مباني أُصول الفقه المجلد 3

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: رحمتي، محمد، 1307 -

عنوان واسم المؤلف: مباني أصول الفقه: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودي/ مولف آيت اللّه شيخ محمد رحمتي.

تفاصيل المنشور: قم: قرآن صاعد، 1440ق.= 1398.

خصائص المظهر : 5 ج.

ISBN : دوره:978-600-7282-94-6 ؛ ج.1:978-600-7282-89-2 ؛ ج.2:978-600-7282-90-8 ؛ ج.3:978-600-7282-91-5 ؛ ج.4:978-600-7282-92-2 ؛ ج.5:978-600-7282-93-9

حالة الاستماع: فیپا

لسان : العربية.

ملحوظة : ج.2-5(الإصدار الأول: 1398).

عنوان آخر: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودی.

مشكلة : أصول الفقه الشیعة -- قرن 14

Islamic law, shiites -- Interpretation and construction -- 20th century

المعرف المضاف: هاشمی شاهرودی، سیدمحمود، 1327-1397.

المعرف المضاف: Hashemi Shahroudi, Seyyed Mahmoud

ترتيب الكونجرس: BP159/8

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5841397

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

مباني أُصول الفقه

مؤلف: آيت اللّه شيخ محمد رحمتي

الناشر: قرآن صاعد

وقت وسنة النشر: 1398

الطباعة والتجليد: زلال کوثر

الدوران: 1000 نسخه

ISBN: 6-94-7282-600-978

ISBN: 2-89-7282-600-978

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین

الرحمن الرحیم

مالک یوم الدین

إیاک نعبد وإیاک نستعین

اهدنا الصراط المستقیم

صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین

لفت نظر

1 - رقم الآيات على حسب احتساب البسملة آية من السور غير سورة التوبة .

2 - مأخذ روايات الوسائل، طبعة ثلاثين مجلّداً .

3 - روايات المستدرك على طبعة 20 مجلّداً .

4 - صفحات الكفاية على طبعة جلدين مع حاشية المشكيني .

ص: 2

مباني أُصول الفقه

تقرير بحث المحقّق المدقّق آيت اللّه العظمى

السيّد محمود الشاهرودى قدس سره

لتلميذه آية اللّه الحاج الشيخ محمد الرحمتي

الجزء الثالث

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

الكلام في الأدلّة العقليّة والأصول العمليّة

ونقدم الكلام أوّلاً في مباحث القطع وان كان خارجا عن موضوع علم الأصول ولا يقع نتيجة البحث عنه كبرى قياس الاستنباط لكن تبعا للشيخ قدس سره ومن تبعه وتمهيدا لمباحث الظن والشك والامارات المعتبرة وغيرها نذكر ما يتعلق بها من الكلام خصوصا مع كون الفراغ من بحث الألفاظ والشروع في بحث الامارات على الأحكام والوظائف المجعولة من قبل الشارع على العباد واستكشافها من الأدلّة يستدعي للمناسبة البحث عن القطع الذي هو أقوى الامارات بل اماريّته ليست بحسب الشرع .

فنقول ذكر الشيخ قدس سره المكلّف والتفاته إلى حكم شرعي وغيّر عبارته المحقّق الخراساني ( بقوله الذي وضع عليه قلم التكليف والظاهر انه لا فائدة في تغيير العبارة ولا يستفاد منها غير ما يستفاد من عبارة الشيخ لعدم ضيق في عبارة الشيخ وسعة في كلام صاحب الكفاية اذ لا يراد بالمكلّف ولا الذي وضع عليه القلم مطلق المكلف ومطلق الذي وضع عليه القلم حتى المقلدين بل باعتبار الأبحاث المتأخّرة للظن والشك وبيان حجيّة بعض الأمارات دون بعض في طريق

الكلام في الأدلّة العقليّة والأصول العمليّة

ص: 5

استكشاف الحكم الشرعي لابدّ وان يراد من يقدر على ذلك . وليس هو الاالمجتهد كما ان مراد صاحب الكفاية(1) هو ذلك لتصريحه فيما بعد بقوله ( متعلّق به أو بمقلّديه ) فلا وجه لأن يقال انه لم يعبر بما عبر به الشيخ ليشمل المقلد وان كنا لا ننكر احتمال ارادة الأعم من المجتهد من كلام الشيخ . لكنه لا ينافي ظهور كون المراد هو المجتهد القادر بقرينة الأحكام المترتبة على ذلك في الأبحاث الآتية ولا وجه لما يقال من كون المجتهد نائبا عن المقلّد في استنباط الأحكام اذ هو كما ترى كلام ظاهري .

ثمّ ان قيد اذا التفت في كلام الشيخ ليس لاخراج غير الملتفت وبالجملة الغافل عن محل البحث اذ لا كلام في عدم كونه مكلفا فعلاً لقصوره وغفلته بل المراد هو المكلف العالم اجمالاً بأحكام الشريعة وان شرب التتن مثلاً له حكم عند الشارع فهو مع التفاته إلى هذا اما أن يحصل له القطع أو الظن أو الشك .

وأمّا المحقّق الخراساني قدس سره فعمّم متعلّق القطع(2) بكونه حكما واقعيّا أو ظاهريّا وحينئذٍ لا وجه لتثليث الأقسام . اذ هو اما أن يقطع بالحكم الأعم منهما ولا اشكال في ان وظيفته ليس هو الرجوع إلى الأصول العمليّة لكون مؤدّاها في مفروض البحث عنه الحكم الظاهري فلابدّ حينئذٍ من ارجاعه إلى حكم العقل وتقرير مقدمات الانسداد ولا وجه ثانيا لرجوعه إلى الأصول العمليّة على هذا فلا يخلو صدر كلامه وذيله من تهافت .

اللهمّ إلاّ أن يراد بالحكم الظاهري مفاد الأدلّة والأمارات فحينئذٍ يكون

ص: 6


1- . كفاية الأصول 2/5 .
2- . كفاية الأصول 2/5 .

هناك حكمان حكم واقعي وحكم ظاهري وهذا بناءً على مبناه . وسيتّضح لك فيالبحث المخصوص به استحالة وجود الحكمين لرجوعه إلى التصويب الباطل كما ان التقييد بقوله حكم فعلي لاخراج الحكم الانشائي لعدم ترتب اثر على العلم به فضلاً عن الظن والشك غاية الأمر مراده من الحكم الفعلي غير ما هو الحق عند الحقّق النائيني اذ هو قدس سره يرى فعلية الحكم ولو قبل وجود موضوعه بخلاف النائيني فانّه يرى كونه انشائيّا وبفعليّة الموضوع يصير الحكم أيضا فعليّا وأمّا الحكم الفعلي من جهة الذي يظهر تصويره من المحقق صاحب الكفاية فلا نعقله على ما سيبين في محله .

والحاصل انّه لا إشكال في ان قول الشيخ قدس سره ( ان المكلف اذا التفت إلى حكم شرعي الخ يراد من المكلف كلّ من المجتهد والمقلد لحصول العلم أو الظن أو الشك بعد الالتفات إلى حكم الواقعة لكلّ منهما وتحقّق مجاري الأصول كذلك اذ لا اشكال في حصول ذلك للمقلد أيضا وان كان لا يقدر على تحصيل حجيّة الظن واقامة الدليل على ذلك . لكنه لا يمنع من حصول هذه الصفات له غاية الأمر لابدّ في رجوعه بالنسبة إلى مورد عدم العلم إلى المجتهد وليس المراد بالمكلّف خصوص المجتهد وكون المراد بالالتفات الالتفات إلى دليل الحكم وهو قد يفيد قطعا بالحكم كالخبر المتواتر وقد لا يفيد إلاّ ظنّا وقد يتعارض الأدلّة أو لا نصّ في

المسألة ويشك المجتهد .

ثمّ ان نظر الشيخ قدس سره من بيان أحكام القطع تمهيدا لايضاح صور عدم العلم ولا نظر إلى خصوص المجتهد كي يكون المقلّد اما مستضيئا بنوره ومستطرقا للواقع من جهة كون نظر المجتهد طريقا إلى الواقع أو ان المجتهد نائب عنه في

المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي

ص: 7

استنباط الأحكام وهو كالوكيل اذ لا وكالة للمجتهد عن المقلد كما ان الاستطراقبوسيلة المجتهد لا معنى له الاّ ما يرجع إلى رجوع الجاهل إلى العالم .وبالجملة فلا اشكال كي يتّجه الجواب عنه .

ثمّ ان بيان الالتفات تمهيداً لحصول الصفات لا للقيديّة . واما الغافل الذي هو غير ملتفت فلا يحصل له العلم ولا الظن والشك لعدم حصول الالتفات . اما الغافل الجاهل الذي هو قاصر فلا تكليف له فهو خارج عن مورد البحث .

والمحقّق الخراساني رتب التقسيم بنحو آخر وعبر مكان عبارة الشيخ بالذي وضع(1) عليه قلم التكليف وعمّم الحكم إلى واقعي وظاهري بخلاف الشيخ فان عبارته مطلقة منصرفة إلى الحكم الواقعي . ويحتمل الأعم من الانشائي كما لعلّه يظهر من جوابه عن اشكال ابن قبة في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري وتقييد المحقق الخراساني الحكم بالفعلي(2) بناء على مبناه من تصوير الانشائي

قبال الفعلي .

والمراد بالحكم الظاهري لابدّ وأن يكون مؤدّى الامارات وهذا لا يناسب اصول المخطئة اذ لا تكون الامارات الا طرقا الى الواقع فان اصابت والا فمجرّد عذر كما انه قدس سره قد صرّح بذلك في بعض الأبحاث الآتية . وعلى هذا فان حصل للمجتهد العلم بالحكم الواقعي أو الظاهري على مبناه الذي هو مؤدّى الامارات فهو . والا فاما ان يتم مقدمات الانسداد على الكشف وحجيّة الظن أو بنحو الحكومة والرجوع إلى الأصول العمليّة على ما أشرنا إليه ويحتمل كون تقييد

ترتيب المحقّق الخراساني

ص: 8


1- . كفاية الأصول 2/5 والعبارة ان البالغ الذي وضع عليه القلم .
2- . كفاية الأصول 2/5 .

الحكم بالفعلي في عبارة المحقق الخراساني ليس تعريضا على عبارة الشيخ بلانما هو بصدد بيان مورد الكلام . وعلى كلّ حال فذلك مبنى على تصوير حكمينالفعلي والانشائي وقوله في تعميم الحكم إلى واقعي وظاهري مبتن على تعدّد الحكم وان كان قد عدل عن هذا المبنى في بعض الأبحاث الآتية حيث انه في مبحث الظن لا يرى للامارات الاّ الطريقيّة وبنائه على كون مؤدّى الاصول حكما ظاهريّا ومبناه سابقا على كون الحكم ذا مراتب أربع . لكن قال أخيرا بمرتبتين من الفعلي احدهما لو علم به لتنجز اما الطريقيّة التي يقول بها في الامارات فهي لا تستدعي وجود حكمين بل الامارة ان اصابت والا فليس الا الترخيص والمعذوريّة .

وكيف كان فلا يمكن المساعدة على حكمين كما لا يفيد تعدد المرتبة اذ مع تعددها وان كان الحكم الظاهري لا يشمل مورد الحكم الواقعي الا انه ينزل إلى مورد الحكم الظاهري وينطبق على موضوعه كما انه لا مجال لما عن الشيخ محمّد حسين أو غيره من انكار التضاد بين الأحكام إلاّ في مرتبة البعث الفعلي فالأحكام ما لم تصل إلى مرتبة البعث لا تضاد لها في الواقع وفي عالم الجعل . نعم في مورد البعث والتحريك لا يمكن البعث على الفعل والترك . وعلى هذا المبنى وان كان الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري سهلاً الا ان الكلام في صحّة المبنى . وكذا ما شبّهوا به وجعلوا المقام نظيرا له حيث جعلوا الأحكام كالاعراض التي لا مانع من اجتماعها في معروض واحد كالكراهه والارادة لا كما السواد والبياض فانه لا يمكن اجتماعهما ولو من فاعلين اذ لا اشكال في ان ما نحن فيه لا يكون الفاعل والجاعل متعدّدا فاما ان يكون في الحكم مقتضى الوجوب أو الحرمة

ص: 9

محضا اذ مع تزاحم المقتضيات وتساويها يكون الجعل لحكم ثالث والعمدة فساد انكار التضاد بين الأحكام في عالم الجعل .فتبين ممّا ذكرنا انه لا وجه للجمع بين الحكمين لا بجعل التضاد في عالمالتحريك والبعث ولا بالفعلي والانشائي وجعل العلم بالانشائي موجبا لفعليّته .

نعم هنا مبنى آخر وهو تصور(1) الفعلي من جهة دون جهة . بيانه على ما ذهب إليه آقا ضياءالدين العراقي قدس سره ونقّحه .

ان للشيء أبوابا من العدم يستند عدم الشيء إليها ولابدّ من سدّ جميع هذه الأبواب في تحققه فتارة يكون عدمه من ناحية جهل المكلف وهو اما أن يكون بتقصيره في عدم الفحص عن الحكم واخرى من ناحية عدم اعلام المولى له وعدم تشريع الحكم في حقّه فهو يتركه ويفوت عنه المصلحة أو يقع في المفسدة وثالثة يكون الترك من ناحية عصيان المكلف بعد تماميّة الحكم من قبل المولى ووصوله إلى المكلف . والمولى قد يسدّ باب عدم الشيء من ناحية جعله الحكم وتشريعه لكن يكل أمر الوصول إلى المكلف إلى حصول العلم له بالحكم بحسب طبعه وجريه العادي . فحينئذٍ في صورة الجهل لا فعليّة له واخرى يكون مصلحة أقوى وأشدّ بحيث لا يكتفي المولى بسدّ باب عدمه من هذه الجهة فقط بل يوجب على المكلّف الاحتياط في ظرف الجهل بالتكليف ولو لم يصل إليه فهكذا إلى أن يصل الى المكلف ويكون هذا الباب مسدودا من قبل المولى وقد لا يمكن سدّه الا باعلامه تكوينا وتصييره عالما فيفعل وإلى ذلك ينظر المحقق الخراساني قدس سره في

ص: 10


1- . نهاية الأفكار 3/65 .

بحث الاشتغال حيث يرى(1) الملازمة بين الموافقة القطعيّة والمخالفة القطعيّة فيما اذا كان الحكم فعليّا من جميع الجهات .ولا يخفى ان هذا انما يتمّ على مذهبه قدس سره من كون الأحكام منجعلات لامجعولات وانها عبارة عن الأخبار عمّا في الضمير من حبّ الشيء وبغضه .

كما يصرّح بذلك الآقا ضياء وربما يظهر من كلمات المحقّق الخراساني في بحث الطلب والارادة حيث يجعل للارادة ثلاث مراتب الانشائي والفعلي والمفهومي والمغايرة إنّما تتصور بين الانشائي من الطلب المتبادر من الطلب والفعلي من الارادة .

نعم في بحث خطاب المشافهة يتصور الأحكام على نحو القضايا الحقيقيّة .

ومراتب الحب والبغض مختلفة في الشدّة والضعف فاذا كان الحب متوسّطا متعارفا فلا يوجب جعل الاحتياط واذا اشتد فلابدّ من جعل الاحتياط .

اما بناء على مبنى المحقّق النائيني من كون الأحكام مجعولات فلا يمكن تصور الفعلي من جهة دون جهة اذ اما أن يكون الجهل مانعا من تحقّق الموضوع أو العلم شرطا دخيلاً فيه فحينئذٍ فلا يعم الحكم الجاهل بلا ارتياب . كما اذا كان العلم بالحكم موجبا لفعليته فانه يكون العلم من شرايط وجوب الأحكام لا وجودها فلا يلزم المكلف تحصيل العلم بالأحكام لأنه اذا تحقق الموضوع فلا يمكن تخلف الحكم عنه فهو اما موجود أو معدوم والشيء الموجود اما أن يكون وجوده مانعا والمفقود وجوده شرطا دخيلاً فلا موضوع ولا حكم كما انه اذا كانت الاستطاعة شرطا في الحج ولم تتحقق والا فلا معنى لعدم جعل الحكم وانشائه

ما أفاده المحقّق ا لعراقي

ص: 11


1- . كفاية الأصول 2/208 - 215 .

وحينئذٍ فمع تعدد الموضوع يلزم محذور التصويب ومع اتحاده فلا يمكن جعل الحكم مخصوصا بالعالم وكونه فعليّا في حقّه دون الجاهل فالالتزام بهذا المبنى أيضا لا وجه له وكانه غفلة عن لوازم ما يرد على كلامهم وكانهم صحّحوا جانبا وغفلوا عن ساير الجوانب .ثمّ ان مراد المحقّق الخراساني من الحكم الظاهري في عبارته(1) أعم منمجارى الأصول الشرعيّة ومفاد الامارات بناء على جعل الحكم في موارد مؤدّياتها ( أو وعلى الطريقيّة ) ثمّ على تقدير عدم العلم بالحكم بكلا قسميه فلابدّ

من اتباع الظن بناء على الحكومة والا فالمرجع إلى الأصول العقلية واما بناء على الكشف فيكون من القسم الأول وبيّن قدس سره وجه العدول عن تثليث الأقسام بالتداخل وقال أخيرا(2) ( وان أبيت إلاّ عن ذلك فالاولى أن يقال ان المكلف اما أن يحصل له القطع أو لا وعلى الثاني اما أن يقوم عنده طريق معتبر أو لا الخ لكن مرجع ذلك إلى كون البحث عن وجود الامارة المعتبرة وعدمها بعد تسلم أصل اعتبارها لا عن اعتبارها مع ان البحث في ما يأتي ليس عن وجود هذه بل عن ما يعرضها من الأحكام والطواري .

ثمّ انّ الشيخ قدس سره ربع مجاري الأصول وان لم تكن نفسها أربعا بل أزيد لكنه حصر المجاري لا الأصول والحصر عقلي . لأنّه اما أن يكون الشك له الحالة السابقة معتبرة أو الأعم فهذا مجرى الاستصحاب والا فاما أن يعلم بجنس التكليف أو لا وعلى الثاني فمجرى البرائة وعلى الأول فاما أن يمكن الاحتياط

مجاري الأصول

ص: 12


1- . كفاية الأصول 2/5 .
2- . كفالة الأصول 2/5 .

فمجرى الاشتغال والا فالتخيير .

ثمّ ان بين كلامه قدس سره هنا وما ذكره في بحث البرائة في مجاري الاصول تهافتا حيث انه اكتفى في المقام في مجرى الاحتياط بالعلم بجنس التكليف ولو لم يعلم بنوعه . بخلافه هناك فجعل صورة العلم بجنس الالزام مجرى البرائة . كما ان بين متن الرسائل وما على حاشيته أيضا تخالفا والأحسن مراعاة ما في الحاشية لعدمانضباط مجارى الأصول على ما في المتن . وأحسن ما عبّر به في المقام ما عبّر به المحقّق النائيني قدس سره من انه اما أن يكون له الحالة السابقة أو لا وعلى الثاني فاما أن يعلم بجنس الالزام أو بالالزام ولو بجنسه أو لا وعلى الأوّل فأمّا أن يمكن الاحتياط أم لا فالأول مجرى الاستصحاب والأول من الثاني من مجرى الاحتياط والثاني منه مجرى التخيير والثاني من الثاني مجرى البرائة . الا انه استشكله سيّدنا قدس سره بعدم تعقل الجنس للالزام وان كان يجري قواعد الاحتياط في ما اذا علم بوجوب شيء أو حرمة آخر بخلاف ما اذا علم في مورد واحد بأحد الأمرين وانه اما واجب أو حرام فلا يمكن الاحتياط ويكون مجرى التخيير .

الكلام في مباحث القطع والبحث يقع تارة في ان حجيّته مجعولة أو منجعلة واخرى في كونه مقتضيا للجرى على وفقه أو علة تامّة . أمّا المقام الأوّل فلا اشكال في عدم كون القطع مجعولاً في علميّته اذ هو الانكشاف ولا يكون هذا المعنى بجعل جاعل بل هو ذاتي له والا فيتسلسل اذ لو لم يكن كذلك وكان مستندا إلى الجعل فلابدّ في ذلك من العلم والقطع بالجعل . ثم على تقديره فيحتاج ذلك العلم إلى جعل الحجيّة وعلى تقدير الجعل له أيضا لابدّ من العلم به وكونه حجّة وهكذا اذ كل ما بالعرض لا بد وان ينتهى إلى ما بالذات . والقطع حجّة بنفسه

ص: 13

وبذاته ولا يمكن سلب ذاتيّه عنه . وان شئت فاجعل هذا دليلاً على المقام الثاني في مقام الجري العملي على قطعه .

ثمّ انه لا اشكال في لزوم العمل على طبق القطع بمعنى كونه داعيا ومحركا نحو المطلوب اذا أراد لا علة مجبرة موجبة على العمل بل مع حفظ الاختيار والارادة فيكون العلم داعيا ورافعا للمانع من قبله وقبل شرح هذا المعنى لا بأسبالالتفات إلى نكتة . وهي انه هل الجرى العملي في نظر العقل موضوعه الواقع بماهو منكشف أو الانكشاف والعلم تمام الموضوع له بعد مسلمية عدم تأثير للوجودات الواقعيّة بلا انكشاف في عالم التحريك اذ بالوجدان لا نخاف من أسد بجبننا في الظلمة نحسبه غنما كما انه نخاف ونفرّ من غنم خلناه أسدا . فهذا ونحوه شاهد عدم استناد التحرك إلى الوجود الواقعي بل للوجود العلمي أو للعلم ولا مساس لهذا بما ادعى في باب تعلق الأحكام وجعلها من قيام صفتي الارادة الكراهة في نفس الجاعل بالصورة الذهنيّة التي يتخيّل انها الخارج . لعدم معنى لتعلق الحكم على الشيء في ظرف وجوده وتحققه وكذا لا معروض لهما في ظرف عدمهما بل لا معنى لذلك بقيد انه معدوم اذ محال أن يوجد الشيء بقيد انه معدوم لأنه على كلّ حال لا يكون الوجود الواقعي بما هو كذلك محركا وباعثا وداعيا نحوه ولو اخترنا تعلق الأحكام بالصور الذهنيّة الا ان الاشكال في كونها كالأعراض أي الارادة والكراهة ليستا كالاعراض من استحالة قيامها بلا معروض بل لو قلنا ففي نفس الجاعل لا العمل وتحقيق الحال في محلّه .

ثمّ انه لا يذهب عليك عدم استلزام استناد الأثر إلى الوجود العلمي كون موضوع الأحكام عند الشارع هو المعلوم انه كذلك اذ لو كان الأمر على هذا النحو

ص: 14

لكان اللازم حرمة الماء الذي علم انه خمر . بل الأحكام موضوعاتها نفس الأشياء غاية الأمر التحرّك انما هو في ظرف تعلق العلم بذلك .

والحاصل ان العلم والقطع لا يكون اقتضائه للجري بجعل الجاعل بل هو من آثاره المنتسبة إليه ومن توابع جعله البسيط لا انه جعل جعلاً مركّبا تأليفيّا . وكما لا يمكن رفع ذاتيات الشيء .

كذلك لا يمكن كونها مستقلّة تحت الجعل مضافا إلى المناقضة في الواقع أواعتقاد المكلّف ومعه ينسب الجنون إلى المولى ولا يتحرك على وفقه اذ معنى قولهفي ما قطع بكونه خمرا وقد فرض تعلق الحرمة به وشربها اجتماع الأمرين المتضادين الحرمة والحلية واقعا أو على فرض خطائه بحسب اعتقاده .

نعم اذا نسخ الأمر الأوّل بالثاني فلا بأس وهو خارج عن محل الكلام كما اذا أوصى بمال لزيد ثمّ لعمرو والفرق بينه وبين ما اذا بقى الايصاء بلا موضوع موكول إلى محلّه .

الفرق بين العلم والقطع

تنبيه: الظاهر ان الفرق بين العلم والقطع الذين يطلق الأول منهما على الباري تعالى بخلاف الثاني فلا يقال ولم يرد ياقاطع راجع إلى معنى كائن في كلّ واحد بخلاف الآخر فان القطع يطلق على من له استعداد وقابليّة حصول الشك والترديد بالنسبة إليه فاذا حصل له الانكشاف التام فيزول عنه الترديد فيجزم ويحصل له الحالة الكذائيّة التي يعبر عنها بالقطع وهذا المعنى محال على الباري تعالى لانكشاف الأشياء لديه وحضورها عنده كما انه يفترقان في كون العلم له

عدم الجعل في الجري على القطع

ص: 15

مطابق خارجي والا فهو جهل مركب بخلاف القطع فانه يطلق على الجهل المركب أيضا كالعلم لوجود الجزم في كليهما . ثمّ انّه لا يخفى ان العلم ليس كاشفيّته مجعولة بالجعل البسيط ولا التأليفي الذي هو مفاد كان الناقصة اما تشريعا فلعدم ارتباط له بصفحة التكوين واما تكوينا فلكون الكشف من ذاتيات العلم والقطع فلا تناله يد الجعل لا اثباتا ولا نفيا لعدم الامكان . نعم يمكن تصرّف التكوين في تصيير غير العالم عالماً الا انه بما انه عالم لا يمكن التصرف في الكاشفيّة له . كما

ان ترتيب الآثار والجري العملي من آثار الواقع غاية الأمر . لا بما هو واقع بل بما هو معلوم . وبعبارة اخرى من آثاره بوجوده العلمي لا الواقعي وعلى هذا المعنىيستند الفرار من الأسد الخيالي وعدم الفرار من الأسد الواقعي الذي لم يتعلق به علمه فما يقال من استناد الآثار إلى العلم وهي مستندة إليه ضعيف .

ثمّ انّ حجيّة القطع التي من آثارها المنجّزيّة والعذر فيما اذا اخطأ وصحّة الاحتجاج فيما اذا أصاب من المولى على العبد ومنه عليه أيضا ذاتيّة له . ولا يمكن الجعل بالنسبة إليها بأنحاء الجعل بسيطا وتركّبا اصالة وتبعا سواءً قلنا انها ( أي الحجّيّة ) قابلة للجعل ابتداءً أو انها أمر انتزاعي أو قلنا بتتميم الكشف أو غير

ذلك من المباني في حجيّة الامارات . كما لا يمكن الردع عنه وما في الظن القياسي والردع عنه أو الوسواسي وما ورد(1) في قضيّة أبان لم يكن ردعا عن حجّيّة القطع وكاشفيته بل انما هو خدشة في مقدمات القطع ومباديه وتشكيك في كيفيّة حصوله ( يمكن توجيه الردع عن الوسواسي بأن علمه حسب المتعارف موضوع للأحكام المترتبة عليه بهذا العنوان فتأمّل ) .

آثار القطع

ص: 16


1- . وسائل الشيعة 29 الباب 44/1 من أبواب ديات الأعضاء .

نعم يمكن دخل العلم بنحو خاص في العلم الموضوعي والا فلا يتصور ذلك في الطريقي كما اذا جعل العلم بالحكم من الأخبار والأدلّة الاجتهاديّة موضوعا للتقليد وكما في اشتراط العدالة والا فلو فرض العلم بالحكم من الجفر والرمل وغيرهما فلا يمكن الردع عنه في حجيته لنفسه .

واعلم ان اطلاق الحجّة على العلم ليس كاطلاقها على الأمارات عند الأصولي وجعل الوسطيّة في مقام الاثبات التي ترجع إلى التصرف الشرعي لحكم العقل بترتيب آثار العلم والقطع على ما جعله الشارع امارة وطريقا . كما انه ليسكاطلاقها على الحجّة بمعناها المنطقي من كاشفية العلّة عن المعلول والاستدلال بهعلى العلة وبالجملة ليس معناها راجعا إلى الكشف في باب الملازمات بين العلّة والمعلول . وعلى هذا فلا يمكن جعل القطع مأخوذا في صغرى القياس أو كبراه بلحاظ ترتيب آثار المقطوع والمعلوم كان يقال هذا معلوم الخمريّة وكلّ معلوم الخمريّة كذا .

نعم يمكن أن يقال ذلك في ما اذا يترتب عليه أثر موضوعا كما في الظن لعدم كونه علما فيتبع ذلك لكيفيّة اعتباره فيقال هذا مظنون الكذائيّة وكلّ مظنونها يترتب عليه ذاك الحكم على تقدير كون المظنون موضوعا لحكم من الأحكام الشرعيّة . الا ان للمحقّق النائيني قدس سره اشكالاً على هذا التقرير ويراه مغالطة بما سيجيء توضيحه .

فذلكة البحث

قد علم ممّا تقدّم ان القطع حجّة بمعنى كونه موضوعا لحكم العقل بالجرى

ص: 17

على وفق المقطوع في ظرف ارادته . والا فلا يكون جابرا الا انه لا يوجب تعلق العلم وحصول القطع بشيء تغيير حقيقة المقطوع . بل هو باق على ما هو عليه سواء صادفه القطع وتطابقا أم لا كما في اذا لم يكن قطع . فان الخمر الواقعي خمر ولو لم يعلم بها المكلف . بل علم بعدمها . وكذلك القطع بانها خمر لا يوجب شيئا اذا لم يكن كذلك وعلى هذا فلا عليّة ولا معلوليّة بين القطع والمقطوع . بل ولا تلازم . ومن هنا يظهر وجه عدم صحّة جعله في ترتيب القياس ولا الصوري منه لحصول النتيجة الحاصلة من تأليف المقدمات فيه بالفعل كما اذا فرض علمنا بحدوث العالم فلا نحتاج إلى تأليف القياس لاستنتاج هذا الحكم وعدم اطلاق الحجّة بمعناه المنطقي ولا الاصولي . أمّا المنطقي فلما عرفت من انتفاء العلية والمعلوليّةبينهما فلا يكون كشف القطع عن مقطوعه من قبيل برهان اللم ولا الان كما ان بمعناه الاصولي من كونه واقعا في طريق الاستنباط أو في كبرى القياس لا وجه له لعدم ترتب أحكام الخمر على المقطوع الخمريّة كي يقال هذا مقطوع المخريّة وكل مقطوعها كذا فهذا كذا .

والحاصل: لا يكون واسطة ثبوتية لمقطوعه بخلاف الظن . فانه يمكن فيه تشكيل القياس بأن يقال هذا مظنون الخمريّة وكلّ مظنونها حرام فهذا حرام . لكن لا يخفى عدم جريانه في الظن أيضا الا بناء على التصويب والموضوعيّة والا فعلى مبنى جعل الحجيّة أو الطريقيّة لا يتمّ . حيث انه اما أن يجعل الشكّ ظرفا أو موضوعا في الأمارات وموضوعا في الأصول الشرعيّة لا يمكن تشكيل القياس المنطقي فيها أيضا لعدم ملازمة ولا وساطة ثبوتيّة الا بناء على الموضوعيّة وكون قيام الامارة على شيء موجبا لترتب أحكامه عليه . الا ان للمحقّق العراقي قدس سره هنا

عدم اطلاق الحجّة على القطع

ص: 18

كلاما في تصوير الوسطيّة . بيانه ان الحكم ليس الا الارادة المولويّة وحقيقته ليس الا هذا . غاية الأمر وجود الألفاظ انما هي للابراز عن الارادة اللبيّة وحينئذٍ فالأحكام ليست مجعولة بل منجعلة وانكشاف حقيقة الارادة من المولى للعبد موجب لترتيب آثارها لدى العبد المعترف بعبوديّته وكون المولى مولى وما بين المولى والعبد من الأحكام كما انه كذلك الأمر في القطع .

ثمّ ان المولى قد يجعل الامارات التي لا مبرزية تامة لها بحسب حقيقتها مبرزة تعبدا . وعلى هذا فلا مانع من تشكيل القياس المنطقي واطلاق الحجّة عليها خصوصا والنسبة بين المثبت والمثبت هي التضايف ( كما قال الشيخ في رسائله ) فلا يمكن انفكاك كلّ منهما عن الآخر وعلى هذا فيدفع الاشكال عن بحث حجيّةالخبر الواحد الذي هو أكبر مباحث الأصول بل عمدتها لكون البحث حينئذٍ عنالامارات بحثا عن السنة التي هي قول المعصوم أو فعله أو تقريره فلا اشكال لكنه لا يخفى عليك عدم ابتناء تشكيل القياس على ما قرر بانجعال الأحكام ومجرّد تغيير الاصطلاح والتعبير عن المحرزة للواقع بالمبرزة لا وجه له . بل يتم ذلك حتى القول بكونها مجعولة غاية الأمر فساد ذلك من أصله . حيث ان جواز تخلف المثبَت عن المثبِت مما يهدم أساس هذا الكلام وإلاّ فعلى فرض عدم جواز الانفكاك فلا يمكن تصويره الا بناء على الموضوعيّة التي هي خلاف اصول العدليّة إذ على مبناه من كون لب الحكم هى الارادة فلا يمكن قيام الظن على المؤدى من مباديها اذ هي بمباديها اما حاصلة أم لا فاذا كانت المصالح والمفاسد والمقتضيات للجعل التي تكون دواعي للجعل التشريعي على حذو الجعل التكويني من امتناع البخل والفيض التام والجود العام واعطاء كل شيء حقه

ص: 19

حسب استعدادات ظروف الأشياء حاصلة فالارادة تتحقق سواء علم بها المكلّف أم لا . والا فعلم المكلف أو جهله لا يوجبان شيئا ولا يقعان في سلسلة علل الحكم وهذا لا يناسب مع ما بنى عليه في كثير من أبواب الأصول من تأسيس الحصة التوئمة وجعل العناوين امورا مشارا بها إلى موضوعات الأحكام والعناوين وليس لها دخل ملاكي كما سيجيء في القطع الموضوعي من انكار نتيجة الاطلاق والتقييد وارجاع ذلك الى الحصّة المقارنة مع العالم .

نعم بناء على منجزية الاحتمال في جعل الطرق والأمارات ومبناه قدس سره هذا فلا يتوجه الاشكال الا ان الكلام في مبادى هذا المبنى وعلى ما ذكر فالقول بامكان تشكيل القياس في الظن وجعل الحكم هو المثبت المبرز والظن والامارة المعتبرة هو المثبت والمبرز منافٍ وتهافت لهذا المبنى الذي كرره في الأبحاثالاصوليّة وسهل به كثيرا من العويضات ودفع بهذا الاشكالات لكنه قدس سره لا يجزم بمانقلنا عنه ولا يصر عليه .

ولذا فالأحسن أن يعبر عن ذلك بيمكن أن يقال أو ربما يقال وأمثالهما كما ان تشكيل القياس لا يجامع مباني جعل الحجيّة والطريقيّة والعذريّة اذ لا يقع أحد هذه بناء على صحّة جعلها واسطة ثبوتية للحكم الشرعي .

نعم لا بأس بوقوعها موضوعا لحكم العقل اذ بعد ان جعل العذر فلا يتحقّق مصداق كبرى العقل من عدم العذر وهكذا في غيره .

والا فنقول ان العذر لا يقبل الجعل ( فالأحسن ما عبر به المحقّق النائيني في المقام وأحسن منه ما عبّر به المحقّق صاحب الكفاية .

أقول: لعلّ المراد به ما سنذكره ذيلاً من دخل علم المكلف بالحكم في

لا اشكال لو قلنا بمنجزيّة الاحتمال

ص: 20

فعليته وهو الظاهر .

فتلخّص ممّا ذكرنا عدم صحّة تشكيل القياس في القطع مطلقا لا صورة ولا معنى وفي الامارات وان أمكن صورة الا انها أيضا كالقطع في عدم صحّتها معنى .

ثمّ اعلم انه لا يمكن الالتزام بالتزامهم انجعالية الأحكام .

نعم بناء على ما صرّح به الشيخ في أوائل الدرر(1) من احتمال كونها كذلك لا بأس . لكنه مخصوص بباب الأحكام التكليفيّة دون الانشائيّات كالعقود والايقاعات . كما انه بناء على أخذ العلم في موضوع التكليف كان يكون معلوم الخمريّة حراما لا مانع من كونه واسطة ثبوتية للحكم حيث انه يمكن معه تشكيل القياس بأن يقال هذامعلوم الخمريّه وكلّ معلومها كذا فهذا كذا الا انه خلاف ما يستفاد من الأدلّة مع انه لا يبقى حينئذٍ مجال للبحث عن الشبهات الموضوعيّة لأنّهفي ظرف الشكّ في الخمريّة نقطع بعدم الحرمة .

نعم غاية ما في الباب هذا تصويب في الموضوعات ولم يقم اجماع على خلافه بل التصويب القائم عليه الاجماع هو في الأحكام فيمكن أن يقول به أحد هنا دون باب الأحكام لو ساعده الدليل ) .

الكلام في القطع الموضوعي وأقسامه

لا اشكال في ان للقطع جهات . فمن حيث نفسه صفة نفسانيّة ذات اضافة أو من مقولة الكيف أو الفعل أو الانفعال اذ لكلّ وجه صحيح كما ان له النوريّة وارائة متعلّقة ويمكن أخذه دخيلاً في الموضوع كلاّ بأن يكون تمام الموضوع لحكم من

في القطع الموضوعي

ص: 21


1- . درر الفوائد .

الأحكام غير حكم متعلق نفسه لما سيجيء أو جزئه . وعلى كلا التقديرين تارة على نحو الطريقيّة واخرى على نحو الصفتية ولا اشكال في امكان أقسامه .

نعم قد استشكل في ما اذا أخذ جزءا للموضوع على نحو الطريقيّة بأنّه مستلزم لتعدّد اللحاظ المحال . اذ القطع الطريقي لا يلتفت إليه القاطع الا بنظرة ثانية والتفات اليه بعد القطع فلا معنى لأخذه جزءا للموضوع بهذا النحو .

ولكن اجيب عنه بامكانه في حق غير القاطع وهو المولى الجاعل وان لم يمكن بالنسبة إلى المكلّف نفسه بذاك النظر مع امكانه بالنظرة الاخرى وعلى كلّ حال قد وقع الكلام في امكان أخذ العلم بالحكم في متعلق نفسه كان يكون قبل العلم لا حكم وبعده يتحقّق الحكم ويكون فعليا ذا أثر بأن يقول اذا علمت بوجوب الصلاة فهي واجبة بخلاف ما اذا قال بوجوبها فتصدق لما مرّ الكلام عليه بأقسامه الأربع ولا اشكال في استحالته لاستدعاء تعلق العلم بالمعلوم تحققه مع ان الحكم لا يتحقق الا بالعلم فالعلم المتأخّر عن تحقّق الحكم لابدّ أن يكون في سلسلة عللهومن مقدمات وجوده وتحققه وهذا محال بلا اشكال لادائه إلى وجود العلم وعدمه في مرتبة واحدة .

نعم قد أخذوا في بيان ما يمكن أن ينتج هذا المعنى ولو بلا اتّخاذه في دليل الحكم فقد ذهب المحقّق النائيني قدس سره إلى امكان جعل الخطاب المتمم .

بيانه ان اخذ ما هو متفرع على وجود الخطاب ولا يتحقق الا بعده لا يمكن تقييد موضوع الخطاب به وبعد البناء على كون التقابل بين الاطلاق والتقييد هو العدم والملكة فبعين امتناع الاطلاق(1) يمتنع التقييد . وهذا بخلاف الانقسامات

ص: 22


1- . حق المقام ( فبين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق ) .

الاولية التي تحقق موضوع الخطاب وقبل الخطاب أمكن تقييد الموضوع بها .

ثم انه حيث لا يمكن في لب غرض الواقع عدم الاطلاق والتقييد بالنسبة

إلى العلم أو ما هو نظيره في امتناع أخذه في متعلق الخطاب وموضوعه فاما أن يكون واقعا موضوعه العالم بخصوصه أو أعم منه ومن الجاهل فيتمم هذا الخطاب الاولى القاصر عن بيان ذلك ببيان آخر اخبارا بأنّه عام أو مخصوص بخصوص العالم . وتسمية هذا الخطاب بمتمم الجعل مسامحة . وهذا المتمم غير المتمم في أبواب اعتبار قصد القربة والمقدمة المفوتة وايجاب الاحتياط وهذا نسمّيه بنتيجة الاطلاق أو التقييد اذ ليس تقييدا ولا اطلاقا حقيقيّا . وسلك آقا ضياء العراقي قدس سره طريقا اخر . بيانه بعد وضوح ترتب العلم على المعلوم ترتب المعلول على علّته وتأخر رتبته عنه واضح لتخلل القاء فيقال وجد فعلم أو جهل ولو لا بوجوده الخارجي كوجود الغد والعلم به وان عنوان العالم والجاهل ليس أخذه الا بنحو العنوان المشار به إلى شيء آخر وليس للعنوان دخل كما اذا أردنا الاشارة الىقطعة خاصّة من الخيط الطويل الممتد الواقعة على فوق رؤوس عدّة أشخاص فنشير بهم إلى تلك القطعة مع عدم دخل لوجودهم ولا لذكرهم في موضوع الحكم أصلاً بل لو لا هم لأشرنا بشيء آخر فهذا اشارة إلى الحصة الخاصة من الموضوع التي يتفق وجوده مع العالم حتى ان كونه توأما معه مقارنا له أيضا لا دخل له فأخذه بهذا النحو لا يستوجب شيئا بل يفيد سعة متعلق الحكم أو ضيقه . وهذا المعنى غير متوقف على تحقق الحكم بل يتحقق قبله وبعده هذا .

وبهذا أيضا أجاب عن اشكال المقدمة الموصلة في السير الذي يقرب إلى مكة متصفا بالمقدميّة بانه انما يكون المقدمة هي الموصلة التي لا نريد بها الا ما

جواب اشكال المقدّمة الموصلة

ص: 23

يوصل بها إلى الحج لا بدخل هذا العنوان كي ينقلب المقدمة ذا المقدمة وبالعكس ولا الملاكي وكذلك في باب دخل قصد القربة . وعلى كلّ حال فقد كرّر هذا المبنى في عدة موارد ويرد عليه اشكالات . ولكن هذا غير مرتبط ببحث أخذ العلم في متعلّق نفس الحكم الذي تعلق به بل على ما صرح به لا دخل للعلم ولا للعالم وانه لو لا العلم لاشير اليه بعنوان آخر غير دخيل فيه أيضا .

ثمّ انه كيف يعلم المكلف بان الشرط حاصل في حقه ومن أين يعلم بذلك وقياسه بساير الشرايط الدخيلة في الملاك ضعيف لوجود خصوصيّة في المقام وعلى الفرض يكون العلم دخيلاً في الملاك كالعقل والبلوغ لا من شرايط حسن الخطاب كالقدرة ولا التنجز كالعلم فلا وجه لهذا الكلام كما لا وجه لسابقه بل الأحسن في هذا الباب ما ذهب إليه الآخوند من كون العلم بالحكم بمرتبة منه كالانشائي موضوعا لمرتبة اخرى هي الفعليّة ولا الاشكال عليه أوضح لعدم ايجاب تعلق العلم بشيء تغيره عما هو عليه وناقلاً له عن مرتبة إلى مرتبة .

تكميل وتتميم: قد عرفت ممّا ذكرنا استحالة أخذ العلم بالحكم فيموضوعه ومتعلق نفسه لاستلزامه الدور والانفكاك بين ما هو كالمعلول والعلّة في عدم التأخر الزماني مع ان حصول العلم ربما يتأخّر عن الحكم زمانا الا انه لا اشكال في جواز أخذ العلم بحكم في موضوع حكم آخر غير متعلقه لعدم تأتي تلك الاشكالات هنا .

ثمّ انه كما يمتنع التقييد بالعلم فهل كذلك الاطلاق وانه ممتنع بعين امتناع التقييد كما قيل أو انه لا مانع من تحقق الاطلاق ولو لم يمكن التقييد ؟ وجهان مبتنيان على كون التقابل بين الاطلاق والتقييد من العدم والملكة أو من التضاد أو

ص: 24

الايجاب والسلب . وكيف كان فهذا بحسب مقام الاثبات والا فلا يمكن الاهمال ثبوتا بالنسبة إلى دخل العلم وعدمه . فاما ان يكون هناك ملاك الحكم منحصراً في حق العالم أو يعمه والجاهل فلابدّ للمولى من افهام غرضه وملاك حكمه للمكلف وقد قيل في طريقه وجوه:

منها كون ذلك بنحو نتيجة الاطلاق والتقييد . فان كان مطلقا ملاكا فبنتيجة الاطلاق والا فنتيجة التقييد بخصوص العالم واما قيام الملاك بخصوص الجاهل فلا يحتمل .

وقيل على نحو تخصيص الحكم الفعلي من الحكم هو خصوص الحصة المقارنة للعلم لا المطلقة الحاصلة في الرتبة السابقة التي لا خصوصيّة للعلم والجهل فيه . كما ان أخذ العلم هنا ليس بعنوان التقييد بل اشارة إلى حكمه الخاص الواجد للملاك . لكن يردّ عليه مع فساد المبنى وانه لا رتبة للحكم انه لا معنى لتخصيص الحكم فالحكم لا يقبل التخصيص لكونه أمرا بسيطا الا ان يرجع إلى تعدد الموضوع وهو لا يقول به ولا يلتزم به .

نعم هذا المبنى حسن في باب المقدمة الموصلة ورفع اشكال اتصاف قربالشخص ولو بمقدار اقدام نحو مكة بالمقدمية والوجوب مع عدم التزامهم به بأنّه يكون المقدمة هي خصوص الموصلة التي لا تتقيد بعنوان الايصال بل هو مشير إلى نفس المقدمة المتعلقة للحكم وكذلك في باب قصد القربة .

اما نقله في هذا المكان ودفع اشكاله به اما غفلة وتسمية في غير محل أو مغالطة .

ومنها كون العلم بالحكم في المرتبة الانشائيّة موضوعا له في مرتبة الفعليّة .

أخذ العلم بنحو نتيجة التقييد

ص: 25

وفيه انه مع كونه خلاف المفروض لعدم كون المأخوذ في موضوعه عين الحكم بل هو شيء والمأخوذ فيه شيء آخر . ان العلم بالحكم الانشائي بمجرّده لا يكون منشأ للأثر كما ان انشاء المولى وانشائه حكما آخر يكون متعلّق حكمه خصوص العالم لا يمكن بناء على عدم تعدد المرتبة للحكم لأنّه إمّا أن يقول الوجوب مخصوص بحق العالم والفرض انه لا علم فلا حكم كما انه يبقى الاشكال لو قال اذا علمت بوجوب الصلاة فصل وكذا فيما إذا قال العالم يجب عليه الصلاة ويزيد ذلك اشكالاً انه لا يمكن تحقق العلم بالحكم مع كون قوامه هو نفس العلم .

هذا ومع ذلك فقد ورد في الشرع موردان استثنيا من الكلية الحاصلة على اشتراك العالم والجاهل في الأحكام التي قد دلّ عليه الدليل والأخبار(1) الدالّة عليه مذكورة في الوسائل ومضمونها انه ما من واقعة الا وللّه فيها حكم ولم يقع فيها لفظة استواء العالم والجاهل كما ان ما ذكره(2) في مقدمات الحدائق انما هيبعض تلك الأخبار المنقولة في الوسائل وهو أيضا لم يدع ورود لفظة الاستواء فمانسب إليه وهم .

أحدهما ما اذا اجهر في موضع الاخفات والعكس .

والثاني ما إذا أتمّ في موضع القصر وورد(3) فيهما انّه أو لا يدري في الاول

وانه اذا قرء عليه آية التقصير وفسرت له فعليه الاعادة .

وورد في ما اذا أقام أو قصد الاقامة عشرة أيّام في مكان انه يتم واذا كان

ص: 26


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 8/1 - 3 - 4 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . الحدائق الناضرة 1/77 - 78 .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/4 من أبواب صلاة المسافر .

جاهلاً فقصر لا اعادة عليه والرواية(1) صحيحة عمل بها جماعة قليلة خلافا

للمشهور ولذا فالاحتياط الاعادة والا فبحسب الدليل لا تجب الاعادة فان أمكن رفع الاشكال بأحد تلك الوجوه والا فلابدّ من توجيه آخر .

ما اجيب أو يمكن أن يجاب عن الاشكال:

يمكن الجواب عن الموارد التي استشهد بها على وقوع أخذ العلم بالحكم في متعلّق نفسه في الشريعة كمورد القصر والاتمام والجهر والاخفات بوجوه:

أحدها كون الوظيفة بالنسبة إلى الجاهل في باب القصر هو التخيير بين القصر الاتمام بشهادة اتفاق الفقهاء على انه اذا أتم أو قصر فقد تمت صلاته غايته استحقاق العقاب على ترك القصر اذا أتم . وحينئذٍ فيمكن كون العلم بهذا الحكم التخييري موجبا لتبدل الوظيفة التخييري بين القصر والاتمام بالتعيين نظير تبدّل وجوب صلاة الجمعة عن التخيير بينها وبين صلاة الظهر إلى صلاة الجمعة في صورة حضور الامام واقامة الجمعة وربما يدلّ عليه الآية الشريفة(2) بما ورد فيتفسيرها وما ورد(3) في انه اذا قرء عليه آية التقصير وفسرت له فعليه الاعادة والافاذا كان ناسيا أو جاهلاً فلا شيء عليه وقد تمت صلاته .

فمبنى قوله علیه السلام وفسرت له بمعنى تعيّن وجوب القصر عليه .

أو أن يقال بكون العلم بوجوب القصر في الجملة موضوع وجوب القصر فتأمّل .

ص: 27


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/3 من أبواب صلاة المسافر .
2- . سورة النساء الآية 102 .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/4 من أبواب صلاة المسافر .

ثانيها ما أشار إليه الحاج آقا رضا قدس سره (1) في الجهر والاخفات واحال في القصر والاتمام على ذلك المقام . وحاصله انه يجوز أن يكون في مقام الثبوت كون كلّ من الجهر والاخفات له مصلحة كما ان نفس القرائة لها مصلحة ملزمة الا ان وجوب الجهر والاخفات بالنسبة إلى الجاهل نفسي . لكن اذا علم بهذا الوجوب يكون موجبا لتبدل وجوبه النفسي بالشرطي . وحينئذٍ فيجمع بين استحقاق العقاب في حق الجاهل وصحّة صلاته حيث انه ترك واجبا نفسيّا لا ربط له بالصلاة فتصح ويستحق العقاب كما انه لا تصح في صورة العلم للشرطيّة هذا في الجهر والاخفات .

أمّا في مسئلة القصر والاتمام فيمكن أن يقال ان الواجب بالأصل في الصلاة هي ركعتان فرض اللّه ولا مانع من كونهما لا بشرط في حق الجاهل الذي لا يعلم بوجوب القصر . فحينئذٍ اذا أتى بالتمام وزاد ركعتين عليهما لا يوجب شيئا بخلاف العالم فان العلم بوجوب القصر موجب لكون الركعتين مانعتين بالنسبة إليه ويكون لا بشرط الجاهل بشرط لا في حقه . وقد مثل(2) الحاج آقا رضا قدس سره لذلكبما اذا كان صرف وجود العتق فيه مصلحة وكان لعتق المؤمنة أيضا مصلحة ملزمة .غاية الأمر اذا أتى بالكافرة وان أدرك شيئا من المصلحة لكنه قد فاتت منه مصلحة الايمان ولا يمكن استيفائها وهذا بخلاف صورة العلم فانه لا يمكن كون الأمر كذلك وان اتيان نفس الطبيعة والصرف يكفي .

وحاصل هذا الوجه كون القصر أو الاخفات واجدا للمصلحة أو موجبا

في رفع اشكال الجهر والاخفات

ص: 28


1- . مصباح الفقيه 12/356 - 357 .
2- . مصباح الفقيه 12/357 .

لاستيفائها فلا يبقى حينئذٍ مجال لاستيفاء مصلحة الجهر أو الاتمام أو بالعكس وذلك لأنّه اما أن لا يكون فيه مصلحة ملزمة فلا موجب للاعادة أو انها لها المصلحة الملزمة والفرض انه لا يمكن الاستيفاء لمكان انه قد أتى بما فوّت محل استيفاء تلك المصلحة ولقد خلطنا كلام الحاج آقا رضا بشيء من كلام غيره .

توضيح:

قد ذكرنا الوجوه التي قيل بها أو يمكن أن يقال في حل الاشكال والنقض في أخذ العلم بالحكم في متعلقه وموضوعه وان مسئلة الجهر والاخفات والقصر والاتمام ليستا من محلّ الكلام . بل مما أخذ العلم بالحكم موضوعا لحكم آخر وهو ما أشرنا إليه من كون العلم بالتخيير بين القصر والاتمام موجبا لتعين الخطاب بالقصر عليه اذ لا اشكال في صحّة القصر من الجاهل بالحكم ولم يخالف فيه الا بعض من قال بعدم اجزاء القصر كما انه يمكن أن يكون لمكان استيفاء المصلحة والمقدار الباقي مما لا يمكن استيفائه مستقلاً كما انه قيل ان المقام من باب جعل البدل وليس للبحث عن تحقيق الحال في صحّة جعل البدل في المقام مجال .

الحاصل انه لو استشكلنا في الجهر والاخفات والقصر والاتمام بأخذ العلم في الحكم في متعلّق نفسه . فالجواب انه لم يرد ( اذا علمت بوجوب القصر فالقصرواجب ) بل الوارد انما هو في القصر انه اذا قرء(1) عليه آية التقصير وفسرت لهفيعيد والا فلا يعيد كما انه في بحث الجهر والاخفات ورد(2) انه تمت صلاته ولا

ص: 29


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/4 من أبواب صلاة المسافر واللفظ بعد قوله فسرت له فصلّى أربعاً أعاد وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 26/1 من أبواب القرائة في الصلاة واللفظ فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته .

شيء عليه وحينئذٍ فعدم الاعادة للصلاة في حق من فسرت له أعم من كونه موضوعا للحكم كما ان في باب الجهر والاخفات يمكن أن يكون الحكم هو التخيير بين الجهر والاخفات . غاية الأمر هناك مصلحة الزامية في الجهر قد فاتت منه ولا يمكن استيفائها في صورة الجهل بالحكم . فاذا أمكن في مقام الثبوت هذه الوجوه لكفى في رفع الاشكال والا فلا يمكن جعل العلم بالحكم موضوعا لنفسه لعدم امكان حصول العلم بذلك . بل لو فرض امكان حصول العلم للمكلّف على ما في الضمائر أو بانشاءات المولى فللمقام خصوصيته لا يمكن معها ذلك حيث انه في ما اذا لا يعلم المكلف لا حكم واقعا في لب الواقع ومعه كيف يمكن عثور المكلف على ما لا حقيقة له .

وقد عرفت بما ذكرنا عدم كون المسئلتين مما أخذ العلم بالحكم في متعلقه.

والوجه الأحسن أن يقال بكون العلم بالتخيير موجبا للحكم بالتقصير وكونه متعيّنا عليه أو أن يقال ذلك على نحو كون العلم بالانشاء موجبا للبعث على القصر ولا مانع من ذلك وهذا غير لازم ولا ملازم لتصوير المراتب للحكم ولو استلزمه فلابدّ في الالتزام به اذا أمكن والجأنا الدليل .

ثمّ ان هذا في العلم الموضوعي وقد تبيّن بما ذكرنا استحالة دخل العلم في موضوعه . وأما بنتيجة التقييد أو الاطلاق فلا مانع منه على ما مرّ مفصّلاً . لعدمامكان الاهمال في لبّ الواقع فان الغرض اما قائم بخصوص العالم أو الأعم وحينئذٍ فلابدّ للمولى من بيان مراده بخطاب آخر أو اقامة قرينة عليه والا فنفس الخطاب لا يمكن أن يتكفله واما كون الأحكام يستوي فيها العالم والجاهل فقد

الأحسن في دفع الاشكال

ص: 30

علمنا به من ادلة(1) الاشتراك المتواترة أو المستفيضة بالاطلاق اذ لا تصريح فيها بكون العالم والجاهل على حد سواء بل انما وقع فيها عدم خلو الواقعة من الحكم .

هذا كلّه في أقسام القطع الموضوعي بأقسامه الأربعة من كونه تمام الموضوع أو جزئه على نحو الصفتية أو الكاشفيّة .

والخامس: العلم الطريقي وربما يمكن قيام الامارات أو بعض الأصول مقام القطع على تفصيل يأتي إن شاء اللّه .

تكميل وفذلكة: قد عرفت ممّا ذكرناه استحالة تقيد الحكم بالعلم به حقيقة ونتيجة اذ استحالته ليست من ناحية عدم امكان البيان في مقام الاثبات بل لا يتصور ذلك ثبوتا .

نعم لا بأس بكون العلم شرطا للطلب لا دخيلاً في المصلحة والا فلو كان دخيلاً في المصلحة كالعقل والبلوغ فلا يمكن لما ذكرنا من الاشكال . وحينئذٍ فيمكن في فرض عدم دخله في المصلحة بيانه بنتيجة التقييد أو اذا كان العلم والجهل كلاهما سيّين فبنتيجة الاطلاق ومعناه انه لو كان التقييد أو الاطلاق الحقيقي في فرض شرطيّته للطلب ممكنا ولو على فرض محال فكان العلم تقيده به موجبا لاختصاص الحكم بالعالم أو اطلاقه موجبا لشمول العالم والجاهل كليهما فكذلك في صورة استحالة الاطلاق والتقييد الحقيقي يوصل الى تلكالنتيجة بنحو آخر . الا ان هذا في ما اذا كان الاهمال في لب الواقع محالاً فاما أن يكون الملاك قائما بخصوص العالم أو الأعم لكن ربما لا يمكن الاطلاق أو التقييد في لب الواقع أيضا كما في صورة اشتراط الخطاب والتكليف بارادة

ص: 31


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1 - 3 - 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

المكلف بالاتيان أو الترك اذ الاتيان والامتثال للمتعلق وعدمه في ذات الخطاب يقتضي اتيان متعلقه بلا امكان اشتراط التكليف بما اذا امتثل أو عصى لاستحالة ذلك على ما مرّ بيانه في الترّتب فراجع .

وكيف كان فيقع الكلام في باقي أبحاث القطع .

منها: ما مرّ تقسيمه إلى الموضوعي تماما أو جزءا على نحو الكاشفيّة والطريقيّة أو الموضوعيّة والصفتيّة . وعلى كلّ حال فلو فرض أزيد من هذا أيضا فلا يهمنا التعرض له وقد عرفت عدم امكان جعل الطريقية ولا سلبها عن القطع لما هو ذاتي له وبذلك تعرف ان ما ذهب إليه المحدّثون من أصحابنا لا يمكن تصويره إلى ردع القاطع عن العمل بقطعه نعم يمكن رجوعه إلى الخدش في مقدمات حصوله وسيأتي تحقيق البحث إن شاء اللّه .

ويقع البحث عن قيام الامارات مقام القطع الطريقي المحض أو اذا أخذ موضوعا على نحو الكاشفية لا بما هو وصف من أوصاف النفس ومحل البحث قيامها بدليل اعتبارها مقام القطع اما اذا صرح المولى ونزلها منزلة القطع في جميع الآثار أو في خصوص الأثر المبحوث عنه فلا مجال للتوقف في قبوله وامكانه .

إنّما الكلام في قيامها مقامه بمجرّد دليل اعتبارها . وذلك حيث ان للعلم جهات باعتبار ذاته وتعلقه بالمعلوم . فمن حيث نفسه ليس الا الصورة الحاصلة في صقع النفس واما أن يكون النفس تخلقها أو انها انفعال النفس من تأثير المعلوم والنظر في مقدمات حصوله مثلاً أو انه من مقولة الفعل أو ذات اضافة إلى شيء .فما هو المعلوم من حيث نفسه هوالصورة الا ان له تعلقا بالمعلوم ذي الصورة المرئى به فبهذا الاعتبار يكون من حصل له الصورة عالما وذاك الطرف للاضافة

قيام الامارات مقام القطع

ص: 32

معلوما باعتبار انكشافها اما ربطه بالخارج فعرضي .

ثمّ انه بعد هذا مرتبة اخرى وهي مرتبة الجري العملي وترتيب الأثر والانبعاث نحو الشيء أو الفرار عنه .

وكيف كان فقيام الامارة مقام القطع الطريقي وعدمه مبتنٍ على ان هل دليل اعتبار الامارة انما يقتضي وجوب العمل وحيث ان هذا الوجوب ليس نفسيّا بل طريقي فينتزع عنه الطريقيّة والجعل تعلق بمنشأ انتزاعه كما يقول به الشيخ أو ان الامارة انما تكون حجّة في ما اذا أصابت الواقع وفي صورة عدمها فلا اعتبار لها وحيث نعلم وجود الامارات المصيبة في ما بأيدينا من الامارات فهذا الاحتمال ينجز علينا الواقع أو ان المبنى هو تتميم الكشف وذلك فيما اذا لوحظ جهة كشف ما هو كاشف بحسب طبعه ويعبّر من هذه الجهة أو الأمر بتنزيل المؤدّى منزلة الواقع وتنزيل الامارة عرضا منزلة العلم أو انه ليس شيء من هذه بل انما هو العلم النظامي الذي هو الوثوق والاطمئنان العقلائي ولا تنزيل ولا تعبد هناك .

فبناء على الأخير لا معنى للبحث عن قيام الامارة مقام العلم الطريقي بل هو نفسه في الحقيقة فالبحث عنه نظير البحث عن كون العلم الحاصل من الرمل والجفر كالعلم الحاصل من النوم وغيره أم لا مما لا مجال له في العلم الطريقي .

نعم بناء على ساير المباني المشار إليها مجال للبحث عن قيام الامارة مقام العلم الطريقي لكنه مما يقطع بالعدم في جميعها اذ الأمر بالعمل أو تنزيل المؤدى أو وجوب العمل الذي هو منشأ انتزاع الطريقيّة وكذلك منجزية الاحتمال لا مجال فيها لقيام الامارة مقام القطع الطريقي وكذلك بناء على تتميم الكشف . حيث انهيرجع إلى التصرف التكويني وهو خارج عن محل البحث أو التنزيل العرضي أو

ص: 33

الطولي الذي هو محلّ النزاع .

عود إلى البدء قد عرفت ان العلم من الامور ذات الاضافة وله نسبة إلى العلم ( الصحيح إلى العالم ) كما له اضافة إلى المعلوم فحينئذٍ يمكن أخذه على جهة الوصفية للعالم كما يمكن أخذه كذلك بالنسبة إلى المقطوع والمعلوم ولا منافاة يشهد له ان لو فرض محالاً انفكاك الجهتين لكان خصوص الجهة للمعلوم أو للعالم مأخوذا بدون الاخرى فحينئذٍ يمكن انقسام القطع الموضوعي إلى خمسة ومع الطريقي المحض تصير الأقسام ستّة .

ثمّ انك عرفت أيضا ان للعلم جهات ثلاث بل أربع على ما سنشير إلى الرابعة أمّا الجهات الثلاث فكونه الصورة الحاصلة والانكشاف والثانية جهة انطباق الصورة على ذيها وحصول الاعتقاد على انه مثلاً أسد فيفرّ منه في المرحلة الثالثة أو شيء آخر ليرغب فيه ويتوجه إليه ويقبل نحوه وهذه الجهات الثلاث ليست تدريجي الحصول للعلم بل انما هي امور آنية الحصول والجهة الاخرى هي جهة المنجزية ورفع العذر والحجيّة للمعلوم وترتيب آثاره عليه وكونه موضوعا للأحكام العقليّة من الاطاعة واستحقاق العقاب على المخالفة وهذه الجهة بعينها أيضا موجودة في جميع الامارات بل الأصول حتى العقليّة منها .

لكن الفرق بينها وبين القطع . كون القطع بذاته موجبا لذلك بخلافها

لاحتياجها إلى الجعل والاعتبار سواء قلنا بكون الجعل في الأمارات انما هو الحكم التكليفي وهو وجوب العمل على طبق الامارة الموجب لانتزاع الطريقيّة منه أو الأمر بمعاملة الامارة معاملة القطع أو جعل الطريقيّة في مورد اصابة الامارة للواقع واما في صورة عدم الاصابة فلا جعل للامارة ولا طريقيّة لها ومآل

جهات أربع للعلم

ص: 34

هذا الكلام ومرجعه إلى منجزية الاحتمال للعلم بوجود الامارات المصيبة بين الامارات التي بأيدينا فحينئذٍ يجب العمل على طبقها ما أصابت فهذا الذي يوجب منجزيّة الامارة المصيبة وانه لو كانت هناك امارة مصيبة فلا عذر في مخالفتها بل العقاب معه ليس عقابا بلا بيان . كما ان تتميم الكشف أيضا لو كان هو المبنى في الامارة معناه كون جعل الشارع موجبا لتمام الكشف تكوينا والا فلا معنى لايجاب جعله التشريعي أمرا في التكوين بل المراد ايجابه لزيادة الاطمينان الحاصل في مورد الامارة في حدّ نفسها .

وكيف كان فحيث ان المبنى في الامارة هو الطريقيّة فمرجع جعل الامارة في مورد الاصابة هو ما ذكرنا والا فلا يناسب الطريقيّة وهذا انما يصح فيما اذا كانت الامارة دائم الاصابة أو غالبها والا فلا يعقل في فرض انفتاح باب العلم وتمكن المكلف من حصول العلم ارجاعه إلى الأخذ بخبر الثقة الذي اما أن يكون دائم المخالفة للواقع أو غالبها مع عدم تضييق عليه في عدم جعل الامارة طريقا له بل تخليته وحاله كما ان في الاستصحاب أيضا يكون الأمر كذلك حيث ان في صورة اصابة مجراه للحكم الالزامي ومخالفته يصح للمولى العقاب لكونه منجزا وكذلك في جعل ايجاب الاحتياط . اما الشرعي منه ففيه اشكال حيث انه اذا كان الاجتناب عن المشتبه في حقّه لازما حتى فيما إذا لم يصادف مال الغير أو عرضه أو دمه هذه الموارد الثلاثة التي وجب الاحتياط فيها لأهميّتها في نظر الشارع فهذا ليس من الاحتياط في شيء بل حكم ثانوي مجعول على موضوعه .

كما انه لو كان في خصوص ما اذا كان مال غيره أو عرضه أو دمه مثلاً فاين الاحتياط فيمكن رجوعه إلى منجزية الاحتمال كما في الامارة ويمكن الالتزام

ص: 35

بما ذهب إليه الشيخ قدس سره من كونه ايجابا نفسيّا ظاهريّا وان كان هذا أيضا لا يخلوعن اشكال .

وعلى كلّ حال ففي هذه الجهة لا فرق بين القطع وبين الامارات وساير الأصول حتى ايجاب الاحتياط الشرعي كالعقلي بل كلاهما في الموضوعيّة للأحكام العقليّة من المنجزيّة على حدّ سواء . غاية الأمر العلم بنفسه وبذاته والامارات والاصول بتصرف من الشارع . وهذا وان كان قد فات ذكره من المحقق النائيني قدس سره في هذا الموضع لكنه تنبه لذكره في الظن فلا وجه لما عن بعض من عدم نسبته إليه وجعله من مخترعات أفكارهم .

والحاصل ينبغي أن يعلم ان هذا المعنى من القيام مقام القطع ليس محط نظر الشيخ قدس سره من قيام الامارات وبعض الاصول مقام القطع بل المراد انها بدليل اعتبارها هل تكون لها جهة الكاشفيّة كالعلم أم لا فانتظر لتحقيق المرام .

تكميل وتوضيح: قد عرفت انه لا فرق بين القطع والامارات والاصول كلّها حتى العقليّة منها في منجزيتها فكما ان القطع منجز للواقع وعذر عند المخالفة فكذلك الامارات والأصول فانها في مواردها منجزة لمؤداها ومجراها . غاية الأمر الفرق بينها وبين القطع ان القطع بنفسه موضوع تلك الأحكام العقليّة من المنجزيّة والعذريّة وهي بجعل الشارع وايجاب العمل على طبقها أو الترخيص في مخالفة الواقع على تقدير عدم المصادفة . فمراد الشيخ قدس سره من قيام الامارات مقام القطع وكذلك بعض الأصول ليس في جهة المنجزيّة بل البحث في قيامها مقامه في الكاشفيّة .

فنقول: لا اشكال في قيامها مقام القطع بناء على تتميم الكشف بمعنى امضاء

لا فرق بين القطع والامارات والاصول في المنجزية

ص: 36

الشارع لما هو مقرّر عند العقلاء والعرف من حصول الوثوق والاطمئنان بأسبابه الخاصّة من خبر الثقة ومن يوثق به لديانته أو لكونه موثقا في مذهبه أو لغير ذلككاقتران خبره بالقرائن الموجبة لسكون النفس . ومن هذه الجهة لا مجال للقدح في الحاجة إلى علم الرجال حيث انه يوجب مراجعة أحوالهم حصول الوثوق والاطمئنان وسكون النفس إلى كون فلان الراوي مثلاً ثقة عدلاً يؤخذ بخبره كما ان الأمر كذلك في الروايات الواردة في مدح بعض أصحاب الأئمّة علیهم السلام إذ ذلك أيضا يرجع إلى حصول الوثوق بذلك بحسب تراكم القرائن وتأييد بعضها ببعض والا فلو اريد اثبات حسن حالهم بهذه الروايات لزم الدور لجهالة حال الرواة من غير هذه النواحي أيضا ولا يخفى انه على هذا لا معنى لقيامها مقام القطع . بل هذا هو العلم النظامي العادي وهو بلا اشكال كاشف وواجد بحسب طبعه لهذه الجهة ويوجب امضاء الشارع وجدانا وعلى هذا فمعنى الفقه ينطبق على مؤدّى الامارات من كونه علما بالأحكام الشرعيّة والا فالظن ليس بشيء وليس مثل لا يبعد ولا يخلو من رججان وقوة ونحوها مما يبتني عليه الأحكام أو يعول عليها في باب الافتاء اذ بدون العلم يكون الافتاء بغير علم وهو في النار .

وكيف كان فعلى هذا المبنى فالامارة هو القطع ومرجع البحث عليه إلى أخذ العلم من طريق خاص سبباً او طريقا أو لا وهو ينافي الطريقيّة والكاشفيّة محضا كما انه على ساير المباني لا معنى لقيامها مقام القطع من الجهة المبحوث عنها اذ على مبنى الشيخ ليس المجعول الا ما يقبل الجعل وهو الحكم والأمر بالعمل على المؤدّى ولا يقبل الطريقيّة للجعل كالشرطيّة والمانعيّة والسببيّة بل انما هي امور انتزاعيّة تنتزع من هذه الأحكام التي يتعلّق بها الجعل .

ص: 37

نعم يمكن كون البحث على هذا المبنى راجعا الى ايجاب أمر الشارع بالعمل عليها قيامها مقامه كما انه كذلك الأمر في جهة المنجزيّة وموضوعيّته للأحكام العقليّة .وهكذا في الأمر بتنزيل المؤدى منزله الواقع اذ على هذا لا يبقى فرق بين لسان رتب الأثر في باب الاستصحاب وبين الطرق والأمارات ويشكل تقديمها على الأصول بلسان دليل الاعتبار إلاّ أن يقال كما في تقديم القاعدة على الاستصحاب من بقائها على فرض تقديمه عليها بلا مورد مع ان التحقيق كونها واردة على الأصول أو حاكمة وهكذا بناءً على جعل الحجيّة ان كان جائزا معقولاً اذ لا معنى لتصرف الشارع بالتشريع في التكوين وعلى فرض تحقق الجعل لا يوجب ذلك كون غير الكاشف كاشفا تكوينا .

وأمّا جعل الوسطيّة في مقام الاثبات ففيه ما في ساير ما تقدم من انه اما يراد به التأثير التكويني واعطاء هذا المعنى له فهو خارج عن محل البحث والا فلا يقوم مقامه بلا كلام كما ان مبنى منجزية الاحتمال أيضا لا يوجب قيامها مقامه .

بيانه اجمالاً ان من نفس دليل الاعتبار نكشف اهميّة الحكم بحيث لا يرضى بمخالفته في ظرف الجهل بالواقع وحينئذٍ فالامارة على هذا نعلم باصابتها اجمالاً للأحكام في موردها والغرض من الجعل هو حفظ خصوص موارد الاصابة والا ففي مورد الخطأ لا جعل إلاّ صوريا وهذا المعنى وان كان له وجه وجيه بل لابد أن نقول به لو لم يكن مناص عنه بأحسن منه الا انه ليس بجعل لطريقيّة الامارة ولا موجبة لشيء اذ المناط هو الواقع . فلو فرض العلم باصابتها للواقع فلا نحتاج إليها الا انه يوجب عدم الترخص في ترك الواقع ومخالفته على

حكم تنزيل المؤدّى

ص: 38

فرض المصادفة وهذا معنى كون الاحتمال منجزا .

وعلى كلّ حال فلو لم يتم مبنانا ولا هذا المبنى فلابدّ من الالتزام بانسداد باب العلم والعمل وكون الظن هو المعول في استفادة الأحكام كما ذهب إليه المحقّق القمي قدس سره .مبنى المحقّق النائيني: أشرنا سابقا(1) إلى ان المحقّق النائيني قدس سره اختار في الطرق والامارات تتميم الكشف على المعنى المعقول له .

بيانه ان للعلم مراتب يترتب بعضها على بعض فاولها حصول الصورة في النفس ثمّ انطباقها على ذي الصورة وانكشافها ثمّ حكم العقل بترتيب الأثر عليه ان كان مرغوبا فبالبعث إليه وإن كان أمرا محذورا فبالزجر ثمّ مرحلة الجري العملي وترتيب الأثر وفي المرحلة الأخيرة تنجز الواقع على القاطع والعالم . وقد أشرنا إلى قيام الامارات والأصول العمليّة مقام القطع في المرحلة الأخيرة .

إنّما الكلام في قيامها مقامه في الجهة الكاشفيّة . ولا يخفى ان الكلام إنّما هو في القطع الطريقي.

اذا عرفت هذا فاعلم انه قدس سره قد بنى على الوسطيّة في مقام الاثبات وكون الامارات واقعة في طريق الاثبات لمؤدّياتها ولكنه ليس ذلك بجعل من الشارع وتصرف منه اذ ذلك يرجع إلى تنزيل المؤدى . كما انه لا يكون ذلك راجعا إلى الأمر بالبناء العملي ومعاملة القطع مع الامارة وليس علما تعبديّا اذ ما ليس علما لا معنى لكونه بالتعبد علما لعدم تأثير التشريع في الأمر التكويني ولا يوجب تحقّقه .

ص: 39


1- . فوائد الأصول 3/17 - 107 وما بعده .

نعم ذلك راجع إلى ترتيب الأثر واعتبار غير العلم علما في الأثر . لكنّه لا يصير علما فما اشتهر من العلم التعبّدي لا يصحّ إلاّ على هذا الذي عرفت . بل الامارة عنده قدس سره هو العلم العادي النظامي وهو الاطمئنان والوثوق الذي يحصل من خبر الثقة وجدانا بلا اشكال كما جرب مرارا ويجد ذلك كلّ أحد بالنسبة إلىاموره المتعلّقة به ولغيره وليس عمل العقلاء على الظن .

نعم يمكن التسامح في غير المهم من امورهم بالعمل بالظن الا ان في الامور الخطيرة أو التي يهتمون بها لا يعملون الا بالعلم والاطمئنان ولا بناء ولا تنزيل عندهم .

ثمّ انّ الشارع قد أمضى ما في الطريقة العقلائيّة ولم يردع عنه وأوجب ذلك زيادة الاطمئنان وقوّة الوثوق الحاصل من الأسباب الموجدة له سواء كان حصول العلم بالاختيار بمقدّماته أو تأثير الجزء الأخير من العلّة التامّة .

وهذا الامضاء من الشارع لا اشكال في ايجابه قوة الاطمئنان وزيادة الوثوق .

وحينئذٍ فللعلم مصداقان: احدهما الوجداني الذي لا احتمال للخلاف فيه والثاني هذا الامضائي الذي يكون لاحتمال الخلاف حكم الميت المعدوم . وعلى هذا فاعتبار الامارة والطرق ليس تأسيسيّا وجعليّا من الشارع بل هي منجعلة كالعلم وعدم الردع موجب لقوتها بخلاف القياس والعلم الحاصل منه فانه ردع في مقدماته كما أشرنا إليه سابقا .

وما ورد في بعض الأخبار(1) من تقابل البينة للاستبانة فلابدّ من توجيهه اذ

مبنى تتميم الكشف

ص: 40


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

المراد الاستبانة هو العلم الوجداني أو الامضائي . والبينة لابدّ لها من موضوعيّة خرجت بالنص .

ولذا يمكن أن يقال بعدم جواز عمل الحاكم بعلمه بل بمقتضى الايمان والبينات .نعم في صورة العلم بالخلاف يمكن المنع . وعلى كلّ حال فهو غير مرتبط بالمقام ان قلت . فاذا كان البناء على هذا وان الامارة حجيّتها ليست جعليّة بتصرّف الشارع فكيف يؤخذ بظواهر الألفاظ في الأدلّة وفي الموضوعات وفي باب الاقارير وغيرها مع عدم حصول الاطمئنان والعلم بمقتضاها بل ومع الظنّ على الخلاف قلنا . هذا انما يتمّ على مبنى الاعتماد على الظنون الاجتهاديّة وكونها حجّة والا فنحن لا حجيّة لنا في غير العلم العادي النظامي الا ( بالموضوعيّة وجعل المنجزيّة كما في جميع الأصول والأمارات وذلك غير جهة الكاشفيّة بل راجعة إلى التنجز ) ولذلك نقول لا معنى لتمسك بعض أو توهم التمسّك على المنع من العمل بالظنون الاجتهاديّة بمثل ما ورد من النهي عن العمل بالظن وانه لا يغني من الحق شيئا ونحوه اذ بمجرّد الشكّ في حجيّته نقطع بعدمها لاتّحاد مناط حكم العقل في هذا الباب للمشكوك والمعلوم عدم حجيّته لدخوله تحت الافتراء على اللّه والاسناد لما لا يعلم إليه تعالى .

إذا عرفت هذا . فاعلم ان الامارات انما تقوم مقام القطع في الجهة الكاشفيّة بخلاف مثل الاستصحاب وقواعد الفراغ والصحّة والتجاوز وأمثالها فانّها قائمة مقام القطع في مرحلة الجري العملي . ولذلك لا يبقى مورد ومجرى لها مع الامارة لكون الامارة واردة عليها وكونها يقينا ينتقض معه اليقين بالمستصحب .

ص: 41

نعم بناء على بعض المباني الآخر يمكن كونها حكومة .

توضيح وتبيين: قد أشرنا إلى جملة من المباني في باب الامارات وعدم تماميتها . منها ادعاء كونها علما ومرجعه إلى التنزيل في الأثر والا فلا يوجب ادعاء كون الشيء علما انه كذلك تكوينا . كما عرفت ان مبنى المحقق النائيني في الامارات هو الوسطيّة في مقام الاثبات وتتميم الكشف على ما مرّ شرحه وبهذاالمعنى يحصل للعلم مصداقان: أحدهما وجداني لا احتمال للخلاف فيه بوجه والثاني هو مورد الامارة التي هي أيضا لجهة كشفها وايجابها الوثوق والاطمئنان وسكون النفس يكون الاحتمال فيه ضعيفا غاية الضعف بحيث ان وجوده كعدمه وعلى هذا فلا خفاء في قيام الأمارات مقام القطع الطريقي . وليس معنى الوسطيّة والاعتبار والامضاء الذي يقول به قدس سره هو التنزيل مع انه لا معنى له . اذ التنزيل لابدّ أن يكون بلحاظ الأثر الشرعي وجعل شيء أمر وضعه ورفعه بيد الشارع فلا يمكن الاعتبار للامارة بلحاظ هذا الأثر الذي هو عقلي . نعم لا مانع من جعل الأثر الشرعي كما في تنزيل الطواف منزلة الصلاة فيما يرجع إلى الحكومة العرضيّة اذ الحكومة قسمان أحدهما عرضي والآخر طولي .

أمّا الأوّل فهو تنزيل المنزل في عرض المنزل عليه وهو لا يكون الا واقعيّا وهو يتصور في الامارة وتنزيلها منزلة العلم أو تنزيل المؤدى منزلة الواقع وكلاهما لا وجه له وأمّا الثاني الطولي فهو الذي نقول به في باب الامارات .

ثمّ قبل ذلك لا بأس بالاشارة إلى معنى الحكومة والمراد بها .

فنقول: ان خروج شيء عن موضوع شيء آخر تارة يكون بالتكوين كخروج العالم عن موضوع الجاهل أو بالعكس فعدم ترتب أحكام الجاهل على

معنى الحكومة

ص: 42

العالم ليس بالتعبد بل بالتخصص والخروج التكويني الموضوعي . واخرى لا يكون بالتكوين بل بتصرف من الشارع وهو اما بادخال شيء أو اخراجه باثباته للمؤدى فهو الحكومة أو بنفس اعتبار الحجيّة فهو الورود وهو منحصر في ايجاب الاحتياط الذي لا يبقى معه موضوع لقبح العقاب بلا بيان بلا استدعائه لتغير الواقع عن ما هو عليه . فعلم ان الحكومة ادخال أو اخراج فرد عن موضوع حكم آخر تكوينا أو داخل كذلك تشريعا وبالتعبد والواقعي العرضي منه يوجب توسعة فيناحية الموضوع للأثر كما اذا نزل مؤديها منزلة الواقع فيكون موضوع الأثر هو الأعم من الواقع ومؤدّى الامارة . اما الظاهري كما في المقام وبيانه ان القطع حيث انه وصول المقطوع للمكلف وبه تترتب الأحكام ويتحقق التنجز اذ الوجود الواقعي لا أثر له بل الواصل منه فالشارع بامضائه لما في الطريقة العقلائيّة من كون

الامارات علوما سكونيّة اطمئنانية اعتبر الايصال للامارات وامضاه فيها بلا تصرف تشريعي منه ( أما بعدم الردع كما في القياس باعتبار التخطئة لمباديه أو بالبيان والأخبار بذلك ) ثمّ انه يوجب هذا الامضاء زيادة الوثوق والاطمئنان تكوينا .

ان قلت: هل امضاء الشارع تعلق بما هو علم أو بغير ما هو علم ثم انه هل الامضاء مخصوص بما اذا صادفت الامارة للواقع أو مطلق حتى في صورة المخالفة .

قلت: قد عرفت انه تعلق بالعلم العادي النظامي الذي له الطريقيّة عند العقلاء وامضاء الشارع ليس تعبدا وتأسيسا والا فلا يكون امضاء . غاية الأمر يدعى ان بامضاء الشارع لها حتى في صورة المخالفة يفوت الواقع على المكلف

ص: 43

بخلاف ما اذا لم يمضها فيحصل العلم الوجداني أو انه يحتاط ويوجب عليه ذلك . لكنه مدفوع بوجود المخالفة للواقع حتى في القطع .

نعم إنّما يتوجه الاشكال اذا كان مخالفة الامارة أكثر من القطع وحينئذٍ فبامضاء الطريقة فوت الواقع على المكلف وهو ممنوع وعلى فرض التسليم وكونه في صورة انفتاح باب العلم لابدّ أن نلتزم بالمصلحة السلوكيّة فيتدارك ما فات من المصلحة على المكلّف السالك للامارة .

هذا حاصل كلامه قدس سره .في قيام الامارة مقام القطع الموضوعي:

قد عرفت فيما سبق كون القطع الموضوعي يتصور على قسمين فتارة يؤخذ بنحو الطريقيّة واخرى بنحو كونه صفة من الصفات النفسانيّة أمأ للقاطع أو للمقطوع به . وعلى كلا التقديرين تارة يكون تمام الموضوع واخرى جزئه . والكلام الان في امكان قيامها مقامه ولا نظر إلى وجود القطع الذي أخذ بنحو كونه صفة محضة بلا نظر إلى جهة كاشفيّته في الشرعيّات واعتباره كذلك .

وكيف كان فالمشارب مختلفة . فقيل بقيام الامارة مقام القطع الموضوعي مطلقا بأنحائه حتى ما اذا أخذ بنحو كونه صفة . وقيل لا مطلقا . وقيل بالتفصيل بين ما اذا أخذ على نحو الطريقيّة فنعم وبين ما اذا أخذ بنحو كونه صفة فلا واختاره المحقّق النائيني قدس سره (1) .

نعم قد يستشكل في ذلك بعدم القيام بنفس دليل الاعتبار حتى في ما اذا أخذ على نحو الطريقيّة والكشف اذ اعتبار العلم بشيء موضوعا لشيء آخر

في قيام الامارة مقام القطع الموضوعي

ص: 44


1- . فوائد الأصول 3/21 .

يستدعي في قيام الامارة مقامه من تنزيل الامارة ومؤدّيها لكون الموضوع مركبا من العلم وذاك المتعلّق وحصوله ودليل اعتبار الامارة انما يوجب قيام الامارة مقام القطع وكون الامارة كالقطع والظن كالعلم . ولكن ذلك لا يوجب كون المؤدّى أيضا كالمعلوم فهو يحتاج إلى تنزيل آخر به يتم موضوع الأثر ويتحقق موضوع تعبدي للاثر المترتب على ذاك الموضوع الاولي كما في مثل اعتبار العلم واليقين في الأوليين من الرباعيّة ومطلق الثنائيّة والاوليين من الثلاثيّة أو مطلقا فانه لابدّ

من احرازهما وكون المصلى على يقين منهما . فاذا قامت الامارة انه أتى بركعتينأو ركعة واحدة فتارة يوجب العلم الوجداني فلا اشكال في اعتباره كما انه اذا حصل من أي سبب آخر لكونه طريقا ولو من قول الصبي وغيره واخرى لا . بل ليس الا مجرد قيام الامارة ودليل الاعتبار يوجب كون قيامها مقام القطع والاحراز وانه يترتب أثر اليقين ولو بالركعتين بمؤدّى البينة أم لا . ولكن يندفع هذا الاشكال بناء على كون الموضوع هو المحرز فالاحراز كما يكون بالعلم كذلك يتحقق بما جعله الشارع محرزا واعتبره كذلك . كما انه يندفع باستلزام كون شيء محرزا لصيرورة متعلقه كذلك بلا احتياج إلى تنزيل أو اعتبار اخر لمتعلقه . ولكن هنا اشكال آخر وهو ان ظاهر قوله اذا علمت بوجوب شيء أو وجود زيد فتصدق هو العلم الوجداني الذي لا مجال للاحتمال فيه فلا مجال لترتيب الأثر على غيره واعتبار الشارع الامارة علما لا يوجب كونه وجدانيّا فلا وجه لقيامها مقام العلم .

ثمّ انّ المحقّق النائيني قدس سره نفى الاشكال(1) عن قيام الامارات مقام ما أخذ في

الموضوع على نحو الطريقيّة حيث انه بناء على تتميم الكشف وجعلها محرزة

ص: 45


1- . فوائد الأصول 3/21 .

بالامضاء لما في الطريقة يكون الامارة كالقطع وبدليل الاعتبار يتحقق مصداق آخر للقطع .

فحينئذٍ يقوم مقام القطع كما انه بذلك الدليل يقوم المؤدّى مقام الواقع لاستلزام جعل الاحراز كون الواقع أيضا محرزا . والفرض ان الموضوع مثلاً اذا احرزت وجوب الصلاة فتصدق . والامارة بدليل اعتبارها صار احرازا فتقوم مقامه بلا اشكال والى ذلك أيضا ذهب بعض المحققين من الاساتذة المتأخرين .أمّا صاحب الكفاية قدس سره (1) فسلك مسلكا آخر في المقام حيث انه جعلالتصرف من الشارع في الامارات في ناحية تنزيل المؤدى منزلة الواقع وترتيب آثار الواقع على المؤدى . فانه اما أن يقال بعدم التصرف من الشارع في ناحيتها وهو خلاف المفروض فحينئذٍ فتصرفه اما أن يكون بجعل الحجيّة والعذريّة والطريقيّة وغيرها من الأحكام العقليّة وهذه لا مجال لها اذ ليست قابلة للجعل التكويني لما يفقدها بالتشريع . كما ان اعتبارها كذلك لا يكون الا بجعله منشأ لانتزاعها كما في عدّة من الموارد كموضوعيّة الموضوع وحكميّة الحكم وأمثالها فانها امور انتزاعيّة لا تنالها يد الجعل وهو قدس سره وان تكرّر في كلامه جعل العذريّة والمنجزيّة والحجيّة لكنه يريد بها ما ذكرنا لا ان المجعول هو أحد هذه . فحينئذٍ فلابدّ أن يرجع تصرف الشارع إلى ناحية التنزيل وجعل المؤدّى كالواقع في لزوم ترتيب الأثر عليه وترتب الأحكام العقليّة من المنجزيّة والمعذوريّة عليه فيكون حجّة في صورة المصادفة على العبد وعذرا في ما خالف .

ثمّ ان الدليل الدال على اعتبار الامارة لا مانع من وفائه بقيام الامارة مقام

مسلك المحقّق الخراساني

ص: 46


1- . كفاية الأصول 2/20 - 21 .

القطع المأخوذ تمام الموضوع ولو على نحو الصفتيّة .

واستشكل هذا المعنى سيّدنا الأستاذ قدس سره وانه يقوم مقام الصفتيّة لكني وجدت كلامه في الكفاية(1) مصرّحا بالخلاف كما ان المحقق النائيني قدس سره لا يقول بتصور جميع أقسام الطريقيّة في القطع اذ هو ينكر أخذه تمام الموضوع على نحو الطريقيّة لما سبق منا في بيان اشكاله فراجع .

وأمّا قيام الامارة بدليل اعتبارها مقام ما أخذ في الموضوع جزءا فلا وجهله . اذ القطع اما أن يلاحظ بما هو آلة لملاحظة المقطوع أو بما هو استقلالاً بلا نظر إلى جهة الآليّة والمرآتيّة له وكذلك في ناحية الامارة وان لم يكن بذلك الوضوح .

والأول انما يوجب تنزيل نفس الامارة منزلة القطع والثاني تنزيل المؤدى منزلة الواقع وحيث انه لا يمكن الجمع بين اللحاظين فيتعين أحدهما . والظاهر من دليل الاعتبار لحاظ الامارة بما هو طريق الى مؤديها وتنزيلها منزلة القطع بلحاظ تعلقه بالمقطوع فلا اجمال في البين حينئذٍ .

نعم الا ان يقال بملازمة أحد التنزيلين للاخر فتنزيل مؤديها منزلة الواقع يدعى استلزامه بالدلالة الالتزاميّة لتنزيل نفس الامارة منزلة القطع فحينئذٍ ينقح كلا جزئي الموضوع أحدهما بالتعبد المطابقي والاخر بالالتزام لدليل اعتبار الأول . الاّ انه قدس سره رجع عما نقلناه عنه الذي ذهب إليه في الحاشية وقال في كفايته(2) بعدم كفاية التنزيل الواحد اذ ذلك يستلزم الدور حيث ان تنزيل جزء الموضوع وهو المؤدّى منزلة المقطوع لا أثر له ما لم يحرز الجزء الاخر اما

ص: 47


1- . كفاية الأصول 1/20 - 21 .
2- . كفاية الأصول 2/21 .

بالوجدان أو بالتعبد والفرض ان تنزيل الامارة متوقف على تنزيل المؤدى وتنزيل المؤدى لا يصح الا بلحاظ تنزيل الامارة فيتوقف تنزيل المؤدى على نفسه كتوقف تنزيل الامارة على تنزيل المؤدى فعلى هذا لا يتم التنزيل .

هذا كلامه قدس سره وسيجيء في مبحث الامارات ان جعل الحجيّة والوسطيّة في مقام الاثبات والمنجزيّة والطريقيّة لا معنى له فلابدّ من رجوع التصرّف لو كان إلى ناحية تنزيل المؤدّى وترتيب آثار الواقع عليه فانتظر .

فذلكة قد عرفت الاشكال على مبنى المحقق الخراساني في قيامالامارات مقام القطع الموضوعي وان الظاهر من دليل الاعتبار هو قيامها مقام القطع الطريقي محضا فلذا لا وجه لقيامها مقام القطع الموضوعي الأعم من الطريقي والمأخوذ على نحو الوصفيّة .

الا ان الشيخ قدس سره بنى على وجوب العمل بمؤدى الامارات . ومع ذلك ذهب إلى قيامها مقام القطع الطريقي وبعض الأصول على ما سيجيء بيانه .

لكن الاشكال ان دليل اعتبار الامارة لا يوجب بمجرّده قيامها مقام القطع الموضوعي مطلقا ولو بلحاظ كونه طريقا فاذا كانت الشهادة على القطع والبتّ ومثل الشمس والكف فلا يجوز الشهادة على هذا تعويلاً على الاستصحاب بمجرّد قيام الاستصحاب مقام القطع بلحاظ ترتيب الآثار العمليّة والجرى عليها كما لا تجوز باليد .

وأمّا رواية(1) غياث الواردة في جواز الشهادة على غير العلم فهي في حدّ نفسها ضعيفة . ومع ذلك مطروحة أو مؤولة أو انها لا ربط لها بباب الشهادة عند

اشكال قيام الامارة مقام القطع الموضوعي

ص: 48


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم والرواية عن حفص بن غياث .

الحاكم ولا يوجب اعتبار العلم في الشهادة اختلال النظام ولا سقوط السوق .

نعم ذلك صحيح في باب اليد اذ كلّ يد فهي مسبوقة باخرى غالبا . فلو لم تكن امارة وحجة فيوجب اختلال أمر السوق ومع ذلك لا يلازم ذلك جواز الشهادة على مقتضاها .

نعم لا بأس بالشهادة على انه لحكم الحاكم أو انه باع أو اشترى واما انه ملكه فلا الا بناء على هذا الوجه ومجرّد كون شيء حجّة لا يجوز الشهادة عليهكما في باب أمر النساء وتصديق قولهنّ(1) في باب انقضاء العدّة والحيض مثلاًومع جواز تزويجهن متكيا على دعوى الانقضاء . لكنه لا يجوز الشهادة بمقتضاها فالعلم موضوع في أمثال هذه الموارد وله موضوعيّة لا يقوم مقامه غيره الا بالدليل الخاص والوجه في موضوعيته هو كونه طريقا ولذا اذا ظهر كذب البينة فينقض الحكم بخلاف باب الحلف فانه له موضوعية مانعة عن التقاص من ماله الاّ اذا اكذب نفسه كما ان الظن في باب الاوليين من الرباعيّة ومطلق غيرها ليس مدركه دليل اعتبار الظن مطلقا اذ لم يرد دليل بهذا الوجه على ان الظن حجة أو كالعلم كي يؤخذ باطلاقه بل حيث ان الامتثال القطعي مقدم على غيره في صورة الامكان ولذا ذهب بعضهم إلى عدم جواز الاحتياط في العبادة مع الامتثال الجزمي كما في تكرارها في الثوبين المشتبهين أحدهما نجس الا ان الشارع تصرف في ذلك زائدا على حكم العقل بأنّه اذا شكّ في عدد الركعات في مورد ما ذكرنا فلم(2) يجوز المضي على الشك مع انه يدري بحصول العلم له بعد رفع رأسه

ص: 49


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 47/1 - 2 من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 15/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

من السجدة أو الركوع بكون ما بيده ثانية أو ثالثة مثلاً . بل اعتبر العلم الفعلي فيما يرجع إلى مقام الامتثال والغى المضي على الشكّ وإلى ذلك يرجع شكوك الصلاة المبطلة أي من ارجاعها الى المضي على الشكّ .

والحاصل فحكم العقل والشرع انه لابدّ من الاحراز اليقيني فلا يقوم مقام اليقين غيره كما ذهب إلى ذلك السيّد الطباطبائي قدس سره في رسالته في صلاة الاحتياط أو الظن لكنّه أفتى في عروته بالجواز كما انّهم قدّس اللّه أسرارهم ذهبوا إلى جواز

الشهادة بغير العلم ولعلّ المستند في باب الصلاة هو الرواية(1) الواردة في موردالشكوك المبطلة من الحكم بالاعادة في صورة اعتدال الوهم وعدم رجحان أحد طرفيه مع انه لم يدر كم صلّى فبمناسبة كون الحكم هو الاعادة يظهر اختصاص الرواية بمورد الشكوك المبطلة وان بعدم اعتدال الوهم ورجحان أحد الطرفين لا اعادة كما يستفاد من مفهوم هذه الرواية . كما ان المدرك في باب الشهادة هو رواية(2) غياث لعدم الوجه في اعتبار العلم الدقيق الكذائي في الشهادة لتعسّره أو تعذره غالبا ولا وجه للتوسعة فيه مطلقا بل حسب ما ذهب اليه المشهور من المتأخرين وبنائهم على حكومة ما ورد في كفاية غير العلم على الروايات الواردة في اعتبار العلم وتحقيق المسألة موكول إلى الفقه . فظهر عدم قيام الامارة مقام القطع الموضوعي مطلقا بمجرّد دليل اعتبارها .

الاشكال في قيام الامارات مقام القطع:

لا اشكال في عدم قيام الامارات بمجرّد دليل اعتبارها مقام القطع المأخوذ

اشكال قيام الامارات

ص: 50


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 15/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .

على نحو الكشف موضوعا فضلاً عن قيامها مقام القطع المأخوذ على نحو كونه صفة لعدم كونها علما . وعلى هذا فربما يشكل تقدمها على الاصول المأخوذ فيها العلم غاية لها كاصالة الحل واصالة الطهارة في الماء وفي غيره والاستصحاب المأخوذ غايته اليقين وأمثالها ممّا عبّر بما يؤدّي هذا المعنى كالاستبانة والتبين وذلك لما عرفت من انها ليست علما ولا دليل على قيامها مقام العلم مطلقا والا فلو فرض قيام الدليل على تنزيلها مقام العلم فلا بأس بالأخذ بمقتضاه ويكون حينئذٍ تنزيلاً عرضيا كما قام في مورد الظن في الركعات الذي جعل منزلة العلموفي عرضه في كفاية المضى عليه ( كما انه جعل اعتدال الوهم(1) موضوعا للبناء على الأكثر في الاخيرتين وهذا لا ربط له بقيام الامارة مطلقا ودليل اعتبارها مقام العلم مطلقا .

ويمكن الجواب على كون الامارات منجعلة غير مجعولة شرعا على ما مر شرحه مرارا من كون الخبر اذا كان عن ثقة فهو بنفسه يوجب حصول الوثوق والاطمئنان بمضمونه وان السامع يحصل له العلم العادي النظامي الذي عليه مدار المعاش والمعاد ولا يعمل العقلاء بالظن الا في الموارد التي لا اهمية لها في نظرهم فلا يعبئون باحتمال الخلاف حتى انه اذا يعلمون بالخلاف فلا اعتناء لهم اما في الموارد الخطيرة التي لها شأن وأهميّة في نظرهم فلا عمل لهم الا على العلم العادي النظامي بلا تنزيل ولا تعبد ولا بناء على اماتة احتمال الخلاف . بل اما أن لا التفات لهم اليه واما انه لا اعتناء به بعد الالتفات ولذا لا يوجب النهي الوارد في الآيات من العمل بالظن وقفة لهم في العمل بهذه الاطمئنانات والعلوم العادية في

ص: 51


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 7 - 10/1 - 1 - 2 - 4 - 5 من أبواب الخلل في الصلاة .

