مباني أُصول الفقه المجلد 4

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: رحمتي، محمد، 1307 -

عنوان واسم المؤلف: مباني أصول الفقه: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودي/ مولف آيت اللّه شيخ محمد رحمتي.

تفاصيل المنشور: قم: قرآن صاعد، 1440ق.= 1398.

خصائص المظهر : 5 ج.

ISBN : دوره:978-600-7282-94-6 ؛ ج.1:978-600-7282-89-2 ؛ ج.2:978-600-7282-90-8 ؛ ج.3:978-600-7282-91-5 ؛ ج.4:978-600-7282-92-2 ؛ ج.5:978-600-7282-93-9

حالة الاستماع: فیپا

لسان : العربية.

ملحوظة : ج.2-5(الإصدار الأول: 1398).

عنوان آخر: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودی.

مشكلة : أصول الفقه الشیعة -- قرن 14

Islamic law, shiites -- Interpretation and construction -- 20th century

المعرف المضاف: هاشمی شاهرودی، سیدمحمود، 1327-1397.

المعرف المضاف: Hashemi Shahroudi, Seyyed Mahmoud

ترتيب الكونجرس: BP159/8

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5841397

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

مباني أُصول الفقه

مؤلف: آيت اللّه شيخ محمد رحمتي

الناشر: قرآن صاعد

وقت وسنة النشر: 1398

الطباعة والتجليد: زلال کوثر

الدوران: 1000 نسخه

ISBN: 6-94-7282-600-978

ISBN: 2-89-7282-600-978

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین

الرحمن الرحیم

مالک یوم الدین

إیاک نعبد وإیاک نستعین

اهدنا الصراط المستقیم

صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین

لفت نظر

1 - رقم الآيات على حسب احتساب البسملة آية من السور غير سورة التوبة .

2 - مأخذ روايات الوسائل، طبعة ثلاثين مجلّداً .

3 - روايات المستدرك على طبعة 20 مجلّداً .

4 - صفحات الكفاية على طبعة جلدين مع حاشية المشكيني .

ص: 2

مباني أُصول الفقه

تقرير بحث المحقّق المدقّق آيت اللّه العظمى

السيّد محمود الشاهرودى قدس سره

لتلميذه آيت اللّه الحاج الشيخ محمد الرحمتي

الجزء الرابع

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

الكلام في الشكّ في المكلّف به

وجواز الرجوع إلى الأصول فيه وعدمه ومحلّ الكلام فيما اذا علم بالحكم وتردّد المعلوم بين أمرين أو أزيد وبعبارة أخرى فيما علم بنوع التكليف اما اذا علم بجنسه لا بنوعه فهل الحكم فيه كما إذا علم بالنوع ؟ ربما يقال بعدم منجزيّته على تقدير منجزيّة العلم الاجمالي بنوع الحكم كالوجوب والحرمة كما ربما يستفاد من كلام الشيخ ( في أوّل بحث البرائة أو بحث القطع ) فحينئذٍ اذا علم اجمالاً بحرمة شيء أو وجوب آخر فيجوز جريان الأصل من كلّ منهما .

لكنّه خلاف التحقيق لعدم الفرق بين العلم بنوع الحكم من الوجوب أو الحرمة أو جنسه . بل التعبير بالجنس والنوع لا مجال له اذ في صورة دوران الحكم بين الوجوب المتعلّق بأمر أو حرمة آخر يعلم بالحكم ولكنّه هل وجوب متعلّق بهذا أو حرمة متعلّقة بذاك فيتأتّى فيه كلّما يتأتّى في صورة العلم بالوجوب أو الحرمة كلّ بخصوصه ففي ولد الزنا يحرم نكاحه على أبيه فيجوز النظر إليه أو يحرم النظر ويجوز نكاحه فيحتاط بترك النظر والنكاح ( ولكن يمكن أن يقال بعدم جواز النكاح لأمر آخر وهو ورود الدليل وإلاّ فمقتضى نفي الولادة شرعا

ص: 5

حرمة النظر وجواز النكاح ) .

وكيف كان فالأحسن في تحرير محلّ النزاع هو الضابط الذي ذكره المحقّق النائيني(1) من انه تارة يكون التكليف بنوعه وجنسه معلوما وأخرى بجنسه فقط وعلى التقديرين إمّا أن يمكن الاحتياط أم لا فما يمكن فيه الاحتياط من الموردين هو مجرى الاشتغال . وحينئذٍ فيشمل ما اذا علم بالنوع فقط كوجوب صلاة يوم الجمعة وتردّدت بين الركعتين والخطبتين وبين أربع ركعات متّصلات أو حرمة معلومة مردّدة المتعلّق كاشتباه المذكّى بالميتة مثلاً وما اذا تردّد الأمر بين

وجوب شيء وحرمة آخر فيكون مجرى الاشتغال أيضا وبالجملة مناط العلم الاجمالي هو القضيّة المانعة الخلو المنطبقة على صورة العلم بحرمة شيء ووجوب آخر .

والمناسب التعرّض لمسائل هذا المقام كترتيب البرائة من الابتلاء بالشبهة الحكميّة والختم بالموضوعيّة ولكن الشيخ قدس سره حيث قدم الشبهة الموضوعيّة في المقام لكثرة مباحثها وتشتت الآراء فيها وكونها محلّ الكلام بين الأصحاب فنتبعه في ذلك .

فنقول: الأقوال فيها مختلفة والمشهور بين المتأخّرين الذي استقرّت عليه آرائهم هو تنجّز المعلوم بالاجمال كالمعلوم تفصيلاً وحرمة مخالفته القطعيّة ولزوم موافقته . ولكن اختلفوا فمنهم من قال بجواز جريان الأصل في بعض أطرافه وورود الترخيص من الشارع فيه ومنهم من منع ذلك وقال بوحدة المناط في لزوم موافقته القطعيّة وحرمة مخالفته القطعيّة فاما أن يقال بالمنجزيّة ففي المقامين أو لا

تحرير محلّ النزاع في الشك في المكلّف به

ص: 6


1- . فوائد الأصول 3/325 .

يكون منجزا فيجوز مخالفته القطعيّة ولم يفكّك بين المقامين .

وفصّل المحقّق الخراساني قدس سره بين العلم والمعلوم وقال(1) بأنّه لا قصور في العلم الاجمالي وأمّا المعلوم فقد يكون فعليّا من جميع الجهات فيجب موافقته القطعيّة كحرمة مخالفته كذلك .

وقد لا يكون في ظرف الشكّ فعليّا من جميع الجهات فيجوز الترخيص في ارتكاب بعض أطرافه . وبعض الأساطين حيث لم يلتفت إلى كلام المحقّق الخراساني قدس سره فأعترض عليه في ذلك . وذهب جماعة إلى جواز ارتكاب الأطراف جميعا إلاّ بمقدار المعلوم بالاجمال ولكن يرد عليه انه حال ارتكابه للأوّل منها لا يعلم بوجود المكلّف به وانطباقه عليه فيجوز ارتكابه وهكذا وفي ارتكاب الآخر يحتمل كون المكلّف به غيره من الأفراد والأطراف التي خرجت عن تحت ابتلائه وارتكبها .

نعم بعد ارتكابه الذي به يرتكب المجموع يعلم بارتكاب الحرام في البين ولكن حصول العلم وتحصيله ليس بحرام اذ العلم بالكبرى وحدها لا يكفي في ترتب الحكم بالامتثال ما لم يعلم الصغرى وحيث تعدّدت الأفراد فكلّ فرد له حكم يخصّه اذ بتعدّد الأفراد ينحل الحكم لكلّ فرد يخصّه فاذا كان كلّ واحد بالخصوص مشكوك الحكم فكيف يقال بلزوم ابقاء واحد وهو الأخير ؟ وقد يقال بجواز ارتكاب الجميع وجريان الأصول المرخّصة وذلك لعموم أدلّتها للمقام كقوله ( كلّ شيء هو لك حلال(2) وكلّ شيء فيه(3) حلال وحرام فهو لك حلال

تفكيك بعض في موارد العلم بين المخالفة والموافقة

ص: 7


1- . كفاية الأصول 2/208 - 214 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 من أبواب ما يكتسب به .

حتّى تعرف الحرام منه بعينه ) وهذه لا تحتمل العلم بالحكم الكلي بل تختصّ بالشبهة الموضوعيّة لتعبيره بالعرفان دون العلم وإن أمكن توجيه قوله ( بعينه ) فيه بكون المراد تطبيق الصورة العلميّة على الخارج وحصول الاعتقاد على طبقها فيتأكّد العلم وهذه عمدة أدلّتهم وإن كان لهم أدلّة أخر .

والشيخ

قدس سره لم يذكر في المقام رواية مسعدة(1) مع امكان الاستدلال بها ( كما ان صاحب العروة مال إلى الفتوى بجواز شراء ما في يد السارق اذا لم يعلم انه سرقة بعينه لرواية مسعدة ) كما يمكن الاستدلال بموثقة(2) سماعة في من أصاب من أموالهم فتصدّق ببعضه ووصل أرحامه ببعض وحجّ ببعض آخر تمسّكا بقوله تعالى: « إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ »(3) فردّه الامام علیه السلام بأنّ السيّئة لا تكفر خطيئة مثلها ) مع ان ذلك في مورد الأموال واحرى بالاحتياط فكيف بساير الأبواب ولكن الكلام ليس في مورد اليد كما هو مورد رواية مسعدة في محتمل السرقة كما لا نظر إلى الأموال المجهولة المالك كما لعلّه مورد رواية سماعة بل الكلام في قوله ( كلّ شيّ لك حلال ) وأمثاله .

تكميل وتتميم: اعلم ان مبنى الشيخ قدس سره لزوم الاحتياط في الشبهة المحصورة ومحلّ الكلام هي الشبهة الموضوعيّة التحريميّة لكن يشكل عليه اطلاق أدلّة الأصول المرخّصة لموارد العلم الاجمالي كالشبهة البدويّة لأن قوله في بعض تلك الاخبار حتى تعرف الحرام منه بعينه لا يناسب كون الغاية هو العلم ولو اجمالاً بل الغاية هو العلم التفصيلي وكون الحرام مميّزا معلوما بحيث يكون

في جريان الأصول المرخصة وعدمه في أطراف العلم الاجمالي

ص: 8


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 من نفس الأبواب .
3- . سورة هود: 115 .

قابلاً للاشارة الحسيّة إليه .

وهذا ممّا لا يمكن في مورد العلم الاجمالي ولو فرض تعلّق العلم بحرمة أحدهما لأن كلّ واحد منهما لا يمكن أن يشار إليه بأنّه هو الحرام والعلم بحرمة أحدهما ليس إلاّ عنوانا انتزاعيّا لا وجود له خارجا وحقيقة ( غير ) الطرفين ومجرّد العلم بالكبرى الكليّة لا يفيد ما لم ينضم إليه الصغرى الوجدانيّة كي ينتج لزوم الاجتناب وعلى هذا فنتيجة ملاحظة أدلّة الأصول مع الأدلّة الواقعيّة للأحكام هو تقييد موضوع تلك الأدلّة بصورة العلم التفصيلي وان الخمر اذا كانت معلومة تفصيلاً فتكون حراما والا ففي صورة الشكّ في كونها خمرا حلال لا ظاهرا بل واقعا وهذا لا يستلزم التصويب المجمع على بطلانه اذ هو في مورد الأحكام بأن يكون العلم بالحكم موضوعا له ولم يكن الحكم في حق الجاهل بل مخصوصا بالعالم وتفصينا في موارد عدم الحكم على الجاهل به بنتيجة الاطلاق والتقييد أو غيرها فراجع .

ولكن لا مانع من تقييد موضوع الحكم بالعلم به تفصيلاً كما في ساير الأوصاف فيكون معلوميّته أيضا واحدا من الأوصاف واذا لم يحرز هذا الوصف لم يترتب عليه الحكم .

اترى ترتب الحكم المرتب على العالم العادل على العالم المجهول عدالته ما لم يحرز عدالته وكذلك العادل المجهول كونه عالما فكذلك المقام لا مجال لترتب الحكم على المجهول كونه خمرا أو نجسا . وعلى هذا فتختص أدلّة البرائة وحديث الرفع بالشبهة الحكميّة ولزوم الجمع ين الحكم الظاهري والواقعي ومحذوره آتٍ هنالك دون المقام .

اشكال الاستدلال

ص: 9

ولا يمكن التفصّي عن هذا الاشكال في الجمع بين الحكمين في خصوص الحليّة والحرمة ولو قلنا بعدم تزاحم للأحكام الا في مقام المحركيّة ولا مجال للاشكال في سند هذه الروايات ولا في دلالتها ولا اعراض للمشهور عنها بل لو ثبت الاجماع فهو معلوم الملاك لا اعتبار به في مخالفة هذه الروايات وظهوراتها .

والتجأ الشيخ قدس سره (1) في مقام الجواب بالاستبعاد ولكنّه كما ترى لا يكون شبهة في مقابل دلالة الروايات بل ظاهرها عدم الحكم واقعا ولا استبعاد فيه اذا كان مقتضى الجمع بين الأدلّة . ولا حاجة حينئذٍ إلى الالتزام بجعل البدل بعدم ارتكاب مقدار المعلوم اجمالاً حذرا عن لزوم المخالفة القطعيّة كما ذهب إليه بعض إذ ذلك في فرض منجزيّة العلم وتعلّقه بالحكم وعلى فرض اختصاص الحكم بصورة العلم بموضوعه تفصيلاً لا علم للحكم .

نعم ولو كان العلم اجمالاً بموضوعه .

ثمّ انّ الشيخ قدس سره أورد على نفسه أسألة وأجاب عنها والانصاف انه قدس سره أتى

في المقام بما لا مزيد عليه وألجأه المستشكل أخيرا بنقضه بموارد العلم التفصيلي بالمخالفة كما أفتى المشهور فيما إذا أقر بما في يده لزيد ثمّ لعمرو ثمّ لخالد بلزوم

دفع ما في اليد إلى الأوّل وغرامته بقيمته للآخرين وقالوا بجواز معاملة ثالث للثلاثة بأن يبيع ويشتري إلى أن يحصل له العلم التفصيلي بحرمة بعض ما في يده ومع ذلك جوّز له الشارع مخالفة هذا العلم التفصيلي فكيف بالعلم الاجمالي .

ويمكن الجواب عن هذا النقض بالموضوعيّة في باب الاقرار وحكم

الحاكم كما أشرنا إلى جواب هذا الاشكال ومورد تلف أحد الدراهم الثلاث عند

أسألة والجواب عنها

ص: 10


1- . فرائد الأصول 2/404 وما بعده .

الودعى وان لازمه الاشتراك في ما بقي في يده وما ذهب ذهب منهما .

تنبيه هامّ: لا اشكال عند الأصحاب في عدم وجوب الاجتناب في الشبهة الموضوعيّة وجوبيّة كانت أو تحريميّة وليس ذلك إلاّ لانحلال الحكم إلى أحكام متعدّدة حسب تعدد الأفراد . فمن ذلك إذا جهل الموضوع يكون منشأ الشكّ في تحقّق الحكم فيه فيجري البرائة كما ذكرنا في مبحث البرائة وإلاّ فلو فرض عدم الانحلال وعدم رجوع قوله اجتنب عن النجس أو لا تشرب النجس أو لا تأكل الحرام إلى السالبة المحصلة بل إلى المعدولة فاللازم في مقام الفراغ اجتناب الأفراد المشكوكة لامتثال الحكم المجعول في البين وصيرورته لا شاربا للخمر أو للنجس ( ولا يكون جريان البرائة في الشبهات الموضوعيّة راجعا إلى التصويب كما في الشبهات الحكميّة حيث أجبنا عن شبهة التصويب وجمعنا بين الأحكام الظاهريّة والواقعيّة ) هذا حال الشبهات البدويّة .

أمّا في أطراف العلم الاجمالي فقد ذكرنا ان مقتضى الجمع بين الأخبار المرخّصة والأدلّة الواقعيّة لاجتناب المحرّمات وتحريمها تقييد الموضوعات للأحكام بصورة العلم بها تفصيلاً فانّه لو لا أدلّة الترخيص كان الحكم متحقّقا بتحقّق موضوعه إن كان معلوما فمعلوم بتبعه وإن كان مشكوكا فالحكم أيضا مشكوك لكن مقتضى الجمع بينهما تقييد موضوع الاجتناب والحرمة بصورة تميز الموضوع تفصيلاً كما في ساير موضوعات الأحكام فلا يترتب الحكم الا على صورة تحقّق موضوعه بتمام قيوده وما له الدخل فيه كما في استطاعة الحج حيث انه إنّما يجب الحجّ اذا صار مستطيعا بقيوده المعتبرة فيه وبانتفاء أحدها لا يكون الموضوع فعليّا متحقّقا . ولا مجال لترتب الحكم عليه كما انه بتحقّقه يستحيل

عدم وجوب الاجتناب في الشبهة الموضوعيّة

ص: 11

تخلّف الحكم عنه للخلف والمناقضة ولا يستلزم تقييد موضوع الحكم بالعلم به تفصيلاً للتصويب كما أشرنا إليه لا للدور اذ ما هو المستحيل أن يكون العلم بالحكم أو بشيء آخر دخيلاً في قوامه ولا يتحقّق إلاّ بالعلم به وذلك للزوم تعلّق العلم بشيء فما لم يكن هناك شيء لا معنى لتعلّق العلم به فكيف يتحقّق بالعلم الحكم أو ما اشترط العلم به في تحقّقه حتّى انه يستحيل أخذه قيدا بنتيجة التقييد .

نعم ما هو الممكن كون العلم بالانشاء موضوعا للفعليّة .

إن قلت مقتضى ما ورد انه ما من واقعة إلاّ وفيها حكم مشترك فيه بين العالم والجاهل ان النجاسة المعلومة اجمالاً لا تفصيلاً للّه فيها حكم فكيف تقول بعدم لزوم الاجتناب عنها والمصير إلى الاباحة .

قلت: مضافا إلى ان هذا مخصوص بالأحكام لا بالموضوعات ذاك مستفاد من الجمع بين الأدلّة وقلنا انه لم يثبت اعراض عنها ومقتضى ذلك يكون الخمر المشكوكة والنجاسة غير المعلومة حلالاً واقعا ولا مانع من ذلك لوقوع نظائر له في الفقه .

منها: النجاسة الخبيثة في الصلاة فانّها لا تكون مانعة إلاّ إذا كانت معلومة كما يستفاد من الرواية(1) الواردة في انه اذا كان جاهلاً أو لا يعلم بأن في ثوبه عذرة انسان أو سنور أو كلب فلا يعيد صلاته .

نعم لابدّ له في دخول الصلاة من مجوّز وما يعتمد عليه كما انه اذا صلّى غفلة فلا مانع .

ومنها في باب الغصب موضوعا وحكما فلا يكون مانعا بوجوده الواقعي

مقتضى الجمع بين الأدلّة والموضوعات

ص: 12


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .

في الصلاة بل اذا كان معلوما ومعلوم الحكم عند المصلّى فيكون حينئذٍ معه الصلاة باطلة وبالجملة فليس بعديم النظير في الفقه .

إن قلت: فعلى هذا لا مجال لاطلاق الشبهة على الموضوع المشتبه إذا كان حكمها واقعا الحليّة مع ورود هذا العنوان واطلاقه في كثير من المقامات كما في رواية التثليث(1) ( حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات ومن ارتكب ( أخذ ) بالشبهات وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم .

قلنا: لا ينحصر الشبهة بالموضوعيّة بل يبقى الشبهات الحكميّة فهذه الاطلاقات ناظرة إليها ولا محذور فيه .

ولكن التحقيق ان هذه الأخبار متخالفة في حدّ نفسها بلا احتياج إلى المعارض الخارجي وذلك لأن قوله ( كلّ شيء(2) فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه ) يستفاد منه تحقّق الحرام والحلال المشكوكين وإلاّ فلا معنى لجعل الحليّة في ما إذا كان حلالاً واقعا وهذا لا يناسب كون المشكوك انه خمر أو مذكّى حلالاً واقعا ومعه لا مجال للحلال والحرام بل كلّه حلال ولا يمكن مع فرض الحليّة الواقعيّة جعلها ثانيا كما انّه يتوجّه الاشكال في قوله(3) كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف انّه حرام بناءً على استفادة أحكام ثلاثة منها أحدها راجع إلى الأشياء بعناوينها الأصليّة والثاني راجع إلى الاستصحاب وابقاء هذا الحل إلى حال العلم بالحرمة والثالث إلى المشكوك المشتبه الخارجي .

ص: 13


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/9 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 من أبواب ما يكتسب به .
3- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به مع تفاوت في اللفظ .

فعلى هذا لا مجال للالتزام بالحليّة الواقعيّة للمشكوك .

نعم ظاهرها جعل الحليّة ظاهرا وهذا لا ينافي الحرمة الواقعيّة فتدبّر جيّدا .

فذلكة البحث: قد تكرّر ذكر الاشكال في دلالة هذه الأخبار وقلنا ان مقتضى الجمع بينها وبين أدلّة المحرّمات الواقعيّة هو التقييد .

ولكن يدفع هذا الجمع ويطرده عدم امكان التقييد الواقعي فيها لا من جهة استحالة أخذ العلم بالموضوع جزءا له أو شرطا للحكم لأنّه بمكان من الامكان وليس كالعلم بأصل الحكم في الاستحالة كما أشرنا إليه سابقا بل لدلالة هذه الأخبار أنفسها على الحرمة في صورة الجهل تفصيلاً لأن قوله ( كلّ شيء(1) فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه ) ظاهره ثبوت الحرمة مع قطع النظر عن العلم كما ان رواية(2) عامل بني أميّة وصورة الاختلاط

غير مرتبط بما نحن فيه بل لابدّ بملاحظة الروايات(3) الاخر الواردة في باب الخمس من العمل بالمختلط تارة بتطهيره بالخمس والتصرّف في الباقي واخرى بالتصالح إلى غير ذلك من صور المسئلة وظاهر ما دلّ على طهارته بالخمس اثبات الحرمة فيه في ظرف الجهل بعين الحرام كما ان صورة الاشتباه لو الحقناها بصورة ( الخلط ) فكذلك وإلاّ فلها حكم آخر كما مرّ في باب بيان شرايط تنجيز العلم الاجمالي .

والحاصل فلا يمكن تقييد أدلّة الواقع بالعلم به تفصيلاً .

نعم غاية ما ثبت من هذه الأخبار هو ثبوت الحليّة والرخصة في ظرف

ص: 14


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 .
3- . وسائل الشيعة 9 الباب 1/1 - 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس .

الجهل وإنّما الكلام في ان العلم الاجمالي كالتفصيلي غاية للرخصة والحليّة أم لا ؟ وحيث ان لسان الأدلّة مختلف فظاهر قوله علیه السلام في حديث(1) الرفع وعدّه من التسعة ما لا يعلمون تبدّل الموضوع بالعلم لخروجه عن ما لا يعلمون وظاهر كلّ شيء لك حلال تغيي الحكم بالحليّة إلى حال العلم وحينئذٍ فالعلم الاجمالي كالتفصيلي غاية في هذه الأخبار لكونه علما بالحرام الموجود في البين .

نعم يمكن دعوى ظهور الغاية في بعض هذه الأخبار بكونه علما تفصيلاً فلا يشمل العلم الاجمالي كما في مورد الترخيص في شراء ما في يد السارق ما لم يعلم انه سرقة بعينه وقوله(2) حتى تعرف انه حرام بعينه لعدم تأتي التوجيه المذكور في الرواية الاخرى المتضمّنة لقوله كلّ شيء هو(3) لك حلال حتّى تعرف انه حرام أو تعرف انه حرام بعينه فيه حيث انه قيل في تلك الرواية بكون قوله بعينه تأكيد لتقرير كون الغاية هو العلم .

ولكن يمكن منع هذا الظهور . وكيف كان فلو قلنا بكون العلم الاجمالي كالتفصيلي في عدم جواز المخالفة القطعيّة فهل يجوز الاذن في بعض أطراف الشبهة بعد عدم جوازه في جميع أطرافها لكونه اذنا في المخالفة القطعيّة ؟ الحق انه لا يجوز وذلك لعدم الدليل على أحدها تخييرا كما لا دليل على أحدها بعينه وهذه الاطلاقات لا تصلح لاثبات التخيير ولا الاذن الخاص كما لا يخفى . نعم لو ورد دليل خاص بالاذن في ارتكاب بعض الأطراف فهو موجب للعلم بجعل الطرف الآخر بدلاً عن الواقع فلا مانع من ارتكاب المأذون فيه .

عدم تقييد أدلّة الواقع بالعلم تفصيلاً

ص: 15


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 .
3- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 من أبواب ما يكتسب به مع تفاوت لما في المتن .

بيان آخر: لا يخلو من اعادة لبعض ما تقدّم .

ظاهر ما ورد من روايات المقام المشتمل على لفظة بعينه تميز الحرام بشخصه وخصوصه في الخارج ولا عبرة بما وجهوها به لكونه خلاف الظاهر .

نعم هذه الروايات مع ما ورد في مورد الاشتباه مشتملاً على عنوان الاشتباه أو عنوان الاختلاط وانه(1) اذا اختلط الحرام بالحلال أو اذا اشتبه الحرام بالحلال مع استفاضة مضامين بعضها ممّا يورث القطع بصدور مضمون منها في الجملة يفيدنا استواء الجاهل والعالم بالأحكام وذلك بضميمة الاجماع المدّعى على عدم تقيّد الأحكام بالعلم كافٍ في المقام كما انه يستفاد منها عدم دخل العلم بالموضوع في ترتب الحكم المجعول عليه . والافلا معنى لاختلاط الحلال بالحرام أو اشتباهه اذ بمجرّد الشكّ في حرمته أو في كونها ميتة نقطع بعدم الحرمة أو بعدم النجاسة فكيف يمكن اختلاط الحرام بغيره مع فرض أخذ العلم بالموضوع دخيلاً في الحكم . وهذا مضافا إلى عدم دخل للعلم والجهل بالمصالح والمفاسد وملاكات الأحكام التي تترتب عليها .

نعم لا ننكر انّ للواهمة حظّا وافرا في تصوير ما يضرّ ولا حقيقة له بأن يكون التأثير بمجرّد الخيال لكن ليس الكلام فيه .

وعلى هذا فلابدّ بملاحظة ما ذكرنا استظهار غيره من الباقي من روايات الباب .

أمّا قوله علیه السلام: كلّ شيء هو(2) لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه أو انه

ص: 16


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 من أبواب ما يكتسب به مع تفاوت لما في المتن .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

حرام فيحتمل فيه في بادي الأمر أمور:

منها: تعلّق الجارّ والمجرور بالشيء بأن يكون المعنى كلّ ما هو في سلطانك وتحت تصرّفك فهو حلال حتّى تعرف انه حرام أي غصب مثلاً وعلى هذا فالظرف لا يتعلّق بالخبر وهو حلال . لكن ذلك خلاف الظاهر لكون الظرف متعلّقا بالخبر تقدّم عليه توسّعا .

ومنها: كون الشيء يردا به الشيء بعنوانه الأولى ومعناه على هذا كلّ شيء بعنوانه الاولى والواقعي حلال حتّى تعرف انه حرام بمعنى استمرار هذه الحليّة إلى أن تعلم انّه حرام ولكن هذا المعنى ينافي عناوين المحرّمات لوقوع المعارضة على هذا بينه وبين أدلّة المحرّمات التي ثبتت الحرمة لها بالعنوان الاولى . ومنها الشيء بعنوان كونه مشكوك الحكم فهو لك حلال حتّى تعرف انه حرام .

وعلى هذا يقع الاشكال في الجمع بين الحكم الواقعي للشيء وحكمه الظاهري .

قد أجيب عنه بوجوه مذكورة في محلّه . أحسنها ما اختاره المحقّق الخراساني من الانشائيّة والفعليّة ومن روايات المقام قوله علیه السلام: كلّ شيء(1) فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه . وظاهر لفظة في الظاهرة في الظرفيّة وجود القسمين فيه بالفعل فيشمل الشبهة الحكميّة التي علمنا بكون شيء حراما وشيء آخر حلالاً ولم نعلم الحرام من الحلال بالموضوع كما انه يشمل الشبهة الموضوعيّة .

ولكن الظاهر اختصاصه بما يتحقّق فيه وجود القسمين بالفعل لا ما إذا

الكلام في مفاد كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه

ص: 17


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 .

ينقسم هو في حدّ نفسه إلى قسمين وصنفين كالميتة والمذكّى . فحينئذٍ يكون المعنى كلّ شيء فيه القسمان فهو أي ذاك الشيء لك حلال أي حرامه وأمّا الحلال فحلال حتّى تعرف انه حرام أي تشخص وتميّز قسمه الحرام هذا . ولكن ربما ينافي ما يستفاد من هذه الأخبار على بعض الوجوه وهو جواز التصرّف فيه اذا لم يميّز الحرام أخبار اخر مخالفة ومعارضة لها وهي أكثر عدداً وأوضح سنداً منها، ورد الأمر فيها بالاجتناب عن الشبهة المحصورة في عدّة موارد في الشرع كمسئلة المائين المشتبه طاهر هما بالنجس وأمر الامام علیه السلام (1) باهراقهما والتيمّم .

ومنها: ما ورد(2) في الصلاة في الثوبين المشتبهين .

ومنها: ما ورد(3) في الثوب المشتبه والأمر بغسل جميعه .

ومنها: ما ورد في(4) الجبن وانه اذا اختلط المذكّى بالميتة فلا تأكله . ويؤيّد هذا المضمون القريب من التواتر أو المتواتر قوله في المرسل الوارد(5) ( اترك ما لا بأس فيه لما فيه البأس ) وهذه الروايات مقدّمة على تلك لعدم صلاحيتها للمعارضة .

وقد تحصّل من مضمون هذه الأخبار الكثيرة ان الأحكام يستوي فيها العالم والجاهل وليس الحكم مخصوصا بالعالم .

كما يستفاد منها كما تقدّم عدم اشتراط الحكم بالعلم بموضوعه وحينئذٍ

ص: 18


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 64/2 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 64/1 من أبواب النجاسات .
3- . وسائل الشيعة 3 الباب 7/1 - 3 من أبواب النجاسات .
4- . وسائل الشيعة 24 الباب 64/1 من أبواب الأطعمة المحرّمة .
5- . فرائد الأصول 2/414 مع تفاوت في اللفظ .

فيتعين حمل الحليّة الواردة فيها على الحليّة الظاهريّة وسيجيء الكلام فيها والجواب عن الأخبار المرخصة والاشكال الراجع إلى بعض هذه المعارضات .

أمّا رواية مسعدة بن صدقة(1) فلا تصلح للاستدلال بها في المقام حيث ان محلّ البحث والنزاع في الشبهة المحصورة التي قد تحقّق العلم بالتكليف المنجز الجامع للشرايط الخمسة التي ذكرت في منجزيّة العلم الاجمالي التي ترجع في الحقيقة إلى كونه علما بالتكليف . كما ان اللازم في تحقق التكليف كون أطراف الشبهة محلّ الابتلاء وما دلّ على جواز التصرّف في الأموال المشتبهة كرواية(2) أموال بني اميّة وأمثالها لا يمكن الأخذ باطلاقها لما ثبت من كون مطهر الشبهة الماليّة واختلاط المال الحلال بالحرام هو الخمس على ما تقدّم إليه الاشارة مضافا إلى عدم كون تمام أموال الظالم محلّ الابتلاء بل له يد على ما يأخذه الانسان منه واليد تكون امارة الملكيّة في كلّ مورد يحتمل أن يكون ملك ذي اليد . وبهذا يظهر الجواب عن رواية مسعدة في مورد السرقة إذ ليس كلّ ما عند السارق من أموال السرقة .

نعم غاية الأمر العلم بشمول أمواله على مال الناس إلاّ ان اليد امارة للملك بل يمكن الاشكال في ما ذكر من كون مورد رواية مسعدة من موارد العلم الاجمالي والشبهة المحصورة بعدم كونه كذلك بل من الشبهة البدوية لعدم العلم الاجمالي بين كون هذه الرضيعة أو غيرها مضافا إلى جريان الأصل الموضوعي وهو اصالة عدم الرضاع . نعم في محتمل الاختيّة لا يجري الا أصل العدم الأزلي لو قلنا به .

مفاد رواية مسعدة ورواية أموال بني اُميّة

ص: 19


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 من أبواب ما يكتسب به .

فهذه الرواية وأمثالها خارجة عن محلّ البحث لوجود الامارة في بعض موارد الاشتباه والأصل الموضوعي في آخر .

أمّا الاشكال في مورد الثوب فيمكن أن يقال ان اللازم في باب الصلاة هو احراز الطهارة في الثياب كما ان اللازم في الطهارة من الحدث احراز اطلاق الماء وطهارته . فحينئذٍ لو كان محتمل الاضافة ولو لم يكن مورد الشبهة لا يكتفي بالوضوء به وأمّا مورد النجس يمكن الاشكال فيه بعدم صدق الخلط على صورة الاشتباه بل الخلط عبارة عن حصول قرب بين المختلطين بحيث ينضم بعضهما إلى بعض بلا تميز بينهما وإن كان أوسع من المزج حيث ان في المزج لا تميز أصلاً كما اذا مزج اللبن الطاهر بالنجس وجعله جبنا . ومجرّد اشتباه الطاهر بالنجس لا يكفي في صدق الخلط بل الخلط من أفراد الاشتباه وليس كلّ اشتباه خلطا . وحينئذٍ ففي مورد الخلط لا مضايقة من الالتزام بعدم جواز الأكل فلا يكون شاهدا على محلّ البحث .

نعم يبقى الأمر بالاهراق(1) ورواية قطيع(2) الغنم شاهدين قويين على منجزية العلم الاجمالي والا فلو يجري أصل الطهارة في الماء لكونه مشتبها فيجوز الطهارة به ويصحّ ولا ينتقل الفرض إلى التيمّم كما انّ الاجتناب عن تمام القطيع قبل اخراج الواحد منه بالقرعة شاهد على ذلك .

لا يقال فنلتزم في ساير الموارد أيضا بالقرعة كما في مورد الرواية اذ لو كانت هي على القاعدة من منجزيّة العلم الاجمالي ووجود المقتضي وعدم المانع

ص: 20


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 64/2 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 24 الباب 30/1 - 4 من أبواب الأطعمة والمحرّمة .

الا أخبار الحلّ التي أجبنا عنها أو بصدد الجواب عنها فاللازم الالتزام بالقرعة في جميع موارد العلم الاجمالي ونخرج الحرام والنجس بها .

لأنّا نقول محلّ الاستشهاد بالرواية لزوم الاجتناب قبل الاخراج من جميع القطيع وليس ذلك إلاّ من جهة منجزيّة العلم الاجمالي . هذا مضافا إلى الاجماع المركّب ممّن قال في مورد الرواية بمضمونها القول بالاجتناب في ساير المقامات ولم يفصل أحد بين موردها وبين ساير الموارد كما انه لا مجال للاشكال في ذلك بكون هذه الرواية اخصّ من روايات حلّ المشتبه بالشبهة المحصورة فنخصّص ذلك العموم بهذا الخاصّ .

تكميل وتوضيح: قد تحصّل ممّا ذكرنا ان الروايات على قسمين فقسم منها يمكن استظهار موافقته للقاعدة من منجزيّة العلم الاجمالي كرواية(1) الغنم المشتبه في القطيع ورواية المائين(2) المشتبهين ( وبعض ما(3) ورد مشتملاً على عنوان الخلط أو الاشتباه ) وقسم يخالف القاعدة ومحصّله الترخيص في ارتكاب تمام الأطراف ويمكن المنع من دلالة الروايات الموافقة للقاعدة على منجزيّة العلم الاجمالي .

أمّا رواية الغنم فباحتمال خصوصيّة المورد كما ان القرعة مختصّة بها ولا يمكن القول بها في مورد الانائين المشتبهين بل لا يجري في مورده غير القرعة حيث انها كما حرّر في محلّه إنّما تجري في مورد لم يمكن الخروج عن الحيرة بامارة ولا أصل ولو أصلاً عقليّا كما انه يمكن المنع من دلالة رواية الانائين وان له

الروايات على قسمين

ص: 21


1- . وسائل الشيعة 24 الباب 30/1 - 4 من أبواب الأطعمة المحرّمة .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 64/2 من أبواب النجاسات .
3- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 - 4 من أبواب ما يكتسب به .

خصوصيّة في باب الطهارة وتحصيل شرط الصلاة .

لكن الاشكال في روايات(1) الحل الشاملة لأطراف العلم الاجمالي فان مقتضاها كون العلم الاجمالي كالشكّ البدوي وهذا كما تقدّم من قبل يخالف ما استظهرناه من الأخبار السالفة من عدم تقييد الأحكام بالعلم بها ولا أخذ العلم جزءً الموضوعاتها في ترتّب الحكم عليها فحينئذٍ الميتة بوجودها الواقعي حرام بلا تقيد بصورة معلوميّة موضوعها وتميزها وذلك ممّا يمنع ورود الترخيص في ارتكاب جميع الأطراف لأنّه إمّا أن يكون الميتة بوجودها الواقعي حراما ولازمه تنجز التكليف بالاجتناب عنها بالعلم الاجمالي .

وهذا ينافي الترخيص لرجوعه إلى التناقض حيث ان في الترخيص لارتكاب تمام الأطراف ترخيصا في مخالفة الحكم بحرمة الميتة وذلك ترخيص في المعصية يأبى عنه العقل .

وامّا أن يؤخذ بتلك الترخيصات ولازمه تقييد الميتة في حرمتها بكونها معلومة تفصيلاً . فحينئذٍ لا مجال بعد فرض عدم تقييد الموضوع بالمعلوميّة والتميز تفصيلاً للترخيص في ارتكاب جميع أطرافه لكونه ترخيصا في المعصية وهو غير جائز بحكم العقل .

نعم لو لم يكن التكليف واصلاً إلى مرتبة البعث والمحركيّة لما كان هناك مانع عن الترخيص في مخالفته .

ولا مانع من ورود الترخيص في ارتكاب أحد الأطراف بمعنى الابقاء على مقدار الحرام والاذن في ارتكاب الباقي لعدم لزوم مخالفة عمليّة ولا العلم ولا

ص: 22


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 - 4 من أبواب ما يكتسب به .

يكون هو ترخيصا في المعصية إلاّ انّه يحتاج إلى الاذن بالخصوص لعدم وفاء الأدلّة العامّة بذلك . لعدم شمول كلّ واحد منها وشمول أحدها بعينه ترجيح بلا مرجّح ولا بعينه لا مصداق له ولا يدلّ عليه . وهذا كما في ساير الأصول حيث قلنا بعدم اثباتها وتكفلها للوازمها العادية والعقليّة بالأدلّة العامّة ولا مانع من اثباتها

بالدليل الخاص ولو كانت بوسائط عديدة . ولكن هذا الممكن لا دليل عليه في مقام الاثبات .

وربّما يتوهّم انه مقتضى الجمع بين الترخيصات الظاهريّة وأدلّة المحرّمات الواقعيّة حيث انه لو أخذنا بتلك الأدلّة محضا فاسقطنا الترخيصات كما انه لو أخذنا بها فاسقطنا الأدلّة الواقعيّة فالجمع بينهما بابقاء مقدار الحرام وتحريم ارتكابه لأدلّة تحريم المحرّمات وجواز ارتكاب الباقي لهذه الترخيصات .

ولكنّه توهّم فاسد لا مجال له اذا لحكم الظاهري لا يمكنه أن يزاحم الأحكام الواقعيّة كي يجمع بينهما بما ذكر نعم قلنا بجواز الترخيص والاذن في ارتكاب بعض الأطراف ويكون سلوك الدليل الدال على الاذن والرخصة جابرا للمفسدة الكائنة في المحرّم على فرض مصادفة الاذن للحرام الواقعي في البين .

ثمّ انّه يمكن أن يقال وإن لم يكن هنا دليل خاص على ارتكاب الزائد على مقدار الحرام ولا انه ممّا يمكن أن يكون مقتضى الجمع بين الطائفتين من الأدلّة ولكن حيث ان الترخيص في كلّ الأطراف مناقض للمعلوم بالاجمال فلذا يرفع اليد عن جريان الأصل بقدر الضرورة وما يرتفع به المناقضة ويجري في الزائد من هذا المقدار الباقي لانحفاظ مراتب الحكم الظاهري الثلاث فيه من كونه مشكوكا مجهولاً في رفعه منة حيث ان الضرورة تتقدّر بقدرها فلا وجه لمنع جريانه في

ص: 23

الباقي وهذه شبهة قويّة لابدّ من الجواب عنها .

توضيح وتكميل: قد علم ممّا ذكرنا ان العلم ليس من الشرايط العامّة ولا الخاصّة للتكاليف وفعليّتها بل هو شرط التنجز وموضوع حكم العقل بالامتثال فاذا تحقّق الموضوع بجميع ما له الدخل من القيود والشرايط خارجا فالحكم يكون فعليّا بفعليته ويترتب عليه كترتب المعلول على علّته وترتبه يكون ترتبا طبعيّا فاذا فرض تخلّف الحكم عن الموضوع فاما أن يكون بتقيد الحكم بالعلم به وهومحال ادّعى عليه الاجماع بل لا يمكن ذلك حتّى بنتيجة التقييد واما أن يكون بتقيد الموضوع في ترتب الحكم عليه بكونه مميّزا خارجا والفرض بطلانه على ماسبق . وامّا أن يكون بالنسخ ورفع الحكم وهو أيضا باطل خلاف الفرض . فحينئذٍ لابدّ من تحقّق الحكم بتحقّق موضوعه ويستحيل تخلّفه عنه للمناقضة . فاذا كان تحقّق الموضوع معلوما فالحكم أيضا معلوم وإذا كان مشكوكا فالحكم كذلك وذلك لانحلال الحكم بتعدّد أفراد الموضوع ويتكثر بتكثرها ولو لا ذلك لما كان جريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة ممكنا بل اللازم الاجتناب عن كلّ ما احتمل فرديّته للموضوع لكون القضيّة السالبة معدولة لا محصّلة . ومن المعلوم انّ ترك الطبيعة بترك جميع أفرادها ولا يحصل العلم به إلاّ بالاحتناب عن الأفراد المشكوكة أيضا ويكون جريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة لمعلوميّة الحكم والعلم بحرمة الخمر مثلاً أصعب من جريانه في الشبهة الحكميّة لعدم العلم به فليس ذلك إلاّ للانحلال . فعلى هذا يجوز ورود الترخيص الشرعي في الشبهة الموضوعيّة البدويّة لعدم المانع منه ولكن لا مجال له في الشبهة المحصورة لرجوعه إلى المناقضة اما واقعا وفي اعتقاد المكلّف معا أو فيه خصوصا إذ لو كان

ص: 24

علم المكلّف بوجود الحرام والنجس في البين وكان الشكّ في كون هذا مصداقه أو ذاك وهكذا بتعدّد الأفراد حيث ان مرجع العلم الاجمالي إلى قضيّة معلومة وقضايا مشكوكة بتعدّد الأفراد . فحينئذٍ اما أن يكون الحرام محقّقا واقعا في البين فالحكم بالاجتناب عنه أيضا فعلي لما عرفت ويمتنع الترخيص الشرعي في ارتكاب الطرفين اذ بحكم العقل لا يجوز مخالفة التكليف المعلوم المنجز في البين وليس حكمه معلّقا على عدم ورود الترخيص الشرعي بل يتنجز في حرمة المخالفة والعصيان فالترخيص الشرعي في ارتكاب كلا الطرفين لا مجال له للمناقضة فلابدّ إمّا من رفع اليد عن الحرام الواقعي المحقّق في البين بأحد الأنحاء المذكورة

آنفا أو انه لا مجال لهذا الترخيص لكونه ترخيصا في المعصية ومناقضة في الواقع لكون الشيء حراما وغير حلال وحلالاً وحراما كما انه اذا لم يكن الحرام في البين بل إنّما علم المكلّف على خلاف الواقع فلا يجوز في نظره أيضا الترخيص لكونه مناقضة في اعتقاده . اذ لابدّ في الحكم الظاهري من اجتماع ثلاثة قيود كون الموضوع مشكوكا وقابلاً لجعل الحكم فيه ويمكن للمكلّف امتثاله ولم يكن فيه مخالفة قطعيّة لتكليف . وفي المقام وإن كان ( القيد الأوّل ) حاصلاً لكلّ واحد من المشتبهين ولا مانع من جريان الأصل فيه وحده ولكن حيث يعلم في بعض الأصول بكذب أحدهما وفي آخر يلزم المخالفة العمليّة ولا يمكن ترتيب الأثر عليهما معا فيمتنع جريان الأصل في الأطراف كما تقدّم نظير ذلك في دوران الأمر بين المحذورين وقلنا انه لا يكون مقام الجعل محفوظا والا لأمكن أن يقال بجريان الأصل في كلّ واحد وكونه حلالاً ظاهريّا ومرجعه إلى تجويز المخالفة القطعيّة تدريجا .

العلم ليس إلاّ شرط التنجّز

ص: 25

نعم يمكن دعوى جريان الأصل في طرف واحد من الطرفين أو في الزائد على مقدار الحرام من الأطراف لانحفاظ الرتب جميعها فيه ولا يلزم المخالفة القطعيّة .

هذا بناء على كلام غير المحقّق الخراساني وأمّا هو قدس سره فتكرّر في كلامه انه لا قصور في العلم بل القصور في المعلوم .

نتيجة البحث: قد تلخّص ممّا تقدّم ان العلم الاجمالي ليس كالشكّ البدوي يمكن فيه الترخيص في تمام الأطراف لكونه ترخيصا في المعصية وهو قبيح عقلاً لا يحتمل صدوره من المولى الحكيم لكون العلم علّة تامّة لحرمة المخالفة .

نعم له الاقتضاء في الموافقة القطعيّة وليس علّة تامّة فيمكن منع هذا الاقتضاء بورود الترخيص الشرعي في أحد الأطراف لكنه يحتاج إلى دليل ومعه يكون الشارع قد جعل الطرف الآخر بدلاً عن الواقع .

ولو قامت امارة على نجاسة أحد الانائين بعينه فحيث انه يكون حجّه في لوازمه فيجعل الطرف الآخر طاهرا بلازمه فلا مانع من جريان الأصل النافي فيه بلا ريب ولا اشكال كما انه اذا علم بالنجس في البين بعينه ينحل العلم ولا مانع من جريان الأصل حينئذٍ .

أمّا جريان الأصول المرخّصة النافية في أطراف العلم الاجمالي فلابدّ من انحفاظ أمور ثلاثة رتبة الجهل والجعل وعدم لزوم مخالفة تكليف الزامي .

والرتبة الأولى منحفظة في جميع أطراف العلم الاجمالي لأن كلّ طرف بعينه مشكوك مجهول كما ان رتبة الجعل كذلك في كلّ طرف بعينه لعدم مخالفة

ص: 26

جريان الأصل في طرف لجريانه في طرف آخر ويكون نظير جريان الأصل لكلّ من المشتركين في الثوب النجس فان أصل كلّ إنّما يجري في حقّ نفسه دون نفسه وصاحبه .

وأمّا الرتبة الثالثة فكذلك إذا كان المعلوم بالاجمال غير الحكم الالزامي بخلافه إذا كان حكما الزاميّا وعلى هذا فالاستصحاب كغيره من الأصول يجري في ما اذا كان المعلوم بالاجمال غير الالزامي ولا يجري اذا كان حكما الزاميّا .

وعلى هذا جرى صاحب العروة قدس سره فأفتى(1) بجريان الاستصحاب في الانائين الذين كانا متنجسين فطهر أحدهما وذهب إلى نجاسة الملاقى لأحدهما بخلافه إذا كان حكما الزاميّا فمنع من جريان الاستصحابين . وحينئذٍ يكون الملاقى بناءً على غير السراية من كونه موضوعا من الموضوعات طاهرا لا موجب لنجاسته وفصل غيره أيضا بين المقامين كما فصّل هو قدس سره .

ولكن يظهر من آخرين عدم جريان الاستصحاب في المقامين وفرق بينه وبين الأصول المتأخّرة عن الاستصحاب فانها تجري في أطراف العلم إلاّ إذا خالفت الحكم الالزامي في العمل بخلاف الاستصحاب فانّه لا يجري في أطراف العلم الاجمالي لعدم انحفاظ رتبة الجعل فيه للعلم بكذب أحد البنائين لكونه ناظرا إلى الواقع فاما أن يكون الشارع يبني على المستصحب أو يأمر المكلّف بالبناء على الطهارة في الطرفين أو النجاسة في المقامين .

وبعبارة أخرى يكون علما تعبّديّا واحرازا ولذلك جعله الشيخ قدس سره في ما أشار إليه من كلامه في أوّل الرسائل بقوله يقوم مقام القطع بعض الأصول فان

اعتبار قيود ثلاثة في الحكم الظاهري

ص: 27


1- . العروة الوثقى مسئلة 2 من فصل طريق ثبوت النجاسة .

مراده الاستصحاب وما هو نظيره كقاعدة الفراغ كما انه كذلك الأمر بناء على لزوم ترتيب الأثر فانه يعلم بكذب أحد الأمرين . وكيف يمكن الحكم بترتيب الأثر في الموردين على كلا الطرفين مع العلم بأنّه يخالف في أحدهما الواقع . فاذا لم يجر الاستصحاب فتصل النوبة إلى الأصول المحكومة من الاحتياط أو الاباحة أو الطهارة .

فذلكة: قد عرفت عدم انحفاظ رتبة الجعل في الاستصحابين في أطراف العلم الاجمالي كما لا مجال لجريان غيره من الأصول والقواعد ولو لم تكن تنزيليّة كقاعدة الطهارة لو لم يجر الاستصحاب ) أو أصل البرائة والاباحة فانه لا مجال للجمع بينهما في الجريان للزوم المخالفة القطعيّة مطلقا وعدم انحفاظ رتبة الجعل في بعضها أو مطلقا للعلم بطهارة أحدهما فكيف يمكن تصديق المولى في ترتيب آثار النجاسة على كليهما .

وبعبارة اخرى كما ان كلّ واحد متيقن النجاسة سابقا ومشكوكها لاحقا كذلك أحدهما لا بعينه طاهر مباح للعلم به فالاستصحاب في أحدهما غايته حاصلة . فلا يمكن جريانه فيه وحيث اشتبه بالآخر فيكون مانعا عن جريان كلّ منهما لاشتباه الآخر الذي لم يحصل غايته به فجريانه في كلّ واحد يكون من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة فلا يجري ولا دليل على جريانه في واحد بعينه فالأصول لا تجري في أطراف العلم للمناقضة في الاستصحاب بالنسبة إلى صدر الحديث وذيله .

ص: 28

هذا مبنى الشيخ قدس سره وملخّصه عدم وفاء الدليل في مقام الاثبات على الترخيص في أحد الأطراف كما انه اليه يرجع كلام المحقّق النائيني قدس سره (1) من لزوم المخالفة العمليّة وعدم جريان الأصلين أي الاستصحابين لعدم انحفاظ رتبة الجعل أو لزوم المخالفة القطعيّة في غيره .

وهذا هو معنى التعارض سواء كان بالنسبة إلى الأصول أو الامارات بمعنى عدم شمول دليل الاعتبار لهما وحينئذٍ فيجب الموافقة القطعيّة باجتناب كلا المشتبهين كما يحرم المخالفة القطعيّة ومتلازمان حيث انه لم يتم دليل الترخيص ولا يمكن وروده في كلا الطرفين لكونه ترخيصا في المعصية . فعليه يكون التكليف منجزا يجب الاجتناب عن كلّ واحد من أطراف اشتباهه لاحتمال كون وجود المعلوم بالاجمال وتحقّقه فيه وبارتكابه يخالف التكليف المعلوم المنجز في البين اذ لا قصور في العلم ولا في المعلوم . فلا مؤمّن عقلاً على ارتكاب أحد الأطراف هذا .

نعم يجوز ورود الترخيص بالدليل الخاص على أحد الأطراف بعينه لكن لا ارتباط له بجعل البدل بل حيث انه يكون المولى عالما بالمباح من غيره النجس فلا يمكن ترخيصه في ارتكاب النجس .

فقطعا يجوز ارتكاب الطاهر وهذا موجب للعلم بنجاسة الطرف الآخر

فينحل العلم بلا جعل البدل ( كما ان الأمر كذلك في صفات الحيض التي جعلوها امارات فانها توجب العلم بالحيض لا انها امارات تعبديّة هذا ولكن ما ذكرنا إنّما هو في ما اذا ورد الترخيص بالخصوص في طرف بعينه بخلاف الأدلّة العامّة فانّها

عدم انحفاظ رتبة الجعل في الاستصحابين

ص: 29


1- . فوائد الأصول 3 - 4/78 - 693 .

لا تتكفّل لاثبات هذه الجهة اذ هي كما عرفت شاملة للطرفين وليست تشمل واحدا منها ) .

نعم يمكن تصوير جعل البدل في البينة اذا قامت على وقوع القطرة النجسة في أحدهما بعينه فتوجب انحلال العلم وكون الطرف الآخر بدلاً مباحا وهذا الطرف بدلاً عن النجس الواقعي لو كان هو الطرف الآخر لعدم ايجاب البينة العلم الوجداني ولذلك جعلها في رواية مسعدة بن صدقة(1) في قبال العلم ( وقال الأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة ) وحيث انّ البيّنة

قد جعلها الشارع حجّة تكون مؤمّنة في مخالفة التكليف المعلوم لو فرض كذبها وخطأها في الواقع في تعيين النجس . وحينئذٍ فاللازم تدارك المفسدة الواردة على المكلّف والتزموا بالمصلحة السلوكيّة . ولبعض الأساطين كلام في حجيّة البيّنة وساير الامارات من عدم جعل الحجيّة لها كلاً سواء صادفت الواقع أم لا بل إنّما جعل الحجيّة والطريقيّة لخصوص المصادف وحيث اشتبه بالغير فنأخذ بالجميع من باب العلم الاجمالي باشتمال الجميع على المصادفات ولكن لا يمكن تصديق هذا الكلام .

توضيح وتحقيق: قد

عرفت من كلام الشيخ والمحقّق النائيني عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي كلّ واحد منهما بمناط .

لكن الحقّ مع المحقّق النائيني قدس سره (2) حيث انه يرد على الشيخ عدم جريان الأصل في حقّ واجدي المني في الثوب المشترك للعلم ببطلان أحد الأصلين

تصوير جعل البدل

ص: 30


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . يراجع الفرائد 1/35 وبعده .

وكون الجنابة منه فجريانه في كلّ يكون من الشبهة المصداقيّة ومع ذلك لا نزاع في جريانه بالنسبة إلى كلّ وليس ذلك إلاّ لانحلال الحكم بتعدّد أفراده إلى آحاد متعدّدة حسب تعدّد الأفراد ولذلك قلنا بجريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة واتّفق الأصحاب عليه .

وحينئذٍ فنقول ان كلّ واحد من الانائين على فرض نجاسة كلّ منهما لكلّ خطاب بالاجتناب يخصّه ولا ربط له بالآخر الا في جريان اصالة الاباحة في دوران الأمر بين المحذورين فان مفاده حيث انه جمعي لا يمكن جريانه للعلم بالكذب بخلافها في غير هذا المورد وغيره مطلقا . فالاستصحابان في أطراف العلم الاجمالي كلّ واحد منهما مع قطع النظر عن لزوم المخالفة العمليّة والترخيص في المعصية موضوعهما متحقق وجدانا لحصول اليقين السابق والشكّ اللاحق في كلّ بعينه وليس مفادهما جمعيّا كي يمنع جريانهما أو جريان واحد لا بعينه منهما لعدم ارتباط في فرديته للعام بالآخر . وحينئذٍ فينحصر المحذور في مقام الجعل وان المولى لا يمكنه جعل طهارتين في أطراف العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما أو العكس كما لا يمكن ترخيصه في أطراف العلم الاجمالي بالمعاملة لكلّ منهما معاملة الطهارة مع العلم بنجاسة أحدهما وهذا هو السر في عدم الفرق في منع جريان الأصل في أطراف العلم بين مستصحبي النجاسة أوالطهارة .

بل ذهب إلى ذلك بعض السابقين وليس الكلام حادثا ولا الشبهة جديدة .

فاذن الحق ما أفاده المحقّق النائيني قدس سره .

نعم يمكن جعل الترخيص بالدليل الخاص في واحد منهما بعينه كما انه لا مانع من قيام الامارة على طهارة أحدهما بعينه أو كون النجس هو الآخر وعلى

امكان الترخيص في واحد بعينه

ص: 31

فرض خطأها أو كذبها لابدّ من الالتزام بالمصلحة السلوكيّة أو غيرها على ما تقرّر في مبحث حجيّة الظن ومن الوجوه المذكورة هناك عدم زيادة خطأ الظن والأمارة بأزيد من العلم لو أوكل المولى المكلف إلى نفسه فلا تفويت حينئذٍ وحيث انه لا ترخيص خصوصي بل المرخص هي الأدلّة العامّة فلا يحتاج إلى أزيد ممّا ذكرنا .

ثمّ انه قد يقال أو يمكن أن يقال بعدم مانع من ترخيص ارتكاب أحدهما حيث انه لا يرد عليه محذور الاذن في المخالفة القطعيّة لعدم كونه اذنا في كليهما فلا يكون اذنا في المعصية وحينئذٍ فيكون المكلّف مأذونا في ارتكاب كلّ واحد منهما عند عدم ارتكاب الآخر لتقدر الضرورة بقدرها اذ المحذور في الاذن في كليهما مطلقا ولو مع ارتكاب الآخر .

فبهذا القدر نرفع اليد عنه ويبقى في صورة تقييد الاطلاق الأحوالي في كلّ منهما مقام الثبوت بلا محذور وفي مقام الاثبات لا قصور في الدليل . هذا .

وأجاب المحقّق النائيني عن هذا بخروجه عن أنحاء جعل التخيير الظاهري منها والواقعي . أمّا الواقعي فسيجيء شرحه وليس ما نحن فيه منها لعدم اضطرار أو غيره من العناوين الطارية .

اما التخيير الظاهري فهو اما من ناحية الدليل أو المدلول . والثاني في مورد التزاحم وعدم قدرة المكلّف على امتثال كلا الخطابين المتزاحمين كانقاذ الغريقين فحينئذٍ اما أن يقيد اطلاق كلّ منهما بحال عدم انقاذ الآخر أو يسقطان ويكشف العقل لتماميّة الملاك حكما تخييريّا . والأوّل كما اذا قال أكرم العلماء وعلم بخروج زيد وعمرو من هذا الخطاب ولكن شكّ في خروجهما مطلقا والتخصيص

ص: 32

افرادي بالنسبة إليهما أو انه إنّما لا يجب اكرام زيد عند اكرام عمرو والعكس فالقدر المتيقن من تقييد الخطاب هو في كلّ منهما هو صورة اكرام الآخر اما في صورة ترك اكرامه فيكون خروجه مشكوكا فيكون الشكّ في التخصيص الزائد ويستفاد حينئذٍ من الدليل تخيير المكلّف في اكرام كلّ واحد من عمرو وزيد وليس المقام بواحد منهما .

تكميل وعود على بدء: سبق الكلام في عدم جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي ولا دليل على ارتكاب أحدهما تخييرا لعدم الكاشف له لا من ناحية المدلول ولا الدليل .

اما من ناحية المدلول فانا لا نعلم مصلحة مسلمة موجبة للترخيص في أحد الأطراف لا عقلاً ولا نقلاً وليس المقام كباب التزاحم لرجوع المقام إلى باب التعارض وهو أجنبي عن باب التزاحم .

بل يحتمل في مقام الثبوت كون المصلحة في اجتناب كليهما كي يحصل الاجتناب عن الحرام الواقعي وأمّا في مقام الاثبات فقد سبق الكلام والنتيجة ان ما هو الممكن فلا دليل عليه اذ الدليل والاطلاق لا يدلّ على التخيير فما هوالمدلول لا يمكن الأخذ به وما هو الممكن لا دليل عليه .

ان قلت: قد جوز الشارع جريان الأصل والمخالفة الاحتماليّة في مورد العلم التفصيلي فكيف بالاجمالي وذلك كموارد جريان قاعدة الفراغ والتجاوز مع انه في صورة جريانها في مثل الركوع لعله قد تركه فتكون صلاته باطلة كما اذا لم يجز ويأتي به لعلّه قد أتى به فيزيد ولو سهوا فيكون مبطلاً بل قد يجري الأصل حتّى في الآية اذا دخل في الآية اللاحقة . وعن بعضهم تجويز المخالفة القطعيّة في

ص: 33

العلم الاجمالي بدعوى الملازمة بين الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة وانه لو جرى الأصل في أحد الأطراف فيكون كاشفا عن قصور المعلوم فانه لا قصور في العلم فربما يكون بحدّ لا يريد موافقته في ظرف الشك والجهل وقد يكون بحيث لا يرضى به ففي الثاني لا تجوز المخالفة كما تجب الموافقة قطعا وفي الأولى لا تحرم المخالفة هذا . وقد يدور الأمر في أطراف العلم الاجمالي بين المحذورين كما لو قد علمنا بعدم غسل أحد الميتين واشتبه بالآخر فان الدوران بين النبش الحرام وبين الغسل الواجب . لم يعطنا جواب ان قلت .

ومحصّل الكلام في عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي ان الكلام في مقام الاثبات لابدّ أن يكون بعد الفراغ عن مقام الثبوت وامكان ورود الترخيص في أحدهما شرعا كي يبحث عن وروده وعدمه وقد ذكرنا سابقا ان ذلك يكون بجعل البدل والمتكفل لاثباته لابدّ أن يكون الدليل بالخصوص لعدم افادة الأدلّة العامّة لذلك كما سبق لعدم حجّيّة المثبت منها .

اما بتنصيص الشارع بالخصوص على الترخيص في أحدهما بعينه فيرجع إلى طهارته وحليته وكون الحرام هو الآخر فلا يبقى حينئذٍ شك لعدم معنى للترخيص في ارتكاب الحرام إنّما الاشكال في امكان الترخيص في أحدهما لا بعينه .

أي تخييرا وهذا يتصور على نحوين لا مجال لأيّ منهما . فانه إمّا أن يكون بالترخيص في ارتكاب كلّ واحد لمكان الشكّ فيه بالخصوص وبعد ارتكاب كليهما يعلم اجمالاً بارتكاب حرام في البين وتحصيل العلم بارتكاب الحرام لا محذور فيه والاشكال لو توجه في جريان الأصل في الطرفين وهو اشكال

ص: 34

المعارضة ويدفعه عدم معارضة بينهما من جهة الأصلين بل المعارضة ناشئة من جهة العلم اجمالاً عرضيّا وبعد انحلال التكليف حسب تعدّد الأفراد إلى تكاليف متعدّدة يكون لكلّ موضوع تكليف يخصّه وجريان الأصل فيه غير مرتبط بالآخر .

وعلى هذا فيلتزم بالتصويب في خصوص المقام ويقال بعدم حرمة المخالفة القطعيّة فضلاً عن وجوب الموافقة القطعيّة وإلاّ فلو لا هذا لا مجال للوجه الآخر وهو جعل البدل بأن يرخص الشارع في ارتكاب أحدهما حتّى انه لو صادف الحرام يكون حلالاً والطاهر بدلاً ظاهريّا عن الواقع .

فيكون امتثال التكليف إمّا وجدانا أو تعبديّا .

وبعبارة اخرى امتثال التكليف بالاجتناب إمّا بالاجتناب عن الحرام الواقعي أو ما جعله الشارع بدلاً عنه وهذا إنّما يكون في فرض الشكّ مادام الشكّ والا فلو فرض ان علم بارتكاب الحرام فلا وجه للاجتناب عن الحلال الباقي الا ان هذا متفرع على تحقّق المصلحة في جعل البدل بهذا النحوولا نعلم مصلحة في الترخيص في ارتكاب الحرام وكون ترك الحلال فيه مصلحة جابرة لتلك المفسدة فلا يمكن تصويره والتزامه اذ المانع من جريان الأصل على مبنى القوم هو احتمال مصادفة الأصل للحرام المسلم في البين حيث ان التكليف باجتناب الخمر معلوم في البين وفي كلّ طرف كان يكون منجزا كما انه بهذه الجهة التزموا بوجوب اجتناب الطرف الباقي من أطراف الشبهة اذا فقد بعض الأطراف أو تلف بعد العلم اذ ليس وجهه الا احتمال كون الحرام هو الباقي وتنجز التكليف بالاجتناب عنه بالعلم فلا يمكن جريان الأصل والالتزام بعدم وجوب الاجتناب . فالتفكيك بين

عدم الدليل في مقام الاثبات

ص: 35

وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة ممّا لا يمكن حتى بجعل البدل فالاشكال ليس في مقام الثبوت بل ورود الترخيص بارتكاب احدهما على البدل بأن يقول لا بأس بارتكاب أحدهما تخييرا أيضا لا مجال له .

بل يتوجّه الاشكال على منع ارتكاب الباقي من الأطراف بعد تلف بعضها بعد العلم بأن منجزية العلم دائرة مدار بقائه وبقائه فرع بقاء الأطراف فاذا فقد بعضها أوتلف فلا علم بوجود الحرام في البين فلا تنجز بخلاف المقام فان الحرام احتمال انطباقه على كلّ واحد من الأطراف منجز لصحّة العقاب عليه لو صادف الطرف الذي ارتكبه أيّ طرف كان فالحق ثبوت الملازمة بين المقامين وعدم امكان الترخيص والتخيير .

اشتراط تنجز العلم الاجمالي بكون تمام أطرافه مورد الابتلاء:

ليعلم ان العلم الاجمالي إنّما يكون منجزا ومانعا عن جريان الأصول اذا كان كلّ أطرافه موردا للابتلاء ويحسن الخطاب عليه ومعه لا فرق بين اندراجها تحت أمر وعنوان واحد وعدمه خلافا لصاحب الحدائق قدس سره فاشترط اندراجها

تحت عنوان واحد ولم(1) ينجز العلم في الثاني وربما يؤيّده الرواية(2) الواردة في عدم الاجتناب عن الدم الذي لا يستبين ولكن حملوها على خروجها عن مورد الابتلاء . فاذا تردّد النجاسة كالدم بين وقوعها في الاناء أو ظهره فهو لا ينجز ولا

يؤثر في التنجز لخروج الظهر عن مورد الابتلاء مثلاً كما انه كذلك الأمر لو تردّد بين الاناء أو الأرض الاّ انّه لا يكون في الثاني خارجا عن مورد الابتلاء لترتب

ص: 36


1- . الحدائق الناضرة 1/517 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 8/1 من أبواب الماء المطلق .

الأثر الفعلي عليه من جواز السجود أو التيمّم عليه . وإن كان في الثاني يجري الأصل بلا معارض لعدم عرضيّة خطاب التيمّم مع خطاب الوضوء وكما انه يجب كونه موردا للابتلاء كذلك يجب عدم انحلال العلم حقيقة أو حكما وعدم انقلاب العلم شكّا . فاذا علم بنجاسة أحد الأطراف سابقا ثمّ وقعت مثل تلك النجاسة في أحد الأطراف التي هو أي السابق منها كان نجساً فلا يؤثّر العلم الثاني . كما انه إذا

علم بوقوع النجاسة في أحد الأطراف واعتقده علما وعلم بعد ذلك بوقوع نجاسة مثل تلك النجاسة في الحكم في أحد الأطراف بعينه فكذلك .

والثاني يسمّى انحلالاً والأوّل نعبر عنه بعدم تأثير العلم ولكن الانقلاب محال كما ان الانحلال الحقيقي إنّما هو إذا علم بكون النجس واقعا في أحد الأطراف بعينه فتدبّر جيّدا .

اعلم انه لا فرق في جريان الأصل المثبت في أحد الأطراف بين أن يكون علما وجدانيّا أو تعبديّا بجريان امارة أو أصلاً شرعيّا أو عقليّا . وظرف جريان الأصل المثبت قبل انعقاد العلم فاذا انعقد العلم لا يؤثر ويصير كالصورة السابقة . الا ان في تلك الصورة لمكان تقدم الانعقاد سمّينا عدم تأثيره بجريان الأصل انحلالاً ينحل ويصير العلم الاجمالي علما تفصيلاً وشكّا بدويّا وفي هذه الصورة من الأوّل ما انعقد علم اجمالي حقيقي بل صورة علم ومثال الصورتين ان يعلم اجمالاً بحرمة التصرّف في أحد الشيئين إمّا لكونه مصنوعا من الذهب والفضّة ولو بقيام امارة على انه مصنوع من ذلك أو مال الغير أو لكونه مستصحبا عدم ملكيّته أو بجريان أصل الحرمة فيه لكونه من الأموال أو كان سابقا موردا للعلم الاجمالي لحرمة التصرّف . وبعد ذلك يحصل له العلم بصوغ أحدهما المعيّن من أحدهما أو

لزوم الاجتناب عن الباقي بعد تلف بعض الأطراف

ص: 37

قام امارة على ذلك أو كان قبلاً مال الغير أو لكونه من الأموال أو موردا للعلم الاجمالي السابق فيصير العلم الاجمالي منحلاً إلى علم تفصيلي وشك بدوي بالنسبة إلى غير الطرف الذي علم بالأصل المثبت كونه محرم التصرّف . أو كان يعلم تفصيلاً بحرمة التصرّف في أحدهما بخصوصه وبعد ذلك صار موردا للعلم الاجمالي لحدوث موجبه بعد العلم ففي هذه الصورة لا يكون العلم مؤثّرا من أوّل الأمر بل في الحقيقة بالنسبة إلى طرف المعلوم بالتفصيل لا يكون علم . غاية الأمر بعد حدوث موجب التكليف اللاحق صار موردا للشبهة ومشكوكا فيجري فيه الأصول النافية للتكليف بلا معارض . وضابط الانحلال أن لا يكون التكليف ثابتا على كلّ تقدير . فانه لو صادف الذي كان محرما لا يؤثر ولو صادف الآخر كان مؤثّرا . وبهذا يتّضح ان مورد ذلك إنّما يكون اذا لم يوجب العلم الاجمالي تكليفا زائدا على ما علم أو يعلم بالتفصيل . والا فبالنسبة إلى التكليف الزائد يؤثر ويصير كما اذا لم يكن من أوّل الأمر علم تفصيلي وبعد ذلك اذا تبيّن . يتبيّن عدم تأثير العلم الاجمالي بالنسبة إلى التكليف الثابت سابقا .

وأمّا هذا القدر الزائد لم يكن ثابتا قبل وايا من الأطراف صادف يؤثّر ويثبت التكليف ويصير الأصول النافية بالنسبة إلى هذاالقدر من الطرفين متنافية فتساقط فيصير العلم باقيا على حاله ويؤثر كما اذا كان لم ينحل . ومنشأ التنافي عدم انحفاظ رتبة الحكم الظاهري في الأطراف فانه لابدّ في الحكم الظاهري الجهل بالواقع وإمكان الجعل بالنسبة إلى الأطراف وعدم لزوم المخالفة العمليّة وعدم انحفاظ الرتبة الأولى إنّما يكون في جريان اصالة الاباحة في دوران الأمر بين المحذورين فانه في دوران الامر بينهما يضاد نفس المجعول المعلوم فانه نعلم

ص: 38

تفصيلاً بجنس الالزام اما فعلي أو تركي واصالة الاباحة تريحنا من ذلك .

وقد يقال بمورديّة ما لو علمنا بعد الفراغ من الصلاة بفوات سجدتين إمّا من ركعتين أو ركعة واحدة لذلك .

وفي الأصول المحرزة وان كان الشك بالنسبة إلى كلّ من الطرفين موجودا بالوجدان إلاّ انه لمكان محرزيتهما يحصل المضادة بين أطرافهما والمعلوم بالاجمال . بلا فرق بين أن يلزم المخالفة العمليّة من جريانها في كلّ واحد من الأطراف أو لا يلزم ومحذور المخالفة العمليّة إنّما يكون في الأصول غير المحرزة النافية للتكليف اللازم من جريانها مخالفة تكليف الزامي وما يوجب انحلال العلم الاجمالي تارة يكون العلم بالتكليف التفصيلي بجريان الأصل في أحد أطرافه قبل انعقاد العلم الاجمالي فبعده لا ينعقد وتارة لا يؤثر في الانحلال كما لو كان يعلم بنجاسة أحد الانائين اجمالاً فصادف أحدهما المعين نجاسة من جنس تلك النجاسة ففي هذا الفرض يبقى الطرف الآخر بحاله لأن العلم بعد العلم ففي هذه الصورة لا ينحل العلم كما ذكرنا وتارة مع العلم كما اذا سقطت الأصول النافية الحاكمة على أصل مثبت بالتعارض فيجري هذا الأصل في مثل ما ذكرناه سابقا من علمه بعد الفراغ من الصلاة بنقصان سجدتين ولكن لا يدري أمن ركعة واحدة أو من ركعتين ففي مثل هذا المقام لا تجري قاعدة الفراغ لأن مؤادها يضاد المعلوم بالتفصيل وهو عدم لزوم شيء عليه مع صحة صلاته وهو يعلم اما بلزوم اعادة الصلاة أو بلزوم تدارك السجدتين وقاعدة التجاوز في كلّ من الركعتين معارضة لها في الأخرى لمكان العلم فاذا سقطت القاعدتان تصل النوبة إلى استصحاب عدم الاتيان بكلّ من السجدتين في كلّ واحدة من الركعتين .

جريان الأصل المثبت في أحد الأطراف

ص: 39

واستصحاب عدم الاتيان بسجدة من كلّ ركعة . فيلزم عليه تدارك الصلاة بعد تدارك السجدتين وكذا الاستصحابات أيضا متعارضة لعلمه بعدم نقصان صلاته من أزيد من سجدتين وإن لم يلزم المخالفة العمليّة بل المخالفة الجعليّة لعدم انحفاظ تلك الرتبة فاذا سقطت الاستصحابات أيضا بالتعارض تصل النوبة إلى اصالة الاشتغال بالصلاة ومقتضاه اعادة الصلاة من رأس وبها ينحل العلم الاجمالي فيجري البرائة من لزوم تدارك السجدتين .

هذا إذا قلنا بانحلال العلم الاجمالي بجريان الأصل العقلي والا فلابدّ من مراعاة الطرفين كما سبق .

هذا ما قرّره سيّدنا الأستاذ قدس سره . ويمكن أن يقال بعدم لزوم اعادة الصلاة في الفرض ولزم تدارك السجدتين أو السجدة الواحدة بتقريب أن يقال . جريان قاعدة التجاوز والفراغ إنّما يكون لتصحيح الصلاة المشكوك صحّتها . فاذا لزم من جريان كلّ واحد منهما في مورد بطلان العمل فلا موضوع لهما فلا تجريان وفي هذا الفرض تصير النتيجة كذلك . فلا جرم لابدّ من جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدة واحدة في كلّ من الركعتين كي تصح الصلاة . فاذا صحّت الصلاة فلننظر إلى السجدتين الأخريين من الركعتين . اما السجدة الثانية من الركعة الثانية يعلم تفصيلاً بعدم الاتيان بها على وجهها إمّا لترك السجدتين معا من الأولى أو من الثانية أو واحدة من الأولى واخرى من الثانية ففي صورتين يعلم بعدم الاتيان بها رأسا كما في الصورة الثانية والثالثه أو بعدم الاتيان بها على وجهها كما في الأولى وبالنسبة إلى الثانية من الاولى لا مانع من جريان القاعدة لو لا العلم . فاذا لم تجر

القاعدة يجري استصحاب عدم الاتيان بها فيأتي بهما بعد الصلاة مع الثانية .

لو علم بعد الفراغ بنقصان سجدتين

ص: 40

لا يقال ان لزوم الاتيان بالسجدتين إنّما يكون اذا علم بالفوات من الركعتين وفي المقام لا علم له بذلك لاحتمال فواتهما من ركعة واحدة فلا يجب تداركهما .

نعم لو كان أصل الفوات على كلّ تقدير مؤثرا في لزوم التدارك فيجب بعد الصلاة تداركهما . لكن يحتمل بطلان أصل الصلاة والقاعدة بالجريان في كلّ واحدة من السجدتين الاوليين من الأولى والثانية تصحح الصلاة ومن المعلوم ان اتيان أصل السجدتين ليس أثرا للعلم الاجمالي .

لأنّا نقول لمكان العلم بفوات السجدتين لا يمكن جريان القاعدة في الثانية من الأولى ولزوم تدارك السجدتين ومعلوم إذا كان الفوات في الصلاة الصحيحة وفي المقام وإن لم نعلم بصحّة الصلاة لكن بجريان القاعدة في الأولى من كلّ منهما يعلم بصحّة الصلاة تعبّدا . فاصل الصلاة يأتي بها بالوجدان والصحّة بالتعبد . فالجزء معلوم بالوجدان والآخر بالتعبد فيجب تدارك السجدتين مع سجدتي السهو مرتين .

هذا كلّه إذا كان الانحلال بالأصل المثبت على التفصيل المذكور وهل يتحقّق الانحلال أو لا يؤثر بجريان الأصل النافي للتكليف في أحد الطرفين أو الأطراف بلا معارض من الطرف الآخر أم لا ؟

يمكن أن يقال بتحقق الانحلال . وذلك لما ذكر سابقا من ان ضابطة الانحلال أن لا يكون العلم الاجمالي علما بالتكليف على كلّ تقدير . فاذا فرض مورد ينطبق عليه الضابط المذكور نقول بالانحلال لكن الكلام في المورد وهل يوجد مورد لذلك .

انحلال العلم بجريان الأصل النافي وعدمه

ص: 41

احتمل الاستاذ المرحوم على ما في التقريرات(1) ذلك في وادي الفراغ حيث علم اجمالاً بعد دخول المغرب بفوات احدى صلواته الخمس من هذا اليوم مردّدا بين أن تكون هي الظهر أو المغرب فقاعدة الشكّ بعد الوقت تنفي وجوب الظهر ولا أصل نافي في طرف المغرب فلا تعارض فينحل العلم ويصير بالنسبة إلى صلاة المغرب شكّا بدويّا .

ولو لم يكن في جانب المغرب قاعدة الاشتغال عند الشكّ في الامتثال لما كان عليه من ناحية العلم الاجمالي شيء . لكن هناك أيضا احتمل عدم مثاليته للمقام لأن الانحلال يمكن أن يكون بقاعدة الاشتغال المثبت للتكليف في جانب المغرب . ويمكن أن يقال ان الضابط المذكور ينطبق على ما إذا علم بنجاسة أحد الانائين المعلوم طهارة أحدهما المعيّن بالوجدان فالاستصحاب يجري في جانب متيقن الطهارة بالوجدان فيعارض اصالة الطهارة في الجانب الآخر فيسقطان في عرض واحد وأصل الطهارة في متيقن الطهارة لا معارض لها في الجانب الآخر فينحل العلم لأنّه لو صادف الجاري فيه القاعدة لما أثر ولو صادف الجانب الآخر يكون مؤثّرا . فالعلم بالتكليف ليس على كلّ حال فتجري اصالة البرائة من الوجوب .

ان قلت لو باشرهما بالرطوبة يحصل له علم تفصيلي بالاجتناب ومورد حصول العلم التفصيلي بمباشرة الأطراف هو بعينه مورد تأثير العلم الاجمالي لتنجزه على كلّ تقدير فيستحيل أن لا يحصل العلم التفصيلي بعد مباشرتهما .

قلنا ذلك لمكان العلم التفصيلي بالتكليف وليس لعدم انحفاظ الرتبة الثالثة

لو علم بعد دخول المغرب فوات احدى صلواته الخمس

ص: 42


1- . فوائد الأصول 4/47 .

في الأحكام الظاهريّة التي هي عدم لزوم المخالفة العمليّة من جعلها والمخالفة ليست في ذلك الطرف وانما هنا جعل حكم ظاهري بطهارة أحدهما بل جعل في الجانب الآخر .

إن قلت: البرائة الجارية في الطرف الآخر أصل وإن لم يكن موضوعيّا .

لكن المخالفة في مقام العمل تحصل فيهما ومن الأصل الموضوعي في المورد لجريان قاعدة الطهارة فهنا أيضا يتنافيان فيسقطان فيكون العلم منجزا .

قلنا البرائة إنما تجري بعد الانحلال الصائر المورد بجريانها مشكوكا بدوا لا في ظرف عدم الانحلال . ولكن لا مجال لهذا الاستدلال في حصول الانحلال وإن سلّمنا الكبرى وهو مذهب الاستاذ المحقّق النائيني أي انحلال العلم الاجمالي بجريان الأصل النافي للتكليف في أحد أطراف العلم الاجمالي لأن في المقام قاعدة الطهارة في جانب مشكوك الطهارة من أوّل الأمر لا تعارض للاستصحاب الجاري في الآخر بل التعارض إنّما هو في المفاد . فنحن وإن بينّا سابقا في أبحاثنا ان الحكم الظاهري إنّما هو ترخيص للعبد في مقام العمل ولا جعل حقيقة وما ذكروا في مقام الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري لا يتم واحد منها ومن جملتها اختلاف الرتبة . ويرد عليه انه وإن لم يمكن الحكم الظاهري أن يرتقى إلى مرتبة الحكم الواقعي لكن الحكم الواقعي . بنفسه يجيء في مورد الظاهري واذا كان الحكم الظاهري معناه هو الترخيص في مقام العمل فلا يعارض الامارات لأن مرجع التعارض هو التناقض . ولا تناقض بين جعل الحكم الواقعي وترخيص العبد في بعض موارد امتثاله . لأن في مرتبة الجعل لا يقاوم الظاهري الواقعي ولا يكون هناك شيء إلاّ الواقعي . والترخيص ليس حكما حتى يناقض الواقعي الا ان

لا يجتمع ترخيص في طرف القاعدة مع ترخيصه في طرف الاستصحاب

ص: 43

ترخيص المولى في طرف القاعدة لا يجتمع مع ترخيصه في جانب الاستصحاب والقاعدة انما تعارض مفاد الاستصحاب . ومفاد الاستصحاب هو الترخيص في جانب المستصحب . فلا يمكن المولى أن يرخص كلا طرفي العلم مع خطابه الفعلي بالحكم فاذا تعارضت القاعدة مع الاستصحاب وكلّ ما هو مؤدّىٍ فائدة الاستصحاب . لأنّ التعارض لعدم امكان الترخيص ولا خصوصيّة للاستصحاب فلو كان في جانب اصول متعدّدة وفي جانب آخر أصل واحد فهذا الأصل الواحد يعارض مفاده مفاد جميعها وتقدّم الاستصحاب على القاعدة وحكومته عليها إنّما يظهر أثره في الشكّ السببي والمسببي فاذا يمكن المولى ترخيص كلا طرفي العلم ولم يكن دليل على ترخيص واحد منهما بعينه ولا بعينه فالأصلان يستاقطان في جانب المستصحب كلّ أصل وفي جانب القاعدة نفس القاعدة فيبقى العلم الاجمالي بحاله ويؤثر في لزوم الاجتناب عن أطرافه ولا انحلال هناك أصلاً .

هذا مع تسليم أصل الكبرى من شيخ استاذنا المحقّق النائيني رحمه الله .

وللسيّد الأستاذ قدس سره منع أصل الكبرى أيضا وذلك لبقاء العلم الاجمالي مع جريان النافي أيضا بحاله ففي مثال الانائين المورد للبحث . اذا سلّمنا صغرويته مع قطع النظر عمّا يرد عليه من الاشكال لهذه الكبرى . وقلنا تجري القاعدة في جانب المستصحب بعد تساقط الاستصحاب في جانبه والقاعدة في الطرف الآخر فالعلم وجدانا باقٍ على حاله ولم يتغيروا لأن نعلم تفصيلاً بكون النجاسة في هذا الاناء أو ذاك كما اومى إليه آنفا بعد اصابة يد المكلّف هذا الاناء أو ذاك يحصل علم تفصيلي له باصابته النجس في البين فأين الشكّ في هذا الطرف وذاك بلاعلم حتى لا يكون هنا علم تفصيلي . مع انه يمكن أيضا أن يتصوّر في ذاك الجانب

ص: 44

معارضة البرائة التكليفيّة مع ما هو لازم القاعدة من البرائة عن الاجتناب في ذاك المورد ولكن هذا كلام آخر . فاذا لا يمكن انحلال العلم الاجمالي بجريان أصل ناف في أحد أطرافه بلا جريان مثبت في البعض الآخر لبقاء العلم بعد الجريان على حاله قبله مضافا إلى انه لا يمكن ذلك . وما وجدنا له مثالاً والأمثلة التي ذكروها في المقام وقد مرّ عليك بعضها لا تخلو من اشكال كما ذكر في هذا البعض .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا ان العلم الاجمالي اذا جرى في بعض أطرافه أصل مثبت للتكليف يتبدل العلم شكّا حقيقة وإن كان صورة العلم باقية . فلا وجه لتسمية الانحلال انحلالاً تعبديا . لأنّ العلم حقيقة تبدل في صورة تقدّم العلم الاجمالي على العلم التفصيلي بنجاسة أحد الأطراف ولذلك سمّيناه انحلالاً لمناسبة في ذلك لأنّه كان شيئا منعقدا فاذا حصل العلم التفصيلي بحدوث موجب التكليف قبل العلم في أحد الأطراف ينحل حقيقة إلى علم تفصيلي في ذاك الطرف وشكّ بدوي في الآخر . كما اذا علمنا التكليف قبل حصول العلم الاجمالي ولذلك سمّيناه بعدم المؤثريّة فيجري الأصل النافي فيه بخلاف ما اذا كان الجاري أصلاً نافيا فانه لا ينحل العلم الاجمالي ويكون بعد الجريان على حاله قبله .

وينبغي التنبيه على أمور: الأوّل: انه لا فرق مع حصول شرايط العلم بالتكليف بين أن يكون متعلّق العلم عنوانا واحدا لأنّه علم على كلّ تقدير بتكليف فعلى من جميع الجهات أو عنوانين مثل أن يعلم اجمالاً بحرمة التصرّف في أحد الانائين ( للنجاسة أو الغصبية ) وإن لم يعلم عنوان متعلّقه فانّه لا موجب للقول باشتراط معلوميّة العنوان بعينه في تأثير العلم وانعقاده لأنّ العلّة الموجبة للتكليف

في معلوم العنوان متحقّقة في مردّد العنوانين ومتعددية غاية الأمر الجهل في ذلك

لا فرق بين تعلّق العلم بعنوان واحد أو عنوانين

ص: 45

من جهة واحدة وهي الجهل بمتعلّق متعلّق الاجتناب بعد العلم بمتعلّقه وهنا من جهتين وهو الجهل بمتعلّق التكليف ومتعلّقه وهو لا يضرّ فقد يحكى من صاحب الحدائق القول باشتراط معلومية العنوان المتعلّق للتكليف ولبداهة فساده لابدّ من القول بأن مراده في مورد يكون أحد الطرفين بلا أثر كما اذا أصاب مايع لواحد الانائين مع تردّده بين كونه بولاً أو ماءا . فانه في هذه الصورة العلم الاجمالي حاصل ولكن المعلوم قاصر من البعث والتحريك للاجتناب فانه لو كان المصيب بولاً يؤثر ويوجب الاجتناب عن كليهما أمّا لو كان ماءا فلا يؤثّر ولا أثر هناك مشتركا بين البول والماء .

أمّا في صورة مؤثريّته على كلّ تقدير بأن يكون أثر كلا العنوانين واحدا مشتركا كما اذا علم اجمالاً باصابة أحد الانائين دم أو مني أو بأن يكون لكلّ من العنوانين أثر بخصوصه لكن هناك قدر مشترك كما اذا تردّد المصيب بين كونه ما لا يوجب في المصاب الا غسله مرّة وما يوجب مرّتين فانّ العلم الاجمالي مؤثّر والاصلان في الطرفين متعارضان فيؤثر .

نعم بالنسبة إلى الأثر الزائد يكون شكّا بدويّا فلا تعارض للأصول . أمّا إذا كان على كلّ تقدير مؤثّرا ولم يكونا في الأثر مشتركا ولا قدر مشترك في البين فلا أثر هنا للعلم لأن مورده منحصر ظاهرا بدوران الأمر بين المحذورين كما إذا علم اجمالاً بوجوب وطي احدى الزوجتين أو وجوب طلاقها وهو خارج عن الفرض هذا ولكن الكلام في المحكي .

الثاني: وجوب الاجتناب عن الطرفين أو الأطراف عقلاً إنّما هو للارشاد إلى التحذّر عن مصادفة المتعلّق للتكليف فلو باشر أحد الطرفين ولم يكن متعلّق

اشكال كلام صاحب الحدائق

ص: 46

التكليف واقعا فلا تبعة عليه من جهة التكليف الواقعي فلو كان فمن باب التجري .

الثالث: يشترط في تأثير العلم الاجمالي أن يكون كلّ واحد من أطرافه ممّا يبتلي به المكلّف عادة . فاذا لم يكن كلّ واحد موردا للابتلاء فلا أثر للعلم الاجمالي لجريان الأصل النافي بلا معارض في الجانب المبتلى به .

الرابع: ولا اشكال في اشتراط حسن الخطاب بالقدرة العقليّة للمكلّف على متعلّقه سواء كان في باب الأوامر أو النواهي . وذلك لضرورة حكم العقل بقبح مطالبة العاجز وتكليفه ما لا يقدر عقلاً على امتثاله . ويلزم من مطالبة ذلك منه اما

( لعدم )(1) تحصيل الحاصل أو التكليف بما لا يطاق لأنّه اما ان يتعلّق الأمر بفعل شيء موجود بنفسه أو ترك المتروك بلا تأثير ارادة المكلّف في ذلك فالأوّل والا فلا معنى للأمر بما ليس مقدورا له ولا وجود له والنهي لما ليس مقدورا له وهو موجود بنفسه فيلزم الثاني وهو التكليف بما لا يطاق وكلا ذينك محال فلابد أن يكون تعلّق القدرة عقلاً بكلا طرفي التكليف وجودا وعدما على نحو سواء وكذا لابدّ أن لا يكون التكليف عسريّا وحرجيّا وضرريّا في الجملة لا لقبح الخطاب والتكليف بمثل ذلك . بل لما علمنا شرعا من انه لا يكون الا ميسورا غير حرجي ولا ضرري للمكلّف الا في موارد خاصة لا يشملها الدليل الحرجي والنافي للعسر ذلك من أوّل الأمر . وهذا ممّا يشترك فيه متعلّق الأمر والنهي . لكن يختصّ باب النواهي بأمر زائد ليس في باب الأوامر وهو امكان الابتلاء به عادة بمتعلّق النهي ووجهه استهجان الخطاب بالترك اذا لم يكن بما يبتلي به عادة فانه مستهجن تكليف المكلّف فعليّا بترك ما لا يكون من قدرته عادة فعل ذلك . فانه متروك

اشتراط تأثير العلم بالابتلاء

ص: 47


1- . اللازم في العبارة كلمة طلب وأمثاله .

بنفسه كما يستهجن تكليف المكلّف بما لا يكون تحت قدرته عقلاً . الا ان الاستهجان في غير المقدور عادة أقل من الاستهجان الذي يكون في غير المقدور عقلاً فانه قبيح لا يصدر من المولى الحكيم لامتناع القبح عليه . ولكن في هذا الباب يستهجن ويلغو وليس بتلك المرتبة من القبح . وإنّما اشترط ذلك في متعلّق النهي ولم يشترط في متعلّق الأمر لأن الأمر بعد ان اشترطنا في متعلّقه القدرة العقليّة عليه . فاذا تعلّق به أمر المولى بايجاده في الخارج لا يكون إلاّ لمصلحة ملزمة لذلك . فلابدّ للمكلّف من استيفاء تلك المصلحة وإن لم يكن ممّا يبتلى به عادة وليس ممّا يكون عادة ممّا يقدر عليه لا استهجان للخطاب وتكليف المكلّف ذلك . نعم يمكن غير بعيد في جانب الأوامر اشتراط متعلقاتها أن لا يكون ممّا لا يقدر عادة على تركها بل ممّا يقدر عادة على تركها حتّى لا يستهجن الأمر .

إن قلت: إن كان الموجب لاشتراط ذلك في متعلّق النواهي هو لزوم الاستهجان من عدم الاشتراط فيلزم أن لا يحسن تكليف المكلّف بفعل ما يأتي به بحسب طبعه وعادته بحيث يعسر عليه وكذا بترك ما لا يتركه وان اجتمع جميع الأنبياء في بيان ذلك والحث عليه وكذلك تكليفه بترك ما لا يتركه أبدا وهكذا تكليفه بترك ما يتركه طبعا فانه لا يشرب الخمر ولا يزني ولا يكشف عورته لما جبل عليه من استقباح ذلك واستحسانه وإن لم يكن ملزم شرعي فيختص كلّ من الأمر والنهي بما اذا لم يكن مريدا للفعل أو الترك حتى يصح تحريك ارادته إلى جانب الفعل أو الترك بذاك التكليف وهذا ما لا يلتزم به أحد .

قلنا ان الارادة لا يمكن أخذها قيدا وجودا أو عدما في متعلّق التكليف فانه يلزم على هذا عدم تحقّق العصيان فانه اذا اختصّ بمن كان مريدا للفعل أو

ص: 48

الترك خصوصا اذا قلنا ان الارادة لا تنفك عن المراد خارجا . فاذا لم يرد الفعل أو الترك فلا تكليف عليه واذا ترك المأمور به أو أتى بالمنهيّ عنه فما تحقق منه عصيان .

وكذا يلزم أن لا يتحقق أيضا اطاعة لامتناع الامتثال لمثل هذا التكليف فانه قبل الارادة لا تكليف وبعدها فالفعل موجود والترك أيضا فأيّ شيء يأتي أو يترك امتثالاً . وعدم القدرة التي يستهجن الخطاب عنده هو غير أن يكون المكلّف بحسب نفسه مريدا لما أراده المولى فعلاً أو تركا لعدم تحقّق الاستهجان هناك وتحققه هنا فالمناط هو ذلك لا ارادة كلّ واحد أو عدم ارادته .

هذا ما أفاده(1) الاستاذ المحقّق في هذا المقام تقريرا من بحث استاده المرحوم واستشكله بأن ما ذكر من عدم صحّة أخذ الارادة وجودا وعدما في التكليف لما ذكر صحيح ولكن لا ربط له بما استشكله المستشكل فانه يقول شيئا والجواب شيء آخر وإن كان متينا في نفسه .

فعلى هذا يلزم المحقّق المرحوم إمّا أن لا يحصر نتيجة الخطاب في تحريك ارادة العبد نحو الفعل أو تركه ويلتزم بأن له فوائد اخرى من اتمام الحجّة على المعاند ليهلك عن بيّنة وتقرير من يأتي بنفسه ولا يستهجن ذلك كما هوالحق من عدم انحصار نتيجة الخطاب في ذلك . واما أن يقول باستهجان ذلك في نحو هذه الموارد بالنسبة إلى هذه الأشخاص التي لا ينفعهم الخطاب الشرعي تحرك ارادة فعلي أو تركي بل بعد الخطاب باقون على ما كانوا عليه قبل توجه الخطاب إليهم .

وعدم صحّة أخذ الارادة وجودا أو عدما في الخطاب لا يرفع الاستهجان اذا خاطب .

اشتراط امكان الابتلاء في النواهي

ص: 49


1- . فوائد الأصول 4/51 وما بعده .

فاذا الخطاب الذي ظاهره توجّهه إلى كلّ أحد لابدّ أن يكون مخصوصاً حقيقة ومتوجهاً واقعا إلى غير هذه الأشخاص بل يكون مختصّاً بمن يصحّ أن يحرك الخطاب ارادته نحو الفعل أو الترك وهذا ممّا لا يرضيه أحد . فاذا لابدّ له من الالتزام بالوجه الأوّل وعدم انحصار نتيجة الخطاب في تحريك ارادة العبد . نعم لو كان المستشكل يقول له لم لا تكون الارادة مأخوذة في متعلّق التكليف قيدا له على نحو ساير القيود الشرعيّة الخاصّة التي اعتبرها الشارع في الأبواب المخصوصة لتكاليف خاصّة كالاستطاعة والقدرة العادية .

ممّا يمكن أخذه في التكليف كان هذا الجواب حاسما لاشكاله من رأس وإلاّ فلا كما ترى .

واستشكل الابتلاء وحصول القدرة العادية في أطراف العلم فلا اشكال ولا شبهة في فعليّة التكليف وتأثيره لزوم الاجتناب عن الأطراف لانطباق ضابط التأثير عليه أما إذا شك في الابتلاء به أم لا فلا علم لنا بالتكليف المنجز على كلّ

تقدير لأنّه مثلاً لو صادف النجاسة الاناء المشكوك الابتلاء به فلا علم لنا بالتكليف

ويشكّ فيه .

ولو صادف الطرف المعلوم الابتلاء به وحصول القدرة العادية عليه

فالتكليف فعلى مؤثر باعث للاجتناب فالان التكليف ليس بموجود على كلّ تقدير فلا معارض لأصل الخطاب ولا علم لنا بالتكليف لعدم الخطاب . لأن الشرايط المعتبرة في التكليف على أقسام ثلاثة شرط في الملاك وشرط في الخطاب وشرط في تنجيز الخطاب وبعثه الفعل والأوّل كالعقل والبلوغ فلا ملاك للتكليف في جانب غير البالغ والمجنون ومن الثاني القدرة العقليّة والعادية على

ص: 50

متعلّق التكليف وإن كان تام المصلحة والملاك الا انه لمكان عجز المكلف عن اتيان المكلّف به لا خطاب له ولا طلب فهو من قبيل الصبر على المكروه في جانب الموالى العرفيّة وإن قيل ان القدرة من القسم الأوّل وهو شرط الملاك والعلم بالتكليف من القسم الثالث . فانه لا بعث للتكاليف والأحكام الشرعيّة إلى متعلّقاتها ما لم يعلم المكلّف بها ومن المعلوم ان وجود القدرة العادية وابتلاء المكلّف بطرف الشبهة وإن لم يكن أحد الثلاثة اذ هو شرط لحسن الخطاب . الا انه بالاخرة يرجع إلى الشكّ في أصل الخطاب . فاذا شككنا في حسنه نشكّ في أصله واذا شككنا في أصله فيكون تكليفا مشكوكا فيصير موردا لجريان البرائة لامتناع صدور اللغو والمستهجن من الشارع الحكيم فلا يخاطب المكلّف بخطاب يستهجن ويلغو . وقيل بلزوم الاجتناب عن المعلوم لوجهين: أحدهما لتماميّة الملاك وإن لم يكن خطاب فانّه يصحّ من المولى الغير المخاطب مؤاخذة العبد العالم بملاك التكليف كما إذا أشرف على القتل والأسر والعبد عالم بذلك لكن لعدم تمكّن المولى من مخاطبة العبد بالخطاب التكليفي لا يخاطبه والعبد يعلم بأن انجائه من أيدي العدى في غاية المطلوبيّة للمولى ولكن يترك ذلك ومعلوم انه اذا عاقبه المولى وآخذه لا يستحسن من العبد الاعتذار بعدم الخطاب له . وهذا بناء العقلاء في تكاليفهم العرفيّة في باب العبيد والمولى وأمثاله . فاذا شكّ في الخطاب أيضا مع علمه بتماميّة الملاك فانه يلزم عليه قطعا الفحص حتّى يتبيّن له عدم القدرة على المشكوك فيصير التكليف في الجانب المقدور مشكوكا وتجري أدلّة البرائة وتؤمّنه من مؤاخذة ذلك التكليف .

ونظير المقام ما اذا علم في باب الأوامر التعبديّة والتوصليّة بأن غرض

لو شك في الابتلاء

ص: 51

المولى من الأمر بالتكليف الكذائي اتيانه بقصد القربة بمعنى قصد الأمر والامتثال ولكن لعدم تمكّنه من خطاب المكلّف هذا النحو من الخطاب يجرد الخطاب فانه لازم على المكلّف اذا علم ان غرض المولى ذلك أن يأتي بالمأمور به على نحو يحصل غرضه وإذا شكّ في ذلك فانّه لابدّ عليه من الفحص واذا يئس ولم يظفر بمرجح لأحد الطرفين فلازم عليه عقلاً أن يأتي بالمأمور به على وجه يقطع بالفراغ وسقوط الخطاب بامتثاله . فمحصّل هذا الوجه ان العلم بالخطاب ليس بلازم في جانب محركيّة ارادة العبد نحو الشيء . بل العلم بتماميّة الملاك هو تمام الموضوع في نظر العقل بلزوم تحصيل المؤمن . وليس هناك إلاّ الاجتناب عن المنهي المعلوم لمقدوريّته أو تحصيل العلم بعدم مقدوريّة الجانب المشكوك . ويمكن أن يستأنس لذلك بتتبع موارد في التكاليف الشرعيّة كباب القضاء فانّه من نحو ( اقض ما فات كما فات ) المتوجّه على النائم ومن عدم لزوم القضاء على المغمى عليه علمنا ان هناك ملاك التكليف موجود على النائم بخلاف المغمى عليه فانه على الخلاف ولا يرد على هذا عدم لزوم القضاء من موارد عديدة لأنّه بالدليل وكلامنا في موضع ما قام الدليل على عدم اللزوم فانه هناك ليس مؤمن .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه هذا الاستدلال . واستدلّ بهذا الوجه المحقّق النائيني رحمه الله على ما في(1) التقريرات ولكن سيّدنا الأستاذ قدس سره يأبى عن اسناد هذا الاستدلال عليه وانه ان وقع من المرحوم فعن غير التفات لأنّه يرد عليه النقض المذكور في التقريرات .

ومحصّله هو انه إن كان العلم بتماميّة الملاك موضوعا لوجوب الاجتناب

ص: 52


1- . فوائد الأصول 4/55 وما بعده .

فاى اختصاص له بما اذا كان أحد الأطراف مشكوك الابتلاء بل في صورة العلم بعدم الابتلاء أيضا الملاك تام في المعلوم . وهذا النقض لا مدفع عنه الا بأن يقال في صورة العلم بعدم المقدوريّة على أحد الأطراف نعلم بعدم تماميّة الملاك بخلاف صورة الشكّ فانّه يجب عقلاً معاملته معاملة العلم لعدم المؤمّن . ولكن ذلك يناقض العلم بعدم دخل القدرة في الملاك ومدخليّتها إنّما هو في حسن الخطاب . مع ان الجواب المذكور ايرادا كبرى وصغرى انما كتبناه اسنادا من الاستاد قدس سره إلى المرحوم على انه يلزم عليه عدم اشتراط امكان الابتلاء عادة بتمام الأطراف في تنجز العلم وتأثيره الاجتناب ( مع انه من الشرطين لذلك قطعا ) فيصير الاشتراط لغوا بل عدم العلم بالمؤمّن يصير هو المناط لا العلم بامكان الابتلاء والمقدوريّة عادة ولا الشكّ في ذلك . فتحصل ان نتيجة الوجه الأوّل هوالاشتغال عند الشكّ لا البرائة . وأورد على هذا الاستدلال صغرى وكبرى أمّا كبرى فلعدم لزوم تحصيل الغرض من الأصل وعدم لزوم تحصيل الملاك الغير المطالب لا في هذا الباب ولا في باب التوصليّة والتعبديّة . وأمّا صغرى فلان الأمثلة التي ذكروا في هذا المقام لا

ربط لها بما نحن فيه من الشكّ في القدرة العادية لامكان جعل خطاب طريقي للمشكوكات . فاذا ما جعل فلا يجب علينا تحصيل الملاك واستيفائه الا أن يقال ان الاطلاقات من أوّل الامر تشمل ما نحن فيه والشكّ بعد في تقييدها وتخصيص العمومات .

وهذا هو الوجه الثاني من الاستدلال . وتقريبه على وجه لا يرد عليه اشكال عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة . بناء على عدم الفرق فيه بين المخصّص اللبي واللفظي . هو أن يقال ان الخطابات الواردة في باب النواهي

الاشكال على اشتراط الابتلاء

ص: 53

والعمومات فيه تشمل كلّ مورد وكلّ ما علم فرديته للعام ودخوله تحت اطلاق المطلق . خرج منها ما علم خروجه بدليل شرعي مخصّص أو مقيّد على نحو تقييدات أو تخصيصيات لا المقيّد الواحد المردد بين المتبائنين بل في باب العام من قبيل تخصيصات وفي باب المطلقات من قبيل اخراج عناوين بالمقيّدات المطلق نظير ما لو قيل أكرم العلماء وبعد ذلك ورد الدليل المخصّص المقيّد لا تكرم الفسّاق وشككنا في ان الفسق هل هو عبارة عن ارتكاب المعصية الكبيرة أو يعم الصغيرة . فانه في هذا المقام يكون المطلق من قبيل ( الكلّ ) سواء كانوا شاربين الخمر أم لا زانين أم لأمر تشين أم لا مغتابين أم لا تاركين لردّ السلام أم لا تاركين

النظر إلى الأجنبيّة أم لا مصرّين أم لا فانّه يكون الشكّ في تقييد سواء زائد على ما

علم تقييده من السواءات فعند الشكّ نتمسك باطلاق المطلق أو في العام وفي المقام كذلك . اذ من المعلوم ان القدرة لها مراتب بالنسبة إلى الأشخاص والأحوال والأوقات . فبالنسبة إلى بعض الأشخاص في بعض الأحوال والأوقات القدرة معلومة . وفي بعض الحالات القدرة العقليّة مشكوكة وكذا في جانب القدرة العادية . فما علم خروجه من تحت العام والمطلق وتخصيص ذلك وتقييده فهو . وإلاّ فبالنسبة إلى المشكوك يكون الشكّ في التخصيص الزائد فلا محيص إلاّ من التمسّك بالعام . وليس من باب التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة بل من التمسّك به في الشبهة المفهوميّة المردّد بين الأقل والأكثر بهذا التقريب في جانب تصوير مراتب للقدرة . وهنا اشكال ذكره الاستاذ وهو ان ما ذكر انما يتم في المخصص والمقيد المنفصلين الذي انعقد ظهور العام والمطلق قبل ورودهما وأمّا بالنسبة إلى المتّصلين في اللفظي واللبي لا يتمّ . لأنّه من الاوّل لا ينعقد ظهور للعام

ص: 54

ولا اطلاق للمطلق لوجود ما يصلح للقرينيّة في الفرد والعنوان المشكوك المقدوريّة .

وجوابه ان المخصّص اللبي اذا لم يكن من المستقلات العقليّة كما في المقام يكون كالمخصّص المنفصل اللفظي فلا يضرّ بانعقاد الظهور والاطلاق .

ان قلت ان الاطلاق والظهور انما يثمران بعد الفراغ عن مقام الثبوت ومعلوميّة مقدوريّة الطرف الآخر .

قلنا: لو اشترطنا العلم بذلك لانسدّ باب الاطلاقات . اذ كلّ مورد شككنا في حصول قيد أو شرط في جانب التكليف تجري البرائة ولا نتمسك بالاطلاق . بل الأمر بالعكس فانه من اطلاق مقام الاثبات نرفع الشكّ عن العنوان والفرد المشكوك كما اذا شككنا في دخول شخص خاص منهم في مثل ( لعن اللّه بني اميّة قاطبة ) من جهة الشكّ في استحقاقه اللعن .

تقريب الاستدلال بالوجه الثاني: ان المقام لا يكون من قبيل تخصيص العام بعنوان خاص شكّ في بعض الأفراد انه من مصاديق العنوان المخصّص أو العام بل القدرة لها مراتب وبالنسبة إلى كلّ مرتبة تخصيص فيكون هناك عناوين متعدّدة معلوم عدم المقدوريّة ومشكوك المقدوريّة . فبالنسبة إلى المعلوم عدم الابتلاء به . المخصص العقلي يخصّص العام وبالنسبة إلى المشكوك . العقل ساكت لا يقول شيئا أي لا يحكم بالعدم .

وإذا علم ان المخصّصات العقليّة على قسمين بعضها من المستقلات التي لا يحتاج حكم التخصيص فيها على استحضار مقدّمات في الذهن وترتيبها بحيث تنتج قصر حكم العام على غير موردها فيكون من قبيل القرينة الحافة بالكلام التي

رفع الشك ثبوتاً باطلاق مقام الاثبات

ص: 55

لا تدع المطلق ينعقد له ظهور في الاطلاق ولا العام في الفرد المشكوك المقدوريّة وبعضها الآخر من العقليّات النظريّة التي يحتاج الحكم فيها إلى استحضار مقدّمات وأعمال فكر في ذلك التي تكون من قبيل القرينة المنفصلة التي لا تضر بانعقاد ظهور المطلق والعام في الفرد المشكوك . والمخصّص في محلّ البحث من الثاني فاذا التفت بعد انعقاد الاطلاق والعموم إلى المخصص والمقيد فالعقل في هذا الوادي بالنسبة إلى العنوان غير المعلوم خروجه من القدرة العادية لا يحكم بتخصيص العام لأنه يرى تمام موضوعه الذي هو استهجان الخطاب بفرد خارج عن تحت قدرة المكلف العادية ومنشأ هذا الحكم من العقل لزوم اللغوية وصدور القبح من المولى الحكيم الذي هو محال عليه فلا جرم هذا المقدار يعلم بخروجه وان الاطلاق مخصص وبالنسبة إلى الباقي العقل شاك أي غير حاكم بمعنى انه ساكت لأنّه لا يرى موضوعه ولا يقطع بعدمه فالشكّ يكون في تخصيص هذا العنوان بعد انعقاد العموم . ومقتضى الدليل الحكم بعدم التخصيص إلى أن يعلم فهذا المقدار الذي حكم العقل بخروجه عن تحت اطلاق الخطاب من باب القدر المتيقّن المعلوم انطباق كبراه عليه .

والباقي باق تحت اطلاق المطلق وعموم العام .

هذا محصل ما أفاده الاستاذ المحقّق المرحوم النائيني .

ويرد عليه ان فرض تعدّد المراتب في جانب القدرة لا يخرجها عن عنوان واحد حتّى اذا شككنا في تعلّق القدرة العادية من المكلف أي قادريته على فرد أو مقدوريّة ذلك الفرد ( بكون القدرة مأخوذة في المكلف أو متعلق التكليف ) يكون الشكّ في التخصيص الزائد . بل تمام موضوع حكم العقل باستهجان توجه

ص: 56

الخطاب المولوي بالاجتناب ونحوه وكليه هو الخارج عن محل الابتلاء فاذا علمنا ان الخمر الموجود في بلاد الهند خارج عن محل الابتلاء يكون خارجا قطعا ولا خطاب نحوه لعدم الحسن فيكون من أفراد المخصّص ومصاديقه والخمر الموجود في بلدنا نعلم بمورديّته للابتلاء والخطاب موجود بالاجتناب عنه . يعني باقٍ تحت العام يعني يشمله العام لأنّه من أفراده المعلومة . ويقع الكلام في الخمر الموجود في البلاد المتوسطة أهي محل ابتلائنا أم لا . فيقع الشكّ في أنّها من أفراد

العام حتّى يشمله خطاب اجتنب فيكون التكليف بالاجتناب معلوما أو من أفراد المخصّص ومصاديقه حتّى لا يكون علم بالتكليف فأين عناوين متعدّدة حتّى بالنسبة إلى المشكوك الابتلاء يكون الشكّ في تخصيص عنوان زائد عمّا علم تخصيصه فتصوير تعدّد مراتب للقدرة لا يجعل المقام من التخصيص بالمخصّص المجمل المفهومي المردّد بين الأقلّ والأكثر بل الشكّ في ذلك شكّ في الشبهة المصداقيّة لأنّ الشكّ في انه مصداق العام أو المخصّص ولا يجوز التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة بل هذا شأن التطبيق وهو مرحلة بعد مرحلة التخصيص بالكلي يعني بعد الالتفات إلى التخصيص بالخارج عن الابتلاء تصل النوبة إلى التطبيقات وكثيرا ما يشكّ في باب التطبيقات ويشتبه الأمر وقد يقع الغلط بخلاف باب الكليات فانه يدرك أوّلاً ويخصّص ويسلّمه إلى مرحلة التطبيق .

فان قلت: فما تقول في ما اشتهر من جواز التمسّك بالعام في الشبهات

المصداقيّة اذا كان المخصّص لبيا كما في المقام . فاذا شككنا في فرد فباطلاق العام نتمسك ونرفع الشكّ عن ذاك الفرد ونحكم عليه بحكم العام كما مثّلوا في ذلك ب- ( لعن اللّه بني اميّة قاطبة ) فانّه باطلاقه بل بعمومه نتمسّك في رفع الشكّ في مثل

اشكال تعدد المراتب في القدرة

ص: 57

عمر بن عبدالعزيز ومعاوية بن يزيد وغيرهما ممّن ظاهره الصلاح من هذه الطائفة الخبيثة هل هو ممّن لا يجوز لعنه لايمانه فان لعن المؤمن قبيح أو ليس بمؤمن فلا قبح .

قلنا: لا فرق بين المخصّص اللفظي واللبي في المقام لأنّ الحكم لا يمكن أن يحقّق موضوعه للزوم تقدّمه على نفسه وهو محال . فاذا احرزنا ان هذا الفرد من مصاديق العام نحكم عليه بحكمه وإلاّ فلا .

فلا يجوز التمسّك بالاطلاق ولا أصل لهذا الكلام ولا أساس له .

نعم هنا شيء آخر وهو انه قد يكون أخذ العنوان في موضوعات الأحكام أخذا ملاكيّا فيكون الحكم على الأفراد الخارجيّة المتّحدة مع هذا العنوان لا الأفراد الحقيقيّة بلا دخل في ثبوت الحكم على الموضوع للملاك انعكاسا لا اطرادا . كما اذا صرّح بأن زيدا يدخل داري وهو في نفسه يعتقد ان زيداً عالم مع انه ليس بعالم في الواقع . فاذا شككنا في شخص انه ينطبق عليه الملاك فباطلاق العام وعمومه نتمسّك ونحكم عليه بحكم العام .

وببيان واضح: تارة يقول كلّ من كان صديقي يدخل داري على نحو القضيّة الحقيقيّة ففي هذا الفرض لا يجوز أن يدخل زيد العدو . وتارة يقول أكرم الحضّار ويعلم بعدم رضاه باكرام عدوّه . فاذا شكّ في مثل زيد انه صديق له أو عدو فبالاطلاق يرفع الشكّ ونقول انه واجب الاكرام .

وهنا إشكال آخر تقريبه ان التمسك بالاطلاق إنّما يصحّ اذا كان الاطلاق الواقعي معلوما . يعني في مقام الثبوت مطلق حتّى يجوز التمسّك بالاطلاق في مقام الاثبات . ونحن لا ندري ان الاطلاق الواقعي هنا موجود حتّى يكشف

الفرق بين القضيّة الحقيقية وغيرها

ص: 58

الاطلاق اللفظي عنه . لأنّا نشكّ في خصوص الفرد المشكوك هل انه في لب الواقع يشمله التكليف الواقعي وارادة المولى بالاجتناب موجودة بالنسبة إليه أم لا .

والحاصل ان مقام الاثبات بعد مقام الثبوت . فاذا فرغنا عن مقام الثبوت وصحّ تعلّق التكليف بذاك الفرد نتمسّك بالاطلاق في مقام الاثبات ونعلم انه منهي عنه فعلاً . وفي المقام من الأوّل الأمر مشكوك لا ندري هل مقام الثبوت مطلق بالنسبة إلى ذاك الفرد أم لا يعني يحسن خطابه خطاب الاجتناب بالنسبة إلى ذاك الفرد أم لا .

وإذاكان الأمر كذلك فكيف يصحّ التمسّك بالاطلاق في مقام الاثبات .

وجوابه ان هذا الكلام بمكان من الغرابة .

اما أوّلاً فلانا لا نحتاج إلى احراز للاطلاق الواقعي حتّى يصحّ التمسّك بالاطلاق اللفظي . بل كما اذا تعلق الأمر بشيء نستكشف عنه وجود المصلحة فهنا أيضا من اطلاق مقام الاثبات نستكشف اطلاق مقام الثبوت كشفا انيا من المعلول نستكشف وجود العلّة ولم الحكم وانه يحسن الخطاب بالنسبة إليه . وما ذكر انما يكون عند المولى . فان المولى بعد تماميّة ملاك الاطلاق عنده يخاطب المكلّف فعند المولى مقام الاثبات فرع مقام الثبوت . لكن عند المكلّف الأمر بالعكس يعني في مقام الاثبات يحصل له العلم بتماميّة مقام الثبوت وان الملاك تام عند المولى وإن لم يعلمه المكلّف .

وهذا واضح من بناء العقلاء والعرف في محاوراتهم فانهم لا يتوقفون في أمثال هذه المقامات حتّى يحرز لهم تماميّة الملاك الثبوتي . بل بمجرّد القاء الاطلاق إليهم يتمسّكون به وإن لم يعلموا بتماميّة مقام الثبوت لأصالة الاطلاق

عدم حاجة في التمسك بالاطلاق إلى احراز للاطلاق الواقعي

ص: 59

وعدم حجيّة التكليف غير الواصل لو كان مقيّدا بقيد ما وصل . لكن في غير المورد الذي يعلمون ان الملاك غير تام .

وثانيا لو اشترطنا ذلك لانسدّ باب التمسّك بالاطلاقات . اذ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة على ما هو الحق وعليه العدليّة خلافا للأشاعرة . وكلّ موضع شككنا في الاطلاق ليس ذلك إلاّ من جهة الشكّ في دخل قيد في المكلّف أو متعلّق التكليف حتّى يكون ما به تمام المصلحة أو المفسدة هذا القيد فيتم الاطلاق الواقعي فيكشف عنه الاطلاق اللفظي . واذا كان الأمر كذلك فلا يجوز لنا التمسّك باطلاق في مقام من أوّل الطهارة إلى الديات . وهذا خلاف ضرورة الفقه وليس ذلك إلاّ لعدم اعتبار ذلك في التمسّك بالاطلاق .

ان قلت: التمسّك بالاطلاق إنّما يصحّ إذا كانت القدرة من الانقسامات السابقة على الخطاب اذ الاطلاق على مبناكم عبارة عن عدم قيد في شيء يصلح للتقييد وهنا ليس كذلك . بل القدرة تكون من الانقسامات اللاحقة للخطاب . وبعد تعلّق الخطاب بشيء . فهذا الشيء إمّا أن يكون مقدورا أو لا . واذا كانت القدرة من الانقسامات اللاحقة للتكليف فمحال أن يشمله الاطلاق لعين برهان امتناع التقييد وهو عدم صلاحيّة دخل الحكم قيدا في موضوعه . فانه يلزم منه تقدّم الشيء على نفسه وان يكون الحكم المترتب على الموضوع الموجود بعده مأخوذا في رتبته أي في رتبة الموضوع ومحقّقا له . فالموضوع محقق للحكم والحكم محقق للموضوع فالحكم محقق للحكم وهو عين اجتماع النقيضين . يكون الحكم موجودا ومعدوما في آن واحد وهو محال . كما اذا كان العلم بالحكم موضوعا لنفس الحكم والعلم بوجود زيد في زمان يكون سببا لوجود زيد في ذاك الزمان .

ص: 60

نعم اذا كان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل التضاد أو السلب والايجاب لأمكن أن يصحّ أن يكون واحد منهما ولا يكون الآخر وقد يكون السلب والايجاب ضروريّا وقد لا يكون الضرورة من أحدهما .

قلت: هذا الكلام لا أصل له من رأس . لأن القدرة العادية كالقدرة العقليّة ليست من الانقسامات اللاحقة للتكاليف بل الانقسامات اللاحقة الموجبة للتنجز منحصرة في العلم . فالتكليف إمّا معلوم أو مجهول للمكلّف . فالعلم شرط التنجيز وليست كذلك القدرة فانّها ليست شرطا لتنجز التكليف . بل متعلق التكليف قبل التكليف اما أن يكون مقدورا للمكلّف والمكلّف قادر بالنسبة إليه أو لا . فيمكن التقييد للخطاب بالقدرة . وعلى فرض أن تكون من الانقسامات اللاحقة ولا يمكن أخذها في الخطاب كي يكون الخطاب مطلقا بالنسبة إليها أو لا . لكن في لب الواقع ليس كذلك . فالمناط لب الواقع ونفس الأمر لأن المولى إمّا أن جعل للقدرة دخلاً في التكليف أو لا ولا يمكن أن نتصوّر اهمالاً في جانب الواقع من العاقل الملتفت بالنسبة إلى موضوع التكليف ولا من المولى الحكيم . غاية الأمر ان أخذها قيداً في الخطاب لابدّ من أن يبين ذلك بخطاب آخر فيصير اما نتيجة الاطلاق أو نتيجة التقييد فالامتناع في الخطاب الأوّل لا في حاق الواقع ولابدّ أن يكون بنحو الاخبار والا فيقع الشك في نفسه انه مطلق أو مقيد فيجييء الاشكال . فموضوع خطاب الأول شيء وموضوع هذا الخطاب الثاني شيء آخر نظير ما اذا قال اذا علمت بوجوب الصلاة فتصدّق ولابدّ أن يكون هذا الخطاب التتميمي واصلاً إلى المكلّف وإلاّ فلا تنجيز ولا تأثير للخطاب الأول . فتحصل ان الخطابات في أبواب المحرّمات تشمل الجميع وقد خصصت بما علم خروجه من مورد

القدرة ليست من الانقسامات اللاحقة

ص: 61

الابتلاء ويبقى الباقي تحت العام فاذا كان أحد أطراف العلم الاجمالي ما علم خروجه عن مورد الابتلاء فالعلم الاجمالي لا يؤثّر . لأن العلم الاجمالي بما هو علم اجمالي لا يؤثر . بل لابدّ أن يكون علما بالتكليف وهنا ليس كذلك . لأنّه لو صادف النجاسة ذاك الخارج فلا تكليف ولو صادف المبتلى به فالتكليف موجود . فلا علم بالتكليف على كلّ تقدير وإذا كان أحد أطراف العلم الفرد المشكوك الابتلاء به فكيف فيجب الاجتناب عن الفرد المعلوم الابتلاء لتحقّق العلم الاجمالي المؤثر على تقدير مصادفته النجاسة ايّا منهما فيصير المشكوك الابتلاء بحكم معلوم الابتلاء في توجه التكليف الفعلي بالاجتناب . هذا غاية ما يمكن أن يوجه به استدلال الشيخ رحمه الله في ذلك وقد وجّهه ونقحه شيخ استاذنا(1) المرحوم النائيني ولكن الانصاف ان الاستدلال باطلاقات الأدلّة في غير معلوم الخروج ليس بتام كما ذكرنا سابقا .

فتحصل ممّا ذكرنا ان شرط امكان الابتلاء إنّما يختصّ بالنواهي للزوم الاستهجان في صورة عدمه . لأن الترك من حيث هو ترك حاصل بنفسه وقبيح مستهجن أن يطلب من العبد ترك ما هو متروك بلا اختيار للعبد . وذلك كما ان الترك من حيث هو لا عسر فيه ولا حرج ما لم يرجع إلى الفعل الوجودي كما في صورة حرمة أكل الميتة وشرب المحرم المتوقف حفظ النفس عليه . بخلاف الفعل فانه بخلاف النهي في ذلك ( أي امكان الابتلاء والعسر فيه ) أي فالأول فيه غير لازم بعد فرض كونه مقدورا عقلاً والثاني أي عدم لزوم العسر والحرج فيه معتبر . وليعلم ان هذا الشرط غير مخصوص بمورد العلم الاجمالي . بل في الشبهات

اشتراط الابتلاء في خصوص النواهي

ص: 62


1- . فوائد الأصول 4/57 وما بعده .

البدويّة وكذا في الموارد المعلومة تفصيلاً موجود لتحقّق المناط هناك وهو لزوم اللغويّة واستهجان الخطاب . لكن في كلّ هذه الموارد إذا كان خطابا فعليّا .

وأمّا إذا كان على تقدير الابتلاء فلا قبح فيه ولا استهجان لازم . غاية الأمر في مورد العلم الاجمالي لا علم لنا بالخطاب المؤثّر الباعث فعلاً وعلى هذا يلزم اشكال .

وهو انّه أيّ فرق بين المقام وبين ما إذا كان يعلم بوجود خطاب في مورد علم اجمالي أحد طرفيه حاصل ظرفه والآخر بعد أيّام . مثل أن يعلم بحرمة شرب هذا الماء الموجود في هذا الاناء أو ماء اناء بعد أيّام يصل إليه . فانّه في هذه الصورة العلم الاجمالي مؤثّر بلا اشكال . وأيضا لو كان امكان الابتلاء شرطا كما تقولون فلابدّ أن تلتزموا بعدم وجوب الاجتناب عن أحد طرفي المعلوم بالاجمال الممكن الابتلاء فعلاً الممنوع شرعا التصرّف في طرفه الآخر المعروض للبيع وهوبصدد شرائه من مالكه أو يحتمل أن يستعيره أو يحصل عنده بأيّ سبب شرعي مع ان المانع الشرعي كالمانع العقلي . مع انكم لا تلتزمون وإن لم يحصل عنده الطرف الآخر . فان كان الابتلاء عبارة عن امكان وصول المكلّف إلى شيء عادة فلابدّ من أمثال هذا المقام وفيه أن تلتزموا بلزوم الاجتناب من الطرف الذي عنده . وإن كان الاناء موجودا في قصر السلطان الذي لا يسع لمثل هذا المكلّف الدخول إليه والابتلاء به ولا يتصوّر هذا مع انّه مثلاً جار السلطان .

وإن كان عبارة عن عدم الابتلاء فعلاً ولو شرعا ففي مثل المقام يعني فيما إذا كان أحد الطرفين في معرض الوصول إليه أن تلتزموا بعدم اللزوم .

ويمكن أن يدفع الثاني بالالتزام بأنّ الخطاب في الطرف الآخر معلّق

ص: 63

ومشروط ( لو ابتليت ) فالاجتناب لازم يعني لو اشتريت وحصل عندك .

أقول ويمكن أن يدفع الاشكال الأوّل أيضا بأنّ المثال خارج عن الفرض اذ الفرض عدم الابتلاء عادة يستتبع استهجان الخطاب الفعلي بالترك اللازم منه عدم وجود معارض في الطرف المعلوم الابتلاء بخلاف المثال . فانّه يعلم بالابتلاء غاية الأمر بعد زمان . فانّه في هذه الصورة الخطاب موجود فعلاً . اما في هذا أو في ذاك ولا مجال للاشكال بأن في المبتلى به فعلاً لا معارض من الطرف الآخر لأنّ الابتلاء به ليس في هذا الزمان . ومع تقدير حصول وقته لأنّه يلزم على هذا أن يقال بعدم لزوم الاجتناب عن الاناء المعلوم الابتلاء به فعلاً والاناء الآخر بعد ساعات مثلاً . الأوّل في أوّل الصبح والآخر في آخر العصر مع العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما ولا يمكن أن يلتزم بذلك .

فعلم ممّا سبق انه اذا كان أحد الأطراف خارجا عن محلّ الابتلاء فلا مانع من جريان الأصل النافي في الطرف الآخر المبتلى به فعلاً لعدم المعارضة . لكن سيّدنا الأستاذ قدس سره بعد أن سلّم الكبرى وهي لزوم استهجان الخطاب بالاجتناب في أحد الأطراف تنظر متوقفا في أمثلة سردها مرجحا في جميع ذلك عدم جريان الأصل النافي للزوم الاجتناب .

كما إذا يعلم بنجاسة هذا الاناء المملوك الموجود عنده أو ذاك المملوك لغيره الحاصل فيه المنع الشرعي من التصرّف .

وكما يعلم بأنّ هذه البنت الموجودة في هذا البلد ذات البعل رضيعته أو المرئة الفلانيّة في أقصى بلاد الهند الحاصل فيه البعد المكاني المستوجب لعدم القدرة العادية والابتلاء الفعلي .

ص: 64

وفي صورة علمه بنجاسة انائه المبتلى به في بيته أو التراب الموجود في السكّة الفلانيّة الحاصل فيه بعد الاحتياج إليه للتيمّم به أو السجود عليه . من جهة

ان المناط ان كان حصول القدرة العادية وامكان الابتلاء الحاصل ولو بالمعصية بالتصرّف في مال الغير في الأول . غاية الأمر يكون فيه النهي من جهتين . من جهة كونه مال الغير ومن جهة نجاسته ولا تزاحم بين الخطابين . وإن كان هو ارادة التصرّف فيه وفيما اذا لا يريد لا علم اجمالي منجزا فيلزم النقض السابق من لزوم اختصاص الخطابات بالمريدين .

فاذا لابدّ من الالتزام بعدم وجوب الاجتناب عن أحد الانائين المبتلى به الموجود في بيته فعلاً . المورد للعلم الاجمالي بنجاسته أو نجاسة آخر المطروح في الانبار غير المحتاج إليه فعلاً ومن جهة عدم استهجان في الخطاب باجتنب ولا تزوّج بالنسبة إلى المرئة الكائنة في أقصى بلاد الهند فانه فيها تعليقان . لو أردت التزويج وابتليت بها وفي هذه البنت في هذا البلد تعليق واحد لو أردت التزويج اذا ما أراد التزويج لكونه بالغا اول مراحل البلوغ في الثاني ومن جهة ادعاء عدم الالتزام بعدم لزوم الاجتناب من الاناء الموجود في بيته في الثالث المستبعد اتفاق الحاجة إلى طرفه الاخر الذي هو تراب السكة وأنت ترى انّنا صائرون مصير المناط . وهو لزوم امتثال الخطاب الفعلي إذا كان المورد معلوم الابتلاء تفصيلاً . فاذا كان كذلك فالتكليف فعلي وعليه الاجتناب عن أطرافه وإن لم يكن كذلك فلا علم بالتكليف الفعلي ويكون بالنسبة إلى الطرف المعلوم الابتلاء شكّا بدويّا فتجري البرائة عن التكليف الالزامي كما سلّم هو نفسه الكبرى . غاية الأمر التوقف في مقام التطبيق وهو لايضر بالكبرى اذا وجد مورد نطبق عليه وقد التزم

جريان الأصل في الطرف المبتلى به

ص: 65

شيخه الاستاذ في المانع الشرعي جريان أحكام المانع العقلي عليه .

هذا تمام الكلام في ضابط تأثير العلم الاجمالي بالنسبة إلى اشتراط القدرة العادية على موارد وضابط انحلاله .

أقول: هنا كلام في الاستدلال باطلاقات أدلّة المحرّمات في لزوم الاجتناب عن المشكوك الابتلاء به .

وهو أنا اذا اشترطنا في حسن توجه الخطاب إلى المكلّف كونه مقدورا فعليّا وكان الأحكام الشرعيّة على نحو محمولات القضايا الحقيقيّة اذا وجدت موضوعاتها في الخارج فتحمل الأحكام عليها . فلا يبقى مجال للتمسّك بالاطلاق عند الشكّ في حصول شرطه وكذا في حسنه حتّى يرد عليه الاشكالات السابقة من ان المخصّص هل هو من الضروريّات التي يلتفت إليها المكلّف عند توجه الخطاب إليه حتّى يخصصه ولا يدعه إلى المطلق ينعقد له ظهور في المورد المشكوك أم لا . وبعد ذلك يقع الاشكال في انّها من الشبهة الموضوعيّة أم المفهوميّة الخارج من المطلق عنوان ذو مراتب حتّى يكون التقييد عن قبيل تقييدات فيبقى المطلق بحاله بالنسبة إلى المرتبة المشكوكة كما ذكرت مفصلة .

الرابع من الشبهات: في ان ملاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة في ما اذا كان انائان وقع في أحدهما نجاسة هل هو بحكمهما أم لا .

ذكر سيّدنا الأستاذ عن شيخه الاية (1) في ملاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة . ان قلنا بالسراية فيجب الاجتناب وإلاّ فلا ووضّح ذلك بما إذا علمنا اجمالاً بمغصوبيّة أحدى الدارين أو بعدم ملكية احدى الشجرتين .

الرابع من الشبهات

ص: 66


1- . فوائد الأصول 4/67 وما بعده .

فان قلنا في الفرض بلزوم الاجتناب عن تناول ثمرة أحدى الشجرتين أو سكنى احدى الدارين فيجب في المقام أيضا اجتناب ملاقى أحد الأطراف .

واستشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره بأنّه كان ينبغي أن يجعل مسئلة الملاقى لأحد أطراف الشبهة أصلاً . واذا قال بوجوب الاجتناب يجعل حرمة تناول ثمرة احدى الشجرتين أو سكنى احدى الدارين متفرعا عليه لأنّ الكلام عليه أطبق وفيه أوضح .

وعلى أيّ حال فهل وجوب الاجتناب بشرب ما في الانائين من جهة

اشتباه ما في أحدهما بالآخر انه خمر أو ماء طاهر أو متنجس كما يقتضي عدم جواز شربهما يقتضي عدم جواز بيعهما وساير الآثار المترتبة عليهما أم لا ؟ لأن وجوب الاجتناب أمر تكليفي ولا تكليف في الوضعيّات . بل فيها ليس الا الصحّة والفساد ويترتّب عليهما حلّ التصرّف وأكل المال وعدمه . فيجوز على هذا بيع أحدهما ومقتضى اعتبار الماليّة والتمول في المبيع احراز ذلك قبل البيع . اما بعد البيع بالنسبة إلى أحدهما غافلاً عن احراز الشرط واعتبار البيع والنظر إلى انه أحد طرفي العلم أو لا مع الالتفات كما اذا حصل العلم بعد وقوع البيع . فهل تجري اصالة الصحّة لتصحيح البيع بناء على جريانها في كلّ ما شككنا في حصوله ممّا له دخل في تحقّق العقد صحيحا سواءً كان في المتبايعين من بلوغهما مثلاً أو في العوضين أو في الصيغة وهل مثلاً لقصد الانشاء أم لا . أو في خصوص بعض منهما سواء كان في عمل نفسه أو غيره . مثلاً باع ما في أحد الانائين وبعد البيع حصل له العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما والثمن موجود في يده . فهل يجوز أكل الثمن أم

ص: 67

لا . فان اللّه (1) إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه ( سواءً كان الجاري أي اصالة الصحّة هي قاعدة الفراغ أم أصلاً آخر ) ان سلم مدركه من الاشكال وصلح للاستناد إليه لا مانع من ذلك اذ الأصول الجارية في ظرف الشكّ في تحقّق البيع لبقاء العوضين بحالهما وعدم انتقالهما إلى المتبايعين محكومة باصالة الصحّة وجريانها إنّما يكون في مورد يكون من أوّل الأمر مشكوكا في تحقّق أحد شرايط البيع أو المبيع أو الثمن أو الطرفين ممّا هو دخيل في صحّة البيع شرطا أو جزءا وهنا ليس كذلك . وإلاّ فلا يبقى مورد لهذا الأصل والقاعدة وهذا بخلاف ما ذا باعهما معا أو باع الآخر بعد الأول .

ففي الأولى اصالة الصحّة في أحد الطرفين معارضة بها في الآخر لمكان العلم الاجمالي كليا وفي خصوص المورد المانع من جريان الأصلين . وذلك بعد الفراغ عن جريانها في الشبهة البدويّة وإلاّ فمن الأوّل لا يبقى مجال لمعارضة الأصلين وهو يعلم اجمالاً بأن البيع بالنسبة إلى هذا الاناء أو ذاك باطل لأنّه أكل المال بالباطل . فجزء من الثمن الذي وقع في يده مال صاحبه ولا أصل هناك يصحّح النقل وصحّة البيع بالنسبة إليه . وأمّا في الثانية فبعد وقوع بيع الثاني يحصل

له العلم كذلك وليس هناك إلاّ جريان الأصل النافي بلازمه في الطرف المبيع سابقا وهو اصالة الصحّة التي تصحح البيع الأول وبلازمه ينتفي كون النجس أو الخمر هذا الاناء المبيع . وان كان هذا الأصل مثبتا ولكنّه مرجعه إلى النافي . وإن قلنا بحجيّة ذلك وبانحلال العلم الاجمالي بجريان الأصل النافي في أحد أطرافه

ص: 68


1- . نقل عن السنن الكبرى 6/13 ومسند أحمد 1/247 - 392 والمستدرك 2 الباب 6 جواز بيع الزيت النجس ومستدرك الوسائل 13/2 دعائم الاسلام مع اختلاف في اللفظ .

فمجال لتصحيح المعاملة الثانية مطلقا لو وقعت بعد الأولى لو لا اشتراط احراز شرط المعاملة من كون المبيع متمولاً . والا ففي صورة الغفلة . ولكن قد ذكرنا سابقا ان العلم الاجمالي لا ينحل بالأصل النافي في أحد الأطراف وبعد وقوع المعاملتين يعلم البايع ببطلان أحديهما وعدم ملكيّته لأحد الثمنين ومعه كيف يمكن الالتزام بالانحلال هذا .

وكذا مثال الوضوء من الانائين المشتبهين نجسهما بطاهرهما مع قطع النظر عن الخبر الوارد(1) بأنّه يهريقهما ويتيمّم . فمقتضى القاعدة لو لا الخبر التمكن من الوضوء ولذا حمله بعض الأعلام على مورد لا يبلغ مقدار ما يتوضأ بهما ويتطهر بالثانية ) فانّه يعلم تفصيلاً بعد وصول الماء الثاني قبل انفصال الغسالة بنجاسة الموضع الواصل إليه الماء الثاني بعد الأوّل وبعد ذلك يشكّ في ارتفاع النجاسة بزوال الغسالة وانفصالها فيستصحب .

لا يقال في مثال اصالة الصحّة الجارية في أحد الطرفين المبيع وحده لا فرق بين هذه الصورة وبين ما اذا يريد أن يرتكب بعض الأطراف . فكما تقولون هنا بالجريان وصحّة البيع فهناك أيضا لا مانع من القول بالجواز .

فانه يقال لا مدخليّة للارادة في موضع التكليف هناك وإنّما موضوعه شرب النجس وهو فعل المكلّف فلا موجب للجواز بخلاف موضوع الصحّة هنا . فانّه البيع الواقع وهو لا يريد أن يبيع الطرف الآخر أو ما باعه ليتحقّق موضوع جريان أصل آخر فيه فيجري فيه الأصل بلا معارض . فيكون كالشبهة البدويّة بخلافه هناك فانه وإن ما أراد أن يشرب الآخر فأنّ التكليف فعلي والعلم موجود منجز

الفرق بين ما إذا باعهما معاً أو باع أحدهما بعد الآخر

ص: 69


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 64/2 من أبواب النجاسات .

مؤثّر بلا دخل لارادته في ذلك . ولكن التحقيق في المسئلة أن يقال من أوّل الأمر هو مسلوب السلطنة للعلم بعدم سلطانه على أحدهما من جهة نجاسته أو عدم قبوله الملكيّة ولا أصل قبل البيع يصحّح البيع والسلطنة على المبيع . فاذا لابدّ في

هذه الصورة ترتيب آثار المعلوم بالاجمال على كلّ من طرفيهما .

فالاجتناب عن أطراف الشبهة المحصورة بالنسبة إلى ملاقى أحد أطرافهما واجب .

بتصحيح كبرى وصغرى وجدانيّة . والكبرى هي ان كلّ ما للأصل من الآثار هل يتبعه الفرع في ذلك أم لا ؟ والصغرى هي ان المقام كذلك أي الملاقى يكون فرعا للملاقى فكلّ حكم ثبت للملاقَى يشمل الملاقِي . وبعبارة اخرى هل يسري كل ما للملاقَى إلى الملاقِي أم لا ؟ فاذا قلنا ان الملاقى باعتبار ملاقاته للماء المشكوك النجاسة في أحد الأطراف كانه صار طرفا للمعلوم بالاجمال من أوّل الأمر لنقله جزءا من ماء ملاقاه فيكون كما اذا بسط الماء المشكوك نجاسته المورد لعلم اجمالي بحصولها فيه أو في ماء آخر فان المبسوط عين الماءالسابق غاية الأمر حصل له صفة بسط .

فكلّ حكم ثبت للماء الاول يثبت لهذا الماء بل هو من أجزائه . واذا قلنا الملاقاة لها دخل في ذلك وانه جزء الموضوع . فعلى هذا يكون الملاقى نجاسته من النجاسات في عرض سايرها ولا يشمله الحكم المجعول لها لأنّها موضوع مستقل والملاقاة جزئه .

توضيح ذلك هو أن يقال تصور الفرع للأصل في موارد العلم الاجمالي لا يخرج عن صور ثلاث . إمّا أن يكون من قبيل منافع الدار يعني انتفاعها وإمّا أن

صور ثلاث في تصور الفرع للأصل

ص: 70

يكون من قبيل ثمرة الشجرة وإمّا أن يكون من قبيل الحمل للدابّة . فلنفرض حكم العلم التفصيلي بالاجتناب عن نفس الأصول في هذه الصور هل يسري إلى انتفاع الدار وثمرة الشجرة وحمل الدابّة أم لا ؟ وبعد ذلك نتكلّم في مورديّة أحدها للعلم الاجمالي .

فنقول: إذا كان من قبيل انتفاع الدار فلا شبهة في انه يشمله خطاب لا تصرف في الدار . بل التصرف في الدار أظهر مصاديقه الانتفاع بالسكونة فيها وكذا اذا نهى عن التصرّف في الشجرة يشمل غصن الشجرة وساقها يعني أجزائها ويشمل أيضا ثمرتها الموجودة غير المنفصلة عنها . وكذا في الدابّة فاذا استولى عليها فقد استولى على حملها على الاختلاف في جزئيّة الحمل لها أو كونها ظرفه واذا نهى عن التصرف فيها فيشمل حملها . فلا يمكنه اذا باع حملها مثلاً ان يعتذر عند المولى بأنّك نهيتني عن الدابة وما نهيتني عن الحمل وكذا نهيتني عن التصرّف في الشجرة لا التصرّف في الثمرة . فالخطاب الموجود في كلّ من هذه الثلاثة بعينه يسري إلى هذه الفروع الثلاثة ويجب الاجتناب عنها . غاية الأمر يختلف الحكم في باب الضمان بناءً على عدم ضمان المنافع غير المستوفاة . فاذا قفل الدار وما سكن فيها ولا اسكنها غيره أو فعل بالدابّة ما أخرجها عن قابليّة الحمل . أو بالبستان وأشجارها بحيث ما أفادت ما كان من شأنها افادته وعند غصب الغنم كان سمينا وعنده زال سمنها وهو ما استوفاه بخلاف التي ما دخلت تحت يده العادية كالمنافع التي تفيدها هذه الأشياء بعد عشر سنين أو التي استوفاها . فان في الأوّل لا اشكال في عدم لزوم الاجتناب وعدم الخطاب لعدم الموضوع . وفي الثاني يضمنها لأنّها داخلة تحت اليد وهي مستولية عليها . لكن الانصاف ان ثمرة

ص: 71

الشجرة الموجودة وحمل الدابّة وإن كانتا تابعتين في الوجود . الا انّه لا تابعيّة لهما في الحكم . بل لهما حكم مستقل نظير المنفصل منهما . فالنهي التفصيلي عن تصرّف الشجرة أو الدابّة لا يشملهما فلا يفيد في مورد العلم الاجمالي بحرمة التصرّف في احدى الشجرتين أو الدابتين وسراية الحرمة إلى حمل أحدهما أو ثمرته .

