما في نحو القضاوة فانّها قابلة للجعل كما في قوله علیه السلام فانّي(1) قد جعلته حاكما عليكم، أو ينصب قيما وغيره من المناصب .

والفرق بين العقود والايقاعات على ما ذكرنا كون الثاني يحصل بانشاء واحد كلفظة أنت طالق الموجب بحصوله رفع النكاح الثابت بأسبابه الخاصّة بلا حاجة إلى شيء غير ما هو دخيل من الشرايط الخاصّة واحتياج الأوّل إلى انشائين كما عرفت .

تتميم: أشرنا إلى وقوع الخلاف والاشكال في أمور وانّها مجعولة أم لا .

ص: 236


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .

منها: الصحّة والفساد وهما يطلقان ويراد بالاولى كون الشيء واجدا للمصلحة وكائنا فيه الأثر المطلوب بحيث يترتّب عليه واقعا في قبال الفساد بهذا المعنى الذي لا يكون فيه تلك المصلحة وذلك الأمر والأثر المترتّب على الشيء الكامن فيه . وهما بهذا المعنى من الأمور التكوينيّة لأن مصلحة الشيء ليست قابلة للجعل إلاّ انّها منتزعة عن الشيء بل الشيء إمّا واجد لها أو فاقد . وقد يطلقان ويراد بالصحّة سقوط الاعادة والقضاء باصطلاح الفقهاء ومطابقة المأتي به للمأمور به وعدم مطابقته له في اصطلاح المتكلّمين .

وبهذا المعنى وإن قال المحقّق النائيني(1) انّهما أمران انتزاعيّان الا ان فيه تأمّلاً بل ليسا إلاّ أمرا واقعيّا لأنّ المأتي به إذا حصل جامعا للقيود المعتبرة فيه فهو ينطبق عليه المأمور به قطعا كما في انطباق الكلّي على الفرد وليس هناك أمر ينتزع ذلك منه كما اانه إذا لم يكن مطابقا للمأمور به فليس بصحيح بل هو فاسد وهذا أمر واقعي قهري وذات الشيء امّا مطابق جامع للقيود أو فاقد . وإن أبيت إلاّ عن كونهما بهذا المعنى أمرين انتزاعيّين فلا نضائقك . فهما أمران منتزعان عن واجديّة المأتي به وعدم واجديّته ما اعتبر في المأمور به ( وكذلك في المعاملات ) وأمّا الأمر الظاهري فمرجع الصحّة والفساد فيه أيضا إلى ما ذكرنا .

غاية الأمر ان من جهة قناعة الشارع في مقام الامتثال . وذلك بأن يكون الفاقد واجدا لمصلحة الواجد بنحو لا يبقى للواجد ولو في الوقت ما يلزم المكلّف استيفائه أصلاً ولو استحبابا أو بنحو الأوّل . وعلى هذا فيلزم كونه في عرض الواقع ويتعلّق به الأمر تخييرا كما في القصر والاتمام في مواضع التخيير .

القناعة في مقام الامتثال

ص: 237


1- . فوائد الأصول 4/398 - 400 .

غاية الأمر التخيير بين الأقل والأكثر . لكنّه قد تقدّم في بعض المباحث السابقة ان ليس للقناعة في مقام الامتثال معنى صحيح . وهو أن يكون للشيء بدل طولي في ظرف الشكّ فيه يأتي به ويكون في هذا الحال واجدا لتلك المصلحة فلا يلزم تعلّق أمر تخييري بهما عرضا ومجرى ذلك في مثل قاعدة الميسور والفراغ وربما يكون للشيء كالصلاة بذلك عرض عريض حتّى للصحيح منها ولا يتصوّر جامع بين أنواعها . فربما يكون فرد منها واجدا لشيء يكون الفرد الآخر فاقدا له . وفي حال يكون فرد مجزيا ولا يجزي في حال آخر . وهذا المعنى راجع إلى اعتبار الشارع وجعله الاعتباري والصحّة والفساد في هذا الفرض أيضا يرجع إلى ما ذكرنا ولا يكون أمرا زائدا أو حقيقة مبانية لما تقدّم(1) .

أمّا الطهارة والنجاسة: فهل تكونان من الأمور الواقعيّة كان يكون في الشيء أمر حقيقي معنوي عبّر عنه بالنجاسة وعلى هذا فالطهارة تكون أمرا عدميّا ويحسن تنظيرها أي النجاسة بالقذارة الخارجيّة التي هي منبسطة على البدن المجتمعة عند كيس الدلاك وإن لم يكن أمرا مرئيّا الا لون البشرة فقط غاية الأمر الشارع كشف عنها لعدم وصول العرف والعقلاء إلى حقيقة ذلك كما يقول(2) بذلك

ص: 238


1- . فصّل السيّد الخوئي بين الصحّة والفساد الواقعيين والظاهريين وان الأولى غير مجعولة والثانية مجعولة بلا فرق بين العبادات والمعاملات . مصباح الأصول 48/102 . كما رأى الطهارة مجعولة من قبل الشارع بقسميها الواقعيّة والظاهريّة مصباح الأصول 48/101 . والمحقّق العراقي بعد ان نفى كون الصحّة متأصلة بالجعل تأسيساً أو امضاء قسمها بالواقعيّة المحضة والمنتزعة من مجعول شرعي كالصحّة في أبواب المعاملات من العقود والايقاعات . نهاية الأفكار 4/98 ووافق الشيخ في كون الطهارة والنجاسة من الأمور الواقعيّة في المحسوسة منهما كما رأى العزيمة والرخصة من الأحكام التكليفيّة . نهاية الأفكار 4/98 - 99 .
2- . فرائد الأصول 2/609 .

شيخنا الأنصاري رحمه الله أو تكونان أمرين واقعيّين بمعنى ان فيهما المصلحة والمفسدة الواقعيّة الموجبة لترتّب الآثار الخارجيّة المترتّبة عند الشارع عليهما فهما بهذا المعنى وإن لم تكونا أمرين قابلين للانكار إلاّ انّه لا يختصّ بهما بل الأحكام والخطابات الشرعيّة كلّها من هذا القبيل لتبعيّتها للمصالح والمفاسد التكوينيّة النفس الأمريّة وربما يصل العقل بنفسه إليها فيدرك حسنها أو قبحها وأخرى لا يحيط بذلك . لكن الشارع لاحاطته بالجهات المحسنة والمقبحة الكائنة في الأشياء يحكم عليها بذلك ولو أدرك العقل ذلك لحكم بحسن الاجتناب عن الخمر وعدم الاجتناب عن الماء وبهذا صح ما يقال من ان الواجبات الشرعيّة الطاف في الواجبات العقليّة فالشارع لطف وبيّن هذه الأمور ورتّب عليها آثارا خاصّة وجعل عليها أحكاما .

والحاصل: انّ الطهارة والنجاسة بهذا المعنى عبارة عن المصلحة والمفسدة الكائنة في ذوات الأعيان الخارجيّة كالخمر والخنزير والكافر والكلب فاستتبعت أحكاما خاصّة تكشف انّا من وجود هذه الأحكام كما في غيرها من الأحكام والتكاليف عن وجود الملاكات فهما ملاك الأحكام المترتّبة على الأعيان النجسة والطاهرة كما يدّعي هذا المعنى المحقّق النائيني ويجعلهما من الأمور الاعتباريّة المحضة .

وخلاصة الكلام ان هنا أمورا ثلاثة:

أحدها مفهوم الطهارة والنجاسة ومن المعلوم ان المفهوم من حيث هو هو لا يترتّب عليه ثمرة وهذا يشترك فيه الطهارة والنجاسة فانّ لهما مفهومهما .

والأمر الثاني الصدق وتطبيق المفاهيم على مصاديقها الخارجيّة وهذا كما

أمور ثلاثة

ص: 239

يقال في تطبيقات الملكيّة الحاصلة من أيّ جهة وملكيّة زيد أو عمرو وبالنسبة إلى المال والمملوك وكذلك في الطهارة والنجاسة . فالكلب نجس والكافر نجس . والخنزير نجس . غاية الأمر كما ان في الملكيّة وغيرها من الاعتباريّات ربما لا يدرك العقلاء شيئا ولا يرون أثرا خاصّا حاصلاً في مورد والشارع يكشف لهم ذلك وكما في رؤيتهم أثرا خاصّا والشارع يخطئهم . وكذلك في الطهارة والنجاسة فالعقلاء بطبعهم يستقذرون بعض الأشياء كالبول مثلاً ولا يستقذرون بعضها الآخر كالكافر والكلب والشارع كشف لهم ذلك كما في الملكيّة واعتبر كون ذلك الشيء نجسا وذلك الآخر طاهرا .

والأمر الثالث مرحلة الحكم المترتب وفي هذه المرتبة أيضا تشتركان فالملكيّة يترتّب عليها آثار من جواز التصرّف والنقل والانتقال . وكذلك الطهارة والنجاسة وليس هناك أمر يكون في الأشياء لا ندركه بحيث يكون أمرا معنويّا واقعيّاً خارجيّا ما استكشفناه .

فأيّ خصوصيّة في الكافر خارجا أوجبت النجاسة وإن كان يمكن ذلك في الكلب والخنزير خصوصا باعانة اكتشافات علماء الطب والتجزئة .

وعلى كلّ حال فيمكن كون النجاسة والطهارة أمرين واقعيّين كالحمى وإن لم تكن مرئيّة في الخارج وكالكهرباء المدركة بالآثار كما يقول الشيخ(1) ويمكن كونهما أمرين اعتباريين كما يقطع بذلك المحقّق النائيني(2) وليس لنا ما يوجب تعيّن أحد هذين الاحتمالين .

ص: 240


1- . فرائد الأصول 2/609 .
2- . فوائد الأصول 4/402 .

نعم يمكن كونهما أمرين اعتبارين مجعولين للشارع كما ذكرنا .

إلى هنا انقطع كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره في الأحكام الوضعيّة وحصل لنا تعطيلات للزيارة ووفاة السيّد الجليل الخونساري رحمه الله وشرع بعد ذلك الأستاذ في بيان تنبيهات الاستصحاب التي جعلها المحقّق الخراساني رحمه الله أربعة عشر:

أحدها: ما تقدّم(1) الكلام عليه من فعليّة الشكّ واليقين .

الثاني: في(2) جريان الاستصحاب في غير العلم الوجداني من الامارات والأصول التنزيليّة وغيرها وان قوله علیه السلام لا تنقض اليقين بالشكّ هل يشمل مثل هذه الأمور حيث انّها لا تلازم الحكم الواقعي فيجوز موافقتها له كما يجوز المخالفة .

وبالجملة هل اليقين أعم من العلم الوجداني بالحكم الواقعي ومؤدّى الأمارات والأصول أو يختصّ اليقين في أخبار الاستصحاب باليقين والعلم الوجدانيين الذين يكونان بنفسهما طريقا إلى الواقع بلا احتياج إلى تنزيل أو تتميم أو امضاء وإن كان يشكل هذا الفرض في غير ما إذا كان الشكّ من ناحية النسخ الذي لا حاجة فيه إلى الاستصحاب بل الاطلاق الحاصل في مواردها ولو بالقرائن كافٍ في التمسّك به في رفع الشكّ .

وذلك لأن في خصوص الاستصحاب وباقي الأصول التنزيليّة وكذا الأصول غير التنزيليّة من البرائة وقاعدة الطهارة والحل وأمثالها لا يعقل الشكّ في بقاء الحكم المجعول في مواردها أو الوظيفة المعيّنة للمكلّف . اذ موضوع هذه

جريان الاستصحاب في مؤدّى الامارات والأُصول

ص: 241


1- . كفاية الأصول 2/308 - 309 .
2- . كفاية الأصول 2/308 - 309 .

الشكّ والشكّ بنفسه باق وحاصل فلا معنى لجعل الحكم المستفاد من الاستصحاب الذي موضوعه اليقين والشكّ مورد الاستصحاب وكذا بالنسبة إلى ساير الأصول وأمّا في مورد الامارات فحيث انّها لا توجب العلم بالحكم أيضا فيجري فيها هذا الكلام وكذا في مورد اليمين ( ونحو الملكيّة الحاصلة للمالك عند الشكّ في بقائها أو في صورة اليمين وإن قلنا انّه يقلب الواقع وحكم الحاكم بالملكيّة لغير المالك الواقعي يجعله مالكا فانّه يمكن تصوّر الشكّ في هذا المورد )

الا ان ذلك يكون يقينا تقديريّا حيث ان على تقدير انتقال المال إليه واقعا يكون مورد الاستصحاب .

وللمحقّق النائيني في هذا المقام كلام(1) في بيان جريان الاستصحاب في ما هو مؤدّى الامارات عند حصول الشكّ في بقائه قبال المحقّق الخراساني .

وحاصل كلامه انّه قد حقّقنا في أبحاثنا انّ للعلم والقطع جهات: فتارة يكون ملحوظا بما هو صفة وكيفيّة نفسانيّة . وأخرى من حيث كاشفيّته عن متعلّقه وارائته إيّاه وله جهة الانطباق على الخارج أي انطباق الصورة على الخارج والجري العملي على طبقه والتنجز الذي تقدّم انّه في كلّ من العلم والامارة والأصل ولو غير التنزيلي . وبلحاظ غير الجهة الاولى يقوم مقامه كلّ واحد من الامارات والأصول تنزيليّة وغيرها على الترتيب كما تقدّم الكلام عليها سابقا .

وحيث تبيّن وتذكّرت ذلك . فنقول انّه لا معنى لكون حجيّة الأمارات حكما تكليفيّا وإن نسب إلى الشيخ ولم يوجد في كلامه ( الا ان ذلك يرجع إلى كون لزوم العمل بالامارة من حيث الموضوعيّة والسببيّة لا من حيث الكشف عن المتعلّق )

في جريان الاستصحاب في مؤدّى الامارات

ص: 242


1- . فوائد الأصول 4/403 - 406 .

وكذا لا معنى لجعل الحجيّة والعذر .

والمحقّق الخراساني لا يرتضى ذلك اذ لا معنى لجعل العذر لعدم قبوله الجعل وكذا لا وجه لمنجزيّة الاحتمال لدوران الأمر حينئذٍ مدار مطابقة الواقع ومعلوم ان في صورة انكشاف الواقع لا مجال لجعل الطريق والتعبّد به وما يمكن أن يذهب إليه في هذا المقام هو الوسطيّة في مقام الاثبات . ومرجع ذلك إلى جعل فرد تعبّدي للعلم واحداث محرز تعبّدي يكون كالعلم الوجداني في ترتّب آثار الواقع المنكشف عليه . فالشارع أوجد مصداقا للعلم الذي هو طريق بنفسه وكشفه منجعل وحجيّته كذلك ومعنى قول الشارع لا تنقض اليقين بالشكّ أي لا تنقض الحجّة بالشكّ فيشمل الامارات طرا .

وحاصل الاشكال في جريان الاستصحاب في الأحكام المستفادة من الامارات انّها لا تكون معلومة بالوجدان كي يشملها لفظ اليقين في أدلّة الاستصحاب ويجري فيها عند الشكّ في البقاء إذ المسطورات في الرسائل العمليّة للمقلّدين التي يحصل التغيير والتبدّل لهابنظر المجتهد ليست أحكاما قطعيّة وضروريّة وإلاّ لا معنى للتقليد . بل هي ما أدّى إليه طرق المجتهد وهي محتملة الانطباق والوفاق على الواقع كما انّها محتملة الخلاف . فاذن لا يقين لنا بالحكم الشرعي كي نجعله مورد الاستصحاب ( مع ان اليقين في أخبار الاستصحاب ليس إلاّ عبارة عن الحالة النفسانيّة للانسان به يطمئن بالواقع ويكون انكشاف الواقع به قهريّا لانجعال حجيّته .

وأجاب المحقّق النائيني قدس سره (1) عن ذلك بأن هذا الاشكال إنّما يتّجه على

ص: 243


1- . فوائد الأصول 4/404 .

غير ما بنينا عليه في حجيّة الامارات من الوجوه التي استند إليها القوم من جعل العذريّة ومبنى رتب الأثر ومنجزيّة الاحتمال . وأمّا بناء على ما بنينا عليه من كون الشارع إنّما احدث فردا من العلم وأوجد مصداقا للمحرز في مورد الامارات فلا يتوجه الاشكال عليه أصلاً(1) .

بيان ذلك: في ضمن مقدّمتين:

الأولى: ما تقدّم سابقا ان للعلم جهات من الصفتيّة والكاشفيّة والمحرزيّة أو ترتيب الأثر والمنجزيّة .

والثانية: ان اليقين الوارد في أخبار الاستصحاب ليس المراد به إلاّ ما استظهرنا سابقا من كونه هو العلم والقطع بلحاظ الكشف فكانه قال لا تنقض الحجّة بالشكّ ( إلاّ ) بيقين أي حجّة مثلها حيث استفيد من الأخبار الواردة ان الشارع أوجد مصداقا لليقين والعلم وجعله وسطا في مقام الاثبات واعطاه صفة الاحراز كما ان لليقين هذه الجهة على ما في المقدّمة الأولى وتقدّم سابقا ان المراد

باليقين في لا تنقض اليقين ليس إلاّ المتيقّن بلحاظ كون اليقين طريقا إلى المتيقّن كاشفا عنه وإلاّ فنفس اليقين موضوع للأحكام العقليّة ولا ربط له بباب الاستصحاب وترتيب الآثار . ومعنى جعل الطريقيّة واعطاء الوسطيّة بهذا المعنى غير ما يقوله أهل البرهان من كون الكبرى وسطا لثبوت الحكم وحصوله على

المراد من اليقين في اخبار الاستصحاب

ص: 244


1- . ووافق المحقّق النائيني منتهى الأصول 2/438 استاذنا المحقّق البجنوردي واجرى الاستصحاب إذا كان المستصحب محرزاً بمحرز تعبدي كالامارات والأصول المحرزة كالاستصحاب كما هو صريح تقريرات المحقّق العراقي ( نهاية الأفكار 4/105 ) كما يظهر من تقريرات بحث السيّد الخوئي قدس سره الموافقة في مورد الامارات وفي قسم في مورد الأصول . مصباح الأصول 48/118 - 121 .

الصغرى كما هو واضح . وكون اليقين بمعنى الكاشف والحجّة لا اشكال فيه بعد تسليم أصل المبنى في ما ذهب إليه قدس سره الا انا أشرنا إلى انصراف اليقين إلى اليقين الوجداني المنجعل لا الجعلي الحاصل بتعلّقه بما جعله الشارع كذلك .

وعلى كلّ فلو سلّمنا ذلك المبنى في باب الامارات وقلنا بأنّ المجعول في تلك إنّما هو الوسطيّة في مقام الاثبات يتمّ مرامه قدس سره وبه يندفع الاشكال المتّجه .

ولا يستقيم ذلك بناءً على مبنى رتب الأثر في باب الامارات وتنزيل المؤدّى وعليه لا يكون لوازمها حجّة ثبتت بالدليل الشرعي وليس حقيقة الوسطيّة على هذا الا ما رتّب عليه المحقّق الخراساني قدس سره (1) في أوّل باب الظنّ انكار الحكم

الظاهري فبعد أن اطّلع على ذلك علماء سامراء قالوا قد نقض ما غزله من المباني السابقة التي اختارها وفرحوا بذلك واستراحوا من النقض عليه وهو رحمه الله كان ينكر ذلك المبنى أشدّ الانكار ولم يكن بنائه على ذلك إلاّ انّه لم يتغيّر ما كتب في الكفاية

وطبع على ما هو عليه اليوم من مباني قبل باب الظن .

وكيف كان فهو الحق الحقيق بالقبول وإليه يؤول معنى تتميم الكشف الذي هو مختار المحقّق النائيني حسب ما قرّرناه وقرّبناه . ولكن الكلام في هذا وهل يعقل أن يجعل الشارع غير العلم علما أو يتمّ ما نقص إلاّ تكوينا بأن يجعل الجاهل عالما كما انّه يجعل العالم جاهلاً وإلاّ فلا معنى للعلم التعبّدي والمحرز التعبّدي

الذي يكون عدلاً للعلم الوجداني كما انّه لا معنى لرتب الأثر في باب الامارات ويشكل الأمر في ذلك من حيث صدّق العادل وخذ بقول الثقة .

نعم لنا كلام أشرنا إليه سابقا من انّه ليس في باب الامارات تعبّد من الشارع

ص: 245


1- . كفاية الأصول 2/44 - 49 وما بعده .

ولا تنزيل بل العقلاء يمشون على نظامهم العرفي في أمور معاشهم ومشيهم على ذلك ليس إلاّ على العلم والاطمئنان العادي الذي يكون احتمال الخلاف في جنبه كالميّت الذي لا روح له وليس في لوح النفس حينئذٍ ما يكون رادعا عن المضيّ إليه كما انّهم لا يحتاطون في ذلك بل إنّما يحصل لهم الاطمئنان من قول الثقة الذي أخبر أحدهم فيبنون عليه ويمشون عليه وإن حصل لهم احيانا تردّد في جهة من ناحية فان كان موردا للاحتياط فيحتاطون فيه . وإلاّ فلو أخبر أحدهم بعدم اللص وقاطع الطريق فيه فلا يسيرون مع عدم حصول الأمن والاطمئنان بأن ينزل وجوده منزلة عدمه فيسير . وهذا المعنى من العلم لا يحتاج إلى تعبّد وتنزيل . غاية الأمر حيث امضى الشارع هذه الطريقة وخلاهم وأنفسهم زادوا اطمئنانا بمؤدّى الاخبار وبهذه العناية لو أطلقنا على ذلك تتميم الكشف ما ارتكبنا مجازفة فتدبّر جيّدا .

تبيان وتكميل: قد تبيّن مبنى المحقّق النائيني قدس سره في باب الامارات من امضاء الشارع للطريق العقلائي وحصول الاطمئنان بقول الثقة وسكون النفس الذي يكون احتمال الخلاف لا يعتني به من الضعف و يخرجون بذلك عن الوقفة والتحيّر ولا يوجب ذلك الاحتمال وقفة لهم وهو رحمه الله قائل بتعميم اليقين إلى العلم الوجداني وهذا الاطمئنان والسكون الحاصل من ذلك الطريق . الا ان للاشكال فيه والتأمّل عنده مجالاً واسعا فانّ للعلم كما حقّق في موضعه جهتين بما هو طريق وبما هو موضوع ودليل حجيّة الامارة يفي بقيام الامارة مقام العمل من جهة الطريقيّة والكاشفيّة عن المتعلّق .

أمّا من حيث الموضوعيّة وكونه من الصفات النفسانيّة فلا يقوم مقامه شيء

مبنى النائيني في الامارات

ص: 246

لأنّ اليقين والعلم ليس مرادا به وظاهرا الاّ في ذلك لا الاطمئنان أو أعم من الاطمئنان والعلم الوجداني .

وبعبارة أخرى المحرز فلابدّ من الاكتفاء بذلك من قيام دليل لقصور الأخبار الواردة في الاستصحاب عن شمول غير العلم الوجداني فلا يتمّ مرامه قدس سره

فاذا وجب مثلاً عند العلم بمجيء زيد التصدق بكذا فلا يمكن قيام خبر الثقة بمجيئه من حجّه مثلاً في وجوب العمل عليه لما ذكرنا . وإن كنّا لا ننكر قوّة الاطمئنان وسكون النفس عند امضاء الشارع تكوينا إلاّ انّه ما لم يصل إلى حدّ العلم الوجداني ويرتفع عن مقدار العلم العادي النظامي لا يكون فردا من اليقين ولا يشمله لفظه .

وكذا ما ورد في المواضع الاخرى من نحو باب الشكّ في الركعتين الأوليين فلابدّ من الاحراز ولا يحصل بالظنّ غاية الأمر قلنا بكفايته للنصّ(1) الخاص من النبوي والخبر(2) الآخر الذي يستفاد منهما ذلك كما حقّق في الفقه هذا .

وحيث عرفت توجّه الاشكال وانّه كيف يمكن جريان الاستصحاب في الأحكام مع اعتبار تعلّق اليقين بالمستصحب والشكّ لاحقا ( ولا يقين لنا بالحكم الذي يؤدّي إليه الامارة انه هو الحكم الواقعي ) .

تصدّى المحقّق الخراساني قدس سره (3) لدفعه أيضا على التحقيق عنده في باب الامارات من اختياره أخيرا جعل الحجيّة التي يكون مرجعها إلى الوسطيّة في مقام الاثبات الذي هو مرام المحقّق النائيني رحمه الله ورجوعه عن مبناه في أوّل المجلّد

ص: 247


1- . النبوي ضعيف مروي من طرق العامة .
2- . الوسائل 8 الباب 15/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . كفاية الأصول 2/310 .

الثاني من قوله بالحكم(1) الظاهري بأنّ الاستصحاب يجري على تقدير . وذلك لأن على فرض الاصابة وتأدي الامارات إلى الحكم الواقعي وحصول الشكّ فيكون هناك يقين وتعبّد لاحقا بدليل الاستصحاب عند الشكّ المتعلّق بما تعلّق به اليقين من الحكم الواقعي وانّه يكفي هذا التعبّد .

ثمّ وجّه سؤالاً على نفسه بأنّه كيف يمكن ذلك والفرض ان التقدير لم يثبت فان جعل الملازمة بين جريان الاستصحاب واصابة الامارات للواقع لا يجدي في جريان الاستصحاب وترتب الأثر كما إذا تحقّقت الملازمة بين طلوع الشمس واضائة العالم ومن المعلوم ان مجرّد ذلك لا يوجب حصول التالي لاستلزام الشكّ في حصول المقدم تعلّقه بالتالي وكذا فيما نحن فيه . مجرّد تقدير الاصابة لا يصحّح جريان الاستصحاب .

فأجاب بعد التصديق بما حاصله انّ اليقين إنّما أخذ من حيث الكاشفيّة وانّه مرآة وآلة للمتعلّق ( وعند توجّه النفس إلى ذي الآلة أو المرئى والمنكشف لا توجّه له إلى المرآة ليكون التعبّد في بقائه والتعبّد مع فرض ثبوته إنما يكون في بقائه فافهم ) .

وهذا المعنى راجع بالحقيقة إلى محصّل مرام النائيني قدس سره من ان النظر في اليقين إنّما هو من حيث الطريقيّة إلى المتعلّق فكان اليقين ليس موضوع اخبار الباب وإنّما تمام النظر إلى المتعلّق والمتيقّن . وهو عند الشكّ في بقائه لابدّ من عدم النقض وهذا كما ترى في الحقيقة عزل اليقين عن كونه موضوع أخبار الباب . وبعد يبقى الاشكال لعدم حصول اليقين بالحكم الذي يجري فيه الاستصحاب

أخذ اليقين من جهة الكشف

ص: 248


1- . كفاية الأصول 2/310 .

على تقدير وكأنّه رحمه الله أشار إلى بقاء الاشكال بقوله فافهم ( وكان في جوابه يريد أن يشير إلى عدم الحاجة إلى الاحراز اليقيني بعد أخذ اليقين باعتبار كونه كاشفا فكان الحجّة الثابتة من الشارع اذا أدّت إلى شيء بمقتضى الجعل تكون كاشفة عن المؤدّى ويجري فيه الاستصحاب في ظاهر البناء على كونه هو الواقع . وهذا الكلام منه أخيرا بقوله ( ليكون التعبّد في بقائه الخ ) اشارة إلى ما عنون لأجله التنبيه الثاني من كفاية اليقين التقديري . فاليقين التقديري المتعلّق بالحكم الواقعي

باصابة الامارة يكفي في كونه موضوعا لجريان الاستصحاب . فانّ التعبّد على فرض ثبوته أي ثبوت التقدير وهو الاصابة إنّما يكون في بقائه أي بقاء الشيء أي المتيقّن ) وما أشار إليه كلامه من التحقيق تعريض منه إلى ما اختاره سابقا ونسبه إلى المشهور من كون مؤدّيات الامارات أحكاما ظاهريّة مجعولة عند المخالفة فهناك حكمان واقعي لم يصل إليه المجتهد وظاهري وهو مؤدّي الامارة ولذا اشتهر بينهم ان ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم . فانّ الطريق مثلاً وهو الامارة

وإن كان وصولها إلى الحكم الواقعي ظنيّا الا ان ما وصل إليه يكون حكما ظاهريّا موردا للاستصحاب لكن ذلك أيضا يتوجّه عليه الاشكال من جهات:

منها: عدم وصول النوبة إلى استصحاب مؤدّيات الطرق والامارات المجعول ما أدّت إليه من الأحكام الظاهريّة لأن مورده هذه الطرق والامارات الموجودة وهي كيف تكون موردا مع انّ الشكّ إمّا أن يكون من جهة النسخ والفرض التمسّك بالاطلاق أو من جهة أخرى أيضا فنتمسّك بنفس أدلّة هذه الأحكام .

هذا في الأحكام نفسها وأمّا موضوعاتها فخارجة عن محلّ النزاع .

مورد التخيير في الأخذ باحدى الروايتين

ص: 249

ومنها عدم ثبوت النسبة للمشهور وإنّما الموجود ما حكاه في المعالم عن العلاّمة رحمه الله ومع ذلك ففيه احتمالان أحدهما ما اشتهر في معناه من كون مؤدّيات الطرق الظنيّة قطعيّة العمل . والبناء عليها لكونها أحكاما ظاهريّة يجب العمل بها .

والثاني انّ ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة حكم الطريقيّة ( وانّها توصل إلى المؤدّى ولو ظنّا ) فحينئذٍ لا ربط له بمرامه .

ويمكن الجواب عن الاشكال الأوّل بتحقّق مورد لذلك في مورد الأحكام لا الموضوعات لها بأن يقال الحكم الثابت أوّلاً بالدليل الشرعي قابل لورود التخصيص عليه بالعنوان الثانوي من الضرر والعسر والحرج وأمثالها من العناوين الثانية الملازمة لعدم الحكم الاولى . وحينئذٍ فاذا حصل الشكّ في مورد انّه يصل الضرر أم لا فلا مجال للتمسّك بالعام لكونه تمسّكا به فىّ الشبهة المصداقيّة لحصول التخصيص بما يكون ضررا أو عسرا ونحوهما فلابدّ من الرجوع إلى الأصل حيث لا يكون هناك شيء مرجعا إلاّ هو أو المنحصر بالاستصحاب ولا مجال لاستصحاب نفس المعذوريّة لأنّها حكم عقلي فانتظر لتتمّة الكلام .

تذنيب: قد ذكرنا ما يتعلّق بمقام الثبوت في محلّ الكلام وانّه هل يمكن جريان الاستصحاب في مورد الأحكام وعلى فرض خلوّ ذلك عن الاشكال فهل يوجد مورد له فيها قابل للاستصحاب كي لا نحتاج إلى ما أشار إليه المحقّق الخراساني قدس سره في كلامه من اليقين التقديري الذي لا يمكن تصحيحه أصلاً . فنقول يمكن المثال لمورد حصول الشكّ في الأحكام ووصول النوبة إلى الأصل العملي ومنه الاستصحاب كي يتحقّق للاستصحاب في الأحكام مورد لا يكون مجرّد فرض ولا يرد عليه ما يقال من ان الامارة التي حصل فيها العلم ووصلت إلى

ص: 250

المؤدّى بطريقيّتها اما بالاصابة أو بالعذر إذا كانت موجودة كيف يتحقّق الشكّ فبالرجوع إليها يظهر المراد ويرتفع الشكّ ( أقول: لا وجه لهذا الكلام الذي أشار إليه سيّدنا الأستاذ لحصول الشكّ قبل تبدّل الرأي وتجديد النظر كما يومى إلى ذلك آخر كلامه على ما سيجيء ) .

والمثال هو مورد حصول الشكّ من ناحية تحقّق الضرر في الوضوء الذي يظهر بسببه البرودة الشديدة أو ما لا يكون منه الشين في ظهر الكف . فانّه قد يشكّ في بعض الموارد ان ذلك ضرر أم لا . فيمكن استصحاب الحكم السابق على هذا الحال فيما إذا لم يكن مثلاً عليه ضرر في مورد الشكّ في انتقال الفرض إلى التيمّم لعدم جواز التمسّك بالعام المخصّص بلا ضرر ودليل نفي الحرج والعسر لأنّه من التمسّك به في الشبهة المصداقيّة ولكنك خبير بأن ذلك مغالطة واضحة حيث ان منشأ الشكّ ليس غير الأمور الخارجيّة ولا يكون هناك شكّ من ناحية الحكم التكليفي . ويمكن أن يكون مورد التخيير بين الأخذ باحدى الروايتين في ما اذا تعارضتا من الشبهة الحكميّة التي تصل النوبة عندها إلى الأصل العملي من حيث ان التخيير هل هو دائما أو في الجملة أو بنحو آخر كان يتحقّق الشكّ في ذلك أي بقاء حكم التخيير من حيث انّه ابتدائي وبعده يرتفع التحيّر بسبب الأخذ باحدى الامارتين أو غير ذلك من الوجوه المقرّرة في محلّه ) أو التحيّر يبقى وهو مخيّر استمرارا وبقاءً كما كان كذلك حدوثا وابتداءً من حيث عدم ظهور في الكلام كي يرتفع به التحيّر والشكّ في الصورة الأولى فبعده يحتاج إلى الأصل في المسئلة الا ان ذلك أيضا واضح الفساد حيث انّه عند ذلك لا يخلو الأمر اما أن نقطع بعدم دخل الحادث في بقاء الحكم وفي هذا الفرض والفرض السابق في مثال الوضوء .

ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم

ص: 251

أو نقطع بدخل العدم ففي هذين الفرضين نقطع بعدم بقاء الحكم كي نستصحبه أو يكون مورد الشكّ وعنده يكون الشكّ في بقاء الموضوع ولا مجال للاستصحاب عند ذلك . الا ان مثل حياة زيد ووجوده يمكن أن يكون مورد الشكّ في الموضوعات وجريان الاستصحاب فيه ويمكن أيضا أن يقال بتصوّر مورده في ما اذا حصل الجنون للمجتهد المفتى المذهب لرأيه أو الشكّ بسبب طعنه في السن كما يقال في المحقّق البهبهاني حتّى آل أمره إلى التقليد واعلام مقلّديه بذلك ومنعهم عنه فانّه لا اشكال حينئذٍ في ذهاب الطريقيّة بسبب ذلك .

ومن المسلّم عدم الموضوعيّة في رأي المجتهد ونظره حيث يستفاد اعتبار نظره من قوله ( ونظر(1) في حلالنا وحرامنا فنجري الاستصحاب في نفس الرأي والحكم السابق على هذا الحال من الوجوب والحرمة وأمثالهما ممّا ادى إليه نظره وان ذهبت الطريقيّة وناقشنا في استصحاب هذه الطريقيّة بل لا معنى لذلك حيث ان الجنون لا يلائمها وهو لا يشعر شيئا ولا رأي له حينئذٍ ولا يخفى عليك عدم معنى له بعد ان لم يكن هناك إلاّ الطريقيّة المحضة غير الملازمة لجعل الأحكام حسب مؤدّيات الطرق فبعد ذهاب رأي المجتهد فلا شيء يكون قابلاً للاستصحاب كي يكون مورده لجريان الكلام السابق فيه أيضا من القطع بالدخل أو بعدمه أو بالشكّ غير المجامع مع احراز الموضوع الذي لابدّ منه في جريان الاستصحاب .

نعم يمكن تسليم جريان الاستصحاب بعد عدم امكان جريانه بأحد هذه

الوجوه وعدم تماميّتها بالتزام جعل الأحكام الظاهريّة حسب تأدّى نظر المجتهد

ص: 252


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .

ورفع الاشكالات الواردة من تضادّ الأحكام بأن ذلك في مقام المحركيّة والفعليّة الخارجيّة والاّ فلا مانع من اجتماع الحب والبغض إلى شيء واحد وهذا بخلاف اجتماع السواد والبياض في مورد واحد ولو من شخصين كان يريد هذا صيرورة الشيء أسود وذاك يريد أبيضيّته أو بالتصويب الذي يقوله المعتزلي من حصول مصلحة غالبة في سلوك مؤدّى الامارة على مصلحة الواقع أو لا أقل من التساوي وانشاء أحكام فعليّة حسب انظار المتفحّصين عن الأحكام الواقعيّة مع بقائها في وعائها بلا تغير ولا لزوم ايجاب الضدّين في بعض الموارد وغير ذلك من وجوه الاشكال إلاّ أنّه قد نبّهنا على اشتمال ذلك على المغالطة وفساد أصله في مواضع من أبحاثنا كمبحث اجتماع الأمر والنهي وبحث الظن بل ليس هناك إلاّ الطريق المحض فان أصاب فهو وإلاّ فمعذور ولا تعدّد للأحكام بل هي واحدة كما انشاء وليس المجتهد أو الروايات إلاّ طريقا إلى الوصول إلى الأحكام ولم يعلم اصابتها دائما فتارة يوافق الواقع ويصيبه وأخرى يخطئه فاذا لم يكن هناك حكمان ولم ينشأ في مورد الامارات أحكام ظاهريّة حسب تأديها إليها بالوجوه المقرّرة في مسلك القائلين بذلك المستلزمة للتصويب فلا شيء هناك يكون مورد الاستصحاب وما ذكرنا من الموارد في الشبهة الحكميّة المحتاجة إلى الاستصحاب ( وكذا مورد استصحاب الأحكام الوضعيّة كالملكيّة عند حصول الفسخ المشكوك التأثير وعند وقوع الطلاق بغير العربي كذلك ) فقد عرفت عدم سلامتها عن الاشكال بأجمعها ومن هنا ومن عدم صحّة جعل الأحكام الظاهريّة حسب تأدّي نظر المجتهد كما أشار إلى ذلك أي جعل الأحكام الظاهريّة فيما نسب إلى المشهور المحقّق الخراساني في هامش تنبيه استصحاب كفايته الثاني

ص: 253

تعرف عدم صحّة استصحاب رأي المجتهد ولو في حال حياته اذا زال عنه بعض ما يكون شرطا في جواز العمل برأيه من العقل المزيل للرأي أو حصول الخرافة له الموجبة لشكّه في مؤدّيات أنظاره السابقة وكذا استصحاب الحكم الذي كان يقول به في حال حياته بعد مماته حتّى فيما اذا قلّده في المسائل وذلك لزوال الطريقيّة في رأي المجتهد بسبب الموت والجنون وأمثال ذلك فلا رأي له كي يكون طريقا ولا التزمنا بجعل الأحكام حسب نظر المجتهد لاستلزامه التصويب فلا يبقى شيء هنا يمكن معه الاستصحاب .

ولما أشرنا إليه أيضا من ان الحياة إمّا مقطوع عدم دخلها اذا مات أو مقطوع دخلها فلا معنى هنا للاستصحاب وأمّا الشكّ فلا يستصحب شيء للشكّ في بقاء موضوعه . وهذه المسئلة عندنا بمكان من الوضوح حتّى انا قاطعون بها كالشمس في رابعة النهار فتفطن واعرف الوجه فانا نبهناك فاغتنم .

بل لو قلنا بجواز البقاء على التقليد لابدّ أن نقول بجوازه ابتداءً من الميّت بلا فرق بين الصورتين .

تتميم وتكميل: قد يقال في دفع الاشكال بتسلم جريان الاستصحاب في الموضوعات التي لم يعلم بتحقّق المستصحب وجدانا بل بنفس الامارة كاستصحاب العدّة واستصحاب حياة زيد والملكيّة الثابتات بغير العلم بل بالامارة الشرعيّة التي ما أوجبت اليقين بل يجري الاستصحاب في ما ثبت بالاستفاضة غير الموجبة لليقين الوجداني . فانّه لا اشكال في جريان الاستصحاب في هذه المقامات . ومن ذلك نشتكشف ان اليقين المأخوذ في دليل الاستصحاب ليس هو اليقين الوجداني بل يعمّ اليقين الشرعي وما ثبت بالحجّة المعتبرة كما أشار إلى

ص: 254

ذلك المحقّق الخراساني فيما(1) سبق من كلامه من انّه إنّما أخذ كشفا ومرآتا وحينئذٍ فمعنى قول الشارع لا تنقض اليقين إلاّ باليقين يكون لا تنقض الحجّة إلاّ بالحجّة ولما ذكرنا نظائر كاستصحاب ما ثبت بقول العدل الواحد لو قلنا باعتباره في الموضوعات هذا .

لكنّه لا يخفى انا قد نبّهنا على ان هنا مقامين مقام الطريقيّة ومقام الموضوعيّة وقدمنا ان دليل تعبّد الامارة يفي بقيامها مقام العلم الطريقي وأمّا العلم

الذي هو موضوع فلا دليل يفي في المقام بقيام الامارة مقامه وذلك نظير باب الشهادة فان مقتضى الجمع بين الأخبار الواردة في ذلك الباب هو اعتبار العلم في الشهادة كقوله صلی الله علیه و آله وقد سئل عن الشهادة ( هل ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع )(2) وقول الصادق علیه السلام في خبر علي بن غياث لا تشهدنّ(3) بشهادة حتّى تعرفهاكما تعرف كفّك .

والشهادة لابدّ أن تكون عن علم ولا اختصاص لها أن تكون بالعيان وعن شهود بالعين بل تحصل بكلّ واحد من الحواس الخمس الظاهريّة من اللامسة والذائقة كما انّها تحصل وتجوز بالعين كي تكون مستندة إلى العين والرؤية . إلاّ ان رواية حفص بن غياث(4) وإن كانت بحسب نفسها ضعيفة لكنّها عمل عليها الأصحاب وعوّلوا عليها في الجملة تدلّ على جواز الشهادة ولو استنادا إلى اليد .

قال له رجل ( أي ) لأبي عبداللّه علیه السلام إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي

الشهادة باستناد اليد

ص: 255


1- . كفاية الأصول 2/310 .
2- . الوسائل 27 الباب 20/3 من أبواب كتاب الشهادات .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/20 ح1 - 3 من أبواب كتاب الشهادات .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .

أن أشهد انّه له ؟ قال: نعم، قال الرجل اشهد انّه في يده ولا اشهد انّه له فلعلّه لغيره . فقال أبو عبداللّه علیه السلام فيحلّ الشراء منه ؟ قال: نعم . فقال أبو عبداللّه علیه السلام فلعلّه لغيره . من أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثمّ تقول بعد ذلك الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام: ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق .

مع ان في مورد الرواية لا يعلم الشاهد انّه له واقعا وإنّما رآه في يده يتصرّف فيه تصرّف الملاك في أملاكهم هذا .

الا ان اماريّة اليد لا تتوقّف على الشهادة بل يمكنه أن يشتري منه ويرتّب على ذلك آثار اليقين الوجداني لكن بالنسبة إلى المعاملات التي تقع عليه ولا يشهد لان المتأخّرين لم يعملوا بالرواية في هذا المقام أي مقام الشهادة استنادا إلى اليد وإن كان ظاهرها بل صريحها ذلك والحق مع المتأخّرين .

فعلى هذا يشتري منه ويبيع في مورد الرواية ويشهد انّه رآه في يده وانّه كان سابقا ملكا له ولأجداده وآبائه لكن لا يشهد انّه له لعدم العلم والموضوع في الشهادة على ما عرفت والمتحصّل من أخبار الباب هو العلم ومن أين له العلم حتّى يشهد .

ومجرّد توقّف الشهادة على العلم لا يوجب كساد السوق وقعوده لترتيب

آثار الملك عليه من غير جهة الشهادة بل وما ورد في قضيّة(1) فدك وأبي بكر أيضا لا يكون دليلاً على جواز الشهادة بنحو ينفعنا في المقام . وعلى هذا فمن

ص: 256


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/3 من أبواب كيفيّة الحكم .

يقول بالمنع في باب الشهادة مع ورود رواية(1) حفص والعمل عليها فاولى به أن يمنع جريان الاستصحاب في ما نحن فيه من الأمثلة المذكورة لعدم ورود دليل ولو رواية ضعيفة هنا .

وأوّل شيء ننكر في المقام جواز جريان الاستصحاب في الأمثلة المتقدّمة اذا لم تكن مستصحباتها ثابتة بالعلم بل بالحجّة الشرعيّة كدعوى الزوجة وانّها في العدّة واستصحاب حياة زيد بمجرّد قيام الامارة على ذلك أو ثبوت الملكيّة من حكم الحاكم وغير ذلك من أسباب الملكيّة . بل كلّ ذلك يتوقّف على اليقين الوجداني . نعم دليل تعبّد الامارة إنّما يوجب قيام الامارة مقام العلم الطريقي من حيث الطريقيّة وكشفه عن المؤدّى . وأمّا قيامه مقام العلم الذي أخذ في الموضوع فمن أين وأنّى لنا باثبات ذلك من مجرّد دليل التعبّد مع اختلاف الجهتين اترى انّه إذا وجب التكليف الكذائي عند العلم بوجود زيد أو مجيئه فبمجرّد قيام الحجّة وأخبار العدل يجب علينا أن نمتثل ذلك التكليف كلاّ ما لم نعلم وجدانا انّه كذلك أو ثبت من دليل قيام الامارة مقام العلم واليقين الذي أخذ على الموضوعيّة كما في مقامنا في باب الاستصحاب فان العلم واليقين له دخل موضوعي ولايقوم مقامه شيء في هذه الجهة إلاّ بالدليل ولم يقم دليل .

والتعبّد بقول الثقة لا يجعل غير العلم علما ولا يعمّم .

نعم لو قام دليل كباب الشهادة نقول به ( فان الدليل دلّ على موضوعيّة العلم من قوله(2) على مثلها فاشهد ودلّ دليل آخر كرواية حفص(3) على جوازها

اشكال قيام الامارة مقام العلم الموضوعي

ص: 257


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/1 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 20/3 كتاب الشهادات .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/1 من أبواب كيفيّة الحكم .

استنادا إلى اليد . إنّما الكلام في انحصار الملاك بنفس دليل التعبّد بالامارة فانّه من حيث الطريقيّة اما الموضوعيّة فلا فاليقين والشكّ في باب الاستصحاب موضوعان وليس فيهما جهة الطريقيّة كي يثبت اليقين بأدلّة حجّيّة الامارة . ومن ذلك عرفت ان هذا التنبيه ساقط من أصله الا انّه استفيد من ذلك ما زدنا به بصيرة ولذلك لم يعقده الشيخ في تنبيهات الاستصحاب ولم يقل بقيام الامارة مقام اليقين في هذا الباب في أوّل الرسائل وقد كفيناك بما ذكرنا أمر فحصك شهرا فاغتنم والشكر والحمد للّه .

التنبيه الثالث: من تنبيهات الاستصحاب: ان المستصحب إذا كان موضوعا تاره يكون شخصيّا معيّنا أو مرددا وأخرى كليّا . لا اشكال في جريان الاستصحاب فيه اذا كان شخصا معيّنا كما يجري استصحاب حياة زيد عند الشكّ في بقائه لترتّب آثاره من وجوب النفقة عليه لتماميّة أركان الاستصحاب فيه من اليقين والشكّ واتّصال زمان اليقين بالشكّ وغير ذلك . وكذا لا مجال للاشكال في جريانه في ما إذا كان فردا مردّدا ومثاله في الفقه ما إذا علم المكلّف بوجوب احدى الصلاتين من الجمعة والظهر عليه في ظهر يوم الجمعة ولم يأت بأحدهما فحينئذٍ لا اشكال في جريان الاستصحاب الشخصي المردّد بين الظهر والجمعة ويترتّب على ذلك الأثر .

كما انّه يحتمل انّه أتى بكلتيهما أو أحداهما وذلك بخلاف ما إذا أتى باحدى الصلاتين فلا مجال لاستصحاب الفرد المردّد لعدم بقاء الموضوع فانّه مردّد بين ما هو مقطوع البقاء لو كان هي التي لم يأت بها بعد كصلاة الظهر مثلاً ومقطوع

ص: 258

الارتفاع لو كان هي الجمعة التي امتثلها فلا احراز للموضوع كي يجري الاستصحاب .

وقد تقدّم تفصيل الكلام في باب الاشتغال وقلناهناك ان ما يتوهّم من عبارة الشيخ من التناقض في جريان الاستصحاب في الفرض وعدمه ليس في محلّه بل هو قائل بالجريان والمنع من جهة أخرى تقدّمت إليها الاشارة فراجع .

نعم يمكن جريان الاستصحاب في الفرض لا في الشخص بل في الكلّي وهو خارج عن مفروض البحث وداخل في ما نحن بصدده الآن من بيان أقسام الاستصحاب في الكلّي .

فانّه تارة يجري في ما إذا يجري استصحاب الشخص أيضا ويترتّب عليه الأثر كما في الشخص وهو القسم الأوّل وأخرى يجري في ما لا مجال لجريان الاستصحاب في الشخص كما في المثال المتقدّم عند الاتيان باحدى الصلاتين أو كالمثال للآخر في من علم اجمالاً بالحدث اما بولاً فعليه الوضوء أو المني فعليه الغسل وأتى بالوضوء فحينئذٍ يجري الاستصحاب في نفس الجامع بين الحدثين لاستكشاف وجوده من ترتّب أثر مشترك على فرديه من حدث البول والجنابة لاستحالة صدور واحد من اثنين بما هما اثنان متبائنان الا أن يكون بينهما جامع وهو فرض المقام . وذلك للأثر المشترك كحرمة مسّ الكتاب وتوقّف استباحة الصلاة على الوضوء والغسل ولهذا الفرض شقوق كثيرة في ما إذا خرج المردّد قبل الاستبراء والطهارة أو بعد أحدهما .

وأصاب صاحب العروة والوسيلة في بعضها وأخطأا في الباقي وسنشير إلى بعضها ولهذا القسم أي القسم الثاني من استصحاب الكلّي مثال عرفي من حصول

جريان الاستصحاب في الكلي

ص: 259

العلم بوجود الحيوان في الدار إمّا فيلاً أو بقّا وشككنا بعد مضي ثلاثة أيّام التي ينتهي فيها عمر البق في بقاء الحيوان في الدار من ناحية المقتضى مع اقتضاء الفيل حسب طبعه للبقاء أزيد من خمسين بل مأة .

وأمّا الشكّ في الثلاثة فمن غير ناحية الشكّ في المقتضي بل من جهة حصول صيد للحيوان بالآلة مثلاً . وهذا المثال وإن لم يكن له أثر إلاّ انّه ينطبق عليه فرض المقام .

ففي هذا القسم يجري استصحاب الكلّي وإن كان جريانه في الفرد ممنوعا لما ذكرنا كما انّه يمتنع جريانه في الفرد إذا لم يدر ان الحاصل هو البول أو الجنابة

بعد أن أتى بمقتضى أحدهما من الوضوء أو الغسل . ولعلّ المثال الفقهي في ما اذا أمكن جريان الاستصحاب في الفرد والكلي منحصر في مسئلة المردّد بين البول والجنابة .

والقسم الثالث من الاستصحاب الجاري في الكلي ما إذا علم بارتفاع الفرد الا ان الشكّ في بقائه من جهة احتمال وجود فرد مقارن لوجود الفرد المرتفع من حين وجوده أو من حين ارتفاعه الذي يبقى قطعا على تقدير الوجود .

ولهذا القسم شعب وفروع سنتعرّض لها إن شاء اللّه .

وهذا القسم نافع في النسخ اذا نسخ الوجوب مثلاً . ولا يخفى ان المثال المذكور من استصحاب الكلي في المردّد بين البول والمني لا مجرى له في كلّ الموارد اذ ربما يكون مسبوقا بالأصغر فخرج المايع المردّد بينهما فحينئذٍ لا أثر لهذا العلم الاجمالي لأنّه لو كان بولاً فلم يزد تكليفا لفرض مسبوقيّة الحدوث بالحدث الأصغر ولو كان أكبر يجب عليه الغسل إلاّ انّه شكّ بدويّ يجري فيه

ص: 260

البرائة كما إذا خرج ما يكون مشتبها بينهما والوذي ولا أثر لكونه بولاً ما لم يحرز ولو بالأصل عدم الجنابة لأن المردّد لو كان منيّا فلا أثر للبول وسنبيّن تفصيل هذه الفروع إن شاء اللّه تعالى .

وتفصيل البحث: انّه لا اشكال في توقّف جريان الاستصحاب في كلّ مورد على الأثر الشرعي ولا اختصاص لذلك بباب الكلّي دون الشخصي . فالكلام في الجريان في الكلّي وعدمه إنّما هو من غير هذه الجهة والاشكال فيه وهل هو قابل للاستصحاب أم لا لا وجه له لعدم تحقّق أركانه فلا مجال لجريانه وإن منشأ الشكّ في بقاء الكلّي والجامع بين الأفراد هل هو مشكوك الحدوث عند القطع بارتفاع أحد الفردين والشكّ في حدوث الباقي أم لا .

وقد أشرنا إلى أن المثال الذي ينطبق على المقام ويمكن أن يمثل به فقها هو مسئلة المايع المردّد الخارج بين البول والمني وما ذكرنا في مسئلة صلاة يوم الجمعة المردّدة بين الظهر والجمعة . فانّه لا اشكال في الاستصحاب عند الشكّ في الاتيان كما لا اشكال في عدم جريان استصحاب الفرد المردّد عند ارتفاع أحد الفردين للشكّ حينئذٍ في المتيقّن . فما هو متيقّن البقاء مشكوك الحدوث وما هو متيقّن الحدوث متيقّن الارتفاع ولابدّ من فرض الكلام في مورد وعلى نحو يكون للعلم الاجمالي أثر وإلاّ لا يكون هناك تحقّق للجامع والكلي القابل للاستصحاب وهو ما إذا لم يكن بعد البول قبل الخرطات ولا بعد المني قبل الاستبراء بالبول فانّه

ملحق في الأوّل بالبول وفي الثاني بالمني وكذا اذا لم يكن مسبوقا بالحدث بل نفرض الكلام في ما إذا تطهّر غسلاً للجنابة أو وضوءاً وحصل له الاستبراء عن الحدث الذي صدر منه سابقا فخرج منه المايع المردّد بينهما لا بين الأزيد لعدم

استصحاب الكلي

ص: 261

الأثر أيضاً فحينئذٍ يتحقّق له العلم بنقض طهارته بحصول الحدث إمّا بولاً أو جنابة والفرض ان لكلّ منهما الأثر كما ان للجامع أثرا وهو حرمة مسّ الكتاب ( وعدم جواز الدخول في الصلاة والطواف الواجب ) فباعتبار تحقّق هذا الأثر الجامع لا مانع من استصحابه عند الشكّ في بقائه الا ان مورد الاستصحاب ما اذا أتى بأحد الأمرين من الوضوء وغسل الجنابة فانّ الواجب عليه متابعة العلم الاجمالي المؤثّر المنطبق على المقام بشرايطه الخمس وكونه قضيّة متيقّنة منضمّة إلى قضيّة مشكوكة مانعة الخلو كما في مثل العدد الحاصل إمّا زوج أو فرد فكذا في المقام .

الحدث الحاصل إمّا بول أو مني وسواء قلنا في باب العلم الاجمالي بتعارض الأصلين من جانبين أم لا .

فقد تحقّق في المقام العلم بالتكليف ومقتضى ذلك هو الخروج عن عهدته وعند الاتيان بالوضوء أو الغسل فقط لا علم له بارتفاع الحدث الجامع بين البول والمني الحاصل على الفرض في المقام فذلك نظير الانائين المشتبهين .

وعلى هذا فلابدّ من الوضوء والغسل معا بلا حاجة إلى الاستصحاب إلاّ ان الاستصحاب في المقام ليس بلا نفع بالمرّة بل عند الاتيان بأحد الأمرين من الوضوء والغسل يحتمل عدم بقاء الحدث لانّه يمكن أن يكون منيّا فارتفع بالغسل أو بولاً فبالوضوء فلا يجب عليه بعد ذلك ضمّ العمل الآخر إليه ونتيجة الاستصحاب هو بقاء أصل الحدث وانّه ليس مرتفعا بوجود أحد الفردين . وإن كان يمكن الاشكال في المقام بتحقّق العلم بالجامع وذلك لأنّ العلم بتحقّقه إنّما يحصل إذا كان البول والمني ذوي أثر وإلاّ إن لم يكن واحد منهما كذلك فلا علم لنا بالجامع ومن المعلوم ان البول مطلقا لا أثر له بل اذا لم يكن البائل جنبا فانّه لو كان

ص: 262

جنبا لا يؤثّر البول شيئا فلابدّ من جريان الأصل في عدم كون المايع منيّا كي يحصل العلم بالأثر الجامع على أحد تقديريه ويكون الأصلان معا متعارضين وأنت تدري بأنّ الأصل لا يعارض ما هو مقومه . فان أصل عدم كونه جنبا بمنزلة المقوم للأثر البولي فانه لابدّ أن يكون بولاً ولم يكن جنبا فيوجد الموضوع جزء بالوجدان وجزء بالأصل . وإذا كان كذلك فكيف يعلم بتحقّق الجامع بعد كونه متوضّيا . إلاّ ان هذا الاشكال مندفع بأنّ الأصل عدم كونه جنبا . هذا .

وقد يشكل جريان الاستصحاب في الكلّي مطلقا بتقريب أن يقال ان الكلي تارة يقال بأنّه أمر انتزاعي لا وجود له خارجا فحينئذٍ لا مجال للنزاع في جريان الاستصحاب فيه وعدمه واخرى يقال بوجوده في الخارج على نحو الأب والأولاد أو الآباء والأولاد فاذا وجد انسان في الخارج وانسان آخر فهناك اثنان هذا الفرد من الانسان وذاك ولا يعقل وجود الكلي بكليّته في كليهما بأن يكون كلّ فرد فردا وكليّا كي يكون هو الجامع .

بل أشرنا إليه من كونه على نحو الآباء والأولاد أو الأب والأولاد وحينئذٍ فاذا فرضنا في ما نحن فيه حدوث الحدث الرافع الطهارة للمكلّف فعند اتيان الوضوء أو الغسل فقط يعلم بارتفاع هذا الفرد من الحدث إن كان هو الحاصل من أوّل الأمر كارتفاع الولد الواحد من أولاد الأب الواحد أو أب آخر ومن المسلم انّه عند ارتفاع هذا الفرد لا وجود للكلي الجامع بين هذين الفردين كما لم يكن من أوّل الأمر ما يكون موجودا ثالثا سوى هذين الفردين فعلى هذا لا معنى لاستصحاب الكلي رأسا وأجاب المحقّق النائيني عن الاشكال بما لا محصّل له

اشكال استصحاب الكلي

ص: 263

من القول(1) باصالة الكلي وعدم كونه منتزعاً إلخ .

تحقيق الكلام: إذا خرج منه مايع مردّد بين البول والمني وكان متطهّرا بالاغتسال من الجنابة أو الوضوء بعد قيامه من النوم وكان مستبرئا ولم يكن جهة الترديد متعدّية إلى غير البول والمني فحينئذٍ لا اشكال في نقض طهارته فاذا تطهر بالوضوء فلو كان الحدث الحاصل بخروج المايع هو البول فزال أثره بالوضوء قطعا فلا بقاء له بخلاف ما اذا كان جنابة فهو باقٍ قطعا ولابدّ له من الاغتسال كما لو اغتسل وكان الحدث في الواقع جنابة فارتفع ولو كان الأصغر فهو باقٍ قطعا . فاذا أراد الصلاة فلابدّ حسب مقتضى العلم الاجمالي من الجمع بين الغسل والوضوء حتّى يحرز انه متطهّر للصلاة فانّه مقتضى العلم الاجمالي في كليّة الشبهات الوجوبيّة كالانائين المشتبهين وكما اذا علم بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله عند ذكره وفي المقام يأتي بكلا طرفيه أو أطرافه بلا احتياج إلى الاستصحاب فمورد الاستصحاب في الفرض كما أفاد القوم هوما اذا أردنا اثبات حرمة مسّ الكتاب عليه .

وفي هذه الصورة أيضا تارة يكون الفرض جواز المسّ للمتطهّر أو غير المحدث واخرى يكون المحدث يحرم عليه مسّ الكتاب فاذا توضّأ أو اغتسل ولم يأت بالآخر فلا سبيل لنا إلى الزامه بالاجتناب عن المسّ إلاّ بالتمسّك بالاستصحاب الجاري لاثبات انّه محدث وإنّ الحدث لم يرتفع بالوضوء وإلاّ فالتمسّك بالعام لا يجوز في الشبهة المصداقيّة وليس عليه شيء مثلاً في فرض الاجتناب عن الانائين للمقدّمة العلميّة . وجريان الاستصحاب في المقام تارة

ص: 264


1- . فوائد الأصول 4/413 .

يكون في الفرد المردّد فهو لا مجرى له كما سبق وجهه وأخرى يكون في الجامع لفرض العلم بوجوده بخروج المايع فجامع الحدث خرج منه ويترتّب عليه الأثر في البقاء وحصول الوضوء أوجب الشكّ في بقاء هذا الجامع فيستصحب لترتّب أثره عليه . إلاّ انّه استشكل في جريانه تارة بعدم المقتضى للجريان واخرى بوجود المانع . أمّا الأوّل فحاصله انّ استصحاب الكلّي والجامع لو كان المراد به الأمر الانتزاعي فهو لا أساس له لعدم كونه موجودا في الخارج ولا حقيقة له إلاّ الانتزاع وهو تابع لمنشأ انتزاعه فلا معنى لجريان الاستصحاب فيه ( لعلّ الوجه رجوعه إلى الفرد المردّد غير الجاري فيه الاستصحاب ) ولو كان المراد به الأمر الحقيقي وان الكلي يوجد في الخارج وله وجود اصالى تحقّقي كالآباء والأولاد بأن يكون الكلي عبارة عن الفرد الموجود في الخارج مع انسلاخه عن اللوازم الفرديّة فهذا الفرد وجود الطبيعة وذاك أيضا وجود لها وهكذا فحينئذٍ للكلّي والطبيعة وجودات بعدد وجود الأفراد وإلى ذلك الاشارة بأنّ الحقّ ان وجود الطبيعي بمعنى وجود أفراده . فعلى هذا يتعدّد وجود الطبيعة بوجود الأفراد وليس عبارة عن المفهوم الصرف كما ان في باب تعلّق الأوامر بالطبائع والأفراد أيضا يتصوّر النزاع على نحوين . فتارة يقال بأنّ المراد بالطبائع هي من حيث هي التي ليست إلاّ هي فهي ليست إلاّ المفاهيم الصرفة ولا معنى لامتثالها بالخارجيّات بل بمجرّد الفرض والتصوّر يحصل الامتثال ولا واقع له وراء ذلك بل بهذا المعنى لا وجود لها ذهنا أيضا ولا يتفوه بهذا المعنى من له أدنى مسكة ولا يعقل جعلها موردا للنزاع والمراد بالفرد على هذا وجود الطبيعة كأن تكون بوجودها موردا للأمر والنهي . والنحو الثاني من تصوّر النزاع أن يكون المراد بالافراد لوازم

ص: 265

الأفراد وبالطبيعة وجودها مع قطع النظر عن الخصوصيّات اللازمة للوجودات فانّها خارجة عن حيّز الأمر والنهي لأن على سراية متعلّق الأمر إلى لوازم الأفراد وكذا سراية متعلّق النهي إلى الأفراد فيكون اجتماع الأمر والنهي حينئذٍ من صغريات باب النهي في العبادات . وليست هذه المقدّمة ممّا لا لها دخل بل تمام الدخل في نتيجة الباب إنّما هي لهذه المقدّمة فالتصرّف الغصبي على هذا في مثال الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب له السراية إلى متعلّق الأمر وإلاّ فعلى عدم السراية يتحقّق هنا صغرى باب التزاحم لتزاحم المتعلّقين في مقام الامتثال وتفصيل الكلام في محلّه .

فاذا كان معلّق الأمر والنهي هو الفرد بوجوده الخارجي الذي هو عين الطبيعة وتتعدّد الطبيعة بتعدّد وجود الفرد كالاباء والأولاد فحينئذٍ ليس الكلّي إلاّ

الفرد فاذا توضّأ فزال وانصرم الفرد والجامع الذي حصل بوجود البول لو كان هوالمايع والجنابة والمني مشكوك الخروج والحدوث من أوّل الأمر فلا معنى لاستصحابها كما لا وجه لاستصحاب الجامع لو كان بولاً لارتفاعه قطعا .

هذا إذا كان المراد بالجامع على هذا النحو ووجوده بهذه الكيفيّة .

أمّا لو كان بنحو خارج عن التحقيق بأن تكون الطبيعة في ضمن الفرد والفرد يشمل وجودين فأيضا هذا الاشكال جاري فيه لزوال الجامع الذي حواه هذا الفرد بزوال نفس الفرد لو كان هو البول أو المني اذا اغتسل والآخر مشكوك الحدوث من أوّل الأمر ولا وجود في المقام للجامع وراء وجود فرديه حتّى يكون هو المستصحب دونهما هذا محصّل الاشكال .

وأنت خبير بأنّ الاشكال محطّه إذا كان للكلي وجود تحقّقي اصالي في

تعدّد الطبيعة بتعدّد الأفراد

ص: 266

الخارج وأمّا إذا كان انتزاعيّا فلا كلام ولا اشكال في ورود الاشكال .

فما أجاب به المحقّق النائيني قدس سره (1) بأنّه إنّما يرد الاشكال على الانتزاعيّة

دون التأصّل ليس بجيد ولا يكون جوابا عن هذا الاشكال وليس جوابه بجواب .

ولا يخفى انّ هذا الاشكال لو تمّ ولم يُردف بالجواب المقنع فيشكل الأمر حتّى في استصحاب القسم الأوّل للجامع فضلاً عن القسم الثاني الذي هو محلّ الكلام فكيف بالقسم الثالث الذي يكون أضعف أقسام استصحاب الكلي بأنحائه من التبدلي والتحقّقي .

ولا محيص عن هذا الاشكال ولا يمكن الجواب عنه إلاّ بأن يقال انّ وروده إنّما يتمّ على التدقيقات العقليّة وأمّا بناء على الاعتبارات العرفيّة فللعرف اعتبار الكليّات كما في باب السلف حيث يشترون ويبيعون الكلّي وإن كان الكلام في أمثال هذه المقامات حقّقناه في محلّه بالتضمين والتعهّد لا باعتبار الكلّي شيئا كما ان ما ذهب إليه السيّد صاحب الحاشية لا يتمّ وكذا ما أفاده غيره ولو لم يتمّ هذا الجواب فينسد باب استصحاب الكلّي بالمرّة ( لا يخفى ان هذا الجواب مغالطة لأن الكلي والفرد إنّما هو اعتباراتي عقلي فكيف يكون الاشكال أو مورد الاستصحاب عقليّا دقيا والجواب عرفيّا فلا اعتبار على هذا للكلّي أصلاً إلاّ الفرد وقد عرفت ما فيه في مورد الحاجة إلى استصحابه .

هذا ملخّص الاشكال الأوّل ومع قطع النظر عن هذا الاشكال فلا مورد للاشكال الثاني بتوهّم المانع عن جريان الاستصحاب في الكلّي في فرض المقام لتقدّم الأصل الحاكم وهو استصحاب عدم وجود الجنابة في ما إذا توضّأ كما

لا مورد للاشكال الثاني

ص: 267


1- . فوائد الأصول 4/413 .

أجاب عن هذا التوهّم صاحب الكفاية(1) والشيخ (2) ونقّح ذلك المحقّق النائيني(3) بما لا مزيد عليه فانّ الأصل السببي ومجرّد سببيّة شيء للشكّ في شيء آخر وجريان الأصل في عدمه أي السبب لا يوجب منع جريان الأصل في المسبب بل لابدّ أن يكون الترتب والأثر المترتّب على الأصل السببي كلاهما شرعيّين فلو لم يكونا أو أحدهما كذلك فلا مجال لمنع جريان الأصل في المسبّب .

وحيث ان وجود الكلي وعدمه بوجود الفرد وعدمه ليس أمرا شرعيّا ولايترتّب عدمه أو وجوده على وجود الفرد وعدمه كذلك فلا مجال لاثبات عدم الكلي بالأصل الجاري في الفرد لعدم الترتّب الشرعي ولا الأثر الشرعيّ لوضوح عدم الكلي بعدم فرده ووجوده بوجوده عقلاً وليس أثرا شرعيّا لعدم وجود الفرد .

تذنيب: يببغي الاشارة إلى بعض ما يتعلّق بمثال المردّد بين الحدث الأصغر أي البول أو الأكبر المني فانّ السيّد صاحب العروة وغيره رحمهم اللّه أفتوا بلزوم الجمع بين الغسل والوضوء للعلم الاجمالي في ما إذا كان متطهّرا سابقا كما فرضنا المسئلة كي يكون هناك أثر للخروج ومن المسلم ان ذلك عند عدم وجود الامارات التعبديّة والعلم بكون المشكوك بولاً أو منيّا .

فاذا خرج المردّد يعلم بانتفاض طهارته قطعا وحيث ان الصلاة مثلاً مشروطة بالطهارة فعند الاقتصار بالوضوء فقط ما احرز الطهارة كما في الاقتصار على مجرّد الاغتسال فان أجزاء غسل الجنابة عن الوضوء إنّما هو في مورد

ص: 268


1- . كفاية الأصول 2/311 - 312 .
2- . فرائد الأصول 2/638 - 639 .
3- . فوائد الأصول 4/416 - 417 .

معلوميّة الجنابة لا ما اذا شكّ فيها . فالعلم الاجمالي بكونه بولاً أو منيّا يوجب له بمقتضاه الجمع بينهما بلا حاجة في الوضوء قبل الاغتسال إلى الاستصحاب .

الا انه قد يستشكل حصول العلم الاجمالي أو عدم انحلاله بعد الحصول كي يكون في مثل ما اذا كان مسبوقا بالطهارة فخرج المايع المردّد الذي هو محلّ الكلام ومحطّ الفرض يجب عليه الجمع بل حيث ان البول إنّما يكون مؤثّرا عند ما اذا لم يكن جنبا وإلاّ فالجنب اذا بال لم يوجب البول تكليفا بل الغسل يجب عليه كما كان فلابدّ من احراز عدم كونه جنبا بالعلم أو بالأصل حتّى يؤثّر خروج البول في وجوب الوضوء عليه بخلاف الجنابة فلا تكون(1) مشروطة بعدم البول فأصل عدم كونه جنبا في مفروض المسئلة مقوم للأصل الآخر كي يكون جريانه للأثر كما هو مقتضى كلّ علم اجمالي على ما بنينا عليه من لزوم تعارض الأصلين أو الأصول في أطرافه حتّى يبقى العلم أو ينعقد بلا انحلال . وإلاّ فلو فرض عدم جريان الأصل النافي في طرف لعيب فيه فلا معارض هناك للأصل الآخر فيبقى بلا مزاحم ويوجب خلوّ ذمّة المكلّف من تكليف ظاهرا للانحلال أو عدم الانعقاد كما في جريان الأصل المثبت في طرف . . فاذا توضّأ يمكنه اجراء الأصل في نفي الجنابة ولا معارض هنا أو إذا لم يجر أصل عدم كونه بولاً لعدم الأثر فلا معارض هناك لأصل عدم الجنابة فيجري ولا يجب عليه شيء .

فاللازم حينئذٍ جريان الأصل لنفي الجنابة حتّى يكون وجود البول مؤثّرا

لا تكون الجنابة مشروطة بعدم البول

ص: 269


1- . لأن قوله تعالى: « إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ » ( سورة المائدة: 7 . إلى قوله: « وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا » يستفاد منه ان القائم من النوم إذا كان غير جنب يلزم عليه الوضوء وإلاّ فيغتسل ويتطهّر وذلك بخلاف مثل عقد الدوام والانقطاع فمتبائنان ولا يحتاج إلى نفي أحدهما في اثبات الآخر .

والأصل الجاري لنفيه ذا أثر . وإلاّ فلا مجرى له وحينئذٍ فكيف يمكن أن يعارض أصل عدم البوليّة واستصحاب عدمه ما هو مقوّم له من أصل عدم الجنابة .

ولا يخفى انّ هذا الاشكال إنّما يختصّ بخصوص البول والجنابة أمّا الدم أو غيره من النجاسات فلا يوجب ذلك الاشكال وكذا البول وغير الجنابة من موجبات الغسل ولا وجه لما قد يقال انّه كان سابقا غير محدث بالأكبر للنقض به في جريان عين هذا الكلام بالنسبة إلى عدم كونه محدثا بالأصغر فلا وجه لدعوى كفاية سبق رتبة جريان الأصل أو تقدّم العلم بعدم كونه جنبا . كما انّه لا وجه أيضا لدعوى العلم بمؤثريّته على تقدير كونه بولاً للعلم بأنّه ليس منيّا وذلك لأنّ الجريان على هذا لا يكون لأثر فعلي بل الأثر تعليقي لو كان بولاً لكان مؤثّرا لعدم الجنابة . ويظهر من المحقّق النائيني في طي كلماته جريان(1) الأصل من الطرفين وحصول التعارض وانعقاد العلم الاجمالي ووجوب الاحتياط لاقتضاء العلم لكنّه كما ترى لا وجه له بعد ما بينّا .

تتميم وتوضيح: قد عرفت الاشكال في جريان الأصل السببي في المقام لمنع جريانه في المسببي وان الوضوء لمن لم يكن جنبا فأصل عدم البوليّة إنّما يؤثر إذا احرز ولو بالتعبّد عدم كونه جنبا لأنّه إذا كان جنبا بال أو لم يبل لا أثر له كما هو مقتضى الآية فيظهر ان الغسل للجنب والوضوء لمن لم يكن جنبا فالموضوع مركّب فذلك نظير الترتّب في آية التيمّم لقوله تعالى: « فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا »(2) المترتّب على عدم وجدان الماء أو عدم التمكّن من

ص: 270


1- . فوائد الأصول 4/419 - 420 .
2- . سورة المائدة: 7 .

استعماله شرعا والترتّب في ما نحن فيه نظير الترتّب في ما إذا انحصر الماء والتراب عنده اذا وجب عليه الطهارة بما يعلم اجمالاً اصابة أحدهما منجس .

وعنونها في العروة والوسيلة ويفصلون بين ما اذا انحصر أثر التراب بالتيمّم فالأصل يجري في عدم نجاسة الماء استصحابا أو قاعدةً وبين ما إذا كان له أثر آخر غير ذلك كالسجود عليه مثلاً فيجري الأصلان ويتعارضان . ونتيجة ذلك في الأوّل اقتصاره على الوضوء فقط وفي الثاني الجمع بين الوضوء والتيمّم وسرّ ذلك عدم الأثر للأصل في عدم نجاسة التراب عند انحصار أثره في التيمّم لأنّه يجب على من لم يجد الماء فما لم يحرز كونه كذلك لا وجه للأصل في التراب فالأصل يكون في طول أصل عدم نجاسة الماء فيجري هو بلا معارض ولا ينعقد العلم أو ينحلّ ويجب عليه الوضوء لا غير بخلاف الثاني وهو ما إذا كان للتراب أثر آخر فحينئذٍ يكون الأصلان في رتبة واحدة جاريين ويتعارضان فيجب عليه الجمع بينهما للعلم الاجمالي واحتمل السيّد صاحب الوسيلة رحمه الله أو لم يستبعد الاكتفاء بالوضوء واختلف كلام المحشّين للعروة .

وممّا ذكرنا يظهر النظر في ما أفادوا من الجمع مطلقا أو الوضوء مطلقا كما انّه لا وجه لتقدّم التيمّم على الوضوء وإن ذكر له وجوه .

نعم لابدّ أن لا تكون أعضاء تيمّمه حينه رطبة بهذا الماء .

ولو أخّر الوضوء أيضا لحصول العلم التفصيلي بالنجاسة بخلاف ما اذا قدم الوضوء وجفّف أعضائه فيتيمّم وما نحن فيه مثل الفرض من حيث الترتّب بين الأصلين ولازم ذلك عدم جريان الأصل في نفي البوليّة فحينئذٍ يجري الأصل في عدم كونه جنابة فلا يجب عليه الغسل تعبّدا وإن كان عالما سابقا بعدم الحدث

ص: 271

الأكثر والأصغر معا فيتوضّأ ويحرز الطهارة لأنّ الفرض انحلال العلم فليس بمني تعبّدا ويعلم أيضا انّه محدث فبالوضوء يدخل في الصلاة كما إذا كان محدثا بالأصغر وخرج المردّد كالمقام فينفي الجنابة بالأصل هذا .

ولكنّه يمكن فرض ما نحن فيه من المثال بالصورة التي كان الأصلان في نظير المسئلة جاريين فيجمع بين الوضوء والتيمّم وذلك لأنّ للمنيّ أثرين أثر مختصّ به وهو حرمة قرائة العزائم ودخول المسجدين واللبث في المساجد وأثر مشترك بينه وبين البول وهو حرمة مسّ الكتاب أو مع عدم جواز الدخول في الصلاة ولو على وجه إمّا بالنسبة إلى الآثار المختصّة للجنابة فلا مانع من اجراء الأصل للشكّ البدوي فلا يعارضه الأصل في طرف البول لعدم أثر مختصّ بالبول وإلاّ فيجري الأصلان ويتعارضان بل البول ينحصر أثره بالأثر المشترك بينه وبين المني هذا .

أمّا بالنسبة إلى الأثر المشترك فأصل الجنابة وأصل البول في رتبة واحدة ولا ترتب بينهما ولذلك كلاهما يجريان ويسقطان بالمعارضة . وقد ذكرنا ان الأثر المشترك هو عدم جواز مسّ الكتاب ولذا لابدّ أن يكون في مورد يتمكّن من مسّ الكتاب كي يجري الأصلان . وعلى هذا فيصحّ ما ذكروه من وجوب الجمع بين الغسل والوضوء لأنّه يتمّ على هذا الفرض وإن فرض انحصار الأثر الحدثي في البول بحرمة المسّ المشتركة بينه وبين المني .

وليعلم ان ذلك لابدّ أن يكون عند اجتماع شرايط العلم الاجمالي فلو فرض سبق الوضوء على العلم يكون الشكّ شكّا بدويّا في حصول الجنابة ( لا يخفى انّه لو توقّف الدخول في الصلاة على الطهارة لزم الغسل لاحرازها لو لم يحرز

ص: 272

بالوضوء والأصل لكنّه في صورة تقدّم العلم على الوضوء للزوم مثبتيّة أصل عدم الجنابة في ما مرّ في كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره .

لو كان أصل عدم الجنابة وحده جاريا لما تقرّر في محلّه ان أصل عدم أحد المتضادّين لا يثبت الآخر الاّ انّه لازم عقلي له فعند جريان الأصل لنفي المني لم يحرز عنوان ما يوجب الوضوء لأنّ المعلوم محصّله ما كان ناقضا لا بعنوانه فيلزمه عقلاً لاحراز الطهارة الجمع بين الوضوء والغسل وينحصر نتيجة اشكاله على المحقّق النائيني بالثمرة العلميّة دون العمليّة الاّ في ما إذا كان عدم الحدث موضوعا لشيء فيثبت بالأصل وبالوضوء لكن الطهارة لازمها ما ذكرنا لبقاء الشكّ وجدانا بعد الوضوء في انّه متطهر أم لا .

وكذا ينبغي أن يعلم ان جريان الاستصحاب في الكلي لابدّ له من اجتماع الشرايط على الجريان وإلاّ فلمنعه جهات ثلاث .

تارة من جهة عدم المقتضى كما علم بما ذكرنا واخرى من جهة عدم الأثر ومثال استصحاب الصلاة في ما إذا أتى باحدى الصلاتين من الظهر والجمعة في مورد العلم الاجمالي بوجوب احداهما من هذا القبيل لأن نفس الشكّ في الامتثال تمام الموضوع لوجوب الاتيان بالفرد الآخر من الصلاة كما انّه لا وجه لجريان الأصل بعد امتثال مقتضى العلم الاجمالي في أحد الأطراف فتوضّأ فيجري الأصل لنفي الجنابة لسقوطها بالمعارضة قبل ذلك فلا يرجع أحدهما بعد سقوطهما وعلى المتتبّع تفحّص الأبواب الفقهيّة لموارد الاستصحاب في الكلّي وموارد عدم جريانه فالعقد الواقع المشكوك دوامه وانقطاعه بعد انقضاء زمان يشكّ عنده من بقاء آثاره لاحتمال انقطاعه وانفساخ العقد كما يحتمل دوامه ولا ينحلّ إلاّ

ص: 273

بالطلاق من قبيل الشكّ في المقتضي .

كما في مثل البق والفيل . هذا كلّه بناء على جريان الاستصحاب في الكلي وأمّا بناءً على ما ذكرنا من الاشكال في عدم تحقّق المقتضي لذلك فلا أساس حتّى للقسم الأوّل ولا معنى لاستصحاب الكلّي وحاله كحال الفرد المردّد .

طور آخر من البيان: ينبغي أن يعلم ان عدم جريان الاستصحاب في الكلي بناء على جريانه لأحد أمور ثلاثة أمّا للاستغناء عنه بوجود العلم الاجمالي كما إذا صلّى أحدى الصلاتين من الظهر والجمعة اللتين يتردّد المكلّف به فيهما فلا يجري الاستصحاب للفرد لوجوب الصلاة الأخرى ( مضافا إلى عدم اثباته وجوبها ) لأن نفس الشكّ في الامتثال والخروج عن عهدة الاشتغال تمام الموضوع لوجوب اتيان الاخرى لتقدّم القاعدة على الاستصحاب بخلاف مقام استصحاب الطهارة وقاعدتها فهو مقدم عليها وإمّا لعدم المقتضى وإمّا لعدم الأثر .

أمّا مثال الأخير فيظهر بما ذكرناه في مثال الحدث الأكبر والأصغر وأمّا مثال عدم المقتضى فيمكن أن يمثل له بمثال البق والفيل كما انّ هناك عدّة موارد لابدّ من ردّها إلى الأصول . وينبغي للمستنبط المراجعة لأدلّتها وتمييزها والحاق كلّ بأحد هذه الموارد .

ومن هذه ما لو شكّ في العقد بين دوامه وانقطاعه ولو كان منقطعا انقطع بعد تمام شهر مثلاً فقبل تمام الشهر يجري الاستصحاب إذا تمّت أركانه . اما بعده فالاستصحاب يمكن أن يكون من قبيل ما إذا لم يكن للكلي مقتضى الابقاء والجري . وهناك بعض الموارد ممّا لا يكون داخلاً تحت أحد هذه الضوابط كما إذا وقع الفسخ فيما إذا لم يعلم ان له ذلك فلو كان له فأثّر وأوجب رد كل من المالين

عدم جريان الاستصحاب في الكلّي لأحد امور

ص: 274

إلى مالكه الاولى وإلاّ فهو باقٍ على ملك المشتري أو تردّد عقد بين القرض والهبة فالجامع في هذه الموارد الملكيّة .

فيمكن الاشكال في جريانه فيها بأحد هذه الوجوه أو يجري . لكنه لا مجال لذلك أصلاً لأن هذه المقامات من قبيل استصحاب الشخصي لعدم الفرق بين حصول الملكيّة في أسبابها فلا يوجب اختلاف الأسباب اختلافا في سنخ الملك فهو أمر واحد شخصي يستصحب عند الشكّ بعد وقوع فسخ أحدهما أو رجوعه إلى المال كما يمكن ارجاع مثال العقد المردّد أيضا إلى هذا فيكون شخصيّا جاريا فيه الاستصحاب عند الشكّ وإن كان هذا يحتاج إلى تأمّل زائد لا يحضرنا الآن أطراف المسئلة .

فانّ الزوجيّة أمر واحد ولو اختلف أسبابها وبالنسبة إلى الارث أيضا لو مات الزوج وفرض عدم اشتراط الارث ربما لا يجري الأصل . فظهر ان عدم جريان استصحاب الكلي في القسم الثاني في ما اذا يجري لأحد هذه الأمور فلا فرق بينه وبين القسم الأوّل من هذه الجهة لو ترتّب أثر على نفس الكلي في ضمن الفرد وبناء على ما ذكرنا فلا مجرى لهذا القسم من الاستصحاب كما يشكل الأمر في القسم الأوّل أيضا .

وهنا تنبيه: تنبّه له المحقّق النائيني(1) وأجاد في تقريره وتحريره . وهو ان القسم الثاني مورده ما اذا كان التردّد في نفس المردّد بين ما هو مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع .

أمّا إذا تردّد محلّه فلا يكون من هذا الباب أي استصحاب الكلي من القسم

اشكال استصحاب الكلي

ص: 275


1- . فوائد الأصول 4/421 - 422 .

الثاني بل حاله حال الفرد المردّد فمادام الفردان موجودين يمكن الاستصحاب لنفس المردّد في ما احتجنا إليه وبعد ذهاب أحدهما لا مجال للاستصحاب .

ولهذا أمثلة كثيرة منها الشبهة العبائيّة المعروفة وهي إذا حصل العلم بوقوع النجاسة على العباء إمّا في ذيله أو في أعلاه فيعلم تفصيلاً بنجاسة العباء ويتردّد محلّه بين الأسفل والأعلى وطهر الأسفل ولاقى الأعلى ملاقٍ فبناء على جريان أصل الملاقى لتعارض أصلي الملاقى وطرف علمه يشكّ في تنجّس الملاقى لاحتمال أن يكون المصاب بالنجاسة الأعلى ولاقاه الملاقى كما يحتمل أن يكون المتنجّس أسفل العباء فلم يؤثّر ملاقاة الأعلى نجاسة في ملاقيه . فاذا فرضنا المقام كذلك ولم يجب الاجتناب عن ملاقى الأعلى الذي هو مشكوك النجاسة فكيف يجامع هذا مع وجوب الاجتناب عمّا إذا جمعنا طرفي العباء مع فرض تطهير أسفله وابقاء أعلاه على حاله الشكّي لجريان استصحاب النجاسة في العباء بناء على جريان الاستصحاب في مثل المقام بعد تطهير الأسفل للزوم وجوب الاجتناب عن ملاقى النجاسة ومتيقّن الطهارة وعدم وجوب الاجتناب عن ملاقى مشكوك النجاسة .

ومن الأمثلة ما لو وقف مالاً له إمّا على التعزية أو على طائفة مخصوصة كالزوّار الذين لا معاش للرجوع لهم بحيث لا يجتمع الفرضان في مورد جامع واتّفق تعذر أحد طرفي العلم بأن لم يوجد زائر أصلاً .

أو في الدرهم(1) الودعي الذي ضاع عن أحد اثنين عنده إمّا عن صاحب الدرهمين أو من صاحب الدرهم الواحد ففي هذه الموارد لا مجال بعد ذهاب أحد

ص: 276


1- . وسائل الشيعة 18 الباب 12/1 من أبواب كتاب الصلح .

طرفي الترديد للاستصحاب الكلي لأنّه من الفرد المردّد . بل في مثال الدرهم يعلم تفصيلاً بكون درهم مال صاحب الدرهمين والدرهم الاخر يتردّد أمره بين جريان قاعدة القرعة فيه لأنّها لكلّ أمر مجهول أو يجري عليه ما يجري على مجهول المالك أو يقسم بالتنصيف مع مخالفة ذلك للعلم اجمالاً لأنّه امّا تمامه من صاحب الدرهم الواحد أو من صاحب الدرهمين لكنه للتعبّد والاحسن الاخير لذهاب الجهل ولو بالتعبّد الشرعي فلا مجال لجريان قاعدة القرعة . وهذه القاعدة أي قاعدة التنصيف التي يسمّونها بقاعدة العدل والانصاف قد استندت عليها جملة من الأحكام في أبواب متفرّقة في موارد فلا يقسم المال الموجود أي الدرهمان اثلاثا بينهما كما في مورد الوقف والجامع الذي يمكن تصوّره بناء على امكان جريان الاستصحاب هومطلق جهة الخير فيتعين الصرف بناء على الجريان والخلو عن الاشكال في الفرد الباقي .

ولا يخفى ان هذه الامثلة كلّها من قبيل الفرد المردّد فلا مجال لجريان الاستصحاب فيها بعد عدم أحد الفردين .

هذا تمام الكلام في القسم الثاني من استصحاب الكلّي الذي يجري عندهم استصحاب الفرد قبل زواله والكلي بعد زوال أحد الفردين وفي القسم الأوّل يجري في الفرد وفي الكلّي اذا فرض له أثر دون الفرد(1) . وأمّا عندنا فلا مجال

ص: 277


1- . أجرى الاستصحاب المحقّق البجنوردي قدس سره في الفرد وفي الكلي إذا كان الشك في بقائه للشك في بقاء الفرد كما يجري عنده إذا كان الشكّ لدورانه بين ما هو باق قطعاً ومرتفع كذلك كالحدث المردّد بين الأكبر والأصغر بعد أن توضّأ مثلاً إن كان للكلي أثر شرعي . منتهى الأصول 2/443 كما يجري الاستصحاب في الكلّي عند المحقّق العراقي . نهاية الأفكار 4/122 وهكذا السيّد العلاّمة الخوئي . مصباح الأصول 48/123 وعمّمه لما اذا كان الفرد مردّداً بين متيقن الارتفاع ومحتمل البقاء .

لاستصحاب الكلي في القسم الثاني .

بقي الكلام في استصحاب القسم الثالث من الكلّي وله ثلاث صور:

الأولى أن يكون الفرد متيقن الوجود وعلم بارتفاعه وزواله لكنّه يشكّ في مقارنة فرد آخر له ومصاحبته معه حتّى يكون بقاء الكلي بعد زوال الفرد الأوّل مستندا إليه كما إذا علم بوجود زيد في الدار فحصل الانسان فيها وبعد حين علم بخروجه ويشكّ في وجود عمرو ودخوله الدار مع زيد .

الثانية: أن يكون الفرد متيقّن الوجود الا انّه يشكّ في تبدّله حين ارتفاعه بفرد آخر كما إذا علم بارتفاع العمود الذي قامت به الخيمة الا انّه شكّ في قيام عمود آخر تقوم به هيئة الخيمة فيكون له فيء وظل يتظلّل به بلا تخلّل زمان بل متّصلاً بارتفاع العمود الاول .

وفي هذين القسمين ارتفع ما تعلّق به اليقين قطعا ويشكّ ابتداءً في حدوث فرد آخر إمّا مع الفرد المحقّق الارتفاع كما في الصورة الاولى أو مع ارتفاعه كما في الثانية وفي الاولى مقارني وفي الثانية تبدلي .

الصورة الثالثة: أن يكون ما تعلّق به اليقين مرتفعا قطعا لكنّه شكّ في بقاء مرتبة ضعيفة منه كانت من الأوّل موجودة معه وهذا تارة في الخارجيّات وأخرى في الاعتباريّات .

أمّا الخارجيّات فكما في السواد الشديد فاذا ارتفع هذه المرتبة من الشدّة للسواد قطعا يحصل له الشكّ في بقاء السواد بمرتبة ضعيفة التي تكون حقيقة السواد فيها أيضا موجودة اذ السواد بما هو سواد ضعيف والضعيف من السواد بما هو ضعيف سواد فلا فصل للسواد الضعيف بل مرجعه إلى عدم الشدّة وما به

صور استصحاب الكلي في القسم الثالث

ص: 278

الامتياز كان فيه عين ما به الاشتراك فيجري فيه الاستصحاب عند الشكّ لكنّه في الحقيقة ليس من استصحاب الكلي اذ هذه المرتبة كانت موجودة في ضمن المتيقّن وشكّ في بقائها .

وأمّا مثال الاعتباريّات فمثل له بالوجوب والاستحباب في باب النسخ فاذانسخ الوجوب يشكّ في بقاء الاستحباب الذي كان مع الوجوب كما يقع الكلام في بقاء الجواز الذي في ضمن الوجوب بعد نسخه بمعنى الطلب فان الوجوب مرتبة شديدة من الطلب بخلاف الاستحباب فانّه مرتبة ضعيفة ولكن لا أساس لهذا المثال اذ بنائه على جواز الاستصحاب مع الشكّ في النسخ .

وقد مرّ في محلّه انّه لا معنى لهذا اذ نفس الاطلاق ولو من غير ناحية الصيغة تغنيا عن الاستصحاب لعدم نسخ المشكوك من الاستحباب أو المرتبة الضعيفة هذا مع الاغماض عن فساد الصغرى أيضا اذ الوجوب والاستحباب ليسا من المعاني المركبة من الجنس والفصل كي يشكّ في بقاء الجنس بعد تيقّن ذهاب الفصل بل لا شدّة ولا ضعف فيهما لانتزاعهما عن إنشاء النسبة وهي عالم تحقّقها واستعمالها واحد لكونها معنى حرفيا ولو عبّرنا عنها بالطلب ينقلب المعنى الحرفي بالاسمي بل لا معنى ولا مفهوم لها فبالاستعمال توجد وتتحقّق في عالم الاعتبار وينتزع عن ذلك الوجوب لو كان بداعي الجد وإلاّ فالاستحباب إن كان بداعي الحثّ والترغيب فأين الشدّة والضعف كي يستصحب الثاني عند ارتفاع الأوّل . هذا مضافا إلى ما ذكره المحقّق الخراساني(1) على هذا المثال باختلاف حقيقة الاستحباب والوجوب عرفا فاذا قيل هذا العمل واجب يكون في قبال قوله

ص: 279


1- . كفاية الأصول 2/314 .

مستحب ولا يرون محمول الوجوب أمرين ولا يكون كذلك .

نعم مثال السواد جيد ويجري فيه الاستصحاب عندهم وبينّا الوجه فيه .

والأحسن التمثيل في الاعتباريّات بما إذا ارتفع الوجوب عن الوضوء الضرري حيث ان المرتفع ليس إلاّ الالزام . وأمّا جواز العمل ورجحانه فليس مرتفعا ولو شككنا يجري الاستصحاب اذا لم نتمسّك بالاطلاق وذلك لورود مثل لا ضرر للامتنان على الامة فما يوجب الحرج والضررهو الالزام لا الاستحباب .

هذه الصورة الأخيرة بين الصورتين الاوليين وأمّا الصورتان الاوليان فيشكل استصحابهما عندهم من حيث عدم الفرق بينهما وبين القسم الثاني من ارتفاع فرد متيقن والشكّ في حدوث فرد آخر كما في المقام غاية الأمر الفرد هنا معلوم التحقّق والارتفاع والفرد الآخر مشكوك الحدوث فالشكّ في حدوث فرد رأسا بخلاف القسم الثاني فانّ الشكّ يتعلّق بالكلي ( بلحاظ عدم تيقّن ان الفرد الباقي هو الحادث ) .

تقريب الاشكال انه بحصول زيد في الدار نعلم بوجود الانسان فيها كما نعلم بخروج زيد حين ما خرج غاية الأمر لا نعلم خروج الانسان وعدم بقائه فيها كما لا نقطع بالبقاء من جهة احتمال وجود عمرو مع زيد من أوّل الأمر أو حين خروجه . فاليقين تعلّق بكون الانسان في الدار وهو مشكوك . وأجاب المحقّق النائيني رحمه الله وفرّق بينهما بما جعله أبعد ممّا بين المشرق والمغرب وأفاد في وجه الفرق(1) بتعلّق اليقين بحصّة خاصّة من الكلي بوجود زيد في الدار وأمّا عمرو فحصّة أخرى فحال الكلي مع هذين الفردين حال الآباء والأولاد لا الأب الواحد

اشكال استصحاب صورتين

ص: 280


1- . فوائد الأصول 4/424 - 425 .

والأولاد فحينئذٍ فالفرد المتيقّن الحصول في الدار خرج عنها وتعلّق الشكّ بوجود آخر وأين هذا من استصحاب الكلّي .

وقد تقدّم في ما مضى ورود هذا النقض عليه في الكلّي للقسم الثاني أيضا فلا يتم الفرق ولا يكون فارقا .

توضيح وتبيين: ذكرنا عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلّي كالقسم الثاني وذكرنا مرجع هذه الصورة وان الصورة الاولى من القسم الثالث لا وجه لجريان الاستصحاب فيها بناء على كون نسبة الكلّي إلى أفراده نسبة الآباء إلى الأولاد فكلّما يفرض ويوجد ولد فله اب يختصّ به فيظهر وجه عدم الجريان في هذه الصورة وفاقا للمحقّق النائيني ) لأنّ الصورة الأولى ما لو شكّ بعد العلم بزوال الفرد الحادث في وجود فرد آخر من الكلّي مصاحبا للفرد الزائل قبال الصورة الثانية فالشكّ فيها عند ارتفاع الفرد الحادث ولا وجه لجريان الاستصحاب فيهما لأن في كليهما ما تعلّق اليقين به ارتفع قطعا وما يشكّ في بقائه لم يعلم حدوثه . والفرض ان الكلي يتعدّد بوجود أفراده لأنّه عبارة عنها أو يتحقّق في ضمنها مع قطع النظر عن خصوصيّات الأفراد لاستحالة وجوده في الخارج بكليته .

فالاولى كما اذا علم بدخول زيد الدار وانه خرج بعد حين فشكّ في بقاء الانسان فيها لاحتمال مصاحبة زيد حين الدخول مع عمرو . والثاني ما إذا تيقّن بارتفاع هيئة الخيمة التي كانت قائمة بعمود لارتفاع العمود فزالت الهيئة لكن يشكّ في وجود هيئة أخرى لخيمة أخرى(1) مقارنا لزوال هذه الهيئة من الخيمة .

ص: 281


1- . الظاهر انه اشتباه والمراد قيام نفس الخيمة بهيئة اخرى .

أمّا مثال قيام عمود آخر مقام العمود المرتفع فلا يكون مثال ما نحن فيه فالاولى التمثيل له بما ذكرنا ليتعدّد الفرد وعلى كلّ فقد تحقّق عدم الجريان في هاتين الصورتين لأن حالهما كحال الفرد المردّد بل هي هي بعينها .

وقد تقدّم ما في الفرق بينهما وبين القسم الثاني لعدم تماميّة ما وجّه به النائيني قدس سره .

أمّا الصورة الثالثة وهي ما لو شكّ بعد ارتفاع الفرد المعلوم الحدوث في بقاء الكلّي في ضمن مرتبة نازلة عن الميتقّن كمثال السواد الذي تقدّم سواء وجد السواد دفعة واحدة لشدّته أم على التدريج لأنّه لا يكون حصول الشدّة له من خلع لبس ولبس آخر بل لبس فوق لبس وليس الضعف فصلاً للسواد فاذا شككنا في بقاء مرتبة ضعيفة منه عند القطع بارتفاع المرتبة الشديدة أو تبدلها بالبياض فيمكن هنا جريان الاستصحاب وليس مثل الصورتين السابقتين كي لا يعلم مشكوك البقاء(1) .

الفرق بين أقسام القسم الثالث

ص: 282


1- . كما لم يجر الاستصحاب في الصورتين الأوليين من الكلي القسم الثالث السيّد المحقّق البجنوردي واجرى في فرض المتن . منتهى الأصول 2/448 - 450 وكذا المحقّق العراقي كما في تقرير بحثه نهاية الأفكار 4/134 . والسيّد العلاّمة الخوئي قدّس اللّه أسرارهم مصباح الأصول 48/136 - 138 ثمّ انّ السيّد الخوئي فرض قسماً رابعاً لاستصحاب الكلي وهو ما إذا علمنا بوجود فرد معين وعلمنا بارتفاعه لكن علمنا بوجود فرد معنون بعنوان يحتمل انطباقه على الفرد الذي علمنا ارتفاعه ويحتمل انطباقه على فرد آخر فلو كان العنوان المذكور منطبقاً على الفرد المرتفع فقد ارتفع الكلي وإن كان منطبقاً على غيره فالكلي باق وأتى بمثال له كما اذا علمنا بوجود زيد في الدار وعلمنا بوجود متكلّم فيها ثمّ علمنا بخروج زيد عنها واحتملنا بقاء الانسان فيها لاحتمال أن يكون عنوان المتكلّم منطبقاً على فرد آخر وأتى بمثال آخر واستظهر جريان الاستصحاب فيه . مصباح الأصول 48/124 - 141 .

ولهذا أمثلة كثيرة فربما يكون في النجاسة الخبثيّة في باب الطهارة وفي باب الوضوء والغسل لرفع الحاجب أثر كما إذا علم بارتفاع مرتبة شديدة من المانع بالدلك لكن يشكّ بعد الصلاة مثلاً في ارتفاعها بالكليّة فحينئذٍ لابدّ له من

احراز الطهارة بالنسبة إلى الصلوات التي يصلّيها بعده اما التي مضت يمكن تصحيحها بقاعدة الفراغ بل لا نحتاج في ذلك إلى الاستصحاب لأن نفس الشكّ كافٍ في عدم احراز غسل البشرة لوجوبه في الوضوء والغسل .

ومثل المحقّق النائيني(1) بكثير الشكّ فانّه إذا كان هذا العنوان موضوعا في الأدلّة لعدم الاعتناء بالشكّ الذي يعتني به غيره من بطلان الصلاة اذا مضى عليه في الثنائيّة والثلاثيّة وفي الأوليين من الرباعيّة بعد التروي واستقرار الشكّ بلا احتياج إلى التسليم احتياطا أو الصبر إلى تحقّق الماحي لشبهة حرمة القطع بل يعمل من أوّل الأمر على ما هو صرفته في غير هذه الموارد وفيها يبني على الاتيان وعدم بطلان الصلاة وهذا من يكثر عليه السهو أو يسهو في كلّ ثلاث وهو غير الوسواسي لعدم احتياج الوسواسي إلى ثلاث بل في اوليها أيضا وظيفته البناء على الاتيان .

وعلى كلّ فلو لم يكن العنوان محدّدا للكثرة بل كان لها مراتب فيمكن حصول الشكّ في شمول الحكم وعدم الاعتناء بشكّه لمن لم يشكّ في ثلاث صلوات ويشكّ في الرابعة بمقتضى طبعه كما اشترط في كثيره أيضا والا فعند اختلال الحواس ربما يمكن حصول شكوك كثيرة في صلاة واحدة للشكّ في صدق كثير الشكّ عليه لوضوح دخل هذا العنوان في الحكم حدوثا وبقاءً فليس

ص: 283


1- . فوائد الأصول 4/429 .

مبتنيا على مسئلة أعميّة المشتق وحقيقته في ما انقضى عنه المبدء .

نعم لو كان السهو في كلّ ثلاث على احتماليه بأن يسهو في ثلاث ولو مرّة أو في كلّ ثلاث متواليات تحديدا للموضوع والعنوان فمن لم يسه كذلك فليس بكثير الشكّ ولا وجه للاستصحاب . ويمكن التمثيل له أيضا بما اذا زالت الملكيّة التي هي المرتبة الشديدة بالنسبة إلى الحق وكلاهما في قبال الحكم الذي ليس قابلاً للعفو والاسقاط بما إذا كسر الحب لصاحبه فشكّ في بقاء الاختصاص الذي في قبال الحكم في حقّيته وإن لم يبذل بازائه المال حينئذٍ لكن ينفع صاحبه في بعض حوائجه بناء على كون الحقّ والملك عبارة عن معنى واحد وإنّما الاختلاف بالشدّة والضعف .

تنبيه: لما ذكر الشيخ قدس سره (1) لمناسبة الاستصحاب في الكلّي هنا كلاماً لابأس بالتعرّض له وهو لو شكّ في اللحم والجلد الملقيين مثلاً على الأرض حيث لا امارة عليهما للتذكية وعدمها من استعمال المسلم لهما ومعاملته لهما معاملة الطاهر أو يد المسلم وسوقه . بل مثلاً لو كان له يد فمسبوقة بيد الكافر .

فالمشهور كما قيل اجراء استصحاب عدم التذكية وحرمة اللحم والنجاسة

وكذا في الجلد والمخالف في المسئلة الفاضل التوني وجماعة حيث استشكل اجراء استصحاب عدم التذكية تارة من جهة عدم المقتضى وفقد المتيقّن وأخرى من جهة عدم الأثر واثبات اللازم العقلي فان للميتة عنده فردين أحدهما ما مات حتف أنفه والثاني ما وقع عليه الأفعال فاقدة للشرايط كما لو ذبح الكافر الحربي بخلاف المخالف أو الكتابي لو قلنا أو قالت العامّة بحلية ذبيحته أو لم تقع على

اللحم والجلد الملقيان

ص: 284


1- . فرائد الأصول 2/641 إلى 643 .

القبلة تعمّدا أو لم يسم اللّه تبارك وتعالى كذلك وحيث نشكّ في وقوع الأفعال عليه حين زهاق الروح أو بعده فلو وقعت حينه واستند الموت إلى ذلك فحلال طاهر وإن كان يمكن تقريب الاختلاف وعدم الملازمة كما لعلّه سيأتي إنشاء اللّه وإلاّ فنجس وحرام فباستصحاب عدم وقوع الأفعال عليه إلى حين الموت كي خرجت روحه بغير الأفعال ولازمه العقلي وقوعها في الفرض بعد الزهوق لا يمكن اثبات الحرمة والنجاسة وذلك لأنّه من قبيل استصحاب الكلي لاثبات خصوص الفرد . وقد عرفت ان لا جريان له وان قلنا بجريان الاستصحابات الكلية حتى في القسم الأخير في صورتيه الأوليين ولا يمكن الرد على الفاضل به لاشكال الاثبات فضلاً عن الاشكال في أصل جريان استصحاب الكلي فان الجاري في غير القسم الأوّل ليس الا خصوص الصورة الثالثة من القسم الثالث ومرجعها في الحقيقة إلى استصحاب الشخص كما عرفته .

وعلى كلّ حال فيتّضح الكلام في هذه المسئلة وإن لم يكن تمام ما يقرّر مقولاً للفاضل وأصحابه بأن يقال ان الميتة التي أخذت في الآية الشريفة موردا للحكم بالحرمة إمّا أن تكون هي خصوص ما مات حتف الأنف فلا وجه لاثبات ذلك باصالة عدم التذكية لعدم حالة سابقة لهذا الاستصحاب فان هذا الحيوان مادام حيا ليس بميت حتى يكون موته بحتف الأنف أو بغيره ولا أصل حكميا أيضا في المقام كي يجري في حال الموت ويترتّب عليه الأثر لأن عدم التذكية الذي كان للحيوان في حال الحياة من باب السالبة بانتفاء الموضوع . فالتذكية وعدمها إنّما هما من حالات الحيوان الذي يزهق روحه لم يكن له أثر الحرمة والنجاسة لجواز أكل السمك مثلاً في الماء وإن كان حيّا وإلاّ فاللازم الحكم بنجاسة من باشر

ص: 285

الحيوان الذي له الحياة بالرطوبة هذا .

وأمّا إذا كان معنى الميتة أعم ممّا مات حتف أنفه وما لم يذكّ على الشرايط المعتبرة فحينئذٍ للميتة فردان فلابدّ في الحكم بنجاسة الجلد أو اللحم المطروح من اثبات انه من هذا الفرد أو ذاك الفرد وحيث انّه يحتمل وقوع الأفعال عليه واستند زهوق الروح بها كما انّه يحتمل وقوعها بعد زهوق الروح مثلاً ويشكّ ويحتمل موته حتف الأنف ولا يكون لنا سبيل إلى اثبات الموت حتف الأنف فينحصر باصالة عدم التذكية التي عبارة عن عدم ورود الأفعال التي كانت في زمن حياة الحيوان متيقنة ونجر ذلك إلى حين الموت كي يكون الموت في حال عدم وقوع الأفعال ويكون فردا من الميتة بهذا المعنى الأخير . وهذا الوجه من الاستصحاب لا مجال لجريانه وإن كان لهذا الأصل أعني الاستصحاب بهذا المعنى حاله سابقة واتصفت الأفعال بالعدم حال حياة الحيوان لأنّه كان حيّا ولم يقع الأفعال عليه وكان غير مذكّى فيمكن استصحاب هذا المعنى والعدم إلى حال الموت . لكنّه لا أثر له إذ لم يترتّب أثر على نفس كون الحيوان غير مذكّى بل لابدّ من احراز وقوع الموت حال عدم ورود الأفعال واثبات هذا العنوان بالاستصحاب وإن كان جزئه أي الموت بالوجدان يكون من اثبات اللوازم العقليّة والعادية بالأصل والتعبّد منصرف عنهما وإن كان لم ينحصر في المقام الأصل الجاري باستصحاب العدم النعتي بل استصحاب العدم الأزلي أيضاً لو كان له أثر يجري في المقام ويؤكّد الاستصحاب النعتي لعدم لزوم انقلاب المحمولي نعتيا بوجود الحيوان في الخارج . بل كان له استصحابان فان اللازم اثبات وقوع الأفعال حين زهوق الروح واستناده إليها أو اثبات عدمه ووقوع الموت في غير الحين الذي وقعت

ص: 286

الأفعال وهذا المعنى لم يكن مسبوقا بالعدم لعدم الموت . فالتذكية وعدمها من حالات الحيوان حين زهوق الروح ويتّصف الازهاق بكلّ منهما لعدم الأثر على وقوعها وعدم وقوعها في غير هذا الحال وعدم يقين بالتذكية أو عدمها لهذا الحال .

هذا ملخّص مرام الفاضل وما يمكن أن يوجّه به كلامه ومرامه .

وأجاب المحقّق النائيني(1) عن ذلك بعدم خصوصيّة لعنوان الميتة بل العنوان المأخوذ موضوعا للحكم عبارة عن عدم المذكّى وغير المذكّى . غاية الأمر له فردان وهما ما مات حتف الأنف وما وقعت عليه الأفعال على غير الوجه المعتبر وهذا العنوان يمكن اثباته بالأصل لتماميّة أركانه وعدم كونه على نحو النعتية لعدم انطباق ضابط النعتي عليه . فانّه فيما إذا كان العرض عارضا على المحل الذي هو الجوهر بخلاف ما إذا كان هناك جوهران أو عرض وعرض فانّ القيام لا يوصف به الضرب كما لا يوصف بزيد عمرو وفي ما نحن فيه أيضا كذلك لم يؤخذ الأفعال وصفا للموت لكون كليهما وصفين غير قابلين لاتّصاف أحدهما بالآخر وكذا لا يكون هنا عنوان انتزاعي يكونان محقّقين له كعنوان القبليّة في ما إذا أسلم الوارث قبل القسمة أو قبل أن يرفع الامام رأسه في حكم المأموم وكذا نحو عنوان الاجتماع وغيرها من العناوين الانتزاعيّة بل مجرّد التقارن الزماني وينحصر الرابط بين الموت وعدم وقوع الأفعال بالزمان فعلى هذا لا مانع من جريان استصحاب عدم ورود الأفعال عليه ويتحقّق الموضوع المركّب من الحيوان وعدم وقوع الأفعال عليه ويترتّب على ذلك أثر الحرمة والنجاسة كما لا

اشكال استصحاب عدم التذكية

ص: 287


1- . فوائد الأصول 4/431 - 434 .

يخفى فتدبّر جيّدا .

طور آخر: من البيان لما كان بناء المشهور على ما قيل اثبات نجاسة اللحم والجلد المطروحين الذين ليس عليهما آثار التذكية ولم تقم امارة شرعيّة على ذلك وحرمتهما باستصحاب عدم التذكية استشكل عليهم الفاضل التوني قدس سره ومن تبعه بأن هذا الاستصحاب نظير استصحاب الضاحك الكلي المعلوم وجوده في الدار بحصول زيد فيها بعد ان علمنا بخروج زيد منها وترتيب أثر وجود عمرو عليه .

مع ان هذا الاستصحاب لا مجرى له أصلاً ولا يثبت به ما لازمه عقلاً وقد مرّ منّا الكلام في ذلك كما في القسم الثاني من الاستصحاب والقسمين الاوّلين من القسم الثالث للشكّ عند القطع بزوال الفرد المعلوم تحقّقه في الدار بقيام فرد آخر مقامه من أوّل وجوده وتحقّقه أو حين زواله كما انّه بناء على القسم الثاني من الاستصحاب يكون نظير اثبات وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة بعد أن صلّى الجمعة ويشكّ في سقوط التكليف عنه ممّا تقدّم ان هذا استصحاب الفرد المردّد ولا مجرى له بعد زوال أحد الفردين وهذا المثال أي اثبات وجود عمرو اللازم من بقاء الضاحك في الدار للقطع بخروج زيد منها مورد قبولهم وارتضاه الشيخ وغيره والفاضل رحمه الله يدعى ان في ما نحن فيه أيضا استصحاب عدم التذكية من هذا القبيل لما يأتي من رجوع دعواه إلى شيئين . كون الميتة عبارة عن ما مات حتف أنفه وتعلّق الحكم عليها بالخصوص لا بعنوان عدم المذكّى وذلك لأن عدم المذكّى لازم أعم لملزومين الحيوة والموت . فالحيوان الذي لم يمت غير مذكى ولا أثر على هذا الفرد من غير المذكى وعلى هذا الملزوم للازم عدم المذكّى بل لو كان

ص: 288

فهي الطهارة والحلية بخلاف الفرد الآخر . وهو الموت حتف الأنف .

فالحيوان الذي مات حتف أنفه لم يذكّ فهو نجس وحرام وإذا كان الأثر أي النجاسة والحرمة مترتبا على هذا الملزوم أي الذي مات حتف أنفه فاستصحاب عدم المذكى في حال الحيوة لاثبات عدم كونه مذكى من قبيل ما ذكرنا من المثال لزوال هذا الفرد من غير المذكى قطعا ولا يثبت هذا الاستصحاب ما هو ملزومه من كون الموت حتف الأنف لأ نّه عنوان وجودي ولا يثبت بهذا الأصل .

ويجيب عن هذا الكلام المحقّق النائيني بما سمعت وسنفصله ونشرحه بعد إن شاء اللّه .

أمّا دعوى الفاضل فقد أشرنا إلى رجوعها إلى جهتين: الأولى كون الميتة ما مات حتف أنفه لا الأعم منه ومن غير المذكى شرعا حتّى يشمل مثل النطيحة والموقوذة والمتردّية وغيرها من أقسام المحرم التي لم تمت حتف الأنف وذلك لمقابلة الموت بالقتل وهذه العناوين في الآيات .

قال اللّه تعالى: « أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ »(1) وقوله تعالى:

« وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لاَءِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ »(2) مضافا إلى ما ذكره بعض المفسّرين ان أهل الجاهليّة يأبون من أكل الميتة التي ماتت حتف أنفه بمرض أو وجع ويعدون هذه الأشياء التي تضمّنتها الآية الثالثة بعد البسملة من سورة المائدة من النطيحة والمتردّية والموقوذة والمنخنقة حلالاً فيأكلون ويرون التردى والانخناق والنطح وغيرها ذكاة لهم وقتلاً قال اللّه تعالى: « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ

ص: 289


1- . سورة آل عمران الآية 145 .
2- . سورة آل عمران: 159 .

وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ »(1) فردعهم اللّه تبارك وتعالى وحصر المباح والحلال بخصوص ما ذكى .

ومن المعلوم من الآية الشريفة وغيرها حرمة كلّ المذكورات في الآية ومقابلتها بالميتة تدلّ على انحصار الميتة بما ذكرنا وعدم كونها غير المذكى بل هذا العنوان انتزاعي من المذكورات ومن المذكى أي الذي لم يستوف الشرايط كما يرشد إلى ما ذكرنا الاستثناء الواقع عقيب المذكورات بقوله ( إلاّ ما ذكّيتم ) فلو كان

الميتة تعمها كان الاستثناء بلا فائدة ويرجع المعنى إلى أن يقول حرمت عليكم غير المذكى إلاّ ما ذكّى .

وعلى كلّ حال فالاستثناء في الآية الشريفة إمّا متّصل لو كانت المذكورات تقبل التذكية فالنطيحة على هذا على قسمين وكذا المتردّية وإن كان الحياة المستقرّة ليست شرطاً في تذكيتها بل يكفي الحياة التي يدرك بها ذكاتها كما روى عن الصادقين عليهماالسلام(2) ان أدنى ما يدرك به الذكاة ان تدركه يتحرّك اذنه أو ذنبه أو تطرف عينه .

نعم لا معنى لرجوع الذكاة إلى الميتة وهذا لو قلنا برجوع الاستثناء إلى الجميع وإلاّ فلو رجع إلى الأخير فيختصّ التحليل به ويكون ما اصطاده السبع مثلاً حلالاً لأنّه ذبح شرعي على الشرايط المعتبرة .

ولا يخفى ان الاستثناء ليس عن الموضوع بل يرد على الحكم ولو لم تقبل

ص: 290


1- . سورة المائدة: 4 .
2- . وسائل الشيعة 24 الباب 11/3 - 7 من أبواب الذبائح .

المذكورات كلاًّ التذكية كما لا يقبل خصوص الدم والميتة ولحم الخنزير فيكون الاستثناء منقطعا نظير قوله تعالى: « لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ »(1) هذا بيان كون الميتة عبارة عن ما مات حتف الأنف كما هو المعروف عند أهل التخاطب الذين القى إليهم القرآن اما تعليق الحكم عليها لا على غير المذكى فمعلوم من الآيات والروايات .

لا نقول ينحصر كلّ حكم في كلّ مورد على خصوص الميتة . بل لو كان لغير المذكّى حكم بين بلسان آخر وبيان كذلك كما دلّت الآية على تحريم المذكورات والروايات(2) على ما علمت انّه ميتة ورواية ابن بكير(3) الموثقة اشتملت على قوله علیه السلام فان كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره إلى جائز إذا علمت انه ذكّى قد ذكاه الذبح الخ .

وعلى هذا فما جعله القوم محلاًّ للكلام عن غير المذكى فانّما هو آتٍ من قبلهم ولا أثر له في الأدلّة الشرعيّة .

تتميم وتكميل: قد عرفت انّه علّق التحريم في الآية الشريفة من سورة المائدة على العناوين المذكورة من الميتة وما أهلّ(4) لغير اللّه إلى قوله تعالى إلاّ ما ذكّيتم . وهذه الآية استثناء وبيان لما ذكر في آية سابقة أوّل السورة حيث قال تعالى بعد قوله يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما

رجوع الاستثناء إلى الحكم

ص: 291


1- . سورة النساء: 30 .
2- . الوسائل 17 الباب 1/1 - 4 - 6 - 7 - 9 من أبواب عقد البيع .
3- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .
4- . سورة المائدة: 4 .

يتلى عليكم(1) فكان المذكورات في هذه الآية بيان لذلك وهي عبارة عن الميتة التي المراد بها بقرينة المقابلة وغيرها ما مات حتف الأنف من الحيوان بوجع ومرض والمراد بالبهيمة إمّا مطلق ذي أربع من دواب البرّ والبحر أو كلّ شيء لا يميّز كما عن الزجاج والاضافة إلى الأنعام للتأكيد .

والمراد بالبهيمة هي الأنعام ومعناه على هذا الابل والبقر والغنم كما عن الحسن وقتادة والسدي وغيرهم أو أجنّة الأنعام التي توجد في بطون اُمّهاتها اذا اشعرت وقد ذكّيت الامّهات وهي ميتة فذكاتها ذكاة اُمّهاتها كما روى(2) عن الصادقين عليهماالسلام وابني عبّاس وعمر أو وحشي الأنعام كالظباء وبقر الوحش وحمر الوحش . وإن قال في المجمع بعد هذه والاولى حمل الآية على الجميع . وذلك لأنّه على نقل بعض المفسّرين كانت العرب لا يأكلون الميتة ويخصّونها بذلك دون باقي المذكورات في الآية وقد اردفها بها وشملها حكم التحريم والاقتصار على لحم الخنزير لتعارف أكله عندهم كما هو الآن وما أهلّ لغير اللّه به أي رفع الصوت بغير اسم اللّه فانّه يشترط في الحليّة ذكر اسم اللّه الخاص أو يكتفي ولو بذكر بعض الصفات الخاصّة وهل يكفي قول يا اللّه فيه كلام . والمنخنقة والموقوذة وهي التي تضرب حتى تموت . والمتردّية وهي التي تقع من جبل أو مكان عال أو تقع في بئر فتموت . والنطيحة التي ينطحها غيرها فتموت . وما أكل السبع ( منه أو قتله السبع ) إلاّ ما ذكّيتم . وهذا الاستثناء إمّا راجع إلى الجميع ممّا هو قابل للتذكية كالنطيحة والموقوذة اذا بقى لها رمق يمكن تذكيتها وكذلك ما صاده السبع . أو راجع إلى

ص: 292


1- . سورة المائدة الآية 2 .
2- . الوسائل 24 الباب 18 من أبواب الذبائح .

خصوص الأخير والبواقي لا تطلق عليها عناوينها الخاصّة حتى يمتن إلاّ خصوص ما صاده الكلب المعلّم على الشرايط المذكورة من انزجاره عند الزجر وارساله عنده وأن لا يأكل إلاّ نادرا فلا يضرّ حيث قال تعالى: « قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ »(1) الخ وعلى هذا فالحكم على هذه العناوين الخاصّة كما انّ التحليل علّق على المذكّى . وعلى تقدير انقسام النطيحة وما شابهها إلى ما يمكن ذكاته وإلى غيره فالمستثنى منها خصوص الفرد المذكّى ولابدّ أن تكون التذكية على الشرايط المعتبرة . وإلاّ فيدخل في المحرّمات وان لم يشملها أحد هذه المذكورات لعدم كونه أي ما لم يستوف شرايط التذكية أحدا منها مع انه حرام قطعا كما لا وجه لتوهّم أن يقال بحليّة الكلب وغيره ممّا لم يذكر في هذه الآية استنادا إلى قصر ما ذكر في المحرم . حيث قدم اللّه تعالى الا ما

يتلى عليكم والمراد يتلى في الكتاب ولم يقل فيه غير هذه وذلك لأن بيان الأئمّة علیهم السلام أيضا عبارة اخرى عن الكتاب وهم تراجمة وحي اللّه .

فالمتحصّل من الآية اختصاص الحرمة في كلّ واحد من المذكورات بعنوانه الخاص لا بالعنوان الجامع وهو عدم المذكّى كما لا يمكن استظهار ذلك من الاستثناء بالاّ بدعوى تعنون العام بغير المذكّى بسبب الاستثناء بالاّ . وذلك لأنّه

إنّما يتمّ اذا كان الا بمعنى غير كي يعنون هذه المذكورات بكونها غير مذكاة كي تحرم واذا لم يعلم لا وجه لتحريمها .

وكيف كان فقد أشرنا سابقا إلى ان جريان استصحاب عدم التذكية وورود

اختصاص الحرمة بالعنوان الخاصّ

ص: 293


1- . سورة المائدة: 5 .

الأفعال الخاصّة لاثبات عنوان الموت وصدق الميتة على المشكوك لا وجه له بعد كون الميتة أمرا وجوديا وكون عدم التذكية لازما أعم بالنسبة إلى الموت حتف الأنف وجريان الاستصحاب لاثبات ذلك نظير جريان استصحاب الضاحك لاثبات كون عمرو في الدار بعد العلم بخروج زيد الذي علمنا بكون الضاحك في الدار بسببه عنها .

والمقام من استصحاب الفرد المردّد بعد زوال أحد الفردين بل يمكن أن يقال انّه لا يقين بالمستصحب كي يجري الاستصحاب بناء على عدم اطلاق غير المذكّى على الحيوان الذي لم يمت . بل عند زهوق الروح إمّا بورود الأفعال قبيله أو بحتف أنفه . وحيث انّه لا حالة سابقة لأحد الفردين فلا يجري الاستصحاب .

وعلى كلّ حال فاللازم تعلّق الحكم على عنوان غير المذكّى في الأدلّة كي يفيدنا جريان الاستصحاب وإلاّ فمجرّد عدم التذكية في الحيوان لا يثبت أحد هذه العناوين فلا يدخل المشكوك في أحدها ليشمله حكمها . كما ان ما ورد في بعض الروايات من ان(1) ما لم يذبح بالحديد فلا تأكل منه أو بما يؤدّي هذا المعنى لم يعلم دخل عدم المذبوحيّة في ذلك دخلاً موضوعيّا بل للاشارة والتنبيه الى ان حلية الأكل متوقف على كون الحيوان مذكّى والا ففي حال الحياة لا معنى لذلك بل لابدّ من احرازه عند الموت . ولا أصل موضوعي في المقام كما عرفت ( لا من ناحية عدم ورود الأفعال عليه ولا من ناحية عدم ثبوت الموت حتف الأنف لعدم اثبات كلّ منهما العنوان الاخر ) وحينئذٍ فيمكن استصحاب الحكم الذي كان على الحيوان حال الحياة من الطهارة وحلية الأكل لو قلنا بها وإلاّ فحرمة أكله حال

ص: 294


1- . وسائل الشيعة 24 الباب 1 - 2 من أبواب الذبائح .

الحيوة فنستصحب هذين الحكمين لعدم ثبوت جريان الأصل الموضوعي ولا امارة في الفرض على كون المشكوك مذكّى أو ميتة فيكون حراما أكله فانّه حتّى استعمال شسع من جلده طاهرا وهنا نعلم اجمالاً بمخالفة أحد الأصلين للواقع للملازمة الواقعيّة بين حرمة الأكل والنجاسة وحيث لا يكون حراما بل حلالاً فهو طاهر ولا اشكال في ذلك في الأصول الظاهريّة العمليّة .

نعم لو قلنا بعدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي لعدم شمول دليل الاعتبار مثل هذه الموارد فيسقط الأصلان عن الاعتبار ويكون المرجع الأصل الحكمي في المسئلة بعنوانها الفعلي ومقتضاه حلية الأكل وطهارته فيكون حلالاً وطاهرا .

تكميل: تصدّى سيّدنا الأستاذ قدس سره لتصحيح فتوى المشهور في نجاسة الجلد

المطروح باستصحاب عدم التذكية والجواب عن ما ذكره الفاضل التوني فاستدلّ بالآية الشريفة على كون الحلال منحصرا بالمذكّى .

توضيح الاستدلال ان المذكورات في الآية ليس لها خصوصيّة إلاّ ابتلاء الناس في الجاهليّة بها وأكلهم لها غير الميتة ( وإن كان يظهر من قوله تعالى: « وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ »(1) انهم كانوا يأكلون الميتة أيضا كما ذكر ذلك بعض المفسّرين ) فعلى هذا فالمستفاد من الآية ان الحرام على قسمين الميتة من الحيوانات والمقتول الذي لم يزهق روحه بالتذكية .

غاية الأمر ذكر النطيحة والموقوذة والمتردية لبيان المصداق فالمقتول على

تصحيح فتوى المشهور

ص: 295


1- . سورة الأنعام: 140 .

قسمين قسم بالسبب الشرعي لحلية الأكل وهو ما ذبح وذكّى على الشرايط منها القابليّة . والمقتول بغير السبب الشرعي ويمكن كون النطيحة والمتردّية وما مثلهما منقسمات إلى القسمين فيكون الاستثناء متّصلاً . غاية الأمر المستثنى منه على هذا التقدير وعلى تقدير أن لا يكون الاستثناء منها أيضا بل منقطعا كما سيجيء . العنوان الجامع وهو المقتول والميتة والمراد بالتذكية أيضا هي الأفعال الخاصّة التي ترد على الحيوان لكن بناء على أن لا يكون هي معنى بسيطا عبارة عن ما ذكر وقابليّة المحل وإلاّ فيشكل الأمر في الاستصحاب ( لعدم الحالة السابقة ) .

ولزيادة التوضيح: وتبيين المرام: نقول ان الاستثناء في الآية منقطع يستفاد منه شيئان انحصار سبب الحلية بالتذكية وحرمة الحيوان الذي لم يذكّ ولم يذبح ( أو نقول متّصل والمستثنى منه المقتول استثنى منه المذكى ) وهذه الاستفادة من نفس الاستثناء ودلالة الاّ ( لا يخفى انه وقع في كلام الاستاذ قدس سره الاستشهاد بجريان اصالة عدم التذكية التي هي عبارة عن عدم وقوع الأفعال على المحل القابل فيما اذا شككنا في قبول حيوان للتذكية أم لا مع ان موته مع الشكّ في قبوله التذكية واليقين بعدم وقوع الأفعال عليه بخلاف ما إذا كان السبب عدم قبول التذكية ) فاذا فرض هناك حيوان مقتول لم ندر انه قتل بالتذكية أو بغيرها من الامور المذكورة في الآية الشريفة من النطح والتردّي وغيرهما فيجري استصحاب عدم التذكية التي عبارة عن هذه الأفعال لكن في حال الحيوة قبيل أن يخرج منه الروح لأن المفيد إنّما هو هذا النحو غاية الأمر . يختلف منشأ اليقين والشكّ في الاستصحاب فاليقين بعدم ورود الأفعال لكونه حيّا فلم يكن قتل كي يكون بالتذكية أو غيرها . والشكّ إنّما هو من ناحية زهوق الروح وانه هل بهذه

ص: 296

الكيفيّة أو بتلك مع وجود آثار القتل مثلاً عليه .

ولا يخفى ان التذكية على هذا المعنى هي الأفعال الخاصّة والسبب أي الذي يجري على الحيوان فيزهق روحه لا المسبب .

والأمر الحاصل من ذلك وهو نتيجتها وهذا الاستصحاب إنّما جرى لترتب الأثر عليه وهو اثبات جزء الموضوع المركب من عدم ورود الأفعال والقتل وهو حاصل بالوجدان وذاك بالأصل فيترتّب على ذلك الحرمة لكن النجاسة لابدّ أن تثبت بدليل آخر وإن كان حرمة هذه المذكورات ونجاستها من المسلمات ( واستفيد من كلامه قدس سره انّه كان المحلّل منحصرا بنفس التذكية بلا حصول الموت وزهوق الروح فالاستصحاب يجري أيضا لترتّب الأثر على عدمه كما اذا فرضنا انه ذبح الحيوان وكان على نحو يمكن أكله قبل خروج روحه أو وردت عليه الأفعال وقبل خروج الروح وقع في الماء الكثير وانخنق ) وما يلزم في الاستصحاب أن يكون له أثر ولو كان ذلك الأثر دخيلاً في موضوع الحكم . فورود هذه الأفعال دخيل قبيل الموت في تذكية الحيوان وحليته والفرض انحصار المحلّل بها فيجري استصحاب عدمها في ذلك الحين لتوقّف الجريان على هذا وانحصار الأثر أيضا هذا الحال وما ذكرنا في الآية الشريفة نظير قوله تعالى: « لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ »(1) حيث يستفاد منها حكمان انحصار السبب المحلّل للأكل بالتجارة عن تراض وحرمة التصرّف في الأموال بغير هذا النحو . فاذا فرضنا موردا شككنا في حصول الرضا نستصحب عدمه ويترتّب عليه الحرمة لعدم حصول النقل والانتقال .

جريان استصحاب عدم التذكية

ص: 297


1- . سورة النساء: 30 .

والحاصل ان استصحاب عدم التذكية يجري بهذا البيان بلا حاجة إلى شيء آخر ولا استمداد من قاعدة كلّ أمر علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذلك الأمر الوجودي . ولكن النجاسة تثبت من دليل آخر هذا . وعلى تقدير عدم جريان هذا الاستصحاب لوجه من الوجوه تجري قاعدة الحل لعدم استبانة غير هذا أو عدم قيام البيّنة على الخلاف حيث ان في الخبر ( والأشياء(1) كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة ) كما إذا حصل الشكّ في الطهارة ولم يكن هناك أصل موضوعي يجري الأصل الحكمي وهو الطهارة . الا ان ما ذكرنا يكفي في ردّ الفاضل التوني قدس سره وحاصله عدم انحصار موضوع الحكم بهذه المذكورات بل اما لا خصوصيّة لها والمراد بها مصداق الكلي المقتول أو تعميم ما في قوله ( ما ذكيتم ) إلى كلّ قابل للتذكية ويستفاد منه حكم سلبي وايجابي ويكفينا هذا البيان في ترتّب النجاسة المستصحبة على الحيوان وإن كان عدم التذكية في حال حياته لعدم الموضوع فتدبّر في أطراف ما ذكره الأستاذ قدس سره

جيدا فان في كلامه الأخير تأمّلاً واشكالاً ) .

تتميم: لا يخلو عن تذكرة لما سبق . قد تقدّم تقريب جريان استصحاب عدم وقوع الأفعال التي هي عبارة عن التذكية .

وملخّصه انّه لما كان لهذه الأفعال دخل في حلية الحيوان بمقتضى ما استفدنا من انحصار السبب المحلّل بالتذكية حسب ما تقدّم من قوله تعالى: إلاّ ما ذكّيتم(2) فلا محالة عند الشكّ في وقوع الأفعال يجري استصحاب عدمها بلا

ص: 298


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . سورة المائدة: 4 .

احتياج إلى أمر زائد نظير استصحاب عدم وقوع التجارة عن تراض في ما اذا شككنا في حصولها ولو من ناحية حصول الرضا فكان الآيتين في المقامين في تقدير ( لا تسببوا بسبب في أكل المال وفي حلية الحيوان إلاّ بالتجارة عن تراض والا بالتذكية وهذا المعنى غير راجع إلى استصحاب عدم وقوع الأفعال لترتب الأثر على عدمها كي يكون عنوان عدم المذكّى موضوعا كما تقدّم تحريره سابقا في كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره .

نعم لو قلنا بدخل العنوان الانتزاعي وأنّه لابدّ أن يثبت بالاستصحاب عدم وقوع الأفعال في حال زهوق الروح أو يثبت عنوان الميتة وهي أمر وجودي فلا مجرى له لعدم كونه مثبتا لغير اللوازم الشرعيّة ( وذلك أيضا على تقدير عدم كون الموت والأفعال عرضين لمحل واحد . سبق فيه الكلام .

التنبيه الرابع: في جريان الاستصحاب في الزمان والزماني حسب ما يقسم الاستصحاب باعتبار المستصحب الى الحكمي والموضوعي . والموضوع إمّا زمان أو زماني والزمان على قسمين: تارة له دخل في متعلّق الحكم واخرى هو موضوعه وإن لم يوجد مورد لخصوص دخل الزمان في كونه موضوعا غير دخيل في المتعلّق فمثال الدخل والموضوعيّة كقوله تعالى: « فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ »(1) ممّا هو موضوع لم يؤخذ الزمان شرط الوجوب بخلاف مثل ( إذا زالت(2) الشمس وجب الصلاة والطهور . فعند الشكّ في دخول الوقت أو

استصحاب الزمان والزماني

ص: 299


1- . سورة البقرة: 186 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 4/1 من أبواب الوضوء واللفظ اذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة . الوسائل 4 الباب 4 من أبواب المواقيت الأحاديث 1 - 5 - 8 - 9 واللفظ اذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ونحو ذلك .

دخول شهر رمضان بناء على كونه موضوعا يجري استصحاب العدم ويترتّب عليه الأثر . هذا في ناحية العدم والشكّ في تحقّق موضوع الوجوب . وأمّا في جانب دخل الزمان في المتعلق فمثال وجوب صوم ثلاثة أيّام في الحجّ عند تعذّر الهدى . فان الاتّفاق على انه إن صام الثلاثة في الحجّ يصوم السبعة إذا رجع ووقت الثلاثة إلى آخر ذي الحجّة فاذا شكّ في خروج ذي الحجّة وبقائه فهل يجري الاستصحاب بعد ان رجع إلى أهله ولم يصم الثلاثة في الحجّ أم لا . بل كان الصوم موقتا لكونه في الحجّ وبعد ذلك لا مجال للاستصحاب . هذا في الدخل في المتعلّق وأمّا كونه موضوعا فبقاء شهر ذي الحجّة . لا اشكال بالنسبة إلى ذلك في جريان الاستصحاب إنّما الاشكال في ناحية الوجود فان الأثر إنّما يترتّب على الاستصحاب وإنّما يجري إذا لم يكن مثبتا للوازم العقليّة والعادية . وعلى تقدير كون الواجب هو الصوم في شهر رمضان(1) والصلاة في الوقت فكيف يمكن اثبات وقوع الصلاة في الوقت بجريان استصحاب الوقت فان لازمه العقلي عند البقاء كون الصلاة الواقعة الصلاة في الوقت وما يكون قابلاً للاعتناء في هذا البحث هو حل هذا الاشكال الذي صار عويصة تعرض لها المحقّق النائيني رحمه الله ووعد الجواب فيما يأتي من مباحثه ولم يجب عنه أصلاً ولكن في باب الصلاة حيث ان الأمر بالقضاء كاشف عن بقاء الأمر الأوّل وكون ذلك على تعدّد المطلوب فنحن قاطعون ببقاء الوجوب وإن لم يكن حاصلاً لنا عند عدم قيام دليل على القضاء ومن المعلوم عدم دخل عنوان الادائيّة والقضائيّة في وجوب الصلاة . نعم لو ثبت اعتبار ذلك فيمكن توجه هذا الاشكال على الوجه الذي قرّروا ما في غير باب الصلاة

ص: 300


1- . وإن كان يمكن الخدشة في كون الصوم مثالاً له .

فيشكل وجود مورد ينطبق عليه هذا البحث الكلي ويكون ذا ثمر يترتّب عليه .

وكيف كان فقد استشكل في أصل جريان الاستصحاب في الزمان فيما يترتّب عليه الأثر بما حاصله ان الزمان عبارة عن الآنات المتبادلة التي لا يكون وجود اللاحق إلاّ بانصرام السابق وهذا التبدّل الوجودي ووجود آن وانصرامه وتبدّله بآن آخر يوجب تعدّد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة المانع من انطباق كبرى الاستصحاب عليه ضرورة اشتراط اتّحادهما في جريانه . ولكن يجاب بأنّ الاستصحاب لو كان بنائه على التدقيقات العقليّة في اتّحاد القضيّتين كان لما ذكر وجه حيث انّه عند حصول اليقين بالآن الأوّل لا وجود للآن الثاني وعند تصرّم الأوّل يتحقّق الثاني فكيف يمكن الشكّ وعلى فرضه جريان الاستصحاب مع القطع بعدم البقاء ولازم هذا ان الليل والنهار مصاديق للزمان لا انّهما يعتبران قطعة

منه لهما اجزاء بل ذلك نظير استصحاب يد زيد لاثبات ان له رجلاً أمّا بناءً على كون المناط في ذلك هو العرف فلا وجه للاشكال لاعتباره الليل والنهار قطعة من الزمان يتيقّن بوجودها بأوّل جزء منه ويشكّ في بقائه فانّ الليل بين النهارين والنهار بين الليلين وتتّحد القضيّتان بما هو مناطه عرفا .

فقد تبيّن ممّا ذكرنا جريان الاستصحاب في الزمان وانّه لا مانع عند الشكّ في بقاء الليل والنهار جريان استصحاب بقائهما لاعتبار كلّ منهما في نظر العرف أمرا واحدا له اجزاء متّصلة لا تخلل للعدم بينها ويتحقّق كلّ منهما بأوّل جزء من أجزائه ويبقى إلى انتهاء وانصرام الجزء الأخير وانّهما ليسا من قبيل مصاديق الكلّي والليل والنهار طبيعتهما وإن كان في الحقيقة وجود كلّ آن بعد تصرّم الأوّل كما انّك عرفت ترتّب الأثر على مثل هذا الاستصحاب في مثل الشكّ في بقاء ما

جريان الاستصحاب في الزمان

ص: 301

يكون مشروطا بوجوده كصوم شهر رمضان فيجري الاستصحاب لبقاء الشهر ويجب أن يصوم . لكن الاشكال إنّما وقع في اتّصاف الزمان الجاري فيه الاستصحاب بأنّه من الليل والنهار واتّصاف الصلاة والصوم الواقعين فيهما بالاستصحاب بالوقوع فيهما . فان ذلك ليس شأن الاستصحاب للزوم كونه مثبتا للوازم العقليّة والعادية . بل ان جريان استصحاب الحكم لا أثر له في مثل الصلاة للعلم ببقاء الاشتغال حيث تعلّق التكليف بالذمّة أوّل الوقت ولم يأت ما يوجب سقوطه .

وعلى فرض الجريان لا فائدة فيه من حيث عدم اثباته لازمه العقلي وهو كون الصلاة في الوقت كما انه علم عدم اثبات ذلك باستصحاب نفس الوقت ولو لا ذلك لكان استصحاب الليل والنهار أولى بالجريان من استصحاب التكلّم الذي سيجيء بيان جريانه فيه لعدم التخلّل بين آنات الزمان بخلاف التكلّم .

وعلى فرض الجريان لا نحتاج إلى استصحاب عدم طلوع الشمس وعدم طلوع الفجر فيستصحب هذا العدم ويأكل في شهر رمضان مثلاً كما انّه يمكن استصحاب عدم حصول الغروب كما في ترتّب الوجوب على الصوم عند استصحاب بقاء رمضان أو عدم الوجوب عند بقاء شعبان .

وكيف كان فلابدّ من التفصّي عن الاشكال ولو فررنا منه في مسئلة الصلاة بعدم الأثر ووجود المفرّ بدعوى عدم كون القضاء والأداء عنوانين مقوّمين للصلاة بل الأمر الأدائي بنفسه باقٍ ولو بعد الوقت فلا حاجة لنا إلى استصحابه كما لا أثر له على فرض الجريان وجوب الصلاة على المكلّف على كلّ حال سواء في الوقت أو خارجه ولا يكون هناك أمران أحدهما للأداء والآخر للقضاء .

ص: 302

فيمكن تقريب الاشكال بوجه آخر يترتّب على ذلك الأثر وهو ما أشار إليه بعض الأصحاب بجريان الاشكال في خصوص وقت الاختصاص لصلاة العصر فانّ التحقيق عدم وقوع صلاة الظهر ولو غفلة ونسيانا في وقت العصر الاختصاصي كما يظهر من خبر داود بن فرقد(1) عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلي أربع ركعات فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلي أربع ركعات فاذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس » .

وعلى هذا فلا يقع غير العصر من المشتركة في وقت اختصاصه ولا يمكن العدول لعدم الدليل فانّه في ما إذا شرع في اللاحقة فيعدل إلى السابقة لا العكس ولا يثبت الاستصحاب الجاري لبقاء الوقت ان الباقي من الوقت يسع أربع ركعات أو خمساً أو أكثر أو أقل وفرض اليقين التقديري إلى بقاء الوقت أربع أو أكثر أو أقل على تقدير كون الوقت باقيا لا يوجب رفع الاشكال خصوصا إذا كان قصد العنوان لخصوص العصر والظهر لازما .

ويمكن الخدشة في ما يقال من قصد الأمر الواقعي الذي توجّه عليه الآن لتوجّه الأمرين كليهما إليه .

نعم يمكن العدول من العصر إلى الظهر إذا صلّيها في وقت الظهر

الاختصاصي بخيال انّه صلّى الظهر فتبيّن الخلاف لكن هذا أيضا غير خال عن الاشكال حيث ان العدول في ما إذا كان ما يعدل منه واقعا صحيحا وأمّا إذا لم

ص: 303


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/7 من أبواب المواقيت .

يكن يعتد به فلا وجه للعدول منه إلى سابقه لفساده من أوّل الأمر بخلافه في الوقت المشترك هذا .

لكن يمكن الجواب عن كلا الاشكالين:

أمّا عن الأخير الذي قرّبناه فبجريان الاستصحاب في بقاء مقدار ثمان ركعات من الوقت يسع كلتا الصلاتين ولو كان يقينه بذلك في ضمن العلم بسعة الوقت عشر ركعات فانّه لا اشكال في جريان الاستصحاب في ذلك إلاّ من ناحية الاشكال الأوّل وهو عدم اثبات الاستصحاب أن ما يأتي قد وقع في الوقت واتّصف بذلك .

وعن الأوّل فبانكار ذلك من رأس بل اللازم أن يصلّي وأمّا احراز وقوع صلاته في الوقت واتّصاف العمل به فلا دليل عليه كما يجري الاستصحاب في نظير المقام بل أولى بالاشكال منه في استصحاب الطهارة فان ذلك لا يوجب اتّصاف الصلاة بكونها عن طهارة ضرورة كونه من اللازم العقلي مع انّهم بقولون بجريان الاستصحاب فيها .

والحل ان ذلك لو كان من قبيل العرض والمحل جرى ما قيل فيه بخلاف ما إذا لم يجب إلاّ ايقاع الصلاة متطهّرا كما يرشد إلى ذلك نحو قوله علیه السلام لا صلاة إلاّ بطهور(1) فباستصحاب الطهارة يكون متطهّرا يوقع الصلاة عن طهارة نفسه فكذلك فيما نحن فيه بعد استصحاب بقاء الوقت ويترتّب عليه الأثر ويصلّي ويكون ذلك موجبا لفراغ الذمّة بلا اشكال .

اشكال استصحاب الوقت

ص: 304


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب الوضوء .

وقد استشكل المحقّق النائيني(1) على الشيخ بجريان الاستصحاب عنده

في الحكم في الموقتات مثل الصلاة التي تقدّم الكلام عليها وكأنّه غفل أو لم يتأمّل اشكال الشيخ نفسه على هذا الاستصحاب في ذيل كلامه فراجع .

نتيجة البحث: قد علم ممّا ذكرنا جريان الاستصحاب في الزمان لاعتبار الليل والنهار أمرا عرفيّا واحدا ذا أجزاء متّصلة متبادلة تدريجيّة يجري بلحاظ هذه الوحدة الاستصحاب فيهما ولا يثبت اللوازم من كون هذا الزمان من الليل والنهار ولا نحتاج إلى استصحاب الملازمات من عدم طلوع الفجر أو عدم حصول الغروب وأمثال ذلك .

ولا بأس بالاشارة إلى فرع لم نر له عنوانا في كلمات القوم له ربط باستصحاب الزمان وهو ما إذا علم المكلّف باستلزام صلاتيه الظهر والعصر لثمان دقائق مثلاً من الزمان ولا يدري أبقي إلى آخر الوقت هذا المقدار أم لا وتارة عكس هذه الصورة بأن يعلم بقاء مثلاً ثمان دقائق لكنّه لا يدري أيسع هذا المقدار من الزمان لكلتا الصلاتين الظهر والعصر أم لا .

ففي الصورة الاولى لا اشكال في جريان استصحاب بقاء الوقت ويترتّب

عليه وجوب كلتا الصلاتين فيصلّي الظهر أوّلاً والعصر ثانيا ولكن الاشكال في الفرض الثاني فانّه يعلم بوجود الوقت وذاك المقدار فأيّ أثر يترتّب على استصحاب الوقت وكيف يجري بعد ان الفرض علمه ببقاء المستصحب إلى هذه الغاية الخاصّة فلو كان لا يسع هذا المقدار إلاّ خصوص أربع ركعات فقد انقضى

ص: 305


1- . فوائد الأصول 4/438 .

وقت الظهر بمقتضى ما تقدّم نقله من رواية داود بن فرقد(1) ولو بقي أزيد من الأربع مثلاً بل الخمس وأزيد بمعنى سعة الوقت بهذا المقدار المعلوم بقائه منه لكلتيهما أو لخمس ركعات فلم يخرج وقتهما بل بقي ولا اشكال في لزوم الاقتصار على الواجبات حينئذٍ وعلى فرض عدم الاشكال في الاستصحاب من جهته فيمكن الاشكال من ناحية كون الشكّ في المقتضي . وعلى فرض كشف الخلاف يبتني بطلان الصلاة وعدم وقوعها ظهرا كما لم تقع عصرا على ما إذا لم يكن اختصاص الأربع ركعات من آخر الوقت بالعصر لخصوص من كانت ذمّته مشغولة بالشريكة كما في أوّل الوقت .

وأمّا لو أتى بالشريكة بأن قدم العصر على وجه صحيح أو الظهر في قبل وقتها بحيث وقع جزء منها في الوقت فلا اختصاص لذلك بالمختصّ بها ظهرا كانت أو عصرا كما لا اختصاص بها بالنسبة إلى غير الشريكة مطلقا بل الوقت المختصّ لاحدى الصلاتين لا صلاحيّة له لوقوع الاخرى فيه وإن أتى بها والأوّل استظهار صاحب المصباح(2) والثاني من المحقّق النائيني. وعلى كلّ حال فيمكن تصحيح الصلاة على الأوّل ظهرا وإن لم يبق إلى آخر الوقت إلاّ خصوص ما يسعه بأن لم يزد هذه الثمان دقائق على وقت الظهر .

والحاصل انّه يمكن اجراء الاستصحاب وان كان بقاء الوقت ومقدار دقائقه متيقّنا في الوقت الاشتراكي لأن قبل زمان الشكّ كان متيقّنا بسعة الوقت الاشتراكي وبقائه لكلتا الصلاتين ويشكّ في بقائه أو في حصول غايته فيمكن

امكان كون الشك في المقتضى

ص: 306


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/7 من أبواب المواقيت .
2- . مصباح الفقيه 9/100 وما بعده و449 .

جريان الاستصحاب في خصوص ذلك لا في بقاء أصل الوقت لعدم اثباته بقاء وقت الظهر والعصر لو سلم هذا الاستصحاب عن شبهة عدم الجريان من حيث الشكّ في حصول الغاية للوقت الاشتراكي وهو وإن كان ينقسم إلى ما يؤل إلى الشكّ في المقتضي كالشكّ في بقاء وقت وجوب الصوم وحصول الليل بغروب الشمس أو عند ذهاب الحمرة وإلى ما يؤل إلى الشكّ في وجود الرافع .

وقد بينّا الضابط في ذلك سابقا في أبحاثنا لكن يشكل وجود مورد يكون الشكّ في حصول الغاية فيه راجعا إلى الشكّ في وجود الرافع فانّ النهار أو الليل لا يكونان رافعين للآخر حقيقة بل ينقضي وقت كلّ واحد منهما عند حدوث الآخر .

ولا يخفى ان مقتضى رواية داود(1) ذهاب وقت الظهر ببقاء خصوص ما يسع وقت العصر وكونه حينئذٍ لو شكّ في أداء فرضه من الشكّ بعد الحائل كما إذا شكّ بعد حصول المغرب في انّه صلّى الظهر قبل العصر أي أتى بها أم لا .

هذا حاصل الكلام في هذا الفرع وكان الأصحاب لم يتعرّضوا له في الرسائل العمليّة وأمّا اشكال عدم اثباته بقاء وقت الظهر وكون الظهر مأتيّا بها في وقتها فقد علم الجواب عنه آنفا .

هذا ما يتعلّق باستصحاب نفس الزمان .

عود على بدء: تارة يقع الشكّ في سعة الوقت للوضوء والصلاة فلو كان الوقت ضيقا لا يسع كليهما فلابدّ من الانتقال إلى التيمّم ويصلّي وإن كان واسعا للوضوء والصلاة أربع ركعات مثلاً بالنسبة إلى خصوص العصر فيجب الوضوء قبل

ص: 307


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/7 من أبواب المواقيت .

الصلاة فلو علم باستلزام الوضوء والصلاة مثلاً لعشر دقائق من الوقت ويشكّ في سعته فيستصحب هنا كما كان يستصحب في الفرع السابق ولو انعكس فتعلّق اليقين ببقاء عشر دقائق والشكّ في وسعتها للوضوء والصلاة فهنا يشكل أمر الاستصحاب للعلم ببقاء الوقت والاستصحاب لا يثبت ان الباقي واسع ولذا قالوا في هذه الصورة بالتيمّم حيث ان المقام من دوران الأمر بين الوقت والوضوء والوقت أهم من الوضوء فيحتمل عدم سعة الوقت وبقاء الصلاة خارج الوقت ولو بقدر فبقا عدّة تقدّم الأهم على المهم وتقدّم محتمل الأهميّة على المهم يقدم الوقت وليتيمّم ويصلّي ولا يمكن أن يتوضّأ إلاّ باطلاً أو بنيّة غاية أخرى غير الصلاة بناءً

على صحّة الترتّب وصحّحناه في محلّه .

ولكن في مثال الوقت بالنسبة إلى الصلاتين فقد ذكرنا جريان الاستصحاب في الصورة الأولى وهي ما لو علم باستلزام فعل الصلاتين مقدارا من الزمان ولا يدري بقائه فيستصحب ويأتي بها بخلاف العكس للعلم ببقاء الوقت والشكّ إنّما هو في سعته لكلتيهما والاستصحاب لا جريان له ولا يثبت السعة وعدمها كما انه لا مجال لاستصحاب الحكم وهو وجوب الظهر متعيّنا عليه مقدما على العصر للشكّ في بقاء موضوعه وهو الظهر للشكّ في سعة الوقت له .

نعم يمكن هنا اتيان أربع ركعات بنيّة ما في الواقع عليه هذا الحين فان كان الوقت واسعا لأزيد من أربع ركعات فيقع ظهرا ويأتي بعده أربعا أخرى بلا تعيين انّها ظهر أو عصر بل ما كان مطلوبا منه في الواقع وتشتغل ذمّته به وإن لم يكن الوقت واسعا أزيد من أربع فيقع ما يأتي به عصرا وما يأتي به ثانيا ظهرا ولا حاجة إلى قصد عنوان الظهر والعصر لأن ذلك حال التمكّن .

اختلاف تعلّق الشكّ في الوقت

ص: 308

أمّا لو كان هذا الفرض في العشائين فيشكل الأمر فيأتي بكلتيهما ويحتاط بقضائهما خارج الوقت .

استصحاب الزمانيات:

الكلام في استصحاب الزمانيات فمثل التكلّم وسيلان الدم ونبع الماء وغيرها فهل يجري فيها الاستصحاب بل كليّة الأفعال لحصولها تدريجيّا الا الاعتقاد فانّه أمر بسيط لا تدرج في وجوده .

نعم يتصوّر ذلك في مقدّماته .

وحاصل الكلام في هذا القسم من الزمانيّات ان الدم المشكوك البقاء إن كان عين الدم السابق بنحو يرجع إلى أحد الأقسام السابقة من الاستصحاب الشخصي والكلي الذي يجري فيه الاستصحاب فلا مجال لانكار كونه أيضا مجراه وإن كان اللازم على المرئة الاختبار في صورة الشكّ في تبدّل قسم استحاضتها مثلاً من المتوسّطة إلى غيرها ومن النافذ في القطن إلى خصوص ما لا يتعدّى الظاهر .

فتستصحب في مثل ذلك بقاء الدم أو بوصف النفوذ وترتّب عليه الأثر بل قيل ببطلان عبادتها إن لم تختبر وإن فعلت وظيفتها في هذا الحال الا انه لا وجه له بعد تمشّي قصد القربة منها .