الامور الشرعيّة لعدم كونها ظنونا عندهم بل يرونها علوما والا فلو فرض كونها ظنّا عندهم فلا مجال للقول بتخصيص السيرة القطعيّة لهذه الآيات لكفاية هذه الظواهر رادعة عن السيرة فلا مجال لها حينئذٍ . وعلى هذا فاذ لا بناء من العقلاء ولا تنزيل لغير العلم منزلة العلم بل بنائهم على الوثوق والاطمئنان العاديين وان الشارع لم يؤسّس لهم طريقة اخرى في شرعياته بل قرّرهم على ذلك فتكون حينئذٍ علوما واستبانة وتبينا فتكون غاية لكلية الاصول والقواعد التي أخذ العلم والاستبانة لها غاية لا بالتعبد بل انها تقوم مقامه حقيقة . بل التعبير بالقيام مقامهمسامحي اذ هي نفس العلم فتقوم مقام القطع الطريقي الموضوعي كما انه هو علم طريقي محض وتقوم مقام القطع الموضوعي على نحو كونه صفة وان لم يقل بذلك المحقق النائيني قدس سره (1) اذ هو سلك في هذا المقام على خلاف مبناه وذلك لكونها علوما حقيقة لا تعبديّة اذ لم يكن هناك تعبد من الشارع بذلك مع انه لا معنى له اذ لا يوجب كون غير العلم علما الا بترتب اثر العلم على الظن وتنزيل المؤدى أونفس الظن وقيامه مقام العلم تابع لدليل الاعتبار فان دلّ على قيامها مقامه في جميع الآثار والجهات فهو والا فنفس دليل الاعتبار لا يوجب قيامها مقام العلم المأخوذ موضوعا اما على نحو الطريقيّة أو كونه صفة . وحينئذٍ فتقدم الامارات على الأصول واضح لا اشكال فيه لكونها أي الامارات علوما عادية غاية للاصول هذا في غير البينة وأما هي فحيث جعلها الشارع عدلاً للاستبانة فلابدّ أن تكون لها جهة موضوعيّة وانه يجب الأخذ بها ولو مع الظن بالخلاف .

وأمّا الأصول فهل تقوم مقام العلم الطريقي الموضوعي أم لا ؟ قد يقال بذلك

هل الأصول تقوم مقام القطع

ص: 52


1- . فوائد الأصول 3/21 .

لكن بما ذكرنا في جهات القطع تعرف قيام الاصول مقام الامارات في مرحلة الجري العملي لا في جهة الكشف وان قوله علیه السلام في دليل الاستصحاب لا تنقض(1) اليقين أبداً بالشكّ اما أن يكون راجعا إلى ابقاء أحكام اليقين أو المتيقن لعدم امكان بقاء اليقين وعدم النقض له بعد الشكّ وإن لم نقل بهذا المعنى في الامارات فلا علم لنا بالأحكام وينسد علينا باب العلم والعلمي فلابدّ من الرجوع إلىمقدّمات الانسداد ومقتضاها في الأحكام وسيجيء في باب التعبد بالظنوالامارات امكان جعل الطريقيّة أو الامضاء لما هو مصادف للواقع احيانا ويخالفه احيانا من الشارع أم لا والتعرض لاشكال ابن قبة فانتظر .

الكلام في الظن: اعلم ان الظن كالقطع في كل ما قيل فيه من امكان أخذه موضوعا لحكم آخر غير متعلقه سواء تعلق بالموضوع أو بالحكم وسواء كان مأخوذا على نحو الطريقيّة أو على نحو كونه صفة للظان أو المظنون وأخذه جزءا أو قيدا أو تمام الموضوع لجريان جميع ما ذكر في القطع فيه حرفا بحرف . ولكن ربما يتضاعف أقسامه باعتبار ان الظن بجميع أقسامه اما ان يكون حجة أو لا . فالأقسام الستة المتصوّرة في القطع من كونه طريقا محضا أو موضوعا على الأنحاء المقرّرة تتضاعف باعتبار كونه حجة وعدمه . كما ان الظن كالقطع في عدم امكان أخذه موضوعا لحكم نفسه بأن يكون الظن واسطة في ترتب الحكم الذي تعلق به الظن عليه لاستلزامه الدور وتوقف الشيء على نفسه إلى آخر ما ذكر في ما تقدّم .

لكنه قد يقال بجواز أخذ الظن بالحكم موضوعا لحكم يماثله أو يضاده

ص: 53


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

ويستند في ذلك تارة إلى انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في الظن وكون الحكم الواقعي بمرتبة لو علم به لتنجز واذا لا علم فلا بأس بانشاء حكم ظاهري مضاد له أو مماثل . وإلى هذا الوجه ركن في الكفاية(1) ومبناه على كون الحكم الفعلي ما له بعث وزجر فعلي وحيث ان الظن لا يوجب التنجز فلا فعلية له على هذا النحو فلا مانع من حكم آخر مثلاً أو ضدّا على ما تعلق به الظن . كان يقال اذا ظننت بحرمة الخمر فالخمر مثلاً مباح أو اذا ظننت بحرمة شرب التتن فالشرب مباح أو حرام .واخرى كما ينسب إلى بعض الأكابر إلى تعدّد الرتبة واختلافها فانّ الحكم الأوّل موضوعه نفس الواقع وبتعلّق الظن بحكمه يكون موضوعا لحكم مماثل لذلك الحكم أو مضاد ولا مانع منه بعد اختلاف رتبة الحكمين ( وان فرض اجتماع تمام الوحدات المعتبرة في التناقض ) هذا لكن الكلام في صدق النسبة إذ هو قدس سره

كان مبناه على عدم اجداء تعدد الرتبة ما لم يرجع إلى تعدد الموضوع . والمقام كذلك اذ الحكم الظاهري وان كان موضوعه الشكّ ولا يصعد إلى رتبة الحكم الواقعي لكن الحكم الواقعي موجود في مورد الحكم الظاهري وحينئذٍ . فاما أن يكون الحكم في حق العالم والجاهل غير متّحد بل للعالم حكم وللجاهل الظان حكم آخر أو ان يكون الظن بالحكم موجبا لسقوط نفس الحكم . فاذا ظن بالحرمة فالحرمة ساقطة وكون الحكم الواقعي معلقا على عدم الظن به وكلّ ذلك لا وجه له لكون الأوّل تصويبا مجمعا على بطلانه ووضوح بطلان استحالة غيره .

هذا كلّه فيما اذا كان حجّة

وأمّا إذا لم يكن الظن حجّة وجعله موضوعا لحكم مخالف على متعلّقه

الفرق بين الظن الحجّة وغيره

ص: 54


1- . كفاية الاُصول 2/8 .

فيشكل حينئذٍ بجعل الحكم على خلاف الواقع اذا صادف هذا الظن الذي ليس بحجّة للحكم الواقعي بان كان متعلّقا بالحكم الواقعي .

نعم لا بأس بالحكم المماثل في صورة كونه حجّة أو غير حجّة لرجوعه إلى التأكّد اذا انطبق ضابطه على المقام . فانه لو كان المقام من قبيل باب النذر فيوجب التأكد وان كان من قبيل باب الاجارة فلا .

ثمّ ان هذا كلّه في أحكام القطع وقد تبين بما ذكرنا حكم موارد القطع والظن في موضوعيتها وطريقتيها .

وأفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره انه بعد ما كان المأخوذ في أصل دخل العلمموضوعا هو العلم فأيّ موجب لقيام غيره مقامه بعد عدم كونه علما . واجيب من وجوه ثلاثة: أحدها ما يرجع إلى كون معنى العلم المأخوذ في لسان الدليل هو مطلق الطريق والمحرز فيشمل الظن أيضا وهذا مردود . الثاني تنقيح المناط بكون مناط دخل العلم هو جهة الاحراز الموجودة في الظن أيضا وهذا مردود بكونه ترقيا من الأعلى إلى الأدنى . الثالث كونه بذلك محرزا في طول المحرز الوجداني أي العلم بل هو هو على ما تقدم في كلام الاستاذ قدس سره .

وقد عرفت ان القطع منجز موضوع للأحكام العقليّة من استحقاق العقاب عند المخالفة اذا أصاب فهي كذلك في مورد المخالفة والخطأ أم لا ؟ يظهر من كلمات الفقهاء في الأبواب المختلفة كونه كذلك مثل ما اذا يعلم من لا يدري السباحة بكونه يغرق ويلقى نفسه في البحر ويتفق وجود انسان أو حالة في نفسه ينجو به من الغرق . أو انه اعتقد انسانا محقون الدم فقتله ثمّ تبيّن انه كان مباح الدم

مثلاً كما اذا كان كافرا حربيّا أو اعتقد الضرر في شرب الدواء الكذائي وانه سمّ

ص: 55

مهلك فاتفق كونه دواءً لمرضه فنجى به من المرض أو اعتقد عدم بقاء أيّام من شعبان الا بقدر ما يفي بقضاء رمضانه فلم يصم ولم يقم واتفق كونه مشتبها لرجب بشعبان أو قصد الغاية المحرمة للسفر فاتفق على وجوده نجاة عدّة من الناس من الهلاك .

والحاصل انهم رتبوا حكم العصيان المتحقق في صورة المصادفة للواقع على هذه الصورة في الجملة وأمّا ترتب أحكام الدية أو القصاص فذاك شيء آخر .

بحث التجرينتيجة البحث: قد تحصل ممّا ذكرنا كون القطع حجّة بنفسه وبذاته وطريق إلى متعلّقه وبذلك يصحّ للعبد الاحتجاج على المولى وبالعكس وبه يستحق العقاب على مخالفة التكليف فهل اذا خالف الواقع ولم يصادف كذلك أيضا أم لا ؟ حيث ان الواقع بما هوواقع ما لم يعلم به لا يكون في مخالفته عقاب ولا شيء وعنوان البحث بهذا النحو أوفق للواقع وللأدلّة التي يستدلّ بها على المقام أو عنوانه يبحث التجري وانه حرام أم لا اذ لا اشكال في حرمة التجري على المولى . فينبغي ان يحرّر النزاع على نحو يكون التجري علة للحرمة وموجبا لاستحقاق العقاب وإن لم يكن مخالفة التكليف وجهة البحث مختلفة .

فانه بالنظر إلى بعضها يكون التجرّي كلاميّاً وبالنظر إلى اخر فقهيّاً كما انه تارة يكون البحث اصوليّاً صغرى وكلاميّاً كبرى على ما سيتضح انشاء اللّه وهذه الجهات المختلطة في كلام الشيخ قدس سره الا ان المحقّق النائيني قدس سره ميز بينها وحرر النزاع في كلّ منها برأسه اذ لا مجال في البحث الكلامي للاستدلال بالروايات أو

التجري

ص: 56

الاجماع الذي يكون دليلاً في الفقه ومن الجهة الفقهيّة وهكذا في ساير جهات البحث .

فنقول ان احدى الجهات كون المسئلة كلاميّة كما انه مشى على هذا المبنى المحقّق الخراساني في الكفاية(1) وانه هل يستحق العبد العقاب على ما اصطلح عليه بالتجري كما في المعصية الحقيقيّة ومخالفة التكليف حقيقة أم لا ؟

واختار قدس سره استحقاق العقاب لا بمجرّد سوء سريرة العبد لكونه ليسباختياري ولا يوجب العقاب بمجرّده . نعم اذا أظهر ذلك وخرج عن مقتضى العبوديّة وعاند المولى وصار بصدد الطغيان فيستحق العقاب لكونه ابرازا لسوء السريرة الذي بمجرّده لم يكن موجبا لشيء وان كان فالذم واللوم لا العقاب حيث انه بابرازه سوء السريرة يكون متجريا على المولى وغير معتن بشأنه وبذلك يكون مستحقا له فالموضوع لاستحقاق العقاب هو الجامع بين المخالفة الحقيقيّة والتجري وليس هو النية المجرّدة بل القصد الذي يظهر بمبزره في الخارج على نحو ينتزع عنه عنوان المعصية تارة وعنوان التجري اخرى . كما انه ليس العلم موجبا ولا موضوعا له بل هو من مباديه ومقدماته ( ولا مجال للتمثيل بمحبوبيّة من قتل عدو المولى بخيال انه ابنه للمولى اذ ذلك يمكن فيه تصوير التشفي بخلاف المقام المبحوث عنه من المولى الحقيقي المحال في حقّه ذلك ولا يخفى انه لا معنى لتحريم معلوم الخمريّة اذ مع الالتفات إلى ذلك فيمكن زوال الموضوع بالشكّ بل لابدّ أن يكون على نحو آخر وهو تحريم الواقع الذي هو خمر الذي بالعلم به ينكشف لديه ولا يمكنه حينئذٍ العلم بالعلم والالتفات بالنظر الثانوي .

ص: 57


1- . كفاية الاُصول 2/10 .

فالذي يكون موضوعا لاستحقاق العقاب ليس هو المعصية الحقيقيّة بمعنى المصادفة لمخالفة الواقع بل الأعم منها ومن المخالفة العلميّة ولولا هذه الجهة .

فيمكن الجواب عن البرهان الصوري الذي استدلّ به على استحقاق المتجري العقاب بما حاصله ان العقاب اما أن يكون على كلّ من الشخصين الذين شربا مايعا باعتقاد انه خمر أو محرمين رميا البندقة على ما يعتقد انه صيدا فأصاب أحدهما ولم يصب الآخر كما انه ظهر أحد المشروبين ماءً والاخر خمرا فهو المطلوب أو لا يكون على كلّ واحد ولا مجال له أو يكون على الذي لم يصادف الواقع ولا عقاب على الآخر .وهذا أيضا لا يمكن الالتزام به بداهة أو يكون مخصوصا بالمصادف دون غيره وهذا أيضا لا مجال له لرجوعه إلى عقابه على ما ليس باختياره لعدم كون المصادقة للواقع وعدمها أمرا اختياريّا فالعقاب على المصادف قطعه للواقع على ما ليس بالاختيار .

هذا حاصل البرهان ويمكن الجواب كما عن المحقّق النائيني(1) ان الشرب ينحل إلى أمرين أحدهما اختياري وهو نفس الشرب والثاني كون المشروب ماءً أو خمرا وهذا ليس باختياري والعقاب ليس على الثاني أي الأمر الخارج عن الاختبار . بل على الأول الذي هو الأمر الاختياري وهو الشرب الذي تعلق بالخمر لا بما هو هو .

توضيح: استدلّ المحقّق الخراساني(2) على قبح مخالفة القطع المخالف

دليل المحقّق الخراساني

ص: 58


1- . فوائد الاُصول 3/39 وما بعده .
2- . كفاية الاُصول 2/10 - 11 .

للواقع بانطباق عنوان التجري عليه وكونه موجبا لاستحقاق العقاب على حد القطع المصادف لكونه تعديا للعبد عن حدّه لحق مولاه وخروجه عن مقتضى العبوديّة من انقياده لمولاه ومن الموجبات لبعده عن حضرته وحينئذٍ فيستحق العقاب لقبحه وكونه ظلما . والبعد يستدعي النيران كما ان القرب سبب موجب للفوز بالجنان وان كانا قهريين . الا ان ذلك انما هو بسوء سريرته الذي لا يوجب بمجرّده شيئا وإنّما يوجب ذلك بالابراز والاظهار وهو أي سوء السريرة ليس أمرا اختياريا كما ان الارادة والاختيار ليسا كذلك والا لتسلسل لاحتياج كلّ ارادة أواختيار إلى مثله ولا نهاية فانهما ليسا بالارادة والاختيار .نعم يمكن دخل الارادة في مباديها بعد التصور والالتفات وميل النفس إليه أو رغبته عنه مع العزم والجزم كما انه ربما تكون المبادى أيضا لا بالارادة ولا اختيار .

ان قلت: فعلى هذا بأي موجب يدخل النار وذلك يفوز بالجنان بعد عدم كون أفعالهما بارادة واختيار اختياريين وعن ارادة .

قلت باعتبار استدعاء البعد للجحيم واستدعاء القرب الفوز بالجنّة والنعيم والبعد والقرب أمران غير اختياريين وصدور الأفعال إنّما يكون موجبا لحصول البعد والقرب وانتهائها بالاخرة إلى سوء سريرة الانسان وقبحها وذلك ذاتي فلا مجال للسؤال بلم كما في الحمار فلا وجه للسؤال عن انه لم جعل حمارا بل هو ذاتي له ولا بخل في المبدء الفياض .

وقد اجيب في محلّه عن ترتب النفع في خلق الكفار وأهل العناد والشقاق .

ص: 59

ان قلت: فعلى(1) هذا فلا فائدة في ارسال الرسل وانزال الكتب لأنّه يدعوا سوء سريرة من هو سيئها إلى اختيار القبح وحسن سريرة حسنها إلى اختيار الحسن .

قلت: فائدته اقامة الحجة على أهل الضلال والعناد وقطع سبيل الاعتذار مضافا إلى ايجاب نفس التذكر للنفع وكون ذلك من موجبات البعد والقرب .

هذا كلامه قدس سره في الكفاية وفرع عليه وحدة العقاب في صورة مصادفة القطع للواقع لكونه هتكا واحدا موجبا لعقوبة واحدة فلا وجه لما قيل من تداخل العقابين في صورة المصادفة عقاب التجري وعقاب نفس مخالفة الواقع وقال رحمه الله:لو أغمض عن هذه الجهة لأمكن للخصم الجواب عن البرهان الذي تقدّم ذكره في عقاب كلّ واحد من القاطع المصيب المصادف وغيره أو أحدهما أو عدم عقاب أحد منهما بأن يقول انما يفيد هذا في قبال من يقول باستحقاق عقاب الموافق للواقع الذي ترك الواقع ولم يأت به وعصى المولى بذلك والا فعلى ما بنينا عليه فلا يتوجه علينا هذا الاشكال . كما ان له أن يجيب ان الموافق يستحق العقاب لتركه الواقع عن عمد واختيار دون الذي لم يصادف قطعه الواقع لعدم ترك الواقع منه كذلك .

هذا كلامه قدس سره في كفايته الا انه رجع عن هذا الكلام أخيرا وكان على المنبر يردّه كما نقل عنه سيّدنا الاستاذ قدس سره لكن لما انطبع كتابه في الأصول لم يحصل التمكّن له ولا لغيره تبديل المقام أو رفعه عن كفايته وعلى كلّ حال فمبناه أخيرا على خلاف ما في الكفاية .

ص: 60


1- . كفاية الاُصول 2/16 - 17 .

ثمّ انّ هنا وجها آخر في استحقاق العقاب للمخالف قطعه للواقع من حيث المسألة الكلاميّة وهو ان تمام الموجب لاستحقاق العقاب هو القبح الفاعلي دون الفعلي لحصول مخالفة الواقع كثيرا في موارد لا عقاب عليه كما في صورة الجهل فما هو المناط فيه ليس هو مخالفة الواقع بل هو القبح الفاعلي دون الفعلي . وهو موجود في صورة مخالفة القطع للواقع ومصادفته . حيث ان العلم هو تمام الموضوع للأحكام العقليّة .

وأجاب عنه المحقّق النائيني قدس سره بالنقض(1) بما لو كان سوء سريرته موجبا لاختيار الفعل الذي لم يردعه عنه المولى حيث انه كان آتيا به على تقدير ورودالمنع أيضا ومن الجايز اختلاف المقامين بحسن العقاب واستحقاقه في صورة مخالفته للواقع عن علم وعمد دون ما اذا كان بسوء سريرته ولا مخالفة للواقع .

تتميم: ذكر سيدنا الاستاذ قدس سره جملة من كلام الآخوند في كفايته بعد ردّه الدليل الرباعي في استحقاق القاطع المخالف قطعه للواقع العقاب بقوله(2) مضافا إلى عدم صدور فعل منه بالاختيار ثمّ مثل الآخوند بماذا شرب الماء بقصد انه خمر وبخياله حيث قطع بخمريته . وقال الاستاذ لم افتهم معناه ونقل توجيهها عن بعض بما لم يرتضه وهو انه حيث قصد شرب عنوان الخمر أي العنوان الكلي ولم يكن منطبقا على ما شربه فلم يكن شربه بالاختيار لعدم استلزام عنوان العام للخاص ثمّ ذكر قول المحقّق الخراساني في ردّ البرهان الرباعي بوجه آخر قريب من الوجه الذي تقدّم ذكره . وهو انه لا يستحق العقاب لعدم حصول فعل منه

اشكال المحقّق النائيني

ص: 61


1- . فوائد الاُصول 3/49 .
2- . كفاية الاُصول 2/17 عبارة الكفاية قريب من ما في المتن .

يوجب استحقاقه اذ لم يخالف تكليف المولى عن عمد واختيار وقال ثم ترقى بقوله بل لم يكن صدوره منه بالاختيار وفسره بما تقدم من عدم تعلق قصده بالذي شربه بخصوصه بل المقصود هو الذي خالف ما شرب وما شرب لم يكن مقصودا له وذكر قدس سره أي الاستاد انه يمكن أن يريد المحقق الخراساني بقوله هذا ما بيّنه المحقّق النائيني رحمه اللهونسبه إلى الميرزا الكبير الشيرازي قدس سره من ان في شرب الماء أو الخمر المقطوع بكونه خمرا شيئين: أحدهما نفس الشرب والثاني كون الشرب شرب الماء أو الخمر والذي هو باختياره هو نفس الشرب واما كونه شرب الماء أو الخمر فليس باختياره وحينئذٍ فيكون مناسبا للبرهان الرباعي بنحو آخر . وهو ان الذي يكون قابلاً لتعلّق الحكم به هو الفعل الاختياري وهو ليس الا نفس الشربواما كونه كذا أو ذاك فليس باختياره . فحينئذٍ يكون موضوع الحرمة هو الأعم من الخمر الواقعي والذي قطع بأنه خمر وان لم يكن في الواقع خمرا بل ماءً .

والجواب عنه واضح . حيث ان المناط في ذلك لو كان عدم امكان تعلق التكليف بغير الاختياري فهو مسلم فيما لا يكون باختياري للمكلف أصلاً . اما اذا كان باختياره ولو باعتبار أصل الشرب وجامعه فلا مانع من تحريم خصوص الشرب المضاف إلى الخمر الواقعي ولا يوجب تعلق القطع بخمريّة مايع موجبا لشيء أصلاً لقصور الحكم عن شمول غير شرب الخمر . والا فلو كان الشرب بعنوانه الأعم حراما فلابدّ من الالتزام بحرمة مطلقه سواء كان متعلّقا بالماء أو بغيره ولا يمكن الالتزام به . بل الذي هو موضوع حكم الشارع بالتحريم هو خصوص الخمر الواقعي وهو اذا صادف فعله له وشربه فيوجب استحقاق العقاب لمخالفة التكليف .

ص: 62

واما الماء الذي قطع بكونه خمرا فلم يكن التحريم شاملاً له ولا ان القطع أوجب حرمته .

والحاصل ان المحقق الخراساني(1) قد ذهب في المسئلة الكلاميّة وهي

استحقاق العقاب عقلاً وعدمه إلى ما تقدّم من كونه تجريا على المولى وخروجا عن رسوم عبوديّته وكون العبد بصدد الطغيان وهو محرم بلا اشكال .

واستشكل عليه المحقّق النائيني قدس سره (2) بكونه خروجا عن محل النزاع اذ لااشكال في حرمة التجري على المولى والعناد له والطغيان عليه ولا مجال للتوقففيه من أحد وربما يوجب في بعض موارده وأنحائه الكفر والارتداد . بل الكلام في كون نفس مخالفة المولى الاعتقاديّة لا الواقعيّة وشرب الماء بعنوان الخمر هل هو موجب لشيء أم لا والعبد على ما هو عليه من اطاعته لمولاه وانقياده له ولم يرتد ولم ير المولى أهون الناظرين إليه ولم يهتكه بل غلبته شقوته وهواه فارتكب ما ارتكب حتى انه في حال المعصية الحقيقيّة قد يكون كذلك وهذا ليس تجريا عليه ولا خروجا وطغيانا عليه وعن طاعته .

الاّ انه اختار سيّدنا الاستاذ قدس سره مذهبا وسطا بين المذهبين ولم يختر ما اختاره المحقّق الخراساني من كونه طغيانا عليه ولا ما اختاره المحقّق النائيني من عدم ايجابه لشيء . بل اختار انه تجرى في الجملة ومخالفة للمولى حتى ان القصد إذا كان عن اختيار وبيد المكلف كما هو كذلك لا مانع من ايجابه للعقاب اذا كان عن طغيان وصدق عليه الخروج عن طاعة المولى . كما ان مجرد حسن السريرة

مختار سيّدنا الاستاذ

ص: 63


1- . كفاية الاُصول 2/10 .
2- . فوائد الاُصول 3/52 - 53 مع اختلاف في التعبير .

أو سوئها خارج عن محلّ البحث .

نعم لو جاز الذم عليه بمجرّد ذلك فنقول بعد لا مجال لمايقال من عدم تعلق أمر بمن طبعه على الطاعة والانقياد ولو لم يكن هناك تكليف ولا أمر كما في من يعبد اللّه لأنّه أهل له لا طمعا في جنّته ولا خوفا من النار بخلاف ساير العباد لكون

عبادتهم إمّا طمعا إلى جنّته ولو مع عدم رضوانه أو خوفا من ناره . بل التحقيق عموم التكليف للمجبول على الطاعة بحسب طبعه وكذلك للمجبول على المعصية بحسب طبعه والمناط في عدم تكليف الأوّل موجود في الثاني وقد عرفت ما فيه .

هذا تمام الكلام في الجهة الكلاميّة . ثمّ مع قطع النظر عن هذه الجهة فاستدلّ في المسألة بالاخبار والاجماع وذلك ناظر إلى الجهة الفقهيّة وللمسئلة جهة اصوليّة مطلقا أو فقهيّة النتيجة وهي ان الاتيان بالمقطوع الخمريّة بعد العلم بحرمتهمن المولى مثلاً ولو لم يكن خمرا في الواقع لا اشكال في قبحه الفاعلي بل الفعلي أيضا لسراية القبح الفاعلي إلى الفعلي وتعنون الفعل بالعنوان الثانوي بعنوان قبيح وحينئذٍ فبالملازمة بين ما حكم به العقل وحكم الشرع يكون تمام الموضوع للحرمة هو نفس العلم سواء صادف الواقع أو خالف كما هو كذلك في الأحكام العقليّة . وترجع من هذه الجهة إلى ما يكون حكم واقعه ومورد الشك بمناطين . بان يكون في مورد الشك حكم طريقي وفي صورة القطع حكم نفسي للشرع بالملازمة كما في مورد الضرر . فانه في صورة قطعه بالضرر يكون حراما نفسا وفي مورد احتمال الضرر وان لزم الاجتناب لكن مناطه هو الطريقيّة بخلاف باب التشريع اذ مجرّد عدم العلم والشك تمام الموضوع للحكم بالحرمة وتحقق

ص: 64

التشريع كما في بعض ما ورد في الروايات ارشاد إليه من ان(1) من أفتى بغير علم فهو في النار وعدّ(2) من قضى بالحق وهو لا يعلم من أهل النار ومن هذه الجهة قلنا بعدم مجال لجريان استصحاب عدم الحجيّة وهذا هو المناط في تقدم قاعدة الاشتغال على استصحابه في بعض الموارد التي تكون مقدّمة عليه كما انه يقدم عليها في بعض آخر وما نحن فيه يكون من قبيل واحد المناط في واقعه وغيره لما ذكر مضافا إلى عدم ايجاب مخالفة الواقع بما هو كذلك لشيء فالعلم حينئذٍ تمام الموضوع على ما عرفت .

تكميل: قد عرفت ان الكلام في المسئلة من الجهة الكلاميّة إنّما هو فيكونه هتكا كما في صورة المعصية الحقيقيّة والمصادفة وعدمها غير مرتبط بالهتكعلى ما تقدم ومع قطع النظر عن هذه الجهة لا مجال للبرهان الرباعي .

إذ للخصم أن يجيب عن البرهان باستحقاق خصوص العاصي المصادف قطعه للواقع للعقاب باعتبار حصول المخالفة منه عمدا واختيارا دون المتجري لعدم تحققه فيه أي سبب الاستحقاق لعدم مخالفة فيه اصلاً ولو بلا اختيار بل عدم صدور فعل منه في بعض أفراده بالاختيار كما في التجري بارتكاب مقطوع الخمريّة فصادف ماءً الخ ومراده بقوله لعدم مخالفة فيه أصلاً ولو بلا اختيار هو التجري في مورد الحكم باعتقاد غير الحرام حراما واختياره بمصداقه الواقعي فانّ التجرّي على قسمين:

تارة في الاتيان بشيء بزعم انه حرام ولم يكن كذلك في الواقع فهذا لا

حكم التجري من الجهة الكلاميّة

ص: 65


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 4/1 - 31 - 32 - 33 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .

يكون مخالفة أصلاً لا اختياراً ولا بلا اختيار ولو كان نفس الشرب للماء الذي زعم انه حرام مثلاً اختيارا ومراده بما بعد الماتي بها للترقي هو القسم الآخر من التجري الحاصل في الشبهة المصداقيّة والخطأ في التطبيق كما في المثال فانه لم يكن هناك صدر منه فعل بالاختيار لعدم تعلق قصده بشرب الماء الذي أتى به وصدر عنه كما ان متعلق قصده وهو شرب الخمر لم يقع في الخارج هذا محصل مراده قدس سره .

ولكنّه يمكن الجواب مع قطع النظر عن عنوان الهتك المنطبق على التجري عن البرهان الرباعي . اذ لا فرق في المصادف وغيره من تساويهما في كون ما هو بالاختيار نفس الشرب دون المصادفة وعدمها . وان قيل يكفي في اختيارية العمل كون احدى مقدماته اختياريا .

قلنا: ان المركب من الاختياري وغيره لا يكون اختياريّا فلا محيص عن قبول البرهان في المقام . أو الاستدلال به في غير المقام من الجهة الكلاميّةوالجواب عنه ويمكن نظره إلى ما ذكره الآخوند قدس سره (1) من كونه هتكا فلا اشكال . هذا في الجهة الكلاميّة .

وأمّا الجهة الملفقة من الكلاميّة والاصوليّة بأن يكون صغريها كلاميّة والكبرى اصوليّة فهي ان يدعى ان العمل المتجرى به وان كان حكمه الواقعي الأولى هو ما رتبه الشارع عليه من الاباحة والوجوب أو غيرهما لكنه مما يطرء عليه بعنوان التجري حكم مخالف لذاك الحكم الاولى كما في مطلق موارد العناوين الثانويّة التي ربما تغير الواجب إلى الحرام ويوجب حفظ النفس كون

ص: 66


1- . كفاية الاُصول 1/10 .

ترك الصلاة واجبا اذا توقف حفظها عليه . بناء على مذهب القوم من وجوب مقدمة الواجب اما بناءً على ما اخترناه في باب المقدمة من اللابدية العقليّة وكون المقام من موارد الاطاعة والعصيان التي لا مجال لحكم الشرع فيها الا ارشادا فلا يستقيم به المثال . كما انه في باب النكاح والأمر بالمعروف قد يتأتى الأحكام الخمسة بالعناوين .

وحاصل الدعوى انه لا مجال لانكار القبح الفاعلي في باب التجري وذلك يوجب سرايته إلى الفعل أو انه من الجهات المقبحة للفعل . وحينئذٍ فالفعل أيضا يصير قبيحا بهذا العنوان ولذلك قالوا بعدم صحّة الصلاة في الدار المغصوبة مع العلم مع كونه من باب الاجتماع الذي لا نقول بتعلق الأمر والنهي بمورد واحد . حيث ان القبح الفاعلي يوجب عدم تأتي قصد القربة فيرجع إلى عدم اجتماع القيود الدخيلة فيها بخلاف صورة الجهل فلا اشكال في صحّة التقرب به ولذا اتفق الكلمة على عدم لزوم الاعادة .وعلى أيّ حال فلا فرق بين المقام وبين التشريع بناء على ما سيجيء في مبحث الظن من تصويره وامكانه وكونه بمناط واحد في صورة العلم بالخلاف أو الجهل بذلك مع القول بعدم صحّة التقرّب بما تشرع به فالمقام أيضا يكون كذلك .

نعم في المعاملات ربما لا ينافي ويصح ترتب الأثر على نفس المعاملة كما في صورة الاضطرار إلى بيع ما له بأقل من قيمته بكثير لحفظ اعتباره ومقامه وحينئذٍ ففي المعصية الحقيقيّة يكون حكم العقل بالقبح نفسيّا وفي صورة التجري طريقيّا أو بالعنوان الثانوي من القبح الفاعلي والسراية إلى الفعل على ما عرفت .

الفرق بين القبح الفعلي والفاعلي

ص: 67

وأجاب عن ذلك المحقّق النائيني قدس سره بوضوح(1) فساد سراية القبح إلى الفعل وأمّا الفاعلي فلا ينكره . ولا مجال لهذا الجواب لعدم بيان المدرك فيه كما ان الفرار

عن موضوع البحث إلى انكار قاعدة الملازمة وعدم تماميتها والمسلّم هو عدم قبح ما حكم به الشرع وانه لا يحكم إلاّ بما هو حسن .

اما لحسن في المتعلق أو نوعيا أو شخصيّا أو غير ذلك الذي بين في الأخبار شيء قليل منه حسب استطاعة أفهامنا أيضا لا وجه له . وذهب سيّدنا الاستاذ قدس سره

إلى عدم تماميّة مختار المحقّق النائيني قدس سره في عدم سراية القبح إلى الفعل مع مساعدته له في القبح الفاعلي .

بقيّة جهات البحث:

قد عرفت ان للمسألة جهات من البحث وقد أسلفنا البحث عن الجهة

الكلاميّة وهي استحقاق من خالف قطعه الواقع اذا تعلّق بوجوب شيء فتركه أو بحرمة شيء فأتى به ولم يكن في الواقع كذلك أو انه قطع بكون شيء خمرا فظهرماء مع العلم بكون الخمر حراما .

وأمّا الجهة الفقهيّة فيمكن أن يستدلّ فيها بالاخبار والاجماع والآيات كما انه يمكن تطبيق البرهان الرباعي على هذه الجهة والاصوليّة والكلاميّة وقد سبق بعض تقريباته وسيجيء البحث في المسئلة عن الجهة الفقهيّة محضا .

أمّا البحث عن الجهة الاصوليّة فهو ما أشرنا إليه سابقا من كون متعلق التكليف هو الأعم من الخمر المقطوع الذي صادف الواقع وغيره وهذا الوجه نبه

ص: 68


1- . فوائد الاُصول 3/42 .

عليه السيّد المحقّق الميرزا الشيرازي وشيّده المحقّق النائيني (1) .

بيانه انه لا اشكال في ان التكليف لا يمكن تعلقه الا بالمقدور للمكلف اذ لا مجال للقول بتعلقه بغير المقدور للقبح . واستحالته على الحكيم تعالى واضحة كما انه لا ريب في ان العلم هو تمام الموضوع لحكم العقل وحينئذٍ فالشرب الذي حرّمه الشارع في الخمر له جهتان:

احداهما اختياريّة وهي نفس الشرب .

والثانية: غير اختياربّة وهو كون المشروب خمرا أو ماءً اذ لا تنال يد المكلّف بجعل المشروب خمرا أو ماءً لكونه على ما هو عليه من المصداقيّة للخمر أو الماء . وبعد عدم امكان تعلق التكليف بغير المقدور فاللازم هو كون الشرب مطلقا حراما سواء كان المقطوع هو الخمر الواقعي أو الماء الذي اعتقد انه خمر وهذا واضح بعد وضوح تعلّق التكاليف بأفعال المكلّف .

كما ان حرمة الخمر معناه حرمة نفس الشرب أو ايجاده أو ساير مالها من التصرّفات وكذلك في الميتة وغيرها .فمتعلّق التكليف هو فعل المكلّف وهذه الأعيان إنّما هي موضوع التكليف ومتعلّق المتعلّق .

فالحرام هو هذا المايع الخارجي الذي تعلّق العلم بكونه خمرا سواء كان كذلك أم لم يكن .

حيث ان جهة كونه خمرا أو ماءً ليس بيد المكلّف وهو أمر غير اختياري خارج عن تحت دائرة التكليف . فاللازم تعلّقه بنفس الشرب وهو موجب لتوسعة

متعلّق التكليف هو فعل المكلّف

ص: 69


1- . فوائد الاُصول 3/37 وما بعده .

التكليف بحسب المتعلّق .

فكما ان شرب الخمر الواقعي حرام كذلك شرب ما اعتقد انه خمر أيضا كذلك .

كما ان ذلك هو الميزان في مطلق الأحكام التكليفيّة .

حيث انه اذا كان لمتعلّقها حيثيّتان احديهما غير اختياريّة فالتكليف انما يتعلق بها من الحيث الاختياري .

وأمّا خطاب المولى وتشريعه بأيّ نحو أمكن اذ لا اشكال لنا في مقام تصور الخطاب بل الكلام في انه لا يمكن اختصاص الخطاب بالخمر الواقعي الذي لا يكون جهة واقعيّة تحت قدرة المكلّف .

بحيث يتعلق به التكليف . بل لابدّ وان يعمّه وما اعتقد انه خمر .

والحاصل انه لا معنى للقطع المخالف غير المصادف بل القطع دائما يصيب لموضوعه وموجب لتنجز حكم متعلقه .

نعم يمكن أن يقال بكون ترتب الحكم الواقعي على المقطوع انه خمر ولم يكن كذلك مشروطا بعدم انكشاف الخلاف كي لا يلزم اجتماع الحكمين الفعليين في موضوع واحد احدهما الوجوب والآخر الحرمة أو الحرمة والاباحة اذ لامجال للتجري في غير مورد الحكم الالزامي .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب هذا القول .

لكنه لا يخفى ما فيه من المحاذير اذ مقتضاه حرمة نفس الشرب وانقلاب حكم الماء بمجرّد تعلّق القطع به انه خمر إلى الحرمة ولازمه القول بذلك في الخمر الذي اعتقد انه ماءً ان يكون حلالاً جايز الشرب إلى غير ذلك ممّا هو خلاف

ص: 70

ضرورة الفقه .

بل خلاف ضرورة المسلمين لعدم الفرق حينئذٍ بين الميتة والمذكى وكذلك بين الخمر والماء لكون الجامع بينهما الذي يكون تحت قدرة المكلف هو نفس الشرب أو الأكل .

وأمّا كون المشروب ماءً أو خمرا والمأكول ميتة أو مذكى فخارج عن تحت قدرته فلا يتعلق به التكليف . وحينئذٍ فليس كما زعموا .

بل نقول ان دائرة التكليف من أوّل الأمر ضيقة بحيث لا يشمل مطلق الشرب بل الشرب المصادف إلى الخمر من قبيل ضيق فم الركية . وحينئذٍ فاذا اعتقد ان الماء خمر لا يكون هناك تحقق موضوع التكليف ولا حرمة له لعدم كونه واقعا من مصاديق الخمر الحرام فلا مجال للقول بالحرمة من هذه الجهة أيضا .

أمّا الجهة الكلاميّة صغرى والاصوليّة كبرى فهو كون تعلق القطع بكون الماء خمرا أو الخمر ماءً يكون من الوجوه المغيرة والمبدلة والمحسنة والمقبحة .

ويوجب كون شرب الماء قبيحا كما يوجب كون شرب الخمر باعتقاد كونه ماءً حسنا لكون حسن الأشياء وقبحها بالوجوه والاعتبارات .

هذا بحسب الصغرى فاذا كشفنا حكم العقل بالقبح أو الحسن فبالملازمة

بين حكم العقل والشرع نستكشف حرمته أو كراهته على اختلاف مراتب القبح أووجوبه أو استحبابه على اختلاف مراتب الحسن شرعا . فلابدّ من كونه مأمورا به أو منهيّا عنه على أحد الانحاء .

ولا يخفى ان الصغرى يمكن تقريبها تارة في نفس عنوان الانقياد والتجري وان العقل يحكم بحسنه وقبح التجري على المولى وعدمه كما انه مناط البحث في

تقريب الصغرى

ص: 71

الجهة الكلاميّة التي سلفت وقد اخترنا هناك كونه كذلك وان الانقياد للمولى يوجب المدح واستحقاق المثوبة والتجري عليه موجب للذم واستحقاق العقاب كما سبق . وهذا بلا سراية الى متعلق التجري والفعل المتجري به أو المنقاد به كما ان عنوان التشريع الذي هو عبارة عن البناء واسناد ما لا يعلم انه الواقع للعلم بخلافه أو عدم العلم إلى الشارع لا يوجب قبح المتشرع به وانما القبيح هو نفس عنوان التشريع .

غاية الأمر يكون فرق بين التشريع لعدم احتياجه إلى العمل الخارجي ويحصل بالقلب اذ هو فعل جانحي وبين التجري والانقياد اذ هما فعلان جارحيان .

هذا . واخرى من ناحية قبح العمل المتجري به وحسن العمل المنقاد به بحيث يكون العمل الخارجي معنونا بالعنوان الثانوي بهذا العنوان الحسن أو القبيح ونستكشف النهي أو الأمر بقاعدة الملازمة كما في ساير العناوين الثانوية للأفعال فترى شيئا مباحا بحسب طبعه يحرم لانطباق عنوان المضرية عليه والذي هو المفيد في محلّ البحث هو الاخير . هذا .

وأنكر المحقّق النائيني(1) لكلا الأمرين . اما انكار الكبرى فلعدم تماميّةقاعدة الملازمة . اما منع الصغرى فلعدم ايجاب عنوان التجري حصول قبح في العمل المتجري به لعدم كون العلم بأنّه خمر موجبا لكونه خمرا أو مسكرا كما ان العلم بكون زيد عمرا لا يجعل زيدا عمرا ولا يؤثر فيه بكونه منشأ للآثار والأفعال الصادرة والمرتبة على عمرو .

ص: 72


1- . فوائد الاُصول 3/41 .

نعم إنّما يكون العلم من المبادي والمقدمات المؤدّية إلى التجري أو الانقياد فاذا لم يمكننا تصحيح عنوان المقبح والمحسن للمقطوع بأحد النحوين فلابدّ التمسّك بالقبح الفاعلي .

توضيح وتبيان: قد أشرنا إلى ان أحد وجوه البحث في المسئلة قضيّة كون التجري والانقياد من الوجوه المحسنة والمقبحة للفعل الخارجي المتجري أو المنقاد به . فالصغرى تكون حينئذٍ عقليّة كلاميّة والكبرى قاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل وما حكم به الشرع . وحينئذٍ فاذا ثبت كون المتجري به أو المنقاد به حسنا أو قبيحا فبالملازمة نستكشف الحكم الشرعي بالحرمة أو الحلية ويثبت المطلوب .

أمّا الصغرى فلا اشكال في درك العقل لحسن بعض الأشياء وقبحها في

الجملة خلافا لجماعة من الأشاعرة المنكرين لذلك . الا ان محققيهم رجعوا عن هذا إلى دركه في الجملة وذلك على ثلاثة أقسام فان الحسن كالقبح تارة يكون ذاتي بعض الأشياء كما في الاحسان والظلم بحيث لا ينفك هذا المعنى عنه ولو فرض في أيّ مورد ومكان . واخرى يكون للشيء حسن وقبح في حدّ نفسه بحيث اذا طرء عليه عنوان آخر يوجب زوال حسنه أو قبحه بالعنوان الأولي كما في الكذب اذا طرء عليه عنوان انجاء المؤمن أو تخليص الوصي مثلاً والصدق اذاطرء عليه عنوان الضرر .

وثالثة لا يكون للشيء حسن أو قبح في حدّ نفسه بل لو كان فهو ممحض في العناوين الطارية عليه .

هذا بحسب أصل الكبرى التي تنفعنا في اثبات أصل القبح والحسن وحينئذٍ

انكار الصغرى والكبرى

ص: 73

فالمدعى كون عنوان التجري أو الانقياد في حدّ أنفسهما حسنا وقبيحا أو انه يوجب لقبح الفعل المتجري به وحسن الفعل المنقاد به أو انه لا يكون التجري والانقياد من عناوين الفعل الخارجي كي يوجب حسنه أو قبحه . بل هو على ما عليه من عنوانه الاولي الا ان القبيح هو حيث صدور هذا الفعل والحسن هو كذلك وبعبارة اخرى لو أنكرنا قبح الفعل وحسنه بعنوان التجري والانقياد فلا يمكننا انكار القبح الفاعلي والحسن الفاعلي في الموردين .

والحاصل ان القبيح والحسن إمّا أن يكونا نفس العنوانين على تقدير كونهما جارحيين أو انهما على كونهما ليسا بجارحيين يوجبان القبح والحسن في منشأ انتزاعهما وهو الأمر الخارجي ولا أقل من مجرّد الحسن أو القبح الفاعلي ( الا انه ما لم يوجب تعنون الفعل الخارجي لا مجال لكونه مفيدا في المدعى الا أن يكون المدعى قبح نفس الفعل الخارجي فتأمّل .

وكيف كان فعنوان التجري والانقياد كعنوان الاطاعة والمعصية من العناوين المحسنة والمقبحة عند العقل بلا تأمّل وارتياب هذا بحسب أصل الصغرى .

وأمّا الكبرى فهي على نحوين فتارة تكون كما في تقرير الصغرى من كشف العقل ملاك الحسن والقبح الفعلي وبعبارة اخرى ملاك الجعل واخرى لا يدرك العقل ذلك بل انما وصله حكم الشارع بالحرمة أو الوجوب أو نحوهما ففي الأوّل يكون انكشاف حكم الشارع بطريق اللّم ويتحقّق الملازمة به . وفي الثاني يكونحكم الشارع كاشفا عن وجود ملاك لأمره ونهيه فأمر أو نهي وعلى كلا التقديرين فالملازمة محقّقة واستدلّ عليها بالعقل والنقل . أمّا العقل فما ذكر من كشفه ملاك حكم الشارع بحيث انه لابدّ من الجعل وانه لا يتخلّف عنه الجعل بحسب اعطائه

ص: 74

لموارد الاستعدادات وموارد القابليات والظروف .

وأمّا النقل فقد استدلّ بقوله تعالى في وصف النبي صلی الله علیه و آله: « وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ »(1) حيث ان مناط التحليل والتحريم هو كون الشيء طيبا وخبيثا أو آيات اخر اصرح في المقصود من الآية المذكورة كقوله تعالى « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاْءِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ

وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ »(2) وغيرهما من الآيات والروايات المستفاد منها تلازم درك العقل لحسن الشيء وقبحه لجعل الشارع .

وانه حرّم الخبائث وما فيه المفاسد وحلّل الطيّبات وما فيه المصالح .

والفرض ان الكلام ليس في الصغرى لدعوى ادراك العقل حسن الشيء وقبحه واذا ثبت حسنه أو قبحه وكانت الكبرى مدلولة عليها بالشرع والعقل فلابدّ من حرمته شرعا .

ولكن لا يخفى عليك عدم تماميّة قاعدة الملازمة لعدم صلاحيّة الدليل النقلي والعقلي لاثباتها .

أمّا النقلي فلا يستفاد منه ان كلّ قبيح حرام وكلّ حسن واجب مثلاً بل غايةما يستفاد منه هو ان اللّه تعالى لا يحرم إلاّ القبيح كما انه لا يوجب أو يحل إلاّالطيّب وأمّا كلّ طيب فلابدّ من كونه حلالاً أو كلّ قبيح فلابدّ من كونه حراما فلا كما ان العقل لا يمكنه ادراك ذلك صغرويّا إذ على فرض ادراكه واحاطته بمصالح الفعل ومفاسده على نحو يوجب الجعل ويكون علمه داعيا له يبقى هناك احتمال

عدم تماميّة قاعدة الملازمة

ص: 75


1- . سورة الأعراف الآية 158 .
2- . سورة النحل الآية 91 .

موانع أصل الجعل لامكان اختلاف الأشخاص والأزمنة في ذلك ولهذا نقول انّ الدين عند اللّه هو الاسلام من أوّل زمن آدم إلى نبيّنا صلی الله علیه و آله وان النسخ لشريعة من قبله لا لنقصان تلك الشرايع وعدم تماميتها بل لكون مصالحها انما هو في غير هذا الوقت .

والحين لما عرفت من كون الحسن والقبح لا بأس بكونهما في بعض الأشياء بالوجوه والاعتبارات حتى ان الشيء الواحد يختلف حسنه وقبحه بحسب اختلاف الأشخاص ولعلّه إلى هذه الجهة نظر صاحب الفصول قدس سره حيث أنكر الملازمة الواقعيّة لما حكم به العقل وما حكم به الشرع واعترف بالملازمة الظاهريّة بمعنى عدم احاطة العقل وادراكه لموانع الجعل وانه لا تتم الملازمة الا ظاهرا .

ولكن التحقيق عدم تماميتها حتى ظاهرا بحسب عقولنا آحاد الرعية .

نعم لو كان بالنسبة إلى العقل المحيط بتمام جهات مصالح الأشياء ومفاسدها لأمكن حينئذٍ الملازمة حتى الواقعيّة لاتصال نفوسهم بالمبادي العالية ووصول المدد الغيبي إليهم الا ان الكلام ليس في ذلك العقل بل العقول المتعارفة لآحاد الرعية .

وفيها فالحق هو ما ذكرنا . وعلى هذا فيحتمل في مقامنا هذا مع درك العقل لقبح التجري وحسن الانقياد يكون هناك مانع من الجعل للحرمة بحيث يستحق عليه العقاب وفي الانقياد الثواب وحينئذٍ فتتطرق الخدشة إلى البرهان الذي ذكرهالمحقق الخراساني من خروجه(1) عن رسم العبوديّة وكونه بصدد الطغيان إلى

ص: 76


1- . كفاية الاُصول 2/10 .

آخره لتوقف الحرمة الشرعيّة على قاعدة الملازمة ولم تتم . فلا طريق إلى اثبات الحرمة الشرعيّة من الجهة الكلاميّة ولا من الجهة الاصولية التي تقدمت ان تعلق التكاليف بالجامع الذي هو اختياري المكلف وهو مثلاً نفس الشرب ولا من جهة العناوين الثانوية وقبح التجري واستكشاف الحرمة من قاعدة الملازمة لمنعها فينحصر الدليل حينئذٍ بالاخبار والاجماع والآيات في الجهة الفقهيّة .

لا يقال ان مناط حكم العقل في باب الاطاعة والعصيان هو المناط في قبح التجري وحسنه فلو توقف حينئذٍ على قاعدة الملازمة فاللازم اما عدم القول بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية عقلاً أو القول به فيما نحن فيه أيضا .

لأنا نقول قد يتحقق هناك موقع لجريان برهان التسلسل حيث ان اطاعة أمر الشارع لو توقف على الأمر المولوي فينتقل الكلام في الأمر الثاني وهكذا ولو أمر به الشارع لكان أمرا ارشاديّا لوقوعه في سلسلة معلولات الأحكام والكلام في سلسلة الملاكات وعلل الجعل ولا ربط لأحدهما بالآخر الا ان للكلام في هذا الفرق مجالاً ولذا اعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره أخيرا بالاضطرار إلى تصديق ما قاله في الكفاية في الجهة الكلاميّة . ثمّ ان الفرق ان في باب الاطاعة والمعصية لا منع للعقاب لكون المعاقب خالف أمر المولى وفي ما نحن فيه لا أمر لعدم تماميّة القاعدة ) .

نحو آخر من الاستدلال: يمكن أن يستدلّ على حرمة التجري من حيث انه تجرى لا على الفعل المتجري به لكونه قبيحا عند العقل ومن ذلك يصير حرامالكن الاستدلال به موقوف على أحد النحوين . فانه اما أن يكون واقعا في سلسلة علل الأحكام وكشف الملاك وحينئذٍ فحكم العقل على فرض وجوده واحاطته

الاستدلال على حرمة التجرّي

ص: 77

بجميع الجهات المرتبطة بالمصالح والمفاسد وتماميتها وعدم المانع من الجعل يستتبع حكما شرعيّا بقاعدة الملازمة للحرمة أو الوجوب اذا كان على حد الالزام والا فالاستحباب والكراهة اذا لم يكن بالغا حد الالزام .

وامّا أن يكون واقعا في سلسلة معلولات الحكم كما في تعلّق العلم والجهل بالشيء فانه يستحيل تعلقهما بالشيء ولو بنتيجة الاطلاق والتقييد وهذا نظير باب الاطاعة والعصيان فانه يستقل العقل بلزوم طاعة المولى وقبح معصيته على حد ليس قابلاً للخطاب المولوي . اذ على فرض تحقق الخطاب فيحتاج ذاك الخطاب في عصيانه واطاعته إلى خطاب آخر وهكذا . ولا يندفع الاشكال بالقضيّة الطبيعيّة وعلى هذا فالتجري ليس من الأول اذ على فرض درك العقل لقبحه وكذا حسن الانقياد ليس من الامور التي لا تقبل الجعل المولوي كباب الاطاعة والعصيان وحينئذٍ فلابدّ أن يكون على النحو الأول اذ لا يستقل العقل بقبحه على حد لا يكون معه مجال لخطاب الشارع بل يكون ارشادا محضا وهاهنا مجال لمنع الصغرى والكبرى وعدم تماميّة قاعدة الملازمة . ولا وجه لقياس المقام بباب الاطاعة والعصيان كما انه لا وجه لقياسه بباب التشريع لاستقلال العقل بقبح الاسناد إلى المولى ما لا يعلم انه منه سواء علم انه لم يقله أو لم يعلم بقوله . وهذا

بلا فرق بين أنحاء الاعتبارات في الكذب من انه خلاف الواقع والاعتقاد أو أحدهما ولكنه لا مانع في المقام من ناحية جعل المولى الخطاب بتحريم شيء اذا علم انه خمر غايته انه يكون تصويب في الموضوعات دون ما اذا علم بالحكم الكلي فانه يلزم التصويب ولا نقول به وعلى هذا فيكون مجال للتفكيك بينالبابين .

ص: 78

ان قلت فعلى هذا يلزم كون العقاب على أمر غير اختياري اذ لا فرق بين المصادف وغيره في العمل الصادر منهما غير انه صادف مقطوعه الخمر الواقعي دون الآخر وهذا هو الأمر الذي قلنا انه ليس باختياري .

قلت: لا يخفى ان الأفعال الصادرة من الانسان على أقسام فتارة يكون العمل مستندا إليه ولا اختيار له ولا ارادة كما في حركة النائم وايجابها لانكسار كوز الغير فانه ليس باختياري له . واخرى يكون صدور العمل عنه اختيارا لكنه لا قصد له إلى عنوان العمل كما في الذي يأتي بركعتين ولا يقصد انهما نافلة الصبح أو فريضته فيمكن أن نقول انه بناء على استحباب كلّ ركعتين في كلّ حين يسعهما انهما تقعان نافلة ابتدائيّة وكما في صلاة أربع ركعات بلا قصد خصوص كونها ظهرا أو عصرا أو غيرهما فانه يكون هنا صدور العمل عنه عن اختيار لكن لا تعنون بصلاة الظهر أو غيرها . وثالثة يقصد العنوان كما في باب القتل فانهم قالوا إذا

كانت الآلة قتالة وله القصد إلى القتل وقتل فيكون القتل عمدا محضا واذا كانت الآلة قتالة لكن لم يقصد قتل زيد بل قصد الظبي واتّفق وقوعه على زيد فانه شبيه العمد لكون قتل زيد غير مقصود بخلاف ما اذا لم يكن قصد أحدهما كما اذا لم تكن الآلة قتالة أو ضربه للتأديب في غير موضع يقتل به فاتفق قتله فانه خطأ محض « في المثال خدشة فانه شبه عمد ) .

اذا عرفت هذا فنقول في ما نحن فيه الشرب الصادر من كلا الانسانين

يكون صادرا بالاختيار لعدم كونه كحركة النائم الا ان المصادف شربه وقع عن عمد لقصده شرب الخمر الذي شربه وكان خمرا فهذا عمله اختياري ومخالفته كذلك عمديّة لقصده إلى العنوان وشرب الخمر بخلاف الآخر لعدم تحقّق عنوان

ص: 79

مقصوده وشرب الماء لم يكن مقصودا لتخلّفه ولذا قالوا في باب الصوم ان مجرد تناول المفطر لا يوجب حصول الافطار ولا وجوب الكفارة بل اللازم الالتفات إلى صومه مع ان في صورة عدم الالتفات لا يكون عمله الا اختياريا لكونه قاصدا إلى الشرب والأكل . وهكذا ساير المفطرات فالعمل الصادر اختياري . وفي احدى الصورتين عمدي اختياري وفي الاخرى اختياري بلا عمد فما يقال من عدم كون سبب العقاب اختياريا فيه ما عرفت من كون العمل في كلا المقامين اختياريّا .

غاية الأمر في احدهما اختياري عمدي وفي صورة عدم المصادفة لا عمد بل هو محض اختيار . ويمكن كون المناط في الاستحقاق هو المخالفة العمديّة وعلى هذا فلا يتمّ البرهان مدركا لحرمة التجري واستحقاق المتجري للعقاب .

الاستدلال بالأدلّة النقليّة: قد يستدلّ على قبح التجري وحرمته بالآيات والأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة وقد ذكر سيّدنا الاستاذ قدس سره وجود الأخبار الدالّة على العفو في الوسائل(1) وعدم وجدانه للاخبار الاخر المعارضة أو المقابلة لها فيها بعد التتبع ولعلّ المتتبع الفاحص يجدها في البحار وفي ساير الكتب المعدة لجمع الأخبار .

وعلى كلّ حال فمضمون الأخبار(2) المقابلة لأخبار العفو على اختلاف مواردها هو كون العمل الذي أتى به بقصد الايصال إلى المعصية كالمعصية الواقعيّة في استحقاق العقاب سواء كان عدم حصول النتيجة المتوقعة لقصور في المقتضيأو وجود مانع هناك . وهناك أخبار(3) وردت في ان الرضا بفعل قوم في قوم فعلهم

الاستدلال بالأدلّة النقليّة

ص: 80


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 6/6 - 7 - 8 - 10 - 20 - 21 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . وسائل الشيعة 15 الباب 6/1 من أبواب جهاد العدو .
3- . وسائل الشيعة 16 الباب 5/2 - 4 - 5 - 6 - 7 - 9 - 12 أبواب الأمر والنهي .

كنفس الفعل في ترتب العقاب أو الثواب بلا نقص من عقاب المرتكبين أو ثوابهم .

فالراضي بفعل الأنبياء والأولياء كالشريك في فعلهم وكذا الراضي بفعل الأشقياء شريك لهم في عصيانهم .

ولا يخفى ان الرضا والارادة على قسمين:

فتارة يكون رضاه تبعا لرضى ربه وارادته كذلك . فاذا أراد اللّه موت زيد واهلاك عمرو فهو باعتبار تبعيّة رضاه ولارادته تعالى لا يكون عاصيا ولا مستحقّا للعقاب بل له مقام من التفويض والتسليم إلى ربّه .

واخرى لا يكون من هذا القبيل .

والكلام فيه من حيث كونه موردا لما أشرنا إليه من أخبار ثوابه وعقابه فاذا أراد واحب موت زيد أو قتله لعمرو فهو مشمول لهذه الأخبار . وهذا غير أخبار الرضا بفعل قوم . وحينئذٍ فنقول مع قطع النظر عن سند هذه الأخبار لا محيص عن الالتزام بمضمونها من حرمة العمل الخارجي أو النية . بل ورد(1) في بعضها في سرّ خلود أهل النار انه كان من نيتهم العصيان والشقاق مادام العمر لهم . بل لو فرض بقائهم أبدا فكان قصدهم ذلك . وهذا وان كان يمكن كون صدوره اقناعيا للسائل بحسب استعداده وانه هناك جهات عديدة . لكنه لا مانع من الاستشهاد به في مورد البحث .

وكيف كان فمضمونها حرمة العمل الصادر عن قصد الحرام وان لم يكن

حصلت النتيجة وكونه كالواصل إليها في هذه الجهة . مع ان بعضها معتبر السند

ص: 81


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 6/4 من أبواب مقدّمة العبادات .

وحينئذٍ فيقع الكلام في الجمع بينها وبين روايات(1) العفو وقد جمع بينهما بكون اخبار العفو ناظرة إلى مجرد نيّة المعصية بلا ابراز خارجي لها ولم تكن واصلة إلى مرحلة العمل كما في الحسد على انسان لكنه لا يبرز هذه الصفة في مورد أصلاً فلا عقاب عليه بخلاف ما اذا ابرزه فانه لم يوعد بالعفو في اخباره . ومراتب الابراز مختلفة حسب اختلاف المقامات فتارة يكون باللسان واخرى بساير الجوارح حتى انه يقع في بعض الموارد بالاشارة وحمل اخبار(2) العقاب على ابراز النية وصدر منه العمل وان لم يكن بلغ النتيجة .

ولا يخفى عليك ان الجمع اذا لم يكن له شاهد فهو تبرعي محض لا تورعي ولا انه جمع لان الطرح للخبر هو عدم الأخذ بظاهره فلا معنى لكون التبرع أو التورع مقتضيا لحمله على خلافه . الا انا نقول نفس هذه الاخبار بيّنة المورد ولا تعارض بينهما بل من الواضح اختصاص اخبار العفو بما ذكر من نية السوء بلا ابراز ولا عمل على حسبه وتلك على ما اذا اشتركا في العمل الخارجي والقصد ولكن لم يحصل المقصود من أحدهما أو من الاخر كما في القاتل والمقتول وان كليهما(3) في النار لاشتراكهما في شهرهما السيف بقصد قتل الآخر . غاية الأمر أصاب من أحدهما ولم يصب من الآخر . فنفس العمل صدر منهما اختيارا وفي أحدهما كان المانع الخارجي حاجزا بينه وبين النتيجة وفي أحدهما حصلتالمخالفة عن عمد وفي الآخر لا عمد لعدم قصد شرب الماء وقصده الخمر ولم يكن . مع ان اخبار العفو ظاهرها الاستحقاق والا فلا عفو بدون استحقاق العقاب

الجمع بين الروايات

ص: 82


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 6/6 - 7 - 9 - 10 - 20 - 21 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 6/3 - 4 من أبواب مقدّمة العبادات .
3- . وسائل الشيعة 15 الباب 67/1 من أبواب جهاد العدوّ .

كما ان اخبار(1) عدم الكتابة الا بعد وقت لا تنافي استحقاق العقاب كما في الكبائر التي يكون تركها مكفراً لصغاير السيئات فان مجرّد التكفير بالترك لا يوجب عدم الاستحقاق ولا يخرج عن كونه معصية حين صدروها .

واعلم ان حمل ظاهر مثل خبر(2) الوعيد بالنار للقاتل والمقتول على الكراهة خلاف الذوق الفقهي .

اذ اي ظاهر أو نص أعلى من هذا . ومجرد تعقب النهي بالوعيد لا يوجب عدم كونه حراما كما في قتل المؤمن عمدا ووعيده بالنار في الآية(3) الشريفة بل لا يناسب هذا ما جعلوه ميزانا لتشخيص الكبيرة من الصغيرة من كون الاولى هي التي أوعد عليها بالنار . وحينئذٍ فالحق حرمة التجري لما عرفت واما اخبار(4) تعذيب بني اميّة لرضاهم بفعل آبائهم فيمكن الحدس بكون رضاهم معلوما من أفعالهم لا مجرّد الرضا الباطني بلا ابراز في الخارج . ولكن لا يوجب هذا سد باب المطلقات في غير هذا المورد حيث علق التشريك في العقاب على مجرد الرضا الظاهر في الباطني .

عود على بدء: قد عرفت انه استشكل المحقّق النائيني قدس سره في الجهات الثلاث واقتضائها حرمة الفعل المتجري به وايجاب كونه فاسقا . نعم لا اشكال فيالقبح الفاعلي الا انه لا يوجب شيئا كما استشكل في الروايات المستدل بها على

ص: 83


1- . وسائل الشيعة الباب 6/20 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . الوسائل 15 الباب 67/1 من أبواب جهاد العدوّ .
3- . سورة النساء الآية 94 .
4- . الوسائل 16 الباب 5/4 من أبواب الأمر والنهي .

الجهة الفقهيّة وجعل جملة منها خارجة عن موضع النزاع كاخبار خيرية(1) نيةالمؤمن من عمله وان نية الكافر شرّ من عمله .

وقد فسرها في الوافي(2) بأن المراد بالاولى كون منويات المؤمن خيراً من عمله حيث انه لا ينطبق منويه كما نوى على العمل الذي يأتي به في الخارج من حضور القلب واقباله في الصلاة مثلاً وكذلك في جانب الكافر وان نيته شرّ من عمله بمعنى كون منويّاته شرّا من عمله الخارجي . فالروايات اشارة إلى معنى تكويني يجده الانسان في نفسه والا فعلي فرض الجمود على ظاهرها لابدّ من القول بكون نيّة الصلاة خيرا منها وكذا في ساير الأعمال ممّا لا يمكن الالتزام به .

وهناك وجه آخر قد طبق هذا المعنى عليه في مورد خاص وهو ان المراد بالمؤمن هو المؤمن الخاص الذي أراد بناء مسجد وان نيته خير من عمل رجل آخر بنى مسجدا لا على ما ينبغي . فليس المراد من الرواية المقايسة بين نية الانسان وعمله بل المراد المقايسة بين نية مؤمن وعمل فاسق . ولا وجه للاستدلال بها على ما نحن فيه على كلّ حال لكون كلا المعنيين اجنبيين عن محل النزاع .

هذا ما ينبغي من المعنى في الرواية وأظهر الوجوه والاحتمالات فيها ولا وجه ظاهر لغير ما قلنا .

وكيف كان فهذه من أخبار النيّة وكون شرية نية الكافر من عمله ليس على وجه يوجب العقاب على نيّته على نحو يرتبط بمحل البحث الذي هو استحقاق

أظهر الوجوه في الرواية

ص: 84


1- . الوسائل 1 الباب 6/3 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . الوافي 1 الجزء الثالث .

العقاب على القطع المخالف للواقع . كما انه لا تتم دلالة غيرها من الروايات علىالعقاب على النية من العفو عن نيّة السوء ما لم يعقبها بالعمل وان كان كما قال المحدّث المجلسي أعلى اللّه مقامه لا يكون العفو الا عن استحقاق . والا فلا معنى للعفو ولهذا قلنا في حديث الرفع(1) والآية الشريفة(2) كون المرفوع هي الامور التي ليست من غير المقدور ولا مما يكون التكليف بها قبيحا على المولى الحكيم . والا فلا يمكن القول أو احتمال ان الامم السابقة كانوا مكلفين بما لا يطيقونه عقلاً

ولا يقدرون عليه . وحينئذٍ فان كان المورد قابلاً لايجاب الاحتياط في بعضها أو التحفظ في مثل النسيان ورفع كما ان في الذنوب المكفرة بترك الكبائر لا يمكن القول بكونها ليست بذنوب حيث انها تكفر بترك الكبائر .

أمّا أخبار الرضا(3) بفعل قوم وانه شريك معهم فهذا لا اشكال في كونه حسب الروايات حراما لكشف العقاب والوعيد به عنه . وليس المراد هو مجرد النية بل المراد اظهار السرور والانبساط بذلك وربما يصل الى مرتبة التمنى بأن كان معهم في فعل ذلك الحرام كما انه يتصور في ناحية العمل الخيري وانه يتمنى الانسان ان لو كان معهم فيفوز بثوابهم . ولكن هذا غير مرتبط أيضا بمورد البحث كما ان اخبار(4) الهمة بالمعصية وانه لا تكتب أو يعفى عنها أيضا يمكن استشعار قابليّة جعل الحرمة منها ولكنه لم تجعل . وهل المراد بالهمة هو نفس النيّة فهي أيضا كالارادة أو ان المراد بالهمة هي مرتبة فوق مرتبة النية المجرّدة من التصدّي

ص: 85


1- . الوسائل 15 الباب 56/1 من أبواب جهاد النفس .
2- . سورة البقرة آخر آية .
3- . الوسائل 16 الباب 5/2 - 4 - 5 - 6 من أبواب الأمر والنهي .
4- . الوسائل 1 الباب 6/6 - 7 - 8 - 10 من أبواب مقدّمة العبادات .

وكونه بصدد فعلية العمل والاتيان ببعض ما له دخل في حصول النتيجة . غايته لمتحصل بعد بل له مقدمات اخرى قريبة .

نعم يمكن الاستدلال برواية المتقاتلين(1) حيث انهما كليهما في النار لكون

الأول قد قتل والثاني علل استحقاقه النار بكونه اراد قتل صاحبه . فالعبرة حينئذٍ بعموم التعليل الا ان من الممكن عدم ظهور الكبرى في مجرد الارادة بلا عمل خارجي . بل بقرينة انطباقها على المورد وكونها علّة له اشتراكهما في جميع ما له دخل في حصول القتل الخارجي غاية الأمر تخلف عن أحدهما ولم يتخلف عن الاخر . فالمراد هو الارادة مع العمل لا مجرد الارادة . كما انه يمكن العموم وكون المورد لا يخصص العلّة الواردة وحينئذٍ فتتم دلالته على الحرمة المطلوبة . لكن تحقيق الحق هو ان هذه الروايات الواردة في ما نحن فيه لا تنهض لاثبات الحرمة الشرعيّة لعدم قابليّة المقام للخطاب المولوي لكونه كالاطاعة والمعصية واقعا في سلسلة معلولات الخطاب ولا يمكن توجيه الخطاب المولوي إليها . كما انه ليس لها ملاك الحرمة ولا يمكن استكشاف الحرمة ( بالملاك ) أيضا لاستقلال العقل بقبح التجري على المولى فلا مجال للخطاب المولوي ولا للحرمة . وليس المقام أيضا مما يكون قابلاً لورود قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع لما عرفت .

وحينئذٍ فاستحقاق العقاب أمر عقلي والروايات ارشاد إلى ما يحكم به العقل بلا استكشاف للحرمة الشرعيّة ولا لكشف الملاك فضلاً عن امكان توجيه الخطاب المولوي .

تنبيهان لم يذكر إلاّ أحدهما:

استحقاق العقاب عقلي

ص: 86


1- . الوسائل 15 الباب 67/1 من أبواب جهاد العدو .

العمدة منهما هو كون الامارة أو الأصل أيضا اذا كان حجّة كالقطع في جميعما ذكر فيه بل يمكن كون مخالفة الامارة أو الأصل أشدّ من حرمة مخالفة القطع اذا بنينا على كون الامارة من باب الموضوعيّة وان مخالفة المؤدي في حد نفسه حراما وان لم يكن هناك واقع . اذ حينئذٍ لا مجال لكشف الخلاف الا في ما اذا تخيل دلالته على ذلك وانكشف الخلاف لا اذا تمت الدلالة وانكشف كون المنكشف غير الواقع .

تتميم: اعلم ان القطع المخالف للواقع كالقطع المصادف في موضوعيّة حكم العقل بقبح مخالفته واستحقاق العقوبة عليه لعدم الفرق بينهما في ما هو المناط من الجرئة على المولى وعدم حفظ مقامه بالتعدي عليه والظلم بالنسبة إليه ولا يمكن توجيه الخطاب المولوي بعد استقلال العقل بقبحه كحسن الانقياد إليه لوقوعه في سلسلة معلولات الأحكام ولا مجال للخطاب المولوي . بل لو صرّح المولى بذلك فيكون ارشادا محضا حيث ان الخطاب الّذي يوجهه في حرمة عصيانه أو لزوم اطاعته فيقع الكلام فيه نفسه ولو لم يكن هناك ما يوجب امتثاله بنفسه بلا توقف لخطاب آخر فلا يمكن ايجاب الاطاعة وحرمة المعصية أصلاً . فنفس عنوان المخالفة والجرئة عليه عنوان استقلالي عقلاً بلا توقف لحكم الشرع بل لا قابليّة له كما عرفت .

وعلى هذا فلا مجال لقاعدة الملازمة لكونها في سلسلة علل الأحكام وكشف الملاك للحكم الشرعي ودواعي الجعل وذلك مستلزم للاحاطة بالجهات والمصالح والمفاسد وهذا غير واقع في العقول الناقصة لآحاد الرعيّة .

نعم في العقل الكامل لا مانع منه بل مدركاته عين حكم المولى ولا يدرك

ص: 87

الا ما هناك ولهذا لم تتم عندنا قاعدة الملازمة حتى الظاهريّة على ما عرفت ولم نقل بحرمة العمل المتجري به المبنيّة على مسئلة كلاميّة واصوليّة على ما تقدم . كماانه لم تتم ساير الجهات المستدل عليها لساير الوجوه التي بحث عنها في المسئلة .

نعم مع قطع النظر عن ما ذهبنا إليه لا مجال للتوقف في دلالة الأخبار على الحرمة الفقهيّة على ما عرفت . لكن لا تصل النوبة إلى الجهة الفقهيّة بعد استقلال العقل بقبح التجري سواء كان هناك مصادفة للواقع أم لم يكن كما ان الاجماع على وجوب دفع الضرر المحتمل الاخروي أو استحقاق العقاب لتأخير الصلاة اذا ظنّ ضيق الوقت وتبيّن الخلاف لا مجال له بعد كون المسئلة كلاميّة اذ لا مجال له في المسئلة الكلاميّة العقليّة .

ثمّ ان لصاحب الفصول قدس سره كلاما في المقام حيث ذهب إلى كون حسن الاشياء وقبحها بالوجوه والاعتبار . وحينئذٍ فقد يغلب جهة التجري أو الانقياد على مصلحة الواقع أو مفسدته أو بالعكس كما في كلّ عنوان ثانوي موجب لتغير الحكم المجعول على شيء بالعنوان الاولى . ويمكن توجه نظره مثلاً إلى ذات العمل المتجري به لا إلى نفس التجري وحينئذٍ فلا بأس باجتماع الجهتين فية .

كما اذا قطع بأن ذاك الانسان واجب القتل لكونه كافرا مهدور الدم مثلاً وخالف قطعه وتبين كونه وليّا أو وصيّا . وحينئذٍ فلا اشكال في رجحان وغلبة حفظ الوصي والنبي على قبح عنوان التجري القائم بالمتجري به لا نفس التجري وهكذا في باقي الموارد وعليه فلا مجال لبعض ما أورد عليه من الاشكالات .

نعم لو كان نظره إلى نفس عنوان التجري والمقايسة بين قبحه وعنوان العمل المتجري به وكذلك في الانقياد فيرد عليه الاشكالات التي أوردوها عليه . حيث

كلام صاحب الفصول

ص: 88

انهم بعد تسليمهم منه قدس سره كون حسن الأشياء وقبحها بالوجوه والاعتبار أو ردوا عليه منع ذلك في ناحية التجري والانقياد لعدم كون حسنه وقبحه كذلك بل المعصية قبيحة دائما وكذلك الاطاعة حسنة دائما . ولا يمكن طرو عنوان علىاحدهما يخرجه عن قبحه وحسنه مع فرض كون الاطاعة اطاعة والمعصية معصية لاستقلال العقل بقبح المعصية بعد فرض كون المولى مولى والعبد عبده حتى ان بعضهم ذهب إلى كون حسنه وقبحه ذاتيّا . وذلك وان لم يمكن المساعدة عليه أو على تأمل فيه لكن المسلم عدم قابليّة المعصية وكذلك الطاعة مع فرض انحفاظ عنوانيهما لكون الاولى حسنة والثانية قبيحة .

كما انه قدس سره يرد عليه ان التزاحم بين جهات الصلاح والفساد ودواعي الجعل انما يتم في ما يقع في سلسلة علل الأحكام والمصالح والمفاسد الداعية لجعل الأحكام على طبقها وحينئذٍ فاذا كان في شيء جهات متخالفة يكون هناك باب التزاحم في دواعي الجعل ويرجع اليه باب التعارض . فانه اما أن يغلب احدى الجهات فالحكم عليه بالكسر والانكسار والا فينشأ حكماً ثالثا لا في مثل عنوان التجري والاطاعة والمعصية والانقياد الواقعة في سلسلة معلول الحكم اذ لا معنى لتصور المزاحمة في مقتضى الجعل للحكم في هذا المقام .

ولكن سيّدنا الاستاذ قدس سره كانه يريد تصحيح المزاحمة في هذا المقام ولم يبين انه من حيث نفس العمل المتجري به أم لا الا ان المظنون هو ذلك وقد أوردنا عليه ان ذلك انما يكون في ما اذا كانت الجهات عرفيّة بخلاف المقام الذي يكون جهة ذات العمل بما هو في الرتبة السابقة على الارادة والحكم فيجعل على طبقه بعد ملاحظة الجهات الدخيلة في ذلك . وجهة التجري وقبحه انما تكون في الرتبة

ص: 89

المتأخّرة عن الحكم بحيث يتخلل الفاء كما ان الترتب انما يصح على هذا المبنى فلا مجال حينئذٍ للمزاحمة بينهما وقد اختاره أخيرا على فرق بين ما استند إليه وما يكون مبنى هذا الكلام الذي نقلناه ما قد عرفته آنفا لقوله بوقوع عنوان التجري والهتك في مسئلة معلولات الأحكام فتدبّر .وقد ذهب صاحب الفصول قدس سره أيضا في مقدمة الواجب إلى ترتب العقاب على اتيان مقدمة من مقدمات الحرام أو ترك مقدمة من مقدمات الواجب الاعدادية وفي فرض المعصية الحقيقيّة يتداخل العقابان . وقد استشكل عليه بان مناط وحدة العقاب وتعدده هو وحدة العصيان وتعدده فلا معنى لوحدة العقاب أو تداخلهما في فرض التعدد . ويمكن كون نظره إلى صورة ايصال هذه المقدمة إلى ذيها والتداخل هناك لقوله بالمقدمة الموصلة كما انه اذا لم يصل إلى ذي المقدمة فالعقاب إنما هو على نفس التجري باتيان هذه المقدمة وتركها .

ثمّ لا يخفى ان عدم مخالفة الواقع تارة يكون في مورد التجري لعدم مصادفة قطعه للواقع مع اتيانه بجميع ماله الدخل في حصول العمل . غاية الأمر يظهر كون معلوم ( الغصبيّة ) مال نفسه لا مال الغير واخرى من ناحية المانع الخارجي بلا تخلفه في صورة عدم المانع كما في القاتل والمقتول الذين كان قصد كليهما قتل صاحبه وكان القتل والمقتول بعنوانهما الواقعي بلا تخلف في البين وانما التخلف في حصول النتيجة في احدهما دون الآخر . كما انه ربما يكون عدم مخالفته للداعي الالهي والصارف ولا اشكال في خروج غير القسم الأوّل عن عنوان التجري كما انه لا اشكال في استحقاق الثاني أي الذي تخلف نتيجته عن

ص: 90

عمله للعقاب وعليه ينظر روايات القاتل(1) والمقتول كما ان روايات نية(2) السوء والعفو عنها قابلة لمورد التجري ومورد عدم الاتيان بمقدمات العمل القريبة ولاتعارض في روايات النية لوجود الشاهد على الجمع بينها من نفسها .إنّما الكلام في انه هل يمكن استفادة الحرمة من ما ورد فيها من العفو على حرمة القصد إلى المعصية وابراز النية بعد خروج ما ورد في الثواب واستحقاق العقاب على صورة الرضا بفعل الغير من مورد البحث . وذلك بأن يقال ان العفو لا يكون الا عن استحقاق العقاب وهو لا يكون الا مع حرمة العمل المستحق عليه وذلك لا يكون الا مع وجود المفسدة الملزمة . وعلى هذا تكون المسئلة فقهيّة كما انه يمكن تصحيح الملازمة أيضا من كشف الملاك والمفسدة في العمل وعلى هذا الذي ذكرنا يظهر وجه عدم تماميّة الجمع بين الأخبار بحمل الناطقة بالاستحقاق على مجرد النية وغيرها على ما اذا أتى بالعمل لما عرفت من الفرق بين مورد أخبار الاستحقاق ومورد التجري المبحوث عنه . واما الاجماع المدعى على حرمة المخالفة لمورد ظن ضيق الوقت لمن لم يصل وتبيّن الخلاف وسعته وما اذا سلك الطريق المظنون الضرر وانه كمقطوعه فأجاب عنه المحقق النائيني قدس سره (3) بكون الخوف له موضوعيّة في باب ضيق الوقت وانه اذا خاف فوت الصلاة فيجب عليه المبادرة والاتيان بالعمل وجوبا نفسيّا عن ملاك في نفسه لا طريقيّا . كما انه في باب الضرر لا مجال لحكم الشرع في ما اذا كان الضرر اخرويا وعلى فرض ورود الخطاب الشرعي أيضا لا يكون مولويّا لرجوعه الى باب الاطاعة

امكان استفادة الحرمة من روايات العفو

ص: 91


1- . الوسائل 15 الباب 67/1 من أبواب جهاد العدو .
2- . الوسائل 1 الباب 6/6 - 7 - 8 - 10 - 20 - 21 من أبواب مقدّمة العبادات .
3- . فوائد الاُصول 3/51 .

والعصيان . وأمّا اذا كان دنيويّا فيكون من ما يكون حكم العقل في مورد محتمله ومقطوعه بمناط واحد كما في التشريع حيث ان نفس اسناد المكلف إلى المولى ما لا يعلم تمام الموضوع للقبح سواء كان في الواقع ما شرع موجودا وتشريعه موافق لحكم الشرع وانه لم يكن هناك ادخال في الدين ما ليس فيه أو لا .وهكذا في مثل باب التصرف في مال الغير حيث يقال بكون معلوم انه مال الغير ومشكوكه قبيحا عند العقل التصرف فيه بمناط واحد لا بمناطين ولا حكم طريقي للعقل في مورد الشكّ بل حكمه في صورة الشك كالعلم فحينئذٍ فالاجماع لا مساس له بمسئلة التجري التي هي مورد البحث هذا .

ولكن استشكل هذا سيّدنا الاستاذ قدس سره بأنه لا موضوعيّة للخوف في ضيق الوقت وانما الوارد في باب الوضوء وانه(1) اذا خاف على عينه كما ان في باب الصوم قد أخذ عنوان الضرر(2) الظاهر في الواقعي منه فلا مورد لنا يحقّق كلام المحقّق النائيني قدس سره .

فاما أن لا يقبل الاجماع لعدم حصول محصله وعدم اجداء منقوله أو انه لا يتمّ مدركه لاحتمال كون نظر المجمعين إلى ما ذكره المحقّق النائيني وعلى هذا فلا اجماع محصل ولا اجماع منقول بل لو فرض فانما هو مدركي والعبرة بالمدرك .

فتلخّص مما ذكرنا عدم تماميّة المسئلة الا على الجهة الكلاميّة وهي كون الموضوع هو نفس عنوان الهتك والجرئة على المولى والخروج عن رسوم عبوديّته بلا استتباع ذلك للخطاب الشرعي بقاعدة الملازمة أو كون ذلك حراما

ص: 92


1- . لم نعثر على رواية فيه والوارد لخوف الرمد والضرر في الصوم .
2- . وسائل الشيعة 10 الباب 19 - 20 / 1 - 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم .

في نفسه ولا من جهة قاعدة الملازمة ولا من الجهة الاصوليّة على ما تقدم . والعلم انما يوجب تحقق عنوان التجري والهتك وإلاّ فالعلم لا يوجب شيئا بل من جهة ما ذكرنا ولذا لا موجب لعقاب ولا استحقاق مخالفة الواقع بل الشارع رخّص فيمخالفته في موارد .تذكار: سبق ذكر قول صاحب الفصول ان قبح التجري بالوجوه والاعتبار وربما يغلب مفسدته على مصلحة الواقع فيكون قبيحا وربما يعكس الأمر ويغلب مصلحة الواقع على مفسدة التجري وثالثة لا يغلب احداهما على الاخرى فلا حرمة ولا وجوب . وعلى هذا فالعبرة بالحسن والقبح انما هو بعد ملاحظة الجهات المتزاحمة الناشئة من ناحية التجري وملاك الحكم الواقعي من المصلحة والمفسدة وملاحظة رجحان أيّهما على الاخرى بعد الكسر والانكسار . وذلك كما في الكذب فباعتبار طرو عنوان انجاء النبي أو الوصي أو المؤمن يكون حسنا كما انه باعتبار الاضرار بالغير وايجاب الصدق لقتل النفس يكون قبيحا . وكلامه هذا يحتمل وجهين احدهما كون التجري في حدّ نفسه مقتضيا للقبح لكنه ربما تغلبه مصلحة الواقع أو لا تغلبه ولكن يتساويان كما في الكذب والصدق . وثانيهما انه لا قبح له في حدّ نفسه وليس له مقتضى ذلك بل الحسن والقبح كلاهما من جهة العناوين الثانويّة الطارية وذهب قدس سره إلى تأثير الجهة الواقعيّة للعمل المتجري به في الحسن والقبح وان لم يعلم به المكلف على حدّ آثار الأشياء وخواصها المترتبة عليها . فان السمّ القاتل لو شربه واحد قتله ولو لم يعلم به كما ان الدواء المضر يضره ولو علم بانه نافع وكما في المصالح والمفاسد التي تترتب عليها الأحكام وتكون ملاكات لها وليس ذلك دائرا مدار العلم والالتفات كما انه قدس سره ذهب إلى

قبح التجري بالوجوه والاعتبار

ص: 93

تداخل العقاب في التجري اذا صادف المعصية الحقيقيّة .

وأجاب الشيخ قدس سره (1) من ما ذهب إليه أوّلاً بكون قبح التجري وحسن الانقياد كقبح المعصية وحسن الاطاعة ذاتيّا ليس بالوجوه والاعتبار .وعن الثاني والثالث بما سنذكره بتنقيح من المحقّق النائيني قدس سره (2) وأمّا في كون قبح التجري ذاتيّا وممّا لا يقبل مع انحفاظ عنوانه حسنا فممّا لا اشكال فيه لكون الطاعة حسنة دائما والمعصية قبيحة ولا يمكن حسن المعصية ولا قبح الاطاعة مع كون الطاعة طاعة والمعصية معصية .

نعم بتبدل العنوان لا مانع من تبدل الحكم كما في انقلاب الخمر خلاًّ .

وأجاب عن الثاني بأن تأثير التجري والانقياد ليس على حدّ تأثير الملاكات والمصالح والمفاسد النفس الأمريّة ممّا تترتب على الأفعال أو تستدعي جعل الأحكام على طبقها ولو مع جهل المكلف . بل انما هي دائرة مدار العلم والالتفات ولا معنى لحسن العمل في ما إذا لم يقتل من اعتقد انه مهدور الدم فتبين كونه واجب الحفظ لعدم التفاته إلى عنوان الحفظ ولا انه قصده . بل انما قصدترك قتل مهدور الدم باعتقاده وانما ترتب الانحفاظ على ذلك بلا ارادة منه ولا التفات والحسن والقبح انما يكونان من صفات الأفعال الاختياريّة التي يتعلّق بها العلم ويلتفت إليه الانسان .

ولكن تنظّر في ذلك سيّدنا الأستاذ قدس سره بعد تسليم القبح والحسن الفاعلي في عدم الحسن والقبح الفعلي وذلك لحسن الفعل وترتب الانحفاظ وكونه انجاء النبي

نظر سيّدنا الأستاذ

ص: 94


1- . فرائد الاُصول 1/11 .
2- . فرائد الاُصول 3/54 - 55 .

والوصي ولو مع عدم الالتفات اذ عدم التفاته انما يؤثر في القبح الفاعلي وهو باق على ما كان لا في حسن ذات العمل .

وعلى كلّ حال فالمقام محل التأمّل والنظر . ويمكن كون نظر المحقّق

النائيني إلى كون الفاعل لم يقصد ولم يرد الا العنوان المتجري به الذي تخلف عنهالعمل واما حفظ النبي والوصي والمؤمن الواجب حفظه فليس عمله ولا خطر بباله .

وأجاب عن الجهة الثالثة(1) بكون قوام التجري عدم مصادفة قطعه للواقع والمعصية الحقيقيّة يعتبر فيها المصادفة فكيف يمكن تصادف التجري مع المعصية الحقيقيّة لكونه تهافتا وتناقضا اذ لازمه اجتماع المصادفة وعدمها للواقع .

ولكن لا نظر لصاحب الفصول إلى هذا المعنى من التجري كما لا يخفى .

اشكال: اعلم ان ما ذهب إليه صاحب الفصول قدس سره من كون حسن الأشياء وقبحها بالوجوه والاعتبار . ان أراد كون حسن الانقياد والاطاعة وقبح التجري والمعصية أيضا كذلك .

ففيه الاشكال المتقدم من كون حسن الانقياد . وقبح التجري ذاتيّا كما في حسن الطاعة وقبح المعصية ولا يمكن مع انحفاظ عنوان الاطاعة والمعصية طرو القبح على الاولى والحسن على الثانية وكذلك التجري والانقياد .

ولو فرض ان في الاطاعة قتل النفس أو هدم الدين أو في المعصية تقويته بل لا يمكن بقاء المعصية حينئذٍ على كونها عصيانا ولا الطاعة على كونها اطاعة حيث انه لابدّ من ملاحظة جميع الجهات الطارية والعناوين المتزاحمة في جعل

ص: 95


1- . فوائد الاُصول 3/55 .

الحكم على ما هو الأقوى والا فيتساويان . وان أراد ذلك بالنسبة إلى العمل والفعل المتجري به وانه بلحاظ انطباق عنوان التجري يكون قبيحا وبلحاظ عنوان آخر حسن يكون حسنا فلا محذور فيه . بل هو كذلك اذ لا ينكر قبح التجري ولا حسن الانقياد والاطاعة . بل إنما تتزاحم العناوين بجهاتها في مورد انطباقها الخارجيكما ان ما ذهب إليه في الجهة الثانية من تأثير العناوين وان لم يعلم بها المكلف أيضا في محلّه بعد خروج الفعل المتجري به عن حسنه الذاتي اذا تجرى به ولم يقتل من زعم انه واجب القتل فتبين كونه نبيّا أو وصيّا أو مؤمنا اذ الفعل حسن وان كان التجري قبيحا .

نعم القبح الفاعلي وبعبارة اخرى التجري لا بأس به ولكنه بعد عدم تأثيره في العمل وعدم ايجابه لكون الفعل المتجري به قبيحا اذ لا سراية فحسن الفعل أو قبحه على حاله اذ هو من هذه الجهة كملاكات الأحكام التي لا دخل للعلم وجهل المكلف بها(1) ولا يوجب تعلق العلم بها تغييرها عما هي عليها كما لا يوجب الجهل بها عدم تأثيرها ولا مانع من تأثير التجري بقبحه على مصلحة ذات العمل في كونه حسنا أو قبيحا ويجعل الحكم بالحرمة او الوجوب أو غيرهما على طبق الجهة الغالبة بالكسر والانكسار ولو كان التجري غير مستتبع لخطاب شرعي مولوي ولا أقل من كونه مانعا من الجعل اذ يكفى هذا القدر في تأثيره .

وأمّا ما ذهب إليه قدس سره أخيرا من تداخل عقاب المعصية الحقيقيّة مع عقاب التجري فقد استشكل عليه المحقق النائيني قدس سره (2) بكونه تهافتا للتناقض البين بين

اشكال تداخل العقابين

ص: 96


1- . فان العقل يحكم بالحسن والقبح على العناوين الواقعية وان لم يتشخص عنده مورد من الموارد في صغرويته لأيّ كبرى .
2- . فوائد الاُصول 3/56 .

التجري المأخوذ فيه عدم مصادفة القطع للواقع والمعصية المأخوذ فيها مصادفته فكيف يمكن اجتماعهما كي نقول بتداخل العقابين . ولذا قد وجه كلامه قدس سره على خلاف نصه بما إذا يمكن اجتماع التجري والمعصية الواقعيّة بضميمة مقدمةخارجيّة يأتي الكلام عليها في مسئلة العلم الاجمالي وكونه كالتفصيلي من كفايةالعلم بالجامع والجنس في تنجيز أطرافه . فاذا علم بجنس الالزام فاللازم عليه الاحتياط باتيان كلا طرفيه تركا وفعلاً فضلاً عمّا اذا كان العلم بالنوع والتردد انما

هو في متعلّق التكليف كما اذا علم بحرمة المايع الكذائي بخيال انه خمر فشربه ولم يكن خمرا لكنه كان مغصوبا مال الغير فهو وإن لم يعلم بخصوص الحرمة المجعولة على التصرف في مال الغير كما انه أخطأ علمه بكونه خمرا وحرمته لكن له العلم بجنس الحرمة على الخمر المغصوب في ضمن العلم بالخمريّة وحرمتها ويكفي هذا العلم في حرمته ولو لم يكن خمرا بل مغصوبا .

غاية الأمر يعاقب على خصوص القدر المشترك بين الغصبيّة والخمريّة باعتبار كونه لازم العلم بالجامع والجنس لا على خصوص الغصبيّة اذا فرض كون معصيته أشدّ وعقابه أزيد . ففي هذا المقام قد تحقّق التجري والمعصية الحقيقيّة كلاهما اما الثاني فباعتبار عصيانه للتصرف في مال الغير وأمّا الأوّل فباعتبار خطأ قطعه وعدم مصادفته للواقع وعدم كونه خمرا فتأمّل .

فانّه ربما لا يلائم مراد صاحب الفصول قدس سره بل لا يستقيم الكلام بنفسه .

عود على بدء: اعلم ان ما ذهب إليه صاحب الفصول قدس سره من كون حسن الأشياء وقبحها بالوجوه والاعتبار متين على ما هو ظاهر كلامه وليس نظره إلى ان قبح التجري وحسن الانقياد بالوجوه والاعتبار كي يكون العصيان والتجري

ص: 97

حسنا أو الانقياد والاطاعة قبيحا . بل محط كلامه إنّما هو الفعل الخارجي وهو يكون باعتبار حصول التجري وقيامه به قبيحا كما انه باعتبار ترتب أنجاء النبي والوصي أو المؤمن حسنا . فلا مجال للاشكال عليه من هذه الجهة كما انه لا وجه للاشكال عليه في الجهة الثانية من كونها مؤثرة بوجودها الواقعي وان لم يعلم بها المكلف لعدم تأثير علمه وجهله في ذلك ولا يغيّر الحسن ولا القبح عمّا هو عليه .نعم لو قلنا باتّحاد المناط في المعصية الحقيقيّة والتجري وان القبح في كليهما واحد ولم نقبل مبناه فلا يترتب عليه ما ذكره ولا ما ذكره في الجهة الثالثة على سبيل الايراد على نفسه وانه يلزم تعدد العقاب في صورة المصادفة للمعصية فانه يتحقق هناك شيئان التجري والمعصية . فاما أن يكون كلاهما موجبين للعقاب والعقاب متعدد وهذا لا يقول به أحد . أو انه يعاقب عقاب التجري فالمعصية الحقيقيّة منعزلة ولا عقاب عليها أو عليها دون التجري ولازمه الالتزام بعدم قبح التجري فالتزم حينئذٍ بتداخل العقابين . ولا يرد عليه ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره (1) من عدم اجتماع التجري والمعصية لكونهما على طرفي النقيض اذ المصادفة وعدمها ممّا لا يمكن اجتماعهما لصحّة كلامه على مبناه قدس سره . غاية الأمر يمكن كون نظره إلى تضمن عقاب المعصية عقاب التجري أيضا كما في مثل اكرام الهاشمي العالم فانه بحسب الخارج لا يكون إلاّ اكراما واحدا ولا عقاب عليه إلاّ متّحدا كما انه لا مجال لتوجيه المحقّق النائيني قدس سره كلامه اذ هو لا ربط له بما ذكره من تداخل العقابين مع انه لم يعلم ان كلامه هذا في أيّ مقام وفي أي باب .

وعلى كلّ حال فان أمكن توجيه كلامه أو كون نظره إلى ما ذكرناه فهو والا

ص: 98


1- . فوائد الاُصول 3/55 .

فلا معنى لتداخل العقابين مع فرض تعدّد الموجب له كما انه لا يمكن التأكّد اذ هو عبارة عن التداخل أو زيادة في العقاب وهو عبارة اخرى عن التعدد فتدبّر جيّدا .

فيما نسب إلى الاخباريّين:

ثمّ انه قد عرفت ان القطع الطريقي حجة على متعلّقه من أيّ سبب حصل .

نعم في الموضوعي يمكن اعتباره من سبب خاص أو شخص خاص بنحوخاص والا ففي الطريقي لا مجال لذلك . وربما ينسب إلى الاخباريين عدم حجيّة القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة وانه لا فائدة في ما يأتي به اذا لم يكن بدلالة

من ولى اللّه . لكن قبل كلّ شيء لابدّ من النظر إلى صحّة النسبة وعدمها . حيث ان كلام السيّد الصدر انما يرجع إلى انكار الملازمة بين ما حكم به العقل وما حكم به الشرع باعتبار عدم احاطة العقل بجهات المصالح والمفاسد وملاكات الأحكام كما ذكره صاحب الفصول قدس سره وألجأه ذلك إلى الالتزام بالملازمة الظاهريّة .

وأشرنا إلى عدم صحّة الملازمة الظاهريّة . كما انه لو كان نظره إلى قاعدة المقتضي والمانع أيضا فلا يتمّ كلامه . وعلى كلّ حال فما نسب إلى الأخباريّين من عدم حجيّة القطع الحاصل من مثل الرمل والجفر وأمثالهما لا يناسبه كلام السيّد الصدر ولا ينطبق عليه كلام المولى محمّد أمين الاسترآبادي لرجوع كلامه إلى انكار صغرى قاعدة الملازمة وتماميّة دليل العقل وعدم احاطته بملاكات الأحكام كما يرشد إليه ما في رواية أبان(1) في مقام انكار كون الاستحسانات العقليّة مناطات لأحكام الشرع . وكلام بعض راجع إلى عزل العقل عن درك حسن الأشياء وقبحها ولكن تفطن لاشكال هذا المبنى غيرهم وانه لا تتمّ حجج

في ما نسب إلى الاخباريين

ص: 99


1- . وسائل الشيعة 29 الباب 44/1 من أبواب ديات الأعضاء .

الأنبياء

علیهم السلام ويلزم افحامهم اذا أنكرنا ذلك وكلام بعضهم راجع إلى المناقشة في ترجيح دليل العقل عند المعارضة مع النقل فانه قد ذهب بعضهم إلى تقدم دليل العقل واخرون إلى العكس وانه بتقديم النقل يلزم طرح العقل والنقل معا لتوقف قبول دليل النقل على العقل واذا تقدم عليه فلا مجال للترجيح والقبول .

قد تقدّم انكار سيّدنا الاستاذ قدس سره عدم حجيّة القطع الطريقي فيما إذا كانحاصلاً من المقدّمات العقليّة عند الاخباريّين وان النسبة غير متحقّقة لانكار بعضهم لقاعدة الملازمة وبعضهم انكار القياس وورد في ذلك الروايات وانه لا شيء أبعد من دين اللّه من القياس .

نعم يمكن في القطع الموضوعي اعتباره من سبب خاص كما اشتهر عن الشيخ الكبير من عدم حجيّة قطع القطاع . ولكن لا يمكن تصويره في القطع الطريقي لكون القاطع ولو قطاعا يرى الواقع بعقيدته ولا يحتمل الخلاف والا لا يكون قطعه قطعا ومع ذلك فلا يمكن القول بعدم حجيّته الا انه حيث يحصل له القطع بأسباب غير موجبة لحصوله في غيره كذلك لابدّ ان يزال بادنى شيء .