هذا في الموجود منهما وأمّا المعدوم غير الحاصل فلا اشكال في عدم خطاب فعلي له لأنّه لا اشكال في اشتراط الحكم بوجود الموضوع . فالحكم على الموضوع المعدوم لا يكون فعليّا . فلو فرض انا قبلنا ذلك هنا وسلّمنا سراية النهي إلى الفرعين وحصل العلم الاجمالي إمّا بحرمة هذا أو بحرمة الحاصل بعد عشر سنين فالعلم ليس علما بالحكم المنجز لأن أحد طرفي العلم بعد ما وجد . وهذا بخلاف منافع الدار يعني انتفاعها . فاذا علمنا بغصبيّة هذه الدار أو تلك فلا جرم نعلم بحرمة سكونة احداهما أيضا لسراية الخطاب التفصيلي بالحرمة إلى الانتفاع منها بالسكونة ونحوها .

وقد علم ممّا ذكرنا ان هذه الفروع الثلاثة وتنقيح البحث فيها لا ربط لها بمسئلة الملاقى لأن هذه الصور الثلاث شيء ومسئلة الملاقى والملاقى شيء آخر .

هذا حاصل ما أفاده سيّدنا الأستاذ قدس سره في المقام تقرير(1) البحث شيخه المحقّق .

واشكالاً عليه وفي المقام مجال للكلام وأورد الاشكال وقرّره ببيان آخر .

ص: 72


1- . فوائد الأصول 4/73 وما بعده .

اعلم انّه لا اشكال في ان الحكم تابع لموضوعه وجودا أو عدما ويستحيل تخلف الحكم عن الموضوع كما يستحيل تقدّمه عليه فاذا وجد خارجا يعرضه الحكم خارجا واذا لم يكن الموضوع موجودا خارجا فعلى نحو الفرض والتعليق وبالجملة الحكم يسير سير الحكم في أي وعاء من الأوعية الوجودية حقيقة واعتبارا . فاذا كان كذلك فما لم يوجد الموضوع في الخارج لم يكن حكم تفصيلاً واذا فرض ان الموضوع الكذائي وقع طرفا للعلم فلا ينعقد العلم مؤثّرا وليس علما بالتكليف الفعلي المنجز . ففي مورد الثمرة والشجرة اذا كانت الثمرة موجودة فالعلم بحرمة التصرّف حاصل ويؤثّر اذا كانت الثمرة موردا للعلم الاجمالي متعلّق بها أو شجرة اخرى فيجب الاجتناب بخلاف الثمرة المعدومة فاذا كانت ثمرة من احدى الشجرتين المشتبهتين في مورد العلم الاجمالي ولم تكن للاخرى ولكنها تثمر بعد حين أو سنين . فالآن لا علم بالتكليف الفعلي بالنسبة إلى هذه الثمرة الموجودة وتابعيتها الشجرة في الوجود لا تستلزم تابعيتها في الحكم بحيث يكون خطاب الشجرة خطابها خصوصا في النواهي الشرعيّة في باب المحرّمات . فانه قلّ مورد يكون ويكون الحكم فيه على صرف الوجود . بل لا يكاد يتفق الا والحكم على نحو مطلق الوجود أي منطبق على جميع أفراد الموضوع . وكلّ ما وجد في الخارج فردا له وهو ( أي الاستاذ المرحوم ) يلتزم بهذا فاذا جاء خطاب بحرمة التصرّف في الحيوان الخارجي فهذا الخطاب ينحل إلى خطابات عديدة حسب امكان تعدّد أجزاء الحيوان . وإن كان الحيوان في الخارج شيئا واحدا ولكنه مجمع لأجزاء كثيرة على كلّ جزء خطاب . كما اذا قال لا تصرف في مال الغير فبالنسبة إلى كلّ شخص خطاب كما انه بالنسبة إلى كلّ نوع وصنف شخص

تقرير الاشكال ببيان آخر

ص: 73

من أموال الغير الخطاب موجود لا بنحو التبعيّة ولا في جانب الامتثال وكذلك في جانب الحيوان بالنسبة إلى ما بطنه .

فان تابعيّته لوجود أمّه لا تستلزم تابعيته لخطابها . بل إذا كان موضوعا فعليه خطاب مستقل وإذا لم يمكن فلا شيء . فاذاً لا يمكننا تصحيح خطاب التبعيّة بالنسبة إلى حمل الحيوان وثمرة الشجرة المتّصلة .

نعم النهي عن التصرّف في الغنم نهي عن التصرّف في صوفه ولبنه .

فهذه المقدّمة التي مهّدها الاستاذ المحقّق أعلى اللّه مقامه لبيان لزوم الاجتناب عن الملاقي وعدمه غير محتاج إليها ولا ربط لها باصل المسألة فلابدّ أن نرجع إليها ونتكلّم عليها .

أمّا على القول بالسراية وهي عبارة عن انتقال جزء من أجزاء الموضوع

مكانا فلا ريب ان الحكم تبع له وكلّما يروح هو يتبعه ذلك . فاذا فرضنا مثلاً نجاسة مسرية بحيث اذا باشرها شيء تؤثّر فيه . فاذا وقع عليه طرف العبائة أو صببنا جزءا منها عليها فانتقل هذا الجزء من مكانه الأولى إلى هذا المكان . ولا ريب ان حكمه معه فالآن يجب لنا معاملة هذا الطرف من العبائة معاملة أصل النجاسة لا من باب الموضوعيّة . بل لأن الموضوع هنا موجود والخطاب عليه . فاذا يكون خطاب الملاقِي عين خطاب الملاقى ولا شيء يعد بجنبه . غاية الأمر كان أولا مجتمعا فصار متفرقا أو منبسطا . فاذا عدم النجاسة من العبائة فالحكم أيضا يسقط ويرتفع لعدم الموضوع كما اذا لاقاها قطرة بول فجفت فما دامت رطبة وبها وجودها فالحكم موجود والا فالحكم يرتفع(1) كما انه تقدم . فاذا كان كذلك فلو

ص: 74


1- . لكن المحل متنجّس لا يطهر بجفاف القطرة .

كانت النجاسة مشتبهة بين ما يعين ولم تعلم بعينها فالحكم بوجوب الاجتناب موجود غاية الأمر لعدم تعين موضوعه .

يحكم العقل بلزوم الاجتناب عن كليهما من باب انحصار طريق الامتثال لهذا الخطاب والتكليف عنده بهذا . والآن شرايط وجود العلم بالتكليف موجودة محقّقة . فلا مؤمّن له . فيلزمه الامتثال بهذا النحو . فاذا وقعت قطرة من أحد الطرفين على العبائة أو وصلت إلى أحدهما فانتقل جزء من أجزاء أحد المايعين المشكوك في حدّ نفسه طهارة ونجاسة فالحكم الذي كان عليه قبل الانتقال طارئ عليه ودائر معه ويلازمه أينما وقع .

فلابدّ حينئذٍ الاجتناب عن ملاقِى أحد الأطراف في الشبهة المحصورة لتوقف حصول العلم بامتثال التكليف الاجتنابي عن النجس المعلوم في البين بهذا فاذا ما اجتنب عن هذه القطرة المصيبة للعبائة واجتنب عن ساير القطرات في كلّ الانائين من المايعين فما امتثل التكليف علما ولا مؤمّن له . فكما كان يلزمه العقل في كلّ من الطرفين قبل الانتقال فالآن يلزمه بالاجتناب عن ثلاثة أطراف . وعلى هذا فيجب الاجتناب عن كلّ ما لاقى أحد الأطراف على الشرايط المعتبرة في الملاقاة على هذا المبنى .

في نجاسة ملاقى النجس على نحو السراية وجهان:

أحدهما: السراية الموضوعيّة وقد تقدّم بيانها لأنّه يلزمهم الالتزام بتبعيّة الحكم للموضوع فاذا افتقد الموضوع أو جفّ مثلاً فلا(1) يجب الاجتناب لأن الأثر الباقي مثلاً ليس من النجاسات حتّى يقال بلزوم الاجتناب عنه .

النتيجة على السراية وغيرها

ص: 75


1- . تقدّم الاشارة إلى بقاء التنجس .

والثاني: هو السراية الحكميّة وهي ان يحدث الحكم بلزوم الاجتناب عن تمام الماء الملاقى للنجاسة بملاقاة أحد سطوحه فيحدث الحكم ويثبت الالزام باجتناب جميع السطوح وإن كان غير الملاقِى منها ملاقيا للملاقى بسطحه المخالف الغير الملاقى للنجاسة وإن كان موضوعات متعدّدة وسطوح مختلفة . لكن لمكان أن العرف يرى جميعها في المايعات واحدا يسري حكم بعض السطوح أي الملاقى منها للنجاسة إلى ساير السطوح غير الملاقية .

أو لأنّ السطوح الباقية تلاقي السطح الملاقِى . فعلى المبنى الاؤل يعني السراية الموضوعيّة في باب تنجّس الملاقى لو كان الملاقِى لاقى أحد أطراف العلم يعني المعلوم الملاقاة لو قلنا بوجوب الاجتناب عن الملاقِى للنجس كما يجب الاجتناب عنه نفسه لأنّ الملاقى ينجّس كما ان النجس ينجّس .

إذ لاقى أحد أطراف العلم بالنجاسة فيجب بمقتضى الالزام العقلي الاجتناب عن الملاقى وهذا ظاهر لان حكم هذا الملاقِى حكم الملاقى وفي عرضه ولا ترتيب بينهما . غاية الأمر كان مجتمعا فصار متفرقا فكما يروح الموضوع الحكم يتبعه ويقفوه .

وأمّا على السراية الحكميّة . فلان بملاقاة أحد السطوح وجب الاجتناب عن جميعها . أمّا لحصول قذارة في جميعها أو لحصول حالة فيها أو لشيء لا نعلمه كما لا نعلم الاولين أيضا .

فظاهر . لكن في الملاقاة التفصيليّة يعني بملاقاة الملاقِى للنجس المعلوم أو بملاقاة نفس النجس المعلوم تفصيلاً في كلتا الصورتين أمّا إذا كانت النجاسة محصورة بين أطراف أو المتنجس بالنجاسة كذلك فبملاقاة أحد الأطراف لا نعلم

ص: 76

ذلك ولا يكون كالمبنى الأوّل حتى يكون الملاقِى في عرض الملاقَى لأنّ النجس أو المتنجس انتقل بل في طول الأوّل . فلو كان في الواقع لاقَى المتنجس أو النجس فالآن الحكم موجود . وإلاّ فلو كان الملاقَى هوالطرف الآخر غير النجس أو المتنجس فلا علم بالتكليف .

وهذا كما يكون من أوّل الأمر جعل الشارع الملاقاة تمام الموضوع لوجوب الاجتناب عن الملاقى جعلاً موضوعيّا بلا سراية موضوعيّة أو حكميّة والمبنى الآخر في المسألة كانه جعل النجاسات مثلاً مزيدا فيها واحد وهو الملاقى لأحدها على الشرايط بخلاف الصورة الاولى فانه يكون لزوم الاجتناب عن الملاقِي في التفصيلي عقليّا بلا خطاب مولويّ . كما انه في صورة العلم الاجمالي يكون من باب المقدمة العقليّة . فانه لا يحصل الاجتناب عن النجس الواقعي في البين الا بالاجتناب عن جميع أطراف العلم أوّلاً والملاقِي وعلى هذا فيكون الملاقي لأحد الأطراف في الشبهة المحصورة مشكوك النجاسة . لأنا نعلم الملاقاة بالوجدان لكن لا علم منا بتعلّقها بالنجس . فان الملاقاة للنجس تمام الموضوع فالآن موضوعيّة هذا الملاقى مشكوك فالشكّ في الحكم فيصير شبهة بدويّة طوليّا بالنسبة إلى الأطراف فتجري فيه الأصول بلا معارضة لطرف من أطراف العلم والمعارضة في الأصول انما هي بين الأطراف . لأن نجاسة هذاالملاقى مسبّبة عن نجاسة الملاقى فالشكّ يكون من الشك السببي والمسببي . فاذا جرى في السبب لا يجري في المسبب .

والفرض ان الأصل في السبب وهو الملاقًى ساقط لمكان المعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر المتحققة بالعلم بنجاسة أحدهما فيتساقطان .

ص: 77

فتصل النوبة إلى أصل الملاقي ويكون مجال لجريانه بلا معارض ولا حاكم . فلا التفات إلى تثليث العلم بتقريب أن يقال لنا ثلاثة علوم بعد الملاقاة لأحد الأطراف . علم بنجاسة الملاقِي أو الملاقِى وآخر بنجاسة الملاقِي والطرف الآخر وآخر بنجاسة الطرف والملاقِي والملاقَى معا . فيجب بمقتضى العلوم الثلاثة الاجتناب عن ثلاثتها .

وذلك لان العلم الثاني وهو المتعلّق بنجاسة الملاقَى والطرف الآخر قد انعقد تفصيلاً فبمقتضاه يجب الاجتناب عن طرفيه فلا أثر للعلمين الآخرين بعد العلم بوجوب الاجتناب عن الطرفين بعد العلم الأوّل والثالث أو قبلهما أو أحدهما لعدم الأثر في بعض اذا كان قبلهما والانحلال في آخر كما في الباقي بجريان الأصل المثبت في غير الملاقى بناءً على انحلال العلم الاجمالي بجريان المثبت .

اذا كان أصلاً عقليّا . فلا علم له بالتكليف على هذا المبنى . لأن العلم ليس علما بالتكليف . فانه لو كان الملاقى هو النجس فيجب الاجتناب ولو كان غيره فلا وجوب الا بعد الملاقاة على نحو التعليق . فالعلم ليس علما بالتكليف الفعلي المؤثّر لزوم الاجتناب بخلاف السراية . فانّه يجب الاجتناب عن الملاقِى ووجوبه في عرض وجوب الملاقَى بلا فرق بين أخذ بعض الأطراف وعدمه وخروجه بعد العلم عن مورد الابتلاء وعدمه . وذلك لتحقّق التكليف المنجز المؤثّر . فلو كان بعد الفقد غير المفقود الباقي هو النجس أو المتنجس . والفرض ان المولى يطلب الاجتناب عنه في ظرف الشكّ كما كان قبل الافتقاد لذلك البعض . فالآن هو ملزم بالاجتناب عن هذا الطرف الباقي كصورة الاضطرار إلى ارتكاب طرفه الآخر . ولو كان الاضطرار ابتداءً متعلّقا به حتّى يكون اضطرارا على المعين . فانه لو كان

ص: 78

الباقي هو النجس فالمولى يطلبه الا أن يرفع الحكم أو يبدل الموضوع . ولذا ما فرق المرحوم صاحب الكفاية بين لزوم الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة .

فانّه لا يمكن أن يطلبه فعلاً حتّى في ظرف الشكّ ويرخص في الترك على خلاف مذهب الشيخ العلاّمة قدس سره بالفرق بينهما بالالتزام بحرمة المخالفة القطعيّة وعدم لزوم الموافقة القطعيّة . وإذا كان المستفاد من الأدلّة هو الموضوعيّة للملاقاة . فاذا لاقَى أحد الأطراف نشكّ في ثبوت تكليف ابتدائي للملاقى فيشمله أدلّة الطهارة والبرائة وغير ذلك . والأدلّة التي أقاموها على استفادة الموضوعيّة بالسراية على خلاف مطلوبهم ادل من آية « والرجز فاهجر »(1) وخير الفارة المروي(2) عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر علیه السلام انه أتاه رجل فقال له وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله . فقال أبو جعفر علیه السلام: لا تأكله . فقال الرجل الفارة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها . فقال له أبو جعفر علیه السلام انك لم تستخفّ بالفارة وإنّما استخففت بدينك . انّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء ( لأنّه لا معنى هنا للسراية خصوصا بنحو الموضوعيّة ) بل الظاهر منها ومن نحو(3) اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ومن نحو اذا كان(4) الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء . المفهوم منه اذا لم يكن كرا ينجسه شيء . ومعلوم ان ذلك يحصل ويكون بالملاقاة هو الموضوعيّة للملاقاة حتى يكون الملاقى لأحد النجاسات وكذا للمتنجسات بناء على استفادة ذلك من الأدلّة هو

الفرق بين مذهب الشيخ والمحقّق الخراسانى

ص: 79


1- . سورة المدثّر: 6 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 5/2 من أبواب الماء المضاف .
3- . وسائل الشيعة 3 الباب 8/3 من أبواب النجاسات .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/1 - 2 - 4 - 5 - 6 .

واجب الاجتناب بلا دخل لانتقال الأجزاء النجسة سراية . فظهر ان المستفاد من الأدلّة ظاهرا هو كون نجاسة الملاقي بحسب جعل الشارع لا بنحو التبعيّة بلا جعل .

تنبيه: لا يخفى ان ما ذكرنا من تنظير السراية الحكميّة بالملاقاة كانّه مستنبط من كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره وسئلناه عن تفصيل ذلك وانه كيف يكون حكم ملاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة بناء على السراية الحكميّة فاجمل الجواب وقد أفاد في وجه تنجس المتنجسات ان العرف مثلاً يرى الماء الملاقى لبعض أجزاء النجس شيئا واحدا بخلاف مثل الجوامد وإن كان في الحقيقة القطرة الواقعة في الاناء ما لاقى الا أحد أجزاء الماء الموجود فيه وان كان هذا الجزء ملاقيا بسطوحه الآخر سطوحا متقاربة من أجزاء المياه الباقية . وهكذا لو استهلك القطرة الواقعة في أقل من الكرّ بحقّة مثلاً عدمت فيه بل لو تجزئته لاخر جناها منه .

وعلى أيّ يلزم على المبنيين في وجه نجاسة المتنجس اشكالات مذكورة في بابها فلتطلب من هناك . وانما في المقام اشارة اجماليّة والمهم هو البحث في المسألة من جهتها الأصوليّة . وخلاصة الكلام وزبدة المرام انه على القول بالسراية الموضوعيّة يكون وجوب الاجتناب عن ملاقِى أحد أطراف الشبهة عقليّا لعين وجوب الاجتناب عن الأطراف انفسها من باب المقدمة العلميّة لامتثال النجس المعلوم في البين ولا حكم للشارع مستقلاً هنا على الملاقِى . غاية الأمر أحد أجزاء أحد الأطراف انتقل مثلاً إلى الماء الملاقى لأحد الأطراف ولمكان مجهوليته يلزم الاجتناب عن تمام أجزائه لتوقف الامتثال والاجتناب عن الجزء المنتقل على ذلك .

ص: 80

وهذا بخلاف ما لو قلنا بالملاقاة . فانه على هذا يكون الملاقاة جزء الموضوع وجزئه الآخر تعلّق الملاقاة بالنجس الواقعي . فاذا لاقى الملاقى أحد الأطراف فالملاقاة حاصلة بالوجدان لكنها ليست تمام الموضوع . بل الملاقى للنجس واجب الاجتناب بحكم الشارع وجعله موضوعا مستقلاًّ ذا حكم وهو الاجتناب في عرض ساير النجاسات . فاذا حصلت الملاقاة لأحد الأطراف فجزء الموضوع محقق ولا علم وجدانا ولا تعبداً هنا بجزئه الآخر . فالشكّ في تحقّق الموضوع المستتبع للشكّ في الحكم فيبقى موضوعا مستقلاًّ مشكوكا من أوّل الأمر فتجري فيه الأصول الموضوعيّة أو الحكميّة . وعلى هذا فلا ينفع فيه كون الشكّ في نجاسة الملاقِي مسببا عن الشكّ في نجاسة الملاقَى واذا جرى الأصل في جانب السبب فلا يجري في جانب المسبب . بل جريان الأصل فيه إنّما يكون بعد تساقط الأصلين الجاري أحدهما في السبب أي ( الملاقَى ) والآخر الجاري في طرف الملاقِي .

وفي المقام يكون الأمر كذلك . اذ مثلاً استصحاب الطهارة أو قاعدة الطهارة الجارية في طرف الملاقِي محكومة بجريان الاستصحاب أو القاعدة في الملاقَى المعارض مع الطرف الآخر المتساقطتين وهو أي ( المرحوم النائيني ) مذهبه كما سبق في الانحلال بالأصل النافي . مع انا استشكلنا عليه بعدم الانحلال بالمنافي وإن لم يكن له معارض لأن العلم باقٍ وجدانا وقد مضى في محلّه . لكن الكلام هنا على تسليم الكبرى وكون المورد صغرى مع انه لا يكون صغرى أيضا كما بيّن في السطور الآتية ان الأصل الجاري في أحد الأطراف يعارض ما هو المجعول في الطرف الآخر مع مفاده سواء كان استصحابا أو قاعدة . فاذا كان في أحد الأطراف

حكم ملاقى أحد أطراف النجس اجمالاً

ص: 81

مثلاً تجري قاعدة الطهارة لأنّه من أوّل الأمر كان مشكوك الطهارة وفي الطرف الآخر تجري هي والاستصحاب أيضا لمكان العلم السابق بطهارته فلا مجال لحكومة الاستصحاب في الفرض على القاعدة . فاذا تساقط الاستصحاب والقاعدة في الطرف الآخر تصير القاعدة في المستصحب جارية بلا معارض ولا حاكم لأن القاعدة في الطرف تعارض ما هو مفاد المجعول في الطرف المستصحب الطهارة فيسقط الاستصحاب والقاعدة في عرض واحد لمعارضة القاعدة في ذلك الطرف فليكن المقام كذلك . فيكون الأصل الجاري في الطرف يعارض الأصل الجاري في الملاقَى والملاقِي معا . يعنى يعارض مفاد الأصل الجاري في هذه الناحية سواءً كان حكميا أو موضوعيّا فتسقط الأصول جميعا في عرض واحد . والعلم باقٍ على حاله فيجب الاجتناب عن الملاقِي والملاقَى وطرفه لأن المولى اما أن يتصرف في الشكّ أو يحكم في ظرفه .

وعلى كلّ فاذا فعل في أحد الأطراف بالطهارة ففي الطرف الآخر لا يمكنه الحكم بها لمكان العلم . وذلك لأنّا بيّنا ان الملاقِى بناء على موضوعيّة الملاقاة موضوع مستقل نشكّ ابتداءً في تنجسه . فكما ان العلم الاجمالي بين الانائين اللذين في أحدهما بول وفي الآخر ماء لا ينفع في وجوب الاجتناب عن اناء آخر نشك انه اصابه دم أم لا . فكذا هنا لأنه موضوع وموضوع وحكم أحدهما لا يسري إلى الآخر بل له حكم مستقل يترتب عليه اذا احرزناه . فاذا شككنا في وجود الموضوع كما هنا فالشكّ يكون في الحكم . فيكون الملاقي جاريا فيه الأصل الموضوعي أو الحكمي بلا طرفيته للعلم الاجمالي ولا للطرف .

أقول: هنا كلام ذكره بعض حاضري البحث من الفضلاء وهو انه اذا قلتم في

ص: 82

مورد العلم الاجمالي بوجوب الاجتناب عن أطرافه عقلاً . فهل يكون معنى وجوب الاجتناب هذا الا اذا أصاب أحد أطرافه موضعا نتجنب عنه كما اذا كان المعلوم في البين بولاً ويجب الاجتناب عن شرب الطرفين مقدمة لترك الشرب المحرّم المتعلّق بالبول . وذلك كما في الاستصحاب فاذا جرى الاستصحاب الموضوعي أو الحكمي في شيء مثلاً كان الشيء الفلاني سابقا نجسا والآن نشكّ فيجري الاستصحاب فهل معنى فائدة لجريان الاستصحاب هنا الا ترتيب الآثار المترتّبة على النجس الواقعي المحرز بالوجدان وهذا لا يناسب عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى لأن الاجتناب عن الملاقى بحكم العقل مقدمة وطريقيا هو الاجتناب عن ملاقيه في ( الطهارة ) والنجاسة وعن شربه في الأكل والشرب وعن عدم التوضؤ به وعدم استعماله في رفع خبث مثلاً به .

قلت: يمكن أن يفرق بين الملاقِي والملاقَى بأن الملاقَى يحتمل أن يكون هو النجس الواقعي فاذا تركنا الاجتناب عنه وباشرناه في الأكل والشرب فعلنا حراما ولا يمكن أن يرفع به الحدث والخبث لأنّهما بالماء الطاهر . وهذا ليس محرز الطهارة وفي كلّ ذلك لا مؤمّن لنا في ارتكابه بخلاف الملاقِي فانه ليس طرفا للعلم بل نحتمل مصادفته الحرام الواقعي في البين وعلى تقدير المصادفة يحدث لنا تكليف بالاجتناب عنه نفسه وهو مشكوك بدوا . فيجري الأصول الموضوعيّة والحكميّة فيه بالنسبة إلى التكليف والوضع ولا مانع من استعماله وأكله حتّى في ما إذا كان الاستعمال أو الأكل مشروطا بالطهارة محرزة . كما اذا علمنا من أوّل الأمر انه أصاب هذا الاناء إمّا ماء أو بول فانه لا علم لنا بالتكليف فيكون كما هنا .

الفرق بين الملاقي والملاقى

ص: 83

وهنا اشكال . وهو ان في صورة ملاقاة الملاقِي أحد أطراف العلم الاجمالي بنجاسة ما في أحدهما بعد حصول النجاسة وإن كان الشكّ وجدانا في تعلّق تكليف ابتدائي به من حيث ان الملاقِى بناء على الموضوعيّة موضوع في جنب ساير الموضوعات وعليه حكم مستقل مجعول شرعي . لكن في المقام لنا ثلاثة علوم وجدانا يعني بعد أن لاقى الملاقِى أحد الأطراف وكان فيها نجس أو متنجس والا فاذا لاقاها جميعا فضلاً عن أحدها قبل حصول النجاسة في أحدها وإن كان يعلم تفصيلاً وبعد الملاقاة تنجس أحدها فلا أثر ولا تنجس . وهذه العلوم علم اجمالي بنجاسة الملاقَى أو الطرف وهذا هو العلم الأصيل في هذا الباب وعلم اجمالي بنجاسة الملاقِي أو الطرف لأن قطرة الدم الواقعة في أحدهما إمّا أن لاقت نفس الطرف فهو تنجس أو لاقى الملاقَى فبالملاقاة يتنجس الملاقِي والثالث علم اجمالي بنجاسة الملاقِي والملاقَى معا أو الطرف ولا مجال لانكار أحد من العلوم الثلاثة . والآن علم مؤثر منجز فعلى . فمن باب المقدمة العلميّة يجب الاجتناب عن الملاقِي أيضا في الصورتين اللتين هو أحد طرفيهما لتساقط أصله وأطرافه بالمعارضة .

وجوابه مبتنى على مقدمة قد مرّت في الأبحاث السابقة الا انه لا بأس بالاشارة إليها وهي انا اذا فرضنا ان نجاسة اناء معلومة عندنا تفصيلاً بأحد أسبابه العلم الشرعي منها أو العقلي وبعد ذلك وقعت نجاسة اما فيه مثلاً أو في اناء طاهر بأحد أسبابها فبالنسبة إلى الاناء الطاهر يكون شكا بدويا فيصير مجرى البرائة والاستصحاب وهذا ظاهر . لأنّه اذا وقعت النجاسة في ذلك الاناء الذي كان واجب الاجتناب سابقا والفرض انها من سنخ تلك النجاسة السابقة فلا يؤثّر شيئا

ص: 84

وان وقعت في هذا الطاهر .

فالآن هو نجس ولمكان العلم التفصيلي بنجاسة الاناء المتنجس واحتمال وقوع هذه القطرة فيه نشك في نجاسة هذا الاناء الطاهر شكّا بدويّا فيجري فيه الأصل بلا معارض من الطرف الآخر . وهذا العلم وان كان علما الا انه ليس علما بالتكليف زائدا على السابق . غاية الأمر اذا علمنا بوقوع القطرة بعد العلم بنجاسة الاناء فالعلم الثاني لا يؤثّر واذا كان بالعكس بعد حصول العلم الثاني يعني الالتفات إلى نجاسة الاناء سابقا على العلم الأول ينحل هذا العلم . وكلا الوجهين متّحدان نتيجة . لان المناط بالمعلوم لا العلم . فاذا كان المعلوم سابقا والعلم به بعد

العلم الاجمالي الحاصل فلا أثر لهذا الحاصل اذا علمنا بالمعلوم سابقا . وإذا كان المعلوم لاحقا والملاقاة سابقة وعلمنا بها فلا أثر أصلاً . فالمناط بالمعلوم فاذا كان

ظرفه قبل ظرف الملاقاة فمفيد وإن كان العلم به بعد العلم بالملاقاة وإن لم يكن فلا فائدة فيه ولا فرق بين العلم بنجاسة ذاك المتنجس وجدانا أو بجريان استصحاب أو قيام امارة شرعيّة أو أصل عقلي فان الأصل العقلي لو كان موجبا لاجتناب هذا الاناء مثل انه كان موردا لعلم اجمالي سابق باصابته النجاسة أو اناء آخر ففي كلّ هذه الموارد اذا حصل لنا بعد طرف معلوم . بعد ذاك العلم التفصيلي فلا يؤثر لأنّه يصير شكّا في التكليف فتجري الأصول بلا معارض في الطرف غير المعلوم تفصيلاً لزوم الاجتناب عنه .

اذا تمهّدت هذه المقدّمة فنقول ان المقام من هذا القبيل للزوم الاجتناب عن غير الملاقى من أطرافه فلا تنجز بالنسبة إليه .

وخلاصة الكلام: انا اذا قلنا بأن جريان الأصل المثبت في أحد أطراف

المناط بالمعلوم لا العلم

ص: 85

العلم الاجمالي يوجب انحلال العلم وكون العلم بالنسبة إلى الطرف الاخر شكّا بدويّا وإن كان هذا المثبت أصلاً عقليّا . فهذا الاشكال لا يتوجه علينا لأن في الصورتين الأخيرتين وهي صورة العلم بنجاسة الملاقِى أو الطرف وصورة العلم بنجاسة الطرف أو الملاقىِ والملاقَى . أحد الطرفين يجري فيه الأصل المثبت الموجب لزوم الاجتناب عنه وهو في المقامين العلم الاجمالي السابق . ففي الصورة الأولى الطرف واجب الاجتناب وفي الثانية هو والملاقى ففيهما يكون في الملاقى شكّا في التكليف فيجري فيه الأصل النافي بلا معارضة للنافية في الملاقى والطرف لتساقطهما قبل ذلك فالاجتناب عن الملاقى غير لازم .

وهذه الصور للعلم الاجمالي لا تفيد الا الاولى منها وهي التي لا مثبت جاريا في أحد أطرافها فتصير الأصول متساقطة ويجب الاجتناب عنها .

توضيح وتبيين: بعد ما تبيّن ممّا ذكرنا اشتراط اتّحاد رتبة الملاقَى وزمانه لرتبة الملاقى وزمانه في طرفيّته للعلم حتى يصير أصله في ظرف أصله فيسقط كما يسقط هو . والا فيجري أصل الملاقى بلا معارض ويكون الشبهة فيه بدوية لا مجال للاشكال بأنّه وإن سلّمنا في الفرض السابق ( أو مع قطع النظر عنه ) ان رتبة الملاقى متأخّرة عن الملاقَى وطرفه وجريان الأصل المثبت في الصورتين صار موجبا لانحلال العلم وصيرورة الملاقِى مشتبها بدويّا الا انه يمكن تصوير العلم الاجمالي بنحو آخر مؤثّرا منجزا وهو أن يقال ان الملاقاة وان سلّمنا انها جزء الموضوع المستقل وليست على حد السراية الموضوعيّة والحكميّة الا انه إذا لاقى الملاقى مثلاً متنجسّا يتنجس الملاقى بنفس ما نجس المتنجس كما في مثال الانائين اللذين أصابت أحدهما النجاسة وفيهما الماء فان

ص: 86

النجاسة ابتداء تصيب الماء الا ان الكأس لمكان ملاقاته للماء الموجود يتنجس لا بسبب آخر غير النجاسة الواقعة في مائه بل ينجس ذلك ولذا لو قسمنا ماء أحد الانائين المشتبهين في انائين يجب الاجتناب عن هذا الاناء الثالث بمائه وليس ذلك إلاّ أن تأثير السبب المؤثّر في الاجتناب عن الانائين الأولين كتأثيره في هذا الثالث وفي عرضه ولا سببيته ولا مسببته في البين .

فعلى هذا يصير الملاقى لأحد أطراف الشبهة داخلاً في أطرافها لأن الفرض انه لو لاقي المتنجس الواقع في البين يتنجس بنفس النجاسة المنجسة لهذا المتنجس فيكون في عرضه فيسقط أصله في الصورتين السابقتين ويصير طرفا ويلزم الاجتناب عنه أيضا من باب المقدّمة العلميّة . والتأخّر الزماني لا يعدد السبب بل هو على وحدته باقٍ فيصير نظير ما اذا لاقى بعض أطراف الشبهة اناءً وبعضها الآخر اليد فيحدث لنا علم اجمالي في هذين الملاقيين لأطراف الشبهة .

اما هذه اليد لاقت المتنجس فتنجست أو ذاك الاناء أو العباء والمفروض ان العباء لاقى بعضا واليد بعضها الآخر فاصابة المتنجس الواقعي في البين معلوم غاية الأمر مصيبه مشتبه بين اليد والعباء وهذا العلم الاجمالي لا ربط بالعلم الاجمالي السابق بين الانائين .

لأنه اذا جفّ ماء الانائين أيضا يكون هذا العلم بحاله ولا يؤثّر فيه لأنّه بالملاقاة والترتيب في زمان حصول النجاسة . لكن السبب في كليهما واحد لأن النجاسة المشتبهة من العباء أو اليد بنفس النجاسة المنجسة لماء أحد الانائين المشتبهين فيكون الأصلان بالنسبة إلى نفس الملاقيين متعارضين بلا ربط للعلم السابق بهما ولا تعارض بينهما وبين الأصلين الجاريين المتعارضين في الانائين

الملاقى لأحد الأطراف داخل في الأطراف

ص: 87

فيكون في وجوب الاجتناب عنهما كما اذا قسمنا ماء أحد الانائين نصفين فوجوب الاجتناب عن هذا الاناء الثالث ليس وجوبا غير ذاك الوجوب السابق لأن السبب وان كان واحدا ان لاقى الملاقى لأحد أطراف الماء أو الاناء المتنجس يتنجس بنفس ما تنجس الاناء أو الماء .

الا ان العلم الاجمالي السابق المتعلّق بنجاسة أحد الانائين الموجب عقلاً من باب المقدّمة للاجتناب عن كلا الانائين يوجب انحلال هذا العلم المتعلّق بأحد الأطراف والملاقى الحادث بعد الأوّل وان علمنا بمعلومه بعد الثاني . وإن كان لو لاقى الملاقِى المتنجس يتنجس بنفس ما نجسه الا ان الشبهة تصير بدويّة لانحلال هذا العلم وهذا لمكان اختلاف الزمان وان اتحدت المرتبة في كليهما وليس كما اذا كان يد هذا المكلف في اناء من الانائين ووقعت القطرة أو الماء النجس فيه أو في الآخر .

فانه في هذا الفرض اليد مورد الشبهة وتكون أطرافها ثلاثة والعلم الاجمالي بنجاسة هذا الاناء أو ذاك في عرض العلم الاجمالي بنجاسة اليد وذاك الاناء ويكون مثل ما أصابت القطرة اما هذين الانائين أو ذاك الثالث بلا سراية لأحدهما على الآخر بعد الوقوع .

وعلى هذا ففي انقسام ماء أحد الانائين بقسمين نلتزم بلزوم الاجتناب عن الماء وكأسه الأول ونقول بطهارة هذا الكأس الذي يصيب فيه القسم من الماء مع لزوم الاجتناب عن مائه لأنّه ليس طرفا للعلم بخلاف مائه فانه كان من حين حدوث العلم الاجمالي طرفا لما مرّ فيه لزوم الاجتناب وفي عرض الانائين السابقين المصيب ماء أحدهما النجاسة .

ص: 88

تفصيل المحقّق الخراساني قدس سره (1): انه قدس سره صوّر صورا أربع وأوجب في ثلاثتها لزوم الاجتناب عن الملاقى لأحد الأطراف وفي الرابعة أوجب عن الملاقَى دون الملاقِى .

بيانه ان العلم بالملاقاة لأحد الأطراف بعد نجاسته قد يحصل بعد تحقّق اصابة النجاسة لأحد الانائين والعلم بذلك أوّلاً .

ففي هذه الصورة يجب الاجتناب عن الملاقَى والطرف ولا يجب الاحتناب عن الملاقِى وهي الصورة الأولى .

والثانية: ان يعلم ابتداءً بتنجس الملاقِى أو طرف الملاقَى ولا يدري سبب النجاسة وبعد ذلك يعلم اما بتنجس الملاقى أو طرفه وهذه النجاسة هي النجاسة الاولى الدائرة بين سببيته للزوم الاجتناب عن الملاقِى أو طرف الملاقَى .

والثالثة: أن يعلم إمّا أن هذا الاناء تنجس أو ذاك وأحدهما خارج عن محل ابتلائه لكن لاقى الملاقِى ذاك الخارج والملاقِى محل الابتلاء وبعد ذلك يصير الملاقَى أيى الخارج عن الابتلاء مورده .

الرابعة: أن يعلم اما ان طرف الملاقَى تنجس أو الملاقِى والملاقَى وفي هذه الصورة يجب الاجتناب عن الملاقِى وطرف الملاقى ولا يجب الاجتناب عن الملاقَى .

ومعنى هذا التفصيل هو موضوعيّة العلم للزوم الاجتناب وعدم العبرة بالمعلوم والانحلال للعلم الاجمالي بالاصل المثبت لأحد أطرافه وان كان العلم السابق الموجب للانحلال متأخّرا معلوما عن هذا الثاني وبالعكس . فانه في

الصور الأربع في كلام المحقّق الخراساني

ص: 89


1- . كفاية الأصول 2/224 - 227 .

الصورة الاولى انعقد العلم المؤثّر التام الفعلي فيجب الاجتناب عن طرفيه وهما الملاقَى وطرفه دون الملاقِى لجريان الأصل النافي فيه بلا معارض ولا يتوقف امتثال التكليف المعلوم في البين على اجتناب الملاقِي . وفي الثانية والثالثة لمّا انعقد العلم الاجمالي بين الطرفين وجب الاجتناب عنهما مقدمة للاجتناب عن المتنجس الواقعي . وهذا العلم علم فعلي تام .

فاذا علم في الثانية ثانيا ان الاناء الطرف الملاقِى تنجس أو هذا الاناء الذي باصابته ملاقاه يجب الاجتناب عن الملاقِى ولا سبب لنجاسة الملاقِي الا ملاقاة هذا الاناء وما كان سابقا طرفا للعلم والآن تذكر المكلف ان المتنجس أوّلاً كان دائرا بين الملاقَى والطرف والملاقِي ما كان داخلاً في أطراف العلم . بل الملاقاة حصلت بعد التنجس . فالعلم الاجمالي الأوّل مؤثّر في طرفيه وهذا العلم الثاني لمّا تعلّق بطرفين أحدهما كان لازم الاجتناب بالعلم الأوّل فلا يؤثّر .

لأن في الطرف الآخر وهو الملاقي يكون شكّا بدويّا فيصير مجرى البرائة بلا معارض .

وفي الثالثة العلم الأول باصابة النجاسة الملاقَى الخارج عن الابتلاء أو طرفه المورد للابتلاء ما كان مؤثّرا فاذا لاقى الملاقِى ذاك الخارج والفرض ان الملاقِى مورد الابتلاء فيحصل علم اجمالي بنجاسة هذا المورد للابتلاء والطرف للعلم الأول أو تنجس هذا الملاقي باصابته للملاقِى وملاقاته إيّاه . ولما كان الملاقِي داخلاً في مورد الابتلاء فالعلم يؤثر . وبعد ذلك اذا صار الخارج عن الابتلاء موردا للابتلاء فلا يؤثّر العلم بنجاسته أو الطرف لأن بالعلم السابق بين الملاقِي والطرف يجب الاجتناب عن الطرف .

ص: 90

ففي الملاقَى يصير شكّا بدويّا فتجري البرائة ولا يتوقف في كلتا الصورتين امتثال التكليف المعلوم في البين بالاجتناب عن الملاقَى .

وفي الرابعة لما حصل العلم دفعة امّا الملاقِي والملاقى متنجسان أو طرف الملاقَى وإن كانت الملاقاة بعد تنجس أحدهما .

فالعلم من أوّل الأمر يؤثّر لزوم الاجتناب عن الثلاثة ويتوقّف الاجتناب وامتثاله على الاجتناب عن هذا الملاقِي لأنّه مورد للعلم من الأوّل .

وهذا بناء على مبناه صحيح .

أقول: والمبنى أيضاً لا غبار عليه لأن العبرة بالعلم لا المعلوم لكن سيّدنا الأستاذ قدس سره يرد عليه النقض بما إذا علم بنجاسة أحد الانائين وبعد ذلك علم تفصيلاً ان هذا الاناء المعلوم كان متنجسا بعين تلك النجاسة التي أصابت أحدهما . ففي هذه الصورة لابدّ أن يلتزم بناءً على مبناه بلزوم الاجتناب عن كلا الانائين لان المناط العلم والعلم حاصل . فاذا علم ثانيا تفصيلاً بنجاسة أحدهما المعين لا يؤثّر لأنّه حصل بعد العلم الأوّل المؤثّر .

والفرض ان العلم في لزوم الاجتناب مأخوذ على نحو الموضوعيّة لا الطريقيّة حتّى يدور لزوم الاجتناب مدار الواقع . مع انه لا يقول بلزوم الاجتناب في الفرض وهو قائل بعدم التأثير لزوم الاجتناب عنهما بل يكون في طرف المعلوم بالتفصيل شكّا بدويّا . ولذا لو قامت امارة على تنجس احدهما تفصيلاً معينا قبل العلم أو جرى استصحاب بعد العلم في ذلك وهكذا لو علم بلزوم الاجتناب عن الواحد المعين من باب مورديّته لعلم اجمالي سابق على هذا العلم .

فان كان قائلاً بانحلال العلم الاجمالي بما اذا جرى في أحد أطرافه مثبت

الاشكال على المحقّق الخراساني

ص: 91

عقلي فلابدّ أن يقول في المقام كما نلتزم نحن بذلك فاذا جرى المثبت وكان علماً اجمالياً في أحد أطراف العلم اللاحق وصار موجباً لعدم التأثير في أطراف اللاحق فليكن كذلك . اذا انعقد العلم وبعد ذلك انكشف ان أحدهما كان طرفاً لعلم اجمالي سابق . ونحن بينّا سابقاً ضابط تأثير العلم الاجمالي وانحلاله وان المناط هو المعلوم لا العلم فانّه طريق . وعلى كلّ حال لا يوجب الانحلال . بل اذا كان معلوماً مقدماً على معلوم اللاحق . فلا يبقى لك ارتياب في فساد هذا التفصيل .

فذلكة: تبين ممّا ذكرنا ان تأثير العلم الاجمالي بالتكليف إنّما يكون اذا لم يجر في أحد أطرافه مثبت للتكليف سابقا على العلم أو لاحقا مع فرض تقدّم المعلوم وهذا الذي كان موجبا لسلامة أصل الملاقِي عن المعارض في الموارد المتحقق فيها العلم بينه وبين غيره فاذا فرضنا ان أحد الأطراف في ظرف حدوث العلم كان خارجا عن محلّ الابتلاء ولو بالأصل الجاري فيه الذي هو الاستصحاب . لكن لاقاه ملاقى هو محل ابتلائنا فيحصل لنا علم اجمالي بلزوم الاجتناب عن المتنجس في البين لمكان العلم بنجاسة أحدهما .

أما هذا الملاقى على تقدير اصابة النجاسة ملاقاه أو ذاك الطرف .

فالعلم الاجمالي تامّ الأجزاء والأركان حاصلة هنا فيجب علينا بمقتضاه الاجتناب عن أطرافه ولا خصوصية لخروج الملاقى عن مورد الابتلاء بل لو كان الاضطرار قبل حدوث العلم بالتكليف إلى أحدهما المعين كما لو كان ماءً رافعا للعطش والاخر ليس ( برافع ) فالمورد الآخر الباقي في مورد الاضطرار وفي صورة الخروج عن الابتلاء المذكورة آنفا يصير مشكوكا بدوا . فيجري البرائة في كلتا الصورتين . ففي المقام لابدّ من الاجتناب للعلم المؤثّر . وذلك لأنّ الأصل

ص: 92

الجاري في الملاقَى مثلاً وهو استصحاب الطهارة لا يجري لعدم تماميّة أركانه وأحدها لا أثر لعدمه ( أي الأثر ) فاذا كان الطرف وحده مشكوكا بدوا .

ولكن في المقام حصل لنا علم اجمالي من مورديّة الملاقِي للملاقَى الخارج عن الابتلاء للابتلاء فاذا ما جرى الاستصحاب في الملاقَى فلا معارض لهذا العلم الحاصل في جانب الطرف غير الملاقِي لأن عدم معارضة أصل الملاقِي في الصور السابقة المذكورة انما كان لأجل انحلال العلم بجريان المثبت في طرفه ( أي الملاقِي ) المسبب عن تحقق المعارضة بين العلم الأول الحاصل بين الملاقَى وطرفه ولمكان سببيّة أصل الملاقى للملاقي كان غير معارض للطرف فيجري فيه الأصل النافي بلا معارض وهو مثلاً استصحاب طهارته أو قاعدتها . ولكن حقيقة كان طرف العلم بخلاف المقام فانه لا مثبت في أحد الأطراف في الرتبة السابقة حتّى ينحل العلم .

والأصل الجاري في الملاقي في عرض الأصل الجاري في طرف الملاقى فيتساقطان فيبقى العلم بحاله فيؤثر لزوم الاجتناب عن كليهما .

إلى هنا ذكر سيّدنا الأستاذ بحث شيخه المحقّق النائيني وبعد ذلك اسند إلى المرحوم انه بعد تأثير العلم الاجمالي لزوم الاجتناب عن الملاقِي والطرف اتفق ان صار الخارج عن الابتلاء موردا للابتلاء وهو الملاقَى فلا يجب الاجتناب عنه لمكان منجزيّة العلم الثاني الحاصل بين الملاقِي والطرف وهذا العلم وان كان لاحقا للعلم الأوّل الحاصل بين الملاقَى وطرفه لكن معلومه سابق على معلوم العلم الأوّل والمناط في انحلال العلم الاجمالي اللاحق المتقدم عليه علم سابقا هو مؤثريّة الأوّل لتقدم موضوعه حتّى يصير سببا لانحلال اللاحق ولا اعتبار بتقدمه

كلام المحقّق النائيني

ص: 93

عليه أو تقدّمه بل المناط بتقدم المعلوم وإن كان حدوث العلم متأخّرا عن العلم الأوّل وفي المقام كذلك .

اذ معلوم العلم الأوّل الحاصل بين الملاقَى وطرفه لاحق لمعلوم العلم الثاني لأن العلم بالتكليف إلى الآن ما كان حاصلاً . والآن حصل وقبل الآن انما هو صورة علم بلا أثر . ومعلوم العلم الثاني لما كان مقدما على معلوم الأول فأثر العلم لزوم الاجتناب عن طرفيه . فاذا تحقّق معلوم الأول لصيرورة الملاقَى موردا للابتلاء فالعلم الأول حاصل وصار العلم بالتكليف فعليّا دائرا بينه وبين الطرف ولما كان الطرف لازم الاجتناب بالعلم الثاني المتعلّق بالطرف والملاقي المؤثر لزوم الاجتناب عنهما .

فهذا العلم الحاصل معلومه يصير بلا أثر ويكون منحلاً فلا يلزم الاجتناب عن الملاقَى وبعد ذلك اذا جرى في الملاقَى الأصل بلا معارض وكان غير لازم الاجتناب وبحكم الشارع طاهرا فلا معنى لطهارته الا اذا لاقاه شيء لا ينجس ويجوز شربه والتوضؤ به ونحو ذلك من آثار الطهارة لان الشك في نجاسة الملاقِي كان مسببا عن الشك في الملاقَى فاذا جرى الأصل النافي في الملاقَى أثره الشرعي طهارة ملاقيه فاذا ينحل العلم الثاني الذي كان بين الملاقِي والطرف بجريان النافي في أحد طرفيه فيلزم الاجتناب عن الطرف وحده لانحلال العلم وصيرورة الملاقِي غير لازم الاجتناب .

واستشكل عليه بأن رتبة الملاقَى مقدمة على الملاقِي غاية الأمر إلى الآن ما كان موردا للتكليف وإنّما كان خيال الخروج عن الابتلاء أو الخروج الحقيقي .

فاذا علمنا انه مورد الابتلاء وصار مورده فيجري الأصل فيه معارضا

ص: 94

للأصل الجاري في الطرف .

وفي رتبته يؤثر العلم الأول فيجب الاجتناب عن الملاقَى وطرفه دون الملاقِي مضافا إلى ما ذكرنا سابقا من عدم تسليم المبنى من انحلال العلم الاجماليبجريان الأصل النافي في أحد أطرافه أحد صغرياته انحلال العلم الثاني بين الطرف والملاقِى بجريان الأصل النافي في الملاقي لأن معنى طهارة ملاقاه ذلك كما ذكر لبقاء العلم الاجمالي بحاله كحال قبل الجريان .

خلاصة الكلام: وتحقيق المرام في المقام أن يقال لنا علم اجمالي في المورد .

ومفروض المقام انا نعلم اجمالاً بنجاسة هذا الاناء المورد للابتلاء أو اناء آخر المعلوم خروجه عن الابتلاء لكن لاقاه شيء . فتارة نفرض الكلام في الملاقِى واخرى في الملاقي كلاًّ مع الطرف .

فنقول: لا اشكال ولا ريب في انه اذا كان الملاقى خارجا عن الابتلاء لا تكليف علينا بالنسبة إليه للضابط الذي ذكرناه قبل . فلو كانت النجاسة واقعة فيه فلا أثر له ولو كان في الآخر الطرف فله أثر . فاذا كان الطرف بلا فرض ملاقِي الملاقَى فيصير العلم بالنسبة إليه شكّا بدويّا لعدم كونه علما بالتكليف على كلّ حال وضابط التأثير كان ذلك فلا ينطبق هنا فلا يؤثر في الطرف .

فاذا صار الخارج عن الابتلاء موردا للابتلاء فيحصل موضوع العلم بالتكليف فيؤثر بلا اشكال لأن غير خصوص الابتلاء ما افتقد قيد بالنسبة إلى الخارج فاذا حصل القيد فيؤثر العلم كما لو كان التكليف والعلم تفصيلاً متوجها إليه .

إذا كان الخارج عن الابتلاء مورداً له

ص: 95

هذا بالنسبة إلى الخارج عن الابتلاء الملاقى مع الطرف وكذلك الملاقي مع الطرف قبل صيرورة الخارج عن الابتلاء موردا له كان التكليف مؤثّرا بالنسبة إليه لعرضيّة أصله لاصل الطرف . فبالتعارض يتساقطان وبعد التساقط يجب الاجتناب عن طرفيه وأحدهما الملاقِي . فبعد ذلك اذ فرضنا ان الخارج الملاقَى صار موردا للابتلاء .

فان قلنا تقدم تأثير العلم المؤخر زمانا يوجب الانحلال اذا كان العلم الأول الحاصل بين الملاقَي وطرفه بلا تأثير من اول الحصول لعدم تماميّة موضوعه .

فاذا تمّ الموضوع وان كان علما بالتكليف الا انه بعد انحلاله بالمثبت العقلي في أحد أطرافه وهو الطرف لا أثر له . فلابدّ من الالتزام في هذا الفرض بلزوم الاجتناب عن الملاقِي والطرف بلا لزوم الاجتناب عن الملاقَى .

وان ما ساعدنا الاعتبار على ذلك ( لأنه بعد التنجز أثّر فاذا صار الملاقى محل الابتلاء لا يوجب ذهاب العلم الأوّل ولا عدم تأثيره .

اذ بعد التنجيز مات أحد طرفي العلم أو عدم بحيث خرج عن تحت قدرة

المكلّف ففي الباقي يؤثّر العلم ويبقى على حاله فلابدّ من الالتزام بلزوم الاجتناب عن الأطراف الثلاثة الملاقى والملاقي والطرف فيجيء هذا الكلام فيما ذكرناه سابقا من انحلال العلم الاجمالي الدائر بين الملاقِي والطرف ويصير الملاقى أيضا هناك لازم الاجتناب فهدمنا ما بنينا ونقضنا ما أبرمنا فانه ان كان الانحلال ممكنا بجريان المثبت اذا كان أصلاً عقليّا بالمنجز السابق ففي كلا الفرضين لابدّ أن نلتزمه فيما اذا كان الملاقَى والطرف كلاهما موردا للابتلاء وفي ما اذا كان العلم مؤثرا في الملاقِي والطرف لخروج الملاقي عن مورد الابتلاء . فاذا حصل العلم

ص: 96

الثاني يحصل منحلاً بلا أثر . ففي الأوّل بالنسبة إلى الملاقِي وفي الثاني بالنسبة إلى الملاقَى يصير شكّا بدويّا . واذا كان كذلك فالملاقى بجريان الأصل النافي غير المعارض يصير طاهرا بحكم الشارع ومن آثار طهارته صحّة الوضوء به وعدم لزوم الاجتناب عن ملاقيه كما ذكرنا في البحث السابق فاذا يلزم من ذلك عدم لزوم الاجتناب عن الملاقِي الطرف للعلم المنجز أولاً لانحلاله بالتعبد الخاص الذي هو الأصل استصحابا أو قاعدة الطهارة الجاري في الملاقَى خصوصا الذي من آثاره الشرعيّة طهارة ملاقِيه فيبقى الطرف لازم الاجتناب بلا لزوم في الملاقِي والملاقَى وما لا يمكن الالتزام به هو شمول الدليل العام في أطراف العلم الاجمالي أحد أطرافه والمقام ليس كذلك . بل الالزام العقلي في المقام يجنبنا اصابة الملاقِي فاذا جاء التعبد من الشارع فلا اشكال في ذهاب حكم العقل لأنّه في أحد الأطراف .

لكن الكلام بعد في الانحلال بالمثبت . فانه إنّما يكون ذلك اذا كان التساقط للأصلين الجاريين بالعلم المنجز السابق مخرجا لهما عن عرضيّة أصل الملاقَي لهما فاذا لم يمكن ذلك وكان الأصل الجاري في الطرف معارضا لمفاد الأصل الجاري في مقابله فيكون أصل الملاقَى بعد صيرورته موردا للابتلاء كأصل الملاقي في عرض أصل الطرف فيتساقطان جميعا فيجب الاجتناب عن الأطراف الثلاثة كما اذا كان أحد طرفي الشبهة اناءاً واحداً وفي الطرف الآخر اناءات تسعة فهذا الأصل الجاري لطهارة الاناء الواحد يعارض مفاد كلّ أصل جاري في طرفه مثاله في باب الامارات اذا وصل إلينا خبر من زرارة معارضا لخبر محمّد بن مسلم مثلاً فدليل الاعتبار لا يشملهما وهذا معنى التعارض لأنّ المجموع لا

الكلام في انحلال العلم بالمثبت

ص: 97

يجتمعان فلا يمكن شموله له وواحد بالخصوص أيضا لا دليل عليه . والدليل العام قاصر عن تعيينه بالخصوص واحدهما لا بعينه ترجيح بلا مرجّح . فاذا لم يمكن ان يشملهما دليل الاعتبار يتساقطان وبعد ذلك وصل إلينا خبر من ابن أبي يعفور رضوان اللّه عليهم جميعا موافقا لخبر زرارة مخالفا لمفاد خبر محمّد بن مسلم فهل يقولون يشمل هذا الخبر الصادر من ابن أبي يعفور الواصل إلينا بعد ذينك الخبرين دليل الاعتبار أم لا تلتزمون بأن هذا أيضا في عرض ذينك فاذا لم يمكن شمول الدليل لمعارضتهما لا يمكن أن يشمل هذا لمعارضته كأحدهما فلا يشملهما جميعا دليل الاعتبار فيتساقطان جميعا عن الاعتبار لأنّ المناط امكان الجمع في الجعل لا في عالم الوصول فكذا هنا على ما قدّمناه سابقا من تعارض كلّ من الخبرين والأصلين لمفاد الآخر فيكون أصل الملاقَى بعد صيرورته محلّ الابتلاء كأصل الملاقِى قبل ذلك ويكونان معا معارضين مفادا لأصل الطرف فيجب الاجتناب عن الثلاثة .

أقول: يمكن القول في الفرض بلزوم الاجتناب عن الملاقَى والطرف بلا لزوم في جانب الملاقِي وذلك لجريان الأصل النافي في الملاقى وصيرورته موردا للابتلاء المقدم رتبة على الأصل الجاري في الملاقِي وبمعارضة الأصل الجاري في الطرف يسقطان فيبقى الملاقِي جاريا فيه الأصل بلا معارض بعد لزوم الاجتناب لمكان العلم عن الملاقَى وطرفه . وتعارض الأصل في الطرف إنّما يكون مفاد الأصل في طرفه وهو أصل الملاقى لا الملاقي لانحطاط رتبته عن رتبة أصل الملاقَى لكن هذا بعد محلّ النظر .

هذا ما أفاده سيّدنا الأستاذ في ليلة الاثنين 9 من ذي القعدة وأفاد في ليلة

ص: 98

الثلاثاء 10 ذي القعدة آخر البحث .

ان الاشكال في طهارة الملاقِي في الليلة الماضيّة كان على المغالطة وذلك بعد أن بين صورة الشكّ في ان نجاسة الملاقِي للمتنجس أهي من باب السراية أو من باب الموضوعيّة يعني التعبّد . اذا علمنا واستفدنا من الأدلّة في الفقه ان لزوم الاجتناب عن ملاقي المتنجس من باب السراية الموضوعيّة . فلا اشكال في لزوم الاجتناب عن ملاقِي أحد أطراف الشبهة وكذا اذا علمنا انه من باب الموضوعيّة للملاقاة والتعبّد من الشارع بجعله الملاقى للمتنجس عنوانا مستقلاً إذا حكم في عرض ساير العناوين اللازم الاجتناب عنها . مثل اجتنب عن الميتة . اجتنب عن الدم أو البول وأمثال ذلك . فلا اشكال عند الشك الحاصل من ملاقات الملاقى لأحد الأطراف في عدم لزوم الاجتناب لعدم تحقّق موضوعه والشكّ فيه والحكم تابع للموضوع .

والملاقَى لأحد الأطراف ليس تمام الموضوع بل جزئه فاذا شككنا وتحيّرنا في المستفاد من الأدلّة فهل مقتضى الأصول الصناعيّة جريان البرائة وساير الأصول الرافعة للتكليف مطابقة أو التزاما في نفس السراية حتّى تكون النتيجة عدم لزوم الاجتناب عن الملاقى لا من باب اثبات نفي هذا كون المقام من قبيل التعبديّة بل مجرّد نفي السراية يكفينا . فلا اشكال من جهة المثبتيّة مثل ما اذا علمنا انه على هذا النحو أم لا . وبعبارة اخرى هل يمكن أن تكون السراية الموضوعيّة أي كون الاجتناب عن الملاقي من مصاديق اجتنب عن النجس ومن جزئيّاته موضوعا للأصول المجعولة في حال الشكّ في الحكم الواقعي المثبتة للأحكام الظاهريّة حتّى يجري البرائة مثلاً في المقام عن نفس السراية لاقتضائها

بقية بحث الملاقى

ص: 99

أثرا زائدا على الأثر الذي في لزوم الاجتناب عن الملاقي بناءً على التعبّديّة في ظرف الشكّ فانّه بناءً عليها في حال الشكّ في الشبهة المحصورة لا يلزم الاجتناب عن الملاقي كما بينّا . بخلاف السراية ففي حال الشكّ لابدّ في المقام الاجتناب عن الملاقي لتوقف الامتثال لخطاب اجتنب عن النجس أو المتنجس في البين على الاجتناب عن هذا الملاقي . فهذا الأثر الزائد يكون موردا للبرائة وينفي من جهة اقتضائه ضيقا على المكلف بخلاف التعبديّة فانه بالنسبة إلى السراية تقتضي الضيق من هذه الجهة نظير ما اذا شككنا في تعيينيّة شيء في باب التكاليف أو كونه فردا تخييريّا فان التعيينيّة تقتضي أمرا زائدا موجبا للضيق على المكلّف بخلاف التخييريّة فان له أن يأتي بهذا أو ذاك وكلاهما يحصل المطلوب ويسقط امتثاله الأمر فتجري البرائة عن التعيينيّة .

ومثاله الفقهي ما اذا شككنا في ان قرائة سورة واحدة بقيد الوحدة تجب علينا في الركعتين الأوليين أو القران بين السورتين مانع مبطل للصلاة فان كانت قرائة سورة بقيد الوحدة وان يؤتى بها وحدها واجبة علينا فعند الشكّ في تحقّقها أصله الجاري فيه الاشتغال لابدّ من الاحراز . وان كان الآخر أي القران مانعا فعند الشكّ مجراه أصل العدم والبرائة ففيه نوع سعة على العباد ليس في الآخر فيكون موردا للبرائة باعتبار هذا الأثر الزائد الموجب للضيق في مقام الامتثال عند الشكّ في شرطيّة السورة بقيد الوحدة أو مانعيّة القران .

ففي المقام صغرى وكبرى والكبرى هي جريان البرائة عن الشيء الحاصل

بالعنوان الثانوي العارض لموضوع التكليف المشكوك حكمه الواقعي . والصغرى كون الملاقي عند الشكّ داخلاً حكمها تحت هذه الكبرى فيكون موردا للبرائة

ص: 100

ويكون كما اذا استفدنا من أوّل الأمر انه على نحو التعبد وموضوعيّة الملاقاة للتنجس . فان أركان البرائة كلّها موجودة حكم مجعول ومجهول وفي رفعه منة ولا يكون الحكم بالعنوان الثانوي مجعولاً على الموضوع .

أي من جهة خصوصيّة الشكّ في الحكم الواقعي والحق انه لا يمكن قبول ذلك والكلام كبرى وصغرى وتنظيرا باطل لأن عدم الأثر الزائد الذي يتوهم في المقام ليس على كلّ تقدير من جهة جريان أصل نافٍ برائة أو أصل العدم . فانه ليس في كلّ موضع لنا أصل العدم والبرائة حتى اذا كان من قبيل المانع مثلاً يجري فيه الأصل ويوجب السعة مع انه لا فرق بين أن يكون التكليف مثلاً في باب الصلاة على النحو الأوّل أي الشرطيّة أو على النحو الثاني أي المانعيّة فان كلّ ذلك

من القيود المعتبرة في المأمور به ولابدّ من الاحراز غاية الأمر ربما يجري في المانع أصل العدم فيصير النتيجة البرائة ولا يكون ذلك في الشرط .

لكن ذلك أيضا ممنوع فان في جانب الشرطيّة ربما يكون استصحاب

موضوعي كما في الطهارة المشترطة بها الصلاة ومجرّد فرض مقام يكون على الشرطيّة غير جاري فيه النافي بخلاف المانعيّة لا يصلح فارقا لزيادة الأثر في ذلك لأنّه على هذا لا يكون له أركان البرائة وساير الأصول في المقام تامّة من جهة عدم كون الضيق مستندا إلى الجعل حتى يكون موردا لها فلا يكون ركنها الأول حاصلاً وهو أن يكون مجعولاً وهذا الضيق اللازم إنّما هو من باب عدم طريق في مقام الامتثال لاحراز الشرط في بعض الاحيان وهو غير أن يكون الضيق من ناحية الجعل . ففي ناحية الجعل كلاهما مثلان لابد من الأحراز فالضيق في كلّ واحد منهما من ناحية الجعل وقد مرّ في الأبحاث السابقة عدم جريان

جريان البرائة في التعيينية

ص: 101

البرائة في مورد التعيين والتخيير من جهة ان التعيينيّة ليست أمرا مجعولاً حتّى تكون موردا للبرائة بل من توابع الجعل يعني من منتزعاته . ويشكل في المقام جريان الأصل الموضوعي مثلاً الاستصحاب في الملاقي من جهة الشبهة المفهوميّة . وفي دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الصلاة عند الشكّ في الحكم يعني الشبهة الحكميّة ويكفينا الاطلاقات اللفظيّة في المقامات بخلاف الشبهة الموضوعيّة فانّها الأهم القابل للبحث . والذي يسهّل الخطب هو أن نقول ما أشرنا إليه سابقا من عدم استفادة العرف من الأدلّة الواردة في باب تنجّس الماء القليل وكذا في باب الكر وغير ذلك السراية وعدم لزوم الاجتناب عنه من . جهتها بل يرى فيه اذا أصاب المتنجس أو النجس مثلاً قذارة يتنفّر عنها الطبع وإن كان يعلم انه ما سرى إلى جميع أجزائه كما في القطرة الواقعة من الدم في الماء القليل بحيث ما انتشرت إلا فيما حولها ومع ذلك هم يرون الاجتناب عن جميع الماء وليس الاّ من جهة نقلهم عن سلفهم ذلك بحيث غرس في اذهانهم ذلك أو المتّصل إلى صاحب الشريعة أو لما قلنا . وهذه الخصوصيّة في الماء وأمثاله من المايعات السيّالة بخلاف مثل الدهن والماست المنجمدين غير السيالين من المايعات وبخلاف مثل الماء الملاقى متنجس مع كون الرطوبة الملاقية له متّصلة بالرطوبات الكائنة على غير ذلك الموضع من أعلى العباء واسفله وطرفيه فاذا تلخص .

وتبين ممّا ذكرنا عدم لزوم الاجتناب عن ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة وللّه الحمد .

استدراك: في الانائين المشتبهين الخارج أحدهما عن محلّ الابتلاء الذي لاقاه ما هو محل الابتلاء الحاصل من ذلك علم الاجمالي بينه وبين طرف ملاقاه

ص: 102

قلنا سابقا انه قبل صيرورة الخارج موردا للابتلاء يجب الاجتناب عنه يعني عن الملاقي والطرف من جهة العلم بينهما لعدم جريان الأصل في جانب الملاقي لعدم الأثر حتّى يعارض الطرف فيبقى أصل الملاقي بلا معارض . لكن حقّ المقام أن يقال في صورة خروج الملاقي عن مورد الابتلاء وملاقاة الملاقي اياه وان لم يجر استصحاب الطهارة أو القاعدة في الملاقي لعدم الأثر في نفسه الا انه لا يلزم في الاستصحاب أو القاعدة أن يكون الأثر مترتبا من كلّ الجهات بل يكفي ترتب الأثر عليه في الجملة .

وفي المورد وان لم يترتب أثر على أصل نفس الملاقي لكن لا اشكال في جريانه بلحاظ عدم لزوم الاجتناب عن ملاقيه ولا مانع من ذلك .

فعلى هذا لو صار الملاقي محلاً للابتلاء فالأثر يترتب عليه نفسه ويكون أصل الملاقِي جاريا بلا معارض بخلاف قبل صيرورته محلّ الابتلاء فانه لا معنى هناك لجريان أصل الملاقَي بهذا اللحاظ وفي صورة صيرورته يكون لجريانه معنى في نفسه .

وموضوع الملاقاة للنجس في الملاقي غير محرز فلا مانع من جريان أصله ولا يعارضه أصل الطرف لجريانه معارضا بأصل الملاقي لترتب الأثر على نفسه وان كان الجريان من أول الأمر .

فعلى هذا يرتفع الاشكال المقرر في الأبحاث السابقة ويجري الأصل في الملاقي بعد صيرورة الملاقي موردا للابتلاء بلا اشكال .

أقول: حقّ المقام أن يقرّر كما يأتي . في صورة خروج الملاقي عن مورد الابتلاء جريان أصله الاستصحابي أو قاعدة الطهارة لا أثر له لأنّه سواء كان نجسا

خروج الملاقى عن مورد الابتلاء

ص: 103

أو طاهرا لا مساس للمكلّف به فاذا لاقاه شيء وهو مورد الابتلاء له فهنا يترتب أثر على جريان الاستصحاب أو قاعدة الطهارة في الملاقي لترتب الأثر عليه من ناحية الملاقِي وهو عدم لزوم الاجتناب عنه وبجريان الاستصحاب أو القاعدة نخرج عن الشكّ في دخول الملاقِي تحت عنوان ملاقاة النجس أو الطاهر الحاصل قبل الجريان المقتضي لعدم ترتب أثر أحدهما عليه . وهذا الشكّ في صورة حصوله كما يجعل الملاقي موضوعا مشتبها بين موضوعين مختلفي الحكم كذلك يوجب عدم جريان استصحاب نفسه لكونه مشكوك المصداقيّة لدليل الاستصحاب من جهة تقدّم استصحاب الملاقَي أو قاعدته الطهاريّة عليه . وان كان بعد ذلك في الملاقِي يكون المرجع الأصل الحكمي . فاذا جرى الاستصحاب في الملاقَي بلحاظ هذا الأثر يبتلي بالمعارض وهو الاستصحاب أو القاعدة في الطرف فيتساقطان . وبعد التساقط يجب الاجتناب بحكم العقل عن طرفي العلم والفرض ان الملاقَى خارج عن محل الابتلاء فيؤثر ذلك في لزوم الاجتناب عن الملاقِي ولا يجري فيه الأصل . أصل الطهارة أو الاستصحاب أو غيرهما لمكان العلم الثاني المتعلّق به وبالطرف بلا انحلال لطرفيه بالعلم السابق . فاذا صار الخارج عن محلّ الابتلاء موردا فالعلم الأوّل يكون منجزا بالنسبة إليه وإلى الطرف فيجب الاجتناب عن الملاقَي والطرف . والعلم الثاني ينحل بالمثبت في أحد أطرافه وهو الطرف أو يخرج أصله عن حكومة أصل حاكم عليه لسقوط الحاكم بالمعارضة فيجري بلا معارض .

ثمّ أقول يتحقّق عدم الانحلال للعلم الثاني بعينه في صورة كونه موردا للابتلاء . اذ لعل مبنى هذا الجواب والاستدراك على القول بالسراية الموضوعيّة

ص: 104

لأنّه لو كان على التعبّد والموضوعيّة للملاقاة فبعد جريان أصل الملاقى يترتب الأثر عليه من ناحية الملاقِي . ومعارضة هذا الأصل لأصل الطرف وتساقطه لا يوجب الا الاجتناب عن الملاقى والطرف .

غاية الأمر: الملاقى خارج عن محل الابتلاء فعن الطرف وحده فينحل العلم الثاني بهذا النحو من أوّل الأمر . لا اذا صار الملاقى موردا للابتلاء وترتب الأثر على الأصل في الملاقَى . اذا كان يجري تفصيلاً لا يوجب لزوم الاجتناب عن الملاقِي في صورة خروج الملاقى عن الابتلاء وكون الملاقى محلا للأثر أو في الطهارة اما في لزوم الاجتناب فلا لما كان العلم الاجمالي بمجرّده لا يوجب الاجتناب بل إذا كان علما بالتكليف .

والملاقى بنفسه موضوع مستقل والحكم العقلي لا يحقق موضوع الملاقاة حتّى يجب الاجتناب عن الملاقى إلاّ بالعلم الثاني وهو موقوف على عدم انحلاله بالمثبت القبلي . فاذا حصل الاضطرار بأحد أطراف العلم المعين قبل الملاقاة وقبل العلم فبعد الملاقاة أي ملاقاة أحد الأطراف على سبيل الاجمال نجاسة والعلم بذلك نشك في ثبوت التكليف بالملاقاة لأنه لو صادف النجاسة هذا المعين فبحكم الاضطرار مباح بل في بعض الاحيان يجب شربه عيناً اذا كان ماءا والآخر دبسا وحفظ النفس متوقف على شرب الماء وهو هذا الماء لأنّ الاضطرار كالحرج والعسر والضرر من العناوين الرافعة للتكاليف الابتدائيّة الأوليّة . فاذا كان المكلّف

يعلم بتعلق تكليف به مشتبه بين متعلقين:

أحدهما حرجي أو عسري والآخر ليس كذلك فلا علم له بالتكليف هنا

للأدلّة الخاصّة لهذه العناوين الموجبة لرفع الأحكام الأوليّة أي عدم جعلها من

الاضطرار بأحد الأطراف

ص: 105

قبيل قوله تعالى: « يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر »(1) « وما جعل عليكم الدين من حرج »(2) أو رفع ما اضطروا(3) إليه حتّى في صورة العلم التفصيلي فضلاً عن صورة الاجمالي . ولو صادف غير هذا المعين المضطر اليه فالآن يجب عليّ اجتنابه أكلاً وشربا وساير الآثار فمن الأول اذا يحصل العلم غير مؤثّر أي لا يكون ولا ينعقد علماً بالتكليف لعدم ثبوته على كلّ تقدير . بل على بعض التقادير وهو اصابة غير هذا المعين . وهذه الصورة هي المتفق عليها بين الكل . من يقول المناط حصول العلم في تأثيره التنجز والاجتناب عن أطرافه ومن يقول المناط تقدم المعلوم . فهنا يقدم الاضطرار على العلم والمعلوم فلا يجب الاجتناب عن الآخر لعدم تأثير العلم .

ولا يخفى ان عدم التأثير إنّما هو بالنسبة إلى خصوص الأثر الذي اضطرّ من جهته فلو كان شرب النجس حراما لكنه في أحد أطراف الشبهة واضطر إلى أحدهما المعيّن شربا أو أكلاً فبالنسبة إلى هذا الأثر الخاص وهو الحرمة لا يؤثر العلم ولا يجب الاجتناب من هذه الجهة عن الباقي بخلاف ما ليس مضطرا من جهته كالاجتناب عن نجاسته لأنّه لا حرج فيه فمن الأطراف الباقية يجتنب من حيث هذا الأثر الوضعي ولا يستعملها في وضوء ولا غسل .

هذا إنّما هو إذا كان الاضطرار بعد العلم والملاقاة كما اذا يعلم بنجاسة أحد الانائين فاهريق أحدهما فيلزمه الاجتناب عن الباقي لأن العلم أثّر لا اذا كان الاضطرار قبل . فانه في هذه الصورة ترتب الآثار بالنسبة إلى الباقي يكون

ص: 106


1- . سورة البقرة: 186 .
2- . سورة الحج: 79 .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

مشكوكا الا اذا حصل له العلم التفصيلي كان شرب الماء اضطراراً والدبس فانه يعلم تفصيلاً بنجاسة فمه لكن اذا لا يأكل لا مانع له من بيع الدبس لجريان استصحاب الطهارة فيه . .

هذا الذي ذكرته تقريرا عن الاستاذ في صورة جريان الاستصحاب أو

القاعدة في الملاقى الخارج عن الابتلاء بلحاظ الأثر المترتب على طهارة ملاقيه مع الاضطرار الواقع فيه بحسب ما سمعته وفهمته من كلامه وكأني حين بيانه قدس سره عرضتني الغفلة وقد سبقني إلى حضور البحث بعض تلامذته وهكذا قرّره من الأستاذ ( ان الأصل في الملاقى في صورة خروجه عن مورد الابتلاء يجري بلحاظ الأثر المترتب على ملاقِيه وإن لم يكن نفسه محل الابتلاء وأصله مؤثرا في نفسه لعدم الفائدة فيه وجريان الأصل في الملاقَى لحكومته على أصل الملاقي بلحاظ السببيّة والمسببيّة لأن معنى طهارة الملاقى بلسان الاستصحاب أو القاعدة أو غير ذلك هو عدم لزوم الاجتناب عنه وعدم نجاسة ملاقيه فكانه ناظر إلى الملاقِي فلو كان في الملاقى أصل لا يجري في ظرف جريان الأصل في الملاقَى لحكومة أصل الملاقَى على أصل الملاقِي . فاذا جرى بلحاظ الأثر فيصير معارضا مع الأصل الجاري في الطرف فيتساقطان ويجب الاجتناب عن طرفيه . ولما لم يكن الملاقى موردا للابتلاء يجب الاجتناب عن الطرف . فاذا صار موردا للابتلاء يجب الاجتناب عنه أيضا . فاذا تساقط الأصلان بالمعارضة فلا حاكم للأصل الجاري في الملاقي فيجري بلا معارض فقبل صيرورة الخارج موردا للابتلاء وبعده حال الملاقِي واحد وفي كلتا الصورتين علمه العلم الدائر بينه وبين الطرف منحلّ بجريان المثبت في أحد طرفيه بالمنجز السابق . وهو العلم بين الملاقَى

ص: 107

والطرف . فاذا جرى المثبت في الطرف فالعلم الاجمالي الدائر بين الملاقِي والطرف يصير بلا أثر لتنجز أحد طرفيه بالمنجز السابق والمثبت السابق فعلى هذا يرتفع الاشكال في ناحية الملاقِي والملاقَى وانه كيف بعد صيرورة الخارج موردا للابتلاء لا يجب الاجتناب عن الملاقي مع تنجزه بالمنجز السابق على ما مرّ في المباحث السابقة . وهذا بخلاف ما سبق من لزوم الاجتناب عن الملاقِي في ظرف خروج الملاقَى عن مورد الابتلاء والحمد للّه على كلّ حال وله الثناء بكلّ مقال .

في انحلال العلم الاجمالي بالاضطرار إلى ارتكاب أحد طرفي الشبهة المحصورة التحريميّة .

ليعلم ان من الأسباب الموجبة لانحلال العلم الاجمالي وعدم تأثيره الاضطرار وهو قسمان الاضطرار إلى معين أي إلى أحد أطراف الشبهة المعيّن وغير معيّن أي إلى أحد الأطراف لا على سبيل التعيين .

والقسم الأوّل أي الاضطرار إلى معين تارة يكون قبل سبب التكليف والعلم به كليهما واخرى قبل العلم بعد سبب التكليف وثالثة بعدهما . كان يضطر إلى شرب ماء الاناء المعيّن من الانائين اللذين أحدهما دبس قبل أن يحدث سبب التكليف بالاجتناب وهو وقوع قطرة دم مثلاً في أحدهما بأن تقع القطرة في أحدهما ويحصل الاضطرار بعد إلى شرب الماء الذي في أحدهما وهو أحد طرفي الشبهة قبل حصول العلم للمكلّف بوقوع النجاسة في أحدهما وأن يكون ذلك بعد العلم .

لا اشكال في عدم تنجز التكليف في الصورة الأولى وعدم لزوم الاجتناب

عن الدبس الذي في البين لعدم علم بالتكليف لأنه لو أصابت القطرة الذي اضطرّ إليه وهو الماء فلا أثر له فلا يجري الأصل أصل الطهارة وان وقعت في الدبس فله

انحلال العلم الاجمالي بالاضطرار

ص: 108

أثر ويجري الأصل فاذن يكون الدبس مشكوكا وقوع النجاسة فيه فيجري فيه الأصل بلا معارض من الطرف الآخر لعدم كون التكليف على كل تقدير فاذن يرتكبهما المكلّف ولا اشكال فيه .

وكذا لا اشكال في الصورة الثالثة وهو ما اذا كان الاضطرار بعدهما في لزوم الاجتناب عن الدبس الباقي لمنجزيّة العلم . وحصول الاضطرار بعد العلم لا يؤثّر في انحلال العلم . كما انه في الصورة الثانية أيضا لا يكون العلم علما بالتكليف وهو ما اذا كان الاضطرار بعد سبب التكليف قبل العلم لأنّه في ظرف حصول الاضطرار لا يجري الأصل لعدم تحقّق موضوعه وهو اليقين والشك الفعلي في الاستصحاب أو الشك في القاعدة مثلاً وبعد العلم بعد الاضطرار يشك في تكليف فعلى لازم المراعاة عليه .

لأنّه لو كان المصاب من الانائين هو الذي فيه الماء فلا يجب الاجتناب وان يكن الآخر فيجب فليس العلم علما بالتكليف على كلّ تقدير بخلاف الصورة الثالثة فانه علم بالتكليف غاية الأمر بين تكليف امده مثلاً ساعتان إذا كان المصاب الماء وهو إلى حين الاضطرار وتكليف امده مثلاً إلى زمان بقائه فرضا مثلاً عشرين ساعة فيجب مراعاة هذا التكليف المعلوم في البين المردّد الامد .

وهل يمكن في هذه الصورة ( أي الثالثة ) لحوقها بالصورة الاولى أم لا ؟ الحق انه لا يمكن كما قلنا لأن في ظرف حصول العلم كان الأصلان جار بين في الطرفين لتحقق موضوعهما وهو اليقين والشك الفعليان فسقطا بالمعارضة وعدم امكان الجعل للطهارة فيهما فأثر العلم لزوم الاجتناب عنهما . وبعد ذلك اذا اضطر إلى أحدهما لا يرفع هذا الأثر كما اذا كان بعد تحقق العلم الاجمالي وتأثيره لروم

لحوق الصورة الثالثة بالاولى وعدمه

ص: 109

الاجتناب عن أطرافه تلف أحد أطرافه . فانه في هذه الصورة يجب الاجتناب عن الباقي لتنجز التكليف بالنسبة إليه بخلاف الصورة الثانية . كما إذا تلف أحد أطراف الشبهة قبل حصول العلم باصابة النجاسة أحدهما فحال الاضطرار بعينه حال العلم فكلّما يقال في التلف بعينه يقال في الاضطرار .

إن قلت: انّ الفرق بين الصورة الثانية والثالثة لا يصح على مبناكم من جعل المناط في ثبوت التكليف تقدم المعلوم على الاضطرار سواء كان حصول العلم قبل ذلك أو بعده ففي هذين الموردين المناط بالاضطرار . والاضطرار في كلتا الصورتين انّما حصل بعد تحقق سبب التكليف فالمناط تحقق سبب التكليف وتقدمه على الاضطرار والعلم بتحقق سبب التكليف قبل الاضطرار أو بعده لا يغيّر المعلوم . فالمعلوم وهو حصول سبب التكليف مقدم على الاضطرار والعبرة إنّما هو به . وهذا بخلاف الصورة الأولى فان فيها الاضطرار قبل سبب التكليف فاذا حصل سبب التكليف وعلمنا به لا يحصل لنا علم بالتكليف في البين وهو لزوم الاجتناب عن هذا الاناء أو ذاك .

فالعبرة في ثبوت التكليف وعدمه بتقدّم سبب التكليف على الاضطرار وتقدّم الاضطرار على السبب والعلم لا مناطيّة له ففي كلتا الصورتين الاخيرتين لابدّ أن تلتزموا على مبناكم بجعل مناط التكليف هو تقدم السبب وان تأخّر العلم به عن الاضطرار بلزوم الاجتناب لا الاقتصار على الصورة الثالثة الاخيرة .

قلت: إنّما اعتبر العلم هنا مناطا لركنيته في تحقق المعارضة بين الأصلين ففي ظرف حصول العلم يتحقّق المعارضة بين الأصلين لتحقّق موضوعهما بلا اضطرار فيسقطان فيجب بمقتضى العلم الاجتناب عن كليهما والاضطرار في هذه

ص: 110

الصورة يصير حكمه حكم التلف بعد التنجز وقد عرفت لزوم الاجتناب عن الباقي بعد التالف .

فالعلم هنا لتحقق المعارضة وبعد الاضطرار فالتكليف منجز مؤثر بخلاف الصورة الثانية وهي التي فيها الاضطرار مقدم على العلم فانه في ظرف الاضطرار لا علم له بالتكليف حتى يثبت التعارض بالشكّ في طهارة الطرفين وبعد العلم بشكّ في أصل ثبوت التكليف لأنه في هذا الفرض على تقدير وان كان المرحوم المحقّق الميرزا النائيني قدس سره كان من أوّل الأمر يقول بمناطيّة المعلوم ولا يفرق بين صورة تقدّم العلم على الاضطرار أو تقدم الاضطرار على العلم بعد تقدم سبب التكليف عليهما لكنه رجع أخيرا إلى ما ذكرنا ولا بأس به .

ولا يخفى ان عدم لزوم الاجتناب عن الباقي بعد الاضطرار في الصورة الأولى انما هو في الأثر المضطر إليه .

أمّا إذا كان له أثر غير هذا كلزوم الاجتناب عن ملاقيه في فرض اصابته النجاسة مثلاً فليس الأمر كما ذكر بل يكون الأثر الملاقَي المضطر إليه في هذه الصورة وإن لم يكن يترتب أثر على نفسه لتحقق الاضطرار بالنسبة إليه . لكن الأصول تجري بلحاظ بعض الآثار كما تجري بلحاظ كلّ الآثار .

وفي هذه الصورة يجري الاستصحاب في الماء المضطرّ إلى شربه لترتّب آثار الطهارة في ملاقيه من عدم لزوم الاجتناب عن أكله وشربه وجواز لبسه في الصلاة كما انه اذا لم يكن الاضطرار إليه يترتب عليه أثر جواز التوضؤ به .

فاذن في هذا الفرض يؤثر العلم الاجمالي في الدبس الباقي لجريان أصل الملاقَى المضطر إليه بلحاظ ترتب بعض الآثار عليه وهو طهارة ملاقيه مثلاً لتقدم

ص: 111

أصله على أصل الملاقي لمكان السببيّة والمسببيّة فانه ليس معنى طهارة موضوع الأصل السببي إلاّ رفع الحدث والخبث به اذا استعمل في ذلك . فاذا جرى بلحاظ هذا الأثر فيعارض الأصل الجاري في الطرف فيتساقطان وبعد التساقط يبقى العلم بحاله فيؤثر في الباقي وهو الدبس فيجب الاجتناب عنه . فما ذكروه من الانحلال وعدم الأثر إنّما يتمّ اذا لم يكن المضطرّ إليه موضوعا لأثر ولو بلحاظ نفسه .

ان قلت في الفرض يتعارض الأصل الموضوعي في الملاقَي المضطر إليه مع الطرف غير المضطر اليه ويتساقطان . لكن الأصل الحكمي المحكوم فيهما وهو البرائة يجري في الباقي وهو الدبس بعد عدم جريان الأصل الحكمي في المضطر إليه لعدم الأثر والشكّ موجود فموضوعه محقّق ولا حاكم عليه . الأصل الموضوعي وهو استصحاب الطهارة مثلاً فيهما .

قلت: لا مجال لهذا الكلام لأنّ الأصل في المضطر إليه الموضوعي يعارض مفاد الأصل الجاري في الطرف موضوعيّا كان أم حكميّا لعدم امكان جعل كليهما وليس مفاد الأصل الحكمي الا عدم لزوم الاجتناب كما ان مفاد الأصل الموضوعي ذلك بلحاظ أثره والا فلا يجري بلا أثر .

فتبين . ان الاضطرار إنّما يكون سببا لعدم مؤثريّة العلم الاجمالي اذا لم يكن للمضطر اليه أثر سوى الحكم التكليفي فانه بالنسبة إلى هذه الجهة والأثر لا يجري الأصل في المضطر اليه حتى اذا كان نجسا تفصيلاً لا يجب الاجتناب لمكان الاضطرار اليه بل قد يجب فضلاً عن العلم الاجمالي بينه وبين غيره . فلو ترتب أثر على المضطر اليه اما بلحاظ نفسه أو بلحاظ ملاقيه مثلاً فانه أيضا أثر

ص: 112

من آثاره أي طهارة الملاقي ونجاسته من آثار المضطر إليه الملاقَى ففي هذه الصورة يجري الأصل بالنسبة إلى المضطر إليه لأن الضرورة تتقدر بقدرها . وبالمعارضة مع أصل الطرف يسقط كما يسقط هو فيؤثر في الطرف لزوم الاجتناب . واذا فرض ان جريان أصله كان بلحاظ طهارة ملاقيه ففي هذه الصورة يجري أصل الملاقِي بلا معارض . والعلم الاجمالي بين الملاقي والطرف ينحل بلحاظ مؤثريّة الأصل المثبت السابق لزوم الاجتناب عن الطرف غير المضطر إليه . فانحصر انحلال العلم الاجمالي في صورة الاضطرار إلى أحد أطرافه المعين بما اذا كان الاضطرار قبل السبب والعلم أو قبل العلم ولم يكن أثر يترتّب على المضطر إليه بلحاظ غير جهة الاضطرار فيصير التكليف بالنسبة إلى الطرف مشكوكا بدوا فيجري فيه أصله ( والظاهر انه اذا كان الاضطرار مقارنا للسبب بل ومن المعلوم أيضا ان العلم منحل اما لو كان الاضطرار حصل مع العلم فالظاهر أيضا عدم تأثيره وكونه في الطرف شكا بدويا كما سبق ) .

هذا كلّه اذا كان الاضطرار إلى أحد أطراف العلم المعين .

أمّا لو كان الاضطرار إلى أحدهما غير المعين ففي جميع صور المسألة اذا كان الاضطرار قبل السبب والعلم أو بعدهما أو قبل أحدهما وهو السبب بعد الآخر أو مقارنا مع السبب أو العلم فيلزم الاجتناب عن جميع الأطراف لعدم مؤثريّة الاضطرار في هذا الفرض . أمّا لو كان بعد العلم والسبب فكالاضطرار إلى المعين لا يؤثر بل يجب الاجتناب عن الباقي و أمّا قبل ذلك فبيان يأتي مبنى على منجزية العلم وكونه واسطة في التنجز لا الثبوت اما لو كان لا على هذا المبنى والمولى لا يطلبه في ظرف الشك ولا خطاب في هذا الفرض متوجّها منه إلى العبد

حكم الاضطرار إلى غير المعين

ص: 113

بالاجتناب عن ارتكاب النجس في البين فيكون شكا والموضوع بعد ما تحقق . فلا يجب الاجتناب عن الباقي بعد الاضطرار يعني عن اطرافه لعدم امكان الطلب الفعلي وكونه مرخصا في ارتكاب أيّهما شاء في دفع الاضطرار بذلك .

وأمّا بيان لزوم الاجتناب وكون الصورتين اللتين في المعين لا يجب الاجتناب عن الباقي فيهما في الاضطرار إلى غير المعين كالصورة التي تحقّق الاضطرار بعد العلم . فهو انه في الفرض اذا اضطرّ العبد إلى ارتكاب أحدهما بل كلاهما مثلاً ماء أو أحدهما ماء مطلق والآخر ماء الرقي رافعان للعطش المتوقف عليه حفظ النفس فالاضطرار بالنسبة إلى النجس ما تحقق مطلقا والعقل لا يرى مانعا من خطاب المولى بالاجتناب عن النجس ورفع الاضطرار بغيره ولا تناف بينهما لأن الأحكام غير مقيدة بالعلم والجهل . لا العلم قيد وجودي . ولا الجهل قيد عدمي بل المدار نفس الموضوع فاذا تحقق الموضوع يصير الحكم فعليّا على ترتيب القضايا الحقيقيّة التي اذا وجدت موضوعاتها يصير حكمها فعليّا والاّ يلزم الخلف أو المناقضة لمعلوميّة دوران الحكم مدار موضوعه وجودا وعدما . فعلى تسليم هذه المقدّمات ان العلم والجهل غير داخلين في موضوع غير مأخوذين فيه . وبفعليّة الحكم بوجود موضوعه يصير التكليف بالاجتناب فعليّا والفرض ان الاضطرار ليس على النجس بل على أحدهما . فالحكم فعلى على كلّ التقادير لا على تقدير الحكم موجود وعلى تقدير ليس هنا حكم . لأن الفرض ان العلم ما كان واسطة في الثبوت . بل فرضناه واسطة في التنجز . فالان في مورد المشتبهين نجسهما بالطاهر على المكلف خطابان خطاب بدفع الاضطرار وخطاب باجتناب النجس . فمن ناحية الجعل لا مانع ولا اشكال والخطاب فعلى غاية الأمر لمّا لم

ص: 114

يمكن المكلف في مقام الامتثال تشخيص موضوع النجس عن الطاهر لأنّ الاضطرار حاصل بأحدهما لا بالنجس الذي في البين فهنا مخير في ارتكاب أحدهما ولو كان هو نجسا في الواقع . فلو صادف المرتكب الواقع وكان هو النجس فالمكلّف معذور في ذلك وعلى فرض عدم المصادفة وكون الباقي غير المرتكب هو النجس فالمولى يطلبه ويعاقب عليه وهو حرام ارتكابه للخطاب الفعلي . لكن منجزيّة هذا الخطاب على تقدير المصادفة فعلى احتمال يجب الاجتناب عن الباقي وهو لو كان هو النجس وعلى آخر لا يجب لو كان هو المرتكب بالاضطرار بأحدهما غير الممكن رفعه بالطاهر المباح المشتبه بالنجس المانع هذا الاشتباه من تنجز التكليف باجتناب النجس فيكون كما اذا تلف أحد أطراف العلم بعد تنجز العلم . لو كان التالف هو النجس فلا يجب الاجتناب عن الباقي ولو كان هو الطاهر فيجب الاجتناب عن الباقي وهذا هو الشأن في جميع تقادير التلف لأحد الأطراف بعد العلم فيجب الاجتناب عن الباقي غير المرتكب في المقام كما يجب هناك ( أي في صورة التلف بعد العلم ) بل هنا احسن لفعلية التكليف على كلّ حال بخلاف صورة التلف فانه على تقدير أن يكون الباقي هو النجس .

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى الارتكاب الدفعي الذي هو مقابل الخطاب التدريحي وفيه أقوال:

قول بعدم لزوم الاجتناب فكلّ من الأطراف يرتكبه وبعد ارتكاب الجميع

يحصل العلم بارتكابه في البين وحصول العلم قهري وليس بحرام . وللشيخ رحمه الله على ما يظهر من الأمثلة التي ذكرها في المقام تفصيل بين مثل الحيض والربا

الارتكاب التدريجي

ص: 115

والنذر حيث قال بلزوم الاجتناب في النذر المردّد مثلاً بين يوم الخميس والجمعة دونهما . ومثال الأولين ان يشتبه أيّام حيض المرئة ذات الوقت المعين ونفرض مثلاً كان عددها خمسا بين الخمسة الأولى من الشهر والوسط والآخر . فانه في هذه الصورة أطراف العلم تدريجي اذا يرتكب يرتكب تدريجا ولا يمكن جمعها في الارتكاب .

أو مثلاً يعلم بربوية أحد المعاملات التي يوقعها في هذا اليوم أو الشهر أو السنة مثلاً كما انه يحصل مثل ذلك للمفتي بل ربما لا يخلو من ذلك في الموارد التي يجري فيها الأصول .

أمّا قبل الافتاء والجريان أو بعد الجريان يعلم ان أحد هذه الأصول التي اجراها في الموارد المختلفة قطعا كان مخالفا للواقع . ففي مثال الحيض لو كانت ذات العادة العدديّة أيضا وإن لم تكن ذات العدديّة مثل الوقتيّة فقط . فالثلاثة التي

أقلّ الحيض يجري الاستصحاب بالنسبة إليها فكلّ خمسة تمضي من الشهر تجري الاستصحاب إلى الخمسة الاخرى الباقية من الشهر وفيها تجري قاعدة الطهارة أو البرائة في الجميع . كلّ أصل جرى في الأيّام المختلفة بالنسبة إليها وإلى زوجها وبعد ذلك يعلم الزوج والزوجة ان الخمسة التي كان عدد حيضها وقعت في البين والأصل الجاري بالنسبة إليها كان مخالفا للواقع وكذا في الربا بالنسبة إلى كلّ معاملة .

وللمحقّق النائيني رحمة اللّه عليه(1) بيان يظهر منه التفصيل بين المقامات . فكلّ مورد كان العلم الاجمالي علما بالتكليف لابدّ أن يجتنب وإلاّ فلا . فالنزاع

ص: 116


1- . فوائد الأصول 4/108 وما بعده .

صغروي ومهد لذلك مقدمة . وهي ان الزمان يمكن أن يكون بالنسبة إلى متعلّق التكليف على نحوين . إمّا أن يكون له دخل أو لا . بل لمكان ان الفعل المكلف به أمر زماني لابدّ أن يقع في زمان فالزمان ظرف له لا انه مأخوذ فيه . والدخل تارة يكون في الملاك كان يكون للزمان خصوصية في متعلق التكليف نظير دخل حلول الحول في باب الزكوة فالزمان فيه دخيل في الملاك وفي الخطاب . أو ليس له دخل الا في الخطاب وحده فان كان في باب الحيض من قبيل الأوّل أي يكون للأيّام في عادتها موضوعيّة سواء كان الدم بصفات الحيض أو لم يكن بل كانت صفرة مثلاً أو كان مخالفا لصفات الحيض فيحكم بكونه حيضا لخصوصية في نفس الأيّام لا لصفة الدم بخلاف غير هذه الأيّام فالمناط بغلبة الصفات لو كان الاشتباه بين دم الحيض والاستحاضة أو القروح والجروح .

أمّا من باب رافعية الشك وحصول الاطمئنان بها بأن الدم حيض مثلاً أو امارات تعبديّة في هذا الظرف . وان بقى الشك ولم نظن فضلاً عن الاطمئنان أو ان لم يكن فقاعدة الامكان لو كان موردها وسلّمناها في خصوص الاستحاضة والحيض على أيّ . فان كان للأيّام دخل الموضوعيّة ففي هذه الصورة يشكّ في ثبوت التكليف لأنّه لو كانت الأيّام هذه الأيّام الاولى مثلاً فالآن لازم عليها أن تتحيّض وتفعل فعلها وان لم تكن هذه الأيّام فلا تكليف لها فعليّا . اذ الواجب المعلق ما تصورناه بنحو يكون الوجوب فعليّا بل لو كان فالواجب اذ لا يمكن تقدم الموضوع على الحكم كالعكس اذ الموضوع كالعلّة للحكم وان لم يكن العليّة فيه اذ الجعل بيد المولى ولا يمكن أن يتقدّم الحكم على الموضوع أو يتأخّر عنه للزوم المناقضة . والتقدّم للموضوع رتبي فاذا ما أمكننا تصوير الواجب المعلّق

ص: 117

على هذا النحو فلو كان الأيّام الأيّام الآتية من وسط الشهر أو آخره مثلاً فالان لا تكليف اذ فرضنا ان الأيّام دخيلة في الملاك فبناء على هذا لا يلزمها الاجتناب لعدم كون هذا علما بالتكليف لأنّه على تقدير تكليف وعلى تقدير لا تكليف فلا علم بالتكليف الفعلي في البين .

واذ قد استفدنا من الأدلّة في باب ذات العادة الوقتيّة انّ الأيّام لها دخل في الملاك وان كان بصفات الاستحاضة والاستحاضة في أيّام الحيض حيض .

فعلى هذا يكون هذا الباب ممّا لا علم بالتكليف الفعلي فيه ويكون أحسن من الخروج عن الابتلاء لأنّ الملاك هناك تام والابتلاء إنّما هو شرط حسن الخطاب بخلاف المقام فانّ الأيّام دخيلة في الملاك والخطاب كليهما فتجري الأصول في كلّ خمسة أو ثلاثة مثلاً متفرقات أو مجموعات لكون كليهما من الشبهة البدويّة وبعد ذلك اذا يعلم تفصيلاً بارتكاب الحرام لا يضره كما في الشبهة غير المحصورة بتقريب ان الظاهر من الثلاثة هي المتوالية منه لا البياض الذي يكون في طرفي دمه يكون من الحيض في الأيّام فلا يلزمه الاجتناب ويجوز له ارتكاب الجميع تدريجا وكذا يجوز لزوجها أن يأتيها في كلّ يوم مثلاً من الأيّام في هذا الشهر . وكذا لو استمر الاشتباه كلّ شهر ويعلم بمصادفة الأيّام التي تكون فيها حائضا . ووظيفة المرئة في هذه الأيّام اذا رأت الدم الأعمال التي للمستحاضة . واذا ما رأت الدم مثلاً ويحتمل أن يكون النقاء المتخلل بين أيام الحيض فطاهر والترتيب الذي بين في العروة في هذا المقام من الاحتياط في كلتا الصورتين بين تروك الحائض واعمال المستحاضة سهو اذ في البياض لا دم حتى يمكن أن يكون استحاضة بل يكون بين أعمال الطاهرة وتروك الحائض .

ص: 118

ولكن سيّدنا الأستاذ قدس سره قال بعد تسليم هذا التقريب وتماميّته مع ذلك نقول بالاحتياط وعدم جواز الارتكاب وهذا بخلاف باب الربا والنذر مثلاً . فانه يمكن أن يكون في باب النذر بحسب نظر الناذر أن تكون الأيّام دخيلة في الموضوع ويمكن أن تكون ظرفا . فان كانت ظرفا كما في صورة الربا ليس للزمان خصوصيّة ملاكيّة بل الزمان ظرف والحرام انما هو المعاملة الربويّة والواجب هو موافقة النذر والوفاء به . ففي هذا الفرض العلم بالتكليف موجود غايته لا ندري ظرفه هذا اليوم مثلاً أو اليوم الآتي وهنا ليس مثل باب الحيض حتّى يكون الزمان دخيلاً في الملاك بل لحسن الخطاب فعلى هذا يتّجه التفصيل المذكور من الشيخ بهذا التقريب .

فذلكة: قد تبيّن انه ان كان للزمان دخل في التكليف فلا يكون علما بالتكليف وتجري الأصول بالنسبة إلى أطراف الشبهة وبعد ذلك يعلم بارتكاب الحرام الواقعي في البين . ولابأس بذلك اذ الحرام الواقعي بما هو حرام لا يوجب الاجتناب ما لم يتنجز ولم يعلم المكلف به . كما في الشبهة البدويّة فانه بعد ارتكاب عدّة من الشبهات يحصل له العلم بارتكاب حرام في البين أو ترك واجب فيه ولا اشكال في ذلك كما في الصلاة فان للوقت دخلاً فيها وفي الصوم والحج وغير ذلك من التكاليف المعتبر فيها الوقت بخلاف ما لو كان الوقت ظرفا للمكلّف به لا دخيلاً فيه فان في هذه الصورة العلم بالتكليف حاصل في البين غاية الأمر تمام أطرافه ليست آنيّ الارتكاب للمكلّف بل بتدرّج الزمان يحصل أطرافه ويرتكبها فالعلم علم بالتكليف الفعلي المنجز ولا فرق بينه وبين الدفعي الا خصوص تمكن المكلّف فيه اختيار أي الأطراف شاء عرضا لا دفعة في تمام

فذلكة البحث

ص: 119

الموارد فانه لا يمكن أن يأكل جميع الدبس الذي أصابه أو الماء نجاسة . مثل ما اذا يعلم اجمالاً بأن هذا الكأس نجس أو الكأس الذي يوجد في الغد أو يصل إليه ونظير ما اذا علم بنجاسة هذا الاناء أو الاناء الذي اذا أراد شرب مائه يصل إليه بعد

ساعة فانه في كلّ هذه الصور التكليف الفعلي موجود وظرف تمكنه من الارتكاب بعد ذلك وهذا معنى مقالة الشيخ من دفعية الأطراف فانه لا معنى صحيح لكلامه الا هذا .

فعلى هذا يلزمه الاجتناب في مثال الربا والنذر وأمثال ذلك بخلاف الحيض وغيره من الموقتات التي للوقت دخل فيها ( فيجري في مثال الحيض استصحاب الطهارة إلى ثلاثة أيّام أو خمسة بقيت من الشهر وبالنسبة إلى هذه الثلاثة أو الخمسة مثلاً إن كان الاستصحاب أو أصل موضوعي آخر أحد أركانه غير تام ولا يجري فالأصل الحكمي هو البرائة موجود لتماميّة أركانه .

ولعلّ الوجه في عدم جريان الاستصحاب في الثلاثة الأخيرة هو عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ .

أقول: وان أفاد سيّدنا في المقام ما سطرناه عن شيخه أو قولاً من نفسه الا ان البرائة لا تجري في المقام لعدم المنّة في هذه الموارد لوجوب الصلاة عليه والصوم وإن رفعت تكاليف آخر وحللت لها اشياء ورفعت السر عنها فتأمّل ولكن المحقّق النائيني رحمه الله وان قبل ذلك في الحيض وارتضاه وصحّحه بحسب الصناعة

العلميّة الا انه تصدى للاجتناب والاحتياط من طريق آخر ولا يلتفت إلى ما يمكن أن يقال في المقام بأنّ للمكلّف في كلّ طرف يجري الاستصحاب أو أصلاً آخر علماً اجماليّاً اما فعل الصلاة لها واجب أو حرام وكذا الصوم فيكون في أمثال

ص: 120

هذه التكاليف دوران الأمر بين المحذورين . فالنتيجة التخيير العقلي بمعنى انه اما فاعل أو تارك ولا مجال لجريان الاصول في طرف العلم . بخلاف مثل دخول المساجد أو مس كتابة القرآن فانه ليس العلم الاجمالي فيهما منعقدا .

وذلك لأنّ الاستصحاب الموضوعي يعين ان المقام مقام الطهارة وبعد ذلك يجب عليها أفعال الطاهر أو المستحاضة ( كما لعله يوجد لها في الفقه أمثلة كثيرة ) حتى في الشبهة البدويّة أيضا ذلك اذ الشك بما هو شك ليس عذرا ما لم يكن قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو البرائة الشرعيّة تؤمنه ( فانه اذا كان هناك ماء مشكوك الطهارة وليس له ماء غير هذا وهو محدث في وقت الصلاة فانه لو كان نجسا يحرم التوضؤ والصلاة به ولابد أن يتيمم وإن كان طاهرا يجب ومع ذلك يجري الاستصحاب وذلك لأن موضوع الأصول الشك واذا كان هناك شك لا مانع من جريانها ) .

وهذا الطريق الذي للمحقق النائيني أعلى اللّه مقامه هو العلم بالملاك فانا نعلم بوجود ملاك التكليف وإن لم نعلم بالخطاب بل ونعلم بالخطاب أيضا لكن علمنا بالملاك فعلي اما في هذه الخمسة أو في تلك أو تلك وكذلك . واذا كان الوقت والزمان حاصلاً ينتج وهذا الملاك أمر من أمر وينشأ منه شيئان أمر يتعلّق بالموضوع وأمر تولّدي يتعلّق من الموضوع إلى مقدّماته وهذا الأمر التولدي المترشح من خطاب ذي المقدمة اذا لم تكن هي فمن الملاك لاستقلال العقل بلزوم حفظ الملاك حتّى لا يفوت في وقته فيكون من قبيل المقدّمات المفوتة . فانه لو لم يتحقق المسير يلزم منه عدم حصول فعل المناسك في وقتها فيلزمه بحكم العقل حكما استقلاليّا الاحتياط في أطراف الشبهة حتى لا يفوت الملاك الذي يحصل

ص: 121

منه الخطاب في وقته والدخيل فيه . فمن هذه الخمسة وهذه وتلك وتلك إلى تمام أطراف الشبهة . فعلى هذا لا فرق بين باب الحيض وأمثاله وغيره في كلام الشيخ .

لكن سيّدنا الأستاذ قدس سره استشكل عليه بأن ليس للعقل حكم فانّه ليس مشرعا بل الخطاب إن كان فاللازم الامتثال والا فلا يلزم المكلف بشيء .

اذ مع جريان الأصول وعموم أدلّتها لزمان الشك بتمامها أيّ حكم للعقل وفي الشبهة البدويّة أيضا الأمر كذلك ما لم يدلّ دليل عقلي أو نقلي على الترخيص أي لم يؤمّن المكلّف من ارتكاب الشبهة فعلاً وعدمه تركا . فانه لا يمكنه الخطاب الفعلي بالعمل والاذن في تركه فاذا ورد الترخيص لابدّ أن يحمل على عدم مطالبته فعلاً يعني لا خطاب له بالفعل واستواء العالم والجاهل في الأحكام في هذه الصورة يصحّح العهدة واشتغالها ولكن لا خطاب ولا مطالبة كالاشكال المعروف في قاعدة الفراغ مع الخطاب بالصلاة التي أصبحت عويصة لم تنحلّ . فانه يقال مادام الشك فاذا تبدل الشك وانكشف الخلاف يصير الأمر شيئا آخر وما ذكره في تصحيح القول بوجوب المقدميّة في باب الحج وقياس المقام بذاك قد أجبنا في موضعه عن كلّ الوجوه التي أقامها على هذا وقلنا لا يصح شيء منها .

وفرق بين المقدّمة المفوتة والمقام بيّن .

نعم لو قيس المقام بالشكّ في حصول الاستطاعة أو كان السرب ممنوعا من السير أو كان مانع في المكان الشريف وشك في رفع هذه الموانع وحصول الاستطاعة يجري البرائة كان في محلّه ولكن مع هذا لا يقبل الوجدان والذوق ذلك في باب الحيض فتجري الأصول .

أقول: يمكن أن يستشكل فعليّة التكليف في بعض صور مسألة الربا والنذر

اشكال سيّدنا الأستاذ

ص: 122

وأمثالهما فانه ليس تمام الأطراف مبتلى به فعلاً ويقال بجريان الأصل في كلّ الأطراف كلّ في ظرفه فان الكبرى بما هي كبرى لا تحقق الصغرى بل في ظرف حصولها تشملها بمحمولها وتنطبق عليها وللشيخ في المقام في مثل الربا كلام .

وهوانه فرق بين جريان الأصول العمليّة أو اللفظيّة أم لا ؟ فاذا جرى في مورد أصل عملي لمكان المعارضة والابتلاء بالعلم الاجمالي يكون حال الأصول اللفظيّة كحالها أم لا ؟ يظهر من الشيخ رحمه الله فرق بين المقامين . لكن لم يبيّنه . الا انه لا احتياج إلى ذلك في الأصول اللفظيّة اذ الأصول اللفظيّة اذا شككنا في فرديّة شيء للعام أو انطباق المطلق على شيء لا تجري بلا حصول علم اجمالي حتّى يمنع العلم عن ذلك وبعد ذلك هل ملازمة بين الحرمة التكليفيّة والفساد في مثل المعاملة الربويّة . وكذا ملازمة بين الحلّيّة والاباحة والصحّة أم لا ؟ ربما يكون المكلّف بالنسبة إلى الحكم التكليفي غير معاقب لنسيانه أو قصوره ولصغره ومع ذلك تكون المعاملة فاسدة فكلّما شككنا في صحّة معاملة وحرمتها تجري البرائة التكليفيّة ونحكم بعدم صحّة تلك المعاملة وان النقل والانتقال ما حصل . وما كان هذا سببا له فلننقح الكلام . واستشكل سيّدنا الأستاذ قدس سره كلام شيخه باعتبار أمر زائد في المعاملة الربويّة وهو تساوي المالين على ما ببالي أي قيد هذا قيد زائد على اعتبار شروط المتعاملين أو العوضين .

وكيف كان تبين ان في باب الحيض وكل ما هو مثله ( فانه لا خصوصيّة له ) اذا كان الزمان له دخل موضوعي سواء كانت الأطراف دفعيّة أو تدريجيّة لا علم بالتكليف وتجري الأصول في أطراف الشبهة حسب القاعدة . لأنّ المناط العلم بالتكليف . فاذا لم يكن علم بالتكليف بل كان على تقدير فالأصول جارية بلا

ص: 123

معارضة بخلاف مسئلة الربا ونحوه ممّا ليس للزمان فيها دخل موضوعي .

فهناك علم بالتكليف الفعلي على كلّ تقدير فلا مجال لجريان الأصول . وفي باب الحيض جريان الأصول مختصّ بذات العادة الوقتيّة سواء كانت عدديّة أم لا على ما يظهر من كلام سيّدنا الأستاذ ( الناسية للوقت لكن اذا كان الوقت له دخل موضوعي في باب الحيض وأمثاله فأي اختصاص له بذات العادة الناسية لعادتها ) غير المبتدئة فان لغيرها أحكاما في مورد الشكّ لابدّ من الرجوع إليها .

أمّا الرجوع إلى عادة أهلها أو أقرانها إلى غير ذلك وفي الناسية أيضا اذا لم يكن لها اقبال في الدم ولا ادبار ولكن في باب الحيض هذا مجرد فرض اذ الروايات الواردة في باب اشتباه دم الحيض بالاستحاضة تغنينا عن كلّ شيء في موارد الشكّ خصوصا المرسلة(1) الطويلة التي قال الامام علیه السلام في صدرها مضمونا لا يتحير أحد في موضع فانه متضمن لتمام خصوصيّات المسئلة وأطرافها ورواية(2) يونس ورواية قصيرة(3) إلى غير ذلك المطلوبة في مظانها . الا ان مراد الشيخ رحمه اللهمن عنوان المسئلة والتمثيل بالحيض في قبال الشيخ الطوسي رحمه الله حيث يقول لابدّ من الاحتياط . ان مقتضى القاعدة لو لا الأدلّة الواردة في المقام الرافعة

للتحير المبينة حكم هذه الموارد ذلك أي جريان البرائة ) بالنسبة إلى المرئة والرجل كليهما .

واستشكل أي على القائل بالاحتياط في صورة اشتباه الدم واستمرار

الاشتباه في تمام أيّام الشهر حيث لابدّ لها على هذا القول من الجمع بين تروك

ص: 124


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 3/4 من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 5 - 7 - 6/1 - 2 - 1 من أبواب الحيض .
3- . وسائل الشيعة 2 الباب 5 - 7 - 6/1 - 2 - 1 من أبواب الحيض .

الحائض وأعمال المستحاضة ( ولو لزم العسر والحرج ) وكذا لو استمر الاشتباه في الأشهر الآتية .

وأجيب عن الاشكال بأن لا حرج في حكم الشارع . انما الحرج لزم من ناحية اشتباه المكلف به الواقعي الذي لا عسر فيه من ناحية الشارع . فالعسر إنّما لزم من ناحية العقل في مقام الامتثال فتصير النتيجة في مثل هذه الموارد بالاخرة إلى التبعيض في الاحتياط على ما مرّ في مبحث الانسداد مفصّلاً . وإلاّ فبعد الرجوع إلى الأدلّة والعمل بالامارات الرافعة للشكّ تعبّدا أو وجدانا أو بناءً على اعتبار الظن في هذا الباب بأن أخبرها عدل ضابط لأيّام حيضها فتعمل على مقتضاها . وكذا هذا المثال في باب الربا والنذر ليس على ما ينبغي . لأن في باب النذر وان كان مقتضى القاعدة والصناعة هذا لو كان بناءً على الدخل الموضوعي حسب نذر الناذر الا انه لا يقول به أحد مع علم الناذر بأن زمانه إمّا هذا اليوم أو اليوم الآتي مثلاً فهي قاعدة تضرب على الجدار ( هكذا عبّر سيّدنا الأستاذ ) وفي باب الربا هل يمكن تصوير ذلك . بأن يعلم اجمالاً ان أحد معاملاته التي يوقعها في هذا اليوم مثلاً ربويّة كيف يمكن ذلك حال الالتفات فان موضوع الربا معلوم عند هذا الشخص وهكذا حكمه حسب الاجتهاد أو التقليد في المكيل والموزون . مثلاً هل المناط بزمان النبي صلی الله علیه و آله أم بزمان صدور الروايات أم بلد المتبايعين .

نعم يمكن تصويره في حال السهو أو مثلاً يشتبه عليه ان هذا المبيع من الربوي أم لا ويلتفت بعدا ( أو كما قال بعض الحاضرين لمجلس البحث ضبط عليه شخص معاملاته في اليوم السابق ويعامل مثلها في اليوم اللاحق ولفته ان احديها ربويّة على فرض نادر ) .

لزوم العسر من ناحية حكم العقل

ص: 125

نعم المثال بباب النظر والمساس للأجنبيّة حسن لعلمه الاجمالي في بعض الموارد بمصادمته لصدور مكشوفة ووجوه ورقاب غير مخدورة منهنّ وأراد الخروج مثلاً إلى السوق أو التشرف بالحضرة الشريفة العلويّة على مشرفها السلام أو يبتلي بغيبة في ذلك المجلس الفلاني . ولكن الأمثلة أيضا لا ربط لها بالمقام لأنّ

الذهاب إلى السوق والمجلس غير حرام لفاصلة اختياره الثاني ( وكذا في الأوّل في بعض الموارد إلاّ أن يقال في بعضه الآخر وان كان قهرا بلا اختيار ولكن الشارع أراد أن لا يقع هذا العمل في الخارج لا عن ارادة واختيار بل مطلقا ولا يلزمنا ذلك ( أي وجوب الاحتياط في هذه الموارد ) إلى القول بالواجب المعلّق فانه محال لبرهان الخلف والمناقضة ( نعم في باب الصلاة بالنسبة إلى كلّ جزء إلى الآخر صوّرناه على نحو التعليق .

اشارة تتعلّق بالأفعال الخارجيّة وهي فعل المكلّف به هذا وللشيخ كلام(1) في الفرق في هذه الموارد كما قلنا آنفا بين الأصول اللفظيّة والعمليّة التي في مورد العلم الاجمالي بين أطراف الموارد . لكن من المعلوم انه لا كلام في جريان الأصول العمليّة في بعض الموارد لا في جميعها لا لقصور في أدلّة الأصول بل لقصور في هذه الموارد في المدلول فان المدلول في هذا لا ينطبق في مقام الجعل على كلّ الموارد للمناقضة .

نعم اذا كان واحد من الأطراف لا يجري فلا اشكال في جريان الأصل

بالنسبة إلى الأطراف الباقية ولا يمنع العلم الاجمالي من ذلك لأن مورد جريان

ص: 126


1- . فرائد الأُصول 2/427 كلام الشيخ في الفرق انما هو في مورد العلم الاجمالي بين المشتبهات التدريجيّة .

الأصول هو الشك فان كان العلم يمنع من ذلك بل يختص موردها بما اذا لم يكن علم بالخلاف فيلزم لغوية جعل الأصول لا ان كل مورد حتى في الشبهات البدويّة لا نعلم ذلك . وانه هل في هذا المورد جعل على الخلاف أم لا ؟ فيكون من باب التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة . واذا علمنا أيضا ان لا علم بالخلاف فلا حاجة إلى جريان الأصل وهذا بخلاف باب الأصول اللفظيّة عند الشك وإن كان في الشبهة البدويّة لا يجوز اجراءها لعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة ولا تصل النوبة إلى تأثير العلم الاجمالي ذلك .

نعم لو أغمضنا عن ذلك وقلنا في الشبهة المصداقيّة البدويّة لا مانع من الجريان فللكلام في العلم الاجمالي مجال . ولكن أين موضع هذا القول ( فاذا شككنا في فساد المعاملة وصحّتها تجري الاصول العمليّة في المقامات . لكن لا يمكن التمسّك بالأصول اللفظيّة للشكّ في مصداقيّة المورد لها لانّ الكلام في العلم الاجمالي ) وبعد ذلك هل ملازمة بين حليّة المعاملة وصحّتها وكذا بين حرمتها وفسادها أم لا ؟ لا كلام ولا اشكال في ملازمة الحليّة التكليفيّة والصحّة وكذا في باب النواهي في المعاملات فان النواهي في هذا الباب على قسمين . نهي نفسي ونهي غيري والنهي الغيري كالأمر الغيري يرجع إلى الارشاد إلى مانعيّة شيء والأمر إلى شرطيّة شيء في المتعاملين أو العوضين أو الصيغة . فهذا القسم من النواهي لا ملازمة بينها وبين الحرمة التكليفيّة . والقسم الآخر من النواهي وهي النواهي النفسيّة التي تعلّق النهي بنفس المعاملة ففيها النزاع . هل يوجب فساد المعاملة أم لا .

وفيها أيضا الحق انه لا يوجب الفساد ما لم يرجع إلى معنى الاسم

جريان الأصل وعدمه لفظيّاً أو عمليّاً في مورد الشك

ص: 127

المصدري الذي معناه رجوع النهي إلى قصر سلطنة أحد المتعاملين ومحجوريّته وهو راجع إلى قيد وجودي في المعاملة ففي كلّ شيء فيها أي المعاملات في شروط الصيغة أو المتعاملين أو العوضين في باب البيع والاجارات والمساقاة وكذا جميع العقود والايقاعات . اذا تبين عدم حصولها على وجهها فالمعاملة فاسدة مع انها غير حرام قطعا . وان كان المحقّق النائيني قدس سره كان يقول في أوّل الأمر بالملازمة لكنه رجع أخيرا فقال بخلاف ما قال الشيخ من الملازمة . والحق هو ما قال أخيرا ورجع إليه .

هذا تمام الكلام في الشبهة المحصورة .

الكلام في الشبهة غير المحصورة:

أمّا الكلام في الشبهة غير المحصورة فالمعروف والمشهور بينهم بل ادّعى عليه الاجماع عدم وجوب الموافقة القطعيّة وعدم حرمة المخالفة القطعيّة لكن المسئلة خلافيّة .

والكلام يكون تارة بحسب متعلّقات التكليف وقد مرّ مشروحا مفصّلاً في باب الانسداد وما تراكم عليه أفكار المتأخّرين تنقيحا وتحقيقا لموارد البحث من المتقدمين بما لا مزيد عليه . وتارة يكون في الماليات وهي أيضا لابدّ من أن يفرض على نحو لا يكون موضوعا خارجا من الفرض .

اذ مثل اللقطة والمال مجهول المالك وان كانا موضوعين من موضوعات الماليّات الا انه لا مساس لهما بمورد البحث من الشبهة غير المحصورة .

فمثال ما نحن فيه هو مال بيده لا يعرف صاحبه في محصور فما وظيفته في مثل هذا الفرض وذمته مشغولة بالنسبة إلى أيّ شخص ( لا يخفى ان مبنى المثال

في الشبهة غير المحصورة

ص: 128

على تعميم الكلام في المسألة في الشبهة الموضوعيّة التحريميّة ) والوجوبيّة وإن كان بينهما فرق في بعض الموارد الا ان محل البحث هنا هو التحريميّة وان كان في الشبهة المحصورة في باب الماليات لا يمكنه أن يأخذ من كلّ شخصين عمل لهما أجيرا واعطاه كلّ واحد دينارا فأصبح أحد الدينارين قلبا فلا يمكنه أن يأخذ من كلّ منهما دينارا وهما أيضا ان لم يعلما بحقيقه الحال لابدّ لها أن يفرغا ذمّتهما فبالاخرة ينجرّ إلى الاحتياط والتصالح .

وربما فرق بين الموافقة القطعيّة والمخالفة القطعيّة فيقال في مورد البحث بحرمة الثاني دون وجوب الأول .

وقد اختلف كلمات الأصحاب في بيان ضابط الشبهة غير المحصورة وكذا في الاستدلال على حكمها . فعن بعض ما تكون نسبته إلى أطرافه نسبة الواحد إلى الألف . وعن آخر ما لا يمكن المكلف ارتكاب تمام أطرافه . ولعله دفعة أو ما يلزمه العسر في الاجتناب عنها والكل غير منضبط وغير مطرد ولا منعكس فلازم الأول اذا كان واحد حبة من حنطة مثلاً في ألف حنطة . انه لا يلزم الاجتناب والثاني هو عدم العلم بالتكليف . اذ الكلام في الشبهة المحصورة وغير المحصورة بعد الفراغ عن ثبوت التكليف فيهما والا فلو لم يكن التكليف فعليا أو لم يكن تكليف فلا مجال للكلام . فبعد مسلمية هذا المقدار وهو كون الأطراف ممّا في ظرف قدرة المكلّف تنقسم الى المحصورة وغير المحصورة .

واذا كان لا يمكن المكلف ارتكاب تمام أطرافه فهذا المقدار منها في التكاليف التحريميّة بنفسها متروك فلا معنى للزوم الاجتناب من ناحية نهي المولى بلزوم اللغوية والاستهجان . فلابدّ في حسن الخطاب من كون الفعل على طرفيه

ص: 129

تركه وفعله مقدورا للمكلف حتى يلزم بأحدهما اما الترك أو الفعل ( وبناءً على زيادة قيد دفعة في التعريف يلزم النقض بالمحصورة اذ ارتكاب جميع أطرافه أيضا دفعة ربما لا يمكن في كثير من الموارد ) .

والثالث أيضا يلزم فيه الاجتناب بمقدار يرفع العسر فلابدّ من تعيين ضابط للشبهة غير المحصورة ينطبق على جميع موارده . وبه يمتاز عن الشبهة المحصورة وهو أن يقال عدم مقدوريّة المكلّف على ارتكاب بعض الأطراف الدخيل امكانه في حسن الخطاب بالاجتناب عن ذلك الطرف .

تارة يكون من جهة البعد وإن كانت الأطراف محصورة . وتارة من جهة عدم الابتلاء به الذي يكون مرجع البعد إلى هذا . وتارة يكون من جهة كثرة الأطرف بحيث توجب كثرتها خروجها عن تحت قدرة المكلّف على نحو لا يمكنه ارتكاب جميعها . فهذا القسم من الشبهة هي الشبهة غير المحصورة ولابدّ منه ونحن لسنا دائرين مدار التسمية أذ لفظ المحصورة وغير المحصورة ليس في لسان الأدلّة . فالمناط هو عدم المقدوريّة يعني المناط في عدم لزوم الاجتناب من الأطراف . وفي هذا المورد كثرة الأطراف أوجبت ذلك ولا نضائقكم في التسمية فبأي شيء تريدون سمّوه ولا يرد عليه النقوض الواردة على غيره من التعريفات .

فيرتكب جميع أطراف الشبهة تدريجا وان بقي إلى أن تمكن من ارتكاب

جميعها ففي هذا الفرض لابدّ من الاجتناب عن الباقي كما يقول به الشيخ لا لكونه من الشبهة غير المحصورة بل لقلب الفرض . وذلك فبما انها كانت من القسم الذي تحت قدرة المكلّف وممكن له ارتكاب أطرافها كما يلتزم به القائل بالتعريفات السابقة في هذا الفرض ( أو يستفاد من كلامه ) من انه لا يلزمه الاجتناب فيرتكب

ص: 130

تدريجا إلى أن يبقى مقدار من الأطراف قابل للانطباق من الشبهة فبعد ارتكابه يعلم بارتكاب الحرام في البين . بل لا حرام واقعا اذا كان مرخّصا اذ حصول العلم بالحرام وارتكابه ليس بحرام وعند وصول الأطراف إلى هذا الحد يحتمل أن تعلق التكليف والاجتناب كان من التي ارتكبها سابقا . وببيان هذا الضابط للشبهة (غير) المحصورة علم الاستدلال بعدم لزوم الاجتناب عن أطرافها اذ لا علم بالتكليف لعدم مقدوريّته على ارتكاب الأطراف . وارتكاب بعض وامكانه إنّما يحسّن الخطاب بالاجتناب عنه لو كان هو الحرام في البين . ولمكان الجهل بذلك وإنّما الموجود مجرّد احتمال الشك يجري البرائة بلا معارضة من الأطراف الاخر لعدم حسن الخطاب بالنسبة إليها لو كانت متعلق التكليف لو ابتلى بها على ما تقدم سابقا .

فعلى هذا يتوجه هنا جميع ما كان يتوجّه في المحصورة من الاشكالات المسلم بعضها والمجاب آخر . وهذا هو الاستدلال الصحيح الذي يليق الاعتماد عليه . اذ ما استدلّوا به على الحكم المدعى المذكور في الباب من عدم لزوم الموافقة القطعيّة وعدم حرمة المخالفة بالنسبة إلى تمام الأطراف إلى سوى ما يبقى قابلاً لانطباق الشبهة عليه لا يخلو من خدشة .

فمنها الاجماع . وفيه ان الاجماع بما هو لا يكون مدركا للحكم الشرعي ما لم يكن كاشفا عن قول المعصوم علیه السلام .

ولو بانكشاف قول زرارة وغيره من خواص أصحاب الامام علیه السلام بحيث لو شافهنا بالخبر المنقول عنه في الأبواب الفقهيّة لقطعنا بقول الامام علیه السلام .

ومن هنا كان مرجع الأدلّة إلى واحد اذ الاجماع والعقل كواشف عن قول

ضابط غير المحصورة

ص: 131

الامام وقول الامام قول الرسول صلی الله علیه و آله وقال الرسول قال اللّه كما ورد في الخبر مضمونا ما(1) رويته عني فاروه عن أبي وجدّي عن اللّه عن الرسول .

وفي المقام يحتمل استناد المجمعين في ذلك إلى سائر أدلّة الباب كما يحتمل استنادهم إلى ما ذكرنا من الاستدلال . والاجماع المدركي المناط بمدركه.

ومنها لزوم العسر والحرج . وفيه ان ذلك يرفع حكم مورده ويقتصر عليه فيه ويوجب التبعيض في الاحتياط .

ومنها الخبر(2) الوارد في الجبن كما ورد الاستدلال في الرسائل عن محاسن البرقي عن أبي الجارود قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن . فقلت له أخبرني من رأى انه يجعل فيه الميتة . فقال امن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرضين إذا علمت انّه ميتة فلا تأكله وان لم تعلم فاشتر وبع وكل .

واللّه انّي لاعترض السوق فاشترى بها اللحم والسمن والجبن واللّه ما أظن كلّهم يسمون هذه البرية وهذه السودان .

والامام علیه السلام قرّره على اعتقاده ميتيّة الانفحة ونجاستها . مع ان ما في الانفحة حكمه حكم اللبن وهو طاهر الا ان مع الجلدة اذا أصاب الجبن تنجس بالملاقاة ولكن حكم العقل بتأثر الملاقى ووجوب الاجتناب عنه في هذا المورد قد خصّص بنص الشارع ( لا يخفى ان ما هنا ينافي ما بنى عليه سيّدنا الأستاذ قدس سره من الموضوعيّة للملاقى ) ولكن أورد الشيخ الأنصاري قدس سره اشكالاً عليه لو لا ورود هذا الاشكال لكان صريحا في المطلوب . وهو احتمال عدم لزوم الاجتناب عن جبن

ص: 132


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/86 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 25 الباب 61/5 من أبواب الأطعمة المباحة .

الأماكن التي غير هذا المكان المعلوم جعل الميتة فيه لا انه لا يجب الاجتناب عن كلّ جبن يحتمل أن يكون من ذلك المكان .

وبعد ذلك يقع الكلام في الشبهة الوجوبيّة غير المحصورة هل هي مثل التحريميّة في عدم لزوم الاجتناب عن الأطراف . فلا يجب فيها شيء أم بمقدار يمكن ولا يلزم منه عسر وحرج ؟

لعل ظاهر كلمات الأصحاب ذلك ( يعني الأول ) ولكن لابدّ من الاتيان بنحو الاحتياط في الفرض بالمقدار الذي لا يلزم منه عسر ولا حرج .

فذلكة: استدلّوا على عدم لزوم الاجتناب عن أطراف الشبهة غير المحصورة بالاجماع وجها أولاً .

وقد علم هذا الاجماع . والوجه الثاني الأخبار الواردة في كيفيّة جعل التكاليف وان الشريعة شريعة سمحة سهلة . وان « اللَّهُ يُرِيدُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »(1) ومثل « ما جعل عليكم في الدين من حرج »(2) .

وفيه ان لا حرج ولا عسر في جعل الأحكام وان العسر والحرج قد يكون في مقام الامتثال والا فحكم الشارع ليس بحرجي .

فان كان الاحتياط مخلاًّ بالنظام فلا يجب وإذا كان عسريّا أيضا فلا يجب .

فعلى هذا يجب الاحتياط بمقدار لا يلزم منه العسر ولا يلزم في الباقي اللازم منه العسر . مع ان الكلام أعم من ذلك اذ كلّ مورد لا يلزم من الاجتناب منه عسر ولا حرج .

دليل عدم لزوم الاحتياط

ص: 133


1- . سورة البقرة: 186 .
2- . سورة الحج: 79 .

الوجه الثالث: ان الجمع بين الأخبار الواردة في حليّة المشتبهات من نحو ( كلّ شيء هو لك حلال )(1) والواردة في الاجتناب عنها من نحو خبر التثليث(2) حرام بيّن وحلال بيّن وشبهات بين ذلك إلى ومن اجتنب الشبهات نجى من المحرمات وفي بعضها(3) من ارتكب الشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم . فان الأوّل نص في الشبهات غير المحصورة وظاهر في المحصورة بخلاف الثاني فانه نص في المحصورة التي أطرافها متعلق العلم الاجمالي وظاهر في الشبهة غير المحصورة فيجمع بينهما بذلك .

ولكن هذا الجمع لا شاهد له . فان في هذه الأخبار احتمالات قد مضت بعضها في البرائة .

ومنها: اختصاص خبر التثليث وأمثاله بالشبهة الموضوعيّة في أطراف العلم الاجمالي وأخبار الحل بالشبهة البدويّة .

فتبقى الشبهة غير المحصورة . فاما أن تلحق بالشبهة المحصورة فلابدّ من معاملتها معاملتها واما ان نلحقها بالشبهة البدوية اذ بناءً على هذا خارجة عن مورد كلتيهما . فان الحقناها بالشبهة المحصورة يلزم أن لا يكون مورد لأخبار البرائة والشبهة البدويّة . اذ في عدة موارد يجري الأصل يعلم اجمالاً بمخالفة أحدها للواقع وإن لم نعلمه تفصيلاً . وعلى الظاهر لا يقول أحد بذلك . وأيضا من المسلم عدم لزوم الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة التحريميّة بين المحدثين

الوجه الثالث لعدم وجوب الاحتياط واشكاله

ص: 134


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/9 مع تفاوت في بعض العبارات .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/9 مع تفاوت في بعض العبارات .

والأصوليين . وكذا ورد في خبر(1) السارق ما علمت انه بعينه مال السرقة فلا تشتره المعطى جواز الارتكاب وإن كان في مورد العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة وقد جمع روايات ذلك في حاشية المكاسب وقال لو لا ذهاب المشهور على خلافها لم يكن مانع من القول بمقتضاها والفتوى على طبقها .

فعلى هذا يكون صورة العلم الاجمالي أيضا غير لازم الاجتناب فما علم انه ميتة بعينه فلا تأكله .

ولكن يحتمل أن يكون المستند في ذلك اليد .

أقول ويمكن كونه أيضا الخروج عن الابتلاء بالنسبة إلى بعضها .

الرابع: خبر(2) الجبن المروي سابقا عن أبي الجارود ولم يرد فيه مدح بالخصوص بل الوارد عدة(3) روايات في ذمّه .

نعم قد ورد فيه عموما مدح من كونه من أصحاب الباقر علیه السلام فان الامام

علیه السلام وصفهم ومدحهم بامثال ( لو لا هؤلاء لاندرس آثار أبي )(4) و ( أنتم القرى الظاهرة ونحن القرى الباطنة )(5) لكن لم يوثقه واحد وسبق نقل الخبر عن المحاسن وفيه احتمالات . أحدها منطبق على المقام وصريح في المطلوب وهو قوله علیه السلام فما

ص: 135


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 53/6 من أبواب ما يكتسب به عن شراء الخيانة والسرقة قال إذا عرفت ذلك فلا تشتره إلاّ من العمال .
2- . وسائل الشيعة 25 الباب 61/5 من أبواب الأطعمة المباحة .
3- . معجم رجال الحديث 7/322 الى 324 .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/20 من أبواب صفات القاضي واللفظ رحم اللّه زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه اندرست أحاديث أبي علیه السلام وفي رواية 11/26 ان أصحاب أبي كانوا زينا احياء وأمواتاً ثم سمى زرارة ومحمد بن مسلم وليث المرادي وبريد العجلي .
5- . الوسائل 27 الباب 11/46 - 47 مع تفاوت لا يضر .

علمت فيه ميتة فلا تأكله .

اعطاء قاعدة ( وهي عدم لزوم الاجتناب عن تمام الجبن الذي يكون في البلد بمجرد علمه ( أي السائل ) بكون بعض الجبن الذي يدخل في البلد المسكون فيه مجعولاً فيه الميتة . كما يؤمى إليه ذيل الخبر ما أظن ان هذه البرية كلّهم يسمون

بناءً على ظهوره في علمه بعدم تسمية بعضهم وفيها من لا يسمى ولا رجحان لهذا الاحتمال من بين ساير الاحتمالات التي يكون في الخبر . ومنها أن يكون قوله علیه السلام فما علمت انه ميتة بعينه فلا تأكله مخصوصا بما اذا علم تفصيلاً . فعلى هذا ينتج خلاف المقصود . فلا يجب في الاجمالي في المحصورة وغيرها الاجتناب بل يختص صورة الاجتناب بما اذا علم تفصيلاً المجعول فيه الميتة خصوصا بملاحظة قوله ( اني اعترض السوق ) فانه ليست خارجة عن الحصر مع العلم الاجمالي يكون بعضها ممّا لم يسم عليه .

والاحتمال الآخر أن يكون المراد ( ممّا عملت انه ميتة يعني المكان الذي دريت انهم يجعلون فيه الميتة فلا تأكله . اذا كنت في ذاك المكان مثلاً تدري ان العشيرة الفلانيّة يجعلون فيه الميتة فاذا حضرتهم فلا تأكل من جبنهم . ولكن ذلك لا يمنعك من أكل الجبن الذي لا تدري انه منهم الوارد في هذا البلد . فعلى هذا يكون الشكّ في فرد يبن دخوله في طرف الشبهة التي يعلم فيها بجعل الميتة فيها ودخوله في غير تلك الأطراف فلا يجب الاجتناب عن هذا الفرد . واحتمال آخر وهو انه لا يكون من هذا القبيل بل يدري ان في العشيرة الفلانيّة يجعلون الميتة في الجبن ويسئل عن سببية ذلك لحرمة الجبن وان لم يكن من الجبن الذي يعمله تلك العشيرة بمجرد احتمال . فعلى هذا لا يمكن القطع بذلك مضافا إلى ما أورد

ص: 136

الشيخ رحمه الله على هذا الخبر والاستدلال وقد مضى آنفا . مع ان هذا الخبر بعد الغضّ عن سنده معارض بعدة روايات وردت في طهارة الانفحة والظاهر ان الميتة التي كان في كلام السائل ذكرها ليست الا هي وهي في الحيوان قبل أن يعلف بل مادام يرتضع وهي اما اسم لما في الجلدة في اللبن المنجمد المستحيل أو لتلك الجلدة نفسها وعلى أي حال يعصر اما مع كيسها في اللبن الذي يريدون صيرورته جبنا أو بعد الجفاف مع الجلدة منها في اللبن فتنفذ الرطوبة في أعماقه فيعصرون منه ما به يخثر اللبن فيصير جبنا وهذه . الخصوصيّة لها مادام لم يعلف الحيوان فاذا علف تذهب هذه الخصوصيّة وتسمّى هذه بعد ذلك كرشا . وعلى أي ان اللبن المنجمد فالاخبار واردة بطهارته فيكون كفارة المسك . ففي خبر قتادة يسئل عن الامام علیه السلام عن الجبن(1) وانه يجعل فيه هذه والامام علیه السلام يقول ما مضمونه عدم البأس بذلك فيكون مثل البيض من الدجاجة التي ماتت فكما انه اذا حضنت فصارت البيضة فرخا تأكل الفرخ وكذا نفس البيض فافحم وما أجاب بانه يستحيل وحيوان خارجي وهذه تعدّ من أجزاء الميتة . وعلى أيّ فاما أن لا تكون الانفحة من أجزاء الحيوان فاذا ماتت بغير تذكية فتكون طاهرة لعدم كونها من أجزائه ولا انها لمكان اتصالها بالجلدة في فرض تأثير رطوبة الجلدة فيها تتنجس لانها ما تحلها الحيوة فاذا صارت الحيوان ميتة فتنجس أو تعدّ من أجزاء الميتة . ولا تتنجس بالنص الخاص . وعلى أيّ حال لا اشكال في طهارتها ( أقول فرض المعارضة بعد تسليم السند ومقبولية الرواية في الجملة انما يمنع العمل بها في المقام لابتلائها بالمعارض اما دلالتها على المطلوب ان تمت لا يصير عدم العمل

معنى رواية الجبن

ص: 137


1- . وسائل الشيعة 24 الباب 33/1 من أبواب الأطعمة المحرمة .

بها لابتلائها بالمعارض وجها لعدم القول بمقتضاها ) وزاد سيّدنا الأستاذ قدس سره بيانا شرحا لهذه الرواية وهو انه يستفاد منها أشياء . حجيّة خبر الواحد في الموضوعات لقول السائل اخبرني بعض من رأي وعدم استفصال الامام علیه السلام بقرينة قوله . امن اجل مكان واحد يجعل فيه الميتة وترك الاستفصال يدل على العموم .

ومنها: جعل الميتة فيه والامام عليه السلام قرّره على ذلك ولابدّ من السبر والتقسيم ايجعل فيه لحم الميتة أم شعرها أو عظمها . ليس الا الانفحة لانها هي المناسبة لذلك . وهل هي الجلدة مع اللبن المنجمد رطبة أم يابسة فتدق فتجعل فيه خلاف المتعارف في بلادنا أم اللبن وحده . وعلى تقدير أن يكون اللبن طاهرا فبالملاقاة مع الجلدة يتنجس فيحرم . فيدل على تنجس الملاقي للمتنجس وعلى منجسيّة المتنجس . فيكون اللبن المنجمد من الحيوان الذي ما ذكى نجسا فيعارض الأخبار الواردة في طهارته(1) وحليته . ومنها(2) الخبر الوارد في جعلها كالبيض أو تكون طاهرة وان كانت محرمة من حيث انها من أجزاء الميتة فان بعض الأصحاب ( صاحب المدارك ) قائل بانصراف أدلّة الميتة عنها الدالّة على نجاستها فلا تشملها والا فلو لم تكن حراما فلا معنى لعدم جواز أكله فعلى مذهب صاحب المدارك ليس تخصيص في عدم انفعال الأنفحة باتصالها بالجلدة لقوله بانصراف الأدلّة عنها . لكن هذا قول من يقول بحلول الروح في الجلدة تكون ميتة ونجسة فلابدّ أن يلتزم اما بعدم انفعال اللبن بالميتة مع انه ينفعل بالبول فمنها

ص: 138


1- . وسائل الشيعة 24 الباب 33/1 - 2 - 4 - 9 - 10 - 12 - من أبواب الأطعمة المحرمة .
2- . وسائل الشيعة 24 الباب 33/1 من أبواب الأطعمة المحرمة .