وأمّا لو كان اليقين تعلّق بوجود شيء زائل والشكّ في استعداد الرحم واقتضائه خروج الدم مثلاً بغير ذلك المقتضى فلا وجه للاستصحاب لعدم اتّحاد القضيّتين بل اليقين تعلّق بشيء والشكّ بآخر وجرى دأب الأصحاب التمثيل بمثل التكلّم وبعض ما لا أثر شرعي عملي له إلاّ في باب النذر وكأنّه الاليق بما يكون له

جريان الاستصحاب في الزمانيّات

ص: 309

ذلك ونحن بعد التدبّر ظفرنا على مثال فقهي لعلّه يتمثّل به في المقام وهو ما إذا استأجر أو اجر شخصين للقضاء عن الميّت بالنسبة إلى صلواته المترتّبة مع لزوم الترتيب في مرتبات يوم واحد فلابدّ أن يفرغ المقدم حتّى يشتغل الآخر فاذا شكّ الثاني يمكن جريان الاستصحاب في انّه يصلّي الا ان هذا المثال أيضا قابل للخدشة للعلم بالاشتغال كلّ يوم والانقطاع .

الكلام في استصحاب التدريجيّات: لا اشكال في كون التدريجيّات كالزمان يجري فيها الاستصحاب فيما لو كان لها وحدة عرفيّة يكون بلحاظها المشكوك عين المتيقّن عرفا في أمثال ما أشرنا إليه كالدم والماء والتكلّم وربما غيرها ولا مجال للجريان فيما إذا لم يكن الوحدة محفوظة لأن فيها تعلّق اليقين بشيء والشكّ بشيء آخر ولا ينطبق دليل الاستصحاب على المجرى .

وقد ذكر لها الشيخ وغيره موارد وأقساما فانّه تارة يكون الزمان ظرفا وأخرى قيدا وفي الأوّل تارة لا يحتمل دخل الزمان في المستصحب وأخرى محتمل الدخل ففي ما إذا لم يحتمل الدخل في كون الزمان ظرفا يجري الاستصحاب ولا يجري في الباقيين .

وقد حقّقوا الكلام في ذلك وأجادوا فراجع .

نعم الذي ينبغي أن يبحث عنه في المقام ما اشتهر عن الفاضل النراقي قدس سره

وذكره الشيخ وعقبه المحقّق النائيني(1) وإن لم نجد لما فرضه قدس سره في كلامه مثالاً شرعيّا في أبواب الفقه ويمكن للمتأمّل العثور عليه وعلى كلّ حال . إذا علمنا بوجوب الجلوس في المسجد مثلاً من طلوع الشمس أو الفجر إلى الزوال ولم ندر

ص: 310


1- . فوائد الأصول 4/442 وما بعده .

انتهى التكليف بعد الزوال فلا شيء علينا أم يستمرّ الوجوب إلى الغروب فيجب علينا أن نديم الجلوس إليه فعارض قدس سره بين استصحاب وجوب الجلوس المتيقّن إلى الزوال وبين استصحاب عدم الوجوب الذي كان متيقّنا سابقا بالنسبة إلى ثلاث قطعات من الزمان أي قبل الطلوع ومن الطلوع إلى الزوال ومن الزوال إلى الأبد فانقطع اليقين وانتقض عدم وجوب الجلوس من الطلوع إلى الزوال بالعلم بتكليف المولى للجلوس إلى الزوال .

وينبغي فرض الكلام فيما إذا كان الزمان ظرفا والا فلا يتم .

أقول: بل كلامه مطلق ولابدّ أن يكون على اطلاقه كي يرد عليه ما أورده الشيخ وعقبه المحقّق النائيني قدس سره (1) .

فالاستصحاب يجري بعد الزوال إلى حين ماينتهي الشكّ إليه من امتداد

وجوب الجلوس المشكوك كالغروب مثلاً وذلك للعلم قبل ذلك بعدم الجلوس فالآن يشكّ فيجري الاستصحاب . ودفع هو رحمه الله الاشكال عن عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ بفرض العلم بالتكليف قبل وجود زمانه مثلاً كلّفنا المولى ليلاً بالجلوس من طلوع الفجر ولم ندر انتهاء زمانه ولكن نقطع امتداده إلى الزوال ونلتفت في الليل أيضا إلى ذلك فحينما نقطع ونعلم بعدم وجوب الجلوس بعد الزوال نشكّ في وجوبه فحصل اتّصال زمان اليقين والشكّ ولا مجال للشبهة في عدم الوحدة العرفيّة في المتيقّن والمشكوك بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في وجوب الجلوس لأن وحدة الزمان لا اشكال في حصولها وتحقّقها بين الزوال وما بعده إلى الغروب وعدم ايجاب اليقين بالجلوس إلى الزوال والشكّ بعده إلى

جريان الاستصحابين

ص: 311


1- . فوائد الأصول 4/443 وما بعده .

الغروب تعدّد قبل الزوال وبعده كي يخرج بذلك عن الوحدة العرفيّة ولا معنى لدعوى لزوم اتّحاد زمان المتيقّن والمشكوك لأن في ذلك الفاصلة بين المشكوك والمتيقّن وما هو محلّ الكلام في الاعتبار عدم الفصل بين زمان نفس اليقين والشكّ وهو حاصل بما فرضه قدس سره .

اشكال الشيخ: استشكل الشيخ قدس سره (1) ما أفاده الفاضل النراقي من المعارضة بين استصحاب وجوب الجلوس وعدمه الأزلي بأنّ الزمان في وجوب الجلوس إلى الزوال إن كان قيدا فلا مجال بعده للاستصحاب بل يجري استصحاب العدم وان لم يكن قيدا بل أخذ ظرفا فالاستصحاب الجاري إنّما يكون استصحاب الوجوب ولا مجال لاستصحاب العدم لانقطاع العدم الأزلي بالوجوب ففي مورد جريان استصحاب الوجود لا مجرى لاستصحاب العدم وبالعكس اذ جريان الاستصحاب في الموقت الذي أخذ الزمان قيدا له يكون من قبيل اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر وهو بديهي البطلان . فلا مجال لاجتماع الاستصحابين كي يتحقّق التعارض وإلاّ فلا يمكن اجتماع النقيضين وهو محال .

وردّ هذا التفصيل بين جريان استصحاب العدم في ما إذا أخذ الزمان قيدا وعدم الجريان فيما كان ظرفا المحقّق النائيني(2) بدعوى جريانه فيما إذا كان الزمان ظرفا ولا يجري استصحاب العدم وكذلك إذا كان قيدا لعدم تماميّة استصحاب العدم الأزلي عنده .

فعلى كلّ تقدير لا مجال لاستصحاب العدم . نعم في صورة واحدة يجري

اشكال الشيخ على الفاضل النراقي

ص: 312


1- . فرائد الأصول 2/610 .
2- . فوائد الأصول 4/445 - 448 .

استصحاب الوجود وسيأتي الكلام على فساد جريان استصحاب العدم الأزلي الذي معناه عدم الجعل في الأزل وقبل خلق السموات والأرض وقبل كلّ شيء للتكليف إلى زمان الابتلاء والشكّ وذلك لكونه من السالبة بانتفاء الموضوع وله عليه اشكالات موجبة لعدم صحّته عنده وكذا لا مجال لاستصحاب حال الصغر وذلك لعدم الوضع حال الصغر لعدم التكليف الذي هو أعم من الاباحة وساير الأحكام .

نعم بالنسبة إلى الوضعيّات اذا حصل سببها قبل البلوغ كالجنابة فيغتسل بعد بلوغه .

وفي باب الخمس للكنز دلّ الدليل(1) الخاص على ذلك .

وبالنسبة إلى باقي العبادات من الحجّ والصوم والصلاة والزكاة لا دليل بل الدليل على الخلاف وبالنسبة إلى أرباح المكاسب فيه كلام وفي باب الضمانات يكون سببا لتعلّقه ويؤدّي عنه وليّه .

أمّا العبادات الخاصّة الواردة في بعض المقامات فبالنظر إلى الدليل الخاص وبعضها داخل في بحث ان الأمر بالأمر أمر حيث ان الوارد في بعض المقامات مروهم(2) بكذا عند سبع سنين أو خمس مثلاً ومعنى رفع القلم(3) في حديثه عدم الوضع .

والحاصل ان الاباحة الثابتة قبل البلوغ ليست إلاّ اللاحرجيّة العقليّة لتضاد

ص: 313


1- . الظاهر ان دليله العمومات .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 3/1 - 2 - 4 - 5 - 6 - 7 من ابواب اعداد الفرائض والألفاظ ما بين سبع وست سنين وست وسبع وثمان وتسع .
3- . وسائل الشيعة 28 الباب 8/1 - 2 من أبواب مقدّمات الحدود .

الأحكام الخمسة والاباحة منها واحتياجها إلى الجعل وانشاء واضح فكما ان الوجوب لابدّ له من الجعل كذلك الاباحة ولا اباحة ثابتة مجعولة شرعا لغير البالغ حتّى تستصحب بعد البلوغ وفرق بين الاباحة قبل البلوغ وبعده فلا موضوع للاستصحاب في ما نحن فيه .

وبالجملة لم يوضع قلم الاباحة ولا الحرمة ولا باقي الأحكام بالنسبة إلى غير البالغ وإن كان مميّزا .

نعم قبل وصوله إلى التمييز لا حرج عليه عقلاً وهو مرخى العنان وأمّا بالنسبة إلى حال التمييز خصوصا قبل البلوغ فلا يفرق العرف والعقلاء بينه وبين البالغ الذي بقى دقائق مثلاً من المراهق إلى سنّه إلاّ انّه حيث لا قلم عليه فاهمل عنه ولا يكون بالنسبة إليه جعل أيضا حتّى يستصحب إذ عدم الحكم ليس حكما ومجرّد قابليّة قلم الوضع لا يوجب جعل الاباحة الشرعيّة وهذا بعد الاغماض عن جريان استصحاب العدم حتّى بالنسبة إلى الاباحة فكما ان الأصل عدم الوجوب كذلك الأصل عدم الاباحة إذ قلم التكليف إنّما يوضع عليه حين البلوغ(1) على ترتيب الفضيّة الحقيقة سواء كان مستطيعا أم لا اذ ينشأ بالنسبة إليه حجّ إن استطعت وكذا ساير الأحكام الانشائيّة التي تكون فعليّة عند حصول أسبابها وفعليّة قيودها المأخوذة فيها كملك النصاب في الزكاة والاستطاعة في الحجّ وهكذا . بل الأحكام على هذا النحو لها الانشاء حتّى بالنسبة إلى الصغار فكما ان الاستطاعة قيد التكليف كذلك البلوغ وعلى كلّ حال فلا تتمّ مسئلة الاستصحاب

جريان الاستصحابين

ص: 314


1- . حسب ما ورد في ذلك أخبار متواترة وإن لم يكن اللفظ يستوي فيها العالم والجاهل الا انه بهذا المضمون فراجع الوسائل باب القضاء وسائل الشيعة 27 الباب 6/38 من أبواب صفات القاضي لم نجد ما يمكن منه الاستدلال على ما في المتن الا الرواية المشار إليها .

في هذا المقام للعلم بوضع القلم عليه حال البلوغ أيّ قلم كان وقبل هذا الحال لم يكن موضوعا عليه شيء كي يستصحب نعم عند الشكّ لابدّ من جريان الأصل الحكمي كالبرائة .

تكميل: ذكر الشيخ أمثلة ونظائر لمدعى الفاضل النراقي في تعارض الاستصحابين وأورد عليها بعد ان استظهر التباس الأمر على الفاضل رحمه الله .

منها: مسئلة الصوم(1) وحدوث المرض الذي يشكّ انّه يبلغ المرض الذي يجوز له الافطار فيجري الاستصحاب من الطرفين . استصحاب وجوب الصوم الثابت قبل هذا الحين الذي حصل له المرض واستصحاب عدم وجوب الصوم ازلاً قبل هذا الزمان . فان الخارج من تحت هذا اليقين بعدم الوجوب القطعة من اليوم الذي لم يحدث له المرض الكذائي والا فاليقين حاصل له قبل وجود شهر رمضان مثلاً بعدم وجوب صوم عليه . هذا الاستصحاب في العدم الأزلي الذي مفاده مفاد ليس التامّة وهو عدم وجوب الصوم عليه وقد تقدّم(2) تضعيف هذا الاستصحاب وإن كان كثير الجريان في أدلّتهم ودليله أخسّ الأدلّة وقد أشرنا إلى منع جريان استصحاب عدم التكليف والاباحة بكلا وجهيه سواء كان من السالبة بانتفاء الموضوع أو السالبة بانتفاء المحمول القائم بالعدم النعتي .

وعلى كلّ حال فيجري عنده استصحابان ويتعارض استصحاب الوجوب للشكّ في رافعيّة الموجود وذاك من جهة سبق العدم الازلي .

منها: مسئلة المتوضي الذي خرج منه المذي فيشكّ في بقاء الطهارة

ص: 315


1- . فرائد الأصول 2/604 - 605 .
2- . التحقيق خلاف ذلك .

الحاصلة بالوضوء مثلاً للشكّ في رافعيّة المذي فيستصحب الطهارة ويعارضه باستصحاب الحدث فان الخارج عن زمان تيقن حدث الحدث هو ما كان فيه متطهّرا ولم يخرج منه المذي وبعد ذلك يكون مورد الشكّ فيجري الاستصحابان .

ولا يخفى ان مرجع الشك في بقاء الطهارة بعد المذي إلى الشكّ في المقتضى بالمعنى الذي يجري الشيخ فيه الاستصحاب لا بالمعنى الذي أرجعنا كلامه في محلّه إليه الذي يرى منع جريان الاستصحاب فيه كمثال النفط والسراج والا فيشكل الأمر في الاستصحاب ويقل موارده جدا .

منها: مسئلة الخبث والشكّ في بقاء نجاسة المتنجس ببعض النجاسات بعد الغسل مرّة في القليل كالدم لا كمخرج الغائط(1) وإن جعلوا الاحتياط فيه بالغسل

مرّة بعد نقاء المحل(2) الذي جعل غاية الغسل أو التطهير في الخبر . لكن بعد زوال العين في المتنجس مثلاً بالدم والغسل مرّة يمكن حصول الشكّ فحينئذٍ يجري الاستصحاب للنجاسة ويعارضها استصحاب طهارة الملاقى وهو الماء ويسقط الاستصحابان عنده هذا . واستثنى من جريان استصحاب العدم في الصورتين الأخيرتين ما كان هناك استصحاب حاكم . ولا يخفى انّه لا حاكم في مثال الخبث وإن كان الجواب لما ذكره قدس سره واضحا .

وأجاب الشيخ عن ذلك بما سنشير إلى بعضه فانه أورد على كلامه ايرادات ثلاث . وذلك لعدم وصول النوبة إلى جريان استصحاب طهارة الملاقى لوجود

تعارض الاستصحابين

ص: 316


1- . فانّه ورد في بعض الأخبار الأمر ( وسائل الشيعة 1 الباب 28 - 29/1 - 1 - 2 من أبواب أحكام الخلوة ) بالغسل وإن لم يوجب الاجتناب عنه وفي آخر التصريح بأنّه طاهر ولو لم يكن كان معنى الأوّل العفو .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 13/1 من أبواب أحكام الخلوة .

الشكّ السببي من استصحاب نجاسة المتنجّس الذي جعل أثره الشرعي نجاسة الملاقى والاجتناب عنه بما بيّن في موضعه من انطباق ضابط الشكّ السببي والمسبّبي في ما نحن فيه وهو أن يكون أحد الأصلين رافعا لموضوع الآخر والآخر مترتّبا عليه .

ومن آثاره شرعا كما في مثال الماء والثوب النجس بالاستصحاب فعند الملاقاة يجري استصحاب نجاسة الثوب وأثره الشرعي نجاسة ملاقيه ولزوم الاجتناب عنه فلا مجرى لاستصحاب طهارة الماء الملاقى لعدم نظره إلى ذاك الاستصحاب وعدم افنائه لموضوعه وإلاّ فمجرّد تعدّد الشكّين وتسبّب أحدهما عن الآخر لا يجدي في حكومة أحدهما على الآخر ولو لا ذلك كان الأصلان متساويين في جريان أحدهما وعدم جريان الآخر فيجري استصحاب طهارة الماء ونجاسة الثوب .

وعلى كلّ فلم يعلم المراد من الأصل الحاكم في مسئلة الخبث على ما ذكره الشيخ من الايراد عليه .

وأمّا مسئلة الحدث فأورد عليها المحقّق النائيني قدس سره (1) علاوة على ما ذكره .

ان الحدث لابدّ أن يلاحظ بقوله ( إن منشأ الشكّ في ثبوت الطهارة بعد المذي الشكّ في مقدار تأثير المؤثّر وهو الوضوء وإنّ المتيقّن تأثيره مع عدم المذي لا مع وجوده أو انا نعلم قطعا تأثير الوضوء في احداث أمر مستمر لو لا ما جعله الشارع رافعا فعلى الأوّل لا معنى لاستصحاب عدم جعل الشيء رافعا إلى قوله وعلى الثاني لا معنى لاستصحاب العدم إذ لا شكّ في مقدار تأثير المؤثّر حتّى

ص: 317


1- . فوائد الأصول 4/449 .

يؤخذ بالمتيقّن انتهى كلام الشخ ) .

بما محصّله انّ الشكّ في رافعيّة المذي ليس في رتبة استصحاب الطهارة لتأخّر رتبة الرافع والمانع عن المرفوع فكيف يمكن جريان الاستصحاب من هذه الجهة والتعارض بينهما .

ولا يخفى وضوح جواب الفاضل النراقي . اما مسئلة الصوم فلا يخفى جريان استصحاب التكليف فيه لو كان الشكّ في حصول المرض الرافع للوجوب لولم يكن من باب تعدّد الموضوع وتبدّله .

ومثّل الشيخ لمورد تعارض الاستصحابين بما ذكره من مورد التقيّة فانّها اذا عرضت توجب أن يكون هذا الوضوء الذي صدر عن المسح على الخفّين مجزيا فاذا ارتفع العذر بعد الصلاة أو في أثنائها أو قبل الصلاة فحينئذٍ يحصل الشكّ في بقاء طهارته لارتفاع العذر واحتمال اختصاص ذلك بحالها ويحتمل بقاء الطهارة إلى وجود الرافع لا كالأوّل مثل التيمّم الذي وجود الماء والتمكّن من استعماله يوجب بطلانه وكذا يحسن المثال بالتكاليف الاضطراريّة والوضوء الجبيري بعد ارتفاع العذر هل يجب عليه تجديد الوضوء أم يكتفي بالوضوء السابق ومقتضى القاعدة تسوية الكلام في المقامين إلاّ انه يظهر منهم التفريق بين البابين فيقولون بلزوم التجديد في مورد رفع التقيّة بالنسبة إلى قبل الصلاة وقبل تمام الوضوء ويكتفون بالوضوء الجبيري وإن كان يقرب ما قالوا بل يكون أقوى في موارد الجمع بين التيمّم والوضوء لعدم العلم بما هو وظيفته وبطلان تيمّمه بالتمكّن من استعمال الماء .

نعم يمكن أن يتصوّر تعدّد المراتب في الخبث ورفعه كما في الأوساخ أمّا

الشك في بقاء الطهارة بعد ارتفاع العذر

ص: 318

الحدث فيشكل الأمر فيه الا ان يتشبّث بمثل الوضوء(1) على الوضوء نور على نور .

الخامس: من تنبيهات الاستصحاب جريانه في الأحكام الشرعيّة المستكشفة بالأحكام العقليّة فان ملاك الحكم الشرعي تارة هو الكتاب واخرى السنّة أو الاجماع أو دليل العقل وهذا مبنى على تماميّة قاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل والشرع امّا واقعا كما عن بعض أو ظاهرا كما هو رأي صاحب الفصول وآخرون أنكروا الملازمة رأسا .

وينبغي الاشارة إلى مورد هذه القاعدة فنقول الحكم العقلي تارة يكون واقعا في سلسلة معلول الحكم الشرعي واخرى في سلسلة العلل فان كان الأوّل فلا مجال للكشف أصلاً وذلك كلزوم الاطاعة وعدم جواز المعصية للمولى الحكيم في ما يأمر العبد به وينهاه عنه ضرورة انتهاء كلّ ما بالعرض إلى ما بالذات والا لتسلسل أو لدار ( وكوجوب النظر إلى المعجزة فانّه لو كان بالشرع استحال بالدور أو التسلسل ) وذلك لا يختصّ بباب الأمور المعنويّة العقليّة بل جاري في الخارجيّات التكوينيّة أيضا وأحسن موارد جريانه باب الصانع والمصنوع فانّه لو لم ينته سلسلة المصنوعات والمعلولات إلى من يكون غنيّا بذاته مستغنيا في ذاته عن غيره فلا يوجد موجود مع ان في الخارج الموجودات إلى ما لا يحصرها حدّ فمن ذلك يعلم انتهائها من ناحية الأعلى إلى من هو غني في ذاته عن غيره أوجد الموجودات وأفاض عليها روح الحيوة .

ولا يخفى ان ذلك إنّما يقوم برهانا لوجود الصانع الذي يشعر به كلّ ذي

جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة المستكشفة بالأحكام العقليّة

ص: 319


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 8/8 من أبواب الوضوء .

شعور غاية الأمر الخطأ في التشخيص وأمّا برهان التوحيد فغير هذا . وإن كان الثاني بأن يكون الحكم العقلي واقعا في سلسلة علل الحكم الشرعي فهنا محلّ الكلام بناءً على تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة خلافا للأشاعرة المنكرين لحسن الأشياء وقبحها بل الحسن ما حسنه الشارع والقبيح كذلك ممّا يؤدّي إلى الجزاف . ولذا رجع محقّقوا هذه الفرقة عن هذا المبنى السخيف الفاسد والأحكام العقليّة أي ادراكاتها على قسمين تتمّ قاعدة الملازمة في قسم منها وهو ما كان ضروريّا للعقل الخالي عن شوائب الأوهام ويكون ذلك مستندا إلى المحسوسات وامّا ما يكون حكم العقل فيه بالنظر والتدبّر فلا مجال لجريان القاعدة بل في القسم الأوّل أيضا لابدّ أن يكون عالما بتمام جهات حسن موضوعه وجهات قبحه محيطا بها وأن لا يكون هناك مانع من جعل الشارع الحكم على طبق ما أدركه العقل . وإلاّ فلو اقتضت المصلحة عدم ابراز الأحكام وتكليف المكلّف بها فلا تتم كما في صدر الاسلام المكتفي فيه بالشهادتين وكما في الشرايع السابقة بالنسبة إلى أحكام دين خاتم النبيّين صلی الله علیه و آله الطيّبين وذلك لأنّ الدين عند اللّه الاسلام ودينه واحد ولا ريب في قلّة موارد احاطة العقل بهذه القيود والشروط المذكورة وانّى لنا بدرك مصالح الأشياء ومفاسدها ومع هذا التعالى والترقي في الفنون والعلوم تراهم لم يبلغ علمهم بدرك تمام جهات شيء واحد حقير كما نشاهد الأطبّاء لم يزالوا يخترعون ويستكشفون ويقصرون .

وكيف كان فبعد تماميّة المقدّمات واستكشاف الحكم الشرعي بقاعدة

الملازمة عن الحكم العقلي وقع الكلام في جريان استصحاب الحكم الشرعي عند الشكّ والتوقّف في ناحية الحكم العقلي لعدم جريانه في نفس الحكم العقلي لعدم

جريان استصحاب الحكم العقلي

ص: 320

الأثر كما لا مجال لجريانه في الملاك المستكشف . فمنع الجريان شيخنا الأنصاري قدس سره وقد مرّ كلامه وما أورد عليه المحقّق رحمه الله في ما سبق لقوله بالجريان فيها .

ومحصّل مرامه في المقام ان حكم العقل على موضوعه على نحوين . فتارة يكون له حكم واحد على موضوع أعم من العلم والظنّ والشكّ وذلك كما في ما لا يعلم انّه من الدين فان تمام موضوع حكم العقل بقبح الاسناد إلى المولى هو الشكّ لقبح الاسناد والتشريع ذاتا عند العقل وموضوع ذلك عدم العلم فما لا يعلم انّه من الدين يقبح عند العقل اسناده إليه وإلى مشرعه وورد مؤيّدا ومرشدا وممضيا لهذا الحكم العقلي في الأخبار من الذين في النار رجل(1) قضى بالحق وهو لا يعلم . . . وأخرى له حكمان حكم على موضوعه الواقعي الذي لا طريقيّة فيه ويدور مدار واقعه وحكم آخر على المشكوك منه طريقا لمحذور وقوع العاقل في ما لا يؤمن منه .

وذلك قبح التصرّف في مال الغير بداهة استقلال العقل بقبح الظلم على الناس وأكل مالهم بدون رضاهم واذنهم .

وقد ورد في التوقيع الشريف ما مضمونه انّه(2) لا يحلّ التصرّف في مال الغير إلاّ باذنه أو عن طيب نفسه فكيف بأموالنا وله في مقام الشكّ حكم طريقي لا بملاك حكمه النفسي بل بملاك آخر كما أشرنا وما يجري فيه الاستصحاب خصوص مورد الحكم الطريقي للعقل لعدم المؤمّن له فيجري الاستصحاب

ص: 321


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 9 الباب 3/7 من أبواب الأنفال .

ويحصل له المؤمّن ولا يبقى مورد لحكم العقل الطريقي بعد اذن الشارع في ذلك أو عدم اذنه لتقدّمه على حكم العقل في المقام كما إذا لم يعلم انّه مال نفسه أو مال الغير وجرى الاستصحاب لأحدهما .

وأمّا الصورتان الباقيتان فلا مجال لذلك كما لا يخفى وجهه بل لا يتصوّر جريانه في مورده وينبغي استدراك ما لم نصدر كلام المحقّق النائيني رحمه الله به من تثليث موارد جريان الاستصحاب . فان عند استكشاف حكم الشرع من حكم العقل والشكّ في بقائه . هنا أمور ثلاثة الموضوع العقلي الذي كان محكوما بحكم العقل . والملاك المستكشف . ونفس الحكم الشرعي المستكشف . وما يجري فيه الاستصحاب منها هو الحكم الشرعي بالتفصيل المتقدّم ولا مجال لجريانه في الملاك ولا الموضوع لعدم الأثر والاثبات وجريانه في الحكم الطريقي إنّما هو في غير صورة الشكّ في المقتضي بمبناه المتقدّم سابقا ولو لم يجر الاستصحاب فلا مجال لاصالة الحل والطهارة وغير ذلك لتقدّم الحكم الطريقي العقلي على مثل هذه الأصول .

ونقلنا كلام الشيخ سابقا وشرحنا مرامه ولا بأس بالاشارة إليه في المقام .

فنقول: محصّل مرامه قدس سره انّه عند كشف الحكم الشرعي عن الحكم العقلي لاحظ العقل كلّ ماله الدخل في موضوع حكمه فعند الشكّ إمّا أن يكون موضوعه باقيا على حاله فلا معنى للشكّ بل نقطع ببقاء الحكم .

وأمّا ان لا يكون الموضوع باقيا على حاله فلا مجال للاستصحاب بل المشكوك موضوع آخر كما في الكذب الضار فان لوصف الضرر إمّا أن يكون دخل أو لا دخل له وعلى التقديرين لا مجال للاستصحاب لعدم شكّ العقل في

كلام الشيخ في الحكم الشرعي المستند إلى العقل

ص: 322

موضوع حكمه .

الا ان هذا الكلام من الشيخ قدس سره لا يتمّ لعدم احاطة كلّ عقل بمصالح كلّ شيء ومفاسده بل الموارد المشكوكة كثيرة يتوقّف العقل فيها حيران بخلاف الشارع لعدم معقوليّة حكمه من باب القدر المتيقّن فيحتمل كون المناط عنده في الحكم أوسع من مناط حكم العقل وقد مضى في كلام المحقّق النائيني قدس سره امكان حكم العقل من باب القدر المتيقّن فعند زوال وصف يحصل الشكّ .

ولعلّ مراده من عدم شكّ العقل في موضوع حكمه ان حكم العقل بقبح الكذب الضار من باب تطبيق كبرى قبح الضار على الكذب الضار فالموضوع عنده عنوان الضّارّ واتّفق التطبيق على الكذب كما في تطبيق كبرى حرمة الخمر على أفراده . فعند زوال الوصف والضرر لا موضوع للاستصحاب اذ يبقى نفس الكذب والعقل متوقف فيه من أوّل الأمر إذ لم يسبق حسب الفرض زمان لم يكن فيه شاكّا .

هذا بيان مرامه قدس سره خلافا للمحقّق النائيني فيجري الاستصحاب عنده في هذا الفرض الذي يتوقّف العقل فيه وما في تقرير(1) بحثه لا ينطبق على مبناه المسلم بل ينبغي توجيه كلام المحقّق النائيني بما نقول فليكن مرامه قدس سره ان في مورد التوقّف إمّا أن يكون للضرر دخل أو لا دخل له وعلى التقديرين لا مجال للشكّ فمورد الشكّ هو ما إذا يحتمل دخل الضرر في أصل المثال ومطلق الوصف والقيد الزائل موضوع في الأحكام العقليّة بنحو الموضوعيّة أو أن يكون دخلاً ملاكيّا وحيث ان لا جريان للاستصحاب عند عدم احراز الموضوع فلا مجال

ص: 323


1- . فوائد الأصول 4/451 - 455 - 457 .

للجريان أيضا في هذا الفرد . الا انه لا يوجب سدّ باب جريانه بدعوى عدم احراز الموضوع في كلّ مورد شكّ فيه لقيام احتمال الدخل الموضوعي . وذلك لأنّه يدّعي ان ذلك اذا احرزنا عدم دخله من باب الموضوعيّة بل الملاك .

غاية الأمر حيث انّه يرى عدم اطراد الملاكات للأحكام بل يمكن أن يكون الملاك القائم في فرد علّة للجعل العام في تمام أفراد الطبيعة لا يمنع عنده جريان الاستصحاب على هذا الفرض الاخير للشكّ في دخل الملاك حدوثا وبقاءً أو حدوثا مع حفظ الموضوع في كلتا الحالتين وينبغي أن يكون هذا كلامه في مثال الماء المتغيّر .

وقد علمت سابقا ورود الاشكال عليه منّا وان الملاك يدور مدار الخطاب وكلّ ما يكون هناك خطاب يكون له ملاك بنفسه يخصّه فعند الشكّ في الملاك لا يقين بالموضوع فلا مجال لجريان الاستصحاب أصلاً فراجع .

( لا يخفى ان مرام النائيني قدس سره على ما يستفاد من كلامه ومن تحرير ما كتبنا ان الشكّ في الحكم الشرعي العقلي ان كان من جهة الشك في بقاء الموضوع للحكم العقلي ان كان حكم العقل على الشك في الموضوع والقطع به والظن بملاك واحد ومناط كذلك فلا شكّ في الحكم كي يستصحب وإن لم يكن كذلك . فان كان هناك أصل محرز للموضوع من استصحاب وغيره فكذلك يثبت على الموضوع الاستصحابي حكمه ولا مجال في هذا الحال للحكم الطريقي العقلي . وإن لم يكن هناك محرز للموضوع وذلك في مورد كون الحكم الطريقي للعقل وتوقّفه فحينئذٍ إمّا أن يحرز الموضوع العرفي في باب الاستصحاب بدليله وإن لم يحرز موضوع حكم العقل فكذلك يجري استصحاب الحكم لا الموضوع وإلاّ فيكون من الشكّ

ص: 324

في بقاء الموضوع . والفرض عدم كون حكم العقل حينئذٍ بمناط حال القطع فلا أصل إلاّ الاحتياط عند العقل إن لم يكن أدلّة البرائة والحل مقدّمة عليه كما في مورد ثبوت الاحتياط في الأموال والأعراض والنفوس وإن لم يكن كذلك فيكون مجرى البرائة والحل فتدبّر .

التنبيه السادس: في الاستصحاب التعليقي وذلك كما يظهر من ما يأتي إنّما ينفع في مثل تبدّل العنب زبيبا فيغلي فهل يكون حراما أو نجسا كما ان ماء العنب كذلك والعصير أم لا بعد الاتّفاق على حرمة العصير العنبي اذا غلا . غاية الأمر وقع الكلام في بعض فروعه وكذلك الكلام في مسئلة ما لو فسخ الجعالة وعقد السبق والرماية قبل الفعل واستحقاق الاجرة والجعالة .

ويظهر من الشيخ قدس سره جريان الاستصحاب عنده في مثال الزبيب وعدمه في باقي الأمثلة وعند الميرزا رحمه الله بل عبّر بأنّه(1) ليته عكس الأمر فقال بالجريان في الثاني وعدمه في مثال الزبيب .

وحاصل الكلام في الاستصحاب التعليقي انّه لو تم أركان الاستصحاب فيه فلا مجال للمنع فالبحث إنّما هو في ذلك فعلى هذا يكون البحث صغرويّا موضوعيّا وينبغي الاشارة تبعا للمحقّق النائيني إلى امور رتبها قبل الاستدلال وإن لم يكن للأول منها كثير ربط .

اذ هو عبارة عن اعتبار اشغال المستصحب اذا كان وجوديّا لوعاء العين أو الاعتبار كما انه لابدّ أن يكون جريان الاستصحاب لأثر وإلاّ فلا مجال ولا مجرى له فاذا لم يكن المستصحب موجودا في السابق ولم يكن محرزا فبأيّ وجه يمكن

في الاستصحاب التعليقي

ص: 325


1- . فوائد الأصول 4/462 .

ان يجري فيه الاستصحاب وهذا واضح .

الثاني ما يدور في ألسنتهم من ان الأحكام تدور مدار الأسماء أو لا تدور مدارها مثلاً في الحنطة إذا كانت حلالاً فيكون الحكم عليها مادام يصدق عليها ذاك العنوان ولا يكون صادقا على دقيقها ولا عجينها فلا يسري الحكم ولا يتعدّي عنها إلى ذلك أم لا بل الحكم المجعول على الأعيان الخارجيّة والموضوعات لا يدور مدار عناوينها بل متعلّق ومجعول على المادّة كما يقوي في المتنجّسات كالحطب النجس اذا صار فحما .

وعلى كلّ هذا البحث نافع في مسئلة الاستحالة كما إذا صار البول بخارا فانقلب واستحال ماءً أو الكلب ملحا أو عين النجس رمادا . وإن كان الحكم في الأعيان النجسة أوضح لعدم صدق الكلب على ما صار ملحا ولا العذرة على ما صار رمادا . ونظير هذا البحث بحث استهلاك بعرة الفأر مثلاً في وزنة حنطة مدقوقة فعجنت مع انها استهلكت كما في الدم المستهلك في فضاء الفم وكذلك بعد أن صار مسلما ان الحكم لا يدور مدار الاسم في مورد يقع الكلام في سعته وضيقه .

وهل المادّة وان تغيّرت وتبدلّت تكون موضوعا للحكم أو لا . بل إلى غاية خاصّة ونهاية معلومة فاذا صارت الحنطة دقيقا وعجينا يكون الحكم السابق باقيا عليها إلى أن تنقلب عن الحقيقة الأوّليّة مثلاً فيدخل في عنوان آخر من الخبائث . وبالجملة فحال الموضوعات بالنسبة إلى البحث الكلي على أحد أقسام ثلاثة . فأمّا أن يكون الحكم مختصّا حسب الاستظهار من الأدلّة في الموارد الخاصّة بالعنوان فاذا زال الاسم والعنوان فيقطع بعدم بقاء الحكم وكذلك إذا كان له سعة يعم

ص: 326

العنوان وغيره في الحالات المتبادلة من الذات والمادّة الخاصّة الكذائيّة فأيضا لا مجال للاستصحاب لعدم مورد له في الثاني ولزوم تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر في الأوّل . والظاهر ان قولهم ان الأحكام تدور مدار الأسماء اشارة إلى الصورة الاولى وقولهم بأنّه لا تدور مدار الأسماء إلى الصورة الثانية .

وقد يكون مورد يشكّ فيه أهو من قبيل القسم الأوّل أو الثاني وهو مورد جريان الاستصحاب لو تمّت أركانه وكانت الحالة الزائلة أو الحاصلة ممّا لا يضرّ بوحدة الموضوع ويكون بقائه محرزا عرفا وثابثا لعدم دخل الحال موضوعا بل له دخل ملاكي واكتفينا في الملاك بوجوده في فرد أو حال وزمان لبقائه إلى أزيد منه ولجعل الحكم على أصل الطبيعة وكلّيها لما اشتهر ان الملاكات لا تطرد ولا تنعكس كما يقول بذلك المحقّق النائيني ويجري الاستصحاب لو لا الاشكال من جهة اخرى في أمثال الموارد .

وقد تكرّر منّا في مطاوي أبحاثنا عدم تماميّة هذا المعنى وعدم جريان الاستصحاب . نعم لا اشكال في القسمين الأولين فانّه إذا علمنا انّ البلوغ والعقل لا دخل لهما في الحكم الكذائي فلا ريب في ترتبهما على أعم من البالغ والعاقل وكذلك اذا استظهرنا اعتبار درك الوقت أو حصول الاستطاعة الفعليّة أو اعتبار العدالة والاجتهاد حدوثا .

وعلى ما ذكرنا يكون النزاع في ان الأحكام تدور مدار الأسماء أو لا تدور فعن بعض تدور وعن آخر لا تدور لفظيّا .

الثالث: ان الحكم إمّا أن يكون جزئيّا على موضوعه الخاص لا يتعداه إلى غيره ولا يكون له سعة وبسط يشمل غير الموضوع الخاصّ مثلاً كزيد واخرى لا

محل قولهم الأحكام تدور مدار الأسماء

ص: 327

يكون كذلك بل يكون كليّا . والموضوعات الخاصّة موارد تطبيق هذا الحكم لعدم وجود الطبيعة إلاّ بوجود أفرادها والشكّ في الحكم الجزئي إنّما يكون من ناحية بقاء الموضوع . وأمّا الحكم الكلي فمنشأ الشكّ في بقائه امّا أن يكون احتمال نسخه أو من جهة تغير بعض حالات الموضوع والشك في بقائه كما اذا زال التغير من الماء المتغير الذي كان التغير سببا لنجاستة وثالثة من ناحية كون الموضوع مركبا وتبدل بعض حالاته قبل وجود الجزء الآخر كما في مثال العنب الذي اذا غلا يحرم فقبل الغليان صار زبيبا وبحث دوران الأحكام مدار الأسماء له كثير دخل في هذا المقام .

تنبيه: بناء على انشاء الأحكام على موضوعاتها المقدرة كما هو شأن القضايا الحقيقيّة لا اشكال في فعليّة الأحكام بفعليّة موضوعاتها بعد ان انشأت اولاً ازلاً لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه للزوم الخلف والمناقضة . هذا في الأحكام الكليّة حيث انّها اما ان تكون كلية أو جزئيّة مثل الحكم الجزئي الموضوع على شخص زيد . والموضوع في الأحكام الكلية اما أن تكون هي المادة كما في مثل الحنطة حيث كانت حلالاً مثلاً فانّه لا دخل لعنوانها الخاص في ذلك كما انّه يمكن أن يكون الحكم دائرا مدار الاسم والعنوان . وعلى كلّ حال فعند الشكّ في الحكم الجزئي لا اشكال في جريان الاستصحاب في ما قلنا بالجريان كما اذا كان مستطيعا سابقا وشكّ في ذلك فبالاستصحاب يثبت استطاعته ويجب عليه الحجّ.

وكما في مثل عقد السبق والرماية والجعالة حيث يفسخ قبل السبق واصابة الرمي ورد الضالّة . فان هذه العقود لو كانت جائزة لم تبق بعد الفسخ بخلاف إذا

ص: 328

كانت لازمة وحيث يقع الشكّ في ذلك يمكن الاستصحاب بلا اشكال خلافا للشيخ قدس سره ولا وجه للمنع فان هذه العقود كساير العقود مثل عقد البيع غاية الأمر لها امتياز يختصّ بها وهل يصح جعل الخيار فيها أم لا ؟ فيه كلام كما انّه لا خيار لها في حدّ انفسها وإن كان منشأ الشكّ في جوازها ولزومها فانّ الشكّ إنّما هو في رافعيّة الموجود كما ان في النسخ في وجود الرافع أو انتهاء المقتضى لكن لا بالمعنى الذي يمنع عن جريان الاستصحاب بل يكون في ذلك تمسّكا بالاطلاق .

أمّا الشكّ في الحكم الكلي فيتصور على أنحاء ثلاثة . الأوّل أن يكون من جهة النسخ كما إذا أنشأ الشارع حكما كليّا على الموضوعات المقدّرة وشككنا في انه ازالها ونسخها أم لا بناءً على عدم اعتبار حضور وقت العمل في النسخ كما هو الحق .

الثاني أن يكون من جهة تغير بعض حالات الموضوع والفرق بين هذه

الجهة والجهة السابقة ان السابقة لا تستلزم وجود الموضوع واشغاله صفحة الوجود خارجا بل يمكن أن يقع الشكّ في بقاء الحكم المجعول الذي لم يصر موضوعه فعليّا من جهة النسخ فاما أن يستصحب بقاء الحكم المجعول كذلك أو سببيّة الموضوع له على المبنين في جعل الأحكام وإن ذلك بجعل السبب المستتبع للحكم أو بجعلها عند وجود موضوعها فيجعل المسبّب حينئذٍ وفي هذه الجهة ربما يكون الموضوع موجودا كما انّه يمكن أن يكون شخصيّا كما في الماء الخاص الذي تنجس بتغيره بالنجاسة وزال التغير بنفسه ولا يخفى ان الاستصحاب في كلا هذين الفرضين تقديري تعليقى لكن بمعنى تعليق موضوعه أي لو وجد ماء وزال تغيره الموجب لنجاسته بنفسه فهل يجري فيه الاستصحاب ولا اختصاص لذلك

الشك في الحكم الكلّي

ص: 329

بهذين الوجهين بل الأمر هكذا يكون في كلّ مورد حتّى في الامارات والأصول العمليّة كرفع ما(1) لا يعلمون وكلّ شي لك حلال(2) وغير ذلك من موارد الفقه وليس الاستصحاب التعليقي بهذا المعنى موردا للنزاع بل بمعنى آخر يكون ثالث الوجوه وهو أن يكون الشكّ من ناحية تبدّل بعض حالات الموضوع المركّب قبل وجود جزئه الآخر كما في مثال العنب اذا صار زبيبا قبل الغليان فان المسلم حرمته ونجاسته لم تكن في ماء العنب بل فيه إذا غلا سواءً عممنا ذلك بالهواء أو بالشمس وبالنار أو قلنا باختصاص ذلك بمورد خاص وإن كانت النجاسة محلّ الكلام دون الحرمة . وهذا باستمداد من بعض الأمور المتقدّمة في المقدّمة حيث ان الأحكام تارة تكون موضوعاتها مورد الشكّ في انّها تدرو مدار أسماء عناوينها أو تكون أعم . وفرضنا في ما نحن فيه عدم استفادة التعميم ولا الاختصاص في مثال العنب والزبيب مع عد الزبيب هو العنب عرفا .

فكما انه يجري الاستصحاب في نفس العنب قبل الغليان سواء كان بنحو التعليق وقلنا ان العنب اذا غلى يحرم أو وينجس مثلاً أو بنحو الوصف كما في مثل العنب الذي غلا أو الغالي يحرم أو وينجس غاية الأمر في الأوّل في حكمه الذي يثبت له بعد الغليان وفي الثاني في نجاسته وحرمته أو حليته وطهارته لو فرضنا الشكّ في ذهاب الحرمة والنجاسة بذهاب الثلثين ولم نستفد ذلك .

فكذلك يجري في ما نحن فيه الذي لم يحصل الغليان للعنب فصار زبيبا

ويستصحب الحكم الثابت على العنب عند الغليان كي يكون بحصول الغليان فعليّا

ص: 330


1- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

على الزبيب . هذا إذا كان المأخوذ في دليل الحرمة هو العنب وأمّا لو كان ماء العنب فيمكن أيضا تصوّره بعد حصول تمام الجفاف للعنب بعد أن صار زبيبا فان لذلك مراتب وأعلاها ما لا يكون فيه رطوبة أصلاً نعم في هذه الصورة لو وضع الزبيب وصبّ عليه الماء من الخارج وحصل له النشيش والغليان لا مجال لاسراء الحكم لعدم كونه ماء العنب ولا الزبيب بعد اعتبار ذلك حسب الفرض .

نتيجة البحث: حاصل الكلام في الاستصحاب التعليقي انّه تارة يقع البحث فيه من جهة الحكم الكلي واخرى من ناحية الشخصي . أمّا الأوّل فلا يخفى ان في العنب الكلي حكمه الحلية والطهارة وبسبب الغليان يطرء عليه الحرمة والنجاسة مثلاً .

فاذا شككنا في بقاء هذا الحكم الكلي من ناحية النسخ فلا اشكال في جريان الاستصحاب مع قطع النظر عن الشكّ بالاطلاق المغنى عن الاستصحاب وكذا إذا شككنا من ناحية أخرى كتغير بعض أوصاف الموضوع وأمّا ترتيب الحكمين المجعولين على العنب إذا غلا أو على العنب الغالي فلا وجه لترتيبهما على العنب اذا صار زبيبا نعم إذا كان هناك عنب شخصي وغلا وحصل له الحرمة والنجاسة وصار زبيبا فيمكن جريان الحكمين بالاستصحاب لو فرض عدم استفادة العموم والخصوص من الدليل المتكفّل لبيان الحكم وهو خارج عن فرض الكلي وراجع إلى الموضوع الشخصي .

وخلاصة الكلام في العنب الخارجي الذي صار زبيبا انّه تارة حصل له الغليان وتنجس وحرم ثمّ صار زبيبا فيجري الاستصحاب لفعليّة الحكم بسبب فعليّة جزء الموضوع كما في الماء المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه فانه لا مانع من

حاصل الكلام في الاستصحاب التعليقي

ص: 331

جريان استصحاب نجاسة هذا الماء اذا لم نستفد طهارته من الأدلّة بزوال تغيّره بنفسه كما انه تزول بالقاء الكر وكما يطهر ماء البئر بالنزح حيث ان له مادّة فاذا تغيّر الماء بالنجاسة فيصيبه نجاسة فعليّة واذا زال التغير بنفسه يحصل الشكّ الموجب لصحّة جريان الاستصحاب فان كان العنب هكذا بأن حصل له الغليان الموجب لطروّ الحرمة والنجاسة عليه فلا اشكال في استصحاب هذاالحكم الشخصي على الموضوع الشخصي لو قطعنا النظر عن الاشكال الوارد في جميع هذه الموارد وهو الشكّ في بقاء الموضوع لاحتمال دخل الرطوبة والتغير في العنب والماء في حكمهما وأمّا إذا لم يكن العنب الشخصي غاليا وصار زبيبا فلا حكم له حتّى يستصحب إلاّ الحليّة والطهارة وان فرض انه غلا بعد أن صار زبيبا لأنّه مادام باقيا على عنبيّته لم يغل حتّى ينجس ويحرم وبعد أن صار زبيبا لا حكم حتى نستصحبه والفرض انه لم يحصل لنا الشكّ في الحكم من جهة النسخ .

إن قلت: يمكن جريان الاستصحاب في الحكم التقديري وهذا يفيدنا في المقام .

قلت: اما الملازمة الثابتة بين غليان العنب وحرمته فلا شكّ فيها كي نستصحبها مع قطع النظر عن كونها عقليّة لا مجال لجريان الاستصحاب فيها وأمّا الحكم التقديري الانشائي الذي جعل على العنب اذا حصل له الغليان فمقتصر فيه على موضوعه فلو استفدنا من دليله دخل خصوصيّة العنب في هذا الحكم فلا اشكال في عدم جواز اسرائه ولو بالاستصحاب إلى الزبيب وكذا لو استفدنا منه عدم دخل في الحكم للخصوصيّة العنبيّة .

إن قلت يمكن فرض الشك في ذلك وأخذنا بالعنب من باب القدر المتيقّن

ص: 332

إذ على كلّ تقدير نقطع بجعل الحكم على العنب سواء كان بخصوصه موضوع الحكم وما إذا صار زبيبا وطرء عليه الحالات المتبادلة .

قلت: لا وجه للاستصحاب في هذا المقام اذ كما عرفت لو حصل لنا ظهور الدليل بدخل العنبيّة في الحكم أو بعدم دخلها وإن الحكم موضوع على العنب بما انه يشير إلى الذات ويشاربه إلى الجسم الخاص الذي أوّل حالاته يطلق عليه اسم العنب فلا مجال للاستصحاب لعدم الشكّ وفي مقام يمكن جريان الاستصحاب لا موضوع لنا لتباين العنب والزبيب عرفا .

والحاصل ان لنا كبريين أحداهما متيقنة والاخرى مشكوكة من أوّل الأمر فالاولى انه لو غلا يكون حراما ونجسا والثانية الزبيب لو غلا يكون كذلك ولا مجال لجرى حكم احدى الكبريين على الموضوع الاخر في كبراه الخاصّة به .

وعلى كلّ لسنا ننكر الاستصحاب التعليقي لأن من موارد جريانه عندنا مثال الجعالة وعقد الرمي والسبق والوصيّة سواء كانت عهديّة أو تمليكيّة ففي هذه الموارد نقول بجريان الاستصحاب مع ان المستصحب فيها معلّق على أمر لم يحصل بعد كردّ الضالّة في الجعالة واصابة السهم وحصول السبق . فلو رجع وفسخ أحد هذه العقود قبل حصول المعلّق عليها فيها فلا اشكال في جريان الاستصحاب وكذلك الأمر في الوصيّة التي تكون معلّقة على الموت لو رجع وأخذ بعض ما تعلّق به وصيّته .

أقول: لا يخفى ان الحكم الانشائي الذي يقول به هؤلاء الجماعة نحو سنخ من الحكم الذي بحصول المعلّق عليه يكون فعليّا كما صوروه والتزموا به في محلّه ولا اشكال في عدم اشتراط شمول دليل الاستصحاب لمورد أن يكون له الأثر

قبول الاستصحاب التعليقي في بعض الموارد

ص: 333

الفعلي أو تمام الأثر بل يمكن أن يكون بعض الأثر بالاستصحاب أو ما يكون دخيلاً في الأثر والباقي بغيره من الوجدان أو غيره من الدليل وفي ما نحن فيه الحكم المجعول على العنب أو مائه هو الحرمة والنجاسة مثلاً على تقدير الغليان ولا اشكال في ترتبهما على العنب اذا حصل له الغليان وكذا اذا صار زبيبا بعد ذلك ولو بالاستصحاب .

إنّما الكلام والخلاف في ترتبهما قبل الغليان بعد أن صار زبيبا ولا اشكال في فرض حفظ الوحدة العرفيّة بين العنب والزبيب وعدم استفادة التعميم للزبيب من دليل الحرمة بل بقينا في الشكّ يمكن جريان الاستصحاب في ترتب هذا الحكم التعليقي والتقديري ولا يخفى انه لا يوجب اثبات الاستصحاب للحرمة والنجاسة لأنّه نظير استصحاب عدم النسخ لو جرى ونظير استصحاب بقاء نجاسة الماء الزائل التغير بنفسه ولا يكون المستصحب هو الملازمة .

نعم لو عدّ الزبيب موضوعا آخر عرفا غير العنب فلا مجرى للاستصحاب لعدم حفظ أركانه وعلى كلّ حال اشكال المحقّق النائيني(1) في هذا الاستصحاب لم يعلم انه ناظر إلى أيّ جهة مع التزامه بجريانه في ما إذا شككنا في نسخ الحكم فليكن المشكوك مثل هذا الحكم الانشائي بل يصرّح بذلك أي الحكم الانشائي وإن لم يعمل به في مورد كون الموضوع مركّبا وقبل حصول الجزء الآخر حصل التبدّل الموجب للشكّ فلا يستصحب حكم الحرمة والنجاسة وهو كما ترى دعوى بلا دليل بل لو كان صدوره من غير هذا الفحل لكان للضحك عليه سبيل فتدبّر كي لا تضحك علينا أيّها الجليل .

ص: 334


1- . فوائد الأصول 4/469 - 471 .

خلاصة الاشكال: على الاستصحاب التعليقي: انّه لو كان الدليل المتكفّل لبيان حكم العنب اذا غلا شاملاً لحاله اذا صار زبيبا فلا شكّ من أوّل الأمر في حرمة الزبيب ونجاسته اذا غلى وإن استفيدت الخصوصيّة واختصاص الحكم بالعنب بما هو عنب ولهذا العنوان دخل في الحكم . فلا اشكال في عدم سعة الحكم

حتّى يشمل حال الجفاف والزبيبيّة وفي الحالة المشكوكة أي حال عدم العلم باحد الأمرين وان العنب من باب القدر المتيقّن واحتمال كون وصف العنبيّة ملاك الحكم فيتوجّه الاشكال الوارد في أمثال هذه المقامات من عدم احراز الموضوع وبقائه اذ جريان الاستصحاب في المقام فرع كون موضوع الاستصحاب عرفيّا ووصف العنبيّة ملاك الحكم ولا يلزم اطراد الملاكات ولا انعكاسها بل يمكن أن تكون المصلحة أو المفسدة الكامنة في فرد علّة للجعل العام على جميع أفراد الطبيعة كما في مثال العدّة .

وهذا كماترى لا يمكن الالتزام به ولا يقول به المحقّق النائيني رحمه الله وإن أوهم تقريره في مورد ذلك فقد نقح في الموارد الاخر كما يعلم بالمراجعة إلى ما أفاد في مثال(1) الماء المتغيّر الذي زال تغيره بنفسه في جريان الاستصحاب فيه مع عدم ورود اشكال المقام فيه . اذ الشكّ إنّما هو من ناحية وجود الرافع والا فبالتغير صار الماء نجسا . إنّما الكلام في بقائها عند زوال التغير وانه أيضا من قبيل القاء الكر

مثلاً أم لا . وإلاّ فلا شبهة في كون الموضوع هو الموضوع السابق أي الماء الذي تغير ولا اشكال في ان التغير الطارئ عليه زال فلو جرى الاستصحاب اتّجه عليه هذا الكلام .

اشكال مثال العنب

ص: 335


1- . فوائد الأصول 4/462 .

وعلى كلّ حال لا مجال في مثال العنب للاستصحاب اذ لو استفدنا التعميم أو الخصوصيّة من لسان الدليل فلا مجال وفي صورة الشكّ لا يقين بالموضوع .

إن قلت: ان الموضوع للحكم في لسان الدليل يمكن أن يكون له حالتان ويشمله الحكم في لسانه باعتبار حالة من باب القدر المتيقّن فعلى هذا يمكن عند طروّ الحالة الثانية استصحاب الحكم لاتّحاد الموضوع عرفا .

وبعبارة أخرى حال ما نحن فيه من مثال العنب حال زيد العالم المحكوم في حال علمه بالاكرام اذا زال بعد ذلك العلم وصار منشأ للشكّ في بقاء الحكم .

قلت: مرجع هذا الكلام إلى ما ذكرنا سابقا لأنّه إمّا أن يكون حالته الأولى دخيلة أم لا دخل لها أو يشكّ في ذلك وعرفت الكلام في الكل وما يمكن جريان الاستصحاب فيه هو الأخير لو لا الشكّ في بقاء الموضوع بناء على جريان ما ذكرنا من الملاك وكفاية كون مصلحة الفرد ومفسدته ملاكا للجميع وقد عرفت ما فيه وإن كان على هذا المبنى والتقدير ينسد باب الاستصحاب غالبا اذ نحن والدليل فحيث ما ساعدنا نقول بمقتضاه وإلاّ فلا يمكن تقليد أحد في مدرك الحكم الشرعي .

كما لم يساعد إلاّ على خصوص ما إذا كان الشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود على ما تقدّم سابقا .

نعم إن كان مرجع الاشكال والسؤال إلى تعدّد الموضوع حسب الدليل والاستصحاب فله وجه وسيتحّق الكلام فيه إن شاء اللّه .

بأن يكون الموضوع حسب شمول الدليل أضيق منه حسب مورد الاستصحاب لأنّ المناط في باب الاستصحاب هو العرف وهم يرون سعة في

ص: 336

الموضوعات قد لا يوافقهم الدليل عليها .

هذا . فتبيّن ان كبرى غليان الزبيب وحرمته ونجاسته مشكوكة من أوّل الأمر .

نعم لا مانع من جريان الاستصحاب في الأمثلة المتقدّمة لكونها من الاستصحابات التعليقيّة التي لا يتوجّه عليها اشكال الزبيب والعنب ولذا قال المحقّق النائيني(1) مشيرا إلى الشيخ رحمهم الله يا ليته عكس الأمر حيث منع من جريان

الاستصحاب في هذه الامثلة وقال بجريانه في مثال الزبيب وكذا لا اشكال في جريانه في الوصيّة مع ان كل هذه من الموضوعات التعليقيّة .

فلو شكّ في عقد الجعالة انّه لازم أم لا وفسخ قبل وجدان الضالّة وردّها إلى صاحبها حيث جعل له عينا خارجيّا كغنم مخصوص مثلاً لا مانع من جريان الاستصحاب التعليقي ونتيجته صيرورة الغنم مال الرادّ وداخلاً في ملكه وكذا لا اشكال في جريانه في باقي الامثلة حيث شككنا في جوازها ولزومها بعد تحقّق الفسخ ورجوع المالك قبل حصول الفعل المعلّق عليه كالرمي والسبق والموت فان هذه كلّها تعليقيّة ونلتزم بجريان الاستصحاب فيها لأنّ الجعالة عبارة عن قوله مثلاً

من ردّ عليّ ضالّتي فله كذا والوصية اذا مت فلزيد كذا ولو سبق أو سبقت فكذا وإذا أصبت برميك فالاشكال ليس في أصل جريان الاستصحاب التعليقي بل في مثال الزبيب والعنب لنا كلام عرفناك به .

وعلى كلّ تقدير فلو جرى الاستصحاب التعليقي في مورد فهل يكون

معارضا بالاستصحاب الجاري في مورد التعليق بالنسبة إلى الحكم الذي كان له

جريان الاستصحاب التعليقي في بعض الموارد

ص: 337


1- . فوائد الأصول 4/462 .

سابقا أم يكون التعليقي حاكما على غيره ؟

قد يقال بالمعارضة لعرضيتهما وعدم كون تسبب الشكّ في بقاء الحكم السابق للمورد عن الشكّ في الحكم التعليقي كي يكون مقدّما على ذلك بتقدّم الرتبة كما في استصحاب نجاسة الثوب المغسول بماء مستصحب الطهارة فيجري استصحاب حكم العنب الذي صار زبيبا ثمّ غلا الثابت له قبل الغليان وهو الحليّة والطهارة وكذلك يجري استصحاب حكم الزبيب التعليقي الذي حسب الفرض له المجرى فيتعارضان ويتساقطان حيث لا يمكن جمعهما في الجعل تحت دليل الاستصحاب ولا يشمل أحدهما المعين ولا دليل على أحدهما غير المعين مع انّه ترجيح بلا مرجّح فيرجع إلى الأصل العملي وهو الطهاره والحلية لأن كلّ شيء نظيف(1) وكلّ شيء(2) لك حلال .

اذ قد عرفت عدم تسبب الشكّ في أحدهما عن الآخر لأن منشأ الشكّ فىْ تنجسه وحرمته صيرورته زبيبا وكذا الشكّ في بقاء الحليّة والطهارة هو غليانه وكذا يجري الاستصحاب من الطرفين في الأمثلة المتقدّمة وأظهرها مثال الجعالة حيث يشكّ في تحقّق الانفساخ الذي هو في الشخصي نظير النسخ في الكلي فيجري استصحاب بقاء الغنم الخاص الذي كان جعالة في ملك مالكه وفي قباله استصحاب بقاء العقد وانّه لو ردّ ملك ماله .

ان قلت يمكن فرض جريان الاستصحاب في العنب اذا صار زبيبا بتقريب

أن كبرى الحرمة والنجاسة عند الغليان المحمولة على العنب تنحلّ إلى صغريات

ص: 338


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

حسب أفراد العنب المقدرة التي تفرض موجودة في وعاء الخارج ويكون هذا الحكم التعليقي عليها فلكلّ جزئي للعنب وفرد له جعل عليه انه لو غلى يحرم وينجس فلو صار له الغليان قبل الجفاف لا اشكال في حرمته ونجاسته وتلتزمون بجريان الاستصحاب فيه اذا جفّ كذلك لا مانع من اجراء الاستصحاب اذا صار زبيبا ثمّ حصل له الغليان . غاية الأمر ذاك الحكم كان حكما فعليّا وهذا الأخير حكم تقديري معلّق على حصول المعلّق عليه الذي لم يحصل إلاّ بعد تغير الحالة وذلك نظير جريان الاستصحاب في مورد الضالّة والوصيّة وباقى الأمثلة المتقدّمة .

قلت: نعم الكبرى تنحلّ إلى صغريّات بتعدّد الموضوع إلاّ انّه فرق بين ما لو كان الغليان حاصلاً قبل فيستصحب الحكم الفعلي عند جفاف العنب الغالي وما لم يكن الغليان حاصلاً وتبدّل الحال إلى الزبيبيّة وغلى فلا مجرى للاستصحاب لعدم التوسعة في كبرى هذا الموضوع وهي مشكوكة من أوّل الأمر ومورد الجعل متيقّنا إنّما هو حال العنبيّة من الحكم التعليقي .

والأمثلة المتقدّمة للاستصحاب إنّما يجري فيها إذا كان موضوعها فعليّا ولذا لا يجري الاستصحاب في الملكيّة التي لم تحصل بعد ولا يقول به النائيني أيضا بل في العقد التعليقي الحاصل بالانشاء خارجا عند الشكّ في انفساحه وعدمه بعد الفسخ بفعل مشكوك حصول الفسخ به أو فيما إذا شككنا في لزوم العقد وجوازه كما تقدّم الكلام في ذلك أيضا في مثال الماء المتغيّر ثمّ زال وما نحن فيه لم يحصل فيه الغليان إلاّ بعد تبدّل الموضوع فلا يقين بالحكم في هذا الحال من أوّل الأمر ولا حكم فعلي قبل هذا الحال إلاّ الطهارة والحلية .

جريان الاستصحاب في ماء العنب الشخصي

ص: 339

توضيح الكلام: لا اشكال في صحّة جريان الاستصحاب في خصوص ماء العنب إذا حصل له الغليان وشككنا في بقاء حرمته ونجاسته لتغير الحالة وصيرورته زبيبا لكن هذا في العنب الشخصي وإلاّ فالكلي لا يتبدّل ولا يتغيّر فيصير زبيبا ولا معنى لكونه معيبا إذا وقع العقد عليه فان في مقام تعيّب الفرد المسلم إلى المشتري له أن يبدله بالآخر لسماع كلامه إن هذا الفرد لم يكن مبيعا من أوّل الأمر فلا يعقل الخيار وإنّما مورده خصوص الشخصي .

نعم يمكن وقوع الشكّ في الكلي من ناحية النسخ فقط فاذا لابدّ أن يكون مورد الكلام هو الشخصي بعد الفراغ من ورود كبرى نجاسة ماء العنب وحرمته اذا حصل له الغليان وإن ماء الزبيب وغليانه ولو بنحو ان يصب عليه ماء ثمّ يفور ويصدق عليه عرفاً انّه مائه مشكوك النجاسة والحرمة في صورة الغليان هذا مع قطع النظر عن ورود رواية خاصّة(1) في الباب . وعلى هذا فيكون حرمة ماء الزبيب ونجاسته إذا غلا مشكوكا امّا لفقد النص لعدم شمول دليل العنب له وعدم وصول دليل آخر أو لاجمال النص وعلى كلّ فيكون مجرى البرائة عندنا ومجرى الاحتياط عند آخرين .

ذينك المذهبين المعروفين في الشبهة الحكميّة التحريميّة . وعلى هذا فاذا شككنا في زوال نجاسة هذا ماء العنب الغالي وحرمته بذهاب ثلثيه بالهواء لا النار فيمكن جريان الاستصحاب لفعليّة الحكم والموضوع . كما انّه لا مانع من جريان استصحاب حليّة هذا الزبيب وطهارته إذا غلى . وهكذا في الماء المتغيّر الذي زال

امكان جريان الاستصحاب في ماء العنب وفي الزبيب

ص: 340


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 8/2 من أبواب الأشربة المحرّمة وهناك روايات في ماء الزبيب وكيفيّة طبخه . وسائل الشيعة 25 الباب 5 من أبواب الأشربة المحرّمة .

تغيّره بنفسه يجري استصحاب النجاسة لفعليّة الحكم والموضوع في كلّ هذه ( وإن كان حال جريان الاستصحاب فيها مشكوكا من أوّل الأمر ) .

ولا يطرء على هذا الاستصحاب إلاّ الاشكال المطرد المشار إليه مرارا ولا يجري الاستصحاب في ماء العنب إذا لم يغل في غير مورد النسخ وتغير بعض حالات الموضوع ولا يكون هنا صورة ثالثة يجري فيها الاستصحاب لأن موضوع العنب مركب من جزئين العنب وحصول الغليان وقبل تحقّق كلا جزئيّة لا حكم عليه والحكم على العنب إذا غلا لا يترتّب على خصوص العنب بدون الغليان كما لا يترتّب على الغليان بدون العنب ومن المسلّم انّ الزبيب إذا غلى لا يكون عنبا .

إن قلت: يمكن تصوير جريان الاستصحاب بنحو لا يكون من القسمين المشار إليهما ولا من استصحاب مثل ما لوا انضم إليه جزئه الآخر لترتّب عليه الأثر ممّا يكون مقطوعا عقليّا ولا يفيد شيئا وهو نظير استصحاب الصحّة التأهليّة قبل وجود الاجزاء اللاحقة للمركّب ولحوقها بالاجزاء السابقة التي أتى بها بتقريب أن يقال هذا الحكم الذي علّق على وجود الغليان وطروّه على العنب إذا صار زبيبا .

قلت: إن رجع هذا الكلام إلى استصحاب دخل العنب في هذا الحكم

المجعول على الموضوع الخاص والشكّ في بقائه فيجري الاستصحاب لاثبات الموضوع المركّب من جزئين هما العنب والغليان والغليان . حاصل بالوجدان واثبات الجزء الأوّل وهو العنب بالاستصحاب لا بعنوان العنبيّة فنقول به ونلتزم له ولا يغرنّك التزامنا هذا ولا يذهب بك إلى التزامنا بالاستصحاب التعليقي في مثال

ص: 341

العنب والزبيب .

بل نقول إنّما نلتزم بصحّة هذا الاستصحاب وجريانه لأن جزء الموضوع له دخل فعلي فيه وعند الشكّ في دخله لا اشكال في استصحابه كما في كلّ مورد حصل لنا الشكّ في الموضوع المرتّب عليه الحكم من الشارع كالاستطاعة الحاصلة بالمال عند الشكّ في بقاء ماله فيستصحب المال الحاصل به الاستطاعة . أو الاستطاعة . إذ بعد أن جعل الشارع الحكم على الموضوع يكون لكلّ جزء من أجزائه دخل في ترتّب الحكم فعلاً وعند الشكّ في بقاء الموضوع نستصحب ذلك الجزء لترتّب هذا الدخل الخاص الذي هو الأثر المترتّب على جزء الموضوع عليه كما في كلّ مقام يجري الاستصحاب في ما يكون دخيلاً في الموضوع أو الحكم الشرعيّين . ولا يلزم أن يكون له تمام الدخل . وهذا غير ما يكون الموضوع فيه متحقّقا بالفعل .

وكم من فرق بين المقامين فان أردتم بالاستصحاب التعليقي هذا المعنى فنلتزم ونقول به . وإلاّ ففيه ما عرفت ولا يتوجّه عليه بعد هذا إن دخل الموضوع ليس شرعيّا لأن ذلك ليس إلاّ بجعل الشارع كما في استصحاب الاستطاعة ولا يبقى مجال الاشكال في هذا الفرض بما قرّبناه إلاّ عدم انطباق ضابط الموضوع المركّب الثابت بالوجدان والأصل .

هذا في غير العرض ومحلّه لكن عند التأمّل لا يصيبنا ذلك الاشكال

لاختصاصه بالموضوعات العدميّة إذا احتجنا إلى اثبات العدم النعتي . إذ لا مجرى لاستصحاب العدم المحمولي لعدم اثباته العدم النعتي والنعتي لا يتمّ فيه أركان الاستصحاب إلاّ إذا أجريناه في السالبة بانتفاء الموضوع وسلامته من اشكال

ص: 342

الاثبات .

والمقام ليس من ذلك القبيل إذ مقامنا من مفاد كان التامة الذي لا مساس له بذاك المقام بل يجري في كليّة الموارد استصحاب وجود الجزء الذي شككنا في بقائه عند وجود الجزء الآخر بالوجدان المنضمين لتحقّق الموضوع ويثبت به .

نعم في الموارد التي يكون المتوقّع من ذلك اثبات العنوان الانتزاعي من القبليّة والبعديّة لا مجال لهذا التفصيل في استصحاب النعتي الوجودي .

وممّا ذكرنا علمت انّه لا مجال لاستصحاب الملازمة بين حصول الغليان والحكم إذ هي عقلي لا مجال لجريان الاستصحاب فيها على انّها المقطوع بها لا الحكم المنشأ على تقدير الغليان لما ذكرنا من عدم تحقّق الموضوع .

تتميم: لا إشكال في جريان استصحاب جزء الموضوع على النحو الذي قربنا ومثله الكلام في كلّ مورد يشكّ في بقاء الموضوع أو بعض ماله من الأجزاء . من ذلك ما لو حصل له الشرايط الموجبة للحج وشكّ في الاستطاعة من ناحية بقاء ماله على ما يحصل به ذلك . فلا شبهة في جريان الاستصحاب . والقيود الاخر أيضا حاصلة بالوجدان ولا مجال لتوهّم اثبات هذا الاستصحاب لعدم انطباق ضابط التركيب على ما نريد استصحاب جزئه به . بل الموضوع مقيّد والاستصحاب لا يثبت ذلك وإنّما ينفع الاستصحاب إذا كان الموضوع مركبا من جزئين مثلاً فحصل أحدهما بالوجدان ويثبت الجزء الآخر بالتعبّد بالاستصحاب وذلك لان الفرق بين التقييد والتركيب إنّما يمنع من جريان الاستصحاب العدمي إذ العدم المحمولي لا ينفع . والنعتي ليس له حالة سابقة بخلاف ما نحن فيه فللمستصحب حالة وجوديّة شككنا في بقائه فانّ العنب تحقّق في الخارج قبل

الاشكال في استصحاب جزء الموضوع

ص: 343

وجود الغليان . نهاية الأمر صار تبدّل حال الرطوبة إلى الجفاف موجبا للشكّ في بقاء الموضوع فيجري فيه الاستصحاب وعند وجود الغليان يترتّب الأثر المطلوب الذي تعلّق به الجعل فهذا هو الاستصحاب التعليقي وإن أبيت إلاّ عن ذلك فلا تنازعك في تسميته استصحابا تعليقيّا لأنّ الموضوع فيه فعلي وليس كاستصحاب الحكم على الموضوع على تقدير الغليان ممّا عرفت الاشكال فيه هذا . وذلك لان مثل كبرى الزبيب إذا غلى حرم وليس مشكوك الحدوث ولا يقين بها حتّى يستصحب . هذا على تقدير الاغماض عن اشكالنا وإن تبدّل حالة الموضوع مع صدقه عرفا على المتبدّل لا يوجب منع جريان الاستصحاب . وإلاّ فيمكن طرا أن يقال ان عند تغيّر الحالة إمّا أن نقطع بعدم دخل الحالة المتبدّلة وإمّا

أن نقطع بدخلها فلا مجال للاستصحاب في كلتا الصورتين أو نشكّ في الدخل وعدمه فنشكّ في بقاء الموضوع فكيف يمكن جريان الاستصحاب .

وعلى كلّ حال اجراء الاستصحاب في الحكم للشكّ في جعله من أوّل الأمر في كبرى الزبيب مع كونه غير العنب ولا يمكن توسعة الحكم عليه بهذا . ولكن كلّ ذلك على تقدير أن يكون الكبرى المبحوث عنها ان العنب إذا غلى يحرم وينجس فلا يشمل الزبيب ويكون من أحسن موارد جريان البرائة عندنا والاحتياط عند المحتاطين . مع ان الكبرى المستفادة من الأخبار إنّما هي في خصوص العصير ولم يرد نص في ان العنب إذا غلى فيكون كذا .

ومقتضى الجمود على ظاهر هذا المعنى عدم تحقّق مورد يكون العصير زبيبا بل يكون دبسا بعد ذلك وان سامحناكم وازلنا خصوصيّة العصير وقلنا باستفادة العموم لماء العنب ولو في الحبّة بلا عصر أو خرج مائه بنفسه فيكون

اشكال استصحاب حرمة العنب إذا غلى

ص: 344

الموضوع أيضا هو ماء العنب ولا يشمل الزبيب ولا مائه خصوصا لو فرض انّه لم يبق للزبيب رطوبة .

نعم يمكن فرض رطوبة ماء الزبيب بأن يلقى في ظرف من الماء وينفذ فيه ويطلق عليه عرفا انّه ماء الزبيب فيسري إليه الحكم بالاستصحاب أو نفرض الكلام في ما لم يجف رطوبته بالمرّة بل بقي فيه بقيّة تخرج بالغليان فللاستصحاب وجه إلاّ ان هذا الفرض لا يخلو من مغالطة . حيث ان في صورة جفاف الزبيب بحيث لم يبق فيه رطوبة أصلاً والقاء الزبيب في الماء ونفوذه فيه وإن اطلق عليه انّه

ماء الزبيب عرفا إلاّ ان هذا الماء ماء خارجي امتزج بالزبيب واكتسب العنوان ولا حالة له سابقا أصلاً في مائيّته للزبيب ولا العنب كي يستصحب حكمه في هذا الحال بل هذا أمر مباين حدث جديدا فكيف يمكن جريان الاستصحاب لشمول هذا الفرد(1) وإن كان حكم الكبرى انحلاليّا ينحلّ إلى أحكام حسب تعدّد الأفراد نعم يمكن في صورة الشكّ في بقاء الرطوبة وعدم استصحابها فيما ينفع وعلى هذا فلا يبقى مجال ومورد لهذا الاستصحاب لعدم كون هذا الماء ماء الزبيب على نحو مائيّة الماء للبطيخ أو الدابوغة والرمّان .

هذا مع قطع النظر عن بعض الروايات الواردة في نفس الزبيب منها: رواية(2) زيد النرسي في أصله، سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الزبيب يدقّ ويلقى في القدر ويصبّ عليه الماء ويوقد تحته فقال علیه السلام: لا تأكله حتّى يذهب الثلثان ويبقى

ص: 345


1- . حتّى انا لو قلنا بجريان الاستصحاب في الحطب عند صيرورته فحما قل ورمادا لا يمكن أن نقول في المقام لأنّ الذات باقية في الفرضين وإن صارت فحما أو رمادا بخلاف المقام لأنّه شيء جديد حادث لم يكن ذات العنب ولا مائه .
2- . مستدرك الوسائل 17 الباب 2/1 من كتاب الأطعمة والأشربة .

الثلث فانّ النار قد أصابته .

قلت: فالزبيب كما هو يلقى في القدر ويصبّ عليه الماء ثمّ يطبخ ويصفى عنه الماء فقال علیه السلام كذلك هو سواء إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فصار حلوا بمنزلة العصير ثمّ نشّ من غير أن يصيبه النار فقد حرم وكذلك إذا أصابته النار فاغلاه فقد فسد . وإلاّ فبمقتضى ذلك ان الماء الحلو الذي حصل له الحلاوة بطبخ الزبيب وكونه سببا لتغيّر طعم الماء واضافته يكون حراما إذا حصل فيه الوصف . وعلى هذا فما يلقى في الامراق وفي مثل الأرز من الكشمش والزبيب فاذا حصل له الغليان يكون حراما أو ونجسا فلا يجوز أكله .

نعم إذا لم يحصل العلم بذلك فلا مانع من أكله إلاّ ان الرواية في نفسها ضعيفة لا جابر لها من عمل المشهور أو غيره فيبقى حكم الزبيب ومائه إذا غلى مشكوكا جاريا فيه الأصل في الحلية والطهارة بلا اشكال والحمد للّه .

تذنيب: كان في زمان يتّخذ الخمر من أشياء كما يرشد إليه الرواية(1) عن عامر ابن السمط عن علي بن الحسين علیه السلام قال: الخمر من ستّة أشياء: التمر والزبيب والحنطة والشعير والعسل والذرّة وفي رواية(2) ابن اسحاق الهاشمي عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله: الخمر من خمسة العصير من الكرم والنقيع من الزبيب والبتع من العسل والمرز من الشعير والنبيذ من التمر . إلاّ ان هذا بالنسبة

إلى المتداول في زمانهم .

أمّا اليوم فقد تبين انه يصنع الخمر ويعمل من غير هذه الأشياء أيضا فلو لا

ص: 346


1- . الوسائل 25 الباب 1/6 من أبواب الأشربة المحرّمة .
2- . الوسائل 25 الباب 1/3 من أبواب الأشربة المحرّمة .

توسع المصنوعة في زمانهم علیهم السلام لكان أسماء مخصوصة كما ارشد الرواية إلى تسمية ما يعمل من الزبيب نقيعا . ولايخفى ان النبيذ الذي هو حرام لاسكاره غير النبيذ الذي اشير إليه في الرواية(1) الواردة عن أبي عبداللّه علیه السلام حيث سأله رجل كما روى حنان بن سدير ما تقول في النبيذ فانّ أبا مريم يشربه ويزعم انّك أمرته بشربه ؟ فقال صدق أبو مريم سألني عن النبيذ فأخبرته انّه حلال ولم يسألني عن المسكر ثمّ قال: ان المسكر ما اتقيت فيه أحدا سلطانا ولا غيره .

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله كلّ مسكر حرام وما اسكر كثيره فقليله حرام .

فقال الرجل هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أيّ شيء هو ؟ فقال: أمّا أبي فكان يأمر الخادم فيجيء بقدح فيجعل فيه زبيبا ويغسله غسلاً نقيّاً ويجعله في اناء ثمّ يصبّ عليه ثلثة مثله أو أربعة ماءً ثمّ يجعله بالليل ويشربه بالنهار ويجعله بالغداة ويشربه بالعشي وكان يأمر الخادم يغسل الاناء في كلّ ثلاثة أيّام لئلاّ يغتلم فان كنت تريدون النبيذ فهذا النبيذ .

وكيف كان فربمايستدلّ على المطلوب بالمذكور في رواية(2) النرسي الماء

الذي أدى إليه حلاوة الزبيب اذا غلا بدخوله تحت عنوان المسكر وانه نقيع وان الغليان كاشف عنه فحينئذٍ وإن لم يكن هذا الخبر جامعا لشرايط الحجيّة لضعفه الا ان أخبار تحريم المسكر ونجاسته كافية في المقام فانّه لم يخالف أحد في تحريم المسكر ويكون حراما بلا اشكال وكذا نجسا على الصحيح وكذا قد يحتمل نجاسة وحرمة الكشمش المحشى بالارز فضلاً عن ما يلقى في الامراق بتوهّم صدق

كلّ مسكر حرام

ص: 347


1- . الوسائل 25 الباب 22/5 من أبواب الأشربة المحرّمة .
2- . مستدرك الوسائل 17 الباب 2/1 من أبواب الأطعمة والأشربة .

النقيع عليه . لكن لا وجه لهذا الاحتمال لعدم مكان لاحتمال صيرورته نقيعا وإن كان المرجع فيه أهل الخبرة وانّه هل بالغليان يحصل فيه هذه الخصوصيّة أم لا . وعلى تقدير الحصول لا معنى لكون ذهاب الثلثين محللاً ومطهرا له لعدم انقلابه عن حقيقته والخمر قليله مع كثيره سواء بل قطرة منه أيضا .

وعلى هذا فلا يمكن التمسّك بأخبار تحريم المسكر وبأدلّة نجاسته عليه وكذا لا وجه لما يستدلّ به على المطلوب من أخبار(1) البختج وأخبار تقسيم آدم ونوح عليهماالسلام العنب مع ابليس الثلثين له وفي بعضها ان(2) الثلثين من الخبائث وان الثلث ذاك .

الحلال الطيب يكون هذا دليلاً على الطهارة للثلث كما في قوله تعالى فتيمّموا صعيدا طيّبا(3) . تمسّكوا بذلك في مقام عدم دليل آخر ولا بأس به وعلى كلّ تقدير فقد يظهر من الأخبار خباثة الثلثين وانهما للشيطان ومقتضى هذه الشركة لو كانت بنحو الاشاعة الاشتراك في كلّ جزء جزء كما في الملك المشاع انّه لا يمكن التصرّف في كلّ جزء منه لاحتمال انه من الشيطان .

نعم حل الثلث لآدم ولنوح عليهماالسلام وعلى هذا المعنى في الشركة فقد يشكل أمر الوقف المشاع حيث لا يمكن الافراز على هذا . إلاّ أنّ ذلك كما ترى إذ لا يكون هذا دليلاً على المطلوب ( بل هذا هو الملاك في لزوم ذهاب الثلثين والا فالأخذ بظاهرها كما ترى لا يخفى ما فيه وكذلك بعض ما ورد في التمر حيث ورد(4) ان

ص: 348


1- . الوسائل 25 الباب 7/1 الى 4 .
2- . الوسائل 25 الباب 2/2 إلى 5 - 10 - 11 من أبواب الأشربة المحرّمة .
3- . سورة المائدة: 7 .
4- . الوسائل 25 الباب 2/6 - 7 - 8 .

الطلا ان طبخ حتى يذهب منه اثنان ويبقى واحد فهو حلال وما كان دون ذلك فليس فيه خير . ولا يذهب عليك ان ذهاب الثلثين ليس بمعنى ان كلّ ما يفرض فلابدّ أن يذهب ثلثاه للتسلسل غير المنتهى إلى حد بل بالمعنى المعلوم في المقدار الخاص من العصير بعد أن صار طاهرا وحلالاً لا يلزم ثانيا تكرار العمل .

وكيف كان فلا يمكن استفادة التحريم للعصير الزبيبي أي الماء المذكور في الرواية الممزوج بالزبيب الذي غلا وأدّت إليه حلاوته من هذه الأخبار والأدلّة التي سطروها فيكون من موارد الشكّ في التحريم ومورد البرائة حسب أخبارها بل يمكن أن يدّعى القطع في مثل ما يحشى به الازر ونحو ذلك .

نعم لو أراد أحد أن يحتاط فلا بأس به في ما يلقى في الامراق لاحتمال صدق النقيع كما ( لعلّه ذهب إليه الحاج آقا رضا واحتمله(1) في طهارته ) وهذا الاحتمال أيضا قطعي العدم وقد عرفت حال الاستصحاب التعليقي . هذا عمدة الكلام .

بقي في المقام فذلكة لا بأس بالاشارة إليها وهي انّه قد عرفت ممّا ذكرنا عدم الفرق بين ما التزم المحقّق النائيني(2) بجريان الاستصحاب فيه من مورد الضالّة في الجعالة والسبق والرماية وما أنكره على عكس ما فعل الشيخ وتمنى أن يكون الشيخ قد عكس الأمر بجريان كلّ ما قلنا في استصحاب العنب الغالي في مثل ردّ الضالّة والوصية فلو جرى الاستصحاب في هذه الموارد فيجري في مورد استصحاب العنب وإن لم يجر فيه فلا يجري فيها في الأمثلة أيضا .

الفرق بين مقامين في كلام المحقّق النائيني

ص: 349


1- . مصباح الفقيه 7/221 و222 لكن ظاهره خلاف ما في المتن .
2- . فوائد الأصول 4/461 - 462 .

وما ذكرنا سابقا من جريان الاستصحاب في العقد إنّما هو مغالطة وإلاّ فالعقود أيضا تعليقيّة لعدم تجاوزها عن تضمنها انشاء الملكيّة المعلّقة على الموت في الوصيّة وعلى حصول السبق واصابة الهدف وردّ الضالّة في باقي الأمثلة .

نعم لا مانع من جريان استصحابها عند الشكّ في بقائها وعدمه من ناحية الفسخ حيث يشكّ ان الشارع هل جعل بيدهم الخيار من جهة حكمه بجوازها لاعدام هذه العقود وابطال هذه الانشاءات أم لا فاذا فسخ يشكّ في البقاء فيكون مورد الاستصحاب وهذا يكون نظير النسخ في الحكم الكلي كما التزم به النائيني رحمه الله وقد عرفت مخالفتنا للمرحوم في جريان الاستصحاب في جزء الموضوع بخلافه فلا يجريه ( لا فرق بين ما التزم فيه المحقّق النائيني في الموردين وبين ما اختاره سيّدنا الأستاذ إلاّ في جريان الاستصحاب في جزء الموضوع بخلافه وذلك واضح بعد ان جعل الفسخ في هذه كالنسخ في الحكم الكلي وكذا يجري الاستصحاب كما لعلّه صرّح به فيما إذا تبدّل حال الموصي والموصي له بعد تحقّق الوصيّة وحصل الشكّ في بقاء العقد على حاله كما لا يخفى وجهه فتدبّر .

تذنيب: لا بأس ببيان مثال تمثل به النائيني رحمه الله(1) في بيان تعدّد موضوع الاستصحاب وموضوع الدليل وذلك لأن موضوع الدليل لا يشمل موضوع الاستصحاب وإلاّ لم نحتج إلى الاستصحاب فان موضوع الدليل كفرضه في مثال الحطب الذي صار فحما هو الحطب ورتّب حكما عليه كالحرمة والطهارة فانّه لا اشكال في مباينة الفحم عرفا للحطب .

ص: 350


1- . فوائد الأصول 4/469 - 470 .

فاذا قيل الحطب حكمه كذا لا يتوهّم أحد شموله للفحم ثمّ اذا تبدّل هذا الحطب بالفحم شككنا في بقاء حكمه من الحرمة والطهارة فنريد تعميم موضوع الدليل بالاستصحاب اذ موضوع الاستصحاب حسب نظر العرف فيه توسعة لا يكون تلك التوسعة في موضوع الدليل .

فعلى هذا بمناسبة الحكم والموضوع يفهم ويعلم ان موضوع الطهارة والحرمة هو ذات الحطب الا انه اذا تبدل هذا العنوان يشكّ في بقائه لاحتمال دخل الوصف الزائل في الحكم بحيث لا يبقى بعد ذهابه وزواله فهنا حيث يرى العرف الفحم الباقي هو الحطب الذي كان موضوعا لحكمه فلا اشكال في صدق نقض اليقين بحكم الحطب بالشكّ لو لم نجر على الفحم الحكم الذي كان ثابتا له بحسب دليله والمناط في جريان الاستصحاب هو ذلك فانّه لابدّ من صدق نقض اليقين بالشكّ حسب ما يرى العرف بقاء الموضوع الذي تشخيصه منوط بنظره وفي ما نحن فيه من مثال الحطب حيث ان أركان الاستصحاب تامّة فلا مانع من جريان الاستصحاب مع ان موضوع الدليل غير موضوع الاستصحاب .

وكلّ هذا بعينه يجري في محلّ الكلام من الزبيب الغالي لصدق النقض

بالشكّ لليقين عليه اذا لم نجر على الزبيب اذا غلا الحكم الثابت على العنب وإن كان عنوان الحكم وموضوعه هوخصوص العصير وماء العنب إلاّ انّه لا بأس حسب اقتضاء الاستصحاب اسراء الحكم إلى الزبيب أيضا لما يرى العرف انّه هو ذات الجسم الذي ثبت له الحكم المشكوك في بقائه فلا محالة يجري الاستصحاب ولا مانع إلاّ من ناحية بقاء الموضوع وهذا لا يختصّ بهذا القسم من الاستصحاب بل يجري في الاستصحاب التنجيزي أيضا لأنّ الوصف والحالة

لابدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع

ص: 351

الزائلة إن كان دخيلاً في الاستصحاب موضوعا أو غير دخيل فلا يجري الاستصحاب وإن كان مشكوكا فيكون الموضوع مشكوكا وعلى كلّ لا يجري الاستصحاب وعلى هذا فلا فرق بين الاستصحاب التنجيزي والتعليقي فان الحكم التعليقي أيضا يكون موردا للاستصحاب فكما انّه يجري الاستصحاب في التنجيزي في ما إذا شككنا في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود وكذا من جهة النسخ فكذلك الكلام في التعليقي وإلى ذلك التقريب ينظر من يقول بجريان الاستصحاب التعليقي(1) وإلاّ فلابدّ من اختصاص أخبار الاستصحاب بموردها من الشكّ في نقض الوضوء وهو خلاف ما استفدنا من عمومها لكلّ مورد وانّه لا خصوصيّة للوضوء فحينئذٍ يجري في ما إذا تبدّل وصف من أوصاف الموضوع وصار منشأً للشكّ في زوال الحكم بل وكذا باب النسخ فانّه لابدّ في تشريع الحكم واثباته من غرض في الجعل ولو الامتحان وذلك يستلزم مرور زمان ثمّ بعد ذلك يكون مورد النسخ لخصوصيّة زمانا أو زمانيّا كما انّه يحتمل أن يكون من هذا القبيل نجاسة الناصبي فيكون بيان الناسخ لطهارته في زمن الأئمّة علیهم السلام فهذا أيضا يرجع إلى تغيّر الوصف والحالة من حالات الموضوع .

هذا كلّه على تقدير ان يكون لاستصحاب عدم النسخ أساس وإلاّ فكما سيجيء في مقامه انّه لا حقيقة له بل ذلك من التمسّك بالاطلاق .

هذا غاية ما يقال في تقريب الاستصحاب التعليقي . فعليه لا فرق بينه وبين

ص: 352


1- . يجري عند المحقّق الآقا ضياءالدين العراقي شيخ مشايخنا . نهاية الأفكار 4/162 - 166 وعند السيّد الجليل الحكيم حقائق الأصول 2/468 وما بعده والسيّد الخوئي مصباح الأصول 48/168 - 164 - 165 في العقود التعليقيّة في المتن ولا يجري في مسئلة الزبيب والمحقّق البجنوردي منتهى الأصول 2/466 وما بعده لا يجريه قطعاً .

الاستصحاب التنجيزي وكلّ هذه الموارد يجري فيها الاستصحاب بلا اشكال إلاّ انّه قد يعارض هذا الاستصحاب على تقدير جريانه الذي لا نقول به باستصحاب الحلية والطهارة الثابتة لهذا الزبيب قبل الغليان سواء كان منشأ الشكّ في بقاء الطهارة والحلية هو الغليان ومنشأ الشكّ في جريان الاستصحاب التعليقي هو زوال الوصف أو كان منشأ الشكّين أمرا واحدا وهو زوال الوصف فانّه لو لا ذلك فكان العنب إذا غلى يحرم وينجس فالسبب في الشكّ هو زوال الوصف والاستصحابان في عرض واحد لا يشمل كليهما دليل الاعتبار ولا أحدهما معينا للترجيح بلا مرجح ولا غير معيّن وهذا معنى المعارضة فيرجع إلى أصل الطهارة والحلية في مشكوكهما اذا غلى عصير العنب ولكن قد يمنع المعارضة ويقال في وجه عدم التعارض ما عن بعض المحقّقين ( هو الميزرا أو غيره ) بأن منشأ الشكّ في بقاء الحلية والطهارة هو الشكّ في ان عصير الزبيب هل ينجس ويحرم بالغليان أم لا الذي هو موضوع الاستصحاب التعليقي فاذا جرى الاستصحاب التعليقي فلا يبقى مورد للشكّ في جريان الاستصحاب الفعلي في الطهارة والحلية كما هو الشأن في كلّ استصحاب حاكم على غيره لأن شمول الدليل الحاكم فعلي بلا توقّف على شيء وفي المسبب على تقدير عدم شمول الدليل الحاكم ( ولا يتوجّه على هذا جريان المسبب باصله ونتيجته نجاسة الماء المشكوك الطهارة في ما إذا غسل به الثوب المستصحب النجاسة وقد بيّن جهة تقديم الاستصحاب الحاكم على المحكوم واشترط في ذلك أن يكون المسبّب من ما يترتّب شرعا على السبب ويكون ترتبه شرعيّا وإن كان مرجع الشرطين إلى أمر واحد فاذا كان كذلك فيجري الاستصحاب السببي وبه ينتفي موضوع الاستصحاب المسببي )

ص: 353

وقد بيّن ضابط الحكومة في محلّه والفرق بينها وبين الورود فانّ الحكومة كما عرفها الشيخ أن يكون أحد الدليلين متعرّضا لشيء لا ينفيه الآخر ويكون مذهبا لموضوع الدليل الآخر .

توضيح وتكميل: قد ذكرنا تقريب تعارض الاستصحابين وأشرنا إلى الجواب اجمالاً بأن يكون الاستصحاب التعليقي حاكما على الاستصحاب الآخر وضابط الحكومة سواء كان في الأصلين أو في الامارتين أن يكون أحدهما متعرّضا لشيء لا يتعرّض له الآخر أو يثبت شيئا لا ينفيه الآخر وبعبارة اخرى يكون لأحدهما الاقتضاء وللآخر لا اقتضاء له كما في قولك لا أدري .

مع قول الآخر أنا أدري انّ زيدا مثلاً فعل كذا وهذا يتّضح غايته في ما اعتاد التمثيل به لحكومة أحد الأصلين على الآخر من جريان استصحاب طهارة الماء المغسول به الثوب النجس في مورد تقدّم الأصل السببي على المسببي .

فان استصحاب طهارة الماء إذا جرى يثبت له الآثار المترتّبة على طهارته من عدم الانفعال إلاّ بالتأثّر وحصول طهارة المغموس به إذا كان كرّا أو كان قليلاً مع حصول باقي الشرايط من ورود الماء على النجاسة فان هذا من الشرايط وحصول العصر اللازم بقدر ما يتعارف بحيث لا يضرّ بقاء شيء من الرطوبة وإن كان يتوجّه على هذا اشكال ان الماء النجس الذي حصل له التنجّس بسبب وصوله إلى النجاسة كيف يمكن أن يصير طاهرا بالعصر حيث ان طهارة المغسول بذهاب الغسالة على المتعارف كما انّه يتوجّه أيضا اشكال آخر وهو ان الماء بعد وصوله إلى المحل يتنجّس فكيف يمكن أن يكون مطهّرا .

إلاّ انّه قد اجيب عن هذين الاشكالين وغيرهما في محلّه لقيام الدليل وإنّ

تعارض الاستصحابين

ص: 354

النقص في مثل الغسالة يكون مطهّرا كما انّ النقص في ذهاب الثلثين يكون كذلك لو قلنا بالنجاسة وهكذا إذا شككنا في بقاء كريّة الماء فبعد جريان الاستصحاب يترتّب عليه آثاره الثابتة في الدليل الشرعي على الضابط المعلوم في ذلك وهو أن يكون الترتّب والأثر شرعيّين ويكون أحد الأصلين سببا والآخر مسببا كي يزول الشكّ في المسبب بجريان الأصل في السبب بعد ان كان المسبب من الآثار المترتّبة على السبب وهذا كما في هذا المثال بخلاف عكسه فان استصحاب نجاسة الثوب .

لا يكون متعرّضا لنجاسة الماء بل يكون ساكتا عن ذلك بخلاف الاستصحاب الجاري في الماء المسبوق بالكريّة أو بالطهارة فان معنى بقاء كريّة الماء وطهارته شرعا هو منشأيّته للآثار المترتّبة عليه كذلك ومنها ذهاب نجاسة الثوب النجس إذا غسل به على الشرايط الآخر وبعد جريان الأصل في السبب لا بقاء للمسبب لعدم قدرته على المعارضة وهكذا يقال في ما نحن فيه فانّه بعد أن جرى الاستصحاب التعليقي يثبت انّ الزبيب وماء الزبيب بل أو العنب في كلّ أطواره ومنه الطور الزبيبي اذا حصل له الغليان ينجس ويحرم والاستصحاب الجاري في الحلية مقتضاه انّه طاهر وحلال الا ان ذاك الاستصحاب بدليل اعتباره يبين غاية هذا الاستصحاب وانّه ما اذا لم يحصل له الغليان لأن بالغليان يصير نجسا فتعرض لشيء لم يتعرّض له الاستصحاب الآخر .

إن قلت: لا اشكال في ان اثبات أحد الضدّين بالأصل لا يوجب نفي الآخر كما انّ العكس كذلك بل يكون هذا من الأصل المثبت الذي لا تقولون به مع ان جريان الاستصحاب التعليقي غايته ان العنب في ساير أطواره وأحواله ومنها

تقدّم الاستصحاب التعليقي على التنجيزي

ص: 355

حال كونه زبيبا إذا غلى ينجس فاذا حصل له الغليان يكون فعليّا لكنّه لا يثبت عدم الحليّة وعدم الطهارة كي يكون نافيا للاستصحاب الجاري فيهما ويكون هذا الاستصحاب مذهبا لموضوعهما بل لعدم كون عدم أحد الضدّين بوجود الآخر من الآثار المترتّبة شرعا على وجود الآخر بل إذ ذلك من اللوازم العقليّة فعند وجود أحدهما لا مجال للآخر وذلك عقلي لا ربط للاستصحاب ولا من شأنه أن يثبته .

وأجاب عن هذا الاشكال المحقّق النائيني رحمه الله(1) بأن ذلك إنّما هو في الاستصحاب الموضوعي وأمّا الحكمي فلا فانّ الموضوعي لابدّ أن يكون مقام تطبيق الكبرى الثابتة للاثر الخاص بخلاف الشبهة الحكميّة كما في ما نحن فيه من مثال الزبيب الذي يغلي فانّه مجهول الحكم ولا يلزم أن يكون هناك أثر شرعي للاستصحاب بل يكتفي بما إذا يكون نفسه أثرا شرعيّا كما في هذا المورد ) .

والتحقيق في الجواب أن يقال لو لم يكن في هذا المورد نتيجة الاستصحاب التعليقي نفي الطهارة والحلية يلزم اللغويّة فللصون عن اللغويّة يكون هذا معنى جعله ( وجعل التحقيق أخيرا سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن معنى النجاسة عدم الطهارة وكذا العكس فاذا ثبت استصحاب النجاسة فان معناه عدم الطهارة وكذا الحلية والحرمة ) .

خلاصة الكلام: عدم ورود اشكال على الاستصحاب التعليقي الا اشكال اثباته اذ ليس من شأن الاستصحاب اثبات ما هو من لوازم المستصحب عقلاً وإنّما يترتّب بسببه اللوازم الشرعيّة إلاّ ان دفع هذا أيضا ظاهر بأن معنى الحرمة عدم الحلية شرعا وكذا النجاسة معناها عدم الطهارة فالأصل الذي يثبت الحرمة

ص: 356


1- . فوائد الأصول 4/476 - 477 .

والنجاسة يكون بمقتضى دلالته حاكما على الأصل الذي في فرض جريانه يثبت الطهارة والحلية .

التنبيه السابع: في استصحاب الأحكام الثابتة في الشرايع السابقة وقبل ورود البحث ينبغي التذكر إلى انّه لا وجه لتوهّم عدم وجود موضوع لهذا الاستصحاب على تقدير تماميّته بعد أن صارت كتبهم بحيث لا يمكن الاطمئنان بها وإن ما فيها إنّما هي شرايعهم لأنّه لا ينحصر طريق الاثبات بذلك بل ورد في أخبار فضلاً عن القرآن الكريم موارد متعدّدة لبيان أحكامهم وإنّ هذا الحكم كان عليهم كما انّه ورد تكليفهم بأحكام شاقّة عليهم وارتفع مثلها عن هذه الأمّة المرحومة .

وعلى كلّ حال فهذا الاستصحاب عبارة عن استصحاب عدم نسخ الحكم الكلي المجعول في الشريعة السابقة ولازم ذلك ثبوته على المكلّفين والمتديّنين بملّة نبيّنا محمّد صلی الله علیه و آله ومنشأ الشكّ في هذا الاستصحاب هو مرور الزمان الذي تقدّم انّه أحد وجوه الشكّ في بقاء الحكم الجاري فيه الاستصحاب فانّه حينئذٍ يستصحب الحكم الكلي لان الحال لا يخلو من أحد وجوه . اما أن يعلم بعدم النسخ أو بالنسخ فلا مجال للاستصحاب فيبقى الصورة الثالثة وهي الشكّ فيه فيجري الاستصحاب وهذا مع قطع النظر عن الاشكال والبيان الذي لنا في استصحاب عدم النسخ فانّه لا أصل له وليس إلاّ التمسّك باطلاق الحكم إلاّ انّهم غفلوا عنه ولم يجعلوه وجهاً ولم يجيبوا عن هذا .

ولا يتوجّه على هذا الاستصحاب اشكال إلاّ من جهتين أحداهما عدم بقاء الموضوع والثاني العلم الاجمالي بورود النسخ في أحكام الشريعة السابقة فكيف

استصحاب أحكام الشرايع السابقة

ص: 357

يستصحب مع هذا العلم .

تقرير الوجه الأوّل انّه لا اشكال في اشتراط جريان الاستصحاب باتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة مع الأثر الشرعي واتّصال زمان اليقين بالشكّ فلابدّ أن

تكون القضيّتان متّحدتين موضوعا ومحمولاً بل اتّحاد الموضوع هو الركن الأعظم من الاستصحاب وهذا مفقود في استصحاب عدم النسخ للأحكام الثابتة في الشريعة السابقة اذ لم يبق منهم أحد حتّى يكون موردا للحكم ويجري في حقّه الاستصحاب وما ثبت في حقّهم اسرائه إلى الموجودين بعدهم والمتديّنين بشريعة نبيّنا صلی الله علیه و آله يكون من اسراء الحكم إلى غير موضوعه . هذا .

ولا يخفى ما في هذا الوجه من النظر كما لا يخفى ان مبنى ذلك على كون الأحكام على نحو القضايا الشخصيّة وأن يكون مثلاً قد أخبر الشارع بأن عند وجود كلّ فرد من أفراد المكلّفين ينشأ حكما مختصّا به ويكون أمر هذا الجعل بيد النبي أو الوصي عليهما السلام قرنا بعد قرن وجيلاً بعد جيل إلى أن يصل إلى زمان النبي ذى العزم ثمّ إلى خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وهكذا إلى خاتم الأوصياء عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف ومن المعلوم ان عند موت من وضع وأنشأ عليه التكليف الكذائي لا مجال لبقاء الحكم ويكون ثبوت واثبات هذا الحكم إلى غيره اثبات حكم موضوع لموضوع آخر كما هو واضح لا خفاء فيه .

هذا مضافا إلى عدم وجه لجريان الاستصحاب للشكّ في أصل الجعل كي يستصحب الحكم .

وذلك لأنّ الأخبار ليس إنشاءا للحكم فيمكن حينئذٍ إن كان هناك مانع من الجعل في حقّ هذا الذي وجد في الخارج ولا مجال لتوهّم جريان اشكال النسخ

ص: 358

في هذه الصورة فانّه إنّما يكون عند اتّحاد الموضوع والمحمول وانحصار الشكّ بنشأه من ناحية مرور الزمان وإلاّ لا يكون من الشكّ في النسخ .

أمّا إذا قلنا بجعل الأحكام على نحو القضا الحقيقيّة وبتقدير وجود الموضوع خارجا وحصول انطباق العنوان الكلّي على الفرد والمصداق خارجا يصير الحكم المنشأ التقديري فعليّا لفعليّة وجود الموضوع كما في نحو انّه لو وجد شيء في الخارج وكان انسانا فهذا حيوان في نحو الانسان حيوان .

وعلى هذا فعند جعل الأحكام في غير الأزل الذي يقول به المحقّق

النائيني(1) لعدم مساعدة الاعتبار له يلاحظ ما يكون دخيلاً في موضوع الحكم من الأوصاف والعناوين ويجعل وينشأ الحكم كليّا عليه كما في الوضع العام والموضوع له العام ( الخاص ) بلا دخل خصوص شخص أو خصوص ملّة أو شريعة لعدم نقص في الدين والملّة في كلّ عصر بل الدين واحد عند اللّه وهو الاسلام من زمان آدم إلى الخاتم علیهم السلام غاية الأمر تارة يكون هناك مانع من الجعل والانشاء فلا ينشأ ولا يكون جعل وتشريع فيكتفي بالشهادتين لا ان مثل الصلوات وغيرها من الأعمال صارت في حقّنا ذات مصلحة بخلاف الموجودين في صدر الاسلام بل حسب الاستظهار من مثل وللّه على الناس حجّ البيت(2) الخ وغيره من أدلّة الأحكام والاعتبار استكشفنا ان جعل الحكم على نحو القضيّة الحقيقيّة وانّه عند وجود الفرد لانطباق الكلي والعنوان عليه يكون الحكم فعليّا نهاية الأمر تارة يكون هذا الحكم المجعول موقتا وأخرى مطلقا من ناحية الزمان

ص: 359


1- . فوائد الأصول 4/479 .
2- . سورة آل عمران: 98 .

فيشكّ في ان المورد مثلاً من أيّ القبيل وعند الشكّ في تقييده وتوقيته يجرى مقدّمات الحكمة للاطلاق لأنّه لو أراد التقييد كان عليه البيان كما انّه يمكن نسخ الحكم بعد جعله لمصلحة ولو في ناحية عدة قليلين لتشريع الحكم في حقّهم كي يوطنوا أنفسهم على الاطاعة مثلاً أو غير ذلك ثم¨ ينسخ بعد مدّة وإلاّ فلو لم يكن مكلّف في صفحة التكوين فلا فائدة في أصل تشريع الحكم ثمّ نسخه .

ثمّ ليعلم ان استصحاب عدم نسخ الأحكام الثابتة في الشرايع السابقة على فرض الجريان وعدم توجه الاشكالين كما هو التحقيق وعلى تقدير جريانه وعدم الجواز أو امكان التمسّك باطلاق الدليل لا موضوع له ولا صغرى حيث ان الأحكام الثابتة الباقية تعلّق بها الجعل في شريعتنا وما مثّلوا له من موارد عديدة في الشكّ في النسخ وعدم العلم أو عدم ورود حكمه هنا أو نسخا في شريعتنا لا يخلو من اشكال فالاحرى الاعراض عنه والانتقال إلى .

التنبيه الثامن: في بيان مثبتات الامارات وعدم حجيّة مثبتات الأصول .

ولا يخفى انه لو كان الامارة كما يقول المرحوم المحقّق الخراساني في أوّل كفايته في الأدلّة(1) العقليّة من تنزيلها منزلة القطع ومؤدّاها منزلة المقطوع فلا تتجاوز عن أن يكون بمعنى التنزيل ورتّب الأثر وبهذا المعنى يشكل الفرق بين الامارة والأصل الا انّه رحمه الله رجع عمّا ترشح من قلمه هنا في باب الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي .

ولتوضيح المرام قدّم المحقّق النائيني(2) أمورا في بيان الفرق بين الأصل

الكلام في مثبتات الامارات وعدم حجيّة مثبتات الأصول

ص: 360


1- . كفاية الأصول 2/20 - 21 .
2- . فوائد الأصول 4/481 وبعده .

والامارة موضوعا ومحمولاً وجعل الفرق الموضوعي ثلاثة وإن كان الثالث يرجع إلى الفرق الحكمي .

أحدها ان الشكّ مأخوذ في موضوع الأصل دون الامارة فان فيها لم يؤخذ إلاّ ظرفا لاستحالة التعبّد بما هو حاصل بالوجدان وإلاّ فلا معنى للامارة فانّه لابدّ

أن لا تكون علما يكون طريقيّته وحجيّته ذاتيّه غير محتاجة للجعل وقوام الأصول وموضوعها بالشكّ كما في دليل الاستصحاب اشارة إلى ذلك .

حيث انّه لا تنقض اليقين بالشكّ ولا يخفى ان المراد بالشكّ مطلق خلاف اليقين فيشمل الظن الذي لم يعتبر ولم يؤخذ في الامارة كذلك كما اشير إليه في عدّة أخبار:

منها: ما مضمونه(1) يونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني .

قال: نعم حيث قرّره على ذلك وإنّما كان سؤاله عن الموضوع كي يفرع عليه أخذ معالم دينه لئلاّ يكون قضيّة شخصيّة . وبالجملة لا فرق في أنحاء الأصول التنزيليّة وغيرها والشرعيّة وغيرها من كون قوامها الموضوعي بالشكّ ( باضافة ظهور دخل كلّ عنوان أخذ في موضوع الدليل لترتّب هذا الحكم عليه وكونه دخيلاً في موضوعه ) .

الثاني: ان فيها جهة كاشفيّة أي في الامارة دون الأصل كما أشرنا إليه في نحو كلّ شيء(2) لك حلال حتّى تعلم انّه حرام ورفع(3) ما لا يعلمون والناس(4)

ص: 361


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/33 من أبواب صفات القاضي بتفاوت يسير .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . مستدرك الوسائل 18 الباب 12/4 من أبواب مقدّمات الحدود .

في سعة ما لم يعلموا أو ما لا يعلمون وأمثالها ان الامارة لا تخلو من كشف الا ان الفرق بالنقص والكمال ففي القطع والعلم جهة الكشف تامّة وليس في الامارة كذلك وارجع الجهة الثالثة والأمر الثالث سيّدنا الأستاذ قدس سره إلى الفرق الحكمي بين الأصل والامارة واستقرّت الآراء على الفرق بين الأصل والامارة بكون مثبتاتها حجّة دونه .

والأمر الثالث: كما في التقريرات(1) حاصله ان الشارع لا حظ جهة الكشف في الامارة والغى احتمال الخلاف فيها .

وأمّا الفرق الحكمي بين الأصل والامارة ان الامارة تقوم مقام القطع في المرتبة الثالثة منه إذ أشرنا إلى ان مراتبه أربعة أحدها الصفتيّة فانّ القطع صفة من صفات القاطع النفسيّة .

أمّا فعل أو اضافة وكيف ولا يقوم مقامه في هذه المرتبة شيء امارة أو أصل والمرتبة الثانية مرتبة الكشف والاحراز لمتعلّقه فانّ القاطع يتوجّه ابتداءً إلى الصورة الحاصلة وثانيا يطبّقها على ما في الخارج وثالثة يجري عليه ويتحرّك نحو مطلوبه أو يفرّ منه كما يتّضح ذلك بما إذا علم العطشان ان الماء في مكان كذا ولا مانع من طلبه فيه وكذا إذا علم ان الأسد بقربه وإن كان في بعض الأحيان يكون قد أخطأ في قطعه الا ان الجري العملي والتحرّك لا ينفكّ عنه ولازم له والمرتبة الرابعة مرتبة التنجّز وفي هذه المرتبة يشارك الامارات والأصول طرا بخلاف الأولى فانّها مختصّة به والثانية فيقوم مقامه الامارات بأدلّة اعتبارها والثالثة فتختصّ بالأصول أيضا إلاّ بعضها كما أشار إليه الشيخ فيقوم مقام القطع في

الفرق بين الامارة والأصل

ص: 362


1- . فوائد الأصول 4/482 .

المرحلة الثانية ( كما استفيد من كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره ولعلّه لا يقول به ) والمستفاد بل المصرّح به في كلامه فيما سبق والمحمول على الظن ومطلق الامارة بالنسبة إلى المرتبة الثانية من القطع إمّا أن يكون الحكم التكليفي ووجوب العمل على وفق الامارة والسلوك إلى ما يذهب بالمكلّف كما هو مرام الشيخ رحمه الله وإمّا أن يكون تنزيل المؤدّى منزلة الواقع والقطع ورتّب الأثر وإمّا أن يكون مبنى تتميم الكشف أو جعل الطريقيّة والحجّيّة للطريق وبعبارة اخرى الوسطيّة في مقام الاثبات أو يكون منجزيّة الاحتمال ولكلّ من هذه المباني خطب طويل قد فصل وشرح في محلّه ولا أساس لها إلاّ منجزيّة الاحتمال فيكون لها أساس وأصل .

توضيح وتتميم: قد فرّق بين الأصل والامارة موضوعا ومحمولاً أمّا موضوعا فهو بما ذكرنا عنه قدس سره من أخذ الشكّ(1) في موضوع الأصل دون الامارة فانّ الشكّ فيها ظرف وذلك لعدم المعقوليّة التعبّد في مورد العلم فلابدّ أن يكون الامارة في مورد الشكّ ويكون ظرفا لها .

والفرق الثاني أيضا ما تقدّم من أنّ الامارة فيها جهة كشف بخلاف الأصل فلا كشف فيه أصلاً .

ص: 363


1- . والسيّد الجليل العلاّمة الخوئي قدس سره ناقش عدم أخذ الشك في موضوع الامارة ورأها مقيدة بالجهل بالواقع لباً وبعد أن تسلّم عدم دلالة أدلّة الاستصحاب على التعبّد بالآثار الشرعيّة المترتّبة على اللوازم العقليّة والعادية لم ير أدلّة حجيّة الخبر حيث ان الخبر والحكاية من العناوين القصديّة أخباراً عن لازم الشيء الاّ إذا كان لازماً بالمعنى الأخص أو لازماً بالمعنى الأعم مع التفات المخبر في الأخير إلى الملازمة ولا يكون الأخبار عن الشيء اخباراً عن لازمه الأعم مع عدم التفات المخبر إلى الملازمة مصباح الأصول 48/182 - 184 وهذا المبنى وإن كان قويّاً لكن لعلّه لا يثمر في الأخبار لالتفات المخبر وهو المعصوم علیه السلام إلى لازم كلامه فتدبّر .

غاية الأمر لا يصل كشفها إلى كشف العلم ودونه ولم ينسدّ احتمال الخلاف رأسا والفرق الثالث الذي فرّق به الميرزا قدس سره راجع إلى الجهة الثانية والفرق الثاني فانّه تارة يمكن أن يكون لم يعتن عند الشرع بجهة كشف الامارة وأعطيت جهة الموضوعيّة كما في البينته في بعض الموارد .

أمّا الفرق المحمولي فان الآراء اختلفت في الامارة اختلافا شديدا فعن ظاهر بعض كلمات الشيخ قدس سره ان المحمول والمجعول في باب الامارات حكم تكليفي بوجوب العمل على مؤدّاها وذلك يكون منشأ لانتزاع الطريقيّة .

وعلى هذا المعنى فلا فرق بين الأصل والامارة ولا يتفرّع عليه ان مثبتاتها حجّة أم لا وأورد المحقّق النائيني(1) عليه ان هذا الوجوب هل وجوب نفسي أو غيري وإن كان يمكن أن يفسّر كلام الشيخ بما يكون له مآل صحيح بقرينة كلامه في باب الانسداد من قوله رحمه الله ( انّه حكم حكما جعليّا بأنّه هو الواقع وعلى هذا فيكون الهوهويّة ومع ذلك أيضا قابل للاشكال كما تقدّم في محلّه .

وعن آخرين ان المجعول والمحمول هو الطريقيّة وهذه والحجيّة وجعل الوسطيّة في مقام الاثبات أمر واحد .

وقيل أيضا: تتميم الكشف بمعنى ان للامارة مع قطع النظر عن التعبّد

المولوي جهة كشف وارائة للواقع الا انها ليست تامّة وبعد أن ارتضى المولى هذه الطريقة المسلوكة للعقلاء في أمورهم فيمضيها حسب الأخبار الواردة القطعيّة والأخذ بمضمون الأخصّ منها والمستفاد منه حجيّة كلّ خبر ثقة وانه ليس(2)

اختلاف المباني في الامارات

ص: 364


1- . فوائد الأصول 3/105 وما بعده .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/41 من أبواب صفات القاضي .

لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا . كما اذا اخبر زرارة بخبر فانّه يحصل الوثوق بخبره عن الامام علیه السلام وجدانا بحيث يطمأنّ الانسان به ويعتمد عليه ويكون بصدد الجري العملي على طبقه والشارع حسب أدلّة الامضاء امضاه وبالامضاء يحصل الوثوق بهذا الخبر أشدّ وأكثر .

وهذا المعنى عبارة

عن تتميم الكشف وبهذا الوجه يمكن أن يستند إلى الشارع حيث امضاها وقبل هذه الطريقة وهذا الامضاء يوجب ويؤثّر أثرا تكوينا لزيادة الوثوق لا ان الشارع زاد ابتداءً في الوثوق لعدم امكانه فكما انّه لا يمكن جعل ما ليس طريقا طريقا واعطائه الكشف كذلك لا يمكن هذا المعنى بالنسبة إلى المرتبة الثانية من الكشف إذ ما ليس فيه جهة كاشفيّة لا معنى لاعطائه تعبّدا وما اشتهر ان للعلم فردين وجداني وتعبّدي إنّما هو مجرّد لفظ والا فكيف يمكن جعل العلم تعبّدا وهذا لا اشكال فيه ولا ريب يعتريه كي ينزل غير العلم منزلة العلم فانّه يكون حينئذٍ عبارة اخرى عن رتب الاثر والتنزيل مثل ( الطواف بالبيت صلاة )(1) وكان المحقّق النائيني فيما سبق من أبحاثه يبني على تتميم الكشف إلاّ انّه رجع أخيرا وكان ينكر هذا المعنى أشدّ الانكار هذا ولم يغيّر ما كتب من تقرير أبحاثه السابقة .

وهناك طريقتان اخريان أحدهما منجزية الاحتمال وفيها تفصيل والاخرى عدم ورود التعبّد أصلاً في مورد الامارات بل للناس في أمور معاشهم طريقة يسلكونها على الاطمئنان والسكون الذي يليق بأن نسمّيه العلم النظامي مع انه لا تعبّد لهم ولا تنزيل بل بمقتضى فطرتهم يكون مشيهم في ذلك .

ص: 365


1- . مستدرك الوسائل الباب 38/2 من أبواب الطواف .

وعلى ذلك في الأقارير والمكاتيب وساير أمورهم من حيث استقرار بنائهم الارتكازي على الاطمئنان والسكون فاذا اطمأنّوا بأنّ الشخص الفلاني له ديانة تقتضي أن لا يجعل عليه حقّا يستنيونه في الحج ويوجرونه للصلاة وهكذا مشيهم في كلّ باب كما في الملكيّة وساير الأمور المعتبرة عندهم وبعضها روعى فيه جهة اعتبار كالمسكوكات وما أشبهها

ولم يأخذوا في سلوك هذه الطريقة عن بناء وتعبد واجتماع ومدنيّة ولم يجعل الشارع لهم طريقة خاصّة ( ولا تعبدهم بشيء الا انه قبل منهم في الشرعيّات وارتضى لهم سلوك هذه الطريقة وهذا هو المعنى الذي اشتهر عن السيّد لأجله ادّعاء قطعيّة الأخبار وانّها معلومة اذ ذلك بسبب أخبار العدول والثقات والسيرة والطريقة العقلائيّة

في قبال الشيخ رحمه الله حيث أنكر هذا المعنى ( ولعلّه يكون نزاعهم لفظيّا ) .

وقد سبق منّا الاشارة إلى تربع مراتب القطع وان الامارة تقوم مقامه .

نعم إذا كانت مجعولة كما في باب القضاء وبعض الموارد الاخر فيكون بنائها على الموضوعيّة وحينئذٍ الغى جهة كشفها .

الثاني لا غرو في دعوى كون هذا النحو من المشيء والسلوك في طريقتهم

علما وله احراز وكشف وإن لم يصل إلى العلم الاعلائي الذي لا يكون مجال لاحتمال الخلاف فيه بل وذلك هوالسبب في كون مثبتات الامارات حجّة دون الأصول إذ لو كان المجعول في الامارات هو رتب الاثر أو اعطاء الحجيّة إن كان له معنى معقول أو تتميم الكشف فلا يفترق عن الأصل ولا يكون مثبتها حجّة دونه

ص: 366

بل يلزم عدم الاثبات في كليهما .

النتيجة: قد علم ممّا ذكرنا ان الامارة ليست مجعولاً شرعيّا بل هي كالعلم غاية الأمر بالامضاء وبعده فكما ان بالعلم يبني العالم على ما يترتّب عليه من الآثار فكذا إن قامت عنده الامارة يرتّب عليها آثار ما أدت إليه .

كما إذا علم ان هذا الشيء خمر فيرتب عليه الكبرى المعلومة له شرعا ( كلّ خمر حرام ( يستنتج منها ان هذا حرام فكذلك الامارة اذا قامت وأدّت إلى مؤدّاها .

هذا خلاصة الكلام في باب الامارات على ما تقدّم تفصيلاً وإلاّ فليس للشارع في ذلك الباب انّى نزلت الامارة منزلة العلم كما في مثل ( الطواف بالبيت صلاة )(1) وإذا لم يؤدّ الامارة في مورد العلم والاطمئنان ولم توجب السكون وكان الدليل قائما بأخذها فذلك من باب الموضوعيّة وتغيير الواقع هذا .

وأمّا الأصول فليس فيها امضاء الكشف بل إنّما هو البناء العملي على قسميه ما يكون التصرّف فيه للشكّ كالاستصحاب وقاعدة الفراغ وما لا تصرف فيه للشكّ بل يجعل الحكم في ظرف الشكّ وفي صورة بقائه وهي تنحصر مجرى عقلاً بثلاثة البرائة والاحتياط والتخيير فالمجعول في باب الاستصحاب حسب المستفاد من أدلّته السابقة ليس إلاّ البناء العملي على بقاء المشكوك بعد امتناع ارادة المعنى الحقيقي لقوله علیه السلام: ( لا تنقض اليقين أبداً بالشكّ )(2) لانتفاضه وجدانا

بل معناه كما مرّ في بابه اعمل عمل المتيقّن بوجود المشكوك وما يجري في مورده

طريقة العقلاء

ص: 367


1- . مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 من أبواب الطواف .
2- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

الاستصحاب وحيث ان التصرّف التشريعي والتعبّد الشرعي قاصر عن شمول الآثار التكوينيّة واللوازم العقليّة فلذا يقتصر على مورد التعبّد ولا يثبت بالاستصحاب وكذا باقي الأصول الأنفس المتعبّد به بلحاظ آثاره الشرعيّة فكان التعبّد تعلّق ابتداءً بالآثار فمن كان سابقا متطهّرا متيقّنا بالطهارة فشكّ فيها أخيرا

يستصحب الطهارة ومعنى ذلك العمل في هذا الحال كما كان يعمل في ظرف اليقين بوجود الطهارة من الصلاة وكلّ عمل مشروط بالطهارة فحينئذٍ يكون مؤدّى الاستصحاب ترتّب الأثر المترتّب على الطهارة عند وجودها على حال شكّها فيصلّي وإن لم يحرزها فهو يصحّح الرخصة في الصلاة وأمّا الاجزاء وإنّ الأمر الظاهري هل يقتضي الاجزاء فهو غير مرتبط بهذا البحث وقد تقدّم في محلّه وأشرنا في بعض أبحاث الاستصحاب إلى معنى جعل البدل في طول الواقع وهو أن يأتي بالفاقد بعنوان الامتثال فيجتزي به وشبهناه بالقصر والاتمام للمخيّر في مواطنه ولا يخفى عدم امكان الجمع بين بدل الواقع والمبدل وتحقيق وتفصيل الكلام راجع إلى محلّه من مبحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي .

والحاصل ان للشيء المتيقّن لوازم وآثاراً عقلاً وخارجا وشرعا وما ثبت بالتعبّد بالاستصحاب وما يكون بصدد اثباته في ظرف الشكّ بلحاظ الآثار ليس إلاّ خصوص الشرعيّة لما ذكرنا من القصور وإلاّ فيمكن أن يتعلّق التعبّد حتّى بالآثار واللوازم العقليّة والعادية فاذا كان وجود زيد إلى سنة كذا عادة مستلزما لنبات اللحية لا يمكن ترتيبها على الاستصحاب فى ظرف جريانه بل إذا كان له أثر شرعي متعلّق بنفس وجوده يجري استصحاب بقاء حياته بلحاظ ذلك الأثر .

توضيح أزيد: اذا عرفت ما ذكرنا في حقيقة طريقيّة الامارة وامضاء

ما يثبت بالأصل

ص: 368

الشارع لها وانّها كالعلم تعلم انه كما ان العلم بالشيء يوجب بحكم العقل العلم باللوازم والملزومات .

وبعبارة اخرى العلّة والمعلول لها لاستحالة تخلّف العلّة عن المعلول كاستحالة وجودها بلا معلول وكذلك الامارة اذا قامت على شيء كوجود زيد توجب العلم والاطمئنان بوجود اللحية وغير ذلك من الآثار والمعلولات لحياته لو لم يناقش في مثال اللحية في انها من الملازمات لا المعلول للحياة وبالجملة فالعلم بالعلّة يوجب الانتقال إلى حصول العلم بوجود المعلول وهكذا ولو إلى ألف واسطة بحكم العقل وكذلك في ناحية المعلول . الا ان الكلام ومورد الحاجة لعلّه في غالب الأمر إلى الانتقال بالمعلول في ناحية العلل فالامارة التي يكون لها الطريقيّة عند العرف لها ذلك الكشف والسببيّة للانتقال منها بحكم العقل إلى لوازمها وملزوماتها بها وكلّ ما في سلسلة علل مؤدّاها ومعلولها ويكون من اللوازم اللازمة لا من قبيل الاتفّاقيّات .

كما لا يترتّب على وجود المعلوم بالعلم الحقيقي وجود الاتّفاقيّات من اللوازم كذلك لا تترتّب على الامارة وهذا بخلاف الأصول لأن مدارها بيد الشارع وهو من حيث الشارعيّة يجعلها موضوعا لترتّب آثارها الشرعيّة لمواردها والآثار العقليّة ليست بيده من حيث هو شارع فلا تكون مشمولة للجعل فاذا يترتّب على نبات اللحية أثر شرعي فلا يمكن ترتيبه باستصحاب حياة زيد لعدم كون الحكم الشرعي المترتّب على نبات اللحية ولا نفس اللحية من الآثار الشرعيّة المترتّبة على حياة زيد كي تكون داخلة تحت دليل التعبّد .

فالتعبّد بوجود زيد وحياته لا يتعدّى به إلى ذلك ولا يمكن ترتيب الحكم

ص: 369

الشرعي على لحية زيد أيضا على استصحاب حياته بقياس المساواة بدعوى ان الحكم أثر للحية زيد وهي أثر ومعلول نفس زيد فكما ان جزء الجزء جزء كذلك أثر الأثر أثر فاذا ثبت وجود زيد بالتعبّد فلأزمه ان يكون الحكم المترتّب على لحيته أيضا ثابتا .

اذ فيه ان قياس المساواة إنّما يجري في العلل والمعلولات التكوينيّة الطبيعيّة التي لا يتوسّط بين العلّة والمعلول والمؤثّر والأثر ارادة فاعل مختار فبوجود العلّة للمؤثر يوجد المؤثر لاستحالة التخلّف وبعده برتبه نازلة يوجد الأثر وهذا بخلاف باب التعبّد في الشرعيّات لعدم عليّة ومعلوليّة حقيقيّة في البين بل لابدّ أن ينظر إلى دليل التعبّد فان كان قابلاً لأخذ مورد الكلام وإلاّ فلا مجال لهذه

الدعاوي في اثبات المدّعي .

إن قلت: هب ان دليل التعبّد لا يسري به بقياس المساواة إلى اثبات الحكم المترتّب على لحية زيد فأيّ مانع من أخذ الحكم المترتّب من أوّل الأمر بلا توسط ثبوت اللحية أو حياة زيد .

قلت: يشترط في الاستصحاب أن يكون المشكوك تعلّق به اليقين سابقا وهذا الشرط مفقود في ما نحن فيه فأيّ زمان كان لزيد لحية أو حكمها المترتّب عليها متيقّنا كي يجري بلحاظه الاستصحاب في ظرف الشكّ بل كان المتيقّن عدمه فلا مجال للاستصحاب أصلاً كما انّه يقصر دليل التعبّد بأصل حياة زيد عن اثبات مثل هذه الآثار لعدم كونها ممّا بيد الشارع بل لو ثبت في مورد فيكون أخبارا بوجود اللحية وعدمها ولا ربط له بالتعبّد .

فعلم ممّا ذكرنا عدم قصور في ناحية أدلّة الأصول من شمولها الآثار العقليّة

عدم اثبات الأصل غير الأثر الشرعي

ص: 370

والعادية إنّما القصور في نفس الآثار والأصول حيث انّه ليس اللازم العقلي والعادي ممّا أمر وضعه ورفعه بيد الشارع وليس قابلاً للوضع والرفع التشريعي والتعبّد بذلك إلاّ خصوص الآثار الشرعيّة كما انّ في باب الامارات لا معنى لمثبيّتها إلاّ ثبوت اللوازم والملزومات من باب حكم العقل كالعلم في كلّ ما يقع في سلسليّتهما لأنّ النقص إنّما هو من ناحية نفس الأثر والأصل ولو كان ترتّب أثر عقلي في مورد فانّما هو أخبار من باب انّه عالم بالغيب فالانبات في مثال الحيوة ليس أثرا شرعيّا ولم يكن نفسه موردا ومتعلّقا لليقين بوجوده كي يستصحب لأجل الأثر الشرعي عند الشكّ .

ولا يخفى انّه لو تسلسلت الآثار الشرعيّة فكان للأثر أثر وهكذا لأثره أثر لا مانع من شمول أدلّة التنزيل والتعبّد لها بمعنى انّه لا مانع من جعل الشارع وتنزيله ولا يقتصر على خصوص الأثر الذي لا واسطة في ثبوته واثباته للمؤدّي والمجري فلو تسلسلت الآثار كلّها شرعيّة ولو إلى الف أثر يمكن تنزيل الجميع إلاّ انّه لو توسّط في البين أثر عقلي أو عادي فلا يمكن لدليل الأصل والتنزيل أن يشمله ويتعبّد به وبذلك تنقطع السلسلة كما في مثال استصحاب حياة زيد للانبات على فرض ترتّب أثر شرعي عليه فلا مجري للنبات أصلاً .

وينبغي أن يعلم انّه يمكن ترتيب الموجودات بعضها مرتبطا ببعض إلى أن ينتهي إلى موجد واجب الوجود لمثل هذه القاعدة التي أشرنا إليها في اثبات الامارة للوازم والملزومات العقليّة المترتّبة عليها الا انه لا يخفى عدم مجال لطروق باب العلّة والمعلول هناك لاستلزامه وجود تمام الموجودات بعد رتبة الموجد والعلّة لها إذا فرض عدم ارادة وانّ العلّة علّة غير اراديّة إلى غير ذلك من

ص: 371

التوالي الفاسدة . منها كون المخلوقات قديما زمانيّا بل استنتج من ذلك سيّدنا الأستاذ قدس سره كونها قدماء وان الأحسن التعبير في ذلك الباب بالموجد والايجاد .

وهاهنا فروع أشار المحقّق النائيني(1) إليها تنظيرا لعدم مثبتيّة الأصول

وعدم التعدّي عن مورد التعبّد إلى اللوازم .

منها باب الرضاع حيث انّه يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب وان الرضاع لحمة كلحمة النسب فالأخت من الرضاع حيث ارتضعت بلبن المرضعة التي هي اُمّ الطفل الكذائي لو فرض ان لها اختا أو أخا نسبا فلو ثبت بالرضاع وبأدلّته كون هذه الأخت أو الأخ اختا أو أخا لذلك الطفل الذي ارضعت امة المرتضعة اذ لا يشمل المنزلة والتنزيل غير الملزومات ولا يتعدّى به إلى اللوازم للعناوين من أخ الأخ أو أخت الأخ إلى غير ذلك .

تتمّة: ذكر(2) المحقّق النائيني رحمه الله بعد أن حقّق المقام وأدّى حقّ الكلام بعض

الأمثلة توضيحا للمرام من عدم مثبتيّة الأصول للوازم والملزومات دون الامارات .

منها: مسئلة اللباس المشكوك فانّه حسب المستفاد من الأدلّة لا يجوز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه إلاّ انّه إذا شكّ في شيء انّه من أجزائه أم لا بل من أجزاء المأكول فلا اشكال في جريان مثل رفع(3) ما لا يعلم في عدم مانعيّة له بخلاف مثل كلّ شيء(4) لك حلال لنكتة ذكرناها في بحثنا الفقهي في اللباس

من آثار الأصل

ص: 372


1- . فوائد الأصول 4/492 - 493 .
2- . فوائد الأصول 3/490 - 491 .
3- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

المشكوك .

إلاّ ان ذلك لا يلازم حلية لحم الحيوان الذي أجرينا الأصل لجواز الصلاة في أجزائه بل لو شمله الدليل فليس من حيث انه من لوازم هذا التعبّد بل لأنّه موضوع مستقل تمّ بالدليل . ومن ذلك ترتيب الآثار الشرعيّة على البيع أو العقود حكما في باب العقد الفضولي من البيع والنكاح على التحقيق من جواز الفضولي وصحّته فيهما بل وكلّ عقد وايقاع على القاعدة إلاّ العتق والطلاق .

فانّ المسئلة خلافيّة وبناءً على كون الفضولي على وفق القاعدة فيحتاج المخرج عنها إلى دليل كما في هذين الموردين والاّ يحتاج تصحيحه إلى دليل .

وعلى كلّ حال فلو تزوّج امرئة فضوليّا ثمّ أجاز الرجل أو المرئة بعد موت أحدهما مثلاً فبناء على عدم كون الاجازة ناقلة بل كاشفة فتارة يكون المبنى هو الكشف الحقيقي واخرى من باب استحالة انفكاك الأثر عن المؤثّر وتقدّم الشرط على المشروط وتأخّره عنه يقتصر على ترتيب الآثار الشرعيّة لورود الدليل من ناحية الشارع فيترتّب الآثار على المعقودة .

منها: استحقاق الميراث منه أو بالعكس حيث ثبت من الشرع هذا الحكم على مثل الطرفين لهذا العقد الا انه مقصور به على مورد التعبّد وورود الدليل ولا يجوز ترتيب آثار الزنا بذات البعل لو زنى زان بهذه المرئة قبل الاجازة وإن كان دليل ترتّب الأثر(1) من حيث الارث ليس أصلاً بل امارة الا ان الامارة أيضا لا تتعدى عن خصوص موردها للتنزيل بها لشيء من حيث جهة دون تمام الجهات والآثار لذلك لا يجوز التعدّي من الطهارة على الطواف لو كان مثل قوله الطواف

ص: 373


1- . فان بناء التعبّدات الشرعيّة على التفكيك بين اللوازم والملزومات .

بالبيت صلاة ناظرا إلى خصوص هذه الجهة من التنزيل وإن كان التنزيل حقيقيّا وليس دليلاً ومورده أصلاً فان المرئة حين الزنا لم تكن ذات بعل حقيقة والاجازة لا تجعلها كذلك والتعبّد والتنزيل وترتيب الآثار لم يثبت لها وعليها من هذه الجهة .

ومنها: ما أشرنا إليه من مسئلة الرضاع فلا يتعدّى إلى الملازمات للعناوين المحرّمة كامّ الأخ والأخت من جهة ملازمة ذلك لأم المكلّف أو زوجة أبيه في بعض الأحيان .

ثمّ انّ في المقام تنبيهات لا بأس بالاشارة إليها:

أحدها: ما عن بعض من الفرق بين الواسطة الخفيّة في الأثر الشرعي على التعبّد به في الأصول فتثبتها وبين الواسطة الجلية بحيث لا يتسامح العرف فيها فلا يثبتها الأصول وعن بعضهم التسوية بين الواسطتين فتثبته أي الأثر في كليهما .

والمحقّق النائيني رحمه الله(1) بنى تحقيق هذا البحث على مقدّمة إن تمّت فلا محيص عن الالتزام بعدم الفرق بين ما كانت الواسطة جليّة أو خفيّة في عدم ترتّب الأثر والاقتصار به إلى خصوص أثر المستصحب والمتعبّد به دون ما هو من آثار لازمه وإن كان خفيا .

وينبغي أن يعلم ان للعرف مسامحات في المفاهيم وفي مقام التطبيق الا انه ما كان راجعا إلى المسامحة في مقام أخذ المفهوم فنظرهم في ذلك هو المرجع وإن تسامحوا بما شاءوا ورأوا وإن كان ذلك في مقام التطبيق وتشخيص متعلّقات الأحكام في مواردها الخارجيّة فلا مجال للمسامحة أصلاً .

لا مسامحة في مقام التطبيق

ص: 374


1- . فوائد الأصول 4/494 - 495.

فالأوّل يحصل من ناحية مناسبة الحكم للموضوع وحفوف القرينة بالكلام بحيث يوجب ذلك ظهور الكلام الجملى والمتحصّل من جهاته في ان الموضوع لذلك الحكم لابدّ أن يكون كذا .

مثاله ما إذا رتّب على الماء المتغيّر النجاسة إذا تغيّر في أحد أوصافه بالنجس فان العرف بما عندهم من المناسبة لا يرون هذا الحكم الاّ محمولاً على خصوص الماء بلا أخذ عنوان التغير في الموضوع فانّ الحكم عندهم عارض على المادّة لا الصورة الخاصّة بحيث اذا زال التغير يزول الحكم بزواله كانتقال دم الانسان أو الحيوان إلى جسم البق فيعدّ من أجزائه ولذا يستشكلون في نحو ما إذا فرض حين المصّ الذي لم يصر بعد جزءا له وكذا إذا رتّب حكم وجوب الزكوة على ما إذا كان الغنم أربعين وان يسوم الحول بأن لا تكون معلوفة وان يكون الكر بالرطل(1) ألفا ومأتين أو المن التبريزي عبارة عن أربعين سيرا فانّ المفهوم في هذه الموارد معلوم عند العرف بحيث لا يجعلون مثل ما إذا نقص جزء من أربعين غنما أو يوم من تمام الحول قمريّا أو شمسيّا أو مثقال من الرطل أو المن موضوعا للدليل حيث ظهر الموضوعات في هذه الأمثلة عندهم للكامل .

والثاني في مسامحاتهم تشخيصا في الموازين والمساحات وباب الاعداد فيعدون من عنده أربعون غنما الا نصفا فانّه للغير مالكا للأربعين وكذا ما علفت في يوم من السنة سائمة فيها وهكذا .

وسر الفرق بين المسامحة في المفهوم والمصداق ومقام التشخيص إن في

ص: 375


1- . هذا إذا كان المراد به الوزن فلا يطابق تقدير الكرّ بالمساحة على أيّ قول سواء كان المسامحة بسبع وعشرين أو ثلاثة وثلاثين أو ستّة وثلاثين أو ما هو المعروف بخلاف ما إذا كان المراد به المكيل فينطبق على المساحة .

الأوّل حصل وتحقّق الامضاء من الشارع وتلقى أمرهم وعملهم بالقبول وإلاّ فلو فهموا غير ذلك وما ليس مرادا للشارع وهو لم يبين لهم يلزم الاغراء بالجهل خصوصا إذا كان الخطاب موجّها إلى من قصد افهامه .

وفي المقام الثاني لم يتحقّق ذلك أبدا لعدم المسامحة من ناحية الشارع بل المسامحة إنّما هي من قبلهم بل في الأوّل أيضا لا مسامحة حقيقة والتعبير عن ذلك بالمسامحة مسامحة فان القرينة والمناسبة بين الحكم والموضوع أدتهم إلى ذلك .

وعلى هذا فاذا ثبت هذه المقدّمة وفازت بالقبول والتلقي لا يبقى مجال للفرق بين نحوي الواسطة لأنّ الخفاء ان أوجب عدّه من مصاديق ما يعدّونه من مصاديقه عرفا من باب سعة المفهوم عند أهله فالموضوع من أوّل الأمر يعمّه بلا احتياج إلى خفاء ولا جلاء وإلاّ فيكون من المسامحة في التطبيق والموضوع شيء آخر ولا مجال لاسراء حكم موضوع إلى آخر فتدبّر جيّدا .

يشهد لما ذكرنا الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة فانّ الأذهان العرفيّة ربما لا ترى دخلاً في ذلك للزاد والراحلة أو لغيرها من الشرايط ولذا بيّن الشارع مراده باشتراطها بما تشترط به .

نتيجة البحث: لا إشكال في اتّباع نظر العرف في المفاهيم واتباع العقل وتدقيقه في التطبيقات والتشخيص الخارجي لموارد الصدق والوجه في ذلك ان ظهور الكلام الجملي بحسب ما يتحصّل بعد جمع أطرافه وحصول معانيه الافراديّة هو المتبع وان القرينة تكون حاكما على ذي القرينة .

بيان ذلك ان مثل رأيت أسدا يرمي له ظهور ان ظهور أفرادي وظهور

اتباع نظر العرف في المفاهيم

ص: 376

متحصّل والأوّل في خصوص المفردات فان معنى الأسد هو الحيوان المفترس ومعنى يرمى الرمي بالنبل هذا حسب استعمال المفردات ووضعها وإن كان يجوز أن يراد بالرمي في بعض الأحيان الرمي بالتراب الا ان هذا الظهور للأسد في الحيوان المفترس اذا انضم إلى ظهور يرمى في الرمي بالنبل ينصرف إلى الرجل الشجاع خصوصا اذا انضمت إليه القرائن الآخر مثل في الصحن أو في الحمام أو المسجد حيث ان هذه القرائن توجب عدم بقاء الظهور الاولى للأسد في الحيوان المفترس وصرفه إلى المعنى الذي يفيده الظهور المتحصّل من جمع أطراف الكلام لحكومة القرينة على ذيها ولذا تسمّى الصارفة وذلك لأنّ القرينة إنّما تكون هي لملابسات أركان الكلام من المبتدء والخبر والفعل والفاعل . وبالجملة العرض والمحلّ وهي توجب تفسير أركان الكلام فلذا تكون حاكمة عليها وإلاّ فيمكن أن يكون ظهور الأسد في الحيوان المفترس مقدّما على ظهور يرمي في الرمي بالنبل فيكون بالتراب هذا .

ومن القرائن التي توجب صرف ظهور مفردات الكلام إلى المعنى المتحصّل الجملي القرائن العقليّة الحافّة بالكلام .

ومنها: مناسبة الحكم للموضوع حسب ما عند العرف من القرائن الموجبة لكون الحكم محمولاً عندهم على الموضوع الكذائي ويشترط في ذلك أن يكون عند جميع أهل العرف لا مثل الواحد والاثنين لانس ذهنهم ببعض المناسبات العلميّة وغيرها .

فذلك لا يكون متّبعا والانصاف ان هذه القاعدة والبيان لا مجال لانكارها الا ان الشأن في الصغرى لها وانه هل يوجد في الفقه مورد يكون مناسبة الحكم

ص: 377

للموضوع أوجبت توسعة في المفهوم أو ضيقا . لا يبعد أن يكون مثل لعن اللّه بني اميّة قاطبة مثالاً في وجه لما نحن فيه وإن كان القرينة العقليّة أوجبت عدم ارادة المؤمن منهم ولو كان أتى بلفظة قاطبة لكن في هذا المثال خدشات معروفة فيمكن كشف عدم الايمان من هذا في أيّ واحد منهم . على انّه يقع الكلام في جواز لعن المسلم وإن لم يكن مؤمنا باصطلاحنا الخاص هذا .

وأمّا لو تبيّن المفهوم العرفي وما هو الموضوع للحكم عند الشارع فالتطبيق إنّما هو بالتدقيق . مثاله اذا استفدنا من الأدلّة اعتبار أربعة فراسخ في الذهاب والخروج عن حدّ الترخّص وكان المسافر جامعا لشرايط القصر وسافر فيجب عليه القصر الا انه لو نقص شيء من ما قدر تحديدا للمسافة والثمانية فراسخ أو أربعة ذهابا مثلاً من الاميال وان يكون الميل كذا ذراعا والذراع عبارة عن كذا اصبع وقدر الاصبع إلى أن جعل ذلك بالشعرة فلا ريب في مسامحة العرف في عد الناقص بمقدار أربعة وثمانية إلاّ انّه حيث بين المفهوم وشخص الموضوع للحكم فلا يجوز ترتيب حكم الأربعة على الناقص ولو بأربعة أصابع وإنّما يتبع نظر العرف في مورد تشخيص المفهوم لوجود القرينة عندهم التي يمكن أن يتّكل الشارع عليها في بيان مراده وإلاّ فيكون من الاغراء بالجهل والفرض انه يجري في عنوان المخاطبة على قوانينها كما ان كلّ عاقل يكون كذلك والا لاخل بمراده ولم يبين مقصوده فيما كان بصدد البيان فنقض الغرض وتسمية هذا من المسامحة مسامحة والا فالمراد به ما ذكرنا وعرفت عدم جهة للخلل في هذا الضابط .

وبعد هذا لابدّ أن ينظر إلى ما ذهبوا إلى ثبوته بالتعبّد من الواسطة الخفيّة فانّها إن كانت بحيث تعدّ عند العرف من موارد وجود الموضوع وان هذا الأثر

نظر العرف في تشخيص المفهوم

ص: 378

لنفس المستصحب حيث يرون فيه سعة حسب مناسبة الحكم للموضوع فلا نزاع غاية الأمر بين القائل مراده بجريان الاستصحاب بل مطلق الأصل لاثبات الواسطة الخفيّة بهذا اللسان وإلاّ ففيه ما ترى فانّه كيف يمكن اثبات أثر لشيء بجريان الأصل في آخر .

وما ذكرنا من ان أثر الأثر أثر مسلّم لعدم جواز التخصيص في القاعدة العقليّة ومن ذلك قياس المساواة إلاّ ان مجراه ليس في التعبّديّات بما سمعته منّا سابقا وكذلك الكلام في ما كانت الواسطة جليّة بل تعدى بعضهم فقال بجريان الأصل واثباته لأثر الواسطة كليّة واجرى الأصل واثبت عليه اللوازم مطلقا .

ثمّ انّ الشيخ رحمه الله ذكر بعض الفروع مثالاً لكون الواسطة خفيّة منها لو وقع الذباب الذي وقع احدى رجليه مثلاً في النجاسة المايعة فصارت رطبة ( بناءً على تأثّر الذباب بالرطوبة وقبوله لها والا فمثال آخر ) على موضع من بدن الانسان وشكّ في انّه كانت رطبة أم لا فيجري في هذا المقام استصحاب الرطوبة ولازم ذلك تأثّر الموضع بالرطوبة ويترتّب عليه التنجّس والاجتناب عنه في الصلاة مثلاً فانّ الواسطة وهي تأثّر الموضع وايجاب وقوعه رطبا للنجاسة والتأثّر عقلي لكنّه ليس جليّا يترتّب أثره على المستصحب .

الا ان هذا المثال يمكن أن يكون من الأصل المثبت الذي قلنا بهذا البيان الأخير بعدم ثبوت الواسطة بالأصل ويمكن أن يكون ممّا أخذ فيه الموضوع مركّبا من الجزء الثابت بالوجدان والاخر الذي يثبت بالتعبّد .

بيانه ان تأثّر المتنجّس بالنجس لو كان بالملاقاة دون السراية فيخرج المثال عن كون الواسطة خفيّة أو جليّة حيث ان الملاقاة حاصلة بالوجدان

ما لو كانت الواسطة خفيّة

ص: 379

والرطوبة بالاستصحاب ولا احتياج في التأثر الا ملاقاة النجس الرطب وهو حاصل من ضم الوجدان إلى الأصل بلا توسّط شيء ولو كان بالسراية فيكون من المثبت لأن وقوع الرطب في الموضع يلازم عقلاً سراية ماله من الرطوبة إلى ما وقع عليه فيتنجّس وهذا من ما يكون الواسطة فيه جليّة بلا خفاء وكيف كان فلا وجه لجريان الاستصحاب فيه بما سمعت .

فالقائل بالنجاسة في المثال إن كان مبناه في التنجّس بالسراية فالالتزام بالنجاسة ممنوع لاشكال الاثبات وإلاّ فقد عرفت انّ الموضوع مركّب بناء على عدمها ولا اشكال فيه . والأمثلة في هذا المقام كثيرة وقد أشرنا إلى المبنيين في ملاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة وانه بناء على التنجس بالملاقاة يسهل جريان الأصل في الملاقى وبناء على السراية يشكل وإن كان التحقيق عدم ابتناء المسئلة على السراية والملاقاة فراجع .

توضيح ما سبق: انه لا ينبغي الاشكال بناء على مبنى نجاسة الملاقى للنجس بالملاقاة في جريان الأصل في مسئلة الذباب بخلاف مبنى السراية وانتقال جزء من النجس إلى المتنجس فان بالاستصحاب لا يثبت الا خصوص مورده وذلك بقاء الرطوبة المشكوك البقاء على رجل الذباب والملاقاة حاصلة بالوجدان والرطوبة بالتعبّد واللازم العقلي لبقاء الرطوبة مع حصول الملاقاة سراية النجس إلى المتنجس وليس كذلك إذا كان الملاقاة سبب التنجّس فانّ الأصل يثبت بقاء الرطوبة والملاقاة حاصلة بالوجدان فيثبت الموضوع المركّب من جزئين على الجزء بالوجدان والآخر بالأصل .

فانّه لا يلزم أن يكون الأثر مترتّبا تماما على المستصحب بل يكفي أن

ص: 380

يكون للمستصحب دخل في الجملة ولا اشكال في دخل جزء الموضوع فيه وفي ترتّب الحكم وليس من الاستصحاب التعليقي الذي تقدّم الاشكال فيه بل الاستصحاب تنجيزي لترتّب الأثر التنجيزي على جزء الموضوع ومن ذلك يظهر الحال في مثل ما لو تيقّن بوقوع ثوبه المتنجّس بعد زوال العين في الحوض أو الحفيرة التي كان فيها سابقا كرّ من الماء أو أزيد إلاّ انّه يشكّ ان حين وقوع الثوب

كان الماء باقيا أم لا ( بل جفّ مثلاً أو أخذ ) فانّ الفرض إن لو كان فيه الماء لا يحتاج إلى العصر بل بمجرّد نفوذ الماء الطاهر في المتنجّس يطهر فيتسصحب وجود الماء في الحوض أو الحفيرة والملاقاة أيضا حاصلة وجدانا ولازمه ان نفذ الماء في الثوب فيطهر فانّه لا وجه لجريان الاستصحاب في هذه الموارد طرا بناءً على عدم جريانه في ما يكون من اللوازم العقليّة والعادية لبداهة عدم كون الأثر في هذه الموارد أثرا شرعيّا بل في مثال الذباب لزومه عقلاً جلى لا خفاء فيه بناء على السراية وكذلك مسئلة الملاقاة والنفوذ في المثال الثاني فاما أن لا يقال بجريان الأصل المثبت ولازمه عدم جريان الأصل والاستصحاب في هذه الموارد لما ذكرنا من كون اللازم غير شرعي ولا خفاء فيه ولو كان أيضا لا مجال فيه بعد ما عرفت أو يلتزم بكون الاستصحاب امارة عقلائيّة فيمكن ابتناء كلام القدماء في مثل هذه الموارد على ذلك .

وامّا أن يجري الأصل المثبت ولا مانع من جريانه فيعمّ جميع الموارد ولا وجه لاختصاص بعضها دون بعض . كما ان جريان الاستصحاب في المثال الأوّل واضح بناء على كون عنوان المتنجّس ذا حكم مستقل تحت موضوع خاص ولا يكون بنائه على السراية على ما عرفت .

الفرق في تنجّس الملاقى بالملاقاة أو بالسراية

ص: 381

ومنها: مسئلة أوّل الشهر الذي كثيرا ما يتّفق في مثل شهر رمضان وشوّال وفي غيرهما خصوصا في مثل ذي الحجّة وعلى كلّ وإن كان الأمر في مثل شهر رمضان وشوّال سهلاً من جهة الافطار والصوم حيث انّ المناط بالرويّة فيهما لأنّه يفطر بالرؤية ويصوم لها لكن لابدّ أن يقع البحث في المسئلة كليّا لأخذ عنوان أوّل الشهر موضوعا بل في مثل الثامن من ذي الحجّة لو كان اليوم الأوّل معلوما فالثاني أيضا معلوم إلى الثامن والتاسع وهو يوم عرفة ولذلك نفع في بعض الاوقاف المعينة المصرف في أيّام من السنة والشهور الخاصّة .

والحاصل انّه تارة يقال ان الأوّل هو اليوم الذي لم يكن مسبوقا بمثله أو يوم مسبوق بضدّه فيكون أوّل الشهر مركّبا من جزئين يوم نحو مفاد كان التامّة وعدم المسبوقيّة فاذا شككنا انّ هذا اليوم من الشهر المنصرم أو الشهر القابل أو من شهر ذي القعدة أو ذي الحجّة فلا اشكال في ان الغد لهذا اليوم من ذي الحجّة لأنّه في الواقع امّا أوّل الشهر أو ثانيه إلاّ انّه لم يعلم انّه الأوّل فيستصحب عدم مسبوقيّته بمثله ولا اشكال حيث ان الموضوع مركّب ولم يؤخذ عدم كونه مسبوقا بمثله نعتا كي يستشكل في تصوّر المتيقّن لوجود الحالة السابقة في العدم المحمولي وجريان الاستصحاب لأجله عند الشكّ .

وهذا بناء على كون الموضوع مركّبا جزء من الوجدان وما ثبت بالأصل واضح لا سترة عليه ويترتّب على ذلك كون اليوم الغد اليوم الثاني وهكذا إلى الثامن والتاسع فان الغد من ذي الحجّة بلا اشكال وهو لم يكن مسبوقا بمثله ولو بالاستصحاب فالجزء محرز بالوجدان والآخر بالأصل ولا واسطة خفية أو جلية بل لا نحتاج إلى استصحاب ذي القعدة ولا اتّضاح حال يوم الشكّ .

ص: 382

لكن الكلام في كون الموضوع مركّبا فان الظاهر أن لا يكون هذه التعبيرات مفهوم الموضوع بل ما يتصوّر عند الواضع هو العنوان البسيط في غير ما يكون عنوانا مشيرا كالصلاة إلى الاجزاء الخاصّة وتكون موضوعا للحكم وحينئذٍ فيكون الأوّل كالاسبوع معنى بسيطا وعنوانا يكون عدم المسبوقيّة بالمثل أو المسبوقيّة بالضد موجبا لحصوله وإذا كان المفهوم بسيطا وعنوانا منتزعا عن منشأ الانتزاع ممّا يكون مؤدّى الأصل هو المنشأ واستصحاب عدم مسبوقيّة هذا اليوم بمثله بعد فرض اليوم لازمه العقلي ان هذا اليوم هو اليوم الأوّل اذ لم يكن الأوّل موردا للاستصحاب بل وجود اليوم وعدم المسبوقيّة بمثله وحينئذٍ فيشكل اثبات أوّل الشهر في غير شهر رمضان وشوّال حيث ان مضيّ العدّة من الأيّام والرؤية مغني عن تكلّف البحث لغيره .

والنتيجة عدم امكان جريان استصحاب عدم مسبوقيّة اليوم من شهر شوّال لاثبات انّه أوّل الشهر فاذا كان الاوّل موضوعا لحكم فيشكل ذلك وفي شهري رمضان وشوّال حيث ان قوله علیه السلام ( صم للرؤية وافطر للرؤية ) موجود يسهل الصوم والافطار ويبقى باقي الأحكام المترتّبة على شهر رمضان في أيّامه كساير الشهور لا يمكن جريان الاستصحاب لأجلها على ما عرفت .