نعم يمكن القول بعدم كونه ميزانا في ما اذا أخذ موضوعا كالظن والشك المأخوذين موضوعين لأدلّة الشكوك وأحكامها في البناء على الأكثر أو الطرف المظنون فانه يمكن دعوى ان الظن والشك المأخوذين لها ما كان على المتعارف لانصرافه إلى ذلك فلا يشمل الخارج من المورد المتعارف وكذلك الرؤية المأخوذة موضوعا للصوم والافطار فان الميزان هو الروية لمتعارف الرؤية لاحاد البصر ولا الرؤية الضعيفة . فاذا فرض عدم رؤية الهلال بعد غروب الشمس الا الخارج عن المتعارف في البصر فلا يجب على الناس الصوم برؤيته ولا الافطار .

ص: 100

وأمّا بالنسبة إليه نفسه فالحكم على رؤيته ( ويمكن دعوى الانصراف حتى بالنسبة إلى نفسه فان كان مراد الشيخ الكبير هذا فلا اشكال في متانته وصحّة كلامه مع ان في باب الشك يمكن القول بمقتضى الأدلّة على القاعدة لعدم كونه ميزانا ولو مع عدم الدليل وانه لو لم يكن لنا ما دلّ شرعا على عدم الاعتناء بكثرةالشكّ بقوله(1) اذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك أو من كثر(2) عليه السهوفليمض في صلاته لكن نقول ( بمقتضاه ) على القاعدة لانصراف أدلّة الشكوك وترتيب أحكامها لغير هذه الصورة التي صار فيه كالمرض .

هذا تمام الكلام في هذه الجهات .

رجع على ما سبق . قد نسب إلى جماعة من أصحابنا عدم حجيّة القطع الحاصل من غير السمع والعقل الضروري . وأنكر بعضهم هذه النسبة كما ان هناك من ينكر حسن الأشياء وقبحها بل لا حسن ولا قبيح عنده أصلاً فالحسن ما حسنه الشارع والقبيح ما قبحه وهناك من لا ينكر الحسن والقبح الذاتي للأشياء في الجملة غاية الأمر ينكر ادراك العقل لحسنها وقبحها . والاولون المنكرون لحسن الأشياء وقبحها ذاتا ذهبوا إلى جواز الترجيح بلا مرجح وانه اذا لم يكن هناك مفاسد ومصالح نفس الأمريّة تكون عللاً وملاكات لأحكام الشارع فيجوزون الترجيح بلا مرجح وان حرمة ذاك الشيء كاباحة الشيء ليست مستندة إلى شيء في نفس المتعلق . الا انه أعرض المحقّقون من الأشاعرة عن المسلك الذي سلكه باقي الأشاعرة وانه لا حسن ولا قبيح ذاتا وانه لا يدرك العقل شيئا .

ص: 101


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 - 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 - 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .

وذهب بعض أصحابنا الاماميّة بعد تسليم حسن الأشياء وقبحها وانه يدرك العقل لذاك في الجملة وبطلان الترجيح بلا مرجّح كترجحه إلى جواز كون جعل الحكم في عموم أفراد الطبيعة لقيام الملاك بالطبيعة في الجملة وإن لم يكن ذلك الملاك في بعض أفرادها ومصاديقها . بل اكتفى بالمصلحة والمفسدة النوعيّة ومثل لذلك بكون استحباب غسل الجمعة وتشريعه ) لرفع أرياح الآباط ومع ذلك لايدور مداره بل يستحب حتى في حق من ليس له هذا الملاك وبباب العدة ولزومها على من لا نسب له كي يحصل الاختلاط بعدم العدة . والقائلون بجواز الترجيح بلا مرجح مثلوا بأمثلة سماويّة وأرضية كاستواء المشرق والمغرب في كونهما مطلعا للشمس في حصول فائدة الاشراق ومع ذلك لا يكون مطلعها الا مشرقها دون المغرب وكما في الهارب من الأسد حيث انه اذا استوى بالنسبة إليه طريقان في جميع الجهات وليس أحدهما أبعد ولا أحدهما أقرب من الآخر للنجاة ولا محالة يختار احدهما وينجو بنفسه بلا مرجح لهذا على ذاك وكذا في الجائع بالنسبة إلى رغيفين عنده بحيث لا يكون أحدهما أقرب إليه ولا من يده اليمنى بل النسبة في القرب والبعد له إليهما سواء كساير الجهات ويختار أحدهما ويسد به جوعه وهكذا ولا يخفى ضعف جميع هذه الأقوال بل بعضها أضعف من بعض كما سنشير إليه .

وأمّا انكار حسن الأشياء وقبحها بالكلية فهذا أمر لا ينكره عاقل . ويمكن النقض على قائله باختيار أكل العسل الذي وضع هو والقاذورة عنده كما ان انكار ادراك العقل لحسن الأشياء وقبحها ولو على سبيل الموجبة الجزئيّة لازمه افحام الأنبياء وسدّ باب المعجزات لعدم قبح حينئذٍ في اظهار اللّه تعالى المعجزة على يد

عدم إمكان إنكار حسن الأشياء وقبحها كلاًّ

ص: 102

مدعى النبوة كاذبا . اذ لو لم يكن فرق عند العقل بين اظهارها على يد الصادق ويد الكاذب بل ( لا ) يرى قبحا في الثاني كما في الأوّل فحينئذٍ لا مجال للمعجزة ولا شرايع وهكذا يتطرق الخلل في اصول الشرايع وأحكامها وربما آل الأمر إلى الشك حتى في وجود نفسه وانه يتكلّم فيشكّ في وجوده ويراه خيالاً أو طيفا وكذلك بالنسبة إلى أفعاله من التكلم كما اذا ضرب رأسه بمولم يدعى كون الألم خياله ولا واقعيّة له وهذا كما ترى ليس الاّ مكابرة للوجدان وعنادا للشرع ونصّالكتاب وأخبار أولى الأمر عليهم السلام وليس لها جواب إلاّ القائه في جهنّم وادعائه انه انما هو خيال العذاب . كما ان من انعزال العقل عن درك حسن الأشياء وقبحها يلزم عدم حكمه بالاطاعة ولا تقبيح المعصية . وبالجملة فانكار أصل الحسن والقبح في الأشياء وعدم قبح في اظهار المعجزة على يد الكاذب ولا حسن في اظهارها على يد الصادق وكذا عزل العقل عن درك حسن الأشياء وقبحها بعد الالتزام بالحسن والقبح لها في الجملة ممّا يوجب هدم أساس الشرايع ( من سلك هذا المسلك وادعى أمثال هذه الدعاوي أنزل مرتبة من الحيوان المدرك لبعض الأشياء ) ونظره إلى الخروج عن عهدة التكاليف الشرعيّة وان كان بين الدعوى الاولى والثانية فرقا في أفسديّة الاولى من الثانية . لكن كلتاهما ضعيفتان فاسدتان ويتلوهما انكاره قبح الترجيح بلا مرجح . بل ينشعب من عدم حسن للأشياء وقبح في حدّ ذاتها . اذ لا اشكال في بطلان ذلك سواء كان ترجيحا أو ترجّحا بلا مرجح بل لا ينكر هذا حتى الحيوانات . اذ هي بحسب شعورها ترى فرقا بين الأشياء وترجح بعضها على بعض .

أمّا الأمثلة التي ذكروها فقد يناقض بما اذا وضع مثل منارة كبيرة على

ص: 103

رأس ابرة بحيث لا يرجح أحد أطرافها على الآخر بل ينطبق وسطها على رأس الابرة فحينئذٍ لابدّ من عدم وقوعها لا إلى اليمين ولا إلى الشمال للترجح بلا مرجح بل تستقر على الابرة .

وهذا كماترى . وأمّا الجواب جلاّ عن هذه المغالطات بخروجها عن محل الفرض اذ هي ليست إلاّ فروضا والا فلا يمكن لمدعيها دعوى ابتلائه بها بنفسه وحينئذٍ فيجاب بأنّه اذا كان ملتفتا إلى الطريقين وبقيت ارادته واختياره فلابدّ من ترجيح أحد الطرفين والا فالتوقف لكنه تغلب شدة الخوف عليه بحيث يسلباستقامته واختياره ويفر قهرا على أحد الطريقين بلا نظر إلى الجانب الاخر والترجيح بينه وبين المختار له . وهكذا في ناحية الجائع . ويتلو هذه كلّها في الضعف انكار قيام الملاك في الأحكام الانحلاليّة وكفاية المصلحة النوعيّة في الحكم الانحلالي على كليّة أفراد الطبيعة لكونه في الحقيقة التزاما بالترجيح بلا مرجح .

وأمّا تعليله بما ذكر من مثال أرياح الآباط واختلاط الأنساب .

ففيه انها ليست فوائد منحصرة وملاكات محصورة بل الملاكات غير منحصرة في هذا وإنّما الذي بين منها انما هو قليل بحسب سعة أفهامنا .

وأمّا انكار الملازمة بين حكم العقل والشرع كلية أو الملازمة الواقعيّة والالتزام بالظاهريّة فقد مرّ الكلام عليه فلا نعيد .

توضيح وتكميل: لا يخفى ان عزل العقل عن درك مطلق الأشياء وان لها حسنا أو قبحا أنما هو من غير التفات إلى ارتكاز القائل وناش من عدم التدبّر . والا فالتناقض وامتناع اجتماع النقيضين ووجوب الاطاعة وقبح المعصية ودفع

اشكال الأمثلة

ص: 104

الضرر وحسن الاحسان انما هي أحكام عقليّة ولا مجال لأخذها من ناحية الشارع كما ان انكار كون حسن بعض الأشياء ذاتيّا وان لبعضها قبحا في حدّ نفسه لا مجال لانكاره .

نعم نظر بعض من أصحابنا الاخباريين إلى انكار الملازمة بين حكم العقل والشرع .

وذهب صاحب الفصول إلى الالتزام بالملازمة الظاهريّة دون الواقعيّة وانه يمكن للعقل درك حسن شيء وقبح آخر على نحو يستلزم الجعل . الا انه يحتمل وجود مانع عن الجعل لم يعثر عليه ولكنه لا يتوقف لأجل هذا الاحتمال ولايخفى ان لا مجال لهذا الكلام اذ اما انه ينظر إلى عدم درك العقل جميع ما له الدخل في الجعل من المقتضي والجهات الموجبة للجعل وغلبة جهة على الجهات المزاحمة والمانعة فلا درك له والا فلا معنى لاحتمال وجود المانع . نعم لو كان المراد بالمانع المانع عن الجعل لا المانع عن المصلحة والمزاحم لها أو المفسدة فحينئذٍ يمكن تصحيح كلامه بناء على الالتزام بقاعدة احراز المقتضي وكفايته ولو مع الشكّ في وجود المانع واحتماله بدعوى قيام بناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال المانع . وباحراز المقتضي يبنون على المقتضي ويرتبون عليه آثاره .

لكنه لا بناء للعقلاء على هذه القاعدة ولم يقم بنائهم على هذا . وانه اذا انغمس رأس زيد في الماء الكثير المقتضي للغرق ولم نعلم بوجود المانع فيبنون على موته وتقسيم أمواله بل انما يبنون على هذا في موارد الاطمئنان وحصول العلم بعدم المانع ولو احتمل وجوده يحتمل احتمالاً موهوما بخلاف الموارد التي يحتمل وجود المانع فيها احتمالاً عقلائيّا فلا بناء لهم على العمل والبناء على

ص: 105

المقتضى وترتيب الأثر عليه والحكم بوجود المقتضى .

فالحق انه اما ان يحيط العقل بالجهات الموجبة للجعل فالملازمة واقعيّة والا فلا ملازمة ولو ظاهريّة لعدم صحّة أساسها رأسا كما ان الحق وجود موارد يطمئن العقل بالعلل الموجبة للجعل ويحصل له العلم واليقين ويدرك جهات الجعل بنحو يعلم بالحكم بلا توقف في البين . فالكلام لو كان فانما يليق بالصغرى لا في الكبرى على فرض درك العقل لجهات المصالح والمفاسد المقتضية للجعل فلو كان كلامهم في ما ذكرنا فهو وان كان فاسدا على ما عرفت لكنه غير مرتبط بمسئلة انكار حجيّة القطع .

نعم للمولى محمّد أمين الاسترآبادي قدس سره كلام يرجع إلى انكار حجيّة العقلوانه لا حجيّة الا في ما يكون مستندا إلى السماع من الصادقين عليهم السلام أو يكون من العقل الضروري . اما القطع الحاصل من المقدمات العقليّة فلا حجيّة له وكلامه هذا لو كان ناظرا إلى أصحاب التقليد لآبائهم وانهم وجدوا آباءهم على فاسد فاتّبعوهم وحصل لهم القطع فلا ريب في عدم حجيّته وعدم معذوريّتهم وان كان عند القطع ينكشف لديهم الواقع لكنهم مخطؤون في سبيل الاستطراق والاستفادة وانما يعاقبون على ذلك لعدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار والعقاب ليس على هلاّ تعلمت فقط بل إنّما هو بالنسبة إلى الواقع وكذلك الحال في القياسات والاستحسانيّات التي ابتنى عليها فقهاء العامّة حتّى انهم نسبوا حسب ما ورد في رواياتهم شرب النبيذ للنبيّ صلی الله علیه و آله ولم يبين المراد به الا في روايات(1) الأئمّة علیهم السلام انه كان ينبذ في ماء المدينة تمر يوجب حسن طعمه وعذوبته بحيث

كلام المولى محمّد أمين الاسترآبادي

ص: 106


1- . الوسائل 1 الباب 2/2 من أبواب الماء المضاف .

يهنأ شربه .

الا ان هذا غير مسئلة عدم حجيّة القطع .

وأمّا الروايات الواردة في المقام فهي على طوائف:

بعضها واردة في مقام الرّدع عن العمل بالقياس والبناء عليه في الأحكام الشرعيّة وانه ليس شيء(1) أبعد من دين اللّه من القياس أو من عقول الرّجال وهذا المضمون فوق الاستفاضة بل يمكن دعوى تواتره الاجمالي .

منها الرواية(2) الواردة في باب دية اصابع المرئة وانه في قطع الواحدةعشرة وفي اثنتين عشرين وفي الثلاث ثلاثين وفي الأربع عشرين وتعجب أبانمن ذلك وقوله لو كنا في العراق أو كنا ونقول ان الذي جاء به شيطان وردعه عليه السلام عن استعمال القياس في الدين لأنّ السنّه اذا قيست محق الدين مع انه علیه السلام لم يوضح علة الجعل وانه لأيّ علة صار الحكم كذا .

وغير ذلك من الروايات الواردة(3) في مثل ردع أبي حنيفة والاعتراض

عليه في استعمال القياس في الدين ومقايسته عليه السلام له البول بالمني وسؤاله ان أيّهما أنجس وجوابه ان البول واعتراضه عليه السلام بعدم وجوب الغسل بخروجه دون المني أو ان أيّهما أهم الصوم أو الصلاة وجوابه بالصلاة ونقضه عليه بلزوم الحائض قضاء الصلاة دون الصوم إلى أمثال هذه ممّا يظهر منها عدم ادراك عقولنا لفلسفة الأحكام وعللها .

نعم قد ورد في كثير من الأخبار بيان علل بعض الأحكام ولكنه ليس ذلك

ص: 107


1- . الوسائل 27 الباب 6/37 - 69 -َّ 73 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 29 الباب 44/1 من أبواب ديات الأعضاء .
3- . الوسائل 27 الباب 6/24 - 25 - 26 الى 28 من أبواب صفات القاضي .

على نحو الانحصار بل لا بعد في كون كل حكم له علل وموجبات كثيرة لم يسعنا الاطلاع عليها كما في خواص الأشياء والأدوية الخارجيّة ولا ينافي هذا ما ورد في وصف العقل ومدحه وانه أوّل(1) ما خلق اللّه أو انه(2) رسول باطني أو انه به يثاب وبه يعاقب اذ لا يراد به عقول آحاد الناس .

نعم لو كان العقل هو العقل الكامل الذي يستمد من فيض رحمة الرب فلا ننكر دركه لذلك . ولكن مع ذلك فلا يتوجه هذا على ما اذا أدرك العقل حسن شيءأو قبحه بحيث قطع بعلّة الجعل والجعل وعلم بالحكم . اذ لا مجال حينئذٍ لردعه ولا يمكن بالنسبة إليه لكونه اما في مناقضة في الواقع أو في نظره .وعلى كلّ حال فلا نظر لاخبار الردع عن القياس إلى انكار حجيّة القطع .

ومنها ما ورد(3) في ابن شبرمة وابن أبي ليلى وانه شرقا أو غربا فلن تجدا علما أو علما صحيحا الاّ من هذا البيت . اذ واضح عدم منافاته لحجيّة القطع وانه لا يكون العلم الحاصل من غير طريق الأئمّة علیهم السلام علما صحيحا لا انه ليس بحجّة .

ومنها ما ورد(4) في مسئلة معرفة الامام وذيله بأنه لو صام دهره وحجّ كذا وأتى بالصلاة ولم يكن ذلك بدلالة من ولي اللّه فلا ينفعه .

وأجاب المحقّق النائيني قدس سره كون(5) العقل هو أيضا رسولاً باطنيا وانه دلالة أيضا ودلالة من اللّه ولكن لا يصح هذا الجواب بل المراد بدلالة من ولي اللّه

العقل رسول باطني

ص: 108


1- . بحار الأنوار 1 ص97 الباب 2 من كتاب العقل والجهل الحديث 8 و1 - 3 - 4 .
2- . بحار الأنوار 1 ص137 من رواية هشام .
3- . الوسائل 27 الباب 6/16 من أبواب صفات القاضي . وفي الرواية سلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة مع اختلاف لا يضر .
4- . الوسائل 1 الباب 29/2 - 12 - 14 وغيرها من أبواب مقدّمة العبادات .
5- . فوائد الاُصول 3/63 - 64 .

السماع عن الصادق المعصوم عليه السلام ولا يراد بكون العقل حجة باطنيّة ورسولاً باطنيّا انه مشرع الأحكام بل المراد بذلك هو دركه مثل حسن الاطاعة وقبح العصيان وأمثال ذلك لا انه يشرع كما يقال ان الأحكام الشرعية ألطاف في الواجبات العقليّة .

في العلم الاجمالي: وقد وقع الكلام بين الأصحاب في القطع الاجمالي وانه كالعلم التفصيلي أو كالشك البدوي أو يفصّل بين المخالفة القطعيّة فكالعلم التفصيلي والموافقة القطعيّة فكالشكّ البدوي . ولا فرق في ذلك بين الصور الخمسأو الست التي ذكرها الشيخ قدس سره (1) في رسائله لاشتراك الجميع في كون العلم علما بالتكليف وهو الميزان سواء كان متعلّقا بالنوع وتردّد الأمر بين متعلّقه أو ان العلمتعلق بجنس الالزام بلا فرق في جهة البحث فيها . ويمكن الالتزام بالتفصيل بين الموافقة والمخالفة فيقال بحرمة الثانية دون الاولى حيث ان مقتضى الأصول ومجراها ليس مجموع الطرفين أو الأطراف كي يخالف العلم بالتكليف فيها بل المجرى هو كلّ واحد من الأطراف وهو لا علم لنا بخصوصه بالتكليف فيه . فالشكّ تحقّق وجدانا كما انه لا مجال للجعل الشرعي انما الاشكال لو كان في ارتكاب تمام الأطراف ولزوم المخالفة القطعيّة والا فلا اشكال . وسيجيء تحقيق الكلام في هذه الجهات .

واعلم ان الشروط الخمسة أو الأزيد التي ذكروها في منجزيّة العلم حقيقتها راجعة إلى حصول العلم بالتكليف والا فبعد الحصول لا مجال في منجزيّته على أي نحو قلنا والتزمنا به .

الكلام في العلم الاجمالي

ص: 109


1- . فرائد الاُصول 1/27 .

بسم اللّه الرحمن الرحيم قد سبق ان الكلام في العلم الاجمالي يقع في مقامين نقدّم الكلام في المقام الثاني تبعا للشيخ قدس سره وهو في مقام الافراغ والامتثال فنقول هل يكفي الاطاعة الاحتماليّة في مقام افراغ الذمّة ولو في الجملة أو ان الاطاعة الاحتماليّة ليست باطاعة ؟ بل لابدّ من كون الامتثال قطعيّا عن جزم بالأمر وقصد الوجه . ولا فرق حينئذٍ بين القول بلزوم قصده جزما أو احتمال دخله في مقام الامتثال في خصوص العبادات مطلقا لاسيّما في ما اذا استلزم التكرار في أصل العمل ومجموعه أو في جزء منه وحينئذٍ فيبتني عليه بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ولو تمشى منه قصد القربة لعدم تمكنه من قصد الوجه المعتبر دخله اما قطعا أو احتمالاً لأنّه لا يخلو اما أن يقصد الوجه في ما يأتي به امتثالاً أو لا . والأوّل يستدعي التشريع المحرم والثاني لا يقطع معه بالامتثال القطعي الذي يوجبه الاشتغال القطعي .نعم في التوصليّات لا مانع منه لعدم جريان الاشكال فيها(1) .

والجواب انه مع العلم بالتكليف فاما أن يريد امتثاله المولى أم لا لا سبيل إلى الثاني وعلى الأول فاذا لم يمكن الامتثال القطعي مثلاً في اذا لا يعلم بالتكليف

تعيينا فلا يمكن ارادته حتى يقصد الوجه للزوم التكليف بما لا يطاق فلابدّ من الاكتفاء بالامتثال الظني أو الاحتمالي فالقول بلزوم اعتبار قصد الوجه مطلقا لا وجه له .

نعم يبقى احتمال القول باعتبار الامتثال التفصيلي فيما اذا يتمكن منه

ص: 110


1- . يمكن نظر الاجماع المدعى على عدم صحّة الاحتياط إلى هذا المقام فانه لو كان كذلك فلا غبار عليه الا ان الكلام في صحّة النسبة .

وتقدمه على الامتثال الاجمالي بعد الجزم بتقدمهما على المرتبتين الاخيرتين من الامتثال وهما الامتثال الظني والامتثال الاحتمالي لدعوى جماعة بعدم كونه اطاعة فيما اذا يتمكن من المرتبة العليا أو الشك ومع الشك يقطع بالعدم عقلاً ( ذهب إليه الشيخ(1) والمحقق النائيني قدس سره (2) ) ولكن هذا لا سبيل إليه بعد عدم فرق العقل بين المرتبتين لتحقق قصد الأمر والانبعاث عنه في كلتيهما الا ان الفرق كون الأمر مقطوعا به مجزوما في الأول ومحتملاً في الثاني وربما يكون الثاني أطوع عند العقل فهذه الدعوى عهدتها على مدعيها كما ان دعوى جماعة من الفقهاء لزوم اعتبار قصد الوجه مطلقا أو فيما اذا أمكن .قد يجاب عنه بالتزامهم بهذا باعتبار كونهم متكلمين لا بما هم فقهاء لكن لا مجال لهذا .نعم لا مانع من جوابه الأخير وانكار ذلك أصلاً وهو دعوى القطع بعدم اعتبار قصد الوجه في الشرع رأسا لأنّه مع كونه واجبا أو لازما لكان اللازم وروده ولو في رواية ضعيفة من رواياتنا أو روايات القوم ولو في الكتب التي ليست بمعتبرة مع شدّة الابتلاء به في كلّ يوم وليلة مع ورود أحكام كثيرة راجعة إلى أبواب المستحبات والمكروهات والمباحات . فخلّو الكتب والروايات عن ما يدلّ على اعتبار هذا الأمر أدلّ دليل على عدم اعتباره شرعا وهذا من الموارد التي خصّص فيها القاعدة المعروفة ان عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود .

فانه يقال ان مقامنا مما يقطع بكون عدم الوجدان دالاً على عدم الوجودمع

عدم اعتبار قصد الوجه

ص: 111


1- . فرائد الاُصول 1/25 .
2- . فوائد الاُصول 3/72 - 73 .

التتبع التام وعدم العثور على دليل ولو ضعيف على اعتباره . ثمّ على فرض التنزل ووصول النوبة إلى الشك لا مانع من اجراء اصالة العدم التي هي أصل عقلائي وليس هو الاستصحاب على عدم اعتبار هذا القيد شرعا .

ثمّ انه قد يدعي القطع بتقدم الاطاعة التفصيليّة على الاحتياطيّة الاجماليّة في الشبهات الحكميّة أو الموضوعيّة كما اذا ترددت القبلة بين جهتين مع القدرة على تعيينها أو قدرته على تمييز الثوب الطاهر من المتنجس أو الماء المطلق من المضاف ولا يتفحص لرفع الشك بل يكرر العمل ويأتي به مرة بعد اخرى فيصلي إلى الجهتين وفي الثوبين ويتوضأ من المائين كلّ مرّة بأحدهما وفي أحدهما .

وذلك من جهة حكم العقل بتقدم الاطاعة التفصيليّة على الاجماليّة ولزوم اتيان العبادة مميزة عن داعي البعث الجزمي وكونه متحركا بتحريك الأمر المعلوم القطعي على نحو يستند ارادة الفاعل الى ارادة الأمر وينبعث عن بعثه ويتحرك بتحريكه وذلك لا من باب لزوم قصد الوجه . بل لما ذكر من لزوم التحرك عن الأمر الجزمي والاتيان بالعمل مميزا حيث ان العقل يستقل بلزوم الاطاعة الشكيةالاحتمالية ومع التمكن من الظني يستقل بالظنيّة ومع التمكن من الاجمالية العلمية بلزومها ومع التمكن من التفصيلية بتعينها لانه لا يخلو فيما اذا يكون العبد مكلفا من قبل مولاه من عدم لزوم الامتثال والاتيان بالمأمور به أصلاً أو لزوم الاتيان تفصيلاً لا سبيل إلى الأوّل كما انه يتّجه الثاني فيما اذا يمكن العبد لا فيما اذا لا

يمكنه .

وتارة يقال كما عن المحقق النائيني في قوله الاخر ان(1) العقل يشك في

ص: 112


1- . فوائد الاُصول 3/73 .

كون الاجمالي اطاعة في مورد التمكن من التفصيلي . وحينئذٍ فلابد بحكم العقل من الاتيان بالتفصيلي لدوران الأمر بين التعيين والتخيير وعلى كل المباني لازمه الاحتياط اما للزوم تحصيل الغرض المتوقف على اتيان كل ماله الدخل في حصول العلم واليقين بالفراغ عن عهدة التكليف المعلوم كما عليه مبنى(1) الكفاية . وعليه فالأكثر متيقن والأقل مشكوك فكيف يمكن اجراء البرائة أو من باب ان مقام الامتثال لا مجال لحكم الشرع فيه بل لو ورد هناك خطاب شرعي لكان ارشادا إلى حكم العقل . كما انه يمكن بناءً على امكان ورود الخطاب الشرعي القول بالاحتياط لدوران الأمر بين التعيين والتخيير اذ الاطاعة الاحتمالية الاجمالية اما عدل للتفصيلي أو متأخرة عنه وعلى كلّ حال فنخرج عن عهدة التكليف بالتفصيلي دون الاجمالي ولا عكس اذ لا احتمال لتقدم الاجمالي عليه ولا مجال لانكار امكان تصرف الشارع في مقام الامتثال بعد وروده فيالشرعيّات كثيرا كما في موارد جريان قاعدة الفراغ والتجاوز حتى في اولييالرباعية وغيرها في الاجزاء وفي غيرها مطلقا . ولو لا حكم الشارع بالاتيان والمضي في مورد الشك بعد تجاوز المحل لكان اللازم الاتيان . ولو احتمل الزيادة كان اللازم بحكم العقل افراغ العهدة ولو بالاستيناف الا انه مع ذلك لا مجال لجريان البرائة لعدم تقيد الاطلاقات بذلك كما هو عبارة الشيخ(2) وأشار إليه المحقّق النائيني(3) .

وتوضيحه بعد عدم الاشكال في كون الاطاعة الاحتماليّة الاجماليّة اطاعة

مراتب الامتثال

ص: 113


1- . كفاية الاُصول 1/107 - 109 .
2- . فرائد الاُصول 1/25 .
3- . فوائد الاُصول 3/68 - 73 - 74 .

في الجملة وانه لا مجال لانكار كونها اطاعة . فالكلام والنزاع لابد أن يقع في تقدم التفصيلي عليها أو تساويهما لا في كونها اطاعة وعدمها كما تقدم عن المحقّق النائيني قدس سره ان الاطلاقات الواردة والاخبار البيانيّة كافية في مقام الشك في دخل شيء في المتعلق المأمور به لدفع الشك بعد اطلاقها في ذلك وعدم دخله ولكن هذا في مثل ما يمكن دخله في المرتبة السابقة على الأمر بحيث يرد عليه الأمر لا في مثل مقام الامتثال الذي هو متأخر عن رتبة التكليف فكيف يمكن دخل شيء في مقام الامتثال بحيث يقيد به المتعلق فلا مجال حينئذٍ لاجراء البرائة عن عدم تقيد الخطاب الوارد على المتعلق .

ثمّ انهما انما ذهبا إلى تقدم(1) التفصيلي فيما اذا استلزم التكرار للعمل بخلاف ما اذا لم يستلزم التكرار كما اذا احتمل كون السورة واجبة أو مستحبة بعدالعلم بعدم كونها مباحة أو دار الأمر بينهما والاباحة كما في جلسة الاستراحة . ففي هذه الموارد يلتزمان بعدم البأس باتيان المشكوك رجاءً لا تشريعا .ويرد عليهما وحدة المناط في مورد تكرار جملة العمل أو بعضه اذ مع التمكن من التفصيلي كما هو الفرض لا يصح الاحتمالي الاجمالي بلا فرق بين بعض العمل وجملته . والفرق بأن الانبعاث في مورد عدم تكرار الجملة لا يكون الا عن الأمر الجزمي بخلاف ما اذا استلزم تكرار جملة العمل فانه يكون من احتمال الأمر لا يتم . مضافا إلى عدم تمامية أصل ذلك الوجه . فان الانبعاث في كلا المقامين إنّما هو من الأمر سواء كان من الامتثال تفصيلاً أو اجماليّا غاية الأمر

في الأول يكون الباعث هو الأمر الجزمي وفي الثاني هو الأمر المحتمل لا احتمال

ص: 114


1- . فوائد الاُصول 3/68 - 73 - 74 .

الأمر ولا فرق بينهما من ساير الجهات لحصول قصد القربة والداعي الالهي في كلا المقامين كما ان لنا أن نجيب عن أصل مبناهم وكلامهم في المقام الذي يرجع إلى لزوم الانبعاث عن الأمر الجزمي بالقطع بكون الاتيان بنحو الاجمال والاحتياط اطاعة في عرض التفصيلي . وعلى فرض الشكّ في ذلك لا مانع من اجراء البرائة الشرعيّة .

نعم بناء على لروم تحصيل الغرض لا محيص عن الاحتياط بالامتثال التفصيلي .

تنبيه: القائل بعدم كفاية الاطاعة الاجماليّة العلميّة في مورد التمكّن من الاطاعة التفصيليّة لابدّ ان يستند في دعواه إلى أحد الوجوه .

فانه اما أن يعتبر التفصيلية من جهة قصد الوجه أو من جهة لزوم تحصيل الغرض .

فالشك يرجع إلى الشكّ في المحصل ولابدّ من الاتيان بجميع ما له الدخل ولو احتمالاً في تحصيله أو لابدّ من جهة دوران الأمر بين التخيير والتعيين وبحكم العقل فاللازم هو الاحتياط باختيار محتمل التعيينية مع عدم جريان البراءةالشرعيّة في باب الاطاعة سواء في ذلك بين الشبهات الحكمية والموضوعيّة كما انه لا فرق في ذلك بين قبل الفحص أو بعده .

ولا وجه لأحد هذه الوجوه أبدا . اما مسئلة قصد الوجه فقد تقدم الكلام عليها كما ان تحصيل الغرض ليس بلازم عندنا فالكلام في المبنى .

وأمّا دوران الأمر بين التعيين والتخيير وامتناع جريان البرائة في كيفيّات الاطاعة لكونها بنظر العقل ولا مجال لورود الخطاب المولوي فلا وجه له لتصرف

أدلّة عدم كفاية الامتثال الاجمالي

ص: 115

الشارع في مقام الاطاعة والامتثال كثيرا كما في موارد جريان القواعد الجارية في مقام الافراغ كقاعدة الفراغ والتجاوز . وكذلك لا وجه للاشكال عليه بلزوم اللعب بأمر المولى فيما اذا يكرر الصلاة أو غيرها من العبادات القابلة للتكرار مثلاً

لعدم لزومه ما اذا كررها مرة واحدة أو مرتين .

نعم لو اشتغل طول أوقاته بالاحتياط والاتيان بمحتملات المسئلة فله وجه .

ويبقى مجرّد دعوى احتمال الانبعاث عن البعث والتحرك من التحريك الجزمي اليقيني وهذا لا وجه له لعدم تعيينه من قبل العقل ولا فرق عنده في الانبعاث عن الأمر الجزمي أو الأمر المحتمل بل الاحتياط أوفق للواقع ومراعاته من الاجتهاد والتقليد . فلا وجه لما قيل من بطلان عمل تارك الطريقين لكون العمل بالاحتياط ارعى للواقع بخلافهما فانهما انما يلاحظان مورد الامارة أو فتوى المجتهد ولازمه ان اصابا فهو والا فقد فات منهما الواقع وليس كذلك المحتاط .

ثمّ لا يخفى عدم الاشكال في تقدم الاطاعة العلميّة بكلتا نحويها على الاطاعة الظنيّة والاحتماليّة .وقد يقال(1) في مقام الاحتياط بتقدم الامارة القائمة أو الحجة الشرعيّة على احتمال خلافها لكون الاحتياط في هذه المقامات انما هو كذلك . وهذا أيضا لا وجه له لعدم تعيّن العمل على حسب الامارة فاذا لم يشاء التوضؤ بالماء الذي استصحب طهارته فليتوضأ ابتداءً بمتعين الطهارة أو يصبر إلى دخول الوقت يقينا

ص: 116


1- . فوائد الاُصول 3/71 .

ولو مع قيام الامارة فيصلّي أو يجتنب الغسالة ويستعمل غيرها ولو يرى طهارتها اجتهادا أو تقليدا فانه لا بأس بذلك . كما انه لا يرد علينا النقض في مسئلة صحّة عمل المحتاط وعدم لزوم الأخذ بالاجتهاد أو التقليد بموارد احتمال تبدل التكليف كما في صلاة الاحتياط اذا شك أحد الشكوك الصحيحة فعلى تقدير نقص الصلاة قد تبدل وظيفته من الاتصال الى الانفصال فلا يمكنه ابطال الصلاة وقطعها لمراعاة احتمال الاطاعة التفصيليّة وتقديمها على الاحتمالية لشبهة القطع .

ثم اعلم ان المراد بالاحتياط الذي قدمناه على الاجتهاد والتقليد انما هو التام منه الذي يراعى معه جميع محتملات الواقع وهذا لا يمكن الا في أقل قليل من الموارد والا فيرجع إلى التبعيض في الاحتياط الذي لا يراعى معه الواقع من كلّ وجه ولا موجب لتقدمه على الواقع .

وذلك للزوم الاتيان بجميع ما له الدخل احتمالاً واجتناب جميع ما يحتمل مانعيته . وفي دوران الأمر بين المحذورين لابدّ من تكرار العمل وهكذا لا يغني عن ذلك مراعاة الاحتياطات الموجودة في الرسائل العمليّة لتحققها بعد اجراء البرائة الشرعيّة وساير الأصول والقواعد اجتهادا من المجتهد .

والكلام في ما اذا لم يكن العمل كلاً أو بعضا بالاجتهاد أو التقليد ومعه لامحيص عن ما ذكرنا ولا يتمكن لما ذكر ولعلّ نظر القائل ببطلان تارك الطريقين إلى ذلك أي التبعيض في الاحتياط فانه مع ذلك يرجع النزاع لفظيّا اذ لا مجال لانكار ذلك .

فقد تبيّن ممّا ذكرنا كون الاحتياط طريقا كالاجتهاد والتقليد وان القائل ببطلان عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد في العبادات انما نظره إلى عدم

الاحتياط طريق

ص: 117

التمكن من الاحتياط التام في حق العامي المحض الذي لم ينظر في الروايات ولا استفاد منها شيئا لا اجتهادا ولا تقليدا بل يريد الاحتياط . وهذا صحيح لا اشكال عليه لما ذكرنا من تعذر اصابة الواقع لعدم تمكنه .

نعم لو أمكن لا مانع منه . وحينئذٍ فلا يمكن بدون الاجتهاد أو التقليد لعدم تمكنه من احراز الواقع بالاحتياط التام وعدم احرازه بالاحتياط في البعض لأنّ التبعيض في الاحتياط لا يفيد اصابة الواقع واتيانه والعلم بالخروج عن عهدته فالمنكر للصحّة نظره إلى صورة التبعيض والقائل بالصحّة نظره إلى مورد الاحتياط التام أو موارد الشبهات الموضوعيّة التي لا يجب الفحص فيها بالاتفاق .

وأمّا في صورة اختيار التقليد أو الاجتهاد في بعض والاحتياط في موارد الشكوك في الشبهات الحكمية كما اذا لم يعلم بوجوب جلسة الاستراحة واحتمل وجوبها ودار الأمر بينه وبين الاستحباب أو مع الاباحة فلا احتمال للمانعيّة فيمكنه ترك الاجتهاد والتقليد والاحتياط باتيانها رجاءً فلا بأس ( ولا يتوهم مناقضة كلامنا في المقام في عدم افادة التبعيض في الاحتياط لما ذكرنا في باب الانسداد من التبعيض في الاحتياط بناء على التقريب الصحيح لمقدّمات الانسداد واستنتاج التبعيض في الاحتياط منها . لكون ذلك المقام من جملة مقدّماته عدمالتمكن من الاحتياط التام ودوران الأمر بين الاتيان بالمظنونات والمشكوكات والموهومات بعد عدم التمكن من مراعاة الجميع . وهذا بخلاف المقام لعدم الكلام في التعذّر أو الحرج في الاحتياط التام ) . وكذا في صورة احتمال وجوب السورة .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بالعلم الاجمالي في مقام الا فراغ .

ص: 118

الكلام في مقام ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي .

ذهب بعض إلى كون العلم الاجمالي كالتفصيلي بلا فرق وآخر إلى كونه كالشبهة البدوية وقال بعض بجواز ارتكاب جميع الأطراف وابقاء مقدار يساوي مقدار المعلوم بالاجمال ( في موارد الحرمة ) ويرد عليه كون الباقي كالذي ارتكبه بلا فرق . فان كان العلم الاجمالي كالتفصيلي في كونه منجزا للتكليف فلا يجوز ارتكاب واحد من الأطراف والا فلا مانع من ارتكاب الجميع . غاية الأمر حصول علم له بمخالفة الواقع وهو غير عزيز في موارد الأصول الشرعيّة من البرائة والاستصحاب . اذ الاشكال في مخالفة الواقع المنجز اما اذا لم يكن منجزا فلا محذور فيه ولذلك نقول بناء على المنجزيّة لا فرق في خروج بعض الأطراف عن الابتلاء بضرورة أو غيرها أو فقدانه أو عدمه في وجوب الاجتناب عن الباقي اذا كان العلم بالتكليف حاصلاً قبله .

وكيف كان فالاشكال في ان مفاد الأصول الجارية في أطراف العلم

الاجمالي مع قطع النظر عن تعلق العلم بأحدها ليس جمعيّا كي ينافي مفادها مفاد العلم وينافضه فلا تجري الأصول . بل كلّ أصل إنّما مفاده الترخيص في مورده ومجراه والعلم لم يتعلّق به بخصوصه ولا أصل يجري في الواحد المردد . فلا مانع من جريان الأصل في كلّ واحد من الأطراف ولا ينافيه العلم بالحكم في أحدالأطراف المردّد بين الأطراف المعلومة الجاري فيها الأصل على التعيين في كلّ بخصوصه . ولكن هذا الاشكال فاسد لعدم الفرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي في تنجز التكليف بكلّ منهما .

تكميل: قد عرفت انه ذهب بعضهم إلى ان العلم الاجمالي كالشكّ البدوي

ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي

ص: 119

يجوز معه ارتكاب الأطراف ( في مورد العلم بالحرمة ) وليس بمنجز كما انه قيل بمنجزيته بمقدار المعلوم بالاجمال . وقد تقدم وجه القول الأوّل وهو الشكّ وعدم العلم بالتكليف في كلّ واحد من الأطراف . ولا مانع من جريان الأصول المرخصة وليس مفاد الأصول جمعيّا كي ينافي المعلوم بالاجمال . كما تقدّم وجه القول الثاني وانه لا يجوز ارتكاب جميعها إلى أن لا يبقى بمقدار المعلوم بالاجمال لحصول العلم بالمخالفة بخلافه إلى أن يبقى مقداره فانه لا علم بمخالفة التكليف .

لكن يرد عليه ان حصول العلم بمخالفة التكليف الذي ليس بمنجر لا محذور فيه فاما ان يجوز ارتكاب الجميع أو لا يجوز أصلاً .

وذهب الشيخ قدس سره (1) إلى الانفكاك بين المخالفة القطعيّة فلا تجوزو الموافقة القطعيّة فلا تجب وهذا بعد تسليم كون العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي وانه متعلّق بالتكليف فمن حيث انه علم لا قصور فيه اذ نعلم مثلاً بوجود خمر بين الانائين الموجودين أو في الفسحة الحاضرة غاية الأمر كونها هذا أو ذاك مجهول مشكوك فاذا لم يكن ارتياب في وجود التكليف المعلوم بالاجمال في المقام فالتكليف منجّز ووجوب الاجتناب مثلاً مرتب على موضوعه .

ولا يصحّ الجواب عن الاشكال بما هو كالمصادرة على المطلوب من كونالعلم الاجمالي كالتفصيلي ( فالعلم الاجمالي عبارة عن قضيّة معلومة منضمّة إلى مشكوكة . وعلى هذا فالعلم بالتكليف حاصل في البين مع قطع النظر عن جريان الأصول وعدم جريانها ) ووجه ما ذهب إليه الشيخ قدس سره ان رتبة الحكم الظاهري محفوظة عن ناحية الشكّ وإنّما المحذور هو لزوم المخالفة العمليّة لاحتياج جعل

ص: 120


1- . فرائد الاُصول 2/404 لكن يظهر من الشيخ وجوب الموافقة القطعيّة أيضاً 2/417 .

الحكم الظاهري إلى تصحيح مراتب ثلاث أوّلها مرحلة الشكّ . اذ لا يمكن الترخيص أو الجعل مخالفا للمعلوم . ثانيها رتبة الجعل والثالث مرحلة الامتثال وعدم لزوم محذور في تلك المرحلة .

أمّا المرحلتان الاوليان فمحرزتان لا مانع من الجعل من حيث الشكّ كما انه قد جعل بحسب ظاهر الأدلّة .

إنّما المانع هو رتبة الامتثال وهو حصول العلم بارتكاب الجميع بمخالفة التكليف المعلوم بالاجمال الموجود في البين .

ان قلت هذا العلم لو كان منجزا فلا فرق فيه بين أطرافه اذ يجب بحكم العقل التحرّز عن مخالفة التكليف . ولا يمكن ارتكاب طرف منها لاحتمال انطباق المعلوم بالاجمال عليه . اذ لو كان في طرف منها لكان منجزا وفرق بين المقام وبين الشبهات البدوية لعدم علم بالتكليف هناك بخلافه في المقام .

فعلى هذا فلا يمكن ارتكاب طرف منها ولا الاذن لاحتمال الانطباق مع فرض المنجزية كما أورد المحقّق الخراساني(1) هذا الاشكال على الشيخ . وأجاب المحقّق النائيني(2) قدّست أسرارهم بعدم كون العلم الاجمالي أعلى وأشدفي منجزيّته من العلم التفصيلي ومع ذلك فالشارع تصرف في ناحية الامتثال في مورد العلم التفصيلي كما في مجاري قواعد الفراغ والتجاوز واكتفى بالاحتمال مع انه لو لم يأت بالركوع فالصلاة باطلة فكيف يمكن منعه في العلم الاجمالي . وكيف كان فاما ان يلزمكم رفع اليد عن الحكم في العلم الاجمالي وتجويز الترخيص في

ص: 121


1- . كفاية الاُصول 2/214 - 215 .
2- . فوائد الاُصول 3/77 - 78 .

أطرافه أو انكار هذه القواعد . مع ان بناء الفقهاء العمل بالقواعد المذكورة في أبواب الفقه كالحج والصلاة وساير الموارد فما هو الجواب عن هذا الاشكال فهو الجواب عن هذا .

لكنه لا يخفى عليك ان تصرف الشارع في مرتبة الامتثال بالاكتفاء باحتمال الموافقة وهو الذي يصطلحون عليه بالقناعة في مقام الامتثال لا معنى له إذ نسئلهم ان الواجب كالركوع مثلاً اما أن يريده الشارع أو لا يريده فان كان يريده فلا يجتمع ارادته مع الترخيص في الترك . والا فلا يريده ولا يمكن الالتزام بجعل البدل أيضا بل لابدّ من الالتزام بكونه بدلاً للجاهل الشاكّ الذي لم ينكشف له الخلاف مادام كذلك والا ففي صورة انكشاف الخلاف لابدّ من التدارك ولو لا هذا فاللازم الاكتفاء بالمأتي به ولو مع العلم بمخالفته للواقع . فبذلك ظهر لك صحّة

كلام الشيخ وانه(1) لا مانع من الانفكاك بين المخالفة القطعيّة فلا تجوز والموافقة القطعيّة فلا تجب فتدبّر جيّدا في أطراف ما ذكرناه .

توضيح وتتميم: يمكن أن يقال بجريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي بالتكليف في جميعها لعدم انكشاف التكليف على نحو يمنع من جريانهاوالفرض ان مجرى الأصول وأدلّتها ليس جمعيّا كي يخالف المعلوم بالاجمال كمافي جريان قاعدة(2) ( الحلّ ) في مورد دوران الأمر بين المحذورين والعلم بأحد الأمرين من الوجوب والحرمة . وذلك لمنافاتها للمعلوم فلا تجري القاعدة وتجري ساير القواعد من البرائة ودليل الرفع وذلك اذا لم يكن المعلوم بالاجمال

ص: 122


1- . فرائد الاُصول . سبق منّا الاشارة إلى ايجاب الشيخ الموافقة القطعيّة 2/417 .
2- . الوسائل 17 الباب 4/1 - 4 من أبواب ما يكتسب به .

فعليّا من جميع الجهات بحيث يكون حال الجهل كالعلم يمتنع الترخيص بخلافه .

وبعبارة اخرى ان لنا فردين من الفعليّة أحدهما ما لو علم بالتكليف لتنجز ومعه مجال للترخيص . والثاني الفعلي من جميع الجهات بحيث يمتنع الترخيص على خلافه . فان كان التكليف من قبيل الأوّل وهو الفعلي من جهة وهو ما لو علم به لتنجز فلا مانع من جريان الأصول الترخيصيّة في أطرافه لعدم المنافاة ولا المناقضة بخلاف القسم الآخر من الفعلي وهو الفعلي بقول مطلق . فانه يمتنع الترخيص على خلاف المعلوم بالاجمال وفي الصورة الاولى لا قصور في العلم بل القصور في المعلوم هذا . لكن لا يخفى عليك ان المبنى فاسد كما تقدّم منّا سابقا مع انه على هذا لا مانع من مخالفة التكليف المعلوم بالاجمال قطعيّا لعدم تنجّزه أصلاً فلا يلزم ابقاء مقدار المعلوم بالاجمال من الأطراف بل يكون على هذا موضوع الحكم هو العالم به في الأحكام . وفي الموضوعات انما يجب الاجتناب عن الخمر المعلوم ففي صورة الشكّ يعلم بانتفاء التكليف بلا احتياج إلى جريان الأصول المرخصة . بل الكلام في ان للعلم الاجمالي هل اقتضاء التنجز للمعلوم بالاجمال أو انه له عليّة التنجز بحيث يمتنع الترخيص على خلافه ولو في بعض الأطراف وهذا هو المراد من العلية والاقتضاء ومقتضى كون العلم الاجمالي علة للتنجز امتناع ورود الترخيص في محتملاته ولو بالتصريح بذلك من الشارع .وصاحب هذا المبنى لا يقول بعدم جريان الأصول من جهة قصور الدليل لشمول ذلك أو من جهة تساقطهما وتعارضهما بمعنى عدم الترجيح في شمول أحدهما لدليل الأصل مع مخالفة مشموليّة كليهما للمعلوم بالاجمال . بل ولو لم يكن هناك معارضة وقصور حتّى انّه لو صرّح بجواز ارتكاب أحد الأطراف على نحو يتوقف

الفرق بين نحوي العلم الإجمالي

ص: 123

خلو الكلام عن اللغويّة على هذا لامتنع ذلك ( كما ان الأمر كذلك في مثبتات الأصول حيث انه انما نقول بعدم حجيّة مثبتاتها في ما اذا كان الدليل هو العموم بخلاف ما اذا صرح في مورد بجريان الأصل لا بدليل عام بل بدليل خاص ولم يكن له أثر الا لواسطته فانه يترتب عليه الأثر ولو بألف واسطة ) وذلك لكون الترخيص في محتمل المعصية كالترخيص في مقطوعها وهذا قبيح لا يحتمل صدوره من المولى الحكيم . فحينئذٍ يثبت الملازمة بين حرمة المخالفة القطعيّة ولزوم الموافقة القطعيّة في أطراف العلم الاجمالي .

الا انه قد يدعي كما سبق عدم اولويّة العلم الاجمالي من التفصيلي في لزوم الموافقة القطعيّة مع جريان الأصول المفرّغة في وادي الامتثال بالاتفاق كقاعدتي الفراغ والتجاوز في مورد العلم التفصيلي . فليكن العلم الاجمالي كذلك بل بالاولويّة القطعيّة يكون العلم الاجمالي أولى بذلك فلا مانع من الاذن في المخالفة الاحتماليّة والاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة .

لكن قد سبق الاشكال عليه وانه ينحصر احتماله بامور . فانه اما أن يكون التكليف منقلبا في حقّه ولازمه عدم لزوم الاعادة في صورة انكشاف الخلاف واختصاص الخطاب بالعالم به وهو خلاف الاجماع أو ان الجاهل كالعالم ويريده منه في هذا الحال وهو لا يناسب الترخيص لرجوعه إلى المناقضة . فبقى امتناع ذلك فحينئذٍ لا وجه للتفكيك في العلم الاجمالي بين الموافقة فيكتفي بالاحتماليمنها والمخالفة فتحرم قطعيّها .

والنتيجة ان العلم الاجمالي كالتفصيلي في عدم جواز الترخيص على مخالفة التكليف المعلوم الواقعي حيث ان في صورة فعليّة التكليف لا يمكن

ص: 124

الترخيص على خلافه للزوم المناقضة فلا فرق حينئذٍ بين العلم التفصيلي والاجمالي .

ثمّ ان بعضهم ذهب إلى قصور الدليل في مقام الاثبات عن الدلالة على الترخيص في أطراف العلم الاجمالي . وذهب آخر إلى التفصيل بين الأصول التنزيليّة وغيرها ففي الأولى لا مجال للأصل في أطرافه ولو لم يلزم مخالفة عمليّة بخلاف غيرها فلا مانع منه الا لزوم المخالفة العمليّة . ولذا يجري الأصول غير التنزيليّة في غير مورد لزوم المخالفة . وسلك بعض مسلكا آخر وهو امتناع جريان الأصل وورود الترخيص ولو في طرف واحد لكونه ترخيصا في محتمل المعصية وهو كمقطوعها .

واستدلّ القائل بالقصور بكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقيّة لحصول العلم بالنقض في أحد الطرفين واشتباه أحدهما بالآخر ففي أحدهما يجوز الاستصحاب ويجري لعدم حصول اليقين بخلافه بخلاف الآخر لحصوله بخلافه ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة . ونسب هذا إلى الشيخ قدس سره لكن المحقّق النائيني(1) أنكر هذه النسبة وأصل الدعوى لعدم قصور الدليل في مقام الاثبات عن شمول الأطراف في حدّ نفسها . بل هي على قسمين تنزيليّة وغيرها وقد يعبّر عن الأولى بالمحرزة كالاستصحاب .وحيث انه لابدّ من تحقّق المراحل الثلاث في الحكم الظاهري وهو الشك والجعل المولوي وعدم لزوم المخالفة العملية فذهب إلى عدم تحق المرتبة الثانية في الأصول المحرزة وهو الجعل بخلاف اصالة الحل وغيرها كالبرائة فان هذه

امتناع الترخيص في مورد العلم الاجمالي

ص: 125


1- . فوائد الاُصول 4/13 إلى 17 .

المرتبة محفوظة فيها ولو كان اشكال فمن ناحية لزوم المخالفة العمليّة والا فلا مانع من جعلها في أطراف العلم والدليل على ذلك ما ادعى تبعا لميرزا محمّد حسن الشيرازي والشيخ من كون لسان دليل الاستصحاب وقاعدة الفراغ هو الاحراز التعبدي والأمر بالبناء على ذلك اليقين وحينئذٍ فاليقينان التعبّديان على خلاف المعلوم بالاجمال ممّا لا يمكن للمناقضة بلا فرق في ذلك فيما اذا يلزم المخالفة العمليّة أو لا يلزم . ولذلك لم يفرق في جريان الاستصحاب بين مستصحبي النجاسة حيث لا يلزم فيهما مخالفة عملية ومستصحبي الطهارة مع العلم اجمالاً في كلا المقامين بطهارة أحدهما في الأوّل ونجاسته في الثاني وذلك لعدم انحفاظ مرتبة الجعل . وعليه بنائه قدس سره في فتاويه خلافا لصاحب الوسيلة السيّد الاصفهاني قدس سره حيث اجرى(1) الاستصحاب في مستصحبي النجاسة مع العلم بطهارة أحدهما . وليس كذلك مثل اصالة الحل والبرائة لكون موضوعهما ما لا يعلمون ولاتصرف في دليلهما للشبهة بل إنّما جعل الحكم على الشبهة مع انحفاظ الشكّ وبقائه بخلاف لسان الاستصحاب فانه يتصرف في الشبهة ويجعلها احرازا تعبّدا وينزلها منزلة اليقين هذا .

ولا يخفى ان كلامه قدس سره بعد تسليم المبنى صحيح لا يمكن الفرق بين مستصحبي النجاسة ومستصحبي الطهارة لما ذكر . الا ان الكلام في المبنى لعدماستفادة ذلك من لسان الاستصحاب ولا من دليل قاعدة الفراغ بل لسانهما كلسان ساير الأصول في كونهما أحكاما في ظرف الشك والشبهة فلا يمكن المساعدة على هذا المبنى .

ص: 126


1- . وسيلة النجاة في أحكام النجاسات في كيفيّة التنجيس بها .

نعم لو قلنا بكون الاستصحاب وقاعدة الفراغ من باب بناء العقلاء وانهما امارتان لصحّ ما ذكر وليته قدس سره تمسّك بكون جريان الاستصحاب فيهما تمسّكا بالعام في الشبهة المصداقيّة مع انه أيضا لا يخلو عن مغالطة ومناقشة سنتعرض له إن شاء اللّه .

ثمّ لا يخفى عليك انه يمكن بناء على عدم جواز ورود الترخيص في مخالفة المعلوم بالاجمال احتمالاً توجيه موارد جريان قاعدة الفراغ واصالة الصحّة وأمثالهما بكون الحكم في حق الجاهل هو التخيير بين الفردين كالتخيير بين صلاة الجمعة والظهر لغير من وجب عليه الجمعة لحضور الامام علیه السلام غاية الأمر مادام بقاء الشك .

وبعبارة اخرى بشرط بقاء الشك إلى موته ولا مانع من ذلك ثبوتا ولا محذور في مقام الاثبات وعدم التفاته إلى هذا الحكم التخييري وعدم امكان انبعاثه منه بل مجرد امكانه ثبوتا كافٍ في دفع الاشكال .

توضيح وتأكيد قد عرفت عدم امكان الترخيص على خلاف التكليف الفعلي فانه في فرض ارادة شيء كيف يرخص في تركه ومخالفته ولو فرض انه مجهول . وفي هذا المقام قد جعل المحقّق الخراساني(1) للحكم مرتبتين . احديهما ما لو علم به لتنجز وفي صورة الجهل لا يريد منه لعدم التنجز لكن هذا لا يناسب ماحقّقناه في محلّه من كون العلم منجزا محضا ليس مأخوذا في مراتب الحكم وليس كالاستطاعة في باب الحج يتحقق به الموضوع .

والحاصل ان ملخص الكلام في العلم الاجمالي انه كالعلم التفصيلي لا

توجيه موارد جريان قاعدة الفراغ وأمثالها

ص: 127


1- . كفاية الاُصول 2/208 - 214 .

يمكن الترخيص في مخالفته حتى بالتنصيص بارتكاب الطرفين أو أحد أطرافه لما عرفت من حكم العقل منجزا بالتنجز ولزوم الموافقة وامتناع ورود الترخيص في المعصية بل لورود من ناحية الشارع يكشف ذلك عن عدم كون التكليف فعليّا وحينئذٍ فلا بأس باجراء البرائة في باقي الأطراف . ولذا لا فرق بين خروج أحد الأطراف عن الابتلاء لفقد أو عدم أو غيرهما وعدمه في لزوم الاجتناب عن الباقي وبقاء التكليف على تنجزه . وليس ذلك الا لأجل تنجزه على كلّ تقدير . فانه لو انطبق على هذا الفرد لكان منجزا كما انه لو انطبق على الفرد الآخر فكذلك . والا فيمكن أن يقال بعد انصباب ماء أحد الانائين ( فيما اذا كان أحدهما نجسا ) بعدم لزوم الاجتناب عن الآخر للشكّ فيه الجاري فيه البرائة .

هذا كلّه في عدم الفرق بين العلمين في المنجزيّة .

ثمّ ان لحصول العلم بالتكليف شرايط في ظرفها يكون العلم منجزا والا فلا أحدها كون المعلوم بالاجمال حكما الزاميّا على كلّ تقدير . وإلاّ فلو لم يكن كذلك فلا تنجز فيه كما اذا علم اجمالاً بنقصان مسمار من مسامير نعليه أو زيادة ركوع في صلاته فانه ليس العلم هنا علما بالاشتغال والالزام على كلّ تقدير فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في الصلاة ولهذا لا مانع من جريانها في ما اذا علم اجمالاً بخلل موجب للاعادة في احدى الصلوات الأربع التي بها في أربع جهات في فرض اشتباه القبلة فانه لا يكون هذا العلم علما بالالزام لعدم معارضة قاعدة الفراغ في احداها بجريانها في الباقي بل تجري في خصوص المصادف للقبلة ولاعلم هنا بل الشكّ بالنسبة إلى حصول الخلل فيه فلا بأس بجريانها فيها فراجع كلماتهم تجد التشويش والاضطراب في معارضة القاعدة في الأطراف ( نعم في

ص: 128

مثل ما اذا تعلق العلم بصلاتيه ونقصان وخلل في احداهما مفسد يكون مجال للمعارضة فيما اذا لم يكن جريان أحدهما محققا لموضوع الآخر والا فلا مجال للمعارضة هناك كما اذا تردّد أمر مايع بين كونه منيّا موجبا للغسل أو بولاً موجبا للوضوء فهنا لا يمكن المعارضة بين اصالة عدم البوليّة واصالة عدم كونه منيّا لأنّ البول انما يكون له الأثر إذا لم يكن هناك جنابة والا فبول الجنب لا يوجب شيئا فعدم الجنابة موضوع للأثر وترتبه على البول .

والثاني كون التكليف على كلّ تقدير راجعا إليه فاذا كان في حق شخصين فلا يوجب شيئا بالنسبة إلى كلّ منهما كما اذا كانا وجد المني في الثوب المشترك بينهما فانه لا تنجز في هذا العلم بالنسبة إلى أحدهما ما لم يرجع إلى العلم الاجمالي أو التفصيلي بالنسبة إليه على كلّ تقدير . فلا مانع في غير هذه الصورة من اجراء اصالة عدم الجنابة في حقّ كلّ منهما ولا معارضة بينهما والعلم الحاصل في البين ليس علما في حقّ كلّ واحد بالتكليف المتوجه إليه فلا تنجز له كي يمنع من جريان الأصل ويجوز اقتداء أحدهما بالآخر في هذا الفرض .

نعم اذا حصل هناك علم اجمالي بتوجه تكليف إليه لارتباط عمله بهما فيكون منجزا كما لو علم احدهما بجنابة امامه فلا يجوز له الدخول في الصلاة ولا القدوة معه ولا بأس به في صوره الشكّ كما يرشد إليه قوله علیه السلام في الرواية(1) الواردة في المقام من انه يعيد الامام صلاته لا المأموم . ولكن في صورة الشك الاانه يشكل اقتداء ثالث بهما في صلاة واحدة في الركعتين الاوليين للعلم الاجمالي بجنابة أحدهما وعدم ضمانه القرائة كما اذا اقتدى بامامين في صلاة الصبح لكلّ

شرايط تنجز العلم الاجمالي

ص: 129


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 36/1 إلى 5 - 7 - 8 من أبواب صلاة الجماعة .

ركعة بامام يعلم بجنابة أحدهما فانه يعلم اجمالاً ببطلان جماعته من جهة جنابة احدهما وان لم يعلم بخصوصه وذلك لكون الطهارة من الحدث شرطا واقعيّا للصلاة حتى في حق المأموم بالنسبة إلى امامه ومع العلم بجنابته لا يجوز له القدوة استيجارهما للصلاة مع العلم بجنابة احدهما لا بعينه لاجراء كل واحد منهما الأصل مع الشك في حقّه وهكذا في صلاة الجمعة لا يمكن اتمام العدد بمن يعلم انه جنب أو كونه اماما ولا ما اذا لم يعلم لكنه يعلم بجنابته أو جنابة نفسه . هذا كلّه

اذا لم نقل بكون الأحكام الظاهريّة في حق أحد أحكاما واقعيّة بالنسبة إلى آخرين والا فتتمّ الصلاتان بلا اشكال في المقامين .

هذا في أمر الصلاة بخلاف الصوم فانه لا مانع للجنابة فيه واقعا وانما المانع هو تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر ولذا يصح ايجارهما للصوم مع العلم بجنابة أحدهما لجريان الأصل لكلّ واحد منهما .

ولا منافاة بينه وبين مورد النسيان الوارد فيه قضاء الصوم الذي كان نسى فيه الجنابة وصام جنبا لعدم ارتباط للنسيان بالجهل مع ورود النص(1) في قضاء مورد النسيان دون الجهل ( أقول: في قضاء صوم رمضان ولو كان جاهلاً بالجنابة وطلع عليه الفجر فالقضاء باطل وحينئذٍ فيعلم اجمالاً ببطلان صوم أحد الأجيرين فلا يتم الاستيجار فتنبّه ) أمّا استيجار الحائض والجنب لكنس المسجد مع العلماجمالاً بجنابته أو غيره معا فلا مانع منه بعد جريان الأصل لكلّ منهما في حقّ نفسه ولا يوجب ذلك خللاً في الاجارة لحصول شرطيها الذين هما امكان استيفاء

في حكم الدرهم الودعي

ص: 130


1- . الوسائل 10 الباب 17/1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم والباب 30/1 - 2 - 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم .

المستأجر للمنفعة وكون الأجير مالكا لعمله وهما حاصلان في المقام بخلاف صورة العلم لعدم جواز مكث الجنب في المسجد وتوقف الكنس على المكث . فهو من أجزاء علته واذا كان حراما فلا يكون مالكا ولا يمكن استيجاره بل لا يمكن الكنس له حتى من أعلى السطح لحرمة وضع شيء في المسجد منه أو أخذه منه .

ثمّ انّه ربما يرد النقص بعدم جواز مخالفة التكليف المعلوم بالاجمال بمسئلة الودعى فيما اذا وضع درهمين عند واحد وآخر درهما وفقدا وسرق أحد الثلاثة فالرواية(1) وردت بكون أحد الاثنين لصاحب الدرهمين والاخر ينصف بينه وبين صاحب الواحد مع العلم الاجمالي بمخالفة ذلك للواقع . فانه إمّا أن يكون المسروق لصاحب الدرهمين فلا يستحق من الدرهمين الباقيين الا أحدهما ولو كان لصاحب الواحد فلا يستحق شيئا من الدرهمين وهما لصاحبهما .

ولكن لا يخفى ان وديعة الدراهم تكون على قسمين . فتارة يكون وضعها في مكان واحد بنحو اختلاط بعضها ببعض كما في مثل الأجناس المتجانسة التي لا يبقى تميزها بعد خلط أحدها بالآخر مجانسا أو مخالفا كالماء واللبن أو كالحنطة لهذا أو ذاك .

وحينئذٍ تتحقق الشركة واقعا حتى لو كان المالكان خلطا هما باختيارهما فيشترك صاحب الدرهم الواحد لصاحب الدرهمين في الثلاثة وتكون بينهما بالاشاعة فما توى توى منهما وما بقى بقى لهما .وفي هذه الصورة لابدّ من تقسيم الباقي أثلاثا في المقام وغيره في ساير المقامات حسب اختلاف السهام . والصورة الثانية أن لا يكون بهذا النحو بل تبقى

بقيّة الشرايط

ص: 131


1- . وسائل الشيعة 18 الباب 12/1 كتاب الصلح .

متميزة كما اذا وضع كلّ درهم من صاحب الدرهمين في مكان ولصاحب الدرهم الواحد في مكان ثالث وفقد أحدها واشتبه الحال ففي هذه الصورة لا اشكال في كون أحد الباقيين لصاحب الدرهمين والآخر يكون في الواقع لأحدهما ومن حيث عدم العلم والجهل مقتضى القاعدة التنصيف كما في مثل ما اذا كان أحد الشخصين آخذا بلجام الدابّة والآخر راكبا أو آخذين بلجامها معا فتكون بينهما فلا مخالفة للقاعدة ولا للتكليف نعم يمكن توجه الاشكال فيما اذا أقرّ لزيد بدرهم أو مال مخصوص شخصي ثمّ أقرّ بكونه عينا لعمرو . فقالوا بكون المال لزيد وانه يغرم قيمته لعمرو مع حصول العلم للثالث المعامل معهما بعدم تملّكه لأحد المالين . أمّا المال أو القيمة لكونه ليس للذي عامله .

وأجاب عنه بعض بكون المقام من باب تعدّد الموجب لكون الاقرار سببا موجبا لاعطاء المال للمقرّ له وبالاقرار الثاني قد أتلف فيكون مأخوذا بمقتضى اقراره بالاتلاف وضامنا ويلزم له بقيمته فتأمّل ) .

الثالث امكان انبعاث المكلف وامتثاله بالنسبة إليه فاذا لم يمكن فلا يكون مؤثّرا في شيء كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة والعلم اجمالاً بثبوت أحدهما فلا يمكن للمكلّف الامتثال ولا مورد لجعل التخيير لكونه حاصلاً تكوينا فتشير معه راجع إلى تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبّد .

تكميل: أشرنا إلى الاشكال والنقض في منجزيّة العلم الاجمالي وذكرنا بعض الموارد لكن كلّها مشتركة في عدم كونها نقضا بمورد مسلم . اذ يمكن الجواب عن الجميع .فقد عرفت انه على تقدير لا يرد الاشكال في قضيّة الدراهم وهو كما أشرنا

ص: 132

إذا حصل الخلط كما في ساير موارد الأجناس الخلطيّة مثل الحنطة وأمثالها اذ لا يمكن تداخل الأجسام وفي هذا الفرض يحصل الاشتراك واقعا قهرا سواء كان بلا اختيار أحدهما أو باختيار منهما ويكون الملك بينهما مشاعا لا على معنى الشركة في كلّ درهم من الدراهم فيما يكون قابلاً للقسمة الحقيقية فحقيقة وفي ما لا يكون قابلاً للقسمة كذلك فوهما اذ ذلك لا دليل عليه . مضافا إلى لزوم الشركة في الوقف وكونه ملكا بهذا النحو وكما انه يستلزم كون الوقف ملكا كذلك يستلزم العكس وفي فرض كون الوقف ملكا يجوز بيعه وساير التصرّفات الواقعة على الأملاك مع انه لا يجوز بيع الوقف الا في موارد مخصوصة . بل الملك في المقام على نحو الاشاعة بمعنى كون الثلث من الدراهم لهذا والثلثين لذاك وهذا المعنى قابل في ناحية الانطباق والتطبيق على مصاديق . فاذا انضم كلّ واحد من الدراهم إلى آخر يكون مصداقا للثلثين والباقي للثلث وهكذا .

والحاصل انه في صورة الاشتراك بهذا النحو يكون الذاهب منهما والباقي لهما وهو خارج عن فرض الرواية اذ عليه لابدّ من تقسيم الباقي أثلاثا مع كون الرواية تنصيفا . نعم في الفرض الآخر لا مانع من التقسيم بالتنصيف حيث انه غير صورة الخلط بل كان في الواقع كلّ منهما متميّزا عن الباقي وحصل الاشتباه ففي هذا الفرض على تقدير كون الذاهب من صاحب الدرهمين يكون لصاحب الدرهم تمام درهمه ولصاحب الدرهمين درهم واحد . وعلى تقدير كون الذاهب درهم ذي الواحد يكون الباقي لذي الدرهمين ولا يستحق صاحب الواحد شيئا . وفي هذه الصورة في المسئلة خمسة أقوال أحدها القرعة . ومنها التنصيف وقد استفاده الفقهاء من موارد متعددة نظائر للمقام كمسئلة وقوع اليدين على مال يحكم بكونه

اشكال الدرهم الودعي

ص: 133

ملكا لهما ومن الأقوال رجوع أمره ألى حاكم الشرع .

والحاصل انّه ان قلنا بالتنصيف فلا يكون مخالفة اجماليّة للتكليف كما هو مقتضى القاعدة لأن المال المردد بين شخصين أمره ب- التنصيف بينهما وقيل بالمصالحة والتراضي .

ومن الموارد مورد التحالف على البيع بثمن معين والمبيع والثمن كلاهما شخصيان يدعى كلّ منهما كون الثمن غير ما يدعيه الآخر أو المبيع فيتحالفان فلو قلنا في هذا المقام بكون التحالف موجبا لرجوع كلّ مال إلى مالكه فلم يقع مخالفة للعلم بل اذا حصل المالان في يد ثالث فقد حصل من يد مالكيهما ويكون حينئذٍ كالاقالة وعلى فرض عدم التميز وعدم التعين فلا نقول بجواز المعاملة على هذا الوجه .

ومنها صورة اقرار لزيد وأضرابه واقراره بكونه لعمرو ( كما سبق ) فقد ذكروا عن المشهور انه لو أقر بكون الدار لزيد بقوله هذه الدار لزيد بل لعمرو فيؤخذ بمقتضى اقراره الأول وبحكم بكون المال لزيد ويغرم بقيمته للثاني والكلام الآن في خصوص ما لو أقر وأضرب ببل لا بقوله اشتبهت أو اقراره لهما معا بقوله هذه الدار لزيد ولعمرو أو هذه الدار لزيد ثمّ يقول هذه الدار لعمرو فانه يقال في الأوّل بالتنصيف وفي الثاني بما قال الأصحاب في محل الفرض . أمّا في محلّ الكلام فقد خالف المشهور جماعة وقالوا بكون الدار للثاني لكونه اضرابا عن اقراره الأوّل لا اقرارا للأوّل وانكارا بل اضرابا . وان يظهر من صاحب الجواهر قدس سره (1) نفي الخلاف في المسئلة مع انه ينقل الخلاف بعده نعم يظهر من كلام

ص: 134


1- . جواهر الكلام 35/130 - 131 لكن نفي الخلاف المعتدّ به فلا ينافي نقله الخلاف .

فخر المحقّقين(1) من ارساله ارسال المسلّمات كونه اجماعيّا الا انه لا نص في المسئلة ومقتضى القواعد صحّة قول الطائفة المخالفة للمشهور لعدم استقرار اقراره الأوّل كي يكون الاقرار الثاني نفيا له وانكارا واقراراً بل اضراب وكانه قال ليس هذه الدار لعمرو ( لزيد ) من أوّل الأمر واستشكل القول بكونه للثاني بأنّه يكون قوله الأوّل اقرارا نافذا في حقّ نفسه اذا كان مورد الاقرار بيده ولا اشكال في نفوذ اقرار العقلاء على أنفسهم .

والدليل عليه من الطرفين من طرف الخاصّة والعامّة ولا اشكال عليه وبقوله بل لعمرو يكون قوله هذا شهادة على مال الغير فلا ينفذ الا بشرائطه . لكن يشكل عليهم بلزوم سد باب التخصيصات والاستثناءات حتى في مثل كلمة التوحيد ولا يظن التزامهم بهذا في أبواب الفقه كما انه قيل بكون كليهما اقرارا حيث لا مرجح لأحدهما فيكونان اما متساقطين كمورد البينات لعدم المرجح . أو انه حيث لا يمكن اجتماع ملكين تامين على مال واحد يحكم بكونه لهما . الا ان مقتضى كون الاقرار من باب الطريقيّة سقوطه عن الحجيّة في هذا الفرض بناء على هذا القول الأخير .

نعم لو حصل علم اجمالي بصدق أحدهما فلا بأس ويعمل على طبقه أو يصالح لكن هذا يمكن فرضه في باب البيّنات وفي المقام الا انه يمكن منعه في غالب الموارد منها أيضا .

وحاصل الكلام انه لا نقض بمورد مسلم في مورد العلم الاجمالي كي يقال بعدم منجزيته . وحيث عرفت انه منجز فيما اذا كان علما بالتكليف الفعلي المتوجه

لا نقض بمورد مسلم

ص: 135


1- . ايضاح القواعد 2/458 قوله لأن من قواعدهم إلخ .

إلى شخص واحد قابل للامتثال . فاعلم انه ذكر المحقق النائيني قدس سره في المقام مسئلة اعترف سيّدنا الاستاذ تغمّده اللّه برحمته بعدم العثور عليها في كلام غيره .

وهي انه لو علم(1) اجمالاً بكون الثوب إمّا مغصوبا أو نجسا فيحصل له العلم بحرمة التصرف فيه اما من ناحية الغصب أو من جهة النجاسة فمن حيث النجاسة في باب الصلاة كما انه من جهة الغصب فيها وساير الموارد فاذا صلّى فيه نسيانا فلا اشكال في صحّة صلاته وان كنا نقول ببطلان الصلاة في المتنجس اذا علم به ثمّ نسيه لعدم تحقق العلم به في المقام فلا مانع من صحّة الصلاة لا من جهة الغصب لعدم العلم به بخصوصه ولو كان معلوما بخصوصه فلا اشكال في عدم مانعيته حال عدم الالتفات والجهل والنسيان ولا من جهة النجاسة لأنه لم يعلم بنجاسته في المقام ولو في آن كي يكون مورد تحقق النسيان . بل من أوّل الأمر كان مشكوك النجاسة والنجاسة ليست مانعة بوجودها الواقعي بل انما المانع وجودها العلمي ولا تحقق له في البين .

نعم يمكن القول بالبطلان في صورة العلم للعلم بالتكليف الا انه أيضا مشكل اما من جهة الغصب فغير معلوم بخصوصه ولا مانعيّة له واقعا بل انما يمنع من حيث عدم تمشي قصد القربة وفي المقام ليس معلوما كي يمنع والنجاسه أيضا مشكوكة غير معلومة ولا يحتاج إلى اجراء أصل أو غيره بل نفس الشكّ تمام الموضوع للعلم بعدم المانعيّة فتدبّر جيّدا .

اشارة: قد كان في ( ليلة الاثنين 27 من المحرم 76 ) ذكر في كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره عنوان منذور التصدّق وحقّ الجناية والرهانة ومن مورد كلام له أظنّه

ص: 136


1- . فوائد الاُصول 3/86 .

في مسئلة الاشاعة وما لو كان له خمس من الابل ففيها شاة وانه يمكن أن يقال بالقيمة واشتغال الذمّة بذلك لا انه يتعلق بالعين وحينئذٍ فاذا تلف فلا تلف الا من صاحب المال .

تذكرة: ليعلم ان مقتضى رواية عبدالرحمن(1) بن أبي عبداللّه عن أبي عبداللّه علیه السلام الواردة ( في رجل صلّى وفي ثوبه عذرة انسان أو سنور أو كلب قال علیه السلام: ان كان لم يعلم ( فلا يعيد ) عدم ضرر للنجاسة الواقعيّة للصلاة وإنّما المانع النجاسة المعلومة وعلى هذا فلا بأس بالصلاة وصحّتها في كلتا الصورتين بلا فرق بين صورة النسيان والعمد لعدم العلم بالنجاسة في صورة العمد بخصوصها كي تكون مانعة ولا له علم بالغصب كي يمنع من تحقق قصد القربة فلا مانع من صحّة صلاته كصورة النسيان اذ قوام مانعيّة الغصب انما هو بتعلق العلم به كي تتحقّق المزاحمة لما بيننا عليه من جواز اجتماع الأمر والنهي ووقوع التزاحم في صورة الغصب لعدم تحقق قصد القربة على ما عرفت واذ لا علم فلا منجزيّة فلا مزاحمة فلا مانعيّة .

نعم لو قلنا بكون الغصب والنجاسة بوجودهما الواقعي مانعين فلا بأس ببطلان الصلاة ولا سبيل إلى صحّتها في صورة العمد للعلم اجمالاً ببطلانها من احدى الجهتين .

لكن الذي في المقام ان في رواية(2) زرارة اشعاراً بدخل النجاسة بوجودهاالواقعي وضررها في باب الصلاة واستظهر منها كون اللازم أحد أمرين اما الشرط

ص: 137


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 37/1 من أبواب النجاسات .

هو الطهارة الواقعيّة أو احراز الطهارة والا فاللازم تعليل الامام لصحّة الصلاة في ما اذا صلّى وفي ثوبه منيّ بعدم العلم بالنجاسة وليس له بوجوده الواقعي مانعيّة ولم يعلّل بل علل بقوله علیه السلام ( انك كنت على يقين من طهارتك الخ ) وعلى هذا المبنى فلابدّ من أصل محرز لدخول الصلاة ولا مجال لجريان أصل عدم النجاسة لمعارضته باصالة عدم الغصب فلا محرز للطهارة المصحّحة للدخول في الصلاة .

ان قلت: ان أصل عدم الغصب لا مجرى له في المقام لعدم مانعيّة له بوجوده الواقعي .

قلت: لا ينحصر جريان الأصل في مورد الصلاة فقط كي يمنع جريانه لما ذكر بل له آثار آخر كعدم جواز بيعه وأمثاله نظير العلم بنجاسة الماء الذي تحت يده أو التراب الذي على تقدير فقد الماء يتيمم به فانه على تقدير الأثر الفعلي لجريان الأصل يمتنع جريانه للمعارضة . وحينئذٍ فيصح التفصيل بين الصورتين والقول بالبطلان في صورة العمد والصحّة في صورة النسيان .

الا ان الكلام في المبنى ( وعلى ما ذكرنا فلا فرق بين وحدة الثوب وتردّده بين المغصوب والنجس أو تعدّده بأن يكون يعلم اما بنجاسة هذا أو غصبيّة ذاك فيجوز على كلا التقديرين صلاته ولو عمدا .

بقي شيء يتعلق بمسئلة الدرهمين والدرهم الودعى وقد ذكرنا صورتين في احداهما يتحقق الاشتراك والذاهب منهما والباقي لهما وانه لا يوافق هذه الصورة للرواية . والصورة الاخرى وهي صورة الاشتباه لا بأس فيها بالعمل على هذه الرواية لكون الوظيفة هو التنصيف . الا انه لا يخفى عليك ان لنا مقامات ثلاث في بعضها يتحقق الشركة وفي آخر يكون مورد الاتلاف وفي الثالث مسئلة

النجاة المعلومة المانعة

ص: 138

الاشتباه ولا مورد للاتلاف ولا الشركة . أما مورد الشركة فضابطه انحفاظ الصورةالنوعية في المختلطين والممتزجين كما في الماء بالماء واللبن باللبن فان اللبن الممزوج بالآخر محفوظ بمادته وصورته النوعية ولا تميز لأحدهما عن الآخر فيوجب هذا المزج الاشتراك على حسب سهام ذوي الأموال المشتركة بالنصف والثلث وغيرهما . وعلى هذا يخرج عن هذا المورد ما اذا مزج الماء باللبن أو البول بالماء فان الصورة النوعية لأحدهما لا تبقى على حالها في هذا الفرض . بل يستهلك الأقل في الأكثر ولا يكون في الحس الا الماء فيما اذا كان أكثر لاستهلاك اللبن وحينئذٍ فلا معنى للاشتراك كي يمنع التصرف لصاحب الماء الذي يكون زائدا على البول أو اللبن بأضعاف مضاعفة الا باذن شريكه الذي بال أو ألقى اللبن في الماء فانه لو قلنا بالاشتراك يوجب الاشاعة ولو بنسبة الواحد إلى الألف الا انه لا يكون الا من باب الاتلاف كما اذا أكل الدابّة العلف أو شربت الماء وصار بولاً فانه لا معنى لحصول الاشتراك أو بقاء الملك بل ليس الا الاتلاف ويكون اللحم والروث لصاحب الدابة والحيوان .

نعم اذا خرجا كلاهما عن صورتيهما النوعيّة فالتلف منهما والمال بينهما والصورة الاخرى هي صورة الاشتباه وهي ما اذا لم يكن خلط حقيقي عرفي كما في مورد الماء والبول فانه وإن كان هناك المزج عرفا لكنه يمكن تجزية أحدهما عن الآخر ولو بالآلات الدقيقة الخارجة عن ميزان تعارف العرف ولا كان التجانس محفوظا بنحو يوجب سلب الميز عرفا كما في مورد خلط احدى الحنطتين بالاخرى فانه وإن كان لا يمكن تداخل الأجسام للاستحالة الاّ انّه لا ميز بينهما عرفا بحيث يمكن تشخيص أحدهما عن الآخر وليسا من باب الاشتباه

الفرق بين صورة الاشتباه والشركة

ص: 139

عند العرف ويمكن اجراء هذا القول في مورد خلط الحبوب الصغيرة بعضها ببعض وان لم يكن بينها تجانس كما في السمسم والجاورس .وعلى كلّ حال فصورة الاشتباه خارجة عن مورد الشركة والاتلاف . بل هي صورة خاصّة غير مرتبطة بهما وهي كما في مورد البحث من الدراهم فانه لا يكون خلط أحدهما بالآخر من باب الشركة وان كانا من جنس واحد وأوجب الخلط سلب الميز لعدم مساعدة العرف بل من باب الاشتباه كما في الأغنام وخلطها بغيرها فانه لا يوجب الشركة بل من باب الاشتباه وعلى هذا .

فالرواية(1) في مورد الدراهم تكون على القاعدة وكون المال بينهما نصفين لعدم الشركة ولا الاتلاف . وهذه الرواية أحد أدلّة القائلين بانتصاف المال المردّد فافهم واغتنم . وممّا ذكرنا عرفت ان مورد مزج الماء بالماء واللبن باللبن هو مورد الشركة ويتلوه في هذا مورد خلط الحنطة بالحنطة فانه وان كان له شباهة بمورد الدراهم وخلطها بأمثالها لكن بمورد مزج الماء بالماء أشبه .

عود على بدء: قد عرفت ان العلم التفصيلي ليس طريقيّته قابلة للجعل اثباتا ونفيا وانه منجز للواقع في ناحية المخالفة والموافقة وان العلم الاجمالي مثله

في المنجزيّة وكونه طريقا . كما انه يجب فيه الموافقة القطعيّة وتحرم المخالفة القطعيّة وبينهما الملازمة بلا فرق بين أنحاء العلم الاجمالي ( بالتكليف ) فانه منجز

سواء تردّد متعلّقه بين الواجب والحرام وكان جنس الالزام معلوما أم لا بل المعلوم كان هو النوع وتردّد متعلّقه بين أمرين أو امور فانه منجز في جميع هذه

ص: 140


1- . وسائل الشيعة 18 الباب 12/1 من كتاب الصلح .

الصور الخمس التي ذكرها الشيخ قدس سره (1) في المقام وان خالف هنا لما يذكره في(2)مبحث البرائة والاشتغال من لزوم العلم بنوع التكليف .نعم قد يقال بجواز الترخيص في بعض الأطراف وان حكم العقل بوجوب الموافقة القطعيّة انما هو فيما اذا لم يرد ترخيص من الشارع في بعض الأطراف . والا ففي صورة الترخيص لا يكون التكليف الواقعي على تقدير ثبوته في الطرف المرخص فيه منجزا بخلافه في الطرف الآخر . بل من حكم الشرع نستكشف عدم كون التكليف في مورد الترخيص منجزا أو تكليفا فعليّا .

الا انك عرفت الاشكال في هذاا المبنى وانه ملازمة بين وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة ولا يمكن ورود الترخيص في أطراف العلم كما ذهب(3) إليه المحقّق الخراساني قدس سره في بعض كلماته . وعرفت أيضا ان لتحقق العلم بالتكليف شرايط لا يكون بدونها العلم علما بالتكليف يجمعها تعلق العلم بالتكليف الفعلي المتوجه إلى شخص العالم على نحو يكون قابلاً للامتثال ولم يكن هناك ما يقتضيه الاجمال من انقلاب الواقع ولم يكن ما يقتضي تبدله على ما مر مفصلاً في مورد التحالف والتداعي والدرهم الودعي . ففي الأخير يكون الاجمال موجبا للتنصيف واقعا كما عرفت أو الشركة وفي سابقه يوجب التحالف تبدل الواقع والملك كما في الاقالة إلى غير ذلك كما انك عرفت ان في مورد عدم قدرة المكلف على الامتثال لا مجال لتأثير العلم وله شرايط تذكر في محلّها . وكذلك لابدّ أن لا يكون أحد الأطراف معلوم التكليف بسبب سابق والا فلا يكون علم بالتكليف اذا

الملازمة بين وجوب الموافقة وحرمة المخالفة

ص: 141


1- . فرائد الاُصول 1/27 - 13 و403/2 - 314 .
2- . فرائد الاُصول 1/27 - 13 و403/2 - 314 .
3- . كفاية الاُصول 2/214 - 215 .

لم يقتض السبب الثاني أثرا زائدا كما في مورد اصابة البول واحدا من أحد الانائين الذين أصيب أحدهما بدم سابقا فانه يؤثر العلم بخلاف ما اذا كان اللاحق كالسابق دما أو بولاً فلا أثر للعلم بل لا يتحقّق علم إلى غير ذلك من الشرايط التيترتبط بمسئلة تحقق العلم بالتكليف .

بقي هنا أمر لابدّ من التنبيه عليه وهو لزوم الموافقة الالتزاميّة ومانعيتها عن جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي وعدمه . فنقول للموافقة الالتزامية يمكن أن يكون معاني . فانه قد يراد منها التصديق بنبوّه النبي وانه صلّى اللّه عليه

وآله صادق القول فيما أتى به وانه من عند اللّه تبارك وتعالى . واخرى يراد بها لزوم الانبعاث عن البعث والانتهاء عند نهيه واستحقاق العقوبة على مخالفته . وثالثة يراد بها البناء والالتزام القلبي على كون التكليف حقّا ثابتا مضافا إلى العلم

بذلك وهذا بعد عدم ارتباط لها بمسئلة الموافقة للتكليف والاتيان بالواجب وترك الحرام فانه غير مرتبط بالالتزام لجواز الاتيان بما هو واجب وان لم يلتزم بوجوبه وترك ما هو حرام بلا بناء قلبي والتزام على كونه حراما ويكون الداعي له الخوف مثلاً .

أمّا المعنى الأوّل . فلا ريب في عدم كونه مرتبطا بمسئلة امتثال التكليف بل هو من لوازم الايمان وبدونه لا ايمان فلا معنى للبحث عن وجوبه وعدمه . كما ان المعنى الثاني أيضا لا وجه له . وما يمكن أن يقال بوجوبه ولزوم الالتزام به هو المعنى الثالث فانه يمكن العلم بوجوب الواجب وحرمة الحرام ومع ذلك لا يلتزم به ولا يبني عليه ولا يعتقده وهو بهذا المعنى لا دليل عليه عقلاً ولا نقلاً اذ لا يلزم

سوى الموافقة للتكليف فعلاً عملاً خارجا أمر آخر ولا عليه دليل .

في الموافقة الالتزاميّة

ص: 142

ثمّ انه لو فرض وجوب الالتزام به فهل يجب في أطراف العلم الاجمالي

ويمنع منه جريان الأصول أم لا ؟ لا اشكال في انه على فرض مساعدة الدليل على وجوبه في أطراف العلم الاجمالي لا يمنع وجوب الالتزام عن جريان الأصل لو لم يكن مانع من جهات اخر كما اذا دار الأمر بين الواجب والحرام فيمورد واحد حيث لا يكون هنا إلاّ حكم العقل بالتخيير تكوينا فانه اما أن يفعل أو يترك ولا ثالث لهما قطعا .

ويمكن الاشكال في جريان أصل عدم الوجوب وكذا عدم كونه حراما لعدم الأثر . ومع الغض عن هذا الاشكال لا وجه لمنع الموافقة عن جريان الأصول لكون وجوب الموافقة التزاما لو قلنا به غير مرتبط بجريان الأصل ( معلوما ) في أطراف المجمل اذ ما يجب موافقته هو الالتزام بالواقع على ما هو عليه وما يجري فيه الأصل غير ذاك فلا ربط لأحدهما بالآخر . إذ لا يجب الاعتقاد بأحد طرفي المعلوم بالاجمال كي ينافي جريان الأصل فيه لعدم وجوب الالتزام بالتكليف أو بضدّه تخييرا لما في الالتزام بأحدهما بخصوصه من احتمال عدم كون الواقع هو ذاك فيكون الالتزام بضدّ التكليف واعتقد حرمة ما هو واجب واقعا أو وجوب ما هو حرام كذلك .

توضيح وتبيان قد سبق البحث في ان العلم الاجمالي كالتفصيلي في المنجزية لا يجوز ارتكاب أطرافه اذا تعلق بالحرام ولو بترخيص من الشارع لكونه علّة تامّة في لزوم الاجتناب وحرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة ولو ورود الترخيص من الشارع كان كاشفا عن عدم كون التكليف على تقدير كونه في الطرف المرخص فيه فعليّا ( اذ حينئذٍ يمكن اجراء الأصل في

ص: 143

الطرف الآخر لكونه شبهة بدوية ) هذا تمام الكلام في مباحث القطع .

الكلام في مباحث الظن

قد عرفت في صدر العنوان والورود في مباحث القطع ان الكلام في ثلاثة أبحاث وقد تمّ مباحث القطع . فالمقام الثاني في الظن وقد وقع الكلام في امكانالتعبّد به من الشارع بعد ان لم يكن بنفسه كالعلم طريقا ذاتيّا لا يمكن فيه الجعل اثباتا ونفيا .

ثمّ انه حصل الكلام في المراد بهذا الامكان هل هو الامكان الذاتي أو الوقوعي وعدم لزوم محذور في ناحية العقل والشرع والعرف .

وكيف كان فمرادنا بالامكان هو عدم لزوم محذور من ناحية جعله والتعبد به اذ استشكل في ذلك بلزوم تحليل الحرام أو تحريم الحلال والتصويب وتفويت الملاك وبقاء الحكم بلا ملاك ولزوم اجتماع المتنافيين أو الضدين وإلى ذلك يرجع اشكال ابن قبة المعروف . لكن قبل ذلك في المقام اشكال آخر لو انحلّ لكان مجال لورود الاشكالات الأربعة من ابن قبة . والا فلا تصل النوبة إلى الاشكال بشعبه الأربع . وهو ان الشارع في مقام الجعل والتعبد بالظن ( كالامارات والطرق العادية مثلاً ) هل تعبدنا بخصوص المصيب من الطرق والامارات أو الأعم منه ومن غير المصيب . فان كان قد تعبدنا بخصوص المصيب كما هو مقتضى المذهب من عدم الموضوعيّة في الطرق والامارات لانها ليست الا طرقا وبطلان التصويب بالاجماع فلا يفيد لعدم العلم بخصوص المصيب .

وفي صورة الشك في ان هذه الاماراة مصيبة أم لا لا يمكن التمسّك بها

ص: 144

لكونه من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة . واذا علمنا بكونها مصيبة فلا حاجة لنا إلى الامارة بل العبرة بالعلم . وان كان الجعل للأعم من المصيب وغيره فيندفع هذا الاشكال لكن يرد اشكال التصويب وكونه التزاما بخلاف المذهب واصول المخطئة .

وعلى كلّ حال فلا فائدة في جعله وتعبّده بالظن .

لكن قد يقال في مقام دفع الاشكال بعدم الالتزام بكون الامارات وجعلهاعلى الموضوعيّة والسببيّة . بل نلتزم بالطريقيّة فيها والجعل والتعبد لخصوص المصيب دون غيره وفي مورد غير المصيب لا يكون إلاّ انشاءات صورية لا واقع لها .

ثمّ انه يترتّب على الجعل الشرعي وتعبّدنا بخصوص المصيب تنجز الأحكام الواقعيّة التي هي تكون مورد الامارات المصيبة ونعلم بمنجزيتها وان الشارع يريدها في ظرف مصادفة الامارة للواقع كما في ساير موارد العلم الاجمالي فهذا يحقّق لموضوع الاحتياط في أطراف دائرة الامارات بالأخذ بها لكونها منجزة للاحكام الواقعيّة على فرض المصادفة . وليس كذلك الاحتياط الشرعي فانه يشكل تصويره لكونه على فرض اصابته للواقع فيلزم اجتنابه واقعا كما لو كان المال المشكوك انه ماله أو مال غيره مال الغير والا فلو كان لنفسه فلا يحرم عليه ولذا عبّر الشيخ قدس سره في رسائله(1) عن الاحتياط الشرعي بالحكم الجعلي النفسي لا الطريقي اذ الاحتياط في المقام هو الاحتياط العقلي الحاصل في جميع موارد العلم الاجمالي بالتكليف .

في التعبّد بالظن

ص: 145


1- . فرائد الاُصول .

واستشكل سيّدنا الاستاذ قدس سره بكون الانشاء صوريّا في غير مورد المصادفة لكن لا مجال لانكار اندفاع محذور اللغوية بذلك الا ان الاشكال يرد من ناحية اخرى وهو انه انما يصح اجراء قواعد العلم الاجمالي في المقام لو لم يكن من دوران الأمر بين المحذورين واما مع احتمال الحرمة وعدم اصابة الامارة للواقع بل اصابتها بخلافها وضدها كما اذا كان الحكم الواقعي هو الحرمة والمؤدّي هو الوجوب فلا مجال للاحتياط كما ان الأمر لابدّ أن يكون كذلك في ساير مواردالعلم الاجمالي والا فلا فائدة فيه .

والجواب عن هذا الاشكال هو عدم منجزية العلم الا في ما تعلّق به لا بالنسبة إلى جميع الأحكام الواقعيّة بل المقدار المسلم هو تنجز الأحكام الواقعيّة التي تكون في مورد الامارات لو كان الجعل ودليله في موردها وهي مع مورد الشهرات أو خصوص الأخبار على فرض عموم الجعل لعموم دليلها أو خصوصه والا فلو كان العلم الاجمالي في مورد الاخبار موجبا لتنجز جميع الأحكام الواقعيّة ولو خارجة عن موردها ومؤدّاها فاللازم سد باب البرائة الشرعيّة رأسا وهو خلاف ما عليه العمل . فليس الا التنجز في خصوص مورد مورد العلم الدائر مدار سعة الجعل وضيقه . فعلى فرض تأدي الامارة إلى الواجب وكون الحكم هو الحرام في الواقع أو محتمله أو ان ظاهر الخبر الفلاني هو الحرمة ونحتمل الوجوب فلا تنجز للحكم الذي لم يؤد إليه المؤدي فلا محذور في مخالفته هذا كلامه قدس سره .

لكن لا يخفى ان هذا الكلام انما يتمشى بناء على جعل الطريقيّة كما يذهب إليه صاحب هذا المبنى وان كان يلتزم بعدم قابليّة السببيّة والشرطيّة والجزئيّة

ص: 146

والمانعيّة للجعل . لكن الطريقيّة قابلة للجعل في مورد الظنّ أو مطلق الامارات واما بناء على مذهب من لا يرى الا الحكم التكليفي بوجوب الموافقة لمؤدى الامارة أو مبنى عدم انجعال الطرق بل هي طرق عقلائيّة فلا يتمّ . الا ان الغرض مجرد تصحيح التعبد بالظن شرعا وانه لا مانع منه وانه ممكن ومع ذلك يرد عليه الأخذ بالأخبار حتى في مورد النفي ولا يختصّ العمل بخصوص مثبتاتها بل العمل على مثبتها ونافيها وهو لا يناسب هذا المبنى . كما انه لا وجه للمعارضة عليه أيضا بين الأدلّة .ثمّ انه يكون مجال للاشكال المنشعب إلى أربع شعب وهو ان مؤدّى الامارة المخالفة للواقع اما ان يكون هو الحكم الفعلي فلو كان واجبا والواقع حراما وهو واجب فيلزم تحليل الحرام وبالعكس وان كان عن ملاك . وعليه فيلزم بقاء الحكم الواقعي بلا ملاك كما انه لو كان لكل منهما الملاك فيلزم التخيير بينهما . كما انه يلزم اجتماع المثلين في مورد الاصابة والضدّين والمتنافيين في غير موردها ويلزم تفويت الملاك على المكلّف فيما اذا كان واجبا وأدّى الخبر إلى غير الواجب كالمباح مثلاً .

وأجيب عن اشكال التفويت بوجود هذا القدر في مورد العلم الوجداني لكنه . فيه انه فوت لا تفويت . وانما يلزم التفويت فيما اذا كان المكلف بطبعه كان يصل إلى الواقعيّات بالطرق العادية والعقلائيّة والشارع بجعل الظن طريقا قد فوت عليه الواقعيّات وجعله في مخالفتها وفوات الملاك منه وهو انما ينحصر بمورد انفتاح باب العلم بحيث يمكن تحصيل العلم والا ففي صورة انسداد بابه في حال حضوره علیه السلام أو غيبته بحيث يقع في مخالفة الواقعيّات أزيد من ذلك فلا مانع منه بل

ص: 147

في المقام قد حفظ ملاكات لم تكن محفوظة لو لا الجعل . كما ان الفوت كان يلزم بطبعه ولو لم يكن للشارع جعل تعبد بالعمل بالظن وان مصلحة التسهيل النوعيّة تقتضي الجعل لمطلق الامارات لتقدم مصلحة النوع على الشخص عند الشارع وهنا مجال للمصلحة السلوكيّة على ما ستطلع عليها .

تكميل وتوضيح: قد ذكرنا توجه الاشكالات على حجيّة الظن وفي ذلك لا فرق بين المباني التي التزم بكل منها طائفة . فانه سواء قلنا بمبنى تتميم الكشف أو جعل المنجزيّة والمحرزيّة أو قلنا بكون الطريقيّة كالحجيّة قابلة للجعل أو التزمنا بما قاله بعض المحققين من ما عرفته من العلم الاجمالي وكون احتمالمصادفة الامارة منجزا للواقع . اذ يرد على ذلك كلّه اشكالات تنقسم على طائفتين . فطائفة ترجع إلى الاشكال الملاكي وهو لزوم التصويب لو كان قيام الامارة موجبا لحصول المفسدة أو المصلحة في المتعلق أو انه يشترط في الأحكام الواقعيّة عدم قيام الامارة على الخلاف مع الالتزام بالواقع . وتفويت المصلحة والالقاء في المفسدة وكون الحكم بلا ملاك لو كان مؤدّي الامارة مستوفيا لملاكه ولو كان كالواقع موجبا للمصلحة وواجدا لها فلازمه كونه في عرضه وجعل المولى التخيير وان كان يمكن الجواب عن الأخير بأنّه حيث ان جعل الامارة في طول الواقع وظرف الشكّ فلا يمكن التخيير خصوصا اذا فرض العلم بالواقع فلا مورد للمؤدى وان كان اطلاق الواقع شاملاً لحال قيام الامارة . والطائفة الثانية ترجع إلى الخطاب وهي لزوم اجتماع المثلين فيما وافقت الامارة للواقع والضدّين فيما اذا خالفت .