اشكل . نعم يمكن أن يقال بالانفعال والعفو لان الحكم بيد الشارع يحكم حسب ما يريد . وقوله علیه السلام من(1) أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة كانه سلم سواء كان المراد بالمكان الواحد خصوص بيت من بيوتات العشيرة الواحدة أو نفس العشيرة . لأنه على هذا الوجه أيضا لا تكون في تمام العشيرة . بل الخبر صريح في انه يجعل فيه الميتة ولا يلزم أن يكون الجعل في تمامها بقرينة الجواب . وعدم اعادة السؤال من السائل يعلم ان جواب الامام علیه السلام منطبق على فرض السائل وان سؤال السائل كان من الجبن الذي يكون في السوق ولا يدري انه من أطراف الشبهة أم من غيرها والامام علیه السلام بين له انه لا يلزم الاجتناب فلا ربط له بالمورد لأنّ المقام من الشكّ في كون هذا الجبن من أطراف الشبهة حتى يلزم الاجتناب أو لا من غيرها فمن الأول غير داخل في الأطراف ويكون شبهة بدوية والضابط لا يشمله اذ لابد فيه من حفظ كلية الكبرى فلا ينتج هذا بعض الجبن أو جبن وبعض الجبن حرام من جهة جعل الميتة فهذا حرام اذ هو صرف احتمال فعلى هذا يشمله أدلّة الحل والبرائة ولا اختصاص له بمن يعلم اجمالاً وقوله علیه السلام ( واللّه (2) اني لأعترض السوق فاشترى بها اللحم والسمن والجبن واللّه ما أظن كلهم يسمون هذه البرية وهذه السودان من جهة ان اللحم يكون من المذكى القابل للتذكية وتارة يباع من المذكى غير القابل أو المشكوك التذكية . وكذا السمن والجبن وان التذكية لها شرايط . منها التسمية فنفس الأفعال لا توجب الحلية بل مع التسمية ومع عدمها عمدا يكون ميتة والسمن المأخوذ منه والجبن المعمول منه يكون من جهة ميتيته

باقي الكلام في خبر الجبن

ص: 139


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 61/5 من أبواب الأطعمة المباحة .
2- . وسائل الشيعة 25 الباب 61/5 من أبواب الأطعمة المباحة .

حراما مع انه يعلم ان في اللحم والسمن والجبن بعض ما ليس بمسمى عليه . لكن من جهة السوق ويد المسلم لا مانع من ذلك لان السوق امارة للتذكية في ظرف الشك في حصول التذكية . فاذا كان امارة فلا يبقى مجال للعلم الاجمالي على فرض تحققه في المورد . بل يكون في مورد الشك في حصول التذكية ولا يجرى استصحاب عدم التذكية . ولو كان الشكّ غير متّصل بزمان اليقين من جهة الشكّ في كيفيّة زهوق روحه . فعلى هذا يشمله أدلّة الحل وان كان لبعض الأصحاب في أدلّة السوق واليد كلام . وهو ان الاخبار(1) في هذا المقام طائفتان طائفة صحاح

ومؤادّها مؤدّى اصالة الحل وطائفة غير صحاح تدلّ على السوق واليد .

منها الخبر(2) الوارد في الخفاف المشتراة من سوق الجبل ( عليكم أن تسئلوا اذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك فاذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا . فعلى هذا الاشكال في هذه الرواية من جهات مع عدم سند . وعمل الأصحاب واستنادهم بها أيضا غير معلوم وحينئذٍ لا يمكن الاستناد في باب الشبهة غير المحصورة بأدلّة الحل والاحتياط وان مقتضى الجمع هو عدم لزوم الاجتناب في غير المحصورة بعدم الشاهد لهذا الجمع . ولا يمكن الاستناد بهذه الرواية لأنه على احتمال تكون دليلاً على المورد وكان فيها بعض الاحتمالات الآخر التي تخرجها عن صلاحيّه الاستناد ودلالة لها معتمدا عليها مع قطع النظر عن سندها . مع ان الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة غير لازم ومن يقول لأخبار الاحتياط يقول في الشبهة الحكميّة كما تقدّم سابقا في محلّه وقد علم حال الاجماع .

ص: 140


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 50 .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 50/7 من أبواب النجاسات مع اختلاف في اللفظ غير مضرّ .

وهنا وجه آخر لعدم لزوم الاجتناب في الشبهة غير المحصورة ان تمّ وان استحسنه الاستاذ وقرّبه بأنّه إذا كان أطراف العلم كثيرة فلا علم حقيقة ( وردّه بأنّ

العلم حقيقة موجود بالوجدان ) فيكون حكم الأطراف حكم الشبهة البدويّة فانا اذا أخبرنا ان الحكومة تريد أسر بعض أهل العراق فلا يؤثر شيئا فان علمنا أسره بعض أهل هذه البلدة الشريفة أيضا فلا يؤثّر شيئا وان علمنا انها تريد أسر بعض أهل العلم وأخذه فهنا ينقدح بعض الأشياء في الخاطرة واجرى الكلام إلى أن قال ( فان علمنا انها تريد أخذ واحد من ساكني مدرستنا ( مدرسة الآخوند الكبرى ) فكلّ من يكون هناك يحتمل ذلك في حقّه فعند ذا ترفع الأيدي إلى السماء دعاءً وتضرّعا وليس ذلك إلاّ لكون العلم الأول كلا علم من جهة كثرة الأطراف بحيث لا يوجب شيئا في النفس أصلاً . وكذلك الكلام في الشبهة غير المحصورة فان كثرة الأطراف وإن علمنا ان فيها نجسا وحراما عند ارتكاب كلّ واحد . لا ينقدح في النفس شيء بخلاف الشبهة المحصورة مع انه ليس للمولى خطاب بالاحتياط في أطراف المحصورة بل يحتمل في كلّ واحد هذا أو ذاك وان فقد بعض الأطراف أيضا مع ان العلم ليس في البين حقيقة وإنّما الباقي طرف واحد يكون مشتبها بدوا ومع هذا لا يمكننا الارتكاب لاحتمال كون المشتبه ذاك الذي أصابه النجاسة فالعلم يوجب الاحتياط وبتعلّقه بالأطراف يتنجز وبالنسبة إلى كلّ واحد ليس الا الاحتمال فيكون الاحتمال في كلّ منجزا والا لامكننا أن نرتكب جميع الأطراف إلاّ واحدا فنبقيه .

طور آخر من الاستدلال بأن يقال كثرة الأطراف تارة توجب أن لا يكون بالنسبة إلى كلّ واحد من أطرافها علما بل يكون الأطراف غير داخلة تحت

وجه آخر لعدم وجوب الاجتناب

ص: 141

أطراف الشبهة وحينئذٍ هذا الفرد الذي ابتلى به أو هذه الخمسة التي مثلاً له الابتلاء بها يعلم بخروجها عن تحت أطراف الشبهة . فتارة كثرة الأطراف توجب هذا المعنى . وتارة لا بهذه المثابة بل توجب ضعف الاحتمال بالنسبة إلى كلّ واحد من أطرافها بنحو اذا رتب الأثر على هذا الاحتمال يعدونه وسواسيا . فلصاحب هذا الاحتمال بالنسبة إلى الأطراف علم عادي بعدم كون هذا الفرد وذاك منطبقا عليه الشبهة فيكون خروج تخصصا من مورد العلم . وعلى هذا لا يجب عليه الاجتناب لو كان مناط الاجتناب وملزمه هو العقل وبالنسبة إلى كلّ واحد من الأطراف يصير شبهة بدوية فان هذا الاحتمال الموهوم موجود في الشبهة البدويّة أيضا . ولو كان مبني لزوم الاجتناب عن أطراف الشبهة هو لزوم دفع الضرر المحتمل الاخروي الذي يكون حاكما على قاعدة القبح بلا بيان فلا يجييء هنا بخلاف الشبهة المحصورة فانه وان لم يكن في كلّ واحد من أطراف الشبهة بيان . الا ان العلم بنفسه هناك بيان وبالنسبة إلى كلّ واحد من أطرافه يكون احتمالاً . فمن باب وجوب دفع الضرر المحتمل الذي يستقل به العقل كما في النظر إلى المعجزة فلعله يكون صادقا في ما يدعيه فيعاقب في ترك اجابته . يلزمه أن يجتنب من الأطراف بحيث لو صادف الحرام ما ارتكبه لكان معاقبا ولا يلزمه ذلك في المقام لضعف هذا الاحتمال بحيث لا يرى الحرام أو النجس في ما يأخذه من سوق البلد من واحد من البقالين مع علمه بنجاسة ما في يد أحدهم كما لا يرى كلّ واحد من أهل البلد أحدا الذي يكون منطبقا عليه بل كلّهم يراه غيره .

فعلى هذا يرتكب الأطراف .

ان قلت: يعلم بمخالفة التكليف الذي في البين وانه ارتكب الحرام الواقعي .

ص: 142

قلت: الحرام الواقعي بوجوده لا يؤثر ما لم يتنجز على المكلف كما في الشبهة الابتدائيّة . فان المكلّف ربما يعلم انه ارتكب الحرام ويحتمل في كلّ شبهة انّه حرام ولا مانع من ذلك لترخيص الشارع .

نعم لابدّ أن يجتنب عن الباقي اذا صار محلّ الابتلاء كالتي ابتلى بها وذلك لكشف ان من اول الأمر كان خيال الشبهة غير المحصورة فعند التحقيق يصير انقلاب الموضوع .

وهذا الوجه يختلف بحسب اختلاف الموارد وأفراد الضرر فتارة يكون المعلوم بالاجمال فيالبين نجسا ففيه ما عرفت وتارة يكون محتملاً فهنا سكون النفس كما انه تارة يكون معلومه أربعة آلاف في ملايين فعلى هذا يكون كالحبّة من حقة الحنطة أو الارز الذي يمكنه أكله ولو تدريجا في أيام على انه لا يجيء هذا الوجه في كلّ مورد بل مورد يكون كثرة الأطراف موجبة لعدم حصول العلم من جهة عدم منجزيته على كلّ تقدير فان الأطراف كلّها ليست تحت ابتلائه وقدرته فعلى هذا يكون المناط هو ذلك فلو تمكن بعد ذلك من ارتكاب بعض أطرافه فلابدّ من الاجتناب لانقلاب الموضوع فهذا الوجه والوجه السادس الذي هو العلم بخروج بعض الأطراف عن الابتلاء يكون معناه عدم حصول العلم على كلّ تقدير . بل الوجه السادس هو الضابط الذي يقال في الشبهة المحصورة . والا فلو كان علم بالتكليف لوجب الاجتناب فربما يكون في الشبهة المحصورة لا يلزم الاجتناب عن الأطراف لخروج بعضها عن الابتلاء وعلى الوجه الآخر يجب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة ( أي كثير الأطراف ) من جهة حصول الابتلاء والقدرة لكلّ أطرافه .

وجه آخر لعدم لزوم الاجتناب

ص: 143

فعلى هذا سواء كان الكثير في الكثير أو القليل أو الواحد في الكثير المناط هو حصول العلم وعدم حصوله .

ان قلت فأيّ فرق بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة .

قلت: لا فرق بينهما الا أن في الشبهة المحصورة خروج بعض الأطراف بسبب البعد مثلاً يوجب عدم لزوم الاجتناب وفي الشبهة غير المحصورة كثرة الأطراف تصير سببا لذلك . بحيث يكون في مورد الابتلاء شبهة بدويّة فانا قد بينّا ان الضابط في الشبهة غير المحصورة أن تكون الأطراف على كثرة توجب عدم حصول العلم المنجز الفعلي من جهة خروج بعضها عن مورد الابتلاء فاذا علم خلافه فيعلم انه كان من أوّل الأمر خطأً فيجب الاجتناب لمكان العلم كالشبهة المحصورة . الا انه حينئذٍ ينقلب الموضوع شبهة محصورة .

ان قلت: كثرة الأطراف ربما توجب العسر والحرج ولو في النواهي . فاذا علم بأن احدى هذه النسوان الكثيرة العدد في هذا البلد أو ذاك رضيعته أو مرضعته واذا يريد أن يترك خطبة جميعها من باب المقدمة لترك الحرام منهنّ يقع في حرج عظيم .

قلت: لا اختصاص لهذه العناوين بالشبهة غير المحصورة . بل في كلّ مورد من متعلّقات التكاليف يكون اللازم رفع الالزام بمقدار رفع العسر . والحرج فينتج التبعيض في الاحتياط بالنسبة إلى الباقي بعد العسر كما انه في الشبهة المحصورة قد يكون اضطرار وينتج هذا .

فعلى هذا صار المناط في الشبهة غير المحصورة هو كثرة الأطراف بحيث توجب خروج بعضها عن الابتلاء .

ضابط غير المحصورة كثرة الأطراف

ص: 144

والشيخ قدس سره بعد أن ذكر الوجوه الستة وخدش في كلّ واحد منها(1) قال الا ان الجميع يشرف على القطع بعدم لزوم الاجتناب في المقام وما أعجبنا من الشيخ هذا الكلام .

وبعد ذلك يذكر تنبيهات الا انه لعدم فائدة مهمّة يترتب عليها لا نتعرض لها .

هذا تمام الكلام في الشبهة التحريميّة الحكميّة والموضوعيّة أي ما كان منشأ الشبهة فقد النص أو اجماله أو تعارض النصين أو الأمور الخارجيّة .

الكلام في الشبهة الوجوبيّة وهي على قسمين:

إمّا بين المتنائنين أو بين الأقل والأكثر . والبحث يقع أوّلاً بين المتبائنين مثل ما إذا شكّ المكلّف بوجوب صلاة الجمعة أو الظهر في ظهر يوم الجمعة بعد علمه تفصيلاً بوجوب احديهما . وهذا اذا لم نستفد من الأدلّة تعيين احداهما أو التخيير بينهما . فان في هذه المسئلة أي صلاة الجمعة في زمان الغيبة أقوالاً بعد أن من المسلم وجوبها في زمن الحضور مطلقا أو لخصوص المنصوب بالخصوص . وقد اختلف الأعلام في زمان الغيبة هل للفقيه عقد الجمعة مع حصول الشرايط أم لا .

انه هل هي الركعتان والخطبتان أو الأربع ركعات . وكذا في كيفيّتها هل هي جهر أو اخفات اذا كانت ظهرا . وقد استفيد من الأدلّة في بابه انه اذا صلّى الجمعة يأتي بالظهر ولا يكتفي بها . وايّا ما كان فالكلام في جهتها الأصوليّة فمقتضى ما ذكرنا سابقا ( من منجزيّة العلم الاجمالي لاطرافه ووجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة ) فلابدّ من أن يأتي بصلاة الجمعة أوّلاً مع اجتماع

الشبهة الوجوبيّة

ص: 145


1- . فرائد الأصول 2/435 مع تفاوت في التعبير .

الشرايط وبقاء الوقت وبعدها بالظهر والا أي مع عدم اجتماع الشرايط أو مضي الوقت فبالظهر والتقريب في تأثير العلم لزوم الموافقة وحرمة المخالفة القطعيتين . التقريب المتقدّم في الشبهة التحريميّة بعينه يجري في الأجزاء والشرايط وفي الشبهة الموضوعيّة كالصلاة في ثوبين مشتبهين أحدهما بالطاهر وكاشتباه الماء المطلق بالمضاف فلابدّ من أن يتوضّا بكليهما ويصلّي فيهما .

والكلام الكلام والاشكالات الاشكالات وبعد ذلك يقع الكلام في جهة انه أوهم الشبهة الوجوبيّة بالبحث عنه عن الشبهة التحريميّة بأنّه أي موجب كان لهذا بعد ان كليهما علم اجمالي مشتبه المورد ولابد من الموافقة القطعيّة من باب المقدّمة هذه وجودا وتلك عدما تعبّداً ولكن في الشبهة الوجوبيّة مزيد خصوصية من جهة ان الشبهة الوجوبيّة هنا غير المحصور بخلاف الشبهة غير المحصورة هناك كما يأتي ولذا بعض من قال هناك بعدم حرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة التزم هنا بذلك كالمحقق الخونساري والمحقق القمي رحمهما اللّه المذكور كلام الأوّل في باب الاستنجاء وتنظيره بوجوب الموافقة القطعيّة للمورد بعد أن ذكر كلاماً في الصلاة الواجبة من الجمعة أو الظهر من انه لابد أن يأتي بكلتيهما الا ان يقوم دليل يقتضي الاكتفاء وعدم وجوب اتيان كلتيهما . ولكن في باب صلاة المسافر وصلاة ظهر يوم الجمعة يقولون من جهة الاجماع المسلم والضرورة بالاحتياط وفي غير هذين الموردين في الواجبات التعبديّة لا يجب على المكلّف شيء اذ المولى لو أراد أحدهما بالخصوص لبين مع حضور وقت الحاجة وحيث انه ما بين وآخر البيان عن وقت الحاجة فما يريد أحدهما لاستقلال العقل بقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا معلوم لنا في البين ولا

ص: 146

تكليف لنا بشيء ما لم يبين لنا ما يريده . اذ المعلوم الواقعي بوجوده الواقعي لا يجب على المكلف الخروج عن عهدته فنحن لسنا مكلفين بالواقعيّات بل بمؤدّى الامارات وحيث لم يظهر منها احدى الخصوصيتين فلا يجب لأحد وجوه .

القول بعدم لزوم الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة المردد بين المتبائنين في التكاليف التعبديّة وفي المقام وجوه هذا احدها ( ومنها ) عدم تمكن المكلف من اتيان المردّد بينهما من جهة وجوب قصد الامتثال تارة ومن جهة لزوم قصد الوجه في المتبائنين اخرى . وحيث انه لا يمكنه التمييز بين الواجب منهما مثلاً فيقصده بأمره أو يأتي به بعنوان الواجب واذا قصد الامتثال أو الوجوب بأحدهما يكون تشريعا . واذا لم يقصد ويحتمل وجوب ذلك عليه فلا قدرة شرعية له على امتثال العبادة المرددة بين المتبائنين من جهة المانع الشرعي والمانع الشرعي كالمانع العقلي فعلى هذا لا تكليف بالنسبة إلى امثال الموارد .

لكن هذه الوجوه كلّها واضحة الدفع والفساد وقد مرّ في محلّه الجواب عنها وأيضا ان الاحتياط طريق امتثال التكاليف واطاعة المولى في عرض الاجتهاد والتقليد والاجماع المدعى من السيد وتقرير اخيه عليه ليس كما ادعوا أو كما فهموا اصلاً . بل الاحتياط أحسن طريق في مورده فلا نعيد ذكرها هنا . الا ان في المقام دعوى تمكن المكلف من امتثال نحو هذا التكليف المعتبر فيه قصد الامتثال والوجه بتقريب ان المكلف يأتي بأحد المرددين وبعد الاتيان يشك في انه هل امتثل التكليف الذي كان عليه أو لا فيستصحبه فيأتي بالصلاة الثانية بقصد أمره ووجوبه وهي صلاة الظهر في مثالنا . اذ يحتمل ان صلاة الجمعة ما كانت عليه . لكن هذا الوجه لا يصلح الاعتماد فانه يقع الكلام في صلاته الاولى كيف يأتي بها

الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة بين المتبائنين

ص: 147

ويصليها وليس كما اذا شك في انه هل صلى الظهر أم لا يستصحب وجوبه ويأتي به نعم بناءً على كفاية قصد الرجاء وانطباق المأمور به على أحدهما يصح ويمكن لو قلنا بل يجب الا ان للشيخ رحمه اللّه هنا كلاما في بيان جريان الاستصحاب فيما لو شك في انه هل صلّى الظهر أم لا مع قوله قبل ذلك بعدم جريان الاستصحاب لو صلّى احدى الصلاتين وعقب كلامه المحقّق النائيني قدس سره لكن وقع الكلام هل هذه الصورة التي هي صورة الشكّ في الامتثال الذي هو تمام الموضوع لحكم العقل بالاتيان بالصلاة الثانية مجرى الاستصحاب أم لا فيكون من تحصيل ما الحاصل بالوجدان بالتعبد كما في مبحث الظن في صورة الشكّ في حجيّة شيء ان الشكّ في الحجيّة تمام الموضوع لعدم الحجيّة عقلاً فلا معنى للاستصحاب . وهل معنى لجريان الاستصحاب هنا يقولون بعد أن أتى بالاولى يشكّ في فراغ الذمّة عن المردد المعلوم بين المتبائنين فيستصحب ذلك المردد ولما لم يكن استصحاب المردد ذا أثر بالنسبة إلى الصلاة الاولى مع شكه في تحقق الامتثال بها فينحصر النتيجة والأثر في وجوب الثانية اذ بها يحصل فراغ الذمة وهو أثر شرعي يجري الاستصحاب لأجله فيكون واجبا عليه شرعا اتيان الثانية ويكون كما اذا كان للاستصحاب أثر زائد على ما يستقل به العقل . اذ الاستصحاب يعين الواقع بخلاف حكم العقل في ما نحن فيه فانه لمحض المقدمية . واذا كان للاستصحاب بل مطلق الأصل الشرعي اثر لا يكون للأصل العقلي فيجري الأصل لأجل ذاك الأثر كما في المقام فانه تعبد تعيينها عليه شرعا لا من باب المقدّمية . ولكن هذا غفلة عن الحق في المقام اذ الاستصحاب انما يجري اذا كان له أثر وكان الشكّ في بقاء شيء بعد معلوميّة حدوثه وليس المقام كذلك . بخلاف ما لو شكّ في انه صلّى

ص: 148

الظهر أم لا الذي(1) مثل به الشيخ وقال بجريان الاستصحاب فيه من جهة دفع توهم عدم جريان الاستصحاب في الأمور العدميّة مع ان المستصحب في المثال ليس الا عدم الاتيان بصلاة الظهر لا من جهة قاعدة الاشتغال .

ففي المقام المردد بما هو مردد لا أثر له بل الأثر لنفس الخصوصيتين واستصحاب المردد لاثبات الخصوصيّة يكون مثبتا . مع ان الشك هنا في حدوث وجوب الثاني لا في بقائه حتى يكون موردا للاستصحاب . وبالنسبة إلى الاولى أيضا لا يجري لأنه أتى به متيقنا . فقول الشيخ رحمه الله بعدم جريان الاستصحاب في المقام من هاتين الجهتين وليس كما توهموا . وكما اذا كان للمردد بما هو مردد أثر يعني للجامع بينهما كما في صورة الشك في باب الغسل أو الوضوء عليه . فان الجامع هنا ذو أثر فبعد الاتيان بأحدهما يجري الاستصحاب لترتب الأثر عليه وهو مثلاً مسّ الكتاب كما في الآية الشريفة « لا يمسّه إلاّ المطهّرون »(2) الذي هو أي الطهارة جامع فيه بين الغسل والوضوء بخلاف المقام .

والحاصل: ان جريان القاعدة في موضع دون الاستصحاب وبالعكس الذي

تنبّه له المتأخرون يعني من المسلم عند بعض ميزانه هو هذا . فكل مورد يكون للعقل حكم مستقل ويكون التعبد من الشارع فيه غير مؤثر أي بلا فائدة . واذا قال به الشارع أيضا فهو من باب الارشاد فهنا لا مجرى للاستصحاب وتجري القاعدة واذا يكون للاستصحاب أو مطلق التعبّد الشرعي أثر زائد عمّا يقوله العقل المستقل فهنا يجري الاستصحاب . ولا مجال لجريان الحكم العقلي . بل بنفس التعبد يذهب

المردّد بما هو مردّد لا أثر له

ص: 149


1- . فرائد الأصول 2/714 .
2- . سورة الواقعة: 80 .

موضوع حكم العقل بخلاف الصورة الأولى التي يستقل العقل بالحكم في مقام تحقق موضوعه . فانه هناك يصير من باب تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد . وهو من أردء وجوه تحصيل الحاصل الذي يكون تارة حاصلاً بالوجدان والتحصيل أيضا بالوجدان وتارة كلاهما بالحجّة والدليل وثالثة من قبيل مقامنا تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد . ففي مورد الشك في حجيّة شيء من الظنون لا مجال لجريان الاستصحاب اذ الشك بنفسه تمام الموضوع لحكم العقل المستقل بعدم الحجيّة . وكذا في اصالة الطهارة واستصحاب الطهارة يكون الاستصحاب مقدما بخلاف باب التشريع فان اسناد غير معلوم الثبوت من الشارع اليه افتراء وحرام بالأدلّة الأربعة . وفي المقام أيضا لا مجال لجريان الاستصحاب اذ الشك في الامتثال تمام الموضوع للزوم الاتيان بالباقي بلا ترتب أثر زائد على الاستصحاب لو جرى لقاعدة الاشتغال . فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني بحكم العقل المستقل ) . اذ الفرد المردّد بالنسبة إلى الباقي بعد الاتيان بالاولى يعني صلاة الجمعة في المثال وهي صلاة الظهر مشكوك من أوّل الأمر فالشكّ في الحدوث لا في البقاء والاستصحاب انما يجري في صورة الشك في بقاء الحادث ) ونفس الخصوصيتين كانت مشكوكة من اول الأمر فصلاة الجمعة مأتي بها بالوجدان وصلاة الظهر مشكوك الحدوث فاستصحاب الفرد المردد للزوم الاتيان بالظهر لا معنى له لعدم تماميّة أركان الاستصحاب .

ان قلت: الجامع الذي هو الصلاة مشكوك البقاء فيستصحب .

قلت: الجامع بما هو جامع لا يترتب عليه أثر لترتبه على خصوصيّة الظهر والجمعة وليس من قبيل الشك في بولية الخارج من المتطهر ومنويته الذي يتصور

لا أثر لاستصحاب الجامع

ص: 150

هناك جامع الطهور مترتبا عليه الأثر فهناك مكان لجريان الاستصحاب بخلاف المقام ووجوب الاتيان بالثانية وهي صلاة الظهر من باب حكم العقل بالخروج عن عهدة التكليف المعلوم في البين . وليس مقصود الشيخ رحمه اللّه من بيان عدم جريان الاستصحاب في المقام انكار استصحاب الكلي اذا كان له أثر . اذ هو لا ينكر هذا كما لا ينكر جريان الاستصحاب في الأمور العدمية التي من موارده الشكّ في الخروج عن عهدة التكليف المعيّن عليه مثل صلاة الظهر وبعد مضي مقدار من الوقت خصوصا اذا كان متعوّدا باتيانه في الشكّ في الاتيان كما صرّح به الشيخ في كلامه فعدم اجراء الشيخ الاستصحاب في المقام إنّما هو لعدم تماميّة أركانه فلا معنى لتوهم شيء من عبارة الشيخ . وبعد ما علم انه لا فرق بين الشبهات الوجوبيّة والتحريميّة في مورد العلم الاجمالي في لزوم الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة . لكن في الوجوبيّة بمقدار يمكنه ( ولو كان هذا في التحريميّة أيضا ) .

هنا كلام ذكره الشيخ بعنوان ان قلت(1): وافرده بالبحث تنبيها المحقق النائيني(2) رحمهما اللّه وهو انه موردنا الذي هو العلم الاجمالي بوجوب شيء اذا كان عباديا لابدّ من قصد كليهما بعنوان الامتثال اذ العبادى بلا قصد الامتثال أو المصلحة والقربة لا يمتثل ( فاذا قصد الامتثال الاحتمالي في هذا أو ذاك فلا يتحقق الامتثال لعدم قصده الامتثال ) فيقصد هذا بقصد الامتثال وذاك أيضا . يعني امتثال هذا أو ذاك تحقيقا لا احتمالاً حتى لو صادف المأتي به هذا كان اتيانه بهذا

ص: 151


1- . فرائد الأصول 2/447 وما بعده .
2- . فوائد الأصول 4/37 أو بعده .

القصد امتثالاً له وكذا في ذاك . فعلى هذا لو قصد امتثال أحدهما باحتمال أمره وما قصد الآخر وصادف المأمور به هذا المأتي به ما حصل الامتثال لعدم قصده الامتثال هكذا فهم المحقق النائيني عبارة الشيخ رحمهما اللّه ونسبه إليه ويفرق بين الشبهة البدويّة والعلم الاجمالي ففي الأول يقول إذا يأتي يكفي قصد أمره الاحتمالي أو باحتمال أمره وفي الثاني لابد أن يقصد كليهما بقصد الأمر وامتثال هذا أو ذاك وايهما كان مأمورا به في الواقع ينطبق المأتي به عليه لاشتراط الامتثال في العباديات بقصده واذا ما تحقق منه القصد كذلك فالامتثال غير حاصل بل أتى بالمأمور به بلا قصد امتثاله وعقب تعقيبا شديدا بأنّه ما مراد الشيخ من ذلك . ايشترط أن يكون الامتثال بقصد أمره المعلوم . ففي الشبهة البدويّة لا يمكنه القول بتحقق الامتثال وإن كان هناك يكتفي بقصد احتمال الأمر والداعويّة الاحتماليّة فهنا أيضا كذلك . اذ الشكّ في كلّ واحد من الطرفين موجود بالوجدان ففي كليهما احتمال المصادفة . غاية الأمر بعد اتيانهما يحصل له العلم باتيان الواقع

بينهما .

فهذا الكلام من الشيخ رحمه الله في المقام لا محصل له . ووجّه سيّدنا الأستاذ قدس سره

كلام الشيخ بتوجيه وهو انه لو كان مراد الشيخ رحمه الله أن يكون قاصدا على كلّ تقدير . يعني يكون قاصد الأمر لا قهرا بل يكون من قصده اتيان هذا وذاك لأجل امتثال الأمر لا بعنوان التقيد أي آتى بهذا مثلاً صلاة الجمعة لو كانت هي مأمورا بها ولا آتى بصلاة الظهر فهنا لو صادف المأمور به صلاة الجمعة فهذه الآتي ما امتثل أمرهما بل أتى بالمأمور به مصادفة وما تحقق منه القصد التنجيزي إلى الامتثال بل امتثال تعليقي وترديد في النية فهو ما قصد الأمر وما أتى بالمأمور به عن داعيه .

ص: 152

فلو كان مراد الشيخ هذا المعنى فله وجه صحيح بحيث لا يرد عليه الاعتراض من المحقق المذكور ويترتب عليه لو أتى بالاولى قبل الاتيان بالثانية وانكشف له كون الاولى هي المأمور بها فلا شيء عليه بل الامتثال حصل لتحقق قصده منه .

لكن هذا الكلام مبتني على بطلان العمل الاحتياطي العبادي وان تارك طريقة الاجتهاد والتقليد عمله باطل . وفي قبال هذا القول بطلان الاجتهاد وبنفس بطلان الاجتهاد يبطل التقليد اذ أيّ دليل على موضوعيّة ما فهمه شخص لآخر ووجوب جريه على طبقه مع ان الأحكام الواقعيّة معلومة الثبوت . فبالاحتياط لا يمكن الامتثال وكذا بالاجتهاد والتقليد فيلزم عدم لزوم الامتثال ورفع قلم التكليف في البين وهو خلاف الضرورة من الدين . ومن يقول ببطلان العمل الاحتياطي يقول في موضع يمكن الاجتهاد أو التقليد . فيختصّ بصورة التمكن وكذا المتكلمون بما هو متكلمون مشترطون لقصد الوجه في العبادة لكن بما هم متكلمون من حيث ترتب الثواب والعقاب على ذلك . ويقول في صورة يمكن تكرار العمل فاذا أراد الاحتياط لا يمكنه اذ الاحتياط في قبال التشريع فاذا أتى بكليهما هذا وذاك لا بقصد الوجوب والندب مثلاً فيحتمل دخلهما فيه فما اطاع وان قصد ذلك شرع وفعل فعلاً حراما فلا يمكنه العمل بالاحتياط في هذه الموارد أصلاً . واذ قد علم ان الاحتياط أحسن طرق الامتثال وأيضا في المقام لا سبيل له الا هذا فالأمر منحصر بالاحتياط فلا معنى لما احتملناه في كلام الشيخ ولا ما هو صريح كلامه المنقول حكايته آنفا ( فلا اشكال في كفاية هذا القصد وتحقق الامتثال به ) وهنا تفصيل من بعض بين الأجزاء العباديّة في مورد الشبهة والشرايط فقال بلزوم الاحتياط والموافقة في الأجزاء دون الشرايط . في غير

بطلان العمل الاحتياطي في العبادات

ص: 153

الحدث . اذ فيه لابد اذا كان الماء المطلق مشتبها بالمضاف من أن يتوضأ بكليهما وكذا ان يتطهر بالوضوء والغسل كليهما فيما لو اشتبه الناقض مثلاً لطهارته فاذا كان عنده ثوبان أحدها نجس مشتبهان فيكفي بالنسبة إلى الشرايط التي أحدها اللباس والساتر الموافقة الاحتماليّة فيصلي في أحد الثوبين ويكفيه ذلك وبعض قال ( لابد من أن ينظر إلى دليل الشرطيّة ) وآخر فصل بين ما كان دخله في العبادة مستفادا من نحو لا صلاة إلاّ بطهور وبين ما كان مستفادا من نحو اقرأ في صلاتك وبعد التأمّل فالانصاف يقتضي خلاف هذين التفصيلين وانه لا معنى لهما الا بمقدمتين الأولى اختصاص الخطابات وظهورها بمورد يعلم الموضوع ) فاذا لم يعلم بالموضوع ولا بشخصه فما جاء ليس ذاك الموضوع فعلى هذا يصلي في أحد الثوبين المشتبهين الذين أحدهما نجس ولا شيء عليه . ففي الأول لابدّ من الاتيان والاحتياط وفي الثاني اذا لا يعلم لا يتوجه عليه خطاب .

ثانيتهما كون العلم كالقدرة والجهل كالعجز فاذا لا يعلم تفصيلاً بمتعلق التكليف يكون كغير القادر على الاتيان به واذا جهله يكون كالعاجز فيسقط ذلك الخطاب عنه فيأتي بالباقي بدليل الميسور . بل على هذا يسقط عنه التكليف المقيد لتعذر قيده ( لكن لو لا قاعدة الميسور ) غاية الأمر ان قاعدة الميسور في الصلاة تسلك مسلك الأدلّة الخاصّة في أبوابها فكلّما سلكت تلك وسوت الطريق فترتدى متنعّلة عقيبها بخلاف باب الوضوء مثلاً فلا تجيء هنا لعدم قيام دليل بالخصوص وهذه المسألة أي عدم كون العلم والجهل كالقدرة والعجز وإن كانت معركة للآراء بين الأسلاف الا ان اليوم صارت من الضروريات لبداهة حفظ قدرة المكلف على اتيان متعلق التكليف وان لم يعلم بخلاف ما لو عجز عنه .

ص: 154

نعم إنّما العلم وما هو قائم مقامه مصحح العقاب . فاذا عاقب المولى العالم بالتكليف فيما لو عصاه فيه ما كان عليه تشنيع من العقلاء .

تكميل: قالوا بوجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة فاذا كان الماء المطلق مشتبها بالمضاف مع الانحصار يتوضّأ بهما وكذا في الثوب اذا كان الطاهر مشتبها بالنجس ولم يكن له سواهما وكذا في ما اذا كان الاناء مشتبها مباحه بالمغصوب مع اباحة الماء في كليهما . ففي أصل المسئلة اذا كان الاغتراف مرّة فتوضأ بما أخذه لا اشكال في صحّة وضوئه غاية الأمر عصى في التصرف في المغصوب أو الآنية الذهبيّة . لكن اذا كان الاغتراف مرات فيغترف مع بنائه على الاغتراف مرة اخرى فالمسئلة خلافيّة وهكذا في الثوبين المشتبهين أحدهما بالحرير .

والأمثلة كثيرة ومن مواردها اشتباه القبلة فحسب ما مر من لزوم الاحتياط لابد أن يصلي ويكرر صلاته إلى أن يعلم وقوعها إلى القبلة . الا انه ورد النص(1) الخاص وهو رواية خراش بكفاية اتيان الصلاة إلى أربع جهات وان لم يعلم بوقوعها إلى القبلة ولو صلى إلى رأس الضلع الشعاعي من الزوايا القوائم المتشكلة من الدائرة .

الا انه يعلم بوقوعها بين المشرق والمغرب ( ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه )(2) وهذا اذا لم يكن له طريق اجتهاد والا فيجتهد فان لم يتمكن فالى أربع جهات .

وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة

ص: 155


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 8/5 من أبواب القبلة .
2- . الوسائل 4 الباب 2/9 من أبواب القبلة .

فاذا كان عليه صلاتان مترتبتان كالظهرين فيصلّيهما كذلك أي إلى أربع جهات حتى يحصل الامتثال .

لكن وقع الكلام في انه هل يلزم عليه استيفاء محتملات الظهر قبل الاتيان بأحد محتملات العصر أم لا ؟ فيجوز اذا صلى إلى جهة ظهرا يصلي عقيبها عصرا وهكذا إلى استيفاء الجهات الأربع ؟

ذهب إلى كلّ من القولين فريق ومن القائلين بلزوم استيفاء تمام محتملات الظهر قبل الشروع في اتيان محتملات العصر الشيخ(1) الأنصاري والمحقق

النائيني (2) بنوا المسئلة على طولية الامتثال الاحتمالي للامتثال التفصيلي . ومن الشيخ في هذا الباب عدم جواز الصلاة مكررا اذا أمكنه الاطاعة التفصيليّة فاذا لم يتمكن في موضع من الامتثال التفصيلي تصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي التفصيلي أو الاجمالي ( لا مشاحة في الاصطلاح ومبناه حكم العقل والعقلاء بتقدم هذا النحو من الامتثال على ذاك الذي هو الاحتمالي من باب الشك في اطاعيّة هذا النحو من الاتيان والشك في الامتثال تمام الموضوع لحكم العقل بوجوب الامتثال لقاعدة الاشتغال وهو ليس الا التفصيلي فاذا كان الامتثال التفصيلي ممكنا في الشبهة الحكميّة بنحو الاجتهاد أو التقليد أو في الشبهة الموضوعيّة بالفحص أو السؤال والاجتهاد في مورد يكون منحصرا لا مفر له من ذلك فلابد منه وليس له العدول عنه إلى الاحتمالي بأن يأتي بالقصر والاتمام كليهما في مورد اشتباه الحكم عليه مع تمكنه من الاجتهاد أو يصلي في الثوبين

ص: 156


1- . فرائد الأصول 2/457 وبعده .
2- . فوائد الأصول 4/137 وبعده .

المشتبهين الذي يمكنه باشعال السراج المستعين بنوره على تعيين الطاهر . فلابدّ في ما نحن فيه أيضا تقدم الاتيان بجميع المحتملات للظهر قبل الاتيان بأحد من محتملات العصر لمكان الترتيب المعتبر بينهما لتمكنه من احراز الترتيب تفصيلاً بهذا النحو فيشكّ في غيره امتثل به الأمر أم لا . فبحكم العقل الذي تقدم ادعاء استقلاله في المقام لابدّ من أن يأتي بجميع محتملات الظهر مقدما على كلّ من محتملات العصر لتقدم الامتثال التفصيلي على الاحتمالي الاحتياطي . هذا غاية ما يمكن أن يوجه به مقالتهم رحمهم اللّه تعالى في المقام .

لكن هذا فاسد صغرى وكبرى . أمّا الكبرى فلما تكرر منا ان الامتثال الاحتمالي الاحتياطي في عرض الامتثال التفصيلي ولا شك للعقل في ذلك . بل كلاهما امتثال فله أن يأتي بهذا النحو وأن يأتي بذاك . الا ان يتعبده الشارع بالامتثال التفصيلي فلابدّ من الاقتصار عليه والا اذا شككنا فالأصل يجري لأن المقام مقام جريان الأصل وأركانه تامة ولا يسمع ما يقال من لزوم اللعب بأمر المولى في صورة الاحتياط لبداهة فساده وبطلانه .

وأمّا الصغرى فلعدم انطباق الكبرى على فرض تسليمها على المقام . اذ لا يمكنه أن يأتي بالتفصيل ويمتثل . فلو فرض انه أتى بجميع محتملات الظهر مقدمة على العصر فكلّ واحد من محتملات العصر اذا يأتي به لا يدري انه عصر أو لا وحصل الشرط بالنسبة إليه أم لا فكذلك في تلك الصورة فأيّ امتثال تفصيلي حصل في المقام وأي خصوصية زائدة في هذا النحو من الامتثال ليست في ما اذا أتى بمحتملات العصر كلّ واحد بعد كلّ واحد من الظهر . فكما انه بعد الفراغ يعلم بوقوع أحد محتملات العصر عقيب الظهر الذي أتى به فارغا مسلما . فكذلك في

الامتثال الاحتمالي في عرض التفصيلي

ص: 157

تلك الصورة أيضا . يعلم بعد الفراغ بذلك فانه لو كانت القبلة في هذه الجهة وقع الترتيب المعتبر بينهما . وكذلك في الأطراف الآخر فالترتيب الواقعي حاصل على هذا النحو أيضا فلا فرق في المقام بين الامتثالين للزوم استيفاء المحتملات الأربع على كلّ تقدير وليس ممّا يلزم من الاحتمالي التكرار الذي لا يلزم في التفصيلي نعم لو كان قصد الأمر المتعلق بالعبادة شرطا وانه لابد أن يأتي به بعنوان أمره والعبادية ففي المقام لا يمكن الامتثال أصلاً لا على هذا النحو ولا على ذاك فلابدّ من التزام عدم تكليف له في البين .

وكذا يصحّ هذا الكلام إذا كان المقام من قبيل ما إذا فرضنا اشتباه القبلة مع اشتباه ثوبيه المنحصرين المشتبهين المتمكن من رفع الجهل عنهما وتعيين الطاهر من النجس .

فعلى هذا لا يصلي إلى أربع جهات الا في واحد منهما فبالنسبة إلى الثوب يمكن الامتثال التفصيلي بخلاف القبلة فلابدّ في الثوب ذلك وليس له تكرار صلاته في الثوبين إلى أربع جهات حتى تصير ثمانية لأن عدم التمكن من الامتثال التفصيلي من جهة لا يوجب الغائه بالكلية . ففي ما اذا أمكن لابدّ منه بخلاف ما إذا لم يتمكن ولو من جهة .

ومسئلتنا من هذا القبيل اذ الأربع لابدّ من الاتيان بها على كلّ تقدير . الا أن يقال بلزوم المراعاة بالنسبة إلى مقدار يمكن اذ عدم تمكن المكلف من تشخيص صلاة العصر التي يأتي بها يوجب انتقال الامتثال إلى الاجمالي الاحتمالي بخلاف شرطه الذي هو الترتب لتمكنه أن يحرزه قبل الشروع في محتملات العصر .

فكلّ واحد من هذه كان إلى القبلة يعلم بحصول شرطه قبل الدخول فيه

ص: 158

فلابدّ من مراعاة هذا القدر . وهذا لا يكون في ما إذا أتى بكلّ واحد من محتملات العصر عقيب كلّ واحد من محتملات الظهر وبعد الفراغ من العصر واستيفاء محتملاته يحصل له العلم بوقوع العصر عقيب الظهر . ولكن هذا أيضا لا دليل عليه اذ لا يطلب المولى أزيد من مراعاة الترتيب بين الصلاتين وهو حاصل بغير هذا النحو بل بما إذا أتى بواحد من العصر عقيب واحد من الظهر .

فتبين ان هذا التفصيل في المقام والفرق بين الامتثالين وتقدم هذا على ذاك لا دليل عليه .

إذ القيد إذا كان معتبرا في شيء ولم يحصل التمكن من اتيانه في المقيد .

فلا دليل على بقاء المقيّد ولزوم الاتيان به بلا قيد بل وسقوطه عن المطلوبيّة دليل خاص على الاكتفاء به في الأبواب الخاصّة ( أقول: لابدّ أن ينظر إلى دليل الترتب أهو ناظر إلى حصول الظهر مقدما على العصر على أي نحو اتفق وان لم يشعر المصلى أم لابد من احرازه كساير الشروط المعتبرة في العبادة . والظاهر قبل المراجعة إلى الأدلّة الخاصّة هو الثاني كما في ساير الشرايط .

فذلكة وتكميل: مقتضى ما ذكرنا لزوم الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة الموضوعيّة اذا كانت الأطراف محصورة .

وما اشتهر من عدم لزوم الفحص في الشبهة الموضوعيّة فهو لا مورد له في ما إذا كان الموضوع شرطا لتكليف في ناحية الامتثال كالقبلة في مثالنا ففي هذه الصورة لابدّ من الاحراز لقاعدة الاشتغال .

أمّا إذا كانت غير محصورة فستأتي سواء كانت ( في التكاليف الاستقلاليّة أو الضمنيّة ) أو في الشرايط ومن الأمثلة الكثيرة التي توجد لهذا القسم من الشبهة

اشكال عدم الفحص في الشبهة الموضوعيّة

ص: 159

ما إذا اشتبهت القبلة . فعلى القاعدة لابدّ من الاحتياط . الا انه لمكان الجمع بين الأخبار الخاصّة الواردة في الباب لابد أوّلاً من الاجتهاد ( اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك )(1) فاذا كانت الأطراف مظنونة ومشكوكة وموهومة فيقدم المظنونة عليهما واذا تساوت الأطراف فيصلي إلى أربع جهات وفي كلتا الصورتين اذا ظهر عدم مواجهة القبلة فمقتضى القاعدة الأوليّة والثانويّة من دليل لا تعاد(2) لابدّ من الاعادة لأن القبلة من الخمسة المستثناة . الا ان الدليل(3) قائم في ما اذا كان بين المشرق والمغرب لا النقطتين والاستدبار بعدم لزوم الاعادة في الوقت وخارجه .

وفي الاستدبار والنقطتين خلاف . وهذا الدليل يمكن أن يوجه بانه يوسع القبلة حتى لا يخصص القبلة المستثناة . فبعد هذا اذا صلى الصلوات إلى أربع جوانب وظهر له بطلان أحداها معينا من غير جهة القبلة اما من جهة زيادة أو نقص ركوع أو صلاتها بلا طهارة فهل في هذه الصورة وظيفته اعادة الصلوات الأربع أو احداها لا معينة إلى أي جهة أو لا شيء عليه أصلاً ؟

ربما يقال بلزوم اعادة الصلاة الأربع عليه من جهة تعارض قاعدة الفراغ المفرغة له فى كلّ من هذه الأربع لمخالفتها للعلم الاجمالي فتسقط فيها وهو شاك في امتثال التكليف الواقعي الذي عليه بلا مؤمّن من الشارع .

لكن لا مجال لهذا التوهم من جهة عدم جريان القاعدة في ثلاث من الأربع لعدم الأثر والأثر الذي يترتب على القاعدة وهو تصحيح الصلاة تعبدا هو المترتب على الواقعة إلى القبلة التوسعيّة في المقام لو لم يعلم بوقوع أحدها إلى

ص: 160


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 6 - 10/2 من أبواب القبلة .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 9/1 من أبواب القبلة .
3- . وسائل الشيعة 4 الباب 6 - 10/2 من أبواب القبلة .

القبلة الواقعيّة . ففيها وحدها تجري القاعدة وأثرها تصحيح الصلاة من غير جهة القبلة التي حصلت في ناحية اتيانه بالأربع ويكون العلم الاجمالي فيها شكا بدويا لعدم أثر يترتب عليه كالعلم الاجمالي بين زيادة ركوع في صلاته أو نقص مسمار أو وتد في المصراع الذي صنعه . فلا أثر يترتب عليه فيكون شكا بدويّا ويكون للقاعدة وجريانها فيها مجال كما اذا شك بعد اتيانه بصلاة في غير المورد بنقص شيء أو زيادة مضرة بصلاته سهوا أو عمدا . فكما انه هناك تجري القاعدة فكذا هنا لأن المقام نظيره فعلى هذا تجري القاعدة ولا شيء عليه .

نعم اذا قلنا ان الصلاة إلى أربع جهات تعبد من الشارع وجعلت وظيفة لعنوان الشاك في القبلة في هذا الظرف لا من جهة الطريقيّة إلى احراز القبلة الواقعيّة تعبدا فمقتضى القاعدة جريان قاعدة الفراغ في كلّ من هذه الأربع لترتب الأثر عليه وهو صحّة العمل وخروجه عن عهدته الذي هو تكليف مستقل فيتعارض القاعدة في كلّ فتتساقط ولابدّ في هذه الصورة من اعادة الصلوات الأربع للعلم بعدم اتيانه بالوظيفة المجعولة له بالنسبة إلى أحدها . ومن جهة اشتباه هذه الجهة التي صلّى إليها هذه الصلاة لابدّ من تكرارها إلى أربع جوانب التي صلى إليها من جهة العلم الاجمالي ( وأمّا إذا كان من جهة اكتفاء الشارع عن امتثال التكليف الواقعي إلى القبلة بهذه الجهات الأربع اما تعبدا أو من جهة توسعته لقبلة الشاك فلا تجري القاعدة في الأربع .

وإنّما الجاري واحدة وهي التي وقعت إليها .

أقول: قد يمكن في بعض الموارد مع علمه الاجمالي بوقوع نقص أو زيادة مبطلة على وجهه المعتبر في احدى هذه الصلوات علمه بوقوع احداها إلى القبلة

الصلاة إلى أربع جهات في اشتباه القبلة

ص: 161

كاملة صحيحة . اذ ربما يمكن أن يكون المشرق والمغرب اللذان هما جهتان من الجهات التي صلى إليهما غير خارجتين عن مشرق القبلة ومغربها .

فاذا علم اجمالاً ببطلان صلاة من الأربع ويحتمل انطباقها على واحدة من هاتين يعلم بعدم انطباقها على اخرى فيعلم بوقوع أحدها إلى القبلة لكن هذا الفرض يتحقق ما إذا علم بعد الصلوات أو بعضها جهة القبلة وعلم بالنسبة .

بقي في المقام تنبيه وهو آخر التنبيهات .

وهو انه إذا كان المعلوم بالاجمال مردّدا بين الشبهات غير المحصورة

بالضابط الذي ذكرنا في التحريميّة فهل يجب عليه شيء أم لا يجب ؟ والواجب هل استيفاء تمام الأطراف بالاحتياط . فربما بل من المسلم في كثير من الموارد لو لم يكن في أكثر يوجب اختلال النظام ولا أقل من العسر والحرج الشديدين يمكن أن يقال بعدم لزوم شيء عليه وكونها كالشبهة غير المحصورة التحريميّة التي مضت سابقا ان الكثرة والبعد كليهما أوجب خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء الذي كان شرطا في حسن الخطاب بالاجتناب اذ ما كان فرق بينها وبين المحصورة الا هذا كما مضى في محلّه . فيكون الشبهة الوجوبيّة كالتحريميّة . فيجب الاجتناب(1) في المحصورة على ما سبق ولا يجب في غير المحصورة بل في غير المحصورة هنا عدم الاحتياط وعدم لزوم شيء عليه اولى . اذ في التحريميّة ما كان سوى الاجتناب والترك شيء عليه لا اختلال النظام ولا العسر والحرج الا في بعض الموارد التي كان الرجوع فيها إلى أمر وجودي بخلاف المقام . فان في الفعل خصوصا في الأطراف الكثيرة على هذا الضابط حصول

ص: 162


1- . الظاهر ان الصحيح الاتيان .

العسر والحرج مسلم ( فيقال هل استيفاء جميع الأطراف عليه يسير إذا كانت تكليفاً ابتدائيّة . فيقال لا فكذلك اذا كان تكليف واحد مشتبه بينها ) فكما ان هناك

أوجب خروج بعض الأطراف عن الابتلاء الشك في ثبوت التكليف فكذا هنا لأن الواجب الذي يعلمه اجمالاً بين المحتملات الكثيرة لو كان مثلاً في هذا الذي في طرف ابتلائه وهو قادر عليه فعلاً وتركا فالتكليف ثابت عليه لازم الامتثال . وإذا كان الواجب في ذاك الطرف الذي بعيد عن ابتلائه وغير قادر عليه فعلاً فهو شاك في حصول شرط الوجوب من جهة الشكّ في انطباق الواجب على ما في طرف ابتلائه وغير عسري اتيانه عليه ولا يلزم منه اختلال النظام .

فاذن كان الواجب عليه أن يأتي بالأطراف إلى أن يحصل له العسر أو يلزم الاختلال فيحتمل مع هذا الابتلاء أن لا يكون الواجب في هذه الأطراف التي في طريق الوصول إلى العسر فاذا يحتمل فهو شاك في الوجوب فتجري البرائة بالنسبة إلى هذه الأطراف وتلك أيضا من جهة العسر والحرج أو لزوم الاختلال . فعلى هذا يصير المقام من قبيل الشبهة التحريميّة غير المحصورة وذلك من جهة انه شك في هذا وذاك أن يكون هو الواجب لأن أطراف العلم يشملها وما هو غيرها الخارج البعيد عن ابتلائه الفعلي الذي يلزم العسر في الاحتياط عن جميعها إلى ذاك الحد .

فاذا كان الأمر هكذا فالشكّ في انطباق الواجب المعلوم على هذه الأطراف والشكّ في الانطباق مساوق الشكّ في الوجوب . مع انه من المسلم بينهم ان الشبهة الوجوبية لا فرق فيها بين المحصورة وغيرها وقالوا لأن التكليف المجعول من قبل الشارع ليس فيه عسر ولا يلزم منه اختلال النظام فمقتضى القاعدة امتثال ذلك

الوجوب إلى حدّ العسر أو لزوم الاختلال

ص: 163

التكليف الذي لا عسر في جعله ولا يلزم منه الاختلال . والعلم والجهل أيضا خارجان عن موضوع التكليف اذ الكلام على هذا . فيلزم عليه امتثاله وحده لو علمه تفصيلاً واذا علمه اجمالاً لابدّ من الاحتياط لاستقلال العقل بذلك إلى أن يثبت مانع عقلي أو شرعي فاذا لزم اختلال النظام فبمقدار يلزم الاختلال لا يجب عليه بخلاف الباقي . اذ المخالفة القطعيّة في مسئلتنا ممكنة فهي حرام بترك جميع المحتملات . نعم الموافقة القطعيّة حيث لا تمكن فينتقل إلى الموافقة الاحتماليّة بالنسبة إلى قدر يمكن .

وإذا ما كان هناك اختلال بل اللازم العسر والحرج فالمقدار الخارج عن لزوم الاحتياط فيه ما يلزم منه العسر والحرج لا ما لا يلزم بناء على تعميم أدلّة العسر والحرج لما إذا كان في ناحية الامتثال من جهة اشتباه الأطراف . بتقريب أن يقال مرجعه بالاخرة إلى جعل التكليف وهو منفي بادلته فيصير النتيجة التبعيض في الاحتياط .

وعلى هذا . فالفرق بين المقام وبين التحريميّة في غاية الوضوح اذ المانع هناك إنّما كان من ناحية عدم ثبوت التكليف من جهة كثرة الأطراف . بخلاف المقام فان التكليف فيه معلوم وانما المانع من ناحية الامتثال فيلزم عليه الامتثال والاحتياط بمقدار يتمكن . اذ لزوم الاختلال والعسر والحرج لا يرفعان أصل التكليف فاللازم الاقتصار بمقدار لا يلزم منه ذلك اذ الضرورة تتقدر بقدرها .

أقول وجه لزوم الاحتياط احتمال انطباق الواجب على كل واحدة ومع الخطاب الفعلي المتوجه إلى المكلف باتيانه فالاحتمال منجز .

وسيّدنا الأستاذ قدس سره بعد بيان هذا التقريب استحسنه وركن إليه وقال ان

ص: 164

الشبهات التي أوردوها في المقام لا أساس لها .

أقول: يمكن أن يقال ان دليل العسر والحرج وكذلك الاختلال كدليل الاضطرار ممّا يقيد الواقع . فاذا كان الاضطرار في أحد الأطراف قبل العلم أو معه يلزم أن لا يكون العلم بالتكليف علما به لاحتمال أن يكون في ذلك الغير المضطر إليه الذي هو غير لازم الاتيان قطعا بل واجب الارتكاب في الشبهة التحريميّة فكذلك العسر والحرج يكونان ممّا يرفعان التكليف واقعا في مورد يلزمان . فعلى كلّ تقدير موردهما والاختلال غير لازم الاتيان . فبالنسبة إلى باقي الأطراف يكون الشبهة شبهة وجوبية بدوية فلا يلزم عليه شيء لجريان البرائة .

نعم اذا كان الاختلال والعسر والحرج بعد جعل أصل التكليف وتوجه خطابه إلى المكلف في ناحية الامتثال فما ذكره ونقلناه سابقا صحيح كالاضطرار إلى أحد الأطراف المعين بعد تنجز الخطاب الواجب على المخاطب به اتيان غير المضطر إليه فتأمّل جيدا .

هذا تمام الكلام في دوران الأمر بين المتبائنين .

الكلام في الأقل والأكثر وهو على قسمين ارتباطي وغير ارتباطي وكلا ذينك يتصور في الشبهة التحريميّة والوجوبيّة . اما الشبهة التحريميّة غير الارتباطي الدائرة بين الأقل والأكثر كالشكّ في حرمة تصوير كلّ جزء من الحيوان ذي الروح انسانا أو غيره مع عدم ارتباط حرمته لحرمة جزئه الآخر وكما في سور العزائم اذا اشتبه من ناحية الأخبار لا من جهة الشبهة في الموضوع .

وأمّا الارتباطي في هذه الشبهة فكالمثالين المذكورين اذا كان الشكّ في حرمة كلّ جزء مشروطا بحرمة الآخر كما اذا صور نصف انسان مع علمه بحرمة

الشبهة الوجوبية في الأقل والأكثر

ص: 165

كله ولكن يشكّ في ان نصف جسده طولاً من عرضه حرام مشروطا بتصوير نصفه الآخر كذلك أم لا ؟

وكما في سورة العزيمة فانه تارة يشكّ في حرمة كلّ آية ومنها البسملة منها مستقلة عن ساير الأجزاء وتارة يكون الشكّ في الحرمة من ناحية انه اذا أتى بالاجزاء الباقية بعد البسملة تصير البسملة حراما .

لا اما اذا أتى بها مجردة ولو بقصد احدى تلك السور والقوم وان لم يعقدوا للشك بين الأقل والأكثر الارتباطي وغير الارتباطي في الشبهة التحريميّة بابا وإنّما الموجود في كلماتهم رموز و اشارات الا انه لا فرق بين الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة في ذلك لاتّحاد المناط . ومجرّد انه في الشبهة التحريميّة يكون الأكثر معلوم الحرمة بخلاف الأقل وفي الوجوبيّة يكون الأمر بالعكس لا يصلح فارقا كما اذا شككنا في ان الغيبة المحرمة هل هي الجامعة للقيود الأربعة أم تكفي ثلاثتها أو أقل بلا طريان عنوان الايذاء أو عنوان آخر محرّم في نفسه . وهذا في صورة الشكّ في كلّ من هذه الامثلة . وإلاّ فلابدّ من الرجوع إلى الأدلّة الدالّة على

أحكامها في موضوعاتها . ولا فرق في ذلك بين الشبهة الموضوعيّة والحكميّة من جهة اجمال النص أو فقده ففي غير الارتباطي تجري البرائة في كلا قسمي الشبهة وجوبيّة كانت أو تحريميّة لوجود المقتضى وعدم المانع . اما المقتضي فتماميّة أركان البرائة لأن المورد مشكوك مجهول ومجعول وفي رفعه منة واذا لم يكن هناك أصل موضوعي تجري البرائة عقلها ونقلها . انما المانع المتصور في المقام هو العلم الاجمالي وهو لا يصلح مانعا لعدم لزوم المخالفة العمليّة في المقامات فاذا ما أتى بالغيبة جامعة للقيود الأربعة فأين يحصل له العلم بالمخالفة القطعيّة .

ص: 166

نعم اذا كان المورد من الأموال والفروج والدماء المجعول فيها الاحتياط لا مجال للبرائة ولا فرق بين الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة . فاذا استقرض من بقال من البقاقيل أشياء . فتارة يشكّ في اشتغال الذمّة بمقدار معلوم فهناك مجرى للبرائة إذا لم يكن استصحاب ( كما في ) الدفعي والا فيجري الاستصحاب بالنسبة إلى المرّة المشكوكة في التدريجي منه وتارة يكون الشكّ في افراغ الذمّة فلابدّ من الأداء بمقتضى الاشتغال إلى أن يحصل له العلم بالفراغ .

فتحصل ان في الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة بين الأقلّ والأكثر تجري البرائة لتماميّة أركانها وعدم منع العلم الاجمالي من ذلك وعدم صلاحيته لذلك المعنى .

الكلام في الشبهة الوجوبيّة بين الأقل والاكثر الارتباطيين وهنا اختلاف بين الأعلام فبعض اجرى البرائة عقلها ونقلها .

وبعض اقتصر على النقل دون العقل . وخالف جماعة هنا فقالوا بوجوب الاحتياط مع قولهم في التحريميّة بالبرائة .

والشكّ في الأكثر والأقل الارتباطيين تارة يكون في متعلّقات التكاليف وتارة يكون في موضوعاتها . وعلى كلا التقديرين تارة يكون الشبهة حكميّة واخرى من جهة الشبهة في الموضوع . والحكميّة اما أن تكون تحريميّة أو وجوبيّة اما من جهة فقد النص أو اجماله وقد مضى الكلام في الأقل والأكثر في باب الأسباب العقليّة والعادية والشرعيّة بعدم جريان البرائة في محلّه وكذا في الشبهة التحريميّة بأقسامها وقد تصورنا فيها دوران الأمر والشكّ بين الأقل والأكثر الارتباطيين . الا انه بخلاف الوجوبيّة كما سبق وكذا مضى الكلام في جريان

الأكثر مجرى البرائة

ص: 167

البرائة في الأقل والأكثر غير الارتباطي في الوجوبي كما اذا شكّ في ان عليه عشرة دراهم أو أحد عشر فتجري البرائة بالنسبة إلى الزائد من المعلوم وهو درهم واحد والكلام في موضوعات التكليف سيجيء .

انما المهم هنا البحث في الموضوع الذي يكون منشأه اشتباه الأمور الخارجيّة لأن في الشبهة الحكميّة في متعلّقات التكاليف الوجوبيّة الارتباطيّة الاطلاقات المقاميّة موجودة مع الصلوات البيانيّة فنحن مستريحون من اجراء الأصول لمكان وجود الدليل الاجتهادي .

الا ان الشيخ رحمه الله(1) إنّما تعرّض لها تفصيلاً فاذا شككنا في وجوب الاستراحة أو الاستعاذة أو السورة فالاطلاقات تغنيا وتزيل عنّا الشك .

أقول الا ان بعض الموارد لنا حاجة إلى البرائة اذا لم يمكن استنتاج دخل شيء أو عدمه من الاطلاقات والصلوات البيانية وإن قال سيّدنا الأستاذ البحث عن الشبهة الحكميّة الوجوبيّة المورد للبحث ساقط لذلك .

وأشار إلى الشبهة الموضوعيّة اشارة والمقام غير خال عن الأبحاث العلميّة الشريفة اتبعنا الشيخ رحمه الله في ذلك .

فنقول في الشبهة الحكميّة في الأقل والأكثر الارتباطيين في متعلّقات

التكاليف في الأجزاء من حيث الاشتغال والبرائة أقوال ثلاثة بين المتقدمين والمتأخرين ومن قارب عصرنا . منها جريان البرائة عقلاً ونقلاً وهو مختار الشيخ وبعض أساتيد مشايخنا قدّس اللّه أسرارهم . ومنها جريان البرائة النقليّة دون

ص: 168


1- . فرائد الأصول 2/460 .

العقليّة وهو مختار المحقّق النائيني رحمه الله(1) ومنها الاشتغال وعدم جريان البرائة

بقسميها الا نحن على الترتيب نشرح مداركهم في ذلك .

ومحصل ما أفاده الشيخ في جريان البرائة بقسميها هو وجود المقتضى وعدم المانع اما المقتضى في البرائة العقليّة فقاعدة قبح العقاب بلا بيان فاذا شككنا

ان الاستعاذة واجبة في الصلاة أم لا فنعلم بوجوب أشياء تسعة أو عشرة مثلاً ونشكّ في وجوب شيء زائد عليها فلنا شيئان علم بوجوب الأجزاء المعلومة تفصيلاً وشكّ بدوي بالنسبة إلى الاستعاذة فالعلم الاجمالي المتعلق بالأجزاء مع الاستعاذة أو بلا استعاذة منحلّ إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي لأنّ الأقل على كلّ حال واجب إمّا بالوجوب النفسي وإمّا بالوجوب المقدّمي الذي وقع في كلام الشيخ ومعناه غير ترشح الوجوب المقدمي من وجوب ذي المقدمة بل المعنى وجوبه النفسي ووجوبه مقدمة شرطيّة للجزء العاشر لو كان الأكثر واجبا وهذا هو معنى الارتباطي فكلّ جزء منه واجب جزءا وشرطا للأجزاء الآخر .

ولوشا فهمنا الشيخ رحمه الله بالوجوب المقدمي للأقل لاجللناه أن ننسب إليه الوجوب المقدمي بالمعنى المتقدم .

المترشح إليه الوجوب من وجوب ذي المقدّمة ولقطعنا بأن مراده غير ذلك وقد مضى في محلّه ان المقدّمة الداخليّة والخارجيّة لا معنى لها .

وعلى أيّ حال فالبرائة العقليّة جارية في المقام لانحلال العلم الاجمالي والمانع المتصور ليس بمانع من جريان البرائة وهو العلم لانحلاله إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي فاذا اتينا بالواجب المعلوم وهو الأقل واتّفق انّ الواجب كان هو

دليل الشيخ في جريان البرائة

ص: 169


1- . فوائد الأصول 4/150 .

الأكثر . فالعقاب على ترك الأكثر عقاب بلا بيان .

وأمّا البرائة الشرعيّة فلتماميّة أركانها من الجهل والجعل والمنّة في رفع المشكوك . فانّ الجزء العاشر مثلاً مجهول الوجوب ومجعول شرعي وفي رفعه منة والقيد الرابع والخامس لجريان البرائة اللذان هما عدم جعل الحكم على المورد بالعنوان الثانوي الشكّي وعدم جريان أصل موضوعي هناك حاصل . فتجري البرائة الشرعيّة عن وجوب الأكثر والمانع هناك ليس إلاّ العلم وهو منحل بما تقدّم ( والمانع ليس الا لزوم المخالفة وهو في المقام مفقود . فأيّ وقت نحن نعلم ويلزم المخالفة بمخالفة التكليف المردّد بين الأقل والأكثر في باب الارتباطي اذا اقتصرنا على امتثال الأوّل وما أتينا بالزائد . نعم لو تركنا الأقل والأكثر لخالفنا ) .

وأورد على هذا الاستدلال وإن لم يكن من الشيخ ( الا انه نقّحه ) من المحقّق صاحب الحاشية على تقدير عدم رجوع كلامه إلى ما سيجيء من المرحوم الآخوند قدس سره وعلى كلّ فهذا الاشكال وان لم ننسبه إلى المحقّق لعدم التحقّق وقد اسند إليه(1) المحقّق النائيني ( ولعلّه ما أعطى التأمّل في عبارة صاحب الحاشية ) له صورة ومعنى وان عبّرناه بلسان ان قيل . برجوع الشكّ في وجوب الأكثر فيما نحن فيه إلى الشكّ بين المتنائنين الذي تقدّم انه لابد فيه من الاحتياط

لأنّ الأجزاء التسعة معلومة ولو كان الأكثر واجبا تكون مشروطة بالجزء العاشر فتصير من الماهية بشرط الشيء . وإن لم يكن واجبا فتكون من الماهية لا بشرط ومعلوم ان النسبة بين الماهيّة بشرط شيء واللا بشرط نسبة العداوة والتضاد فشكنا في المورد بين الأقل والأكثر دائما راجع إلى وجوب الماهيّة اللابشرط عن

ص: 170


1- . فوائد الأصول 4/152 وبعده .

الجزء العاشر أو بشرطه . فلو أتينا بالأقل واتّفق انّ الأكثر كان واجبا تصحّ عقوبتنا على ذلك لعدم القبح فيها . فلا عقاب بلا بيان مع وجود العلم الاجمالي بالتكليف على هذا النحو . فالجامع في البين وهو الأجزاء التسعة معلوم غاية الأمر مجهول انها بهذا التطور والكيفيّة أو بذاك . فلابدّ من الخروج عن عهدة التكليف المعلوم في

البين نظير ما اذا علمنا بوجود اناء متنجس بين انائين الماضي وجوب اجتنابهما والبرائة الشرعيّة أيضا لا مجال لجريانها لأن الاجزاء التسعة معلومة وهي الجامع بالتفصيل فلا مجرى للأصل . والخصوصيّة وهو وجوبها مع جزء عاشر أو وحدها مشكوك فالخصوصيتان وإن كانتا مجهولتين . الا ان أدلّة البرائة لا تشملهما جمعا لمكان العلم وجريانها في واحد لا على التعيين ترجيح بلا مرجح وفي واحد معين ليس من شأن أدلّة البرائة العامّة ذلك فلابدّ . في المقام باتيان الأقل في ضمن الأكثر تحصيلاً لفراغ الذمّة عن التكليف المعلوم في البين .

وهذا الاشكال ليس له صورة وحدها بل لها معنى فلابدّ من الجواب . فتارة يكون المستفاد من الأدلّة الاجتهاديّة وجوب شيء في العبادة وارتباط المعلوم الوجوب بالمشكوك الوجوب تكليفا وامرا أو عدمه فلا كلام ولا اشكال ولا تصل النوبة إلى الأصل .

وتارة يكون مقام الشكّ . وفي هذا المقام لابدّ من حلّ الاشكال . وقد أجاب عنه المحقّق النائيني قدس سره (1) بما ملخّصه عدم رجوع الشكّ في المقام إلى الشكّ بين المتبائنين بناءً على مبناه من كون تقابل الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة .

جواب الاشكال

ص: 171


1- . فوائد الأصول 4/154 - 155 .

فالجزء العاشر المشكوك الوجوب لو كان واجبا تكون الاجزاء التسعة مقيّدة به وإلاّ فلا شيء إلاّ وجوب نفس تلك الأجزاء وليس هناك إلاّ عدم التقييد في شيء كان من شأنه أن يقيد . فالأجزاء المعلومة من شأنها ان تقيد بوجوب الجزء العاشر وما قيّدت . فالأوّل يكون مقيدا والثاني مطلقا . والتقابل تقابل العدم

والملكة لا الايجاب والسلب ولا تقابل التضاد فهذا القيد مشكوك فيه فتجري البرائة بالنسبة إليه عن الأجزاء المعلومة فتكون هي واجبة بلا رجوع إلى المتباينين . ولكن مع ذلك لا يقول بجريان البرائة العقليّة من جهة لزوم انحلال العلم الاجمالي بنفسه وهو محال .

فذلكة: فحاصل الكلام في الأقلّ والأكثر الارتباطي كان عند الشيخ رحمه الله

وجوب الأقل والبرائة عن الأكثر من جهة الانحلال .

وقيل في المقام بعدم الانحلال والتقريبات في ذلك مختلفة إلاّ ان عمدتها ثلاث أحدها من صاحب الحاشية وواحد من المرحوم الآخوند وآخر من المحقّق النائيني رحمهم الله ولا يهمّنا التعرّض لساير التقريبات .

أمّا التقريب من صاحب الحاشية فهو بداهة تخالف الماهيّة اللابشرط مع بشرط الشيء تخالفا تضادا تباينا عناديا ولو كان الأقل وحده واجبا فهو لا بشرط عن الزائد . اما لو كان الأكثر هو الواجب فالأقل المعلوم الوجوب بشرط شيء وهو الزائد فما هو المعلوم في البين والجامع ليس إلاّ نفس الأقل والخصوصيّة مشكوكة إمّا بهذه الخصوصيّة أي لا بشرط عن الزائد أو بتلك أي بشرط الزائد . فالأمر دائر بين المتبائنين ويصير مرجع الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطي إلى المتبائنين .

ص: 172

ولا مجال لقاعدة قبح العقاب بلا بيان لأنّة لو ترك الزائد وما أتى به بل اقتصر على الأقل وأتّفق ان الأكثر كان هو المأمور به لا يقبح العقلاء المولى على عقاب التارك للأكثر المقتصر على الأقل . فلو أتى بالأقل يشكّ في الفراغ والامتثال وما حصل الامتثال لو كان الواجب هو الأكثر . بخلاف ما لو أتى به لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني . فهو يعلم ان ذمّته مشغولة للصلاة وأمرها دائر بين هاتين الخصوصيّتين فلابدّ من الخروج عن عهدة التكليف في البين ولا يمكن الا باتيان الأكثر ( كما اذا يعلم ان عليه صلاة لا يدري انها المغرب أو العشاء

فلابدّ من اتيان كلتيهما حتى يتيقن بالفراغ والبرائة . كما انه تارة يعلم بصلاة في عهدته دائرة بين الظهر والعصر غير المختلفتين في الخصوصيّات فيقصد بصلاة ما في ذمّته من أي واحدة منهما .

وتصدى المحقّق النائيني رحمه الله للجواب عن هذا الايراد بعدم الانحلال . ان المركب الارتباطي معناه كما بين هو انه كلّ جزء جزء وشرط للاجزاء الاخر فالتكبيرة التي يكون متعقبة بالركوع جزء وواجب وكذا الركوع الذي تقدّمه التكبير واجب وجزء الا ان الشكّ بين الأقل والأكثر لا يرجع إلى الشكّ بين المتبائنين . بل يكون الشكّ بين الأقل والأكثر . لأنّ الجزء الزائد على تقدير وجوبه

يكون قيدا زائدا على الماهيّة الأقل فهي تصير مقيّدة بقيد زائد لا انه تكون مبائنة للأقل بل الأكثر هو الاقل مع قيد الجزء والأقل هو طبيعة الأكثر بلا قيد . فمرجع الأقل والأكثر إلى العدم والملكة وتقابلهما يكون تقابل العدم والملكة من جهة شأنيّة الأقل ان يقيد بالزائد ولا يقيد . وبحسب التكليف نفس الأقل معلوم والشكّ في تقييده بقيد زائد على ما هو المعلوم . فالمقام من باب المطلق والمقيد الذي

الجواب بعدم الانحلال

ص: 173

يكون التقابل فيه تقابل العدم والملكة لأن التقييد عبارة عن اعتبار قيد زائد على ما هو صالح لذلك والاطلاق عبارة عن عدمه . لا انه يلاحظ عدمه قيدا ولا تتداخل أقسام الماهيّة فيصير اللابشرط بشرط لا أو بشرط الشيء لان موضوع الحكم بالنسبة إلى كلّ شيء من الزمان والزماني والعوارض والطوارى اما أن يلاحظ بشرط وجوده وهو بشرط الشيء أو بشرط عدمه فيقيد بعدمه فتكون الماهيّة بشرط لا واما لا يقيد بوجوده ولا بعدمه وهذا بالنسبة إلى كلّ شيء . فيمكن أن يكون الحكم بالنسبة إلى شيء مطلقا موضوعه أي بلا دخل لوجوده وعدمه في ترتبه على موضوعه وبالنسبة إلى شيء آخر مقيدا بوجوده أو عدمه فالاطلاق عبارة عن كلّ شيء ونقيضه أي لا هذا دخيل ولا ذاك وهذا هو مقتضى التسوية . فيمكن أن يتصور في جانب موضوع الحكم سواء ات عديدة فوجوب اكرام زيد حاصل سواء كان عالما أو لا جاهلاً أو لا جالسا أو لا . قائما أو لا لا انه

يكون جالسا أو قائما بل كلّ شيء ونقيضه . فاذا لوحظ الطبيعة من حيث هي فبالنسبة إلى حكمها . اما أن تكون مطلقة من جهة دخل وجود شيء أو عدمه فيها أو مقيدة بوجوده أو عدمه فنفس الطبيعة المخلاة المعراة هو اللابشرط المقسمي .

غاية الأمر في مقام الملاحظة لأن تصير موضوعة لحكم تكون الماهيّة لا بشرط سواءً كان في الأحكام الشرعيّة أو العرفيّة . فالطبيعة اللابشرط المقسمي التي ما لوحظ شيء معها وخليت حتى عن الذهن وتشخصها فيه هو الطبيعة اللابشرط القسمي في عالم الموضوعيّة وهي وإن كانت معاندة ومباينة للطبيعة بشرط الشيء وبشر اللا الا ان هذه المباينة ليست المباينة بالايجاب والسلب ولا مباينة التضاد بل مباينة العدم والملكة أي من شأنه أن يقيد وما يقيد كزيد القابل

ص: 174

للقيام ما قيد اكرامه بالقيام لا كالجدار فلا يقال عليه أعمى لعدم قابليته لملكة الأبصار فالتقابل بين المطلق والمقيد ليس الا تقابل العدم والملكة كما قال المحقّق الخراساني رحمه الله في أوّل بحثه للمطلق والمقيد ان اسلم التعريفات للمطلق والمقيد وأحسنها هذا .

نه به دام قيود قيد شدم . نه باطلاق نيز صيد شدم .

فاذا كان التقابل تقابل العدم والملكة فكلّ جزء يزاد على الماهيّة القابلة لزيادة شيء عليها فتصير هذه الماهيّة مقيّدة به واذا ما زيد ما قيد . فالاطلاق ليس الا عبارة عن أمر عدمي وهو عدم التقيد بالوجودي ولا العدمي والاّ فتصير بشرط الشيء أو بشرط لا كما اذا كان العلم بوجوب الصلاة جزء الموضوع لوجوب الصلاة يعني يجب الصلاة على العالم بوجوبها . فكما هناك يستحيل تقيد موضوع الوجوب بما هو طارئ عليه ويتعلّق به ويوجد بعده كذاك اطلاقه فبعين امتناع التقييد يكون امتناع الاطلاق . فاذا كان الاطلاق أمرا عدميا فلا يكون الشكّ بين الأقل والأكثر دائرا بين المتبائنين بل بين الأقل والأكثر . فالتقابل بينهما تقابل الاطلاق والتقييد الذي هو تقابل العدم والملكة . فالأقل معلوم الوجوب فلابدّ من أن يأتي به والأكثر مشكوك . والشك في تقييد الأقل بأمر زائد . فالانحلال حاصل بالعلم بوجوب الأقل والشكّ في تقييده بقيد . فارجاع الشكّ بين الأقل والأكثر إلى المتبائنين مغالطة . فلا يكون بينهما مضادّة بل القيد وعدم القيد حتى لا بلحاظ انه معدوم القيد . فعدم الانحلال إنّما يكون اذا كان الأمر دائرا بين المتبائنين وهو إنّما

يكون إذا كانت الماهيّة بشرط الشيء واللابشرط تقابلهما تقابل التضاد وهو مستلزم للمحال من جهة تداخل أقسام الماهيّة . لأنه اذا لوحظت بقيد

ص: 175

اللابشرطيّة فتكون بشرط لا فيلزم أن تكون الماهيّة اللابشرط ماهية بشرط اللا وهو محال.

فاذا لا يكون مرجع الشكّ بين الأقل والأكثر إلى المتبائنين لما قلنا من لزوم المحال بل إلى الأقل والأكثر فلا مانع من الانحلال من هذه الجهة .

توضيح وتكميل: ذهب عدّة من المحقّقين في الشكّ بين الأقلّ والأكثر إلى عدم الانحلال منهم المحقق الآخوند رحمه الله(1) وتقريب الاستدلال له على ذلك ومحصله ان من الانحلال يلزم عدم الانحلال . لان انحلال العلم الاجمالي بوجوب الأقل والأكثر موقوف على تنجز التكليف بالأقل على كلّ تقدير وذلك متوقف على تنجز التكليف بالأكثر اذ لو لم يكن الأكثر منجزا ما يكون العلم بوجوب الأقل منجزا على كلّ تقدير . بل على تقدير أن يكون منفردا لا على تقدير أن يكون منضما وتنجز التكليف بالأكثر يوجب عدم انحلال العلم الاجمالي بوجوب الأقل والأكثر بوجوب الاقل . بل بالأكثر فمن الانحلال يلزم عدم الانحلال وما يستلزم وجوده عدمه فهو محال .

وأورد عليه المحقّق النائيني رحمه الله(2) بأن وجوب الكل معلوم على كلّ تقدير

سواء كان بهذه الخصوصيّة أو تلك . فانّه لو كان في الواقع الركوع مع الاستعاذة واجبا فذات الركوع واجبة ولو لم يكن الاستعاذة واجبة . وأيضا فالركوع واجب فعلى كلّ تقدير ذات الركوع في الواقع واجبة مع ساير الأجزاء العشرة مثلاً الا ان الخصوصية مشكوكة ودائرة بين أن تكون مقيدة بوجوب الاستعاذة أو جلسة الاستراحة أو لا معهما .

لا يكون الشك بينهما من المتبائنين

ص: 176


1- . كفاية الأصول 2/228 - 232 .
2- . فوائد الأصول 4/156 - 157 .

فعلى أيّ تقدير العلم بذات الركوع ووجوبه حاصل . غاية الأمر لا ندري أمستقلاً أو في ضمن الأكثر فذات الأقل في المقام معلوم الوجوب مع قطع النظر عن الخصوصيّة الا انه في ضمن الأكثر أو مستقلاً مشكوك وهذا الشكّ لا يوجب خروج العلم بوجوب الركوع بذاته عن العلم . بل العلم بوجوب الركوع والأقل حاصل سواء كان في ضمن الأكثر أو كان بنفسه مستقلاً . اذ معنى العلم الاجمالي هو هذا العلم بشيء والشكّ في خصوصياته كالانائين اللذين يعلم بوجود النجس فيهما الا انه اما هذا أو ذاك . لأنّ العلم الاجمالي عبارة عن ضمّ قضيّة معلومة إلى

قضيّة مشكوكة يحصل منهما قضيّة منفصلة مانعة الخلو لا تمتنع في بعض الأحيان ان تكون مانعة الجمع أيضا فنعلم بوجوب الركوع . فالركوع وساير الأجزاء المعلوم الوجوب واجب اما منفردة أو منضمة وأي ربط وخصوصية للتنجز في الانحلال فانه لو اعتبرنا ذلك أي كون التكليف بالأكثر منجزا يلزم اعتبار العلم التفصيلي في العلم الاجمالي أي نعلم تفصيلاً على كلّ تقدير بوجوب الأقل مستقلاًّ ومنضمّا في ضمن الأكثر ويكون وجوبه منجزا علينا حتى نعلم بوجوبه تفصيلاً فينحل ذلك العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقل وذلك لا يستقيم ومحال فمن هذه الجهة لا يمكن الاشكال في عدم انحلال العلم الاجمالي إلى وجوب الأقل تفصيلاً والشكّ في وجوب الزائد .

ولكن يرد على المحقّق النائيني قدس سره انه لا ربط لما ذكره بما قاله المحقّق الخراساني قدس سره اذ هو ملتفت إلى هذا المعنى . بل نظره إلى شيء آخر ولذا أورد البحث في مجال التنجز . لأنّ الكلام في البرائة العقليّة وجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلابدّ في جريان القاعدة في جانب الأكثر أن يكون العقاب بلا بيان فلو

الاشكال على ايراد المحقّق النائيني

ص: 177

كان العقاب بلا بيان وما صلح العلم الاجمالي بالتكليف المردّد بينهما للبيانيته يجري البرائة العقليّة عن الزائد عن الأكثر ولا تجري بالنسبة إلى الأقل لتنجزه على كلّ تقدير فمجرى القاعدة مورد عدم البيان . كما انه لو كان هناك بيان لا تجري ويكون العقاب هناك مع البيان ولا قبح فيه أصلاً . والانحلال إلى وجوب الأقل تفصيلاً لابدّ وأن يكون لعدم جريان القاعدة لتماميّة البيان . وذلك موقوف على أن يكون العلم بوجوب الأقل منجرا على كلّ تقدير سواء كان هو بنفسه ومستقلاًّ واجبا أو في ضمن الأكثر . فلو لم يكن العلم بوجوب الأقل منجزا على كلّ تقدير . بل كان هناك نفس الوجوب مع جهل الخصوصتين فالأقل غير منجّز . بل معلوم الوجوب ومشكوك الخصوصيّة . فاذا كان مشكوك الخصوصيّة وطبيعة الأقل المهملة لم تكن مطلوبة للمولى بل باحدى الخصوصيتين فوجوب الأقل غير معلوم ولا منجز مطلقا وعلى كلّ تقدير بل على تقدير أن يكون هو بنفسه ومستقلاً بلا دخل للزائد الذي به يكون الأكثر فالشكّ بعد باقٍ وما انحل العلم الاجمالي إلى التفصيلي .

وانحلاله إنّما يكون اذا كان على كلّ تقدير سواء كان واجبا مستقلاًّ أو ضمن الأكثر حتّى يكون الشكّ في قيد زائد والتكليف به بلا بيان فيكون مجرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فتجري فيه دون المنجز وهو خلاف الفرض . إذ بناءً على هذا يكون هناك علم تفصيلي بوجوب الأقل فيلزم من الانحلال عدم الانحلال وتوقف الانحلال على العلم التفصيلي بوجوب الأقل بلا موجب ولا أصل مثبت ولا حجّة شرعا ولا عقلاً تعبّدا أو وجدانا علماً أو علمياً وهو من المحالات . فلا يمكن انحلال العلم الاجمالي بنفسه بلا أصل مثبت للتكليف في أحد أطرافه من علم أو

ص: 178

علمي عقلي أو شرعي اذ الأقل من أطراف العلم .

فاذن يبقى العلم الاجمالي بحاله ولا يمكن انحلاله إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقل لعدم تنجزه على كلّ تقدير .

فالعلم بحاله متعلق بوجوب الأقل مشكوك الخصوصية ومقتضى العلم الاجمالي الخروج عن عهدة المعلوم ولا يمكن إلاّ باتيان الأكثر اذ الأكثر لو لم يكن واجبا أيضا لا يضرّ الاتيان بما به يكون الأقل أكثر .

إذ الكلام في غير مورد دوران الأمر بين شرطيّة شيء أو جزئيته وبين مانعيته فالاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني وهو لا يمكن إلاّ بذلك ولا يكون العقاب على ترك الأكثر لو صادف المأمور به الواقعي عقابا بلا بيان . بل نفس العلم الاجمالي بالتكليف المردّد بين الخصوصيّتين بيان فلا مجري لقاعدة القبح بلا بيان .

فاذا كان نظر المحقّق الخراساني رحمه الله هذا فلا ربط لما ذكره المحقّق النائيني رحمه الله به بل هو أيضا والشيخ رحمه الله لا يعدلان عن ذلك . إذ على هذا يلزم انحلال

العلم الاجمالي بنفسه إلى وجوب الأقل تفصيلاً وهو محال فلا معدل عن ذلك إلاّ انّ للآخوند رحمه الله كلاما بعد ذلك وهو انه لابدّ من تحصيل غرض المولى . فاذا شككنا ان بالأقل يحصل غرضه من التكليف أم لا فلابدّ من الخروج عن ذلك والاتيان بالأكثر الذي يعلم عنده حصول غرض المولى وهذا مطلب آخر غير مسلم في محله .

أقول: ( يظهر من مطاوي التقريب وتقلّباته كون الأقل الذي يكون الأمر دائرا بينه وبين الأكثر الأقل بشرط اللا عن الزائد فيرجع المقام والكلام إلى الشكّ

توجيه كلام المحقّق الخراساني

ص: 179

بين المتبائنين ويستقيم التقريب ويتم ويكون في غاية المتانة . لكن للكلام فيه مجال خصوصا على مبنى سيّدنا الأستاذ قدس سره في الأقل والأكثر كما نقل عن استاده وقربه من كون التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة . فعلى هذا وجوب الأقل معلوم على كلّ تقدير ومنجز علينا ولا ريب في ذلك ولا اشكال والشكّ في وجوب الاستعاذة وجلسة الاستراحة مثلاً يكون شكّا بدويّا والعقاب عليه يكون عقابا بلا بيان . وهنا تصل النوبة إلى مبنى تحصيل الغرض فلو تم وان كان المقام مقام جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان إلاّ انه وارد عليها وحاكم في مورده لا مجرى للقاعدة .

طور آخر من البيان: ذكر المحقّق الآخوند قدس سره كلاما محصّله(1) نعم لو كانت للأقل مصلحة ملزمة في حدّ نفسه وإن كان الشكّ في الاكثر فحينئذٍ لابدّ من جهة تحصيل غرض المولى من اتيان الأقل ويكون بالنسبة إلى الأكثر شكّا بدويّا . وهنا يصحّ الانحلال للعلم بكون الأقل ذا مصلحة لازمة الاستيفاء على كلّ تقدير سواء كان الأكثر واجبا أو لا فانّه فيه أيضا مصلحة ولكن تلك المصلحة لما كانت مشكوكة مع كون الأقل ذا مصلحة ملزمة لا مانع من جريان البرائة من الأكثر وهو قاعدة قبح العقاب بلا بيان . اما لو لم يكن الأمر كذلك بل الأقل على تقدير وجوب الأكثر ذو مصلحة ولا مصلحة مستقلة له في حدّ نفسه . فهنا لا مجال لجريان القاعدة فهو نظير كلامه في صورة الشكّ في باب التعبديّة والتوصليّة حيث يقول هناك لا مجال إلاّ للاشتغال ولو قلنا بجريان البرائة في الأقل والأكثر الارتباطيين من جهة الشكّ في الخروج عن عهدة التكليف . ولكن كلامه هناك صحيح الا ان

ص: 180


1- . كفاية الأصول 2/228 - 232 وما بعده .

في المقام لا يمكن الالتزام به وان ذكر بعد ذلك الاشكال بان هذا بناءً على مذهب العدليّة وأمّا على مذهب الأشاعرة لا يصح ذلك . الا أن الأشاعرة أيضا بين أقوال فجماعة منهم أنكروا الحسن والقبح العقليين الا من جهة الشرع وجماعة منهم انكروا ادراك العقل للمصالح والمفاسد مع الالتزام بكون الأشياء هكذا وجماعة منهم لما رأوا ذلك من القبيح والمنكر فلم يمكنهم عدم الالتزام بحسن الاحسان وقبح الظلم رجعوا من مقالة أوائلهم وهؤلاء هم المحقّقون منهم . وأيضا العدليّة ليس مبناهم في ذلك واحدا بل هم بين الملتزم يكون المصالح والمفاسد في المأمور به والمنهي عنه وبين قائل بكونها في نفس الأمر والنهي وان الواجبات السمعية ألطاف في الواجبات العقليّة وقد تحقّق معناه في محلّه وليس هنا مجال تحقيقه . الا ان القدر المسلم في باب التكاليف انها ليست بجزافية ولا يمكن الالتزام بمبنى تحصيل الغرض .

بل نحن والأدلّة فما ظهر منها لابدّ من امتثاله وإلاّ فلا نعلم ان القاعدة في تشريع الأحكام إلى من تعود وعلى أيّ كيفيّة ونحو حتى يجب علينا تحصيل غرض المولى ولا ندري ما الغرض في ذلك .

وبعد ذلك يقول لا مجال في المقام إلاّ باتيان الأكثر لأن به الخروج في المقام عن عهدة التكليف المعلوم في البين والاشكال بعدم معرفة الوجه وعدم تميز الواجب الذي أوجبه الشارع على المكلف في ذلك أهو الأقل أو الأكثر ويجيب عنه بأن ذلك مانع من الاحتياط في العبادات وقد بين بطلانه وعدم اعتبار قصد الوجه ومعرفته في العبادة وامكان الاحتياط فيها . إلاّ ان كلّ هذا لا ربط له بما نحن فيه وما كان فيه الربط هو الذي بيناه .

ص: 181

وهذا كلّه على تقدير فانه لو قلنا كذا لصار كذا .

ومن التقريبات التي في المقام بعدم الانحلال هو التقريب الذي ركن إليه المحقّق النائيني رحمه الله(1) وإن كانت التقريبات التي في المسئلة بعدم الانحلال كثيرة ذكرها الشيخ وأجاب عنها التي لا محصل لها .

وإنّما العمدة هما التقريبان الذان تقدما ولا يرتضى المحقّق النائيني واحدا منهما بل له شيء آخر . في الاستشكال على انحلال العلم الاجمالي إلى التفصيلي بوجوب الأقل الذي ادّعاه الشيخ وأقام عليه البرهان بأن معنى ذلك هو انحلال العلم الاجمالي بنفسه . فان العلم الاجمالي وإن لم يقل أحد بانحلاله إلى التفصيلي في موضع بنفسه إلاّ أن ما ذكر هنا هو بعينه في كلام الشيخ .

فان العلم التفصيلي بوجوب الأقل والشكّ في الزائد شكّا بدويا هو بعينه العلم الاجمالي بوجوب الأقل والأكثر فلم سميتموه علما اجماليّا بل تقولون من أول الأمر علم تفصيلي بوجوب الأقل وشكّ بدوي في وجوب الأكثر وهذا بعينه هو العلم الاجمالي . فان كلّ علم اجمالي حاله هذا العلم التفصيلي بشيء والشكّ في خصوصيّاته . فالركوع واجب إمّا على الكيفيّة اللاشرطيّة أو على كيفيّة بشرط شيء ( وهذا هو معنى العلم الاجمالي بشيء في ضمن شيئين على سبيل منع الخلو إمّا على هذه الخصوصيّة أو مع تلك وهو الاستعاذة مثلاً أو جلسة الاستراحة . فان الارتباطي معناه تعلّق أمر واحد باشياء متعددة لها وحدة اعتباريّة فلو كان الواجب والمتعلّق به الأمر هو الأكثر فلا امتثال بالأقل بل هو في عرض عدم الاتيان به أصلاً فلا فرق بين تركه الصلاة حينئذٍ أصلاً أو اتيانه به مثلاً بلا طهارة

تقريب المحقّق النائيني

ص: 182


1- . فوائد الأصول 4/159 وبعده .

ولا جلسة الاستراحة فانّ الركوع الواجب الذي شمله الأمر هو الركوع المتعقّب بساير الأجزاء المأمور به الذي أحدها هذا الركوع فاتيانه بتمامها الا واحدا من أجزائها أو شرايطها في حكم تركها رأسا وليس باب الأقل والاكثر الارتباطي كغيره فان الأقل والأكثر غير الارتباطي حتى يكون تعلّقات مستقلّة بأشياء متعدّدة فمتعلّق تكليف مستقلاًّ بالركوع وتكليف كذلك بالسجود وهكذا حتى لا يكون بينها ارتباط في عالم التعلق والامتثال وما هو معلوم في البين هو ذات الركوع اما مع القيد أو مع عدم القيد أي بلا قيد والخصوصيتان مجهولتان .

ولما كان المقام مقام جريان البرائة العقليّة وهو قبح العقاب بلا بيان فلا يمكن الالتزام بجريان البرائة العقليّة من جهة خروج المكلّف عن عهدة التكليف المعلوم عليه وإن كانت الخصوصيتان عليه مجهولتين وهذا هو معنى الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ القطعي .

فلو كان الواجب في الواقع هو الأكثر وهو ما أتى به بل اقتصر على الأقل فللمولى عقابه على ترك الأكثر والخصوصيّة المشخّصة للأمر بالأقل الذي هو ذات الركوع وعدم اتيانه بقيده ولا مجال لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان .

ففي مقام الامتثال هو شاكّ في انطباق المأمور به على المأتي به إذا كان أقل فهنا لا انطباق فلا أجزاء مؤمّن للمكلّف فلابدّ له من تحصيل المؤمن وحيث لا مؤمّن له فيجب عليه الاتيان بالأكثر خروجا عن استحقاق العقاب على ترك الأكثر لو كان هو الواجب الحاصل من ضم الخصوصيات الزائدة على الأقل المعتبر .

نعم لو جرت البرائة عن الأكثر لو كان هو في الواقع واجبا ففي مقام الظاهر

لابدّ من اتيان الأكثر

ص: 183

يتعين تكليفنا بالأقل ولا عقاب علينا من جهة ترك الأكثر ولو كان هو في الواقع واجبا .

وذلك لانطباق المأمور به على المأتي به ولو باعانة البرائة وحيث لا مؤمن وفرض الكلام في البرائة العقليّة وهو قبح العقاب بلا بيان . فلا محيص عن الاتيان بالأكثر لانطباق المأمور به عليه قطعا وبه يحصل الأمن من العقاب للمكلّف فيقع في رفاهيّة عن ذلك . وما ذكره الشيخ في هذا المقام من العلم التفضيلي بوجوب الأقل اما نفسا وإمّا مقدمة للأكثر لا يستقيم .

إذ للأجزاء المتعلّق بها أمر واحد وليست إلاّ وجوبها نفسيّا وإن كان التصريح في كلام الشيخ بوجوبها المقدمي ولكن أوّلنا كلامه لعدم صحّته . وبعد ذلك يذكر في ضمن ان قلت شيئا . وهو انا نعلم بوجوب الأقل والشكّ في الخصوصيّة الزائدة وهو وجوب الاستعاذة مثلاً وتعلّق الأمر بها مجهول مشكوك والعقاب عليه بلا بيان ولكن لا محصل لهذا .

ان قلت: اذ هو معنى العلم الاجمالي الذي فرض المقام هو هذا ويذكر ان قلت بعد ذلك وهو ان شكنا في حصول الامتثال بالأقل والاكتفاء به مسبب عن الشكّ في وجوب الأكثر وأنتم تقولون في الشكّ السببي والمسبّبي اذا اجرينا الأصل في السبب فلا يجري للأصل المسببي كما في الاستصحاب . ففي المقام وإن كان الشكّ في الامتثال يوجب الاتيان بالأكثر لحصول الفراغ القطعي للتكليف المعلوم اشتغال ذمتنا به الا انا اذا اجرينا قاعدة قبح العقاب بلا بيان بالنسبة إلى

الأكثر فلا يبقى موضوع ومجرى للأصل المسببي وهو وجوب الاتيان بالأكثر من جهة حصول العلم والقطع بالفراغ القطعي .

ص: 184

ويجيب عن هذا الاشكال بأنّا قد بينّا في مبحث الاستصحاب ان لجريان الشكّ في السبب وموجبيّته لعدم جريان أصل المسبب أركانا أحدها أن يكون الشكّ في الثاني مسببا عن الشكّ في الأوّل .

الثاني أن يكون للأصل السببي آثار شرعيّة مترتبة عليه . وثالثها أن يكون من آثاره حكم المسبب وذهاب الشكّ منه . فالشكّ في بقاء نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة المستصحبها مسبب عن الشكّ في طهارة الماء ولكن استصحاب طهارة الماء المغسول به معناه طهارته وطهوريّته لكلّ شيء قابل لغسله به ومنها الثوب النجس . فبنفس جريان الاستصحاب في السبب يذهب الشكّ ويعدم عن المسبب ويجري عليه أحكام الطهارة من جهة ان معنى طهارة الماء مستصحب الطهارة بحكم الاستصحاب هو هذا وذلك أثر شرعي رتبه الشارع عليه .

وأين هذا من الشكّ السببي والمسببي في الأصل العقلي فان العقل ليس بمشرع حتى يقول ويحكم بذهاب الشكّ عن المسبب فانه مثبت ولا اعتماد عليه في الأحكام الشرعيّة . فالمقام وإن كان مجرى قاعدة القبح بلا بيان بالنسبة إلى وجوب الأكثر إلاّ انها لا تعين وظيفة المكلف في الأقل بل الشكّ في الامتثال باق على حاله ولا يذهب بجريان قاعدة القبح فلا محيص عن الاتيان بالأكثر توقفا دون قاعدة الشغل .

هذا محصل ما أفاده المحقّق النائيني في المقام .

واعتمد عليه ( أقول هذا التقريب لو لم يكن عين التقريب الذي اعتمد عليه المحقّق صاحب الحاشية والتقريب الذي بيّنه المحقّق الخراساني رحمهم الله الاّ انه راجع

رجوع تقريب المحقّق إلى كلام المحقّق الخراساني وصاحب الحاشية

ص: 185

إليهما أو لا أقل إلى واحد منهما وقد بين في ما سبق ان ذلك مبنى على أن تقابل الأقل للأكثر في المقام من تقابل الضدين فلا معدل على اتيان الأكثر قضاءً لقاعدة الشغل ووقوفا دونه . والا فلو كان التقابل تقابل العدم والملكة فانا وإن نشكّ في خصوصيّة الأقل أهو بشرط جزء زائد حتّى لا يكون الاتيان به منطبقا عليه أمره أو ليس مشروطا بهذه الخصوصيّة إلاّ ان الأقل على كلّ تقدير معلوم تفصيلاً مهملاً والشكّ في الخصوصيّة شكّ بدوي وليس ما إذا تبين ان الأقل في ضمن الأكثر واجبا تبين مضادا للأقل بل يبين ان له شرطا إلى الآن كان مجهولاً .

فالتكليف الذي لا يجري فيه قاعدة القبح بلا بيان هو هذا التكليف بذات الأقل المهمل المرسل عن خصوصية زائدة عليه والخصوصية تقيد الأقل بها مشكوك فان الشكّ في تعلق الأمر تعلّقا زائدا على ما علم تفصيلاً وهو مجرى قاعدة القبح بلا اشكال .

فالعقاب على ترك الخصوصيّة التي بها يكون الأقل أكثر عقاب بلا بيان والأقل المعلوم الوجوب وإن كان الشكّ في امتثاله إلاّ ان لي من ناحية العقل مؤمّناً

لا يلزمني بأكثر من الأقل المعلوم وجوبه عليّ فبالأقل يحصل امتثال أمره إذ هو المعلوم والشكّ ليس في امتثال الأقل اذ اتيان الأقل المعلوم وجوبه ينطبق عليه أمره بلا ريب ولا شكّ في ذلك واحتمال دخل الخصوصيّة ليس من ناحية الامتثال حتّى يلزمنا عقلاً القطع بالامتثال بل من ناحية الأمر وهو مرفوع بجريان القاعدة فلا معنى لما ذكره من مثبتية الأصل العقلي الجاري في الشكّ السببي اذ ليس علينا إلاّ تحصيل المؤمّن عقلاً وهو حاصل فلا يبقى موضوع بعد ذلك لقاعدة الشغل وليس باب الاطاعة بيد الشارع حتّى يكون جريان الأصل السببي مثبتا

ص: 186

للأصل المسببي فيمتنع ذلك ولا يثبت به موضوع شرعي بل المجال مجال العقل والميدان ميدانه وهو لا يلزم بأكثر من ذلك .

نعم يمكن المنع من انحصار التكليف في الأقل لو أجرينا البرائة الشرعيّة من جهة انها لا تنفي الجزء والقيد المشكوك لا انه يرفع التقيد أي تقيد الأقل بقيد زائد وهو أيضا لا يصح على هذا المبنى من تقابل العدم والملكة بين المطلق والمقيد الذي منه باب الأقل والأكثر الارتباطي الذي بحثنا فيه فتأمّل .

توضيح وتتميم: ذكرنا سابقا ان في جريان البرائة بالنسبة إلى الأقل والأكثر الارتباطي أقوالاً ثلاثة: فقول بجريان البرائة مطلقا وقول بعدم الجريان مطلقا وقول بالتفصيل بين العقلي فلا تجري والنقلي فتجري . واختار المرحوم المحقق الخراساني(1) في متن الكفاية هذا القول ولكن رجع في تعليقته عنه وقال بالقول الثاني .

ومن القائلين بعدم جريان العقلي دون النقلي المحقّق النائيني رحمه الله وذلك لأن أدلّة البرائة العقليّة من قبح العقاب بلا بيان ما تمت عنده فلا ينحل العلم الاجمالي

في نفسه ويقتضي الموافقة القطعيّة على كلّ تقدير . فعلى تقدير أن يكون الأقل واجبا اذا اقتصر عليه امتثل وخرج عن عهدة التكليف وعلى تقدير أن يكون الأكثر هو الواجب ما امتثل التكليف في صورة الاقتصار على الأقل . فالمولى أراد منه الركوع لا مطلقا بل المشروط بتقدم السورة كاملة مثلاً والمتعقب بجلسة الاستراحة منه والمركب مركب ارتباطي فكلّ جزء يكون جزءا وقيدا للأجزاء الأخر .

الأقوال الثلاثة في المقام

ص: 187


1- . كفاية الأصول 1/235 .

ولما لم يكن من شأن البرائة العقليّة رفع شيء ولا وضعه فجريانها في المقام لا يثمر ويكون الشكّ باقيا وجدانا والتكليف المردّد بين الأقل والأكثر منجز عليه لابدّ من الخروج عن عهدته وتحصيل البرائة القطعيّة باتيان الأكثر قضاءً للاشتغال اليقيني والفرض في المقام ان الجلسة على تقدير عدم وجوبها واقعا غير مضر بالصلاة وللأجزاء الباقية فلو كانت الأجزاء مقيدة بها أو بالاستعاذة أو بالسورة الكاملة فأتى بها وخرج عن عهدتها كالأجزاء الباقية المتيقن وجوبها ولو لم يكن الواجب إلاّ الأجزاء المعلومة الوجوب . فهذا الشيء أتى به برجاء الواقع ولا ما تقيده بها فلا ماحي للصورة ( فلا يدخل تحت عنوان من العناوين المانعة للصلاة فالرفع والوضع للجزء والقيد والشرط في التكاليف شأن الشارع فاذا جرت البرائة الشرعيّة في المقام تنجز عليه التكليف بالأقل ويكون بالنسبة إلى الزائد شكّا بدويّا وإلاّ فانحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقل والشكّ البدوي في الأكثر قد مرّ انّه بناء على التضاد بين المطلق والمقيد لا يمكن ولا يفيد

شيئا أصلاً فبناءً على هذا المبنى التفكيك بين البرائة العقليّة والنقليّة لا يمكن والتفكيك بينهما في جريان النقلي دون العقلي وإن كان مستصعبا بخلاف النقلي فانه كان لاستدلاله صورة الا انه في المقام لا صورة له أيضا .

الا ان المحقّق النائيني تصدى للاستدلال على مذهبه من التفكيك ونحن نزين ما أفاده قدس سره وسعنا وهو رحمه الله بنى جريان البرائة النقليّة دون العقليّة على أمرين .

فاذا لم يتم الأمر الأوّل فلا تصل النوبة إلى الثاني وإن تمّ فلنجيء إلى الثاني .

الأمر الأوّل أن يثبت أدلّة البرائة الشرعيّة الجارية في المقام ان الأجزاء

ص: 188

المعلومة ليست مقيّدة بجزء آخر مشكوك والواجب هي الأجزاء المعلومة مع ان أدلة البرائة من الأصول الشرعيّة التعبديّة والأصول التعبديّة كلّها سواء كانت تنزيليّة أو غيرها لا تثبت لوازمها العقليّة والعادية فالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز والشكّ بعد مضي الوقت ( قاعدة الحيلولة ) من الأصول الشرعيّة لا ترفع ولا تثبت الاّ هو بيد الشارع . فاذا كان وضع شيء بيد الشارع أو رفعه فيمكن اجراء الأصل في مورده برفعه أو بوضعه وإلاّ فلا فائدة في جريانها ولا تجري .

الثاني: أن يجوز الترخيص في أحد أطراف العلم الاجمالي بأن يفكّك بين حرمة المخالفة القطعيّة فلا يرخص فيها وبين الموافقة القطعيّة فلا يطلبها . بل يكتفي بالموافقة الاحتماليّة ويقنع في مقام الامتثال . وذلك متوقف على الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري . ويكون شأن البرائة وساير ما شابهها من الأصول التعبديّة رفع شيء أو وضعه في مرحلة الظاهر لا أن تكون مقيّدة للواقع بنحو يكون وجوب السورة المشكوك الوجوب في الصلوة أو جلسة الاستراحة أو الاستعاذة مشروطا بالعلم بوجوبها . بل يكون في مرحلة الواقع الحكم مجعولاً بنحو يشمل صورة الشكّ .

وهذا الثاني أشكل من الأوّل وهو رحمه الله بنى الأمر الاوّل على ما هو مبناه من التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة وإن ثبت ذلك في محلّه الا ان مجمل الكلام كما تقدّم ( في بعض الأبحاث السابقة ) أن يكون الاطلاق هو عبارة عن عدم القيد فانه تارة يكون في المكلّف به شيء مأخوذا وجودا وتارة يكون لعدمه دخل وتارة لا دخل لوجوده ولا لعدمه بحيث يبقى تقابل الأقسام على حاله .

تقريب كلام المحقّق النائيني

ص: 189

وهذا في شيء من شأنه أن يقيد بشيء ولا يقيد اذ في عالم الحكم لا يخلو الحال من أحدى هذه الصور والا فالاهمال لا يمكن واللابشرط القسمي هو اللابشرط المقسمي الذي برز عالم الوجود .

ولا يدخل بعضها في بعض ففي ما يلاحظه في عالمه من اللابشرط المقسمي حتّى انه يخليه عن الوجود الذهني . اما أن يلاحظ وجود شيء من الزمان أو الزمانيات فيه أو عدمه أو لا وجوده ولا عدمه فالاطلاق والتسوية بين العدم والوجود في متعلّقات التكاليف . وإنّما قلنا لوجود شيء من الزمان والزماني بناءً على المعروف بينهم ان تقييد المطلق من جهة لا ينافي اطلاقه من غيرها . فالاطلاق كلّ شيء ونقيضه فالركوع المعلوم الوجوب يكون مع وجود جلسة الاستراحة أو الاستعاذة أو لا وكذا . وهذا لابدّ من أن يكون بنحو يرفع القيديّة برفع الجزئيّة . وذلك معنى الاطلاق الذي قلنا هو عبارة عن عدم التقييد . فاذا وجب الركوع مع السورة فالركوع مقيد في عالم الجعل الذي يتبعه عالم الامتثال بالسورة والا فمطلق أي ما قيد بها لا لوجودها دخل فيه ولا لعدمها . فهما سيان بالنسبة إليه . فاذا شككنا في جلسة الاستراحة أو الاستعاذة أو السورة مثلاً فمعنى الشكّ في ذلك هو الشكّ في تقييد الركوع والتكبيرة وساير الأجزاء المعلوم الوجوب بها ولمّا كان أركان البرائة كلّها حاصلة في المقام من أن يكون الجاري فيه البرائة مجهولاً ومجعولاً وفي رفعه منة ولا يكون هناك أصل حاكم موضوعي فوجوب الاستعاذة مشكوك وبيد الشارع وفي رفعه منة ولا أصل من الاستصحاب أو غيره يعينها فيجري البرائة بلا اشكال و اذا جرت البرائة عن وجوبها يكون معناه عدم تقييد الاجزاء المعلومة بها فبالنسبة إليها وجودا و عدما

ص: 190

سواء . وهذا إذا علمنا وجدانا انها ليست بمانعة والا فبالنسبة إلى المانعيّة أيضا تجري البرائة بهذا النحو . فاذن معنى البرائة الشرعيّة الجارية في المقام هو رفع القيديّة عن الركوع والأجزاء الباقية المعلوم الوجوب بالسورة والاستعاذة وكلّما شككنا في دخله فيها .

إن قلت: ان البرائة إنّما يرفع الوجوب عن الاستعاذة والسورة مثلاً وهو عبارة عن عدم بسط الوجوب وتعلّقه على نحو يشمل الاستعاذة في الأجزاء المبحوث عنها في المقام وتنتزع منه ان هذه الأجزاء المعلومة هي الواجب منحصرة وهي مطلقة بالنسبة إلى المشكوك فيها وجودا وعدما وأين هذا من العينيّة بين جريان البرائة عن الجزء المشكوك ورفع الوجوب عنه وبين اطلاق الباقي فان بينه وبين ذلك واسطة وهو ينافي العينيّة ما لم يثبت ان الباقي هو المكلّف به وإن وجوبها مطلق فلا ينفع وليس هذا من شأن البرائة .

قلت: هذا غاية ما يمكن الاستشكال للتقريب به في المقام وهو ليس بشيء اذ الوجوب اذا يتعلق بالاستعاذة فبنحو الضميمة فيكون منشأ لانتزاع القيديّة منه فاذا رفع الشارع الوجوب فلا شيء هناك ينتزع منه القيديّة لساير الأجزاء المعلومة فلا شكّ يبقى معه في مرحلة الظاهر وهذا هو عين اطلاق الأجزاء المعلومة الوجوب وعدم تقيدها بالاجزاء المشكوكة .

أقول: نتيجة الجريان هو انحلال العلم الاجمالي بجريان البرائة عن الزائد وهي وان لم تكن أصلاً مثبتا معينا لأحد الأطراف إلاّ انّه بناء على هذا المبنى مثبتة

للأقل أو منها ومن العلم يجب الأقل ولا يجب الزائد لا انه مثبت فتأمّل .

والحاصل جريان البرائة بأدلّتها من حديث الرفع ورفع ما لا يعلمون

اشكال التقريب

ص: 191

والناس في سعة ما لا يعلمون وغيرهما لا ينفع ما لم يكن مثبتا ان الأقل هو المأمور به ومعلوم ان هذه الأدلّة من شأنها الرفع لا الوضع والاثبات لشيء يكون في الرفع امتنان فلو جرت البرائة عن الجزئيّة بأدلّتها فالارتباطيّة والقيديّة غير مرفوعة وما لم يرفع البرائة القيديّة والارتباطيّة لا يثبت ان الأقل هو المأمور به وبه يخرج عن عهدة التكليف المنجز عليه .

ومعلوم ان شأنها لس اثبات شيء بل الرفع بقيوده المعتبرة .

هذا هو الاشكال الوارد في المقام . والجواب انّه لابدّ أن ينظر في كيفيّة الأوامر الشرعيّة من حيث تعدّدها ووحدتها وانه بم تعلّق الأمر وان الأمر بالصلاة هل هو أوامر متعدّدة مستقلّة إلاّ انّ الترتيب معتبر بينها شرعا كالترتيب المعتبر بين

الظهر والعصر مع انهما واجبان مستقلاّن فاذا جرت البرائة من واحد لا ربط له بالآخر من حيث الوجوب والقيديّة . أو أمر واحد تعلّق بالجامع بين هذه المتباينات لا نعرفه أو نعرفه ونشكّ في ان الأقل هل هو محصّل له أو لا . ففي هذه الصورة لا يمكن القول بالبرائة أصلاً اذ في الشكّ في المحصل لابدّ من الاتيان بكلّ شيء يحتمل دخله في تحقّق الجامع .

أولا على هذا النحو ولا على ذاك النحو بل كما هو الظاهر المسلم في محله انه تعلّق الأمر بأشياء متعدّدة لا ربط لتعلّق أحد الأمرين بالآخر فهنا واجبات عديدة غير مرتبطة وامتثال كلّ غير امتثال الآخر . ولو تعلّق بأشياء متعدّدة بحيث تعدّ شيئا واحدا كالمعاجين المركبة حقيقة . فهنا يكون ارتباط بين الأجزاء . غاية الأمر ليس التركيب حقيقيّا بل تركيب اعتباري . والضابط تعدد الأمر ووحدته فالأمر الواحد المتعلّق بعشرة أجزاء المنبسط على جميعها ينتزع بالنسبة إلى كلّ

ص: 192

منها الجزئيّة ويكون به أمر ضمني فمن هذا الأمر ينتزع أوامر ضمنيّة بهذا وبهذا وبذاك وبذلك ولو قلنا ان الوضعيّات امور مجعولة شرعا الا ان بالنسبة إلى الجزئيّة والشرطيّة يستحيل ذلك مع انه أثبتنا في محلّه ان الأمور الوضعيّة ليست قابلة للجعل ( لعله لا جميعها ) .

وإنّما الجزئيّة والشرطيّة أمور انتزاعيّة من التكاليف المتعلّقة بالكل والمشروط . فاذا تعلّق الأمر بالركوع وكان متعلّقا بالسجود وكذا بالاستعاذة وجلسة الاستراحة فمن هذا التعلّق بكلّ واحد من هذه ننتزع جزئيته للمأمور به ولما كان الجزئيّة بهذا المعنى تحت يد المولى فله أن يعلّق أمره بعشرة أجزاء أو أقل أو أكثر بحسب ما يراه من المصالح وكذا الشرطيّة المأخوذة في المأمور به بدخلها التقيد فيه وإن كان القيد خارجا كالطهارة . والارتباطيّة بين أجزاء المأمور به أيضا تنتزع من تعلّق هذا الأمر الواحد بكلّ منها .

فالأمر جعل هذه المتبائنات شيئا واحدا فاذا أتى بالأقل وكان الأكثر واجبا فالأقل لا ينفع ولا يفيد بل التكبيرة والركوع وكذا السجود المتعقبّة بالسلام مثلاً تحت الأمر . فبنفس تعلّق الأمر بكلّ واحد من هذه الأمور وانسباطه عليها كما ينتزع الجزئيّة لكلّ منها . فكذلك ينتزع الارتباطيّة وقيديّة كلّ لآخر . فكلّ جزء جزء وقيد للأجزاء الباقيّة وذلك في باب الصلاة قد علم بالصلوات البيانيّة والقوليّة

انّها على هذا النحو من نحو(1) تحليلها التسليم وتحريمها التكبير وإنّما صلاتنا(2)

تقريب الكلام

ص: 193


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 1/1 - 8 من أبواب التسليم وفيه تحريمها التكبير وتحليلها التسليم .
2- . مستدرك الوسائل 4 الباب 1/9 من أبواب أفعال الصلاة عن عوالي اللآلي عنه صلی الله علیه و آله انما صلاتنا هذه تكبير وقرائة وركوع وسجود .

ذكر ودعاء وقرائة وغير ذلك . فليست أوامر متعدّدة بكلّ من الركوع والتكبيرة والقرائة وباقي واجباتها مستقلّة مع مراعاة الترتيب بل أوامر ضمنيّة منتزعة من تعلّق الأمر الواحد بها ولذلك لو أتى بتمام أجزائها إلاّ جزأً واحداً بقي في عهدة تمام المكلّف به والأجزاء لمكان القيديّة والارتباطيّة واذا كانت القيديّة والارتباطيّة تنتزع من نفس ما ينتزع منه الجزئيّة وهو تعلّق الأمر الواحد بهذه الأشياء فاذا جرت البرائة ورفعت الجزئيّة للاستعاذة المشكوك وجوبها أو جلسة الاستراحة مثلاً فمعناها رفع تعلّق الأمر بهذا الجزء فاذا رفع الجزئيّة فيرتفع تبعاتها

بعين ارتفاعها لا انه هناك مثبت بل الرفع للجزئيّة وتعلّق الأمر وانبساطه على هذا الجزء المشكوك هو رفع القيديّة بالنسبة إلى ساير الأجزاء فعلى هذا لا اشكال في جريان البرائة وينفع في المقام .

واستشكل سيّدنا الأستاذ قدس سره بان ذلك مبنى على انحلال العلم الاجمالي بالأصل النافي يعني في المقام هي البرائة فبها ينحل العلم وينحصر المأمور به في الأقل .

والمحقّق النائيني قدس سره وإن كان مبناه ذلك وإنّما خدش في الامثلة المذكورة انّها من قبيل انحلال العلم الاجمالي ببطلان احدى الصلاتين لمن سافر سفرا شرعيا فوصل إلى موضع الشكّ في انه خارج عن حدّ الترخّص أم لا فصلّى بمقتضى الاستصحاب تماما وعند الرجوع أيضا وصل إلى ذاك المكان والشكّ بدخوله في حدّ الترخّص فبمقتضى الاستصحاب يصلّي قصرا . فيعلم اجمالاً ببطلان احدى صلاتيه وانّها مخالفة للواقع . لكن لما كان هناك قاعدة الحيلولة فبالنسبة إلى الأولى تجري وبجريانها يصير الشكّ في ما بيده شكّا يدويّا إلاّ انّه

ص: 194

استشكلنا ذلك عليه في محلّه وقلنا بعدم انحلال العلم الاجمالي بالأصل النافي والمقام من هذا القبيل .

لكنّه وان انحل العلم الاجمالي بالأصل النافي فالاشكال من جهة اخرى وهو ان جريان البرائة إن كان معناه انحصار المكلّف به في الأقل واقعا بحيث يكون العلم والجهل داخلين في الموضوع .

فمن لم يعلم بوجوب السورة فليست بواجبة في حقّه واقعا . فهذا المعنى وإن كان لا يبقى بعده اشكال الا انه يلزم منه التصويب . وتقييد الأحكام الواقعيّة بالعلم بها محال . ونتيجة التقييد وإن كانت ممكنة الا انها خلاف الاجماع . فلا يجب بناء على هذا لو انكشف الخلاف اعادة ما صلى بل لا انكشاف حقيقة للخلاف هنا . وانما هو تبدل موضوع بموضوع نظير صيرورة المسافر حاضرا فليس الواجب عليه في الواقع الا الأقل . وهو الصلاة بلا سورة مثلاً أو بلا استعاذة وجلسة الاستراحة . وإن كان مقتضى جريان البرائة هنا انحصار التكليف في عالم الظاهر بالأقل . لكن احتمال وجوب الأكثر باقٍ على حاله والواقع لم يتغير عمّا عليه واقعا . فذلك مبنى على الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بأنّه مع الوجوب الفعلي كيف يرفع . فان كان واجبا فكيف يرفعه ولا يطلبه . وإن لم يكن واجبا فخلاف الفرض . اذ الفرض انه على تقدير وجوبه واقعا كيف تجري البرائة في مقام الظاهر مع انه لا يقيد الحكم الواقعي بصورة العلم . فلو كان واجبا على هذا الفرض فلا يمكنه رفعه وإن كان غير واجب فكيف أخذه في الوجوب . ولما لم يمكن الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري فلابدّ من الالتزام بالترخيص في ترك شيء والقناعة في مقام الامتثال . فان حكم العقل بوجوب الامتثال من جهة

اوامر الواجب الارتباطي أوامر ضمنية

ص: 195

احتمال الضرر الاخروي واحتمال الضرر الاخروي منجز فلابدّ من الاحتياط باتيان الأكثر . فالبرائة العقليّة ما جرت في المقام من جهة احتمال وجوب الأكثر ودخل الزائد في الباقي .

والبرائة الشرعيّة اذا جرت تؤمّن المكلّف . وتقول على فرض وجوب الزائد في الواقع وقيديّة هذا الجزء للأجزاء الباقية أيضا لا عقاب عليك . فللمولى الترخيص على هذا النحو . وليس المقام بأكثر ممّا اذا علم تفصيلاً بوجوب التكبيرة ومع ذلك يكتفي منه في مقام الامتثال بالامتثال الاحتمالي . فانه إذا شكّ في التكبيرة ودخل في القرائة يمضي . وكذا اذا دخل في الركوع أو هوى إليه وشكّ في القرائة يمضي مع ان وجوبه معلوم عليه تفصيلاً . فكلّما تقولون هناك نقول هنا فالمولى في مقام الامتثال قنع بهذا المقدار وهو الأقل كما يقنع بالامتثال الاحتمالي في ذاك المقام مع بقاء الشكّ . ولو انكشف الخلاف فلو كان المشكوك من الخمسة حيث يكون له الجزئيّة بالاعادة فبعد تجاوز المحل العمدي أو قبله لابدّ من اتيانه أو اعادة الصلاة وإلاّ لو لم يكن من الخمسة فما دام محله السهوي باقيا .

هذا تمام الكلام في شرح مرام المحقّق النائيني قدس سره لكن الكلام في القناعة في مقام الامتثال وانّه هل تمكن أو لا .

فذلكة البحث: جهة الاشكال في الأقل والأكثر الارتباطي من ناحية جريان البرائة الشرعيّة فمنحصرة في انه كيف يرخص المولى على تقدير وجوب الأكثر في حكمه ويكون الوظيفة في مقام الظاهر هو الاتيان بالأقل مع بقاء الأمر الواقعي على اطلاقه فامّا ان لا يريد المولى الأكثر في ظرف الشكّ ويحصر المراد

ص: 196

في الأقل فيكون الواقع الأقل فالشكّ في المقام يصير نظير الاضطرار والعسر المقيدين للواقع فيلزم التصويب . ولا يمكن أن يريده بحسب الواقع ولا يريده لان لايريد ويريد لا يجمع بينهما . واما ان يجعل الأقل بدلاً عن الأكثر وهو أيضا ليس في المقام واما أن يقنع في مقام الامتثال والقناعة في مقام الامتثال أيضا مجرّد لفظ .

واختار المرحوم الآخوند في متن الكفاية(1) جريان البرائة الشرعيّة عن الأكثر لكنه رجع في تعليقته من ذلك . وهو صحيح على مبناه من عدم التفكيك بين حرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة . لأنه اذا حرمت المخالفة القطعيّة

تجب الموافقة القطعيّة أيضا . ولا يمكن الترخيص في ترك التكليف المنجّز على تقدير بل لابدّ أن يأتي بالأكثر .

لكن يستشكل عليه في مقام قاعدة الفراغ والتجاوز مع ان التكليف فيهما معلوم ولا محيص له في دفع الاشكال هناك ولا جواب عن هذا الاشكال . وعلى أيّ تقدير الاشكال علمي لابدّ من الجواب عنه وهو ساري في المقام وفي قاعدة التجاوز والفراغ . وكلّ قد أجاب بجواب . فتارة يجاب بكفاية الامتثال الاحتمالى واخرى بجعل الأقل بدلاً عن الأكثر على تقدير وجوب الأكثر . وثالثة بأنّ المولى اكتفى وقنع بهذا في مقام الامتثال ( وكفاية الامتثال الاحتمالي ( وجعل البدلية في المقام ليس لأن معنى جعل البدل هو تقييد الواقع ووجوب الأقل لا غير ) ويمكن أن يقال في شرح القناعة في مقام الامتثال بأنّه في ظرف الشكّ ما يريد منه المولى لا مطلقا وإلاّ لا معنى لانكشاف الخلاف بل مادام شكّه باقيا فاذا انكشف الخلاف

البرائة الشرعية تؤمن

ص: 197


1- . كفاية الأصول 2/235 .

فان علم انه ما اتى بالواقع المشكوك في قاعدة الفراغ والتجاوز انكشف عن انه من أوّل الأمر كان غير صحيح فما أتى به معلّق على عدم انكشاف الخلاف ولو انكشف له الخلاف فعلم انّه ما أتى به لا مجرى للقاعدة هناك . فحينئذٍ إن كان المنسي غير المأتي به من الأركان التي لها في الصلاة الجزئيّة بالاعادة فيعيد الصلاة وإلاّ فهناك ببركة لا تعاد لا شيء عليه . وإذا أمكن الجواب عن الاشكال بهذا الوجه والأخبار واردة من الشارع أيضا فلا كلام بعد ذلك .

ولكن يمكن أن يجاب في مقامنا أي في الأقل والأكثر الارتباطي بجواب آخر . وهو انه اذا كان ما يشترك فيه العالم والجاهل اشتغال الذمّة بالتكاليف الواقعيّة لا المطالبة بها . والتصويب المجمع على بطلانه هو التصويب بهذا المعنى حتى يكون الاشتغال متوقفا على العلم بالاشتغال وأمّا المطالبة والخطاب فمشروط بالعلم به فيمكن الجواب عن ذلك في المقام بأنّه لما لم يعلم بوجوب الأكثر مع ورود الرخصة في تركه فلا يطالبه المولى في ظرف عدم العلم بالخطاب . فما هو الباطل غير لازم وما هو لازم غير باطل . الا ان ذلك لا يتأتى في قاعدة الفراغ ونظائرها للعلم بالخطاب .

هذا تمام الكلام في الأقل والأكثر الارتباطي . ولما كان جرى البحث على ترتيب الشيخ رحمه الله(1) وهو استثنى من موارد جريان البرائة العقليّة والشرعيّة في الأقلّ والأكثر الارتباطي على مذهبه مورد الشكّ في العنوان والغرض فلابدّ من شرح مرامه ومراده من العنوان والغرض .

فنقول: فمراد الشيخ قدس سره من العنوان لو عطف عليه الغرض بالواو واحد ولو

جعل البدل أو كفاية الامتثال الاحتمالي

ص: 198


1- . فرائد الأصول 2/461 - 478 .

عطف باو فشيء لابدّ من بيانه . وعلى أيّ فالعنوان المعنون في كلامه هو المسبب التوليدي فاذا شككنا في حصوله بالأقل وإن كان ترتبه عليه مشكوكا الا انه ليس فيه منة والأكثر الذي في رفع سببيّته منّة وليس مسببيته مجهولة مشكوكة بل معلومة أيضا من رفع سببيته لا يلزم سببيّة الأقل الا بناء على الأصل المثبت وكون البرائة مثبتة ومثبتها حجّة وتثبت اللازم العقلي وليس من شأنها ذلك .

والحاصل: اذا شككنا في مورد في المسبب التوليدي وترتبه على الأقل أو الأكثر فعلى الأكثر معلوم وبالنسبة إلى الأقل يكون الشكّ في المحصل ولا مجال للبرائة سواء قلنا بجعل السببيّة أو لم نقل . لأنّ الطلب لو تعلّق بها على السببيّة فيما يترتب عليها المسبب فالغسل والمسح بما انه يتطهر به كما هو الظاهر من ان الشارع رتب المسبب عند وجوب السبب وحكم بذلك الا انه كالتكوينيّات كالالقاء في النار المسبب عنه الحريق أو ارسال الماء نحو الجدار المسبب عنه خرابه الذي يكون فعل المكلّف الجزء الأخير للعلّة التامّة المفروق بينه وبين ما اذا باشر توسط شيء غير شاعر وعدمه . كما اذا ضرب بالعصا أو أرسل الكلب ليعض انسانا فانه بالمباشرة بخلاف المقام فانه بالتسبيب وايجاد السبب . ففي كلّ مورد يحصل لنا الشكّ في باب التكاليف والوضعيّات يكون النتيجة في الأولى الاحتياط وفي الثانية الفساد . فاذا شككنا ان الوضوء المأمور به شرعا والطهارة الخبثيّة في الاستنجاء المحدود بالنقاء وتطهير الظروف الكبار . هل الوضوء يحصل بما اذا نكس المسح أو نكس الغسل أو ما أثرت الرطوبة في الممسوح وكذا النقاء هل يحصل باثنين أو ثلاث وتطهير الظروف هل يكفي فيه المرتان أو لابدّ من ثلاث مرّات المنحصر ظاهرا مورد الشكّ في حصول العنوان والمسبب

لا مجال للبرائة في الشك في المحصّل

ص: 199

التوليدي بهذه الأبواب فلابدّ من مراعاة ما يحصل معه اليقين بوجود الوضوء وتحققه عند فعله وفعل غيره

وكذا لابدّ من التكرار حتى يعلم بالنقاء أو يغسل بالماء إذا شككنا . وفي الثالث ثلاث مرّات لكي يحصل اليقين بحصول المسبب التوليدي . لكن الظاهر من الأدلّة في باب الوضوء ان نفس الغسلات والمسحات مأمور بها لا انها مقدمات لحصول أمر معنوي هو الطهارة . وفي الثانية إذا شككنا في دخل شيء في تحقق عنوان البيع وحصول المسبب المترتب عليه آثاره الشرعيّة كشروط المتعاقدين أو العوضين أو العقد من كون الصيغة عربية ومن لزوم أصل اللفظ . ومن ان المعاطاة هل هي بيع أم لا يكون الأصل الفساد وبقاء كلّ من العوضين في ملك صاحبه قبل حصول هذا المشكوك فهذا ما أراده الشيخ رحمه الله من العنوان .

والمحقّق النائيني رحمه الله عقب الغرض الواقع في كلام الشيخ ويتعرّض له في كلّ دورة من بحثه وان مراده تعلق الطلب بالملاكات .

الا ان الانصاف انه اتعب نفسه وما اتى بشيء ( أقول ان هذا البحث لا ربط له بالأقل والأكثر في باب التكاليف أو الوضعيّات وذلك لأنّ الشكّ في المحصّل وعقد الباب لما اذا كان الشكّ في تعلق التكليف النفسي بالأقل والأكثر لا من باب المقدميّة المحصليّة الا على القول بجعل السببيّة ) فالنتيجة ان مراد الشيخ من المستثنى الذي هو العنوان والغرض المذكوران في كلامه هو المسبب التوليدي من العنوان فالشكّ في سببيته الأقل لا تجري فيه البرائة لعدم الامتنان بلزوم خلافه وسببية الأكثر معلومة فلا تجري البرائة . ومراده من الغرض يحتمل أن يكون ملاكات الأحكام ويمكن أن يريد التعبد بالامر .

إذا شك في تحقق العنوان

ص: 200

فان الشكّ تارة بين الأقل والأكثر بالنسبة إلى متعلّقات التكاليف كما بينّا في الصلاة بالنسبة إلى الاستعاذة مثلاً . وتارة بالنسبة إلى كيفيات التكاليف الراجعة بالاخرة إلى عالم الامتثال والسقوط فانه من المستحيل أن يكون قصد الأمر يتعلّق به الأمر لأنّه من الانقسامات المتأخّرة عن الخطاب . فاذا شككنا بناءً على هذا يكون الشكّ بين المتبائنين فان الأمر التعبدي هو ما يكون ليتعبّد به فلا يسقط إلاّ بقصد الامتثال . بخلاف التوصلي فانه يحصل بأي نحو كان .

فالشكّ بين الأقل والأكثر على هذا النحو لا يرجع إلى العلم التفصيلي بشيء والشكّ البدوي في شيء آخر . فان أصل التكليف معلوم غاية الأمر اما بهذا النحو والكيفيّة أو بذاك فلابدّ في مقام الامتثال امتثاله بنحو القطع به وهو لا يكون إلاّ

بالاتيان بقصد الامتثال ( لكن المرحوم النائيني يريد أن يقول مع كونه أيضا كذلك يمكن جريان البرائة لرجوعه إلى الأقل والأكثر ) الاّ ان الأنسب بكلام الشيخ أن يكون مراده ملاكات الأحكام وعلى هذا فكلما شككنا في حصول الملاك يكون الشكّ في المحصل وفي الشكّ في المحصل لا محيص عن الاحتياط كما يقول المحقّق الخراساني رحمه الله في باب التعبديّة والتوصليّة . وفي هذا الباب فان البرائة العقليّة استشكل فيها بما تقدم نقله ولا تجري البرائة الشرعيّة أيضا لأنّ الأحكام تابعة للمصالح أو المفاسد في نفسها لا في الأمر كما يقوله بعض العدليّة ولا كما يقوله الأشاعرة من انها ليست تابعة لمصلحة ولا مفسدة بل الأحكام ليست بجزافيّة فاذا يأمر المولى بشيء لابدّ من خصوصيّة فيه يترتب عليه أثر لا يترتب هذا الأثر على غيره فيأمرنا لأجل حصول هذا الأثر فاذا شككنا في حصول هذا الأثر الذي هو غرض المولى من أمره لابدّ من الاتيان بكلّ شيء يحتمل دخله في

إذا شك في المحصّل

ص: 201

حصوله ولا مجال لجريان البرائة اما عقلها فللعلم بالتكليف . ولا مجال لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان وأمّا نقلها فلا يجري عنده كما بين في تعليقته على الكفاية مع قوله بالجريان في متنه وعلى ما يظهر من بعض كلامه ولعله رجع عن ذلك في الشرايط غير قصد الامتثال لعدم كونه مجعولاً شرعيا لكنه يستشكل عليه بما لا محيص له عن التزامه من لزوم الاحتياط حتى في الشرايط اذ هي أيضا ممّا لها دخل في المأمور به الذي أمر به لغرض .

فاذا احتملنا دخل شيء في المأمور به لتحقق الغرض الداعي للمولى للأمر بالمأمور لابدّ لنا من اتيانه تحصيلاً كما اذا احتملنا في الصلاة بالنسبة إلى الاستعاذة اذا شكّ يكون في المحصل وليس فيه الا الاحتياط ولا مجال للبرائة فيكون باب الملاكات باب المسبب التوليدي وفي المسبب التوليدي بينا انه اذا شككنا لابدّ من اتيان الأكثر المتيقن عنده ترتب الأثر الداعي للمولى بالأمر بمحصله ولذا يسقط عنده الأمر بحصول الغرض فيكون الأمر بالأسباب حينئذٍ لجهلنا بالمسببات والأغراض للمولى فاذا علمنا بأن الصلاة لا تكون إلاّ بطهور فلما لم نعرف الطهور بين محصلاته بأنّه غسلتان ومسحتان والتيمم ضربتان ضربة للجبهة وضربة لليدين مثلاً . فالأمر بهذه الأسباب حقيقة يكون حينئذٍ ارشاديا لترتب المسبب عليها . فاذا كان كذلك ففي كلّ مورد حصل لنا الشكّ لا مجال لجريان البرائة أصلاً ويكون تمام التكاليف من هذا القبيل لقيامها بمصالح ومفاسد في متعلّقاتها والشكّ في ترتبها عليها موضوع حكم العقل بالاحتياط .

وعلى هذا ما أفاده المرحوم المحقّق الخراساني عين ما أفاده الشيخ .

وما أجاب به الشيخ عن الوجهين في كلامه من انا نتكلّم على مذهب

توجيه كلام الشيخ

ص: 202

الأشاعرة كما ترى لا يحسم مادة الاشكال . فلنبيّن ضابط المسبب التوليدي أولاً ونتصدى للجواب عن الاشكال ثانيا بحول اللّه وقوته لأنّ الاشكال على كلّ حال في المقام .

فنقول: المسبب التوليدي هو مالا يكون بينه وبين فعل الفاعل واسطة أو يكون واسطة غير ذي شعور فاعل مختار . أو يكون فعل الفاعل الجزء الأخير للعلة التامة أو من المعدات لترتب الأثر المطلوب كالاحراق بالنار . فان عمل الفاعل هو الالقاء في النار والاحراق هو من النار . الا انه يستند إلى الفاعل . ويمكن توجيه الخطاب نحوه بالاحراق كما يمكن توجيهه بنحو الق في النار وخرب القصر الفلاني أو اجر الماء نحوه فان في هذه الموارد ما هو عمل العامل والفاعل هو شيء في ظرف حصول مقدمات لفعله من الحطب واشتعال النار وعدم رطوبة الملقى وإنّما فعله الالقاء والاحراق عمل النار بلا اختيار وشعور وارادة وقصد . فان كان الضابط ينطبق على الملاكات وكانت بهذه المثابة فلا مجال للبرائة فيها أصلاً ولكن الكلام في ذلك فان الضابط في الملاكات في انطباق المسبب التوليدي عليها وكونها منه أن تكون هي بنفسها ممّا يمكن القاءها إلى المكلّف ويطلب منه كالاحراق الذي مثلنا فانه يمكن أن يطلب من المكلف الاحراق كما انه يمكن أن يطلب منه الالقاء .

وخلاصة الكلام لابدّ من كونه قابلاً لتعلق الخطاب به والقائه إلى المكلف ولابدّ أن يكون في قدرة المكلف بحيث يترتب على فعله لا أن يكون فعله معدا له وساير مقدماته انما تحصل بفعل الغير كما في صيرورة الزرع سنبلاً فان عمل العامل وما باراداته وتحت اختياره انما هو حرث الأرض ونثر البذر و أمّا اشراق

تعريف المسبب التوليدي

ص: 203

الشمس وتنمية الأرض ونزول الأمطار وغير ذلك ممّا يؤثر فيه من تربية الملائكة ليس بيده .

كما يلقى الاحراق إليه تارة فيطالب به والالقاء في النار اخرى كذلك ويكون عنوانا لهذه الأسباب والأفعال المترتب عليها كما في الاحراق فانه عنوان للالقاء وبالالقاء يقولون احرقت الثوب كما يقولون القيته في النار وفي متعلقات التكاليف لا يكون مورد كذلك الا باب الوضوء فانه احتملنا ذلك فيه فليس باب المصالح والملاكات من قبيل المسببات التوليديّة التي يمكن أن تلقى إلى المكلف ويطالب بها ( اذ لو كان كذلك لكان تكليفا بما لا يطاق لجهل المكلف بما هوالملاك في التكاليف ) بل من الدواعي لجعل المولى كالربح الذي يكون داعيا للتاجر في تجارته ممّا يترتب على عمله احيانا ولا يترتب اخرى . ولو شككنا ان التكاليف بمتعلقاتها هي من باب المسببات التوليديّة أم لا . فهنا لو حصل الشكّ وما استفدنا من الأدلّة الاجتهاديّة شيئا يكون مقام الامتثال ولابدّ فيه من الاحتياط وإن كان من المحقق النائيني جريان البرائة الا انه يمكننا اسناد القول بالاحتياط إليه لو فرض انه لقى الشكّ ( فالمحصل أن الجعل ليس جزافا بل له داعي الا انه ما كلفنا المولى الا بما بين لنا ووجه الخطاب به إلينا وهو رحمه اللّه أمر بالتأمّل والظاهر ان مراده هو هذا .

عود على بدء: تحصل ممّا ذكرنا عدم جريان البرائة الشرعيّة في الأقل والأكثر الارتباطي الذي هو مورد البحث الا ان الشأن في الاحتياج إلى جريان البرائة اذ في باب الصلاة والحج والصوم والغسل والتيمم والوضوء وكلّ مورد من موارد التكاليف الشرعيّة في الأقل والأكثر الارتباطي في الشكّ في جزئيّة شيء

ص: 204

أو في شرطيته فيها اطلاقات الأدلّة من الصلوات البيانيّة والفعليّة موجودة . فلو كان لشيء آخر دخل في ذلك لكان عليه البيان . وحيث لم يبين فما بين هو المأمور به هذا في الشكّ في الجزئيّة وأمّا بالنسبة إلى الشرطيّة فسيجيء الكلام فيه

إن شاء اللّه ومعلوم ان جريان البرائة في مورد لم يكن هناك دليل اجتهادي . ففي الشبهة الحكميّة في الأقل والأكثر الارتباطي لا احتياج لنا إلى جريان البرائة اذ الشكّ ينفي ببركة الاطلاقات ولو فرض هناك شك فتجري البرائة كما بينا .

نعم جريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة كما اذا شككنا في اللباس المشكوك له مجال لعدم كونه من الشكّ في الشبهة الحكميّة بل من جهة الأمور الخارجيّة وليس بيان ذلك من وظيفة الشارع فهنا مجال لجريان الأصول الا ان الشيخ رحمه الله اطنب في الحكمية وأجمل في الموضوعيّة .

وعلى أيّ نحو فقد قال(1) بعدم جريان البرائة في المقام لجريان الاستصحاب الحاكم على الأصل المحكوم أي البرائة .