ومن الفروع التي توهّم أو قيل بابتنائه على الأصل المثبت مسئلة ما لو أسلم الوارثان لميّت أحدهما في شهر شوّال والآخر في شهر ذي القعدة وقد علم ان موت المورث كان بعد شوّال لكن لم يعلم ان اسلام الوارث الثاني تقدّم على الموت أو الموت تقدّمه فاذا كان الأوّل فلا اشكال في ان المال بينهما نصفان لموته وكان له وارثان مسلمان سواء كان المورث مسلما أو لا وإذا كان الموت تقدّم

ما إذا كان الموضوع مركّباً

ص: 383

الاسلام فلا فائدة فيه ولا ارث .

نعم إذا كان الوارث متعدّدا فاسلم من يرث في طبقتهم قبل القسمة فيكون معهم إلاّ أن ذلك لا يفيد فيما لو كان الوارث واحدا فانّه لا قسمة ولو شكّ في انّ الاسلام كان قبل القسمة حتّى يؤثّر في اشتراكه في الارث أو بعدها كي لا يرث فلا يفيد الاستصحاب لعدم القسمة بعد تيقّن اسلامه حين الشكّ في القسمة لعدم اثبات العنوان الانتزاعي وهو القبليّة بالاستصحاب .

وهذا الفرع يبتني على ما سيحقّق إن شاء اللّه في التنبيه الآتي ويبيّن هناك ضابط التركيب والتقييد فانّه لا اشكال في ان الموضوع في ما نحن فيه لو كان مركّبا من موت المورث واسلام الوارث الثاني .

فلا اشكال في استصحاب حيوة المورث إلى ما ينقض فيه باليقين أو يستصحب الحيوة إلى حين اسلامه مع بقاء اسلامه فيما بعد اليقين بالموت فيكون الموت في حال اسلامه ويجتمعان في الزمان بلا دخل لعنوان الاجتماع في ذلك أصلاً بل من حيث ان الزماني لايمكن وقوعه في غير الزمان فلا محالة يجتمعان ولا يكون أحدهما وصفا للآخر ولا قيدا ( الا ان هذا الفرض حيث لا يكون الموت مؤدّى الاستصحاب ولا يكون أثرا شرعيّا للحياة لا فائدة فيه ويكون مثبتا لكون الموت حين الاسلام ولو بناء على مجرّد الاجتماع بلا دخل لعنوانه فيه الاّ أن يقال ان الموت عبارة اخرى عن عدم الحياة فالى أيّ زمان جرى استصحاب الحياة معناه التعبّد بعدم الموت وبعده يكون الموت والاسلام بالاجتماع للعلم به وجدانا ) .

فبناء على التركيب يمكن فرض اثبات الموضوع بالأصل لجزئه وهو

في تقدّم موت الوارث أو المورث

ص: 384

الموت ( على اشكاله كما سمعت ) والوجدان للاسلام .

وأمّا بناء على كون موضوع الارث الموت عن اسلام الوارث أو بدخل عنوان التقارن أو التقدّم وأمثال ذلك من العناوين الانتزاعيّة فلا فائدة في الاستصحاب لعدم اثباته للوازم العقليّة والعادية ولا يجري حتّى في ما يكون الواسطة خفيا كما ان في عكس الفرض لا اشكال في جريانه وعدم ارث من لم يعلم تقدّم اسلامه على موت المورث مع معلوميّة تاريخ الموت الا ان يثبت من دليل خارجي ظاهر قوة الظهور عدم دخل التقييد والوصف في ما يكون ظاهر الدليل اعتبار ذلك وكذا في العكس بأن يقوم دليل ظاهر الدلالة على دخل العنوان الانتزاعي في ما يكون ظاهر دليله التركيب .

ولا اشكال في امكان تصوّر دخل منشأ الانتزاع في مورد بلا دخل للعنوان الانتزاعي كما في ما نحن فيه فأيّ مانع من أن يكون الحكم مرتّبا على موت المورث في حين اسلام الوارث بلا دخل لهذا القيد لا أن يكون له دخل العدم ولا الدخل للأعم حتّى انّه لو مات في يوم الأحد والاسلام بعده مثلاً لا بل بنحو نتيجة القضيّة الحينيّة وإن لم يكن له دخل على نحو دخل الحصّة الملازمة للشيء في موضوع الحكم بلا دخل للازمه ولا ملازمه كما اذا فرض ان لحالات زيد بازائها في كلّ قطعة من الزمان وضع خيط بلا تقيد ولا دخل فيشير المريد إلى خصوص الحالة التي يكون زيد فيها ميتا بما يتحقّق به الاشارة وإن كان ذلك ملازما للقطعة الكذائيّة من الخيط(1) .

ويبتني على هذا المبنى المقدّمة الموصلة ومسئلة قصد القربة في العبادة

ص: 385


1- . ينبغي لتحقيق الحال مراجعة كتابنا مباني ارث المنهاج ص32 - 33 .

وفروع اخر منها مسئلة المشتقّ لو كان بناء الفقه على هذه التدقيقات وهذا أشبه شيء بحفر سرداب فوق رأس انسان كما عبّر به سيّدنا الأستاذ قدس سره .

هذا ملخّص الكلام في هذا الفرع والتحقيق فيه منوط بالتنبيه الآتي والفروع في المقام كثيرة:

منها: ما لو شكّ في تقدّم ملاقاة النجس للكر الذي كان قليلاً على كريّته وتماميّته كذلك وتأخّرها ففي الصورة الاولى يتنجس الماء القليل ولا يطهر بتتميمه كرّا كما ان في الثاني لا يؤثّر الملاقاة في التنجّس بل في بعض الموارد توجب طهارة الملاقي المتنجس ونعلم من الخارج ان الكريّة والملاقاة لم يكونا متقارنين بل تقدّم أحدهما على الآخر فهل يجري استصحاب عدم كريّة الماء إلى حين الملاقاة كي يثبت به ان الملاقاة حصلت للماء القليل فتنجس أو يستصحب عدم الملاقاة إلى حين الكريّة كي يثبت الملاقاة للكر كلّ ذلك لا سبيل إليه لاشكال الاثبات وعدم الأثر لا انه يجريان ويتزاحمان للمعارضة بل لا مجرى لهما من أوّل الأمر فلابدّ من العلاج بوجه آخر فلا يكون أصل جاريا في البين ( والأصل طهارة الماء ونجاسة المتنجس .

تنقيح مسئلة الكر والملاقاة لا اشكال في استفادة اقتضاء الماء للتنجس وقبوله بالسبب من الأدلّة كما لا شبهة في ان عناوين ثلاثة تكون عاصمة ومانعة من التنجس عنوان الكرية اذا كان الماء(1) قدر كر لم ينجّسه شيء وفي بعض الروايات كرواية معاوية بن عمّار(2) قال: سمعت أبا عبداللّه علیه السلام عن الماء الذي لا

تنقيح مسئلة الكر والملاقاة للتنجس

ص: 386


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/2 من أبواب الماء المطلق .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/6 من أبواب الماء المطلق .

ينجسه شيء فقال كر قلت(1) وما الكر الخ وعنوان ما كان له مادة والجاري وإن لم يكن كرّا فلو ثبت أحد هذه العناوين يكون مانعا عن نجاسة الماء الا فيما استثنى وإلاّ فلو لم يكن أي مانع فيتنجس الا انه اختلف الكلام في جريان استصحاب عدم الكريّة والملاقاة فيما يعلم حصولهما ولم يعلم أيّهما سبق الآخر .

ففي الجريان وعدمه مطلقا أو بالتفصيل بين ما اذا علم تاريخ الملاقاة دون الكريّة لا العكس وجوه وقد اختار المحقّق النائيني(2) منها الآخر أخيرا وذلك مبتنٍ على مقدّمة ان تمت فلا مجال لجريان الاستصحاب في مسئلة الكر والملاقاة . وهي انه لو حصلت ملاقاة النجاسة لماء قليل لا يبلغ كرا مقارنا لتتميمه كرا سواء كان التتميم بنفس الملاقى لو كان مايعا أو بغيره وحين التتميم لاقي بلا تقدّم وتأخّر لأحدهما على الآخر بحيث لا يكون مجال لتخلّل الفاء ولو بالرتبة فهل يكون هذا الملاقى طاهرا لأنّه لاقى الكر أم لا بل يتنجس الماء لملاقاة النجس الماء القليل أو لا يكون هذا ولا ذاك بل لوحصل التتميم بالمايع أو بماء متنجس يكون هذا البعض نجسا وغيره من الباقي طاهرا وجوه ؟

أوجهها الأوّل للزوم حفظ عنوان الموضوعيّة وترتّب الحكم بالعصمة على الماء كي لايوجب الملاقاة النجاسة والفرض خلافه لعدم تقدّم أحد الأمرين على الآخر فلم يلاق الملاقى الكر وإن لم يصدق انه لاقى القليل لعدم الاحتياج إلى ثبوت عنوان القلّة في ترتّب النجاسة على الماء ضرورة تقدّم الموضوع على الحكم رتبة بتخلّل الفاء ويتّضح هذا الفرض بتنطير له في مثل ما لو غمس يده

ص: 387


1- . هذا في رواية إسماعيل بن جابر 9/7 .
2- . فوائد الأصول 4/528 - 530 .

النجسة في الماء وقصد بذلك الوضوء أو وقع في الماء حال كونه بدنه نجسا بقصد الغسل بحيث لا يتقدّم طهارة البدن على الغسل أو الغسل في الوضوء فكما ان في هذه الصورة لابدّ من حفظ الشرط في الرتبة السابقة على الغسل والغسل كذلك ما نحن فيه لابدّ من ملاقاة الكر وهو إنّما يتحقّق بحفظ عنوان الموضوع في الرتبة السابقة فيقال كان كرّا فلاقاه النجاسة .

فاذا تمّت هذه المقدّمة فلا يبقى بعد اشكال في عدم جريان الاستصحاب في فروض المسئلة الا في بعض الموارد كما سيشرح . فانّه لو كان تاريخ الكريّة معلوما دون الملاقاة فلا مجرى لاستصحاب عدم الملاقاة إلى ما بعد الكريّة لأنّه لا يثبت ملاقاة الكر والعاصم .

نعم يجري الاستصحاب في عكس هذه الصورة وهو ما لو علم تاريخ الملاقاة ولم يعلم تاريخ الكريّة فانّه يجري استصحاب عدم الكريّة إلى حين الملاقاة فلاقى الماء الذي لم يكن كرّا للنجاسة ويترتّب على ذلك أحكامه .

والسر في ذلك عدم الحاجة إلى ثبوت عنوان القلّة بل مجرّد ان لم يكن عاصما يكفي في ترتّب أحكام قبول النجاسة عليه وكذا لو حصل التقارن كما في مثل التتميم كرّا ولو كان الماء كرا سابقا ونعلم بخروجه عن الكريّة في يوم السبت مثلاً مع حصول الملاقاة قبل هذا الزمان الاّ انه يشكّ في تقدّم نقص الكريّة على الملاقاة أو الملاقاة على النقص فلا فائدة فيه أيضا لأن استصحاب الكريّة إلى حين الملاقاة لا يثبت ان الملاقاة كانت للكر ( لكن قد يتأمّل في هذا الفرض ) ولو كان كرّا وشكّ في بقاء الكريّة وحصل التلاقي فلا اشكال في جريان استصحاب الكريّة ومقتضاه السعة في الموضوع .

ص: 388

فهذا الماء أيضا يكون كرّا يترتّب عليه أحكام الكريّة منها طهارة الملاقى المتنجّس .

وفي المقام بعض فروع آخر مثل ما اذا لو توضّأ بماء خرج عن الاطلاق ولا يدري سبق الخروج على الوضوء أو العكس والأحسن في هذا الفرع ونظيره المثال بوقوع النجاسة والملاقاة في يوم قبل هذا اليوم مع سبق القلّة للماء وهذا اليوم كلاهما حاصلان والشكّ في تقدّم أحدهما على الآخر فتدبّر .

ولو لم يجر الأصلان في الطرفين كما اذا لم يعلم المتقدّم منهما على الآخر أو في غيره من الموارد لاشكال الاثبات لا المعارضة فهل يرجع إلى القول بالنجاسة أو لا اشكال في اجراء قاعدة الطهارة ؟ لا اشكال في ان المقام مقام القاعدة خلافا لشيخنا الأستاذ المحقّق النائيني رحمه الله(1) حيث يذهب إلى النجاسة وعدل عن ما في رسالته وحاشية العروة وذلك لبنائه على ان كلّ شيء علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذلك الأمر الوجودي ففي زمان الشكّ يكون محكوما بالنجاسة حتّى يثبت الكريّة وعلى هذا بنوا في مقامات كالاحتياط في الدماء والأموال والأعراض وإن كان رحمه الله لا يقول به على اطلاقها بل في ما كان الحكم المجعول يناسب التسهيل فيحكم عليه بحكم ضدّه الا ان هذه القاعدة ليست بتامّة فالمدار على جريان قاعدة الطهارة في الماء ( ونجاسة المتنجس ) .

بقي فرع لا بأس بالاشارة إليه توهّم ابتنائه على الأصل المثبت ولذا تخيّلوا ان الشيخ رحمه الله قال بالأصل المثبت أو قال بذلك من باب قاعدة كلّ أمر علّق الخ أو

ما لو لم يجر الأصل في الطرفين

ص: 389


1- . فوائد الأصول 4/530 وربما يكون اختلاف بين التقريرات وما أفاده الأستاذ قدس سره .

من باب التمسّك باليد وعمومها وهو اذا تصرّف ووضع يده على مال الغير والمشهور على الضمان لكنّه من الموضوعات المركّبات التي يكفي فيها مجرّد الاجتماع في الزمان بلا دخل لعنوان انتزاعي في ذلك لأن اليد على مال الغير عرض من فعل المتصرّف وعدم الرضا قائم بصاحب المال فيستصحب عدم الرضا المعلوم سابقا لعدم كفاية الرضا التقديري والتصرّف ووضع اليد حاصل بالوجدان فيثبت اليد غير الاماني فيكون ضامنا ويكون من العرضين لمحلين الذي سيجيء تحقيق الكلام فيه في عدم اثبات الاستصحاب فيه .

تنبيه: ربما يتوهّم أو تخيّلوا ابتناء بعض الأحكام الشرعيّة على قاعدة المقتضى والمانع وعلى التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وعلى قاعدة كلّ شيء علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذلك الأمر الوجودي أو على الأصل المثبت الا ان الاحرى بيان موارد جريان الأصل لاثبات بعض الموضوعات للأحكام الشرعيّة كي يتّضح فساد هذه الاخيلة بالنسبة إلى كثير من الموارد وقبل ذلك لا بأس بالاشارة إلى فرع قد بقي ممّا سلف .

وهو انه قد يتوهّم عدم اثبات الاستصحاب في عدم الحاجب لمثل عنوان

الغسل كما عن الشيخ رحمه الله في هذا المقام الا انه لا اشكال في اعتبار عنوان غسل البشرة وايصال الماء إليها فعند الشكّ في وجود الحاجب لابدّ من رفعه كي يتحقّق ذلك ولا وجه لجريان الاستصحاب لأن ترتب الغسل عليه يكون مثبتا من اللوازم العقليّة ضرورة لأن خلو المحل من الحاجب يلازم وصول الماء الجاري عليه وتحقّق عنوان غسل البشرة عقلاً ولا وجه لما يقال من قيام السيرة على عدم الفحص خصوصا بالنسبة إلى بعض الموارد التي يبتلي فيها بالبق والبرغوث

ص: 390

ويحتمل اصابتهما لبدنه وكونها مانعة من وصول الماء لعدم العبرة به لو قيل به عن أحد من العلماء فضلاً عن ان المورد مورد الاشتغال ( بل لا يجري قاعدة الفراغ بعد الفراغ مع الشكّ في الوصول لأن مورده فيما إذا احرز انّه كان ملتفتا حين العمل إلى خصوصيّاته ومنها الفحص عن الحاجب وعدمه فتجري القاعدة ) ولابدّ من الخروج عن عهدة التكليف فلنرجع إلى ما كنّا بصدده من بيان .

التنبيه التاسع: من تنبيهات الاستصحاب: وفيه بيان ضابط مورد ثبوت الموضوع للحكم حيث كان مركّبا من الجزء بالوجدان والجزء الآخر بالأصل حيث انّه يمكن ثبوت كليهما وجدانا ويمكن تعبّدا في كليهما أو أحدهما والآخر بالوجدان وإن أركان الاستصحاب في ما يذكر في هذا التنبيه من قبيل تقدّم أحد الاثنين على الآخر تامّة من حيث اليقين والشكّ واتّصال زمان اليقين بالشكّ في قبال المحقّق الخراساني رحمه الله(1) حيث توهّم عدم تماميّة أركانه كما في مسئلة تقدّم الوضوء على الحدث فيما يترتّب على كليهما الأثر وكمسئلة الاسلام والموت في الوارث ممّا يتغيّر الحكم بسبب التقدّم والتأخّر .

فليعلم ان الموضوع للحكم إذا كان مقيّدا لا وجه لجريان استصحابه لعدم الحالة السابقة له فالبحث في العدم يكون صغرويّا والعدم المحمولي لا يفيد استصحابه وهذا هو النزاع المعروف بين المحقّقين وبالجملة في هذا البحث فوائد جليلة وعنونه المحقّق النائيني(2) بمسئلة تأخّر الحادثين وانّه لا اشكال عند الشكّ في حدوث أمر من جريان الاستصحاب إلى أن يعلم بذلك الأمر وانّه وجد في

ضابط تركب الموضوع

ص: 391


1- . كفاية الأصول 2/337 - 338 .
2- . فوائد الأصول 4/503 .

الخارج وهذا لا اشكال فيه ويترتّب عليه كلّ أثر مطلوب منه في حال الشكّ الجاري لأجله الاستصحاب الا انّه قد يشكّ في حدوث حادث بالنسبة إلى حادث آخر ولم يعلم تقدّم أحدهما على الآخر ففي جريان الاستصحاب في كليهما مطلقا أو عدمه مطلقا أو التفصيل إذا علم تاريخ حدوث أحدهما وما إذا لم يعلم ففي الأوّل يجري في خصوص مجهول التاريخ وفي الثاني في كلا المشكوكين وجوه بل أقوال ؟ وقبل ذلك لا بأس ببيان ضابط الموضوع المركّب والمقيّد ولا اشكال في ان الدليل الشرعي يمكنه أن يرد في مورد المقيّد ويلغي جهة القيد فيجرد المقيّد عنه ويكتفي بخصوصه وكذلك في العكس يمكن أن يقوم دليل في مورد المركّب ويتعبّد بخصوص التقييد في ذاك المورد وقبل ذلك لا اشكال في ان العرض لا يقوم إلاّ بالجوهر .

وأجابوا عن مثل قيام السرعة بالحركة وكذلك الشدّة بها بأن ما به الامتياز عين ما به الاشتراك فيهما فالعرض لابدّ في قيامه من معروض جوهر يحلّ فيه ويقوم به فانّه وإن كان له ماهيّة مستقلّة لا ربط لها بغيرها إلاّ ان وجوده الخارجي

عين وجود الغير فاذا كان كذلك فالفروض المتصوّرة في المقام أربعة أو ستّة ويمكن أن يتصوّر أزيد من ذلك أيضا بدخل الجوهر والعرض في الموضوع .

فاما أن يكون الموضوع أمرا بسيطا لا تركب فيه أصلاً فهذا لا اشكال فيه ولا ربط له بما نحن بصدده وامّا أن يكون الموضوع مركّبا وحينئذٍ فإمّا أن يكون مركّبا من جوهرين كزيد وعمرو وإمّا أن يتركّب الموضوع من عرضين وذلك إمّا لمحلّ واحد أو لمحلّين كقيام زيد وقعود عمرو أو يتركّب من جوهر وعرض لمحلّ آخر غير هذا الوجود والجوهر واخرى يكون عرضا ومحلّه .

ص: 392

وممّا يكون ضابط التركيب فيه منطبقا ذا فائدة هو خصوص غير الأخير والباقي كلّها يكون من المركّب الذي لا اشكال في امكان ثبوت أحد جزئيه بالأصل والوجه في ذلك ان العرض وإن كان له ماهيّة مستقلّة في التصوّر وكذلك له وجود ذهني الا ان لحاظه قد يمكن أن يكون باعتبار وجوده الخارجي وبهذا الاعتبار يكون وصفا لمحلّه ويحمل على المحل بهذا الاعتبار حيث ان التغاير المفهومي والاتّحاد الخارجي يصحّحان الحمل فيه فانّ البياض أو القيام أو الأكل مباين مع زيد الاّ انّه يحمل كلّ واحد على زيد بلحاظ صدوره منه واللحاظ الاشتقاقي .

لا نقول ان المشتق عبارة عن ذات ثبت له المبدء بل المشتق عين مبدء الاشتقاق الا ان الفرق بينهما ان المبدء يكون بشرط اللا لا باللحاظ بل حقيقته على نحو لا يمكن حمله على الذات إلاّ غلطا كما في زيد ضرب بخلاف المشتقّ فانّه لا بشرط عن عدم الحمل فيقال زيد ضارب وهذا عينيّة في الوجود وإن كان زيد غير الضرب ولهذا لا يمكن البناء على اجتماع الأمر والنهي في بحثه لو أخذ المشتق متعلّقا لهما بل يلاحظ نفس المبدئين كالصلاة والغصب موضوعا ويكون أحدهما لازم وجود الآخر ويصحّح على ذلك البحث في تعلّق الأوامر والنواهي بالطبايع أو الافراد بمعنى تعلّقهما بوجود الطبيعة أو بما يلازمها فيسري متعلّق الأمر إلى النهي أو العكس وإلاّ فالطبيعة من حيث هي ليست شيئا حتّى تجعل محل نزاع ذلك البحث .

وبالجملة فلو كان مبدء الاشتقاق متعلّقا كذلك فللنزاع مجال والا فعلى فرض كون المشتق موضوعا لهما فيكون من صغريّات باب النهي في العبادات بلا

ميزان الحمل

ص: 393

اشكال .

والحاصل ان العرض باعتبار وجوده يتّصف به المحل كما في تعلّق الحكم في الزكوة بالفقراء ولا يعقل كون جوهر وصفا لجوهر آخر أو عرض محل خاص وصفا لمحل آخر فانّه أشبه شيء بأكل شخص وحصول الشبع من آخر وكذا في العرضين لمحلين فان قيام زيد لا يكون وصف قيام عمرو .

وأمّا خصوص العرضين لمحل واحد فانّ المحقّق النائيني رحمه الله(1) يجعله من التركيب لكن فيه اشكال بالنظر إلى الاتّحاد في الوجود كما مثلنا فان العالم العادل بالنظر إلى الوجود في محل واحد يكاد أن يتّصف أحدهما بالآخر فيكون قيدا لمحلّه وعلى هذا يمكن في المثال المذكور من اليد على مال الغير وعدم الرضا أن لا يقال بما تقدّم من جريان الاستصحاب في عدم الاذن والرضا والتصرّف واليد محرز بالوجدان فيتحقّق موضوع الضمان بل يمكن منع ذلك ويقرب بنحو التقييد فانّ الرضا من المالك يتعلّق بالتصرّف ذاك الفعل الخارجي(2) الحاصل من الشخص والتصرّف أيضا عبارة عن الحركة الخاصّة التي في كلّ مورد يكون من مقولة مقامه فقد تكون حركة جوهريّة وقد تكون في غيرها من المقولات وكلاهما أي التصرّف والرضا يتعلّقان بالمال فلا اشكال في اتّصاف التصرّف حين تعلّق الرضا به بأنّه التصرّف المرضي .

فعلى هذا يمكن منع ذلك فيه بل يكون من باب التقييد فتأمّل .

كما ان طيب النفس يمكن أن يتشبّت في مورده بقاعدة كلّ أمر بخلاف

ص: 394


1- . فوائد الأصول 4/505 .
2- . لا يخفى انّ التصرّف يتعلّق بالمال والرضا بالتصرّف فيختلف المتعلّقان وليس هذا مثالاً لما تخيّل .

موضوع الضمان لعدم جريان القاعدة في مورده وإن كانت الحركة عبارة عن الاستيلاء فليست من الجوهر ولا العرض بل من الأمور الاعتباريّة كالملكيّة وما ضاهاها من الأمور الوضعيّة .

توضيح وتكميل: قد تبيّن ممّا ذكرنا ان العرض بالنسبة إلى محلّه يكون وصفا فاذا لوحظ العرض موضوعا لحكم بهذا الاعتبار فيكون مقيّدا به ووصفا للمحل وفي هذا المقام بحث راجع إلى المشتق وربط بباب اجتماع الأمر والنهي وفي غير العرض والمحل له لا يكون من باب الوصف والتقييد فانّه لا يعقل أن يكون جوهر وصفا لجوهر آخر أو لعرض أو عرضان لمحلّين يكون أحدهما قيدا للآخر وكذا العرض لجوهر ومحل آخر ممّا تقدّم إليها الاشارة من أنحاأ التصوّرات ولو فرض دخل مثل هذه الأمور في موضوع الحكم الشرعي فيكون خارجا من باب التقييد بل يكون من باب التركيب وعند الحاجة إلى الاستصحاب يمكن جريانه في ما يكون له يقين سابق مع احراز الآخر بالوجدان فيتم الموضوع ويترتّب عليه الأثر المطلوب .

لكن ذلك إذا لم يكن للعنوان المتولّد والمنتزع عن مثل هذه دخل في الموضوع فحينئذٍ لا فائدة في الضابطة لعدم انطباقها على أمثال هذه الموارد كما إذا كان لعنوان السبق واللحوق والتقدّم والتأخّر وغيرها من الأمور الانتزاعيّة مدخليّة في ذلك فلا يمكن اثباتها بالاستصحاب إلاّ فيما كان هناك يقين سابق وإلاّ فبمجرّد جريانه في المستصحب العدمي لا يثبت مثل هذه العناوين .

مثال ذلك ما إذا كان على المأموم أن يركع قبل أن يرفع الامام رأسه من الركوع فالركوع من المأموم حاصل بالوجدان والامام في الركوع ولم يرفع رأسه

العرض لمحلّه يكون وصفاً

ص: 395

بالأصل حيث يهوي إلى الركوع لدرك ركوع الامام فلا يثبت بذلك دركه ركوع الامام أو ركع قبل أن يرفع الامام رأسه وإن كان هذا المقام من باب العرضين لمحلّين لأن رفع الرأس من الامام والركوع من المأموم .

وعلى كلّ حال فللشارع تجريد العرض عن محلّه في موضوع دليل حكمه بحسب ما يراه من المصلحة والمفسدة والملاك كما ان في مورد التركّب يمكن دخل عنوان الوصف والتقييد .

والحاصل انّه لابدّ في تشخيص موارد الضابطين من الاستظهار من أدلّة الأحكام فبعد تشخيص ان هذا المقام من الوصف أو التركيب يجري الاستصحاب في الثاني عند احراز الجزء الآخر بالوجدان أو الأصل ولا اشكال في تصوّر عدم دخل عنوان الاجتماع في الموضوع المركّب لأنّ نفس الاجتماع غير دخل عنوانه في الحكم بل من حيث ان الزماني لازم وجوده وقوعه في الزمان يجتمعان في الزمان وإلاّ فلو كان يمكن وجودهما في اللازمان لما كان مانع وعند الشكّ في ان المقام من أيّ المقامين فيتوقّف الاستصحاب للشكّ في مصداقه الجاري وانّه مؤثّر شرعا أو يكون مثبتا لللوازم فيكون من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة غير الجائز كما تقرّر في محلّه .

هذا وليس الملاك لهذا الضابط في الموردين إلاّ الوجدان والعقل ضرورة عدم معقوليّة اتّصاف الجوهر بعرض جوهر آخر أو نفس الجوهر ولو ورد في الدليل الشرعي ما يوهم ذلك فلابدّ من تأويله .

ثمّ انّه بعد ان ظهر انّ المناط في احراز الجزء بالوجدان والآخر بالأصل ليس إلاّ كون الموضوع ملحوظا في طرفيه بمفاد كان وليس التامتين وإنّ الوصف

ص: 396

والتقييد سواء كان في الوجود أو العدم إنّما يتصوّر مفادهما الناقص فقد يذكر في المقام أمثلة لا بأس بالاشارة إليها وتفصيلها موكول إلى محلّه من الفقه .

منها: مسئلة المرئة غير القرشيّة فعند الشكّ في ذلك لعدم انضباط الانساب مثلاً وعدم حصول الاطمئنان بالمشجّرات فقد يتوقّف في ترتيب آثار القرشيّة عليها في باب الحيض والطلاق بناء على كون حيضها إلى الستّين وبعده لا يكون الدم حيضاً وإن كان بصفاته وهل يكون كذلك في صورة العلم بالحيضيّة أم لا ؟ بخلاف غيرها والنبطيّة فإلى الخمسين فقبل الخمسين لا أثر يترتّب عليها من هذه الجهة بل من جهة الخمس وفي طرف ضدّه في ناحية الزكوة الا ان الاولى فرض المقام في ما لا يكون لضدّه أثر فاذا جازت الخمسين فهل يجري استصحاب عدم كونها قرشيّة كي يترتّب على ذلك أحكام غير القرشيّة في الطلاق والحيض أم لا ؟ لا اشكال في ان الأثر لو كان مترتّبا على العدم المحمولي فيجري استصحاب وجود الحالة السابقة من العدم الأزلي المحمولي .

إنّما الكلام والاشكال في ما إذا كان الأثر مترتّبا على العدم النعتي بعد تسلّم فرض ان استصحاب العدم المحمولي لترتّب الأثر المترتّب على النعتي يكون من الأصل المثبت غير الجاري ولا يكون ممّا ينطبق عليه ضابط التركيب فيقال ان المرئة الموجودة المفروضة لم تكن في الأزل ولم تكن قرشيّتها موجودة فالآن هي موجودة والشكّ في حصول القرشيّة فيستصحب عدم القرشيّة لسبق عدمها والجزء الآخر هي المرئة الموجودة وجدانا فيترتّب على ذلك الأثر .

ولا يخفى ان جريان استصحاب العدم المحمولي لا يثبت ان هذه المرئة

الموجودة متّصفة بأنّها غير قرشيّة لأن اثبات غير القرشيّة لهذه المرئة باستصحاب

استصحاب العدم الأزلي

ص: 397

العدم المحمولي يكون باثبات اللازم العقلي وهكذا الكلام في الفرض الآخر .

وهو الشرط المخالف للكتاب لا ما لا يوافق فاستصحاب العدم الأزلي المحمولي المتيقّن قبل وجود الشرط لا يثبت انه ليس مخالفا للكتاب .

نعم بناءً على امكان فرض وجود العدم النعتي في الأزل لا اشكال في جريانه وبه يثبت اتّصاف المرئة بغير القرشيّة في محلّ الحاجة ولا يتوجّه عليه اشكال الاثبات لأن وصف غير القرشيّة كان متيقّنا بنفسه في الأزل وعند الشكّ في تبدّله وزواله يجري الاستصحاب ويكون بنفسه مؤدّى الاستصحاب ولا يلزم من ذلك محذور لكن الكلام بعد في أصل المبنى(1) وإلاّ فالبناء واضح لا سترة عليه

فان هذا الاستصحاب يكون من ما موضوعه مسلوب بانتفاء الموضوع مع لزوم وجود المثبت له في ثبوت شيء له (1) .

وما يقال بالفرق بين المستصحب الوجودي فيحتاج إلى الاحراز والعدمي

فلا يحتاج إلى احراز الموضوع انّ الماهيّة وإن لم تكن لا موجودة ولا معدومة ولا يمكن خلوها عن أحد الوصفين الا ان لها عالم تقرّر كما ان لها عالم تصوّر لا شبهة في اجتماع النقيضين هناك بل ولا اشكال في ارتفاعهما لأن تلك المرحلة مرحلة ذاتها فانّ الوجود والعدم يحملان عليها لا في ذاك الصقع فلا شبهة في تقرر لها في وعاءها الخاص وحينئذٍ لم تكن مقرونة بوصف من أوصاف الوجود بل

ص: 398


1- . المبنى صحيح وفاقاً للمحقّق العراقي نهاية الأفكار 4/200 وما بعده شيخ مشايخنا واستاذنا المحقّق المدقّق السيّد يحيى المدرسي اليزدي تغمدهما اللّه برحمته كما هو مبنى السيّد العلاّمة الخوئي والسيّد الحكيم في الحقائق 2/501 - 502 نعم ما يجري الاستصحاب فيه الصفات والأحوال الوجوديّة لا لوازم الماهيّة اذا كانت معلومة العدم أو مشكوكة .

كلّها كانت مسلوبة عنها فعلاً وهي متّصفة بعدمها فعند الشكّ بعد وجود الماهيّة في عالم العين وحصولها في صفحة الوجود يجري استصحاب عدم النعت الكذائي .

كما ترى إذ لا وجه لاتّصاف شيء منتزع بوصف من الأوصاف بل لابدّ من الوجود كي يكون محمولاً للأوصاف ( لا يكون هذا دليلاً وجواب الشبهة بل البرهان ) إلاّ انّ في مسئلة المرئة يستظهر من الأدلّة حكم الشكّ بلا احتياج إلى البحث الأصولي في جريان مثل هذا الاستصحاب وعدمه فراجع مظانّها .

وقد ذهب المحقّق الخراساني(1) إلى جريان هذا الأصل إلاّ انّه رحمه الله جعل مورد الكلام في الاستصحاب الانتساب وعلى كلّ فقد عرفت ما هو مقتضى المقام في هذه المسئلة التي هي معركة آراء المحقّقين وليست حادثة في زماننا بل سبقنا الاعلام بالبحث فيه .

ثمّ انّه يقع الكلام في اعتبار اتّصال زمان اليقين بالشكّ وهي الجهة الثانية وهو عبارة عن عدم فاصلة يقين آخر بين اليقين الباقي والشكّ اللاحق اللذين هما ركنان من أركان الاستصحاب فانّه يشترط في جريانه أمور:

أحدها وجود اليقين السابق، ثانيها الشكّ اللاحق، والثالث وجود الأثر الشرعي اما بأن يكون نفس الأثر موردا للتعبّد أو يكون التعبّد متعلّقا بموضوعه بلحاظه والرابع اتّصال زمان الشكّ باليقين وهو بهذا المعنى الذي ذكرنا لا اشكال في اعتباره ولا ينبغي الكلام عليه فانّه إذا كان متيقّنا بالوضوء أوّل الصبح وعلم انّه أحدث بعده ثمّ شكّ في انه توضّأ بعد ذلك أم لا فلا وجه لاستصحاب الطهارة السابقة للعلم بانتفاضه فالشكّ إنّما هو في الحدوث لا البقاء ونظير المقام ما تقدّم

اعتبار اتّصال زمان اليقين بالشك

ص: 399


1- . كفاية الأصول 1/346 .

طي بعض التنبيهات السابقة من عدم جريان استصحاب العدم الأزلي المنتقض باليقين بوجوب الجلوس مثلاً في القدر المتيقّن من الزمان وهو إلى الزوال في يوم الجمعة بعد الزوال حيث يشكّ حينئذٍ ان عليه الجلوس مثلاً إلى الغروب أو كان غاية ما كلّف به هو الزوال فلا تكليف بعده فعن الفاضل النراقي جريان الاستصحابين في عدم وجوب الجلوس المتيقّن قبل التكليف المعلوم الانتفاض في قطعة من الزمان ومعارضته باستصحاب وجوب الجلوس المتيقّن إلى الزوال .

فقد يجاب بعدم جريان الاستصحاب العدمي بعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين ونظير ذلك أيضا مورد الشكّ في كون الدم المصيب للباس أو البدن للمصلّي مثلاً هو من الدم المتخلّف في الذبيحة بعد خروج المتعارف الذي يكون النقص مطهّرا للمتخلّف أو من النجس والفرض انّه لم يصبه نجاسة من خارج .

وبالجملة فلمثل ما ذكرنا أمثال كثيرة ونظائر كذلك وبهذا يسهل أمر الجلود المجلوبة من بلاد الكفّار حيث انّ فيها من الجلود المجلوبة من بلاد الاسلام ما يوجب عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ المانع من جريان اصالة عدم التذكية .

والحاصل انّه إذا علمنا بنجاسة انائين لنجاسة وفرضنا ان أحدهما كان في المدرسة في حجرة والآخر في حجرة اخرى فاتّفق انّه أصاب أحدهما المطر المطهّر له وبقي الآخر على نجاسته ثمّ اشتبه أحدهما بالآخر فتارة لا يعلم الطاهر من النجس بعينه ففي هذه الصورة لا مجال لجريان استصحاب النجاسة للمعارضة من الطرفين حيث ان العلم الاجمالي بانتفاض النجاسة في أحدهما يوجب عدم كونهما تحت دليل الاستصحاب جمعا ويقصر عن شمول أحدهما لا بعينه وللترجيح بلا مرجّح واخرى يعلم الطاهر من النجس ثمّ بسبب من الأسباب يقع

ص: 400

الاشتباه بينهما فيشتبه الطاهر بالنجس .

فالكلام في انه مع قطع النظر عن اشكال عدم الموضوع للاستصحابين للعلم التفصيلي بنجاسة أحدهما وطهارة الآخر فلا يجري الاستصحاب وكذا مع قطع النظر عن اشكال عدم جريانهما في أطراف العلم الاجمالي لعدم شمولهما تحته جمعا أو للزوم المخالفة القطعيّة وعلى كلّ حال فهل يجري الاستصحاب في كليهما أو في أحدهما أم لا ؟ بل يمنع ذلك من جهة انّ الشكّ اللاحق أخيرا لا يتّصل بزمان اليقين للفصل باليقين بطهارة أحدهما والعلم السابق الباقي بنجاسة الآخر .

ومجمل الأمر انّ هناك ثلاث حالات: حالة اليقين بنجاسة كليهما فنفرض انّه كان يوم الأحد ويوم اصابة المطر أحدهما بعينه ولا يكون معلما كي لا يشتبه بل يشبه الاناء الآخر مثلاً ولكنّه علم بعينه ان قد طهر وذلك يوم الاثنين وحالة ثالثة لاحقة لكلتا الحالتين يشكّ في ان الطاهر هذا أو ذاك وهو يوم الثلاثاء فهل يجري الاستصحاب بتقريب أن يقال كان هذا متيقّنا نجاسته بعينه فالآن يشكّ فيه انّه طهر أم لا وكذلك الآخر مع انه لا اشكال في عدم جريان الاستصحاب ولو في أحدهما يوم الاثنين للعلم التفصيلي بأن هذا طاهر وذاك نجس .

وخلاصة الكلام: لا اشكال في اشتراط جريان الاستصحاب بوجود الشكّ واليقين ووجود الأثر الشرعي فلو لم يكن هناك شكّ فلا مجرى للاستصحاب كما سيجيء ما يترتّب على هذا .

نعم ذكر في العروة(1) انّه إذا كان اناءان نجسين فطهر أحدهما حكما بالبينة

توضيح المقام

ص: 401


1- . العروة الوثقى في المطهرات المسئلة 2 فصل إذا علم بنجاسة شيء وليس فيه ذكر المطر .

أو واقعا بالمطر واشتبه أحدهما بالآخر فهو رحمه الله يجري استصحاب النجاسة في كليهما واستشكله المحقّق النائيني رحمه الله(1) وكان ينقل عن المرحوم السيّد محمّد

حسن الشيرازي قدس سره التفصيل بين ما إذا لم يلزم من جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي مخالفة عمليّة فلا اشكال في الجريان وبين ما اذا تلزم فلا يجري وعلى ذلك يبتني التفصيل بين الانائين فيجري استصحاب نجاستهما وإن علمنا بطهارة أحدهما بما ذكرنا لعدم لزوم مخالفة عمليّة غاية الأمر لا يشرب طاهرا ولا يجري في صورة كونهما مسبوقين بالطهارة وتنجس أحدهما فلا يجري الاستصحابان بل يتعارضان للزوم المخالفة العمليّة للعلم بتكليف الزامي في البين .

ومقتضى التعارض عدم شمول دليل لا تنقض كليهما جمعا وكذا أحدهما لا بعينه للزوم الترجيح بلا مرجّح أو الترجّح وذلك لا يكون بالنسبة إلى الحكيم بل العاقل فضلاً عنه وكان مبناه على ذلك إلى أن انتقل إلى سامرّاء ( فرجع ولم يفرق بين كلتا الصورتين ) لكن المحقّق النائيني رحمه الله لا يفرّق بين هاتين الصورتين لاشتراط التعبّد عنده باجتماع الشرايط الثلاثة وهو امكان الجعل وموضوعه ومحصّله الشكّ وعدم مانع في المجعول وعدم لزوم المخالفة العمليّة ولو لم يكن نفس العلم مانعا عن جريان الاستصحابين في ما إذا كانا نجسين وعلمنا بطهارة أحدهما كما ذكرنا فلا اشكال على مبنى القوم لأنّ العلم في هذه الصورة إنّما صار منشأ للشكّ .

وإلاّ فالشكّ واليقين حاصل في كلا الطرفين بالنسبة إلى كلا الموضوعين

كما انّه لا اشكال ان عند العلم بطهارة اناء ونجاسة آخر لا مجال لجريان

ص: 402


1- . فوائد الأصول 4/515 .

الاستصحاب اذا اشتبه أحدهما بالآخر فاذا فرضنا في ما نحن فيه ان الانائين كانا مسبوقي النجاسة وطهر أحدهما بالمطر أو غيره وكنّا نشرب منه أيّاما فاتّفقت المقارنة وصار ذلك سببا لاشتباه الطاهر بالنجس والفرض أيضا انّه كان عندنا معلوما معيّنا فالآن حصل فيه الشكّ فلا مجال حينئذٍ لاستصحاب نجاسة أحدهما أو كليهما للاشتباه وعدم وجود موضوع لليقين السابق للعلم بانتقاض الحالة السابقة في أحد الانائين بالعلم بطهارته في البين والعلم بنجاسة الآخر فلو لم يطرء هذا الخلط والاشتباه ما كنا نجري الاستصحاب في أحدهما لعدم الشكّ .

فأيّ فرق بين هذه الصورة وهي صورة الاشتباه وبين الحالة السابقة عليها التي كنّا باليقين بطهارة أحدهما ونجاسة الآخر على التفصيل فكما لا مجال لجريان الاستصحاب في تلك الصورة كذلك لا يمكن في هذه .

ولا وجه لجعل المتيقن باليقين السابق على حالة اليقين المتوسّط اذ هذا يكون نظير استصحاب نجاسة انائين كانا متنجّسين على التفصيل ثمّ طهرناهما وبعد ذلك وقع في أحدهما مايع طاهر وفي آخر مايع متنجس ثمّ اشتبها فاستصحاب نجاسة هذين الانائين باعتبار الحالة التي سبقت التطهير لهما لا وجه له لعدم موضوع لذلك في البين إذ مضافا إلى امكان الجعل وعدم مانع في المجعول لابدّ من حصول موضوع الاستصحاب ولا موضوع له في ما نحن فيه وإن كنّا فرقنا في ما سلف في العلم الاجمالي بين دليل الاستصحاب وقاعدة الحلّ لعدم شمول القاعدة مثل موارد العلم الاجمالي لعدم امكان الجمع في الجعل في القاعدة بخلاف الاستصحاب إذ كلّ شكّ ويقين إنّما يلاحظ بالنسبة إلى نفسه ولذا يجري الاستصحاب في ما إذا لم يكن متعلّق الطهارة في أحدهما معلوما بعينه لكون العلم

لو فصل زمان بين زماني اليقين والشك

ص: 403

غير موجب لشيء إلاّ انّه نشأ منه الشكّ في الموضعين بالنسبة إلى حكمهما فيجري الاستصحاب .

فالنتيجة: عدم موضوع للاستصحاب في ما إذا فصل الزمان المتوسط بين الشكّ اللاحق بنجاسة الانائين واليقين بهما فيما إذا علمنا بطهارة أحدهما باصابة المطر دون الآخر إذ كلّ منهما يحتمل أن يكون هو الطاهر بالمطر وان يكون هو الاناء النجس بل هذا من اشتباه الطاهر بالنجس واشتباه موضوع بموضوع كما انه لا يمكن استصحاب النجاسة السابقة على الحال المتوسّط لانقطاع اليقين باليقين الثاني المتعلّق بكلّ من الانائين أحدهما طهارة والآخر نجاسة ولا موجب لعدم جريان الاستصحاب السابق على هذا الحال في هذا الفرض ولا مانع منه إلاّ عدم اتّصال الشكّ باليقين(1) بل توسط بينهما يقين لم يكن في برهة وجوده أحدهما ولا شاهد لذلك سوى الوجدان الحاكم في ما قلناه بلا شبهة وارتياب .

ولا يخفى ان الفروض في المقام ثلاثة . أحدها العلم الاجمالي بطهارة أحد الانائين بلا تعيين شخصه ولو اجمالاً بعنوان مشير ككونه في الجانب الشرقي أو في المدرسة والبيت ولا اشكال في جريان كلا الاستصحابين في هذا الفرض لعدم تعلّق العلم بأحدهما بعينه بل إنّما صار منشأ للشكّ فالشكّ في كلّ منهما متّصل بيقينه .

غاية الأمر حيث لا يكون في موردهما مخالفة عمليّة للتكليف الالزامي في البين فلا مانع من جريان الاستصحابين بلا تعارض عند من يفصل بين ما إذا

ص: 404


1- . وصرّح السيّد الخوئي قدس سره فيما عن تقريره بان المعتبر اتصال زمان الشك بزمان اليقين فيما إذا كان الشك حادثاً بعد اليقين بمعنى عدم تخلل يقين آخر بينهما ولا يعتبر سبق اليقين على الشك . مصباح الأصول 48/221 .

يوجب جريان الأصلين في أطراف العلم مخالفة عمليّة للتكليف الالزامي فلا يجريان بل بالتعارض يتساقطان وبين ما إذا لا يلزم فلا يسقطان بل كلاهما يجريان لعدم منافاة عنده بين جريانهما والعلم بطهارة أحدهما .

غايته ان المكلّف اجتنب عن طاهر في البين .

امّا على مبنى عدم امكان الجعل بالنسبة إلى كليهما لأنّ العلم مانع من الجعل والجعل في أحدهما ترجيح بلا مرجّح وإن لم يلزم مخالفة عمليّة فلا يجري الأصلان وذلك للعلم الاجمالي مع اتّصال زمان الشكّ باليقين وتحقّق باقي أركان الاستصحاب ولذا لو فرض عدم كون أحدهما محلاً للابتلاء يجري استصحابه بلا معارض فالمانع في هذا الفرض ليس إلاّ العلم الاجمالي .

الصورة الثانية: أن يكون اصابة المطر لأحدهما معينا وعلمنا به وميّزناه عن الآخر بل استعملنا منه برهة وعاملناه معاملة الطاهر حينا فاتّفق اشتباهه بالآخر النجس فصار موجبا للشكّ في كليهما في ان هذا نجس أو طاهر وكذلك ذاك فهذا يكون من قبيل اشتباه الحجّة بلا حجّة في باب التعارض ولا مجال لجريان الأصلين فيه لعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين بالبيان السابق وعدم الموضوع .

الصورة الثالثة: هي بين الصورتين ولها مناسبة مع كلتيهما وهي أن يكون اصابة المطر والعلم بطهارة أحدهما لا بعينه بل بعنوان مشير إليه ككونه في المدرسة وهذا أيضا كالثاني إذ في زمان اليقين بطهارة هذا الاناء ولو بهذا العنوان المشير لا شكّ في طهارته ونجاسة الآخر فعند الاشتباه والخلط لا مجال لجريان الاستصحاب فيهما لترتّب النجاسة عليهما بما ذكر هذا . الا ان صاحب العروة رحمه الله

اطلق جريان الاستصحاب في ما يرجع إلى الصور الثلاث .

صور الشك في طهارة الاناء من الانائين

ص: 405

قال رحمه الله في المسئلة الثانية(1) من فصل الحكم ببقاء نجاسة شيء علم نجاسته ما لم يثبت تطهيره ( إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البيّنة على تطهير أحدهما غير المعين أو المعين واشتبه عنده أو طهر هو أحدهما ثمّ اشتبه عليه حكم عليهما بالنجاسة عملاً بالاستصحاب ) بل يحكم بالنجاسة إلاّ ان الوجه في ذلك ما عرفت فلا يجري الاستصحاب في هذه الصورة لكن في الصورة الاولى التي أشار إليها في كلامه بغير المعين للعلم الاجمالي وفي الآخريين لعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين للتين أشار إليهما بقوله أو المعين الخ .

وممّا ذكرناه علم الوجه في مثل الدم المشتبه انّه من المتخلّف في جوف الذبيحة بعد خروج المتعارف حسب طبعه واستفادة طهارته من الأدلّة بالاجماع والآية وغيرهما أو من الخارج فيجري فيه الصورتان الأخيرتان اذ حين ذبح الذبيحة قد علم في أحد الفرضين بنجاسة الخارج وطهارة المتخلّف ثمّ اتّفق انّه أصاب ثوبه أو بدنه قطرة لم يعلم انّه من أيّ منهما على كلتا الصورتين فلا يمكن استصحاب نجاسة هذه القطرة لكونها حين حياة الحيوان نجسة وإن كانت في الجوف لعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين للفصل بين الذبح وخروج المتعارف وكذلك في المجلوبة من بلاد الكفّار فتدبّر .

وكيف كان فلا اشكال في تصوّر الصورة الثانية والثالثة من الصور الثلاث في الدم المشتبه بين الطاهر والنجس فانّه قد يتّفق تشخيص الدم الطاهر من النجس والطاهر وإن كان لم يكن عنوان المتخلّف في الذبيحة موضوعا للحكم إلاّ انّه قد استفيد من الأدلّة طهارة ما يكون هذا العنوان مشيرا إليه فحينئذٍ إذا اشتبه

ص: 406


1- . العروة الوثقى في المطهّرات .

مثل قطرة بين أن يكون من الدم النجس الذي خرج بالسفح أو من غيره ممّا بقي وتخلّف الذي يكون طاهرا وقد شخّصناه وميّزناه كما انّه يمكن اتّفاق العلم بعنوان الطاهر مثل انّه في الجوف والنجس بما خرج وإن لم يكن مشخصا أحدهما خارجا عند العالم من الآخر .

فبناء على نجاسة الدم في الباطن لا مجرى للاستصحاب في هاتين الصورتين لاختلال ركنه وهو اتّصال زمان الشكّ باليقين لفصل حين الذبح بين الحينين فيرتفع الاتّصال من البين ويكون قد حصل العلم بالطهارة للمتخلّف بأحد النحوين ولغيره بالنجاسة كذلك فيكون عينا من اشتباه الطاهر بالنجس الذي لا مجرى للاستصحاب فيه .

أمّا الصورة الأولى فالظاهر عدم امكان وقوعه في هذا الفرض .

نعم يمكن فرض المقام بنحو آخر وهو وقوع الاشتباه في دم انّه من الطاهر أو النجس وعلى فرض طهارته يكون من المتخلّف فيمكن استصحاب النجاسة المعلومة سابقا لهذا الدم بناء على نجاسته .

( ولا يخفى انّه على ذلك يكون الموضوع مركّبا من كون الدم من نجس الدم وعدم ثبوت طرو عنوان مطهّر له ) حيث يشكّ في جريان عنوان المطهّر وهو المتخلّف عليه أم لا فيستصحب نجاسته أو يكون الحكم فيه النجاسة بناءً على ان الأصل في كلّ دم النجاسة إلاّ أن يثبت عنوان الطاهر حيث يدعون انقلاب الأصل في الموارد المشكوكة من البرائة والحل بالاحتياط وعدم الجواز في خصوص الأموال والأعراض والنفوس والدماء(1) .

فرض آخر في المقام

ص: 407


1- . الظاهر انها كساير موارد جريان البرائة إذا لم يكن هناك أصل موضوعي كما صرّح به السيّد الحكيم قدس سره في الدرس . لا يخفى ان المراد بالدماء في كلام من احتاط فيها هو في مورد القتل وجرح الانسان محقون الدم ولا مساس له بباب الطهارة والنجاسة كما في المقام فليتدبّر .

أمّا بناءً على قاعدة كلّ حكم علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه إلى أن يثبت ذلك الأمر الوجودي أو لغير ذلك من الوجوه الأربعة المستدلّ بها في الأموال كما ان في الأعراض لا يجرون أصل البرائة ولا أصلاً آخر إلى أن يثبت عنوان الأجنبيّة في المعقودة وإن كان موضوع الحكم عنوان ما وراء ذلكم فانّه ما لم يثبت ذلك العنوان فيحكم عليه بحكم ضدّه .

هذا بناءً على تماميّة الدعوى حتّى في الدماء بل والمني والميتة يمكن الاستناد إليها في المقام للقول بنجاسة المشكوك وعلى هذا لا يختصّ مورده بمثل الفرض بل يجري في كليّة موارد الاشتباه وإن لم يرد نص في ان دم ذي النفس حرام إلاّ انّه يستفاد من النصوص والأدلّة فراجع الجواهر(1) .

نعم ورد في خصوص الميتة بعض ما يمكن دليلاً بعنوانها وكذا ثبت اغسل(2) ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه .

والحاصل ان القاعدة لا تتمّ إلاّ أن يستند في الموارد الثلاثة غير الدماء إلى دليل آخر كالاجماع .

ثمّ انّه إذا اشتبه الطاهر بالنجس كدم البق بالانسان أو دم السمك بغيره لا مانع على القاعدة من التمسّك بقاعدة الطهارة والحل إلاّ ان يدلّ دليل على خلافه من قاعدة ( كلّ حكم ) أو غيرها .

ص: 408


1- . جواهر الكلام 5/364 وما بعده .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 8/2 - 3 من أبواب النجاسات .

وليعلم ان من الموارد التي يمكن منع جريان الاستصحاب فيها هو مورد الجلود المجلوبة من بلاد الكفّار فانّ فيها صورا ثلاثا صورة العلم بأن ما يرسل إلى بلاد المسلمين ليس إلاّ خصوص ما لم يذكّ حيوانه على النحو الشرعي ممّا يذبح أو يقتل عندهم .

والثانية صورة العلم بأنّها خصوص ما ذكّى في بلاد المسلمين أو غير بلادهم إلاّ انّه ذكاها الذبح على النحو المعتبر وحكم هاتين الصورتين واضح .

الثالثة صورة الشكّ في ان هذه الجلود المجلوبة هل هي خصوص ما جلب من بلاد المسلمين من التي ذكيت بهائمها أو ما ذبح عندهم على غير التذكية الشرعيّة أو اختلط بل ربما يحصل العلم بالاختلاط .

وفي هذه الصورة الأخيرة لا مجال لاستصحاب عدم التذكية الجاري في الجلد المجهول المشكوك لعدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ فانّه يتصوّر فيها الصورتان اللتان لم يكن الاستصحاب جاريا فيهما كما إذا علم بوجود المذكات بينها ثمّ حصل الاختلاط بغيرها أو بعنوان ما يجلب من بلاد المسلمين إلى بلادهم ثمّ اختلط وقد عرفت اعتبار اتّصال زمان الشكّ باليقين في جريان الاستصحاب وقد حصل بين الشكّ واليقين في هاتين الصورتين زمان اليقين بنجاسة هذه وطهارة تلك .

نعم إذا علم باشتمال ما سيق منها إلى بلاد المسلمين عند التاجر الفلاني يشكل الأمر من باب لزوم الاجتناب من حيث كونها مورد الابتلاء إلاّ أن يمنع ذلك في غالب الصور خصوصا مع عدم مناسبة كلّ فعل لرجله وهو لا يريد كلّ هذه إلاّ أن يكون مورد علمه خصوص هذه الطائفة التي يمكن اختياره فردا منها

ص: 409

بل بعض الأصحاب كصاحب المدارك اتّكى على رواية في طهارة المشكوك من الجلود وإن خالفوا المشهور لروايات ضعيفة عملوا بها إلاّ انّه رحمه الله ( أي صاحب المدارك ) لا يبالي بعد الظفر على رواية صحيحة على مخالفة المشهور بل ينام عليها ويفتي بمضمونها فراجع تعرف .

من ذلك رواية عليكم(1) أن تسئلوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وفي كون أهل الكتاب من الكفّار نظراً فتأمّل(2) .

النتيجة: إذا عرفت ضابط عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ تعرف ما في كلام المحقّق الخراساني رحمه الله من الاشكال فيما هو راجع إلى مورد الكلام في تقدّم الشك فى(3) أحد الحادثين على الآخر وتأخّره مع ترتّب الأثر على كلا طرفيه والفرض إنّا نعلم بعدم تقارنهما في الحدوث كما في رجوع المرتهن عن اذنه في بيع الراهن للمرهون فانّه يشكّ في تقدّم الرجوع البيع فالبيع لا أثر له ولا يكون نافذا وتقدّم البيع على الرجوع فالبيع وقع نافذا والفرض انه يترتّب الأثر على كلا طرفي الشكّ تقدّم أحدهما زمانا أم تأخّر وهو رحمه الله فرض صورا خمسا في محلّ البحث ومنع من ترتّب فائدة على الاستصحاب في أربع منها لعدم الأثر الشرعي في صورة الاثبات وللتعارض في فرض آخر وعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين في الثالث وعدم وجود المتيقّن السابق كي يستصحب .

والخامس ما هو إذا ترتّب الأثر على فرض خاص فيستصحب في صورة

تماميّة أركانه ولا اشكال في جميع ما ذكره رحمه الله لما تقدّم سابقا إلاّ انّه يستشكل عليه

اشكال الكفاية

ص: 410


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 50/7 من أبواب النجاسات .
2- . لا اشكال في كفرهم والاشكال كون كلّهم مشركين .
3- . كفاية الأصول 2/324 وبعده .

منعه جريان الاستصحاب في ما تخيله من عدم اتّصال زمان الشكّ باليقين فلنفرض انّه في الحادثين اللذين لا يمكن اجتماعهما في الزمان كالحدث والوضوء لا مثل الرجوع والبيع أو غيره مثلاً وهو صورة العلم بوقوع حدث ووضوء منه فهنا ثلاث حالات حال العلم بعدم كلّ منهما وحالة العلم بوجود أحدهما وحالة ثالثة لوجود الآخر المتعقّب للحالتين وهذا المثال وإن كان فيه خدشات وانظار وإن قيل فيه جريان ضدّ الحالة المتقدّمة عليهما الا ان مورد الشاهد هو بيان عدم وجه لما تخيّله من عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ ففي الحالة الأولى يعلم بعدم كلّ منهما كما ان في الحالة الثانية يعلم بوجود أحدهما فقبل تلك الحالة كان متيقّنا بعدم كليهما الا انه علم بوجود أحدهما وفي الحالة الثالثة يعلم بوجود كليهما فمنع هو رحمه الله جريان استصحاب عدم كلّ منهما إلى الحالة الثالثة وهي ظرف العلم بحدوث كليهما من جهة عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ بالفصل بينهما بالعلم بوجود أحدهما في الحالة الثانية . ولا يخفى فساده على ما بينّا من الضابط إذ العلم في ما فرضه من الصورة الثانية لما صار منشأ الشكّ فكيف يكون منشأ الشيء رافعه ويمنع الاستصحاب لذلك بل لا اشكال في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى كليهما لأن في كلّ زمان من أزمنة وجود أحدهما إلى زمان العلم بوجود حدوث الثاني يشكّ في حدوث كلّ واحد منهما فالشكّ في كلّ واحد متّصل بيقينه السابق بلا اشكال فراجع الكفاية وتدبر في محلّ البحث قال فيه(1) .

التنبيه الحادي عشر: لا اشكال في الاستصحاب فيما كان الشكّ في

كلام الكفاية في الشك في التقدّم والتأخّر

ص: 411


1- . كفاية الأصول 2/333 - 334 .

أصل تحقّق حكم أو موضوع وأمّا إذا كان الشكّ في تقدّمه وتأخّره بعد القطع بتحقّقه وحدوثه في زمان فان لوحظ بالاضافة إلى أجزاء الزمان فكذا لا اشكال في استصحاب عدم تحقّقه في الزمان الأوّل وترتيب آثاره لا آثار تأخّره عنه لكونه بالنسبة إليها مثبتا إلاّ بدعوى خفاء الواسطة أو عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحقّقه إلى زمان وتأخّره عنه عرفا كما لا تفكيك بينهما واقعا ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني فانّه نحو وجود خاص الخ .

مراده جريان الاستصحاب في كلّ حادث شك في تحقّقه إلى زمان العلم بحدوثه لكن ذلك إذا لم يكن عنوان التقدّم والتأخّر وأمثالهما دخيلاً فيجري الاستصحاب في العدم ويترتّب عليه إذا كان موضوعا للحكم ولا يترتّب إذا كان الأثر للوجود وأمّا إذا كان العلم بحدوث الحادثين حاصلاً ولم يعلم تقدّم أحدهما على الآخر وتأخّره عنه فلا اشكال في جريانه أي استصحاب العدم فيما إذا كان عدمه في الزمان الأوّل موردا للحكم إلاّ انّه لا يثبت عنوان التأخّر من الزمان الأوّل أو الحدوث في الزمان الثاني ولا يمكن أن يدعي ان استصحاب العدم في الزمان الأوّل معناه وجوده في الزمان الثاني إلاّ بناءً على الأصل المثبت كالامارة أو يقال ان هذا اللازم يكون الواسطة فيه خفيّة أو يستحيل عرفا التفكيك بين المتلازمين فيكون حينئذٍ تنزيل عدم الحدوث في الزمان الأوّل مساوقا لتنزيل تأخّره عنه ولا فرق بين الاثبات في ما ذكرنا بأن يكون عنوان التأخّر معلولاً للأثر أو الحدوث في الزمان الثاني فكما لا يثبت الاستصحاب في العدم في الزمان الأوّل التأخّر كذلك لا يثبت عنوان الحدوث في الزمان الثاني لأنّه نحو وجود خاص وليس مؤدّى الاستصحاب .

ص: 412

والحاصل ان الوجود له حصص متعدّدة وبازاء كلّ عدم فاثبات عدم حصّة لا يثبت الحصّة من الوجود الكذائي لتغايرهما قال رحمه الله(1) نعم لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب بناء على انّه عبارة عن أمر مركّب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق انتهى وهذا واضح إذ الموضوع المركّب بغير دخل عنوان الاتّصاف يمكن اثباته بضم الوجدان بالأصل هذا كلّه بالنسبة إلى الزمان لا الحادث الآخر .

قال وان لوحظ بالاضافة إلى زمان حادث آخر علم بحدوثه أيضا وشكّ في تقدّم ذاك عليه وتأخّره عنه كما إذا علم بعروض حكمين أو موت متوارثين وشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر فان كانا مجهولي التاريخ فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدّم أو التأخّر أو التقارن لا للآخر ولا له بنحو آخر فاستصحاب عدمه صار بلا معارض بخلاف ما إذا كان الأثر لوجود كلّ منهما كذلك أو لكلّ أنحاء وجوده فانّه حينئذٍ يعارض فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد للمعارضة باستصحاب العدم في آخر لتحقّق أركانه في كلّ منهما .

هذا إذا كان الأثر المهم مترتّبا على وجوده الخاص الذي كان مفاد كان التامة .

والمراد بنحو خاص ان الحكم من حيث ثابت على أحدهما وليس للآخر هذا .

ملخّص مرامه رحمه الله انّه عند الشكّ في حدوث حادث لا اشكال في جريان استصحاب عدمه ويثبت عدم تحقّقه إلى زمان العلم بحدوثه إمّا في التقدّم والتأخّر

توضيح كلام صاحب الكفاية

ص: 413


1- . كفاية الأصول 2/334 .

فان كان الأثر مترتّبا على عدم حدوثه في زمان يجري ويترتّب عليه الآثار التأخريّة عن الزمان الأوّل لأن ذلك ليس مؤدى الاستصحاب بل لازم له وهذا لا يثبته الأصل إلاّ بدعوى خفاء الواسطة أو عدم اشكال في جريان الأصل المثبت أو الملازمة في الجعل والتنزيل فكما انّه ينزل مشكوك الحدوث منزلة متيقّن عدم حدوثه كذلك ينزل ذلك منزلة حدوثه في الزمان الثاني وتأخّره عن الزمان الأوّل فيكون قد صدر منه تنزيلان أحدهما متعلّق بأصل المشكوك ابتداءً والثاني بعنوانه التأخّري أو حدوثه في الآن الثاني كما ليس بمنكر إذا كان الأثر مترتّبا بالخصوص على الواسطة لا مؤدّى الأصل وذلك للحفظ عن اللغويّة بخلاف الأدلّة العامّة مثل لا تنقض اليقين فانّه لا يكون نظرها إلى ذلك أصلاً .

والحاصل انّه إذا كان لوجود يوم الخميس أثر لا يثبت ذلك باستصحاب عدم حدوثه في يوم الأربعاء فانّه نحو وجود خاص إلاّ بنحو التركيب على ما سمعت .

هذا بالنسبة إلى الزمان وكونه ظرفا للشكّ في التقدّم عليه أو التأخّر أمّا إذا لو خطّ الحادث بالنسبة إلى حادث آخر وكانا مجهولي التاريخ فإمّا أن يكون الأثر مترتّبا على كليهما أو على أحدهما وعلى الأوّل يجري الاستصحاب في الطرفين ويسقطان بالمعارضة ( بناء على لزوم المخالفة العمليّة أو مطلقا على المباني ) وعلى الثاني فيجري الاستصحاب في خصوص ما له أثر بلا معارضة في البين ولا يخفى صحّة جريان الاستصحاب لعدم وجود حادث مؤثّر للآثار لعدم ترتّب الآثار عليه كما إذا شككنا في تحقّق سبب الضمان فيستصحب عدمه لعدم ترتيب أثر الضمان عليه لكونه أصلاً موضوعيّا مقدّما على الأصول الحكميّة مثل

ص: 414

البرائة وأمثالها .

تتمّة البحث: قال في الكفاية(1) بعد جعل محلّ الكلام في المستصحبين

مجهولي التاريخ وذكر القسم الأوّل بشقوقه ( وأخرى كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر فالتحقيق انّه أيضا ليس بمورد للاستصحاب فيما إذا كان الأثر المهم مترتّبا على ثبوته للحادث بأن يكون الأثر للحادث المتّصف بالعدم في زمان حدوث الآخر لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان بل(2) قضيّة الاستصحاب عدم حدوثه كذلك كما لا يخفى انتهى .

والمراد بقوله كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر إلى قوله على ثبوته المتّصف بالعدم في زمان الآخر ان الأثر إنّما يترتّب على ما إذا كان أحد الحادثين منصفا بعدم الوجود مقيّدا بزمان حدوث الحادث الآخر كالملاقاة المشكوك حدوثها بأن تكون موردا للأثر بوصف عدمها لا مطلقا بل عدمها في زمان حدوث الكريّة فاذا كانت الملاقاة كذلك فلا تكون منشأ للأثر إذا كانت متقدّمة على الكريّة

أو مقارنة لها بل إنّما تكون منشأ الأثر لو كانت بعدها وهذا هو اصالة تأخّر الحادث .

والحاصل ان الملاقاة لابدّ أن تكون معدومة متّصفة بالعدم في حال حدوث الكريّة لترتب الأثر ولا يخفى انّ الملاقاة بهذا الوصف لم تكن متيقّنة لأن كونها متّصفة بهذا الوصف مورده ما إذا حصل الحادث الآخر بوصف كونه موجودا تكون الملاقاة في حينه متّصفة بالعدم والملاقاة بهذا القيد لم تحصل لعدم حصول

اشكال الاستصحاب

ص: 415


1- . كفاية الأصول 2/335 .
2- . ليس هذه العبارة في المقام .

الكريّة الحادثة التي أخذ زمان حدوثها ظرفا لقيد الملاقاة العدمي ويتوجّه على هذا اشكال .

وهو ان هذا الاستصحاب من السالبة بانتفاء الموضوع وأيّ فرق بينه وبين استصحاب عدم قرشيّة المرئة مع التزامه بجريان الاستصحاب فيه دون المقام فان لا يجر الاستصحاب في العدم النعتي عنده فلم اجراه في المرئة القرشيّة فان في الأزل كما لم تكن المرئة موجودة كذلك لم تكن قرشيّتها فعند تبدّل العدم بالوجود في المرئة الموجودة يجري استصحاب عدم قرشيّتها مع جريان الفرض فيه لأنّ المرئة بوصف كونها موجودة لم نتيقن انّها غير قرشيّة كي نستصحبها حين الشكّ .

إلاّ ان هذا الاشكال يدفع بأن أخذ التقيّد قد يكون للموجود بأن يفرض الموجود بما هو موجود قيدا لما يستصحب كما في مثال الكريّة فان الملاقاة أخذ عدمها في ظرف وجود الحادث وحدوثها أي الكريّة صفة وتكون بهذا الوصف موردا للأثر ولا ريب في انّها لم توجد بهذا الوصف ولم تكن كذلك في حين بل كانت معدومة بهذا الوصف ولم تكن الملاقاة موصوفة بالعدم في حين حدوث الكريّة . واخرى يؤخذ قيدا للماهيّة بما هي هي مع قطع النظر عن الوجود والعدم بل هي في رتبة ذاتها التي لا تكون محمولة للوجود ولا للعدم وإلاّ كانت ضروريّة وربما يجتمع المتناقضان فتأمّل .

وإن كانت في رتبة حمل الموجود والمعدوم المتّحدين من هذا الحيث وحينئذٍ لم تكن وجودا ولا عدما ولم تكن قرشيّة أيضا فيمكن جرى هذا العدم وجره إلى زمان وجود المرئة ويكون موردا للأثر وعلى هذا فبناءً على مبناه أيضا لا يتوجّه عليه الاشكال فتدبّر في عبارته كى تعرف حقيقة الحال .

ص: 416

ومن هنا عرفت انّه لو كان العدم المحمولي موردا للأثر فيجري الاستصحاب في الطرفين الكريّة وعدم الملاقاة ويتعارضان كما في الصور السابقة .

وأمّا على ما اخترناه سابقا فلا يصحّ جريان الاستصحاب في هذا الفرض أي فرض أخذ القيود في رتبة الذات والحال كذلك بل لا شيء حتّى يستصحب فان السالبة أيضا تحتاج إلى وجود الموضوع وعند عدمه فعدم أوصافه إنّما هو لعدم الموصوف .

تكميل وتوضيح: قال صاحب الكفاية رحمه الله(1) بعد قوله السابق في عدم جريان الاستصحاب فيما إذا كان الأثر مترتّبا على الحادث المتّصف بالعدم في زمان حادث آخر الذي استشكلنا عليه بالفرق بين المقام وبين ما سبق عنه في العام والخاص من جريان الاستصحاب في عدم قرشيّة المرئة ودفعناه بما تقدّم .

قال عطفا عليه ( وكذا فيما كان مترتّبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا وإن كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما لعدم احراز اتّصال زمان شكّه وهو زمان حدوث الآخر بزمان يقينه لاحتمال انفصاله عنه باتّصال حدوثه به . وبالجملة كان بعد ذاك الآن الذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما زمانان: أحدهما زمان حدوثه والآخر زمان حدوث الآخر وثبوته الذي يكون طرفا للشكّ في انّه فيه أو قبله وحيث شكّ في انّ أيّهما مقدّم وأيّهما مؤخّر لم يحرز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ومعه لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشكّ من نقض اليقين بالشكّ

ص: 417


1- . كفاية الأصول 2/335 - 336 .

انتهى ) .

مثال ذلك ما إذا استفدنا من الأدلّة ان وجود الاخوة مانع وحاجب في الارث عن نصيب الام الاعلى وينتقل بذلك إلى الأدنى فلا ترث إلاّ السدس إذا مات أخ من الأخوة وكانت الاُم حيّة فان الأثر يترتّب على عدم وجود الاخوة والحاجب حين حدوث الموت ولا دخل لاتّصاف شيء بالعدم في هذا الظرف فعلى تقدير أن يكون موضوع الارث مركبا من عدم وجود الاخوة وعدم تولّدهما والموت فالكلام في احرازه فيما إذا علمنا بحدوث الموت وتولّد الاخوة ونعلم بعدم التقارن إلاّ انّه يشكّ في تقدّم تولّد الاخوة على الموت فنصيب الام السدس أو بعد الموت فالثلث لعدم العبرة بالحمل مع اليقين السابق بعدم كلّ من تولد الاخوة والموت فهل يجري الاستصحاب لاحراز جزء الموضوع العدمي واحراز الآخر وهو الموت بالوجدان ولا يستشكل من حيث الاثبات لعدم سببه في المقام .

نعم لو كان كلّ من التولّد والموت منشأ للأثر فاستصحاب تأخّره يجري ويتعارضان ولكن ليكن الفرض فيما اذا لم يكن للموت أثر في استصحاب عدمه لحصوله بالوجدان ولا اشكال في انّه لو كان الموضوع مركّبا من العدم والوجود عدم الاخوة والموت فيمكن اجراء استصحاب عدم التولّد للاخوة ازلاً بل لا يحتاج إلى ذلك للعلم بعدم التولّد حين الحمل لهذا الاخ الموجود فله حالة سابقة في عدم التولّد نعتا لأنّه لم يكن حين حمله متولّدا فنستصحب هذا المتيقّن ويترتّب عليه الأثر وهو ارث الام للثلث . هذا .

وأمّا لو كان الأثر لعدم أحدهما في الزمان فيجري الاستصحاب عنده رحمه الله

ص: 418

إنّما الاشكال في ذاك النحو من الاستصحاب الذي سمعت عنه رحمه الله من عدم احراز اتّصال زمان اليقين بالشكّ فلنفرض ازمنة ثلاثة . زمان اليقين بعدم حدوث كلّ من الحادثين . وزمان حدوث أحدهما وهذا الظرف لم يكن زمان الشكّ في حصول التولّد حين الموت لأنّ الشكّ في ان الحادث إمّا موت أو تولّد .

إنّما الشكّ في التقدّم والتأخّر في الزمان الثالث وهو زمان حدوث الحادث الآخر فنشكّ حينئذٍ ان الموت تقدّم على التولّد أو بالعكس فلو اردنا استصحاب عدم التولّد الى حين الموت المتيقّن وجود كليهما يمنعنا من ذلك عدم احراز اتّصال زمان الشكّ وهو الحال الثالث والزمان المتأخّر بزمان اليقين وهو الزمان الأوّل الذي كنّا عالمين بعدم حدوث كلا الحادثين فانفصل زمان حدوث أحد الحادثين بين الزمانين الواقعين طرفين فالعلم الاجمالي حاصل بتقدّم أحدهما على الآخر فالحادث الأوّل امّا الموت وإمّا التولّد .

وذلك يمنع من صدق نقض اليقين بالشكّ على رفع اليد عن اليقين بعدم وجود التولّد في زمان الشكّ وهو حال حدوث أحد الحادثين ولا يلزم احراز عدم الانفصال بل عدم احراز الاتّصال كافٍ لعدم جريان الاستصحاب بهذا القيد بأن يكون في زمان الحادث الآخر في الآن الثاني الذي يكون ظرف أحد الحادثين ولا اشكال من غير هذه الجهة أصلاً .

ثمّ قال رحمه الله(1): لا يقال لا شبهة في اتّصال مجموع الزمانين بذاك الآن وهو بتمامه زمان الشكّ في حدوثه لاحتمال تأخّره عن الآخر .

مثلاً إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة وصار على

ص: 419


1- . كفاية الأصول 2/336 .

يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة اخرى بعدها وحدوث الآخر في ساعة ثالثة كان زمان الشكّ في حدوث كلّ منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما كما لا يخفى .

وأجاب عن هذا(1) الاشكال بقوله فانه يقال نعم ولكنّه إذا كان بلحاظ اضافته إلى أجزاء الزمان والمفروض انّه بلحاظ اضافته إلى الآخر وانّه حدث في زمان حدوثه وثبوته أو قبله ولا شبهة في ان زمان شكّه بهذا اللحاظ إنّما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر وحدوثه لا الساعتين الخ فتدبّر فيه وفي ما قلنا في شرحه فانّه حقيق بالتأمّل .

توضيح وتبيان: مراد المحقّق الخراساني بعد تصوير جريان الاستصحاب إذا كان الشكّ في الحدوث بالنسبة إلى اجزاء الزمان وبعد تصوير ما إذا كان الأثر مترتّبا على ما إذا كان متّصفا بعنوان التقدّم وما شابهه وما إذا كان اتّصاف الشيء بالعدم في زمان حدوث الحادث الآخر دخيلاً في الحكم تصوير صورة ثالثة لا تكون هذا ولا ذاك وهو ما إذا كان الأثر مترتّبا على عدم أحد الحادثين في زمان حدوث الآخر واقعا مع العلم بتحقّقهما في الزمان المتأخّر والشكّ إنّما هو في تقدّم أحدهما على الآخر وتأخّره منه .

كما إذا علم بمجيء زيد وعمرو في شهر ربيع الثاني وكان قبل شهر صفر متيقّنا بعدم قدوم كليهما وعلم بمجيء أحدهما في شهر ربيع الأوّل وتيقّن في هذا الشهر بمجيء كليهما إلاّ انّه لا يعلم هل قدوم زيد تقدّم على قدوم عمرو أو بالعكس والفرض ان الأثر يترتّب على عدم قدوم زيد حال قدوم عمرو ولا شكّ

توضيح كلام الكفاية

ص: 420


1- . كفاية الأصول 2/336 .

من حيث اجزاء الزمان ولا يكون من قبيل الاتّصاف بعدم كون أحدهما في زمان حدوث الآخر .

ومحصّل مرامه في هذا الفرض عدم جريان الاستصحاب وإن كان مبناه جريانه في العدم الازلي النعتي الاّ ان في المقام لا اشكال عنده من هذه الجهة بل من حيث عدم اتّصال زمان الشكّ باليقين في خصوص مورد الشكّ لأنّ الشكّ في التقدّم والتأخّر إنّما يحصل اذا حصل الحادثان كلاهما والا فوجود أحدهما في الشهر الأوّل وهو شهر ربيع لا يوجب الشكّ في التقدّم والتأخّر بل إنّما يقع الشكّ في قدوم زيد أو عمرو كذلك في الشهر الثاني .

فلذا أجاب عن اشكال توجّه عليه بقوله ( لا يقال )(1) .

ومحصّل هذا الاشكال هو وقوع الشكّ في كلا الزمانين . الزمان الذي يوجد فيه أحد الحادثين والزمان الثاني الذي يحصل فيه الحادث الثاني فأين عدم اتّصال زمان الشكّ باليقين .

بقوله ما ملخّصه ان ذلك لو كان من جهة الزمان فكذلك الا ان الشكّ إنّما هو في تقدّم أحد الحادثين على الآخر .

ومن المعلوم ان زمان الشكّ في التقدّم والتأخّر لا يكون هو زمان حدوث أحدهما ما لم يحدث الحادث الآخر لأنّ الشكّ حينئذٍ إنّما يكون في تعيين هذا الحادث أيّهما هو فاذا وجد الحادث الآخر فحينئذٍ يحصل الشكّ في التقدّم والتأخّر ولا اشكال في انفصال زمان أحد الحادثين بين زمان اليقين بعدم حدوث كليهما وزمان اليقين بحدوثهما فلذلك لم يحرز اتّصال زمان اليقين بالشكّ فيمنع

ص: 421


1- . كفاية الأصول 2/336 .

جريان الاستصحاب .

والحاصل: انّه لو كان الشكّ في الحادثين بالنسبة إلى الزمان لم يكن مانع من جريان استصحابهما فيما كانا موردين للأثر ويتعارضان أو أحدهما لو كان هو بالخصوص كذلك وامّا إذا كان المطلوب ثبوت عدم الحادث في زمان الآخر بهذا القيد فلا يكون حينئذٍ ظرف الشكّ إلاّ ما إذا حصل الحادث الآخر وإلاّ فيكون من السالبة بانتفاء الموضوع ولا اشكال فيه من هذه الجهة أيضاً .

وأجاب المحقّق النائيني(1) عن ما ذكره المحقّق الخراساني موردا عليه ومستشكلاً عليه ان الزمان لا يخلو حاله من وجهين: فإمّا أن يكون ظرفا أو قيدا فلو كان ظرفا ولو زمان حدوث الحادث الآخر فلا اشكال في جريان الاستصحاب بخلاف ما إذا كان قيدا فانّه لم يكن له حالة سابقة .

ولا يخفى ان ما فرضه المحقّق الخراساني من اشكال عدم احراز اتّصال زمان الشكّ باليقين لا يختصّ بما إذا كان الحادثان مجهولي التاريخ بل لو كان أحدهما معلوم التاريخ أيضا يتّجه هذا الكلام كما ربما يستفاد من مطاوي كلماته .

وينبغي أن تعرف ان منشأ الشبهة له رحمه الله هو تخيّل اشتراط اتّصال زمان الشكّ باليقين في الاستصحاب ففيما فرضه لم يحرز ذلك لفصل الساعة الاولى وهي ساعة حدوث أحدهما بين زمان الشكّ وزمان اليقين غافلاً عن ان المناط في باب الاستصحاب إنّما هو المشكوك والمتيقّن والمراد باتّصال زمان الشكّ باليقين اتّصال زمان المتيقّن بالمشكوك وإلاّ فالشكّ مسلم انه لا يحصل إلاّ بعد حدوث الحادث الثاني .

اشكال المحقّق النائيني

ص: 422


1- . فوائد الأصول 4/519 - 520

وعلى اشتراط ذلك يمكن فرض حصول اليقين والشكّ في آن واحد كما في الفرض علم بقدوم زيد وعمرو وشكّ في تقدّم مجيء زيد على عمرو أو بالعكس ولم يكن له شك بهذه المثابة قبل .

فلو كان المناط ذلك فلازمه أن يجري الاستصحاب فيه بل المناط كلّ المناط إنّما هو المشكوك واتّصال زمانه بزمان اليقين ولا ريب في اتّصال زمانه في كلا الحادثين بالمتيقّن فانّ الساعة الاولى إنّما فصلت بين الشكّ واليقين زمانا الا ان الشكّ في التقدّم والتأخّر تعلّق بالمشكوك الذي ظرفه في كلا الحادثين متّصل بزمان اليقين والمتيقن وذلك واضح .

ثمّ قال رحمه الله: بعد ذلك بجريان الأقسام الثلاثة في ما ذكره في كلامه في الحادثين الذين لا يجتمعان في الزمان كالحدث والوضوء أو يمكن أن يجتمعا كموت الأخر وتولّد الأخ الآخر ففي مثال الحدث والوضوء يمكن فرض عدم اتّصال زمان الشكّ باليقين بأن يفرض المصلّى بعد أن قام من نومه توضّأ لصلاة الصبح مثلاً وبعد ساعة يعلم انّه توضّأ واحدث بالنوم أو بغيره لكنّه لا يدري ان الحدث هل تقدّم على الوضوء كي يكون وضوئه واقعا بعده أو بالعكس بأن حصل الوضوء بعد الوضوء الأوّل وكان تجديدا له فنقضه بالحدث فيعلم بوقوع حادثين في الزمان ولا يدري أيّهما مقدّم وأيّهما مؤخّر والفرض ترتّب الأثر على عدم كلّ في زمان حدوث الآخر فيكون من مثال عدم احراز اتّصال زمان اليقين بالشكّ عنده وقد عرفت ما فيه وفي المسئلة طول كلام .

قال رحمه الله بعد كلام ( كما انقدح(1) انه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب

ص: 423


1- . كفاية الأصول 2/338 .

حالتان متضادّتان كالطهارة والنجاسة وشكّ في ثبوتهما وانتفائهما للشكّ في المقدم والمؤخر منهما وذلك لعدم احراز الحالة السابقة المتيقّنة المتّصلة بزمان الشكّ في ثبوتهما وتردّدها بين الحالتين وانّه ليس من تعارض الاستصحابين الخ .

نتيجة الكلام: قد عرفت مرام المحقّق الخراساني في مثل الحادثين الذين هما كالوضوء والحدث والفرض ان الشاكّ لا يخلو من تقدّم حال حصول أحدهما من كونه محدثا أو متطهّرا وانه لا يجري الاستصحاب في كلّ منهما لعدم احراز اتّصال زمان الشكّ باليقين ولا اشكال في عدم ترتّب الأثر على كلّ من الحدث والوضوء اذا عقب حدثا مثله أو طهارة لأن المحدث بالنوم لا يزيد عليه حدثه البولي بعده شيئا وكذا التوضى لا يزيد وضوئه بعده، نعم هو نور على نور وعلى ذلك .

فليس كلّ ما شكّ في تقدّم الحدث أو الوضوء على الآخر ممّا يترتّب عليه الأثر بل حيث يكون حدوث أحدهما في حين حصول الآخر لا على نحو القيديّة ولا الظرفيّة المطلقة بل على النحو الثالث الذي تصوّرناه من قبل الذي لا يكون أزيد من كون وجود الحدث حال كونه متوضّأً أو وجود الوضوء حال كونه محدثا ولا يكون للحالية دخل عنوانا بل هو يشار به إلى القطعة التي للحادث فيها أثر وفي قبالها عدمها الذي يترتّب عليه عدم ترتّب الأثر المترتّب على الوجود الخاص الذي ينشأ منه الأثر .

فاذا شككنا في انتقاض عدم كلّ من الحدث والوضوء المتيقّن قبل حصولهما وان أيّهما مقدّم وأيّهما مؤخّر فلا يجري عنده الاستصحاب لعدم احراز اتّصال زمان الشكّ الحادث بعد حدوث الحادثين باليقين السابق بعدم كلّ منهما

عدم جريان الاستصحاب في الحادثين المتضادّين

ص: 424

لأن الشكّ في التقدّم والتأخّر والشك بهذا اللحاظ لا يمكن أن يحصل إلاّ بعد وجود الحادثين أو العلم بحدوثهما كان يعلم وقوع أحدهما بعد الآخر ولكن لا يدري انه ماذا هو الحدث أو الوضوء .

والحاصل: انه لا يجري استصحاب عدم كلّ من الحدث والوضوء في المثال لعدم احراز اتّصال زمان اليقين بالشكّ لاحتمال انفصاله عنه باتّصال حدوثه به بأن يكون كلّ من الحادثين الذين يشكّ فيهما انّه حدث في الزمان الثاني حادثا في الزمان الأوّل كما سبق تقريره وتقريبه ولا ينافي ذلك وقوع الشكّ بعد حدوث الحادثين . هذا .

إلاّ أنه يرد على ما علّل به عدم جريان الاستصحاب فيما ذكره مضافا إلى عدم تعقّل الشكّ في الشك وإن كان الشكّ في الاتّصال راجعا إلى الشكّ في الشكّ حتّى انّه رحمه اللهمعترف بذلك حيث ان الشكّ والظن كلاهما من الأمور الوجدانيّة التي لا وجه لوقوع الشكّ فيهما بل ان ترجح أصل طرفي المتصوّر فهو ظن وان تساويا شك وذلك واضح .

الا ان الشك في الاتصال مع كونه راجعا إلى الشكّ في الشكّ ومضافا إلى ان لازمه وقوع الشكّ في المشكوك لأن من شكّ لا يعقل أن يشكّ في ظرف شكّه وانّه لا يدري أشكّه فيه بالنسبة الى الزمان الأوّل أو الثاني .

( لا يخفى عدم توجّه هذا الاشكال إليه رحمه الله ) ان العبرة في اتّصال زمان الشكّ باليقين بالمتيقّن والمشكوك ولا اشكال في اتّصال المشكوك زمانا بالمتيقّن لأن ظرف المشكوك باعتبار تعلّق الشكّ به وانّه تقدّم على الآخر أو تأخّر عنه مجموع الزمانين كما لا يخفى وعرفت وجهه فتأمّل فيه جيدا .

ص: 425

تبصرة: ليعلم ان الاستصحاب تارة يجري في ما إذا كان كلا الحادثين مجهولي التاريخ واخرى فيما إذا كان أحدهما كذلك ولا مجرى في المعلوم وهو ما إذا كان الأثر مترتّبا على الحدوث في زمان الآخر كاسلام الوارث حال موت المورث ويظهر من بعضهم اطلاق عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ الا ان للمحقّق النائيني رحمه الله(1) فيه كلاماً وهو ان الاستصحاب يجري في معلوم التاريخ أيضا اذا كان الأثر مترتّبا على بقائه كما في الحدث والوضوء فاذا علمنا انا توضّأنا

أوّل الفجر وشككنا في وقوع الحدث الحادث بعده أو قبله فكما انّه يجري استصحاب بقاء الحدث كذلك يجري في الوضوء الا انا أوردنا عليه ان الحدث لا مجرى لاستصحابه لأن وقوعه إن كان قبل الوضوء فارتفع به أو بعده فيجري استصحاب العدم فيه فتأمّل .

( قلت: هذه مغالطة إذ استصحاب العدم في الحدث بعد الوضوء لا أثر له ولا يثبت ان المتوضى قبل متوضئ في الحال بل ان جرى يجري استصحاب الوضوء وهو محلّ الكلام والمعارضة مع استصحاب الحدث فتأمّل .

إن قلت: ان العلم بحدوث أحد الحادثين في الزمان الأوّل يوجب عدم اتّصال زمان الشكّ أي المشكوك في كلّ من الاستصحابين بزمان المتيقّن كما تدعون لاحتمال انطباقه أي المعلوم بالاجمال وهو أحد الحادثين على كلّ من الوضوء والحدث وضابط اتّصال زمان الشكّ أي المشكوك بالمتيقّن هو عدم انفصال يقين بالخلاف في البين وهو غير منطبق على ما هنا .

قلت: هذا علم اجمالي صار منشأ للشكّ في التقدّم والتأخّر في كلّ منهما

أقسام الاستصحاب في المقام

ص: 426


1- . فوائد الأصول 4/522 - 524 .

وإلاّ فلو علم ان الحادث أيّهما لم يكن هذا الشكّ .

فذلكة وتكميل: قد ذكرنا انقسام الاستصحاب في الحادثين على أقسام:

منها: جريانه في مجهول التاريخ وعدم جريانه في معلومه كمثال الاسلام وموت المورث .

ومنها جريانه في المعلوم والمجهول التاريخ كليهما وهو ما إذا كان الأثر مترتّبا على كلّ واحد منهما أو خصوص المعلوم .

بقاءً لا حدوثا وحده وذلك مثل الوضوء والحدث مع العلم بتاريخ الوضوء كأوّل طلوع الفجر أو الشمس ويعلم بوقوع حدث منه غير الحدث الذي حصل بسبب النوم القائم منه لكنّه لا يدري تقدّمه على الوضوء فنقض به أو تأخّره فنقض الوضوء والآن هو محدث الا ان في هذا الحال يعلم بحدوث كليهما ويشكّ في بقائهما مع العلم بتاريخ الوضوء فعند المحقّق النائيني رحمه الله(1) يجري الاستصحاب في كليهما لترتّب الأثر في حال البقاء أي حال العلم بحدوثهما ويتعارضان .

لا يقال استصحاب عدم حدوث الحدث إلى زمان الوضوء يجري ولازمه وقوع الوضوء قبل الحدث لاصالة تأخّر الحادث الذي يشكّ في تقدّمه على الوضوء وتأخّره عنه والحدث الذي وقع بعد الوضوء ينقض الوضوء ولا مجال للمعارضة .

لأنّا نقول اصالة تأخّر الحادث لا يثبت وقوع الوضوء قبل الحدث وان الحدث وقع بعد الوضوء بل هو مطلق إذا شكّ في حدوث حادث في زمان فالأصل عدمه ولا ينفعنا في المقام ثبوت تأخّره عن الوضوء وهذا ليس بمؤدّى

ص: 427


1- . فوائد الأصول 4/522 - 524 .

الأصل ولا وجه لتوهّم عدم جريان الاستصحاب في الحدث لأنّه يكون من استصحاب الكلّي في القسم الثاني وهو ما يكون المتيقّن بين متيقّن البقاء ومتيقّن الارتفاع .

فانّه لو كان الحدث قبل الوضوء فانتقض بالوضوء وإن كان بعده فقطعا باقٍ ولا شكّ في بقائه بل نعلم على الفرض انه باقٍ وقد تقدّم في تنبيه الاستصحاب في الكلّي انكار جريانه في الكلّي حيث ان الكلّي بما هو كلّي ليس من منشأ الأثر لأنّه أمر انتزاعي بل ما يترتّب عليه الأثر إنّما هو الافراد ووجود الفرد ليس بمعلوم ومتيقّن لدورانه بين الفردين الذين حالهما ما عرفت .

وذلك لأنّ المقام ليس من استصحاب الكلّي بل هو من استصحاب الشخصي لأنّ الفرض وجود العلم بحدث شخصي .

غاية الأمر الشكّ في زمانه فهو مردّد بين زمانين والشكّ والترديد في الزمان لا يجعله كالكلّي .

نعم يمكن توجيه الاشكال فيه بنحو آخر وهو ان المتيقّن لو كان حدث قبل الوضوء فنعلم بارتفاعه ووجوده بعد الوضوء مشكوك فما لنا يقين بالحدث بعد الوضوء نستصحبه إلاّ اليقين المتأخّر في حال الشكّ في البقاء فهذا من تقدّم الشكّ وتأخّر اليقين فاليقين لاحق والشكّ سابق ولا مجال لجريان الاستصحاب فيه ولا نحتاج إلى جريان الاستصحاب لعدم وجود الحدث بعد الوضوء كي يكون مثبتا لبقاء الطهارة بل نفس الوضوء يكون مستصحبا ولا نحتاج إلى استصحاب أو أصل آخر هذا .

وهنا فروض بعضها أو كلّها شبيه بهذا الفرض . منها ما إذا غسل يده أو عضوا

ص: 428

منه آخر بماء طاهر وماء نجس سواء كانت يده طاهرة أو نجسة والفرض ان المائين قليلان فيعلم في هذا الفرض بطهارة يده وانها تنجست ويشكّ في تقدّم الطهارة على النجاسة وتأخّرها عنها فيجري الاستصحابان كما في الفرض المتقدّم عند المحقّق النائيني رحمه الله ويتعارضان وخاصّة هذا الفرض انه يعلم تفصيلاً بنجاسة يده في حال ملاقاتها للماء الثاني لأنّه إمّا أن يكون هذا الماء الثاني نجسا فيده نجسة أو الماء الأوّل والغسالة ما لم تنفصل لا يكون المحل طاهرا فحين وصول الماء الثاني يعلم تفصيلاً لسبب اجمالي بنجاسة يده وتاريخه معلوم فان جرى الاستصحابان في مثل هذا الفرض وتعارضا ففيه أيضا كذلك وإن قلنا فيه كما قلنا في مسئلة العلم بتاريخ الوضوء فلا مجال لجريان استصحاب الطهارة لاستصحاب النجاسة المعلوم التاريخ ولم يعلم له ناقض .

والحاصل: انّه وإن أمكن أن يقال في مثل ما إذا كانت يده نجسة انّه علم بطهارتها تفصيلاً أيضا إلاّ ان العلم الاجمالي بنجاسة يده حال ملاقاتها للماء الثاني

يوجب جريان استصحابها بلا مانع فتأمّل في المقام والفرق بينه وبين المثال المتقدّم اذ كما انه فيه قد يتّفق طهارتان طهارة يده قبل ملاقاة أوّلها وطهارة للأوّل

إذا كانت طاهرة كذلك في الفرض السابق قد يتّفق وقوع الحدث قبل الوضوء مسبوقا بحدث آخر ( ما استشكل فيه أي الفرض الأوّل من كونه من قبيل استصحاب الكلي في القسم الثاني يمكن أن يتصوّر فيه كونه من الأوّل بناء على كون الشكّ في المقتضى كما أفاد الاستاذ في الدرس ويمكن كونه من القسم الثالث بأن يكون شبيهه لأنّه على تقدير كون الحدث قبل الوضوء ارتفع بالوضوء آن الوضوء والشكّ في الحدث بعده يكون ( مثل ) قريب الشكّ في حدوث فرد من

ص: 429

الكلي بعد رفع الفرد الأوّل حين ارتفاعه وفي الفرض بعد زمان فتأمّل كي تعرف اختلال ما ذكرنا .

دفع وهم: قد يستشكل جريان استصحاب النجاسة لكونه من قبيل استصحاب القسم الثاني من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي وقد ذكرنا في محلّه عدم جريانه .

تقريب الاشكال: ان النجاسة السابقة لليد ارتفعت قطعا إمّا بالماء الأوّل لو كان طاهرا أو بالماء الثاني لو كان الأوّل نجسا لأن ملاقاته لم تزد على نجاسته شيئا فطهر بالماء الثاني وعلى التقدير الأوّل فتوسّط وتخلّل زمان الطهارة بالمآء الأوّل بين نجاسة اليد الأولى ونجاستها الثانية والفرض حصول تمام ما يعتبر في طهارة اليد في الغسلين بالماءين القليلين .

فعلى هذا لا وجه لجريان الاستصحاب لعدم جريانه في القسم الثالث سواء كان في الفرد القسم الأوّل منه الذي يكون الشكّ في حدوث فرد مع متيقّن الارتفاع حين حدوثه فيشكّ في حدوثه وعلى تقديره فهو باقٍ قطعا أو في الفرد الثاني منه وهو الكلي التبدّلي إذا شكّ في حدوث فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد الأوّل بل يكون حال الاستصحاب في النجاسة في ما نحن فيه أسوء من استصحاب القسم الثاني من الكلي إذ في ما نحن فيه تخلّل زمان الطهارة على تقدير نجاسة الماء الثاني بين الفردين . هذا ملخّص الاشكال وتقريبه .

وإنّما هو في خصوص ما إذا كانت الحالة السابقة لليد النجاسة .

ويرد عليه انّه لا فرق بين ما إذا كان الحال السابق النجاسة أو الطهارة اذ استصحاب الطهارة بعد الحالتين أيضا سبيله سبيل استصحاب النجاسة في ما

اشكال الاستصحاب في القسم الثالث

ص: 430

فرض في الاشكال والتوهّم لأنّ الماء الأوّل لو كان طاهرا فلم يؤثّر في اليد أو الثوب الطاهرين فتنجس بالماء الثاني وإن كان الماء الثاني طاهرا فارتفع قطعا الطهارة الأولى السابقة على الملاقاة بملاقاة الماء الأوّل وتخلّل زمان بقاء نجاسة اليد بالماء الأوّل بين الطهارة الأولى التي كانت لليد من قبل وبين الطهارة الثانية

الحاصلة بالماء الثاني .

هذا مضافا إلى ما أورده عليه المحقّق النائيني(1) من عدم كون ذلك من استصحاب الكلي وإنّما هو من الاستصحاب الشخصي لأن نفس الطهارة والنجاسة الحاصلتين لليد تكونان موردا للاستصحاب غاية الأمر الشكّ في تقدّم الطهارة على النجاسة أو العكس فيكون الترديد في الزمان على التقدّم والتأخّر وهذا غير أن يكون المستصحب كليّا وبينهما بون بعيد .

لكن عرفت ما استشكلنا به على المحقّق النائيني رحمه الله من العلم التفصيلي

بنجاسة اليد أو الثوب حال وصول الماء الثاني إمّا لنجاسته أو نجاسة الماء الأوّل فيجري الاستصحاب في معلوم التاريخ ولا مجال لجريانه في مجهوله لعدم متيقّن بعد اليقين التفصيلي على ما قرّرناه وجريان استصحاب النجاسة أو الطهارة في الفرضين إذا كان الماءان قليلين إنّما يكون من استصحاب الكلي بهذا النحو الذي هو أسوء من القسم الثاني من القسم الثالث(2) وأين هذا من الاستصحاب

الشخصي بعد العلم التفصيلي ومعلوميّة زمان النجاسة تفصيلاً فالأقوى في ذلك جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ ولا مجرى له في مجهوله ومن ذلك تعرف

ص: 431


1- . فوائد الأصول 4/525 - 527 .
2- . لا يخفى ان في التقريرات التوهّم في خصوص الطهارة لا النجاسة عكس ما قرّره سيّدنا الأستاذ قدس سره فلا تغفل .

حقّ المقام في المسئلة المعنونة في كتب الفروع كالعروة وغيرها .

قال رحمه الله في المسئلة السابعة من فصل الماء المشكوك:

إذا انحصر(1) الماء في المشتبهين تعين التيمّم وهل يجب اراقتهما أو لا الأحوط ذلك وإن كان الأقوى العدم ) فانّه لا يمكن أن يأتي بالتكليف إلاّ على بعض الصور التي تعرفها ذيلاً ولهذا أوجب بعضهم التيمّم .

وأمّا المائان ففي موثقة سماعة(2) عن أبي عبداللّه علیه السلام في رجل معه انائان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر ولا يدري أيّهما هو وليس يقدر على ماء غيرهما .

قال

علیه السلام: يهريقهما جميعاً ويتيمّم . قيل ونحوها رواية عمّار(3) عنه علیه السلام .

وحمل بعضهم الرواية على ما إذا لم يف المائان للوضوء مع أحدهما والصلاة معه ثمّ تطهير مواضع الوضوء على تقدير أن يكون الأوّل نجسا ثمّ الوضوء ثانيا بالماء الثاني واعادة الصلاة وكذا ما يلزم من سعة الماء لما تنجّس بالماء الأوّل على تقدير النجاسة من أطراف البدن لو أمكنه التجرّد أو اللباس بأن يكونا قليلين .

وأمّا في فرض كفاية المائين لذلك أو أحدهما فرأوا ذلك وبعده يعلم قطعا بامتثال التكليف المولوي وإن كان حين كلّ واحدة من الصلاتين لا يدري أهي مجز أم لا بل قد يستشكل جواز الدخول في الصلاة له بالوضوء الأوّل لأنّه إمّا أن يكون مسبوقا بالطهارة للبدن فلم يحرز ان هذا الماء طاهر كي يكون يعلم بالطهارة من الحدث ويصلّي معه وإن كان مسبوقا بالنجاسة للبدن فيجري

الوضوء من الانائين المشتبهين

ص: 432


1- . العروة الوثقى 1 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 8/2 من أبواب الماء المطلق .
3- . الوسائل 3 الباب 4/1 من أبواب التيمّم .

استصحابها فلا يمكنه الدخول في الصلاة مع استصحابها وان جرى استصحاب الطهارة في الصورة السابقة وكذلك يشكل الدخول في الصلاة الثانية حيث انه يعلم تفصيلاً حين صبّ الماء على أعضائه قبل التعدّد اللازم في التطهير بنجاستها .

أمّا لنجاسة هذا الماء أو الماء الأوّل الذي لم ينفصل غسالته بعد فيجري الاستصحاب حينئذٍ ولا يجوز له الدخول في الصلاة الثانية أيضا .

وعلى كلّ حال مع هذين الاستصحابين كيف يجوز له الدخول في الصلاة إلاّ أن يقال بالرجاء وهو قد يشكل من حيث عدم الأمر بالوضوء في هذه الصورة وعليه أن يتيمّم .

فعلى هذا فتكون الرواية على وفق القاعدة ويشكل أيضا فيما إذا ابتلى نفسه بهذه البليّة إلى أن ضاق الوقت ولم يقدر على الوصول إلى المطهّر فيطهر أعضائه الجاري فيها استصحاب النجاسة على ما بينّا كما انّه لا يجوز له أكل الرطب مع هذا اليد . نعم يلزمه الصلاة في هذا الحال بهذا النحو وإن عصى وابتلى بذلك وان احتاط بعضهم بضم التيمّم أيضا إلى هذا الوضوء .

تذكار: لو كان المائان في فرض المسئلة كثيرين فلا علم له تفصيلاً بنجاسة اليد أو الثوب بل يعلم بحصول النجاسة والطهارة له سواء كانت الحالة السابقة أيضا الطهارة أو النجاسة لكنّه إذا كان معلوم الطهارة أو معلوم النجاسة أو محكوما بأحدهما شرعا يمكن الاشكال في جريان استصحاب النجاسة فيما إذا كانت الحالة السابقة النجاسة وعدم استصحاب الطهارة فيما إذا كانت هي الطهارة بدعوى كون ذلك من قبيل استصحاب القسم الثاني من القسم الثالث من استصحاب الكلي الذي يكون الفرد متبدّلاً بفرد آخر مشكوك الحدوث حين

ص: 433

ذهاب الفرد الأوّل .

غاية الأمر بفاصلة زمانيّة في المقام التي توجب اسوئيّة حاله من هناك إلاّ انك عرفت اشكالنا في ذلك وفيه تردّد لامكان كون الميز ولو من حيث الزمان للطهارة الأولى السابقة على الحالتين وللثانية الحاصلة بملاقاة أحد المائين ( الأوّل أو الثاني على الظاهر ) موجبا لكونهما فردين من الكلي .

كما انّه يمكن تقريب الكلام بنحو يكون من الاستصحاب الشخصي كي يجري الاستصحاب في كليهما أي ما إذا كانت الحالة السابقة موافقة لأحد المعلومين أو مخالفة وإن كان يعلم بارتفاع الحالة السابقة ويشكّ في طريان ضدّها لاحتمال كون الماء الأوّل هو الموافق للحال التي كان عليها .

وأمّا إذا كان المائان مختلفين فان كان الأوّل كرّا والثاني قليلاً فحال ملاقاة الثاني أي القليل يعلم تفصيلاً بالنجاسة .

اما لنجاسة أو لنجاسة الماء الأوّل الذي لم يطهر منه بعد قبل انفصال الغسالة وإن كان بالعكس فكان الكرّ الثاني فلا علم له تفصيلاً بشيء بل حاله حال الصورة الثانية وهي إذا كان المائان كثيرين .

والحاصل تردّد سيّدنا الأستاذ تغمّده اللّه برحمته في المقام لجريان الاستصحاب في كلّ الصور التي يكون أحدهما معلوم التاريخ ويترتّب عليه الأثر بقاءً وكأنّه مال إلى ما أفاد شيخه الأستاذ المحقّق النائيني من جريانه في الفروض الثلاثة هذا .

ثمّ انّك عرفت اختلاف مجاري الاستصحاب في الحادثين فتارة يجري في كليهما إذا كانا مجهولي التاريخ ويتعارضان ويسقطان فيرجع إلى الأصل العملي

ص: 434

واخرى يجري في معلوم التاريخ ومجهوله كما في مثال المائين الذي يكون المرجع بعد جريان الاستصحاب وتعارضهما قاعدة الطهارة .

وأمّا نفس المائين فحيث يعلم اجمالاً بنجاسة أحدهما فيلزم الاجتناب عن كليهما .

وما ذكرنا إنّما هو بالنسبة إلى الملاقى كاليد فاليد في ما نحن فيه نعلم بنجاستها وطهارتها ولا نعلم أيّهما متأخّر فيدخل تحت عنوان مشكوك النجاسة والطهارة ويشملها دليل قاعدة الطهارة فيكون طاهرة وثالثة يجري في مجهول التاريخ ولا يجري في معلومه كما في مسئلة اسلام الوارث وموت المورث على بعض الوجوه وهنا فرض آخر لا يجري فيه في معلومه ومجهوله وهو ما إذا كان تاريخ الكريّة معلوماً والملاقاة للنجاسة مشكوكة فلا يعلم أهي تقدّمت على الكريّة أو بالعكس فلو لم يجر استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكريّة فيمكن نجاسة الماء فلا يحصل منه الأثر المطلوب وهو طهارة المغسول به ولو جرى ذلك الاستصحاب أي استصحاب عدم الملاقاة لا يثبت به الأثر المطلوب أيضا لأنّه لا يثبت تأخّر الملاقاة عن الكريّة كي يكون الماء طاهرا والثوب المغسول به طاهرا ( كما ان الاستصحاب في الكريّة لا يجري ولو جرى لا أثر له مثل الاستصحاب الجاري في عدم حصول الكريّة إلى حين الملاقاة الذي لا أثر له .

وقد بنى هذه المسئلة المحقّق النائيني رحمه الله(1) على أن الماء قابل للانفعال والكريّة إنّما هي عاصمة ومانع كما يستفاد من قوله علیه السلام إذا بلغ الماء قدر كرّ(2) لم

ص: 435


1- . فوائد الأصول 4/528 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/1 - 2 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .

ينجّسه شيء الذي يدلّ بمفهومه على تنجّسه بكلّ شيء نجس ولا يتوهّم عدم دلالة المفهوم إلاّ على النقيض المنطقي وهو الايجاب الجزئي لأن مقام الدلالة والظهور غير باب الاقيسة والنقيض بل يستفاد من سلب العموم بحسب مفهومه التنجس بكلّ نجس ولا يكون ممّا سلب فيه العموم الذي لا ينافيه الايجاب الجزئي لأن ذلك حيث يكون الوارد عليه السلب مثل الكل وغيره ممّا هو مفهوم اسمي يلاحظ ويرد عليه السلب لا ما هو آلي وايجادي كالألف واللام أو النكرة في سياق النفي الذي إنّما يفهم النفي للعموم بعد ورود السلب .

وان احتمل الأمران في مثل لا تنقض اليقين بالشكّ إلاّ انّك قد عرفت التحقيق في محلّه ان ذلك من عموم السلب أي لا تنقض كلّ فرد فرد من اليقين بالشكّ لا سلب العموم بأن يكون المعنى لا تنقض كلّ يقين بالشكّ بل بعضه الا انّه يتوجّه هنا السؤال انّه يمكن أن يكون قد تعرّض له الحاج آقا رضا رحمه الله ولم يف عمر شيخنا المحقّق النائيني لتنقيحه وهو ان استفادة العموم من القضيّة الشرطيّة بعدم(1) انحصار الموضوع فيكون عدمه موجبا لعدم الحكم ويكون الحكم دائرا مداره وجودا وعدما مع عدم انحصار الموضوع فيما نحن فيه حيث انّه يشارك الكر في عدم الانفعال الجاري والقليل المتّصل بالمادة فأين استفادة انحصار الموضوع كي يعلّق عليه الحكم وينتفي بانتفائه .

اللهمّ إلاّ أن يقال ان الكر والجاري والقليل المتّصل بالمادة غير المحقون والمراد بذلك في الخبر إنّما هو المحقون يعني إذا بلغ الماء المحقون قدر كر لم ينجّسه شيء فيستقيم الانحصار حينئذٍ وتحقيق المسئلة في الفقه .

انفعال الماء القليل بالملاقاة

ص: 436


1- . الظاهر بانحصار الموضوع وكلمة عدم زائدة .

تكميل وتتميم: يمكن استفادة انفعال الماء الذي ليس بكر من قوله علیه السلام (1) ( إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء ولو بعد انضمام باقي ما يكون عاصما من أقسام المياه كالجاري والماء الذي يتّصل بالمادّة فيستفاد من نفي مجموعها بالجمع بين الأدلّة نفي الحكم أي عدم الانفعال بل ينفعل الماء وعلى تقدير المناقشة في ذلك وعدم انطباق ضابط القضيّة ذات المفهوم عليه ( حيث ان القضيّة الشرطيّة على قسمين فقسم منه يكون توقف المشروط على شرطه عقليّا كقوله تعالى: « وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا »(2) ضرورة عدم الاكراه في مورد عدم ارادتهنّ التحصّن ومثل اذا رزقت ولداً فاختنه حيث علّق الختان على رزق الولد فلا مفهوم هنا لعدم موضوع حتّى يكون الحكم في ظرف وجوده منقضيا فيمكن استفادته من نحو هو الكر بمضمونه الواقع في جواب السائل الذي يسأل الامام علیه السلام عن الماء الذي لا ينفعل لوروده مقام الحصر الظاهر في الانحصار غاية الأمر لابدّ من تقييد اطلاقه بماء الحمّام والجاري وما يتّصل بالمادّة على مايتفرّع على كلّ منها حيث ان الجاري لا قوّة لرواياتها في ذلك بل في بعض(3) الروايات تشبيه ماء الحمام بماء النهر الذي احتمل فيه أن يكون من التشبيه المعكوس ومن المعلوم ان عنوان الجاري أو ما يتّصل بالمادّة أعم من أن يكون كرّا .

وعلى كلّ حال فبعد تماميّة استفادة ان الماء العاصم الذي لا يقبل الانفعال بمجرّد الملاقاة هو الكر وما يتّصل بالمادّة من هذه الرواية الأخيرة أو من الرواية

ص: 437


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/1 - 2 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .
2- . سورة النور: 34 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 7/7 من أبواب الماء المطلق .

الاولى على تقدير عدم أولها إلى الوصفيّة كان يكون الماء النابع كرّا لا ينجّسه شيء حيث لا مفهوم له وان ضابط المفهوم ينطبق على الرواية الاخرى على التدقيق الصناعي وان الماء مطلقا مقتضى الانفعال وعنوان الكر والجاري وما يتّصل بالمادّة عاصم مانع على نحو قرّرناه في بعض أبحاث الاستصحاب .

حيث ان المقتضى لابدّ أن يكون مثل ما في الخارج من النار التي لو لا الرطوبة لاحرقت في ظرف حصول شرايطه ولذا لا يستند عدم الاحراق والمنع عنه إلى الرطوبة إذا لم تكن المماسة حاصلة كان يكون بين الثوب الرطب والنار فاصلة مانعة من وصول الحرارة إليه .

ومن ذلك يعلم وجه القول بنجاسة الماء المتمّم للكر لو كان نجسا هذا المتمم أو المتمم للزوم حصول الموضوع في الرتبة السابقة عن الملاقاة لكونه كالعلّة الخارجيّة في التكوينيّات .

فكما انّها مقدّمة على المعلول رتبة كذلك الموضوع شأنه مع المحمول والحكم كذلك وإلاّ فلو لزم تخلّل آن زماني فيلزم الخلف والمناقصة وذلك محال عقلي لا يقبل التخصيص بغير مورد ولذلك لا معنى لما قد يدّعي من حصول الطهارة للماء لو حصلت الملاقاة للنجاسة والكريّة معا بأن يكون الماء الملاقى نجسا متمّما للناقص من الكر بدعوى صدق ملاقاة الكر وانه لا يستحيل تخلّل الآن بين العلّة والمعلول فلا يشترط حصول الكريّة قبل الملاقاة ولو في آن من الزمان بل يكفي حصولهما معا في عدم الانفعال .

وذلك لما عرفت من عدم ابتناء ما ذكرنا على ذلك اذ هو فاسد وان أوهمته عبارة التقريرات بل حيث انه اشترط في العاصميّة كون العاصم كرّاً أو جاريا أو

لو حصلت الملاقاة والكريّة معاً

ص: 438

متّصلاً بالمادّة مثلاً ففي ما إذا حصلت الملاقاة والكريّة معا لم يحصل الموضوع كي يترتّب عليه الحكم بل كان حصول الكريّة معلول الملاقاة لأنّ الملاقاة عبارة عن الاتّصال فاذا اندفع المتمم على المتمم دفعة واحدة وكان أحدهما نجسا صار هذا الاندفاع والاتّصال موجبا في الرتبة المتأخّرة لحصول الكريّة فلم يلاق الكر النجاسة بل النجاسة والملاقاة تقدّمت الكريّة .

وكذا فيما إذا حصلت الملاقاة وتماميّة الكريّة دفعة واحدة وفي العرض .

وذلك في مثل ما لووقعت قطرات من النجاسة مع الماء الذي يتم الناقص عن الكر وإن كان بين هذا الفرض والفرض الأوّل فرق الا انه لا يوجب القول بطهارة الماء الثاني دون الأوّل بل كلاهما نجسان حيث لم يحرز الكريّة ولم تحفظ للماء في رتبة الموضوع للملاقاة .

ثمّ انه فهل يكون هذا الماء نجسا أم لا يل يكون الماء السابق الناقص عن الكر باقيا على حكمه والآخر أيضا كذلك ولو بالاستصحاب فيكون ماء واحد له حكمان أو يوجب استصحاب النجاسة في النجس نجاسة مستصحب الطهارة لعدم تأثيره في ذلك دون العكس .

ثمّ انّه لا مجرى للاستصحاب في ما إذا لم يعلم تقدّم الملاقاة على الكريّة أو العكس وإن علم تاريخ أحدهما إلاّ إذا علم تاريخ الملاقاة ولم يعلم تاريخ الكريّة فيجري استصحاب عدمها في الزمان المشكوك قبل الملاقاة إلى حينها فيحصل موضوع النجاسة بضمّ الوجدان إلى الأصل حيث ان الماء كان مقتضيا للانفعال والكر كان مانعا ولم يحرز بل ثبت بالأصل عدمه لكن ذلك في هذا الفرض واما اذا علم تاريخ الكريّة ولم يعلم تاريخ الملاقاة أو فيما إذا جهل التاريخان فلا مجرى

ص: 439

للاستصحاب لعدم أثر له .

فان في الصورة الاولى منهما يكون مثبتا لتأخّر الملاقاة عن الكريّة كي يترتّب عليه الأثر وليس هذا من شأن الاستصحاب وفي الثاني أيضا لا فائدة فيهما إلاّ أن يقال بجريان استصحاب النجاسة في متيقن النجاسة والطهارة في متيقّنها ولا اشكال لعدم محذور عقلي في ذلك فيكون ماء واحد له حكمان اذ لا يزيد ذلك على الاعراض الخارجيّة كالبرودة والحرارة فقد يكون طرف من الماء حارّا والطرف الآخر باردا الا انه خلاف ما يظهر من الأدلّة ولا يوافق المذاق الفقهي ولا يناسب القول به بل هو مجرّد احتمال مع ان هذا الماء إمّا أن تقدّم كونه كرّا على الملاقاة أو العكس فاما أن أوجب كريّته المتقدّمة طهارة المتنجّس الذي لاقاه فكلاهما طاهران أو سبقت الملاقاة حصول الكريّة فكلاهما متنجّسان فلا معنى لكونه نجسا وطاهرا مع انه لو قلنا به فكثيرا ما يشتبه المائان ولازم ذلك الاجتناب عن كليهما .

وعلى هذا فيكون مشكوك الطهارة والنجاسة فيكون موردا لقاعدة الطهارة فيكون طاهرا فتأمّل في أطراف ما ذكرناه جيّدا .

أو يقال في ذلك بالتمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة ويحكم بكون الماء نجسا أو يقال بالنجاسة تمسّكا بقاعدة المقتضى والمانع فاذا احرز المقتضى وإن لم يحرز عدم المانع يكفي في ترتّب الحكم مجرّد احراز الأوّل وكأنّه إلى ذلك مال الشيخ في هذا البحث من طهارته ويمكن أن يكون مراده من ذلك الاشارة إلى قاعدة كلّ حكم علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه إلى أن يثبت ذلك الأمر الوجودي كما بنى عليها المحقّق النائيني رحمه الله نجاسة المشكوك الكريّة

ص: 440

والاتّصال بالمادّة من القليل بالملاقاة .

وعلى هذا فاذا وجد ماءً وشكّ في انّه كر أم لا أو علم قلّته وشكّ في اتّصاله بالمادّة يحكم عليه بالنجاسة بالملاقاة لاقتضاء الماء قبول النجاسة والمانع هي الكريّة والاتّصال بالمادّة فاذا لم يثبت أحدهما يحكم على الماء بحكم ضدّه أي الانفعال والنتيجة في الماء القليل والمشكوك قلّته واتّصاله بالمادّة واحدة سواء جهل تاريخهما أو علم تاريخ أحدهما دون الآخر ولا وجه لجريان الاستصحاب في كلّ واحدة من الصور الثلاث لأنّ الاستصحاب الجاري في كلّ واحد منفردا وفيهما مجموعين لا يثبت تأخّر الملاقاة عن الكريّة واّنها وقعت بعد أن صار الماء كرّا أو بعد اتّصاله بالمادّة اذ لا أثر للاستصحاب في هذا الفرض إلاّ هذا بل الاستصحاب بنفسه لا يجري لا لعدم المتيقّن أو عدم اتّصال زمان يقينه بالشكّ بل لعدم الأثر .

إن قلت: فيما إذا كان تاريخ الكريّة معلوما يجري استصحاب عدم الملاقاة وبعد الكريّة لا أثر للملاقاة في تنجس الماء لأن الكر عاصم فعلى هذا يكون الشكّ في الملاقاة بعد الكريّة اذ قبلها تنفى بالاستصحاب ويترتّب على ذلك الاستصحاب أثر عدم نجاسة الماء وكونه طاهرا فحيث لم يثبت نجاسة الماء قبل الكريّة فلا تحصل بعدها لفرض الكريّة وعصمتها بلا احتياج إلى اثبات وقوع الملاقاة بعد الكريّة كما هو واضح .

قلت: هذا غفلة واشتباه ولا مجال لهذا القول فانّه على فرض جريان حكم القليل على مشكوك القلّة ويحكم عليه بحكم ضدّه ما لم يثبت ذلك الأمر الوجودي فيحكم عليه بالانفعال الذي هو ضد عدمه حيث نرتّب على الكريّة

لو كان تاريخ الكرية معلوماً

ص: 441

العاصمة حكما شرعيّا اذ الملاقاة معلومة وجدانا والشكّ في انها وقعت حال كريّة الماء أو قبله وفي حال عدمها وهل هذا إلاّ مشكوك القلّة الذي لاقاه النجاسة .

إن قلت: لابدّ في ترتّب الحكم على فرض تسلّم القاعدة من وقوع الملاقاة حال الشكّ وذلك يفرض في ما إذا وجد ماء دفعه واحدة مثلاً بنبعه من الأرض لا تدريجا ثمّ انقطع وشكّ في قلّته وكثرته ثمّ لاقاه النجاسة .

فهذا مصداق القاعدة بعد تسلّم الكبرى ( أي القاعدة ) أمّا ما ذكرت من الفرض لم يحرز فيه وقوع الملاقاة للمشكوك لاحتمال وقوعها بعد الكريّة لجريان استصحاب عدم وقوعها قبلها ولو لترتّب أثر الطهارة على هذا الماء قبل أن صار كرّا اذ الشكّ حاصل وجدانا في وقوع الملاقاة قبل الكريّة أو بعدها .

قلت: لم يبين المراد وان فرضنا اثبات ملاقاة النجاسة لماء مشكوك القلّة والكريّة وهو عين الفرض اذ نشكّ في ان الملاقاة أهي قبل الكريّة أو بعدها والاستصحاب لا أثر له اذ الملاقاة يترتّب عليها الأثر على كلّ حال .

نعم لو كان الاستصحاب يؤثّر في وقوع الملاقاة بعد الكريّة وكان يذهب بالشكّ ولو تعبّدا قبل الكريّة لكنّا مستريحين من ذلك لكن الفرض عدم المجرى للاستصحاب على هذا .

اللهمّ إلاّ أن يمنع أصل القاعدة والتعليق وترتّب حكم الضد ما لم يثبت الأمر الوجودي كما تقدّم فيه المناقشة .

هذا تمام الكلام في هذا التنبيه واقتفى سيّدنا الأستاذ قدس سره أثر شيخه الأستاذ المحقّق النائيني فلم يتعرّض لتنبيهين من تنبيهات الاستصحاب لتقدّم أحدهما في باب الأقلّ والأكثر .

جريان الاستصحاب في الأجزاء

ص: 442

وهو التنبيه العاشر في جريان استصحاب صحّة الاجزاء السابقة عند الشكّ في وجود المانع أو القاطع للهيئة الاتّصاليّة في باب الصلاة ( وعلى ماببالي لم يتعرّض سيّدنا الأستاذ له هناك أيضا ولوضوح عدم جريان الاستصحاب في ما المقصود منه الاعتقاد وعقد القلب من الأمور الاعتقاديّة وهو موضوع التنبيه الحادي عشر .

نعم لو كان الشكّ في حياة الامام علیه السلام فلا اشكال في جريان الاستصحاب ويترتّب عليه الأحكام المترتّبة على ذلك فالاحرى ان نتصدّى لبيان ما في التنبيه الثاني عشر المعنون باستصحاب حكم المخصّص أو الرجوع إلى حكم العام وهذا التنبيه يفيد في الفقه في موارد منها ما لو شككنا في كون خيار الغبن على الفور أو التراخي بعد أن ظهر الغبن فلا اشكال في ثبوت الخيار شرعا بجعل الشارع اما الخيارات المجعولة باختيار الطرفين أو أحدهما فلابدّ أن يكون معلوما إلى زمان معيّن والا فيبطل فاذا مضت ساعة بعد ظهور الغبن فهل يبقى له الخيار لو لم يفسخ أو لم يمض أو ينصرم ولا خيار له بعده لكونه على الفور فمن يقول بالتراخي يتمسّك بالاستصحاب في هذا المقام فالنزاع في فوريّة هذا الخيار وتراخيه .

وانهم على طائفتين فطائفة تقول بالفور واخرى بالتراخي ومرجع ذلك إلى التمسّك بعموم العام في ما عدا القدر المتيقّن أو استصحاب حكم المخصّص فالقائل بالفور يتمسّك في ما عدا القدر المتيقّن من زمان التخصيص بعموم « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(1) في المعاملة الغبنيّة وما يضاهيها وغيره يستصحب حكم المخصّص

حكم المخصّص أو التمسّك بالعامّ

ص: 443


1- . سورة المائدة: 2 .

لكن ذلك إذا لم يكن للمخصّص ما يرفع الشكّ بل إنّما هو يتكفّل لمجرّد ثبوت الحكم بلا تعرّض لدوامه وعدمه .

هذا إذا كان الزمان مفردا للموضوع أو المخصّص فلا يجري الاستصحاب بل يكون من قبيل اسراء حكم موضوع إلى آخر .

وعلى فرض عدم جريان الاستصحاب لمانع أو لعدم الاقتضاء فلابدّ من الرجوع إلى الأصول الآخر حسب اقتضاء المقام من البرائة والاحتياط وغير ذلك .

ثمّ انه لا ريب في ان عموم العام يمكن اثباته بطرق وانحاء وهو على قسمين فتارة يكون العموم فوق العام واخرى تحته ويكون الحكم واردا عليه .

اذ لا يخفى ان استمرار الحكم يكون من القيود والأمور التي تعرض الحكم فيكون في رتبة متأخّرة عنه ويكون الحكم مبتدءً وذاك خبره كان يقول الصلاة واجبة وهذا الوجوب مستمر ودائم فهذا يكون بالتصريح به بعد ثبوت أصل الحكم ويمكن أن يكون بأنّه لولاه لزم اللغويّة كما هو أحد طرق اثباته وانكشافه بدليل الحكمة ويمكن اثباته بدليل آخر غير دليل الحكم نفسه وغير دليل الحكمة مثل قوله علیه السلام حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة الخ فانّ الأحكام المجعولة الشرعيّة يستفاد استمرارها وبقاءها إلى الأبد لا انّها تختصّ بزمان موقت فيدلّ هذا الكلام على عدم طروّ النسخ عليها الذي هو يكشف عن تقييدها حسب الزمان في لب غرض الواقع ونفس الأمر كما ان التقييد بالزماني يوجب كونها مقيّدة من

ص: 444


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في العبارة غير مضرّ .

غير جهة الزمان ولا ينتج ذلك التوقيت بعد استحالة البداء كما ان مثل أحلّ اللّه (1) البيع يشمل كلّ بيع بدليل الحكمة وقوله تعالى: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(2) يكون دليلاً على وجوب الوفاء بكلّ عقد في كلّ زمان فيكون دليلاً على العمومين الزماني والافرادي فكما انه يشمل كلّ عقد يشمل كلّ زمان لأنّه لو لا ذلك بحسب الزمان لزم اللغويّة كما أفاد المحقّق الكركي رحمه الله بأنّ العموم الافرادي يستتبع العموم الأزماني والا لم ينفع العموم الافرادي وذلك لأنّ الوفاء بكلّ عقد في آن من الزمان لا معنى له ويكون بحكم عدم وجوب الوفاء وإن كان يمكن الخدشة والمناقشة في العموم مستمرّا إلى آخر العمر ودائما بكونه إلى شهر أو شهرين أو سنة أو أكثر حسب اختلاف المراتب وحيث ان كلّ ذلك لا دليل عليه والتقييد والتوقيت بزمان خاص يستدعى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا فيكون بحكم العقل ولزوم اللغويّة لو لا الاستمرار ظاهرا في الاستمرار . هذا مع قطع النظر عن معنى وجوب البيع في مثل البيعان بالخيار(3) ما لم يفترقا فاذا افترقا وجب البيع لأن معنى الوجوب لايناسب الوفاء وثبوت البيع في آن أو شهر أو أكثر بل يستدعي الدوام ويلازمه بحيث لا يقبل الانفساخ حتّى أن الاقالة والتفاسخ أيضا خلاف الأصل .

فعلى هذا يمكن ظهور نفس قوله وجب البيع في ذلك بل لا مانع من

الاشكال في عدم صدق الوفاء لو لا الدوام والاكتفاء بمقدار من الزمان في الآية الشريفة بعد عدم معنى في الوفاء والالتزام بمقتضى العقد فىّ آن من الزمان وليس

وجوب الوفاء بكلّ عقد في كلّ زمان

ص: 445


1- . سورة البقرة: 276 .
2- . سورة المائدة: 2 .
3- . الوسائل 18 الباب 1/3 - 4 من أبواب الخيار .

ذلك كالتكاليف التي تتعلّق بمتعلّقاتها حيث يكتفي فيها بصرف الوجود كالصلاة والزكوة بلا لزوم دوام وتكرار بل بأوّل ما أوجد من الطبيعة يحصل امتثال متعلّق التكليف لعدم مساعدة الاعتبار لذلك بعد ان الوفاء في كلّ شيء حسب مقتضى ذلك الشيء فالوفاء بعقد الاجارة التي لم تتجاوز مدّته سنة هو الالتزام بذلك والوفاء بعقد النكاح والانقطاع حسب مقتضاهما .

هذا فتحصّل ممّا ذكرنا ان طرق كشف الاستمرار في الأحكام والمجعولات الشرعيّة ثلاثة . الدليل المتكفّل للحكم بأن يكون شاملاً لاستمراره ودليلاً عليه متّصلاً به . ودليل آخر غير مقدّمات الحكمة . وهي في كلّ مقام حسب اقتضائه .

بيان: رتب في التقريرات(1) أمورا في كون الظاهر من الزمان انه ظرف للزماني كالمكان الا أن يقوم دليل على كونه قيدا فيكون حينئذٍ مفردا للموضوع وانّه على ثاني القسمين يمكن أخذه بنحو الارتباطيّة كما انّه يمكن أن يكون بنحو الاستقلاليّة إلاّ انّ سيّدنا الأستاذ قدس سره رأى عدم الحاجة إلى ذلك لما يأتي من المباحث الآتية ما فيه غنى عن هذين الأمرين .

والأمر الثالث: الذي نقح البحث فيها المحقّق النائيني ما ذكرنا من ان استفادة العموم الزماني يمكن بأحد الأمور الثلاثة أحدها مقدّمات الحكمة كما في مثل « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(2) على احتمال ذكرنا فيه وذكرنا مقالة المحقّق الكركي والأمر الثاني حسب تقسيم سيّدنا الأستاذ .

والرابع حسب تقسيم التقريرات ان الزمان يمكن أخذه على نحو القيديّة

ص: 446


1- . فوائد الأصول 4/532 .
2- . سورة المائدة: 2 .

في المتعلّق كما انّه يمكن أخذه قيدا للحكم وعلى الأوّل يرد الحكم على المتعلّق وقيده هو الزمان وعلى الثاني لا يمكن أن يتكفّل له دليل الحكم بل لابدّ من بيان آخر وبعبارة اخرى تارة يكون الزمان تحت الحكم والحكم يرد عليه واخرى يكون الزمان فوق الحكم وإن كان الأمر أن لا يختلفان في النتيجة فانّه لا فرق في وجوب الصوم والامساك من طلوع الفجر إلى الليل سواء كان هذا المقدار من الزمان قيدا للمتعلّق بأن يكون الامساك في كلّ آن آن من الطلوع إلى الغروب واجبا والوجوب واردا عليه وحكما له أو الامساك واجبا في كلّ آن آن إلى الغروب فعلى كلا التقديرين يجب الصوم من الطلوع إلى الغروب الا ان الفرق من جهة اخرى كما سنشير إليه .

والظاهر من موارد أخذ الزمان قيدا في لسان الدليل كونه قيدا للمتعلّق وإن كان يحتمل الأمرين في بعض الموارد فمثل دعى(1) الصلاة أيّام اقرائك يمكن أن تكون الأيّام قيدا للوجوب وحينئذٍ فترك الصلاة لم يقيّد بشيء ولكن وجوبه ثابت في أيّام الاقراء ويمكن أن يكون قيدا للمتعلّق وحينئذٍ لم يقيّد الوجوب بشيء بل ورد على ترك الصلاة في أيّام الاقراء . ومثل ذلك أكرم زيدا في كلّ يوم أو صم يوم الخميس الا ان الظاهر فيهما ان الوجوب لم يقيّد والزمان قيد لمتعلّق الوجوب ومن هنا تختلف النتيجة في مثل صوم من نسي النية من طلوع الفجر فتذكر قبل الظهر أو كان مسافرا فحضر قبله .

فبناء على كون الزمان قيدا للوجوب فيمكن التعدّي عن مورد النص(2)

عدم اختلاف النتيجة في الموردين

ص: 447


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 5/1 من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 10 الباب 6/4 - 5 - 6 من أبواب من يصحّ منه الصوم .

والدليل الشرعي إلى غيره من الموارد ويقال في مثل المريض الذي برء من مرضه قبل الزوال ولم يأت بمفطر أن يكون صوم باقي اليوم مجزيا عنه لكون الزمان قيدا للوجوب وإن كان قيدا للمتعلّق فلا يمكن التعدّي عن مورد النص إلى غيره إلاّ بالقياس الذي لا نقول به وهو مختص بغيرنا خصوصا بعد قضيّة ابان(1) .

وعلى كلّ كان ذلك وفقا للقاعدة أو لم يكن فالنص موجود ولثمرة الخلاف والافتراق محل آخر .

نعم الفرق بين كون الزمان قيدا للمتعلّق وبين كونه قيدا للحكم نفسه جريان الطرق الثلاثة لاثبات العموم الزماني في ماإذاكان قيدا للمتعلّق وعدم جريان غير ما إذا كان دليله نفس دليل الحكم في ما إذا كان قيدا للحكم . ووجهه ان الحكم حينئذٍ يكون كالموضوع فكما ان الموضوع بالنسبة إلى المحمول مقدّم رتبة ولا يمكن اثبات المحمول بنفس الموضوع بل لابدّ له من دليل آخر .

فانّه يكون من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة التي لابدّ فيها من احراز الصغرى حتّى يرد عليه حكم الكبرى كما لا يمكن اثبات الموضوع بالمحمول وليس ذلك من قبيل التكوينيّات الخارجيّة وخلق انسان وتلون بلون السواد فكما ان الانشاء والتكوين تعلّق بذاته تعلّق بلونه فخلق دفعة واحدة . بل الأمر في الاعتباريّات والانشائيّات التشريعيّة ليس كذلك فانّه لابدّ من وجود الموضوع أوّلاً ثمّ تقييده بالقصر والطول والدوام والاستمرار والتوقيت إلى حدّ معيّن وإن كان في نفس دليل أصل الوجوب .

وهذا الكلام منه دقيق وبه ينسدّ باب الاشكالات السبعة أو الثمانية الواردة

الفرق جريان الطرق الثلاثة لو كان الزمان قيداً للمتعلّق

ص: 448


1- . الوسائل 27 الباب 6/10 من أبواب صفات القاضي .

على الشيخ ( أقول ) أمّا استظهار رجوع القيد الذي هو الزمان إلى المتعلّق فهو بناء على انشائيّة الأحكام وكونها ايجاديّة وعدم معنى للحروف قابل للتصوّر واللحاظ ولو في ضمن الغير فحينئذٍ لابدّ من رجوع القيد إلى المتعلّق لعدم قابليّة الهيئة للتقيد

وحيث ان بناء المحقّق النائيني ومن تبعه منهم سيّدنا الأستاذ في بعض كلماته على ذلك فيرجعون القيود في أمثال هذه الموارد إلى الموضوع وإلاّ فلا اشكال في امكان كلا الوجهين وأن يكون راجعا إلى الموضوع كما انه يمكن رجوعه إلى الحكم ثم انه لا يخفى ان لحاظ القيد والموضوع مقدم على العرض والمحمول والحكم الا انه يمكن أن يتكفّل دليل اثبات الحكم لذلك بلا لزوم اشكال كان يقول يجب عليك الصوم مستمرّا أو في شهر رمضان بناءً على رجوع القيد إلى الوجوب ولا يختصّ بيانه بقوله يجب عليك كذا وهذا الوجوب مستمر إلى كذا .

والحاصل ان الحكم حينئذٍ يكون كالمعروض بالنسبة إلى العرض بالاضافة إلى الدوام والاستمرار والتقييد يحتاج إلى مؤونة زائدة ثبوتا واثباتا كما في جميع الموارد التي يتمسّك بالاطلاق لعدم دليل على التقييد لاحتياجه إلى ذلك مثل كون الواجب نفسيّا عينيّا تعيينيّا فانّه لا يستفاد ذلك إلاّ من عدم بيان على التقييد لعدم

ذكر العدل وعدم ذكر العدل للمكلّف وعدم ذكر انه للغير أو نحو ذلك فليست هذه إلاّ منتزعة عن عدم جعل العدل ولحاظ الغير والاكتفاء بعمل الغير ونحوه فتأمّل .

تبيين وتوضيح وتكميل: حاصل ما ذكره المحقّق النائيني في هذا المقام هو ان لحاظ الاستمرار والدوام تارة يكون في ناحية المتعلّق واخرى في ناحية الحكم وفي الأوّل يتصوّر على نحوين فانه يمكن أن يكون بنحو العام المجموعي بأن يجب اكرام جميع العلماء بنحو اذا امتثل امتثل خطابا واحدا فلو لم يأت

لحاظ الاستمرار في ناحية المتعلّق أو الحكم

ص: 449

بالاكرام في جميع الآنات لم يمتثل الخطاب كما انه يمكن أن يكون بنحو العام الأصولي الذي ينحلّ بعدد الأفراد والآنات فكلّ آن له خطاب يخصّه ويكون الدليل من هذه الجهة متكفّلاً لاثبات أحكام متعدّدة .

ثمّ انّه رحمه الله فرّق بين ما إذا كان الاستمرار والدوام مأخوذا في المتعلّق وقيدا له وبين ما إذا كان متعلّقا للحكم من جهتين: الأولى ورود الحكم على قيده كما يرد على متعلّقاته بخلاف الثاني فان القيد أي الاستمرار والدوام لم يؤخذ في موضوع الحكم كي يرد عليه ويشمله وعلى هذا فينحصر طريق استفادة العموم والاستمرار في الحكم بما إذا دلّ الدليل من الخارج نحو حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة الخ أو بأنّه لولاه للزم اللغويّة ولا يمكن أن يدلّ نفس دليل الحكم عليه بخلاف الفرض الأوّل فانّه مضافا إلى إمكان استفادة الاستمرار والدوام فيه بالنحوين المزبورين يمكن أيضا بنفس دليل الحكم بأن يكون مأخوذا فيه موردا للحكم هذا . الا انه لا يستقيم إذ الحكم إمّا مطلق أو موقت ليس مطلقا دائما مستمرّا ولا اشكال في انه عند عدم نصب الدليل على التوقيت يستفاد بقرينة الحكمة عند تماميّة مقدّماتها الاطلاق وانّه لا يختصّ بحين من الأحيان لأنّ التوقيت قيد زائد محتاج إلى مؤونة زائدة .

والا فالحادث لا يزول إلاّ بمزيل نظير الملكيّة الحاصلة للمشتري بالبيع فانّ البايع لم يملكه دائما بحيث يكون الدوام مأخوذا في الموضوع أو دالاً عليه لفظ التمليك . حاشا . بل الدوام إنّما هو من ناحية ان الملكيّة الحاصلة للمشتري لا

ص: 450


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في الألفاظ غير مضر .

وجه لزوالها وارتفاعها عن ملكه الا لمزيل والا فلا اشكال في امكان الملكيّة الموقتة كما في الوقف الخاص الذي يتلقّى كلّ فرد من أفراد الطبقة اللاحقة الملك الموقت من الواقف من دون توسّط عنوان ارث من الطبقة السابقة .

ومن الموارد التي يمكن أن يكون مثالاً لما إذا كان الحكم مقيّدا بالاستمرار مثال الصوم فانّه لو كان عبارة عن الامساك ولو آنا فاذا وجب هذا الامساك من طلوع الفجر إلى الليل فيكون الاستمرار على هذا قيدا للحكم لا آتيا من قبله لا مأخوذا في مصبه كي يرد الحكم عليه وإن كانت النتيجة لا تختلف .

فانّه على كلّ تقدير يجب على المكلّف الصوم والامساك من طلوع الفجر إلى الليل لكن الفرق من ناحية اخرى ويظهر فيما إذا افطر مريد السفر قبل سفره قبل الظهر مثلاً أو التي تعلم بابتلائها في أثناء النهار بالحيض فانّهما أفطرا الصوم

حقيقة لأن الامساك من الطلوع إلى الغروب صومات متعدّدة وواجبات عديدة استقلاليّة أفطرا منها بعضا فتلزم عليهما الكفّارة على القاعدة بخلاف ما إذا كان إلى

الغروب قيدا للمتعلّق فان لزوم الكفّارة يحتاج إلى دليل .

وعلى كلّ فالدليل ورد في الكفّارة ولولاه ولو لا ظهور الدليل في انّه أي الاستمرار والغاية قيد للمتعلّق لا الحكم فبافطار واحد في أكل واحد كان يجب كفّارات عديدة لتعدّد الواجبات وإن كان يعدّ كلاً واحدا لكن الظاهر من الأدلّة انّه

قيد للمتعلّق لا الحكم فراجع .

الجهة الثانية: امكان جريان الاستصحاب فيما إذا كان قيدا للحكم دون ما إذا كان قيدا للمتعلّق وهذه الجهة لو تمت يرتفع الاشكالات المتوجّهة إلى الشيخ في قوله في الرسائل وكذا في المكاسب وإن لم تتم هذه الجهة ولم يكن

جريان الاستصحاب إذا كان الزمان قيداً للحكم

ص: 451

فرق بين كلامي الشيخ في وضوح الدلالة على مراده فيكون كما أوردوا عليه الاشكالات وكان مراده ما فهموه وأصابوا .

والحاصل: ان الاستمرار إذا كان قيدا للمتعلّق وكان على نحو العام الأصولي الانحلالي وورد مخصّص على العام بالنسبة إلى زمان وشككنا بعده فهنا وجوه إمّا أن يرجع بعد زمان الخاص إلى حكمه بالاستصحاب وهذا لا مساغ له حيث ان دليل الخاص لم يتكفّل إلاّ اخراج فرد من أفراد العام الأصولي الذي هو بالنسبة إلى أفراده مثل زيد وعمرو وبكر فاذا خصّص أحد هؤلاء وخرج عن العموم فلا مجال لاسراء ذلك إلى آن آخر وزمان غيره .

( كما انّه إذاشكّ في أصل التخصيص أو مقداره يرجع إلى العام ولا مجال للتمسّك بالاستصحاب كما لا يخفى ) لأنّه من قبيل تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر سواء ورد التخصيص لأوّل فرد من أفراد العام الزماني كما في صورة تخصيص « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(1) بدليل خيار(2) المجلس أو في الوسط كما في خيار التأخير فانّه قبل مضي ثلاثة أيّام يكون البيع لازما وبعده يكون جائزا فخصّص هذا الزمان ( وكما في خيار الغبن على بعض الوجوه ) ونظير ذلك في كونه عامّا أصوليّا ما قيل أو احتمل في المتعة بالنسبة إلى أشخاص متعدّدة الا انه لا يجري هذا الفرض فيه فلا يكون كالاجارة لان مضى المدّة كالطلاق فيها .

والحاصل انه لا مجال لاستصحاب حكم الخاص ولا العام لأنّ العام إن كان شاملاً للزمان اللاحق فيتمسّك به ويكون فردا غير ما خصّص وإلاّ فلا وجه

ص: 452


1- . سورة المائدة: 2 .
2- . الوسائل 18 الباب 1/1 - 6 من أبواب الخيار .

للتمسّك به كما لا وجه للخاص للزوم اسراء حكم موضوع إلى آخر بل لابدّ من الرجوع إلى أصل آخر .

ففي العبادات يكون مورد اصالتي البرائة والاشتغال وفي المعاملات اصالة الفساد وعدم الانتقال وبقاء الملك على مال صاحبه ونحو ذلك ولا مجال في كلّ مورد للرجوع إلى البرائة والاشتغال وربما تختلف الأصول وتتعارض كما في باب الدعوى مع مخالفة كلتا الدعويين للأصل ووجود المعارض فحينئذٍ يشكل تشخيص المدّعى من المنكر وهذا من الموارد التي يمتحن بها المجتهدون فان تشخيص ذلك لا يكون إلاّ بيد من هو مطلق في اجتهاده مطلق .

نعم بالاخرة يرجع في هذه الصورة إلى البرائة الأصل الحكمي .

هذا إذا كان الاستمرار قيدا للمتعلّق وأمّا إذا كان قيدا للحكم فلا مجال للاستصحاب أصلاً .

توضيح وتكميل: محصّل مرام المحقّق النائيني قدس سره في الجهة الثانية الفرق بين ما إذا كان الزمان قيدا للمتعلّق وما إذا كان قيدا للحكم وعدم المجال للرجوع إلى الاستصحاب في الأوّل أصلاً فان محلّ الكلام ما إذا كان هناك عام يشمل أفرادا فردّها الزمان لأنّه من الموضوعات الخارجيّة فصار لكلّ زمان حكم خاص وربما ينحل إلى الف حكم فخصّص واحد منها في زمان فحينئذٍ لو شكّ بعد هذا الزمان في الزمان اللاحق في انه ملحق بالعام في حكمه أو بالخاص .

ولا يخفى انه لا وجه للرجوع إلى الاستصحاب أصلاً لا بالنسبة إلى حكم الخاص لأنّه من اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر لأنّ الفرض ان ماخرج بالتخصيص إنّما هو الزمان الأوّل وبالنسبة إلى الثاني حيث انّه موضوع مستقل لا

الفرق بين نحوى الزمان في كلام المحقّق النائيني

ص: 453

يمكن جر حكم الموضوع الآخر الذي هو الآن السابق إليه .

وكذلك لا وجه لاستصحاب حكم العام لو لم يكن له عموم افرادي يشمل الزمان المشكوك وإلاّ فيرجع إليه بالنسبة إلى الزمان المشكوك اللاحق وهو كما يشمل الحكم المخصّص كذلك الذي يشكّ في تخصيصه وفي ذلك هو المرجع ولو لم يكن عموم للعام يشمل هذا الفرد وشكّ فيه فلابدّ أن يرجع إلى الأصول الآخر وفي العبادات هو البرائة والاشتغال كما أشرنا إليه .

ويمكن التمثيل لهذا بما إذا كان الصوم في كلّ يوم مستحبّا وورد النهي عن صوم يوم العيد وشكّ في خروج الستّة(1) أيّام التي بعده كما هو مضمون بعض

الروايات إلاّ انّه شكّ في ان هذا الحكم في العام هل هو مختصّ بخصوص هذه السنة أو لا بل يجري في السنين اللاحقة فبالنسبة إلى السنوات الأخيرة لا يمكن الرجوع إلى حكم العام لأنّه من اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر كما لا وجه في الرجوع إلى حكم المختصّ لاختصاصه مثلاً بالسنّة الأولى فبالنسبة إلى السنوات الأخيرة يكون من الشكّ البدوي ولا وجه لجريان الاستصحاب بدعوى ان السنة الاولى لم تكن مقيّدة وبنحو المفرديّة بالنسبة إلى أيّامها بل يمكن جريان حكمها في السنة الآتية وهكذا ضرورة كونه من استصحاب حكم موضوع إلى موضوع آخر .

وإن كان يمكن تصحيح ذلك بالنسبة إلى ما إذا ثبت حكم لمن أدرك شريعة سابقة فيشكّ في ثبوت هذا الحكم بالنسبة إلى من لم يدرك اذ الظاهر عدم دخل خصوص شخص المكلّف في تعلّق الحكم به بل الأحسن التمثيل بالمثال الفقهي

ص: 454


1- . الوسائل 10 الباب 5/1 من أبواب الصوم المندوب .

وهو ما إذا شكّ في ان السنة التي تكون مؤونتها مستثناة في باب الخمس أو الزكوة مثلاً قمريّة أو شمسيّة فبالنسبة إلى آخر يوم من السنة القمريّة لا إشكال في تيقنه بخروج مؤونته من تحت دليل لزوم الخمس ولا يتعلّق به ذلك . أمّا الشكّ في الأحد عشر يوما الباقية فلا وجه للتمسّك باستصحاب جواز التصرّف بلا اشتغال الذمّة بالخمس الثابت قبل يوم الشكّ ( بل يرجع إلى حكم لزوم الخمس وفي الزائد يكون الشكّ في التخصيص الزائد في العام والظاهر ان مراد سيّدنا الأستاذ قدس سره من التمثيل بهذا لأن يكون تمثيلاً لما إذا يكون المرجع باقي الأصول لما هو واضح من توجّه الخطاب بالتخميس والشكّ في خروج مؤونة الزائد عن السنة القمريّة بل ربما لا يكون مجال التمسّك بحكم الخاص ولا العام اذا خصّص آخر فرد من أفراد العام التدريجي الزماني ) هذا إذا كان الزمان قيدا للمتعلّق ويرد الحكم على المتعلّق وقيده فاذا كان صوم يوم الجمعة واجبا فالحكم يرد على الزمان كما ورد على المقيّد به وهو الصوم أمّا إذا كان الزمان قيدا للحكم فلا وجه للتمسّك بالعام عنده رحمه اللهوالمراد بكون الزمان قيدا للحكم انه ثابت في امد الزمان ولم يقيّد بوقت خاص بل مطلق كما إذا ثبت ذلك بالدليل الخارجي نحو قوله علیه السلام (1): حلال محمّد صلی الله علیه و آله حلال إلى يوم القيامة . وهذه المسئلة تعرّض لها الاعلام في بحث خيار الغبن ولكل من الفطاحل كلام في ذلك المقام لا يهمّنا التعرّض له بل بعد تنقيح البحث في ذلك وتحرير مرام المحقّق النائيني ونقل ما استشكل على الشيخ الأنصاري رحمهم اللهوالمحقّق الخراساني قدس سره يتّضح المراد وإن الحق مع أيّ من هؤلاء

ص: 455


1- . الوسائل 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في الألفاظ غير مضر بالمقصود .

الأعلام وإن شئت فراجع ذاك البحث ترى ما حكى عن صاحب الرياض وعن المحقّق الكركي وما قاله الشيخ وما عن المحقّق الخراساني وعن بحر العلوم رحمهم االله .

وعلى كلّ فقد أورد على الشيخ بعدم اطلاق كلامه في موردي النفي والاثبات في جريان الاستصحاب وعدمه .

ثمّ ان المحقّق الخراساني(1) قسم محلّ الكلام إلى أربعة أقسام إليها يرجع بعض الأقسام الزائدة وهي انّه إمّا أن يكون العام والمخصّص مطلقين من حيث الزمان ولم يؤخذ فيهما إلاّ ظرفا لا قيدا أو أخذ بنحو القيديّة والفرضان إمّا متّفقان

أو مختلفان فما كان الزمان قيدا لهما لا إشكال في الرجوع إلى العام في غير مورد التخصيص كما انّه إذا لم يقيّدا به يكون مجال التمسّك بحكم الخاص بالاستصحاب وإذا كان العام مقيّدا بالزمان وكان ظرفا للمخصّص يكون مقام الرجوع إلى حكم العام وفي العكس لا وجه لذلك .

ويفهم من كلام الشيخ قدس سره ان العام إذا كان بالنسبة إلى الزمان مقيّدا والزمان مفردا له فخرج فرد بالاجماع ونحوه من الأدلّة التي لا تكون ظاهرة في القيديّة فلا اشكال في الرجوع إلى العام بعد ذلك الزمان بالنسبة إلى ذلك الفرد فلو وجب اكرام العلماء في كلّ زمان بنحو أخذ الزمان مفردا وكلّ زمان يكون موضوعا سببا لأن يكون كلّ فرد من العام مستقلاًّ .

فقد خرج فرد كاكرام زيد يوم الجمعة وشككنا في الحكم يوم السبت فيرجع إلى عموم العام بعد ذلك الزمان .

وأمّا إذا لم يكن العام بالنسبة إلى الزمان مقيّدا بأن يكون الزمان مفردا له بل

تفصيل المحقّق الخراساني

ص: 456


1- . كفاية الأصول 2/342 - 343 .

دخله فيه دخل ظرفي وأخذ لبيان استمراره فعند الشكّ في بقاء الفرد المخرج بدليل التخصيص تحت دليل العام أو على حكم المخصّص يرجع إلى استصحاب حكم المخصّص .

وذلك لأنّ الزمان لم يكن قيدا كي يشكّ في التخصيص الزائد ويمنع عن استصحاب حكم الخاص .

وفي الفرض الأوّل لا وجه للرجوع إلى الاستصحاب في المخصّص وإن لم يكن دليل العام المفرد شاملاً لما بعده بل يرجع إلى الأصول الآخر من البرائة والاشتغال أو أصول المعاملات إذا لم يكن هناك أصل حاكم كما في الصورة الثانية فانّه في صورة الشكّ في بقاء حكم العام أو الخاص يرجع إلى استصحاب حكم الخاص ولا تصل النوبة إلى اجراء الأصول المحكومة كما انّه إذا كان هناك دليل اجتهادي لا مجرى للاستصحاب أيضا مثل ما إذا كانت الصورة الأولى الزمان المشكوك مشمولاً لدليل العام المتفرد من حيث الزمان .

واستشكل(1) صحّة اطلاق كلام الشيخ نفيا واثباتا المحقّق الخراساني وقسم العام والخاص إلى الأقسام الأربعة المذكورة آنفا ولم يرخص الرجوع إلى المخصّص وجريان الاستصحاب فيه بالنسبة إلى بعد زمان الفرد المخصّص في الصورة التي أخذ الزمان قيدا للعام والمخصّص لأنّه يكون من قبيل استصحاب الحكم الثابت على زيد لعمرو بل يرجع إلى العام لكون الشكّ في التخصيص الزائد وفي الصورة التي يكون ظرفا لهما فلا اشكال في عدم جريان الاستصحاب في العام لانقطاع استمراره بالتخصيص والفرض ان الزمان لم يكن بالنسبة إليه مفردا

ص: 457


1- . كفاية الأصول 2/342 - 343 .