اما اشكال تفويت الواقع على المكلف بجعل الامارة فقد اجيب عنه بلزوم

اشكال جعل الظن حجّة

ص: 148

الفوت في العلم الذي حجيته ذاتية . لكنه لا مجال لهذا الجواب بعد ان لم تكن حجيته مجعولة نفيا واثباتا ولا يمكن للمولى الردع عن متابعة قطعه ولو خالف الواقع بخلافه في المقام حيث انه يستند الفوت إلى المولى وان كان لولاه لكان يلزم ذلك الا انه لا يصحح تفويت المولى للمصلحة .

واعلم ان الاشكال إنّما يتوجّه في حال الانفتاح كما ذكرنا . اذ في ذلك الحال يمكن للمكلّف تحصيل العلم بالواقع لو لم يجعل له الامارة وليس المراد حصول العلم الفعلي بالواقعيّتات إذ حينئذٍ لا معنى للجعل والتعبّد بالامارة بل المراد امكان تحصيل العلم بالواقع . فالاشكال يتوجه في هذا الفرض الذي يمكن المكلّف من حصول العلم على القائه في مخالفة الواقع وتفويت المصلحة عليه .وأمّا اشكال التصويب فله صور ثلاث فانه تارة يراد به التصويب الذي قال به الاشاعرة واخرى الذي يقول به المعتزلة وهو لا اشكال في امكانه عقلاً وثالثا يراد به المصلحة في السلوك على ما سنبين .

أمّا الأوّل وهو التصويب الأشعري فان لا يكون للواقع بما هو هو حكم ثابت بل يدور الحكم مدار قيام الامارة ومجرد قيامها يكون موجدا للملاك تكوينا مستتبعا لجعل الحكم على طبقه ان حراما فحرام وان واجبا فواجب وهكذا وهذا ممتنع عقلاً .

وأمّا الثاني فلا دليل على امتناعه عقلاً حيث انه لا انكار للأحكام الواقعيّة فيه وانما قيام الامارة على الخلاف موجب لانقلاب الحكم أو ان الأحكام الواقعيّة مشروطة بعدم قيام الامارة على الخلاف . الا ان الاجماع والنصوص(1) على

ص: 149


1- . الوسائل الباب 4/2 من أبواب مقدّمات العبادات .

بطلانه ولو لاها لم يكن ممتنعا في نفسه .

والثالث: أن لا يكون قيام الامارة موجبا لانقلاب الواقع ولا وجود الحكم مشروطا بعدم قيام الامارة على الخلاف ولا قيامها موجدا للملاك . بل الأحكام الواقعيّة على ما هي عليها يستوي فيها العالم والجاهل كما هو مفاد جملة من الأخبار(1) ولكن فيما اذا أدت الامارة بخلاف الواقع فيكون المولى قد تدارك المصلحة الفائتة بمقدار فوتها بسلوك الامارة وهذا مشروط ببقاء المكلف على عدم انكشاف الخلاف لديه إلى الموت الذي ينتفي به الموضوع . والا فيما اذاانكشف الخلاف فلابدّ من تدارك ما يمكن تداركه وهو معذور بسلوك الامارةوالحاصل انه اذا أدت البينة على تعيين اول الوقت وقد صلى الظهر مثلاً أو عدم دخل شيء في الصلاة ولم يكن كذلك في الواقع فالمكلّف قد فاتت منه مصلحة الصلاة في الوقت بسلوك الامارة فاللازم تداركه بهذا المقدار اذا انكشف له الخلاف بعد الوقت وان كان في الوقت فبمقدار وقت الفضيلة لو كان الانكشاف بعد فوته . وهكذا ولا مانع منه . بل يمكن الالتزام به هذا . ولكن يبقى الاشكال في المحرمات كما اذا قامت الامارة على حلية الكشمش المحشو بالارز وأمثاله أو ان هذا المايع ليس بخمر فشربه وأكل ذاك فقد وقع في المفسدة ولا تدارك له . وليس كما في الموسعات التي يمكن التدارك . الا انه يمكن الجواب بعدم فوات الواقع في الموارد الباقية اما المورد المرتكب له فقد فات ولا بقاء لموضوعه فلا اشكال .

ص: 150


1- . الوسائل 1 الباب 4/2 من أبواب مقدّمة العبادات .

واعلم ان المصلحة السلوكيّة على ما ذكرنا عن المحقق النائيني قدس سره (1) في ما اذا خالفت الامارة للواقع يمكن تصويرها في الواجبات كما سبق وفي المحرّمات فقد عرفت الاشكال فيها من ناحية الوقوع في المفسدة فاين التدارك . وقد سبق الجواب عن هذا الاشكال من امكان الخروج عنه بعدم بقاء الموضوع فلا مورد للتدارك عن الفائت . نعم لا بأس في الباقي من موارد الابتلاء لكن ليس تصويبا بل هو لو فرض توجهه تفويت الواقع ولكن الكلام في المصلحة السلوكيّة والتدارك وانه بعد ما فرض عدم مصلحة في المؤدّى على فرض بطلان التصويب وعدم انقلاب الواقع بقيام الامارة على خلافه وعدم ايجاد القيام ملاكا للحكم فأيّ مصلحة في السلوك المجرّد عن الواقع والاعتماد عليه . اذ ليس من قبيل ما وردفي الرجوع عن غير طريق الذهاب الذي ورد فيه(2) انه ارزق مع اشتراكه مع الرجوع من طريق الذهاب في الايصال الى الواقع لعدم ادراك الواقع على تقدير المخالفة رأسا . وكيف يمكن الالتزام بتدارك المصلحة لو كان في الواقع واجبا وادت الامارة إلى حرمته أو بالعكس بل يكون المقام من قبيل ما يقال من الموارد التي تكون المصلحة في نفس الامر وعدم المصلحة في المتعلق . غاية الأمر يكون قيام المصلحة بنفس الأمر ولا مصلحة في فعل المكلف لحصولها حسب الفرض بأمر المولى بخلاف المقام لقيام الاعتماد به لأنّه فعله وأي مصلحة في السلوك وأي تدارك منه بحسب ما فات من المكلف من الاعتماد على الامارة فان كان بمقدار فضيلة الوقت فبحسبه وان كان في أصل الوقت فبقدره ولو كان في تمام

في المصلحة السلوكيّة

ص: 151


1- . فوائد الاُصول 3/95 الى 97 .
2- . وسائل الشيعة 7 الباب 36/1 - 2 من أبواب صلاة العيد .

العمر فكذلك . اذ لا يكون غير مصلحة الانقياد للمولى الحاصل في فرض المصادفة وعدمها فيكون في صورة المخالفة قد فات منه الواقع فلا وجه للالتزام بالمصلحة السلوكيّة على هذا الوجه ولذلك اضطربت كلمات المحقّق النائيني في دوراته على حسب ما نقله سيّدنا الأستاذ رحمهم االله .

فتارة يلتزم بالمصلحة السلوكيّة على ما عرفت وفي دورة اخرى يعدل عنها إلى مصلحة التسهيل ثمّ الاشكال فيها بأنّه لو وصل إلى حد العسر والحرج فيرفع بهما والا فيفوت الواقع من المكلف لكون مصلحة التسهيل نوعيّة لا يتدارك بها مصلحة الشخص الفائتة . وحينئذٍ فيكون التفويت قبيحا حتى انه لا مجال لاحتمال صدوره . وذهب في الدورة الأخيرة إلى امكان استلزام جعل الطرق والامارات لحفظ عدد من الواقعيات لم يمكن ضبطه بالعلم وعدم الجعل ( اذ ليس المراد منالعلم هو العلم الفعلي بل هو امكان تحصيله من المكلف والا فلا معنى للامارات وغيرها في طرف العلم ) كما لو فرض حصول المخالفة للواقع في فرض العلم في موارد خمسة والامارة يخالفها في ثلاثة موارد فانه وان كان التفويت في المقام بخلاف العلم لأنّه الفوت لا التفويت ولكن بالنسبة إلى الموردين يكون الامارة قد حفظا بها بخلاف العلم فانه اذا احتملنا هذا وكان ممكنا يكفينا الخروج عن محذور تفويت الواقع وقبحه ولو احتملنا كون الاصابة من الامارة في موارد مهمة بالنسبة إلى موارد خطأها فيها وفي العلم كان الأمر بالعكس فيحتمل فوات الأهم بسبب الامارة لكنه احتمال كاحتمال احتفاظ الواقعيّات أكثر من العلم . فعلى هذا لا يبقى مجال للاشكال من ناحية التفويت كما انه لا مجال لاشكال التصويب .

فظهر بما ذكرنا عدم توجه الاشكال من حيث الملاك .

ص: 152

أمّا الاشكالات في ناحية الخطاب . اما اجتماع المثلين على تقدير

المصادفة فليس باشكال نعم اشكال اجتماع الضدين وطلبهما له مجال . الا انه مبنى على جعل الحكم في مورد الامارات واجتماعهما والا فعلى مبنى الطريقيّة وجعل الاحراز خصوصا لو فسرنا بانجعال الطرق أو تتميم الكشف وبالجملة على المباني المتكي عليها في الامارات غير ما يلتزم فيها بجعل الحكم الظاهري لا مجال للاشكال مع احتفاظ الواقع . وانما الخلاف في اصابتها وعدمها . والا فالواقع محفوظ في كلتا حالتي العلم والشك فلا يتوجه اشكال بقاء الحكم بلا ملاك أو التصويب لو كان غير باق على حاله . فالاشكال لو توجه فانها هو في الاصول خصوصا غير التنزيليّة اما في مورد الامارات فقد عرفت انّا في راحة عن الاشكال والجمع بين الحكم الواقعي والظاهري لعدم جعل للحكم في موردها . ثم ان الجمع بين الحكمين على فرض الالتزام بجعل الحكم بتعدد الرتبة غير مجد مالم يرجع الى تعدد الموضوع .

تتميم لا يخفى ان المصلحة السلوكيّة على نحو يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع ( لا معنى لها ) لاشتراك صورة الموافقة للمخالفة في الامارة في الانقياد وحصول الاعتماد عليها وسلوكها . فلو كان شيء يترتب على ذلك فيشتركان فيه ولا يختص بصورة المخالفة ويزيد صورة المصادفة حصول الواقع للمكلف وعود المصلحة إليه وعدم وقوعه في مفسدته بخلاف صورة المخالفة فليس فيها الا ما يترتب على السلوك فقط وقد فاته ما للواقع فاين التدارك حتى يتدارك بالسلوك ما فاته من مصلحة الواقع ان قليلاً فقليلاً وان كثيرا فكثيرا .

نعم يمكن أن يقال بفوت كلتا المصلحتين في صورة العلم ومخالفته للواقع

جواب اشكال الخطاب

ص: 153

لأنه لا واقع ولا سلوك على الامارة بل متابعة للعلم المخالف للواقع الذي لا يترتب عليه شيء بخلاف مخالفة الامارات للواقع فانه يترتب على متابعتها مجرد ما يترتب على السلوك والاعتماد عليها . اما الواقع فيفوته في كلا المقامين وهذا فرق بين مخالفة العلم والامارة .

ثمّ انه يمكن انكار موضوع التفويت للمصلحة أو قبحه وانه يمكن أن لا يكون للواقع تلك المثابة من الأهميّة بحيث يوجب جعل الاحتياط لحفظه حتى في مرحلة الشكّ فيه وانما اللازم حفظه من ناحية جعل الحكم وانشائه من ناحيته بحيث لو علم به ينبعث على وفقه ويتحرك بتحريكه وليس قد فوت عليه في مورد جعل الامارة والطريق شيئا ولا يمكن الحكم بذلك لعدم علمنا بأن مورد قيام الامارة على الترخيص والاباحة أو مجرى أصلها كان حراما أو واجبا ويكون قد فات منه مصلحة الواجب ووقع في مفسدة الحرام لاحتمال كونه كذلك في الواقع وانه هو الترخيص مع انه لو كان حراما أو واجبا ورخص الشارع فيه فليس لهتلك الأهميّة سواء قلنا بكون الأحكام مجعولة أو هي عبارة عن الارادات المبرزة فانه اذا لم يكن علم ولا ابراز فلا احراز للارادة ولا يجب على المكلف الاحتياط .

نعم لو أراد الشارع حفظه في هذه المرحلة فيوجب عليه الاحتياط والا فيحفظ الواقع من ناحية جعل الحكم والخطاب .

فتبين بما ذكرنا عدم لزوم تفويت على المكلف وانه لا مجال للاشكالات الملاكية رأسا .

وبما ذكرنا ونذكر في رفع التنافي بين الترخيصات الشرعيّة في مجاري الاصول يظهر المراد من الامكان المبحوث عنه في صدر البحث لجعل الظن طريقا

ص: 154

حجة وانه عبارة عن الامكان الوقوعي الذي هو بمعنى عدم لزوم محذور من سنخ هذه المحاذير .

بقي الكلام في رفع التنافي بين الخطابين واشكال اجتماع المتنافيين والمثلين . لكنك قد عرفت عدم توجه الاشكال في ناحية الامارات لعدم جعل فيها للحكم بل ليس الا الاحراز والطريقية بلا جعل للحكم فان أصاب الواقع فهو والا فالحكم على حاله .

نعم يتّجه الاشكال في الاصول الشرعيّة كاصالة الحل والاباحة وأمثالهما ممّا يجري في موارد الشبهات الأعم من الحكميّة والموضوعيّة وان الواقعة المشكوك حكمها حلال واقعا بهذا العنوان وان الخمر المجهول المشكوك بهذا العنوان مباح واقعا وتقييد حرمته بصورة العلم بانه اما أن يلزم التصويب على تقدير عدم فعليّة الحكم الواقعي في ظرف الشكّ أو الالتزام بعدم استحالة اجتماع الضدين والمتنافيين من الوجوب والحرمة وانه لا محذور فيه .

وقد اجيب عن الاشكال بوجوه ربما تزيد على خمسة منها كون أحدالحكمين واقعيّا والآخر ظاهريّا .

ومنها الجمع بتعدد الموضوع بكون موضوع الواقعي الواقع بما هو هو والظاهري الواقع المشكوك ولكنه وان لم يمكن اجتماع الشك في رتبة الواقع الا ان اطلاق الحكم الواقعي يشمل حالة الشك فكيف يمكن التوفيق .

ومنها ما ذهب اليه المحقّق النائيني قدس سره ممّا سنشرحه . ومنها عدم التنافي بين الوجوب والحرمة وغيرهما من الأحكام الا في ظرف المحركية والأثر الفعلي بأن يكون أحدهما باعثا له نحو الفعل والآخر نحو الترك .

وجوه الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري

ص: 155

اما اذا لم يكن كذلك بل لا بعث لأحدهما لعدم المعلوميّة فلا تنافي بينهما إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في المقام ولا يصح واحد منها في مقام رفع التنافي .

تكميل: قد عرفت عدم توجه الاشكال في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري في الامارات لعدم الالتزام بالحكم الظاهري في موردها بل حالها حال العلم فان أصابت فهو والا فليس الا المعذورية بلا ترتب جعل حكم ظاهري ولا اشكال الجمع بينه وبين الحكم الواقعي والتوفيق بينهما .

نعم كما سبق يتوجه الاشكال في الاصول الشرعية كجعل الحل في اصالة الحل وجعل ساير الأصول الشرعيّة في مورد الشكّ على أنحائها . فانه لو ورد الترخيص بالحلية أو بالبرائة الشرعية لأدلّة البرائة كحديث الرفع مثلاً فان كان الحكم في الواقع هو الحرمة فيكون من اجتماع الضدين وان لم يكن الحكم الواقعي في هذا الحال فيتوجه اشكال التصويب واختصاص الأحكام بالعالم بها .

وأجيب عن الاشكال تارة بما سبق من الجمع بينهما بكون أحدهما واقعيا والآخر ظاهريا وأنت ترى ما في هذا الجواب حيث ان الاشكال يتوجه بكلا شقيهعليه . فان كان الحكم الواقعي موجودا في ظرف الشك فيكون من الاجتماع والا فالتصويب واخرى بتعدد الرتبة وتقدم رتبة الواقع على رتبة الحكم الظاهري المجعول فى ظرف الشك .

ولا يخفى ان تعدد الرتبة لا يجدى في رفع الاشكال ما لم يرجع الى تعدد الموضوع ولا يمكن تعدد الموضوع بأخذ موضوع الحكم الظاهري هو الشك بلا فرق بين أخذ الشكّ موضوعا تقييديا أو يكون حيثا تعليليّاً لترتب الحكم على

ص: 156

نفس الواقع والموضوع وثالثة بعدم تضاد الأحكام الا في مقام البعث والتحريك وان الأحكام ليست كالاعراض الخارجيّة مثل السواد والبياض المستحيل اجتماعهما في مورد واحد ولو من شخصين ومريدين يريد احدهما تسويده والآخر تبييضه بل حالها حال الحب والبغض والارادة والكراهة ولا يمتنع كون شيء واحد محبوبا ومبغوضا في حالة واحدة . غاية الأمر لا بالنسبة إلى شخص واحد بل شخصين أحدهما يريده والآخر يكرهه ويتصف بالنسبة للمريد بالمحبوبيّة وللآخر بالمبغوضية .

ويشكل بانه على فرض كون الاحكام لم تكن على نهج الاعراض الخارجيّة ولم يمتنع اجتماع الارادة والكراهة في مورد واحد بالنسبة إلى شيء واحد الا انه يمتنع في المقام لكونه اما محبوبا أو مبغوضا لعدم التعدد في طرف النسبة .

ومن ذلك يظهر اشكال الجمع بين الحكمين بالانشائي والفعلي مع عدم استلزام تعلق العلم بالحكم الانشائي لوجوب المتابعة والامتثال .وذهب المحقق النائيني قدس سره (1) في المقام إلى تعدد الرتبة وتصوير الخطابالمتمم .

توضيحه: بتلخيص وتحرير منا ان متعلق الحكم الواقعي الواقع بما هو هو ومتعلق الاحتياط هو الحكم المجعول على الواقع ويكون وجوب الاحتياط أحد أقسام الخطاب المتمم الثلاثة لكونه اما متمما للشمول كما في خطاب دخل قصد القربة في العبادات لعدم شمول الخطاب الأول له أو ينتج ايجابا مقدميا كما في

جواب اشكال الحكم الواقعي والظاهري

ص: 157


1- . فوائد الاُصول 3/114 إلى 118 .

الخطاب المتمم في المقدمات المفوتة واما أن يكون الخطاب متمما للمنجزية وجهة التحريك والبعث . وخطاب ايجاب الاحتياط هو القسم الأخير ولكن من حيث انه ليس خطابا نفسيا بل طريقيا متمما ففي ما اذا لم يكن هناك حكم بالتحريم في الواقع فلا مورد للخطاب المتمم وليس الحكم هو الحرمة .

نعم في مورد كون الحكم هو الحرمة يكون مقام الخطاب المتمم بالاحتياط كما انه لو قدمنا أخبار البرائة على أخبار الاحتياط وقلنا بالبرائة الشرعية في الشبهات فلا يمكن اجتماعها مع الاحتياط في رتبته وفي عرضه فكما ان ايجاب الاحتياط موضوعه هو الحكم المجعول على الواقع الذي هو الموضوع لخطاب الحكم الأول الذي هو موضوع ايجاب الاحتياط . كذلك البرائة رتبتها متأخرة عن رتبة الواقع ويكون موضوعها هو الحكم الواقعي المجعول على الواقع فلا يكون الحكم الظاهري في مورد حكم الواقع وفي رتبته بل لكلّ موضوع يخصه .

ويرد عليه ان الحكم الظاهري وان لم يصعد إلى رتبة الحكم الواقعي لكن الحكم الواقعي لا مانع من نزوله وشموله لمورد الشك . ومع ذلك كيف يمكن الجمع والا فيتوجه اشكال التصويب وهناك أجوبة اخرى لا طائل تحتها الا ما ذكرهبعض المحققين قدس سره (1) ورتب له أربع مقدمات لا يهمنا الا التعرض لاثنتين منها لأنهما العمدة في ما ذهب إليه .

احداهما كون متعلق الأحكام هي الذوات لا بوجودها الخارجي .

والثانية ان الخطاب لا يحفظ الواقع الا من جهته وانما يمدّ المكلف بهذا القدر واما حفظه من ساير الجهات فليس مرتبطا بأصل الجعل والخطاب وسنحققه

ص: 158


1- . نهاية الأفكار 3/60 إلى 67 .

إن شاء اللّه بما فيه .

وذكر سيدنا قدس سره ان الكل يذهبون إلى شيء واحد وانما يتخيل في بادى النظر ان ما يقوله أحدهم غير ما يقوله الآخر لكن ليس كذلك . نعم الطرق مختلفة .

توضيح وتبيين: ربما يدفع اشكال الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بعدم كون مؤدى الامارات احكاما بل هي ليست الا طرقا لو صادفت الواقع فهو والا فالمكلف معذور كما انه يلتزم في مورد الاصول التنزيلية كالاستصحاب بانه لا يكون في مورد استصحاب الطهارة فيما اذا لم يكن متطهرا واقعا حكم واقعا ولا ظاهرا بل الموجود صورة الحكم .

لكنه كما ترى . ثم انه تصدى بعض الأعاظم(1) للجمع بينهما بنحو آخر يرجع إلى تعدد الموضوع بتعدد الرتبة وقد رتب لذلك مقدمات سبق التعرض لاثنتين منها وتوضيح ذلك . ان الأحكام لا يمكن أن تكون متعلقة بالوجوادت الخارجية حيث انها موجودة وطلبها يكون طلب الحاصل .ولا يمكن أن يكون معروضها هي الوجودات الذهنية بما هي هي وبما انهامفاهيم لعدم قيام الملاكات بها وكذلك الماهيات بما هي في حيال ذاتها . بل الذي يكون متعلق الارادة والأحكام انما هي الوجودات التصوريّة الذهنيّة لا بما انها كذلك بل بما انها مرآت لما في الخارج بحيث يفرض كانها الخارجيات ويتحقق بذلك الكسب والاكتساب ويتلون الخارج بلون العنوان والعنوان بلون الخارج ويقال ان الصلاة الخارجيّة مرادة كما يطلق على العنوان انها الصلاة وتقوم بها المصلحة ولا يمكن تعلق الأحكام بالوجودات الخارجيّة لكونها ظرف فنائها

جواب بعض المحقّقين

ص: 159


1- . نهاية الأفكار 3/60 إلى 67 .

وسقوطها ولا يمكن بقاء الأحكام فيها .

ولا يسري الحكم من متعلقه إلى الموضوع الخارجي أو باصطلاحنا بمتعلق الحكم أو بمتعلق متعلقه لو كان أمرا خارجيّا ويستحيل اطلاق الخطاب والحكم لحال امتثاله واتيان متعلقه كما يستحيل التقييد .

الثانية ان اختلاف الموضوع تارة يكون بنحو الاطلاق والتقييد وهذا لا يوجب تعدد الموضوع واختلاف الرتبة لرجود المطلق في أقسام الماهية الثلاث ولا يكون عدم لحاظ شيء معه ملحوظا فيه . والا فلا يمكن انطباق المطلق على المقيدات ووجوده معها . ومن ذلك لا يكون استعمال المطلق في المقيد مجازا . واخرى يكون على غير نحو ( الوصف ) والقضيّة الوصفيّة بل يكون من القضايا التعليليّة كما في القضايا الشرطيّة الطلبيّة كاكرام زيد المعلق على مجيئه فالمجيء يكون علّة لوجوب اكرام زيد وهذا مخالف رتبة لذات زيد لكون العلة علة للحكم وموضوعا له وكذلك الشك فالقضية المشكوك حكمها يكون الشك علة لثبوت الحل على المشكوك حكمها لا انه بعنوان الوصف بكونه مشكوك الحكم . بل الموضوع هو ذات المشكوك والشك حيث تعليلي لا التقييدي فرتبته متأخرة عن رتبة الواقع المشكوك حكمها الذي صار الشك في حكمه علة للحكم الظاهري .وعلى هذا فموضوع الحكم الواقعي هو ذات الموضوع وموضوع الحكم الظاهري ذاته في رتبة متأخرة عن الشكّ ولهذا لا يمكن اجتماع الحكمين في مورد ولا يتحقق لهما مجمع فالحلية الظاهرية ليست في رتبة الحرمة الواقعيّة ولا انه يكون موضوعهما واحدا فما ورد فيه الترخيص هو موضوع الحكم الظاهري وما هو الواقع فليس بمنجز .

ص: 160

وفائدة الحكم الظاهري هو الترخيص وجعل الحلية الظاهريّة .

والحاصل: بما ان متعلق الأحكام ليست هي الماهيات والذوات بوجودها الخارجي ولا المفاهيم ولا الصور الذهنيّة بما هي هي . بل بما هي مرآت للخارجيّات بنحو يرى انها الخارجيّات ويدعى انها كذلك وبهذا يكتسب كلّ من العنوان والمعنون لون الآخر لقيام الأثر بالخارج فيصح نسبته إلى ما في الذهن وإلى المرآت كما ان الطلب والارادة لا يتعلقان حقيقة بالخارج لما ذكر ويصحّ نسبتهما إليه للاكتساب .

ويمكن الاشكال في الاكتساب ولا يمكن وجود الخطاب والحكم في ظرف حصول المتعلق ووجوده خارجا لاستحالة التقييد بوجوده كاستحالة الاطلاق بل الخطاب بذاته يقتضي الامتثال لكونه معلولاً للخطاب ولا يمكن أخذه في متعلّقه أو تقييده أو الخطاب به حتى بنتيجة التقييد . وما ذكرنا من عراء الذات في مقام تعلق الارادة بها عن خارجيتها كما انها عرية في ذاك المقام عن كونها وجودا ذهنيّا بل بما انه مرأة للخارج بنحو يرى انه هو وليس بالنظر الحقيقي التصديقي . كذلك قضية الحمل في القضايا الحمليّة واثبات شيء لشيء حتّى المحمولات الأوليّة من الوجود والعدم . فالماهيّة في مقام حمل أحدهما عليها ليست مأخوذة موجودة مقيدة به وإلاّ فيلزم حمل الشيء على نفسه كما انها ليستمركبا للمحمول بقيد انها معدومة لاستحالة اجتماع النقيضين بل تجرّدت عن كليهما ويحمل أحدهما عليها على ما هو شأن لحاظ الماهيّة وتشأنها نفسها في صقعها حيث انه يرتفع النقيضان في ذلك الصقع ثمّ في مقام حمل المحمولات المترتبة على الوجود يحمل المحمولات المترتبة على الذات الموجودة . واذا

تتمّة الكلام

ص: 161

عرفت ذلك وعرفت ان أخذ الشك حيثا تعليليّا موجب لتعدد الرتبة على ما هو الشأن في القضيّة الشرطيّة لا بنحو الوصف . بل بنحو التعليل لامكان انطباق المطلق على المقيد في الوصفيّة وتحقّق الجمع لها بخلاف التعليليّة ( كما هو مبناه في المقدمة الموصلة ) وهذا هو مراده من ايجاب الموصلة بنحو القضية الحينيّة .

علمت تعدد الموضوع في ما نحن فيه من الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري وان موضوع الأول هو الذات بلا لحاظ الشك في حكمها وموضوع الثاني هو الذات المشكوكة على نحو تعليليّة الشك لحليتها الظاهريّة . وعلى هذا فلا يتوجه اشكال التضاد لعدم تحقق مجمع لهما أصلاً لا لكون متعلّق أحدهما هو الخارج وللآخر هو الصورة الذهنيّة بلحاظ المرآتية لأنّها الخارج كما ان اشكال الملاك وتفويته يندفع بما بينه في المقدمة الثالثة من ان شأن المولى سد باب العدم للمتعلق من ناحية جعل الخطاب فالستر والطهور وساير ما يتعلق بالصلاة الخارجيّة تحصيلها من وظيفة العبد وجعل الخطاب اذا علم به المكلف ينبعث فيه في ظرف تعلق ارادته وظيفة العبد الظاهر بل الحق ( وظيفة المولى ) . هذا .

ولا يخفى انه لا مجال لانكار المقدمة الاولى كما عليه المحقق النائيني(1) بل بنى على ذلك امكان الترتب وتصويره لعدم اطلاق الخطاب لمرحلة امتثالهومعلوله بل انما يقتضي بنفسه الامتثال والاطاعة ولا يكون موجودا في ظرف متعلقه كما ان عدم التعلق في رتبة وجوده لاتحاد رتبة النقيضين . وحينئذٍ فلا مانع من أخذ ترك شيء موضوعا لحكم آخر ولا يجتمعان أصلاً بل موضوعهما مختلف ولا مطاردة بينهما لعدم اتّحاد الرتبة . فهذا الذي يقوله المحقّق النائيني وبنى عليه

ص: 162


1- . فوائد الاُصول 3/11 وما بعده .

الترتب هو مرجع المقدّمة الاولى في المقام . فاما أن ينكر الترتب ويلتزم بمقالة المحقّق الخراساني(1) أو انه لابد من التزامه بما بنى عليه في المقام وهو قدس سره أيضا لا ينكر ذلك بل يرى متعلق الأحكام ما ذكره هذا المحقّق لا المتعلق الخارجي وكيف كان فعلى هذا المبنى لا يتوجه الاشكال رأسا .

توضيح وتتميم: سبق بيان تعدد الموضوع في الحكم الواقعي والحكم الظاهري وان موضوع الأوّل هو المتعلّق بما هو هو بلا لحاظ حيث تعليليّة الشكّ في الحكم له وموضوع الثاني المتعلق المشكوك حكمه لا بنحو الوصف بل الذات المجرّدة لكن الشكّ علّة للحكم الظاهري والحلية عليها . وبهذا يتعدد الموضوع بخلاف أخذ الشكّ في الحكم جهة وصفيّة لعدم تعدّد الموضوع عليه لكونه من قبيل المطلق والمقيد وقد حقّق في محلّه عدم أخذ الارسال والتجرد عن القيود قيدا في الماهيّة كي تكون في قبال الماهيّة المشروطة بشيء .

نعم لو كان كذلك يتعدد الموضوع ويكون موضوع الحكم الواقعي هو

الماهيّة المأخوذة فيها قيد الارسال وموضوع الظاهري هو الماهيّة بشرط شيء وهو كونها مشكوكة الحكم . الا انه خلاف التحقيق وعليه بنى عدم مجازية استعمال المطلق في المقيد وان استعمال الرقبة فيها اذا قيدت بالمؤمنة يكونحقيقة مستعملة في معناها الحقيقي بل المطلق هو الماهيّة المجرّدة حتى انه لم يلاحظ فيها التجرد عن القيود كما ارشد إلى ذلك قول القائل:

نه بدام قيود قيد شدم *** نه باطلاق نيز صيد شدم

تعدّد موضوع الحكم الواقعي والظاهري

ص: 163


1- . كفاية الاُصول 1/217 - 218 .

وانه مبنى المحققين المحقّق الخراساني(1) وآقا ضياءالدين العراقي(2) الذي كلامنا في المقام في بيان مراده قدس سره . وليس الاطلاق مأخوذا في مفهوم الماهيّة لما ذكر في محلّه من اشكال عدم انطباقه على الخارجيات بل يكون موطنه العقل وقد بينا في مباحث المطلق والمقيد ان استعمال المطلق في المحمولات (المقولات) الثانية وفي أنحاء المحمولات الخارجيّة على حدّ سواء بلا لحاظ تجريد فيه أصلاً . وعلى كلّ حال فالقضيّة الوصفية لا تفيد في المقام لأنه وان كان الموضوع فيها متعدّدا في الرتبة لتأخر الحكم الظاهري عن موضوعه الذي هو الشك في الحكم الواقعي الذي هو موضوعه نفس الذات والمتعلق فموضوع الحكم الظاهري متأخر عن موضوع الواقعي بأزيد من مرتبة الا انه لا يفيد تعدد الرتبة ما لم يتعدد الموضوع بخلاف أخذ الموضوع ذات المتعلق على نحو يكون الشكّ علة للحكم كما في القضايا الشرطيّة من نحو أكرم العالم إن جائك وان الموضوع هو ذات زيد أو العالم ولا يكون الوصف المأخوذ علّة دخيلاً في الموضوع على نحو تقيده به بأن يكون موضوع الاكرام هو زيد الجائي على نحو ما يقوله المحقق النائيني(3)والا فيرجع إلى قيد الموضوع ولا مجال لاستفادة المفهوم كما يقوله اذ على مبناه يرجع كلّ شرط إلى الموضوع وكلّ موضوع يرجع إلى الشرط وحينئذٍ فلا مجاللأخذ المفهوم لكون التعليق عقليّا . وهذا بخلاف ما اذا أخذنا الموضوع هو ذات المتعلق وكان ظاهر الأدلة كون الشك علّة لثبوت الحكم الظاهري والحلية على موضوعه فلا يتوجه الاشكال أصلاً كما ان اشكال

ص: 164


1- . كفاية الاُصول 1/376 .
2- . نهاية الأفكار 2/560 وما بعده .
3- . فوائد الاُصول 1/482 .

الملاك أيضا ينتفي بما بينه في المقدمة الثالثة من تقسيم الامور الدخيلة في حصول المراد في الخارج إلى ما يكون من ناحية المولى وإلى ما يكون من قبل العبد ووظيفته وان الخطاب لا يحفظ المقدّمات الدخيلة الراجعة إلى الخطاب دون ساير المقدمات . ثمّ اذا لم يمكن استكشاف الملاك من الخطاب الا بهذا النحو الذي لا يكون الواقع فيه محفوظا الا بمقدار اقتضائه فلا ينافيه الترخيص الظاهري على خلافه وعلى ذلك بنى في المقدمة الموصلة كما انه يبني عليه الترتب والا فلا مجال لتصوير المجمع للحكمين فيتضادان ويتخالفان .

هذا ملخّص مرامه قدس سره في الأصول العمليّة غير الاستصحاب اما فيه فيلتزم بأنّه إذا صادف الواقع فهو والا فلا جعل ولا طهارة ظاهريّة ويلتزم(1) في الامارات بما التزم به المحقّق النائيني قدس سره من عدم جعل الحكم الظاهري وانه ليس الا الطريقيّة فان أصاب فهو والا فليس الا المعذوريّة واعترف سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن الجمع بين الحكمين الظاهري والواقعي بما بنى عليه في غاية المتانة لا غبار عليه الا ان الاشكال لو كان ففي المبنى . اذ يمكن الاشكال في المقدمة الاولى ويقال هذا الوجود التصوري الذي يدعى انه الواقع والخارج وليس كذلك لا يمكن أن يكون متعلق الحكم اذ لو كان هو متعلقه فحاصل لا معنى لطلبه والوجود الثاني أيضا يكون غيره حتى انه بالتصور الثاني غير الأول فلا معنى لكونالمطلوب هو الوجود التصوري والمفهوم .

ولكن لقائل أن يقول: ننقل الكلام فيه وانه موجود أو معدوم وعليه يترتب الاشكالات في تعلق الارادة بالوجود الخارجي . كما انه يمكن الاشكال في

الاشكال في المبنى

ص: 165


1- . كفاية الاُصول 2/44 .

متعلّق الارادة وانها ليست كالاعراض اللازم لها التعلق بمورد بعد قيامها بالنفس وكذلك في عدم لحاظ الوجود والموضوع للحكم الظاهري وانه هل لحيث الانتساب إلى العلة دخل في الحكم أم لا . والا فلا يجب في مثل سجدتي السهو وأمثالهما قصد الوجوب من ناحية سبب مخصوص لعدم امكان أخذ الانتساب إلى العلّة في معلولها وان المعلول متأخر رتبه فليس إلاّ الوجود المجرّد بلا لحاظ اتّصافه بالعلّة .

ويرد عليه انه لا يمكن لحاظه لا مقيّدا ولا لا مقيدا فاما أن يكون لذلك دخل أم لا . ولا يمكن ارتفاعهما فعدم دخل العلّة في الحكم في مثل أكرم زيدا إن جائك وكون الموضوع هو ذات زيد يرد عليه هذا الاشكال . وأمّا اشكال عدم بقاء التصور الذي ينشأ به الحكم فلا يتوجه لكونه أمرا اعتباريّا والأمر الاعتباري بيد من له الاعتبار . فلا مانع من اعتبار وجوب الامتثال من هذا الأمر والارادة ( أقول: قد يرد على ما قرّره سيّدنا الأستاذ قدس سره من تعدّد الموضوع انه بتعدّد الرتبة واذا هو يصرح بعدم اجداء تعدد الرتبة في الوصفية فلازمه انكار اجدائه في التعليليّة لعدم كونه أزيد من تعدد الرتبة فحينئذٍ ليس كما ذكره سيّدنا الأستاذ قدس سره بل في الوصفيّة يكون الذات محفوظة في رتبة واحدة في كلا المقامين بخلاف التعليليّة فيتعدّد الرتبة فيها دونها وأمّا الاشكالات التي أوردها عليه فليست واردة

بل إنّما هي الذهاب يمنة ويسرة ) .كلام آخر ذهب المحقّق الخراساني قدس سره (1) في الكفاية في الجواب عناشكالات جعل الحجيّة للظن وجعل الأحكام الظاهريّة في موارد الأصول إلى

ص: 166


1- . كفاية الاُصول 2/44 - 53 .

جعل الطريقيّة والحجيّة للامارات الموجبة لتنجز التكليف عند المصادفة والعذر عند المخالفة بلا استتباع لجعل الأحكام الظاهريّة في موارد قيامها بالنسبة إلى مؤدّياتها . فلا يلزم الجمع بين الضدين ولا المثلين كما هو واضح . الا ان توضيح الأحكام الطريقيّة وشرحها سيجيء عند التعرض لكلام شيخنا العلاّمة الأنصاري قدس سره .

أمّا الأصول التنزيليّة فحالها حال الامارات أو حال الأصول غير التنزيليّة فلا تستوجب بحثا مستقلاًّ وأمّا الأصول غير التنزيليّة واجتماع الحرمة الفعلية والاباحة الفعليّة الموجبة للرخصة في فعل الحرام أو بالنسبة إلى الواجب والرخصة في الترك . فيذهب إلى مرتبة(1) من الفعليّة بحيث لا يزاحمها ولا ينافيها الترخيص في ترك الحكم الفعلي وهي مرتبة الفعليّة التي لو علم بها لتنجز . فما لم يعلم بها فلا تنجز له ولا مانع من الترخيص في الترك إذا لم يكن الواقع بمرتبة من الاهميّة تستوجب الاحتياط لحفظه ولا يقول بتعدّد الرتبة ولا بكون الحكم الواقعي في مرتبة الانشائيّة والحكم الفعلي والترخيص الظاهري في مرحلة الفعليّة لورود الاشكال عليها على ما سيجيء شرحه ذيلاً بل المدار في فعليّة الحكم الواقعي على فعليّة موضوعه اما على نهج القضايا الحقيقيّة أو على نهج القضايا الخارجيّة المستوجبة للانشاءات المتعدّدة .

وعلى كلّ حال فالحكم لا يتخلف عن موضوعه كما ان الموضوع محال أنيكون بلا حكم للخلف والناقضة . بل الموضوع والحكم كالعلّة والمعلول لا يكون بينهما إلاّ الترتب الرتبي دون الزماني فحينئذٍ بفعليّة الموضوع يكون الحكم فعليّا

حال الاُصول التنزيليّة وغيرها

ص: 167


1- . كفاية الاُصول 1/52 .

سواء علم به المكلف أو جهل به لعدم اشتراط الفعليّة بالعلم ولا كون الأحكام على الموضوعات المعلومة كالخمر المعلوم . بل الأحكام يشترك فيها العالم والجاهل وهي مجعولة على نفس موضوعاتها سواء علم بها أو بنفس الأحكام المكلّف أو جهل . غاية الأمر اذا علم المكلف بالحكم فلا يمكن الترخيص على الخلاف للتنجز الفعلي من قبل العقل بوجوب المتابعة ومعه لا مجال للترخيص على خلافه وهذه هي المرتبة الفعليّة التي لا مجال لورود الترخيص أصلاً بخلاف المرتبة التي لم يعلم بها المكلف في فرض فعليّة الحكم . فانه وان كانت فعليّة الحكم محقّقة الا ان البعث غير محقق لعدم قبح مخالفة التكليف الواقعي بما هو واقعي بل القبيح مخالفة التكليف المنجز وفي صورة فعليّة الحكم والعلم به وان كان ليس في المبدأ الأعلى الا العلم بالصلاح والفساد ولكن في النفس النبوي أو الولوي ينقدح الارادة والكراهة بالالهام أو بغيره . وفي فرض فعلية الحكم الواقعي وعلم المكلف به فلا يمكن اجتماع الارادة والكراهة والحب والبغض بالنسبة إلى مورد واحد .

نعم في فرض عدم الفعليّة المنجزة اذ لا بعث فلا مانع من الترخيص على خلافه لعدم لزوم محذور ولا يستلزم ذلك التصويب للالتزام بالحكم الفعلي بمعنى انه لو علم به لتنجز . وهذا بخلاف الفعليّة المنجزة فلا يمكن اجتماع الأمرين من الكراهة والارادة والحبّ والبغض . كما انه لا يكون هناك تفويت اذ أرخص في المخالفة ولم يوجب الاحتياط لعدم وصول المصلحة والمقتضى في مرحلة تقتضى ايجاب الاحتياط .

وأمّا عدم التزامه بالحكم الانشائي فلعدم لزوم تعلّق العلم به شيئا فضلاً عنالجهل فلا معنى لكون الحكم الواقعي هو الانشائي والترخيص الفعلي هو الحكم

ص: 168

الفعلي اذ رجع في المقام عن ما بنى عليه في غيره من تصور مراتب أربع للحكم كما انه لم يلتزم بتعدّد الرتبة لأنه وان كان الحكم الظاهري متأخّرا رتبة عن موضوع الحكم الواقعي لكن يشمل اطلاق الحكم الواقعي لصورة الجهل به فلا يجدي تعدّد الرتبة .

هذا ملخّص كلامه قدس سره وأنت ترى انه لا يتوجه عليه عدم معنى لهذا الحكم الفعلي وانه أي شيء ولا معنى لتعدّد المراتب للحكم إذ ليس الا انشاء الحكم وفعليّته وفعليته بفعلية موضوعه فلا معنى للحكم الانشائي . اذ هو قدّس سرّه لم يلتزم في المقام بالحكم الانشائي كما انه لم يلتزم بكون الأحكام مجعولة على نهج القضايا الخارجيّة بل لا يوجد في كفايته مورد يمكن أن يستدلّ به على كونها كذلك بل مشى في مقامين بما لا يمكن توافقه إلاّ مع كونها مجعولة على نهج القضايا الحقيقيّة ولا معنى لا شكال المحقّق النائيني قدس سره عليه بعدم تصوير مرتبتين للحكم الفعلي لأنّه إمّا أن يكون في حال الجهل حكم مجعول على المكلّف أم لا إذ هو قدس سره لا ينكر الفعليّة في صورة الجهل بل إنّما إنكاره للفعليّة المنجزة التي لا يمكن الترخيص على خلافها ولا يتوجه أيضا اشكال تفويت المصلحة واشكال اجتماع الضدين أو المثلين .

نعم لو توجه عليه فهذا الاشكال الأخير اذ في فرض جهل المكلّف إمّا أن يكون محكوما بالحرمة أم لا فان أنكر الحرمة فذاك هو التصويب وإلاّ فكيف يمكن اجتماع الحرمة الفعليّة مع الحليّة المجعولة على هذا المشكوك حكما أو موضوعا فان دفع هذا الاشكال فلا يتوجه عليه اشكال آخر وإلاّ فيمكن التوقف من قبل مبناه .

الدفاع عن كلام المحقّق الخراساني

ص: 169

وأمّا ما دفع به الاشكال المحقّق النائيني في أدلّة الرفع وانه يرجع إلى رفع الاحتياط لا إلى رفع الحكم الواقعي وإلاّ فيكون هذا الحديث من أدلّة التصويب فلا يتمّ أيضا على ما سنبيّنه في محلّه إن شاء اللّه .

عود على بدء: قد عرفت الاشكالات المتوجّهة في المقام وتصدّي المحقّق النائيني قدس سره إلى دفعها ولم(1) يرتض الأجوبة الثلاث التي اجيب بها عن الاشكالات كتعدّد الموضوع وتعدّد المحمول واختلافه وكون الحكم الواقعي انشائيّا والظاهري فعليّا .

أمّا الأوّل فلأن موضوع الحكم الواقعي هو ذات الموضوع بلا طرو عنوان الشكّ في الحكم أو الموضوع وموضوع الحكم الظاهري هو الموضوع المشكوك فلا تصادم بين الحكمين لاختلاف الموضوع .

وردّه المحقّق(2) النائيني بأن في صورة الشكّ إمّا أن يكون الحكم الواقعي موجودا متحقّقا أو لا . فان كان فيلزم الاجتماع وإلاّ فيلزم التصويب . إذ لا يعقل الاهمال في لب غرض الواقع . فالحكم امّا مطلق يشمل العالم والجاهل ولو بنتيجة الاطلاق أو مقيد بخصوص العالم ولا يشمل الجاهل ولا يعقل تصور ثالث لا يكون عليه مطلقا ولا مقيّدا . فاذا كان الحكم الواقعي موجودا في حال الشك والجهل فيلزم محذور اجتماع الحكمين المتخالفين ويعود المحذور ولا يصلح مجرّد تعدّد الموضوع والاختلاف في رفع الاشكال . كما انه بما ذكرنا يظهرالاشكال في جواب تعدد المحمول واختلافه . وان المحمول في الأوّل هو الحكم

ص: 170


1- . فوائد الاُصول 3/100 إلى 103.
2- . فوائد الاُصول 3/100 إلى 103.

الواقعي وفي الثاني هو الحكم الظاهري الاان المحتمل ارادة قائله غير ظاهره وإلاّ ففساده واضح . ويمكن نظره إلى اجتماعهما وعدم تضادهما بأن يكون الحكم الواقعي هو الحرمة أو الحلية غاية الأمر في ظرف الشك رخص المولى في مخالفة الواقع لعدم محذور خطابي واعتقادي في ناحية المكلف ولا في ناحية المولى بعد انضمام مقدمة اخرى إليه وان ليس من اللازم عليه حفظه في ما لم يكن الواقع بتلك المثابة من الأهميّة . بل له الترخيص في المخالفة وليس منجّزا لعدم علم المكلف .

أمّا الوجه الثالث من الجواب وهو الانشائي والفعلي فان للانشائي نحوين من الجعل لأنّه إمّا أن يراد به جعل الحكم على طبق الملاك من الوجوب والحرمة وساير ما يقتضيه الملاكات . ثمّ ينظر انه يتبدل الملاك بحصول الموانع وفقدان بعض الشرايط والعثور على ما لم يلتفت إليه حين الجعل . أو مجرد المقتضى للجعل والحكم ولا ثالث لهذين القسمين . وفي كليهما الاشكال بعدم المعقوليّة وعدم الصحّة حيث انّ المولى إمّا أن يحيط بجهات المصالح والمفاسد ومقتضيات الحكم أو لا . فان لم يكن فلا يمكن له الجعل مضافا إلى عدم كون العلم بالملاك علما بالحكم ولا وجه لتسميته الملاك حكما .

هذا . لكن المحقّق الخراساني قدس سره لم يذهب في المقام إلى الانشائي والفعلي .

نعم في بحث الاجتماع ذهب(1) إلى ذلك حيث بنى على عدم الاجتماع

لوحدة المتعلّق وان الواحد وجودا واحد ماهية ولا يمكن أن يتعدّد .

وعلى هذا فاما أن يكون محكوما بحكم الحرمة أو الحلية في مورد اجتماع

الحكم الانشائي والفعلي

ص: 171


1- . كفاية الاُصول 1/250 - 252 .

الغصب والصلاة ) وليس التركيب انضماميّا كما يقول به المحقّق النائيني(1) بل التركيب اتّحادي فهذا التصرف غصب وصلاة . ولابدّ اما أن يغلب جانب الأمر أو النهي وحيث ان بنائه على الامتناع يشكل عليه الأمر في صحّة الصلاة حال الغصب فيجمع بالانشائي والفعلي وان حرمة الغصب انشائي بخلاف الصلاة فانه فعلي كما ان الشيخ الأنصاري قدس سره ربما يظهر منه الجمع بالانشائي والفعلي حيث يذهب إلى تقديم اصالة عدم الحجيّة على استصحابها بمناط تقديم القاعدة على الاستصحاب لكون جريانه راجعا إلى تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد فالاجوبة الثلاث كلّها ساقطة .

ثمّ صار بصدد تشييد ما ذهب إليه من الطريقيّة وعدم الجعل في الامارات بل كلها امضائيّة وطرق عقلائيّة .

والمحقّق النائيني قدس سره بعد ايراد الاشكالات على الأجوبة الثلاثة دفع الاشكال(2) بوجه آخر وانه انّما يتوجه الاشكال في الأمارات لو قيل بجعل المؤدى فيها وانها أحكام ظاهريّة فانه لا يخلو لب الواقع من تقييد الأحكام الواقعيّة بعدم قيام الامارة على الخلاف وعدمه فان كان الأوّل فيلزم التصويب المعتزلي المجمع على بطلانه اما التصويب الذي يقول به الأشاعرة فهو غير معقول فلا يقبل التخصيص في مورد أو أزيد كما في التصويب المعتزلي حيث دلّ الدليل على موارد في الشبهات الحكميّة والموضوعيّة أو انه لا تكون مقيدة بل مطلقة ولوبنتيجة الاطلاق وقد وردت على ذلك عدّة أخبار ذكرها في الوسائل(3) وبعضها

ص: 172


1- . فوائد الاُصول 1/424 - 425 .
2- . فوائد الاُصول 3/103 وما بعده .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

في مقدمات الحدائق(1) يستفاد منها اشتراك العالم والجاهل في الأحكام وانه ما من واقعة الا وله فيها حكم وليس فيها لفظة يستوى فيها العالم والجاهل ولم يذكرها صاحب الرسائل فالنسبة اليه لا أصل لها ) .

فاذا كانت الأحكام يستوي فيها العالم والجاهل فالحكم الواقعي في مورد الامارة والاصول القائمة على خلافها موجود . وحينئذٍ فلو كانت الامارة يجعل على طبق مؤداها الأحكام فيلزم اجتماع الحكمين الواقعي والظاهري ولابدّ من رفع المحذور بخلاف ما اذا لم يكن في مورد الامارات حكم مجعول فانه لا يلزم محذور الاجتماع بل الامارات انما جعل لها المحرزية واعطيت اياها والشارع تمم كشفها اذ تنالها يد الجعل ولو امضاءً كبعض أنحاء الأحكام الوضعيّة وبعضها تناله يد الجعل تبعا لا اصالة وبعضها الآخر قابل للجعل اصالة كالملكيّة والحريّة وأمثالها والوسطيّة والاحراز والطريقيّة من الأحكام الوضعيّة قابلة للجعل .

الا ان مختار المحقق(2) النائيني قدس سره في الامارات انها أحكام امضائيّة ليست طرقا جعلية تعبديّة بل هي كساير الأحكام العقلائيّة ليست تنزيليّة ولا بنائيّة ولا انها رجائيّة ولا احتياطيّة لعدم قابليّة هذه العناوين في مورد خبر الثقة بل ربما يكون الاحتياط والرجاء على الخلاف .

نعم في بعض الموارد يكون مقام الاحتياط والرجاء حسب اختلاف الأنظار والمقامات وليس مبنى حجيّة خبر الثقة والأخذ بقوله وبقول العادل بل منباب حصول الاطمينان والعلم العادي النظامي . وكيف يمكن أن يكون خبر الثقة

في مختار المحقّق النائيني في الامارات

ص: 173


1- . الحدائق الناضرة 1/85 وبعده .
2- . فوائد الاُصول 3/106 - 108 .

بعدم وجود اللّصوص في الطريق الفلاني أن ينزل العقلاء وجود اللّص منزلة عدمه وسلب الأموال منزلة عدمه والقتل منزلة عدمه بل يحصل لهم الاطمئنان .

نعم لو كان المخبر يحصل له الاشتباه فيحتاج إلى اصالة عدم النسيان والاشتباه والغفلة فتكون النتيجة تابعة لاخس المقدمات ولا يكون الخبر حاصلاً منه الجزم والاطمئنان والعلم العادي وهذا اشكال لابدّ من الجواب عنه .

لكن هذا غير ما ذهب(1) إليه الشيخ قدس سره من انتزاعيّة الطريقيّة من الحكم التكليفي وان المجعول في باب الامارات هو وجوب العمل بخبر العادل والثقة وتنزع منه الطريقيّة كما ذهب إلى ذلك في باب الزوجيّة وانه تنزع من عدّة تكاليف مترتبة على الزوج والزوجة اذ ربما ينتزع الحكم الوضعي من حكم واحد تكليفي في مورده وربما تنزع من عدّة امور .

أجاب المحقّق النائيني قدس سره عن الاشكال المتوجه على جعل الامارات والطرق من ناحية اجتماع الحكمين كما سبق بعدم كون المجعول في باب الامارات الا الطريقيّة والوسطيّة في مقام الاثبات على نحو الترديد بين جعل ما ليس بمحرز محرزا وطريقا وبين تتميم كشف ما هو كاشف بحسب طبعه وامضاء كشفه المستلزم لتتميمه وعلى هذا فلا يلزم تعدد الحكم ولا الاجتماع كما انه لا يتوجه ساير الاشكالات المرتبطة بالملاك . وهذا بخلاف ما ذهب إليه الشيخ قدس سره من عدم كون الطريقيّة مجعولة بل ليس المجعول الا الحكم التكليفي بوجوب العمل بمؤدّى الامارة وينتزع منه الطريقيّة وهذا يحتمل رجوعه إلى تنزيل المؤدّى وأحسن ما بيّن مذهبه في ان المجعول ما هو ما قاله في مبحث الانسداد من كون

ص: 174


1- . فرائد الاُصول 2/601 وما بعده .

المجعول هو الهوهويّة . واستشكله المحقّق النائيني(1) بعدم المعقوليّة فانه ان كان الواقع محقّقا فلا معنى لجعل الهوهويّة وإلا فيكون عبارة عن تنزيل المؤدّى أو ترتّب الأثر .

وكيف كان فدفع قدس سره اشكال اجتماع الحكمين المتضادين بعدم كون المجعول في باب الامارات هو الأحكام . بل هي الطريقيّة والوسطيّة للاثبات فانها قابلة للجعل وان لم نقل بتعلق الجعل بعدّة من الأحكام الوضعيّة كالسببيّة والشرطيّة والمانعيّة الا ان الطريقيّة قابلة للجعل وسيتضح في المقام الثاني في بيان تعيين المجعول صحّة هذا المبنى وفساده كما سنتعرض في المقام الثالث لأدلّة اعتبار الامارات وكيفيّة لسانها ودلالتها ومقدارها ونتعرض لمفاد كلام المحقّق القمّي من الخدشة في دلالة أدلّة اعتبار خبر الثقة من الأخبار والآيات والاجماع من ان غاية ما يستفاد منها الظن بالحجيّة ولا حجيّة في هذا الظن ويختار الانسداد . هذا في الامارات واما الأصول فيختار في التنزيليّة منها ما اختاره الشيخ قدس سره في الأمارات وانه الهوهويّة فان أصاب الواقع وصادفه فهو والا فلا حكم بل ليس المجعول في الأصول التنزيليّة الا المرحلة الثالثة من القطع وهو مقام الجري العملي والحركة على وفق القطع .

وعلى هذا فمقتضى القاعدة هو عدم الاجزاء في صورة انكشاف الخلاف

كما نقول به ويقول هو قدس سره بمقتضاه بخلاف الطهارة من الخبث فانه ليس لواقعها

دخل فلهذا لا اعادة في ما اذا انكشف وقوع الصلاة في النجاسة بخلاف الحدثيّة فيعيد فالمختار في الأصول التنزيليّة هو الابقاء عملاً على آثار المتيقن وأمّا

عدم الاجزاء إذا انكشف الخلاف

ص: 175


1- . فوائد الاُصول 3/109 .

الأصول غير التنزيليّة كاصالة الحل ورفع ما لا يعلمون فلا اشكال في الجارية منها في الشبهات الموضوعيّة . انما الاشكال في ما يجري منها في الشبهات الحكميّة كما هو الميزان في مثل حديث الرفع بالنسبة إلى الشبهات الموضوعيّة أيضا لرجوعها إلى الحكميّة باختلاف منشأ الشك . وانه تارة اجمال النص أو تعارض النصين أو فقدان النص واخرى الأمور الخارجيّة ويختار في المقام تأخّر رتبة الشكّ والعلم عن أصل الحكم الواقعي . حيث ان الأثر ليس لواقع الحكم لعدم تأثيره بوجوده الواقعي في شيء بل لابد وأن يكون بالعلم مؤثّرا فحينئذٍ يكون رتبة التأثير والتحريك متأخّرة عن رتبة العلم الموجب له كتأخّر رتبة العلم والجهل عن أصل المعلوم .

ثمّ ان المولى ربما يتمّم جهة خطابه من حيث الوصول فيما إذا كان له الأهميّة بخطاب متمم كايجاب الاحتياط بل ينحصر به وهذا أحد أقسام المتمّم فانّ منه ما يكون متمّما للملاك ومنه ما يكون متمّما للوصول فخطاب ايجاب الاحتياط متمّم للخطاب الاولى المتكفّل للحكم الواقعي وباعتبار كون الملاك في الخطابين واحدا يكونان في حكم خطاب واحد لكون المناط في وحدة الحكم وتعدّدة وحدة الملاك وتعدّده . وعلى هذا فخطاب ايجاب الاحتياط متأخّر عن أصل الحكم الواقعي الذي يحفظه بجعل الشارع لعدم تصييره الجاهل عالما تكوينا بل الكلام في ( التشريع ) ويكون هذا الخطاب خطابا نفسيّا ظاهريّا لكون موضوعه الشكّ والتعبير بالطريقي غلط بل ينافيه سياق كلامه واستدلاله قدس سره وحيث

ان رتبة ايجاب الاحتياط متّحدة مع البرائة . واختلاف مفاد اخبار البرائة والاحتياط غير مرتبط بالأحكام الواقعيّة بل التعارض إنّما هو بينها فرتبة البرائة

ص: 176

واصالة الحلّ أيضا تكون متأخّرة عن رتبة الحكم الواقعي ولا يجتمع الحكمان .الا ان المحقّق النائيني قدس سره دفع اشكال اختلاف الرتبة . وانه لا يجدي شيئا لتوجه اشكال التصويب على فرض عدم وجود الحكم الواقعي في رتبة الحكم الظاهري واجتماع الحكمين المتضادين على فرض وجوده . وبمقتضى ما سبق لا يمكن الخروج عن عدم وجود الحكم في ظرف الشكّ لوجوده ولو بنتجة الاطلاق يكون اصالة الحلّ وأمثالها ليست أحكاما حقيقيّة كي يلزم الاجتماع ولا يجدي اختلاف الرتبة بل هي ترخيصات . ولكن هذا أيضا لا يجدي شيئا كما انه قدس سره دفع ما يرد عليه في عدم كفاية اختلاف الرتبة من عدم صحّة الترتب الا باختلاف الرتبة بالفرق بين اختلاف الرتبة في المقام وفي بحث الترتب حيث انه لا يمكن الالتزام بعدم وجود الحكم الواقعي في رتبة الشكّ والحكم الظاهري في المقام للتصويب . فلابدّ من وجود الحكم الواقعي ولو بنتيجة الاطلاق بخلاف باب الترتب حيث انه يمتنع فيه الاطلاق والتقييد لكون الخطاب بنفسه وبذاته يقتضي التحرّك من قبله والانبعاث عنه وليس هناك الا أخذ رتبة الامتثال والعصيان لخطاب الأهم موضوعا لخطاب المهم فلا محذور فيه .

الكلام في مقام الاثبات

قد أسلفنا انّ بعد البحث عن المقام الأوّل والجواب عن اشكال الملاك والخطاب يقع الكلام في المقام الثاني وان المجعول في باب الطرق والامارات ما هو ثمّ النظر ثالثا في أدلّتها في مقام الاثبات ووفائها بذلك وعدمه وقد قيل في المجعول أقوال شتّى:

في مقام الاثبات

ص: 177

منها: الطريقيّة ومنها: تنزيل المؤدّى وترتيب الأثر ومنها: الحجّيّة ومنها: الامضاء والارشاد إلى ما في الطريقة العقلائيّة ومنها: جعل الحكم التكليفيووجوب العمل على وفق قول الثقة .

أمّا الأخير فلا اشكال في حدّ نفسه في امكان الجعل له كساير الأحكام التكليفيّة كما ان الطريقيّة ليست بقابلة للجعل لأنّه إمّا أن يكون طريقا أو لا . فان لم يكن طريقا بنفسه فلا يمكن اعطائه تعبّدا لعدم قابليّة غير الطريق بكون التعبّد يكون طريقا وذلك غير معقول .

نعم لو اريد من جعل الطريقيّة ما يترتّب عليها من ترتيب الآثار والمعاملة معه معاملة الطريق التكويني وما هو طريق ذاتا فهو شيء آخر فيكون المجعول حينئذٍ الأمر بتنزيل المؤدّى منزلة الواقع وترتيب الأثر . فهذا لا يلتزمون به ويشكل حينئذٍ تقديم الامارات على الاستصحاب وغيره ممّا لسانه لسان تنزيل المؤدّى وترتيب الأثر إلاّ بالأخصيّته وغيرها ممّا قيل كما يشكل الأمر أيضا في اثبات اللوازم والملزومات .

أمّا جعل الحجيّة أيضا فهل هي قابلة للجعل ابتداءا أو انها منتزعة من الامر باتباع شيء ؟ فيه كلام .

نعم يمكن أن يقال انها كالحكومة والقضاوة وغيرهما من الامور التي تنالها يد الجعل كالوكالة والولاية فيجعل أحدا حاكما أو ينصبه قاضيا يترتب على ذلك أثر حرمة نقض حكمه ولزوم اتباعه فيما يحكم به . فيمكن كون الحجيّة أيضا كالحكومة والقضاء يتعلّق بها الجعل ابتداءً وكونها كالمناصب المجعولة كولاية المجتهد الجامع للشرايط بناءً عليه كما انه لا مانع من نظر التوقيع الشريف إلى هذا

ص: 178

المعنى حيث يقول فيه ( فارجعوا فيها(1) الى رواة أحاديثنا فانهم حجّتي عليكموأنا حجّة اللّه سواء كان في مقام جعل الحجيّة لفتوى الفقيه أو لقوله وروايته وان كان خلاف الظاهر . فانه على كلّ تقدير يكون بصدد جعل الحجيّة وانشائها لو لم نقل انه ليس إلاّ امضاء الطريقة العقلائيّة وإنّ الأمر كما ترون وتعتقدون وانه ممضى

عنده الطريقة العقلائيّة .

ثمّ انّه على هذه التقادير يقع الكلام في ان المجعول حجة أو طريقا أو ما أمر بتنزيل مؤدّاه منزلة الواقع .

هل هو في خصوص ما أصاب منها الواقع أو الأعم . وحينئذٍ يقع الاشكال ولابدّ من الجواب . ولا يبعد نظر التوقيع(2) إلى الطريقة العقلائيّة وامضائها لفتوى الراوي للحديث لأنّها من باب الطريقيّة لا الموضوعيّة . وعلى هذا فلا تعبد من الشارع بل يكون خبر الثقة منجعلاً حجيّته لا مجعولاً من قبل الشارع بل ليس منه الا الامضاء لكشفه وطريقيّته كما انه لا وجه لجعل العذر والمنجزيّة ابتداءً لكونهما

من الأحكام العقليّة الراجعة إلى موضوعاتها غير قابلة لجعل التعبدي الشرعي .

بيان: لا يخفى انه لا مانع من تعلق الجعل بالامارة على نحو كونها كالاستصحاب وقاعدة الفراغ أو جعل المؤدّى كالمقطوع . وحينئذٍ فنتيجة ذلك لزوم ترتيب الأثر على الخبر على فرض تعلّق الجعل به وجعله كالقطع أو على المؤدّى على فرض تعلّقه به كما في ترتيب الأثر على القطع والمقطوع وهذا اللسان عين لسان الاستصحاب اذ الأمر بعدم النقض ليس نظره إلى التكوين بل

في كيفيّة جعل الامارة

ص: 179


1- . الوسائل 27 الباب 11/9 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 11/9 من أبواب صفات القاضي .

إلى ترتيب الآثار وابقاء أثر المقطوع والمتيقن . كما لا ريب في عدم امكان تعلق الجعل بالمنجزيّة والمعذريّة لكونهما من الأحكام العقليّة وكذا لا ريب في جوازتعلّق الجعل بالحجّيّة ولكن لا ينفع في ما نحن فيه لأنها اما أن يراد بها كونها كالقضاء والولاية والحكومة من المناصب التي يمكن تعلق الجعل بها وهذا لا معنى لجعله في خبر العادل وكونه ذا منصب . واما ان يراد بها ما يقال في مثل حجيّة الظواهر كما هو الأنسب بالمقام اذ الحجّة ما يمكن أن يحتجّ بها ويستدلّ بها على شيء وبهذا المعنى تطلق على الاستصحاب وانه حجّة ونظائره . وهذا لا معنى لجعلها اذ على الأخذ بها والبناء على حجيّتها عمل العقلاء . وحينئذٍ فليس للشارع الا الامضاء كما انه قد يردع مثل ما ردع في القياس مع ان العلم الحاصل في باب القياس أولى من الظن الحاصل في باب الظواهر أو الأخذ بخبر الثقة ولا يلزم من ذلك كون حجيّة الأخبار جعلية اذ علم كما سبق انه ليس علما قطعيّا وجدانيّا لم يكن فيه شائبة الخلاف بل مشوب باحتمال الخلاف . غاية الأمر ليس معتنى به عند العقلاء فهذا الاحتمال قد يشيّده الشارع كما قلنا وباب القياس من هذا القبيل . فالحجيّة القابلة للجعل لا معنى لتعلّق الجعل بها في المقام لعدم صلاحيّة الخبر لكونها منصبا أو كون العادل ذا منصب وما هو صحيح مناسب للمقام ليس بقابل للجعل لكونه منجعلاً .

وإلى هذا يرجع الطريقيّة والوسطيّة في مقام الاثبات والاحراز كما ان ما يقوله المحقّق النائيني قدس سره (1) من امكان تعلّق الجعل بالحجيّة يريد بها هذا المعنى الذي عرفت انه منجعل وان ما للشارع مجرد الامضاء وتنفيذ بنائهم في الشرعيّات

ص: 180


1- . فوائد الاُصول 3/106 - 107 .

نظير بنائهم في امورهم العاديّة المعاشيّة على العلم العادي النظامي . والا فلا معنى لجعل الاحراز أو اعطاء الكشف لما ليس بحسب ذاته كاشفا ولا محرزا .والحاصل ان أمكن تعلق الجعل بما ذكر من الاحراز والوسطيّة ولو امضاءً ووافق الشارع لبناء العقلاء فهو . وحينئذٍ يكون علما عاديا نظاميا ولا تعرض لأدلّة النهي عن العمل بالظن واتّباعه لهذا العلم العادي النظامي كما لا مجال لأدلّة

حرمة الافتاء بغير علم لهذا والا فينسد باب العلم والعلمي ولا محيص من التبعيض في الاحتياط أو العمل على الظن وقد اعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره بكونه على قيام بناء العقلاء على الأخذ بخبر الثقة مدة مديدة إلى أن تزلزل في أصل القيام وانهم ربما يحتاطون وان شئت فقايس الحال في الشرعيّات بأمورهم العرفيّة النظاميّة في أمر معاشهم خصوصا إذا كان المورد والمقام من موارد تلف الأموال والنفوس فان ثبت بناء العقلاء على ذلك فحينئذٍ يقع الكلام في وفاء الأدلّة الشرعيّة بذلك .

بيان آخر لا اشكال في أن فى باب الطرق والامارات يمكن جعل تنزيل المؤدّى ومرجعه إلى جعل الحكم المماثل كما لا بأس بجعل الوجوب التكليفي الذي ينتزع منه الطريقيّة على ما سنشير إليه وانه يمكن استفادته من بعض أدلّة الحجيّة على تقدير تماميّة الدلالة لها .

وهكذا لا مانع من امضاء ما بنى عليه العقلاء وجرت عليه طريقتهم وسيرتهم في الأخذ بقول الثقة مطلقا وانه بناء على الأخير ليس هناك حكم مجعول من قبل الشارع بل انما له الامضاء في ما يوافقهم ويرى ما يرونه ويردعهم في ما يكونون على خطأ فالحجيّة على ذلك تكون منجعلة لا مجعولة ولو لا اثبات حجيّة الأخبار بأحد هذه الوجوه الممكنة فلابدّ من الرجوع إلى أدلّة

الطريقيّة امضائيّة

ص: 181

الانسداد ومقتضى النظر فيها استنتاج التبيعض في الاحتياط لا حجيّة مطلق الظن سواء على الكشف أو الحكومة لعدم الدليل على شيء في أبواب الفقه يرجع إليه على تقدير عدم حجيّتها اذ لا دليل على أكثر الأحكام الفقهيّة بل الأصوليّةكالاستصحاب مثلاً الا الأخبار وحينئذٍ فلو لم تكن حجّة يلزم سدّ باب الأحكام والرجوع إلى مقتضى دليل الانسداد أو إلى بناء العقلاء والأصول والقواعد التي لا تفي على تقدير تماميتها وعدم الاشكال عليها باثبات شيء وأين حينئذٍ دليل البناء على الأكثر أو الأقل حتّى الاستصحاب وأين الدليل على حجيّة الظن في عدد الركعات حتّى ما يكون الشكّ مبطلاً لها وأين الدليل على قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده إلى غير ذلك .

الا ان بالرجوع إلى أدلّة اعتبار الخبر من الآيات والأخبار يمكن العثور على طريق بل طرق لحجيّتها .

لكن لا وجه للبناء على تنزيل المؤدّي اذ لو كان مؤدّى الأدلّة ذلك فلا يمكن اثبات اللوازم به كما لا يمكن بناء على كون الفقه هو العلم بالأحكام الشرعيّة ( كما هو الحقّ ) البناء على كفاية مطلق الخبر خصوصا مع عدم الظن الشخصي على وفقه فضلاً عن النوعي فضلاً عن الظن على الخلاف اذ لا يناسب حجيّتها من باب بناء العقلاء وحصول العلم وكونه علما مع هذه التخرصات والترددات ولا يكون عدم الخلو من رجحان أو قوة فتوى يمكن الاعتماد عليها كما ان وجوب العمل بخبر الثقة ربما يشكل أمره وتصويره لكن قد دلّ الدليل وورد به الروايات(1) على عدم العذر في ما يرويه عنهم ثقاتهم عليهم السلام بل

ص: 182


1- . الوسائل 27 الباب 11/40 من أبواب صفات القاضي .

أفتى صاحب الوسائل بالارتداد بذلك وقد عيّنوا في موارد كثيرة ثقاتهم وارجعوا الناس إليهم وقد قالوا في(1) حق بعضهم ان عندهم علوم الأئمّة علیهم السلام وانه لولاهملاندرست آثار النبوّة أو صرّحوا بتوثيق جماعة منهم وعينوهم للأخذ عنهم وحينئذٍ فان ثبت ذلك بطريق يكون حجّة فلا يجوز رد الحديث الذي روى أمثال زرارة من الثقات المرجوع إليهم .

غاية الأمر ذلك يستدعي كون خبر زرارة واصلاً إلينا بطريق علمي والا فلا يشمل ذلك قوله علیه السلام (2) لا عذر لأحد في التشكيك . وهم رضوان اللّه عليهم كانوا أصحاب الكتب والأصول وكثيرا ما كانوا يعرضون ما كتبوه من الكتب وجمعوه من الاصول عليهم علیهم السلام وهم يصححونه ويصدّقون بما فيه من انه منهم علیهم السلام الا انه لا يرفع الغليل لأنا على بعد زمان منهم وكلّهم ليسوا بمنصوص على توثيقه من قبلهم علیهم السلام .

ولا يخفى عليك ان مقتضى ما ورد في هذه الأخبار ليس إلاّ بيان كونهم ثقة يرجع إليهم في ما أخبروه من الروايات عنهم علیهم السلام وليس في ذلك ايجاب العمل بقولهم ولا التنزيل من شيء . بل الأخبار بوثاقتهم كما انه يمكن استفادة وجوب العمل بقول الثقة من آية النبأ(3) حيث ان التبين في أمر الفاسق ونبأه بخلاف العادل فانه ليس بأسوء حالاً من الفاسق فلابدّ أن يكون قوله واجب العمل بلا تبين . والآية وان وردت في الموضوعات لكن المورد لا يخصّص الوارد . ووجوب

ص: 183


1- . الوسائل 27 الباب 11/40 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 11/40 من أبواب صفات القاضي .
3- . سورة الحجرات الآية 7 .

العمل ليس نفسيّا بل شرطيّا لجواز العمل كما ان دلالة آية النفر(1) أيضا يمكن أنتتمّ على وجوب العمل ولزوم العمل بأقوال النافرين إلى عشائرهم وأقوامهم لينذروهم كما انه يمكن أن يكون لزوم الحذر من باب حصول العلم العاديبأخبارهم وانذارهم فيكون ارشادا .

والحاصل ان الأدلّة مختلفة الدلالة فبعضها يناسب تنزيل المؤدّى وبعضها يناسب وجوب العمل وآخر ارشاد إلى طريقة العقلاء وبنائهم وباقي الكلام في محلّه .

هذا تمام الكلام في المقام الثاني وهو بيان المجعول .

ثمّ انّه اذا شككنا في حجيّة شيء وعدمها فمقتضى الأصل عدم الحجيّة حيث ان نفس الشك في ذلك تمام الموضوع لعدم ترتيب آثار الحجيّة عليه بلا حاجة إلى استصحاب عدم الحجيّة وسيجيء شرحه وبيانه .

وهنا اشكال آخر وهو انه على فرض عدم الدليل على حجيّة الأخبار كما هو الفرض فلا يمكن أن يكون هذا الأصل هو الاستصحاب ولا اصالة العدم . فهذا انما هو بعد فرض تماميّة استفادة ذلك الأصل من ناحية اخرى غير ما هو بصدد البحث عنه .

تتميم وتوضيح: قد تحصل ممّا ذكرنا ايجاب الشارع للعمل بخبر الثقة الذي يكون خبره في الاصطلاح صحيحا أو موثقا وكذلك الحسن كما سيأتي إن شاء اللّه في محلّه ذكر دليله .

والمستفاد من ذلك هو ما اختاره الشارع من الحكم التكليفي بلا جعل

حكم الشك في كيفيّة الجعل

ص: 184


1- . سورة التوبة الآية 123 .

طريقيّة في البين . لكن في المقام كلام قد سبق إليه الاشارة وهو ان جعل الشارع وايجابه العمل بالأخبار في موارد الصحاح والموثقات والحسان وبالجملة كلما استفيد من الأدلّة وجوب العمل به هل هو مخصوص بما اذا أصاب الواقع أو أعم من ذلك ومن المخالف للواقع . فان كان الثاني فلا يناسب اصول المذهب لبنائه على الموضوعيّة فلا يكون الا في مورد الاصابة للواقع وحيث انه لا يمكننا تميّزالمصيب من غيره فلازمه الاحتياط بمقتضى العلم الاجمالي باصابة عدد من الأخبار للواقع كما هو البناء في العلم الاجمالي في الموضوعات مثل الانائين المشتبه نجسهما بالطاهر فانه يجب الاجتناب عن كليهما خروجا عن مخالفة التكليف الواقعي المنجز بالعلم ولزوما للموافقة القطعيّة كما هو الحق من الملازمة بين وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة وانه ليس للشارع الترخيص في أحد أطراف العلم بالارتكاب . فلو ورد الترخيص يخرج الطرف الآخر عن لزوم الموافقة لاحتمال وجود التكليف في مورده لكونه شبهة بدويّة بعد الترخيص في الطرف الوارد فيه الرخصة في ارتكابه من الشارع . اذ على تقدير كون التكليف في مورده فلا يجب موافقته وفي الطرف الآخر يكون احتمالاً بدويّا كما انه يجب الاجتناب عن الطرف الباقي بعد خروج أحدهما عن الابتلاء . كلّ ذلك بناءً على الملازمة ولزوم الموافقة في المقام نظير الاحتياط الشرعي على تقدير الالتزام به فانه يجب الاجتناب عن المال المشتبه انه له أو لغيره لكن ليس ذلك مطلقا حتّى اذا كان لنفسه يحرم عليه التصرف واقعا بل على تقدير الاصابة لمال الغير وإلاّ فلا يكون حراما . ولازم ذلك كون احتمال انه مال الغير منجزا للتكليف على فرض وجوده وليس من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة . بل على فرض

ص: 185

وجود التكليف يكون هو الواقع وعلى فرض عدمه فلا شيء على المكلف

وباعتبار كونه في صورة المصادفة نفس الواقع فيكون خطابا نفسيّا وباعتبار كونه في مورد الشك يكون ظاهريّا . ويدلّ على نفسيته ان المعيار في تعدد الخطاب ووحدته وحدة الملاك وتعدده . فان كان هناك خطابان عن ملاك مشترك فيكون مرجعهما إلى واحد ويعدّ ان خطابا واحدا وان كان الملاك متعددا فالانشاءات المتعددة تكون خطابات متعددة وبهذا يكون في صورة المصادفة عين الواقع كمايصح بهذا اللحاظ تسميته بالمتمم والخطاب الواقعي بالمتمم اذ هو يكون بيانا له وفي المقام كذلك فان بعد ايجاب الشارع العمل بمؤدّى خصوص المصيب من هذه الامارات مطلقا أو خصوص الصحيح منها أو الموثق والحسن لا عذر للمكلف في صورة المصادفة في ترك العمل بمؤدّياتها . وحيث انه لا علم له بخصوص المصيب منها من غيره فيجب بحكم العقل الاتيان بجميع مؤدّيات الامارات والاخبار المتكفلة للواجبات لاحتمال مصادفة بعضها أو العلم بذلك . وكذلك يجب اجتناب جميع موارد مؤدّيات الامارات القائمة على المحرمات لاحتمال مصادفة بعضها أو العلم بذلك ولا يضر بهذا الاحتمال مخالفة بعضها للواقع أو عدم مصادفة بعضها لأن مجرّد الاحتمال ليس شيئا ولا يكون عذرا في قبال احتمال الاصابة وعدم المعذوريّة في المخالفة على تقدير الاصابة .

نعم لو حصل العلم باداء المتكفل للواجب الى المحرمات أو العكس لكان ذلك موجبا لسقوط العلم الأول ومصادما له في مقتضاه ولو موردا واحدا . لكنه انّى لنا باثبات العلم بذلك ( أورد سيّدنا الأستاذ قدس سره على هذا التقريب بعد امكان تخصيص الكتاب بالامارات بناءً على هذا الوجه لكونه علما اجماليّا يجب العمل

نتيجة الجعل

ص: 186

على وفقه لا انه حجّة شرعيّة مخصص كما انه يكون أمر الشارع بالأخذ بالامارات الموافقة لا فائدة فيه لكفاية العلم الاجمالي بالأحكام في هذا الاحتياط فهذا المبنى أسوء المباني الموجودة في تعيين المجعول في باب الامارات فلاحظ وتدبّر .

تذكر: قد تقدم بيان التقريب المنتج لوجوب العمل بالامارات من باب العلم الاجمالي وكونه منجزا لخصوص المصيب منها بما يمكن غايته . الا ان الاشكال في عدم امكان تخصيص العام الكتابي بمثل هذه الامارات مضافا إلىلزوم تأسيس فقه جديد وذهاب شطر وافر من الفقه . هذا مع لزوم عدم الفائدة في هذا الأمر الايجابي بالأخذ بالامارة لكفاية العلم الاجمالي بوجود أحكام في دائرة خصوص الأمارات سوى العلم الاجمالي الذي هو أوسع من هذا الحاصل في مورد الامارات والشهرات والاجماعات فلا وجه للمصير إلى هذا المبنى .

نعم يمكن تحصيل العلم بلزوم العمل بخبر الثقة من تواتر الأخبار معنى أو اجمالاً الواردة في الموارد المختلفة كما في مثل قوله علیه السلام:(1) « ليس لأحد التشكيك أو لا عذر لأحد في التشكيك في ما يرويه عنّا ثقاتنا أو الوارد في العمري وابنه ( من انّهما ثقتان )(2) أو الوارد في حق بعض منهم ( ان ما يرويان عني فعني يرويان )(3) أو ( انه المأمون على الدين والدنيا ) أو انه خذ معالم دينك

لزوم العمل بخبر الثقة

ص: 187


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 - 4 - 27 - 34 - 35/33 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في بعضها في العبارة .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 - 4 - 27 - 34 - 35/33 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في بعضها في العبارة .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 - 4 - 27 - 34 - 35/33 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في بعضها في العبارة .

من بعضهم إلى غير ذلك أو قوله نعم(1) في جواب سؤاله من ان يونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني ) والمستفاد من هذه الأخبار ونظائرها وجوب العمل والأخذ بخبر الثقة لكنه ليس وجوبا تكليفيّا ينتزع منه الطريقيّة كما انه ليس المجعول حكما نفسيّا بلزوم الأخذ انه ان صادف الواقع فهو الواقع وإلاّ فليس .

بل اما الوجوب الشرطي فيما اذا أراد العمل بالخبر أو الأمر بالغاء احتمال الخلاف والمعاملة مع الامارة معاملة العلم لا انه يكون تنزيلاً للمؤدّى ولا الغاءالشارع لاحتمال الخلاف لكونه يكون تكوينا لا بالتشريع . بل الشارع أمر المكلّف بالغاء احتمال الخلاف وانه كالعلم فلو كان المكلف عالما يرتب أثر الاحراز وغيره على المعلوم كذلك في مورد الامارة بالغاء احتمال خلافها لا انه يجب العمل بالمؤدّى كي ينتج تنزيل المؤدّى منزلة الواقع . كما انه من الممكن عدم مجعول من ناحية الشارع بل الارجاع إلى طريقة العقلاء والعرف على ما يرشد إليه قوله علیه السلام في الرواية السابقة(2) في يونس بن عبدالرحمن من انه ثقة آخذ عنه معالم ديني حيث يستفاد منه ان الأخذ يترتب على كون الراوي المخبر ثقة وانه بناء العقلاء وطريقتهم .

وقوله علیه السلام (نعم) بيان المصداق وانه ثقة لا ان خبر الثقة لازم الأخذ .

وعلى كلّ حال فيمكن استفادة هذا المضمون من الأخبار بخصوصها أو مع الآيات . ومقتضى الأمر بالأخذ ولزوم العمل بالامارة كالعلم المنتزع من ذلك لزوم

كيفيّة وجوب العمل بالخبر

ص: 188


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 - 4 - 27 - 34 - 35/33 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في بعضها في العبارة .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/33 - 34 - 35 من أبواب صفات القاضي .

الأخذ بالامارة وكونها حجة على المكلّف مطلقا حتّى اذا خالف الواقع ولكن بقرينة الاجماع على عدم تغير الواقع عمّا هو عليه بقيام الامارة على الخلاف لا يمكن الأخذ باطلاقها ولو فيما اذا خالف الواقع . فاذا علم مخالفته للواقع فيكون معذورا في ما أتى به في حال الجهل أو في ترك الواقع بخلافه في صورة عدم العلم .

ثمّ انّه قبل النظر في الأدلّة وان المستفاد منها ما ذكر لابد من التكلم في مقتضى الأصلي العملي .

فنقول لا اشكال في عدم جواز ترتيب الأثر بناء على كلّ مبنى فرض فيالمقام سواء كان تنزيل المؤدّى أو الاحراز والطريقيّة أو تتميم الكشف أو غيرها وكفاية نفس الشكّ في الأمر أو الحجيّة أو غيرها من المباني في عدم ترتيب الأثر على المشكوك . حيث انه يكون التزاما واسنادا إلى المولى ما لا يعلم انه منه فيكون افتراءا وتشريعا وهو ادخال ما لم يعلم انّه من الدين فيه . وهو غير مرتبط بالكذب وانه عبارة عن الخبر المخالف للواقع مطلقا أو الاعتقاد أو أحدهما . اذ لا كلام لنا في الكذب بل الكلام في كونه من التشريع كما ورد(1) ( رجل قضى بالحق وهو لا يعلم انه في النار بل العقل حاكم بقبح ذلك وعدم جواز ترتيب الأثر ما لم يعلم بلزومه وجعل الحجيّه وان المخبر ثقة لازم الاخذ أو انه يجب تنزيل المؤدّى منزلة الواقع وحكمه في ذلك في صورة العلم والجهل بمناط واحد . بخلاف الموارد الاخر كباب الضرر والأموال فالعقل يكون ذا حكمين في صورة الشكّ والعلم .

ص: 189


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .

حيث ان نفس الشكّ في الحجيّة كافٍ في عدم جواز ترتيب الأثر بلا حاجة إلى استصحاب عدمه لو فرض حجيّة الاستصحاب من أيّ جهة كما في مثل الشكّ في اتيان ما في ذمّته من الواجب وان نفس الاشتغال والشك في الامتثال كافٍ في حكم العقل بالاشتغال والاتيان بلا حاجة إلى استصحاب عدم الاتيان .

واختلف بيان المحقق النائيني قدس سره في ذلك وان العقل ذو حكم واحد أو حكمين في المقام ففي بعض الدورات يرجّح كونه ذا حكم واحد وفي بعضها انه ذو حكمين .في قبح التشريع

لا اشكال في قبح التشريع عقلاً سواء كان مورده معلوم الخلاف عند الشرع أومشكوكه لوحدة الملاك عند العقل في الحكم بقبحه وان اسناد ما لم يعلم ان المولى قاله اليه أو يعلم بأنّه لم يقله قبيح . ويدلّ عليه الشرع أيضا قال اللّه تعالى: « قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ »(1) وعدّ في الأخبار(2) من الذين في النار رجلاً قضى بالحقّ وهو لا يعلم . والظاهر من هذا ان الجهة هو نفس عدم العلم بالاصابة لا عدم أهليّة القاضي لهذا المنصب كما ان منهم من قضى بالباطل وهو يعلم .

وهذا اللسان اغلظ من قوله لا تفعل القابل لارادة الكراهة . فلا مجال للاشكال في دلالته على المدّعى . إنّما الكلام في ان التشريع عبارة عن أيّ شيء

قبح التشريع

ص: 190


1- . سورة يونس الآية 60 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .

وهل هو عبارة عن الاعتقاد والتدين بشيء أو عبارة عن العمل بشيء شرعه أو هو البناء والاسناد بطريق الأخبار . فان الأول لا يمكن تحقّقه حيث انّه مع الشك في انه قاله المولى أو مع العلم بأنّه لم يقله كيف يمكن حصول الاعتقاد بكونه قول المولى والاسناد إليه .

وكيف كان فلا يمكن كونه اعتقادا كما ان مجرد الأخبار بخلاف الواقع لا يكون تشريعا .

نعم البناء على انّه قول المولى والالتزام به واسناده إليه يكون تشريعا وهو من الأمور الوجدانيّة التي يكون هو أقوى شاهد على امكانها ووقوعها ووجودهافلا مجال للتشكيك في تصويره وكيفيّة حصوله مع العلم أو الشك في انه ليس كذلك .

وعلى كلّ حال فالتشريع والاسناد إلى المولى ما لم يعلم انه منه أو يعلم بعدمه قبيح عقلاً وانه عبارة عن ادخال ما ليس من الدين أو لا يعلم انه منه في الدين وانكان لا يهمنا تحقيق معنى التشريع . بل المهم اثبات حرمة الاسناد والالتزام بما لم يقله أو لم يعلم به سواءً سمّى تشريعا وكان هو أم لم يكن .

ثمّ انه يقع الكلام في امور: أحدها انه اذا جاز أو وجب العمل بالامارات حسب ما أرشدنا إليه الدليل فهل يجوز الاسناد وانه حكم اللّه أو لا يجوز بل الحجيّة لازم أعمّ لجواز العمل ؟ فيه خلاف بين المحقّقين الخراساني والنائيني (1) فالأول يدّعي بأنّ الحجيّة لازم أعم حيث ان في حال الانسداد وتقرير المقدمات على الحكومة يكون الظن حجّة يلزم العمل به ومع ذلك لا يمكن

ص: 191


1- . كفاية الاُصول 2/55 - 58 .

الالتزام والاسناد بحكم اللّه تعالى حيث انه لا علم لنا إلى تشخيص الأحكام تفصيلاً على نحو يوجب انحلال العلم الاجمالي وعدم امكان الامتثال القطعي فيدور الأمر بين الاتيان بالمظنونات وحدها أو المشكوكات والموهومات . وحينئذٍ بحكم العقل يجب تقديم المظنونات على المشكوكات والموهومات بعد عدم امكان الامتثال التفصيلي ولا الاجمالي الاحتياطي لفرض عدم جوازه .

ورد عليه المحقّق النائيني قدس سره (1) بأنّ النقض في غير محلّه . حيث ان الكلامفي مقام اثبات الأحكام بالامارات والحجج ومورد الانسداد وتقرير المقدماتعلى الحكومة مقام الامتثال ووادى الفراغ ولا ربط له بمحل الكلام . بل الحق جواز الاسناد حيث ان لزوم الغاء احتمال الخلاف أو الحجيّة كون المؤدّى هو الواقع بما له من اللوازم ولازم هذا الجعل جواز الاسناد والالتزام بمؤديات الامارات وانها أحكام لقيام المحرز عليها .

وتوقف سيّدنا الأستاذ قدس سره في تصديق المحقّق النائيني في قوله هذا بعد اعترافه به سابقا على ما نقل هو وصدقه في نقضه على المحقّق الخراساني والحق عدم جوازه الا على تقدير اطلاق دليل الحجيّة لجواز الاسناد والالتزام .

الثاني ان حرمة التشريع من قبيل حرمة العصيان والتجري الذين يحكم بقبحهما العقل ولا يمكن ورود خطاب شرعي عليه من الشارع واذا ورد فلا يكون الا ارشادا إلى حكم العقل . أو انه لا مانع من ورود الخطاب الشرعي وان كان العقل مدركا لقبحه . لكن يمكن للشارع جعل الحكم على وفقه وعدمه لوجود موانع من الجعل هناك حيث انه ليس علة تامّة للحرمة مقتضية لجعلها لعدم قوّة

ص: 192


1- . فوائد الاُصول 3/122 - 123 .

داعويتها كما في الكذب اذا توقّف عليه انجاء مؤمن حيث انه يزاحم جهة المفسدة فيه من قبل المصلحة الحاصلة المتوقف عليه انجاء المؤمن فلا يكون حراما كما ورد في(1) ذلك انه ان عادوا عليك فعد حيث قال كذبا انه اخوه .

تحقيق الكلام انه لو كان واقعا في سلسلة علل الأحكام فيكون من قبيل الثاني كما ذهب إليه الشيخ قدس سره وأقام عليه الأدلّة السمعيّة من الكتاب والسنة لكنه خالفه في ذلك غيره . وان كان في سلسلة معلولات الأحكام كما في الاطاعةوالعصيان والتجري فيكون من قبيل الأول ولا مجال للتعبد عليه من الشارع بل يتمحض في كونه ارشادا كما ذهب إليه جمع ( وليكن منهم النائيني ) .

الثالث: ان حرمة التشريع هل تسرى إلى الفعل المتشرع به فيكون حراما كما لو بنى تشريعا على وجوب شيء وأتى به فيكون حراما وقد أتى بالحرام أم لا وهذا كما سلف بحثه في التجري كما في المقام .

أم تقف الحرمة على نفس الاسناد والتدين ولا وجه لسرايتها إلى العمل الخارجي الذي يأتي به بقصد التشريع ؟

فيه خلاف بين الاعلام فذهب المحقّق الخراساني قدس سره (2) إلى عدم السراية خلافا للشيخ وتبع الشيخ المحقّق النائيني (3) فذهبا إلى سراية الحرمة إلى الفعل

الخارجي وهذا كما تقدم في باب التجري من ان قبحه يسري إلى العمل أم لا والتحقيق عدم قيام دليل على سراية الحرمة حيث ان الحرمة موضوعها التشريع

هل تسرى حرمة التشريع إلى العمل

ص: 193


1- . الوسائل 23 الباب 12/4 من كتاب الايمان وان عادوا فعد قد ورد في قضيّة عمّار . الوسائل 16 الباب 29/2 من أبواب الأمر والنهي .
2- . كفاية الاُصول 2/11 - 13 .
3- . فوائد الاُصول 3/120 .

والاسناد وهما غير مرتبطين بالعمل لعدم كونه اسنادا بل مترتبا عليه فالقضاء لو كان حراما بمقتضى قوله علیه السلام (1) هو في النار لا يرتبط بسببيّة رجل واحد وامرئتين في باب الشهادة ولا تغيير شيء آخر في هذا الباب ولا في ساير أبواب التشريع كما لو أتى بشيء تشريعا فهو على ما عليه من الحكم مثل ما اذا أتى بأربع ركعات تحية للمسجد فانها لو كانت مشروعة جائزة لا يغيرها التشريع عن حكمها الاولىكما اذا كانت غير جائزة فلا يؤثر فيها .

ثمّ انه هل يجري الاستصحاب في مورد الشكّ في الحجيّة بمعناه اللغويفي المقام بناءً على كونها مفاد أدلّة الاعتبار أو في الوسطيّة في مقام الاثبات أو تتميم الكشف أو ساير المباني في ما اذا شككنا في الايجاب أو الجعل أو تجويز العمل بالامارة أم لا بل يكفي نفس الشك في ذلك ؟ يظهر من المحقّق(2) الخراساني قدس سره جريان الاستصحاب فيما اذا كان للواقع أثر يترتب عليه . فاذا كان مورد الاستصحاب موضوعا للحكم فالاستصحاب يجري بلحاظ ترتب الأثر على الموضوع وجريان الحكم الشرعي اما اذا كان الاستصحاب في نفس الحكم الشرعي فلا يحتاج إلى أثر آخر بل المستصحب نفس الأثر وهو الحكم الشرعي وبمقتضى حكم الشارع وحجيّة الاستصحاب يترتب أثر المعلوم على المشكوك فلا مانع من جريان الاستصحاب واصالة الطهارة كليهما في مورد الشكّ في الطهارة والنجاسة وكان المشكوك سابق الطهارة لعدم تمحض الشك في كونه تمام الموضوع للاثر بل للواقع في ذلك دخل أيضا . فما أفاده الشيخ قدس سره من تشبيه المقام

ص: 194


1- . الوسائل 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .
2- . كفاية الاُصول 2/332 - 333، فوائد الاُصول 3/126 - 127 .

بباب جريان قاعدة الاشتغال وتقدمها على استصحابه لكون الشك في الاتيان تمام الموضوع لحكم العقل بعدمه فلا معنى لجريان الاستصحاب لكونه من تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد بلا وجه . بل قد يترتب الاثر بلحاظ الواقع فيجري استصحاب الاشتغال وقد يكون الموضوع نفس الشك فيكفي القاعدة .

نعم لو كان هناك حاكم ومحكوم ولو في مورد واحد فيمكن عدم جريان استصحاب المحكوم كاستصحاب الطهارة على اصالتها .

وأورد عليه المحقّق النائيني(1) بعدم وصول النوبة مع كون الشكّ هوموضوع الأثر للاستصحاب . فاذا كان هناك مورد الشكّ في مسخ الحيوان كالغنم مثلاً فلا اشكال في جريان الاستصحاب وانه غنم باق عليه ولم يمسخ حيوانا آخر يخالفه في الحكم ويترتب عليه جميع آثار المستصحب من جواز الاكل واستصحاب اجزائها في الصلاة . واخرى يكون هناك حيوان مشكوك انه أرنب أو غنم كما اذا كان متولدا منهما وليس بواحد منهما مثلاً فهاهنا يجري اصالة الطهارة واصالة الحل في جواز مباشرته بالرطوبة وعدم نجاسته ملاقيه وجواز أكل لحمه ولا يجوز استصحابه في الصلاة لعدم اثبات اصاله الطهارة كونه ممّا أحلّ اللّه أكله لكونه اشارة إلى العناوين الخاصّة وليس شأن الأصل اثباتها فهنا يكون مقام جريان القاعدة دون الاستصحاب وفي مورد قاعدة الطهارة واستصحابها يقدم عليها بلا اشكال للحكومة فلا مجال لمورد يكون الأثر مترتبا على كلا الأمرين كي يكون مجال لتوهم جريانهما معا .

توضيح واعادة لبعض ما مر قد ذكرنا انه قيل بجريان الاستصحاب في

جريان الاستصحاب وأصل الطهارة معاً

ص: 195


1- . فوائد الاُصول 3/127 وما بعده إلى 132 .

الشكّ في جواز الاسناد وعدمه واستشكله المحقّق النائيني قدس سره بكونه من قبيل تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد وهو لا معنى له لعدم جواز الاسناد وحرمته لكونه من التشريع بمجرد الشكّ في حجيّته وعدمها فلا تصل النوبة إلى جريان الاستصحاب .

لكن لا يخفى عليك جريان هذا الاشكال في جميع الموارد التي يستدلون

لعدم الجواز بالأدلّة العلميّة كما في الظن المانع والممنوع وفي عدم جواز العمل بالقياس وفي مورد الظنون الاجتهاديّة فلا يحتاج إلى الاستدلال بالكتاب لعدمجواز العمل بالظن بقوله تعالى: « وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ »(1) وقوله تعالى: « إِنَّالظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا »(2) وذلك لتأتي اشكال عدم الاحتياج إلى جريان الاستصحاب فيها أيضا مع انّ المحقّق النائيني قدس سره يستدلّ في هذه المقامات بالأدلّة حتى انه مقتضى ما ذكرنا عدم دليل على حرمة التشريع . بل نفس حكم العقل بعدم امكان ترتيب الأثر وهو لا يلازم الحرمة والاستدلال على ذلك بالأدلّة الكتابية والأخبار فرع الحجيّة والكلام الآن في ما هو الأصل عند الشكّ في الحجيّة . ومن هنا يظهر الاشكال في هذا الاستصحاب أيضا لكون مدركه الأخبار التي نحن بصدد بيان مقتضى الأصل قبل الظفر بالدليل المخرج عنه كما انه ينسد باب الاجتهاد والتقليد في ما هو مأخذه الأخبار .

ولا اشكال في ان التعبّد بالامارة كالأصل العملي لابدّ أن يكون ذا أثر شرعي ولو بألف واسطة وإلاّ فيكون لغوا واذا فرض قيام الدليل على حرمة

اشكال المحقّق النائيني

ص: 196


1- . سورة الإسراء الآية 37 .
2- . سورة يونس الآية 37 .