ومع وجود الأصل الحاكم لا مجال لجريان الأصل المحكوم وان وافق الحاكم في المفاد وجريان الاستصحاب هنا يتصور على أنحاء ثلاثة لا رابع لها وهو إمّا في عدم الجعل والتكليف بالأكثر قبل وجود المكلف وهوالمسمّى بالعدم الأزلي اذ الجعل أمر حادث شكّ فيه فيستصحب .

وأمّا في عدم التكليف في حال صغر المكلف فانه ما كان عليه تكليف في ذاك الحال قطعا .

وتارة في المكلف البالغ العاقل الجامع لعامة شرايط التكليف قبل دخول

كفاية الاطلاقات في دفع الشك

ص: 205


1- . فرائد الأصول 2/478 .

الوقت في الموقتات الشرعية . الاّ ان المحقق النائيني رحمه الله(1) استشكل جريانه في كلّ من هذه الثلاث وقال بعدم الجريان ولابدّ من نقل كلامه أولاً فما لم يمكننا المساعدة عليه فنستشكله .

يقول رحمه الله في خصوص الاستصحاب قبل وجود المكلّف انه تارة يتصور في العدم المحمولي الذي يحمل على الطبيعة والماهيّة كالوجود اذ الماهيّة في صقع نفسها قابلة لحمل الوجود والعدم عليها . فاول محمول عليها أحد الوجود والعدم الذي مفاد أوّلهما مفاد كان التامة ومفاد ثانيهما ليس التامة وبعد أن وجدت تكون موضوعا للمحمولات الاخر من القيام والقعود . فالمحمول في القضيّة الأولى جزء الموضوع في القضايا الثانية التي مفادها كان الناقصة فالوجود والعدم ليس مأخوذا في ناحية ذات الماهية فهي من هذه الحيثيّة قابلة لحمل كلّ منهما عليها فارتفاع النقيضين بحيث لا موجودة ولا معدومة هو في تلك الرتبة . وتارة في العدم النعتي والمستصحب هو لابدّ أن يكون ماله أثر ففي رتبة موضوعية الموضوع للحكم في الموالي العرفيّة لحاظ الموضوع مقدم على كلّ شيء وبعد اللحاظ يجعل والجعل ان كان غير منفك عن المجعول الا انه يمكن فرضهما منفكين محالاً ليختبر بذلك ان الأثر لايهما . ومعلوم ان الأثر ليس للحاظ اذ اللحاظ والتصور وأمثالهما من الروية والفكر ليس في ناحية ذات الباري جلت عظمته اذ هي مبرأة ومنزهة عن كلّ ذلك وليس محلاً للحوادث . بل ذلك في نفس النبي صلی الله علیه و آله اذ كان أمر التشريع مفوضا إلى الأنبياء علیهم السلام فاللحاظ هناك أمر موجود حادث وهو وإن كان أمراً متيقّناً والشكّ طاري عليه ولكن ليس له أثر اذ ليس

ص: 206


1- . فوائد الأصول 4/182 وبعده .

اللحاظ موضوعا لحكم شرعي ولابدّ في الاستصحاب من الشكّ واليقين سابقا عليه واتصال زمان اليقين بالشكّ وعدم وجود حاكم والأثر الشرعي وفي الجعل بلا مجعول أيضا لا أثر فالاستصحاب مجراه المجعول اذ الأثر يترتب عليه والمجعول لم يكن له جعل في التكاليف الالزامية من الوجوب والحرمة اذ هو أمر حادث فقبل وجود المكلف لم يكن هناك مجعول من الوجوب والحرمة أبعد وجوده نستصحب عدم المجعول إلى حين الشكّ .

وقد يقال في المقام بجريان الاستصحاب في أصل الحكم من الاباحة والوجوب والحرمة وساير الأحكام اذ قبل وجوده لم يكن مجعول فبعد وجوده يكون الشكّ في المجعول الا انه بناءً على هذا الترخيص والاباحة أيضا محتاجة إلى الدليل .

اذ الاباحة أيضا لم تكن مجعولة ففيها أيضا يجري الاستصحاب الا انه لامكان العقل . بل المستصحب هو الالزاميات من الوجوب والحرمة . فان كان الاستصحاب استصحاب العدم المحمولي بالنسبة إلى الأكثر بتقريب ان الأكثر لم يكن له جعل والآن هو مشكوك فنستصحبه . ففيه ان هذا الاستصحاب لا موضوع له ولا يترتب عليه أثر اذ ثبوت الأقل من اللوازم العقليّة لهذا الاستصحاب وهو مثبت فالاستصحاب بالنسبة إلى عدم الأكثر بالعدم المحمولي لا أثر يترتب عليه فهو سالبة بانتفاء الموضوع . وان كان الاستصحاب بالنسبة إلى العدم النعتي فليس له حالة سابقة .

ان قلت له حالة سابقة يعني لعدم وجوب الأكثر وهو حين توجه الخطاب وتعلقه بأوّل جزء من الواجب المردّد بين الأقلّ والأكثر . فعند وجوده التعلق

اشكال الاستصحاب

ص: 207

موجود والشكّ في تعلقه بالجزء الزائد فنستصحب عدم التعلق الحاصل حين وجود الخطاب متعلّقا بالجزء الأوّل .

قلنا: ان ذلك يتم لو كان الخطاب على التدريج وليس كذلك اذ تعلقه بالجزء الأوّل ليس مقدما على الجزء اللاحق له وهكذا كعالم الامتثال . بل الخطاب اذا وجد ينبسط على أجزاء المأمور به فان كانت خمسة تعلقات فخمسة والا فأزيد أو أقل .

فقبل وجوده لا تعلق وجودا وعدما حتى نستصحبه بعدم تعلقه بالأكثر اذ التعلق بالأكثر بالخطاب . فالخطاب موضوع له وبعد وجود الخطاب اما أن يكون غير انحلالي في التعلق بالاجزاء فلابدّ من سدّ باب البرائة . اذ الخطاب موجود والعلم بالتكليف حاصل فلا يمكن البرائة . فلابدّ من القول بالانحلال في جريان البرائة عن الأكثر والجزء الزائد لتحقق الشكّ في الزائد ووجوب الأقل تفصيلاً وعند حصول الخطاب لا علم لنا بكيفيّة تعلّقه .

اذ هو على نحوين: إمّا أن يتعلّق بالأكثر أو بالأقل وكلاهما له حالة سابقة فقبل الخطاب ما كان متعلّقا بالأكثر ولا بالأقل وبعده لا يقين بشيء حتّى يحقق موضوع الاستصحاب بالشكّ فيه لاحقا .

ان قلت: على هذا يلزم عدم جريان البرائة عن الزائد أيضا .

قلت: البرائة لا تحتاج إلى يقين سابق في جريانها بل موضوعها نفس الشكّ في وجوب الأكثر الزائد فلها مجرى بخلاف الاستصحاب .

فمصب الخطاب ليس بمعلوم فلا مجال للاستصحاب فما هو المعلوم والمتيقن سابقا لا يترتب عليه أثر وما يترتب عليه الأثر ليس له حالة سابقة هذا

ص: 208

اذا كان الاستصحاب في العدم الأزلي .

وأمّا إذا كان جاريا بالنسبة إلى حال صغره فله تقريبان . تارة يقرب كما في التقريب السابق يجري الاستصحاب في العدم ففيه ما سمعت . وتارة يكون مجرى الاستصحاب وهو اللاعنانى والمرخى العناني في حال صغره بعد تولّده فيستصحب إلى حين بلوغه خمسة عشر سنة . وفيه أيضا ان المراد المرخى العناني العقلي بمعنى رفع القلم فهو منتقض قطعا بالبلوغ وإن كان المراد المرخى العناني الشرعي فلا موضوع له اذ قبل بلوغه لا عنان حتى يكون مرخى او غير مرخى فيجري الاستصحاب في عدم ارخائه فلا يجري في المقام واحد من الاستصحاب وسيّدنا الأستاذ قدس سره ما تعرّض لنتيجة البحث بعد ما شرع بعد تعطيل عشر المحرم الأولى في ليلة الثلاثاء 14 المحرم سنة 1371 وعلى أيّ حال هذا تمام الكلام في الشكّ في الأجزاء . .

أمّا الشكّ في الأقل والأكثر بالنسبة إلى القيود الوجودية التي هي عبارة عن الشرايط والعدمية التي هي عبارة عن الموانع فهل تجري فيها أيضا أم لا تجري لا العقليّة ولا النقليّة .

والتحقيق في الشرايط أيضا انه تجري البرائة اذا كان لمتعلق التكليف موضوع خارجي سواء كان الشكّ في الشبهة الحكميّة من جهة فقد النص أو اجماله أو تعارض النصين أو الموضوعيّة أمّا إذا لم يكن لمتعلّق التكليف موضوع خارجي مثل ما إذا أوجب اكرام حيوان له النطق أو عتق رقبة مؤمنة فان الناطق والمؤمنة في الموضوع ليسا شيئين خارجين حتى يتعلّق الجعل بهما جعلاً على حدة زائدا على جعل أصل الحيوان والرقبة . بل الحيوان اما لوحظ مع الناطق أو لا

جريان استصحاب حال الصغر

ص: 209

وكذا الرقبة . ولابدّ في جريان البرائة من تماميّة أركانها في المقام . وإن كان الشكّ في جعل التكليف وتعلقه بالناطق والمؤمنة مجهولاً وفي رفعه أيضا منة الا ان الركن الركين لجريان البرائة في المقام مفقود وهو أن يكون المشكوك مجعولاً شرعيا اذ الناطق والمؤمنة لا يتعلّق بهما جعل زائد على جعل الرقبة والحيوان وليس كالصلاة بحيث ينبسط الأمر على الأجزاء بحيث يكون له تعلق بكلّ منها غير تعلقه بالآخر فهنا المؤمنة ليست مجعولاً شرعيا فلا جهل في الخطاب بل تعلقه بالحيوان والرقبة معلوم والشكّ في الخصوصيّة ولا مجال هنا لجريان البرائة كما عن الشيخ في التعبديّة والتوصليّة حيث نسب إليه القول بعدم جريان البرائة من التعبديّة ولزوم قصد الامتثال من جهة العلم بالخطاب والشكّ في الخصوصيّة الا ان المختار في المقام أيضا جريان البرائة كما في الأجزاء . ولا فرق بين الأجزاء والشرايط ولا بين الشبهة الحكميّة بأقسامها وبين الشبهة الموضوعيّة التي اشتباهها من جهة الأمور الخارجيّة ومن هنا كان جريان البرائة في اللباس المشكوك بلا اشكال اذ قوامه بهذا على ما لعله سيجيء إن شاء اللّه .

والحاصل إن كانت القيود الوجوديّة التي هي الشرايط والعدميّة التي هي الموانع كالأجزاء بحيث يتصور فيها معلوم ومشكوك فحالها حالها من حيث جريان البرائة عقليّة وشرعيّة أو خصوص الشرعيّة . وإن كانت كالمتبائنين فلا مجال لجريان البرائة لما تقدم سابقا من وجوب الاحتياط لعدم الانحلال سواءً في ذلك ما اذا كان من قبيل الطهارة بالنسبة إلى الصلاة التي يكون منشأ انتزاع الشرطيّة وتحقق القيديّة في الصلاة أمرا خارجيا وهو نفس الطهارات لا كالايمان بالنسبة إلى الرقبة . وعمدة النظر هنا في انه هل يمكن تصوير معلوم ومشكوك كما

ص: 210

في الأجزاء بحيث يكون تعلق الخطاب بشيء معلوما وبآخر مشكوكا أو ليست بحيث تدخل تحت الخطاب ويشملها . وكلما يقال في الشرايط يقال في الموانع الا ان بينهما فرقا من جهة امكان تصور الشبهة الموضوعيّة في الموانع دون الشرايط فان الكلام هنا كما في الاجزاء تقع في أربع جهات . في الشبهة الحكمية من جهة فقد النص أو اجماله أو تعارض النصين أو الشبهة الموضوعيّة . اما في الشرايط مثلاً شككنا في لزوم الطهارة للتشهد والسجدة المقضيتين أو لسجدة التلاوة واعتبار الايمان في الغسل للميت ولزوم قصد القربة في أداء الحقوق الماليّة في العباديات كالخمس والزكوة . فانه تارة يمكن أن يكون نظره إلى ادائه إلى شخص معين أن يكون معينه في بعض ما يجري عليه اتفاقا ويتفق له من الحوادث ويدفع عنه من جهة كونه معروفا مجللاً عند أهل الحاكم ومراجعها فبلا قصد القربة يكون الدفع كعدمه مثلاً أم لا .

وبالجملة الأمثلة في هذا الباب كثيرة . ومنشأ الشبهة اما فقد النص أو اجماله أو تعارضهما مع قطع النظر عن الأخبار العلاجيّة . وأمّا الشبهة الموضوعيّة التي يكون منشأها اشتباه الأمور الخارجيّة ففي باب الشرايط لما لم يكن لها تعلق بالموضوعات الخارجيّة فلا تصور لها بل كلّما توهّم فهو من ما يكون يجري في مورده الاشتغال من جهة عدم الانحلال فيها . بل المطلوب صرف الوجود كما اذا وجب عليه التيمم وهنا شيء لا يدري أهو أرض أم قير أو شيء لا يجوز التيمم عليه سواء كان في هذا المقام أو في مسح الأقدام بها أو مثلاً في السجود عليها وليس بحيث يكون الشكّ في الأقل والأكثر وذلك يتصوّر في القيود العدميّه التي هي الموانع من جهة انحلال التكليف فيها لتعلّقها بالموضوعات الخارجيّة والفرق

موارد جريان البرائة

ص: 211

بينها وبين الأجزاء يمكن أن يكون من جهة ان الأجزاء بمنشأ انتزاعها مجعولة فللمولى أن يبسط الخطاب على الاستعاذة أو جلسة الاستراحة المجهولتين وفي الشرايط ويلحق بها الموانع أمرهادائر بين أن يكون مثل الأجزاء بحيث يمكن بسط الخطاب عليها فيكون معلوم ومشكوك ويجري البرائة في المشكوك من جهة انه مجهول مجعول وفي رفعه منة ولم يكن هنا أصل موضوعي ولاجعل الحكم بالعنوان الشكي . ويمكن أن يكون مثل الانسان المنحل إلى حيوان وناطق . فاذا شككنا ان متعلّق الخطاب في أكرم الحيوان بلا قيد أو الانسان الذي هو الحيوان الناطق فلا مجال هنا للبرائة والانحلال في الأجزاء التحليليّة العقليّة وإلاّ

فمتعلّق التكليف لو كان هو الانسان والقيد قيد الناطقيّة مثلاً ما حصل فلا يجري قاعدة الميسور هناك من جهة عدّه موضوعا على حدة في جنب ساير الموضوعات فالفصل الكائن به الانسان ليس بمثابة ينبسط عليه الخطاب .

فان كانت الشرايط من هذا القبيل فلا مجال هنا للبرائة ولا قال أحد بها من جهة عدم كونها أي الأجزاء التحليليّة يتعلّق بها الخطاب وينبسط عليها . بحيث اذا علمنا تعلق خطاب أكرم بحيوان وشككنا في تقيده بالناطق يعني انه يكون انسانا نكتفي باطعام حمام .

وخلاصة الكلام انه ذهب المحقق النائيني(1) في المقام إلى أن حال الشرايط هنا حال الاجزاء فكما تجري البرائة الشرعيّة فيها تجري فيها ويقاس عليها الموانع فكما اذا شككنا في وجوب السورة مثلاً تجري البرائة برفع منشأ انتزاعها الذي هو المجعول الذي يقبل الجعل الشرعي فكذا إذا شككنا في باب

ص: 212


1- . فوائد الأصول 4/203 .

الشرايط والموانع فالكلام فيها الكلام في الأجزاء . والضابط الذي بينه في المقام هو أن يكون الجعل في عالم الثبوت والاثبات محتاجا إلى عناية زائدة فيكون مجرى البرائة ومعلوم ان الطهارة متى قيد الصلاة بها كان يصلي عن طهارة أو الايمان في الرقبة أو الصلاة إلى القبلة كلّ ذلك يحتاج إلى عناية زائدة في عالم الثبوت والاثبات .

والمراد من عالم الثبوت واحتياجه إلى العناية الزائدة على العناية المعلومة حتّى تكون مشكوكة مجرى للبرائة هو أن يكون محتاجا إلى جعل زائد وتكليف كذلك لا التصور فقط في غير المبدء الأعلى تعالى عن ذلك وعن الرويّة والفكر وأمثالها علوّا كبيرا فانّها بالنسبة إليه كفر . اذ التصوّر واللحاظ انما هو من الأمور

التكوينيّة ولا مجرى للبرائة فيها فاذا كان كذلك بحيث يمكن أن يتعلّق به الخطاب الغيري أو يكون اعتباره من جهة الخطابات النفسيّة التي تتحقّق في باب التزاحم فتجري البرائة وجميع أركانها تامّة وإلاّ بان كان من الأمورالتحليليّة التي تقدّم الكلام فيها فلا مجال للبرائة لعدم تماميّة أركانها من الجعل الشرعي فيها إلاّ ان الجهل والمنّة موجودان .

توضيح وتتميم: ذكر سيّدنا الأستاذ قدس سره لتقريب كلام المحقّق النائيني رحمه الله في المقام بأنّه يمكن هنا وجوب واجبات مستقلّة متقدّم بعضها على بعض كالظهرين ويمكن أن يكون واجبات تركيبيّة اعتباريّة لا كالمعاجين الصغار ولا الكبار بل اعتباريّة تصورها أولا وبسط الخطاب عليها . فاذا كان من الممكن تصور المقام هكذا فلو بسط الخطاب على كلّ منها وكذلك الرفع بأن رفع ما كان يمكن أن يضع والرفع هنا تشريعي لا تكويني والاّ فالدخل التكويني ليس قابلاً

كلام النائيني في الشرايط

ص: 213

للرفع . بل الخطاب والتعلق الذي هو فعل المولى قابل للرفع التشريعي ومحتاج في الجعل وبسط الخطاب إلى عناية زائدة اثباتا وثبوتا . وأركان البرائة في المقام كلّها حاصلة موجودة لان تعلّق الخطاب الزائد على ما علم تعلّقه به مجهول وأيضا مجعول للشارع لأنّ البسط بيده وفي رفعه منة ( وحكم ) بين الجعل بالعنوان الثانوي فيتعلّق بها الرفع لا بأنفسها بل بمنشأ انتزاعها لأن الجزئيّة وكذا الشرطيّة

والمانعيّة ليست مجعولة بل المجعول هو بسط الخطاب ودخل شيء في آخر فبرفع منشأ انتزاع الجزئيّة بالبرائة يرتفع وجوب الجزء المشكوك ظاهرا . هذا في الأجزاء ولا ريب ان ذلك يتصوّر في الشرايط أي القيود الوجوديّة وكذا الموانع . فكما ان باب الأجزاء كان من الشكّ بين الأقلّ والأكثر كذلك باب الموانع والشرايط من ذلك فكلّ ما كان الكلام والاشكال في الأجزاء فيأتي فيهما فالحال الحال والكلام الكلام . لأن مناط جريان البرائة في الأجزاء بالنسبة إلى الجزء المشكوك بعينه موجود في الشرايط والموانع فلا جرم عند من يقول بجريان البرائة عقلها ونقلها يجرى هنا أيضا أو نقلها فكذلك ومن لا يقول بالجريان في الأجزاء لا يقول هنا وفي الشرايط والموانع أيضا العناية الزائدة موجودة في عالم الثبوت والاثبات وذلك لأن مرجع الأوامر والخطابات الشرعيّة والمانعيّة إلى الارشاد بدخل شيء في متعلّق التكليف فهي أوامر غيريّة تتضمّن دخل شيء أو عدمه في المأمور به بحيث يكون مقيدا بشيء . فاذا أتى لا مع هذا القيد فلا ينطبق عنوان المأمور به عليه كالطهارة والقبلة والستر وأمثال ذلك . وكالقيام في قوله لا صلاة(1) لمن لم يقم صلبه فانها تتكفّل الارشاد إلى تقيد المأمور بها وإن كانت هذه

ص: 214


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام والعبارة من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له .

الأشياء خارجة عن حقيقة المأمور به لأنّ الطهارة والقبلة والتوجّه إليها والستر ليست من أجزاء الصلاة بل يؤتى بها مقيّدة بها . فالصلاة عن طهارة والصلاة عن قيام وكذا وهذا يجري في شرايط أجزاء الصلاة وكذا في شرط الشرط من أجزائها . بل يمكن تصوّر الخطابات الغيريّة في الأجزاء أيضا فلا اختصاص لها بالشرايط والموانع . فاذا كان كذلك ففي مرحلة الثبوت يحتاج إلى شيء زائد على الأجزاء نفسها وكذا في مرحلة الاثبات فيبسط الأمر على الأجزاء .

ونتيجة الخطابات الغيريّة بسط الأمر عليها فالبسط في الأمر والضيق في عالم الوجود فان الشيء اذا كثرت قيوده قلّ وجوده فاذا شكّ في مورد بالنسبة إلى قيد وجودي أو عدمي فتجري البرائة عنه لتماميّة أركانها ويتصوّر في الشرايط الأقل والأكثر كما بينّا بلا اشكال . فلا يكون من المتبائنين فكما تجري البرائة في الاجزاء برفع منشأ الانتزاع كذا هنا برفعه أيضا وقد تقدّم الكلام مفصلاً في الأجزاء فلا كلام هنا زائدا عليها الا ما سيأتي من أفرادها بالبحث . ولا فرق في ذلك بين أبواب الفقه من أوّل الطهارة إلى الديات ويجيء الكلام في باب العقود والايقاعات إذا شككنا في دخل شيء في صحّة معاملة أو ايقاع . فكما انه للمولى وضع شيء ودخله فيها فكذا له رفعه اما امضاءً اذا كان لهم بناء عرفي فيها أو بتعبّد منه إذا لم يكن دخل شيء واشتراطه عقلاً أو عرفا منهم فتصوّر وجود الأقل والأكثر الارتباطي لا يختصّ بباب العبادات بل يجري في العقود والايقاعات . فكلّ مورد تمّت أركانها تجري .

ولا فرق في ذلك بين الشبهة الحكميّة والموضوعيّة . الا ان الشبهة الموضوعيّة لا تصور لها في جانب الشرايط اذ الواجب فيها ليس مطلق الوجود .

الخطابات الغيرية في الأجزاء

ص: 215

بل صرف الوجود فانّه تارة يكون للخطاب تعلق بالموضوع الخارجي وتارة لا يكون . فان لم يكن تعلق فلا يتصور الشبهة الموضوعيّة . فهي إنّما تتصور اذا كان لمتعلّق الخطاب تعلّق به ولكن في الشرايط لا يكون من الشكّ بين الأقلّ والأكثر فاذا وجب عليه التيمّم بمطلق وجه الأرض مثلاً وشكّ في شيء انه منها أو من غيرها كما اذا شكّ في الخزف أو النورة مثلاً قبل الطبخ أو بعض الجواهر أو وجب عليه في الصلاة لبس ما اتخذ من مأكول اللحم فالشكّ يكون في الامتثال وحصول الشرط في هذه الموارد لأن الحكم هنا معلوم فليس هنا شبهة حكميّة . بل يدري الحكم لكن الشكّ في انه هل هذا من الأرض أو من مأكول اللحم أم لا والشكّ في هذه الجهة غير الشكّ في التكليف الزائد الدائر مداره باب الأقل والأكثر الارتباطيين .

نعم يتصوّر ذلك في الموانع كما سيجيء إن شاء اللّه .

فالشبهة الموضوعيّة التي يكون الشكّ فيها شكّا بين الأقل والأكثر الارتباطي إنّما هي في الموانع من جهة مطلق الوجود وينحصر الشكّ بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الشرايط والأجزاء في الشبهة الحكميّة من فقد النص أو اجماله أو تعارضهما .

فهذا جهة الكلام في تقريب جريان البرائة في الأجزاء والشرايط والموانع الا انه افرد الشرايط بالبحث لنكتة وامر وهو انه منشأ انتزاع الشرطيّة والمانعيّة تارة يكون هو الخطاب النفسي وتارة يكون هو الخطاب الغيري وثالثة يتصوّر وجود كليهما سواء كان بلسان لا صلاة(1) إلاّ بطهور أو صلّ إلى القبلة من قوله

ص: 216


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 من أبواب الوضوء .

تعالى: « فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرام »(1) .

وحاصل الكلام هنا انه ان كان منشأ انتزاع الشرطيّة والمانعيّة هو الخطاب النفسي فانّه تارة يكون المستفاد منه دخل الشيء بوجوده العلمي . فاذا شككنا في هذه الصورة فلا واقع هنا حتى نشكّ فيه بل ليس هنا مورد جريان البرائة للعلم بعدم شيء كما هو أقوى الوجهين في باب الغصب والخلوة مع الأجنبيّة . فالمصلّى اذا لم يعلم بالغصبيّة فلا مانع هنا من حصول قصد القربة له اذ دخل عدم الغصبيّة والاباحة من جهة قصد القربة وتحقّقها . وإلاّ فلو فرض محالاً انه يمكن أن يقع منه قصد القربة وإن كان يعلم بالغصب فلا اشكال هنا في صحّة صلاته . اذ لا مزاحمة هنا للغصب في قصد القربة على الفرض . اذ هو شيء وذاك شيء آخر . غاية الأمر اذا حصل الانضمام يصير من باب التزاحم وفي باب التزاحم كلا الخطابين فعليان فيقبح حيث الصدور من المصلى فلا يحصل قصد القربة . فاذا لم يعلم فلا مانع هنا أصلاً وتصحّ صلاته بلا إشكال لتحقق القصد منه متقرّبا . ففي باب التزاحم لا يكون الاتّحاد بين المتزاحمين وإلاّ فيكون من النهي في العبادة . فالعلم في هذا الباب اما

تمام الموضوع أو جزئه .

وإن لم يكن الدخل مستفادا على هذا النحو بل الدخل الدخل الواقعي

فيكون المقام من باب التعارض فالشيء بوجوده الواقعي مانع فهنا فرق بين كلام الشيخ والمحقّق النائيني حيث انّ الثاني يفرق بين جريان الأصل المحرز وعدمه . فاذا كان هنا أصل محرز يجري في نفي منشأ الانتزاع الذي هو الخطاب النفسي فمع جريانه لا يبقى مجال وموضوع لجريان الأصل في جانب المنتزع

ص: 217


1- . سورة البقرة: 145 .

الذي هو القيد . إذ لا يجري الأصل المسببي عند جريان الأصل السببي بخلاف الشيخ رحمه الله فانّه لا يفرق . وهنا فرق بين كلام المحقّق المزبور وبين غيره في ما اذا كان هنا خطاب نفسي وغيري كما في باب الصلاة في الحرير فانه ( لا تلبس(1) الحرير ولا تصلّ(2) في الحرير ) أولهما نفسي وثانيهما غيري فاذا جاز له لعذر لبس الحرير فيسقط النهي النفسي فلو انتزع منه المانعيّة في الصلاة هي أيضا تسقط بخلاف ما اذا انتزعت المانعيّة من الخطاب الغيري فبسقوط الخطاب النفسي لا يسقط هو . فلابدّ له في مورد الجواز من نزعه والصلاة في غيره .

فذلكة علم ممّا ذكرنا سابقا ان حال الشرايط والموانع حال الأجزاء فكما يجري فيها البرائة عند من يقول بها فكذا فيهما عقلها ونقلها أو نقلها فقط على التفاصيل والتقاريب المتقدمة ومن يفرق بين الأجزاء والشرايط لا يقول فيها بالبرائة كما تقدّم ان الأقل والأكثر يتصوّر في الشرايط والموانع في التكاليف سواء كان للشرايط منشأ انتزاع في الخارج كالطهارة أم لا . بل لا يكون لها منشأ انتزاع كالايمان في الرقبة فانه لا منشأ له في الخارج فتصورنا فيها الشكّ بين الأقل والأكثر الارتباطي لكن ذلك في المحمولات بالضميمة لا في خارج المحمول . بل بابه باب المتبائنين كالجنس والفصل فاذا شككنا في ان الحيوان الواجب الاكرام هل هو الانسان أم مطلق الحيوان لا يمكننا اجراء البرائة عن قيده وهو الانسانيّة يعني عن فصله وهو الناطق ) فنكتفي باكرام حمار فبابه غير باب الأقلّ والأكثر .

وفي المحمول بالضميمة لا فرق بين العنوان المبدئي والاشتقاقي الا ان في

ص: 218


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 11/3 - 5 - 9 - 11 - 12 من أبواب لباس المصلي .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 11/1 - 2 - 6 - 7 - 8 من أبواب لباس المصلي .

باب التكاليف في موضوعاتها يكون العنوان الاشتقاقي ) وذلك لا فرق بين الشبهات الحكميّة والموضوعيّة . والحكميّة سواء كان من جهة فقد النص أو اجماله أو تعارض النصين وقدمنا ان الشبهة الموضوعيّة لا تتصوّر في الشرايط بحيث يكون لها أثر ويصير من الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطي بخلاف الموانع وللشيخ رحمه الله تأمّل في كون المحمولات بالضميمة كالايمان في الرقبة كالأجزاء فتجري فيها البرائة كما سبق البحث عنه وذكر سيّدنا الأستاذ كلام المحقّق النائيني في نكتة الشرايط الموجبة لافراده البحث عنها وعن الموانع وان كان في كلامه حسب التقرير خلط بين الشرايط والموانع ولابدّ في تمييز البحث حتى يحفظ أطراف المطلب . فيقال ان منشأ انتزاع الشرطيّة والمانعيّة تارة يكون هي الخطابات النفسيّة وتارة يكون هو الغيري وفي موارد يكون كلاهما . وإن كان انتزاع الشرطيّة من الخطابات النفسيّة لا يتصوّر الا انه يمكن في باب الموانع .

واذا كان منشأ الانتزاع هي الخطابات النفسيّة فتارة يكون الشيء بوجوده العلمي منشأ انتزاع القيديّة مثلاً واخرى بوجوده الواقعي . فان كان الأوّل أي ما كان بوجوده العلمي دخيلاً في المكلّف به لا يتصور في جانب الشرايط كما انه ما كان منشأ انتزاعه هو الخطاب الغيري انما يكون دخله بوجوده الواقعي . فما كان دخله للخطابات الغيريّة في باب الشرايط أو الموانع فعند الشكّ فيها تجري البرائة بلا اشكال لا في المنتزع بل في جعل المولى دخله شيئا وجودا وعدما في متعلّق التكليف لأن بسط الخطاب وتعلّقه بوجود هذا الشيء أو عدم ذلك مشكوك فبرفعه يكون متعلق التكليف غير مقيد بوجود هذا أو عدم ذاك . وأمّا إذا كان منشأ انتزاع القيديّة هو الخطاب النفسي بوجوده العلمي كما في باب الغصب والتصرّف في مال

الفرق في الانتزاع بين الوجود الواقعي والعلمي

ص: 219

الغير فانّ الخطاب الغيري بأن لا تصل في المغصوب ليس هنا . بل التكليف والفعل الخارجي لما كان من الزمانيات فاذا يوجد يوجد في زمان كما يوجد في مكان فالزمان والمكان من ملازماته الوجوديّة . فاذا صلّى في المغصوب يلازم الغصب الصلاة وجودا كما انّه يتحقّق الغصب في القعود والقيام والنوم فكذا يتحقّق في الصلاة فاما أن يكون هنا تزاحم في متعلّق الأمر والنهي ويسري متعلّق النهي أي متعلّق النهي ومتعلقه إلى متعلّق الأمر فالفعل الواحد يكون واجبا وحراما ( فهنا يكون من النهي في العبادة فينتج التقييد بغير ذلك الفرد ) ولذا لابدّ من الصلاة في غير المغصوب ( اما من جهة اتّحاد متعلّق الأمر والنهي فيتعارضان أو لا بل من جهة التزاحم في هذا الفرد المعنون بكليهما وسراية كلّ منهما إلى لوازم وجود الفرد والمصداق ) واما يقال ويقرب في المقام ما عن المحقق النائيني رحمه الله(1) من انه لا يكون هنا تعارض وتزاحم في أصل الجعل بالنسبة إلى الأمر والنهي . بل التزاحم إنّما هو في ناحية الفرديّة والأوامر والنواهي تكون متعلقة بالطبايع . بمعنى

انه ليست خصوصيات الافراد داخلة فيهما لا ان يكون معنى النزاع في تعلّقهما بالطبايع والأفراد هو الطبيعة من حيث هي والفرد . بل المراد من الطبيعة ما كان في مقابل الفرد بخصوصيته الفرديّة وإلاّ فالطبيعة من حيث هي ليست الا هي . فلابدّ أن يكون متعلّقهما هي الأفراد . الا ان النزاع في سرايتهما إلى لوازم أفرادهما . وحيث انه لا يسري ولا يتعدى كلّ واحد من الأمر والنهي إلى خصوصيات الأفراد ولوازمها الوجوديّة فالتصرّف المحقّق للصلاة يكون تصرّفا حراما من جهة التصرف والغصب وصلاة ولا يسري الوجوب من الصلاة إلى التصرّف ولا حرمة

ص: 220


1- . فوائد الأصول 1/414 .

التصرّف إلى الصلاة فالتركيب انضمامي فاطاع وعصى . وحيث انه لا يتعدد فحيث الصدور من الفاعل في مثل هذا التصرف فامّا أن يكون قبيحا أو لا يكون . وليس بحيث يكون قبيحا باعتبار الغصب وحسنا باعتبار الصلاة . وحيث غلبنا جانب النهي فيكون صدور هذا الفعل قبيحا وحيث انه قبيح يلزم عدم حصول قصد القربة . فمن جهة عدم حصول قصد القربة الذي هو قيد الصلاة يكون اعتبار عدم الغصب قيدا فيها وينتزع من القيدية بان لا تكون الصلاة في المغصوب . ولو لا هذه الجهة لا قبح لها أصلاً فلو فرض تحقق القربة مع الغصب فلا اشكال . كما انه في الدين المطالب يصح صلاته مع قدرته على أداء الدين والتكسّب له في أوّل الوقت . وإن كان صلاته ملازما لترك أداء الدين الحرام وليس ذلك الا لعدم تزاحهما في الوجود بل هو شيء وذاك شيء آخر .

نعم في مثل اجراء الماء على المحل اذا كان الماء مغصوبا يمكن أن يكون من غير جهة القربة بل نفس التصرف وضوء . فهناك اتّحاد فالفساد من هذه الجهة فاذا كان اباحة اللباس والمكان من جهة تحقق قصد القربة وكان جاهلاً بالغصب من حيث الموضوع الذي هو اتفاقي الكل أو الحكم عند بعض فلا مانع من تحقق قصد القربة وحيث لا مانع فالصلاة صحيحة . لأن منشأ المانعيّة هو التزاحم والتزاحم قوامه بالتنجز والتنجز إنّما يكون بالعلم فحيث لا علم له لا تنجز واذ لا تنجز فلا تزاحم وحيث لا يكون هناك تزاحم فالقربة متحققة . ولا قبح لحيث صدور الفعل من المصلى . فاذا شككنا في هذا المورد فنفس الشكّ ملازم مع القطع بعدم المانعيّة لعدم وجود منشأ انتزاعها فلا تصل النوبة إلى جريان البرائة عند الشكّ اذ هو من تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد .

ص: 221

وزاد سيّدنا الأستاذ قدس سره كلاما من جنابه وهو ان مع قطع النظر عن هذا لا موضوع للبرائة هنا .

اذ الأمر الانتزاعي الذي هو المانعيّة والمنتزع ليسا مجعولين . والتزاحم في الخطابين الذي هو منشأ انتزاع المانعيّة ليس أمرا مجعولاً بل هو أمر تكويني ولا مجال لجريان البرائة في التكويني ( ولا أثر لجريانه ) وإن كان منشأ انتزاع القيديّة

هو الخطاب النفسي فهنا بوجوده الواقعي . فعند الشكّ في وجود الخطاب النفسي يتحقق الشكّ في القيديّة والخطاب التبعي . فاذا كان هنا أصل محرز كالاستصحاب فبجريانه في طرف النفسي يرتفع الشكّ في القيديّة . اذ الاستصحاب قائم وساير الأصول التنزيليّة قائم مقام العلم الثالث الذي هو الجري . فكأنّه يعلمون ان ليس قيد هنا ولا موضوع ومجال لجريان الأصل في المسبب بعد جريان الأصل السببي . وإن لم يكن هنا أصل محرز ويكون الجاري في طرف السبب الذي هو النفسي هو البرائة واصالة الحلّ مثلاً فليس من آثاره رفع الشكّ عن المسبب بل لابدّ في جريان الأصل فيه على حدة لأنّ الشكّ باقٍ والحليّة النفسيّة لا تلازم شرعا عدم المانعيّة . فالأصل في طرف المسبب يكون المتيقن هو الأقل . كما انه لو كان الخطاب النفسي والغيري كلاهما موجودين كما في الحرير ( لا تصل في الحرير ولا تلبس الحرير ) فعند الشكّ في أحدهما تجري البرائة فيه بلا جريان في الاخر بل لابدّ له من الجريان اذا كان الشكّ فيه . فما ذكره

( الشيخ ) ذيل تنبيهات البرائة باسطر من جريان البرائة مطلقا منظور فيه لما ذكرنا بل الحق التفصيل .

توضيح وتكميل: ذكرنا ان النواهي تارة تكون غيريّة واخرى نفسيّة

لو كان منشأ النزاع الشرط والمانعية الخطاب النفسي

ص: 222

والنفسيّة على قسمين . قسم منها بوجوده العلمي ينتزع منه المانعيّة للصلاة وقسم بوجوده الواقعي يصير منشأ لذلك . والنواهي الغيرية اذا شككنا فيها فتجري البرائة عنها كما تقدّم سواء كان في الشبهة الحكميّة أو في الموضوعيّة . فاذا شككنا في ان هذا الثوب مأخوذ من غير مأكول اللحم أم لا فبجريان البرائة عن قيديّة الصلاة بعدمه تكون لا بشرط عن هذا . ومعلوم ان ذلك اذا لم يكن الاطلاقات البيانيّة والمقامية المتكلفة لما يعتبر في العبادة وجودا أو عدما رافعة للشكّ . والا اذا كان هناك اطلاق فلا شكّ ولا تصل النوبة إليها فلا يحتاج إلى اجراء البرائة وذلك في غير الشبهة الموضوعيّة .

أمّا القسم الأوّل من النواهي النفسيّة وهو ما يكون بوجوده العلمي منشأ لانتزاع المانعيّة للصلاة كما في باب الغصب فعند الشكّ فيها يقطع بعدم المانعيّة اذ لا منشأ لانتزاعها هناك واقعا فلا مجال للتعبد بالبرائة اذ هو تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد وينحصر ذلك عند المحقّق النائيني رحمه الله بباب التزاحم في اجتماع الأمر والنهي . اذ ليس عنده من وحدة المتعلّق للأمر والنهي بل ركوع وتصرف ولا يسري الأمر والنهي إلى متعلّق الآخر . وباب الاجتماع لا يكون عنده من التعارض بل من باب التزاحم فلا يكون هنا نهي في العبادة حتّى يكون البطلان من هذه الجهة بل من جهة فقد قصد القربة وقبح صدور الصلاة المتحقّق بها الغصب بحيث يكون العمل صلاة وتصرّفا في مال الغير قبيحا مانعا عن تحقّق القربة به . فينتزع من ذلك المانعيّة للغصب بالنسبة إلى الصلاة فلابدّ أن لا تكون في المغصوب . وإنّما ذلك في خصوص تزاحم باب الاجتماع من الأبواب الخمسة للتزاحم . فلا يقول ذلك في باب التضاد . فالمصلى وإن كان يطالبه الغريم له في

الفرق بين النواهي النفسية والغيرية

ص: 223

أوّل الوقت بالدين يشتغل بالصلاة وتصح عنده صلاته فيعصى ويطيع اذ الأمر بشيء لا يكون نهيا عن ضدّه فاذا شكّ هنا في الغصبيّة يقطع بعدم المانعيّة اذ ملاك باب التزاحم فعليّة الخطابين بالتنجز بالعلم وليس في المقام والمفروض انه لا يكون بوجوده الواقعي مانعا ولا تصل النوبة إلى جريان البرائة لعدم موضوع لها . اذ مجراها الشكّ في تحقّق منشأ الانتزاع وهنا قاطع بعدم منشأه كما انه في الطهارة الخبثيّة الأمر كذلك . وكالجهر والاخفات والقصر والاتمام وإن كان الأخيران في الحكم . ومثال الطهارة الخبثيّة والشكّ في وجود النجاسة في مانعيّة الموضوع .

والقسم الثاني من النواهي النفسيّة التي يكون بوجودها الواقعي منشأ انتزاع المانعيّة بحيث انتزاع المانعيّة يكون منها لا من الخطاب الغيري في موردها بالنسبة إلى العبادة فانه يمكن أن يكون كلاهما كما مثلنا في مثل ( لا تلبس الحرير ولا تصل في الحرير ) فان كان الخطاب الغيري فكما تقدم وان كان الخطاب النفسي فعند الشكّ في وجود الخطاب النفسي الذي هو منشأ انتزاع المانعيّة يجري البرائة عند الشيخ رحمه الله عن الخطاب النفسي . ولما كان الخطاب النفسي منشأ لانتزاع المانعيّة فالشكّ في المانعيّة مسبب عن الشكّ في الحرمة النفسيّة فبجريان البرائة عن الحرمة النفسيّة يرتفع موضوع المانعيّة كما هو الشأن في جميع موارد الشكّ السببي والمسبّبي حيث انه لابدّ أن يكون الشكّ في المسبب مسببا عن الشكّ في السبب ويكون المسبب من الآثار الشرعيّة للسبب والسبب ذا أثر شرعي كما في الشكّ في طهارة الثوب النجس المغسول بماء قليل مشكوك الطهارة على النحو المعتبر في غسله . حيث انه يكون الشكّ في طهارة الثوب مسببا عن الشكّ في طهارة الماء فاذا جرى الاستصحاب في ناحية السبب الذي معناه رتب أثر

ص: 224

المعلوم على المشكوك ان هذا الثوب طاهر اذ هو من آثار السبب الشرعيّة . فلا يكون هنا اشكال من جهة فرديّة كليهما لعموم الاستصحاب . اذ جريانه في الأول رافع لموضوع الثاني ومنه المقام . فعند الشكّ في المانعيّة وجريان البرائة في الحرمة النفسيّة لا يبقى موضوع للمانعيّة اذ الشكّ فيها مسبب عن الشكّ في الحرمة النفسيّة وللحرمة النفسيّة آثار منها مانعيّة المحرّم للصلاة .

الا ان للمرحوم المحقّق النائيني التفصيل(1) بين ما اذا كان هناك أصل محرز وبين ما اذا لم يكن هناك أصل محرز يحرز وجود منشأ المانعيّة أو عدمه وهو الحرمة النفسيّة . فمن آثاره مانعيّة المحرّم للصلاة أو عدم مانعيته لها فهو المتبع . والا فتجري البرائة عن الحرمة النفسيّة ويكون في الظاهر حلالاً له . الا انه

لما كانت المانعيّة هنا ناشئة من وجود الحرام الواقعي بوجوده الواقعي فبجريان البرائة لا يرتفع الشكّ هنا بل البرائة واصالة الحل غايتهما الترخيص في مقام الترك وجعل في ظرف الشكّ وليسا كالاستصحاب بحيث يتصرّف في الشكّ ويكون كما اذا لم يعلم . فحينئذٍ لابد من جريان البرائة عن المانعيّة للصلاة في عدم تقيدها بالمشكوك . فمن يقول هنا بالبرائة كما في الشرايط والأجزاء فعنده تجري البرائة والا فالاشتغال . وحيث انه مضى المختار منه قدس سره كون باب الموانع كالشرايط مثل الأجزاء تجري فيها البرائة فتجري البرائة مستقلّة في المانعيّة . لكن هذا مبنى على ترخيص المولى بترك الصلاة التامة والاتيان بالناقصة والجمع بين الحكم الظاهري والواقعي الذي يكون فعليا في عهدته وان يتعلق الرفع بايجاب الاحتياط حيث انه اذا صادف الواقع يكون النتيجة عدم مطالبة الواقع . والا

التفصيل بين ما إذا كان أصل محرز وغيره

ص: 225


1- . فوائد الأصول 1/466 وبعده .

فالحكم الواقعي ليس قابلاً للرفع على ما مضى عند الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي ولا جعل بدل وقد جمعوا بينهما بوجوه . أحدها أن يكون الحكم الواقعي عبارة عن اشتغال الذمّة بلا مطالبة ولا يصحّ هذا(1) ولا القناعة في مقام الامتثال ولا ساير ما تقدّم في بابه من ما قيل مع ورود الترخيص بقاعدة الفراغ مع العلم التفصيلي بالتكليف .

وقد مضى في بعض المباحث السابقة الاشارة إلى كيفيّة الجمع في هذه الموارد والجواب عن الشبهات والاشكالات اجمالاً فراجع . ولكن مع هذا الكلام مع المحقّق النائيني رحمه الله حيث يقول(2) بجريان الاستصحاب لرفع الشكّ في المانعيّة بضابط الشكّ السببي والمسببي فان المقام ليس من الشكّ السببي والمسببي . اذ المانعيّة ليست من آثار الحرمة النفسيّة الشرعيّة حتى يمكن جريان الاستصحاب العدمي في جانب الحرمة النفسيّة رافعا لموضوع المانعيّة . بل المانعيّة إنّما هو أمر

انتزاعي غير مجعولة فلا يمكن رفعها بالاستصحاب في جانب الحرمة النفسيّة وحيث ان نفسها ليست مجعولة فلا تعدّد للجعل أحدهما يتعلّق بالحرمة النفسيّة التي هي منشأ انتزاع المانعيّة والآخر بنفس المانعيّة . فلا يمكن أن يجري الاستصحاب بالنسبة إليها مضافا إلى ما مرّ من الاشكال في جريان الاستصحاب بأقسامه المتصوّرة قبل البلوغ وقبل التكليف بشيء بعد البلوغ وقبل التكليف بل قبل حضور وقته فلا يكون هنا إلاّ البرائة فنظره في اطلاق كلام الشيخ بجريان البرائة في المقام منظور فيه لما ذكرناه .

ص: 226


1- . قد تكرّر من سيّدنا الأستاذ قدس سره الجمع بالعهدة بدون المطالبة .
2- . فوائد الأصول 1/468 لكن يخالف ما في المتن .

هذا مع ان ما ذكر هنا من منشأيّة الحرمة النفسيّة للمانعيّة لا وجود له في أبواب الفقه . بل ظاهر كلّ ما ورد في الشرع من الأمر بشيء في شيء أو مع شيء أو النهي عن شيء في شيء الجزئيّة والشرطيّة في الأمر والمانعيّة في النهي . فالحرمة النفسيّة لا تكون منشأ انتزاع المانعيّة بل ممّا يحقّق ويبيّن القدرة على المأمور به حتّى مع المحرم . والا فلا يمكن أن يكون شيء حراما نفسا في عبادة مع مانعيّته عنه اذ المانعيّة مما يستلزم عدم تحقق ما هو مانع فيه مع وجوده والحرمة النفسيّة ممّا يلازم ( يستلزم ) تحقّق ما هو حرام نفسا فيه حتّى معه . وإن قالوا في باب الصوم بالنسبة إلى الارتماس من انه يكون حراما نفسا للصائم لا انه مانع مبطل الا ان ظاهر دليله الارشاد إلى المانعيّة وكذا في نكاح الزائد على الأربع حيث يبطل العقد مع الحرمة النفسيّة وباب الحج في تروك الاحرام وباب المعاملات من مثل قوله علیه السلام ( لا بيع إلاّ في ملك )(1) ( لاتبع ما ليس عندك )(2) وكذا نهى النبي صلی الله علیه و آله عن بيع الغرر وكذلك بالنسبة إلى الربا حيث انه يكون حراما مع فساد المعاملة فلا يمكن أن يرد الزائد ويتصرّف في الباقي . بل بالنسبة إلى المساوي أيضا العقد باطل إلاّ انّه في جميع هذه الموارد من أبواب الطهارات والصوم والحج وأبواب المعاملات والنكاح وباب الرضاع ظاهر الخطابات الغيريّة أي ما أوجب شيئا في شيء أو مع شيء أو ينهى عن شيء في شيء كما ذكرنا الارشاد إلى الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة . والحرمة النفسية أو الوجوب غير مستفاد منها حتى الخلوة مع الأجنبيّة الوارد فيها النهي لا يلازم بطلان الصلاة فيها .

ظاهر الأمر بشيء في شيء أو النهي عن شيء في شيء

ص: 227


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 1 - 2 من أبواب عقد البيع الحديث 5 - 8 - 12 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 12/12 - 13 .

وللّه درّ سيّدنا المحقّق الأستاذ قدس سره وأعجب به من متبحر في الفقه بحيث اذا استنطقته في باب أورد عليك ويفرغ الكلام من أبواب ويقلبها لك ظهر البطن ثمّ يبقرها بقرا فتصور عن جنابه عارفا بعدة من أبواب الفقه مستبصرا متبصرا فيها بعد ما كنت واردا عليه ببضاعة مزجاة ما أقل أمثاله بل عقم أم الدهر من ولادتهم .

فذلكة وعود على بدء: تبين ممّا ذكرناه ان الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطي مجرى البرائة سواء كان بالنسبة إلى الأجزاء أو القيود الوجوديّة والعدميّة ولا فرق بين ما إذا كان منشأ الشكّ فقد النصّ أو اجماله أو تعارض النصين أو الأمور الخارجيّة المتحقّق شكّها في الشبهة الموضوعيّة المتصوّرة في القيود العدميّة لا الوجوديّة كما مضى سابقا وكذا لا فرق في القيود بين ما اذا كان القيد والمقيد متحدين في الوجود كما في الرقبة والايمان المعتبر فيها حيث ان وجود المؤمنة ليست بمنحازة عن الرقبة بل وجوده عين وجود الرقبة .

أو كان في الخارج لوجود القيد وجود زائد على وجود المقيد الا انه وقع الخلاف في القيود يعني الشرايط حيث قالوا لا تجري فيها البرائة وان قالوا بجريان البرائة عن دخل قصد القربة فيما إذا كان الشكّ بين الأقلّ والأكثروذلك في كلّ ما إذا كان العنوان الاشتقاقي قيدا كالرقبة المقيّدة بالايمان بالنسبة إلى المؤمنة فان المؤمنة عنوان اشتقاقي فيما إذا لم يكن لوجود القيد وجود زائد على وجود المقيد حيث يكون حال هذه القيود مع مقيداتها حال المركبات التحليليّة العقليّة كالجنس والفصل من جهة انه لا يكون وجود الفصل غير وجود الجنس بل وجودهما واحد فلا يحتاج إلى جعل زائد يتعلّق بالقيد والفصل على لحاظ الجنس وجعله .

ص: 228

فاذا شككنا على هذا في ان الواجب في العتق هل هي الرقبة مطلقا أو الرقبة المؤمنة أو شككنا في الغاسل للميت هل يعتبر فيه أن يكون مسلما أو بعد الاسلام أن يكون مؤمنا اثنى عشري أو بعد ذلك مماثلاً مثلاً ففي جميع هذه الموارد لا مجال للبرائة حيث ان ليس لوجود الشرط والقيد المشكوك وجود زائد على وجود المقيد والمشروط بها وإن كانت ليست من المركّبات التحليليّة العقليّة بل من المركّبات العرضيّة الا انه لا تجري البرائة . وتأمّل في الجريان بعض فحالها ليس كحال المركبات الخارجيّة التي لوجود الشرط انحياز عن وجود المشروط . وبعض قالوا بالجريان في القيود الوجوديّة والعدميّة كالأجزاء . الاّ انّه منع في ما

إذا كان المشكوك هي الشبهة الموضوعيّة أي التي تتحقّق بالنسبة إلى الموانع . فقال بالاشتغال وعدم جريان البرائة . وعن بعضهم تفصيل بين ما إذا كان منشأ الشبهة فقد النص فتجري واجمال النص فلا مجال للجريان . فالأقوال في المسئلة عدم الجريان مطلقا والجريان في خصوص الأجزاء أو مع القيود الا في الموضوع مطلقا أو في غير اجمال النص .

ولكن لا مجال للتوقّف في القيود الوجوديّة التي تركيبها تركيب عرضي بحيث لا يكون لها في الخارج وجود منحاز عن وجود مقيداتها . اذ ضابط جريان البرائة ينطبق عليها كما ينطبق على الشرايط التي يكون لها منشأ انتزاع في الخارج كالطهارة والستر اذ تحتاج إلى مؤنة زائدة في أصل الجعل وفي عالم الاثبات .

فالرقبة إذا اعتبر فيها الايمان لابدّ من ملاحظته معها . فانّه إمّا أن يكون

بعض موارد عدم جريان البرائة

ص: 229

للايمان دخل وجودا أو عدما أو لا دخل . فاذا كان هناك اطلاق لفظي فكما نتمسك لعدم قيديّته بالاطلاق ويكون الموضوع للتكليف ومتعلّقه لا بشرط بالنسبة إلى المشكوك في دخله على النحوين ونقول انه مطلق بالنسبة إليه . فكذا إذا لم يكن هناك اطلاق نتمسك بالأصل وهو البرائة . فتجري بالنسبة إلى القيد الزائد ونتيجته عدم دخل المشكوك في متعلّق التكليف بالنسبة إلى الحكم الذي تعلّق به وإن كان له دخل في الواقع .

فالمناط هو المناط واذا منعنا الجريان في هذه الموارد لا يمكننا اجرائها في ما إذا كان للشرطيّة منشأ انتزاع في الخارج . إذ الطهارة والستر مثلاً ليسا حقيقة قيد الصلاة بل التقيد بهما شرط والتقيد داخل والقيد خارج . والطهارة إنّما هي مقدّمة وجوديّة لحصول التقيد المشترط به الصلاة .

نهاية الأمر لما لم يكن معرفة للمكلّف بالطهارة بين له في الحدث والخبث بأن الوضوء غسلتان ومسحتان والتيمّم مثلاً ضربتان ضربة للجبهة وضربة لليدين وان الطهارة من الخبث مثلاً في الاستنجاء بالبول بالغسل وفي الغائط هو الأفضل إلى النقاء وهكذا . لا أن تكون الطهارة قيدا فالتقيد الذي للصلاة هو كونه معها كما انه لابدّ أن يصلّي إلى القبلة . والقبلة خارجة والتقيد للصلاة إليها داخلة وإذا كان

كذلك ففي مثل الايمان في الرقبة أيضا الأمر كذلك فالمؤمن لحصول ايمانه مقدمات وجوديّة ( فلابدّ له من النظر إلى الأدلّة كي يحصل له الاعتقاد المعتبر في الموضوع كما انّ الاسلام كذلك . غاية الأمر ظرف مثل حصول المقدّمة الوجوديّة للطهارة هو الخارج وظرف ذلك الذهن . والا فهو أمر زائد وله وجود زائد على أصل المشروط وذلك أيضا كذلك . فان منع المانع من جريان البرائة في مثل هذه

ص: 230

الشرايط منعه في مطلقها لما ذكرناه . والا فاذا قال بالجريان في مثل الطهارة لابدّ من القول بالجريان في الايمان وأمثاله .

نعم اذا لم يكن من المركبات الخارجيّة باصطلاحهم ولا من المركبات العرضيّة بل من المركبات التحليليّة العقليّة فهنا ليس مجال لجريان البرائة ويخرج من باب الأقل والأكثر كما اذا وجب اكرام انسان فان الانسان ما لوحظ حيوانيته والصورة النوعيّة الانسانيّة له المعتبر من الجنس والفصل بل الانسان ينحل عقلاً إلى ذلك وإلاّ فالوجود واحد كما ان الموضوع كذلك . فلو حصل في مورد له الشكّ بأن الموضوع للتكليف هو الحيوان المطلق أو خصوص الانسان فلا تجري البرائة بخلاف ما اذا وجب عليه اطعام حيوان فله الاكتفاء باطعام حمار ( وإن كان يمكن أن يبين الانسان بالحيوان الناطق أيضا الا انه اذا حصل الشكّ يخرج عن باب الأقلّ والأكثر وسر ذلك ان بيان الانسان بالجنس والفصل توسعة في عالم الاثبات فالشكّ يكون بين المتبائنين ولا يكون المركبات العرضيّة من هذا القبيل كما بينّاه .

وأيضا اذا كان منشأ الشبهة اجمال النص لا مجال للاشتغال والشكّ في الأقلّ والأكثر في مورد اجمال النص يتصور على نحوين . إمّا في الشبهات الوجوبيّة أو الشبهات التحريميّة . وفي كلا القسمين تارة يكون الشكّ في متعلّق التكليف وتارة في متعلّق المتعلّق وهو موضوع التكليف الخارجي .

فان كان الشكّ في الشبهات الوجوبيّة بين الأقلّ والأكثر الارتباطي في متعلّق التكليف فالأقلّ معلوم والأكثر مشكوك فبالنسبة إلى الأقل لا تجري البرائة وبالنسبة إلى الأكثر يكون الشكّ في التكليف الا انه مع حفظ الارتباطيّة . كما اذا وجب عليه الاكرام للضيف ولم يدر ان الاكرام هو خصوص اطعامه أو مع زيادة

ما خرج عن باب الأقلّ والأكثر

ص: 231

تقبيل يده أو وجب عليه اطعامه ودار أمر الاطعام بين اطعامه خصوص الخبز المأخوذ من الحنطة أو مع الارز المطبوخ والقصاع من الادام فالأقل عليه واجب وبالنسبة إلى الزائد عن الأقل تجري البرائة فيجب عليه في الفرض اطعامه خصوص الخبز لا أزيد وخصوص اطعامه في المثال الأوّل بلا زيادة تقبيل يده وهذا بخلاف الشكّ في متعلّق التكليف في الشبهات التحريميّة . فان الأكثر هناك متيقن والأقل مشكوك مجرى للبرائة . فاذا شكّ في ان الغناء الذي هو حرام في لسان الشرع هل هو خصوص الصوت الحسن المطرب ذي الترجيع أو الصوت الحسن وإن لم يكن مطربا أو معه وان لم يكن مرجعا . فهنا الجامع للقيود مسلم الحرمة ولا مجال للبرائة فيه والفاقد لبعض القيود ليس بحرام فتجري البرائة كما ان الشكّ في موضوع التكليف في الشبهات التحريميّة أيضا كذلك . فاذا حرم عليه اكرام الفاسق وشكّ في ان الفاسق هو هل مطلق العاصي ولو بالصغيرة أو مع الكبيرة فمرتكب الصغيرة لا يكون فاسقا حتى يحرم عليه اكرامه فيحرم عليه اكرام مرتكب الكبيرة إذ هو المسلم من الفاسق ولا يحرم عليه اكرام مرتكب الصغيرة للشكّ في حرمته فيجوز له اكرام المرتكبين للصغائر وكذلك الأقل والأكثر في موضوع التكليف في الشبهة الوجوبيّة . فاذا شكّ في ان الصعيد الواجب عليه عند التيمّم به هل هو مطلق وجه الأرض أوالتراب منه والحجر خارج عن الصعيد .

أو شكّ في ان الأربعين غنما الواجب في اجتماع الشرايط عندها دفع الزكوة هل هو خصوص السائمة في تمام السنة أو في الغالب مثلاً فلا يضرّ العلف يوما أو يومين أو شكّ في انّها مطلق الغنم ولو كانت اكولة أو ربّياً أو خصوص

ص: 232

غيرهما وأمّا إذا كان بعض النصاب أو تمامه منهما أو أحدهما فلا تجب وإن كان النص(1) ورد في انهما غير محسوبين .

وجمع بعض الأصحاب بينهما بحمل أو شكّ في ان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحجّ هل خصوص الجامع لستّة قيود أو يكفي خمسة . أو ان المالك للنصاب الواجب عليه الدفع هل يعتبر فيه أن يكون له سنة أو أقل له أم لا كما احتمله أو قال به بعض . أو الايمان في مستحق الزكوة(2) شرط أم لا في غير زكاة الفطرة(3) فانّه يمكن أن يدفع إلى المسلم مطلقا .

بل يمكن أن يدفع إلى السني أو مع الايمان هل يعتبر العدالة أم لا فلو دفع السني إلى مثله وضع شيئا في غير محلّه فاذا استبصر لابدّ له(4) من الأداء كما هو كذلك .

ففي هذه الصور وأمثالها . الأكثر وهو الجامع لجميع القيود واجب عليه في بعضها من جهة قاعدة الاشتغال للشكّ في الامتثال . وفي بعضها لأنّه المتيقّن والباقي الأقل الفاقد لبعض القيود مجرى البرائة . ففي مثال الصعيد يجب عليه بالتراب وفي مثل المؤمن الفقير العادل إذا كان الشكّ في اعتبار العدالة وذلك للشكّ في الامتثال بعد ثبوت أصل التكليف وفي غيرها من الأمثلة الأقل مجرى البرائة والأكثر متيقن مشمول للحكم . والفرق بين ما تجري في أقلّه البرائة وبين ما لا تجري واضح اذ الأوّل الشكّ في ثبوت التكليف والثاني في سقوط التكليف

مجرى البرائة في بعض موارد الشك

ص: 233


1- . وسائل الشيعة 9 الباب 10/1 من أبواب زكاة الأنعام .
2- . وسائل الشيعة 9 الباب 3/1 - 2 - 3 من أبواب المستحقّين للزكاة .
3- . وسائل الشيعة 9 الباب 15/1 - 2 - 3 - 5 - 6 من أبواب زكاة الفطرة .
4- . وسائل الشيعة 9 الباب 3/1 - 2 - 3 من أبواب المستحقّين للزكاة .

المعلوم فتبين انه اذا كان الشكّ بين الأقل والأكثر في الشبهة في موضوع التكليف تحريميّة أو وجوبيّة الأكثر متيقن والأقل مشكوك مجرى البرائة في التحريميّة وفي غير ما إذا نعلم بجعل التكليف في الوجوبيّة . كما ان في الشكّ في متعلّق التكليف في التحريميّة الأكثر متيقن معلوم والأقل الفاقد مجرى البرائة وفي متعلّق التكليف في الوجوبيّة الأمر بالعكس الأقل متيقن الاعتبار والزائد على الأقل مشكوك مجرى البرائة .

توضيح وشيء من العود على البدء: سبق ان منشأ الشكّ بين الأقلّ والأكثر قد تكون هي الأمور الخارجيّة وموردها الشبهة الموضوعيّة والشكّ تارة يكون في التكاليف التحريميّة واخرى في الوجوبيّة وعلى كلا النحوين تارة يكون استقلاليّا واخرى غيريّا . لا اشكال ولا خلاف بل الاجماع بين الأصوليّين والمحدثين باصصلاح سيّدنا الأستاذ في التعبير عن الأخباريين في جريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة في التكاليف النفسيّة الاستقلاليّة التحريميّة . ووقع الخلاف في الشبهة الغيريّة المنتزع منها المانعيّة هل حالها حال النفسيّة أم لا . فبعض قالوا بجريان البرائة كما في النفسيّات واخر بعدم الجريان . ومنشأ الاشكال والخلاف هو انه إن كان الشكّ فيها شكّا في الامتثال فلا مجال لجريان البرائة بخلاف ما لو كان الشكّ في التكليف فانه يمكن اجراء البرائة ولكلّ فيها مشرب . فبعض قالوا حالها حال صل ولا تغصب مشروط مانعيتها بحال العلم فاذا اشتبه الموضوع الخارجي المأخوذ كليّاً مانعا عن الصلاة مثلاً فلا مانعية له وبعض من جهة اجراء أدلّة البرائة كاصالة الحل . فاذا شكّ في ان لبس هذا الشيء المشكوك كونه حريرا أو من غير المأكول حراما أم لا فيجري البرائة عن الأكثر . ولكن جريان البرائة في

ص: 234

التكاليف النفسيّة التحريميّة ولو كانت موضوعيّة على الانحلال ورجوع الشكّ في الشبهة الموضوعيّة إلى الشكّ في التكليف .

بيان ذلك ان قوله لا تشرب الخمر ينحل إلى تكاليف متعدّدة بعد ما لمتعلق متعلق التكليف من الوجودات الخارجيّة . فان التكليف له متعلق كالصلاة والاكرام والشرب . في بعض الموارد له متعلق المتعلق أي لمتعلق التكليف أيضا متعلّق وهو ما يكون مفعولاً به كالماء والخمر في نحو اشرب الماء ولا تشرب الخمر والعالم في قوله أكرم العالم . فاذا علم فردا من أفراد الخمر في الخارج يعلم حكمه أيضا ويحرم عليه شربها وان شكّ في فرد خارجي انه ماء أو خمر فهنا يشكّ في حرمته من جهة انطباق كبرى الخمريّة في الحكم التحريمي عليه الناشى من اشتباه هذا الفرد عليه فبالاخرة يرجع الشكّ إلى الشكّ في التكليف والمرجع هنا البرائة . والا لا مجال لجريان البرائة أصلاً ويكون الجريان هاهنا اشكل من الجريان في الشبهة الحكميّة لأن في الشبهة الحكميّة التكليف مجهول وغير معلوم ولكن في الموضوعيّة التكليف بالكبرى الكلية معلوم وتوقّف امتثال الكبرى على الاجتناب عن جميع أفرادها المعلومة منها والمشكوكة . فلو امتنع من شرب جميع أفرادها الا انه وقع في فرد ما امتثل الكبرى والطبيعة أصلاً ولا وجه لجريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة الا رجوعها إلى الحكميّة ولا وجه لذلك الا الانحلال كما قلنا ولا يكون الانحلال إلاّ اذا كان كلّ فرد موضوعا من الموضوعات على نحو يكون له حكم يخصه ثبوتا وسقوطا والا فمعلوم ان ترك الطبيعة بترك جميع أفرادها ولا يكون ذلك إلاّ في اذا كان لمتعلّق التكليف موضوع خارجي وإلاّ فالشكّ لا يكون شكا في التكليف من ناحية الموضوع الخارجي . كما إذا حرم قول آمين والتكتف

جريان البرائة في بعض الموارد

ص: 235

في الصلاة فانه ليس لهما تعلّق بالموضوع الخارجي ( أقول هنا كلام فانه يمكن تصور ذلك في مثل ما اذا لم يكن لمتعلق التكليف موضوع خارجي كما في آمين فاذا تلفظ بنحو شكّ في ملفوظيته بنحو آمين أم امين مثلاً فانه شبهة موضوعيّة فالشكّ في مانعية مثل هذه للصلاة الا انه لا مجال لهذا الكلام بعد ما اذا كان من هذه الجهة أيضا حكميا ولا موقع للبحث بعد ما كان رجوع الموضوعيّة الى الحكميّة في أثر جريان البرائة غير الموضوعيّة مثل بعض أدلّتها كلّ شيء حلال الخ فتأمّل ) ومع ذلك لا يكون المتعلّق صرف الوجود بل مطلق الوجود والا فلا مجال في صرفه من الاشتغال للشكّ في الامتثال في التقليد حيث يجب تقليد من(1) كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه يقتضي قوله فللعوام أن يقلّدوه فانّه ليس بلازم تقليد كلّ من كان بهذه الصفة بل التقليد يكفي فيه واحد فاذا شكّ في اجتماع هذه الأوصاف المعتبرة في شخص فلا يمكنه تقليده . وإذا كان هناك أشخاص متعددون فله التخيير لو توافقوا أو تخالفوا . غاية الأمر لو كان هناك توافق لا يلزم التعيين واذا تخالفوا ليس المقام مقام التعارض كي يجب بعد عدم الترجيح التخيير فله الأخذ بقول أيّهم شاء لا انه بالتعارض يتساقطان فلا حجّة عليه .

أقول: ليس اللسان هنا لسان صرف الوجود بل مطلق الوجود لمكان من كان وكذلك يجوز له عند التوافق الرجوع إلى كلّ واحد وإن كان التقليد يحصل بواحد فالصرفيّة بين ناحية التقليد لا من ناحية قوله ( من كان الخ ) لكنه لا يخفى ان صرف الوجود مطلق الوجود في الجعل صرفه في الامتثال الاّ انه قد يكون

ص: 236


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

المؤدّى هو مثل أكرم عالما وقد يكون كما في الباب بلسان العموم في جعل الأفراد مع حصول الغرض بواحد بخلاف عالما فانه في معنى عالما واحدا لأن المطلوب اكرام طبيعة العالم لا بما هي طبيعته .

كما في التكاليف الوجوبيّة مثل اكرام عالم مثلاً فانّه لابدّ من احراز عالمية من يكرمه في الامتثال وكذا بالنسبة إلى الوجوبيّة الغيريّة كما إذا شكّ في ماء انه مطلق أو مضاف فانه لا يمكنه أن يتوضّأ به ويصلّي بهذا الوضوء أو وجب عليه الصلاة في المتخذ من المأكول من الحيوان أو في القطن مثلاً اذ الشرط لابدّ من احرازه . فانه لا يجب عليه في مثل هذه المقامات الوضوء بكل ماء مطلقا أو الصلاة في كلّ جلد مأكول اللحم بل وجود واحد يكفي ولابدّ من احرازه بخلاف ما لو كان مطلق الوجود فانه مجال لجريان البرائة كما اذا وجب عليه التواضع لكلّ عالم . فاذا شكّ في فرد انه عالم أم لا فالشكّ يكون في الأقلّ والأكثر وبحكم الانحلال غير ارتباطي فالمشكوك موضوع والمعلومات موضوعات متعدّدة ويجري فيه البرائة كما في التكاليف النفسيّة التحريميّة .

( أقول: لو لم يجر الأصل الموضوعي وهوانه غير عالم ) كما مثلنا بلا تشرب الخمر فجريان البرائة في المشكوك الخمريّة بلا اشكال . لأنّه موضوع مستقل مجهول الحكم .

والحكم فيه مجعول وفي رفعه منة وليس الجعل لعنوان ثانوي وهذا الضابط بعينه متحقّق في محلّ البحث وهو التحريميّة الغيريّة . غاية الأمر هنا منشأ الانتزاع مجعول كما في الجزئيّة والشرطيّة والا فنفس الشرطيّة أو الجزئيّة والمانعيّة امور انتزاعيّة لا جعل يتعلّق بها . فاذا منع الشارع الصلاة في الحرير من الألبسة أو غير

لو شكّ في شيء انّه مصداق المانع

ص: 237

المأكول من الجلود فالشكّ في شيء انه حرير مثلاً أو متّخذ من غير المأكول يكون في تعلق التكليف بهذا الفرد وهو مرفوع فلا مانع من الصلاة فيه كما في الشبهة الحكميّة لان كلّ فرد موضوع مستقل وله حكم . فبتعدّد الموضوع يتعدّد الحكم وهو المانعيّة فمانعيّة الفرد المشكوك مجهولة ومانعيّة ما علم معلومة ولا مانع من جريان البرائة في المجهولة لمنشأ انتزاعها لرجوعه إلى الحكميّة والا فلا مجال للبرائة . ومن هنا قالوا في التحريميّة النفسيّة الموضوعيّة بالبرائة وفي الوجوبيّة

الصرف الوجودي بالاحتياط لأن في الأوّل الشكّ في التكليف والثاني في الامتثال والا فلا وجه لذلك ولا يمكن الالتزام بأن أخبار الترخيص في الشبهة الموضوعيّة تعبد لذلك اذ لا ثالث لاثنين .

أمّا المشكوك ليس من أفراد الطبيعة المعلوم الحكم والمقام مقام الامتثال وبهذا يلزم من يقول بالبرائة في التحريميّة الموضوعيّة وبالاحتياط في التحريميّة الحكميّة كما عن صاحب الوسائل من الاستشكال في الفرق بين الشبهة في طريق الحكم أي الشبهة الموضوعيّة وفيه نفسه وإلاّ فحال الموضوعيّة أسوء من الحكميّة كما أشرنا إليه .

يبقى هنا اشكال ان أجبناه يسلم جريان البرائة في المقام وهو انه إن كان متعلّق المتعلّق بوجوده السعي متعلقا له لا بوجوده الأفرادي حتى يكون موضوعات متعدّدة ولا بوجوده الطبيعي حتى يكون موضوعا واحدا يكون المرجع فيه الاشتعال والأوّل البرائة أو يكون المتعلّق نحو تعلّقه تعلّق العام المجموعي لا العام الافرادي الاستغراقي فيمكن منع جريان البرائة عن النحوين كما إذا كان متعلّقه هي الطبيعة ولما ذكرنا ظهر حال ما اذا كان متعلّق التكليف هو

ص: 238

صرف الوجود فانه لابدّ فيه من الاحتياط في الشبهة الحكميّة والموضوعيّة . والموضوعيّة تقدم مثالها اما الحكميّة فكما اذا شككنا في اعتبار كون المسح للرجل اليمنى متقدما على اليسرى وكون اليسرى باليد اليسرى واليمنى باليمنى . فتارة يكون نفس هذه الأفعال هي المأمور به فالشكّ في اعتبار شيء جزءا أو شرطا مجرى البرائة كما تقدّم أو مانعا . وتارة يكون المتعلّق الأفعال بما هي يصدر منها الطهارة كما قيل به ويكون هو الطهور فيكون الشكّ هنا في انطباق المأمور به على المأتي به ولا مجال للبرائة أصلاً اذ الشكّ حينئذٍ في العنوان والمحصل وهو مجرى الاشتغال ) .

توضيح وتبيين: بعد أن كان من المسلم جريان البرائة في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة بل المسئلة اجماعيّة من المحدّثين والأصوليّين وكان جريان البرائة في الشرايط والموانع أيضا كجريانها في الأجزاء لا انه يختصّ بها فقط . لا يبقى مجال للاشكال في جريان البرائة في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة غير الاستقلاليّة . إذ الضابط الذي ذكرنا في جريانها في الاستقلاليّة بعينه

موجود هنا منطبق وهو اذا كان الشكّ بين الأقلّ والأكثر في متعلّق المتعلّق يكون المقام مجرى البرائة عن الأكثر يعني عن الزائد عن الأقل .

أمّا الأقل متيقن بلا فرق بين التحريميّة والوجوبيّة وأمّا إذا كان في متعلّق التكليف ففي جانب النواهي كان الأقل مشكوك الحرمة مجرى البرائة بخلاف الأمر فانّه متعين بعكس الوجوبيّة في غير صرف الوجود كما مضى . فالشكّ في المقام بين الأقل والأكثر . غاية الأمر منشأ الشكّ اشتباه الأمور الخارجيّة فالمورد مشكوك الحكم وحكمه مجهول مجعول في رفعه منة وباقي أركان البرائة موجودة

المرجع الاشتغال بناء على بعض الوجوه

ص: 239

فلا محالة تجري كما في الشبهات الحكميّة . اذ ما لم يرجع إليها لا تجري البرائة . فلو شكّ في شيء انه مانع أم لا تجري البرائة عن قيديّة الصلاة به فلا مانع من الاتيان منه . فعلى هذا لا بأس بالصلاة في الألبسة المشكوكة من الماهوت وما يجلب من بلاد الكفار مثل الشعريّة وغيرها إذا شككنا فيها انها من غير المأكول لما ذكرناه .

الا ان الشيخ رحمه الله قال(1) في المقام بالاشتغال وذكر أمثلة . منها ما لو شكّ في اعتبار شيء في الطهور المتحصّل من الأفعال الوضوئيّة أو في باب التيمّم . ومنها ما لو نذر صوم شهر ما بين الهلالين أو فات عنه صوم شهر رمضان ولا يدري ان الفائت ثلاثون أو أقل بيوم . ومنشأ الشكّ هو الأمور الخارجيّة فالتزم هنا بالاشتغال بخلاف الشبهات الحكميّة في ما مضى من كلامه حيث قال بالبرائة . ولكن لا وجه للتفصيل والاشتغال بعد ما علم ضابط البرائة والشبهة الموضوعيّة وانه يكون في التحريميّة والوجوبيّة من الشكّ بين الأقل والأكثر في متعلّق المتعلّق وقد تقدّم جريان البرائة وما ذكره من الأمثلة غير خالية من النظر .

أمّا مسئلة الشكّ في الطهور المتحصّل من الأفعال فهو وإن كان من الشبهة الموضوعيّة ( على اشكال ) ويشكّ في جواز الدخول في الصلاة اذا توضأ بلا حصول ما يشكّ في اعتباره الا ان المقام مقام الشكّ في العنوان . فالشكّ يكون في المحصل وقلنا ان الشكّ في المحصل لا مجال للبرائة فيه بل لابدّ من الاشتغال سواء كان المحصل شرعيّا أم عقليّا . الا انه لا يبقى شكّ مع المطلقات اذ لو كان شيء معتبر زائد على ما بين الشارع لبيّنه وكذا مسئله النذر تتصور على اقسام .

ص: 240


1- . فرائد الأصول 2/478 .

فتارة يكون شهرا مطلقا بلا تعيين التام والناقص فله مصداقان أحدهما تام والآخر ناقص ومقتضى ذلك الاكتفاء في الامتثال بأحدهما وتارة يكون شهرا تاما ولا يدري ان الشهر تمّ أو ما تمّ فهنا يستصحب الشهر بلا اشكال كما في صوم شهر رمضان اذا تردّد بين الثلاثين ويوم أقل إذا لم يكن مورد القضاء فانه في القضاء لابدّ من الفوت فاذا شكّ في الفوت فلا مجال لوجوب القضاء بل تجري البرائة واستصحاب الشهر بعد المضي عند القضاء لا يثبت ان الشهر الثلاثين من رمضان فلا يجب عليه صومه ويكون الشكّ بين الأقل والأكثر غير ارتباطي إن قلنا بالانحلال وان التكليف بالشهر يتعلّق بكلّ يوم على حدة وكذا لعنوان القضاء عن الميت . وارتباطي ان قلنا ان الظاهر تعلقه بمجموع الشهر . وعلى أيّ نحو كان فهو مجرى البرائة كما تقدّم مفصلاً ولو كان نظر الشيخ رحمه الله إلى الشكّ في العنوان ففيه ان عنوان الشهر ليس بواجب صومه كما انه لا يجب عنوان الصلاة في التكليف بالصلاة بل المعنونات هي محطّ الخطابات والتكاليف . فعلى أيّ لا يستقيم كلام الشيخ رحمه الله إن أراد ما ذكرنا اذ في الطهور الشكّ يكون في المحصل ( مضافا إلى انه شبهة حكميّة على ما ظهر من تمثيله به ) وفي الصوم في بعض الموارد أصل موضوعي مثبت موجود ومن شرايط البرائة عدم أصل موضوعي مثبت للأقل والأكثر كما انه إذا لم يكن اطلاق والا فلا تصل النوبة إلى الشكّ وبعضه الآخر يكون الشكّ شكّا في التكليف فلا ثالث للاحتمالين الشكّ في التكليف أو لا في الشبهة الموضوعيّة فلو كان شكّا فيه كما في الشبهة التحريميّة الموضوعيّة الاستقلاليّة فهنا أيضا كذلك . ودليله دليله وقد قال بجريان البرائة في التحريميّة الموضوعيّة من لم يقل به في الحكميّة وإلاّ فلا مجرى ومجال للبرائة حتّى في

استصحاب الشهر

ص: 241

الاستقلاليّة . ويبعد أن يكون نظره قدس سره إلى ما ذكره من فتوى المشهور في باب الفوائت من وجوب الاتيان والقضاء إلى أن يعلم أو يظن بفراغ ذمّته في من كان عليه فوائت لا يدري كم هي وذلك لتنجز التكليف على تقدير الفوت وقد مضى تقريب الكلام فيه في محلّه وتوجيه فتوى المشهور من المحقّق صاحب الحاشية ( أعلى اللّه مقامه ) بأن المقام من الشكّ في مصداقيّة جريان البرائة اذ لو فات منه

وبعد الفوت علم بذلك ثمّ نسيه فلا مجرى للبرائة وحين ما يشكّ الآن فلا يدري من أيّ القبيلين ولو كان الفوت تحقّق منه في الواقع فلا ترخيص له من المولى ويعاقبه فلا جرم يلزم عليه أن يأتي بالأكثر أو بمقدار يظنّ ويعلم بالبرائة وفراغ ذمّته . والشيخ رحمه الله ما قبل هذا المعنى ولا قال به في موضعه من الصلاة فكيف يرتضيه في باب الصوم فالأدب أن نقول أراد شيئا ما نعقله ولو أراد ما ذكرنا فحالها ما عرفت ( أقول مضى من سيّدنا الأستاذ عند تقريب كلام المحقّق صاحب الحاشية الاشكال عليه وذكر سيّدنا الأستاذ قدس سره عن استاذه المحقّق النائيني قدس سره

تقوية كلام صاحب الحاشية ولعلّه لا يخلو من وجه وقوّة ) فتحصل من جميع ما ذكرنا ان جريان البرائة في القيود العدميّة من جهة الأمور الخارجيّة ( أي الشبهة الموضوعيّة التحريميّة ) بلا اشكال لما ذكرنا وليس ذلك لما قيل من وضع الألفاظ للمعاني المعلومة وتبين ان الجريان فيها على حدّ الجريان في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة بل العمدة في باب الأقل والأكثر هو جريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة اذ ليس من وظيفة الشارع بيان فرديّة شيء وتشخيص موضوع تكليفه بأن هذا من المأكول أو غير المأكول فلابدّ فيه من الركون إلى البرائة أو الاشتغال كلّ على مذهبه وأمّا في الشبهات الحكميّة من جهة فقد النص أو اجماله

ص: 242

فلا اشكال في عدم وصول النوبة إلى البرائة إذ لو كان فيها شيء معتبرا لكان عليه البيان وحيث لم يبين فما بيّن هو تمام المطلوب ومعلوم ان الاطلاقات اللفظيّة في المقامات موجودة فلا تصل النوبة إلى البرائة في الأجزاء والشرايط والموانع من جهة الشبهة الحكميّة .

هذا تمام الكلام في الشبهات الدائرة بين الأقل والأكثر الارتباطي وعلم من ما ذكرنا جريان البرائة في المسائل الأربع من الثلاث الحكميّة والواحدة الموضوعيّة في الأجزاء والشرايط والموانع على حد جريانها في غير الارتباطي .

وينبغي التنبيه على امور:

منها: هل الأصل في كلّ جزء وشرط . ومانع الركنيّة في الصلاة أم لا . وحيث لم يكن الركن لها بالمعنى العرفي جاريا عليه الاصطلاح فلابدّ من بيان المعنى المراد .

فتارة يكون الركن بمعنى أن يكون تركه عمدا وسهوا مبطلاً للصلاة وأخرى بأن يكون زيادته ونقصانه عمدا وسهوا توجب بطلان الصلاة .

اما النقصان العمدي فلا اشكال في انه يوجب بطلان العمل وحيث ان النقصان العمدي لا يختصّ ابطاله بالأركان بل يعمّ غيرها فيقع البحث في الركنيّة بمعنى ايجاب تركه سهوا بطلان العمل .

امّا الزيادة السهويّة ففيها كلام . مثل أن يترك ركوعا سهوا أو سجدة أو قرائة أو طهارة أو سترا أو يصلّي في غير المأكول أو يحمل عليه شيء من غير المأكول كما إذا علاه هرة فهل الأصل يقتضي الدخل المطلق فيها بالنسبة إلى الصلاة أم لا . والأصل هنا بمعنى الاطلاقات اللفظيّة والاّ فلو ثبت اعتبار شيء في العمل من

هل الأصل في الجزء والشرط الركنيّة

ص: 243

اجماع أو دليل لبي آخر فلا يكون مقتضاه ما يأتي .

لا اشكال في ان مقتضى الأصل والدليل ذلك أي الركنيّة وبهذا المعنى كي تبطل الصلاة بنقصانه سهوا ولا وجه للتفصيل بين ما إذا كان لبيان نفي الحقيقة عند عدم أحد هذه مثل لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب أو بطهور أو كان بلسان النهي والامر بعد انه من المسلم انهما في الغيري ارشاد إلى الدخل فلا يصغى إلى ما قيل من الصحّة عند نسيان أحد هذه لو كان بلسان الأمر أو النهي اذ لا خطاب لغير الملتفت والقادر وذلك لان أصل الصلاة أيضا كذا . مثل قوله صلّ فلو جرى فيه ما ذكر يجري فيها مع انه لو كان قبل غروب الشمس إلى بعد طلوع الفجر كان نائما فانتبه بعد ذلك يجب عليه قضاء صلاتي ليله . وذلك لأن القدرة إنّما هي شرط الخطاب لا شرط الدخل والمصلحة فليست جزء الموضوع بل لا خطاب عند عدم القدرة على الامتثال والا فعليه منجز ومعلوم ان موضوع القضاء فوت مصلحة الصلاة . فهي في حال النسيان والنوم أيضا موجودة . وما قيل من ان هذا الأصل هنا غير اصيل كلام غير اصيل وطوى سيّدنا الأستاذ قدس سره البحث عن كيفيّة جعل التكليف ثبوتا وخطابه اثباتا للناسي كما انه طوى تحقيق الكلام في الاشكال في ما ذكره سابقاً من كون الطبيعة بوجودها السعي تحت النهي أو تكون كالعام المجموعي . ولعله لوضوح ذلك بعد تكرار الكلام في مطاوي هذه الأبحاث من جريان البرائة في الأقل والأكثر سواء كان ارتباطيّا أو غيره اذ العام المجموعي ارتباطي في الجعل والامتثال .

والتحقيق انه لا اشكال في انه إذا كان الاطلاق اللفظي مدركا لاثبات جزئيّة شيء أو شرطيّته أو مانعيته . عدم اختصاصه بحال الذكر بل مقتضاه شموله لجميع

تحقيق الكلام

ص: 244

حالات المكلّف سواء اضطرّ إلى تركه اولا أو كان ذاكرا له أم لا فاذا حصل له العذر بترك جزء أو شرط من المأمور به مقتضى ذلك سقوط التكليف من المجموع وامّا اتيان الباقي والفاقد لهذا الجزء أو الشرط فلا يتكفّله أدلّة الجزئيّة والشرطيّة

وكذا المانعيّة فلابدّ من وجوب اتيان الباقي عن التماس دليل آخر لو كان والا فتبيّن ان مقتضى الاطلاق الدخل المطلق في جميع أحوال المكلّف فبعد حصول العذر الموجب لعجزه عن الاتيان بجزء أو غيره ممّا يعتبر في المأمور به يرتفع التكليف عن هذا الجزء بدليل لا حرج ولا ضرر ولا عسر وأمثالهما مما لسانه رفع التكليف في حال حصول موضوعاتها وليس من شأنها اثبات الفاقد . فاما أن يكون هناك دليل كما في باب الصلاة حيث انه اذا عجز عن الاتيان بالحمد يجب عليه الباقي واذا ما تمكن من الستر يصلّي عاريا أو من القيام فيها يصلّي جالسا أو لم يتمكّن من اقامة الصلب فيرتفع عنه مع ان الوارد فيها لا صلاة(1) إلاّ(2) بطهور ومثل لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ولا صلاة لمن(3) لم يقم صلبه ممّا ظاهره الدخل مطلقا .

أمّا بالنسبة إلى الطهور اذا لم يتمكّن حيث لم يكن هناك دليل بلزوم الاتيان بالصلاة بلا طهور حتّى يكون الطهارة من قبيل اخواتها من باب تعدّد المطلوب فمقتضى القاعدة عدم لزوم الفاقد للطهور عليه لعدم القدرة عليه . فما هو المأمور به المقيّد بالطهور غير مقدور وما هو مقدور له غير مأمور به وحيث لم يكن هنا أمر

ص: 245


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 6 الباب 1/1 - 6 من أبواب القرائة في الصلاة .
3- . الوسائل 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام واللفظ من لم يقم صلبه فلا صلاة له أو لم يقم صلبه في الصلاة .

بلزوم اتيان الباقي ولا ما يسقط المأمور به ممّا هو ليس مأمورا به فلا شيء عليه لا في الوقت ولا في خارجه الا أن يشمله أدلّة القضاء فيجب حينئذٍ . وأيضا لا اشكال في ان المدرك لاعتبار شيء في المأمور به لو كان دليلاً لبيّا مثل الاجماع فاذا شككنا في عمومه لحالات المكلف فما هو المتيقن مسلم الدخل وبالنسبة إلى غيره ومنه في حال النسيان يكون الشكّ في الأقلّ والأكثر وقد تقدّم انه مجرى البرائة كما ان في الفرض السابق بالنسبة إلى لزوم الاتيان بالباقي والفاقد كان المرجع البرائة . فنتيجة الفرض الأوّل الركنيّة بالمعنى الذي يكون نقصها سهوا مبطلاً ومقتضى الوجه الثاني والفرض الثاني عدم الركنيّة واختصاصه بحال الذكر .

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انّ الشيخ رحمه الله قد أطال الكلام في المقام في التعرّض لما تعرّض له السابقون عليه من انه فرق بين ما إذا كان المدرك مثل لا صلاة وبين ما إذا كان مثل أقيموا ممّا ظاهره الأمر من تصوير للمكلّف بالفاقد وانه هل يكون من شأن حديث الرفع اثبات شيء بالنسبة إلى الباقي او يختصّ في مقام الاثبات الدليل بخصوص لا تعاد وأمثاله . ومحصل ما أفاده عدم الفرق بين لا صلاة وأقيموا وعدم امكان التكليف الناسي بما هو فاقد وانه ليس من شأن حديث الرفع اثبات الباقي . وحيث كان المحقّق النائيني قدس سره بصدد تنقيح كلام الشيخ بيّن على ترتيب هذه الأمور وتعرض لحالها وأفاد فيها بما لا مزيد عليه بعد ذكر ان الركن له معنيان فالكلام يقع في مقامات .

المقام الأوّل انه بعد ما كان مقتضى الاطلاقات دخل كل شيّ ممّا كفلته في متعلّقها مطلقا بلا اختصاص بحال دون حال . وان مقتضى حديث الرفع للنسيان ولا ضرر رفع التكليف بما اضطر إليه أو نسيه أو فيه ضرر أو حرج عليه . هل يمكن

ص: 246

تكليف الناسي بالفاقد وغير الجزء المنسي من الأجزاء الاخرام لا وزاد سيّدنا الأستاذ قدس سره ان هذه المسئلة لا ربط لها بمسئلة أجزاء الأمر الظاهري لأن مفاد رفع النسيان والاضطرار والاكراه وما لا يطيقون التقييد الواقعي والرفع الواقعي بخلاف ما لا يعلمون فانه من جهة لزوم التصويب قلنا انه رفع ظاهري . ومعلوم ان مثل الاضطرار وعدم الطاقة والاكراه غير النسيان يمكن أن يؤخذ العناوين الاشتقاقيّة منها موضوعا للتكليف ويخاطبون يا أيّها المضطر يا أيّها المكره ويا من لا يطيق كما يصح يا أيّها المدرك للوقت يا أيّها البالغ يا أيّها المستطيع . إنّما الاشكال في النسيان حيث انّه بعنوانه لا يمكن أن يكون موضوعا للتكليف لأن من وجوده يلزم عدمه حيث ان الناسي اذا أخذ قلب ووجه هذا الخطاب إليه ينقلب ذاكرا .

وما افيد في المقام من جواب الاشكال وحلّه وجوه ثلاثة . أحدها عن الشيخ رحمه الله في غير رسائله من تصوير ذلك ثبوتا فبان يكون الناسي موضوعا للتكليف بالباقي الفاقد للجزء المنسي إذ لا يلزم من ذلك محال . وفي عالم الاثبات يبين المولى ان الناسي له كذا وعليه كذا والذاكر له أو عليه كذا . وحيث يمكن من الناسي امتثال أمره المتعلّق به وان لم يكن بالالتفات إليه والبعث عنه فلا مانع منه في عالم الاثبات أيضا . غاية الأمر يرى نفسه من باب الاشتباه في التطبيق ذاكرا وبخيال الأمر الذكرى يأتي بالفاقد والقربة وقصد الأمر عنه حاصلان .

واستبعده المرحوم المحقّق النائيني(1) لانحصار امتثاله دائما بالاشتباه في التطبيق ولا يمكنه ولو مرّة أن يمتثل أمره بعنوانه وينبعث عنه . لكنّه مجرّد استبعاد

اشكال خطاب الناسي

ص: 247


1- . فوائد الأصول 4/211 - 212 .

اذ ما يعتبر في الامتثال وهو الانبعاث وقصد الأمر حاصل غايته ليس ملتفتا إلى انه ناسي فلا يأتي بالمأمور به بعنوان انه ناسي وذلك غير مضر .

وثانيها وثالثها عن المحقّق الخراساني قدس سره (1) أوّلهما . أن يكون الموضوع للتكليف عنوانا ملازما للنسيان لا نفس النسيان حيث يلزم عليه الاشكال مثل أن يكون عنوان البلغمي أو طويل القامة وأمثالهما ممّا يمكن ملازمته لحالات النسيان في المكلّف موضوعا للتكليف . وهذه العناوين ممّا يمكن التوجّه إليها فهو يعرف نفسه انه بلغمي أو شلجمي مثلاً ( كما أفاد سيّدنا قدس سره في فاكهة البحث ) فيخاطبه المولى بهذا العنوان ويمتثل الفاقد عن أمره بلا اشكال . وما ارتضاه المحقّق النائيني من جهة عدم وجود موضوع وعنوان يلازم النسيان للجزء مثلاً خصوصا وفي كلّ مرة ينسى جزءا فربما يكون المنسي سورة وربما تشهدا وربما غير ذلك وربما ركعة . فيلزم على هذا عدم تكليف للناسي .

وثالث الوجوه هو الذي ارتضاه المحقّق النائيني(2) بأن يكون عنوان الذاكر واجبا عليه التكليف بالأكثر على نحو يكون لعنوان الذكر دخل في وجوب المذكور عليه فاذا نسى ذلك لا يجب عليه شيء . والذكر على هذا لابدّ من أن يتعلّق بشيء وهو الجزء أو الشرط . ولا يخفى انه لابدّ له من فرض جزء يلتفت إليه المكلّف تارة وينساه اخرى وهذا ليس بمحال ولا يلزم عليه محذور فيكون لعنوان الذكر دخل في الملاك . فاذا التفت إلى الموضوع يجب عليه ويكون الحكم عليه فعليا بخلاف ما لو كان ناسيا فلا يجب عليه ذلك المنسي ولا يكون أخذه في

ص: 248


1- . كفاية الأصول 2/240 - 244 .
2- . فوائد الأصول 4/214 .

موضوع الحكم في حد أخذ العلم للزوم الدور . وليست الأحكام ممّا يستوي فيها الذاكر والناسي بل المسلم هو تساوي العالم والجاهل . وحيث لم يكن أخذ الناسي موضوعا عنواناً للتكليف بالباقي ولا الوجه الأوّل الذي قاله الشيخ ولا الثاني الذي أفاده المحقّق الخراساني فيكون المعوّل على ثالث الوجوه . إذ لا يرد عليه من الاشكال والاستبعاد ما يرد على غيره وإن كان نتيجة الوجوه تصوير ذلك في مقام الثبوت . فهذا القدر المشترك فيه بينها غاية الأمر في مقام الاثبات تختلف في الانبعاث وعدمه .

والحاصل: انه يمكن تصوير الخطاب بالنسبة إلى الناسي وان يكون مكلفا بما عدى الجزء أو الشرط أو المانع المنسي من الأجزاء أو الشرايط أو الموانع المعتبرة في المأمور به بهذه الوجوه الثلاثة . وأحسنها ما أفاده الشيخ رحمه الله ولا يرد عليه شيء . والاستبعاد الذي من المحقّق النائيني في المقام لا وجه له بعد صحّة الانبعاث عن أمر الذاكر اذ قصد الأمر والامتثال حاصل والتقرب بما يأتي به ممكن . غاية الأمر هو يرى نفسه ذاكرا وخطاب الذاكر متوجها إليه فينبعث منه وينطبق على ما هو مكلف به فعلاً ( فينبعث من خطاب نفسه بعنوان انه خطاب الذاكر ) ولا يلزم أن يكون منبعثا عن خصوص خطابه بعنوان انه ناسي . بل يكفي مطلق الانبعاث ولو من باب الاشتباه في التطبيق . وهو يرى انه يأتي بتمام المأمور به بخيال انها تسعة أجزاء وفي الواقع عشرة . وليس بواجب عليه إلاّ التسعة . ولا يلزم أن يكون في مقام الاثبات مخاطبا بعنوان الناسي أو البلغمي لو كان ملازما لنسيانه دائما . وعلى هذا فلا خطاب ولا تكليف للناسي مطلقا ولا ضابط له بأن يكون الأركان واجبة عليه أم غيرها . بل في كلّ ما يمكن أن ينسى شيئا يكون

تصوير الخطاب للناسي

ص: 249

مخاطبا بباقي أجزاء المأمور به فربما ينسى التشهد وربما الركوع وربما السورة وربما التكبيرة ولا مانع من ذلك في مقام الثبوت بأن يكون النسيان ( موجبا ) عذرا واقعيا كما ان الاضطرار والاكراه وعدم الاطاقة اعذار . وانما الفرق بينها وبين النسيان ان المتصف بكل واحد من هذه يأتي بعنوانه الاتصافي في مقام الاثبات بخلاف الناسي فاذا خوطب ينقلب ذاكرا . وسيجيى ء تصوير الخطاب إليه في مقام الاثبات بأن يستظهر من الأدلّة ان الواجب عليه ما هو وحيث ان ( المنسي ) يجب رفع الخطاب عنه ولمكان دخل المنسي في المركب بحسب الاطلاقات اما ان يدلّ دليل آخر بوجوب الباقي كدليل الميسور أو غيره ويدلّ على ان غير المأمور به من الباقي مجز عن المأمور به أو مباح آخر يسقط المأمور به . ويمكن أن يكون النسيان كساير الاعذار لذويها مقيدا للواقع بأن يكون للصلاة الصحيحة مثلاً عرض عريض ( انها لا تترك بحال ) فاذا لم يتمكّن من القيام الاختياري فالاضطراري والا فالقعود والا فاضطجاعا والا على الأيمن أو مستلقيا وهكذا إلى صلاة الغرقى وربما يكون الواجب عليه خصوص الفاقد في مقام الثبوت الذي هو المقام الأوّل من البحث .

أمّا مقام الاثبات والاستظهار من الأدلّة وهو المقام الثاني فيمكن الاستفادة من مثل لا تعاد(1) الصلاة بالنسبة إلى المستثنى منه .

وسيجيء اشباع الكلام فيه وإنّما في المقام اشارة إليه بناء على اختصاص مورده بحال النسيان وما يجري مجرى النسيان فيكون مبينا لمقدار دلالة الأدلّة الأوّليّة وان اطلاقها وارد لخصوص حال الذكر . اما في حال النسيان فليست

ص: 250


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

بواجبة فيكون المستفاد على هذا ان الأجزاء والشرايط على قسمين الجزئيّة والشرطيّة باعادة الخمسة ثلاثة منها من الشرايط واثنان من الأجزاء . وما له الدخل بخصوص حال الذكر فالدخل الجزئي والشرطيى له بغير الاعادة بالنسبة إلى الناسي وما يجري مجراه من الذاكر غير الممكن الذي اذا كان لازما عليه أن يأتي بالأجزاء والقيود على ما اعتبر في لسان الدليل لا يمكنه ذلك إلاّ بالاعادة . فدليل لا تعاد يقيد الواقع ويكون الناسي لغير الخمسة غير مكلف بالمنسي . وليس في حقّه إلاّ ما كان ذاكراً له سوى الخمسة غاية الأمر ورد الدليل المخصّص للا تعاد وان مثل التكبيرة أيضا لها الدخل المطلق حتى بالاعادة وكذلك خصّص بعض الخمسة المذكورة في لا تعاد المستثناة منه لمن صلّى قبل الوقت معتقدا دخوله ووقع جزء من صلاته في الوقت فلا اعادة عليه . وكذا إذا أدرك ركعه من آخر الوقت يكون مدركا للوقت . لكن يمكن فيه ان الاعادة ظاهرة في خصوص الوقت بناء على ان القضاء بأمر جديد وحيث لا يمكنه أن يعيد في الوقت فلا خطاب عليه بالاعادة ) وكذا القبلة لمن اجتهد ووقع بين المشرق والمغرب مثلاً فاما أن يكون تخصيصا للاتعاد بالنسبة إلى هذه الموارد أو توسعة في الوقت والقبلة ويمكن ( أن يكون مبيّنا لمقدار أدلّتها وموردها فيكون حاكما عليها لو لم يرجع إلى أحد الوجهين ) هذا اذا قلنا ان الظاهر من لا تعاد بيان حال الاطلاقات بالنسبة إلى ما تضمنته بأن لبعض ما تضمنته دخلاً مطلقا ولبعضها في خصوص حال دون حال . ويمكن أن يكون لا تعاد واردا لبيان ان الأجزاء الباقية فيها غنى وكفاية عن المأمور به لا أن يكون المأمور به في حال النسيان غيرها فيكون كقناعة في مقام الامتثال . وما ذكرنا مبنى على أن يكون لا تعاد لحال النسيان وما

الاستظهار من لا تعاد

ص: 251

يجري مجراه اما لو كان له اطلاق يشمل حال العمد فالكلام فيه غير ما ذكرنا ( ربما يتحقّق المعارضة بينه وبين أدلّة الأجزاء والشرايط .

واستدلّ بعضهم ونسب إلى الوحيد البهبهاني ( تعرّض ذلك الشيخ في الكتاب ) التفصيل بين ما لو كان لسان الدليل المتكفل للاعتبار مثل لا صلاة إلاّ بطهور وما لو كان مثل ولّ وجهك شطر المسجد الحرام ممّا يكون تكليفا الزاما وأمرا بأنّ الثاني لا يدلّ الا على صورة قدرة المكلّف على الاتيان بمتعلّقه بخلاف الأوّل لأنّ التكليف النفسي بشيء ممّا يدلّ نفس الدليل على اشتراطه بحال القدرة فبالنسبة إلى غير القادر ليس هناك خطاب ولا تتوجّه الخطابات النفسيّة المنتزعة منها الشرطيّة والدخل إلى غير القادر من اول الامر . واما من جهة ان العقل يرى لزوم الامتثال في حال القدرة . فاذا لم يقدر وكان عاجزا فلا يجب عليه . فاذا سقط الخطاب عن لزوم الاتيان بمتعلّقه فالدخل المستفاد منه يسقط . لأن الجزئيّة ليست أمرا مجعولاً وكذا المانعيّة والشرطيّة بل منتزعات من خطابات في مواردها وبسقوط الخطاب ومنشأ الانتزاع يسقط الدخل المنتزع في المكلّف به .

وتعدّى المحّق القمي رحمه الله وأجرى الكلام في العلم فاذا لم يعلم ليس الخطاب متوجها إليه وإن كان قادرا على الامتثال لو علم . ومعلوم ان من مورد المعذوريّة الموجبة لعدم القدرة وخروج المتعلّق عن تحت المقدوريّة مورد النسيان لجزء أو شرط أو مانع من المأمور به . فاذا نسى شيئا من هذه الأمور فلا خطاب بالنسبة إليه لو كان من غير الخمسة وبناء على ما أفاده المحقّق القمّي في حال عدم العلم أيضاً لا دخل لها .

والجواب انّه لا فرق بين لا صلاة ونحو صلّ ولا تصلّ في ما لا يؤكل لحمه

ص: 252

في استفادة دخل المأمور به والمنهي عنه في ما لمتعلقاتها أصلاً لأنّ الأمر والنهي لو كانا نفسيّين فلا يستفاد منهما الا صحة المأمور به كما قاله من قاله من مخالفينا

لا انه يكون من الأمر بالدخل في المكلّف به . بل ظاهر الأدلّة الواردة في بيان وجوب شيء أو حرمته في شيء آخر الارشاد إلى دخله فيه جزءا لو كان يترتب المركب به وشرطا في غير ذلك اما مطلقا أو في خصوص الأفعال الصلاتيّة كالطهارة من الحدث في الأوّل ومن الخبث في الثاني . هذا اذا كان بلسان الأمر ولو كان بلسان النهي فيستفاد منه المانعيّة لو كان لخصوص حال الأفعال ونسميه بالقاطع وكان في مطلق الأحوال كالاستدبار . مثلاً وكذا لا وجه لتعدّي المحقّق القمّي إلى العلم لوجود الأخبار(1) المستفيضة بل المتواترة معنى وتحقّق الاجماع وإن كان مدركه هذه الأخبار بأن الأحكام الشرعيّة لا اختصاص لها بالعالم . ونتيجة تلك الأخبار انها ممّا يستوي فيها العالم والجاهل . وان لم يكن بهذا اللفظ الا أن هذا المعنى مستفاد منها واستثنى من هذه الكلية موردان مورد الجهر والاخفات ومورد المسافر والحاضر وإذا كان العلم دخيلاً في الملاك بأن يكون الحكم لخصوص العالم لزم اشكالات من الدور وغيره حتّى أجابوا عن ذلك بأحسن وجه . وهو أن يكون ذلك بنتيجة التقييد على ما هو مقرر في محلّه فتبين ان ما ذكروه من كون القدرة والعلم دخيلين في الملاك لا يستقيم بل المسلم ان العلم شرط لتنجز الخطاب والا فالخطاب فعلي كما انه بالنسبة إلى العالم كذلك بالنسبة إلى الجاهل إلاّ انه لا تنجز له في حقّه مادام جاهلاً . واستدلّوا في مقام الاثبات بحديث الرفع وإن أشار إلى تقريبه اجمالاً ونتيجة ما نسب إلى

العلم شرط التنجز

ص: 253


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 4 من أبواب مقدّمات العبادات .

البهبهاني رحمه الله هو عدم الاحتياج إلى اجراء البرائة عند الشكّ لأنّ اطلاق الخطاب لا يشمل حال عدم القدرة لان ذلك من تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد .

وكذا يظهر من مثل السنة(1) لا تنقض الفريضة ان الركعتين الاوليين لا يجري فيهما ما يجري في الاخيرتين بل السهو والشكّ مختصّ بهما أي الاخيرتين فلذا فللاوليين الدخل المطلق .

نتيجة ما سبق: قد تبيّن ممّا ذكرنا امكان تكليف الناسي بما عدا الجزء المنسي وان يكون الواجب في حقّه خصوص الأجزاء غير المنسيّة وان يكون الذاكر والملتفت مكلفا بالجزء المنسي فعلى هذا يكون العلم بالموضوع أي السورة مثلاً جزءا للموضوع أعني التكليف باتيان المكلّف به ( الصلاة التامّة ) للملتفت موضوعا للخطاب . فاذا لم يكن المكلّف ملتفتا فلا يجب عليه إلاّ أن يدلّ دليل خاص كما اذا كان الواجب عتق رقبة مؤمنة فتعذّر قيد الايمان فاما ان يسقط التكليف رأسا واما أن يقوم هناك دليل بوجوب عتق الرقبة المطلقة أو جعل البدل للمؤمنة بالكافرة . فحال الأدلّة الأوليّة بالنسبة إلى حال النسيان والذكر مطلقة من

حيث الدخل ولا مقيد متصلاً بالكلام فلابدّ من تقييد اطلاقها بغير الناسي من مقيد منفصل كدليل لا حرج(2) ولا ضرر ولا شكّ لكثير الشكّ(3) مما لسانه لسان الحاكم على الأدلّة الواقعيّة مثل رفع(4) ما اضطرّوا إليه واستكرهوا عليه وما لا يطيقونه ( أو رفع النسيان ) حيث يقتضي دلالة الأوّل عدم جعل الأحكام الحرجيّة أو

ص: 254


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 29/5 من أبواب القرائة في الصلاة .
2- . سورة الحج: 79 .
3- . الوسائل 8 الباب 16/1 - 2 - 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل .

خصوص نفي الالزام حيث ان رفع المصلحة ليس من شأنها بل الدخل ليس مرتبطا بالقدرة والعجز ولسان الثاني الحكم على فرض الموضوع ( أي الشكّ لكثير الشكّ ) حيث ان لسانه لسان الحاكم فيكون حاكما على الأدلّة التي تضمنت بيان وظيفة الشاكّ ومقتضى دلالة رفع ما اضطروا واستكرهوا هو تقييد الواقع بهما .

فاما اذا اضطرّ إلى ترك السورة أو استكره عليه يسقط التكليف عن اتيان الكلّ أو يكون هذه مقيّدة للأدلّة الأوّليّة بأنّ الواجب في حقّ المستكره والمضطر غير ما اضطرّ واستكره عليه .

فيكون الجزء المنسي مرفوعا منهم وان كان له دخل في المصلحة لأن ذلك مورد الامتنان والا فلا موقع للامتنان حيث انه بنفسه مرفوع لعدم دخله إلى الباقي به والنسيان أيضا مما رفع في الحديث المبارك على حدّ رفع ساير ما تضمّنه إلاّ ما لا يعلمون فانه رفع ظاهري وباقي الفقرات من قبيل ما استكرهوا وما اضطروا وما لا يطيقون الذي هو المعسور وفيه المشقة لا ما لا يطيقونه عقلاً مرفوعة واقعا .

وذلك لأن ما لا يعلمون حكم على ظرف الشكّ على نحو موضوعيّة الشكّ . فاذا علم ينقلب الموضوع وباقي الفقرات لسانها لسان الحكومة ولا تلاحظ النسبة بين الحاكم والمحكوم وانها أقسام أحدها حكومة المقيد على المطلق حيث ان المطلق اذا اطلق يخيل قبل ورود المقيد انه مراد باطلاقه وبورود المقيد يعلم المراد وانه خصوص الباقي بعد التقييد .

لا يقال حديث رفع النسيان حكم ظاهري كرفع ما لا يعلمون ولا مجال له بعد وجود المطلقات من الأدلّة الأوّليّة الواقعيّة . لأن رفع النسيان على حد رفع

الاضطرار إلى ترك السورة أو الاكراه أو نسيانها

ص: 255

الاضطرار والاكراه دليل اجتهادي لا أصل فنتيجته مع الأدلّة الواقعيّة اختصاصها بما عدا حال الاكراه والاضطرار والنسيان واستدلّ على اختصاص الأجزاء في الصلاة وكذا ساير القيود الوجوديّة والعدميّة بحديث الرفع وسيأتي بيانه .

إن قلت ان الادلّة الواقعيّة الأوّليّة لا يمكن أن تكون مطلقة للذاكر وغيره وذلك لامتناع الاطلاق فان الاطلاق عبارة عن عدم تقييد ما من شأنه ان يقيد وما يقيد نظير العلم حيث لا يكون ولا يمكن أن يكون جزءا لموضوعه كي يكون موضوع الأحكام العالمين بها للزوم الدور وتوقّف الشيء وتقدّمه على نفسه الا أن يكون هناك موضوع التكليف الحكم الانشائي واذا تعلق به العلم يصير فعليّا . وإلاّ فالحكم الفعلي لا يمكن أن يكون مقيّدا بالعلم به .

قلنا: نعم لكن يرتفع الدور بنتيجة التقييد . اما ببيان الاطلاق واما ببيان المقيد كما في العلم بالأحكام حيث انه لا دخل له بفعليّة التكليف ويستوي فيه العالم والجاهل الا انه ورد الدليل في باب المسافر وفي الاخفات والجهر بأنّ الجهل والنسيان غير مضر ففي المقام يستكشف من دليل لا تعاد التقييد لغير الخمسة بحال الذكر وكون موضوعها الذاكر إلاّ انّه خصّص المستثنى منه بالتكبيرة نسيانا مثلاً وبالنسبة إلى الخمسة الاطلاق في جميع الحالات ) .

واستدلّ على اختصاص الناسي بما عدا الجزء المنسي ورفع الجزء المنسي في حقّه بحديث الرفع حيث ان من التسعة المرفوعة النسيان بتقريب ان الجزء المنسي أو القيد الوجودي أو العدمي اذا تعلق به النسيان فيكون مرفوعا عن الناسي فلا عليه الا الباقي .

ص: 256

وأورد هذا الاستدلال المرحوم المحقّق النائيني بلسان اهميّة فقال(1) وهم ودفع . وقال في دفعه ان جريان حديث الرفع متوقّف على امور . منها أن يكون في الرفع منة وتوسعة على العباد حيث ان النسيان من الأمور التي استوهبه النبي صلی الله علیه و آله ومنها أن يكون في الرفع أثر شرعي ومنها وهو وما قبله عمدتها أن يكون المرفوع شاغلاً صفحة الوجود وذلك لأنّ الرفع عبارة عن ازالة الموجود في مقابل الدفع حيث انه كالمانع يمنع المقتضى من الوجود فاذا لم يكن في وعاء مناسب للمرفوع من الذهن ووعاء التشريع .

أو التكوين وجود له فلا معنى للرفع وإن كان قد يستعمل الرفع بمعنى الدفع وبالعكس مجازا فالمعدوم الذي ليس شيئا لا رفع له ولا يحتاج إليه بل الرفع انما يتعلّق بالموجود وبعد بيان هذه المقدمة شرع في بيان جريان الحديث وعدمه حيث قال ان ظاهر تعلّق الرفع بالنسيان أن يكون النسيان بحسب التكوين حيث انه أمر من الامور الوجوديّة مرفوعا وهو يقتضي أن يكون الناسي في مورد ذاكرا تكوينا وليس في الواقع كذلك . فلا يمكن أن يكون المراد رفع النسيان تكوينا حيث انه في الخارج موجود وكذا لا يمكن أن يكون من قبيل لا حرج ولا ضرر حيث تعلّق النفي بهما باعتبار الأثر وهو عدم جعل حكم ضرري وحرجي . وذلك لأنّ النسيان ليس من الموضوعات التي لها حكم خاص بحسب الجعل الشرعي حتّى يكون الحديث ناظرا إلى رفع تلك الاثار . فلابدّ من التصرّف في النسيان بارادة المعنى المفعولي من المصدر فيكون المنسي مرفوعا والمنسي إمّا أن يكون هو الحكم وامّا أن يكون الموضوع والحكم فيكون مرفوعا باعتبار عدم ترتب

كيفيّة جريان حديث الرفع في الناسي

ص: 257


1- . فوائد الأصول 4/221 وما بعده.

آثاره عليه . والحكم اما لذات المنسي واما على حيث صدوره وعلى النحوين تارة يكون في التكاليف الوجوديّة وتارة يكون في العدمية يعني في المحرّمات والواجبات . فاذا كان المنسي من الامور المحرمة وكان الحكم مجعولاً عليه بلحاظ ذاته فيشمله الحكم حيث ان الحرمة موضوعة عليه بلحاظ نفسه وذلك من اول الفقه إلى آخره إذا يكون للحكم تعلق بالموضوع الخارجي كما اذا استثنى من لبس الحرير المحرم لبسه . وأما اذا كان الحكم موضوعا بلحاظ صدوره فكذلك هو لانه يستلزم النسيان ( ترك ) امتثاله به مثل من نهى عن شرب الخمر بالنسبة إلى جريان الحدّ فيه حيث ان الحدّ للشرب عن عمد وموضوعه حيث صدور الفعل من عمد فلو نسى وشرب فيكون النسيان مرفوعا فان الشرب عن نسيان كلا نسيان فيكون كمن شرب عمدا وذلك خلاف الامتنان فلا يجيء الحديث هناك أو يقال لمّا كان حديث رفع النسيان لترتب الأثر فشموله هذا المورد يوجب أن يكون النسيان عمدا ) وأمّا بالنسبة إلى الامور الوجودية ومنها السورة فيكون النسيان تارة للسورة في الصلاة التي نسيت سورتها أو الجزئيّة للسورة والحكم . واخرى يكون النسيان للصلاة فلو كانت السورة منسية وما أتى بها في الصلاة فلا يتعلّق بها رفع لما عرفت من لزوم تعلقه بالوجود والسورة منسية ليست شيئا يتعلّق الرفع بها . مضافا إلى عدم أثر شرعي في ذلك لأن الأثر الموجود هنا على السورة هو الاجزاء وهو أثر عقلي ورفع السورة يقتضي عدم الاجزاء وهو خلاف الامتنان . وكذا لا مجال لجريان الحديث لو كان المنسيّ جزئيّة السورة لان ذلك يرجع إلى نسيان الحكم والحكم حيث علم به فنسيه فيكون من الجهل الطارى ( والكلام في الجهل المركّب الذي هو يتخيل به انه اتى بجميع الاجزاء حتى المنسي الذي ينسى

ص: 258

حكمه ) ولا مجال لجريان الرفع في الكل الذي نسى جزئه كالصلاة الفاقدة لبعض الاجزاء فان ذلك يستلزم الاعادة حيث ان وجود الصلاة الفاقدة للمنسي مرفوعة مضافا الى ان الأثر المترتب على الرفع ليس الا وجوب الاعادة ( من ناحية عدم الاجزاء وهو حكم عقلي ) فتبين ان جريان حديث الرفع لاثبات جزئيّة الباقي ورفع المنسي يجري فيه ما ذكرنا فلا اعتماد عليه في المقام . نعم يمكن التمسك بلا تعاد بالنسبة إلى ما تضمنه .

توضيج وتبيان: اذا كان المنسى من الامور الوجودية المطلوب فيها صرف الوجود فلا يجري فيها حديث رفع النسيان كما اذا نسى بان يأتي بالسورة في الصلاة كما في الحج بالنسبة إلى من تمتع بالعمرة فانه بعد التقصير يجب عليه الاحرام بالحج . وافضل المواضع المسجد فلو نسى التقصير تمسكوا بحديث رفع النسيان وذلك ان الرفع لابد وان يتعلق بشيء موجود شاغل لصفحة الوجود حتى صح تعلق الرفع به فيرفعه مثل الشك لكثير الشك حيث انه ذو أثر شرعي ترتب على الشك مثل ابن على الأكثر مثلاً والرفع كالوضع بيد الشارع وفي رفعه امتنان وتوسعة على المكلّفين فينفي الحكم بلسان نفي الموضوع . والا فلو لم يكن حكم للشكّ فيكون قوله لا شكّ بلا اثر ( والشك ليس أثرا يترتب عليه بطلان الصلاة بل البطلان من جهة اخرى وذلك لانه لا يمكنه المضي على الشك . فاما أن يستأنف بمجرّد استقراره أو يتروى احتياطا حتّى تنمحي صورة الصلاة ) فلا مجال لجريان حديث رفع النسيان بالنسبة إلى التقصير بل الاضطرار والاكراه أيضا لا يقيّد المكلّف به فلو كان عليه دين لزيد فأداه إلى عمرو نسيانا فلا يمكن التمسّك بحديث الرفع لعدم وجوب أداء الدين إلى زيد . وأمّا جريان الحديث بالنسبة إلى

بيان جريان حديث الرفع

ص: 259

السورة المنسية في الصلاة أيضا لا مجال له . اذ السورة المنسية اما أن يتعلق النسيان بجزئيتها وليس من نسيان الموضوع بل من نسيان الحكم والجهل به فيكون مما لا يعلمون . واما أن يتعلّق النسيان بها أي بايجادها حيث ان الوجوب قد تعلق بايجاد السورة لا لماهيتها ولا لها مطلقا بل بايجادها في الخارج . والايجاد اذا نسى فهو بنفسه مرفوع ليس شيئا يرفع بحديث الرفع . لأن المعدوم لا يمكن أن يتعلّق به الرفع ولا يتعلّق بها الرفع أيضا بلحاظ حكمها وهو الوجوب . اذ الوجوب ليس منسيّا مضافا إلى انه لابدّ أن يكون موجودا في عالم التكوين حتى يصح تعلق الرفع به في عالم التشريع بلحاظ وجوبها مع انه يستلزم خلاف الامتنان حيث ان الأثر المترتب على وجود السورة هو الاجزاء والاجزاء امر عقلي لا يصحّ تعلّق الرفع بلحاظه . وإن قيل بجريان الحديث في المنسي فيه وهو الصلاة الفاقدة للسورة مثلاً فهو شيء موجود في الخارج ولكن لا يمكن أن يكون هناك أثر شرعي له يترتب على الفاقدة المنسيّة فيها الا البطلان وعدم الاجزاء وهو ليس أمرا شرعيّا .

وملخص الكلام: انه لابدّ لجريان الحديث من الأمور الثلاثة المشار إليها . أن يكون المرفوع شاغلاً لصفحة الوجود حتّى يصح تعلّق الرفع به وأن يكون له أثر شرعي حتّى يرفع ويكون في رفعه منّة وحيث ان النسيان تكويني فلابدّ أن يكون الرفع بلحاظ غيره ولغيره فلو كان لحيث الصدور فالفعل الصادر عن نسيان كلانسيان فهو خلاف الامتنان من جهة لزوم الحد على شارب الخمر نسيانا وكذا اذا تعلّق بنفس المنسي يرفعه كما اذا صلى نسيانا فيكون بحديث الرفع مرفوعا وذلك خلاف الامتنان فيكون مخصصا للمطلقات الدالّة على التكاليف حيث

ما هو متعلّق الرفع

ص: 260

تشمل كلتا الحالتين الذكر والنسيان مطلقا وفي صورة ما اذا أتى لها ذاكرا فيكون الاختيار في امتثال التكاليف قيدا كما اذا وضع جبهته على التربة وارتفعت قهرا حيث انه لابدّ من مقدار قبل الوضع أن يكون باختياره . ولو تعلق بالجزء المنسي أيضا لا يجري حديث الرفع لأن الحكم غير منسي والايجاد المنسي امر متروك غير موجود لا يمكن تعلق الرفع به ولو بلحاظ حكمه وهو وجوبه والمنسي فيه أيضا وإن كان أمرا وجوديّا الا ان تعلق الرفع به لا أثر له فلا يجعل الفاقد تاما مع

ان الاجزاء الذي بلحاظه يجري حديث الرفع في المقام أمر عقلي فلا يمكن التشبث بحديث الرفع لنسيان السورة المنسية ورفع جزئيتها . ولو سلمنا ان النسيان عرفا يصدق على نسيان السورة فتكون مرفوعة ونتيجة ذلك الاجزاء . فانما هو اذا كان النسيان مستوعبا على اجزاء الوقت حيث صدق نسيان طبيعة المأمور به أو في المضيق . وأمّا إذا كان المأمور به في الوقت وليس موقتا مضيقا بل واجب موسع فلا يجري فيه . فان كان الفرد الذي يأتى به في جزء من الوقت ناسيا لجزئه ليس مأمورا به بل المأمور به هو صرف الوجود القابل للاتيان به في كلّ جزء من الوقت ولم يكن الفرد المأتي به في جزء من الوقت مع نسيان بعض أجزائه مأمورا به بخصوصه فليس قابلاً للرفع بل مقتضى القاعدة أن يأتي بالمأمور به واجدا لجميع أجزائه . فلو نسى بعض الاجزاء وفات بوصوله إلى الركوع كما في القرائة فانه ليس يجري فيه حديث الرفع على هذا بل لابدّ من التماس أدلّة خاصّة في أبوابها من لا تعاد وغيره من القواعد المبيّنة .

ومع الغض عن ذلك كلّه لا مجال لجريان حديث النسيان في الجزء المنسي من جهة ان جزئيته ليست إلاّ مستفادة من تعلق طلب واحد بسيط منبسط عليه .

حكم النسيان المستوعب للوقت وغيره

ص: 261

ويبقى الاحراز لأنّ الطلب الواحد بسيط ولذا لم يرجع العقد الواحد إلى عقود متعدّدة أو عقدين ولا يمكن تصحيح العقد الواقع على ما يملك وما لا يملك وأمثاله في خصوص ما يملك . ويورد المحقّق النائيني قدس سره (1) اشكالاً بين المقام وبين ما لا يعلمون حيث يقولون بعدم وجوب السورة غير المعلومة مع معلوميّة باقي أجزاء الصلاة مع ان الضابط واحد والطلب في كلا المقامين على أمر واحد . ويجيب بان في ما لا يعلمون لا يمكن ان يتعلق الرفع بالمجموع حتى الاجزاء .

وليس كذلك المقام فان غير المنسي من باقي الأجزاء الكلّي لا مانع من رفعه مع الجزء .

وخلاصة الكلام: انّ المحقّق النائيني قدس سره بعد أن اورد اشكالات على جريان حديث الرفع في خصوص ما اذا نسى السورة أورد اشكالاً(2) آخر وهو انه اذا جرى الحديث بالنسبة إلى رفع السورة فلازمه جريانه بالنسبة إلى كلّ الصلاة اذ الخطاب الموجود في البين ليس الا بالمركب وهو ينبسط على الاجزاء ولا يمكن أن يتصور فيه التقطيع فيكون بالنسبة إلى بعض مرفوعا وبالنسبة إلى بعض غير مرفوع اذ ذلك شأن الخطابات الانحلاليّة التي لها تعدد ولو ضمنا فرفع السورة في المقام مساوق لرفع الكل الذي هو الصلاة من جهة ان المجموع مرفوع ولها خطاب واحد فامّا مرفوع وامّا غير مرفوع . وهذا بالنسبة إلى ملاحظتها بعد الخطاب الذي هو يجمع الامور المتباينة ويركبها اعتبارا والا فبملاحظة حالها قبل الخطاب أشياء متعدّدة ليس جامع لها . وذلك كما في جريان قاعدة التجاوز في

كلام المحقّق النائيني

ص: 262


1- . فوائد الأصول 4/227 - 228 .
2- . فوائد الأصول 4/227 وما بعده .

الوضوء والغسل حيث ان المجموع عمل واحد فلا يصدق التجاوز عنه مادام مشغولاً به فلو شك في غسل الوجه وهو يغسل يده اليمنى أو اليسرى فما تجاوز العمل بل هو فيه فلا مجال لجريان القاعدة . بل جريانها اذا فرغ من الوضوء ودخل في غيره ممّا يترتب عليه الصلاة ومرجع قاعدة التجاوز والفراغ واحد ولا فرق بينهما وان فرق بينهما بعض(1) .

وذلك لما ذكرنا من وحدة الامور المتعددة قبل الخطاب بعده والا فبملاحظة حالها قبل الخطاب اعمال واشياء وفي باب الصلاة لأنّ جريانها من باب التصرف في المصداق حيث انه اذا دخل في القرائة ونسي التكبير أو في الركوع ونسي القرائة فهو على خلاف القاعدة لا عدم جريانها في باب الوضوء على خلاف القاعدة على ما سيظهر . فحيث ان المنسي في موردنا على فرض تسليم الاشكالات السابقة ومنها ( رفعها في خصوص حال النسيان لا في الوقت المستوعب في الموقت وما كان وقته مادام العمر ) ليس عملاً واحدا بلحاظ الخطاب . بل الخطاب أمر واحد تعلّق بالمجموع فلا يقبل التبعيض والتقطيع فلازم الجريان رفع جميع المركب وذلك خلاف ضرورة الفقه . وبعد ذلك يورد(2) اشكالاً على نفسه بأن ما قلتم هنا لا يسالم جريان ما لا يعلمون في السورة أو الجزء المنسيين لما ذكرتم مع ان من المسلم عندكم الجريان . وليس هناك إلاّ خطاب واحد متعلّق بالمجموع فله تعلّق بكلّ جزء . غاية الأمر بعضها معلوم التعلق وبعضها مشكوك فتجرون البرائة من المشكوك .

ص: 263


1- . هو الحق كما سيجيء في محلّه .
2- . فوائد الأصول 4/227 .

ويجيب بأن ذلك المقام لا يمكن رفع جميع العمل . وذلك لأن مناط الرفع هناك هو الجهل وما لا يعلمون . واذا كان الخطاب معلوما بالنسبة إلى عدّة اجزاء ولم يكن معلوم التعلق بالنسبة إلى بعض لا يمكن جريان ( شمول ) رفع ما لا يعلمون بالنسبة إلى الجميع فان ذلك مستلزم للتناقض . فيكون المعلوم مجهولاً وما يعلم ما لا يعلم بخلاف المقام فان رفع اصل العمل الذي نسى بعض اجزائه بلحاظ نسيان البعض لا محذور فيه من هذه الجهة .

هذا ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله في المقام ويرد على الأخير ان ذلك خلاف مبناه في الأوامر حيث يلتزم بأن الأمر الواحد المنبسط على اجزاء والخطاب الواحد كذلك ينحلّ إلى خطابات عديدة ووجوبات بالنسبة إلى كلّ جزء وفرد ممّا انبسط عليه .

وكذا جريان البرائة لا يمكن الا بهذا اللحاظ والا فالعمل الواحد لا يمكن أن يكون مجهولاً ومعلوما حتى يرفع المجهول ويبقى المعلوم ولا يسلم ذلك المبنى إلاّ بالانحلال كما في بيع ما يملك وما لا يملك حيث قالوا بالنسبة إلى ما يملك وهو الشاة في بيع الشاة والخنزير وما يملك وهو مال نفسه في ما اذا باع ملك غيره مع مال نفسه ولم يجز المالك يصح البيع مع خيار تبعض الصفقة وذلك لان مرجع هذا إلى الشرط غير الصريح ولا فرق بينه وبين الصريح كما في تخلف الوصف فان مرجع جميعها إلى تخلف الشرط وهو موجب للخيار ولا يصح ذلك الا بالانحلال حيث ينحل العقد المتعلق بهذه الامور الى عقود متعددة بالنسبة إلى ما يملك وما لا يملك . وما صدر منه رحمه اللّه في المقام ليس من شأنه فانه غفلة وعلى أيّ لا اشكال من هذه الجهة ولا مانع من أن يكون ( النسيان مقيدا ) للواقع

ص: 264

وموجبا رفع خصوص المنسي وذلك بالانحلال . فلا مجال لما حققه قدس سره أصلاً اذ يصدق عرفا على المنسي المتروك انّه منسيّ بلحاظ وجوده وعدمه ولا يلاحظون ذلك فيعلقون النسيان على الترك على ما هو عليه العرف في المقام وفي موارد عديدة استعمل بهذا المعنى وما لو خط ايجاد المنسي أو تركه كما في قوله تعالى: « وما أنسانيه الا الشيطان »(1) « ونسيا حوتهما »(2) وعلى هذا فالمناط الفهم العرفي وهو الميزان في فهم مراداتهم وعليه المعول . والمتفاهم العرفي كما ذكرنا هو تعلق النسيان بنفس المنسي سواء وجد نسيانا أو ترك فتعلّق الرفع بالمنسي بهذا اللحاظ يكون من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع والوجود للمنسيّ لا يلزم أن يكون في عالم الخارج بل في عالم التشريع اذا كان وجود يكفي في صحّة ( تعلق ) الرفع به كما في المقام فبملاحظة النسيان يرتفع وجود المنسي من عالم التشريع وهو وجود فيكون الباقي هو المأمور به فتبين ممّا ذكرنا صحّة جريان حديث الرفع لرفع المنسي وذلك للصدق العرفي كما بينا مضافا إلى الاستدلال في موارد عديدة بالحديث في صرف الوجود كما من نسى أن يقصر فاحرم مع ان المنسي أمر ترك وما كان له وجود في الخارج فتعلق الرفع به وان كان النص الخاص(3) أيضا هناك موجودا ولا يختص جريان الحديث بخصوص باب الصلاة بل هو دليل تام يجري في كلّ مورد فيكون حاكما على الأدلّة الأوليّة الا ان يكون له مخصص في رتبته كما بالنسبة إلى لا تعاد(4) حيث انه من الأدلّة الثانويّة في

ايراد كلام المحقّق النائيني

ص: 265


1- . سورة الكهف 64 .
2- . سورة الكهف: 62 .
3- . الوسائل 13 الباب 6/1 - 4 من أبواب التقصير .
4- . الوسائل 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

رتبة حديث الرفع وخصّصه بالنسبة إلى الأركان . وأيضا نفس لا تعاد خصص بادلة خاصة على ما هو المضبوط في محلّه . فما ذكروه في المقام وتمسّكوا بحديث الرفع الذي في المتروكات صحيح لا غبار عليه .

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى الجهة الثانية التي هو مقام الاثبات بعد الفراغ عن مقام الثبوت وامكان تكليف الناسي بما عدا الجزء المنسي . الا ان الدليل العام منحصر بخصوص حديث النسيان واما لا تعاد فبالنسبة إلى خصوص الصلاة وحديث النسيان أيضا خصص في خصوص الصلاة بتخصيصات بالنسبة إلى ما تضمّنه حديث لا تعاد وبغيره ممّا يستفاد من الأدلّة الخاصّة المضبوطة المذكورة في محلّها ( أقول: ما ذكر في جريان حديث الرفع بالنسبة إلى كلّ المنسي واشكال سيّدنا الاستاذ قدس سره عليه مبني على كون الخطاب مرفوعا وبتبعه يرتفع المنتزع من الخطاب والا فلو كان نفس الجزء مجعولاً موضوعا فلا يجيء الاشكال بل يرفع هو ويبقى الباقي فتأمّل .

خلاصة الكلام: قد علم ممّا ذكرنا جريان حديث النسيان لرفع المنسي وان كان النسيان تعلق بتركه غاية الأمر حيث لم يكن للمنسي وجود حتى يرفع بل هو بنفسه مرفوع فتعلّق الرفع بوجوبه الموجود في عالم التشريع فيكون نظير لا ضرر ولا حرج من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع . انما الكلام في انه هل اثبات باقي الأجزاء غير المنسي في حق الناسي مقتضى الجمع بين دليل الاجزاء والشرايط الاوليّة وبين دليل رفع النسيان فلا يحتاج إلى دليل آخر يثبت الباقي في حق الناسي . بل دليل النسيان يقيد الواقع كالاضطرار أو لا ؟ بل يحتاج إلى دليل خاص يتكفل اثبات الباقي فيكون مثل رفع ما لا يعلمون حيث ان رفع الجزء

ص: 266

أو القيد المشكوك ظاهرا لا يثبت ان الباقي هو المأمور به .

لا يخفى ان دليل رفع النسيان لا يكون أصلاً أخذ في موضوعه الشك كدليل رفع ما لا يعلمون بل هو على حد لا حرج ولا ضرر ورفع الاضطرار وأمثالها دليل اجتهادي يثبت اللازم والملزوم لا الملزوم وحده . وحيث ان دليل الاضطرار يقيّد الواقع فيكون النتيجة خصوص الباقي بالنسبة إلى المضطر والناسي فاذا صار الناسي ذاكرا ينقلب الموضوع ونتيجة هذه انه لو توضّأ المضطر أو المعذور أو المبتلى بالعسر لا يكون عمله تحت الأمر لتعدد الموضوع كالمسافر والحاضر كما اذا كان المراد من لم تجدوا ) في آية التيمم لم تتمكنوا فيكون المتيمّم موضوعا في مقابل المتوضى ففي هذا الحين لو توضّأ لا يكون عمله صحيحا اذ لا أمر له من حيث عدم كونه هذا الموضوع لكن بناء هذه الاستفادة على أن يكون دليل رفع الاضطرار والنسيان امارة لا اصلا . والا فيحتاج إلى ما ذكرنا في أول التقرير فيقيد الواقع ويكون وجوب الباقي مقتضي الجمع للدليل الاجتهادي وحكومة حديث الرفع على الأدلة الاولية ولا اشكال في ان دليل رفع الاضطرار والنسيان امارة لا أصل اذ ضابط الامارة يختصّ بما إذا لم يؤخذ في موضوعها الشكّ بخلاف الأصل فانه أخذ في موضوعه الشكّ . والمولى امّا أن يتصرّف في الشكّ أو يحكم على الشكّ اما بالفعل أو بالترك أو بالتخيير حصرا عقليّا لا أزيد ولا انقص . والاول الاستصحاب والثاني الاحتياط والثالث البرائة والرابع التخيير وباقي الأصول من قاعدة الفراغ وأمثالها راجعة إلى هذه .

ثمّ ان في المقام ليس الشك مأخوذا في لسان الدليل فيكون دليل رفع النسيان امارة ودليلاً اجتهاديّا .

دليل الرفع اجتهادي

ص: 267

ان قلت: هل الذكر له دخل في الملاك والخطاب معا أو في الخطاب وحده وعليه ( فان كان دخيلاً في الملاك فلم يأت بالمأمور به الاختياري بعد مع اضطراره لعدم وفاء هذا الدليل بالمصلحة والذكر وان كان دخيلاً في الخطاب لا في الملاك فالباقي غير المنسي والمضطر إليه الباقي يكون كلا شيء فلا يلزم الاتيان به بل من بقاء الملاك والمصلحة(1) ومن دليل القضاء واطلاق دليل الاداء

لو كان نستكشف ( انه لم يختص وجوبه بالوقت ) بل من باب تعدد المطلوب وهذا الاشكال سيال يأتي في الأحكام الظاهريّة والاجتهادات الحاصلة في موارد جريان البرائة في كلّ مورد سواء كان بحديث الرفع أو غيره .

قلت: هذا أمر مربوط بباب الاجزاء بعد الفراغ عن ان الاتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي في ما إذا كان المأمور به صرف الوجود مجزياً عن الواقع في الامتثال الأول ( ولا يحتاج إلى الامتثال الثاني ) فان حكم الامثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد . ولازمه أن يأتي بالمأمور به بلا امتثال . وذلك لأن انطباق المأمور به على المأتي به قهري والاجزاء عقلي . ويقع البحث في ان الاتيان بالتكاليف الاضطراريّة مجز عن الواقع أم لا يجزي بعد الجزم بأن الاتيان بالمأمور

ص: 268


1- . ويمكن أن يكون ما هو المبحوث عنه في كلّ مقام أن يكون دخيلاً في الملاك والخطاب معاً ويمكن أن يكون في الخطاب وحده ففي باب الاغماء حيث لا شيء عليه يقولون ان القدرة دخيلة في الملاك وفي باب النوم والنسيان تكون دخيلة في الخطاب مع ان عدم القدرة في كلا البابين ففي مورد النسيان يمكن أن يقال بل هو كذلك أن تكون القدرة دخيلة في الخطاب ولكن في المغمى عليه حيث لا يختل له العقل دخيلة في الملاك واستفادة ذلك انّما تكون من الأدلّة . فاذن القدرة لو كانت شرعية لأخذت في الخطاب كما في الحجّ وكما في القيام حال الصلاة لقوله اذا قوى فليقم فعلى هذا لازم المورد وهو النسيان أن يأتي بالمأمور به بعد الذكر وكذا المضطر حيث يستفاد اطلاق الأمر الأوّل بالنسبة إليه من دليل القضاء .

به بالأمر الظاهري لا يجزي وهذا مثل ما يعنونونه في باب تبدل رأي المجتهد حيث كان اجتهاده السابق خلاف ما اجتهده لاحقا فيفصلون بين ما إذا بقى التكليف وبين ما اذا فقد كما اذا كان مقتضى الاجتهاد السابق في الشبهة الحكميّة هو عدم لزوم فرى الأوداج الأربعة في حليّة الذبيحة بل يكفي اثنان أو لا يلزم أن يكون الذابح موافقا بل ذبيحة المخالف أيضا حلال . وكما اذا كان اجتهاده عدم اعتبار العقد بالعربيّة في النكاح فبفقدها إلى حين التبدل يكون الوطي بالشبهة وإلى البعد يلزم تجديد العقد على النحو الثاني بالاجتهاد الثاني فتبدل رأيه ان الفرى واجب للأوداج الأربعة ولابدّ أن يكون الذابح موافقا ولا يجزي بالمخالف بل المخالف يكون كالكتابي ( كما ربما يستفاد من رواية(1) الامام عليه السلام وضع يده أو اصبعه على فمه وبعد هنيئة قال لا بأس ففي هذه الصورة يلزم الاجتناب والجري على طبق الاجتهاد الثاني الا ان في باب الصلاة يدعون الاجماع على صحّة الأعمال السابقة الماضية على طبق الاجتهاد الأوّل .

وأدلّة التكاليف الاضطراريّة على نحوين: نحو يتكفل ان المأمور به في حال الاضطرار هو العمل الاضطراري وان الأدلّة الواقعيّة في غير هذا الحال . ونحو لا يتكفل ذلك بل ساكت فمن الأوّل ( لا صلاة لمن لم يقم صلبه )(2) حيث ان دليل القيام والانتصاب ( قم منتصباً )(3) يدل على أصل القيام والانتصاب مطلقا

هل اتيان المأمور به الاضطراري مجز

ص: 269


1- . وسائل الشيعة 24 الباب 28/2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 9 - 10 من أبواب الذبائح واللفظ الناصب، النصاب، الحرورية أو من كان على الخلاف أو المجبّرة أو بمعنى المجسمة .
2- . الوسائل 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام .
3- . الوسائل 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام .

في الصلاة ويحكم عليه مثل دليل ( من لم يستطع أن يصلّي قائما )(1) فيصلّي جالسا واذا ما تمكن من القيام حنى ظهره حيث يستفاد منهما ان اشتراط الانتصاب وقيام الصلب مختص بما اذا كان قادرا كما يستفاد من دليل لا تعاد(2) ان الاعادة بالنسبة إلى ما نسيه ليست بلازمة في الوقت وفي خارج الوقت فيكتفي بهذا المأتى به في غير الخمسة . ولكن هذا القسم خارج عن محل البحث . والقسم الثاني لابدّ له من دليل خاص أو تكفل هذه الأدلة بيان الاكتفاء والاجزاء ( ومثل مرسلة سفيان بن السمط )(3) في نسيان النقيصة حيث قال تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان الظاهرة في النسيان كما يشهد بذلك ( تدخل عليك ) ومحل الحاجة هو النقصان . وما ورد من قضاء التشهد والسجدة المنسية وفي بعض الموارد لا شيء عليه المستفاد من المجموع ان الصلاة المأتى بها مع هذه القيود والوظائف مجزية غير محتاجة إلى الاعادة ) وأمّا دليل النسيان فتمسكوا به في موارد عديدة في أبواب متفرقة كباب الصوم والحج وفي باب الصلاة وغيرها بالنسبة إلى الاضطرار ولابدّ من الاستيعاب لصدق الاضطرار ومقتضى التقييد الواقعي جواز البدار اذا علم بعدم ارتفاع العذر في تمام الوقت وكذا ساير ذوي الأعذار والا فالى آخر الوقت .

والبدار أيضا ان انكشف الخلاف لا يكفي بل لابدّ من الاعادة . والنسيان حيث انه يتعلّق بجزء في جزء من الوقت ففي جريان الرفع فيه تأمّل . اما اذا استوعب تمام الوقت فلا اشكال في انه مرفوع بهذا الحديث .