كي يشكّ في التخصيص الزائد بل لابدّ أن يرجع إلى حكم المخصّص فنستصحبه كما هو الشأن في كلّ مورد لم يكن فيه دليل اجتهادي .

وفي الصورتين الأخيرتين يتمسّك بالعام فيما كان مفردا ولا يتمسّك بأحدهما في ما إذا كان ظرفا فيه ومفردا للخاص لانقطاع الاستمرار بالنسبة إلى العام وعدم كون الزمان ظرفا في الخاصّ كي يمكن أن يشكّ فيه فيستصحب .

والحاصل ان في الفروض الاربعة لا مجال للاستصحاب في ثلاثة منها لحكم الخاص اثنان منها ما إذا كان الخاص مفردا كان العام أيضا كذلك أم لم يكن بل كان ظرفا غاية الأمر الفرق بينهما مجال التمسّك بالعام في ما إذا كان الزمان مفردا فيه دون ما إذا كان ظرفا .

والثالث ما إذا كان العام مفردا دون الخاص وفي هذه الصورة أيضا يتمسّك بالعام بعد الزمان المتيقّن التخصيص ولا مجال لاستصحاب حكم الخاص . والرابع الذي يجري استصحاب حكم المخصّص فيه ما إذا أخذ الزمان ظرفا للعام والخاص كليهما ولا مجال لتوهّم أخذ الزمان ارتباطيّا في العام والرجوع إليه أيضاً بعد مضى زمان اليقين بالتخصيص كما هو واضح . هذا ملخّص ما أفاده في الكفاية .

وتصدّى المحقّق النائيني(1) لدفع الاشكال الوارد على الشيخ وان المحقّق الخراساني لم يعط التأمّل حقّه في كلامه قدس سره فان مراد الشيخ ما ذكرنا وان مورد النفي والاثبات في كلامه ليس في صورة واحدة بل في أحدهما أخذ الزمان قيدا مفردا للعام وفي الاخرى ظرفا لاستمراره سواء كان بنحو مستمرّا ودائما

تفصيل حكم الأقسام

ص: 458


1- . فوائد الأصول 2/544 - 545 .

وغيرهما وان اطلاق كلامه في النفي والاثبات في محلّه .

وعلى كلّ حال فقال سيّدنا الأستاذ قدس سره لا يمكننا المساعدة على ما فهمه المحقّق الخراساني من كلام الشيخ مع دقّة نظره وجودة تحقيقاته كما يعلم من الكفاية .

نعم يمكن أن يكون عبارة رسائله أوهمت الخراساني رحمه الله هذا التوهّم لكن عبارته في المكاسب في بحث خيار الغبن تنادي بما ذكرنا بل لو أعطى التأمّل حقّه في عبارة رسائله يستفاد بلا خفاء ما ذكره المحقّق النائيني فان محل كلامه في نفي جواز التمسّك بالاستصحاب هو ما إذا أخذ الزمان قيدا مفردا للعام فهناك مرجع التمسّك به والمورد الذي ذهب إلى التمسّك بالاستصحاب هو الصورة التي أخذ الزمان ظرفا .

وملخّص الكلام انه يفرق الأمر في جريان الاستصحاب بين ما إذا لم يؤخذ الزمان قيدا بل ظرفا وبين ما إذا لم يؤخذ إلاّ قيدا فلا مجال للرجوع إلى الاستصحاب في الثاني كما ان المتيقّن الرجوع إليه في الخاص في الأوّل كما ذكرنا .

هذا كلّه في مقام الثبوت وأمّا مقام الاثبات فنقول: لا اشكال في ان ظاهر أخذ الزمان في دليل الحكم انه أخذ بنحو الظرفيّة فانّ القيديّة تحتاج إلى مؤنة زائدة كما ان ظاهر أخذ قيد فيه أن يكون بنحو الاستقلال على ترتيب العام الأصولي فان المجموعي يحتاج إلى مؤونة زائدة ثبوتا فانّه لا فرق بين أخذ العام مجموعيّا واستقلاليّا إلاّ من ناحية لحاظ أحدهما استقلالاً والآخر بنحو المجموع وهذه كيفيّة زائدة في أصل اللحاظ .

ص: 459

ثمّ ان الظاهر أيضا ان في كلّ مورد كان للزمان دخل انه في الموضوع والمتعلّق اذ دخله في الحكم بأنحائه الثلاثة بأن يستفاد من دليل الحكمة أو لولاه لزم اللغويّة أو بدليل خارج لابدّ أن يقوم عليه دليل قوي .

فتحصّل ما ذكرنا ان اللازم في مثل خيار التأخير لا مجال للتمسّك بحكم العام وهو لزوم الوفاء بالعقد الثابت له قبل مضي الثلاثة وكذلك إذا شكّ في ان المعاملة الغبنيّة بعد أن ظهر الغبن هل لازمة بعد علمه بذلك وتمكّنه من الفسخ ولم يفسخ كي يكون الخيار على الفور أو لا بل يجوز له التروي فيما إذا كان دليل الجواز الشرط الضمني لعدم الفوريّة فيه فيكون على التراخي وإن كان مدركه دليل نفي الضرر فيمكن رفع الضرر بعد الاطّلاع بقدر ما يقول فسخت .

والحاصل ان لا اشكال في المعاملة الغبنيّة إنّما الكلام في باقي الفروع والموارد المترتّبة على هذا البحث .

أقول ان المحقّق النائيني وجه كلام الشيخ بان في مورد عدم جريان الاستصحاب والتمسّك بالعام مورد أخذ الزمان في المتعلّق قيدا بنحو يكون الحكم وارداً على المتعلّق وقيده الذي هو الزمان لا مجال للرجوع إلى الاستصحاب حينئذٍ وأمّا ما يجري فيه الاستصحاب هو الصورة التي لا مجال للتمسّك بالعام لعدم كون الاستمرار مصب الحكم وليس الحكم واردا عليه ويكون الزمان فوق الحكم وحينئذٍ فاذا خرج فرد بالتخصيص عن تحت دليل العام فالشكّ في خروجه في زمان أو أكثر من ذلك الزمان ليس شكّا في التخصيص الزائد فتدبّر جيّدا .

الكلام في مقام الاثبات وتوجيه كلام الشيخ

ص: 460

وعبارة تقريراته(1) صريحة في ذلك لا سترة عليه وأنت تعلم ان تقسيمات المحقّق الخراساني متينة في ما إذا كان الزمان مأخوذا في المتعلّق .

وكيف كان فان كان مراد الشيخ والمحقّق الخراساني رحمهم الله يوافق ما بيّنه النائيني رحمه الله وأفاده بتتميم منا في الصورة الثانية من تشقيقها بشقين فانّه تارة يكون المخصّص لعموم الحكم الذي أخذ الاستمرار في جانبه مفردا فلا مجال للتمسّك بالاستصحاب في جانب الخاص أيضا كما لا يرجع إلى العام وإن كان على نحو الظرفيّة فهناك يرجع إلى استصحاب الخاص بلا اشكال فلا كلام وفّاه هذاالمعنى كلام الشيخ رحمه الله أو لا وكانت عبارة رسائله مجملة أو صريحة واضحة كعبارة المكاسب فان مورد النقض والابرام هو المقال دون قائله وإن أرادوا غير هذا فلا يمكننا المساعدة عليه لوضوح أطراف الكلام وتحقيق المقام .

والحاصل ان المخصّص إذا ورد على العام فان كان مفردا فلا مجال لتوهّم الاستصحاب أصلاً لا في ناحيته ولا في ناحية العام سواء كان الزمان قيدا للمتعلّق أو للحكم مفردا لهما وان لم يكن المخصّص كذلك بل أخذ الزمان ظرفا له فان كان الحكم أيضا كذلك بأن لم يكن الزمان دخيلاً في الموضوع فيرجع إلى الاستصحاب كما عرفت وإلاّ بأن كان الزمان دخيلاً في المتعلّق فهناك أيضا تارة يكون قيدا ومفردا له فلا اشكال في التمسّك بالعام في مورد الشكّ واخرى لا يكون إلاّ ظرفا للمتعلّق كما في ناحية المخصّص فان كان التخصيص بالنسبة إلى أوّل أزمنة العام فيرجع بعده إلى حكم العام كما في خيار المجلس وخيار الحيوان وإن لم يكن كذلك بل ورد التخصيص في غير الزمان الأوّل فيرجع إلى استصحاب

ص: 461


1- . فوائد الأصول 4/539 .

المخصّص .

وممّا ذكرنا عرفت ما في ظاهر كلام المحقّق الخراساني ان أراد الاطلاق إلاّ ان ظاهر كلامه قدس سره في ما إذا كان الزمان ملحوظا في ناحية المتعلّق ويتفرّع على ما ذكرنا مسئلة الفور والتراخي في خيار الغبن والتأخير والعيب بناءً على حدوث الخيار عند ظهور العيب وخيار الفسخ في عيوب الزوجين وان في الغبن عند ظهوره لا اشكال في تخصيص حكم « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » لعدم وجوب الوفاء بالعقد الغبني وحينئذٍ فهل يكون زمان الخيار خصوص ما يمكن معه إنشاء الفسخ القولي أو فعل الفسخ الفعلي لو لم يتمكّن من القول كي يكون على الفور أو يمتدّ الخيار فيكون على التراخي بعد عدم استفادة من المخصّص انّه على القيديّة أو الظرفيّة فلا مجال بناءً على ما ذكرنا في الرجوع إلى دليل العام لكونه ممّا أخذ الزمان ظرف استمرار الحكم ولم يؤخذ في ناحيه المتعلّق كما ان الامر كذلك في كلّ مورد يكون مثل المقام لكنّهم يدعون الاجماع على الفور في بعض الموارد والظاهر انّه في عيوب الزوجين فبعد مضيّ زمان تمكّن أحدهما الذي له الخيار من الفسخ ولم يمض ويفسخ يفوت الخيار ويكون العقد لازما إلاّ ان الخلاف بناءً على الفوريّة في انّه كذلك حتّى بالنسبة إلى غير العالم بالفوريّة أم لا بل في خصوصه بعد الاتّفاق ظاهرا على اعتبار العلم بالخيار في سقوطه لو لم يمض أو يفسخ .

هذا كلّه في مقام الثبوت وأمّا في مقام الاثبات فان علم واستفيد من القرائن ان الزمان أخذ قيدا فهو وإلاّ فالأصل والظاهر يقتضي أن لا يكون الزمان قيدا سواءً في ناحية المتعلّق أو في جانب الحكم وإن علم انّه أخذ قيدا وشكّ في انّه قيد

حكم الفور والتراخي في بعض الخيارات

ص: 462

للمتعلّق أو الحكم فالأصل أن لا يكون قيدا للمتعلّق ولا الحكم ولو شككنا في هذا الفرض في مجرى البرائة تجريى الا ان حقّ المقام أن ليس لمورد هذا الشكّ إلاّ الأحكام التكليفيّة اذ هي التي يمكن تعلّقها بالموضوعات وأن يكون الزمان ملحوظا بالنسبة إلى نفسها أو متعلّقاتها وإلاّ فالأحكام الوضعيّة لا مجال لتوهّم تعلّق الزمان ولحاظه في متعلّقاتها اذ لا متعلّق لها لأنّ الأحكام الوضعيّة بناءً على

انّها متأصّلة في الجعل انما يؤخذ الاستمرار ويلاحظ الزمان فيها فان لزوم العقد لا متعلّق له كي يتعلّق ويلاحظ فيه أخذ الزمان بل هو حكم مستمر ثابت بمقدّمات الحكمة وهذا لو كان « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » ارشادا إلى لزوم العقد وإلاّ فان كان منتزعا عنه فهو محلّ الكلام كما يأتي تحقيقه .

فذلكة: ما تقدّم ان الزمان ان أخذ قيدا في ناحية المتعلّق بطريق التفريد فيتعدّد أفراد المقيّد حسب دخل الزمان فيه من الآن والساعة واليوم والاسبوع والسنة وغير ذلك غاية الأمر فرق بين هذا التعدّد الناشى ء من قبل تقييد المطلق والعام بالزمان المفرد وبين التعدّد الافرادي الملحوظ في العام فانّه عرضي وذلك طولي لاستحالة اجتماع الأزمنة التدريجيّة في آن واحد بخلاف أفراد العام في غير ما يكون على نحو القضيّة الحقيقيّة اذ لو كان كذلك يكون أيضا طوليّا في الوجود وإن كان عرضيّا في انطباق عنوان العام كالعالم عليها وعند طروّ تخصيص بأحد أفراد العام الطوليّة لا يجوز التمسّك بالاستصحاب عند الشكّ بعده كما لا مجال لاستصحاب حكم العام فيما إذا شكّ في أصل التخصيص بل المرجع في كلا الموردين هو عموم العام بحسب الأزمان كما ان الأمر كذلك في الأفراد العرضيّة للعنوان المأخوذ في حيز الحكم أمّا لو كان العموم الزماني والاستمرار واردا على

ص: 463

الحكم فلا مجال للتمسّك بالعام في الموردين أصلاً كما يأتي وجهه وتقدّم بل لابدّ من الرجوع إلى الاستصحاب إن كان وإلاّ فالى الأصول العمليّة الآخر والأمر كذلك عند عدم امكان التمسّك بالعام في الصورة الاولى . هذا كلّه في تنقيح كبرى البحث .

أمّا الصغرى فلا اشكال في انّه عند الشكّ في تقيد الحكم أو المتعلّق بالزمان فالأصل عدمه لاحتياجه إلى مؤنة زائدة ثبوتا وبيان ذلك اثباتا وعند الشكّ في التكليف يرجع إلى البرائة اما لو علمنا بورود التقييد على أحدهما من الحكم أو المتعلّق فعند المحقّق النائيني انّه يتعلّق بالحكم ويرد عليه لجريان اصالة الاطلاق

في المتعلّق حيث انّه يمكن فيه لحاظ الزمان قيدا له لأنّه من الانقسامات السابقة على الخطاب الممكن لحاظها في متعلّقه فانّه لو كان قيدا في عالم اللب والثبوت كان على المولى البيان وحيث لم يبيّن فتجري مقدّمات الحكمة في الاطلاق في مورد يمكن فيه الاطلاق وهو عبارة عن عدم التقييد فبذلك يستكشف اطلاق ذلك في عالم الثبوت أيضا .

ولا يمكن جريان المقدّمات عنده رحمه اللهفي الحكم أيضا كي تتعارض من الطرفين وذلك لعدم امكان لحاظ الاستمرار قيدا للحكم بل لو كان فبمعونة الموضوع والحكم بأن يجعل المعنى الاسمي الممكن الاشارة إلى المعنى الايجادي الحرفي موضوعا ويحمل عليه الاستمرار وغير ذلك ويستحيل أن يكون المحمول قيدا للموضوع سوى ما اريد منه من الاشتراط العقلي في كلّ موضوع بالنسبة إلى موضوعه نعم في طرف المتعلّق حيث انّه يمكن لحاظ القيود فلا اشكال في جريان مقدّمات الحكمة كما انّه تجري البرائة .

اشكال تقييد المعنى الحرفي

ص: 464

فلو شككنا في كون المتعلّق مشروطا بشيء فالأصل يقتضي عدم كونه مشروطا به وتجري البرائة ولامجال لذلك بالنسبة إلى الحكم لما ذكرنا .

والحاصل انّه لا يمكن لحاظ المعنى الحرفي وكذلك تقييده سواء كان هو الحكم التكليفي أو الوضعي كما سنشير إلى ذلك بمثال وهذا هو مراد المحقّق النائيني(1) حيث ادّعى في بعض الأبحاث السابقة عدم امكان تكفّل دليل الحكم استمراره في ما إذا كان العموم الزماني للحكم دون المتعلّق وحاشاه أن ينكر استفادة الاستمرار لأصل الحكم من كلام واحد ولو بقرينة المقدّمات الجارية للحكمة بل مراده رحمه الله انّه لا يمكن تقييد الحكم بالاستمرار ونحوه إلاّ بعد فرض وجوده ولحاظه باستعانة مفهوم اسمي كالوجوب والحرمة واللزوم ونحو ذلك وجعل القيد محمولاً عليه كما انّه لا اشكال بناءً على ممشى المشهور من كون مفاد هيئة الأمر هو الطلب من قول أطلب منك الأمر الفلاني دائما ومستمرّا بأن يكون القيد راجعا إلى الهيئة المرادفة لمفهوم الطلب .

الا انه يلاحظ في ضمن مفهوم اسمي كما أشار إليه سيّدنا الأستاذ قدس سره حتّى بناءً على انشائيّة النسبة وإن ظرف وجود المعنى هو وعاء الاستعمال والايجاد ولا مفهوم لها وإن كان يبعد التزامهم إلاّ انّه كما في الوضع العامّ والموضوع له الخاص .

وبالجملة فلو صحّ هذا المبنى ولم يتوجّه عليه الاشكال وأمكننا الالتزام بعدم معقوليّة تقييد الهيئة فيمكن تصحيح كلام المحقّق النائيني فانّه لا يمكن ملاحظة الاطوار والعوارض المتصوّرة في ناحية المتعلّق من كونه بالغا عاقلاً

ص: 465


1- . فوائد الأصول 4/536 - 537 .

مالكا للنصاب أو متعلّق الخطاب كان يأتي به في زمان كذا أو مع الطهارة وغير ذلك في جانب الحكم بل كلّ ذلك يكون قيدا للموضوع وشرطا للوجوب وجعله وبعده يكون فعليّا كما في قوله إذا زالت(1) الشمس وجبت الصلاة والطهور .

وبما ذكرنا يظهر تحقيق الحال في مثل « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(2) فانّه تارة يقال ان أوفوا اشارة وكناية إلى الحكم الوضعي ولزوم العقد فحينئذٍ كما ذكرنا ويأتي تحقيقه لا يمكن تقييد اللزوم بالاستمرار والدوام بل لابدّ من دليل آخر فان الحكم الوضعي بناءً على جعله يكون محمولاً على موضوعه فالعقد الذي أجازه الشارع وجعله لازما يكون موضوعا للمحمول الذي هو لازم وهذا المحمول لا تعلّق له بشيء يكون قابلاً للاطلاق والتقييد فالاستمرار وساير الطواري لابدّ أن يطرء عليه نفسه بأن يقال هذا اللزوم مستمر .

فدليل الحكمة فيما نحن فيه يدل¨ على استمرار هذا اللزوم المستفاد من الآية الشريفة المجعولة على العقد وبناء على ما ذهب إليه الشيخ من كون المجعول هو الحكم التكليفي والحكم الوضعي غير متأصّل في الجعل بل منتزع من الحكم التكليفي فكذلك أيضا إذ الوجوب المتعلّق بوفاء العقد لا يصلح أن يكون قيدا بالاستمرار والدوام إلاّ ببيان ودليل غير دليل أصله على هذا المبنى .

خلاصة البحث وثمرته: بناء على ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمه الله في ما إذا شككنا في مصب العموم الزماني هو المتعلّق أو الحكم يكون تعلّقه(3) بالحكم

نتيجة البحث بناء على مبنى النائيني

ص: 466


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4 - 5/1 - 5 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 20 - 7 من أبواب المواقيت والوسائل 1 الباب 4/1 من أبواب الوضوء مع اختلاف في اللفظ في المقامين .
2- . سورة المائدة: 2 .
3- . فوائد الأصول 4/548 - 549 .

لجريان مقدّمات الحكمة في ناحية المتعلّق ضرورة امكان تقييده واطلاقه قبل أن يلاحظ الحكم فعند الشكّ في تقييده بالعموم الزماني لا شبهة في جريان مقدّمات الاطلاق والأصل اللفظي في اطلاقه وانّه ليس مقيّدا بالعموم الا زماني ولازم ذلك ورود العموم على الحكم فهو يكون مستمرّا ويترتّب على ذلك ثمرة الاختلاف كما تقدّم وذلك لان الأصل اللفظي مثبت للوازم مع ان العموم إمّا ورد على المتعلّق وقيد له أو على الحكم فحيث نفى تعلّقه بالمتعلّق فجريان المقدّمات يثبت على الحكم فهو مصبّ للعموم ولا مجال لدعوى جريان المقدّمات في ناحية الحكم أيضا فيتعارضان من الجانبين ويبقى العموم معلّقا لا يثبت تعلّقه بالمتعلّق أو وروده على الحكم .

وذلك لامتناع تقييد الحكم وعدم قابليته واقتضائه لذلك وبعين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق مضافا إلى عدم تماميّة مقدّمات الاطلاق لو سلّم بالنسبة إلى الحكم لأن منها عدم اطلاق المتعلّق فلو لم يكن كذلك بل كان المتعلّق مطلقا فلا تتمّ هي بالنسبة إلى الحكم مع ان هذا بناءً على التنزّل وإلاّ فمن الأوّل ننكر امكان

اطلاق الحكم اذ لا يمكن أن يرد عليه القيد زمانا أو غيره .

نعم يمكن ذلك بالنسبة إلى المتعلّق وهذا واضح ويستحيل تكفّل دليل الحكم لاستمراره وعمومه الزماني لتوقّفه على فرض الحكم فما لم يفرض الحكم ويثبت لا يمكن الاستمرار وإذا ثبت ذلك فيكون موضوعا والاستمرار محمولاً كما أشرنا إليه في ما سبق وعلى هذا فلو ورد التخصيص على العموم الزماني الوارد على الحكم لا مجال بعد زمان التخصيص الرجوع إليه لانقطاع الاستمرار بالمخصّص وليس ممّا يكون مفردا حسب الزمان بل لعلّه أشرنا في ما تقدّم إلى

ص: 467

امتناع ذلك كان يكون الحكم انحلاليّا بالنسبة إلى الأزمان بل محموله يكون هو الدوام والاستمرار وأمثالهما .

فاذا انقطع لا يبقى شيء حتّى يستصحب ومن هنا يعلم الحال في المعاملة

الغبنيّة فان « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » له عموم أزمانيّ واردا على الحكم فالحكم مستمر وهو وجوب الوفاء ولزوم العقد فاذا انقطع هذا الاستمرار عند ظهور الغبن أو العيب بناءً على عدم كشفه عن كونه من الأوّل خياريّا وكما في خيار التأخير بعد الثلاثة أيّام فلا شيء من اللزوم والدوام يرجع إليه عند الشكّ في مقدار التخصيص لفرض استمرار الحكم على هذا العقد وليس متعدّدا بل حكم شخصي غاية الأمر له عموم زماني في استمراره في وعائه لا انّه يكون موضوعا مفردا له فانّه إذا حصل الغبن بمقدار لا يتسامح فيه العرف حسب الميزان الذي عليه ارتكازهم في مقام تعيين المفاهيم يكون العقد جائزا مثلاً منقطعا استمرار لزومه ولم يكن حكم آخر يرجع إليه بعد ذلك عند الشكّ إذا مضى مقدار يتمكّن معه من الفسخ على المقدار المعتبر لو اعتبر الفوريّة فلو شكّ في ذلك لا يمكن التمسّك بالعام لفرض عدمه بل لابدّ من التمسّك بالاستصحاب الجاري في المخصّص لعدم تكفّل دليل نفي الضرر أو الشرط الضمني أو الاجماع مقدار الخيار غاية الأمر فرق بين الخيارات التي تكون من أوّل الأمر على العقد موجبة لكونه من أوّل الأمر جائزاً كخيار المجلس وخيار الحيوان وبين باقي الخيارات فانّه بضميمة دليل البيعان(1) بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا وجب البيع يعلم ان ابتداء العموم الزماني للحكم وهو وجوب الوفاء بالعقد بعد انقضاء خيار المجلس وإلاّ فمن حيث عدم قابليّة

ص: 468


1- . الوسائل 18 الباب 1/1 الى 4 من أبواب الخيار .

الاستمرار للتمسّك به بعد الانقطاع في الأثناء لا فرق بينهما وقد يجتمع خيارات متعدّدة في أوّل زمان العقد يترتّب على تعدّدها ثمرة اسقاط بعضها وابقاء بعض .

وبالجملة فهذا بحث فقهي فلنرجع إلى ما كنّا بصدده من استصحاب حكم المخصّص أو التمسّك بالعام وقد ظهر انّه عند وجود الدليل الاجتهادي لا مجال للرجوع إلى الاستصحاب كما اذا لم يكن هناك عموم يكون الاستصحاب هو المعول لو لم يكن المخصّص مفردا .

وفي المعاملة الغبنيّة وما شاكلها لا يمكن التمسّك بالعموم لانقطاعه في الأثناء بالخيار والحكم الواحد الشخصي لا دوام له بعد ذلك يرجع إليه نعم يمكن فرض العموم في ناحية متعلّق الحكم والمفعول به كالخمر في قوله لا تشرب الخمر كما انه يمكن ملاحظته في جانب الفاعل كان يكون متعدّدا وبالنسبة إلى الزمان فيكون المتعلّق في حكم زمان غيره في زمان الآخر لكن كلّ هذا لا مجال له في ناحية الحكم .

اللهمّ إلاّ أن يكون المولى كلّما انقطع زمان الحكم الأوّل يجعل حكما ثانيا وهو كما ترى .

كما ان الامر كذلك بالنسبة إلى دعوى انحلال هذا الوجوب أو اللزوم إلى الافراد الضمنيّة لعدم قابليّة المورد لذلك بل محلّه الموضوع المركّب ذات الاجزاء المتعلّق به الأمر فينبسط وينحل إلى أحكام ضمنيّة كما لا يخفى هذا . فظهر ان مورد التمسّك بالعموم هو ما إذا كان القيد والعموم الزماني على المتعلّق لا الحكم .

إذا عرفت هذا فينبغي أن تعلم ان الأمر كما ذكرنا في استصحاب حكم المخصّص في كليّة الأحكام الوضعيّة حيث انّها بناءً على التحقيق مجعولة تنالها يد

لا مجال للاستصحاب مع الدليل الاجتهادي

ص: 469

الجعل ابتداءً وليست منتزعة عن الحكم التكليفي فعلى هذا لا يمكن فرض تعلّق العموم بالنسبة إليها وكونها موجبا لصيرورتها أفرادا عديدة بل يتعلّق العموم الزماني بنفس الحكم الوضعي لعدم كون متعلّق له يكون انحلاليّا بالنسبة إليه .

فاذا لم يكن لها متعلّق فالعموم إنّما يرد عليها أنفسها وعند الشكّ يجري الاستصحاب على نحو ما تقدّم كاللزوم المجعول على العقد بناءً على استفادته من نحو « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(1) كما انه بناءً على عدم كون اللزوم مجعولاً ابتدائيّا يكون الأمر كذلك فان قوله: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » له عموم ازماني موجب لانتزاع اللزوم منه فلو كان هذا الحكم في كلّ زمان زمان على نحو الانحلال فينتزع منه كذلك اللزوم .

فاذا انقطع وخصّص فرد منها ينقطع اعتبار اللزوم ويستقيم بناءً عليه كلام المحقّق الكركي رحمه اللهمن ان العموم الافرادي يستتبع العموم الأزماني وعند

التخصيص بخيار الغبن يرجع عند الشكّ في بقاء الخيار إلى ذلك العموم الا ان ذلك فرع كون العموم ملحوظا في ناحية الحكم قيدا وإلاّ فلا تصل النوبة إلى ما ذكر بل يدور الأمر بين كون مصبّ العموم هو المتعلّق وهو نفس الحكم الوضعي بناءً على تأصّله بالجعل أو منشأ انتزاعه وأن يكون هو المتعلّق في ما يكون هناك متعلّق أو في ما نحن فيه في العقد والموضوع وبعد اجراء مقدّمات الحكمة في ناحية المتعلّق والموضوع يتعين كون العموم واردا على الحكم الوضعي أو التكليفي المنتزع عنه ذلك الحكم لعدم امكان تقييد الحكم بالموضوع كي يتعارضا إلاّ بناءً على امكان تقييد الهيئة فيكون من دوران الأمر بين تقييد الهيئة والمادّة بالعموم

ص: 470


1- . سورة المائدة: 2 .

الزماني ويدخل في بحث المعاني الحرفيّة وبعد إن لم يكن الحكم إلاّ موجودا بوجوده ومعدوما ومنفيا بعدمه بنفسه في كلا الموردين لا موجودا أو معدوما بالاستمرار له بقطعه فلا يمكن ورود التقييد عليه بل لا محيص إلاّ من اجراء مقدّمات الحكمة في ناحية المتعلّق والموضوع وبذلك الجريان يحصل المراد بلا احتياج إلى تعدّد الجريان ثانيا في ناحية الحكم بل نفس الجريان الأوّل يغني ويثبت كون العموم للحكم وهذا أحدى مقدّمات باب الترتّب فان لم يتم فينهدم أساس الترتّب فراجع وتدبّر .

طور آخر من البحث لا اشكال في الفرق بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة بناء على كون الثانية أيضا مجعولة في ناحية التعلّق بالمتعلّق والمفعول به الخارجي فيتصوّر ذلك في الأحكام التكليفيّة فبحسبه يمكن التعدّد والانحلال كما انه إذا لم يكن لها تعلّق خارجي بل ما يتعلّق به نفس التكليف لا الموضوع أو متعلّق المتعلّق أيضا يمكن تصوّر التقييد والتعدّد فيها كما في التكلّم والغناء فيمكن

تعلّق النهي بالغناء في كلّ زمان زمان كما إذا كان شرب كلّ خمر حراما بخلاف الأحكام الوضعيّة بناءً على تأصّلها بالجعل فانّه ليس لها متعلّق كي يجريى فيه ما ذكر .

فلو كان هناك عموم زماني أو غيره من القيود والطواري فلابدّ ولا محالة ان ترد على نفس الأحكام دون المتعلّق لفرض عدمه فيها مثلاً اذا حاز المكلّف بأحد أنحاء الحيازة سواء كان مثل الاحتطاب والاحتشاش أو بالاحياء فهو يملك ما فعل فيه ذلك ويعتبر في حقّه الملكيّة الدائمة المستمرّة ولا شيء يتعلّق به الدوام والاستمرار كما في نفس الملكيّة ( لعلّ السر تعلّق الحكم الوضعي بالذات بخلاف

الانحلال حسب تعدّد الأفراد

ص: 471

متعلّقات الأحكام فليس كذلك وإلاّ فلا ريب في امكان ورود ذلك على نفس ما ملك كما في اللزوم الوارد على العقد على نحو الدوام والاستمرار كما يمكن تعلّقه أي الدوام والاستمرار على العقد وبه يكون العقد بوجوده الاستمراري لازما ولا مانع من ذلك فتأمّل .

ففي مثل « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » بناءً على كونه كناية عن الحكم الوضعي الذي

هو خلاف الظاهر بل ليس إلاّ الأمر بوجوب الوفاء بكلّ عقد بعد ان استفدنا اعتبار الدوام والاستمرار فيها في ناحية الحكم أو المتعلّق وإلاّ فالعقد الآني لا يتعلّق به

وجوب الوفاء يعني ان العقد بذاته يتعلّق به وجوب الوفاء الحاصل ولو في الآن الأوّل للروم اللغويّة على ما سبق تقريبه فلا جرم لوحظ فيه العموم فلو كان العموم قيدا للعقد فاذا خصّص بخيار الغبن فالحق مع المحقّق الكركي رحمه الله حيث يقول بفوريّة الخيار وإن كان العموم قيدا واردا على الحكم وهو وجوب الوفاء يعني لزوم العقد أو بناءً على ما ذكرنا من كون وجوب الوفاء هو منطوق الآية لا أن تكون كناية عن الحكم الوضعي وعلى كلّ حال فلو استفيد ان العموم الأزماني قيد للعقد والعقد في كلّ آن آن هو لازم أو واجب الوفاء فثمرته ما ذكرنا وإن كان العكس فلا محيص من التمسّك بالاستصحاب . هذا .

ويكون الحق مع الشيخ ونتيجة المقام هو تراخي الخيار ولو شككنا في ان العموم وارد على العقد أي قيد له أو للحكم ووارد عليه فلا يمكن التمسّك بعد زمان التخصيص بالقيد لعدم الاحراز ان العموم له قيد كما لا مجال للاستصحاب لعدم احراز موضوعه ويكون الشكّ في مورده والتمسّك به تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقيّة . هذا بناءً على عدم استلزام نفس الوفاء بنحو صرف الوجود

ص: 472

الدوام بل يحتاج في لحاظ العموم واستفادته من مقدّمات الحكمة ( اما بناءً على كون الوفاء هو الالتزام بمقتضى العقد فلا يحتاج إلى النظر في كون جريان مقدّمات الحكمة هل في الحكم أو كان العموم قيدا للعقد ) .

هذا وذكرنا ان مدّعى المحقّق النائيني في هذا المقام جريان المقدّمات في اطلاق العقد من حيث العموم الزماني ولازم ذلك كون العموم واردا على الحكم بتقريب أن يقال انّه يمكن لحاظ العموم الافرادي في ناحية العقد بمعنى العموم الأزماني والاستمرار فحيث لم يقيّد في الدليل ولم يثبت من الخارج يعلم ويكشف ان العقد لم يقيّد بقيد بل هو مطلق من هذه الجهة لاحتياج التقييد بالعموم الأزماني كساير القيود إلى مؤونة زائدة ثبوتا وبيان زائد اثباتا فحيث انه ليس فليس .

ولقائل أن يقول نجري كذلك المقدّمات في جانب الحكم فالحكم أيضا مطلق من حيث القيد مع العلم بورود العموم الأزماني أمّا على العقد أو على الحكم .

وبيّن مراد النائيني رحمه الله سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن مقصوده من جريان مقدّمات الاطلاق في ناحية الحكم لحاظ عدم الاستمرار والدوام في ناحيته وبالجملة عدم ورود القيد عليه بوجه كي يصير بلحاظه مقيّدا فيجري الاطلاقان من الجانبين ويسقطان .

وجوابه ان جريان المقدّمات في ناحية الحكم يتوقّف على كون العقد مطلقا والاّ فلو لم يكن كذلك فلا وجه لجريانها بل لا تجري للعلم بالعموم أمّا من ناحية العقد أو الحكم وإذاثبت الاطلاق بجريانها في العقد فلا جرم يكون العموم في

لو شككنا في ورود العموم على العقد أو العكس

ص: 473

ناحية الحكم .

إن قلت: نعكس الأمر ونجريها في جانب الحكم ويتعيّن كون العموم للعقد .

قلت: هذا يتوقّف على أن يكون الحكم قابلاً للاطلاق والتقييد فيدور الأمر حينئذٍ بين ورود الاطلاق عليه أو على العقد ويقع الكلام في تقدّم أحدهما على الآخر وإلاّ فعلى التحقيق لا قابليّة للحكم لورود التقييد كذلك عليه كي يلاحظ فيه الاطلاق لأنّه لا يمكن أن يتكفّل بيان استمرار وجوده أو عدم نفسه لأنّ الخطاب لا يمكنه حفظ نفسه واستمرار وجوده ففي الحقيقة يخرج الفرض عن مورد دوران الأمر بين تقييد الهيئة أو المادّة والعقد وحكمه بل العقد مطلق والعموم لو كان فعلى

الحكم فتأمّل فهذا يحتاج إلى زيادة توضيح .

تبيين واشكال: ما ذكرنا عن المحقّق النائيني مبنى على مختاره في ان الحكم لا يمكن أن يتكفّل حال وجوده وعدمه ويبيّن استمرار نفسه فليس إلاّ ما يوجد في عالم الانشاء وهو عالم تكوينه ولا مفهوم له لأنّه من الهيئة المستحيل تقييدها لاستلزام ذلك تصوّر المعنى ولحاظه والمعنى الحرفي ومنه الهيئة الأمريّة والنهيّته وغيرهما لا معنى له بل ليس إلاّ آلة للايجاد فيوجد بها النسبة الخاصّة الحاصلة بين الفعل والفاعل المطلوب منه الفعل كما في الأمر أو الترك كما في النهي أو غير ذلك فيكون من هذه الجهة كالحقائق الاعتباريّة التي توجد بالآلات اللفظيّة كالملكيّة والزوجيّة اللتين توجدان باللفظ وقبل ذلك ليس شيء وعلى هذا فيتمّ مرامه قدس سره ويتعيّن رجوع العموم إلى الحكم .

الا ان تسليم المبنى لا يساعدنا الدليل وأيّ مانع من امكان تقييد المعاني الحرفيّة ورجوع القيد إلى الهيئة وأن يكون لها معنى قابل للتصوّر مرادف للطلب

ص: 474

كما يؤيّده الاعتبار العرفي وليس من معانيها الوجوب والاستحباب في هيئة افعل ولا التهديد وغيرها بل هذه كلّها دواعي الانشاء والطلب والمعنى في كلّها واحد لا يتغيّر ويجري فيه مقدّمات الحكمة حيث لم يقيّد بزمان خاص كما يرشد إلى امكان ذلك ووقوعه قوله علیه السلام حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة وحرامه كذلك والحلال والحرام غير الحكم الشرعي ليس إلاّ ذلك .

وعلى كلّ حال فهذا المعنى كان يكون معنى أفعل هو ايجاد النسبة بين الفعل والفاعل لا غير ولا معنى غير ذلك فيه ما فيه وخلاف ما هو المرتكز في الاذهان العرفيّة وبعيد من التصديق فالحق ما حقّقه المحقّق الخراساني رحمه الله(2) في ذلك فحينئذٍ عند دوران الأمر بين عموم الهيئة والمادّة يدور الأمر في جريان الاطلاقين من الجانبين ويتساقطان ويبقى المورد وإن كان له عموم لا يلحق بواحد منهما بل لذا نقول بالتمسّك بالاطلاق في ناحية الحكم عند الشكّ في النسخ ولا مجال لجريان الاستصحاب فيه بجريان مقدّمات الاطلاق في ذلك فانّه لو كان هذا الحكم موقتا كان عليه البيان فمن عدم البيان ينكشف الاستمرار كما انه قد يستفاد من الدليل الخارجي .

والحاصل انّه على هذا المبنى وهو امكان تقييد الهيئة عند الدوران يتساقط الاطلاقان ولا أصل يرجع إليه في تقديم أحدهما على الآخر وعند الشكّ في مقدار التخصيص لا مانع من جريان استصحاب الخاص اذا لم يكن متفردا من حيث الزمان وعلى هذا عند الشكّ في تراخي الخيار وفوريّته يرجع إلى

اشكال التمسّك بعموم الحكم عند الشكّ في التخصيص الزائد

ص: 475


1- . الوسائل 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي مع تفاوت في الألفاظ .
2- . كفاية الأصول 1/14 - 16 - 19 .

الاستصحاب لتماميّة أركانه وعند الشكّ في وجود المانع بعد احراز الوحدة العرفيّة في الموضوع كما انه عند كون العام مفردا من حيث المتعلّق وعدم جواز التمسّك به لمانع يمكن جريان استصحاب حكم الخاص عند تماميّة أركانه هذا .

ودعوى التمسّك بعموم الحكم المستمر عند التخصيص والشكّ في التخصيص الزائد بتقريب كون الزمان مفردا للحكم واردا عليه ويكون معنى مستمر ثبوت الحكم على موضوعه الاوّل المحرز الثابت في كلّ آن آن وباعتباره يتعدّد أفراد الحكم وكلّ حكم يكون غير الآخر فعند طرو التخصيص لأحدها لا مانع من الرجوع إلى الآخر بلا حاجة إلى التمسّك بالاستصحاب بل حينئذٍ لا يجوز .

مدفوعة: بأنّ الزمان لو أخذ قيدا فاما ان يرجع إلى المتعلّق فيكون الاكرام مثلاً في كلّ آن آن واجبا كما ان الصلاة في كلّ حين تكون مطلوبا تركها في قوله ( دعى الصلاة أيّام اقرائك )(1) بناء على كون القيد للمتعلّق فعلى هذا يكون مثل المفعول به وهو الخمر في مثل لا تشرب الخمر يتعدّد الحكم بتعدّد أفراده وهذا خارج من تقيد الحكم بالزمان وإن لم يرجع إلى ذلك بل مع وحدة الموضوع مع تمام قيوده ينشأ عليه الحكم المستمر على نحو الانحلال فهذا يرجع إلى تأكيد الحكم ولا نعقل غير هذين المعنيين معنى ثالثا يمكن فرضه في المقام حيث ان الاستمرار للحكم بمعنى عدم تقييده بوقت خاص فالتكلّم بالغيبة مثلاً لم تغي حرمته بزمان خاص بل حرام مطلقا مستمرّا حرمته إلى الأبد وعلى كلّ حال .

ص: 476


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 5/1 من أبواب الحيض .

وممّا ذكرنا تعرف ما في التقريرات(1) من تصوّر العموم المجموعي الانحلالي في ناحية الحكم فلا يمكن فرض العموم الزماني في ناحية الحكم الوارد عليه إلاّ ظرفا للاستمرار لا فردا له الا بأن يرجع إلى المتعلّق وأن يكون معنى وجوب الاكرام في كلّ آن آن الاكرام في كلّ آن آن أو يوم يوم واجب فعند الشكّ في التخصيص لا مانع على ما ذكرنا من التمسّك بالاطلاق المنعقد من جريان مقدّمات الحكمة .

نعم بناءً على ما ذكره المحقّق النائيني لابدّ من استصحاب حكم العام كما انه يستصحب حكم الخاص عند الشكّ في التخصيص الزائد وبالنسبة إلى هذا الكلام نحن موافقون له كما عرفته سابقا من قطع الاستمرار ( في اطلاقه تأمّل ) .

إذا عرفت ما ذكرنا وصحّحت المبنى من إمكان تقييد الحكم والهيئة وكليّة المعاني الحرفيّة فاعلم انّه يمكن لحاظ الزمان في متعلّقات التكاليف على نحو يكون مفردا كما يمكن لحاظه في ناحية الحكم مثل لا تغتب المؤمن دائما أو مستمرّا ونحوهما فانّه على فرض ورود ذلك في الأخبار يمكن رجوعه إلى كلّ من الحكم والموضوع وهذا لا اشكال فيه وكذلك الأحكام الوضعيّة فيمكن فيها أيضا فرض كون الزمان مفردا للموضوع كما يمكن ورود العموم على الحكم ويكون اللزوم مستمرّا ثابتا على العقد لا ان العقد في كلّ آن آن لازما فكما يمكن لحاظ العموم في العقد من حيث الافراد يمكن لحاظه من حيث الزمان في كلّ عقد فيكون كلّ عقد في كلّ آن لازما ويترتّب على ذلك ثمرة البحث كما ذكرنا .

وبناءً على كون العموم مفردا للموضوع فعند الشكّ في جواز شرب الخمر

امكان لحاظ الزمان في متعلّق التكليف

ص: 477


1- . فوائد الأصول 4/535 .

للتداوي والعلاج يكون المرجع هو العموم كما ان الأمر في ما إذا كان العموم ملحوظا في ناحية الحكم أيضا كذلك بناءً على ما ذكرنا واستصحاب حكم العام بناءً على ما بيّنه المحقّق النائيني . هذا لو لا منع الصغرى لهذا الفرض فانّه لابدّ في كشف الانحصار وتوقّف حفظ النفس أو باقي ما يجب حفظه عليه بحيث لم يكن له بدل والقطع بذلك وأنّى لهم بذلك مع ورود انه لا شفاء في الحرام(1) إلاّ أن يفرض المقام مورد التقيّة أوالعطش الشديد المضر بالانسان لو لم يشرب الخمر أو المهلك له ولكنّه قد يستشكل من جهة اخرى وهي انه عند الاضطرار يجوز ارتكاب المحرّم كما ورد(2) انّه ما من شيء حرّمه اللّه إلاّ وقد أحلّه عند الضرورة ومن الضرورات التقيّة إلاّ انّه إذا شكّ في مصداق الضرورة وانّه هل هو جائز أم لا الذي هو محل الفرض والكلام من الشكّ في التخصيص أو الزائد على المتيقّن فكيف يجوز التمسّك بالعام وهو الحرمة ولو على المفرديّة في ما كان الشبهة مصداقيّة فانّه يكون نظير الشكّ بلا تكتّف في الصلاة عند الشكّ في كون المورد مورد التقيّة المبيحة لذلك قتدبّر .

تتمّة الكلام وثمرته: ما ذكرنا إنّما هو في مقام الثبوت وامّا في مقام الاثبات فهل العموم والاستمرار قيد وارد على الحكم أم لا بل هو قيد للمتعلّق في غير مثل ما دلّ على بقاء الأحكام وعدم نسخها وإلاّ فبانظر إليه فالأحكام عامّة حسب الأزمان مستمرّة إلى يوم القيامة .

وعلى كلّ حال فالفرق والثمرة إنّما هي في المسئلة الأصوليّة وإلاّ ففي

ص: 478


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 20/1 - 7 من أبواب الأشربة المحرّمة .
2- . الوسائل 16 الباب 25/1 - 2 - 8 من أبواب الأمر والنهي .

المسئلة الفقهيّة لا فرق بين أن يكون العموم للمتعلّق أو للحكم فعلى كلا التقديرين الحكم ثابت على متعلّقه على نحو العموم إمّا من ناحية المتعلّق وإمّا من ناحية نفسه .

فاعلم انّه كما ينعقد العموم بالنسبة إلى الأزمان فيشمل الافراد الطوليّة كذلك بالنسبة إلى الأفراد العرضيّة وحينئذٍ فيقع الكلام في خصوص النواهي في ان المطلوب فيها هو ما يساوق القضيّة المعدولة المحمول أم لا بل يساوق القضيّة السالبة المحصّلة وإن كان على الظاهر لايرتبط تحقيق الكلام فيه بجريان الاستصحاب وعدمه لأنّه استطراد فان كان معنى قول الشارع لا تشرب الخمر الذي أنشأ فيه النسبة بين الفعل والفاعل على نحو الترك بداعي الجد هو الموجبة المعدولة المحمول كأنّه قال كن لا شارب الخمر فلازمه عدم تعلّق النهي إلاّ بهذا العنوان فاجتناب كلّ فرد من أفراد الخمر إنّما يكون مقدّمة لحصول الامتثال بالمأمور به الذي هو حصول العنوان المطلوب منه بل لازم اشتغال العهدة بذلك هو ترك الافراد المشتبهة في الشبهات المصداقيّة أيضا لعدم العلم بفراغ الذمّة عن التكليف المتوجّه إليه إلاّ بذلك إذ الشكّ حينئذٍ يكون شكّا في الامتثال والمحصّل ولا يكون مجرى البرائة بخلاف ما إذا لم يكن كذلك .

بل كان مركب النهي هو الطبيعة بلحاظ الأفراد وان معنى قول الشارع لا تشرب الخمر ان الخمر حرام وحينئذٍ فإمّا يستفاد عموم الأفراد للخمر من دليل مبيّن له وإلاّ فمن جهة كشف الملاك وقبح الترجيح بلا مرجّح لوجود كلّ ما في هذا الفرد في ذلك فتعلّق النهي به بخصوصه لا معنى له وحينئذٍ فمقتضاه عموم النهي في أفراد الطبيعة بكلّها فمن ذلك ينحلّ هذا الحكم المحمول على مثل طبيعة الخمر

في مقام الاثبات هل القيد وارد على الحكم

ص: 479

بلحاظ وجوداتها الخارجيّة التي في الحقيقة هي مركب للأمر والنهي لا بأن تكون موجودة أو معدومة لاستلزامه تحصيل الحاصل أو اجتماع النقيضين بل في الأمر يتعلّق بلحاظ الوجود وفي النهي بابقاء العدم واستمراره لا بالمفهوم في الأمر والنهي والوجود الذهني فعلى هذا فكلّ ما شكّ فيه انّه من أفراد الطبيعة المنهيّ عنها يكون مشكوك التعلّق بالنسبة إلى الحرمة فيرجع الشكّ على هذا إلى التكليف .

غاية الأمر من جهة اشتباه الأمور الخارجيّة فيجري البرائة بلا اشكال لعدم لزوم تحصيل العنوان ولم يكن تحصيله واقعا في حيز النهي هذا في الافراد العرضيّة ويمكن جريان هذا التقريب في الأفراد الطوليّة التي يكون الزمان وعاءً لوجودها ومن جهة تكون طوليّة لعدم خصوصيّة في الزمان فان كان الأفراد الموجودة في زمان حراما فلازم ذلك من باب قبح الترجيح بلا مرجّح حرمة كلّ فرد في وعاء الزمان إلى يوم القيامة أو من باب كشف الملاك أو من دليل آخر .

وكيف كان فيمكن أن يكون مستند العموم الأزماني وتعلّق النهي بالأفراد الطوليّة هذا .

كما يمكن استناده إلى ما يقال من ان متعلّق النهي حيث كان هو الطبيعة المهملة المرسلة فاذا تعلّق النهي بها بمعنى ابقاء العدم واستمرار الترك ويمكن ثبوتا أن يكون المراد والفرض حصوله بأوّل زمان من آونة إمكان ارتكاب المكلّف لها .

كما يمكن أن يكون المطلوب تركه أبدا فلو كان الآمر يريد توقيت ارادته للترك فكان عليه أن يبيّنه وحيث انّه لم يبيّن ولم يقيّد ويوقّت فيوجب ذلك تماميّة

ص: 480

مقدّمات الحكمة بعد ان لم نعثر في ما بأيدينا على موقت ومقيّد في ان المطلوب هو الترك دائما والنهي لم يتعلّق بالطبيعة بلحاظ كلّ فرد منها في أوّل آن بل لم يقيّد

بقيد فهو يدوم بدوام الموضوع والمكلّف هذا .

واختلفت تقاريب المحقّق النائيني كمختار انه قدس سره وكان يقول في ما قال(1) واختار ان مركّب النهي هو القدر الجامع بين الأفراد الطوليّة والعرضيّة وهذا لا يكون مخالفا لما ذكرناه أوّلاً إلاّ من حيث تغيير الاسم .

وقد عرفت في مطوى البحث ان متعلّق الأمر والنهي هو الطبيعة بلحاظ وجود الأفراد والابقاء على العدم واستمراره ولا يسري من كلّ إلى ما يلازمه وعلى ذلك يبتني مزاحمة الأمر والنهي في ما كان متعلّق كلّ ممّا يلازم الآخر ولا يكون من باب التعارض .

تذكرة: قد علم ممّا ذكرنا موارد التمسّك بعموم العام وموارد جريان الاستصحاب في ما إذا خصّص العموم ويقع الكلام في الصغريّات الفقهيّة مثلاً مسئلة حفظ النفس وحلية المحرّم عنده في ما إذا شكّ في التخصيص لو لم نقل بعدم وصول النوبة إليها أصلاً لحكومة لا حرج ولا ضرر ومثل قوله تعالى: « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »(2) على الأدلّة التي توجب حسب اطلاقها

ذلك في ناحية الواجبات بخلاف المحرّمات .

فانّه لم يعهد التمسّك بمثل هذه الأدلّة لرفع حرمة النظر إلى الأجنبيّة فقد يتمسّك لوجوب حفظ نفس الغير بالسيرة الثابتة من المتديّنين بعد اليأس عن الظفر

في الصغريات الفقهيّة

ص: 481


1- . فوائد الأصول 4/554 .
2- . سورة البقرة: 186 .

بدليل عليه من الكتاب العزيز والسنّة ويمكن منع هذه الدعوى بالنظر إلى الخارج فان المشاهد في كثير من الموارد العكس كالحفظ عن البرد أو الحرّ والجوع وأمثال ذلك خصوصا وعند المشقّة على الذي يريد الحفظ ولا دلالة لمثل « وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ »(1) على ذلك .

نعم يمكن بعض الاستفادة من ما ورد(2) في التقيّة وانّها لم تشرع في الدماء

وان الدماء لها أهميّة في نظر الشارع الا ان محل الكلام ما إذا كان نفس الغير في معرض التلف لمرض أو هرم أو غيره ويقدر الانسان على حفظه ولو ببذل عشر ممّا يبذل لأحد ممّن له علاقة به ولا وجه للاستشهاد له بباب التيمّم وجواز صرف الماء لحفظ النفس حتّى الكافر الذي لو لم يصرف فيه يقع الصارف في الحرج حيث انّه يقوم بلوازم أمره ويحتاج إليه في المورد .

وبالجملة فقد ادّعى المحقّق النائيني رحمه الله(3) انّه عند الشكّ في ذلك يتمسّكون

بالاستصحاب الا ان تصحيح هذه الدعوى يحتاج إلى تتبّع تام بعد ان لم تكن هذه المسئلة بخصوصها معنونة في كلمات الفقهاء وإنّما ذلك اصطياد من الموارد مع اختلافها .

ففي مثل أكل لحم الخنزير وردت الرواية(4) بالنهي حتّى في حال الضرورة

ص: 482


1- . البقرة: 196 .
2- . وسائل الشيعة 16 الباب 31/1 - 2 من أبواب الأمر والنهي .
3- . فوائد الأصول 4/552 .
4- . لم نعثر على هذه الرواية نعم ربما يدل على ما في المتن صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه علیه السلام . الوسائل 25 الباب 20/4 من أبواب الأشربة المحرّمة وفي رواية الفقيه مسندة إلى كتاب نوادر الحكمة عن الصادق علیه السلام من اضطرّ إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئاً من ذلك حتّى يموت فهو كافر . الوسائل 24 الباب 56/3 من أبواب الأطعمة المحرّمة .

وفي غيره عند الدوران بين لحم الانسان وغيره يقدم الحيوان وإن توقّف الحفظ على أكل لحم نفسه فيفعل .

ثمّ إذا شكّ في جواز ذلك وحرمته فهل يتمسّك بالعموم أو بالاستصحاب بل يمكن منع هذه الدعوى بعد التتبّع التمام وعلى كلّ حال فيشكل الأمر في ذلك بعد ان كان ما شمله حديث الرفع والآية الشريفة من التقييد الواقعي حتّى مثل ما لا يعلمون لو لا الاجماع على الخلاف .

ففي مثل هذه الأمور لا تشريع للأحكام حقيقة وبعضها رفع منّة على هذه الامة كما كان فيه مشقّة عرفيّة ضرورة قبح التكليف بما لا يطاق عقلاً فلا اختصاص في رفع ذلك بالاُمّة المرحومة بل ورد في النقل أيضا ما يؤكّد العقل .

نعم كانوا مكلّفين بالآصار والمشاق التي يعسر تحمّلها واستوهبها النبي صلی الله علیه و آله كما دلّ عليه الآية الشريفة: « رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ »(1) فاذا شكّ في مورد من الموارد انّه هل خصّص وقيد بأحد هذه الأمور أم لا بل تحت دليل العام .

وبعبارة اخرى للمشاقّ العرفيّة مراتب فالمرتبة الأقصى منها مرفوعة قطعا إذا وصل إلى ذلك الحد فلا تكليف ولا تشريع له .

إنّما الكلام في المراتب التي هي دونها كما في مسئلة القيام في الصلاة مثلاً فهل يرجع إلى استصحاب الجواز الثابت قبل ذلك للمرتبة العليا أم لا بل يرجع إلى حكم العام وهذا أيضا من فروع تلك الضابطة المتقدّمة التي فصلت بين ورود العموم على الحكم وعلى المتعلّق وإن كان المخصّص منفصلاً فانّ التحقيق سراية

ص: 483


1- . سورة البقرة: آخر آية .

اجمال المخصّص إلى العام وإن كان منفصلاً خلافا لظاهر المحقّق الخراساني(1) هذا .

ولا يخفى ان التمسّك بالعام من حيث الزمان والأحوال متوقّف على الاطلاق حتّى بالنسبة إلى الأحوال من الصحّة والمرض والقيام والقعود والاضطرار وغيره .

فاذا لم يكن اطلاق أحوالي للعام لا يغنى العموم الأزماني الأبدي ضرورة امكان ورود العموم الأبدي على خصوص حال الصحّة ولا يتعدّى إلى غيره وكذا في الحالات فما لم يلاحظ العموم الأحوالي لا يغني التمسّك بالعموم الأزماني من حيث الحالات وما يقال من الاستغناء عن العموم الأحوالي بالأزماني فلا يخفى ضعفه لماعرفت .

ولا اشكال في ان هذا يجري في كليّة الأحوال الطارية باعتبار المكلّف من كونه صحيحا أو مريضا أو مضطرّا أو فقيرا أو غنيّا وهكذا باعتبار متعلّق التكليف وزمانه من المزاحمة لواجب آخر أهم أو مهمّ آو غيرهما وهنا بحث مفيد في مثل ما نذر نذرا انحلاليّا في كلّ سنة أن يكون يوم عرفة زائرا للحسين علیه السلام في كربلاء المشرّفة . ثمّ ان بعض العناوين الثانويّة كالحرج والعسر والضرر وحفظ النفس وأمثالها قد يوجب تقييد الأحكام الأوّليّة الواقعيّة بغير مواردها اما لأنّها تقييد

واقعي لها ففي مواردها لا حكم واقعي أو للمزاحمة وان حفظ النفس مثلاً أهم ثمّ ان في مورد الدوران بين حفظ النفس والدين فالدين مقدّم وفي دوران الأمر بين النفس وترك واجب وفعل واجب آخر أو فعل محرّم فالنفس مقدّم وفي دوران الأمر بين حفظ النفس والعرض فقد قيل بتقدّم النفس .

التمسّك بالعام يتوقّف على الاطلاق

ص: 484


1- . كفاية الأصول 1/339 كلام المحقّق الخراساني صحيح متين .

وفي كلّ حال فمثل هذه المسلمات يورث القطع بضروريّة حفظ النفس ولولا ذلك لم يتقدّم على مثل هذه الامور وإن كان مثل عناوين الحرج والضرر والعسر لم يقل فيها بتلك التوسعة وإلاّ فيتوجّه عليه ما ذكرنا فان الحرج فسّر في اللغة بالعسر الشديد والآية الشريفة نفته كما نفت العسر في قوله تعالى: « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »(1) وإن كان بملاحظة ما ورد(2) في ما استوهبه النبي صلی الله علیه و آله من رفع الآصار التي كانت على الامم السابقة من توقّف توبتهم على القتل كما في بني إسرائيل يكون المرفوع مثل هذه المشاق لا المشاق التي لا تبلغ بهذه الدرجة من العسر فاذا شكّ في رفع غير هذه المرتبة منها فحينئذٍ يقع الكلام في التمسّك بالعام أو استصحاب حكم المخصّص .

ولا يخفى انّه قد يكون الأمر من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة كما في هذه وأمثالها ممّا ذكرنا من المقيّدات الواقعيّة فان الاطلاق إنّما يتمّ إذا لم نظفر

بما يوجب تقييده متّصلاً أو منفصلاً .

وكيف كان فلا اشكال في تقييد الأحكام الواقعيّة بالمرتبة العليا من هذه المقيّدات والشكّ في ما دونها ولا يختصّ أمثلة ذلك وتطبيقاتها بباب الوضوء والغسل والتيمّم بل بناءً على تماميّتها يجري في جميع أبواب الفقه فلذلك قد يشكل الركون إلى اطلاقاتها فان المعلوم عدم التوسعة فيها بذلك القدر فتتبع كي تظفر بما لمحنا إليه . هذا تمام الكلام في المحرمات .

وأمّا الواجبات فهي على قسمين اعتقاديّة وعمليّة أمّا الاعتقاديّة من

ص: 485


1- . سورة البقرة: 186 .
2- . بحار الأنوار 18 باب اثبات المعراج الحديث 26 - 34 ص314 - 329 .

الصراط والميزان والجنّة والنار والأئمّة علیهم السلام إلى غير ذلك فلا اشكال في عدم كونها موردا للبحث لأنّ المطلوب فيها الاعتقاد واليقين وعقد القلب .

نعم لو شكّ في وجوب البقاء على الاعتقاد وتحصيله فيمكن جريان الاستصحاب فيه امّا التمسّك به لاستصحاب الاعتقاد وعدم تبدّله إلى الشكّ فهو كما ترى .

وأمّا العمليّة التدريجيّة فلا اشكال في امكان كون العموم الزماني فيها قيدا للمتعلّق أو للحكم فيستمرّ في عمود الزمان وينحلّ إلى أحكام عديدة بخلاف ما إذا كان للمتعلّق فينحلّ كذلك وتكون الأحكام أحكاما مستقلّة لا ربط لأحدها بالآخر ولا يخفى ان الغرض من كون الزمان مصبا للحكم في ناحية المتعلّق وان الحكم يرد عليه كما يرد على المتعلّق هو كون الزمان مثل المفعول به والموضوع الخارجي كالخمر موجبا للانحلال وإلاّ فالحكم حقيقة لا يتعلّق إلاّ بمتعلّقه ونتيجة ذلك هو عدم جواز الافطار لمن يعلم ابتلائه في يوم رمضان بمانع منه لانحلال الصوم إلى صيام متعدّدة إذا كان قيدا للحكم ففي كلّ آن حكم بوجوب الصوم فهو موضوعات وأحكام مستقلّة لا ربط لأحدها بالآخر فيجب على من فرضناه الصوم في الآنات التي لم يبتل بالمانع فيها كما إذا طهرت من الحيض قبل الغروب ولو بلحظة يجب عليها الصوم بناءً على أن يكون الاستمرار قيدا للحكم واردا عليه بخلافه في ناحية المتعلّق إذا كان على نحو الارتباط والمجموعيّة يعني الامساك من الفجر إلى الليل واجبا فلابدّ في الكفّارة ووجوب الامساك قبل الابتلاء من دليل خاص بخلافه على الفرض الآخر فلزوم الكفّارة على القاعدة وهذا إنّما هو مجرّد فرض وتنبيه على الثمرة المترتّبة على البحث وإلاّ فالالتزام

اختلاف النتيجة في كون العموم الزماني قيد المتعلّق أو الحكم

ص: 486

بكونه من تقييد الحكم على هذا النحو كاد أن يكون خلاف ضروري الدين فضلاً عن المذهب .

ولا بأس بكون الموضوع حينئذٍ أخذ بنحو الارتباطيّة فان تصوير ذلك بل القول به ممّا لابدّ منه في موارد من الفقه كالصلاة التي كلّ جزء منها يكون شرطا للاحق والسابق حتّى الأوّل والآخر فتدبّر جيّدا .

طور آخر من البحث: الفرق بين تعلّق الاستمرار بالحكم أو كونه على الموضوع في باب الصوم .

وانّه على أن يكون الزمان في ناحية الحكم يكون مستمرّا في عمود الزمان والموضوع لم يقيّد بشيء أصلاً ولذا يتعلّق الحكم بالصوم الذي هو مجرّد الامساك أخذ متعلّقا لخطاب الشارع بالوجوب واستمرّ هذا الوجوب الشخصي عليه إلى الليل فالى الليل هذا الحكم موجود بوجوده الشخصي والموضوع ليس إلاّ المكلّف مع الشرايط المعتبرة في الصوم وفي الخطاب به من عدم كونه مسافرا وكذا كذا فعند طلوع الفجر إذا تحقّق جميع الشرايط فيكون وجوب الصوم عليه فعليّا سواء علم باختلال الشرايط فيما بعد قبل انقضاء اليوم أو احتمل أم لا حيث ان ذلك هو الاستمرار وإلاّ فالموضوع لم يؤخذ إلاّ بالقيود المعتبرة التي حصلت مجموعا عند الطلوع بلا انتظار لشيء فحينئذٍ يجب عليه الصوم .

وإذا اتّفق ان في أثناء اليوم سافر أو حصل له مانع آخر كالمرض أو الحيض فلا يجب عليه اتمام الصوم بل لا يصحّ منه ويكون زمان السفر وحدوث المرض والمانع انتهاء أمد الحكم وبه ينقطع استمراره وما امسك من الطلوع إليه يكون من الصوم حقيقة فلو أفطر قبل ذلك بأحد المفطرات فعل حراما وعليه الكفّارة على

الفرق في باب الصوم

ص: 487

القاعدة بخلاف ما إذا كان الزمان مأخوذا في ناحية المتعلّق فانّه حيث قام الدليل على أخذه بنحو الارتباطيّة والمجموعيّة فيجب الامساك من الطلوع إلى الغروب ولابدّ في ذلك من كونه جامعا للشرايط في تمام الوقت فلو علم انّه يسافر أو يحدث له المانع من حيض أو مرض فلا يجب عليه الصوم بل يكون نيّة الصوم وقصده حينئذٍ من التشريع لعدم كونه من الصوم الذي تعلّق به التكليف وعلى هذا فوجوب الامساك وقصد الصوم إلى حين حدوث المانع وان لم يفعل وأتى بالمفطر فالكفّارة على خلاف القاعدة اذ الفرض عدم حصول الشرايط وعدم تنجّز الخطاب عليه من هذه الجهة .

والحاصل انه لا يمكن تعلّق الخطاب بما يقصر وقته عن أدائه كان يكون المكلّف واجبا عليه صلاة أربع ركعات مع ان الوقت لا يفي بذلك بل لابدّ من سعة الوقت إلى تمام العمل وكونه واجدا لجميع الشرايط على الفرض من حين الطلوع إلى الغروب فلو كان يعلم انّه يسافر فلم يحصل شرايط الموضوع ولا خطاب عليه إلاّ بناءً على حرمة السفر في شهر رمضان .

وذلك لأنّه وردت الأخبار(1) بالمنع إلى الثالث والعشرين إلاّ انّها محمولة على الكراهة فلا يجب حفظ الموضوع وقيوده بل له التبديل بالمسافرة وغيرها وحينئذٍ فلا وجوب عليه ولا خطاب لارتباطيّة اجزاء الزمان التي أخذت ظرفا لمتعلّق الخطاب وذلك بخلاف الفرض الآخر فان الوجوب فعلى عليه لاجتماع الشرايط له فاذا اختلّ بعضها لا يكشف ذلك عن عدم توجّه الخطاب إليه من أوّل الأمر بل كان عمره إلى هذا الحد وإن وجب عليه القضاء ولكنّه لا يكون إلاّ الصوم

وجوب الكفّارة وعدمه في باب الصوم

ص: 488


1- . وسائل الشيعة 10 الباب 3/6 من أبواب من يصحّ منه الصوم .

بل لو انكشف الخلاف لما قطع بالمسافرة أو بحدوث المانع فيكون هذا الذي قصده واجبا عليه صحيحا منه ويديمه إلى الغروب بخلافه على الفرض الآخر فانّه لو حدث له المانع أثناء النهار يكشف عن عدم كون ذلك من الصوم حقيقة وإنّما هو امساك كالامساك يوم الشكّ بعد الظهر والافطار مثلاً مع وجوب القضاء عليه .

فتلخّص بما ذكرنا اختلاف الثمرة في مسئلة الصوم على الوجهين .

هذا كلّه في مقام الثبوت وأمّا في مقام الاثبات فقوله تعالى: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ »(1) يمكن فيه كلا الوجهين فان ظهر أحدهما فلا اشكال والا فيكون محلّ الشكّ والدوران وعلى ما بنى عليه المحقّق النائيني رحمه الله لابدّ أن يرجع العموم إلى الحكم وعلى ما ذكرنا لا ترجيح لأحدهما على الآخر بل يتساويان حكما وموضوعا هذا . الا انه قد عرفت فيما سبق من أبحاثنا امكان رجوع القيد الزماني إلى الحكم والمتعلّق وهنا نكتة تنبّهنا بها وهي عدم امكان كون المتعلّق ظرفا للزمان مقيّدا به الاّ فيما إذا كان للزمان دخل ملاكي في الحكم وهو يختصّ بباب الموقّتات وذلك يستلزم الاحراز وإلاّ فلا يمكن رجوع القيد الزماني إلى المتعلّق ولابدّ من رجوعه إلى الحكم وفي غير الموقتات فالأمر كذلك لم يؤخذ الزمان قيدا للمتعلّق وذلك لأنّ الزمان في ذاك الفرض يكون كالمفعول به ومتعلّق المتعلّق أي الموضوع الخارجي كالخمر فتأمّل جيدا .

دفع دخل قد يستشكل تصور النحوين في الزمان ورجوعه إلى المتعلّق أو الحكم في مثل الصلوات اليوميّة والصيام المستحب ونحو ذلك من التكاليف

ص: 489


1- . سورة البقرة: 188 .

المستمرّة المتخلّلة بينها ما لا خطاب فيه فيلزم على ذلك رجوع الزمان فيها الى المتعلّق وإلاّ فلو كان قيدا للحكم فلا يناسب انقطاعه في الأزمنة المتخللة وكأنه تخيل ان استمرار الحكم مقتضاه استمراره في كلّ الآنات وغفل عن ان ذلك تابع للمصلحة والمفسدة التي بها قوام الحكم والموضوع تابع لهما فالصلاة مثلاً واجبة في اليوم والليلة خمس مرّات وهذا الوجوب مستمر لكلّ من هذه الصلوات لكن في وقتها الخاصّ به فبعد المغرب لا يجب صلاة الظهر وهكذا ساير المستمرّات التي يتخلّل بينها ما لا يكون ظرفا للحكم .

فالحاصل ان فيها أيضا يمكن تصوّر الفرضين من كون مصب العموم هو الحكم أو المتعلّق فاذا كان المتعلّق فاللازم كون الصلاة واجبة من أوّل الظهر إلى العصر والغروب وهكذا في صلاة الصبح من أوّل الطلوع إلى طلوع الشمس وذلك لأخذ الزمان قيدا للمتعلّق والزمان متّسع من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وان لم يأخذ الزمان قيدا وارجع المصلحة إلى أصل الصلاة والزمان إنّما هو ظرف فيصير الأمر اشكل لاستلزام ذلك جواز الاتيان بها في خارج الوقت لعدم دخل للوقت في المصلحة الصلاتيّة . وكان المحقّق النائيني يظهر من كلماته كون الزمان ظرفا . وعلى كلّ فلابدّ من تصحيح الكلام وتنقيحه ولا محيص من الالتزام بقيام المصلحة بصرف الوجود وإن كان الوقت دخيلاً وحينئذٍ يكون التطبيق بيد المكلّف عقلاً أو شرعا فتفطن .

وينتج هذا البحث في مثل ما إذا كان السفر مقطوع الحكم بالاقامة ولم تكن قاطعة له موضوعا فان المسافر على هذا يجب عليه القصر بالخروج من حدّ الترخّص المحقّق للبعد المأخوذ لتحقّق السفر عرفاً مع اجتماع الشرايط الخمسة

تصوّر البحث في الواجبات المستمرّة

ص: 490

الشرعيّة إلى أن يرجع إلى وطنه ومنزله وهذا الحكم ( أي وجوب القصر ) قد خصّص في من أقام في بلدا ومكان على نحو ما اعتبر من الاكتفاء بصلاة رباعيّة ولو عشاءا مع قصد عشرة أيّام فلو كان الاستمرار قيدا للحكم ( أي وجوب القصر ) فبعد أن خرج من سور البلد عند بعض القدماء أو الى البساتين أو إلى أقل من أربعة فراسخ نشكّ في ان وظيفته الاتمام كما كان في محلّ الاقامة أو القصر فبناءً على كون الاستمرار لوجوب القصر لابدّ من الرجوع إلى استصحاب حكم المخصّص لعدم الدليل حينئذٍ على وجوب القصر بل الدليل الوارد في ذلك هو القصر إذا خرج أي يسافر واما لو كان قيدا للمتعلّق وهو القصر فلابدّ من التمسّك بعموم العام وهو القصر في كلّ صلاة رباعيّة دائما المخصّص بزمان الاقامة في البلد فبعده يكون المرجع العام فتدبّر جيّدا .

توضيح: ربما يستشكل انه لو كان الاستمرار قيدا للمتعلّق فلازمه أن يكون المكلّف مصلّيا من أوّل الظهر إلى الغروب ( لأنّه إذا زالت الشمس وجبت الصلاة والطهور )(1) إلاّ ان هذه قبل هذه ) فيصلّي على الدوام صلاة الظهر والعصر إلى الغروب وهكذا إلى أن ينتهي الوقت وظرف الصلوات التي انحلّ المكلّف به إليها ولو كان قيدا للحكم فلازمه استمرار حكم وجوب الصلاة إلى الغروب كما ذكرنا في الصوم وأن يكون مصلّيا مستمرّا لفرض تعلّق الخطاب بالصلاة وهذا الخطاب والوجوب مستمر وحينئذٍ فاذا استفيد من الأدلّة ان الخطاب باقٍ أيضا خارج الوقت فيكون من تعدّد المطلوب وهكذا وبناءً على هذا يتوجّه اشكال آخر وهو عدم وقوع المزاحمة بين أدلّة الاجزاء والشرايط والوقت .

ص: 491


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 4/1 من أبواب الوضوء .

فاذا تعذّر الستر مثلاً فحيث لم يستفد دخل الوقت بحيث يكون أهم والفرض استمرار الحكم إلى نهاية اليوم فاذا تعذّر عليه المأمور به الا بلا ستر أو بفقد غيره من ما يعتبر في المأمور به فلا دليل يوجب تقدّم الوقت والصلاة عاريا وكذا بالنسبة إلى المضطر غير القادر على امتثال المكلّف به على ما تعلّق به الأمر وكذلك الفرض لو كان الوقت ظرفا للصلاة التي هي زماني من الزمانيّات اذ حينئذٍ يمكنه الاتيان بها في خارج الوقت لعدم أخذ الوقت قيدا للحكم ولا للمتعلّق .

وعلى كلّ فيشكل الأمر في كلّ الفروض والاحتمالات المتصوّرة على ما ذكرنا .

والجواب ان الصلاة واجبة لكن صرف وجودها فالأمر لم يتعلّق إلاّ بها على هذا النحو فاذا أتى بصرف الوجود لا خطاب كما انّه لا موضوع للخطاب فالخطاب في مثل الفرض يسقط اما بالامتثال أو بفقد الموضوع وهو موت المكلّف(1) مثلاً أو بانتهاء عمره .

والحاصل انّه يمكن تصوير كون متعلّق الخطاب صرف الوجود من افراد الصلاة التي يمكنه الاتيان بها في جميع الوقت فله الاختيار في تعيين أيّها شاء وحينئذٍ يكون كلّ منها وافيا بمصلحة المأمور به ويكون منه حقيقة سواء كان أوّل الوقت أو آخره .

غاية الأمر استفيد من الأدلّة ان الفضل لأوّل الوقت إلى القدم والقدمين والقامة والقامتين فالعموم حينئذٍ بدلي في ناحية المتعلّق لا شمولي واستغراقي وان

وجوب صرف الوجود في الواجبات الموسّعة

ص: 492


1- . لا يخفى اتّحاد الموت وانتهاء العمر فلا وجه لما يأتي من السقوط بأحد الثلاثة بل بأحد الأمرين .

لوحظ ذلك في جانب الحكم فأيضا تعلّق الخطاب بصرف الوجود وهذا الخطاب غايته الغروب وقبله باقٍ لا مزيل له .

فتحصّل ان في مثل الواجبات الموسعة إنّما الواجب هو صرف الوجود والتخيير عقلي بيد المكلّف في تطبيق الأمر على كلّ فرد من الأفراد البدليّة شاء وهذا الخطاب المتعلّق بذلك صرف الوجود باق بنفسه ويسقط بأحد الثلاثة التي ذكرنا . وتظهر الثمرة بين كون الاستمرار والعموم الزماني ملحوظا في ناحية المتعلّق أو الحكم في مثل المسافر الذي خرج من بلد الاقامة إمّا من سوره أو بساتينه أو ما دون حدّ الترخّص أو تجاوزه إلى ما دون المسافة وقلنا ان الاقامة لا تقطع السفر موضوعا بل هي قاطعة لحكم السفر والا فالمسافر هو من بعيد عن وطنه فاذا خرج عن حدّ الترخّص الذي هو ميزان البعد وصدق السفر في الرواح وكذا إذا وصل إليه بينهما يكون مسافرا لكن الشارع زاد قيدا واعتبر شرايط خمسة وهذه الشرايط بعضها محقّق للموضوع وآخر ليس كذلك بل محقّق موضوع الحكم والاّ فالمسافر يصدق على الفاقد لها عرفا .

منها كونه قاصدا للمسافة وكون المسافة كذا من حيث الطول والفرسخ وأن لا يكون السفر معصية وأن لا يمرّ بوطنه ولا يكون كثير السفر بحيث يكون شغلاً له إلى غير ذلك ممّا اعتبر فيه موضوعا لتحقّق السفر أو قيدا لحكم القصر .

وكذا لو كانت الاقامة قاطعة حكما لا موضوعا فانّه لا يترتّب على كون الاستمرار قيدا للحكم أو المتعلّق ثمرة فيه بل هي إنّما في صورة قاطعيّتها للحكم فحينئذٍ على نحو ما اعتبرت الاقامة اما الرحلى أو المكثى إلى أن يخرج أي يسافر من بلد الاقامة فاذا خرج عن سور البلد أو أحد المذكورات بما لا يبلغ المسافة

ص: 493

على نحوه يترتّب عليه حكم القصر(1) .

فعلى تقدير كون الاستمرار قيدا للحكم لا مجال إلاّ من استصحاب حكم الاتمام الذي تعلّق به في زمان الاقامة اذ الفرض المسافر يقصر صلاته الرباعيّة دائما ومستمرّا فاذا انقطع هذا الاستمرار فلا محيص من الرجوع إلى استصحاب حكم الخاص وهو إتمام المقيم .

أمّا إذا كان قيدا للمتعلّق وهو المسافر فكلّ صلاة رباعيّة له في كلّ يوم وليلة يقصر إلى أن يرجع إلى وطنه فوجوب القصر إنّما ورد على الدوام والاستمرار الموجب لانحلال الصلاة المقصورة إلى أفراد عديدة بعدد أيّام السفر فاذا أقام في بلد عشرة أيّام أو علم انه يقيم وإن لم يقصد فيجب عليه الاتمام لكلّ صلاة أيضا فبعد الخروج عن بلد الاقامة بما يضرّ باقامته إلى ما دون المسافة الموجبة للشكّ في حكم الاتمام والقصر يرجع إلى عموم العام لفرض كلّ صلاة في كلّ يوم وليلة رباعيّة فردا .

فبالنسبة إلى الزائد عن مقدار الاقامة المحقّقة القاطعة لحكم السفر متيقّنا يكون من الشكّ في التخصيص الزائد فيرجع إلى عموم العام .

نعم لو كان المخصّص ظرفيّا لا مفردا ولم يكن الوجوب للقصر انحلاليّا والزمان مفرّدا له كان من الرجوع إلى الاستصحاب .

الرجوع إلى الاستصحاب في المخصّص الظرفي

ص: 494


1- . وللمحقّق الآقا ضياء العراقي قدس سره كلام في المقام قال طي كلامه على ما في التقرير ( ومن هنا نقول في المطلقات الواردة لاثبات القصر في السفر انه لو خرج المسافر المقيم عن بلد الاقامة أو ما بحكمه كالثلاثين متردّداً بعد قطع حكم سفره بالاقامة ( لا يحتاج في وجوب القصر عليه الى انشاء سفر جديد بل يكفيه مثل هذه المطلقات في وجوب القصر عليه لو لا دعوى اقتضاء اطلاق التنزيل لاجراء جميع آثار الوطن الحقيقي على اقامته في محل حتّى قصد المسافة الجديدة الخ . نهاية الأفكار 4/232 .

ولكن الفرض خلافه وكذا تظهر الثمرة في مثل من سافر وكان نفس سفره أو غاية سفره معصية فحينئذٍ يجب عليه الاتمام فلو رجع عن قصده والفرض انّه يكون قد قصد المسافة .

إلاّ انّه لا يبلغ الباقي بعد الرجوع عن عزمه المسافة أو يبلغ لكن الاياب أقل من أربعة بناءً على اشتراطه فلو شككنا في ان حكمه الاتمام أو القصر فكذلك يجيء القصر للبيان المتقدّم من الرجوع إلى استصحاب حكم العام أو الرجوع إلى حكم القصر والقدر الخارج مادام عازما على المعصية فاذا رجع فالباقي تحت عموم المتعلّق الوارد عليه حكم العام بوجوب القصر والتفصيل راجع إلى الفقه فتبصر.

ليعلم انّه بناء على كون المناط في الاقامة هو المكث فقصد الخروج من أوّل الأمر إلى ما يضرّ بالمكث كالخروج إلى الكوفة ومسجد السهلة من النجف الأشرف مضر بالاقامة وقصدها ويشكل الأمر بخلاف ما إذا لو كان المناط فيها هو حطّ الرحل فلا يتوجّه الاشكال بل يستقيم قصد الاقامة ويترتّب عليه الثمرات المذكورة في محلّها هذا وقد صدر من سيّدناالأستاذ قدس سره أثناء بحثه في التنبيه السابق ما يظهر منه عدم امكان رجوع العموم الزماني إلى المتعلّق بل لابدّ من لحاظه في جانب الحكم الا انه أنكر هذا المعنى وقال بامكان لحاظه في كليهما فعند الشكّ لابدّ من الرجوع إلى اضيق النتيجتين من الاستصحاب ان تمّت أركانه وإلاّ فالى الأصول الآخر فتأمّل .

التنبيه الثالث عشر: جريان الاستصحاب اذا تعذّر جزء أو قيد للمركب .

ربما يقال بجريان استصحاب وجوب المتعلّق بالماهيّة المتعذّر بعض

ص: 495

أجزائها وقبل الخوض في النقض والابرام لابدّ من تحرير محل الكلام فنقول:

لا اشكال في انّه إذا قام الدليل على دخل القيد أو الجزء في المركّب الشرعي مطلقا في مطلق الأحوال من التمكّن والاضطرار وغير ذلك فالمقيّد ينتفي بانتفاء قيده والفرض ان الدليل قام على دخله في جميع الأحوال وكذلك اذا قام على دخله في حال دون حال كحال التمكّن لا غيره من الأحوال فالأمر المتعلّق المنسبط على باقي القيود والاجزاء باق .

إنّما الكلام في ما اذا لم يقم دليل بالخصوص على أحد الوجهين وإنّما قام على دخل ذلك الجزء أو القيد وكان المتيقّن من ذلك هو حال التمكّن فهل عند التعذّر تجري قاعدة الميسور أو الاستصحاب وعلى تقدير عدم جريان القاعدة هل يكون محل الاستصحاب أم لا بل يتلازمان موردا فاذا لم تجر القاعدة لا يجري الاستصحاب .

ولا يخفى ان ثمرة هذا البحث إنّما تظهر في غير باب الصلاة التي قام الدليل(1) على انها لا تترك بحال من الأحوال وباب الحج الذي ورد الدليل(2) بأنّه من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ فهل يجري في باب الصوم بالنسبة إلى من لا يقدر إلاّ على الامساك في غير ساعة من آخر النهار .

وبالجملة فهذا البحث جاري في جميع أبواب الفقه من أوّلها إلى آخرها كباب المعاملات مثلاً اذا تعذّرت العربيّة في العقد .

وعلى كلّ حال فينبغي تقريب جريان الاستصحاب حتّى تصل النوبة إلى

ص: 496


1- . الوسائل 2 الباب 1/5 من أبواب الاستحاضة .
2- . الوسائل 14 الباب 23/6 - 8 - 9 - 13 - 14 من أبواب الوقوف بالمشعر .

القاعدة وانّها بالنسبة إلى المركّبات الارتباطيّة كالصلاة كأنّها مستغنى عنها لورود الدليل في مثل باب الصلاة على نحو يظهر اختصاص الجزء والقيد بحال التمكّن وبالنسبة إلى غيرها كالعام الانحلالي فلا يحتاج إليها للاستغناء عنها بالقاعدة الأوّليّة في العام وان الميسور(1) لا يسقط بالفرد المعسور وإذا(2) أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم .

فنقول: استشكل في جريان الاستصحاب في محل الفرض وهو الأمر والوجوب المتعلّق بالكل عند تعذّر البعض بعدم المتيقّن السابق إذ ما هو المتيقّن تعلّق الأمر بالواجد لهذا القيد المقيد به وهو لم يبق بالوجدان إلى زمان الشكّ والمقيد ينتفي بانتفاء قيده كما في مثل الرقبة المؤمنة فاذا تعذّر وجودها فلا اشكال

في عدم الانتقال إلى الرقبة الكافرة وكما في باب الكفّارات فاذا تعذّر اطعام ستّين مسكينا فليطعم خمسين أو إذا تعذّر عليه الاطعام بشيء آخر وهكذا .

نعم في ما له الابدال الشرعيّة لا كلام .

ومحصّل الاشكال اختلال أحد أركان الاستصحاب وهو المتيقّن السابق فما يستصحب لم يتعلّق به اليقين وما تعلّق به مقطوع الانتفاء والشكّ في هذا يرجع إلى الشكّ في المقتضي لا في مانعيّة الموجود والفرق بينهما على ما ذهب إليه الشيخ واضح فان الشكّ في رافعيّة الموجود فيما اذا يبقى المستصحب بحسب ماله من استعداد البقاء في طول الزمان .

نعم بناءً على بعض التفاسير للمقتضي فيرجع الشكّ في رافعيّة الموجود إلى

جريان الاستصحاب عند تعذّر جزء

ص: 497


1- . عن عوالي اللئالي 4/58 مع تفاوت يسير .
2- . بحار الأنوار 22/31 .

الشكّ فيه وتقدّم البحث في ذلك سابقا .

فنعلم ان البول والغائط رافع للوضوء ونشكّ في الوذي أهو كذلك أم لا مع القطع باستعداد الوضوء للبقاء لو لا قاطعيّة الوذي هذا .

وأجاب الشيخ رحمه الله بثلاث أجوبة خدش فيها المحقّق النائيني(1) وأجاب بجواب رابع لعلّه يرجع إلى أحدها بتبديل تقريب ولعلّه يسلم من الاشكال وهو أن يقال حال الماهيّة التي يتعلّق الأمر بها مع الأمر كحال الجسم الذي يتصوّر في المحسوسات الخارجيّة والبياض المنسبط عليه فحيث ما يكون هذا الجسم على طوله كذلك البياض المنبسط يتبعه فاذا انقطع مثلاً قطعة من آخره فلا محالة يتقّطع ذلك البياض بحيث يكون اقصر ممّا كان سابقا فكذلك المأمور به كالصلاة التي ينبسط على أجزائها الأمر فبازاء كلّ جزء من أجزائها بقيودها قطعة من ذلك الأمر ولم نعلم ان الوجوب المنبسط على كلّ جزء ضمنا مطلقا في مجموع الأحوال بحيث نقطع بانتفاء الوجوب المنبسط أي المتعلّقات الباقية على ساير الأجزاء حينئذٍ بل إنّما علمنا بالوجوب على الكلّ وعلى ذلك المفقود في حال التمكّن ولم يكن متعلّق الوجوب إلاّ هذه الأجزاء ولم يكن الوجوب مردّدا بين المقدمي والنفسي لعدم كون الصلاة عبارة عن المعنى البسيط الذي يكون الاجزاء محصّلاً له بل ليست إلاّ نفس الاجزاء فحينئذٍ لا اشكال في امكان جريان الاستصحاب في نفس هذا الوجوب المنبسط على باقي الأجزاء المفقود غير المتمكّن بعضها الآخر فالمتيقّن ليس غير المشكوك بل هو ذاك الاّ ان فقد هذا الجزء والقيد صار منشأ للشكّ في بقاء وجوب الباقي للشكّ في ان دخله كان دخلاً مطلقا كي ينتفي الكل

ص: 498


1- . فوائد الأصول 4/556 - 559 .

بانتفائه أو في حال التمكّن وليس التنظير ببياض الجسم من كلّ الجهات كي يستشكل بأنّ البياض محسوس انه باق على الجسم المقتطع منه قطعة بخلاف المأمور به لتعلّق الأمر بالكل لوجود ارتباط بين الأجزاء فكلّ جزء جزء وقيد للأجزاء الآخر بل إنّما التنظير من حيث التقريب وإن حال المأمور به يكون كذلك بحيث لا مانع من بقاء الوجوب على باقي الأجزاء وإن كان مقتطعا فتدبّر .

التنبيه الرابع عشر: قد عرفت الاشكال والاشارة إلى الأجوبة الأربع التي يمكن رجوع الرابع كما سبق إلى أحد الثلاثة بوجه أحسن وقد يتوجّه عليه اشكال بقاء الموضوع المضرّ باتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنة الذي ممّا لابدّ منه

في الاستصحاب وحينئذٍ فمن أوّل الأمر يكون وجوب الباقي مشكوك الحدوث والفرض سقوط الوجوب عن الكل بتعذّر الجزء فيرجع إلى البرائة وهذا إذا لم ينطبق عليه قاعدة الميسور وقد تقدّم الكلام في القاعدة والاشكال في موارد تطبيقها وإن عمل الأصحاب يكون كاشفا عن ذلك ففي كلّ مورد لم يعمل بها يكشف عن موهن لها فما لم يعمل الأصحاب بها في مورد لا يمكن التمسّك بها وقد أجاب سيّدنا الأستاذ قدس سره عن هذا الاشكال وأشرنا إلى عدم الاحتياج إلى القاعدة في باب الصلاة حيث انّه قام الدليل على خمس صلوات لا تترك بحال على ذلك ولا يتوهّم ان بناء على الصحيحي فلابدّ من احراز الموضوع وهو أوّل الكلام لا غناء قوله لا تترك عن ذلك كما هو واضح .

كيف كان فقد ذكرنا الوجه الذي ركن إليه المحقّق النائيني رجاء أن يكون سالما عن الاشكال على وجه لا يتوجّه عليه اشكال الوجوب المقدّمي والنفسي حيث فرض الكلام في الوجوب الشخصي المتعلّق بكلّ جزء جزء وإذا تعذّر منها

وجوب الباقي مشكوك الحدوث

ص: 499

جزء فلا يستشكل في بقاء الوجوب المنبسط على الباقي من حيث الشكّ في الحدوث لاختصاص هذا الاشكال بغير الفرض ممّا إذا كان كالكلّي والفرض ان الوجوب وجوب شخصي متعلّق بكلّ واحد من الأجزاء انبساطا وسعة للوجوب النفسي والمقصور بتعذّر جزء بغير ذلك الجزء من الأجزاء الباقية غاية الأمر تعذّر ذلك الجزء يكون منشأ للشكّ في الوجوب المتعلّق بباقي الأجزاء بعد اتّحاد القضيّتين فلا اشكال في شيء من أركان الاستصحاب وليس هذا الوجوب من الوجوب الكلي الذاهب أحد فرديه المراد باستصحابه اثبات فرد آخر كما في القسم الثاني ولا من استصحاب الكلي في القسم الثالث كما تقدّم الكلام في ذلك سابقا وان المقام نظير ما تقدّم في الشبهة العبائيّة حيث ان الوجوب شخصي وليس المستصحب إلاّ هو ولا يكون مردّدا أيضا بين المقدمي والنفسي كما يتوجّه عليه محذور كما سنشير إليه في تقريب استدلالات الشيخ قدس سره بل متعلّق الأمر ومركب المصلحة حيث كانت هو الاجزاء بأسرها على اختلاف دخلها كالقيود في الماهيّة المركّبة في جميع الأحوال من الاضطرار وغيره والتمكّن وغيره كالأركان بابدالها وما لا يكون كذلك بل قامت المصلحة فيه بخصوص حال من الأحوال وفقدها في غير ذلك الحال لا يوجب شيئا أو بعض ما لا يضرّ بالماهيّة وتعلّق به الأمر لتعلّق النسيان مثلاً بذلك الجزء أو الدخيل في المصلحة في ذلك الحال .

والحاصل ان الملاك أي المصلحة يختلف حال ماله الدخل فيها كاختلافه

في دخلها في المصلحة والملاك مطلقا كالبلوغ والوقت والاستطاعة مثلاً أو القدرة وما لا دخل له إلاّ في تنجّز التكليف فاذا فقد جزء أو قيد وتعذّر فلو علمنا بكيفيّة

دخله في الملاك والمصلحة فلا اشكال في استكشاف بقاء الأمر المنبسط على

ص: 500

الباقي أو ارتفاعه وذهابه عنها كما ارتفع عنه وإلاّ فيكون موردا للكلام في جريان الاستصحاب وعدمه بناء على الاشكال في بقاء الموضوع ووحدة القضيّتين كما هو الاشكال الذي أورد على الشيخ رحمه الله بأحد تقاريبه وان اتّحاد الموضوع عرفا في القضيّتين لا ربط له بباب الصلاة التي لا نعلم كيفيّة دخل كلّ قيد وجزء فيها ركنا أو غير ركن كما سنشير إليه إن شاء اللّه تعالى .

ثمّ وجّه الاشكال على نفسه بأنّه بناءً على هذا لابدّ من جريان الاستصحاب حتّى فيما إذا لم يبق إلاّ غير المعظم من الأجزاء لتعذّر المعظم مع ان المتسالم عليه بينهم عدم الجريان .

وأجاب بلزوم بقاء المعظم لصدق الاتّحاد العرفي فقد كرّ هاهنا على ما فرّ منه فيما أورد على الشيخ فلاحظ وتأمّل .

ثمّ انّه لا يخفى ان ذلك إذا كان بعد الوقت وتنجّز التكليف ولو فرض ذلك أي عدم التمكّن من بعض الأجزاء قبل دخول الوقت فلا تكليف حينئذٍ كي يستصحب الوجوب بلحاظه بل يشكّ في حدوث وجوب الباقي في أوّل الوقت .

طور آخر من الاستدلال: ان الأمر في المركّبات حيث انّه منبسط على تمام الأجزاء فله تعلّق بكلّ واحد منها مادام هذا الجزء موجودا متمكّنا منه فهذا الخطاب الواحد ينحل إلى خطابات عديدة تبعا لتعدّد الأجزاء المركّب منها المأمور به والمتعلّق فلو تعذّر واحد منها لا يكون الوجوب المنبسط على الباقي على تقدير بقائه غير الوجوب السابق المنبسط عليها بل هو هو بعينه .

غاية الأمر جريان الاستصحاب إنّما هو لأمر آخر وذلك من جهة كون تعذّر ذلك الجزء المفقود المتعذّر موجبا ومنشأ للشكّ في بقاء الوجوب والتعلّق المربوط

ص: 501

بالباقي حيث انّه يشكّ في دخل هذا الجزء في وجوب الباقي دخلاً مطلقا في جميع الأحوال أو في خصوص حال التمكّن .

ففي حال التعذّر حقيقة تكون الأجزاء الباقية متعلّق الأمر السابق والوجوب فيها باق على حاله وليس هذا الوجوب وجوبا مباينا سنخا للوجوب السابق المتعلّق بكلّ واحد من الأجزاء قبل تعذّر الجزء المتعذّر وان لم يبق ذلك الوجوب المنبسط على سعة تعلّقة وانبساطه .

والحاصل ان لا اطلاق للأمر في حال اتيان المتعلّق وعدمه بل بنفسه يقتضي اتيان المتعلّق وامتثاله وإلاّ فلا يعقل تعلّق الطلب بالحاصل والصلاة الموجودة فاذا لم يكن مجال للتقييد بحال اتيان المتيقّن وعدمه لا يمكن اطلاق الخطاب بعين امتناع التقييد حيث ان التقابل بينهما من العدم والملكة .

ولا يخفى ان دخل الاجزاء مختلف فبعضها يكون دخيلاً فيها مطلقا وبعضها لا يكون كذلك ولا اشكال في المركّب الارتباطي إن كلّ جزء منه جزء وشرط للأجزاء الباقية لاحقة أو سابقة وهذا المعنى لا محيص عنه في المركّبات الارتباطيّة فلو فرض ان الخطاب حيث يقبح تعلّقه بالمتعذّر سقط عن الجزء المتعذّر الا ان اشتراط الباقي به غير مرتبط بالقدرة لاحتمال دخلها في الملاك والمصلحة وهي أمر تكويني لا يرتفع بالتعذّر وعدم التمكّن من الجزء فلو كان في الواقع وجود هذا الجزء المتعذّر دخيلاً مطلقا في الملاك والمصلحة التي للمتعلّق فاذا تعذّر فلا أمر بالباقي لعدم تقوّم المصلحة بها مطلقا بل في حال انضمام الباقي إليها وإن لم يكن كذلك بل دخله إنّما هو في حال التمكّن والقدرة عليه فلا ريب في بقاء وجوب الباقي واطلاق المصلحة الموجب لاطلاق الطلب فيها وحينئذٍ

ص: 502

فيشكّ في بقاء وجوب الفاقد للجزء بعد تحقّق الخطاب في حال التمكّن وأمّا إذا لم يعلم تعلّق الخطاب به وعدمه لكون التعذّر قبل الوقت الذي هو دخيل في الملاك مثلاً في الصلاة فلا ريب في جريان البرائة كما انّه لا اشكال في جريانها لو شككنا في تقييد زائد في المأمور به المعلوم لو لا الاستغناء عن ذلك بالاطلاقات المقاميّة والأدلّة الاجتهاديّة البيانيّة .

وعلى كلّ حال فان قام دليل على اطلاق الجزء في دخله لمصلحة المأمور به فلا اشكال في احتياج وجوب الباقي إلى دليل وإلاّ فيسقط الوجوب اذ اثبات وجوب الباقىّ بمجرّد رفع جزئيّة المفقود ودخله يكون من اثبات أحد الضدّين بعدم الاخر ولا يخلو هذا من تأمّل فتأمّل .

وان قام أيضا على اطلاق الأمر بالباقي بمعنى دخله في حال التمكّن فيجب الباقي بالوجوب السابق . هذا مع قطع النظر عن قاعدة الميسور التي قد يستشكل جريانها في كلّ باب وكذا باب الصلاة التي ربما يستغني عنها بالأدلّة الواردة في عدم تركها في حال من الأحوال حتّى في حال الغرق بما أمكن على ما تحقّق في الفقه بل يجري ما ذكرنا في مثل أبواب المعاملات من العقود والايقاعات فاذا تعذّر العربيّة أو القبض في المجلس فيسقط ويكون الباقي غير ساقط أو إذا تعذّرت الكفّارات إلاّ الاطعام وتعذّر اطعام ستّين فهل يتبعض بالأقل أو إذا لم يوجد إلاّ أقل من العدد فهل يجري قاعدة الميسور ومنشأ الاشكال عدم جريانها عند الأصحاب في كلّ باب مع صدقها وكون المورد من موارد جريانها كمورد تعذّر جامع الطهور فمن ذلك يستكشف ان مناط تشخيص الميسور بنظر الشارع فكلّ ما عدّ في نظره ميسورا فتجري القاعدة ولذا يكشف عمل القدماء بها في

لو لم يقم دليل على اطلاق دخل الجزء

ص: 503

أبواب الفقه من كون ذلك المورد من الميسور عند الشارع .

وربما يقال بعدم شمول الميسور لا يسقط بالمعسور إلاّ خصوص أبواب التكاليف الوجوبيّة دون باب المعاملات والوضعيّات والأسباب والمسبّبات هذا .

وعلى ما ذكرنا في تنقيح كلامه فلابدّ من الالتزام بجريان الاستصحاب في كلّ مورد تعذّرت الاجزاء الباقية حتّى إذا لم يتمكّن إلاّ من سجدة واحدة مثلاً في باب الصلاة وإن كنّا كما أشرنا إليه لا نحتاج إلى هذه القواعد لوجود الأدلّة الدالّة

المريحة فيها إلاّ ان الكلام على الفرض .

وأورد هو رحمه الله سؤالاً على نفسه وأجاب بعدم مساعدة العرف في هذا الفرض من حيث كون الباقي مباينا لما تعلّق به الأمر الضمني المنبسط عليه ولابدّ من مساعدة العرف على ذلك لو لم نعتبر في الاستصحاب كون الموضوع متّحدا في القضيّتين بالدقّة العقليّة فلا أقل من الاتّحاد بنظر العرف كما انّه كذلك في قاعدة

الميسور فانّ البعض الباقي من الأبعاض الكثيرة من الأجزاء لا يكون عرفا ميسورا للمتعذّر منها إلاّ ان ما ذكرنا وإن كان سيّدنا الأستاذ قدس سره لم يقصّر في تحريره لكن لا يخلو من اشكال خصوصا ما ذكره أخيرا من اعتبار بقاء الموضوع واتّحاده عرفا في القضيّتين وذلك كما بيّنه سيّدنا الأستاذ قدس سره حين ما استشكل به على الوجه الثاني من استدلال الشيخ رحمه الله فكيف هو ركن إليه نفسه ( أقول: يمكن أن يكون نظره في ذلك إلى ان استصحاب الركوع والسجود وغيرهما مثلاً من أجزاء المركّب إنّما هو باعتبار التعلّق والوجوب الضمني فلو لم يكن مساعدة العرف على الباقي وانّه ما تعلّق به الأمر سابقا وان انحلّ إلى الأجزاء المتعدّدة لا يكون مجرى الاستصحاب وإن لم يكن نفس الموضوع مستصحبا إلاّ ان

ص: 504

استصحاب وجوب الاجزاء إنّما هو بلحاظه فتدبّر جيّدا والظاهر ان النتيجة في هذا التنبيه عند سيّدنا الأستاذ قدس سره كما أشار إليه في بحث فقهه عدم جريان الاستصحاب وعدم تماميّة الوجوه الأربعة في تقريب الاستدلال والحمد للّه .

وقع الكلام في تقدّم الاستصحاب على اليد والقرعة وتقدّمهما عليه .

أمّا اليد فلا اشكال في تقدّمها على الاستصحاب وذلك للزوم لغوتيها لو لا تقدّمها عليه لوجود مجرى الاستصحاب في كلّ مورد يكون لليد مجال ويمكن تقريب الاستدلال بنحو آخر وهو ان كلّ مورد قام الاجماع ودلّ الدليل على جريان قاعدة اليد فلا اشكال في تقدّمها على الاستصحاب وإن كان دليله بعمومه شاملاً للمورد لتقدّم النص على الظاهر والخاص على العام فانّ دليل الاستصحاب عام وما قام الدليل على اعتبار اليد فيه خاص ولا مجال لمعارضة اليد بالاستصحاب .

ثمّ انّ الموارد الجزئيّة التي يمكن الاستشهاد فيها لقيام الدليل على اعتبار اليد كثيرة لكنّها لا تفيد قاعدة كليّة .

منها: عموم الأخبار(1) الواردة في باب المدّعى والمنكر واعتبار البيّنة في الدعوى ففي صورة المنازعة إمّا أن تقام البيّنة أو الحلف أو يرد الحلف أو يحكم بالنكول وآخر الأمر ختم الدعاوي باليد وعلى كلّ حال فدلالة تلك الأخبار على ذلك واضحة .

تقدّم اليد على الاستصحاب

ص: 505


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 3 من أبواب كيفيّة الحكم .

ومنها: بعض الأخبار(1) الواردة في اعطاء أب الزوجة لها أو للزوج شيئا قابلاً لأن يكون عطيّته ايّاه أو من أب الزوج للزوجة فاذا مات أحدهما ففي الرواية التفصيل بينهما وبين الأجنبي ففيه يحكم باليد وفيهما لو ادّعى المعطى انّه لم يهب وأعطى عارية يسمع منه .

ومنها: ما إذا حاز من الموات واحيى بنحو من أنحائه حشيشا أو حطبا أو أرضا مواتا فلو لا في مقام احتمال البيع أو النقل للغير فنعلم بكون ذلك ملكا للحائز المحيي إلاّ بقيام هذا لاحتمال فيحكم بالملك لليد .

ومنهافي موارد توارد(2) اليدين من الزوجين في بيت واحد مثلاً على شيء .

ففي الرواية ان مختصّات أحدهما له إذا ماتا والمشترك بينهما بالاشتراك والتنصيف ولا أصل لهذه القاعدة في غير هذا الباب كما إذا كان مورد الوصيّة ومصرفه غير معلوم أو اشتبه بين طرفين أو نسي الوصي المورد المعيّن فلا مجرى لتلك القاعدة ( قاعدة التنصيف ) هناك .

ومنها: ما ورد(3) في باب بيع الجارية التي تدّعي انّها حرّة ومولاها يدّعي انّها أمة من انّه لا يسمع دعواها فان الحكم بذلك على قاعدة اليد والمراد بعدم سماع الدعوى انّه لا يطلب منها اقامة البيّنة مع ان اليد هنا مخالفة للأصل الذي هو عبارة عن خلق الانسان حرّا والرقيّة أمر عارضي وإلاّ فخلقة الانسان ليست بالعبوديّة للناس .

ص: 506


1- . الوسائل 27 الباب 23/1 من أبواب كيفيّة الحكم مع اختلاف لما في المتن .
2- . الوسائل 26 الباب 8/3 - 4 من أبواب ميراث الأزواج لكن الأخير في الطلاق .
3- . الوسائل 18 الباب 5/2 من أبواب بيع الحيوان لكن ليس فيه ومولاها الخ .

ومنها: الروايتان المعروفتان احداهما رواية حفص بن غياث ورواية مسعدة بن صدقة ففي الاولى(1) روى حفص عن أبي عبداللّه علیه السلام قال له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له ؟ قال: نعم . قال الرجل أشهد انّه في يده ولا أشهد انّه له فلعلّه لغيره فقال أبو عبداللّه علیه السلام: فيحلّ الشراء منه ؟ فقال: نعم . فقال أبو عبداللّه علیه السلام فلعلّه لغيره من أين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثمّ تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق . إلاّ ان بعد كيفيّة ارشاد الامام علیه السلام السائل إلى نحو اماريّة اليد على الملكيّة يزلزله التعليل في الذيل فانّه يكاد يجعله شبيها بالأصل أو أصلاً .

أمّا الاخرى(2) فهي أيضا ظاهرة في حجيّة اليد خصوصا بقرينة ذيلها فروى مسعدة بن صدقة عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: سمعته يقول: كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعلّه حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا وامرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك .

والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة . فذيل هذه الرواية قرينة ظهورها في حجيّة اليد ولو لا مقام المخاصمة لما احتاج إلى قيام البيّنة .

ثمّ لا يخفى ان اليد سواء كان تقدّمها وحجيّتها من باب كونها امارة أو انّها

أدلّة اليد

ص: 507


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

أصل أو برزخ ليس المراد على اطلاقها .

هل حجيّة اليد تعمّ صاحب اليد والغير أو تختصّ بالغير ؟

وعلى كلّ تقدير لم يستفد من هذه قاعدة كلية فلو كان صاحب اليد شاكّا فلا اماريّة له بل لا اعتبار بهذه اليد بالنسبة إليه بل لو علم الغير أيضاً انّه شاكّ فلا يعتني باستيلائه وكون المال تحت يده وكان ذلك في الحقيقة تحديدا لموضوع اليد .

وقد يستفاد من رواية جميل بن صالح(1): قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام رجل وجد في منزله دينارا قال: يدخل في منزله غيره ؟ قلت نعم كثير قال: فهذا لقطة قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا ؟ قلت: لا، قال: فهو له .

ان لا اعتبار باليد مع الشكّ من صاحب اليد بل ربما يمكن دعوى حصول القطع بالنسبة إلى ذيل الرواية فيما لا يدخل غيره يده في صندوقه بكون الدينار مال صاحب الصندوق لاختصاص التصرّف به كما إذا وجد في البيت المختصّ به ذلك بحيث لا يدخل أحد فيه .

والحاصل انّه يعتبر في اماريّة اليد أن لا يكون صاحبها شاكّا على ما هو ظاهر الرواية ويرشد إلى ذلك رواية اسحاق بن عمار(2) قال: سألت أبا

إبراهيم علیه السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة كيف يصنع ؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها . قلت: فان لم يعرفوها ؟ قال: يتصدّق بها(3) فلم يعتن

ص: 508


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 3/1 كتاب اللقطة .
2- . الوسائل 25 الباب 5/3 من أبواب كتاب اللقطة .
3- . صدر الرواية انّه وجدها ولم تكن له وذيلها بقرينة السؤال عن أهل المنزل وهو في الكوفة يمكن ارادة السؤال عن أهل منزله فيها وكأنّهم كانوا معه في السفر ويحتمل توجّه الجواب إلى وظيفته من بدو الأمر حين كان بمكّة فيسئل أهل منزل مكّه كما ليس ببعيد .

بمجرّد وجود الدراهم في منزلهم بل ربط الحكم بمعرفتهم بالدراهم وعدمها .

جهات من البحث في قاعدة اليد:

1 - حجيّة اليد سواء كانت امارة أو آصلاً هل موضوعها يتوقّف مع الاستيلاء على ما تحت اليد على شيء زائد على القدرة بحيث له ان يتصرّف فيه بما يشاء ( بأن يبيع أو يوجر ويزرع فيه وغير ذلك من التصرّفات كفعل الملاك وتصرّفاتهم في أموالهم أم لا ؟ بل لا يعتبر في حجيّتها سوى الاستيلاء . اشكال فربما يتأمّل في خصوص مجرّد الاستيلاء بلا تصرّف زائد لا أقل من عرضه للبيع وأمثاله من التصرّفات وترقى بعضهم فاشترط في اماريّة اليد واعتبارها دعوى الملك أيضا .

وبالجملة فيعتبر في كون اليد موضوعا لدليل الاعتبار عدم الشكّ من ذيها والاكتفاء وأن يكون مستوليا على المال كما وقع هذا التعبير في رواية(1) يونس بن يعقوب عن أبي عبداللّه علیه السلام في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرئة وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ومن استولى على شيء فهو له .

إنّما الكلام في ما يتحقّق به الاستيلاء هل هو مجرّد ان له أن يتصرّف أو لا بل ذلك حكمه والاستيلاء ما أشرنا إليه من بيعه وعرضه لذلك واجارته وذلك يختلف حسب المقامات والأمتعة كما ان قوله علیه السلام (2) على اليد ما أخذت حتّى

شرط حجيّة اليد

ص: 509


1- . الوسائل 26 الباب 8/3 من أبواب ميراث الأزواج .
2- . مستدرك الوسائل 14 الباب 1/12 كتاب الوديعة .

تؤدّي .

المراد بالأخذ هو هذا المعنى من الاستيلاء بحيث لا يبقى معه للمالك قدرة التصرّف ولا سلطة له عليه بل قهره كلّه .

بقي أشياء: منها هل يكفي في حجيّتها حدوث الملك لذيها أو لا يلزم احراز ذلك بل يكفي مجرّد احتمال حدوثها في الملك ولذا لو لم يكن كذلك بل علمنا بحدوثها على نحو الأمانة أو الاجارة أو الغصب فلا موضوعيّة لها على الملك .

وهذا المعنى هو مؤدّي روايات الباب على اختلاف مضامينها ولايوجد رواية يكون لها الاطلاق من هذه الجهة بحيث يستفاد انّه لا يعتبر في اعتبار الملك لليد عدم احتمال الحدوث بل موردها جميعا ذلك وإن موضوعيّتها للملك ما إذا كان مجال لهذا الاحتمال كما يرشد إلى ذلك ما ورد(1) في باب الشراء لمجهول السرقة إن علمت بعينها انّها سرقة فلا تشتر وان علمنا بأنّ اليايع مثلاً عمله السرقة

من الناس إلاّ انّا نحتمل كون هذا المبيع الشخصي من مال نفسه غير مسروق من الناس وكذا في باب اللحم(2) المشتري من السوق إذا لم نعلم انّه بعينه ميتة فلا بأس أو فاشتر ولا دلالة وصراحة في تلك الأخبار الواردة في اليد والسوق في اعتبار اليد والسوق ولذلك جعلها صاحب المدارك من روايات مشكوك الحلية وان الأصل فيه الحلية فهذه الروايات لم تجعل المناط في موردها السوق فلا مورد لاصالة عدم التذكية .

ومنها: رواية الفحص(3) لو كان المشركون يبيعون الجلود من الميتة

ص: 510


1- . الوسائل 17 الباب 1/4 من أبواب عقد البيع مع اختلاف وزيادة .
2- . الوسائل 24 الباب 29 - 38/1 - 1 من أبواب الذبائح .
3- . الوسائل 3 الباب 50/7 من أبواب النجاسات .

وترتيب آثار الطهارة لو كان غير العارف يصلّون فيه وعلى هذا يتّجه بهذه التوسعة في اليد والاستعمال منهم مع ذهابهم إلى طهارة ذبائح أهل الكتاب اشكال قد أجبنا عنه .

والحاصل ان اليد لابدّ وأن يكون فيها احتمال الحدوث في الملك ولذا لو تنازع المستأجر وصاحب الدار فادّعى المستأجر ان البيت مثلاً ماله وملكه فعليه البيّنة ولا اعتبار باستيلائه على البيت والدار .

وقد أشرنا إلى عدم استفادة الكليّة في الأخبار على ان اليد امارة الملكيّة مطلقا بل لابدّ من استفادتها من موارد الروايات والتعدّي عن مواردها لا يمكن إلاّ بتنقيح المناط القطعي وليس له صغرى .

الكلام في انّها امارة أو أصل .

لا يخفى انّ اماريّتها تتوقّف على أمرين: اشتمالها على جهة كشف عن الواقع قابل لأن يلاحظ ويراعى بهذه الجهة فلو لم يكن فيها كشف أصلاً فلا معنى لجعل ما ليس كاشفا تكوينا كاشفا تعبّدا والثاني لحاظها بهذا الحيث فلو الغى جهة كشفها ولم تراع أصلاً فلا تتمّ اماريّتها فلابدّ بعد هذا من النظر إلى ما يفعله العقلاء

في موارد اليد إذ نعلم ان ليس لهم تعبّد وتنزيل بل بحسب طبعهم الجبلي يرون في اليد خصوصيّة ولصاحبها نحو اختصاص واضافة يعبّر عنها في صورة الشدّة بالملك ودونه بالحق بل ذلك جار ساري في الحيوانات ألا ترى إلى الكلاب حيث يتكالبون على الميتة ترى للمقدم السابق أولويّة على المعتدى .

وعلى هذا فيمكن جعل جميع الروايات الواردة في اليد مرشدة إلى طريقة العقلاء وامضاءً لما في الطريقة فكلّ مورد قامت السيرة على اعتبار اليد وردت

اليد امارة أو أصل

ص: 511

رواية بالاعتبار وكلّ مورد لا سيرة فيه ويتوقفون فلم يرد رواية أو لا بل يمكن كون الامضاء أقل من قيام السيرة وعلى كلّ حال يعلم ان اليد امارة الملكيّة .

بقي هنا اُمور:

إذا ادّعى أحد ملكيّة ما في يد الغير فالصور ثلاث . فانّه إمّا أن يقيم المدّعي البيّنة على ان هذا الشئكان ماله سابقا أو يعلم الحاكم بذلك وفي كلتا الصورتين لا يقرّ صاحب اليد بذلك وثالثة يقرّ ذواليد بأنّ المال كان سابقا مال المدّعى ولازم ذلك انتقاله إليه ببيع أو هبة ونحو ذلك من النواقل الشرعيّة فهل ينتزع المال من يد صاحب اليد بمجرّد دعوى المدّعى انّه ماله أو لا ؟

لا يخفى انه لا مجال لذلك كي يكون دعواه موجبة لانتزاع المال عن يد صاحب اليد وتسليمه إلى المدعى والمشهور على ان قيام البيّنة أو علم الحاكم لا اعتبار به في قبال اليد لكونها امارة الملكيّة فعلاً والبيّنة وعلم الحاكم تعلّق باعتبار

قبل حصوله في يد ذي اليد وهذا بخلاف ما إذا أقرّ ذو اليد على كون المال ملكا للمدعي قبل ذلك فانّهم بنوا على انتزاع المال من يد صاحب اليد وتسليمه إلى المدعى إلى أن يقيم البيّنة صاحب اليد على انتقاله إليه لانقلاب المنكر مدعيا فان ذا اليد قبل اقراره كان منكرا وانّما يدّعي ان المال ملكه ولا يبيّن السبب فالمدعى مدعى لكونه ملكه وعليه اقامة البيّنة لكنّه إذا أقرّ ان المال كان سابقا لملك المدّعى

فصار مدّعيا الا ان فيه مجالاً للكلام .

فأيّ فرق بين صورة الاقرار والصورتين المتقدّمتين فان في صورة الاقرار يقرّ ذو اليد بمضمون ما تؤدّي البيّنة وبمعلوم على الحاكم فلو أوجب الاقرار ذلك لكان اللازم مساواتهما له مع انه لا اشكال ان في الصورتين السابقتين لا مجال

ص: 512

لجريان استصحاب الملكيّة السابقة حسب البيّنة وعلم الحاكم للزوم المحذور الذي بيّن في الرواية وهو عدم قيام السوق للمسلمين .

فانا نعلم ان كلّ ما بيد كلّ انسان لم يكن له إلاّ خصوص بعض الأراضي التي أحياها من الموات مثلاً فانّه ملكه بلا مزاحمة لأحد وأمّا في غير هذه الصورة وغالب ما يباع في الأسواق فلا مجال لدعوى كون ذلك ملكا لذوي اليد إلاّ بهذا الاعتبار وهم يدّعون ان كلّها ملك لهم .

اللهمّ إلاّ أن يدّعي الفرق بين صورة ادّعاء مدّعى ان ما في يد زيد ملك له وبين غيره ففي الأوّل لو لم يعتبر اماريّة اليد لا يلزم عدم قيام السوق بخلاف ما لو

أسرينا ذلك إلى كلّ يد .

ويمكن التفصّي عن الاشكال بأنّ الاقرار له جهتان: جهة طريقيّة كساير الامارات ومنها البيّنة إن طابقت الواقع فهو وإلاّ فحكم ظاهري وله جهة موضوعيّة يؤخذ به وإن كان العلم بخلافه والشاهد على ذلك الفرع المعروف من انّه لو أقرّ بأن هذه العين الشخصيّة مال زيد وعقبه باقرار آخر لعمرو فيعطي المال لزيد ويغرم قيمته لعمرو مع ان المال إمّا أن يكون لزيد وإمّا لعمرو ولا نصيب لزيد وتصرّف أحدهما في المال تصرّف في مال الغير لكن مع ذلك كلّه يعطى المال ويغرم القيمة ولذا لابدّ في ما نحن فيه من اقامة البيّنة على ان ما أقرّ انّه للمدّعى انتقل بسبب

شرعي إليه لان اقرار العقلاء على أنفسهم جائز وإن كان نعلم بخلافه وما لم يقم بيّنة على انتقال المال يسلم المال إلى المدّعى وهو له حسب اقرار ذي اليد هذا .

الا ان هذا الفرق لا يسوي شيئا لعدم الفرق بين البيّنة والعلم وبين الاقرار فكما لا يطالب في هاتين بالبيّنة للانتقال كذلك في ما نحن فيه .

دعوى ما في يد الغير

ص: 513

وهذا الفرع وإن كان مسلما في محلّه إلاّ انّه لا يفيد في ما نحن فيه فعلى هذا لا فرق بين الصور الثلاث في الحكم بكون المال ملكا لذي اليد بمقتضى اليد نعم يكون صورة الاقرار مخالفا للمشهور . والمحقّق النائيني(1) وإن أتعب نفسه في تحرير المقام بحيث يوافق المشهور الا ان كلّ ذلك صورة لا حقيقة له وعند التأمّل غير وجيه ويوافق نتيجة ما ذكرنا في الاقرار ما ورد في محاجّة أميرالمؤمنين علیه السلام (2) مع أبي بكر .

توضيح وتتميم: ما ذكروه في الفرق بين صورة اقرار صاحب اليد على ان ما في يده كان سابقا ملكا للمدعى وبين صورتي العلم بذلك وقيام البيّنة لا يمكن المساعدة عليه إلاّ أن يكون للاقرار خصوصيّة تقتضي التمليك ولو كان على خلاف العلم ويكون اقرار العقلاء على أنفسهم جائزا ونافذا ولو كان علمنا بخلافه فلو كان كذلك يمكن الموافقة على الفرق الا ان فيه ما فيه وليس ذلك إلاّ في مورد لا أثر للاقرار في حقّ الغير فينفذ في حقّه وأمّا في مورد العلم بالخلاف فلا تساعد السيرة على ذلك بحيث إذا أقرّ بما في يده للغير وسلّمه إليه يشترون من المسلم عليه فحينئذٍ لا فرق بين الاقرار وبين قيام البيّنة والعلم فكما ان البيّنة لو

قامت على كون هذا المال ملكا للمدّعى قبل وصوله في يد صاحب اليد لا يوجب ذلك لغويّة اليد وعدم اعتبارها بل يترتّب عليها آثار الملكيّة ويعتبرونها ويرون لصاحبها التصرّف في هذا المال تصرّف الملاك في أملاكهم كذلك الاقرار بل غالب ما في أيدي أهل الأسواق كما أشرنا مسبوق بكونه ملكا للغير .

ص: 514


1- . فوائد الأصول 4/610 - 613 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/3 من أبواب كيفيّة الحكم .

ومجرّد ذلك وادّعاء المدّعي لا يجعل اليد كعدمها بحيث يكون حال صاحبها كحال المدّعى ويستويان في ذلك فكما لا خصوصيّة تقتضي كون المال لصاحبها كذلك ليس في جانب المدّعى ذلك بل السيرة على ترتيب آثار الملك والاعتبار على اليد وما فيها إذا كان حال حدوثها مجهولاً وإن كان سابقا ملكا للغير على احد الأقسام المذكورة التي ذكرنا من قيام البيّنة أو علم الحاكم أو اقرار

صاحب اليد ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق .

بل لازم ما ذكروه في اليد أو أقر ذوها بالملك السابق القول بذلك في صورة قيام البيّنة حيث ان اليد بمجرّد وقوعها في مورد الدعوى تسقط عن الحجيّة والاعتبار فيستوي حال صاحب اليد والمدعى ويقع الكلام في انطباق ضابط المدّعى والمنكر على كليهما على تفاسيرهما فان المدعى من إذا ترك ترك أو من يكون قوله على خلاف الأصل والمنكر من يكون قوله موافقا للأصل أو الحجّة فاما أن يكون كلاهما المدعيين بعد سقوط اليد عن الاعتبار أو يكون المدعى صاحب اليد حيث ان قوله مخالف للحجّة وهو الاستصحاب في جانب الآخر والخارج وذلك حجّة ولا معارض له بعد سقوط اليد لهذه الحجّة الظاهريّة فعلى الآخر أي صاحب اليد اقامة البيّنة ولا يلتزمون بذلك بل اتّفاقهم على مطالبة البيّنة

من المدّعى وليس ذلك إلاّ ان اليد حجّة ولا تنافي حجيّتها الفعليّة لذيها قيام البيّنة

على كون ما في يده ملكا لغير صاحب اليد في السابق أو علمنا بذلك فكذلك الاقرار ولا خصوصيّة للاقرار تقتضي الفرق بينه وبين غيره من البيّنة والعلم ولذلك يشكل الأمر في الفرع المعروف ولازم ذلك كون الاقرار كالتّلف يكون مملّكا فان على المدّعى اقامة البيّنة فاذا ما أقام فعلى غيره الحلف وإذا حلف يتصرّف في

لزوم انطباق ضابط المدعى والمنكر

ص: 515

المال بل لا محيص عن الالتزام بما يساعد عليه الأدلّة من كون اليد امارة الملكيّة وعليها الاعتبار في صورة الجهل وعدم العلم بالحال من غير صاحب اليد واما هو نفسه فلا يمكنه في صورة الشكّ أن يتصرّف ويعتني بيده ولازم ما ذكروا في الاقرار هو سقوط اليد بمجرّد الدعوى عن الاعتبار واستواء صاحبها والمدّعى فان أقام البيّنة أحدهما فهو وإلاّ فلا يجوز لأحدهما التصرّف .

هذا وما ورد الترخيص لأخذ الكيس في خبر منصور بن حازم(1) رواه في الوسائل في كتاب القضاء باب ما إذا كان جماعة جلوسا وسطهم كيس فقالوا كلّهم ليس لنا وادّعاه وأحد حكم له به عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قلت عشرة كانوا جلوسا ووسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس فقالوا كلّهم لا وقال واحد منهم هو مالي فلمن هو قال للذي ادعاه . فلم يعلم انه من اللقطة أو بكونه في يده .

وعلى كلّ فلا جهة توجب المساعدة على ما ذكروا في المقام لما عرفت من استلزامه ما ذكرنا وإن كان قضيّة انطباق الضابط في المدّعى والمنكر والاختلاف في ذلك صغرويّا فان تشخيص المدعى عن المنكر في غاية الصعوبة ويستلزم التضلّع في الفقه وقواعده كما انّه لا عبرة بعلم الحاكم ( فانّما اقضي بينكم بالبيّنات

والأيمان )(2) نعم في ظهور وليّ العصر عجّل اللّه فرجه الشريف الحكم على طبق الواقع .

فتحصّل ممّا ذكرنا عدم الفرق بين البيّنة والاقرار لعدم التنافي بين

ص: 516


1- . الوسائل 27 الباب 17/1 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 2/1 من أبواب كيفيّة الحكم .

مضمونهما ومؤدّاهما مع اليد حيث ان الملكيّة السابقة تجتمع مع الملكيّة الفعليّة لصاحب اليد فلو انقلب المنكر مدّعيا في صورة الاقرار فليكن الأمر كذلك في صورة البيّنة ولا خصوصيّة للاقرار توجب الفرق بينها وبين الاقرار فلو الغيت اليد في صورة الاقرار فكذلك البيّنة مع ان المسلم شمول أدلّة الاعتبار هذه الصورة وقد قرّبنا الوجه في عدم حجيّة اليد في مثل هذا المورد لكن المسلم شموله تحت أدلته لأنّ الغالب إن ما في الأسواق كلّها مسبوق بيد الغير .

نعم بعض ما يحدث ملكا غير مسبوق بملك الغير كبعض المباحات المحوزة بالاحتشاش والاحتطاب ونحوهما من أقسام الاحياء فلا وجه لتخيل سقوط اليد في مثل الاقرار عن الحجيّة والاعتبار والمطالبة من صاحب اليد بالبيّنة بدعوى انقلاب الدعوى وصيرورة المنكر مدّعيا فعليه اقامة البيّنة فينزع المال بعدها من يد الخارج ويسلّم إليه لكون قول المقر وصاحب اليد على خلاف الأصل والاصل وهو عدم انتقال المال مع المدّعى وذلك لما ذكرنا من عدم المنافاة بين المقامين فان الملكيّة السابقه الثابتة بالاقرار أو البيّنة تجامع الملكيّة الفعليّة لغير المالك

الأوّل باليد وحجيّتها في موردها لا تنافي نفوذ الاقرار واعتبار البيّنة لاشتراط اجتماع الوحدات الثمانية أو أكثر في التناقض وإلاّ فالاستصحاب يثبت شيئا واليد شيئا آخر ولا معارضة لأحدهما مع الآخر .

وبذلك يتّضح صحّة ما فعله أميرالمؤمنين علیه السلام (1) في محاجته أبا بكر وافحامه بعدم مطالبته البيّنة من ذي اليد وإن كان تقبل البيّنة من ذي اليد والمنكر حيث ان قاطعيّة التفصيل للشركة وكون البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر

احتجاج أميرالمؤمنين علیه السلام على أبي بكر وافحامه

ص: 517


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/3 من أبواب كيفيّة الحكم .

هو تعيينيّا وأمّا إذا أقام المنكر البيّنة فلا مانع من قبولها بل وردت(1) الروايات بذلك وانعقد له باب وانفتح بحث فقهي في تعارض البيّنتين من الداخل والخارج مضافا إلى ان عدم قبول البيّنة من المنكر يكون على خلاف المنّة فان أميرالمؤمنين علیه السلام على ما في الاحتجاج قال لأبي بكر(2): أتحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين ؟ قال: لا . قال: إن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه من تسأل البيّنة ؟ قال: إيّاك كنت أسأل على ما تدّعيه على المسلمين .

قال

علیه السلام: فاذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وبعده ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا كما سئلتني البيّنة عليهم على ما ادّعيت عليهم الخ .

وذلك لأنّ اليد لم تسقط عن الاعتبار وإن كان في مقام الدعوى وإن أقرّت الصدّيقة سلام اللّه عليها بكون فدك ملكا لرسول اللّه صلی الله علیه و آله في زمان حياته لما ذكرنا من عدم التنافي بين الاقرار بالملكيّة السابقة وحجيّة اليد واعتبارها في حقّ صاحبها حين الاقرار فعلى المسلمين اقامة البيّنة على خلاف ذلك وانّه لم ينتقل إليها وإن فرض صحّة الخبر المجعول الذي رووه من انا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة أو يصرف في مصالح المسلمين أو مسالحهم .

نعم على فرض تسليم ما ذكر في الفرق بين الاقرار والبيّنة يتوجّه الاشكال بعدم مناسبة اعتراض أميرالمؤمنين سلام اللّه عليه على الأوّل لمطالبته البيّنة بعد أن

ص: 518


1- . هذا مسلم في باب دعوى القتل . الوسائل 27 الباب 3/3 - 6 من أبواب كيفيّة الحكم وفي غيره 12/2 - 15 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/3 من أبواب كيفيّة الحكم .

كان صدقة للمسلمين وفرض عدم توريث الأنبياء فحينئذٍ يجاب بما بيّنه المحقّق النائيني(1) في أقسام تبدّل الاضافة واطرافها على ما سيجيء إن شاء اللّه وكون المقام أسوء حالاً من الموصى له لعدم كون المسلمين وارثا لرسول اللّه صلی الله علیه و آله بعد فرض ان له حقّ مطالبة البيّنة بادّعاء ولايته عليهم وانتهاز ذلك عليهم وصحّة الخبر المجعول ولا بأس حيث ناسب المقام بذكر الرواية المعروفة المنقولة في كتب الشيعة المعتمد عليها كالكافي في ان العلماء ورثة الأنبياء فان أو لأن الأنبياء لم يورّثوا درهما ولا دينارا ولكن ورثوا العلم فمن أخذ بشيء منه أخذ بشيء وافر أو بحظ وافر والظاهر صحّة سندها وعدم فرض عدم معنى يوافق الأصول والقواعد المسلّمة بين الشيعة فالرواية بظاهرها تنفي عن الأنبياء أن يكون منهم توريث الأموال المكنّى عنها بالدرهم والدينار فاما أن يكون مخصّصة لعمومات الكتاب ( وورث سليمان داود )(2) يرثني(3) ويرث من آل يعقوب يوصيكم اللّه (4) في أولادكم للذكر مثل حظّ الانثيين أو تكون حاكمة أو واردة عليها حيث ان مفاد الآيات حكم الارث وانّه كذا وكذا وثبوت ذلك مستلزم لبقاء مال للمورث كي بموته ينتقل إلى وارثه والخبر ينفي ذلك المال فلا منافاة وكذلك ينافي صريحا ما ورد عن الزهراء سلام اللّه عليها من خطبتها واستدلالها عند أبي بكر بآيات الكتاب في الارث وان الأنبياء أيضا يورثون ومع قطع النظر عن رواة رواية الخطبة نفس مضمونها يلوح منه آثار الصدق وانها صدرت عن منشأ البلاغة

ص: 519


1- . فوائد الأصول 4/615 .
2- . سورة النمل: 17 .
3- . سورة مريم: 7 .
4- . سورة النساء: 12 .

ودوحة النبوّة والامامة ولو لم يكن كلّ شيء فنفس استدلال الصدّيقة سلام اللّه عليها بالآية يكون كالوحي المنزل بالمراد من الآية وان الأنبياء يورثون وإن كان تطبيق الكبرى في الارث على المورد من باب المماشاة وإلاّ ففدك كان بتصرّفهم في زمان رسول اللّه صلی الله علیه و آله نحلها إيّاها والقوم لمّا رأوا بقائها في أيديهم يوجب تسلّطهم وقدرتهم فاحتالوا لذلك وأخرجوا عمّالها منها وامتدت المنازعة إلى أن طالبهم بالشهود وما قبل شهادتهم ومنهم اُمّ أيمن مع عدم بينة للعين نفسه فافحم وخطبت الصدّيقة سلام اللّه عليها وانّه على فرض عدم صحّة شهادة الشهود وعدم قبولها وان الأمر كما تدعون من انها بقيت في ملك رسول اللّه صلی الله علیه و آله فتصل النوبة إلى الارث فمن باب الارث تكون حقّها والظاهر في معنى الرواية ان من شأن الأنبياء ليس جمع الأموال وتوريثها لقصور هممهم عن ذلك بل همّهم إنّما هو بثّ العلم والتوحيد خصوصا مع ورود الرواية بقوله وإنّما ورثوا العلم .

( أقول ) أمّا الرواية فقد أوردها صاحب تحفة العالم في خطبة المعالم هكذا قال رحمه الله أي الكليني(1): وعنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد، عن أبي الحسن البختري، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: ان العلماء

ورثة الأنبياء وذلك ان الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنّما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها أخذ حظّا وافرا فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه فانّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . والظاهر ان الرواية ضعيفة السند وان وصفها

أدلّة توريث الأنبياء

ص: 520


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/2 من أبواب صفات القاضي وأوّلها عن محمّد بن يحيى الخ وليس أوله عنه .

بالاعتبار جد صاحب التحفة على ما في التحفة كما لا يخفى وفي المجمع بعد التعرّض لرواية نحن معاشر الأنبياء بيان عن بعضهم فيه يقرب ما نقلناه آنفا عن ثقة الاسلام الكليني عن الصادق علیه السلام فراجع .

الكلام في قاعدتي الفراغ والتجاوز وتقدّمهما على الاستصحاب أو العكس .

عبارة الشيخ في هذا المقام قد تختفي فتردّد الشيء بين كونه دليلاً أو أصلاً لاختفاء كون اعتباره من حيث كونه ناظرا إلى الواقع ومن حيث هو كما في اليد المغصوبة دليلاً وكذلك اصالة الصحّة عند الشكّ في عمل نفسه عند الفراغ واصالة الصحّة في عمل الغير وقد يعلم عدم كونه ناظرا إلى الواقع وكاشفا عنه وانه من القواعد التعبّديّة لكن يختفي حكومته مع ذلك على الاستصحاب الخ وقد تصدّى المحقّق النائيني لتوضيح كلام الشيخ على اجماله .

وحاصل ما قال(1) في هذا المقام ان استصحاب الحكم على تقدير وقاعدة الفراغ والتجاوز يبيّن التقدير ويتكفّل لاثباته ولا ريب في كون مثل ذلك أحد أنحاء الحكومة بل من أفرادها الجليّة مثل أكرم العلماء وزيد ليس بعالم كانّ معنى جريان الاستصحاب في مورد جريان القاعدة عدم الاتيان بالمشكوك أي محل ومورد كان القاعدة ومقتضى دليل القاعدة اتيان المشكوك في مورد الجواز عن المشكوك سواء اعتبرنا في ذلك الدخول في غيره أو لا وسيأتي بيان ذلك هذا . الا ان هذا الكلام قابل للخدشة لان معنى الاستصحاب بقاء الأمر وعدم الاتيان بالمأمور به بخلاف القاعدة فانّها تقتضي بلسانها اتيانه وعدم بقاء أمره وليس هذا

حكومة القاعدتين على الاستصحاب

ص: 521


1- . فوائد الأصول 4/618 - 619 .

إلاّ المعارضة .

ودعوى كون ذلك من أقسام الحكومة بتقريب تعرّض دليل القاعدة لشيء لا يتعرّض له دليل الاستصحاب حيث ان في بعض روايات القاعدة إنّما الشكّ(1) إذا كنت في شيء لم تجزه مع بقاء الشكّ وجدانا فليس ذلك إلاّ اخراج بعض أنحاء الشكّ ودليل الاستصحاب إنّما اعتبر اليقين والشكّ ويزيد على ذلك اعتبار اتّصال زمان اليقين بالشكّ والأثر الشرعي والقاعدة ناظرة بدليل اعتبارها لدليل الاستصحاب بحيث لو لا دليل المحكوم يلزم اللغو في دليل القاعدة وليس هذا إلاّ الحكومة فيبيّن دليل القاعدة ان مورد اعتبار الشكّ موضوعا وما يكون الحكم بحرمة نقض اليقين بالشك الشكّ الذي في غير مورد الجواز عن المشكوك . مدفوعة بعدم أثر للشكّ بل الأثر إنّما هو لليقين السابق ولولاه لم يلزم اجراء حكمه في اللاحق وفي مورد اليقين بالاشتغال فالحكم العقلي بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم حيث ان الاشتعال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فلا حكم هناك شرعي كي يكون قوله ( إنّما الشكّ ) ناظرا إليه حاكما عليه .

نعم لو لم يكن التعبّد الشرعي في المورد فالعقل كان لا يرى إلاّ لزوم الموافقة القطعيّة فعند احتمال زيادة جزء أو شرط أو نقصانه لو كان له طريق إلى تصحيح العمل الذي اشتغل به فهو وإلاّ فالاحتياط بالاتمام والاعادة على وجه يقطع بالفراغ القطعي غاية الأمر ان الشارع الغى احتمال الزيادة ولو في الركوع ولو لم يكن للعقل طريق بل دار الأمر بين المحذورين فلو كان من الشارع ما يخرج به عن التحيّر فهو المتعيّن .

ص: 522


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

وكيف كان فان كان اعتبار الشكّ في مورد المشكوك وعدم الجواز عنه على وفق القاعدة وارشاداً إلى حكم العقل لكنّه لا يخلو عن التعبّد الشرعي حيث ان الشارع اكتفى بهذا العمل منه كما اكتفى باحتمال الامتثال في ناحية الجواز عن المشكوك على ما بينّا سابقا من تصحيح ذلك ودفع الاشكال الوارد من لزوم التصويب وغيره بجعل البدل ما لم ينكشف الخلاف على ما سبق في محلّه .

والحاصل انه لو كان الأمر كما ذكرنا فلا نحتاج إلى الاستصحاب في مورد القاعدة أصلاً حيث انّه لا مجرى له لجريان قاعدة الاشتعال العقلي المستدعى للفراغ القطعي .

وقد ذكرنا في محلّه الضابط في تقدّم القاعدة على الاستصحاب وان ذلك في مورد لم يكن للواقع أثر في المقام والظاهر ان ما نحن فيه كذلك وبهذا الوجه نستريح من بيان وجه تقدّم القاعدة على الاستصحاب لعدم المعارضة التي فرع جريان المتعارضين وعرفت عدم المجرى للاستصحاب لجريان القاعدة وهذا الوجه وإن كان وجيها في النظر لكنّه يحتاج إلى التأمّل .

فان تمّ وجها لتقديم القاعدة على الاستصحاب فهو وإلاّ فبالحكومة على نحو ما ذكرنا والا فبالأخصيّة حيث ان القاعدة أخص موردا من الاستصحاب ولا اشكال في تقدّم الخاص على العام كما هو واضح .

توضيح وتكميل: ما ذكرنا في تقريب الحكومة من المحقّق النائيني رحمه الله لا يساعده الاعتبار من كون الشكّ في بقاء الحالة السابقة مسببا عن الشكّ في حدوث ما يوجب رفع الحالة السابقة .

نعم يمكن تقريبها بوجه آخر كما أشرنا إليه وأن يكون قوله علیه السلام في بعض

الاشكال في تقريب الحكومة

ص: 523

روايات الباب اذا شككت في شيء من الوضوء(1) ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء . هذا وإن كان الشكّ موجودا وجدانا الا انه راجع إلى نفي الحكم بلسان نفي الموضوع وحيث ان التنزيل والتعبّد الشرعي لابدّ أن يكون بلحاظ الأثر الشرعيّ وفي مورد يكون قابلاً للرفع والوضع الشرعي فعلى هذا معنى قوله فشكّك ليس بشيء ان الشك بعد ان جزت هذا الشيء ودخلت في غيره لا حكم له بمعنى رفع الحكم الشرعي وهذا إذا كان الاستصحاب في عدم الاتيان وبقاء التكليف جاريا واضح فان معنى ذلك هو بقاء الأمر والتكليف حيث ان اليقين تبدّل بالشكّ ومقتضى لسان ما ذكرنا هو ان هذا الشكّ الذي حصل بعد الفراغ والدخول في الغير ليس بشيء وملغى فلا يكون موضوعا لجريان الاستصحاب وعلى كلّ حال فهذا الوجه إن تمّ فهو وإلاّ فبما ذكرنا من الاشتغال وعدم جريان الاستصحاب أصلاً لعدم وصول النوبة له .

نعم إن كان للواقع أثر في هذا الوادي فلا مانع من جريان الاستصحاب إلاّ أنّ القاعدة بما ذكرنا حاكمة عليه وإن لم يتمّ وجه الحكومة فبالأخصيّة التي لا اشكال في مرجعيّتها بعد اليأس عن تماميّة الوجهين الأوّلين فتأمّل جيّدا .

وكيف كان فلا اشكال في صحّة القاعدة وتقدّمها على الاستصحاب

فلنصرف الكلام إلى روايات الباب وهي على ثلاث طوائف: طائفة مختصّة بباب الوضوء واخرى: بباب الصلاة والثالثة: عمومات فمن الاولى وهي اتقنها سندا رواية زرارة(2) عن أبي جعفر علیه السلام قال: إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر

ص: 524


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .

اغسلت ذراعيك أم لا فاعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه ممّا سمّى اللّه ما دمت في حال الوضوء فاذا قمت عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال اخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه في وضوئه لا شيء عليك فيه فان شككت في مسح رأسك فاصبت في لحيتك بللاً فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك فان لم تصب بللاً فلا تنقض الوضوء بالشكّ وامض في صلاتك وان تيقّنت انّك لم تتمّ وضوئك فأعد على ما تركت يقينا حتّى تأتي على الوضوء .

وفي الوسائل بعد قوله على الوضوء لفظة الحديث الظاهر في ان له بقيّة ولكنّه كما روجع إلى الوافي لا يرتبط بما هو مورد الاستدلال فالتقطيع في مورده وهذه الرواية كما ترى تفصّل بين حال الوضوء والفراغ عنه بالاعتناء بالشكّ في حال الاشتغال والمضي بعد الفراغ في خصوص ما سمّى اللّه وهو الغسلات والمسحات غير الموالاة والترتيب المستفاد من الروايات .

ومنها: رواية(1) ابن أبي يعفور عن أبي عبدآللّه علیه السلام قال: إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه .

وقوله: ( وقد دخلت في غيره ) لو كان المرجع هو الوضوء فيوافق الرواية الأولى من عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ ويحتمل كون المرجع هو الشيء . المراد بغيره هو غير الشيء مطلقا سواء كان من الصلاة أو الوضوء فتخالف الاولى ويبعد كون من الوضوء قيدا للشيء حتّى في غيره كي يكون المراد بالغير غير هذا الشيء

مفاد الروايات

ص: 525


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

من الوضوء سند كون من الوضوء بيانا للشيء وجعل الشيخ رحمه الله هذه الرواية موافقة

لروايتين صدر بهما روايات الباب احداهما قوله علیه السلام (1) اذا خرجت من شيء

ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ثانيتهما رواية إسماعيل(2) بن جابر عن أبي

عبداللّه علیه السلام قال: إن شكّ في الركوع بعد ما سجد الخ وذيلها موافق لما في الموثقة(3) ( كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو ) نظرا إلى عدم اعتبار الدخول في الغير بخلاف الصدر فان ظاهره اعتبار ذلك الا ان مساعدة الشيخ رحمه الله فى ما قال لا يساعدها الرواية فان صدر الموثقة لابن أبي يعفور(4) ( إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره لو لم يكن ظاهرا في اعتبار الدخول في غير الوضوء فلا أقلّ من الاجمال فلا تصلح سندا لشيء فيفسره الرواية الاولى من زرارة التي صدرنا بها ما ذكرنا من الروايات خصوصا وذيل هذه الموثقة لا يناسب إلاّ بعد الوضوء لا اجزاءه حيث ان بعد الوضوء يمكن أن يحصل الشكّ للانسان في ترك جزء أو شرط فيمضي كما دلّ عليه قوله علیه السلام فيما سمعه محمّد بن مسلم(5) كلّما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا اعادة عليك فيه . بخلاف اجزائه فان حين الاشتغال بالجزء لا معنى للشكّ فيه كي يقول إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه لامكان تقدير أو ظهور هذه الفقرة في محلّ الشيء لا اشتغاله خصوصا مع سهولة تصوّر الشكّ في غسل الوجه بعد اشتغاله

ص: 526


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
5- . الوسائل 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .

بغسل اليد ) .

ومنها: رواية بكير بن أعين(1) قال: قلت له: الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ قال هو حين ما يتوضّأ اذكر منه حين يشكّ . وظاهر هذه ان الذكر والالتفات والتوجّه إلى العمل حاصل للمشتغل به في أثنائه وكذا للمتوضى يبقى صورة العمل بعد الفراغ منه لكنّه حين العمل اذكر والالتفات إليه أكثر . واستدلّ بعضهم بهذه الرواية

على اعتبار ارادة المريد لتمام أجزاء العمل وخصوصيّاته كان يغسل جميع أجزاء يده في الوضوء فلو كان شكّه في وضوئه من ناحية وصول الماء بنفسه من غير ارادته وادارته فلا مجال للتمسّك بالقاعدة .

توضيح وتتميم: أشرنا إلى استظهار الشيخ قدس سره من روايتين(2) تقدمتا اعتبار الدخول في الغير في عدم الاعتناء بالشكّ وكذا الرواية(3) التي نقلها بعد

ذلك باعتبار صدرها لكن الذيل جعله موافقا للموثقة(4) إلاّ انا ذكرنا ان الموثقة الثانية التي نقلها الشيخ وجعل ذيلها كذلك اما ظاهرة في اعتبار الدخول في الغير أي غير الوضوء أو مجمل ويفسرها الرواية الاولى التي نقلناها من زرارة فيشرحها لرفع اجمالها واعترف الشيخ بعد ذلك بكونها تمام ما وصل إليهم من الأخبار العامّة غير المختصّ ببعد العمل بل يعمّها وغيرها الا ان لما ذكرنا من الروايات معارضا في الأخبار الآخر كرواية زرارة(5) قلت لأبي عبداللّه علیه السلام رجل

ص: 527


1- . الوسائل 1 الباب 42/7 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 8/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
5- . وسائل الشيعة 8/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

شكّ في الأذان وقد دخل في الاقامة قال يمضي قلت رجل شك في الأذان والاقامة وقد كبّر قال يمضي قلت رجل شكّ في التكبير وقد قرء قال يمضي قلت: شكّ في القرائة وقد ركع قال: يمضي قلت: شكّ في الركوع وقد سجد قال: يمضي على صلاته ثمّ قال: يا زرارة اذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشككت فليس بشيء .

وحيث ان ما ذكرنا من الروايات لم تلغ الشكّ في حين العمل بل اعتنت بشأنه والزمت العمل على مقتضى ذلك بخلاف هذه الرواية فانّها اكتفت في أجزاء الصلاة بمجرّد الدخول في الغير المذكور فيها وإن كان لم يذكر فيها النيّة والتشهّد والقنوت وفصول الأذان والاقامة أيضا من مصاديق الغير لكن الظاهر ان ذلك لا يضرّ بورودها توطئة للكبرى الكليّة الملقاة إلى زرارة بعد ذلك في ذيلها لأن هذا الترتيب للركعة الاولى كما انه لا يضرّ في فرض عموم الكبرى لاجزاء القرائة والتشهّد كون المذكورات في الرواية من أبواب الصلاة التي ربما يقال كما عن الشهيد اعتبار الدخول في باب آخر لعدم الاعتناء بالشكّ وإلاّ ففي أجزاء الباب كالقرائة لابدّ من الاعتناء .

وعلى ما ذكرنا يمكن رفع الاشكال بناءً على عدم اندكاك أجزاء المركّب الاعتباري في وحدتها الاعتباريّة فتعدّ مجموعا عملاً واحدا ولذا يلزم في عدم الاعتناء بالشكّ الدخول في غير العمل كما اعتبر كذلك في الوضوء بل لو خط كلّ جزء من أجزائها بحيال نفسه وبلحاظ قبل تعلّق الأمر به لأن كلّ واحد من هذه الأجزاء الصلاتيّة مثلاً من مقولة لا ترتبط بغيرها فلا وجه لعدّها شيئا واحدا ويحمل الشيء الوارد في الرواية عليه فان ذلك إنّما يتمّ في المعاجين والمركّبات

اعطاء الكبرى الكلية لزرارة

ص: 528

الخارجيّة التي اندكّت خصوصيّة كلّ جزء من أجزائها في المجموع المركّب وركبت شيئا واحدا له خاصيّته مثل ما يكون له مراج لا مثل السكنجبين الذي مثلاً لم يحدث من تركيب جزئيه مؤثّر ثالث ينافي خصوصيّة جزئيه .

وعلى هذا فيكون ما ذكر طيّ رواية زرارة على القاعدة وينطبق على تلك الكبرى ويرتفع الاشكال ويكون الخارج عن هذا العموم المستفاد من ذلك خصوص باب الوضوء ويلحق باب التيمّم والغسل والحج بباب الصلاة إذا شكّ في شيء منها قبل الفراغ وهذا بخلاف ما إذا قلنا ان المركب الاعتباري كالمركّب الخارجي وإنّما يخرج من ذلك بدليل والشارع حيث جعل قاعدة الفراغ عامّة لجميع الأعمال من العقود والايقاعات والعبادات ومقتضاه عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ والدخول في الغير وإنّما تصرف تعبّدا في باب الصلاة بجعله الأجزاء من الغير الذي قلنا انه لابدّ من كونه مخالفا لأصل الصلاة فاكتفى بهذا القدر .

والحاصل: ان للغير مصداقين: مصداق تكويني ينطبق عليه جميع الأشياء والأمور الشرعيّة التأسيسيّة والامضائيّة ومصداق تعبّدي بتصرّف الشارع في الغير وعلى ذلك فباب الوضوء يكون على وفق القاعدة ويلحق به باب التيمّم والغسل والحجّ وغير ذلك بالنسبة إلى الشكّ في أجزائها حين الاشتغال بالعمل الا انّه على ما ذكرنا لا يتوجّه الاشكالات الخمس المتوجّهة إلى المحقّق النائيني الذي نقلنا عنه ذلك التقريب .

تتميم: قد تقدّم ذكر رواية زرارة(1) وقد اشتملت على قطعات وأسئلة كلّها من زرارة وبذلك يظهر فساد ما استظهرناه من ذكر الموارد توطئة لبيان الكبرى

ص: 529


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .

ضرورة كون ذلك كذلك لو كان من الامام علیه السلام ابتداءً الاّ انّها كما هو صريح الرواية سؤالات الراوي وهو زرارة وبعد ان سكت عن سؤاله مريداً للسؤال بعد ام لا اعطاه الامام علیه السلام قاعدة كليّة نافعة في غير مقام وهو إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء وحيث ان المناط هو هذه الكبرى الكليّة فلا عبرة بموارد سؤال زرارة بل لو سئل هو عن رجل دخل في القنوت وشكّ في القرائة لأجابه علیه السلام بما أجاب به باقي الفقرات المسئول عنها وكذلك لو سئل عن التشهّد كما يرشد إلى ذلك رواية اخرى(1) واردة في الشكّ في الركوع بعد أن

أهوى إلى السجود وانّه يمضي التي وجّهها المحقّق النائيني القائل بالتصرّف التعبّدي من الشارع في باب الصلاة بعدّ اجزائها غيرا بأنّه أهوى إلى السجود وسجد أو دخل في السجدة .

والحاصل انّه لا عبرة بموارد السؤال حتّى يلتزم بلزوم كون المشكوك فيه من الأبواب لا ما يعمّ أجزائها بأن يكون هذه الموارد قرينة على كون الغير من قبيل ما ذكر في الروايه بل الاعتبار كلّه بالكبرى الكليّة سواء كان الغير ممّا يترتّب على المشكوك أم لا وسواءً كان من الأبواب أو المشكوك كذلك أم لا .

بل لو شكّ في اللّه من اللّه أكبر بعد أن دخل في أكبر أو في ربّ العالمين وشكّ في الحمد للّه فلابدّ من جريان القاعدة لكون ذلك كلّه ممّا تشمله الرواية بلا اشكال وظاهرها اعتبار الدخول في الغير .

وهل الغير ما يترتّب عليه شرعا أو مطلق ما يكون غيرا ومن مصاديق الغير النيّة فلو دخل في الصلاة وشكّ في النيّة فلا مانع من جريان القاعدة كما انّه إذا

مآل القاعدة

ص: 530


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .

شكّ في ان ما بيده الظهر أو العصر كذلك على ما يبيّن في مورده ومحلّه .

ثمّ انّ المناط الشكّ في الشيء والدخول في الغير بأن خرج عنه والخروج عنه لا يتصوّر فيما إذا شكّ في أصل الوجود إلاّ بارادة الخروج عن محلّه والمضي منه .

نعم في الشكّ في الصحّة بعد أصل الوجود أيضا يرجع إلى الشكّ في ذلك أي الوجود الصحيح فحينئذٍ يقع الكلام في ان المحلّ هل هو خصوص المحل الشرعي وما يكون ظرفا للعمل شرعا أو أعم منه ومن العادي فلو اعتاد بالصلاة في أوّل الوقت جماعة أو باتّباع غسل الجانب الأيمن للرأس والرقبة في الغسل أو الأيسر للأيمن فهل تجري القاعدة أم لا كما إذا شكّ في آخر الوقت انّه صلّى الظهر أم لا فهل يكون مثل خارجه كان دخل حائل أم لا ؟ يشكل الالتزام بذلك وإن مال إليه أو قال به صاحب العروة(1) كما ان رواية زرارة(2) تنطبق على ما أفتى به هو رحمه الله في عدم اختصاص الغير بالأبواب .

تتمّة البحث: قد فرغنا من الجهة الأصوليّة لقاعدة الفراغ والتجاوز ومن المناسب كثيرا التعرّض لمباحثها الفقهيّة حسب ما ينساق إليه الكلام والبحث في ذلك تارة في وحدتهما وتعددهما واخرى في المراد بهما وثالثة في حكم ذلك .

أمّا الجهة الاولى وهي بيان انّه ما المراد من قاعدة الفراغ والتجاوز فلا يخفى ان قاعدة الفراغ تختصّ بالعمل بعد الفراغ منه وقاعدة التجاوز باجزاء العمل وأمّا ما لا تركب له فلا مجرى للقاعدتين(3) فيه أصلاً لاسيّما بناءً على لزوم

ص: 531


1- . العروة الوثقى مسئلة 19 من أحكام الأوقات .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الصحيح جريان قاعدة الفراغ في الأمر البسيط وكذا في الأجزاء .

الدخول في الغير ولو من جهة استلزام تحقّق معنى التجاوز خارجا للدخول في الغير وإلاّ فمن جهة الجمع بين الأخبار ( إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء )(1) وقوله: ( إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه )(2) كما هو الميزان في المطلق والمقيّد ( وحمل القيد على الغالب خلاف الظاهر ) بل الأصل في ذلك الاحترازيّة كما هو كذلك في ربائبكم اللاتي في حجوركم(3) لو لا القرينة من الخارج . اللهمّ إلاّ أن يقال بكون الاطلاق منصرفا إلى الغالب أيضا .