التشريع وفرض تحقّق موضوعه بنفس الشكّ فلا وجه للاستدلال بالامارات لعدم الحجيّة في مقام من المقامات لعدم الأثر بناء على سبق كما يظهر الاشكال في أصل قيام الدليل على حرمة التشريع .

ولكن يكفينا دليلاً على الأخير قوله تعالى: « قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ »(1) حيث انه صريح في حرمة التجري والاحتياج إلى الاذن . نعم يمكن التمسّك بالاستصحاب اذا فرض ترتب أثر آخر على الواقع غير ما هو حاصل بالقاعدة والفرض عدمه ويمكن دفع الاشكال في عدم جريان الاستصحاببكفاية جريان الأصل في ما هو يكون ضدّه ذا أثر شرعي كالحجيّة في المقامحيث انها ذات أثر شرعي فيمكن اجراء الاستصحاب في عدمها لترتب الأثر الشرعي لكن لا يخفى عليك عدم استقامة هذا الجواب لعدم اجدائه في الخروج عن اشكال لزوم تحصيل الحاصل من التعبد بالامارة أو الاستصحاب فيما هو يكون الشك مورد الأثر بمجرّده وانما ينفع فيما اذا استشكل في الاستصحاب لعدم الأثر بأنّه يكفي الأثر ولو يكون ضده ذا أثر لعدم ترتبه على مورد الاستصحاب كما انه تقدم لك الاشارة إلى اختلاف موارد الاستصحاب والقاعدة وعدم مجال لجريانهما بل لا تصل النوبة في موارد الجريان ولا يتحقق الا لواحد منهما .

أمّا الأصل أو القاعدة . وما ذهب إليه الشيخ في المقام من تقدّم القاعدة على الاستصحاب قد أوضحه وحقّقه في مباحث الاشتغال من جريان الاستصحاب في مورد ما اذا كان الشك في أصل الاتيان وعدمه وجريان القاعدة محضا في غيره فلا يتوجه عليه الاشكال .

ص: 197


1- . سورة يونس الآية 60 .

وقد ذكرنا اختصاص الاستصحاب بالجريان في ما اذا كان هناك غنم تبدل له الحالة إلى حالة الشك في كونه غنما أم لا وانه يترتب على هذا الاستصحاب الآثار المطلوبة ولا مجال للقاعدة وتتمحض القاعدة بالجريان في مورد ما اذا كان هناك حيوان متولّد من حيوانين ولم يتبع أحدهما في الاسم فيجري اصالة الطهارة واصالة الحل في طهارته وجواز أكل لحمه ولا مجال لجواز الصلاة في شعره وساير أجزاءه لعدم كفاية اصالة الحل لذلك واحتياج جواز الصلاة إلى احراز عنوان من العناوين المحلّلة للأكل وليس هذا شأن اصالة الحل حيث ان الرواية(1) تعلّق صحّة الصلاة على ايقاعها في ما أحلّ اللّه أكله .هذا تمام ما يتعلّق بالأصل الاولى ويقع الكلام في ما هو الخارج عن هذا الأصل من الظنون .

فليعلم ان البناء على وجوب العمل بالمؤدّى أو جوازه وكون المستفاد من أدلّته هو ذلك يوجب اشكالات في مورد العمل بالامارة حيث انه لا وجه على هذا لتخصيص العام الكتابي بالخبر الواحد كما انّه لابدّ من العمل به بناءً على الوجوب أو ان العمل بالمؤدّى مشروط بالأخذ به من دفع محذور التصويب لتوجه الاشكالات المتقدّمة في مقام الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي على هذا حيث يلزم اجتماع الحكمين لو كان المؤدّى في الواقع حراما وكان بمقتضى دليل الحجيّة واجب العمل مضافا إلى انّه لا وجه لتقديم الامارات على الأصول طرا بل يمكن كون لسان الاستصحاب أقوى من دليل اعتبارها لعدم كونه إلاّ الأمر بترتيب الأثر أو وجوب الأخذ أو جوازه والغاء احتمال الخلاف وهذا لا يجعله

ص: 198


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّى .

طريقا على الواقع ومحرزا ومنجزا له بل إنّما هو وجوب تكليفي فكيف يقدم الامارات بناء عليه على الأصول وهكذا الاشكال بناءً على ساير المباني من جعل الوسطيّة في مقام الاثبات وجعل الحجيّة لعدم تأتيهما وعدم معنى لهما على ما سبق .

نعم بناءً على بناء العقلاء وكون لزوم العمل بها غير واجب تعبدا بل لكون حجيّتها منجعلة فله وجه ويمكن تخصيص الكتاب بالخبر الواحد كما ان الامارات تقدم على الأصول حتّى انه بناء على ايجاب العمل بخصوص المصيب من الامارات لا يستقيم الأمر لوجود هذا العلم الاجمالي لنا بلا لزوم ايجاب العمل بمؤدّى المصيب من الامارات كما انه يتوجه عليه الاشكال بعدم امكان التخصيص .والحاصل انه لا يمكن في المجعول في باب الامارات اختيار مبنى سليم من الاشكال الا ان المسلّم هو العمل بالاخبار وتخصيص الكتاب بها وساير ما لها من الآثار وفي مقام الترجيح يقدم ذو المرجح على غيره وعليه المشي والفتوى والسيرة من السلف إلى يومنا هذا وان لم يعلم وجهه بنحو خال عن الاشكال لما عرفت من توجه اشكال التصويب عليها . ويمكن اختيار وجه يكون طريقا للجمع بين الحكم الواقعي والظاهري على نحو يسلم من اشكال اجتماع الحكمين لاستحالة وجوب الشيء مع كونه محقّق الموضوع ويرخص في مخالفته وتركه وكذا في جانب الحرام وعدم استقامة الجمع بين الحكمين بالوجوه المتقدّمة وهو ان الذي يشترك فيه العالم والجاهل هو اشتغال الذمّة والتعلّق بالعهدة الا ان المطالبة مشروطة بالعلم وفي حال الجهل بالعهدة واشتغال الذمّة لا مطالبة وهذا

المسلم العمل بالاخبار على كلّ المباني

ص: 199

المعنى لا يرد عليه شيء من المحاذير المتقدّمة السالفة في الجمع بين الحكمين .

كما انه يمكن الاستدلال عليه بما ورد في الأخبار ولا ينافي ذلك اشتمال بعض آخر من الأخبار على التعبير بالحكم وانه ما من واقعة الا وله فيها حكم لأعميّة الحكم من الوضعي والتكليفي . فلا مانع من كون الحكم يراد به الحكم الوضعي وهو اشتغال الذمّة والتعلّق بالعهدة دون المطالبة(1) .

ودعوى عدم اطلاق الحكم في الأخبار على هذا المعنى عهدتها على

مدعيها ولا يتوجه على هذا اشكال التصويب ولا يكون التزاما بالحكم الانشائيوالفعلي ولا يخالفه ظواهر الأدلّة حيث انها توجب الصلاة والزكوة وأمثالهما وتجعل العمل في عهدة المكلف ويؤيّد ذلك بل يدلّ عليه ما ورد في بعض الأخبار(2) تعليلاً للحج أو الصلاة أيضا بخروجها عن أصل المال بكونها دينا أو اطلاق ذلك عليه . وعلى هذا بناء على عدم انصراف الدين في الآيات الشريفة إلى ما للمخلوق لا مانع من الالتزام بخروجها عن أصل المال كما قواه(3) أو أفتى به في العروة فراجع الأدلّة وتدبّرها . والا فلا معنى لاشتغال الذمّة بالخطاب أو التكليف به بل الخطاب مترتب على اشتغال الذمّة ويكون المطالبة له فلا مانع في حال الجهل بالذمة من الترخيص على الخلاف كما هو الحال في ما هو كذلك عرفا من الامهال الى امد معلوم مع اشتغال عهدة الذي يمهله من له الحق .

ص: 200


1- . سيجيء في مبحث البرائة والكلام في حديث الرفع عدم استقامة تعلق الرفع بالمؤاخذة ولا بايجاب الاحتياط . وان ذلك عبارة اخرى عن طرح الرواية ولا مجال لاشكال عدم تعلق الرافع على هذا بشيء لما ذكرنا من عدم امكان اجتماع الرافع والمرفوع في آن واحد وان الرفع عبارة عن الدفع وفرقهما بالاعتبار .
2- . الوسائل 11 الباب 29/1 - 2 من أبواب وجوب الحج .
3- . العروة الوثقى المسئلة 83 من فصل شرايط وجوب حجّة الاسلام .

تكميل وتتميم: قد عرفت ان مقتضى الأدلّة حرمة التعبّد بالظن ومطلق ما لم يقم عليه دليل الا انه خرج عن هذه الكلية موارد:

منها: الظنون الراجعة إلى ظواهر الكلام فانها حجة في الجملة يصحّ الاحتجاج من العبد على المولى فيما اذا أخذ بظاهر كلامه ومشى على وفقه وللمولى الاحتجاج عليه وليس للعبد الاعتذار بعدم الاطمئنان بارادته ظاهر كلامه لقيام القرينة على خلاف ذلك هكذا قيل . ولا اشكال في قيام بناء العقلاء على الأخذ بظواهر الكلام بلا توقف في ذلك سواءً في ذلك من كان الكلام مرتبطا إليه وغيره وسواء في ذلك من قصد افهامه بالخطاب ومن لم يقصد .والتفصيل في المقامين بين من يكون مرتبطا ومقصودا بالخطاب وغيره لاوجه له .

وان ذهب إلى الأوّل المحقّق النائيني قدس سره (1) نظرا إلى عدم بناء العقلاء على

حجيّة الظاهر بالنسبة إلى غير من يكون مرتبطا إليه لاحتمال وجود قرائن خفية لم يطلع عليها غير المرتبط إليه الكلام وقيام السيرة والبناء على الأخذ بظاهره بالنسبة إلى الذي يكون مرتبطا إليه لاختصاص غيره باحتمال وجود رمز أو اصطلاح خاص أو قرينة حاليّة أو مقاليّة وغيرها في حقّه ولا يلزم من ذلك قيام هذه القرائن في حقّ غيره .

كما ان التفصيل الثاني أيضا ذهب إليه المحقّق القمّي .

وان الكتاب إنّما يكون حجّة لو كان ككتب المصنفين قصد بافهامه كل أحد يطلع عليه وان لم يثبت ذلك فلا يكون حجة في حق غير المراد افهامهم .

ما خرج عن حرمة العمل بالظنّ

ص: 201


1- . فوائد الاُصول 3/139 لكن كلامه يخالف ما في المتن .

وقد ورد في بعض الأخبار(1) انه إنّما يفهم القرآن من خوطب به وورد في التبكيت على أبي حنيفة انه لم(2) يدر حرفا واحدا من كتاب اللّه ولم يرث ذلك .

كما انه ذهب إلى ذلك الاخباريون أيضا فقالوا بعدم حجيّة الظواهر الكتابيّة بمعنى عدم امكان الأخذ بها . هذا .

الا انه لا وجه لكلا التفصيلين . أمّا الأوّل فلا شبهة في قيام البناء من العقلاء على العموم بلا فرق بين من يكون الكلام مرتبطا إليه وغيره ولذا لو اطلع على ذلكغير الذي يرتبط اليه يخبر غيره وينشر الأخبار بذلك ويبنى عليه ويمشي على وفقه بل ربما يكون في بعض الموارد يحصل لهم القطع بذلك بحيث لا يحتملونالخلاف كما في كتاب عثمان إلى والي مصر(3) وفي ساير الموارد أيضا يمكن دعوى حصول العلم والاطمئنان بمضمونه .

نعم لو كان احتمال عدم الجد قائما بقرينة حالية أو زمانيّة أو غيرها فقد يتوقف في نسبة الظاهر إلى مراده الجدي والا ففي غير هذه الصورة لا فرق عندهم في الأخذ والبناء عليه .

كما ان التفصيل الثاني أيضا لا وجه له نعم اختصاص المضمون بمن خوطب به شيء آخر الا انه لا يوجب قصر حجيّته عليه بل بالنسبة إلى غيره أيضا يكون حجّة وان لم يكلف بمضمونه وربما كان المضمون من الأحكام الحقيقيّة فلا فرق أيضا بين من قصد افهامه وغيره .

وبالجملة لا اشكال في حجيّة الظواهر عند العقلاء والظاهر ان ذلك من جهة

حجيّة الظواهر

ص: 202


1- . الوسائل 27 الباب 13/25 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 6/27 من أبواب صفات القاضي .
3- . مروج الذهب 2/353 الكامل في التاريخ 3/281 تاريخ اليعقوبي 2/164 .

حصول الاطمئنان بكونها مرادة للمتكلم اذا لم يكن ممّن يتعمد الكذب فانه لم يستقم لهم بناء على الأخذ بالظن المطلق غير العلم والاطمئنان .

نعم قد يرد أمر لا يعلم انه بداعي الجد أو بداعي الحث والترغيب أو غيرهما فحينئذٍ يبني على كونه بداعي الجد لاحتياج غيره إلى قيام القرينة عليه وبدونه يكون الجد متعينا . ومقتضاه هو الوجوب ما لم يرد عليه دليل على جواز الترك أو جواز الفعل فيما لو كان الوارد هو النهي وهذا مرتبط بباب انعقاد الظهورات التي سيجيء الكلام فيها وكان حقها التقديم .

ثمّ الكلام في حجيّة الظاهر الاّ انا تبعا للشيخ قدس سره اخرنا الكلام عمّا يرجع إلى صغرى الظهور وتكلّمنا في أصل حجيّته .تذكار: قد ذكرنا ان الكلام تارة من حيث انعقاد الظهور واخرى في حجيّة الظاهر والكلام في حجيّة الظهورات بعد استقرارها وانها حجّة مطلقا أو يفصل بين ما اذا كان مقصودا به وغيره فحجّة بالنسبة إلى قصد افهامه ولا يكون حجّة في حقّ غيره أو بين ما اذا كان مرتبطا به فحجّة وغيره فلا . فقد يدعي التفصيل بكلا نحويه في مقام الاسناد والارادة وان بناء العقلاء انعقد على اسناد الظهور دون كونه مرادا فيما اذا كان بالنسبة إلى قصد افهامه فيكون الظاهر مرادا له لبنائهم عليه .

والذي ينبغي أن يقال ان العقلاء بنائهم على حصول العلم والاطمئنان ولا بناء لهم على الظن والتعبد والتنزيل وفي مورد الظهورات يحصل لهم الاطمئنان على كونها مرادة للمتكلم ولذا يأخذون على حسبها ويعملون سواءً كان في باب الأخبار أو في باب الانشاءات بلا فرق في ذلك كما لا فرق في بناء العقلاء بين من

ص: 203

قصد افهامه وغيره لأن البناء قائم على كلا الموردين .

والاّ فلا بناء لهم أصلاً .

نعم قد أشرنا إلى ان المحقّق النائيني قدس سره فصّل لكن التفصيل ليس في باب الظهور وانعقاده بل في كون الظاهر حجّة وانّه حجّة بالنسبة إلى الذي يرتبط به ويصحّ الاحتجاج به للمولى على العبد وللعبد على المولى .

لكن الاشكال في ان ذلك من باب حصول العلم والاطمئنان بمراده أو انه ليس كذلك بل العبد من وظيفته الاخذ بالظهور وليس له الاعتذار عن مخالفة الظاهر بعدم علمه بارادة المولى لهذا الظاهر كما اذا كان هناك قرينة أو قرائن تمنع من ارادة المولى لظهور كلامه .

فان الظهور ينعقد ولكنه ليس له الاطمينان بارادته فهل في هذا المقام بناءالعقلاء على اتباع الظهورات أم لا ؟ بل يختص بخصوص ما اذا حصل الاطمئنان بارادته وله أن يحتج على المولى بعدم اطمينانه بارادته وليس للمولى الاحتجاج عليه بظاهر كلامه . وبالجملة لو ثبت هذا من بناء العقلاء وان الظاهر حجّة عندهم ما لم يعلم الخلاف ولو مع الظن بالخلاف فضلاً عن عدم الظن النوعي بالوفاق فكيف بالشخصي فحينئذٍ لا حاجة لنا إلى شيء في باب العمل بظهورات الكتاب والسنّة بعد انعقاد أصل الظهور حتى انه لا نحتاج إلى احراز اصالة الجهة ولا إلى ساير الأصول العقلائيّة من اصالة عدم النسيان والغفلة لعدم تأتيها في كلام المولى.

نعم لها المجال في كلام ساير المتكلمين الا انه حيث علمنا من دأب الشارع وديدنه الاتّكال على القرائن المنفصلة فاللازم هو الفحص .

وقد ذكرنا وجوها للزوم الفحص في باب العموم والخصوص . فان تم هذا

التفصيل في حجيّة الظاهر

ص: 204

البناء فلا يهمنا حصول العلم والاطمئنان بل اللازم العمل والأخذ بالظاهر والا فيدور مدار العلم والاطمئنان بارادة الظاهر .

نتيجة ما سبق: قد تحصّل ممّا ذكرنا ان حجيّة الظهور عند العقلاء ليست من باب التعبّد والتنزيل بل من باب الكشف وحصول الاطمئنان عن كونه مراداً للقائل والمتكلّم وليس بناء العقلاء على التعبّد والتنزيل في مورد أصلاً . اذ احتمال

الخلاف وعدم ارادة ظاهر كلامه امّا من جهة النسيان والغفلة أو من جهة عدم كونه في مقام بيان مراده .

أمّا الأوّلان فهما مجرى الأصل العقلائي بعدم حصول النسيان والغفلة

بمعنى عدم اعتناء العقلاء بهذا الاحتمال في مقام الجري وترتيب الآثار على الكلام . ويظهر منهم كون هذا الأصل مسلما عليه ولم يظهر فيه مخالف أصلاً . كما ان عدم كونه في مقام بيان تمام مراده لا معنى له إلاّ اخفاء قرينة مراده وتأخيرهاإلى وقت الحاجة . وحينئذٍ فلا وجه للتوقّف عن العمل في المتّصل . نعم في القرينة المنفصلة خصوصا فيما اذا كان من دأب المتكلّم وديدنه الاعتماد على القرائن المنفصلة لابدّ من الفحص .

ثمّ انه قد فصل بين من قصد افهامه له وغيره فقيل بحجيّة الظاهر في حقّهم دون غير من قصد وهذا يحتمل كونه تشكيكاً في صغرى ظهور الكلام وعدم استقراره بالنسبة إلى غير من قصد افهامه لاختصاصه باحتمال وجود قرينة خاصّة بين المتكلّم والمخاطب المقصود بالكلام قد خفيت عليه بحيث لو ظهرت لكان المعنى غير ما هو عليه الآن دون من قصد فانه ينحصر احتماله بعدم ارادة ظاهر الكلام من جهة عروض النسيان والغفلة وغيرهما ممّا هو مجرى الأصول

ص: 205

العقلائيّة بخلاف مثل احتمال غير من قصد . فانه لا أصل لنا عقلائي ينفي هذا الاحتمال ويطرده ومعه لا يمكن لغير من قصد افهامه الأخذ بظاهر الكلام كائنا ما كان وعلى هذا فيشكل الاستدلال بالأخبار الواردة في القضايا الخاصّة المسئول عنها حيث لم يقصد بالافهام منها الا السائل ولابدّ من دليل آخر يدلّ على التعميم .

وإلى هذا نظر المحقّق القمّي قدس سره حيث فصل بين من قصد وغيره وجعل ذلك موجبا للانسداد والاكتفاء بحصول الظن حتى في الظهور فانه لا يختص عنده الانسداد بخصوص الأحكام الكليّة بل في الظهورات الراجعة إلى غير جهة الصدور وأصله .

والانصاف ان هذا التفصيل له مجال في المقام ولا يمكن الجواب عنه باشتراك المخاطب المقصود له في ذلك لما ذكرنا من انحصار احتماله في ما هو مجرى الأصل دون غير من قصد فان له احتمالاً آخر يخصّه لا يجري فيه الأصلالا انا ندعى عدم طرو هذا الاحتمال بالنسبة إلى أدلّتنا لحصول الكتب والضبط للأخبار بتمام خصوصيّاتها من السؤال والجواب وبيان القرائن التي كانت في الكلام بين المخاطب والمتكلم التي لها دخل في الظهور واختلافه ولم يخونوا الأصحاب في ذلك بل ورد الأمر(1) من الأئمّة علیهم السلام بالكتب والاحتفاظ للوصول إلى من بعدهم وكان الأصحاب يعرضون(2) ما جمعوه من الأصول على الأئمّة علیهم السلام وهم يصححون ما فيه بل ربما يأمرونهم بوضع الاعراب إلى أن وصلت الاصول إلى أصحاب الكتب والجوامع العظام فاتعبوا أنفسهم في تصحيحها

تفصيل المحقّق القمّي

ص: 206


1- . الوسائل 27 الباب 8/15 الى 21 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 74 إلى 78 - 80 - 81 .

وحصول الوثوق والجزم بكونها لأصحابنا والمقابلة والقرائة على المشايخ وتصحيحهم إلى غير ذلك ممّا هو راجع إلى علم الدراية حتّى صارت الروايات بأيدينا اليوم وعليها مدار الافادة والاستفادة . فهي لما ذكرنا ككتب المصنّفين الذين ليس من قصدهم مخاطبة شخص دون شخص بل كلّ المكلّفين يكون ممّن قصد افهامه مضمون الروايات والخطابات فلا يتوجه الاشكال كي نحتاج إلى الجواب هذا .

ولا يخفى ان حجيّة الرواية والخبر لو انحصرت بخصوص ما عن الامام

عليه السلام فيلزم اللغويّة لعدم معلوميّة ارتباط جوابه عليه السلام بالسؤال وتطرق الاحتمال بوضع الراوي له في هذا المقام . فلو قلنا بعدم حجيّة الخبر في الموضوعات للزم لغويّتها فاللازم حينئذٍ الالتزام بشمولها حفظا عن اللغويّةبالملازمة هذا .

ثمّ انه هناك قول بعدم حجيّة ظواهر الكتاب . ذهب إليه الاخباريّون منأصحابنا ولهم في ذلك وجوه عديدة . منها طوائف من الأخبار واردة(1) في النهي عن تفسير القرآن بالرأي وفي ردع أبي حنيفة(2) وأضرابه عن عدم دركه القرآن وانه

ما ورثه اللّه حرفا من الكتاب وإنّما يعرف القرآن من خوطب به وان علمه عند أهل البيت علیهم السلام .

ومنها العلم الاجمالي بعدم ارادة ظواهره لورود التخصيصات والتقييدات

ص: 207


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 13 - 6/28 - 35 - 37 - 63 - 66 - 67 - 76 - 27 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 13 - 6/28 - 35 - 37 - 63 - 66 - 67 - 76 - 27 من أبواب صفات القاضي .

الكثيرة عليها فلا يمكن الأخذ بها هذا .

ولا يخفى عليك ضعف هذه الوجوه كلّها . اما ما ورد في تفسير القرآن بالرأي فلا يشمل الظواهر اذ التفسير لا يشمل الظاهر لظهوره بنفسه ووضوحه فلا يحتاج إلى كشف وتفسير كما انه لا يختص العلم الاجمالي بالمخصّصات والمقيّدات بالكتاب بل يعم السنة أيضا واللازم الفحص عنهما حتى نعثر على المقيد أو نعلم بعدمه أو نطمئنّ على حسب ما قرّر في محلّه بحيث نجمع المقيّدات والمطلقات في كلام واحد والأخذ بالمتحصل منها .

وأمّا الأخبار الواردة(1) في عدم ارث أبي حنيفة حرفا من الكتاب فلا يتوجّه إلى الظواهر بل المتشابهات والآيات التي ليس لها ظهور في المعنى المراد وقد ذمّ القرآن الذين يتبعون المتشابهات ولا نظر إلى الأخذ بالظواهر فيقوله علیه السلام (2) ( إنّما يعرف القرآن من خوطب به ) لمعرفة كلّ أحد يعلم اللغة بظواهرالقرآن . فموردها تفاصيل الأحكام التي قد ذكر مطلقاتها والاشارة إليها في الكتاب الكريم ثمّ احيل الباقي إلى ما بيّنه النبي صلی الله علیه و آله على ما قال اللّه تعالى: « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ »(3) وورد في بعض الأخبار انه الكتاب الكبير أو الدفتر الكبير الذي احيل إليه .

تفصيل الصغير والحاصل انه لا دلالة في هذه الروايات بوجه على النهي عن العمل بظواهر القرآن بل هي بين ما يرشد الناس إلى الأئمّة علیهم السلام وان علم القرآن عندهم ويعرفون تفسيره وبين ما ينهى عن الأخذ بغير ما له ظاهر كما ان

ص: 208


1- . الوسائل 27 الباب 6 - 13/27 - 25 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 6 - 13/27 - 25 من أبواب صفات القاضي .
3- . سورة الحشر الآية 8 .

أخبار النقص لا تتعرّض للظواهر لعدم نقص آيات الأحكام بل ما ورد في فضائل أهل البيت علیهم السلام .

فذلكة ان كلام الاخباريّين منه ما يرجع إلى انكار أصل الظهور للقرآن ومنه ما يرجع إلى عدم حجيّته وجواز العمل به لورود المقيّدات والمخصّصات في الأخبار الواردة عن المعصومين علیهم السلام فلا يمكن العمل بظواهره من دون ملاحظة البيانات الواصلة عنهم علیهم السلام لما ورد من ان علم القرآن عندهم وانه لا يوجد علم الا هاهنا في رواية واردة حيث أشار إلى صدره علیه السلام .

أمّا الجواب عن انكار الظهور فواضح لعدم مجال لانكاره في ما هو ظاهر .

نعم لا ننكر وجود مجملات في القرآن ومتشابهات كقوله تعالى: « الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى »(1) الا ان الكلام في المقام راجع إلى خصوص الآيات المرتبطةبالأحكام ونحن لا ننكر احتياج تفاصيلها وبيان خصوصيّاتها إلى ما ورد منالمعصومين

علیهم السلام حتى انه لا نحتاج إلى العلم الاجمالي كي ينحلّ بالعثور على المقدار المعلوم بالاجمال من المقيدات والمخصصات في باب من أبواب الفقه . اذ مقتضاه جواز العمل بالعام والمطلق في ( ما بعده ) بل نقول انه لو بقى عام من عمومات القرآن وكذا السنة وكان خارجا عن دائرة المعلوم بالاجمال ومحتملاً لورود المقيّد أو المخصّص له فاللازم الفحص حتّى يحصل القطع بعدمه ولا يجوز العمل بعام كتابي أو خبري وكذا المطلق قبل الفحص ولا تفوّه به أحد . فان حصل بالفحص العلم والقطع بعدم المقيّد فهو . والا فان بقي احتماله لاحتمال طرو التلف على عدّة من الروايات التي يحتمل وجود المخصّصات فيها دون غيرها من

كلام الاخباريين

ص: 209


1- . سورة طه الآية 5 .

الكتب والاصول التي وصلت إلينا أو أخبارها فلا يمكن معه العمل بالعموم . بل يبقى على الشك . الاّ انه ندعى القطع والاطمئنان بعدم مجال لهذا الاحتمال لعدم وجه لاختصاص مثل ابن أبي عمير لنقل الرواية دون غيره من الأصحاب . بل لو عرض التلف على كتابه فلم يعرض النسيان على أصل المتن وانما نسى السند . فلذا كان يرسل الروايات وعلى فرض طروّ التلف على رواياته أو روايات غيره فلم يكن جامع الروايات وناقلها منحصرا به بل كثير من الأصحاب كانوا ينقلون ويحدّثون وكانوا يطلعون كلّهم على الرواية . الا انه كان هناك وجود رواية شاذّة كان أحدهم متفرّدا بنقلها . فهذا قد أمرنا بأخذ ما خالفه اذا كان مشهورا لعدم الريب فيه بل الريب في الشاذ لاحتمال الاتهام بجعله . واحتمال اختصاص الراوي بالرواية لكونه من أهل الأسرار مدفوع بعدم كون أحكام المكلّفين فيها أسرار بل الروايات المشتملة عليها يرويها كلّ الرواة الناقلون ولم يكن وجه لاختصاص أحدهم برواية راجعة إلى الأحكام دون غيره . هذا .

فقد ظهر انه لا وجه للقول بعدم الظهور أو حجيّة مطلقات الكتاب وعموماتهومطلق ظواهره لما ذكر من الوجوه . لعدم اختصاصها بالكتاب بل تعم السنة أيضا ولذا اتفقت كلمة الأصحاب من المحدّثين والاصوليّين على عدم جواز اجراء الأصول النافية للتكليف قبل الفحص . وانما الخلاف بعده فالاولون على الاحتياط في الشبهة التحريميّة دون الآخرين مع ان العلم الاجمالي يمكن منعه في مورد آيات الأحكام . بل يحتمل اختصاصه بمورد القصص والحكايات الخارجة عن محلّ الابتلاء فتأمّل .

ص: 210

الكلام في اختلاف القراءات والحكم فيها .

لا يخفى ان في مورد اختلاف القراءات الراجعة إلى آيات الأحكام كما في مثل قوله تعالى: « وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ »(1) حيث قرء بالتشديد من باب التفعل وبالتخفيف من المجرد لا يمكن التمسك باحدى القرائتين لاثبات الحكم المستفاد منه كجواز المقاربة قبل الغسل بعد النقاء وعدمه الا بعد الغسل لاشتباه القرآن بغيره فيكون من الشبهة الموضوعيّة التي لا يمكن التمسّك بالعام فيها وليس القرآن الا نازلاً بحرف واحد من عند الواحد فلا مجال للالتزام بكون كلّ القراءات المختلفة قرآنا وان اسندوها أصحابها إلى النبي صلی الله علیه و آله بوسائط كابن عباس

وعثمان وأبي هريرة وبعضها يسند إلى أميرالمؤمنين علیه السلام عن النبي صلی الله علیه و آله كما لا مجال لأعمال اخبار المرجّحات فيها لاختصاص تلك الأخبار بمورد تعارض الروايات أوّلاً وثانيا تلك فيما إذا لم يعلم الصدور قطعيّا بخلاف المقام فان السند

قطعي وانما الاشتباه في القرائة فعلى هذا لا ينعقد ظهور للآية الشريفة في أحدالمعنيين لعدم معلوميّة قرانية احدهما بعينه ومن ذلك بشكل الأمر في قرائة الصلاة في الفاتحة حيث اختلف في الصراط ومالك يوم الدين فقرء الأول بالسين والثاني ملك يوم الدين كما قرء صراط من أنعمت عليهم وقرء بكسر الهاء وضمّها وكذا في سورة التوحيد حيث اختلف الوجه في كلمة كفوا بتحريك الفاء ضما أو سكونها بالهمزة والواو .

نعم يمكن التخلّص عن الاشكال في القرائة بما ورد من النهي(2) عن قرائة

اختلاف القراءات

ص: 211


1- . سورة البقرة الآية 223 .
2- . الوسائل 6 الباب 1/74 - 2 - 3 من أبواب القرائة في الصلاة .

غير ما هو متعارف عند الناس من القرآن والأمر بالقرائة كما علمتم(1) اقرؤوا كما يقرء الناس لو شمل ذلك حتى مثل اختلاف الحركات والا فبحسب القاعدة لابدّ من الاحتياط اما بترك السورة التي اختلف في قرائة بعض كلماتها أو آياتها أو تكرار المختلف وقصد الذكر في غير قرآنه ولا مانع منه . لكن اختلاف القرائة في آيات الأحكام قليل وعلى فرض وجوده فلا اختصاص له بالقرآن بل يكون مجملاً كمجمل الأخبار ومتشابهها ولا يمكن التمسّك به لاثبات حكم أو نفيه الا في مورد اتفاق المعاني والقراءات وهذا لا يوجب تمحض القرآن بالمنع من العمل به لما عرفت من وجود المتشابه (في الأخبار والمجمل ) وكما انه لابدّ من الفحص من مقيد اطلاقات القرآن ومخصص عموماتها كذلك الاخبار فلا فرق بينهما في ذلك أصلاً .

وعلى كلّ حال فتفصيل الاخباريين بين القرآن والسنّة لا وجه له .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بكبرى العمل بالظواهر وحجيّتها .الكلام في انعقاد الظهورات:

الكلام في ما يرجع إلى أصل انعقاد الظهور لمفردات الكلام وللجملة التركيبيّة ولا اشكال في مورد العلم بمعنى اللغة بحيث يكون ظاهرا في معنى . لكن الكلام في ما يوجب أصل الظهور حيث لا اطلاع لنا بكثير من ألفاظ القرآن والأخبار والمراد منها ولا نص من الواضع على تعيين المعنى الحقيقي عن غيره كي يكون مرجعا وإنّما بأيدينا كتب اللغة التي ليست معمولة لبيان مواضيع الألفاظ بل انما تضمنت موارد استعمالاتها فلا يكون أهلها خبرة لتعيين ما وضع له اللفظ

ظهور المفردات

ص: 212


1- . الوسائل 6 الباب 1/74 - 2 - 3 من أبواب القرائة في الصلاة .

كي نرجع إليهم من باب الخبرويّة حتّى انه لا طريق لهم إلى العلم بحقائق الألفاظ من مجازاتها ولو من مثل صاحب القاموس الذي قيل انه جمع القاموس بتتبع أصحاب اللغات وعشاير العرب .

لان غاية ما وصل إليه إنّما هو مورد استعمالاتهم ولا يكون مثله مرجعا في تعيين المعنى الحقيقي فلا وجه للأخذ بالمعنى الأوّل من كلامه لكونه حقيقة والباقي مجازات .

نعم يمكن العلم بالمراد من قرائن الحال والمقال وذلك يكفينا ولا يهمّنا تحرّي الحقيقة عن المجاز .

وليعلم انّ حصول الظهور للكلام منه ما يرجع إلى ظهور مفرداته ومنه ما يرجع إلى ظهور جملة الكلام المتحصّل من مفرداته مع القرائن الموجودة الحافة اللاحقة بالكلام .

أمّا الأوّل فيتوقف على العلم بالوضع فيها غالبا .

وطريق العلم به إمّا تنصيص الواضع أو ساير علائمه كالتبادر وعدم صحّة السلب ولا اشكال في انّه أقل قليل . وأهل اللغة ليسوا بأهل الخبرة في مقام تعيينالوضع وإنّما همهم جمع موارد الاستعمال خصوصا غير من تتبّع لغات القبائل وإنّما جمع كتابه بالرجوع إلى موضوعات من سبقه من أهل الفن حتّى أن ذكر المعنى الحقيقي أولاّ وباقي المعاني حيث تكون مجازات بعده كما ينسب إلى صاحب القاموس أيضا غير ثابت . فحينئذٍ لا علم لنا إلى تشخيص مفردات الكلام بحسب ما وضعت لها الألفاظ . فلابدّ إمّا من الرجوع إلى أهل اللغة لكونهم أهل الخبرة في ذلك أو انه من باب الشهادة بناء على عموم دليلها للموضوعات أو انه

ص: 213

من الانسداد كما ان الأمر كذلك في باب تعرف أحوال الرواة لعدم ادراك زمانهم بل ولا أهل الرجال حيث ان توثيقاتهم وتعديلاتهم وغير ذلك ممّا يذكرونه في حال الرجال وأصحاب الروايات ليس بمعاشرتهم ولا تعرفهم لها بلا واسطة . لبعدهم من زمانهم بل إنّما وصل إليهم بسبب النجاشي وابن عقدة وإن كان الثاني على خلاف الطريقة الحقّة لكن علومه مستندة إليهم وقد عرف بالثقة وهما أيضا لم يدركوا كلّ الرواة بل وصل إليهم أخبارهم في أحوالهم بأخبار غيرهم ممّن أدركوهم فيشكل الأمر في باب السند واثبات وثاقة الراوي وعدالته كي يندرج خبره في عنوان موضوع خبر الثقة الذي يأتي الدليل في باب حجيّة خبر الواحد على كونه حجّة لاثبات قول المعصوم عليه السلام هذا .

الاّ ان الحق في ذلك ان اعتبار أقوالهم سواء كان جرحا أو تعديلاً وكذا أقوال أهل اللغة توجب الاطمينان الذي هو طريق عقلائي لم يردع عنه الشارع وإلاّ فلا يكون حجّيّتها من باب الانسداد الموجب لحجيّة الظن الا أن يرجع إلى الانسداد الكبير فحينئذٍ كلّ ما استفدنا هناك من الحجيّة بالعموم أو الخصوص .

يمكن اثبات حجيّتها ولا انه من باب الشهادة لقصور أدلّتها عن اعتبارها في الموضوعات ولا من باب الخبرويّة . بل لو كان حجّة فمن باب افادة الاطمئنانوعليه فيدور مدار حصوله وعدمه . فان أفاد في حال الراوي أو في معنى اللفظ فهو والا فلا دليل على الأخذ بقولهم مطلقا . بل لابدّ من المشي على مقتضى القواعد .

الا ان الذي يسهل الخطب انه لا تصل النوبة إلى ذلك بل غالب ألفاظ الروايات يعرفه من له أدني تدرب في اللغة العربيّة فضلاً عن غيره لعدم اشتمالها

ص: 214

على اللغات الغريبة غالبا كما ان بالمراجعة إلى كتب الرجال يحصل الاطمئنان بحال الراوي وهكذا فيما يكون محتاجا إلى المراجعة من اللغات بمراجعة كتبها ولذلك صار زرارة في الوثاقة والعدالة ضرب المثل مع ان اضرابه ربما كانوا أفضل منه ليسوا بهذه المثابة من الاشتهار والوصفيّة بالثقة .

هذا بالنسبة إلى مفردات الكلام واما المعنى الجملي المتحصّل من ضمّ المفردات بعضها إلى بعض فهو لا يتحقّق إلاّ بعد الفراغ من الكلام بما له من القيود واللواحق من القرائن العامة والخاصّة . وربما يوجب بعض القرائن انقلاب المعنى الافرادي وصرفه إلى غيره كما في مثل المثال المعروف رأيت أسدا يرمي حيث ان يرمي يوجب انصراف الأسد إلى الرجل الشجاع .

ثمّ انه بعد ما تحقّق الظهور وصار قطعيّا للكلام يندرج تحت الكبرى المبرهن عليها سابقا من كون حجّيّته عند العقلاء لكشف المراد .

تنبيه: للمحقّق النائيني قدس سره (1) تفصيل في باب المفاهيم الافراديّة في الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة وأن الجهل بها لا يوجب الانسداد بخلاف عدم طريق علمي في قول الرجالي فيما يرجع إلى السند فانه يوجب انسداد باب العلموالوجه في ذلك وجود الطرق المفيدة للظن والاطمئنان غالبا في باب المعاني الافراديّة وتعيين مفاهيمها ووجود القدر المتيقّن في الموارد التي لا طريق إلى تعيين المعاني كما في الصعيد . فانه إمّا أن يكون معناه مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب فلو أخذنا بالقدر المتيقن من التراب وفي مورد عدم الماء اقتصرنا على التيمّم به لا يوجب هذا الاحتياط عسرا ولا حرجا ولا خروجا من

المعنى الجملي من ضم المفردات

ص: 215


1- . فوائد الاُصول 3/143 - 144 .

الدين إلى غير ذلك .

وبالجملة لا تتمّ مقدّمات الانسداد . وهكذا لو اقتصرنا في التوضى والطهارة المائيّة على المياه التي يطلق عليها اسم الماء بقول مطلق وفيه الاطلاق بلا اضافة أو باضافة وصف له كما في الماء الملح الذي يكون في البحار بخلاف مثل الماء الملح الذي يعلوه الملح ويجمد ملحا فانّه قد يشكّ في صدق الماء عليه من جهة الشبهة المفهوميّة وعدم حصول الجزم بكونه ماءا فلو حكمنا بنجاسته بمجرّد الملاقاة لنجس وبعدم صحّة التوضي والاغتسال به فلا يوجب عسرا ولا حرجا بالكليّة في غالب الموارد ولا خروجا عن الدين . كما انه لو كان هناك مورد الشبهة في المصداق لا يحكم بصحّة الوضوء ولا بحصول الانفعال وهذا بخلاف موارد الظنون الرجاليّة حيث انّه ان لم يحصل لنا الوثوق بوثاقة الطرق والاسناد والرجال الواقعين في سلسلة الأحاديث يلزم المحذور إمّا الخروج عن الدين ان اجرينا البرائة في تمام هذه الموارد أو اختلال النظام إن أوجبنا الاحتياط أو عدم امكان الاحتياط أو جوازه لو كان هناك اجماع على عدم الاحتياط لعدم دركنا زمانهم ووصول توثيقات أهل الرجال وإن كان بوسائط ثقات كالعلاّمة وأضرابه قدّس اللّه أسرارهم . إلاّ انها منتهية إلى عدّة معدودين حالهم مجهول عندنا فيلزم انسداد باب العلم مع العلم الاجمالي بالأحكام ولازمه الاحتياط . والفرض عدم امكان التاممنه أو عدم جوازه أصلاً ومن جريان البرائة يلزم الخروج من الدين ولا طريق علمي إلى احراز وثاقة أخبارها كي يندرج تحت الكبرى المسلمة التي سيجيء عنها البحث من حجيّة خبر الثقة أو بضميمة الحسن وتختلف نتيجة المقدّمات حسب اختلاف بعضها كما سيجيء البحث عنها في محلّه إن شاء اللّه تعالى .

ص: 216

الا انه بحمد اللّه تعالى يظهر للمراجع في أحوال الرجال والتتبع لكتب الرجال وثاقة عدّة كثيرين من الرواة وحملة الأخبار بحيث قلّما يوجد مورد في الفقه لم يكن هناك دليل معتبر بل خبر صحيح على الحكم . بل لو كان هناك أخبار ضعاف فإمّا أن تكون مجبورة بعمل أو يوافقها الأخبار الصحاح فلا تصل النوبة إلى مقدّمات الانسداد .

فتلخّص ممّا ذكرنا ان العمل بالخبر والرواية لا يمكن إلاّ بعد اثبات أصل الظهور في المعاني المتحصّلة المتوقّفة على العلم بمعاني مفردات الكلام ثمّ البناء على حجيّة الظاهر كما مرّ البحث عنها . وانه إذا كان الظهور قطعيّا يندرج في كبرى حجيّة الظواهر عند العقلاء التي مدركها وملاكها حصول الاطمئنان والعلم النظامي بالمراد منها .

والجهة الثالثة اثبات كونه خبر الثقة أو العادل أو الحسن الذي يكون محتاجا بعد ذلك إلى اثبات حجيّة مطلق خبر الثقة والعادل والحسن . وإلاّ فلا فائدة في المراتب السابقة ما لم يثبت حجّيّة أخبار الثقات . كما انه لا فائدة في أصل الكبرى ما لم يوجد هناك صغرى لها وهكذا لا ينفعنا مجرّد حجّيّة خبر الثقة اذا لم يكن هناك ظاهر محصل من المعاني الافراديّة .

ثمّ انّه لا إشكال في عدم الفرق في الظهور بين ما إذا كان حاصلاً قبل العثور على الظاهر أو بعده بحيث لا نعلم حين العثور على لفظ الرواية معناه وبالمراجعةيحصل الاطمئنان بمفادها .

تكميل وتتميم:

لا إشكال في عدم تداول اللسان المستعمل في الأخبار عند العرف الفعلي

وثاقة كثير من الرواة

ص: 217

كي يكون واسطة للعلم بمعاني مفردات ألفاظ الموجب لحصول الظهور في المعنى المتحصل الحاصل من ضم القرائن إلى ذويها وملاحظة قيود الكلام وارتباطها بأصله فحينئذٍ لابدّ في كشف المراد منها المتوقف على ظهورها في غير موارد حصول العلم بمعانيها ) إلى مراجعة اللغة وأهلها لو أوجبت حصول العلم والاطمئنان العادي وإلاّ فقد عرفت الحال والمآل .

ثمّ ان الظهور في المفردات كما عرفت قهري لو كان المخاطب والناظر في الكلام عالما بمعاني المفردات .

أمّا الظهور المتحصّل الذي يصحّ عنده نسبة القول إلى قائله ان ارادته تعلّقت به أو انه قال ذلك الكلام فبعد انضمام القرائن وملاحظة القيود . وإلاّ فلا ينعقد الظهور المتحصّل ومعه لا مجال لكونه مرادا له . فان كان المتكلّم عادته اعطاء الكلام بما له من القيود والقرائن فلا إشكال في حصول الظهور وانعقاده وانطباق الكبرى المشار إليها من حجّيّة الظهور وكونه مرادا له عليه . وإلاّ فان كان دأبه وديدنه تأخير القرائن إلى وقت الحاجة عن حين الخطاب فيشكل الأمر في انعقاد الظهور حيث ان الظهور فيما اذا كانت القيود منضمّة إلى مقيّداتها ومطلقاتها . ولو خلت القرائن من ذويها فحينئذٍ لا مجال لذلك وإلاّ فلا مورد للظهور ولا ينعقد الكلام إلاّ بعد انضمامها المتوقّف على الظفر بالمقيّد .

ومن هنا يشكل الفرق بين المخصّص المنفصل والمتّصل في ما إذا كان مجملاً مردّدا بين الأقلّ والأكثر حيث انّ المشهور على تخصيص العام بالمنفصلبالقدر المتيقن والرجوع إلى اصالة العموم أو الاطلاق والتمسّك بها على الزائد المشكوك كما اذا قال أكرم العلماء وقال منفصلاً لا تكرم فسّاق العلماء أو الفسّاق

ص: 218

منهم وتردّد الفاسق بين مطلق العاصي أو خصوص مرتكب الكبيرة .

فلا اشكال في تخصيص مرتكب الكبيرة قطعا . اما في مرتكب الصغيرة

فيتمسّكون باطلاق أكرم العلماء بخلاف ما اذا قال متّصلاً كأكرم العلماء غير الفسّاق فحينئذٍ لا ينعقد الظهور للعام في العالم المرتكب الصغيرة . ولا مجال للقدر

المتيقن في مقام التخاطب . بل اللازم بناءً على ما ذكرنا ملاحظة المنفصل كالمتّصل وعليه فيكون كالمتّصل في عدم انعقاد الظهور . بل لا ينعقد الظهور من أوّل الأمر فيما إذا كان دأب المتكلّم الاعتماد على القرائن المنفصلة كما في ما نحن فيه فيشكل التمسك حينئذٍ بالاطلاقات بل في الحقيقة لا يكون(1) اطلاق إلا بعد

انضمام القرائن وعدم المقيد المتوقّف على الفحص والعلم أو الاطمئنان بعدمه كما هو الحال في مطلق الأخبار ومتعارضاتها ومن اللازم في مقام الجمع انضمام بعضها إلى بعض وملاحظتها كالمتّصل والأخذ بالمتحصّل منها عند العرف . وحينئذٍ فلو لم يكن هناك جمع عرفي فلا يمكن الترجيح في الدلالة بل لابدّ من الرجوع إلى الأخبار العلاجيّة كما ان اثبات ان الأمر ظاهر في الوجوب مع استعمال الصيغة في جميع الموارد على نهج واحد يحتاج إلى دليل . وإلاّ فمفاد الصيغة في جميع موارد الاستعمال شيء واحد إمّا هو الطلب أو انشاء النسبة . وكما يمكن دعوى كون الندب محتاجا إلى القرينة ومن عدمها نستكشف الوجوب يمكن العكس بأنّ المحتاج إلى القرينة هو الوجوب بأن يبين عدم الرضا بتركه ومنعدمه نكشف عدم الوجوب . لكن الظاهر عند العرف ان الصيغة اذا اطلقت ولم يكن هناك قرينة تكون للوجوب وانّه لا يرضى بترك المطلوب الاّ ان الاشكال في

اشكال الفرق بين المخصص المنفصل والمتّصل

ص: 219


1- . فيه منع وبالعثور على المقيد يقدم على المطلق لاقوائيته .

استقرار الظهور وانعقاده في الوجوب لما ذكرنا من الاعتماد على القرائن المنفصلة لكن الأمر في المقام أسهل منه في مورد ورود المخصّص المردّد بين الأقلّ والأكثر الذي وقع الاشكال فيه آنفا . حيث انّه اذا لم يرد قرينة على الندب يكون للوجوب واذا ورد قوله لا بأس فيكون الظهور المتحصل هو الندب ولا يوجب ورود الندب في واحد من الامور المتعاطفة بنهج واحد تحت طلب واحد كون الباقي أيضا ظاهرا في الندب بل الباقي على حاله في ظهوره في الوجوب . وانما الندب هو الوارد فيه عدم البأس بتركه كما ان الأمر في المخصص المنفصل والمتصل في ما اذا تردّد أمره بين المتبائنين واضح انه على نهج واحد مانع من التمسك بالاطلاق والعموم وعدم انعقاد الظهور أو عدم الحجيّة في كلا المقامين على ما سبق .

الكلام في حجيّة الاجماع

البحث وان وقع في ان نقل الاجماع حجّة أم لا لكن ينبغي الكلام أوّلاً في الاجماع المحصّل وانه حجّة كي يقع البحث بعد ذلك في حجّيّة منقوله والا فلا فائدة في الكلام في نقله اذا لم يكن محصّله حجّة .

فنقول لا اشكال في ان الاجماع لو اريد به اتفاق جميع الأعصار من المسلمين أو خصوص الاماميّة الفقهاء منهم وأهل الفتوى عصرا بعد عصر حتّى عصر الأئمّة علیهم السلام خصوصا الصادقين واتّفق رأي الجميع وكلامهم على حكم من الأحكام الشرعيّة اذا كانوا أهل الرأي والفتوى أو انكشف لدينا عملهم وعلمنا انهكانوا يعملون به فهو حجّة قطعا لايجابه القطع برأي الامام وموافقته لهم في ذلك

حجيّة الاجماع

ص: 220

لاستحالة تواطئهم على الكذب خصوصا مع ورعهم وتقواهم الحاجزين لهم عن الاتفاق على الكذب ونسبة شيء إلى من هم (قبله) عادة لا أنه محال عقلي . بل لا يقع ذلك عادة . وهذا الاجماع لا اشكال في حجيّته . لكن الكلام في وجوده في الفقه كما انه لو نزّل مرتبته إلى ان اتّفق على حكمٍ أهل الفتوى وأصحاب التأليف والتدوين ولم يكن في البين دليل على قولهم يوافقهم في ذلك ولا ما يحتمل انه مدرك لهم فلا ريب في انه يعلم بوجود الحجّة على الحكم عندهم وعلموه من الامام علیه السلام . غاية الأمر لم يدونوه في الكتب بل كان نقلاً إلى الصدور . الاّ ان قوّة هذا الاجماع ليست كذاك . اما اذا لم يكن الاجماع من أحد القسمين بل اتّفاق عصر من الأعصار على حكم من الأحكام بحيث اتّفق أهل الفتوى سواء منهم أصحاب التأليف والتصانيف أو غيرهم عليه فهنا أيضا يمكن اثبات حجيته من باب انه لو كان خلاف الواقع ولم يكن هناك مجال للتقيّة ولا على الامام تقية فعليه أن يظهر الخلاف بردعهم عن ذلك كما وقع من أميرالمؤمنين علیه السلام في كلّ مقام كانوا

يريدون إنشاء بدعة وترويجها كما في زمن عثمان(1) حيث امتنع من الصلاة بالناس بعد رجوعه من عرفات تماما لما أراد عثمان ابداعه في الدين وكما خالفه(2) في كفاية نيّة الحجّ في احرام حجّ التمتّع لمّا نادى منادي عثمان بين الحجّاج فأتاه علیه السلام وردعه ونادى منادي من قبله علیه السلام على خلاف ما أبدعه عثمانحيث انه اعترف عنده علیه السلام بأنّه لم يكن من فعل النبي صلی الله علیه و آله ولا فعله الاثنان .الا انّ الشأن في استكشاف اتّفاق أهل عصر واحد على ذلك بحيث لم يشذ

ص: 221


1- . الوسائل 8 الباب 3/9 من أبواب صلاة المسافر .
2- . الوسائل 12 الباب 21/7 من أبواب الاحرام .

عنهم في ذلك شاذ . فان كان نقل الاجماع من قبيل القسمين الأولين فلا اشكال بناء على اندراجه في خبر الواحد في حجّيّته وسيجيء الكلام في القسم الأخير . وهناك اشكال آخر من الاجماع وربما يدعي الاجماع مدعيه لتشرفه عند الامام علیه السلام ولداعي الاخفاء يدعي الاجماع بمعنى المسبب من الاتفاق أو المستكشف منه كما نقل سيّدنا الاستاذ قدس سره من السيّد أبو تراب (أبي تراب) قدس سره انه كان يعتقد في ما يعبر صاحب الكافي قدس سره بقوله ( وروى ) انّه من باب التشرّف عند الامام علیه السلام ولذلك يكون أمتن وأقوى من باقي رواياته المسندة ولبعضهم مسلك آخر فيه .

وهو الاجماع الدخولي لدخول الامام علیه السلام في المجمعين ( ولا يخفى ان نقل الاجماع الذي يكون حجّة يحتمل كونه من باب الشهادة كما يحتمل اندراجه في خبر الواحد بناء على عمومه للموضوعات ) .

وهناك قسم آخر منه وهو ما يحصل من الاطلاع على أقوال وفتاوى عدّة من أهل الفتوى ويقطع بالحكم ويحدس باتّفاق رأي الامام علیه السلام لهم في ذلك وهو الاجماع الحدسي .

وعلى هذا فلا يكون حجيّة الاجماع لكونه دليلاً برأسه بل لكونه موجبا للقطع فالقطع حجّة من أيّ طريق حصل ولو بالنوم أو الاستخارة أو بالرمل والجفر اذا لم يكن هناك قطع موضوعي وإن كان مرجع الأدلّة الأربعة التي وقع البحث عنها من كونها بما هي أدلّة أو بما هي هي موضوع علم الأصول إلى واحد وهو القرآن كما انّ موضوع علم الأصول لا يختصّ بذلك بل بما كان يقع في طريق الاستنباط .

ص: 222

واعلم ان هنا نكتة ينبغي التنبيه عليها وهي ان بعض أصحاب الرأي كالعلاّمة والشهيد قدّس اللّه أسرارهم ربما يحصل لهم من الاختلاف في الرأي ما يوجب مخالفة ما أفتى به أوّلاً أو كتبه في كتابه لكنه مع قدرته على محو ما أفتى به أوّلاً يثبته على حاله وكذا في الأخير حذرا من دعوى الاجماع أو احتماله على خلاف ما أفتى به في أحد الوقتين .

اذا عرفت هذا فاعلم انّ الكلام في الاجماع المنقول يقع تارة في حجيّة نقله فلا اشكال من هذه الجهة في انه حجّة لدخوله بناءً على بعض المباني في قسم الأخبار وحكاية رأي الامام علیه السلام ولو من حيث حكايته عن الاتفاق الذي هو كاشف عن قوله علیه السلام وأدلّة الخبر وان كانت شاملة لنفسه لا الموضوعات الخارجيّة لكن حذرا من لزوم اللغويّة فيها لابدّ من الالتزام بشمول الأسئلة وغيرها المرتبطة ببيان الأحكام ولو تبعا .

واخرى من جهة أصل تحقّقه ومدركه محصّلاً فقد اختلف في وجه حجيّته وكلّ سلك مسلكا فذهب بعضهم إلى انّ وجه حجيّته دخول الامام علیه السلام بشخصه في المجمعين وانّه علیه السلام يحضر المجالس المعدة للافتاء والاستنباط ويمنعهم من الاتفاق على خلاف الواقع بالخدش في أدلّتهم وابداء قول آخر واحتمال ويعلم بالقرائن القطعيّة انه الامام علیه السلام (1) كما قد اتّفق(2) لبعض شرّاح الشرايع قدّس اللّه

الكلام في الاجماع المنقول

ص: 223


1- . ولذا يشترطون في المخالف مجهوليّة النسب ولا يعتبرون خلاف معلوم النسب ويعتذرون عن مخالفته وخروجه من الاجماع بكونه معلوم النسب والمراد بعدم معلوميّة النسب انهم لا يعرفونه مع اجتماعه لشرايط الافتاء والفقاهة لا يعرف بنسبه .
2- . الظاهر ان المراد به هو السيّد محمّد مهدي القزويني الأصل . خاتمة المستدرك 2 - 20 ص127 ح3 .

أسرارهم والشيخ قدس سره (1) ذهب إلى ان وجهه اللطف ولزوم البيان على الامام علیه السلام لكونهحافظا لدين اللّه فلا يمكن حصول الاتّفاق على حكم من الأحكام الشرعيّة في جميع الأعصار بل ولا في عصر واحد مع كونهم مخطئين في اصابة الحكم الواقعي ولا تقيّة ولا خوف على الامام علیه السلام فعليه القاء الخلاف وارشاد الامة إلى الحق واخراجهم عن الباطل بارائه الطريق وبيان الحكم الواقعي ولو بالالقاء إلى شخص وابداء احتمال حفظا لوقوع الاتفاق بالنسبة إلى الأعصار الآتية ولا يقعون في الضلال ولا مجال لاحتمال كون ذلك وظيفة حال الظهور لكونه حاضرا ظاهرا في كلّ وقت وإنّما القصور منّا . كما انه لا تختلف الوظيفة بحسب اختلاف الأوقات لأنّه حافظ دين اللّه وعليه ذلك بل حكمه حال الحضور أيضا كذلك فربما اشتدّ الأمر ولم يكن مجال بيان الأحكام فيحذرون ذلك بل يأمرون بعض أصحابهم من له أهليّة ذلك ببيان أقوالهم ولو في ضمن أقوال فقهاء العامّة لعدم تمكّنهم عليهم السلام من ذلك واذا زال المانع وارتفع الخوف كانوا يبيّنون للنّاس مسائل الحرام والحلال والأحكام .

وأجاب المحقّق النائيني قدس سره (2) عن هذا الوجه بأنّه عليه البيان بالطرق العادية لا بغير ذلك وهم قد بيّنوا ذلك . لكن هذا الكلام منه ليس في محلّه لعدم دليل على اختصاص البيان بالطرق العادية . وعلى فرض التسليم فهذا النحو من البيان بالالقاء إلى واحد من رعيته عليه السلام من تلك الطرق . ولا مجال للاشكال في حجيّة الاجماع بهذا النحو ان وجد له الصغرى بحيث اتّفق أهل

ص: 224


1- . يظهر من الشيخ اعتبار الخبر لأجل دخول الامام في العاملين بالخبر . عدّة الاصول 1/275 .
2- . فوائد الاُصول 3/150 .

الأعصار والامصار على حكم من الأحكام الشرعيّة ولم يكن هناك مخالف فانانقطع بموافقة ذلك لرأي المعصوم علیه السلام وقوله وإلاّ لكان يبين الحكم ويوقع الخلاف بينهم لكن الظفر بمورد يكون صغرى لهذا مشكل . بل لا يوجد في الفقه الا في موارد قليلة كمسئلة اشتراط المضاربة بالدراهم والدنانير المسكوكات الرائجة ولا تقع بغيرها فانه لا يوجد في كتب الفتاوى ولا مدارك الأحكام ما يكون مدركا لهذا الحكم سوى الاجماع الذي لم يظهر مخالف فيه وإلاّ فقلّما يوجد حكم اجماعي ولم يكن ما يوافقه من أصل أو دليل أو قاعدة . فلا اشكال في كبرى هذا المعنى . إنّما الكلام في احراز الصغرى كما ان الاجماع الدخولي لا وجه له بل قليل الاتّفاق أو فاقده .

وهنا مسلك آخر في حجيّته وهو الحدس من اتّفاق جماعة بموافقة الامام علیه السلام لهم وهذا هو المعنى الذي يمكن تطبيق دعاوي الاجماع غالبا عليه وإلاّ فمن البعيد حملها على القسم الثاني الذي هو الاجماع اللطفي لعدم امكان الظفر بآراء أهل الرأي والفتوى في عصر واحد المعروفين وغيرهم كي يكون مجال لدعوى الاجماع أو ان الناقل له انما ينقل مسبب الاجماع والمنكشف لديه لتشرفه بخدمة الامام علیه السلام وتلقى الحكم منه فيدعى الاجماع بمعنى المسبب منه والمنكشف من الاتفاق . وربما يمكن الاستدلال على حجيّة الاجماع باتفاق أهل الأعصار في جميع الأمصار على حجيّة الاجماع الذي هو اتفاق الكل في الأعصار السابقة على عصر الاجماع ولم يكن هناك مخالف فلو كان غير حجّة لكان هناك مخالف يخالف الباقين على انه حجّة وليس فيحصل العلم والقطع بكونه حجّة .

الكلام في مستند الاجماع المنقول

ص: 225

وفيه بعد ظهور المدرك للمجمعين في حجيّته واختلافهم فيه لا مجال

للتمسك بالاجماع على حجيته مع انه تمسك بالاجماع لاثبات حجيته فان استندذلك إلى القطع فذاك غير مخصوص بالاجماع .

فظهر بما ذكرنا ان الاجماع الدخولي لا وجه له كما ان الاجماع اللطفي لو تحقق لا اشكال فيه بما ذكرنا من الشرايط . الا ان الاشكال في ان الاجماعات المدّعاة في كلام شيخ الطائفة قدس سره يبعد أن تكون من اللطفى بعد ارداف دعويها بالروايات في غالب المواضع فانظر كتابه الخلاف ترى صدق ذلك .

نعم ما يمكن من أقسامه هو الاجماع الحدسي من اتّفاق الأصحاب في الأعصار كلّها حتّى عصر الأئمّة علیهم السلام واتّفاق أصحابهم على ذلك فانّه يوجب علما قطعيّا بالحكم بلا اشكال .

ولكن الشأن في العثور على مثل هذا الاجماع واتفاق وجوده فانه من المحال عادة أو المستبعد اطلاع رجل فقيه على فتاوى أهل عصره جميعا سواء المعروفون منهم بالفتوى وغيرهم من الذين اتّخذوا الزوايا مأوى ولم يعرفوا برأي ولا فتوى فانّ أهل النظر في كلّ عصر لا ينحصر بمن نقل عنه الفتوى أو اشتهر الأخذ عنه غايته انه يمكنه الاطلاع على فتاوى أهل بلد واحد حيث يعرف أهل الفتوى من غيرهم وانى له بساير البلاد والاطلاع على فقهائها وأهل الفتوى منهم .

نعم يمكنه الاطلاع بأخبار غيره الذي يكون قوله مقبولاً عنده والا فالتتبع لا يفي به العمر إلى هذا الحد . فحينئذٍ يكون دعوى الاجماع في مسألة على هذا منضماً من التتبع الوجداني والتعبدي بقول غيره على مورد علمه واطلاعه كما انه لابدّ من ذلك في من فارقهم غير مجتهدين فانه يمكن حصول الملكة لهم بعد ذلك

ص: 226

إلى حين دعوى الاجماع في المسألة .

فلابدّ في ذلك من التشبّث بذيل الاستصحاب في دعوى الانفاق . وعلى هذا فلا يمكن قبول قول مدعى الاجماع في ما هو ظاهره من اتفاق الكل . بل لابدّأن يكون مراده امّا الاتفاق الحاصل من تتبع أقوال المعروفين بالفتوى ومن سهل الاطلاع على فتاويهم . فحينئذٍ يكون بهذا المعنى في معنى المشهور . لكن لا بمعناه المعروف الذي يكون في قباله قول بالخلاف محقّقا بل المشهور الذي لا يعرف فيه المخالف مع احتماله أو انه هناك قاعدة عنده عثر عليها وادّعى الاجماع بمعنى (لمبنى) انه يفتى بمقتضاها كلّ من عثر عليها لا انه تتبع الأقوال وعرف الوفاق . وإلاّ فلا وجه لغير هذين وكيف يمكن دعوى اتفاق جميع علماء الأعصار في الأمصار إلى زمان الأئمّة وأصحابهم .

نعم هناك احتمال ثالث استند إلى دعوى الاجماع بعضهم وهو انه لا فتوى للأموات فلو كان في حال حياته مخالفا فلا يضر بتحقق الاجماع بعد موته من الاحياء .

هذا . ولكن الظاهر ان دعوى الاجماع واطّلاعه على ما ذكر بعيد عن مقامهم وخلاف ما يظهر من كلماتهم . حيث انهم مصرحون بخروج المخالف مع انه من غير المعاصرين الأحياء . كما انه قرائن في كلماتهم تدلّ على دعوى اتّفاق جميع الأعصار حيث يعبّرون بأنّ المسئلة اجماعيّة عندنا أو اتّفاق الاماميّة عليها أو نحو ذلك . ويؤيّد ذلك ان في ساير الموارد يذكرون شهرة المتقدّمين وانه على خلافها شهرة المتأخّرين فكيف يمكن احتمال ارادتهم المشهور من الاجماع .

نعم لو كان هناك قرائن أو صرّحوا بذلك بحيث كان ذلك اصطلاحا لهم فهو

توجيه بعض الإجماعات

ص: 227

وإلاّ فهو تدليس في الدعوى لا مجال لصدوره منهم .

وفصل المحقّق النائيني قدس سره (1) بين كون المدعى أمثال الشهيد الثاني ( كما عبّر بهالأستاذ ) والعلامة والمحقّق قدّس اللّه أسرارهم فيقبل دعوى الاجماع منهم بخلاف غيرهم فانه يحمل على ما ذكر من المحامل .

وهذا لم يرتضه سيّدنا الاستاذ قدس سره وذكر انه لا دليل على ذلك . نعم يمكن وقوفه قدس سره على ما أوجب هذا التفصيل في ذلك .

اذا عرفت حال الاجماع المحصل فيسهل الأمر في نقله وانه تارة ينقله بكون الواقع هكذا أو انه يدعي العلم وثالثة ينقل منشأ حصول العلم به من اتفاق الأصحاب ولا وجه لأحد هذه الوجوه حيث ان المناط بقول الامام علیه السلام فلو كان قوله معلوما فضم قول ساير الامة إليه فضلاً عن غيره يكون كضم الحجر في جنب الانسان اذ لا فائدة في قول غيره والا فمجرّد اتّفاق الأصحاب بنفسه لا يكون دليلاً من الأدلّة .

نعم هو عند العامّة هديهم اللّه دليل معتبر عندهم واما عندنا فلا اذ نقل مدعى الاجماع الاتفاق أو علمه المستند إلى الحدس عن قول جماعة لا حجيّة فيه ولا يوجب شيئا كما لا يوجب اذ انضم اليه تتبع أنفسنا اذ نحصل الاجماع المحصل بمعنى اتفاق الأصحاب الذي اطلع عليه وهو لا يوجب شيئا .

وتلخّص مما ذكرنا عدم تماميّة الاجماع مدركا .

نعم الا في مقامين أحدهما اذا أوجب القطع بكون الحكم كذلك عند الامام علیه السلام .

ص: 228


1- . فوائد الاُصول 3/152 .

والثاني ما إذا علمنا بوجود حجّة معتبرة عندهم في ذلك بحيث لو علمنا بها لاستفدنا منها كما استفادوا .هذا ما ذهب إليه المحقّق النائيني(1) . ولكن الاشكال في الثاني من حيثعدم احتمال وجود حجّة كذلك ولم تصل إلينا لاقتصار الأصحاب على غير هذا وتواطؤا على كتمانها أو نقلها بالصدور .

اللهمّ إلاّ أن يكون قيام سيرة لهم غير مردوعة عن الامام علیه السلام فهذا الاحتمال وان كان قريبا لكن الشأن في وصول هذه السيرة إلى أصحاب التأليف وانهم من أين اطلعوا على مثلها فادعوا الاجماع .

ببيان آخر: يمكن الاستدلال على حجيّة الاجماع بقوله علیه السلام في بعض الروايات(2) العلاجيّة تعليلاً للأخذ بالمشهور بين الأصحاب ( فان المجمع عليه لا ريب فيه ) حيث انه لو كان كبرى كلية فتفيدنا في المقام اذا حصلنا الاجماع أو حصل لنا الاطمئنان من قول أصحاب الفن الذين يطمئن بهم ويكون قولهم في مقام حكاية الاجماع صريحا بحيث لا يكون مجملاً أو ظاهرا في خلاف المراد . وحينئذٍ فيكون حجّة لازم الأخذ لقوله في الرواية ( لا ريب فيه ) فيترتب عليه الأثر الشرعي . اذ لابدّ من وروده في مقام ترتيب الأثر الشرعي والا فالاجماع في غير تلك الموارد لا يكون مثمرا للثمر ولا ان شأن المعصوم بيان ذلك . اذ ينطبق ضابط منصوص العلّة على قوله فيتبع جميع موارد انطباقه ولا عبرة بوروده في مورد الروايات المتعارضة اذ لا يختص الكبرى بموردها وان قيل به في قاعدة

ما يمكن الاستدلال به على حجيّة الاجماع المنقول

ص: 229


1- . فوائد الاُصول 3/150 .
2- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

التجاوز حيث انه قال الشهيد وغيره قدّس سرّهم بلزوم كون مورد انطباق القاعدة من الأبواب الفقهيّة في الصلاة كالقرائة والركوع بقرينة تمثيل الامام للشكّ(1) فيالركوع بعد أن دخل في السجدة أو في القرائة اذا كان في حال الركوع ولم يقولوابكفاية الدخول في مطلق الغير لكنه لا وجه له .

هذا . الاّ انه يمكن الخدشة في كونها كبرى كلية لاحتمال ارادة نفي الريب بالاضافة إلى الرواية الاخرى . ولو كان الريب هو الريب الاضافي فلا يمكن كونه كبرى كليّة بل يكون من قبيل الملاك الذي لا يمكن تسرية حكمه من مقام إلى ساير المقامات . وذلك لأنّه على تقدير كونه كبرى كلية لم يعمل بها في مورد بل على خلافه العلماء فانهم لم يلتزموا في ترجيح مطلق الدليل الذي لا ريب فيه بالنظر إلى غيره مطلقا وإلاّ فلا تصل النوبة إلى مخالفة العامّة وموافقتهم وموافقة الكتاب ومخالفته لوجوب الترجيح بكل ماله أدنى رجحان ومزيّة فحينئذٍ لابدّ من كونه مدركا لأخذ الرواية المشهورة من روايتي الحكم المتعارضتين وحكمته عدم كون الريب فيه بالنسبة إلى الاخر . واذا لم يمكننا اثبات حجيته من هذا الطريق فيبقى لنا طريق آخر . وهوايجابه لحصول العلم وذلك اذا كان الناقل ناقلاً للاجماع واتفاق الأصحاب لا أن يكون اصطلاحه في الاجماع اتفاق المشهور أو جماعة بأن لم يصل إلى كلام الجميع وينسب إليهم القول بالحدس . وحينئذٍ لا مجال للاعتماد على قول جماعة لعدم ايجابه العلم برضا المعصوم نعم لو أوجب فلا مضايقة .

والحاصل اذا كان الناقل قد نقل اتفاق الجميع وكان ثقة عارفا عدلاً ضابطا

ص: 230


1- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .

فنكشف بقوله اتفاق الجميع ولو بكونه من خبر العادل الوارد في الموضوعات المرتبطة بالأحكام الكليّة . ويمكن ايجاب نقله الوثوق بالذي قد اندرج تحت أدلّة حجيّة خبر الواحد للعلم بقول المعصوم وحينئذٍ فنمشي عليه لحجيّة الاجماع ولا ينظر إلى معتقده نفسه في مدرك الحجيّة اذ سواء كان مدركه الحدس أو قاعدة اللطف أو الدخول أو غير ذلك لا ربط له بنقله اتفاق الكل اذا كان مستندا إلىالحس .

فذلكة البحث قد تلخص ممّا ذكرنا ان الاجماع يكون حجة في موارد احدها . ما اذا حصل من اتفاق الجميع حتى أصحاب الأئمّة علیهم السلام اذ حينئذٍ لا يمكن التوقف في عدم كون المجمع عليه هو الحكم الذي يرضى به الامام علیه السلام ويكون قوله . كما انه لا اشكال في حجيّة الاجماع الذي هو دونه باتفاق جميع أهل الأمصار سوى عصر الأئمّة علیهم السلام فانه أيضا حجّة كاشف عن وجود الحجّة المعتبرة عندهم بحيث لو ظفرنا بها لقلنا به . هذا حال ما اذا حصلنا الاجماع .

اما اذا نقل الينا وكان مبنى الناقل في النقل على نقل الكاشف فلا اشكال في قبول قوله اذا لم يكن من باب الشهادة ويوجب الوثوق بخلاف ما اذا كان من باب الشهادة فانه لا يمكن إلاّ باجتماع شرايطها من كون الشاهد حيّا والتعدد فيه والتلفظ بمورد الشهادة وهذه شرايط يشكل اجتماعها اذ لم ينقل إلينا قول الشهيد بشهادة نفسه بل نقل إلينا كتابه كما انه لم نسمع منه بنفسه بل وصلت الينا كتبه بالوسائط . نعم التعدد في الشاهد ممكن أو انه يكتفي بقول الشاهد الواحد في الموضوعات . وهكذا الحال في نسبة الرواية إلى الامام علیه السلام بواسطة الظفر بها في الكافي للكليني وأمثاله . الا أن يثبت حجيّة ذلك بالتواتر أو باجازة الرواية من

موارد حجيّة الاجماع

ص: 231

مشايخ الاجازة . هذا . الا انه يشكل قبول هذا القسم من الاجماع حيث انه لو كان عندهم حجة معتبرة بحيث لو وصلت الينا لكانت حجة فلم لم تنقل إلينا . اذ لا وجه لعدم وصولها إلينا مع وصول ساير الأحكام الا تواطئهم على نقل ذلك بالصدور وكتمانه عن السطور . وقد يظفر مدعى الاجماع بتشرفه عند الامام علیه السلام ونقله إلى غيره ولذا قد كان يصدر عن بعضهم فتاوى أو الارشاد إلى بعض ما لا يعلم وجهه كما في تعيين بحرالعلوم مواضع قبر النبيّين هود وصالح عليهماالسلامومقامات مسجدالكوفة والسهلة .

تشرف بحرالعلوم خدمة الامام علیه السلام

وقد تشرّف خدمة الامام علیه السلام في ما نقله سيّدنا الأستاذ قدس سره بواسطة الشيخ الميرزا محمّد صادق الشيرازي قدس سره الذي وثّقه سيّدنا الأستاذ واعترف باعتماده عليه دينا وعلما عن ابن السلماسي ( الذي نسي اسمه سيّدنا الأستاذ ) عن أبيه السلماسي المعاصر لبحرالعلوم قدس سره انه كان في مجلس تلاقى المحقّق القمي وبحرالعلوم قدّس اللّه أسرارهم حين جاء المحقّق إلى بحرالعلوم من ايران سائلاً عن كيفيّة وصوله وتشرّفه عند الامام علیه السلام ممتنعا من شرب القليان وقبول ساير المتعارف من الاحترامات ذاك العصر لأجل قضاء حاجته فسئله بحرالعلوم فبين ان غرضه بيان الكيفيّة إلى أن بيّن بحرالعلوم قدس سره ان عادته الذهاب إلى مسجد الكوفة كلّ ليلة جمعة راجلاً ذاهبا وآتيا على طريق السهلة ويصلّي ويدعو في مسجد السهلة ويرجع إلى النجف الأشرف إلى أن صارت ليلة قد مضى الوقت فبنى على الرجوع من طريق الكوفة وعدم المرور بمسجد السهلة . فاتفق انه ارتفع

تشرّف السيّد بحرالعلوم

ص: 232

هناك عجاج رفعته إلى أن وصل مسجد السهلة داخل العجاج فوقف عند باب المسجد ليدعوا بالمأثور فسمع من وسط المسجد من يقرء بما لم يسمعه ولم يقرء ولا كان حافظا له حيث انه قدس سره كان حافظا لكلّ دعاء أو قاريا له ولو مرّة واحدة فلم ير هذا الدعاء كواحد من تلك الأدعية فدخل قاصدا جانب الصوت فسمع قوله علیه السلام ( يا مهدي قف ) فسئل المحقّق القمّي بيان بعد قوله علیه السلام ( قف ) فامتنع

بحرالعلوم ولم يبين أزيد من ذلك هذا ( وإنّما كتبته مسندا من سيّدنا الأستاذ إلى بحر العلوم وقد وثق سيّدنا الأستاذ الواسطتين إلى السلماسي وحاله كحالبحرالعلوم في الملازمة معلوم ) .

وعلى كلّ حال فلا وجه لكتمانه وعدم كتابته بل لا يكاد يوجد مورد اجماع لم يكن موافقا لقاعدة أو أصل من الأصول والقواعد الفقهيّة التي بأيدينا فراجع الكتب الفقهيّة حيث يردفون الاجماع بساير الأدلّة من الأصل أو الأخبار .

هذا اذا كان الناقل للاجماع انما ينقل السبب الكاشف بخلاف ما اذا نقل قول جماعة مع خلاف جماعة آخرين حيث انه لا يوثق بموافقتنا لاحدى الطائفتين اذا ظفرنا بمدركهم بخلاف ما اذا كان الجميع متفقين في أمر فانه لا يمكن عدم حصول الاتفاق .

والحاصل انه لا وجه لحجيّة الاجماع من هذا الطريق أيضا الاّ على نحو ما عرفت كما عرفت الاشكال في حجيّته بالاجماع للدور واختلاف المدرك من الحدس واللطف والدخول وغيرها نظير الاجماع المدعى في بيع المعاطاة على جوازه الحكمي لا الحقي حيث انه أيضا مختلف المدرك لعدم قول جماعة بافادة سوى الاباحة وقول بعض بافادة الملك متزلزلاً وتفرّد المفيد قدس سره بالقول بافادتها

ص: 233

اللزوم فاين الاجماع مع اختلاف المدرك اذ لا تعبد بل انما هو اجماع تقييدي لا عبرة به .

تنبيه: ان الرواية(1) الواردة في أخذ الرواية المشهورة تعليلها ربما يكون ارشاديّا بلحاظ ان الرواية اذا كانت بحيث رواها الأصحاب في كتبهم فيوجب وصولها إلى حدّ التواتر الموجب للعلم فلا معنى حينئذٍ للتعبّد بالأخذ بها . نعم لو كان هناك اشكال فيرجع إلى جهة الصدور ولذا بعد فرض السائل كونهمامشهورين جعل عليه السلام الميزان موافقة الكتاب ومخالفة العامّة الراجعة إلى جهة الصدور فتدبّر .

الكلام في الشهرة ومن الظنون التي قيل بخروجها عن القاعدة المبرهن عليها بالأدلّة المتقدّمة من عدم جواز العمل بالظن وبغير العلم الشهرة . وهي على أقسام ثلاثة . وما هو محلّ البحث هي الشهرة الفتوائيّة لعدم اطلاعنا عن الشهرة العمليّة كما انّ الشهرة في الرواية لا تكون محلّ الكلام .

فمحلّ البحث والكلام هي الشهرة في الفتوى التي قيل بكونها جابرة للضعف وكاسرة للسند بحيث انّه كلّما ازداد خبر صحّة ازداد بعدا ووهنا اذا كان على خلافه الشهرة في الفتوى .

ولا اشكال في عدم ايجاب الشهرة بما هي هي شيئا اذ ليس باولى من الاجماع . وقد عرفت عدم ايجابه بما هو اجماع شيئا ما لم يوجب حصول الوثوق والاطمئنان . وعلى هذا فالميزان هو ذلك . ولا اشكال في ان الشهرة اذا كانت على خلاف رواية بحيث لم يحتمل استنادها إلى ترجيح الرواية المخالفة لغير المعمول

ص: 234


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

بها من باب المعارضة أو عدم العثور عليها أو وجوه اخر لا ربط لها بالاعراض وكانت الرواية بمرأى منهم ومسمع توجب وهنها في الاعتبار وعدم حصول الوثوق بصدورها أو بكونها واردة في مقام العمل . واذا كان مبنى العمل باخبار الآحاد هو الوثوق والاطمئنان فلا يبقى له معها مجال . اذ ذاك أمر تكويني يحصل قهرا كما ورد(1) في باب المقيم الذي كان وظيفته التمام وصلّى قصرا جهلاً بالحكم من عدم لزوم الاعادة وصحّة الصلاة مع انّ الرواية صحيحة ليس فيها ما يوجبوهنها ولم يعمل بها المشهور وكذلك ما ورد(2) في ما اذا صلّى العصر قبل الظهر

نسياناً من صحّتها معلّلاً بأنّها أربع مكان أربع لم يعمل بها المشهور بل فتواهم على

خلافه . وان كان قد عمل بالروايتين في المقامين بعض العلماء كما ان مبنى صاحب المدارك وغير واحد على ذلك وان لا يعتنوا بعدم عمل المشهور وفتواهم على وفق الرواية اذا كانت معتبرة السند بل يفتون على طبقها ويعملون بها هذا في الكسر .

وأمّا الجبر فقد اشتهر انها توجب جبر الرواية الضعيفة السند ووقع الكلام في انها هل شهرة القدماء أو شهرة المتأخّرين أو مطلقا .

اختار المحقّق النائيني قدس سره (3) ان العبرة في الجبر بشهرة القدماء لقرب عهدهم بزمان صدر الروايات فهم اعرف بموارد صدورها من المتأخّرين كما ان له على ما بين سيّدنا الأستاذ حسن ظن بابن بابويه فيما اذا لم يكن على طبق فتوى دليل ألاّ فتواه قدس سره فيعتمد على فتواه نظرا إلى انه اما أن ينقل الرواية أو مضمونها

جبر الرواية الضعيفة

ص: 235


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/3 من أبواب صلاة المسافر .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 63/1 من أبواب المواقيت .
3- . فوائد الاُصول 3/153 .

أوانه يفتى على ما هو حجة معتبرة عنده كما كان مبناه على الأخذ بالفقه الرضوي فيما اذا انحصر المدرك به وكان على طبقه الشهرة في الفتوى ولم يكن بأيدينا من الأخبار ما يصلح أن يكون شاهدا على الحكم كما في مورد تعلق الزكوة بالمال بعد خروج المؤنة فان المدرك منحصر بالرضوي ولا دليل غيره فيعمل به في أمثال هذه الموارد دون غيرها . الا ان الشأن في كون فتوى المشهور مستندة إليه . لأنّمجرّد الموافقة لمضمونه لا يوجب كون اعتمادهم عليه . بل من الجائز أن يكونعندهم دليل آخر مع انه غير خال عن ما هو خلاف الواقع لاشتماله على لزوم نصب صورة أحد الأئمّة علیهم السلام لنظره حين الصلاة .

والحق ان شهرة المتأخّرين لو لم تكن أقوى من شهرة القدماء فلا أقل من مساواتها لها . لما هو الظاهر من دقّة نظرهم وكثرة تتبعهم من القدماء . وبالجملة فلابدّ من الوثوق والاطمئنان على طبق شهرة القدماء وربما يكون حاصلاً من شهرة المتأخّرين . واذا لم يكن حاصلاً من أحدهما فلا يشمل دليل الاعتبار الرواية الضعيفة كما هو واضح .

أدلّة حجيّة الشهرة

استدلّ لحجيّة الشهرة في الفتوى بوجوه أربعة:

أحدها: ماروى(1) في بعض روايات العلاج تعليلاً للأخذ بالمشهور في الرواية ( فان المجمع عليه لا ريب فيه ) فان المجمع عليه لابدّ أن يكون معنى قابل الانطباق على مورد التطبيق والتعليل . كما انه لابدّ من كونه كبرى كليّة لحسن

ص: 236


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

التعليل فانّه لا عبرة بخصوصيّة المورد بعد كون الكبرى كلية قابلة الانطباق على غيره من الموارد هذا .

وأجاب عنه المحقّق النائيني قدس سره (1) بكون نفي الريب في الرواية هو بالمعنى الاضافي بالنسبة إلى غير المشهور من الرواية الشاذة ولا مجال للأخذ بكبرويته وكليته للزوم التعدي إلى كلّ مورد تكون لاحدى الروايتين جهة رجحان علىالاخرى وإن كانتا متساويين من ساير الجهات وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به . بل لازمه التعدي إلى الترجيح بالظن الخارجي بصدق أحد الخبرين .

الثاني: ما ورد في المرفوعة من قوله ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ) بتقريب عمومه واطلاقه لكلّ مشهور ولو كان الشهرة في الفتوى .

هذا مضافا إلى ان الشهرة في المرفوعة وهكذا في المقبولة(2) الواردة في باب المتنازعين في دين أو ميراث الذي ظاهره الشبهة الحكميّة لعدم ارتباط للشبهة الموضوعيّة بالنظر إلى مدرك الحكمين في الحكم على خلاف الآخر . وإن كان من الممكن عمومه للشبهة الموضوعيّة أيضا ما لم تكن حجّة فلا يمكن جعلها مرجحا فنفس جعل الشهرة في المقامين مرجحا يكفي في استفادة حجيّة الشهرة بلا احتياج إلى أمر آخر اذ غير الحجّة لا معنى لمرحجيته . فبهذين الدليلين يمكن استفادة حجيّة الشهرة كما انه هناك وجه ثالث وهو عموم مفهوم آية النبأ(3) حيث ان تعليل عدم الأخذ بخبر الفاسق باصابة القوم بجهالة ليس من باب ان خبر العادل والثقة يوجب العلم بل لكونه أمرا عقلائيّا مرضيّا عندهم . فبناءً على المفهوم فيها

ص: 237


1- . فوائد الاُصول 3/152 - 153 .
2- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
3- . سورة الحجرات الآية 7 .

يستفاد جواز الأخذ بكلّ ما لا سفاهة منه ومنه الشهرة اذ الجهالة هي السفاهة وأخذ المشهور في الفتوى لا يكون سفاهة .

الوجه الرابع كون حجيّة الشهرة من باب ان الاطمئنان الحاصل منها بالواقع أزيد من الاطمئنان الحاصل من خبر الواحد الذي لا مجال لانكار حجيّتهفالشهرة أولى منه بذلك .والجواب عن الوجهين الاولين عدم استفادة الكبرى الكلية منها لما في قوله ( فانّ المجمع عليه لا ريب فيه ) من كونه لنفي الريب بالاضافة إلى الآخر وقد عرفت اشكال كبرويّته كما ان في استفادة الحجيّة لها من نفس جعلها مرجحا اشكالاً لاحتمال اختصاص ذلك بالشهرة في الرواية لا مطلقها كما هو محلّ الكلام .

وأمّا آية النبأ فالمفهوم ان قلنا به فيها راجع إلى صدر الآية اذ لا مفهوم لذيلها بل باعتبار تعليق التبيين على مجيء الفاسق يستفاد عدم التبين عند مجيء العادل ولا ربط لذلك باصابة القوم بجهالة وأن يكون المفهوم عدم الاشكال في اصابة القوم اذا لم يكن هناك جهالة ( أي سفاهة ) .

بيان آخر: قد أشرنا إلى الاستدلال على حجيّة الشهرة في الفتوى بادلة أربعة منها التعليل في المقبولة(1) على الأخذ بالرواية المشهورة بقوله علیه السلام ( فان المجمع عليه لا ريب فيه ) بتقريب ان قوله ( فان المجمع عليه لا ريب فيه ) كبرى كلية قابلة للالقاء إلى المكلف بقوله ( خذ بكلّ ما لا ريب فيه ) أو ان كلّ ما لا ريب

فيه فهو حجّة فحينئذٍ يشمل الرواية المشهورة التي ذكرها الأصحاب في كتبهم

وجه حجيّة الشهرة

ص: 238


1- . فوائد الاُصول 3/154 - 155 .

واصولهم فيشمل الشهرة في الفتوى حيث انها مجمع عليها فيجب الأخذ بها فانها ممّا لا ريب فيه . وذكرنا اشكال المحقّق النائيني قدس سره بعدم كونه كبرى كلية للزوم الكذب حيث ان اللازم على هذا الأخذ بكل ما لا ريب فيه بالنسبة إلى الآخر لكون نفي الريب إنّما هو الريب بالاضافة إلى الآخر . فان الريب الذي في الشاذ النادر ليس في المشهور لا انه نفي الريب مطقا عن الرواية المشهورة ولو كانكبرى كلية فيجب الأخذ بكلّ ما لا ريب فيه بالنسبة إلى الآخر وان كان مشتملاً على ألف ريب .

حتى ان الرواية الضعيفة لو كان الريب فيها أقل من الريب الحاصل في أضعف منها يجب الأخذ بها وهذا لا وجه له . فاذن يكون التعليل مناطا والأخذ بالشهرة مطلقا لابدّ وأن يكون من باب تنقيح المناط وهو ليس بحجّة . بل هو قياس لا مجال له هذا كلامه قدس سره ولكن الاشكال في كون ذلك كبرى كلية فان قوله ( فان المجمع عليه لا ريب فيه ) لا شاهد فيه على كونه بالاضافة إلى الاخرى بل ظاهره نفي الريب مطلقا . إذ لا يحسن التعليل على فرض كونه ملاكا لرجوعه إلى لزوم الأخذ بالمشهور لكونه مشهورا وهو مصادرة بل نقول ان الكبرى الكلية على كليتها ونحن نلتزم بحكمها في صغرياتها ونأخذ بكلّ ما لا ريب فيه الا ان المشهور في الفتوى مع كون الشهرة الاخرى أو غيرها على خلافه ليس ممّا لا ريب فيه بل فيه الريب فلا يكون صغرى لكبرى المقام .

وأمّا المشهور في الرواية فلا اشكال في كونه ممّا لا ريب فيه من حيث الصدور لاتفاق الأصحاب على روايته بخلاف الشاذ النادر الذي تفرّد بنقله واحد أو اثنان مع روايته أو روايتهما تلك المشهورة أيضا .

ص: 239

نعم لا مانع من كون المشهور في الرواية موافقا للعامّة أو فيها جهات اخرى موجبة لعدم حجيّتها لكن ذلك راجع إلى جهة الصدور . والا ففي أصله لا مجال للاشكال وعلى هذا فيكون التعليل ارشاديّا لا تعبّديا فالنتيجة وإن كانت مع المحقّق النائيني قدس سره لكن الاشكال في كون الشهرة صغرى للكبرى الكلية .

وأمّا المرفوعة فبعد الغضّ عن كونها مرفوعة والكلام الذي في الراوي لها وهو ابن أبي جمهور في كتابه العوالي اللئالي . انها لا دلالة لها على المطلوبلاحتمال اختصاص قوله ( ما اشتهر ) بالرواية للقرينة الحافة بالكلام مع العلم بكذب كون كلّ مشهور لازم الأخذ حيث انه ربّ مشهور لا أصل له .

وأمّا الاستدلال بمفهوم تعليل آية النبأ(1) بدعوى كون المراد بالجهالة هو السفاهة وما يكون عند العقلاء غير مسلوك فلا مانع من الأخذ بما لا سفاهة فيه . ومن المسلم عدم كون المشهور في الفتوى وأخذه سفاهة . ففيه ما لا يخفى لاختصاص المفهوم بصدر الآية وهو مجيء الفاسق بالنبأ والتعليل لا مفهوم له لأن غايته عدم سلوك الطريق الذي فيه السفاهة وبقرينة المفهوم من صدر الآية لا مانع من الأخذ بخبر الثقة لعدم كونه فيه السفاهة . لكن ليس لازمه هو الأخذ بكلّ ما لا سفاهة فيه لاحتمال أن يكون فيه جهة اخرى كما اذا قال المسكر حرام فلا يدلّ على حليّة كلّ ما ليس بمسكر لعدم انحصار الحرمة في الاسكار بل يمكن أن يكون فيه جهة اخرى للحرمة كما ان الاستدلال بايجاب فتوى المشهور للاطمئنان الذي يكون حاصلاً بالخبر الواحد فيشمله أدلّته لا مجال له . لمنع الصغرى اذ لا يكون الأخذ بخبر الواحد من باب التعبد بل من باب الاطمئنان

ص: 240


1- . سورة الحجرات الآية 7 .

والعلم العادي . فان حصل في المشهور فلا بأس بالأخذ به والا فلا دليل على حجيّته كما ان الاجماع الذي هو أعلى شأنا من المشهور لم نقل بحجيّته بما هو اجماع بل من باب الكشف عن الحجّة .

وقد أجاب المحقّق النائيني قدس سره (1) عن هذا بلزوم الاخذ بخبر الواحد حتّىمع الظنّ على الخلاف وانى هذا من الشهرة في الفتوى لكن هذا منه قدس سره مشى علىخلاف مبناه اما على مبناه فالكلام في الجواب واضح كما عرفت .

الكلام في حجيّة خبر الواحد

ومن الامور التي قيل بخروجها عن أصل عدم جواز العمل بالظن وحرمته هو خبر الواحد . وقد اختلفت مشارب الأصحاب في حجيّته وعدمها فأنكر بعضهم حجيته مطلقاً وقال آخرون بحجيته . فبعضهم إلى كون كلّ خبر حجّة حتّى ما يوجد في كتاب مخطوط فضلاً عما في غير الكتب الأربعة فكيف بها وبعضهم اقتصر على حجيّة ما في الكتب الأربعة وبعض على حجيّة خصوص الصحيح أو الموثق . لكن الكل اتفقوا على الأخذ بالاخبار الواردة الموجودة وأفتوا بها حتى من يرى حجيتها من باب الظن الانسدادي فيمكن تحصيل الاجماع في ذلك الا انه لا يكون دليلاً معتبرا على حكم شرعي بعد كونه اجماعا تقييديّا .

فهم فرقتان فرقة ذاهبة إلى الحجيّة واخرى إلى عدمها والاتفاق من الكل على العمل بالأخبار التي بأيدينا ولكلّ وجه وحيث انه مختلف الوجه فلا يكون اجماعا تعبديّا .

نفي الاشكال في صدور المشهور رواية

ص: 241


1- . فوائد الاُصول 3/156 .

ثمّ ان الفريقين استدلّوا بالأدلّة الأربعة . فالنافون استدلوا من الكتاب بالآيات الناهية عن العمل بالظن كقوله تعالى ( ان الظن لا يغني من الحق شيئا )(1) ( ولا تقف ما ليس لك به علم )(2) .

وفيه عدم تماميّة الاستدلال بناءً على قيام السيرة القطعيّة على العمل بخبرالواحد فلا تكون الآيات مخصّصة للسيرة الا على وجه دائر كما في الكفاية(3) وعن غيره . الا انه يمكن الاشكال على عدم امكان تخصيصها بأن مورد آية النبأ(4) هو خبر الفاسق والمخيرون ( بفتح الباء ) قد رتّبوا الأثر على خبره وأخذوا(5) في التجهيز على بني المصطلق مع كونه المخبر به هو الارتداد الذي لابدّ فيه من شدّة التثبت ومع ذلك رتبوا الأثر على خبره وكان فيهم من الزهّاد كأصحاب الصفّة فالآية اما رادعة عن السيرة ولو في هذا المورد واذا كانت مردوعة في مورد فكذلك في باقي الموارد اذ لو أمكن فلا يمكن الفرق بين الموارد . هذا اذا كان يحصل لهم الاطمئنان . وأمّا بدونه فبالاولى . الا انه لا مجال

لهذا الاشكال اذا كانت السيرة قطعيّة كما سيجيء الدليل عليها . فلا وجه للاشكال في عدم امكان تخصيص الآيات لها . أمّا الاجماع المدعى من السيّد على عدم جواز العمل بخبر الواحد فبعد الغض عن عمله بما في أيدينا من الأخبار مدعيا القطع بصدورها انه معارض باجماع الشيخ على خلافه . وهما في عصر واحد

أدلّة النافين لحجيّة الخبر الواحد

ص: 242


1- . سورة يونس الآية 37 .
2- . سورة الاسراء الآية 37 .
3- . كفاية الاُصول 1/99 .
4- . سورة الحجرات الآية 7 .
5- . مجمع البيان 9/132 . تفسير الفرقان 26 - 27/230 - 231 . عدّة الاُصول 1/315 - 316 .

فلامجال للاجماع على عدم الحجيّة ودعوى التسوية بين العمل بالقياس والعمل بخبر الواحد في البطلان والضرورة عند الشيعة .

وأمّا العقل فما تقدّم مع جوابه عن برهان ابن قبة في لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال فلا نعيد .والعمدة السنة . وهي على طوائف منها الأخبار(1) الدالّة على طرح ما خالفالكتاب أو انه زخرف(2) أو باطل(3) ومنها الأخبار الدالّة(4) على اشتراط العمل بالخبر بوجود شاهد أو شاهدين من كتاب اللّه .

ولا مجال للاستدلال بهما على المدعى . اما الطائفة الاولى فموردها الأخبار المخالفة للكتاب ونحن نقول به اذا كان المخالف مخالفا تباينيا ونضرب به عرض الجدار . أمّا إذا كانت المخالفة بالعموم المطلق فلا مانع من تخصيص العام الكتابي بالخبر الواحد كما هو محقّق في محلّه وفي العموم من وجه أيضا يمكن الالتزام بتقديم الكتاب وطرح الخبر .

نعم الاشكال في الطائفة الثانية المشترطة في جواز العمل وجود شاهد أو شاهدين فانها لا تكون بصدد بيان المانع من العمل بها كما في الطائفة الاولى لكونها مخالفة بل انما تشترط العمل بشيء وهو وجود الشاهد إلاّ انها لا تكون حجّة الا بعد اثبات حجيّة خبر الواحد حيث انها ليست قطعيّة بالتواتر بل لا تصل إلى حدّ التواتر . فحجيّتها موقوفة على حجيّة مطلق الخبر وحينئذٍ تمنع من العمل

ص: 243


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/10 - 12 - 14 - 29 - 37 - 48 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/10 - 12 - 14 - 29 - 37 - 48 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/10 - 12 - 14 - 29 - 37 - 48 من أبواب صفات القاضي .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/10 - 12 - 14 - 29 - 37 - 48 من أبواب صفات القاضي .

بالخبر اذا لم يكن معه شاهد فحجيّه هذا الوجه مستلزمة لعدمها هذا مضافا إلى عدم الشاهد لها من كتاب اللّه .

نعم مقتضى ما سبق من تأسيس الأصل هو حرمة التعبد بكلّ ما شكّ في حجيته وعدمها اذ نفس الشك تمام الموضوع لذلك بلا حاجة إلى أمر زائد ولذاقلنا في جواب الاشكال على مقالة المحقق القمي في استدلاله على عدم جوازالعمل بالظنون الاجتهاديّة بالآيات الناهية عن العمل بالظن بانها ظنية فلا تمنع عن العمل بالظن . انها وان تكن كذلك . لكن الدليل على العمل بالظن أيّ شيء هو . سلمنا عدم تماميّة دلالة الآيات على النهي عن الظنون الاجتهاديّة . فظهر بما ذكرنا عدم حاجة النافي لحجيّة خبر الواحد إلى اقامة الدليل من الكتاب والسنة وغيرها على مدعاه بالخصوص بل يكفيه نفس الشكّ في الحجيّة للقطع بعدمها حينئذٍ فالمثبت عليه اقامة الدليل .

وقد استدلّ المثبتون أيضا بالأدلّة الأربعة . الكتاب والسنة ودليل العقل أي بناء العقلاء والاجماع .

أمّا الكتاب: فبآيات: منها قوله تعالى: « إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا »(1) وجه الدلالة تارة يكون من حيث الوصف والعنوان العرضي واخرى من حيث كونها قضية شرطيّة ذات مفهوم . اما تقريب دلالتها على النحو الأوّل فهو ان تعليل وجوب التبين بمجيء خبر الفاسق دال على عدم وجوب ذلك شرطا أو نفسا في مطلق الخبر وإلاّ فاللازم اناطة التبين بمطلق النبأ فحينئذٍ يكون لقيد الفسق خصوصية مفيدة لدخله في هذا الحكم .