ص: 270


1- . الباب 4/18 من أبواب القيام مع تفاوت في اللفظ .
2- . الوسائل 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 8 الباب 32/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

فقد تبين ممّا ذكرنا حال نسيان الجزء وانّه بالنسبة إلى بعض الأجزاء كان مقتضى الدليل الركنية بخلاف بعضها الآخر فكان اشتراطه في خصوص حال الذكر .

أمّا الكلام في الزيادة ففيها أيضا جهات ثلاث بعد أن كان محلّه هو بالنسبة إلى الزيادة العمدية وهل هي موجبة للبطلان أم لا وكذا الزيادة مطلقا سواء كان عمدا أو سهوا حتّى يكون للمأمور به الركنيّة بهذا المعنى .

فالجهة الاولى في تصوير الزيادة وهل يمكن تصويرها أم لا . والاشكال فيه تارة من جهة ان الزيادة ليست من فعل المكلف فلا تتصور بالنسبة إليه . وإنّما هي فعل المولى فيوسع متعلق أمره تارة ويضيق والمكلف وان أتى بشيء زائدا على ما طلب الشارع لو كان بقصد انها تصير جزءا وقيدا زائدا في المأمور به لا يصير ذلك زيادة فضلاً عمّا إذا لم يكن بقصد التشريع . واخرى بما هو المعروف من ان المأمور به اما أن يكون لا بشرط عن الشيء أو بشرط شيء أو بشرط لا فبشرط الشيء يكون خارجا عن تحت الزيادة لأن بوجوده يتحقق المأمور به جزءا شرطا وعدمه يكون مخلاًّ ومضرّا على نحو . ومرجع بشرط لا أيضا يكون إلى النقيصة بنقص القيد العدمي في المأمور به واذا كان لا بشرط أي ما لو خط الماهيّة في مقام الوجود والحكم بوجوده ولا بعدمه فيكون لا بشرط فلا يضر وجوده فيه . ولا يصدق عليه انه زيادة فيه فان الماهيّة اذا لم يلاحظ معها شيء بل كانت من حيث هي هي ومهملة فهي عارية عن جميع القيود فهي اللابشرط المقسمي الذي يكون في الأقسام الثلاثة لها ففي عالم الحكم لا يمكن أن تكون مهملة .

الزيادة في الصلاة

ص: 271

فامّا أن يكون وجود شيء معتبرا فيها أو عدمه أو كلاهما بالنسبة إليها سيّان فالزيادة على كلّ شقّ من هذه الأقسام لا تتحقّق لما ذكرنا . والمحقّقون من الاصوليّين يقبلون ويسلمون الاشكال ولكن ذلك بالنظر إلى الدقة العقليّة . اما اذا كان المناط والميزان هو الصدق العرفي فلا مجال لهذه التدقيقات العقليّة ويرونه زيادة يجري عليه أحكام الزيادة وإن لم تكن زيادة عقلاً . بأن كان منقصة حقيقة اذ ليس بالتسمية . فالزيادة العرفية يسمونها نقيصة ولا مشاحة في ذلك . فلا ريب ان من صلّى ركعتي الفجر ثلاثا انه زاد في صلاته . وكذا الوقوف بالموقف يوم العاشر مضافا إلى التاسع والصوم بعد الغروب والزيادة في العقد وفي صيغته وفي الوقوف بالمسجد ولا يتوقف الصدق على القصد . بل اذا كان في النوم أيضا يصدق زيادة الوقوف في المسجد على ما كان يقصده .

والحاصل ان الزيادة معنى عرفي ولها موارد كثيرة في الامور الشرعيّة والعادية . فالاولى بيان موارد صدقه .

قال بعضهم كالمحقّق النائيني قدس سره (1) اذا كان المزيد من غير جنس المزيد فيه ومباينا له فيلزمه قصد الزيادة فيكون زيادة مبطلة للعمل واذا كان من سنخ المزيد فيه ومن جنسه . ففرق بين ما لو كان العدد معتبرا فهناك يصدق الزيادة مطلقا كمن ركع ركوعين أو صلّى صلاة المغرب أربع ركعات . والا ان كان صرف الوجود واجبا فصدق الزيادة دائر مدار القصد كالنصف من سورة البقرة مثلاً بعد الفراغ من الحمد والسورة التامة المعتبرة . فاذا قرأها بقصد القرآنيّة فلا يكون زيادة وإن كانت من سنخ الصلاة بناءً على أن يكون المراد من ( صلاتنا ذكر ودعاء

ص: 272


1- . فوائد الأصول 4/230 - 231 .

وقرآن )(1) ان يكون الصلاة ظرفا لهذه الأشياء . لا أن تكون مركبة من هذه الثلاثة من القرآن والحمد والسورة والدعاء والذكر وغيرها . وان كان قرأها بقصد الجزئيّة والوجوب فهنا قصد الزيادة وتبطل صلاته .

ومثال الأوّل: أي المباين ان يحرك يده في الصلاة بقصد الجزئيّة . أو يأكل ويشرب بهذا القصد لا بنحو يكون ماحيا للصورة حيث يعدون من مبطلات الصلاة الأكل والشرب في عداد الفصل الكثير . مع ان مبطلية الأكل والشرب من جهة انّهما فعل كثير والفعل الكثير من جهة انه ماحي للصورة وهو أيضا يرجع إلى الموالاة . لكن لا وجه لهذا التفصيل لانّ المباين وان قصد أن يكون جزءا للعمل . لا يكون وان فعل محرما من حيث التشريع . اما بطلان العمل من هذه الجهة فلا كما اذا قرأ البنّاء سورة من القرآن في حين بنائه بقصد أن يكون جزءا لعمله المسلم عدم دخوله في بنائه ولا تكون السورة جزءا له بخلاف ما اذا أضاف إلى جداره الذي يرفعه لبنة أو آجرة حيث انّهما يكونان من سنخ ما يبني يصدق الزيادة على ما بنى سابقا وللعمل . وكذا التفصيل بين العدد وغيره لا وجه له فان المعدود وان كان من المسلم انه اذا أتى أكثر من ما اعتبر يصدق الزيادة عليه بلا اشكال كما قلنا . الا ان صرف الوجود حيث يعتبر ويكون واجبا مأمورا به أيضا يكون كذلك اذ ثاني الوجود يكون زائدا على صرف الوجود الملحوظ اعتباره في العمل ولا دخل للقصد وعدمه في صدق الزيادة وعدمها في المسانخ وانما نقول بعدم البطلان في الذكر والقرآن والدعاء من جهة الدليل الخاص الوارد في الصلاة . ولو قلنا بالزيادة

بطلان الصلاة بالزيادة

ص: 273


1- . مستدرك الوسائل 4 الباب 1/1 من أبواب أفعال الصلاة واللفظ عنه صلّى اللّه عليه وآله انما صلاتنا هذه تكبير وقراءة وركوع وسجود .

فهو اذا لم يأت مثلاً بسورتين رجاءً أن تكونا واحدة كالضحى والم نشرح والفيل وقرينته لا من حيث القران . فانه ما ورد دليل يستفاد مانعيّة القران بين السورتين في الصلاة فراجع .

والحاصل انه لا ريب في صدق الزيادة في اضافة عدد إلى المعدود كما في سجدة الى السجدتين أو ركوع إلى ركوع أو ركعة خامسة مثلاً إلى أربع ركعات الظهر عرفا ولا يحتاج صدقها إلى قصد الجزئيّة أو الالتفات . بل يصدق الزيادة ولو قصد الخلاف فضلاً عن الوفاق . اذ لا حقيقة شرعيّة ولا متشرعية للزيادة حتى يبحث عن دليلها عموما وخصوصا بل هي معنى عرفي كساير المعاني العرفيّة . ولا اشكال في صدق الزيادة في نحو هذه الموارد . والرواية(1) الواردة في النهي عن سجدة التلاوة أصدق شاهد على ذلك

وليست تعبّدا بل تعين مصداقا للمعنى العرفي حيث تقول ( انها زيادة في المكتوبة ) وان كانت في النافلة أيضا زيادة الا انه قام الدليل(2) على عدم كون النافلة كالفريضة في الزيادة فلا بأس بهذه الزيادة اما في النقيصة فكالفريضة وكذا لا ينبغي الريب في صدق الزيادة على الأذكار والتسبيحات المضافة إلى المقرر من الركوع والسجود والتشهّد والقرائة الا انه اذا أتى بها بقصد الجزئيّة يكون تشريعا محرما اما اذا لم يكن بهذا القصد بل بقصد مطلق الذكر والدعاء والقرآن مثلاً فقد ورد الدليل بالجواز إلا في الركوع(3) فقد ورد الدليل بالنهي عن قرائة

ص: 274


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 40/1 - 2 من أبواب القرائة في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 40/1 - 2 من أبواب القرائة في الصلاة .
3- . الوسائل 6 الباب 8/1 إلى 6 من أبواب الركوع .

القرآن المحمول على الكراهة من نحو قوله ( إنّما صلاتنا ذكر ودعاء وقرآن )(1) لكن اذا لم يكن ماحيا للصورة . اما اذا أتى بذكر أو قرائة أو تكبير في غير محله بقصد الورود ) كان كبّر حين رفع الرأس من السجدة قبل الاستقرار بقصد الورود ولا يضر بالصلاة إلاّ إذا رجع إلى فقد قصد القربة والامتثال بان يقيد امتثاله مثلاً

باتيان هذا الزائد واما اذا لا يريد ذلك بل يقصد الصلاة باجزائها غاية الأمر يدخل جزءا فيها فيكون محرماً تشريعا ولا ضرر له بالامتثال .

أمّا القنوت فهو مستحب في واجب زائد على الواجب لا على أصل الصلاة فالفرد الذي يشتمل على القنوت من الصلاة أكمل بالنسبة إلى غيره وغيره كامل وما زيد فيه شيء . بل على اجزائه الواجبة اضيف شيء آخر . هذا في ما اذا كان المضاف من سنخ الصلاة وأمّا إذا لم يكن من سنخ الصلاة فلا اشكال في عدم صدق الزيادة وإن قصدها . وذلك لعدم مساعدة العرف في ذلك فلا يقال لمن حرك يده في صلاته وان كان بقصد الجزئيّة انه زاد أو كان فقير في جنبه وكان عليه شيء من الدين فأعطاه . وكذا اذا أحدث في صلاته مثلاً بل ذلك يرجع إلى نقص في الصلاة . نعم لو قرء سورة على سورة فيقال زاد أو ذكراً مثلاً كما انه لا يقال للبناء

انه زاد في بنائه إذا قرأ من القرآن سورة حين بنائه بل ان اضاف لبنة على اللبن البنائي يقال زاد كما انه زيادة المالية والغنم وساير الأشياء على هذا النحو . فلا يقال لمن زاد ماله زاد علمه أو علم شيئا زاد ماله وذلك معلوم لا حاجة إلى بيانه .

فتبين وتحصل ان صدق الزيادة انما يكون اذا كان مسانخا للمزيد فيه وفي غيره لا يكون زيادة حتى اذا قصد . غاية الأمر في ما لو قصد في الصلاة زيادة

ما يعتبر في صدق الزيادة

ص: 275


1- . تقدّم الايعاز إليه .

شيء بالجزئيّة مثلاً قصد محرما وفعل ما لا يجوز وشرع في قلبه فيكون كالنظر إلى الأجنبيّة لا يسري إلى الصلاة . الا اذا رجع إلى فقد قصد القربة فيكون مضرا من حيث النقصان فلا وجه لما عن بعض من دوران صدقها مدار القصد وعدمها مدار عدمه في غير المسانخ .

إذا علم هذا فنقول يستفاد من الأدلّة الواردة في باب الصلاة ان الزيادة مضرّة فعدمها يكون دخيلاً في الصلاة فاذا أتى العبادة الصلاتيّة مع زيادة فما أتى بالمأمور به على وجهه مع قيوده وحدوده فلا ينطبق المأمور به على المأتي به فيكون فاسدا بمعنى عدم جواز الاكتفاء به . فمن الأدلّة الواردة في المقام .

وهو الجهة الثانية من جهات البحث قوله علیه السلام (1): من زاد في صلاته فعليه الاعادة . يستفاد منه ان كلّ شيء من المسانخ للصلاة اذا أتى به فيها يكون زائدا مبطلاً لها سواء كان عن قصد . أو عن غير قصد حتى لو كان ذكرا فيكون من جهة الاطلاق لحال العمد أعم من لا تعاد الصلاة(2) إلاّ من خمس .

الوقت والطهور والقبلة والركوع والسجود . لأن لا تعاد لا يمكن أن يشمل حال العمد فيكون النتيجة مع الأدلّة الواقعيّة بعد المعارضة اختصاص الاعادة بهذه الخمسة . الا ان ذلك خلاف الاجماع والضرورة فلا يبقى محل للادلة المتكفلة للاجزاء والشرايط وما وقع في بعض العبارات فعن سهو الكتّاب . الا انّ لا تعاد يكون من جهة أعم من من زاد حيث اشتمل على الاعادة من الوقت والطهور والقبلة غير المتصور فيها تحقق الزيادة فلا تعاد أعم

ص: 276


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 19/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

من حيث الزيادة والنقيصة الا انه مختص بصورة السهو ومن زاد أخص

من حيث الزيادة ومخصوص بها وأعم من العمد والسهو . فمادة الاجتماع غير الركوع والسجود حيث ان لا تعاد بعقد المستثى منه يدلّ على عدم لزوم الاعادة بخلاف من زاد فباطلاقه الشامل لحال السهو يلزم بالاعادة . فالمقام مقام تعارض العموم والخصوص من وجه ولا يشمل عقد المستثنى على غير الخمس من التكبير(1) الوارد فيه والقيام(2) لزوم الاعادة سهوا اذا نسى الثاني والأوّل . الا ان هناك دليلاً آخر وهو قوله علیه السلام (3) إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها وهو مختصّ بصورة الغفلة لأنّه الظاهر من استيقن انه زاد في صلاته باتيان شيء وما التفت إلى حين استيقن والا فلا معنى لاستعمال هذه اللفظة . فهو من حيث اختصاصه بالسهو كلا تعاد . الا انه من جهة اختصاصه بالزيادة يكون أخص من لا تعاد لعدم اختصاص لا تعاد بالزيادة . فيخصص لا تعاد في عقد المستثنى منه ويكون منقلبا نسبة مع من زاد بناءً على تسليم المبنى ( لكن لا يجري معه أيضا ) لعدم محل لتخصيص من زاد . ولكن ورد الدليل بأنّه لا تعاد(4) الصلاة من سجدة وتعاد من ركعة بناء على لا يكون من سجدة مرادا بها الجنس . بل واحدة . الا ان مرسلة(5) سفيان بن سمط تدلّ على لزوم سجدتي السهو لكلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان وبقرينة تدخل عليك تختصّ بصورة الغفلة . فيكون من حيث عدم لزوم

أدلّة ابطال الزيادة

ص: 277


1- . الوسائل 6 الباب 2 - 3/1 الى 7 - 1 من أبواب تكبيرة الاحرام .
2- . الوسائل 5 الباب 13/1 من أبواب القيام .
3- . الوسائل 8 الباب 19/1 من أبواب الخلل .
4- . الوسائل 6 الباب 14/2 - 3 من أبواب الركوع .
5- . الوسائل 8 الباب 32/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

الاعادة في غير الخمسة نظير لا تعاد .

والحاصل دل قوله(1) من زاد في صلاته فعليه الاعادة على ان عدم الزيادة قيد للصلاة وان من زاد في صلاته قيد كما ورد مثل ذلك في الطواف(2) وكذا في المسافر اذا زاد(3) فعليه الاعادة فبمقتضى هذه الرواية لابدّ من الاعادة بمطلق الزيادة وان كان يظهر من بعضهم اختصاصها بصورة العمد فلا تشمل السهو . الا ان هناك خبرا آخر ظاهرا في خصوص حال السهو وهو قوله(4) من استيقن انه زاد في صلاته فلا يستقبل صلاته والخبر مصحح(5) زرارة وبكير ( إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها واستقبل صلاته استقبالاً اذا كان قد استيقن ذلك يقينا ) وفي بعض النسخ وضبط المحدثين زيادة ركعة بعد المكتوبة . وحيث اختلف نقل هذا الخبر فيقع الكلام في ان الأصل هل هي الزيادة أو النقصان . والظاهر ان النقصان يقع كثيرا سهوا والزيادة ليست كذلك . فعلى هذا لا يصلح الخبر باطلاقه لاثبات الاعادة في غير الركعة فيختص بها كما في أخبار(6) الكر حيث ان ما ذكروا من الزيادة والنقصان في النصف يجري فيه ان النقصان هو الظاهر فيكون مقتضى الجمع بين اخباره اثنين واربعين شبرا وسبعة أثمان اشبر ولا ينطبق ما ذكروا من سبعة وعشرين شبرا على الأخبار . وما ذكرنا ينطبق عليه بحسب نقل التواريخ في الرطل فيقارب الوزن والمساحة وان كان رواية إسماعيل

ص: 278


1- . الوسائل 8 الباب 19/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 13 الباب 33 من أبواب الطواف .
3- . الوسائل 8 الباب 17/1 - 2 - 4 - 6 - 8 من أبواب صلاة المسافر .
4- . الوسائل 8 الباب 19/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . الوسائل 1 الباب 9/8 - 7 من أبواب الماء المطلق .
6- . الوسائل 1 الباب 10/1 - 4 من أبواب الماء المطلق .

بن جابر(1) يؤيّد القول بستة وثلاثين شبرا . وعلى أي فلا ينعقد اطلاق للخبر المذكور فلا تعرض له بلا تعاد . بل مختص بالركعة سواء كان المراد من الركعة تمام الركعة أو خصوص الركوع . وحيث انه مختص بالزيادة للركوع أو الركعة وظاهر في السهو فلا يعارض لا تعاد الصلاة في عقد المستثنى منه بل هو موافق له في المستثنى . الا انه قد وردت(2) عدة أخبار بعدم قدح زيادة الركعة بل والركعتين . ولكن الأصحاب ما عملوا بهذه الروايات مع ان عليها جمهور المخالفين حتى الاوزاعي وأبي حنيفة وأحمد ومالك . وصدور هذه الروايات في زمانهم حيث لا يرون الاعادة بزيادة الركعتين محتمل لو لا مقطوع وهذا القدر كاف في عدم الظهور الدلالي المعتبر اللازم للأخذ مع ان كلّما ازداد صحة ازداد بعدا حيث لا عمل للمشهور على طبقها . وفي بعض الأخبار(3) انه اذا تشهد وفي بعضها(4) اذا جلس بعد الرابعة في صورة زيادة الخامسة فقد تمت صلاته ( او تامة ) ويضيف ركعة إلى الركعة فتكون نافلة . والجلوس في لسان الأخبار استعمل كثيرا في التشهد فيحتمل أن يكون في المقام كذلك والتشهّد اذا كان المراد به التشهد الطويل فهو مشتمل على السلام فخرج عن الصلاة فلا زيادة في صلاته ويمكن أن يشهد لذلك ضم الركعة فتصير نافلة . وعلى أيّ حال ليس العمل بهذه الأخبار فاطلاق ما تقدّم بحاله وعلى ما ذكرنا(5) في من استيقن فيكون مفاده متّحدا مع مفاد قوله(6)

ص: 279


1- . الوسائل 6 الباب 14/1 .
2- . الوسائل 8 الباب 19/7 - 9 من أبواب الخلل في الصلاة 1 الى 5 . مستدرك الوسائل 6 الباب 17/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الوسائل 6 الباب 13 من أبواب التشهّد 1 إلى 5 .
4- . الوسائل 8 الباب 19/4 - 5 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . الوسائل 8 الباب 19/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
6- . الوسائل 6 الباب 14/2 من أبواب الركوع .

عليه السلام في صحيح منصور ( سألته عن رجل صلّى فذكر انه زاد سجدة قال عليه السلام لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة ) والظاهر ان المراد بالركعة هو الركوع بقرينة مقابلته للسجدة ولو كان الركعة أيضا فهي مشتملة على الركوع فكلاهما يختصان بالركن فيكونان من هذه الجهة موافقين مع لا تعاد(1) .

حيث ان في ذيله ( ثمّ قال القرائة سنة والتشهّد سنّة ولا تنقض السنّة الفريضة الظاهر عدم لزوم الاعادة بالاخلال بغير الخمس . والمراد من السجود هو السجدتان وما ذكرنا سابقا من التعارض بالعموم من وجه بين لا تعاد وبين من زاد انما كان بناءً على عموم لا تعاد لصورة الزيادة . اما لو كان مسوقا لبيان حكم النقيصة كما هو ظاهر ومعلوم انه مختص بصورة السهو فقط فلا تعارض اصلاً لان لا تعاد يبين حكم النقيصة ومن زاد حكم الزيادة . وقد عرفت ان العموم المطلق بينه وبين من استيقن انما كان من حيث الاطلاق . فان لا تعاد مختص بصورة السهو مطلق في النقصان والزيادة ومن استيقن مختصّ بصورة السهو قطعاً مطلق من حيث الركن وغيره بالنسبة إلى الزيادة ففي الزيادة بالنسبة إلى الأركان متفقان بالاعادة . وفي الزيادة السهويّة لغير الأركان يعارض من استيقن عقد المستثنى منه في لاتعاد فحينئذٍ يخصص لا تعاد لانه في رتبته فيصير لا تعاد مخصصا ويبقى في النقصان السهوي لغير الأركان على حاله . فاذا تعارض لا تعاد مع من زاد فيخصّص بمن استيقن وذلك بناءً على أن يكون لا تعاد شاملاً لحال الزيادة ومن زاد أعم من السهو والعمد . والا فلو اختص من زاد بالسهو فيكون أخص من لا

ص: 280


1- . الوسائل 6 الباب 29/5 من أبواب القرائة في الصلاة .

تعاد فيخصصه كلّ ذلك اذا كان لا تعاد أعم من الزيادة والنقصان والا فلا تعرض لأدلّة الزيادة بالنسبة إليها . وكذا منه إليها ولو كان من زاد ومن استيقن غير مختص

بالركوع فيخصص الثاني بدليل لا يعيد صلاة(1) من سجدة ويعيدها من ركعة الظاهر في حال السهو وكذا الاول فيصير النتيجة من مجموع ذلك هو لزوم الاعادة عمدا وسهوا للأركان وعدم لزوم الاعادة في السهو لغير الأركان . بل في بعض الأخبار(2) لا شيء عليه وفي بعضها(3) يقضي بالنسبة إلى بعضها . وفي بعضها(4) مع سجدتي السهو . واذا لم يعد من سجدة كما في الأخير(5) فلا يعيد من تشهد

وقرائة ونحوها . ويعيد من الركوع وكذا ما في مرتبة الركوع من الأركان . فأدلّة الزيادة مع قطع النظر من لا تعاد افادت الاعادة للأركان وعدمها لغيرها سهوا للزيادة . وفي بعض الصور كان لا تعاد ( بمعزل ) عنها وقد يوافقه بعضها في عقد المستثنى كيعيد من ركعة ومن استيقن بناء على زيادة ركعة . وفي بعض الصور كانت المعارضة بالعموم من وجه . وعلى أيّ انتج الجمع بينها بناء على اطلاق من استيقن . وكذا لو كان مقيدا بخصوص الركعة لزوم الاعادة للأركان وعدمها بالسهو لغيرها على ما هو المسلم اليوم . الا ان مرسلة(6) سفيان بن سمط الظاهرة في السهو النصّ في الزيادة والنقصان تعارض الجميع حيث ان الظاهر منها ان بفعل السجدتين تصح صلاته بلا حاجة إلى الاعادة بضميمة المسلم من عدم لزوم

عدم البطلان بغير الخمس

ص: 281


1- . الوسائل 6 الباب 14/2 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 8 الباب 3/9 من أبواب الخلل .
3- . الوسائل 8 الباب 23/7 من أبواب الخلل .
4- . الوسائل 8 الباب 26/2 من أبواب الخلل .
5- . الوسائل 8 الباب 26/4 من أبواب الخلل في الصلاة .
6- . الوسائل 8 الباب 32/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

السجدتين اذا كانت باطلة . لكنها مطلقة بالنسبة إلى الركن وغيره لما تضمنت كليهما حيث انها ناطقة بتسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان . الظاهر من تدخل ان ذلك قهرا لا بالاختيار فبالنسبة إلى الأركان يخصّصها لا تعاد بلزوم الاعادة وتبقى في غير الأركان على حالها من لزوم سجدتي السهو الظاهر في الوجوب قوله تسجد بل آكد من الأمر ولكن من بعض الأخبار الصحيحة يظهر الاستحباب ففي بعضها(1) انه لا شيء عليه . وعلى أيّ حال لو كان لها سند تصلح مدركا لما يفتون من لزوم السجدتين لكلّ زيادة ونقصان لا لخصوص خمسة موارد أو أكثر .

وممّا ذكرنا يظهر حال المرسلة(2) مع قوله لا يعيد من سجدة ويعيد(3) من ركعة هذا .

ولا يخفى انه لو لم يكن لمن زاد اطلاق بالنسبة إلى العمد

والسهو فتخصص لا تعاد بالاخصيته والا فالنسبة عموم من وجه ولا وجه لاختصاصه بالعمد لعدم دلالة المادة ولا النسبة على ذلك . غاية الأمر الانصراف وهو على تقدير تسليمه بدوي . بل ظاهر حال من يريد أن يصلّي هو الاتيان بجميع ماله دخل في الصلاة فالسهو عن شيء خلاف طبعه الأول وكذا التعمد بالترك فرد نادر . ولذلك اعتبر في قاعدة الفراغ أن يكون بطبعه الاولى مريدا للاتيان والشكّ من ناحية الصارف فعلى هذا يكون امارة كاشفة عاديا عن الاتيان بالمشكوك . وكيف كان لو تعذر أحد القيود المعتبرة في المأمور به أو جزء منها فهل يسقط التكليف بالباقي أم لا ؟

بل يجب الباقي .

نسبة لا تعاد مع بعض الأخبار

ص: 282


1- . الوسائل 8 الباب 3/9 من أبواب الخلل .
2- . الوسائل 8 الباب 32/3 من أبواب الخلل .
3- . الوسائل 6 الباب 14/2 من أبواب الركوع .

قال الشيخ رحمه الله في ذلك وجهان . بل قولان . الا ان في باب الصلاة بحسب الأدلّة الثانويّة يجب الباقي غير باب الطهور . لكن البحث عام لجميع الأبواب سواء كان باب العبادات كالصلاة والصوم والزكاة وأمثالها أو غيرها كباب الكفارات الا ان التكليف تارة يكون متعلّقا بموضوع خارجي وتارة لا يكون له موضوع خارجي .

ففي الاول مقتضى القاعدة الأوليّة سقوط المقيد بانتفاء قيده فاذا وجب عتق رقبة مؤمنة أو اطعام مسكين وتعذرت الرقبة المؤمنة فهل يجوز عتق المطلق ولو كافرة فيكون ميسوره مثلاً أم لا ؟ بل اذا كان له عدل تخييري يتعين في صورة الانحصار أو تعذر وجود الحنطة مثلاً في الاطعام وقلنا بعدم الاكتفاء بالقيمة فهل يمكن كلّ شيء مثلاً أم لا ؟ لا مجال في هذه الموارد لوجوب الباقي بعد تعذر المتعذر لمكان الارتباطيّة حيث ان المولى يطلب المقيد فعند انتقاء القيد يشك في وجوب الفاقد وهو مجرى البرائة كما تقدم الكلام في ذلك في ما اذا كان لمتعلّق التكليف موضوع خارجي في التكاليف التحريميّة والوجوبيّة من وجوب خصوص الأقل وحرمته والشكّ في الزائد فتجري البرائة . وكذا لو لم يكن لمتعلّق التكليف موضوع خارجي بل كان كالصلاة عبارة عن الأفعال الخارجيّة فلا تعلّق لها بموضوع خارجي حيث تقدّم ان الجامع للقيود في التحريميّة ( حرام ) والأقل المتيقن في الوجوبيّة ويكون الفاقد في التحريميّة لبعض القيود أو الأقل في الوجوبيّة حيث انه فرد مشكوك الوجوب والتعلّق مجرى البرائة في التكاليف الاستقلاليّة ولا فرق بينها وبين غيرها وذلك لمكان الاطلاق من أدلّة الاجزاء

وجوب الباقي بعد العجز

ص: 283

والشروط سواء كانت مثل لا صلاة إلاّ(1) بطهور أو بلسان ان الشيء الفلاني شرط في كذا أو بلسان الأمر والنهي ( أيت بكذا أو لا تلبس الحرير في الصلاة ) وليس للقدرة دخل في الملاك بل هي شرط حسن الخطاب حيث يقبح مطالبة العاجز فلو فرض محالاً انه متمكن من اتيان المأمور به فالملاك في حقه فعلى .

فاذا تعذر عليه جزء أو قيد تعذّر الكل لتقيده بهما والاطلاق شامل لحال القدرة والعجز وليست القدرة شرطا شرعيّا في هذه الموارد ولو أخذت في لسان الدليل لأن القدرة المأخوذة في لسانه تكون على نحوين فتارة يكون مفاد الدليل مفاد لا حرج « وما جعل عليكم في الدين من حرج »(2) و « يريد اللّه بكم اليسر »(3) واخرى تكون مثل الواجد للزاد والراحلة أو البالغ المدرك للوقت وتسمّى الثانية بالقدرة الشرعيّة في قبال الاول فان القدرة العقليّة ليست مرادة وموضوعة للتكاليف في قبال المشاقّ العرفيّة بل القدرة هي ما لا يكون في متعلّقها مشقّة على المكلف فتكون عقليّة وإلا فزاد شرطا أخر بلا مشقة فتكون شرعيّة وتبيّن ان مقتضى القاعدة هو سقوط الباقي كما ذكرنا فلا يكون التكليف بالباقي بعد تعذر جزء أو قيد لتقدّر الضرورة بقدرها وذلك لان الملاك يمكن أن يكون محفوظا ولو بعد التعذر فلا يقيّد بسقوط الجزء أو القيد المأمور به وينحصر بالباقي . بل لابدّ في ذلك من قيام دليل وقد قام في باب الصلاة الأدلّة الخاصّة كمن

عجز عن القيام(4) يجلس ومن عجز عن الانتصاب ينحني غاية الأمر بالنسبة إلى

ص: 284


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 من أبواب الوضوء .
2- . سورة الحج: 79 .
3- . سورة البقرة: 186 .
4- . الوسائل 5 الباب 1 من أبواب القيام.

بعض أفراد القيام ومراتبه لا اطلاق كما اذا قدر على القيام كهيئة الراكع بالنسبة إلى غير المتقوس خلقة أو انزل من الركوع إلى أن يصل إلى حد يرفع فخذيه فقط . فلا يصدق القيام حينئذٍ . وكذا اذا لم يقدر على الاستقلال فيعتمد(1) على عصا أو جدار أو لم يتمكن من القيام مستقرّا بل مضطربا مثلاً فيجلس واقفا متمكنا . ولكن بالنسبة إلى غير باب الصلاة وبالنسبة إليها في غير هذه الموارد . الأدلّة موجودة كدليل الميسور ( واذا أمرتكم(2) بشيء فأتوا منه ما استطعتم ) ( وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه )(3) حيث انه لا يحتاج إلى سند بعد شهرته وارتكازيّة معناه بين العقلاء حتّى الصبيان وان كان الاخيران قابلين للاشكال من جهة أن يكون المراد من الشيء هو الكلي لا الكل كما هو مورده في الحج حيث سئل(4) رسول اللّه صلی الله علیه و آله أفي كلّ عام الاّ ان لنا غنى مع الميسور . وهو يشمل المركبات الاعتباريّة والماهيّات المخترعة . وظاهر ان الميسور من الشيء لا يسقط بالمعسور منه بالنسبة إلى خصوص الكل لا الكلّي فيكون الميسور بعض أفراد العام الاستغراقي وتعسر بعض أفراده الآخر . بل الظاهر شموله أو اختصاصه بالكلّ الاعتباري وتشخيص موارده موكول إلى العرف فاذا رأوا شيئا ميسورا عن شيء فيجب بسقوط المعسور منه وليس ذلك أمرا مبهما أو مجملاً فيصدق على المسحة الواحدة من الوضوء أو غسلة كذلك انها ميسورة من الوضوء . ولكن الاشكال فيه إنّما من جهة عدم عملهم به الا في بعض الموارد في الصلاة ( فيكون مثل دليل القرعة حيث انه

ص: 285


1- . الوسائل 5 الباب 10/1 إلى 4 من أبواب القيام .
2- . بحار الأنوار 22/31 عن مجمع البيان .
3- . عن عوالي اللئالي 4/58 ح207 .
4- . بحار الأنوار 22/31 عن مجمع البيان .

ما عملوا بها الا في بعض الموارد ) وما عملوا به على اطلاقه كما في باب فاقد الطهورين حيث ان الباقي ميسور . ولكن ما التزموا به وكما في مفطرات الصوم وبعض موارد الحج حيث يكون ميسور ومع ذلك ما قالوا في التيمم والوضوء وإن كان في الثاني ورد الدليل(1) بأنّه لا يتبعض الا انه لم يرد في التيمم .

وهنا كلام للاستاذ المحقّق النائيني قدس سره (2) وهو ان المعسور ربما يكون بمرتبة

من الأهميّة يكون باقي أجزاء العمل أو قيوده في جنبه كالحجر في جنب الانسان فلا يصدق على هذا الباقي انه ميسوره . بل يكون مباينا للمأمور به غير مرتبط به كما استكشفنا ذلك في الطهور . حيث ان مع فقدان جامعه يسقط أصل الصلاة . وكما في الركوع والسجود حيث ان الفاقد لهما لا يتكفل شيئا فلهما بالنسبة إلى غيرهما من أجزاء الصلاة وقيودها أهميّة ليست لغيرهما . فحينئذٍ عند التعذّر لا يكون الباقي ميسورا واذا استكشفنا ذلك من الأدلّة . فهو والا فليس تشخيصه بنظر العرف بل هو أمر منوط إلى الشارع وللميسور الواجب شرط وهو أن يكون متضمّنا للأهم ولا يكون المعسور شيئا يكون الباقي بالنسبة إليه كلا شيء فحينئذٍ يكون لكلّ الفقهاء في الموارد الخاصّة متواصلاً عن السلف إلى الخلف ومن الخلف إلى السلف إلى زمان أصحاب الأئمّة حيث أخذوا ذلك عنهم وهم بيّنوا لهم . وكشفوا لهم فعند ذلك لابدّ من الاقتصار على مورد العمل من حيث استكشافه موارد تطبيق القاعدة وجريانها .

اشكال: استشكل في جريان قاعدة الميسور في ما اذا تعذر جزء أو شرط

ص: 286


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 33/2 من أبواب الوضوء .
2- . فوائد الأصول 4/256 وما بعده .

من المأمور به والمكلّف به . بأنّه إنّما تجري فيما اذا كان المتعذّر غير مقوم للمكلّف به فان الاجزاء والقيود يمكن أن تكون بحسب الواقع لكلّ منها دخل تقوّمي بمعنى ان بوجوده يتحقق حقيقة الشيء والباقي كأنّه زائد . وتارة يمكن الدخل بغير هذا النحو . فاذا أمكن هذا النحو ان في مقام الثبوت فلابدّ في جريان القاعدة من احراز ان الجزء أو الشرط ليس على النحو الأوّل فيكون مقوّما للشيء . وإلاّ فلا ميسور للشيء بل هو شيء مباين لا ربط له بالمكلّف به ويمكن استكشاف ذلك في مقام الاثبات عن بعض الأدلّة مثل ما ورد في ان الصلاة ثلثها(1) طهور وثلثها ركوع وثلثها سجود . وحيث ان تثليث الصلاة بهذه الاثلاث لمكان مقوميتها لها كي لا يكون الصلاة تصدق بدونها الا أن يكون المقوّم هو معظم الاجزاء فاذا لم يكن الصلاة مع الطهور فلا صلاة أصلاً لا انه يأتي بها بلا طهور . كما أفتوا بعدم اللزوم

وكالوقت مثلاً حيث ان له دخلاً ركنيّا . وليس كذلك الستر والقيام مثلاً . فاذا لم يتمكن من القيام يجلس وإن لم يمكن فيضطجع والا فيستلقي وهكذا . ولما لم يعمل أصحاب في كلّ مورد بالقاعدة مع صدق الميسور في بعض الموارد وربما يشخصون المقوم من غيره وليس عليه العمل فيستكشف من ذلك ان القاعدة ليست على اطلاقها بل لها مورد خاص أخذ اللاحق من السابق إلى ان وصل إلى زمان المعصوم سلام اللّه عليه وكشف تقريره عليه السلام لهم في ما يعملون بالميسور وفي ما لا يعملون عن مورده . وان المقوم ايّها وايّها ليس من المقوم بل من الغير الركني الذي لا يدور عليه المكلف به وليس ذلك ببعيد . بل البعيد أن يكون للرواية قيد أو مخصّص تواطؤا على عدم كتبه فان الورع والتقوى لهم

اشكال قاعدة الميسور

ص: 287


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 9/1 من أبواب الركوع . مع تقاوت في اللفظ غير مضرّ .

يمنعهم عن القول والعمل بلا دليل . فكيف ما عملوا باطلاق هذه القاعدة وكيف كتموا ما لو صدر عن المعصوم في مثل هذه المسئلة مع ان الامام عليه السلام يحث(1) أصحابه على الكتب بل ربما كان ينظر(2) في ما كتبوا وان يضبطوا الكلمات(3) بالاعراب وليس من السابقين من العلماء والرواة الا فتاوى بعضهم ومن فتاويهم نستكشف عملهم الكاشف عن تقرير المعصوم عليه السلام . وحيث ان السيرة بنفسها دليل كاشف عن موارد القاعدة ما احتاجوا إلى كتبها . بل تناقلوها صدرا عن صدر . ولو كان الامام عليه السلام في بعض الموارد بين لهم بقول لكتبوه بل اما منعهم في بعض الموارد فما عملوا او لم يعملوا الا في بعضها فقررهم . ومعلوم ان تقرير الامام كفعله وقوله عليه السلام حجّة . وهذه السيرة أيضا باعتبار كاشفيتها عن ذلك تكون حجة والا فبما هي هي ليست شيئا . كما ان الاجماع الذي نقول بحجيته هو ما يكشف عن وجود دليل لو ظفرنا به لحكمنا على مقتضاه أو يكشف(4) عن رأي أصحاب الامام والمعصوم عليه السلام الكاشف عن رأي زعيمهم وهو الحجّة . فبهذا الاعتبار ليس الاجماع دليلاً في جانب ساير أدلّة الفقه . بل هو راجع إلى السنّة وإلاّ فلا يصلح الاعتماد عليه . والسنة أيضا راجعة إلى الكتاب كدليل العقل فالدليل واحد فقول الامام قول النبي

ص: 288


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/16 - 17 الى 21 - 31 - 32 - 74 الى 78 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/16 - 17 الى 21 - 31 - 32 - 74 الى 78 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/25 من أبواب صفات القاضي .
4- . كما في اعتبار كون مال المضاربة من النقدين لا غيرهما سواء كان اسكناسا أو من العروض ولا دليل لهم في ذلك إلاّ الاجماع واعتبار ذلك مسلّم عندهم .

صلوات اللّه عليه وآله وقوله قول اللّه . هذا ممّا لا اشكال فيه . فهذه السيرة القطعيّة

العمليّة من الفقهاء متصلة إلى زمان المعصوم وأصحابه وتكشف عن رأي الامام عليه السلام في موارد جريان القاعدة وتشخيص المقوم من غيره . وما اذا يصدق الميسور مما لا يصدق . والا فبالنظر إلى نفس الرواية لا اشكال فيها ودلالتها ظاهرة . فاما ان كانت مقيدة بشيء سقط عن الرواية وما ضبطوه في كلّ مورد وجامع نقلوا هذه الرواية . وامّا أن تكون ما قلناه مع ان ليس لها مخصص ومقيّد في الجوامع الأربع المتقدّمة ولا الثلاث المتأخّرة وكذا في غيرها مثل الاشعثيّات والدعائم والفقه الرضوي وما كان لهم خدشة في سند الرواية . فان الرواية عمل الأصحاب بها في بعض الموارد وهو كاف في جواز الاعتماد عليها . وليست دلالتها غير واضحة بل لها ظهور في الميسور العرفي بعد المعسور ففيما صدق الميسور للشيء بعد سقوط بعض اجزائه وقيوده تدلّ على لزوم الاتيان . به وان الفاقد لازم الاتيان ومعلوم ان الظهور كما ثبت في محله حجّة متبعة لازم الأخذ بها . ولكن تريهم يجرونها في ما لا يصدق الميسور العرفي ولا يجرونها في ما يصدق الميسور العرفي .

( وإذا شككنا في مورد ان الميسور هل هو الفاقد أم لا من جهة احتمال المقومية لشيء تعسر فلا مجال لجريان استصحاب الاجزاء السابقة على حال العسر . وذلك لعدم اليقين ببقاء الموضوع لاحتمال ان الباقي شيء مباين للسابق المتيقن . فلو جرت القاعدة لا تصل النوبة إلى الاستصحاب والا فلا يجري الاستصحاب أيضا كما يأتي بيانه في محلّه إن شاء اللّه . وذلك يكشف عن كون نظرهم في ذلك إلى تشخيص المقوم من غيره كما قالوا في باب الوضوء لمن يجف

اعتبار قاعدة الميسور ومجراها

ص: 289

بلّة يده اليمنى للمسح وكلّما يتوضّأ يجف . انه لابدّ اذا من المسح بالبلة فانه من باطن الكف فاذا جف فمن الظاهر وان لم يكن فمن أعلى اليد والا فمن اليسرى إلى أن يصل إلى بلّة الحاجب واللحية غير المسترسلة وذلك من جهة احتمال مقومية البلة في المسح للوضوء . وكذا عن بعضهم ان لو تعذر البلة فجنسها من ماء جديد وعن بعضهم أصل المسح باليد وإن كانت جافة لاحتمال مقوميّة أصل المسح . وعن بعض ضمّ التيمم وليس ذلك الا لاختلافهم في المقوم وورعهم يردعهم من القول بلا دليل والمشي على غير سبيل . هذا محصل تقريب الاشكال وخلاصته في جريان القاعدة ان الاجزاء والقيود المعتبرة في المأمور به تارة تكون من الاركان ومقوّمات المأمور به والباقي انما هو بمنزلة كماله . فاذا تعذر مثل هذه فلا محل لجريان القاعدة اما اذا كان المعسور غير هذه بل من ساير القيود والاجزاء التي ليس لها دخل في ركنيته ومقومية المأمور به فلا يسقط ميسورها وما هو المقوم والركن بالمعسور الذي هو غيرها . ففي مورد علم ان المتعذر هذا أو ذاك فلا كلام . وتجري فيما إذا كان المعسور من غير المقوم ولا تجري اذا كان منه .

وإذا شككنا ولم يستفد من بيان الشارع ذلك فيكون التمسك بالميسور في وجوب الباقي أو بقائه على ما كان عليه . من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة ومن المسلم انه لابدّ من جريان الكبرى وتطبيقها على مورد من وجود صغرى له وعلى هذا فيكون حقيقة القاعدة غير مرادة باطلاقها . بل كانها مقيدة بقيد . ولابدّ من تشخيص مواردها ومصاديقها من دليل من الشارع .

ولكن كون المناط هو المقوم والركن لا يستقيم . فأيّ خصوصيّة في الطهور حيث تسقط الصلاة لأجله مع مساعدة العرف ان الفاقد للطهورين ما اعوزه

ص: 290

المقوم . بل الصلاة مجردة عنه ميسورة بالنسبة إليه . وكذا نرى كثيرا في الأركان اذا تعذر يجرون القاعدة في الباقي . إلاّ أن يقال في باب الصلاة لأنّها لا تترك(1) بحال . اليوميّة والطواف(2) لما في النصوص الخاصّة لابدّ له من فعل الباقي . وكذا يدعي الاجماع بالنسبة إلى فاقد الطهورين من انه لا تكليف عليه . فبهذا تختص القاعدة بغير باب الصلاة من أبواب الفقه . الا انه مع ذلك لا يمكن الالتزام بهذا وانهم كانوا سمعوا من المعصوم علیه السلام موارد جريان القاعدة أو قررهم عليه السلام وهم ما ضبطوا ذلك وما نقلوه إلينا مع شدّة حرصهم في ضبط الأحاديث وكتبها كالكليني رحمه الله حيث جمع الكافي في مدّة عشرين سنة لتصحيح الروايات اسنادا إلى رواتها . وكذا ساير المؤلّفين من الأصحاب في الحديث حتى انه ما كان له الصبر إلى الصباح في قرائة الكتاب عن شيخ الاجازة مع صحّة اسناد الكتاب إليه . بل قرءوا عليهم وعرفوا صحّة اسناد المؤلّفات إلى مؤلّفيهم فضبطوا ذلك في جوامعهم بتوسط مشايخ الاجازة . فهنا ظهر فائدة الاجازة والانتفاع بمشايخها . واذا لم يكن الرواية في كتاب بعض فرواه آخر أو سقط في ما سقط ما كتبه ابن أبي عمير . الا ان أمثال هذه الكتب والأحاديث ما كان منفردا بنقلها بل نقلها غيره من أصحاب الأئمّة علیهم السلام . بل هو نفسه أيضا أرسل الروايات وإنّما الضايع اسنادها ولا يوجد موضع من اجماع وغيره الا ومنهم عليهم السلام رواية ولو مرسلة واردة فيه حتى ما قلناه في مثل المضاربة واعتبار كون المال من النقدين ومع هذا فوصل إليهم بيان في ذلك أو تقرير وما نقلوه وما ضبطوه ومسئلة فاقد الطهورين أيضا

موارد تطبيق القاعدة

ص: 291


1- . الوسائل 2 الباب 1/5 من أبواب الاستحاضة وردت في المستحاضة .
2- . الوسائل 13 الباب 47/1 إلى 8 من أبواب الطواف .

لابدّ فيها من تشخيص ان الوقت أهم أو الطهور وإنّما استكشف تقدم الوقت على خصوص المائي من الطهارة وبالنسبة إلى الجامع يمكن أن يكون هو مائي الجامع أهم فيلغوا خصوصيّة الوقت ويأتي في خارجه مع ان الاجماع المدعى في سقوط التكليف عنه أداءً ليس اجماعا بل شهرة عظيمة بذلك وفي المقابل قال بعضهم بوجوب الصلاة عليه في ذاك الحال فاقدا ( كما لعلّه عن والد السيّد المرتضى أو هو نفسه ) وبعض قالوا بوجوب القضاء عليه في قبال من أسقط عنه كليهما أو ثبت كليهما وذلك من جهة فوت الصلاة عنه أو ( من فاتته فريضة فليقضها )(1) وان كان فيه ان الفوت ما تحقّق بالنسبة إليه لأنه ما كان شيء واجبا عليه حتى فاته فيجب قضائه . ولكن النص في لزوم القضاء في المقام موجود وهو من صلّى بغير طهور ( زرارة(2) عن أبي جعفر علیه السلام اذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء أو كان عليك قضاء صلوات أبدأ بأولهنّ فاذّن وأقم وهو باطلاقه شامل لمن كان عنده الماء ونسي وصلّى بغير طهور أو لم يكن له ماء وصلّى . الا ان يدعى منع الاطلاق وشموله لفاقد الطهورين وهو بمكان وأيضا إن كان المناط هو صدق الميسور بالركنيّة ويكون الباقي من الأركان فتقدم انه كثيرا ما ليس على هذه ( الحال ) فقد قالوا في مشتبه القبلة بلزوم الصلاة عليه إلى الجهة المحتملة مع عدم نص الا الى أربع(3) جهات وتجري القاعدة وان كان عملهم كاشفا من الحجّة المعتبرة فهو أنّما يفيد اذا لم يكن مستندا إلى المدرك والا فننظر إلى المدرك ونريهم قد يتمسكون في الموارد بأدلّة اخرى وذلك يخرج المقام عن كون المدرك هو الاجماع

ص: 292


1- . الوسائل 8 الباب 6/1 من أبواب قضاء الصلوات مع تفاوت في الألفاظ .
2- . الوسائل 8 الباب 1/4 من أبواب قضاء الصلوات .
3- . الوسائل 4 الباب 8/4 - 5 من أبواب القبلة .

التعبّدي . ونفس الشكّ في ذلك كافٍ كما انّه ربما تمسّكوا بمثل لا صلاة(1) إلاّ بطهور في بيان عدم لزوم الصلاة بلا طهور فيكشف من ذلك ان قوامها بالطهور . وذلك أيضا ممنوع لأنّ لسان لا صلاة إلاّ بطهور مع لسان لا صلاة(2) إلاّ بفاتحة الكتاب ومن لم يقم(3) صلبه متّحد . ولا فرق بينها ويبن أدلّة اعتبار الأجزاء والقيود بمثل الأمر وكون المراد من الميسور شيئا خاصّا مع انّه ألقى الخطاب إلينا وهو كتمه عنا وما بين موارد يكون فيها المقوم باقيا فتجري القاعدة ومتعذّرا فلا تجري ممنوع غايته وكيف من الشارع ذلك .

نعم إذا كان هناك اجماع على النحوين اللذين تقدّما ما إذا كشف عن وجود دليل لو ظفرنا به لحكمنا على مقتضاه وما كشف عن رأي المعصوم يكون متّبعا إلاّ أنّ أحدهما لا يوجد والآخر بعيد من بين الأربعين وجها ذكر مدركا لحجيّة الاجماع بأقسامه من اللطفي والحدسي والذي ركن إليه المتأخّرون من باب كشف اتّفاق جماعة عن رأى الامام علیه السلام . ومعلوم انّ ذلك إذا أفاد القطع يكون حجّة . والتشرفي الذي يتشرّف فيه المدعى للاجماع خدمة الامام علیه السلام ولمكان مانع من اظهار ذلك يبين السبب ويعبّر عنه بالاجماع . وعمل الأصحاب في الموارد مختلف من جهة تشخيص المقوم . فبعضهم قال في مسئلة الميت المتعذّر في تغسيله الخليطان بلزوم تغسيله بالقراح من جهة ان المقوم هو الماء والخليطان إنّما هما كمال ذلك ولا يكون بالعكس . إذا لم يكن الماء فيلزم الخليطان ولو بغير الماء وبلا ماء . وبعضهم قال بوجوب القراح عليه ويسقط الخليطان عند التعذّر . وآخر

المناقشة في تطبيق القاعدة

ص: 293


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 - 6 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 6 الباب 1/2 - 6 من أبواب القرائة في الصلاة .
3- . الوسائل 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام .

إلى لزوم الاحتياط بتغسيله ثلاث مرّات بالماء وضمّ التيمّم أيضا من جهة انّه لابدّ من أحد الأمور وحيث اشتبه فجمع بينها . وبعضهم استفاد الاكتفاء بالماء من المحرم الذي لا يقربه الكافور حيث يغسل بالقراح بتنقيح المناط القطعي . فكشف ان المقوم هو الماء . الا ان الالتفات إلى قضيّة أبان(1) يمنع ذلك . حيث انّ فيها انّ السنّة إذا قيست محق الدين فيما إذا استبعد بل قطع بكذب أن يكون لثلاث أصابع المرأة ثلاثون وللأربع عشرون فان هنا من أحسن موارد القياس وأقواها أفادة للظن بل العلم . فاذا تبين أن لا يمكن تخصيص القاعدة بمثل هذه الأمور إلاّ انّه ربما يمكن الاستفادة من رواية عبدالأعلى(2) ما يفيد في المقام حيث انّ الامام علیه السلام قال له: يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه عزوجل « ما جعل عليكم في الدين من حرج »(3) مع ان المسح الذي يكون على العضو يجتزي به على المرارة واستفادة ذلك من الآية الشريفة ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) ممّا لا يعرفه أفهام العرف فيكون شاهدا لما نحن فيه .

عود على بدء قد مرّ ان المستفاد من قاعدة الميسور اعتبار أن يكون عرفيا الا ان عمل الأصحاب لم يكن على حسب ذلك بل ربما يكون المورد ميسورا عرفيا ولا يجرون فيه القاعدة بخلاف بعض آخر فيجرون كما في باب الصلاة في حقّ من لا طهور له فانّ الميسور صادق عرفا على الصلاة بلا طهارة وما قالوا بلزوم الأداء .

نعم قيل عن جماعة بلزوم القضاء . فهذا يكشف عن انّ الميسور لا يراد به

ص: 294


1- . وسائل الشيعة 29 الباب 44/1 من أبواب ديات الأعضاء .
2- . الوسائل 1 الباب 39/5 من أبواب الوضوء .
3- . سورة الحج: 79 .

العرفي بل الميسور هو الميسور الشرعي . الا ان تشخيص ذلك منوط بعمل الأصحاب حيث ان الورع وتقويهم يمنعهم من القول والفتوى بغير دليل فعملوا بالميسور مثلاً في باب الصلاة وما عملوا في الوضوء والغسل وعملوا في التيمّم وإن كان في الوضوء النص(1) بعدم التبعض . فاما ان ظفروا بدليل في المسألة يبين لهم الضابط في الميسور فعملوا به في ما عملوا وأخذوا به دون ما نرى موردا وليس ينطبق عليه الضابط أو ان الأئمّة علیهم السلام يبنوا لهم وقرروهم على جريانها في مواردها خصوصا مع ما كانوا عليه من الحرص على جمع الأخبار وتدوينها في كلّ باب حتّى الخلوات والأكل والجلوس على المائدة وغيرها . فاذن يكشف لنا فتواهم المتّصلة إلى زمان المعصوم علیه السلام وإليه عن رضاه وتقريره وبيان مواردها أو اعطاء الضابط الكلي اذا أمكن الانضباط بحسب الموارد وإن كان في باب الصلاة مثلاً توجد النصوص في كلّ مورد وتتبدّل الوظيفة من حال إلى حال إلى أن يكتفي بالاخطار بالبال أو الاكتفاء من كلّ ركعة بالتسبيحات أو غير ذلك بل ربما لا يصدق هناك الميسور .

هذا محصّل ما ركن إليه المحقّق النائيني قدس سره في المقام الا ان للاشكال فيه مجالاً واسعا اذ احتمال أن يكون الميسور هو الميسور الشرعي وإن الأصحاب بين لهم ذلك وما ضبطوا ذلك وما كتبوا بل أوصلوه إلى أخلافهم من الصدور إلى الصدور أو كان هناك نصّ لو ظفرنا به لقلنا بمقالتهم في موارد ما قالوا واجروها مقطوع العدم . فلا نحتمل ذلك بل نقطع بخلافه بل الميسور هو الميسور العرفي فاذا صدق في مورد عنوان الميسور كان مجرى القاعدة واذا لم يصدق لا تجري غاية

الاشكال على كلام النائيني

ص: 295


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 33/2 من أبواب الوضوء .

الأمر في بعض الموارد الذي يصدق الميسور ولا عمل للأصحاب هناك إنّما هو لمكان النصّ الخاص حيث ان القاعدة دليل مطلق عام قابل للتخصيص والتقييد كما في باب الوضوء فلم يعملوا بالقاعدة هناك وكذا في باب الصوم اذا يقدر على الصوم الاّ نصف اليوم وكما في بعض أبواب الحجّ في الوقوف حيث ورد الدليل بالاجزاء بالميسور بخلاف بعضها الآخر فلم يعملوا ( يشهد بذلك تمسك الأصحاب في موارد العمل بالقاعدة بصدق الميسور العرفي ) وليس المراد من الميسور هو الميسور عند الشارع حتى يحتاج تشخيصه بعمل الأصحاب . بل دليل القاعدة وسندها مستغني عن الكلام فيه ودلالتها واضحة في الميسور العرفي وظاهرة في خصوص الميسور من اجزاء الكل فاذا لا يبقى مورد كان العمل عليها وتكون هي المعوّل الا ويصدق الميسور العرفي وليس مورد يصدق ولا تجري الا لمانع من مخصّص أو دليل خاص هناك حتى في باب صلاة فاقد الطهورين الذي أفتى الأصحاب بسقوطها عنه واجروها مجرى قصد القربة يمكن أن يكون تعويلهم على الرواية(1) الواردة في الصلاة بلا طهارة مع القوم حيث يهدّده بالخسف .

فتبين ممّا ذكرنا ان ليس المراد من الميسور في القاعدة الا العرفي في اجزاء الكل ويمكن أن يكون في العام أيضا وإن عدم العمل في مورد صدق الميسور إنّما هولمكان الدليل الخارجي الذي هو بمنزلة المخصّص والمقيّد للقاعدة . وممّايؤيّد القاعدة في مضمونها خبر عبدالأعلى(2) في المسح على

ص: 296


1- . الوسائل 1 الباب 2/1 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 1 الباب 39/5 من أبواب الوضوء .

المرارة حيث انه علیه السلام يبيّن للسائل انّ المسح على المرارة مع ان المرارة تباين البشرة وان تعذر المقيد لا يوجب سقوط المطلق بل المسح على المرارة ويعطي الضابطة الكليّة لقوله علیه السلام هذا وأشباهه يعرف من كتاب اللّه وبين مورد الاستفادة

وانه آية « ما جعل عليكم في الدين من حرج»(1) وإن كان يمكن الخدشة في ذلك بأن يعرف معلوم ولكن الكلام في ان العارف من هو اهو يكون من خوطب بالقرآن(2) فان القرآن إنّما يعرفه من خوطب به . الا ان ذلك ضعيف بأن المراد من هذا علم الناسخ والمنسوخ والمتشابه من القرآن والا فمعرفة الظهور منهم غير منكر فما ورثك(3) من القرآن أو ورثه حرفا في غير الظواهر . ومن هنا يظهر وجه الاستدلال في نحو ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه(4) وانه يستفاد منه عدم ترك المقدور والميسور بغيره في الأفراد من العام وفي الأجزاء من الكل لعموم ما لكليهما . وأمّا قوله علیه السلام اذا أمرتكم(5) بشيء فأتوا منه ما استطعتم . فالمحقّق النائيني مع قوله في ما لا يدرك بالعموم للكلّ والكلّي لأجزاء الأول وافراد الثاني فيبقى الممكن من فعلهما على حالهما ولا يتركان بغير الممكن والميسور منهما . قال في(6) هذا الخبر باختصاصه بأفراد الكلي وذلك لقوله فيه ( منه ) وإلاّ فالشيء يشمل أفراد الكلي وأجزاء الكل كليهما كما يشمل ما في الأوّل وان منه للتبعيض وهو إمّا أن يكون في أجزاء الكل أو أفراد العام ولا جامع قريب بينهما يجمعهما

ص: 297


1- . سورة الحج: 79 .
2- . الوسائل 27 الباب 13/25 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 6/27 من أبواب صفات القاضي .
4- . عن عوالي اللئالي 4/58 - 207 .
5- . بحار الأنوار 22/31 .
6- . فوائد الأصول 4/254 - 255 .

فلابدّ من الاختصاص بأحدهما فيصير مجملاً . الا انه لمّا طبق وورد في خصوص أفراد الكلي فيصير قرينة على ارادة ذلك المحتمل فيكون مخصوصا بأفراد الكلي .

فقد روى انه قال صلی الله علیه و آله (1) في خطبته ان اللّه كتب عليكم الحج فقام عكاشة أو سراقة بن مالك فقال في كلّ عام يا رسول اللّه . فأعرض عنه صلی الله علیه و آله مرّتين أو ثلاثا فقال: ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم . واللّه لو قلت نعم لوجب ولو وجب ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم وانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبياءهم فاذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه . والكفر المذكور ليس معنيا في مقابل الاسلام بل له معاني واستعمالات .

تكميل وتوضيح: قوله علیه السلام فاذا(2) أمرتكم بشيء فأتوا منه مااستطعتم مع قطع النظر عن المورد ظاهر في التبعيض في الأجزاء فيصير المعنى اذا أمرتكم بشيء فأتوا من أجزائها ما استطعتم . فيدلّ على المقام نظير قاعدة الميسور بناءً على اختصاصها بالأجزائي واحتمال أن يكون من فيه بمعنى الباء أو البيان خلاف الظاهر . فالرواية بناءً على تبعيضيّة من تكون كقاعدة الميسور كما قلنا . وبناءً على أن يكون من بمعنى الباء يكون المعنى فأتوا به مااستطعتم أي ما دمتم مستطيعين قادرين على الاتيان فيدلّ على لزوم التكرار في الأوامر ويختصّ بالأفراد ويحتمل أيضا كون ما موصولة أي فأتوا من افرادها أي الطبيعة الافراد التي تقدرون وتستطيعون على اتيانها . وبناءً على بيانيّة من فأتوا ما استطعتم الذي هو

شمول دليل القاعدة للكل والكلّي

ص: 298


1- . بحار الأنوار 22/31 .
2- . عن عوالي اللئالي كما مرّ .

الشيء فيدلّ أيضا على التكرار في الأفراد ( ولا يكون ما استطعتم بناءً على بيانيّة من ظرفيّة ) ويمكن قريبا على الاحتمال الأوّل الذي كان مبناه على التبعيض أن يكون ظاهرا في الأفراد أيضا غاية الأمر قدم الظرف وهو منه فالمعنى ما استطعتم منه أي الأفراد التي تستطيعون من هذه الطبيعة والشيء المأمور به . ولا مانع من أن يكون ظاهرا في كليهما كما استظهرنا ذلك في قاعدة الميسور . فان الشيء هو الجامع بين الفردين والقسمين ( أقول: كون الشيء هو الجامع لا يجدي لأنّه ليس متعلّقا لأمر فاتوا ) .

وكيف كان فالظاهر من الخبر مع قطع النظر عن المورد هو التبعيض ( أقول لما كان منه راجعا ضميره إلى الشيء المذكور يقوي بناءً على التبعيضيّة اختصاصه بالأجزاء بل لعلّه يتعين فتأمّل ) .

وذانك الاحتمالان بعيدان أحدهما أبعد من الآخر الا انه لما كان المذكور في الرواية موردا السؤال عن لزوم التكرار كما يدلّ عليه قوله أفي كلّ عام وهو لا يناسب كون الخبر واردا في بيان الأبعاض والأجزاء الا ان فيه بعدا من جانب آخر حيث ان ظاهر قوله فأتوا منه الوجوب وبقرينة المورد لابدّ أن يحمل على الأفرادي لا الأجزائي . ولما كان صدر الرواية انه لا أقول نعم فلو قلت لوجب وتركتم لعدم الاستطاعة وكفرتم فهو صريح في عدم قوله نعم وانه ليس بصدد ذلك ويكون قوله بعد هذا فاذا أمرتكم بشيء الخ لا يستقيم فانّ فيه تنافيا مع صدر الرواية ويتهافت الكلام فيقرب كون قوله علیه السلام ذلك ابتداء كلام وعنده انتهى جواب السائل وختم .

وانه لا يقول نعم وما قال فيجب صرف الوجود من الحج ولكنه تفضل بعد

المناقشة في دلالة الخبر

ص: 299

ذلك لبيان كلام آخر ( لعلّه الزمهم لا يسئلون عنه بأنّه إذا أمرتكم بشيء فأتوا من هذا الشيء عند عدم القدرة على الاتيان به ما استطعتم من أجزائه ولا تتركوه عند فقد القدرة على بعض أجزائها . الا أن يقال ان قوله علیه السلام الجواب في الرواية وتأبيه عن قول نعم لما ذكر لمكان تقدّمه يصير قرينة حافة بالكلام موجبة لظهور الأمر في الاستحباب فيدلّ على استحباب التكرار في المأمور به أي شيء كان وينطبق على المورد مع ورود الدليل باستحبابه في كلّ عام . ولا ينافي ذلك عدم قولهم بذلك حتّى الاستحباب مثلاً في الصلاة فبعدان صلّى الظهر بقصد الوجوب فلا يرون له أن يكرّرها بعنوان الاستحباب وكذا في الأبواب الاخر وان ذلك لمكان الاجماع على الخلاف فان الرواية عام قابل للتخصيص . فعلى أيّ لا يمكن الأخذ بظاهر الأمر في الوجوب بقرينة صدر الرواية وكذا كون الذيل في بيان شيء آخر تفضّلاً لعلّه بعيد . لكن حمل من في الرواية على البيانيّة حتّى بالنظر إلى المورد أيضا بعيد فيبقى أن يكون ظاهرا في معنى الباء أو التبعيض للأفراد . ويحتمل كما قدمنا أن يكون جامعا بين الأجزائي والافرادي كليهما مع حفظ المناسبة للمورد . فانّه إذا كان أعمّ من الأجزائي فينطبق على المورد بلحاظ الأفرادي ولا بأس به ولا منه مانع فيكون الرواية في تقدير اذا أمرتكم بشيء بالكل أو كلي فأتوا منه ما استطعتم أي الأجزاء التي استطعتم من الكل أو الأفراد التي تقدرون من الكلي والانطباق على المورد من جهة الثاني لحفظ المناسبة ومن الأول أيضا لا لخصوصيّة المورد .

هذا محصل ما أفاده الشيخ وغيره في المقام . وملخّصه ظهور من في التبعيض مع قطع النظر عن المورد واختصاصه بالأجزاء واختصاصه بالأفراد مع

ص: 300

النظر إلى المورد مع احتمال العموم في هذه الصورة وفي الأولى وظهورها في معنى الباء الا ان المحقّق النائيني رحمه الله(1) لا يرتضى ذلك لعدم الجامع بين الأفراد والأجزاء فالنظر في الكلي إلى الأفراد كلّ بعد الآخر . وإلى الأجزاء النظر آليّ ولايمكن الجمع بين اللحاظين فيكون أسوء من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ( وذلك لأنّ لحاظ الأجزاء إنّما يكون بحالها قبل تعلّق الأمر حيث انّها امور متباينة لا ارتباط بينها والأفراد بعد تعلّق الأمر بالأجزاء ولحاظها أمرا واحدا اعتباريّا . ومعلوم ان النظر بعد الأمر يختلف معه قبله بحيث لا يمكن الجمع بينهما مضافا إلى ان الشيء الذي يتصوّر ويتخيل جامعا لهما إمّا أن يكون المراد منه مفهوم الشيء أو مصداقه فان كان المفهوم ففيه ما ذكرو إن كان المصداق فلا يمكن الجمع أبدافعلى هذا إمّا أن يكون في الأجزاء أو الأفراد وقرينة المقام توجب تعين الثاني وإن كان مع قطع النظر عن ذلك ظاهرا في التبعيض المختصّ بالأجزاء وارتضى سيّدنا الأستاذ قدس سره هذا الاشكال من المحقّق النائيني استاذه المرحوم .

هذا ملخّص الكلام في هذه الأدلّة التي استفيد منها لزوم الاتيان بالميسور عند تعذّر المعسور .

هذا بعد أن كان مقتضى القاعدة الأوليّة سقوط المقيد بانتفاء قيده أو المركب بانتفاء جزئه ولابدّ في اثبات الفاقد من دليل مثبت وإلاّ فلا يمكن اثبات الباقي بالأمر الأوّل . اذ الظاهر منه دخل كلّ شيء يتضمّنه فيه وكذا النهي المتعلّق به ففي باب التيمّم الذي يلزم فيه مسح الجبهة واليدين مثلاً الاكتفاء بالجبهة فقط والصلاة مثلاً لابدّ أن يكون مستندا إلى دليل . وكذا الاكتفاء من البشرة مسحا بالمرارة فان

سقوط المقيد بانتفاء قيده والمركب بانتفاء جزئه

ص: 301


1- . فوائد الأصول 4/254 - 255 .

التعذّر يوجب سقوط المقيّد والفاقد لم يكن مأمورا به ويجري في هذه الموارد وأمثالها قاعدة الميسور ويصح التكليف بالفاقد فعلى هذا يصير للصلاة الصحيحة ذات عرض عريض بالنسبة إلى كلّ واحدة منها . الا ان في دوران الأمر بين فقد شرط وجزء أو جزء وجزء أو جزء ومانع أو مانع وشرط لا يمكن تصحيح ذلك بقاعدة الميسور فان جريان القاعدة في أمثالها يكون من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة . فان القاعدة ليس من شأنها اثبات الميسور بل عند تميزه توجبه فلابدّ فيها من الترجيح بالاهميّة وغيرها من مرجّحات باب التزاحم لأنّ الدوران بينها في هذه الامور يكون من باب التزاحم . وهناك مرجّحات عند المزية لأحد المتزاحمين والا فالتخيير .

ومن المعلوم ان الدوران والتزاحم إنّما يكون ويتحقّق اذا لم يكن في سعة الوقت وكان الوقت أهم وإلاّ فيصبر إلى خارجه حتّى يتمكّن .

نعم في غير الموقتات أيضا يتحقّق التزاحم في آخر العمر ولم يمكن التكرار وإلاّ فلو أمكن يلزم ولو كان أحد المتزاحمين أهمّ من الآخر فانّ الأهميّة إنّما توجب تعين ذيها في ضيق الوقت ففي السعة يكرّر اذا أمكن فيكونان كالستر والقبلة وكلاهما واجبان وهو يتمكّن من اتيانهما ولو بالتكرار سواء كان أحدهما أهم أو كانا متساويين وفي الضيق يتعين أحدهما إذا كان أهم وإلاّ فالتخيير فتشخيص الميسور لابدّ له من ملاحظة المرجّحات وبدونها لا مجال لجريان القاعدة لأنّ التعذّر لأحدهما غير المعين وهنا لا مجال للتمسّك بالعام حتّى يتشخص الاخذ بأحدهما .

خلاصة ما تقدّم: ان مقتضى القاعدة الأوليّة سقوط المقيد بتعذّر الجزء أو

ص: 302

الشرط أو وجود المانع ولابدّ في اثبات الفاقد من دليل آخر كقاعدة الميسور أو دليل لاحرج وما شابههما حيث يتكفل لاثبات كون الباقي هو المأمور به في حقّ المضطر غير القادر على المتعذر الميسور وذكرنا عدم مجال للتمسّك بقاعدة الميسور عند الدوران بين سقوط شرط ووجود مانع أو سقوط شرط أو شرط آخر أو جزء أو جزء أو جزء ووجود مانع بل لابدّ من تشخيص المقدم من الأمرين المعسور أحدهما فاذا كان يمكنه الاتيان بكليهما ولو بالتكرار فيحتاط بذلك . وإن كان أحدهما أهمّ وإن لم يمكن لضيق الوقت المقدّم على كلّ شيء إلاّ الطهور فان كان هناك أهم فليقدم ويكون هو الميسور مع الباقي غير المعسور والمهم يكون ساقطا بحكم القاعدة وإن لم يكن هناك أهم ولا محتمل الاهميّة فيتخيّر ولابدّ في تشخيص الأهميّة من التتبّع فانّ الجهة الأصوليّة للمسئلة هي هذا المقدار والمسائل الدورانيّة كثيرة فتارة يكون الدوران بين أجزاء المركب وقيوده وتارة بينها أو بينهما أو بينها أو بينهما وبين الواجبات النفسيّة أو واجب نفسي وآخر كالتزاحم بين صاحبة الوقت وغيرها من الكسوف في ضيق الوقت بالنسبة إلى كليهما الذي يقدّم فيه صاحبته . أو حرام أو حرام وحرام فالقبلة لازم مراعاتها في الصلاة وكذا الستر والحرير مانع . فتارة يقع الدوران بين تحري القبلة وطلب الساتر وتارة تقع المزاحمة بين الستر والمانع اذا كان حريرا مثلاً والضابط ما ذكرناه ولا خصوصيّة للجزء دون الشرط حتى يقدم الأوّل فانّه منوط بالأهميّة ولا كلية في هذه الموارد فلا وجه لما عن بعضهم من الذهاب إلى تقدم الجزء في مورد المزاحمة على الشرط بتقريب ان الجزء مقدم في اللحاظ وهو ممّا يوجد ويتقوّم به المركب وهو الأصل بالنسبة إلى الشرط وهو الوصف . والأصل والموصوف مقدم على الوصف

ص: 303

اذ ذلك ليس في عداد الأدلّة ولا يستند إلى المعصوم علیه السلام إذ هو من عباراتنا .

نعم له ظاهر معجب نغترّ به فلابدّ في التقديم من الاستفادة من النصوص . ولو دار أمر الشيء بين كونه مانعا للمأمور به أو شرطا فاذا أمكن الاحتياط بتكرار المأمور به فاقداً له مرّة واجدا اخرى فمتعين . لأن ذلك من موارد دوران الأمر بين المتبائنين في العلم الاجمالي المنجز الذي لازمه الاحتياط ولا يكون مجرى البرائة اذ ليس من باب الشكّ بين الأقل والأكثر بل من باب الشكّ بين الماهيّة بشرط الشي والماهيّة بشرط لا لا اللابشرط حتّى تجري البرائة .

ومن المعلوم ان هاتين الماهيتين متبائنتان . والدخل معلوم اما وجودا أو عدما فليس لا لوجود هذا الشيء دخل ولا لعدمه وإذا كان المقام من موارد العلم الاجمالي فيتعين الاحتياط في صورة التمكّن من سعة الوقت وفي صورة التعذّر وعدم التمكّن من الاحتياط كان يكون في ضيق الوقت يكون الدوران بين المحذورين فيتخير أيّهما شاء .

بقي الكلام في وجه تقدّم ما ثبت بالميسور على البدل .

توضيح المقام هو انه قد يكون النصّ الخاصّ في مورد تعذر أو تعسر قيد أو جزء من المأمور به يرشد إلى لزوم الاتيان بالبقيّة كما في المسح على المرارة عند تعذّر أو تعسر مسح البشرة . وهذه الموارد لا اشكال في تقدّمه على البدل اذ النص الخاص يعين التكليف وانه المتعيّن والمكلف به بالنسبة إلى هذا الشخص كالوضوء الجبيري في موارد افراده الحقيقيّة ويجعل المسح والغسل على الجبيرة مكان المسح وغسل الموضع ويعين الميسور ويسقط المعسور .

وقد لا يكون في المقام نصّ خاص بل تجري القاعدة ومقتضاها لزوم

يقدم الأهم في التزاحم

ص: 304

الاتيان بالميسور من المعسور وسقوط المعسور كما قالوا في مسئلة المسح لمن يجف ماء وضوئه حتّى بالاسباغ والتكرار عند المسح يمسح بماء ظهر الكف وإلاّ فمن باقي اليد وإلاّ فمن الوجه وإلاّ فمن اللحية أو الحاجبين مع انه لا نصّ في المقام . وكذا إذا لم يمكنه ذلك انه يمسح باليد الجافة ثمّ بالماء الجديد ثمّ ضم التيمم في الموارد الملحقة بالجبيرة مع ان في جميع هذه الموارد متمكن من التيمم اذ هو بدل عن الوضوء فكما ان الوضوء على هذا النحو يقوم مقام الوضوء المختاري فكذا ينوب التيمم بل التيمم مقدم لأنّه البدل للوضوء الاختياري عند عدم تمكّنه منه ولكن ذلك غفلة عن ما هو الحق المحقق في المقامين .

فان الانتقال من تكليف إلى آخر يكون على أنحاء ثلاثة: إمّا من باب تبدّل الموضوع كالحاضر والمسافر . وخاصّة هذا الوجه جواز ايجاد ( موجب ) الموضوعيّة كان تأكل المرأة شيئا محيضا أو يسافر الحاضر . وأمّا من باب البدل والمبدل كما في التيمّم من الغسل والوضوء حيث انّه بدل عنهما وخاصّة ذلك والذي يأتي بعده عدم جواز تحصيل الموضوع البدلي والاضطراري اختيارا فواجد الماء لا يجوز له صبّ الماء والتيمّم للصلاة أو احداث نفسه وابطال طهارته وإذا فعل في غير مورد الضرورة عصى .

وإمّا أن يكون من باب السقوط والاكتفاء بالباقي . وفي مورد باب السقوط لا يجوز أن يعجز نفسه عن الصلاة القيامي اختيارا في غير مورد الاضطرار . ولمّا كان باب السقوط من مصاديق المأمور به غاية الأمر لهذا الصنف من المكلّف فهذا الفاقد . الميسور في حقّه تكليف واقعي فيكون حاله حال الوضوء للكامل المختار لا يجوز عند التمكّن منه التيمّم ولا ان يحصّل موضوع التيمّم ويصيّر نفسه من

انتقال التكليف على ثلاثة أقسام

ص: 305

افراده فهذا الوضوء الجبيري في حقّه هو الوضوء الكامل للمختار المتمكّن .

فعلى هذا لا فرق بين أن يثبت الباقي بالنصّ الخاصّ أو بالدليل العام كقاعدة الميسور أو لا حرج أو غيرهما . الا ان هذه الأدلّة عمومات قابلة للتخصيص فكما ان ما ثبت من الوضوء الناقص بالنص الخاص بالنسبة إلى المختار لغيره مقدم على التيمّم لمكان فرديته للوضوء لهذا الصنف فكذا ما ثبت بغير النصّ الخاص وفي موارد الاحتياط حيث يضمون التيمّم أيضاً ذلك من باب الشكّ في جريان القاعدة وإلاّ فلو جرت لا مجال للتيمّم كما في الموارد الملحقة بالجبيرة من الجرح الذي يضرّه الماء إلاّ من وراء شيء وهو مكشوف قبل الوضوء وكذا الترديد من بعض في تشخيص الأهم والمعسور والميسور والشكّ في جريان القاعدة أوجب قوله في باب من يجف وضوئه بلزوم المسح باليد الجافّة ثمّ بالماء الجديد ثمّ التيمّم . لاحتمال أن يكون أصل المسح هو الأهمّ الميسور والمعسور الماء من الوضوء فيسقط ذلك القيد واعتبار المائيّة وأن يكون الأهم الميسور المسح بالماء ويسقط كونه من ماء الوضوء والشكّ في أصل الجريان أوجب ضمّ التيمّم لاحتمال وجوب البدل حيث لا نصّ في المسئلة . الا ان هنا وظيفته الاحتياط بالمسح باليد الجافّة ثمّ التيمّم ولا يلزم المسح بالماء الجديد ولا اختصاص لذلك بالوضوء بل يجيء في الغسل أيضا ميسورا وسقوطا وبدلاً فتتبع .

تنيبه: وعلى تعبير الاستاذ بقي في المقام شيء ذكره الشيخ رحمه الله(1) وهو انه لو دار الأمر بين وجوب شيء وحرمة آخر وحرمته ووجوبه ذهب الشيخ رحمه الله إلى تقديم الموافقة الاحتماليّة مع لزوم المخالفة الاحتماليّة على الموافقة القطعيّة مع

ص: 306


1- . فرائد الأصول 2/505 .

المخالفة القطعيّة . فعلى هذا يترك أحدهما ويفعل الآخر لأنّه لو تركهما أو فعلهما وان وافق أحدهما اجمالاً ففي الصورة الأولى امتثل النهي المتعلّق بالحرام وفي الثاني امتثل الأمر المتعلّق بالواجب قطعا ووافقهما الا انه ترك الواجب في الأوّل وفعل الحرام في الثاني قطعا .

واذا دار الأمر بين الموافقة القطعيّة التي لازمها المخالفة القطعيّة والموافقة الاحتماليّة التي لا يلزم منها ذلك بل إنّما هي مخالفة احتماليّة مع احتمال الاصابة

الفعليّة للواجب والتركيّة للحرام ولا نص في المسئلة فهنا مجال العقل وهو يرى ويحكم بتقدم الثاني أي الموافقة الاحتماليّة التي لايلزم منها المخالفة القطعيّة وهذا

المقدار لا اشكال فيه ويقبله المحقّق النائيني رحمه الله إلاّ انه يزيد(1) موضعا لا يجيى ء فيه هذا الامكان ناظرا إلى اطلاق كلام الشيخ وهو انه إذا كان لأحدهما أهميّة فلو كان واجبا فيه أهميّة يقتضي الاهتمام بشأنه وحفظه لمزيد نفعه ومصلحته . ولو كان حراما فيه ضرر في الدين مثلاً كاكرام زيد في دوران الأمر بينه وبين اكرام عمرو فهنا وإن كان مجرّد فرض ونظر الشيخ لعلّه إلى الدوران المتعارف الذي مورده غير هذه الصورة والنائيني رحمه الله متذكر لهذا فلا يتوجه عليه انه خارج عن فرض كلام الشيخ . وذلك لأن هذا زيادة فرض ينبغي التنبيه عليه حتّى لا يبقى كلام الشيخ خاليا عن هذا الفرض ولا يطلق ولا يهمل الا انه يكون من باب التزاحم الذي بحكم العقل لابدّ من صرف القدرة في الأهمّ حيث انّ في ذاك الباب كلّ من المتزاحمين يشغل المكلف عن الاخر ويعجّزه عنه ويطلبه صرف القدرة عنه فيه مع فرض تماميّة الملاك وفعليّة الخطاب في كليهما . لكن التزاحم في المقام ليس

الموافقة القطعيّة الملازمة للمخالفة القطعيّة

ص: 307


1- . فوائد الأصول 4/263 - 264 .

من سنخ ذاك التزاحم اذ الذي في المقام في تنجيز أحد الخطابين في مورد العلم الاجمالي وإذا كان أحدهما المعين أهم فالآخر المهم لا يكون في عرضه حتّى يتحقّق المزاحمة بينهما بل الأهم يوجب الاعتناء بشأنه ويكون الدوران بين فعله وتركه فيتيخير بينهما وأمّا الآخر فلا يكون طرف المزاحمة . نعم لو كانا مهمين فكلام الشيخ هناك صحيح وتقدم الموافقة الاحتمالية على القطعيّة في المقام لما ذكر . ففي مورد الأهميّة يكون التأثير للعلم الاجمالي تنجيزا وفي المهمين يكون على تقدير كالمثال السابق اذا لم يكن بينهما أهميّة ويمكن فرض المثال الفقهي بصلاة الجمعة والظهر من وجوب أحدهما وحرمة الآخر وبدعيته .

أقول: ما ذكرنا سابقا في دوران الأمر بين وجوب شيء وحرمته مع حرمة شيء آخر ووجوبه يعني علم بوجوب أحد الشيئين وحرمة آخر واشتبها عن المحقّق النائيني وارتضاه سيّدنا الأستاذ وأمر بعده بالتأمّل وما بيّن نتيجة الفرق

العلمي الا انه لابدّ أن يبين وحينئذٍ نقول على ما أفاده المحقّق النائيني يكون في كلا المتزاحمين وأحدهما أهم دوران أمر بين وجوبه وحرمته بلا ارتباط بالآخر اذ الأهميّة أخرجت الأهم عن عرضيّة المهمّ له فاذا كان كذلك يكون الوظيفة في كليهما التخيير التكويني لا العقلي ولا الشرعي بخلاف ما أفاده الشيخ رحمه الله من فعل أحدهما وترك الآخر فانه كان مقتضى حكم العقل في المقام بالمقدار الممكن من الامتثال للتكليفين لكن الذي يظهر من تقريرات بحث النائيني رحمه الله انّه لابدّ من

تقديم موافقة الأهم القطعيّة وان استلزم المخالفة القطعيّة لآخر لأنّه للاهميّة صار

منجزاً فاثّر علمه المتعلّق به فلو كان الأهمّ من التكليفين هو الواجب فهو المقدم اللازم مراعاته بالاتيان بكلا الشيئين وإن كان فيهما حرام . ولو كان الأهم هو

ص: 308

الحرام فيلزم ترك كليهما مراعاة له والتكليف الآخر المتعلّق به العلم الاجمالي بابتلائه بالاهم يؤخّر عن التأثير فاذن تارة يلزم فعلهما لو كان الأهم واجبا واخرى تركهما لو كان حراما . الا ان تقرير سيّدنا الاستاذ كان محطّه الشيئين المتعلّق بأحدهما الوجوب وبالآخر الحرمة حسب ما كتبنا عنه قدس سره فليتأمّل .

لا يخفى ان مرجع ما ذكره سيّدنا الأستاذ إلى اشتباه الحكم في الموضعين الأهم والمهم لا من باب اشتباه موضوع الحكم كما يظهر من تقريرات(1) استاذه المرحوم المحقّق النائيني ومعلوم ان في فرضه علمين تفصيليين بجنس الالزام في كلا الموضوعين بلا ربط لأحدهما بالآخر . والمرجع فيه التخيير التكويني لو لم يكن مجرى الأصل بخلاف فرض استاذه المرحوم فالمتعين فيه في كلّ واحد من الحكمين الاحتياط في امتثاله بترك كلا المشتبهين اذا كان الحكم الحرمة وفعلهما اذا كان الوجوب في مورد كان كلّ واحد من الحكمين وحده .

وفي فرض المقام لما توارد حكمان على موضوعين مشتبهين لهما فلا

محالة كلّ علم يقتضي موافقته وحيث لا يمكن موافقتهما قطعا ولا أحدهما لعدم المرجح في كلام الشيخ فحينئذٍ يسقط الامتثال القطعي وينحصر في الاحتمالي لأنه المقدور الممكن في المقام . واشكال النائيني في ما إذا كان لأحد الحكمين مرجح يقتضي لتقدّمه في التأثير التنجيزي بموافقته تغليبا له على الآخر . فان كان هو الوجوب فيفعلهما أو الحرمة فيتركهما . فتبين ان ما ذكره سيّدنا الأستاذ قدس سره لا ربط له بمسئلة العلم الاجمالي بين موضوعين مشتبهين بل موضوعان مستقلان كلّ مشتبه الحكم والربط إنّما هو في استلزام وجوب أحدهما حرمة الآخر

ص: 309


1- . فوائد الأصول 4/263 .

وبالعكس للعلم الاجمالي فهذا العلم خلاصة علمين تفصيليين بجنس الالزام في كليهما

هذا تمام الكلام في البرائة والاشتغال الا ان هنا خاتمة يذكر فيها أمران:

الأمر الأوّل: في الاحتياط وقد وقع النزاع في طريقيّته . فذهب جماعة إلى بطلان العمل بالاحتياط بل لابدّ من الاجتهاد أو التقليد فتارك طريقة الاجتهاد والتقليد عمله باطل وذلك عند التمكّن من الاحتياط وهو إمّا أن يكون تامّا فيراعي في المسئلة جميع الاحتمالات أو يكون بالنسبة إلى أقوال الأحياء فقط أو أحوط القولين في المسئلة مثلاً سواء كان الاحتياط مستلزما لتكرار العمل أو لم يكن فعلى كلّ لا يجوز . وفصل بعض بين ما لو كان مستلزما للتكرار أو لم يكن فالجواز في الثاني والعدم في الأوّل . والمجوّزون للاحتياط أيضا مختلفون في خصوصيّاته كلزوم تقديم مؤدّى الامارة اذا كان هناك امارة ثمّ الاتيان بالاحتمال للاحتياط اذ عكس ذلك خلاف الاحتياط عندهم .

واستندا لما نعون واستدلّوا على المنع بوجوه:

منها: عدم تمشي قصد القربة والجواب انه بعد التمكّن .

منها: ان مراعاة الاحتمال ليست باطاعة بل الاطاعة عند العقل عند التمكّن هي الاطاعة التفصيليّة وهو لا يرى الاحتماليّة اطاعة .

منها: لزوم قصد الوجوب ومنها اعتبار قصد الوجه في العبادة . وعلى هذا لا يمكن الاحتياط لا انه لا يجوز لأنه لا يتصور فانه لو كان يأتي بقصد الوجه بلا معلوميّة عنده فيشرّع وليست عبادة ولو كان معلوما فاطاعة وليست باحتياط . لكن المختار في ذلك ان الاحتياط طريق في عرض الاجتهاد والتقليد وعليه

ص: 310

صاحب العروة وجماعة بل لعلّه أكثر المتأخّرين والمعاصرين .

طور آخر في الاحتياط ربما يقال ببطلان أعمال تارك طريقة الاجتهاد والتقليد وفي قبال هذا القول انكار الاجتهاد والتقليد ولا وجه للقولين . أمّا الثاني

فلأن رجوع المكلّف بنفسه إلى الأخبار والأدلّة الشرعيّة والفحص عن معارضاتها والنظر في وجه دلالتها وغير ذلك ممّا يذكرون هو بنفسه اجتهاد وإنّما سمّيتموه أنتم رجوعا إلى الأخبار وإن كان النظر إلى الظنون الاجتهاديّة التي لم يقم على تحقّقها دليل بأن يقال الفقه هو العلم بالأحكام الشرعيّة وانّ الظن ليس من العلم في شيء ولا يشمل أمثال هذه الظنون أدلّة الاعتبار كقوله(1) عرف احكامنا ففيه تفصيل .

وهو انه تارة يكون هناك بناء من العقلاء ومشي منهم في امورهم بحيث يطمئنون به ويسكنون إليه ويقفون دونه كما في العلم العادي الذي لا يبقى الشكّ عنده قابلاً للاعتناء بل لا يعتد به وكأنه ليس فيجرون على هذا الاطمئنان والانكشاف عندهم والشارع امضى هذه الطريقة ولم يردعهم عن هذا الجرى على وفق الممشى فهذا لا يتوجه عليه اشكال أصلاً لأنّ أنفسهم حصل لهم الاطمئنان والشارع بسكوته امضى هذه الطريقة فزادهم اطمئنانا ولا اشكال في الحجيّة بهذا المعنى الحاصل من الجري على وفق تلك الطريقة .

وإن كان مراد من يقول في الامارات الشرعيّة بتتميم الكشف فمرحبا بالوفاق .

وتارة يكون النظر إليها دون هذه الجهة فهناك كلّ على مبناه من تصحيح

طريقة العقلاء

ص: 311


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .

العمل بالظن من آية النبأ وغيرها من الامارات الشرعيّة التي توجب جواز العمل على وفق الظن على تقدير تماميّة أدلّتها عند القائلين بالحجيّة في هذه الموارد تعبّدا . وإن فرض انه لم يحصل من خبر الموثق وثوق بما تضمنه ذلك الخبر فايضا لا تعويل على الظن من حيث هو بل جرى على مقتضى الدليل الشرعي الا أن يكون النظر إلى مثل ( لا يخلو من رجحان ولا يبعد ) الذي لا يكون عنده اطمئنان ولا سكون نفس فهذا هو الحق المحقق ونحن معكم اذ لا دليل على حجيّة امثال هذه ولا يمكن الاستناد إليها في مقام الفتوى .

هذا في الأدلّة الاجتهاديّة ( وإن كان الجرى على وفق مبنى الشيخ من انتزاعيّه الحجيّة من الخطاب التكليفي بالجرى فاحسن ولا اشكال عليه من هذا الجهة ) .

وأمّا غيرها من العقل عند عدم دليل اجتهادي وانسداد باب العلم والعلمي من الأدلّة فتارة تتمّ مقدّمات الانسداد على الكشف فحسب التقريب لابدّ من الرجوع إليه عند عدم التمكّن من المرتبة التي فوقها ويكون طريقا مسلوكا عندئذٍ وإلاّ فعلى تقرير الحكومة فهناك حكم العقل بلزوم الجرى في امتثال أحكام الشارع حسب امكانه . هذا في الاجتهاد .

وأمّا التقليد فان كان بناء العقلاء عليه فلا اشكال وإلاّ فيمكن استظهار جوازه من الأخبار . من جملتها خبر الاحتجاج وهو وإن لم يكن مسندا الاّ انه كما عن بعض الأعاظم يلوح من نفس الخبر آثار الصدق وانه صدر عنه ولا نريد في الخبر غير صدوره عن المعصوم علیه السلام (1) من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا

ص: 312


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه .

وأمّا انكار جواز الاحتياط فان كان المستند فيه هو الاجماع المدعى في كلام السيّد الرضي وتقرير أخيه السيّد المرتضى عليهما الرحمة فعلى تقدير صحّة النسبة والمنسوب مع ان فيهما ما فيهما ولم يدع السيّد الاجماع ولا قرّره عليه أخوه .

ان المستند في مثل هذا الاجماع معلوم وهو اعتبارهم قصد الوجه في العبادة . فعلى هذا يكون النظر إلى مدركهم . وإن كان غير الاجماع فنطالبهم به ومعلوم انه ان اعتبرنا قصد الوجه لا يمكن الاحتياط بل يكون مستحيلاً لأنّه إن لم يعلم ويقصد فقد شرّع وفعل حراما كما استظهرنا من الأدلّة ان نفس الشكّ في حجيّة طريق مساوق لعدم الحجيّة وان لا يأتي فلا امتثال ولا مدرك لهم في ذلك واعتبار هذا من الفقهاء المتكلّمين حيث اعتبروا قصد الوجه وقصد الغاية أيضا بأن يأتي بالواجب لوجوبه وقالوا بمقالتهم في الكلام في الفقه . ويمكن حمل ذلك بعيدا على ان المكلّف والعبد ينبغي أن يعرف ذلك وان يكون بين يدي مولاه في ذلّ وخضوع ويكون عمله المأتي به لوجوبه لا لشيء آخر ومعلوم ان اعتبار مثل قصد الوجه من القيود المعتبرة في المأمور به كقصد القربة والمولى وان لم يتمكّن من خطاب المكلّف بذلك في نفس خطاب التكليف الا انه يمكن بنتيجة التقييد ان يتوصل إلى غرضه ولا يوجد في الأخبار والآثار بعد التتبّع التام ما يستفاد منه ذلك . ومن المواضع التي يكون أصل عدم الوجدان وانه يكون دليل العدم هذا مع شدّة احتياج المكلّفين في كلّ موارد ابتلائهم بمثل هذا ومن المكلّفين تلامذة الأئمّة علیهم السلام فلا يسئلون ولا يبتدونهم أئمّتهم عليهم السلام ببيان ذلك . وان لم

وجه اعتبار قصد الوجه

ص: 313

يحصل . قطع بعدم اعتباره وشككنا فتصل النوبة إلى البرائة وتجري كما في ساير ما يعتبر في المأمور به ولا دليل عليه من الشارع . وقصد القربة واعتباره في العبادة صار من الضروريّات عند المتشرّعة وان يمكن استظهاره من بعض الآيات والأدلّة على عسر . وعلى أيّ قام الاجماع على اعتباره في العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والخمس على اشكال فانه يلحقونه بالزكاة . ويظهر من بعض الأخبار ان الخمس عوض الزكاة لأهله وإن كان القائل بالمنع يستند في ذلك إلى لزوم اللعب بأمر المولى فهو ممنوع فيما نقول بالجواز لا ان يصلي صلاة في خمسين ثوبا واشتبه واحد منها طاهر بالباقي الانجاس وهو متمكّن من التمييز وان كان الدليل في ذلك عدم صدق الاطاعة وانه عند التمكّن من الامتثال التفصيلي ليس اطاعة هناك احتمالي قطعي كما يظهر من بعض . فان للاطاعة أربع مراتب التفصيلي القطعي والاحتمالي الاجمالي القطعي بأن يأتي بأطراف المشتبه بأسرها ويحصل له العلم بالموافقة والظنّي الاحتمالي وانه عند التمكّن من مرتبة أعلى لا تصل النوبة الى ما هو أسفل كما ركن إلى ذلك المحقّق النائيني في بعض الدورات في خصوص ما يستلزم التكرار وفاقا للشيخ الا انه رجع عن ذلك بل ضمّ إليه وان لم يستلزم التكرار مضافا إلى انه يقولون يجوز المضى في صلاته لمن عرض له حالة فيها وهو لا يدري لزوم الجرى أو عدمه لكن لا وجه لذلك لأنّ الاطاعة الاجماليّة ليست بحيث لا يراها العقل في عرض الاطاعة التفصيليّة القطعيّة بل يراهما في عرض ( ان لم ير الاجمالي التفصيلي أحسن ) .

نعم اذا حصل الشكّ فلا مجال للقول به للشكّ في طريقيّة شيء وحجيّته وهو مساوق لعدمهما وحرمة الجرى عليه شرعا .

ص: 314

فتبين ممّا ذكرنا فساد القول بمنع الاحتياط سواء استلزم التكرار أو لم يستلزم بل الاطاعة الاجماليّة القطعيّة اطاعة في عرض التفصيليّة وعند الشكّ يكون المتعين التفصيليّة تحكيما لما هو قضيّة دوران الأمر بين التعيين والتخيير وليعلم ان محلّ النزاع هو ما اذا تمكن من الاجتهاد أو التقليد والاحتياط .

توضيح وتكميل: بناء على اعتبار الامتثال التفصيلي وان الامتثال الاجمالي التفصيلي والاحتمالي ليس بامتثال والاطاعة هكذا ليست بها فيكون قيد لزوم الامتثال التفصيلي من القيود المعتبرة في المأمور به ومن الانقسامات المتأخّرة الثانية حسب تقسيم المرحوم النائيني فانه رحمه الله نقّح ذلك وقسم القيود إلى ما قبل الخطاب وما بعده والمتأخّر عنه فالمأمور به وموضوع التكليف في لحاظ المولى وموضوعيته للتكليف بالنسبة إلى كلّ شيء من الزمان والزماني اما ان يكون مقيدا بوجوده أو عدمه أو لا هذا ولا ذاك فان الاهمال لا يمكن في عالم الثبوت ولا رابع لهذه الأقسام الثلاثة . فبالنسبة إلى الزمان يكون من الموقتات أو غيرها وبحسب الزمانيات تصوراته كثيرة والضابط ما تقدم .

هذا بالنسبة إلى ما قبل الخطاب الذي يسري عليه الخطاب وينبسط على ما اعتبره المولى في موضوعه تقييدا وجودا أو عدما او اطلاقا بدونهما ونسميه بالانقسامات الاوليّة أي ما قبل الخطاب والسابقة عليه .

وأمّا أن لا يمكن لحاظ شيء في رتبة الموضوع قبل الخطاب حتى ينبسط

الخطاب عليه بل يكون من قبيل المعلول لعلّته بالنسبة إلى الخطاب وموضوعه ويكون اعتبار ذلك متأخرا عن المأمور به بمرتبة واحدة فلا يمكن أخذه في رتبة المأمور به ويكون موضوع الخطاب كالموضوع له كالامتثال التفصيلي فيما نحن

ما يلاحظ قبل الخطاب وما يلاحظ بعده

ص: 315

فيه فكأنّ المولى قال صلّ تفصيلاً وائت بالمأمور به كذلك ولا يمكن لحاظ هذا القيد في رتبة الموضوع والخطاب لأنّه به يوجد ويتحقّق وما يأتي من قبل الخطاب لا يمكن أن يكون موضوعه فالأمر الأوّل لا يتعلّق به فهو نظير قصد القربة حيث ان المولى لابدّ له من خطاب آخر غير الخطاب الأوّل والخطاب الأوّل يكون كالموضوع له ان كان قصد القربة والوجه دخيلاً في غرضه ولمّا لم يمكن دخل هذا في الخطاب الأوّل وبيّنه بالخطاب الثاني فهذا الخطاب متمم للأوّل ويكونان خطابا واحدا لاتّحاد الملاك فيهما بل في صورة اتّحاد الملاك ولو صدر في التوصل إلى غرضه ألف خطاب يكون واحدا ولما قيد امتثال المأمور به فهو ينتج نتيجة التقييد حيث لا يمكن التقييد في رتبة المقيد . وعلى هذا فلا يمكن الامثتال الا بالاجتهاد أو التقليد وتارك هذين الطريقين اعماله العباديّة باطلة . فان محلّ النزاع العبادات والفساد بمعنى عدم انطباق المأمور به على المأتي به لنقص جزء أو قيد من المأمور به فما أتى به ليس مأمورا به وما هو مأمور به ليس بمأتي به . ومحلّ الكلام هو ما إذا تمكّن من الاجتهاد أو التقليد فلابدّ أن يكون التمكّن محرزا فان اعتبار هذا القيد في هذا المقام كان يكون المدارك والقوة القدسيّة موجودة حاصلة عنده والوقت يسع لذلك واذا يلزمه مباحث أو من يسمع كلامه في الاجتهاد هو أيضا حاصل حاضر أو ان المجتهد العادل الجايز التقليد موجود يتمكّن من تقليده .

وفصّل القائلون بالمنع كما سبق بين ما اذا استلزم التكرار فلا يجوز وبين ما اذا لم يستلزم التكرار فيجوز كما هو مذهب الشيخ والنائيني في بعض الدورات

ص: 316

السابقة على الاخيرة الا انه رجع اخيرا وقال بالمنع(1) مطلقا . لكن لا يمكننا المساعدة على الانحصار أصلاً استلزم التكرار أو لم يستلزم . فان الاطاعة الاجماليّة التفصيليّة كما أشرنا آنفا أيضا اطاعة ولو شككنا فهي مجرى البرائة حيث ان اعتبارها بيد الشارع ويمكنه بيان اعتبار ذلك في المأمور به ولم يبين أو لم يصل . على انه يرد على هذا التفصيل أيضا انه إن اعتبر قصد الوجه ففي كلّ العمل سواء كان مستلزما للتكرار أو لم يستلزم فهذه السورة التي يأتي بعنوان الرجاء لو كانت في الواقع تحت الأمر لا ينطبق عليها المأمور به لعدم تحقّق قيدها وهو الاتيان بقصد الوجه من الوجوب أو الندب وإن لم يكن معتبرا فلا وجه لاعتباره في الجل لا الكلّ والمنع من التكرار . بل اما معتبر مطلقا أو ليس كذلك . وليعلم أيضا ان هذا التفصيل بالمنع في صورة التمكّن من التفصيلي وعدمه لا يختصّ بباب دون باب بل يجري في الشبهات البدويّة وموارد العلم الاجمالي والحكميّة والموضوعيّة سواء كان المقام الزاميا أو غيره ولا وجه للتفصيل بينهما بالجواز في الثاني والعدم في الأوّل فاذا كان عنده ثوبان أحدهما نجس والآخر طاهر ويتمكّن من التمييز لا يجوز له أن يصلّي صلاتين فيهما بل لابدّ من التمييز والصلاة في طاهرهما وكذا البدويّة وموارد العلم الاجمالي في الحكميّة اذا تمكّن من الاجتهاد أو التقليد واذا لم يجز الامتثال الاجمالي ولم يكن طاعة فلا يختصّ بالالزامي دون غيره .

بقي تنبيهان: الأوّل بناء على لزوم الموافقة التفصيليّة في العبادات فلو كان عند المكلّف ماءان أحدهما مضاف والآخر مطلق مشتبها بالآخر وكان هناك

نتيجة البناء على تقدّم الامتثال التفصيلي

ص: 317


1- . فوائد الأسول 4/272 .

ماء مطلق موجودا فلا يجوز التوضّأ بهذا المائين بل لابدّ من اختيار الماء المطلق المعلوم وإن لم يكن عنده ماء مطلق فلا يتمكن من الاطاعة التفصيليّة فتصل إلى الاحتماليّة الاجماليّة القطعيّة .

وهذا صحيح على مذهبهم ويفتون به وبناءً على ما اخترناه فيتخير بين الوضوء بالمائين المشتبه مطلقهما بالآخر وبين المطلق الآخر .

ولو كان له ثوبان منحصر أحدهما نجس مشتبه بالطاهر ولم يكن له غيرهما فاما ان يصلّي عاريا للاطاعة التفصيليّة بسقوط الشرط واما ان يصلّي في الثوبين ويسقط اعتبار الموافقة التفصيليّة . ونسب إلى بعضهم الصلاة عاريا في هذا الفرض لأهميّة الاطاعة التفصيليّة عند دوران الأمر بينها وبين جزء أو شرط كما في المقام . الا ان في المنسوب تأمّلاً ولا يقول بذلك أحد بل لعلّه احتمال في الدرس جعلوه قولاً له .

وعلى أيّ يسقط هنا اعتبار الاطاعة التفصيليّة لأن ذلك عند التمكّن وفي المقام لا يتمكّن منها الا دورا كما بيّنه(1) المحقّق النائيني قدس سره من توقفها على سقوط الشرط وسقوطه متوقف على اعتبار الامتثال التفصيلي وهو يتوقف على التمكّن منه وذلك أيضا متوقف على سقوط الشرط ويمكن من مراعاة الشرط ولو بالتكرار فيجب فاذن يسقط الدوران بين الاطاعة التفصيليّة وبين شرط أو جزء لتقدم الجزء أو الشرط على ذلك بل لو اعتبرت مطلقا لا يبقى مجال للاحتياط ولا تصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي ومنع ذلك وان كان يمكن تصوير الدور في

ص: 318


1- . فوائد الأصول 4/273 .

جانب الستر الذي هو شرط أيضا الا انه لا تصل النوبة إلى هذا المقام لعدم الدوران رأسا .

الثاني لو عرض له في أثناء صلاته ما أوجب ترديده في حكم عمله وشكّ في تكليفه الفعلي لنسيان مبناه وفتواه أو فتوى مقلّده ( أو الجهل بها ) كما إذا شكّ

في انّ الظن في الأفعال حكمه حكم اليقين أو الشكّ والمحل باقٍ فان كان في حكم اليقين فلا يعتني بشكّه ويمضي وإن كان بحكم الشكّ فلابدّ من الاتيان بالسجدة الثانية المظنون الاتيان . وهذه المسئلة كثير الاتّفاق حتّى قد يتّفق لأهل العلم ولابدّ من فرض الكلام في سعة الوقت وسيّدنا الأستاذ قدس سره وإن أطلق الا ان في التقريرات(1) فرض الكلام في ما إذا لم يكن الترديد لطروّ ما يحتمل المانعيّة او القاطعيّة .

ولا يخفى وجهه وربما يستفاد هذا من بحث سيّدنا الأستاذ قدس سره أيضا وعلى أيّ ففي المسئلة احتمالات بل أقوال اربعه الأوّل وجوب المضي رجاءً على المظنون في جميع الصور مجتهدا كان ناسي المبنى أو الفتوى أو مقلّدا أو أحد طرفي الشكّ اذا لم يظن وبعد الفراغ ان طابق الواقع فهو والا فيعيد .

الثاني القطع والاستيناف مع الامتثال والقصد التفصيلي .

الثالث التخيير بين القطع والمضي على العمل رجاءً والاعادة عند عدم المطابقة .

الرابع وجوب اتمام ما بيده رجاءً والاستئناف من رأس وإن طابق الواقع وهذه الآراء صادرة من المحقّقين المشترطين وغيرهم . هذا مع اتّفاقهم على صحّة

لو عرض في الصلاة حالة لا يعلم حكمها

ص: 319


1- . فوائد الأصول 4/273 .

الأعمال التي عملها المكلّف عند عدم تعيين المجتهد الذي يقلّده بعد اذا وافقت فتواه ( ولا يستقيم هذه الفتوى مع بنائهم على لزوم الامتثال التفصيلي .

بل لابدّ من تعيين من يقلّده أو الاخذ بأحوط القولين أو الأقوال عند الاشتباه وعدم التعيين هذا ما يتعلّق بشرايط الاحتياط وانه يجوز أو لا يجوز على ما مرّ من مختار الأساتيد والعلماء وقد علم موارد المناقشة فيها .

ومدرك هذه الأقوال للأول ان صلاة المكلّف إلى الآن يعني عند عروض الشكّ صحيحة وفي هذا الحين أيضا كذلك لا من جهة الاستصحاب والصحّة التأهليّة بل ذلك متيقن ويحرم قطع العمل لورود آيات من قبيل « لا تبطلوا»(1) أعمالكم في الصلاة دون غيرها ( في الأثناء ) ودون التوصليّات وروايات ذكرها صاحب الحدائق واعتبار الامتثال التفصيلي مختصّ بصورة التمكّن وفي المقام لا يتمكّن منه لحرمة قطع الصلاة على تقدير الموافقة للواقع ) فبعد الفراغ من العمل ان لم يطابق الواقع يستأنف من رأس .

والثاني: ان حرمة ابطال العمل ليست في المقام فلا يجوز التمسّك بدليلها لأنّه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة غير الجائز عندهم . فاذا جاز القطع يستأنف الصلاة مع الامتثال التفصيلي . اما جواز القطع وعدم جواز التمسك بالعام من جهة الشكّ في صحّة العمل بعد الشكّ على النحو الذي يأتي بباقيه ويتمه أو مطلقا وحرمة الابطال مختصّة بما إذا كان العمل صحيحا وهنا مشكوك الصحّة . بل زاد عليه سيّدنا الأستاذ قدس سره حيث انّه اختاره(2) ( القول الثاني ) استاذه المحقّق

ص: 320


1- . سورة محمّد صلی الله علیه و آله: 34 .
2- . فوائد الأصول 4/276 .

النائيني قدس سره بأنّه لا يجوز بناء على هذا المبنى يعني لزوم الموافقة التفصيليّة اتمام العمل لا انّه يجوز القطع وذلك لأن اتمام العمل يمنع من تمكّنه مع هذا الشكّ من الاعادة بالامتثال التفصيلي بل يأتي به احتمالاً ورجاءً . فاذن لابدّ له من القطع والاستئناف من رأس ( أقول بناء على اعتبار الموافقة التفصيليّة لا يمنع هذا المأتي به عن القصد التفصيلي وامتثال المعاد كذلك بل الشكّ يوجب بطلان العمل لكشفه عن عدم امكان حصول قيده وهو الامتثال التفصيلي في باقي العمل .

والثالث: ان المقام من باب دوران الأمر بين الواجب والحرام ولا أهميّة لأحدهما فأيّهما اختار قدمه لحرمة القطع ووجوب الامتثال التفصيلي وعدم تمكّنه من الجمع بين امتثال الالزاميين في المأتي به وعند تبين عدم المطابقة في صورة تقديم امتثال حرمة القطع يعيد الصلاة . وحكى هذا الوجه عن الميرزا الرشتي رحمه الله .

والرابع: انه متمكن من امتثال التكليفين ترك الحرام وهو قطع الصلاة والامتثال التفصيلي فيأتي بالعمل بعد الصلاة متمة تفصيلاً وإن صادف المأتي به الواقع ولا يكتفي بما أتى به المصادف للواقع . واستشكل أحد الاخيرين على الآخر والمظنون هو الرابع بعدم معنى للزوم الاتيان بكليهما العمل تماما والاعادة بل يتخير ويعيد على فرض الاتيان واختيار الاتمام وعدم المصادفة والمطابقة للواقع .

وهنا كلام ذكره المحقّق النائيني رحمه الله(1) وهو انه هل يجوز العمل بالاحتياط مع الاجتهاد أو التقليد بمراعاة الجانب المحتمل والطرف الآخر كما في

ص: 321


1- . فوائد الأصول 4/265 .

التسبيحات بأن يأتي ثلاث مرّات عند اعتقاده أو مقلّده كفاية المرّة أم لا ؟ واختار الجواز لاحتمال خطأه أو مقلّده لكن يقدم العمل بالفتوى والاجتهاد على الاحتياط ( أقول ذكر ذلك في ما إذا كان المستند للفتوى الامارات أو الظنّ من باب الكشف واعتبره وذكر في وجهه ان دليل الامارة يقتضي الغاء احتمال الخلاف والعمل بجانب الخلاف . والاحتمال منافٍ لهذا وأيضا لزوم الامتثال التفصيلى وتعينه عند التمكّن كما في المقام وكلا الوجهين لا يصلحان للاعتماد عليهما في ذلك فالأقوى جواز العمل بالاحتمال مقدما على الفتوى ومؤدّى الاجتهاد سواء كان المستند فيهما امارة أو أصلاً والحمد للّه أوّلاً وآخرا .

شرائط البرائة: الكلام في شرايط البرائة يقع في جهات ثلاث:

الأولى: في وجوب الفحص وعدمه . الثانية: هل يستحقّ تارك الفحص

العقاب على الركون إلى البرائة أم لا ؟ الثالثة: في صحّة العمل العبادي الذي يتّفق

موافقته لمقتضى البرائة قبل الفحص وعدمها كما إذا احتمل عدم وجوب السورة في الصلاة وكان يصلّي بلا فحص بلا سورة وانكشف له بعد عدم وجوبها . وعنوان الكلام في شرايط البرائة على هذا النحو احسن ممّا عنون الشيخ في تثنية المقامين: الأوّل في استحقاق العقاب على ترك الفحص في الأخذ بالبرائة والثاني كالثالث ( لكن بعد المراجعة إلى رسائل الشيخ الأنصاري أعلى اللّه مقامه رأينا انه قدم الكلام(1) في الجهة الأولى مفصّلاً وعنون الجهتين الاخرين ببقى الكلام(2) في حكم الأخذ بالبرائة فاذن الجهات الثلاث معنونة في كلام الشيخ كما عنونا من

شرائط البرائة

ص: 322


1- . فرائد الأصول 2/510 وبعده .
2- . الفرائد 2/512 .

كلام النائيني قدس سره وسيّدنا الأستاذ قدس سره كأنّه يعذر الشيخ بأنّ الجهة الأولى كانت مسلّم الحكم والوجوب عنده ) .

الكلام في الجهة الأولى وهي وجوب الفحص وعدمه . لا اشكال في عدم لزوم الفحص في العمل بالبرائة في الشبهات الموضوعيّة التي منشأ الاشتباه فيها الأمور الخارجيّة . بل ذلك اجماعي بين الأصحاب سواء في ذلك الأصوليّون منهم والمحدّثون . والكلام في الشبهات الحكميّة ( التحريميّة ) التي قال بعضهم بالاحتياط ترجيحا لأخباره وبعض بالبرائة كذلك بعد البناء على جريان البرائة وسيجيء اشباع الكلام في الشبهات الموضوعيّة .

فان المستثنى منها موارد قالوا فيها بلزوم الفحص كما اذا لم يدر بلوغ ماله النصاب في الزكوة والشك في حصول الاستطاعة للحج وليعلم انّ محلّ البحث ما لو قدر على الفحص وامّا العاجز فلازمه الاحتياط وأيضا عمدة النتيجة بل كلّها مبنيّة على حجيّة ما بأيدينا من الأخبار بعد أن صحّحنا وجوّزنا العمل على الأخبار الصحيحة والموثقة و( الحسان ) الممدوح رواة الأولى بالعدالة مع كونهم اماميّين والثانية بها في مذهبهم سواءً كان مبناه حصول الاطمئنان أو التعبّد بأقسامه . وإلاّ فيجيى ء تفصيل الانسداد بنتائجها الثلاث المتقدّمة في محلّه على التقريبات من حجّيّة الظن كشفا أو حكومة أو لزوم التبعيض في الاحتياط وحيث انا قد أثبتنا ذلك في محلّه وقلنا بحجيّة الأخبار الصحاح والموثقات ( والحسان لو أوجبت الاطمئنان ) على الاصطلاح الجديد أو الصحيح على اختيار القدماء في الاصطلاح فنحتاج إلى البحث عن الفحص ومقداره وكيف كان فقد استدلّ على لروم الفحص في الشبهات الحكميّة التي هي مورد البحث بوجوبه عقلاً من باب

دليل وجوب الفحص

ص: 323

وجوب النظر في معجزة من يدعي النبوّة وذلك بعد الفراغ عن مرحلة الاثبات والتوحيد بالأدلّة والبراهين أو من أيّ سبب حصل الاعتقاد كان يكفي كما اختاره سيّدناالأستاذ قدس سره فانّ اللّه تعالى يمكن أن يبعث رسولاً إلى عباده يرشدهم إلى صلاح دينهم ودنياهم فلو ما نظر في المعجزة وأجرى البرائة ما حصل له الاطمئنان والأمن من العقاب اذ مناط البرائة عقلاً قبح العقاب من غير بيان . والعقل لا يرى قبحا فيه على تقدير صدق المدعى والتفات هذا الشخص إلى دعواه وعدم اجابته أو مطالبته بما يوجب سكون نفسه وركون شخصه إليه وهذا معنى حكم العقل بالنظر في المعجزة بالوجوب والا فالعقل لا يحرم ولا يوجب بل إنّما يدرك الحسن والقبح وعند دعوى المدعى لا يرى ولا يدرك قبح العقاب لو كان حقا .

( وما أجابه أو طالبه بمسكن النفس ومزيل الريب ) بل الاتيان بالشريعة وبعث الرسول إنّما هو عبارة عن الأحكام التي يجيء بها صاحبها فوجوب النظر في المعجزة عقلاً وجوب الفحص عن الأحكام .

واستدلّوا أيضا بلزوم الفحص عقلاً للعلم الاجمالي بوجود أحكام في الشريعة وذلك مقتضى للفحص وعدم جريان البرائة في أطرافه لتنجزه إلى أن يثبت عدّة أحكام بعدد ما نعلم اجمالاً فينحل العلم الاجمالي بذلك كما اذا علمنا بعشرة أحكام تحريميّة وفحصنا ووجدنا .

وقد استشكل على هذا تارة بأنّه أخصّ من المدّعى واخرى بأنّه أعم . اذ المدعى لزوم الفحص حتّى في الشبهة الحكميّة الواحدة ومقتضى هذا الدليل عدم وجوب الفحص بعد الظفر بعدّة أحكام وتكاليف ينحل بها العلم الاجمالي في باقي

ص: 324

الأطراف وبأنّه مقتضى الاستدلال لزوم الفحص أزيد فيما بأيدنا من الكتب والأخبار لأنّ العلم الاجمالي ما تعلّق بوجود أحكام مسطورة مضبوطة في الكتب التي بأيدينا أو فيما بأيدينا من الأخبار . بل العلم الاجمالي تعلّق بوجود أحكام كثيرة في الشريعة فلعلّ الصادق علیه السلام لم يبيّن لنا بعضها ولم يكن الأصحاب سألوه علیه السلام عن ذلك ( سلّمنا ) الا ان الأخبار التي ضاعت ولم تنقل إلينا هي أو غيرها قد تضمنت(1) من الأحكام شطرا وافرا كاربعين ألف حديث من ابن أبي عمير وهذا لا يناسب النتيجة المترتّبة المطلوبة على هذا الاستدلال من لزوم الفحص فيما بأيدينا والاقتصار على ذلك واجراء البرائة فيما عداه ومرجع هذا الوجه إلى عدم انحلال العلم الاجمالي بما بأيدينا من الأخبار .

وأجاب المحقّق النائيني(2) عن الاشكال الأوّل بما حاصله: ان العلم الاجمالي تارة يتعلّق بعدّة أمور بلا عنوان وعلامة خاصّة كما إذا علم اجمالاً بوجود محرّمات عشرة كذلك وفحص وأصاب عشرة محتمل الانحصار فيها فحينئذٍ ينحلّ العلم الاجمالي ويكون في الباقي احتمالات . وتارة يتعلّق بعنوان خاصّ ومعلّم بعلامة كما إذاعلم اجمالاً بأن ما يطلب منه صاحبه ما هو مكتوب في الدفتر أو الطومار ويعلم اجمالاً بكتابة خمسين دينارا فيه فتصفح أوراق الدفتر فوجد قلماً بهذا المقدار . وفي هذه الصورة لا ريب في عدم الاقتصار على هذا المقدار بل لازم له أن يتصفّح تمام الدفتر إذ لو كان أخذ منه زائدا على هذا

كلام المحقّق النائيني

ص: 325


1- . ولهذا قلنا في باب المطلق والمقيد ان الخاص الذي نجده في كلام الصادق أو الامام العسكري عليهماالسلام وعامّه مذكور في كلام النبي صلی الله علیه و آله ما كان بيانه مؤخّرا إلى ذاك الحين بل لعلّ الراوي نسيه أو ما بينه لمن بعده . هذه فذلكة البحث .
2- . فوائد الأصول 4/278 وما بعده .

القدر فيجب عليه أداؤه منجّزا قطعا . ومقامنا من هذا القبيل فانّه قد تنجّزت علينا جميع الأحكام المثبتة في ما بأيدينا من الكتب في الأخبار .

وعن الثاني: انّ ما بأيدينا من الكتب المثبت أخبارها للأحكام أدلّة مصادفة للواقع وموصلة بمقدار محتمل الانطباق عليه ما في الشريعة لأنّ مثل أخبار ابن أبي عمير إنّما تلفت أسانيدها وأيضا أمثال كتبه من الكتب قد تضمّنت أخبار الكتب المفقودة الضائعة ومضامين الأخبار التي لم تصل إلينا .

واستشكل سيّدنا الأستاذ قدس سره على المحقّق النائيني بأنّه لو كان مناط الانحلال هو الاحتمال ففي الصورة الأولى حيث كان المتعلّق ذا علامة أيضا الاحتمال موجود فلم ما التزمتم به ( فاما تلتزمون به في المقامين أو لا تلتزمون به كذلك .

لكن أفاد بامكان الفرق بين المقامين بأن في الصورة الأولى العثور على مقدار من الأحكام التفصيليّة يوجب انحلال العلم الاجمالي الحاصل في بابها إذا كان بعدد المعلوم بالاجمال . وفي الثانية لا ينحلّ العلم كما في ما إذا كان عدّة من

الشياة في قطيعة غنم وكان البيض من غنم القطيعة من مال آخر في ماله لا على نحو اختلاط المال الحرام بالحلال بحيث لا يجوز تصرّفه في تلك البيض ويعلم اجمالاً ان البيض عشرة من الغنم ويحتمل أكثر من ذلك فبعد أن تفحّص عن البيض في غنمه التي في مرابضها وصادف عشرة بمقدار المعلوم بالاجمال وما فحص عن البقيّة هل فيها بيض أم لا التي في الصحراء للرعى فبعد أن عثر على هذه العشرة يبقى معه العلم الاجمالي بحاله ولا ينحل بتلك العشرة أصلاً وذلك لأنّ العلم معلّم بعنوان البيض فيلزم عليه الفحص حتّى يتيقن حال الباقي . والمقام من

ص: 326

هذا القبيل . حيث انا نعلم بعدة من الأحكام أخبارها مدونة في الجوامع العظام من الواجبات والمحرّمات فبعد أن سردنا الوسائل وعثرنا على مقدار منها يساوي عدد العدة فلا ينحل العلم الاجمالي بهذا فانه نحتمل وجود أخبار أحكام الشريعة ومداركها في غير الوسائل ممّا بأيدينا من الكتب فلابدّ من الفحص من تلك الأحكام المحتملة في الكتب ولا يجوز اجراء البرائة قبله وبعد ذلك يصدق رفع(1) ما لا يعلمون أو في سعة ما لا يعلمون .

والمثال وإن كان لا ينطبق على الممثّل من جميع الجهات الا ان في جهة لزوم الفحص وعدم الانحلال مشتركان هذا . ولكن يمكن أن يقال بأنّ العلم الاجمالي بالأحكام ما حصل بل كان أصحاب الأئمّة علیهم السلام يتلقّون منهم الأحكام في الموضوعات والوقايع واحدا بعد واحد تفصيلاً وعلى هذا فلا وجود للعلم الاجمالي حتّى يبحث عن لزوم الفحص قبله أو عدمه .

ويمكن الاستدلال للزوم الفحص بما اشتهر من صاحب الحدائق رحمه الله في مقدّمات كتابه(2) من ورود أخبار متواترة في الشريعة بأن في كلّ واقعة حكما يستوي فيه العالم والجاهل والعبارة المذكورة وإن لم تكن بهذا اللسان في الأخبار الا انها مضمونها ويظهر من جملتها وذكرها في الوسائل(3) ان لكل واقعة حكماً للّه تبارك وتعالى وعليه فيجب الفحص عن الحكم المجعول على الواقعة اما الزام فعلي أو تركي أو رجحان الفعل أو الترك أو تساويهما وهي الاباحة فكلّ واقعة نشكّ في حكمها نعلم اجمالاً انّ عليها أحد الأحكام . فعلى هذا لا يجوز اجراء

ص: 327


1- . الوسائل 8 الباب 3/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الحدائق الناضرة 1/77 وما بعده .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

البرائة قبل أن يفحص الانسان عن حكم القضيّة والواقعة وبعد الفحص وعدم العثور على شيء يكون من الواقعة المشكوك حكمها . اما مشكوك الاباحة والحرمة أو الوجوب أوالحرمة أو الوجوب وغير الاباحة . وحينئذٍ فمن يقول بالاحتياط يقدم أخبار الاحتياط لأن حكم قبل الفحص عنده حكم بعد الفحص . فكما انّه لا يجوز اجراء البرائة قبل الفحص فكذا بعده تقديما لأخبار التثليث أو الاحتياط . ومن يقول بالبرائة يقدم أخبارها ولا يرى مانعا منها وكلّ في ذلك مستندون إلى الأخبار وعند البرائي يكون فرق بين الشبهة قبل الفحص وبعده فبعده يجري البرائة ومع عدم تماميّة هذه الوجوه يبقى كون لزوم الفحص من شؤون لزوم النظر في المعجزة فيجب الفحص عن الأحكام كما يجب الفحص عن المدعى للنبوّة بالنظر إلى المعجزة التي أتى بها . بل النظر في المعجزة لأجل ذلك مع ان لزوم الفحص عن الواقعة المشكوك حكمها اتّفاقي بين الأصحاب . والخلاف إنّما هو في حكمها بعد الفحص هل هو مثله قبله أم لا على التفصيل . وذلك في غير ما حدث بعدهم عليهم السلام مثل شرب التتن والشاي وأمثالهما ممّا لم يبيّن حكمه في كلامهم فهذا محلّ الخلاف بين الاحتياطي والبرائي خارجا عن محل نزاع العلم الاجمالي وكان سيّدنا الأستاذ قدس سره يميل إلى كون الدليل في المقام من شؤون النظر في المعجزة .

وكيف كان فانّما هذه تقريبات العلم الاجمالي في الأحكام في مورد فقد النص أو اجماله أو تعارضهما .

أمّا الشبهة الموضوعيّة فلها محلّها .

ص: 328

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى وتبين وجوب الفحص قضيّة للعلم الاجمالي .

الجهة الثانية: في ما إذا عمل بالبرائة بغير الفحص وانّه هل يستحقّ العقاب ولو طابق الواقع أم لا وان العقاب على ترك الواقع أو على ترك التعلّم مطلقا أو على مخالفته للواقع لا عليه في ذلك أقوال ولعلّ الكلام في هذه المسئلة من جهة الكلام في المقلد حيث يقولون لو عمل بلا تقليد فطابق العمل فتوى من يقلّده بعد يصحّ وعن صاحب المدارك رحمه الله انّه قال باستحقاق العقاب ولو طابق الواقع . كأنّه ركن في ذلك إلى أخبار(1) وردت في انّه هلا عملت فيقول المسئول ما علمت فيقال هلا تعلمت . حيث يستفاد منها وجوب التعلّم نفسيّا ولا يكون هلا تعلمت جوابا عن عذره ما علمت ارشادا كما يقولون بوجوب تعلّم مسائل الشكّ على المقلّد وان لا يبتل بها ويدري ذلك ويحصل منه القربة ومع ذلك يقولون بفسقه لو ترك ولا ثمرة عمليّة في كون العقاب على تقدير المخالفة على ترك الواقع أو على وجوب التعلّم أو الاحتياط المؤدّى إلى الواقع . الا انه لابدّ في البحث عن وجوب التعلّم وانه واجب نفسي أو غيري أو غيرهما . ومقتضى القاعدة انّه ليس بواجب نفسي لعدم دليل عليه وهل يكون كوجوب السير إلى الموسم لدرك الحجّ أو كغسل المستحاضة قبل الفجر لصوم يومها حيث يقولون بوجوبهما مع انه ما ورد ذلك في نص .

والوجوب المقدمي لا يصلح هنا لأنّ الوجوب المقدمي فرع وجوب ذي المقدمة وقبل وقته لا يكون الواجب واجبا لاستحالة التعليق فلا وجوب لذي

إذا عمل بالبرائة بدون الفحص

ص: 329


1- . بحار الأنوار 2/29 مع تفاوت في الألفاظ غير مضر بالمقصود .

المقدمة اذ الحكم لا يكون قبل موضوعه حتى يترشح الوجوب من ذيها إليها .

وكذا في لزوم حفظ الماء قبل وقت الصلاة في فرض عدم وجدان الطهور ولو ترابيا بعد دخول الوقت وهل يكون التعلّم كأحد هذه الأشياء .

وخلاصة الكلام: هل يستحقّ تارك الفحص لجريان البرائة في الأحكام العقاب أم لا ؟ قالوا باستحقاقه على ترك الواقع اذا خالفه بجريان البرائة ولا عقاب في صورة المصادفة واختار بعضهم ان العقاب على ترك التعلم حين مخالفة الواقع وهذان القولان قبال قول المحقّق الأردبيلي وصاحب المدارك من استحقاق العقاب على ترك التعلّم . ويظهر منه ان العقاب على ذلك مطلقا لا عند الأداء إلى مخالفة الواقع والا فعند مصادفة الواقع محرز مأتي به ولا معنى للعقاب على شيء الا على ترك التعلم نفسيّا لعدم تصور المقدميّة حينئذٍ .

ويستدلّ الشيخ(1) على ذلك بوجوه: منها الاجماع القطعي على عدم جواز العمل بالبرائة قبل استفراغ الوسع في الأدلّة .

ومنها: بعض ما دلّ على مؤاخذة الجهال والذم لفعل المنهيّات المجهولة عند العاملين وما ورد من الآية بضميمة التفسير في قوله تعالى: « قل فلله الحجّة

البالغة »(2) يقال للعبد يوم القيامة(3) هلاّ علمت فان قال نعم قيل فهلا عملت وان قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل وقول النبي صلی الله علیه و آله (4) فيمن غسل مجدورا

أصابته جنابة فكزّ فمات قتلوه قتلهم اللّه ألا سئلوا الاّ يمّموه ويذكر الدليل العقلي

ص: 330


1- . فرائد الأصول 2/510 وبعده .
2- . سورة الأنعام: 150 .
3- . بحار الأنوار 2/29 مع تفاوت في العبارة غير مضر .
4- . الوسائل 3 الباب 5/1 من أبواب اليتيم وليس فيه قتلهم اللّه .

أيضا . لكن الاجماع في هذه المسئلة التي لكلّ فيها مدرك لا يكشف عن قول المعصوم سلام اللّه عليه فان مناط كشف الاجماع عن قول المعصوم أن يكون على نحو يظهر من اتفاقهم ذلك أو كان عندهم من الدليل ما لو ظفر به لقلنا بمقالتهم . اما

الحدسي والدخولي واللطفي وغير ذلك من وجوه الاجماع ومداركه فقد مضى في محلّه عدم اعتبار شيء منها وما هو معتبر من الوجهين من كشفه تعبدا أو عن الدليل غير حاصل في المقام والشيخ رحمه الله كانه يركن إلى الاجماع وبعد ذلك كلّه يقول في الاجماع القطعي كفاية مع ان الاجماع قد عرفت ما فيه والآية بتفسيرها غير تامّة لضعف ما ورد في التفسير ويجيب عن كون المؤاخذة على ترك التعلّم بأن ما يظهر منه وجوب التعلم نفسيّا إنّما هو لئلاّ يقع في مخالفة الواقع فان ذلك من قبيل الاطاعة لا يمكن أن يوجه الخطاب المولوي إليه فما ورد اما أن يحمل على الارشاد أو في الوجوب النفسي وحيث انه لا وجه للوجوب النفسي فمحمول على الارشاد ولا يكون العقاب من جهة التجري فانه لو كان ففي ما يعلم لا في ما لا يعلم .

وعلى أيّ لا يكون هنا وجوب نفسي لما ذكر فلابدّ من بيان وجه آخر في عدم معذوريّة الجاهل المقصّر وكون العقاب عند مخالفة الواقع لا على ترك التعلّم مطلقا . وحاصل نزاع محلّ الكلام في المقام هو ما أشرنا إليه سابقا من مساواة حكم الشبهة الحكميّة والواقعة المشكوك حكمها فحكمها بعد الفحص كقبل الفحص فكما لا يجوز اجراء البرائة قبل الفحص فكذا بعده كما ذهب إليه جماعة من أصحابنا حيث يقدمون الاحتياط بعد الفحص أيضا لتقديم أخباره على أخبار البرائة وتوقف بعضهم . ولكن اخبار البرائة بعد الفحص مقدمة على اخبار

مناقشة دليل الفحص

ص: 331

الاحتياط والتوقف والتثليث ومضى تمام الكلام في محله . واذا لم يمكن الوجوب النفسي هنا يعني في التعلم مع ان العلم والالتفات إلى خصوصيات المكلّف به ممّا هو لازم في الامتثال ليمكنه الامتثال فلابدّ فيتوجيه ذلك وبيان الوجه فيه والفرق بينه وبين ساير المقدمات . وتصدّي لذلك المحقّق النائيني رحمه الله لما في كلام الشيخ من خلط وقع في المقدّمات .

تكميل: لما وقع(1) في كلام الشيخ قدس سره من قياس التعلم بالمسير إلى الحج من حيث وجوبه وكان هذا عند المحقّق النائيني غير خال عن الاشكال فلذا أورد على الشيخ قدس سره (2) وقسم المقدّمة أوّلاً إلى قسمين: قسم كالسير إلى الحج حيث ان دخله في أفعال الحج ليس إلاّ من حيث توقّف وجود الأفعال على المسير وتحصيل القدرة عليها ولا دخل له في الملاك أصلاً فان أفعال الحجّ سواء وجبت المقدّمة المسيريّة أم لا على ما هي عليها من المصلحة .

القسم الثاني ما له دخل في الوجود لذي المقدمة في ملاكه كالاغتسال قبل الفجر لصوم يومه على من وجب ذلك عليه وكالطهارة للصلاة حيث ان الصلاة بلا طهارة لا شيء وتكون كالمعلق في الهواء وكما في الطهارة بجامعها قبل الوقت لمن لم يكن له تمكّن من الطهور بعد دخول الوقت والماء موجود له قبل دخوله وهذان القسمان يختلفان في الوجوب في نحوه . فان الثاني يكون وجوبه قبل وجود ذي المقدمة ووجوبه ويكون وجوبه من سنخ وجوب ذي المقدّمة وجوبا نفسيّا فانّه متمّم لوجوب ذي المقدّمة ويكون من الانقسامات المتأخّرة عن

المقدّمة على قسمين

ص: 332


1- . فرائد الأصول 2/514 .
2- . فوائد الأصول 4/282 وما بعده .

الخطاب حيث ان الخطاب الأوّل لا يمكن أن يتكفّل ذلك بل لابدّ من متمّم في الجعل ثانيا أو خطابا ثالثا إلى أن يصل المولى إلى غرضه ومطلوبه . والفرض ان للاغتسال يعني للطهارة خصوصيّة لا يكون ملاك الواجب الذي هو الصوم في المثال موجودا ومتحقّقا بدونها وقبل أن يطلع الفحر لا وجود لذي المقدّمة ولا وجوب فان عدم تحقق موضوعه يمنع من وجود خطاب نحوه فان الامساك الواجب في الصوم انما يتحقق وجوبه عند اول جزء من الوقت ولا وجوب قبل ذلك حتى يترشح هذا الوجوب على المقدمة وهو الاغتسال فيصير واجبا مع ان في الاغتسال كيفيّة لابدّ أن تقارن اول جزء من الصوم فعند زمان الاغتسال لا وجوب للصوم حتى يجب الاغتسال به وعند زمان الصوم لا زمان للمقدّمة فلا جرم يخاطب خطابا نفسيا بايجاد هذه المقدمة قبل الفجر لوصوله إلى غرضه بذلك وفي الأوّل لا يكون للمسير دخل في الواجب أصلاً وهو أفعال الحج بل هو محصل للقدرة عليها فبدونها لا يتمكن من فعل المأمور به ولا يمكن ترشح الوجوب المقدمي من ذي المقدمة أيضا على هذه المقدمة لعدم وجوبها يعني أفعال الحج قبل الموسم فان وقوف يوم عرفة بعرفات لا يجب الا يومه وقبل تحقق موضوعه لا وجوب فان الحكم بمنزلة المعلول للموضوع . فلذا التجأوا إلى القول بوجوب هذه المقدمة نحو الوجوب المعلق بأن يكون الوجوب فعليا ويكون الموسم ظرفا للواجب أو على نحو تصوير الشرط المتأخر .

فيكون الموسم في تحقّقه شرطا للوجوب الفعلي ويصير ذلك سببا إلى

وجوب المقدّمة وهو المسير عند اول قافلة لو لم ير من نفسه السير مع الآخر وذهب المرحوم الآخوند صاحب الكفاية إلى ذلك ورأى نفسه مستغنيا عن القول

ص: 333

بالواجب المعلّق لتصحيح وجوب هذه المقدّمة نظرا إلى جعل العلّة الغائيّة في التصور شرطا أو موضوعا . وذلك بمعزل عن التحقيق . فان تصور الشيء بما هو وما يلزمه من مقتضياته وشروطه ممّا لابدّ منه في جعل الحكم عليه ونحن لما أثبتنا في محلّه استحالة الواجب المعلّق والشرط المتأخّر ولم يمكن في مثال الحج أن يؤثر وجوب ذي المقدمة في المسير اذ عند وجود الواجب لا وقت للمقدّمة ولا يتمكن من ذلك وعند تمكّنه من فعل المقدّمة لا وجوب .

هذا حال السنة الأولى وكذا في السنين الآتية ويفوت الواجب عند ترك هذه المقدمة ولذا سمّيناها بالمفوتة ولا يؤثر المتأخر في المتقدم . وكذا في الشرط فانه من العلّة التامّة والشيء لا يتحقّق إلاّ بعد تحقّق علّته فلم يمكننا القول بوجوب

المقدمة المفوتة لذلك .

وهذه المقدّمة شرط تحقق القدرة والقدرة وإن لم تكن شرطا في الملاك فليس كالبلوغ والعقل الاّ انّها شرط حسن الخطاب وعند عدم القدرة لا خطاب ولو كان ذلك بسوء اختياره . فان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينافيه خطابا فيقبح تكليف العاجز ولو القى نفسه من شاهق وسلب اختيار نفسه لذلك فلابدّ في التوصل إلى ذي المقدمة من وجوب المقدّمة وجوبا للغير لا وجوبا طريقيّا بل وجوبا نفسيّا للغير في الأوّل والثاني فيجبان بخطاب مستقل أحدهما للملاك والآخر للقدرة .

اذا تبيّن ما ذكرنا فلننظر ان التعلّم من أي المقدّمتين ولا يكون من سنخ الاغتسال قبل الفجر دخيلاً في الملاك فلا يكون له وجوب نفسي لدخله في ملاك التكليف ولا يكون من سنخ المسير إلى الحجّ من المقدمّات المفوّتة إذ لا يتوقّف

وجوب التعلّم

ص: 334

وجود ذي المقدّمة وهي التكاليف على التعلم بل يمكنه أن يأتي فيصادف الواقع قهرا ويستعلم حال التكاليف فينكشف مطابقته أو عدمها كما يعمل المقلّد أعمالاً وبعد ذلك يرى مطابقتها لفتوى من يقلّده بعد أو كان عليه تقليده ولا ضير في ذلك فلا يمكن تصحيح وجوب المقدميّة في التعلم بكلا النحوين لا على الأوّل فيكون نفسيّا ولا على الثاني فيكون وجوبه من سنخ وجوبه .

فظهر ان وجوب التعلّم لا يكون من الوجوب المقدمي لا من قبيل وجوب السير للحج من المقدمة المفوّتة ولا من قبيل الاغتسال قبل الفجر لصوم يومه ممّا يكون وجوبه في الأوّل وجوبا نفسيّا للغير وفي الثاني كذلك وله دخل في ملاك الصوم بل يكون وجوبه من الوجوب الطريقي وجوبا واقعيا لا ظاهريا فان التعلم لا يتوقف عليه امتثال التكاليف كالسير إلى الحج وذلك لامكان الاتيان رجاءً والتبين بعد ذلك ولا ممّا له دخل في ملاك التكاليف وذلك واضح الا ان الدخل في مقام الامتثال بجامع الاحتياط والتقليد والاجتهاد غير منكر فان هذه الثلاثه طرق لامتثال التكاليف والأحكام الشرعيّة كلّ في عرض الآخر وذلك عند التمكّن من ثلاثتها وإلاّ فعند تعذّر أحدها أو اثنين ينحصر الطريقيّة في الباقي هذا .

والأدلّة الدالة على وجوب التعلم كثيرة ( وعلى هذا فلو خالف ما أتى به للواقع فالعقاب لا يكون عند المشهور الا على الواقع خلافا للمحقّق النائيني حيث يرى(1) العقاب على الواقع المجهول قبيحا بل على ترك التعلم المؤدّي إلى ترك الواقع وأمّا ثبوته على ترك التعلّم نفسه فلا يناسب الوجوب الطريقي فانه دائر

ص: 335


1- . فوائد الأصول 4/281 .

مدار ذي الطريق(1) هذا في الجهة الثانية وهو استحقاق تارك الفحص للعقاب وعدمه وتبين ان المدار في ذلك هو الواقع اما على تركه أو على ترك ما يؤدّي إليه ( وأيضا فلو ترك المقدمة وهو السير وان لم يصل وقت الوجوب عصى لان بتركه للمقدمة ترك الواجب في ظرفه ولا يتمكن منه أصلاً .

الكلام في الجهة الثالثة وهي صحّة العمل وفساده إذا أتى به بلا فحص فتارة يقع الكلام في العبادات واخرى في غيرها . وفي العبادات تارة لا يقصد القربة فخارج عن محلّ البحث . فالكلام في هذه الجهة إنّما هو اذا قصد القربة فيها ففي هذا الفرض تارة نقول ببطلان الاحتياط وانه لابدّ من الاجتهاد أو التقليد فلا اشكال أيضا في عدم جواز الاكتفاء بما يأتي به على هذا النحو .

أمّا إذا قلنا بكفاية الاحتياط كما هو المختار وانه في عرض الاجتهاد والتقليد فالمدار هو الواقع فلو كان ما أتى به مطابقا للواقع فمجز والا فلا وبناء على لزوم الاجتهاد أو التقليد يشكل صحّة أعمال من لا تقليد له ولا يكون مجتهدا بل إنّما يعمل بلا التزام لفتوى أحد واستناد إليها ولو فرض حصول قصد القربة منه وذلك لأنه لابدّ في مقام العمل من حجّة معتبرة والحجّة بوجودها الواقعي لا أثر لها والشكّ في الحجيّة وعدمها مساوق لعدمها فلابدّ من احرازها والاستناد إليها . وبعد ما علم هاتان المقدمتان يعلم الوجه في عدم صحّة عمل من عمل بغير استناد حين العمل إلى فتوى من عليه تقليده لكنه قلّد بعد ذلك من يطابق عمله فتواه بالنسبة إلى الأوّل والصحّة بالنسبة إلى الثاني إذ الاستناد فيه حاصل ولو كان من

صحّة العمل وفساده لو أتى به بدون الفحص

ص: 336


1- . وظني ان سيّدنا الأستاذ قدس سره ذهب إلى كون العقاب على نفس مخالفة الواقع كما عليه المشهور .

جهة لزوم الاعادة أو القضاء .