وأمّا الكلام في وحدتهما وتعدّدهما فيعلم بالبحث عن الجهة الثالثة وهي حكم ذلك وهو المضيّ والامضاء للعمل الذي يشكّ في تماميّته وعدم تماميّته مع العلم تفصيلاً بالتكليف إلاّ ان في مقام الفراغ والاسقاط جعل له الشارع القاعدة وهي اما جعل البدل أو رفع اليد عن الأمر وتقييد المأمور به في حق مثل هذا الشخص بغير ما لم يأت به ممّا تجاوز عنه وفرغ منه ناقصا حيث ان مقتضى ما تقدّم عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ والاعتناء به في ما إذا لم يتجاوز محلّه لقاعدة

الاشتغال بل والاستصحاب ولازم ذلك انّه لو تذكّر النقص لم يجب عليه التدارك ولا يمكن الالتزام به كما يشكل الالتزام بالقناعة في مقام الامتثال وانّه ما لم يذكر

يكتفي به وهذه القاعدة على خلاف من لا يجوز الترخيص في أطراف العلم الاجمالي فهذا مورد العلم التفصيلي والشارع يرخص .

والأحسن أن يقال ان ذلك جعل الترخيص في ترك المأمور به لا رفع الأمر

ص: 532


1- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
3- . سورة النساء: 24 .

والتقييد الدخيل في المأمور به ومتعلّق التكليف أو الوضع عن مجرى القاعدة في صورة مصادفة الخلاف وعدم حصوله منضمّا إلى بقيّة أجزاء العمل وما هو دخيل فيه كما ان جميع الأصول التنزيليّة وغيرها كذلك والشارع رخّص في مواردها ترك التكاليف ومخالفتها لو صادفت هي خلافها .

وعلى هذا فلا فرق بين قاعدة الفراغ وساير الأصول التنزيليّة وهل هنا قاعدة واحدة لها مصاديق وموارد الانطباقات المتعدّدة أو لا ؟ بل المجعول كبريان وقاعدتان أحديهما لتمام العمل وحصول الشكّ في العمل من ناحية عدم حصول بعض شرايطه أو أجزائه وقيوده والاخرى مختصّة بالشكّ في وجود الجزء .

وبعبارة اخرى(1) هل المجعول كبريان مفاد احداهما مفاد كان الناقضة وصحّة المأتي به والاخرى مفادها مفاد كان التامّة وان الشيء أتى به في ظرف الشكّ في وجوده وحيث ان استفادة التعميم لابدّ أن يكون عن دليل شرعي فقد يدّعي رجوع الشكّ في صحّة المأتي به أيضا إلى الشكّ في تحقّق مصداق مفاد كان التامّة وانّه هل وجد مأمور به صحيح مثلاً كي يدخل على ذلك في مصداق الشيء في قوله علیه السلام في الرواية ( إذا شككت في شيء(2) ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء فان حال الصحّة والفساد للمأتي به أيضا يصدق عليه انه شيء كما ان نفس الشيء شيء وأورد عليه اشكالات خمس والعمدة هو امكان الجمع بين هذين المعنيين المتنافيّين مفاد كان التامّة ومفاد الناقصة المستلزم لجعل وجود

المجعول كبرى واحدة أم كبريان

ص: 533


1- . الحق انّهما قاعدتان كما في سؤال المتن مفادهما مختلف .
2- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء واللفظ اذا شككت في شيء من الوضوء .

الشيء مفروضا بخلاف الآخر .

نتيجة البحث: قد ذكرنا ان القاعدة تجري في الشكّ في وجود الشيء وتحقّقه وهو مفاد كان التامّة وفي صحّته وتحقّقه على ما ينبغي أن يؤتي به وهو مفاد كان الناقصة لو شمل لفظة الشيء في قوله ( إذا شككت في شيء(1) ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء كلا المفادين بلحاظين وفرض الشيء في أحد مصداقيه موجودا وفي الآخر معدوما .

وعن الشيخ قدس سره ارجاع الشكّ في صحّة الموجود أيضا إلى الشكّ في وجود الصحيح فيرجع إلى الشكّ في مفاد كان التامّة وذلك لأن منشأ الشكّ في صحّة الموجود وما أتى به وانطباق ما جييء لأجل حصوله عليه إنّما هو الشكّ في اتيان بعض أجزائه أو حصول بعض شرايطه وإلاّ فلا ريب وجدانا في حصول الشيء فاذا كان كذلك فلا فرق بين الشكّ في أصل الجزء ابتداءً وتحقّقه وعدمه أو الشكّ في الكل وصحّته لرجوعه إلى الشكّ في وجود الصحيح .

وأورد عليه المحقّق النائيني(2) بأن مفاد أخبار القاعدة إنّما هو ثبوت وتحقّق الموجود صحيحا وإنّما هي بصدد اثبات صحّته وما قيل لا يوجب ذلك الابناء على الأصل المثبت من كون تحقّق وجود صحيح موجبا لكون هذا العمل صحيحا .

إن قلت: لا يلزم ذلك بل اللازم إنّما هو فراغ ذمّة المكلّف عن عهدة التكليف وإن لم يثبت صحّة ما أتى به والقاعدة تقتضي ذلك وانّه تحقّق مصداق

ص: 534


1- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء واللفظ اذا شككت في شيء من الوضوء .
2- . فوائد الأصول 4/620 وما بعده .

صحيح .

وأجاب عن ذلك بأنّ الأمر وإن كان كذلك في التكاليف الا انه لا يتمّ في باب الوضعيّات لأنّ المهمّ ترتّب الأثر على هذا العقد الموجود وتحقّق عقد صحيح لا يلازم صحّة هذا الموجود وترتّب الأثر عليه أو جعله عوضا وبدلاً عن العقد الصحيح .

ولا يخفى ما في ذلك لأنّه كلّ ما كان مفاد أخبار القاعدة وعلى أيّ نحو انطبق على القواعد إمّا في باب التكاليف بجعله بدلاً أو قناعة في مقام الامثتال أو التقييد للتكليف أو التوسعة للوضعيّات بالنسبة إلى من يشكّ في صحّة ما أتى به وتحقّق المصداق الصحيح منه أو الجزء أو الشرط اللازم الاتيان به الا ان القناعة في مقام الامتثال ليس من شأن الشارع لرجوعه إلى التصرّف في مقام الامتثال ولا ربط له بالشرع ضرورة لزوم كون ما يرفع أو يجعل أثرا شرعيّا وقابلاً للجعل والرفع وذلك ليس كذلك وكذلك كلّ ما يكون مثل القناعة راجعا إلى مقام الامتثال فلابدّ من جعل البدل وكون هذا المأتي به مقام المأمور به الواقعي في ترتّب الأثر والترخيص في ترك الواقع في هذا الحال لو صادف الترك واقعا أو التقييد وكون مفاد الأخبار كمفاد حديث الرفع الا ان ذلك لا يمكن الالتزام به لعدم كون لسان هذه الأدلّة نظير لسان أدلّة الرفع فاما أن يجعل في مقام الواقع في ترتّب الأثر واما أن يرخّص في ترك الواقع وإمّا أن يتعبّد بالمصداق مع بقاء الأمر الأوّل على حاله .

غاية الأمر لزوم الاعادة إذا انكشف الخلاف نظير باقي الأصول الظاهريّة من التنزيلية وغيرها .

ولا يخفى انه بناءً على كونه من التقييد للواقع لا معنى لانكشاف الخلاف

جريان القاعدة في الوضعيّات كالتكليفيّات

ص: 535

والاعادة الا أن يكون لخصوص هذا الشخص في هذا الحال .

وكيف كان فكلّما قلنا في باب التكاليف لابدّ من الالتزام به في باب الوضعيّات سواءً طابق ما اريد اثباته من صحّة هذا الموجود أم لا . بل أفاد وجود عقد صحيح مثلاً الذي لا يفيدنا من حكم الشارع بترتيب أثر العقد الصحيح على هذا العقد .

وعلى هذا فيكون مفاد القاعدة كساير الأصول فانّها لو لم تكن أعلى منها فلا أقل من كونها مثلها من الاستصحاب والبرائة أو جعل هذا السبب الناقص مقام السبب التام لا بمعنى جعل السببيّة كما تقدّم منعها في الوضعيّات لما تحقّق من عدم كون السببيّة كالمانعيّة والشرطيّة والجزئيّة مجعولة بل بمعنى حكم الشارع بتحقّق المسبب والمشروط وترتيب المسبّب عند تحقّق السبب وإلاّ فليست السببيّة قابلة للجعل كما انّها ليست بأمر تكويني بل يجعل وينشئ الشارع المسبّب والمشروط وغير ذلك عند تحقّق ما ذكرنا والمقصود مجرّد اشارة إلى ذلك وإلاّ فقد تقدّم تفصيله في بحث أحكام الوضع .

فتحصّل ممّا ذكرنا عدم الفرق بين أن يكون مجرى القاعدة الوضعيّات أو التكليفيّات لوحدة لسانها ومؤدّاها في الجميع وما ذكره المحقّق النائيني واستشكل في الوضعيّات لاينبغي الالتفات إليه بعد وضوح عدم الفرق في مؤدّى هذه الأخبار ( لا يخفى ان مقصود المحقّق النائيني(1) المجادلة مع الخصم لا انّه بصدد قبول هذا في التكاليف دون الوضع فتدبّر في المقام ) .

لكن التحقيق في رفع الاشكال أن يقال ان المستفاد من الأخبار قاعدة

ص: 536


1- . فوائد الأصول 4/621 .

واحدة وهي المضيّ عند الشكّ في تحقّق الشيء بلا فرق بين أن يكون جزءا أو شرطا أو نفس المركب والكلّ وان الشكّ في الكل أيضا مرجعه إلى الشكّ في الوجود ولا احتياج إلى الجمع بين مفادي كان التامّة والناقصة في الشيء بل الشيء يشمل كلا الموردين لرجوع الشكّ في صحّه الموجود والكل الى الشكّ في تحقّق شرط أو جزء انيط صحّة الكل به وإنّما هذا الشكّ ينشأ من ذلك فاذا جرى الأصل في السبب يرتفع موضوع الشكّ المسبّبي ولو لم يرتفع أيضا لا نحتاج إليه بعد تحقّق المصداق وحصول المركّب جزء بالوجدان بالنسبة إلى غير الجزء والشرط المشكوك وهو بالأصل .

فاذا شككنا في تحقّق الستر الذي هو شرط في الصلاة من أوّلها إلى آخرها فلا مانع من اجراء القاعدة لحصوله والصلاة بالوجدان مأتي بها خصوصا اذا لم نعتبر كون الشاكّ ملتفتا إلى أجزاء العمل والتصدّي لخصوصيّاته حين ابتداء العمل لاتيانه وإلاّ ففيما إذا ذكر كونه متستّرا في أوّل الصلاة وكذلك بالنسبة إلى ساير القيود جزءا أو شرطا وذلك لكون الشيء شاملاً له بل نقول بجريان القاعدة في كلّ ما يكون مصداقا للشيء مع مساعدة العرف كالآية والكلمة بعد الدخول في الكلمة اللاحقة ولا يرد اشكال اثبات القاعدة لصحّة مجموع العمل لاندفاعه بكون جريان القاعدة إنّما هو لاثبات المشكوك على ما هوينبغي أن يؤتى به بقيوده وحدوده كما إذا شكّ في التشهّد بعد الدخول في الغير وتيقّن باتيان باقي أجزاء الصلاة وإلاّ فيلزم لغويّة القاعدة وعدم ترتّب أثر على جعلها وهو كما ترى . بل لا مانع من اجرائها في نفس أجزاء الكلمة الواحدة لو ساعد العرف على كون المشكوك مصداقا للشيء للشكّ في تحقّق الموالاة المفوّتة للكلمة أو لتحقّق إيّاك

جريان قاعدة التجاوز في أجزاء الصلاة

ص: 537

بفتح الهمزة أو بكسرها بعد لزوم الاتيان بها مكسورة .

والحاصل ان ذلك كلّه لا مانع من كونها موردا ومجرى للقاعدة وأمّا في السبب لو كان مثل الموالاة استفيد من الأدلّة كونها واجبة أو في المسبّب لو لم تجر في السبب لرجوع الشكّ إلى تحقّق الوجود على ما بيّنّا وذلك كلّه إذا دخل في الغير سواء الغير اللاحق أو اللاحق للأحق وهكذا هذا كلّه .

لكن الكلام والاشكال في ان الظاهر من الأخبار عد الاجزاء من الصلاة شيئا وإن كانت اجزاء المركّب بخلاف الوضوء فعدّ كلّه عملاً واحدا فلابدّ من العلاج على تقدير تحقّق المعارضة .

نتيجة واستنتاج قد قرّبنا اتّحاد القاعدتين أي اتّحاد ما يستفاد جعله من القاعدة من الأخبار الواردة في الباب وأورد على ذلك بخمسة وجوه:

الأوّل: ان اتّحاد القاعدتين يستلزم لحاظ الشيء بسيطا ومركّبا بمعنى جعل الوجود في صورة حاصلاً ممهّدا لشيء آخر وفي أخرى لا كذلك بل إنّما هو في نفس الوجود ولا يمكن الجمع بينهما في كبرى واحدة كما هو مدّعى اتّحاد القاعدتين وما هو المستفاد من أخبار الباب .

والثاني: اندراج الجزء من العمل كالركوع في كلّه من حيث انه عمل واحد له أجزاء تركيبيّة اعتباريّة اندكاكيّة في جنب لحاظ الكل فلا يمكن بهذا اللحاظ لحاظ الأجزاء بحيالها .

فالمراد من الشيء في قوله(1) إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه أو إذا

ص: 538


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

شككت(1) في شيء ودخلت في غيره وأمثال ذلك من أدلّة الباب إمّا أن يكون بالنسبة إلى المركّبات الاعتباريّة وهو الكل وأمّا هو الاجزاء فعلى الأوّل تختصّ بقاعدة الفراغ عن مجموع العمل وعلى الثاني يصطلح عليه قاعدة التجاوز ولابدّ في هذا الاشكال من ضمّ كون الفرق مفهوما بين الجزء والكل ملحوظا في مفهوم الشيء والاّ فلو كان ما ذكر واشير إليه من خصوصيّة الكلّ والجزء من الخواص لمصداقيّة الشيء التي لا ربط لها بلحاظ المفهوم وسيعا أو ضيّقا فلا يتمّ كما هو واضح .

الثالث: لزوم التناقض في مدلول الأخبار مع فرض شمول الشيء للكلّ كما يشمل الجزء ومورد التناقض هو جزء العمل حيث ان مقتضى دخوله في الغير بالنسبة إليه لابدّ من الجواز وعدم الاعتناء ومن حيث انه جزء للمركّب ولم يتجاوز عن محلّه فيدخل في عموم قوله ( إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه )(2) ولابدّ من الاعتناء فلو كان هناك أظهر وظاهر ليمكن الجمع العرفي فهو وإلاّ فيلزم التعارض كما ذكرنا .

الرابع والخامس: ان التجاوز في جزء العمل كالركوع والتشهّد إنّما يتحقّق بالتجاوز عن محلّ الجزء المشكوك فيه بخلاف الكلّ فان التجاوز إنّما يتحقّق فيه بالتجاوز عن نفس العمل وأيضا متعلّق الشكّ في الجزء هو نفسه بخلاف الكل فانّه ليس مشكوكا فيه بل المشكوك بعض أجزائه أو حصول بعض شرايطه ولا يتمّ هذان إلاّ بضميمة ما ذكرنا في الاشكال الثاني من لزوم لحاظ ذلك في مفهوم

اشكالات اتّحاد القاعدتين

ص: 539


1- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ إذا خرجت من شيء إلخ .
2- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

التجاوز كي يلزم ما تعقب هذا الاشكال وفي مفهوم الشيء كي يلزم المحذور المتعقّب لقولنا أيضا .

والحاصل ان الكلّ ظرف الشكّ والجزء متعلّق الشكّ ولا يخفى ان

الاشكالات حيث أوردت على تقدير وحدة الكبرى فلابدّ من الكلام في استفادة الوحدة والتعدّد وأيضا ان بناء الاشكالات على ذلك فلو التزم بتعدّد الكبرى ارتفعت والتزم بعض الأعلام(1) بتعدّد الكبرى في هذا المورد ولم يلزم عليه شيء منها وجمع المحقّق الهمداني بكون المستفاد من الأخبار هو عدم الاعتناء بالشكّ بعد تجاوز محلّه والشيء يشمل الأجزاء غاية الأمر خرج باب الوضوء بالتعبّد الشرعي فلابدّ في الشكّ في أثنائه من الاعتناء والعمل على ما يقتضيه القاعدة والأخبار وان باب الصلاة على وفق القاعدة فان شكّ في الركوع أو السجود أو غيرهما من أجزائها وقد دخل في غيره اللاحق وحدث الشكّ حينئذٍ أو بعد ذلك فلا يعتني به لانطباق أخبار الباب على ذلك وعكس هذا المعنى المحقّق النائيني قدس سره (2) وادّعى ان المستفاد من أخبار الباب إنّما هو قاعدة واحدة كما هو مدّعى المحقّق الهمداني غاية الأمر ان باب الصلاة إنّما خرجت بالتعبّد حيث ان المراد من الشيء لو فرض في باب المركّبات هو العمل باللحاظ التركيبي لا أجزائه قبل التركيب كما يدّعيه المحقّق الهمداني ثم¨ أجاب عن الاشكالات على

ص: 540


1- . بل هو مختار جمع منهم المحقّق السيّد الحكيم أعلى اللّه مقامه على ما يظهر كلامه في مسائل الشك في الوضوء في المستمسك شرح المسئلة 45 فصل شرايط الوضوء والسيّد المحقّق البجنوردي قدس سره في القواعد الفقهيّة 1/269 وما بعده في قاعدتي التجاوز والفراغ وشيخ مشايخنا الآقا ضياء العراقي . نهاية الأفكار 4/291 وكذا السيّد الجليل الخوئي قدّس أسرارهم . مصباح الأصول 48/335 .
2- . فوائد الأصول 4/623 - 624 .

هذه الدعوى إلاّ انّه قد ذكرنا الجواب عن الاشكال الأوّل سابقا وان مرجع الشكّ في صحّة الكلّ هو الشكّ في نقصان شرط أو فقدان جزء فاذا كان الشّك السببي موردا للقاعدة مجرى لها فلا موقع للشكّ المسبّبي ولا يلزم استعمال الشيء بلحاظيه الاستقلالي والاندكاكي في الاشكال الثاني كما هو مبنى الاشكال وكذا لا يبقى مورد للتناقض وأن يكون جزء العمل موردا للتعارض . وبما ذكرنا أيضا يعرف وجه اندفاع الاشكالين الأخيرين في كون متعلّق الشكّ في الجزء هو نفسه بعد التجاوز عن محلّه بخلاف الكل فانّه ظرف للمشكوك بعد التجاوز عنه نفسه .

والحاصل انّه لو كان المركّب الاعتباري كالمركّب الخارجي والمعاجين

الخارجيّة كي يزول أثر كلّ جزء باستقلاله ويتحصّل حقيقة خارجيّة مؤلّفة مركّبة واحدة لها خاصّة وأثر خاص كان لما ذكر في الاشكال الثاني وجه وإلاّ فقد عرفت عدم ورود الاشكال أصلاً غاية الأمر لابدّ من رفع الاشكال في رواية زرارة(1) الواردة في باب الوضوء وموثقة ابن أبي يعفور(2) حيث ان باب الصلاة

لوحظ فيه الأجزاء أعمالاً مستقلّة بخلاف باب الوضوء فلابدّ اما من الالتزام بوحدة الكبرى في البابين وتخصيص المورد والأخذ برواية باب الصلاة أو برواية باب الوضوء أو يكون المراد من الشيء في رواية باب الوضوء هو المركّب لا ما يشمل الأجزاء وفي باب الصلاة الأعم فيبقى ما لا يدخل تحت أحد الموردين خارجا عنهما فلابدّ من الالحاق إمّا بهذا أو ذاك كباب التيمّم والغسل والحج والمعاملات الا انّه قد ذكرنا سابقا وجه الجمع بينهما وأن يكون رواية زرارة(3)

ص: 541


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .

مفسّرة لأحد الخبرين من حيث اجماله واحتمال أن يكون من في قوله ( إذا شككت في شيء في وضوئك وقد دخلت في غيره )(1) بيانيّة ويحتمل أن يكون تبعيضيّة ويوافق أخبار باب الصلاة فيفسّرها رواية زرارة المفصّلة المتقدّمة ويأتلف أخبار الباب فراجع ما ذكرنا أوّل البحث .

تتميم وطور آخر من البيان: أنكر المحقّق الهمداني(2) استفادة الكبرى الكليّة في باب الصلاة بخلاف باب الوضوء وقد عرفت مؤدّى خبر زرارة(3) المفصّلة الواردة في باب الوضوء وكذا ما تقدّم من روايته في باب الصلاة وان ظاهر بل صريح الاولى اعتبار الشكّ في أثناء الوضوء مادام لم يفرغ ولم يقم منه وان الثانية تدلّ على عدم الاعتناء بالشكّ في اجزاء العمل إذا كان في أثنائه بناءً على كون ما في ذيل كليهما كبرى كلية فيتخالف مدلول الكبريّين في خصوص الشكّ أثناء العمل إلاّ ان كلتا الطائفتين متّفقتان في عدم اعتبار الشكّ بعد الفراغ .

أمّا رواية زرارة(4) الواردة في باب الوضوء فظاهر وأمّا رواية الصلاة(5) فبالأولويّة حيث ان الشكّ في جزء العمل لو تجاوزه لم يعتبر ويعتن به فبالاولى بعد الفراغ عن العمل وصار في حال اخرى وعلى تقدير عدم استفادة الكلية من قوله ( إذا شككت في شيء ثمّ دخلت في غيره فليس بشيء في رواية الصلاة

كلام المحقّق الهمداني

ص: 542


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . مصباح الفقيه 3/181 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
5- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ: إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكك ليس بشيء .

وقوله في ذيل رواية باب الوضوء ولا يخفى انه ليس لخبر زرارة(1) في باب الوضوء ما يمكن أن يدّعي فيه الكبرويّة وإنّما هو في موثق ابن أبي يعفور وهو قوله ( إذا شككت(2) في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه ) وهذا يمكن استفادة قاعدة التجاوز منه بناءً على كون شيء من الوضوء بعض أجزائه ومن تبعيضيّة والمراد بالغير غير ذلك الجزء فاذا كان في غسل اليدين وشكّ في غسل الوجه فمقتضى ما ذكرنا عدم الاعتناء به فيخالف رواية زرارة(3) من الاعتناء بالشكّ في أثناء الوضوء لكنّه على تقدير عدم استفادة الكليّة فيعمل بكلتا الروايتين كلّ في بابها فرواية الوضوء يعمل في بابه وكذا رواية الصلاة(4) ويبقى باقي الأبواب من التيمّم والحج والعمرة والغسل على مقتضى القواعد الأوّليّة من الشكّ في الامتثال الموجب للزوم الاتيان والاعادة أداءً لحقّ الاشتغال فاذا كان الفاصلة بين الرأس والرقبة وما بين الطرف الأيمن في الغسل كثيرا بحيث يمكن أن يستند إليها في كون غسل الرأس والرقبة عملاً مستقلاً فلا دليل يعتدّ به يدلّ على الجواز والمضيّ وعدم لزوم الاعادة إلاّ انّه يمكن كون من في رواية ابن أبي يعفور(5) بيانيّة أو تبعيضيّة لكن المراد بالغير ومرجع الضمير هو الوضوء ومعنى الرواية على هذا .

( إذا شككت في شيء من أجزاء الوضوء وقد دخلت في غير الوضوء فلا

ص: 543


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

يعتني بشكّك ويكون المراد من قوله إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه في مورد الوضوء ( إذا كنت في شيء من أجزائه لم تجز ذلك الغير ومحلّه حيث انّه لا معنى لرجوع الضمير إلى نفس الشيء ضرورة عدم معنى للشكّ في غسل الوجه مع كونه فيه وانّه جازه كي لا يعتني بالشكّ فلابدّ من ارادة الغير من مرجع الضمير وحينئذٍ فيصير المعنى إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجز ذلك الغير لا ذلك الشيء واستحسن سيّدنا الأستاذ قدس سره ابدال قوله إنّما الشكّ في رواية ابن أبي يعفور(1) بقوله لأنّ الشكّ كي يرتبط كثيرا بالمقام ويصلح تعليلاً له فتدبّر .

تتميم وتذكرة: قد تقدّم ذكر رواية زرارة(2) قال علیه السلام ( إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله وتمسحه ممّا سمّي اللّه ما دمت في حال الوضوء فاذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال اخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه فان شككت في مسح رأسك فاصبت في لحيتك بلّة فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك وإن لم تصب بللاً فلا تنقض الوضوء بالشكّ وامض في صلاتك وإن تيقّنت انك لم تتمّ وضوئك فأعد على ما تركت يقينا حتّى تأتي على الوضوء الحديث .

وقوله فان شككت في مسح رأسك الخ حملوه على الاستحباب كما انه في بعض الروايات الاخر كان الامام علیه السلام جعل برد الماء على الموضع علامة لغسله فلا يعتني بالشكّ فيه .

مفاد رواية زرارة في الوضوء

ص: 544


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 .

فعن الواسطي(1) عن بعض أصحابه قلت لأبي عبداللّه

علیه السلام: جعلت فداك اغسل وجهي ثمّ اغسل يدي فيشكّكني الشيطان اني لم أغسل ذراعي ويدي قال: إذا وجدت برد الماء على ذراعيك فلا تعد .

وقد تقدّم سابقا بعض الكلام أو عمدته في رواية زرارة(2) وعرفت دلالتها على اعتبار الشكّ في أجزاء الوضوء مادام في حاله قاعدا عليه .

نعم إذا فرغ منه وقام عنه وصار في حال اخرى فلا يعتني بالشكّ إلاّ في خصوص مسح الرأس من ذيل الرواية وعرفت الكلام فيها ( بل نفس الذيل فيه امارة الاستحباب حيث انه جعل لزوم المسح على الرأس والرجلين دائرا مدار وجود البلّة في اللحية وهو كما ترى ليس إلاّ للاستحباب وكذا عرفت الكلام في موثقة ابن أبي يعفور على ما يوافق هذه الرواية وكذا على مخالفتها وعرفت كيفيّة ذلك فيهما .

وهناك روايات آخر(3) منها: موثقة سماعة عن الباقر علیه السلام: ( كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو ) .

وقال الصادق علیه السلام في رواية اخرى(4): ( كلّما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا اعادة عليك فيه ) ويمكن حمل من في هذه الأخيرة على التبعيض وعليه يكون مقتضاها عدم الاعتناء بالشكّ في جزء العمل من الصلاة والطهارة بأقسامها لعموم الطهور لها من الغسل والوضوء والتيمّم إذ المراد بقوله

ص: 545


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/4 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 .
3- . الوسائل 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة والرواية عن محمّد بن مسلم .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .

فذكرته تذكرا احتملته احتمالاً أي احتملت اتيانه ومن المعلوم ان ذلك في مورد الشكّ فأمر بالامضاء وعدم الاعادة فيستفاد منه قاعدة التجاوز في الصلاة والوضوء ويمكن حمل من على البيانيّة وعليه فالمراد والمستفاد هو قاعدة الفراغ فاذا شكّ في اتيان جزء من أجزائها أو قيد من قيود الصلاة أو الطهارة فيمضي ولا يعيد وعلى هذا المعنى لا ينافي هذه الرواية رواية زرارة(1) المتقدّمة لأن موردها بعد الفراغ ومورد تلك في أثناء العمل ولم يدخل في غيره أي غير الوضوء كما انّه بناءً على احتمالها لكون المراد منها الشكّ في اتيان اصل الصلاة والطهور .

والمراد من قوله كلّما مضى من صلاتك أي مضى عن وقته أو مضى وقته كأنّه يشكّ بعد المغرب انه صلّى الظهر أو العصر أم لا فيمضي ولا اعادة عليه لأنّه ذكره تذكّرا .

أمّا دعوى كون المستفاد منها قاعدة الفراغ في الأجزاء لو ثبتت بتقريب ان قوله كلّما مضى من صلاتك(2) المراد بالموصول الجزء منها ومن للتبعيض كما إذا يشكّ في الركوع بعد أن دخل في السجود في انه اتى بالركوع صحيحا أم لا وهذا المعنى مستلزم لليقين بالاتيان والشكّ في الصحّة ولا يرتبط بما إذا شكّ في أصل الوجود مدفوعة برجوع الشكّ في الصحّة أيضا إلى الشكّ في الاتيان كما ذكرنا سابقا وقوله فذكرته تذكّرا مطلق سواء كان التذكر بعد الدخول في اللاحق أو في الجزء الأخير أو بعد الفراغ من الصلاة والطهور أو بعد أيّام لصدق المضيّ في كلّ ذلك . ثمّ انّه إذا كان المراد بالرواية ما ذكرنا أوّلاً من كون من للتبعيض فيمكن

الجمع بين الروايات

ص: 546


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .

تطبيق رواية ابن أبي يعفور(1) عليها بأن يكون قوله فيها إذا شككت في شيء من الوضوء المراد بالشيء هو الجزء والغير غير هذا الجزء فمقتضى ذلك المضي وعدم الاعتناء بالشكّ إذا كان قد دخل في غير المشكوك فيوافق هذه الرواية بخلاف قوله: ( كلّما شككت(2) فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو ) لاستفادة قاعدة الفراغ منه وعلى هذا فذيل رواية ابن أبي يعفور(3) ( إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه . الشكّ قبل الدخول في الغير هذا إلاّ انّه يعارض ما ذكرنا على تقدير ظهورها في عدم اعتبار الشكّ في أثناء الوضوء والمضي رواية زرارة المصدر بها البحث وفيها جهات من الدلالة في لزوم الاعتناء بالشكّ في أثناء العمل لقوله مادمت في الوضوء لو قلنا بأن له مفهوما فانّه يكون إذا لم تكن قاعدا بل قائما عنه وفارغا منه وهو منطوق قوله فاذا قمت منه وكذا لو كان لقوله فاذا قمت مفهوم كما هو الظاهر يكون هو منطوق قوله مادمت في الوضوء وإن كان لرواية زرارة(4) اطلاق فيشمل اعتبار الشكّ ولزوم الاعتناء به فيما إذا شكّ في غسل الوجه وهو في مسح الرجل بخلاف رواية ابن أبي يعفور لقوله فيها(5) إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه أي لم تدخل في غيره وفي غسل الوجه قد دخل في الغير فحينئذٍ يتعارض الروايتان إلاّ أن يمنع من ذلك ويقال بعدم ظهور الموثقة فيما ذكر بل موردها الشكّ في أصل الوضوء والدخول في غيره .

ص: 547


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
5- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

ويوافقها قوله: كلّما(1) مضى من صلاتك وطهورك لكون الظاهر ان من للبيانيّة لكن على هذا تتحقّق المعارضة بين الموثقة لكون قوله إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه أي في عمل لم تجز ذلك العمل كالوضوء ويكون رواية زرارة مفسّرة له وبين رواية زرارة(2) الواردة في باب الصلاة ( يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ) إلاّ ان كلتيهما أي رواية زرارة في باب الصلاة والموثقة متّفقتان على المضي بعد الفراغ من مجموع العمل وإنّما مورد المعارضة هو جزء العمل في أثنائه وبعد التساقط يكون المرجع هو الأصل العملي وهو الاعتناء بالشكّ إذا لم يكن هناك عام فوق هذا .

ومن الروايات قوله في رواية بكير بن أعين(3) في الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ هو حين ما يتوضّأ اذكر منه حين ما يشكّ وظاهرها الفراغ من الوضوء والتعليل ناظر إلى كونه ملتفتا حين العمل فلعلّه قد أتى ولكن بعد الفراغ نسيه .

فعلى هذا يختصّ بما إذا احرز كونه بصدد اتيان العمل وعدمه من حيث احتمال النسيان لما ابتدء به عن القصد الأوّل .

تتميم: لا يخلو عن تكرار: لا يخفى عدم اشتمال رواية زرارة(4) الواردة في باب الوضوء لكبرى كلية بل إنّما اشتملت على خصوص اعتبار الشكّ في حال الوضوء وانّه مادام في حاله لو شكّ في بعض ما سمّى اللّه عليه يجب عليه الاعادة له ولما يترتّب عليه سواء دخل في الجزء اللاحق له أو لم يدخل مادام في حاله

اختلاف مفاد الروايات

ص: 548


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/7 من أبواب الوضوء .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .

ولم يتجاوز عنه إلى حال آخر من صلاة ونحوها .

اما ذيل رواية(1) ابن أبي يعفور فيعطى كبرى كليّة وهي انحصار اعتبار الشكّ فيما إذا لم يتجاوز عن الشيء أي عن محلّه وهذه قاعدة كلية سواء سمّيناها بالتجاوز أو الفراغ ويستفاد منها عدم اعتبار الشكّ بعد الفراغ بالأولويّة حيث ان عدم اعتبار الشكّ بعد الدخول في الغير لو كان مناط القاعدة فبعد الفراغ تحقّق ذلك المعنى بالأحسن وعلى هذا فيوافق رواية زرارة(2) الواردة(3) في باب الصلاة فان المسلم استفادة قاعدة التجاوز في الأجزاء من تلك الرواية وتتحقّق المعارضة بعد استفادة الكبرى من رواية ابن أبي يعفور(4) بينها وبين رواية زرارة(5) الواردة في باب الوضوء ولا اشكال في ذلك لو جاز تخصيص المورد يكون رواية زرارة بالنسبة إلى ذيل الموثقة خاصّا فتخصّصه في خصوص الوضوء فالشكّ مطلقا في حاله معتبر .

وأمّا باقي الأعمال من العبادات الحجّ والعمرة والغسل والصلاة فداخلة تحت الكبرى ولا اعتبار للشكّ في أجزائها في الأثناء بعد تحقّق الدخول في الغير لعدم اشتمال رواية زرارة على كبرى كلية هو اعتبار الشكّ في أثناء العمل كي تعارض الموثقة . هذا .

ويمكن أيضا على تقدير عدم حسن تخصيص المورد وعدم مساعدة

ص: 549


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وهذا عكس ما أفاده في المصباح من عدم استفادة الكلية من رواية باب الصلاة واستفادتها من باب الوضوء هو قاعدة الفراغ .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
5- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .

الاعتبار والعرف عليه مع بقاء الكبرى على كبرويّتها وعدم انثلام ظهورها في ذلك تخصيص صحيحة زرارة(1) أي في باب الوضوء بالموثقة(2) حيث ان ما دمت في الوضوء مطلق شامل لما إذا شكّ في غسل الوجه واليدين ودخل في غيره أو لم يدخل فعن هذه الجهة لها اطلاق بخلاف الموثقة فاعتبر الدخول في الغير في الغاء الشكّ فهي بالنسبة إلى تلك مقيّد فيقيد اطلاقها باعتبار الشكّ إذا لم يتجاوز المشكوك ولم يدخل في الغير أمّا إذا دخل فيه وتجاوز المشكوك فلا عبرة بالشكّ وعلى هذا فلا يلزم تخصيص المورد فحينئذٍ لا يستفاد من مجموع هذه الروايات إلاّاعتبار قاعدة التجاوز والفراغ بالأولويّة في كلّ عمل سوى الوضوء وعلى ذلك يمكن تنزيل باقي الروايات الاخر من قوله ( كلّ ما(3) مضى من صلاتك وطهورك الخ ولو لم يكن مستفادا منها ذلك فلا أقل من استفادة قاعدة الفراغ وعدم المعارضة لما استفيد منها أي قاعدة التجاوز .

اللهمّ إلاّ أن يمنع اطلاق قوله مادمت في الوضوء في الصحيحة وكذا لا دلالة لشيء آخر من قوله وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه لدلالة قوله مادمت بالوضع على اعتبار الشكّ إلى الفراغ من الوضوء وليس ذلك بالاطلاق القابل للتقييد كي يقيّده رواية ابن أبي يعفور .

فعلى هذا لا محيص إلاّ عن تخصيص الموثقة(4) وهو أيضا لا يساعد عليه الاعتبار خصوصا بعد عدم ظهور معتدّ به لاحتمال كون من للبيانيّة وللتبعيضيّة

استفادة قاعدة التجاوز

ص: 550


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/6 .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

وعلى تقدير التبعيض يحتمل رجوع ضمير غيره إلى الوضوء كما لا يبعد ظهور من للتبعيض لا البيانيّة وإلاّ لقال إذا شككت في الوضوء ودخلت في غيره والظاهر عدم نكتة في البيانيّة كما في قوله تعالى: « فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ »(1) .

فاذا كان للتبعيض ورجع الضمير في غيره إلى الشيء يفيد قاعدة التجاوز الموافقة لرواية باب الصلاة وإذا رجع الضمير إلى الوضوء على التبعيضيّة أو البيانيّة

فلا يعطى إلاّ عدم اعتبار الشكّ بعد الفراغ والدخول في الغير وحيث ان المورد لابدّ أن يكون من صغريّات الكبرى ومن جزئيّاتها فعلى هذا يكون مفاد الذيل اعتبار الشكّ في أثناء عمل لم يتجاوز عنه كائنا ما كان وعلى تقدير منع الكبرويّة في قوله علیه السلام: يا زرارة(2) إذا شككت في شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء بل إنّما قال الامام علیه السلام ذلك ابتداءً بعد سؤال زرارة عن عدّة اُمور في أجزاء الصلاة وعن مقدّماتها من الأذان والاقامة وسكت فأعطاه الامام علیه السلام قاعدة كليّة وضابطة كذلك لخصوص باب الصلاة وإلاّ فلو سأل زرارة عن الشكّ في فصل من فصول الأذان أو في السورة أو في الحمد أو في غيره من أجزاء الصلاة كلّ ذلك بعد الدخول في اللاحق أو تجاوزه عن اللاحق لاجابه بالمضي وعدم الاعتناء . هذا فلا تدلّ هذه الرواية على أزيد من عدم اعتبار الشكّ في أجزاء الصلاة بعد الدخول في الغير وتحقّق التجاوز ولا أقل من الشكّ ولا ينعقد معه ظهور في العموم فيبقى رواية ابن أبي يعفور(3) ظاهرة بحسب ذيلها في اعتبار الشكّ في الشيء ما لم يتجاوز ذلك الشيء أي ذلك العمل كان يشكّ في وضوئه ولم يجزه أو في

ص: 551


1- . سورة الحج: 31 .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

الصلاة .

غاية الأمر بالنسبة إلى باب الصلاة تكون رواية زرارة مخصّصة له كما هو واضح .

ومعنى قوله إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه أي حدوثه تحقّق في حال الاشتغال بالشيء وعدم التجاوز عنه وحينئذٍ فيكون قرينة على صدره وإن المراد بالغير غير الوضوء لا غير المشكوك من الوضوء .

وعلى كلّ فالمتحصّل من مجموع ما ذكرنا استفادة قاعدة الفراغ من الأخبار وعدم استفادة اعتبار قاعدة التجاوز الا في خصوص الصلاة فلاحظ وتدبّر(1) .

واستفادة قاعدة التجاوز وكلية الكبرى منها السارية في جميع الأبواب من الصلاة وغيرها مشكل لصلوح قرينيّة الموجود لكون قوله: يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء في صحيحة باب الصلاة مختصّا بها بحيث لا يتعدّى منها إلى غيرها والشيء تعميم لما لم يتعلّق به سؤال زرارة من الشكّ في السورة والدخول في القنوت والشكّ في السجدة بعد الدخول في التشهّد وهكذا .

نعم قاعدة الفراغ لا تختصّ بباب دون باب لاستفادة الكلية من قوله في موثقة ابن أبي يعفور إنّماالشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه وإن كان يحتمل اختصاص الشيء أيضا باجزاء الوضوء وشرايطه دون مطلق الشيء كي يتعدّى فحينئذٍ لا كبرى في غير بابه فيبقى غير الصلاة والوضوء على مقتضى الأصل من

ص: 552


1- . قد ذكرنا سابقاً تعدد القاعدتين وعموم قاعدة الفراغ للأجزاء أيضاً كما عليه غير واحد من المحقّقين .

الاعتناء بالشكّ للشكّ في الامتثال وفي حصول النتيجة والمسبّب عند الشكّ في تماميّة السبب .

وصحيحة زرارة(1) الواردة في التفصيل في الوضوء بين صورة الفراغ فشكّه لا يعتني به وبين عدم الفراغ فيعتني به ليست مذيلة لكبرى ( وقوله كلّ ما مضى من صلاتك وطهورة فامضه كما هو ) يحتمل القاعدتين التجاوز والفراغ وعلى تقدير كونها للتجاوز فلابدّ أن تخصّص بالنسبة إلى الوضوء بصحيحة زرارة(2) ويبقى الغسل والتيمّم كالصلاة فليعتبر قاعدة التجاوز فيها لكنّه على تقدير الظهور ولو لم يكن قاعدة الفراغ بالنسبة إليه أنسب فلا أقل من الشكّ كما انّه

يمكن ظهور الموثقة(3) في العموم لقاعدة التجاوز والمراد بالشيء كلّ ما يكون شيئا ولو من أجزاء العمل والجواز عنه باعتبار الجواز عن محلّه ومرجع الضمير في غيره الشيء من الوضوء أي جزئه الا ان الظاهر ان صحيحة زرارة(4) إمّا ظاهرة في اختصاص كبراها بباب الصلاة واعتبار التجاوز بالنسبة إلى هذا الباب فقط أو يشكّ في عمومها لغير الصلاة فيبقى بلا دليل .

ولا خفاء في صلاحيّة صحيحة الوضوء لتفسير الموثقة(5) وإن المراد إذا كنت في شيء لم تجزه في عمل لم تتجاوز عنه ولم تفرغ منه وحينئذٍ فيكون الذيل مفسّرا للصدر ويعيّن ان مرجع الضمير هو الوضوء لا جزئه .

تماميّة القاعدتين الفراغ لكلّ عمل والتجاوز للصلاة

ص: 553


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 .

والحاصل ان من ضمّ هذه الأخبار بعضها إلى بعض يتحصّل ما ذكرنا وملخّصه تماميّة قاعدة الفراغ بالنسبة إلى كلّ عمل واختصاص قاعدة التجاوز بخصوص الصلاة أو يقال كما عن المحقّق النائيني قدس سره (1) ان أجزاء الصلاة نزّلت منزلة تمام العمل وعلى هذا المعنى فقد يشكل الأمر في مثل الطواف والسعي والرمي ممّا هي أجزاء للحجّ وليست أعمالاً تامّة .

والظاهر جريان القاعدة بالنسبة إليها فلابدّ في باب الطواف إمّا من التمسّك بالتنزيل المشهور ( الطواف بالبيت صلاة )(2) ويحتمل أن يكون الخبر في الطواف

بالبيت صلاة كما في الجواهر(3) أو الثابت كليهما .

والحاصل لم يجزم بكون التنزيل ثابتا .

وعلى أيّ حال فالنتيجة ما ذكرناه .

نعم بقي الكلام في بيان المجعول في القاعدتين وهل هو تصرّف في مقام الامتثال أو جعل البدل غاية الأمر البدل الطولي أو الترخيص في ترك الواقع لا العزيمة وجوه والمراد بالأوّل هو القناعة في مقام الامتثال بالاحتمالي منه وإن ذلك حكم العقل .

نعم بالنسبة إلى اعتبار الشكّ في الأثناء يكون ارشادا إلى حكم العقل ضرورة لزوم الخروج عن عهدة التكليف بافراغ الذمّة والمراد بجعل البدل أن يكون هذا المأتي به مقام الواقع كائنا ما كان لكنّه ليس في عرض الواقع بل في طوله إلاّ انّه ليس بدلاً مطلقا بل في حال عدم انكشاف الخلاف .

ص: 554


1- . فوائد الأصول 4/624 - 625 .
2- . مستدرك الوسائل 9 الباب 39/2 من أبواب الطواف .
3- . جواهر الكلام 1/14 وفي موضعين استدلّ بالرواية المشهورة 19/270 - 308 .

وعلى الثالث يكون مثل ساير الترخيصات الواردة في الأبواب المختلفة كالشبهة البدويّة غاية الأمر لو لا حكم الشارع بالترخيص لم يكتف العقل بمشكوك الامتثال .

وفي صورة انكشاف الخلاف لابدّ في الاكتفاء بما أتى به من مراعاة المصلحة الباقية وهل هي بنحو يستحب اعادة العمل معها أو يلزم استيفاء المصلحة بتّا بحيث لابدّ من اعادة العمل إلاّ أن يقوم دليل ثانوي على عدم الاعادة مثلاً في غير الأركان وإلاّ فظاهر الدليل يقتضي دخل ما اعتبر فيها على نحو الركنيّة .

هذا كلّه على تقدير تعين الامتثال بتصحيح العمل المورد للبحث الذي وقع الشكّ فيه كما في صلاة الاحتياط ومثل السجدات والتشهّد التي تقضي بعد الصلاة أو لا معنى للقضاء بل تبدّل التكليف بتبدّل المكان فوجب اتيانه بعد السلام ولو في مثل صلاة الاحتياط بعد تخلّل المنافي عند بعض لأنّ الفرض انتقل وتعيّن في خصوص ذلك لكن لا يساعده الدليل إلاّ في ما لم يتخلّل المنافي .

وأمّا لو قلنا بأن ورود الترخيص في أمثال هذه الأبواب نظير موارد العسر والحرج والضرر وأمثالها من العناوين الامتنانيّة كما عن جماعة أو بعض من المتقدّمين المقاربين لعصرنا وان الشارع أجاز ورخّص المكلّف في الاكتفاء بهذا النحو من الامتثال وقنع عنه به تسهيلاً ومنة عليه فلو شاء أن يعيد العمل ولو في باب صلاة الاحتياط يعيد الصلاة التي كان الشكّ فيها سببا لوجوب صلاة الاحتياط فلا وكانّ الآراء قد استقرّت في عصرنا بعدم كونها كذلك أي في ما نحن فيه لا مثل أبواب الحرج والضرر والعسر فقد اكتفى الحاج آقا رضا الهمداني قدس سره (1)

حاصل الجمع بين الأخبار

ص: 555


1- . مصباح الفقيه 6/144 - 145 - 150 وما بعده .

بالوضوء الضرري عن التيمّم ولم يوجب له ذلك لكن قد يشكل بكشف الملاك ولا يبعد كون هذه الموارد نظير التسعة المرفوعة منّة عن العباد لا أن يكون من باب انتقال الفرض وليس كذلك صلاة القصر كي يجوز له الاتمام وإن كان في ذهن الراوي بالنظر إلى الآية الشريفة ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )(1) الخ ذلك .

تنبيه وتذكرة: قد ذكر سيّدنا الأستاذ قدس سره انّه تتبع الأبواب وما وجد خبرا في باب يمكن الاستناد إليه في اجراء قاعدة التجاوز في غير باب الصلاة .

نعم رواية جابر بن إسماعيل(2) يمكن الاستناد إليها في ذلك والظاهر انّها معتبرة ( وصفها في المستمسك بالصحيح ) عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال: إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض كلّ شيء شكّ مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه .

وحيث ان اعطاء الحكم ابتداءً من الامام علیه السلام فيقوى كون الشيء في قوله كلّ شيء مطلق الشيء فيسري في ساير الأبواب من العبادات وغيرها في أثناء العمل إلاّ أن ذلك الاحتمال موجود بعينه هنا ومعه لا مجال لدعوى ظهور الشيء في العموم والاطلاق وليس غير رواية إسماعيل وصحيحة زرارة(3) في باب الصلاة والموثقة(4) ما يمكن كونه مدركا للعموم وقد عرفت تنقيح الكلام فيها والباقي ليس إلاّ في الموارد الجزئيّة وحينئذٍ فحاصل الجمع بين هذه الأخبار ان

ص: 556


1- . سورة النساء: 102 .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

للموثقة(1) عقدا سلبيّا وعقدا ايجابيّا فبالنسبة إلى العقد ( الايجابي ظ ) خرج باب الصلاة حيث انحصار كون الشكّ فيما إذا كان في شيء لم يجزه خصّص بها فليس الشكّ فيها شيئا إذا دخل في اللاحق للمشكوك .

وأمّا بالنسبة إلى العقد السلبي فلم يخصّص بشيء وهو ان الشكّ ليس بشيء إذا كنت جاوزت العمل وفرغت منه وكذلك على تقدير كون الموثقة(2) لاجزاء العمل فبالنسبة إلى الفراغ يدلّ بالأولويّة على عدم الاعتناء والمضي كالصحيحة في باب الوضوء . هذا .

بقي الكلام في نتيجة الأخبار والتعبير في بعضها فامض وليمض وفي اخرى إنّما الشكّ ليس بشيء سواء عمّمنا لمطلق الاجزاء في باب الصلاة أو خصّصناه بالأبواب فامّا أن يكون ذلك تصرّفا في حكم العقل الحاكم بلزوم الفراغ والامتثال ومقتضاه القناعة في مقام الامتثال بالاحتمالي أو يكون تقييد الواقع في صورة مصادفة ترك الواقع بالنسبة إلى ذلك الشخص ورفع الشرطيّة بالنسبة إلى الأجزاء والشرايط الباقية وجعل الباقي هو المأمور به مثلاً في باب الصلاة أو يكون ترخيصا في ترك الواقع .

غاية الأمر ان استمرّ الجهل والاشتباه يكون وافيا بتمام مصلحة المبدل منه وإلاّ فما دام لم ينكشف الخلاف وعلى كلّ حال فلا موجب لكون المجعول القناعة في مقام الامتثال حيث ان الشارع إمّا أن رفع اليد عن هذا الشيء في هذه الصورة أم لا وعلى تقدير عدم رفع اليد لا معنى للقناعة لاستلزامه لرفع اليد فلا يجتمعان

مقتضى الجمع بين الأخبار هل القناعة أو جعل البدل

ص: 557


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

ولا يبعد أن يكون ترخيصا كما في ساير الأصول مثل الاستصحاب فيكون ما يأتي به بدلاً طوليّا للواقع أو نظير بدليّة ركعتين في صورة القصر للاتمام أربع ركعات وإن كان المصلحة مستوفاة بأيّتهما وهما تكونان محصّلتين لها والمصلحة لا بدل لها .

وما نحن فيه يكون في طول الواقع وبدلاً طوليّا بالفرق بين صورة استمرار الجهل والاشتباه وعدم انكشاف الخلاف فبدلاً مطلقا أو إلى صورة كشف الخلاف فترخيص في تركه إلى هذا الحين .

تنبيه: سبق ذكر الذيل لقاعدة الفراغ من موثقة(1) ابن أبي يعفور باعتبار ذيلها وهنا رواية محمّد بن مسلم(2) والظاهر كما من كتب الحديث والاستدلال

انّها رواية مستقلّة لا ربط لها بغيرها بحيث يكون ذيلاً أو لها متمّم وهي موثقته عن

أبي جعفر علیه السلام ( كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو ) فهذا دليل على قاعدة الفراغ في جميع الأبواب وكلّ ما فرغ منه من عمل من الأعمال وأمّا رواية إسماعيل بن جابر(3) أو زرارة(4) فقد تقدّم عدم ظهورها إلاّ في خصوص قاعدة التجاوز .

تتمة: هل المراد من قول الشارع في مورد قاعدتي الفراغ والتجاوز هو الرخصة أو العزيمة فلا يجوز الاعتناء بالواقع سواء كان في مقام الثبوت ترخيصا في ترك الواقع أو تقييدا له أو جعل الباقي غير المشكوك المصادف للترك بدلاً عن

ص: 558


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .

الواقع كما في موارد القصر والاتمام تخييرا .

والحاصل: ان المولى بعد أن فرغ من تشريع التكاليف حسب ما يراه من المصلحة فيتحقّق حينئذٍ موضوع حكم العقل بوجوب الاطاعة وعدم جواز العصيان وترك المكلّف به فرارا عن استحقاق العقاب .

وعلى فرض ورود أمر أو نهي من الشارع في هذا المقام كأطيعوا اللّه ورسوله(1) ليس إلاّ ارشادا إلى حكم العقل لأنّ العقل ما لم يحصل المؤمّن من العقاب واستحقاقه عنده يحكم بلزوم الاطاعة وعدم جواز الترك والعصيان وبعد فرض ان في مورد قاعدة الفراغ والتجاوز يعلم الجزء المشكوك أو العمل المشكوك الصحّة أو الاتيان تفصيلاً وبحكمه فلابدّ من الامتثال القطعي خروجا عن ما ذكرنا فاذا فرض ان المولى رخّص في هذا الحال أي حال الشكّ في ترك الواقع ما لو لم يأت به حينئذٍ فلا الزام للعقل بلزوم تحصيل المؤمن باتيان العمل وامتثاله قطعا لحصول المؤمّن من المولى في ترك ما أمر به ورخصته في ذلك وهذا كما في ساير الأوامر الظاهريّة من موارد المشكوك فانّ المولى إمّا أن يتصرّف في الشكّ أو يبقيه على حاله ويجعل ترخيصا أو حكما آخر عليه من الاحتياط أو التخيير أو البقاء على الحالة السابقة أو غيرها من موارد الشبهات البدويّة كما في مجرى البرائة فإمّا أن يكون هناك أمر أو نهي ظاهري أو ترخيص في الترك أو في الفعل ولا يرجع ذلك إلى التقييد أو إلى جعل البدل لأن هناك أمراً آخر غيرهما وهو العهدة واشتغال الذمّة غاية الأمر لا بعث له .

فهذا الجزء المتروك بترخيص قاعدة التجاوز لم يرفع جزئيّته في حال

حال الجزء المتروك بقاعدة التجاوز

ص: 559


1- . سورة الأنفال: 2 .

الشكّ كما انّه لم يقيّد بدليله والمضي عليه في حال الشكّ أدلّة التكاليف الواقعيّة وهو لزوم الاتيان بمجموع المركّب المشتمل على هذا الجزء المشكوك وذلك لبقاء الاطلاق في الأدلّة الواقعيّة على حالها الشامل لحالتي العلم والجهل ولو بنتيجة التقييد ولم يوجب الأمر بالمضي والترخيص فيه إلاّ جواز المضي على هذا المشكوك ولم يقيّد الباقي بل ذلك يحتاج إلى دليل آخر كما انّه ليس هناك الباقي بدلاً عن الواقع لاستلزامه عدم لزوم اعادة المشكوك بعد انكشاف الخلاف ولا يلتزم به حيث ان موضوع هذه الأوامر والترخيصات مقام الشكّ فاذا تبدّل الشكّ باليقين فلا اطلاق لها يشمل حالة اليقين كما انه لم يقيّد الأدلّة الأوّليّة بها مطلقا

فمقتضى القاعدة لزوم الاتيان بما تيقن تركه الا ان يجيء دليل ثانوي في المقام بالمضي وعدم لزوم اعادة المشكوك كما قام في باب الصلاة دليل لا تعاد(1) الموجب لعدم جزئيّة غير الخمسة في حال الترك لا عن عمد كما سيحقّق الكلام فيه إن شاء اللّه في محلّه وفي ساير الأبواب من الطواف والسعي وغيرهما وكذا باقي الأعمال وبالجملة فالكلام في هذا المقام هو الكلام في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي وليس الواقع في مقام الترخيص في تركه فعلاً أو تركا إلاّ عبارة عن العهدة واشتغال الذمّة غاية الأمر لا بعث له فعلاً ولا منجزيّة له بل الشارع ابدء العذر في مقام الكشف لو تركه واقعا لكن الاحتياط بحاله لاحتمال عدم اتيان الواقع وتركه فيبقى للاحتياط في موارد هذه الترخيصات مجال واسع لا انه يتعيّن عليه المضي وعدم الاعتناء فلو كان شيء له حلالاً حسب الأمر والترخيص الظاهري فليس معناه لزوم ارتكابه ووجوب تناوله كما هو واضح . فلو لم يكن محذور من جهة اخرى لا مانع من الاحتياط كما في اتيان القرائة إذا

ص: 560


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .

شكّ بعد دخوله في القنوت أو شكّ في السورة كذلك فيعيد الحمد أو السورة ولا محذور في الاولى كما لا بأس بالقران بين السورتين ولو في الفريضة .

والحاصل ان التقييد للواقع لا يساعده دليل كما في جميع الموارد في الترخيصات وفي موارد الشكّ أو ظروفه وكذلك لا معنى لجعل البدل أمّا كون هذا بدلاً أو تقييدا للواقع في هذا الحال أي مادام باقيا على الشكّ أيضا فكلام صوري لا حقيقة له فمقتضى القاعدة جواز الاتيان بالمشكوك رجاءً لا(1) بقصد الأمر للتشريع لاحتمال الاتيان فكذلك ما نحن فيه .

فتبيّن ممّا ذكرنا ان المجعول في هاتين القاعدتين إمّا أن يكون هو الترخيص كالترخيص في الشبهات البدوية أو جعل البدل الموقت إلى حين العلم وانكشاف الخلاف فحينئذٍ ينظر فان كان مقتضى دليل آخر المضي وعدم الاعتناء فهو وإلاّ فمقتضى القاعدة عدم الاكتفاء وعدم الأثر .

والحاصل ان في ما نحن فيه جهة اشتراك للبرائة وإن كان يمتاز عنها بأن هذا بعد العلم بالتكليف تفصيلاً فانّ الجعل إنّما هو في مقام الفراغ والامتثال واسقاط العهدة عن التكليف المعلوم تفصيلاً وذلك المقام بعد لم يعلم بالتكليف لا اجمالاً ولا تفصيلاً ولذلك اصطلح عليه بالشبهة البدويّة لكن النتيجة في المقامين شيء واحد حيث ان الأمر بالمضي في مورد القاعدتين لا يمكن أن يكون للاتيان لأنّ الاتيان والامتثال وعدمه أمران تكوينيّان فلا معنى لتعلّق الجعل بهما فاذا لابدّ

من كونه تنزيلاً للمأتي به منزلة الواقع والاكتفاء عنه اما بأن يكون هذا المأتي به بدلاً عن الواقع موقتا أو ترخيصا في الترك وأيّا ما كان فلم يتعلّق الجعل إلاّ بنفس

ص: 561


1- . لكن في غير الركوع والسجود . بل في القرائة والأذكار .

مجرى القاعدة وإمّا دخل هذا المجرى في الباقي فلم ينفه الأمر بالمضي فيحتمل عقلاً ان المأمور به بعد لم يأت به المكلّف فاذا كان الأمر كذلك فينسلك في ما يبحث عنه في البرائة التي يكون رفع دليلاً له على ما هوالتحقيق في جريانها في كلّ ما تحقّقت فيه الشرايط من كونه مجهولاً مجعولاً وفي رفعه منّة ويتعلّق به بعنوانه الأوّلي بلا فرق بين المشتبهات الاستقلاليّة والمشكوكات الضمنيّة من القيود والشرايط والاجزاء فاذا احتمل ان الاستعاذة واجبة أو ارغام الأنف وكذلك السورة واجبة أو ذلك الشيء مانع ولم يقم دليل على نفيه أو اثباته وجرى فيه البرائة فالعقل بعد يحتمل دخل الباقي به فان الباقي لو كان هو المأمور به بلا تعلّق للمشكوك فلا اشكال في تحقّق الامتثال بخلاف ما إذا كان للمشكوك تعلّق حيث ان اجزاء المركّب الارتباطي يكون اللاحق شرطا للسابق وبالعكس ولابدّ من التزام الواجب التعليقي والمشروط فيها .

فلو كان الأكثر واجبا ودخيلاً في المصلحة الواقعيّة لا يكون الأقل المطلق المجرّد عن الجزء أو القيد الزائد أصلاً متعلّق التكليف ولا يمكن قصد الأمر به فيكون الاكتفاء بالأقل اكتفاء بالمشكوك الامتثال فالبرائة الجارية في هذه الموارد لا ترفع الاحتمال العقلي إلاّ انّه مضى منافي الأبحاث السابقة في البرائة والاشتغال ان مثل رفع إنّما يرفع تعلّق الأمر بهذا المشكوك ( تعبّدا ) فيكون الباقي

مطلقا عن هذا المشكوك لكن حيث ان التقابل عندنا بين المطلق والمقيّد تقابل العدم والملكة فاذا رفع تعلّق الامر بالمشكوك وانبساطه عليه فمعناه عدم تقيد الباقي به فيكون الباقي هو المأمور به بلا اشكال الاثبات كما في صورة كون التقابل من التضاد أو السلب والايجاب فان اثبات أحد الضدّين بنفي الآخر يكون

المأتي به في مورد القاعدة إمّا بدل أو رخص في ترك مجرى القاعدة

ص: 562

من أعلى أقسام المثبت فعلى هذا يسهل الأمر في باب البرائة وما نحن فيه إلاّ ان الواقع على حاله لم يتغيّر للزوم التصويب الباطل حيث ان الاجماع والاخبار على استواء العالم والجاهل في الحكم وإن لكلّ واقعة حكما فلابدّ أن يتعلّق الرفع بغير هذا التكليف وإلاّ فيلزم التصويب . نعم لو كان الشكّ الموضوع في أدلّة الأصول والظرف في موارد الامارات عنوانا ثانويّا للواقع وكالاضطرار الذي يكون التكليف عنده غير التكليف في حال الاختيار يكون واقعا ثانويّا وبدلاً اضطراريّا فلا اشكال في عدم لزوم الاعادة بل يكتفي بما أتى به كما ان المريض إذا لم يقدر على قيام الصلاة وصلّى جالسا لا يعيد ويكون ما أتى به وافيا بتمام المصلحة للواقع الاولى أو بمقدار لا يلزم عنده الاعادة مختارا وليس كذلك الشكّ لما ذكرنا من اشكال التصويب فلا محيص عن الالتزام بكون الحكم الواقعي عبارة عن اشتغال الذمّة والعهدة وما تعلّق به العهدة إلاّ انّه لم يبعث نحوه فعلاً كالدين الذي

يكون المديون مشغولاً به ذمّته ولا يطالبه به وهذا المأتي به يكون عملاً ظاهريّا يأتي به في هذا الحال بلا تغيير للواقع عن ما هو عليه ولا تعدّد للتكليف ويكون نظير التيمم الذي يباح به دخول الصلاة إذا لم يجد الماء فاذا وجد الماء لا بدليّة له

بل غاية البدليّة مادام غير متمكّن من الماء وفي ما نحن فيه نهاية البدليّة تبدّل الشكّ وصيرورة الأحكام كلّها ببركة ظهور وجود امام العصر عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف معلومة .

وفي مورد الفراغ انكشف انّه لم يأت بالمشكوك أو يكون وافيا بمقدار من الطهارة وليكن مراد المقتصر على كون التيمّم مباحا به الصلاة ذلك وإلاّ لا معنى له ولا فرق بين وجوده وعدمه كما هو واضح وعلى هذا فيدور مدار الواقع ويكون

أوامر الترك في القاعدتين ترخيصات للتسهيل

ص: 563

هذه الأوامر ترخيصات في ترك الواقع للتسهيل وبعد انكشاف الخلاف فاما أن يكون مقتضى القاعدة اتيان المشكوك بعد الصلاة بتبدّل مكانه كالتشهّد المنسي والسجود أو يكون ببركة لا تعاد لا اعادة للصلاة أو بعمل آخر لدليل خاص له يكون المأتي به والموجود وافيا بمقدار من المصلحة أو كلّها ولا تكون مصلحة الواقع موجبة للاعادة ولو لا قيام الدليل على لزوم الاعادة في بعض الموارد لكنّا نقول بتقييد الأدلّة الواقعيّة بالمأتي به بلا لزوم الاعادة وحيث ورد بذلك نكشف عن بقاء الأدلّة الأوّليّة على اطلاقها وكذلك الكلام في موارد تبدّل رأي المجتهد وخطأه في الاجتهاد الأوّل وهكذا وبعد قيام الدليل وانكشاف الخلاف فلا موجب للعمل على ذلك لارتفاع موضوعه وهو الشكّ في الأمر والواقع والامتثال وعدمه فلو كان المجعول في باب القاعدتين ذلك فأيّ محذور يلزم عليه فليكن هذا هو خلاصة الكلام فيها وفي البرائة فتأمّل جيّدا .

تكميل: هل يعتبر في كلتا القاعدتين الدخول في الغير وما المراد بالغير هل اللازم في صدق الفراغ والتجاوز الدخول في الغير أو لا اقتضاء للفراغ أو التجاوز ذلك وعلى تقدير عدم أخذ ذلك في مفهومهما فهل أخذ في موضوع حكمهما أم لا وهل المعتبر في قاعدة التجاوز الدخول في مطلق الغير سواء كان من الأبواب المعنونة كالتكبير والقرائة والركوع وأمثالها كما يدّعيه الشهيد الثاني رحمه الله في الروضة أو لم يكن كما هو متقضى اطلاق الغير .

وعلى ذلك فقد يختلف التجاوز في الصدق وعدمه فلو اعتبرنا فيه الدخول في الأبواب فلا ريب في صدق التجاوز قبل ذلك ولو في بعض الموارد كالهوى للركوع والسجود فانّه تجاوز عن المشكوك إلاّ انّه لم يدخل في الغير المعتبر في

ص: 564

عدم الاعتناء بالشكّ بالدخول فيه وإلاّ فلو كان مطلق الغير فيكون التقييد بكون الدخول في الغير توضيحيّا ضرورة عدم صدق التجاوز إلاّ بالدخول في الغير ولابدّ أن يجعل معنى أهوى إلى الركوع في رواية عبدالرحمن(1) بن أبي عبداللّه ( أهوى إلى الركوع وركع في عدم الاعتناء بالشكّ في ما تقدّم على ذلك وكذلك في الجملة التي بعده وعلى تقدير عموم الغير فيكون الكلام في الفرع المعروف وهو ما إذا هوى إلى الركوع بقصده وتجاوز حدّه ولم يصل إلى السجود واضحا فانّه لو كان عمدا فيبطل لتركه الذكر والاطمئنان عمدا وإن أتى بالركوع وإن كان من غير عمد فلا اشكال في الصحّة وما قيل من رجوعه منحنيا إلى حدّ الركوع لا وجه له بل ينتصب قائما للهوى إلى السجود .

إن قلت لو فرغ من التشهّد وأتى به ولم يقم بعد فهل تجاوز عن محلّ التشهّد أم لا فان أجاب نعم فليكن كذلك في صورة الشكّ غاية الأمر حيث يرى نفسه متعبّدا للاتيان بالعمل الذي بعده من الاجزاء أو المقدّمات الآخر وإلاّ فقد كابر حيث لا يعتبر في صدق التجاوز عن المحل غير التجاوز عن محلّه الذي جعل له الشارع بالجعل الاولى وانّه لو كان ملتفتا كان يأتي به في ذلك الموضع .

ثمّ انّه لا ريب في ان الأمر كذلك في قاعدة الفراغ لو كان لا يصدق الفراغ والمضي إلاّ بالدخول في الغير حيث عرفت دلالة الروايات الدالّة على عدم اعتبار الشكّ في قاعدة التجاوز على اعتبار الدخول في الغير فاما أن يكون دخله في ذلك عقلاً لعدم صدق التجاوز إلاّ بالدخول في الغير أو بالتعبّد الشرعي كما في

ص: 565


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع وفيه أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال: قد ركع .

قاعدة الفراغ وإن كان مثل رواية محمّد بن مسلم ( كلّما شككت في شيء ممّا قد مضى فامضه كما هو )(1) مطلقا ولا يعتبر الدخول في الغير في تحقّق الموضوع لكنّه لااشكال في صلاحيّة رواية زرارة(2) في باب الوضوء وموثقة(3) ابن أبي يعفور لتقييد اطلاقها لاشتمال الأولى على قوله فاذا فرغت وقد صرت في حال اخرى من الصلاة أو غيرها والثانية ( إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه ) فأمّا مع

عدم الدخول في الغير لا يصدق الجواز فالعمل للشكّ باق وعليه أن يعتني به ولو بقرينة المورد ولزوم انطباق الكبرى على المورد وكونه من صغريّاتها وهومشتمل على الشكّ في جزء من الوضوء وشيء والدخول في غير الوضوء وحينئذٍ لا اشكال في تقييد ذلك الاطلاق بهما فلا معنى لما يقال أو يحتمل أن يتوهم في المقام من عدم صلاحيّة القيد في الروايتين لتقييد الاطلاق حيث انّه وارد مورد الغالب كقيد كون الربائب في الحجور في الآية الشريفة(4) ممّا ورد مورد الغالب فلا يصلح للتقييد لأن غالب موارد قاعدة الفراغ قد دخل في الغير ولو كان هو السكوت الطويل الماحي مثلاً .

وكذلك ما يقال دفعا للاشكال ان الاطلاق منصرف إلى الغالب وذلك لأنّ الأصل في القيد الاحترازيّة وكذلك نقول في الآيه الشريفة واستفادة غير التي في الحجور من الدليل الخارجي .

مع عدم الدخول في الغير لا يصدق التجاوز

ص: 566


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء واللفظ في الأولى فاذا قمت عن الوضوء وفرغت منه .
3- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
4- . النساء: 23 .

لا من الآية وإن كون الاطلاق واردا على الغالب المقيد إنّما هو إذا كان منشأه التشكيك في الماهيّة وتفاوت مراتب الصدق وإلاّ فأفضليّته الأفراد لا توجب حمل الاطلاق وانصرافه إلى الغالب ما لم يكن في حكم التقييد اللفظي بحيث إذا جيء بالقيد بعده يكن لغوا كاجارة الدار .

فانّه في معنى كونك وحدك مثلاً حسب اختلاف مراتب المقام كما تبين ذلك كلّه في بحث الاطلاق والتقييد فراجع وتظهر الثمرة في الجزء الأخير والشكّ فيه فاذا لم يحرز الدخول في الغير لا يمكن عدم الاعتناء بالشكّ في مورد القاعدتين .

وعلى هذا فلا ثمرة ولا معنى للبحث في ان المراد بالمحل أعمّ من المحلّ العادي والشرعي أو خصوص الأخير ضرورة عدم صدق التجاوز ما لم يتجاوز عن المحل ولم يدخل في الغير فاذا كان من عادته عدم الفصل بين غسل الجانب الأيسر والأيمن في الغسل فاذا شكّ وتيقّن غسل الأيسر مثلاً فهل يعتني أم لا أو بعد أن أتمّ مناسكه أو أكثرها وشكّ في الوقوف بعرفات وانّه أتى به في وقته أم لا .

وقد يدّعي ان المحل في قاعدة الفراغ والتجاوز معتبر وان الشكّ بعد تجاوز الوقت من باب قاعدة الفراغ وإن كان الشكّ في أصل الوجود مع ان دليله أي الوقت حائل في الشكّ في أصل الوجود وليس مربوطا بقاعدة التجاوز والفراغ وان ناسب ذلك وكذلك ما ذكرنا من مسئلة الشكّ في الوقوف في عرفات وأنت خبير بعدم كون ذلك من موارد احدى القواعد لا الحيلولة ولا التجاوز لاختصاصهما بباب الصلاة ولا الفراغ لعدم تحقّق الفراغ عن حجّه(1) فتأمّل .

اشكال الجزء الأخير في قاعدة التجاوز

ص: 567


1- . هذا لو خصصنا القاعدة بالشك في العمل بعد تمامه واما على التحقيق فقد تجري في بعض العمل ثمّ على فرض الاختصاص فكلّ واجب أو منسك في الحج عمل مستقل .

تنبيهات: الأوّل: ما تقدّم بعض الكلام فيه من عدم الاشكال بناء على ما استفدنا في قاعدة التجاوز اعتبار الدخول في الغير كما هو ظاهر أدلّتها وكذا بناءً على اختصاصها بالصلاة بل وإن عمّمناها لغيرها من تحقّق التجاوز والدخول في الغير بالنسبة إلى غير الجزء الأخير لو شكّ في اتيانه وعدمه وقد دخل في غيره إنّما الاشكال في الجزء الأخير في الصلاة أو الأعمّ منها ومن غيرها من باقي المركّبات لو جرت القاعدة في أجزائها أيضا فانّ الغير المعتبر في ترتّب حكم التجاوز والمضي الدخول فيه لا يتصوّر بالنسبة إليها كي يكون بالدخول فيه متجاوزا عن محلّ التسليم والجزء الأخير ( لا اشكال في ان مثل الوضوء والغسل يتصوّر الغير بالنسبة إليهما كالدخول في الصلاة أو ما يترتّب عليها لو جرت القاعدة في الشرايط وكذلك بالنسبة إلى الصلاة كما يقع في كلام (الأستاذ) حيث ان بعد الجزء الأخير لا جزء للعمل كي يتحقّق المضي بالدخول فيه الا التعقيب وهو أيضا ليس جزءا للصلاة لكنّه يتحقّق به التجاوز لأنّه مترتب على الجزء الأخير والصلاة وأمّا مثل المنافيات بأقسامها سواء كانت عمدا أو سهوا منافية أو اختصّ منافاته بخصوص العمد فيشكل تحقّق التجاوز بالدخول إليها لأنّها ليست مترتّبة على الصلاة كصلاة الاحتياط وسجدتي السهو والأجزاء المنسيّة وأمثالها ممّا يترتّب على الصلاة وإن لم يكن أجزاءً لها . فلم يجعل الشارع محلاً لها .

نعم ما جعل له المحل ليس إلاّ خصوص أجزاء الصلاة واعتبر فيها وضعا أو تكليفا عدم المنافيات وهذا غير جعل محل لها .

ص: 568

ويظهر من المحقّق النائيني رحمه الله(1) تحقّق التجاوز ورتب الحكم بالدخول في المنافيات سواء كانت عمدا أو سهوا أو عمدا فقط فانّه حيث ان التسليم جعل سلامة للصلاة من الآفات وممّا يوجب عدم سلامتها وطرو البطلان والفساد عليها وسلامة باقي ما أتى به من الأجزاء والشرايط إنّما هو بها فان تحليلها التسليم فعلى هذا يستفاد بدلالة الالتزام ان محل هذا التسليم الذي من شأنه ما قلنا هو قبل الاتيان بالمنافي حيث ان الكلام في الصلاة الصحيحة وإلاّ فلا معنى لكون التسليم موجبا لسلامة الصلاة الفاسدة فهذه المنافيات لو أتى بها قبل التسليم واقعا فالصلاة باطلة وإن أتى بها بعده فهي صحيحة فاذا شكّ في التسليم وقد أتى بأحد المنافيات العمدية أو العمديّة والسهويّة معا والفرض سلامة باقي ما يعتبر في الصلاة فاذن لا أثر لشكّه ولا بد أن يمضي ولا يعتني به لأن تقديم المنافيات على التسليم لا يجوز بل لابدّ من أن يأتي بالتسليم ثمّ ان أراد اتى بالمنافي فهذه الدلالة

الالتزاميّة في ما نحن فيه توجب عدم الاعتناء بالشكّ لصدق التجاوز والمضي عن التسليم فتبين انه لا مانع من الجريان في الجزء الأخير .

وتوضيح ذلك هو انّه إذا شكّ في الجزء الأخير فاما أن دخل في التعقيب أم لا فان كان داخلاً فيه فلا اشكال في التجاوز والمضي لعدم اعتبار كون الغير من أجزاء الصلاة وعلى الثاني فاما ان أتى بالمنافي عمدا وسهوا أو عمدا كالكلام ومثال الأوّل الحدث ولا اشكال في صدق التجاوز والدخول في الغير وإن كان ساكتا ولم يأت بالمنافي ويشكّ فان كان ماحيا فلا ريب في المضي وإلاّ فيأتي بالتسليم لعدم صدق التجاوز ومحلّه بعد باق وإن شكّ أيضا يأتي به هذا .

ص: 569


1- . فوائد الأصول 4/628 وما بعده .

ولا يخفى انّه يتوقّف الصحّة والتجاوز في الدخول في غير التعقيب على أن يكون الغير الذي وقع في الرواية مطلقا ولم يعتبر أن يكون من أجزاء المركّب والظاهر انّه كذلك لاقتضاء مناسبة الحكم والموضوع كون الغير مطلقا هذا مع ان الغير في رواية زرارة(1) مطلق وما في صدرها إنّما هو من باب التطبيق حيث ان الغير المعتبر في ترتب المضي على الشكّ في أجزاء المركّب هو الجزء المترتّب على المشكوك وإلاّ فلم يعتبر الخصوصيّة الجزئيّة كما يرشد إلى ذلك صدر رواية زرارة(2) فقد جرت القاعدة فيه في الأذان والاقامة بل الأذان فقط مع انّهما من مقدّمات الصلاة لا من أجزائها فليكن كذلك في ما بعدها .

أمّا بالنسبة إلى الجزء الأخير حيث انّه لا يترتّب عليه جزء آخر فلا اشكال في الالتزام بمطلق الغير ولو كان من المنافيات إنّما الاشكال والكلام في ان المراد به هو المبوب والمعنون بالعناوين الخاصّة أو لا بل مطلق الأجزاء بل ومقدّماتها وهو التنبيه الثاني من تنبيهات البحث .

ومنشأ الاشكال اشتمال رواية إسماعيل بن جابر(3) كرواية أبي بصير(4) عن أبي عبداللّه علیه السلام على قوله ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شكّ في السجود بعد ما قام فليمض وهو ابتداء من الامام علیه السلام .

ومن قوله في رواية عبدالرحمن بن أبي عبداللّه (5) قلت لأبي عبداللّه علیه السلام

ص: 570


1- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 6 الباب 14/1 من أبواب السجود والرواية عن إسماعيل بن جابر .
5- . وسائل الشيعة 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .

رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال علیه السلام: قد ركع .

وقد جمع بين هاتين الطائفتين بوجهين .

ثمّ انّه لا اشكال بناءً على ما ذكرنا في اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز لو جرت في الجزء الأخير من العمل في الاكتفاء بمطلق الغير ومن الغير الدخول في الدفن عند الشكّ في صحّة غسل غاسل الميت أو الاشتغال بالصلاة ( بل أو لبس الكفن ) إنّما الاشكال في صدق الغير على ما يجوز فعله في الصلاة كقتل العقرب فاذا دخل فيه فهل يعتني بالشكّ في التشهّد مثلاً أم لا ؟

لا ينبغي الريب في عدم الالتزام بذلك لعدم كون التشهّد ماضيا بالنسبة إلى قتل العقرب وليس هو مترتّبا عليه بناء على اعتبار الترتّب .

وليعلم انّ المحقّق النائيني(1) رتّب بحثه على مقامات فجعل المقام الأوّل والبحث الأوّل في اتّحاد الكبريين وتعدّدهما وقد مضى مفصلاً ما هو حقّ المقام .

والثاني بيان مورد التجاوز وتطبيق ذلك على الشكّ في الجزء الأخير في قاعدتي الفراغ والتجاوز وقد مضى أيضا وتبيّن ممّا ذكرنا من مثال قتل العقرب عدم الاكتفاء بمطلق الغير وكذا لا يكون المحل المحل العادي .

وجعل البحث الثالث في اعتبار الدخول في الغير في القاعدتين وقد مضى استظهاره في قاعدة التجاوز وفي قاعدة الفراغ في وجه .

والبحث الرابع في المراد بالغير وانّه مطلقه كما هو مقتضى بعض الكلمات لاطلاق الغير أو خصوص الأجزاء المستقلّة بالتبويب في الكتب الفقهيّة كالتكبير والقرائة والركوع والسجود وعلى الأوّل يشمل مثل مقدّمات الأفعال والأجزاء

الأقوال في المسئلة

ص: 571


1- . فوائد الأصول 4/636 - 638 مع اختلاف لما في المتن .

كالنهوض إلى القيام والهوى للركوع والسجود ؟ قيل بخروج المقدّمات والعموم بالنسبة إلى أجزاء أجزائها أيضا وقيل بدخول مثل الهوى للركوع وخروج هوى السجود لأنّه لا يكون غيرا رتّب الشارع عليه أثر المضي للمشكوك .

والحاصل ان هذه جملة الأقوال في المسئلة ومنشأها اطلاق الغير في رواية زرارة(1) وإسماعيل بن جابر(2) وعدم اطلاقه وشمول بعض روايات الباب على التصريح بالمضي مع الدخول في المقدّمات كرواية عبدالرحمن بن أبي عبداللّه (3) وورد بعضها الاخر ابتداءً من المعصوم علیه السلام في المضي في الشك في الركوع اذا سجد كما نشير إلى ذلك أثناء البحث حيث ان رواية إسماعيل بن جابر(4) قد ذكر فيها المضي في الشكّ في الركوع أو السجود بعد أن سجد وإن قام توطئة لبيان الكبرى وهو قوله كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه .

فعلى هذا لا يستفاد من اطلاق الشيء إلاّ خصوص الأجزاء المستقلّة مثل الركوع والسجود الذين ذكرا تمهيدا لبيان الكبرى لما لم يذكر في الرواية من باقي الأجزاء التي هي كذلك فان الكبرى كما توجب التضييق في الجزئيّات والصغريّات كذلك الصغرى قد تكون قرينة للكبرى ومضيقة لها هذا ومعارض هذا الظهور رواية عبدالرحمن وإنّما ذلك في رواية إسماعيل(5) حيث ان الامام علیه السلام

ابتداءً ذكر الموردين وشرع من الركوع ولم يذكر الشكّ في ما هو مقدّم عليه

ص: 572


1- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
5- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

اعتمادا على كبرى الذيل بالمناسبة للصغريين وعلى هذا فلابدّ من العلاج ولا اشكال في انّ المعارضة إنّما تكون بعد أن تحقّقت شرايط الحجيّة في كلا الخبرين ثمّ يتعارضان بأن لا يشملهما دليل الحجيّة معا ولا أحدهما بعينه والا فلا مجال للمعارضة لعدم كونه حجّة ولو في غير موردها كما مال إلى ذلك في رواية الذيل سيّدنا الأستاذ بلحاظ شمول رجاله على أبي جعفر وسعد ولم يعرفهما سيّدنا الأستاذ بخلاف رواية عبدالرحمن(1) فانّه شخص ممدوح ثقة في لسان الأصحاب

وباقي رجاله أيضا معتبرون هذا . ولكن الأصحاب في كتبهم الاستدلاليّة وصفوا رواية إسماعيل بالصحّة وعبدالرحمن جعلوا روايته مصحّحة ولابدّ من المراجعة .

ولا يخفى ان ما في رواية إسماعيل(2) يعارض ما في رواية عبدالرحمن(3) .

قلت لأبي عبداللّه علیه السلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال قد ركع .

ثمّ انّ المحقّق النائيني رحمه الله(4) اختار كما سبق الجمع بين أخبار القاعدتين وإن جميعها راجعة إلى قاعدة الفراغ عن تمام العمل وإنّما لوحظت أجزاء العمل بلحاظ التركيب فلا تعتبر في حدّ أنفسها شيئا لاندكاكها في شيئيّة المركّب أي الكل .

غاية الأمر تعبدنا الشارع في باب الصلاة بتنزيل أجزائها بعضها بمنزلة تمام

جواب الاشكال

ص: 573


1- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
4- . فوائد الأصول 4/635 وما بعده .

العمل فلاحظها بلحاظ قبل التركيب ومقتضى ذلك هو الاقتصار على مورد النص والتعبّد ولا يجوز التعدّي إلى الزائد عنه فلا يمكن لحاظ الأجزاء قبل التركيب وبعده معا والقدر الذي ثبت التعبّد بخروجه عن ذلك ولو خط فيه قبل التركيب الاجزاء المستقلّة كما يرشد إلى ذلك رواية إسماعيل(1) وزرارة(2) ولا يضرّ بذلك عدم اشتمالهما على بيان المضي بعد الدخول في التشهّد بالنسبة إلى السجدة لكون موردهما هو الركعة الأولى والتشهّد من الأجزاء المستقلّة بالتبويب فيشمله الكبرى فيكون غيرا وكذا الشكّ فيه بعد أن قام فلا يعتني به .

وأمّا أجزاء الاجزاء كالسورة والأذكار فلم يرد التعبّد بأنّها اعمال مستقلّة فتبقى على حالها وحينئذٍ يتوجّه عليه الاشكال في ما صار بصدد دفعه في التنبيه الأوّل من التنبيهات الخمس التي ذيل البحث الرابع بها وهو اشتمال رواية(3) عبدالرحمن على المضي عند الشكّ في الركوع بعد أن أهوى إلى السجود ومقتضى ما ذكر هو لزوم الاعتناء والاتيان بالركوع لعدم كونه أي الهوى من الأجزاء المستقلّة بالتبويب .

ويمكن الجواب عن الاشكال بوجهين: أحدهما أن يراد بالهوى المرتبة

الأخيرة التي تلازم الوضع على ما يصحّ السجود عليه فانّ للهوى مراتب والرواية باطلاقها شملها فيكون رواية إسماعيل(4) قرينة على ان المراد بالهوى إلى السجود المرتبة الأخيرة التي تكون عند المحقّق النائيني محقّقة للسجود فانّه عليه

ص: 574


1- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

مبناه في السجدة والركوع ويرى الوضع والهوى قبيلهما منهما وينطبق على مبناه وليس إلاّ رفع اليد عن الاطلاق بقرينة رواية إسماعيل(1) هذا وهو أولى من الجمع الذي نقله رحمه اللهعن بعض بأن يحمل لفظة وقد سجد أو بعد ما سجد في ذيل رواية زرارة(2) إسماعيل(3) بعد قوله شكّ في الركوع على الهوى لبعده هذا بل لا شاهد له وعلى تقدير التعارض فرواية زرارة(4) تكون محكمة وهي لم تزد على الأبواب

المستقلّة كما هو ظاهر .

عود على بدء: ان المراد بالغير أيّ شيء هو ؟ اهو مطلق ما يكون غيرا للمشكوك فيه سواء كان من الاجزاء أو مقدّماتها أم لا بل لابدّ أن يكون من الأبواب كالتكبيرة والقرائة وأمثالها ( لا يخفى عدم تماميّة التمثيل بالتكبيرة لعدم

سبق جزء من الصلاة قبلها ) أو غير ذلك ممّا احتمل بل قبل .

فنقول لا إشكال في ان العمدة في ذلك الروايات الواردة في المقام ولا بأس باعادتها في مورد الحاجة فمنها رواية زرارة(5) التي بعد سكوت زرارة أعطاه الامام علیه السلام قاعدة كليّة بقوله ( يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ) .

ومنها: صحيحة إسماعيل بن جابر(6) عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال:

( إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض

في المراد بالغير

ص: 575


1- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 13/1 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
6- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه وصحيح أو مصحّح عبدالرحمن(1) بن أبي عبداللّه عن أبي عبداللّه علیه السلام ( قلت لأبي عبداللّه علیه السلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال علیه السلام: قد ركع ) ورواية اُخرى(2) له وثقوها عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: ( قلت لأبي عبداللّه علیه السلام رجل رفع رأسه من السجود فشكّ قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد قال يسجد قلت فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد قال يسجد ) وهذه الرواية رجالها في طريق الشيخ رجال الرواية السابقة بأعيانهم مع انّهم وصفوا الأولى بالصحّة بخلافها فلابدّ أن يكون لسقوط بعض رجال السند في الوسائل من الأخيرة وإن كان لا فرق عندنا بين الموثق والصحيح في الحجيّة وأمّا عند القدماء فكلّ ذلك يوصف بالصحّة .

نعم قد يضرّ التوثيق عند من يشترط لجواز العمل بالرواية الصحّة ولذا حكى عن بعضهم عدم العمل بهذه الأخيرة بل عمله على مقتضى بنائه على القاعدة .

ولا يخفى انّه مع قطع النظر عن غير رواية زرارة ظاهرها الاكتفاء . بمطلق الغير في التجاوز وعدم الاعتناء بالشكّ فان زرارة(3) لو سئله علیه السلام عن الشكّ في التكبيرة بعد الدخول في الاستعاذة فالظاهر انّه كان يقول له بالجواز وأمّا غير رواية زرارة فظاهر رواية إسماعيل(4) حيث انّها في مقام التحديد لزوم كون الغير

ص: 576


1- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
3- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

من أجزاء الصلاة سواء استفيد مع ذلك اشتراط كونه من ماله الباب أم لا وعلى هذا فلا يكتفي بمقدّمات الأجزاء كما يستفاد ذلك من مفهوم تحديدها الذي هو أقوى من غيره من المفاهيم وإلاّ فمع قطع النظر عن التحديد فالرواية تكون ذات اللقب ومفهوم اللقب لا حجيّة له إذ لا حقيقة له ومن مقدّمات الأجزاء الهوى إلى السجود الذي قد صرّح منطوق رواية عبدالرحمن(1) بكونه قد ركع في الشكّ في الركوع بعد أن أهوى إلى السجود ومنها النهوض إلى القيام مع تصريح رواية اخرى بعدم الاعتناء بهذا بل إذا شكّ في السجود يسجد فعلى هذا تتحقّق المعارضة بين رواية إسماعيل من جهة المفهوم في مقدّمة السجود الذي هو الهوى له وفي النهوض إلى القيام وبين أولى روايتي عبدالرحمن(2) وكذا بينهما أي الأولى والأخيرة لموافقة الأخيرة رواية إسماعيل(3) على تقدير تقدّم الصحيح على الموثق في مقام المعارضة لكن دفع معارضة روايتي عبدالرحمن بالاخذ بالاولى وطرح الثانية إلاّ انّه خلاف المبنى .

هذا مع قطع النظر عن المفهوم ويوافق رواية عبدالرحمن(4) الأولى القاعدة المعطاة لزرارة حيث انّه دخل في الغير الذي هو الهوى ثمّ شكّ مع فصل الانتصاب في المقام فيمكن تخصيص رواية زرارة(5) برواية عبدالرحمن(6) الموثقة في خصوص النهوض إلى القيام وانه لابدّ أن يسجد ويبقى الهوى إلى السجود موافقا

الجمع بين الروايات

ص: 577


1- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
5- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
6- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .

للقاعدة فلابدّ من العلاج بينه وبين مفهوم رواية إسماعيل(1) وعلى تقدير تحقّق المعارضة قد جمع بينهما بوجهين تقدّم بيانهما ولا يخفى ان الوجهين بعد تحقّق موضوع المعارضة وهو فرع استفادة المفهوم من رواية إسماعيل(2) وإلاّ فلو كانت لقبيّة أو شرطيّة لبيان تحقّق الموضوع كقولك إن رزقت ولدا فاختنه فلا مفهوم له وعلى فرض تحقّقه فمنطوق رواية عبدالرحمن(3) أقوى خصوصا مع موافقته لرواية زرارة(4) واطلاق الغير فيهما للمقدّمات ويمكن كون نكتة ذلك هو التمثيل بهذا الفرد الواضح من التجاوز والدخول في غير المشكوك أو بلحاظ ان الغالب في حصول الشكّ لغير الوسواسي الذي يشكّ في المحل وحين الاشتغال أيضا هو بعد الدخول في السجود لا بعد الانتصاب والهوى اذ هو نادر فلذلك مثل بالفرد المتعارف فلا مفهوم له وعلى ما ذكرنا من الغير فلا اشكال في شموله لكلّ ما هو غير عند العرف فيشمل المقدّمات والاجزاء واجزائها كالآية بالنسبة إلى الآية الاخرى بل وكذا الكلمة .

نعم يشكل مساعدة العرف في مثل الشكّ في صحّة أداء الهمزة من إيّاك بعد الدخول في الكاف .

والحاصل انّه بعد معرفة الميزان وانّه مطلق ما يكون غيرا بالنسبة إلى المشكوك فيه سواء كان جزءا مستقلاًّ أو من أجزائه لا محيص من القول بجريان القاعدة في هذه الموارد ولو كان الوارد في اعتبار التجاوز العمل لما كانت تجري

ص: 578


1- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .

القاعدة في أجزاء العمل أصلاً لكنّه خلاف مفروض البحث واطلاق الغير الذي هو معنى عرفي القى إلى المكلّف والتشخيص واضح وتعيين المصداق بيده .

تذنيب: ربما يمكن استفادة التجاوز في الشكّ في الركوع في ما إذا شكّ في انّه ركع أم لا ولم يدخل في الهوى بل يشكّ في القيام أهو من الركوع أو بعده من رواية الفضيل بن يسار(1) قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام استتم قائما فلا أدري أركعت أم لا قال: بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنّما ذلك من الشيطان .

وجوّز صاحب الوسائل حملها على صورة كثرة السهو بقرينة آخرها والشيخ حملها على ما إذا استتمّ قائما من السجود إلى ركعة اخرى فتأمّل .

تتميم: قد عارض بعضهم بين رواية عبدالرحمن(2) ورواية إسماعيل(3) حيث ان الأولى دلّت على المضي على الشكّ في الركوع بعد أن هوى إلى السجود والثانية في مقام التحديد بل وهي شرطيّة ذات مفهوم دالّة على أن ما يكون بالتجاوز عن المشكوك والدخول فيه من المبوبات كالسجود والقيام كما أشرنا إلى ذلك سابقا ثمّ يبيّن الكبرى في الذيل وبيان الصغريين في الصدر قرينة على ان الغير في الكبرى ليس مطلق ما يكون مغايرا للمشكوك بل لابدّ أن يكون من المعنونات والمبوبات بل التعدّي إلى القنوت أيضا مشكل فضلاً عن مقدّمات الأفعال كالنهوض إلى القيام والهوى إلى السجود حسبما يستفاد من رواية إسماعيل وعن بعضهم القول بالرجوع في الركوع أو السجود في الأوليين كي يكون على يقين منهما حيث ان في مثل رواية إسماعيل لم يذكر إلاّ خصوص

الأقوال في المسئلة

ص: 579


1- . الوسائل 6 الباب 13/3 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

الركوع والسجود ولا ذكر التشهّد وغيره إلاّ ان ذلك لا وجه له بعد اطلاق الأخبار وورود مثل رواية إسماعيل بلحاظ الركعة الأولى فيكون ساير الركعات معلوم الحكم قياسا عليها وبذلك ورواية زرارة(1) يجاب عن تخصيص مجرى القاعدة بغير الأوليين كما هو واضح .

والحاصل ان المسئلة ليست ذات أقوال ثلاثة بل ذات أقوال كثيرة شاذّة وغيرها والمعتمد منها ما يساعده الدليل وقد سبق ذكر معارضة رواية عبدالرحمن الاولى للثانية ورواية إسماعيل وتقريب معارضة روايتي عبدالرحمن بدعوى القطع بعدم خصوصيّة مقدّمات الأفعال والأجزاء فلو كان الدخول في الغير مطلقاً حتّى بالنسبة إلى المقدّمات فليكن المقامان كذلك سواءً كان الهوى إلى السجود أو النهوض إلى القيام بل وقبل النهوض يمكن أن يقال بفاصلة جلسة الاستراحة وإلاّ فلم يجري التجاوز في الهوى دون النهوض وبعد التساقط يكون عام الفوق مرجعا أو مرجحا للموافق وهو رواية إسماعيل وظاهرها عدم اطلاق الغير بل موردها وظاهر الكبرى فيها خصوص المعنونات والمبوبات فلا يجوز التعدّي إلى مطلق الغير .

إن قلت: هذا بناء على تسليم مبنى انقلاب النسبة وإلاّ فطرف المعارضة لرواية عبدالرحمن(2) روايتان روايته(3) الاخرى ورواية إسماعيل(4) بل

ص: 580


1- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
4- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

المعارض لهاتين ليس منحصرا برواية عبدالرحمن(1) لوجود صحيحة زرارة(2) بلحاظ الكبرى الظاهرة في عموم الغير وشموله حتى للمقدّمات فيوافق رواية عبدالرحمن(3) .

والحاصل روايتان معارضتان لروايتين .

قلت: نعم رواية زرارة(4) وإن كانت مطلقة لكن الاشكال في تقييدها برواية إسماعيل(5) الواردة في مقام التحديد الذي على فرض انكار الشرطيّة وكونها ذات مفهوم ظهوره أقوى من غيره من باقي المفاهيم .

إن قلت: يمكن تقييد مفهوم رواية إسماعيل(6) برواية عبدالرحمن(7) حيث ان المفهوم إن لم يشكّ في الركوع بعد ما سجد فلا يمضي والمفهوم له مصاديق فانّه يصدق بعدم الشكّ أصلاً وبالشكّ قبل أن يسجد وإن كان بعد الهوى وبالشكّ فيه وإن كان قبل الهوى فلا مانع من تقييد الاطلاق بما إذا لم يكن أهوى للسجود وإلاّ فليمض .

قلت: لا مجال لذلك بعد عدم مورد لصدق التجاوز المعتبر كما في ذيل الرواية للكبرى المسوق لبيان الصغريين تمهيدا لهما .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب المعارضة كما انه الى ذلك نظر الشيخ

بعض الكلام في الجمع بين الروايات

ص: 581


1- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
2- . الوسائل 8 الباب 1/23 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
6- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
7- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .

والمحقّق النائيني قدس سره م أي بلحاظ المفهوم المستفاد من رواية إسماعيل(1) . وفيه انّه مع قطع النظر عن رواية إسماعيل فلا معارضة بين روايتي(2) عبدالرحمن(3) كما عن صاحب المدارك فانّه عمل بكلتا الروايتين في المقامين لصحّتهما وهو ينام على الرواية الصحيحة ولا يبالي بشيء واطلاق رواية زرارة(4) قابل للتخصيص في مورد الشكّ في السجود قبل أن يستوي قائما إذ لا مانع من ذلك وفي مورد الشكّ في الركوع باقٍ على حاله فأيّ تناف بين المقامين وأيّ ملازمة توجب ذلك بعد فرض امكان التخصيص كما ذهب إليه صاحب المدارك وصاحب الجواهر(5).

هذا مضافا إلى انّه يحتمل ورود المضي في ذلك بلحاظ كون الشكّ في هذه الموارد يكون ناشيا من الوسواس فلا عبرة به ( إذ لا يحصل الشكّ لنوع الشاكّ في الركوع بعد أن أهوى إلى السجود وكذا إذا رفع رأسه من السجود كيف يشكّ فيه قبل أن يستوي جالسا ) .

وإن كان يدفعه الأمر بالرجوع والسجود في رواية عبدالرحمن(6) الثانية في الموردين إذ هو لايناسب ذلك وإن ناسبه روايته الأولى في فرض حدوث الشكّ حين الهوى إلى السجود وأمّا رواية إسماعيل(7) فلا مفهوم لها لمنع ورودها في مقام التحديد بل لمكان الغلبة لحدوث الشكّ في الركوع والسجود بعد السجود

جران القاعدة في الشرايط

ص: 582


1- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
3- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . جواهر الكلام 12/312 الى 314 - 316 .
6- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
7- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

والقيام بل الشرطيّة فيها إنّما سيقت لبيان تحقّق الموضوع والمفهوم لابدّ أن يكون عين المنطوق بابدال السلب والايجاب بالآخر ففي المقام المفهوم على فرض تسليمه هو قولنا إن لم يشكّ في الركوع بعد ما سجد فلا يمضي ومن المعلوم ان صدق ذلك باليقين بالاتيان وعدمه الراجع إلى عدم أصل الشكّ وكذلك بالشكّ قبل أن يسجد وهو أيضا إلى نفي الموضوع كما إذا قلنا إذا جاءك زيد في يوم الجمعة فاكرمه فمفهومه مصداقان ما اذا لم يجيء أصلاً أو في غير يوم الجمعة وكلاهما راجع إلى انتفاء الموضوع هذا تمام الكلام في الأجزاء .

أمّا الكلام في الشرايط: فهي على أقسام منها ما هو شرط في تمام الصلاة ومنها شرط قبلها ومنها شرط في بعض أحوالها ويختلف جريان القاعدة في هذه الأقسام إلاّ انّه يشكل عدم الالتزام بعدم الحاجة إلى الطهارة بالنسبة إلى الصلاة الاخرى حيث جرت القاعدة في كونه طاهرا بالنسبة إلى الصلاة الماضية لعدم كون القاعدة أسوء حالاً من الاستصحاب لو لم تكن أولى خصوصا بالنسبة إلى بعض التعليلات الواردة في النصوص بل قد توضّأت ومن المعلوم جواز الصلاة بالطهارة المستصحبة في صلاة لصلاة اخرى .

تتميم البحث: إذا دخل في صلاة العصر في الوقت المختص أو لم يدخل وشكّ في انّه أتى بصلاة الظهر أم لا فيمضي لحيلولة الوقت بلا اشكال أمّا إذا تحقّق الشكّ في الوقت المشترك مثلاً في أثناء صلاة العصر في فعل الظهر أو أثناء كلّ صلاة بالنسبة إلى الوضوء فقد يدّعي التجاوز لكون الظهر قبل العصر بالجعل الشرعي كما يرشد إلى ذلك قوله علیه السلام ( إلاّ أن هذه قبل هذه )(1) وكذا في الوضوء

ص: 583


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/5 من أبواب المواقيت .

يدّعي ان محلّه الشرعي قبل الصلاة للآية الشريفة « إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ »(1) الآية، فالشكّ في اتيان الظهر وحصول الوضوء بعد الدخول في العصر أو في الصلاة شكّ بعد تجاوز المحل فلا يعتني به إلاّ انّه لا يخفى ان لازم ذلك عدم التفكيك بين جريانها بالنسبة إلى الأجزاء اللاحقة في صلاته التي يشتغل بها وبين جريانها بالنسبة إلى الصلوات الآتيه لعدم كونها ولسانها قاصرين عن الاستصحاب والقاعدة ولسانهما ولا اشكال في جواز الصلاة بالطهارة الاستصحابيّة الحدثيّة والخبثيّة بالنسبة إلى الصلوات الآتية أيضا غير ما صلّى أوّلاً وكذا إذا كان مستندا إلى قاعدة الطهارة خصوصا والتعبير في بعض الأخبار بأنّه قد ركع أو قد ركعت أو امضه ونحو ذلك والفرق بين الصلوات التي لم يأت بها بعد وبين التي يشكّ فيها بعدم تحقّق مجرى لها بخلاف هذه كما ترى إذ الشاكّ إمّا متطهّر بالأصل فبالنسبة إلى جميعها وامّا انّه ليس كذلك فلا فرق أيضا فلابدّ من تصحيح الصلاة .

والحاصل ان الطهارة شرط للصلاة ولابدّ أن يكون عن طهر إمّا بالوجدان أو بأصل محرز فلو دلّ دليل شرعي من أصل أو غيره على كون المصلّي متطهّرا فلا اشكال في عدم الاقتصار على صلاة واحدة أو هذه التي يلتفت إلى ذلك فيها .

لكنّه لا يخفى ان مبنى القاعدة كما سبق مختلف فانّها إمّا أن تكون ترخيصا في ترك الواقع أو جعل البدل أو التقييد والمختار كون لسانها هو الترخيص ونتيجة كلّ من هذه أيضا تخالف الاخرى .

نعم لو كان المبنى ما ذكرنا من كون ذلك من بناء العقلاء لأمكن عدم

جريان القاعدة على بعض التقادير

ص: 584


1- . سورة المائدة: 7 .

التفكيك بين هذه الموارد لعدم فرق بين أجزاء هذه الصلاة وصلاة غيرها بعد تحقّق التجاوز الا ان هذا كلّه بناءً على تسليم كون الدخول في الصلاة خروجا عن الوضوء ودخولاً في غيره .

أمّا بناء على كون الطهارة شرطا لكلّ جزء من أجزاء الصلاة من أوّلها إلى آخرها فيرجع جواز جريان القاعدة وعدمه إلى رجوع الشكّ في الصحّة إلى الوجود فان رجع إليه فتجري القاعدة ويمضي على المشروط والشرط وإلاّ فلابدّ من الاحراز وحيث ان لا احراز في الأثناء فينحصر على هذا مجرى القاعدة ببعد الفراغ من الصلاة وحينئذٍ تجري قاعدة الفراغ ولا مجرى لها بالنسبة إلى الصلاة الاخرى .

وهذه الموارد ممّا تقدّم القاعدة على الاستصحاب بخلاف ما إذا تقدّم الشكّ أو اليقين على الصلاة فتيقن الحدث وشكّ في الطهارة أو بالنسبة إلى الخبث ودخل في الصلاة فلا يمكن اجراء القاعدة بعد الفراغ لأن أركان الاستصحاب تامّة يجري قبل الصلاة ويكون بذلك كمن دخل في الصلاة بلا طهارة .

غاية الأمر بالأصل المحرز الشرعي ولا مجرى لقاعدة الفراغ بالنسبة إليه نعم لو كان الشكّ واليقين بعد الصلاة فبالنسبة إلى الصلاة الواقعة بعد لابدّ من الاحراز لحصول مناط تقدّم الاستصحاب عليها وكذلك يشكل الأمر في نحو صلاة الظهر من حيث شرطيّتها لصلاة العصر والظاهر من الأصحاب جريان القاعدة في الوقت المختصّ بالنسبة إلى الشكّ في الظهر نعم له احتياط استحبابي وكان المسئلة ممّا استقرّت عليه الآراء وبالنسبة إلى الأثناء عندهم في ذلك اشكال .

ص: 585

تكميل: قد ذكرنا ان شرايط الصلاة ثلاثة أقسام فانّها إمّا أن تكون شرايط لها في حال الأجزاء أو للأجزاء نفسها أو شرط عقلي للجزء . والقسم الأوّل من الشرايط التي هي للصلاة كالستر والطهارة وإن قيل انّها شرط في حال الأجزاء ومثال ما كان شرطا للجزء كالجهر والاخفات في وجه فانّهما يمكن أن يكونا شرطين للقرائة ويمكن أن يكونا شرطين للصلاة حال القرائة ويترتّب على ذلك اختلاف الثمرة إلاّ انّه لوجود النص(1) لا يفترق الوجهان . والشرايط التي هي للصلاة على وجهين فانها تارة لها محل مقرّر شرعي واخرى ليس كذلك ثمّ انه إمّا أن يمكن ارادة الشرط بتبع ارادة المشروط فاعلاً لا تشريعا أو لا يكون كذلك ولم نستحضر الآن له مثالاً وأمّا النيّة فاذ انها ليست مقصودة وقابلة لتعلّق ارادة بها كي

تكون ارادتها تبع ارادة المراد المشروط بالنيّة وأمّا ارادة الشارع فلا اشكال في انّها تابعة لارادة العبد بمعنى أن يكون ما يمكن تعلّق ارادة العبد به يمكن للمولى تعلّق أمره ونهيه به والأحسن التعبير بالقدرة بأن بقال كلّما كان للمكلّف وفي قدرته أن يفعله ويتركه فللمولى أمره به ونهيه عنه وإلاّ فلا يخفى ما في التعبير بالتبعية من سوء الأدب .

وينبغي اخراج الشرط العقلي من مورد البحث لرجوع الشكّ فيه حقيقة إلى الشكّ في تحقّق المشروط فالشكّ فيه شكّ فيه فلو تجاوز عن محلّه جرى قاعدة التجاوز ولا يعتني بالشكّ

والحاصل ان الشرايط إمّا شرعيّة للصلاة أو لأجزائها أو شرط عقلي

للأجزاء وعلى الأوّل إمّا أن يكون للشرط محل مقرّر شرعي أو لا وامّا أن يمكن

ص: 586


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 26/1 - 2 من أبواب القرائة في الصلاة .

تبعيّة ارادة الشرط للمشروط أو لا والظاهر انه بعيد لوجود الارادة للشرط كما للمشروط فهذه صور الشرايط . ثمّ انّه قد مثّل لماإذا كان لها محل مقرّر شرعي في الشرط للصلاة بصلاة الظهر للعصر والطهارة الحدثيّة للصلاة بدليل الآية الشريفة « إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ »(1) الآية ولا يخفى ان الآية ليست بصدد ذلك وإنّما ذلك لعدم امكان تحقّق الشرط مقارنا للمشروط وإلاّ فلو فرض ذلك مقارنا للتكبيرة على نحو المقارنة الحقيقيّة بأن يفعل الأفعال الوضوئيّة أو الطهارة بقسميها الآخرين أو في الاقامة حيث ان الأحوط ذلك فيها وكذلك التكلّم في أثنائها فان الدليل ورد بالاعادة نقول به ولا نعتبر تقدّمها على الصلاة .

والقيد إنّما يكون له مفهوم إذا كان في وجوده وعدمه تحت اختيار المكلّف وإلاّ فلا مفهوم له والمثال للأجزاء أو للصلاة في حال الأجزاء الطهارة من الحدث أو الخبث ولا عبرة بما يقال من كون ذلك شرطا مطلقا لعدم مساعدة الدليل .

ومن الشرايط الستر والمثال للشرط العقلي الموالاة لأجزاء الكلمة فانها معتبرة لتحقّق الكلمة وإلاّ فلو فصل طويلاً فلا تتحقّق والحق بالموالاة المذكورة الموالاة في الآية والآية وفي نفس الأفعال كما يظهر من الشيخ الا ان الموالاة بهذا المعنى كأنه لا يساعدها الدليل .

نعم يمكن استفادة عدم جواز الفصل الطويل في الصلاة من طائفتين من الأخبار الواردة(2) في جواز مثل ضم الولد وقتل العقرب والحيّة وقطع(3) الصلاة لاتّباع الغريم والغلام وحفظ المال وأمثال ذلك ممّا يظهر من اختلاف التعبير فيها

وجوه وأقوال في المسئلة

ص: 587


1- . سورة المائدة: 7 .
2- . وسائل الشيعة 7 الباب 24 - 19/1 - 2 - 1 - 2 - 3 من أبواب القواطع .
3- . الوسائل 7 الباب 21/1 - 2 - 3 من أبواب قواطع الصلاة .

منافاة مثل اتباع الغريم وحفظ المال بالذهاب إلى مكانه وأخذه للصلاة والحق بذلك بعض الأفعال ولو كان قليلاً كالرقص والوثبة ممّا لا يناسب الصلاة .

وعلى كلّ حال فلا اشكال في اشتراط العصر بتقدّم صلاة الظهر عليها فلو قدّمها عليها عمدا تبطل صلاته بلا اشكال .

إنّما الكلام في صورة الشكّ باتيان الظهر وعدمه وحينئذٍ فنقول مثل هذا الشكّ تارة يحدث في الوقت المختصّ بصلاة العصر لا بما إذا بقى من الوقت مقدار خمس ركعات فحينئذٍ لا نحتاج إلى قاعدة التجاوز لقاعدة الحيلولة للوقت واخرى في الوقت المشترك فحينئذٍ لا إشكال في تحقّق التجاوز إذا دخل في العصر بالنسبة إلى صلاة الظهر التي هي شرط للعصر أي تقدّمها فيمضي ولا يعتني ويتمّ صلاته إنّما الاشكال في لزوم الاتيان بالظهر بعد ذلك وهاهنا قد يفكّك بين المضي على الظهر وعدم الالتزام بالاعادة فيها وبين المضي في هذه الصلاة فانه من المحال بل إمّا ان لا عموم في ترتيب الآثار ولا اطلاق فلا يشمل المقامين كليهما وإن كان لهما ذلك فكذلك لا وجه للتفكيك بل لا يجب عليه بعد ذلك صلاة الظهر ودعوى ان المضي إنّما هو من حيث الشرطيّة فلا ينافي عدمه من حيث انّها واجبة نفسا كما ترى .

وحاصل الكلام ان في المسئلة وجوها بل أقوالاً ثلاثة: العدول إلى الظهر والاتمام عصرا والاستئناف من رأس وقيل بالصبر إلى أن يتحقّق انفصال صورة الصلاة .

أمّا مسئلة العدول فموردها ما إذا علم انّه لم يأت بالظهر فيعدل إليها حيث

مورد العدول إلى السابقة

ص: 588

ان هذه مثل(1) هذه الا انها قبلها ولا دليل على التعدّي عن مورد النص الا أن يقوم شيء مقام العلم وإلاّ فيشبه بل حقيقة يكون من استدلالات العامّة بمجرّد تنقيح المناط أو الاستحسان كما لا معنى للصبر إلى أن ينفصل صورة الصلاة للاحتياط بعدم توجّه شبهة حرمة قطع الصلاة لاحتمال صحّتها في الواقع وإن لم يتمكّن من الاتمام لعدم تعيّن الوظيفة له من جهة اشتباه الموضوع فلا يدري أيعدل حيث لا دليل أو يأتي .

وفيه أوّلاً انه حيث لا دليل يجوز القطع كما إذا لم يكن دليل للعدول وثانيا لا معنى للصبر حذرا من توجه شبهة القطع لأن نفس الصبر وعدم الاشتغال من القواطع ولقد قال أو قيل بنظير ذلك في بعض شكوك الصلاة وهو كما ترى ويمكن أن يلتزم بعموم ترتيب الآثار حيث ان القاعدة لا تقصر عن أصل محرز فلو قام على كونه متطهّرا فكيف يجوز أن يأتي به صلوات وأعمالاً بل يكون كالطهارة المحرزة في الآثار هذا . وإلاّ ففي التفكيك ما عرفت .

وصاحب العروة رأى العدول(2) في فرض المسئلة وجعل الأحوط بل نفي الخلو فيها عن القوّة في ما إذا علم بفعل العصر وشكّ في العصر بالاعادة .

ومن الشروط الشرعيّة الطهارة من الحدث بالنسبة إلى الصلاة حتّى في حال السكوتات فانّها إمّا أن يكون لها محل شرعي أم لا وعلى التقديرين إمّا أن يتحقّق الشكّ فيها بعد الفراغ من الصلاة واخرى بعد الشروع فيها . أمّا إذا كان الشكّ بعد الصلاة ولم يكن قبلها ملتفتا إلى حصول الطهارة وعدمه وحدث اليقين

ص: 589


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/5 من أبواب المواقيت .
2- . العروة الوثقى المسئلة 20 من أحكام الأوقات مع تفاوت لما في المتن .

والشكّ في الحدث والطهارة بعدها ويحتمل احتمالاً عقلائيّا انّه تطهّر قبل الصلاة أو طهر بدنه فيمضي لقاعدة الفراغ بلا اشكال سواء كان لهما محل مقرّر شرعي أم لا وأمّا إذا كان حدوثه في أثناء الصلاة وكان غافلاً قبلها ولم يكن له يقين بالحدث وشكّ في الطهارة فعليين وقلنا ان الطهارة محلّها الشرعي قبل الصلاة فلا اشكال أيضا في جريان القاعدة للشكّ فيها وقد دخل في غيرها أي الصلاة فيمضي أمّا إذا كان قبل الصلاة له الشكّ واليقين الفعليّان فالاستصحاب مقدم على القاعدة ولا وجه لصحّة الصلاة سواء كان شكّ بعدها أو في أثنائها . وعلى ذلك أي جريانها في الاثناء ولم يكن الشكّ فعليّا قبل الصلاة ربما يشكل الأمر فيما التزموه من لزوم الطهارة بالنسبة إلى الصلاة الآتية اذ لا فرق حينئذٍ بين هذه الصلاة أو الصلاة الآتية

لتحقّق أركان القاعدة وثبوت انه متطهّر وبعد ذلك فلو لم يكن الطهارة البنائيّة المحرزة بالقاعدة أقوى من الاستصحاب فلا أقل من كونها مساوية له ولا اشكال في انه لو جرى الاستصحاب بالنسبة إلى الطهارة مع تحقّق أركانه وكان بحكم الشرع طاهرا فلا يفرق الأمر فيه بين الصلاة التي شرع بها أو فرغ منها أو التي يريد أن يأتي بها فيما بعد كما يدلّ على ذلك ( وإيّاك(1) أن تحدث وضوءا حتّى تستيقن انّك قد أحدثت ) ولا يلزم دخول الشاكّ في الغير بالنسبة إلى كلّ عمل بل قد تحقّق منه الدخول في الغير فالشرط للصلاة التي يأتي بها بعد العصر مثلاً أو الظهر أيضا حاصل ولا احتياج إلى التلبّس بالصلاة التي يريد أن يأتي بها بعد التي تلبس بها وهو قد شكّ في أثنائها إذ كما ان القاعدة ثبتت الطهارة بالنسبة إلى هذه الصلاة كذلك بالنسبة إلى التي بعدها كما إذا شككنا في التكبيرة وجرت القاعدة فيها فانها

ص: 590


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 44/1 من أبواب الوضوء .

تثبت أيضا شرطيّتها بالنسبة إلى الأجزاء الآتية التي صحّتها وصحّه الصلاة مشروطة بوجود التكبيرة بلا اشكال .

وتوهّم احتياج المضي بالنسبة إلى الصلاة اللاحقة إلى التلبّس بها وعدم مسبوقيّتها بالشكّ الفعلي كالتي تلبس بها وإلاّ لا يصدق التجاوز كما ترى .

مدفوع بعدم احتياج المضي إلى الدخول في كلّ غير بل الدخول تحقّق بالنسبة إلى كلّ ما يشكّ فيه ( لا يخفى عدم اندفاع التوهّم بما ذكر وجريان القاعدة لاثبات الطهارة للصلاة اللاحقة أشبه شيء بجريانها في التكبيرة لاثبات الركوع فتدبّر جيّدا .

خلاصة البحث: قد تبيّن الاشكال في التفكيك بين جريان قاعدة التجاوز في الأثناء لصحّة العمل الذي يأتي به بالنسبة إلى الشكّ في شرطه وعدم اثباته للشرط المشروط به العمل اللاحق كالطهارة إلاّ ان هذا على تقدير تسليمه وإن الطهارة لها محل مقرّر شرعي قبل الصلاة وإلاّ فلا مجرى لها أصلاً .

فعلى هذا لا محيص من الاستيناف وتحصيل الطهارة إلاّ ان المحقّق النائيني(1) قد بنى في هذا الجريان وكذا في صلاة الظهر بالنسبة إلى صلاة العصر لكن حيث ان القاعدة إنّما تجري من حيث اشتراط هذا العمل به فعلى هذا لا وجه للاكتفاء به في اثبات شرطيّتها لصلاة العصر أو للاكتفاء بذلك عن صلاة الظهر بعدها فعليه أن يأتي بها بعد العصر كما إذا شكّ بعد الصلاة في طهارة يدها المتنجسة فانّه لابدّ أن يطهّرها للصلاة اللاحقة والوضوء لو كان من مواضعه دون التي حصل الشكّ له بعدها في تطهيرها .

اشكال تفكيك جريان قاعدة التجاوز في الأثناء والشرط

ص: 591


1- . فوائد الأصول 4/642 .

وقد سبق منّا الاشكال ولا فرق في ذلك بين المباني السابقة في قاعدتي الفراغ والتجاوز فسواء كان من جهة القناعة في مقام الامتثال بالمعنى الذي تصوّرناه الراجع إلى الترخيص في الترك أو كان هو الترخيص فيقال ان المولى قد رخّص في ترك صلاة العصر حيث ان تقدّم الظهر شرط واقعي فالاكتفاء بهذه التي قد جرت القاعدة في شرطها إنّما هو من حيث الترخيص في تركها وعلى ما ذكرنا من الاشكال امّا أن يعدل إلى الظهر لو كان سالما من الاشكال الاخر الذي أشرنا إليه بأنّ المستفاد من أدلّة العدول والقدر المتيقّن منها هو صورة العلم بعدم الاتيان

وامّا الشكّ كما في ما نحن فيه فلا موجب له الا ان يقوم غيره مقامه والا فلا يمكن التعدّي عن مورده وعلى هذا لا يتوجّه شبهة حرمة القطع لعدم القطع بكونها صحيحة كي يحرم قطعها لاحتمالها الانقطاع والبطلان من رأس فلا وجه للاحتياط بالاتمام واستيناف الظهر والعصر بعدها أيضا .

هذا كلّه إذا شكّ في الأثناء . أمّا إذا شكّ بعد الفراغ فلا اشكال في جريان قاعدة الفراغ ولا يتوجّه عليها شيء لاختصاص مجراها بالشكّ في صحّة الموجود بعد فرض أصل الوجود وإنّما الشكّ في أصل الوجود مجرى قاعدة التجاوز وعلى كلّ سواء كان الشرط للصلاة في حال الاجزاء أو في مطلق أحوالها كالستر ولم يكن لها محل شرعي أو كان فبعد الفراغ يستوي الجميع في جريان القاعدة بالنسبة إليه لكنّه مختصّ بما إذا احتمل عقلائيّا تحقّق الشرط منه ولم يحتمل الترك عمدا بل لو تركه كان عن غفلة وفي ذلك لا خلاف بينهم بل المسلم عندهم جريان القاعدة لتصحيح الموجود في أيّ شرط أو جزء كان الشكّ لكن

ص: 592

يظهر من المحقّق النائيني قدس سره (1) الاكتفاء بجريان قاعدة التجاوز لكونها مجرى للشكّ في السبب الموجب للشكّ في صحّة الصلاة المسبّب عن الأوّل وبجريان القاعدة في الشكّ السببي لا يبقى مجال للشكّ المسببي وفي هذا لا فرق بين الأجزاء والشرايط التي لها محل مقرّر قبل الصلاة أو في أثنائها أو لم يكن كالستر والقيود ففي الجميع تجري قاعدة التجاوز بعد الصلاة وبذلك يحرز صحّة الصلاة وعلى هذا لا يبقى مجرى لقاعدة الفراغ في الصلاة إلاّ في الشكّ في الجزء الأخير لو لم نشترط في قاعدة الفراغ الدخول في الغير وإلاّ ففيه أيضا تجري قاعدة التجاوز .

إن قلت: يمكن الفرق في جريان القاعدة بين التي تقيدها شرط للصلاة فلا يفيد جريان القاعدة في اثباتها واحرازها بخلاف التي لا يشترط الا مجرّد وجودها لا تقيد الصلاة بها ففي القسم الأوّل لا محيص من جريان قاعدة الفراغ دون الأخير لعدم اثباتها أي القاعدة للآثار العقليّة غير الشرعيّة .

قلت: لسنا ملتزمين بعدم اثبات الأصول والقواعد غير الامارات للوازم الشرعيّة بل في ذلك نتبع الدليل فان كان من القواعد العامّة ولم يلزم من عدم جريانها في ما يثبت اللوازم غير الشرعيّة اللغويّة في الجعل فنلتزم بذلك أي عدم اثبات اللوازم الكذائيّة وإلاّ ففي صورة كون القاعدة من القواعد الخاصّة التي لا مجرى لها إلاّ في موارد ملازمة جريانها لاثبات اللوازم غير الشرعيّة فنلتزم باثباتها وإلاّ يلزم اللغويّة ومن ذلك قاعدة التجاوز فكما ان جريانها في التكبيرة بلحاظها ولحاظ اشتراط الأجزاء اللاحقة كذلك في الشرايط والقيود بلا فرق

امكان الفرق في جريان القاعدة

ص: 593


1- . فوائد الأصول 4/642 .

لاتّحاد اللسان والفرق إنّما هو من ناحية المجرى فتارة يكون هو الشرط والقيد واخرى هو الجزء بل لو كان في مورد يترتّب الأثر الشرعي على اللازم العقلي فتجري أيضا بلا شبهة لما ذكرنا وهذا واضح لا اشكال فيه إلاّ ان ذلك في مورد عدم سبق الشكّ الفعلي مثل الطهارة والغفله منها وحدوث الشكّ واليقين إنّما هو بعد الفراغ فحينئذٍ تجري القاعدة على ما ذكرنا وأمّا لو سبق الشكّ واليقين الصلاة ودخل فيها ثمّ بعد الفراغ التفت إلى ذلك فلا يمكن القول بتقدّم القاعدة على الاستصحاب لوجود الاستصحاب حيث لا مجرى للقاعدة وتقدّم القاعدة عليه إنّما هو في مورد جريانهما معا وعدم جريان الاستصحاب لأحد الوجوه المتقدّمة في تقدّم القاعدة عليه أمّا في صورة عدم مجرى للقاعدة فلا يجري أحد الوجوه كي تقدّم بعد تحقّق مجرى لها فحينئذٍ فرق بين ما إذا كان الشكّ واليقين قبل الصلاة فالاستصحاب يجري بلا اشكال وليس ذلك تقدّما وإذا كان بعد الفراغ منها فتجري القاعدة على الشرط المتقدّم بأن يحتمل الاتيان والترك لا عن عمد بل لو حصل فانّما هو عن غفلة وعلى ما ذكرنا تدري بعدم المجال لما يمكن أن يقال في صورة سبق فعليّة الشكّ واليقين الصلاة بأنّه بعد الفراغ يمكن له جريان القاعدة لعدم اليقين له بذلك بل يحتمل كذب الاستصحاب وانّه في الواقع كان متطهّرا فللقاعدة مجرى كما انّه يعلم الوجه في عدم الجريان في ما ذكرنا بعد الفراغ من الصلاة بلحاظ الشكّ واليقين الحاصلين قبلها والجريان في مثل الشكّ في التكبيرة بعد الدخول في القرائة مع تحقّق اليقين والشكّ الفعليّين وانّه لأحد الوجوه بخلاف صورة تقدّم الاستصحاب حيث لا مجرى للقاعدة .

تذنيب: هل تجري قاعدة التجاوز في ما إذا رأى نفسه في هيئة المقتدى

ص: 594

وشك في التكبيرة أو هل تجري في مثل الشكّ في السجود بعد الجلوس قبل القرائة أو وظيفة الركعة الثالثة أو الرابعة إذا كان لا يقدر أن يأتي بالقيام بل قيامه جلوس أم لا .

إلى غير ذلك من الفروع المترتّبة على مطلق التجاوز بدخول الغير مطلقا ممّا ذكرها في العروة والضابط في ذلك قد عرفته سابقا .

ففي مثل الشكّ في التكبيرة نقول إذا رأى نفسه في الصلاة يمضي ولا يعتني أو لم يرو لكن اشتغل في الاخفاتيّة بالتسبيح أو غيره ممّا يستحبّ للمأموم وفي الأخير اشكال بعدم جعل محل شرعي لهذه الأذكار بل هي مستحبّة في مطلق الأحوال وفي فرض الشكّ في السجدة بعد الجلوس أيضا قد استقر الرأي على انه ان اشتغل بالوظيفة لا يعتني والاّ يرجع كما انّه قد علم ممّا ذكرنا حال الشرايط التي ليس لها محل شرعي كالستر والاستقبال فانّه إن لم يكن اشكال من ناحية الاجزاء السابقة لكن الكلام في اللاحقة بأن يقال محل كلّ شرط من نحو هذه الشروط محلّ المشروط فبعد المضي لا يعتني وقبله حكمه حكم الشكّ في المحلّ هذا .

المبحث السادس أو السابع: هل القاعدة تجري في مطلق ما كان الشكّ في صحّة العمل واتيانه على الوجه المعتبر في انطباق المأمور به على المأتي به سواء كان الشكّ من ناحية الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة كان لا يدري ان الحكم أو فتوى من يقلّده في اللباس المشكوك الجواز أو عدمه أو هذا اللباس من المشكوك على فرض المنع أو هذا الدم من القروح والجروح كي يكون معفوّا أو لا أو مثلاً يدري انّه صلّى إلى هذه الجهة امّا لامارة أو رجاء كونها قبلة ثمّ شكّ بعد

جريان القاعدة في الشك من جهة الشبهة الحكميّة

ص: 595

العمل انّ هذه الجهة قبلة أم لا أو كان ذلك من جهة رجوع الشاهدين عن شهادتهما وتصريحهما بكذبهما أو لا بل نسي صورة العمل لكنّه يدري إن كان اتيانه بالصلاة إلى هذه الجهة فهي قبلة وإن كان إلى غيرها فليست قبلة ويشكّ في تحقّق العمل على أيّ جهة منها أو يأتي بالصلاة برجاء دخول الوقت أو بها على تقدير الرجوع إلى مجتهد أو مضى في المسئلة لعلّه يوافق ما أتى به ولو قهرا واتّفاقا وإن كان الرأي الذي استقرّ عليه الآن انه ان طابق فتوى من يجب عليه تقليده فصحيح وإلاّ فباطل أو شكّ في دخول الماء إلى تحت الخاتم فانّه لو وصله فقهرا وإلاّ فهو لم يلتفت إلى ذلك ولا حركه أو يختصّ بما إذا كان الشكّ ممحضا بالشكّ في الانطباق من ناحية الترك من غفلة لا من جهة الشبهة الحكميّة ولا الموضوعيّة ولا ما إذا حفظ صورة العمل ونسيه ؟ وجهان .

والذي ينبغي أن يقال انه إن كان الشكّ في الانطباق من جهة احتماله اتيان العمل صحيحا على الوجه المعتبر ولم يكن من جهة الشكّ في الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة كما مثّلنا كأنه دخل فيها مع الشكّ أو بالرجاء أو بالتعويل على امارة أو في مسئلة ذوي الأعذار في البدار ولم نجوّزه أو جوّزناه في صورة حصول الاطمئنان واليأس من زوال العذر إلى آخر الوقت فبادر وصادف البرء وإن كان الجمع بين هذا المبنى وما سلّمه القائل والذاهب إليه من عدم لزوم الاعادة في هذا الفرض مشكلاً فلا اشكال في انّه يمضي لأنّه القدر المتيقّن من مورد قاعدة التجاوز والفراغ كما انّه لا ينبغي الارتياب في عدم جريانها للشكّ في الصحّة من ناحية الشكّ في الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة وكان الشكّ من أوّل الأمر . وما هو قابل للكلام هو صورة عدم تذكر صورة العمل كما مثّلنا في مورد القبلة من انه

ص: 596

يتصوّر على وجهين فتارة يدري بأنّه صلّى إلى هذه الجهة ويشكّ في كونها قبلة واخرى يدري بأنّ القبلة هذه الجهة الكذائيّة ولا يعلم انّه أتى بها إليها أم لا فاطلاق

قوله ( كلّما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو )(1) يقتضي الجواز وعدم الاعتناء بالشكّ إلاّ ان التعليل في بعض أخبار الوضوء المتقدّمة سابقا وهو قوله ( هو حين ما يتوضّأ اذكر منه حين يشكّ )(2) يقتضي عدم الاعتناء بالمأتي به من جهة عدم التفات له ونظير هذا المضمون ورد في روايات(3) باب الصلاة وعلى

هذا فلو كان هذا تعليلاً للحكم واستفيد منه الكبرى الكليّة فلابدّ من اعتبار قيد زائد

بلحاظ ما في مجرى قاعدة التجاوز وجريانها وهو عدم كونه غافلاً حين العمل بل متذكرا له وملتفتا إليه متصدّيا لاتيان العمل على الوجه المعتبر لكن للمناقشة في كبرويّته مجال واسع لعدم انطباق ضابط منصوص العلّة على ما نحن فيه سواء اشترطنا وروده عقيب الفاء كما في بعض(4) أخبار لباس المصلّي ( فانّه دابّة لا تأكل اللحم ) أو عمّمنا حتّى بمثل أكرم زيدا لأنّه عالم بل حيث ان الغالب في ذلك كون الآتي بالعمل ذاكرا له وخصوصياته وملتفتا إليه فما بيّنه الامام علیه السلام ليس علّة للحكم والمجعول بل هو اعطاء الملاك ويمكن كونه تعبّدا أو ايناسا للحكم إلى ذهن السائل والراوي كما يرشد إليه ما في بعض الروايات من قوله: كلّما(5) مضى من صلاتك أو طهورك فذكرته تذكّرا فامضه الخ فقوله فذكرته تذكرا حصول

عدم جريان القاعدة في مورد احتمال الترك عمداً

ص: 597


1- . الوسائل 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 1 الباب 42/7 من أبواب الوضوء .
3- . الوسائل 8 الباب 27/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . وسائل الشيعة 4 الباب 3/2 - 3 من أبواب لباس المصلّي .
5- . الوسائل 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .

الالتفات بعد الصلاة وحدوث الشكّ إنّما هو حينئذٍ كما هو صريح في عدم اعتبار الاذكريّة بلحاظ قوله فذكرته تذكّرا أي احتملته احتمالاً فتدبّر .

وعلى هذا فلا مانع من اجراء القاعدة حتّى في مثل ما إذا لم يدر صورة العمل وانّه حرّك الخاتم أو لا بل وصل إليه الماء قهرا وأمّا في فرض علم الصورة وانّه أتى بالصلاة إلى هذه الجهة ويشكّ في انّها قبلة أم لا ويدري انّه ما حرّك الخاتم ويحتمل وصول الماء إليه إلى البشرة فللمنع عن جريان القاعدة مجال كما عرفت وجهه لعدم كون الشكّ ممحضا في ما القاعدة بصدد بيان الجري والمضي عليه وهو ما إذا احتمل الاتيان ومن ذلك الستر فانّه لا يدري انّه من أوّل الأمر كان

متستّرا أو منكشفا بل الانكشاف إنّما حصل بعد انقلاب الهواء فاللازم احراز الالتفات وطريان الشكّ لاحتمال طرو الغفلة أو حصول الصارف له ومنه ما إذا نسي صورة العمل ويحتمل فيه الاتيان على الوجه المعتبر .

المبحث السابع: لا مجال لجريان القاعدة في صورة احتمال الترك عمدا لعدم اطلاق أدلّة الباب مثل كلّ ما مضى(1) من صلاتك وطهورك فامضه كما هو أو

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره حتّى لهذه الصورة .

الكلام في اصالة الصحّة: لا يخفى ان لاصالة الصحّة فردين فانّها تارة تجري في عمل نفس المكلّف فتسمّى بقاعدة الفراغ وقد مضت مفصّلاً واخرى في عمل الغير وهي التي ينصرف إليها الاطلاق .

والبحث الآن إنّما هو في الأخير وما يمكن أن يقع فيه النزاع بهذا المعنى وجوه: أحدها أن يكون المراد منها حمل عمل الغير على الصحيح لا بمعنى ترتيب

ص: 598


1- . الوسائل 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .

الآثار بل مجرّد انّه لم يعمل سوءا وفاسدا ومنها أن يحمل على الصحيح عند الفاعل ويترتّب عليه الآثار كما إذا فعل المكلّف فعلاً وشكّ في صحّته وفساده فكيف يجري الأصل لصحّته ويرتّب عليه آثار الصحيح فكذلك هذا الوجه من اصالة الصحّة والظاهر عدم كونها بهذين المعنيّين محلّ النزاع ووجه الأخير عدم قابليّته لكلّ مقام فانّها في مقام جهل الفاعل بالصحيح والفاسد لا يفيد . فما ينبغي

أن يكون محلّ الكلام هو المعنى الآخر الذي هو الحمل على الصحيح الواقعي ويترتّب عليه جميع آثار العمل الصحيح من سقوط ذمّة من ناب عنه في الحجّ أو صلّى عنه وغير ذلك سواء في المعاملات بالمعنى الأعم أو الأخص وغيرها فانّها لا اختصاص لها بباب دون باب وقد استدلّ عليها بالمعنى الأخير بآيات وأخبار دالّة على عدم جواز ظنّ(1) السوء بالمؤمن ولا ريب في انّها بمعزل عن ما نحن فيه وكذلك ورد في(2) عدم تعرّضه لموضع الاتّهام فان فعل ذلك فلا يلومنّ إلاّ نفسه والظاهر حمل هذا على الكراهة كما ان المراد بحرمة سوء الظن ترتيب الأثر على ظنّه لا مجرّد الخطور الذي قلّما يمكن الفرار عنه .

والحاصل ان ما ورد في وضع(3) فعل أخيك وأمره على أحسنه وما إذا لم تجد له في الخير سبيلاً ولو على سبعين وجها لا يكون دليلاً على مورد الكلام الذي هو ترتيب الأثر على الفعل على النحو الصحيح الواقعي خصوصا والانسان لا يمكنه أن يلتفت إلى ما في ضمير الأشخاص غالبا ولو جعل على رأسه في نيابة الحج عدلين فانّهما لا يطلعان على نيّته وكذا في صلاته .

ما استدلّ به على اصالة الصحّة

ص: 599


1- . بحار الأنوار 75/90 روايات ثمانية .
2- . بحار الأنوار 75/90 روايات ثمانية .
3- . وسائل الشيعة 12 الباب 161/3 من أبواب أحكام العشرة .

ومن الوجوه التي استدلّ بها على المدّعي السيرة ولا يخفى انّها لا تنفع شيئا بما هي هي ما لم ترجع إلى قول المعصوم علیه السلام أو فعله وتقريره ومن ذلك لزوم اختلال النظام وهذا أيضا ممنوع وعلى فرضه فيقتصر على مورده الذي يلزم من عدم الحمل على الصحيح ذلك كما في العسر والحرج خصوصا مع حجّيّة اليد فانّها أيضا مقصورة على موردها .

نعم ان تمّ الاجماع على ذلك فهو وإلاّ فان احتمل أن يكون مدركه هذه الوجوه أو بعضها فلا دليل على اصالة الصحّة .

وللمحقّق النائيني رحمه الله(1) كلام هنا في الاجماع والظاهر انه مختصّ به فانه جعل الاجماع على وجهين: الوجه الأوّل أن يكون منعقدا على الموارد الجزئيّة كان يجمع على صحّة المعاملة لو شككنا في صحّتها وفسادها من ناحية شرايط النقل والانتقال في الصيغة والماضويّة وقصد الانشاء وأن يجمع على عدمها إذا شككنا في ذلك من ناحية قابليّة المال للنقل والانتقال أو من ناحية بلوغ العاقد لمنع صباوته عن ذلك بدون اذن الولي أمّا مع اذنه ورشد الصبي فالأقوى الصحّة . واخرى يكون انعقاده على نحو العموم اللفظي ونتيجته جواز كونه مرجعا أو مرجحا في صورة ورود الدليلين المتعارضين في أحد مصاديقه وصغريّاته بأن قلنا ان الدليل المعارض للخاص كما يعارضه يعارض العام أيضا ويكون العام مرجّحا أو يقال بوقوع المعارضة بين الخاصّين ويشكّ في تخصيص العام بعد سقوطهما عن المعارضة .

هذا: لكنّه لنا كلام في هذا المقام وهو عدم الجزم بالاجماع كذلك وعلى هذا

ص: 600


1- . فوائد الأصول 4/654 مع اختلاف في العبارة .

الوجه فكيف تصحّ دعوى الاجماع على هذه القاعدة واطلاق معقده مع عدم الالتزام من مدّعيه في الموارد العديدة من صغريات هذه الكبرى من حمل فعل المسلم على الصحّة سواء قلنا ان مبنى حجّيّة الاجماع هو اللطف أو التشرّف أو الكشف أو الحدس أو غير ذلك من وجوه حجّيّته التي ربما تبلغ أربعين وأزيد .

هذا فعلى ما ذكرنا لا يقوم لاصالة الصحّة وجه صحيح .

نعم يمكن الاستناد إلى رواية مسعدة(1) بن صدقة الواردة في مقام الشبهة

كما ذكره الشيخ الأنصاري رحمه الله في بعض ما كتب في حواشي الرسائل ( بالعلامة الخاصّة نسخة زياد ) والظاهر انّه منه رويت في الكافي والتهذيبين فلا اشكال في سندها وسيّدنا الأستاذ قدس سره ذكر ملخّص كلام الشيخ ومرامه واستشكل عليه بعدم تماميّة جوابه عن اشكاله الأوّل الذي أورده على نفسه والأولى نقل عبارة الشيخ قدس سره بعينها قال في الحاشية ( نسخة زياد ) ويمكن الاستدلال بموثقة مسعدة(2) بن صدقة عن أبي عبداللّه علیه السلام ( كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو مملوك وهو حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك .

والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة ) فان الحكم بالحلية عند الشكّ في الحرمة في هذه الأشياء لا يجمعها إلاّ اصاله الحمل في تصرّفات الناس وعدم وجوب الاجتناب عنها إلاّ مع العلم أو قيام البيّنة وذلك

مفاد رواية مسعدة

ص: 601


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

لأن مثل الثوب الذي اشتراه مع اصالة عدم تملكه له المقتضية لحرمة التصرّف فيه لا وجه له إلاّ اصالة الصحّة في تصرّف البايع المقتضية للملك فالحكم بالحلّ وعدم الحرمة ليس من جهة مجرّد الشكّ في حل لبس الثوب وحرمته نظير المشتبه بين الخل والخمر وإلاّ لكان الأصل فيه التحريم نظير المشتبه بين زوجته والأجنبيّة بل من حيث الاشتباه والشكّ في معاملة الثوب وتردّدها بين الصحيحة المملكة وغيرها .

فموضوع هذا الحكم الظاهري هي المعاملة الواقعة على الثوب وإلاّ فلبس الثوب حلال من حيث كونه تصرّفا في ملكه بعد الحكم الظاهري بكون المعاملة بملكه لا من حيث الشكّ في كونه حلالاً وحراما . وكذا الكلام في العبد المشترى وكذا الحكم بحلّ المرئة المشتبهة بالاخت والرضيعة ليس من حيث مجرّد التردّد بين الحلال والحرام وإلاّ لكان الأصل عدم تحقّق الزوجيّة بينهما بل من حيث الشكّ في العقد الواقع وانّه كان صحيحا أم فاسدا .

والحاصل من ظاهر الرواية بقرينة الأمثلة ارادة ما يعم الحكم بالحل من حيث التصرّف الموجب لرفع الحرمة الثابتة باصالة فساد التصرف .

ان قلت: لعلّ الحكم بحلّ التصرّف في الثوب والعبد من جهة اليد وفي المرئة من حيث اصالة عدم النسب والرضاع فلا يدلّ على اصالة الحل في التصرّف من حيث هو .

قلت: ظاهر الرواية الحكم بثبوت الحل ظاهرا من جهة مجرّد التردّد بين الجائز والممنوع لا من حيث قيام امارة على الملك وعدم النسب .

فان قلت: ان الرواية كما تشمل ما إذا كان الشكّ في حل خبز للشكّ في

ص: 602

صحّة شرائه الرافع لحرمة أكله قبل الشراء أو شكّ في حلّ الصلاة في الثوب المتنجّس الذي غسله الغير للشكّ في صحّة غسله كذلك يشمل حل وطى امرأة تردّدت بين الزوجة والأجنبيّة وحل التصرّف في امة تردّدت بين أمته وأمة الغير ولو بنى على حكومة اصالة عدم الزوجيّة والملكيّة على مفاد هذه الرواية في هذين المثالين فليبن على اصاله عدمهما في موردها فلابدّ أن يكون منشأ الحكم بالحل في الرواية امارة حاكمة على اصالة العدم وهي اليد في الثوب والعبد واصالة عدم النسب والرضاع في المرئة لا مجرد الشكّ في حلّ المعاملة الواقعة عليها وعدمه .

قلت: فرق واضح بين مورد الحكم بالحل في المثالين ومورده في أمثلة الرواية وساير التصرّفات المردّدة بين الجائز والمخطور فان الشكّ في الحل في المثالين مسبوق بالحرمة المتيقّنة سابقا فتسصحب كما هو شأن تعارض أصل الاباحة مع استصحاب الحرمة بخلاف الشكّ في حلّ المعاملة الواقعة على الثوب والعبد والمرئة فانّه غير مسبوق بالحرمة فالحكم في الرواية بجوازه ونفي الحظر عنه يرفع حرمة التصرّف فيها المتيقّنة سابقا قبل المعاملة .

والحاصل ان اصالة الحرمة في مثالي المعترض حاكم على مؤدّى الرواية والأمر في مورد الرواية على العكس هذا ما يقتضيه النظر عاجلاً إلى أن يقع التأمّل هنا أنفسهم انتهى ما في الحاشية .

والحاصل ان الاشكال الأوّل الذي أورد الشيخ على نفسه لم يستطع الجواب عنه لعدم ظهوره في ما ادّعاه في ذلك بل ظاهر الرواية الحكم بحلية التصرّف ولم يجعل وجهه اصالة الصحّة والوجه الثاني الذي قرب دلالة الرواية به

امكان الاستدلال برواية مسعدة

ص: 603

على اصالة الصحّة جعل الاحتمال بين ثلاثة وجوه اصالة الصحّة في العقود كما يقتضيه ظاهر الأمثلة أو المطلق لاصالة الحلّ للتصرّفات ثمّ ان الرواية على ظاهرها وهو الحل تقتضى تأخّر المجعول فيها عن جميع الأمارات والأصول حيث جعل الغاية فيها هو الاستبانة التي هي العلم وقيام البيّنة غاية الأمر لم يعمل بهذه التوسعة .

وكيف كان هل يمكن استفادة اصالة الصحّة من هذه الرواية أم لا بل غاية ما يستفاد منها هي اصالة الحلّ وتمام موضوعها الشكّ ولذا نظر إلى ظاهرها صاحب المدارك وجعل حلية اللحم المشكوك وغيره لاصالة الحل لا لمسئلة السوق واماريّة اليد وقد روى في ذلك روايات وفي بعضها(1) عليكم أن تسئلوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ولا يخفى انه مع قطع النظر عن مصير المشهور إلى خلاف ذلك ان ظاهرها جعل الحلية في كلّ مورد مشكوك نظائر المذكورات في الرواية الا ان المشهور لم يعملوا بظاهرها وعلى اطلاقها مع ان مورد التعارض بينه وبين استصحاب عدم التذكية وغير ذلك هو العموم من وجه ولاية خصوصيّة يقدم جانب الاستصحاب ولا يراعى جانب القاعدة والأصل ؟

والحاصل ان الرواية تصلح لاصالة الصحّة بلحاظ عدم مناسبة الحكم في المذكورات بما في الرواية مع عدم الجامع الصالح الا بما يلائمها كما ذكرنا تقريبه من الشيخ رحمه الله بما يوافق اصالة الصحّة في العقود أو بنحو آخر كما ذكرنا الاّ انا ذكرنا الاشكال في ذلك وان مجرّد صلاحيتها لذلك لا يوجب ظهورها فيه بل الظاهر ما أشرنا إليه في صدر البحث من ان المستفاد منها ضرب قاعدة في مقام

ص: 604


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 50/7 من أبواب النجاسات .

الشكّ في المذكورات ونظائرها على حكم الاباحة وجعل الغايه فيها الاستبانة وقيام البيّنة ومنه يمكن استفادة عدم لزوم الفحص بلحاظ اشتمال الرواية على الاستبانة وجعل العدل لها قيام البيّنة سواء حصل منها العلم أو لا بل ومع الظن بالخلاف الا ان أمر البيّنة بين العلم والتعبّد .

وعلى كلّ حال حيث جعل الغاية فيها هو مجرّد الاستبانة وقيام البيّنة فلا غاية لها غير ذلك فهي في أسفل مراتب الاصول ولا وجه لدعوى كون الاستصحاب غاية له لكونه علما تعبّديّا لوضوح بطلانها بل ما ذكره المحقّق النائيني رحمه الله أيضا من ان الاستصحاب من الأصول المحرزة وانّه يقوم مقام العلم في المرتبة الثالثة أيضا مجرّد دعوى بل الاستصحاب كقاعدة الفراغ من الأصول التعبّديّة .

نعم ان ثبت كونه امارة فيمكن كونه غاية لاصالة الحل المستفادة من الرواية بما ذكر في محلّه اللهمّ إلاّ أن يدّعي ان الاستبانة أعمّ من الواقعي والظاهري فاذا حكم الشارع في مورد اصالة الحل بالحرمة من جهة الاستصحاب فقد بان وانكشف لنا الحكم ولو ظاهرا بل ويمكن التعدّي عن ذلك إلى الاحتياط وانه ان أوجب الشارع له أيضا لا يمكن الاستناد إلى اصالة الصحّة ومرجع ذلك إلى توسعة في ناحية الغاية بجعلها أعم من الواقعي والظاهري لو لا توجه الاشكال عليه بعدم مناسبة جعل البينة عدلاً لها هذا . فعلى ما ذكرنا نتيجة البحث ان الرواية بظاهرها أجنبيّة عن اصالة الصحّة ولا ربط لها بما نحن فيه .

وربما استند في اثبات اصالة الصحّة بلزوم الاختلال في أمر الدنيا ونظام معيشتها فانّه لا يمكن البيع والشراء ولا ترتيب آثار الملكيّة على المبيع وغيره

مدرك اصالة الصحّة في المعاملات

ص: 605

لاحتمال انّه سرقة وان المعاملة غير صحيحة لاختلال بعض ما يعتبر فيها الا ان هذا الوجه قد أشرنا إلى ضعفه فيما سبق من لزوم ذلك لو لا اليد التي تقدّم البحث في اماريّتها وانّها امارة الملكيّة بلا اشكال .

هذا لكن الذي يظهر منهم كونها ( أي اصالة الصحّة ) مسلمة في باب العقود بالمعنى الأعم الشامل للايقاعات ويدعون عليه الاجماع واشرنا إلى امكان استناده إلى المدارك المذكورة التي ناقشنا فيها كما يحتمل أن يكون مستند ذلك في الجملة اصاله الصحّة المستفادة من قاعدة الفراغ بعد الدخول في الغير ويمكن أن يكون باب العقود والايقاعات من باب القدر المتيقّن من الاجماع وإن كان الذي يظهر من المحقّق النائيني رحمه الله(1) انه لا يبعد تحقّق الاجماع فيها على الخصوص لكنك عرفت قريبا انّه لو كان المقامات المختلفة والموارد الجزئيّة قام عليها الاجماع فهو المدرك وإلاّ ففي موارد الخلاف لا يمكن تحقّقه فما ذهب إليه المحقّق المذكور من عدم قدح الاختلاف في التمسّك بالاجماع لو انعقد على نحو الاطلاق في معقده بأن يكون كالاطلاق اللفظي ضعيف لا وجه له .

والحاصل ان في باب المعاملات الذي يتحصّل من الأقوال في أبوابها المختلفة كما ربما يستفاد من كلماتهم وادّعاه المحقّق النائيني(2) في جريان اصالة الصحّة مطلقا سواء كان الشكّ في الصحّة والفساد من الشكّ في تحقّق شرايط العوضين أو المتعاملين أو شرايط العقد أم لا بل على التفصيل الآتي ثلاثة وجوه:

الأوّل: جريانها في كلّ مورد الشكّ في صحّة العقد وفساده أي عقد من

ص: 606


1- . فوائد الأصول 3/654 - 656 .
2- . فوائد الأصول 3/654 - 656 .

العقود كان وكذلك كلّ ما كان منشأ الشكّ سواء كان الشكّ فيها من ناحية قابليّة العوضين للنقل والانتقال من حيث كونهما مالاً أو من جهة الشكّ في تعلّق حقّ الغير به فيكون رهنا أو من باب عدم قابليته للنقل من حيث كونه وقفا أو من ناحية اختلال شروط المتعاملين من كونهما بالغين عاقلين لهما الرشد المعاملي وغير ذلك أو من حيث تحقّق شروط المعاملة من اعتبار الماضويّة في الصيغة لو اعتبرت أو مثلاً كون الايجاب مقدما على القبول أو حصول القبض في بيع الصرف ومعلوميّة العوضين بالكيل أو الوزن أو غير ذلك ممّا يرفع الجهل .

الثاني جريانها في ما إذا كان منشأ الشكّ خصوص تحقّق شرايط النقل والانتقال بعد احراز باقي شروط العوضين والمتعاملين فهذا الوجه إنّما هو من حيث صدور العقد عن المتعاملين تامّة الشرايط وعدمه فهي أي اصالة الصحّة على هذا القول إنّما تكون حاكمة على اصالة عدم النقل والانتقال في الشكّ من ناحية تحقّق شرايطه .

الثالث التفصيل بين ما يكون اعتباره عرفيّا فلا تجري بخلاف ما إذا كان شرعيّا فتجري حينئذٍ سواء كان ذلك أي أيّ الشرطين في شروط النقل والانتقال أو في العوضين أو المتعاملين فهذه وجوه الأقوال في المسئلة الا ان المتيقن من الجميع هو الجريان في الشكّ في شرايط النقل والانتقال لو فرض عدم جريان التفصيل الأخير فيه كما هو الظاهر . وعلى ما ذكرنا فيكون ما ذكره المحقّق الثاني من جريانها عند استكمال أركان العقد ناظرا إلى أحد الوجهين الأخيرين لظهور كلامه في اعتبار ما هو ركن في العقد بحيث لو لم يكن لا صحّة للعقد ولا مجرى لاصالتها.

نتيجة الأقوال

ص: 607

والوجه الأوّل لا استثناء في جريان أصل الصحّة في مورد فلم يعتبر فيه الركن من غيره وحينئذٍ فيمكن كونه الركن بمعنى ما يكون دخيلاً في ذلك عرفا فينطبق على الثالث وإلاّ فعلى الوجه الثاني وحيث ان الركن لم يكن له معنى في هذا المقام الا ما هو الظاهر منه عرفا ممّا به قوام العقد ويكون لو ترك سهوا أو عمدا ولم يأت في العقد موجبا لبطلانه كما في ركن الصلاة فيحتمل حينئذٍ أن يكون المراد الأعم من العرفي والشرعي فيكون محمل كلام المحقّق احتمالاً ثالثا .

اللهمّ إلاّ أن يدّعي كل ما هو ركن عند العرف ركن كذلك عند الشرع فالأعم إنّما ينطبق على الشرعي فقط فتدبّر . وحينئذٍ ينبغي أن يلاحظ في ذلك كلّ معاملة وعقد بحسب نفسها لاختلاف المعاوضات والعقود في ذلك قرّب شيء هو شرط وركن في معاملة وليس كذلك في المعاملة الاخرى أو في قسم من المعاملة كالبيع وليس كذلك في قسم آخر مثلاً اعتبار العلم بما يقع عليه العقد بحيث يرفع الجهل معتبر في عقد البيع لا الهبة أو القبض شرط في بيع الصرف والسلم وليس شرطا في غيرهما وكذا لا ركنيّة للمهر في عقد التزويج الدائمي بخلاف المتعة وربما يكون شيء ركنا وشرطا في جميع أبواب العقد والمعاملات كالبلوغ والعقل وكون ما يقع عليه المعاملة قابلاً للنقل والانتقال من حيث كونه مالاً عرفا وكالزوجين في عقد الزواج فان لهما الركنيّة فيه .