أدلّة المثبتين

ص: 244


1- . سورة الحجرات الآية 7 .

وبعبارة اخرى ظاهر القيد كونه احترازيّا ونتيجته انتفاء الحكم من غير محل الوصف .

ولكن يدفعه عدم زيادته على القضيّة الوصفيّة وفيها أيضا لا نسلم وجود المفهوم وتحققه بل غايته انحصار موضوع هذا الحكم الشخصي بالمذكور في القضيّة وعدم شمول هذا الحكم لغيره . اما انحصار أصل الحكم وسنخه على هذاالموضوع فلا دليل عليه والا فليكن كل قضية كذلك حتى اللقبية كاكرم زيدا لتعلق وجوب الاكرام على زيد فلزيد خصوصيّة موجبة لانحصاره بهذا الحكم . وأما تقريبها على النحو الآخر فبانها قضية شرطيّة ذات مفهوم حيث لا يكون كون الجائي بالخبر فاسقا ممّا له الدخل عقلاً في التبين كي يكون القيد لتحقق الموضوع فانه اذا كان الدخل عقلاً فلا مفهوم للقضيّة الشرطيّة . بل محل المفهوم هو ما اذا لم

يكن القيد دخله عقليّا وحينئذٍ فيمكن أن يقال بالمفهوم مع انحصار سنخ الحكم بالموضوع وكان الموضوع منحصرا . فانتفاء الحكم عن غير مورده حينئذٍ عقلي ولكن يمكن الخدشة في الاستدلال برجوع القيد إلى تحقق الموضوع حيث ان نبأ الفاسق موضوع من الموضوعات يترتب عليه التبين . واذا لم يكن هناك خبر فلا مجال للتبين لكونه بلا موضوع . فالعمدة اثبات عدم كون القيد كذلك ورجوعه إلى خصوص كون الجائي به فاسقا اذ هو أمر زائد على أصل تحقق النبأ الذي له الدخل العقلي في حكمه ووجوب التبين . فانه تارة يمكن أن يكون بيان ذلك بقوله خبر الفاسق يجب التبين فيه واخرى بقوله اذا كان الجائي بالنبأ فاسقا يجب التبين فلو كان من الثاني فللمفهوم مجال بخلاف الأول . وسلك المحقق النائيني قدس سره (1)

ص: 245


1- . فوائد الاُصول 3/169 - 170 .

مسلكا في استفادة المفهوم وهو بقرينة ورود الآية في مورد تحقق الخبر . فدخل الفاسق في الاتيان به يكون من التعليق التعبدي الذي ينطبق عليه ضابط المفهوم . وفيه ما لا يخفى اذ لو قلنا بذلك فالنبأ ( المعلق ) هو النبأ الحاصل من الفاسق لا مطلق البناء فهو قدس سره استفاد من الآية الشريفة المفهوم بقرينة تحقّق النبأ في مورد نزولها فالتعليق على كون الجائي به فاسقا يوجب استفادة المفهوم اذ لا دخل عقلاًللتبين في كون الجائي به فاسقا كما ان تعليق التبين على نفس النبأ لا معنى (مفهوم) له لتحققه في المقام فالمحمول المنتسب وهو لزوم التبين أو التبين الواجب أو وجوبه إنّما رتب على كون الجائي به فاسقا وعلى هذا يتحقق المفهوم بلا اشكال لوجود شرايط المفهوم حيث انه لابدّ في ذلك من عدم دخل ما علق عليه في المعلق عقلاً وعدم رجوع القيد إلى الموضوع بلحاظ مقام الاستظهار بل يكون قيدا للحكم كما ان الأمر كذلك في أمثال المقام فقوله تعالى: « فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ »(1) لا يكون تعليق الصوم على شهود الشهر دخيلاً عقلاً بل ما يكون دخيلاً نفس الشهر بخلاف كون المكلف حاضرا في البلد فان دخله لو ثبت فبالتعبّد . واما التقريب الذي استند إليه الشيخ الأنصاري قدس سره فهو راجع إلى ضم مقدمة عقليّة . وهي ان خبر العادل إمّا أن يجب الأخذ به بلا تبين أو لا يجب الأخذ به مطلقا أو مع التبين ولا سيبل إلى الثاني لكونه أسوأ حالاً من خبر الفاسق كما لا وجه للأخير لعدم فائدة في التعليق على كون الجائي به فاسقا فتعين الأول وهو لزوم أخذه مطلقا .

واستشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره بأنّ الاحتياج إلى هذه المقدمة إنّما هو في

ص: 246


1- . سورة البقرة الآية 186 .

ظرف كون التبين واجبا نفسيّا بخلاف ما اذا كان واجبا شرطيّا فلا احتياج إلى ضم المقدمة .

وكيف كان فليعلم انه لا اشكال في عدم تحقّق الحكم بلا تحقّق موضوعه وكلّ ما يكون دخيلاً في الموضوع فهو شرط للحكم كما ان كلّ شرط للحكم شرط الموضوع . فعلى هذا لا معنى للمفهوم حيث ان شرط الحكم راجع إلى الموضوعويكون القضيّة الشرطيّة كاللقبيّة لرجوع الشرط لبّاً الى الموضوع والفرق بين ما يكون دخيلاً في الموضوع عقلاً فلا يكون له مفهوم وما يكون دخيلاً تعبدا فيتحقق به المفهوم لا يستقيم على ما ذكرنا . لما عرفت من دخله في الموضوع وكما ان لا وجود للحكم بدون الموضوع كذلك لا يمكن تخلفه عن الموضوع حيث ان نسبته إلى الموضوع نسبة المعلول إلى علّته وبتحققه يتحقق الحكم لاستحالة التخلف والمناقضة .

الا ان ذلك كلّه لا ينافي تحقق المفهوم عرفا بحسب مقام الاثبات فان كان في ظاهر القضيّة قد ارتبط الحكم بما لا يكون دخيلاً فيه عقلاً فيتحقق المفهوم وإن كان في الحقيقة راجعا إلى تحقق الموضوع ولذا قلنا برجوع كلّ تخصيص إلى التخصّص هذا .

لكن اللازم في القضية تحقق ذلك وان التبين علق على العنوان العرضي وكون الجائي بالخبر فاسقا فيتحقق المفهوم حينئذٍ لعدم دخل مجيء الفاسق بالنبأ في التبين عقلاً . بل ما هو دخيل عقلاً هو نفس الخبر ولم يعلق التبين عليه وان كان التبين علق على نبأ الفاسق على نحو الاتصاف فلا مفهوم له لرجوعه عند التحليل إلى القضيّة الحمليّة أي قولنا نبأ الفاسق واجب التبين .

ص: 247

ولكن الانصاف عدم تماميّة هذا الضابط في كلّ موارده بل يختلف باختلاف المقامات .

افترى تحقق المفهوم في قوله ( إذا سهوت فاسجد سجدتي السهو ) نعم يمكن دعواه في قوله ( إذا لم تدركم صليت ولم يذهب وهمك إلى شيء فاعد )(1)حيث استفدنا منه المفهوم واختصّ بالشكوك الحادثة في الثنائيّة واوليي غيرها ولا يكون مطلقا كي يقيد بأدلّة الشك في الأخيرتين ولزوم البناء على الأكثر . فالظاهر ان بحسب المتفاهم العرفي الذي هو الميزان الصحيح لكون القضيّة ذات مفهوم تكون القضيّة ذات مفهوم وان احتمل تقييدها بالفاسق بلحاظ المورد والتنبيه على غفلتهم عن كون الجائي بالنبأ فاسقا .

وعلى هذا الاحتمال فلا مفهوم له الا ان هذا الاحتمال لا يصادم الظهور في المفهوم لتعليق التبين على العنوان العرضي الذي هو كون الجائي به فاسقا .

ثم انه ربما استشكل تحقق المفهوم بلحاظ ذيل الآية الشريفة وهو قوله تعالى: « أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ » حيث انه كبرى كلية ملقاة إلى المكلف فبهذا اللحاظ لابد من رفع اليد عن المفهوم لتحقق العلة وهي الاصابة بالجهالة في نبأ العادل أيضا . بل ربما يتفق الاطمئنان بقول الفاسق أكثر من قول العادل وإذا كانت الاصابة علة فلا تختص بموردها بل تسري إلى كلّ خبر ونبأ يكون الأخذ به اصابة بالجهالة محتملة لحصول الندامة .

ان قلت ان خبر العادل لا يكون الأخذ به اصابة بجهالة بناءً على كون الجهالة هي السفاهة وعلى هذا فخبر العادل غير مشمول للتعليل .

اشكال آية النبأ

ص: 248


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 15/1 من أبواب الخل في الصلاة مع تفاوت في اللفظ لا يضرّ .

قلت: هذا أوّل الكلام اذ لو فرضنا حجيّة خبر العادل فالأخذ به لا يكون اصالة بجهالة أو موجبا للندامة وهذا انما يتحقق بعدم المنع عنه في عموم العلة فكيف يمكن التخصيص به للعموم .

طور آخر من البيان: استدلّ بآية البناء على حجيّة خبر العادل بدعوى كون المراد بالجهالة فيها هي السفاهة ولا سفاهة في الأخذ بخبر العادل واماالاشكال على مورد الآية بانهم كيف رتّبوا الأثر على خبر وليد مع انه عمل سفاهي وغير عقلائي .

فاجيب عنه تارة بحصول الاطمئنان بقوله ولو مع العلم بفسقه أو الجهالة بحاله وعدم النفات إلى سوابق أحواله والآية الشريفة إنّما وردت تنبيها على انه فاسق في الصورة الاخيرة أو انه لا ينبغي ترتيب الأثر على خبره مع سوابقه فاثرت في ردعهم وفسخوا عزائمهم في حرب بنيالمصطلق ولا يضرّ بذلك عدم تصريح في الآية بكونه فاسقا بل يكفي في ذلك مجرّد تعليق الحكم على الفاسق في تنبههم على عملهم وارتداعهم عنه . ولا يخفى عليك عدم الدليل على كون الجهالة بمعنى السفاهة كي يترتب عليه ما ذكر .

بل الجهالة بمعناها الظاهر منها وهي عدم العلم ولا دليل على حصول العلم لهم بخبره والاّ فلا معنى لايجاب التبين لحصول العلم في مورده . كما انه لا يرد الاشكال في السيرة العقلائيّة اذا رتّبوا الأثر على خبر وليد لو كان الاقدام بمقتضى

خبر وليد عن فساق الصحابة الذين كانت في قلوبهم ضغائن على بنيالمصطلق .

نعم إنّما يرد اذا كان ترتب الأثر من متدينيهم . وحينئذٍ فيكون هذه الآية رادعة لهم ومخصّصة للسيرة وعدم امضاء لها في هذا المورد .

ص: 249

واستدلّ المحقّق النائيني قدس سره (1) بوجه آخر مع ابقاء الجهالة على حالها الا ان الاشكال حيث يتوجه عليه من ناحية التعليل فتصدى لرفعه بأن المفهوم بناء على ثبوتها كما هو المدعى فيجوز تخصيص العام به بلا اشكال . فحينئذٍ لا مانع من تخصيص العام وعدم جواز ترتيب الأثر على الخبر في مورد الجهالة بخبر العادللحكومة الخاص على العام .

إذ هي كما تكون باخراج فرد من العام تكون بادخال فرد فيه . وعلى هذا فيوجب خروج خبر العادل عن تحت العام لكونه علما بمقتضى ما اختاره في جعل الوسطيّة في مقام الاثبات لخبر العادل . وحينئذٍ فيكون حاكما على التعليل لكونه علما واطمينانا واحرازا فلا تشمله الجهالة التي جعلت علّة لعدم جواز ترتيب الأثر على خبر الفاسق . كما انه على التقريب الأوّل المبنى على كون الجهالة بمعنى السفاهة لا يكون خبر العادل مشمولاً للعلّة لخروج خبر العادل وترتيب الأثر عليه عن كونه اصابة بجهالة أي سفاهة . فخبره خارج تخصّصا والاشكال إنّما يتمحض على ذلك التقريب في ترتيب أثر الصحابة على خبر وليد وقد دفعوه بأحد الوجوه إمّا بكونه أوجب العلم والاطمئنان أو بعدم علم بسوابقه إلى آخر ما سبق .

وقد عرفت الاشكال على أصل النبأ وعدم استقامة أجوبة الاشكالات . ولا يخفى عليك ضعف ما ذهب إليه المحقّق النائيني قدس سره أيضا حيث ان الكلام في حجيّة خبر العادل وإنّما الفرض عدم استفادة الحجيّة الاّ من هذه الآية . وهي كما ترى ليس فيها جعل خبر العادل حجّة محرزة ( مع ان الكبرى الكليّة كيف يمكن

ص: 250


1- . فوائد الاُصول 3/172 - 173 .

تخصيصها ) وفرض الوسطيّة في مقام الاثبات والاحراز لو ثبت لا ارتباط له بالآية بل خبر العادل يمكن اشتراط التبين في العمل به حيث ان التبين واجب شرطي لجواز العمل به .

نعم لا مانع في مورد الرجاء بالاتيان رجاءً والتبين ليس معناه الا الانكشاف التام والوضوح والظهور ولا ينطبق ذلك إلاّ على العلم لا الظن فضلاً عن الشكّ والاحتمال . فحينئذٍ لو كان خبر العادل مفيدا للظن دون العلم فلا يمكنالأخذ به .

نعم لو كان موجبا للعلم فلا بأس مع ان المدعى هو حجيّة خبره مطلقا حتّى مع الظن بالخلاف فكيف بالوفاق وهذا كما ترى بمعزل عن الآية .

بل انّما يناسب الموضوعيّة فتدبّر جيّدا .

تكميل: استشكل على تحقّق المفهوم في آية البناء مضافا إلى ما تقدم إليه الاشارة من الاشكالات والجواب عنها بأن العام لابدّ أن لا يخصص بالمورد لكونه مستهجنا يصان كلام الحكيم منه . مع لزوم تخصيص المفهوم على فرض ثبوته حيث انّ مورد الآية هو الارتداد ولا يقبل فيه شهادة العدل الواحد بالاتفاق .

وهذا بعد مسلميّة لزوم توافق المنطوق والمفهوم موضوعا وحكما وموردا فالمورد للآية بعدم قبول خبر الفاسق هو كما ذكرنا الارتداد ومقتضى المفهوم قبول خبر الواحد مطلقا كما ان الآية عام مطلق في عدم قبول خبر الفاسق ولزوم التبين لخصوص مورد الجهل . فالمفهوم أيضا عام مطلق بالقبول مطلقا مع عدم قبول خبر العدل الواحد في مورد المنطوق .

وهذا ممّا يوجب عدم ثبوت المفهوم للآية فتسقط عن الاستدلال .

ص: 251

وأجاب عن الاشكال المحقّق النائيني قدس سره (1) بأن المسلم من الموافقة للمنطوق هو كون المفهوم متّحد الموضوع والمحمول مع المنطوق فالموضوع هو الخبر والمحمول هو التبين وفيهما يوافق المفهوم للمنطوق .

وأمّا المورد فلا يلزم موافقة المفهوم للمنطوق فيه بل يجوز مخالفته فيه ويكون حجيّة خبر العادل في غير مورد الآية من ساير الموارد .فالمتحصّل على هذا عدم حجيّة خبر الفاسق مطلقا سواء كان واحدا أو متعدّدا في الموضوعات أو الأحكام بخلاف خبر العادل . فانه حجّة غاية الأمر في الأحكام وفي الموضوعات أيضا لكنّه مع جواز اشتراطه بشرط في مورد أو موارد لجواز تخصيص عموم المفهوم في مورد الارتداد أو مضافا إلى ساير الموارد في الموضوعات بالتعدد لا انه لا يقبل فيه خبر العادل أصلاً وهذا لا ضير فيه .

نعم لو كان المورد مذكورا في الآية الشريفة لكان المفهوم هو عدم لزوم التبين في خبر العادل واحدا أو متعددا وكذا في خبر الفاسق اذا كان أزيد من واحد ولم يكن واحدا . لكنه ليس كذلك . بل إنّما وردت الآية مطلقة وفهم انطباقها على المورد بلحاظ تحقق الخبر بالارتداد فصار موردا

ولم يكن قيدا في الاطلاق كي يوجب تخصيص العامّ به ويتبعه المهفوم ويلزم انعقاده بحيث يكون خاصّا للمورد .

نعم لا مانع من عمومه للمورد وتخصيصه بشرط .

وحاصل الجواب عن الاشكال المتوجه على الاستدلال بآية النبأ من حيث

ص: 252


1- . فوائد الاُصول 3/174 .

لزوم خروج المورد وتخصيصه كما أشار إليه الشيخ قدس سره . انه لا مانع من تخصيص المفهوم في مورد الارتداد وأمثاله من الموضوعات التي تحتاج إلى أزيد من عدل واحد كما في الحقوق الكافية فيها ( إذا لم يكن عدلان أو عدل وامرأتان عدل واحد ويمين بخلاف باب الحدود والديات فان قبول خبر العدل الواحد فيها محل اشكال .

والحاصل ان التخصيص في مفهوم الآية لا مانع منه ولا يوجب خروج

المورد ولا تخصيصه لكون المورد ورد فيه المنطوق والمفهوم بعمومه شاملللمورد أيضا بعدم لزوم التبين في خبر العادل حتّى في مورد الارتداد . نهاية ما في الباب انه اذا ثبت بالدليل احتياج ذلك إلى العدل المتعدّد فنخصّص المفهوم ولا مانع منه .

ولا يخفى ان كلام الشيخ قدس سره في نهاية المتانة . فلا وجه لما استشكل عليه المحقّق النائيني قدس سره (1) من لزوم تقييد العموم بما ينطبق على المورد إلى آخر ما ذكره .

وهذا ليس بشيء بل العمدة في الاشكال قضيّة التعليل فانّه لو كان علّة فلا يستقيم المفهوم لمساواة خبر الفاسق والعادل في عدم لزوم التبين اذا أوجبا العلم واحتياجهما إليه اذا لم يوجباه واذا كان قوله تعالى:

« أنْ تُصِيبُوا » علّة للمجعول أي يكون موضوعا لا علّة للجعل أي ملاكا وهذا الاشكال لو لم يندفع فلا مفهوم .

نعم مع قطع النظر عن الذيل فلا مانع من المفهوم لعدم فرق في صدر الآية

جواب الاشكال

ص: 253


1- . فوائد الاُصول 3/175 .

من حيث المفهوم مع ساير القضايا الشرطيّة ولا مانع من عدم تحقّق المفهوم بالنظر إلى الذيل كما انّه قد يتّفق تحقّق المفهوم في القضيّة اللقبية والوصفيّة كما أشار إليه

المحقّق الوحيد في بعض فوائده وانه لا تغتر بما يقال في الأصول من ان القضيّة الشرطيّة لها المفهوم دون الوصفيّة واللقبيّة لا مفهوم لهما لوجود الخلاف في الفقه كثيرا هذا .

نعم هنا اشكال عام لساير أدلّة حجيّة الخبر أعم من الآيات والروايات والسيرة من ورود النهي عن العمل بالظن في الآيات الناهية عنه .

ويمكن الجواب في السيرة بلزوم الدور على ما سيحيء .وأمّا في آية النبأ فيتعارض ظاهر تلك الآيات مع مفهومها وكذا مع ساير الآيات المستدلّ بها على حجيّة الخبر أعمّ من ما يدلّ على حجيّة الخبر مطلقا في الموضوعات والأحكام كاية النبأ أو الأحكام فقط كآية النفر أو الموضوعات كآية السؤال . وربما يجاب بكون النسبة بينهما هي العموم المطلق لدلالة الآيات الناهية على منع العمل بالظن مطلقا سواء كان في الفتوى أو في باب الحقوق والحدود والجنايات أو اصول الاعتقادات أو الأحكام واختصاص أدلّة حجيّة الخبر بما اذا كان في الأحكام أو مع اضافة بعض الموضوعات فتخصص بذلك .

الا انه استشكل بكون النسبة هي العموم من وجه لانقلاب النسبة بعد ورود التخصيص على الآيات الناهية بمورد الفتوى والشهادات واذ ان العدل الواحد فيتحقق لكليهما مورد افتراق ومورد اجتماع مع الآخر . واختصاص الأدلّة الناهية بصورة التمكن من تحصيل العلم . اذ في صورة الانسداد لا مجال للنهي وحينئذٍ فيتصادقان في مورد التمكن من العلم ويدل الناهي باطلاقه على المنع من غير

تعارض مفهوم آية النبأ

ص: 254

العلم في غير مورد ورود التخصيص المسلم عليه . ومثل الآيات الدالّة على الحجيّة تدلّ على قبول الخبر باطلاقه فحينئذٍ يتصادقان ولا يبقى دليل على حجيّة الخبر ونفس الشك في ذلك يكفي بلا احتياج إلى استصحاب عدم الحجيّة على ما عرفت سابقا .

هذا الا انه استشكله المحقّق النائيني قدس سره (1) باختصاص تحقّق انقلاب النسبة بموارد ليس المقام منها . بل في المقام يمكن ايراد المخصّصات جميعا على العاماذا لا يلزم الاستهجان لجواز تخصيصه بأدلّة حجيّة الخبر ثم المعارضة بينها وبين ساير موارد قبول خبر العدل على ما عرفت(2) .

فظهر بما ذكر عدم مجال للاشكال المذكور من لزوم انقلاب النسبة بين أدلّة النهي عن العمل بالظن وأدلّة حجيّة خبر الواحد والمعارضة في مادة الاجتماع على ما سبق اذ لا ترتيب في ورود المخصّصات على العام . بل كلّها وارد عليه ويخصصه اذا لم يوجب التخصيص المستهجن ولا أصل لانقلاب النسبة . فحينئذٍ إن كان العام قابلاً لورودها جميعا فلا مانع من تخصيصه بها كما هو الحال في عمومات النهي عن العمل بالظن . فانها تقبل التخصيص بأدلّة الفتوى وأدلّة الشهادة وبما دلّ على حجيّة خبر الواحد وبما دلّ على حجية الظنون الاجتهاديّة لو تمت

ص: 255


1- . فوائد الاُصول 3/176 .
2- . ثمّ اعلم انّ سيّدنا الأستاذ قدس سره عمّم حجيّة الخبر حسب دلالة المفهوم لو تمت للموضوعات كما يشمل أدلّة الحجيّة مورد الأسئلة الواردة في الأخبار والا فيلغوا الحجيّة واعترض على القائلين بثبوت الحجيّة لخبر الواحد على توقفهم في كفاية العدل الواحد في الموضوعات كباب الحدود .

ولا مجال للاستدلال على عدم جواز العمل بالظن بالآيات الناهية لكونها ظنيّة بل مجرّد الشكّ في حجيّة الظنون يكفي في عدم الحجيّة فلا مجال لتحقق الظن المانع والممنوع .

فهذا الاشكال لا أساس له .

نعم هنا اشكالات اُخر واردة على جميع أدلّة الحجيّة مع قطع النظر عن قيام السيرة على العمل بخبر الواحد .

منها لزوم عدم جواز العمل بخبر الواحد على فرض جواز العمل به فوجوده مستلزم لعدمه وجوازه مستلزم لعدم جوازه وذلك لانه على فرض حجيّة الخبرفيكون خبر السيّد المرتضى رضى الله عنه ودعواه الاجماع من الاماميّة على عدم العمل بخبر الواحد وانه في عدم الجواز كالقياس عندهم أيضا حجّة لنقله الاجماع على ذلك فاذا كان حجّة كما ان الاجماع المحصل منه رضي اللّه عنه حجّة فاللازم من ذلك عدم جواز العمل بخبر الواحد رأسا . وليس ذلك إلاّ ما ذكرنا من اللازم اذ على فرض حجيّة خبر الواحد يكون دليله شاملاً لدعوى السيّد وشموله لها موجب لحجيّتها وهي مستلزمة لعدم حجيّة الخبر الواحد رأسا .

وأجيب عن الاشكال بأنّه معارض بنقل الشيخ الطوسي قدس سره الاجماع على خلافه فهما متعارضان خارجان عن تحت أدلّة حجيّة الخبر الواحد . مضافا إلى عدم امكان تحصيل الاجماع واتفاق جميع الأعصار حتّى عصر الأئمّة علیهم السلام واتفاق أصحابهم على عدم العمل كما يدعيه السيّد وجواز العمل كما يدّعيه الشيخ وحينئذٍ فكما ان أدلّة حجيّة الخبر لا تشمل الأخبار المتعارضة معا وكذلك أحدها بعينه ولا لا بعينه اذا لم يكن مرجح كذلك المقام فيتساقطان .

اشكال الأخبار مع الواسطة

ص: 256

وأمّا الاشكال عليه بأنّه خبر عن موضوع فلا وجه له لعدم اختصاص أدلّة الحجيّة على فرض تماميّتها بالأحكام بل تشمل الموضوعات التي ترتبط بالأحكام ولو من باب التبعيّة حفظا عن اللغويّة .

ومنها: الاشكال المنشعب إلى خمسة اشكالات في الأخبار مع الواسطة إذ أدلّة الحجيّة على فرض تماميّتها إنّما تشمل ما اذا كان مصداق الخبر عن الامام علیه السلام وجدانيّا رواه الراوي واسنده إليه علیه السلام وكان الراوي موثوقا بقوله . فحينئذٍ يمكن الاستدلال بأدلّة الحجيّة لجواز الأخذ بما اسنده أو رواه عن الامام علیه السلام وهذا إنّما يفيد في الاخبار بلا واسطة ولا يفيد في أزماننا هذه ممّا لا وسيلة إلى الاطّلاع بالأخبار واسنادها إلى الامام علیه السلام الا بوسائط عديدة . ومجرّدأخبار شيخ الاجازة لأحدنا على انه اجازة شيخه إنّما يفيد في اثبات اجازة شيخه لا في اثبات قول المعصوم .

وهكذا في شيخ شيخه وهلّم جرّاً ولا أثر يترتب على مجرد قول شيخ الاجازة ولا على ثبوت قوله . هذا مضافا إلى لزوم اتّحاد الموضوع والحكم اذ على فرض شمول دليل الحجيّة لخبر الشيخ المجيز لنا يكون قوله اجازة شيخه واخباره فبالحكم ولزوم التصديق يتحقّق مصداق الخبر وهو عين اتّحاد الحكم مع الموضوع . كما انه يلزم تقدم المعلول على العلّة فكيف المحيص عن الاشكال وبأيّ وجه يمكن الاستناد إلى الأخبار مع توجه هذا الاشكال .

والجواب عن الاشكال مبتنٍ على تصوير انحلال الحكم بتعدّد أفراد الموضوع كما في كليّة القضايا الحقيقيّة وانه ينحل الحكم إلى أحكام عديدة بتعدّد الموضوعات ومصاديقها ويكون لكلّ فرد من أفراد الموضوع ومصاديقه حكم

اشكال آخر

ص: 257

يخصّه . ولذلك اتّفقت كلمة الاماميّة قدّس اللّه أسرارهم من المحدّثين والأصوليّين على اجراء البرائة في الشبهات الموضوعيّة وإلاّ فلا مجال له أصلاً . حيث انّه مع الانحلال يكون الحكم في مورد المشكوك مشكوكا فتشمله أدلّة البرائة . ولولاه فلا شكّ فلا موضوع للبرائة وعليه نقول . ان مفاد الآيات وأدلّة الحجيّة جواز أو وجوب تصديق العادل في ما اخبر به وهو ينحل الى وجوبات وأحكام متعددة حسب تعدد مصاديقها فاذا اخبر شيخ الاجازة عن شيخه فيتحقق مصداق للخبر ومعه حكم بلزوم التصديق ومفاد قوله اخبار استاده وبلزوم التصديق فيما قال يتحقق قول استاده وقوله اخبار شيخه وهكذا إلى ان يصل إلى الراوي عن المعصوم علیه السلام .

فلا تقدّم للمعلول على العلّة ولا يكون هناك اتّحاد الحكم مع الموضوع بلصدق الذي هو حكم اخبار شيخ اجازتنا يوجب تحقق مصداق لقول شيخه وهو يكون فردا آخر وله صدّق آخر وهكذا . ويكفي في ذلك ترتب الأثر عليه ولو بوسائط عديدة . وهذا أيضا قسم من الحكومة يوجب زيادة فرد في أفراد الموضوع كما في الاستصحاب السببي الموجب جريانه انعدام الاستصحاب المسببي مع الشرايط الثلاث التي ترجع إلى كون المسبب أثرا شرعيّا للسبب فيجري ويترتّب عليه آثاره منها ما للمسبب من الأحكام وفي المقام تكون الحكومة موجبة لزيادة الافراد وتكثرها .

تتميم وتحقيق: انّ الاشكالات التي توجهت إلى آية النبأ وساير الآيات بل الاخبار المستدل بها على حجيّة الأخبار كقوله علیه السلام (1) في جواب سؤال الراوي

ردّ الاشكال على دليل الحجيّة

ص: 258


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/33 - 34 - 35 من أبواب صفات القاضي .

يونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني ) نعم من حيث عدم شمولها للاخبار مع الواسطة امور . احدها . انصراف هذه الآيات والأخبار إلى خصوص الأخبار وأقوال العدول والثقات بلا واسطة فلا تشمل الأخبار مع الواسطة كما هي مبتلي بها لنا اليوم .

وفيه منع الانصراف مضافا إلى كفاية بناء العقلاء على الأخذ بخبر الثقة أو الممدوح بمدح غير عد الى سواء كان مع الواسطة أو بدونها وكذلك بناءً على جعل الوسطيّة في مقام الاثبات واعطاء الأخبار صفة المحررية اذ لا فرق في الدليل وشموله بين ما لا واسطة فيه وما مع الواسطة .

نعم إنّما يتوجّه الاشكال بناءً على لزوم العمل بالخبر ووجوبه أو على ساير المباني ويدعي انصرافها حينئذٍ إلى خصوص الأخبار عن الأئمّة علیهم السلام بلا واسطةوقد عرفت منعه .

الثاني عدم الأثر على حجيّة قول غير الراوي عن المعصوم بلا واسطة اذ التعبد وجعل الحجيّة لابدّ وأن يكون بلحاظ أثر شرعي ولا يترتب على ثبوت قول الصفار مثلاً وهكذا من ينقل عنه ويروي إليه إلى الراوي الناقل عن المعصوم علیه السلام أثر اذ ثبوت قوله موضوع من الموضوعات وليس حكما أو موضوعا ذا أثر شرعي لعدم كونه مثل الأخبار بالعدالة الموضوعة لجواز الاقتداء وقبول شهادته وغيرهما من الأحكام .

والجواب كفاية كونه موضوعا لوجوب تصديق العادل ولو لم يفرض له أثر آخر اذ يجب تصديق العادل فيما اخبر به وقد اخبر عن اخبار شيخه فيجب تصديقه مضافا الى انه يترتب على ذلك أثر بالانتهاء إلى لزوم تصديق الراوي عن

ص: 259

المعصوم فيما يرويه من الحكم الشرعي .

ثالثها: لزوم اتّحاد الحكم مع موضوعه اذ وجوب التصديق حكم لخبر العادل وموضوع هذا الحكم هو التصديق فالتصديق موضوع وكذلك يكون هو الحكم كما انه يوجب حصول الموضوع بسبب حكمه اذ بوجوب تصديقه يتحقق موضوع وجوب التصديق وهو خبر من يروي عنه لتعلّق التصديق بقوله وقوله الذي يجب تصديقه به قول من يروي عنه هو موضوع لوجوب التصديق قد حصل من جهة الحكم بوجوب التصديق وهذا هو الاشكال .

الرابع: وان جعلت محذور تأخر الموضوع عن الحكم ) فيكون اشكالاً .

خامسا: والجواب ان الحكم هو وجوب التصديق واذا تعلق بموضوعه وهو خير الراوي فيتحقق به خبر من يروي عنه ويكون له وجوب آخر بتصديقه .

وهذا غير الحكم المتعلّق بخبر الراوي الذي من تصديقه تحقق الخبر الثانيفلم يلزم اتّحاد الحكم مع موضوعه كما ان تحقق الموضوع بسبب الحكم إنّما يلزم اذا كان الحكم الشخصي المتعلّق بموضوع بعينه هو الموجب لتحقق موضوعه الشخصي وليس الأمر كذلك اذ حكم الموضوع الحاصل من تصديق الراوي غير الحكم بلزوم تصديقه الموجب لتحقق

مصداق للخبر الموضوع لوجوب تعلّق به شخصا وهكذا لم يلزم تقدم الحكم على الموضوع بل انما لزم تقدم حكم موضوع آخر على موضوع ثان يتحقق بسبب امتثال الحكم الأول .

وبالجملة فالاشكالات كلّها مندفعة لا مجال لها بعد ما عرفت من انحلال الحكم إلى أحكام متعدّدة بحسب انحلال موضوعاتها ولا يلزم تقدم الحكم على

ص: 260

موضوعه ولا تحقق الموضوع بسبب الحكم ولا غير ذلك .

نعم . حيث ان أدلّة الحجيّة إنّما تكون بصدد جعل الحاكم على الأحكام الواقعيّة في مقام اثباتها فيكفي في ذلك انتهائها إلى الاثبات ولو بالسلسة الطوليّة

بعد لزوم تصديق كلّ فيما أتى به إلى أن ينتهي إلى قول من يتّصل بالمعصوم ويكون مؤدّى قوله الحكم الثابت للواقعة .

بيان آخر مرجع الاشكالات المذكورة إلى أمرين . عدم ترتب الأثر على التعبد بقول وسائط النقل غير الراوي عن الامام علیه السلام . ولزوم اتّحاد الحكم مع موضوعه وقد مر اندفاعهما وساير الاشكالات بالحكومة والانحلال(1) .كما انك عرفت الفرق بين حكومة المقام وحكومة الأصل السببي على المسبّبي حيث انه بجريانه في السببي لا مجال لجريانه في المسببي لاستلزامه عدم بقاء الموضوع له وقوامه بثلاثة امور: أحدها الأثر الشرعي وثانيها ترتب المسبب على السبب شرعا . وثالثها حدوث شكه من الشك في السبب على ما قرّر في محلّه .

الا ان ترتب هذه الاشكالات على الاستدلال بالآية إنّما يتوجّه بناءً على كون المجعول في باب الامارات هو وجوب العمل بقول العادل ولكن بناءً على جعل الوسطيّة في مقام الاثبات والمحرزية فلا مجال لها حيث انه كما جعل

اندفاع اشكالات الأخبار مع الواسطة

ص: 261


1- . اما الانحلال فقد عرفت اندفاع الاشكال به ولا محيص عنه وعليه يبتني جريان الأصل في الشبهة الموضوعيّة التي كما سبق اتّفاق الأصحاب على اجراء البرائة فيها وليس له وجه صحيح الا الانحلال كما انه في باب النذر أيضا تارة يكون انحلاليّا بأن ينذر عدم شرب ماء دجلة لا بنحو صرف الوجود بل بنحو كلّ قطرة منه فشرب كلّ قطرة يوجب الحنث بخلاف ما اذا نذر بنحو صرف الوجود فلا يكون الا حنث واحد ولا حنث بالشرب بعده .

المحرزيّة لما يكون خبرا بلا واسطة عن قول الامام علیه السلام كذلك يمكن بالنسبة إلى ما يكون راجعا إلى الوسائط .

تتمة: من الآيات التي استدلّ بها على حجيّة خبر الواحد آية النفر وهي قوله تعالى: « فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ »(1) وللاستدلال تقريبات:

أحدها ان قوله تعالى ( فلو لا ) من اداة التحضيض دالة على الوجوب

فيكون النفر على هذا واجبا على طائفة من كلّ فرقة والمراد بالنفر الارتحال والفرقة ظاهرة في جماعة كثيرة كالعشيرة والقبيلة والطائفة وإن كانت تقال على أقل من الثلاثة لكن فليكن المراد أو المعنى الجماعة وأقلّها ثلاثة ولا اشكال في ان صدق النفر على كلّ طائفة لا يتوقف على اجتماعهم فيه . بل لو نفر كلّ واحدمنهم وحده يصدق على الجميع انهم نفروا كما ان التفقه الذي في الآية غاية للنفر واسناده إليهم يصدق بانفراد المتفقهين به كما يصدق باجتماعهم وهكذا الكلام في المنذر أو الرجوع والحذر فان صدق اسناد الفعل إلى الجماعة غير متوقف على اجتماعهم فيه معا بل على تحقّق صدور الفعل منهم ولو منفردين .

ثمّ ان قوله ( ليتفقّهوا ولينذروا ) ولو لم يكن الثاني منهما اثرا كما قيل ولكن لهما ظهور في الوجوب بلحاظ وجوب النفر لأجلهما ولا غاية للنفر غير التفقة كما والانذار في الرجوع . فعلى هذا لا مجال للشكّ في وجوب الانذار وان كان أمرا فاولى بعدم الارتياب كما ان انذار القوم لا يتوقّف على انذار كلّ واحد لكلّ واحد من القوم بل يصدق بانذار كلّ بعض بعضا منهم بحيث يحصل بانذار الطائفة انذار

الاستدلال بآية النفر

ص: 262


1- . سورة التوبة الآية 123 .

مجموع القوم وإن لم يكن انذر كلّ واحد من الطائفة آحاد القوم قضية تقابل الجمع بالجمع حيث انه يفيد التوزيع نظير قوله تعالى: « فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ » اذ المراد به غسل كلّ واحد وجه نفسه .

وهكذا الانذار يتحقق بانذار كلّ بعض بعضا من القوم فلا يتوقّف صدقه على بلوغ المنذر عدد التواتر .

ثمّ ان العمدة في الاستدلال وجوب الحذر والدليل عليه قوله تعالى: « لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » بدعوى عدم كون المراد بلعلّ في الآيات القرآنيّة معناها اللغوي الأصلي بل المراد بها الغايات لا المبادئ وحيث انه غاية للانذار وثبت وجوب الانذار فاللازم كون الغاية أيضا واجبة لعدم الانفكاك بين حكم الغاية وذيها فبوجوب الغاية يكون ذو الغاية واجبة كما ان بوجوب الارشاد والانذار يكون الحذر الذي يكون غاية واجبا . وحينئذٍ فيثبت وجوب الحذر عند خبر كلّ واحد من الطائفة النافرة على القوم وهذا هو المراد من وجوب العمل بخبر الواحدغاية الأمر لزوم تخصيصه بمنطوق آية النبأ في التبين بخبر الفاسق فيبقى خبر العادل واجب الأخذ ولا مخصص له .

وأورد على ذلك اشكالات . منها ما يرجع إلى انكار الملازمة بين وجوب الغاية ووجوب ذيها كمسئلة وجوب ارشاد النبي المبعوث إلى الناس لهم بالدعوة إلى الأخذ بالأحكام والتدين بما جاء وعدم وجوب قبولهم . بل إنّما وظيفتهم النظر في المعجزة اذا كان ذا معجزة حيث انه لا مجال لوجوب قبول قوله بعد عدم ثبوت صدقه .

وفيه انه لا مجال للوجوب الشرعي في ذلك . نعم انما يجب النظر عقلاً في

ص: 263

دعواه وصدقه من كذبه لاحتمال صدقه وعدم الأمن كما أجاب(1) بمثل ذلك الامام عليه السلام في اشكال الزنديق عليه بالاتيان باعمال الحج .

ومنها: وجوب شهادة الشاهد وعدم كتمانها ولا يجب على الحاكم الحكم مع انه غاية للشهادة .

ومنها: وجوب اعطاء المال للذي يتوقف حفظ النفس منه بذلك مع حرمة أخذه عليه .

ولا يخفى ما فيه من المغالطة حيث ان الغاية هو حفظ النفس وهو حاصل بل واجب كما ان في باب الشهادة ليست الغاية هو حكم الحاكم كي يقال بلزوم التخلف .

والحاصل انه لا مجال لانكار الملازمة بالنقض بالانفكاك بين وجوب ذي الغاية ووجوبها اذ لا نقض بمورد مسلم .نعم . انما الاشكال في أصل الملازمة مع عدم الدليل عليها . لكن يكفي الدليل العقلي في ذلك فانه لا معنى لوجوب شيء لغاية من الغايات مع عدم وجوب ذي الغاية للزوم اللغوية . وفي الآية الشريفة لو فرض ترتب غاية اخرى على الانذار غير الحذر لأمكن المناقشة في وجوب الحذر بارادة تلك الغاية أو الاجمال الا انه لا غاية إلاّ الحذر فيكون واجبا بمقتضى ما ذكرناه من الملازمة .

ومنها: اختصاص الانذار بباب الوعظ والارشاد ولا مساس له بباب نقل الأخبار حيث ان عندنا أبوابا ثلاثة . باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه اللازم علم المرتكب للمنكر أو التارك للمعروف بالوجوب والحرمة أو يكون

اشكال الاستدلال بالآية

ص: 264


1- . بحار الأنوار 10/209 - 210 .

جاهلاً مقصّرا غير معدور في مخالفة التكليف لا قاصرا لا يتوجه عليه العقاب .

والثاني باب ارشاد الجاهل أو تنبيه الغافل واللازم فيه عدم علم الجاهل بالحكم أصلاً فيرشده إلى ذلك بتنبيهه وبيان الحكم له .

والثالث(1) باب الوعظ والارشاد وفيه ليس بلازم حصول العلم للذي يعظه الواعظ ولا الجهل بل يحصل بالنسبة إلى العالم والجاهل يذكر ما يترتب على اتيان الواجبات وتركها من الثواب في الأوّل والعقاب في الثاني وفي ارتكاب المناهي . فالانذار الذي هو التخويف انما هو مناسب لهذا الباب لا بباب الأمر والنهي ولا بباب ارشاد الجاهل وتنبيه الغافل .

وفيه عدم اختصاص الانذار بذلك بل الانذار على أقسام . فتارة يكون بالمعنى المطابقي بأن يخوف العباد من عذاب اللّه على ترك اطاعته وعصيانهواخرى بذكر الواجب والحرام وبيان ان هذا واجب وذاك حرام فانه يتضمن الانذار أو يلزمه الانذار بالدلالة الالتزاميّة فيشمل ما نحن فيه من خبر الواحد .

وأمّا المراد بالحذر فليس الا ما يناسب كلّ مقام فالحذر في موارد الأخبار بالوجوب هو العمل به وفي مورد الحرام تركه فيكون حذرا عملاً .

نعم يمكن الاشكال باختصاص التفقّه كما ورد في بعض(2) الأخبار بالخروج إلى بلد الامام لتعيينه في ما اذا يتبدل الامامة وتنتقل بموت السابق لعدم تمكن كلّ واحد من الناس للخروج بل ينفر بعضهم ويكشف حقيقة الحال ويخبر الباقي ولا ربط له بباب الأخبار أو ان التفقّه عبارة عن المعنى المتداول بين الفقهاء

ص: 265


1- . فاذا لا علم له بنجاسة هذا الماء الذي في الاناء ولا يكون العالم بنجاسته مباشرا له فلا يجب عليه اعلامه لعدم كونه مكلفا بالاجتناب عنه بل جهله عذر له .
2- . بحار الأنوار 27 الباب 5/1 إلى 4 - 9 - 10 من أبواب ما يتعلّق بوفاتهم .

وهو كون الانسان ذا ملكه الاستنباط وفهم الأحكام من الأدلّة التفصيليّة كما ورد استعماله مراداً به هذا المعنى أو قريبا منه في عدّة موارد .

منها: في باب ارجاع الناس إليه وجعله حاكما ( الظاهر عدم استعمال الفقيه فيه فتدبّر ) فيمكن ارادة هذا المعنى أو غيره من المعاني التي لا ربط لها بباب نقل الأخبار بتوسط الرواة الذي نحن بصدده لما هو المعلوم من عدم فقاهة كل الرواة بهذا المعنى بل هم مختلفون في درجات العلم ومراتبه وربما يكون كثير منهم عاميّا بحتا لا علم له بموارد الأحكام ومصادرها . اذ لم يكن كلّ واحد منهم مثل زرارة بحيث يسأل عن مورد استفادة الأحكام من القرآن كسؤاله(1) عن كفاية المسح ببعض الرأس وارشاده الامام علیه السلام بكونه لمكان الباء كما لا يعرف كلّواحد منهم .طريق استفادة المسح على المرارة من قوله تعالى: « مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(2) .

ويدفعه استحداث هذا الاصطلاح في عرف الفقهاء وأمّا في اللغة فمعناه مطلق الفهم والادراك كقوله تعالى حكاية عن قوم شعيب: « مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ »(3) .

نعم لا ننكر استعماله في موارد مناسبة لهذا كما ورد(4) في وصيّة أميرالمؤمنين للحسنين علیهم السلام الايصاء بالتفقه فان المراد بالتفقه بالنسبة إليهما عليهماالسلام لا

ص: 266


1- . الوسائل 1 الباب 23/1 من أبواب الوضوء .
2- . سورة الحج الآية 79 .
3- . سورة هود الآية 92 .
4- . بحار الأنوار 42 الباب 127/46 في كيفيّة شهادته ووصيته علیه السلام وهي للحسن علیه السلام .

يكون المعنى اللغوي كما لا يناسب المعنى الاصطلاحي .

وكيف كان فالمراد به في الآية هو معناه لغة . الا انه في الامور الراجعة إلى الدين وبهذا القدر يكون الراوي بحسب ارتكازه للامور المدونة في علم الأصول هذااليوم فقيها مستنبطا كما هو سهل بالنسبة إليهم حيث انهم كانوا عارفين باللسان ولم يكن بناء بيان الأحكام على اعمال الفصاحة بل بمقتضى فهم المخاطب والسائل بل بحيث يفهمه كلّ واحد عارف باللسان . وربما كان المعنى مشتبها عند الراوي فيرجع إلى المعصوم سلام اللّه عليه لكشف اعضاله وبيانه .

والحاصل انّ هذا الاشكال ليس بشيء . نعم يمكن الخدشة بعد تسليم دلالة لولا على الوجوب في أصل الوجوب التعبدي حيث ان النفر انما يجب للتفقهوالتفقه مقدمة للعمل فالعمل واجب اصالة ووجوب التفقه والنفر إنّما هو مقدّمي وقد ثبت في بحث مقدّمة الواجب ان وجوبها عقليّ ولو ورد به الخطاب منالشارع فيكون ارشادا محضا لا مجال للتعبد به لاستقلال العقل به .

وعلى هذا فيسقط الآية عن الاستدلال لكونها ارشادا بل لو أمكن الاحتياط فلا يجب التعلم أيضا .

نعم إنّما يجب اذا توقف العمل عليه ولا فرق في ذلك بين كون المراد بقوله: « إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ » رجوع النافرين إلى المتخلّفين أو رجوع الذاهبين إلى الجهاد إلى الباقين أو كون المراد بالرجوع رجوع الجاهلين بالمتفقهين في الأحكام وسؤالهم عنها كما انه يمكن الاشكال بعدم وجوب الحذر مطلقا بل اذا حصل لهم العلم بصدق المنذرين لا مطلقا كما هو المدعى .

لكن يمكن دفع اشكال وجوب النفر أو التفقه من باب المقدّمة وعدم جريان

الاشكال في دلالة الآية

ص: 267

ما يقال في ( هلاّ تعلمت )(1) في الآية الشريفة بل نأخذ بظاهرها الدال على الوجوب ولا مجال للاشكال عليه بما ذكر فتأمّل .

توضيح وتكميل: لا يخفى ان ظهور الآية الشريفة في وجوب الحذر متوقف على كون لو لا في المقام هي لو لا التحضيضية المستعملة في الطلب مع الازعاج لا في الطلب بلين وهي تختلف موارد استعمالها في الماضي والمستقبل مع ان قوله نفر فعل ماض وردت عليه لو لا فيمكن التوقف في دلالتها على الوجوب .

نعم على فرض تسليم دلالتها على الوجوب فحيث جعل غاية النفر هو

التفقه والانذار فيكونان واجبين للزوم اللغويّة لو لا ذلك . الا انّ التفقه لا يراد به معناه الاصطلاحي بل المراد به الأعم منه ومن تفهم الرواية وفهم معناها وان لميكن تفقها بحسب الاصطلاح . اذ لم يكن في الصدر الأوّل جريان امور التعلم على النهج الجاري في يومنا هذا . الا ان ذلك لا يمنع من العموم فان التفقه هو التعلم الراجع إلى الامور الدينيّة كما يرشد اليه قوله تعالى ( في الدين ) اما الانذار

فلا يخصّ باب الفتوى ولا باب الارشاد والموعظة بل يعم ذينك البابين وباب الأمر بالمعروف اذ الانذار يتحقق بما هو راجع إلى أيّ واحد من هذه الأبواب .

نعم دلالة الآية على وجوب الحذر متوقّفة على انه لولاه لزم اللغوية فان الانذار اذا كان واجبا على المنذرين بلا وجوب الحذر على المنذرين ( بالفتح ) فلا فائدة فيه وحينئذٍ فلابدّ من كونه واجبا أيضاً ولو كان فعلاً لغير المنذرين اذ لا مانع

منه حيث انه اختياري يمكن أن يجب وقد تقدم ان المراد بالحذر ليس هو التأثر

ص: 268


1- . بحار الأنوار 2/3 الباب 24 من كتاب العلم ص180 .

النفساني بل المراد ما يرجع إلى العمل والاتيان بالفعل الذي يخبر انه واجب وترك ما يخبر به انه حرام .

لكن يتوجّه عليه الاشكال بعدم وجوب الحذر مطلقا بقول المنذر والمخبر لعدم موضوعيّته بل لابدّ أن يكون من جهة انه مخبر أو منذر له بالأحكام وحينئذٍ فيتوقف على احراز كون ما انذر به هو حكم اللّه والا فلا يجب الحذر بنفسه ونلتزم بذلك ونقتصر على وجوب الحذر فيما اذا افاد العلم لا مطلقا كما هو المدعى .

ويمكن الجواب بكون الآية مطلقة في وجوب الحذر غير مقيّدة له بصورة افادة العلم أو ان نقول ان خبر الواحد العدل وما يجري مجراه حيث جعل له الشارع الطريقيّة واعطاه صفة المحرزيّة والكاشفيّة فبتحقّقه يتحقق مصداق الاحراز التعبدي ويترتب عليه الأثر كما يترتب على العلم الوجداني ولا مجال للتوقف بافادته العلم بلا فرق في ذلك بين الأخبار المنقولة بالوسائط وغيرها لاطراد المحرزيّة في الجميع .ويدفع الثاني بأنّ الكلام في ما هو المستفاد من الآية وان استفدنا الطريقيّة والمحرزيّة من غيرها لا يكون مرتبطا بها . وظاهر الآية الشريفة وغيرها من الآيات انما ينطبق على مدعى الشيخ ومبناه قدس سره من وجوب العمل بخبر العدل ولا مساس لها بالطريقيّة وجعلها كما هو مبنى المحقق النائيني قدس سره .

وحينئذٍ فيمكن توجه الاشكال الأول بعدم اطلاق لوجوب الحذر بل خروج الانذار من اللغوية يحصل بما اذا أفاد العلم اذ لا يلزم اللغوية أو بصورة الالتفات الى انه عليه حكم أم لا فيحتاطون فيها . الا ان الا خير لا وجه له لوجود العلم الاجمالي بالأحكام كما ان تقييد وجوب الحذر بصورة افادة العلم راجع إلى

ص: 269

كون الأحكام مجعولة على العالمين بها لا مطلقا .

لكن لا دافع لهذا الاشكال اذ لا اطلاق في الآية لوجوب الحذر مطلقا فلا يتمّ الاستدلال ولو على مبنى الشيخ قدس سره .

فذلكة البحث:

قد عرفت وجه دلالة آية النفر على وجوب العمل بخبر الواحد وانها مبتنية على كون الحذر واجبا وان كلمة لعلّ تفيد الوجوب لاستحالة ارادة المعنى الحقيقي منها في المقام وهو الترجي بل يراد بها الالزام كما في قوله تعالى: « لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون »(1) فالمراد بها ايجاب الاتقاء لا مجرّد ترتب الحذر أو الاتقاء على ما قبله بل غاية الشيء لابدّ أن يكون واجبا لو كان ذلك الشيء واجباً والا لزم اللغوية . وحينئذٍ فالعمدة هو اطلاق وجوب الحذر بدون تقيد بما اذا حصل العلم من قول المنذر .فان كان للآية اطلاق في ذلك لكفى دليلاً على المدعى وتكون أحسن من آية النبأ والا فلا مساس لها بما نحن بصدده .

والاشكال على اطلاقها بعدم كون الآية بصدد بيان حكم المنذرين ( بالفتح ) بل إنّما هو بصدد بيان تكليف المنذرين ( بالكسر ) ولعلّه يحصل للمنذرين ( بالفتح ) مع تضافر القرائن أو تعاضدها العلم بذلك . وعليه فلا يكون في الآية تعرض لحكم ما اذا لم يحصل لهم العلم . بل الظاهر حصول العلم والوثوق والاطمئنان من خبر العادل الذي هو المراد من الآية بعد تخصيص عمومها بمنطوق آية النبأ واخراج خبر الفاسق عن انذاره . وذلك لأن عدم الوثوق اما

الاشكال في الاستدلال بالآية

ص: 270


1- . سورة البقرة الآية 184 .

لاحتمال تعمد كذبه فهو خارج بالفرض لكونه عادلاً أو لكونه ناسيا أو مشتبهاً بلا تعمد . فهذا مورد الأصول العقلائيّة . وحينئذٍ فيمكن دعوى ورود الآية مورد الارشاد وامضاء الطريقة العقلائية ولا اطلاق لها لصورة عدم حصول العلم .

ويمكن الدفع بعدم وجه لعدم كونه في بيان المراد ولا جهة تمنع الاطلاق في الآية وكونها في مقام البيان من هذه الجهة وحيث لم يشترط وجوب الحذر بحصول العلم فذلك يقتضي وجوبه مطلقا ولو لم يفد الانذار العلم .

الا ان الاشكال بعد في الآية من جهة قرب دعوى حصول العلم والاطمئنان بخبر العادل . وحينئذٍ لا يكون تعبد الا الامضاء ولا تأسيس في البين ولا دليل على جعل الطريقيّة لخبر العادل كي يلزم العمل بقوله مطلقا ولا مجال للاستدلال بوجوب الحذر باطلاقه على جعل الطريقيّة لعدم الدلالة بعد منع الاطلاق .

نعم قد استشكل شيخنا الأنصاري قدس سره في اطلاق الآية باستشهاد(1) الامام علیه السلام بالآية الشريفة على لزوم الاختلاف في البلاد لمعرفة الامام بعد موت الامام السابق وانه المراد بالرحمة الواردة في الاختلاف للامّة في موته أي الاختلاف في البلدان لمعرفة الامام مع ان اللازم في باب معرفة الامام هو العلم الوجداني الخبري ولا يكفيه التعبد . وحينئذٍ لا مساس للآية بمورد عدم حصول العلم .

ويمكن الجواب عن قوله بأنّه استشهاد بالخبر الواحد على عدم حجيّة خبر الواحد اذ لا تواتر في الخبر الوارد كي يفيد العلم . فحينئذٍ يكون ظنيّا . والكلام الآن في دلالة الآية على التعبد به وعدمه . فكيف يمكن الاستدلال به على عدم

ص: 271


1- . بحار الأنوار 27 الباب 5 / 1 إلى 4 - 9 - 10 من أبواب ما يتعلّق بوفاتهم .

حجيّة خبر الواحد . بل الاشكال من جهة اخرى على اشكال الشيخ وذلك ان كلامنا الآن في الاستدلال بالآيات وما ذكره على فرض تسليمه استدلال بالسنة وان وردت في تفسير الآية الشريفة . وعلى كلّ حال فالاستدلال بالآية يتوقف على الاطلاق ولا يتم الاطلاق لعدم وجوب الحذر على المنذرين مطلقا بل بما اذا كان الانذار بالأحكام الشرعيّة وذلك لا يمكن الا في مورد العلم بصدق المخبر وكون ما ينذر به هو الحكم الشرعي فلا اطلاق . مع ذلك للآية أصلاً كما انه يمكن على فرض كونها امضاءً لما في الطريقة منع حصول الاطمئنان على الأخبار المنقولة بالوسائط وذلك لأن توسط كلّ طبقة من الرواة في نقل الخبر يوجب زيادة احتمال في النفس بعدم صدق الخبر فحينئذٍ في ما اذا توسطت وسائط عديدة يزيد الاحتمالات بعضاً على عشرين ومعه كيف يمكن دعوى حصول الوثوق اللهمّ الا ان يدعى حصوله ولو باستحضار حال الرواة وديانتهم وغير ذلك .

ومن الآيات التي استدلّ بها على حجيّة خبر الواحد قوله تعالى: « فَاسْأَلُواأَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ »(1) والاستدلال باطلاق السؤال وملازمة وجوبالسؤال لوجوب القبول كما في آية حرمة الكتمان .

والجواب امّا بعدم الاطلاق مطلقا بل الآية الاولى وارادة في صفات النبي ونعوته صلی الله علیه و آله والمراد بأهل الذكر هم أهل الكتاب وامكان عدم اطلاق الأهل في الواحد بل ذلك كما يقال ان معرفة ذلك الأمر راجعة إلى أهله ولا يراد منه لزوم الأخذ بقوله ولو واحدا بل من باب ارجاع كلّ أمر الى خبرته كما يمكن الجواب بعدم اطلاق في وجوب القبول مطلقا بل الممكن لزومه في ما اذا حصل العلم

ص: 272


1- . سورة الأنبياء الآية 8 .

وهكذا في آية حرمة الكتمان ولا يلزم اللغوية لامكان حصول العلم . مضافا إلى امكان انكار الملازمة بوجه آخر كما أشرنا إليه سابقا والنقض بوجوب شهادة الشاهد وعدم لزوم الحكم .

الا انه مخدوش بقبولها في مورده . غاية الأمر مع اجتماع شرايطه فلا يكفي الشاهد الواحد الا أن ينضم إليه شاهد آخر أو اليمين مثلاً .

ومن الآيات آية الاذن(1) والاشكال عليها ظاهر حيث ان كونه اذن خير لكم يحتمل أن يراد به تصديق كلّ شخص فيما أخبر به في الخير والشر وحصول العلم له عليه السلام بذلك ويحتمل أن يراد تصديقه ولو لم يحصل له العلم وترتيب الأثر على ذلك كما يحتمل ارادة عدم تكذيب كلّ مخبر فيما يخبر به بل ولا تصديقه فعلى الأول . فخارج عن مورد الفرض وذلك لحصول العلم له بذلك فلا يكون شاهدا على المدعى للزوم العمل بالعلم عقلاً . وأمّا الاحتمال الثاني فمدفوع بعدم التيامه مع مورد النزول للآية الشريفة حيث انه علیه السلام (2) صدق من قال عن غيرهشيئا وصدق المقول فيه بانكاره لذلك أيضا . فلا يمكن تصديق كليهما واعتقاد وقوع المخبر به في كلا المقامين لعدم امكان ذلك في نفسه الا بزوال الاعتقاد الأول بوقوع الأمر بانكار المقول فيه وتبدله باعتقاد عدمه .

وأمّا الاحتمال الثالث فهو الظاهر بالنسبة إلى مورد النزول ولا شهادة معه أيضا كما هو واضح . ويشهد للمعنى الثاني اضافة الاذن إلى الخير وانه اذن خير لكم اذ لو كان المراد تصديق كلّ واحد في ما يخبر به لم يكن وجه للتقييد بالخير

آية الاذن

ص: 273


1- . سورة التوبة الآية 62 .
2- . مجمع البيان 5 ص44 الميزان 9 ص337 - 338 .

وكونها خيرا يناسب المعنى الثالث وعدم تكذيب المخبر في خبره وعدم تصديق ما قاله واقعا . واما قوله تعالى يؤمن(1) باللّه ويؤمن للمؤمنين أيضا لا شهادة فيه على المطلوب خصوصا بعد تغيير الاسلوب وابدال الباء في يؤمن باللّه في قوله ويؤمن للمؤمنين بعد ذكر الايمان ثانيا فيكشف عن كون المعنى مغايرا للأوّل . وحينئذٍ فاللام ربما تفيد انه يصدق في مورد نفع المؤمنين وانه اذا كان تصديق مخبر ملازما لضرر غيره فلا يصدقه لمنافاته لكونه يؤمن للمؤمنين كمنافاته لكونه اذن خير لهم . وقد يظهر من الشيخ قدس سره وغيره الاستشهاد بالروايات في ورود الآية مورد حمل فعل المسلم على الصحيح ولو كان ظاهره فسادا بأن يحمل على الصحيح لكنه استشهاد بالأخبار ويأتي . بل الكلام في الاستدلال بالآيات والاستشهاد بها في المراد بالآية يكون استدلالاً بها .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بالآيات وقد تحصل انه لم يتحصل منها ما يدلّ على وجوب الأخذ بقول العادل مطلقا .أمّا السنّة فمجمل الكلام فيها . انه يمكن دعوى التواتر الاجمالي في الأخبار الواردة في ايجاب الرجوع إلى الرواة وتجويز الأخذ عنهم وما ورد(2) في بعض من كونه ثقة مأموناً على وجوب الأخذ بأخصّها مضمونا وهو خبر العادل الصحيح لكونها اما موجبة للأخذ بالخبر مطلقا ولو موثقا أو حسنا أو لخصوص أحدها فالخبر الصحيح داخل في الكل فهو أخص مضمونا قد اشتمل على لزوم الأخذ بجميع الأخبار الموجبة للأخذ بالخبر على أنحاء السنتها

ص: 274


1- . سورة التوبة الآية 62 .
2- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .

واختلاف دلالتها . وحينئذٍ فلو دلّ مثل هذا الخبر على لزوم الأخذ بالموثق أو الحسن فيستفاد من الأخبار حينئذٍ جميع ما هو المدعى من وجوب العمل بخبر الواحد غير الضعيف مطلقا فراجع وتأمّل .

وكيف كان فقد استدلّ أو يمكن أن يستدلّ من السنة على حجيّة الأخبار الآحاد بطوائف:

منها: ما ورد في باب الترجيحات في مورد تعارض الروايات من الأخذ بالمشهور(1) بين الأصحاب أو بما يوافق(2) الكتاب أو بالمخالف(3) للعامّة أو بالأحدث(4) إلى غير ذلك .ومنها: ما ورد في الأمر بالأخذ بأقوال عدّة من الرواة أو التعريف على كتابهم أو غير ذلك من أنحاء الوصف ككونهم مأمونين على الدين والدنيا .

أو انه ( لو لا هؤلاء(5) لاندرست آثار أبي أو آثار النبوة .ومنها: ما ورد في ان من حفظ(6) على امتي أربعين حديثا بمضامين متقاربة واشتمال بعضها على من امتي وبعضها على امتي ويحتمل أن يكون المراد بعلى في المقام هو معنى اللام كما في قوله تعالى: « وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ »(7) .

ويمكن دعوى تواتر الطائفة الأولى وكذا الثانية وأمّا الثالثة فقريب من

الاستدلال بطوائف من الأخبار

ص: 275


1- . الوسائل 27 الباب 9 ح 1 - 19 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 9 ح10 - 11 - 12 - 15 - 18 - 19 - 29 - 37 - 47 - 48 .
3- . الوسائل 27 الباب 9 ح 1 - 23 - 29 - 30 - 31 - 34 - 42 من أبواب صفات القاضي .
4- . الوسائل 27 الباب 9 ح 7 - 8 - 18 من أبواب صفات القاضي .
5- . الوسائل 27 الباب 11 ح14 - 16 - 20 .
6- . الوسائل 27 الباب 8/5 - 6 - 48 - 54 - 58 إلى 62 - 64 - 72 .
7- . سورة البقرة الآية 199 .

التواتر .

وتقريب الاستدلال بالطائفة الأولى .

أمّا المقبولة(1) . فلاشتمالها على الترجيح بصفات الراوي أوّلاً ثمّ بعد تساويهما في الصفات جعل المرجّح الشهرة في الرواية وترك الشاذ النادر إلى غيره من المرجّحات كموافقة الكتاب ومخالفة العامّة .

وأمّا المرفوعة فان لم يكن لها سند ولا انها تشارك المقبولة في الدلالة على بعض المطلوب بل في الدلالة على المطلوب كلّه . حيث انّ الترجيح بما ذكر من المرجّحات مع اختلاف مواردها واختلافها أنفسها إنّما هو فيما اذا كان المتعارض من كلّ واحد منهما حجّة يلزم العمل بها والأخذ بمؤدّاها كي يكون في مورد التعارض مجال لاعمال الترجيح والا فلا معنى للترجيح بما لا حجيّة له في نفسه .

وأمّا ورد في كون الترجيح بمخالفة العامّة وهو كثير من الروايات ولعلّها متواترة فدلالتها أيضا واضحة على حذو ما قلنا في دلالة المقبولة . نعم ما ورد فيما خالف الكتاب وانه باطل(2) أو زخرف(3) أو لم اقله(4) فلا يكون شاهدا على مانحن فيه من كون مقتضى الحجيّة في كلّ من الخبرين المخالف أحدهما للكتاب . وأمّا ما ورد في أحوال عدّة من الرواة على اختلاف مضامينها ومواردها ووقايعها وما ورد في الأمر بالكتب(5) والحفظ والتعليم(6) والتعلم وما ورد في كون

ص: 276


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 9/48 الباب 10/18 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 9 ح 12 - 14 من أبواب صفات القاضي .
4- . الوسائل 27 الباب 9 ح15 من أبواب صفات القاضي .
5- . الوسائل 27 الباب 8 - 15 إلى 21 - 27 - 38 - 52 - 53 من أبواب صفات القاضي .
6- . الوسائل 27 الباب 8 - 18 - 44 - 46 - 52 - 53 من أبواب صفات القاضي .

مرتبة(1) الرجال على قدر روايتهم عنهم

علیهم السلام فدلالتها أيضا ظاهرة اذ لو لا الحجيّة

فلا معنى للأمر بالأخذ بقولهم ولا الأمر بالحفظ والضبط والكتب ولا مورد للتعليم ولا على اختلاف مراتب الرجال على اختلاف مراتبهم في الرواية هذا .

الاّ انه يمكن الاشكال في الاستدلال باختصاص الروايات الواردة في الترجيح بما اذا كان الصدور معلوما حيث انه نسب الحديث في بعضها إليهم وجعل الترجيح بالشهرة في الرواية في بعضها . والمشهور في الرواية التي أجمع الأصحاب على تدوينها في كتبهم يحصل العلم للناظر فيه بصدورها عنهم كما ان اضافة الحديث إليهم تشير أو تدل على مفروغيّة صدوره عنهم ومعلوميّة كونه منهم ومحلّ الكلام ما اذا لم نعلم بذلك . بل نسب الراوي الرواية إليهم على طريق الآحاد كما ان جعل الترجيح بالكتاب عرفت الاشكال في ما خالفه . ولا حاجة إلى الموافق مع وجود الكتاب كما لا مجال لجعل المعارضة بين المخالف والموافق وكون الكتاب مرجعا أو مرجحا لكون المخالف يعارض الكتاب والموافق له ( نعم ) في المشهورين يكون مجال الترجيح بموافقة العامّة ومخالفتهملكون الصدور معلوما قطعيّا حينئذٍ . والاشكال على الآمرة بالأخذ بقول عدّة من الرواة وروايتهم أو كتبهم واضح حيث انه يوجب الوثوق والاطمئنان بقول المعصوم .

نعم في مثل الأخبار الواردة في وصف عدّة من الرواة من كونهم ثقاة مأمونين أو ما ورد منها المشتمل على التعليل بأنّه ثقة شهادة قاطعة على جواز الأخذ بخبر الثقة مطلقا لكونه من منصوص العلّة ويتعدّى من مورده إلى غيره من

الاستدلال بالأخبار

ص: 277


1- . الوسائل 27 الباب 8 ح7 من أبواب صفات القاضي .

الموارد . وحينئذٍ فالمتحصّل منها ومن غيرها ممّا سبق خاليا عن الاشكال حجيّة خبر الثقة العادل وعليه فيمكن دلالة رواية منقولة بوسائط الثقات على حجيّة مطلق الأخبار التي استقرّ الطريقة على العمل بها وهو مطلق الموثوق بصدورها وإن لم تكن الرواة عدولاً إماميّا وحينئذٍ فاذا استفدنا من الأخبار حجيّة الخبر الموثوق بصدوره فينطبق على السيرة العقلائيّة ويتمّ المطلوب بالتعاضد والشهادة .

توضيح وتكميل: قد ذكرنا طرفا من الكلام في دلالة الأخبار على حجيّة مطلق الخبر غير الضعيف ونزيدك بيانا وتوضيحا للمرام .

فنقول: امّا دلالة الأخبار العلاجيّة فلا تفي بذلك فانها بصدد بيان المرجح للأخبار المتعارضة . ولازم ذلك انه لو لا المعارضة لكان المتعارضان كلّ منهما حجّة اما المقبولة(1) فصدرها دالّ على ذلك باطلاقه حيث انه عليه السلام بعد أن بين كون الرجوع إلى حكّام الجور من الرجوع إلى الطاغوت وقد امروا ( بعدمه ) سئله الراوي بقوله فكيف يصنعان ؟ فأجابه علیه السلام بقوله: ( ينظران إلى من كان منكمقد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما الخ ويدلّ على المطلوب أيضا قوله بعد فرض السائل اختيار كلّ من المتخاصمين رجلاً من أصحابنا واختلفا في الحكم وكلاهما اختلفا في حديثهم قال علیه السلام: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما الخ فان هذه الفقرات شاهدة على المدعى بأحسن وجه بل ظاهر قوله ( قد روى حديثنا ) الاطلاق ولم يقيد ذلك بصورة افادة العلم ولا بما اذا كان الرواة كلّهم عدولاً

ص: 278


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

اماميين على ما هو الاصطلاح في كون رواية كان رواتها كذلك صحيحة .

لا يقال لا مجال للأخذ بذلك حيث ان فرض الرواية مورد حجيّة المتعارضين ولعلّه في ما اذا كان كلّ واحد متعاضدا بالقرائن الموجبة للصدق وهو أعمّ من المدعى اذ المطلوب حجيّة مطلق خبر العادل والثقة والحسن .

فانا نقول ان الرواية في مقام البيان فلو كان ذلك دخيلاً في حجيّة الخبر جعل الميزان به .

نعم حيث انه فرض الراوي بعد ذلك كون الروايين مرضيّين عدلين ارجعه إلى الرواية المجمع عليها بين الأصحاب وانه يترك الشاذ النادر وهاهنا يكون الرواية المشهورة معلومة الصدور فيؤخذ بها . وحيث انه قد يتّفق تحقّق الشهرة في كليهما ففرضه الراوي فجعل عليه السلام حينئذٍ الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة للعلم بصدورها حينئذٍ فالشكّ متمحض في غير هذه الجهة .

ولا يخفى ان في جعل الترجيح بموافق الكتاب دلاله على كون الكتاب مرجحا للخاص الموافق له المعارض لخاص آخر كما انه لا يكون ذلك الا فيما يكون التباين بالعموم والخصوص بين الخاص المخالف والعام الكتابي والا ففي التباين لا مجال لحجيّة المخالف بل هو زخرف أو لم يقل به أو باطل .ثمّ انه يقع الكلام في سند هذه الرواية فانه لا سند لها معتبر فكيف يمكن الاحتجاج بها . وحلّه انها مقبولة(1) اعتمد عليها الأصحاب بل اشتملت على عدم جواز رد حكم الحاكم وان الاستخفاف به استخفاف بحكم اللّه وانه على حد الشرك باللّه . وهذا الحكم إنّما استفيد من هذه الرواية ولا دليل عليه غيرها وأفتى

ص: 279


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 .

به الأصحاب واعتمدوا على هذه الرواية على وجه يكون لهم الاستناد إليها لا مجرّد موافقة فتواهم لمضمونها . بل استدلّوا بها ولذا سمّيت مقبولة فحينئذٍ هي موثوق الصدور فيكون حجّة على ما يستفاد منها .

وأمّا التوقيع الشريف المشتمل على جواب السائل عن الحوادث الواقعة بقوله علیه السلام: ( أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة أحاديثنا فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللّه )(1) فالظاهر من القرائن كون المراد بالحوادث هي مسائل الحلال والحرام المحتاج إليها الناس في الغيبة لا الرياسة الدنيويّة ولا ساير ما لا ربط له

بأخذ الأحكام حتّى الرياسة الدنيويّة لاغتصابها منهم علیهم السلام بجعل مخالفيهم في قبالهم .

ولا يخفى دلالة الجواب والارجاع إلى الرواة على المطلوب لكون الرجوع إلى الرواة بلا حجيّة روايتهم مما لا معنى له . فالمراد بالرجوع ما يعم قبول روايتهم ونقلها . غاية الأمر يرد على هذا الاطلاق في هذا التوقيع واطلاق الحديث في المقبولة اشكال اخراج الأخبار الضعيفة وذلك أمر سهل نلتزم به فيماقام الدليل على الخروج .

وأمّا دلالة الأخبار الواردة في مدح بعض الرواة المخصوصين أو فيالحث(2) على الكتب والضبط أو التعليم والتعلم وبث العلم وان منازلهم على قدر روايتهم فواضحة حيث ان ذلك لأجل العمل وكونها حجة كما في الأخبار الواردة(3) في ان من حفظ على امتي على ما في أخبار العامة أو من امتي في

الاستدلال بالتوقيع

ص: 280


1- . الوسائل 27 الباب 11/9 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 8/1 - 3 - 7 - 15 - 16 - 17 - 18 إلى 21 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 8/ - 5 - 6 - 48 - 54 - 58 إلى 62 - 64 - 71 - 72 من أبواب صفات القاضي .

أخبار الخاصّة أربعين حديثا أيضا دلالة واضحة على ذلك .

والمراد بالحفظ في هذه الأخبار المتفق في نقلها الخاصّة والعامّة المشهورة بينهم اما الحفظ عن ظهر القلب أو بالكتب والضبط وايصالها إلى غيرهم أو مطلقاً .

وعلى كلّ حال فتدلّ على حجيّة الأخبار والا فلا معنى لذلك كما انه لا يخفى نوع دلالة في ما ورد عنه عليه السلام من الدعاء بقوله صلی الله علیه و آله: ( اللهمّ خلفائي )(1) قيل يا رسول اللّه من خلفائك ؟ قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنّتي والأحسن من ذلك ما ورد في العمري وابنه والأمر أو تجويز الأخذ بقولهما والتعليل بقوله ( فانّهما(2) الثقتان المأمونان ) أو في رواية اخرى ( فانه الثقة المأمون )(3) أو باضافة ( على الدين والدنيا )(4) . ويمكن التعدّي عن موردهذين الخبرين لكونهما من المنصوص العلّة فيستفاد حجيّة كلّ خبر موثوق براويه والمراد بالوثاقة في الروايتين ما يرجع إلى النقل والامانة فيه وان اشتملت على مزايا اخر .

فيتحصّل من مجموع هذه الروايات حجيّة خبر موثوق الصدور الذي يكونرواته عدولاً ممدوحين بالعدالة أو مطلق الثقة وحينئذٍ فاذا دلّ خبر كذلك على الأخر بمطلق خبر الثقة أو ما يشمل الحسن فيكونان أيضا حجّة .

وعلى كلّ حال فتتمّ حجيّة جلّ الأخبار المستشهد بها في الفقه ولا تصل النوبة إلى انسداد باب العلم والعلمي لعدم تماميّة مقدّماته وعدم لزوم الخروج عن الدين أو محذور آخر من اجراء البرائة في الموارد المشكوكة لوفاء الأخبار

ص: 281


1- . الوسائل 27 الباب 8/50 .
2- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
4- . ليس فيهما هذه العبارة .

المعتبرة المستفاد اعتبارها من هذه الأدلّة بأكثر الفقه مع ان الضعاف فيها ربما كانت حجّة لعدم همة للجاعلين للأخبار بجعل الخبر في ما يرجع إلى الأحكام التي لا يعلم مخالفتها للواقع وعدمها . بل همتهم بجعلها في ما يكون للناس طريق إلى معرفة كذب المخبر به بحسب التجربة فيه فيجعل الخبر ويسنده إلى المعصوم في أثر دعاء أو غذاء أو طعام أو غيره من الخضر كي لا يتحصل التداوي أو العامل أو المستعمل للدعاء أو الدواء على الأثر الموعود في الخبر المجعول ويتزلزل اعتقاده بالمسند إليه الخبر .

فذلكة البحث:

قد عرفت الاستدلال على حجيّة خبر الواحد بالأدلّة الأربعة وقد سبق الاستدلال بآيات من الكتاب والاشكال عليه والاستدلال بالأخبار وسبق بيان عدم البأس بدلالة المقبولة على الحجيّة حيث انها معتبرة السند لافتاء الأصحاب بها فيحصل الوثوق بصدورها فتكون حجّة على المطلوب بالتقريب السابق . وأمّا الاجماع فباتفاق الكلّ من عصر الأئمّة علیهم السلام وأوائل الغيبة الكبرى وبعدها إلى زمان أصحاب التصنيف كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي وغيره وهكذا عصرا بعد عصر إلى يومنا هذا . فانه لا اشكال من أحد على حجيّة هذه الأخبار التي بأيدينا وعليها مدار فتاويهم في كتبهم وغيرها .اذ لا يفي الكتاب الشريف بالفروع المتكثّرة المذكورة في الكتب المملوئة بها ولا هناك أخبار متواترة فحينئذٍ يكون المدرك والعماد هي هذه الأخبار حتى ان السيّد المرتضى المنكر لحجيّة خبر الواحد غير العلمي أيضا عامل بهذه الأخبار مدّعيا العلم والقطع بصدورها فحينئذٍ لا مجال لأحد في التشكيك في تحقق

فذلكة البحث

ص: 282

الاجماع . وانكار السيّد للحجيّة إنّما هو بالنظر إلى استدلال واحد في عصره بخبر فرده السيد بأنّه خبر واحد لا حجيّة فيه وإنّما المدار على الأخبار المرويّة من طرقنا وذلك الخبر ليس كذلك فرده وادعى كون اجماع الاماميّة على عدم العمل بالاخبار الآحاد كالقياس وإلاّ فلا يمكن أن يتحقّق في عصره اجماع الشيخ قدس سره

على حجيّتها والعمل بها .

وعلى هذا فيمكن دعوى عدم تحقّق التنافي بين اجماع السيّد واجماع الشيخ وعلى فرضه فلا مانع منه ولو في عصر واحد لكون مبناه عند الشيخ على الحدس .

والحاصل انه لا يمكن دعوى حصول القطع والعلم الوجداني لكلّ العلماء المتفقين على حجيّة اخبار الآحاد وان ادعاه بعض لكنه في غير محلّه فاستنادهم في مقام الفتوى عليها يكون اجماعا منهم على ذلك وان اختلفوا في وجه الحجيّة .

والجواب ان الاجماع محقّق مسلم لكنه ليس بحجّة اذ هو من الاجماع التقييدي الذي لا فائدة فيه لأنّ وجه الحجيّة مختلف عند كلّ غير ما عند الاخر فبعض قال بحجيّته بدعوى حصول العلم وآخر تمسكا بالآيات وثالث بتماميّة دلالة الاخبار على الحجيّة ورابع من باب الانسداد وحجيّة الظن .

وحيث ان الأمر كذلك فلا يمكن الاتكاء على مثل هذا الاجماع في اثبات المدّعي نظير الاجماع المدعى في باب المعاطاة على انها بيع جائز عند غيرالمفيد

قدس سره فانه قال بلزومه فان مدرك الحكم بجواز المعاطاة جوازا حكميا أو حقيا يقبل الاسقاط عند بعض مخالف لوجهه عند الآخر فذهب بعضهم إلى افادتها الملك المتزلزل واخر إلى افادتها لاباحة التصرف وبعض الى افادتها مطلق

ص: 283

التصرّفات حتّى المتوقفة على الملك كالبيع والهبة وأمثالها وقالوا بالجواز ما لم يتصرف في أحد العوضين تصرّفا متلفا فان الاشكال المتوجه على الاجماع المدعى في المقام آتٍ في المعاطاة أيضا .

نعم لو اريد من الاجماع اتفاق المتشرعة أو المسلمين أو العقلاء على حجيّته فمسلم . ولكن القدر المتيقن من السيرة المتشرعية هو ما اذا أوجبت الوثوق والاطمئنان وهو الذي عليه السيّد المرتضى لعدم حصول العلم الوجداني بمضمون الأخبار فالعمدة في اثبات الحجيّة ما ذكرنا من تماميّة دلالة الأخبار وبناء العقلاء .

وهو الدليل الرابع . ولا اشكال في تحقق البناء من العقلاء على الأخذ بالخبر وعليه نظام امورهم في معاشهم ومعادهم . ولكن الكلام في تحقق البناء في خصوص موارد حصول الوثوق والاطمئنان بصدق الناقل . أو الأعم سواء أفاد العلم والوثوق أم لا . والظاهر تحقق البناء في خصوص ما إذا أفاد الاطمئنان وحصل الوثوق كما انه كذلك فاذا كان الراوي ثقة عدلاً صدوقا يحصل الوثوق . بل ربما يحصل القطع الوجداني . يدلّك على هذا التجربة . وسيرة المسلمين أيضا على العمل باخبار الثقات ولا تنزيل للعقلاء الظن منزلة العلم ولا تنزيل المحتملات التي تحتمل في صورة الظن على خلاف المظنون منزله عدمها . كما اذا ظن عدم وجود قاطع الطريق في سيره إلى البلد الكذائي لكنه يحتمل وجوده كما انه يحتمل قتله للمسافر وسلب أمواله وأخذها . لكن في صورة الوثوقوالاطمئنان ليس شيء من هذه الأمور ولا التنزيلات التي يبتني عليها العامل بالظن في مورد المثال وغيره من نظائره بل المدار في امورهم دائما على العلم

ص: 284

والاطمئنان ولا اعتناء لهم بالظن فضلاً عن غيره حتى انه لا عمل لهم بالظن القوي بل انما يعتمدون فيها على العلم العادي النظامي والا فيحتاطون في الامور الخطيرة .

نعم فيما اذا لا أهميّة للمورد يمكن اتكالهم على غير العلم لكنه من باب المسامحة وعدم الاعتناء بما يحتمل في نظرهم . وليس للشارع طريقة اخرى مخترعة ولا انه ردعهم عنه بل امضاه وأنفذه كما في أكثر موارد المعاملات التي كانت سابقا بين العقلاء مبنيّا عليها وانّما امضاها الشارع بتصرّف يسير . ولو كان للشارع طريقة اخرى لكان عليه الردع كما في الردع عن القياس الذي هو أحد الأمور التي يعتمد عليها العقلاء فمنعه في الأحكام الشرعيّة بأشدّ المنع بحيث لا مجال للشكّ ولا ارتياب وأصبح أوهن من بيت العنكبوت . وحينئذٍ فيوافق الطريقة العقلائيّة المنجعلة التي لا تعبد فيها ولا تنزيل مع السيرة القطعيّة من العلماء

والمتشرّعة وأهل الاستدلال من الاعتماد على خبر الثقة وحصول الوثوق بمضمون خبره ويرشد إلى ذلك الآيات الشريفة والأخبار المعصوميّة . اذ على ما ذكرنا لا تعبد في البين بل كلّها ارشاد إلى ما في الطريقة . بل في بعض الأخبار(1) انما وقع السؤال عن موضوع الثقة لتسلم ترتب العمل على خبره والأخذ به عند العقلاء والامام علیه السلام كان في مقام البيان ولم يردع ارتكاز السائل بل عين له الموضوعوأجابه بالاثبات كما في الوارد عن زكريا بن آدم(2) وفي يونس بن

أخبار حجيّة الثقات ارشاد

ص: 285


1- . الوسائل 27 الباب 11/33 - 27 - 34 - 35 - 4 .
2- . الوسائل 27 الباب 11/ 27 من أبواب صفات القاضي .

عبدالرحمن(1) وفي العمري(2) وانه وابنه ثقتان أو انه أسمع لهما(3) وأطعهما وما أدّيا إليك عني(4) فعني يؤدّ وأمثال ذلك من التعبيرات الواردة التي يستفاد منها امضاء ما في الطريقة وان الأخذ بخبر الثقة عليه بناء العقلاء ولا تعبد عليه من الشارع بل انما وقع منه الامضاء وعدم الردع .

بل قد اشتمل ما ورد في الرواية الصحيحة(5) في حال العمري أو فيه وابنه على التعليل لجواز الأخذ بكونهما ثقتين أو كونه ثقة وحيث ان الأخبار الواردة في ججيّة خبر الثقة قد بلغت حدّ التواتر وحدّ ايجاب القطع بصدور منها اجمالاً أو بصدور اخصها مضمونا هو خبر الثقة وينطبق هذا العنوان المستفاد من الأخبار حجيته على الرواية الوردة في حال من ذكر فنأخذ بمضمونها الدال على حجيّة خبر مطلق الثقة بمقتضى التعليل . وحينئذٍ يكون المستفاد من الأخبار حجيّة قول مطلق الثقة سواء كان اماميّا عدلاً أو موثقا عدلاً في مذهبه صادق القول أو انهحسن الحال من المدح الذي لا يبلغ حدّ التعديل . اذا حصل الوثوق بمضمون خبره وعلى هذا يصحّ العمل باخبار الفطحيّة وأمثالهم من الواقفيّة وغيرهم لو ثبت وثاقتهم وإن لم يكن نقل تلك الأخبار وروايتها في حال استقامتهم ورجوعهم والا فلا اشكال فيها .وبما ذكرنا تعرف عدم معارضة بين دعوى السيّد المرتضى ودعوى

ص: 286


1- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
4- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
5- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .

الشيخ قدس سرهما لعدم حصول العلم الوجداني في حقّ السيّد ولا ادعاه ولا يمكن دعواه عليه بل المراد العلم النظامي العادي الذي لا ينكره الشيخ كما انه بما ذكرنا تعرف عدم توجه الآيات الناهية عن اتباع الظن والناهية عن العمل بغير العلم على الواثق بخبر الثقة ونقله حيث انه لا يرى نفسه ظانا ولا عمله اتباعا لغير العلم فلا مجال للمعارضة كما لا مجال لما في الكفاية(1) من لزوم الدور في تخصيص السيرة بالآيات . حيث انه إنّما يتمّ في ما اذا كان قيام السيرة على العمل بالظن وغير العلم

فحينئذٍ مجال لتوهم المعارضة أو التخصيص . والا فبناء على ما ذكرنا من كون الاعتماد على خبر الثقة من باب الاطمئنان والعمل العادي فلا توجه للآيات اليه كما لا مجال لمعارضة ما ذكر بآية النبأ في عدم حجيّة قول الفاسق . وذلك لأن التعليل المذيل به الآية يوجب عدم الركون إلى خبره فيما اذا لم يفد الاطمئنان ويكون هناك اعتماد بجهالة لا الاعتماد بعلم وتبين كما عرفت انه على ما ذكرنا لا يكون هناك مجعول ولا مجال لتتميم الكشف أو وجوب العمل بخبر العادل أو صدق العادل . بل انما هو الطريقة العقلائيّة ( اذ السيرة القائمة في العمل بخبر الثقة ليست من السير التي يمكن التشكيك في حجيّتها لاحتمال كونها من غير المبالين المسامحين كما في بعض موارد كشف عموم الوقف في المساجد والمدارس لغير السكنة كي يوجب الوقفة بل إنّما هي من العلماء العدول الذين بهم مدار الفقه والتقوى وفيه تكون كاشفة عن موافقة المعصوم ورضاه قطعا ) وقد أمضاها الشارع ولم يردع عنها . فهي منجعلة أو مجعولة والأدلة القرآنيّة والاخباريّة كلّهاارشاد إلى ذلك . وفي الأخبار التي بأيدينا المشتملة على اخبار الثقات بالفروع

عدم معارضة الاجماعين

ص: 287


1- . كفاية الاُصول 2/99 .

الفقهيّة التي ما يبقى منها بلا قيام خبر ثقة عليه أقل قليل كفاية لا يوجب اجراء البرائة فيها الخروج من الدين ولا المصير إلى الاحتياط فيها العسر والحرج فلا مجال للانسداد أصلاً مضافا إلى عدم دعواه إلاّ من بعض المتأخرين المقاربين لأعصارنا والا فليس في كلام القدماء تعرض لذلك .

تتمّة: قد عرفت في صدر البحث ان الطرفين استدلاّ بالأدلّة الأربعة وتقدّم عليك الأدلّة الثلاثة للمثبتين وبقي الكلام في الرابع وهو دليل العقل .

فنقول: هاهنا مقدمة ينبغي التنبه لها ذكرها المحقق النائيني قدس سره (1) وهي انّ العمل بالخبر يتوقّف على جهات أربع ولا يمكن العمل برواية الاّ بعد تماميّة هذه الجهات واحرازها .

أحدها أصل الصدور من المعصوم .

وثانيها جهة الصدور وكونه في مقام بيان حكم اللّه الواقعي .

وثالثها انعقاد الظهور في المعنى المراد وتقدّم امكان جريان مقدّمات الانسداد الصغير في هذا المقام وعدمه اذا لم يمكن حصول العلم بالموضوع له الألفاظ وكشف معانيها الحقيقيّة عن غيرها في مقام الاستظهار .

الرابعة حجيّة الظاهر وإلاّ فبمجرّد احراز الصدور وباقي الجهات غير الجهة الأخيرة لا وجه للعمل والاعتماد كما في العمل بالكتاب حيث أنكر جماعة من الأصحاب حجيّة ظواهره لوجوه تقدّم الاشكال عليها وجوابها .

اذا تنبّهت لهذه المقدمة فنقول: قد استدلّ على حجيّة الأخبار بوجوه عقليّة:أحدها حصول العلم الاجمالي باشتمال كثير من الأخبار التي بأيدينا على

ص: 288


1- . فوائد الاُصول 3/56 وما بعده 196 .

أحكام وتكاليف واقعيّة صادرة من المعصومين علیهم السلام في بيان وظائف الناس وايصال الأحكام إليهم وحيث انه لا علم لنا باعيان هذه الأحكام على نحو التفصيل فحينئذٍ . اما أن لا نعمل بشيء من مؤدّيات الأخبار طرا فيلزم المحذور الذي تعارف التعبير عنه بالخروج عن الدين ولكنّه ليس المراد به صيرورة الانسان كافرا بل عدّه عاصيا غير عامل بالدين وبأحكامه . وامّا أن نقول باختصاص تلك الأحكام بزمان صدورها ولا تكليف لنا وهذا أيضا خلاف الضرورة والاجماع . فاللازم الاحتياط في الخروج عن عهدة الأحكام المعلومة بالاجمال في دائرة الأخبار . وحينئذٍ فلو التزمنا بلزوم قصد الوجه والجزم بالأمر فحيث انه لا يمكن فلابدّ اما من سقوط التكليف أو اختصاص الجزم ولزوم قصد الوجه بحالة الامكان وتمكن المكلّف منه . وعليه فالواجب بحكم العقل هو الاحتياط وحيث يلزم منه العسر والحرج لو أردنا الاحتياط في أصناف هذه الأخبار من التي يظن بصدورها والمشكوكات والموهومات ولا يمكن ترحيج المرجوح على التراجح عقلاً لقبحه فاما أن يكون حينئذٍ نستكشف ان الشارع جعل الظن حجّة وهو المطلوب لأنّه إنّما يمكن ذلك في ما يكون له الطريقيّة في حدّ نفسه ولا يكون في الفرض الا الظن كما سلك ذلك الشيخ قدس سره في تحرير المقدمات أو انه يكون بحكم العقل لزوم البناء على الظن .

هذا . واستشكله المحقّق النائيني قدس سره (1) بعدم انحصار العلم الاجمالي بما في دائرة الأخبار بل هناك علمان آخران ينحلّ الأوّل بالثاني ولا ينحل الثاني الذيهو أوسع دائرة من العلم الاجمالي بما في دائرة الأخبار وأضيق من العلم الأوّل

الاستدلال بالعلم الاجمالي

ص: 289


1- . فوائد الاُصول 3/199 وما بعده .

بالعلم الاجمالي بما في دائرة الأخبار .

ببيان آخر: انّه قد علم ممّا تقدّم ان مراد الشيخ قدس سره اثبات حجيّة الظن الذي هو طريق واصل بنفسه في دائرة الأخبار بما سبق من العلم الاجمالي بصدور كثير منها متفرقة في اصناف الأخبار وحيث لا علم لنا بتعيينها بالخصوص واللازم هو الاحتياط والأخذ بالجميع لكنه موجب للعسر والحرج . فحينئذٍ لابدّ بمقتضى حكم العقل وانه يقبح ترجيح المرجوح على الراحج وعدم جواز الاحتياط من استكشاف جعل طريق واصل بنفسه وهو الظن فيكون الأخبار المظنونة حجة دون المشكوكات والموهومات بما ذكرنا من التقريب .

هذا وذكرنا ان المحقق النائيني قدس سره أورد عليه بأن العلوم الثلاثة التي في المقام:

أحدها العلم الاجمالي بوجود أحكام كثيرة في الشريعة والدين وانه عبارة عن ذلك .

والثاني العلم الاجمالي باشتمال الأخبار التي بأيدينا والشهرات والاجماعات المنقولة التي توافق الأخبار ولا توافقها على كثير من الأحكام التي جعلت في الشريعة .

والثالث: اشتمال الأخبار المختلفة الأصناف من المظنونات والمشكوكات

والموهومات على ذلك فهذه العلوم الثلاثة ينحل الأول منها بالعلم الثاني ولا ينحل الثاني بالثالث وبما في دائرة الأخبار . بشهادة بقاء العلم بعد عزل الأخبار ( أو المظنونات مطلقا أو بالقدر الموافق للمعلوم بالاجمال عددا ) وانضمام الباقي إلى الشهرات والاجماعات . فعلى هذا لا موجب لانحلال العلم الثاني بعد بقائه

ص: 290

على حاله وعدم صيرورته شكا بدويّا بعزل ما ذكرنا من الأخبار عنه . وهذا كما في اجراء الأصول العدميّة من الاستصحاب والقواعد الآخر في الشبهات الحكميّة أو الموضوعيّة . فانه لا مانع من الاجراء حال العلم حيث انه لا تكون بأجمعها موردا لابتلاء الفقيه فلا مانع من اجراء كلّ واحد على التدريج الا انه يعلم اجمالاً

بعد اجراءها بمخالفة بعضها للواقع وان وقع الترخيص من الشارع في مخالفته في مواردها .

والحاصل اما أن نقول بتماميّة التقريب على حذو تماميّة مقدّمات الانسداد الكبير على ما سيأتي في محلّه من ان لها ثلاث تقريبات ينتج الكشف على بعضها والحكومة عى الثاني وحكم العقل بلزوم الاطاعة الظنيّة والتبعيض في الاحتياط على التقريب الثالث . فانه لا فرق في تقريب المقدمات وتماميتها بين الانسداد الكبير وهذا الانسداد الذي في المقام .

وكيف كان فاما ان يكون نرتضيه في ذلك المقام فلا اختصاص له بخصوص ما في دائرة الأخبار بل يكون العلم الثاني بحاله لا ينحل بما في دائرة المظنونات لبقائه على حاله بعد عزل مقدار موافق للمعلوم بالاجمال من المظنونات . أو يكون هذا التقريب من رأس باطلاً لتماميّة التبعيض في الاحتياط ولاينحل على هذا . إذ على تقدير الحكومة لا يمكن الفتوى بمؤدّى الامارات ولا بساير ما بأيدينا من الأدلّة الظنيّة حيث انه لم يكن ذلك موجبا للعلم بل بحكم العقل العمل على الظن في مقام الفراغ فيكون كالظن الخاص ولابدّ من ملاحظة النسبة مع الآيات الناهية والتخصيص لو كانت النسبة هي العموم مطلقا أو بعد رجوعها إلى العموم المطلق كما انه على الحكومة أو الاحتياط لا مجال للفتوى ولذلك لا وجه

ص: 291

للتقليد بل المجتهد يبيّن طرق الاحتياط للمقلد فتدبر .محصل البحث وفذلكته قد علم استدلال الشيخ على انحلال العلم الاجمالي الكبير بما في دائرة الأخبار بالعلم بصدور كثير منها ولزوم العمل بمظنون الصدور منها بما تقدّم من البيان . واستشكله المحقّق النائيني(1) بأنّه لو كان المراد انحلال العلم الاجمالي بجعل حجة في البين غير متعينة محتملة الانطباق على كلّ واحد من دائرة الأخبار وغيرها من الامارات كالشهرات والاجماعات فاللازم حينئذٍ بمقتضى العلم الأخذ بالمظنونات وما يفيد الظن لعدم احتمال حجيّة الشكّ لعدم كونه طريقا . فلا معنى لجعله الشارع طريقا ولا لجعله حجة . وحينئذٍ فلابدّ من ملاحظة الامارات من كون العلم بوجود حجّة مشكوكة مظنونة مختصّا بدائرة الأخبار ويكون بعد عزلها أو طائفة منها بمقدار المعلوم بالاجمال شكّا بدويّا في باقي الامارات المظنونة من كونها هي الحجّة فيكون هنا مجال لانحلال العلم الكبير بما في دائرة الأخبار المظنونة الصدور وينحصر العمل على الأخبار والا فان لم ينحل العلم الاجمالي الواسع بما في دائرة الأخبار فلا وجه للانحلال وانحصار الحجّة بدائرة الأخبار كما هو المعلوم بالتجربة والامتحان فانا لو ضممنا مقدارا من الأخبار إلى الأمارات الاخر وعزلنا عنها كذلك بمقدار المعلوم بالاجمال يكون العلم بعد على حاله ولا ينحل .

وهذا بخلاف ما اذا لوحظ الواقع المظنون فحينئذٍ يكون العلم منحلاً لكون المدار حينئذٍ على ما يظنّ انه الواقع ولا عبرة بظن الحجّة . فعليه لابدّ من ملاحظة

الانحلال بالنظر إلى الواقع وعدمه . وفيه أربع احتمالات في ثلاث منها لا ينحل

ص: 292


1- . فوائد الاُصول 3/201 وما بعده .