فذلكة البحث: أفتوا في من لا يعمل بالاحتياط ولا عن تقليد واجتهاد بصحّة أعماله إذا وافق فتوى من يقلّده بعد ذلك لا المجتهد الذي يجب أو يجوز عليه تقليده حين العمل مع قولهم ببطلان عمل من يعمل بغير تقليد ولا يكون محتاطا ولا مجتهدا . وهاتان الفتويان لا تستقيمان الا على اعتبار الاستناد في التقليد فيكون عمل العامل بغير تقليد حين عمله باطلاً اذا لم يقلّد بعد من يفتى بمضمون ما عمله . ومطابقته لفتوى من يجوز أو يجب تقليده حين العمل لا تؤثّر في ذلك لأن فتوى المجتهد طريق للمقلد . ولابدّ من تعيين الطريق الذي يسلكه في مقام احراز الواقع لأن الحجّة بوجودها العلمي معتبرة . ونفس مطابقة العمل لفتوى المجتهد لا تكفي في صحّة عمل المكلّف . وعند تخالف المجتهدين في الفتوى هو مخير في الاستناد إلى أيّهم شاء ولابدّ من التعيين فيكون من جهة كالخبرين المتعارضين الذين لابدّ بحسب الأخبار من التخيير بينهما عند ما أمر الشارع بذلك حسب ما يرشد إليه قوله علیه السلام في الرواية الواردة(1) ( بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك ) الا ان ذلك في مورد الخبرين على خلاف القاعدة فان القاعدة تقتضى عند معارضته الخبرين التساقط وليس المقام من هذا القبيل فان لسان الأدلّة في باب التقليد من أوّل الأمر جعل التخيير في الأخذ بأيّ المجتهدين شاء ولا مانع من ذلك ولا يلزم من ذلك تعارض بين الطريقين المتخالفين بحسب فتوى المجتهدين .

هذا بناء على لزوم الاستناد والالتزام في التقليد . وأمّا بناء على ان التقليد

ص: 337


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/6 من أبواب صفات القاضي .

هو مطابقة العمل لفتوى من يلزم تقليده أو تطبيق العمل وإن لم يكن عن استناد والتزام بل وإن لم يعرف المجتهد من هو بل المطابقة القهريّة تكفي في المقام فلو كان ما يعمله حين العمل مطابقا لفتوى من عليه تقليده فيصح العمل وإن لم يكن موافقا لفتوى من يقلّده بعد ولو كان موافقا لفتوى كليهما فأحسن .

ولو قلّد بعد ذلك من لا يرى صحّة أعماله السابقة لكن كانت مطابقة لفتوى مجتهده حين العمل الذي كان عليه تقليده فيكون كالعدول حيث ان بعد مدّة عمل على فتوى مجتهد ومضت أعماله عليها ثمّ عدل عنه إلى آخر .

ولو لم يكن عمله مطابقا لفتوى مجتهده حين العمل الذي يجب عليه تقليده أو يجوز ولا على طبق فتوى من يقلّده بعد فلا يمكنه الاكتفاء بما عمل لأن ليس له الطريق إلى الواقع لا اجتهاد ولا تقليد ولا احتياط ( كما انه لا اشكال في الصحّة بناء على المطابقة موافقة عمله لفتوى من يقلّده ) وأيضا لا اشكال في عدم صحّة عمله غير المطابق لفتوى من لا يقلّده حين العمل بناء على الاستناد يعني لا يستند في العمل إلى فتواه وإن كان مطابقا لفتوى من يقلّده بعد . فانّ العمل حين ما يعمله لا يكون عن استناد إلى من يجب تقليده فلا يكون مجزيا على هذا المبنى ولا يطابق فتوى من يقلّده بعد ذلك ولو يستند في العمل عليه . وذلك لعدم المطابقة وهذا بلا فرق بين مطابقته لفتوى من يجوز عليه تقليده حين العمل وعدمها لأنّ الواقع وقع بغير استناد .

وقد علم ممّا ذكرنا ان عند مطابقة فتاوى المجتهدين لا يجب عليه التعيين بل يكون الجامع هو الحجّة للمكلّف كما في الروايات في أيّ باب من الأبواب الفقهيّة متفقة الدلالة على معنى . فان الجامع بينها يكون هو الحجّة للحكم الشرعي.

العمل بلا تقليد أو التقليد بعد العمل

ص: 338

هذا كلّه في العبادات التي لابدّ فيها من قصد القربة وانّه عند الموافقة تصحّ على كون التقليد هو التطبيق أو المطابقة بأن ترك السورة أو الاستعاذة واتّفق الفتوى كذلك وما احتاط أصلاً بل أتى بعمله رجاءً وصادف ما أفتى به من عليه تقليده ولا يصحّ على لزوم الاستناد والالتزام وان طابق . وقد علم ممّا ذكرنا ما في افادات المحقّق النائيني من الاشكال(1) .

اما لو احتاط باتيان كلّ ما يحتمل دخله في المأمور به والمكلّف به فهو بنفسه طريق في عرض الاجتهاد والتقليد ( كما مرّ مرارا ) وذلك فيما لم يحتمل دوران الأمر بين الشرط أو الجزء والمانع حيث لا يمكنه الاحتياط ( وإن كان يمكن أيضا كما قدمنا سابقا بتكرار العبادة ) .

هذا في العبادات . وأمّا المعاملات فلااشكال في صحّتها لو أتى واحتاط فيها باتيان ما يحتمل دخله رجاءً وإن لم يكن عن استناد والتزام كما لو عقد بالعربيّة وتيين اشتراطها عند المجتهدين أو لزوم فري أربع أوداج مع جريه هكذا وكذلك الأمر في كلّ ما لا يعتبر فيه قصد القربة ممّا ليس بعبادي .

وهاهنا كلام ينبغي التنبيه عليه في ما إذ ابتدل رأي المجتهد أو رأي مقلده أو مات وعدل إلى آخر وكان ما يرى الآن حسب اجتهاده أو اجتهاد مجتهده خلاف ماعمل سابقا فهل يجب عليه اعادة ما عمله سابقا أم يكون ما عمله طريقاً إلى الآن ومن الآن طريقه الفعلي اجتهاده الفعلي أو اجتهاد مقلده ؟ لا اشكال في جواز التعويل على الاجتهاد ورأي مقلده الفعليين بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة . اما بالنسبة إلى الأعمال السابقة فحيث ان مقتضى الطريقيّة هو الطريقيّة المطلقة هو

ص: 339


1- . فوائد الأصول 4/285 وما بعده .

لزوم اعادة ما انكشف بطلانه بحسب الاجتهاد الفعلي فيكون كالقطع أو الامارة المنكشف مخالفته للواقع فانه عند وجوده يكون عذرا للمكلّف مانعا من استحقاق العقاب لكن الأجزاء وعدمه دائر مدار الواقع فلو طابق الواقع فمجز وإلاّ فعلى القاعدة لابدّ من الاعادة والتدارك فيما له ذلك بلا فرق بين العبادات وغيرها من العقود والايقاعات والأحكام فلو قلّد مجتهدا يرى كفاية غسل الجمعة عن الوضوء ومضى على ذلك برهة من الدهر ثمّ يرجع عن ذلك اما مجتهده أو مات أو اجتهد نفسه فعلى القاعدة لابدّ من الاعادة وكذا في باب العقود والايقاعات لو عقد بالفارسيّة على فتوى مجتهد فقلّد آخر قائلاً بعدم صحّة العقد الفارسي فلابدّ من تجديد العقد . غاية الأمر إلى الآن يكون الوطي وطيا بالشبهة ولا عقاب . فان ذلك هو معنى الطريقيّة في أمثال المقام .

هذا بالنسبة إلى ما بقي موضوعه اذ يمكن ترتيب بعض الآثار عليه كما اذا ذبح أو نحر حيوانا بفقد شرط يراه لازما من يقلّده فعلاً خلافا لمن كان يقلّده إلى الآن ولحمه وجلده باق فيكون اللحم حراما لأنّه ميتة ولا يجوز الصلاة في جلده كما إذا فرى ثلاثة أوداج ولا يكون المقام من تعارض الفتوى الاولى مع هذه الثانية ولا من طريقيّة الأولى دائما أو عند عدم الثانية والثانية بوقتها هذا .

الا ان يدل دليل على الاكتفاء بما أتى به أولاً . وقد ادعى الاجماع في باب العبادات في الجملة لكنه لم يتحقّق ولو تحقّق فيكون من قبيل قاعدة الفراغ والتجاوز حيث ان الشارع اكتفى بالموافقة الاحتماليّة في أمثال المقام لأنّ الكشف القطعي على مخالفة الواقع لم يثبت بل الظني بالامارة مع ان الاجماع لو لم يكن او لم يثبت فلا يضرّ كثيرا بباب الصلاة مع وجود بعض القواعد يقتضي صحّة

ص: 340

العبادة مثل لا تعاد(1) . الا انه يقع الكلام في هذه الموارد في تقديم لا تعاد(2) أو قاعدة الصحّة على فتوى من يقلّده أو العكس بالنسبة إلى ما عمل سابقا في فرض المقام اما في باب المعاملات من العقود والايقاعات والأحكام حسب القاعدة لابدّ من مراعاة الاجتهاد الثاني في ما بقي موضوعه كالمال الذي انتقل إليه بغير ما يراه المجتهد الفعلي مملكا .

تنبيه هام قد علم ممّا ذكرنا الملازمة بين صحّة العمل وعدم استحقاق العقاب الا انه استثنى من هذه الملازمة موردان: أحدهما الجهر والاخفات في القرائة لجهله بالحكم باتيان أحدهما في موضع الآخر . والثاني القصر والاتمام بأن يتم في موضع القصر . ومعلوم ان ذلك في مورد لا يكون الجهل بالحكم عن قصور فانه لا تنخرم الملازمة فيه بل في ما اذا كان الجهل عن تقصير فيتمكن من رفع الجهل ولا يفعل . فهنا يصح عمله في الموردين مع استحقاق العقاب الا ان في تصحيح ذلك اشكالاً قد تفصّى عنه كلّ بوجه وسيجيء بيانه إن شاء اللّه .

فمنها ما عن الشيخ الكبير من تصوير ذلك على نحو الترتب في الموردين .

ومنها ما أفاده المحقّق الخراساني رحمه الله(3) من امكان أن يكون لصلاة الاتمام في حال الجهل بصلاة القصر ولزومها عليه مصلحة لا تكون تلك في غير هذه الصورة . فاذا أتى بصلاة التمام كان ذلك مانعا عن استيفاء المصلحة التي في صلاة القصر . فان ذلك يتصوّر على نحوين تارة يكون مصلحة القصر أهم الا ان عند الاتيان بالمهم الذي هو صلاة الاتمام لا يمكن استيفاء باقي مصلحة الأهم . وتارة

لزوم التدارك

ص: 341


1- . الوسائل 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .
3- . كفاية الأصول 2/260 - 261 - 262 .

تكون المصلحة في كليهما على حد واحد وقدر فارد . الا ان خصوص القصر مطلوب المولى وصلاة الاتمام أيضا فيها هذه المصلحة . فاذا أتمّ صلاته كان عمله وافيا بتمام المصلحة أو بمقدار بتفويت الباقي فان الشيء إذا فات لا يبقى له حكم(1) .

وهنا يتصور على نحوين تارة يكون الاتمام مأمورا به أيضا في طول القصر واخرى يكون مشروطا بترك القصر أو لا هذا ولا ذاك بل غير واجب مسقط للواجب وفيه ملاك الواجب . ولو كان كلام المحقّق الآخوند مطلقا في الاتمام توجّه عليه اشكال المحقّق النائيني (2) في ذلك بأن صلاة الاتمام إمّا أن تكون واجبة مشروطة بترك صلاة القصر فعلى هذا لا يكون ترك القصر وفعل الاتمام موجبا للعقاب بل كان تكليفه الاتمام وأتى به . ومعلوم ان عند عدم حصول شرطه لا يكون واجبا وإن لم يكن كذلك بل كان فيهما مصلحة غاية الأمر في احدهما أكثر فاللازم حينئذٍ التخيير بين القصر والاتمام .

كيفيّة وجوب الاتمام مع وجوب القصر

ص: 342


1- . كما نقل في تصوير ذلك سيّدنا الأستاذ قدس سره مثالاً من المحقّق الآخوند رحمه الله في خادم مدرستنا الكبيرة مدرسة الآخوند الكبرى حيث كان لها في سابق الازمان خادم مشهورا ( مشهدي علي جان ) وكان للمدرسة أشجار ورد يسقيها ذلك الخادم بالماء العذب المشتري من خارج المدرسة فاذا فرضنا ان الخادم لزم عليه سقي تلك الأشجار بالماء العذب الا انه ما فعل ذلك وسقاها بالماء الاجاج الخارج عن البئر الموجود في المدرسة وصارت أرض الأشجار وما حولها مملوّة من الماء هذا . فلا يبقى محل سقيها بالماء العذب لعدم صلاحيّة الموضوع لذلك وإن كان قدرة الخادم كالمصلى في مقامنا غير قاصرة عن السقي بالماء العذب لكن المحل لا صلاحيّة له وحينئذٍ فيكون صلاة الاتمام مفوتا للموضوع أو مانعا عن استيفاء الزائد عن المصلحة في صلاة القصر .
2- . فوائد الأصول 4/292 .

لا تعين خصوص الاتمام ولا القصر والفرق بينهما هو الفرق بين الأفضل وغيره حيث يكون التخيير بينهما فان الصلاة المقصورة فيها مصلحة زائدة على مصلحة الصلاة الاتماميّة موجبة لأفضليّتها عليها ولا يختصّ ذلك في وقت دون وقت بل لازمه التخيير مطلقا في حال العلم والجهل . فحاصل الاشكال من المحقّق النائيني على ما أفاده المحقّق الخراساني هو مشروطيّة صلاة القصر بعدم الاتمام أو كونها في عرض صلاة القصر وعلى كلتا الصورتين لا يعاقب على ترك المقصورة عند اختيار الاتمام وتصحّ ولو في حال العلم والالتفات . الا ان هذا الاشكال الذي أورده بتضعيف ما بينه لا يتوجه على الآخوند رحمه الله لأنّه صرّح بكون المصلحة في صلاة الاتمام في حال الجهل بالحكم على القصر وحينئذٍ فلا يكون من التخيير ولا من باب المشروطيّة . بل على تقدير الأمر فالمأمور به مهم اسقط الأهم وعلى تقدير عدم الأمر بشيء اسقط الموضوع وأفنى فان ارتفاع الحكم اما بالامتثال واما بافناء الموضوع لا بالمعصية والمقام من الثاني .

ومنها: ما ذهب إليه الشيخ من كون العقاب على ترك التعلم أولاً وباسقاط صلاة الاتمام التي ليست مأمورا بها عن الصلاة المقصورة التي تعلّق بها الأمر وهذا الوجه يرجع إلى ما ذكره الآخوند رحمه الله .

ومنها ما أشرنا إليه من الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس سره من ان المقام يكون من الترتب بين المتزاحمين والأمر متعلّق بكليهما وان الواجب عليه أولاً هو صلاة القصر الا انه عند ما خالف ذلك وما أتى بها وتركها وجب عليه صلاة الاتمام كما في باب المزاحمات في الترتب . وفي المقام حيث لا يكون لخطاب القصر اطلاق من ناحية متعلقه لامتناع التقبيد وبعين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق فلا يمكن أن

ص: 343

يكون خطاب قصر اذا كان المكلّف جائيا بصلاة القصر فعليه القصر وكذا اذا لم يأت بها فمن هذه الجهة يمتنع الاطلاق . فاذا كان كذلك فالحكم ساكت وقاصر عن شمول حال ترك القصر ولما كان الحكم متأخّرا برتبه عن موضوعه فالخطاب بالاتمام يكون متأخّرا من موضوعه وموضوع ذلك الخطاب هو ترك صلاة القصر ولما كان رتبة النقيضين واحدة فيكون خطاب الاتمام متأخّرا برتبتين عن القصر من جهة تأخّر خطاب الاتمام عن موضوعه وموضوعه ترك امتثال الأهم وهو صلاة القصر وترك الامتثال والامتثال في رتبة واحدة وهو أي الترك موضوع عند الجهل لخطاب اتمم المتأخر عن موضوعه رتبة المتأخّر عن الأمر بقصر برتبتين .

والحاصل أمر قصر مقدم برتبة على امتثاله وتركه وهما في رتبة والترك عن جهل موضوع لخطاب اتمم فالترك متأخر رتبة عن أمر قصر وأمر اتمم برتبة عن الترك فيكون اتمم متأخّرا برتبتين عن قصر ( ولعل فيه ما فيه ) فعلى هذا عند الجهل بحكم صلاة القصر يتحقّق موضوع خطاب الاتمام ولا يكون المقام ينفع فيه تعدّد الرتبة كما في الحكم الواقعي عند الشكّ فيه فان ذلك لا يسوي شيئا فان حكم الشكّ وإن لم يمكنه الصعود إلى الحكم الواقعي الاّ انه موجود في ظرفه ( لكن هذا الكلام لا يستقيم مع ما قلنا سابقا باسطر وقرّرنا منه قدس سره الا أن يكون النظر إلى المكلّف فيصح ) ولا يكون الخطاب في المقام الا بأحدهما وليس لعدم قدرة المكلّف على الجمع بينهما فلا يكون هناك خطابان . بل لو فرض امكان المكلّف من الجمع بين التكليفين لا يكون المطلوب الا صلاة القصر والترتب الذي يليق بالبحث هو هذا النحو . لا ان يصرح بأنّه عند عدم وجود الماء يتيمّم بل هناك خطابان فعليّان عن ملاك فعلي في كليهما الا ان موضوع أحدهما متقدم على

امر التقصير مقدم

ص: 344

الآخر كما تصوّرناه آنفا فعند عدم الاتيان بالأهم يجب عليه الاتيان بالمهم وهو صلاة الاتمام وذلك كما في ساير أبواب المزاحمات كخطاب أداء الدين وصل فعند ترك أداء الدين يصلي عن مصلحة وخطاب موجودين فعليين . فعلى هذا لا يرد اشكال المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي في المقام من حيث عدم تصوّره قدرة المكلّف على كليهما فلا فعليّة لخطابين . وبما ذكرنا ظهر عدم ورود ما استشكله المحقّق النائيني(1) على هذا الوجه من منع صغرى الترتب في المقام من حيث عدم تماميّة الملاك في كليهما وانحصار المانع في عدم القدرة على امتثالهما في مقابل الشيخ المانع من كبرى الترتب من رأس .

فذلكة البحث: تبين بما ذكرنا عدم ورود اشكال المحقّق النائيني على ما تفصّى به الآخوند رحمهم الله عن الاشكال في المقام . ومحصّله امكان كون الجهل دخيلاً في حكم الاتمام وتبين أيضا ما ذكره الشيخ رحمه الله وان لم يجب عن الاشكال في المقام بل ردّد كلامه فتارة يمنع كون المقام من الترتّب الذي في التيمّم بالنسبة إلى

الوضوء عند اراقة الماء الموجود عنده . وتارة يجعل العقاب على ترك التعلّم . مع ان الترتب الذي هو محل النقض والابرام ليس ما يمنعه الشيخ هنا . وتبين ما ذكره الشيخ الكبير من الترتب بأن يكون الخطابان موجودين فعلاً على ما قربناه وتصحيح الخطاب بقصر لما لم يمكن بدخل العلم به في موضوعه للزوم تقدّم الشيء على نفسه ولا يمكن وجود الحكم قبل موضوعه ( الموضوع كما مرّ مرارا كالعلّة للحكم فما لم يتحقّق العلم بخطاب قصر وبالتكليف لم يتحقّق موضوع قصر وما لم يتحقّق الموضوع لا يتحقّق الحكم ويستحيل دخل الحكم في موضوع نفسه

ص: 345


1- . فوائد الأصول 4/293 .

لا موضوع حكم آخر فانّه بمكان الامكان ولا يرتفع ذلك المحذور بنتيجة التقييد . بل لو أتى المولى بألف خطاب لا يمكن ذلك وإلاّ يلزم الخلف أو المناقضة . فلابدّ في تصحيح ذلك من وجه قابل لأن يعتمد عليه . ويمكن في المقام أن يكون الاشتغال والعلم بالاشتغال وإن عهدته مشغولة بالقصر موضوعا لخطاب قصر والمطالبة له بذلك كما في أدّ الدين عند العلم باشتغال ذمّته بالدين إذ يكون الحكم في رتبة موضوعا لرتبة اخرى . فاذا علم به في رتبة الانشاء يصير فعليّا بالنسبة إليه فيكون المسافر الذي حصل عنده الشرايط مع علمه باشتغال ذمّته بصلاة القصر أو بانشاء حكم القصر في حقّه موضوعا لخطاب قصر الفعلي الذي لو خالفه يعاقب ولا مانع من ذلك الا الاجماع على منع التصويب واستواء العالم والجاهل في الأحكام الشرعيّة والا فيمكن عقلاً التصويب بهذا المعنى المجمع على خلافه ولا يمنع في المقام مع وجود الروايات على الفرق فيخصّص الاجماع أو لا يشمل المقام .

هذا كلّه بناء على تسليم الاشكال في المقام على ما يظهر من المشهور وتصدّي هؤلاء الأفاضل للجواب وإلاّ فحكم مجعول اطاعه المكلّف ووافق المأمور به الا ان ظاهرهم يعطي مخالفة المأمور به وصحّة ما أتى به . والاجماع على استحقاق العقاب في المقام لو كان فضلاً عن ما اذا ادّعى لا يكون له اثر في خصوص المسئلة العقليّة لأن استحقاق العقاب ليس أمرا تعبديّا يكشف عنه الاجماع .

اللهمّ إلاّ أن يكون على ما هو ملزوم لهذا الاجماع وهو وجود خطاب في المقام بالتقصير حيث انه عصاه عن تقصير .

ص: 346

هذا حاصل دفع الاشكال في خصوص القصر والاتمام وكذا في الجهر والاخفات والقصر في موضع الاتمام كما قال به جماعة خلافا للمشهور استنادا إلى رواية صحيحة(1) مرويّة في الباب واضحة الدلالة على عدم الاعادة لمن صلّى قصرا ولا يدري انّ عليه الاتمام لجهله بأن المقيم يتم وما ذكرنا إنّما هو في خصوص جهل الحكم . والمحقّق النائيني(2) بعد ما أورد الاشكال على أجوبة

هؤلاء الفحول أنكر الاشكال واستحقاق العقاب في المقام أوّلاً ثمّ على فرض ثبوت ذلك أجاب عن القصر والاتمام وعن الجهر والاخفات كل في موضع الآخر بأجوبة مرجعها إلى واحد . الا ان لكلّ من هذه الثلاثة أعني القصر في موضع الاتمام والعكس والجهر والاخفات خصّ تقريبا الا تقريب الجواب عن الجهر والاخفات فهو أن يكون جامع الجهر والاخفات وهو الصلاة أو القرائة واجبا نفسيّا في حال جهله بوجوب أحدهما في محلّه ويكون الجهر في موضعه والاخفات كذلك واجبا نفسيّا ظرفه الصلاة إذا لم يعلم بذلك . وإذا علم باحدى الصور التي تقدم تصحيح ذلك بها تكون الصلاة والقرائة مقيّدة بالجهر أو الاخفات ففي الأولى يعني عند جهله إذا أتى بالصلاة جهرا في موضع الاخفات أو بالعكس أطاع واجبا نفسيّا وعصى آخر فالصحّة للأوّل والعقاب على الثاني . وفي الصورة الثانية التي علم فيها بالخطاب بالاخفات أو الجهر الذي تتقيّد الصلاة بأحدهما فيها لو ترك عن عمد لا تكون صلاته صحيحة للتقيد بأحدهما . فما وافق الأمر .

أمّا الجواب عن الاتمام في موضع القصر فهو أن يكون الواجب النفسي في

توجيه أمر الاتمام

ص: 347


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/3 من أبواب صلاة المسافر .
2- . فوائد الأصول 4/300 - 301 .

المقام هو ما فرضه اللّه تعالى من الركعتين ولا تكون الركعتان مقيدتين في حال الجهل بعدم اتيان الآخريين عقبيهما بخلاف صورة العلم فتصير بشرط لا وهذا هو الموجب في عدم صحّه صلاة من لا ينوي من ابتداء الأمر القصر أو الاتمام مطلقا في أيّ موضع وذلك لأن الأوّل مقيد بعدم الزائد فهو بشرط لا بخلاف الثاني فانه بشرط الشيء ومقيد بالزائد .

هذا حاصل ما أجاب به المحقّق النائيني من الاشكال في هذه المقامات .

فعند الركعتين الأوليين لابدّ له أن يسلّم الا انه أخّر السلام عن موضعه وخرج عن الصلاة بغيره فانه يكفي في الخروج عن الصلاة الاشتغال بشيء يصدق عنده ذلك ولا تكون هاتان الركعتان زائدة في الصلاة فصلاته على هذا صحيحة موافقة للمأمور به الا انه لمكان تركه السلام يعاقب على ذلك .

والتقريب بعكس هذه الصورة أن تكون الركعتان اللتان فرضهما اللّه واجبتين نفسيّا وما فرضه النبي صلی الله علیه و آله نفسيّا آخر غير مرتبط بالأوّل عند الجهل مرتبطا بالأوّل عند العلم الا ان الأوليين لا تكونان مقيدتين بعدم الاخريين في حال الجهل بل لا بشرط عن ذلك وبشرطهما عند العلم فعند الجهل حيث ان الأوليين مأمور بهما نفسا فباتيانهما يسقط الأمر ويحصل الامتثال ويعاقب على ترك الاخريين وعند العلم لا يحصل الامتثال الا بالأربع مجموعة وبعد الاتيان لو علم لا يمكنه الصلاة أربعا لاتيان المأمور به قبل ذلك .

خلاصة الكلام: ان المحقّق النائيني قدس سره (1) أفاد في القصر موضع الاتمام ان الواجب هو الركعتان المفروضتان من اللّه تعالى والركعتان الأخيرتان واجب

حكم القصر في موضع الاتمام

ص: 348


1- . فوائد الأصول 4/298 وبعده .

نفسي آخر كما يستفاد من الروايات الا انه لقيام الاجماع في صورة العلم على الخلاف لا يمكن مخالفته وفي حال الجهل يبقى على أصل الاستفادة ويكون ما أتى به قصرا صحيحا غاية الأمر انه ترك واجبا نفسيّا آخر غير مرتبط بالأوّل فالعقاب عليه والصحّة للأول . وفي العكس يعني الاتمام في موضع القصر ان الواجب في حال الجهل هو الركعتان لا بشرط عن الزيادة ولا بشرط وجودها . الا انه عند العلم يكون الواجب مقيدا بعدم الزيادة ويتبدّل الموضوع . فعلى هذا لا يبقى جهة للعقاب إلاّ أن يكون السلام واجبا نفسيّا في الركعتين الأوليين الواجب عليه وهو تركه والمخرج من هذه الصلاة إنّما هو السلام الذي يأتي به أخيرا بعد الاخريين فيكون الواجب في الصورة الاولى الركعتين لا بشرط وجود الزيادة وهي الأخيرتان وفي الثانية لا بشرط عدمها عند الجهل وعند العلم تكون الاولى مشروطة بوجودها والثانية بعدمها .

فعلى هذا يتخيّر المصلى في الصورة الثانية يعني الاتمام في موضع القصر أن يأتي بالركعتين بلا زيادة وأن يأتي بهما مع الزيادة . وعند العلم يتعين أحد فردي الواجب التخييري عليه وهو القصر فيكون المسافر الجامع للشرايط المعتبرة وجوديا وعدميّا عالما بالحكم واجبا عليه القصر . اما الجامع لها الا العلم

فلا بل هو مخير ونظير المقام بتبدل التخيير تعيينا ما إذا كان صلاة الجمعة التي هي عبارة عن الركعتين مع الخطبتين واجبة تعيينا عند حضور الامام واقامته عليه السلام للجمعة أو نائبه الخاص أو العام اذا كان له الولاية على هذه الا ان المستفاد من الأخبار ان الولاية بيد الامام وليس للفقيه المأذون عاما ذلك مع ان في غير هذه الصورة أحد فردي الواجب التخييري من الركعتين والخطبتين أو الركعتين مع

ص: 349

الركعتين الأخيرتين يقرء في الاوليين جهرا أو كما اذا نذر المصلى أن يصلي في الحضرة العلويّة على مشرفها آلاف التحيّة والسلام أو أحد الأعتاب المقدّسة أو المسجد وصلّى في غير ذلك الموضع فقبل ذلك ما كان عليه الصلاة ( مثلاً صلاة ظهره ) معين الاتيان في الموضع المعين وبالنذر حصلت له خصوصيّة لا تكون لغيره فصلاته في غير الموضع صحيحة ويعاقب على مخالفة النذر الجائي من قبله الخصوصيّة .

هذا حسب القاعدة في تصحيح المقام وجواب الاشكال . فانه يمكن ذلك ولازم هذا صحّة صلاة الجاهل بالقصر قصرا أو اتماما لأن كلتيهما فردا واجب تخييري . الا ان ظاهر الأصحاب لا يوافق على هذا فيظهر منهم تعين الاتمام على ذلك الجاهل وانه لو أتى بالقصر لا يصحّ منه وان تحقّق منه القربة .

وهذا لا يستقيم إلاّ مع الوجوب التعييني ولا يصحّ هذا الجواب وقد رجع عنه المحقّق النائيني رحمه الله بعد ما كان بنائه عليه وكان فرحا بتنظيره بتعين الجمعة عند حضور الامام علیه السلام . وذلك لعدم مساعدة أخبار الباب وعدم موافقة كلمات الأصحاب . فعلى هذا لا محيص عن انكار العقاب في المقام خصوصا في مثل هذه المسئلة العقليّة التي لا يتحقّق فيها الاجماع التعبّدي مضافا إلى اختلافهم في المدرك حيث ان قول بعضهم بالعقاب من جهة ايجابه التعلم نفسيّا وأخبار الباب أيضا تدلّ على انّه مكلّف بالاتمام كما ورد في انه(1) اذا قرء عليه آية التقصيروفسرت له يعيد الصلاة والا لا يعيد ولو في الوقت وإن لم تكن الرواية دالّة على دخل العلم في موضوع القصر الا ان عدم الاعادة ولو في الوقت وظاهر الخبر

اشكال كلام المحقّق النائيني

ص: 350


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/4 من أبواب صلاة المسافر .

من تفسير الآية له بأن لا جناح لا يكون ترخيصا بل عزيمة ممّا يظهر منه ذلك ومعلوم انه اذا كان العلم دخيلاً في الموضوع فيكون كساير قيود الموضوع والتكليف غير واجب التحصيل . فيكون كالعقل والبلوغ وكالاستطاعة وتحصيل النصاب وغير هذه من قيود الموضوع . وشروط التكليف غير واجب التحصيل . فعلى هذا تبقى الملازمة بين صحّة المأتي به وعدم العقاب بحالها ولا يستثنى منها مورد ولو كان هناك عقاب فيكون على واجب نفسي لا نعلمه لأن الأربع ركعات في الفرض المذكور هي المأمور بها والسلام في محلّه وموضعه على انه قد تقدم منع ذلك فلا عقاب .

هذا تمام الكلام في لزوم الفحص وما يتبعه في الشبهات الحكميّة .

بقي الكلام في الشبهات الموضوعيّة ولزوم الفحص فيها وعدمه .

وليعلم ان المعروف والمشهور بل ادّعى الاجماع على عدم لزوم الفحص في الشبهات التحريميّة الموضوعيّة ووقع الكلام في الوجوبيّة لكن الاجماع لم يتحقّق .

نعم في بعض الموارد كباب النجاسة والطهارة ذلك محقق .

وتحقيق الكلام هو عدم جواز اجراء البرائة المتّفق عليه في الشبهات الموضوعيّة بين المحدّثين والأصوليّين قبل الفحص وذلك لأنّ البرائة فيها إنّما يكون من جهة رجوع الشبهة الموضوعيّة إلى الشكّ في التكليف والا لم تجر البرائة أصلاً وقد تصدى لدفع الايراد المورد على نفسه في الفرق بين الشبهات الموضوعيّة والحكميّة في التحريميّة صاحب الوسائل وما صنع شيئا فعلى هذا يكون مقتضى القاعدة عدم جواز اجراء البرائة قبل الفحص في الشبهات

حكم الفحص في الشبهات الموضوعيّة

ص: 351

الموضوعيّة التحريميّة لرجوعها إلى الحكميّة وقد تقدم تقريب الأدلّة الأربعة على لزوم الفحص إلاّ في باب النجاسة فلو شكّ انه ماء أم بول يجوز التوضي به(1) وذلك في الشبهات البدويّة وقد وردت الرواية(2) من الامام علیه السلام انه رشّ الماء على بدنه أو لباسه وانه لا يبالي أبول أصابه أم ماء الا أن يكون في الموارد الخاصّة أصل موضوعي كالاستصحاب والا فلا يجوز ذلك وما ورد في خصوص الشبهات الموضوعيّة أو الأعم منها ومن الحكميّة كما يذكر بعد ذكر موارد من المال والمرأة والأشياء(3) كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة وإن كان ظاهره وغيره مثل كلّ شيء(4) لك حلال حتّى تعلم أو تعرف انه حرام بعينه عدم وجوب الفحص .

الا ان الاصحاب ما عملوا باطلاقها بل في خصوص باب النكاح والمرأة المردّدة بين كونها محرما أو أجنبيّة الاجماع ظاهرا على الخلاف . وإن كان جريان الاستصحاب في المرئة المعتدة محقّقا في صورة الشكّ عن خروج العدّة .

نعم لو ادّعت انها خلية يقبل قولها ما لم تكن متّهمة والاجماع المدعى في المقام يعني في عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة مدركي لابدّ أن ينظر إلى المدرك . الا أن يقال ان وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة يحتاج إلى دليل بعد ورود أخبار مطلقة في البرائة كما تقدّم ان الأشياء كلّها على هذا وكلّ شيء لك حلال حتّى تعرف انّه حرام بعينه وظاهر بعضها عموم الحكم

ص: 352


1- . هذا ممنوع للزوم احراز ان ما يتوضّأ به أو يغتسل به أو يغسل المتنجس ماءً .
2- . الوسائل 3 الباب 37/5 أبواب النجاسات لكن بدون ذكر الرشّ .
3- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
4- . الوسائل 17 الباب 4/1 من أبواب ما يكتسب به .

للحكميّة والموضوعيّة كما في كلّ شيء(1) مطلق حتّى يرد فيه نهي الذي قلنا

بظهوره في الوصول وفي الشبهة الحكميّة إنّما قلنا بوجوب الفحص من جهة ورود أدلّة خاصّة كخبر الا سألوا الا(2) يمموه الظاهر في الحكميّة وأخبار هلا تعلّمت(3) والشكّ في الشبهة الموضوعيّة وإن كان يرجع إلى الحكميّة الا ان منشأ الشكّ مختلف وفي هذه الأخبار دلالة على اختصاصها بالحكميّة التي لا يكون منشأ الشكّ فيها هي الأمور الخارجيّة . نعم لو قدمنا أخبار الاحتياط على البرائة فلا فرق بين الفحص وعدمه فان اللازم هو الاحتياط الا انه سبق في محلّه تقدّم أخبار البرائة في الحكميّة وظهور أخبار الاحتياط في الموضوعيّة في مورد العلم الاجمالي .

والحاصل انه لا وجه لوجوب الفحص بعد اطلاق الأدلّة في الموضوعيّة التحريميّة وإن كان دليل العقل في الحكميّة يشمل ذلك الا ان الأصحاب يظهر منهم عدم قولهم بالبرائة ولزوم الفحص في موارد الأموال والنفوس والأعراض حيث يدعون ان الأصل الأولى فيها هو الاحتياط ولا يشمل هذه الموارد دليل الاباحة وذلك لانقلاب الأصل فيها . فالأصل فيها عدم جواز التصرّف في الأوّل ما لم يتبين انه مال نفسه وفي الثاني والثالث الأصل الاحترام حتى يثبت المهدوريّة في الثاني وعدم الحرمة في الثالث ( فالاحتمال في هذه الموارد منجز ) والمدرك في ذلك مختلف .

فتارة من جهة قاعدة المقتضى والمانع واخرى من جهة ادعاء الملازمة

ص: 353


1- . الوسائل 27 الباب 12/67 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 3 الباب 1/5 من أبواب التيمّم .
3- . بحار الأنوار 2/29 .

الظاهريّة في مثل لا(1) يحلّ مال امرءٍ مسلم إلاّ عن طيب نفسه حيث انه ظاهر في جريان حكم عدم الحليّة في ظرف الشكّ فان كلّ أمر علّق على أمر جودي يحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذلك الأمر الوجودي ومن هنا قالوا بانفعال المشكوك الكرية التي لا يعلم له حاله سابقة اذا لاقته النجاسة .

وثالثة من جهة استثناء التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة في هذه الموارد عن أدلّة عدم الجواز ورابعة من جهة كشف الأهميّة في هذه الأشياء . وكلّ هذه الوجوه قابلة للخدشة وتقدّم الكلام في كلّ أمر علّق على أمر وجودي في عدم تماميّته في محلّه .

وعلى أيّ حال فالحق المحقق هو جواز اجراء البرائة في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة إلاّ في ما قام الدليل على وجوب الفحص . ومن الموارد المختلف في جريان الاطلاقات مورد الشكّ في الدم أمن الانسان أو من البقّة حيث ان بعضهم يقولون الأصل في الدم النجاسة . وليعلم ان الاجماع لمّا ادّعى أو قام على عدم وجوب الفحص وهو عبارة عن التصدّي والطلب لكشف شيء كما إذا توقّف حصول العلم بطلوع الفجر على صعود السطح فالنظر في الاُفق في مثال الصوم .

فلو لم يصدق ذلك في مورد تجري البرائة كما اذا توقف رفع الشبهة بالنظر فمجرّد النظر إلى المشكوك الخمريّة والخليّة يميزانه انّه أيّهما أو كما اذا كان على

السطح في ليلة رمضان ويشكّ في طلوع الفجر وعدمه وبمجرّد النظر إلى الأفق

ص: 354


1- . الوسائل 5 الباب 2/1 - 3 أبواب مكان المصلّي ولفظ الأول لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه .

يتبين له ذلك فلا تجري البرائة في هذا المورد ولا يجري الاستصحاب وذلك لأن هذا الحال في حكم العلم والاخبار الواردة في الحلية والبرائة لا تشمله لعدم صدق لم تعلم وصدق تعلم .

فتبين ان وجوب الفحص في جريان البرائة يحتاج إلى دليل وقد قالوا في بعض فروع النكاح وفي أموال الغير والأعراض ذلك وقالوا فيها بانقلاب الأصل بأدلّة تقدّمت وسبق إمكان الخدشة فيها أمّا في باب الطهارة والنجاسة فلا يجب الفحص اتفاقا وورد مثل قوله علیه السلام (1) الماء كلّه طاهر حتّى تعلم انّه قذر كما ورد كلّ شيء(2) نظيف حتّى تعلم انه قذر .

هذا ملخّص الكلام في جريان البرائة قبل الفحص في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة وتبين ان ظاهر الأخبار التبين بنفسه كما يؤمى إليه ( حتى يستبين لك غير هذا )(3) وأمّا الكلام في الشبهة الموضوعيّة الوجوبيّة فالحق هو التفصيل بين ما إذا كان صدق الاستبانة بدون الفحص فلا يجب وبين ما اذا لا يتحقق ذلك كما في استطاعة الحج أوّل عام فان ذلك لا يتحقّق غالبا الا بالفحص . فلو لم نقل بوجوب الفحص في أمثال المورد كما في بلوغ ماله النصاب يلزم اللغويّة في جعل الشارع وايجابه للحج فورا على حسب(4) الرواية والاجماع عند أوّل عام . وذلك لأن التبيّن لا يتحقّق بنفسه بخلاف الموارد التي لا تكون كذلك ولا يتوقّف الاستبانة فيها على الفحص غالبا .

لزوم الفحص في موارد

ص: 355


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/5 من أبواب الماء المطلق .
2- . الوسائل 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .
3- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
4- . الوسائل 11 الباب 6/3 إلى 9 - 11 - 12 من أبواب وجوب الحجّ .

نتيجة البحث: قد تبيّن ممّا ذكرناه جريان البرائة بلا فحص في الشبهات التحريميّة الموضوعيّة وما ذكر من الاخبار ( كلّ شيء هو لك حلال )(1) وأمثاله مختصّ بها إلاّ بتكلف يدخل في موردها الشبهة الحكميّة . فجريان البرائة في التحريميّة بلا فحص مقتضى القاعدة حيث ان الوجوه المقامة على وجوبه إنّما تدلّ على الحكميّة لا الموضوعيّة الا دليل العقل منها فانه يشمل كلتيهما لكن الأخبار الخاصّة في الموارد الخاصّة في خصوص الشبهة التحريميّة موجودة فاذن لزوم الفحص في الشبهات الحكميّة يحتاج إلى الدليل المخصّص لهذه العمومات . منها الناس(2) في سعة ما لا يعلمون بالتنوين أو بلا تنوين ( في كلمة سعة ) ورفع(3) ما لا يعلمون فان ظاهرهما جريان البرائة مطلقاً بلا توقف على الفحص حتى تعلم . هذا في الشبهات التحريميّة . اما الوجوبيّة فكذلك أيضا والاشكال في شمول حديث الرفع(4) للشبهة الموضوعيّة بعدم جامع بين الحكم والموضوع دفعناه بارجاع الشكّ في الموضوع إلى الشكّ في الحكم . إذ منشأ الشكّ تارة يكون هي الأمور الخارجيّة واخرى عدم النص أو اجماله وهذا لا يوجب فرقا في هذه الجهة ففي الوجوبيّة أيضا مقتضى القاعدة عدم وجوب الفحص . وذلك لمقدّمة هي ان متعلق التكليف تارة له موضوع خارجي واخرى ليس له . فان كان له موضوع خارجي فينحلّ التكليف إلى تكاليف متعدّدة بعدد ما للموضوع من الوجود والعلم بالكبرى الكلية لا يكفي في ذلك ما لم يعلم التكليف الخاص للموضوع والموجود

عدم وجوب الفحص في الشبهات الوجوبيّة

ص: 356


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . مستدرك الوسائل 18 الباب 12/4 من أبواب مقدّمات الحدود .
3- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

الخاص وثالثة يكون متعلّق التكليف له موضوع عام مجموعي وبالنسبة إليه أيضا يتصور بحسب السعة والضيق للافراد فما لم يعلم التكليف في الموضوع الخارجي تجري البرائة . وعلى هذا يكون لكلّ موضوع حكم ويدخل االشبهة الموضوعيّة بهذا البيان تحت الشبهة الحكميّة ويشملها أدلّة رفع الشبهة الحكميّة كحديث(1) الرفع الذي هو عمدة ما في الباب إذ الرفع الحقيقي لا معنى له هنا بل هو رفع تشريعي نتيجته عدم ثبوت الحكم ( عدم وجوب الاحتياط ) وضابط وجوب الفحص في الشبهات الوجوبيّة في جريان البرائة هو لزوم اللغويّة من جعل الشارع للحكم في موردها على تقدير عدم الفحص كما ذكرنا مثال الحج والاستطاعة . فان الغالب لا يعلم ذلك عند أوّل درجة الاستطاعة عند من لا يكون له أصل موضوعي . اما من له أصل موضوعي ويصل المال إليه تدريجا فلا تجري البرائة بل الأصل الموضوعي مقدم الجريان وكما في الزكوة والخمس حيث نقول فيهما بحصول الشركة بين المستحق وصاحب المال فالشكّ هنا دائر بين التصرّف في ماله أو مال غيره ولا يجوزون ذلك في الأموال بما تقدّم إليه الاشارة الا أن يأكل فيكون الأصل هنا أصل عدم الضمان والبرائة .

ومحصّل الكلام انه لو كان اجماع في المقام وكان كاشفا عن رأي

المعصوم علیه السلام أو كان كاشفا عن دليل لو ظفرنا به لكان حجّة عندنا أيضا فهو مفيد أمّا إذا لم يكن كذلك بل كان مدركهم في هذه الموارد التي في التحريميّة والوجوبيّة بعض ما أشرنا إليه سابقا من الوجوه فيكون الاجماع هنا مدركيّاً إلاّ أن نقول بالموضوعيّة له في قبال ساير الأدلّة وانه من حيث هو دليل ولا نقول بذلك

ص: 357


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

ونحتمل في المقام أن يكون نظرهم إلى هذه الوجوه بل لو كان مدركا لابدّ أن يكون من المدارك التي تناولوه صدرا عن صدر أو ما كتبوه وضبطوه لخصوصيّه وهذا بعيد فلا يمكن الركون إليها فالقاعدة في المقام عدم وجوب الفحص في التحريميّة والوجوبيّة إلاّ في موضع يكون الأصل منقلبا فيه أو قام دليل من الخارج أو لزوم اللغويّة يقتضي ذلك في جميع الأبواب فان الاستطاعة المستبانة ربما تكون في فرد نادر ولو اجرينا البرائة في المقام وقلنا بعدم وجوب الفحص من الاستطاعة لاضعنا حكم الشارع بالحج في العام الأوّل ففي هذا المورد يدّعي ان نفس جعل الحكم يقتضي وجوب الفحص عن موضوعه ومقدمته وهو الاستطاعة فيحجّ ان استطاع ولا يحجّ إن لم يستطع وأمّا الموارد التي لا تكون كالمقام كالتروي في الشكّ فانّه لتحقّق الشكّ .

هذا تمام الكلام في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة والوجوبيّة.

تنيبه: قد ذكر لأصل البرائة شرطان آخران أحدهما أن لا يلزم منها ثبوت حكم وهذا الشرط يحتمل أن يكون اشارة إلى أن مثبتات الأصول ليست بحجّة فانّ الاستصحاب الذي هو أقواها ليس من شأنه ذلك فضلاً عن أصل البرائة الّذي هو اضعف الأصول . وذلك لأن شأن البرائة هو الرفع وحديث الرفع(1) الذي هو من أقوى أدلّتها لا يتكفّل إلاّ رفع التكليف لا الوضع فلا تكون الأصول مثبتة للوازم العقليّة والعاديّة . فعلى هذا يكون شروط البرائة كماتقدّم في محلّه أن يكون

المرفوع مجعولاً شرعيّا ورفعه ووضعه بيد الشارع ويكون مجهولاً في رفعه امتنان ولا يكون الحكم مجعولاً بعنوان الجهل الذي لا يمكن رفعه بهذه الأصول .

ص: 358


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

فان كان المراد هذا فلا كلام فيه وليس شرطا زائدا على الشرايط الأربعة المتقدّمة . وإن كان المراد انه لا يستلزم من رفعها في بعض الموارد اثبات حكم آخر فلابدّ أن ينظر فيه . ويظهر من بعض أمثلتهم هذاالمعنى وهذا هو الظاهر وإن كان بعض الامثلة يناسب المعنى الأوّل الا ان هذا المعنى يليق بالبحث عنه لأنّ الأوّل مفروغ عنه في محلّه فمقتضى هذا الشرط بهذا المعنى انه لو لزم من ذلك ثبوت حكم آخر لا مجال لجريان البرائة وذكروا للمورد أمثلة .

فمنها: ما ذكره المحقّق القمّي في خصوص الحج حيث يشكّ انّ في ذمّته دينا لأحد فلا يجب الحجّ لعدم حصول الاستطاعة فانّه يشترط فيه الشروط المعروفة مع وجدان الكفاية عند الرجوع وان لم يكن عليه دين . فالمال الموجود الحاصل لديه يكفيه مؤنة الحج والكفاية والشرايط الآخر حاصلة فلو جرى أصل البرائة عن الدين فلا يجب عليه فهو مستطيع فلزم من جريان البرائة في المقام تكليف آخر وهو وجوب الحج وينكر في هذا المقام وجوب الحج . لكن هذا ليس المثال المناسب للمقام لأن في مورده لا تصل النوبة إلى أصل البرائة فان اصالة عدم الأخذ موجودة قبل البرائة أو ما يناسب هذا الأصل في الموضوعات فالأحسن أن يمثّل بمثال الزوجة المعلوم الزوجيّة المشكوك دوام عقدها وانقطاعه بناء على أن يكون الدوام والانقطاع في العقد حقيقتين مختلفتين لا ان تكون حقيقتهما واحدة والانقطاع إنّما هو لذكر مدّة للأجل فلو ترك ذلك نسيانا يصير دائما وذلك لأنّه على هذا يكون هناك اصل موضوعي يعيّن العقد انه دائم . وتظهر الثمرة في باب الارث ووجوب النفقة فعلى الأوّل يعني كونهما حقيقتين فلا أصل موضوعي في المقام محرز يثبت أحدهما فتصل النوبة إلى الأصول المتأخّرة

شرطان آخران لجريان البرائة

ص: 359

الحكميّة وفي المورد هو أصل البرائة من وجوب النفقة فان ذلك لا يترتب على الجامع بل على خصوص العقد الدائمي فاذا نفى وجوب النفقة فالاستطاعة حاصلة له « وَللّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً »(1) أو المثال في خصوص وجوب نفقة من عدا العمودين وان علت الأجداد والعمودان والأولاد وإن كانت من البنت من ساير الأقارب ووجوب الحجّ فيجري في المقام أصل البرائة ويلزم منه وجوب الحج لحصول الاستطاعة .

والمحقّق القمّي رحمه الله يثبت وجوب الحج في هذا المثال ويجري البرائة فيلزم ذلك ويقول في المثال الآخر الذي يذكره في الكرّ بجريان الأصل ويستشكل عليه الشيخ رحمه اللهلعدم الفرق بين المقامين .

وتوضيح الكلام في هذا المقام هو أن يكون ماء مخلوق دفعة لايعلم انه كر أو قليل لاقته النجاسة فبعض قالوا بالانفعال كالشيخ حيث قوى ذلك في كتاب الطهارة وبعض لا يقول بالنجاسة بل هذا الماء طاهر وهذا في موضع لم يكن له حالة سابقة للقلّة أوالكريّة فيستصحب فلا يكون من المقام لجريان الأصل الموضوعي ومدرك القائلين بالانفعال تارة جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وتارة من جهة قاعدة كلّ أمر وجودي علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذلك الأمر الوجودي . وثالثة من جهة قاعدة المقتضي والمانع ولهذه القاعدة صورتان . فتارة يكون من قبيل قيام معركة تقتضي قتل زيد لا يعلم انّه قتل أو لا ولا وجه للقاعدة على هذا التقريب أصلاً لعدم مساعدة عرف ولاشرع واخرى يقرب بحصول المقتضي فعلاً والمانع محتمل كما إذا أصابت

ص: 360


1- . سورة آل عمران: 98 .

البندقة والرصاص جسم زيد ولزيد قابليّة تامّة للقتل بذلك إلاّ انّه يشكّ في وجود مانع هناك من دعاء أو حرز يدفع ذلك عن زيد والقاعدة بهذا التقريب لها صورة جميلة وقال بها بعض في المقام الا انه لا يمكننا المساعدة على ذلك أيضا للشكّ في وجود هذا البناء من العقلاء في امثال المقام . والوجوه التي تمسّكوا بها في الانفعال في المقام كلّها مخدوشة والمسئلة معركة للآراء ما بين الاعلام ولها صور وخصوصيّات الا انّه يكفي هذا المقدار . وهنا زيادة توضيح لا بأس بها وهو انه بناء على جريان قاعدة المقتضي والمانع في المقام يكون الماء تاما في القابليّة بحسب طبعه والنجاسة تامّة في المؤثريّة ويشكّ في وجود الكريّة التي هي عاصمة عن النجاسة لكن لا تختصّ العاصميّة بالكر بل الاتّصال بالمادة والجريان أيضا عاصمان فلا وجه لقول صاحب العروة وغيره بالنجاسة في المقام .

وهنا فرض آخر وهو وجود ماء كر فعلاً قليل سابقا ملاقٍ للنجاسة ولا يدري تقدّم الملاقاة على الكريّة أو الكريّة على الملاقاة . فان هنا ثلاث آنات . آن

الكريّة والملاقاة علما وهو هذا الآن وآن القلّة السابقة وآن في البين لاقت النجاسة هذا الماء فلا يعلم تقدم الكريّة أو الملاقاة . والمحقّق القمّي رحمه الله يقول في هذا المقام بالطهارة للجمع بين الاستصحاب ( يعني أصل عدم كريّة الماء ) وقاعدة الطهارة . واستشكل الشيخ على الفرق بين المقام وبين مثال الدين في الحج .

ولكن الانصاف(1) ان الفرق واضح فان في المقام أصل الطهارة موجود .

ص: 361


1- . يمكن جريان استصحابين استصحاب عدم الكريّة المحمول على هذا العدم الانفعال حيث ان وجود الكر مانع لا القلّة في الانفعال بل الانفعال لماء ليس بكر واستصحاب طهارة الماء فيتعارضان فيبقى قاعدة الطهارة سليمة هذا إذا لم يكن طهارة الماء من ناحية القاعدة والا فلا يجري الاستصحاب في الماء فتأمّل .

وتارة يقرب وجه النجاسة باستصحاب القلّة إلى حين الملاقاة فالملاقاة حاصلة بالوجدان والقلّة وعدم الكريّة محرزة بالاستصحاب وهذا ينكره المحقّق القمّي لما تقدّم من قوله بجريان القاعدة وإن كان يجري اصالة عدم الكريّة وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه .

وعلى أيّ فنرجع إلى أصل الشرط والكلام عليه . وللمحقّق النائيني قدس سره (1) هنا كلام لابدّ من نقله ثمّ النظر في صحّته وعدمها . وهو يقسم عدم هذا الشيء الجاري فيه البرائة على ثلاثة أقسام . فاما أن يكون عدمه الواقعي شرطا لحكم آخر كالحج فان عدم الدين واقعا شرط لوجوب الحج فلو كان عليه الدين وهو لا يعلم وحج فلا يكون حجّه حجّة الاسلام وعليه لو استطاع الحج لمنع الدين في المقام من حصول الاستطاعة الماليّة . وتارة يكون عدم الشيء ظاهرا موضوعا لحكم آخر وثالثة يكون عدم تنجزه كما في باب التزاحم ويذكر أمثلة . منها مثال الحج فلو كان من قبيل الأوّل ويكون العدم الواقعي موضوعا لحكم آخر فأصل البرائة وكذا غيرها من الأصول والامارات لا يمكن أن يثبت بها العدم الواقعي فلو تبيّن الخلاف لا يكون الحجّ حجّة الاسلام . نعم تجري البرائة ونتيجتها عدم التكليف ورفع العهدة عن أداء الدين إمّا واقعا أو ظاهرا لو قلنا في الحكم الظاهري بالجعل وأمكننا الجمع بينه وبين الواقعي أو يكون نتيجة جريان البرائة الترخيص في الترك لأداء الدين بناءً على ما حقّقناه في محلّه من عدم تكفّل هذه أي البرائة وأمثالها للجعل الظاهري بل ترخيصات في العمل بمقتضاها بل لو قطع أيضا لا يفيد .

ص: 362


1- . فوائد الأصول 4/303 - 304 .

نعم في الحلف خصوصيّة تقتضي عدم جواز تصرّف المالك في المال المعين له عند المنكر الحالف وان يعلم انه يكذب لما ورد(1) من ان اليمين ذهبت بحق المدعى .

( أقول: الكلام في أمثلة الماء وذكرها هناللزوم الاجتناب عن الماء بناء على جريان عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرا واصالة عدم تقدم الكريّة حيث يعلم بحدوثها على ملاقاة النجاسة فان الأصل في هذه الموارد لو جرى يوجب الاجتناب عن الماء كما عن التونى الذاكر لهذا الشرط .

توضيح كلام المحقّق النائيني ان دخل عدم الحكم في حكم آخر على انحاء ثلاثة: إمّا لعدم تنجّزه دخل في موضوع حكم آخر أو لعدمه الواقعي أو لعدمه الظاهري بأن ينفي ظاهرا فيثبت حكم آخر لتمام موضوعه . ومثال دخل العدم الواقعي مثال الدين والحج حيث ان الدين بعدمه الواقعي دخيل في ثبوت الحج ووجود التكليف به فلا تجري البرائة لذلك ولا تفيد لأنّ البرائة أصل وشأنه رفع التكليف ظاهرا ولا يتعدّى عن هذا إلى الواقع فيثبت شيئا واقعا أو ينفي . ومثال ما كان للحكم بعدمه التنجزي دخل في حكم آخر في فعلية وجوده يعني عدم تنجزه دخيل في فعلية حكم آخر كما في باب التزاحم . حيث ان التزاحم إنّما يتحقّق في مرحلة العلم فلو لم يعلم بأحد الخطابين فلا يزاحم ذلك الخطاب واقعا الخطاب الآخر ولا يسلبه قدرته ولا يدعوها ولايكون التزاحم إلاّ في مرحلة الامتثال والقدرة على متعلّق كلا الخطابين حاصلة . الا ان في المقام كلّ يدعو القدرة الواحدة إلى نفسه وذلك إنّما يتحقّق بالعلم بالخطابين وإلاّ فلو جهل

توضيح كلام النائيني

ص: 363


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب كيفيّة الحكم .

أحدهما فلا مزاحمة واقعا اذ منشأ التزاحم هو العلم فعند انتفائه ينتفي التزاحم واقعا . فالشكّ في وجوب الخطاب الأهم مثل أدّ الدين وصلّ أو ازل النجاسة وصلّ تمام الموضوع للحكم بالصلاة وفعليته بلا حاجة إلى اجراء البرائة بل خطاب المهم يكون فعلاً بالشكّ في وجود خطاب الأهم المزاحم الا ان البرائة ممّا لم نستغن عنها فنحتاج إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان وكذا البرائة الشرعيّة لرفع الخطاب ظاهرا .

أقول: لا ربط لذلك بمسئلة فعليّة المهم فتأمّل .

( فتجري البرائة ولا يكون خلاف امتنان لأن عليه أحد التكليفين قطعا ولا اشكال في لزوم الاخر وان ثبت بالبرائة ) .

وأمّا مثال ما لو كان نفي الحكم ظاهرا دخيلاً في وجود حكم وفعليته فهو ما ورد(1) من انه لا تطوع لمن عليه الفريضة أو في وقت الفريضة فلا يجوز لمن كانت ذمّته مشغولة بالصلاة الواجبة الصلاة نافلة فلا تنفل(2) أو لا نافلة لمن عليه الفريضة وكذا لا يجوز لمن عليه قضاء شهر رمضان الصوم الندبي وفي الاستيجاري كلام وإن كان الوقت في كليهما موسعا الا انه ورد المخصّص بأنّه اذا اضرّت(3) بالفريضة فلو شكّ في اشتغال ذمّته بالفريضة فيمكن باجراء البرائة اثبات خلو ذمّته ظاهرا المأخوذ في موضوع حكم التطوّع وتشريعه .

هذا ملخّص ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله .

الا انه نظر فيه سيّدنا الأستاذ قدس سره ولم ير فرقا بين مثال الحجّ وبين هذا المثال

اشكال كلام المحقّق النائيني

ص: 364


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 35/3 - 6 الى 9 - 11 من أبواب المواقيت .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 35/3 - 6 الى 9 - 11 من أبواب المواقيت .
3- . وسائل الشيعة 4 الباب 61/7 - 8 من أبواب المواقيت عن نهج البلاغة مرسلتين .

لا من جهة المثال بل كلامه على تفصيل المحقّق المزبور وقال بعدم الفرق بين الصورتين على ما يساعد عليه ظاهر الدليلين . فكما يجوز التمسّك بالبرائة لخلوالذمّة عن الفريضة والتطوّع كذلك يجوز التمسّك بها لاثبات وجوب الحجّ لأنّ البرائة تنفي الدين ووجوب ادائه لو كان ظاهرا فعلاً كما هو شأن ساير الأصول وأقواها الاستصحاب على ما يقتضيه جعلها حجّة فلو صادفت الواقع فهو وإلاّ فالمكلّف معذور في ما أتى به تكليفا وعليه ما يلزمه وضعا لو كان ففي المقام ينفي بالبرائة الدين فتجري البرائة منه ويجب عليه الحجّ ولا يضرّ الجريان اثبات حكم آخر منه وحصل له الاستطاعة كما لو كان مؤجّلاً ولا يطالبه وليس له المطالبة أو كان الدين لا يضرّ بالاستطاعة فيجب الحج في هذه الصور ولو تبين الخلاف بعد ذلك فلا يجزئه ما أتى به عن حجّة الاسلام لو حصلت له الاستطاعة فيما بعد لأنّه من أوّل الأمر لم يكن مستطيعا وشأن الأصول وكذا الامارات ليس جعل الواقع اذ لا سببيّة لها وإنّما هي طرق مجعولة حجّة كما قلنا والمناط هو الواقع .

نعم ان الحلف يكون مانعا عن جواز تصرّف صاحب المال في ماله والمقاصة عن الحالف وفيه كلام في محلّه . فعلى هذا لا نرى وجها لهذا التفصيل من تثليث الأقسام .

بل الحق المحقّق في المقام وإن كان يمكن أن يرجع إليه كلام المحقّق

النائيني رحمه الله ولو كان بعيدا عن ظاهره كما كتبوه وكتبنا عنه أن يفصل بين ما إذا كان عدم هذا الحكم تقييدا دخيلاً فيموضوع الحكم الآخر بأن يكون مقيّدا بعدم هذا ويكون العنوان الانتزاعي له الدخل سواء كان عرضا ومحلاًّ أو عرضين ومحلّين

ص: 365

أو غيرهما من أقسام التقييد على ما يأتي في باب الاستصحاب إن شاء اللّه كما في رفع رأس الامام من الركوع بالنسبة إلى المأموم المريد الاقتداء حيث انّه لابدّ أن يقتدي ويدرك الامام قبل رفع رأسه من الركوع فيستصحب عدم رفع رأس الامام في الركوع ويكبّر ويلحقه اذ لا يثبت ذلك عنوان القبليّة بأن أدرك قبل رفع رأسه فلا يجري . لأنّ البرائة وغيرها من الأصول لا تثبت ذلك . نعم الامارات من البينة وغيرها لها ذلك حيث لا تقتصر على خصوص مؤدّياتها بل تثبتها ولوازمها العقليّة وغيرها . وبين غيره ممّا لم يؤخذ العدم قيدا ولا الحكم الآخر مقيّدا بهذا العدم بل خصوص التركيب مناط وجود الحكم . واجتماع العدم مع شيء آخر كافٍ في ذلك بلا دخل لعنوان الاجتماع أيضا ( بل الاتّحاد الزماني وربما لا يكون . فعلى هذا يجري البرائة ويثبت بها هذا الجزء والجزء الآخر مثبت بالوجدان ويتحقّق هناك ضابط الجزء بالوجدان والجزء بالأصل هذا هو التفصيل الذي يليق بالمقام وملخّصه عدم جريان البرائة وعدم نفعها في ما إذا كان عدم المنفي وصفا وقيدا دخيلاً في الحكم الآخر والجريان فيما اذا لم يكن كذلك بل مجرّد العدم تركيبا مع غيره فتأمّل جيّدا .

نتيجة البحث قد تبين ممّا ذكرنا عدم محل للتفصيل الذي ذكره المحقّق النائيني رحمه الله وان الحق في المقام هو ما قلناه بالضابط الذي تقدّم ذكره ولو انطبق هذا الضابط على الأمثلة التي ذكرها فكما ذكروا لا فلا يستقيم . ففي مثل لا صلاة(1) لمن عليه الفريضة لو كان المراد اشتغال العهدة بالفريضة في الواقع وإن لم يكن في الظاهر مطالبا بذلك فالاستصحاب فضلاً عن البرائة لا يتكفل اثبات ذلك بل شأنها

تحقيق الكلام

ص: 366


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 35/3 من أبواب المواقيت واللفظ فاذا دخلت الفريضة فلا تطوّع .

ليس إلاّ الترخيص وإنّما يكون حجّة وعذرا عند المخالفة ولا موضوعيّة ولا سببيّة له ولا يثبت واقعا بل الواقع على ما هو عليه وإنّما هي ترخيصات . وهو في حقّ العالم والجاهل سواء أو كان الحكم الواقعي عبارة عن الانشاء ويجوز أن يكون الخطاب مختصّا بالعالمين به على المباني في ذلك حيث ان في جميع هذه الصور شأن البرائة رفع الخطاب أو ترخيص المكلّف في الترك وهو غير العهدة والاشتغال بالفريضة واقعا .

فعلى هذا لا يمكن أن يثبت بالبرائة جواز الدخول في النافلة لعدم تماميّة موضوعها أمّا لو كان المراد من ذلك التكليف بأداء الفريضة فعلاً اما بالجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بالخطاب والانشاء أو بالعهدة والمطالبة واختصاص الحكم بالعالمين به والاستواء في العهدة فالبرائة الجارية في ذلك ترفع المطالبة ظاهرا أو ترخص المكلّف في الترك وتنفي ذمّته ظاهرا .

وعلى هذا يتمّ موضوع النافلة ويجوز للجاري في حقّه البرائة عن الفريضة التنفّل وإن احتمل اشتغال ذمّته واقعا بالفريضة لما في موضوع النافلة من عدم المطالبة بالفريضة لا الاشتغال والعهدة واقعا .

ومجمل الضابط في أمثال المقام وإن كرّرناه في أبحاثنا عن المحقّق النائيني رحمه الله وهو نقح ذلك هو التركيب ودخل شيئين بوجودهما الواقعي لا بنحو التقييد لأحدهما بالآخر ومثاله المعروف الذي كان دائراً في كلام النائيني رحمه الله هوالاستيلاء على مال الغير وجدانا وعدم رضاه السابق المستصحب حين الاستيلاء ووضع اليد على ما له فيتحقّق الموضوع المركّب بوجود طرفيه أحدهما واقعا وجدانا والجزء الآخر بالتعبد وهو في المقام الاستصحاب الجاري في عدم

جريان الاستصحاب في الموضوع المركّب

ص: 367

رضاه بالتصرّف السابق على التصرف .

وبذلك يضمن المتصرف حيث ان موضوع الضمان الاستيلاء على مال الغير بلا رضاه ولا يصح الاستدلال على الضمان بقاعدة على اليد إذ هو تمسّك في الشبهة المصداقيّة ولا بقاعدة المقتضي والمانع لعدم تماميّتها ولا بقاعدة كلّ أمر علّق أمر وجودي الخ لعدم أصل لها .

وورود الاشكالات عليها . وهذا هو ضابط الجزء بالوجدان والجزء الاخر بالأصل أي جعل كان الذي ملاكه التركيب ويتحقّق ذلك فيما إذا كانا عرضين لمحلين أو جوهرين وعرضين لمحل لا يكون أحدهما قيدا للآخر حيث لا يصحّ فيهما أن يكون أحد العرضين عرضا لمعروض العرض الآخر بل كلّ عارض على معروضه فوضع اليد عارض على المال والرضا عارض على مالكه كما في الجوهرين حيث يمتنع اتصاف أحدهما بالآخر فزيد لا يتّصف بعمرو لو كان الموضوع هما . وشرط ذلك أن لا يكون العنوان الانتزاعي أيضا موضوعا أو دخيلاً فيه والا فلا يثبت الأصل ذلك . فلو كان الموضوع مركّبا على هذا النحو الذي ذكرنا فيمكن اجراء البرائة وساير الأصول لاثبات الموضوع ولا يكون من جريان الأصل المثبت بخلاف ما إذا كان العنوان الانتزاعي دخيلاً كما لو كانت القبليّة في ركوع المأموم بالنسبة إلى رفع رأس الامام فلا يمكن اثبات ذلك العنوان بالاستصحاب فيهوي المأموم إلى الركوع ويستصحب عدم رفع رأس الامام فيركع ويثبت بذلك ركوعه قبل رفع رأس الامام .

كما في ذلك اسلام الوارث(1) قبل القسمة حيث لا يثبت ذلك بالأصل ولو

ص: 368


1- . الظاهر كما ذكرنا في مباني ارث المنهاج عدم اشتراط القبليّة . مباني ارث المنهاج 29 - 30 .

كان أحد الشيئين مقيّدا بالآخر ويكون الموضوع مقيّدا بشيء فلا يمكن اثبات ذلك بالاستصحاب فضلاً عن البرائة وذلك إنّما يكون في العرض والمحل عرضا لمحل واحد ففي مثال النافلة حيث ينطبق الضابط الأوّل التركيبي فيمكن اثبات الجواز بالأصل برائة كان او استصحابا حيث ان ذمّته كانت فارغة سابقا فيستصحب ذلك والجزء الاخر وهو حصول باقي شرايط النافلة من الوقت والخصوصيّات الاخر محرزة بالوجدان فيجوز له التنفّل أو حيث لم يجر استصحاب يجري أصل البرائة من لزوم أداء الفريضة فلا يجب عليه الفريضة وليس مطالبا بها ولو ترخيصا والجزء الآخر بالوجدان فينتقل . هذا ولكن يبقى الفرق بين المقام وبين مثال الحجّ حيث لا يجري البرائة المحقّق المزبور رحمه الله فيمكن أن يستصحب عدم الدين

المطالب أو عدم الدين حيث ان الدين لو كان مطالبا يضرّ بحصول الاستطاعة بالنسبة إلى هذا المكلّف فاذا لا دين عليه ولا يجب عليه الأداء فيحصل له الاستطاعة فيجب عليه الحج حيث اجتمعت شرايط وجوب الحجّ ومنها عدم واجب أهم ومنها حصول الاستطاعة بفروعها(1) ولو كان هذا المكلّف مطالبا بدين

ص: 369


1- . ففي مثال الحجّ ليست الاستطاعة مقيّدة بعدم الدين بل وجود الدين المطالب مانع في مورده عن حصول الاستطاعة فلا يكون من التقييد والعرض والمحل بل ينطبق ضابط التركيب . الاستطاعة وعدم دين مطالب فالمقارنة للاستطاعة وعدم الدين لا اتصاف الأوّل بالثاني ( أقول ذكر بعض حاضري بحثه قدس سره ايراد اشكال عليه وميله أو تسليمه الاشكال في مثال البرائة ولعلّه يجيء في الحجّ أيضا وهو ان ضابط التقييد ينطبق عليه حيث ان من ليس عليه فريضة عنوان الحكم المستفاد من قوله لا ( وسائل الشيعة 4 الباب 35/4 من أبواب المواقيت مع تفاوت في اللفظ ) نافلة لمن عليه الفريضة فالاتّصاف داخل في العنوان ويمكن بمقتضى النظر عدم ورود الاشكال بل من موضوع والعدم عدم محمولي أي لا يكون عليه الفريضة لا أن يكون متّصفا بالعدم وفي مثال الحج عدم وروده أظهر فتدبر .

فحيث ان أداء الدين واجب عليه يمنع ذلك من حصول الاستطاعة فلا يجب كما ان في مسئلة النذر لو نذر أن يعرف بكربلاء على مشرفها السلام فاتفق حصول الاستطاعة له في ذاك العام فلو كان النذر أهم فلا يجب عليه الحج حيث ابتلى بالأهم والا فيكشف ذلك عن عدم انعقاد النذر من أوّل الأمر(1) .

والانحلال ليس لاشتراط الحج بالقدرة الشرعيّة اذ النذر أيضا كذلك(2) وإن قال بعضهم في هذه المسئلة بعدم وجوب الحج من جهة اخرى . وعلى أيّ لا يصحّ تفصيل المحقّق النائيني بل الحق ما حقّقناه كما اتّضح ان ما ذكره بعض الأساطين في المقام من الأمثلة لا ترتبط به من منع جريان البرائة في أحد الانائين المشتبهين للزوم وجوب الاجتناب عن الآخر اذ في هذه الصورة يجري الأصل بالنسبة إلى كلا الطرفين منعا واجتنابا وأن لا يتضرّر بأعمال الأصل مسلم فلو كان المراد ان أصل البرائة وساير الأصول لا تثبت اللوازم العقليّة والعادية فهذا مسلم قد تقدّم وإن كان المراد منع بعض ما ذكرنا فقد سمعت الحق ووضح لك فتدبّر .

تكميل: قد سبق انه ذكر لجريان البرائة شروط . منها أن لا يكون الأصل مثبتا لحكم آخر وقد سبق ما يحتمل في هذا الشرط وصار المسلم عدم مثبتيّة الأصول بأجمعها وأيضا جريان البرائة لو كان تكليف آخر مركبا من أجزاء أو

يشترط في البرائة أن لا يكون مثبتاً لحكم آخر

ص: 370


1- . ولمّا عليه المبني للابتلاء بالأهم وهو الحجّ فلا يجب الوفاء بالنذر لمكان الحج وهذا وإن كان موافقا نتيجة مع ما يقوله المحقّق النائيني رحمه الله الا انه مخالف له مدركا من حيث قوله بالانحلال .
2- . مبنى السيّد الأستاذ قدس سره عدم اشتراط الحج والنذر بالقدرة الشرعيّة كما سبق في باب التزاحم وهو الحق خلافاً للسيّد الخوئي قدس سره حيث يرى اشتراط النذر بالقدرة الشرعيّة .

جزئين يثبت أحدها البرائة . ومنها أن لا يكون الجاري فيه البرائة جزء عبادة ويرجع هذا إلى المنع في الأقلّ والأكثر الارتباطيين وقد تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً وسبق ان في أمثال المقام لا نحتاج إلى البرائة لوجود الاطلاقات المقاميّة والصلوات البيانيّة فلو كان لشيء آخر غير ما تضمّنه هذه دخل لبينوا وحيث ما بينوا والفرض انهم علیهم السلام بصدد البيان فيكشف الاطلاق وهذا مسلم لأن مع وجود الدليل الاجتهادي لا مجال لجريان الأصل وكذا لا يجري الأصل لو كان مجعولاً بالعنوان الثانوي كعنوان الجهل أو النسيان في رفع النسيان وأن لا يكون هناك أصل موضوعي وبالجملة هذه من المسلّمات والشروط المضبوطة هي أن يكون الحكم مجعولاً مجهولاً وفي رفعه منة .

ومنها: ان لا يتضرّر بأعمال البرائة أو مطلق الأصل مسلم أو لا يلزم ضرر مطلقا . وهذا الشرط يعني عدم لزوم ضرر من أعمال الأصل ذكره الفاضل التوني وبعض من تأخّر عنه وكتبوا في هذا يعني قاعدة لا ضرر كراريس وذكر الفاضل أمثلة لما ذكره . الا ان الشيخ والمرحوم النائيني (1) وغيرهما استشكلوا عليه وأوردوا عليه اشكالات بعضها من المتقدّمين عليهم وفسروا كلامه بما لا يكون مراده ومراده ما ذكره ويساعد الأمثلة وشأن الفاضل فانه لا يريد ما ليس له معنى ولا صورة حتى يورد عليه هؤلاء .

وتوضيح مراده قدس سره هو ان الشرط المهم والركن الأعظم في جريان البرائة هو الشكّ ولما كان محلّ الكلام وعمدته هوالشكّ في التكليف من جهة فقد النصّ فيكون هو المنظور والشبهة الخارجيّة ترجع إليه . وذلك في قبال من يقول

ص: 371


1- . فوائد الأصول 4/304 - 305 .

بالاحتياط من أصحابنا الأخباريين في الشبهة الحكميّة والواقعة المشكوك حكمها ولا نصّ فلابدّ في ذلك من احراز الموضوع . وحيث يكون هناك دليل اجتهادي يمنع عن جريان البرائة فلا موضوع لها وقد يوجد موارد في الفقه يشكّ في شمول الدليل إيّاها فلا نقطع بشمولها ولا بعدم الشمول فيصير ذلك منشأ للشكّ في حكم المورد ولا يجوز التمسّك بالدليل لأنّه تمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة ولا يجوز اجراء البرائة لعدم احراز موضوعها . ففي الأمثلة التي ذكرها الفاضل رحمه الله

من فتح القفص وطيران الطائر وحبس الحر وشرود دابته ومثال حبس شاة الغير ودابته ومات ولدها لا يكون الشكّ في حرمة ذلك قطعا اذ ذلك مسلم من انه لا يجوز والفاضل لا يريد ذلك . بل المراد بيان الشكّ في حصول الضمان في هذه الموارد فالكلام في المقام من جهتين:

1 - التعزير لكلّ معصية ولو شككنا في هذا تجري البرائة لأن التعزير على المعصية .

2 - هي الضمان ولما كان الضمان في بابه مستندا إلى أشياء قد يكون من جهة قاعدة اليد فان وضع اليد على الشيء يوجب الضمان والرافع لحكم هذا والمانع عن مقتضاه هو اقدام المالك . فلو أقدم المالك وسلّط شخصا على ماله لا تجري قاعدة على اليد وذلك إنّما يكون في ما اذا لم يجعل الضمان في مقابل الاخر بماله والا فقاعدة على اليد أيضا توجب الضمان ولذا قلنا بأن كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وذلك لأن الاقدام اقدام على الضمان قبال الاخر معاملة لا انه سلطه على ماله مطلقا وان وردت على هذه القاعدة اشكالات ولم تكن في معقد اجماع لذكرهم تعليلات بعد بيان القاعدة الا انا دفعنا الاشكالات في محلّه

الضمان لوضع اليد

ص: 372

من البيع فحيث ان مورد حبس الرجل وشرود دابته ما وضع يدا على دابّته بل حبس الشخص وصار ذلك لعدم تمكنه من حفظ دابته فشردت أو لعدم تمكّنه من تعمير سطوح داره فسقطت داره فلا يشمل هذه الموارد قاعدة اليد لعدم مورد لها وكذا في مثل ركوب دابة وتلف ولدها حيث ان وضع اليد لم يكن إلاّ على نفس الدابّة والولد إنّما تبع امه فلا يد على الولد ولا يمكن تصحيح الضمان من جهة اليد ويبقى قاعدة الاتلاف ولا ضرر والاولى لم تكن مضمون خبر بعينه الا انه يستفاد من الأخبار ان من أتلف مال الغير فهو له ضامن . وفي المقام يشكّ في الاتلاف وانه صار سببا لذلك فاتلف بالتسبيب وكذا الثانية من جهة احتمالات فيها يشكّ في شمولها للمقام . حيث ان فيها احتمال ارادة عدم جعل التكليف الضرري ويختص بباب التكاليف . فما يكون معنونا بالعنوان الثانوي بالضرر حكمه الأولى مرفوع فاذا كان هناك وجوب فيرتفع من ناحية صدق الضرر ورفعه لا ان يكون المرفوع حكم نفس الضرر فان حكمه الحرمة ولا يكون مرفوعا قطعا . ويحتمل فيه أن يكون نفي الحكم بلسان نفي الموضوع لا خارجا حيث ان ذلك ليس بيد الشارع بل الرفع التشريعي وعدم حكم الشارع بالضرر تكليفا ووضعا فيكون المراد نفى ذلك . ويحتمل النهي وكونه انشاءا لا اخبارا وفيها احتمالات مذكورة في محلّه من بيان قاعدة لا ضرر وبما انه يشكّ في شمول القاعدة لهذه الموارد وتكفلها اثبات ضمان على هذا الشخص فانه يرفع وينفي الضرر وحديث الرفع يرفع أيضا.

فلو كان مجرى لا ضرر فهو يرفع رفع حديث الرفع(1) ولا مجال لجريانه

ص: 373


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

حيث تقدّم القاعدة عليه سواء كان في التعزير أو رخصة العمل أو في الضمان لكن لما لم يكن قطع بأحد الطرفين بل الاحتمال في شمول القاعدة لهذه الموارد باقٍ فيوجب ضمان هذا الشخص لا ضراره بالغير أو للاتلاف وتسبيبه ذلك وعدم شمولها وجريان البرائة عن الضمان أو اصالة عدم الضمان واستصحاب عدمه فليس المناص عن التراضي والصلح للشكّ في الدليل الاجتهادي وانه يعمّ المشكوك وكذا الشكّ في موضوع البرائة فانه حيث لا دليل والمقام مشكوكه فان في مثال الحر لا يكون ضمان على نفس الحر لانه ما قتله وما آذاه .

نعم لو كان سببا لذلك فيجري عليه أحكامه الخاصّة من العمد والخطأ وغيرهما وكذا لا يضمن عمله الا إذا كان أجيرا للغير . وبالجملة فلو كان مراد الفاضل رحمه الله ذلك فله صورة ومعنى وان توجه عليه الاشكال فعلى المبنى في ذلك وفي باب الضمانات فروع كثيرة مختلف فيها بين الأعلام توقف في بعضها ممّا ذكرنا العلامة رحمه الله وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه من باب الغصب والضمان .

هذا ما هو مراد الفاضل رحمه الله من زيادة هذا الشرط .

تذنيب: قد ذكرنا مراد صاحب الوافية من الشكّ في مصداقيّة الضرر والشكّ في صدق الاتلاف اذ ذلك مسلم ان عند وجود الدليل الاجتهادي لا مجال للأصل وما يتوهم ذلك أحد حتى يقول بذلك هذا المحقق ومن الأمثلة التي ذكرها في المقام وإن لم يكن كلّها مناسبة لمراده يظهر ان مراده ما قلناه لا ما نسبوا إليه وفهموا من كلامه واستشكلوا عليه وذلك كما في حبس الحر اذا لم يكن أجيرا وفي حبس الدابّة وامساكها واخراجها وركوبها مع تبعيّة ولدها إيّاها أو فتح قفس مع تعود الطائر بالعود .

توجيه كلام الفاضل

ص: 374

أمّا إذا لم يكن كذلك بأن كان الطائر وحشيّا لا يعود إذا اطلق . فلا اشكال في الضمان ومنشأ ترديد صاحب الوافية في هذه المقامات الاختلاف الذي في بعض الفروع من العلماء كالعلاّمة وغيره من الفحول من صدق الاتلاف واليد . فانه تارة يجعل اليد على المال ويتلف مباشرة أو تسبيبا فلا اشكال في الضمان . وتارة يشكّ في ذلك ولا يجوز التمسّك بقاعدة الاتلاف في امثال هذه المقامات مع الشكّ لكونه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وكذا جريان البرائة للشكّ في موضوعها .

ونقول لتنقيح البحث ان الضمان مستند إلى الاتلاف وإلى قاعدة اليد والاستيلاء على مال الغير اذا لم يكن من رضى المالك واذنه . والاتلاف يكون بشيئين بالمباشرة والتسبيب .

أمّا المباشرة فهو من فعل الشخص سواء كان اختياريّا أم بلا اختيار فلو ضرب في النوم على قارورة الغير وكسرها يضمن لتحقّق الاتلاف وهو من أسباب الضمان .

فالمباشرة عبارة عن حصول الفعل من الانسان بالأعم من الاختياري .

والثاني . التسبيب وضابطه أن لا يكون بين فعل الفاعل والنتيجة توسط ارادة فاعل ذي شعور مختار . فلو توسطت الارادة يخرج عن باب التسبيب بحيث ينسب الفعل إلى السبب . فاذا اطلق السبع والكلب مثلاً وعضّ انسانا ينسب إلى ذلك الشخص لعدم توسط ارادة فاعل مختار بل كان الكلب بمنزلة الآلة كالعصا والسيف له عند قتل زيد أو أرسل الماء إلى حائط الغير أو أجج النار في منزله زائدا على المعتاد فاحرق البيدر بجنبه للغير .

ص: 375

ففي أمثال هذه وإن كان الاحراق وتخريب الحائط وعض الانسان من غير فعله بل من فعل الماء والنار والكلب الا انها تنسب إليه لأنّه كان السبب في ذلك وعدم عبرة بهذه الأشياء لعدم ارادة مستقلّة في بعضها وعدم ارادة مطلقا في الآخر فصاحب الوافية أراد بما ذكر هذه الموارد في صورة الشكّ .

ولا يخفى ان الامثلة المذكورة لا تنطبق على مراده الا الأخير منها الذي هو امساك رجل وهربت دابته فان هذا مورد الشكّ ويمكن أن لا يكون هذا أيضا من موارد الشكّ لأنّه ما صار سببا للتلف ولا مباشرا لأن اخذ المالك لا سببيّة له في هلاك الدابّة ولا هو مباشر له كما اذا ركب الدابة وتبعها ولدها فأكله السبع .

نعم من حيث الضرر يحتمل ذلك وسيجيء شرحه .

وخلاصة الكلام في المباشرة والتسبيب ما ذكرنا وهو أن تكون في الثاني النتيجة مستندة إلى الفاعل وإن كانت من فعل الغير لعدم العبرة به اذ لا شعور له وفي الأوّل يكون نفسه هو الفاعل بلا توسط شيء وارادة . فلو كان بحيث يعد الفعل فعله والنتيجة مستندة إليه فهنا يكون الضمان محققا كما إذا القى انسانا في المسبعة فانه ما قتله ولكنه كالقتل فان الالقاء في المسبعة كالسيف في القتل الا ان في المقام بعض فروع صارت محل الكلام والشبهة . منها ما لو حفر بئرا في منزله أو بستانه المختصّ به لغرض أو عبثا ودخل شخص وسقط في البئر ومات . فتارة يكون بلا اذنه فلا ضمان . وتارة يكون باذنه فهنا يقولون لا ضمان على صاحب المنزل لأنه ما فعل الا حفر البئر والالقاء ما حصل منه بل هو كان مشتغلاً بتفرج البستان والأخذ من الأثمار فسقط غفلة فيه مع قولهم بالضمان في مثل هذا الفرض في ما لو كان حفر البئر أو نصب السكين أو القى قشر البطيخ في المعبر العام الذي

الفرق بين المباشرة والتسبيب

ص: 376

يكون لكلّ أحد حق العبور منه ولكن اذا لم يكن هو ملتفتا إلى ذلك وغير عابى ء به اذ لو كان كذلك ويتوسط ارادة الفاعل المختار يسقط الضمان ولا يثبت على هذا الفاعل فلو كان ذلك أي الضمان بالتسبيب ففي كلا الموردين سواء كان في منزله أو في الطريق فلابدّ أن يكون ضامنا على كلا الحالين . وإن لم يكن تسبيب فكذلك . لابدّ أن لا يكون ضامنا في الصورتين . إلاّ انّه يمكن الفرق بين المقامين بأن الحفر في الطريق والالقاء للقشر ونصب السكين مظنون عليها ترتب القتل والسقوط والضرر على الغير بلا ارادة منه فيكون هذا الفاعل كالسبب لهذه النتائج اذ لا يشعرون على الفرض بما في الطريق بل مشغولون بأفكارهم بخلاف فعله في منزله فانه لا مظنّة لترتّب هذه النتائج عليه ومعلوم ان الضمان في خصوص الطريق والبئر إذا كان مزاحما بالمارّة التي لها حق المرور . اما اذا لم يكن فعل هذا

الشخص مزاحما لها فيشكل الضمان فلو كان سكينه موضوعا على جنب الجدار وهو قاعد لشغله بلا مزاحمة مع أحد من الناس واتّفق مرور شخص وجرحه بالسكين فلا نقول بالضمان أذ ذلك خارج عن ضابط الباب هذا .

وفي موارد يقولون بأقوائيّة المباشر من السبب أو بالعكس . ولا يخفى ان الضابط لابدّ أن ينطبق وإلاّ فلا مجال لهذه ففي مثل القتل وأخذ شيء من انسان قهرا وإن كان بأمر الآخر الا ان المباشر هو الذي أتلف النفس ومال الغير والضمان عليه . والآمر وإن كان له معصية وفي الآمر بالقتل يحبس إلى الأبد . لكن مجرّد الأمر لا يجعله سببا للتلف ولا قاتلاً بل الآخذ يكون هو الضامن ولو انتقل المأخوذ إلى غيره فهكذا يكونون ضمناء . ولكن ضمان واحد على الطوليّة على النحو المتصور في تعاقب الأيادي . والمالك ممّن أخذ ماله يأخذ المأخوذ منه من الآخر

ص: 377

الذي تلف عنده على التفصيل المذكور في محلّه .

فتبين ممّا ذكرنا ان الضمان إنّما يكون بالاتلاف تسبيبا أو مباشرة وباليد على مال الغير كما في الأخذ على التفصيل المذكور في محلّه . ولا وجه لترديد صاحب الوافية في ذلك . وإذا كان هذه المواضع التي ذكرها لا تشملها أدلّة الضمان قطعا أو شكّ في ذلك فتجري البرائة واصالة عدم الضمان بلا اشكال اذ مجراها عند الشكّ . نعم لو كان مجرى القاعدة للاتلاف واليد فلا اشكال في تقدّمها على الأصول ولا يتوهّم خلافه . وترديد المحقّق من جهة الضرر والشكّ في عمومه للأحكام الوضعيّة بل يكون مختصّا بالتكليفيّة أو يشمل الوضعيّة أيضا ولكن يشكّ في المصداق أو في الصدق أيضا لا وجه له . وفي هذا أيضا لا مجال للتوقّف فيجري الأصل بلا اشكال حيث ان مورده الشكّ والفرض ان الدليل الاجتهادي لا يشمل المورد فلا وجه للتوقّف والترديد .

فعلى أيّ لو كان هذه القواعد أو بعضها تشمل المورد وتوجب عليه الضمان فلا كلام والا فعند الشكّ في الحكم الوضعي سواء كان لاجمال النص أو في الصدق أو الشكّ في المصداق أو عدم النصّ يجري الأصل عن التكليف والوضع .

نعم اذا استفيد من لا ضرر الحرمة لا الوضع للضمان كما في حبس الحر حيث لا يكون أجيرا للغير فيكون عمله مملوكا له فيترتب عليه التعزير من الحاكم .

هذا ما يتعلّق بذكر ما أراده المحقّق صاحب الوافية وتبين عدم تماميّته .

وحيث ان الشيخ رحمه الله ذكر في المقام قاعدة لا ضرر للمناسبة في انجرار الكلام فيليق بنا ان نقع في ذلك .

ص: 378

قاعدة لا ضرر

فنقول ان هذه القاعدة من القواعد المعروفة المعمول بها عند الأصحاب في موارد عديدة من الفقه حيث تراهم يتمسّكون بها لاثبات الحكم في المقامات .

ويبنغي ان يعلم ثمرة البحث في لا ضرر . والعمدة في ذلك هو حكومته على الأدلّة الأوليّة نظير لا حرج ولا عسر فكما انهما عند مورده لا يكون مورد الأصول كذلك تكون بالنسبة إلى الأدلّة المتكفّلة لاثبات الأحكام وهذه ثمرة مهمّة . والكلام تارة يقع في سندها واخرى في لفظها وثالثة في دلالتها . اما السند فلا نحتاج إلى الكلام فيه بعد ان هذه القاعدة بهذه اللفظة يعني ( لا ضرر ولا ضرار )

أو بما يقرب منه وردت في عدّة موارد في أخبارنا وأخبار العامّة وذكرها أحمد بن حنبل مجرّدة عن الزيادات التي تروى الخاصّة بل عدّها في عداد اقضية النبي صلی الله علیه و آله حيث نفى الرهبانيّة وبنيان الكنائس . ومنها الضرر ومن الاماميّة ينسب أخبار هذه القاعدة ويرويها عقبة بن خالد لكن مع زيادات في باب الشفعة وفي قضيّة سمرة ابن جندب . ويقع الكلام في ان الأصل هو الزيادة أو النقيصة . ويقولون ان الزيادة خلاف القاعدة بل احتمال النقيصة مقدم فهو مثل أصل نفي السهو والغفلة المبني عليه عند العقلاء . فالأصل يقتضي تقدم النقيصة عند احتمالها والزيادة لأنّها خلاف الأصل . الا ان في المقام خصوصيّة تقضي بعدم الزيادة وأن يكون الأصل هو الناقص لا مع الزيادة التي في بعضها من ( في الاسلام ) أو ( على المؤمن ) ويرد اشكال في المقام وهو ان التمسّك بلا ضرر مع ان في بعض أخباره من قبيل الملاك كما في خبر الشفعة وفي بعضها من قبيل الموضوع لا يستقيم لعدم

الكلام في قاعدة لا ضرر

ص: 379

جامع بينهما فاما أن يكون ملاكا لموارده أو يكون موضوعا . وهذه عويصة على هذه القاعدة الا انا مستريحون عنها وفي غنى عن جوابها بعد ما بين المرحوم الشريعة الاصفهاني قدس سره ان القاعدة لم تكن مع هذه الزيادات التي في مورد تطبيقها . بل ذلك إنّما أتى من جهة تقطيعهم الأخبار فرأوا المناسبة في ذكرها عقيب أخبار الشفعة وقضيّة سمرة فلا يتوجّه الاشكال على هذا أصلاً ( أقول لا يخفى عدم امكان الركون إلى ذلك بعد ملاحظة هذه الأخبار وكيفيّة بيان لا ضرر فيها فراجع ) .

ثمّ انّ الكلام في هذه القاعدة الشريفة المستدلّ بها في موارد الفقه يستدعي جهات من البحث ممّا له الدخل في مدلول لا ضرر أو يحتمل ذلك ونبيّن اولاً ما أفاده المحقّق النائيني في كلّ مورد ثمّ نتعرض لما يرد عليه ان كان له مورد .

الجهة الاولى في لفظة الحديث الشريف وهل هي لا ضرر ولا ضرار أو يكون فيه زيادة لا يخفى ان روايات لا ضرر على قسمين مسندات ومرسلات . اما المسندات ففيها(1) لا ضرر ولا ضرار بلا زيادة شيء بخلاف المرسلات كالمرسل الذي نقله العلاّمة رحمه الله وكما أورده ابن اثير(2) في نهايته فان في بعضها زيادة في الاسلام وفي آخر على المؤمن أو على مؤمن بالتنكير . ويحتمل في هذا الاختلاف أمران: الأوّل تعدد صدور هذا المضمون عن النبي صلی الله علیه و آله فان رواياتنا(3) في ذلك مسندة إلى عقبة بن خالد عن الصادق علیه السلام عن النبي صلوات اللّه وسلامه

حديث لا ضرر

ص: 380


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 5/1 من كتاب الشفعة والباب 7/2 من كتاب احياء الموات والباب 12/1 - 3 - 4 - 5 والباب 15/1 .
2- . عن نهاية ابن الأثير 3/81 .
3- . كما سبق الايعاز إليها .

عليه وآله وكذا رواياتهم التي جمعها أحمد بن حنبل(1) أيضا عن النبي صلی الله علیه و آله فيمكن أن يكون في جملة الاقضية الواردة عن النبي صلی الله علیه و آله (2) بلا زيادة كما في أمثاله من لا

بنيان كنيسة ولا رهبانيّة(3) من كلماته الجامعة وفي غيرها مع بعض هذه الزيادات .

الثاني صدور المضمون مرّة واحدة عن النبي صلی الله علیه و آله واختلاف الرواة عنه في الرواية بالزيادة والنقصان . وعلى هذا فاما أن يكون من بعضهم زيادة أو من آخر نقصان والا فلا يمكن أن يكون الخبر الصادر مرّة عنه له ذيل ولا له ذيل .

وهذا كما في أخبار الكر التحديديّة حيث ان في بعضها(4) ثلاثة أشبار في مثلها وفي آخر ثلاثة(5) ونصف كذلك فيحتمل أن يكون النقص من راوي زيادة النصف .

أو يكون الزيادة من راوي الثلاثة الا أن فيما نحن كالقاطع بصحّة ما تضمن زيادة النصف ولا يبقى لفتوى القميين وجه خصوصا مع عدم توافق مساحة السبعة والعشرين شبرا مع وزن الماء بأي ماء يوزن .

وقد يدّعى ان في موارد احتمال الزيادة والنقصان تجري الأصول المسلّمة العقلائيّة من أصل عدم الغفلة وعدم السهو والا فلا يمكن العمل برواية من

ص: 381


1- . عن مسند أحمد 6/446 - 447 ح22272 .
2- . في النبوي: ( لا تبنى الكنيسة في الاسلام ) . جواهر الكلام 21/284 عن كتاب نصب الراية 3/454 لشيخ الشريعة الاصفهاني عن الجامع الصغير 2/725 وفيض القدير 6/380 قاعدة لا ضرر ولا ضرار ص38 .
3- . مستدرك الوسائل 14 الباب 2/2 من أبواب مقدّمات النكاح .
4- . الوسائل 1 الباب 9/7 من أبواب الماء المطلق .
5- . الوسائل 1 الباب 9/8 من أبواب الماء المطلق .

الروايات خصوصا ما منها رويت بوسائط عديدة . ولما كان المقام بناء على اتّحاد الصدور لا يحتملهما فلا يمكن اجراءها في الزيادة والنقيصة للقطع بالغفلة والسهو اما في طرف النقصان بان نقص رواة المسندات الزيادة التي رواها المرسلون أو في جانب الزيادة بأن زاد المرسلون كلّ بعض هذه الزيادات . والأصل في أمثال المقام هو ترجيح جانب النقيصة فان الزيادة وان تنفق الا ان وقوع النقيصة أكثر وذلك موجب لرجحان جانبها والعقلاء يبنون على هذا فيكون الأصل في المقام هو ما رواه المرسلون مع الزيادة .

وهذه الدعوى لو سلمت وان من العقلاء البناء على ذلك في مثل المقام لا تفيدنا شيئا اذ نفي الضرر ممّا بنفسه يقتضي أن يكون في الاسلام فكانه يطلب ذلك وان جرد اللفظ عنه خصوصا بناء على جواز نقل الحديث بالمعنى . فقد زاد في النقل بلا ضرر .

لأن النفي سواء كان للحكم أو موضوع الحكم أو كان نهيا لا يقع ولا يكون الا في الدين والاسلام مضافا إلى عدم ترتب فائدة في هذا البحث اذ لا نتيجة له لأن الغرض المهم في لا ضرر ان يكون حاكما على الأدلّة الواقعيّة وذلك يتحقّق سواء كان بلا زيادة في الاسلام أو معها ولا يتوقّف على ان يكون هذه الزيادة محققة فما عن بعضهم ( ولعلّه الشيخ بل ظ ) من ترتيبه تلك النتيجة على الزيادة لا وجه له . هذا إذا كان التقدير تقدير زيادة قيد ( في الاسلام ) اما لو كان زيادة قيد

( على مؤمن ) أو ( على المؤمن ) فان كان يترتب عليه نتيجة وهي عدم شمول المؤمن في ذلك نفس المكلّف سواء كان نفيا أو نهيا فيكون معناه لا تضروا مؤمنا أو المؤمن ولذلك يختصّ بالمؤمن والمراد به اما خصوص الاثنى عشريّة من

ص: 382

الشيعة فيخرج جميع فرق الشيعة سواهم ومن سواهم من فرق الاسلام وغيرهم أو من آمن بالنبي صلی الله علیه و آله وصدقه وان أخطأ في مسئلة الامامة فيخرج غير المسلمين . الا انه مع ذلك ليس له لسان نفي حتى ينافي ما ورد في خصوص نفس المؤمن بالنسبة إليه وكذا غير المؤمنين من أهل الذمّة والمعاهد في حقن دمهما واحترام مالهما وعرضهما فالضرر والأضرار إمّا أن يكون بالنفس باهلاكها فينهى عنه قوله تعالى: « وَلا تُلقُوا بِأيديكُم إلى التهلُكَة »(1) أو غير النفس من ساير أطراف البدن

مثلاً الادماء وهو قد يتعلّق به غرض صحيح عقلائي فلا اشكال في جوازه ( والا فلا يجوز ) وقد يستشهد لذلك برواية الجار حيث ان فيها الجار كالنفس(2) لا ( غير ) مضار ولا آثم ممّا فيه مسلّم عدم الاضرار بالنفس .

الجهة الثانية في موارد هذا الحديث الشريف وهو على حسب ما تتبع أهله ورد مجردا عن مورد خاص بل من الكبريات الكلية القابلة للانطباق على كلّ مورد وجد موضوعه كما في الدعائم(3) وأيضا ورد مع المورد في خبر سمرة

بن جندب(4) المشهور بين الفريقين على ما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى وفي الشفعة(5) وفي مورد منع(6) فضل الماء والكلاء الا ان ورده في خبر سمرة على نحو الكبرى الكلية للمورد حيث انه من صغرياته كصغرى الشكل الأول من القياس الذي يكون الحديث كبراه في هذا الشكل كما في مثل الصغريات

موارد الحديث

ص: 383


1- . سورة البقرة: 196 .
2- . الوسائل 25 الباب 12/2 من أبواب احياء الموات .
3- . مستدرك الوسائل 17 الباب 9/1 - 2 من كتاب احياء الموات .
4- . الوسائل 25 الباب 12/3 من أبواب احياء الموات .
5- . الوسائل 25 الباب 5/1 كتاب الشفعة .
6- . الوسائل 25 الباب 7/2 - 3 من كتاب احياء الموات .

الوجدانيّة والكبريات المنطبقة عليها مثل هذا خمر وكل خمر حرام أو الخمر حرام لأن كلّ مسكر حرام لا من قبيل المثال اذا بدل لأن كلّ مسكر حرام بقولنا لاسكاره حيث اضيف الاسكار إلى خصوص الخمر فانه ظاهر في الملاك والمناط الذي اصطلح عليه بعلّة الجعل بخلاف علّة المجعول فانها مطردة في جميع موارد صغرياتها وذلك معنى عموميّة العلّة حيث ان العبرة بذلك لا خصوص المورد . وعلى ما روى في خبر سمرة فيستفاد منه الكلية فيتعدّي عن مورده إلى كلّ مورد يكون الضرر مسببا توليديّا أو الجزء الأخير على ما يأتي تفصيله . ولو كان خبر منع فضل الماء والشفعة كبرى كلية فلا خصوصيّة للمورد بل العبرة بعموم العلّة ولما كان معنى الضرر هو عدم النفع فكلّ مورد يلزم عدم نفع من ناحية الغير وان لم يكن من فعله واختيارياً له فيشمله لا ضرر وينفيه كما في منع خبر(1) فضل الماء حيث ان منع ذلك للماشية من ناحية المانع يوجب عدم انتفاع هذا الشخص من ماشيته أو زرعه لو تعدينا عن ذلك اليه .

فنقول في ما إذا كان منعه من البسة الغير اللازمة له ومن بيوته المتعددة غير المحتاجة وأمواله الفاضلة عن مقدار الحاجة وإن لم يكن مسببا في ذلك لورود ضرر على الغير وكذا في الشفعة لو كان علّة نتعدى عن موردها إلى مورد كلّ ناقل سواء كان عقد معاوضة أو لم يكن فيه معاوضة وسواء كان في موردها حيث انه في الأراضي والمساكن وفي البيع المشاع أم لم يكن بل كان في غيرها من ساير ما يباع وينقل بالبيع أو بالهبة وغيرهما من النواقل ولو فتحنا باب هذه التعدية للزم تأسيس فقه جديد ولا يمكن الالتزام بذلك . وحيث انه لا يمكن أن يكون الضرر

ص: 384


1- . الوسائل 25 الباب 7/1 - 3 من كتاب احياء الموات .

في هذه الموارد موضوعا بأن يدور الحكم مداره وأن يكون مناطا للجعل بل اما أن يكون مناطا وإمّا أن يكون علّة فان عنوان الضرر ليس من العناوين الاوليّة للأفعال حيث توجد فان الأفعال على ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما هو بعنوانه الأولي ولا يحتاج إلى القصد بل يجتمع مع قصد الخلاف أيضا كالأكل والشرب والغمس في الماء . والقسم الثاني منها ما يحتاج إلى القصد والارادة بخلاف الأوّل فانّ الشرب يصدق وإن كان بلا اختيار وكذا الأكل والثاني من قبيل الغسل حيث انه بدون القصد لا يتحقق وفي العرفيات كالتعظيم والقسم الثالث . برزخ بين هذين القسمين ويحتاج إلى الارادة . والضرر سواء كان بمعناه المصدري أو اسم المصدري ليس من العناوين الأوليّة للافعال بحيث يوجد فعل في الخارج بلا تبعيّة شيء آخر ويكون معنونا بهذا العنوان . بل دائما يكون تبعا للعناوين الاخر مثل الاتلاف وأمثاله وتكون هذه بالنسبة إلى عنوان الضرر كالمحلّ والمعروض بالنسبة إلى الحال والعرض .

وتكون هذه موضوعا للضرر وحينئذٍ تارة يكون فعله علّة تامّة للضرر وبتحقّقه يتحقّق الضرر ولا يتخلّف عن ذلك أصلاً وتارة يكون بمنزلة المقتضي له والمعد حيث انه بدون ما به يتم أثره لا يتحقق بمجرده عنوان الضرر كما في المسهل فانه مقتضى ومعدّ للضرر البدني ولكن بشرط أكل الخبز وكذا في نفس الخبز فان هذه ليست علّة تامّة للضرر واشتداد المرض بل في ظرف حصول ساير ما له دخل في تماميّة أثر المقتضي . وكذلك يكون الضرر في مورد الشفعة ومنع فضل الماء لأن بيع حصّة أحد الشريكين ليس علّة تامّة لورود ضرر على شريكه . بل ذلك مقتضى فربما لا يكون المشتري سيّى ء الخلق بل له لين العريكة وسهولة

ما به يتحقّق الضرر

ص: 385

الجانب وحسن الخلق فيتبهج به شريك البايع وقد يتفق خلاف ذلك بل ينضمّ إلى هذا المعدّ والمقتضي باقي المؤثر فيصير ذلك سببا لاذى الشريك وورود الضرر عليه . ولو كان علة للزم أن يكون مختصا بكل مورد يلزم منه الضرر مع انه في كلية الموارد في بيع أحد الشريكين بخلاف قضيّة سمرة فان الضرر هناك علّة للمجعول وعلّة تامّة للضرر كما يشهد بذلك منطوق الخبر بملاحظة خصوصياته والفرق بين علّة الجعل والمجعول واضح فان في الأوّل يكفي وجود العلّة في بعض أفراد كليه فيصير مناط الجعل الكلي لمقدمية باقي الأفراد لحفظ هذا المورد بخلاف الثانية فلابدّ أن تكون العلّة في كلّ فرد فرد من ما ينطبق عليه الكلّي موجودة فهي مرادة بخلاف الأولى . لكن الشأن كلّه في وجود ما يكون المناط فيه مناط الجعل وملاكه .

واستشكل سيّدنا الأستاذ قدس سره ذلك وكذا في أمثلتهم التي ذكروها لبيان ما يكون العلّة فيه علّة للجعل كاختلاط المياه في العدّة وأرياح الآباط في غسل الجمعة في عدّة موارد من أمثالهما وذلك لأنّ الجهة والملاك ليست منحصرة بواحدة حتى يستكشف بانتفائها كونها مناطا وملاكا لا علّة للمجعول . فان العدّة قد تكون ولا يكون هناك اختلاط مياه كما في عدة الوفاة بل ذلك للاحترام وكذلك في غسل الجمعة(1) فانّ فيه فوائد كثيرة تترتب عليه في الدنيا والبرزخ والآخرة ممّا وردت في الأخبار .

توضيح وتكميل: قد ذكرنا ان ما أجاب به المحّق النائيني رحمه الله(2) عن

ص: 386


1- . الوسائل 3 الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة .
2- . مينة الطالب 2/196 .

الاشكال في حديث لا ضرر بالنسبة إلى موارده هو جعل الضرر في قضيّة سمرة موضوعا وفي غيرها من مورد منع فضل الماء والكلاء وفي مورد الشفعة من قبيل الملاك والموضوع يدور الحكم مداره وجودا وعدما وله انعكاس واطراد في جميع موارده بخلاف الملاك فانه لا يلزم أن يطرد وينعكس . بل ربما يكون الملاك موجودا ولا حكم وقد يكون الحكم موجودا ولا ملاك اذ في هذا المورد يكون الملاك علّة الجعل لا علّة المجعول وهو الموضوع فيكون الشفعة في مورد المساكن والأراضي عند الاشاعة وكون المالك شريكين وعدم تجاوزهما عن الاثنين والناقل هو البيع موجودة والحق ثابت للشريك الآخر وإن لم يكن هناك ضرر بل ربما يكون هذا المشتري الجديد بالنسبة إلى الشريك أحسن وأصلح من شريكه المالك سابقا ولا يكون الشفعة هناك ثابتة وربما يكون في غير المساكن والأراضي وفي غير البيع من النواقل كالصلح والهبة الملاك موجودا ولا خيار وذلك ليس إلاّ لأجل جعل الضرر في هذه الموارد ملاكا لا موضوعا .

هذا ملخّص ما أفاده المحقّق النائيني واستشكله سيّدنا الأستاذ وأورد عليه بأن هذا التفصيل غير تام اذ لا يكون حكم من أحكام الشريعة في مورد من الموارد الأوله ملاك يميّزه عن الآخر ولا يمكن أن يكون ملاك الحكم شيئا في غيره بلا خصوصيّة في الشيء نفسه خصوصا بناءً على ما عليه العدليّة من تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الامريّة فلا يكون حكم في مورد مجعولاً لا عن ملاك مختص به . وما ذكروه من موارد كون الحكم لأجل الملاك في بعض أفراد موضوعه وإن لم يكن في الكل كمورد العدة التي جعلها لأجل عدم اختلاط المياه ومثل غسل الجمعة حيث شرع لدفع أرياح الآباط ليس من هذا القبيل . بل

لكلّ حكم ملاك

ص: 387

المذكور ملاكا ليس منحصرا في أمثال هذه الموارد فان الملاكات عديدة وعلل التشريع كثيرة لا ندركها بعقولنا ولا يمكننا درك ذلك . والمذكور لنا بعض هذه ممّا ظاهره عدم الاطراد والانعكاس بل العدة قد تكون لأجل الاحترام فانه أيضا من عللها . ولغسل الجمعة فوائد كثيرة كما ورد(1) في علل التشريع له . والملاك الذي يكون الحكم لأجله لابدّ أن يكون في كلّ مورد من موارده موجودا ويكون من قبيل الموضوع للحكم الا في غير ما له دخل ملاكي في الحكم بل لأجل قبح المطالبة بمقتضى الحكم كالقدرة والعلم حيث لا دخل لهما في الملاك بل دخلهما دخل خطابي لقبح مطالبة العاجز حتّى ان محققي الأشاعرة رجعوا عمّا لفقه سابقوهم من الالتزام بعدم حسن وقبح للعقل وإنكار ذلك من العقل مطلقا بل الحسن ما حسنه الشارع والقبح كذلك في مقابل جماعة حيث قالوا بثبوت ذلك الا اننا لا ندركها بعقولنا . وعلى أيّ فالعاقل اذا فعل شيئا لا يفعله الا لغاية صحيحة وغرضٍ مقصود ولا يعبث في فعله وهذا حالهم سواء كانوا من أهل الأديان أم لم يكونوا . بل بما هم عقلاء ولا يجرون في أفعالهم الا لمقاصد مطلوبة . فكيف ظنك بالشارع الحكيم الغني بالذات فلا يفعل ما يفعل لحصول نفع له ولا لدفع ضرر عنه ولا يمكن أن يجعل الحكم كليا مع قيام الملاك بصرف الوجود دون مطلقه . فلابدّ أن يكون كلّ حكم عن ملاك فلو كان في أحد أفراد الطبيعة ملاك الوجوب لا يمكن جعل الوجوب على باقي الأفراد لذلك بل ينظر حال الباقي فان كان فيه هذا الملاك فيجعل الحكم عليه أيضا وإن لم يكن بل المصلحة والمفسدة فيه متقابلتان أو ليس شيء منهما فلا محالة يكون الحكم هناك هو الاباحة . وعلى أيّ فالملاك

ص: 388


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 6/7 - 14 - 15 - 16 - 18 من أبواب الأغسال المسنونة .

لابدّ أن يكون في كلّ مورد يجعل حكم وسبيله سبيل الموضوع .

إن قلت: كون الحكم لأجل الملاك وعدم امكان جعله الاّ له مسلم الاّ انه يكفي وجود الملاك في فرد من أفراد الموضوع والطبيعة الكلية المجعول عليها هذا الحكم فاذا كان ذلك في مقام الثبوت فيكون هذه الموارد التي استظهروا منها كون الحكم لأجله من موارده ومنها لا ضرر في قضيّة الشفعة(1) ومنع(2) فضل الماء والكلاء .

قلت: هذا الفرد الذي قام به الملاك ان كان فيه اهميّة تقتضي حفظه فلا ينحصر سبيله بايجاب تمام أفراد الطبيعة بل ينبه المولى ولو ببيانات متعددة بعناوين كذلك حتى لا تنطبق تلك العناوين الا على هذا الفرد فيصل إلى غرضه ولا موجب لايجاب باقي الأفراد . مضافا إلى انه لو ما أمكن ذلك للمولى فلا وجه لايجاب الباقي نفسيا بل يجعل الوجوب مثلاً على ذلك الفرد ويكون الباقي مقدمة لحفظه بلا ملاك نفسي قائم بها فيكون الحال في الباقي حال أطراف الشبهة المحصورة حيث ان وجوب الاجتناب فيها وجوب مقدمي لحفظ الواجب الاجتناب في البين وامتثاله .

والمحقق المزبور لا يدعي ذلك بأن يقول الوجوب مثلاً في هذه الافراد مقدمي اذ ذاك خلاف المدعى . فعلى هذا لا يمكننا المساعدة في دفع الاشكال الوارد على موارد لا ضرر بهذا الوجه الذي بينه المحقّق النائيني فلا نجد موضعا .

الا والحكم فيه لملاك مخصوص لكون الملاك موضوعا لحكمه الخاص

ص: 389


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 5/1 من أبواب الشفعة .
2- . الوسائل 25 الباب 7/2 - 3 من كتاب احياء الموات .

بالمورد فلابدّ في دفع الاشكال من وجه آخر يصلح لذلك . ويمكن الدفع بما أفاده المرحوم شيخ الشريعة الاصفهاني حيث استظهر بتتبعه موارد لا ضرر كنظائره في أخبار العامّة والخاصّة ان أصل الحديث في غير مورد سمرة بن جندب ليس الا قوله لا ضرر ولا ضرار بلا زيادة المورد من الشفعة وغيرها ( أو بزيادة في الاسلام أو على مؤمن ) وكتب في ذلك رسالة مستقلّة وذكر قرائن متعدّدة على هذا المعنى .

منها: ورود ما جمع من أقضية النبي صلی الله علیه و آله وبلغ خمسين أو جاوزه من طريق العامّة متفرّقة على طرقنا وكلّ ما كان من كلماته الجامعة على هذا النحو جمعه أحمد بن حنبل مسندا إلى عبادة بن الصامت الذي هو من خيار الصحابة عن النبي صلی الله علیه و آله وفيه لا ضرر ولا ضرار كما لا رهبانيّة ولا بنيان كنيسة . ولا ذيل لهذا العنوان في خبر الاقضية التي جمعها فيه أحمد وهو رحمه الله ( أي شيخ الشريعة ) وجد جميع ما جمع في رواية أحمد متفرّقة في أخبارنا في الموارد المتفرّقة وكان يدعي ان الاقضية كذلك كانت من طرقنا حيث ان جميعها أي روايات لا ضرر تنتهي إلى عقبة بن خالد عن الصادق علیه السلام الا ان الأصحاب لما قطّعوا الأخبار وذكروا كلّ خبر في مورد مناسب له وباب يليق به الحقوا لا ضرر ذيل خبر الشفعة(1) وكذلك خبر(2) منع فضل الماء ويؤيّد ذلك ان خبر سمرة(3) لما كانت مذيّلة بلا ضرر من تطبيق النبي صلی الله علیه و آله نقله الخاصّة والعامّة كذلك . فعلى هذا لا تعدد لمورد لا ضرر بل ذلك الحاق من الأصحاب بالعطف بالفاء أو الواو هذا الخبر على خبر مواردها وأقام وجوهاً اخر وقرائن غير هذه كلّ من يراجع رسالته يقطع بما أفاده رحمه الله الا ان

ص: 390


1- . الوسائل 25 الباب 5/1 من أبواب الشفعة .
2- . الوسائل 25 الباب 7/2 - 3 من كتاب احياء الموات .
3- . الوسائل 25 الباب 12/3 من كتاب احياء الموات .

هذه القرينة التي نقلناها عنه رحمه اللهبمجرّدها لا تفيد الا الظن ولا يمكن دفع الاشكال به فلابدّ من بيان وجه يمكن الدفع به فتأمّل .

تتميم: نقل سيّدنا الأستاذ خلاصة ما أفاده شيخ الشريعة الاصفهاني قدس سره في رسالته المكتوبة في لا ضرر لينفعه في قبره ويخدم بذلك أهل العلم انه لما وجد اختلاف الأصحاب في جملة من الفروع المتنازع فيها في احياء الموات كمسئلة منع(1) فضل الماء على بئره المحفور لنفسه عن شرب أغنام غيره المرعيّة في حدود بئره وعن أراضي الغير المزروعة أو نخيله على حسب الترتيب بالنسبة إلى الماء المباح الذي يسقي زرع المانع به أو نخيله تصدى لدفع ذلك وحل المعضل حتّى يتسالم على ذلك الأصحاب ويكون النزاع مرتفعا من البين .

فتتبع جميع موارد ورود الحديث في أخبارنا حيث ان لا ضرر ورد في موضع للشفعة(2) وفي آخر لمنع فضل(3) الماء ونقع البئر . ووجدها جميعا تروى عن عقبة بن خالد وهو يروي عن الصادق صلوات اللّه عليه . وقاس ذلك بروايات العامّة في صحاحهم وكتبهم في السنن والفقه وتتبع جميع ما وصل إليه من تلك الكتب صحاحا وغيرها من ائمّتهم ومن غيرهم وكذا ما كتبه السيوطي الذي ليس في العامّة بعد الأئمّة من يعترفون باجتهاده غيره وسرد أسماء تلك الكتب وطوى ذكر جملة ممّا يطول به الكلام ونتيجة هذا التتبع في أخبار العامّة وكتبهم عثوره رحمه اللّه على جميع أقضية النبي صلوات اللّه عليه وآله الواردة بنحو قضى رسول اللّه بكذا وبين أهل البادية لأهل المدينة وما ورد بهذا اللسان وما ورد من كلماته

الكلام في حديث لا ضرر

ص: 391


1- . الوسائل 25 الباب 7/2 كتاب احياء الموات .
2- . الوسائل 25 الباب 5/1 من أبواب الشفعة .
3- . الوسائل 25 الباب 7/3 كتاب احياء الموات .

الجامعة عقيب لا كمثل لا بنيان كنيسة ولا رهبانيّة مجتمعة في رواياتهم كحديث الأربعمائة من طريقنا الجامعة لشتات من الأحكام . منها لا ننقص اليقين بالشكّ أوما يقرب من هذا التعبير ومسندة إلى عبادة بن الصامت وابن عباس وهما يرويان عن النبي صلوات اللّه عليه وآله بعض كلّ هذه . ووجد ذلك مجموعا في مسند أحمد بن حنبل وفي جملة ما ورد بلسان النفي بلا حديث لا ضرر ولا ضرار بلا تذيّله بشيء من مورد الشفعة والبئر والماء المباح بل كلّ موضع ذكر وروى في كتبهم روى مستقلاًّ غير متعقب بشيء . ووجد أيضا جميع ما كان مقرونا بلا ضرر في مسند أحمد بن حنبل في روايته التي جمعت هذه واردة في أخبارنا متفرقات في كلّ موضع ومع اتفاق الفريقين على رواية سمرة بن جندب على اختلاف نقلها بحسب طرقه فصار ذلك سببا لجزمه رحمه الله بأن هذه الاقضية وما ورد بلسان نفي لا كما انها مجتمعة في رواياتهم كذلك كانت في رواياتنا عن عقبة بن خالد . الا ان الأصحاب رحمهم الله لما صاروا بصدد تبويب الأخبار لم يجدوا موضعا مناسبا لذكر حيث لا ضرر فذيلوا به ما ورد مذيلاً به وان العطف بالفاء في بعض أخبارنا لحديث لا ضرر على المورد تصحيف بل إنّما هو واو كبعض الموارد الآخر مضافا إلى ان مثل عبادة بن الصامت وابن عباس يجلاّن عن كتم شيء من الرواية وأئمّة الحديث ما كان ذلك يضرّ بهم حتى يسقطوا صدر الروايات ويذكروا لا ضرر مجردا اذ لم يكن صدره في فضائل الأئمّة علیهم السلام لكي ينفق أسواقهم وتكسد تجارة هؤلاء بل كان لازما لهم في امورهم حيث ان له مساسا بمعاشهم واشغالهم وكان ذلك ينفع الناس . على ان النظر إلى أخبارنا المذيلة بلا ضرر غير المضطرب لأجلها كلمات الأصحاب في الفقه مع ان جميعها مستندة إلى عقبة يورث الظن

ص: 392

المتراكم مع تطابق جميع ما كان مجتمعا عندهم في رواياتهم مسبوقة وملحوقة بلا ضرر ورودا في روايتنا المتحصّل من مجموعهما القطع والجزم بعدم تذيل الأخبار الواردة المذيلة بلا ضرر به كما عن طرق العامّة حيث ذكروا هذه الأخبار ونقلوها مجرّدة عن الذيل .

اضف إلى ذلك ما يلزم من تذيل هذه به وكونه مناطا للحكم يدور مداره وجودا وعدما من تأسيس فقه جديد .

فانظر إلى ما اختلف عليه الأصحاب في كتاب احياء الموات تعرف حقيقة ذلك واختلافهم في ذلك ناشٍ عن التمسّك بحديث لا ضرر وعدمه في أمثال الموارد التي ذيلت أخبارها به كمنع فضل الماء . الا ان ذلك في منع فضل الماء مبنيّ على خلاف ما يقوله الشيخ رحمه الله في المبسوط من اشتراك الناس في الماء والكلاء ولعلّه يزيد النار اذ على ذلك لا يكون هناك ضرر لأحد على أحد بل جميع الناس فيها شرع سواء كما ورد بذلك(1) الرواية . ولعلّ الشيخ نظر إلى بعض هذه الأخبار التي ذيلت بلا ضرر . نعم في موارد يثبت للمقدم حق الاولوية وليس له أن يمنع مازاد لأن كلّ الناس سواء لمكان وصول الماء مثلاً في يده بتحمل مشقّات شديدة أو بدون ذلك كما في حريم الموات للقنوات والقرى بمقدار رعى انعامهم . وليس لأهل قرية اخرى رعى اغنامهم في حريمهم . ولا يملكون ذلك خلاف العمران فانها لا حريم لها وعلى ما هو المشهور في مقابل الشيخ المتفرّد بذلك كما في الجواهر(2) ففي الماء المباح كالنهر يشترك الناس غاية الأمر الأول

ص: 393


1- . الوسائل 25 الباب 5/1 من كتاب احياء الموات مع تفاوت في اللفظ غير مضرّ .
2- . جواهر الكلام 38/131 .

فالأول على حسب ترتيب قربهم إلى الماء وتقدم بنائهم على اختلاف في ذلك واذا استوفى ما يصلح لزرعه أو نخيله من الماء فالباقي لمن بعده كذلك إلى أن ينفد الماء هذا .

ولكن سيّدنا الأستاذ قدس سره لا يجزم بذلك وإنّما يصدق شيخ الشريعة في تتبعه حسب ما بين في كتابه الذي لخص قرائته بما كتبنا عنه حتّى انه قال كانا كنا معه اذ يسبر اوراق الكتب ويتفحص فيها الا ان ذلك انما يفيد اذا حصل القطع . اما بدون ذلك لا فائدة فيه ولعلّ المراجع يحصل له ذلك فاذا لم يمكن الجواب بما أجاب به المحقّق النائيني والشريعة رحمهم الله فيمكن بما أفاد هو قدس سره بأن النفي والاثبات الذي في كتب القوم وكتبنا لا تنافي بينهما بأن يكون لا ضرر واردا على طرقهم وطرقنا على طرقهم مجردا عن ذلك وكذلك على طريقنا الا ان الامام علیه السلام حيث يبين موارد الشفعة ومنع فضل الماء وأمثالهما ممّا ورد مذيلاً بلا ضرر عن النبي صلی الله علیه و آله طبق نفسه لا ضرر على الموارد كالنبي صلی الله علیه و آله في قضيّة سمرة . فاذن لا ضرر ليس ذيلاً لهذه الموارد بل طبق الامام فيها وجعل المورد صغرى له ويكون الأصل في نقل الرواية قضى رسول اللّه صلی الله علیه و آله كذا فقال كما في احدى الروايات لا كما في اخرى من العطف بالواو بل يحتمل تصحيف ما ورد بالواو ( لكن الفصاحة في ورود ( الواو ) في المقام على هذا المعنى والتقدير وافادته معنى الفاء في غير المقام فتأمّل .

الا انه بعد ذلك يقع الكلام في التطبيق ويمكن أن يكون التطبيق في هذه الموارد باختلاف الدواعي كما في هيئة افعل حيث ان اختلاف الدواعي في استعمالها يوجب اختلاف ما يراد منها فتارة بداعي الجد فتفيد الوجوب وتارة لا

مناقشة سيّدنا الاستاذ

ص: 394

بذاك الداعي فتفيد مقتضى داعيه . والقدر المشترك بين مقتضيات الدواعي هو معنى الهيئة وهو الطلب لكنّه يرد عليه عدم جامع اصيل للاضرر في مواردها .

توضيح وتكميل: قد ذكرنا ما أجاب المحقّق النائيني قدس سره عن الاشكال وهو أحسن الأجوبة الا ان ما أفاده رحمه الله لا يرجع إلى أصل أصيل وكذا بينا خلاصة ما أفاده شيخ الشريعة قدس سره عن ذلك وهو رحمه الله وان رجى بذلك النفع في قبره وان شاء اللّه ينفعه ذلك لكن ما نفعنا ما أفاده في رسالته بحيث يوجب لنا القطع بما أفاده من

عدم الزيادة للاضرر في ذيل الأخبار المذيلة به . ويمكن أن يكون العامّة خذلهم اللّه نقصوا لا ضرر عن ذيل الروايات التي نقلت عن النبي صلی الله علیه و آله وحفظه أخبارنا على النحو الوارد في قضيّة الشفعة ومنع فضل الماء . وذكرهم جميع ما ورد بطرقنا متفرقات مجتمعات على طرقهم من اقضية النبي صلوات اللّه عليه وآله بمجرده لا يفيد بل نقلهم قضيّة الشفعة ومنع فضل الماء والقضاء لأهل المدينة وبين أهل البادية بلاذيل ربما يؤيّد ذلك . فانهم لما نظروا في موارد هذه الأخبار لم يجدوا الضرر منطبقا عليها بنحو تكون الموارد من صغريات الضرر فاسقطوا هذا ورووا الموارد مجردات . فأيّ ربط بالضرر لمورد الشفعة وكذا في غيرها من موارد ورودها ذيلاً لها مع ان في قضيّة سمرة ورد منطبقا عليها . فان كان ملاكا ففي كلّ الموارد يكون كذلك أو علّة فكذا . وكونه علّة يقتضي التعدّي عن المورد إلى ما يوجد مصداقا للكبرى موجودا فيه العلّه وملاكا لا يقتضي ذلك . فلو كان علّة في منع فضل الماء ممّا لمالكه لصحّ التعدّي إلى موارد لا يكون الضرر هنا موجودا بالفعل بل يكون مقتضيا أو معدا وتماميّة الضرر يحتاج إلى ما يتمها فيتحقق الضرر وفي هذه الموارد إمّا أن يكون من قبيل المعد أو من قبيل المقتضي وعليته بهذا

ص: 395

الطور توجب التعدّي في الشفعة إلى ما كان المبيع غير المساكن والأراضي أو الشركاء أزيد من اثنين والناقل غير البيع من الهبة والصلح إلى اللوازم الكثيرة التي تترتب على عليته ممّا لا يلتزم بأحدها فقيه . ويمكن أن يكون لا ضرر من كلام الامام علیه السلام المطبق اياه على مورد الشفعة كما يمكن زيادة في الاسلام أو على مؤمن من السائل ولعلّه خلاف ظواهر هذه فلربما يتعين حذفهم لا ضرر في رواياتهم العاميّة . فعلى أيّ لابدّ في دفع الاشكال فان العلية توجب الموسعة والملاك يوجب الضيق ولا يمكن أن يكون شيء واحد موسعا ومضيقا بل أحدهما .

ان قلت: يمكن أن يكون لا ضرر على ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله في هذه الموارد ملاكا لا منحصرا بل الملاكات الاخر أيضا موجودة لم تتبين في الموارد وعلى هذا فيرتفع الاشكال . أو يقال ليس الضرر تمام الملاك بل جزئه والأجزاء الباقية غير مبيّنة بمجموعها اقتضت جعل هذه الأحكام في هذه الموارد ولا يسري إلى غيرها ممّا لا يتمّ فيها أجزاء الملاك بل الموجود جزء منها والباقي لم يتحقق فلا ينافي هذا ما أفدتم سابقا واستشكلتم به على النائيني رحمه الله من عدم وجود حكم بلا ملاك يكون هو الموضوع .

قلت: هذا الذي أتى به في ذيل هذه الموارد لا ينطبق عليها لأن الضرر غير محقق فيها والملاك وإن كان لم يلزم اطراده وانعكاسه الا ان لابد أن ينطبق على المورد حتى يصلح للتذيل به والاشكال ان الضرر غير محقق في نفس هذه الموارد .

ويمكن أن يدفع الاشكال بما سنح به الفكر وجاد به الخاطر . وهو أن يكون

اشكال الدلالة

ص: 396

لا ضرر منطبقا على مورد أخبار(1) منع فضل الماء ويكون علّة لا ملاكا لأنّ المالك ليس له سلطنة على ماله حتى اذا توقف على التصرف فيه حفظ نفس شخص أو دابته وان كان لا يخرج عن ملكه ويستحق على تصرف الغير قيمته أو اجرته لكن تقصر عن منع التصرف الا في ما اذا كان التزاحم بينه وبين غيره فيمكن أن يختصّ هو به ولما لم يكن ماء حول المرتع الذي كان صاحب الأغنام مثلاً يرتع أغنامه فيه كلأً حتى يسوقها هناك ولم يكن له بدّ في حفظ أغنامه الا بالرعى حول هذا الماء الذي كان لصاحب البئر والماء ممّا يتوقف بقاء الحيوة عليه فلو منع صاحب الماء من فضل مائه يتضرّر صاحب الأغنام بموتها أو وصول ضرر إلى نفسه فبين في الحديث الشريف ذلك وان ليس له سلطنة المنع بلا ضرر ولا ضرار . ولا شكّ انّ هذه الكبرى كما ترى منطبقة على المورد عامّة في جميع المواضع التي يوجد لها مصداق .

وان أردت التوضيح أكثر من هذا فنقول: ان ذلك متوقّف على بيان معنى الضرر وانه في كلّ مورد استعمل بمعنى واحد أو في كلّ بمعنى لا يكون مستعملاً في غيره . وقد اختلف كلمات اللغويين في بيان معنى الضرر فبعضهم جعله في مقابل النفع تقابل التضاد بحيث لا يمكن اجتماعهما في مورد واحد من جهة واحدة وان كان يمكن من جهتين كما في بعض الأدوية والعقاقير النافعة لبعض أعضاء البدن الضارّة لبعض آخر .

نعم يمكن أن يوجد مورد يكونان مرتفعين فيه بان لا يكون هناك نفع ولا ضرر الا ان في مورد وجود أحدهما يمتنع وجود الآخر لرجوع الضدين إلى

معنى الضرر

ص: 397


1- . الوسائل 25 الباب 7/2 - 3 كتاب احياء الموات .

النقيضين الممتنع حصول كليهما في زمان واحد في موضوع واحد . وعن بعضهم تفسيره بالضيق وسوء الحال كما عن آخر ايقاع المكروه بالمتضرّر . وعن النهاية الاثيرية ومجمع البحرين(1) الاول منهما كالثاني عند العامة الموضوعة لتفسير لغات القرآن والحديث ولفظ الثاني ( وفي حديث(2) الشفعة قضى رسول اللّه صلی الله علیه و آله

بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار في الاسلام يقال ضرّه ضرارا وأضرّ به اضرارا الثلاثي متعد والرباعي بالباء أي لا يضرّ الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه الخ ومعلوم ان اختلاف هؤلاء من جهة اختلاف الاستعمالات حيث استعمل الضرر في كلّ واحد من هذه المعاني وقد نقل في مجمع البحرين معنى للضرر عن القيل وهو الضرر ما تضرّ به صاحبك وتنتفع أنت به والضرار أن تضره من غير أن تنتفع به . وقيل هما بمعنى والتكرار للتأكيد وإذا كان كذلك فلا مانع من أن يكون الضرر مستعملاً في ما يناسبه من المعاني المذكورة في كلّ مورد من موارد هذه الأخبار . ففي بعضها بمعنى ايصال النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو مال الغير كما في قضيّة سمرة وفي آخر في التضييق والعسر والحرج وفي بعض مقابل النفع وفي كلّ مورد لا يكون للمالك أو لغيره ممن نفى الضرر بالنسبة إليه لغيره ذلك . ويجتمع ذلك مع حكم كل واحد من الموارد ففي قضيّة الشفعة حيث يريد الشريك الاستقلال وما يبيع الشريك الآخر حصته لا ضرر عليه اما اذا باع حصته اذا كان واحدا أو باعوا جميعا اذا كانوا متعدّدين فلو منع من الاستقلال لكان في ضيق عن ذلك أو نقص . فجعل له الشارع

ص: 398


1- . مجمع البحرين مادة ضرر .
2- . الوسائل 25 الباب 5/1 من كتاب الشفعة .

السلطنة على ضم مال الغير إلى ماله على نحو الشفعة اذا كان حقا أو أجاز له حكما كجواز الرجوع في الهبة .

وعلى أيّ له أن يضم الحصّة المبيعة إلى ماله فيستقل وله أن يتركها لمشتريها ولا ينافي هذا اختصاص هذا الحكم بمورده اذا كان الظاهر ان المعروف والمشهور لم يتعدوا في مسئلة الشفعة عن البيع بل لعلّه يكون هنا اجماع اختصّ لذلك به . وفي قضيّة منع فضل الماء استعمل الضرر بمعنى ايقاع المكروه أو النقص ويكون لا للنفي في بعضها وللنهي في آخر فيستفاد من المنع الكراهة .

وعلى أيّ نحو يمكن بذلك رفع النزاع من البين والجمع بين مختلفات الكلام بذلك فتدبر .

أقول: ما أفاده في قضيّة منع فضل الماء أوّلاً بما ذكرناه قبيل هذا ينافي ما هنا فان عدم سلطنة المالك على منع فضل مائه لحفظ نفس الغير أو دابته لا يناسب كراهة المنع الا أن يكون المراد من الأوّل ما يجامع الثاني ولعلّه غير ممكن فتأمّل .

تكميل: قد عرفت التفصى عن اشكال لا ضرر اذا كان متعقبا لقضيّة الشفعة وخبر منع فضل الماء بالوجوه المتقدمة التي خدشنا فيها الا الأخير الذي جاد به فكر سيّدنا الأستاذ قدس سره وعلى هذا لو كان مبنيّا على أن يكون لا ضرر متعقّباً لبيان العلة حيث ان ضابط العلّيّة لا ينطبق على هذه الموارد التي قلنا سابقا في تقريب الاشكال لو كان كبرى كلية للزم التعدي عن خصوص البيع إلى كلّ ناقل حسبما ينطبق لا ضرر كانطباقه على المورد في الشفعة ولا يختصّ بالأراضي والمساكن ولا ما اذا لم يكونا الا اثنين أو أكثر وكان البايع سوى واحد يثبت له الشفعة ممّا لو

قيل بها لما استقرّ حجر على حجر . الا ان بالنظر إلى ظاهر الرواية مع قطع النظر

ص: 399

عن سندها حيث لا صحّة لها يستفاد شيء آخر وهو ان الرواية كما في الوسائل(1) والجواهر(2) مشتملة على ثلاث جملات على الترتيب . قضى رسول اللّه صلی الله علیه و آله

بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار وقال اذا رفّت الرفوف وحدّدت الحدود فلا شفعة . وهذه الرواية وإن كان فيها احتمال أن يكون لا ضرر ولا ضرار من قول الامام علیه السلام كماتقدّم بتوجيهه الا انه مع ابقائها على ظاهرها وانه من كلام النبي صلی الله علیه و آله لا يرد اشكال ولا ينبغي ذلك لأن لا ضرر منفصل عن ما قبله وما بعده فكان الخبر ثلاثة أخبار . كلّ يتضمّن حكما من الأحكام ويكون لا ضرر كليا لا لبيان الانطباق على المورد والا لكان مثل لا تشرب الخمر لأنه مسكر أو قوله تعالى في ذيل آية النبأ(3) ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين .

بل القسمة الاولى من الرواية تتضمن أصل ثبوت الشفعة بلا تعليل بلا ضرر ويكون ذكر لا ضرر لمجرد انه اذا لزم من الأخذ بالشفعة ضرر فلا شفعة كما يشهد لذلك القسمة الأخيرة من الخبر حيث اذا افرزت الأرض وحددت ولو بجعل كومة فلا شفعة . فالضرر هنا ليس علة لجعل الشفعة وان له أن يأخذ وان يترك والا فهو بعد الشفعة أيضا متحقق بل الشركة إنّما توجب ذلك لكن لا على وجه الضرر بل يكون الشريك أولى من غيره الا انه ممنوع من الاضرار ومنهى عنه فليس له أن يأخذ بالشفعة بأقلّ من الثمن بل بالمقدار . فالشفعة انما تثبت له الأولويّة فاذا لزم

ص: 400


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 5/1 كتاب الشفعة واللفظ إذا ارفت رفت الارف وحدّت الحدود فلا شفعة .
2- . جواهر الكلام 243/37 .
3- . سورة الحجرات: 7 .

الضرر فلا شفعة كما إذا حصلت القسمة بما ذكر فلا شفعة ويكون ذكر لا ضرر هنا مضيقا لدائرة حق الشفعة ويقصره على ما اذا أراد الأخذ بالثمن . ولا مانع من ذلك بل الرواية ظاهرة في هذا المعنى . ولا موجب للتكلف بما ذكرنا في الجواب عن الاشكال الذي خدشنا فيه ويكون هذا الخبر كساير أخبار الشفعة حيث لم تقترن بلا ضرر ولم يروها عقبة بن خالد . فان هذا الخبر مروي عن أبي عبداللّه علیه السلام وتكون الأخبار الآخر مفسرة له ولو كان فيه ابهام رافعة له كما ان المعنى الذي ذكرنا سابقا في خبر فضل الماء من أن يكون النهي لقصر سلطنة المالك عن النهي عن تصرف الغير اذا توقف حفظ نفسه أو دابته به بأن يصل إليه الضرر سواء كان لا ضرر معطوفا بما قبله بالواو كما في الرواية الأولى أو بالفاء كما في الثانية .

فعلى هذا نتعدى عن خصوص هذين المقامين إلى كلّ مقام ومورد ونقول بمقتضى الكلية ولابأس . فتبين ممّا ذكرنا ان لا ضرر كما هوظاهر موارد وروده ذيلاً أن يكون كذلك الا انه خبر مستقل بلا استشهاد به على المورد بنحو الانطباق بل لمجرّد ربط ولو تضييقا لخصوص المقامين وان يكون كبرى كلية فاذا صفت المسئلة عن الاشكال وعرف المراد في المقام فلنعطف الى:

الجهة الثالثة: وهي بيان معنى لا ضرر ونقول قبل ذلك ان الكلية للا ضرر ثابتة في المقامين كما في قضيّة سمرة بن جندب(1) أيضا فكذلك لا لخصوصها وهذا سمرة من المعاندين كما يشهد له هذه القضيّة بطرقها المختلفة وكان وضاعا للحديث وهو الذي اطمعه معاوية إلى أن قال بنزول آية « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي

ارتباط لا ضرر بحديث الشفعة

ص: 401


1- . الوسائل 25 الباب 12/1 - 3 من أبواب احياء الموات .

نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ »(1) في ابن ملجم وسبيله سبيله .

وحقيقة المقام انه اما أن كان العذق الذي لسمرة داخل بستان الأنصاري أو بيته أو لم يكن كذلك بل كان الطريق من ذاك الصوب . وعلى الترتيب الأول يمكن أن يكون البيت أو البستان أوّلاً لسمرة وباعه من الأنصاري وجعل هذا العذق باقيا لنفسه أو يكون للأنصاري والعذق لسمرة لا لمعاملة بينهما كما يمكن أن يكون العذق مغروسا باذن الأنصاري . وعلى التقادير كان سمرة اذادخل إلى عذقه لا يستأذن الأنصاري بل يفاجئه على حال لا يحب وسواء كان له حق المرور لازما أو جائزا أولم يكن بل كان العذق خارج البستان وهو يستطرق الطريق الذي بجانب البستان أو البيت ولم يكن البستان أو البيت كالبيوت والدور التي تكون لها دروب أو معلّقة على أبوابها الستور تمنع المار النظر إلى ما في الدار والبيت وهو كان إذا يمرّ داخل البيت أو من خارجه كانوا على حال يطلع على اعراضهم فكانوا بذلك في الأذى . فلو كان الطريق غير هذا بل من الموات فليختر ذاك والنبي صلی الله علیه و آله بعد أن أعلمه شكاية الأنصاري الذي كلمه في أن يستأذن وما قبل من الانصاري وكذا من النبي صلی الله علیه و آله فشاء منه أن يخلي عنه بنخلة أو أزيد في الدنيا أو في الجنّة فأبى فما بدل النخلة ولا قبل أن يستأذن فاذن لا يكون الا مضارا كما في خبره .

فقال النبي صلی الله علیه و آله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانه لا ضرر ولا ضرار وفي بعضها(2) فاغرسها حيث شئت .

ص: 402


1- . سورة البقرة: 208 .
2- . الوسائل 25 الباب 12/4 كتاب احياء الموات .

ان قلت ان الضرر في المقام لا يكون علة لقلع العذق .

قلت لا موجب لتوهم غيره وذلك لأن التخلّص منه منحصر بهذا حيث ان المقام لابدّ وأن يكون من غير ما اذا كانت الأرض مملوكة له لا يحصل غرض الأنصاري ولسمرة بعد قلع العذق أن يمرّ إلى أرضه كما الى نخلته قبل القلع فينحصر التصورات إلى ما اذا كان عن عارية أي غرس النخلة في أرض الأنصاري أو عن حق لازم أو جائز .