فالحاصل ان كلّ ما يكون شرطا وركنا في جميع أنواع المعاملات والعقود فهو ركن في الجميع وإلا فكلّ معاوضة ومعاملة وعقد يلاحظ في حدّ نفسه وممّا

ص: 608

يدّعي كونه شرطا في معاملة دون اخرى البلوغ واستشهد له المحقّق النائيني رحمه الله(1) بأن في مقام التنازع في عقد الضمان لو ادّعى أحد الطرفين كون الضامن صغيرا فيجعلون الأصل له ويحكمون بعدم الضمان بخلاف عقد البيع فيقدمون أصل الصحّة على الفساد ولا يعتنون بدعوى عدم البلوغ من أحد المتعاملين حين وقوع العقد وليس ذلك إلاّ لعدم رؤيتهم لغير البالغ ذمّة فان الضمان على التحقيق عندنا عبارة عن نقل الذمّة إلى ذمّة الضامن لا الضم إلى ذمّة المضمون عنه كما هو مذهب العامّة وحيث ان العرف لا يرون للصغير غير البالغ ذمّة فلذا يقدم عدم البلوغ ويقدم بلحاظه قول من يدّعي الفساد من هذه الجهة هذا .

ولكن فيه ان مراتب الصغر مختلفة فان كان غير مميّز فلا يعتبر شيء من أفعاله فهو كالبهائم وهو الذي مسلوب عبارته في باب العقود لعدم تمييزه بين الجواب بنعم ولا فحينئذٍ لا يعتبر له ذمّة ولا يرون له وأمّا من كان مميّزا قريبا من

البلوغ وله الرشد المعاملي فالعقلاء وأهل العرف يعتبرون في حقّه الذمّة ولذا يعاملونه نسيئة وغير ذلك فما ذكره ضعيف غايته .

نعم ربما لا يرى الشارع ماليّة شيء وهو مال عند العرف كما ربما يوافق العرف في ذلك وهذا غير مرتبط بكلامه قدس سره .

ثمّ انّه بعد معرفة الوجوه والأقوال الثلاثة . ان الدليل على القدر المتيقّن المشترك المتّفق عليه بين هذه الأقوال هو ما إذا كان الشكّ في حيث صدور المعاملة والعقد مع احراز شرايط العوضين والمتعاقدين ودليله على الظاهر هو الاجماع فالكلام الان يقع في هذا الاجماع لو كان تعبّديّا كاشفا عن رأي

القدر المتيقّن بين الأقوال

ص: 609


1- . فوائد الأصول 4/656 .

المعصوم علیه السلام فهو الحق الذي لا محيص عنه ولابدّ من القبول والا فلو احتمل أن يكون مستندا إلى أحد الوجوه المتقدّمة في اصالة الصحّة مطلقا في العقود وغيرها فلا يتمّ لعدم الوثوق بالكشف فحينئذٍ ان افاد قطعا بالحكم فحجّيّته من باب القطع وإلاّ فلا عبرة به ولابدّ من التماس دليل آخر فان كان المشكوك فيه مجرى قاعدة الفراغ فلا اشكال في جريانها والصحّة بهذا اللحاظ وإلاّ فللتأمّل فيه مجال واسع فتدبّر جيّدا .

نتيجة البحث: لا اشكال في عدم ارتباط الآيات والأخبار التي استدلّ بها على اصالة الصحّة بها بوجه بل إنّما هي تدلّ على حرمة الاخبار على المؤمن بشيء لتوهينه والتشنيع عليه وغير ذلك من المضامين المختلفة كما لا يخفى ان كلامنا ليس في الصحّة عند الفاعل اذ غايتها حمل فعله على الصحيح عنده .

أمّا الصحّة عندنا فلا فما هو محلّ الكلام من احتمالات اصالة الصحّة هو كونها بحيث توجب ترتيب آثار الصحيح الواقعي الذي يراه الشاكّ واقعا ولو بطريق ظاهري .

والحاصل ان الغرض في اصالة الصحّة أن يرتب على المشكوك الذي يراد اجرائها فيه كلّ أثر يترتب على المعلوم الواقعي أو الذي هو وظيفة الذي تجري في حقّه ويريد أن يكون عمله أي الغير كما إذا علم صدوره صحيحا جامعا لشرايطه وجميع ما يعتبر فيه فهي بهذا المعنى محلّ الكلام ولا يخفى شدّة احتياجنا إليها بهذا المعنى ولذلك أمثلة كثيرة في جميع الأبواب ففي باب الصلاة مثلاً قد يشكّ في صحّة اقتداء الغير بالامام كي لا يضرّ فصله بين الامام وبين الشاكّ ولا يدري ان صلاته التي شرع فيها أكان مع الوضوء أم لا وان وضوئه صحيح أم لا

ص: 610

وكذا ساير شرايطها وانه هل له نيّة الاقتداء أم لا ويريد الصلاة أم لا إلى غير ذلك من الاحتمالات وكما في عمل الأجير والنائب في صلاته وصومه وحجّه في أصلها وفي شرايط صحّتها وكما يدري قيام البيّنة على اجتهاد زيد وعدالة عمرو وهو قد اختبر من اقيمت له الشهادة فلم يره بالوصف أو علم بالخلاف فيحمل شهادة الشاهدين على الصحيح وان طلاق هذه المرئة كان في حضور العدلين أم لا وهل وقع بالصيغة الخاصّة أم لا إذ هو يريد أن يتزوّجها وما لم يحرز صحّة طلاقها لا يمكنه ذلك أو في عقود المعاوضة فهذا المال الذي يريد من بيده بيعه وقف أم لا ومتعلّق حقّ الغير أم لا وأهو بالغ أم لا بعد صدور العقد كاله أو وزنه بحيث يرفع جهالة المبيع إلى غير ذلك من الأبواب المتفرّقة الفقهيّة التي يكثر الشكّ في كلّ ذلك

فليس محلّ الكلام في اصالة الصحّة الصحّة عند الفاعل لعدم ترتّب أثر عليها على هذا بل الحاجة إلى ذلك لارادة ترتيب الأثر على الصحيح على المشكوك .

وما ذكروه من الآيات والأخبار وكتبوه كما ترى لا دلالة لها بوجه الا الاجماع لو أوجب القطع ولم يكن مستندا إلى هذه الوجوه لاحتمال اعتماد القدماء وأصحاب التأليف الذين لم يذكروا المدرك إلى ذلك وكان هو مدرك اجماعهم ودعوا هم في المسائل له ويمكن الاستناد ببعض ما تقدّم في قاعدة الفراغ والتجاوز من قوله ( كلّما مضى(1) من صلاتك وطهورك فامضه كما هو وكلّما شككت(2) فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو بتقريب عدم خصوصيّة للمخاطب بالخطاب أي الشاكّ في أن يكون عمل نفسه فالمراد بالخطاب هو

عدم تماميّة قيام السوق على حجّيّة اليد

ص: 611


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

الشاكّ كما هو المسلّم الا ان المشكوك فيه حيث ان ظاهر اسناد الفعل إليه وتعلّقه بعمله يرفع اليد عن ظهور خصوص عمله بكونه من باب المثال وانه على ( إيّاك أعني واسمعي يا جاره ) إلاّ انّ هذا التعدّي عن هذا الظاهر كما ترى(1) ويمكن الاستناد إلى التعليل الوارد في اليد في رواية(2) حفص حيث استقره على الشراء من ما في أيدي الناس وإن لم يدر انه ما لهم والشهادة على ذلك .

ثمّ قال لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق . بناءً على ما هو ظاهر الرواية من كون السوق مفرد الأسواق لا جمعا للساق على احتمال والمراد بالسوق حينئذٍ ليس خصوص ما يقع فيه البيع والشراء بل كناية عن ما يقوم فيه وبه أمر المعاش ونظام أمر العباد سواء كان ذلك في أمر البيع والشراء أو في ساير الاُمور ومن هذا التعليل الظاهر في الكبرويّة يستفاد ان حجيّة اليد إنّما هو من حيث استلزام عدمها أمرا فاسدا وهو عدم قيام سوق المسلمين فكلّما كان كذلك أي عدمه موجب للفساد فهو فاسد كما ان كلّ ما يكون مستلزما للباطل أو المحال باطل أو محال .

والحاصل: ان الانطباق والتطبيق إنّما هو لخصوص اليد وإلا فالعبرة بعموم التعليل .

ولا يخفى عدم تماميّة قيام سوق المسلمين مع حجيّة اليد لأنّه كما سبق إنّما ينفع في خصوص الشكّ من جهة الملكيّة أمّا ساير الجهات فلا فانّا لو فرضنا احراز ان هذا المال لهذا الشخص وهو باعه ولكن لم ندر أهو بالغ حين البيع أم لا أو ندري ولكن لا ندري أكاله أو وزنه أو حصل النقل بشرايطه لعمرو أم لا فلا

ص: 612


1- . الظاهر انّ الاستدلال تام يشمل عمل الغير كعمل نفسه .
2- . الوسائل 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .

يمكن التمسّك حينئذٍ باليد وحجيّتها لمثل هذه الاُمور كما ان العلم بحصول شرايط النقل والانتقال وعدم كون المتعاملين ممنوعين من التصرّف لا يجدي مع الشكّ في ملكيّة العوضين لهما فاليد إنّما هي انطبق عليها التعليل بلحاظ عقده السلبي وهو عدم قيام سوق المسلمين وأمّا من حيث عقده الوضعي وهو قيام السوق لهم فلا ينحصر التعليل به بل يقوم أيضا باصالة الصحّة التي هي محلّ البحث ونحن وإن كنّا زاعمين إلى الآن بأن اليد تكفي لذلك وإن بحجيّتها يصلح أمر العباد نظاما ومعاشا لكن تنبهنا أخيرا بعدم كفايتها لذلك بل في المقام أشياء كثيرة وموارد لا تحصى لا ترتبط باليد فاذا شككنا في ان صلاة زيد واقتدائه صحيحة أم لا فأيّ ربط لذلك باليد وحجيّتها أو كما ذكرنا في المعاملة الواقعة على المال الكذائي فانّه

لو لا حجيّة اليد لم يمكن الحكم بكون المبيع مالاً للبايع في صورة الشكّ فحجيّتها أفادت في هذه الصورة ولو علمنا بحصول جميع الشرايط الاخر في المعاملة كما انّ حجيّتها بنفسها لا تجدي في ما إذا شككنا من الجهات الاخر بل لو علمنا بكون المال المبيع للبايع لكن شكّنا لم يكن من هذه الجهة .

نعم نحن وإن قدمنا البحث في اليد ووجه تقديمها على الاستصحاب إلاّ ان ذلك يجدي في صورة الشكّ في الملكيّة والآن ففي شكّ في ذلك وكيفيّة تقدّمها ومقدار ذلك فليتأمّل وليلاحظ .

توضيح وتكميل: ليعلم ان اصالة الصحّة بالمعنى الأعمّ الذي لا تختصّ بخصوص المعاملات والعقود حسب ما يترائى في النظر انّها بهذه التوسعة تغنينا عن اليد وحجيّتها دون العكس ضرورة كون التصدّي للبيع لو حمل على الصحّة بالمعنى الذي هو عبارة عن ترتيب الآثار لو علمنا انّه مال نفسه يوجب الحكم

امكان الاستناد إلى التعليل

ص: 613

بكون ما يتصدّى لبيعه انّه له وليس كذلك ما لو كانت اليد امارة على الملكيّة أصلاً كذلك لاختصاصها بذلك أي الملكيّة فقط ويبقى ساير الأعمال من باقي العقود والايقاعات بلحاظ الشكّ من غير ناحية الملكيّة خاليا عن دليل يوجب الحكم والجري بالصحّة فيها .

فانا إذا علمنا ان اليد السابقة على هذا المال لم تكن غصبيّة ولم ندر النقل والانتقال هل كان مع غير البالغ أم لا فاليد على هذا المال لا تثبت البلوغ وبالجملة

فيمكن الاستناد لاصالة الصحّة بما ذكرنا من التعليل في ذيل الرواية في اليد ( لو لا

ذلك لم يقم للمسلمين سوق )(1) الا انه لم يعلم كونه كبرى كلية بل يشبه كونه ملاكا للجعل فعلى هذا لا يمكن التعدّي عن مورده إلى كلّ مورد كان فيه هذه المناسبة فان مورده لزوم الحرج على تقدير عدم كون اليد حجّة فأشار إلى نفي ذلك أي العسر والحرج في الرواية بما في ذيلها المحتمل كونه كبرى كلية وملاكا للجعل ولا يكون ظاهرا في الأوّل لو لم يكن في الثاني .

وقد تقدّم في بعض تنبيهات لا ضرر ان أمثال لا ضرر ولا عسر ولا حرج انّما مجريها مورد لزوم أحدها من جعل الحكم وكون الحكم الشرعي في موردها ولو لم يكن كذلك بل لزم من عدم جعل الحكم في مورد ضرر أو عسر أو حرج فلا ينفي دليلها مثل ذلك العسر والحرج ولذا لابدّ من الاقتصار على مورده وليس إلاّ خصوص اليد ولا يمكن التشبث لذلك بعدم لزوم القسمة في المياه المشتركة بين الوقف وغيره لو اختلط الميزان وخرج عن الانضباط والقانون بدعوى لزوم الحرج والعسر من عدم ارتفاع حكم القسمة ويمكن الاستناد في اصالة الصحّة إلى

ص: 614


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .

ما ذكر في رواية حفص(1) وكذلك رواية مسعدة(2) بانضمام دعوى عدم الفائدة المعتدّ بها في صورة اختصاص ضرب الحكم المجعول فيهما بمورده وهو الشكّ في سرقة المبيع أو كونه حرّا خدع مثلاً أو كون المرئة اخت الرضاعة بل جهات الشكّ مختلفة وليس جامع في الرواية بين شتات جهاتها الا اصالة الصحّة فتكون حينئذٍ قاعدة مضروبة لكليّة هذه الموارد وأمثالها والامام علیه السلام قرره في رواية حفص(3) على الشهادة على المبيع بأنّه ماله وإن لم يكن يدري انّه مال من اشترى منه حقيقة بتقريب ان المجعول في القاعدتين وإن كان يناسب حجيّة اليد لكن لم يصرّح بذلك فيهما بل ظاهرهما ترتيب كلّ أثر للمال الواقعي الذي يكون ملكا للشخص حقيقة من اتمام الاستطاعة والحجّ به والتصدّق وغير ذلك من التصرّفات من البيع والشراء على هذا المشكوك كما تقدّم احتماله في قاعدة الفراغ غاية الأمر لو كان في عمل نفسه تجري هذه ولو كان في عمل الغير تجري اصالة الصحّة فانا لسنا دائرين مدار لفظ اليد أو اصالة الصحّة بل النزاع في أمر معنوي وهو قيام دليل على حجيّة اصالة الصحّة في جميع الأعمال من العقود والايقاعات وغيرها بحيث توجب ترتيب كلّ أثر كان للواقع غير المجهول على المشكوك سواء كان الشكّ راجعا إلى جهة من جهات النقل والانتقال كالكيل والوزن والصيغة والقبض أو في غير ذلك كالبلوغ والملكيّة فان روايات اليد ليست بتلك المثابة من الحجيّة والظهور بل ظاهر مواردها خصوص الشكّ في حدوث اليد فلو لم نعلم كيفيّة حدوثها نقول بحجيّتها .

ص: 615


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .

أمّا إذا كانت مسبوقة فلا وحينئذٍ فتجري اصالة الصحّة لدفع الشكّ حتّى من هذه الجهة وتوجب الحمل على الصحيح والصحّة الواقعيّة في مال علمنا بوقفيّته وانتقل بلا واسطة أو بواسطة إلى من شكّ في النقل إليه من جهة من تلك الجهات .

نعم ورد في بعض موارد اليد ان(1) المال بينهما نصفان لكن ذلك مخصوص

بمواردها كما إذا كان زمام الناقة بيد شخص وآخر يركبها .

تذكرة: قد روى في الوسائل في باب وجوب الحكم بملكيّة صاحب اليد حتّى يثبت خلافها ثلاث روايات ثالثتها احتجاج(2) أميرالمؤمنين علیه السلام على أبي بكر باليد أوليها عن أبي الحسن الرضا علیه السلام (3) ذكر انّه لو افضى إليه الحكم لاقرّ

الناس على ما في أيديهم ولم ينظر إلاّ بما حدث في سلطانه وذكر ان النبي صلی الله علیه و آله لم ينظر في حدث أحدثوه وهم مشركون وإن من أسلم أقرّه على ما في يده وثانيتها رواية حفص بن غياث(4) عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قال له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد انّه له ؟ قال: نعم .

قال الرجل اشهد انّه في يده ولا اشهد انّه له فلعله لغيره فقال أبو عبداللّه علیه السلام: أفيحل الشراء منه ؟ قال: نعم فقال أبو عبداللّه علیه السلام: فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثمّ تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك .

دلالة رواية حفص على اصالة الصحّة

ص: 616


1- . الوسائل 27 الباب 12/2 - 3 - 4 أبواب كيفيّة الحكم لكن لم يذكر فيها ان زمام الناقة بيد أحد .
2- . الوسائل 27 الباب 125/1 - 3 من أبواب كيفيّة الحكم .
3- . الوسائل 27 الباب 25/3 من أبواب كيفيّة الحكم .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم.

ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق . وسيّدنا الأستاذ قدس سره بعد أن قرب الكلام في دلالة هذه الرواية على ما سبق نفي الاشكال في دلالتها على خصوص اصالة الصحّة لا اليد وإن ذكرت في الرواية لأنّ المراد بكون الشيء في يدي رجل الاستيلاء على الشيء والتصرّف فيه لا انّه مجرّد وضع الشيء في مكان كانكان مع استوائه لغيره في عدم التصرّف فيه بل اما أن يعرضه للبيع أو غيره من التصرّفات فحينئذٍ يحتمل الحكم بجواز الشهادة انّ المال والشيء له كما يحلّ الشراء منه حسب ما قرّر الامام علیه السلام السائل لكون حمل تصرّفه أي تصدّيه للبيع وعرضه له على الصحيح وهو بهذا المعنى لا يتوجّه عليه اشكال الاثبات لأنّ الصحيح على هذا المعنى عبارة عن صحّة المعاملة لأنّ المال والمبيع المعروض له ويقع الكلام في مرجع الضمير ذيل الرواية فيحتمل أن يكون هي الشهادة وإن كان قد يستشكل في ذلك بكون الضمير مذكّرا لكن باعتبار ما ذكر يصحّ التذكير كما يصحّ أن يكون مرجعه هو الشراء وظني انه جعله الأقوى من احتمال مرجعيّة الشهادة .

وحينئذٍ فيجوز الشراء بمجرّد ان تصدّى للبيع حملاً له على الصحيح وليس في المقام الا كونه ملكا له وإن كان يحتمل كونه وكيلاً أو وليا أو مأذونا وكذلك غصبا .

لكن المحمول عليه في الرواية غير الغصب بل انّه ملكه ويصحّ الاستدلال

على المدّعى وإن كان المرجع للضمير الشهادة لا الشراء بل لعلّه أولى ولا يخفى انّه على هذا الاحتمال كونه اشارة إلى اصالة الصحّة فيناسب ما استفدنا من تعليل

ص: 617

ذيل الرواية ( لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق )(1) بل انطباقه على الشراء أظهر ضرورة عدم لزوم عدم قيام سوق للمسلمين على فرض عدم جواز الشهادة على الملك استنادا إلى كونه في يده أو انه استولى عليه بل لو لم يجز الشراء منه وكذا غير الشراء من التصرّفات المناسبة له غير الشهادة يلزم المحذور المعلّل به جواز الشراء . هذا مضافا إلى عدم ورود اطلاق في اليد كي نتشبث به بل لابدّ من استفادة ذلك من الروايات المتفرّقة في الأبواب المختلفة كمورد احتمال المال لغيره احتمالاً عقلائيا على ما ارشد إليه رواية جميل بن صالح(2) عن أبي عبداللّه علیه السلام قلت له: رجل وجد في منزله دينارا قال يدخل منزله غيره ؟ قلت: نعم كثير قال: هذا لقطة قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا ؟ قلت: لا قال فهو له وكما ورد في جعل البيّنة على مدعى كون ما بيد الغير له .

وممّا يشهد لذلك عدم الحكم بمقتضى اليد لو كان حالها معلومة سابقا ككون المال وقفا ثمّ بيع ولا ندري أكان هناك مجوّز للبيع أم لا فلا يمكن التشبّث باليد لدفع الشكّ بل يجري الاستصحاب في هذا ونظائره فليس الحكم بمضيّ البيع في أمثال الموارد لو قيل به إلاّ لخصوص اصالة الصحّة . لكن الذي يسهل الخطب احتمال الرواية لكلا الوجهين فانّها توافق اليد وحجيّتها كما توافق اصالة الصحّة لو لم نقل ان ظهورها في اليد أقوى .

والحاصل: انّها على تقدير الاحتمالين تكون مجملة خارجة عن صلاحيّة

ص: 618


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . الوسائل 25 الباب 3/1 من كتاب اللقطة .

الاستدلال بها لأحدهما .

أقول: ظاهر ذيل الرواية ان الامام علیه السلام كان بصدد اخراج الشبهة عن ذهن السائل حيث قرّره على الشراء باعترافه والحلف ثمّ استنتج من ذلك عدم الفرق بين المقامين فكأنّه افحم السائل في قوله اشهد انه بيده ولا اشهد انه له ثمّ ذيل ذلك

بقوله لو لم يجز هذا أي الشهادة كما يدلّ عليه قبله وهو ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك لم يقم للمسلمين سوق غاية الأمر عدم مناسبة التعليل لعدم جواز الشهادة فتأمّل ) وجزم سيّدنا الأستاذ قدس سره بورود رواية حفص(1) لخصوص باب اليد وان الاستدلال بها لليد صحيح وقد ركن إليها بعض فاستدل بها لاصالة الصحّة كما استدلّ برواية مسعدة(2) تارة لليد واخرى لاصالة الصحّة وهي بمعزل عن ذلك بل الأنسب استدلال من يريد اثبات حجيّة اليد برواية حفص ومن يريد الاستدلال على اصالة الحلّ برواية مسعدة وذلك لأن رواية مسعدة حسب الظاهر مختصّة باصالة الحل التي لا تكون غايتها إلاّ العلم والبيّنة مع ان القوم يقدمون الاستصحاب على اصالة الحل وتوجيه ذلك بكون الاستصحاب أصلاً محرزا غير وجيه حيث ان ظاهر قوله في رواية مسعدة حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة ان العلم والبيّنة الشرعيّة يوجب الخروج عن حكم الحلية وإلاّ يكن معنى لعطف البيّنة على الاستبانة لأن البيّنة حجّة شرعيّة واستبان لنا من قيامها ما هو خلاف حكم المشكوك في هذه الموارد فليس ذلك الا لأجل ان المراد بالاستبانة هو العلم لكن حيث ان البينة وهي شهادة عدلين يجب العمل بها

توضيح في رواية حفص

ص: 619


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

وإن كان مظنون الخلاف لذا عطفه على العلم وليس دليل حجيّة الاستصحاب حاكما على أدلّة الأحكام المأخوذ في موضوعها العلم بدعوى ان المراد من ذلك هو الحجّة بجامع العلم والكاشف وذلك موجود في الاستصحاب ضرورة ان دليل الاستصحاب ليس إلاّ ترتيب أثر المعلوم والمتيقّن على المشكوك وهذا لأنّه ليس تصرّفا في عقد وضع العلم ولا في عقد حمله في موارد أخذه موضوعا ومن ذلك يشكل ظهورها في اصالة الحل لتقدّم الاستصحاب عليه .

نعم لو كان مفادها قاعدة الفراغ في عمل نفسه كما يحتمل ذلك حيث ان الشكّ من حيث صحّة المعاملة الواقعة على المبيع من الثوب والعبد بلحاظ عمل نفسه وكذلك في الامرأة فلذلك لزم المضي وعدم الاعتناء بالشكّ فحينئذٍ يصحّ تقدّمها على الاستصحاب بلحاظ الحكومة أو غير ذلك من الوجوه التي تقدّمت في أوّل بحث اصالة الصحّة في عمل نفسه أي قاعدة الفراغ كما ان ذلك أيضا لو كان من باب اليد السابقة على البيع في العبد أو الثوب خصوصا بلحاظ ما ورد في دعوى من عليه اليد الحريّة بأن عليه البيّنة ( بخلاف ما إذا تداعى المتداعيان في عبديّة كلّ منهما للآخر في قضاء أميرالمؤمنين علیه السلام (1) بنحو خاصّ ) كما استدلّ بهذه الرواية(2) بعض بتقريب كون هو لك كلّ شيء هو لك قيدا للشيء أو هو مبتدأ ولك متعلّق بالخبر المقدر من أفعال العموم يكون المراد بكونه لك أي مختصّ بك ويدك عليه ولذا اختصّ بك يكون لك حلالاً إلاّ ان الظاهر عدم ورود الرواية لاثبات حجيّة اليد بما ذكر أخيرا ولا بما تقدّم كما انّها ليست في مقام اصالة الصحّة

اشكال ظهور الرواية في اصالة الصحّة

ص: 620


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 21/4 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

في عمل نفس الشاكّ بقرينة انّ الشكّ لم يكن له من حيث عمل نفسه أكان العقد جامعا للشرايط المعتبرة في النقل بل الشكّ من حيث كون العبد حرّا أو الثوب مسروقا ممّا كان متعلّقا بالغير فهي مع قطع النظر عن أمثلتهاظاهرة بلحاظ صدرها في اصالة الحلّ وموضوعها المشكوك إلاّ ان بلحاظ الأمثلة لا يتمّ ظهورها في ذلك لجريان الاستصحاب والأصل في كلّ أمثلة الرواية ضرورة جريان اليد في العبد فيحكم بالملكيّة وكذا في الثوب وأمّا امرأة تحتك فاصالة عدم النسب أو الرضاع جارية وإن كان مجرى الاولى بناء على عدم التركيب متوقّفا على جريان اصالة العدم الأزلي ( نعم يشكل الأمر في المشكوك المشتبه بين الرضيعة وغيرها لكنّه ليس من فرض الرواية كما يرشد إلى ذلك امرأة تحتك وانّه مجرّد الشكّ والشبهة البدويّة ) ويمكن كون الرواية ناظرة إلى جهتين من الشكّ في عمل نفسه من جهة صدور العقد عنه كاملاً جامعا للشرايط مع الصيغة مثلاً وما يعتبر في ذلك وفي عمل الغير من جهة احتمال السرقة وكون العبد حرّا .

والحاصل انه لا يتمّ لها ظهور في اصالة الصحّة .

بل الظاهر منهم استفادة اصالة الحلّ من رواية مسعدة(1) .

فيبقى لنا خصوص الاجماع الذي نقله الشيخ قولاً وفعلاً الراجع إلى السيرة والاول قد عرفت مورده مع اختلاف الكلمات في ذلك .

نعم المسلم من مورده ما إذا تخالفا في اشتراط شرط مفسد في العقد

فيجعلون الأصل في جانب الصحّة هذا لو لم نقل باستناد ذلك إلى اصالة عدم الشرط الفاسد المفسد والثانية بلحاظ هذه الازمان فهي موجودة قطعا لكن الكلام

ص: 621


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

في حجيّتها واتّصالها إلى زمان المعصومين علیهم السلام وليس مورد الشكّ خصوص المعاملات بل لنا الحاجة الشديدة إلى أصل الصحّة في الطلاق مثلاً وانّه وقع صحيحا أم لا ولا اشكال في عدم الاعتناء باحتمال عدم الصحّة من العقلاء والمتديّنين في ذلك مع انه لم نجد رواية دالّة على حجيّتها كما ذكرنا لكنّه ربما يمكن أن يقال قويّا بأن عدم الردع في مقام يعتمد الناس عليه في امور دينهم أقوى شاهد على الامضاء بل يكفينا ذلك على تقدير عدم تماميّة دلالة الآيات والأخبار من نحو قولوا للناس حسنا(1) وضع أمر(2) أخيك على أحسنه فان عدم تماميّة دلالتها على المطلوب لا يلازم دلالتها على العدم فيكفينا عدم الردع .

تنبيه: ما ذكرنا من مفسديّة الشرط المفسد مبتنية على التقييد بمعنى انه إن لم يحصل هذا الشرط فلا يريد المعاملة وأمّا مع تعدّد المطلوب وكون الشرط التزاما في ضمن التزام فلا جهة للفساد .

ولا يخفى ان السيرة لم تنعقد على الجواز والمضي في الموارد المشكوكة لعدم تطرّق التعبّد في أفعال العقلاء بما هم كذلك وليس عملهم إلاّ من باب الاطمئنان والوثوق فاذا وثقوا بشيء في مورد يجرون عليه والا فيتوقفون ويحتاطون خصوصا في الموارد الأهم عندهم وربما يتوجّه عليهم الضرر العظيم .

نعم في الضرر اليسير ليس لهم هذا الاهتمام بل يقدمون عليه في بعض الأحيان ولو مع العلم فضلاً عن الشكّ وهذا هو عمدة الأدلّة في حجيّة خبر الواحد فبناء العقلاء وارتكازهم الذي لم يردع عنه الشارع يكون حجّة سواء كان في امور

ص: 622


1- . سورة البقرة: 84 .
2- . الوسائل 12 الباب 161/3 من أبواب أحكام العشرة .

المعاملات أو الأفعال الخارجيّة كالذبائح واللحوم وباب الجماعة والصلاة الاستيجاريّة ونحوها من موارد الحاجة والنظر إلى عمل الغير كالطلاق وليس للعقلاء انسداد ولا ظن فعند عدم الوثوق والاطمئنان فلا جهة لاصالة الصحّة ولا أصل لها عندهم حتّى ان ما ورد(1) في باب تصديق النساء ( هي مصدقات ) محمول على صورة حصول الوثوق بقولهن والاّ فالأخذ به مشكل .

والحاصل ان عمل العقلاء بما هم عقلاء ليس إلا على الاطمئنان والعلم العادي النظامي الذي يبنون عليه في امور معاشهم ويرون احتمال المخالف له معدوما أو كالمعدوم فلذلك لا يوقفهم من الجري على اطمئنانهم وكذلك عمل المتشرعة والمناط في ذلك المتشرّعة المتديّنون الذين ليس شأنهم شأن غير المبالين المقدمين على كلّ شيء ولا يهتمون بالامور الدينيّة حقّ الاهتمام وإلاّ فلو

كانت سيرة هؤلاء حقّا حجّة فهي منعقدة على الكذب والبهتان والزنا والفسوق بأنواعه .

أمّا المتديّنون من أهل كلّ ملّة أو خصوص ملّة الاسلام أو خصوص الشيعة المبالين فعملهم ليس إلاّ على ما ذكرنا فلا يمكن كشف حجّة تعبديّة في هذا الباب على الحمل على الصحّة بالمعنى الذي نريده في محلّ الحاجة .

فظهر ان الحمل لو كان فانّما هو في صورة حصول الاطمئنان كما في محاوراتهم ومكالماتهم في مقام أداء مقاصدهم فينسبون مفاد كلماته والحاصل المحصّل منها المعنى المتحصّل إلى المتكلّم ويحكمون عليه انه أراده .

فعلى هذا لو شككنا فلا أصل لنا يوجب الجرى على الشكّ ويكون حاكما

الحمل على الصحّة في مورد الاطمئنان

ص: 623


1- . الوسائل 2 - 22 الباب 47/1 - 2 من أبواب الحيض والباب 24/1 - 2 من أبواب العدد .

على الاستصحابات الموضوعيّة مثل اصالة عدم التذكية وبقاء النجاسة في الشكّ في غسل الثوب صحيحا وغير ذلك كاصالة عدم النقل والانتقال بل تجرى هذه الأصول كما في غير مورد الشكّ نعم امكن الاستناد في ذلك إلى رواية(1) ضع أمر أخيك على أحسنه بحمل الأحسن على الحسن في قبال القبيح بأيّ معنى أخذ الأخ في الرواية فان المتيقّن من ذلك الشيعة بل المسلم كما في الآية الشريفة إنّما المؤمون(2) اخوة وحيث ان ظاهر المعنى لا يمكن التعبّد به لعدم كونه قابلاً له فلابدّ من ارادة تنزيل الأمر المشكوك الظاهر في كلّ عمل من العبادات والمعاملات بالمعنى الأعم منزلة الأمر الحسن الذي صدر منه صحيحا حسناً فيترتّب عليه كلّ أثر يترتّب على الصحيح الواقعي كما هو ظاهر كون الأمر حسنا وعلى ذلك فيمكن كونه دليلاً لامضاء عمل العقلاء وتعبّدا في غير مورد عملهم وهو صورة عدم حصول الاطمئنان .

الا انّ سيّدنا الأستاذ لم يجزم بذلك وناقش الاجماع القولي بما سمعت وفي العملي الذي هو سيرة العقلاء ومشيهم بالمنع من المتديّنين بل يحتاطون إذا لم يعرفوا من المطلق للزوجة وانه يعرف بالعدالة أم لا وكذا الأمر في كلّ الأعمال الدنيويّة فضلاً عن أمر المعاد كما لا ينبغي الغفلة عن ان مزاحمات العقلاء في امورهم كثيرة فربما في مثل دوران الأمر بين المحذورين يختارون أقل الضررين وربما يكون في ترك التجارة بما يحتمل فيه الضرر مفسدة من جهة اخرى .

والحاصل ان دعوى الاجماع القولي مع اختلاف كلمات المجمعين حتى

ص: 624


1- . الوسائل 12 الباب 161/3 من أبواب أحكام العشرة .
2- . سورة الحجرات: 11 .

من الواحد في مقامين لا يتمّ وعهدتها على مدّعيها وعرفت ان باقي الوجوه المحتمل الاستناد إليها فحديث وضع(1) أمر الأخ على أحسنه لا يساعده الوجدان

ولا يقول به أحد وكذلك رواية(2) كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو فالظاهر انّها لم تكن غير مصدرة ولا مذيلة وعلى فرضه فاطلاقها حتّى بالنسبة إلى عمل الغير مشكل خصوصا والعمدة من أدلّتهم الاجماع وسبق بيان القدر المتيقّن .

وبالجملة بعد استكمال أركان العقد وإلاّ ففي صورة الشكّ في قصد الانشاء وعدمه فلا تحقّق للبيع والظاهر ان المتعدى من مورد المتيقن إنّما يقول بالجريان بعد فرض تحقّق عقد ولو عرفا الا ان الحق كما هو واضح ان الشرايط المذكورة في ذلك غالبها شرايط عرفيّة كما في تنجيزيّة الصيغة وعدم فصل بين الايجاب والقبول وإذا شكّ في أحدها فلا بيع عرفيّا كي يشكّ في باقي جهاته وما يعتبر فيه فاذا لم يتم دليل على اصالة الصحّة بالمعنى الذي هو مورد النزاع فيليق بنا أن نقول ان اصالة الصحّة لا أصل لها .

وعلى فرض حجيّتها وبناء عليها ولو عند القائل بذلك ينبغي التنبيه على أمر قد تعرّض له الشيخ رحمه الله الذي هو من القائلين بها ولو في الجملة وهو انّه هل المعتبر في اصالة الصحّة الحمل على صورة احراز علم الفاعل بالصحيح والفاسد أو لا بل يكتفي بمطلق احتمال المصادفة للواقع مطلقا ؟ ينبغي جعل النزاع دائرا مدار الأدلّة فان كان عمدتها الاجماع فهو كما ذكرنا له القدر المتيقّن وهو ما إذا احرزنا

بيان أصل عدم الغفلة

ص: 625


1- . وسائل الشيعة 12 الباب 161/3 من أبواب أحكام العشرة .
2- . الوسائل 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

علمه بالصحيح والفاسد وانّه أتى بالصحيح لكن شككنا في عروض المفسد .

خاتمة: بعد النقض والابرام في قيام الدليل المعتبر على اصالة الصحّة في عمل الغير أمكن عند سيّدنا الأستاذ قدس سره الاستناد فيها إلى أصل عقلائي ممضى للشارع غير مردوع عنه في نظره وهو أصل عدم الغفلة بيان ذلك ان للكلام ثلاث ظهورات ثالثها الظهور المتحصّل للكلام بعد ضمّ أطرافها وقبله ظهور ان آخران وقبل وصول دور الظهور الثالث الذي هو موضوع بحث حجيّة الظهورات من أين يعلم ان تمام السؤال والجواب الدائر بين الراوي والسائل والامام علیه السلام هو ما ذكر في الرواية ووصل إلينا فلعلّ هناك قرينة على ورود الجواب عليه كان هناك شرط أو قيد بأنحائه وكان هو مصب نفي البأس أو يعيد أو لا يعيد وأمثال ذلك من الأجوبة الصادرة عن الأئمّة علیهم السلام في بيان حكم اللّه الواقعي مع ان البناء في أمثال هذه المقامات ليس على التوقّف الذي لو كان هذا الاحتمال مؤثّرا في نفس الشاكّين تأثيرا تكوينيّا لكان هو ذلك الأثر أي التوقّف بل يعملون بظاهر السؤال والجواب ويحصل لهم الوثوق بأن تمام السؤال والجواب هو هذا الواصل إلينا ويلقون احتمال الخلاف الحاصل من احتمال الغفلة بل يبنون على عدم الغفلة ويسيرون عليه فبهذا التقريب والبيان لا بأس بأن نقول بكليّة هذه الكبرى فكلّ ما انطبقت عليه فنقول بمقتضاه ولا ردع للشارع عن هذه نعم لو ثبت الردع في موضع فنقتصر على مورده ولا نتعدى عنه إلى غيره فضلاً عن رفع اليد عن هذه الكبرى بالكلية .

وعلى هذا فلو قيل ان من عدم جريان هذا الأصل يختل النظام فكذلك

وكذلك لو قيل كما هو واضح ان بناء العقلاء عليه وذلك لما عرفت ان الاختلال

ص: 626

الذي يحصل من ناحية عدم اجراء هذا الأصل أعظم من كلّ نوع من أنواعه ولهذا نقول ان البحث في قاعدة الفراغ واجرائها وجريانها إنّما هو لهذه الجهة ولذلك يقتصر في مجراها على ما إذا تمحض الشكّ من ناحية الغفلة وإنّ الأدلّة الواردة في باب قاعدة الفراغ إنّما هي امضاء لما في الطريقة وعمل العقلاء في عدم اعتنائهم باحتمال الغفلة وليس مرجع هذا إلى عدم حصول الاطمئنان لهم بل هذه قاعدة مع الشكّ لأن موردها وإن كان هو الشكّ إلاّ ان معنى عدم الاعتناء باحتمال الغفلة انّه لا أثر له تكويني عندهم بحيث يوقفهم عن العمل بل وجود هذا الاحتمال كعدمه ولذا يحصل لهم العلم العادي النظامي .

فعلى هذا لابدّ في جريان هذا الأصل تمحّض الشكّ من هذه الجهة كما تقدّم منّا سابقا ان مع احتمال الترك عمدا لا مجرى لاصالة الصحّة في عمل نفسه الذي هو قاعدة الفراغ .

والحاصل ان موضوع قاعدة الصحّة في عمل الغير هو موضوع قاعدتها في عمل نفسه الا ان الفرق بينهما بذلك انّها تختصّ بعمل الغير وهذه بعمل نفسه ولذلك نشترط في مجراها كلّ شرط تقدّم في قاعدة الفراغ من أن يكون عالما بالحكم ولا يكون الشكّ من ناحية التصادف القهري بغسل اليد وعدمه وغير ذلك ممّا مرّ فيها .

وعلى هذا فلابدّ في اصالة الصحّة في عمل الغير احراز ان الغير لو شكّ في عمل نفسه يجري قاعدة الفراغ وإن لم تجر هي فعلاً لا يضرّ ذلك بالبناء منّا على مقتضى القاعدة .

ودعوى اختصاص مجرى قاعدة الحمل على الصحيح في عمل الغير بما إذا

الفرق بين عمل نفسه وعمل الغير

ص: 627

كان هو ملتفتا ومن جهة توجّه الخطاب بالمضي منه في قاعدة الفراغ يلزم غيره أن يعمل عليها أي قاعدة الفراغ كما ترى إذ لا ملازمة في ذلك بل نفس ان لو شكّ لاجرى يكفينا .

فقد ظهر ممّا ذكرنا حقيقة الحال في التنبيه الأوّل من تنبيهات الشيخ في اصالة الصحّة من ان موضوع الحكم بالصحّة هي الصحّة الفاعليّة أو الحامليّة وذلك لعدم مضى الأكثر إلى الاطلاق بل يقتصرون في مورد كون الشكّ في مجرّد الغفلة عن العمل وعدمها ومن ذهب إلى الاطلاق في اصالة الصحّة فأقل قليل .

وأمّا التنبيه الآخر وهو ان معنى أصل الصحّة في كلّ عمل هو ترتّب النتيجة المقصودة من هذا العمل فلو كان الشكّ في صحّة الايجاب فلابدّ من احراز تمام الشرايط المعتبرة في اصالة الصحّة في عمل نفسه ثمّ يجري القاعدة ومقتضاه حينئذٍ صحّة العقد لو انضمّ إليه القبول من القابل لا الصحّة بدون ذلك .

بقي الكلام في كلام المحقّق الكركي من جريان هذا الأصل في العقود عند استكمال أركانه في ان المراد بالأركان أيّ شيء ( أقول كان في كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره ذكر لترتيب الآثار ولعله أوضح في كلامه احتمالاً لقاعدة الفراغ وأصل الصحّة ورتب على ذلك عدم الاشكال في التعبّد بشيء ولذا نقول في المعاطاة بناء على عدم افادتها الملك لا مانع من أمر الشارع بالحجّ بما حصل عنده بها ووجوب اعطاء الزكوة وغير ذلك ممّا هو من آثار الملك لأنّ التعبّد بترتيب آثار الملك على غير الملك لا مانع منه وبهذا يجاب عن الاشكالات التسع التي أورد الشيخ الكبير على ذلك .

الكلام في تقدّم الاستصحاب على قاعدة القرعة أو العكس:

ص: 628

يظهر من الشيخ والمحقّق النائيني (1) تحقّق مورد لذلك كي يقع البحث عنه لكن روايات باب القرعة على قسمين فقسم منها واردة في موارد خاصّة كالغنم الموطوء(2) وأمثاله وقسم منها(3) عام والظاهر عدم نقاوة سندها(4) .

وعلى تقدير ذلك فعمومها حتّى لمثل مورد جريان الاستصحاب محلّ الكلام والاشكال .

نعم بناء على كلامهما يمكن عموم دليلها لمثل دوران الأمر والشبهة بين الاحتمالين سواء في مورد العلم الاجمالي وغيره كالانائين وغيرهما المشتبهين وكالشكّ في نقض الوضوء بحدث وعدمه الاّ ان عمومها حتّى لمثل مورد الشبهة الحكميّة أوّل الكلام وفي الموارد الآخر لابدّ من تحقّق مجرى الاستصحاب على تقدير عدم جريان دليل القرعة كي يكون البحث عنه وانكر سيّدنا الأستاذ قدس سره ذلك بل ادّعى انّ في مثل العلم الاجمالي وأطرافه وإن كان للقرعة مجال الا ان الاستصحاب لا مجرى له فينحصر مفاد الأخبار العامّة أيضا بما أفاده الأخبار الخاصّة من اختصاص مجرى القرعة بمورد خال عن الدليل والأصل بأقسامه بل ربما يمكن أن يقال أو قيل بتقديم الاحتياط العقلي على قاعدة القرعة .

والحاصل ان النص الخاص(5) الوارد في مثل الغنم الموطوء من القطيع لا يمكن فيه جريان أصل من الأصول الظاهريّة ولا احراز واقعي في تعيينه إذ حكمه

موارد القرعة

ص: 629


1- . فوائد الأصول 4/678 - 680 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 13/1 - 2 - 3 - 5 الى 19 - 21 - 22 من أبواب كيفيّة الحكم .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 13/1 - 2 - 3 - 5 الى 19 - 21 - 22 من أبواب كيفيّة الحكم .
4- . بل الظاهر اعتبار سند غير واحد منها .
5- . الوسائل 24 الباب 30/1 - 3 من أبواب الأطعمة المحرّمة .

الذبح والاحراق فلا يجرى البرائة كما لا يجرى التخيير والاستصحاب وكذلك الاحتياط وكذلك في مورد(1) الدرهم الودعي الوارد على قسمين ففي رواية الحكم بالتنصيف بينهما وفي اخرى في مورد اخر الحكم بالتثليث .

نعم يقع الكلام في مورد جريان قاعدة التنصيف في تقديم قاعدة القرعة عليها أو العكس وقد وقع ذلك في موارد في وسيلة السيّد الاصبهاني رحمه الله(2) وقدم دليل العدل والانصاف على قاعدة التنصيف وكذلك بحث السيّد في العروة ( وكذلك في مورد الخنثى فانّها ليست كمسئلة المهدوم عليهم والغرقى الوارد فيها النص الخاص(3) بتوريث كلّ من وارث الطائفتين غاية الأمر لا يورث ممّا ورث وارث الأوّل ثانيا على النحو المفصل في محلّه من احتمال مقارنة الموت أو عدمها وعدم العلم بما تقدّم موتا من المؤخّر ) لكن الكلام في ملاك قاعدة التنصيف ولو تمّ لها المدرك لا ينبغي الارتياب في تقديمها على القرعة فعلى ما ذكرنا يسقط هذا البحث من أصله ولا مجال لأن يقال هل الاستصحاب يقدم على القرعة أو لا لعدم تحقّق مجرى للقرعة في مورد أصل من الأصول الظاهريّة ولو أضعفها فضلاً عن الاستصحاب كي يبحث عن تقدّمها عليه وعدمه ( وعلى كلّ حال فما صدر عن الشيخ والمحقّق النائيني (4) في ان أدلّة القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل الأصحاب أو جماعة ليس على ما ينبغي لعدم

ص: 630


1- . الوسائل 18 الباب 12/1 من كتاب الصلح .
2- . وسيلة النجاة السابع من موارد الخمس الحلال المختلط بالحرام اذا علم المالك في عدد محصور ولم يمكن التخلّص اختار توزيع المال عليهم بالسويّة وفي باب الصلح في ما إذا اتلف مقدار من الدراهم عند الودعي ولم يعلم أي المستودعين .
3- . الوسائل 26 الباب 1 - 3/1 الى 5 - 1 - 2 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم .
4- . فوائد الأصول 4/680 .

معقوليّه عدم ذكر الأصحاب مخصّص عمومها أو قرينة عدم العمل بها .

نعم يمكن أن يقال لم يعملوا بها واعرضوا عنها على تقدير تسليم العموم فتدبّر .

فالأحرى عطف عنان الكلام في بيان تعارض الاستصحابين وبينه وبين ساير الأصول .

الكلام في تعارض الاستصحابين:

وما إذا يقدم أحدهما السببي على الآخر المسببي ثمّ في صورة التعارض فيسقطان عن الحجيّة في الجملة على ما سيأتي بيانه ولابدّ في تقدم الأصل السببي على المسببي من أمرين أو امور ثلاثة مرجعها في الحقيقة إلى أمر واحد .

الأوّل كون الشكّ في المسببي مسببا عن الشكّ في الأصل السببي لا أن يكون كلاهما معلولي علّة ثالثة أو كلّ واحد مسبّباً عن سبب خاص فانّه لا تقدّم لأحدهما على الآخر وممّا يقال فيه ان الشكّ في أحدهما ناش عن الشكّ في الآخر العامان من وجه كقوله أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق فانّ الشكّ في صورة التعارض وهو مادّة الاجتماع في شمول الاكرام للفاسق مسبّب عن الشكّ في شمول الدليل الاخر له وكذا العكس وليس هذا ممّا نحن فيه بل يمكن منع السببيّة والمسبّبيّة فيه رأسا لأن المنشأ لكليهما هو العلم الاجمالي فتأمّل .

والثاني أن يكون المسبّب من الآثار الشرعيّة للسببب وأن يكون الأثر شرعيّا فلو لم يكن من الآثار الشرعيّة ولم يكن الأثر شرعيّا ليس من الأصل السببي والمسبّبي كما إذا كان الشكّ في بقاء الكلي من جهة اقتران وجود فرد منه مقطوع الارتفاع بفرد آخر مقطوع البقاء أو قيامه مقامه كعمود الخيمة المرتفع

تقدّم الاستصحاب السببي على المسبّبي

ص: 631

القائم مقامه عمود آخر في أصل بقاء الكلّي فانّ بقاء الكلّي وعدمه بوجود فرد منه وانتفاء جميع أفراده عقلي فلا يمكن ترتيب أثر البقاء أو العدم باستصحاب بقاء الفرد أو عدمه كما انّه لا يفيد اصالة الاباحة في الأكل من مشكوك الذبح في ما إذاعلمنا قبوله للتذكية وانّه من الحيوان المحلّل وفي جواز الصلاة في جلده لعدم جواز الصلاة في شيء ممّا حرّم اللّه أكله ) لعدم كون جواز الصلاة وعدمه من الآثار المترتّبة الشرعيّة على جواز أكل اللحم من الحيوان .

والحاصل انّه لابدّ في تقدّم الأصل السببي من الأمرين أو الامور الثلاثة وبانتفاء أحدها لا يستقيم وما يكون مثالاً للمقام ما إذا كان الشكّ في بقاء نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة فانّ الشكّ في بقاء النجاسة في الثوب منشأه الشكّ في طهارة الماء قبل وصوله إلى المحلّ النجس ( للعلم بتنجّسه بملاقاة المحل ) بناء على نجاسة الغسالة مطلقاً أو ما إذا كان الأوّل أو الثاني في ذلك الفرض فانّ الماء كان قبل الوصول إلى الثوب طاهرا فلا اشكال في انّه إذا وصل إليه بما اعتبر في طهارته بالماء الطاهر من العدد والعصر حصل له الطهارة بلا اشكال وإن تنجّس الماء وإلاّ بأن كان الماء قبل ذلك نجسا فلا فائدة في ذلك ولا يحصل طهارة للثوب بذلك بل باقٍ على نجاسته ان لم تزد بالماء ومنشأ التقدّم ان من آثار طهارة الماء حسب استصحاب طهارته وترتيب آثار الطهارة عليه حصول الطهارة للثوب المغسول به وجواز شربه وغير ذلك من التصرّفات المتوقّفة على طهارته .

فتعرّض هذا الاستصحاب لأمر لم يتعرّض له استصحاب نجاسة الثوب إلاّ بعد عدم جريان استصحاب الطهارة في الماء والفرض ان دليل لا تنقض يشمل

ص: 632

الاستصحاب السببي بلا تعليق على شيء إلاّ ان شموله للمسببي يتوقّف على عدم شموله للسببي لعدم كونهما عرضيين بالنسبة إلى دليل العام وإن كان بين الأفراد يلزم أن يكون تساو . لأن مشموليّة المسبّبي تتوقّف على عدم مشموليّة السببي لدليل العام وذلك يتوقّف على مشموليّة المسبّبي بخلاف شمول العام للسببي فانّه لا تعليق فيه وليس من قبيل مثالنا هذا ما إذا شككنا في تحقّق الموضوع في الموضوعات المركّبة والواجبات المشروطة فانّ الشكّ في وجوب الحجّ مسبّب عن الشكّ في الاستطاعة والأثر والترتيب شرعي وذلك لأن عدم الحكم عند عدم الموضوع عقلي إذ لابدّ من احراز الموضوع في ترتيب الحكم .

والحاصل انّه لا مانع من تقدّم الأصل السببي على المسبّبي في مثالنا هذا ولا اشكال من جهة اخرى كنجاسة الماء وطهارة ما يبقى بعد العصر مع انّه قبل تمام العصر كان متنجّسا لأن نظيره ذهاب الثلثين وخروج القدر المتعارف من الدم غير المتخلّف .

ثمّ انّه ربما يستشكل في المقام ببقاء الشكّ في الاستصحاب المسبّبي أيضا لأنّ الأصل السببي بجريان الاستصحاب فيه لم يوجب ذهاب الشكّ فالشكّ بعد باقٍ على حاله وظاهر دليل الاستصحاب احتياجه إلى يقين آخر في نقض اليقين السابق ولا يقين من جانب الحاكم بل الشكّ في المحكوم باقٍ على حاله كما كان فانّه يقال نعم لكن الحكومة والتعبّد أوجب قيام الاستصحاب مقام اليقين وإن تردّدنا في محله .

وعلى كلّ حال فليس المراد باليقين اليقين الوجداني بل الأعم منه ومن ما قام مقامه شرعاً من الامارات والأصول بل يمكن قيام أدنى أصل من الأصول

ص: 633

مقام اليقين كاصالة الحلّ والطهارة كما انّه ربما يستشكل باتّحاد الحاكم والمحكوم من جهة ان الدليل للأصل السببي والمسبّبي كليهما هو قوله ( لا تنقض اليقين بالشكّ ويدفع بأن هذا الاشكال كالاشكال في الأخبار مع الواسطة من لزوم اتّحاد الموضوع والحكم والجواب هو الجواب فان بالتعبّد بصدق العادل يتحقّق مصداق لقول المفيد مثلاً وذلك هو نفسه مورد لصدق فيتحقّق مصداق آخر وهكذا ينحل الى الأفراد الطوليّة الزمانيّة على هذا الترتيب وفي ما نحن فيه أيضا المراد بعدم نقض اليقين بالشكّ هو عدم نقض كلّ يقين يتحقّق في مورد بالشكّ في ذلك اليقين وعلى هذا فأين قضيّة اتّحاد الحاكم والمحكوم بل فرد من لا تنقض حاكم على فرد آخر منه .

ثمّ انّ الحكومة التي أفادها المحقّق النائيني(1) في المقام وجها لتقدّم الأصل السببي ربما يمكن فيه التأمّل من حيث الصغرى وانطباق الضابط على المثال وإن كانت الكبرى في غاية المتانة وذلك لأن عدم شمول حكم الموضوع إمّا أن يكون من حيث خروج ذلك الموضوع عن موضوع ذاك الحكم تكوينا وهو التخصص أو بالتعبّد فهو الورود واما باثبات ذلك الدليل المؤدّي لدليل آخر موافقا له أو مخالفا فهو الحكومة وفي هذه الصور ليس في البين لسان المعارضة وإن كان بلسان المعارضة فتخصيص ومن المعلوم ان التخصيص لابدّ أن يرجع إلى اخراج فرد من تحت العام لا إلى التقييد الأحوالي له وتخصيص الأفراد غير المخصّصة بوصف وقيود كموت فرد من أفراد موضوع أكرم العلماء وفي الفقه ليس إلاّ التقييدات الأحواليّة كما انّ من البديهي إن ما نحن فيه ليس من قبيل التخصّص ولا

ص: 634


1- . فوائد الأصول 4/682 وما بعده .

من التخصيص والورود وأمّا الحكومة ففي النفس منها شيء والظاهر عدم تحقّقها في المقام بل يعارض هذا الاستصحاب الجاري في ناحية طهارة الماء اللازم منه حسب الأثر الشرعي طهارة الثوب المغسول به استصحاب نجاسة الثوب ولا يقدم أحدهما على الآخر فانّ المعارضة تتحقّق بالتصادم ولو في مورد واحد وإن كان مؤدّى الاستصحاب طهارة الماء المغسول به الثوب بعد الغسل أشياء آخر إلاّ ان التعارض يكفي فيه طهارة الثوب من هذا ونجاسته من ذاك ونظير هذا المثال ما إذا كان الماء متيقّنا كرّيته ثمّ نقص مقدار من مائه فأوجب الشكّ وجرى استصحاب الكريّة وغسلنا به الثوب النجس إلاّ في جهة نجاسة الماء فان في مثال القليل كنّا قاطعين بها بخلاف المقام للشكّ في تحقّق موضوع القليل أو يكون التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة أو من قبيل قاعدة المقتضى والمانع فانّ الماء مقتضى للنجاسة والكريّة مانعة عاصمة والشكّ في تحقّقها إلى غير ذلك من الوجوه التي افيدت في ما إذالاقى النجس مشكوك الاتّصال بالمادة في الفرع المعنون في الوسيلة(1) وقد ناقشنا فيها كلّها وقلنا بجريان استصحاب الطهارة بل قاعدتها الا ان الآن نحن في شكّ في صحّة ما أفدنا سابقا .

تتميم: استدلّ الشيخ الأنصاري رحمه الله لتقديم الاستصحاب السببي على المسبّبي بخبر زرارة(2) السابق في أخبار أدلّة الاستصحاب فانّ الامام علیه السلام بمجرّد فرض الراوي الشكّ في بقاء الطهارة حكم بكونه متطهّرا وليس ذلك اخبارا بل تعبّد بترتيب آثار اليقين بالطهارة من الصلاة ومس كتابة القرآن وغير ذلك من

كلام الشيخ في الأصل السببي والمسبّبي

ص: 635


1- . يمكن ارادته مسئلة اذا كان الماء قليلاً وشك في ان له مادة الخ .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

آثار الطهارة مع ان الصلاة التي يشتغل بها بهذا الاستصحاب مع الشكّ في الطهارة وجدانا يجري فيها استصحاب الاشتغال بها المتيقّن قبل الصلاة والا يلزم لغويّة الاستصحاب في مورد الرواية .

نعم يمكن فرض عدم اللغويّة في موارد اخرى حيث يكون الشكّ في جواز مسّ كتابة القرآن وعدمه فان الاستصحاب لو لم يجر ويحرز كونه متطهّرا يجوز له المسّ ولا يمكن الحكم بعدم جواز المسّ وحرمته من جهة لزوم التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وليس المرجع على فرض عدم جريان الاستصحاب إلاّ البرائة ولا معارضة بين الاستصحاب والبرائة .

والحاصل ان ملخّص كلام الشيخ هو ما ذكرنا الا ان الكلام على فرض تسليم ما أفاده في المقام في جواز التعدّي عنه إلى كلّ مورد يكون مورد الشكّ السببي والمسبّبي بل يمكن منع جريان الاستصحاب في بقاء التكليف والشكّ في الامتثال له حكم عقلي بلزوم الاشتغال بل صحيحة زرارة(1) الاولى لم يكن فيها إلاّ فرض الخفقة والخفقتين إلى قوله حتّى يستيقن انه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ( نعم في الثانية قلت(2) فان ظننت انّه أصابه ولم اتيقّن ذلك ( أي دم رعاف أو منيّ أو غيرهما من النجاسات ) فنظرت ولم أر شيئا ثمّ صلّيت فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة .

قلت: لِمَ ذلك ؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس

ص: 636


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . الوسائل 3 الباب 37/1 من أبواب النجاسات .

ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا الخ فتأمّل .

ومن الأمثلة التي وقع الكلام فيها ويمكن أن يوجب اُنساً بالمطلب ما إذا وقع رأس صيد في ماء قليل مشكوك طهارته للشكّ في موته حتف أنفه أو بالغرق وأمّا من جهة اصابة السهم أو غيره ممّا يترتّب عليه أثر الحليّة فالشكّ في المقام سببي ومسبّبي فقيل بجريان استصحاب طهارة الماء واستصحاب عدم التذكية .

وأمّا النجاسة فانّه كان قبل موته طاهرا فيمكن جريان استصحابها كمسئلة اخرى وقع الكلام فيها أيضا وهو ما إذا كان الشكّ في الاستطاعة للشكّ في الدين وهي يتصوّر على وجهين فتارة يعلم باشتغال ذمّته بدين ويشكّ في أدائه وعلى تقدير الأداء فالاستطاعة حاصلة له بالفعل ويجب عليه الحجّ ولو لم يؤدّ يجب عليه أداء الدين والفرض ان الدائن يطالبه به واخرى يشكّ في اشتغال ذمّته بالدين أصلاً فالشكّ في وجوب الحجّ لتحقّق الاستطاعة فيمكن أن يقال بجريان استصحاب عدم تحقّق الاستطاعة أو عدم وجوب الحجّ كما ان أصل عدم الدين أيضا جارٍ وإن كان الشكّ في وجوب الحجّ وتحقّق الاستطاعة مسبّبا عن اشتغاله بالدين فتجري اصالة عدم اشتغال ذمّته بالدين ويلزمه عقلاً تحقّق الاستطاعة حيث ان الاستطاعة أمر تكويني وليس تحقّقها مؤدّى الاستصحاب فان مؤدّاه عدم وجوب أداء شيء لعدم اشتغال ذمّته به وأمّا الاستطاعة محقّقة أم لا فلا يفيد ذلك وإن كان يمكن تقريب وجوب الحجّ بأن الدين مانع والاستطاعة حاصلة وجدانا فاذا دفعنا الشكّ بالاستصحاب عن المانع فموضوع الوجوب محقّق يجب عنده الحجّ إلاّ انّك قد عرفت عدم خلو هذا الكلام عن الاعتساف .

والحقّ انّ الاستصحاب ليس مفاده تحقّق الاستطاعة ووجوب الحجّ وإن

بقيّة البحث في الشكّ السببي والمسبّبي

ص: 637

كان الشكّ في وجوب الحجّ مسبّبا عن تحقّق الاستطاعة المسبب عن اشتغال ذمّته بالدين إلاّ ان مجرّد ذلك لا يوجب تقدّم الأصل السببي بل لابدّ أن يكون الأصلان متخالفين وإلاّ ففي صورة الاتّحاد والتوافق فلا كلام وكذلك لابدّ أن يكون المسبّب من الآثار الشرعيّة المترتّبة على السبب وليس كذلك ما نحن فيه .

فذلكة: تقدّم في الأصل السببي والمسبّبي وانّه لابدّ في السببي أن يكون منشأ للشكّ في المسببي .

وبعبارة اُخرى يتوسّط الشكّ السببي للشكّ المسبّبي ثمّ بعد ذلك لابدّ أن يكون المسبّب من آثار السبب في الحكم وجريان الأصل وإلاّ فلا يتمّ الضابط .

وعلى هذا الضابط فيتّضح الأمر في موارد كثيرة مختلف فيها كلام القوم فان بعضها لا ينطبق عليه الضابط كما إذا كان اليد نجسة وغمسناها في الماء المشكوك اتّصاله بالمادة وشككنا في انفعال الماء فانّ الشكّ في انفعال الماء ليس مسبّبا عن الشكّ في طهارة اليد ونجاستها وكذا العكس بل المثال الصحيح ما ذكرنا من مسئلة الثوب النجس والماء الذي يجري فيه الأصل عند الشكّ ويوجب ذلك عدم جريانه في ناحية المسبّب إمّا بالحكومة على ما تقدّم ضابطها وإمّا للاجماع المحقّق أو لما في بعض الموارد من التصريح ولو بحسب المورد بتقدّم السببي على المسبّبي كما في رواية زرارة(1) على اشكال في جريان الاستصحاب للاشتغال بل هناك مجرى قاعدته وإن كان الاستصحاب في الطهارة حاكما على قاعدة الاشتغال أيضا على الحكومة كما في مثل لا شكّ لكثير الشكّ(2) بالنسبة إلى نحو

ص: 638


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 - 2 - 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .

( إذا شككت(1) فابن على الأكثر ) هذا الا ان في النفس من ذلك شيئا لأن ضابط المعارضة بعينه ينطبق على مثال الماء والثوب وأي تقدّم لاستصحاب طهارة الماء على استصحاب نجاسة الثوب بل كلاهما يجريان ويتعارضان وعند ذلك فالكلام في الأصل السببي والمسبّبي كغيره من أقسام الاستصحابات الجارية المتخالفة .

فنقول: الشيخ قدس سره قسم الاستصحابين المتعارضين في صدر بحثه على قسمين ما إذا كان يكون الشكّ في أحدهما مسبّبا عن الاخر وهو الذي كان البحث إلى الآن فيه وما إذا يكون الشكّ في كليهما مسبّبا عن أمر ثالث وقسم هذا القسم إلى ما يكون العمل بالاستصحابين مستلزما لمخالفة عمليّة وإلى ما لا يكون كذلك .

وهذا الأخير إمّا أن يقوم دليل من الخارج على عدم الجمع بينهما في الجريان وإمّا أن لا يقوم وفي الفرض الأخير أي ما لم يقم دليل كذلك صوّر قسمين . أيضا ما إذا ترتّب الأثر الشرعي في الزمان اللاحق على كل من المستصحبين وما لا يكون كذلك والظاهر عدم خلوّه عن الاشكال لخروجه عن مورد المعارضة والكلام إنّما هو في صورة المعارضة بين الاستصحابين فمثال ما إذا ادّعى الموكّل توكيل الوكيل في شراء العبد والوكيل في شراء الجارية خارج عن ما نحن فيه لأن بيع أحدهما لم يقع والبيع الواقع ينكره الموكل فلا معارضة بين الاستصحابين أصلاً وكذا في صورة استصحاب طهارة كلّ من واجدي المني في الثوب المشترك على ما قال الاستاذ والظاهر عدم الاشكال في صحّة التمثيل به وسيجيء الكلام في تنقيح هذه الأبحاث .

مسئلة الماء المتمّم كرّاً

ص: 639


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

وينبغي أن نذكر أمثلة الشقوق على الترتيب فممّا إذا يلزم المخالفة العمليّة في جريان الاستصحابين ما إذا علم بنجاسة أحد الكأسين مع سبق طهارتهما فانّه لا اشكال في ان من جريان الاستصحابين يلزم مخالفة التكليف الالزامي في البين وهو اجتنب عن النجس ولو كانا نجسين وأصاب أحدهما المطهّر واشتبه بالآخر فيجري استصحاب النجاسة في كليهما بلا لزوم مخالفة عمليّة من جريان الاستصحابين في نجاسة كلّ منهما لعدم الارتكاب وإن لزم في بعض الموارد مخالفة تكليف كالوضوء إذا انحصر مائه بالمشتبه فهذا خارج عن محلّ الكلام والكلام فيما إذا يلزم المخالفة أو لا تلزم من نفس جريان الأصلين مع قطع النظر عن الطوارى .

ثمّ المثال لما إذا قام الدليل على عدم جريان الاستصحابين في الصورة الأخيرة أي عدم لزوم المخالفة مسئلة الماء المتمّم كرّا الذي كان نجسا فحصلت الكريّة والنجاسة إمّا بتقدّم الملاقاة على الكريّة أو معا فاذا لم يستفد طهارته أو

نجاسته من الأدلّة فحينئذٍ تصل النوبة إلى استصحاب الطهارة في الطاهر والنجاسة في النجس ولا تلزم المخالفة العمليّة الا ان دعوى الاجماع على اتّحاد حكم المائين في هذه الصورة تمنع على تقدير تماميّتها عن جريانهما ولو لاه لم يكن مانع من اختلاف حكم الماء الواحد كما إذا كان أكثر من كرّ وتنجّس أحد أطرافه بتغيّره بالنجاسة مع كون غيره المتّصل به كرّا أو أزيد .

أمّا إذا كان الماء مختلف السطوح وكان بعض أجزائه عموداً على النجس فلا ينجس ما فوق العمود المتّصل به أو المساوي لفوقه لقوّة التدافع المانع من سراية النجاسة من أسفله إلى الأعلى فهذه أقسام ما يتصوّر في الاستصحابين

ص: 640

المتعارضين .

ثمّ ان المباني في ذلك مختلفة لكن في غير الصورة الاولى فان الظاهر عدم جريان الاصلين في صورة لزوم المخالفة العمليّة من جريانهما في التكليف الالزامي عند الكلّ .

أمّا إذا لم يلزم المخالفة العمليّة الالزاميّة فيمكن القول بجريان الاستصحابين كليهما الا أن يمنع دليل خارجي على عدم جمعهما في الجريان ويمكن منع ذلك أيضا بدعوى قصور الدليل عن شمول كليهما لمنع نفس العلم عن ذلك وأمّا أحدهما لا بعينه فان كان لا مانع في مقام الثبوت عن جريانه إلاّ ان الدليل قاصر عن اثباته فعلى هذا المبنى ليس المانع عن الجريان لزوم المخالفة العمليّة بل لا فرق في لزومها وعدمه حيث ان القصور في الدليل فعلى هذا يتساقط الاستصحابان بمعنى عدم شمول دليل الأصل لأحدهما ولا لكليهما .

وفي صورة اختصاص المانع بالمخالفة العمليّة فيمكن دعوى تقدّر الضرورة بقدرها وهو عدم جريان الاستصحابين معا وأمّا أحدهما فلا مانع منه لعدم لزوم ذلك وعلى هذا فيتبدّل التعييني بالتخييري ويكون على نحو الترتّب كلّ واحد منهما في صورة عدم جريان الآخر فتدبّر في ذلك .

عود على بدء: كرّر سيّدنا الأستاذ قدس سره اشكاله في انطباق ضابط الحكومة

في مثال الشكّ السببي والمسبّبي بالماء المغسول به الثوب النجس وان لاستصحاب طهارة الماء آثارا منها جواز شربه والوضوء به . وغير ذلك ولا معارض في واحد منها إلاّ خصوص طهارة الثوب فله معارض من استصحاب نجاسته الجاري في ناحية الثوب .

اشكال تقدّم الأصل السببي

ص: 641

وذكر ان مسئلة تقدّم الأصل السببي على المسبّبي ليست مسلمة وان ادّعى الاجماع على ذلك .

ومسئلة الرواية(1) الواردة في استصحاب الطهارة الحاكمة على استصحاب الاشتغال بالصلاة إنّما تتمّ بناءً على جريان استصحاب الاشتغال عند قاعدته وإلاّ فعلى المنع ليس من محلّ الشاهد من شيء كما هو الحقّ لأنّ الشكّ في الامتثال تمام موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال .

واختلفت كلمات الأعلام في هذه الموارد من القدماء وإن كان عند المعاصرين ومن قاربهم تقدّم السببي من الواضحات إلاّ انّه لا يخلو من كلام كما أشرنا إليه بل عند غيرهم كبعض المتقدّمين كغير السببي ولا يستفاد من اختلاف الكلمات في الموارد المختلفة ان منشأ الاشكال غير السببيّة والمسبّبيّة فأيّ اشكال ترى في الشكّ في بقاء العبد وحيوته وجريان استصحابه لجواز عتقه وصحّته ووجوب نفقته وفطرته .

نعم في مثال الشكّ في كون الماء متّصلاً بالمادّة أم لا وغسل النجس وغمسه فيه منشأ الشكّ واحد وهو أمر ثالث في كلا الاستصحابين فيجريان في الثوب للنجاسة وفي الماء للطهارة وبالتعارض يتساقطان فحينئذٍ لو قلنا ان الأصل المعارض يعارض ما يعارضه وما لا يعارضه فعلاً لوجود الحاكم فكذلك يسقط اصالة الطهارة في الماء وإن كانت محكومة بوجود الاستصحاب وإلاّ فبعد تساقط الاستصحابين تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة في الماء وفي فرض عدم الجريان كما جعله الأستاذ حقّا لا مجال إلاّ للرجوع إلى الأصول الحكميّة .

ص: 642


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 4/1 من أبواب الماء المطلق .

والحاصل: ان التقدّم إمّا للورود أو للحكومة التي هي الغالب وإلاّ ففي صورة المعارضة لا تقدم لأحد الأصلين على الآخر ويكون هناك نوبة العلاج في المتعارضين وقد سبق ذكر صور المتعارضين الذين كان منشأ الشكّ فيها أمرا ثالثا وكذا اختلاف المباني فقول بالسقوط مطلقا سواء لزم من جريانهما مخالفة عمليّة أم لا .

وهذا في كلّ أصلين متعارضين ولا اختصاص بخصوص الاستصحابين وقول بالسقوط أو التساقط في ما إذا يلزم من جريانهما المخالفة العمليّة .

والمنشأ والمبنى في التساقط أمّا قصور نفس الواقع وعدم امكان جريان كليهما للعلم بنقض أحد الأصلين أو للشبهة المصداقيّة في غير المعلوم انتقاضه أو لقصور الدليل لشمول كليهما وعدم الترجيح إلاّ بلا مرجّح أو للزوم المناقضة في صدر دليل الاستصحاب وذيله .

والحاصل: ان القول بالتساقط هو المعروف المشهور كما في الامارات على الطريقيّة وأمّا على السببيّة والموضوعيّة بأن يكون قيام الامارة موجبا لحدوث مصلحة في المؤدّى يلزم الأخذ بها على نحو التصويب الأشعري أو المعتزلي فلا اشكال في عدم التساقط حينئذٍ بل يكون المقام مقام المزاحمة .

فاذا كان هناك أهم يلزم الأخذ به وإلاّ فالتخيير في اختيار أيّ منهما شاء .

وأمّا بناءً على المصلحة السلوكيّة وهو الذي يمكن فرضه في زمان انفتاح باب العلم فصدر من سيّدنا الأستاذ انّه كالطريقيّة الا ان في التقريرات(1) انه كالموضوعيّة وهو الحق لحدوث مصلحة أو لقيامها في سلوك الامارة الخاصّة .

الكلام على المصلحة السلوكيّة

ص: 643


1- . فوائد الأصول 4/488 - 490 .

فاذا تعارضتا فلا يمكن الأخذ بكلتيهما فلابدّ من التخيير كما ذكرنا .

وهذه المصلحة السلوكيّة سواء وصلت إلى النوع أو الشخص وأمّا على الطريقيّة فليس إلاّ التساقط بمعنى عدم شمول دليل الاعتبار لهما لا الجريان والتعارك .

هذا في الامارات وأمّا الأصول فحيث لا كشف فيها فلا معنى لكونها كالامارة بل مثل الاستصحاب إنّما يكون موجبا للدخول في الصلاة ولو خالف الواقع فاما أن يرجع إلى رفع اليد عن الطهارة لو لم ينكشف له الخلاف أو البدليّة على ما مرّ في بعض الأبحاث السابقة .

امّا إذا انكشف له الخلاف فلابدّ من الاعادة لو لم يكن دليل على عدم لزومها كما في بعض الموارد التي يجري فيها قاعدة لا تعاد(1) فعلى هذا لا معنى للسببيّة في الاصول .

ثمّ انّ سيّدنا الأستاذ قدس سره استشكل في طريقيّة الامارات التي رتّبوا عليها التساقط وعدم التزاحم بأنّه يمكن في مقام الثبوت التعبّد باحدى الامارتين لأنّ العمل باحداهما ممكن حيث يمتنع العمل بكلتيهما غاية الأمر مجرّد ثبوته وامكانه في الواقع لا يكفي ما لم يقم عليه دليل في الظاهر لأنّ الدليل إنّما يشمل كلا المتعارضين والفرض ان التعارض مانع عن شمول الدليل لكلّ واحدة من الامارتين ولا دليل على أحديهما بعينها للزوم الترجيح بلا مرجّح فحينئذٍ لا ينفع مجرّد امكان التعبّد باحداهما لكن يمكن أن يقال بامكان استفادة هذا المعنى من نفس الدليل لقيام القرينة العقليّة الحافّة به بأن التعيّن في العمل بكل امارة إنّما هو

ص: 644


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .

في مورد الامكان اما إذا لم يمكن فعلى نحو ممكن وليس الا العمل باحداهما في صورة عدم العمل بالاخرى .

فاذا كان هذا حال الامارتين على الطريقيّة فلا مانع من اجراء مثله في الأصلين المتعارضين فتدبّر جيّدا .

نتيجة البحث: قد عرفت الفرق بين الامارات بناء على السببيّة والموضوعيّة والطريقيّة وقلنا انّه بناءً على الطريقيّة لا يشمل دليل الاعتبار لكلتيهما حيث ان ظاهره شمول كلّ واحدة منهما بعينها وحيث تعارضتا فلا يشملهما بعينهما وأمّا واحدة منهما لا بعينها فيمكن ثبوتا الا انه لا دليل عليه .

وقلنا على هذا ان دليل الاعتبار وإن كان لا يشملهما بمجموعهما الا انه لا مانع من شمول أحداهما لا بعينها تخييرا لا تعيينا لما ذكرنا من القرينة الحافة ولما

في نظيرهما في التخيير وهو الفتوى فان في صورة الاختلاف في الفتوى مع التساوي يتخير في الأخذ بأيّتهما شاء مع ان باب الفتوى أيضا من الطريقيّة .

فعلى هذا يمكن ثبوت التخيير في مقامنا هذا وتبدّل التكليف التعييني بالتخييري حيث ان الدليل العقلي يقتضي العمل بالدليل الوارد في العمل بالطريقين مهما أمكن فاذا لم يمكن العمل بكلّ واحدة منهما مطلقا فعند عدم العمل بالاخرى .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب التخيير بناءً على الطريقيّة التي من المسلم المتسالم عليه عندهم عدم طروّ التخيير . الاّ انه يرد عليه ان المبنى الذي بيننا عليه في حجيّة الطرق هو بناء العقلاء من جهة حصول الكشف والاطمئنان غاية الأمر ان الشارع لم يردع عن هذه الطريقة العقلائيّة وامضاها ولا اشكال انه

امكان التعبّد باحدى الامارتين

ص: 645

عند التعارض وتقابل الامارتين والطريقين لا كشف فحينئذٍ لا بناء للعقلاء على العمل بأحداهما ولا بكلتيهما بل يحتاطون .

فبناء على هذا فلا يتصوّر تطرّق التخيير والعمل باحدى الامارتين والطريقين عند العقلاء .

أمّا بناء على باقي المباني فمبني تتميم الكشف بامضاء الشارع الراجع إلى التتميم التكويني حيث ان الكشف موجود عند العقلاء الا انّه غير تام .

فاذا امضى الشارع ذلك فقهرا يوجب تماميّة الكشف وحصول الاطمئنان تكوينا أزيد ممّا كان قبل ذلك فهذا أيضا راجع إلى ما ذكرنا إذ لا كشف ولو ناقصا عند التعارض وكذلك بناءً على انتزاع الطريقيّة من الأوامر الطريقيّة التي يمكن ذلك فيها وإلاّ فلا يمكن انتزاع ذلك من كلّ أمر ورد كالأمر بالصلاة والزكوة .

فهذا أيضا يرجع إلى ما قلنا لكون الأمر بذلك ارشادا إلى الطريقيّة وقلنا انّ ذلك مبنى الشيخ رحمه الله وهو قدس سره صرّح في بعض مباحث رسائله بقوله أو حكم حكماً جعليّا بأنّه هو فهذا عبارة عن جعل هو هو .

وقد حقّقنا في محلّه انّ ذلك في الحقيقة عبارة عن رتب الأثر ( لا يخفى انّه على هذا لا يتمّ قياسه على الامارات العقلائيّة كما هو واضح ) .

نعم بناءً على التعبّد وان لكلّ خبر صدق العادل مخصوص به على نحو الانحلال وانّه يجب العمل بكلّ خبر عادل فيمكن جريان ما ذكر فيه لأنّه على هذا يرجع إلى الواجبين النفسيّين كساير الواجبات النفسيّة .

غاية الأمر لكلّ تكليف اطلاق يقتضي امتثاله سواءً زاحمه الآخر أم لا فعند التزاحم والتعارض لا تساقط ويكون كباب المتزاحمين بل في الحقيقة يكون من

يمكن جريان ما ذكر على بعض المباني

ص: 646

المتزاحمين فعند ذلك لو كان لأحدهما مرجّح فهو وإلاّ فيقيّد العقل اطلاق كلّ خطاب بصورة عدم الآخر وينتج تخييرا عقليّا وهذا حيث يكون التعاند اتّفاقيّا وراجع إلى مقام الامتثال وأمّا لو كان قيام الامارة موجدا لمصلحة في المتعلّق موجبة للعمل بها فلا يتمّ بل يكون من التزاحم في المقتضيين والحكم بعد الكسر والانكسار للغالب من المصلحة في السلوك وما وجد بسبب قيام الامارة أو مفسدة الواقع فلا يكون هذا من باب التزاحم .

بقي الكلام في جعل الحجّيّة وهو في الحقيقة راجع إلى جعل العذر عند المخالفة ومصادفة الامارة لخلاف الواقع فليس أيضا من باب التزاحم .

فهذه نتيجة المباني وإذ قد كانت مختلفة فيرجع إلى النزاع في رجوع التعارض في الامارتين إلى التزاحم مبنويا وعرفت ان التحقيق عدم تعبّد للشارع في الامارات بل جميعها من باب بناء العقلاء فلا يكون من باب التزاحم بل تتساقطان ولا حجّيّة لاحداهما إذ لا كشف . واما التخيير عند تعارض المقومين أو الأخذ بهما معا نصفا أو اثلاثا وغير ذلك ممّا قيل في مسئلة الرجوع إلى أهل الخبرة للتقويم فغير مرتبط بما نحن فيه كباب الفتوى حيث ان الدليل في ذلك الباب يثبت التخيير من أوّل الأمر لقوله في رواية العسكري علیه السلام في الاحتجاج(1) ( وأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه ) ضرورة عدم وجوب تقليد الكل بل اللازم تقليد صرف الوجود ومن المسلم اختلاف الفقهاء في المراتب العلميّة في جميع الأعصار وكذلك عصر المعصومين علیهم السلام فلو كان الواجب الرجوع إلى الأعلم والأفضل لقيد

يتصوّر ما ذكر في الامارتين في الاستصحابين

ص: 647


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

الاطلاق بعدم وجوده ولم يقيّد بل جعل مناط التقليد في العلم والفقه والعدالة .

نعم لو كان لنا دليل يوجب الرجوع إليه كان هو المتعيّن وإلاّ فالجميع متساوٍ وكذلك عند عدم وجوده فحينئذٍ يتخيّر في الأخذ بأيّهم شاء كما في صورة وجود روايات معتبرة في مسئلة واحدة فانّ الحجّة هو الجامع اذ الجميع صالح لذلك فكذلك عند تساويهم أو عدم التساوي وعدم لزوم تقليد الأفضل .

نعم في صورة الاختلاف لابدّ أن لا يختار من كلّ واحد منهما شيئا في عمل مركّب يطلع باطلاً عند كليهما كما إذا كان أحدهما يوجب جلسة الاستراحة ولا يوجب التسبيحات الأربع إلاّ مرّة والاخر لا يرى وجوب جلسة الاستراحة ويرى وجوب التسبيحات ثلاث مرّات فاذا ترك الجلسة ولم يأت بالتسبيحات إلاّ مرّة فصلاته باطله عند كليهما أمّا إذا لم يفعل ذلك بل أخذ بقول أحدهما في الصورتين فلا بطلان .

فعلى هذا قياس باب الخبرين بباب الفتوى مع الفارق وما ذكر دليلاً للتخيير في صورة التعبّد قد عرفت مغزاه هذا حال الخبرين على الطريقيّة أو الموضوعيّة .

أمّا الأصول فلا طريقيّة فيها حيث انّها لا تكشف عن شيء نعم لو كان مبنى الاستصحاب من باب بناء العقلاء فيتصوّر فيه ما ذكرنا في الخبرين على الطريقيّة إلاّ انّه خلاف الطريقة فحينئذٍ لابدّ أن ينظر إلى الدليل ويمكن افتراق بعض الأصول بالنسبة إلى بعض فان قلنا ان الاستصحاب وأمثاله من الأصول المحرزة للواقع ولو تعبّدا وانّها وإن كانت تقوم في المرتبة الثالثة من العلم وهو الجري العملي لكن مع الغاء الطرف الآخر فحينئذٍ عند التعارض نفس العلم بمخالفة أحد الأصلين للواقع يمنع عن جريانهما سواءً لزم من ذلك مخالفة تكليف الزامي أم لا .

ص: 648

فعلى هذا لا يفترق الحكم وعدم الجريان في مستصحبي النجاسة والطهارة مع العلم بطهارة أحدهما في الصورة الاولى ونجاسة أحدهما في الصورة الثانية حيث ان الأحرازين المعلوم كذب أحدهما لا يمكن التعبّد به فحينئذٍ ليست رتبة الجعل محفوظة اذ لابدّ في التعبّد بالأصل من حفظ رتبة المجعول وهو الشكّ والجعل ومقام العمل وأمّا إن لم نقل في الاستصحاب ذلك ولم نفرّق بين الأصول بأن نجعلها قسمين محرزة وغير محرزة فهذه الرتبة أي رتبة الجعل أيضا في كليهما محفوظة والمانع يتمحض في الرتبة الثالثة وهو المخالفة العمليّة فيفرق الحكم في الانائين ويجري الاستصحاب في نجاستهما مع العلم بطهارة أحدهما ولا يجري في الطهارة مع العلم بنجاسة أحدهما .

وما ذكرنا في عدم الفرق بين الانائين في الصورتين هو الذي بنى عليه جماعة منهم المحقّق النائيني رحمه الله(1) بخلاف مثل أصل الطهارة والحلية في ما كان مفادهما أمرا جمعيّا فانّه يخالف المعلوم بالاجمال ولا يمكن التعبّد بهما معا وإلاّ

ففي صورة عدم كون مفادهما جمعيّا فلا مانع من اجراء الأصلين لأن دليل التعبّد يشمل كلّ واحد منهما بعينه وهو مشكوك .

غاية الامر بعد ارتكاب الجميع يحصل العلم بارتكاب محرم في البين وحصول العلم وتحصيله لا مانع منه كما قيل نظير ذلك في أطراف الشبهة المحصورة .

نعم يمكن المنع عن جريان الاستصحابين بل مطلق الأصلين في صورة

العلم بمخالفة أحدهما للواقع بكون التمسّك بالدليل في كلّ واحد منهما من

ص: 649


1- . فوائد الأصول 4/693 - 695 .

التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وهو لا يجوز فتأمّل جيّدا في أطراف ما ذكرناه .

خلاصة البحث: ذكرنا أقسام الاستصحابين المتعارضين وقلنا ان من أقسامهما السببي والمسبّبي وقد خرج عن التعارض بما ذكر في وجهه ان تمّ ومن أقسام ذلك ما لا يجري أحدهما .

والظاهر خروجه عن أمثلة الأقسام لأنّ الكلام في تعارضهما ولو لم يجر أحدهما فلا تعارض فانّه لابدّ في التعارض حجيّة كلّ لو لا الآخر وفي المقام إذا لم يجر فلا شيء .

ثمّ انّ الأقسام المذكورة في الاستصحابين المتعارضين تارة يكون التعارض فيهما ذاتيّا أي بالمطابقة واخرى يكون لأمر خارج كاجماع أو دليل آخر أو بالالتزام واخرى يجريان في عرض وتارة بالطول ومن مثال ذلك ما إذا خرج المسافر يريد سفرا موجبا للقصر مع اجتماع الشرايط فاذ يقطع مقدارا من المسافة يشكّ في الذهاب البلوغ إلى حدّ الترخّص الموجب للقصر فيستصحب عدمه وحكم التمام وفي الرجوع يشكّ في تلك النقطة التي أجرى استصحاب عدم الوصول فيها ويستصحب حكم القصر مع علمه بكذب أحد الاستصحابين وليس التعارض في ذلك ذاتيّا مطابقيّا بل لأمر خارجي والتزامي .

ثمّ انّه إمّا أن يكون قبل الصلاة الثانية أو بعدها ففي الصورة الأولى لا اشكال في جريان قاعدة الحيلولة أو الفراغ وإن قيل برجوع الأولى إلى الثانية فالفراغ فقط لعدم المعارض وحينئذٍ فلا معارضة بين الاستصحابين ( أقول: لا مجال لجريان أيّ من القاعدتين لكون موضوع الأولى الشكّ في الاتيان بعد

عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي

ص: 650

الوقت وهذا خلاف الفرض والثانية كون الشكّ في نقص جزء أو شرط أو وجود مانع وفي الفرض تمحض الشكّ من غير هذه النواحي لكون الشكّ من أوّل الأمر ) لانحلال العلم الاجمالي بجريان قاعدة الفراغ إلاّ ان بالنسبة إلى الثانية حيث يتحيّر في الموضوع فلا يدري أتكليفه الاتمام أو القصر فلابدّ من الاحتياط كما في صلاة الجمعة حيث لم نستفد التخيير ودارت الوظيفة بين الظهر والجمعة فانّ الوظيفة هناك أيضا الاحتياط لقيام الدليل على عدم تكليفه في اليوم الواحد بصلاتين ( ولا وجه في هذه المسئلة ومسئلة الصلاة الثانية لاستصحاب الفرد المردّد لعدم اثباته لوجوب الصلاة الاخرى لم يأت بها بعد ) .

أمّا إذا كان ذلك بعد الصلاتين فقاعدتا الفراغ تجريان بالنسبة إلى الصلاتين وتتعارضان فلابدّ من اعادة الأولى بمتمم الاحتياط والاحتياط في الثانية هذا على تقدير جريان قاعدة الفراغ والحيلولة في هذه الموارد ولم يكن ممحّضا في الشكّ في كيفيّة الامتثال ( قد عرفت ما هو الحقّ من عدم مجال لهاتين القاعدتين في هذه الموارد ) ونظير المقام مسئلة الماء الذي يشكّ في كونه كرّا ويزاد عليه إلى حدّ الشكّ ثمّ العلم بالكريّة وهكذا يؤخذ من الماء وينقص إلى أن يصل إلى حدّ الشكّ فان هذا الحدّ في حين الزيادة يكون مجرى استصحاب عدم الكريّة وفي النقصان مجرى بقائها .

ومن ذاك الباب أي تعارض الاستصحابين التزاما مسئلة ما لو توضّأ بمايع مشكوك البوليّة والمائيّة لا قبل الوضوء فانّه لابدّ من احراز المائيّة فانّه بعد ذلك

يعلم بطلان أحد الاستصحابين أمّا استصحاب طهارة أعضاء الغسل والمسح أو استصحاب بقاء الحدث إلاّ ان هذا التعارض ليس مطابقيّا ولا ربط لأحد

ص: 651

الاستصحابين بالآخر بل لأمر خارجي بالالتزام ولا مانع على التحقيق من جريانهما معا إلاّ بناء على جعل الاستصحاب من الأصول المحرزة القائم مقام القطع الطريقي كما أشار إلى ذلك الشيخ قدس سره في أوّل رسائله بقيام بعض الأصول مقامه وهو قاعدة الفراغ والاستصحاب فانّه حينئذٍ لم يتحقّق الشرط الثاني من شرايط جريان الأصل وهو الجعل فانّه لابدّ في ذلك من الشكّ وحفظ رتبته ورتبة الجعل وعدم محذور في ذلك والمرتبة الاخيرة رتبة الامتثال فمثل اصالة الحلّ والبرائة ينحصر محذورهما بالمخالفة العمليّة فلو لم تلزم لا محذور في جريانهما ولو في أطراف العلم الاجمالي بخلاف الاستصحاب بناءً على كونه من الأصول المحرزة فانّه لا يجري الاستصحابان في أطراف العلم الاجمالي ولو لم يلزم المخالفة العمليّة أيضا بل يتعارضان ولذا بُني على عدم الفرق بين مستصحبي النجاسة ومستصحبي الطهارة في عدم الجريان لجعله من الأصول المحرزة كما هو مبنى المحقّق النائيني(1) والميرزا الكبير الشيرازي بعد أن ذهب إلى سامرّاء على ما نقل سيّدنا الأستاذ عن شيخه النائيني قدس سره م ومن يجعله من الأصول غير المحرزة بل كسايرها فيفرّق بين مستصحبي النجاسة والطهارة فيقول بجريان استصحاب النجاسة في صورة العلم بكذب أحدهما وطهارته لعدم لزوم المخالفة العمليّة وبعدم الجريان في مستصحبي الطهارة مع العلم بكذب أحدهما كما اختاره سيّدنا الأستاذ ورأى مبنى كون الاستصحاب من الأصول المحرزة من المباني الفاسدة التي لا دليل عليها وعند القائل بعدم الفرق فنفس العلم بكذب أحد الأصلين الجاريين مانع من جريانهما لمنافاته للعلم .

التعادل والتراجيح

ص: 652


1- . فوائد الأصول 4/693 - 695 .

ففي مسئلة الوضوء بالمايع المردّد بين البول والماء يبتني جريان الاستصحابين وعدمه على الاحراز وعدمه فعلى الاحراز لا يجريان لمنافاة نفس العلم وعلى عدمه يجريان لعدم لزوم المخالفة العمليّة . هذا تمام الكلام في تعارض الأصول .

الكلام في التعادل والترجيح: والأولى تبديل العنوان بباب التعارض حيث ان الأحكام المذكورة والروايات الواردة في الباب من الطوائف الامرة بالتوقّف والتي تخيّر المكلّف وبالجملة جميع روايات الباب بطوائفها إنّما موضوعها المتكافئان المتعادلان ولا اشكال في كون هذه المسئلة كمسئلة حجيّة الخبر من أهم مسائل الأصول ولا يخفى شدّة الاحتياج إليهما في الفقه إذ مناط كون المسئلة اُصوليّة وقوعها كبرى قياس الاستنباط وهو حاصل في المقام .

ثمّ انّ موضوع التعارض عرفي مبين كما يرشد إلى ذلك ما ورد في قول الراوي إذا(1) ورد عنكم خبران متعارضان أحدهما يأمر والآخر ينهى الخ إلاّ انّه حيث يقع الاشتباه والخلط بين ذلك وبين باب التزاحم وبين اشتباه الحجّة باللاحجّة فقد يعرف ويشار إلى عنوان البحث كي يمتاز عن ما ذكرنا .

ثمّ انّه يبحث عن المتنافيين على بعض الوجوه أهو داخل في مسائل الباب أم لا وكذلك في موارد اختلاف الروايات على طوائف .

فنقول وباللّه الاستعانة: التعارض عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين بحسب مقام الثبوت الموجب لتنافيهما في مقام الاثبات كالحرمة والوجوب المجعولين

ص: 653


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/5 - 29 - 30 - 34 - 40 - 42 - 48 من أبواب صفات القاضي وليس فيها مادّة التعارض .

على مورد واحد فان كلّ واحد منهما يقتضي عدم الاخر ولا يمكن جعلهما كذلك في مورد واحد فخرج بما ذكرنا باب التزاحم واشتباه الحجّة بلا حجّة حيث ان في الأوّل لا تنافي بحسب مقام الثبوت وإنّما التزاحم والتعاند في مقام الامتثال وإلاّ فبحسب الملاك تام وكذلك خرج بذلك باب الحجّة واشتباهها بلا حجّة حيث ان ذلك ليس من جهة التعاند والتنافي بحسب المدلول بل يمكن فرضه بكون أحدهما في باب الطهارة كنجاسة غسالة المتنجّس والآخر في باب الديات ومن الخارج نعلم بكذب أحدهما وعدم صدوره وإلاّ فبحسب المدلول لا تنافي بينهما ولا تكاذب فلا وجه لاجراء حكم التعارض عليهما خصوصا إذا كانا وجوبا وحرمة بل لابدّ من اجراء قواعد باب العلم الاجمالي ولا مجال لجريان حكم الدوران بين المحذورين في المقام بل ربما يلتزم بالاحتياط في كلا الموردين .

لا يقال ان في باب التعارض أيضا نعلم هذا العلم أي بكذب أحدهما من جهة عدم امكان شمول دليل الحجيّة لكليهما .

فانّه يقال فرق بين مقام الاثبات والحجيّة ومقام الثبوت وكلامنا إنّما هنا في مقام الثبوت . وشمل التعريف إذا كان التنافي بالتباين الكلي أمّا إذا كان جزئيّا فهل هو ملحق بباب التزاحم أو بباب التعارض فيه اشكال . فان اجراء حكم التعارض في بعض المدلول وعدمه والحجيّة في بعضه الآخر يوجب التبعيص في السند الواحد وذلك لا يساعده الاعتبار إلاّ أن يقال بانحلال الخبر الواحد إلى أخبار متعدّدة فحينئذٍ يرتفع الاشكال كما هو الظاهر كما انّه قد يستشكل في خصوص باب التزاحم أيضا برجوعه إلى عدم امكان الجعل حيث ان المكلّف لا يقدر على امتثال كلا التكليفين المتزاحمين فلا يمكن للمولى مطالبته بكليهما خصوصا مع

الفرق بين التزاحم والتعارض

ص: 654

قبح مطالبة العاجز بل نقول نفس الخطاب يقتضي مقدوريّة متعلّقه للمكلّف فلو لم يكن مقدورا لا يمكن تعلّق الخطاب به .

وهذا معنى ما يقال ان ارادة المولى تابعة لارادة العبد ويعنون بذلك ان ما يمكن تعلّق ارادة العبد به يمكن للمولى ارادته كي يكون في صورة عدم ارادته لمتعلّقه باعثا داعيا له إلى ذلك .

فعلى هذا يرجع باب التزاحم أيضا إلى المانع الثبوتي وعدم امكان الجعل والداعويّة إلى كلا المتزاحمين وتزاحم المقتضيين الذي هو مناط التعارض حيث ان كليهما يدعوا المولى إلى الجعل على طبقه امّا لمصلحة مثلاً تدعوه إلى جعل الوجوب والمفسدة إلى جعل الحرمة فيقف أمر المولى إذا لم يحصل الكسر والانكسار ولم يغلب احداهما على الاخرى فلو غلبت فالحكم على طبق الغالب لكن لا شدّة فيه كما يكون في الخالي عن المزاحم فالوجوب في اكرام العالم غير الفاسق أشدّ منه في العالم الفاسق .

واما لا يحصل الغلبة لاحداهما فالحكم غيرهما وهذا بعينه جاري في صورة تزاحم الخطابين في اشغال قدرة المكلّف لأداء الجعل على طبق كلا المقتضيين إلى التضاد أو التناقض .

ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّه لو جعل مناط التعارض التنافي ولو على نحو الجزئيّة في المدلول فيكون باب العموم والخصوص من وجه داخلاً في باب التعارض نعم لو جعل التنافي على نحو الكليّة فيخرج عنه ولو لم يدخل في باب التزاحم فيكون أصلاً برأسه لكنّه خلاف عملهم حيث يترتّبون عليه أحكام التعارض ويجرونها عليه .

ص: 655

وعن الثاني أي اشكال رجوع باب التزاحم إلى التعارض انّه مسلّم لكن في قسم من التزاحم وهو ما إذا كان التعاند بين المتزاحمين في عالم الامتثال وقدرة المكلّف دائميّا فان ذلك يوجب اللغويّة مضافا إلى محذور عدم امكان الامتثال .

وأمّا إذا كان التعاند اتّفاقيّا فاطلاقان تزاحما في قدرة المكلّف وليس التعاند إلاّ في اطلاقهما حتّى في حال وجود الآخر لأن وجوب حفظ المؤمن حسب انحلاله إلى وجوب حفظ كلّ مؤمن ظاهر موجب لحفظ كلّ ولو عند عدم حفظ الآخر وتلفه فاذا اتّفق عدم قدرته على حفظ مشرفين على التلف من المؤمنين فحينئذٍ التعاند والتزاحم واقع في اطلاق حفظ كلّ منهما حتّى في حال عدم حفظ الآخر وهذا لا يوجب محذورا في عالم الجعل .

والحاصل ان ضابط باب التعارض هو أن يكون المانع من الجعل غير جهة قدرة المكلّف بل المانع ممحّض في المانع الملاكي بخلاف باب التزاحم فان ضابطه أن يكون التعاند في مقام الامتثال بعد الفراغ عن مقام الجعل وإمكانه لولا ذلك .

وإن كان يظهر من بعض كلمات المحقّق الخراساني تسمية(1) باب التعارض أيضا تزاحما إلاّ انّه راجع إلى تزاحم المقتضيين ومقام الثبوت .

وتلخّص تعريف باب التعارض بكون التنافي في مدلولي الدليلين أو الأدلّة على نحو لو لاه كانا أو كانت حجّة فبالقيد الأوّل خرج باب التزاحم حيث انّه لا تنافي في مدلولي دليلي المتزاحمين بل التنافي والتعاند في مقام الامتثال واضافة القيد الثاني لاخراج ما إذا اشتبه الحجّة بلا حجّة وما إذا علمنا من الخارج عدم

ص: 656


1- . كفاية الأصول 1/242 .

جعل أحد مدلولي هذين الخبرين ولو لم يكن بينهما تنافي مدلولي كما إذا علمنا بضعف أحد الخبرين المشتمل سند أحدهما على محمّد بن سنان أو أبي الجارود(1) مثلاً إلاّ انّه غاب عنّا فعلاً واشتبه بالآخر الذي هو حجّة فحينئذٍ لا يمكن اجراء قواعد باب التعارض عليه بل لابدّ من العمل بما يقتضيه قواعده المختصّة به ولا يمكن التمسّك بأحدهما في ذلك لكونه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة بل نفس الشكّ في الحجيّة يساوق عدم الحجّيّة بلا تكلّف .

أو علمنا بكذب أحد الخبرين ولو لم يكونا في باب واحد فان ذلك إمّا من اشتباه الحجّة بغير الحجّة أو من باب العلم الاجمالي بعدم الحجيّة ولو كان مرجعهما إلى واحد وهوالعلم بعدم حجيّة أحدهما(2) .

وإذا تحقّق مايترتّب على الضابط فلا اشكال في ان التنافي لا يختصّ بمقام التكوين بل في أيّ صقع من الأصقاع فرض فسواء كان في عالم الخارج كاجتماع السواد والبياض مع ساير الوحدات أو في وعاء الذهن اتّصافا وحصولاً أو هما معاً أو عالم التشريع حيث انّه لا فرق في ذلك أي استحالة جعل كليهما أو تحقّقهما فلا يمكن جعل الوجوب والحرمة أي دعوة مقتضيهما للجعل على طبقهما وانقداح

اشتباه الحجّة بلا حجّة

ص: 657


1- . هذا إذا كانا ضعيفين أو أحدهما وهو خلاف التحقيق .
2- . وعمّم المحقّق العراقي قدس سره التزاحم لما اذا كان التزاحم في عالم التأثير في الرجحان والمحبوبيّة الفعليّة لدى المولى كموارد تصادق الأمر والنهي في مثل الصلاة والغصب على القول بالامتناع أو كان تزاحمهما ممحضا في عالم الوجود ومرحلة الارادة الفعليّة كما في المتضادين وجوداً ومنه مورد التصادق في باب الاجتماع على القول بالجواز وامكن عنده كون المورد من التعارض لو اتّحد عنوان المأمور به والمنهي عنه كعنوان الاكرام في قوله أكرم العالم ولا تكرم الفساق ومن باب التزاحم اذا تعدد كعنوان الغصب والصلاة في قوله صل ولا تغصب ولعلّه لا يخالف المتن . نهاية الأفكار 4/373 - 376 .

ارادة النبوي أو الولوي للحرمة والوجوب مع اجتماع الوحدات المعتبرة في التناقض كاستحالة اجتماع الكراهة والحبّ كذلك والحبّ والبغض . والتعريف شامل للتباين الكلّي .

أمّا العموم من وجه فلا إشكال في تحقّق التنافي والتعاند في المقتضيين سواء كان الحكم مجعولاً على العناوين أو على الخارجيّات والعناوين يشار بها إليها حيث ان العالم الفاسق لا يمكن جعل حرمة الاكرام ووجوبه عليه بل إمّا أن يكون هو الوجوب أو الحرمة أو لا أحدهما إلاّ ان التعريف لابدّ في شموله له من اضافة قيد ولو في الجملة إليه هذا . ولو جعل التعارض عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين ولو لا مر خارج فيشمل ما إذا علمنا(1) من جهة الاجماع أو غيره بعدم تشريع الحكمين ومثاله المعروف ما إذا علمنا بعدم وجوب صلاتين يوم الجمعة ظهرا فإمّا أن يكون هو الظهر أو الجمعة بخطبتين وركعتين والأخبار تدلّ على كلتيهما فانّه لو لا الاجماع كان كلا الخبرين حجّة وقلنا بوجوب صلاتين يومها الا ان ذلك يمنعنا عنه لكن هذا المثال لا يخلو عن مناقشة فانّه كيف يمكن تحقّق الاجماع مع ورود روايتين لأنّه يستلزم تكذيب المعصوم علیه السلام في قوله صلاة الجمعة واجبة والظهر كذلك .

نعم يمكن أن يكون ذلك من جهة عدم تحقّق جهة صدور أحدهما ولا وجه لما يتوهم من كون ذلك بمنزلة قرينة حافة بكلا دليلي المسئلة فالتعارض إنّما هو راجع إلى نفسهما إذ ليس الدليلان إلاّ متكفّلين لخصوص العقد الايجابي ولا عقد

في تعريف التعارض

ص: 658


1- . جعله السيّد الخوئي قدس سره من باب التعارض عرضاً . مصباح الأصول 48/418 والمحقّق البجنوردي أعلى اللّه مقامه من باب التعارض التزاماً . منتهى الأصول 2/552 .

سلبي لهما كي يتحقّق التعارض فالاولى أن يمثل له بما إذا علمنا بنوع التكليف وقوله صلّ لكن لا ندري متعلّق الصلاة أهي الظهر أو العصر مثلاً ولا يخفى انّه لو قيل بهذا أي ولو لأمر خارج فمسئلة العلم الاجمالي بكذب أحدهما أو اشتباه الحجّة بلا حجّة يدخل في التعارض .

وكيف كان فلا يخفى ان التنافي قد يكون في تمام المدلول المطابقي واخرى في خصوص بعضه فردا أو اطلاق أحواله فان ذلك كلّه يكون من التنافي بين المدلولين ( أقول: ليعلم عدم الاحتياج إلى القيد الثاني في التعريف أي قوله على نحو لو لا التنافي لكانا حجّة لاخراج مسئلة اشتباه الحجّة بغيرها إلاّ لخصوص فردين لم يخرجا بالقيد الأوّل وهما الخبران الواردان المتنافيان فتأمّل .

كما لا يخفى ان مثال سيّدنا الأستاذ في خصوص الاشتباه وتبديل مثال الاجماع به ليس من باب اشتباه الحجّة بغيرها ولا من التعارض لأن مورده صورة تعدّد الخبر وليس فيه ) .

وخلاصة الكلام: قد تبيّن ضابط باب التعارض وظهر ان قيام الاجماع في عدم وجوب صلاتين ظهر يوم الجمعة لا يوجب تعارضا في الدليلين المقتضيين لوجوب أربع ركعات وركعتين وخطبتين لكون الاجماع قرينة على عدم وجوب كلتيهما تعيينا كما يقتضيه اطلاق وجوبهما بل تجبان تخييرا فليس ذلك من باب التعارض كما ان زيادة قيد لو لا التنافي لكان كلاهما حجّة لاخراج باب اشتباه الحجّة بغيرها غير محتاج إليه لخروجها بالقيد الأوّل أي تنافي مدلولي الدليلين لعدم تحقّق التنافي بينهما بل ليس دليلان في المقام كي يتنافيا كما تبين خروج باب التزاحم أيضاً عن ضابط باب التعارض وإن سمّي بعض باب

ص: 659

التعارض بباب التزاحم لكنّه خلاف الانصاف إن أراد بذلك ترتيب آثار باب التزاحم عليه وإلاّ فاصطلاح لا ضير عليه .

والحاصل ان في المقام معنيين والحكم في أحدهما كما سنبين التساقط عند عدم المرحج أو الرجوع إلى الأخبار العلاجيّة وفي آخر التخيير بعد عدم الترجيح لأحد الطرفين ملاكا على الآخر .

وإذا ظهر ذلك فنقول ان للتزاحم أقساما خمسة وذكروا لها سادسا ولعلّ سابعا والسادس مسئلة تزاحم السببين كما إذا زاد على خمس وعشرين ابلاً له آخر في نصف السنة فلابدّ من اعطاء الزكوة بمقتضى كلا النصابين ويلزم وجوب أداء زكوتين في سنة واحدة ولو في بعضها أو يلقى الستّة أشهر التي كان عنده خمس وعشرون ورأس السنة من حين كما لها بست وعشرين .

والاقسام الخمسة أحدها مسئلة باب تزاحم اجتماع الأمر والنهي ومثاله المعروف صلّ ولا تصرف في مال الغير حيث ان الصلاة مطلقا واجبة وكذا التصرّف في مال الغير مطلقا حرام فالصلاة المستلزمة للتصرّف في مال الغير والجامع له تكون مجمعا وهذا مثال باب التزاحم .

أمّا إذا تعلّق الأمر والنهي بالعنوان الاشتقاقي فيكون من باب التعارض كاكرم العالم ولا تكرم الفاسق فاذا قلنا بوقوف الامر والنهي على الطبيعة بمعنى الأفراد والوجودات لا بلوازمها فحينئذٍ يكون من باب التزاحم بخلاف ما إذا قلنا بالسراية فانّ المجمع مورد الأمر والنهي ويكون من باب التعارض والفرق بين تزاحم باب الاجتماع وباب التضاد عدم جريان الترتب في الأوّل دون الثاني فانّه يمكن الاتيان بالصلاة مثلاً أو بالضد الآخر بداعي ملاكه بخلاف باب الاجتماع

ص: 660

فلا يتطرّق فيه ذلك .

وثانيهما تزاحم التضاد وهو على قسمين دائمي وانفاقي ولبعض اساتيذنا القول في الدائمي برجوعه إلى باب التعارض وعندنا فيه توقّف ومثال الاتفاقي ما إذا وجب استقبال الكعبة وحرم استدبار الجدي فانّه في بعض الأحيان يتزاحمان في الامتثال ويأتي ذكر باقي الأقسام .

وأمّا التعارض فظهر انه عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين بحسب مقام الثبوت الموجب للتنافي في مقام الجعل بحيث لم يكن بينهما حكومة والتنافي أعم من أن يكون كليا كالمتبائنين أو بعضا كالعموم والخصوص من وجه أو في بعض الحالات أو العموم المطلق أو كباب المطلق والمقيد فان ذلك كلّه من المتنافيين فكلّها خارج عن باب التزاحم إلا ان الحكومة العريضة العرض أوجبت رفع التنافي وخروج ذلك كلّه من باب التعارض وعدم جريان أحكام بابه حسب الأخبار العلاجيّة فيها كلّها ومن ذلك تعرف انه من المتبائنين والمتعارضين الوجوب واقعا والاباحة ظاهرا حيث ان توقّف الحكم على خصوص العالمين وتعدّد حكمهم والجاهلين فان لكلّ منهما حكما هو التصويب الباطل ولذلك لا يمكن الاهمال في مقام الثبوت فامّا أن يكون الحكم مختصّا بالعالمين أو بالأعم منهم والجاهلين الا ان اللحاظ في لسان الدليل والخطاب مستحيل لعدم تأتي لحاظ ما يأتي من قبل الخطاب في متعلّقه بملاك استحالة تقدّم المعلول على العلّة نعم يمكن ثبوت الحكم والترخيص على الخلاف إذا لم يرجع إلى اجتماع الارادة والكراهة والحبّ والبغض .

ثمّ انّ لباب التعارض مرجّحات ولا تختصّ به بل ثابت في باب اليد

أقسام التزاحم

ص: 661

والشهادة والتزاحم وغيرها أيضا .

تكميل: قد أشرنا إلى باب التزاحم وأقسامه السبعة وذلك ممّا حقّقه المحقّق النائيني رحمه الله(1) وإن كان في بعض ذلك نظر ننبّه عليه في موضعه وما وقع طى تقريرات كلامه من ادخال العموم والخصوص مطلقا وباب الحكومات في التعارض إنّما هو في مقام التزاحم حسب انطباق ضابط التعارض على ذلك قبل اخراجها بما ذكرنا وإلاّ فالتنافي المدلولي بينها واضح وكان المسامحة في هذا نظرا إلى وضوحه وإلاّ فالمراد معلوم .

والحاصل ان التعارض ما يكون تزاحم بين المقتضيين في أصل داعوية كلّ واحد منهما للجعل وإلاّ فبمجرّد جعل الحرمة على موضوع والوجوب على موضوع آخر لا يكون من التنافي بل بما ذكر من اجتماع باقي قيود التناقض فالتعارض اصالة انما هو بين المدلولين المنكشفين وهو يوجب التنافي الدلالي وبين الحاكيين وامّا التزاحم فهو لا يكون مانع هناك من الجعل ولا تزاحم في المقتضيات بل حيث ان ملاك الخطاب في الخطابين معا غير موجود لعدم قدرة المكلّف على امتثال كلا الخطابين يقع التزاحم بين المتزاحمين ويشهد لما ذكرنا انه في غير صورة تزاحم التكليفين أيضا إن لم يكن المتعلّق مقدور المكلّف فلا يتوجّه إليه الخطاب لقبح مطالبة العاجز عقلاً فشرط توجيه الخطاب إليه القدرة على متعلّقه الا ان التزاحم والتعارض مشتركان عند الكل في عدم وجود خطابين معا غاية الامر في كلّ واحد من البابين بملاك .

وقد ذكرنا اشكال العموم والخصوص من وجه مثل أكرم العلماء ولا تكرم

ص: 662


1- . فوائد الأصول 4/707 - 709 .

الفسّاق والفرق بينه وبين المتزاحمين فان التزاحم فيهما إنّما يكون اتّفاقا وفي اطلاق خطاب كلّ واحد منهما والا فان كان التعاند دائميّا فلا يكون من باب التزاحم ويرجع إلى باب التعارض .

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى بيان الأقسام المذكورة للتزاحم على ما بنى عليه المحقّق النائيني قدس سره وبيان ما يتوجّه عليها أو بعضها وأشرنا إلى انها سبعة وإن كان يمكن رجوع الثالث إلى الثاني بل هو هو حقيقة كما يعلم بأدنى تأمّل .

الأوّل تزاحم باب الاجتماع . الثاني تزاحم التلازم وهو أن يكون امتثال أحد الخطابين ملازما لعصيان الآخر وهذا القسم والذي بعده لابدّ أن يكون التزاحم فيهما اتّفاقيّا وإلاّ فيخرج عن التزاحم كما أشرنا إليه ومثاله ما إذا وجب احترام المؤمن وكذا القرآن فبين الامتثالين عموم وخصوص من وجه فربما يكون مورد احترام القرآن ولا مؤمن هناك وربما يكون الأمر بالعكس وثالثة وهو مورد التزاحم ما يكون مثلاً القارئ مشتغلاً به ويرد المؤمن فلو اشتغل بالقرآن ولم يقم احتراما له فيعصى احترام المؤمن وكذا لو قام وعصى خطاب احترام القرآن وقد يتحقّق الهتك وإن كان يمكن الخدشة في هذا المثال الا ان مثالاً آخر ربما يكون أحسن وما هو ما اذا وجب اكرام العالم واكرامه لأجل علمه وكذا وجب اهانة آخر لموجبه فيردان معاً على المكلّف فلو لم يقم ولم يعظم عصى خطاب أكرم العالم ولو قام فخطاب الاهانة .

والثالث تزاحم بعض النقاط فانه شرع الحكمان على نحو كان امتثال أحدهما عين عصيان الآخر كما إذا وجب استقبال الكعبة في بعض النقاط الذي يحرم استدبار الجدي والفرض ان المستقبل إلى الكعبة مستدبر الجدي .

بيان أقسام التزاحم

ص: 663

الرابع تزاحم التضاد نحو وجوب الصلاة وازالة النجاسة عن المسجد أو أداء الدين ولا يخفى ان ذلك أيضا اتّفاقي حيث انه ربما يمكن أداء الدين والاشتغال بالصلاة وقد يقع التزاحم اتّفاقاً من حيث لزوم المشي إلى المطالب المنافي للصلاة .

الخامس تزاحم المتقدّم والمتأخّر كما إذاكان القيام فيالركعة الأولى والثانية واجبا وليس له القدرة على كليهما فان قام في الأولى يفوته الثانية وبالعكس لا مثل القيام حال التكبير وحال القرائة أو حالها وقيام قبل الركوع فهنا محلّ الكلام في تقدّم المقدم أو الأهم .

السادس التزاحم في مقدّمة الحرام كما إذا وجب انقاذ الغريق من الطريق الغصبي الذي هو أقرب إلى ذلك أو المنحصر فالتزاحم إنّما هو بين وجوب المقدّمة لترشّح أمر ذي المقدّمة عليها وحرمتها لكونها من الغصب .

والسابع تزاحم السببين كما سبق مثاله لقيام الاجماع والدليل على عدم وجوب الزكاة في سنة واحدة مرّتين فلابدّ إمّا من عدم دخل ستّة الأشهر الماضية في السنة أو يحسب السنة من أوّل زمان اضافة السادس والعشرين ويزكّي بنت مخاض أو من حساب ذلك من أوّل الستة الأشهر وخمس شياة ولا يخفى ان عد هذا من أقسام التزاحم بناء على ما ذكرنا في التعارض من دخول نحو مثل قيام الدليل على وجوب الجمعة والظهر يوم الجمعة مع الاجماع على عدم وجوب صلاتين بل واحدة في أقسام التعارض فان دخل فيه يدخل ما نحن فيه في التزاحم ويصير موضوعه أعمّ من ما إذا كان لذاته أو من خارج(1) ولا يخفى ان

ص: 664


1- . لايخفى تشوش العبارة والمراد جعل هذا القسم من التزاحم في التعارض عرضاً كما هو مختار السيّد الخوئي قدس سره . مصباح الأصول 48/430 كما اختار كون المورد من باب التعارض صاحب المنتقى وان يظهر منه الميل إلى جعله من باب التزاحم . منتقى الأصول 3/42 - 45 .

جعلها سبعة وتكثيرها إنّما هو لمزايا في كلّ منها أوجب تفرّد كلّ قسم عن الآخر ومن ذلك تفرّد القسم السادس الذي كان المحقّق النائيني رحمه الله يرى ان هذا أوجب لهم شبهة المقدّمة الموصلة ومن هنا نشأ الترتّب هذا . كما ان القسم الأوّل وهو تزاحم باب الاجتماع مبني كما ذكرنا على عدم اتّحاد متعلّق الأمر والنهي وذلك إنّما يتمّ بأمرين أحدهما تعلّق الأمر والنهي بالطبايع لا الافراد يعني ليس الطبيعة

بما هي هي متعلّق الأمر والنهي لأنّ الطبيعة بما هي هي ليست بشيء ولا وجود لها حتّى ذهنا بل تصوّرها ذهنا إنّما هو على التخلية وإلاّ فهي بهذا النظر تكون قسما من الماهيّة فهي لا يمكن أن تكون متعلّق الامر والنهي بل الأفراد غاية الامر ان الافراد هل هي بلوازم وجودها متعلّقة لذلك أو اللوازم خارجة والفرد لا بما هو هو بل هو طبيعة متعلّق لهما فانّه على القول بالتعلّق بالأفراد يسري متعلّق الامر إلى النهي ومتعلّق النهي إلى الأمر ويخرج عن باب التزاحم . الثاني ان المتعدّد ماهيّة متعدّد وجودا .

فعلى هذا فمورد اجتماع الأمر والنهي وإن كان متّحدا وجودا إلاّ انّه اجتمع فيه عنوان متعلّق الأمر والنهي وإن كان بحسب الحس واحدا إلاّ ان عند تحليله بالمنشار العقلاني متعدّد فالتركيب انضمامي ولو كان بالنسبة إلى المعروض وعرضه خلافا للمحقّق الخراساني رحمه الله(1) حيث يدعي ان ذلك سواء بنينا على أصالة الوجود أو الماهيّة لا يختلف فانّ المتّحد وجودا لا يمكن أن يتعدّد ماهيّة

ص: 665


1- . كفاية الأصول 1/250 - 251 .

وسواء قلنا بأن متعلّق الأمر والنهي الطبايع أو الأفراد لا يمكن أن يجتمع الأمر والنهي فان قلنا برجحان جانب النهي فيكون مسئلة الاجتماع من مبادئ مسئلة النهي في العبادات لكنّها من المبادى التصديقيّة حيث لم يبحث عنها في تلك المسئلة بخلاف ما إذا تعدّد المتعدّد ماهيّة وجودا أيضا فانّه حينئذٍ بناء على السراية وعدم توقّف الأمر والنهي على الطبايع بل سرايتها إلى الأفراد يكون من صغريّات باب التعارض بمعناه الأعم الشامل لمثل التعارض بالعموم المطلق .

وفي هذا القسم من التزاحم لا يتطرّق احتمال الترتّب أصلاً وإن ملأت الدنيا ترتبا ( على تعبير سيّدنا الأستاذ قدس سره ولا يتوهّم انّه على هذا لابدّ أن يكون من التعارض حيث ان الأمر والنهي اجتمعا في مورد واحد ووجود واحد وإن كان متعدّدا بالماهيّة فانّه فرق ين هذا المقام وباب التعارض بالعموم من وجه فان في ذلك الباب مورد الأمر والنهي هو العنوان الاشتقاقي من العالم والفاسق بخلاف ما نحن فيه فليس المتعلّق لهما إلاّ المبدأ كالغصب وهو التصرّف في مال الغير والصلاة فعلى هذا يتعارض الدليلان في العالم الفاسق ويتزاحم المقتضيان بخلافه في المبدئين .

ثمّ انّ هذا أيضا بناءً على ما حقّقه قدس سره من الفرق بين المبدء والمشتق بالمشروط بشيء واللا بشرط كالجنس والفصل فانّ الجنس عين الفصل لا كالمادّة اللا بشرط والهيئة فان المادّة يستحيل أن تكون هيئة والهيئة يستحيل أن تصير مادّة فالفرق بين الضرب والضارب ان الأوّل لايمكن أن يحمل بخلاف الثاني فانّه يحمل لما بنى عليه من كون المشتق مركبا من النسبة التي هي معنى حرفي والاسم وكذلك ليس مركبا من اسمين كما تفوّه به بعض من قارب عصرنا

بناء على السراية يكون من باب التعارض

ص: 666

وليس مركبا من الذات والحدث والنسبة إلى الذات .

تذكار: اشترط المحقّق النائيني قدس سره في تحقّق التزاحم في بعض ما ذكر

التعاند الاتفاقي ويشكل بأنّه إمّا أن يلزمه رجوع باب التزاحم إلى باب التعارض حتّى في مورد التعاند الاتّفاقي في مقام الامتثال وعدم الفرق بين العموم والخصوص من وجه تعارضا أو بين الخطابين وامتثالاً ولما كان يغني ما ذكرنا من الجواب من عدم النقض ببيان الضابطين المذكورين وأمّا إن يلزمه عدم القول برجوع التعاند الدائمي إلى باب التعارض لعدم انطباق ضابطه عليه .

والحاصل إن كان مناط التعارض هو التزاحم في مقام الجعل فكما انّه ليس ذلك في التعاند الاتّفاقي كذلك ليس في التعاند الدائمي وإن كان مجرّد المزاحمة في مقام الامتثال ففي كلا المقامين وعلى الأوّل يرجع التعاند الدائمي أيضا إلى التزاحم وعلى الثاني يرجع التزاحم والتعاند الاتفاقي إلى باب التعارض .

وإن اجيب عن اشكال لزوم رجوع التعاند الدائمي إلى التزاحم بفهم العرف التعارض لكونه مفهوما عرفيّا فيفسد حينئذٍ الضابط الدائر مداره المصداقيّة وعدمها .

ثمّ انّك عرفت ان ما يكون التعاند مشروطا فيه بالاتّفاق في رجوعه إلى التزاحم إنّما هو غير باب الاجتماع وفيه عرفت مبنى رجوعه إلى صغرى النهي في العبادة بناء على عدم امكان تعدّد المتّحد وجودا ماهية فحينئذٍ يمتنع تعلّق الأمر والنهي به بل اما أن يرجع إلى باب التعارض أو يكون من صغرى النهي في العبادات ان رجّحنا جانب النهي وإلاّ فلايكون من باب التزاحم المبنى على المقدّمتين السابقتين هذا .

مرجع الأقسام إلى مزاحمة مقام الامتثال

ص: 667

ثمّ انّ الأقسام المذكورة مرجعها إلى المزاحمة في مقام الامتثال واستلزام امتثال أحدهما عصيان الآخر وعدم تمكّنه منه غير السابع كما سبق فلا فائدة في تكثيرها بناء على عدم كفاية ما ذكرنا آنفا وأمّا باقي أقسام التزاحم غير باب الاجتماع الذي ربما استشكل في تعدّد المتعلّق ماهية سيّدنا الاستاذ قدس سره في السجود الذي هو عبارة عن وضع الأعضاء السبعة على ما اعتبر فانّه كيف يمكن انطباق عنوان الغصب والصلاة عليه فان الوضع عين التصرّف فكيف تعدد وقد عرفت الأمثلة من تزاحم باب التلازم ونظيره باب التضاد كخطاب أداء الدين والصلاة وباب التقدّم والتأخّر وباب المقدّمة المحرمة كما إذا توقّف اطفاء الحريق الواجب أو انقاذ الغريق الواجب على التصرّف في مال الغير واتلافه عن أصله أو اخراجه عن ماليّته .

وحاصل الكلام في الجميع قد عرفت كما انّه واضح عدم لغويّة جعل الخطابين في المتعاندين دائما في مقام الامتثال فان للمكلّف اختيار كلّ في وقت دون الآخر فلا يلزم اللغويّة .

ثمّ انّه قد ذكر للترجيح مرجّحات خمسة وليس لها أصل إلاّ واحدة منها وهي الأهميّة . فمن الخمسة الترجيح بالضيق والسعة حيث ان الموسع وإن كان أهمّ من المضيق إلاّ ان المضيق مقدّم في مقام الامتثال وله الترجيح عليه امتثالاً إلاّ

ان فيه عدم تحقّق المزاحمة حينئذٍ خصوصا إذا كان التخيير عقليّا حيث ان الواجب الموسع لم يطلب منه إلاّ صرف الوجود غير المستوعب للوقت فيأتي بالمضيق أوّلاً ثمّ يأتي في غير وقت المضيق بالموسع هذا .

وإن كان لو أتى بالموسع في وقت الضيق كان صحيحا .

ص: 668

( أقول: هذا ما عرضته على سيّدنا الأستاذ قدس سره ولازم ذلك تحقّق التزاحم في وقت الضيق أيضا وأجاب الأستاذ بعدم كون التزاحم مقيّداً فتدبّر ) .

الثاني: الترجيح بالقدرة العقليّة على المقدور الشرعي أي ما أخذت فيه القدرة في لسان الدليل الكاشف عن دخلها في الملاك والخطاب معاً دون الأوّل حيث ان مثل خطابه غير مشروط بالقدرة الشرعيّة بل لان مطالبة العاجز قبيحة لذا عند عدم قدرة المكلّف لا تكليف فالاشتراط من ذلك .

هذا ما ذكروه ومقتضاه حينئذٍ عدم التكليف بالحجّ لو فرض النذر أو واجب آخر غير مشروط بالقدرة الشرعيّة قبل تحقّق الاستطاعة مع ان المقدور بالقدرة الشرعيّة لم يقيّد بعدم كون تكليف آخر هناك الا ان فتوى الأصحاب كذلك ويتّجه عليه الاشكال حتّى في أصل فرضه من باب التزاحم لعدم تحقّق موضوع المقدور الشرعي لعدم حصول شرطه وفي مثال الحجّ كلمات مختلفة لبعضها اعتبار التقدّم والتأخّر وجعل بعض تحقّق الاستطاعة ولو بعد ذلك كاشفا عن عدم صحّة النذر أو التكليف بشيء آخر وهنا تتمّة كلام لمثال المقدّمة المحرّمة حيث انّه يفصل بين ما إذا ارتكب الحرام لاطفاء الحريق أو الواجب الآخر وبين ما إذا لم يفعل لذلك ويتحقّق هناخطاب ترتّبي حيث انّه مكلّف بتكليفين فعليين عرضيين وفي ظرف عدم الاتيان بالأهم يأتي بالمهم ويترك الحرام ( لكن بمقدّمتين مهمّتين في باب الترتّب وإن كان المذكور فيه أزيد لكن العمدة هاتان المشار إليهما .

الثالث: الترجيح بالتقدّم والتأخّر كما في أجزاء الواجب بالنسبة إلى القيام مثلاً في الركعة الأولى والعجز عنه في الثانية وهكذا بالعكس .

الرابع: الترجيح على ما له البدل بما لا بدل له إلاّ انّ هذه الأربعة عرفت

ص: 669

الأوّل وكذا لا أصل للثلاثة الباقية . نعم ما يمكن أن يقال فيه بما قالوا وموجبيّته للرجحان هو الأهميّة فيقدم الأهم على غيره الا ان الكلام في التشخيص .

ويمكن التشخيص في باب الصلاة للخمسة المستثناة بلحاظ ركنيّتها ومنها الوقت حيث انه يوجب التكليف بالصلوات الاضطراريّة وتبدّل الوضوء والغسل بالطهارة الترابيّة عند المزاحمة للوقت ولو لم تكن له أهميّة لما وقع التزاحم بين قيام حال القرائة وما يتّصل بالركوع وكذلك التزاحم بين ترك جزء أو شرط أو وجود مانع وغير ذلك من الفروض فانّه يأتي بذلك بعد التمكّن وإن مضى الوقت فمنشأ التزاحم وموجبه في هذه الموارد إنّما هو أهميّة الوقت فمسئلة ما له البدل وما ليس له البدل في الصلاة يرجع إلى مزاحمة الوقت وكونه أهم موجبا مراعاته حيثما اتّفق بل لو اتّفق المزاحمة له مع الركوع فيسقط الركوع ويأتي بالصلاة بلا ركوع حيث انّ الصلاة(1) لا تترك بحال .

نعم جامع الطهور لا يزاحمه الوقت .

نتيجة البحث: انّ عمدة مرجّحات باب التزاحم والمعتبر منها هو الأهميّة التي عرفت ان معرفة صغريها تتوقّف على الاستفادة من الشرع حيث ان الملاكات غير مكشوفة عندنا كما تبيّن الاشكال في ما له البدل وليس له البدل وانّه لا تعيّن في تقدّم الثاني على الأوّل لاستوائهما في احتمال الأهميّة .

نعم لو اختصّ أحدهما بذلك كان الترجيح له من باب الدوران بين التخيير والتعيين وقد تبيّن في محلّه ان المتعيّن حينئذٍ الأخذ بما يعلم الامتثال معه على كلّ

تقدير .

ص: 670


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 1/5 من أبواب الاستحاضة .

ففي باب الصلاة الوقت أهم فلذلك يقع التزاحم في بعض الأجزاء بالنسبة إلى بعض وبينهاوبين الموانع أو الشرايط وبينها هي وقد قيل في ما إذا لم يكن عنده الطهور بقسميه يصلّي بلا طهارة وقبل لا أداء عليه ولا قضاء إلاّ انّ الاجماع كأنّه قائم على عدم أهميّة الوقت على جامعه فلذا لا يصلّي وإلاّ فمقتضى قاعدة الميسور الجارية لو لا الاجماع الاتيان بالصلاة بلا طهور لكنّه ربما يستفاد مضافا إلى ما ذكرنا التهديد الوارد في(1) من صلّى بلا طهور مع العامّة وإن كان لا يخلو من اشكال(2) ثمّ إن ما ذكرنا من التزاحم والمرجّحات ليس منحصرا في الفقه بل التزاحم والتعارض مطلقا له أبواب كثيرة كباب البيّنات واليد ولكلّ مرجّح وكلّه خارج عن موضوع بحث تعارض الخبرين .

فالأولى عطف عنان الكلام بما يهمّنا من أبحاث تعارض الخبرين .

فنقول قد أشرنا سابقا إلى وجه خروج باب الحاكم والمحكوم من باب

التعارض ولا بأس بتوضيح ذلك وزبدة المقال انّا قد ذكرنا في ضابط التعارض علاوة على تنافي المدلولين عدم امكان الجمع بينهما بنحو من أنحائه التي يساعد عليه العرف وقلنا انّ ذلك أيضا مراد المحقّق النائيني وإن(3) أدخل باب تنافي الاطلاق والتقييد والعام والخاص في التعارض إلاّ انّه بلحاظ التنافي المدلولي لا انّه حقيقة من باب التعارض ووجهه ان في صورة تحقّق الجمع العرفي بين

تفسير الحكومة

ص: 671


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 2/1 من أبواب الوضوء .
2- . واعلم انّ التزاحم بين جزء وجزء أو شرط وجزء وأمثال ذلك في المركبات كالصلاة لا يراه السيّد الخوئي باب التزاحم بل من باب التعارض على تفصيل في العلاج ولعلّه خلاف المشهور بل التسلم . مصباح الأصول 48/437 وما بعده .
3- . فوائد الأصول 4/700 - 701 .

المتنافيين لا يكون تعارض في البين كما يتّضح وجهه قريبا . فعلى هذا لا تعارض بين الحاكم والمحكوم حيث ان الحاكم يتعرّض لما لا يتكفّله المحكوم ولذا لا تنافي حقيقة ولا يخفى ان ضابط الحكومة ليس على ما يظهر من عبارة الشيخ رحمه الله

في تفسيرها(1) أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرّضاً لحال الدليل الآخر ورافعاً للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه الخ لخروج أكثر موارد الحكومات من ذلك وأهمّها باب حكومة الامارات على الأصول لوضوح عدم كون لفظ الحكومة موضوع حكم في آية ولا رواية فحينئذٍ .

فالاولى جعل الضابط على ما يظهر من موارد تسلّمها أن يكون دليل الحاكم متعرّضا بمدلوله اللفظي لحال الدليل المحكوم مطلقا بلا اشتراط تقدّم المحكوم على الحاكم ولا كونه متفرّعا عليه حيث ان باب الامارات وحكومتها على الأصول ليس متفرّعا على الأصول بحيث لو لم تكن الاصول لا يلغو التعبّد بالامارة فعلى هذا لا تنحصر بموارد التفسير من الحاكم للمحكوم وإن كان ظاهر العبارة المذكورة ذلك إلاّ انّه غير مراد لعدم وجود مورد في الادلّة لمثل هذا الحاكم

الذي يشرح المحكوم مصدرا بأداة التفسير كاى وأعني أو بمثل مرادي بما ذكرت .

هذه فانّه خارج عن التفسير فاذن ليس الحاكم إلاّ ما يبيّن حال المحكوم ويتكفّل لاثبات شيء متعلّق به أو ينفي كاخراج فرد أو ادخاله في موضوعه وليس للمحكوم منع الحاكم عن ذلك ولا معارضته لعدم امكان حفظ موضوعه من قِبل نفسه والفرق بين باب الحكومة والتخصيص بعد أن كانا مشتركين في عدم وجود الحكم إلاّ على خصوص الباقي بعد التخصيص والاخراج في الحكومة

ص: 672


1- . فرائد الأصول 2/750 - 751 .

الاخراجيّة ان باب التخصيص لا تعرض لفظي لمدلول المخصّص والعام بل من جهة أقوائيّة ظهور الخاصّ يقدم على العام وبه يكشف عن ان العام لم يكن مرادا على عمومه وإنّما ذلك مزعوم بل المراد الواقعي هو ثبوت الحكم في خصوص غير المخصّص وهذا بخلاف باب الحكومة فانّ الحاكم بمدلوله اللفظي ينتج نتيجة باب التخصيص بعد تقدّم المخصّص على المخصّص واختصاص الحكم بغير المخصّص فانّه في باب التخصيص عقلي وفي باب الحكومة لفظي وإن كان الفرق بينهما أيضا من جهات اخرى منها تصوّر الحكومة في ادخال الفرد بخلاف التخصيص .

فتحصّل ان الحكومة لها عرض عريض يشمل موارد التفسير اللفظي وموارد القرينة وذي القرينة وغير هذه الموارد من الموضوعات والأحكام كأدلّة نفي الضرر والعسر والحرج بالنسبة إلى أدلّة التكاليف الأوّليّة فهذا كلّه خارج عن موضوع التعارض والتساقط والتخيير كما يأتي في محلّه .

ثمّ انّه لا اشكال في خروج باب الخاص والعام من التعارض إلاّ انّ التخصيص لا مورد له في الفقه إلاّ بالنسبة إلى مختصّات النبي صلی الله علیه و آله وقد وجد له مورد واحد في باب المحرّمات(1) وإلاّ فكلّ ما يذكر مثالاً للتخصيص غالبه من باب التقييد الأحوالي(2) .

الحاكم يتعرّض لما لا يتعرّض له المحكوم

ص: 673


1- . هو أيضاً من التقييد .
2- . أقول من التخصيص ما ورد بحار الأنوار 39 - 20 - 21 - 22 - 23 الباب 72 من جواز مكث الرسول وأهل البيت علیهم السلام في مسجد النبي صلی الله علیه و آله في حال الجنابة وما ورد ( الوسائل 4 الباب 12/4 من أبواب لباس المصلّي ) في ترخيص النبي صلی الله علیه و آله لعبدالرحمن بن عوف لبس الحرير لأنّه كان رجلاً قملاً .

نعم لو فرض اخراج زيد مثلاً لخصوصيّة فيه يكون منه وأنّى لنا في الفقه بذلك .

ثمّ انّ مرجع التخصيص والحكومة في الحقيقة إلى التخصّص وإن موضوع الحكم غير الخارج لكنّه قبل بيان الحاكم والمخصّص لم يبيّن الموضوع بتمامه فخيّل ان المذكور تمامه لكشف ورود الحاكم والمخصّص عن خلافه ولا مجازيّة في البين ويكون المخصّص قرينة على استعمال العام مثل أكرم العلماء في غير النحويين فانّه خلاف التحقيق إلاّ انّ الكلام يقع في باب الاطلاق والتقييد وإن تقدّم المقيّد على المطلق هل هو من باب التخصيص أو الحكومة أو الورود فلا يبقى موضوع للمورود بعد ورود الوارد لذهاب(1) الاطلاق بورود المقيّد وإن تخيّله

باطل وإن كان يناسب لكلّ هذه الثلاثة .

توضيح وتكميل: قد تبيّن ممّا ذكرنا انّ الحاكم يتعرّض لما لا يتعرّض له المحكوم لأن دليل المحكوم ككلّ دليل لا يمكن أن يتكفّل حال نفسه وحفظ موضوعه بل الحكم دائما مشروط بوجود الموضوع وهذه الشرطيّة ثابتة في جميع القضايا حتّى الحمليّة منها فانّه بعد تحقّق الموضوع يترتّب عليه الحكم بحيث لا يمكن الانفكاك وإلاّ لزم الخلف والمناقضة لأن نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة المعلول إلى علّته لا يتقدّم عليها كما لا يمكن بل يستحيل تأخّره عنها زمانا نعم لابدّ من ذلك رتبة ويشبه أن تكون نسبتهما نسبة التضايف حيث انّه ما لم يكن حكم فلا موضوع فانتزاع الموضوعيّة والمحموليّة إنّما هو بعد ذلك ولا يخفى ان ذكر الحكومة في باب التعارض إنّما هو لتحرّي موضوع التعارض وإن مورد الأحكام الثابتة لذلك اين يكون .

ص: 674


1- . هذا وكذا ورود المخصّص المنفصل خلاف التحقيق بل من باب أظهريّة المقيّد والمخصّص .

إذا عرفت هذا فينبغي أن تعرف ان عدم شمول دليل حكم لموضوع إمّا أن يكون لخروجه عن موضوع هذا الدليل والحكم تكوينا أو لا وعلى الثاني فالخروج إمّا أن يكون من جهة لسان المعارضة أو لا وعلى الثاني فإمّا أن يكون بنفس التعبّد بالدليل أو باثباته للمؤدّى وبعبارة اخرى لهذه الجملة انّه لو لا التعبّد

كان ذلك الدليل يشمل هذا الموضوع إلاّ ان التعبّد به أخرجه عن موضوع الدليل الآخر أو حكمه حقيقة أو لا بمجرّد ذلك بل أثبت ذلك الدليل المؤدّى وباثباته للمؤدّى وجب تقدّمه عليه لكن لا حقيقة بل حكما فالأنسب في تسمية الأوّل التخصّص والثاني التخصيص والثالث الورود والرابع الحكومة ولا يخفى ان الفرق بين الحكومة والورود ما ذكرنا فانّ التعبّد بالاحتياط في مورد البرائة بناءً على تحكيم أدلّته وتقديمها على أدلّة البرائة يوجب زوال موضوع قبح العقاب بلا بيان وباقي أدلّة البرائة حقيقة بخلاف التعبّد بالامارة فانّه لا يوجب زوال موضوع دليل الأصول حقيقة بل حكما ولذا سمّيت بالحكومة وهذا بناء على مبنى التعبّد فيها وأمّا بناءً على مبنى الاطمئنان وانّها علوم عادية اطمئنانيّة وثوقيّة فحالها حال العلم من كون ذلك تخصّصا لا ورودا ولا حكومة . فاذا لم يكن بين الدليلين أحد هذه المذكورات فهناك موضوع باب التعارض ومورد اخباره وأدلّة أحكامه .

ثمّ لا يخفى ان الحكومة كما سبق لا تنحصر بنحو الشرح والتفسير بل لها انحاء كما انها لا يلزمها التفرّع على وجود المحكوم والتعبّد به الا ان يلزم اللغو كما في كثير من الموارد والا فكثيرا ما تتحقّق الحكومة في موارد لا يكون هناك تفرّع من ذلك باب حكومة الامارات على الأصول بناءً على غير مبني الاطمئنان فانّ التقدّم لها لذلك مع انه لا تفرع لها عليها بل لو لم تجعل الأصول كان مقتضاها ثابتا أيضا ( في مثل النحو ليس بعلم أو النحوي ليس بعالم أو الطب علم والعلم علمان

ص: 675

علم الأبدان وعلم الأديان ) نعم في مثل لا شك(1) لكثير الشكّ يلزم التفرّع إذ لو حمل على الاخبار يلزم الكذب فلا محيص عن تقدّم جعل لمثل ( إذا شككت(2) فابن على الأكثر ) أو جعل ابطال الصلاة بحدوث الشكّ لا لذلك بل حيث ان المضي على الشكّ منهي عنه فلذا لا يمكنه الاتيان ولذا لو أتى ثمّ زال شكّه قبل الباقي يكون حكمه حكم الزيادة العمديّة بل قيل حتّى في مثل ما إذا يكون حكم الشكّ البناء على الأكثر كالشكّ بين الثلاث والأربع ولو كان في الركوع ليس له أن يرفع الرأس ما لم يبن على أحدهما .

والحاصل ان الواجب في ذلك المضي على اليقين بل عن السيّد صاحب العروة رحمه الله في رسالته في صلاة الاحتياط عدم الاكتفاء بالمظنّة في ذلك ثمّ ان الواجب لكثير الشكّ العمل على الصرفة فربما تتحقّق في الحكم والبناء على اتيان المشكوك وربما بالبناء على عدم الاتيان كالشكوك المتعلّقة بالزيادة عن الموظف كالأربع والخمس وربما يوجب ذلك البناء على الأكثر كالشكّ بين الثلاث والأربع فما عن ظاهر كلام الشيخ قدس سره من اعتباره التفرّع في الحكومة ليس بتام كما سبق إليه الاشارة .

ثمّ انه لا يخفى ان باب حكومة العام والخاص ليس من باب المجاز في الكلمة أو الاسناد وأن يكون الخاص كقرينة المجاز على استعمال العام في الخاص كرأيت أسدا يرمي حيث ان يرمي قرينة على كون المراد بالأسد هو الشجاع دون العكس بضابطة لعلّها يأتي بيانها بل حاله مع العام حال الوصف في

حكومة الخاص على العام ليس مجازاً

ص: 676


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 الى 6 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/1 - 3 .

ذلك فلا فرق بين أن يقول أكرم العلماء إلاّ النحويين أو يبيّن ذلك بدليلين ففي أحدهما يقول أكرم العلماء وفي آخر لا تكرم النحويين فكما ان الأوّل يكون من باب تعدّد الدال وتعدّد المدلول كذلك الثاني .

غاية الأمر لم يبيّن تمام الموضوع في الدليل الأوّل بل جزء وبين جزئه الاخر في دليل آخر بل ربما يمكن بيانه بأزيد من ذلك كما لا يخفى وجوده في الشرع كثيرا على من راجع الفقه ( أو الغرض من ذلك يمكن أن يكون الاختبار والامتحان أو غيره وللّه أعلم ) ولعلّنا نشير في ما يأتي إلى وجه اشكال وجوابه في ورود العمومات الكثيرة في النبويّات وغيرها مع انّه لم يبيّن مخصّصاتها إلاّ بعد موت الصادرة إيّامهم بلسان الأئمّة المتأخّرين علیهم السلام بناء على عدم جواز التأخير عن وقت الحاجة ومرجع جميع هذه الوجوه إلى بيان المراد وتحديده سواء في ذلك الحكومة والتخصيص والورود فمرجعها كلّها إلى التخصّص .

ثمّ ان ما ذكره المحقّق النائيني(1) من ان باب التخصيص ليس من قرائن المجاز مسلّم الاّ انّنا ننكر استعمال اللفظ في غير معناه الحقيقي رأسا فانّ الأسد عند العالم بالوضع لا يدلّ إلاّ على الحيوان المفترس غاية الأمر يرمي يوجب صرف الذهن عن ارادته وان المراد هو الشجاع فالقرينة لا تكون إلاّ قرينة الارادة دون الاستعمال وإلاّ فيمتنع أن يكون اللفظ قالبا لغير معناه الموضوع له ( أقول ذاكرت سيّدنا الأستاذ قدس سره في عدم وجود مصداق للتخصيص أصلاً بناءً على مبناكم

ومبنى المحقّق النائيني رحمه الله وكذا موافقيهم في عدم الفرق بين المخصّص المتّصل والمنفصل واجمال سرايته إلى العام حتّى في المنفصل حيث انّه لا فرق بين قوله

ص: 677


1- . فوائد الأصول 4/711 .

أكرم العلماء إلاّ النحويين وبين قوله أكرم العلماء وفي دليل آخر لا تكرم النحويين فانه بمنزلة أن يقول أكرم العلماء إلاّ النحويين فكما ان خروج النحويين عن قوله أكرم العلماء إلاّ النحويين من باب التخصّص تكوينا كذلك ما سمّيتموه تخصيصا فنهاني قدس سره عن الاظهار خوف الاشتهار وأمر بحفظ الاصطلاح وأخذ المعنى وقال كأنّهم إذا وصلوا إلى باب التعارض نسوا ما ذكروه في باب التخصيص .

تنبيه: ثمّ ان الحكومة بأنحائها والسنتها تكون على قسمين فانه تارة تكون ناظرة إلى عقد الوضع واخرى إلى عقد الحمل وإن كان الأوّل أيضا يرجع إلى الثاني فانه ما لم يرجع يكون لغوا حيث انّه ليس للشارع بما هو شارع التصرّف التكويني فالحكومة الكائنة في عقد الوضع في الحقيقة حكومة حمليّة ومثال الأوّل النحوي ليس بعالم أو المنجّم عالم فتارة بالاخراج واخرى بالادخال ومثال ما إذا كانت في عقد الحمل كدليل الحرج والعسر والضرر على ما قيل فان قوله تعالى: « وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(1) وقوله تعالى: « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »(2) ناظر إلى الأحكام الثابتة المجعولة في الشريعة وانّه لا جعل لما يقتضي الحرج والعسر وكذلك دليل لا ضرر بناءً على كونه نافيا للحكم الضرري أي ما يوجب الضرر في مقام الامتثال وتشريعه يكون كذلك على ما حقّقه المحقّق النائيني في بحث لا ضرر وجعل احتمالاته أربعة أحدها ذلك على نحو تعلّق النفي بالضرر أو المضر أو الحكم الضرري بسيطا أو مركّبا كنحو لاشكّ لكثير الشكّ . ثمّ ان لم يمكن ذلك فنفي الحكم بلسان نفي الموضوع ثمّ النهي

جريان الورود والحكومة في الأصول العقلائيّة

ص: 678


1- . سورة الحج: 79 .
2- . سورة البقرة: 186 .

والرابع نفي الضرر غير المتدارك على ما حقّق في موضعه وذكرنا ان الأقرب هو الثاني وهو نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الذي اختاره المحقّق الخراساني رحمه الله(1) وعلى ما ذكرنا من رجوعه إلى نفي الحكم فالمعنى ان الحكم المجعول الأولى الذي لم يكن موضوعه ومتعلّقه ضرريّا إذا كان ضرريّا منفي لا ان حرمة شرب الخمر التي تكون ضرريّا منفية .

ثمّ انّه قد ذكر الشيخ رحمه الله ان الحكومة والورود يجريان في الاُصول العقلائيّة الخ وتصدّى المحقّق النائيني(2) لشرح كلامه ومرامه ونوع العام والخاص

المتخالفين في السلب والايجاب إلى قطعيّي السند والدلالة معا وإلى ظنيّهما أو مختلفين وإن كان بعض صوره لم يذكر في كلامه ويمتنع تحقّقه ومهّد لذلك مقدّمة وذكر كلاما مذكورا في بحث حجّيّة الخبر وهو إن للكلام بحسب ظهوراته مقامات ثلاث الأولى ظهور معانيه الافراديّة أي كلّ كلمة في معناها عند العالم بالوضع الذي يوجّه إليه الخطاب فان هذه أوّل مرتبة ظهور الكلام وليس لأحد أن ينسب إلى المتكلّم شيئاً في هذه الرتبة بالقول أو الارادة . والثانية الظهور التصديقي الحاصل من ضمّ أطراف كلامه وملاحظة القرائن الموجودة وغيرها .

وهذا لا يتحقّق إلاّ بعد فراغه وإلاّ فقبل الفراغ له أن يلحق بكلامه ما شاء وان يأتي بقرينة توجب هدم الظهور الافرادي إلى أن يتحصّل من المجموع ظهور تصديقي .

الثالثة الظهور المرادي وانّه أراد هذا أو لم يرد وهذه المرتبة بعد المرتبة

ص: 679


1- . كفاية الأصول 2/268 .
2- . فوائد الأصول 4/715 وما بعده .

الثانية وهي تقال في جواب السؤال عن قول المتكلّم وهذه أي الثالثة في جواب السؤال عن مراده وهذه هي المرتبة التي تكون موضوعا للأصل العقلائي وهو حجّيّة الظهور وهل هو أمر عدمي وهو اصالة عدم القرينة أو وجودي .

ثمّ انّ المحقّق النائيني رحمه الله(1) فصّل في حجّيّة اصالة الظهور بين ما يكون مقام الاعتذار والاحتجاج من المولى على العبد أو منه على المولى فانّه ليس المناط في حجّيّته إلاّ ما هو ظاهر كلامه ولو مع الظنّ بالخلاف ووجود قرينة عليه وليس للعبد المخالفة لظاهر كلام المولى معتذرا بوجود القرينة على عدم ارادته ظاهر كلامه كما انه ليس للمولى توبيخ العبد بمخالفة مراده إذا كان خلاف ما ألقاه من الكلام إليه وبين ما لم يكن كذلك بل كان مقام كشف المراد الواقعي فحينئذٍ لا يكتفي بظاهر الكلام بل لابدّ من احراز عدم القرينة ولو منفصلة هذا . إلاّ انّ سيّدنا الأستاذ قدس سره لعلّه غير موافق لما أفاده المحقّق النائيني .

تنبيه وتكميل: لا يخفى إن ما نقلنا عن المحقّق النائيني رحمه الله في تحقيق الاتّكاء على الظهور أو على اصالة عدم القرينة في بيان المراد إنّما هو إذا لم يعلم

بالعادة أو غيرها اعتماد المتكلّم الملتفت على القرائن المنفصلة في بيان مراده كما هو كذلك بالنسبة إلى الأئمّة علیهم السلام وإلاّ فلا يحكم على ظاهره انه هو المراد نعم إذا وصل وقت الحاجة إلى البيان ولم يصل القرينة فهناك يحكم بكون الظاهر هو المراد لعدم جواز تأخير البيان من وقت الحاجة فلو كان هناك بيان أو قرينة على الخلاف لبان وحيث ما بان فلا يكون وكذلك الأمر في كلّ ما يرد عليك من نحو الأوراق والسجلاّت فيحكم بارادة الظاهر منها وسنشير إلى وجه الجواب عن بيان

أقسام الخاص سنداً ودلالة

ص: 680


1- . فوائد الأصول 4/718 - 719 .

المخصّصات للعمومات الصادرة من النبي أو الأئمّة علیهم السلام المتأخّرة عن زمان العمل بها مع فوت العاملين ويظهر لك عدم صحّة الجواب بكونهم مكلّفين بها واليوم نحن مكلّفون بخلافه .

ثمّ لا يخفى كما أشرنا ان الخاص تارة يكون قطعي السند والدلالة واخرى ظنّيه وقطعيّها فان كان الأوّل فلا اشكال في تقدّمة على العام وإن كان قطعي السند حيث ان العلم بكون الحكم كذلك لا توقّف في تقدّمه على الظنّي الذي هو شأن مدلول العام ولاينبغي حينئذٍ عدّ ذلك من الورود أو الحكومة بل يكون من التخصص وليس من التخصيص أصلاً وإن كانوا يعدّونه كذلك لأنّ الضابط الذي ذكرنا لا يشمله حيث انّه إمّا أن يكون تكوينا أو بلحاظ التعبّد وفي الثاني إمّا أن يكون بلسان المعارضة أو لا فاما أن يكون بنفس التعبّد أو باثباته للمؤدّى فالمقسم للأقسام الثلاثة الأخيرة أي غير التخصّص هو التعبّد وفي فرض الكلام لا تعبدّ بالخاص حيث انّه لا معنى لورود التعبّد بما هو حاصل بالوجدان لاستحالته بل هو من أردء أنحائه حيث انه تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبّد ويكون من قبيل التعبّد بأنّ الجاهل ليس بعالم في دليل أكرم العلماء وكذلك الكلام في ما كان الخاص ظنّي السند فانّه بعد شمول دليل التعبّد لحجيّة الخبر له لا يبقى مجال لما ربما يقال بعدم تقدّمه على العام القطعي السند فانّه لذلك مجال قبل التعبّد فحينئذٍ لا مانع بعد ورود التعبّد بحجّيّته من تقدّمه على العام بلا كلام كما في تخصيص الخبر الواحد لعام الكتاب بلا مجال تأمّل سواء كان ذلك من باب الورود أو الحكومة ( لا يخفى ان الموجود في التقريرات(1) هنا الذي لم يتعرّض له سيّدنا الأستاذ قدس سره ما إذا

ص: 681


1- . فوائد الأصول 4/720 .

كان الخاص ظنّي الدلالة سواء كان ظنّي السند أو قطعيّه والمنسوب إلى الشيخ انّه يقدم أقوى الظهورين واستشكل عليه المحقّق النائيني رحمه اللهبكون اصالة الظهور في الخاص حاكمة عليها في ناحية العام وانّه لم يعمل بذلك في موضع من فقهه أصلاً الا ان ما قرّره سيّدنا الأستاذ ذلك أي في فرض ظنيّة السند ) .

والحاصل: إذا كان الخاص ظنّي السند وقطعيّ الدلالة فاختار الشيخ رحمه الله(1) أيضا هنا الحكومة ثمّ احتمل الورود والمقدّمة التي قدمناها إنّما كانت لأجل هذا الغرض ثمّ أمر الشيخ بالتأمّل وكان الترديد بين أن يكون حكومة أو ورودا إنّما هو مبني على ان الظهور من باب الكاشفيّة عن المراد فيكون من الورود أو من باب أصل عدم القرينة فيكون من باب الحكومة وحيث ان المقام مقام الشرح لاساس المبنى كان ينبغي للشيخ رحمه الله أن لا يجوزه بمجرّد التأمّل فقط .