العلم وفي واحدة ينحل . ويكون بالنظر إلى الزائد على ما في دائرة الأخبار شكابدويا . لا مانع من اجراء البرائة فيه . ويكون ضم غير مورد الأخبار إليها كضم الحجر إلى الانسان فان الحال لا يخلو من تغاير مورد الامارات مع كلّ من الأخبار التي تعزل ويبقى ( وضم الأخبار بعضها إلى بعض ) فتكون منجزة بالنسبة إلى الجميع لعدم الانحلال . ومع احتمال الاتحاد فيكون الشك بدويا بالنسبة إلى الزائد على ما في دائرة الأخبار . كما انه اذا كان هناك ثلاث اناءات في ناحية الدار الشرقيّة وثلاث اخرى في الناحية الغربيّة فاذا وقعت قطرة دم في احد الاناءات من أحد الطرفين فاللازم الاجتناب عن الجميع بخلاف ما إذا كان أحد الطرفين منجزا بعلم سابق فوقعت قطرة في احديها أو في طرف آخر فان الطرف الآخر لا يكون طرفا للعلم بالاجتناب على كلّ تقدير لأنّه على تقدير وقوع القطرة في الطرف المنجز بالعلم السابق فلا يكون وقوعها مؤثرا في تنجيزه ثانيا لتنجزه بالسبب السابق ولا يكون الطرف المقابل اصابه شيء وإلاّ فان وقعت في الطرف للعلم الثاني فيكون مؤثّرا فالتأثير لم يحرز على كلّ تقدير فيكون بالنسبة إلى الطرف للعلم الثاني شكّا بدويّا كما انه لو وقعت قطرة في أحد الأطراف الشرقيّة وقطرة اخرى مقارنا لوقوع الاولى الشرقية في الغربية يكونان منجرين معا بخلاف ما إذا كان زمان أحد المعلومين أسبق من الآخر وإن كان العلم حاصلاً بعد فان المعلوم السابق يكون(1) قد تنجز بالعلم اللاحق ولا موقع للمعلوم اللاحق وإن تقدّم حصول علمه على العلم بالسابق عليه معلوما . ثمّ انّه قرب الكلام بوجه آخر يسلم من الاشكال الوارد على التقريب السابق بناء على تسليم قول صاحب الفصول وأخيه صاحب الحاشية على كوننا مكلّفين بمؤدّى الأمارات في حال

انحلال العلم الاجمالي الكبير

ص: 293


1- . فيه منع بل المناط تقدّم العلم ولا عبرة بتقدّم المعلوم لدوران التنجّز بدل العلم حدوثاً وبقاءً.

الانسداد ولا تكليف علينا بالنسبة إلى الواقعيّات فحينئذٍ يمكن عدم ورودالاشكال المتقدّم .

تكميل: فقد ظهر ممّا سبق عدم تماميّة التقريب المذكور لحجيّة الأخبار وهنا تقريب آخر لصاحب الفصول وأخيه يفيد على فرض تماميّته حجيّة الطريق وهو الظن ولا مساس له بالواقع وفي قباله تقريب آخر مخصوص بالواقع ونتيجته لابدّ وأن تكون حجيّة الطن بالواقع أو الأعم من الواقع ومن الطريق .

وعلى كلّ حال فلنقدم الثاني الذي هو مخصوص بحسب الظاهر بالمؤدّى وان احتمل العموم . وهو أن يقال انا نعلم اجمالاً بصدور أخبار كثيرة في ما بأيدينا من الروايات في الكتب المتداولة عندنا ولا ريب في لزوم الامتثال لها حيث ان الحكم والتكليف لا ينفك عن لزوم الامتثال ولا يمكن اجراء البرائة في أطرافه ولا اهمال هذه الأحكام للاجماع على عدم الجواز ولاستلزامه الخروج عن الدين بمعنى كونه معدودا عاصيا ولا يمكن الاتيان بجميع المحتملات . اما للزوم اختلال النظام بالاحتياط في جميع أطراف العلم ويلزم الحرج الشديد والاقتصار على ضروريّات المعاش في الأكل والنوم وغيرهما بمقدار ما يسد به الرمق وتقتضيه الضرورة أو للاجماع على عدم لزوم الاحتياط أو لاستلزامه الحرج على اختلاف الوجوه التي تستند إليها المقدمة الثالثة من مقدّمات الانسداد كما ان جعل المقدّمة الاولى منها هي العلم الاجمالي بالأحكام لا وجه له بل العلم هو مدرك عدم جواز الاهمال لا انه مقدمة برأسها .

والحاصل حيث انه لا يمكن الاتيان بجميع المحتملات لأحد الوجوه الثلاثة ويلزم الجزم في النية وقصد الوجه فلابدّ بمقتضى هذه المقدّمات من جعل

ص: 294

حجّة في البين يكون هو المايز بين الأطراف في لزوم امتثال متعلّقها ودفع الباقي لأحد الأمور الثلاثة من لزوم الاختلال والأمرين الباقيين .ثمّ انه حيث ان ترجيح المرجوح على الراجح قبيح فاللازم انكشاف جعل الشارع الظن حجّة في تشخيص ما يمكن معه قصد الوجه وحصول التمييز بين دائرة الأخبار . وعلى هذا فيكون الظن حجّة شرعيّة على متعلّقه ويمكن مع حجيّته اتيان العمل متميزا معلوما جزميّا كما إذا علمنا بالدليل الشرعي ان الشارع جعل الظن حجّة . غاية الأمر يفترق البرهان المذكور عن الدليل الشرعي بكونه طريق استكشافه العقل هذا .

ولا يخفى ان هذا الوجه غير الوجه الآتي من تقريب صاحب الفصول وصاحب الحاشية من استنتاج حجيّة الظن بالطريق بل المايز بين هذا الوجه والوجه المبتني عليه ذلك التقريب هو رجوع هذا الوجه إلى حجيّة نفس الخبر المظنون وكون الظن حينئذٍ حجّة شرعيّة في مقام الامتثال للتكاليف المعلومة في الشرع سواء كان المظنون الصدور مظنون الاصابة للواقع وعدمه . وسواء كان هناك صادرا في مقام بيان حكم اللّه الواقعي أو في مقام التقيّة والاعطاء من جراب النورة بخلاف الوجه الآتي . فان نتيجته اثبات حجيّة الظن بالطريق دون الظن بالصدور وحينئذٍ فيرد على هذا الوجه الاشكالات الواردة على الوجه الأوّل السابق من عدم تماميّة المقدّمات وغاية ما يلزم هو التبعيض في الاحتياط بلا استلزام جعل الظن بالصدور حجّة في مقام الافراغ للذمّة ويرد عليه اشكال آخر يختصّ بالمقام .

ص: 295

وهو ما ذكره المحقّق النائيني(1) من انّ الحجّة المجهولة لا يترتب عليها آثار الحجيّة ومراده قدس سره من ذلك هو اشتراط ترتب الأثر على الحجّة بالعلم بها لااختصاص الحجّة بالحجّة المعلومة لامكان وجود حجّة في البين مجهولة لا نعلمها .

وحينئذٍ لا تخرج عن الحجيّة كما اذا كان في البين رواية في باب من الأبواب على حكم من الأحكام لا نعلمها بعينها فانّها لا تخرج عن الحجيّة بالجهل بل اللازم في ترتّب الأثر عليه حصول العلم به تفصيلاً . وإلاّ فالاجمال أيضا لا يفيد في حصول الغرض المطلوب . فما لم نعلم بالحجّة المجعولة في البين لا معنى لاحراز اصالة الظهور ولا ترتيب ساير ما له من الأحكام من حرمة مخالفته وحرمة التجري بالنسبة إليه وغيرها من المنجزيّة . فكيف يمكن ترتيب آثار الحجّة على الأخبار المعلومة في البين صدورها اجمالاً مع عدم العلم بها وكيف يمكن بذلك انحلال العلم الاجمالي الكبير بل هو بعد باق على حاله فتدبّر جيّدا .

توضيح وتكميل: قد عرفت ما يمكن أن يقال في تقريب الوجه الأخير الذي ذكرناه عن بعضهم على حجيّة الظن في خصوص دائرة الأخبار ويتم بتقريب منا بانحلال العلم الاجمالي الكبير الحاصل في دائرة الأخبار والاجماعات والشهرات بهذا العلم الحاصل بالخصوص في دائرة الأخبار لانطباق ضابط الانحلال عليه حيث انه اذا أخرج بمقدار المعلوم بالاجمال عن دائرة الأخبار يكون الباقي موردا للشك البدوي مع العلم به بالمقدار المخرج فالشكّ في الباقي لا يناسب وجود التكليف وطرفية العلم الا ان المخرج معلوم

ص: 296


1- . فوائد الاُصول 3/207 - 208 .

بخلاف العلم الاجمالي في ساير الموارد . واذا لم يكن هناك علم آخر فانه لو عزل أحد الأطراف المحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه . فانه وإن كان الباقي أيضا مشكوكا حصول التكليف فيه لكن هذا المعزول أيضا لا يكون معلوم الحصول فيه التكليف . بل التكليف يكون على سبيل المنفصلة وضم قضيّته معلومة إلى قضيتينمشكوكتين أو أكثر . وحينئذٍ فاذا انضم الباقي من الأخبار إلى الشهرات أو الاجماعات يكون وجود التكليف فيها محتملاً لا معلوما لاحتمال انطباق التكليف المعلوم في خصوص دائرة الاخبار عليها فيكون شكّا بدويّا ويكون منطبقا عليه ضابط الانحلال الذي هو تبدل العلم بالتكليف شكّا ( أقول لا يخفى عدم انطباق ضابط الانحلال الحقيقي بل الحكمي لبقاء الشكّ والحقيقي ما اذا لم يبق شك أصلاً ) .

ولكن المحقّق النائيني قدس سره (1) استشكل أيضا على الانحلال في هذا المقام بعدم زوال العلم الأوّل وبقائه على حاله حيث ان نتيجة المقدمات لم تتم على طريق كشف حجّة في البين يكون ميزانا لتشخيص موارد وجود التكليف المعلوم بالاجمال في البين كي يؤتى به متميّزا ويكون الباقي مشكوكا مجرى للأصل بل يحتمل بقاء التكليف في باقي الأطراف التي لم يأت بها وكون المأتي بها مباحات لا واجبات . وحينئذٍ فالتكليف الأوّل بحاله لم ينحل وذلك لأن العسر والحرج وإن أوجب عدم وجوب الاحتياط باتيان الجميع لكن لا موجب للانحلال بعد أن لم يكن مورد انطباق العسر والحرج خصوص التكاليف المعلومة بل بعض أطرافها فالمقام حينئذٍ يكون من التوسط في التنجيز لا التوسط في التكليف كما اذا اضطرّ

اشكال الانحلال

ص: 297


1- . فوائد الاُصول 3/209 إلى 211 .

إلى ارتكاب أحد الأطراف المعلوم اجمالاً بوجود حرام فيها فان المرتكب للشرب اضطرارا على تقدير أن يكون هو متعلّق التكليف لا تنجز للتكليف فيه للاضطرار . بخلاف ساير الأطراف حيث يحتمل وجود النجس فيها فالتكليف عليه منجز لا قصور فيه ولا معين في كون التكليف متوسطا فيه لا في تنجزه فالعلمبعد بحاله لم ينحل وموجبه الاحتياط في الجميع . غاية الأمر من حيث عدم امكان الاحتياط في الكل اما للزوم اختلال النظام أو العسر والحرج فاللازم هو التبعيض في الاحتياط بلا تعين التكليف في مورد الارتكاب ودائرة المظنونات ولا انه يمكن معه قصد الوجه والتميز .

فالنتيجة على هذا هو التبعيض في الاحتياط لا كون الظن حجّة شرعيّة لتشخيص موارد التكاليف كي يكون الباقي موردا للشكّ والشبهة البدويّة ويجري فيه الأصل .

هذا كلامه قدس سره في هذا المقام . ولكن يمكن أن يقال بانحلال التكليف الواسع بالعلم الصغير لكونه نظير ما اذا علم بوجود شاة في القطيع من الغنم مغصوبة واريد اخراجها بالقرعة فانّه لو علم بوجود شاة كذلك في البيض منها وكذلك يعلم بوجود شاة أيضا مغصوبة في الغنم بلا علم له بكونها في البيض فبعد اخراج الشاة من البيض بالقرعة يكون الباقي مشكوكا فيه وجود شاة كذلك مغصوبة ويكون العلم مرتفعا وشكّا بدويّا .

وبييان آخر: ليعلم انّه تارة يكون حصول العلم الصغير الدائر قبل العلم الكبير الواسع فيما يكونان متفقي المورد ويكون المعلوم بالاجمال في العلم الصغير بعض أطراف المعلوم بالاجمال بالعلم الكبير . واخرى يكون حصول العلم

ص: 298

الصغير بعده ففي الأوّل لا يكون العلم الكبير بحسب الحقيقة علما بل هو صورة علم . والا ففي الحقيقة لا يكون الا شكّا منضمّا إلى علم . هذا اذا كان الطرف المتعلق للعلم الصغير محتملاً انطباقه على متعلّق العلم الكبير بقدره في أطرافه . والا فلا مجال للشكّ أصلاً مثاله ما اذا فرض تعلق العلم بنجاسة أحد الانائين في مكان معلوم بخصوصه وعلم آخر بنجاسة انائين في أحد الأمكنه من المكانالأول ومن غيره وكانت تلك الأمكنة موردا للابتلاء فحينئذٍ اذا عزلنا الانائين المعلوم نجاستهما في المكان الأوّل عن موارد العلم الثاني فيبقى شكّا بدويّا بخلاف العكس فانه اذا ضممنا هما إلى باقي الأطراف يكون علما بالتكليف .

وأمّا في الصورة الثانية فبناءً على ما حقّق في محلّه بكون جريان الأصل المثبت في أحد أطراف المعلوم بالاجمال موجبا لانحلاله . ينحل العلم الواسع ويكون علما تفصيليّا في الطرف الجاري فيه العلم أو الامارة الشرعيّة أو الأصل وشكّا في الطرف أو الأطراف الآخر ويناسب التسمية لموردها .

هذا ما يتعلّق بالتقريب أو التقريبين في حجيّة أخبار الآحاد بما ذكر من البيان .

وتلخّص انّه على فرض تماميّة المقدّمات وامتناع الاحتياط وعدم جوازه في الشرع فتصل النوبة إلى جعل طريق يكون قابلاً بنفسه وواصلاً من جانب الشارع يكون هو معيّنا ومميّزا لموارد وجود التكليف كي يمتثل ببركته الأحكام تفصيلاً وينتج حينئذ الكشف للظن لانحصار الطريق الواصل بنفسه به وهكذا الكلام لو جعلنا العلم في ناحية الطريق والحجة . بأن قلنا نعلم اجمالاً بجعل حجّة في البين في أطراف الأخبار أو الاجماعات أو الشهرات المورثة للظن يكون هو

الانحلال بجريان الأصل

ص: 299

مرجعا في تعيين التكليف في الأطراف كي يكون به الامتثال فرارا من الاحتياط وتكون حينئذٍ نتيجة المقدّمات حجيّة الظن بالطريق ولا ربط لها بحجيّة الظن بنفس الأحكام كما هو طريقة صاحب الفصول وأخيه على ما يظهر في شرح دليل الانسداد .

لكن الاشكال كما تقدم في عدم قيام دليل على عدم جواز الاحتياط في الأطراف بل إنّما يكون الحرج والعسر مقتضيين لعدم لزوم الاحتياط في جميعالأطراف فتنتج المقدّمات لذلك التبعيض في الاحتياط ولا يترتّب عليه حينئذٍ تخصيص العام الكتابي ولا يمكن بالاستناد إليها الفتوى ولا مجال للتقليد بل يتمحّض بالاحتياط وارائة سبيله وينحصر حظّ المجتهد بذلك .

وعلى ذلك أيضا يعرف الطريقة التي سلكها صاحب الوافية قدس سره لاثبات حجيّة الأخبار وهي العلم الضروري بوجود تكاليف في الشريعة نحن مكلفون بها ولا يمكن استفادتها من الكتاب والاحتياط أيضا غير ممكن في العبادات لقيام الاجماع على عدم جواز سلوكه فيها . فاللازم جعل الشارع طريقا لتعيين التكليف في أطراف المحتملات وينحصر بالظن في مورد الأخبار فيكون حجّة لدوران الأمر بين الظن والشكّ والوهم ولا يكون الأخيران حجّة فيتعين الأوّل .

هذا تمام الكلام في الأدلّة الأربعة التي أقاموها على حجيّة أخبار الآحاد بخصوصها .

الكلام في ساير الأدلّة التي أقاموها على حجيّة مطلق الظن .

منها الدليل الرابع المعروف بدليل الانسداد . الاول ما هو مسلم ان دفع الضرر المظنون أو المحتمل واجب عقلاً فانه اما أن يكون اخرويا عقابيّا فالعقل

ص: 300

يستقلّ بلزوم دفعه وإمّا أن يكون دنيويّا في مورد المحرّمات من المفسدة فايضا واجب الدفع . نعم يمكن التوقف في لزوم تحصيل المصلحة في مورد الواجبات اذا لم ترجع إلى الضرر كي يندرج في دفع المفسدة الواجب عقلاً . هذا هو الكبرى وأمّا الصغرى فاستلزام الظن بالحكم الظن بالضرر والهلاك الاخروى العقابي وكذا الدنيوي على ما تقرّر . ثمّ اذا تمت هذه الكبرى فلا مجال للاستدلال على عدم اللزوم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان لأن بما ذكرنا من الكبرى العقليّة الضروريّة وانكشاف حكم الشرع بقاعدة الملازمة يكون ذلك بيانا فلا يبقى مجال شبهة فيعدم البيان .

ولا يخفى عليك ان احتمال الضرر الاخروي وان كان مسلما لا شبهة فيه ويرشد إليه ما أجاب به الامام علیه السلام (1) عن اشكال الزنديق الذي استشكل عليه عليه السلام حج البيت والاعمال التي تفعل بها هناك من ابداء احتمال صدق النبي صلی الله علیه و آله وأن يكون هناك عقاب على ترك الزاماته والا فلا مجال لايجاب من لا تدين له بشرع بالنظر في المعجزة . لكن ذلك اذا كان التكليف المنجز تنجزه معلوما واحتمل انطباقه على مورد الاحتمال أو الظن بخلاف ما اذا لم يكن هناك إلاّ احتمال الواقع الذي لم يجعل في مخالفة نفسه العقاب .

هذا . وقد اختلف كلام المحقّق النائيني قدس سره (2) في الضرر وكون وجوب الاجتناب عن محتمله كمقطوعه من واد واحد بحكم العقل باللزوم فيهما على منوال واحد ومناط فارد كمسئلة قبح التشريع حيث دلّ العقل والنقل على اتّحاد

لزوم دفع الضرر الاخروي

ص: 301


1- . بحار الأنوار 10/209 - 210 .
2- . فوائد الاُصول 3/52 .

المناط في محتمل المصادفة للواقع ومحتمل المخالفة له ومقطوع المخالفة كقوله علیه السلام (1) ( رجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ) أو انه من باب لزوم الاحتياط في المال المحتمل انه لغيره وكون المناط في محتمله غير المناط في المقطوع كونه للغير ( ثمّ ان حكم العقل على قسمين فقسم منه واقع في سلسلة علل الأحكام وهو مربوط بقاعدة الملازمة وانكشاف حكم الشرع للقاعدة وحكمهعلى طبق حكم العقل باللزوم فعلاً أو تركا . وقسم منه واقع في سلسلة معلولات الأحكام وامتثالها وعصيانها واطاعتها وهو لا يكون مرتبطا بقاعدة الملازمة ولايكون محقّقا لموضوع القاعدة ولا مجال لانكشاف حكم الشرع فيه وحيث ان احتمال الضرر الاخروي من موارد الاطاعة والعصيان في مورد التكاليف فلا يكون فيه مجال لحكم الشرع بل حكم العقل متمحض بكونه في سبيل الامتثال ) وعلى كلّ حال فلا شبهة في الكبرى وهي لزوم دفع الضرر المحتمل الاخروي لكن الكلام في الصغرى وهو كون الظن بالتكليف ظنّا بالضرر . فانما هي مسلمة فيما إذا كان التكليف واصلاً بنفسه أو بطريقه أو بطريق طريقه أمّا وصوله بنفسه فواضح . اما الوصول بطريقه فهو بايجاب الاحتياط عليه ولا اشكال في امكانه شرعا وقد تقدّم إليه الاشارة في بعض مباحث القطع ويجيء البحث عنه في محّله أيضا .

وملخّصه كونه ايجابا نفسيّا ظاهريّا اما في غير هذه الصورة وكان بعد الفحص اللازم إلى حصول القطع بعدم وجود الحكم واليأس عنه فلا مجال لاحتمال العقاب .

ص: 302


1- . الوسائل 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .

بل في هذا المقام يكون مورد انطباق قاعدة قبح العقاب بلا بيان التي يرهن عليها عقلاً . ولا يمكن تحقق قاعدتين مسلمتين عقلاً في مورد واحد تنطبقان عليه اذ مع انطباق قاعدة دفع الضرر المحتمل لا مجال لقاعدة القبح . وفي موردها لا مجال للقاعدة الاولى وأمّا قبل الفحص عن الحكم فلا عذر هناك للمكلّف ولا يكون معذورا في مخالفة الواقع قبل الفحص اذ الجهل بما هو ليس عذرا والا فللمكلّف عدم رفعه وعدم تحصيل العلم للحكم أصلاً . وهو خلاف البداهة فاذا فحص ولم يظفر ويأس عن الحكم فنقطع حينئذٍ بعدم العقاب . فكيف يكون احتمال الضرر الاخروي كي يجب دفعه بمقتضى حكم العقل ( وحينئذٍ فلا نحتاج إلى البيان الشرعي ببرائة الذمّة فلو ورد يكون ارشادا أو رفعا لايجاب الاحتياطالشرعي ) .

نعم لو كان للواقع بما هو واقع أهميّة فقد تقتضي وتدعوا المولى إلى جعل ايجاب الاحتياط كما ذكرنا فلاموضوع للقاعدة حينئذٍ . بخلاف قبل الفحص حيث انه قد أقيم وجوه عديدة لوجوب الاحتياط قبله مذكورة في محلّها غير مرتبطة بمسئلة كون الأصل في الأشياء هو الحظر أو الاباحة . ولزوم الاحتياط في هذه الموارد نظير لزومه في ما اذا خرج أحد الأطراف المعلوم بالاجمال عن مورد الابتلاء حيث نقول بلزوم الاجتناب عن الباقي لاحتمال مصادفة الواقع المنجز على ما بقي .

ثمّ انه على فرض تماميّة الصغرى والكبرى فلا يكون هناك حكم شرعي بوجوب دفع الضرر ومخالفة الحكم العقلي لا تستتبع شيئا هذا بناءً على كون المراد بالضرر هو العقاب الاخروي .

وجوب الاحتياط قبل الفحص

ص: 303

بيان أوضح: قد ظهر بما ذكرنا حكم احتمال العقاب وان العقل يستقل بلزوم دفعه ولو كان محتملاً فضلاً عمّا إذا كان مظنونا ولا مجال استكشاف حكم الشرع في المقام لكونه واقعا في سلسلة معلولات الأحكام التي تختص بالحكم العقلي هذا في الكبرى . وأمّا الصغرى وهو كون الظن بالتكليف ظنّا بالضرر الاخروي العقابي فممنوع بعد ما تبين من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان . ولا مجال مع البيان للقاعدة كما لا مجال في مورد القاعدة لاحتمال الضرر لما هو محقق من كون مورد احتمال الضرر الاخروي ما اذا كان في الشبهات البدوية قبل الفحص اذا لم يعمل العبد بما تقتضيه وظيفة العبوديّة له من الفحص عن الظفر بمرادات المولى حيث ان على المولى أيضا بيان مراده بالطريق الواصل . والا فان كان هناك اخلال من ناحية المولى أو من جانب الوسائط في الايصال أو عرضسبب آخر لعدم الوصول فلا خطر على المكلف لعدم تقصير من جانبه بعد فحصه عن ما يقتضيه وظيفته في موارد العثور على مراد المولى . وحينئذٍ ففي ما اذا لم يصل التكليف إلى المكلّف يستقل عقله بقبح العقاب على المراد الواقعي لو كان وخالفه . ومع جريان القاعدة العقليّة في ما بعد الفحص في الشبهات البدويّة لا احتمال للضرر فضلاً عن الظن به بل لا مجال لجريان البرائة الشرعيّة حينئذٍ اذ لامنّة في رفع ما لا يعلمون على هذه الاُمّة لقبح العقاب بلا بيان مطلقا في حقّ ساير الامم أيضا .

فعلى هذا لابدّ في جريان البرائة اما من تعلّقها بايجاب الاحتياط أو محمل آخر . والا فيشكل الأمر خصوصا بناء على مبنى من يقدّر المؤاخذة في رفع ما لا يعلمون كما انه ان قلنا بعدم تقييد دليل الرفع لأدلّة الأحكام الواقعيّة والأوليّة فلا

ص: 304

يكون إلاّ ترخيصا في المخالفة للواقع .

وفي صورة انكشاف الخلاف لا أجزاء .

والحاصل انه لا مجال لاحتمال الضرر أو ظنّه في ما لا بيان للمولى واصل إلى المكلّف . هذا ان اريد بالضرر هو الاخروي العقابي واما ان اريد بالضرر هو الضرر الدنيوي واريد بالاستدلال بيان حرمته وكون الظن بالتكليف مستلزما للظن بالضرر فيكون حراما بمقتضى قاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل والشرع لكون الظن بالضرر محكوما بلزوم دفع مظنونه عند العقل فيمكن الاشكال فيه أيضا صغرى وكبرى .

نعم يمكن استفادة حرمة الاضرار بالنفس من الموارد الجزئيّة الواردة في المقامات المختلفة كما ان حرمة قتل النفس أيضا ربما تكون ضروريّا كما هومختار صاحب الجواهر قدس سره (1) حتى انه ربما يمكن أن يقال بلزوم حفظ النفس فيمااذا يعلم بتلفها ولو بمقدار ساعة أو ساعتين وأقل حتى بدقائق فيدافع عن نفسه في الدقيقتين فحفظها فيهما . كما انه يمكن استفادة لزوم حفظها من الموارد الجزئيّة التي روعى فيها جانب النفس في موارد المزاحمة . كما انه عند الفقهاء مرسل مسلم ارسال المسلمات ولم يرد دليل على جواز اتلافها . ولا وجه لتوهم شمول رواية(2) الناس مسلّطون على أنفسهم بل هي مخصوصة المورد بالأموال . هذا في الضرر بالنفس ومثله الضرر بالأطراف التي فيها الدية للغير كما يكون في الانسان واحد أو اثنان ففيهما الدية وكما اذا شرب شيئا أو أكله فزال عقله أو جعل نفسه

الاشكال في دفع الضرر

ص: 305


1- . جواهر الكلام 41/655 .
2- . بحار الأنوار 2 الباب 33/7 ص272 ما يمكن يستنبط من الآيات والأخبار .

عقيما أو صار ناقصا من جهة من الجهات وأمّا الضرر المالي وحفظ المال ولو مال الغير فلم يرد دليل عليه بخصوصه .

نعم ورد عناوين خاصّة كالاسراف والتبذير يمكن انطباقها على اتلاف المال . لكن الكلام في قيام الدليل على نحو الكليّة والاطلاق في لزوم حفظ المال . نعم ورد في بعض(1) الروايات ما يظهر منه ان المقتول دون ماله شهيد لكن يلزم تقييده بما اذا لم يظن تلف النفس .

وعلى كلّ حال فالمراد بالضرر ان كان هو الضرر الدنيوي واريد به المصالح والمفاسد فهو لا اشكال فيه اذ التحقيق كون أحكام الشرع تبعا للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة ولا يدور وجود المصالح والمفاسد مدار العلم بالحكم والتكليف وعدمه ولا نقول بكون المصلحة في نفس جعل الخطاب حتّى ان الأوامرالامتحانية لا مجال للالتزام بكون المصلحة فيها . بل المصلحة فيها أيضا انما تكونفي اظهار العبد والمأمور الانقياد والاطاعة .

ثمّ ان المصالح والمفاسد على قسمين فتارة يكون الشيء دخيلاً في حفظ النظام ممّا يقوم به معايش العباد كالصياغة والخبازة والتجارة والزراعة وغيرها من المكاسب والامور التي يقوم بها نظام النوع الانساني مما تعود مصالحها إلى النوع فهي تكون واجبات كفائيّة لا تجب على الأحاد باعيانهم .

نعم لو انحصر في من به الكفاية فيجب عليهم كما انه قد يجب طلب المال لقوت نفسه أو عياله الواجبي النفقة وقد يستحب كما في مورد عدم الحاجة .

وقسم منها تعود مصالحها أو مفاسدها إلى الأشخاص والآحاد كالمحرّمات

ص: 306


1- . الوسائل 28 الباب 4/1 - 2 من أبواب الدفاع .

والواجبات العينيّة كالصلاة والزكوة والزنا وشرب الخمر وغيرها وان كان لها تعلق بالنظام أيضا .

إذ في كلّ واحد منها مصالح كثيرة قد بين بعضها على ما يحتمله عقولنا ويسعه ظروفنا في الأخبار وليس مدار الأحكام على قياس العقول . ولكن يكفي في قبال الأشاعرة مجرّد اشتمال هذه على المصلحة ولو النوعيّة للخروج عن محذور الجزاف .

والحاصل ان المصلحة لا يكون ضرر في فوتها فالضرر لو كان فانما هو ارتكاب مظنون الضرر . فحينئذٍ يقال بكون الظن بالضرر موجبا عند العقل للاجتناب فنكشف بقاعدة الملازمة ونحكم بها بالحرمة شرعا لكشف الملاك لحكم الشرع بالعقل فيكون موردا للقاعدة لكونها في سلسلة العلل . والشيخ قدس سره بعد أن سلم الكبرى والصغرى صار بصدد الجواب عن هذا الدليل بنحو آخر فانتظر . ولا يخفى ان هذا الدليل لا يختص بحال الانسداد بل على فرض انفتاح باب العلم أيضا يمكن تمشيه في مورد ظننا بالضرر فيه فيكون واجب الدفع عقلاً وبحكمقاعدة الملازمة يحرم شرعا إلى آخر ما قرر في وجه الاستدلال .

فالشيخ الأنصاري قدس سره بعد أن سلّم الملازمة بين الظن بالتكليف للظن بالضرر والمفسدة وكذلك سلم تماميّة الكبرى وان الظن بالضرر موضوع لحكم العقل بلزوم الدفع فنكشف بتماميّة قاعدة الملازمة الحرمة التكليفيّة الشرعيّة . تصدى للجواب عن ذلك بانه انما يتم ذلك اذا لم يكن الضرر متداركا .

وفي فرض التدارك فلا مورد للحكم ولا موضوع للحرمة . وذلك لكشف الترخيصات الشرعيّة كدليل الرفع واصالة الحل والاستصحاب عن كون موردها

ملازمة الظن بالتكليف للظن بالضرر وجوابها

ص: 307

متداركا ضرره لو كان صادف مجاريها ضررا واقعا وتكليفا الزاميّا .

وأورد عليه المحقّق النائيني قدس سره (1) ثلاثة اشكالات . احداها ان ذلك انما هو في فرض انفتاح باب العلم وتمكن المكلف من تحصيله . ففي هذا المقام لو أوجب الترخيص الشرعي الوقوع في خلاف الواقع فلابدّ وان يكون متداركا لقبح التفويت بلا تدارك فنلتزم بكون المؤدّى ذا مصلحة جابرة ان لم يكن اجماع على خلافه للتصويب والا فنلتزم بالمصلحة السلوكيّة بخلاف فرض الانسداد وذلك لحكم العقل الضروري بقيح العقاب بلا بيان . فالشارع لم يزد على حكم العقل شيئا بترخيصه للمكلّف في ارتكاب الواقع الذي لم يقم عليه بيان وكان مجرى قاعدة القبح العقلي . الثاني بأن على فرض تماميّة قاعدة الملازمة لا معنى للتدارك اذ ندعى انصراف أدلّة الأصول والترخيصات عن مورد الظن بالضرر لتوقف جريانها على ثبوت التدارك ولا يمكن اثبات التدارك بها لكونها من الأصل المثبت ولا يلزم من عدم جريان الأصول في مورد الظن بالضرر محذور اللغوية لبقاء مواردالمشكوكات والموهومات مجرى للقاعدة بلا مانع .

نعم لو كان ثبوت اللازم العقلي ممّا يلزم من عدمه لغويّة الدليل رأسا أو قلّه المورد له أو انه ورد الجريان في مورد بخصوصه فهناك نلتزم باثبات اللوازم للزوم محذور اللغويّة على فرض عدم الالتزام . وهذا بخلاف الأدلّة المطلقة للأصول فانّها لا يلزم لغويّتها من عدم جريانها في بعض الموارد المتوقفة على اثبات اللوازم بل يختصّ جريانها بغيرها .

وثالثا: انه على فرض تماميّة قاعدة الملازمة لا مجال لجريان الأصول

ص: 308


1- . فوائد الاُصول 3/222 إلى 224 .

حيث انها واردة أو حاكمة عليها لكونها بياناً فيرتفع به موضوع قاعدة القبح بلا بيان وحجّة فتكون غاية لجريان الاستصحاب وعلما فيمنع جريان الأصل المرخص بالحل أو البرائة ولا مجال لتوهم جريان الأصول مع وجود الدليل وتماميّة قاعدة الملازمة وانكشاف حكم الشارع بها بالحرمة أو الوجوب من باب الظن بالضرر المحكوم بلزوم الدفع عقلاً من باب انكشاف الملاك لديه الواقع في سلسلة العلل الجاري فيه قاعدة الملازمة . بل العمدة في الاشكال هي هذا الأخير .

بيان آخر والمناقشة: قد عرفت استدلال الشيخ على وجوب دفع الضرر الدنيوي الراجع إلى باب المصلحة والمفسدة بما سبق واشكاله بمنع الصغرى بتدارك الضرر كما سبق تقرير الاشكالات الثلاث التي أوردها المحقّق النائيني على استدلال الشيخ .

لكن الحقّ في المقام هو منع قاعدة الملازمة لعدم احاطة العقل بالجهات الدخيلة في الأحكام الشرعيّة .

نعم لو كان تحصيل الغرض لازما وإن لم يطالب العبد بذلك فمعه لا مجال لجريان البرائة . بل لابدّ من الاتيان بكلّ ما يحتمل دخله في ذلك كما في قصدالقربة وان كان الأصل في الأقل والأكثر الارتباطي هو البرائة . الا ان الاشكال في ذلك وثانيا ان الكلام في كشف ان غرضه ذلك .

هذا ما يتعلق بالكلام في الدليل الأول من أدلّة حجيّة مطلق الظن عقلاً والثاني والثالث أيضا يرجع كلّ واحد منهما إلى دليل الانسداد بحذف بعض مقدّماته وإلاّ فلا يكونان دليلين برأسهما ولايتمان انفرادا .

والأوّل منهما للسيّد المجاهد . بالعلم بوجود تكاليف في الشريعة وحيث انه

مناقشة قاعدة الملازمة

ص: 309

لا يمكن الاحتياط فالعمل بالظن . والثاني منهما راجع إلى المقدّمة الأخيرة من مقدّمات دليل الانسداد وهو قبح ترجيح المرجوح على الراجح فالعمدة حينئذٍ بيان دليل الانسداد وما يتعلّق به من الكلام .

ولنقدّم اشارة لا بأس بها وهي ان المدرك لحجيّة الظنّ مطلقا أو في مورد خاص أو من سبب خاص في رتبة خاصّة لو كان هو هذا الدليل فيقال انه ظن مطلق وقائله قائل بحجيّة مطلق الظن ولو كان المدرك له غيره من الأدلّة فيطلق عليه انه ظنّ خاصّ كما اذا قال واحد بخصوص الظن الحاصل من الأخبار فلنرجع إلى المقصود من بيان مقدّمات دليل الانسداد . وقد جعلها الشيخ قدس سره اربعة بحذف الأولى التي يكون بها خمسا كما جعله صاحب الكفاية(1) وذلك لكون الاولى مدركا للمقدّمة الثانية . وهي عدم جواز اهمال أحكام الشريعة . ومدرك ذلك اما العلم الاجمالي أو قيام الاجماع أو الضرورة أو لزوم الخروج من الدين . وكيف كان فاولى المقدمات على مبنى الشيخ انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام في المعظم والثانية . عدم جواز اهمالها والرجوع إلى الأصول المرخصة . والثالثةعدم جواز الرجوع إلى الغير بتقليده والأخذ عنه وكذلك لا يمكن الاحتياط اما للزوم اختلال النظام أو لزوم العسر والحرج .

الرابعة قبح ترجيح المرجوح على الراجح . فيدور الأمر بين الأخذ بالمظنونات أو المشكوكات والموهومات . فالاولى مقدمة عليهما لما عرفت هذا .

فان تمّت المقدمات فالنتيجة اما أن تكون هي الكشف على بعض تقاريرها أو كفاية الامتثال الظني على بعض آخر كلية أو مهملة على ما سيجيء إن شاء اللّه

ص: 310


1- . كفاية الاُصول 2/114 .

فالعمدة تماميّة المقدّمات .

اما الاولى منها فلا اشكال في صدقها بالنسبة إلى العلم الوجداني بخلاف العلمي فانه غير منسد الباب بل في حجيّة الاخبار الموثوق الصدور غنى وكفاية بمعظم الفقه بل في كلّه الا نادرا فلامجال للرجوع إلى دليل الانسداد .

نعم المقدمة الثانية لا مجال لانكارها بخلاف المقدمة الاولى في انسداد باب العلمي إلاّ انّه بناء على انحصار حجيّة الأخبار بالصحيح الذي يكون كلّ واحد من رواته مزكّى بعد لين ولم نقل بحجيّة الخبر الموثوق بصدوره فحينئذٍ يكون باب العلمي منسدا كما افيد . لكن قد تقدّم ما تبيّن به ضعفه . أو بناء على حجيّة الأخبار في حقّ المشافهين لاختصاص الخطاب بهم دون غيرهم وكونهم مقصودين بالافهام وقد تقدم الكلام على هذا الوجه . وقلنا ان المكلّفين مشافههم وسائلهم وغير مشافههم وسائلهم كلّهم من المقصودين بالخطاب والافهام فلا اختصاص للحكم والخطاب بالمشافهين ولاهم المقصودون بالافهام كي يكون احتمال وجود القرينة المفقودة عندنا مانعا من الأخذ بظهورها بل حالنا كحالهم في جواز الأخذ بظاهر الخطاب . فحال الروايات حال الكتب المصنفة التي لا يراد بالخطابات الواردة فيها بنحو أعلم وتأمل وتعرف وأمثالها شخص خاص بل كلّمراجع لها .

نعم يمكن أن يدعى لزوم الاستعانة بدليل الانسداد في اثبات حجيّة الظهورات حيث ان الظهور في الأخبار واضح لعدم استعمال الألفاظ التي تحتاج في فهم معانيها إلى مراجعة لغوي وكتاب لغة فيها غالبا . نعم في بعض الروايات ربما يحتاج إلى ذلك كروايات عمار للنقل بالمعنى فيضطرب المتن كروايته في

المقدّمة الثانية للانسداد

ص: 311

الجماعة ولكن عند التأمّل ينعقد لها ظهور . فلا يبقى مجال شبهة كما ان الصدور صار موثوقا به وهكذا جهة الصدور وانه لبيان حكم اللّه الواقعي بخلاف حجيّة الظهورات فانها تكون من باب الظن فلا محيص في اثبات الحجيّة عن دليل الانسداد فانّه وإن كانت العقلاء يأخذون بالظهورات ولكنّها ليست معلومة المراد بل إنّما يكون الحاصل لهم الظن . لكن جوابه منع عمل العقلاء على الظن بل بنائهم على الأخذ بالعلم والاطمئنان العادي وحالنا في ذلك كحال المخاطب بخطاب المعصوم سلام اللّه عليه في حصول الوثوق والاطمئنان له بالمراد فلا مجال للارتياب في ذلك .

فقد عرفت عدم انسداد باب العلمي بالأحكام لما تقدّم من اثبات حجيّة ما هو وافٍ بمعظم الفقه بما يتوقف عليه من الجهات الأربع وانّا في غنى عن الرجوع إلى دليل الانسداد فالكلام عليه على هذا يكون على سبيل الفرض والتقدير .

نعم على ما تقدم من اختصاص الخطاب بالمشافه ولكونه من قصد افهامه أو لكون الظهور حجيّته عند العقلاء من باب الظن لامكن التسليم في الجملة الا ان الكلام في ذلك .

وأمّا المقدّمة الثانية من مقدّمات الانسداد وهي عدم جواز اهمال الأحكام ممّا لا شبهة فيها اجماعا بل هي ضروريّة لا مجال للارتياب فيها فلا نحتاج إلىالاستناد إلى العلم الاجمالي بالأحكام ومنجزيّته وان كان الاجماع الذي في المقام تقديريا لعدم عنوان المسئلة سابقا بل هي حادثة لكنها بمثابة من الوضوح بحيث لو التفت إليه السابقون لحكموا بعدم جواز الاهمال على فرض انسداد باب العلم والعلمي . وان كان يمكن استناد هذا الاجماع إلى الضرورة القاضية بعدم

ص: 312

جواز الاهمال أيضا فحينئذٍ لا يكونان دليلين بل مرجعهما إلى دليل واحد .

وكيف كان ففرق هذا الدليل أو فرقهما مع العلم الاجمالي واضح لابتناء عدم جواز الاهمال استنادا إلى العلم الاجمالي على منجزيته واقتضائه الموافقة القطعيّة كحرمة المخالفة القطعيّة وهي محلّ الكلام .

فذهب بعضهم إلى كون العلم الاجمالي كالشكّ البدوي لا يوجب اشتغال ذمّة المكلّف العالم بشيء لعدم كون الأطراف كلّ واحد إلاّ شكّا . كما انه ذهب بعضهم إلى عدم جواز ارتكاب جميع الأطراف . بل في غير المقدار الذي يساوي المعلوم بالاجمال والاول لا يرى حرمة ارتكاب هذا المقدار بعد احتمال كون مورد العلم والتكليف هو الأوّل الذي ارتكبه .

نعم بعد ارتكاب الجميع يحصل له العلم بارتكاب حرام أو مخالفة تكليف في البين وهو ليس محذورا لعدم حرمة تحصيل العلم بارتكاب الحرام . فحينئذٍ لو كان دليل المقدمة الثانية العلم الاجمالي فلا يلتزم به الذاهب إلى عدم منجزيّته من هذه الجهة بخلاف ما إذا كان المدرك هو الاجماع أو الضرورة فيتفق الكل في عدم جواز الاهمال لعدم اختصاص الأحكام بالمشافهين . بل الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل كما انها لا اختصاص لها بخصوص زمن الحضور فيستوي أهل الأعصار فيها اجماعا وضرورة وسنة وهو المناسب لجعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقيّة ولم تنسخ الأحكام المجعولة في الشريعة .ثمّ ان النتيجة في المقدمة الثالثة تختلف باعتبار استناد المقدمة الثانية إلى العلم الاجمالي أو الوجهين الاولين من الاجماع والضرورة . فانه على فرض استنادها إلى العلم لا مجال للكشف ولا لجعل الاحتياط الشرعي بخلاف كونه

مبنى عدم جواز الاهمال

ص: 313

أحد الوجهين فيمكن استنتاج جعل الشارع طريقا للامتثال وهو الظن أو انه جعل الاحتياط فيها واجبا شرعا ولا يمكن تأتي ذلك في ما اذا كان المدرك هو العلم الاجمالي بل عليه فينحصر النتيجة في حكومة العقل بالاطاعة الظنيّة او التبعيض في الاحتياط على ما سيجيى ء شرح ذلك وتوضيح المقال .

تكميل وتوضيح: قد سبق منع المقدّمة الاولى من مقدّمات دليل الانسداد وهي انسداد باب العلم والعلمي لما تقدم من الأدلّة الدالّة على حجيّة الخبر الواحد وانه وافٍ بمعظم الفقه مع تحقق سائر شرايط العمل بالخبر وان البحث على هذا عن دليل الانسداد يكون فرضيا وانه على تقدير انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام ما هي الوظيفة في مقام العمل . كما قد عرفت ان للمقدمة الثانية ثلاث مدارك تختلف النتيجة بحسبها فالمدرك ان كان العلم الاجمالي بالأحكام الذي سبق نقل الخلاف في كونه المقدمة الاولى أو عدم احتسابه من المقدّمات فالعلم لو كان المدرك فيجب الاحتياط عقلاً في أطراف المعلوم بالاجمال ووجوب الموافقة القطعيّة كحرمة المخالفة القطعيّة . الا انها حيث توجب اختلال النظام الذي لا يمكن معه الا الاقتصار على ضروريّات المعاش بترك كلّ محتمل الحرمة وفعل كلّ ما يحتمل وجوبه في أطراف العلم فيتعين الاحتياط في دائرة المظنونات بعد تقدر الضرورة بقدرها .

نعم لو لم يجز الاحتياط في الشريعة أصلاً ورأسا فيكون الظن حجّة على ما سيأتي شرحه . هذا اما اذا لم نقل بمنجزيّة العلم الاجمالي وتعين المدرك في أحدالأمرين الآخرين فيمكن انكشاف كون الاحتياط هو حجّة مجعولة من قبل الشارع لمّاً وذلك بعد تسلم عدم جواز الاهمال فلابدّ من جعل ما هو واصل بنفسه

ص: 314

أو بطريقه أو طريق طريقه وهكذا . والأول أي الواصل بنفسه واصل كذلك فلا يحتاج إلى عناية له بخلاف الثاني فانه لابدّ في ذلك من تعلّق عناية به وجعله حجّة . وعلى هذا فينكشف كون الاحتياط واجب العمل من نفس عدم جواز الاهمال وعليه فلا مجال لما أورد المحقّق الخراساني(1) على نفسه في المقام بأنّه يكون العقاب بلا بيان لاحتمال التكليف . وذلك لكونه بيانا لا مجال معه للبرائة العقليّة بل يكون من احتمال العقاب الذي يستقل العقل بلزوم دفعه على ما مرّ إليه الاشارة في بعض المباحث السابقة .

أمّا الظن فانه لابد منه في جعل الاحراز له وتتميم كشفه الذي لا حاجة إليه في الاحتياط .

أمّا المقدّمة الثالثة فبالنسبة إلى عدم جواز التقليد فواضح . اما الرجوع إلى الأصول النافية للأحكام أو المثبتة فيرد عليها مضافا إلى ما أوردوه من الاشكالات من لزوم الخروج عن الدين في الاولى وعدم وفاء الثانية لقلّتها بالأحكام الثابتة في الشريعة واشكال نقض اليقين في بعض اطرافها باليقين الموجب لعدم جريان الأصل . ان الفرض انسداد باب العلم والعلمي فلا حجيّة لأدلّة الأصول مثبتة أو نافية مضافا إلى اختصاص جريان الأصل المثبت بالموضوعات لعدم جريان الأصل الحكمي في الأحكام لاختصاص الاستصحاب بما اذا كان الشك في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود الذي لامساس له بباب الأحكام والشكّ فيها ولذا قلنا بعدم جريان استصحاب عدم النسخ بل يرجع إلى الأخذ بالاطلاق على ما هو محرر في محلّه .

المقدّمة الثالثة

ص: 315


1- . كفاية الاُصول 2/117 - 118 .

والحاصل المقصود الآن بيان صحّة الرجوع إلى الاحتياط أو عدمه . فنقول انه بناء على كون المدرك في المقدّمة الثانية هو العلم الاجمالي فيكون وجوب الاحتياط عقليّا كما هو واضح ولو ورد الخطاب به من الشارع فمحمول على الارشاد نظير قوله تعالى: أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول(1) فيجب الاحتياط التامّ في محتملات الأحكام بمقتضى العلم الاجمالي بحكم العقل .

ثمّ انه اذا كان ذلك مخلاّ بالنظام فيقطع بعدم لزومه إلى هذا الحد فلا يجب ما يوجب اختلال النظام . أمّا بالنسبة إلى باقي المراتب فيمكن عدم الزام من العقل ولكن تتقدّر الضرورة بقدرها ولا محيص عن الالتزام بلزوم الاحتياط في الباقي واذا لزم العسر والحرج فهل يرتفع الاحتياط بمقدار يوجب للضرر أم لا ؟

ذهب المحقّق الخراساني قدس سره (2) إلى عدم امكان حكومة القواعد النافية كلا عسر للاحتياط لكونه من حكم العقل ولم يكن في أصل التكليف عسر وحرج وانما جاء من قبل الجمع بين الأطراف الذي هو حكم العقل . الا ان تجري القاعدة في أصل الحكم ومنشأه الموجب للزوم الاحتياط المؤدّى إلى العسر وهو ممّا لا مجال للالتزام به .

ثمّ انه استثنى هنا بقوله ما اذا كان الواجب هو الاحتياط الشرعي ولم يبينوجه الخروج من هذه المقدمة إلى المقدمة اللاحقة لكنّه رتّب اللاحقة على نحوتنتج الكشف لا الحكومة وأشار باستثنائه إلى بعض ما حقّقه المحقّق النائيني قدس سره

في الاحتياط الشرعي فانه وافق المحقّق الخراساني في عدم مجال لجريان دليل

ص: 316


1- . سورة آل عمران الآية 133 .
2- . كفاية الاُصول 2/118 - 120 .

نفي العسر في ما اذا كان المدرك هو العلم الاجمالي لكونه من حكم العقل .

امّا إذا كان المدرك هو الاجماع أو محذور الخروج من الدين فبمقتضى ما ثبت في المقدمة السابقة من انكشاف جعل الاحتياط بناء على هذين الوجهين ذهب الى انه لا مجال لجعله مطلقا حتّى فيما اذا أوجب اختلال النظام . فهذا ممّا يمكن دعوى الاجماع فيه مضافا إلى الضرورة بعدم جعله من الشارع . وأمّا في مورد العسر والحرج الباقي بعد خروج ما يوجب الاخلال فذهب إلى عدم حكومة أدلّة العسر والحرج على أدلّة الاحتياط لكون المقام من قبيل جعل الزكوة والحج والجهاد ممّا يكون طبع التكليف ضررا وحرجا وعسرا . حيث انه لا مجال لحكومة دليل العسر عليه لكون العسر والحرج في هذه الموارد كالمقتضى فلا يكون مرفوعا بدليل العسر لعدم معقوليّة كون مقتضى الشيء رافعا له كما اذا ثبت حكم على النسيان فلا يرتفع به .

والحاصل ان الضابط في جريان دليل العسر والحرج في مورد من الموارد اتّصاف المورد بالعسر وعدمه والحرج وعدمه بمقتضى طبعه فهناك يكون دليل نفي العسر والحرج رافعا له بخلاف ما إذا كان نفس المورد حرجا وعسرا فلا حكومة لدليل نفي العسر عليه .

فتلخص ممّا ذكرنا مذهب المحقّق الخراساني ونتيجة الوجوه الثلاثة على رأيه وكذا المحقّق النائيني قدس سره وتبين عدم جريان دليل نفي العسر والحرج عنده فيما اذا كان الاحتياط واجبا شرعيّا من جهة الاجماع على عدم جواز الاهمال أو لزوم الخروج من الدين لكونه مجعولاً في مورد الضرر والعسر فلا يمكن أن يرتفعبه . ويمكن جريان العسر في الاحتياط العقلي على ما عرفت من الاشكال . كما ان

جريان دليل العسر والحرج في المقام وعدمه

ص: 317

المحقق الخراساني نفي لزوم الاحتياط المخل بالنظام بلا اشكال كما نفى الاحتياط العسري والحرجي فيما يكون المدرك هو العلم الاجمالي لا للحكومة بل للتوفيق بين دليل نفي العسر والحرج وبين أدلّة الأحكام حيث انه قدس سره تخيّل اختصاص الحكومة بما اذا كان دليل الحاكم بمدلوله اللفظي متعرضا لحال المحكوم ومفسرا له وشارحا فينحصر بما اذا كان بلسان التفسير والشرح بأي كما في بعض الأخبار الواردة في باب الطلاق بل وجه التقدم لدليل العسر والحرج وأمثالهما على أدلّة الأحكام الأوليّة هو التوفيق العرفي بينهما وبين تلك لأنّ النسبة بين كلّ واحد مع دليل كلّ حكم يشتمل موضوعه على موضوع أحدهما هو العموم من وجه ففي مادة الاجتماع لو قدم ذلك الدليل على هذه الأدلّة النافية تبقى حينئذٍ بلا مورد .

مثلاً الوضوء الضرري يكون مادة الاجتماع للضرر وللوضوء وهكذا الغسل والقيام وغيرها فالعرف يوفق بين دليل نفي هذه الامور وبين أدلّة الأحكام الاوليّة بذلك . وهذا بخلاف مثل تقدم دليل قاعدة الفراغ على الاستصحابات العدميّة في موارد القاعدة فانه لو لم تجر الاستصحابات وقدمت القاعدة يبقى للاستصحاب مجاري في غيرها .

ثمّ انه قدس سره بعد وصوله إلى المقام سكت عما بعده وذلك لا لعدم التفاته بل لأن مبناه في باب العلم الاجمالي هو الملازمة بين لزوم الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة ولذلك لا يجوز ورود خطاب شرعي ولو خصوصا بالترخيص في بعض الأطراف تعبدا . نعم لا مانع من وروده اخبارا عن كون المعلوم بالاجمال في غير هذا الطرف المرخص فيه . وذلك خارج عن الفرض لانحلال

ص: 318

العلم بذلك حقيقة .

وعلى هذا فاذا جاز ارتكاب موارد يعسر الاحتياط فيها فلم يجب الموافقة القطعيّة فلا تحرم المخالفة القطعيّة أيضا . لكشف الترخيص عن عدم فعليّة التكليف وانه قاصر لا ان العلم قاصر اذ لا قصور في العلم بل في المعلوم وحينئذٍ فلا مانع من ارتكاب جميع أطراف الاحتمال حتى ما لا عسر فيها فضلاً عن موارد العسر بلا فرق بين حدوث الاضطرار مع العلم أو قبله أو بعده فان الاضطرار إلى أحد الأطراف بعينه أو لا بعينه موجب لجواز ارتكابه قطعا فاذا جاز فلو كان المكلف به هو ذاك الطرف فلا تكليف في الطرف الآخر . وحيث انه يشكّ في ذلك فيكون شكا في التكليف بدويا في الطرف الآخر فيجري البرائة . والعسر حاله حال الاضطرار فيجري فيه ما جرى فيه من عدم تكليف فعلي في مورده .

نعم . يقع الكلام في الفرق بين الاضطرار إلى أحدهما وبين تلفه في بقاء الحكم بالتنجز على حاله في الثاني دون الأول ( وقد أشار إليه في بحث الاشتغال في المتبائنين )(1) .

فتحصل ممّا ذكرنا انه على تقدير وصول النوبة إلى المقدمة الثالثة فالنتيجة بناءً على العلم الاجمالي هو جواز المخالفة القطعيّة للأحكام . ولكنّه على فرض تماميّة المقدّمات السابقة وقد عرفت عدم تماميّة المقدّمة الاولى وهي انسداد باب العلم والعلمي لمنع الثاني .

أمّا المحقّق النائيني(2) وافق المحقّق الخراساني في انكشاف جعل

ص: 319


1- . كفاية الاُصول 2/216 - 218 .
2- . فوائد الاُصول 3/249 إلى 259 .

وجوب الاحتياط شرعا على الوجهين الآخرين في عدم جواز اهمال الأحكام الواقعيّة المعلومة اجمالاً لكن ناقشه في ما أفاد على فرض كون المدرك هو العلم الاجمالي .

أوّلاً في انكار الحكومة في دليل العسر والحرج وأمثالهما على الأحكام الأوليّة بأنّه لا تنحصر في ما كانت بنحو التفسير والشرح . بل لها أقسام وضابطها أن يكون دليل الحاكم متعرّضا لشيء لا يتعرض له دليل المحكوم . كما اذا كان اكرام العالم واجبا فورد دليل من الشرع على كون زيد عالما فانه من الحكومة ولا يلزم تعرضه لدليل المحكوم لفظا . ووجه تقديم الحاكم على المحكوم ليس هو التوفيق العرفي كما أفاد في دليل العسر وأمثاله بل الحاكم يقدم على المحكوم ولو كان المحكوم أقوى ظهورا وأخصّ منه والحاكم عاما وأضعف لعدم ملاحظة النسبة بينهما ولا اقوائيّة الظهور . وأمّا الورود فهو عبارة عن كون الدليل بنفس تعبّده مذهبا لموضوع الآخر كما في الاحتياط الشرعي بالنسبة إلى قبح العقاب بلا بيان . فان ايجاب الاحتياط بيان والحكومة باثباتها للمؤدّى والتخصص هو خروج تكويني لموضوع عن موضوع حكم آخر والتخصيص ما اذا كان تقدم أحد الدليلين على الآخر لاخصيّته فيما اذا كان بينهما لسان المعارضة .

فذلكة البحث:

قد عرفت اختلاف النتيجة بناءً على اختلاف المدرك في المقدمة الثانية فانه تارة يكون هو العلم الاجمالي واخرى الاجماع أو الضرورة بعدم جواز الاهمال فالاول مقتضاه وجوب الاحتياط في جميع الأطراف عقلاً في غير ما يوجب الاخلال بالنظام فاذا تعلق العسر بالباقي وكان الاتيان بجميع المحتملات عسريا

ص: 320

فهنا اختلف كلام المحققين الخراساني والنائيني . فالخراساني يذهب إلى عدم(1) لزوم الاحتياط في الباقي بعد جواز ارتكاب مورد العسر بخلاف الثاني فانه يوجب(2) الاحتياط في غير العسري والأوّل يرى تقييد الموضوع من أوّل الأمر بعدم الاضطرار فالاضطرار(3) اذا حدث في الأثناء بعد العلم أو كان قبله يوجب جواز ارتكاب متعلقه ويكون الطرف الآخر مشكوكا ولا مجال للعلم حينئذٍ . فيكون مع الشكّ مجرى البرائة . والمقام يكون كالاضطرار . غاية الأمر فرقهما بالاضطرار والعسر فكما ان الاضطرار يوجب خروج المضطر إليه من مورد التكليف والباقي لا يعلم انه مكلف به في الاضطرار إلى غير المعين كذلك تعلق العسر في المقام يوجب جواز الارتكاب وعدم الاحتياط في مورد العسر ومقداره معلوما وغير معلوم والباقي لا مجال للزوم الاحتياط فيه . بل هذا الكلام لا يختص بما بعد الاضطرار لجريانه في مورد الاخلال بالنظام العقلي أيضا ومعه يكون الخارج عن مورد الاخلال والاضطرار مشكوكا .

فانه على تقدير انطباق الاضطرار على المباح فالكليف باق يجب امتثاله وعلى تقدير انطباقه على الحرام لا يجب الاجتناب عن المباح لفناء موضوعه .

وعلى هذا فيبقى اشكال الفرق بين الاضطرار وتلف أحد الانائين المعلومنجاسة أحدهما اجمالاً مثلاً . ومحصل الفرق بينه وبين المقام هو(4) عدم تقيد الامتثال في التكليف ببقاء موضوعه كما انه ذهب في(5) حاشيته في المقام إلى ما

ص: 321


1- . كفاية الاُصول 2/120 - 216 .
2- . فوائد الاُصول 3/251 إلى 254 .
3- . كفاية الاُصول 2/120 - 216 .
4- . كفاية الاُصول 2/216 - 218 .
5- . حقائق الاُصول 2/298 - 299 وإن كان يخالف ما في المتن .

اختاره في التلف وهو كونه من قبيل التكليف المردّد بين الساعة والساعتين فتعلق الاضطرار به في الساعة الاولى لا يوجب سقوط العلم في الزائد عليها .

كما اذا علمنا بوجوب احدى الصلاتين اما الجمعة أو الظهر فلو كانت الجمعة لكانت قاصرة الوقت ووقتها هو الساعة الأولى . أو الظهر فوقته باق إلى الغروب مثلاً فالاضطرار إلى ترك الصلاة في الساعة الأولى التي لو كانت الجمعة واجبة يصح الاتيان بها فيها لا يوجب سقوط العلم رأسا فاذا زال الاضطرار يأتي بالظهر وهذا في مورد العلم الاجمالي .

فيكون من التوسط في التنجيز والاضطرار إلى غير المعين لا ينافي التكليف .

لكن ذهب المحقّق النائيني إلى لزوم الاحتياط في الباقي بعد تعلّق العسر بمورد معينا أو غير معين للزوم الامتثال عقلاً مهما أمكن فبالعسر أو الاضطرار إلى البعض لا يخرج العلم عن كونه علما ويلزم امتثاله في الباقي بمقدار الامكان واما بناءً على كون المدرك هو الوجهين الاخرين .

فالمنكشف بالمقدمات هو لزوم الاحتياط في جميع الأطراف بمقتضى حكم المدرك بعدم جواز الاهمال اذ معناه انه يريد امتثال أحكامه وطريقه في مورد الجهل منحصر بالاحتياط لأنه الطريق الواصل بنفسه بلا مؤنة اعتبار كشف أو تتميم له . غاية الأمر اذا كان مخلاً بالنظام أو عسريا فهو قدس سره يذهب إلى التوفيق بين دليلي نفي الضرر والحرج وأمثالهما على الأحكام الواقعيّة بالجمع بتقديم تلك النافية على أدلّة الأحكام .

ويبقى غير مورد العسر خلافا للمحقّق النائيني حيث يرى عدم جواز

لزوم الاحتياط في الباقي بعد العسر

ص: 322

حكومة دليلي نفي العسر والحرج على دليل الاحتياط في حال الانسداد على تقدير كون المدرك هو غير العلم لكونه حينئذٍ واجبا بعنوان العسر والحرج فلا مجال لرفعه لكونهما كالمقتضى ولا يكون مقتضى الشيء رافعا له فلا يمكن أن ينفي بنفي العسر والحرج ولا يرى المحقّق الخراساني ذلك حيث انه لا يرى في نفس الأحكام الواقعيّة ضررا وحرجا لكونه جائيا من قبل الاحتياط الا أن يقال بتعلّق دليل النفي بالمنشأ فينفي . ويمكن أن يقال هذا أيضا في ناحية الدليل الذي اختاره المحقق النائيني من طبعه بعنوان العسر والحرج فلا يرتفع بأن يقال بكونه ذا مراتب فترتفع المرتبة العسرية دون باقي المراتب لاطلاق الأحكام في حال العلم والجهل يلزم الاحتياط في حال الجهل ) وإلاّ فيلزم تقييدها بالعلم وهو محال حتى بنتيجة التقييد على ما مرّ في محلّه .

توضيح وتكميل: قد عرفت مبنى المحقّق الخراساني قدس سره في ما يتعلّق بمسئلة الاضطرار والعسر وأمثاله وانه لا يجوز ورود الترخيص في ترك الاحتياط في بعض أطراف العلم الاجمالي ولو ورد يكون كاشفا عن قصور المعلوم وعدم كونه حكما فعليّا يلزم موافقته ويحرم مخالفته .

ولذلك يرى في المقام ان العسر كالاضطرار في أحكامه وما يترتب عليه فكما ان الاضطرار إلى ارتكاب أحد أطراف المعلوم بالاجمال يوجب انحلال العلم وكونه بلا أثر لعدم العلم حينئذٍ بالتكليف في الطرف الباقي لكونه شبهة بدويّة

لا يجب فيها الاحتياط فكذلك تعلّق العسر والحرج في أطراف التكاليف المعلومة اجمالاً في الشرع في ظرف انسداد باب العلم بلا فرق بين تعلق الاضطرار الى أحد الأطراف المعين أو غيره وكذلك العسر كما لا فرق بين حصول الاضطرار قبل

العسر كالاضطرار

ص: 323

العلم أو معه أو بعده ولا يخفى ان كلامه قدس سره صحيح على مبناه في العلم . والاشكاللو كان ففي المبنى والا فلا اشكال على البناء .

أمّا المحقّق النائيني فهو يرى الفرق بين حصول الاضطرار مع العلم وقبله وحصوله بعده كما لا يرى مانعا عن ورود الترخيص على ارتكاب أحد أطراف المعلوم بالاجمال تبعا للشيخ قدس سره وحينئذٍ فلا يكشف ورود الترخيص عن عدم كون المعلوم غير تكليف ولا أنّه تكليفا غير فعلي . فالاضطرار تارة يكون بعد العلم واخرى لا بعده فان كان الثاني فهو موجب لعدم انعقاد العلم الاجمالي علما بالتكليف لعدم حصول العلم حين حصوله متعلّقا بالتكليف الفعلي على كلّ تقدير فانه لو كان الطرف المضطر إليه معينا أو غير معين هو متعلق العلم فلا معلوم ولا تكليف في البين بالنسبة إلى الباقي لجواز ارتكاب الطرف المضطرّ إليه في المعين وغيره فيكون الشكّ في الباقي وانه شبهة بدويّة بخلاف ما اذا كان حصول الاضطرار بعد العلم فان الأطراف لتعلّق العلم بها صارت منجزة به وذلك لا يكون من باب تعين المعلوم في كلّ واحد لكونه محالاً وخلاف الفرض بل لاحتمال انطباق المعلوم على كلّ واحد . فانه لو صادف المرتكب في غير صورة الاضطرار إلى أحدهما الواقع لكان منجزا ويعاقب عليه للاحتمال . فهذا الاحتمال كما كان بعد حصول الاضطرار إلى أحدهما بالنسبة إلى الطرف الآخر فانه يحتمل كون متعلّق التكليف واقعا هو هذا الباقي وهذا الاحتمال منجز لا يكون العقاب على مخالفة التكليف المحتمل فيه عقابا بلا بيان ولا موجب لجريان الأصول المرخصة فيه .

نعم في المقام احتمال كفاية العلم في التنجز حدوثا أو انه لا يكفي حدوثه

ص: 324

انا ما في التنجز دائما بل دائر مداره كما هو الحق المحقق لكن الاحتمال لا يوجب منع كونه منجزا والعقاب على مخالفة التكليف الحاصل في مورده عقابا بلا بيان .هذا فعليه فلننظر في المقام انه من أي القبيلين ولا اشكال في كونه من الاضطرار والعسر المقارن للعلم لعدم حصوله بعده فلا يكون حينئذٍ العلم علما بالتكليف لاحتمال كون مورد العسر هو التكاليف الواقعيّة ولا تكليف في الموارد الباقية الخالية عنه .

ويمكن الاشكال في المبنى وان مجرد الاحتمال لا يكفي في التنجز بل التكليف دائر مدار موضوعه وهو مرتفع بارتفاع موضوعه ولا يعقل بقاء العلم بالتكليف بعد ارتفاع أحد الأطراف المحتمل كونه متعلق التكليف الواقعي وحينئذٍ فلا يبقى لنا علم بالتكليف كي يكون الاحتمال منجزا له . وعليه يشكل الفرق بين صورة الاضطرار أو تلف أحد الأطراف . ولكن جعل بينهما فرقا المحقق الخراساني وأشكل الأمر على المحقق النائيني حتى الجأه إلى الميل أو القول بكون التلف كالاضطرار . ولا يخفى عليك ان ما ذكرنا من المحقق الخراساني هو ما في كفايته لكنه لا يقول به في حاشيته . بل ذهب فيها إلى ما نقلناه سابقا والاشكال إنّما هو على في الكفاية على ما قرّرناه .

بيان آخر: سبق التفصيل بين حصول الاضطرار مع العلم أو قبله وبين حصوله بعد العلم وان في الأول لا أثر للعلم الاجمالي بخلاف الثاني على ما سلف من التعليل باحتمال انطباق المعلوم بالاجمال عليه . وان الاحتمال منجز لكونه بعد العلم . لكن هذا التفصيل في الاضطرار ومثله العسر انما هو في صورة الاضطرار وتعلق العسر بأحد الأطراف معينا كما اذا كان في أحد الانائين ماء

التفصيل في الاضطرار بعد العلم وقبله ومعه

ص: 325

وفي الآخر دبس وعلم بوقوع نجاسة في أحدهما واضطرّ إلى شرب الماء . فانه على كلّ حال سواء كان الماء هو الذي لاقاه النجاسة أم لا بل كان طاهرا مباحا يجوز شربه بلا اشكال لعدم امكان رفع العطش المضطر إلى دفعه لخوف تلفالنفس بالدبس بل يزيده عطشا . اما اذا كان الاضطرار الى غير المعين فلا يجري هذا التفصيل بل حاله حال الاضطرار بعد العلم في بقاء التنجز في الطرف الآخر على حاله . فحينئذٍ لا فرق في الاضطرار إلى غير المعين ومثله العسر كذلك بين حدوث الاضطرار أو العسر كذلك قبل العلم الاجمالي أو معه أو بعده ففي جميع هذه الصور الثلاث يكون العلم منجزا لعدم منافاة بين المعلوم بالاجمال والترخيص لعدم وقوع الترخيص بالنسبة إلى الحرام في البين . بل الحكم الواقعي بالنجاسة والاجتناب على موضوعه لا يتخلف عنه ولم يرتفع عنه . ولا يكون الاضطرار إلى أحدهما موجبا لرفع الحكم عن موضوعه ولا لتقييده اذ حال العلم الاجمالي كالتفصيلي فكما انه اذا علم النجس في البين في أحد الانائين واضطر إلى شرب أحدهما لا بعينه لا يجوز رفع اضطراره بالحرام بل لابدّ من رفعه بغيره كذلك في العلم الاجمالي . غاية الأمر جهله بالحرام في البين أوجب العذر له والشارع رخّص له في رفع الاضطرار بأحدهما لا بالحرام الواقعي . فهذا الترخيص الظاهري لا ينافي ولا يصادم الحكم الواقعي بل يلائمه . وعليه فيكون احتمال انطباق التكليف المعلوم بالاجمال وهو الحرام في البين على الطرف الباقي منجزا . فانه لو كان الباقي هو الحرام فلا يكون معذورا في ارتكابه ولا يكون العقاب عليه عقابا بلا بيان . فالحكم الواقعي منجز على تقدير اصابته بالطرف الباقي وغير منجز على تقدير عدم الاصابة لأن للشارع جعل الاحتياط

ص: 326

في ظرف الشك لحفظ الحرام الواقعي وعدم ارتكابه . لكنه لم يجعل بل رخص تخييرا في رفع الاضطرار بأحدهما لمكان الجهل . فهذا الترخيص الظاهري في ظرف الشكّ لا يصادم الحكم الواقعي فانه على موضوعه لم يتخلف عنه والترخيص الظاهري لا ينافي الحكم الواقعي . فالمقام كالأقل والأكثر الذي يشكّفي الأكثر ويكون الأقل معلوما حيث انه يكون الاتيان بالاجزاء المعلومة من الأقل واجبا واحتمال تقييدها بالمشكوك وهو الذي يكون معه أكثر مرفوع بحكم البرائة . فتكون الاجزاء المعلومة مطلقة اطلاقا ظاهريّا لكنه لو ترك الأقل في هذا الحال يكون معاقبا لا من حيث ترك الأكثر الذي لم يقم عليه بيان لعدم المنجز ( الظاهر ارادة جواز العقاب على ترك الأقل على تقدير كون الواجب هو الأكثر فان الأقل لو أتى به وان كان ليس مأمورا به لكن خطابه منجز بالنسبة إليه فمن جهته يصح العقاب ) لا أقول بتقييد الحكم بالعلم به فانه لا مجال له كما لا اشكال معه حينئذٍ ولا يفيد تعدد الرتبة بين الحكم الواقعي والظاهري لعدم اجدائه ما لم يرجع إلى تعدد الموضوع . بل المدعى عدم منافاة ورود الترخيص في ظرف الجهل بارتكاب الحرام ( ولا ) يصادم الحرام الواقعي لعدم كون العلم الاجمالي أولى بالامتثال من العلم التفصيلي ولا انه يكون اقتضائه في تنجّز التكليف أشدّ مع ورود الترخيص في ترك الواقع في مورد العلم التفصيلي كما في موارد جريان قاعدة الفراغ والتجاوز . فان الركوع الجاري فيه القاعدة لو لم يأت به لا تكون الصلاة صلاة ولا انه يجوز اتمام ما بيده ومع ذلك رخص بل أوجب عليه الشارع اتمامها واكتفى بهذا عن امتثال المعلوم التفصيلي وقنع به .

نعم لا يقيّد الواقع بل يكون بدلاً ما دام الجهل فاذا علم بعدم اتيان الركوع

ص: 327

يكشف عن عدم كفاية البدل بل عليه الاتيان بالمجهول فليكن كذلك العلم الاجمالي . فللشارع التصرف في مقام الامتثال بجعل الترخيص في ارتكاب أحدهما تخييرا حتى الحرام لو صادفه .نعم بناءً على ما بنى عليه المحقق الخراساني قدس سره (1) من تصوير الفعلي منجهة يصح ما بنى عليه من الالتزام بعدم وجوب الاجتناب للتوسط في التكليف فانه يكون تكليفا على تقدير وغير تكليف على تقدير وعليه يكون مشكوكا بدويا لا علم معه بالتكليف الاّ ان الكلام في المبنى .

والحاصل حيث ان العسر في المقام يكون من العسر المتعلق بغير المعين فلا محيص عن الالتزام بوجوب الاحتياط في الباقي على كلّ تقدير وفرض سواء كان بعد العلم أم لا .

نعم لو كان من قبيل الاضطرار إلى المعين حاصلاً مع العلم أو قبله فلا علم بالتكليف فلا احتياط .

هذا محصل ما افاده المحقّقان وللنظر فيه مجال فانتظر لتحقيق الحال .

تكميل وتوضيح قد عرفت الفرق على مبنى المحقق النائيني قدس سره (2) بين الاضطرار الى المعين وغير المعين اذا حصل الاضطرار قبل العلم .

ولا فرق بينهما اذا كان بعد العلم في لزوم المحافظة على الطرف الذي لم يتعلّق به الاضطرار أو لم برفع به الاضطرار . وصورة المقارنة كصورة تقدم العلم واعلم انه لا يمكن الالتزام بكون جعل الأحكام من قبيل القضايا الخارجيّة لكون

بقيّة كلام المحقّقين

ص: 328


1- . كفاية الاُصول 2/27 .
2- . فوائد الاُصول 4/93 إلى 100 .

الموضوع حينئذٍ من قبيل الملاك للحكم ولازمه تعدد الانشاءات في كلّ آن يوجد ويتحقق موضوع فلا تنقطع الانشاءات الجديدة مادامت الموضوعات تتجدد إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة . فاللازم هو جعلها على نهج القضايا الحقيقيّة . فحينئذٍ

يكون الموضوع محفوظا بحدوده وقيوده وينشأ الحكم عليه ويتبع فعليّة الحكمفعليّة موضوعه ولا يمكن تخلفه عنه لكونه منه كالمعلول بالنسبة إلى علته والا يلزم الخلف والمناقضة على ما مرّ غير مرّة .

وعلى هذا لو كان الاضطرار من قيود التكليف ومقيدا للواقع فلا يمكن التفصيل بين حصول الاضطرار الى المعين وغير المعين بل كلاهما يكون الشكّ في مورده شكّا في التكليف ولابدّ من الالتزام بمقالة المحقّق الخراساني قدس سره (1) حيث انه لا موضوع محرزا كي يكون احتماله منجزا للشك في تحقق الموضوع المقيد إذ ان الاضطرار لو كان تعلق بأحدهما المعين أو غير المعين يكون مقيدا للواقع ولا يكون النجس المضطر إليه حراما واقعا . فاذا اختار أحدهما معينا أو غير معين في الصورتين يكون الباقي مشكوك التكليف لا مشكوك التنجز . والشك في التكليف مجرى البرائة . بخلاف ما اذا بيننا على عدم تقيد الواقع بالاضطرار فحينئذٍ التكليف المعلوم بالاجمال على حاله والاضطرار المتعلّق باحدهما معينا بعد العلم أو لا بعينه قبل العلم يتعلّق بما هو الحرام واقعا اذ لو كان الحرام معلوما تفصيلاً في كلتا الصورتين كان لا يجوز رفع الاضطرار به بل بالآخر ( في ما يكون الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه ) .

كما انه لو كان الاضطرار تعلق تفصيلاً بالحرام في البين والمعلوم تفصيلاً

تعلّق الاضطرار بالحرام بعينه

ص: 329


1- . كفاية الاُصول 2/216 .

كان يجوز له دفع الاضطرار بارتكابه لا من جهة تقييد الحكم بصورة عدم الاضطرار بل من ناحية تقدم الأهم المتوقف على ارتكاب المضطر إليه حفظا له . وإلاّ فلا يمكن أن يقال يكون الاضطرار مقيدا للواقع مطلقا ولا يمكن القول برفع وجوب عرفات وركنيتها اذ اضطرّ إلى تركها فلم يصل وكذلك لا يمكن الالتزامبارتفاع قيديّة المسح في الوضوء على البشرة اذا اضطرّ إلى تركه فيكون ساقطا بل من حيث تقدّم الأهم لابدّ من رفع اليد عن المهم وارتكابه حفظا له من باب المزاحمة . فاذا لم يكن الاضطرار مقيّداً للواقع بل موجبا للترخيص في ارتكاب المضطر إليه أو تركه فالتكليف المعلوم بالاجمال على حاله لتعلق العلم به في الاضطرار الحاصل بعد العلم وكذا في غير المعين ولو مقارناً أو قبل العلم بمقتضى فعليّة موضوعه المحقق يكون حكمه منفيا ولو كان في الواقع يمكن رفع الاضطرار بالمباح

فلم يجز ارتكاب الحرام . غاية الأمر لجهل المكلف جاء الترخيص في ارتكاب أحدهما في مورد رفع الاضطرار لعدم امكان توجيه التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي وعلى هذا فبعد الاضطرار احتمال التكليف باق وهذا الاحتمال منجز عند العقل(1) بالاجتناب عن الطرف الاخر الباقي لعدم المؤمن

ص: 330


1- . لكون ذلك من قبيل العلم الاجمالي المتعلق بأحد الانائين فانه اذا تلف أحدهما لا مجال لرفع اليد عن اجتناب الباقي لوجوب الاحتياط للعلم اجمالاً بوجود تكليف منجز متعلق بين الاناء التالف إلى حدّ تلفه أو تكليف منجز متعلق بالاناء الباقي الاخر الذي لم يتلف فاللازم الاجتناب عن كلا الانائين وبتلف أحدهما لا يكون الاحتياط مرتفعا عن الآخر فكذلك الحال في الاضطرار في ما نحن فيه الذي التزمنا على مبنى المحقق النائيني بوجوب الاحتياط عن الباقي الذي لم يتعلّق به الاضطرار وكما في مسئلة العلم اجمالاً بوجوب احدى الصلاتين في يوم الجمعة اما الظهر الباقي وقته إلى قبيل الغروب بمقدار أداء العصر أو الجمعة المضيّق وقتها فبذهاب وقت الجمعة لا يمكن رفع اليد عن الاحتياط باتيان الظهر هذا اذا لم نقل بكون الظهر لقضاء الجمعة والا فالمثال ليس ممّا نحن فيه .

الشرعي ولا القطع في عدم موافقة التكليف المحتمل فيه لفرض عدم تقيد الواقع بعدم الاضطرار . غاية الأمر في صورة الاضطرار وقع الترخيص في الارتكاب وهذا الترخيص لم يتعلّق بالحرام . اذ لو كان معلوما لم يجز ارتكابه فالجهل بمتعلق التكليف أوجب التزاحم بين خطاب حفظ الأهم وخطاب التكليف المعلومبالاجمال في البين . وعلى هذا فلا محيص من هذا التفصيل بين الاضطرار إلى المعين قبل العلم ومعه وبين الاضطرار إليه بعده . ففي الصورة الثانية يكون احتمال التكليف منجزا كالاضطرار إلى غير المعين مطلقا بخلاف الصورة الاولى فانه من الشكّ في التكليف . ولا يمكن هذا التفصيل مع الالتزام بتقييد الواقع بالاضطرار ويخرج من باب التزاحم ويكون داخلاً في باب التعارض كتعارض الاطلاقين .

وهذا خلاف مبنى المحقق النائيني(1) اذ لا يقول بالتعارض الا فيما اذا كان التعاند دائميا والا ففي التعاند الاتفاقي بجعله من باب التزاحم وحيث ان التعاند بين حفظ النفس الأهم وبين ارتكاب الحرام ليس دائميا فلا يكون من باب التعارض وهكذا الحال في ساير الفقرات الواردة في حديث الرفع فانه لا يمكن الالتزام بكونها مقيدة للواقع على هذا المبنى بل كلّها من باب المزاحمة والا فيكون التعاند والتزاحم في مقام الجعل والمقتضي لا في مقام قدرة المكلف .

وقد بينّا في محلّه ان القدرة ليست داخلة في ملاك التكليف بل هي شرط عقلي لحسن الخطاب .

إذا لم يكن التعاند دائميّاً

ص: 331


1- . فوائد الاُصول 1/221 .

والحاصل انه لا يمكن هذا التفصيل مع الالتزام بتقييد الواقع بالاضطرار والاّ فلابد من الالتزام بمبنى المحقّق الخراساني مع انّ المحقّق النائيني لا يلتزم

بذلك بل يجعل حال ما ذكر من موارد الاحتياط كحال التلف بعد العلم في وجوب الاحتياط بالنسبة إلى الطرف الباقي .

فتحصل ممّا ذكرنا انه بناءً على مبنى المحقّق الخراساني قدس سره تكون النتيجة

بناءً على كون العلم الاجمالي هو المدرك في المقدمة الثانية عدم وجوب الامتثالوعدم التبعيض في الاحتياط رأسا لما عرفت بخلاف ما بنى عليه المحقّق النائيني بناءً على كون المدرك هو العلم فان الضرورة تتقدّر بقدرها فبالمقدار الذي تعلق به العسر لا يكون الاحتياط واجبا وفي الباقي لا محيص عن الاحتياط لما ذكر من الوجه .

هذا اذا كان حدوث الاضطرار بعد العلم(1) . اما اذا كان قبله أو معه كما في ما نحن فيه حيث ان العسر والحرج في الاحتياط في أطراف المعلوم بالاجمال حاصل مع العلم لا بعده فلا يكون هناك علم بالتكليف فلا احتياط ولا تبعيض .

اللهم الا أن يكون هناك علم اجمالي خاص فى دائرة المظنونات أو مع المشكوكات التي لا عسر فيها .

اما اذا كان المدرك في المقدمة الثانية هو أحد الوجهين الآخرين من الاجماع على عدم جواز الاهمال أو محذور الخروج من الدين من الاهمال . فحينئذٍ يكون ذلك ملازما للعلم بجعل الشارع طريقا إلى ذلك وهو الاحتياط

ص: 332


1- . ولا مانع من جريان دليل العسر والحرج في رفع ما يوجب العسر والحرج ولو كان في أطراف العلم الاجمالي لكونه من شؤون التكليف المعلوم بالاجمال فيمكن أن يشمله دليل نفي العسر والحرج .

الواصل بنفسه في غير ما يخل بالنظام . اذ هو أمر مرغوب عنه شرعا لا يلزم به العقل أيضا ولكن لا مجال في المقام لجريان دليل العسر والحرج لنفي وجوب الاحتياط لما عرفت من ان وجوب الاحتياط حينئذٍ بعنوان العسر والحرج وهو يكون من قبيل الموضوع ولا يمكن أن ينفي بدليل نفي الحرج والعسر فهو من قبيل ما جعل ضرريّا وحرجيّا من أصله كوجوب الزكوة والخمس والحج والجهاد ولا مجال لرفع ذلك بنفي الضرر والحرج وأمثالهما لعدم حكومة هذه الأدلّة على أدلّةهذه الأحكام التي هي مجعولة على نحو الخصوص بعنوان الضرر والعسر والاحتياط في حال الانسداد بناء على ان الاجماع أو لزوم الخروج من الدين في مدرك المقدمة الثانية من هذا القبيل ولا يمكن حكومة دليل نفي الحرج والعسر عليه كما اذا جعل على مورد النسيان حكم من الأحكام فلا يمكن أن يرفع بالنسبان لاستحالة كون مقتضى الشيء رافعا له .

ان قلت: ما الوجه في التفكيك بين كون العلم الاجمالي هو المدرك في المقدمة الثانية وبين كونه هو أحد الوجهين الآخرين من جريان دليل نفي العسر والحرج في الأوّل دون الآخرين .

قلت: الفرق بينهما ان العلم الاجمالي انحلالي فلا مانع من جريان دليل نفي العسر والحرج في كلّ مورد من الموارد حسب تحقّق الموضوع لهما بخلاف الوجهين الآخرين فان متعلّقهما هو حكم جعل بعنوان المجموع فاذا ارتفع بنفي الحرج أو الضرر أو العسر مرتبة منه فلا موجب للاحتياط في الباقي . وحينئذٍ فيلزم من جريان هذه الأدلّة في مواردها انتفاء الحكم رأسا فتدبّر جيد في أطراف ما ذكرناه .

تفترق النتيجة في مدرك المقدّمة الثانية

ص: 333

طور آخر من البيان والتقرير: قد تحصل ممّا ذكرنا ان المدرك في المقدّمة الثانية لو كان هو العلم الاجمالي فالاحتياط لازم عقلاً في غير ما يوجب اختلال النظام كما انه اذا استلزم ذلك العسر والحرج سواء كان ذلك في المحرّمات أو الواجبات يكون مرخّصا في ترك الاحتياط بمقدار العسر والحرج ويبقى لزومه في الباقي الذي لا عسر ولا حرج فيه بحاله .

فاذا كان الاحتياط العسري في دائرة معينة فيكون ترك الاحتياط فيها مرخصا فيه بلا اشكال . اما اذا لم يكن في دائرة معينة بل يكون الاحتياط في تمامالأطراف من المظنونات والمشكوكات والموهومات عسريا ويرتفع العسر بترك الاحتياط في احديها فاللازم جعله في دائرة الموهومات . فان ارتفع العسر والحرج فيحتاط فى المظنونات والمشكوكات والا فيترك الاحتياط في كلّ المشكوكات أو مقدار منها يرتفع به العسر . كما انه لو كان اقتصار الاحتياط في المظنونات أيضا عسرياً فبمقدار رفع العسر والحرج يترك الاحتياط فيها مخيرا لتساوي اقدام كلّ فرد من كلّ طائفة لو دار أمر الاحتياط فيها بخلاف ملاحظة المشكوكات والموهومات إلى المظنونات أو الموهومات إلى المشكوكات فان العقل لا يرى لها التساوي . فحينئذٍ لو لم يكن العسر في احداها معينا فاللازم اختيار ما هو الأخف عند العقل والاحتياط في الطرف الذي هو أقرب إلى الواقع . ولهذا قدمنا الاحتياط في المظنونات على الباقي وكذا المشكوكات وخصّصنا ترك الاحتياط بالموهومات وكذا بمقدار من المشكوكات أو كلّها ان بقي بعد اخراج الموهومات عسر وحرج .

والحاصل انه لا مجال للكشف على هذا المبنى ( بل ذلك انما يكون في

ص: 334

مورد الشبهة الموضوعيّة كالقبلة اذا لم يمكن الاحتياط في جميع الأطراف فان كان أحد الأطراف أو أكثر منها مظنونا فيتعيّن اختيارها اذا لم يمكن الاحتياط في جميع الأطراف الأربعة التي وجب الاحتياط فيها بمقتضى النص(1) والا فالقاعدة

تقتضى أكثر من ذلك واذا لم يسع الوقت الاتيان بالجميع فالمظنون لو كان واحدا كما انه لو كان أزيد ولم يكن الوقت واسعا فالتخيير ) كما لا مجال لرفع اليد عن الاحتياط بالكلية . لكن هذا لو لم يكن هناك مانع عن الاحتياط كالاجماع علىعدم جواز الاحتياط في الشريعة أو على جواز ترك بعض محتملات الوجوب أو اتيان بعض محتملات الحرمة باجراء البرائة فيها فحينئذٍ لا يمكن الاحتياط .

وهذا على فرض قيام مثل هذا الاجماع كما ادّعى من السيّد الرضي على ما نسب إليه وقرّره عليه أخوه السيّد المرتضى لكن الكلام في صحّة النسبة كما انه على فرض صحّة هذا الاجماع يمكن الاشكال في اطلاقه باختصاصه بما اذا كان الامتثال التفصيلي ممكنا لاجتهاد أو تقليد بخلاف صورة انسداد باب العلم كوضوح اختصاصه بالعبادات بخلاف المعاملات فانه لا مجال للخدشة في جواز الاحتياط فيها بل الاشكال في حسن الاحتياط مخصوص بالعبادات من جهة قصد القربة وغيرها .

وكيف كان فهذا الذي أشار إليه الشيخ في رسائله وأورد على نفسه سؤالاً وأجاب عنه في الحاشية لكن المنقول ان المكتوب في الحاشية لم يكن من الشيخ بل انما هو من الميرزا الشيرازي قدس سره لكنّه بتفويض الشيخ لعدم وفاء عمره رحمه الله على أزيد من تنقيح ما كتبه إلى مباحث العلم الاجمالي . ونتيجة هذا الاجماع ان تحقق

اشكال اجماع السيّد المرتضى

ص: 335


1- . الوسائل 4 الباب 8/1 - 5 من أبواب القبلة .

هو كون الظن حجّة شرعا لدوران الأمر بين أمور كلّها باطلة فحدس ان الظن حجّة لأنه اما أن لا يكون حكم في حال الانسداد أو يكون ولا يريد الشارع امتثالها وهذان باطلان قطعا .

ثمّ انه بعد تسلم ثبوت الأحكام وارادة امتثالها فاما ان يكون بالاجتهاد أو التقليد والثاني باطل لأن مبنى الانسدادي هو الجهل بالأحكام الواقعيّة وعدم انفتاح باب العلم والعلمي . فمن يدعى الاجتهاد يكون دعواه خطأ عند الانسدادي فكيف يجوز الرجوع إليه كما ان الأوّل أيضا لا مجال له بعد انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام حسب الفرض وقد بطل الامتثال العلميالاحتياطي بمقتضى الاجماع فيبقى جعل الشارع حجّة في البين قابلاً لتعلق جعله به وينحصر في الظن لعدم قابليّة غيره من الشك والوهم لذلك . فتكون نتيجة المقدّمات على هذا هو الكشف بلا فرق بين كون مدرك المقدّمة الثانية التي هي عدم جواز اهمال الأحكام الثابتة في الشريعة هو العلم الاجمالي أو الوجهين الآخرين من الاجماع والضرورة للخروج عن الدين ولا تصل النوبة إلى تقرير الحكومة بل إمّا ان تنتج المقدمات الكشف أو التبعيض في الاحتياط على ما عرفت .

نعم يمكن أن يقال بعدم انحصار ما هو قابل لجعله حجّة في حال الانسداد على هذه المقدمات بالامور الثلاثة بل يحتمل جعل الحجيّة في امور آخر كالاستخارة أو النوم أو القياس والرمل والجفر وغيرها سواء كانت هذه مفيدة للظن أم لا كما هو مبنى من يأخذ بالظواهر مطلقا حتى مع الظن بالخلاف فضلاً عن الظن النوعي فضلاً عن الشخصي ( نعم بناء على كون حجيّة الظواهر من باب

ص: 336

الاطمئنان فلا اشكال بل لا يمكن الفتوى بدون الاطمئنان والعلم العادي ) وعلى هذا الاحتمال فلا نستفيد الا جعل حجة في البين مهملة لاحتمال خصوصيّة ظن خاص من أحد هذه الأمور كما يحتمل جعل أحدها حجّة مطلقا ولو مع الظن على الخلاف .

فحينئذٍ لابدّ من اجراء مقدمات الانسداد في تعيين ما هو الحجّة المجعولة في البين .

تكميل وتتميم قد عرفت اختلاف النتيجة حسب اختلاف المدرك في المقدمة الثانية وانه على فرض كون المدرك هو العلم الاجمالي فاللازم الاحتياط في خصوص دائرة المظنونات وعدم وجوبه فيما يخل بالنظام ووقوع المكلّف فيالعسر والحرج في الاحتياط في الباقي فحينئذٍ يتبعض الاحتياط . فاذا كانت الأطراف متساوية الاقدام يكون المكلف مخيّرا في تطبيق الميسور من الأطراف على كلّ طائفة منها . اما اذا لم يكن هناك تساوي في المحتملات وكان بعضها أرجح من بعض والفرض انه لا اطلاق لدليل الأخذ بالميسور وعدم الاحتياط في ما يوجب العسر كي يستفاد التخيير ولو على فرض وجود المزية ورجحان بعضها على بعض فالعقل بمقتضى قبح ترجيح المرجوح على الراجح يعيّن دائرة التطبيق على الراجح . فاذا كان الاتيان بجميع دوائر المحتملات من المظنونات والمشكوكات والموهومات عسريا ويرتفع العسر بترك بعض الموهومات فيأتي بالباقي أو بكلها ففي المظنونات والمشكوكات . واذا لم يرتفع العسر بذلك فيترك الاحتياط في بعض المشكوكات على حد يرتفع العسر واذا لم يرتفع العسر فيتركها

اختلاف النتيجة باختلاف مدرك المقدّمة الثانية

ص: 337

كلاًّ ان ارتفع والا فبضم مقدار من المظنونات(1) . فحينئذٍ تكون النتيجة على هذا هو الاحتياط بعضا كما انّه على الوجهين الاخرين كانت النتيجة هو الاحتياط ولو مع العسر والحرج . لكن هذا اذا جاز الاحتياط في الشريعة ولم يجز الرجوع إلى الأصول الجارية في مجاريها وكذا لم يجز التقليد كما يدلّ على الثاني ما ذكرنا من كونه رجوعا إلى الجاهل . وهكذا يدل على الأول عدم جواز الرجوع إلى الأصول النافية اما لمخالفة العلم أو للامرين الآخرين والمثبتة لعدم وفائها على تقدير تماميّة المجرى بمعظم الأحكام . هذا اذا كان لنا علم سابق في الشبهة الحكمية وطرء شك لاحق وقلنا بجريان الاستصحاب في الشبهة الحكميّة . والا فالتحقيقعدم تحقق الموضوع للشبهة الحكميّة استصحابا كما انه لا مجال لواحد من الأصول الشرعيّة لفرص انسداد باب العلم والعلمي فلا دليل على حجيّة هذه الأصول شرعا فبقي مجرد قاعدة القبح بلا بيان والحاصل انه لا موضوع لبعض هذه الأصول في كثير من الموارد لعدم تحقق علم سابق بالتكليف كما في الاستصحاب ولا دليل على حجيّتها مطلقا شرعا لفرض الانسداد فيبقى بطلان الاحتياط فلو قام على بطلانه وانه لابدّ من الاتيان على وجهه والامتثال التفصيلي والاتيان بمتعلق التكليف رجاءً أمر مرغوب عنه شرعا . فحينئذٍ بضميمة المقدمة الثانية وهي عدم جواز الاهمال إلى هذه المقدمة من بطلان الامور الثلاثة من الرجوع إلى فتوى الغير والأصول الشرعيّة والاحتياط يستنتج وجود حجة مجعولة في البين .

ص: 338


1- . هذا اذا لم يكن لنا علم اجمالي في خصوص دائرة المظنونات والا فمن اول الأمر ينحصر الاحتياط بدائرتها على فرض ارتفاع العسر والحرج بالمشكوكات والموهومات .

اذ بعد عدم جواز الاهمال ووجود الأحكام وعدم جواز الامتثال الاحتمالي الذي بنائه على عدم معلوميّة التكليف في كلّ واحد من الأطراف وحده والاتيان رجاءً إمّا أن يأتي ببعضها برجاء احتمال الواقع فهذا لا يجوز على الفرض أو يشرّع بكونه متعلق التكليف فهذا حرام . أو برجاء المخالفة فواضح بطلانه . فعلى هذا نستكشف وجود حجة مجعولة في البين كي يكون هو المرجع في تعيين التكاليف تفصيلاً . فان تمّ هذا الاجماع فيكون للاشكالات الثلاث التي ذكرها الشيخ في رسائله ( أو على حاشيته على النسخ التي ألحقها بها السيّد الشيرازي قدس سره بأمر منه أو رضاه ) مجال والا فلا مجال لها كما انه يمكن الاشكال في أصل قيام الاجماع اذ ليس إلاّ احتماله من كلام السيد الرضي وتقرير أخيه له والمنقول منه ليس إلى هذا المعنى وعلى فرض حجيّته انما يتمّ في العبادات لا في المعاملات بالمعنى الأعمّ لامكان الاحتياط فيها باتيان الصيغة بالعربيّة وعدمالمعاملة مع من لا يلتزم بالعربيّة أو لا يرى للفصل بين الايجاب والقبول منعا من انعقاد العقد وغير ذلك مثلاً كما انه في العبادات على فرض التمامية لا معنى لاطلاقه حتى اذا لم يتمكن من الامتثال التفصيلي كما هو الحال في فرض الانسداد أو احتمال لزوم قصد الوجه في الامتثال . وهذا أيضا كذلك لا يمكن مع عدم العلم وانما يمكن في فرض تحقق العلم بالتكليف معينا كي يمكن من قصد الوجه والاتيان به على وجهه . ولذلك ذهبوا الى عدم صحّة عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد لبطلان الاحتياط عندهم في غير المعاملات .

وعلى كلّ حال فان تمّ الاجماع(1) ولا يتم وعلى فرض تماميته فيكون

إن تمّ الاجماع ينكشف وجود حجّة

ص: 339


1- . كما يقول الشيخ ان كان مظنونا أو معلوما يدل على حجيّة حجة في البين .

المنكشف وجود حجّة في البين وافٍ بمعظم الفقه فاما أن يكون هو الظن أو الشكّ أو الوهم ولا قابليّة للأخيرين فينحصر بالظن الواصل بنفسه ( أو بطريقه على تعبير المحقق النائيني ) هذا لكن وسع دائرة الاحتياط سيّدنا الأستاذ تغمده اللّه برحمته باحتمال تعلّق الجعل بالاستخارة أو القرعة أو النوم أو الرمل والجفر وغيرها اما تعيينا أو مع الظن فلا ينحصر الاحتمال بالأمور الثلاثة اللهم إلاّ أن يقال بعدم وفاء

بعضها أو أكثرها بمعظم الفقه . والباقي اما يفيد الظن أو لا ولا يمكن جعل ما لا يفيد

حجّة مع الغاء الظن لبعده في نفسه . فحينئذٍ ينحصر الاحتمال بالظن . كما انه على فرض الانسداد وكون الأطراف في الحجّة هو الظن والأمور الباقية من النوم والاستخارة والقياس وغيرها لا يمكن الاحتياط فيها حسب الفرض ولا يجوز الغائها بالمرّة والاهمال فيبقى الاشكال فلابدّ من انتهاء النوبة إلى العقل وتعيين الظن وان احتمل كون الظن ممنوعا حسب الآية الشريفة ( ان الظن لا يغني منالحق شيئا )(1) .

تبين مما ذكرنا ان نتيجة المقدمات هو الكشف عن جعل حجة وسبق الاشكال في انحصار الحجة بالظن وبل الظن ذو مراتب فكيف يكون مطلقه حجة لاحتمال حجيّة مرتبة قويّة منها دون الضعيفة أو كونه حجة من سبب خاص أو في مورد خاص دون ساير الموارد كما في موارد الأموال والنفوس فلا يكون الظن فيها حجة بل يجب الاحتياط بل حينئذٍ نعلم بوجود حجّة مجعولة في البين فيجري المقدّمات فيها وبالاخرة يكون الخبر الصحيح المزكّى كلّ واحد من رواته بعد لين مظنون الحجيّة وهو واف بمعظم الفقه .

ص: 340


1- . سورة يونس الآية 37 .