وعلى كلّ الوجوه اذا استلزم ضررا فيقصر سلطانه حينئذٍ عن المنع فلو كان عن حق لازم لازم الضرر اما نهى عنه أو هو منفي . وكذا اذا كان عن حق جائز فان له أن يرجع . والأحسن ذكر خبر من طريق زرارة(1) موثقا وهو ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الانصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان سمرة يمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن فكلّمه الأنصاري أن يستأذن اذا جاء فأبى سمرة فجاء الأنصاري إلى النبي صلی الله علیه و آله فشكى إليه فخبّره بالخبر فارسل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وخبّره بقول الانصاري وما شكاه وقال صلی الله علیه و آله اذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فلمّا أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء اللّه فأبى أن يبيع فقال صلی الله علیه و آله لك بها عذق في الجنّة فأبى أن يقبل فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار .

وفي رواية الحذّاء(2) عن أبي جعفر علیه السلام أيضا ما أراك يا سمرة إلاّ مضارّا والظاهر ان قوله علیه السلام (3) في بعض هذه الأخبار فاغرسها حيث شئت يكون كناية

دفع اشكال رواية سمرة

ص: 403


1- . الوسائل 25 الباب 12/4 - 3 كتاب احياء الموات .
2- . الوسائل 25 الباب 12/1 كتاب احياء الموات .
3- . وسائل الشيعة 25 . 12/4 كتاب احياء الموات .

عن ارادته بالخشبة ما أراد لا انه كان قابلاً للغرس في مكان آخر ( وإن كان ذلك ممكنا ومجيء سمرة لتربيته بالسقي وغير ذلك .

وعلى ما يظهر من هذه الأخبار ان سمرة ما أنكر ما شكاه الأنصاري حتى يحتاج إلى الشهود .

فتبين ان معنى الحديث ينطبق على قضيّة سمرة وقلع نخلته .

الجهة الرابعة لبيان فقه الحديث الشريف والكلام يقع في ثلاثة أشياء:

الأوّل: في معنى الضرر ومعنى الضرار وفي الهيئة التركيبيّة .

أمّا الضرر فبعد انه من المسلم عدم اصطلاح خاص للشارع في بيان ما يريد من خطاباته إلى المكلفين وعدم اصطلاح خاص غير اصطلاح منه كان يكون اصطلاح المتشرعة يدور الأمر بين الجري على المتفاهم العرفي أو القاء المعاني طبقا للغة ولا سبيل إلى الثاني في مورد التعارض . اذ الخطابات صادرة على حسب فهم العرف وملقاة إليهم . فهم المتبع ( المتبعون ) في فهم الكلمات وما أراد الشارع من الخطابات . ولو كان للشارع اصطلاح آخر أو أراد غير ما يفهمه العرف لكان عليه البيان فيوصل غرضه إليهم حسب ما يريد ومن المعلوم ان الظهورات لا تختص حجيّتها بمن قصد افهامه من الخطاب لو سلم فضلاً عما اذا لم نسلم هذا المعنى وان الحجيّة لا تختصّ بهم ولو تنزلنا فنحن أيضا من الذين قصد افهامه وخوطب بالخطابات فلم يكن ذلك مخصوصا بالصدر الاول . والمتفاهم العرفي في معنى الضرر هو النقص الجامع الأطراف في العرض والمال والنفس والطرف . فهو المفهوم وهذه مصاديقه اذ هو في مقابل النفع والنسبة بينهما هي التضاد بحيث يمكن ارتفاعهما ولا يمكن اجتماعهما في مكان واحد من جهة

ص: 404

واحدة . ويمكن أن يكون شيء غير ضارّ ولا نافع كما في تجارة التجار وعمل الانسان في موارد يتحقق ذلك فيها وهذا المعنى هو المتحصل من تفاسير الضرر في معاجم الفقه وكتب لغات الأخبار كنهاية ابن الأثير ومجمع البحرين فعن بعضهم تفسيره بخلاف النفع وعن آخر بضدّه وآخر سوء الحال أو الضيق وان يفعل مكروها بالغير وما يقارب هذه المعاني الحاصل من جميعها معنى واحد هو في طرف النفع ويكون أمرا وجوديّا وهو مستعمل في العرف كثيرا في ما ذكرنا وعلى هذا لا اختلاف بين اللغة والعرف أيضا في معنى الضرر بل يتّفقان على النقص في مقابل النفع في المورد القابل لكليهما .

أمّا الضرار: فقد قيل انه تكرار الضرر فجيء به للتفنن في العبارة . وقيل هو الجزاء على الضرر فمعنى نفي الضرر أو النهي عنه عدم جواز الأضرار بالغير أو عدم كونه في الشرع ومعنى الضرار عدم الاضرار بالغير في قبال ضرره الوارد على الشخص بأن تسبّه حيث سبّك او تنقصه حق احترامه في مقابل فعله ذلك بك ولا يخفى انه على هذا المعنى قابل للتخصيص . فلو كان في بعض الموارد منافيا لقاعدة الاعتداء الشريفة التي يكثر الاحتياج إليها في خصوص هذه الأزمان وان كان لا خصوصية ولعل اللّه وفّقنا لبحثها مستوفي فانها لا تقصر عن قاعدة لا ضرر بل تكون انفع فيخصصه القاعدة كما في مورد النفس في القصاص أو المال في الأموال بضابط بيناه في البيع . وقيل هنا بمعنى التعمد والاصرار على الضرر فالمجرد بمجرد الضرر والضرار للاضرار والاكثار منه واتّصاف الفاعل بالمبدء كالمقاتل والمحارب والمسافر والمجاهد حيث تكون المبادى نعوتا لمن تشتق الصفة له منها لكن الأنسب من هذه المعاني هو الأخير بالنظر إلى المورد حيث وقع

الفرق بين الضرر والضرار

ص: 405

وورد في قضية سمرة ولم يصدر الضرر من الأنصاري متوجها على سمرة حتى ينفي اضرار سمرة جزاءً عليه ولا يناسب المبالغة التي أحد التفاسير هنا في معنى الضرار سواء كان بالفتح من باب التفعيل كما لعلّه الأنسب إلى المبالغة أو من باب المفاعلة كما ورد في موارد بهذا المعنى اذ انتفاء الأقل يوجب نفي الأكثر بالأولويّة فلا يترقى من الأقل إلى الأكثر في النفي ولا النهي . بل الأمر بالعكس فيقال ما جائني مائة رجل بل ولا خمسون لا ما جائني خمسون رجلاً بل ولا مائة أو المثال الأحسن ما عندي خمسون درهما ولا مائة اذ الأقل اذا انتفى فالأكثر منتف عنده قطعا ( لكن إذا لم يكن يفيد الخصوصيّة كما لعله ينطبق عليه المثالان اذا اريد بهما ذلك فتأمّل ) .

وبيان انسبية المعنى الأخير انه بعد أن ثبت اضرار سمرة على الأنصاري بدخوله إلى عذقه بغير اذنه ومفاجئته اياه على حال لا يحب كما في بعض أخباره تحقق الموجب لقطع شجرته حيث انه ما رضى أن يستأذن فاستدعى منه النبي صلی الله علیه و آله ( أو الأنصاري في بعض المحاورات على احتمال ) أن يبيعه وأن يبدله بأزيد منه ثمنا أو عينا في الدنيا وأن يبدله بعذق له في الجنّة فأبى وقام على اصراره في مقابله صلی الله علیه و آله فصار ضارّا كما في بعض رواياته ومصرّا على الضرر حيث قال له صلی الله علیه و آله

ما أراك يا سمرة إلاّ مضارا والضرر منفي فكيف بالضرار الذي هو الاصرار عليه والتكثير منه فامر صلی الله علیه و آله بقطع عذقه والرمي به اليه مع ان الضرر كان يوجب ذلك أيضا فكيف بالضرار على الاصرار . هذا في هذا الخبر اما الأخبار غير الواردة في مورد خاص فيمكن ظهور الضرار فيها في أحد هذه المعاني غير التكرار الذي لا يحمل كلام الأفصح بل الفصيح عليه واذا لم يمكن فلا محيص عن التكرار .

ص: 406

ان قلت ان الضرار مبالغة في الضرر والمراد من نفيه هنا تأكيد النفي كما في قوله تعالى: « وما ربك بظلام للعبيد »(1) .

قلت: تأكيد النفي لا معنى له بعد ان الطبيعة تنفيه فتأمل . ويكون الضرار قائما بالطرفين ولا من طرف واحد بل يلزمه الجانبان ) وعلى أيّ حال لا يوجب التلوّن في معنى الضرار توقفنا في الاستدلال بالضرر الذي تحقق معناه انه عبارة عن النقص والخسارة في قبال النفع . وأمّا الهيئة التركيبيّة فبعد ان المسلم وجود الضرر التكويني في الخارج كثيرا ولا يمكن حمل الكلام على هذا ( ولكن على معنى النفي لا النهي وإلاّ فلا معنى له الا هذا ) فاختلفوا في معناه على وجوه . الأول

ان المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع(2) فمعنى عدم الضرر عدم جعل الحكم

الضرري سواء كان تكليفا أو وضعاً فاللزوم الضرري لا جعل له في باب المعاوضات والعقود كما ان الوضوء الضرري غير مجعول في باب التكاليف ولا وجوب عليه بل لا جواز . وحاصل هذا رفع الحكم المجعول بالأدلّة الأوليّة والعنوان الأولي بالعنوان الثانوي الضرري بالدليل الثانوي ويكون فرقه مع المعنى .

الثاني: في مجرّد المفهوم واما النتيجة ففيهما واحدة . اذ الثاني أن يكون الضرر هو نفسه والمراد بالرفع رفع نفسه اللازم من لا التي لنفي الحقيقة ولكن حيث ان الشارع إنّما يرفع ما يرفع بما انه شارع فيكون المرفوع(3) ما من شأنه أن يجعله الشارع ويكون أمر وضعه ورفعه بيده وهذا كما ذكرنا يرجع إلى الأوّل الا

ص: 407


1- . سورة حم فصّلت: 47 .
2- . كما هو ظاهر كلام المحقّق الخراساني . كفاية الأصول 2/268 .
3- . كما يظهر من الحقائق . حقائق الأصول 2/380 .

ان يفرق بينهما بوجه لعلّه يأتي إن شاء اللّه .

تتمّة الكلام: ما قيل في معنى لا ضرر ولا ضرار ان كان لا للنفي فمعناه نفي طبيعة الضرر نفيا بسيطا على ما هو مفاد ليس التامة لكن في عالم التشريع على تفصيل يأتي بيانه إن شاء اللّه سواء كان في التكاليف أو الوضعيات . وسبق انه قيل لنفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما عن المحقّق الآخوند في(1) كلمات كفايته وغيرها . فالمراد بنفي الضرر نفي آثاره اما نفي تمام الطبيعة أو بعض أفرادها . وهذا المعنى راجع إلى النفي التركيبي كالأوّل إلى البسيط ولكن لا بمعنى ان الضرر لا حكم له . فالاضرار بالغير حسب الأدلّة حرام ويكون المراد من النفي بلحاظ الآثار هو رفع تلك الحرمة . وقيل كما عن بعض لنفي الضرر غير المتدارك لا مجرد الحكم التكليفي . بل بحيث يوجب اشتغال الذمّة ولا مساس له بجواز الاضرار بالغير أو عدمه لأن هذا المعنى بلحاظ ان كل ضرر وقع على شخص فيشتغل ذمّة المضرّ بمثله أو قيمته أو اقرب إلى التالف سواء كان التالف مثليا أو قيميا على اختلاف في ذلك فعلى هذا يكون لا ضرر قاعدة من القواعد الفقهيّة مفادها مفاد قاعدة الاتلاف في الضمان . والشيخ رحمه الله جعل هذا الاحتمال أردء احتمالات في الخبر وان قال به بعض الفحول .

ولكن المحقّق النائيني رحمه الله وجّهه بما ذكرنا ولا بأس به لو كان ظاهرا .

وأمّا النهي فهو أن يكون لا ضرر معنيّا به النهي عن الاضرار بالغير وان الاضرار حرام فيكون الخبر مسوقا لبيان حرمة الأضرار ساكتا عن اشتغال ذمّة المضر وبهذا القول قال صاحب العناوين واستشهد له بورود لا في موارد كثيرة

ص: 408


1- . كفاية الأصول .

بهذا المعنى واستعملت في افادة النهي كما في قوله تعالى: « فلا رفث ولا فسوق

ولا جدال في الحجّ »(1) وفي لا عسر ولا حرج ومثل ما ورد من لا بنيان كنيسة ولا اخصاء ولا رهبانيّة وشيد اركان هذا القول المرحوم شيخ الشريعة الاصفهاني قدّس اللّه أسرارهم . واختار القول الأول الشيخ(2) والمحقق النائيني (3) وأفاد في تحقيق هذا القول وتقريبه ما ملخصه ان لا ظاهر في معنى النفي وتأتي لنفي الحقيقة اما حقيقة كما لا رجل في الدار أو ادعاء كما في يا أشباه الرجال ولا رجال . وما أمكننا حفظ ظهور لا في النفي وفي نفي الطبيعة لا الآثار فمقدم على غيره من المعاني وإذ لم يمكن فنتنزّل إلى نفي الآثار واذا لم يمكن ذلك فلا يكون ظاهرا في نفي الطبيعة ولا لنفي الآثار فتصل النوبة إلى أن تكون لافادة النهي . ولا اشكال في صحّة ارادة نفي الطبيعة والحقيقة من لا في المقام . اذ المراد من المنفي ليس هو الضرر التكويني الخارجي اذ هو في الخارج كثير غايته . بل حيث كان النفي نفيا في عالم التشريع فالنفي إنّما يكون ممّا جعله ووضعه بيد الشارع كماان رفعه لابدّ أن يكون كذلك . وحينئذٍ فنقول تارة يكون عنوان الضرر منطبقا على متعلّق التكليف في الخارج كالشرب الخارجي والوضوء الذي يتوضّأ المكلّف اذ الوضوء عبارة عن الأفعال وهي في الخارج تكون جزء العلّة التامّة الاخير فما يكون بحسب العنوان الأولي منطبقا عليه عنوان الضرر بأن يكون الجزء الأخير

في معنى الضرار

ص: 409


1- . سورة البقرة: 198 .
2- . فرائد الأصول 2/534 - 535 .
3- . منية الطالب 2/207 واختاره في القواعد استاذنا المحقّق جامع المعقول والمنقول السيّد البجنوردي كما هو اختيار السيّد العلاّمة الخوئي قدّس اللّه أسرارهم . مصباح الأصول 47/615 - 616 .

من العلّة التامّة لحصول الضرر يكون منفيا .

ومن المعلوم ان أمر المولى وتشريعه الوضوء لا يوجب ذلك اذ الحكم وايجاب الوضوء بنفسه ليس ضرريا بل اللازم منه الضرر والجزء الأخير لتمام العلّة له هو الفعل الخارجي وامرار الماء على اليد في الوضوء الضرري مثلاً فهو يكون داخلاً تحت النفي . وتارة لا يكون المتعلّق كذلك بل الضرر من ناحية الحكم فننظر في العقد الضرري نرى ان نفس العقد بما هو ليس ضرريا منطبقا عليه الضرر وكذا حكم الشارع بصحته اذ صحّة العقد لا يوجب الاضرار بالغير بل ما يلزم منه الضرر ويكون مضرا هو لزوم العقد . فهذا اللزوم اللازم من قبله الضرر يكون مرفوعا .

إن قلت: فرق بين الحكم اللازم منه الضرر في لزوم العقد حيث ان الضرر مولود نفس هذا الحكم وإنّما يأتي من قبله وبين حكم الشارع باتيان الوضوء الضرري فلا يجري فيه ما ذكر في اللزوم من كون الحكم الجزء الأخير من العلّة التامّة لحصول الضرر . اذ أمر الشارع في باب الوضوء ومثله ليس يوجب ضررا ولا مضرا وكذا المكلف اذ أراد الوضوء ليست الارادة ضررا بل الضرر عمله وهو صب الماء في الخارج فلا يجيء فيه التقريب في غيره حتى يرفع الحكم بالوضوء .

قلت: نعم ذلك صحيح الا ان المكلف حيث ينظر إلى خطاب المولى يراه واجب الاطاعة فاذا لم يطع يتحقق منه العصيان ويترتب على العصيان العقاب واذا لم يجد ما يحذر به عن العقاب فلا جرم يرتكب الوضوء الضرري ويتحمل المشقّة في ذلك فبالاخرة عمل المكلف ينتهي إلى حكم المولى وتشريعه الوضوء

ص: 410

في الضرر وتوجهه إليه لا انه يكون مجبورا على العمل كما قيل بأن(1) الأمر يسلب من العبد جانب الترك والنهي جانب الوجود ويكون مجبورا مقهورا فيكليهما لامتثال متعلّقهما ورتب القائل على هذا عدم صحّة الاستيجار لصلاة المكلّف بوجهين أحدهما هذا فانّ العمل لابدّ في الاجارة أن يكون مملوكا للغير وكذا يصل نفع إلى المستأجر بذلك وفي المقام حيث ان اختيار المكلّف في العمل مسلوب فلا يكون تحت قدرته حتى يملكه الغير وكذا لا يصل نفعه إليه وذلك لأنّ الأمر والنهي لا يوجبان تضييقا في ناحية ارادة المكلّف نحو الفعل والترك ولا يسلبان اختياره فكما ان قبل الأمر والنهي مختار في أن يفعل وان لا يفعل فكذا بعد توجه الخطاب بالفعل أو الترك إليه يكون كذلك ولا يلزم في الاجارة أن يصل نفع العمل إليه بل يكفي مجرّد تبهّجه بصلاة هذا المصلى اذ ربما يكون سروره بهذا أعظم من سروره عن وصول مال إليه .

وعلى أيّ فلا يوجب التكليف ضيقا في اختيار المكلّف تكوينا نعم يحصره في الفعل والترك تشريعا والاختيار بعد باق . « انا هديناه السبيل اما شاكرا وإمّا كفورا »(2) .

فثبت ان حكم الشارع في باب الوضوء أيضا ضرر أي يلزم منه ضرر على المكلف ويكون سببا لذلك ومحصلاً لشيء عنده يتضرر العبد وإن شئت فقس المقام بلا حرج ولا عسر حيث انهما أظهر دلالة على رفع الحكم إذ: « مَا جَعَل عَلَيكُم فِي الدين مِن حَرَج »(3) ظاهر في نفي الحكم الذي ينشأ منه الحرج

تقريب القول الأوّل

ص: 411


1- . قاله المحقّق النائيني واستشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره .
2- . سورة هل أتى: 4 .
3- . سورة الحجّ: 79 .

ويوجب ضيقا عليه كما في: « يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر »(1) ومفادهما مفاد لا ضرر بعينه الا ان في لا ضرر نوع خفاء ليس فيهما لمكان فيالدين والمراد النفي فيه فيهما .

فذلكة: رتب المحقّق النائيني قدس سره مراتب في حمل معنى لا عليها عند امكان المرتبة العليا لا موجب للسفلى .

الأول: أن يكون المنفي الطبيعة وكون الطبيعة بما هي منفية نفيا بسيطا سواء كان متعلق الحكم وموضوعه امضائيا كما في العقود أو يكون تأسيس من الشارع فنفس الضرر في هذه الموارد مرفوع منفي . كما في الثاني الحكم الذي يكون هو ضررا ويوجب ذلك منفي . وفي الأول ما عنون بعنوان الضرر ثانيا فيكون النفي في الامضائيات للامضاء وفي التأسيسيّات لها بأنفسها وذلك لان حكم الشارع في هذه الموارد يوجب الضرر . ولذا يعبر عن ذلك بالحكم الضرري وهو منفي واذا لم يمكن أن يتعلق النفي بالطبيعة فيكون متعلقا بآثارها ويكون من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع . وإن لم يمكن فيحمل على النهي والا فالمعنى الرابع كان يكون نفي الضرر غير المتدارك . ومن المعنى الأول جعل لا ضرر ولا حرج ولا عسر فكما ان لا حرج ولا عسر يعني بهما عدم جعل الحكم الذي يلزمان منه وان الحرج ما جعل في الدين وكذا العسر لأن اللّه « يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر »(2) وبهذا المعنى يختصّ لا ضرر بنفي طبيعة الضرر اذ الزم على حكم واذا لم يمكن هذا المعنى في مورد فألي المعنى الثاني كما في مراتب الاطاعة وحيث

ص: 412


1- . سورة البقرة: 186 .
2- . سورة البقرة: 186 .

ان التفصيلي مقدم على الاجمالي العلميين وهما على الظني وهو على الاحتماليوهو نفي الحكم بلحاظ الآثار وبلسان نفي الموضوع كما في لا شكّ(1) لكثيرالشكّ لضابط يأتي إن شاء اللّه ويذكر له شروطا ثلاثة . ثالثها أن لا يكون الحكم المجعول على الموضوع الحرمة بل يكون من قبيل الوجوب والاباحة فلا يصار إلى هذا الاحتمال ففي لا شكّ لكثير الشكّ يتعين المعنى الثاني بمعنى عدم ترتيب آثار الشكّ عليه يعني الآثار التي تكون عند الشكّ . وإلا فنفس الشكّ لا أثر له بل لما لم يمكن المضي على الشكّ في الركعتين الأوليين ولابد فيهما أن يكون بالاحراز ويحفظهما فما يأتي في حال الشكّ يكون غير مأمور به ويبطل الصلاة على هذا والا فلو ثبت إلى ان زال عنه الشكّ بحصول العلم ولم تفت الموالاة يمضي على صلاته ( هذا في الأوليين واما في غيرهما فظاهر اذا شككت(2) فابن على الأكثر ان الموضوع للحكم هو الشكّ الا ان يمنع بان الشكّ ظرف لا موضوع كما يشهد له ظاهر الشرطيّة ) ومن الآثار البناء على الأكثر في غير ما يوجب بطلان الصلاة الا انه خصّص في حق كثيره ووظيفته البناء على ما هو أقل مؤونة له واذا لم يمكن المعنى الثاني بعدم اجتماع شروطه الثلاثة فالمعنى الثالث وهو النهي كما في لا اخصاء ولا رهبانية وعند عدم امكان هذا فالى غيره . والمحقّق النائيني قدس سره رتّب(3) امورا لبيان ظهور الخبر في المعنى الأول .

مراتب النفي

ص: 413


1- . الوسائل 8 الباب 16/3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة . واللفظ اذا كثر عليك السهو أو في الصلاة فامض في صلاتك أو على صلاتك ولا تعد .
2- . الوسائل 8 الباب 8/3 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ اذا سهوت وقريب منه الحديث 4 .
3- . منية الطالب 2/201 وما بعده .

الأمر الأول: انه لا ريب ولا اشكال في ان النفي هنا ليس نفيا تكوينيا بل تشريعي اذ لا يحتمل أحد أن يكون تكوينا مع وجوده في الخارج في غاية الكثرةوان النفي متعلق بالطبيعة . فطبيعة الضرر مرفوع لكن تشريعا كما في رفع(1) ما لايعلمون حيث انه أيضا لنفي الطبيعة غاية الأمر في رفع استعمل الرفع وافيد به معنى النفي بخلاف لا ضرر فانه افيد بلا والرفع والنفي فيهما تشريعي متعلق بنفس المرفوع والمنفي وفي حديث الرفع تعلق الرفع بالتسعة بجامع واحد الا ان الرفع في كلّ منها ينتج نتيجة ففي ما لا يعلمون يكون نتيجة الرفع حسب ما يقول عدم ايجاب الاحتياط اذ ظاهر رفع وتعلقه بما لا يعلمون الرفع الواقعي ولمّا لم يمكن الرفع الواقعي للزوم التصويب واختصاص الأحكام بالعالمين المجمع على بطلانه الذي يقول به المعتزلة في قبال التصويب الذي تقوله الأشعريّة المحال لورود الأخبار(2) متواترة في هذا المعنى بأنّ الأحكام لا تخص العالمين بها بل تعم العالم والجاهل وليس للعلم دخل في جعل الحكم وليس كما اشتهر لفظ يستوي وإن نسب إلى صاحب الحدائق فانه ذكر اخبارا(3) في بعض مقدّمات حدائقه يستفاد منها هذا المعنى كما ذكر في الوسائل(4) فالرفع في ما لا يعلمون ينتج رفع الحكم الظاهري وهو ايجاب الاحتياط لأنّه متمّم للحكم الواقعي وحيث يطابقه يكون هو والا فنفس الحكم الواقعي لا يكون مرفوعا .

وقال في ما لا يعلمون بعمومه للشبهة الحكميّة والموضوعيّة فلا يرد

الدليل على المعنى الأوّل

ص: 414


1- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .
3- . الحدائق الناضرة 1/77 وما بعده .
4- . الوسائل 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

الاشكال باستعمال اللفظ في أكثر من معنى اذ ذلك إذا لم يتصور جامع والجامع نفس الحكم اذ مرجع الموضوعيّة إلى الحكميّة . الا ان منشأ الشكّ هي الأمورالخارجيّة . وهذا القدر لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده كما استشكل ذلك المحقّقالقمي

رحمه الله في كلّ شيء هو لك حلال(1) من شموله للحكمي والموضوعي . ولكن

الذي جعله أصلاً في المقام لبيان قاعدة لا ضرر ويريد ترتب ما يأتي بعده على ذلك لا يتم . كما لا يمكن أن يكون العلم جزء الموضوع بل اذا بيّن ذلك بألف خطاب أيضا لا يصحّ وقد مر في بعض أبحاثنا ما هو حقّ التحقيق في ذلك ( في تحقيقات القصر والاتمام ) والحكم الذي يستوي فيه العالم والجاهل هو العهدة ويكون الخطاب مختصّا بالعالمين بالحكم المستوى فيه هما .

توضيح وتكميل: ذكرنا مختار المحقّق النائيني في معنى لا ضرر وورود النفي على الطبيعة نفيا بسيطا على حذو وروده في التسعة المذكورة في حديث الرفع .

وذكر هنا ملخص ما قاله في معنى حديث الرفع مفصلاً وهوان الرفع تشريعي وهو ما قابل الوضع التشريعي وذلك فيما يناله الجعل اثباتا ونفيا سواء كان تأسيسيّا أو امضاءً والمراد بالتأسيسي هو الأحكام الخمسة التكليفيّة ( وبعض الوضعيّات ) والامضائي ما كان اعتباره حاصلاً عند العقلاء والشارع يمضي ذلك الاعتبار اذ الأحكام مجعولة على التحقيق اعتبارا .

فاذا يظهر الشارع ارادته وطلب الشيء من العبد ينتزع عنه الوجوب خلافا

ص: 415


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

لبعض المحقّقين كالشيخ عبدالكريم الحائري في درره(1) حيث ذهب إلى انالأحكام ليست مجعولة بل هي امور تكوينيّة والخطابات عبارة عن اظهار ما في التكوين وعمّا في الواقع لا انه بطلبه الخارجي يجعل الشيء . بل ذلك اظهاروالحكم هو وذاك سواء كان الشارع الجاعل لهذا الحكم الذي نعتبره وجوبا أو حرمة وهكذا هو اللّه تبارك وتعالى أو كان هو النبيّ صلوات اللّه عليه وآله فان هذا

لا يهمّنا ولا يخلّ بما هو المقصود في المقام .

والمراد بالنفي التشريعي والرفع والوضع التشريعي ايجاد الشيء في عالم التشريع وصفحته قبالاً لعالم الخارج وصفحته فانّ الشيء تارة يكون موجودا مع قطع النظر عن اعتبار المعتبر وهذا ما له وجود عيني خارجي .

وتارة يكون وجوده بالخيال في الذهن واذا لم نتصوره لا يكون له وجود وهذا في الأمور الذهنيّة والوجودات الخياليّة وتارة يكون حقيقته وتكوينه بالاعتبار بأن نحسبه شيئا باعتبار آثار تترتب عليه . فلو كان المراد من الرفع الرفع

التكويني لزم أن يرفع الخطأ والنسيان وغيرهما ممّا في حيّز الرفع في الخبر الشريف في الخارج بأن لا توجد تلك فيه فيكون حديث الرفع اخبارا عن ذلك والا فيلزم الكذب . لكن رفع هذه الأشياء ليس تكوينا بل ذلك رفع تشريعي بمعنى اعدامها عن صفحة التشريع بأن تكون خالية عن هذه الأمور . ونسبة الرفع إلى الأشياء التسعة حسب اقتضاء السياق واحدة . الا انه في كلّ ينتج نتيجة فلا يلزم الجمع بين المعنيين وأن يكون المرفوع في بعضها حكمه وفي بعضها نفسه بل النفي تعلق بها على سياق متّحد وبينا في محلّه معنى الرفع وانه لا يستشكل في ذلك بانه

ص: 416


1- . درر الاُصول .

في ما اذا تحقق وضع والا فلا رفع وذلك لأنّ الرفع هنا بلحاظ تماميّة المقتضى الا ان مصلحة التسهيل صارت مانعة عن ذلك وان يؤثر المقتضى في ناحية الجعل . فالرفع بهذا اللحاظ أو ان الرفع لما اختصّ بالامة المرحومة فالمراد بذلك رفع ماكان ثابتا في الشرايع السابقة بمعنى النسخ والاعلام بتماميّة مدته وانه انقضىامده لا البداء المستحيل في حقّه تعالى من الآصار والمشاق العرفيّة التي لاتتحمل عادة ممّا استوهبها النبي صلی الله علیه و آله من الخطأ والنسيان والاضطرار والاكراه وغيرها فالرفع على معناه لا ما لا يطيقونه عقلاً اذ احتمال تكليف ما لا يطاق من العاقل محال فضلاً عن المولى الحكيم .

ومع الغضّ عن هذا فنقول الرفع حقيقة هو الدفع ولا فرق بينهما الا بالاعتبار وذلك لان الدفع عبارة عن سد المقتضى في التأثير ابتداءً والرفع استمراراً اذ حين يحصل الرافع يستحيل وجود المرفوع بل المرفوع يرتفع بوجود الرافع والا فيلزم اجتماع الوجود والعدم بالنسبة إليه . فاذا حصل الرافع يدفع المرفوع ويخلّي صفحة الوجود عنه كأن لم يكن . فالرفع في المقام استعمل في معناه بلا عناية بل الرفع أيضا دفع ( أقول: قد مضى منّا الاشكال عند تقريب معنى الحديث في باب البرائة بأن مجرّد رجوع الرفع إلى الدفع لا يجعل الدفع رفعا حقيقة حتى يكون استعماله في معناه حقيقة ولو كان الفرق بينهما اعتبارا ) فمعنى رفع هذه الأشياء تشريعا عدم جعل لها في عالم التشريع من ما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطرّوا إليه والخطأ والنسيان .

ففي الخطأ والنسيان تعلّق الرفع بهما حقيقة تشريعا ومعنى ذلك عدم جعل لهما فان الرفع في مقابل الجعل والوضع وعدم الجعل فيهما عبارة عن عدم العبرة

معنى الرفع

ص: 417

بهما في ترتيب الآثار التي تترتب على العمل الذي يصدر تارة خطأً أو نسيانا وتارة بدونهما .

فالنتيجة في هذه وأمثالها الا ما لا يعلمون عدم جعل الحكم الذي يكون على الأعم منها . ومعنى ذلك نفي الحكم عن هذه الأشياء الذي يقوله المحقّق الخراساني فيها ( في خصوص المقام في لا ضرر ) ويكون المحصل من حديثالرفع في غير ما لا يعلمون هوالتخصيص الواقعي وفيه رفع الحكم الظاهري وهوايجاب الاحتياط . وذلك لأنّ الحكم الواقعي لما لم يمكن رفعه وإلاّ يلزم اختصاص العالمين بالأحكام بها . وهذا هو التصويب المجمع على بطلانه فلا جرم يكون المرفوع هو ايجاب الاحتياط الذي يكون الحكم الواقعي في ظرف الشكّ فيه مقتضيا لذلك .

إن قلت: رفع ايجاب الاحتياط وان كان أيضا ممّا لا يعلمون الا ان ظاهر ما لا يعلمون هو الحكم الواقعي .

قلت: ايجاب الاحتياط اذا صادف الواقع هو عين الواقع والا فلا واقع ولا احتياط . وهذا معنى ما يقوله الشيخ من الايجاب النفسي الظاهري . فان الاحتياط حيث لم يكن طريقيا بل لتتميم قصور الحكم الواقعي عن البعث في ظرف الشكّ فيه يجعل الاحتياط لحفظه في هذه المرتبة فباعتبار ان وجوده لتتميم قصور الحكم الواقعي عن المحركيّة يكون عين المتمَّم وهو الحكم الواقعي فيكون وجوبه نفسيا وباعتبار انه جعل في ظرف الشكّ في الحكم الواقعي مع حفظ الشكّ فيكون وجوبه ظاهريا .

وهذا هو مختار المحقق النائيني في حديث الرفع وما لا يعلمون .

ص: 418

الا انا استشكلنا عليه بأن السياق في جميعها واحد فكما ان الرفع حقيقي في غير ما لا يعلمون ويتعلّق بنفس هذه فكذا فيه ولا يلزم التصويب أبدا .

أقول: مبنى سيّدنا الأستاذ

قدس سره في هذا المقام على ان الحكم الذي يستوى فيه العالم والجاهل ويشتركان فيه هو ما اشتغلت عهدتهما به ولا مدخلية للعلم والجهل في ذلك فاذا علم بالعهدة فعليه الامتثال فلا مطالبة بنفس اشتغال العهدة بمجرّده . وأمّا الخطاب فجائز أن يختصّ به العالم بالحكم الواقعي . لكن بهذاالمبنى لا يمكن تصحيح الرفع في ما لا يعلمون بنفس الحكم الواقعي لأنه موجودوان لم يطالب به ولابدّ أن يقول ان الجاهل بالاشتغال لا اشتغال له الا ان يريد بما لا يعلمون الخطاب فان الخطاب لا يعلمه الجاهل فهو مرفوع عنه اذا كان عن قصور ولكن ذلك يستدعي نوعا من العناية في لا يعلمون بأن يكون هو الخطاب لا العهدة الا ان يقول ان الرفع التشريعي في ما لا يعلمون عبارة عن عدم المطالبة فان ذلك مما تناله يد الجعل اثباتا ونفيا فان في هذا نحواً من تسليم مبنى الآخوند رحمه اللّه تعالى .

والمحصّل من هذا ان النفي في لا ضرر نظير الرفع في ما لا يعلمون متعلق بنفس الطبيعة وهو يقتضي عدم جعل الشارع الحكم الذي يلزم منه الضرر في الوضعيّات كاللزوم الضرري في المعاملات الغبنيّة وغيرها من الضرريّات عند تبعض الصفقة وتخلف الشرط وكايجاب الوضوء الذي يترتب عليه الضرر واللزوم ( كما تكرر منّا ) في الأوّل امضائي وما أمضى فيه كالايجاب في الوضوء وما أوجب .

والحاصل كما تعلق الرفع في هذه التسعة بأنفسها كذلك تعلق النفي في لا

مبنى سيّدنا الأستاذ

ص: 419

ضرر بنفس الطبيعة التالية لاداة النفي كما في لا رجل في الدار حيث انه نفي الطبيعة أوضح من تعلق الرفع بالتسعة لما في الحديث في بعضها بلحاظ الآثار بخلاف لا ضرر فالنفي على نفس الطبيعة نظير لا حرج ولا عسر ورفع القلم فان كلّها يؤدّي معنى واحدا واستعمل في مفهوم فارد وهو النفي التشريعي ففي لا ضرر ما كان ينشأ منه الضرر ويكون موجبا له مرفوع . فاللزوم في العقد الغبني الذي اذا رتب الأثر عليه يكون ضرريا رفع فهو ليس بموجود في صفحة التشريع ومرفوع عنها والا اذا لم يترتب عليه الأثر واستقال أحدهما وأقال الآخر فلا ضرر هناك .بل الضرر انماينشأ في ترتيب آثار اللزوم على العقد بأن يكون المتعاملان ملزمينبذلك .

وكذلك الوجوب في الوضوء الذي يلزم منه الضرر مرفوع لترتب الضرر عليه وكونه منشأ له كما ان في لا يعلمون الحكم الذي لا يعلمونه مرفوع وفي ما اضطروا إليه العمل الذي اضطرّ إليه فهو مرفوع فلا يترتب عليه حكم كان يترتب على مطلق العمل . وليس الضرر المرفوع والمنفي في الحديث الشريف هو ما يحمل عليه الضرر بالعنوان الثانوي بأن يكون كالاحراق المستند إلى الملقى في النار بل هو ما يلزم منه الضرر وينشأ منه ومعلوم ان في الالزام العقدي أو التكليفي في الوضوء ليس الضرر إلاّ من قبل الحكم والا فالعليّة مفقودة وليس ترتب الضرر على الحكم كترتب المعلول على العلّة بحيث لا يكون هناك فاصلة في البين بل الحكم إنّما يوجب ويقتضي ذلك ولذا يعبّر عنه بالحكم الضرري أي الذي يلزم منه الضرر والا فلا يحمل الضرر على الوجوب واختيار المكلف في الاطاعة والعصيان باقٍ . لكنه هذا الالزام ينشأ منه الضرر ويكون موجبا له في اطاعته

ص: 420

وكذلك « ما جعل عليكم في الدين من حرج »(1) حيث ينفي ما ينشأ منه الحرج ويكون موجبا له خصوصا باقترانه ( بلفظي في الدين ) يظهر في نفي الحكم الذي يكون منشأ للحرج وكذا العسر على المكلّفين ونتيجة لا ضرر في مقامنا نتيجة لا حرج بلا فرق بينهما وفي تعلّق الرفع والنفي في هذه بالطبيعة التالية للنفي درجة فرق ففي لا حرج ولا ضرر أقوى من رفع ما لا يعلمون والباقي وفي حديث الرفع(2) لا يكون الظهور بهذه المثابة سواء كان ذلك إنشاءا أو اخبارا . فاذا كانانشاءا يكون معنى الرفع والنفي عدم الجعل الذي هو نقيض الجعل في التشريع . فالرفع عدم التشريع كما ان الوضع والجعل هو التشريع . وكذا لو كان اخبارا يكون اخبارا عن عدم جعل ما يلزم منه الضرر . فقد ظهر بما ذكرنا انه لا وجه لتفريع المحقّق النائيني(3) ظهور النفي في لا ضرر متعلّقا بالطبيعة والموضوع متفرعا على ظهوره في حديث الرفع . فقد بينّا ان في لا ضرر ذلك أظهر وظهر أيضا انه لا تصل النوبة مع صحّة تعلّق النفي بالطبيعة إلى جعل النفي فيه نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما في لا شكّ لكثير الشكّ فان الشك بنفسه موجود في الخارج فلا يتعلّق به الرفع ولا وجه لجعل الشكّ بمعنى المشكوك كما ( في النسيان ) لأنّ المشكوك هو الاتيان بالركعة وكذا المشكوك فيه فان حكم الركعات معلوم فانها واجبة الركعة الثانية والثالثة مثلاً وليس نفي الشكّ بمعنى نفي الحكم الوجوبي المجعول على ركعات الصلاة فلا يناسب فيه الا نفي الحكم المجعول على مورد الشكّ بلسان نفي الشكّ وذلك فيما اذا كان الحكم مجعولاً ويكون نفي هذا الحكم

المراد بالضرر ما يلزم منه وينشأ منه

ص: 421


1- . سورة الحج: 79 .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . منية الطالب 2/201 .

بهذا اللسان اخراجا لهذا الفرد من الموضوع عن دليل العام كما في أكرم العلماء اذا عقبه بأن زيدا ليس بعالم مع انه في الواقع عالم فيكون النفي اخراجا للفرد عن حكم العام وتخصيصا بغيره وهذا أحد أنحاء الحكومة . وضابط نفي الحكم بلسان نفي الموضوع هو ما اذا اجتمعت شروط ثلاثة . أن يكون الحكم مجعولاً قبل ذلك حتى ينفي بهذا اللسان وأن يكون المتعلّق اختياريّا وأن لا يكون الحكم هو الحرمة . واختلف بيان سيّدنا الأستاذ قدس سره فتارة قال ذلك . وتارة جعل الثالث عدمكون الحكم هو الجواز لما يلزم من نفيه ما ينافي الامتنان ( وجعل المفقود في لاضرر هو الأخير من هذه الثلاثة وذلك لأنّ الحكم المجعول على الضرر في الشرايع السابقة والأمم السالفة هو الحرمة ورفع الحرمة عن الاضرار بالغير وبالنفس خلاف الامتنان بخلاف لا شك لكثير الشكّ فمعناه نفي الحكم المجعول في ظرف الشكّ من وجوب البناء على الأكثر مثلاً عن موضوعه وهو كثير الشكّ .

ولا يخفى انه يمكن أن يكون لا ضرر نفيا للحكم بلسان نفي الموضوع كما أفاد بأن يكون المشاق التي كانت على الامم السالفة في تكاليفهم من قرض لحومهم بالمقاريض مرفوعة عن هذه الامة ويكون فيه كمال الامتنان والمنة على الأمة المرحومة الا اذا جعلناه بمعنى الاضرار فحينئذٍ لا محيص عن جعله بمعنى النهي ولا يستقيم المعنى الأول والثاني أي نفي الطبيعة ونفي أحكامها فتأمّل .

طور آخر من البيان حاصل كلام المحقّق النائيني قدس سره ان النفي يتعلق بنفس الطبيعة وذات الشى ء تارة وذلك من المحمولات الاولية فان الوجود والعدم كذلك وإن كانت رتبة الذات أعلى من امتناع اجتماع النقيضين فان النقيضين الوجود والعدم ورتبة الطبيعة متقدمة عليهما فان الماهية من حيث هي ليست الا هي لا

النفي يتعلّق بنفس الطبيعة

ص: 422

موجودة ولا معدومة . وان كان لابدّ بالنسبة إلى الخارج من أحدهما فاما تلازم الوجود أو العدم واصطلح على هذا القسم من النفي بالنفي البسيط لتعلّقه بنفس الطبيعة باعتبار الوجود والوجود خارج عن الماهية . والا لزم تحصيل الحاصل في قولنا زيد موجود واجتماع النقيضين في قولنا زيد معدوم . بل بنحو يمكن أن يحمل عليها العدم كما يحمل عليها الوجود ويجتمع هناك النقيضان كل شيء وعدمه لا قائم ولا لا قائم لا قاعد ولا لا قاعد كما قلنا نظير ذلك في الاطلاق بالنسبة إلى متعلق الحكم . وتارة يتعلق النفي بالماهيّة فتسلب عن الشيء أو يسلبالشيء عنها وكلّ ذلك أي النفي البسيط والتركيبي تارة يكون في ما يمكن تعلقالنفي بنفس الطبيعة بأن تناله يد الجعل اثباتا أو نفيا فتكون النتيجة عدم الجعل في صفحة التشريع إذا كان حكما تكليفيّا وتارة في غير ذلك أو عدم التأسيس والاختراع أو الامضاء والتقرير اذا كان تالي لا أو ليس من الامور المعتبرة عند العقلاء وأهل العرف أو انتزاعيا تأسيسيّا للشارع ( واخرى يكون النفي حقيقة ورابعة مع الادعاء والمبالغة فالأول كلا صلاة الا بفاتحة الكتاب(1) في نفي الصحّة والثاني لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد(2) في نفي الكمال فافهم ) .

فمثال النفي في ما إذا يمكن تعلق الجعل بنفس تالى لا لا عسر ولا حرج اذا فرض كونهما بهذا اللسان فينفي بهذا اللسان الحكم الذي ينشأ منه الضرر على نحو ما بيناه سابقا في لا ضرر . ومثال ما لا يمكن تعلق الجعل بالمنفي بل بالنفي أي يكون تحت الجعل أو نفي الجعل لا صلاة الا بفاتحة الكتاب(3) واذا كان النفي نفيا

ص: 423


1- . الوسائل 6 الباب 1/1 - 2 - 6 من أبواب القرائة في الصلاة .
2- . الوسائل 5 الباب 2/1 أحكام المساجد واللفظ الا في مسجده .
3- . الوسائل 6 الباب 1/1 - 2 - 6 من أبواب القرائة في الصلاة .

تركيبيا فينتج المانعيّة في ما اذا سلب الشيء عن الماهيّة كما في لا شكّ(1) في المغرب أو وضع(2) احدى اليدين على الاخرى في الصلاة عمل و( ليس ) في الصلاة عمل والشرطيّة في ما إذا سلب الماهيّة عن الشيء أو الجزئيّة كما لاصلاة(3) الا بطهور والا بفاتحة الكتاب . وإذا لم يمكن تعلّق النفي بالطبيعة على نحو رفعها ولم يكن النفي أيضا ممكنا كما في لا صلاة(4) إلاّ بفاتحة الكتاب ممّا كان النفي تحت الجعل فتصل النوبة إلى المعنى الثاني . وذكر في التقريرات(5) لهاثلاثة شروط ذكرناها قبل وهي كون الحكم مجعولاً قبل ذلك لاقتضاء هذا المعنى ذلك امّا في الشريعة السابقة أو في دليل عام ( وذكر أو عند العرف ) والنفي بسيط كما تقدّم مثاله وتركيبي مثل لا طاعة(6) لمخلوق في معصية الخالق أو لا شكّ لكثير(7) الشكّ ومثل وجوب اطاعة الوالدين التي هي بعد اطاعة اللّه والنبي صلوات اللّه عليه وآله واطاعة أوليائه ووجوب(8) البناء على الأكثر . وبهذا يتضيق

موضوع الحكم المنفي بلسان نفي الموضوع ويختصّ بغير هذا . وهذا أحد أنحاء الحكومة قبال الورود بأن يكون الحكم باعتبار اثباته للمؤدى أو بالتعبّد كما هنا على التفصيل المشروح في محلّه خلافا للمحقّق الخراساني حيث حصر الحكومة

ص: 424


1- . الوسائل 8 الباب 2/3 إلى 11 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 7 الباب 15/4 من أبواب قواطع الصلاة .
3- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب الوضوء .
4- . الوسائل 6 الباب 1/1 - 2 - 6 من أبواب القرائة في الصلاة .
5- . منية الطالب 2/201 وما بعده .
6- . الوسائل 16 الباب 11/7 من أبواب الأمر والنهي .
7- . الوسائل 8 الباب 16 من أبواب الخلل في الصلاة بعبارات تفيد ما في المتن .
8- . الوسائل 8 الباب 8/1 - 3 - 4 من أبواب الخلل في الصلاة .

بنفي الحكم بلسان نفي الموضوع .

والثاني أن يكون اختياريّا للمكلّف لعدم فائدة في رفع غير المقدور كما لا فائدة في جعله فلا ربط للرفع والنفي به ولا اشكال في هذا الشرط ونتيجة الرفع في ذلك لا يكون اثبات الحكم الأوّل بل في غيره ولا يمكن أن لا ينفيه فان هذا من قيود الموضوع والاشكال .

في الشرط الثالث الذي ضبطه مقرّروا بحث المحقّق النائيني رحمهم اللّه جميعا ولم يجده الاستاذ في ما كتبه من تقريراته وهو أن يكون الحكم المرفوعبلسان نفي موضوعه هو الجواز(1) لا الحرمة . اذ لو كانت هي الحرمة فلا يمكن تعلق الرفع بها على هذا المعنى أي الثاني ومثل له في التقريرات(2) مثلاً بلا ختانولا طلاق ولا تعدد زوجات وظاهره فرض حكم هذه هي الحرمة وعدم رفع الحرمة بتعلق النفي لها . وهذا لا يستقيم اذ لا فرق بين الحكم أن يكون حرمة أو جوازا وجوبا أو غيره خصوصا في مورد الامتنان ولعلّه أراد بذلك عدم مخالفة الرفع للمنة على الامة وهذا حق لا يختص بخصوص الحرمة . بل لو كان الجواز وكان رفعه مخالفا للامتنان لم يتعلق به النفي . اما اذا كان فيه منّة فلا اشكال كما في لا رهبانيّة(3) في الاسلام التي كانت جائزة في شريعة عيسى على نبينا وآله وعليه السلام ونسخ حكمها في شريعة الاسلام منة على الامة مع وجود ما هو أفضل وأحسن وأعظم أجرا من أمثال هذه الرياضات .

واشترط سيدنا الأستاذ قدس سره أن لا يلزم من النفي اثبات حكم والا ففي

الاشكال في الشرط الثالث

ص: 425


1- . المنية 2/204 .
2- . المنية 2/204 .
3- . مستدرك الوسائل 14 الباب 2/2 النكاح .

الحقيقة جعل حكم لا رفع حكم كما لو رفع الجواز فبدلالته الالتزاميّة يجعل الحرمة فهنها اثبات بهذا اللسان ولا مانع من كون الحكم هو الحرمة فينفي بلسان نفي الموضوع .

وعلى أيّ فلو كان لا ضرر من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما هو أحد الاحتمالات فالمنّة تقتضي أن لا يلزم من نفي حكمه خلاف منّة على الامّة من جواز الاضرار كما لا يمكن ذلك فنتيجة الشرط الثالث عدم مخالفته للمنة بأن يكون فيه منة على العباد سواء كان رفع حرمة أو شيء آخر ( كما لا يبعد أن يكون لا ضرر بهذا المعنى صحيحا بأن يراد من الضرر الحكم الذي ينشأ منه الضرر ولو في الشرايع السابقة كقرض(1) اللحوم بالمقاريض في الطهارة أو في الجاهليّةحتى ينفي تارة بلسان نفي الموضوع أو يمضي اخرى كما امضى ما سنه عبدالمطلب(2)فتأمّل .

واذا ما انطبق ضابط نفي أصل الحكم أو الحكم بالنفي ولا نفي الحكم بلسان نفي الموضوع تصل النوبة إلى النهي المعنى الثالث الذي جعل(3) المرحوم شيخ الشريعة الاصفهاني على هذه التراكيب لما ورد بلسان لا ضرر ظاهرا في هذا المعنى خلاف الظاهر الذي يكون استعمال لا فيه في النهي .

توضيح في بيان اعتبار الشروط الثلاثة:

أمّا بالنسبة إلى الشرط الأوّل وهو كون الحكم موجودا إمّا في الشرايع السابقة أو في هذه الشريعة أو في العرف اذ لو لم يكن كذلك فلا يكون من نفي

اعتبار الشروط الثلاثة

ص: 426


1- . الوسائل 1 الباب 1/4 من أبواب الماء المطلق .
2- . بحار الأنوار 15/67 - 69 تاريخ نبيّنا صلی الله علیه و آله: 127 - 129 .
3- . رسالة لا ضرر ولا ضرار: 40 .

الحكم بلسان نفي الموضوع بل لابدّ أن يكون للموضوع حكم حتى يرفع بالنفي وينسخ اما في زمن النبي صلی الله علیه و آله وإمّا من زمن الأئمّة ببيانهم عليهم السلام فانه ربما يكون امد الحكم إلى زمانهم اذ النسخ ليس بداءً بل انما للحكم الأوّل ظهور اطلاقي في الدوام ولا مصلحة لهذا الحكم الا الى امد معلوم وفي زمان نبي أو قبل الشريعة التالية لها ويتم أمده فيبيّن في لسان صاحب الشريعة الآتية أو حفاظها عليهم السلام أو يكون أمد الحكم إلى زمان حفاظ هذه الشريعة ولم يبين في لسان صاحبها كما يمكن في نجاسة النواصب مع كونهم معاشرين للناس في زمن النبي صلی الله علیه و آله ولم يبين نجاستهم إلى زمان الأئمّة علیهم السلام وإن كان يمكن توجيه هذابوجوه آخر منها كون الأئمّة علیهم السلام .أو الناس في التقيّة عن اجتنابهم الا انه لابدّ أن تقدر بقدر الضرورة ( ووجه منى وهو العسر الشديد أو عدم تحمل الناس مع قرب عهدهم بالاسلام ) ولمّا كان الحكم المنسوخ له ظهور اطلاقي في دوامه في الأزمان فلذا اذا شككنا في النسخ لا نحتاج إلى استصحاب عدمه اذ الاطلاق حاصل واذا حصل الناسخ فلا شك .

وأمّا اعتبار الشرط الثاني فواضح اذ رفع الحكم لابدّ أن يكون للحاظ الأثر واذا لم يكن طرفا المتعلق تحت اختيار المكلف فأيّ فائدة في رفعه كما لا فائدة في جعله .

وباصطلاح الشيخ والآخوند رحمهما اللّه تعالى لابدّ أن يكون موضوع الحكم فعلاً اختياريا وباصطلاحنا متعلق الحكم اما موضوع الحكم هو المفعول به المتعلق به المتعلق كما في لا تشرب الخمر فالخمر موضوع الحكم الذي تعلق به الشرب أو اكرم زيدا والا فالموضوع على اصطلاحنا لا يتعلق به الحكم ولو تعلق

ص: 427

فيكون المراد صنعة ذلك الشيء كالخمر فانه حينئذٍ اختياري .

اما بالنسبة إلى الشرط الثالث الذي ذكره صاحب التقريرات فاشتباه منه اذ كون الحكم هو الجواز لا الحرمة لا يحقق موضوع نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فربما يكون الحكم هو الحرمة وترفع وتنفى بلسان نفي الموضوع . بل ذلك لبيان امتناع ارادة المعنى الثالث وهو النهي اذ لو كان الحكم هو الحرمة فلا يمكن تعلق النهي بالموضوع ( الا أن يكون ارشادا وهو خلاف ما نحن فيه ) وتكون الأمثلة في الأصل لبيان امتناع ارادة المعنى الثالث كما لو قيل لا ختان ولا طلاق ولا تعدد زوجات اذ لو كان الحكم في هذه هي الحرمة وكان النفي بمعنى النهي لا يفيد الا التأكيد ويكون الثابت بالنهي عين الحكم الثابت سابقا ( إذ يكونمن تحصيل الحاصل ) هذا في النفي البسيط كما في لا رهبانيّة(1) في الاسلام ولابنيان كنيسة . اما النفي التركيبي فمرجعه على هذا المعنى إلى التخصيص كما في أكرم العلماء وزيد ليس بعالم مع كونه عالما تكوينا فالنفي في زيد ليس بعالم نفي تشريعي بلحاظ رفع وجوب الاكرام المجعول على العلماء عن زيد الذي هو موضوع متعلق الحكم أو بعبارة أحسن ووجه أقرب نفي اكرام زيد عن الاكرام الذي تعلّق به الوجوب في أكرم العلماء ومن ذلك لا شكّ لكثير(2) الشكّ الذي حدّد في بعض الأخبار بشكه في ثلاثة صلوات ( متواليات ) لا الوسواسي فانه بمجرّد احراز كونه وسواسيّا لا يترتب على قطعه ولا على شكه أثر فيما اذا خرج عن المتعارف . واذا لم يمكن النفي بفقد بعض هذه القيود بأن لم يكن الحكم

ص: 428


1- . مستدرك الوسائل 14 الباب 2/2 من أبواب النكاح .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/2 - 6 - 7 من أبواب الخلل في الصلاة مع تفاوت في اللفظ .

مجعولاً في الشريعة السابقة لو تصورنا ذلك أو غير معلوم لنا وإن كان مجعولاً ( أو لم يكن مع النظر إليه ) أو لم يكن الفعل اختياريا وإن كان لا يمكن انفكاك هذين أو لم يكن الرفع بلحاظ أثر ( وإن كان مستغنى عنه ) فتصل النوبة إلى المعنى الثالث وهو النهي ولابد أن يكون متعلقه أيضا اختياريا مقدورا بطرفيه للمكلف حتى ينهى عنه وذلك كلا غش بين(1) المسلمين أو لا اخصاء(2) « ولا رفث ولا فسوق

ولا جدال في الحج »(3) . فان هذه لم يكن لها حكم حتى ينفي أو يمكن أن ينفي وإن كان لها حكم فيكون معنى لا النهي عن ايجاد هذه في الخارج في مواردها .فالغش يصير حراما وكذا الاخصاء أو مكروها اذا كان النهي تنزيهيا ( أقول يمكن أن يكون في « ولا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج »(4) من قبيل نفي الحكمبلسان نفي الموضوع من قسم التركيبي منه فيبيّن ظرف هذه الأفعال بالنسبة إلى أحكامها كما ان هذا القسم من النفي وهو التركيبي في اصطلاح النائيني كان يبين افراد الموضوع ويحدد الحكم بحدودها فهذا يكون محدد الموضوع والحكم وقتا فتأمّل والنفي هنا لا يكون بمعنى نفي الفسوق وعدم وجوده خارجا تكوينا اذ وقوع ذلك ممّا لا شكّ فيه فلو كان اخبارا يلزم الكذب لو جعلنا النفي على حاله وما جعلناه كناية عن النهي بابلغ وجه وأفصح بيان كأنّه لا يوجد هذا الشيء في الخارج ولا يمكن نفي تالي لا بلحاظ المنفي ولا بلحاظ لا ولا يمكن جعله من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع اذ حكم ذلك هو الحرمة ويكون في الحج أشد .

ص: 429


1- . عن سنن الدارمي 2/248 .
2- . الجامع الصغير 2/725، فيض القدير 6/380 .
3- . سورة البقرة: 198 .
4- . سورة البقرة: 198 .

فلابدّ من جعل ذلك بمعنى النهي اما ارشادا أو تأكيدا للأحكام السابقة على هذه الموضوعات من الحرمة بلحاظ خصوصيّة واثر كلزوم الكفارة أو المانعيّة كما في الكذب على اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله في الصيام .

نعم الرفث الذي يمثل به لا يكون من هذا المعنى اذ يمكن أن يكون بلسان نفي الموضوع نفي الحكم وهو الجواز ( فعلى هذا يكون جعل الحرمة أو الارشاد إلى المانعيّة حيث قال سيّدنا الأستاذ قدس سره ببطلان العمل فلابدّ أن يأتي بالحج في العام القابل ولا يجتمعان في موضع العمل . وأمّا النهي أيضا فلابدّ أن يكون متعلقه اختياريّا أيضا وكما يمكن أن ينشأ بصيغة افعل كذلك يمكن أن ينشأ بغير صيغته بل بطريق النفي الوارد على الفعل المضارع كلا يعيد والأمر بلسان المثبت يعيد وذلك من وجوه البيان للأفصحيّة من نحو النهي الصريح كما في لا تغش ولا تغشّوا بالنسبة إلى لا غشّ بين المسلمين الذي هو من أمثلة النهي .توضيح بعض ما سبق: ذكر المحقّق النائيني قدس سره (1) لتحرير هذا المطلب امورا: منها ان الأخبار والانشاء ليسا من المداليل للكلام بحيث يستعمل لفظ لافادتهما بل هما من المداليل للسياق فتارة يكون المستعمل بصدد بيان تحقق النسبة بين الفعل والفاعل في الماضي أو انه يتلبس به بعد ويكون هناك قرينة سياقيّة تدلّ على ذلك ففعل الماضي أو المستقبل مثلاً يعيد أو سجد سجدتي السهو ( أو لا يرفع رأسه قبل الامام ) أو بعتك أو زوجت ففعل الماضي والمضارع الذي يتكلم به يكون لافادة هذا المعنى ويصير اخبارا بالقرينة . وتارة يكون بصدد ايجاد مصداق لنسبة ملحوظة بمعناها الاسمي ولا تحقق لها الا في عالم الايجاد

ما عن المحقّق النائيني لتحرير المطلب

ص: 430


1- . منية الطالب 2/204 - 205 .

وبنفس التكلم يوجد النسبة ويكون ظرف استعمال الكلام والنطق به ظرف تحققها وتحصلها فيكشف ذلك بالقرينة باستعمال اللفظ والنطق به للايجاد . وتحقيق ذلك ان النسبة ليست بحيث تلاحظ بنفسها بل لحاظها إنّما هو في معناها الاسمي ولا لفظ موضوعا بازائها حتى يستعمل ويراد به النسبة بل قد تقرر في محله ان الحروف ليس لها معاني حتى تخطر بالذهن فيستعمل اللفظ لافادتها سواء كان منها ما ليس للنسبة أو كان لها والأمر في النسبيّة منها اشكل بل هي ايجاديّة بمعنى ان ظرف المفهوم ظرف المصداق والتحصل . فتارة يريد فعل الطبيعة من المكلف فينشأ النسبة ويوجد مصداقا منها بين الفعل أي الطبيعة والفاعل وهو المخاطب وينتزع منه الوجوب واللزوم وأن يكون المخاطب فاعلاً تكوينا كما جعله المولى فاعلاً تشريعا أي كن كذلك مثلاً مصليا في صل وكذا بالنسبة إلى جانب التركيستعمل الكلام وينطق به ويوجد وينشأ نسبة تركيّة في الخارج أي في عالمالتحصل وبها يكون العبد تاركا تشريعا ولابدّ أن يكون تكوينه حسب تشريع المولى . وليست النسبة هنا موضوعا لها لفظ حتى يستعمل فيها وتراد به اذ الطبيعة أي المتعلّق ليست الا ما يفعلها المكلّف ويوجدها وهي لا دلالة لها إلاّ على نفسها والهيئة إنما هي للربط بين الفعل والفاعل وليس معناها الطلب اذ الطلب معنى اسمي ولا يكون مفادها . واذا كان كذلك فالمصدر أو اسمه في الجملة الاسميّة لا مانع من أن يكون على هذا الترتيب مرادا به النهي اذا قرن بلا النافية قبله كما في مثل لا غشّ(1) بين المسلمين اذ الأخبار والانشاء من مداليل السياق وحيث ان مقام الشارعيّة يقتضي الجعل والانشاء فيكون للكلام ظهور في ارادة كون

ص: 431


1- . عن سنن الدارمي 2/248 .

المخاطبين غير غاشين . واذا صح هذا فيوجد المولى موضوع حكم العقل بوجوب الاطاعة للمولى الحكيم اما بتّا أو تنزيهيّا .

وكيف كان . اذا وصلت النوبة إلى معنى النهي عن الاضرار بالغير عن لا ضرر وإن كان اسم مصدر أو مصدرا واذا(1) لم يمكن ارادة هذا المعنى بعد تعذر

ارادة المعاني السابقة في النفي فنتنزل إلى التنزيل وان النفي بلحاظه فكان النافي نزّل الموجود منزلة المعدوم حقيقة .

بيان ذلك انه ربما يكون التاجر في تجارة واحدة في عدّة أجناس يتضرّرفي جنس منها وينفع في بعض الا انه يكون مقدار ما نفع مساويا لما تضرّر أوأزيد . فيصح حينئذٍ أن يقال عرفا انه ما خسر في تجارته لما في النفع من جبران الضرر الذي توجّه إليه من ناحية الجنس المتضرر به بلا تجوز ولا تكلف . واذا كان كذلك وصح عرفا فلا مانع من أن يكون لا ضرر على فرض عدم امكان ارادة المعاني السابقة المذكورة مرادا به هذا المعنى فالضرر الذي يتوجه إلى شخص باتلاف ماله أو تلفه من ناحية انسان اذا حكم الشارع عليه وضعا بوجوب دفع العوض والبدل أو الأقرب إليه بناء على أن يكون اللازم في باب البدل ذلك سواء كان مثليا أو قيميا بلا فرق في ذلك .

فلو كان التالف غنما فيدفع المتلف غنما بذاك الوصف الذي كان عليه التالف

ترتب ارادة المعاني

ص: 432


1- . واذا أنشأ المولى وأراد فعل شيء أو تركه من المكلف فيجب عليه بمقتضى الزام العقل بوجوب الاطاعة أن يجعل تكوينه على طبق تشريع المولى ولا مجال هنا للخطاب المولوي حتى في عالم اللب أيضا بأن يوجب عليه الاطاعة . بل ما ورد من ذلك في الشرع ارشاد إلى حكم العقل من نحو« أطيعوا اللّه ورسوله » . سورة الأنفال: 2 . إذ لو لم يكن ما ينتهي اليه بالعرض فلا يستقر حجر على حجر وحكم العقل بعد أن المولى مولى والعبد عبد بوجوب اطاعة المولى على العبد بتّي ولا يبتني على شيء آخر .

فضلاً عن المثل أو بمقتضى قاعدة اليد الزمه وشغل ذمته اذا تلف مثله أو قيمته فلا يكون هناك تلف لغنمه ولا حيف عليه بل كما ان عند وجود العين وردها إلى صاحبها بمقتضى على اليد لا خسارة عليه ولا وصل إليه ضرر لوصول عين ماله إليه وادّى هو كذلك إلى هذا المالك فكذلك عند تلفه وردّ شغل ذمّته بالأقرب إلى التالف . فعليه أن يدفع إليه غاية ما هناك ضاعت شخصية عينه وتقوم ماليتها بعين اخرى مثلها أو الأقرب إليها مطلقا . وعلى هذا فلا اشكال عليه لو كان بهذا المعنى لا بمجرد وجوب الدفع تكليفا فان الوجوب التكليفي لا يصحح التنزيل بهذا النحو .

هذا ما بيّنه المحقّق النائيني رحمه الله ولكن يرد هنا ما أورد الشيخ على المعنى الرابع وجعله بذلك أردء الاحتمالات وهو انه لا يوجب جبران الضرر حكم المولى تكليفا بوجوب الجبر على المتلف فان ذلك لا يصحّح التكوين ولا يجعل المالك لعشرين غنما التالف واحد منها بعمل الغير بلا اذنه مالكا لذلك خارجا . كماأن ايجاب الزكوة والخمس لا يرفع فقر أهله ومستحقّيه حتى يصح ان ينفي عندذلك الفقر والجوع عنهم . فيقال لا جوع ولا فقر لمستحق الخمس والزكوة وذلك لان اشتغال ذمّة المتلف أيضا لا يوجب الجبران خارجا اذا لم يكن المشغول ذمّته ممن اذا صار عليه شيء يكون في قوّة المال الموجود عند المشغول له الدائن له . والا فهذا المعنى كما استحسنه المحقّق النائيني وقربه بهذا الوجه متعيّن كما عنده اذا تعذر المعاني السابقة ولا يكون ضعيفا بل له وجه وجيه لا كما استضعفه الشيخ رحمه اللهوجعله أردء المعاني .

الايراد على الشيخ

ص: 433

تنبيه وتكميل: ما أورد المحقّق النائيني على هذ الذي جعله الشيخ(1) أردء الاحتمالات بأن يكون وجود الضرر كعدمه تنزيلاً بوجوب الاداء لما أتلف مثلاً بأنّه لا يوجب تدارك الضرر بل الموجب لتدارك الضرر والخسارة الواردة عليه من ناحية الغير هو الضمان واشتغال ذمّة المتلف أو التالف عنده بلا اذن مالكه في تصرفه ولو كان التلف سماويا . وبهذا الوجه أمكن أن يحمل قوله علیه السلام لا ضرر بمعنى تنزيل الضرر الموجود منزله عدمه اذ يتدارك باشتغال عهدة الغير به لكن ما أورده المحقّق المزبور رحمه الله بعينه يرد على ما ذهب إليه نفسه . اذ الحكم الوضعي بالضمان لا يوجب تدارك الضرر ولا يصحح النفي التنزيلي للموجود .

وعلى أيّ عند تعذّر المعاني الثلاثة المتقدّمة لابدّ من المصير إلى هذا المعنى لعدم خلو الكلام عن الفائدة . وعلى هذا إمّا أن يكون لا ضرر انشاءً بأن يكون أحد موجبات الضمان كما ان التلف والاتلاف أحدهما امّا مباشرة أو بأن يكون تحتيده بآفة سماويّة . فيصير قاعدة فقهيّة كقاعدة اليد والاتلاف لكن كناية اذ معناهالحقيقي هو النفي التنزيلي . أو لا يكون انشاءا بل اخبارا عن ان الضرر اذا ورد على شخص فالشارع جعل على ذلك حكما واشغل ذمّة المضر ببدل ما أتلفه اذا تعذّر عليه عينه مثلاً أو قيمة بأن يحفظ ماليّة ذلك التالف في ضمن مال آخر اذ الشخصيّة بعد التلف لا مجال لها . فلا ضرر بهذا المعنى الأخير لا يكون قاعدة ولا انشاءا يمكن أن يتمسّك به في الموارد . بل المرجع تلك القواعد التي تتضمن الأخبار جعلها انشاءا في الموارد الخاصّة لأسباب خاصّة كقاعد اليد والاتلاف

ص: 434


1- . قال الشيخ رحمه الله بعد بيان المحامل الثلاثة للاضرر ثم ان أردء الاحتمالات هو الثاني مشيرا به إلى معنى الضرر المجرّد عن التدارك وإن قال به بعض الفحول لأن الضرر الخارجي لا ينزل منزلة العدم بمجرّد حكم الشرع بلزوم تداركه وانما المنزل منزلة الضرر المتدارك فعلاً الخ .

وغيرهما اذ المعنى الأوّل وهو كون لا ضرر متكفّلاً للانشاء على هذا الوجه وهو النفي التنزيلي لا يستقيم لا صغرى له ولا كبرى اذ لم يرد ان من اضر بغيره ضامن لذلك ( أقول: عدم الورود لا يوجب طرح الرواية على فرض تعذر المعاني السابقة وصحّة السند وظهورها في الانشاء الا أن يكون هناك اعراض ) .

نعم يمكن توجيه كلام المحقّق النائيني رحمه الله بأن يكون النفي هنا بلحاظ بعض الآثار كان يحسب ما تضرر به من الغير زكوة أو خمسا ( أو صدقة عليه ) لو كان أهل ذلك هذا . وبعد ان ذكر الأمور الثلاثة لبيان ضوابط الوجوه الاربعة في لا ضرر صار بصدد بيان امتناع بعضها في خصوصه وإن لم يمتنع بالنسبة إلى مواردها وتعيّن بعض . فانه قد علم ممّا رتّبه من المقدّمات لتقدم بعض الوجوه على آخر عدم المصير إلى الرابع لما ذكرنا من اردئيته حسب لزومه حمل النفي على الانشاء . وكذا لا يصار إلى النهي اذ لا يناسب مورد خبر سمرة(1) وخبر البعير(2)المريض فان في قضيّة(3) سمرة لو كان بمعنى النهي فلا يقصر سلطنته عن التصرّففي طريق عذقه مع ان المورد يأبى عن ذلك فانطباق لا ضرر عليه وكونه صغرى له انما يتحقق بغير النهي وكذا في مورد رواية البعير الذي رواها هرون بن حمزة الغنوي عن أبي عبداللّه علیه السلام في بعير مريض اشتراه رجل بعشر دراهم وشاركه الآخر بدرهمين بالرأس والجلد . فقضى أن برء البعير وبلغ ثمنه دنانير فقال علیه السلام: لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ فان قال اريد الرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار الخ فان قوله علیه السلام فليس له ذلك هذا الضرار لا يناسب النهي بل هو صريح

ص: 435


1- . الوسائل 25 الباب 12/1 - 3 - 4 من أبواب احياء الموات .
2- . الوسائل 18 الباب 22/1 من أبواب بيع الحيوان .
3- . الوسائل 25 الباب 12/1 - 3 - 4 من أبواب احياء الموات .

في النفي ويؤيّد ظهور لا ضرر في النفي لو لم يكن نفس هذا الكلام اشارة إلى لا ضرر كما ظهر من كلمات سيّدنا الأستاذ قدس سره ظاهرا عن بحث استاذه . وهذه الرواية وإن كان في تصوير المشاركة فيها كلام . وانه هل هي الشركة الحقيقيّة كما اذا كان شريكه في الثلث والربع مشاعا أو ليست الشركة هنا لانحياز المالين أحدهما عن الآخر فالرأس والجلد منحازان عن اللحم كالعكس لا يضرنا في مورد البحث إذ لو أراد صاحب الرأس مع بلوغ قيمة البعير دنانير رأس بعيره لزم الضرر على صاحبه . فليس له ذلك كما هو منطوق الرواية ولا يناسب حمل لا ضرر في خصوص المقام على نفي الحكم بلسان نفي الموضوع للزومه وجود حكم في الشرايع السابقة أو عند العرف حتى ينسخ ذلك الحكم بسيطا كما في قوله علیه السلام لا رهبانيّة في الاسلام(1) اذ بدون ذلك لا يمكن رفع الحكم بلسان نفي الموضوع .

فان من شرايطه أن يكون له أثر واذ لم يكن حكم مجعول أو كان ولم يعلم فلا أثر . أو مركّبا الذي يكون معناه سلب شيء عن شيء بمفاد ليس الناقصة لا نفيالشيء والتالي بمفاد ليس التامة كما في لا سهو في سهو(2) على بعض الاحتمالات الاثنى عشر ولا مثل لا شكّ لكثير الشكّ(3) الذي له لسان الحكومة على دليل

الشكّ . فان ذلك على بعضها ينتج عدم حكم له أصلاً في كلية الموارد لا في خصوص سجدة السهو وصلاة الاحتياط . وتحقيق ذلك في الفقه . ولا ضرر لا يمكن أن يكون بهذا المعنى أي نفي حكمه فان الحكم الذي كان للضرر في الشرايع السابقة هو الحرمة وهي لا ترفع في هذه الامة بأن يجوز الاضرار بالغير .

من الشرائط أن يكون له أثر

ص: 436


1- . مستدرك الوسائل 14 الباب 2/2 من أبواب النكاح .
2- . الوسائل 8 الباب 25/1 - 2 - 3 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 25/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

فانّ الشارع لا يحكم بما هو قبيح عند العقل ولو لم يكن حكم الشرايع السابقة معلوماً فحكم العقل بقبح الاضرار يمنع كونه نفي الحكم بلسان نفي الموضوع . فالشارع في هذه الموارد إمّا ينشأ الحكم على طبقها أو يرشد إلى ما هو عند العقل اخبارا فلا يكون الحكم جوازا حتى ينفي وينتج الحرمة ولا يستقيم ما ذكره الآخوند الخراساني رحمه الله في هذا المقام لتصحيح نفي الحكم بلسان نفي الموضوع من الملازمة بين عدم الجواز للاضرار بالغير تكليفا والضمان وضعا الا في موارد ورود الدليل بالجواز تكليفا والضمان وضعا . فالأكل في المخمصة ببيان ان المنفي جواز الاضرار بالغير ووجوب تحمل الضرر منه . اذ على الضابط الذي ذكرنا لا يصح ما قاله لاستلزامه كون حكم الضرر جوازا في الشرايع السابقة أو في العرف وذلك مسلم العدم فتأمّل .

تذكرة: قد ذكرنا عدم مناسبة ظهور لا ضرر في المعنى الرابع ولا الثالثولا نفي الحكم بلسان نفي الموضوع لا بسيطا ولا تركيبيّا الذي نتيجته التخصيصكما في لا شك لكثير(1) الشك حيث ينفي الحكم الثابت على الشكّ عن كثيره وكما في الوسواسي أو نظير لاطاعة لمخلوق(2) في معصية الخالق اذ ليس للأب على

هذا الزام ابنه بخلاف ما أمر اللّه تعالى فبين مقدار دلالة أدلّة الحكم المنفي من المورد وليس لا ضرر واردا على هذا اللسان التركيبي حتى يرفع حكم ضرر عن كلي حكم الضرر . نعم بناء على كون في الاسلام أو على مؤمن زائدا في الخبر الشريف يختص الحرمة بهم وبالمعاهد والذمّي الّذين أجار الأوّل منهما دولة

استظهار المعنى الأوّل

ص: 437


1- . وسائل الشيعة 8/2 - 3 - 6 الباب 16 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 16 الباب 11/7 من أبواب الأمر والنهي .

الاسلام أو أحد من المسلمين لحفظ ماله وقد مضى ماله دخل في استظهار كون في الاسلام زيادة من الراوي لمناسبة انس الذهن الا اذا كان بنحو لا وضوء ضرريا أو لا عقد كذلك حتى ينفي الحكم المجعول على الكبرى عن هذا الفرد وهو خلاف ما ورد عليه أخبار الباب فينحصر الحمل على المعنى الأول وهو النفي باعتبار نفس الضرر . وليس هذا صحيحا اذ الضرر كثير في الخارج مع ان ذلك لا ربط له بالشارع من حيث هو شارع نعم اذا كان الضرر عنوانا ثانويّا للحكم صح نفيه بهذا الاعتبار وأن يتعلّق به الرفع .

بيان ذلك ان المسبب التوليدي ما هو يحصل عند حصول سببه ويصح تعنون السبب بعنوان المسبب اذا لم يشاركه شيء آخر في ذلك فالالقاء في النار الذي يوجب في الخارج احتراق الملقى بالنار قابل للتعنون بعنوان الاحراق ويقال على الذي القى انه محرق كما انه ملقى . وضابط ذلك ما بينّا مرارا من عدمتوسط ارادة فاعل مختار ذي شعور بين فعل الفاعل والنتيجة . بل يكون فعلهوالسبب الجزء الأخير للعلّة التامّة للمسبب . فلو أرسل الكلب إلى انسان ليعضّه أو الماء إلى جدار فخر به صحّ في ذلك اسناد التخريب إليه والقتل والجرح كذلك كما في الاحراق . وان كان كلّ هذه من غيره من النار والكلب والماء . فلننظر لا ضرر هل يصحّ على هذا الضابط ويستقيم تعلق الرفع بنفس الضرر فينفي .

فنقول الحكم الشرعي تارة يكون بحيث يترتب عليه الضرر ويكون هو الذي ينشأ منه ذلك ويكون سببا له وذلك واضح في المعاملات . فاللزوم الذي يوجب من طرف الشارع تكتف المتعاملين عن التخطي عن ما تعاقدا عليه أو أحدهما كما في العقد الغبني ممّا يكون سببا للضرر على المغبون لا نفس العقد ولا

ص: 438

صحته . اذ الصحة ما لم يطرء عليها اللزوم لا توجب ضررا على أحدهما فاذا كان كذلك صحّ أن يحمل الضرر على نفس الحكم وهو اللزوم فيقال لا ضرر ويراد منه لا لزوم أو لا وجوب كما في الحكم التكليفي مثل الوضوء الضرري . غاية الأمر في الوضوء قابل التعلق بنفسه وبحكمه وبمناسبة مقام الشارعيّة نحمل الحديث على نفي الحكم .

إن قلت: ما ذكرت من السببيّة والمسبّبيّة وتعنون السبب بعنوان المسبب إنّما يصحّ في خصوص الحكم الوضعي فاللزوم الذي مثلت به حيث يوجب ضررا على المغبون جاز أن يطلق عليه الضرر وينفي لأنه سبب له وهو مسبب عنه فلا ضرر أي لا حكم واما بالنسبة إلى الحكم التكليفي فلا يستقيم اذ ما يلزم منه الضرر ويكون سببا هو العمل الذي يصدر من المكلف امتثالاً اذ الحكم بما هو حكم لا يترتب عليه الضرر . بل غايته ان يكون كالمعد الذي الى حصول المسبب يتوسط أشياء كما في سقي الزرع المعد لصيرورته سنبلاً . فان الذي يصدر من الشخصانما هو السقي واما اشراق الشمس وهبوب الريح وأمثالهما ليس من عمله بل منالشمس مثلاً وإن كانت غير ذي شعور . الا ان عقد الحب وغير ذلك من تقلباته إلى حين يصير سنبلاً من التصرّفات الملكوتيّة قد توسطت بين البذر أو غرس الشحر وأثماره وكذا في الوضوء الذي يكون ضرريّا الضرر انما حصل من ناحية الفعل وأمّا الحكم فلا يوجب ذلك مع توسط ارادة المكلف المختار في اطاعة المولى وعصيانه .

قلت: في هذا المقام أيضا الضرر مستند إلى الحكم ويصح أن يكون الضرر محمولاً عليه في النفي ويكون مرفوعا منفيا .

ص: 439

توضيح ذلك ان المكلف بعد أن يتأمّل ما يترتب على عصيانه واطاعته لا يبقى له مقام تأمّل في اطاعة المولى فيما أمره به ونهاه عنه من عذاب النيران والحور والغلمان وتفتح أبواب الجنان . فذلك اذا يتأمّل فيها لا يبقى له اختيار في الاطاعة حذرا من النار في ما اذا عصى ولم يطع المولى . وبهذا المعنى يمكن أن يسند الاضرار إلى المولى حيث ان جعل هذا الحكم أوجب ذلك على المكلف اذ لو لا ذلك ما كان يتحمل هذه المشقة فكانه قهر على الاطاعة ولا ارادة للمقهور في جنب ارادة القاهر ولا المكره في ناحية المكره اذ هذه الارادة من هذين استحقت السلب منهما ( اذ المانع الشرعي كالمانع العقلي وذلك لا ينافي الاختيار ولا يلزم الجبر اذ هو في طرف ممّا نحن فيه ) فعلى هذا يصحّ حمل الضرر على الحكم كما يصحّ حمل ذلك على الفعل وهو الوضوء . وقد أشرنا سابقا إلى أن المناسب لمقام التشريع هو الحمل على الأول فيكون معنى لا ضرر لا حكم ضرريا أي لا وجوب مثلاً . وبهذا المعنى يدخل الحكم الوضعي والتكليفي كلاهما تحت النفي اذا كانا بحيث أوجبا الضرر وصارا سببا له فيصح عرفا حمل الضرر عليهما بالحمل الشايعالصناعي كما في هذا رجل وذاك شجر فعلى هذا يكون معنى لا ضرر مفاد لا حرج« ما جعل عليكم في الدين من حرج »(1) أي ما يوجب حصول الحرج على المكلّفين ويعنون بالعنوان الثانوي بذلك ما جعل . فالضرر كالحرج مرفوع منفي وضعا وتكليفا .

هذا ما يتعلّق ببسط الكلام في استظهار هذا المعنى من لا ضرر وحمله على ما ذكره المحقّق النائيني من كون التالي هو المنفي حقيقة بما ذكر ولعل سيّدنا

ص: 440


1- . سورة الحج: 79 .

الأستاذ

قدس سره يتفضل بافكار وتحقيقات في ذلك وتحصل الفرق بين المقامين في صحّة اسناد الضرر إلى فعل المكلف أيضا في الوضوء دون اللزوم العقدي فانه مستند إلى نفس الجعل لا غير .

طور آخر من البيان: أفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره انه قد ذكرنا ما كان في وسعنا من تقريب ما بيّنه المحقّق النائيني قدس سره من حمل لا ضرر على النفي بلحاظ المنفي وكونه هو الضرر بوجوده التشريعي . وحيث ان ما ذهب إليه هو الأساس للنتايج المترتبة على لا ضرر كما سيأتي فلابدّ من تحقيق الحق في ذلك وليس دأبنا الاشكال عليه رحمه اللّه ما وسعنا مساعدته في ما اختاره الا ان في النفس شيئا اذا صح كون الحكم التكليفي والوضعي معنونا بعنوان الضرر فلا اشكال في صحّة ما أفاده ( بلا تجوز ولا اضمار فلا يكون الضرر الا بمعناه المصدري لا بمعنى المضرّ ) وان المتقدم حفظ لا في النفي والا فالنهي بعد عدم امكان نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الذي اختاره الآخوند رحمه الله وليس غرضه من ذلك ان الضرركان حراما فارتفع حرمته اذ لا يقول بذلك أحد(1) بل المراد ان الفعل الخارجيالذي يكون ضررا على المكلّف لا حكم له . فالوضوء الذي يكون ضررا لا وجوب له كما ان هذا المعنى يراد ظاهرا من قوله تعالى: « يريد اللّه بكم اليسر»(2) وقوله تعالى: « ما جعل عليكم في الدين من حرج »(3) .

ومن المسلّم الواضح ان الذي يكون فيه الضرر ويعنون بعنوانه إنّما هو

بيان آخر

ص: 441


1- . فكيف بمن هو علم في التحقيق وكان المرحوم السيّد الشيرازي قدس سره نقل عنه ان الآخوند ملاّ محمّد كاظم الخراساني نهاية أفكار غيره .
2- . سورة البقرة: 186 .
3- . سورة الحج: 79 .

اجراء الماء في الوضوء على الأعضاء فيكون كارسال الكلب أو الماء لتخريب حائط الغير الذي يعنون بالعنوان الثانوي بالجرح أو التخريب وكذلك ذلك الاجراء والوضوء يعنون بالضرر لتولّده من الاجراء ولا دخل لأمر المولى في ذلك الا بنحو الاعداد اذ الأمر لا يسلب اختيار الترك كما ان النهي لا يأخذ القدرة على الفعل . بل المأمور به والمنهي عنه باقيان على حالهما قبل تعلقهما بهما ولا يوجبان ضيقا في ناحية قدرة المكلّف . ولو كان بالنظر إلى العقاب والجنّة والثواب يرغب نحو العمل المأمور به ويحذر المنهي عنه تارة كما انه يكون على خلافه اخرى ولا وجه لتوهم ان امر المولى ونهيه يسلبان اختياره ويكون مجبورا على الفعل أو الترك كما عن المحقّق النائيني رحمه الله في عدم جواز استيجار الانسان في صلاة نفسه لنفسه بتقريب ان أمر المولى سلب عنه اختيار الترك وصار عمله مملوكا للمولى فلا يمكن عليه الاجارة اذ لابدّ فيها مضافا إلى وصول نفع إلى المستأجر أن يكون عمل الأجير مملوكا له وليس كذلك في ما نحن فيه .

وعلى أيّ لا يكون أمر المولى ونهيه الا كالمعدّ في مثالنا هذا بأن حفر انسانبئرا في الطريق و جاء واحد نحو البئر فالقاه آخر بلا اختيار منه ( أي الاول ) فيالبئر فان القتل إنّما يسند إلى من كان عمله جزء العلّة التامّة الأخير وهو الأخير لا من حفر البئر إذ بين حفره والقتل توسط عمل ذاك الشخص بخلاف ما لو سقط بنفسه من غير شعور فيها فحينئذٍ يستند القتل واذهاب النفس إلى الحافر لأنّ الوسائط كلّها غير اختياريّة .

( أقول يمكن الاشكال في هذا بأن مجيء الشخص إلى هذا المكان كان باختياره وإن لم يكن لترتب هذا القصد فتدبّر فانّه يمكن تصحيح ذلك بالاسناد

ص: 442

العرفي ) فلا يصحّ باب التسبيب التوليدي في ما نحن فيه للا ضرر في الحكم التكليفي وكذا الوضعي مضافا إلى ان الوضعيّات ليست إلاّ امورا انتزاعيّة غير مجعولة فالملكيّة منتزعة من جواز تصرّف البايع في الثمن والمشتري في المثمن وجوازات اخر من نقل ما انتقل إليه بالبيع والهبة وغيرهما فعند البيع ينتزع السببيّة

والملكيّة وجواز التصرّف كما ان السلطنة لها ايجاب وسلب . فالايجاب ينتزع من عدة امور من الجواز والسلب من عدّة نواهي ( ولا ضرر يترتّب على جعله ما لم يتحقّق العمل في الخارج على طبقه في موارد يلزم ذلك فتدبّر جيدا .

عود على بدء ما ذكرنا من الاشكال في تعنون الحكم الوضعي والتكليفي بعنوان الضرر على ما افاده المحقّق النائيني وقلنا أن ما يحمل عليه الضرر ليس الا ما يتعلّق به الحكم كالوضوء فاجراء الماء على الأعضاء يضر فيعنون بالمضر والضرر وكذلك الأمر في لا حرج وغيره من المشاق والاصار لا يمكن أن يراد بها الحكم الذي يجعله الشارع ولا يصح اطلاق الحرج عليه الا اذا كان سببا للحرج والعسر بحيث يتولّد ذلك منه .

ولا بأس بنفي الحكم بلسان نفي الموضوع سواء في ذلك النفي البسيط أوالنفي التركيبي ويستقيم هذه المعاني كلّها بلا فرق في لا حرج ولا عسر ولا ضررفمعنى لا ضرر على هذا أي العمل الضرري لا حكم له كالوضوء في التكليفيّات وكذلك الوضعيّات . العقد الذي يكون ضرريّا لا حكم له ( بأن يكون لازما ) وكذلك معنى « ما جعل عليكم في الدين من حرج »(1) أي الحكم الذي يوجب الحرج ويتعلّق بما يكون فعله حرجيّا على المكلّف ليس مجعولاً . فعلى هذا يكون

نفي الضرر نفي الحكم

ص: 443


1- . سورة الحج: 79 .

لا في هذه الموارد بتعلّقها بالموضوع كناية عن نفي الحكم له وليس ارتكاب غير ذلك باولى من جعل الضرر عنوانا للحكم مجازا فيكون قد اطلق عليه تجوّزا لا بضابط السببيّة إذ أحد المجازين ليس باولى من الآخر . فابقاء النفي على حاله من تعلّقه بالحكم الذي تعنون بالضرر يكون في عرض جعله كناية عن نفي الحكم بجعل الضرر بمعنى المضرّ .

وكيف كان فلا اشكال في ورود لا ضرر ذيل خبر سمرة بطرق متعدّدة وحاصل الكلام في ذلك انه كان سمرة معاندا للانصاري حسب ما يظهر من نقل الرواية بطرقها ومصرّا على ايذائه وما قبل من رسول اللّه صلی الله علیه و آله معاوضة عذقة بمثلها متعدّدا أو غير متعدّد في الدنيا ولا رضى بما في الآخرة وفي الجنّة وأبى أن يستأذن وكان عذقه بحيث يمرّ إليه اما من منزل الأنصاري ويستطرق داره أو كان ممرّه بباب داره .

وعلى أيّ كان له حقّ الاستطراق . واما ان العذق كان من الأنصاري وباعه إيّاه أو كان الدار له وباعها من الانصاري أو صار العذق إليه بسبب آخر من ارث أو هبة أو غيرهما وكذا الدار والبستان للأنصاري فلا يضرّ ابهام ذلك بما هوالمقصود من الاستدلال .ويمكن أن يكون غرسه باذن الأنصاري .

وملخّص الكلام في ذلك ان الانسان اذا اذن لغيره في وضع جذوع على جداره لداره فلو رجع عن ذلك لابدّ من تحمّل الخسارة التي ترد على المأذون له من ذلك ( كما انه أعار له جذعا يضع في جوف جداره ) على المشهور الذي كاد أن يكون اجماعا . وذلك في مواضع منها ما ذكرنا . ومنها ما لو اذن للمصلى أن يصلّي

ص: 444

في داره فرجع في أثناء صلاته أو لدفن الميّت فرجع عن ذلك فليس ذلك له في هذه الموارد أي لا أثر له كما انه لو كان عن حق ليس لمن عليه الحق منع ذلك .

فلو كان غرس نخلة في بستانه مثلاً عن حق لازم فليس له الرجوع أو عن اذن في الغرس الذي لازمه بقاء سنين . ولو رجع في ما لو كان له الرجوع أو كان الابقاء ضررا على من يبقى في ماله فلو قلع المغروس صاحب الشجرة فعليه طمّ الأرض التي خربت بقلع الشجرة . ولو أخرجها وقلعها صاحب الأرض فيضمن ما تفاوت من قيمة المغروس . وربما يكون في بعض الموارد على صاحب المغروس الخروج عن ما تضرّر من ناحية حفر أرضه لاخراج شجرته . امّا لو كان الغرس غصبا فليس لعرق ظالم احترام وللمالك أن يقلع ذلك ويرمى به إليه امّا مع الضمان لما نقص من شجرته أو بدون ذلك على اختلاف الوجهين في ذلك . وأمّا في مورد خبر سمرة فيظهر من الرواية(1) انّه لم يكن عن غصب وإلاّ فلا وجه لهذا الترداد في قبوله العوض أو الاستيذان اذ له الابقاء لشجرته عن حق على ما يظهر أو عن اذن لازم . وحيث انه لو كان باقيا في موضعه فهو يتردّد إليه ويتأذّى الأنصاري بذلكفلو كان ينتهي عن المرور فلا يستأصل مادة الفساد بل يبقى له عذر الترداد ملكاللشجرة . فالأنسب هنا أن يقلع مادّة الفساد بحيث لا يبقى له عذر ايذاء الأنصاري . وذلك لا يمكن مع بقاء النخلة إذ كان يصرّ على عدم قبول العوض ومتعمدا في ابقائها وذلك كان مضرّا بحال الأنصاري . فقال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانّه لا ضرر ولا ضرار وقوله في ذيل هذا الخبر وهو

ص: 445


1- . الوسائل 25 الباب 12/1 - 3 - 4 - 1 من أبواب احياء الموات .

رواية الحذاء(1) عن أبي جعفر علیه السلام فانّه لا ضرر كبرى كلية بحيث كان المورد صغرى لها من قوله اذهب فاقلعها وارم بها إليه .

كما ان قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله في خبر(2) زرارة بعد ما بلغ مقابلته بعشر أعذق وتأبيه ومقابلته بعذق في الجنّة واباؤه ( انّك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) قال ثمّ أمر بها رسول اللّه صلی الله علیه و آله فقلعت ثمّ رمى بها إليه . وقال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله انطلق واغرسها حيث شئت .

في ظاهر القضيّة بمنزلة الصغرى وقوله ولا ضرر ولا ضرار كبرى له فيكون هاتان الصغرى والكبرى المذكور اوليهما بلازمها في قوله انّك رجل مضار بمنزلة الخمر مسكر وكلّ مسكر حرام فالنتيجة على ترتيب الشكل الأوّل فالخمر حرام فقوله رجل مضار ملزوم الصغرى أي أنت موجد للضرار وفاعله .

ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن فلا ضرار منك .

ويكون نتيجة ذلك قلع الشجرة لأنّ الضرار إنّما كان من ناحية ابقائها لأن أصل الابقاء بلا ايذاء الأنصاري لم يكن موجبا للضرر بل الابقاء مع اصراره علىعناده وكونه بصدد عدم الاستيذان المضرّ على الأنصاري . فأمر صلوات اللّه عليهوآله بذلك فيستفاد من هذا الخبر كون لا ضرر في هذا المقام كبرى انطبقت عليه بمعنى يناسب المورد وليس هو النهي بل النفي وعدم سلطنة على الابقاء . وكذا ورد في البعير(3) المريض ما يناسب هذا المعنى من قوله له هذا الضرار وجيء بالضرار وفي الأوّل بالمضار لعلّه للاصرار والمبالغة .

لا ضرر ولا ضرار كبرى

ص: 446


1- . الوسائل 25 الباب 12/1 - 3 - 4 - 1 من أبواب احياء الموات .
2- . الوسائل 25 الباب 12/4 من أبواب احياء الموات .
3- . الوسائل 18 الباب 22/1 من أبواب بيع الحيوان .

وتوضيح وشرح أزيد ربما يكون في معاندة سمرة واصراره في قبال رسول اللّه صلی الله علیه و آله ما يسقط احترام ماله كما انه لا احترام لنفسه على ما يظهر من ترجمة حاله في اختلاقه الرواية ونسبة نزول الآية الكريمة النازلة في شأن أميرالمؤمنين صلوات اللّه سلامه عليه « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ »(1) بعد تطميعه من ناحية معاوية وأخذ مال كثير إلى ابن ملجم لعنه اللّه وما فعل من الظلم في ولايته على الكوفة وكذا على البصرة من قتل خلق كثير من البرءاء وكان من الحاثين للخروج إلى قتل أبي عبداللّه الحسين صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين وأولاده المعصومين ومن موارد وصول ايذائه على الناس مورد الرواية الواردة في عذقه في حائط الأنصاري بطرق عن ابن مسكان(2) وزرارة(3) وغيرهما فانه كان يفاجئ الأنصاري ولا يستأذنه في الدخول والمرور إلى عذقه . وقال لا استأذن في طريقي وكان ذلك أذى على الأنصاري وفي احدىالروايتين(4) قال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله انّك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن

قال ثمّ أمر إلى فقلعت واطلاق المضار عليه الذي هو من باب المفاعلة . المضارّةوالضرار لاصراره في العناد والانكار في قبال النبي صلوات اللّه عليه وآله وفي هذه الرواية يحتمل أن يكون لا ضرر ولا ضرار كبرى كلية للمورد ويحتمل كونه غير مرتبط به بل حكم بيّنه علیه السلام وظاهر في النهي خصوصا بقرينة على مؤمن فانّه كان يضر بالأنصاري في

احتمال عدم ربط لاضرر بالمورد

ص: 447


1- . سورة البقرة: 208 .
2- . الوسائل 25 الباب 12/4 - 3 من أبواب احياء الموات .
3- . الوسائل 25 الباب 12/4 - 3 من أبواب احياء الموات .
4- . الوسائل 25 الباب 12/4 - 3 من أبواب احياء الموات .

عدم استيذانه فنهى عن ذلك لحرمة الضرار على المؤمن واما إن قلع الشجرة مستند إلى النهي عن الضرار فلا .

بل لابدّ من تصحيح ذلك بوجه آخر . فانّه إمّا أن كان ابقاء نخلته في حائط الأنصاري عن حق غير لازم كالعارية إذا قلنا في هذه الموارد بعدم لزومها فلا يكون لا ضرر مستندا لقلع بل كان للأنصاري الرجوع عن اذنه . وإن قلنا ان العارية في هذه الموارد تصير لازمة ( كما في ما إذا أعار ليرهن أو أذن ليدفن أو يصلّي فليس له الرجوع على ما هو المشهور شهرة تقرب من الاجماع ) أو لم يكن الابقاء على نحو العارية بل عن حق لازم آخر على ما سبق احتمالات ذلك ( ويشهد على ذلك سياق الرواية لا انه كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله ( على شي ظ ) للارفاق إليه وكذا الأنصاري وإن كان له حق التخليص والرجوع عن اذنه فان ذلك خلاف ظاهر الرواية . فهنا يحتاج القلع إلى دليل موجب وإلاّ فمجرّد عدم استيذانه لا يكون سببا لقصر سلطنته وسلطنة الغير على ماله .

فنقول في موثقة زرارة(1) عن أبي جعفر علیه السلام بعد اباء سمرة عن قبول العوض فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانّه لا ضرر ولا ضرار .وذيل هذه الموثقة(2) وإن كان فيه احتمال أن يكون قوله فانه لا ضرر ولاضرار أن يرجع الضمير إلى قلع الأنصاري . وان القلع في هذا المورد ليس بضرر ولا ضرار لأنّه هتك احترام ماله من ابائه عن الاستيذان الذي يوجب ضررا على الأنصاري . الا ان ذلك خلاف ما يستفاد حسب الظاهر من الرواية . فانّها ظاهرة

ص: 448


1- . الوسائل 25 الباب 12/3 من كتاب احياء الموات .
2- . وعلى ما يظهر من الترداد للنبي صلی الله علیه و آله في مساومته وأمره بالاستيذان يظهر انّه كان ذا حق في الابقاء .

في ان قوله فانه لا ضرر تعليل للقلع الذي يقع بعد الأمر به وهنا يتوجّه اشكال وهو ان عدم الاستئذان لا يوجب جواز قلع شجرته .

ودفع هذا الاشكال بأنّه لم يكن ليستأذن وكان ذلك ضررا على الأنصاري ولا يمكن دفع ضرره وشرّه عنه إلاّ بما يقلع مادّة الفساد فلا يناسب هنا جعل الحرمة على مروره إلى نخلته فينحصر الضرار هنا في ابقاء نخلته وعذقه في أرض الحائط . فهنا توجه الضرر على الأنصاري فأمره بقلع الشجرة وتخليص أرضه منها حيث ان الابقاء عن غير حق وليس لعرق ظالم احترام .

والقاعدة تقتضي أن يؤمر نفسه بقلع شجرته عن أرض الحائط ولكنه حيث لا يقبل العوض عن نخلته فكيف يقلعها عن موضعها . فلذا توجه أمر النبي صلی الله علیه و آله إلى الأنصاري بالقلع لما لم يكن لها احترام ويكون لصاحب الأرض تخليص أرضه عن عرق الغير اذا كان غاصبا كما انّ سمرة كان بعد سقوط حقّه غاصبا وأمّا ضمان صاحب الأرض للأرش فله محلّ آخر .

فتحصّل ممّا ذكرنا ان الابقاء كان ضررا على الأنصاري وقال رسول

اللّه صلی الله علیه و آله فانه لا ضرر ولا ضرار كبرى كلية وبمناسبة المورد وظهوره في التعليل يكون ظاهرا في نفي الحكم بلسان نفي الموضوع أي الحق الضرري ليس لأحد .فان الحكم الضرري لا جعل له وحق الابقاء في المورد كان ملازما للضرر على الأنصاري في فرض عدم استيذانه فهو منفي واذا انتفى ولا يخلص أرض الأنصاري نفسه فأمر الانصاري بالقلع لما في الابقاء من الضرر وحقّ الابقاء الضرري لاجعل له بمقتضى كلية الكبرى إذ لو كانت جزئيّة فلا يناسب به التعليل كما في ان الانسان حيوان وبعض الحيوان أبيض بخلاف ما لو قال الخمر مسكر

ص: 449

وكلّ مسكر حرام فالخمر حرام .

إن قلت: ان الكبرى الكلية إنّما تلزم التعليل إذا كان بصدد الاستدلال وأمّا إذا كان بصدد بيان الحكم الواقعي فلا يجب كلية الكبرى بل يمكن أن يلقى الجزئيّة لاحتمال أن تشمل المورد .

قلت: هذا لا وجه له في ظاهر الخطابات ويمكن أن يكون وجه أمره في الخبر الذي ورد لاضرر بلسان النهي الذي استظهرنا منه ذلك لأنّه صلی الله علیه و آله أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن باب الولاية العامّة أمر الأنصاري بالقلع كما قيل .

وكيف كان فالابقاء وإن كان عن حق الا ان في خصوص المقام لما طرء عليه عنوان الضرر والظلم على المؤمن فليس فيكون في قوّة القياس على ترتيب الشكل الأوّل ابقاء العذق في ملك الأنصاري أو في محلّه السابق ضرر ولا ضرر ولا ضرار فالابقاء ليس له فينفي سلطنة هذا اللعين على الابقاء ويكون في ابقائه ظالما وليس لعرق ظالم احترام .

غاية الأمر عليه القلع إمّا بنفسه وإمّا الأنصاري ولا ربط للضمان وعدمه بما هو المهم في الاستدلال .فيستفاد من هذا الخبر ( خبر زرارة الموثق )(1) الكبرى الكلية النافعة فيالموارد ويكون النفي واردا على نفس الضرر والمنفي في المقام الذي انطبق عليه هذا العنوان هو الابقاء الذي هو مادة الفساد وقلعها بقلع العذق .

لا ما يقوله المرحوم الآخوند من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ولا النهي كما يقول به شيخ الشريعة بل نفي الحكم الضرري لا الموضوع الضرري بحكمه

احتمال كون أمر القلع من باب الولاية

ص: 450


1- . الوسائل 25 الباب 12/3 من كتاب احياء الموات .

فسبيله سبيل نفي الحرج فكما ان نفي الحرج في نفس الحكم فكذلك نفي الضرر .

وفي رواية اخرى لزرارة في الكافي(1) عن أبي جعفر علیه السلام بعد تأبيه عن قبول ما قال له النبي صلی الله علیه و آله فقال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله انّك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ثمّ أمر بها رسول اللّه صلی الله علیه و آله فقلعت ثمّ رمى بها إليه . قال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله انطلق فاغرسها حيث شئت .

وقوله علیه السلام: لا ضرر ولا ضرار بالواو لا يناسب إلاّ الحرمة والنهي حيث قال له انّك رجل مضار ولا يناسب كونه كبرى كلية وليس ظاهرا في هذا المعنى . وهذا يوجب الاشكال في لا ضرر حيث ان القضية واحدة لسمرة والراوي زرارة عن أبي جعفر علیه السلام واحتمال تعدّد السماع عن الامام علیه السلام ليكون بذلك روايتين كما هو ظاهر التعدد وإن كان المضمون واحدا أو قريبا منه بعيد . كماحتمال زيادة أو نقيصة وان الأصل النقيصة فالظن في جانبها أقوى منه في جانب الزيادة . اذ لا وجه لذلك في المقام الذي وردت الكيفيّة على نحوين مع حفظ الخصوصيّة فتارة ولا ضرر ولا ضرار بعد قوله انّك رجل مضار واخرى فانه لا ضرر ولا ضرار بعد الأمر بالقلع .فاما ان قال ذلك بالفاء او بالواو والخلط انما وقع من الرواة . وعلى هذا فيشكل الأمر في ظهور الخبر في معنى واضح . فلو كان ( الأمر بالقلع في الخبر الأخير قبل قوله ولا ضرر ولا ضرار لأمكن أن يكون هو في معنى السابق ومفيدا إيّاه إلاّ انّه عبّر عن ذلك بثمّ أمر النبي صلی الله علیه و آله ويحمل لا ضرر بعد أن من المقطوع

وروده عن أهل البيت علیهم السلام فيكون الأمر دائرا بعد كونه علّة وكبرى كلية ظاهرة في

احتمالات الرواية

ص: 451


1- . الوسائل 25 الباب 12/4 من كتاب احياء الموات .

نفي الضرر أو نفي الحكم بلسان نفي الموضوع وفي النهي فيكون حراما كأحد المحرّمات الكبيرة الغليظة لا من الصغائر إلاّ انّه يمكن رفع الاجمال بالمناسبة التي

ذكرت في الموثقة وأن يكون الأمر بالقلع والرمي بها وجهه في غيرها معلّلاً بالاضرار المنفي حيث ان بمجرد تحريم الاضرار لا يمكن دفع شر اللعين المصر على الضرر المبالغ فيه . بل بقصر سلطنته فيظهر قوله ولا ضرر ولا ضرار أيضا في ذلك لا أن يردّد بين هذا المعنى والنهي .

أو يقال بأنّ الأمر بالقلع إنّما كان من جهة انّ النبي صلی الله علیه و آله أولى بالمؤمنين بالتصرّف في أموالهم ( لكن هذا لا يصير تعليلاً ولا يرفع الاشكال ) وهذا لا يزيد ذلك على الامكان . ويمكن الاستشهاد بخبر البعير في ذلك أيضا حيث ينفى الصادق علیه السلام الضرار لصاحب الرأس والجلد على الآخر المالك لباقي أجزاء البعير المريض الذي برء وبلغ ثمنه دنانير بعد أن اشتراه بعشرة دراهم واشترك صاحب الرأس والجلد بدرهمين . فلو كان نفي الضرار هنا بمعنى حرمة الاضرار والمطالبة بالرأس وجلد البعير المضر بصاحبه المانع عن انتفاعه القاصر سلطنته على ذلك لكان لصاحب الرأس والجلد المطالبة لأنّه كان عن حقّ وإن كان حراما ولما قال علیه السلام لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ .فان قال اريد الرأس والجلد فليس له ذلك الضرار وقد أعطى حقه إذا أعطىالخمس .

فذلكة وتوضيح: قدمنا الكلام في لا ضرر في جهات وملخّص ذلك ان لا ضرر قد ورد بعدّة طرق مختلفة في موارد متعدّدة وورد في بعض الموارد ما يقرب

ص: 452

منه لا بهذا اللفظ كما في خبر طلحة بن زيد(1) عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: انّ الجار كالنفس غير مضار ولا اثم .

والحاصل انّ من ورود هذا الكلام بطرق خصوصا في قضيّة سمرة عن زرارة(2) وغيره(3) عن الباقر علیه السلام فرواها في الوسائل(4) في كتاب احياء الموات بخمسة طرق وثبت انّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله قال هذا الكلام في مورد قضيّة سمرة وبخصوصيّة المورد كان الظاهر منه في هذه القضيّة المعنى الأول من المعاني التي سردناها سابقا وهو أن يكون نفي أصل الحكم بأن يكون الابقاء ضررا ولا ضرر ولا ضرار يكون كبرى له . وأمّا الاحتمالات الآخر فلا يناسبها المقام .

وعلى أيّ حصل القطع بصدور هذا المضمون من هذه الطرق فمن جهة السند لا اشكال وكذا من جهة الدلالة وان الأصوب هو الأوّل لا نفي الحكم(5)بلسان نفي الموضوع الذي اختاره المحقّق الخراساني وانّه في غير صورة النهي وفي الاخير أيضا لابدّ أن يكون حكم مجعول سابقا خصوصا بناء على نفي الحكم بلسان نفي الموضوع وإلاّ فيلغوا هذا الكلام ويصير بلا فائدة ( فلابدّ أن يكون الحكم أو الموضوع أي متعلّقه ضررا حتّى ينفي الضرر .وعلى أيّ إنّما ينفي بلا ضرر الحكم الذي ثبت على الموضوع بالعنوان الاولى الأعم من الضرر لا الحكم الذي جاء بنفس الضرر لأن مقتضى الشيء لا

لا ضرر ينفي الحكم على الموضوع الأعمّ

ص: 453


1- . الوسائل 25 الباب 12/2 من كتاب احياء الموات .
2- . الوسائل 25 الباب 12/3 - 1 من كتاب احياء الموات .
3- . الوسائل 25 الباب 2/3 - 1 من كتاب احياء الموات .
4- . الوسائل 25 الباب 1/12 من كتاب احياء الموات .
5- . كفاية الأصول 2/268 .

يكون رافعه .

والضرر في ما إذا كان موضوعا للحكم الذي ثبت بعنوانه إنّما هو مقتضى لذلك الحكم كما في الجهاد والزكوة والخمس وباب الانفاق فلا يمكن أن ينفي بنفس دليل الضرر فهو نظير رفع ما لا يعلمون وما عطف عليه في حديث الرفع يختصّ برفع ونفي ما ثبت للأعم من هذه العناوين الشاملة لها ولغيرها ويكون مرجع الحكومة كما في الورود والتخصيص إلى التخصّص لاستحالة البداء في المبدء الأعلى .

بل ذلك في مقام الاثبات لمصلحة وأمّا في مقام الثبوت فالحكم على موضوعه مشخص معيّن فلا روية ولا فكر تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا .

بقي الكلام في نسبة هذا الخبر إلى ساير الأدلّة العامّة والمطلقات وهي على ما يظهر منهم خصوصا المتسالم عليه بين المتأخّرين التقدّم على الأدلّة الأوّليّة بنحو الحكومة لا الورود ولا التخصّص أو التخصيص . وليعلم ان بعد تسلم أصل التقدّم ربما يفرق في الخصوصيّات فانّه لو كان بنحو الحكومة ( كما في جميع مواردها من حكومة لا عسر ولا حرج ورفع النسيان ودليل الميسور وقاعدة الفراغ على الاستصحاب ولا تعاد على أدلّة الاجزاء والشرايط فيقدم الحاكم ولو كان في أدنى درجة الظهور على المحكوم حتّى في ما لو كان المحكوم كتابا ) فلا تلاحظ النسبة بينه وبين الأدلّة المحكومة لما في بابها من عدم ملاحظة ذلك ولوكان المحكوم خاصا والحاكم عاما أو أعم منه ولو من وجه . فالأحرى صرفالكلام إلى بيان ضابط أنحاء التقدم وعدم شمول دليل الموضوع .

ص: 454

فنقول: خروج فرد عن موضوع دليل ( عام أو مطلق ) تارة يكون بالتكوين واخرى لا به بل بالتعبد وما يخرج بالتعبد إمّا بلسان المعارضة أو لا به وما ليس به إمّا بنفس الحجيّة يقدم على الآخر أو بنفي موضوعه أو لا بل باثباته للمؤدّى .

فالأوّل أي الخروج التكويني يصطلح عليه بالتخصّص .

والثاني أي الخارج بلسان المعارضة خروجه يكون تخصيصا في العام وتقييدا في المطلق . والتخصيص إنّما أن يكون باعدام الفرد ويكون بموته والتقييد ان يعنون العام أو المطلق بعنوان فيضيق دائرة عمومه واطلاقه بذلك ومن هذا الباب قرائن المجاز .

والثالث: أي الخروج بنفس الحجيّة نسمّيه بالورود ولا مورد له في الفقه الا جعل الاحتياط . فان ايجاب الاحتياط بنفسه مذهب لقبح العقاب بلا بيان ونصطلح عليه بالورود كما ان الثاني أي التخصيص لا مورد له في الفقه إلاّ في « قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ »(1) فيجيء بعد ذلك ما يخصّص هذا ويجعله من المحرّمات(2) .

والرابع: هو الحكومة وهي عبارة عن اخراج فرد عن موضوع الدليل عاما أو مطلقا باثبات المؤدّى لا بلسان المعارضة .مثاله لا شكّ لكثير(3) الشكّ فانّ العام بما هو لا يتكفل اثبات الفرد بل حكمه والحاكم إنّما يبيّن الفرد ويدخل أو يخرج كما في مثل من ملك أربعين(4) غنما

خروج فرد عن موضوع دليل على أنحاء

ص: 455


1- . سورة الأنعام: 146 والآية لها ذيل استثناء .
2- . بل له موارد متعدّدة منها آية العدة والمطلقات يتربصن إلخ فخصصت بتخصيصات عديدة .
3- . الوسائل 8 الباب 1 - 3 - 5 - 7 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . الوسائل 9 الباب 6/1 زكاة الأنعام .

سائمة فعليه مثلاً الزكوة . وثبت بالدليل ان السوم ما عمّ تمامها في السنة ولا معارضة بين دليل أكرم العلماء وزيد ليس بعالم لأنّ الحاكم يتكفل شيئا لا يتعرّض له المحكوم فهو مثل رفع النسيان ولا عسر ولا حرج فلاحظ وتدبّر .

فضابط الحكومة . أن يكون أحد الدليلين مخرجا لفرد من أفراد موضوع الدليل الآخر بالتعبد لا بلسان المعارضة بل باثباته للمؤدّى وسيجيء في آخر البحث تتمّة بيان لهذا إن شاء اللّه .

وعن الشيخ رحمه الله في بيان ضابط الحكومة(1) أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرّضا لمدلول الدليل الآخر .

وأورد عليه المحقّق الخراساني(2) بعدم انطباق هذا الضابط في موارد

يدعون فيها الحكومة . منها لا ضرر الذي يقول الشيخ رحمه الله بحكومته على أدلّة الأحكام الواقعيّة .

وأجاب الميرزا رحمه الله(3) انه لا وجه لورود هذا الاشكال والايراد بعد إن لم يكن الحكومة منحصرة بما إذا كان بنحو التفسير والشرح بنحو اى واعنى أو اردت من قولى كذا . فانه تارة يكون أحد الدليلين متعرّضا لما تعرّضه الآخر نحو ما إذا أوجب المولى اكرام العلماء الشامل لزيد وجاء دليل آخر نحو لا تكرم زيدا بحرمة اكرامه ففي هذا المقام يرى العقل حسب بدو النظر معارضة بين كلاميالمولى في خصوص زيد فانّه إمّا واجب الاكرام أو حرامه ولا يمكن كلاهما . إلاّانّه بعد أن رأى ان المولى كان ملتفتا لحكمه وموضوعه يكشف عن مجموع

الحكومة انحاء

ص: 456


1- . فرائد الأصول 2/750 .
2- . كفاية الأصول 2/379 .
3- . فوائد الأصول 4/710 - 711 .

الدليلين اختصاص الاكرام بغير زيد فيجمع بين الدليلين بهذا لأخصيّة دليل لا تكرم زيدا من اكرم العلماء وأظهريّته بالنسبة إليه ويعيّن مراد المولى بهذا النحو ويرفع التنافي المتخيّل في بدو النظر . فهذا نسمّيه بالتخصيص حيث انّه بلسان المعارضة وحاصله الجمع بين كلامي المولى بالعقل . واما الحكومة فهي ما إذا كان الجمع بين كلامي المولى بنفس اللفظ . فحاصل نتيجة العقل يستفاد من اللفظ وبه يبين مراد المولى وهي تارة تكون في قرائن المجاز واخرى في غيرها .

وأمّا في قرائن المجاز فعلى ما بنى عليه المحقّق النائيني رحمه الله من تصوّر المجاز في الكلمة فواضح . كما إذا قيل رأيت أسدا يرمي . فالأسد ظاهر حسب ما وضع له اللفظ للحيوان المفترس بالوضع ويتبادر المعنى منه إلى الذهن . ويرمى مع انه ممكن الانطباق على الرمي بغير النبل كالتراب وبالعصا والحجارة . الا انه ظاهر عند الاطلاق في الرمي بالنبل . ومن المسلم أقوائيّة الظهور الوضعي من الاطلاقي . لكن لما كان يرمي قرينة على الأسد وانّه الانسان الشجاع يقدم على ظهور الأسد الوضعي وإن كان أقوى منه .

والوجه في ذلك أي تقدّم القرينة على ذيها الحكومة لها عليه . وضابط التشخيص هو ان القرينة بصدد بيان الملابسات من الحال والتمييز والظرف وأمثالها ممّا لا يتكلّفه أصل الكلام والنسبة وهو المبتدأ والخبر أو الفعل والفاعل .

فلو قيل جائني زيد وقيل بعد ذلك راكبا فلا إشكال في تقدّم الراكب اطلاقا على اطلاق جائني زيد ويستفاد من ذلك مجيء زيد في حال ركوبه . فذلك إنّما يكون في العرض والمحل والعرض يطلب المحل .وأمّا غير قرائن المجاز فكباب الاطلاق والتقييد حيث ان المحقّق في محلّه

ص: 457

عدم مجازيه المطلق في المقيّد وكذا العام في الخاص . بل حيث ان انعقاد الاطلاق والعموم كان من عدم التقييد والتخصيص فببركة مقدمات الحكمة نستكشف الاطلاق والعموم فلو كان لشيء آخر دخل في ذلك لبيّنه المولى . فليس ذلك إلاّ عدم التقييد والتخصيص ويكون المطلق هي الماهيّة لا بشرط المقسمي التي ما تلوّنت بلون حتّى في صقع الذهن . وهي التي تنقسم إلى الأقسام الثلاثة من لا بشرط القسمي وبشرط اللاعن شيء وبشرط الشيء . وأحسن ما قيل في تعريفه على ما استفدنا من المحقّق الخراساني رحمه الله هو ما قيل بالفارسيّة .

« نه به دام قيود قيد شدم، نه به اطلاق نيز صيد شدم » فاذا جاء المقيّد والمخصّص فيكون بيانا وقيدا ولا معارضة بين العدم والوجود فلا اطلاق ولا عموم حتّى يعارض المخصّص والمقيّد . غاية الأمر تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة كان لمصلحة حسب ما يراها الشارع فيبيّن مراد الشارع من المطلق والعام وان المراد ليس كما تخيّل .

وهذا أيضا من أنحاء الحكومة .

ففي أمثال ذلك ما هو نتيجة حكم العقل في باب التخصيص استفيد من نفس الدليل . فهي ما يكون أحد الدليلين متكفلاً لشيء لا يتكفّله الآخر .

ويثبت شيئا لا يثبته أو ينفيه الآخر أو يثبت شيئا كان الحكم معلّقا على ثبوته في الآخر فيرجع المحكوم إلى القضيّة الشرطيّة فنحو أكرم العلماء معناه انه إن وجد عالم فهو واجب الاكرام . والحاكم مثل زيد ليس بعالم مع كونه عالما ينفي كونه عالما ولا ينافي ذلك دليل العام كما انّه اذا أدخل جاهلاً تكوينا تعبدا في العلماء وقال عمرو عالم فكذلك .

ص: 458

ولا يخفى ان الحكومة إنّما تكون تعبّدا في اخراج فرد أو ادخاله فلو كانزيد جاهلاً تكوينا فلا يكون قوله ليس بعالم من باب الحكومة بل ذلك بالتخصّص وأظهر أفراد الحكومة هو ما يكون بنحو الشرح والتفسير ويبين المراد من المحكوم وهي تارة يكون تصرّفا في عقد وضع المحكوم واخرى في عقد حمله .

وثالثة في الحكم أي النسبة الحكميّة القائمة بالطرفين أي ما ينتزع منهما عند الانشاء .

فانّ الوجوب والحرمة وساير الأحكام إنّما تنتزع من الانشاءات كما في باب العقود حيث ان البايع ينشئ البيع في الخارج بالايجاب لا انه يخبر عن ما في ضميره ويكشفه لمقابله . فالأحكام ليست بالقهريّة بل إنّما هي بالانشاء لا انّه يكشف المولى عنها على ما شرحنا ذلك في محلّه . فنحو افعل وصل وأمثالهما يكون لها عقد وضع كما ان لها عقد حمل فعقد وضعها المصلى التشريعي الذي يجعله المولى كذلك .

أي ينشئ النسبة بينه وبين الصلاة أو يطلب منه ايجاد الصلاة في الخارج على المبنبين في ذلك .

وعقد الحمل لها وجوب الصلاة على ترتيب المحمول المنتسب . فاذا قال أكرم العلماء فمن حيث انه عام وكبرى ( على نحو القضيّة الحقيقيّة ) لا يتكفّل اثبات صغريات نفسها بل لابدّ في ذلك من دليل مثبت كما في خصوص الموضوعات المتعلّقة للتكاليف فان شأن الفقيه بيان الحكم الكلي مثل ان البول نجس .

وأمّا تشخيص ان هذا بول أم لا فليس من شأنه بل ذلك محوّل إلى عهدة

نتيجة الحكومة

ص: 459

المكلّف وشأن الحاكم بيان الصغرى اثباتا أو نفيا .فلو قال في الحاكم ان زيدا ليس بعالم فلا تنافي له بالنسبة إلى الكبرى لأنهذا بيان شيء ما ينفيه الكبرى ولا تثبته بل تشمله على تقدير أن يكون عالما وحيث ان الشارع تصرف في عقد وضع الكبرى وأخرج هذا الفرد عنه بالتعبد فلا شمول للكبرى لذلك كما لا معارضة ومن الأمثلة الفقهيّة ( لا شكّ لكثير الشكّ )(1) بالنسبة إلى ( اذا شككت فابن على الأكثر )(2) فانّه حاكم عليه بعدم اثبات الشكّ

بل ينفيه .

فظهر ان الحكومة سواء كانت واقعيّة أو ظاهريّة إمّا تتصرّف في عقد وضع المحكوم أو في عقد الحمل أو النسبة القائمة بين الطرفين وفرق بينها وبين التخصيص لأنّ التخصيص لسانه لسان المعارضة بخلاف الحكومة وحال المحكوم حال القضيّة الشرطيّة لو كان كذا لكان كذا حيث ان جميع القيود من الحكم والموضوع راجعة إلى الموضوع والموضوع شرط للحكم .

وقد فرغنا من ارجاع القيود إلى الموضوع وان لب القضايا الشرطيّة للموضوع بالنسبة إلى الحكم في محلّه .

وكيف كان فالحكومة تارة تضيق وتخرج فردا من أفراد المحكوم واخرى توسع فتدخل فردا في موضوعه أو في أصل المتعلّق .

ومثال ما إذا أدخل فردا(3) كالاخبار بالواسطة فان خبر الكليني رحمه الله برواية

ص: 460


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 - 2 - ولفظه إذا سهوت فابن على الأكثر .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/3 ولفظه إذا سهوت فابن على الأكثر .
3- . أو انّه في الأوليين من الصلاة الرباعيّة وكذا الثنائيّة والثلاثيّة تنزيل الظن منزلة اليقين فيوسع دليله .

من يروي عنه اذا شمله دليل التصديق فيوجد بذلك خبر عن قول من يرويالراوي عنه الكليني فيدخل تحت دليل تصديق العادل . ومقتضى تصديقه وجودخبر الواسطة الاخرى وهكذا كلّ صدق يثبت موضوعا لآخر بالانحلال إلى أن يصل إلى محمّد بن مسلم وهو أيضا داخل تحت كبرى وجوب التصديق فيرتفع بذلك الاشكالات الواردة على الأخبار بالواسطة نحو اتّحاد الحكم والموضوع أو تقدّم المعلول على العلّة على ما أجبنا عن ذلك في محلّه .

ومثال آخر لاخراج الفرد استصحاب طهارة الماء المشكوك الطهارة المغسول به الثوب النجس المشكوك التطهير . فانه حاكم على استصحاب نجاسة الثوب بعد الغسل به ويخرجه عن تحت دليل الاستصحاب . وفي الموضوع لابدّ أن يكون موجودا حتّى يتعلّق به الحكم وكذا المتعلّق يتصوّره الآمر فيأمر بايجاده والا فلا يتعلّق الأمر بالموجود فانّه حاصل ولا حفظ للموضوع وللمتعلّق وللحكم لا نفسها بل لابدّ أن يثبتها شيء آخر . والحاكم تارة يثبت فردا واخرى ينفي ولا ينافي ذلك شرطيّة الثلاثة للحكم .

وأمّا الحكومة في جانب المتعلّق فكما امر بالتواضع ودلّ الحاكم على ان تقبيل اليد مثلاً ليس بتواضع مع انه منه أو اطعامه العقيقة ليس مع كونه منه وكذا ادخال الفرد بأنّ التسليم عليه من التواضع وهذا لا اشكال فيه .

إنّما الكلام في تصوير الحكومة في الحكم بأن يدلّ دليل على ضيق الحكم أو توسعته ولم يكن بلسان المعارضة .

وما ذكر من المثال في ذلك كان يقول ليس الوجوب على اكرام زيد مثلاً من افراد المخصّص ولا يكون من الحكومة في شيء . ويشكل تصوير الحكومة

الحكومة توسع وتضيق

ص: 461

في الحكم بنحو لا يرجع إلى التخصيص . فان مثل أكرم العلماء الشامل لزيد مع قوله اكرام زيد ليس بواجب أو ايجاب الاكرام على غيره بعينه لسان المعارضةوالأخصيته لدليل الخاص واختصاص الاكرام بغير زيد . ولكن الذي ثبت عندنامن بيانات المحقّق النائيني الذي تعريف الحكومة كساير مالها من القسيم منه رحمه الله

وكان يكرّر ذلك في البحث ان الحكم لا يقدر على حفظ نفسه بل لابدّ له من جعل وجاعل يجعل الحكم . كما انّه لابدّ من رافع في رفعه . واذا كان كذلك فدليل المجعول أي الحكم ناطق بثبوت الحكم أي المجعول على تقدير الجعل .

فان جعل فله وجود وإلاّ فليس بشيء والحاكم على هذا له أن ينفي الجعل عن مورد كلاضرر مثلاً حيث ان له الحكومة على الأدلّة الاوليّة بهذا الترتيب فانها في ظرف ثبوتها بالجعل موجودة وجعلها ووجودها ووجوبها بالغير في مورد الضرر وغيره فلا تعارض دليل نفي الضرر حيث انّه ينفي الحكم الضرري الذي يعنون بالضرر بالعنوان الثانوي . فحال الحكومة في الحكم حالها في الموضوع والمتعلّق فكما ان المحكوم فيهما كان على تقدير الثبوت من الموضوع والمتعلق بمعنى انه ان ثبت كون شيء موضوعاً لمتعلق الحكم أو فردا لنفس المتعلّق فحكمه كذا مثلاً يجب اكرامه أو يتحقّق به الامتثال في مثل الدلالة حيث لم يكن ذلك باكرام أو التقبيل ليس به في عدم الامتثال فالحكم أيضا كذلك كما في استمرار الحكم . حيث ان الحكم على تقدير وجوده له استمرار والناسخ يرفع ذلك الاستمرار الخيالي الذي استكشفناه من عدم التوقيت ويكون النتيجة هي التوقيت . وكذا العسر في الوضوء مثلاً فالوضوء العسري لا جعل له وإن كان مقتضى الاطلاق لو لا دليل نفي العسر والضرر ثبوت وجوبه . وهذا مراد المحقّق

ص: 462

النائيني رحمه الله من هذا الكلام .

وإلاّ فيرجع إلى باب التخصيص إذا كان عموم وخصوص مطلقا كما في النسخ حيث يقطع استمراره أو تعارضا اذا كان بالتباين .هذا ملخّص الكلام في بيان ضابط الحكومة وما لها من القسيم وتبين انهامشتركة مع الورود في ثبوت كليهما بالتعبّد في اخراج الفرد أو ادخال الحكومة له لا بلسان المعارضة . ويفرقهما إن الاولى تدخل أو تخرج باثباتها المؤدّي بخلاف الورود فبنفس دليل التعبّد والحجيّة .

( أقول قد سنح بخاطري الفاتر في حكومة الحكم ما إذا كان المحكوم أي الحكم مهملاً من حيث شموله لفرد أو خروجه عنه ويكون الحاكم مفسرا ومبينا ان الاكرام الواجب في قولي اكرام العالم واجب حيث لم يسقط الاطلاق شامل لزيد ومعلوم انه بهذا اللسان يكون حاكما على دليل الحكم ويتعرّض لشيء ما تعرض له المحكوم لاهماله بيان ذلك فتأمّل .

توضيح لا يخلو عن تكرار: قد تقدّم بيان ضابط الحكومة على مختار المحقّق النائيني وان لها افرادا . فتارة بنحو الشرح والتفسير بأي واعنى وأمثالهما وهي أظهر الافراد . واخرى يتصرف الحاكم في أحد ثلاثة . عقد الوضع أي الموضوع الخارجي كالمفعول به ويعبّر عنه بمتعلّق المتعلّق كزيد في اكرم زيدا أو الخمر في لا تشرب الخمر . وعقد الحمل أي متعلّق التكليف والحكم كالاكرام بأن تقبيل اليد ليس اكراما مع كونه تكوينا منه . ونفس الحكم والفرق بين الموضوع والمتعلّق ان الثاني فعل المكلّف ولا يتعلّق الحكم به مقيدا بوجوده ولا بعدمه بخلاف الموضوع فانّه يمكن فيه الوجود ( بل واقع في القضيّة الخارجيّة ) فانّ

ص: 463

الحكم لا يمكن أن يكون مقيّدا بحال وجود موضوعه أي متعلّقه أو عدمه واذا استحال التقييد يستحيل الاطلاق بعين وجه استحالة التقييد ( فالمتعلّق لا يمكن أن يتعلّق به الحكم إذا كان موجودا بل يتعلّق به وبعده يكون ايجاده على المكلّف ) .

وقد حقّقنا الكلام في ذلك في باب الترتب والعمدة فيه أن يكون الحكمانفعليين منجزين في زمان واحد في آن واحد على مكلّف واحد وإلاّ فلو كان نحو:« فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا »(1) فلا مجال للنزاع فيه الا ان الموضوع

متعدّد كالدين والصلاة بنحو لو قدر المكلّف محالاً على امتثال كليهما لم يكن الواجب الا أحدهما فيبقى اشكال المحقّق الخراساني بلا جواب .

وعلى أيّ حال فأحسن الحكومات في مقامنا بناء على ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمه الله هو الحكومة على نفس الحكم والجعل حيث ان دليل الحاكم مقدم على المحكوم لعدم قدرة المحكوم على حفظ نفسه فهو ثابت على تقدير الجعل والحاكم ينفي جعله كما في مقامنا في خصوص لا ضرر فهو حاكم على أدلّة الأجزاء والشرايط بهذا المعنى أي تعلّق النفي بنفس الجعل كما في الحرج حيث ان الحكم أي الوجوب والحرمة مثلاً يعنون بالعنوان الثانوي بالضرر بضابط المسبب التوليدي الذي قد مرّ الكلام فيه والنفي في الحديث تعلّق بتالي أداة النفي وهو الضرر أي الحكم والجعل فينتج عدم جعل الأحكام الضرريّة في الشريعة ويبيّن المراد من أدلّة الاجزاء والشرايط باللفظ كما ان في التخصيص يبين المراد بالعقل وهذا هو الفارق بين البابين . وإن كان مرجع الحكومة أيضا إلى الاخراج . غاية الأمر لا بلسان المعارضة بل يبين المراد باللفظ كما في دليل الناسخ بالنسبة

ص: 464


1- . سورة المائدة: 7 .

إلى المنسوخ الذي مرجعه إلى باب التقييد . والتخصيص العنواني أيضا راجع إلى باب التقييد وفي هذا الباب قبل ورود المقيد كان الحكم مستمرا في الأزمان بخيال الاطلاق وفي جميع الشرايع الالهيّة كما انه شامل لجميع العناوين للموضوع لكن بورود المقيّد في العنوان والمخصص فيه والنسخ في الأزمان علمنا ان المرادمن الحكم الملقى أو العام أو المطلق لم يكن في جميع الأوقات ولم يكن للحكماستمرار في لب الواقع . وكذا شمول الموضوع لجميع العناوين ولا تعارض في البين ولا تخصيص أصلاً بل الناسخ حاكم على المنسوخ كما ان المقيد والمخصّص العنواني على المطلق والعام ولذا انكرنا استصحاب عدم النسخ في محلّه فانه ليس الا مجرد لفظ .

وعلي أيّ فمن أقسام الحكومة الحكومة على نفس النسبة الحكميّة بل تعلّق الحاكم بها أولى فان في الموضوع والمتعلّق أيضا رجوعا إليها وإذا لم يمكن تعلّق النفي بأصل الجعل والحكم بأن لم يعنون بالعنوان الثانوي بالضرر فعلى حسب ما رتبه المحقّق النائيني رحمه الله يكون نوبة نفي الحكم بلسان نفي الموضوع . فانه ليس شأن الشارع بما هو شارع الأخبار عن ثبوت شيء أو عدمه في الخارج كالضرر . فلابدّ أن يكون راجعا إلى اثبات حكم ورفعه فانّه بيده بما هو كذلك . فالوضوء الخارجي الذي يعنون بالعنوان الثانوي تعلّق به النفي نفيا بسيطا بمفاد ليس التامّة كما في الحكم ويكون النتيجة عدم تعلق الحكم به وخروجه عن تحت أفراد الوضوء حكما فاذا قال الوضوء الضرري ليس بوضوء فمعناه رفع الحكم ونفيه عن هذا القسم من الوضوء وعدم تعلّق الانشاء أي الحكم الذي جعله الشارع به . وإن لم يمكن هذا المعنى فالى الثالث وهكذا حسب الترتيب المتقدم سابقا . فثبت من

في حكومة الناسخ على المنسوخ

ص: 465

جميع ما ذكرنا تصور الحكومة بأقسام متعدّدة وان حديث نفي الضرر حاكم على نفس النسبة وإنشاء الأحكام الاوليّة ولا تعلّق له بالموضوع حتّى يكون نفي الحكم بلسان نفي الموضوع بواسطة اخراج الموضوع تعبدا أو المتعلق كذلك . وينطبق على ما ذكرنا ما أفاد الشيخ في معنى الحكومة بأن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرّضا لحال دليل آخر ومتفرّعا عليه . فالمراد ليس خصوصتفسير اللفظ بل بيان المراد الذي في التخصيص الذي لسان المعارضة بالعقلباللفظ . ولا يرد ما أورده عليه المحقّق الخراساني في الحاشية من عدم تعرّض لا ضرر بمدلوله اللفظي لحال الأدلّة .

هذا بناء على تسليم ضابط الحكومة على نحو ما ذكرنا وإن أنكرنا ذلك وخصصناها بما يفسر لفظا ويشرح بنحو أي أو أعني وأنكرنا تعنون الحكم بالعنوان الثانوي بالضرر فلابدّ في تصحيح تقدّم لا ضرر على أدلّة الأحكام الأوليّة من وجه آخر وقد افيد في المقام وجوه خمسة وعلى كلّ ينتج التقدّم .

والفرق بين مختار المحقّق النائيني من ورود النفي على الحكم وبين نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما هو مختار المحقّق الخراساني انّه على مختار النائيني يختصّ لا ضرر بالضرر المعلوم واما غيره فباقٍ تحت اطلاقات الأدلّة وعلى مذهب الخراساني الذي مفاده ان الوضوء الضرري لا حكم له والعقد الضرري لا حكم له أي لا لزوم له . فعند النائيني يتعلّق النفي بأصل الجعل والحكم فالوجوب في الوضوء ليس وكذا اللزوم يعم المجهول فلو كان الوضوء على هذا في الواقع ضرريا ولم يعلم به المكلف فباطل أيضا فضلاً عمّا لو كان يعلم .

ص: 466

وعلى أيّ يكون على المبنيين ما أفاده الحاج آقا رضا الهمداني قدس سره (1) بأنّه كما تقولون ان النفي في العقود إنّما يتعلّق باللزوم ووجوب الوفاء بها واما الصحة فتبقى فيكون العقد الضرري صحيحا وإن لم يلزم الوفاء به فكذلك في الوضوء اذا كان ضرريا ما يتعلّق به النفي إنّما هو الالزام والوجوب من الشارع . وأمّا الصحّة ولو للملاك فلا مانع من بقائها فيتوضّأ بقصد الملاك كما في الضد الذي أمر بضدّهحيث ان التحقيق عدم الأمر به لا النهي عنه . ومع هذا فالملاك باقٍ فيأتي بالوضوءبقصد الملاك ويقصد بذلك القربة بداعي الهي بأحد أنحائه بأن يقصد القربة بالفعل الذي يكون اراديا .

وما أجاب النائيني رحمه الله عن هذا حلا واشكالاً فلا يتم ( من لزوم تأخر الأمر إلى المرتبة المتاخّرة عنه برتبة في الوضوء الضرري فيجوز له أن يتوضأ تخييرا بينه وبين التيمّم مع ان التيمّم متأخّر عن الوضوء كما في الآية الشريفة « فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا »(2) وإلاّ فما ورد من ان التراب(3) أو الصعيد أحد الطهورين يقتضي العرضيّة في التيمم للوضوء اذ أي اشكال في ذلك فليكن مخيرا في هذا الحال بالجمع بين هذه الأدلّة ولا محذور ) إذ ظاهر لا ضرر كونه منة والمنة إنّما تتحقّق في ما كان المقتضى لجعل الأحكام موجودا في حال الضرر أيضا حتى يمنع عنه كون الشريعة سمحة سهلة ولا يجعل حكم حسب المقتضى وينفي لأجل المنة ( وهذا هو الجواب عن ما قاله النائيني غير الاشكال من عدم كشف الملاك

ما أفاده المحقّق الهمداني في المقام

ص: 467


1- . مصباح الفقاهة 6/150 .
2- . سورة المائدة: 7 .
3- . وسائل الشيعة 3 الباب 21 - 23/1 - 1، 24/2 من أبواب التيمّم واللفظ فان التيمّم أحد الطهورين .

في هذا الحال إذ نفس لا ضرر اذا لم يكن بمعنى النهي كما هو الفرض يشهد لهذا ) .

وقد قيل في المقام بوجوه اخر لتقدّم لا ضرر على أدلّة الأحكام كلّها سقيمة .

أحدها: ما أشار إليه الشيخ قدس سره (1) طي كلماته وظاهره انه نقل عن بعض الاعاظم وذلك تقدم لا ضرر على أدلّة الأحكام بعد التعارض بالعموم والخصوصمن وجه لموافقة أصل البرائة لحديث نفي الضرر في بعض الموارد اذا لم يكنأصل موضوعي أو كان ولكن سقط مثلاً بالتعارض ووصل النوبة إلى الحكميّة أو أصل آخر كالبرائة وعمل الأصحاب . وهذا على بناء المتقدمين من جعلهم الأصل دليلاً في عداد ساير الأدلّة من باب افادته الظن ( النوعي ) بناء على الانسداد وكان

عند آخرين مرجحا في مقام تعارض الخبرين لما يوافق مضمونه على الخلاف المعروف عندهم من تقديم المقرّر على الناقل . وكانوا يصدّرون الأدلّة الاستدلاليّة بالأصل ثمّ يردفون الاجماع والكتاب والسنّة عقبيه . ومعلوم ان كلّ مورد من الموارد الفقهيّة يكون له أصل فيعنونون الأصل أي شيء حتّى عند التعارض حتى يجعل مرجعا أو مرجحا ولا يخفى ما في كلا الوجهين .

أمّا المرجعيّة . ففي المقام مثلاً اذا تعارض لا ضرر مع الأدلّة بالعموم من وجه فيتساقطان والمرجع إمّا البرائة أو مثلاً بقاء كلّ من المالين في ملك صاحبه حسب الاستصحاب ولا يكون هذا عملاً بأحد الدليلين بل اسقاطهما ورفع اليد عنهما إلاّ أن يكون المراد كون المرجع هو الأصل لو لا الأخبار العلاجيّة والتخيير في الأخذ بأحد الدليلين المتعارضين ( على فرض شمولها لما نحن فيه ( ويكون

ص: 468


1- . فرائد الأصول 2/535 .

عمل الأصحاب موجبا لاختيار لا ضرر فتأمّل ) .

وأما المرجحيّة فاشكل من الاولى اذ الحكم الظاهري لا يزيد على

الترخيص وانى له بفناء دار الحكم الواقعي وسرادقه حتى يكون مرجحا له وانما يكون الشك في الواقعي مأخوذا في موضوعه فهو يأخذ طريقا وذاك آخر ويستحيل أن يؤدّي الظاهري ما يؤدّيه الواقعي . بل ظاهر الرفع في ما لا يعلمون أيضا رفع أصل الخطاب فيكون صريحا في التصويب الا انّا وجهنا بوجه والحكم الظاهري يعني الأصل إنّما يكون مرجحا لو أفاد مفاد الواقعي وهو بمعزل عن ذلكوالا فالرفع بمعنى الازالة وعلى أي أيّد مع ذلك .الثاني: ان صدوره في مقام المنة على العباد يكون كافيا في ترجيحه على تلك الأدلّة أي أدلّة الأحكام وإن كانت النسبة عموما من وجه وإلى هذا أشار الشيخ ولعلّه ما ركن إليه . وفيه نظر لأنّه إن رجع الامتنان إلى الحكومة فهو تلك وتكون هي وجه التقدم وإلاّ فمجرّد المنّة لا يوجب التقدّم وعليه فلا محصّل لهذه الدعوى بلا دليل .

الثالث: حمل الحكم في مورد الاجتماع على الاقتضائي ونفي الضرر على الفعلي بدعوى ان العرف يوفّق بينهما بذلك وهذا الوجه افاده المحقّق الخراساني لما أورده على الشيخ من عدم حكومته على الأدلّة لعدم تعرّضه لها بلفظه واختصاص موردها بما يكون بلفظ أي وأعني .

وفيه ما لا يخفى اذ اي حكومة أوضح من نحو لا شك لكثير الشكّ(1) مع صراحته في ذلك وذلك منه عجيب فلعلّه غفلة منه رحمه الله والا فأيّ عرف يرى ذلك في

وجوه حكومة لا ضرر على الأدلّة الأوليّة

ص: 469


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 الى 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة مع تفاوت في العبارة .

المقام مع انا أيضا منهم ولا نرى من أنفسنا ذلك . ومراده من الاقتضائي ظاهرا هو ما يرجع إلى ما يقوله النائيني رحمه الله من الانشائي والتعبير لو كان به كان أحسن ولا يكون مراده ما بنى عليه من تربيع مراتب الحكم . أولها مرحلة الاقتضاء في حاشيته على الرسائل لرجوعه عنه في كفايته واختار مرتبتين رجوعهما إلى ما يقول به النائيني قدس سره وإن كان ربما يكون فرق بينهما حيث ان الفعليّة جعلها ذات مرتبتين ثانيتهما ما لو علم به لتنجز وبذلك انجى نفسه من الحصر في الغصب حيث جعل الوجه في صحّة صلاة الجاهل عدم كون الخطاب بلا تغصب منجزا .الرابع: كون لا ضرر كلاحرج بالنسبة إلى مجموع الأحكام أخصّ مطلقاوإن كان بالنسبة إلى كلّ واحد من وجه . فبهذا الوجه يقدم عليها بضابط لسان المعارضة والجمع عقلاً بين كلامي المولى فان الحرج ما جعل في الدين فهو راجع إلى الدين لا إلى حكم واحد فكذلك يكون لا ضرر .