فقال رحمه الله إن ما ذكرنا من الورود والحكومة يجري في الأصول اللفظيّة الخ وكلامه قدس سره وإن كان مطلقا بالنسبة إلى حكم العام والخاص الاّ ان مراده معلوم بالقرائن وان محلّ الكلام في ما يذكره هو صورة تخالفهما ايجابا وسلبا فاما أن يكون الخاص قطعي السند والدلالة وباقي الجهات مثل كون الجواب واردا على السؤال المذكور في الرواية فحينئذٍ جزم بالورود وان الخاص حينئذٍ وارد على العام ولا معنى لتعارض العام له ومعلوم ان هذا لا يكون إلاّ في صورة كون العام قطعي الدلالة كما هو الشأن في جميع العمومات حيث انّها لا تزيد على الظهور ولو احواليّا وإمّا أن يكون الخاص ظنّي الدلالة سواء كان ظنّي السند أو قطعيّه فحينئذٍذهب الشيخ إلى انّه يعمل بأقوى الظهورين ظهور العام في العموم أو الخاص في

ص: 682


1- . فرائد الأصول 2/751 - 752 .

الخصوص والا فان تساويا فلابدّ من التوقّف وحينئذٍ فتارةً يكون العام أقوى وأظهر دلالة من الخاص وتارة يكون الخاص كذلك الا ان الظاهر عدم العمل بذلك من أحد من الفقهاء فانّه لم يعهد تقديمهم العام في مورد على الخاص المخالف له في الحكم من جهة قوّة الدلالة بالنسبة إلى الخاص وهذا إنّما ذكره الشيخ رحمه الله بعد جزمه بالعمل بالأقوى ظهورا وبالتوقّف في صورة التساوي ولم يبيّن وجه عدم عمل الأصحاب عمل التعارض بين العام والخاص المتخالفين في مثل الفرض بل مطلقا الا ان المحقّق النائيني(1) بيّنه في شرح مرام الشيخ رحمه الله وان منشأ ذلك هو الحكومة وكون الخاص قرينة على العام كما ان القرينة تكون كذلك بالنسبة إلى ذي القرينة وليس لأحد التوقّف في تقدّمها على ذيها وحكم الخاص بالنسبة إلى العامّ حكم القرينة بالنسبة إلى ذي القرينة فكما ان العبرة بنفس قرينيّة

القرينة بلا نظر إلى كونهاه أقوى ظهورا من ذي القرينة بل تقدّم على ذيها وإن كانت أضعف دلالة ولا مجال للتأمّل في ذلك كذلك في الخاص بالنظر إلى العام وضابط القرينة وذي القرينة ان ما يفيد مفاد العرض بالنسبة إلى محلّه .

والمبتدء بالنسبة إلى خبره يكون ذا القرينة وما يبيّن ملابساته ويشرح طواريه يكون هو القرينة وبعبارة اخرى الكلام الذي يكون مؤدّاه ثبوت النسبة أو سلبها محضا يكون بالنسبة إلى ما يبيّن الحالات والكيفيّات والأحوال له ذا القرينةكما في قولك جاء زيد راكبا فراكبا حيث انه يبيّن كيفيّة النسبة يكون قرينة على جاء زيد الذي لا يثبت أزيد من النسبة وكما في مثل رأيت أسدا يرمي فان يرمىحيث انه قرينة حاكم على قوله أسدا مع ان ظهور الأسد في الحيوان المفترس

هل يقدم أقوى الظهورين من العام والخاص

ص: 683


1- . فوائد الأصول 4/721 .

وضعي بخلاف يرمي فان ظهوره في الرمي بالنبل اطلاقي ومع ذلك يقدم هذا الظهور على الوضعي مع كونه أضعف من الأوّل لمكان قرينيّة الرمي على الأسد .

بيان المشابهة إنّه كما كان قولك جاء زيد ليس بصدد اثبات كيفيّة ثبوتها وإنّما يثبت أصل النسبة ولا صلاحيّة له لأن يعارض راكبا الذي هو شارح الكيفيّة لكونه مثبتا لشيء ليس له أن ينفيه كذلك العدول(1) الذي هو مفاد لا تكرم الفسّاق من

العلماء بالنسبة إلى أكرم العلماء فهو يشرح ويبيّن المراد من العام فلذلك يكون حاكما عليه بلا كلام .

إن قلت: انّ هذا يوجب عدم بقاء موضوع للتخصيص حيث انّه إمّا أن يرجع إلى الحكومة كما في الفرض وإمّا الى الورود كما في الفرض السابق واحتمالاً الفرض الآتي دائر مدارهما ولا احتمال للتخصيص فيه .

قلت: ان ذلك مجرّد اصطلاح وإلاّ فالتخصيص لا أصل له وكلّه راجع إلى التقييد الأحوالي .

وإن كان الخاصّ قطعي الدلالة وظنّي السند فاختار الشيخ رحمه الله(2) فيه بناء على

كون اصالة الظهور من باب عدم القرينة الحكومة واحتمل فيه الورود وعقب ذلك بقوله فتأمّل وأمّا إن كان البناء في اصالة الظهور الكشف النوعي فالورود لا غير مطلقا بلا اختصاص له بصورة كون الخاص قطعي السند والدلالة وسيتّضح المرادبذلك وبيان بناء الحكومة على الأوّل واحتمال الورود فيه والورود على الثانيعند الشيخ وكان منشأه تعليقيّة اصالة الظهور بعدم القرينة على الخلاف

ص: 684


1- . هذا لو عنونا العام بضد الخاص والاّ فعلى التحقيق انه لا يعنون به .
2- . فرائد الأصول 2/752 .

فحينئذٍ إذاوجدت القرينة على ذلك وهو بالتعبّد بسند الخاص واثباته لمؤدّاه لا ينعقد ظهور العام في العموم والسرّ في اختيار الورود على الكاشفيّة والظنّ النوعي انّه إذا وجد

ما هو قطعي الدلالة وإن كان ظنّي السند فلا يتحقّق هناك الظن ولو نوعيّا لاستحالة تحقّق ظنّين فعليّين في المتخالفين ولو في الجملة فحينئذٍ يكون الخاص واردا على العام وفي هذه الصور لا فرق في العام بين كونه ظنّي السند أو قطعيّه لعدم كونه قطعي الدلالة على كلّ تقدير .

تذكرة: ينبغي نقل كلام الشيخ رحمه الله بمضمونه ثمّ ما استشكل عليه المحقّق

النائيني ليتّضح الحال فنقول ان الشيخ رحمه الله بعد ما اختار في(1) ما إذا كان الخاص قطعي السند والدلالة ومن ساير الجهات كونه واردا على العام كما ذكرنا سابقا ذكر صورة كون الخاص ظنّي السند وقطعي الدلالة واختار أوّلاً فيه الحكومة واحتمل الورود في هذا الفرض بناء على كون العمل بالظاهر معلّقا على عدم ورود التعبّد بالخاص القطعي الدلالة فانّه حينئذٍ لا اشكال في كون الخاص واردا على العام ثمّ جعل الاحتمالين في هذا الفرض مبنيّا على كون اصالة الظهور من حيث أصل عدم القرينة .

أمّا بناء على الكاشفيّة فالخاص وارد مطلقا حتّى في هذا الفرض فضلاً ممّا إذا كان سنده قطعيّا أيضا وهذا بخلاف صورة كون الخاص ظنّي الدلالة فحينئذٍ لابدّ من العمل بأقوى الظهورين لو كان وإلاّ فيدخل في صورة التساوي في بابالتعارض وقال رحمه الله وهذا نظير ظنّ الاستصحاب على القول به أي كونه حجّة منباب افادته الظنّ النوعي فانّه مع كونه أخصّ من العام وهو خبر العادل حيث ان

بيان كلام الشيخ في العام والخاص المتخالفين

ص: 685


1- . فرائد الأصول 2/752 .

في اعتباره لم يلاحظ الحالة السابقة بخلاف الاستصحاب فان مجراه ما إذا كان هناك حالة سابقة فحينئذٍ يكون الاستصحاب بالنسبة إلى الامارة الاخرى كخبر الواحد خاصّا ولا يقدم عليه مع ان الظنّ الاستصحابي أضعف من ظنّ الخبر الواحد هذا ملخّص ما أفاده الشيخ ببعض كلماته في هذا المقام على وضوحه فلا وجه للاشتباه على الطلبة أو بعض الأعلام لوضوح مراده قدس سره في المقام .

ثمّ انّ للمحقّق النائيني(1) اشكالين على كلام الشيخ

أحدهما في ما ذهب إليه الشيخ في صورة كون الخاص قطعي الدلالة وظنّي السند من احتمال كونه واردا على العام بناء على كون العمل بالظاهر معلّقا على عدم التعبّد بالخاص على مبنى كون اصالة الظهور من باب أصل عدم القرينة والجزم بالورود بناء على كون اصالة الظهور من باب الكاشفيّة حيث ان ما ذكرنا في معنى الورود وضابطه لا ينطبق على كلّ واحد من الموردين لاستلزامه خروج أحد الحكمين وموضوعه عن تحت دليل الآخر بنفس التعبّد بالآخر بمعنى انه إذا فرض التعبّد بالخاص في ما نحن فيه يلزم عدم بقاء موضوع الدليل العام وليس كذلك .

فانّه وإن كان المورد ما هو قطعي الدلالة إلاّ انّا لو فرضنا انه صار مجملاً وكان قطعي السند فلا محالة لا يوجب وروده على العام وعدم بقاء موضوع له فان بمجرّد التعبّد بالسند للخاصّ لا يمكن كونه واردا على العام لما ذكرنا من فرض اجمال المخصّص . فلا اشكال في عدم تحقّق الورود فذلك شاهد لما ذكرنا منعدم انطباق ضابط الورود الذي يعتبر فيه خروج الموضوع من تحت دليلالمورود بنفس التعبّد بدليل الوارد بل ما لم يكن دلالته وإن فرض في ما نحن فيه

اشكال المحقّق النائيني على الشيخ

ص: 686


1- . فوائد الأصول 4/723 وما بعده .

عدم الاحتياج إلى التعبّد بالدلالة الا انه بما ذكرنا علم ان تقدّمه ليس لخصوص التعبّد بالسند بل لاثبات المؤدّى فعلى كلّ من المبنيين الذي بنى الشيخ رحمه الله الورود عليهما لا يتم مرامه قدس سره بل كلّها يكون من باب الحكومة التي بمعونة اثبات دليل الخاص للمؤدّى يكون هو أظهر من العام يقدم على العام ( بل وكذلك باب الاطلاق والتقييد فانّه إذا قال اعتق رقبة ثمّ بدليل آخر ظنّي قال لا تعتق الكافرة لا

يكون الثاني واردا على الأوّل بمجرّد احتياجه إلى كونه لمجرّد التعبّد بدليل الخاص وليس كذلك بل باثباته للمؤدّى يقدم على اطلاق قوله رقبة ويكون المراد الرقبة غير الكافرة ) وهذا منه قدس سره يرجع إلى النزاع في الاصطلاح فتأمّل .

والثاني على قوله في فرض تقدّم الخاص لو كان ظاهرا كالعامّ وأظهر بالنسبة إليه والعكس أي تقدّم العامّ عليه لو كان العامّ أظهر والرجوع إلى باب التعارض أو التوقّف لو كان بينهما تساوي في الظهور . وملخص ما استشكله قدس سره انه لا مجال لما ذكره الشيخ في هذا المقام حيث ان الخاص وان منفصلاً يكون حاكما على العام ومقدّما عليه لكونه يثبت شيئا أو ينفي لا يتعرض له بنفي أو اثبات دليل العام فيكون نسبته إليه كنسبة القرينة على ذيها في حكومتها عليه وعدم تقدّمه عليها غاية الأمر وقع الخلاف في كونه مانعا من ظهوره أو من حجّيّته .

فعلى هذا لا يستقيم كلام الشيخ قدس سره في هذا المقام من تصوّر جريان الأظهريّة والظاهريّة وان مناط التقدّم هو الأظهريّة لعدم جريان ما ذكر في باب الحكومة فان الحاكم مقدم على المحكوم ولو كان أضعف ظهورا منه والمحكوم أقوى والسر فيه ما ذكرنا من تعرضه لما لا يمكن تعرّض العام له .هذا حاصل ما أورده عليه المحقّق النائيني رحمه الله ولا يخفى ان مراد الشيخ رحمه الله

ص: 687

من فرض الخصوص والعموم في الامارة والاستصحاب بأن يكون الاستصحاب خاصّا بالنسبة إلى الامارة مع عدم تقدّمه عليها بل العكس يحتمل وجهين ربما يقع فيه الاشتباه في غالب الموارد فانّه يحتمل أن يكون أراد ذلك بين نفس الاستصحاب والامارة الجار بين في موردهما وأن يكون مراده بين دليلي اعتبارهما حيث ان دليل اعتبار الامارة إنّماأخذ فيه الشكّ ظرفا مطلقا بلا لحاظ الحالة السابقة .

ودخل لها أصلاً بخلاف الاستصحاب فان موضوعه مشكوك البقاء الذي

يكون حالته السابقة متيقّنة والفرض ان دليلي اثبات حجيّة الامارة والاستصحاب قطعيّان أو مثلان ولو ظنّيّا فحينئذٍ يكون الامارة أعم بالنسبة إلى الاستصحاب في موردها ومجراه ويحتمل كما هو الظاهر من الشيخ انّه أراد هذا وحينئذٍ أيّ حكومة للخاص أي دليل حجيّة الاستصحاب على العام أي دليل حجيّة الامارة كصدق العادل مثلاً كي يوجب قصر ظهوره أو حجيّته في غير ما كان مجرى الاستصحاب وكذلك على الاحتمال الآخر فانا إذا فرضنا موردا كان مجرى الاستصحاب وما يجري فيه أخص بالنسبة إلى الامارة فهل يكون قرينة على التخصيص والحكومة كما لو اخبر العادل انه لم يجد أحدا وليس في ذلك المكان أو كلّهم ميتون أو خرجوا من العدالة الا ان دليل الاستصحاب كان جاريا في خصوص بعضهم في الحيوة أو البقاء في ذلك المكان أو العدالة وأي قرينيّة للخاص أي الاستصحاب للعام أي الامارة مع انه على هذا الاحتمال يكونان متقابلين في الجريان بلا وجود عموم وخصوص من أحدهما كما إذا قامت الامارة على شيء في الموضوعات الجزئيّة وفرضنا حجيّتهاوكان لهذا المورد

وضوح كلام الشيخ

ص: 688

استصحاب خلاف مؤدّى الامارة فانّه حينئذٍ لا عموم ولا خصوص وفي موردالعموم والخصوص لا قرينيّة للخاص أي الاستصحاب كما عرفت .

فتلخّص ممّا ذكرنا عدم استقامة كلام الشيخ على بعض الفروض والمحقّق النائيني في هذا المقام .

( أقول: كأنّ سيّدنا الأستاذ كأستاذه المحقّق النائيني لم يتأمّل في عبارة الشيخ قدّست أسرارهم في المقام فلذا خفى عليه مراده وقال في توجيه كلام الشيخ ومراد استاذه النائيني ما عرفت وإلاّ فمراد الشيخ أظهر من أن يحتاج إلى هذا وأعلى من أن يتعلّق به ما استشكله المحقّق النائيني وإن كان المفهوم من كلام سيّدنا الأستاذ ان نظر الشيخ في تنظير الاستصحاب والامارة إلى الأقوى ظهورا مع نقله عنه عدم وجود مورد قدّم فيه العام على الخاص بهذا اللحاظ وكأنه ما التفت إلى مورد التناقض في ما نسبه إلى الشيخ والأحسن أن ننقل عبارة الشيخ بعينها كي يرتفع ظلام الاشتباه:

قال

رحمه الله في صورة كون الخاص ظنّي السند مثالاً وظنيّا في الجملة كلاما بعد اختيار حكومته أي الخاص على العام واحتمال الورود بناءً على التعليق .

( هذا كلّه(1) على تقدير كون اصالة الظهور من حيث اصالة عدم القرينة وأمّا إذا كان من جهة الظن النوعي الحاصل بارادة الحقيقة الحاصل من الغلبة أو من غيرها فالظاهر ان النصّ وارد عليه مطلقاً وإن كان النص ظنيّاً لأنّ الظاهر ان دليل حجيّة الظن الحاصل بارادة الحقيقة الذي هو مستند اصالة الظهور مقيّد بصورة عدم وجود ظن معتبر على خلافه فاذا وجد ارتفع موضوع ذلك الدليل نظير

كيفيّة النسبة بين العام والخاصّ

ص: 689


1- . فرائد الأصول 2/752 .

ارتفاع موضوع الأصل بالدليل ويكشف عمّا ذكرنا انّا لم نجد ولا نجد من أنفسناموردا يقدّم فيه العامّ من حيث هو على الخاص وإن فرض كونه أضعف الظنون المعتبرة فلو كان حجيّة ظهور العام غير معلّقة على عدم الظن المعتبر على خلافه لوجد مورد نفرض فيه أضعفيّة مرتبة ظنّ الخاص من ظنّ العام حتّى يقدم عليه أو مكافئة له حتّى يتوقّف مع انا لم نسمع موردا يتوقّف في مقابلة العام من حيث هو والخاص فضلا عن أن يرجح عليه نعم لو فرض الخاص ظاهرا خرج عن النص وصار من باب تعارض الظاهرين فربما يقدم العام وهذا نظير ظنّ الاستصحاب على القول به فانّه لم يسمع مورد يقدم الاستصحاب على الامارة المعتبرة المخالفة له فيكشف عن ان افادته للظن أو اعتبار ظنّه النوعي مقيّد بعدم ظن آخر على خلافه فافهم ثمّ شرع الشيخ في بيان الموارد التي يتحقّق فيها التعارض .

ولا يخفى على المتأمّل في كلام الشيخ هذا ان قوله نعم لو فرض إلى قوله وهذا نظير إنّما هو جملة معترضة بين ما تقدّم منه وتنظيره لما ذكره من التعليقيّة فعلى هذا ليس مراده صورة كون مورد الاستصحاب والامارة عموما وخصوصا كالمقام أو في دليليهما بل يريد أن ينظّر ما ذكره في تعليقيّة ظهور العام وتقيّد دليل

حجيّته بصورة عدم وجود ظن معتبر على خلافه بمثال الاستصحاب والامارة في كون الاستصحاب في افادته للظن أو اعتبار ظنّه مقيّداً بصورة عدم ظن آخر أو معتبر على خلافه فافهم فانّه واضح دقيق ) .

وعلى هذا فلا ربط لكلامه قدس سره إلى مقصود الشيخ كما عرفت ممّا ذكرنا وجه النظر في ما أفاده المحقّق النائيني في المقام فليتدبّر .

تذكار: كان سيّدنا الأستاذ تأمّل في عبارة الشيخ التي نقلناها واعترف

ص: 690

برجوع التنظير إلى ما ذكرنا من تعليقيّة اعتبار ظن الاستصحاب أو حصوله علىعدم ظنّ الامارة أو حجيّتها وإن كان يظهر منه شك فى ذلك واحتمال رجوع اسمالاشارة إلى ما ذكره قريبا وكان بصدد التوجيه الا انه رجع إلى ما ذكر وقد سبق انّ الشيخ رحمه الله قال بذلك أي كون الخاص واردا على العام بناءً على الظهور النوعي في ما كان الخاص قطعيّ الدلالة وأمّا إذا كان ظاهرا ظنيّا كالعام فحينئذٍ يعمل بأقوى الظهورين وإلاّ فالتعارض وقد سبق استشكال المحقّق النائيني عليه وانه أورد عليه ان الشيخ نفسه أيضا لم يعمل بذلك وإن يمكن الخدشة في هذا الايراد باعتبار عدم حصول مورد لذلك للشيخ أو عدم العمل والتقديم لم يكن من هذه الجهة على ان هذه الدعوى إنّما تسمع لمن تتبع فتاوى الشيخ والأخبار وادّعى ان باب العام والخاص من قبيل باب القرينة وذي القرينة ولا مجال للشكّ في تقديم القرينة على ذيها .

هذا كلام العلمين المحقّقين ويتّجه على كلام الشيخ ان ذلك مجرّد فرض وأي مورد يوجد يكون ظهور الخاص في الخصوص أضعف من ظهور العام كما ادّعى المحقّق الخراساني(1) أيضا في تقديم المطلق على العام الشمولى على مبناه واستشكل المحقّق النائيني عليه كما على الشيخ .

نعم ذلك يتصوّر في المجمل الا انه يسري اجماله إلى العامّ فعلى هذا يتوجّه ما ذكرنا على الشيخ انه لا مورد يكون الخاص أضعف والعام أقوى ظهورا بل كلّ ما في الفقه من التخصيصات راجعة إلى التقييدات والتخصيصات الأنواعيّة الأحواليّة وإلاّ فامّا أن لا يوجد في الفقه مورد للتخصيص الا مختصات النبي صلی الله علیه و آله

رجوع التخصيص إلى التقييد

ص: 691


1- . كفاية الأصول 2/404 .

أو يوجد قليلاً وقد وجد مورد واحد في باب المحرّمات ( والظاهر كما يظهر منذيل ما ننقله منه ان مراده بذلك ما في آية « قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًاعَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ »(1) ( وببالي انّه الآية الواردة في سورة المائدة حرّمت عليكم . . .(2) إلى إلاّ ما ذكّيتم وعرضت على الاستاذ انّه أيضا عنوان عام ليس شخصيّا وقبله منّا ) .

ويمكن في هذا المورد أيضا رجوعه إلى التقييد كما في استثناء المرئة من الواجب عليهم صلاة الجمعة باعتبار ان الانسان والاحد على نوعين وحالين امرأة وغيرها وعلى هذا يقال في توجيه دعوى المحقّق النائيني رحمه الله في تقديم الخاص على العام ولو فرض كون العام أقوى ظهورا من الخاص ان المقيّد الذي أحد أقسامه الخاص والمخصّص الأحوالي والأنواعي يكون مقدّما على العام والمطلق إمّا من جهة الورود أو الحكومة وذلك لما ثبت في محلّه وتقرّر في موضعه ان انعقاد الاطلاق مشروط بأمرين: أحدهما كونه في مقام البيان والثاني عدم قرينة على خلاف الاطلاق أو صالح للقرينيّة ومع عدم هذين أو أحدهما فلا ينعقد الاطلاق في المتّصل والمنفصل أيضا على وجه أو يكون موجبا لعدم ظهوره في الاطلاق وإن ما تخيّلناه اطلاقا مقيّد مبيّن بالمقيّد فما ذكر لم يكن تمام الموضوع للحكم المرتب عليه بل له قيد آخر بيّن بالمقيّد وعلى هذا يكون المطلق والعام معنونا بعنوان الخاص فاذا قال أعتق رقبة ثمّ قال لا تعتق رقبة كافرة لا يمكن التمسّك باطلاق قوله رقبة في عتق الكافرة بل قوله لا تعتق حيث انه يقيد

ص: 692


1- . سورة الأنعام: 146 .
2- . سورة المائدة: 4 .

الاطلاق بما ذكرنا يوجب تقدّمه عليه ورودا أو حكومة ولا يبقى مجال المعارضة للمطلق إيّاه وقد ظهر من ذلك ان بحث التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة ساقطرأسا حيث عرفت رجوع باب التخصيص إلى التقييد ولم يتفوّه أحد فيه ذلك في الشبهة المصداقيّة والتمسّك بالمطلق لاثبات ان المعتق غير كافرة وعلى ذلك إذا كان المقيّد مجملاً يسري(1) إلى المطلق وليس لنا التمسّك باطلاقه أيضا .

فتبيّن ممّا ذكرنا انّ كلام المحقّق النائيني رحمه الله متين جدّا .

نعم لما ذكره الشيخ رحمه الله أيضا يمكن فرض مقام في التخصيص غير راجع إلى التقييد كما ذكرنا في الآية الشريفة واستثناء المرئة عن الأحد أو الناس الواجب عليهم صلاة الجمعة ووجه ذلك انّه لابدّ في التقييد والتخصيص الأحوالي الراجع إلى التقييد من امكان اتّصاف العام والمطلق بالمخصّص وإلاّ فلا يمكن انطباق ضابط التقييد عليه بل يرجع إلى باب التركيب كجوهر وجوهر أو جوهر وعرض لغيره وفي الآية الشريفة لو لم يرجع إلى باب التقييد أيضا بلحاظ قوله إلاّ أن يكون ميتة يمكن كونه من باب التخصيص وكذا في استثناء المرئة الاّ انّه يمكن رجوعه أيضا إلى التقييد فعلى هذا يعنون العام بكلّ منهما بلا كلام .

وربما يمكن التمثيل له بقولك لا تضرب أحدا أو كباب اخبار الاستصحاب لا تنقض اليقين بالشكّ مع ان اليقين والشكّ عامان والنقض خاص وكذلك الأحد عام في الحيّ والميّت والضرب مختص بالاحياء فيوجب أقوائيّة ظهور العام على ظهور الخاص وتقدّمه عليه أوّلاً فتدبّر جيّدا .

النتيجة: قد علم ممّا ذكرنا ضابط التعارض وانه في غير مورد تقدّم أحد

لا تعارض في ما إذا تقدّم أحد الدليلين على الآخر

ص: 693


1- . إذا كان متّصلاً لا في المنفصل .

الدليلين على الآخر بأحد أنحاء التقدّم الذي ذكرناها وقال الشيخ رحمه الله(1) ومنه يعلمعدم وقوع التعارض بين دليلين يكون حجيّتهما باعتبار صفة الظن الفعلي إلى قوله والمراد بقولهم ان التعارض لا يكون إلاّ في الظنيّين يريدون به الدليلين المعتبرين من حيث افادة نوعهما الظن وإنّما اطلقوا القول في ذلك لأن أغلب الامارات بل جميعهاعند جلّ العلماء بل ما عدا جمع ممّن قارب عصرنا معتبرة من هذه الحيثيّة لا لافادة الظن الفعلي بحيث يناط الاعتبار به وما ذكره رحمه الله من عدم وقوع التعارض بين دليلين من حيث افادة الظن الفعلي ظاهر حيث ان الظن الفعلي لا يحصل بالمتنافيين وأمّا بناءً على افادتها الظنّ النوعي فممكن لكنّه خلاف المبنى لأنّ التعارض لابدّ أن يكون في مورد مع قطع النظر عن ذلك يكون كلّ واحد من المتعارضين حجّة وقد تحقّق في موضعه ان حجيّة الامارات والأخبار إنّما هي من باب بناء العقلاء لاستقرار طريقتهم على قبول الخبر اقتضاء وحينئذٍ فلابدّ من الوثوق بالصدور والاطمئنان بذلك حيث انّهم لا يعتبرون الظن أصلاً وليس بنائهم عليه كي يكون الامارة والخبر معتبرة عندهم على الكشف النوعي فحينئذٍ معنى التعارض على ذلك المعنى عبارة عن عدم امكان شمول دليل الحجيّة لكليهما لامتناع حصول الوثوق كذلك بأحدهما ولا طريقيّة لأحدهما عند العقلاء فيتساقطان كما هو الحال على المباني الآخر غير مبنى السببيّة وأن يكون الامارة كالأصل ويكون فيها معنى التنزيل فحينئذٍ لا يرتبط بما ذكرنا بل يكون من باب التزاحم .

ثمّ انّ الخبرين إمّا أن يكون لأحدهما مزيّة توجب الترجيح لكونها حجّة

ص: 694


1- . فرائد الأصول 1/752 - 753 .

معتبرة فهو المتعيّن في الأخذ ويخرج عن باب التعارض وإلاّ فان لم تكنلأحدهما أو كانت ولم تكن معتبرة فيكون من باب التعارض والأصل فيه التساقطالا ان التخيير في العمل بأيّهما شاء المكلّف إنّما هو من ناحية الأخبار العلاجيّة ومنها أخبار التخيير .

وترجيح احدى الامارتين والخبرين تارة يكون في الدلالة واخرى من غيرها والكلام هنا في الاولى .

فنقول: لا اشكال في انه لا تعارض بين الحاكم والمحكوم والوارد والمورود وباب التخصيص كما ذكرنا أي ذلك يوجب رجحان أحد الخبرين على الآخر ويكون قرينة على التصرّف في أحدهما وإن المراد به هو مفاد الآخر واخرى يكون الترجيح من حيث الجمع العرفي بحيث لا يرى عند العرف تعارض وتهافت بين الكلامين وإن لم يكن بينهما حكومة ولا غيرها كما سبق إمّا بالتصرّف في كليهما أو أحدهما وليكن المراد بالقاعدة المدّعى عليها الاجماع وهو المنقول عن غوالي اللئالي ( الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ) ذلك بعد أن كان معنى الأولويّة هو التعين ضرورة استلزام ارادة معناه الدقي العقلي عدم تحقّق التعارض في غالب الموارد فانه ما من مورد الا ويمكن الجمع بين المتنافيين بأحد أنحائه وإن كان بعيدا كحمل اللبن الوارد في الميتة من(1) انه حلال على المأكول اللحم .

وما ورد(2) في حرمته أو نجاسته من غير المأكول ولذا قد يحتاط بعض ويؤكّده في غير المأكول وكذا ما ورد فيه الأمر والنهي فانّه لا تعارض صريحا

عدم تماميّة ( الجمع فيما أمكن أولى من الطرح )

ص: 695


1- . الوسائل 3 الباب 68/2 - 3 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 24 الباب 33/1 - 2 - 4 - 7 - 9 - 10 - 12 - 11 من أبواب الأطعمة المحرّمة .

بينهما لكونهما ظاهرين يمكن رفع اليد بنصّ كلّ عن ظهور الآخر ويحمل علىالجواز مع الكراهة فعلى هذا لابدّ أن يكون المراد ما يمكن فيه الجمع العرفي بنحويرجع إمّا إلى كون أحدهما نصّا والآخر ظاهرا في خلافه فيقدم النص على الظاهر أو الأظهر والظاهر الذي يرجع أظهره الى النص ويكون كالنص وإلاّ فبمجرّد كون أحدهما أظهر لا يمكن تقدّمه على الآخر فمن الموارد التي يتحقّق فيه ما ذكرنا ما تقدّم في البحث السابق من تقدّم الخاص الظنّي قطعي الدلالة على العام برجوعه إلى ما ذكرنا .

ومنها ما إذا قال المولى أكرم العلماء أو علمنا من الخارج انّه يبغض الفاسق خصوصا العالم منه فاذا قال المولى لا تكرم الفسّاق ففي مورد الاجتماع يقدم ظهور النهي ويمتنع حينئذٍ اكرام العالم الفاسق حيث انّه علمنا من حال المولى ذلك هكذا عن المحقّق النائيني رحمه الله وناقشه سيّدنا الأستاذ قدس سره من انّه ان رجع هذا المرجح إلى كونه قرينة معتبرة فيمنع من ظهور الكلام ابتداءً في العموم ولو لم يعقّبه أو يستدركه بكلام آخر ويكون كالقرينة الحافّة بل من أقسامها وينصرف بهذه القرينة إلى خصوص غير الفاسق بلا احتياج إلى قوله لا تكرم الفسّاق .

ومنها: ما إذا لزم من عدم تقدّم أحدهما تخصيصه بمورده كما إذا قال لا تشرب الخمر لأنّه مسكر وقال في خبر آخر ماء العنب حلال لا بأس به فانّ الخبرين عامّان شاملان للخمر الذي هو متّخذ من ماء العنب فلو لم يقدم لا تشرب الخمر وقدّم قوله ماء العنب حلال يلزم تخصيص الخبر الأوّل بمورده وعدم عمومه مع انه يخرج عن حسن التعليل حيث ان التعليل لا يحسن بقوله بعض المسكر حرام فلا تشرب الخمر وتخصيص المورد عندهم ممتنع لما ذكرنا . فهذا

ص: 696

يوجب قوّة الظهور في ذلك وتخصيص قوله ماء العنب بغير ما إذا كان خمرا .

وبما ذكرنا في تحقيق قولهم ( الجمع مهما أمكن الخ ) ظهر عدم مورد لمااصطلح عليه بالجمع التبرعي وفي قباله التورّعي الذي منشأه عدم ردّ الخبرالموثق الذي صدر من المعصوم علیه السلام لما قد ورد(1) من انّه ليس لأحد التشكيك في ما يرويه عنّا ثقاتنا فلذا يجمعون في بعض الموارد ويأولون الخبر المخالف بما لا ينافي قبوله الا انه ليس معنى قبول الخبر الا الأخذ به وحينئذٍ فان أمكن فهو والا فلابدّ من تأويله أو ردّ علمه إلى أهله حيث انّهم أعلم بما قالوا .

ثمّ ان من الموارد المذكورة في كلام المحقّق النائيني قدس سره لما يكون أحد الخبرين الذين ظاهرهما المعارضة أظهر من الآخر بحيث يكون كالنص ما إذا كان في مقام التحديد(2) فانّه يقدم الرواية التي تحدّد موضوعا مثلاً على غيرها إذا كان بينهما معارضة ولم نجد له مثلاً على العجالة وإن كان مواردا لتحديد كثيرة كالكر .

ومنها: مسئلة لروم تخصيص المورد فانّه يؤدّي إلى المناقضة في كون الكبرى كليّة وغير كليّة حيث ان انطباق الكبرى عليه إنّما هو لأجل كونه صغرى ومن أفرادها ومصاديقها فاذا لم تكن كلية خرجت عن صلاحيّة التعليل بها ويكون قوله لا تشرب الخمر فانّه مسكر بمنزلة تعليله بقوله بعده وبعض المسكر حرام .

إن قلت: هذا لا اختصاص له بما ذكر بل لو كان الموجب له تحقّق المناقضة فيعم كلّ مورد ولو كان التخصيص بغير الفرد الذي هو مورد الراوية وعلى هذا

موارد يكون أحد الدليلين أظهر

ص: 697


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 من أبواب صفات القاضي واللفظ فانه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك في ما يرويه عنّا ثقاتنا الخ .
2- . فوائد الأصول 4/729 .

فيمكن كون نظر النائيني قدس سره إلى لزوم اللغويّة في التعليل خصوصا إذا كان مسبوقابالسؤال .

قلت: لا نخصه بهذا بل إذا لزم ما ذكرت نلتزم به الا ان ذلك لخصوصيّةويمكن ضرب مثال فقهي له كما ورد(1) في تعليل جواز الصلاة في وبر السنجاب

أو جلده بقوله علیه السلام: ( فانّه دابّة لا تأكل اللحم ) .

ومنها: ما إذا لزم من تخصيص أحد المتعارضين بالآخر عدم بقاء مورد له أو قلّته فانّه(2) يوجب التخصيص المستهجن فيكون ما يلزم فيه ذلك أظهر في مدلوله من الآخر فلذا يقدم عليه ويمكن التمثيل له بمثل أدلّة الحرج فان بينها وبين أدلّة الأحكام عموما من وجه فلو قدّمت تلك الأدلّة في مورد الاجتماع يلزم بقاء أدلّة الحرج بلا مورد ولغوا .

وكذا مثل قاعدة الفراغ فان الاستصحاب لو قدم عليها يلزم بقائها بلا مورد وإن كان خارجا عن باب المعارضة داخلاً في باب العموم مطلقا وكذلك على مبنى المحقّق النائيني رحمه الله في دليل(3) لا تعاد ويمكن المثال له به بعد ملاحظة رواية ابن بكير(4) الدالّة على فساد الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه في جميع الحالات سواء كان جهلاً أو نسيانا أو علما وعمدا وبعد تخصيص عمومه برواية

ص: 698


1- . الوسائل 4 الباب 3/2 - 3 من أبواب لباس المصلّي .
2- . فوائد الأصول 4/728 .
3- . الوسائل 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
4- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .

عبدالرحمن(1) بن أبي عبداللّه الواردة عن أبي عبدآللّه علیه السلام في عدم لزوم اعادةالصلاة في عذرة سنور أو كلب أو انسان قال إن كان لا يعلم فلا يعيد وبالأولويّة القطعيّة يستفاد منه عدم لزوم الاعادة في ما يقبل الطهارة بالذبح وفي ساير أجزائه فيخصّص به عموم رواية ابن بكير وتبقى مطلقا من حيث عمومها لصورة العلموالجهل والنسيان فلو قدم عليها دليل لا تعاد الذي هو مختصّ بحال النسيان عند المحقّق النائيني بناءً على تقريبه في مورده من انحصار أمر اتيانه باعد .

فعلى هذا لا يشمل الجاهل حيث انّه يتصوّر في حقّه الاحتياط ولا ينحصر أمره بأعد كما انّه يشمل ما يجري مجرى النسيان كالاضطرار فانّه وإن كان بهذا المعنى خاصّا بحال النسيان الا انه من حيث المتعلّق عامّ إذ لا يختصّ لا تعاد بخصوص هذا الشرط بل في غير الخمسة فبالاطلاق يشمل لا تعاد عدم لزوم الاعادة بالصلاة نسيانا وفي أجزاء ما لا يؤكل لحمه لعدم جريان ما ذكر من التقريب في صورة العلم للمناقضة ولا اختصاص لعدم الاعادة بذلك بل في غير الخمسة فيشمل عقد المستثنى منه مورد رواية ابن بكير في صورة النسيان كما انها تشمل صورة العلم والنسيان ففي هذه الجهة عامّة ومن اختصاصها بأجزاء ما لا يؤكل لحمه خاص .

فكلّ من الخبرين عام من جهه وخاص من اخرى ومورد التصادق والتعارض الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه نسيانا فلو قدّم لا تعاد يلزم بقاء رواية ابن بكير قليل المورد لاختصاصها بالعالم فان الجاهل بالحكم كالعالم .

رجوع الأمثلة إلى الحكومة

ص: 699


1- . الوسائل 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .

فهذا أوجب تقدّم رواية ابن بكير على لا تعاد(1) ولذا استشكل المحقّق

النائيني في حاشيته على عروة السيّد الطباطبائي المطلق لصحّة الصلاة في حال الجهل بالموضوع والنسيان في خصوص صورة النسيان ووجهه ما ذكرنا لكنّه غير تام بل تقدّم رواية لا تعاد(2) في هذا المورد أيضا ولا يلزم استهجان ولاغيره فانه لا مانع من اختصاص حكمها بصورة العلم بالموضوع وما ذكره قدس سره في هذه الموارد الظاهر رجوع كلّه إلى الحكومة الا انها بمعناها الأعم من كون أحد الخبرين قرينة على التصرّف في الآخر والقرينة أعمّ من اللفظيّة والعقليّة كباب العام والخاص وكون الخاصّ قرينة عقليّة على التصرّف في العام كما ذكرنا وإن كان يمكن أن يكون مرجع التقدّم أمرين أمّا أحد أنحاء الحكومة أو الورود والتخصيص أو الأظهريّة والظاهريّة وكون الأظهر في افق النص وقريبا منه فتدبّر جيّدا .

تذنيب: يمكن المناقشة في ما سبق عن المحقّق النائيني في مثال أكرم(3) العلماء ولا تكرم الفسّاق من تقديم لا تكرم على اكرم لكون مبغوضيّة العالم الفاسق متيقّنة في مقام التخاطب فانّه وإن كان لا يوجب التقييد الا انه يوجب التقدم عند المعارضة بعدم امكان الجمع بين المبنيين فاما ان يلتزم بتقييد القدر المتيقّن في مقام التخاطب للاطلاق كما هو مبنى المحقّق الخراساني رحمه الله(4) فمن الأوّل لا ينعقد اطلاق ويكون قوله أكرم العلماء في قوّة معنى قوله أكرم العلماء

ص: 700


1- . الوسائل 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
2- . الوسائل 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
3- . فوائد الأصول 4/728 .
4- . كفاية الأصول 1/384 .

العدول أو غير الفسّاق وإلاّ فلا يمكن كونه موجبا لتقدّم لا تكرم الفسّاق في صورة الاجتماع على أكرم العلماء وما ذكره من تقدّم العام الذي يلزم من تخصيصه التخصيص بالمورد على غيره في صورة المعارضة ليس على اطلاقه فانه قد خصّص العام في موارد عديدة بالمورد .منها: ما في مكاتبة ابن عبدالجبّار(1) إلى أبي محمّد علیه السلام عن الصلاة فيقلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب علیه السلام: لا تحلّ الصلاة في حرير محض .

فان موردها قلنسوة الحرير أو الديباج ومع ذلك قد خصّص اطلاقها برواية الحلبي(2) عن الصادق علیه السلام كلّ مالا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التّكة الابريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل . فليس التخصيص بالمورد عزيزا وكذلك ما ذكره في لزوم قلّة المورد لأحد العامين لو خصّص بالاخر ليس على اطلاقه فانه لايناط ذلك بقلّة المورد نعم ان لزم من ذلك الاستهجان فمتين .

هذا كلامه قدس سره فيما إذا يكون أحدهما نصّا والآخر ظاهرا .

وأمّا المقام الثاني وهو ما إذا يكون أحدهما في دلالته أقوى وأظهر من الآخر فقد ذكر له موارد:

منها: ما لو تعارض(3) العام الأصولي كقوله أكرم العلماء مع الشمولي كقوله لا تكرم الفاسق أو بالعكس كما إذا قال أكرم العالم ولا تكرم الفسّاق ففي مورد

تبعيّة أداة العموم لمدخوله

ص: 701


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 11/2 من أبواب لباس المصلّي و14/1 .
2- . الوسائل 4 الباب 14/2 من أبواب لباس المصلّي .
3- . فوائد الأصول 4/729 - 730 .

الاجتماع يقدّم لا تكرم الفساق لأنّه يدلّ على حرمته بالوضع وذلك على اكرامه بالاطلاق وقوام الاطلاق بعدم بيان التقييد فانه وإن ذكر له شروط أربعة أو أزيد الا ان اللازم منها شرطان كونه في مقام البيان والثاني عدم التقييد في مورد يكون من شأنه التقييد .فاذا تمّ هذان الأمران ينعقد الاطلاق وإلاّ فبعين امتناع التقييد يمتنعالاطلاق لكون التقابل بينهما من العدم والملكة لا السلب والايجاب ولا التضاد وفي الفرض لا تتم مقدّمات الحكمة في المطلق الشمولي لكون العام الأصولي بيانا للتقييد فلا ينعقد الاطلاق . هذا . الا ان فيه كون الشمول لمورد الاجتماع من كليهما بالاطلاق فانّ التحقيق وإن كان عدم وقوف الأمر والنهي على المفاهيم بل يتعلّق بالوجودات والأفراد الا ان مصب ذلك يمكن كونه مطلقا ويمكن كونه مهملاً أو مقيّدا وإن كان مدخول ما يفيد العموم كاداة الاستغراق أو لفظ الكل حيث ان شمول لفظة الكل أو غيره لتمام مدخوله إنّما يتبع في الأحوال ذلك المدخول فان كان مطلقا فيستغرق أفراده كذلك وإن كان في بعض الأحوال فكذلك .

فلو قال أكرم كلّ عالم فما لم يكن العالم مطلقا لا يقيّد لفظ الكل في وجوب اكرام الفاسق منه كما إذا قال أكرم كلّ عالم عادل فعموم الكلّ أيضا تبع له وعلى هذا فللعام الاصولي أيضا اطلاق أحوالي وإن كانت أحواله في الحقيقة اصنافا كالعادل والفاسق والأبيض والأسود الا ان في مقام الاطلاق كلّها من الاحوال فحينئذٍ لا يثمر مجرّد كون العام اصوليّا في تقدّمه على الشمولي وله مثال فقهي كما ذكرنا في مكاتبة ابن عبدالجبّار(1) وصحيحته الاخرى(2) مع رواية الحلبي(3)

ص: 702


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 11/2 من أبواب لباس المصلّي .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 14/4 من أبواب لباس المصلّي .
3- . وسائل الشيعة 4 الباب 14/2 من أبواب لباس المصلّي .

بقوله ( كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده ) فيشمل قوله كلّما ( للحرير ) إذا كان تكّة أو قلنسوة والمكاتبة إنّما تشمل ذلك بالاطلاق فان تمّ ما ذكره المحقّق النائيني رحمه اللهيقدم قوله كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده ) على عدم جواز الصلاة في الحرير مطلقا وإن كان قد نوقش رواية الحلبي باشتمال سندها على أحمد بن هلال الذيقد ورد في التوقيع الدعاء عليه من الامام علیه السلام لمّا أنكر توكيل أحد وكلاء الامام علیه السلام

والشيعة أيضا تردّدوا في أمره حيث انّه كان جليلاً عندهم وقد قيل فيه انّه غال أو ناصبي وقال الشيخ رحمه الله في كتاب الطهارة من ذلك يعلم انّه لا مذهب له إلاّ انّه قد اعتمد على روايته لكونها مذكورة في مشيخة ابن محبوب وما في المشيخة من الاعتبار مثل ما عند العامّة في كتابهم المزني الا ان هذا أيضا ليس بشيء فانّه وإن كان وجود الرواية في المشيخة موجبا للوثوق بصدورها فلا عبرة برواية أحمد بن هلال بل بما في المشيخة وإلاّ فلا الا انّه يمكن ذكرا السند تيمّنا للاتّصال بالمعصوم علیه السلام .

وقال المحقّق النائيني رحمه الله(1) وممّا ذكرنا بعينه في تقدّم العام الأصولي على المطلق الشمولي يعلم تقدّم المطلق الشمولي على المطلق البدلي وإن كان قوام كليهما بالاطلاق وهو متوقّف على جريان مقدّمات الحكمة فكما ان الشمولي يصلح لكونه قرينة على البدلي كذلك العكس . لكن السرّ في ذلك أي تقدّم الشمولي كونه مقدّما في جريان المقدّمات لتوقّف البدلي في اطلاقه على استكشاف العقل تساوي الأفراد وبوجود المطلق الشمولي يكشف عدم التساوي

ص: 703


1- . فوائد الأصول 4/731 - 732 .

فلهذا يقدم عليه لا كما عن بعض من جريان المقدّمات مرّتين في البدلي دون الشمولي ولا يتقدّم المطلق البدلي على الشمولي حيث انّه يستلزم الدور .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال .

ويرد عليه ان شمول العام الشمولي للأفراد بالوضع والظهور اللفظي فهويشبه على هذا العموم الأصولي فلا فرق بين قوله أكرم كلّ عالم وأكرم العالملافادة الأداة أيضا العموم الا ان شموله للأفراد في الأحوال محتاج إلى مقدّمات الحكمة كما في العام الاصولي لكنّه يرد على هذا الاستدلال انّه لا يتوقّف شمول دليل الحجيّة وجريان المقدّمات في المطلق البدلي في شموله وجريانها في الشمولي على نحو الطوليّة والتقدم على البدلي كي يتمّ ما ذكر بل تجري المقدّمات في كليهما معا بلا تقدّم لأحدهما على الآخر وحينئذٍ فعند الجريان يتحقّق تساوي الاقدام وينعقد الاطلاق فلا يتمّ الاستدلال .

نعم يمكن تأويل ذلك بنحو آخر وهو ان انعقاد الاطلاق في البدلي مع تساوي الأفراد عند العقل وفي مثال اكرم عالما ولا تكرم الفاسق لا تساوي بين أفراد العالم عند العرف بل يجمعون بين هذين الدليلين باكرام غير الفاسق وربما يوبّخون من ترك هذا واكرم الفاسق وليس ذلك إلاّ لأجل ارتكاز هذا المعنى عندهم وعدم تساوي أفراد البدلي وهذا وإن كان يوجب عدم تحقّق الاطلاق للبدلي حتّى في صورة عدم ابتلائه بالمعارض بل ممّا يوجب التقييد الا انا لا نعني بالاطلاق البدلي الا هذا فمعناه في الحقيقة إلى عدم تحقّق الاطلاق لا الانعقاد والتقدّم من الشمولي .

والحاصل ان في مثال أكرم عالما يستكشف العقل ان مقتضى الاكرام هو

اختلاف الاطلاق في العامين

ص: 704

العلم فاذا انضمّ إليه الفسق يوجب عنده حزازة مانعة عن اقتضائه للاكرام أو مفسدة في اكرامه فيجمع بين الدليلين في صورة ورودهما باكرام غير الفاسق وإذا لم يكن إلاّ قوله أكرم عالما أيضا يرى انحصار الموضوع ومتعلّق التكليف بغير الفاسق .

إن قلت: ان أحد مقدّمات الحكمة في انعقاد الاطلاق عدم التقييد فلو كانعنده الفسق مانعا لوجب أن يقيّد وإلاّ فيتمّ الاطلاق .قلت: ما ذكرنا فيه كفاية لاستقلال العقل حينئذٍ بالتقييد فمن ابتداء الأمر لا ينعقد اطلاق وهذا في الحقيقة رجوع عن فرض البحث واعترف سيّدنا الأستاذ قدس سره

بأن الاطلاق البدلي في الفقه إذا عارضه مطلق شمولي لا يكون إلاّ من هذا القبيل .

ومن الموارد التي قيل انّه من الأظهر والظاهر مسئلة(1) تعارض مفهوم الشرط والغاية والمثال الجعلي ما قيل من قوله ( صم إلى الليل ) وقوله ( إذا جاءك زيد فلا تصم ) أو ( إن جاءك زيد ) فان قوله صم إلى الليل .

يقتضي عدم جواز الصوم ليلاً حيث ان الليل غاية للصوم وقوله إن جاءك زيد فلا تصم يقتضي الصوم إن لم يجيء زيد ولو ليلاً فبينهما عموم من وجه حيث ان لكلّ منهما مادّة افتراق واجتماعهما في عدم مجيء زيد ليلاً فقيل بتقديم الغاية حيث انّه لها دلالة لفظيّة على نفي الصوم ليلاً والمفهوم ليس بتلك المثابة ومقتضى هذا الكلام كون مفهوم الغاية من أظهر أفراد الحكومة .

فصل: قد سبق الكلام في تقدّم الخاص على العام سواء كان الخاص قطعي السند أو ظنيّه متّصلاً أو منفصلاً إلاّ انّه وقع الاشكال في بعض الخصوصات الواردة

حكم الخصوصات الواردة في كلام الأئمّة علیهم السلام

ص: 705


1- . فوائد الأصول 4/732 .

بعد تأخّر زمان العمل بالعمومات مع ان السامعين للعام ما وقفوا على الخاص لوروده بعد انقضاء زمانهم كما إذا ورد العام في زمان النبي أو بعض الأوصياء المتقدّمين سلام اللّه عليهم أجمعين والخصوصات في زمان الصادقين أو الأئمّة المتأخّرة عنهم عليهم السلام وذلك بعد تسليم عدم امكان تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى العمل بالعموم وان تكليف الموجودين في زمن ورود الخصوصاتمتّحد مع الذين لم يصل إليهم إلاّ العام من المتقدّمين عليهم وإن كان لا اشكال فياظهار العموم وإن لم يكن مرادا لوجود المصلحة في نفس اظهاره وربما يكون في تركه مفسدة الا انه لم يكن العام بعمومه مرادا بل المراد من ذلك الخاص وتأخّر بيانه وهذا بعد استحالة البداء والنسيان والخطأ في المبدء الأوّل للتشريع أو بالنسبة

إلى النبي صلی الله علیه و آله الوارد في شأن تفويض تشريع الأحكام إليه روايات(1) وانه لا يمكن عدم الاطلاق والتقييد بل المصلحة اما ان قامت بالاطلاق أو بالتقييد وحينئذٍ فيتسجل الاشكال .

الا انه اجيب عنه بأجوبة:

منها ان بيان الخصوصات يكون نسخا لتلك العمومات .

ومنها: كون العموم بالنسبة إليهم حكما ظاهريّا أو من قبيل الترخيص بالعمل بالعموم وإن لم يصل إليهم الخصوصات وهذا كما مثل البرائة وجريان قبح العقاب بلا بيان حيث انّه مختصّ بمن لا علم عنده على الحكم وهو جاهل فتجري في حقّه وليس كذلك غيره ممّن علم بالحكم أو قام عنده طريق على الحكم وهذا

ص: 706


1- . بحار الأنوار 25 فصل في بيان التفويض ومعانيه الأحاديث 1 - 9 - 10 - 11 - 12 - 21 - 23 .

لا يوجب تفاوتا في الحكم الواقعي بل هو في حق كليهما واحد غاية الأمر حصل لأحدهما ما أوجب عدم فعليّة الحكم الواقعي في حقّه أو عدم تنجّز الخطاب الفعلي به ولم يحصل للآخر وهذا يكون من قبيل تعدّد الموضوع كما إذا استطاع شخص للحجّ ولم يستطع آخر فان الحكم بالحجّ من حيث الشرايط في حقّهما واحد إلاّ ان أحدهما صار في حقّه فعليّا لحصول قيوده وشروطه ولم يحصل للآخر جميع القيود .وفرق بين ما نحن فيه وبين صورة جريان البرائة بكون المقام من قبيل بيان العدم وباب البرائة من باب عدم العلم إلاّ ان في النتيجة لا يختلفان فان العموم حيث لم يقيّد بمقيّد متّصل أو منفصل يستكشف منه حسب جريان مقدّمات الحكمة وتطابق عالم الثبوت والاثبات انه مراد بظاهره وعمومه فيعمل به وذلك يكون في قوّة بيان العدم بخلاف البرائة ففي صورة الجهل وعدم العلم إنّما تجري القواعد العقليّة أو البرائة الشرعيّة .

ومحصّل هذا الجواب تعدّد الموضوع وانّنا لسنا مكلّفين بتكليف أولئك حيث انا مكلّفون بالعموم بقيده الخاص بخلاف اولئك فان العموم في حقّهم حكم ظاهري وهذا بعد أن ثبت بطلان التصويب وإن الجاهل والعالم يشتركان في الحكم الواقعي وحكم اللّه في حقّهم واحد إلاّ ان القدر المتيقن من ذلك الحكم الواقعي الذي لا يوجب الترخيص في تركه شيئا فانه يكون في حكم العهدة كالدين غير المطالب وليس هذا نسخا فان النسخ إنّما يكون مع وحدة الموضوع وفعليّة الحكم والحكم بعد لم يصر في حقّنا فعليّا .

نعم يتمّ هذا في حق مدرك الزمانين .

الجواب الأخير

ص: 707

ومنها: انّه لا نسخ ولا تعدّد للموضوع بل الحكم في حقّنا وحقّهم واحد الا ان عدم وقوفنا على وصول المخصصات لاولئك لا يوجب عدم وصولها إليهم حقيقة بل يمكن الوصول إليهم لكنّهم لم يكونوا بصدد الكتب والضبط بل انّما يقتصرون على السماع والأخذ والكتب إنّما انتشرت وكثرت من زمان الأئمّة المتأخّرين وعلى هذا فلا حقيقة للاشكال .

ثالث الأجوبة عن الاشكال انّه يمكن اختفاء الخصوصات عنّا وإنّهم كانوايعملون بها كما نعمل بها غاية الأمر حيث انهم لم يكونوا مأمورين بالكتب والضبطولا متولعين عن الأخذ عن شيخ الاجازة على النحو المتداول في زمان الصادقين عليهماالسلام ومن بعدهم لم يصل إلينا ذلك وإنّما الواصل إلينا منها هي العمومات بلا ورود بعض مخصّصاتها .

إن قلت: فلم وصلت العمومات دونها فذلك كاشف عن عدم بيان المخصّصات لهم وانّهم كانوا يعملون بالعام مع وحدة التكليف بيننا وبينهم ولا يعقل الاهمال النفس الأمري فانّ الموضوع ومتعلّق الحكم إمّا مطلق وإمّا مقيّد فإمّا أن يكون المتعيّن هو العمل بالعام وهو الحكم الواقعي لنا ولهم وإمّا أن يكون هو الخاص فلم لم يبيّن لهم وقد بيّن لنا .

قلت: إذا أمكن ما ذكرنا فلا يبقى مجال لهذا الاشكال فان من الواضح اختفاء ذلك علينا كما اختفى علينا بعض العمومات وإنّما بيّن الصادقان لنا وممّا يشهد لما ذكرنا ان الأئمّة علیهم السلام في كثير من الموارد يستشهدون بقول النبي صلی الله علیه و آله ويروون عنه كما في مثل لا ضرر وأمثال ذلك من الأحكام وإلاّ فقليل حكم نجده منقولاً عن مثل الحسن المجتبى وأخيه الحسين عليهماالسلام بل غالب الأحكام وأكثرها

ص: 708

انبثّ عن الصادقين خصوصا الثاني منهما عليهماالسلام وإن رويت عن غيرهما أحكام كثيرة الا ان الأكثر بل لم يبق شيء إنّما هو عن الصادق علیه السلام بملاحظة كثرة الرواة والأمر بالكتب والحفظ وربما كانوا يعرضون ما كتبوا عليهم عليهم السلام أو كانوا هم المؤيّدين لهم والمدبّرين لاُمورهم في ذلك .

هذا ملخّص ما يقال في تحرير الأجوبة . إنّما الكلام في ان أيّها أولى وأنسب ولا بأس بالأخير وعلى فرض عدم التسليم أو عدم احراز ان الأمر كان كذلك فان هذا الجواب أي الثالث إنّما يفيد في ما إذا احرزنا كما ان الاشكال عليهإنّما يتوجّه إذا احرزنا الخلاف فيدور الأمر بين الجوابين الأولين وان الخاص المتأخّر عن زمان العمل بعد برهة من الزمان هل هو ناسخ لحكم العام أو يكون الحكم في حقّ من وصل إليه الخاص ومن لم يصل هو واحدا إلاّ انّه لم يصل إليهم الخاص ولم يجب عليهم الاحتياط تسهيلاً من الشارع لهم كما لم يوجب في الشبهة البدويّة فيكون اظهار العموم لهم وعدم بيان الخاص نظير البرائة العقليّة أو الشرعيّة في النتيجة وإن كان أحدهما بيان العدم والآخر عدم البيان ولا ينبغي قياس المقام بباب البرائة ونظيرها ( حيث لم تكن المصلحة في اظهار الخصوصات فان لها أمدا ) .

لا يقال: لا يصحّ كونها ناسخة حيث ان بيانها في زمان الأئمّة علیهم السلام والنسخ لا يتحقّق في زمانهم وإنّما هو في زمان النبي صلی الله علیه و آله فانّهم علیهم السلام حفاظ الشرع .

لأنّا نقول النسخ إنّما كان في زمانه صلی الله علیه و آله غاية الامر تأخّر بيانه إلى زمانهم .

ثمّ لا يخفى ان النسخ بناءً على التزامه في المقام ليس حقيقته إلاّ عبارة عن بيان أمد الحكم فاذا بين الناسخ الامام علیه السلام فانّه كاشف عن ان أمد الحكم إنّما هو

معنى النسخ

ص: 709

كان إلى هذا الحدّ من الزمان إذ لابداء فانّه يستحيل في حقّه تعالى لأنّه هو المحيط بتمام جهات المصالح والمفاسد الداعية إلى جعل الأحكام وتشريعها على حسبها وانّه راجع إلى تقييد اطلاق أدلّة الأحكام وجعلها فانّ التقييد إن كان بالزماني يكون من التخصيص وإن كان في الزمان فيرجع إلى النسخ وليس النسخ من التخصيص في حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة .كما يظهر من المحقّق النائيني وبذلك فرق بين الاستمرار المتحقّق في « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(2) وفي جعل الأحكام بل التحقيق يقتضي كونهما من باب واحد وان الاستمرار في « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(3) وفي الأحكام من واد واحد وان أمد

الحكم لا تحديد فيه . هذا .

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان التخصيص الذي قلنا انّه في الزماني يستتبع قصر الحكم بحسب الزمان بالنسبة إلى ما خصّص أو خرج من العام ففيه يكون اخراجان اخراج أفرادي أو عنواني واخراج زماني وقصر له في أمد الحكم المجعول على هذا الفرد أو العنوان وأمّا النسخ فانّه إنّما يكون تقييدا زمانيّا فقط

فاذا دار الامر بين النسخ والتخصيص فالنسخ أولى لأقليّة التقييد فيه دون التخصيص .

هذا إذا فرض مورد يكون مدارا للنسخ والتخصيص والظاهر انهما لا

ص: 710


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 مع اختلاف في الألفاظ .
2- . سورة المائدة: 2 .
3- . سورة المائدة: 2 .

يرتبطان معا أصلاً حيث ان النسخ لا يدخل فيه التخصيص وكذا العكس وقد ذكرنا موردا لسيّدنا الأستاذ قدس سره في تحقّق الدوران بينهما وهو ما إذا تقدّم الخاص على العام بعد وقت العمل فانّه يدور الأمر بين كون الخاص مخصّصا للعام أو كون العام ناسخا للخاص فقال انّه ملتفت إليه ولم يبين الجواب .

تذكار وتتميم: أشرنا إلى ان المحقّق النائيني رحمه الله لم يجعل الاستمرار فيقوله تعالى: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(1) وفي مثل الأحكام على نسق واحد ولم يجعلالتخصيصات الواردة بعد زمان العمل بالعمومات محتمل النسخ بل أدار أمرها مدار التخصيص أو اختفاء المخصّصات المتّصلة عنا وكونها مثلها إلاّ انا ذكرنا انه لا فرق في الدلالة على الاستمرار بين قوله تعالى: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(2) ومثل الاستمرار في الأحكام لدلالة دليلهما على ذلك بلا احتياج في كشف استمرار الأحكام إلى التمسّك بقوله: ( حلال محمّد صلی الله علیه و آله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام كذلك )(3) .

وتوهّم عدم الاحتياج إلى أخذ الدوام في « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(4) من حيث ان مقتضى الوفاء المتعلّق بمضمون المعاقدة والمعاهدة التي في البيع عبارة عن النقل بعوض والانتقال كذلك هو الدوام فلا معنى للوفاء يوما أو يومين أو سنة بل ذلك لا يكون في البيع وفاءً مدفوع بالاحتياج إليه وأخذه في الحكم فانّه يمكن الوفاء سنة ثمّ له الفسخ وان يرجع إلى ما نقله إلى الآخر ولذلك يتمسّك بذلك في لزوم

الفرق بين النسخ والتخصيص ···ص: 711


1- . سورة المائدة: 2 .
2- . سورة المائدة: 2 .
3- . الوسائل 27 الباب 12/52 مع اختلاف في الألفاظ .
4- . سورة المائدة: 2 .

الوفاء فان الدليل تعبّدي .

وعرفت ان ذلك كلّه راجع إلى التقييد لأدلّة الأحكام بل لمثل حلال محمّد صلی الله علیه و آله خلافا للمحقّق النائيني غاية الأمر ما كان مقيّدا بالزمان يكون من النسخ وما لم يكن كذلك بل صار مقيّدا بالزماني فيكون من التخصيص ولا يذهب عليك عدم فرق آخر بينهما بل لابدّ من حضور زمان العمل لعدم خلو جعل الحكمالمنسوخ عن الفائدة حيث انّه إذا لم يكن كذلك ولا يعمل به قبل وقته وبعد وقته أيضا ليس موجودا وقبل وقته لا موضوع له فيكون جعله لغوا فاعتبار التقييدبزمان العمل في المنسوخ في كلمات العلماء إنّما هو لعدم لزوم اللغويّة في جعل المولى وبعبارة أوضح ان النسخ لا يتحقّق إلاّ بعد حفظ الموضوع بتمام قيوده وحدوده ولم يكن لشيء احتمال الدخل أو الدخل الواقعي إلاّ للزمان وإلاّ فيكون من التخصيص وعلى هذا لا فرق بين المتّصل والمنفصل لرجوع الكل إلى تقييد الموضوع وتحد ّده بوقت كذائي لا يتجاوزه . فاذا(1) قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فقد قيد الحكم بزماني فلا يكون عدمه وارتفاعه بعد الافتراق نسخا بخلاف مثل جعل الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام وتقييد ذلك متّصلاً أو منفصلاً إلاّ انّه اصطلح على أحد قسمي تحديد الحكم زمانا بالنسخ وهو ما إذا لم يكن بعده فان مثل جعل الخيار في الحيوان مطلقا بلا تحديد ثمّ تحديده بثلاثة أيّام نظير ما جعله من أوّل الأمر كذلك فان كان الثاني نسخا فليكن الأوّل كذلك .

والحاصل ان النسخ ليس إلاّ عبارة عن تحديد الحكم بزمان خاص وقطع استمراره لما بعد ذلك الزمان وفي ذلك لابدّ من تحقّق الموضوع واتّحاده مع

معنى النسخ

ص: 712


1- . الوسائل 18 الباب 1/1 - 2 - 3 - 4 .

الموضوع قبل قطع الاستمرار وقد أشرنا إلى نحوي تصوّر دخل الزمان في بعض تنبيهات الاستصحاب وإمكان أخذه تحت الحكم أو فوقه وضربنا المثال بقوله تعالى: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ »(1) فانّه يحتمل تقيد الصيام بكونه إلى الليل ثمّ يرد عليه الحكم بلا تقييد ويمكن كون الاستمرار من حالات الحكم المجعول وعلى ما ذكرنا يتوجّه الاشكال في كيفيّة تحقّق النسخ مع بقاء الموضوع على ماكان ولازمه دوران الحكم وجودا وعدما معه والنسخ والرفع يوجب خلاف ذلكفيؤل إلى المناقضة الا ان جوابه واضح فقد قلنا ان قوام النسخ إنّما هومن ناحية الزمان وانه يكون دخيلاً في تحقّقه ولولاه يكون من التخصيص .

ثمّ انّه بناء على ما ذكرنا في ضابط النسخ والتخصيص اللذين كلّ منهما من التقييد فلا يتّفق مقام دوران الأمر بينهما كي يرجح جانب التخصيص بكونه أغلب أوّلاً وإن بظهور الخاص وحكومته على العام لا يبقى مجال النسخ . وجوابه انّه يمكن فرض تحقّق الخاص قبل ورود العام وقد عمل بالخاص فهذا الخاص يدور أمره بين كونه مخصّصا للعام أو منسوخا به كما ان تقدّم العام ثمّ ورود الخاص بعد العمل بالعام محتمل لأمرين التخصيص والنسخ فالأوّل من جهة كون الخاص كاشفا عن ان الحكم من أوّل الأمر كان على مقتضى الخاص وان مثل الرجوع إلى الكفاية أيضا من القيود المعتبرة في الاستطاعة وفاقد ذلك ليس بموضوع لتوجّه خطاب الحجّ والثاني من جهة كون الخاص ناسخا لحكم العام وعدم تقييده بالرجوع إلى الكفاية وكان هذا الحكم ثابتا إلى الآن ونسخ من حين ورود خطاب الخاص .

ص: 713


1- . سورة البقرة: 188 .

والحاصل ان النسخ عبارة عن رفع الحكم بالكليّة بحيث لايبقى بعد في الشريعة وهذا سنخ من التحديد بخلاف نحو تحديد زمن الخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيّام فانّه ليس بعد مرفوعا عن الشريعة بل حكم كلي موجود إلى غايته ويثبت في كلّ مورد من موارد مصاديقه كساير الأحكام الموقتة إلى وقت خاص والمطلقة سواء تجدّد موضوعاتها في كلّ يوم وليلة أو سنة أو غير ذلك .

هذا خلاصة ما يتعلّق ببحث التخصيص .

بقي الكلام في ما إذا كان التنافي بين أزيد من دليلين وبيان صورهوأقسامه وان أيّا منها من باب التعارض وأيّا خارج عنه .فنقول ان صوره كثيرة حسب ما يمكن أن يفرض إلاّ ان ما نذكره نموذج الباقي .

فمنها ما إذا كان هناك عام وخاصّان لا تنافي بين الخاصين ولا يرتبط أحدهما بالآخر بل كلاهما متوجّهان إلى العام ولااشكال في تخصيص كلّ منهما للعام فانّه بعينه يكون مثل ما إذا لم يكن إلاّ دليلان أحدهما أخصّ من الآخر الا ان

الفرق بين ما نحن فيه وهناك انه إذا لزم من تخصيص العام بكلّ من الخاصين عدم بقاء مورد للعام أو بقائه قليل الأفراد بحيث يكون تخصيصه مستهجنا فلا اشكال في وقوع التعارض بين العام وبين الخاصين ولابدّ من ملاحظة أحكام التعارض .

ومنها: إذا كان عام وخاصان أحدهما أخص من الآخر ولا اشكال فيه أيضا انّه يخصّص بكلّ واحد منهما إذا لم يلزم المحذور المذكور . وربما يتوهّم ان المقام من موارد انقلاب النسبة وإن العام يخصّص ابتداءً بأخص الخاصين فحينئذٍ ربما ينقلب نسبته مع الخاص الأعم إلى العموم من وجه . مثلاً إذا فرضنا العام قوله أكرم

ورود خصوصات مع العام

ص: 714

العلماء والخاص الأخص لا تكرم النحويين من الكوفيّين والآخر الأعم لا تكرم النحويين فالنسبة بين العام وكلّ من الخاصين العموم المطلق الا انا إذاخصّصنا العام بلا تكرم النحويين من الكوفيين فيعنون العام به ويكون كما إذا قال أكرم العلماء غير النحويين من الكوفيّين وحينئذٍ فالنسبة بينه وبين الخاص الآخر عموم من وجه من حيث شمول العام لغير النحويين من العلماء ومادة الاجتماع هو النحوي غير الكوفي فان مقتضى الخاص حرمة اكرامه والعام وجوب اكرامه ومادّة الافتراق من الخاص هو النحوي الكوفي .

لكنّه يندفع بعدم أولويّة تقدّم أخص الخاصين في تخصيص العام كي يلزمما ذكر بل يمكن فرض ورود أعمّهما ابتداءً وحينئذٍ فلا مورد للآخر فلا محيصمن ورودهما معا على العام بلا تقدّم وتأخّر الا أن يلزم المحذور فيكون من التعارض(1) .

نعم يمكن فرض اتّصال أخصّ الخاصّين بالعام وحينئذٍ فمن الأوّل ليس إلاّ دليلان بينهما عموم وخصوص من وجه فلا ينعقد ظهور في العموم مطلقا للعام .

ومن الصور ما إذا كان خاصّان بينهما تباين وعام موافق لأحدهما فان فيه إمّا أن يكون العام بعد تساقط الخاصّين مرجعا أو يكون هو المرجّح للخاص الموافق له ويوجب مرجوحيّة الخاص المخالف فيقدم العام والخاص الآخر عليه وفي المقام مبنى ثالث بتساقطهما والعام معا .

ص: 715


1- . ما اختاره سيّدنا الأستاذ قدس سره هو الحق الحقيق بالقبول وفاقاً للمحقّق العراقي ( نهاية الأفكار 4/408 - 411 - 412 ) وخلافاً لمن يرى في موارد متعدّدة من انقلاب النسبة منهم استاذنا المحقّق ( منتهى الأصول 2/578 وما بعده ) السيّد البجنوردي والسيّد الخوئي أعلى اللّه مقامه ( مصباح الأصول 48/464 وما بعده ) .

الرابع: ما إذا هناك عامّان بينهما التباين وخاص مخصّص لأحدهما فالنسبة بين العامّين ابتداءً هوالتباين لكنّه بعد تخصيص أحد العامين بمخصّصه الخاص يكون أخص من العام الآخر فيخصّصه لانقلاب نسبته مع العام الآخر من التباين إلى العموم والخصوص مطلقا كما إذا قال لا تكرم العلماء وقال أكرم العلماء وقال أيضا أكرم الفقهاء فبعد تخصيص لا تكرم العلماء باكرم الفقهاء تنقلب نسبة أكرم العلماء إلى لا تكرم العلماء إلى العموم مطلقا ويكون قوله لا تكرم العلماء خاصّا بالنسبة إليه بعد تعنونه بغير الفقهاء ويكون لا تكرم العلماء غير الفقهاء فيخصّص العام وينحصر الموضوع باكرام الفقهاء ويمكن فرض مثال فقهي له في ارثالزوجة فانّ العام(1) ورد بارثها كالرجل من جميع ما ترك الرجل من الأرضوالبناء والمنقول وغيره مطلقا وورد رواية(2) بعدمه من الأرض والثالثة(3) بالتفصيل بين ذات الولد وغيرها فترث الأولى مطلقا دون الثانية إلاّ انّه بأن لا يكون مثالاً للمقام أنسب .

صورة خامسة: إذا كان هناك عامان من وجه ورود دليل ثالث باخراج مورد الاجتماع عن تحتهما فتنقلب نسبتهما إلى التباين ولا تعارض بينهما كما إذا قال أكرم العلماء وقال أيضا لا تكرم الفسّاق وثالثا يكره اكرام العالم الفاسق فحينئذٍ يعنون كلا العامين .

أمّا الأوّل فيكون أكرم العلماء غير الفسّاق والثاني لا تكرم الفسّاق غير

ص: 716


1- . اطلاق الآية المباركة الآية 13 سورة النساء والوسائل 26 الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج والباب 7/1 .
2- . وسائل الشيعة 26 الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج .
3- . الوسائل الباب 7/2 من أبواب ميراث الأزواج .

العلماء ولا تنافي بينهما ولا تعاند كما إذا كان هناك عامان بينهما تباين وورد دليل ثالث خاص فهذا الخاص بخصوصه يخصّص الرواية المخالفة لها فتعنون بذلك وتصير خاصّا بالنسبة إلى الموافق للخاص وتنقلب نسبة التباين بذلك إلى العموم والخصوص مطلقا ويكون أحد العامين أظهر من الآخر ويجمع بينهما بذلك وفي هذا لا فرق بين فرض نسبة الخاص مع العام المخالف له أو فرضه مع العام الموافق ونسبة مجموعهما إلى العام المخالف حيث لا يتم الظهور للعام المخالف للخاص ويمكن أن يكون مثالاً لما ذكرنا مسئلة ارث الزوجة بناءً على استفادة عموم ارثها حتّى(1) بالنسبة إلى الأرض .ورواية اخرى(2) انها لا ترث وفرضنا ان كليهما مطلقان والرواية الأولىكالنص في ارث الأرض فهذان ظاهران بينهما نسبة التباين وفي البين مقطوعة ابن اذينة(3) بالتفصيل كما أشرنا بين ذات الولد اما مطلقا ولو من غير الزوج أو منه دون غيره فترث وبين غير ذات الولد فلا ترث من الأرض هذا . إلاّ ان الأقوى في ذلك ما ذكره صاحب الجواهر قدس سره (4) من عدم معلوميّة كون المقطوعة رواية ولابدّ من ملاحظة النسبة بين الروايات من تحقّق موضوع الخبريّة والحجيّة ثمّ لحاظ النسبة مضافا إلى عدم استفادة ما يكون له مع الرواية الاخرى نسبة التباين لورود الرواية بارثها مطلقا من جميع ما يخلّف الرجل كارث الرجل لها كذلك .

هذا وكذلك يمكن فرض مثال آخر لما يكون بينهما نسبة التباين ابتداءً ثمّ

ملاحظة النسبة بين لا تعاد والموثّقة

ص: 717


1- . الوسائل 26 الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج .
2- . الوسائل 26 الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج .
3- . الوسائل 26 الباب 7 من أبواب ميراث الأزواج .
4- . جواهر الكلام 39/211 .

يرجع إلى العموم والخصوص مطلقا وهو ما ذكرناه مرارا عن المحقّق النائيني رحمه الله

في حاشيته على العروة في صحّة الصلاة الواقعة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه جهلاً ونسيانا من الاشكال في صورة النسيان دون الجهل وترجيحه بطلانها في حال النسيان وهذا في ظاهر الأمر غريب حيث ان مقتضى لا تعاد(1) الصلاة لحكومته

على الأدلّة الأوّليّة بلحاظ تصديه لبيان الكيفيّة دونها فانها لمجرّد بيان أصل المانعيّة والشرطيّة والدخل عدم بطلان الصلاة نسيانا في أجزاء ما لا يؤكل لحمه على خلاف اطلاق رواية ابن بكير(2) وإن كانت النسبة بين لا تعاد(3) وبين الموثقةالعموم من وجه ولكن لاتلاحظ النسبة بين لا تعاد وبينها لحكومته على الموثقة(4)ولا تلاحظ النسبة بين الحاكم والمحكوم فالحاكم يقدم على المحكوم ولو كان أعم من المحكوم فان لا تعاد(5) من حيث ان مورده خصوص حال النسيان خاص من جهة وعام من جهة اجراء حكمه في غير الخمسة أيّا ما كان والموثقة(6) من حيث ان موردها خصوص أجزاء ما لا يؤكل لحمه خاص ومن جهة عدم اختصاصها بحال العمد بل يشمل حال النسيان والجهل أيضا عام الا ان رواية عبدالرحمن(7) بن أبي عبداللّه، عن أبي عبداللّه علیه السلام في رجل يصلّى وفي ثوبه عذرة انسان أو سنور أو كلب قال: إن كان لا يعلم فلا يعيد .

ص: 718


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
2- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .
3- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
4- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .
5- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
6- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .
7- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .

تخرج صورة الجهل بالموضوع عن مدلول رواية ابن بكير وهذه الرواية

وإن كانت واردة في خصوص عذرة الانسان والكلب والسنور إلاّ انّها تشمل غيرها من أجزاء ما لا يؤكل لحمه مع عدم كونها أسوء حالاً من الكلب بطريق أولى وبهذه الجهة تكون الموثقة(1) خاصّا بالنسبة إلى لا تعاد(2) فتقدّم عليه هذا

كلامه قدس سره إلاّ انّه حيث لا يخلو من نظر واضح يمكن تقريب الاستدلال فيه بوجه

أحسن وهو ان النسبة بين لا تعاد(3) وبين الموثقة(4) وإن كانت باقية على ما كانتلكون الموثقة شاملة لحال العمد والنسيان معا واختصاصها بما لا يؤكل فيكون بينها وبين لا تعاد النسبة بالعموم من وجه لكن حيث يلزم من تقديم لا تعاد عليهبقاؤه قليل المورد جدا واختصاص حكمها بصورة العمد فقط يمكن دعوى تقدّمها على لا تعاد بالأظهريّة وإن كانت النسبة باقية على حالها .

توضيح: قد ذكرنا من صور انقلاب النسبة ما إذا كان بين دليلين عموم من وجه وأخرج الدليل الثالث مورد الاجتماع من تحت كليهما فحينئذٍ تنقلب نسبتهما إلى التباين بلا تعارض في البين حيث انّه من لزوم التعارض بعد فرض خروج مورد التعارض يلزم الخلف للفرض .

امّا إذا اخرج الثالث مورد افتراق أحدهما عنه فهذا المخصّص بالثالث يصير معنونا بعنوان المخصّص المخرج ولهذا يكون خاصّا والعموم والآخر باقٍ على حاله فيكون أعم من المخصّص فقد انقلبت النسبة إلى العموم المطلق كما قد

مورد انقلاب النسبة

ص: 719


1- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
3- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
4- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .

ذكرنا انّه إذا كان بينهماالتباين فاخرج الثالث موردا من أحدهما فيكون معنونا بعنوانه وأخص من الآخر وتنقلب النسبة في الفرض إلى العموم والخصوص مطلقا ويعمل في كلّ مورد من هذه الموارد معاملته على ما سبق وبعض الموارد الآخر التي لم نذكر مرجعها إلى ما ذكر من الصور الثلاث .

هذاوقد يشكل في أصل مبنى انقلاب النسبة في هذه الموارد وان نسبة العام المباين للعام الآخر باقية على حالها بعد التخصيص بالدليل المخصّص وكذا في باقي الصور والأمثلة التي ذكرنا فيبقى نسبة العموم من وجه في العامين كما كانت ولو بعد لحاظ الدليل الثالث حيث ان المناط بالظهور والظهور الذي انعقد لا ينقلب عن ما انعقد عليه أوّلاً بلحاظ دليل آخر وإن كان يقصر لو كان أظهر أو نصّا بالنسبة إليه على ما سبق .

واجيب عنه بأنّ التعارض على ما تقدّم في بيان ضابطه وتعريفه إنّما يكونمن جهة عدم امكان الجمع بين مدلولي الدليلين في مقام الثبوت والجعل وانالظهور إنّما هو كاشف عن الجعل ومقام الثبوت وبعد لحاظ الدليل الثالث لا يمكن أن يبقى الظهور المتخيّل أوّلاً على كاشفيّته لعدم امكان جعل مكشوفه وما يدلّ عليه الدليلان الأوّلان مع لحاظ هذا الثالث لأنّ الكلام في ظهورات كلام المولى الحكيم الذي لا يتصوّر في كلامه إلاّ ارادته لمعناه وحينئذٍ فيعمل في استفادة المراد منه ما ذكرنا . هذا .

الا ان في الاشكال والجواب نظرا واضحا حيث ان المناط في الجمع بين الأدلّة ما هو الميزان عند العرف في محاوراتهم ولا اشكال في انهم يلاحظون الكلمات الصادرة في مقامات متعدّدة ولحاظ ظهورها معا لا انّهم يلاحظون في

ص: 720

ذلك الترتيب وان يعمل في ذلك بين كلّ دليلين ثمّ المحصّل بالنسبة إلى آخر .

وإذا كان الامر كذلك فليس إلاّ تخيّل نسبة انهدمت حيث ان التحقيق ان ظهور الخاص أو الأخص والأظهر إمّا حاكم على ظهور العام والخاص والظاهر أو هادم له لعدم(1) الفرق ين الظهورات المتّصلة والمنفصلة كما تبيّن في محلّه وحينئذٍ فالعام الذي يعارضه خاص لا ظهور له الاّ كما يكون للعام الذي يكون من الأوّل معنونا بعنوان هذا الدليل الخاص لأن دليل الحجيّة شاملة لكلّ من الأدلّة ونسبته إليها على حدّ سواء فلم تنعقد نسبة تكون حجّة في الدليل المنفصل من العام أو المطلق كي تنهدم بالعثور على الدليل الأخص فاللازم جمع الأدلّة في كلام واحد ثمّ الأخذ بالظهور المتحصّل من الجميع فاذا لاحظنا مثلاً أكرم العلماء مع قوله لا تكرم الفسّاق مع قول يكره اكرام الفسّاق من العلماء يعنون(2) أكرم العلماء بغيرالفسّاق كما يعنون الفسّاق بغير العلماء ويكون اكرام العلماء غير الفسّاق واجبا كما يحرم اكرام الفسّاق من غير العلماء وأمّا العلماء الفساق فخارج عن تحت كلا الدليلين ويكره اكرامهم وهكذا في كلّ ما يرد عليك فتفطن .

تذييل: لا خلاف ولا إشكال عند الفقهاء في عدم الضمان في عارية غير الذهب والفضّة إلاّ إذا اشترط فانّه وردت الرواية بالضمان كما اذاتعدّى أو فرط في ذلك ولا ريب في الضمان في عارية الذهب والفضّة المسكوكين أي الدرهم والدينار سواء شرط أو لم يشترط واختلف الكلام في عارية الحلي من الذهب والفضّة غير المسكوكين ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار فانّها على طوائف أربع

اخبار ضمان العارية وعدمه

ص: 721


1- . فيه منع .
2- . الخروج غير التعنون .

احداهما مطلقات(1) بأن لا ضمان في العارية ومنها ما يستثنى من اطلاقها خصوص(2) الدرهم كالاخرى(3) التي يستثنى منها خصوص الدينار في كلتيهما سواء شرط أو لم يشترط والرابع لا ضمان(4) في العارية إلاّ الذهب والفضّة .

وقبل الخوض في ذلك ينبغي الاشارة إلى انطباق ما ذكرنا في بعض الصور السابقة من انه إذا ورد خاصان أحدهما أعم من الآخر انه يعنون العام بالأعم بلا انقلاب نسبة لازمة من تخصيص العام بأخصّهما ثمّ ملاحظة النسبة وما نحن فيهعينا من هذا القبيل .

ثمّ لا يخفى تعنون العام المطلق وخروجه عن اطلاقه بهذه المخصّصات فلا عام فوق حتّى يكون مرجعا عند المعارضة فلابدّ من لحاظ الظهور بين الطوائفالثلاث من الخاصّات كما انّه لا اشكال في عدم تعارض بين الطائفة الثانية التي تستثنى من ضمان العارية خصوص الدرهم والثالثة التي تستثنى خصوص الدينار حيث انّه يقيّد عقد السلب أي المستثنى منه في كلتيهما بعد ايجاب الآخر شمول المستثنى له بالاطلاق فيخرج بمنطوق المستثنى في الآخر .

أمّا الحلي أي الذهب والفضّة غير المسكوكين فداخلة تحت اطلاق هاتين الطائفتين في عقد السلب والمستثنى منه فانّه باطلاقه يقتضي عدم الضمان في عاريته فمضمونه لا ضمان في العارية سواء كان من الذهب والفضّة أو غيرهما مسكوكين أو غيره الاّ المسكوكين ومقتضى الطائفة الثالثة تحقّق الضمان فيه فان

ص: 722


1- . وسائل الشيعة 19 الباب 1 - 3/2 - 3 الى 10 - 3 - 1 - 2 - 4 .
2- . وسائل الشيعة 19 الباب 1 - 3/2 - 3 الى 10 - 3 - 1 - 2 - 4 .
3- . وسائل الشيعة 19 الباب 1 - 3/2 - 3 الى 10 - 3 - 1 - 2 - 4 .
4- . وسائل الشيعة 19 الباب 1 - 3/2 - 3 الى 10 - 3 - 1 - 2 - 4 .

ثبوت الضمان في الذهب والفضّة باطلاقه يشمل ما إذا كان غير المسكوك .

فحاصل الكلام في الطوائف الأربع من أخبار الضمان في العارية والمستفاد منها تحقّق الضمان في الدرهم والدينار اشترط أو لم يشترط وعدمه في غير الذهب والفضّة إلاّ مع الشرط وقد وقع الخلاف في عارية الذهب والفضّة غير المسكوك منهما فذهب بعضهم في ذلك إلى تعارض الأخبار وقد مرّ عليك مضمونها إلاّ انّ صاحب الجواهر قدس سره (1) مهّد في هذا المقام مقدّمة لتحقيق الجمع بين الأخبار وادّعى انّ ذلك مثل أن يقول أكرم الناس ثم¨ يقول في الدليل المخصّص لا تكرم زيدا ولا تكرم عمروا وفي المخصّص الثاني لا تكرم الجهّال من الناس إلاّ ان تخصيص زيد وعمرو بالذكر مع شمول قوله لا تكرم الجهّال لهما لخصوصيّة فيهما ولا إشكال في تخصيص العام بكلّ واحد من المخصّصين بلا ريب وليسموقعا للكلام والقيل والقال . فالمقام من هذا القبيل حيث ان هنا خاصين أحدهماأعمّ من الآخر وقد تقدّم في بعض ما سبق تخصيص العام بكلا الخاصّين ما لم يلزم قلّة المورد والاستهجان أو استيعاب العام وليس كذلك هنا فانّه يخصّص العام بالذهب والفضّة وتحقّق الضمان في عاريتهما بلا تقيد ولا معارضة وإنّما توهّم المعارضة بعض وقبلها بعض الافهام الردّية خلافا لصاحب الكفاية والرياض حيث ذهبا إلى تحقّق المعارضة والعموم من وجه ولا يكون مفاد العام بعد التخصيص بالدراهم والدنانير هو لا ضمان في غير الدراهم والدنانير .

( أقول: لم يفد كلام صاحب الجواهر كيفيّة تحقّق المعارضة عندهما ) .

وحاصل هذا الكلام عدم تعنون العام بالخاص واستشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره

الجمع بين الروايات

ص: 723


1- . جواهر الكلام 27/185 - 186 .

بأنّه خلاف المبنى وان مرجع روايتي استثناء(1) الدراهم والدنانير عمّا لا ضمان فيه إلى عدم تحقّق الضمان إلاّ في الدراهم والدنانير حيث ان منطوق الاستثناء في كلّ منهما أظهر ونصّ بالنسبة إلى مفهوم الآخر أو عقده السلبي ولذا يقدّم عليه ويخصّص العام به أو الاطلاق ومصبّه لاختلاف المستثنى منه والمستثنى في الحكم ايجابا وسلبا فلا معارضة بين هاتين الطائفتين من الروايات كما لا معارضة بينهما وبين العام الفوق الذي لا استثناء فيه بالنسبة إلى عدم الضمان في العارية مطلقا .

وأمّا الطائفة(2) التي يستثنى فيها خصوص الذهب والفضّة فليس الامر فيهاكما قاله صاحب الجواهر(3) وليس المقام وما ذكره من المثال متّحدا فانّه لا اشكال في ما ذكره من المثال من ورود التخصيص بالجهال وبزيد وعمرو علىالعام بخلاف المقام في خصوص الذهب والفضّة لكون النسبة بينهما وبين رواية استثناء(4) الدراهم والدنانير العموم من وجه لاشتمال عقد المستثنى منه السلبي في روايتي الدراهم والدنانير على الحلّى أي غير المسكوك من الذهب والفضّة وبهذه الجهة يكون لا ضمان في عاريتهما بدون الشرط بخلاف عقد المستثنى في الطائفة الرابعة المستثنى فيها الذهب والفضّة فانّها باطلاقها تدلّ على ثبوت الضمان في الحلّي أي غير المسكوك من الذهب والفضّة .

نعم لا تخالف بينها وبين الطائفتين الأوليين في المستثنى منه إنّما التعارض

ص: 724


1- . وسائل الشيعة 19 الباب 3/3 - 1 من أبواب العارية .
2- . الوسائل 19 الباب 3/2 من أبواب العارية .
3- . جواهر الكلام 27/185 - 186 .
4- . الوسائل 19 الباب 3/3 - 1 من أبواب العارية .

في عقد المستثنى منه لهما وعقد الاستثناء في الرابعة(1) . ثمّ في هذه الصورة إمّا أن يرجع إلى العام الذي هو الفوق وهو عدم ثبوت الضمان في العارية مطلقا امّا لكونه مرجّحا للموافق له أو مرجعا بعد تساقطهما في مادّة الاجتماع كما كان المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي يصرّ على هذا المبنى وأمّا لا هذا ولا ذاك بلا ردّ التخصيص والعنوان عليه كما ورد على الطائفتين الأوليين باستثناء(2) الدراهم والدنانير فان ظهور الخاص في الخصوص إمّا أن يكون هادما لظهور العام فلا يبقى له ظهور في العموم بعد ورود التعبّد بالخاص ويكشف عن عدم ارادة المولى العموم من العام أو لا بل يكون بأخصيّته أظهر منه وإن لم يهدمه فيقدم عليه وحينئذٍ فكما ورد التخصيص بالعامين المتّصل بهما المخصّص في هاتين الطائفتين كذلكبالنسبة إلى العام المجرّد عن ورود المخصّص عليه .

نعم قد يقال بالانصراف الحاصل من كثرة عارية الذهب والفضّة غيرالمسكوكين بحيث يكون عارية المسكوك نادرا فيوجب ذلك انصراف الدليل في قوله إلاّ الذهب والفضّة في الطائفة الرابعة إلى غير المسكوك أو كون المراد بالدراهم والدنانير في الطائفتين الأوليين غير المسكوك بلحاظ الندرة والقلّة الاّ ان في كلا الوجهين نظرا لعدم كون قلّة الأفراد وكثرتها موجبة للانصراف إلى الكثير الشايع وتبادر غير النادر . هذا ان فرض تسليم الندرة والكثرة وإلاّ فكثيرا ما يستعار المسكوك لحصول الاعتبار في نظر الناس وان أفاد الندرة المرحوم النائيني(3) ولم يعلم منه الالتزام والبقاء عليها .

سقوط الدلالة الالتزاميّة في المتعارضين

ص: 725


1- . الوسائل 19 نالباب 3/1 من أبواب العارية .
2- . الوسائل 19 نالباب 3/3 - 1 من أبواب العارية .
3- . فوائد الأصول 4/752 .

فعلى هذا لا يبقى بعد تعارض الروايات إلاّ الشكّ والرجوع إلى الأصل العملي بعد قصر اليد عن تناول الدليل الاجتهادي والأصل في المقام هو عدم الضمان والبرائة منه .

فصل: إذا لم يكن في أحد الخبرين المتعارضين مزيّة على الآخر في الدلالة يمكن الجمع بينهما عرفا على ما ذكرنا من الوجوه السابقة في طريق الجمع العرفي فلا اشكال في ان مقتضى القاعدة الأوّليّة التساقط إلاّ انّه ربما يقاس ذلك بمقطوعي الصدور وانّه كما يجب العمل بهما إذا أمكن وتأويل أحدهما أو كليهما إذا لم يمكن الجمع بينهما عرفا فكذلك في المتعارضين الذين يقع التعبّد بسندهما كما بدلالتهما هذا . الا ان فيه بطلان ما ذكر في المقيس عليه وعدم تسليم وجوب تأويل المتعارضين في مقطوعي الصدور كالآيتين إذا لم يمكن العمل بظاهرهما للتنافي وأن لم يمنع ذلك من قرائتهما فتجوز إلاّ انّ التأويل ليس بواجب وما ذكرمن قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح فيه ما قد عرفت من عدم جريانها فيما نحن فيه .

نعم لو اريد بها ما يكون خارجا عن ما نحن فيه من الجموع العرفيّة التي يشهد بصحّتها ما هو الميزان عند أهل المحاورة فصحيح إلاّ انّه لا يفيد فاذا كان الأمر في مقطوعي الصدور هكذا فكيف بالخبرين اللذين لانقطع بصدورهما بدون المعارضة فضلاً عن معارضتهما فيتساقطان سواء قلنا بالمعارضة بين سند كلّ ودلالة الآخر وظهوره أم لا بل أوقعنا المعارضة بين سنديهما .

وعلى كلّ حال فلا معنى للتعبّد بالسند أو مع الدلالة أو بالدلالة التي تبتلي بالمعارض ويكون نتيجة التعبّد الاجمال ( نعم إذا تعبّد بدليل يوجب اجمال دليل

ص: 726

آخر فله وجه كما إذا قال لا تكرم بعض العلماء فانّه يوجب حصول العلم الاجمالي بحرمة اكرام بعض العلماء الذين أوجب اكرامهم لكنّه خارج من باب التعارض ولا ربط له بما نحن فيه ) اللهمّ إلاّ أن يكتفي بالموافقة الالتزاميّة في الخبرين المتعارضين لكنّه يمكن الاكتفاء عنه بمجرّد الالتزام بكلّ ما جاء به النبي صلی الله علیه و آله .

هذا إذا كان مناط الحجّيّة في الخبر أو في الدلالة هو التعبّد وإلاّ فعلى الطريقيّة والامضاء لمافي الطريقة فلا اشكال في عدم شمول دليل الاعتبار واستقرار السيرة وعمل العقلاء على الأخذ بهما معا أو أحدهما بل حيث تعارضت الطرق عندهم لا يعملون بها وتتساقط ويكون الأمر عندهم كما إذا لم يكن طريق فاتّضح ان دليل التعبّد لا يشمل المتعارضين معا وأحدهما بلاتعين ترجيح بلا مرجّح ولا يشمله دليل الاعتبار لو كان هو التعبّد وأمّا على الطريقيّة فقد عرفت انّ

الأمر أوضح من ذلك فحينئذٍ يرجع إلى ما هو مقتضى الأصول من البرائة أو أصولآخر في المقام كما حقّق في الشكّ في التكليف في صورة تعارض النصينوالخبرين وانّه يرجع إلى البرائة كما هو الحقّ المحقّق وإن ذهبت جماعة من الأخباريين إلى الاحتياط إلاّ ان الكلّ اتّفقوا على البرائة في الشبهة الوجوبيّة هذا .

لكن ربما يقال بعدم سقوط حجيّة المتعارضين في الدلالة الالتزاميّة في نفي الثالث وهذا يحتاج إلى توضيح وهو ان الدلالة الالتزاميّة تارة نقول انّها دلالة لفظيّة من سنخ المفاهيم واخرى انّها دلالة عقليّة حيث ان قوله الشيء الفلاني حرام أو واجب لا دلالة له على نفي باقي الأحكام عن موضوع التكليف ومتعلّقه بل إنّما هو من جهة تضاد الأحكام بأنفسها وإلاّ فمع قطع النظر عن ذلك فلا دلالة لقوله

التعارض موجب للتساقط

ص: 727

حرام أو واجب على انّه ليس بمكروه أو مستحب أو مباح . فاذا صحّ هذا واّنه لا يكون إلاّ عقليّا فالظاهر عدم امكان بقاء هذه الدلالة وشمول دليل الحجيّة لها بعد سقوط حجيّة الدلالة الأصليّة والمطابقيّة وعدم شمول دليل الحجيّة سواء كان هو التعبّد أو طريق العقلاء فانّه إن كان هو التعبّد فهذه الدلالة فرع الدلالة المطابقيّة وإذا لم يتعبّد بها فكيف يتعبّد بما هو تبع لأنّ التابع تابع للمتبوع حتّى في شمول دليل الحجيّة وإذا لم يشمل فلا حجيّة له ولذلك ذهب المحقّق الخراساني رحمه الله(1) إلى عدم دلالتهما التزاما على نفي الثالث وخالفه المحقّق النائيني رحمه الله(2) في ذلك حيث ذهب

إلى عدم سقوط دليل الحجيّة وقصوره عن شمول دلالته الالتزاميّة على عدم تعلّق باقي الأحكام في كلاالدليلين المتعارضين وقد يقرب كلامه بتنظيره بما إذا كان للكلام مفهوم مبتلى بالمعارض فكما انّه لا يوجب ابتلاء المفهوم بالمعارضسقوط منطوقه عن الحجيّة بل يعمل به فكذلك المقام وبالعام المخصّص فانتخصيص وتقديم دليل الخاص على العام في مدلوله لا يوجب سقوط العام في الباقي عن الحجيّة وبالجملة فحال ما نحن فيه حال الرواية الواحدة الشاملة لأحكام عديدة وجملات متعدّدة فانّه تنحل إلى روايات وأحكام متعدّدة حسب تعدّد مضامينها وان سقوط بعضها عن الحجيّة للمعارضة لا يصير سببا لسقوط باقي الجملات وهكذا .

لكن يدفعه ان الأمر في ما نحن فيه على العكس وان الدلالة المطابقيّة التي تكون الدلالة الالتزاميّة على فرض كونها من سنخ المفاهيم فرعا لها لا اشكال في

هل التساقط يمنع عن نفي الثالث

ص: 728


1- . هذا خلاف نصّ الكفاية 2/385 .
2- . فوائد الأصول 4/755 - 756 .

عدم جريان ما ذكر فيها خصوصا مع التعبّد لكونه متعلّقاً بالمطابقيّة فاذا لم تكن فلا دليل على اعتبار الالتزاميّة وكذلك على الطريقيّة حيث ان في صورة تعارض الخبرين لا بناء للعقلاء على الأخذ بهما كما لا يأخذون بما هو لازم لهما على فرض عدم كونهما متعارضين كيف واحتمال الكذب فيهما مانع من ذلك وان هذه الدلالة إنّما تتمّ على فرض وجود المطابقيّة لأن المطابقيّة مؤدّاها ثبوت الحرمة والاخرى مثلاً الوجوب ولا اشكال في تضادّهما أمّا إذا كانا محقّقين موجودين لا في مثل المقام الذي لا كاشف عن أحدهما فضلاً عن كليهما فكيف يمكن الحكم بنفي الكراهة وباقي الأحكام الخمسة مع عدم استقرار دلالة على الوجوب أو الحرمة اللازم من فرض وجود أحدهما عدم باقي الأحكام فتدبّر .

اللهمّ إلاّ أن يقال بأنّه على فرض الطريقيّة وكون الطرق امضائيّة يرون لمدلولهما الالتزامي أهل المحاورة مكانا ويحكمون بذلك حسب ارتكازهم كما هو ظاهر لمن راجع وجدانه في ما يرد عليه من الخبرين المتعارضين في العرفيّات فيأخذ بلوازمهما وإن كان الملزومان بعد متعارضين وربما يكون كلاهماكاذبين لكنّه فاسد ومدفوع بالمنع منه .ثمّ انّ نتيجة مختار المحقّق النائيني قدس سره عدم الرجوع إلى الأصل بل مقتضى القاعدة العمل بها ( أي الدلالة الالتزاميّة ) مثلاً الاحتياط الا انّه نبّه(1) هنا على عدم جريان هذا الكلام في كلّ مقام بل في ما إذا كان محلّ النفي والاثبات واحدا ويتوارد الحكمان المتعارضان على مورد واحد فلو كان المتعلّق مثلاً متعدّدا كما إذا كان مؤدّى أحد الدليلين وجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة ومفاد الآخر وجوب

اختلاف المتعارضين على المباني

ص: 729


1- . فوائد الأصول 4/757 .

صلاة الظهر مع الاجماع على عدم وجوب صلاتين يوم الجمعة ظهرا فهو خارج عن ما ذكره فلا يدلاّن على نفي الثالث الذي هو في المقام على تقدير الالتزام بمجيئه هنا عدم وجوب صلاة اخرى غيرهما يوم الجمعة هذا وإن كان واضحا مسلما الا ان الثمرة عرفت انها تظهر في عدم جواز الرجوع إلى البرائة في الحكم وإلى عدم وظيفة اخرى غيرهما بل يحتاط باتيانهما معا .

والحاصل انّه لادلالة لكلّ من الدليلين على نفي مدلول الاخر بعد اتّفاقهما كليهما على الوجوب واختلافهما في تعيين متعلّقه جمعة وظهرا ولو لا الاجماع كان الثابت كليهما لعدم التنافي فالتنافي لو لزم إنّما هو لدليل خارجي خارج عن مورد الدليلين ولذلك لا دلالة لهما على عدم تعلّق الوجوب بموضوع ومتعلّق آخر كما ذكرنا هذا .

ثمّ انّ الدليلين المتعارضين كما أشرنا إن لم يكن لأحدهما مزيّة على الآخر بحيث توجب رجحانه ويكون عليه العمل يختلف أمرهما حسب اختلاف المباني على السببيّة الراجعة إلى التصويب الاشعري المجمع على بطلانه والسببيّة الراجعةإلى التصويب الذي ربما التزم به بعض الاماميّة وعلى الطريقيّة . ومحصّل الوجهفي اختلاف هذه المشارب ان السببيّة بالمعنى الأوّل الذي ينسب إليهم عبارة عن عدم حكم واقعي في المقام أصابه من أصاب وأخطأه من أخطأ بل الحكم هو ما أدّى إليه ظنّ المجتهد ونفس قيام الامارة على شيء يحدث فيه مفسدة أو مصلحة موجبة للأخذ به والالتزام بمضمونه في مقام العمل ولا بعد منهم في الالتزام بهذا المعنى الفاسد الذي لا يقول به عاقل حيث انّهم أنكروا ما هو أوضح من هذا فذهبوا إلى انكار الحسن والقبح العقليّين وانّه لا طريق للعقل إلى معرفة حسن

ص: 730

شيء أو قبحه بل لابدّ في ذلك من بيان الشارع وانّه كل¨ ما حسّن أو قبّح يكون حسنا أو قبيحا وهذا مرجعه إلى كون مؤدّى الامارة بما هو مؤدّاها فيه مصلحة أو مفسدة وانّه ليس التكليف بالواقع بل الواقع هو هذا كما في مثل حكومة لا ضرر ولا حرج على أدلّة الأحكام الأوليّة حيث ان متعلّق الأحكام الأوّليّة بما انّها ضرري أو حرجي حكمها غير حكمها الأوّلي بل ما حمل عليهما بهذا العنوان الأخير الثانوي وكما إذا نذر فعل مباح فانّه يوجب كونه واجبا بهذا العنوان الثانوي الذي حصل من قبل المكلّف وهذاالتصويب لا يلتزم به أحد من الاماميّة قدّس اللّه أسرارهم بل أجمعوا على بطلانه وإن كان يمكن أن يرجع إليه ما حكى عن صاحب الفصول فيما أفاد في كلامه من ان مرجع القطعيين إلى قطع واحد وانّه نحن اليوم مكلّفون بمؤدّى الامارات وإن كان الشيخ رحمه الله وجّه كلامه بما يوافق المذهب الحق فراجع .

وأمّا الثاني وهو السببيّة التي ربما التزم بها بعض الاماميّة الملائمة للطريقيّة أن يكون الواقع على هو ما عليه لا يتغيّر ولا يتبدّل بخلاف الأوّل فان قيام الامارة

مبدله من الحرمة إلى الوجوب أو بالعكس مثلاً وانه يغلب ما يوجبه ويحدثه قيامالامارة على الواقع ويكون الحكم على طبقه أي الغالب لكن الأمر في هذا القسممن السببيّة ليس كذلك لبقاء الواقع على ما هو عليه من المصلحة أو المفسدة .

غاية الأمر يجعل طريقا للوصول إلى الواقعيّات على نحو ان أخطأ الطريق ولم يصب الواقع كان سلوك هذا الطريق والامارة وافيا بمقدار ما فات منه من المصلحة أو موجبا لانجبار ما وقع فيه من المفسدة لأن جعله إنّما يكون في حال الانفتاح الذي لو لم يكن جعل هذا الطريق كان على المكلّف ادراك الواقع حسب

تعارض الدليلين على السببيّة

ص: 731

مايلزمه العقل بادراكه واستيفاء ما فيه والتحذّر عن مفسدته فكلّما فات من المكلّف بسلوك هذا الطريق لابدّ أن يتدارك من ادراك فضيلة أوّل الوقت فيتدارك هذا المقدار أو مصلحة تمام الوقت فكذلك أو أصل المصلحة فكذلك إلى تمام العمر فان مات على هذا فلابدّ أن يكون السلوك وافيا بتمامه وإلاّ فلايعقل تصدّي المولى الحكيم بجعل ذلك الطريق المفضي إلى فوت الواقع من المكلّف مع عدم وجود المصلحة الملزمة في دركه واستيفائها بل لا يحتمل صدور القبيح منه فضلاً عن وقوعه .

نعم هنا كلام في انه لو انكشف الخلاف لوليّ الميّت مثلاً في انه صلّى بعض صلواته على غير ما هو واجب أن يأتي به فهل حينئذٍ ذمّته مشغولة بالاتيان أم لا بل حيث انّه مات فلا موضوع كي يتوجّه خطاب القضاء والتدارك إلى وليّه .

وهذا بخلاف النحو الأوّل فانّه لا انكشاف للخلاف فيه بل الواقع كلّه هو ما أدّى إليه الامارة وقام به الطريق وهذا بخلاف القسم الأخير فانّه في طول الواقع لا يوجب تغير الواقع على ما هو عليه .

إذا عرفت هذا فاعلم انّه بناء على القسم الأوّل من السببيّة إذا تعارض دليلان فيكون الخطابان كالمتزاحمين في انّه يعمل بالأهم منهما إن كان وإلاّفالتخيير .

لكن المحقّق النائيني اعمل(1) هنا دقيقة وهي انه إنّما يصار أمرها إلى التخيير على ما ذكرنا إذا كان التزاحم بينهما من قبيل تزاحم التضاد كما إذا تعلّق

ص: 732


1- . فوائد الأصول 4/759 - 760 .

الخطاب بأداء الدين وخطاب آخر بالصلاة فحينئذٍ إذا لم يعرف الأهم يتخير في أيّهما شاء بخلاف ما إذاكان المتعلّق ممّا تعارضا فيه واحدا فانّه يرجع إلى تزاحم المقتضيين كما إذا كان مؤدّى أحدهما وجوب شيء ومؤدّى الآخر حرمته فحينئذٍ ليس للمكلّف أن يعمل بهذا أو ذاك ويكون استوفي مقداره من المصلحة أو احترز عن مفسدته كذلك بل حيث ان مآلهما إلى ذلك لا يحكم على طبق أحدهما في صورة التساوي كما هو مفروض الكلام وعدم معرفة الأهم الغالب منهما وحينئذٍ يكون المرجع هو البرائة .

وهذا نظير ما لو نذر المكلّف فعل شيء ونذر وكيله أو غيره فضولاً بناءً على جوازه في النذر وشبهه على تركه فانّه لا يجب عليه العمل بأحدهما واعطاء الكفّارة لحنث الآخر بل لا يجب كلّ واحد منهما عليه فكذلك الدليلان المتعارضان في ما نحن فيه .

والنتيجة: انّه بناء على كون قيام الامارة موجبا لحدوث المصلحة أو المفسدة في المؤدّى على طبقها ويكون المؤدّى حينئذٍ بالعنوان الثانوي حراما أو حلالاً واجبا أو محرّما كالتقية المغيرة للواقع وان هذا هوالتصويب الذي يقول به المعتزلة وأجمع الاماميّة على خلافه لا لدليل عقلي فانّه لا امتناع عقلاً في ذلك بل

لقيام الاجماع إلاّ في موردين وهما مسئلتا الجهر والاخفات والقصر والاتمام فانّهقدورد النص(1) في كليتهما بذلك وقد دفع الكل الاشكال عنه بوجه حتّى يوافق القواعد .

ص: 733


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 26/1 من أبواب القرائة في الصلاة والوسائل 8 الباب 17/4 من أبواب صلاة المسافر .

فعلى هذا يكون نتيجة المتعارضين في مقام العمل التخيير لكن فيما إذا لم يكن بين الفعل والترك وقامت الامارة على وجوبه والآخر على حرمته فانه يرجع إلى التزاحم في المقتضيين وقد تقدّم انّه راجع إلى التعارض ولا يكون من التزاحم حيث قد ذكرنا في بعض المباحث السابقة ان التزاحم إن كان في مقام الداعويّة لجعل المولى بحيث لا يمكنه اجابة كلتا الدعوتين فلا محالة يكون الجعل على طبق الغالب من المصلحة والمفسدة فامّا أن يكون هو الوجوب أو الحرمة أو حكما ثالثاكالكراهة والاباحة والاستحباب إذا لم يكن هناك غلبة مقتضية لذلك بل التخيير إنّما هو في ما لم يكن الأمر من هذا القبيل بأن كان مورد التعارض بنحو يمكن اختيار كلّ من طرفي التعارض بلا رجوع إلى التزاحم في المقتضى وعالم الجعل وقد فرض المحقّق النائيني(1) لذلك بما إذا كان التزاحم من قبيل الأمر بالشيء والأمر بضدّه لكن استشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره برجوعه إلى التزاحم وأي ربط لباب التزاحم بباب التعارض كي يكون النتيجة التخيير عند عدم امكان العمل بكليهما خصوصا إذا كان التزاحم اتّفاقيّا كما إذا كان مخاطبا بالصلاة وأداء الدين .

نعم إذا كان التزاحم دائميّا فيرجع إلى التعارض على اشكال في التفصيل قد تقدّم إلاّ ان ما ذكره سيّدناالأستاذ كأنّه بلا وجه حيث ان نظر المحقّق النائيني قدس سره فيذلك إلى تحقّق التعارض فان مرجع كلّ تضاد إلى التناقض إلاّ ان لكلام سيّدناالأستاذ وجها لو كان أراد التساوي والاطلاق وكيف كان فهذا بناءً على السببيّة التي ذهبت المعتزلة إلى اختيارها أمّا بناء على كون المصلحة في سلوك الامارة فقد يقال كما عن الشيخ قدس سره ان في هذه الصورة أيضا يتخيّر في الأخذ بأيّهما شاء

في المصلحة السلوكيّة

ص: 734


1- . فوائد الأصول 4/759 .

كما في السببيّة التي توافق مذهب التصويب وأورد عليه المحقّق النائينى(1) بأن ذلك إنّما هو في فرض عدم سقوط الطريقيّة فاذا تعارض الطريقان فلا يبقى موضوع لمصلحة السلوك إلاّ انّ سيّدنا الأستاذ قرب بوجه آخر وهو انّه لابدّ في المصلحة السلوكيّة من كونها قائمة بالحجة فاذا لم تكن حجّة فلا مصلحة في سلوك ما لم يكن بعد طريقا فان الفرض ان خبر العادل بما هو لا يوجب حدوث مصلحة في المؤدّى وما لم يعتن به الشارع فلا اعتبار له فحينئذٍ إذا جعله حجّة وطريقا يكون مصلحة في سلوكه عند عدم مصادفته للواقع بحيث يكون عذرا .

فانّ المصلحة السلوكيّة على ما حقّق في محلّه إنّما يلتزم بها في صورة انفتاح باب العلم وتمكن المكلّف من الرجوع إلى الامام علیه السلام وأخذ المسائل عنه فحينئذٍ إذا جعل له طريقا مفوّتا للواقع له في بعض الأحيان فنكشف من تدارك الشارع هذا المقدار من الفائت من المكلّف كيف ما كان ان قليلاً فقليلاً وإن كثيرا فكثيرا ولا يخفى ان هذا إنّما يكون في الموقتات في خصوص الواجبات .

أمّا المحرّمات فيمكن عدم اندفاع الاشكال فيها بعدم فوت المصلحة بل سلوك الامارة أوقعه في مفسدة الحرام ولا تدارك عليه وإن كان يمكن دفعه بأن سلوك الامارة والاغناء والاعتماد بها يمكن قيامه بتدارك المفسدة الواردةوالضرر الواقع عليه من ناحيته فاذا كان الأمر كذلك فلا تكون هذه المصلحة فيسلوك الامارة إذا لم يكن موضوع لها فعند التعارض لا يشمل دليل الحجيّة لكليهما لفرض التعارض كما لا يشمل كلاًّ منهما تخييرا عند عدم العمل بالاخر واحديهما لا بعينها أيضا مضافا إلى انه ترجيح بلا مرجح لا دليل عليه فلا يبقى

ص: 735


1- . فوائد الأصول 4/761 .

مورد للمصلحة السلوكيّة .

نعم لو أراد السلوك رجاءً فلا نضايفه ( لا يخفى ان الرجاء في غير صورة احتمال الحرمة ) إلاّ انّ الكلام في الاعتماد على الامارة المتعارضة والتدين بها واسنادها الى المولى وفي الفرض بدون الرجاء يكون من التشريع المحرم .

فظهر ممّا ذكرنا انّه لا وجه لاحتمال التخيير بناء على هذا الفرض ( لا يخفى ان هذا خروج عن محلّ النزاع فتأمّل ) فانّ المولى لا مانع منه تسهيلاً على المكلّفين من جعل طرق لهم منّة ولابدّ على هذا الفرض من الأوّل الترخيص في مخالفة التكليف لو خالفه الطريق .

هذا كلّه في الامارات القائمة في مورد الأحكام وأمّا في باب الحقوق والوضعيّات ففيه وجوه:

فالأوّل: كما إذا قامت بيّنة على كون ما في يد ثالث لزيد واخرى على كونه لعمرو فقد يقال بالتخيير كما ذهب إليه المحقّق النائيني(1) بناء على كون ذلك عملاً بالبينتين بقدر الامكان لكنه يتمّ على الموضوعيّة وإلاّ فعلى الطريقيّة لا ريب في التساقط حتّى في المدلول الالتزامي كنفي كون المال لغيرهما .

هذا إذا لم يدع من في يده المال كونه له .أمّا إذا ادّعى فبعد التساقط يحكم بكونه له وكالصورة الأولى ما لو قال منفي يده ان هذا لأحد هذين أو لهؤلاء فيمكن الرجوع إلى قاعدة العدل والانصاف كما في الدرهم(2) التالف من الودعيين لأحدهما درهمان وللآخر واحد فتلف

تعارض البيّنات

ص: 736


1- . فوائد الأصول 4/762 .
2- . الوسائل 18 الباب 12/1 من كتاب الصلح .

واحد منها فيردّ الواحد إلى صاحب الاثنين والواحد ينصف بينهما لعدم المرجّح لأحدهما ويمكن أن يقال بالقرعة .

وأمّا في الوضعيّات فيمكن كونها مثل الحقوق كما انه يمكن كونها كالامارات القائمة في الأحكام .

خلاصة ما سبق: قد ذكرنا تعارض باب البيّنات بمناسبة تعارض الخبرين فانّ التعارض كما يقع في الأدلّة المتكلّفة للأحكام كذلك يقع في الموضوعات كالبيّنات وكما في باب اليد وكذلك يقع في باب الوضعيّات والأصل والقاعدة الأوّليّة في مطلق التعارض يقتضي التساقط لو كان من باب الطريقيّة كما في باب البيّنات ولهذا الباب فروع كثيرة وأحكام مختلفة ربما تشتمل على كثير من مباحث القضاء لكنّه حيث لا ربط لها بما نحن فيه وخارج عمّا نحن بصدده فالاعراض عنها أحرى .

فلنرجع إلى شرح مرام المحقّق النائيني قدس سره في ما أفاده في هذا المقام فانّ المال(1) إذا كان في يد ثالث فربما يدّعي الملكيّة في قبال دعوى مدعيين اقاما على حسب دعواهما البينة واخرى لا يدّعي ذو اليد الملكيّة بل يسكت كما ربما يعترف بكونه لأحد هذين ولا يعرفه بعينه أو نسي ففي الصورة الأولى لا اشكالفي الحكم بكونه ملك صاحب اليد لتعارض البينتين من الطرفين وتبقى اليد سليمةعن المعارض وأمّا الصورة الثانية والثالثة فالكلام فيهما وفي أمثالهما من الموارد التي لا يعرف المال لأحد بعينه وله نظائر في كثير من الأبواب كباب الوقف وغيره فهل العمل على طبق قاعدة القرعة أو يعمل بمقتضى قاعدة العدل والانصاف ؟

ص: 737


1- . فوائد الأصول 4/762 .

ربما يمكن أن يقال بتعين العمل بقاعدة العدل والانصاف لاستقرار بناء العرف والعقلاء عليها عند عدم مورد تشخيص حق المتداعيين فلذا تقدّم على القرعة حيث ان الأصحاب لم يعملوا بقاعدة القرعة وإن كانت(1) هي لكلّ أمر مشكل لكنّه تختصّ بما إذا لم يكن مورد للحكم الواقعي ولا الظاهري فاذا كان في موردها حكم ظاهري فحينئذٍ لا مجال للعمل بها لا لأنّ الأصحاب ظفروا بقرينة متّصلة بأدلّتها اتّفقوا على عدم كتبها وضبطها وايصالها إلى من بعدهم بل للفهم عن ظاهر دليلها ذلك .

فان نسبة الاتّفاق والتعهّد على عدم الكتب والحفظ للقرائن الحافة بمثل هذه الأدلّة في موارد كثيرة في الفقه إلى الأصحاب لا يخلو من مجازفة .

فالاولى أن يقال ما ذكرنا ويمكن الاستيناس لصحّة هذه القاعدة بعدّة موارد في الروايات المختلفة هذا .

نعم إذا لم يبق مورد للقواعد الآخر ولا أصل موضوعي وغيره فحينئذٍ لا بأس بالعمل باخبار(2) القرعة لتحقّق موضوعها عند ذلك . لكن فيه ان قاعدة العدل والانصاف ممّا لا أصل لها لا عقلاً ولا عرفا ولا شرعا بل لو تمّت لقلنا والتزمنا بماذكر وقدمناها على قاعدة القرعة الا انه لا دلالة عقل ولا عرف على صحّة قاعدةالعدل والانصاف .

وأمّا الأخبار الواردة في الموارد المتفرّقة فلا يمكن منها استفادة القاعدة الكليّة .

ص: 738


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 13/11 - 18 من أبواب كيفيّة الحكم واللفظ كلّ مجهول ففيه القرعة .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 13 من أبواب كيفيّة الحكم .

نعم لا بأس بالعمل بها في مواردها كخبر البعير الذي ورد انّه بينهما نصفان .

ففي رواية تميم(1) بن طرفة ان رجلين ادّعيا بعيرا فأقام كلّ واحد منهما بيّنة فجعله أميرالمؤمنين علیه السلام بينهما .

وكخبر الدرهم(2) الودعى ولا يخفى ان فرض ذلك على نحوين فتارة يكون الدرهم من أحدهما والدرهمان من آخر مختلطا بعضها ببعض فحينئذٍ تحقّق فيها الشركة فما توى توى منهما وما بقي بقي لهما ويكون على هذا ما بقي بينهما أثلاثا فيعطى صاحب الدرهم ثلث الدرهمين ولصاحب الدرهمين ثلثيهما وعلى هذا فالرواية مخالفة للقاعدة لكنّها تنطبق على النحو الآخر كان لا يكون على نحو الشركة بل كان مواضع الدراهم الثلاثة مختلفة ففقد واحد منها ولم يدر الودعى ان الفاقد من مال أيّهما ففي الواقع إمّا أن يكون المفقود من مال صاحب الدرهمين فلصاحب الدرهم الواحد درهمه ولا ينقص منه شيء وإن كان منه فلا نصيب له إلاّ ان مقتضى الرواية ان لصاحب الدرهمين درهما ونصفا والنصف الآخر مال صاحب الدرهم فيكون القسمة بينهما أرباعا وهذا بخلاف الفرض الأوّل فهو أثلاثا لرجوع المفروز من ملك كلّ منهما مشاعا بالاختلاط .ولا يخفى ان المسئلة على هذا لا تكون من باب العدل والانصاف بل للعملبالرواية في موردها فتبيّن انّه لا دليل على قاعدة العدل والانصاف فالمتعيّن في أمثال هذه المقامات من موارد تعارض اليدين أو البينتين بنحو لا يرجع كلّ يد إلى ما تحتها ولم يكن مزية التساقط والرجوع إلى قاعدة القرعة .

خبر ابن حنظلة

ص: 739


1- . الوسائل 18 الباب 10/1 من أبواب كتاب الصلح .
2- . الوسائل 18 الباب 12/1 من كتاب الصلح وفي الرواية استيداع الدينار لا الدرهم .

نعم في باب اليمين قد ورد انّه ذهبت اليمين بما فيها فلا يجوز على صاحب الحق بعد يمين المدعى عليه التقاص منه كما ورد(1) في الخبر الا انّه يمكن أن يكون

باب الاقرار فيه موضوعيّة .

وقاعدة القرعة في الموضوعات كالاصول العمليّة في الأحكام فكما انّه بعد تساقط الطرق يكون المرجع الأصل الجاري في المسئلة من البرائة والاحتياط كذلك بعد قصور اليد عن البيّنات وعن القواعد الاخر غير القرعة يكون المتعيّن العمل على طبقها .

فصل في الأخبار العلاجيّة: لا اشكال في ان مقتضى الأخبار الواردة في مقام علاج الخبرين المتعارضين عدم سقوط كليهما عن الحجيّة بل إمّا أن يكون أحدهما ذا مزية توجب الأخذ به أو لا فعند فقد المرجح اختلفت الأخبار فيظهر من رواية عمر(2) بن حنظلة المقبولة التي صدر باب وجوه الجمع بين الأحاديث المتفرّقة هذه الأخبار صاحب الوسائل رحمه الله بها التوقف لقوله فيها فارجه . قال عمر ابن حنظلة سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما إلى أن قال فان كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أنيكونا الناظرين في حقّهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكمفقال

علیه السلام: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر قال: قلت: فانّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه قال: فقال: ينظر إلى ما كان من رواياتهما عنّا

ص: 740


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 - 2 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فانّ المجمع عليه لا ريب فيه إلى أن قال: فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة إلى أن قال: إذا كان كذلك فارجه حتّى تلقى امامك فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات .

وهذا الخبر قد اشتمل على أكثر من المرجّحات لم يجمعها غيره ووروده

وإن كان في الحكم الذي يحكم به الحاكم الا ان بالالتزام يدل على كون المرجّحات مرجّحة في باب الفتوى فلا يلتفت إلى ما استشكل(1) به المحقّق الخراساني رحمه الله من قوة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة لرفع المنازعة لكن حيث ان الترجيح بما فيها لا ربط له بباب الفتاوى والأحكام الشرعيّة فلذا لم يأخذوا بها بل انّما رجّحوا بخصوص مرجّحات مدرك الحكمين وفي هذه الجهة يشترك له الحكم والفتوى فعلى هذا لابدّ من الأخذ وما تضمّن هذه الرواية من الترجيح بمخالفة العامّة قد اشتملته عدّة من الروايات لعلّها تقرب عشرين كما ان الترجيح بكون(2) الشاهد له من كتاب اللّه أو شاهدين أيضا قد وردفي الروايات ومقتضى بعض الأخبار الآخر التخيير(3) لكنّه ورد في بعض المستحبّات كما سننقله ذيلاً وقد دلّت الرواية عن الرضا علیه السلام (4) على ان التخيير

روايات الجمع بين المتعارضين

ص: 741


1- . كفاية الأصول 2/392 .
2- . الوسائل 27 الباب 9/11 - 18 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 9/6 - 39 - 40 - 41 - 44 من أبواب صفات القاضي .
4- . الوسائل 27 الباب 9/21 .

إنّما هو في الروايات الواردة في المستحبّات والتوقّف في المتكفّلة لبيان حكم الواجب والحرام كما ورد في بعض آخر ما مضمونه(1):

يرد عنكم حديثان مختلفان أحدهما يأمر والآخر ينهى قال: بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك .

ومن هذا القبيل رواية(2) أو روايتان ومقتضى بعض آخر التوقّف(3) حتّى يتبيّن أو حتى يجييء البيان ومقتضى الرواية الرضويّة وقوع الصلح بين أخبار التوقّف والتخيير لكونها شاهدة للجمع بينهما بحمل أخبار التخيير على المستحبّات وأخبار التوقّف على غيرها .

هذا مضافا إلى عدم العمل باخبار التخيير فانا لم نجد في الفقه موردا عند تصادم الأدلّة من الطرفين وتساوي الخبرين في المرجّحات يأخذون بطرف من موارد المسئلة بالتخيير وإن كان ذلك هو مقتضى أخباره ومختار الكليني رحمه الله فيديباجة الكافي بقوله: اعلم يا أخي الخ بل قلّما يوجد أو يمكن دعوى عدم تحقّق مورد لم يكن فيه أحد المرجّحات فعلى هذا يرتفع الاشكال في الجمع بين الأخبار ولا يجب الأخذ بمضمون المقبولة في المرجّحات الواردة في خصوص الحكم وبهذا الوجه تنحل العويصة في اختلاف أخبار العلاج بين المتكافئينلتوافق المقبولة في ترجيحات مدرك الحكم مع باقي الروايات المشتملة على ذلك بالنسبة .

ويبقى الكلام في الجمع بين أخبار التوقّف مطلقا وبين أخبار الترجيحات

ص: 742


1- . الوسائل 27 الباب 9/6 .
2- . الوسائل 27 الباب 9/6 .
3- . الوسائل 27 الباب 9/1 - 5 - 18 - 37 .

ولا قوّة في أخبار التخيير كي تقاوم أخبار الترجيح فحينئذٍ تقدّم هذه الأخبار ويكون عليها العمل ومن هذه الجهة يفرق مبنانا في الجمع بين الأخبار ومبنى المحقّق النائيني في انقلاب النسبة بين أخبار التخيير والتوقف بعد تقسيمها إلى أربعة أقسام .

تكميل: في المجمع بين المتعارضين إذا تكافئا من حيث المرجّحات أقوال: منها: التخيير مطلقا والتوقّف مطلقا والاحتياط وقسم المحقّق النائيني قدس سره الأخبار الواردة في هذا المقام مع قطع النظر عن أخبار الترجيح الخاصّة بالنسبة إلى باقي الأخبار على طوائف أربع . منها الأخبار الدالّة على التوقّف في زمان الحضور والتمكّن من ازالة الشبهة بالسؤال عن المعصوم علیه السلام ومنها الأخبار الدالّة على التخيير كذلك في زمان الحضور وفي قبالها طائفتان: احداهما دالّة على التوقّف مطلقا بلا اختصاص لزمان دون زمان والثانية على التخيير كذلك ولا اشكال ان النسبة بين طائفتي زمان الحضور التباين الكلي كما ان الاخرى بين المطلقتين أيضا كذلك وإن كان المنسوب إلى المحقّق النائيني قدس سره في التقريرات(1) ان بين المطلقتين عموما من وجه لكن ذلك مجرّد نسبة مخالف لما هو المترائي من هاتين الطائفتين ولا وجه لدعوى حمل المطلق في أخبار التخيير على المقيّد منهاثمّ ملاحظة نسبتها إلى أخبار التوقّف كي ينتج التوقّف في زمان الحضور والتخيير في زمان الغيبة لكون ذلك أي حمل المطلق على المقيّد في صورة ارادة صرف الوجود لا في مثل المقام الذي قد اريد من المطلق مطلق الوجود كما ان الأمر

موقع اخبار التخيير

ص: 743


1- . فوائد الأصول 4/764 لكن فيه عدم الوقوف على ما دلّ على التوقّف مطلقاً حتّى في زمان الغيبة .

كذلك في مطلقات التوقّف بالنسبة إلى مقيّداتها فحينئذٍ فطوائف الأخبار أربع إلاّ انّه قدس سره ادّعى عدم العمل بمطلقات التخيير(1) كما انه لا نتيجة في مقيّداتها على فرض عدم ورودها خصوصا في غير الواجبات والمحرّمات كما ربما يرشد إلى ذلك التوقيع الشريف(2) الدال على الأخذ باحدى الروايتين شاء من باب التسليم وانه يسعه ذلك في التكبير بعد السجدة الثانية .

وعلى هذا فكان الاطلاقات قد اريد بها الخصوص أي اطلاقات التخيير فحينئذٍ لا اشكال في تقديمها على مطلقات التوقّف حتّى في زمان عدم التمكّن من الوصول إلى الامام علیه السلام فيرتفع الاشكال في الجمع بين هذه الأخبار وتكون النتيجة حينئذٍ في زمان الغيبة مع اخبار التخيير لكونها بالنسبة إلى أخبار التوقّف خاصّا سواء قلنا بكون النسبة بينها وبين مطلقات التخيير ابتداءً العموم من وجه أو التباين

الكلي إذ على كلّ تقدير بعد خروج زمان الحضور عن تحت اطلاق مطلقات التخيير تنقلب نسبتها إلى أخبار التوقّف المطلق إلى الخصوص المطلق فيقدم عليها بالأظهريّة هذا كلامه قدس سره في الجمع بين أخبار العلاج في هذا الباب .

لكنّك قد عرفت انّ هذا في الحقيقة مرجعه إلى عدم كون مطلق للتخيير لعدمامكان الالتزام بالتخيير ولو عند التمكّن من استعلام الحكم كما إذا كان في بلدالامام بل يمكن أن يقال ان اخبار التخيير المطلق إمّا لا وجود لها حقيقة أو معرض عنها على تقدير صدورها عن الأئمّة علیهم السلام لأن ما روى عن الشيخ الطوسي وغيره رحمهم الله عدم التخيير في مقام تكافؤا المتعارضين وعدم وجود مرجح من

ص: 744


1- . فوائد الأصول 4/764 لكن في زمان الحضور .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/39 من أبواب صفات القاضي .

المرجّحات الواردة عن الأئمّة علیهم السلام الممكن في بعضها دعوى التواتر المضموني كأخبار مخالفة العامّة وموافقتهم وكذا إذا لم يمكن الأخذ بالمجمع عليه في قبال الشاذّ النادر وغير ذلك ممّا اشتملت عليه أخبار الترجيح على نحو يستندون في مقام التعارض إلى أحد الخبرين ويجعلونه حجّة كما هو ظاهر أخبار التخيير في كونه في المسئلة الاصوليّة وحينئذٍ تكون بدويّة كما في الموافق للكتاب والمخالف للعامّة فلا عبرة بالآخر بعد ذلك وكون هذا حجّة بحسب الأخبار العلاجيّة فحينئذٍ لابدّ من التوقّف في الفتوى وأمّا في مقام العمل فلابدّ من الرجوع إلى الأصول العمليّة عند ذلك فاذا كان من دوران الأمر بين المحذورين فيدخل في مسئلة تعارض النصين وقد ثبت في محلّه جريان البرائة على ما هوالحق كما ان عند قوم يكون المرجع الاحتياط إن أمكن امّا إذا كان من دوران الأمر بين الواجب وغير الحرام فالأمر كذلك على اختلاف المباني في جريان البرائة مطلقا أو عند الاصوليين وكثير من الاخباريين والاحتياط عند آخرين منهم الا ان هذا وأمثاله من الشبهات والاشكالات لا يكون قرينة على عدم العمل باخبار التخيير والاعراض عنها بحيث تكون مطروحة بل لابدّ في اثبات الأعراض من تحقّق مورد للتعارض بحيث لم يكن مورد أعمال أحد المرجّحات وحينئذٍ لم يعملوا بأخبار التخيير كي يثبت الأعراض وأنّى للمدّعي باثبات ذلك بل يمكن دعوى عدم وقوع التعارض على هذا النحو بحيث لا يكون في أحدهما أحد منالمرجّحات الموجب لأخذه وتعين العمل به .فعلى هذا فلا يمكن الجمع بين أخبار العلاج للمتعارضين بل هي بأنفسها متعارضة فتتساقط على ما هو القاعدة في كلّ طريق عند التعارض فلابدّ من

رواية العيون

ص: 745

الرجوع إلى الأصول العمليّة على ما ذكرنا لكن الخبر(1) الذي روى عن الرضا علیه السلام في ذلك الذي أشرنا إليه المفصّل بين النواهي والأوامر بين ما كان نهي اعافة فيكون المرجع أخبار التخيير أو تحريم فالتوقّف يكون شاهد الجمع بين هاتين الطائفتين أي أخبار التخيير المطلق وأخبار التوقّف كذلك(2) اللتين النسبة بينهما التباين الكلي ولا وجه للاشكال بعدم تشخيص الموضوع في انه نهى كراهة أو تحريم لامكانه في ما إذا علمنا عدم الوجوب بالاجماع كما في صورة عدم ثبوت التكبيرة غير تكبيرة الاحرام وورد في ذلك الروايتان المختلفتان في الثبوت وعدمه كما ورد في ذلك التوقيع(3) وانّه يتخيّر في الأخذ بأحدهما وكذا ما يكون شبيه المقام .

ثمّ انّه إذا شككنا ان هذا المورد الذي تعارض فيه الخبران ممّا هو من مورد نهي الاعافة أو غيره فالأمر يدور بين كونه من موضوع أخبار التخيير أو التوقّف ولا مجال للحكم بكونه من أحدهما بل لابدّ في ذلك أيضا الرجوع إلى الأصل العملي .ومن الأخبار الواردة في علاج المتعارضين رواية العيون(4) واستظهر منهاسيّدنا الأستاذ قدس سره عند فقد المرجّحات المذكورة فيها التوقّف مطلقا والرواية وإن كانت طويلة الا انها حيث اشتملت على العلاج في الأخبار المختلفة بوجوه مفصّلة

ص: 746


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/21 من أبواب صفات القاضي .
2- . والحاصل إن الجمع الذي ذكره المحقّق النائيني رحمه الله لا وجه له حيث ان المطلقات طائفتان كالمقيّدات وبين كلّ من الطائفتين تعارض مع الاخرى فلا يفيد ما ذكر . الوسائل 27 الباب 9/37 - 39 - 40 - 41 - 44 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 9/39 من أبواب صفات القاضي .
4- . الوسائل 27 الباب 9/21 .

فلا بأس بذكرها .

قال: يروي في الوسائل(1) عن عيون الأخبار عن أبيه ومحمّد بن الحسن إلى عن أحمد بن الحسن الميثمي انّه سأل الرضا علیه السلام يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله في الشيء الواحد فقال علیه السلام: ان اللّه حرّم حراماً وأحلّ حلالاً وفرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرّم اللّه أو في تحريم ما أحلّ اللّه دفع فريضة في كتاب اللّه رسمها بين

قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك لا يسع الأخذ به لأن رسول اللّه صلی الله علیه و آله لم يكن ليحرم ما أحلّ اللّه ولا ليحلّل ما حرّم اللّه ولا ليغيّر فرائض اللّه وأحكامه كان في ذلك كلّه متبعا مسلما مؤدّيا عن اللّه وذلك قول ( رسول ) اللّه ان أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ

فكان صلی الله علیه و آله متبعا للّه مؤدّيا عن اللّه ما أمره به من تبليغ الرسالة .

قلت: فانّه يرد عنكم الحديث في الشيء عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله ممّا ليس في الكتاب وهو في السنّة ثم يرد خلافه فقال: كذلك قد نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله عن أشياء نهي حرام فوافق في ذلك نهيه نهي اللّه وأمر بأشياء فصار ذلك الأمر واجبا لازما كعدل فرائض اللّه فوافق في ذلك أمره أمر اللّه فما جاء في النهي عن رسول اللّه

صلی الله علیه و آله نهي حرام ثمّ جاء خلافه لم يسغ استعمال ذلك وكذلك فيما أمر به لأنا لا نرحّص فيما لم يرخّص فيه رسول اللّه صلی الله علیه و آله ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول اللّه صلی الله علیه و آله الاّ لعلّةخوف ضرورة فاما ان نستحلّ ما حرّم رسول اللّه أو نحرّم ما استحلّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله فلا يكون ذلك أبدا لأنّا تابعون لرسول اللّه صلی الله علیه و آله مسلّمون له كما كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله تابعا لأمر ربّه مسلّما له وقال اللّه عزّوجلّ: « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ

ص: 747


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/21 من أبواب صفات القاضي .

عَنْهُ فَانْتَهُوا »(1) وانّ اللّه نهى عن أشياء ليس نهى حرام بل اعافة وكراهة وأمر بأشياء ليس بأمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدين ثمّ رخّص في ذلك للمعلول وغير المعلول فما كان عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله نهى اعافة أو أمر فضل فذلك الذي يسع استعمال الرخصة فيه إذا ورد عليكم عنّا الخبر فيه باتّفاق يرويه من يرويه في النهي ولا ينكره وكان الخبران صحيحين معروفين باتّفاق الناقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعا أو بأيّهما شئت وأحببت موسّع ذلك لك من باب التسليم لرسول اللّه صلی الله علیه و آله والردّ إليه وإلينا وكان تارك ذلك من باب العناد والانكار وترك التسليم لرسول اللّه مشركا باللّه العظيم.

فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب اللّه فما كان في كتاب اللّه موجودا حلالاً أو حراما فاتّبعوا ما وافق الكتاب وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول اللّه صلی الله علیه و آله فما كان في السنّة موجوداً منهيّاً عنه نهي حرام ومأموراً به عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أمر الزام فاتبعوا ما وافق نهي رسول اللّه صلی الله علیه و آله وأمره وما كان في السنة نهي اعافة أو كراهة ثمّ كان الخبر الأخير خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وكرهه ولم يحرّمه .

فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا وبأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والردّ إلى رسول اللّه وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوهفردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكفّ والتثبتوالوقوف وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا . انتهى الخبر .

ثمّ قال صاحب الوسائل ذكر الصدوق انّه نقل هذا من كتاب الرحمة لسعد

توضيح رواية العيون

ص: 748


1- . سورة الحشر: 8 .

بن عبداللّه وذكر في الفقيه انّه من الأصول والكتب التي عليها المعول وإليها المرجع .

وحاصل ما يستفاد من هذه الرواية الشريفة على طولها ان في مقام تعارض الأخبار يرجح موافق الكتاب فهو الحجّة ويترك الآخر ثمّ الموافق لسنّة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وذلك في الأحاديث التي تتضمّن الحرمة أو الوجوب وما يعارضها فان لم يكن مخالف ولم يعرف ذلك فحينئذٍ يجب التوقّف في الفتوى ولا يجوز اسناد ذلك إليهم عليهم السلام كما يدلّ عليه مضافا إلى هذه الرواية رواية الحسن بن الجهم(1) عن العبد الصالح عليه السلام قال: إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب اللّه وأحاديثنا فان اشبهها فهو حقّ وإن لم يشبهها فهو باطل .

فان المراد من قوله وان لم يشبههما أعم من المخالفة فسواء خالف الكتاب وأحاديثهم أو لم يخالف بل لم يكن شبيها بها فهو باطل بمعنى انه لا يجوز التدين به وليس حجّة ولا يجوز اسناده إليهم .

إن قلت: إذا كان في مورد الخبرين المتعارضين سنّة متواترة معروفة عن النبي صلی الله علیه و آله فلا تصل نوبة التعارض في مقام العمل إلى هذه الأخبار .

قلت: لا ينحصر ذلك بمقام العمل بل جواز الاسناد وعدمه أيضا من الفوائد المترتّبة على صدور الخبر عنهم وفي صورة موافقة أحدهما الكتاب أو السنّةالنبويّة يجوز الاسناد إليهم دون ما لم يكن كذلك وأمّا إذا لم يكن في السنّة النبويّةحراما أو واجبا بل مستحبّا أو مكروها فحينئذٍ ورد خبران مختلفان في ذلك فحينئذٍ يجوز الأخذ بأحدهما أو بهما جميعا .

روايات دالّة على التوقّف

ص: 749


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/48 من أبواب صفات القاضي .

ويستفاد من قوله علیه السلام في الخبر السابق كون التخيير في ذلك استمراريّا كما هو المسلّم في خصوص المكروهات والمستحبّات بلا اشكال وأمّا إذا لم يعلم كون السنة على أيّ نحو وهل في السنّة هذا أمر واجب أو حرام وهل يستحب أو لامكروه أم لا فحينئذٍ لابدّ من التوقّف في الفتوى وهذا هو الذي أشار إليه في ذيل الخبر .

وعلى هذا فيكون الرواية المزبورة من أدلّة التوقّف المطلق لعدم اختصاص الراوي بهذا الحكم ولا من كان في عصر المعصومين علیهم السلام أجمعين .

ثمّ ان في المقام روايات اخر دالّة على التوقّف في زمان الحضور كما انّ هناك طوائف دالّة على التخيير مطلقا وفي زمان الحضور بل جميع الروايات الصادرة عن المعصومين علیهم السلام زمان الحضور هو المورد المسلم منها ( إلاّ ان اطلاق بعضها جار في صورة التمكّن من ازالة الشبهة بخلاف الاخرى فليس لها ذلك الاطلاق ) .

فمن الروايات الواردة في المقام الدالّة على التوسعة رواية ابن الجهم(1) عن الرضا علیه السلام قال: قلت له تجيئنا أحاديث عنكم مختلفة فقال ما جاءك عنّا فقس على كتاب اللّه عزّوجلّ وأحاديثنا فان كان يشبههما فهو حقّ وإن لم يشبههما فليس منّا .قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحقّ ؟قال: إذا لم تعلم فموسع عليك بأيّهما أخذت وفي رواية ابن المغيرة(2) عن

ص: 750


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/40 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/5 من أبواب صفات القاضي .

أبي عبداللّه علیه السلام قال: إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتّى ترى القائم فتردّ إليه .

وممّا دلّ على التوقّف ما رواه سماعة(1) معتبراً عن أبي عبداللّه علیه السلام قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع ؟ قال: يرجئه حتّى يلقى من يخبره فهو في سعة حتّى يلقاه .

قال الكليني وفي رواية اخرى بأيّهما(2) أخذت من باب التسليم وسعك .

ويظهر من هذه الرواية انّه في سعة في العمل حيث ان الأمر دائر بين الفعل والترك المرخّص عقلاً في اختيار أحدهما فلابدّ حينئذٍ من التوقّف حتّى يلقاه .

كما انّ في بعض الروايات الاخر ( حتّى يأتيكم(3) البيان ) وذلك مطلق دال على التوقّف في زمان الحضور والغيبة .

وعلى هذا فطوائف الأخبار أربع ما يدلّ على التخيير مطلقاً وفي زمان التمكّن من ازالة الشبهة وكذلك أخبار التوقّف على طائفتين مطلقة ومقيّدة فيمكن تقييد كلّ من المطلقتين بالمقيّدة المخالفة لها لا الموافق لعدم التنافي وقابليّة الحملفحينئذٍ ينتج حمل مطلق التوقّف بعد تقييده بمقيّد التخيير التوقّف عند عدم التمكّن من ازالة الشبهة والتخيير عند التمكّن كما ان نتيجة تحكيم مقيّد التوقّف على مطلقالتخيير اختصاص التخيير بزمان عدم التمكّن من ازالة الشبهة فيبقى المقيّدان في زمان التمكّن متعارضين كما ان نتيجة العامين بعد التقييد بالمقيّدين هو ذلك في

الجمع بين الروايات

ص: 751


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/6 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/21 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/40 - 41 - 5 - 6 - 21 من أبواب صفات القاضي .

زمان عدم التمكّن وعلى هذا فلا فائدة في هذا الجمع فيعود المعارضة على ما كانت .

هذا إن لم نقل بكون ظاهر أخبار التخيير اختصاصها بزمان عدم التمكّن من ازالة الشبهة كما لا يبعد جريان هذا القول في كلّ هذه الأدلّة من اختصاصها أو من شمولها بنحو غير قابل للتقيد لحال عدم التمكّن من ازالة الشبهة فتأمّل .

طريق آخر للجمع يمكن الجمع بين أخبار التخيير وأخبار التوقّف مع قطع النظر عن مقبولة عمر بن حنظلة بورود أخبار التخيير في صورة كون رواة الأخبار المتعارضة ثقات وكانت شرايط الحجيّة في كلّ واحد من المتعارضات لولا التعارض موجودة فحينئذٍ يكون مخيّرا في الأخذ بأيّها شاء وان أخبار التوقّف واردة في فرض ورود الرواية بلا تقيد كون رواتها ثقات بل إنّما حصل الاختلاف في الحديثين فحينئذٍ يتوقّف في الكلّ وعلى هذا فلا يكون معارضة بين هاتين الطائفتين من الأخبار بلحاظ ورود كلّ منهما في مورد دون الأخرى .

وعلى فرض عموم في أخبار التوقّف فلا مانع من تقييدها بخصوص أخبار

التخيير لما ذكرنا من ان موضوع أخباره أي التخيير أخصّ من موضوع تلك بل يمكن أن يكون لا ربط بينهما أبدا بلحاظ فرض موضوع التوقّف في أخباره في مطلق الرواية والحديثين الذي يمكن أن يقال لا حجيّة لكلّ واحد من المتعارضات لو لا المعارضة بخلاف أخبار التخيير . أمّا بالنظر إلى المقبولة الواردة في دين أو ميراث الذين هما من سنخ حقوق الناس الممكن فرض ذلك في الشبهةالموضوعيّة وفي الشبهة الحكميّة كمنجزات المريض في مسئلة الميراث فيشكلالأمر لكنّه لا مانع من الالتزام بالتقييد حيث ان فرض المقبولة في صورة تساوي

ص: 752

الروايتين في المرجّحات المذكورة فيها سواء كان في خصوص صفات الراويين أو في مدرك الحكمين من كون الخبرين أو أحدهما مشهورين من المجمع عليه الذي لا ريب فيه الموافق لمضمون ما ورد ان ما اتّفقت عليه الشيعة لا ريب فيه وكلاهما موافقان للكتاب أو مخالفان للعامّة ثمّ تساويهما في ميل قضاة العامّة إلى مضمونهما ووجود القائل بكلّ منهما فيقيد أخبار التخيير بغير ما إذا كان في حقوق الناس فانّه لا مجرى للبرائة ولا الاحتياط كما لا معنى للتخيير بل لابدّ من تعيين الحكم الالهي .

وعلى هذا فيكون النتيجة ثبوت الحكم بالتخيير في غير حقوق الناس بعد فرض دعوى القطع بعدم الخصوصيّة في الدين والميراث في ما إذا كان سند الأخبار نقيا صحيحا قد رواها الثقات بخلاف ما إذا لم يكن كذلك فيؤخذ بالتوقّف وعلى هذا فلا فرق بين زمان الحضور والغيبة والتمكّن من ازالة الشبهة وعدمه الا ان المقبولة فرضها في صورة التمكّن من ازالة الشبهة بلقاء الامام فينتفي الفائدة في زمان عدم التمكّن .

هذا حاصل ما يمكن أن يقال في الجمع بين هذه الأخبار .

إنّما الكلام في ان الحكم بالتخيير هل هو مطلق حتّى في صورة وجود المرجّحات كما عن جماعة أو لا بل مختص بما إذا لم يكن المرجّحات .

وينبغي أن يعلم انّه بناءً على ما ذكرنا من عدم تصاك بين هاتين الطائفتين من الأخبار لا معنى للأخذ بالترجيح أو لا .

ثمّ إن لم يكن على فرض هذه الروايات فالتخيير .

ص: 753

اللهمّ إلاّ أن يكون المقبولة(1) بدلالتها الالتزاميّة في خصوص الترجيح بمدركالحكمين دالّة على ذلك ولا يبعد ذلك بل لابدّ منه فان المرجّح لا يمكن أن يكون غير ما هو مرجّح السند فان موافقة الكتاب ومخالفة العامّة تكون مرجحتين في خصوص باب الحكم لا معنى له بل لابدّ أن يكون ذلك من جهة كونهما مرجحتين لأصل الحكم كي يؤل الى ترجيح مدرك أحد الحاكمين وحينئذٍ ففي فرض المقبولة من كشف عدم وجود جهة الصدور لاحدى الروايتين حيث ان كونهما مجمعا عليهما قد رواهما الثقات يغني عن الكلام في سندهما فلابدّ من عدم صدور احداهما لبيان حكم اللّه الواقعي بل تقية ويكون خلافه هوالذي عليه مدار الحجيّة كما في موافقة الكتاب فانه على ما يظهر من بعض الأخبار ان ما خالف(2) قول ربنا لم اقله أو زخرف أو إذا لم يشبه الحديث الكتاب والسنّة فهوباطل يوجب دوران الأمر في المتعارضين بين الحجّة واللاحجّة فما يكون موافقا للكتاب هو الحجّة وكذا ما خالف العامّة لا يمكن أن يكون فيه التقيّة فيكون قد صدر في مقام بيان حكم اللّه فيكون حجّة .

نعم يبقى الكلام في الترجيح بصفات الراوي الذي اشتمل عليه صدر المقبولة في باب الحكم ومرفوعة غوالي اللئالي عن العلاّمة إلى زرارة ( وفي الكتاب وصاحبه كلام معروف ) فلا ينبغي أن يعتني به .

وعلى ما ذكرنا فيعلم المراد بما في خبر العيون(3) السابق الذكر وإن ما ثبت كونه منهيّا عنه نهي اعافة أو تحريم أو مأمورا به أمر الزام أو فضل في سنّة

توضيح في الجمع بين الأخبار

ص: 754


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 - 12 - 14 - 15 - 19 - 21 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/21 من أبواب صفات القاضي .

النبي صلی الله علیه و آله فهو المتبع وان مخالفه في غير الفضل والاعافة لايعمل به وفيهما رخصةفي الترك أو الفعل فيعمل بأيّهما والأمر بالتوقّف في ذيلها بقرينة ما ذكرنا يتعين أن يكون في أخبار غير الثقات وما يمكن فيه الارجاء لا فيما يكون من دوران الأمر بين المحذورين فانّه لا اشكال في جريان البرائة بل لا احتياج إليه لاباحة الضرورة للمحظور والخبر الوارد يشكل المراد فيه بعدم امكان تأخير الواقعة في غير المضيقات التي يمكن التأخير فيها إلى لقاء الامام علیه السلام .

توضيح: لا اشكال في توقّف الجمع الذي ذكرنا بين أخبار علاج المتعارضين على كونها مشمولة لأدلّة الاعتبار كي ببركتها يمكن علاج الأخبار المتعارضة وإلاّ فلا تكون حجّة فضلاً عن رفع التعارض بين المتعارضات وعلاجها . وحينئذٍ فنقول ان أخبار التخيير التي أشرنا إليها وإن موضوعها هو خبر الثقة وما يرويه الثقات الذي ليس لأحد التشكيك فيه أخبار صادرة عنهم علیهم السلام .

ولا مجال لكلام في سندها أو أكثرها لكونها معتبرة بخلاف أخبار التوقّف كموضوعها الذي هو مطلق الخبر في قبال خبر الثقة في أخبار التخيير وحينئذٍ فالجمع بينهما سهل بلا اشكال بحمل أخبار التوقّف على كون موردها الأخبار التي لو لا المعارضة لم تكن حجّة بل لا يشملها دليل الاعتبار ولو لا في مقام المعارضة فضلاً عنه بقرينة أخبار التخيير لكونها بالنسبة إلى أخبار التوقّف أخص مضمونا مضافا إلى عدم ورود عدّة من الاخبار المستدلّ بها على الاحتياط في الشبهات البدويّة في المقام وعدم تعرّضها له بوجه فهذا الجمع على الظاهر لا غبار عليه ومعلوم انّه بحسب ما وصل إلينا في مقام أخبار العلاج الذي جمعها في الوسائل

ص: 755

( وما ورد(1) في رواية التوقيع من جواز الأخذ بأيّ من الروايتين في صلاة الفجرفي السفر رواية خاصّة لعلّها لا تنافي ما ذكرنا من الجمع ) كما ان الخبر الآخر(2) المتضمّن للتوقيع والجواب عن ذلك حديثان امّا احدهما فاذا انتقل من حالة إلى اخرى فعليه التكبير إلى قوله وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا .

أيضا علمنا من الخارج انّه في المستحبّات ولا ينافي ما ذكرنا من الجمع إنّما الكلام في ملاحظة النسبة بين هذه الروايات أي روايات التخيير وبين الروايات الواردة في الترجيح .

وليعلم انّه إن كان هذه الأخبار أي أخبار الترجيح مشتملة في ذيلها في صورة تساوي الأخبار المتعارضة في المزايا بالأمر بالتخيير فلا احتياج إلى ملاحظة النسبة لدلالة مثل هذا الترتيب على تقدّم الترجيحات على التوقّف وإلاّ فلابدّ من ذلك فحينئذٍ نقول أمّا الموافقة للكتاب والمخالفة له بأن يكون الخبر الموافق له حجّة دون المخالف فلا ريب انّها ليست من المرجّحات بل ممّا يعيّن الحجّة ويميزها عن غيرها ضرورة عدم صدور رواية تخالف الكتاب بالتباين وإن كان غير مبتلى بالمعارض كما يظهر من عدّة من الأخبار ان ما خالف(3) قول ربنا لم أقله أو باطل أو زخرف(4) إلى غير ذلك من التعبيرات فحينئذٍ ليس مثل هذا الخبر في حد نفسه مع قطع النظر عن المعارضة حجّة كي يعارض الخبر الآخر ويقدم الموافق عليه .

ص: 756


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/44 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 9/39 .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/12 من أبواب صفات القاضي .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/14 من أبواب صفات القاضي .

نعم لا اشكال في ان المخالفة ليست مثل المخالفة بالعموم والخصوص

لورودها في الفقه إلى ما شاء اللّه وعليها العمل بلا ارتياب وليس المراد بالمخالفةهذا النحو منها كما حقّق في محلّه وهذا بخلاف الموافقة للعامّة والمخالفة لهم فان المخالف حجّة في مقام المعارضة دون الموافق وأمّا في مقام عدم المعارضة فالموافق أيضا حجّة لعدم كون الموافقة بما هي موافقة موجبة لطرح الخبر غير المبتلى بالمعارض .

وما ورد(1) في بعض الأخبار بمخالفة العامّة في صدر الاسلام لعلي علیه السلام في كلّ شيء إلى غيره وإن في صورة عدم امكان تأخير الواقعة يجوز له أن يأتي فقيه البلد ويأخذ بخلاف فتواه مخصوص بصورة المعارضة .

نعم يوجد في الفقه موارد عديدة حملوا الخبر على التقيّة لقرائن منها كونه بنفسه ينادي بها كالخبر الوارد(2) في جلوس المصلى وسكوته بقدر التشهّد مع انّه لا معارض له .

فالحاصل ان مخالفة العامّة مرجّح للمخالف عند التعارض بينه وبين الموافق .

وأمّا الشهرة فهي في الرواية على ماذكرنا في مقبولة(3) عمر بن حنظلة وتأتي إن شاء اللّه .

نعم للشهرة الفتوائيّة مكان من الترجيح بل هي ربما توجب طرح المخالف لايجاب اعراضهم عن الخبر الآخر الا انها مشروطة باُمور:

الأخذ بالأحدث

ص: 757


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/24 - 23 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 8 الباب 19/4 - 5 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

أحدها استناد المشهور إلى الرواية التي انعقدت الشهرة فيها وعملوا بمضمونها المشهور .وفي بعض روايات الباب من الأخذ(1) بالاحدث فهولا ريب فيه لبناء العقلاء في مثل هذه الموارد على أخذ الأحدث وطرح الآخر فقد ورد هذا المضمون بالسنة مختلفة ففي بعضها لو حدثتك(2) بحديث العام ثمّ أخبرتك أو حدّثتك بخلافه في القابل وفي بعضها(3) زيادة أو أفتيتك بفتيا إلاّ ان في الآخر(4) إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم فبأيّهما نأخذ ؟ قال علیه السلام: خذوا به حتّى يبلغكم عن الحي ومقتضى الصناعة الجمع بينهما وبين أخبار الأخذ بما خالف العامّة وطرح الموافق حيث ان بينهما عموما من وجه ولا اشكال في تعين الأخذ بالمجمع بكونه مخالفا للعامّة وأحدث لكن الأمر ربما ينعكس فيكون الموافق هو الأحدث وهو الذي بلغ عن آخرهم لاحتمال صدور الموافق عن الآخر والمخالف عن غيره فيمكن الجمع بكون المتعين حينئذٍ الأخذ بالمخالف لاقتضاء التعليل بقوله فان الرشد في خلافهم ذلك بخلاف الأحدث كما ان العكس ممكن أيضا بتعين الأخذ بالأحدث وإن كان موافقا للعامّة إلاّ ان الذي يوهن هذا انّه لم يعمل بهذه الأخبار إذ لم يعهد الترجيح بالأحدثيّة والذي يسهل الخطب امكان دعوى كون المتبادر من الأمر بالاحدث انّه إذا كان بصدد بيان حكم اللّه الواقعي أو إذا لم يعارضه معارض آخر أشد في اقتضائه خلافه وأمّا غير هذا الخبر

تقدّم أخبار الترجيح على التخيير

ص: 758


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/7 - 8 - 17 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/7 - 8 وفي بعضها اختلاف في الألفاظ لا يضرّ بالمقصود .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/17 وفي بعضها اختلاف في الألفاظ لا يضرّ بالمقصود .
4- . وسائل ا لشيعة 27 الباب 9/8 وفي بعضها اختلاف في الألفاظ لا يضرّ بالمقصود .

من باقي الأخبار فيمكن اختصاصه بمورده في خصوص امام واحد .

وكيف كان فلا يكون هذا مرجّحا ولا ينافي الجمع المتقدّم .بقي الكلام في تقدّم أخبار الترجيح على التخيير ولا اشكال في تقدّمها على أخبار التخيير لكونها مطلقات قابلة للتقييد وهي أخص ولا ينافي هذا ما في بعض أخبار التخيير من فرض موضوع ذلك أي التعارض في أخبار الثقات بخلاف أخبار الترجيح فانّه في مطلق الأخبار المتعارضة لورود المقبولة(1) وفرض الترجيحات في روايات الثقات ولا وجه لدعوى اختصاص ذلك بموردها من الحكومة في الدين أو الميراث لما ذكرنا من ان فرض المعارضة والمرجّحات إنّما هي في مورد الأخبار التي لو لا المعارضة تكون حجّة لما روى(2) من ان ليس لأحد التشكيك في ما يرويه عنّا ثقاتنا .

وعلى هذا فتقدّم أخبار الترجيح على أخبار التخيير ولا مجال للمناقشة في سندها إذ لا اشكال في تواترها أو استفاضتها المضموني وإذ قد ثبت ذلك فنأخذ بها ويوجب علاج باقي الأخبار كما في الأخبار الواردة في حجيّة قول الثقة فان اخصّها مضموناً مع تواترها الاجمالي والمعنوي وهو الأخذ بقول الثقة أوجب حجيّة جميعها كذلك في المقام(3) .

التخيير فقهي أو اصولي

ص: 759


1- . وسائل ا لشيعة 27 الباب 9/1 وفي بعضها اختلاف في الألفاظ لا يضرّ بالمقصود .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 من أبواب صفات القاضي بتفاوت لا يضر .
3- . حصر السيّد الخوئي قدس سره المرجح المنصوص بموافقة الكتاب أوّلاً ومع عدمها بمخالفة العامّة ولو لم يكن في أحد المتعارضين شيء ولم ير دليلاً عند فقد المرجح لأحد المتعارضين على التخيير بعد ان ناقش كلّ الروايات الواردة في التخيير وهي ثمانية اما سنداً ودلالة أو أحدهما وذكر ان عمل الأصحاب في الفقه على خلافه ولم يجد مورداً افتى أحد منهم بالتخيير . مصباح الأصول 48/498 - 499 - 508 الى 512 لكن الحق العمل بالمقبولة بعد ملاحظة نسبتها إلى ساير ما دلّ على حكم المتعارضين كما شرح في المتن .

التخيير هل في المسئلة الفقهيّة أو الاُصوليّة ؟

هل بناء على ثبوت التخيير مطلقا أو بعد الترجيح في العمل أو الأخذ بأحدالخبرين فيكون هو الحجّة في قبال الآخر وبعبارة اخرى التخيير في المسئلة الفرعيّة أو في المسئلة الاُصوليّة وله الافتاء حينئذٍ بما اختاره لعمل نفسه ومقلّديه

وليس له أن يفتي بالتخيير ؟ وجهان بل قولان .

وظاهر بعض الأخبار كالتوقيع(1) انّه في العمل حيث يقول موسع عليك بأيّة عملت كما ان ظاهر أخبار اخر انه في الأخذ وظاهر الأخذ الأخذ في المسئلة الاصوليّة لا في العمل .

فعلى الأوّل يكون التخيير كالتخيير بين القصر والاتمام فله أن يقصّر وله أن يتم بخلاف الثاني فليس له في مقام العمل والأخذ إلاّ اختيار أحدهما يكون هو الحجّة وحينئذٍ فاما أن يكون بدويّا أو استمراريّا كما سيجيء النزاع فيه وعلى الأوّل فيلزمه العمل به والافتاء بمضمونه أبدا دائما وليس له اختيار الآخر لذلك بخلاف الاستمراري فبعد اختيار كلّ منهما يمكنه الافتاء كما ان له الاختيار .

والحاصل ان ظاهر ما ورد(2) بالتوسعة في العمل التخيير في المسئلة الفرعيّة وظاهر ما ورد في التوسعة في الأخذ(3) هو التخيير في المسئلة الاُصوليّة والأظهر هو الثاني لامكان أول التوسعة في العمل أيضاً إلى الأخذ بعنوان المسئلة

ص: 760


1- . الوسائل 27 الباب 9/44 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/44 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/40 - 39 - 19 من أبواب صفات القاضي .

الاصوليّة خصوصا بعد تذيل بعض أخبار الأخذ(1) بقوله علیه السلام من باب التسليم .

ومحصّل الكلام في المقام انّه ليس له اجراء البرائة بل يلزمه أن يتخيّرأحدهما ليكون حجّة عليه ولا وجه لأن يقال ان ظاهر هذه الأخبار إمّا ما خيّر بينالعمل بأيّ الخبرين الواردين في الأمر والنهي فانّه ارشاد إلى حكم العقل فانّه إمّا فاعل أو تارك وإمّا ما لم يكن كذلك بل أعم فغاية ما ثبت في ذلك هو ان له الأخذ بأيّ الخبرين ولم يوجب عليه العمل بأحدهما المختار ليكون حجّة .

نعم لو اختار أحدهما فحينئذٍ يكون حجّة إلاّ ان الكلام فيما لم يفعل فان هذه الأخبار لا توجب ذهاب الشكّ ورفع التحير بل التحير باق كما كان .

لأنّا نقول: وإن كان الأمر في دوران الأمر بين الفعل والترك والخبرين المشتملين أحدهما على الفعل والآخر على الترك كما قلت إلاّ ان ظاهر هذه الأخبار جعل الطريق واتمام الحجّة نهاية ما في الباب لم يعيّن أحدهما بعينه بعد تكافؤها في الترجيحات بل جعل الاختيار بيده لكن لا انه إن لم يختر لا تكون حجّة وبفعله يصير كذلك بل بمعنى ان أحدهما حجّة وهو عند المولى ما يختاره المكلّف فأمر تعيين ذلك بيده ولا اشكال في ذلك لعدم كون الحجيّة حاصلة بعد الأخذ والاختيار بل قبل ذلك الا ان الحجّة منهما أحدهما مبهما قبل الاختيار ومعينا بعده .

فعلى هذا لو كان مفاد أحدهما الاباحة والآخر الحرمة لا يمكنه الافتاء بالتخيير للمكلّف في اختيار أيّهما بل إذا اختار واحدا فيفتى بمضمونه ( قلت يمكن استفادة اختيار العمل بأحد الخبرين من اخباره لا وجوب العمل بأحدهما

امكان الجمع بين أخبار التوقّف والتخيير

ص: 761


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/39 - 19 من أبواب صفات القاضي .

حيث ان ظاهر هذه الأخبار في قوله بأيّهما(1) أخذت من باب التسليم وبأيّهما أخذت وسعك إن له ذلك لا انّه يتعين عليه أن يختار أحدهما .وعلى هذا فيمكن الجمع بين أخبار التوقّف والتخيير بأنّ المراد منهما واحدوهو التوقّف في الاسناد والتخيير في الأخذ بمضمون أيّهما شاء وله ترك ذلك لا أن يحتاط لعدم الدليل عليه بل يجري البرائة ولا يتوجّه عليه ما استشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره في البحث بأنّه يلزم رد خبر الثقة وعدم العمل به وطرحه في أحد الخبرين المتعارضين لأن ذلك يتّجه إذا لم يكن مبنى الأخبار الطريقيّة والاطمئنان وإلاّ فعلى الطريقيّة يسقطان عند التعارض فلا يكون الرجوع إلى البرائة طرحا للأخبار بل يرجع علمها إلى أهله كما نقل ذلك سيّدنا الأستاذ من الكليني رحمه الله بقوله في أوّل الكافي اعلم يا أخي أرشدك اللّه انّه لايسع أحدا تمييز شيء لما اختلف إلى آخر كلامه .

والحاصل منه ان اللازم العمل بالمرجّحات من الأخذ بموافق الكتاب والمشهور المجمع عليه والمخالف للعامّة لكن حيث لا نعرف من ذلك إلاّ القليل فحينئذٍ الأحوط والأوسع رد علمها إلى أهلها والتخيير المشار إليه بقوله بأيّهما أخذت(2) وسعك وعلى كلّ حال ليس ببعيد هذا الجمع الذي ذكرنا وربما يتعيّن بالتأمّل في الروايات هذا ما ذكرته سابقاً إلاّ انّه محلّ التأمّل .

وكيف كان فاختار سيّدنا الأستاذ قدس سره كون التخيير ابتدائيّا بمعنى جعل الحجيّة والطريق فاذا حصل عنده الطريق فانه وإن لم يرتفع التعارض لكن لا تحير

ابتدائي أو استمراري

ص: 762


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/19 - 39 - 40 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/6 من أبواب صفات القاضي .

للمكلّف بعد ذلك فليس له حينئذٍ بعد ذلك الافتاء بالآخر فانه لازم كون أحدهما المختار حجّة الا انا استشكلنا عليه ذلك بأنّ العمل والأخذ عند تكرّر الواقعة المبتلى بها وحينئذٍ فيمكن في المرّة الثانية الأخذ بما يختاره من الخبرين فان كانهو الأوّل فهو وإن كان الآخر فلا مانع منه فأجاب الأستاذ قدس سره بأنّه لا معنى للأخذبهما جميعا بل عند كلّ مرّة لا يأخذ إلاّ بأحدهما وانّه لا معنى للأخذ بالأمر والناهي معا في كلّ مرّة بل ان يفعل فبالآمر مرّة وبالناهي اخرى مع ان ظاهر قوله بأيّهما أخذت ان الأخذ يوجب كونه حجّة وذلك لا تعدّد فيه بأن يكون نحو القضيّة الحقيقيّة .

ثمّ انّه إن لم يتم اطلاق وشككنا فتارة يكون الشكّ في كون التخيير في المسئلة الأصوليّة أو الفرعيّة واخرى بعد احراز ان في الاصوليّة أو الفرعيّة يشكّ في كونه ابتدائيّا أو استمراريّا .

فان كان على النحو الثاني فيمكن كونه من دوران الأمر بين التعيين والتخيير وهذا إن لم يجر الاستصحاب متين وإلاّ فلا تصل النوبة إلى ذلك ويمكن تقريب جريان الاستصحاب بتماميّة أركانه من اليقين السابق والشكّ اللاحق والأثر الشرعي وبقاء الموضوع حيث انّه كان التخيير للمكلّف بالأخذ بهذا الخبر فيشكّ في بقاء هذا التخيير من حيث طروّ المانع ولا اشكال في جريان الاستصحاب إذا كان منشأ الشكّ من جهة حدوث المانع أو مانعيّة الموجود إن لم يرجع إلى الشكّ في المقتضى وكان الموضوع باقيا كما في المقام وحينئذٍ ببركة جريان الاستصحاب يكون أيضا مخيّرا في الأخذ بالخبر الآخر وبهذا التقريب لا يتوجّه عليه اشكال عدم بقاء الموضوع لدورانه بين ما هو مقطوع البقاء ومشكوك

كلام المحقّق النائيني في صورة الشكّ

ص: 763

الارتفاع فان كان التخيير بدويّا مثلاً فليس له التخيير قطعا وإن كان استمراريّا فله ذلك مطلقا ومجرّد الشكّ في ان المقام من هذا أو ذاك لايوجب صحّة جريان الاستصحاب فيكون من الشكّ في بقاء الموضوع وهذا اشكال في جميع ما يكون من هذا القبيل في صورة تبدّل حال من حالات الموضوع كما ذكرنا في زوال تغيرالماء بنفسه فانّه إمّا أن يكون له الدخل في بقاء النجاسة فقطعا زالت النجاسة وإنلم يكن فقطعا باقية لكن قلنا انّه يمكن أن يكون من قبيل الملاك بعد عدم امكان عروض النجاسة بوصف التغيير فيكون التغير من قبيل الملاك وهو يمكن أن يكون حدوثيا كما يمكن أن يكون بقائيّا .

تبيان للمحقّق النائيني قدس سره هاهنا كلام(1) في صورة الشكّ في المراد من قوله ( بأيّهما(2) أخذت وبأيّهما عملت فلم ندر المستفاد هو التخيير في المسئلة الفرعيّة كالتخيير بين القصر والاتمام في المواطن الأربعة أو لا بل في المسئلة الاُصوليّة وفرضنا ان نتيجة التخيير في المسئلة الفرعيّة والعمل تخييرا استمرار ذلك فيجوز أن يختار تارة العمل بمضمون أحد الخبرين واخرى العمل بمضمون الآخر وان نتيجة التخيير في المسئلة الاصوليّة ذلك بدوا فاذا اختار أحد الخبرين فيكون حجّة عليه كما إذا لم يكن في مورد المعارضة فلا يجوز له العدول عنه إلى غيره في حقّ نفسه ومقلّديه .

وحاصل كلامه في المقام ان في صورة الشكّ بناءً على ما ذكرنا من الفرق بين نحوي التخيير لا مجال لجريان الاستصحاب كي يكون النتيجة التخيير أيضا

ص: 764


1- . فوائد الأصول 4/767 - 769 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/39 - 40 - 44 - 19 .

في الأخذ بأحدهما شاء وذلك لا من جهة عدم المقتضى والشكّ فيه الذي هو أحد موجبات المنع عن جريانه ( ولا من جهة طرو المانع كي يشكل بالجريان ) بل من حيث عدم الموضوع والشكّ في بقائه .

توضيحه: انّه لابدّ في الاستصحاب من اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنةوفيه لا اشكال في اعتبار وجود الموضوع وبقائه على ما كان والحكم التخييريالمجعول في المقام لم يحرز بقاء موضوعه في مورد الشكّ كي يجري الاستصحاب فانّه لا جامع بين نحوي التخيير العملي والاُصولي وكون الخبر المختار حجّة للمجتهد واقعا بل الجامع انتزاعي أو مفهومي وهو لا يفيد لعدم كونه موضوعا للحكم وعلى فرض كونه كذلك لا يترتّب عليه في ظرف استصحابه إلاّ خصوص آثاره لا آثار الفردين وما نحن فيه من هذا القبيل نظير العلم بوجود الحيوان في الدار المردّد بين كونه بقّة أو فيلاً فان كان فيلاً فلا نشكّ في بقائه بعد

ثلاثة أيّام إلاّ من حيث وجود المانع أو العارض الذي لا يمنع من جريان الاستصحاب عند الشكّ فيه من هذه الجهة وإن كان هي البقّة فنقطع بعدم بقائها بعد الثلاثة وحيث لم نعلم انّه الفيل أو البق صار ذلك منشأ للشكّ في وجود الحيوان بقاء في الدار وفي هذا الفرض لا مجال لجريان الاستصحاب لأنّه على كلّ تقدير نحن قاطعون إمّا بالعدم في صورة كونه بقّة أو بالوجود في صورة كونه الفيل وكذلك ما نحن فيه فانّه على فرض التباين بين نحوي التخيير لا مجال لجريان استصحاب أصل التخيير الذي لم يكن بما هو جامع موردا للحكم .

وعلى فرض كونه كذلك وانّه في مورد الحكم لا يثبت باستصحابه خصوصيّة الفرد إذ لا يترتّب عليه إلاّ خصوص آثاره في صورة بقائه التكويني بما

المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير

ص: 765

هو جامع .

والحاصل: ان في هذه الصورة لا مجرى للاستصحاب لما بيّن في محلّه من عدم جريان الاستصحاب لاثبات خصوصيّة الفرد وعلى فرض جريانه في أصل التخيير الذي كان ثابتا في البين والاغماض عن اشكال القطع بالوجود على فرض كونه فقهيّا وبالعدم على تقدير كونه اصوليّا لا يترتّب عليه إلاّ خصوص آثار ذلكالفرد المردّد بين الفقهي والاصولي وهو من الأوّل مشكوك فلا نعلم انّه هذا أو ذاك.ثمّ انّه على تقدير عدم جريان الاستصحاب ذكر قدس سره ان المقام من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير لأنّه على تقدير كونه اصوليّا لم يجعل له بدل بل يتعيّن عليه العمل بهذا الخبر دائما وأخذه وعلى التقدير الآخر له البدل فيجوز تركه إلى البدل والأخذ بمضمون الآخر والعمل عليه .

واستشكل عليه بأن دوران الأمر بين التعيين والتخيير إنّما يكون في مورد لم يكن مانع في مقام الجعل والثبوت غاية الأمر حيث ان جعل التخيير يحتاج إلى مؤونة زائدة وكذلك اثباتا في ظرف الشكّ في كونه تعيينا أو تخييرا فمقتضى الاطلاق عدم جعل العدل والبدل بل كونه تعيينا وليست التعيينيّة عبارة عن أمر وجودي كي يجري فيه البرائة بل إذا دلّ الدليل في مقام الاثبات بأو ونحوه أو وفي خبرين ساعد العرف على تقييد اطلاق كلّ بالآخر كي يؤول إلى التخيير فيكون هو ذاك وإلاّ فالأصل التعيينيّة وهذا لا معنى له في المقام حيث ان التخيير بين نحويه المتبائنين غير معقول بأن يخيّرنا الشارع بين الأخذ في المسئلة الفرعيّة كي يجوز لنا العمل بمؤدّى كلّ من الخبرين دائما مستمرّا وبين الأخذ في المسئلة الأصوليّة الموجب لتعين العمل بمضمون المأخوذ دائما بلا جواز أخذ الآخر

ص: 766

والعمل بمضمونه فحينئذٍ ما ذكره لا يتمّ . هذا ما أورد عليه .

إلاّ انّ هذا الاشكال ناش من عدم فهم مراده قدس سره وإن كان ظاهر المنسوب إليه في التقريرات(1) هكذا ولذا أورد الاشكال لكن مراده قدس سره ليس ذلك بل يمكن أن يكون قد أراد ان بناءً على كونه اصوليّا فلا يكون له الأخذ والعمل بالخبر الآخرويكون هذا الخبر حجّة عليه فحينئذٍ لا معنى للتخيير بالعمل بالآخر .وبناء على كونه فقهيّا ففى مقام العمل له البدل والعدل ويجوز تركه إلى البدل وحيث ان لا اطلاق ولم يعلم كون التخيير على أيّ نحو فلا دليل على كونه مخيّرا في العمل ويجوز له الأخذ والعمل بالآخر فلا جرم لابدّ من اختيار ما اختاره أوّلاً مستمرا دائماً لدوران الأمر بين ماله البدل وما ليس له البدل(2) .

وعلى هذا وإن كان المقام غير صورة الدوران بين التعيين والتخيير إلاّ ان مناطه موجود في المقام لكن من جهة اخرى غير الجهة التي كانت في ذاك المقام وعلى كلّ حال ففي النتيجة والأثر متّفق متّحد مع تلك المسئلة .

وهذا بناءً على تعقّل جعل الحجيّة بناءً على كونه في المسئلة الاصوليّة وإلاّ فلابدّ من الالتزام في خصوص المقام بمبنى الشيخ قدس سره من انتزاعها من الأمر بالأخذ بأحد الخبرين في المقام فانّ الطريقيّة غير قابلة للجعل ولا يخفى ان ذلك كلّه بناءً على كون المسئلة الاُصوليّة وثبوت التخيير فيها مقتضيا لدوام الأخذ وابتدائيّة التخيير فليس له بعد ذلك الأخذ بالآخر .

وأمّا لو قلنا بعدم الفرق بين كونها في المسئلة الفقهيّة أو الاُصوليّة فكما ان

تصوير التخيير

ص: 767


1- . فوائد الأصول 4/769 .
2- . ظاهر تصوّر الدوران انّه بناءً على الاُصوليّة تعلّق الأخذ بالواسطة بالعمل بعد الأخذ بأحدهما بخلاف الفرعيّة فانّه تعلّق بالبدل ابتداءً .

في الأوّل استمراري كذلك في الثاني إذ لو كان في الآن الثاني ممنوع الأخذ بالخبر الآخر والعمل بمؤدّاه لكان عليه أن يقيّد التخيير بالصورة التي تكون بدوا وحيث ان الشكّ في الخصوصيّة الزائدة فتتمسّك بالاطلاق لعدم بيان القيد لعدم ايجاب الأخذ بأحدهما ذهاب الشكّ والتحير بل التعارض بعد باقٍ على حاله في الخبرين .وعلى هذا فيكون قد دلّ الاطلاق على كون التخيير استمراريّا سواء كان في الفقهيّة أو الاصوليّة هذا .

اللهمّ إلاّ أن يقال مرجع جعل التخيير في الأخذ بأحدهما ليكون حجّة هو جعل الطريق المؤدّى إلى الواقع في هذا الظرف فان الامارات إنّما أخذ الشكّ فيها ظرفا لا موضوعا وهذا يوجب ارتفاع التحير لأنّه مادام لم يجعل له الطريق وبقيام الطريق لا تحير كي يمكنه الأخذ بالخبر الآخر لأنّ الأخذ به إنّما كان في صورة التحير وحكم ذاك الظرف وبعد أخذ أحدهما لا يبقى ظرف التحير والشكّ للآخر .

وحينئذٍ فمقتضى ذلك عدم جواز الأخذ بالآخر فيكون كما إذا لم يكن عنده المتعارضان بل من الأوّل قام عنده الخبر غير المعارض .

هذا غاية ما يمكن أن يقرب به بدويّة التخيير ويؤيّده التزامهم بعدم جواز العدول من مجتهد إلى آخر فان وجهه يمكن أن يكون قيام الطريق والحجة عليه فلا يجوز له الأخذ بعد ذلك من مجتهد آخر في مسئلة واحدة فتارة يحكم بنجاسة الغسالة لتقليد من يراها نجسا واخرى يقول بطهارتها لتقليد من يرى ذلك أو يأتي بالتسبيحات مرّة واخرى ثلاثا مع ان دليل التقليد يستفاد منه من الأوّل التخيير

ص: 768

حيث ان قوله علیه السلام (1) ( من كان من الفقها صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفاً على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه ) ظاهر في التخيير في الأخذ برأي أيّ منهم شاء فكذلك المقام مع ان المقامين من واد واحد فلما لم يقولوا بجواز العدول يلزمهم عدم القول بكون التخيير استمراريّا مثل المقام حرفا بحرف فما وجهالفرق لأنّه إن كان بقيام الطريق ففي كلا المقامين وإلاّ فكذلك .تتميم وتكميل: ينبغي بيان ما يمكن أن يتصوّر من التخيير في الأخذ أو العمل على ترتب جعل الحجيّة باحدى الروايتين المتعارضتين وان أيّ الاحتمالات أحسن وأنسب بالمقام .

فنقول وباللّه نستعين يمكن تصوّر التخيير في المقام بأن يكون أحدهما حجّة قبل الأخذ إمّا بنحو التخيير بين الفتويين المتعارضتين أو على نحو منجزيّة الاحتمال وحينئذٍ فربما يقال بالاطلاق والاستمرار في التخيير كما يمكن أن تكون الحجيّة مشروطة تارة بالأخذ بأحدهما بأن يكون العزم والبناء على أخذ هذاالخبر موجبا لكونه حجّة فيعمل به واخرى أن يكون ترك أحدهما شرطا لحجيّة الآخر وربما يقال في صورة تعارض الخبرين انّه بعد تساقطهما بناءً على الطريقيّة ووجوب الأخذ بخبر العادل إذا لم يكن أهميّة لأحدهما يتخيّر المكلّف في الأخذ بأحدهما شاء لوجوب العمل بخبر العادل ولو عند التعارض وهذا إذا لم يمكن الجمع بين هذين الخبرين في المؤدّى في صورة دوران الأمر بين الفعل والترك لأمر أحدهما ونهي الآخر فيتخيّر حينئذٍ ويكون هذه الأخبار الواردة في الأخذ بأيّهما شاء ارشادا إلى حكم العقل بالتخيير لالزام العقل على المكلّف

ص: 769


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

خروجه عن عهدة التكليف لكن لابدّ من تصوير الوجوب التخييري في المقام وامكانه وحيث ان لازم القسمين المذكورين ما لا يمكن الالتزام به لأنّ التخيير على نحو البناء على الأخذ وأن يكون مشروطا بذلك يرجع إلى عدم الوجوب إذا لم يأخذ بأحدهما لأنّه لم يبن ولم يعزم على الأخذ بأحدهما وما لم يبن فلا يكون حجّة فلا حجّة له في البين وكذلك الثاني لازمه تنجّز واجبين عليه عند عدم العمل بكليهما وترك الأخذ بهما لحصول شرط كلّ واحد فلا وجه للالتزام بالتخييرالمجعول على هذا النحو أي على نحو الاشتراط لأن مرجعه إلى كون الواجبالتخييري واجبا مشروطا بأحد النحوين مع ان الواجب التخييري سنخ ونحو من الوجوب ليس في قبال الواجب المشروط بل هو في قبال الواجب التعييني والواجب المشروط في قبال الواجب المطلق فلا يمكن الالتزام بذلك في المقام على نحو الترتّب من الطرفين .

نعم يمكن تصوّر الترتّب من جانب واحد كما في وجوب الصلاة عند ترك أداء الدَين وكلّ مهم عند ترك الأهم .

والحاصل ان الواجب التخييري بهذا النحو لا معنى له وإن ذهب(1) إليه المحقّق النائيني قدس سره بل هو كما ذكرنا سنخ من الوجوب تعلّق بأحد الفردين أو الأفراد وحيث ان المتبائنين بما هما متبائنان لا يمكن أن يكونا مؤثّرين بأثر واحد ينتجانه فلا جرم يكشف ذلك عن تعلّق الأمر بالجامع بينهما ويرجع هذا التخيير إلى التخيير العقلي ولا تخيير شرعي في البين .

هذا إذا التزمنا بجريان الأحكام العقليّة في الشرعيّات صحيح فانّ الضدّين

ص: 770


1- . فوائد الأصول .

بما هما ضدّان لا يمكن حصول أثر واحد منهما بل إذا حصل يكشف برهان السنخيّة بين الأثر والمؤثّر عن جهة جامعة بينهما أوجبت اتّحاد أثر كلّ مع أثر الآخر ( وإلاّ فكيف يمكن أن تؤثّر النار البرودة والماء الحرارة مع بقاء أثرهما الأوّل فاذا أثر الماء الحرارة فلابدّ من جهة جامعة بينه وبين النار مؤثّرة في هذا الأثر ) .

والحاصل ان شيئين إذا أثّرا أثرا واحدا فلابدّ أن يكون المؤثّر هو الجامعبينهما وحينئذٍ فاذا تعلّق الأمر بهما على نحو التخيير يكون الواجب في الحقيقة هوالجامع والتخيير الشرعي بهذا النحو يرجع إلى التخيير العقلي .

وعلى هذا فيشكل تصوير التخيير الشرعي مطلقا حيث ان مرجعه إلى التخيير العقلي إذا قلنا ان المصالح والمفاسد النفس الأمريّة من قبيل الماء والنار المؤثّرين أثرهما الخاص لأنّه لا طريق للعقل لتصوّر الجامع بين أفراد الواجب المخيّر في العتق والصوم والأطعام فان كان الجامع هو البرّ فلا ينحصر مصاديقه بهذه الثلاثة وكذلك في فرضه غيره .

وعلى كلّ حال فبين هذه الثلاثة بون بعيد وعلى فرض كون كلّ واحد مفيدا للمصلحة عين مصلحة الآخر وسنخها فيشكل مع هذه المبائنة الشديدة فهم إن لم نلتزم بالتأثير والتأثّر في المصالح والمفاسد أو التزمنا لكن لا بهذا المقدار كما يمكن أن يقال التخيير الشرعي إنّما هو في ما إذا لا يمكن للعقل تشخيص الجامع المؤثّر في الأثر الخاص وكيف كان فتصوير التخيير الشرعي أيضا على هذا النحو مشكل ( حيث انّه لا جامع في البين لأنّه إمّا خبر الثقة أو الخبر المعارض وهو يشمل كلا الفردين وأمّا أحد الخبرين فانّه راجع إلى ما يأتي في الوجه المختار ) .

تصوير الوجوب التخييري في المقام

ص: 771

لكنّه يمكن أن يكون بنحو الترتّب من جانب واحد كما انّه يمكن أن يكون الشارع قد أوجب العمل بأحدهما بأن يبسط أمره لا على كلّ واحد منهما مستقلاًّ لعدم امكانه فانّه خلاف فرض الطريقيّة بل يناسب السببيّة وكذا لا مرجح لأحدهما المعيّن فانّ الفرض كذلك كما انّه لا معنى لجعل الوجوب المشروط بأخذ كلّ بالبناء على الأخذ أو عند ترك الآخر كي يتوجّه عليه ما ذكرنا من الاشكال بأن يوجب العمل باحدى الامارتين المتعارضتين وحينئذٍ فالحجيّة إنّما تنتزع من الوجوب بالعمل بأحدهما إمّا هذا أو ذاك وهو في غاية السهولة ولا مانع منه وهذهالأخبار دليل له في مقام الاثبات وإن كان الالتزام بذلك خلاف المبنى فيالطريقيّة .

لكنّه ذهب إليه الشيخ رحمه الله في الحجيّة وانّها منتزعة من وجوب الأخذ بقول الثقة مثلاً كما انّه يمكن تصوير منجزيّة الاحتمال في المقام إن لم يرجع إلى احتمال آخر .

يمكن تصويره أيضا بأن يكون خطابا لحفظ المرام في هذه الصورة في طول الواقع وحكما ظاهريّا للعمل بالواقع فان طابق الواقع فهو وإلاّ فهو معذور لكن الفرق بين هذا الخطاب وخطاب حج ذاك انّه حيث لم يتعلّق بالعمل بلا واسطة مثلها لم يكن تكليفا نفسيّا بل تكليفا طريقيّا وحكما ظاهريّا في هذا الظرف ولا منافاة ينه وبين الخطاب الواقعي في هذه الصورة لامكان الجمع بينه وبين الحكم الواقعي على ما حقّقنا في محلّه وعلى هذا فيكون متمّما أو كالمتمّم فحينئذٍ إذا أمكن هذا التصوير سواء رجع إلى وجوب الأخذ بأحدهما أو إلى الخطاب الطريقي أو منجزيّة الاحتمال تصويره في غاية السهولة بل لا محيص

ص: 772

عنه وكما ذكرنا مدركه هذه الأخبار الدالّة على التخيير .

وعليه فيكون مرجع الجميع إلى التخيير في العمل فان التخيير في الأخذ أيضا راجع إليه ولا فرق حينئذٍ بين ابتداء الأخذ بأحدهما أو استمراره فان الحكم على هذا يكون هو التخيير الاستمراري حيث ان ما ذكرنا نتيجة هذا لكونه حكما طريقيّا بالأخذ بأحدهما أو متمّما للحكم الواقعي والخطاب الأولي . وهذا الذي استفدنا من هذه المقدّمات يوافق التخيير في الأخذ بأحد الدليلين المتعارضين لو قيل به لكن حيث لم يقم عليه لو لا الأخبار دليل لم نلتزم به لأن ما هو مفاد أدلّة حجيّة الخبر وهو الأخذ بكلا الخبرين غير ممكن في المقام وما يمكن من التخييرفي الأخذ بأحدهما لا دليل عليه فهذا دليله .( أقول: حاصل ما تقدّم انه يتصوّر الوجوب التخييري في المقام على أنحاء بعضها لا سبيل إلى تصديقه كالوجوب التخييري على النحوين المشروطين وبعضها الآخر متعين الأخذ وهو ما أفاده في آخر البحث من الوجوب الطريقي أو الحكم الظاهري ) .

تتمّة: ليعلم ان ما ذكرنا من التخيير في المتكافئين مختص بالامارات في باب الأخبار المتعارضة ولا مجال لجريانه في اليدين المتعارضتين ولا في البينتين ولا في الآيتين ولا في ما نقل من كتاب أحد الرواة مختلفا بل ينحصر موضوع ذلك التخيير في الأخذ بأحدهما وأيّهما شاء على ما ذكر بالامارات والأخبار المتعارضة في بيان الأحكام الكليّة الالهيّة كما هو مقتضى الجمود على ظواهر النصوص ولا يمكن التعدّي عنها إلى غيرها . وهل ما ذكرنا من التخيير في الخبرين المتكافئين يجري في الفتويين أم لا ؟

التخيير في الفتوى بدوي أو استمراري

ص: 773

ربما يقال بناءً على الطريقيّة في الفتوى وكون المجتهد طريقا فعند تخالف المجتهدين في الفتوى تتساقطان كالخبرين ولا مجال للأخذ بأحديهما لكنّه خلاف الدليل حيث ان مقتضاه كما سنذكره تخيير المقلد ابتداءً في الأخذ باحدى الفتويين والفرق بين باب التقليد وباب الأخذ بالأخبار ان في باب الاخبار بعد التعارض وعدم الترجيح وبعبارة اخرى في صورة التكافؤ يكون الحكم التخيير إمّا في الأخذ والمسئلة الأصوليّة أو في العمل على ما سبق بخلاف باب التقليد والأخذ بفتوى المجتهد فانّه من أوّل الأمر يكون الحكم حكم باب التعارض وعلى هذا فلا اشكال في تصوّر التخيير في الأخذ بالفتاوى كما لا اشكال في ان التعارض في باب الخبرين عبارة عن عدم شمول دليل الاعتبار لكليهما معا لا انّهيشمل ويتعارضان من حيث مقام العمل لعدم امكان الجمع .ثمّ انّه على ما ذكرنا هل التخيير في الفتوى يكون بدويّا أو استمراريّا ؟

يمكن تقريب كونه بدويّا انّه بعد كون رأي المجتهد حجّة على المقلّد ويجوز الرجوع إليه في ذلك فبعد الأخذ يكون حجّة عليه ولا يمكنه الرجوع إلى مجتهد آخر لقيام الطريق له إلى الحكم الشرعي فلا يجوز له العدول منه إلى آخر ففي باب الغسالة إمّا أن يأخذ بقول من يقول بطهارتها فيقلّده دائما أو بقول من يقول بنجاستها فيقلّده كذلك وليس له أن يأخذ بقول هذا تارة وبقول الآخر اخرى نعم يجوز له التبعيض في التقليد بأن يقلّد كلّ مجتهد في مسئلة مثلاً أو في باب سواء قلنا بجواز تقليد المجتهد مطلقا حتّى من تجزى في بعض المسائل في خصوص هذه أو خصّصنا مرجعيّة التقليد بمن كان مطلقا في الاجتهاد وحصلت له ملكة الاجتهاد في مجموع الفقه من أوّله إلى آخره وكان عنده من الأدلّة ومداليلها قدر

ص: 774

معتدّ به وعلى هذا ربما ينحصر في كلّ زمان أو في خصوص بعض الأزمنة

مصداقه في أشخاص معدودة أو أقل . امّا اذا اختلفا في الأفضليّة والمفضوليّة فان كان مقتضى الدليل العقلي بالشك في حجيّة قول غير الأفضل القطع بعدم الحجيّة الا ان في الأدلّة الواردة في المقام ما يوجب معه جواز الأخذ بالمفضول كما يرشد إليه رواية الاحتجاج أمّا(1) من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه إلى قوله فللعوام أن يقلّدوه وهذا ان لم نقل بكون أكثريّة أفراد المفضول في كلّ زمان بنحو القضيّة الحقيقيّة كما هو ظاهر الرواية موجبة للانصراف إليه فلا أقل من الاطلاق في الأفضل وغيره مع اختلاف الرواة في العلم والفضل فربما كان واحد منهمحافظا وعالما بخمسين ألف حديث وآخر أكثر وأقل فان اختلاف مراتبهم فيالفضل وأخذ الأحاديث عن الأئمّة علیهم السلام شيء لا ينكر ومع ذلك كلّه لم يقيّد الفقيه في الرواية بكونه أفضل فهذا الاطلاق كافٍ في حجيّة قول المفضول حتّى مع التمكّن من قول الأفضل .

والحاصل انّه بعد أن كان قوله(2) ( من كان من الفقهاء ظاهرا في تقليد

صرف وجود الفقيه المتّصف بهذه الأوصاف وإلاّ فلا يمكن تقليد كلّ فقيه كما في آية فتيمّموا صعيدا(3) طيّبا فلا يجب التيمّم بكلّ صعيد بل بأيّ فرد منه صار صار فالمستفاد من الخبر على هذا هو حجيّة قول صرف الوجود فبعد الأخذ يتعيّن عليه ولا يمكنه الرجوع إلى غيره هذا .

ولكن فيه مجال واسع للاشكال حيث عرفت ان حكمه من هذه الجهة حكم

ص: 775


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .
3- . سورة المائدة: 7 .

باب التعارض والتخيير في المتعارضين فيجري فيه جميع الصور المذكورة هناك من كون الحجّة هو خصوص أحدى الفتويين قبل الأخذ أو بعده إلى غير ذلك . وإن كان مقتضى اختيارنا أخيرا هو كون الحكم ووجوب الأخذ بأحد المتعارضين وينتزع منه الحكم بالحجيّة وقلنا ان ذلك دليل استفادة الطريقيّة لعدم كونه واجبا نفسيّا فيجري هذا في المقام ولازمه الالتزام بكون فتوى أحد المتساويين حكما طريقيّا واجب الأخذ وقلنا لا معنى لجعل طريقين تعيينا الاّ ان كلّ ذلك محل الاشكال ويشكل تصوير التخيير في المقام . والظاهر من اخبار المقام هو حجيّة قول المجتهد امّا كونه بنحو صرف الوجود وان بمجرّد الأخذ يكون حجّة فلا فانفرضه في صورة وحدة القضيّة لا اشكال فيه بل لا مناص عنه لعدم محل الرجوعفيها إلى الغير .

أمّا بالنسبة إلى القضيّة المكرّرة مرارا فلا لأنّه يكون في ذلك نظير قول القائل أكرم كل¨ يوم جمعة عالما فأكرم في جمعة زيدا العالم وفي اخرى عمرا أو قال أكرم عالما كلّ جمعة واهن عالما ففي جمعة أكرم هذا واهان آخر وفي اخرى عكس فانّه لا اشكال في حصول الامتثال بذلك ومقامنا عينا من هذا القبيل فما ذكروه عندهم من عدم جواز العدول من مجتهد إلى آخر ان استند إلى اجماع فهو وإلاّ فلا دليل عليه وظاهر الدليل الاطلاق كما في الخبرين وما ذكرنا من الوجوء على سبيل الشكّ وعدم استفادة شيء .

تنبيه: يظهر من صاحب الفصول قدس سره انّه لا اشكال في عدم جواز العدول من مجتهد إلى مساوىٍ له في شرايط حجيّة قوله لغيره بعد أن تحقّق منه التقليد للأوّل حيث أرسله ارسال المسلمات لجعله النزاع والخلاف في ما إذا كان تقليده بالنسبة

كلام صاحب الفصول في عدم جواز العدول

ص: 776

إلى كلّ تبعيضيّا بأن أخذ البعض من أحدهما والآخر من الآخر أو أكثر . هذا ومستندهم في ذلك وجوه استحسانيّة واعتبارات رديّة من لزوم الهرج والمرج .

قال في جملة شرايط الحكم المستفتي منه ومنها أن لا يكون مسبوقا فيه بتقليد مفت آخر .

أمّا بالنسبة إلى الوقايع الخاصّة التي التزم فيها بتقليده فموضع وفاق على الظاهر ويدلّ عليه الأصل وقد سبق تحقيقه في صورة رجوع المفتى وان جواز العدول فيها يؤدّي إلى اختلال نظام الشريعة إذ يمكن أن يستحل المقلد بهذه الحيلة ما فوق الأربع والجمع بين الاختين وان يستحل جماعة لامرئة واحدة ويستحل امرئة لعدّة رجال وذلك بأن يكون صحّة عقد البعض مبنيّة على تقليدمفت فيرجع عنه في استحلال الآخر وأمّا بالنسبة إلى غير تلك الوقايع محلخلاف . فذهب جماعة إلى المنع فيه وربما كان مستندهم اصالة بقاء الحكم المقلّد فيه في حقّه لثبوته بالتقليد فيستصحب ولاستلزام البناء على حكمين في واقعتين القطع بفساد أحدهما في احداهما ولأن آية أهل الذكر دلّت على جواز التقليد عند عدم العلم بالحكم والمقلّد عالم به بتقليد الأوّل فلا يتناوله عمومها .

وذهب جماعة على ما قيل إلى جوازه الخ .

وما استندوا إليه في عدم الجواز في صورة تعدّد الوقايع من لزوم الاختلال وغير ذلك ليس بتام لعدم لزوم اختلال نظام الشريعة ولا العلم بمخالفة الواقع لاحتمال خطأ كلا المجتهدين فلا يلزم في صورة انحصارهما وقولهما بالوجوب والحرمة أن يعلم خلاف الواقع لامكان خطأ كليهما خصوصا في مثل الحلال والحرام .

ص: 777

ففي صورة كون فتوى أحدهما الحرمة لا يأخذ بقوله بالحرام وإذا قلّد الآخر الذي يقول بالحليّة فيأخذ ولا يلزم من ذلك العلم بمخالفة الواقع كما ذكرنا وكذلك في باقي المسائل ففي الرضاع إذا قلنا مثلاً بعشر رضعات وقال الآخر بخمسة عشر فانه كما يوجب نشر الحرمة ابتداءً كذلك في الاستدامة فلو فرض انّه ارضعت ابن الزوج أمّ الزوجة فان أخذ بقول القائل بعشر رضعات فبعد تحقّقها تنفصل زوجته عنه بلا طلاق لصيرروتها حراما عليه وان أخذ بقول الآخر فليس كذلك وإن كان يتطرّق في بعض هذه الاشكال الا انّه لايصحّح عدم جواز العدول وما ذكره قدس سره في وجه المنع هو غاية ما يمكن أن يقال في المقام إذ حال المقلّد في هذه الصورة كحال المجتهد فكما ان المجتهد لا يجوز تقليد غيره لقيام الطريق عنده الموجب لاعتقاد خطأ غيره وأخذ قوله حينئذٍ يكون من التشريع المحرمكذلك المقلّد في صورة أخذه بقول المجتهد أو الالتزام بالأخذ وإن لم يعمل كذلكلقيام الحجّة عليه وحينئذٍ يكون علم المجتهد علمه وطريقه طريقه والامارة كما دلّت على الحكم بالنسبة إلى المجتهد كذلك في حقّ المقلّد فلا يجوز له الرجوع إلى غيره في ذلك كالمجتهد بالنسبة إلى الرجوع إلى غيره .

بل ربما يشكل الأمر في الرجوع إلى مجتهدين متعدّدين في القضايا المتعدّدة فضلاً عمّا هو مورد البحث في مسئلة واحدة مكرّرة يرجع إلى كلّ عند ابتلائه بها مرّة وإن كان الأقوى والحق هو جواز الرجوع إلى متعدّدين بالنسبة إلى باب من الأبواب مثلاً أو مسئلة من المسائل كان يقلد أحدهم في باب العبادات واخرى في المعاملات وهكذا ابتداءً معاً أو في صورة الطوليّة مطلقا . لكن ما ذكر في تقريب الاستدلال فيه ما فيه كما هو ظاهر فأيّ ربط للمقلد بالمجتهد كي يكون

ص: 778

حاله كحاله بقيام الطريق عنده في عدم جواز العدول من مجتهد إلى آخر .

ثمّ ان ما ذكرنا إنّما هو في صورة التساوي أمّا في صورة كون المعدول إليه أفضل أو المعدول عنه كذلك فانّه لا اشكال في الجواز في الأوّل وعدمه في الثاني وإن كان يظهر من بعض عدم لزوم تقليد الأعلم بل اللازم أن يقلّد المجتهد الذي اجتمعت فيه شرايط التقليد وأن يكون مطلقا أو مساويا له في ما يرجع إلى استفادة الحكم ولو متجزيّا كما ان ذلك كلّه في ما إذا قلنا بأنّ التقليد عبارة عن تطبيق العمل على فتوى المجتهد فما لم يطبّق كذلك لم يتحقّق التقليد وإن كان أخذا الرسالة وبانيا على العمل بها وعالما بمسائلها اجمع مثلاً كما هو الأقوى .

وأمّا إن قلنا بأنّه عبارة عن البناء فيشكل الأمر لامكان مجييء ما ذكر من قيام الحجّة عنده في هذه الصورة فالرجوع إلى الغير يكون بلا دليل .

والحاصل ان ما ذكر من الوجوه الاستحسانيّة والاعتبارات الرديّة لا يمكنالاستناد إليها في القول بعدم جواز العدول فان كان اجماع في المسئلة فهو وإلاّفقد عرفت الأمر في باقي الوجوه ويبعد تحقّق الاجماع الذي يكون حجّة في المقام لقوّة احتمال استناد الاجماع إلى هذه الوجوه المذكورة فيبقى القول بعدم جواز العدول من مساوي إلى مثله بلا دليل ظاهر فكيف بعدم جواز الأخذ في كلّ باب مثلاً من واحد .

اللهمّ إلاّ أن يقال ان القدر المتيقّن من جواز التقليد الذي هو خلاف الأصل من حجيّة قول الغير للمكلّف هو صورة الابتداء وعدم مسبوقيّته بالأخذ من غيره إذ هو ليس كالاحتياط طريقيّته لادراك الواقع على طبق الأصل ومقتضاه فيبقى جواز الرجوع إلى غيره بعد تحقّق التقليد منه بلا دليل . لكنه يجاب بالاطلاق في

في تقديم ذي المرجح على غيره

ص: 779

مثل ( فللعوام أن يقلّدوه ) وانّه كاف لدفع الشكّ في أمثال هذه المقامات .

هذاما يتعلّق بالتخيير بين الخبرين المتعارضين وما ناسبه من التخيير بين الفتويين .

ثمّ ان ما ذكرنا من الأخذ تخييرا بين المتعارضين هل هو مطلقا ولو في صورة كون أحدهما ذا مزيّة ليست في الآخر أم لا بل في صورة اشتمال أحدهما للمزيّة يقدم ذو المزيّة على غيره وهو يكون حجّة لا غيره ؟

قولان بالنظر إلى الأخبار الواردة في المقام والجمع بين أخبار التخيير وأخبار المرجّحات وهذا بعد عدم امكان الجمع بين المتعارضيين بأنفسهما لفرض تساقطهما في شمول دليل الحجيّة لكليهما فلابدّ في حجيّة أحدهما من دليل خارجي وهو الأخبار العلاجيّة . وقد جمع بين مطلقات التخيير وأخبار الترجيح بنحوين أحدهما الجمع الحكمي بلحاظ أقوائيّة ظهور أخبار التخيير في اختيار أحد المتعارضين من أخبار الترجيحات فيحمل ظهور أخبار الترجيح علىاستحباب الأخذ بذي المزيّة مع جواز العدول عنه إلى غيره ممّا ليست فيه المزيّة .الثاني الذي بنينا عليه هو الجمع الموضوعي وتقييد مطلقات التخيير بأخبار الترجيحات واختصاص التخيير بصورة عدم المرجّح فان الجمع الموضوعي مانع من المصير إلى الجمع الحكمي خصوصا مع مساعدة العرف له دون الآخر .

لكن الانصاف كما ذكرنا سابقا عن صاحب الوسائل نقلاً عن صاحب الاحتجاج انّه لا يتّفق مورد لم يكن لأحد الخبرين مزيّة على الآخر فيما يرجع إلى حجيّته دونه فالبحث عن ذلك بلا فائدة .

نعم لو اتّفق مورد كانا متساويين من جميع الجهات فحينئذٍ يكون نوبة

ص: 780

اخبار التخيير هذا .

الكلام في المرجّحات:

ثمّ ان الكلام في المرجّحات يقع من وجوه فتارة في بيان المنصوص منها وحد كونها مرجحة واخرى في تقدّم بعضها على بعض وترتيبها وثالثة في لزوم الاقتصار عليها أو جواز التعدّي إلى غيرها ممّا يوجب مزيّة لأحد المتعارضيين مطلقا أو في خصوص ما يوجب أقربية طريقيّته إلى الواقع فالكلام يقع في ثلاث مقامات:

الاولى في بيانها وقد اشتملت رواية عمر بن حنظلة المقبولة(1) عليها وينبغي التكلّم أوّلاً في سند المقبولة . وقد ذكر الشهيد رحمه الله ان عمر بن حنظلة جليل الشأن وإن لم يذكروا له ذمّا ولا مدحا لكن يستفاد من موارد ذلك وقد اشتهر التعبير عن روايته هذه بالمقبولة لتلقى الأصحاب لها بالقبول كما لا اشكال في باقي رجال سندها فالسند معتبر وبعض من ذكر انه مجهول علمنا بالتتبع انه موثقولا وجه لرميه بالجهالة .

قال سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحلّ ذلك الخ يستفاد من هذه القطعة ان مورد السؤال إنّما هو صورة المرافعة والمنازعة التي ينجرّ إلى حكم الحاكم بينهما لكن لا ظهور لها في خصوص الشبهة الموضوعيّة بل يحتمل الوجهين ويناسب الشبهة الحكميّة كما يناسب الشبهة الموضوعيّة .

أمّا الحكميّة في مورد الدين فيمكن فرضه في باب الضمانات والوضعيّات

الكلام في المقبولة

ص: 781


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 1/4 من أبواب صفات القاضي .

فأحدهما كان يرى الاخر ضامنا للثمن الذي سلم إليه في البيع الفاسد مع علمه بذلك والاخر لا يرى ذلك فيدعى أحدهما على الاخر دينا أو كان سبب ذلك حصول الضمان من ناحية فساد عقد مزارعة أو مساقاة وأمثالهما فان كان ذلك في المعاملات والوضعيّات المنتهى إلى الدين لا ينبغي انكاره كما ان في الارث أيضا يمكن تصويره في خروج بعض الديون أو غير ذلك من الأصل أو الثلث أو كون الفرس من الحبوة أم لا ( كما يمكن تصوير ذلك في زماننا في السيارة الخصوصيّة ) .

والحاصل انّه يمكن فرض وقوع التنازع والمرافعة بينهما من جهة ما يرجع إلى الشبهة الحكميّة كما يمكن من جهة الموضوعيّة والأظهر هو الأوّل بل المتعيّن لعدم مناسبة الثاني للنظر في مدرك الحكم كما يظهر من ذيل الرواية حيث يجعل اعتبار مدرك أحدهما موجبا لرجحان قوله وتعينه وترك الآخر والاّ فكان اللازم الرجوع إلى الحلف والبيّنات لكونهما مدار ختم المرافعة في الشبهة الموضوعيّة كما يمكن كون الرجلين من أهل الفقه والرواية وكان اختلافهما في الرواية موجبالحصول التنازع بينهما وإن كان بعيدا .قال

علیه السلام جوابا عن سؤال عمر بن حنظة من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فانّما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فانّما يأخذه سحتا وإن كان حقّا ثابتا له لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر اللّه أن يكفر به .

قال اللّه تعالى: « يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ »(1) إنّما كان ذلك الذي يأخذه بحكمهم سحتا وإن كان حقّا ثابتا له حيث لم

ص: 782


1- . سورة النساء: 61 .

يأخذه بالحجّة بل اعتمادا على حكومتهم وذلك لا يجوز إلاّ عند الضرورة ولا يكون حينئذٍ من الركون إلى الظالمين لكن حيث يستفاد من الرواية الشريفة تمكن المترافعين من الرجوع إلى قضاة الشيعة ولم يكونوا مضطرّين إلى الرجوع إلى هؤلاء وكان ذلك غير جائز حراما إلاّ ان وجه حرمة المال وإن كان حقّا ثابتا له وجوب الاحتياط في الأموال كما يجب في النفوس والدماء والأعراض حتّى انّه لو كان مال نفسه لا يجوز له الاقدام لكونه مخالفاً للاحتياط والاحتياط في أمثال هذه المقامات حكم نفسي ظاهري لا طريقي كي يكون مدار المخالفة والموافقة والعصيان هو مصادفة الواقع وعدمها وليس مرجعه أيضا إلى منجزيّة الاحتمال قال(1): قلت فكيف يصنعان ؟ قال: ينطران إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما الخ يدلّ على لزوم كون القاضي والحاكم راويا للحديث والظاهر ان المراد الأعم من الأخذ من مشايخ الاجازة والوجادة فلا يجب في صدق انه راوي تمكّنه فعلاً من اسناد الحديث إلى الامام علیه السلام بسلسلة السند كما ان قوله ونظريستفاد منه اشتراط معرفته بالخاص والعام من الروايات ومعرفة الناسخ والمنسوخ والجمع بين المختلفات وعارفا بأنواع الدلالات وأنحاء المحاورات .

والحاصل أن يكون أهل النظر والاستنباط ولو توقّف على بعض المسائل الأصوليّة كما هو الغالب فأيضا يكون فيه معرفة وقوله قد عرف أحكامنا مقتضاه حيث انّه جمع مضاف احاطته بجميع مسائل الفقه مع التذكر لمداركها وان شذّ عنه بعض الفروع بحيث لا يضرّ في الصدق لكن اللازم أن يكون عنده استحضار فعلي

معنى السحت في المقبولة

ص: 783


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .

لا مجرّد الملكة وأن يكون يعرف اصول المسائل ومهمّات الأحكام وإلاّ فان اشترط معرفته لجميع الأحكام حقيقة فلا يوجد بل يستحيل عادة مصداق له إلاّ الامام علیه السلام لكثرة الفروع وخروجها عن حدّ الاحصاء .

نعم الذي لابدّ منه أن يكون له ملكة ردّ الفروع إلى الأصول بأن يتمكّن من استنباط بعض الفروع الحادثة من الفروع المعنونة في كتب الأصحاب وبعبارة اخرى يكون مجتهدا مطلقا .

تذكرة: الظاهر رجوع السحت إلى أن الأخذ يكون حراما لا المال ويرجع التعليل بقوله لأنّه أخذه بحكم الطاغوت إلى الأخذ أيضا وذلك في صورة عدم الضرورة وعدم طروّ عنوان مبيح لذلك من ضرر أو حرج وأمثال ذلك في حرمة الأخذ فاذا لزم من الحكم بالحرمة في هذه الصورة الضرر والحرج فلا اشكال في عدم الحرمة لارتفاعها بالضرر أو غيره ولا يكون من الركون المحرم بقوله تعالى: « وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا »(1) الخ كما في فرض الرواية لتمكّنهم من الرجوعإلى قضاة الشيعة ورواتهم وفصل خصومتهم بذلك وعلى كلّ حال فالظاهر عدم(2)حرمة ما يأخذه حقّا بحكم غير حكّام الشيعة من قضاة العامّة وسلاطينهم وقوله فانّي قد جعلته عليكم حاكما يحتمل بعد ظهوره في المتيقّن من الحكومة في المرافعات لأجل مقام السلطنة والامارة بقرينة ذكر الراوي فرض رجوعها إلى السلطان أو القضاة وصلاحيّة قوله حاكما لمثل هذه الحكومة والسلطنة إذ لهم أن ينصبوا لهذا المقام كما لهم أن ينصبوا القضاة .

ص: 784


1- . سورة هود: 114 .
2- . هذا خلاف ظاهر بل صريح الرواية .

والحاصل استفيد من الرواية إلى هنا حرمة الرجوع إليهم في غير صورة الاضطرار وان الأخذ هو السيطرة والسلطنة على كلّ شيء بحكمهم حرام سحت وان الواجب الرجوع إلى من وصفه علیه السلام من الشيعة ثمّ عقب ذلك بقوله(1) فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانّما استخفّ بحكم اللّه وعلينا ردّ والرادّ علينا الرادّ على اللّه وهو على حدّ الشرك باللّه . دلّ على حرمة ردّ حكم الحاكم بحكمهم اما إذا علم الخطأ في المستند فلا دليل على الحرمة والظاهر ان صورة عدم الخطأ والشكّ فيه كصورة العلم بعدم الخطأ كما ان الظاهر من القبول المنفي في هذا المقام مجرّد المخالفة العمليّة لا عدم الالتزام والرد المنتهى إلى الارتداد من حيث هتكه لحكم الامام والردّ عليهم الواصل إلى حدّ الاستخفاف الموجب للشرك والكفر فانّه إن وصل إلى هذا الحدّ من الاستخفاف فلا اشكال في الحرمة .

وأمّا المخالفة العمليّة فالظاهر عدم كونها بهذه المثابة وإن كانت مرتبة خفيفة من الاستخفاف كما لعلّه لا يوجب الارتداد ويمكن تعبيره علیه السلام وهو على حدّ الشرك باللّه يؤمى إلى ما ذكرناه .قال: قلت(2): فان كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما واختلفا في ما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم . والظاهر تسالهما معا على اختيار الرجلين في صورة اتفاقهما لا كلّ واحد منهما وان اختلفا فانّه لا تفصل الخصومة لو فرض ان أحدهما حكم على دعوى المدعى والآخر على فرض انكار المنكر كما انّه كاد يكون تصريحا بكون المنازعة في الشبهة

ص: 785


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي لكن في مورد المنازعة .

الحكميّة وعلى فرض الأعميّة فيرجع الشبهة الموضوعيّة أيضاً إلى الحكميّة كما في بعض فروض النكول عن الحلف فان الروايات في ذلك مختلفة وفرض الراوي اختلافهما في الحديث ولو لا فرضه هذا كان الجواب عن فرضه الأوّل في المرافعة تامّا بلا شبهة في ذهنه لكنّه فرض فرضا آخر وسأل عنه فوصلت النوبة إلى مقام الترجيح في صورة الاختلاف فأجابه بالترجيح فقال علیه السلام: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم الآخر .

وقد روى في بعض الروايات الترجيح(1) بالأعلميّته ويمكن فرض كون المراد به هو الأفقه والمراد بهما معا حينئذٍ من كان عنده من الروايات أكثر من الذي عند الآخر أو المراد بالأفقه الأفهم والذي يكون تفريعه على الرواية واستفادته منها أكثر من الآخر كما انه يتصوّر الأصدقيّة أيضا بأن يكون الذي نقل أحدهما عين ألفاظ الرواية والمنقول للآخر المعنى بتغيير بعض الألفاظ فيما لايضرّ والورع اختلف تفسيره في الروايات وبذلك تختلف الأورعيّة .قال الراوي: قلت(2) فانّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل وأحد منهما على صاحبه فقال علیه السلام: ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه .

وقال سيّدنا الاستاذ قدس سره من هنا يرجع الترجيح لمطلق المختلفين لا في

تثليث الامور

ص: 786


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 - 20 - 45 من أبواب صفات القاضي لكن في مورد المنازعة .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9 - 12/1 - 9 من أبواب صفات القاضي .

خصوص مورد السؤال من المنازعة .

قال الامام علیه السلام (1): وإنّما الاُمور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتبع وأمر بيّن غيه فيجتنب وأمر مشكل يردّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله صلی الله علیه و آله قال: قال رسول: اللّه صلی الله علیه و آله حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم .

والظاهر من المحرّمات الأفعال لا ترك الواجبات ويحتمل الأعم فيدلّ على وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة فضلاً عن التحريميّة حيث ان الهلاك هو الاخروي قال: قلت فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة . والظاهر بل الصريح عبرة الرحجان بكلا الأمرين ولا ينافيه تقييده بمقيد دال على الاكتفاء بأحدهما فقط .

قال: قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتابوالسنّة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا لهم بأيّ الخبرينيؤخذ ؟ قال: ما خالف العامّة ففيه الرشاد . جعل العبرة في خلاف العامّة .

قال: قلت: جعلت فداك فان وافقهم الخبران جميعا قال ينظر إلى ما هم إليه اميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر .

قلت: فان وافق حكّامهم الخبرين جميعا قال: إذا كان ذلك فارجه حتّى تلقى إمامك فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات .

واستشكل في هذا الخبر بوجوه: منها: انه سواء كان ظاهرا في الشبهة

اشكالات في دلالة المقبولة

ص: 787


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9 - 12/1 - 9 من أبواب صفات القاضي .

الحكميّة أو الموضوعيّة صريح في تعدّد الحكمين وهذا خلاف المتسالم عليه بين الأصحاب .

ومنها: الترجيح بعد فرض مساواة الحكمين في الصفات بالمجمع عليه بين الأصحاب وهذا يوجب عدم كون العامل بالشاذّ المقابل للمجمع عليه فقيها فضلاً عن مساواته للآخر وكيف يمكن عدم اطّلاعه على مثل هذه الرواية المشهورة التي أجمع الأصحاب عليها .

ومنها: انّه يحرم بعد تحقّق الحكم من حاكم الرجوع إلى حاكم آخر ونقض حكم الأوّل بالثاني بل يحرم نقض حكم الحاكم وعدم قبوله وردّه حتّى لو فرض مخالفة فتوى أحد المتحاكمين لما يحكم به القاضي والحاكم لما حقّق في محلّه ويستفاد من صدر هذه الرواية فلو كان أحدهما يذهب إلى نجاسة الغسالة وبذلك يرى البيع باطلاً والقاضي يذهب إلى طهارتها فيلزم نقض فتواه بحكم القاضي بصحّة البيع لذلك ولا يجوز العكس .

اللهمّ إلاّ أن يعثر على خطأه في الاجتهاد أو في المستند كعدم عدالة الشاهدين عنده مثلاً فانّه لا منع حينئذٍ فكيف يجوز للعاميّ أن ينظر في مدركحكم الحكمين . ومنها ان في صورة اختلاف الحكمين في الصفات يلزم الأخذبحكم الأفضل حتّى فيما لو كان مدركه الرواية الشاذّة مع انّه لا يمكن الالتزام به لقوله فانّ المجمع عليه لا ريب فيه هذا ولا يخفى ما في كل هذه الاشكالات . إذ على فرض عدم الخروج عنها لا يضرّ بما هو محلّ الشاهد ومورد الاستدلال من الأخذ بالمرجّحات مع انّه يمكن الجواب عن الاشكالات بأنّه بعد صراحة الخبر أو ظهوره في فراغ الامام علیه السلام عن بيان حكم الرجلين المتنازعين وان وظيفتهما

ص: 788

الرجوع إلى حكّام العدل المتّصفين بالصفات المشار إليها وإمكان أن يكون الفرض أعم من الموضوعيّة ولو ترك استفصال الامام علیه السلام في الجواب انّه في الحكميّة أو الموضوعيّة لا مانع من فرض التعدّد على فرض مخالفة الحكمين لجواز أن يكون ذلك بطريق أخذ الفتوى عنهما لا المحاكمة والمرافعة فاذا توافقا فيأخذان بقولهما والانسب حينئذٍ أن تكون في الحكميّة ولا اشكال في عدم لزوم الاستناد بل يكفي مجرّد تطبيق العمل على الفتوى وعلى هذا لا يجب في صورة موافقة فتوى غير الأعلم للأعلم الاستناد في العمل إلى الأعلم بل يجوز تقليد غيره حينئذٍ ولو كان أشهر من الأعلم ولم يكن الأعلم مشهوراً لكنّه عرف بذلك كما لعلّه لا يخلو كلّ عصر من مثله لطفا كما ان عدم اطّلاع الفقيه من الحكمين على المجمع عليه لا اشكال فيه خصوصا بالنسبة إلى زمان الأئمّة علیهم السلام وعدم اطّلاع كلّ على ما صدر عنهم ولم يكن يضرّ ذلك في اجتهادهم وكذلك عرفت الجواب عن الثالث وانّه لم يكن من المراجعة والمرافعة إلى أحد بعد الآخر .

وأمّا الاشكال الرابع ولزوم الأخذ بالأفقه ولو كان مدركه الشاذ فجوابه واضح حيث ان الأفقه بما هو أفقه يرى رجحان العمل بالشاذ في قبال المجمع عليه بل اما ان عندنا كذلك مع كونه المجمع عليه لا يعارض الشاذ ( انه خروج عنالموضوع ) أو اطّلع على بعض الدقائق في الشاذّ الموجب للأخذ به وطرح الآخروالعمل على الشاذ . هذا مع فرض اطلاق نفي الريب في المجمع عليه وإلاّ فيمكن كونه في فرض المسئلة بعد وصول نوبة الترجيح إليه .

ثمّ ان في صورة تخالف الحكمين يتساقطان ولابدّ من الأخذ والرجوع إلى الثالث لتعيين المجمع عليه أمّا للأخذ بقوله الموافق للمجمع عليه بلا احتياج إلى

ص: 789

الاستناد إليه أو أحد الأولين أو لكونه بعد التساقط هو المرجع وهذا كلّه في فرض عدم تشخيصهما المجمع عليه من الشاذ .

عود على بدء: قد سبق ان الأخبار الواردة في الترجيح متخالفة بأنفسها فاقتصر في بعضها على خصوص موافقة الكتاب أو وزيادة مخالفة العامّة كما في آخر خصوص مخالفة العامّة وهذه الطائفة كثيرة مستقلّة وفي ثالثة الترجيح بالأحدث وفي المقبولة مضافا على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة الترجيح بالأعدليّة والأفقهيّة والأصدقيّة وبالمشهور المجمع عليه بين الأصحاب وارجع الأمر أخيرا إلى الارجاء والتوقّف ولم يعتبر فيها الترجيح بالموافق للاحتياط ولا اطلق الأمر بالتخيير أخيرا بالأخذ بأيّهما على خلاف مرفوعة زرارة المنقولة عن غوالي اللئالي عن العلاّمة رحمه اللّه تعالى مرفوعة إلى زرارة قال: سألت أبا جعفر علیه السلام فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ ؟ قال: يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر فقلت: يا سيّدي انّهما معا مشهوران مأثوران عنكم فقال خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك فقلت انّهما معا عدلان مرضيّان موثقان فقال: انظر ما وافق منهما العامّة فاتركه وخذ بما خالف فانّ الحقّ فيما خالفهم قلت: ربما

كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع ؟ قال: اذن فخذ بما فيه الحائطة لدينكواترك الآخر قلت انّهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع فقال:اذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به ودع الآخر .

كما ان في المقبولة(1) قدم الترجيح بصفات الراوي على الترجيح بالمجمع

ص: 790


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

عليه بخلاف المرفوعة فهي بالعكس اما النسبة بين أخبار التوقّف والتخيير عرفتها سابقا .

ومنها: رواية الاحتجاج بسنده عن سماعة بن مهران(1) قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه قال: لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأله .

قلت: لابدّ أن نعمل بواحد منهما قال: خذ بما خالف العامّة . مضافا إلى ضعف هذه الرواية كما انك قد عرفت حاصل الجمع بين ما ذكر وبين روايات لزوم الأخذ بالأحدث(2) .

وأمّا أخبار الترجيح الباقية مثل المقبولة(3) والمرفوعة فعلى تقدير تسليم اعتبار سند المرفوعة وموافقة العمل لها ولو بالنسبة إلى بعض مضامينها يسهل الجمع بينها وبين المقبولة(4) بأنّ الترجيح بصفات الراوي المتقدّمة في المقبولة إنّماهو لكون المورد مقام الحكم ولم يصل النوبة إلى النظر في مدرك الحكم ولذا لما ان وصل جعل المجمع عليه هو الذي لا ريب فيه .

أمّا الترجيح ابتداءً بما اشتهر بين الأصحاب والشهرة في الرواية كما في المرفوعة فهو على طبق القاعدة وليس هذا هي الشهرة في الفتوى الكاشفة عنالعمل الذي لا سبيل له إلاّ هذه . الكاسرة الجابرة .

ففي هذه الجهة توافق المرفوعة المقبولة الا ان الترجيح بعد ذلك في المقبولة

الكلام في المرفوعة

ص: 791


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/42 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/17 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

بمخالفة العامّة وموافقة الكتاب بخلاف المرفوعة فبصفات الراوي ويمكن كون العبرة بما يقوله الأوثق اما من باب الطريقيّة أو تعبّدا كما ان الشهرة واجماع الرواية يوجب اندراج المشهور والمجمع عليه في دليل اعتبار الخبر وعدم اندراج الشاذ في ذلك فلا يكون حجّة .

ثمّ ان المقبولة مطلقة في صورة موافقة حكّام العامّة للمتعارضين في موافقة أحدهما للاحتياط وعدمه بخلاف المرفوعة فان فيها جعل العبرة بالأحوط وبعده التخيير ويمكن الجمع بعدم مناسبة مورد المقبولة للاحتياط فانّه في الماليات بخلاف المرفوعة كما يمكن أن يقال بعدم التزام الأصحاب بهذه القطعة من المرفوعة وهي في حدّ نفسها لا تكون حجّة بل بالعمل ولم يعمل الأصحاب بهذه بخصوصها فان موافقة الكتاب ومخالفة العامّة لا تنحصر روايتها بهذه كما ان الترجيح بالشهرة قد عرفت سرّه فحينئذٍ تبقى بلا تحقّق عمل عليها والأمر كذلك في خصوص الأوثق والأعدل فان العمل على خلافه في صورة المعارضة لعدم التزامهم بتقديم رواية الأعدل والأوثق في صورة المعارضة بل يعملون بالحسن مع الصحيح أو الصحيح بالنسبة إلى الموثق عمل المتعارضين ولا عبرة عندهم بكون رواة الصحيح عدولاً اماميّين بخلاف الموثق أو الحسن هذا مع ما في المرفوعة(1) من ضعف السند وعدم اتّصاله بالمعصوم علیه السلام بل هي قسم منالمقطوعة بالمعنى الأعم الذي لا تكون حجّة ومن حيث اشتمالها على لفظة رفعهسميت بالمرفوعة وكذلك المرسل الذي يسند ابتداءً إلى الامام علیه السلام وما عن

لا تقاوم المرفوعة المقبولة

ص: 792


1- . مستدرك الوسائل 17 الباب 9/2 من أبواب صفات القاضي .

صاحب الحدائق قدس سره (1) من الطعن في كتاب غوالي اللئالي الذي نقل المرفوعة عنه ومؤلّفه فعلى هذا لا تقاوم المرفوعة للمقبولة وعلى تقدير سلامة السند ولو باعتبار بعض القطعات من تحقّق العمل كالتخيير الذي اشتملت عليه أخيرا يمكن فرض كون خبرين كلاهما موافقين للاحتياط أو مخالفين له فالأوّل .

كما ورد(2) في ثالثة الامام لمن يقتدي به أن يقرء الفاتحة ويكبّر بتكبير الامام ويركع بركوعه وان أعجله عن السورة في قبال ما يأمره(3) بقرائة الفاتحة

والسورة في صورة الوصول إلى الامام ( بما لا تفوت الجماعة ) فان الآمرة بالمتابعة وترك السورة موافقة للاحتياط في متابعة الامام لا أقل في الأفعال فانّها إمّا واجبة نفسيّا أو شرطيّا وكذلك في السورة فانّها واجبة فلا داعي إلى تركها في هذه الصورة فان هذين الخبرين كلاهما موافقان للاحتياط كما انّهما مخالفان له من جهة استلزامهما لها . وللثاني ما ورد في العزيمة(4) وعدم جواز قرائتها في الصلاة ولو من جهة لزوم السجدة المبطلة للصلاة حتّى إذا تجاوز النصف فانه يعارض ما ورد في عدم(5) جواز العدول عن السورة بعد تجاوز نصفها فان رجّحالثاني يكون مخالفا للاحتياط لاستلزامه إمّا بقاء الصلاة بلا سورة كاملة أو باتمام هذه السورة المنهي عنها لا أقل نهيا وضعيّا وان رجّح الأوّل يلزم مخالفة دليل عدم جواز العدول الا انه لو تمّ دليل عدم جواز قرائة العزيمة وضعا فحينئذٍ يقدم على

تقييد بعض المرجحات بالمقبولة

ص: 793


1- . الحدائق الناضرة 1/99 .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 47/3 - 2 من أبواب صلاة الجماعة والألفاظ مختلفة .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 47/4 من أبواب صلاة الجماعة والألفاظ مختلفة .
4- . الوسائل 6 الباب 40/1 - 2 - 4 - من أبواب القرائة في الصلاة .
5- . الوسائل 6 الباب 36 - 3 - 4 من أبواب القرائة في الصلاة .

دليل عدم جواز العدول وتخصص هي به فتحصل إلى هنا لزوم الترجيح بما في المقبولة .

تذنيب: قال الشيخ

قدس سره في الموضع الثالث(1) من المواضع التي تكلّم فيها في ذيل أخبار العلاج ان مقتضى القاعدة تقييد اطلاق ما اقتصر فيها على بعض المرجّحات بالمقبولة إلاّ انّه قد يستبعد ذلك لورود تلك المطلقات في مقام الحاجة فلابدّ من جعل المقبولة كاشفة عن قرينة متّصلة فهم منها الامام علیه السلام ان مراد الراوي تساوي الروايتين من ساير الجهات كما يحمل اطلاق أخبار التخيير على ذلك انتهى .

ومقتضى كلامه جريان ما قال في أخبار الترجيح بمخالفة العامّة ابتداء أو بالموافقة للكتاب لكن الظاهر ان كلام الشيخ رحمه الله لا يتمّ فلابدّ اما حينئذ من تقييد اطلاق تلك الأخبار بما في المقبولة وقد ذكرنا ان تلك الأخبار على طوائف مختلفة ففي بعضها الترجيح بالأحدث ومنها الصحيح(2) عن أبي عمرو الكناني عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قال لي أبو عبداللّه علیه السلام يا أبا عمرو أرأيت لو حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمّ جئت بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ ؟ قلت: بأحدثهما وادع الآخر قال: قد اصبت يا أبا عمرو أبى اللّه إلاّ أن يعبد سرّا أما واللّه لئن فعلتم ذلك انّه لخير لي ولكمأبى اللّه عزّوجلّ لنا في دينه إلاّ التقيّة ونحوه خبران آخران(3) كما ان ظاهر المقبولة الترجيح بالمجمع عليه بين الأصحاب وإن كان مخالفا للكتاب أو

ص: 794


1- . فرائد الأصول 2/777 - 778 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/17 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/7 - 9 - 8 من أبواب صفات القاضي .

موافقا للعامّة .

وقد ذكرنا انه قد وقع مخالفة ترتيب في المرجّحات في المقبولة بالنسبة إلى المرفوعة وعن بعضهم عدم الترتيب بين المرجّحات طرا .

فاذا كان في أحد المتعارضين مزيّة من المزايا وفي الآخر مزيّة اخرى بازائها فلا يكون أحدهما مرجحا على الآخر وان كان المزيّة في أحدهما كونه مجمعا عليه وفي الآخر مخالفة العامّة كما عن المحقّق الخراساني قدس سره لكنّه(1) ذهب إلى ذلك حيث لم يتعدّ عن أعمال المرجّحات في المقبولة عن موردها وهو مورد المرافعة ولم ير العمل على وفق المرفوعة لضعف سندها .

والحاصل انّه وقع الكلام بين الأعلام بعد تسلّم احتياج العمل بالخبر في حدّ نفسه مع قطع النظر عن معارضته مع الآخر إلى ثلاث جهات هي الصدور والظهور والجهة في ترتيبها .

وعن المحقّق البهبهاني قدس سره تقديم المرجّح الجهتي على غيره من السندي والمضموني وعن بعضهم تقديم المرجّح السندي على المرجّح الجهتي والمضموني واختاره المحقّق النائيني قدس سره (2) فانّه مضافا إلى دلالة المقبولة على ذلك حيث اشتملت على الترجيح بالمجمع عليه بعد وصول النوبة إلى رجحانالمدرك للحكمين وتساويهما في ذلك في فرض الراوي جعل المناط الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة .

ويدلّ عليه الاعتبار فانّ التعبّد بالظهور في طول التعبّد بالصدور كما ان

احتياج العمل بالخبر إلى جهات ثلاث

ص: 795


1- . كفاية الأصول 2/412 .
2- . فوائد الأصول 4/779 .

التعبّد بالجهة أو اصالة الجهة رتبتها بعد هذين بداهة عدم معقوليّة التعبّد بظهور ما لم يكن صادرا عن الامام علیه السلام كما ان الامر في اصالة الجهة أيضا كذلك .

فالخبر يحتاج إبتداءً في كونه حجّة إلى التعبّد بالصدور ثمّ بعد تماميّة هذه الجهة يكون رتبة التعبّد بالظهور أي ظهور كلام المعصوم ولو كلامه الذي صار كلاما له بالتعبّد لعدم فائدة في التعبّد بالظهور ما لم يكن قد تعبد بالصدور .

والحاصل انه يكون كلّ مرتبة بالنسبة إلى الاخرى كالموضوع ومن هذا يعلم وجه الاحتياج إلى باب حجيّة الظهورات والتعبّد بخبر الواحد في الأصول لانطباق ضابط المسئلة الاصوليّة على كليهما لا لعدم الاستغناء بصرف التعبّد بالصدور عن التعبّد بالظهور فانّه لا حجيّة في كلام مجمل كما لا حجيّة في كلام غير المعلوم اسناده إلى الامام علیه السلام وصحّة وقوعه في كبرى قياس الاستنباط الا ان الأصل العقلائي بارادة ظاهر الكلام وكونه صادرا في مقام بيان حكم اللّه الواقعي محكم وخلافه يحتاج إلى مؤونة زائدة كما ان الأمر كذلك في باب الأمر والنهي وان الظاهر العقلائي ان الأمر بداعي الجد ما لم يقم قرينة على كونه بداعي آخر من تسخير أو تعجيز أو ترغيب ونحوها من الدواعي وحينئذٍ فالأصل في الخبر كونه مرادا وتمام المراد كما ان الأصل أيضا كونه لا للتقيّة وعلى هذا فكما ان مقتضى الطبع ترتيب هذه الجهات وتقدّم بعضها على بعض كذلك الرواية المقبولة كما ذكرنا فتدبّر ولا تغفل .

أقول: الاحتياج إلى الجهات الثلاث في عرض واحد ولا تقدم لأحدها

على الآخر وبعدم أحدها لا يكون الخبر قابلاً للاعتماد في اصدار الفتوى فما بيّنه سيّدنا الأستاذ لتقريب كلام شيخه وارتضاه لا يتمّ ولا يناسب الوجدان فتأمّل

استدراك في الاعتماد بالمرفوعة

ص: 796

جيّدا ) . هذا ما قلته سابقاً . لكن لا يخلو من تأمّل .استدراك: ذكر سيّدنا الأستاذ قدس سره انّه قد علم بالمراجعة الاعتماد

بالمرفوعة(1) ولو في بعض مضامينها فان من المعلوم عندهم الترجيح بالأوثقيّة والأصدقيّة فعلى هذا لابدّ من تقديم الترجيح بهما فيما يرجع إلى زيادة الاطمئنان بصدور الرواية على الترجيح بمخالفة العامّة وموافقة الكتاب حيث ان فرض السائل في المقبولة بعد قول الامام الأخذ بالمجمع عليه وانه لا ريب فيه انّهما كلاهما مشهوران مطلق من حيث أوثقيّة رواة أحدهما على الآخر فانّه وإن كان نصّا في الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة الا انّه بالاطلاق يشمل صورة رجحان أحدهما بالأوثقيّة وغيرها فيما يرجع إلى صفات الراوي الراجعة إلى زيادة الاطمئنان . والمرفوعة بعد بيان الترجيح بالمشهور بين الأصحاب وفرض الراوي مساواة الخبرين من هذه الجهة . قال خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك وبعد ذلك جعل مناط الرجحان مخالفة العامّة فلا اشكال حينئذٍ في تقييد اطلاق المقبولة في الأخذ بما خالف العامّة ووافق الكتاب في ما إذا كانا مشهورين بما في المرفوعة من الترجيح في هذه الصورة بصفات الراوي من الأصدقيّة والأوثقيّة وفي فرض التساوي إلى الأخذ بمخالف العامّة .

وأمّا ما تضمّنه المرفوعة من الأخذ بالحائط للدين فممّا لم يعمل به فمن هذه الجهة لا جابر لها كما ان التخيير فيها أخيرا لا ينافي وجوب التوقّف في المقبولة لكون مورد المقبولة في الماليّات ولا بأس لأجلها بالتوقّف بخلاف غيرها فالتخيير والظاهر من التخيير في المرفوعة هو التخيير البدوي فتأمّل .

التعدّي عن المرجحات المنصوصة

ص: 797


1- . المستدرك 17 الباب 9/2 من أبواب صفات القاضي .

وقد استفيد من الروايتين أيضا وجوب الترجيح على الترتيب كما هونصّهما .

ولو قلنا بظهور المقبولة(1) في صدرها بالترجيح بصفات الراوي حتّى في غير مورد الحكم بل في مطلق الرواية فتعارض حينئذٍ المرفوعة(2) لتقديم المؤخّر فيها بخلاف المقبولة(3) إلاّ انك قد عرفت سابقا انه مختص بصورة اختلاف الحكمين وان الترجيح للحكم لا لمطلق الرواية ولو لم يكن في مقام الحكومة وفصل الخطاب .

وقدذكرنا ما هو الوجه في ترتيب الجهات وان ما قاله المحقّق البهبهاني رحمه الله

من تقديم المرجّح الجهتي على غيرها لا يخلو من اشكال كما ان ما عن آخر من تساوي ذي المزيّة أيّة مزيّة كانت وان في صورة رجحان أحدهما بالمزيّة زائدة على الآخر يقدم والا فلا أيضا ضعيف وان الأقوى هو ما تضمّنه المبقولة بضميمة ما استفدناه من المرفوعة وقيّدناها بها على التريب المذكور كما هو مقتضى الطبع على ما ذكرنا سابقا نعم .

بقي في المقام الاشارة إلى جواز التعدّي عن المرجّجات المنصوصة إلى غيرها فقد يقال بذلك .

ولا يخفى انّه إنّما يتمّ بأحد أمرين اما بدلالة التعليل في ذيل الرواية بالأخذ بالمجمع عليه على لزوم الأخذ بكلّ ما هو من هذا القبيل أو بما علّل الأخذ بمخالف العامّة ويمكن تقريب الاستدلال بالأوّل بأنّ قوله علیه السلام فان المجمع عليه لا

ص: 798


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . المستدرك 17 الباب 9/2 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

ريب فيه ليس المراد بالمجمع عليه هو الذي يوجب القطع بالصدور وعلى فرضهلا اشكال في امكان انعقاد ذلك في الروايتين المتعارضتين فيكشف حينئذٍ عن فساد الجهة في احداهما .

فمنع الشيخ لهذا لا وجه له بل المراد بالمجمع عليه هو ما عبّر عنه في رواية اخرى هي المرفوعة بما اشتهر بين الأصحاب ولا يخفى ان ما اشتهر أو المجمع عليه لا يوجب القطع بالصدور فربما تكون رواية مشهورة قد نقلها أصحاب الحديث في كتبهم وتسالم الجميع على ذكرها وروايتها لكن لا قطع بصدورها كما ربما يمكن ذلك في المجمع عليه بل ما هو أقل من ذلك بسبب القرائن الخارجيّة ومعونتها .

فعلى هذا لا اطمئنان كليا بكون المشهور مطلقا لا ريب فيه وممّا قطع بصدوره في قبال الشاذ الذي قلّ الناقلون له والراوون ولم يدون في جميع الكتب مثل ما دون هذا ولم يعرفه كلّ واحد كي يبلغ في الشهرة مبلغ الآخر فحينئذٍ نفي الريب عن المشهور في قبال الآخر إنّما هو اضافي أي بالنسبة إلى الآخر لا ريب فيه لا مطلقا بحيث يقطع بصدوره موافقا للواقع وعلى هذا فيرجع المراد بنفي الريب كونه أقرب إلى الواقع من الآخر .

وحينئذٍ فيكون هذا علّة وكبرى كلية يجب الأخذ بها مهما وجد لها صغرى فكلّ ما كان أقرب إلى الواقع من الآخر في صورة المعارضة يكون هو الذي يجب الأخذ به وطرح الآخر . هذا وكذلك التقريب الجاري في التعليل بكون الرشد في خلافهم فانه ليس كلّ ما عليه العامّة خلاف الحق والواقع بل المراد ان الأخذ بما خالفهم أصوب وأقرب إلى الواقع ممّا لا يخالفهم بل يوافقهم فيكون هذا في حكم

وجوه أربعة في مخالفة العامّة

ص: 799

الكبرى الكليّة نظير ما ذكرنا في المجمع عليه .لكن للنظر في ذلك مجال وكيف كان فاختلف في وجه كون مخالفة العامّةعلى أربعة أنحاء فقيل انه للتعبد ولو كان الموافق لهم هو الحق الصادر واحتمل كونه مشتملاً على مصلحة كما ان الثالث لكون ذلك أصوب وأقرب إلى الواقع لأنّهم قد خالفوا عليّا علیه السلام في اُمور كثيرة وربما لا يعلمون بعضها فيسئلونه ليخالفوه ونقل عن أبي حنيفة أيضا مخالفة الصادق علیه السلام في كلّ شيء ولم يدر ما يصنع هو علیه السلام

في السجود من غمض العينين أو فتحهما ففتح احداهما وغمض الاخرى وسيجيء بيان الرابع ثمّ ان المخالفة يحتمل كونها بالنسبة إلى عملهم أو إلى رواياتهم .

تكميل: سبق تقريب دلالة قوله فانّ المجمع عليه لا ريب فيه وقوله ان الرشد في خلافهم وان المراد من عدم الريب نفيه بالنسبة إلى الشاذ لا بقول مطلق وانه يكون كبرى كليّة يجوز التعدّي عن خصوص صغراها إلى كلّ مقام ومورد وحينئذٍ فكلّ ما يكون موجباً للقرب إلى الواقع وأقرب من الآخر يكون واجب الأخذ والعمل به ويتعين طرح آخر .

وعلى هذا فتنقسم المرجّحات إلى الداخليّة والخارجيّة على ما بيّن بعض مصاديقها في الرسائل فليراجع وهكذا تقريب فان الرشد في خلافهم .

هذا كلام الشيخ واستشكله المحقّق النائيني (1) اما في قوله فان الرشد في خلافهم بعدم كونه كبرى كلية والواجب في منصوص العلّة ان يجتمع فيه جهتان(2)

ص: 800


1- . فوائد الأصول 4/777 - 778 - 776 .
2- . فوائد الأصول 4/777 - 778 - 776 .

أن تكون كبرى كلية لا جزئيّة . الثاني أن تكون قابلة للالقاء إلى المكلّف وليسكذلك قوله فان الرشد في خلافهم لعدم امكان الالتزام بأن كلّ ما يكون مخالفاللعامّة فيه الرشد وكلّما يوافقهم مثلاً خال عنه لوجود أحكام كثيرة في موارد لا تحصى توافق العامّة مع كونها حقة فحينئذٍ يسقط قوله فان الرشد في خلافهم عن قابليّة كونه كبرى كلية وكذلك لا وجه للالتزام بكونه كبرى كلية في صورة المعارضة وعدم المرجّحات الاخرى كي يستفاد منه ان مناط تقدّم المخالف إنّما هو كونه مخالفا أو احتمال كونه أقرب إلى الواقع فيتبع في كلّ مورد ومقام ويكون ذلك موجبا للتعدي عنه إلى مطلق ما يوجب الأقربيّة وكذلك في قوله فان المجمع عليه لا ريب فيه فان الخبر إذا كان نقله الأصحاب ودونوه في كتبهم واصولهم بحيث صار مشهورا فحينئذٍ يقطع بصدوره .

ويمكن حينئذٍ في حقّه أن يقال لا ريب فيه فلا معنى لكون نفي الريب فيه اضافيّا نسبيّا قبال الشاذالذي لم يحصل بالنسبة إليه اتّفاق الأصحاب على نقله بحيث يصل إلى حدّ الاشتهار هذا ملخّص ما قاله المحقّق النائيني رحمه الله في المقام .

واستشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره بأنّ الشهرة بهذا القدر الذي اعتبره المحقّق النائيني لابدّ أن تكون محقّقه بالنسبة إلى الخبر الشاذ أيضا فانّه لو لا المعارضة يلزم أن يكون حجّة كي يكون مشمولاً للتعبد بمضمون الأخبار العلاجيّة بتقديم المجمع عليه المشهور عليه وحينئذٍ يكون من الخبر الواحد الموثوق الصدور في حدّ نفسه كما ان المجمع عليه في قباله يكون كذلك .

غاية الأمر حيث ان له الشهرة يكون أقوى من الشاذ ويوجب الريب في الشاذ ويبقى هو على الوثوق بصدوره والاطمئنان به .

الكلام في نفي الريب في المشهور

ص: 801

والحاصل انّه لابدّ إمّا من قبول ما قاله الشيخ من الحمل على المراتب وان يكون للوثوق مراتب أدناها يكون به الخبر مشمولاً لأدلّة الاعتبار وأقواها مايكون علما وقطعا بحيث لا يحتمل فيه الخلاف كما ان المراتب المتوسطة والادنىيكون احتمال الخلاف فيها بغاية من الضعف يكاد يشبه عدمه واما من الالتزام بما قاله المحقّق الخراساني قدس سره (1) من رجوع الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة وأمثال ذلك إلى تشخيص الحجّة عن الذي لا يكون حجّة فحينئذٍ لا يكون الخبر الشاذ ولو لا في مقام المعارضة في حدّ نفسه مشمولاً لدليل الاعتبار ويكون العبرة بالمجمع عليه لحصول الوثوق المخبرى بصدوره ويرجع الترجيح بذلك حينئذٍ ارشادا إلى طريقة العقلاء من الأخذ بالموثوق به وطرح ما يخالفه . هذا على تقدير المراد بكون نفي الريب نفيه عرفا وإن كان المراد ذلك حقيقة فالأمر أوضح .

وعلى كلّ حال فلا يمكن اتّخاذ مشي بين مشرب الشيخ والآخوند فاما أن يقال بدوران الأمر في ذلك بين الحجّة واللاحجّة بعدم كون الشاذ ولو لا في صورة المعارضة موثوقا بصدوره أو يقال بذلك في كليهما وكون المجمع عليه أكثر وثوقا بحدّ يوجب حدوث الريب في الخبر المقابل له الشاذ وهو بعد باق على الوثوق بصدوره والاطمئنان بمضمونه لقوته بالنسبة إلى الآخر وتأيده بالشهرة .

نعم لو كان الشاذ مرويّا لجماعة أو لبعض من الأصحاب الذين هم العمد في الحديث وإن كان شاذّا لم ينقله الجميع وكانت قرائن الصدق ظاهرة عليه فبهذه الجهة ربما يقدم على المجمع عليه ولكن حيث ان فرضه وعدم الاطّلاع عليه وعدم نقل غير القليل من أصحاب كتب الحديث له بعيد فلذا اطلق الامام علیه السلام لزوم

ص: 802


1- . كفاية الأصول 2/395 .

الأخذ بالمجمع عليه وإلاّ كان عليه التقييد بغير هذا الفرد .

وعلى كلّ حال فالحقّ في المقام يقرب أن يكون ما اختاره الشيخ ولم يظهرمن كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره وجه صحّة الضابط والتعدّي وعدمه كما ان الذي صرّحبه في البحث لزوم الأخذ بكلّ ما لا ريب فيه وظاهر هذا الكلام موافقة الشيخ رحمه الله

لكن لا في كلّ ما قاله بل في وجه وافق المحقّق النائيني فحينئذٍ يكون نتيجة مختاره كون قوله فانّ المجمع عليه لاريب فيه كبرى كلية لكن ليس اضافيّا كما قاله الشيخ بل ما يجامع كون الشاذ غير مشمول لأدلّة الاعتبار وكونه لو لا المعارضة وكونه مشمولاً لو لاها لكن لم يظهر منه التعدّي بل يقول بكون لا ريب فيه كبرى كلية وهو أعم من أن يكون اضافيّا أو لا بل حقيقتا واقعيّا لكن في كلتا الصورتين احتمال الخلاف ميت فيصح أن يقال انّه لا ريب فيه لكونه موجبا لحصول العلم العادي النظامي ولو في صورة المعارضة .

ثمّ انّه قد يقال برجوع المرجّحات جميعا إلى جهة الصدور كما عن المحقّق الخراساني(1) إذ لا معنى للتعبّد بظهور الرواية وطرحها وعدم العمل بها والتعبّد بصدورها ولا معنى واضح لها بل مجمل من حيث الدلالة بل ذلك كلّه إنّما هو للأخذ والعمل بمضمون الرواية فمرجع كلّ المرجّحات إلى حيث الصدور سواء منها ما يرجع إلى جهة الصدور أو ما يكون مرجّحا مضمونيا كموافقة أحد الخبرين للكتاب .

الا ان للمحقّق النائيني رحمه الله(2) كلاما وتفصيلاً بأن ما يكون شرطاً لأصل

الترجيح بين العامين من وجه

ص: 803


1- . كفاية الأصول 2/410 .
2- . فوائد الأصول 4/779 - 782 .

الصدور وكون الرواية صادرة عنهم عمل بها أو لم يعمل أن لا يكون مخالفا للكتاب أو لا تنادى بنفسها انا تقية ولو في غير صورة المعارضة ولا ينافي ذلكاجتماع جهتي النفي في الرواية بأن لا يكون مخالفا للكتاب ولا تنادي بالتقيّة ومعذلك في مقام المعارضة يقدم المشهور في الرواية عليها أو في صورة مخالفة الكتاب بغير نحو التباين أو موافقة العامّة بغير نحو ندائه بنفسه انا تقية يقدم الخبر

الآخر الذي ليس كذلك عليه فان المخالف للكتاب بالتباين الكلي لا يمكن صدوره عن المعصوم علیه السلام وان صدر فلابدّ من كونه تورية أو تقيّة وليس بكذب قطعا لاستحالته في حقّه علیه السلام كما اتّفق في جواب سائل سأله مسألة كم آية تقرء في صلاتك(1) فقال علیه السلام: ثمانين وبعد أن فارق مجلس الامام علیه السلام قال للحاضرين لم يصل إلى مرادي وفسّر علیه السلام مراده ان ذلك يكون في النوافل بقرائة الحمد والتوحيد ثمان مرّات كما ان ذلك يتّفق في مثل بيان العام مع عدم عمومه لمصلحة الابتلاء أو الامتحان أو غير ذلك .

ثمّ ان في صورة تعارض العامين من وجه ووصول النوبة إلى الترجيح بموافق الكتاب قد يقال بكون العام مرجعا والنتيجة وإن كانت مع كونه مرجّحا واحدة حيث ان العمل بالعام سواء كان مرجّحا لأحد العامين أو لا بل مرجعا الا انه ربما تكون له ثمرة علميّة وذلك كما قد يتّفق في العامين من وجه كذلك يتحقّق في الخاصين فان في الخاصين المتبائنين أيضا يكون العام الكتابي مرجعا أو مرجحا للموافق له ومثال كون العام الكتابي كذلك مسئلة منجزات المريض وانها

ص: 804


1- . الوسائل 6 الباب 13/3 من أبواب القرائة في الصلاة واللفظ كم يقرء في الزوال وبعد ثمانين آية الى سألني عن شيء ولم يسألني عن تفسيره .

في مرض موته ممضاة أم لا وكذا صلح المحاباة لجميع ماله مثلاً وان كان الظاهر عدم الالتزام بأزيد من الثلث فان الروايات متعارضة(1) طائفة منها موافقةلعمومات أحلّ اللّه البيع وأوفوا بالعقود وكذلك في الارث .وفي هذه الليلة ( ليلة الأحد 20 ربيع الثاني 73 - 6/1/32 وصل خبر فوت السيّد الصدر رحمه الله تعالى من قمّ المشرّفة وأفاد الأستاذ كلام النائيني وجوابه للمحقّق الخراساني ولم يرتض مثال المحقّق النائيني في كون الرواية تنادي بنفسها بالتقية وأفاد انه قدس سره كان يمثل بروايات(2) عدم فساد الصلاة بوقوع الحدث قبل التشهّد في الركعة الأخيرة أو عدم بطلانها(3) قبل السلام وفي بعضها(4) ولو ذهب إلى الصين واستشكل على المحقّق النائيني وقال كانه غفل عن كون هذه الروايات مبتلاة بالأخبار المعارضة لها وقد تكلّم عليها في محلّها في الفقه وقلنا بطرحها لموافقتها للعامّة ولو لا ذلك لم يكن وجه لطرحها لعدم وجود رواية تدلّ بنفسها على التقيّة ( قلت ذكرت رواية قضاء صلاة الصبح(5) من رسول اللّه صلی الله علیه و آله واعتبار روايتها سندا .

والحاصل ان ما ذهب إليه وما مثل به في غير محلّه وتقدّم في بعض الأبحاث السابقة الاشارة لنا إلى ان بحث حجيّة خبر الواحد وحجيّة الظهورات متلازمان وانّه لا يفيد أحدهما لو لا الآخر وانّه لابدّ في كلّ رواية من اجتماع

ترتيب المرجّحات

ص: 805


1- . الوسائل 19 الباب 17/1 الى 8 - 10 - 11 - 13 الى 16 من كتاب الوصايا .
2- . الوسائل 6 الباب 13/1 - 2 - 3 - 4 من أبواب التشهّد .
3- . الوسائل 6 الباب 3/2 من أبواب التسليم .
4- . الوسائل 8 الباب 3/20 من أبواب الخلل في الصلاة والرواية في نقصان ركعات الصلاة .
5- . وسائل الشيعة 8 الباب 2/2 من أبواب قضاء الصلوات .

جهات أربعة فيها جهة الصدور والظهور وجهة حيث الصدور الارادة .

ثمّ انّه تحصّل ممّا ذكرنا في بحث المرجّحات إلى هنا ان أوّل المرجّحاتالشهرة في الرواية فان كانتا معا مشهورتين لم يكن في أحديهما أعراض أو عمل وكذا في سابقته فالمستفاد من المرفوعة الترجيح بالصفات كالأصدقيّة والأوثقيّةولا اشكال في لزوم الأخذ بذلك كما ذكرنا سابقا وقيّدنا اطلاق المقبولة من هذه الجهة فإذا كان أحد المتعارضين صحيحا والآخر موثقا فاللازم الأخذ بالصحيح وطرح الموثق وهكذا .

ومن هنا يمكن دعوى التعدّي عن المرجّحات المنصوصة إلى كلّ ما يوجب الأقربيّة إلى الواقع حيث جعل في المرفوعة أحد وجوه الترجيح والمرجّحات كون راوي أحدهما أوثق من الآخر وأصدق فالخبر الصحيح حيث ان في النفس يكون الوثوق الحاصل برواته الملازم للوثوق الحاصل بمضمونه وزيادته أكثر من الموثق والحسن مثلاً يكون مرجّحا على الموثق وغيره فلا بأس بالالتزام بالتعدّي إلى كلّ ما يوجب زيادة الوثوق سندا إلاّ انّه يحتاج إلى التأمّل .

ثمّ انّ في المقبولة(1) جعل العبرة بعد ذلك بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة معا لكن العمل ليس هكذا وفي بعض الروايات جعل العبرة بالمخالفة فقط إلاّ انّ الظاهر من رواية(2) القطب الراوندي عن الصادق علیه السلام ( إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوها على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه فخذوه وما خالف كتاب اللّه فردّوه فإن لم تجدوهما في كتاب اللّه فأعرضوهما على أخبار العامّة فما وافق

ص: 806


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/29 من أبواب صفات القاضي .

أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه ) هو تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بمخالفة العامّة بل صريحها هذا كما ان ظاهرها أو صريحها كون واحد منهما مرجحا بخصوصه وحده لا مع الآخر فحينئذٍ لا بأس بتقديم هذهالرواية على مطلقات الترجيح بمخالفة العامّة والمقبولة(1) التي جعل الترجيح فيهابهما معا لصحّة سند رواية الراوندي وعدم ثبوت اعراض عنها بل لعلّ العمل على طبقها وإن كان قد يختلج بالبال تقديم مخالفة العامّة عند بعضهم لكن لا يستحضره سيّدنا الأستاذ قدس سره الآن .

والحاصل ان صحّة الرواية تمنع من رفع اليد عنها فلابدّ من تقييد هاتين الطائفتين أي المقبولة ومطلقات الترجيح بالمخالفة لهذه الرواية(2) الصحيحة كما انّه لا يظنّ بهم تقديم المخالف للكتاب المخالف للعامّة على الموافق للكتاب الموافق للعامّة فحينئذٍ إذا كان أحد الخبرين موافقا للكتاب والآخر مخالفا له وإن كان مخالفا للعامّة فالعبرة بالموافق للكتاب على ما سبق من كون العام الكتابي مرجّحا لأحد المتعارضين أو مرجعا

كما ان المظنون بهم أيضا تقديم الموافق للكتاب المخالف للعامّة في صورة تعارضهما لكن هذا ربما يشكل بناء على ما ذكرنا من الوجه الاعتباري عن المحقّق النائيني في ترتّب الجهات في الصدور والظهور والجهة وان الجهتي تقدم على المضموني فان الظاهر تقديم المرجّح الجهتي على المضموني الا انه لابدّ من رفع اليد عنه بهذه الرواية وتقديم المرجّح المضموني على الجهتي وارجاع

العمل بالاحدث

ص: 807


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/29 من أبواب صفات القاضي .

المضموني إلى الصدوري وإن كان قد يشكل هذا الارجاع بامكانه في الجهتي أيضا .

وعلى كلّ حال فالمضموني يقدم على الجهتي .

تنبيه: لا يخفى ان ما ذكرنا في الترجيح في صفات الراوي من الأخذبالأوثق في النفس والأصدق لا ربط له بتنويع الأخبار إلى الصحيح والموثق والحسن والضعيف على اصطلاح المتأخّرين فانّه ربما يكون الخبر الصحيح مرجوحا بالنسبة إلى الموثق والحسن لكون رواة الحسن أو الموثق مثلاً أضبط من رواة الصحيح وكذا الكلام في النسبة بين الموثق والحسن .

فعلى هذا المناط في ذلك هو أصدقيّة الراوي وأوثقيّته لا كون الرواية صحيحة أو موثقة .

ثمّ ان في بعض الأخبار كما مرّ سابقا الترجيح بالأحدث(1) وأشرنا إلى أخبارها وإن كان بعضها ضعيفا لكن يمكن وجود معتبر فيها ومقتضى القاعدة الترجيح بذلك أيضا .

اما بعد تعادل الروايتين في جميع جهات الترجيح الذي يكون مورد التخيير أو التوقّف بتقييد أخبار التخيير أو التوقّف بما إذا لم يكن أحدهما أحدث اذ لا أقل من ذلك لو لم يقدم على باقي أسباب الرجحان .

والظاهر من الأصحاب عدم الترجيح بالأحدثيّة إمّا لاعراضهم عن هذه الأخبار واحرازه مشكل أو لعدم وصول النوبة إليها وجعل الترجيح بذلك آخرها مثلاً أو حمل ذلك على زمان الحضور أو افتهام ان المناط في ذلك هو التقية في

الشهرة ثلاثة أقسام

ص: 808


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/17 - 7 - 8 - 9 من أبواب صفات القاضي .

الأخير رفعا أو حدوثا ولا يخلو من بعد لكي يكون مختصّا بزمان الحضور ويمكن على فرض اعتبار السند العمل بها فيما يعلم التاريخ كما في أخبار الامام الواحد أو الراوي الواحد أو امام بالنسبة إلى امام آخر كما انّه يمكن كون الأحدث هوالناسخ للمقدم عليه .والحاصل انّه لم يعرف من الأصحاب عمل في ذلك ولا قول . هذا .

ثمّ لا يخفى ان المحقّق النائيني(1) نبّه في ذيل الأخبار بأمور: منها ما تقدّم في الجمع بين المقبولة والمرفوعة والترجيح بصفات الراوي ومنها مسئلة الشهرة وقد تقدّم شطر من الكلام فيها أيضا في ذيل المقبولة لكن المقام يستدعي زيادة توضيح .

فنقول: انّها على ثلاثة أقسام: عمليّة وروائيّة وفتوائيّة .

أمّا الأوّل فهي عبارة عن عمل الأصحاب ومشهورهم مطلقا أو خصوص القدماء على مضمون الرواية واحرز استنادهم إليها في العمل فهذا الخبر من هذه الجهة يكون داخلاً في الأخبار المعتبرة التي عليها مدار العمل لكن الذي يوجب عدم ثمرة له عدم معرفتنا بعملهم الا من حيث معرفتنا بفتاويهم فالعبرة حينئذٍ بها والشهرة في الفتوى عبارة عن ذهاب المشهور في المسئلة إلى حكم من الأحكام وليس في ما بأيدينا من الكتب المعتبرة ما يكون مدركا لفتواهم وكذلك ليس لهذه الفتوى قاعدة من القواعد التي يكون عليها مدار فتاواهم وابتناء اجتهاداتهم بل القواعد مخالفة لها مثلاً وليس إلاّ مجرّد رواية في غير الكتب المعتبرة أو المعروفة

كالدعائم والأشعثيّات والجعفريّات والفقه الرضوي فهل يوجب مجرّد مطابقة

ص: 809


1- . فوائد الأصول 784 وما بعده .

الفتوى المشهوري لهذه الرواية اعتبارها(1) ودخولها تحت أدلّة الاعتبار كيتكون مستندا للفتوى على وفق فتوى المشهور أو لجهات آخر من الدلالة أم لا ؟يظهر من المحقّق النائيني رحمه الله(2) ذلك في الاجماع يعني لو كان المسئلة

اجماعيّة ولم يكن في الأخبار المعتبرة التي بأيدينا بعد الفحص التام ما يكون مستندا لفتواهم واجماعهم عليها سوى هذه الرواية الضعيفة فقطعا يوجب هذه الموافقة جبر سندها وانّهم اعتمدوا عليها في هذه الفتوى أو إلى مثلها في الدلالة خصوصا على اختلاف طرقهم في الاجتهاد وآرائهم في الاستنباط وأنظارهم وأفهامهم غاية الأمر اختفى علينا ذلك الخبر المطابق للموجود بأيدينا من الضعاف إن لم يحصل الوثوق والاطمئنان بكون المدرك هو هذا .

لكن الفرق بين الاجماع والشهرة بلا فارق فان ما ذكرنا في خصوص الاجماع آتٍ في مسئلة الشهرة ويبعد اتّفاقهم على كتمان الرواية الواضحة الدلالة بهذا الوضوح الذي أوجبت اتّفاقهم على الفتوى وإن ابيت فلا أقل من كون الضعيفة الموجودة في غير الكتب المعتبرة أو غير المعتبرة من الأخبار منجبرا ضعفها بذلك لحصول الاطمئنان العادي بالاستناد .

ثمّ لا يخفى ان ذلك في خصوص شهرة القدماء على رأيه قدس سره لكون زمانهم أقرب إلى زمان الرواة ولذلك ربما يصير لهم كثير اطّلاع لم يحصل للمتأخّرين

ص: 810


1- . مثل رواية كراهة كشف الرأس أو استحباب التغطية عند التخلّي ففي الحدائق الحدائق 2/53 لم يجد بذلك رواية مع كون الحكم مشهوراً بينهم وذكر في الدعائم له رواية أو روايتين واضحتي الدلالة . مستدرك الوسائل 1 الباب 3 أبواب الخلوة ح1 - 2 . لكن الحديث الثاني من الجعفريات مسنداً .
2- . فوائد الأصول 4/788 .

وهذا أيضا مردود بأنّ التاريخ والرجال والنقل بالنسبة إلينا وإليهم على مناط واحد .

ثمّ لا يخفى ان النسبة بين الشهرة في الرواية والعمل عموم من وجه وقلّما يتفق ذلك بأن تكون رواية مشهورة لم يعمل عليها بل يكون العمل على الشاذّة كماانك عرفت ان الشهرة العمليّة توجب انجبار ضعف الرواية التي استندوا إليها فيغير صورة المعارضة كما توجب رجحانها على معارضها في تلك الصورة والخلاف والكلام إنّما هو في خصوص الشهرة في الفتوى وقد عرفت ملخّص الكلام فيها وانّه لا يبعد على ما فرضنا حصول القطع بذلك أو بتعبير بعضهم يشرف الفقيه على القطع بالصدور أو الاستناد فتدبّر .

تتميم: يمكن الجمع بين أخبار الاحدث(1) والأخذ به في صورة معلوميّة التاريخ ومعرفة الأحدث من غيره وأخبار الأخذ بما خالف العامّة وطرح الموافق بحمل الأولى على صورة معلوميّة التاريخ والثانية على صورة الجهل وعدم التشخيص لكون الثاني إمّا محدثا للتقيّة أو رافعا لها .

وعلى كلّ حال فلابدّ من الأخذ به لكون تكليفنا الأخذ بالتقيّة غاية الامر لمّا لم تصل النوبة إلى الأحدثيّة فلم يعمل للأصحاب بها وإلاّ فمقتضى الأخبار الواردة في ذلك حجيّة الأحدث دون غيره(2) .

الأخذ بما خالف العامّة لكونه أقرب إلى الواقع

ص: 811


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/17 - 7 - 8 - 9 من أبواب صفات القاضي .
2- . ولقد أجاد في الجواب عن صحيحة أبي عمرو الكناني السيّد العلاّمة الخوئي باختصاص موردها بصدور كلا الحكمين من الامام علیه السلام المعاصر له ولابد له من العمل بالمتأخّر الى وهذا غير جار في حقّنا الى مضافاً الى انه لو كان المراد في هذه الرواية كون التأخر مرجّحاً لكانت منافية لجميع أخبار الترجيح إلى اللهم الا أن يقال ان بقاء جميع الأخبار العلاجية بلا مورد على تقدير العمل بهذه الرواية قرينة على اختصاصها بصورة العلم بتاريخ المتعارضين اما مع الجهل بالتاريخ كان المرجع بقية الروايات الخ . مصباح الأصول 48/501 . أقول كلام السيّد الخوئي قدس سره يوافق ما ذكره سيّدنا الأستاذ قدس سره من عدم العمل بهذه الأخبار الدالّة على الأخذ بالاحدث لوجوه احتملها في كلامه .

وليعلم انّ الأخذ بما خالف العامّة وطرح الموافق لا يناسب إلاّ ما ذهب إليه المشهور في وجهه من كون ذلك لكون الواقع أقرب إليه وهو أقرب إلى الواقع أوهو الواقع دون كون صدور الأخذ بمخالف العامّة للتقيّة لعدم معنى لهذا الاحتمال كما يتلوه في الضعف ما قيل ان ذلك لكون مخالفة العامّة من العناوين الطاريةالثانويّة موجبة لحسن المخالف فلذا أمر به وكذلك باقي الاحتمالات وإن قال بذلك فريق أو بعض فالحق هو كون الواقع أقرب من طريق مخالفة العامّة ويؤيّد ذلك بعض ما سبق عن أبي حنيفة من المخالفة لجعفر بن محمّد عليهماالسلام حتّى انّه لم يدر انّه علیه السلام يغمض عينيه في السجود فلذا غمّض واحدة وفتح اخرى لتحقّق المخالفة وحكى خلافه عن ابن أبي ليلى في قوله ننقض فتوى كل أحد بالنسبة إلى فتواه إلاّ فتوى جعفر بن محمّد عليهماالسلام فيقدمها على فتوى نفسه وهو صاحب القضيّة المعروفة في باب عد شعر(1) الركب للمرئة في كتاب العيب من باب البيع وكذا ما روى(2) من مخالفة القوم لعليّ علیه السلام في كلّ شيء وربما كانوا إذا لم يعلموا فتواه ورأيه في شيء سئلوه عنه علیه السلام ووضعوا خلافه من عند أنفسهم الا ان هذا كلّه لا يوجب إلاّ مجرّد كون مخالفة العامّة من المرجّحات أو ممّا يعين الحجّة ويميزها عن غيرها كما ان التعليل في الروايات لا يناسب إلاّ الوجه المشهور الذي صرنا إليه .

ويمكن دعوى التعدّي إلى أن كلّ ما هو أقرب إلى الواقع لازم الأخذ ولو

ص: 812


1- . الوسائل 18 الباب 1/1 من أبواب أحكام العيوب .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/24 من أبواب صفات القاضي مع تفاوت لا يضرّ .

في غير المرجّحات المذكورة في الروايات بل كان من قبيل الفصاحة وكون راوي أحدهما أضبط ونحو ذلك من المزايا الداخليّة والخارجيّة الموجبة للظنّ بأقربيّة احدى الروايتين إلى الواقع من الاخرى بأن يقال في ذلك ما عن الشيخ قدس سره ما تقدّم نقله من دلالة التعليل بكون الرشد في خلافهم ان مخالف العامّة أقرب إلى الواقع لعدم كون مطلق مخالفتهم كذلك بل ذلك موجب للظن بصدور المخالف أكثر منالاخر .وهذا من جهة انطباق الكبرى عليه فالكبرى حجيّة الأقرب إلى الواقع وعليه فلا مجال لدعوى المحقّق النائيني واعتراضه على الشيخ بعدم كون ذلك كبرى كليّة بل نعلم بكون المخالف لهم مخالفا للحقّ في كثير من الموارد فتسقط الكبرى عن الكبرويّة المخرجة لها من امكان الأخذ بها .

وكون العبرة بها لأنّه لا ينافي كون ذلك كبرى كليّة في خصوص المقام بعد عدم المرجّحات الاخر من الشهرة لو اعتبرناها وموافقة الكتاب وحينئذٍ فيكون هذا اخبارا من الامام علیه السلام بأن المخالف لهم صادر بخلاف الموافق فلا صدور فيه إلاّ ان ذلك مجرّد احتمال يشكل استكشافه من اللفظ .

( أقول: لا اشكال في دلالة الرواية على كون الأخذ بمخالف العامّة إنّما هو من جهة الرشد على وفق ما هو المرتكز المجبول عليه العقلاء من تحري الرشد في ذلك للطريقيّة إلى الواقع فالامام علیه السلام أتى بالتعليل الموافق للارتكاز والجبلة العقلائيّة من الأخذ بما هو رشد في المقام لكن حيث لم يعلم الرشد من غيره في المقام فتعبد بأنّه في خلافهم فالكبرى ارتكازيّة عقلائيّة والتعبّد في ناحية المصداق والتطبيق ) .

التعارض بالعموم من وجه

ص: 813

هذا تمام الكلام في هذه المرجّحات .

بقي الكلام في التنبيه الخامس الذي تعرض له المحقّق النائيني قدس سره (1) من ان حكم التعارض بالعموم من وجه التساقط في مادّة الاجتماع على ما يظهر من الأصحاب والرجوع إلى الأصل الجاري في المورد وادّعى هو قدس سره عدم مجاللذلك والأخذ ببعض السند والرجوع إلى المرجح الصدوري لا معنى له فلابدّ منالرجوع إلى باقي المرجّحات فان كان لواحد منهما مرجح فهو وإلاّ فالتخيير ولا مجال للتساقط والرجوع إلى الأصل .

ففي مثل قوله أكرم العلماء في كلام ولا تكرم الفسّاق في آخر مثلاً لا اشكال في الأخذ بمادتي الافتراق من كلّ منهما وأمّا في مادّة الاجتماع وهو العالم الفاسق فيتعارضان ولا وجه للرجوع إلى المرجّحات الصدوريّة ولا اشكال في الرجوع إلى مرجّحات الجهة أو المضمون .

فان كان مرجح فهو وإلاّ فالرجوع إلى اطلاقات أدلّة التخيير على خلاف ما يظهر من الأصحاب حيث تسالموا على الرجوع إلى الأصل العملي والتساقط فعلى هذا لا وجه لتحري المشهور منهما في مادّة الاجتماع من الشاذّ النادر كي يطرح سند الشاذ ويؤخذ بالمشهور من حيث السند لعدم مساعدة العرف بتبعيض سند رواية واحدة من حيث الصدور فامّا صادر واما غير صادر وعلى كلا الوجهين فبالنسبة إلى تمام المدلول ولا وجه للصدور بالنسبة إلى بعض المدلول وعدمه بالنسبة البعض الآخر وأمّا لو كان أحدهما موافقا للكتاب والآخر مخالفا له فيؤخذ بالموافق إذا لم يكن الاخر مخالفا للعامّة إن قلنا بتقدّم الترجيح بالمرجّح

ص: 814


1- . فوائد الأصول 4/793 - 794 .

الراجع إلى الجهة وإلاّ فبعد تساويهما في موافقة الكتاب يرجع إلى مخالفة العامّة فيؤخذ به في مادّة الاجتماع وعلى كلّ فلا وجه لطرح سنده في مادّة الاجتماع وعدمه بل الأخذ في مادّة الافتراق .

وأجاب قدس سره عن سؤال الانحلال ورجوع كلّ قطعة من المدلول إلى كونه خبرا مستقلاًّ فتارة بتحقّق الاعراض في قطعة والعمل في قطعة اخرى فحينئذٍ يكون معتبراً (منجبرا) بالنسبة إلى المعمول به وخارجا عن تحت أدلّة الحجيّة في موردالاعراض .بأن المقام ليس من باب الانحلال إلى أخبار متعدّدة وأحكام كذلك كان يقول المولى أكرم زيدا أكرم عمروا بل إنّما موضوع الحكم عنوان العالم في أكرم وعنوان الفاسق في لا تكرم وليس اجتماع الوجوب والحرمة في العالم والفاسق إلاّ من حيث انطباق عنوان العالم وانطباق عنوان الفاسق عليه وإلاّ فليس هو بخصوصه موردا للحكم .

وأفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره في تقريب الاستدلال بكونه كالعقد الواقع على ما يملك وما لا يملك وكذا الواقع على ما يملك كالشاة وما لا يملك كالخنزير فانّه يقال بالصحّة في ما يملك وعدمها في الثاني وليس ذلك إلاّ من حيث انحلال العقد الواحد إلى عقدين مع ان العقد في الخارج لم يقع إلاّ واحدا وليس هناك عقدان .

وفي تقريب الجواب بالنسبة إلى انطباق عنوان العالم مثلاً كونه كعنوان الطلبة فان المال لو كان وقفا عليه لا يعطى إلاّ خصوص من كان حين القسمة كذلك موجودا في المدرسة مثلاً وإلاّ فمن كان قبل القسمة ومات أو خرج وسافر ولو كان حين حصول المال الموقوف من الموقوف عليهم لا يعطي من ذلك شيئا

ص: 815

وليس ذلك إلاّ من باب انطباق عنوان محصّل المدرسة وطالبها على الموجود فعلاً حين القسمة دون الخارج .

نعم لو كان مقيّدا بقيود لا تنطبق إلاّ على خصوص الساكنين سابقا فيخرج عن ما نحن فيه أو يكون من قبيل الفقير في باب الزكاة فان المالك ليس هو خصوص فقير دون فقير بل هو العنوان وليس لأحد أن يأخذ مال الزكوة بعنوان انّه فقير ما لم يعطه من تعلّقت به إلاّ إذا كان هناك الولي الشرعي فانّ له ذلك وفي غير هذه الصورة لا يملك الفقير إلاّ بعد الوصول إليه وقبله لا يملك شيئا .ثمّ استشكل على المحقّق النائيني انكاره الانحلال في المقام وأورد عليهبأنّه لا فرق بين قوله أكرم العالم أو العلماء في ما نحن فيه من العموم من وجه أو قوله لا تشرب الخمر في ما يكون لمتعلّق التكليف تعلّق بالموضوع الخارجي كالخمر فانّه قدس سره يلتزم بانحلال التكليف بتعداد الخمر الموجود في الدنيا من الأفراد الطوليّة والعرضيّة والجامع لذلك هو عنوان الخمر على نحو القضيّة الحقيقيّة فان لم ينحل إلى ذلك فلا يمكنه اجراء البرائة في مورد من الموارد في الشبهات الموضوعيّة وينسدّ باب جواز الصلاة في اللباس المشكوك مع انّه قدس سره مبناه اجراء البرائة في جميع هذه الموارد فانكاره الانحلال لا يناسب ذلك مع اتّحاد الموردين من جميع الجهات .

نعم لشبهة عدم مساعدة العرف لتبعيض السند في المدلول وجه يوجب الوقفة في الرجوع إلى المرجح الصدوري وإلاّ فمرجع قوله أكرم العلماء في مثال العامين من وجه إلى أكرم زيدا أكرم عمروا وكذا كلّ عام يفرض وعلى كلّ حال فمرجع النزاع في المقام إلى كون العامين من وجه من قبيل بيع ما يملك وما لا

عدم مساعدة العرف لتبعيض السند

ص: 816

يملك وانحلال العقد إلى عقدين صحيح وفاسد أو إلى البيع الربوي الذي لا يلتزم بالصحّة في خصوص غير الزائد ورأس المال وإن كان صورة كون العوضين شخصيين قابلاً لأن يقال لا تعين في العوض بعد قابليّة كونه هذا أو ذاك لكنّه ليس في الكلي كذلك .

ثمّ انّ هذا كلّه على تقدير التزام ان العموم من وجه من أقسام التعارض وان الأخبار العلاجيّة تشمل هذا القسم من التعارض وإلاّ فلو قلنا بخروج ذلك عن عنوان التعارض أو عن موضوع الاخبار العلاجيّة فمن الأوّل لا تصل النوبة إلى التعارض والترجيح بل بعد التساقط لابدّ من الرجوع إلى الأصل الجاري فيالمسئلة كما عليه المشهور ولعلّه أحسن من ارتكاب التكلّف والالتزام بجريانالترجيح في العامين من وجه .

تذنيب: لا ينبغي الاشكال في صحّة ما قاله المحقّق النائيني قدس سره (1) من عدم صحّة الرجوع إلى المرجّحات الصدوريّة في العامين من وجه فانّه اما أن يحكم بصدور مثل قوله أكرم العلماء أو لا فان حكم ففي الجميع وإن لم يحكم فكذلك ولا معنى للتبعيض لعدم مساعدة الاعتبار والعرف عليه وأمّا المرجّحات فالمضموني لا مانع منه إلاّ ان الكلام في تعيين مورده بعد إن كان اختلاف النسبة لمطلق الخبر والكتاب على ثلاثة وجوه فانه إمّا أن تكون النسبة بين مطلق الخبر والكتاب التباين فلا اشكال في هذا الفرض من عدم كون الخبر حجّة في نفسه فلا يعارض الآخر ومنه العامان من وجه لو كان أحدهما كذلك ويكون الموافق للكتاب هو المقدم .

أحد العامين من وجه مع الكتاب

ص: 817


1- . فوائد الأصول 4/793 .

وإمّا أن يكون بالعموم والخصوص وحينئذٍ وإن كان لا مانع من تخصيص عام الكتاب بالخاص الوارد في السنة لكن الخبر الآخر أيضا خاص تشمله أدلّة الحجيّة ويتعارضان . فان كان لأحدهما مرجح فهو وإلاّ فعامّ الكتاب يكون مرجّحا للخبر الموافق له ولا وجه لكونه مرجعا بعد تساقط الخاصّين .

ويظهر من الشيخ قدس سره عدم العبرة بموافقة أحدهما للكتاب بل إن كان لأحدهما مرجّح آخر فهو وإلاّ فالتخيير لكنه قول بلا دليل بل مقتضى أدلّة المرجّحات الترجيح بموافقة الكتاب كما عرفت مفصّلاً وامّا أن يكون بنحو يمكن الجمع بينهما في الدلالة ( لكن هذا الأخير لم يظهر مراد الاستاذ فيه ولم يبيّنه ) .إذا عرفت هذه الوجوه الثلاثة فنقول إن كان بين أحد العامين من وجه وبينالكتاب الموافقة وبين الآخر وبينه العموم من وجه فحينئذٍ لا يكون الكتاب مرجّحا للموافق بل يكون التعارض بالحقيقة بين الكتاب وبين المخالف له بالعموم من وجه فان الفرض وجود عمومات ثلاث اثنان منها نسبتهما التساوي وبينهما وبين الآخر العموم من وجه فحينئذٍ يكون التعارض بين الكتاب والمخالف له ويكون الترجيح للكتاب .

فهذا الفرض من موارد رجحان أحدهما لموافقته لمضمون الكتاب خرج عن مورد التعارض والترجيح فكلام المحقّق النائيني في ترجيح أحد العامين من وجه في مثل هذا الفرض لا يستقيم وكذا إن كان بين أحد العامين من وجه وبين الكتاب التباين فانه وإن كان مجرّد فرض ولم نعثر له على مورد لكنّه على فرض الاتّفاق لا يكون المخالف بالتباين حجّة كي يعارض العام الآخر وعلى هذا فينحصر مورد التعارض والترجيح بالمضمون بما إذا كان خاصان متعارضان

ص: 818

والكتاب أعم منهما مطلقا فيرجّح الموافق على ما سبق .

( أقول: احتمالات النسبة بين الكتاب وبين الخبر أربعة كما ان النسب لا تخرج عنها التساوي والتباين والعموم المطلق ومن وجه امّا التساوي والتباين فالأمر فيهما واضح ففي الثاني لا يكون الخبر حجّة ولو في غير صورة المعارضة وأمّا التساوي فان كان في مورد العامين من وجه فيمكن اتّجاه كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره فيه ويمكن الجواب عنه بأن الاستناد وإن لم يكن لأحدهما بخصوصه إلاّ ان الخبر الموافق لا يخرج عن الحجيّة ولا عن كونه طرف المعارضة خصوصا إن قلنا بعدم شمول أدلّة الترجيح والتعارض لما إذا كان أحد المتعارضين هو الكتاب ولو بالعموم من وجه .وأمّا العموم من وجه والمطلق فلا اشكال في تصوّر شمول الكتاب الذييكون النسبة بينه وبين أحد الخبرين العموم من وجه أو مطلقا لمادة الاجتماع بين هذا الخبر والخبر الآخر الذي بينهما النسبة العموم من وجه فحينئذٍ يكون الرجحان لهذا العموم إن لم يكن العام الآخر مساويا أو مباينا للكتاب لما ذكرنا فاشكال سيّدنا الاستاذ قدس سره على المحقّق النائيني بلا وجه ) .

هذا كلّه في الترجيح بالمرجّح المضموني الكتابي وكذا الكلام في السنّة أي العام الخبري الذي هو فوق الخبرين المتعارضين بالعموم من وجه .

أمّا الكلام في الترجيح بالمرجّح الجهتي لأحد العامين من وجه ففي الفقه كثير الانفاق منها مسئلة تعارض روايتي(1) بول الطير وأبوال(2) ما لا يؤكل لحمه .

لو لم يمكن الترجيح

ص: 819


1- . الوسائل 3 الباب 10/1 - 5 من أبواب النجاسات .
2- . الوسائل 3 الباب 8 - 2 - 3 من أبواب النجاسات .

ففي احدى الروايتين لا بأس ببول الطير وخرئه ومقتضى اطلاقها انّه كذلك وإن كان ممّا لا يؤكل لحمه كالخفاش أو آكلة الميتة أو المحرم لحمه من غيرهما وفي الاخرى اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ومقتضى اطلاقها أيضا ذلك ولو كان ما لا يؤكل لحمه هو الطير واحدى الروايتين موافقة للعامّة والاخرى مخالفة لهم .

فان رواية الاجتناب مخالفة لهم فيمكن ترجيحها بذلك ويقال بنجاسة بول ما لا يؤكل لحمه ويمكن المناقشة في هذا المثال بما قيل من عدم بول للطير إلاّ الخفّاش فالرواية الواردة في نفي البأس عن بول الطير كالصريح في الخفاش .

وقيل انه لا لحم له فعلى هذا يكون بوله بمقتضى الرواية النافية للبأس لابأس به ولا يجتنب عنه لعدم النجاسة .ثمّ انّه إن لم يمكن الترجيح بذلك فعلى ما ذكرنا سابقا من التوقّف أو التخيير .

هذا كلّه لو قلنا بشمول الأخبار العلاجيّة للمقام .

وأمّا إذا قلنا بعدم الشمول فحينئذٍ لا تشمل أخبار التعارض ولا الترجيحات ولا التخيير لمورده فمقتضى القاعدة التساقط والرجوع إلى الأصل كما عن المشهور .

الا ان الشيخ قدس سره ذهب إلى ان التخيير في ذلك على مقتضى الأصل لعدم مانع من شمول أدلّة التعبّد بالسند لهما ففي المقدار الذي يمكن العمل فيعمل بهما معا وفي صورة المعارضة فالضرورة تتقدّر بقدرها ويقال بالتخيير وجواز الأخذ بكلّ منهما عند عدم العمل بالآخر .

ص: 820

هذا كلّه في الترجيحات والمرجّحات المنصوصة .

ثمّ انّه قد يقال بكون الناقل من المتعارضين حجّة دون المقرّر الذي يكون على وفق الأصل والمشهور على هذا وقيل بكون المقرّر حجّة وان الموافق للأصل له الترجيح كما عن غير الأكثر وهذا النزاع واتّفاق الأكثر كأنّه لا يناسب اتّفاق الجميع في مسئلة ان الأصل في الأشياء الحظر أو الاباحة ان الموافق للحظر هو المقدم فلو كان مفاد أحد الخبرين الاباحة ومفاد الآخر هو الحظر والحرمة فالترجيح للموافق للحظر وهو الحرمة مع ان مرجع المسئلتين إلى أمر واحد فانّهما وإن كانتا مختلفتين موضوعا إلاّ ان مرجعهما إلى شيء واحد وهو جواز التصرّف في حقّ المولى وملكه ويمكن الانتصار لكلتا الطائفتين أي من يقول بتقدّم الناقل ومن يقول بالمقرّر للثاني بأن يقال بعدم جعل الحكم الظاهري فحينئذٍ الحكم هوالحكم الواقعي فلو كان مقتضى أحد الخبرين الحرمة ومقتضى الآخر الحلية مثلاًيكون الذي لا يثبت الحرمة بل الاباحة أولى بالأخذ بل هو حجّة بعدم كون جعل حكم ظاهري في ظرف الجهل .

وهذا الخبر المثبت له مبتلى بالمعارض فالأصل مع الموافق له فيؤخذ به وللناقل بأنّه يقدم على الآخر من حيث حكومته على مقتضى الأصل واردة عليه لعدم ابقائه موضوعا له وموردا هذا إلاّ ان في تقريب الاستدلال نقصاناً لا يخفى كما اعترف به سيّدنا الأستاذ قدس سره .

هذا كلّه على فرض التعدّي عن المرجّحات المنصوصة وقد عرفت عدم الدليل عليه بل لو كان الأمر كذلك لا تكاد تصل النوبة إلى أخبار التخيير أو التوقّف

لعدم خلو أحد الخبرين بعد وصول النوبة إلى التخيير أو التوقّف لعدم المرجّح

ص: 821

لأحدهما عن كونه موافقا للأصل .

هذا تمام الكلام في باب التعارض والحمد للّه أوّلاً وآخرا

ليلة الثلاثاء 29 الربيع الثاني سنة 1373 قمريّة 15/10/1332 شمسيّة

ص: 822

فهرس المحتويات

في تعريف الاستصحاب··· 5

تعريف علم الأصول··· 8

تعريف المسئلة الفقهيّة والقاعدة الفقهيّة··· 10

انطباق ضابط المسئلة الأصوليّة على الاستصحاب··· 12

بيان كونه مسئلة اصوليّة··· 14

الاستصحاب الحكمي··· 17

ضمان العامل وعدمه··· 18

الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين··· 20

أثر المقتضي··· 23

عدم انطباق الأخبار على قاعدة اليقين··· 25

نتيجة اعتبار الفعليّة في اليقين والشكّ··· 27

امضاء أو تأسيس الأحكام على الموضوعات··· 29

جهات القطع··· 30

الاستصحاب في مورد قاعدة الفراغ··· 31

مجرى قاعدة الفراغ··· 33

القناعة في مقام الامتثال··· 35

ص: 823

تقسيمات الاستصحاب··· 37

منع قاعدة الملازمة··· 39

اشكال المحقّق النائيني على الشيخ··· 42

اشكال استصحاب ما مدركه العقل··· 43

شأن العقل ادراك المصالح والمفاسد··· 46

عدم دخل بعض الأوصاف في موضوعيّة الموضوع··· 47

تغير الماء ملاك النجاسة··· 49

اشكال ايراد المحقّق النائيني··· 50

مصادقة الشيخ في ما اختار··· 52

تفصيل الشيخ في الشك في المقتضى ووجود الرافع ورافعيّة الموجود··· 53

بيان المقتضي··· 54

توضيح المقتضي في كلام الشيخ··· 56

المقتضي هو المعنى الثالث··· 59

الشك في وجود الرافع··· 62

دليل الاستصحاب··· 62

الاستدلال على الاستصحاب··· 66

الاستدلال بصحيحة زرارة··· 68

بيان صحيحة زرارة··· 70

استدلال الكفاية··· 72

اشكال الاستاد··· 74

معنى عدم نقض اليقين بالشك··· 76

ص: 824

دفع توهم ارادة سلب العموم··· 78

الاستدلال على عموم السلب··· 81

الكلام في صحيحة اخرى لزرارة··· 83

قيام الاستصحاب مقام القطع في جهتيه··· 84

امكان كون الشرط الطهارة عن النجاسة المعلومة··· 87

بيان المحقّق النائيني··· 89

لابدّ من مجوّز للدخول في الصلاة··· 91

الكبرى وحدها لا تكون تعليلاً··· 93

اشكال كفاية الشك في جواز الدخول في الصلاة··· 95

اسلم الوجوه في الجمع بين الروايات··· 97

أمر القناعي في طول الأمر الأوّل··· 99

لا يمكن لحاظ الانقسامات المتأخّرة في الخطاب··· 101

حلّ الاشكال بقبول الحصّة الملازمة··· 103

مقتضى الجمع بين الأدلّة··· 105

اشكال مختار المحقّق النائيني··· 108

اشكال مختار المحقّق النائيني··· 110

مراد المحقّق الخراساني··· 112

الكلام في باقي فقرات الرواية··· 114

الكلام في فقرات الرواية··· 116

دفع الاشكال في دلالة الرواية على الاستصحاب··· 119

الكلام في صحيحة ثالثة لزرارة··· 121

ص: 825

الكلام في مدلول الرواية··· 124

نتيجة الاستصحاب في المقام··· 126

اشكال الاستصحاب··· 128

الفرق بين القاعدة والاستصحاب في المقام··· 132

التقيّة في التطبيق لا في أصل الكبرى··· 137

توجيه آخر للرواية··· 138

ظهور الرواية في الاستصحاب··· 140

لو استفيد القاعدة··· 142

استظهار كون الرواية في مورد الاستصحاب··· 145

الاشكال في سند الرواية··· 147

دلالة الروايات على الاستصحاب··· 149

ما يستفاد من الرواية··· 153

توضيح المستفاد من الرواية··· 154

ما يمكن استفادته من الرواية··· 156

الأظهر في مدلول الرواية··· 158

مجرى الاستصحاب··· 161

عموم الاستصحاب وخصوصه··· 163

المراد من المقتضى··· 167

جهات العلم··· 169

قيام الاستصحاب والأصول الآخر مقام العلم··· 171

الفرق بين احراز المقتضي وعدمه··· 172

ص: 826

جريان الاستصحاب في الشكّ في المقتضي··· 174

الوجوه في المقتضي ثلاثة··· 176

توجيه عدم جريان الاستصحاب في الشك في المقتضي··· 178

جواب الاشكال··· 180 في الأحكام الوضعيّة··· 182

في أنّ الأحكام مجعولة··· 183

المراد من الحكم··· 184

ما يكون ظرف العروض والاتّصاف له هو الذهن··· 187

كيفيّة جعل الحكم··· 188

تصوير المبادلة في البيع··· 191

الفرق بين الوجود الاعتباري والانتزاعي··· 193

عالم الاعتبار··· 195

سنخ الأحكام الوضعيّة··· 199

ما بيّنه في الأمر السادس··· 201

مناقشة صاحب الكفاية··· 203

اختلاف العلماء في الأحكام الوضعيّة··· 205

للشارع حكم وضعي··· 208

حكم الشارع الوضعي على قسمين··· 210

اثر الحكم الوضعي··· 212

عدم تعلّق الجعل بأمور··· 213

دليل استحالة جعل السببيّة··· 216

ص: 827

دليل عدم جعل السببيّة··· 217

محصّل كلام المحقّقين··· 220

فعل الفاعل على قسمين··· 222

الأحكام الوضعيّة على قسمين··· 223

امكان تعلّق الاعتبار بالسبب··· 224

أقسام الوضعيّات··· 227

تفسير كلام المحقّق الخراساني ؛··· 228

الانتزاع بعد منشأ الانتزاع··· 231

امضاء السبب امضاء المسبّب لا العكس··· 233

في بعض ما تردّد أمره··· 235

القناعة في مقام الامتثال··· 237

أمور ثلاثة··· 239

جريان الاستصحاب في مؤدّى الامارات والأُصول··· 241

في جريان الاستصحاب في مؤدّى الامارات··· 242

المراد من اليقين في اخبار الاستصحاب··· 244

مبنى النائيني في الامارات··· 246

أخذ اليقين من جهة الكشف··· 248

مورد التخيير في الأخذ باحدى الروايتين··· 249

ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم··· 251

الشهادة باستناد اليد··· 255

اشكال قيام الامارة مقام العلم الموضوعي··· 257

ص: 828

جريان الاستصحاب في الكلي··· 259

استصحاب الكلي··· 261

اشكال استصحاب الكلي··· 263

تعدّد الطبيعة بتعدّد الأفراد··· 266

لا مورد للاشكال الثاني··· 267

لا تكون الجنابة مشروطة بعدم البول··· 269

عدم جريان الاستصحاب في الكلّي لأحد امور··· 274

اشكال استصحاب الكلي··· 275

صور استصحاب الكلي في القسم الثالث··· 278

اشكال استصحاب صورتين··· 280

الفرق بين أقسام القسم الثالث··· 282

اللحم والجلد الملقيان··· 284

اشكال استصحاب عدم التذكية··· 287

رجوع الاستثناء إلى الحكم··· 291

اختصاص الحرمة بالعنوان الخاصّ··· 293

تصحيح فتوى المشهور··· 295

جريان استصحاب عدم التذكية··· 297

استصحاب الزمان والزماني··· 299

جريان الاستصحاب في الزمان··· 301

اشكال استصحاب الوقت··· 304

امكان كون الشك في المقتضى··· 306

ص: 829

اختلاف تعلّق الشكّ في الوقت··· 308

جريان الاستصحاب في الزمانيّات··· 309

جريان الاستصحابين··· 311

اشكال الشيخ على الفاضل النراقي ··· 312

جريان الاستصحابين··· 314

تعارض الاستصحابين··· 316

الشك في بقاء الطهارة بعد ارتفاع العذر··· 318

جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة المستكشفة بالأحكام العقليّة··· 319

جريان استصحاب الحكم العقلي··· 320

كلام الشيخ في الحكم الشرعي المستند إلى العقل··· 322

في الاستصحاب التعليقي··· 325

محل قولهم الأحكام تدور مدار الأسماء··· 327

الشك في الحكم الكلّي··· 329

حاصل الكلام في الاستصحاب التعليقي··· 331

قبول الاستصحاب التعليقي في بعض الموارد··· 333

اشكال مثال العنب··· 335

جريان الاستصحاب التعليقي في بعض الموارد··· 337

جريان الاستصحاب في ماء العنب الشخصي··· 339

امكان جريان الاستصحاب في ماء العنب وفي الزبيب··· 340

الاشكال في استصحاب جزء الموضوع··· 343

اشكال استصحاب حرمة العنب إذا غلى··· 344

ص: 830

كلّ مسكر حرام··· 347

الفرق بين مقامين في كلام المحقّق النائيني··· 349

لابدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع··· 351

تعارض الاستصحابين··· 354

تقدّم الاستصحاب التعليقي على التنجيزي··· 355

استصحاب أحكام الشرايع السابقة··· 357

الكلام في مثبتات الامارات وعدم حجيّة مثبتات الأصول··· 360

الفرق بين الامارة والأصل··· 362

اختلاف المباني في الامارات··· 364

طريقة العقلاء··· 367

ما يثبت بالأصل··· 368

عدم اثبات الأصل غير الأثر الشرعي··· 370

من آثار الأصل··· 372

لا مسامحة في مقام التطبيق··· 374

اتباع نظر العرف في المفاهيم··· 376

نظر العرف في تشخيص المفهوم··· 378

ما لو كانت الواسطة خفيّة··· 379

الفرق في تنجّس الملاقى بالملاقاة أو بالسراية··· 381

ما إذا كان الموضوع مركّباً··· 383

في تقدّم موت الوارث أو المورث··· 384

تنقيح مسئلة الكر والملاقاة للتنجس··· 386

ص: 831

ما لو لم يجر الأصل في الطرفين··· 389

ضابط تركب الموضوع··· 391

ميزان الحمل··· 393

العرض لمحلّه يكون وصفاً··· 395

استصحاب العدم الأزلي··· 397

اعتبار اتّصال زمان اليقين بالشك··· 399

توضيح المقام··· 401

لو فصل زمان بين زماني اليقين والشك··· 403

صور الشك في طهارة الاناء من الانائين··· 405

فرض آخر في المقام··· 407

اشكال الكفاية··· 410

كلام الكفاية في الشك في التقدّم والتأخّر··· 411

توضيح كلام صاحب الكفاية··· 413

اشكال الاستصحاب··· 415

توضيح كلام الكفاية··· 420

اشكال المحقّق النائيني··· 422

عدم جريان الاستصحاب في الحادثين المتضادّين··· 424

أقسام الاستصحاب في المقام··· 426

اشكال الاستصحاب في القسم الثالث··· 430

الوضوء من الانائين المشتبهين··· 432

انفعال الماء القليل بالملاقاة··· 436

ص: 832

لو حصلت الملاقاة والكريّة معاً··· 438

لو كان تاريخ الكرية معلوماً··· 441

جريان الاستصحاب في الأجزاء··· 442

حكم المخصّص أو التمسّك بالعامّ··· 443

وجوب الوفاء بكلّ عقد في كلّ زمان··· 445

عدم اختلاف النتيجة في الموردين··· 447

الفرق جريان الطرق الثلاثة لو كان الزمان قيداً للمتعلّق··· 448

لحاظ الاستمرار في ناحية المتعلّق أو الحكم··· 449

جريان الاستصحاب إذا كان الزمان قيداً للحكم··· 451

الفرق بين نحوى الزمان في كلام المحقّق النائيني··· 453

تفصيل المحقّق الخراساني··· 456

تفصيل حكم الأقسام··· 458

الكلام في مقام الاثبات وتوجيه كلام الشيخ··· 460

حكم الفور والتراخي في بعض الخيارات··· 462

اشكال تقييد المعنى الحرفي··· 464

نتيجة البحث بناء على مبنى النائيني··· 466

لا مجال للاستصحاب مع الدليل الاجتهادي··· 469

الانحلال حسب تعدّد الأفراد··· 471

لو شككنا في ورود العموم على العقد أو العكس··· 473

اشكال التمسّك بعموم الحكم عند الشكّ في التخصيص الزائد··· 475

امكان لحاظ الزمان في متعلّق التكليف··· 477

ص: 833

في مقام الاثبات هل القيد وارد على الحكم··· 479

في الصغريات الفقهيّة··· 481

التمسّك بالعام يتوقّف على الاطلاق··· 484

اختلاف النتيجة في كون العموم الزماني قيد المتعلّق أو الحكم··· 486

الفرق في باب الصوم··· 487

وجوب الكفّارة وعدمه في باب الصوم··· 488

تصوّر البحث في الواجبات المستمرّة··· 490

وجوب صرف الوجود في الواجبات الموسّعة··· 492

الرجوع إلى الاستصحاب في المخصّص الظرفي··· 494

جريان الاستصحاب عند تعذّر جزء··· 497

وجوب الباقي مشكوك الحدوث··· 499

لو لم يقم دليل على اطلاق دخل الجزء··· 503

تقدّم اليد على الاستصحاب··· 505

أدلّة اليد··· 507

شرط حجيّة اليد··· 509

اليد امارة أو أصل··· 511

دعوى ما في يد الغير··· 513

لزوم انطباق ضابط المدعى والمنكر··· 515

احتجاج أميرالمؤمنين علیه السلام على أبي بكر وافحامه··· 517

أدلّة توريث الأنبياء··· 520

حكومة القاعدتين على الاستصحاب··· 521

ص: 834

الاشكال في تقريب الحكومة··· 523

مفاد الروايات··· 525

اعطاء الكبرى الكلية لزرارة··· 528

مآل القاعدة··· 530

المجعول كبرى واحدة أم كبريان··· 533

جريان القاعدة في الوضعيّات كالتكليفيّات··· 535

جريان قاعدة التجاوز في أجزاء الصلاة··· 537

اشكالات اتّحاد القاعدتين··· 539

كلام المحقّق الهمداني··· 542

مفاد رواية زرارة في الوضوء··· 544

الجمع بين الروايات··· 546

اختلاف مفاد الروايات··· 548

استفادة قاعدة التجاوز··· 550

تماميّة القاعدتين الفراغ لكلّ عمل والتجاوز للصلاة··· 553

حاصل الجمع بين الأخبار··· 555

مقتضى الجمع بين الأخبار هل القناعة أو جعل البدل··· 557

حال الجزء المتروك بقاعدة التجاوز··· 559

المأتي به في مورد القاعدة إمّا بدل أو رخص في ترك مجرى القاعدة··· 562

أوامر الترك في القاعدتين ترخيصات للتسهيل··· 563

مع عدم الدخول في الغير لا يصدق التجاوز··· 566

اشكال الجزء الأخير في قاعدة التجاوز··· 567

ص: 835

الأقوال في المسئلة··· 571

جواب الاشكال··· 573

في المراد بالغير··· 575

الجمع بين الروايات··· 577

الأقوال في المسئلة··· 579

بعض الكلام في الجمع بين الروايات··· 581

جران القاعدة في الشرايط··· 582

جريان القاعدة على بعض التقادير··· 584

وجوه وأقوال في المسئلة··· 587

مورد العدول إلى السابقة··· 588

اشكال تفكيك جريان قاعدة التجاوز في الأثناء والشرط··· 591

امكان الفرق في جريان القاعدة··· 593

جريان القاعدة في الشك من جهة الشبهة الحكميّة··· 595

عدم جريان القاعدة في مورد احتمال الترك عمداً··· 597

ما استدلّ به على اصالة الصحّة··· 599

مفاد رواية مسعدة··· 601

امكان الاستدلال برواية مسعدة··· 603

مدرك اصالة الصحّة في المعاملات··· 605

نتيجة الأقوال··· 607

القدر المتيقّن بين الأقوال··· 609

عدم تماميّة قيام السوق على حجّيّة اليد··· 611

ص: 836

امكان الاستناد إلى التعليل··· 613

دلالة رواية حفص على اصالة الصحّة··· 616

توضيح في رواية حفص··· 619

اشكال ظهور الرواية في اصالة الصحّة··· 620

الحمل على الصحّة في مورد الاطمئنان··· 623

بيان أصل عدم الغفلة··· 625

الفرق بين عمل نفسه وعمل الغير··· 627

موارد القرعة··· 629

تقدّم الاستصحاب السببي على المسبّبي··· 631

كلام الشيخ في الأصل السببي والمسبّبي··· 635

بقيّة البحث في الشكّ السببي والمسبّبي··· 637

مسئلة الماء المتمّم كرّاً··· 639

اشكال تقدّم الأصل السببي··· 641

الكلام على المصلحة السلوكيّة··· 643

امكان التعبّد باحدى الامارتين··· 645

يمكن جريان ما ذكر على بعض المباني··· 646

يتصوّر ما ذكر في الامارتين في الاستصحابين··· 647

عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي··· 650

التعادل والتراجيح··· 652

الفرق بين التزاحم والتعارض··· 654

اشتباه الحجّة بلا حجّة··· 657

ص: 837

في تعريف التعارض··· 658

أقسام التزاحم··· 661

بيان أقسام التزاحم··· 663

بناء على السراية يكون من باب التعارض··· 666

مرجع الأقسام إلى مزاحمة مقام الامتثال··· 667

تفسير الحكومة··· 671

الحاكم يتعرّض لما لا يتعرّض له المحكوم··· 673

حكومة الخاص على العام ليس مجازاً··· 676

جريان الورود والحكومة في الأصول العقلائيّة··· 678

أقسام الخاص سنداً ودلالة··· 680

هل يقدم أقوى الظهورين من العام والخاص··· 683

بيان كلام الشيخ في العام والخاص المتخالفين··· 685

اشكال المحقّق النائيني على الشيخ··· 686

وضوح كلام الشيخ··· 688

كيفيّة النسبة بين العام والخاصّ··· 689

رجوع التخصيص إلى التقييد··· 691

لا تعارض في ما إذا تقدّم أحد الدليلين على الآخر··· 693

عدم تماميّة ( الجمع فيما أمكن أولى من الطرح )··· 695

موارد يكون أحد الدليلين أظهر··· 697

رجوع الأمثلة إلى الحكومة··· 699

تبعيّة أداة العموم لمدخوله··· 701

ص: 838

اختلاف الاطلاق في العامين··· 704

حكم الخصوصات الواردة في كلام الأئمّة:··· 705

الجواب الأخير··· 707

معنى النسخ··· 709 الفرق بين النسخ والتخصيص··· 711

معنى النسخ··· 712

ورود خصوصات مع العام··· 714

ملاحظة النسبة بين لا تعاد والموثّقة··· 717

مورد انقلاب النسبة··· 719

اخبار ضمان العارية وعدمه··· 721

الجمع بين الروايات··· 723

سقوط الدلالة الالتزاميّة في المتعارضين··· 725

التعارض موجب للتساقط··· 727

هل التساقط يمنع عن نفي الثالث··· 728

اختلاف المتعارضين على المباني··· 729

تعارض الدليلين على السببيّة··· 731

في المصلحة السلوكيّة··· 734 - 735

تعارض البيّنات··· 736 - 737

خبر ابن حنظلة··· 739

روايات الجمع بين المتعارضين··· 741

موقع اخبار التخيير··· 743

ص: 839

رواية العيون··· 745

توضيح رواية العيون··· 748

روايات دالّة على التوقّف··· 749

الجمع بين الروايات··· 751

توضيح في الجمع بين الأخبار··· 754 - 755

الأخذ بالأحدث··· 757

تقدّم أخبار الترجيح على التخيير··· 758

التخيير فقهي أو اصولي··· 759

امكان الجمع بين أخبار التوقّف والتخيير··· 761

ابتدائي أو استمراري··· 762

كلام المحقّق النائيني في صورة الشكّ··· 763

المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير··· 765

تصوير التخيير··· 767

تصوير الوجوب التخييري في المقام··· 771

التخيير في الفتوى بدوي أو استمراري··· 773

كلام صاحب الفصول في عدم جواز العدول··· 776

في تقديم ذي المرجح على غيره··· 779

الكلام في المقبولة··· 781

معنى السحت في المقبولة··· 783

تثليث الامور··· 786

اشكالات في دلالة المقبولة··· 787

ص: 840

الكلام في المرفوعة··· 791

لا تقاوم المرفوعة المقبولة··· 792

تقييد بعض المرجحات بالمقبولة··· 793

احتياج العمل بالخبر إلى جهات ثلاث··· 795

استدراك في الاعتماد بالمرفوعة··· 796

التعدّي عن المرجحات المنصوصة··· 797

وجوه أربعة في مخالفة العامّة··· 799

الكلام في نفي الريب في المشهور··· 801

الترجيح بين العامين من وجه··· 803

ترتيب المرجّحات··· 805

العمل بالاحدث··· 807

الشهرة ثلاثة أقسام··· 808

الأخذ بما خالف العامّة لكونه أقرب إلى الواقع··· 811

التعارض بالعموم من وجه··· 813

عدم مساعدة العرف لتبعيض السند··· 816

أحد العامين من وجه مع الكتاب··· 817

لو لم يمكن الترجيح··· 819

فهرس المحتويات··· 822

ص: 841

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.