الخامس: تقدّم لا ضرر فرارا من كونه بلامورد لو قدمنا في مورد التعارض معارضه بالعموم من وجه ومن الترجيح بلا مرحج في تقديم بعض المعارضات دون بعض .

بيان الدليل تفصيلاً لمختار المحقّق النائيني:

من نفى التالي بمعنى نفس الحكم المعنون بعنوان الضرر بضابط المسبب التوليدي على ما قرر في محله يكون مورد لا ضرر ما إذا كان الضرر موجودا في الواقع وكان معلوما أيضا والدليل على القيد الأول فهذا لابدّ منه اذ الضرر موضوع النفي فالنفي تعلّق به فالمنفي في الوضوء الضرري أي الوضوء الذي يكون ضررا المعنون حكمه بالعنوان الثانوي بذلك بمعنى كون الحكم هو الملقى له في الضرر

توضيح معنى نفي الضرر

ص: 470

حتى يعنون بالضرر والا فلو فصل بين الحكم والوضوء ارادة فاعل مختار فلا نفي حيث لا موضوع للضرر لأن العناية في تعنون الحكم بعنوان الضرر حيث يوجب ذلك واما سببيّته له فلا محيص عنه على هذا المعنى .

فبعد أن كان من المسلم وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة لا المعلومة سواء كان الوضع بمعنى التعهّد والالتزام أو الجعل أو كان جبلي البشر في افاداتهم حيث انه لابدّ لهم من وضع الألفاظ أو استعمالها اذ لا يمكن القاء جميع المعاني بالاشارة

وما شابهها فالخمر ليس بمعنى الخمر المعلوم وكذا لفظة الضرر لم يكن مجعولاً بازاء الضرر المعلوم كالماء وساير الموجودات والمعاني وكذا ليست موضوعةللمعاني الخياليّة التي ربما تفرض في الذهن ولابدّ في مقام المحاورات ان يعلمالمستعمل بالوضع ويستعمل . فبمجرّد قدرته على النطق لا يمكن استفادة مراده فلو تصادف عطشه مع نطقه بما يفيد هذا المعنى بلغة يجعلها فهذا ليس من الاستعمال والارادة .

وعلى أيّ لا دخل للعلم والجهل في وضع الألفاظ بالنسبة إلى معانيها فالموضوع له هو نفس المعنى بلا اعتبار شيء من العلم به معه .

وأمّا القيد الثاني فلعدم الموضوع حيث لا علم بالضرر أو عدم الفائدة في نفي الحكم .

بيان ذلك ان رفع الحكم والوضوء الضرري ونفيه يتوقف على تعنون الحكم بهذا العنوان أي يكون معلوما . وإنّما يكون كذلك إذا علم ان الوضوء فيه ضرر عليه حتى يعنون بذلك الوجوب والزام المولى والفرض انه لا يعلم .

ان قلت: ان الموجب للوضوء الملقى إليه إنّما هو الحكم أي الالزام

ص: 471

والوجوب على الوضوء والمكلّف يعلم ذلك الوجوب ويتوضّأ ويكون هذا الوضوء ضررا عليه فيعنون الحكم بالضرر . غاية الأمر لا يعلم بالضرر بما هو ضرر وذلك ليس بمضرّ اذ المناط هو الضرر وكون الحكم موجبا له .

قلت: لمّا لا يعلم المكلّف في الفرض الضرر عليه من جهة الوضوء فجهله بذلك يكون مؤثّرا في بعثه نحو الوضوء كما اذا لم يكن هناك وجوب واراد استعمال الماء فكما لا يرى ضررا في الاستعمال ويستعمل فكذا هنا واذا كان الحال هذه فهو لا يرى نفسه مكلفا(1) بالتيمم والتمسّك بنفي الضرر في رفعموضوعه يكون حينئذٍ كالتمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وغير ممكن له رؤية الخطاب متوجّها نحوه . وعلى هذا فربما تلزم اللغويّة فلابدّ أن يكون عنده معلوما حتّى يؤثر في النفي . هذا على المعنى الأول . وأمّا إذا كان المختار نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما ذهب إليه المحقّق الآخوند فيكون المفاد نفي الوضوء الضرري باعتبار حكمه فلا حكم لوضوء يكون ضرريا فقهرا يختصّ واقعه كذلك ولا دخل للعلم فيه . فحينئذٍ اذا علم بالضرر ولم يكن في الواقع ذلك فيكون وضوئه والحال هذه صحيحا على كلا المعنيين إذا فرض تحقّق القربة منه فيه واذا كان واقعا لم يعلم به يكون باطلاً على المعنى الثاني دون الأوّل .

واذا علم بالضرر وكان كذلك في الواقع فباطل على كليهما . كما ان التيمّم يبطل على الأوّل فيهما وعلى الثاني في الأوّل صحيحا وفي الثالث لكن لم يلتزموا في باب الوضوء على ما ذكرنا من مقتضى القاعدة . ودكر صاحب العروة خمسة

ص: 472


1- . أقول: لا اختصاص لهذا القيد على هذا بالمعنى الأول فيجري في الثاني لاتّحاد المناط ووجوده فيه أيضا .

وجوه في المسئلة أفتى بصحّة الوضوء في بعضها وفي آخر كالكلّ بعد ذلك احتاط . ولكن الذي يسهّل الخطب انه ربما يكون في بعض الموارد من ناحية قاعدة اخرى أو شيء يوجب الترخيص في التيمّم أو التعيين فيه .

ولذا احتجنا إلى زيادة قيد آخر في الضابط وهو ان لا يوجب نفي الضرر مشقة عليه حيث ان سياقه سياق المنة فلا مورد له في غيرها .

ولذا لو تخيل عدم الضرر في الوضوء وكان في الواقع مضرا وتوضّأ وصلّى نقول بصحّة وضوئه وكذا اذا تخيل كون الضرر في مقام وتيمم وصلى فتبين عدمه لما في الحكم ببطلان وضوئه في الأولى وتيمّمه في الثانية من الكلفة عليه في اعادة ما صلى أو عدم الاعتناء بما أتى به مطلقا . وعلى هذا فلا فرق بين المبنيينعلى كلا القولين فبترتب عليهما ثمرة واحدة .

كما في الخوف فانه لا واقع له بل نفسه واقع فاذا خاف على عينه الرمد من الوضوء وتبين عدم الضرر أو في الصوم يتخيل الضرر فخاف فلا اشكال في تركه وإلاّ فمقتضى القاعدة هكذا واما في العقد الغبني فاذا كان عالما بالضرر والغبن ومع ذلك أقدم على المعاملة فلا يستند الضرر إلى اللزوم لو جاء من قبل الشرع لتوسط فعله بين الجعل وورود الضرر عليه بخلاف ما اذا كان جاهلاً به فاللزوم سند الضرر وموجب له .

وأمّا هذا في غير باب الغبن والوضوء والغسل والصوم من ساير التكاليف فالضابط على استقامته كباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( الا أن يكون شأن للخوف هناك ) .

تذنيب: قد ذكرنا معنى لا ضرر على القولين وما يترتب على المعنى الأول

نتيجة اخلاف المبنيين

ص: 473

وما يعتبر فيه وانه اذا كان هناك ضرر ولم يعلم به فماهو الملقى ليس إلاّ الاعتقاد كما اذا لم يكن ضرر أصلاً ومن الواضح ان الاعتقاد ليس بضرر . وحينئذٍ لا فائدة في رفع خطاب الوضوء لو كان ضرريا للمكلّف مع عدم توجه خطاب التيمم إلى نفسه حسب اعتقاده . وهذا شاهد عدم كون الملقى على فرض وجود الحكم اياه بل هو يعلم الحكم اذ لا اشكال في اعتبار العلم بأصل الحكم والجعل للوضوء . والرفع للوضوء الضرري والنفي له ولابدّ من أن يعلم الحكم . وكذا يعلم بعدم جعل الوجوب للوضوء الضرري الا ان اعتقاده في المقام بعدم الضرر يمنعه من ترك الوضوء فالملقى في الوضوء الضرري اياه هو اعتقاده بعدم الضرر . فهنا لم يعنون الحكم بالضرر بل الاعتقاد وهذا غير اشتراط العلم بالضرر في تعنون الحكم علىالمبنى الأول . وأمّا على المبنى الثاني فالمناط واقع الضرر ولا تعنون علىهذاالمبنى وذلك واضح . هذا حسب ما يقتضيه القاعدة . ونتيجة ما تقدّم اتفاق المبنيين في صحّة التيمّم لو كان الضرر حاصلاً وعلم به واتفاقهما في بطلان التيمّم إذا علم الضرر ولم يكن أصلاً(1) .

ولو حصل منه القربة بالوضوء في الفرض فلا اشكال في الصحّة .

وأمّا لو كان الضرر في الواقع ولم يعلم به وتوضأ فعلى الأوّل صحيح وعلى الثاني باطل لعدم التكليف به واقعا لكن يظهر من الأصحاب عدم العمل حسب القاعدة في باب الوضوء وأمثاله . ففي ما اذا علم بالضرر ولم يكن ضرر في الواقع

ص: 474


1- . وذلك لأن الاعتقاد لا يجزي لما تحقّق في بحث الاجزاء ان بمخالفة القطع لا يسقط الأمر ولا توجب الامتثال بل يبقى التكليف على عهدته ولو قيل بالاجزاء فانما مورده في الأوامر الظاهريّة والامارات لو أخطأت وتبين الخلاف الا ان التحقيق عدم الاجزاء فيهما أيضا وتفصيل الكلام في محلّه .

قالوا بصحّة الصلاة مع التيمم مع ان القاعدة تقتضى البطلان على المبنيين ولزوم الوضوء واعادة الصلاة . وكذا فيما اذا كان الضرر في الواقع ولم يعلم به قالوا بصحّة

الوضوء والصلاة مع ان مقتضى المعنى الثاني من رفع الحكم في مورد الضرر الواقعي بطلان الوضوء وتكليفه بالتيمم فلابدّ من خصوصيّة في ذلك الباب .

أمّا الصورة الأخيرة فللامتنان فانّ لا ضرر لما كان للمنّة على العباد ورفع المشقّة عنهم فاذا لزم من جريانه في مورد وقوع المكلّف في العسر فلا يجري فلو ما صحّ الوضوء على الفرض الأخير كان صلاته باطلة ومقتضاه لزوم الاعادة مع ( التيمّم ) وهذا إنّما لزم على تقدير جريان لا ضرر وذلك خلاف المنّة فلذا قالوا بصحّة الوضوء والصلاة على هذا الفرض . ولا يخفى ان ما ذكرنا في لا ضرر يجري بعينه في عموم الأحكام الامتنانيّة كرفع الحرج والعسر ولازم ذلك عدمصحّة ما تحمل فيه المشقّة من التكليف في مورد حسب ما اقتضت القاعدة من رفع الحرج واقعا الا ان يكون في بعض الأبواب ما يقتضي خلافه .

أمّا الصورة الأولى فاستدلّ له ببعض الأدلّة من الآية وغيرها لكون الاعتقاد ذا موضوعيّة في باب الوضوء وربما يمكن جريان قضيّة الامتنان فيه أيضا .

ثمّ لا يخفى ان الضرر له جهتان توجبان الحاقه بذيهما .

فيمكن الحاقه بالتشريع الذي حكم العقل بقبحه في ما لم يكن واقع أصلاً وفي ما كان ولم يعلم به وشرّع سواء ولا خطاب طريقي في المحتمل ويمكن أن يلحق بما محتمله ذو حكم طريقي ومقطوعه يعني واقعه ذو حكم نفسي . ويمكن الاستدلال لتصحيح ما يظهر من الأصحاب في الموردين بآية التيمّم حيث تدلّ على لزوم التيمّم إن لم يجدوا ماءً فلو كان المراد من عدم الوجدان ما هو ظاهره

اتّفاقهما في النتيجة في بعض الموارد

ص: 475

على بعض الوجوه وانه لم يكن الماء موجودا فلابدّ من الحكم ببطلان التيمّم في ما اذا كان في مقدار الغلوة للطلب وطلب ولم يجد . لكنهم لا يقولون بذلك بل أفتوا في هذه الصورة يعني اذا تفحّص ولم يجد في مقدار غلوة سهم أو سهمين مع الشرايط المعتبرة من كون الرامي والقوس معتدلين وإنّ الفحص في أربعة جوانب على أيّ نحو اعتبرناه بصحّة التيمّم والصلاة كما اذا تخيل عدم وجود الماء فتيمّم وصلّى وتبيّن وجوده في رحله . ولا يمكن تصحيح ذلك إلاّ بما قيل في الآية وكان مقتضى الجمع بينها وبين أخبار الوضوء والتيمّم من أن يكون المراد من لم تجدوا لم تتمكّنوا .

فاذا اعتقد عدم وجود الماء في ما اذا فحص على الوجه المعتبر فيصدق عقلاً حينئذٍ انه غير متمكّن من استعمال الماء كما ان عدم القدرة على الماء وإنكان موجودا ويعلم ذلك كذلك . ولو كان الماء في الصورة الأولى موجودا لأنوجوده الواقعي لا يجعل هذا الشخص متمكنا منه بل لابدّ من العلم بوجوده وعدم مانع منه عقلاً .

ومن المعلوم انه اذا اعتقد عدم وجوده ولو كان في رحله يكون غير متمكّن اذ مع هذا الاعتقاد لا يقدر على استعمال الماء ولو قلنا ان المانع الشرعي كالمانع العقلي فاذا خاف مرضا له أو ضررا من ناحية وضوئه فهو أيضا غير متمكن . واذا اعتقد الضرر ولم يكن في الواقع فبحسب اعتقاده لا يمكن له الوضوء الا بالعصيان والخروج عن أمر المولى لما يرى نفسه غير مكلّف بخطاب الوضوء بل عليه أن يتيمّم .

فهذا الذي تخيّله مانعا من الوضوء يمنعه استعمال الماء ويوجب عدم تمكّنه

ص: 476

منه عقلاً اذا عطفنا المانع الشرعي على العقلي . وعلى هذا فليس عليه إلاّ التيمّم .

لكنّه لا يخفى ان موارد الوضوء وكذا الغسل والتيمّم لما كان في فرض عدم وجود الماء أو لا يجد نفسه متمكنا من استعماله عقلاً أو شرعا يكون داخلاً في مسئلة ذوي الأعذار .

فلو قلنا بجواز البدار في غير ما اذا لا يرجو الزوال فمقتضى ما ذكرنا صحّة تيمّمه مع صلاته وإن حصل التمكّن من الاستعمال في الوقت بعد أن صلّى . وإلاّ فحيث ان الشارع إنّما أوجب الصلاة مع الطهارة وقيدها بها فلابدّ من العلم بحصول قيدها معها امتثالاً لتكليف المولى فلو اكتفى بهذا التيمّم وصلّى ووجد الماء في الوقت وتمكّن من الاعادة فلا يعلم حصول قيد الصلاة وانه حصلت الطهارة في الفرض بالتيمّم فلا يجوز له البدار الا اذا حصل اليأس عن ارتفاع العذر لما ان الواجب صرف الوجود من الصلاة مع قيد الطهارة والستر وغير ذلك .ومع ذلك لو تبيّن الخلاف في الوقت فلا موجب للأجزاء والاحوط أن يؤخّرالصلاة في غير هذه الصورة إلى حين اليأس وضيق الوقت وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه .

هذا في باب الوضوء واعطف عليه باب الغسل وباب الصوم اذا اعتقد الضرر مع انه لم يكن في الواقع . غاية الأمر فرق بين هذا الباب وباب الوضوء والغسل .

فعلى ما ذكر لا اعادة للصلاة مع التيمّم هناك . وفي المقام لابدّ من قضاء الصوم الا انه ما عصى لاعتقاده الضرر فيه وكذلك لا كفارة عليه أكل شيئا وأفطر أم

دخول مسئلة الطهارات في حكم ذوي الأعذار

ص: 477

لا اذا قلنا بلزوم الكفارة لمطلق ترك نيّة الصوم هذا(1) وقد ورد اشكال(2) على بطلان الوضوء في ما إذا وجب عليه التيمّم في ما ذكرنا من الفروض على أيّ المبنيّين من الحاج آقا رضا الهمداني قدس سره بأنّه لما كان لا ضرر امتنانياً فمورده ما إذا يكون امتنان في رفع التكليف ولازمه التوسعة على المكلّف فلا موجب لبطلان الوضوء فيما اذا كان الوضوء مرفوع اللزوم بنفي الضرر اذا كان وضوئه ضرريا . بل للمكلّف أن يكلّف نفسه تحمل الضرر خصوصا إذا كان يسيرا كشين ظهر الكف لبرد الماء أو لحصول الحمّى وعروضها عليه في بضع أيّام ويأتي بالوضوء أوالغسل مثلاً الا اذا كان مورد التهلكة أو احتملنا فلا يجوز وسبق الاستدلال للجوازبرفع الالزام فلم لا يبقى الجواز ( كما يذكرون في باب النسخ هل الجواز يبقى مع نسخ الوجوب أم لا ) مع حصول القربة بفعل الوضوء لتحصيل الطهارة ويكون باب الوضوء كباب المعاملات حيث ان العقد اذا كان ضرريا فانّما ينفي بحديث نفي الضرر لزومه واما صحّته مع انها حكم وضعي شرعي ورفعه ووضعه بيد الشارع تبقى لأنها عبارة عن حصول النقل والانتقال ويكون رفع اللزوم منة على الذي له الخيار برفع اللزوم لأجله في أن يختار امضاء العقد وأن يفسخ . وأجاب عن هذا

ص: 478


1- . وأمّا ساير الأبواب كباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي فيه أبحاث نفيسة عالية بحثها ومدارستها الزم وما يذكر فيها من التحقيقات أقوم من البحث في فروع المعاملات والبيع وكذا بابا النكاح والطلاق فيبقى الحديث مع مقتضاه من المعنى الأول وكذا الثاني الاّ ان يدل دليل خاص في هذه الأبواب في مورد على ما يخرج عن القاعدة من حديث نفي الضرر كما ان حديث الجار كالنفس [ الوسائل 25 الباب 12/2 من أبواب احياء الموات ] غير مضار ولا اثم يدلّ على عدم جواز الاضرار بالنفس حيث جعل النفس أصلاً لحكم عدم اضرار الجار واثمه مما يكنى بذلك عن ثبوت الحكم في الأصل بيّنا فان لا ضرر يدل على عدم جواز الاضرار أيضا .
2- . مصباح الفقيه 6/150 وما بعده .

الاشكال المحّق النائيني قدس سره .

عود على بدء: قد ظهر ممّا ذكرنا من حكومة لا ضرر على الأدلّة الأوليّة ان المنفي والمرفوع هو الحكم والالزام الذي يلزم منه الضرر في التكليفيات كالوضوء مثلاً والوضعيّات وجوب الوفاء بالعقد فالزامه منفي ولا يبقى بعد ذلك شيء بلا فرق بين الحكومة الواقعيّة أو الظاهريّة كحكومة الامارات على الأصول وحكومة رفع ما لا يعلمون على الحكم الواقعي الذي يرجع على مبنى المحقق النائيني إلى رفع ايجاب الاحتياط حذرا من لزوم التصويب كما بنينا نحن على تعلّق الرفع بنفس الحكم والخطاب بجعله الذي يستوي فيه العالم والجاهل وهو اشتغال العهدة كالدين غير المطالب وعلى مبناه يكون حكومة باب اليد وحكومة البينة وبعد رفع الضرر يكون الرفع بشراشره أي الحكم الضرري بماله من الشؤون فلا يبقى بعده جواز أصلاً على المعنيين في لا ضرر وتعيين الوظيفة بالأدلّة الاخرى فاما أن يكتفي بما أتى به بلا لزوم شيء عليه أو يرفع اليد عن العمل أو يبني على اتيان الزائد لعدم تعرض الرفع للجعل والوضع . هذا مقتضى القاعدة على ما حقّقه المحقّق النائيني وهو الذي ثبت عن المشهور على ما نسب إليهم وقدخرجنا عن مقتضى هذه القاعدة الأوليّة التي تقدم ان حكومتها تتحقق بقيدين وهوأن يكون هناك ضرر وأن يكون معلوما في باب الوضوء والصوم وفي باب الغبن وما مثل هذه . ففي باب الوضوء لما دلّ على صحّة غير الجامع للقيدين حسب ما استظهر على ما تقدّم ولما أشرنا إليه أيضا انه يكون في الوضوء والصوم موضوعيّة للخوف وإن لم يكن له حقيقة الا تخيل ما يصل إليه من الضرر في النفس أو المال في موارده . ويبقى باب الغبن ويشكل على القاعدة المستفادة والاستظهار من

نتيجة الحكومة رفع الالزام

ص: 479

لا ضرر بأن الرفع والنفي اذا تحقّق القيدان وفي المعاملة الغبنيّة لم يلتزموا بالخيار ونفي اللزوم اذا كان المشتري عالما بالغبن أو البايع كذلك مع اجتماع القيدين .

والجواب أوّلا فلأن الضرر لم يستند إلى اللزوم الشرعي المجعول المستفاد من نحو أوفوا بالعقود(1) وقد سبق انه لابدّ من استناد الضرر إلى الحكم على نحو السببيّة لا المعد وفي مورد الغبن يريد المغبون أن يعامل ويعطي زائدا على القيمة مع علمه بالغبن فقبل أن يكون عليه حكم والزام تحقق الضرر بنفسه من قبله وأوجب على نفسه . فلو أوجب الشارع تلك المعاملة والزمه بالوفاء بها لم يلقه في الضرر كما اذا جعل له الخيار ونفى الوجوب يبقى على ما كان عليه من اختيار مضي المعاملة حسب ما أوقعها . وثانيا استناد الخيار إلى حديث نفي الضرر لا وجه له بل يرجع إلى الشرط الضمني . فان المتعاملين كما يقصد أن البدليّة للعوضين وان يتعاوضا الاضافة المتحقّقة بينهما والعوضين فان الاضافة تارة تتبادل أصلها كما في المعاملة البيعيّة وتارة يكون التبادل للمضاف كما في العينين وثالثة في المضاف إليه كما اذا مات وورثه وارثه فهنا تحقق بدليّة المضاف إليه .وفي المبايعة يتحقّق تبادل العينين والاضافة تتبعهما في الموضعين كذلكيقصدان تساوي مالية البدلين .

غاية الأمر يبني العقد على ذلك ويكون كالمذكور فيه كما ان اطلاق العقد يقتضي نقدية الثمن وان يكون نقد البلد ممّا يطلق العقد عنه ويكون مقصود المتعاملين ومنها هذا الذي نحن فيه من الغبن فان البناء النوعي قصد التساوي للمالين والعوضين في مقام المعاملة ويكون العقد مقيّدا بهذا وذاك بالنسبة إليه

جواب الاشكال

ص: 480


1- . سورة المائدة: 2 .

كالشرط الضمني فثبوت الخيار لهذا وليس ذلك في المقام أصلاً . حيث ان قصده خلافه بل يريد أن يوصل مالاً إلى البايع أو المشتري زائدا على ما يستحقه عوضا لماله حسب قيمته الواقعيّة . كما اذا وهبه ذلك وكم فرق بين ما نحن فيه وبين غيره فان المقام يخرج عن موضوع الضرر بالعلم بالغبن هذا . وعليه فلو تخلف هذا الشرط الضمني في مورد فالالزام منفي وأمّا صحّه العقد فلا ربط لها بالالزام ولا لزمت من ناحية الضرر بل ذلك خلاف الامتنان .

ان قلت: فعلى هذا يكون الالزام الموجب للضرر على المكلف في باب الوضوء منفيا ويبقى الجواز للامتنان اذا تحمل لمشقة وأراد المكلّف أن يدرك المصلحة ( لو كانت ) ولا يلازم رفع الالزام رفع الجواز لأن المنّة تتحقّق برفع الأول .

قلت: قد أجاب المحقّق النائيني عن هذا الاشكال الذي أورده الحاج آقا رضا الهمداني قدس سره ( ولعلّ غيره أيضا ) اولاً بالنقض بلا حرج ولا عسر وأمثالهما كلا شك لكثير الشكّ(1) حيث ان جميع هذه امتنانيّة . وهو أي الحاج آقا رضا لا يلتزمفيها ببقاء الجواز كما يدعيه في المقام وعلى ما قرّبه وحرّره كان ينبغي أن يعم ذلكفيها أيضا حيث لا فرق بينهما وبين لا ضرر فان لم يكن هذا للمنّة فكذلك تلك وان استفيد الامتنان من حديث الرفع بحيث يشمل بعضها فيكون لا ضرر هكذا حيث ان في بعضها زيادة على مؤمن أو زيادة في الاسلام ولا امتياز لبعضها على آخر بل الحكومة في جميعها على نسق واحد أعمّ من لا حرج ونفي العسر والضرر . والامتنان أيضا كما في بعض موارد الحكومة . وثانيا بالحل وهو ان الوجوب

ص: 481


1- . الوسائل 8 الباب 16/1 - 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .

والالزام ليس معنى مركبا من طلب الفعل مع المنع من الترك حتى ينازع في انه اذا رفع الوجوب هل يبقى الجواز أم لا على الخلاف المعروف في بابه من تقوّم الحكم بفصل ومن رفع الفصل الوجوبي يلزم بقاء الجنس بغير فصل بل ليس الوجوب إلاّ ما ينتزع عن مرتبة من الطلب أي الذي يوجد مصداقه المولى في الخارج في مقام ارادة شيء من العبد بأن يكون فاعلاً له كما ان الاستحباب أيضا ينتزع عن الطلب وليس هو إلاّ أمرا بسيطا لا يوجب فيه اختلاف الخصوصيّات من الاجهار والاسرار والتأكيد وغيره معنى زائدا . بل حيث ما رخص في الترك يستفاد الوجوب واذا رخص فالاستحباب . وكذلك في جانب الحرمة والكراهة فاذا رفع الضرر والالزام بالوضوء فينتفي المشروعيّة من رأس ولا محل للجواز فيه بعد ذلك . واذا كان بداعي التعجيز فهو وكذا التهديد وغير ذلك من الدواعي ولا تكون الصيغة في جميع ذلك الا مستعملة لمعنى واحد وحصول مصداق فارد من الطلب فلا تركيب ولا جنس وفصل . فالوجوب انما ينتزع من الصيغة اذا كان بداعي الجد فاذا ورد دليل بأنّه لم يكن مرادا فلا يبقى شيء حتّى يكون هو الجواز لأن الحكم في غاية البساطة ولا شائبة فيه من التركيب مضافا إلى مثل لا شكّلكثير الشكّ(1) لا يمكن فيه ذلك .ولا يخفى ما في هذا الايراد لأنّ الاشكال إنّما هو على المبنى فيمكن في ما إذا كان تخصيص أيضا أن يلتزم أصحاب هذا المبنى ببقاء الجواز بعد رفع الالزام كما يمكن أن يقولوا برفع الجواز أيضا . وهو أيضا كان ملتفتا فمن الأول استثنى

ص: 482


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 إلى 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة مع تفاوت في الألفاظ .

مورد لا شكّ لكثير الشكّ فانه لا امتنان فيه كما في لا بنيان(1) لكنيسة .

وثانيا يلزم أن يكون التيمّم الذي هو متأخّر عن الوضوء والغسل في رتبتهما اذا قلنا ببقاء الجواز بعد ورود دليل نفي الضرر . فان التيمّم في طولهما وإنّما يجب بعد ان لم يتمكّن منهما بل حسب المستفاد من الآية ان المتيمّم هو من كان فاقدا للماء كالمتوضى هو من كان واجدا له أو يكون الثاني متمكّنا منه والأوّل غير متمكن .

وعلى أيّ فقد وجب الوضوء والغسل على عنوان الواجد أو المتمكن

حسب بيان الآية الشريفة لما ورد من انّ التراب(2) أو الصعيد أحد الطهورين بأنّ الماء مقدّم على التراب إذا كان المكلّف واجدا له متمكّنا من استعماله فاذا جاز الوضوء لمن عليه الضرر في الوضوء فلا يكون غير متمكّن من الماء وإذا لم يكن فلا يجوز عليه التيمّم ولابدّ له من الطهور للصلاة وليس إلاّ الوضوء لتمكنه من الماء وجائز استعماله له شرعا . وعلى أي فبناءً على جواز الوضوء لمن عليه الحرج والضرر فيه وأن يكون المرفوع بهما هو الالزام فقط فلا يمكن شمولعنوان الفاقد لمثل هذا أصلاً فكيف بالتخيير بين الوضوء والتيمّم ( وهل هذا الاكر على ما فررتم منه ) وذلك ان التفصيل قاطع للشركة والمتيمّم لا يجزيه الوضوء كما في العكس .

على الواجد الطهارة المائيّة وعلى الفاقد الترابيّة

ص: 483


1- . عن الجامع الصغير 2/725 وفيض القدير 6/380 .
2- . الوسائل 3 الباب 21 - 23/1 - 5 - 6 - 4 - 13 من أبواب التيمّم واللفظ فان التيمّم أحد الطهورين . ان اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً، ان ربّ الماء هو ربّ الصعيد لكن لم يرد الصعيد أحد الطهورين أو التراب أحد الطهورين ان رب الماء هو رب الأرض أو هو رب التراب .

هذا غاية تقريب مرام المحقّق رحمه الله إلاّ انّه لا يتوجه اشكاله وما أورده على القائل أصلاً فانّه لا محذور في كون المقام مخيّرا فيه بين الوضوء والتيمّم وكم له من نظير . لأن مقتضى دلالة حديث التراب(1) أحد الطهورين كون التراب كالماء

محصلاً للطهارة المشروط بها الصلاة . لكن الآية الشريفة الواردة في بيان حكم الوضوء أوجبته والغسل وجعلتهما مقدمين على التيمّم وخصّته بصورة عدم وجدان الماء أو عدم التمكّن منه حسب ما فسّر بذلك .

ومقتضى الجمع بينهما اختصاص التيمّم بمن لم يتمكّن من الماء عقلاً أو شرعا الا ان دليل رفع الحرج والضرر بمالهما من الحكومة على الأدلة الأوليّة رفعا الالزام للوضوء عن من يتضرّر به أو يكون له فيه الحرج فيجوز له أن يتوضأ اذا أراد وتحمّل المشقّة في ذلك وان يتيمّم . فيختصّ الآية الشريفة بما إذا لم يكن ضرر على المكلّف في الوضوء والغسل وأمّا في موردهما فيبقى الحديث على اطلاقه ويكون العرضيّة للتراب باقية للماء في هذه الصورة .

فمن يتمكّن من الماء عقلاً وشرعا بأن لم يكن عليه ضرر فعليه الوضوء ومن يكون عليه الضرر فهو وإن تمكّن إلاّ انّه جائز له الوضوء وان ييتمّم والتيمّميجب على خصوص غير المتمكّن من استعمال الماء غير المتضرّر . فبالنسبة إلى المتضرّر لا الزام من الطرفين . وعلى أيّ فالحقّ واضح في المقام . بل أوضح من ما

ص: 484


1- . الوسائل 3 الباب 21 - 23/1 - 5 - 6 - 4 - 13 من أبواب التيمّم واللفظ فان التيمّم أحد الطهورين . ان اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً، ان ربّ الماء هو ربّ الصعيد لكن لم يرد الصعيد أحد الطهورين أو التراب أحد الطهورين ان رب الماء هو رب الأرض أو هو رب التراب .

يكون الحكم المباين على الموضوع لحكم آخر صار في عرضه وأوجب سقوط أصل الحكم والاكتفاء بالأوّل كما في موارد القصر والاتمام .

فان الحاضر والمسافر موضوعان مختلفان بحيث يجب على أحدهما ما فاته من الصلاة في الحال الاخرى كما فاته ان سفرا فقصرا وإن حضرا فتماما ومع ذلك في موارد التخيير يكون القصر في عرض الاتمام . فبايّهما تعلّق ارادة امتثاله وأتى به يكون هو المجزي عنه مع ان الاختلاف في الموضوع في الحاضر والمسافر أشدّ وأوضح منه في باب البدل والمبدل منه كباب التيمّم . فان ما تقدّم عن النائيني رحمه الله من اختلاف العنوانين وان الفاقد يجب عليه التيمّم والواجد الوضوء لا يستقيم لأن في باب البدل والمبدّل لا يتمّ ما ذكره . ويشهد عليه وجوب الوضوء لقضاء ما فاته في ما إذا أتى به أتى بالتيمّم وليس هذا إلاّ لان التيمّم بدل

عن الوضوء لا موضوع في مقابله وإلاّ لكان الواجب في الفرض هوالصلاة مع التيمّم وكذلك في باب السقوط فاذا تحمّل العاجز عن القيام مشقته وقام فيصح منه الصلاة في هذا الحال مع سقوط القيام عنه في الفرض وذلك لان الجلوس ليس موضوعا في عرض القيام .

وعلى أيّ حال فما ورد من التخيير في مواطنه ومثل البيّنة على(1) المدعى واليمين على من أنكر مع ما ورد بالدليل المنفصل ( في بعض الموارد بكون(2)البيّنة على المنكر أيضا أو اليمين على المدعى فراجع ) يقطع ما ذكره من ان التفصيل قاطع للشركة . غاية ما في المقام توجه الاشكال في استفادة الملاك

ص: 485


1- . الوسائل 27 الباب 3 - 4 - 7/1 الى 6 - 1 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . الوسائل 27 الباب 3 - 4 - 7/1 الى 6 - 1 من أبواب كيفيّة الحكم .

للوضوء الضرري بعد رفع الالزام ويكفي في ذلك نفس دليل نفي الضرر حيث انه ورد في مقام المنّة وهي تقتضي بقاء الجواز والملاك والمصلحة فيأتي به بداعي المصلحة ولا اشكال فيه .

واستجود هذا التقريب سيّدنا الأستاذ قدس سره بعد أن حصره بجوانبه وهو الحق .

تقريب لتصحيح كلام المحقّق النائيني . يمكن أن يقرّب بأن لا ضرر ولا حرج وأمثالهما بعد ان كانت حاكمة على أدلّة التكاليف الملزمة كالوضوء مثلاً فيخرج مثل هذا الوضوء عن تحت مدلول أدلّة تلك التكاليف وليس عليه إلاّ التيمّم . اذ بعد ورود حديث نفي الضرر على الوضوء الضرري فالملاك والمصلحة وإن كان كافيا قصده في التقرب من المولي الا انه لابدّ له من كاشف وحيث يكون الأمر هو الكاشف عن الملاك فاذا لا أمر حسب الفرض فليس شيء يكون الكشف به الا ان يأتي برجاء المصلحة . لكن الرجاء لا يحرز شرط العبادة ولا يمكن أن يكتفي بمثل هذا الوضوء كما لا يجوز الدخول في الصلاة أيضا الا رجاءً وأنت تدري ان بالرجاء لا يحرز الامتثال وبقي التكليف على عهدته . اذ مجرّد الشكّ في كون الوضوء ذا مصلحة يكفي في عدم الاكتفاء به ولسنا نمنع كفاية قصد الملاك الا انه ليس محرزا في المقام هذا .

وأجاب سيّدنا الأستاذ قدس سره من هذا الاشكال بأن نفس ورود لا ضرر في مقام المنّة يكفي في كشف المصلحة والملاك اذ لا منّة حيث لم يكن المقتضى للجعلموجودا . بل الاشكال إنّما هو حيث المقتضي وإذ لم يكن المقتضي لشيء فعدمالجعل ليس فيه منّة على العباد .

إذ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد النفس الامرية فان كان في شيء

ص: 486

مصلحة ملزمة فيجعل على طبقها ويلزم المكلّف باتيانه واستيفاء تلك المصلحة وإن كان هناك مفسدة ملزمة فيجعل الحكم على طبقها ويحرم ارتكابه على المكلّف وإذا كان لشيء مصلحة للجعل الا ان هناك مانعا من جهة اخرى تمنع جعل الحكم على طبقها فلا جعل للمولى ولا الزام . فهنا يمكن أن يجعل الحكم حسب ما اقتضاه الجهات والمصلحة الأقوى اذ لا يأمر الاّ بالحسن ولا ينهى إلاّ عن القبيح وليس للعقل كشف القبح والحسن على نحو يحيط بذلك بحيث يطلع على موضوع جعل المولى . بل البارئ الحكيم يفيض على الموجودات حسب استعدادها وما في وسعها حسب صلاحها اذ لا بخل فهو غنيّ بالذات عليم حكيم لا يفعل القبيح بل لا احتمال لصدوره من الحكيم فضلاً عن المولى العالم العادل . وفي ما نحن فيه حيث ان مصلحة التسهيل على المكلّفين كانت أهم فصارت مانعة عن الجعل حسب ما يقتضيه المصلحة في ذلك الوضوء الضرري مع بقاء المصلحة على ما هي عليه وإنّما رفع الالزام للمنّة على العباد حيث ان ذلك من المشاق العرفيّة التي ربما يوجد من يتحمّلها لدرك المصلحة . وإلاّ فلو كان من المشاق العقليّة فلا منّة في عدم جعل الحكم ورفعه بل تكليف العاجز قبيح محال . ولا معنى للاستدعاء منه تعالى لرفع الآصار والخطأ والنسيان بل لم يكن التكليف الشاق العقلي غير المقدور مجعولاً حتى في الامم السابقة . فما كان إنّما هو من المشاق العادية فرفعها عن هذه الامة منّة عليهم لا بحيث ان رفع المصلحة أيضا . بل هي باقية كما كانت فلم تصر المصلحة في الوضوء الضرري مفسدة حتّى يكون حرامامنهيّا عنه . بل رفع الالزام مع بقاء المصلحة ويكون سند البقاء نفس المنّة في رفعمقتضى المصلحة حسب ما يدلّ عليه الرفع الامتناني الذي هو بعد تماميّة

كفاية نفس نفي الضرر في جواز الوضوء

ص: 487

المقتضى . فلا اشكال من هذه الجهة كما انه يكفي قصد الملاك على ما حققناه في محله وهو أيضا معترف بذلك رحمه الله من تصحيح ذلك والترتب . فان الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه بل يقتضي عدم الأمر به الا انه لا يوجب انطماس المصلحة واضمحلالها فيأتي حسب قصد الملاك أو الأمر الترتبي والتفصيل راجع إلى محلّه .

فلم يبق إلاّ ما استشكله ثانيا من عدم كون ما في طول شيء في عرضه اذ التيمّم إنّما هو حيث لم يكن موضوع للوضوء فلو كان يمكنه الوضوء فلا تصل النوبة إلى التيمّم اذ هو متأخّر رتبة عن الوضوء لقضيّة البدليّة عنه فذلك كتأخّر رتبة

الحكم عن موضوعه والمعلول عن علّته وكذا يلزم أن يكون من عليه الضرر في الوضوء متمكنا من استعمال الماء وغير متمكّن منه وكيف يمكن جمع الليل والنهار حيث ان الأوّل في ما إذا لم يكن الثاني كالثاني ويستحيل تقدّم المتأخّر رتبة حتّى يكون في عرض المتقدّم بل استحالة ذلك أوضح من استحالة اجتماع الليل والنهار .

لكنه لا يخفى عليك عدم ورود هذا الاشكال أصلاً بل ذلك مغالطة واضحة لأنّ المستفاد من حديث التراب(1) أحد الطهورين كون التيمّم في عرض الوضوء كما ذكرنا الجمع بينه وبين الآية آنفا وعلى هذا لا اشكال في كفاية الوضوء الضرري لكونه ذا مصلحة ويكفي في التقرب به قصد ملاكه ومصلحته .ولا يخفى ان لا ضرر إنّما ورد في مقام المنّة على المكلّفين وليس نهيا كماسبق .

ص: 488


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 23 - 24/5 من أبواب التيمّم 21/1 واللفظ التيمم .

تنبيهان: الأوّل: لو تحمّل الضرر من يكون الوضوء والغسل مثلاً عليه ضرريّا بأن غمس بدنه أو أعضاء وضوئه في الماء إلى أن تضرر بذلك بحيث لا يتفاوت زيادة الغمس وامرار الماء عليها بالنسبة إليه بذلك يكون خارجا من باب الضرر وليس وظيفته إلاّ الوضوء اذ لا ضرر عليه في الوضوء بعد هذا حتّى ينفي الزامه لتعنونه بالضرر إذ ذلك قبل التحمّل واما بعده فلا . حتى لو اخترنا مذهب النائيني قدس سره من ان رفع الالزام من باب المنّة على العباد يلازم رفع الجواز فلا يبقى وجه لجواز الوضوء اذ في الفرض يتعين الوضوء والغسل عليه لعدم موضوع للضرر ولا يكون التيمّم جائزا .

نعم لو حصل بسبب الوضوء زيادة ضرر فالحديث يجري بالنسبة إلى هذا المقدار ويجييء فيه ما تقدّم من التبدّل إلى التيمّم على ما اختاره تعيينا والتخيير

بينه وبين الوضوء على ما بنينا عليه .

الثاني: ما ذكرنا من بقاء الجواز بعد رفع الالزام في الوضوء الضرري لاقتضاء المنّة ذلك إنّما يكون فيما إذا لم يصل الضرر إلى حدّ المفسدة والاضرار بالنفس وإلاّ فلا مقتضى لبقاء الجواز في هذه الصورة لان هذه الأعمال الوضوئيّة أو الغسليّة تكون محرمة عليه من جهة الاضرار بالنفس لعدم امكان كون الحكم حرمة وجوازا كما لا يمكن اجتماع الوجوب والحرمة على شيء واحد فيكون ذلك من باب اجتماع الأمر والنهي ولا يمكن التقرب بمثل هذا الوضوء الضرري المحرم من اللّه تعالى .

اذ لايبقى الجواز ولا مصلحة للوضوء حتّى يصحّ وضوئه بداعي الملاك وأنيتقرّب بذلك وإنّما مورد ما ذكرنا من بقاء مصلحة الوضوء الضرري وكفاية قصد

لو تحمّل الضرر

ص: 489

ملاكه هو اذا لم يصل إلى هذا الحدّ . بل يكون ضررا يسيرا ومشقّة عرفيّة وحرجا وعسرا كذلك اذ لا يختصّ ذلك بالضرر بل يجري في مثل لا عسر ولا حرج وأمثالهما .

ففي هذه الصورة لأهميّة مصلحة التسهيل عند مزاحمتها مع مصلحة الالزام قلنا بعدم وجوب الوضوء .

أمّا مصلحته فباقية بخلاف ما إذا كان محرما فلا مصلحة حتّى يصحّح الوضوء ولو بالترتب .

فاذا تحمل المشقّة غير المحرّمة التي لا مفسدة فيها ويدرك مصلحة الوضوء والغسل فيصح عمله وهذا لا اشكال فيه .

إنّما الكلام في خصوص الضابط وان الأضرار المحرّم بالنفس ما ميزانه ؟ فمن المسلّم انّ الأضرار بالتهلكة والقاء النفس فيها أو قطع اليد والرجل وأمثالهما يكون محرّما كما انّ المشقّة الجزئيّة والضرر اليسير القابل للتحمّل لا تكون محرّمة

يجوز معها ترك الوضوء والغسل والتيمّم بدلهما ولم يرد في الأدلّة الشرعيّة ما يكون قاعدة كليّة وميزانا كذلك ليكون معيارا لتشخيص الضرر المحرّم من غيره .

إنّما ورد النهي واستفيد عدم الجواز من الموارد الجزئيّة فمثل الغسل لمن يصير محموما أو مزكوما بسببه ولا يكون عليه كثير مشقّة بالاستحمام فيعرق بدنه ويترشّح أعضائه فيذهب عنه الحمّى والزكام لا يكون من الأضرار المحرّم اذ لا مفسدة في ذلك كما اذا أمكن رفع ما عرضه من الكسل والتواني بمثل شرب لسان الثور ونحوه من الأدوية والعقاقير . وورود النهي عن ما إذا كان شرب شيء أو أكله موجبا لطول مرضه .

لا يجوز الوضوء إذا وصل إلى حدّ المفسدة

ص: 490

ولعلّ عدم ورود الاخبار المبنيّة لذلك المشخّصة لمواردها لأن ذلك مسلمعند الناس بحيث يتمكّنون من تشخيص موارده حسب جبليّتهم وسيرتهم . ولذا لم ينعقد لذلك باب في الأخبار لعدم ورود ما يكون صالحا لأجله . وعلى أيّ فمثل قطع اصبع الغير ولو بأذنه يكون محرما ومثل اللطم واللدم وأمثال ذلك ممّا فيه شعاريّة للاسلام ولاقامة مراسم التعزية الدينيّة لا إشكال فيها ( واستفيد من بيان الأستاذ قدس سره عدم الاشكال في مثل ضرب السيوف على قدام الرأس الذي يعبّر عنه بالتطبير وكذا ضرب السلاسل على الصدور على ما هو المرسوم اليوم في المآتم الاماميّة ) وكذا قطع الرجل يده أو اصبعه يكون حراما قد استفدناه من باب الديات وغيره من الموارد الجزئيّة الخاصّة كما ان الاضرار جاز في بعض الضرورات اذا صار إلى حد به يسدّ الرمق كأكل مال الغير لكنه مع الضمان كما يجوز في الضرورات أكل الميتة من المأكول وغيره حتّى لحم الآدمي إلاّ إذا كان نبيّا أو وليّا فيأكل من لحم نفسه لسدّ رمقه ولا يأكل من لحمهما وتفصيل الموارد الجزئيّة موكول إلى الفقه هذا .

وفذلكة ما ذكرنا بقاء الجواز إذا لم يكن فيه مفسدة في باب التكاليف ولا يرفع الجواز مع الالزام وكذلك في باب المعاملات اذا كان العقد ضرريّا كما اذا غبنه البايع فبحديث نفي الضرر يرفع لزوم ذلك العقد لكنه لا يوجب رفع الصحّة إذ فيه خلاف المنّة .

مضافا إلى ان الضرر لا يستند إلى الصحّة بل المعنون به إنّما هو اللزوم وأن يكون ملزما بوجوب الوفاء بمقتضى العقد .

وقد ذكرنا ان المنفي لابدّ أن يكون علّة للضرر وجزءا أخيرا لها . ومن

موارد جواز الاضرار بالنفس وبالغير

ص: 491

المعلوم ان الصحّة ليست في ذلك من شيء بل لها دليل وهو أحلّ اللّه البيع(1)بمقتضاه صار البيع جائزا نافذا ولا ينافي ذلك رفع اللزوم الآتي من قبل أوفوا بحديث نفي الضرر هذا .

ايقاظ: قد ذكرنا سابقا ضابط جريان نفي الضرر وانه لابدّ من الضرر الواقعي والعلم به وعلى هذا يتوجه نقض اشكالاً على ذلك بأنّه يلزم فساد البيع المحاباتي والصلح وأمثالهما ممّا يقدم أحد المتعاملين على ضرر نفسه فيعطى الثمن زائدا على قيمة المبيع أو يصالح بأكثر ممّا يكون قدر الحق على نحو لا يعد باليسير لانطباق الضابط في المقام من كون الضرر واقعا وعلمه به مع انهم لا يقولون به .

وحلّ الاشكال بما ذكرنا وأشرنا إليه مرارا من انّه لابدّ في مورد جريان لا ضرر أن يعنون الحكم به وضعيّا كان أم تكليفيّا . ولا يخفى انه في الفرض لا يكون اللزوم المجعول من ناحية الشارع ملقيا للمقدم على الضرر إليه بل هو ألقى نفسه فيه وأقدم عليه .

فلو جعل اللزوم والزمه على الوفاء لا يكون ما ألقاه فيه الضرر مستندا إلى الجعل الشرعي اذ العلّة له اقدام نفسه قبل الالزام المولوي .

وهذا بخلاف باب التكاليف فانّ الضرر إنّما يأتي من قبل جعل المولى وفعل المكلّف واقدامه لا يوجب استناد الضرر إلى نفسه لأن بعثه إلى الوضوء الضرري إنّما يكون من المولى فالضرر مستند إليه وإذا كان الاقدام موجبا لاستناد الضرر إلى المقدم فيعلم الوجه فيما أفتى به الفقهاء في موارد متعدّدة يتوهّم فيها جعل

ص: 492


1- . سورة البقرة: 276 .

السلطنة الضرريّة للمالك .منهاما لو استأجر الأرض إلى مدّة قليلة وزرعت فيها ما لا يحين حصاده إلاّ بعد مضى وقت الاجارة أو غرس فيها شجرا يبقى مأة سنة أو أكثر كالنخل مع كون المدّة المستأجر فيها خمس سنوات في الأخير وستّة أشهر في الأوّل الذي يتجاوز زمان حصول الزرع إلى حين حصاده عنه بشهرين مثلاً فللمالك يعني صاحب الأرض أن يطلب تخلية أرضه وافراغها من النخل والزرع وله السلطنة على ذلك وعلى الافراغ لو لم يخلّ صاحب النخل والزرع كما انه إذا لم يكن الغرس والزرع عن حق بل كان عن غصب . لصاحب الأرض ذلك .

والاشكال انه قبل تمام المدّة كان مأذونا في أنواع التصرّفات في أرض المالك وليس للمالك منعه لأن ذلك عن حق لازم . وهو قد أذن له بمقتضى عقد الاجارة فبعد تمام المدّة لو كان للمالك قلع الشجرة واخراج الزرع عن الأرض يتضرّر المستأجر بذلك ولم يكن حسب الفرض غاصبا حتّى لا يكون لعرقه حق على ما نطق به الخبر ( ليس لعرق ظالم حق )(1) ولا يكون في الابقاء إلى حصول زمان حصاد الزرع ضرر على المالك لأنّه لا يتصرّف في أرضه ولا يمشي عليها بل يبقى زرعه فيها والبقاء من الزرع ولا يوصل ضررا على المالك حتّى يدخل في مسئلة تزاحم الضررين التي ستعنون إن شاء اللّه بل يبذل اجرة الأرض المشغولة ويمكن فرض المثال في ما هو أوضح من ذلك .

كما إذا تخيّل المستأجر بقاء مدّة تسع زرع الأرض وحصاده فزرعها وغرس شجرا فيها ثمّ تبيّن خطأه في ذلك ولم يبق مثلاً إلاّ ثلاثة أشهر وعلم بذلك

إذا زرع في الأرض المستأجرة ما يبقى بعد مدّة الاجارة

ص: 493


1- . الوسائل 25 الباب 3/1 من أبواب الغصب .

بعد مضي الثلاثة .فانّ الزرع والغرس لم يكن إلاّ عن حقّ . بل في الأمثلة المذكورة ولو كان يعلم تصرّم زمان الاجارة قبل درك الثمرة وزمان حصول الزرع وصلاح النخل إلاّ انه له الانتفاع بهذه قبل تمام المدّة .

وعلى كلّ التقادير فلو كان للمالك بعد انصرام مدّة الاجارة في هذه حق القلع وتخليص أرضه من الشجرة والزرع في ما ذكرنا من مسئلة الاجارة أو في العارية وما إذا أذن لاشغال أرضه يكون الغارس والزارع متضرّرا بسلطنة المالك وتوجب هذه السلطنة ضررا عليه فليكن المقام من قبيل مسئلة الاجناب التعمدي بل كما قال سيّدنا الأستاذ قدس سره عمل فعلاً جائزا حتّى انه كان يميل إلى جواز صبّ الماء والتيمّم بلا اثم عليه ( وإن كان كلاهما لا يخلو من اشكال من حيث الجواز التكليفي

خصوصا مع عدم جعله باب التيمّم والوضوء موضوعين مختلفين كالحاضر والمسافر ولذا يوجب الفقهاء قضاءا ما فاته بالتيمّم لو صلاّه بالوضوء فالانصاف انه لا يجوز الاجناب ولا صب الماء تكليفا لبدليّة التيمّم عن الاغتسال والوضوء وذلك من خصائص هذا الباب . فيجري في نفي الزام الغسل الضرري عليه حديث نفي الضرر فلعلّ مسئلة غرس الشجر يكون عدم الجريان أولى للفصل الزماني الطويل بين غرسه وتصرّم المدّة .

والحل جوابا عن الاشكال ان الاقدام على ما يكون ضررا على نفسه ولو بعد حين يوجب عدم جريان حديث السلطنة وقصرها في غير المقام . فانّ الناس مسلّطون على أموالهم ولا يكون لا حد سلطنة على مال الغير فنفس الاقدام في

ص: 494

هذا المقام يمنع من جريان حديث نفي الضرر بالنسبة إلى الغارس والزارعوبالجملة فلا يوجبون على المالك قبول الاجرة وابقاء الزرع والشجر من مالكهماولا يوجبون على مالكهما قبول رضى المالك وعدم جواز القلع . ومع ذلك كلّه فالمسئلة غير خالية عن الاشكال وتفصيل المباحث موكول إلى الفقه . والضابط الكلي هو عدم سلطنة المالك على ماله بحيث توجب ضررا على الغير وتكون علّة تامّة لتضرّر جاره كما إذا حفر بالوعة يرمي فيها بالماء وينفذ في سرداب جاره أو يؤجج النار في هبوب ريح عاصفة فتسري إلى مال الغير فتحرقه أو يفتح دكانا جنب دكان العطار يفسد بعمله عطره . ففي هذه المقامات سلطنة هذه الأشخاص حتى إلى هذا الحدّ توجب الضرر على جيرانهم وتكون علّة تامّة لتضرّرهم وليس لهم هذا الحق وتلك السلطنة . كما ان في كلّ مورد يكون الضرر في مرتبة الامتثال وفي طريقه يجري حديث نفي الضرر وفي ما إذا يكون في رتبة ينشأ عنها الحكم فلا مجرى له . وبعبارة أوضح ان الاقدام لو كان في سلسلة علل الحكم لا يجري الحديث بخلاف ما لو كان في سلسلة معلولاته وعليك بالتأمل في أمثال هذه المقامات والمراجعة إلى أبواب الفقه خصوصا الغصب تجد بيانات شافية هناك والحمد للّه على كلّ حال .

ومنها: في ما إذا أعار شيئا ليرهنه أو ليدفن فيه الميّت إذا قلنا بجواز رجوعه في العارية إذ هي من العقود الجائزة أو أعار خشبا فبنى عليه المستعير فلو قلنا بجواز رجوعه في ما اعاره لا يكون ذلك من السلطنة الضرريّة بل عمل المستعير اقدام منه في الضرر ولو بعد حين الاّ ان في مورد عارية الرهن ودفن الميّت أو الاذن في الصلاة لا يقولون بجواز الرجوع .

عدم سلطنة المالك على ماله لو أوجبت ضرراً على الغير

ص: 495

أقول: الاّ ان يوجه ذلك برجوع العارية في هذه الموارد إلى عقد لازم آخر كالمصالحة وغيرها وإلاّ فلزوم الهتك للميّت وبطلان الصلاة لا يوجب قصر سلطنةالمالك على ملكه كما في الفرض الآخر الذي بيّنه سيّدنا الأستاذ قدس سره من انّه إذااستأجر مثل المحصّل الذي أصبح لجنتهم وجماعتهم فقراء لا فلوس لهم دارا إلى مدّة فحان الوقت وتصرّم الزمان ولا مال له لاستيجار دار اخرى ولا لباس له ولا لعياله ليتوقى بذلك البرد مثلاً فاخراجه من الدار يوجب تضرّره لذلك . بل ربما يكون هتكا له وكأنّه لاح من كلامه عدم جواز الاخراج كعدم تأثير الرجوع في الاذن في عارية الموارد المتقدّمة فتدبّر .

منها: ما لو غصب الدار أو اللوح فنصبه في السفينة وبنى في الدار بناءً وربما يتحمّل الضرر الكثير ويصرف المال العزيز لتمام البناء الا ان لصاحب الدار تخريب هذا البناء . لافراغ أرضه وداره اما في اللوح لا يجوز المطالبة والاستقلال به وسط البحر لتلف النفوس بذلك . فهناك لابدّ من مراعاة حرمة اتلاف المؤمن للمزاحمة بين الأهمّ والمهم إلى أن يصل إلى الساحل فيطالب به بلا مزاحمة الأهم .

وعلى أيّ فسلطنة المالك في هذه الموارد لم تكن ضررا ومعنونا به لما من اقدام الغاصب والمستأجر والمستعير على الضرر بأنفسهم .

وفي هذا الباب فروع كثيرة في الفقه فيكون للزارع ابقاء زرعه في أرض المالك المستأجر منه بعد مضي مدّة الاجارة وعليه أداء اجرة المثل أو لا وكذا هل الحب المأخوذ من الغير غصبا المزروع يكون تلفا له في أصل الزرع للمتلف أو يكون الحب للمغصوب منه وزرعه وحاصله له واجرة الأرض وعمل الحارث

ص: 496

عليه وقد وردت اخبار(1) في الأخير بعضها بعين الأوّل والآخر الأخير .هذا حاصل الكلام في هذا المقام في خصوص المعاملات وقد عرفت انالاقدام فيها يوجب صحّة العقد الذي أقدم على الضرر فيه أحدهما .

وقاس باب الوضوء على هذا الباب بعض من جعل الاقدام على الضرر في الوضوء الضرري موجبا لصحّته وقد علمت ما هو حقّ المقام .

توضيح في من أجنب نفسه متعمّدا مع كون الغسل ضررا يوجب عليه المشقّة .

ولا يخفى وضوح جريان لا ضرر في هذه المسئلة أيضا بعد ما كان الضابط له تعنون الحكم الشرعي بالضرر اذ المقدم على اجناب نفسه إنّما يوجد موضوعا لخطاب اغتسل والفرض ان الموجب عليه الاغتسال ليس الا الشارع واقدامه كان محصلاً للموضوع والمورد لخطاب اغتسل مع انه يكون ضررا عليه فلا يجب عليه الاغتسال لعدم كون اقدامه موجبا لاستناد الضرر إلى نفسه فجريان حديث نفي الضرر في حقّه لا اشكال فيه لاستناد الضرر إلى الشارع الموجب عليه الغسل وقد ورد في ذلك دليل(2) على وجوب الغسل الا انهم لم يعملوا به ولم يفتوا بمضمونه .

تتميم: ذكر الفقهاء موارد في العارية وانه لا يكون للمالك الرجوع وعدم نفوذه في بعضها كمسئلة الدفن والصلاة والرهن واعار خشبة يبني بناءً وادعى في بعضها الاجماع ولا مدرك لذلك مع ان للمالك السلطنة على ماله وما يملكه وان سلم عدم جواز الرجوع وعدم نفوذه في بعضها كمسئلة الدفن والصلاة فيشكل

جريان الضرر في من أجنب نفسه متعمّداً

ص: 497


1- . الوسائل 25 الباب 2/1 - 2 من كتاب الغصب .
2- . الوسائل 3 الباب 17/1 الى 4 من أبواب التيمم .

اطراد الحكم في جميع الموارد وتفصيل ذلك موكول إلى الفقه فليراجع .

التنبيه الرابع: من تنبيهات لا ضرر هل حديث نفي الضرر كما يجري فيالأحكام الضرريّة التي يكون الضرر في اثباتها وتوجب الضرر على المكلّفيجري في ما إذا لم يكن الضرر الا من ناحية عدم جعل الحكم أم لا ؟

وبعبارة اخرى هل يختصّ الحديث بما إذا لزم الضرر من وجود الحكم فيجري لرفعه كحديث الرفع أو يعم ما إذا لم يكن حكم والضرر جاء من هذه الجهة فيجري الحديث لاثبات الحكم ويذكر لذلك موارد .

منها: ما إذا لم يرض أحد الشريكين في دار مثلاً مشاعة بالقسمة ولا بالايجار فانه لا اشكال في ان القسمة سبب لتحصّص حصّة الشركاء على ما هو الحق في بحث الشركة في انه لا تكون في الأجزاء المفروزة .

فاذا فرض الدار بين شريكين فتنصف أوّلاً وكلّ هذين النصفين أيضا كالكلّ مشترك بينهما فنصف النصف لهذا النصف المنصف من كلّ القسمين للآخر وهكذا في كلّ نصف نصف الأربعة يكون النصف لأحدهما والنصف الآخر للآخر إلى ما يمكن القسمة فيه خارجا بالحسّ . وبعد ذلك تكون في التجزئات الوهمية إلى أن لا يقف لحدّ لامتناع الجزء الذي لا يتجزئ بل تتحقق الشركة بين الدار فنصفها لهذا ونصفها لذاك مثلاً بالاشاعة .

الا انه حيث لا تكون حصّة كلّ واحد معيّنة فلا يجوز التصرّف إلاّ برضى الاخر أو بالافراز والقسمة حتّى يكون مالكا استقلاليّا . وعلى هذا لا اشكال في تحقّق الوقف بالمشاع فيكون بعض الموقوفة ملكا طلقا والآخر حرّا فيكون ذلك بالاشاعة لا بأن يفرض كلّ جزء ويكون نصفه رقا والآخر حرّا مفكوك الملك وكذا

هل ينطبق لا ضرر في مورد عدم الحكم

ص: 498

هذا النصف حتى . . .

ومنها: مسئلة الموقوفة في ما اذا كان بعضها مثلاً على المتولي والباقي لآخرين فهل يجوز القسمة في هذه الموارد اذ الزم الضرر من جهة عدم جوازالقسمة وتضرّر الشريك كما إذا لا يكون له منزل سكنى ولا مال يستأجره .ومنها: ما إذا تزوج شخص فصار لا يقدر على النفقة أو غاب عن زوجته مدّة مديدة ولم يأت لها خبره ولا يكون للزوجة ما تنفق في لوازم معاشها ولا يوصل إليها معاش من خمس أو زكوة أو ساير الوجوه ويكون الصبر على هذا الحال حرجا عليها وضررا فان من اختصاص الطلاق بالزوج وعدم جعل الحق في ذلك لها يلزم الضرر عليها فيثبت بحديث لا ضرر جواز طلاقها بنفسها والامثلة والموارد لذلك كثيرة .

وحاصل الكلام ان لا ضرر إنّما يرفع الحكم الذي يكون ضرريّا أو ضررا لما انه ينفي ذلك كحديث الرفع فانّه أيضا إنّما يرفع ما في سياقها من الأشياء المذكورة وليس من شأنهما الاثبات. فاذا لم يكن حكم ومن عدم جعل الحكم حصل الضرر أو الحرج مثلاً فليس للحديث لسان نفي الضرر لاثبات هذا الحكم . هذا ملخص الكلام .

إنّما الكلام في هذه الأمثلة وغيرها فلو كان هذه من هذا القبيل فليس الاثبات للحكم المناسب للمورد الذي لا يكون الحكم من شأن حديث نفي الضرر . ففي مسئلة التزويج ليس الضرر إلاّ من جهة اختصاص الزوج بالطلاق حسب ( الطلاق بيد من أخذ بالساق )(1) فلا جعل لهذا الحق بالنسبة إلى الزوجة إذ

لا مجال لجريانه في مورد عدم الحكم

ص: 499


1- . مستدرك الوسائل 15 الباب 25/3 كتاب الطلاق .

لو كان لما وقعت في الضرر بل تطلّق نفسها .

فهنا لا وجه لجريان الحديث سواء قلنا ان الضرر حصل عليها من عدم الجعل فيجعل لها الحق في تطليق نفسها أو ارجعناه إلى أمر وجودي وضعيكاختصاص الزوج بهذا الحق .فلو أجرينا الحديث لنفي الاختصاص حيث ان وجوده وجعله في هذا الحال صار موجبا للضرر فلا يرفع الضرر اذ لابدّ من اثبات السلطنة والحق للزوجة ورفع الاختصاص لا يثبت سلطنة لها .

وكذلك الكلام في القسمة فانّها أمر وضعي موجب لتعين حصّة الشريك من الآخر وما لم يكن الرفع موجبا للاثبات لا فائدة في جريان الحديث ولا مورد له .

فلو جرى لنفي القسمة وانها لا تكون مشروطة برضى الآخر في ما إذا لزم من اشتراطه ضرر لا يفيد المتضرّر بذلك لأن المال مشاع بينهما .

ففي مقام القسمة يمكن أن يفرز النصيبان لكلّ واحد على أنحاء كالدار فانها قابلة للقسمة على التنصيف بالطول والعرض فقد يتحقّق في العرض الوقوعي عدد من التقسيم لها فأيّ النصفين أم أي الانصاف يكون لمن لا يرضى بالقسمة وأيّها للمتضرّر حيث ان المال مالهما .

وكيف كان فقد وردت(1) روايات في خصوص الزوجة الكذائيّة بأن للامام أن يفرق بينهما فلو ثبت من الأدلّة ان كلّ ما للامام من المراتب الولويّة يكون للفقيه الجامع لشرايط الافتاء سوى ولايته علیه السلام على الأنفس والأموال .

ص: 500


1- . الوسائل 22 الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق واللفظ الوالي والسلطان .

« فانّ النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم »(1) فلا اشكال في الفرض لجواز الطلاق من قبل الفقيه كما ربما يستفاد من خبر تحف العقول المفصل الذي بعض قطعاتها ما هو المشهور من ان ( مجاري الأمور بيد العلماء باللّه الأمناء على حلالهوحرامه )(2) فكلّ ما للامام يكون لهم من الأمور الدينيّة السياسيّة في السلطنةالدنيويّة وتجنيد الجنود وتشكيل الأساس لدفع المهاجمين وجعل حقوق المقاسمة وتعيين مواردها وضوابطها لا انه يكون لهم خصوص القضاء والافتاء وتولية ما لا متولى له من الأوقاف والنظر في أموال القصر والغيب فان ذلك لا اشكال فيه(3) بل الكلام في عموم الولاية لهم في سوى الأموال والأنفس الّتي ربما يكون للامام هذه المرتبة العليا فلو استفيد من الأدلّة منها ( مجاري الأمور بيد العلماء الخ )(4) كما يشعر صدر الرواية وذيلها بأنّ المراد من العلماء ليس خصوص الأئمّة علیهم السلام بل الرواة للأخبار والآثار فكلّ من اتّصف بالأوصاف المذكورة في رواية الاحتجاج(5) يجوز له التصدّي لهذه المقامات والنيابة عنهم علیهم السلام . الا انه مع ذلك فقد اشكل على القائلين بثبوت العموم في تزويج الصغيرة الا ان يرجع ذلك إلى الحسبة ومن باب لزوم المفسدة وغير ذلك يكون لهم . فعلى هذا ترجع الزوجة إلى نائب الامام عجّل اللّه فرجه الشريف في تطليقها كما اتّفق ذلك في عصر السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره فطلقها بعد أن

عموم ولاية الفقيه

ص: 501


1- . سورة الأحزاب: 7 .
2- . تحف العقول 242 مع اختلاف في الألفاظ .
3- . كما انه يمكن ثبوت الأولويّة على طبقات الوارث في أمر الميّت والامام أولى .
4- . تحف العقول من كلام الامام الشهيد أبي عبداللّه الحسين علیه السلام 240 المترجم بالفارسيّة .
5- . الوسائل 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

راجع زوجها في أن يعطيها النفقة فلم يفعل أو يطلّقها هذا .

( روى أبو بصير(1) قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: من كانت عنده امرئة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام أن يفرقبينهما ) .

هذا إذا كان لهم بسط اليد وإلاّ فلو ثبت لعدول المؤمنين ذلك . والا فلتصبرفان ذلك بليّة ابتليت بها ولا حقّ لها في تطليق نفسها ولا يثبت الحديث هذا .

تكميل وتوضيح: لا يخفى جريان الكلام في نفي الحرج والعسر وغيرهما ممّا هو كلا ضرر في رفع الحكم الثابت وانه هل تختص هذه بالاثبات بمعنى جريانها لرفع الأحكام اللازمة منها هذه الأمور أو تجري في ما إذا لم يكن هناك حكم والضرر والحرج والعسر حصل من ذلك كما إذا لم يمكن قليل المال الذي له أغنام عديدة لا تبلغ النصاب أو يبلغ ويؤدّي زكاتها الاستقلال برعيها واستنتاج منافعها ولابدّ من الشركة لمن لا يؤدّي الزكوة المتعلّقة بالمال والأغنام التي جاوزت حدّ النصاب . فانه على التحقيق يتعلق حق الفقراء بالعين على نحو الاشاعة لا بنحو الكلي في المعين ولا يكون كحق الجناية ولا كحق الرهانة . وعلى هذا فيخلط ماله بمال شريكه في المنافع المستوفاة من هذه الأغنام من اللبن والدهن وغيرهما فلو تصرف في ماله لم يكن مميزا مقسوما ولو لم يتصرّف فكيف يفعل وإن كان الشريك غاصبا لحقوقهم . الا ان ذلك لا يخرج المال عن الاشاعة ولا يختصّ هذا في الشركة بل سارىٍ في معاملات هذا الشخص التي يجعل أثمانها أعيان هذه المنافع أو نفس هذه الأغنام التي صارت ثلاثة أو أكثر منها حقّ

ص: 502


1- . الوسائل 21 الباب 1/2 من أبواب النفقات .

الفقراء وكذا في مسألة خمس أرباح المكاسب .

وعلى أيّ فالملاّك والشركاء ثلاث طوائف: طائفة هذا الشريك واخرى المالك للجلّ وغيرهما الفقراء والمساكين أو السادة . بل ربما يكون تمام غنمه متعلّق حقهم فيجب دفعها إليهم للنتاج بطونا وتلف الأغنام .

وعلى أيّ حال ففي هذه المسئلة ومسئلة الزوجة التي لا ينفق عليها زوجها اما لعدم تمكنه أو لعصيانه مع يساره أو غيبته ولا يكون لها ما تعيش به ويشقعليها الصبر .ففي هذه الأمور ليس الضرر إلاّ من ناحية عدم حق للشريك للقسمة فما يصل إليه يكون مع حق الفقراء أو السادات فيجري لا ضرر أو لا عسر ولا حرج مثلاً في حقّ الزوجة لرفع اختصاص زوجها بالطلاق أو يكون أمر الطلاق بيد الحاكم الشرعي اذ لولاه يلزم العسر والضرر عليها فينفي بلا ضرر مثل هذا النحو من الاختصاص ويجعل السلطنة والحق لنفسها أو للحاكم والفقية لطلاقها وكذا يثبت لهم نظير هذا الحق والشأن في غير الأمور الحسبيّة . إذ لو رجع إليها فلا مانع من ذاك الباب كان يزوج الصغيرة أو يطلق زوجة المعتوة والقاصر والمجنون إذا كان هناك ما يجوّز موضوعا فيكون الفقيه في مثل هذه الأمور كالأب والجدّ حيث انه لهما تزويج الصغير وإذا بلغ فليس له رد ذلك .

نعم لو شاء يطلق والموارد لما نحن فيه كثيرة. وكيف كان فيمكن أن يقال أو قيل بجريان لا ضرر في الموارد التي لا يكون ضرر الا من جهة عدم جعل الحكم حلاًّ للاشكال في هذه الموارد ونقضا .

قيل بجريان لا ضرر في موارد عدم الحكم

ص: 503

اما نقضا فبمسئلة الشفعة(1) ومنع فضل(2) الماء وقضيّة الرحى التي كان لصاحبها على نهر قرية فأراد صاحب النهر تغيير مجرى الماء ويضرّ بذلك صاحب الرحى بل تبقى مهملة . فعن(3) أبي محمّد العسكري علیه السلام انه لا يضرّ أخاه المؤمن ورواه الصدوق كما في الوسائل ( والشيخ وعن أبي محمّد علیه السلام توقيعا كتب إلىالفقيه

علیه السلام رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى أله ذلك أم لا ؟ فوقّع علیه السلام: يتّقى اللّه ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضرّ أخاه المؤمن .

وأمّا حلاًّ فبان الحكم كما يكون بالجعل مستندا إلى الشارع كذلك من ناحية استمرار عدمه أيضا يستند إليه . وعلى هذا يصحّ النهي عن فعل مع انه ليس الا طلب تركه والترك أمر عدمي بأن يستمره ويبقيه . فالابقاء للعدم وان يتركه مستمرا قد طلب منه بالنهي لا على نحو القضيّة المعدولة بأن يكون لا فاعل هذا الشيء بل على نحو القضيّة المحصّلة . غاية الأمر انحلاليّا بالنسبة إلى كلّ فرد من أفراد متعلّقه

لأنّه لا مانع من انشاء المولى على هذا النحو ويطلب منه الترك . كما ان جريان الاستصحابات العدميّة أيضا يصحّ بهذا الوجه فان العدم من حيث هو لا يكون مجعولاً بل لمّا كان في جهة البقاء والاستمرار قابلاً للرفع فقد يكون موردا للاستصحاب بأن يبقى كما كان إلى الآن خصوصا في الاعدام الازليّة

ص: 504


1- . الوسائل 25 الباب 4 - 5/2 - 3 من أبواب الشفعة الباب 7 - 15/2 - 3 - 1 من كتاب إحياء الموات .
2- . الوسائل 25 الباب 4 - 5/2 - 3 من أبواب الشفعة الباب 7 - 15/2 - 3 - 1 من كتاب إحياء الموات .
3- . الوسائل 25 الباب 4 - 5/2 - 3 من أبواب الشفعة الباب 7 - 15/2 - 3 - 1 من كتاب إحياء الموات .

واستصحاباتها . وعلى أيّ لا مانع من كون العدم بقاءً مستندا الى الجعل ويكون أمرا يتعلّق به الضرر ويلزم من ناحيته ذلك فيكون مرفوعا بحديث نفي الضرر .

هذا . ولكن لا يخفى ضعف كليهما ( أي الحل والنقض ) اما الحل فحيث قاس المقام بما اذا نهى الشارع عن شيء فلا إشكال في ان النهي إنشاء النسبة تركا بين الفعل والفاعل بأن يبقى الشيء على عدمه ويستمر ذلك العدم . ولا اشكال في جواز مثل هذا الانشاء ويكون المطلوب استمرار العدم . والحكم بهذا المعنى تحت الجعل فيمكن أن يطلب منه الايجاد وعدم الايجاد بأن لا يوجد في الخارج ما لم يكن موجودا وفرق كثير بينه وبين المقام حيث انه لا جعل شيء فيه لا وجودا ولاعدما . فلو لزم الضرر من عدم الجعل فليس للاضرر حكومة على الذي لا جعل له .مثلاً اذا كان معنى لا ضرر نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فليس هنا موضوع للضرر حتى يرفع حكمه بلا ضرر وينفي عنه فيكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع . وهذا بخلاف ما إذا كان الترك ضرريّا فحيث كان الحكم باستمراره مجعولاً فللشارع رفع هذا الحكم اذا كان ضرريّا في بعض الأحيان هذا في الحل .

وأمّا في النقض الذي أورد على ما ذكرنا بقضيّة منع فضل الماء وقضيّة سمرة والرحى التي كانت على نهر القرية والاستصحابات العدميّة فمحصّلها ان الضرر حيث كان في هذه الموارد من ناحية عدم جعل الحكم الشرعي فالشارع حكم باثبات أحكام في هذه الموارد حسب ما اقتضاه كلّ واحد . ففي بعضها يرجع إلى الضمان وفي آخر بعدم السلطنة واثبات حق وانه كيف لا يكون العدم قابلاً للرفع كما في هذه الموارد .

وملخّص الكلام . انه إذا لزم الضرر من عدم الحكم يجري حديث لا ضرر

الجواب عن بعض الموارد

ص: 505

لنفيه فيكون على هذا قاعدة لا ضرر مثبتة لحكم في قبال قاعدة الاتلاف واليد بالتسبيب أو المباشرة . فانّه لا إشكال في ضمان من أتلف مال الغير ولو لا عن قصد بل كان في النوم وكذا لو صار سببا لذلك بايجاد ما يوجب تلفه أو بالمباشرة . ففي هذه الموارد يكون قاعدة الاتلاف واليد موجبتين لضمانه ما أتلف . فلو حصل الضرر في بعض هذه الموارد وانطبق عليه بعض تلك القواعد فلا اشكال في الضمان . بل مورد الكلام ما إذا لم يكن شيء الا الضرر وهو بمجرّده يوجب الضمان كما اذا فتح قفص طائر اذا لم يدخل تحت بعض هذه القواعد وتضرر صاحب الطير بعدم رجوعه أو حبس حرّا في أيّام وكان صانعا فتضرّر بذلك فيكون ضامنا لما فات من نفع الحر وتضرّر به صاحب الطير لو صح .وفيه انه لا يكون قاعدة لا ضرر مثبتة للضمان في هذه الموارد . اذ هذه إنّماتكون إذاكان لا ضرر بمعنى عدم جعل الضرر غير المتدارك ذاك المعنى .

الرابع الذي قلنا انه أردء الوجوه ولا تصل النوبة إليه إلاّ بعد تعذّر ارادة أحد الثلاثة الأول . وعلى هذا فيخرج حديث لا ضرر عن كونه حاكما على أدلّة الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة اذ لا نظر له إلى اطلاق حكم حتّى يكون حاكما عليه رافعا له في ما اذا انطبق عليه عنوان الضرر وان اخترنا حسن هذا المعنى بما تقدّم ورددنا اشكال الشيخ ووجهنا الوجه الرابع بما يقبله الذهن . الا ان ذلك بعد أن لم يمكن ارادة المعاني المتقدّمة . ولو وصل النوبة إلى هذا فيكون قاعدة من القواعد العامّة ومقتضاه عدم وصول الضرر إلى شخص فلو استند الأضرار إلى شخص وبسببه توجه إلى غيره فيكون هو الضامن واذا لم يكن له ما يجبريه الضرر الوارد على غيره أو لم يكن حصول الضرر من ناحية أحد فيكون جبره من بيت المال

ص: 506

ويكون الوالي هو الذي يخرج عن عهدة ذلك كما في بعض أقضية(1) أميرالمؤمنين سلام اللّه عليه في تهاجم العسكر على البصرة وتلف بعض النفوس فودى المقتول من بيت المال .

والحاصل: انه لا يكون لا ضرر في بيان اثبات الضمان بالضرر كما في حبس الحر حيث انه لا يد عليه ولا على منافعه اذ لم تستوف بخلاف ما إذا حبس الدابّة أو العبد لرجوع ذلك إلى الاتلاف فلو صدقت القواعد أو بعضها في مورد الضرر فالضمان بها وإلاّ فلا يمكن اثبات ذلك به لما عرفت انه سيق لرفع الأحكام الثابتة اذا لزم في موردها الضرر على ماتقدم تفصيل ذلك وليعلم ان الضمان هناأحد أنحاء الضمان الّتي منها الضمان الذي هو على مذهب الاماميّة نقل الذمّة عن المديون والمضمون عنه إلى ذمّة الضامن للمضمون له لا كما يقوله العامّة من ضم الذمّة إليها . فيكون الضمان توسعة في الذمّة .

ومنها: الضمان في المعاملات فاذا لم يكن لا ضرر موجبا للضمان ومثبتا للحكم في ما إذا حصل الضرر من ناحية عدمه فلنتصد للجواب عن النقوض .

أمّا مسئلة الاستصحاب العدمي فكان المستشكل لم يتدرّب في الأصول وإنّما أوهمه لفظ العدم وقاس المقام به ولم يدر ان الاستصحابات العدميّة امّا بنفسها أثر شرعي وحكم بعدم النقض فتكون مجعولة شرعا أو يكون المستصحب والمتيقّن بلحاظ أثره جاريا فيه الاستصحاب إذا كان عدميّا ذا أثر أو بلحاظ أثر ضدّه فيما إذا لم يكن لنفس المتيقّن أثر يجري لأجله . وليس كذلك ما نحن فيه فلا

ص: 507


1- . الوسائل 26 الباب 10/3 من أبواب موانع الارث . وليس هناك قتل بل امرأة ففزعت فطرحت ما في بطنها فمات ثمّ ماتت أُمّه من بعده .

مجعول ولا جعل بل لا تعرض لذلك وجودا ولا عدما . وكذلك مسئلة منع فضل الماء اذ هو كما قدمنا سابقا ليس الضرر إلاّ لتلف النفس . وانه يجب في هذه الموارد حفظ النفس وليس من لزوم الضرر من عدم الجعل لشيء .

أو نقول بماأجاب به المحقّق النائيني(1) من كون الضرر في هذه الموارد كموارد اخر ملاكا للمجعول لا للجعل لو تمّ هذا . ولا يكون تشريع الأحكام للمصالح النوعيّة إلاّ شأن الشارع وليس للفقيه التعدّي واسراء ذلك إلى كلّ مورد .

وأمّا النقض بقضيّة سمرة الملعون فقد تقدّم ان قوله علیه السلام فانّه لا ضرر ولا ضرار في الاسلام حيث أمره بالقلع فهو إمّا لنفي حق مرور سمرة الضرري علىباب الأنصاري إلى عذقه . أو لرفع حرمة التصرّف في عذق سمرة في خصوصالمقام لما فيه من الضرر على الأنصاري . فجاز لذلك القلع ولم يكن هنا تشريع الحكم للضرر اللازم من عدمه حتّى يكون ثابتا بلا ضرر .

وأمّا لا ضرر في غير هذا الخبر وانك أو أنت رجل مضار فليس ممّا نحن فيه كما تقدّم .

وأمّا مسئلة الرحى فمضافا إلى انّ الجواب فيه اشعار بكون ذلك غير الزامي وإنّما هو اخلاقي والا لم يناسب الموعظة بأنّه يتّقى اللّه ويعمل في ذلك بالمعروف ان تغيير النهر لا يوجب ضررا على صاحب الرحى بحيث يكون سببا لذلك بل يكون من المعدّله وتخرج الرحى بذلك عن الانتفاع ومجرّد ذلك لا يوجب النهي ولا الضمان مع انه لم يعلم انه كان عن حق لازم له ولمن كان قبل ذلك من آبائه مثلاً على نهر القرية .

الضرر ملاك للمجعول لا الجعل

ص: 508


1- . منية الطالب 2/222 .

اللهمّ إلاّ أن يرجع ذلك إلى الاتلاف ويكون التغيير متلفا للرحى وذلك ممنوع كما في باقي الموارد الاخر مثل ما إذا لم يبعه بايع البانزين ولزم من ذلك تعطيل المكائن ونزول قيمتها السوقيّة أو لم يبع من يبيع العلف لمن له عدّة أغنام فتلفت فلا يكون الضمان على الممتنع من البيع في المثالين ولا يمكن الفتوى بذلك الا أن يلزم في مورد تلف النفس فيجب هناك من باب لزوم حفظها . وبمجرّد أن يكون تغيير النهر موجبا لتعطيل الرحى لا يمكن منع صاحب النهر .

ويمكن تقريب النقض بالرحى على نحوين: 1 - ان جواز تغيير النهر كان ضرريّا على غير صاحب النهر وهو صاحب الطاحونة فليس له هذا الضرر بل يتقى اللّه ولا يضر أخاه المؤمن وهذا التقريب لا مساس له بما نحن فيه ولا يكون نقضا على عدم اثبات لا ضرر حكما في مورد فحقّ التقريب أن يقال .2 - ان صاحب الرحى لما كان رحاه محتاجة في الدوران إلى الماء وكانالماء من هذا النهر على مجراه الأوّل يوجب دورانها فلو تغير المجرى يوجب ذلك عدم الدوران لأنّه لا يكون له ماء يحرك حجر الرحى وذلك مفضى إلى تعطيلهاوعدم الانتفاع بها وهذا ضرر على صاحبها أوجبه تغيير مجرى النهر . وقد ينقض أيضا بما إذا رفع أستار الحائل بين داره ودار جاره المانع عن الاطّلاع على صحن الدار فرفعه يوجب انكشاف دار جاره فلا يتمكنون من المجيء إلى سطح الدار بل ينكشف صحن الدار وربما يحصل الاطّلاع على عياله . وهذا يوجب الضيق والحرج والضرر عليه . فورد الخبر في الأخير بأنّه يعيد ذلك الستار والشرافة الساترة بين داره ودار جاره وكذا يعيد الماء في مجراه السابق ومعلوم ان وجوب اعادة الشرافة والساتر لم يكن الامن ناحية ان عدمه يوجب الضرر .

حول رواية تعطيل الرحى

ص: 509

فالضرر إنّما حصل من عدم الحكم ولا ضرر كان مثبتا له في هذين الموردين فلا يتم ما ذكر من اختصاصه بالأحكام الثابتة بل من شأنه اثبات الحكم اذا لزم الضرر من عدمه .

وأجاب المحقّق النائيني(1) عن الأخير بأنّه لم يجد الخبر الذي رووه في مجامع الأخبار . ولكن عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود فلعلّ المتتبّع يعثر عليه في غير المجامع الأربعة من الكتب الحديثيّة المعروفة وغير المعتبرة بل يمكن ذكر هذا المضمون ذيل خبر آخر أو ضبط خبره المخصوص في باب غير مناسب أو مناسب استطرادا .

وعن الأوّل بأنّه لا تدلّ الرواية(2) الواردة المتقدّمة على لزوم الاعادة وعدمجواز تغيير النهر اذ لسانها لسان الموعظة كما سبق بأنّه يتقى اللّه ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضرّ أخاه المؤمن ولم يكن فيها ما يوجب ارجاع النهر على حاله بعد أن غير المجرى . هذا أوّلاً .

وثانيا يمكن أن يكون لصاحب الرحى حق لزوم له أو عن من يتملكها سابقا من أبيه أو من باعه ايّاها وهذا التصرّف يوجب تضييع الحق وليس ذلك لصاحب النهر .

وثالثا على فرض التسليم يمكن ان الرواية وردت لبيان عدم جواز تصرّف صاحب النهر في هذا المورد حيث يوجب تضرّر الغير اذ تغيير مجرى النهر تعطيل أو مفضى إلى تعطيل الرحى وليس لصاحب المال سلطنته على ماله حتى فيما لو

مسئلة تغيير مجرى النهر

ص: 510


1- . منية الطالب 2/222 .
2- . الوسائل 25 الباب 15/1 من كتاب احياء الموات .

تضرّر بذلك الغير وللشارع أن يخرج هذا الفرد ويستثنى هذا النحو من التصرّف عن عموم تسليطه على ملكه وماله اما بلسان المعارضة أو بلسان الحكومة ببيان متصل أو منفصل . هذا ملخص الجواب . وكذا في الساتر لا يجوز رفعه اذا أوجب ضرر الغير . فعلى الجواب الأوّل لا حكم حتّى يكون نقضا على ما ذكرنا سابقا وعلى الثاني والثالث خارج عن الفرض لأنّه رفع الحكم الثابت لا اثبات الحكم بعد ان لم يكن . فالسلطنة الثابتة بالعموم للمالك في ملكه رفعت في هذه الموارد التي تكون ضرريّا على الغير . وهذا ليس من مسئلة اثبات حكم لم يكن لرفع الضرر بذلك . بل رفع الحكم الثابت لرفع ضرر الغير . وبعد أن أجاب ثالثا عبّر عن الجواب بعبارة اخرى . وقال الذي يتولّد منه الضرر ليس مجرّد التحويل والتخريب بل نتيجة ذلك فهي منفيّة بقاعدة الضرر .وانك تدري ان هذه العبارة لاتناسب الجواب الثالث بل حق التعبير ان هذهالسلطنة لما أوجبت الضرر على الغير وصارت مولّدة له فليست لصاحبها . وإلاّ فلو لم تكن كذلك لا وجه لعدم ثبوتها ورفعها .

هذه ثلاثة أجوبة منه رحمه الله .

والجواب الأوّل غير بعيد عن الصواب خصوصا لو كان له حقّ لما عبّر عن ذلك بلا يضر أخاه المؤمن بل ليس له حقّ التصرّف وتضييع حقّ الغير فالتعبير بذلك إنّما يناسب انه لم يكن له حق ملزم حتى يكون تغيير المجرى اسقاطا وتضييعا له .

وبهذا يظهر عدم حسن في الجواب الثاني إذ ظاهر الرواية انه لم يكن هناك حق ملزم مع ان الاحتمالات في ذلك كثيرة الاّ انّ الحقّ الظاهر هو ما أشرنا إليه .

اشكال بعض الأجوبة

ص: 511

إن قلت: لعلّه اذن له في ذلك وهذا يوجب الضرر عليه اذا بنى الرحى وهو غير المجرى .

قلت: الاذن لا يوجب تملك النهر وما اذن له فيه بل نفرض الكلام فيما إذا لا يكون تصرّف في ملك هذا الشخص بل شغل اراضي الموات في أطراف نهر هذا الشخص باذنه وبنى رحى أو غرس شجرا أو أحدث بستانا الا ان لصاحب النهر الرجوع عن اذنه متى شاء لأن له التصرف في ماله بما يشاء وكيف شاء . وليس لأحد المنع من ذلك . وما ذكر في بعض الموارد من عدم السلطنة أو عدم الجواز للمالك فيما اذن واعار خشبة أو لوحا ففي مورد كان مزاحمة الأهم والمهم كما في مسئلة الصلاة . فلو اذن له أن يصلي ورجع في أثناءها فهناك مزاحمة بين الأهم وهي ادامة الصلاة وجوبا والمهم وهو حرمة التصرّف في ملك الغير فيقدم الأهم . اذ لا دليل لهم في هذه المسئلة وكذا في الدفن اذ اذن فرجع تكون المزاحمة بينحرمة التصرّف وهتك احترام الميت وهذا أهم . فلذا نقول بعدم التأثير . ولذا لوفرض عدم هتك الميت بالنقل من مكانه إلى آخر من جهة النبش أو اخرى فلابدّ من ذلك ولا يجوز ابقائه في ذلك المكان . وتضرّر المستعير في بعض الموارد كما إذا غرس شجرا في الأرض المستأجرة أو المستعارة أو نصب لوحا في سفينته في غير ما اذا يوجب النزع تلف النفوس كما في وسط البحر ليس إلاّ لاقدامه على ذلك حيث ان سلطنة المالك مطلقة والاذن أيضا لا يكون لازما موجبا لانتقال المال إليه أو عدم جواز رجوعه أصلاً . وعلى هذا الفرض بنى المستعير وغرس المستأجر وأحدث صاحب البستان والرحى . فللمالك الرجوع ولا يوجب تضرّر الغير عدم سلطنته على ملكه أو تخصيصها . وإلاّ فلابدّ من القول بذلك في كلّ مااذا

ص: 512

لزم من تصرّف المالك في ملكه وماله ضرر على الغير أو حرج عليه . فلو كان بزازا أورد أقمشة يبيعها باسعار رخيصة يوجب تضرر من يغالي في القيمة فلابدّ من القول بعدم جواز ذلك له وإذا كان لأحد لحافان ويكون هناك من لا لحاف له ويوجب البرد ضررا وحرجا شديدا عليه أن يجب عليه اعطاء لحافه له وليس له ابقائه وهكذا . والالتزام بذلك تأسيس فقه جديد ولا يستقر حجر على حجر . بل يكون ذلك مذهب الشيوعيين فليس لأحد أن يكون مثريا وهناك فقراء كثيرون وتضرّرهم بالصبر وتحمّل الجوع والعرى .

وبالجملة فلا يستقيم الجواب الثاني أيضا . وممّا ذكرنا عرفت ضعف الوجه الثالث الذي أجاب به أخيرا . وحمل الرواية على ما إذا لم يكن له حق أحسن كما هو المساعد منها وما أجاب علیه السلام ولا يكون قاعدة الحرج والضرر حاكمة على حديث السلطنة على أموالهم حتّى اذا لزم من السلطنة والتصرّف حرج على الغير لا يكون له هذا التصرّف بل تنفي بها .نكتة: لا يبعد حمل قضيّة الرحى بل هوالظاهر منها على لزوم الضرر علىصاحب الرحى بتصرف صاحب القرية بتغيير مجرى مائه . ولا إشكال في انّه إذا كان تصرّف الشخص في ماله موجبا لضرر جاره ليس له هذا النحو من السلطنة وبالجملة كلّما كان تصرّف صاحب المال علّة تامّة لتضرّر غيره فليس له هذا التصرّف لحديث نفي الضرر فهو يرفع هذا النحو منها وليس ذلك مرتبطا بما نحن فيه من كون الضرر لازما من عدم الحكم بل الضرر إنّما حصل من جهة وجود السلطنة فارتفعت به .

وأمّا قضيّة الشركاء وعدم حضور أحدهم للقسمة في ما يكون عدمها ضررا

الجواب عن قضيّة الرحى

ص: 513

على الباقي فيمكن هناك أيضا اجراء حديث لا ضرر لعدم اعتبار رضى ذلك الممتنع في سببيّة القسمة لافراز حصة كلّ واحد من الشركاء على ما هو الحق في مسئلة الشركة . انه لا تكون على نحو اشتراك كلّ واحد في كلّ جزء يتصوّر . بل تكون الشركة بالاشاعة . غاية الأمر لابدّ من رضا هذا الشريك في تعيين الحصّة المشاعة لكلّ واحد من الشركاء فانه يمكن مثلاً في الدار المشتركة بينهم ان تتعين الحصّة لكلّ واحد من جهة شرق الدار أو غربها أو ساير جهاتها فبحديث نفي الضرر ينفي اعتبار رضاه فيقسمون هم أنفسهم أو يتولى الحاكم ذلك من قبل هذا الشخص . الاّ ان الجزم بذلك مشكل ونحن بعد في تأمّل من هذا الفرع لأن حديث نفي الضرر إنّما يفيد إذا ثبت سببيّة رضا الباقين في حصول القسمة وملكيّة كلّ واحد للحصّة المعيّنة لهم وليس له هذا اللسان وان ارتفع اعتبار رضا الممتنع فان ذلك لا يلازم شرعا سببيّة رضاهم في حصول القسمة . كما ان رفع جزئيّة المنسي في حال النسيان لا يفيد في اجزاء الباقي لانه ما لم يتعين الباقي للامر لا فائدة فيه

لسقوط الاعادة .نعم انما يرتفع المنسي وليس على هذا الناسي عتاب وعقاب في تركالمأمور به فاذا تذكر فيأتي بالكل حسب أمره الأوّل الارتباطي فرفع المنسي بلا اثبات أمر بالباقي لا يوجب كون الباقي هو تمام المأمور به . وإنّما قلنا في رفع ما لا يعلمون بالاطلاق والتقييد بأن يكون رفع المجهول عين اثبات المعلوم وتخصّصه بالأمر .

ان قلت: صونا لكلام الحكيم عن اللغوية ومراعاة للمنّة في جريان رفع النسيان الذي على ما قلتم يجب اعادة ما صلّى بعد تذكر المنسيّ لابدّ من حمله

ص: 514

في المورد على ما يلازم سقوط الأمر وكون الباقي هو المأمور به .

قلت: ان الأجزاء أمر عقلي لا يناله يد الجعل فان كان المراد بالفائدة في كلام الحكيم هذا فليس أمرا مجعولاً وإن كان المراد رفع جزئيّة المنسي فنقول به في هذا الحال غاية الأمر نقول بحصول المنة بترك الكلّ والي آخر الوقت لو فرض دوام النسيان مثلاً .

إن قلت: قد ذكرتم فيما سلف ان رفع النسيان بمعنى المنسيء والترك ليس شيئا مجعولاً حتّى يرفع فلابدّ من جعل المنسي هو الجزئيّة ورفع الجزئيّة عين اثبات الباقي كما تقدّم ذلك في تنبيهات الاشتغال .

قلت: لو صحّ ما ذكر فلا اشكال فيه . إنّما الكلام في اثبات الأمر بالباقي فتبين ممّا ذكرنا اشكال جريان حديث نفي الضرر لاثبات سببيّة رضا الباقين لحصول القسمة . نعم اذا كان هناك ولي للميّت لا يحضر ولا يأذن في تجهيزه حيث يكون أولى به مقدما على غيره فمن جهة مزاحمة حرمة الميت لحق الوليّ نقول بجواز تجهيزه بأمر الحاكم الشرعي وكذا اذا كان غائبا . وبالجملة فروع قاعدة الضرر كثيرة ولها تطبيقات لا تحصى من أراد بعض ذلك فليراجع جامع الشتاتللمحقّق القمّي رحمه الله .فتلخّص ممّا ذكرنا عدم امكان اثبات الحكم بلا ضرر إذا كان الضرر من عدم الحكم وكذلك قاعدة الحرج والعسر فلا جريان لهذه في مورد عدم الحكم .

وكذا كون الضرر ملاكا في قضيّة منع فضل الماء لكن استشكلنا عليه في محلّه بانكار الملاك بوجوه تقدّمت واجبنا عن الاشكالات وقلنا ان حديث لا ضرر اما حديث برأسه كما عن الشيخ الشريعة ضبطه اتفاقا في عقيب قضيّة منع

اعتبار رضا الشركاء في القسمة

ص: 515

فضل الماء والشفعة أو يكون واقعا في موقعه ووجهنا تصحيحه بما قدمناه هناك فراجع إن شئت .

التنبيه الخامس هل الضرر في حديث نفي الضرر هو الضرر الشخصي أو النوعي وما يكون فيه الضرر على النوع فلو تضرّر شخص واحد ولكن لا ضرر على غيره بنفس ما تضرّر به فلا رفع هناك أو بالعكس فاذا تضرر شخص في مورد وان لم يتضرّر نوع الناس فالمناط ذلك ؟ قال المحقّق النائيني بالأوّل(1) أي ان المناط هو الشخصي لأن بذلك تتحقّق الحكومة لحديث الضرر على أدلّة الأحكام وتكون دائرة مدار الضرر الشخصي . اذ التكاليف الشرعيّة تنحل إلى حكم حكم بحسب تعدّد أفراد المكلّفين وحالاتهم فلو كان حكم في مورد ضرر على أحد أو كان في متعلّقه ضرر فبمقتضى حكومة لا ضرر يكون مرفوعا سواء في التكاليف أو الوضعيّات . كما ان مقتضى المنّة أيضا أن يكون المناط بالضرر الشخصي . هذا في الضرر وقس عليه قاعدة الحرج وأمثالها . فاعطاء الدرهم ضرر على الغني والفقير خصوصا اذا فسّر الضرر بالنقص فيكون مرفوعا إذا كان في بعض الموارد( لا ما يكون موضوعا بعنوان الضرر ومجعولاً عليه بذلك اذ الشيء لا يكون رافعالمقتضيه ولا مقتضى الشيء رافعا له ) وهذا بخلاف الحرج فلو وجب الحج على الذي يتمكّن من ذلك ولكن لا معيشة له حين الرجوع فذلك يكون عليه حرجيا مرفوعا بخلاف من لا يؤثر في حقه ذلك حيث ان له أموالاً كثيرة فلو صرف في الحج ورجع يكون له ما يعيش به .

هل المراد بالضرر الشخصي أو النوعي

ص: 516


1- . منية الطالب 2/222 .

هذا مضافا إلى ورود الأخبار(1) باعتبار الكفاية عند الرجوع . وعلى كلّ فكون هذه دائرة مدار الضرر والحرج والعسر الشخصيّات واضح وعليه مدار الحكومة التي تقدّمت سابقا من تعنون الحكم بالضرر على مبنى النائيني وضعا أو تكليفا ايجابا ولزوما أو حرمة أو كون نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الذي كان في رتبة متأخّرة عن نفي أصل الحكم على ما تقدم تفصيلاً .

وعن المحقّق النائيني رفع نجاسة الحديد للحرج وانه ملاك لذلك .

في تعارض الضررين أو تزاحمهما:

التنبيه السادس: اذا توجّه ضرران على شخص واحد أو شخصين يكون الضرر في اجتماعهما وينفي بنفي أحدهما فلو نفى هذا يتوجه ذاك ولو رفع ذاك يتوجّه هذا الحكم . فهل المقام من باب تعارض الضررين أو يكون مخيرا في اختيار أيّهما شاء بلا ملاحظة حال الكثير والقليل كما هو المشهور بين الأصحاب .

لا اشكال في عدم وجوب تحمل الضرر عن الغير كما لا يجوز اضراره الا انهم ذكروا اختيار اخفّ الضررين في ما إذا توجه إليه أحدهما ويدفع بتحمّل الآخر وكذا لو دار الأمر بين ضرر نفسه أو غيره انه يلاحظ الأكثر فيدفع .

وينبغي تحرير المسئلة على نحو يتّضح المرام . فنقول تارة يتوجّه الضررأوّلاً وبالذات إلى شخص نفسه فله دفعه لكنه قد يتّفق في صورة الدفع توجهه إلى الغير كما اذا توجه السيل إلى السكّة فلو منعه من داره بالسد يتوجّه إلى دار الجار ويخربها وكذا لو فعل الجار يتوجّه إلى الغير أو مثلاً اذا توجه الذئب إلى غنمه فدفعه وتوجه بذلك إلى غنم الجار . فهل للشخص في هذه الصورة ذلك أم يكون

ص: 517


1- . وسائل الشيعة 11 الباب 9 من أبواب وجوبه وشرائطه .

من باب توجيه الضرر إلى الغير خصوصا مع عدم فاصلة بين عمله وحصول النتيجة وهو تضرّر الغير بارادة الفاعل المختار . فينطبق على المقام ما ذكرنا سابقا

من كونه داخلاً في ضابط السبب التوليدي غير الجائز الموجب للضمان وإن منع كون المقام منه فلا يبقى مورد لتوجيه الضرر إلى الغير اذ كلما تصوّرنا فيكون لدفع الضرر عن نفسه . ولكنه مجال لمنع ذلك بأن يقال لا ينطبق الضابط في الفرض اذ خراب الدار لا يستند إلى الجار بل إلى السيل غاية الأمر منعه عن داره فلو لا منعه لم يخرب الدار وهذا القدر لا يوجب اسناد الضرر حقيقة إلى الجار والحكم بضمانه . فمورده ما اذا كان مثلاً طريقان لدفع السيل الوارد في السكّة طريق إلى دار الجار وطريق لا إليها فوجهه إلى الأوّل وإلاّ فلابدّ من الالتزام بوجوب تحمّل الضرر عن الغير .

وان تضرّر به المتحمّل مع انه ممنوع .

وعلى كلّ تقدير المراد بالضرر في ما نحن فيه هو مقتضيه ولا يجب التحمّل عن الغير ولو باليسير ولو توجّه إليه كثيرا يصير كما إذا دفع إلى الحرامي قليل مال لدفع شرّه عن غارة قرية مثلاً فلا يجب كما انه لا يجوز اذا كان مولدا لتضرّر الغير لا ما إذا كان دلالته على الغير موجبا لتخفيفه عن نفسه كان عرّف من يتعلّق به الحقوق السلطانيّة فخفّف المتصدّي ما يطالبه عنه اذ في هذه الصورة توسط ارادةالفاعل المختار واضح .وبالجملة فلو وقع رأس البقر في الخابية بحيث لا يمكن تخليص أحدهما إلاّ بذبح البقر أو كسر الخابية فلا اشكال إذا كانا ملك واحد . ولكن إذا كان كلّ واحد لمالك مثلاً وفرضنا انه لم يكن تفريط من أحدهما فلا يكون كسر الخابية

ص: 518

أولى من ذبح البقر لأنّ الضرر على صاحب الخابية أقل من الوارد على صاحب البقرة . وذلك لعدم مساعدة دليل على ذلك بل لا يجب حفظ المال حتى على صاحبه فضلاً عن مال الغير فلو ما رضى أحدهما بأحد المناصين فلا أولويّة لجريان أحد الضررين المنفي .

نعم ربما يكون مزاحمة النفس والمال والعرض فالنفس لا يعد لها شيء إلاّ الدين فتقدم في غير مورد الدين هذا .

وأمّا توجّه الضررين إلى شخص واحد فلا اشكال في جريان حديث النفي بالنسبة إلى كليهما وإن كان أحدهما أقل من الآخر كما اذا كان الصوم والصلاة قائما مثلاً أو الوضوء له ضرريا ( ومثل سيّدنا الأستاذ قدس سره بما إذا كان حمل الزكوة إلى غير البلد موجبا لتضرّره بالمال وكذا ذهابه إلى الحج مع ان الأوّل أقل فلا اشكال في جريانه لكليهما ولا معارضة ولا مزاحمة هنا . فما هو المعروف من اختيار أقلهما انما هو في مورد يتوجه أحد الضررين إلى الشخص على نحو الواجب المشروط بأن يكون توجّه هذا إذا لم يكن ذاك وذاك إذا لم يكن هذا فحينئذٍ يختار الأهم في النفي ولا يكون هنا من باب تعارض الضررين بل من باب توجه أحدهما إلى المكلّف فالتعبير بذلك لا يخلو من مسامحة .

ويترتب على ما ذكرنا جواز التولي من قبل الجائر إذا كان في تركه الضرر على نفسه وان استلزم ذلك اتلاف أموال الغير ما لم يصل إلى حدّ النفس اذ ( التقيّةإنّما شرعت لتحقن بها الدماء )(1) وهذا المسئلة ذكرها الشيخ في مواضع من

لا يجب تحمّل ضرر الغير

ص: 519


1- . الوسائل 16 الباب 31/1 - 2 من أبواب الأمر والنهي .

تأليفاته كالمكاسب المحرّمة والرسائل والرسالة المعمولة في لا ضرر(1) وكان المسلّم عندهم اختيار أيّهما اذا لم يكن بينهما ترجيح في توجه أحدهما إليه والأقل في غيره .

تنبيه وتذكرة: قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا في قاعدة لا ضرر انه حاكم على أدلّة التكاليف والوضع ومسلم عندهم انه اذا لزم من تصرفه في ماله ضرر على الغير انه ليس له هذا النحو من السلطنة لحكومة قاعدة لا ضرر على حديث السلطنة للناس على اموالهم . إنّما الاشكال والكلام في ما إذا لزم من ترك الاضرار بالغير من ناحية تصرّفه في ماله تضرّر نفسه كما إذا حفر بئرا يتضرّر به الجار لخراب حائطه لسريان مائه المنصب فيه إليه ويكون عدم حفره ضرراً عليه فهل يكون حديث السلطنة محكومة بلا ضرر الجاري في حقّ الغير في هذه الصورة أم لا بل يجري في حقّ نفسه ؟

ذهب كلّ إلى وجه . فالشيخ رحمه الله ذكر كلاما(2) وللميرزا النائيني (3) كلام آخر .

وهل المقام يكون من باب توارد الحرج على نفسه والضرر على الغير

فليلاحظ تقدّم الحرج على الضرر أو العكس أو يكون بينهما عموم وخصوص مطلقا ويدور الأمر بين تعيين المراد من الحرج وانه هل يكون بمعنى ما لا يطيقونفمسلّم انّه لا جعل له ولا معارضة لدليل معه أو يكون من قبيل « ليس على الأعمى

ص: 520


1- . فرائد الأصول 538 .
2- . فرائد الأصول 2/538 .
3- . منية الطالب 2/224 وما بعده .

حرج »(1) كان يجب عليه ما يوجب عليه الحرج من التحفّظ .

وبالجملة سيأتي الكلام في نسبة لا ضرر إلى لا حرج إن شاء اللّه .

ومن أمثلة المقام أي ما يكون تصرّف الشخص في ماله موجبا لتضرّر الجار والغير وتركه في حقّ نفسه ما ذكرنا من مسئلة البقر والخابية وما اذا وقعت الليرة في جرة الغير ولا يمكن الاخراج إلاّ بكسرها والا فالابقاء بلا تمكن من التصرف ولا بدل لها حيلولة مع انه في كمال الضيق والحاجة إلى الليرة أو وقوع ساق شجرة اليقطين بزهرته في شربة الغير فانعقد يقطينا كبيرا مستوعبا لها لا يمكن الاخراج إلاّ بكسرها أو بقطعه مع عدم نفع لصاحبه في القطع أو ما اذا وقعت الدابّة في سرداب الغير ولا يمكن اخراجها إلاّ بخراب رأس السرداب وبالجملة فالفروع في المقام كثيرة وربما لا يكون أكثر ما ذكره الأصحاب في كتبهم مورد الابتلاء والاتفاق وإنّما فعلوا ذلك لدفع طعن العامّة خذلهم اللّه على الاماميّة باقتصارهم على ذكر الأخبار وعدم بضاعة لهم في العلم فأخذوا بعض هذه الفروع من كتبهم كالشافعي وأبي حنيفة وأضرابهم من قياساتهم في موارد الفقه وتناقضاتهم ومناقضتهم على أنفسهم خصوصا في أبواب المعاملات ذات الفروع الكثيرة .

وعلى أيّ حال فقد ذكر الشيخ رحمه الله في(2) هذا المقام انه يلاحظ أهمّ الضررين فيدفع . وإن لم تكن أهميّة في البين فتقع المعارضة بين لا ضرر في حقّ الغير وحق مريد التصرف ولا تقدم لأحدهما على الآخر فيتساقطان فيكون عمومالفوق مرجعا أو قبل ذلك مرجحا . وهو في المقام حديث السلطنة فيجوز التصرّف

دوران الأمر بين ضرر نفسه وضرر الغير

ص: 521


1- . سورة النور: 61 .
2- . فرائد الأصول 2/538 .

في ماله وإن لزم بذلك تضرّر الجار وخرب منه الجدار وإن لم تجر قاعدة السلطنة لكونها محكومة بلا ضرر الجار قبل معارضته بلا ضرر هذا الشخص وتساقط اللاضررين منه ومن الجار فتصل النوبة حينئذٍ إلى أنّ الأصل في الأشياء هل هي الاباحة أو الحظر فيعمل بمقتضاه والا فالى الأصل من البرائة ( أو الاحتياط . وأورد عليه المحقّق النائيني بمنع(1) الصغرى والكبرى(2) . وكيف كان فكليّة باب تزاحم الحقوق كالأمثلة التي ذكرناها وغيرها لو وقعت المزاحمة بين النفس فقد قدمنا تقدم النفس على غير الدين وإلاّ فيشكل ما ذكروه في المقام من لزوم ملاحظة الأهميّة وجريان الحديث في الأهم وإن فرّع على ذلك صاحب(3) الجواهر قدس سره عدّة فروع وصار منشأ لتأمّلنا في ذلك إلى أن نكشف له مدركا صحيحا معتمدا عليه . ولذا وجهوا كلام الشيخ على ما نسب إليه رحمه الله من جواز أخذ جذوع

الجار لمنع وقوع الجدار المشرف على الانهدام واسناده بها بلا اذن من صاحبها لكون الضرر على صاحب الجذوع أقل على ما إذا لزم من انهدامه تلف النفوس فانّه يجب في هذه الصورة ذلك لا الجواز فقط غاية الأمر يضمن بدل الانتفاع وإلاّ فللجار في غير هذه الصورة أخذ جذوعه وان لزم خراب الجدار كما انه يجوز نزع لوحه اذا وضعه منصوبا على سفينة وإن لزم خرابها في ما إذا غصبه إلاّ في مورد تلف النفوس فيصبر إلى الساحل ويأخذ أجرته وإلاّ فيجوز الأخذ وإن لزم سقوطظروف السكر في البحر كما انه في صورة تلف النفس يلاحظ الأهم فلو كان الام

ص: 522


1- . منية الطالب 2/224 .
2- . منع السيّد الخوئي جريان الحديث لتصادم الضررين وجريان كل مخالف للمنة على الآخر . مصباح الأصول 47/657 .
3- . جواهر الكلام 37/207 - 213 .

سالمة وما حصل جرح في أعضاء ولادتها يتوقف حفظها على تقطيع الولد يتقطّع .

وأمّا إذا حصل الجرح فيكون الولد والام متساويين فلو ابقيناهما يلزم تلفهما جميعا وكيف كان فلمنع ملاحظة الأهميّة في الضررين على شخصين مجال واسع ولا يخفى انه يجب بذل بعض المال اذا توقف حفظ الباقي عليه في المال الودعي وإلاّ فيكون تركه تفريطا موجبا لضمان المستودع وكذا في الأموال الموقوفة إذا توقف استنقاذ المال على دفع بعضه إلى أصحاب الادارات يجب على المتولّي أو الحاكم الشرعي ولو امتنعا فضاع الوقف أو المال والحاصل يكونان في الضمان وكذا كلّ من كان من الموقوف عليهم دخيلاً في ذلك اذا امتنع واستند الاتلاف إليه .

التنبيه السابع: قد سبق ان المحقق النائيني منع(1) ما ذكره الشيخ في ما إذا لزم الضرر على المالك من عدم تصرّفه في ملكه لو استلزم الضرر على الغير وقال بتعارض لا ضرر الجاري في حقّ الغير مع لا ضرر الجاري للمالك وبالتساقط اما يكون عموم الفوق ( وهو قاعدة السلطنة ) مرجعا أو مرجحا والا يكن فالمرجع القرعة أو الأصل العملي من الاباحة والحظر أو البرائة والاحتياط أو يكون من تعارض نفي الضرر للغير بالحرج في حقّ المالك وحكومة قاعدة نفي الحرج على قاعدة نفي الضرر أو التعارض والرجوع إلى المرجع أو المرجح فمنع ذلك المحقّق النائيني قدس سره صغرى وكبرى .

أمّا الصغرى وهو كون ما نحن فيه من تعارض لا ضرر الجار وصاحب الدارفلما يأتي وكذلك من تعارض لا ضرر مع لا حرج . وأمّا الكبرى فهي تقدّم لا ضرر

مورد تعارض الضررين

ص: 523


1- . منية الطالب 2/224 .

المالك أو يكون المرجع عموم الناس ( مسلّطون على أموالهم )(1) في حقّ المالك فانّه عموم الفوق وكذا تقدّم لا حرج على لا ضرر .

بيانه ان تصرّف المالك في ملكه إذا يلزم الضرر على الغير على أنحاء . فانّه أما أن يكون تركه ضررا على نفسه كما اذا حفر البالوعة بجنب حائط الجار يخرب منه الجدار واذا حفرها في موضع لا يضر بالجار يخرب جدار نفسه ويتضرّر بذلك وإمّا أن لا يكون كذلك بل يكون الترك حرجا عليه كما إذا لزم من حفره المرحاض سقوط جدار الغير لسراية الرطوبة وتركه يكون حرجا شديدا عليه .

وإمّا أن لا يكون في ترك ذلك ضرر ولا حرج عليه وإنّما يريدان يعبث بذلك ويلغو وهذا اما أن يكون بقصد الاضرار بالجار أو لا فالصور أربعة لا غير وكأنّه يظهر منهم تسلّم تقدّم حق صاحب الملك على غيره في الصورتين الأوّليين .

والمحقّق النائيني رحمه الله(2) أيضا قائل بذلك إلاّ انّه يمنع بناء المسئلة على ما بنى عليه الشيخ . وهذا من موارد تزاحم الحقوق وهو باب في الفقه كساير الأبواب ذوالفروع الكثيرة ولها مرجّحات مخصوصة . وهي خمسة باب التعارض وله مرجّحات مخصوصة وباب التزاحم للخطابين وهو أيضا كذلك وتعارض البيّنات من الداخل والخارج وتعارض اليدين وباب آخر والسادس باب تزاحم الحقوقولكلّ من هذه الأبواب مرجّحات خاصّة سنتعرض لها إن شاء اللّه .

ص: 524


1- . بحار الأنوار 2 كتاب العلم الباب 33/7 .
2- . منية الطالب 2/224 وما بعده .

وعلى كلّ فمنع المحقّق النائيني الصغرى في المقام وهو تعارض الضررين من الطرفين وذلك لعدم جريان لا ضرر في الضرر المتولّد من جريانه .

ان قلت على ما بيّنتم من انحلال القضايا الحقيقيّة خصوصا إذا كان لها موضوع خارجي حسب تعدّدها ( أي أفراد موضوعاتها لا مانع من تولّد لا ضرر في جريانه في مورد كما ان ذلك داخل في الحكومة التي هي على قسمين:

تارة تتحقّق في ادخال فرد في موضوع حكم تعبّدا واخرى في اخراجه كما في جريان الأصل في الشكّ السببي فانّه يوجب عدم بقاء الشكّ المسبّبي ويفنى موضوع أصله .

وذهاب الشكّ في نجاسة الثوب تعبّدا . كما انّه في جانب الادخال يبتني على الانحلال ما انحلّ به الاشكال في الأخبار مع الواسطة كما تقدّم تفصيله في بعض الأبحاث السابقة وانه يتعدّد الحكم بتعدّد أفراد الموضوع على الانحلال .

ولا يلزم اتّحاد الحكم مع موضوعه ولا تقدّم المعلول على العلّة ولا ساير ما أوردوها من اللوازم الباطلة على ذلك فكذلك يقال في لا ضرر فانه قضيّة كليّة تنحل حسب مواردها إلى قضايا يجري كلّ حكم على موضوعه . فاذا جرى لا ضرر في حق الجار لتضرّره بتصرّف الجار يجري لا ضرر له حاكما على سلطنة جاره فليس له اضراره ويلزم على هذا حدوث موضوع لضرر المالك الممنوع من التصرّف في ماله بما يضر بالجار فيجري لا ضرر في حقّه .

اذ لا اشكال في ذلك على الانحلال المبنى عليه موارد عديدة . منها ما أشرنا إليه من قضيّة الأخبار مع الواسطة . الا ان ذلك ممنوع في المقام لعدم كون الضرر الثاني في رتبة الضرر الأوّل حتّى يصلح للمعارضة بل إنّما حدث من ناحيةجريان لا ضرر الأوّل فلو جرى لا ضرر لنفيه يلزم ضرر آخر ثانيا على الجار

ص: 525

فينفي وهكذا وليس للشيء المعارضة مع علّته . ولا ضرر الأوّل يكون علة لتولّد الضرر الثاني فلا جريان للثاني مضافا إلى أن لا ضرر حاكم على الأدلّة الأوّليّة حكما تكليفا أو وضعا ولا ضرر الجار جرى لنفي سلطنة جاره باضراره وكان حاكما عليها .

هذا مع أنّه لا اشكال في استلرام جريان الثاني لمحكوم يكون حاكما مقدما عليه وليس في المقام الا لا ضرر الأول الجاري في حقّ الجار ولا يصلح الثاني أن يكون حاكما على الأول وليس شيء هناك يكون محكوما له وثانيا ان الضرر إنّما لزم من ناحية عدم الحكم وعدم جعل السلطنة للمالك على اضرار الجار وقلنا ان لا ضرر إنّما يجري في ما اذا لزم الضرر من جعل الحكم ويكون حاكما على دليله لا من عدم الجعل . نعم لو كان الحكم المجعول هناك هو الحرمة فمجال لجريان الحديث لنفيها .

تتميم: سبق ان في تصرّف المالك في ملكه المستلزم لتضرّر الجار أربع صور وأفاد المشهور في الصورتين الاوليين بجواز تصرف المالك في ملكه وان تضرر بذلك الجار ومنعوه من التصرّف في الصورتين الأخيرتين وكانّ ذلك مسلم بينهم وأفاد الشيخ رحمه الله(1) لتصحيح هذه الفتوى في الصورتين الأوليين بتعارض لا ضرر في حقّ الجار مع لا ضرر الجاري في حق المالك في ما اذا لزم من ترك التصرّف تضرّر المالك ( يعني الصورة الاولى ) الا ان حديث سلطة الناس على أموالهم إمّا أن يكون مرحجا للاضرر الجاري للمالك ويجوز تصرفه على هذا وانتضرر بذلك الجار لسقوط لا ضرره بترجيح لا ضرر المالك عليه بالمرجح

الخارجي وهو عموم سلطنة الناس على أموالهم أو يتساقط للاضراران من

ص: 526


1- . فرائد الأصول 2/539 .

الجانبين وعموم الفوق يكون مرجعا فيجوز أيضاً للمالك التصرّف لعدم معارض ولا مزاحم له في هذه الصورة أو يكون على المبنى الثالث المقتضى لتوارد لا ضرر الجار على لا ضرر المالك وسلطنته على ماله فيرد على المحكوم وهو سلطنة المالك والمعارض ( وهو لا ضرره ) دفعة واحدة فيتساقط الجميع ويكون المرجع الأصل في المسئلة حيث انها داخلة في القضيّة المشكوك حكمها . فاما أن يكون الأصل في الأشياء الاباحة فيجوز التصرّف أيضا أو الحظر فلا تصح فتوى المشهور أو يرجع بعد عدم تماميّة ذلك كلّه إلى الأصل الآخر من البرائة والاحتياط . فالذي يقول بالبرائة يجريها في المقام حيث ان الشبهة تحريميّة كشرب التتن وتصح الفتوى أيضا ومن يقدم أخبار الاحتياط على اخبار البرائة وأدلّتها يقول بالاحتياط ويمنع المالك من التصرّف .

وعلى كلّ حيث ان المختار في محلّه البرائة فيجوز اذا وصلت النوبة إلى هذا المقام أن يتصرّف المالك التصرّف المضر بالجار في الصورة الأولى .

وأمّا الصورة الثانية وهي ما إذا يلزم من ترك تصرّف المالك في ملكه ومنعه عنه الحرج عليه فتكون من تعارض لا حرج مع لا ضرر فاما أن يكون لا حرج مقدما على لاضرر بالحكومة فيجوز للمالك التصرّف الموجب منعه الحرج عليه .

أو يكون كالصورة الأولى بعد عدم حكومته على لا ضرر فيكون عموم الفرق مرجعاً أو مرجحاً أو يرجع إلى الاصل حسب ما قرّر .

وتارة يبني الشيخ تصحيح فتوى المشهور على المسئلة السابقة وهي عدم وجوب تحمل الضرر المتوجه على الغير .

هذا بيان ما استند إليه الشيخ في هذه الفتوى صغرى وكبرى . اما الصغرىففي الصورة الاولى تعارض الضررين وفي الثانية تعارض لا ضرر ولا حرج .

صورة تصرّف الملك في ملكه

ص: 527

وأمّا الكبرى كون العام مرجعا أو مرجحا . وفي الثانية هذه اذا لم يكن للا حرج حكومة على لا ضرر والا فهي الكبرى والكبرى الاخرى في الموردين عدم وجوب تحمل ضرر الغير وقلنا ان المحقّق النائيني رحمه الله منع ما استند إليه الشيخ صغرى وكبرى . اما الصغرى الاولى وهي تعارض لا ضرر الجار والمالك فبما سبق من عدم معارضة للضرر المتولد من جريان لا ضرر معه وبينا عدم تصحيح التعارض حتى على ما يلتزمه المحقّق النائيني وبعض آخر من الانحلال في الأخبار مع الواسطة المبتني على ذلك حلّ الاشكالات الواردة عليها أو أكثرها .

وذلك لعدم تساوي رتبة هذا اللاضرر الثاني رتبة للاضرر الأول فلا شأن له في العرضيّة حتّى يعارضه . وأمّا منع كبرى تلك الصورة فبان قضيّة تعارض الضررين وكون العام مرجعا أو مرجحا الخ على فرض تسليم الصغرى إنّما تكون في ما اذا ورد معارض للمخصّص الوارد على العام المانع من تخصيصه . فان مرجع ذلك إلى الشكّ في تخصيص العام ويجوز أن يكون مرجحا أو مرجعا على ما ذكر كما في منجزات المريض حيث ان هناك طوائف ثلاثا من الأخبار . عمومات(1) دالّة على جواز تصرف الانسان في ما له دام حيّاً وخصوصات(2) دالّة بعضها على كون تصرّفات المريض في مرض موته من الأصل واخرى(3) دالّة على كونها كذلك من الثلث . فهنا يتحقّق مورد الشكّ في تخصيص العموماتفامّا أن يكون العموم مرجحا للخاص الموافق له أو يكون هو المرجع بعد تساقط الخاصين كما ذهب إلى الترجيح أو المرجعيّة الميرزا محمّد تقي الشيرازي قدس سره

ص: 528


1- . وسائل الشيعة 19 الباب 17 روايات متعددة من كتاب الوصايا .
2- . وسائل الشيعة 19 الباب 17 روايات متعددة من كتاب الوصايا .
3- . وسائل الشيعة 19 الباب 17 روايات متعددة من كتاب الوصايا .

وهذا بخلاف ما إذا كان تخصيص العام مسلّما ونقطع بخروج فرد من العام فحينئذٍ لا مرجحيّة للعام ولا مرجعيّة وليس كما اذا ورد أكرم العلماء عامّا ولا تكرم الفسّاق منهم واكرم الفساق منهم خاصين فان في المقام خرج التصرّف الضرري على الغير عن عموم سلطنة الناس على أموالهم . وتولد الضرر على المالك من جريان لا ضرر الجار لا يوجب منع لا ضرر من تخصيص قاعدة السلطنة بل يبقى لا ضرر المالك بلا مورد حيث لا محكوم له لامتناع حكومته على لا ضرر الجار ( وهذا في الحقيقة رجوع إلى منع الصغرى اذ مقتضاه عدم عرضيّة الضرر المتولّد من جريان لا ضرر الجار لضرره وإن كان كلاهما داخلين في كبرى الضرر .

وأمّا منع الصورة الثانية فقد أفاد رحمه الله بأن ذلك يتوقّف على أمرين:

الأمر الأوّل: أن يكون معنى لا ضرر بحيث يكون أعمّ من الحرج فيكون كلّ حرج ضررا ولا عكس حيث ان الحرج لا ينفك عن الضرر كما اذا كان الضرر بمعنى الضيق وذلك ممنوع لعدم كون الحرج أخص من الضرر بل ربما يكون هناك حرج ومشقّة في الجوارح وربما يكون حبس المالك موجبا لحرجه روحا ولا ضرر في هذه الصورة بخلاف الاولى وربما يكون ضرر على الشخص ولا حرج عليه ليساره فقد يجتمع الضرر والحرج وقد يفترقان فيكون هذا في مورد لا يكون ذاك وبالعكس فلا يمكن التعارض بينهما وتقدّم لا حرج على لا ضرر من حيث الاخصيّة ولا انه يوجب بقاء لا حرج بلا مورد اذا قدمنا عليه لا ضرر بخلاف العكس كالعكس . وبالجملة ان الحرج انما يلزم في المقام من ناحية جريان لا ضرر ويكون لا حرج في هذه الصورة كلاضرر الثاني في الصورة السابقة بلا محكوم حيث لا شيء يتقدّم عليه ولا يمكن أن يكون في عرض لا ضرر المولّد لهوفي رتبته .

بيان حكم بعض الصور

ص: 529

الأمر الثاني: أن يكون لا حرج على فرض تسليم صغرى التعارض وكونه في عرض لا ضرر حاكما عليه وناظرا له حتّى يكون مقدّما عليه وذلك ممنوع لأنّهما دليلان ناظران إلى أدلّة الأحكام الواقعيّة الاوّليّة ولا نظر لأحدهما على الآخر بالتفسير ولا بغيره من انحاء الحكومات .

فتلخّص ممّا ذكرنا أوّلاً منع الصغرى وكون لا حرج معارضا للاضرر بل لا يكونان في رتبة واحدة . وثانيا منع تقدّم لا حرج على لا ضرر لاخصيّته منه أو بقائه بلا مورد ان لم يقدم عليه لا حرج أو منع حكومته على لا ضرر .

والوجه الأوّل راجع إلى منع الصغرى والثاني إلى الكبرى . وأمّا كون المسئلة من قبيل عدم وجوب تحمّل الضرر من الغير فهو ممنوع مع تسليم أصل الكبرى اذ لا يكون عدم تصرّف المالك في ملكه ومنعه عنه تحمّلاً لضرر الغير كالجار في مثال حفر البالوعة مثلاً بل ذلك اذا ورد ضرر من السماء دائر أمره بين وروده على المالك أو جاره فانه لا يجب تحمله لدفع الضرر عن الجار كما انه لا يجوز توجيهه إليه بل له دفعه عنه ولا يجب عليه تحمّله واستقباله منعا لوروده على جاره .

ولا يخفى ان المحقّق النائيني لا يرد فتوى المشهور بل إنّما خدش في ما جعله الشيخ مدركا اذ هو يصححها بوجه آخر .

إلى هنا أفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره في تحرير ما بيّنه المحقّق النائيني رحمه الله .

وبقي كلام يختم به المرام لليلة الأربعاء 22 من جمادي الثانية فصادفت وفاة الزاهد المعروف الآقا شيخ على القمي أعلى اللّه مقامه الشريف فختم بذلك بحث لا ضرر وحانت الأيّام الزيارته ودام التعطيل إلى ليلة الأحد السابع عشر منشهر رجب 1371 المطابق للرابع والعشرين من فروردين 1331 .

ص: 530

فهرس المحتويات

تحرير محلّ النزاع في الشك في المكلّف به··· 6

تفكيك بعض في موارد العلم بين المخالفة والموافقة··· 7

في جريان الأصول المرخصة وعدمه في أطراف العلم الاجمالي··· 8

اشكال الاستدلال··· 9

أسألة والجواب عنها··· 10

عدم وجوب الاجتناب في الشبهة الموضوعيّة··· 11

مقتضى الجمع بين الأدلّة والموضوعات··· 12

عدم تقييد أدلّة الواقع بالعلم تفصيلاً··· 15

الكلام في مفاد كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه··· 17

مفاد رواية مسعدة ورواية أموال بني اُميّة··· 19

الروايات على قسمين··· 21

العلم ليس إلاّ شرط التنجّز··· 25

اعتبار قيود ثلاثة في الحكم الظاهري··· 27

عدم انحفاظ رتبة الجعل في الاستصحابين··· 29

تصوير جعل البدل··· 30

امكان الترخيص في واحد بعينه··· 31

ص: 531

عدم الدليل في مقام الاثبات··· 35

لزوم الاجتناب عن الباقي بعد تلف بعض الأطراف··· 37

جريان الأصل المثبت في أحد الأطراف··· 39

لو علم بعد الفراغ بنقصان سجدتين··· 40

انحلال العلم بجريان الأصل النافي وعدمه··· 41

لو علم بعد دخول المغرب فوات احدى صلواته الخمس··· 42

لا يجتمع ترخيص في طرف القاعدة مع ترخيصه في طرف الاستصحاب··· 43

لا فرق بين تعلّق العلم بعنوان واحد أو عنوانين··· 45

اشكال كلام صاحب الحدائق··· 46

اشتراط تأثير العلم بالابتلاء··· 47

اشتراط امكان الابتلاء في النواهي··· 49

لو شك في الابتلاء··· 51

الاشكال على اشتراط الابتلاء··· 53

رفع الشك ثبوتاً باطلاق مقام الاثبات··· 55

اشكال تعدد المراتب في القدرة··· 57

الفرق بين القضيّة الحقيقية وغيرها··· 58

عدم حاجة في التمسك بالاطلاق إلى احراز للاطلاق الواقعي··· 59

القدرة ليست من الانقسامات اللاحقة··· 61

اشتراط الابتلاء في خصوص النواهي··· 62

جريان الأصل في الطرف المبتلى به··· 65

الرابع من الشبهات··· 66

ص: 532

الفرق بين ما إذا باعهما معاً أو باع أحدهما بعد الآخر··· 69

صور ثلاث في تصور الفرع للأصل··· 70

تقرير الاشكال ببيان آخر··· 73

النتيجة على السراية وغيرها··· 75

الفرق بين مذهب الشيخ والمحقّق الخراسانى··· 79

حكم ملاقى أحد أطراف النجس اجمالاً··· 81

الفرق بين الملاقي والملاقى··· 83

المناط بالمعلوم لا العلم··· 85

الملاقى لأحد الأطراف داخل في الأطراف··· 87

الصور الأربع في كلام المحقّق الخراساني··· 89

الاشكال على المحقّق الخراساني··· 91

كلام المحقّق النائيني··· 93

إذا كان الخارج عن الابتلاء مورداً له··· 95

الكلام في انحلال العلم بالمثبت··· 97

بقية بحث الملاقى··· 99

جريان البرائة في التعيينية··· 101

خروج الملاقى عن مورد الابتلاء··· 103

الاضطرار بأحد الأطراف··· 105

انحلال العلم الاجمالي بالاضطرار··· 108

لحوق الصورة الثالثة بالاولى وعدمه··· 109

حكم الاضطرار إلى غير المعين··· 113

ص: 533

الارتكاب التدريجي··· 115

فذلكة البحث··· 119

اشكال سيّدنا الأستاذ··· 122

لزوم العسر من ناحية حكم العقل··· 125

جريان الأصل وعدمه لفظيّاً أو عمليّاً في مورد الشك··· 127

في الشبهة غير المحصورة··· 128

ضابط غير المحصورة··· 131

دليل عدم لزوم الاحتياط··· 133

الوجه الثالث لعدم وجوب الاحتياط واشكاله··· 134

معنى رواية الجبن··· 137

باقي الكلام في خبر الجبن··· 139

وجه آخر لعدم لزوم الاجتناب··· 143

وجه آخر لعدم وجوب الاجتناب··· 141

ضابط غير المحصورة كثرة الأطراف··· 144

الشبهة الوجوبيّة··· 145

الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة بين المتبائنين··· 147

المردّد بما هو مردّد لا أثر له··· 149

لا أثر لاستصحاب الجامع··· 150

بطلان العمل الاحتياطي في العبادات··· 153

وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة··· 155

الامتثال الاحتمالي في عرض التفصيلي··· 157

ص: 534

اشكال عدم الفحص في الشبهة الموضوعيّة··· 159

الصلاة إلى أربع جهات في اشتباه القبلة··· 161

الوجوب إلى حدّ العسر أو لزوم الاختلال··· 163

الشبهة الوجوبية في الأقل والأكثر··· 165

الأكثر مجرى البرائة··· 167

دليل الشيخ في جريان البرائة··· 169

جواب الاشكال··· 171

الجواب بعدم الانحلال··· 173

لا يكون الشك بينهما من المتبائنين··· 176

الاشكال على ايراد المحقّق النائيني··· 177

توجيه كلام المحقّق الخراساني··· 179

تقريب المحقّق النائيني··· 182

لابدّ من اتيان الأكثر··· 183

رجوع تقريب المحقّق إلى كلام المحقّق الخراساني وصاحب الحاشية··· 185

الأقوال الثلاثة في المقام··· 187

تقريب كلام المحقّق النائيني··· 189

اشكال التقريب··· 191

تقريب الكلام··· 193

اوامر الواجب الارتباطي أوامر ضمنية··· 195

البرائة الشرعية تؤمن··· 197

جعل البدل أو كفاية الامتثال الاحتمالي··· 198

ص: 535

لا مجال للبرائة في الشك في المحصّل··· 199

إذا شك في تحقق العنوان··· 200

إذا شك في المحصّل··· 201

توجيه كلام الشيخ··· 202

تعريف المسبب التوليدي··· 203

كفاية الاطلاقات في دفع الشك··· 205

اشكال الاستصحاب··· 207

جريان استصحاب حال الصغر··· 209

موارد جريان البرائة··· 211

كلام النائيني في الشرايط··· 213

الخطابات الغيرية في الأجزاء··· 215

الفرق في الانتزاع بين الوجود الواقعي والعلمي··· 219

لو كان منشأ النزاع الشرط والمانعية الخطاب النفسي··· 222

الفرق بين النواهي النفسية والغيرية··· 223

التفصيل بين ما إذا كان أصل محرز وغيره··· 225

ظاهر الأمر بشيء في شيء أو النهي عن شيء في شيء··· 227

بعض موارد عدم جريان البرائة··· 229

ما خرج عن باب الأقلّ والأكثر··· 231

مجرى البرائة في بعض موارد الشك··· 233

جريان البرائة في بعض الموارد··· 235

لو شكّ في شيء انّه مصداق المانع··· 237

ص: 536

المرجع الاشتغال بناء على بعض الوجوه··· 239

استصحاب الشهر··· 241

هل الأصل في الجزء والشرط الركنيّة··· 243

تحقيق الكلام··· 244

اشكال خطاب الناسي··· 247

تصوير الخطاب للناسي··· 249

الاستظهار من لا تعاد··· 251

العلم شرط التنجز··· 253

الاضطرار إلى ترك السورة أو الاكراه أو نسيانها··· 255

كيفيّة جريان حديث الرفع في الناسي··· 257

بيان جريان حديث الرفع··· 259

ما هو متعلّق الرفع··· 260

حكم النسيان المستوعب للوقت وغيره··· 261

كلام المحقّق النائيني··· 262

ايراد كلام المحقّق النائيني··· 265

دليل الرفع اجتهادي··· 267

هل اتيان المأمور به الاضطراري مجز··· 269

الزيادة في الصلاة··· 271

بطلان الصلاة بالزيادة··· 273

ما يعتبر في صدق الزيادة··· 275

أدلّة ابطال الزيادة··· 277

ص: 537

عدم البطلان بغير الخمس··· 281

نسبة لا تعاد مع بعض الأخبار··· 282

وجوب الباقي بعد العجز··· 283

اشكال قاعدة الميسور··· 287

اعتبار قاعدة الميسور ومجراها··· 289

موارد تطبيق القاعدة··· 291

المناقشة في تطبيق القاعدة··· 293

الاشكال على كلام النائيني··· 295

شمول دليل القاعدة للكل والكلّي··· 298

المناقشة في دلالة الخبر··· 299

سقوط المقيد بانتفاء قيده والمركب بانتفاء جزئه··· 301

يقدم الأهم في التزاحم··· 304

انتقال التكليف على ثلاثة أقسام··· 305

الموافقة القطعيّة الملازمة للمخالفة القطعيّة··· 307

طريقة العقلاء··· 311

وجه اعتبار قصد الوجه··· 313

ما يلاحظ قبل الخطاب وما يلاحظ بعده··· 315

نتيجة البناء على تقدّم الامتثال التفصيلي··· 317

لو عرض في الصلاة حالة لا يعلم حكمها··· 319

شرائط البرائة··· 322

دليل وجوب الفحص··· 323

ص: 538

كلام المحقّق النائيني··· 325

إذا عمل بالبرائة بدون الفحص··· 329

مناقشة دليل الفحص··· 331

المقدّمة على قسمين··· 332

وجوب التعلّم··· 334

صحّة العمل وفساده لو أتى به بدون الفحص··· 336

العمل بلا تقليد أو التقليد بعد العمل··· 338

لزوم التدارك··· 341

كيفيّة وجوب الاتمام مع وجوب القصر··· 342

امر التقصير مقدم··· 344

توجيه أمر الاتمام··· 347

حكم القصر في موضع الاتمام··· 348

اشكال كلام المحقّق النائيني··· 350

حكم الفحص في الشبهات الموضوعيّة··· 351

لزوم الفحص في موارد··· 355

عدم وجوب الفحص في الشبهات الوجوبيّة··· 356

شرطان آخران لجريان البرائة··· 359

توضيح كلام النائيني··· 363

اشكال كلام المحقّق النائيني··· 364

تحقيق الكلام··· 366

جريان الاستصحاب في الموضوع المركّب··· 367

ص: 539

يشترط في البرائة أن لا يكون مثبتاً لحكم آخر··· 370

الضمان لوضع اليد··· 372

توجيه كلام الفاضل··· 374

الفرق بين المباشرة والتسبيب··· 376

الكلام في قاعدة لا ضرر··· 379

حديث لا ضرر··· 380

موارد الحديث··· 383

ما به يتحقّق الضرر··· 385

لكلّ حكم ملاك··· 387

الكلام في حديث لا ضرر··· 391

مناقشة سيّدنا الاستاذ··· 394

اشكال الدلالة··· 396

معنى الضرر··· 397

ارتباط لا ضرر بحديث الشفعة··· 401

دفع اشكال رواية سمرة··· 403

الفرق بين الضرر والضرار··· 405

في معنى الضرار··· 409

تقريب القول الأوّل··· 411

مراتب النفي··· 413

الدليل على المعنى الأوّل··· 414

معنى الرفع··· 417

ص: 540

مبنى سيّدنا الأستاذ··· 419

المراد بالضرر ما يلزم منه وينشأ منه··· 421

النفي يتعلّق بنفس الطبيعة··· 422

الاشكال في الشرط الثالث··· 425

اعتبار الشروط الثلاثة··· 426

ما عن المحقّق النائيني لتحرير المطلب··· 430

ترتب ارادة المعاني··· 432

الايراد على الشيخ··· 433

من الشرائط أن يكون له أثر··· 436

استظهار المعنى الأوّل··· 437

بيان آخر··· 441

نفي الضرر نفي الحكم··· 443

لا ضرر ولا ضرار كبرى··· 446

احتمال عدم ربط لاضرر بالمورد··· 447

احتمال كون أمر القلع من باب الولاية··· 450

احتمالات الرواية··· 451

لا ضرر ينفي الحكم على الموضوع الأعمّ··· 453

خروج فرد عن موضوع دليل على أنحاء··· 455

الحكومة انحاء··· 456

نتيجة الحكومة··· 459

الحكومة توسع وتضيق··· 461

ص: 541

في حكومة الناسخ على المنسوخ··· 465

ما أفاده المحقّق الهمداني في المقام··· 467

وجوه حكومة لا ضرر على الأدلّة الأوليّة··· 469

توضيح معنى نفي الضرر··· 470

نتيجة اخلاف المبنيين··· 473

اتّفاقهما في النتيجة في بعض الموارد··· 475

دخول مسئلة الطهارات في حكم ذوي الأعذار··· 477

نتيجة الحكومة رفع الالزام··· 479

جواب الاشكال··· 480

على الواجد الطهارة المائيّة وعلى الفاقد الترابيّة··· 483

كفاية نفس نفي الضرر في جواز الوضوء··· 487

لو تحمّل الضرر··· 489

لا يجوز الوضوء إذا وصل إلى حدّ المفسدة··· 490

موارد جواز الاضرار بالنفس وبالغير··· 491

إذا زرع في الأرض المستأجرة ما يبقى بعد مدّة الاجارة··· 493

عدم سلطنة المالك على ماله لو أوجبت ضرراً على الغير··· 495

جريان الضرر في من أجنب نفسه متعمّداً··· 497

هل ينطبق لا ضرر في مورد عدم الحكم··· 498

لا مجال لجريانه في مورد عدم الحكم··· 499

عموم ولاية الفقيه··· 501

قيل بجريان لا ضرر في موارد عدم الحكم··· 503

ص: 542

الجواب عن بعض الموارد··· 505

الضرر ملاك للمجعول لا الجعل··· 508

حول رواية تعطيل الرحى··· 509

مسئلة تغيير مجرى النهر··· 510

اشكال بعض الأجوبة··· 511

الجواب عن قضيّة الرحى··· 513

اعتبار رضا الشركاء في القسمة··· 515

هل المراد بالضرر الشخصي أو النوعي··· 516

لا يجب تحمّل ضرر الغير··· 519

دوران الأمر بين ضرر نفسه وضرر الغير··· 521

مورد تعارض الضررين··· 523

صورة تصرّف الملك في ملكه··· 527

بيان حكم بعض الصور··· 529

ص: 543

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.