والحاصل ان الاحتمال قائم في ناحية الظن سببا وموردا ومرتبة ومعه لا مجال لانكشاف حجيّته مطلقا من الجهات الثلاث ) على نحو لو تجرى الأصول الشرعيّة المرخصة في الباقي منها لا يلزم محذور ولا مخالفة للعلم الاجمالي فالمتحصل من المقدمات على هذا أي على فرض بطلان الاحتياط هو حجيّة الظن بالطريق الوافي بمعظم الفقه لا الظن بنفس الأحكام ولا التبعيض في الاحتياط كما لا مجال للحكومة على هذا الفرض . والنتيجة إلى الآن على أنحاء . اما أن يكون الكشف أو التبعيض في الاحتياط أو جعل الحجّة المجهولة واجراء المقدّمات في تعيينها . لكن الشيخ قدس سره بعد ابطال المقدّمة الثالثة وهي الرجوع إلى الطرق الثلاثة من التقليد والأصول الشرعيّة والاحتياط انتقل إلى المقدّمة الرابعة بعد اختياره في المقدّمة الثالثة الاتيان بالمظنونات من باب حكم العقل وانه مستقل بلزوم الاتيان بالأحكام تفصيلاً علميّا وحيث لا علم فيكون امتثالها واجباعلى نحو الاجمال تفصيلاً بأن يكون كلّ واحد من الأطراف محتملاً لكن يعلم بامتثال التكليف فيها وبعد بطلانه بقيام الاجماع على بطلان الاحتياط تصل النوبة إلى المرتبة الظنيّة ودونها الاحتماليّة . فانه يرد على الشيخ قدس سره انه بعد لزوم الطريقة الظنيّة هل يكون الاتيان بها جزما أو بالاحتياط فان كان الثاني فهو عين ما أبطله من التبعيض في الاحتياط وان كان الأوّل فهو تشريع . ونقل عن المحقّق النائيني ان السيد محمد الاصفهاني قرب عشرين يوما المقدمة الثالثة بتقريبات للانتقال منها إلى المقدّمة الرابعة وكان يرد الاشكال فانتقل منها إلى الرابعة ولم يعترف لورود الاشكال على الشيخ قدس سره بل اعترف بعدم فهمه كلام الشيخ .

تنبيه: لا يخفى ان الشيخ قدس سره اختار مذهب الحكومة العقليّة وفرض العلم

اجراء الشيخ المقدّمات

ص: 341

بالأحكام مسلما واجرى المقدمات على حسب ذلك . فحينئذٍ يكون الامتثال

واجبا قطعا تفصيلاً وحيث انه لا يتمكن في حال الانسداد من ذلك لعدم العلم التفصيلي بها فيكون الامتثال التفصيلي الاحتمالي واجبا بحكم العقل كما سبق التنبيه على ذلك في مبحث القطع من كون الاحتياطي الاجمالي في عرض التفصيلي . نعم استشكل في العرضيّة . وحيث قام الاجماع بمقتضى المقدمة الثالثة على عدم جواز الاتيان بالمحتملات احتياطا لبطلان الاحتياط تصل النوبة إلى المرتبة الثالثة من الامتثال وهو الامتثال الظني كما انه لو لم يتمكن منه يتعين الامتثال الاحتمالي شكّا أو وهما . فعلى هذا لا مجال للاشكال على الشيخ قدس سره بكون نتيجة المقدّمة الثالثة هو التبعيض في الاحتياط فكيف ابطله الشيخ وانتقل إلى المقدمة الرابعة وذلك لوضوح كون مراد الشيخ وصول النوبة إلى الامتثال الظني بعد عدم التمكّن من المراتب السابقة اما لاختلال النظام به أو لقيام الاجماع والعسر والحرج بدون كشف جعل حجّة من الشارع وافٍ بمعظم الفقه فانه علىهذا تكون النتيجة هي الكشف . وعلى هذا وإن كان الامتثال الظني بحكم العقل ولكنه لا يمكن الاتيان بقصد الوجه كما في التبعيض في الاحتياط الاّ ان الطريق مختلف كما هو الحال في أصل تعيّن المرتبة الظنيّة من الامتثال في موارد اشتباه القبلة لو كان الوقت غير واسع للاحتياط في جميع أطراف المحتملات .

والحاصل انه بعد وضوع مراد الشيخ لا مجال للاشكال عليه كما لا مجال للاشكال على ما ذكر في حاشية الرسائل من انه بقيام الاجماع قطعيا أو ظنيّا على جواز الرجوع في المشكوكات إلى الأصول اذ معناه ان نتيجة الاجماع هو الكشف عن جعل الظن حجّة على نحو الكشف وذلك لعدم ورود هذا الاشكال على

ص: 342

الشيخ

قدس سره لاعتراف المحقق النائيني قدس سره على عدم كونه من الشيخ بل الحقه بالمقام

بعض تلامذته كما نقلنا عنه سابقا . وعلى هذا فلا اشكال على عبارة الشيخ في المقام ولا على ما سينتج على هذا لترتيب المقدمات .

بقي التنبيه على أمور:

أحدها: ان نتيجة المقدّمات هل هو الظن بالواقع أو بالطريق والمؤدى أو الأعم ؟

اختار الشيخ الأخير . خلافا لصاحب الفصول تبعا لما اختاره أخوه

المحقّق صاحب الحاشية من افادتها حجيّة الظن بالطريق لا المؤدّى ولا يخفى ان هذا الاختلاف راجع إلى الاختلاف في مصب المقدّمات . فانه لو أجرينا المقدّمات على الأحكام المعلومة في الشرع فتكون النتيجة اما خصوص الظن بالواقع أو الأعم منه ومن الواقع لما أفاده الشيخ قدس سره من لزوم تحصيل المؤمن اما بظن الامتثال أو بالاتيان بما يظن ان الشارع جعله مبرئا للذمّة ومفرّغا لها وبكلّ منهما يحصل المؤمن الظني الذي يلزم تحصيله بحكم العقل . واما لو جعلنا مصبالمقدمات هو خصوص الطريق والامارة فالنتيجة لا محالة هو حجيّة الظن بالطريق .

بيان ذلك: ما أفاده في الفصول ملخّصا لما عن أخيه قدس سره من انا نقطع بأنّنا مكلّفون بأحكام الشريعة ونقطع أيضا بجعل الشارع طريقا عليها وحجّة موصلة إليها ومرجع القطعين إلى أمر واحد وهو اننا مكلّفون بمؤدّى الامارات واحتمال اختفاء هذا الطريق والفرق بينه وبين مسئلة الخلافة حيث أنكروها مدفوع بوضوح الفرق .

ملخّص ما أفاده في الفصول

ص: 343

لكن استشكل هذا الفرق ووضوحه سيّدنا الأستاذ قدس سره بانكار اختفاء مسئلة الولاية حيث انهم لم ينكروا ذلك بل رووها في كتبهم بطرقهم المختلفة لكنّهم وجّهوها بتوجيهات وأوّلوها كما انّ بعضهم حيث أنكرها إنّما أنكرها لعناده واعتقاد بعضهم على انه عليه السلام فوّض إلى المتقدّمين عليه أمر الخلافة والتصدّي ظاهرا وجعلهم نوابا له عليه السلام وانكار الولاية لهم واعتقاد امامتهم .

وكيف كان فعلى هذا المبنى لا اشكال في اجراء المقدّمات في تعيين هذا الطريق وتكون النتيجة هي حجيّة الظن بالطريق وليس في ما بأيدينا من الطرق ما يكون قابلاً للجعل أو محتملاً له بحيث يكون وافيا بمعظم الفقه غير الظن . غاية الأمر يمكن اختصاصه بدائرة الأخبار لو وفى والا فيضم إليه الشك وهكذا إلى ان يفي بمعظم الفقه ولهذا جعلوا دليل الانسداد من الأدلّة العقليّة الدالّة على حجيّة مطلق الظن أو على خصوص الظن الخبري . وظاهر هذا المبنى هو التصويب . لكن لابدّ من توجيه كلامهم على نحو لا يرد عليه هذا الاشكال ولا غيره من الاشكالات الخمس التي أوردها عليه الشيخ قدس سره وتصدّى المحقّق النائيني لتوجيه كلامه على وجه يندفع كثير من هذه الاعتراضات أو جميعها .تبيين وتوضيح وتكميل: أشرنا إلى استفادة صاحب الفصول كاخيه من المقدّمات حجيّة الظن بالطريق دون الواقع وبينا وجهه منه بظاهره الذي يرد عليه اشكال التصويب كما أورد عليه الشيخ قدس سره خمس اشكالات وأجاب المحقّق النائيني(1) عن أربع منها بما لا يدفع الاشكال إلاّ عن بعضها والتزم بورود الاشكال الخامس عليه فانه قدس سره قد وجّه كلام صاحب الفصول وحمله على غير

ص: 344


1- . فوائد الاُصول 3/282 إلى 286 .

ظاهره ولذلك اندفع بنظره أربع اشكالات ولكنه لا يكون كلام صاحب الفصول ولا ظاهره . بل الظاهر ورود الاشكالات التي أوردها الشيخ عليه على ظاهر كلامه ولا مدفع عنها الا برفع اليد عن كونه كلامه ونسبة كلام آخر إليه .

وتبديله فانه قدس سره وجهه بانا نقطع بكوننا مكلفين ضرورة كما نقطع بنصب الشارع طرقا موصلة إلى الأحكام الواقعيّة والتكاليف بما يكون واقيا بمعظم تلك الأحكام أو كلّها . ومقتضى القطعين انحلال العلم الاجمالي بدائرة التكاليف بالعلم بما في دائرة الطرق المنصوبة وتوظفنا بالعمل بمؤدى الطرق وحيث لا علم لنا بالطريق المنصوب فاللازم اجراء المقدّمات في استنتاج حجيّة الظن بالطريق لا الواقع لانحلال العلم بالواقع بما في دائرة الطرق فوجّه النائيني كلامه فى نصب الطريق باحتماله أو ارادته أعم من الامضائي أو التأسيسي . فيمكن الايكال إلى الطرق العقلائيّة وامضائها . وعلى هذا لا يرد عليه اشكال الشيخ بأنّه لو كان الطريق

منصوبا لوصل إلينا واشتهر . أو بعدم العلم بنصب الطريق . ولكن ظاهر كلام صاحب الفصول يأبى حمله على الأعم من التأسيسي والامضائي . كما انه لأخيه قدس سره وجه آخر في حجيّة الظن بالطريق لا مجال لايرادات المحقّق النائيني قدس سره عليه بل على فرض تسليم المقدّمات لابدّ لنا من الالتزام بما استنتج منها لحجيّة الظن بالطريق دون الواقع . وهذا الطريق الذي سلكه أوضح من الطريق الأول والوجه السابق الذي نقلناه عن صاحب الفصول .

وحاصله لزوم تحصيل المؤمن على الواقع بعد العلم القطعي بوجود تكاليف لازمة الامتثال . وعلى هذا فحيث لا علم لنا بالمؤمّن الذي جعله الشارع مؤمّنا فيكفي الظن به فالعبرة بالظن بالمؤمن لا بالظن الواقع إذ مع الظن بالواقع لا يظن

ص: 345

بالبرء والفراغ فلا مؤمّن لنا بالاكتفاء به .

والحاصل انه سنتكلّم إن شاء اللّه في بيان صحّة أو فساد هذين الوجهين ولكن يمكن أن يقرب دليل صاحب الحاشية بنحو آخر يكون نتيجته حجيّة الظن بالطريق . بأن نقول انا نعلم علما قطعيّا بوجود تكاليف موجهة إلينا لا نعلمها تفصيلاً ولذا لا يجوز اهمالها وعدم التعرض لها بوجه . للخروج عن الدين ومخالفة شريعة سيّد المرسلين . وحينئذٍ فمقتضى القاعدة الأوليّة الاحتياط في أطراف المعلوم بالاجمال بما يمكن تامّا أو مبعضا .

ثمّ انه اذا قام الاجماع على عدم جواز الامتثال الاحتياطي وبطلانه ولزوم الامتثال تفصيلاً فلا محالة يكون الظن حجّة في مقام اثبات التكاليف لدوران الأمر بين رفع اليد عن الأحكام في حال عدم العلم بها وانسداد باب العلم والعلمي بها أو عدم ارادة امتثالها وجواز اهمالها أو ترخيص الامتثال علميّا احتياطا أو جعل طريق وافٍ بمعظم الأحكام كاشفا عنها كشفا تفصيلاً بحيث يمكن معه جريان الأصول المرخصة في الباقي . وحيث ان الاحتمالات الثلاث الأول باطلة بداهة بطلان رفع الأحكام كبطلان عدم ارادة امتثالها وتجويز مخالفتها واهمالها وهكذا بطلان الامتثال الاحتياطي لقيام الاجماع على المنع . فحينئذٍ لابدّ من جعلحجّة مثبتة لها يمكن معها الامتثال التفصيلي بحكم العقل . فنرجع إلى الطرق القابلة للاثبات فبعضها قطعي العدم في تعلق الجعل بها وبعضها موهوم وبعضها مشكوك وبعضها مظنون الجعل . ولو اجرينا مقدمات الانسداد في هذا الطريق المجعول وأردنا الاحتياط فيه فيلزم المحذور الكائن في نفس امتثال الأحكام . فلا جرم لعدم التمكن من العلم يكون نوبة الظن بحكم العقل ويكون مظنون الجعل هو

ص: 346

الحجّة . وهو منحصر بدائرة الأخبار لافادة أدلّة حجيّتها الظن لو لا القطع حسب الفرض من الآيات والأخبار . بخلاف الشهرة والاجماع والأولويّة الظنيّة فانّها مشكوك الحجيّة . فهذا الظن في فرض انسداد باب العلم والعلمي وتماميّة المقدّمات السابقة يكون حجّة قطعا بلا اشكال . لبطلان الاحتمالات المقابلة لها بحكم العقل والفرض . وعلى هذا فيكون دليل الانسداد دليلاً عقليّا على حجيّة أخبار الآحاد في قبال الأدلّة النقليّة المقامة على حجيّتها ويصح عد دليل الانسداد من الأدلّة العقليّة التي أقاموها على حجيّة الخبر . نهاية الأمر عدم وصول النوبة إلى اجراء المقدّمات لكونها فرضيّة لبطلان المقدّمة الأولى من انسداد باب العلم والعلمي بالنسبة إلى انسداد باب العمل لانفتاحها بالنسبة إلى العلمي بأسهل ما يكون حسب ما تقدم من الأدلّة عليه .

تتميم: انّ المحقّق النائيني قدس سره بعد دفع باقي الاشكالات ( غير الأخير ) بعد انسداد باب العلم والعلمي كما هو مفروض المقدّمة الاولى من المقدّمات وبطلان الاحتياط واخويه يردّد(1) الأمر بين امور يكون حجيّة الظن بالخبر من بينها حقا على ما سبق حيث ان الأدلّة المقامة على حجيّة الخبر الواحد لو لم تفد العلمبالحجيّة فلا مجال ( لانكار ) افادتها الظن بالحجيّة وحينئذٍ فتكون النتيجة حينئذٍ حجيّة الظن بالطريق وهو خصوص الخبر الواحد . وأمّا باقي ما يحتمل جعل طريقيته فيكون مشكوك الجعل فلا يفيد شيئا وكذلك الظن بالواقع لعدم اجدائه من الحق شيئا .

وعلى هذا فلا يتوجه عليه الاشكال أصلاً . واما ما أفاده أخوه ( صاحب

تحليل كلام صاحب الفصول وأخيه

ص: 347


1- . فوائد الاُصول 3/234 .

الفصول

قدس سره ) صاحب الحاشية . فهو انه لا اشكال ان اللازم علينا تحصيل العلم بالفراغ أو تحصيل العلم بجعل الشارع المفرغ بالنسبة إلى الأحكام لنا بمعنى جعله شيئا يكون لازمه الحكم بالمفرغيّة وهذا هو الذي عبّر عنه الشيخ قدس سره بأنّه حكم حكما جعليّا بأنّه هو الواقع أو هو المراد .

وظاهر العبارة وان كان لا يناسب الأصول الا ان المراد على الظاهر منها ان الشارع جعل حكما ظاهريّا يكون سلوكه مبرئا للذمّة مفرغا عنها ولو كان ذاك الطريق المجعول هو غير تأسيسي بل امضائيّا وهذا ممّا يظهر بالتأمّل والتدبّر في كلامه قدس سره ولا مجال لتوهّم اختصاص الحجّة في كلامه بخصوص التأسيسي لا انه يقيّد الواقع ويكون مراده الواقعي هو مؤدّى ما جعل كي يكون مستلزما للتصويب . وعلى هذا ففي حال التمكن لابدّ من أحد الأمرين . فاذا تمّت المقدّمات وانسد باب العلم والعلمي بالواقعيّات وبطل الاحتياط بمعنى قيام الدليل المعتبر على عدم جواز الاتيان بما يخل بالنظام ولا بأدون منه ولا يريد الشارع امتثال أحكامه كذلك فلا محالة يكون الظن قائما مقام العلم في الجهة التي كان طريقا فيه وهو تعلّقه بنفس الواقعيّات أوباتيان المفرغ للذمّة .

وحينئذٍ فبعد تماميّة المقدّمات يكون الظن قائما مقام العلم وتكون النتيجة حينئذٍ حجيّة الظن بالطريق وهو منحصر بخصوص الخبر الواحد الذي يظن جعلالشارع اياه حجة دون غيره من الشهرة في الفتوى وغيرها . اذ هو أي خبر الواحد هو الذي يظن جعل الشارع له مفرغا للذمّة لا غيره .

بل غيره يكون مشكوكا . وعلى هذا التقريب وسابقه الذي سلكه أخوه يصحّ جعل دليل الانسداد من الأدلّة العقليّة المقامة على حجيّة الخبر الواحد .

ص: 348

ثمّ انه لا مجال لجعل الظن بالواقع أيضا حجة . وهذا لعدم ملازمة الظن بالواقع للظن بالمفرغ بل الظن بالطريق هو الملازم للظن بالمفرغ الذي جعله الشارع مفرغا الذي هو في عرض المفرغ الواقعي .

وعلى هذا ففرق بين العلم والظن حيث ان الأول تكون حجيّته ذاتيّة له لا تنالها يد الجعل نفيا واثباتا بسيطا ولا مركبا ويكون حجّة مطلقا سواء تعلّق بالطريق أو المفرغ أو الواقع بخلاف الظن فانه يحتاج إلى الجعل والمقدمات على هذا التقدير لم تجر الا فيما يكون نتيجته هو خصوص حجيّة الظن بالطريق المفرغ الذي يكون بسلوكه مظنون الفراغ من الأحكام الواقعيّة فتدبّر جيّدا فانه على هذا بعد تسليم المقدّمات أيضا لا مجال للاشكال فيه .

تذكار: في ما أورده المحقّق النائيني على ما افاده صاحب الحاشية المحقّق طاب ثراه في عبارته في المقام أوّلاً بانه لا معنى لحكم الشارع بافراغ الذمّة حيث ان الاتيان بالمأمور به على وجهه وموافقة الأمر يجزي عن الواقع قهرا لكون الانطباق قهريا والاجزاء عقليا فلا وجه لحكم الشارع بالاجزاء وفراغ الذمّة كما انه لو لم يحصل الامتثال والفراغ بالاتيان به مرّة واحدة فلا يكون اتيانه

مجزيا بعدها أيضا لكون حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحدا . كما انه اذا لم يكن المأتي به موافقا للمأمور به فلا يكون مجزيا ومفرغا قطعا .

وعلى كلّ حال فامر الاجزاء والحكم بافراغ الذمّة ليس بيد الشارع . بل هوأمر عقلي فان كان موافقا للأمر فمفرع والا فلا . وفي صورة الموافقة وحصول الاجزاء عقلاً لا معنى لحكم الشارع بالاجزاء والافراغ لكونه من تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد الذي هو من أسوء أنحاء تحصيل الحاصل . واما ثانيا

ص: 349

فانه لا وجه لجعل حكم الشارع بالافراغ مطلقا حتّى في فرض حصول العلم بالفراغ لما فيه من المحذور الذي هو كونه من تحصيل الحاصل بل من أسوء أنحائه . وثالثا يرد على هذا الوجه والوجه السابق الذي استند إليه صاحب الفصول قدس سره انه لا أثر للطريق المجعول المجهول الذي لم يصل اذ لا يكون له آثاره من المنجزية واصالة الظهور والحجيّة وغيرها . بل انما تترتب هذه الآثار على الطريق الواصل المحرز فمجرّد جعل الطريق الذي لا يعلم أي طريق هو من بين الطرق لا يكفي في المنجزية ولا تترتب آثار الحجيّة عليه . ورابعا انه لا ينحصر الملازمة بين الظن بالطريق والظن بالفراغ بل يمكن تحقق الملازمة بين الظن بالواقع والظن بالطريق المفرغ أيضا وهذا الأخير سيجيء الكلام عليه .

وأمّا الوجوه الثلاثة المتقدّمة فقابلة الدفع عن المحقّق صاحب الحاشية قدس سره

اما الاول . فلانه ليس مراد المحقق ان الشارع يحكم بالفراغ وان المكلف صار بريء الذمّة بقوله ابرأت ذمتك أو حكمت بابرائها بل مراده قدس سره من عبارته ما أفاده الشيخ الأنصاري قدس سره وارتضاه المحقق النائيني بل كان يعجبه تعبير الشيخ فكان يكرر ذكره في مواضع من أبحاثه من جعل الشارع شيئا يكون هو هو وبعبارة اخرى يحكم حكما بانه المراد وهو المراد من جعل هو هو وان كان هذا التعبير أيضا لا يخلو من الاشكال لانه ان كان هو الواقع فلا يحتاج إلى الجعل والا فيكون تنزيلاً لغيره منزلته .

وكيف كان فمراد المحقّق قدس سره جعل الشارع طريقا ولو امضائيّا يكون المكلفبسلوكه بريء الذمة . وهذا غير جعل المؤدّي في عرض الواقع ويكون الاتيان بكليهما مجزيا كي يرد عليه اشكال النائيني بأن المؤدّى لا يغير الواقع . بل الامارة

ص: 350

ليس فيها الا الطريقيّة فان أصابت والا فليس الا المعذوريّة حتى انه لو الجأنا إلى شيء فنلتزم بالمصلحة السلوكيّة على نحو لا يلازم التصويب هذا . كما انه لم يجعل حكم الشارع على ما ذكرنا في فرض العلم حال الانفتاح على نحو يكون مع العلم مجال لحكم الشارع بفراغ الذمّة . بل التدبّر في مقدّمات كلامه وما أفاده قدس سره في هذا المقام يرشد إلى ما ذكرنا من امضاء الشارع الطريق المسلوك عند العقلاء لعدم حصول العلم من قول الراوي الذي يحتمل عدم انفهام كلام الامام علیه السلام على وجهه كما يحتمل انه نسيه ولم ينقله على ما سمعه . وكذلك يحتمل الاشتباه ومع هذه الاحتمالات لا يحصل العلم بخبره . مع انه أخذ بقوله ولم يرد عنا الشارع عنه بل امضاه وعلى كلّ حال فلا يرد عليه هذا الاشكال أيضا كما لا يرد عليه الاشكال الثالث لكونه (لاحظه) المحقق لتصحيح حجيّة الأخبار التي بأيدينا التي بقي الكلام في خصوص حجيّتها وصدورها بعد الفراغ عن أصل الظهور وانعقاده لها وساير الجهات فليس على نحو يكون الطريق المجعول مجهولاً كي لا يكون منجزا .

والحاصل ان غرضه قدس سره ان الأدلّة التي أقاموها على حجيّة خبر الواحد من الآيات والأخبار وغيرها لو لم تفد القطع بحجيّتها فلا أقل من افادة الظن بالحجيّة وهذا الظن ملازم للظن بالفراغ في حكم الشارع بخلاف الظن بنفس الواقع لعدم ملازمة بينه وبين الظن بالمؤمّن لعدم ظن حجية هذا الظن المتعلّق بالواقع . ولذلك لم يكن في عرض الظن بالحجيّة ومساويا له . فحينئذٍ بعد تماميّة ساير المقدّمات ينتج حجيّة الظن بالحجيّة وجعل الطريق الذي بسلوكه يكون ذمّة المكلّف فارغةظنا حيث انه مع العلم بجعل الطريق كيف كان سلوكه مؤمنا قطعا فحال الانسداد

ص: 351

يتبدل العلم بالظن ويكون الظن بالجعل ملازما للظن بالمؤمن .

فتلخص ممّا ذكرنا حجيّة خصوص الظن بالطريق على هذا المبنى ويمكن ترتيب المقدّمات على نحو يكون النتيجة ما أفاده الشيخ قدس سره من الأعم ولكن كلّ مبتنى على مقدمات والنزاع يرجع إلى المبنى .

تنبيه: قد سبق ذكر اشكال المحقّق النائيني على كلام صاحب الحاشية في حكم الشارع بالفراغ .

ان قلت: قد تقدّم في بعض المباحث السابقة في الانسداد اختيار المحقّق النائيني امكان تصرّف الشارع في مورد حكم العقل كايجاب الاحتياط في أطراف العلم الاجمالي فليكن المقام كذلك فانه قدس سره اختار ذلك .

بيانه انّ الاحتياط تارة جعله في ما لا مجال لحكم العقل واخرى يكون جعله في مورده . فالاول لا اشكال في جوازه ولا دليل على منعه كما في موارد الشبهة في القبلة حيث ان الشارع اكتفى(1) بأربع جهات عن القبلة الواقعيّة ولو لا حكمه بذلك لم نكتف بها بل كان اللازم الاحتياط في الأطراف أزيد منها إلى حد يوجب العلم بتوجه القبلة في الصلاة بناءً على لزوم استقبال نفس الكعبة لا كفاية الجهة حتى مع اتّساع المحاذاة فانه لا يوجب التوسعة الا جزئيا فان الشارع قد حكم في هذا المورد بما لا مجال للعقل به وليس له . والثاني كما في أطراف العلم الاجمالي لاستقلال العقل بالاحتياط مقدمة لامتثال التكليف المعلوم بالاجمال فيها وهذا الذي يمكن الاشكال فيه بأنّه مع استقلال العقل بلزوم الاحتياط فلامجال لحكم الشارع بذلك تعبّدا بل انما يصحّ ارشادا .

ص: 352


1- . الوسائل 4 الباب 8/1 - 5 من أبواب القبلة .

ان قلت فما تقولون في اجراء البرائة الشرعيّة في موارد الشبهات بلا بيان مع استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان فانه لا يحتمل اختصاص ذلك بامة دون امة بل الأمور المرفوعة عن الامة المرحومة دون الأمور التي يستقل العقل بها .

قلت امّا أوّلاً فانّ النقض ليس بجواب فلنا ان نلتزم بذلك في ذلك المقام أيضا . وثانيا انه يمكن ترتيب الأثر على جعل البرائة الشرعيّة مضافا إلى حكم العقل لأن شأن العقل محض ادراك الحسن والقبح ولا يمكنه تشريع حكم أو الترخيص بخلاف الشارع . فاذا رخّص في ارتكاب الشبهة البدويّة بعد الفحص فيمكن اسناد ذلك الترخيص إلى الشارع والقول بأنّه حلال لنا ظاهرا وانّ الشارع حلّل المشكوك لنا . وهذا غير حكم العقل . وبذلك نجيب عن أصل الاشكال المتوجه على ايجاب الاحتياط في أطراف العلم الاجمالي فان اللغويّة وعدم الأثر إنّما يتأتى اذا حكم الشارع بما حكم به العقل بخصوصه . واما اذا كان الشارع قد حكم بغير ما يحكم العقل في مورد العلم الاجمالي فلا دليل يمنع من ذلك . بل له ذلك ويكون ايجاب الاحتياط شرعيّا ويمكننا أن نقول كلّ واحد من الأطراف لازم الاجتناب بحكم الشارع ونسند ذلك إليه بخلافه في الاحتياط العقلي لكونه حراما وتشريعاً وهذا بناء على الاغماض عن أصل اشكال تصوير الاحتياط الشرعي . والا ففيه اشكال حيث ان في الموارد الثلاثة التي قالوا فيها وهي الأموال والنفوس والأعراض لا يمكن الالتزام بلزوم الاجتناب وجعل الشارع ذلك حتّى فيما اذا كان المشتبه مباحا للمصيب كان يكون مال نفسه فلا يكون حراما اذ لو كان الاجتناب عنه لازما مطلقا سواءً كان لنفسه أو غيره فيخرج عن موضوع الاحتياط ويكون حكمه بالعنوان الثانوي هو الحرمة مطلقا . كما ان

ترتيب المقدّمات على نحو تنتج ما أفاده الشيخ

ص: 353

تخصيص لزوم الاجتناب بحال كونه مال الغير لا فائدة فيه لكفاية الحكم الأولى المجعول عليه وحكم الشارع بتخصيص الأصول المرخصة في مورده لو صادف الحرام لا ينتج شيئا بعد عدم علم المكلف بهذا التقدير . اذ معناه على هذا حرمته على تقدير مصادفة الحرام وحليته على تقدير عدمه . نعم لا مانع من جعل الشارع جواز التصرّف على المال المعلوم انه مال المتصرّف وهذا أمر آخر غير ايجاب الاحتياط . وبالاخرة فايجاب الاحتياط الشرعي لا يخلو عن الاشكال . والنقض بالامارات وان المدار فيها على ذلك وهو كون احتمال المصادفة فيها منجزا لا فائدة فيه لعدم ابتناء الامارات على هذا المبنى . بل لها طريق آخر وبالجملة فلا يرد الاشكال على ما أورده المحقّق النائيني على المحقّق صاحب الحاشية بايجاب الاحتياط الشرعي الذي التزمه هو في ما سبق كما ان الأمر في مورد حكم العقل بالبرائة وجعل الشارع الاحتياط أوضح .

والحاصل ان ظاهر عبارة صاحب الحاشية لا يخلو عن الاشكال وان كنّا قد وجّهنا عبارته وانه قدس سره لا يقول بالتخيير بين الاتيان بالواقع ومؤدّى الطريق مطلقا بل غرضه موافقة الأصول والقواعد الجارية في وادي الفراغ كما التزمه المحقق النائيني في مورد العلم التفصيلي أيضا وهذا نظير ما وجهنا به عبارة صاحب الفصول قدس سره في ما قاله من ان مرجع القطعين إلى أمر واحد وهو كوننا مكلفين بمؤدّى الامارات . فان ظاهره التصويب الذي لا يناسب اصول المخطئة ووجهناه بما سبق كما انك عرفت اندفاع الاشكالات الآخر التي أوردوها عليه ومنها ما هو مشترك بينه وبين أخيه من عدم منجزيّة الطريق المجهول وقلنا ان مراده قدس سره هو خصوص الأخبار التي بأيدينا حيث ان الأدلّة المقامة على حجيّتها

اشكال عبارة صاحب الحاشية

ص: 354

لو لم تفد العلم بحجيّتها فلا أقل من الظن بالحجيّة . فتكون مظنونة الحجيّة فهيمعلومة لا مجهولة بحيث لا يعلم ما هو الحجة المجعولة في البين وبهذا صحّ جعل هذا الوجه من الوجوه الدالّة على حجيّة خير الواحد بالخصوص وعليه فلا يكون العمل بالأخبار من باب الاحتياط ولا الرجوع إلى الانسدادي هذا خارجا عن حد أخذ الفتوى منه بخلافه على فرض الاحتياط فانه لا فتوى ولا تقليد بل كله رجاء واحتياط .

وهكذا لا مجال لايراده الأخير الذي هو انكار الملازمة بين الظن بالواقع والظن بحكم الشارع بالفراغ . حيث ان المحقق النائيني قدس سره أورد عليه بأن العلم بالواقع واتيانه كيف يكون ملازما للعلم بالفراغ وحكم المولى بافراغ الذمّة وهكذا الظن بالواقع فانه لازم للظنّ بالفراغ وحكم الشارع به ولا فرق بين العلم والظن . فانه اذا تعلق أحدهما بأحد المتلازمين يلزمه اللازم الآخر . ولكن قد ذكرنا ان المحقق لم يعتبر الظن بالواقع لقيام الأدلّة على خلاف حجيّته من الآيات الناهية عن اتباع الظن بخلاف الظن بالطريق فانه بضميمة بقية المقدمات ينتج كونه حجّة في طريق استنتاج الأحكام من الشارع فلا اشكال عليه .

توضيح وتأكيد: قد سبق انه لا مجال للاشكال الذي أوردوه على المحقّق صاحب الحاشية بعدم اعتبار الظن بالواقع بثبوت الملازمة في المقامين فكما ان الملازمة محقّقة بين الظن بالطريق والظن بالفراغ كذلك بين الظن بالواقع والظن بالفراغ فان الظن بالواقع أيضا ملازم للظن بالفراغ . فلا وجه لاختصاص الحجيّة بالظن بالطريق دون تعميمه إلى الظن بالواقع مع وجود ما هو المناط عند المحقّق قدس سره في حجيّة الأوّل في الثاني . وجه عدم توجه الاشكال عليه انه قدس سره

ص: 355

لا بنكر الملازمة في الظن بالواقع أيضا وإنّما مراده عدم قيام دليل على حجيّة هذا الظن في المقام لأنّ الذي دلّ عليه الدليل حسب ترتيب المقدمات انما هو حجيّةالظن بالفراغ المستند إلى الظن بالطريق لا مطلق الظن بالفراغ من أي سبب حصل . وعلى هذا فالنتيجة هي خصوص الظن بالفراغ المستند إلى الظن بالطريق كما استنتجها المحقق ولا يرد عليه الاشكال .

نعم لو كان كلام ففي ترتيب المقدمات . فانه يمكن اجراءها وترتيبها على نحو تكون النتيجة أعم . وذلك لأن انسداد باب العلم والعلمي وعدم جواز الاهمال وبطلان الرجوع إلى الطرق المقررة للجاهل على حسب ما مرت يوجب حجيّة الظن بكلّ من الواقع والطريق لعدم انحلال العلم الاجمالي الكبير في الوقائع المشتبهة بما في دائرة خصوص الأخبار المظنونة كي تكون النتيجة ممحضة في الظن بالطريق على ما ذهب إليه المحقّق . فالنتيجة هي حجيّة الظن بكلّ من الواقع والطريق . وبالجملة فاختلاف النتيجة إنّما يستند إلى اختلاف جريان المقدمات فتارة تجري كما اجراها المحقق وأخوه صاحب الفصول . واخرى كما اجراها المحقق النائيني . والنتيجة على الأول حجيّة الظن بالطريق وعلى الثاني هو كلّ من الطريق والواقع كما سلف من ترتيب المقدّمات واستنتاج جعل الظن حجة لانحصار القابل به دون ساير الأمور المحتملة من الجفر والرمل والنوم والمشورة وغيرها فانها مشكوكة الاعتبار أو مقطوع العدم فينحصر ما هو القابل للجعل كشفا بخصوص الظن . وعليه لا يمكن بناءً على الكشف استنتاج خصوص حجيّة الظن بالطريق دون الواقع .

نعم حيث ان الظن مختلف موردا وسببا وقوّة وضعفا فللكلام في الاطلاق

ص: 356

والاهمال مجال في الموارد الثلاثة . وهو انه بناءً على تماميّة تقريب الكشف وقطع النظر عن اشكال التبعيض في الاحتياط الذي لا تصل النوبة معه إلى الكشف هل تكون نتيجة المقدمات مهملة وهي حجيّة ظن خاص في مورد خاص والحاصلمن سبب خاص أم مطلق الظن يكون حجّة في كليّة الموارد بجميع مراتبه حتى أدنى مرتبة الرجحان الذي يكون الظن به ظنا فان الظن حيث ان طريقيّته ليست ذاتيّة كالعلم فيحتمل قصر حجيّته بحسب الجعل بظن خاص في الموارد الثلاثة لكونه من هذا الحيث كالقطع الموضوعي الذي اعتباره بيد من بيده الاعتبار .

وحينئذٍ فان دلّ الدليل واستنتج من المقدّمات حجيّة الظن مطلقا بحسب الجهات الثلاث فهو . وإلاّ فلابدّ من الأخذ بالقدر المتيقن فيها . فان المتيقن هو حجيّة خصوص الظن القوى الذي هو الظن الاطمئناني دون باقي مراتبه كما ان المتيقن هو خصوص الظن الحاصل من دائرة الأخبار دون غيرها من الشهرات والاجماعات . وكذلك المتيقن جعله في خصوص غير ما تكون كثير المفسدة ولها مزيد اهميّة كالاعراض والأموال والنفوس وجعله فيها يكون مشكوكا . لكن اقتصار الحجيّة بخصوص الظن الاطمئناني والخبر الصحيح الاعلائي المزكّى كلّ واحد من رواته بعدلين لا يوجب الوفاء بمعظم الفقه فلا يمكن الاقتصار عليه . كما لا يمكن الاقتصار على حجيّته في غير الموارد الثلاث وكذلك السبب فانه يمكن عدم وفاء خصوص الحاصل من سبب خاص كالخبر أيضا .

نعم لا مانع من الاقتصار على أقوى مرتبة الظن أو خصوص القوى وهو الظن الاطمئناني لوفائه بمعظم الفقه بحيث لا يلزم محذور في الباقي من الموارد الخالية عنه فنقتصر عليه وحينئذٍ فيوافق الانسدادي لغيره في حجيّة أخبار الآحاد

افتراق النتيجة حسب اختلاف ترتيب المقدّمات

ص: 357

الموجبة للظن القوى الاطمئناني .

عود على بدء ببيان آخر:

لا يخفى اختلاف نتيجة مقدّمات الانسداد في كونها هي حجيّة الظن

بالطريق أو حجيّة الظن بالواقع ولا ثالث لهما بأن يكون حجيّة الأعم منهما . نعم لوتمت على التبعيض في الاحتياط فتكون نتيجة ثالثة ولا تصل النوبة إلى استنتاج حجيّة الظن . فالمذاهب في المقام ثلاثة . حيث ذهب بعضهم إلى ان نتيجتها هي حجيّة الظن بالواقع وآخر إلى حجيّة الظنّ بالطريق كصاحب الفصول وأخيه صاحب الحاشية وثالث إلى حجيّته فيهما . لكن لا يمكن تقريب المقدّمات على نحو تنتج الأعم لأن مصب المقدّمة الاولى والثانية ليس إلاّ الواقعيّات وكذلك المقدّمة الثالثة بالنسبة إلى الرجوع إلى الأصول والتقليد إنّما هي الواقعيّات وكذلك

الاحتياط .

ثمّ انه تارة يكون المدرك في المقدّمة الثانية وهي عدم جواز الاهمال هو العلم الاجمالي .

فالنتيجة فيها هي الاحتياط باتيان جميع المحتملات وإلاّ فمهما أمكن لأن الضرورة تتقدر بقدرها .

فحيث لا يمكن الاحتياط في جميع الأطراف لقيام الاجماع أو استلزامه اختلال النظام والعسر والحرج فبمقدار يمكن وترك الاحتياط فيما يوجب الاحتياط فيه مع الباقي اختلال النظام أو العسر والحرج . غاية الأمر بضميمة المقدّمة الرابعة لابدّ في تعيين ذلك في الموهومات وان بقي العسر والحرج فيضم إليها المشكوكات ويقتصر دائرة الاحتياط على خصوص المظنونات .

ص: 358

وهذا لو كان المانع من الاحتياط في جميع الأطراف هو العسر والحرج

وأمّا لو كان هناك اجماع فهو على نحوين . فتارة على عدم جواز الامتثال رجاءً واحتمالاً . بل اللازم الاتيان بها بقصد الوجه وهذا وإن كان لا دليل عليه وعلى فرض قيام الدليل على ذلك والقول به فينحصر موضوعه بحال التمكن من ذلك ولكنه على فرض عمومه والالتزام به حتى في حال الانسداد فلا يمكن معهالاحتياط في العبادات أصلاً . وحينئذٍ لابدّ من الكشف عن وجود مثبت منجز في البين يتمكّن معه من الامتثال التفصيلي ويتعين بالظن لعدم قابليّة غيره لجعله منجزا محرزا وهو الظن بالواقع .

واخرى على عدم لزوم الاحتياط في جميع الأطراف وتركه في بعضها والاقتضار على المظنونات أو مع المشكوكات . وعلى كلّ حال فقد تقدّم استنتاج جعل حجيّة الظن على فرض قيام الاجماع على النحو الأول بالواقعيّات سواء كان المدرك في عدم جواز الاهمال هو العلم أو قيام الاجماع والضرورة .

كما ان في العسر والحرج أيضا نقتصر على ما لا يلزم منه العسر والحرج ان كان المدرك هو العلم والا فقد استشكلنا فيه كما تقدم واطلق التبعيض في الاحتياط سيّدنا الأستاذ قدس سره في المقام لكنه خلاف ما تقدم منه هناك وهكذا الأمر على الحكومة وحكم العقل بلزوم امتثال الأحكام والتكاليف فانه يحكم أو لا بلزومه تفصيلاً والا فظنا كما في الظن بالقبلة . فاذا لم يمكننا الصلاة إلى القبلة المعلومة فيكفي القبلة المظنونة اذا لم يتمكن من الاحتياط وهكذا إلى أن تصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي . وحكم العقل في مقام الامتثال أيضا موضوعه الواقعيّات لا الأعم ولا خصوص الطريق . فعلى ما ذكرنا لا وجه لحجيّة الظن

النتيجة حجيّة الظن بالطريق أو الواقع

ص: 359

بالأعم ولا بالطريق كما انه لو اجرينا المقدمات إلى المقدّمة الثالثة وقلنا ان الشارع كما قد كلّفنا بتكاليف كذلك قد جعل لنا طرقا إليها ومرجع القطعين إلى أمر واحد كما عن صاحب الفصول أو ان اللازم هو الخروج عن عهدة التكاليف في حكم الشارع علما وإن لم يكن فظنا ولا عبرة بالظن باتيان الواقع . فالنتيجة هي حجيّة الظن بالطريق ولا يكون الظن بالواقع مفيدا على هذا المبنى الا باستلزامه للظن بالفراغ وليس كذلك .نعم يمكن اتفاق وقوع ذلك وهكذا بناءً على تقريبها بما سلف لا تنتج الظن بالطريق شيئا ما لم يوجب الظن بالواقع بجريان المقدمات بالنسبة إليه ولا ملازمة في المقامين بين الظن بالطريق المجعول واتيان الواقع ظنا كما ان الاتيان بالواقع ظنا لا يلازم الظن بالطريق والفراغ ولا تقريب ثالث يكون جامعا بين النحوين ينتج أعميّة النتيجة من الظن بالواقع أو الطريق .

والحاصل ان النتيجة أحد الأمور الثلاثة اما التبعيض في الاحتياط بناء على عدم تماميّة الاجماع على عدم الاحتياط وأمّا حجيّة الظن بالطريق وأمّا حجيّة الظن بالواقع . وقد عرفت فيما تقدّم انّ الحق هو تقريبها بالنسبة إلى الواقع ولا مجال لما ذهب إليه صاحبا الفصول والحاشية من جعل حجّة مجعولة في البين مجهولة لعدم جريان الأصول الأربعة من الحجيّة والظهور والجهة والصدور فيها ما لم تكن مشخّصة معلومة ولا انه تنجز مؤدياتها . وقد عرفت الاشكال أيضا على ظاهر عبارة الفصول من رجوع القطعين إلى أمر واحد من كونه يلازم التصويب . ولا يمكن الالتزام به ولا انه يلتزم به وان لم يكن مانع عقلي على ايجاب قيام الامارة ملاكا أقوى من ملاك مؤداها لو خلى وطبعه يوجب كون الحكم على وفقه

من النتائج التبعيض في الاحتياط

ص: 360

أو اشتراط الحكم بقيام الامارة على وفقه لكنه خلاف المذهب . لقيام الاجماع على بطلان التصويب . هذا ما يتعلّق بالتنبيه على الأمر الأوّل وقد علم من مطاوي ما ذكرنا عدم مجال لجريان الأصول بناء على الانسداد خصوصا الشرعيّة التي مدركها الأخبار لعدم حجيّتها فكيف يمكن جريان الأصول بلا مدرك لحجيّتها .

الأمر الثاني:

هل النتيجة لمقدّمات الانسداد هي مهملة أو كليّة من حيث المورد والسبب والقوّة والضعف ؟ لا يبعد دعوى عموم النتيجة سببا وعموما وموردا وقوّه وضعفالحجيّة الظن لما أشرنا إليه من عدم مجال لجريان الأصول فلا يحتمل كونها هي المرجع في بعض الموارد والفرض انه لا علم لنا بالتكاليف لانسداد باب العلم والعلمي فلا محالة تكون النتيجة حجيّة الظن كلية فتدبر جيدا .

وكيف كان فالنتيجة تختلف حسب اختلاف المباني في تقرير مقدمات الانسداد فعلى بعضها يكون النتيجة كلية كما انه على آخر تكون مهملة والمراد بالكلية انه يعم حجيّة الظن مطلقا في جميع الموارد من حيث السبب ومن حيث المورد سواء كان في مورد الأموال والأعراض والنفوس أم غيرها ومن حيث القوّة والضعف وعلى هذا المبنى يحتاج الرجوع إلى الاحتياط في بعض الموارد إلى قيام الدليل عليه بالخصوص والا فلا يمكن مع أخذ النتيجة كليّة . القول بالاحتياط في مورد من الموارد بغير دليل قطعي . كما انه لو فرض كونها مهملة فقد يتوهم خلوها عن الفائدة . اذ في غير القدر المتيقن من الجهات الثلاث لابدّ من الرجوع إلى البرائة أو الاحتياط ويعود المحذور وجريان المقدّمات . لكنه توهم فاسد باطل حيث انه على فرض عدم الكليّة يمكن قيام دليل معمم للنتيجة في غير

ص: 361

المورد المتيقن كما سيأتي الاشارة إليه . ويأتي الاشارة أيضا ثانيا إلى انه بناء على تماميّة المقدّمات على أيّ وجه فرض يمكن عدم ورود اشكال على الانسدادي من حيث عدم صحّة معنى على فرض الانسداد للاجتهاد والتقليد بل لا فرق بين الانسدادي وبين العوام الذين يرجعون إليه في ان كلاًّ منهما يسلك سبيل الاحتياط غاية الأمر يكون الانسدادي العالم مرشدا للعمل بالطريقة . وسنشير عنقريب إلى امكان تقريب الدليل على نحو ينتج حجيّة خصوص الأخبار فانتظر . كما يرشد إلى ذلك مراجعة كتبهم الاستدلاليّة فانظر جامع الشتات للمحقق القمي رحمه الله تراه بحرا من الروايات والاستنباط منها والاستدلال بها . وكيف كان فالفرق بين القولبكليّة النتيجة ابتداءً أو بعد كونها جزئيّة هو كون الطريق في الأول وأصلاً بنفسه وفي الثاني بطريقه بل ربما يحتاج إلى طريق طريقه وهكذا إلى استنتاج النتيجة .

واعلم ان الشيخ قدس سره بعد اعترافه في تقرير المقدّمات بقوله قلت(1) . مرجع الاجماع قطعيّا أو ظنيّا الخ بعدم مجال لجريان الأصول في مواردها استشكل على المحقق القمي رحمه الله في أخذ النتيجة كلية ومنع جريان البرائة كلية بأنّه لا دليل على منع جريان البرائة والاحتياط والاستصحاب في كلّ مورد بل الممنوع جريانها في كلّ المسائل ومجموعها .

ثمّ استنتج من ذلك اهمال النتيجة وأورد المحقّق النائيني على الشيخ مع التزامه وبنائه على تنقيح كلام الشيخ تبعا لسيّده الأستاذ السيّد محمّد الاصفهاني واذا لم يتضح كلام الشيخ ولم يوافق القواعد ما كان يورد عليه الاشكال بل يعترف

ص: 362


1- . فرائد الاُصول 1/205 .

بعدم انفهام مراد الشيخ . أورد(1) عليه في المقام حيث لم يجد إلى ذلك سبيلاً بأنّه إنّما يتمّ ما ذكره الشيخ بناءً على جعل مدرك بطلان الاحتياط هو العسر والحرج . فانه لو كان المدرك هو أحدهما لا يمكن القول بمنع جريان اصل الاحتياط كلية كما انه لو كان المدرك في المقدمة الثانية هو لزوم المخالفة القطعيّة الكثيرة الموجب للخروج عن الدين فلا مانع من جريان البرائة في ما لا يستلزم ذلك . وهذان لا يمنعان عن جريان البرائة والاحتياط في كلّ مورد . بل في المجموع من حيث المجموع . ولكن بناءً على الوجهين الآخرين في مدرك المقدّمة الثانية وهوالعلم الاجمالي والاجماع وبناءً على استناد بطلان الاحتياط إلى قيام الاجماععلى لزوم امتثال الأحكام بعناوينها الخاصّة فلا يتمّ . بل لا يكون إلاّ كليّة لأنّه اما

أن لا يريد المولى امتثالها أو لا يكون هناك حكم أو يريد امتثالها قطعيّا بعناوينها

كما هو المفروض من بطلان الاحتياط . وحينئذٍ فلا محيص عن القول بالكشف وجعل الطريق الواصل بنفسه الوافي بمعظم الفقه وليس هو الا الظن فاين الاهمال وعلى كلّ حال فاشكال الشيخ ليس في محلّه .

فذلكة البحث: قد عرفت انه على تقدير قيام الدليل على بطلان الاحتياط وكذا على عدم جواز الرجوع إلى البرائة انما قام على الانحلال وعدم جواز الاحتياط في كلّ واقعة واقعة بل اللازم الاتيان به على عنوانه الخاص ولا يجوز الرجوع إلى البرائة في كلّ واقعة واقعة .

ومقتضى قيام الدليل على هذا النحو في الموردين وتماميّة المقدّمة الأولى وانسداد باب العلم والعلمي فلا محالة تكون النتيجة كلية لا محالة لجريان الدليل

فذلكة البحث

ص: 363


1- . فوائد الاُصول 3/298 - 299 .

على بطلان الرجوع إلى البرائة والاحتياط على نحو الانحلال لا المجموع من حيث المجموع اذ على هذا يكون حكم الظن في حال الانسداد بمعونة المقدمات حال القطع الطريقي . فكما انه مطلق الحجيّة بلا تقيد بسبب خاص ولا مورد خاص ولا مرتبة خاصّة كذلك الظن في الجهات الثلاث .

غاية الأمر يمكن المنع عن حجيّته في مطلق المراتب لعدم اقتضاء الدليل ذلك وهذا على فرض وفاء الظن الاطمئناني المتأخم للعلم بمعظم الفقه . فانه على تقديره ينحل العلم الاجمالي بالأحكام بل ويبقى حينئذٍ مجال للتعميم في ساير المراتب لعدم تماميّة الدليل فيها . هذا بحسب المرتبة ويمكن الخدشة في عموم النتيجة من حيث المورد أيضا والاطلاق والكلية من حيث السبب بدعوى ان في الوقايع موارد تكون لها أهميّة عند العقلاء بحسب فطرتهم بحيث لا تكون علىحذو ساير الوقايع الآخر وذلك يقتضي مزيد عناية بها بعدم الاكتفاء فيها بالظن كموارد النفوس والاعراض وهذا يقتضي عدم الاكتفاء بالظن بل اهميّة هذه الموارد ليست فطريّة بالنسبة إلى خصوص نوع الانسان حتى ان لساير أنواع ذوات الشعور التفاتاً إلى ذلك كما في الصيد والفريسة فاذا سبق أحدها إليه لا يجسر الآخر على التقدم إليه ولو كان غالبا وأقوى من السابق وليس ذلك إلاّ لارتكاز الاولويّة والاحقية للسابق بذلك فلا كاشف مع هذا الاحتمال عن كليّة حجيّة الظن في الموارد .

واجيب عن هذا الاشكال بأن مجرّد احتمال الأهميّة في الملاك لا يكفي في المراعاة لاستيفائها ما لم يلزم الشارع بها وعلى فرضه يرجع إلى جعل الاحتياط ومرجعه إلى تبعيض الاحتياط وانكار المقدّمة الثالثة وهو خلاف المفروض اذ

ص: 364

على فرض تماميّة المقدّمة الثالثة وبطلان حجيّة الظن في هذه الموارد يقع السؤال عن الوظيفة فيها فاما أن يجوز الرجوع إلى البرائة أو الاحتياط وإلاّ فلا محيص عن حجيّة الظن كساير الموارد غيرها .

نعم لو قام دليل على عدم جواز العمل بالظن في هذه الموارد فيخصص به عموم النتيجة من حيث المورد كما تخصص بأدلّة حرمة العمل بالقياس المتواترة عموم النتيجة من حيث السبب وتخصّص الأسباب الموجبة للظن بغير القياس . واما بالنسبة إليه فلا يكون الظن الحاصل منه حجة اذ بعد تماميّة المقدّمات لا فرق عند العقل في كشفه الحجيّة في الجهات الثلاث بين المراتب والموارد والأسباب الا أن يقوم الدليل الخارجي . والا فالنتيجة كلية . فاذا فرض حصول الظن بصدق دعوى امرئة بأنّها خلية أو انقضت عدّتها فلا مانع من تزويجها لحجيّة الظن بالانسداد ولو كان في مورد الاعراض . ومجرّد احتمال الأهميّة بلا الزام منالشارع لا يكفي في منع العموم .

وقد أورد على هذا الجواب بأن بطلان الاحتياط من مقدّمات دليل الانسداد واذا كان هذا الاحتمال قائما في هذه الموارد فلا يمكن بطلان الاحتياط بعموم النتيجة المترتبة على هذه المقدمة لتقدم رتبة هذه المقدمة وكونها مقوّمة للنتيجة والشيء لا يهدم مقوّمة ولا يمكن أن يصدمه . وفرق بين قيام الدليل على بطلان العمل والاتّكاء بالقياس وبين المقام الذي يكون بطلان مرجعيّة الاحتياط من مقدّمات عموم النتيجة .

هذا والانصاف ان هذا الاشكال كلام ظاهري لا عمق له لأنّه اما أن نقول بتماميّة المقدّمة الثالثة وبطلان الاحتياط في كلّ واقعة واقعة فلا مجال لهذا الكلام

ص: 365

ولا يمكن الالتزام بعدم عموم النتيجة موردا والا فتكون النتيجة هي التبعيض في الاحتياط فلا تتمّ المقدّمات على ما عرفت .

بقي هنا الاشارة إلى امور:

منها: ان الظن على فرض عموم حجيّته فهل هو حجّة في موارد النفي والاثبات مطلقا أو يختصّ بما اذا كان مثبتا لا مسقطا . فاذا قام الظن على الاباحة أو عدم التكليف فلا يكون حجّة وهذا الأمر وإن لم يترتب عليه ثمرة عمليّة لجريان المقدّمات في موارد النفي كموارد الاثبات أو نقول بالرجوع إلى البرائة الا انه بحث علمي فائدته جواز تخصيص العام الكتابي وغيره من آثار الحجيّة عليه .

ومنها ان المراد بالكشف المذكور في صدر كلامنا بحكم العقل لمقدمات الانسداد ليس هو الحكومة بل هو راجع إلى ما أفاده صاحب الحاشية على ما سيظهر .ومنها: هل اللازم في عموم النتيجة بطلان كلّ من الرجوع إلى البرائة والاحتياط في كلّ مسئلة مسئلة أم يكفي بطلان أحدها وسيأتي تحقيقه . ولا يخفى عليك ان بطلان الرجوع إلى الأصول من البرائة والاحتياط الشرعي والاستصحاب أمر بديهي على فرض تماميّة المقدّمة الاولى وهي انسداد باب العلم والعلمي لكونها مستندة إلى الروايات وقد فرض انسداد بابها فلا أصل لنا في وادي الاثبات ولا الفراغ ولا يحتاج إلى زيادة بحث في بطلان الرجوع إليها اذ لا يبقى لنا على فرض الانسداد الاّ الضروريّات والقطعيّات .

وقد اشتمل بحث الانسداد على عدّة أبحاث مفصلة لم يكن البحث له

هل الظن حجّة في موارد النفي والاثبات

ص: 366

ارتباط إلاّ باجمال منها واستوفيت في محلّها من البرائة والاشتغال وصارت بذلك مكرّرة طويلة الذيل والا فبحث الانسداد كان ينبغي ان يحرّر اخصر من هذا .

تتميم وتوضيح: قد عرفت ما ينتج اهمال النتيجة وقد يدعي كلتيها بقيام المعمم لها في كليّة الموارد بالنسبة إلى كل الأسباب وذلك لبطلان الترجيح بلا مرجح وحجة أو استحالة بحسب اختلاف الموارد ولا يمكن التخيير في ذلك للاتفاق على منعه فاللازم حينئذٍ كلية النتيجة موردا وسببا لتساوي الظنون الحاصلة من أحد الأسباب والظنون الحاصلة من غيره منها وكذلك في الموارد فاللازم حينئذٍ عموم النتيجة .

لكن قد يدعي قيام المرجح في البعض وخلو الباقي منه والترجيح بامور ثلاثة:

أحدها: كون بعض الظنون متيقن الاعتبار والباقي مشكوك فاللازم الأخذ بالمتيقن وهذا مرجح له .

والثاني: بالقوّة والضعف فان جعل الحجيّة واعطاء الطريقيّة للظن القويأولى من الضعيف ولا مجال مع القوى لحجيّة الضعيف .

الثالث: الترجيح بمظنون الاعتبار ومرجوحيّة مشكوكة .

بيان ذلك:

أمّا الأوّل فواضح .

أمّا الثاني: فانّه لو فرض مثلاً ان الظن الحاصل من الخبر أقوى من غيره من الظنون كالحاصل من الشهرة أو عمل الأصحاب فهذا يوجب ترجيحه وقصر الحجيّة عليه دون الضعيف فلا يكون الضعيف معه حجّة .

وجوه ثلاثة في الترجيح

ص: 367

أمّا الثالث: فلكون الأخذ بمظنون الاعتبار يوجب اما حصول الواقع أو ما هو بدل الواقع وهو المصلحة في سلوك الطريق المخالف له الذي هو ادّانا الى الحكم الظاهري . وعلى كلا التقديرين قد حصلنا على شيء كما في ما اذا تردّد دواء المريض يبن أمرين أحدهما يظن كونه هو ذاك الدواء الذي ارجعنا الطبيب إليه أو انه موجب لحصول بعض مراتب نفعه وما يترتّب عليه . بخلاف الآخر فانه ليس بهذه المثابة . فان اللازم حينئذٍ الأخذ بالمظنون ورفع اليد عن المشكوك . وهذه الوجوه الثلاثة شريكة في الضعف وهي ما بين ما لا يكون مرجحا وبين ما لا يفيد فان الثاني لا يكون وجها للترجيح لامكان حجيّة الظن الضعيف دون القوي اذ لا يلزم من قوّته تعينه للحجيّة . كما ان الوجه الأوّل خلاف الفرض لاهمال النتيجة فلا تعيّن بالاعتبار وأمّا الترجيح بالوجه الاخير فلا يفيد للزوم كون المرجح حجّة كما اعترف به الشيخ قدس سره في غير هذا المقام . وهذا الظن لو كان معتبرا فلا حاجة إلى الترجيح معه .

فظهر بما ذكرنا سقوط الوجوه الثلاثة للترجيح كما انه لا يتم الدليل المذكور للتعميم لعدم ايجابه عموم النتيجة واخراجها من الاهمال إلى التعيين والتعميم .ثمّ انه يظهر من الشيخ وكذا المحقّق النائيني (1) ارتضاء المعمّم وانه لا يرد عليه اشكال فالوجه الأول من المعمّم الذي تقدم تقريره لا اشكال عليه عندهما لكن قد يظهر من بعض عباراتهم بعد ذلك عدم المعمّم حيث ينبه على ظهور عدم المعمم وان الاهمال لا يمكن تعميمه وكيف كان سواءً ارتضيا أم لا فاللازم النظر إلى تماميّته وعدمها .

ص: 368


1- . فوائد الاُصول 3/309 إلى ما بعده .

وقبل ذلك لا بأس بالاشارة إلى ما استشكل(1) به المحقق الخراساني على الشيخ في المقام بناء على مبناه في اجراء المقدمات وترتيبها . حيث انه رتبها في مقام الامتثال ومعه لا مجال لكون الظن حجّة شرعا كشفا . بل لو ورد الدليل على ذلك من الشارع لابدّ من كونه ارشادا من ابتناء منع الشيخ الترجيح بمظنون الاعتبار على كون النتيجة هو الطريق الواصل بطريقه أو الطريق ولو لم يصل أصلاً وأمّا بناءً على كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه فلا يتم منع الشيخ قدس سره .

وتفصيل ما ذهب اليه صاحب الكفاية في المقام بناءً على مبناه في ترتيب المقدّمات يحتاج إلى مجال أوسع ولعلّنا نشير إليه فيما بعد .

ثمّ انه يمكن الاشكال في تعميم الشيخ النتيجة على فرض كونها مهملة بحسب عبارته هنا في التعميم . بأنّه ان اريد الترجيح بلا مرجّح عند المولى فمسلم وانه لا يرجح بلا مرجح . فان كان الظنون عنده متساوية الاقدام وملاكاتها وكان الملاك في الكل داعيا إلى الجعل واعطاء الطريقيّة ولم يكن هناك مانع من الجعلفاللازم تسوية الكل في ذلك واعطاء الكل حظّه من جعل الطريقيّة له ويتم التعميمولكنه يحتاج إلى احراز ذلك وهو لا يمكن بالنسبة إلى غير علام الغيوب . فمن أين لنا طريق بالملاك ووجوده في الكل كي نحكم بعموم النتيجة . وعلى فرضه فلا كلام بل البحث حينئذٍ يكون على خلاف الفرض لكونه من أوّل الأمر ينتج عموم الكشف والنتيجة فلا حاجة إلى التعميم لخروجه عن الفرض . وان اريد الترجيح بلا مرجح عندنا فهو لا يفيد لكون المحتمل رجحان الظن الضعيف عند المولى واقربيّته إلى الواقع فيكون هو الحجّة دون القوي وكذلك الحال في المورد

ص: 369


1- . كفاية الاُصول 1/114 وما بعده .

والأسباب فلا يمكن التعميم ولا محرز له .

والحاصل الاهمال في النتيجة المبتنى على بطلان الاحتياط كلية لا يلائم كلية النتيجة وعمومها اذ مع فرض عدم بطلان الاحتياط كلية وامكان التبعيض فلا شكّ لنا على عموم الحجيّة بل يكون النتيجة هو التبعيض في الاحتياط ولا يمكن استنتاج الكلية(1) .

ومجمل الكلام ان في فرض الاهمال ان كان معين لها موردا وسببا أو مرتبة فهو وفي الباقي نحتاط أو نجري البرائة والا فعلى فرض عدم انحلال العلم أو لزوم المحاذير تجري المقدمات ثانيا وثالثا إلى ارتفاع المحذور فتدبر جيدا .ثمّ انه بناء على اهمال النتيجة اذا لم يكن هناك قدر متيقن وكان المحتمل حجيّة ظن خاص عند المولى غير واصل إلينا فاللازم الاحتياط في دائرة الظنون وأخذ الطريق وكشف الحجّة وبالاخرة ينتهي اما إلى الاحتياط في الفروع الذي فرضنا بطلان الاحتياط فيها أو إلى اجراء المقدّمات في الطريق كما ذكر عن صاحب الفصول وأخيه بما فيه من الاشكال سابقا واذا بطل الاحتياط فيمكن

ص: 370


1- . لأنّه بالنظر إلى بطلان الترجيح بلا مرجح فيما ذكر فيكون النتيجة من أوّل الأمر كلية بلا حاجة إلى المعمم وبدونه فمهملة ويكون النتيجة هو التبعيض في الاحتياط فكيف لا تكون كلية ثم تكون بعد اهمالها كذلك اذ بعد الاهمال اما أن يكون قدر متيقّن في البين وافٍ فهو والا فاللازم جريان مقدمات الانسداد في تعيين الحجّة المجعولة في البين . فان علم بها وكان وافيا فهو والا فاللازم جريان المقدمات مرّة اخرى في الواقعيّات كالمقدّمات الجارية من أول الأمر أو من الثانية الجارية في تعيين ما هو الحجّة . وعلى هذا إلى أن تكون النتيجة كلية وافية بحيث لا يكون لجريان البرائة بعد ذلك مانع من العلم أو لزوم المخالفة الكثيرة وغيرهما . كما انه على فرض الاهمال وجريان المقدمات لتعيين الحجّة فان لم يبطل الاحتياط في بعض الموارد واحتمل لها الأهميّة فيمكن جعلها في غيرها والاحتياط في الموارد النافية كالأموال والفروج والنفوس لاحتمال أو تسلم اهميّتها .

التمسّك بالاطلاق واحراز انتاج المقدّمات كليّة النتيجة . بدعوى ان لو كان المراد حجيّة ظن خاص كان على المولى الارشاد إليه وبيانه وحيث انه لم يبين فانكشف كليّة الحجيّة وعدم اختصاصها بمورد خاص أو سبب خاص . وذلك كانكشاف الاطلاق من ما ورد(1) في حجيّة الظن في الركعات الأخيرة أو مطلقا وان الشك مبطل في الاولين مطلقا ثنائية أو ثلاثيّة أو رباعيّة كما يرشد إليه قوله علیه السلام ( إذا لم تدر كم صليت ولم يذهب وهمك إلى شيء فاعد )(2) فهو اما مختص بقرينة أعد بالاولتين أو ان الشك مطلقاً ولو في الأخيرتين مبطل غاية الأمر خرجتا بالتخصص . فانه نقول لو كان المراد حجيّة ظن خاص أو مرتبة خاصة من الوهم لبيّن . وحيث انه لم يبين فمنه نكشف الاطلاق . فلو استفيد من مقدمات الانسداد حجيّة مطلق الظن بحيث كان قطعيّا فهو . وحينئذٍ يكون دليل الانسداد كاشفا عن حجيّته في قبال الأدلّة الخاصّة الدالة على حجيّة الظن .

والفرق هو كون المقدّمات تنتجه لها دون الأدلّة الخاصّة فلا يحتاج إليهاولكن الكلام بعد ذلك في المعمّم وبطلان الترجيح بلا مرجح واحراز التساوي فيالملاك الداعي للجعل . واذا لم يتم هذا الوجه من المعمّم الذي هو أعلى الوجوه وله صورة جيدة فلا يتم الوجهان الباقيان اللذان لا صورة لهما مضافا إلى عدم المعنى .

اذ الثاني هو العلم بتخصيص بعض الظنون المشكوكة الاعتبار للظن المظنون الاعتبار فاللازم الأخذ بالجميع .

والثالث: ان القاعدة تقتضى في مقام الشك الاحتياط بأخذ كلّ أطراف

عموم النتيجة واهمالها

مقتضى القاعدة

ص: 371


1- . الوسائل 8 الباب 1 - 7 - 10/1 - 2 - 10 - 3 - 5 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 8 الباب 15/1 من أبواب الخلل في الصلاة مع تفاوت في اللفظ لا يضرّ .

الظنون ومحتملاتها لا الاقتصار بظن خاص فيمورد الرتبة .

وفيه انه خلاف فرض ترتيب المقدّمات اذ لا يكون مع فرض بطلان الاحتياط معنى لهذا الكلام كما انه لا يكون كاشفا عن حجيّة شيء بل يكون احتياطا لا فرق فيه بين العالم والجاهل بل كلاهما محتاطان جاهلان .

وفي الثاني منع العلم اولاً لا الاقتصار على قدره والتخصيص به دون المشكوك ثانيا وما ورد على الوجه الثالث ثالثا فهذان الوجهان غير واردين ولا مترتبين على حسب القواعد ولا ترتيب فيهما بل ناشئان من عدم المراعاة في ترتيب المقدمات على وجهها . فاذا لم يتم التعميم فلا يمكن كلية النتيجة بل اما تكون مهملة أو معينة في البعض لو كان قدر متيقن في البين . كما يمكن أن يدعي في بعضها بأنّه لو كان مطلق الظن حجّة فالظن الحاصل من الخبر حجّة واذا لم يكن مطلقه فالظن الخبري حجّة وكذلك مثلاً نقول في ناحية المراتب بالنسبة إلى المرتبة القويّة الاطمئنانيّة فانّ حصل العلم أو ارتفع المحاذير فهو وإلاّ ففي الباقي

لابدّ من ترتيب المقدّمات هذا حسب ما رتبنا المقدمات . كما انه على ما رتبها المحقّق الخراساني في مقام الامتثال لا يمكننا اتيان المظنونات بعنوانها لعدم جريان المقدّمات إلاّ في مقام الاسقاط لأخذ العلم الاجمالي احدى المقدّمات لا مدركا للثانية وحينئذٍ فاللازم بمقتضى العلم هو الموافقة القطعيّة بالاحتياط فيأطراف المعلوم بالاجمال وبمقتضى تقدر الضرورة بقدرها يلزم التبعيض في الاحتياط لبطلان الموجب لاختلال النظام والعسرى والموجب للحرج . وحينئذٍ فلا يتعين الاحتياط في المظنونات الاّ بمعونة قبح الترجيح بلا مرجّح ويتعين الاحتياط في دائرتها . لكن لا يمكن قصد العنوان في المظنونات لما عرفت من

ص: 372

عدم كون الظن حجّة شرعا بل عقلاً في مقام الامتثال ولو ورد البيان من الشارع لكان ارشادا .

ثمّ ان المحقّق الخراساني حاول(1) رفع النزاع من البين في كليّة النتيجة

واهمالها وانه يمكن أن يكون مدعى الشيخ قدس سره حقا لو فرضنا كون النتيجة هو الطريق الواصل ومدعى خصمه لو جعلناها غير واصلة أو الواصل بطريقه فيكون مهملة فراجع وتدبّر .

فذلكة: قد مرّت الاشارة إلى وجوه التعميم والاشكال في الوجه الأوّل بأنّه مبنى على فقد المرجح وقد ذكر للترجيح وجوه ثلاثة أحدها الترجيح بمتيقن الاعتبار قبال مشكوكه وقد أخذ متيقن الاعتبار ما يكون جامعا لقيود كثيرة تبلغ ستّا أو أكثر بأن يكون الخبر رواته كلّ واحد مزكّى بعدلين وقد عمل به الأصحاب ويكون الفتوى على طبقه ويكون مفيدا للظن الاطمئناني عالي السند إلى غير ذلك فان وفي بمعظم الفقه بحيث لا يكون جريان البرائة في الباقي مستلزما لمحذور فهو .

ولا يخفى انه أقل قليل في الفقه . فالحق انّ القدر المتيقّن ليس هو خصوص ما ذكر جامعا للشرايط بل مطلق الخبر الموثوق بصدوره وان لم يكن رواته كذلكبل ولو لم يكن معدلاً بل موثقا عدلاً في مذهبه . وهذا القدر يمكن وفائه بمعظم الفقه بحيث لا يستلزم الرجوع إلى البرائة في الباقي محذورا . ثمّ انه إن لم يف ففي الباقي أيضا نأخذ بالقدر المتيقّن وهكذا إلى أن ينتهي إلى حد عدم استلزام المحذور .

ص: 373


1- . كفاية الاُصول 2/141 .

والحاصل انه لا يمكن أخذ النتيجة كليّة من أوّل الأمر وقد عرفت فيما تقدّم ان لازم الكشف جواز الاتيان بالذي قام عليه الامارة بعنوانه لكونه حجّة شرعيّة يمكن معها الاتيان بالتكاليف على وجهها وعناوينها بخلاف الحكومة . فانه ليس الا الاحتياط والاتيان رجاءً وهو قبال الاتيان بالعنوان لا يمكن أن يجتمعا .

ثمّ ان نتيجة المقدّمات على ما ذكرنا هو حجيّة الظن الاطمئناني الحاصل من الخبر وان لم يف فالمراتب النازلة منه ولذا عدّ دليل الانسداد رابع الأدلّة العقليّة المقامة على حجيّة الخبر الواحد ولا ربط لذلك بالحكومة ومقام الامتثال بل يناسب الكشف وكونه حجة مثبتا للتكاليف والأحكام . والفرق بين هذا الوجه وساير الوجوه المذكورة من الأدلّة غير الأدلّة العقليّة هو ان في دليل الانسداد تكون الحجيّة مستفادة منه الخالي من ساير الأدلّة .

فان تمت دلالة ساير الأدلّة وفرض حجيّة الظن الاطمئناني مطلقا أو من خصوص خبر الواحد فلا يمكن ترتيب مقدّمات الانسداد لفرض ابتناء المقدّمة الأولى على انسداد باب العلم والعلمي . وحينئذٍ فلا تصحّ كي تصل النوبة إلى ساير المقدّمات . فالفرق بين دليل الانسداد الدال على حجيّة الخبر الواحد المفيد للظن الاطمئناني وغيره من الأدلّة المتقدّمة ان في دليل الانسداد تكون حجيّة الخبر حاصلة من المقدّمات والا فبدون اجراءها لا يمكن حجيّته بخلاف الأدلّة الكتابيّة أو ما هو راجع إلى السنّة فتدلّ على فرض تماميّتها على حجيّة الخبر بلا معونة منالمقدّمات .

وعلى كلّ حال فالمتحصّل من المقدّمات على ما رتبنا هو حجيّة الطريق لا حجيّة الظن بالواقع . وذلك للكشف من دليل الانسداد كون الظن الاطمئناني من

نتيجة المقدّمات على المختار

ص: 374

الخبر حجّة في استطراق الواقعيّات والأحكام . كما ان الفرق بين الحكومة والكشف ان في الحكومة يكون الحاكم هو العقل بلزوم الامتثال مهما أمكن بترتيب مراتبه بخلاف المقام فان العقل كاشف لا حاكم وان احتمل كونه حاكما ويمكن ترتيب المقدّمات على نحو تنتج حجيّة الظن بالواقع بأنّه بعد بطلان الاحتياط التام وكذا المرتبة اللاحقة له ممّا يوجب العسر والحرج ودوران الأمر بين الأخذ بالموهومات والمشكوكات أو المظنونات وترك الباقي بمقدار يوجب رفع الحرج وان لم يرتفع فبانضمام مقدار من المظنونات يكون الباقي بلا عسر .

فالمتعين هو الأخذ بالمظنونات لقبح ترجيح المرجوح على الراجح فنكشف من المقدّمات على هذا حجيّة الظن بالواقع .

وعلى كلّ حال فلا تكون النتيجة بما ذكرنا الا حجيّة الظن اما طريقا إلى الظنّ بالواقع لا حكومة كما انه تكون كلية بناءً على بطلان الاحتياط تاما في كلّ واقعة واقعة وكذلك الرجوع إلى البرائة ومهملة بناءً على كون أحدهما على نحو المجموع لاستناده إلى لزوم محذور الخروج عن الدين أو الاجماع إن كان مفاده المجموعي .

ثمّ انّه على فرض الاهمال فاللازم هو الأخذ بالقدر المتيقن إن وفى والا فلا يمكن التعميم بما ذكر من الوجوه المتقدّمة لما فيها من الاشكالات .

فحينئذٍ لابدّ من اجراء المقدّمات ثانية وثالثة إلى أن ينتهي إلى عدم المحذور .ولا بأس بالاشارة إلى ملخص ما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية في المقام .

ص: 375

فنقول: انه قدس سره (1) جعل المقدّمات خمسا بزيادة العلم الاجمالي بالأحكام في الشريعة أوّلها . والثانية انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام . والثالثة عدم جواز اهمال الأحكام . والرابعة بطلان الرجوع إلى ساير الأصول من الاستصحاب والبرائة حتّى الاستصحاب المثبت لفرض كون دليلها الأخبار التي فرضت غير حجّة واللازم هو الاحتياط غير ما يخل بالنظام كما ان المقدار الموجب للعسر والحرج مرفوع بهما . واللازم هو الاحتياط في الباقي لتقدر الضرورة بقدرها وحينئذٍ فيدور الأمر بين جعل الاحتياط في دائرة المظنونات تماما أو بعضا أو مع اضافة المشكوكات أو شيء منها وهكذا الموهومات إليها اذا كان الحرج في الباقي أو جعلها في دائرة الموهومات والمشكوكات وترك المظنونات رأسا أو بمقدار ما يرتفع به العسر والحرج . فالعقل يلزم ويقبح الترجح بلا مرجح وكون اللازم هو جعل الاحتياط في دائرة المظنونات .

هذا إن كان العلم الاجمالي حجّة منجزة للأحكام وكان اللازم هو الموافقة القطعيّة كحرمة المخالفة القطعيّة وإلاّ فيمكننا كشف عدم جواز الاهمال واجراء قبح العقاب بلا بيان العقلي لمّاً للزوم محذور الخروج عن الدين والاجماع على عدم الاهمال والعلم بلزوم الامتثال للأحكام .

وإن لم يكن العلم الاجمالي بنفس الأحكام منجزا ولازم ذلك هو الاحتياط بما لا يلزم من اهمال الباقي مخالفة الاجماع أو الخروج من الدين كما انالموجب للعسر والحرج والمخلّ بالنظام أيضا لا يجب . وهنا أيضا لابدّ بمقتضى حكم العقل بقبح الترجيح بلا مرجح بل ترجيح المرجوح على الراجح جعل

ترتيب المقدّمات من المحقّق الخراساني

ص: 376


1- . كفاية الاُصول 2/114 .

الاحتياط في دائرة الراجح من المظنونات وترك الباقي كصورة العلم هذا .

ولكن لا يخفى عليك انه لا يمكن مع هذا البيان الاتيان بالمظنونات بقصد العنوان لكونه من التبعيض في الاحتياط الممتنع معه قصد العنوان الا تشريعا حراما والاّ فاللازم هوالامتثال والاتيان بالرجاء .

ثمّ انّه قدس سره (1) بعد تقرير المقدّمات واستنتاج التبعيض في الاحتياط جعله هو الحق والتحقيق . لكنه بعد ذلك يتوهم منه مخالفة ما في المقام . الا انه ليس مناقضا له لكون الأبحاث المتأخّرة عنه جارية عن سبيل الفرض كما ان بحث الاهمال والكليّة ينتج الكليّة بناءً على الحكومة في السبب والمورد دون المراتب اذا لم يكن الدليل على لزوم الاحتياط في بعض الموارد المهمّة كالأموال والنفوس والأعراض . ولكن هذا خلاف الفرض لعدم استفادة الأهميّة الا من الأخبار التي فرضت غير حجّة إلاّ بعد تماميّة المقدّمات وأمّا بحسب المرتبة فقد عرفت عدم تساوي الاقدام في نظر العقل هذا .

وأمّا بناء على الكشف فالنتيجة كليّة بحسب الأسباب لو كانت النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه اذا لم يكن متيقن في البيين . كما انه كذلك بحسب الموارد دون المراتب لاحتمال كونه هو خصوص الاطمئناني ولو كانت هي الطريق الواصل ولو بطريقه فلا اهمال سببا في صورة تساوي الاقدام . اما مرتبة فمهملة كما ان موردا كلية لو لم يكن متيقن .ثمّ انه قدس سره بناءً على ما اختاره من الحكومة دفع الاشكال في امكان استفادة الكشف بقاعدة الملازمة فانه لا مورد لها في ما يكون أمره راجعا إلى مقام

ص: 377


1- . كفاية الاُصول 2/124 - 125 .

الامتثال والاطاعة والعصيان بل يتمحض في كونه ارشادا كما في ( أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول )(1) اذ مورد القاعدة في سلسلة علل الأحكام وكشف مدرك الحكم دون المعلولات ومقام الامتثال فانه لا يمكن تماميّة القاعدة ولا بكلّ نحو سواءً كان اطلاقا أو تقييدا لحاظيّاً أو نتيجتها .

تنبيه: بناء على الحكومة العقليّة التي يمكن الالتزام بها وتصحيحها ويقول بها الشيخ والمحقق صاحب الكفاية لا يكون الظن حجّة على نحو يمكن معه قصد العناوين بل ليس الا الاحتياط والاتيان رجاءً كما في الشبهة الموضوعيّة في باب القبلة اذا ضاق الوقت عن اتيان أربع صلوات لأربع جهات وكان بعض الجهات مظنون القبلة وبعضها مشكوكا والآخر موهوما فحينئذٍ يلزم تقديم المظنون لحكم العقل بذلك ولا مرخص لتقديم غيره عليه وذلك لاهميّة الوقت ولولاها فيصبر ويأتي بجميعها أو يعلم فيأتي بالمتيقن ويمكن تطبيق الرواية الواردة في الصلاة على أربع جهات على القاعدة وجعلها دليلاً على سعة المحاذات بالبعد عن الجسم ولولا ذلك فالقاعدة تقتضى الاتيان بما يوجب اليقين باتجاه القبلة ولو بعشر صلوات .

والحاصل ان مراتب الامتثال عند العقل أربع . فاذا لم يتمكن من العلمي تفصيلاً أو اجمالاً قطعيّا فتصل النوبة إلى الامتثال الظني كما في المقام وهو مقدم على الامتثال الاحتمالي ولا مرتبة بعد الاحتمالي وعلى هذا فلا حجيّة ولا كشفبل ليس الا الامتثال الاحتياطي الرجائي لادراك الواقع ولا يمكن قصد الوجه والعنوان لعدم تشريع العقل للأحكام بل شأنه ووظيفته ادراك حسن الأشياء

النتيجة بناء على الحكومة العقليّة

ص: 378


1- . سورة النساء الآية 60 .

وقبحها وعلى هذا المعنى الصحيح للحكومة التي مرجعها إلى التبعيض في الاحتياط لا مجال للاشكال فيها بخروج الظن القياسي وبالظن المانع والممنوع وذلك لعدم كون الظن حجّة لاثبات الأحكام كي يكون ممنوعا بالقياس بل الظن الحاصل من القياس على هذا نظير الظن الحاصل من الرواية التي لا اعتبار بها على فرض الانسداد في صلاحيّة الاتكاء على كلّ في الاتيان بمتعلّقه في الاطاعة الظنيّة وعدم جواز الاعتماد به في قصد العنوان لكونه تشريعا . وعليه فلا مجال للاشكال على هذا الوجه بل الظن القياسي كغيره في صحّة كونه موجبا لصحّة الاتيان بمتعلّقه رجاءً .

هذا بناء على الحكومة . وأمّا بناءً على الكشف فلا اشكال أيضا سواءً كانت النتيجة كلية أم مهملة على الوجهين السابقين في تقرير المقدمات من بطلان الاحتياط والبرائة مجموعيّا أو انحلاليّا حيث انه على الأوّل فالنتيجة وإن كانت كلية على فرض المقدّمات ولكن جعل الحجّة بيد الشارع فكما انه يمكن جعل ظن في مورد حجّة دون مورد كذلك يمكن في حال الانسداد جعل الحجيّة للظن الحاصل من غير القياس وعدم جعلها له حيث ان ملاكات الأحكام عنده فلا يرى ملاك الجعل في القياس وهكذا الحال في الاهمال لتواتر(1) الأخبار بعدم جواز الاتكال على القياس . اما بناء على كون النتيجة حجيّة الظن عقلاً على الحكومةبالمعنى الذي لا يمكن الالتزام به ولا تصحيحه ولا انه موافق للأدلّة فيتوجه الاشكال بأنّه بعد حكم العقل في حال الانسداد بكون الظن حجّة والفرض انه لا

ص: 379


1- . الوسائل 27 الباب 6/2 إلى 4 - 10 - 11 - 12 - 18 - 20 - 22 - 23 إلى 28 - 32 - 39 - 41 - 43 - 44 - 49 - 50 من أبواب صفات القاضي .

اهمال ولا اجمال في حكم العقل فكيف يمكن التخصيص في حكمه مع ان العقل ما لم يحط باطراف موضوعه وملاك حكمه لا يمكنه الحكم . ولا شكّ في حكمه بل لو شكّ في مورد فلا حكم له أو انه يحكم على فرض التعليق وانه لو كان كذا لكان كذا ومع ذلك فكيف يمكن الالتزام بتخصيص هذا الحكم العقلي للظن بكونه حجّة مطلقا في حال الانسداد كالعلم في مطلق الأحوال الذي حجيّته داتية ليست قابلة للجعل بل إليه يرجع كلّ حجة تعبدية والا فلا يمكن تحقق حجّة لنا .

اللهم الا أن يخصّص نظر أخبار المنع عن القياس بحال الانفتاح وامكان الوصول إلى باب الأحكام وأخذها منهم أو من أصحابهم الواصلين الآخذين عنهم علیهم السلام أو انه ينكر أصل قطعيّة هذه الأخبار(1) في المنع لعدم تواترها والا فعلى فرض التواتر كما هو كذلك في واقع الأمر وعدم اختصاصها بحال الانفتاح يقع الاشكال في حكم العقل بحجيّة الظن مطلقا كالقطع الطريقي ولابدّ من العلاج . بل من ورود المنع في مورد عن الاتكاء بالظن ينفتح باب الاحتمال في غيره من الظنون فلا يبقى لنا جزم وقطع بحجيّة ظن منها قياسيّا أو خبريا أو شهريا والاّ فبعد

رفع الاشكالات عن امكان جعل الظن حجّة والكلام في وقوع الحجّيّة ووصول النوبة إلى الدليل الرابع فلا مانع حينئذٍ في الحجيّة مطلقا حيث انه مع فرض الامكان الذاتي لا يمكن منع الفيض واعطاء الوجود والقابل الا لمانع هناك ومع فرض المانع أو احتماله فلا حكم للعقل . وأجيب عن الاشكال بان حكم العقلتعليقي كما في الكفاية(2) واختاره المحقّق النائيني (3) ولعلّه ذهب إليه الشيخ

ص: 380


1- . الوسائل 27 الباب 6 من أبواب صفات القاضي .
2- . كفاية الاُصول 2/144 .
3- . فوائد الاُصول 3/320 .

أيضا .

تكميل: أجاب الشيخ قدس سره (1) عن اشكال خروج الظن القياسي عن عموم حجيّة الظن بحكم العقل حال الانسداد بوجوه اختار سادسها كما سبق لكن أكثر هذه الوجوه خارج عن الفرض وبعضها راجع إلى منع حصول الظن من القياس لكون بناء الشرع على تفريق المجتمعات وجمع المتفرّقات . وهذا يكذبه الوجدان ضرورة وقوع التعدّي عن الموارد المنصوصة إلى غيرها في الفقه كثيرا ولا وجه الا القياس كما في ما اذا برء المريض في شهر رمضان قبل الزوال ولم يفطر قبله فانه لا نص على كفاية نيته حينئذٍ والامساك والاجتزاء به عن صوم ذاك اليوم .

بل ما ورد(2) من الاكتفاء والنيّة في المسافر اذا حضر قبل الزوال وأمسك ولم يكن أفطر قبله .

وفي الناسي إذا نسي النيّة وهذان مخالفان للقاعدة من لزوم النيّة في تمام اجزاء العمل فهذا المنع ليس في محلّه .

وقد أورد عليه الشيخ قدس سره أيضا بأنّ الشرع قد جمع بين المجتمعات كثيرا ومرجع نيف منها إلى اختصاص المنع بحال انفتاج باب العلم دون الانسداد وعدم امكان أخذ الأحكام عن مباديها .وفيه انه على فرض الاطلاق وعموم المنع لحال الانسداد لا يكون هذا جوابا بل هذا انكار الاشكال وهو غير الجواب عنه . فالعمدة في الجواب هوالسادس الذي اختاره الشيخ فيما سبق واختاره المحقّق الخراساني(3) وهو موافق

اشكال خروج القياس

ص: 381


1- . فرائد الاُصول 1/253 إلى 260 .
2- . الوسائل 10 الباب 6/4 إلى 7 من أبواب من يصحّ منه الصوم .
3- . كفاية الاُصول 2/144 وما بعده .

على مبناهم في ترتيب المقدمات بل لا يصح الجواب غيره وهو عدم مجال للمنع عن الظن القياسي بناءً على الحكومة حيث انه بعد عدم تمكن المكلف من الامتثال العلمي بنحويه فالعقل يستقل بلزوم الاطاعة الظنيّة اذ لا مرتبة للامتثال بعد امتناع

العلمي الا الشكي الوهمي فاما أن يكتفي بهما أو بالظني ولا اشكال في استقلال العقل بتقدم المرتبة الظنية على الشكي والوهمي كاستقلاله بعدم جواز الاهمال مضافا إلى كونه احدى المقدّمات .

وهذا ليس الا احتياطا وامتثالاً رجائيا ولا مجال لحكم الشارع بمنعه أو امضائه بل لو فرض ورود حكم في هذا الوادي من ناحية الشرع لا يكون الا ارشادا اذ المنع من العمل بالظن القياسي ليس راجعا إلى الاتكاء به في الاحتياط لعدم دليل عليه بل المراد من المنع منه هو جعله دليلاً كما كان عليه العامّة فيتكلون

عليه في الفروع الواردة عليهم عنادا منهم وتكبرا على الأئمّة الطاهرين أبواب علم النبي صلی الله علیه و آله ومعدن الرسالة .

وإلاّ ففي حال الانسداد وعدم امكان وصول المكلف إلى أخذ الأحكام ولا طريق له إلى الامتثال العلمي بأحد نحويه فلا يمكن لأحد حينئذٍ منعه عن العمل بالظن بمعنى الاكتفاء بالاطاعة الظنيّة في امتثالها وعدم جواز الاهمال والاكتفاء بما دونها من المراتب النازلة لدوران الأمر بين الاطاعة الظنيّة والمراتب النازلة عنها فالمنع عن القياس من اول الأمر لا يشمل هذا المورد ومثل هذا النحو من الاطاعة الظنيّة كي يحتاج إلى الجواب . بل المنع يراد منه المنع عنه على معنىمساوق للتشريع بجعله دليلاً وحجّة لاثبات الأحكام والبناء عليه والفتوى على طبقه . وأمّا الاتكاء عليه في الاحتياط والامتثال الظنّي فلا مانع منه ولا مجال له

منع العمل بالظنّ حال الانسداد

ص: 382

إذ لا يكون أسوء حالاً من الرواية التي ليست معتبرة ولكنّها توجب احتمال مصادفة الواقع موهوما مع ان الظن القياسي يوجب الظن بمطابقته للواقع . ولا منع من أحد من الاحتياط الاحتمالي اتكالاً على الرواية التي لا اعتبار لها فكيف بالظن المستند إليه الاطاعة الظنيّة . بل كما ذكرنا لا مجال لمنع الشارع ولو سلّمنا

قاعدة الملازمة بين حكمه وحكم العقل لاختصاص موردها بما اذا كان ما أدركه العقل واقعا في سلسلة علل الأحكام وملاكاتها .

والحاصل ان الاشكال واضح الاندفاع . بل غير وارد بناءً على الحكومة التي قرّرها الشيخ التي مرجعها إلى الاطاعة الظنيّة الاحتياطيّة . اذ المنع عن الظن

القياسي مساوق لمنع الاطاعة الظنيّة ولا معنى له لاستقلال العقل بخلافه .

نعم مجال لهذا الاشكال لو فرض دعوى ان العقل في حال الانسداد يجعل

الظن حجّة واقعا في طريق اثبات الأحكام . فحينئذٍ لابدّ من الجواب لتوجّه الاشكال وهذا غير ممكن أوّلاً لعدم صلاحيّة العقل الناقص لآحاد البشر الاحاطة بمصالح الأحكام وملاكاتها كي يكون مشرعا بل لو فرض ادراكه لشيء فانّما هو ادراك لحسن أو قبح . وليس شأنه تشريع حكم وجعل حجّة في اثبات الحكم وغيره . وثانيا انه على فرض هذا المحال بمعنى وقوعه من العقل وجعله للظن حجّة مثبتا للأحكام في حال الانسداد كالشارع الذي جعل الظن حجّة فلابدّ أن يكون مستقلاًّ ضروريّا له . وإذا كان كذلك فلا يمكن ورود المنع من الشارع لتقبيح العقل ذلك منه على هذا الفرض . واحتمال صدور القبيح منه تعالى العالم القادر الحكيم الغني بالذات في الاستحالة كالقطع به . بل لابدّ حينئذٍ من تأويل النقل وإلاّيلزم طرح العقل والنقل معا . اذ على فرض ورود المنع عن الظن القياسي ينقدح

ص: 383

احتمال المنع من غيره من الظنون ومعه لا حكم للعقل لاستلزام الشك لعدم الحكم وحينئذٍ فلا حكم كي يكون القياس الظني خارجا عنه ويقع الاشكال فيه . إذ من ورود المنع نكشف عدم استقلال العقل في جعل الظن حجّة وإلاّ فلو كان مستقلاًّ فاللازم تأويل النقل .

فظهر بما ذكرنا عدم مجال للاشكال وان الحق في دفعه على الحكومة هو ما أشرنا إليه كما انه على الحكومة بالمعنى الثاني لا محيص من أحد أمرين .

أمّا تأويل النقل أو الكشف عن عدم استقلال العقل لجعل الظن حجّة .

ثمّ انّه استطرد في المقام بحث وجه المنع من العمل بالقياس وان كان لا ارتباط له بما نحن فيه .

وملخّص الكلام ان الاشكال فيه كالاشكال في جعل الظن حجّة من اشكال ابن قبة وما زدنا عليه فصار ذا أربع شعب . وانّه إمّا أن يكون الحكم يبقى بلا ملاك أو تحريم الحلال أو عكسه إلى غير ذلك ممّا تقدّم .

غاية الأمر في الظن كان الاشكال واقعا في حجيّته وانه قد يخطئ فيقع الكلام في انّ الحجيّة هل هي مختصّة بالمصيب منه دون المخطئ أم الأعم . فان كان الأعم فاللازم هو الجمع بين الضدين في مورد المخالفة . كما انه لو كانت مختصة بالمصيب ففي مورد الشكّ في الاصابة وعدمها لا يمكن ترتيب الآثار عليه لكونه تمسّكا بالعام في الشبهة المصداقيّة وفي صورة العلم بالاصابة لا نحتاج إلى الظن والامارة وفي القياس يقع الاشكال من ناحية منع العمل به مع انه قد يصيب الواقع فهل هو مغير للحكم الواقعي بقيامه عليه أو لكونه مشروطا بعدم قيام القياس عليه الخ .

ص: 384

في الظن المانع والممنوع

قد وقع الكلام في الظن المانع من الظن الآخر بناءً على حجيّة الظن في حال الانسداد سواءً كان في طريق الاثبات الذي أحلناه أو في طريق الاسقاط أو بناء على الكشف .

مثاله ما إذا ظنّ من الشهرة بعدم حجيّة الظن الحاصل من الأولويّة الظنيّة أو قام الظن على عدم حجيّة ظن آخر راجع إلى حال انسداد موضوع اللفظ أو ظهوره أو غيره كصدوره ممّا هو راجع إلى قيود موضوع الحجيّة العلميّة . فهل يقدم الظن المانع أو الممنوع أو يتعارضان فيتساقطان ؟ وجوه اختار المحقّق النائيني قدس سره (1) انّ الحجيّة في حال الانسداد للظن المانع دون الممنوع تنظيرا له أو جعلاً له من قبيل الأصل السببي والمسببي فانّهما اذا تعارضا يقدم الأصل السببي على المسببي دون العكس والمقام من هذا القبيل . ولكن الشيخ قدس سره قد ردّ هذا الوجه أيضا وأورد عليه بما هو محرّر في رسائله مع ساير الوجوه وخدشاتها فراجع .

فانّه

قدس سره قد أتى بما لا مزيد عليه وجعل أحسن الوجوه في حلّ الاشكال الجواب الخامس المذكور من أجوبة خروج الظن القياسي وقد مرّ الاشكال عليه في كلامه .

أمّا بيان مرام المحقّق النائيني قدس سره في كون المقام من قبيل الشكّ السببي والمسبّبي في باب الاستصحاب أو غيره من الأبواب الذي لا يجري مع جريان

في الظن المانع والممنوع

ص: 385


1- . فوائد الاُصول 3/322 .

السببي الأصل المسببي للحكومة . فهو ان الأصلين أو الامارتين المتعارضتينلتخالف مدلولهما لا يمكن شمول كليهما لدليل الامارة أو الأصل وبعبارة اخرى لا يشمل دليل الحجيّة كليهما لتزاحمهما في الفرديّة حيث انّهما يتدافعان فلا يشمل الدليل كليهما معا وشموله لأحدهما بعينه دون الآخر ترجيح بلا مرجح . كما ان شموله لواحد لا بعينه لا معنى له لعدم كون الواحد لا بعينه فردا . فحينئذٍ لا يشمل أحدا منهما وهذا معنى التعارض بمعنى تزاحمها في شمول دليل الحجيّة لهما وفي فرديتهما للعام .

ولكن يمكن الاشكال في ذلك بأنّه أيّ مانع لاشتراط كلّ بعدم الأخذ بالآخر إذ ليس معنى غير معقول كما التزمنا مثله في الخبرين المتعارضين فيكون الحجيّة مشروطة بالأخذ وهذا قابل للانطباق على كلّ منهما . والشيخ قدس سره مع انه ( انكر ) الترتب في طرف واحد التزم في المقام بالترتب من الطرفين ويرجع كلامه قدس سره هذا بناء على تساويهما في الفرديّة فيتساقطان وليسا كالخبرين المتعارضين كي يكونا مشمولين للأدلّة العلاجيّة ويكون مختارا في الأخذ بأيّهما شاء بل الظنان على هذا كالآيتين هذا .

وأمّا وجه تقديم الأصل السببي فهو انه لا يتوقف فرديته للعام على شيء بخلاف الأصل المسببي فانه وإن كان فردا للعام لو لا الأصل السببي . إلاّ ان فرديته للعام يتوقف على عدم شمول العام للأصل السببي ولذلك يقدم عليه دون العكس .

بيانه ان الأصل المسببي اشترط فيه امور ثلاثة مرجعها إلى تسبب الشكّ من الشكّ السببي وكون الترتب شرعيّا كما انه لابدّ من كونه أثرا شرعيّا للأصل

وجه تقدم الأصل السببي على المسبّبي

ص: 386

السببي . فاذا اجتمع هذه القيود يجري الأصل السببي ولا مجال للمسبّبي لحكومة السببي واعدامه موضوع المسببي باخراجه من تحت العام اذا لحكومة تارةبادخال فرد كما في زيد عالم لموضوعه في أكرم العلماء واخرى باخراجه كما في انه ليس بعالم لاخراجه . وعلى كلّ تقدير يكون دليل الحاكم متعرّضا لشيء لا يتكفّله دليل المحكوم لعدم تعرّض الكبرى لصغرى نفسها . فاذا لم يكن ترتب أو كان ولم يكن المترتب أثرا شرعيّا للمرتب عليه أو لم يكن تسبب بينهما . بل كان سبب كلّ غير الآخر فلا حكومة . كما انه اذا كان الشكّ السببي مسبّبا من الشكّ المسببي فلا مجال للحكومة . فالمثال المعروف لهذا البحث هو الشكّ في طهارة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة والنجاسة ولابدّ فيه من كون الشكّ في الطهارة في الماء من غير ناحية غسل الثوب النجس به فانه اذا كان الماء في حد نفسه طاهرا لكنّه مشكوك الكريّة فيشكّ بعد ما لاقاه الثوب النجس في نجاسته وطهارته لملاقاة الثوب له فهذا ليس من الشكّ السببي والمسبّبي . وبجريان أصل الطهارة في الماء لا يبقى مجال للشكّ في طهارة الثوب . بل لابدّ في كونه من أمثلة المقام كون الشكّ في طهارة الماء مع قطع النظر عن ملاقاة النجس له . وحينئذٍ فعند ملاقاة النجس له وغسله له بالوجه المعتبر إن كان قليلاً فبالتعدد والا فبدونه يشكّ في طهارة الثوب وبقاء نجاسته . حيث انه إن كان الماء طاهرا فقد طهر الثوب قطعا وإلاّ فنجاسته السابقة باقية . فالشكّ في طهارة الثوب مسبب من الشكّ في طهارة الماء ويكون طهارة الثوب بالماء الجاري فيه أصل الطهارة بغسله به على الوجه المعتبر من آثار طهارة الماء الشرعيّة . فأركان الاستصحاب السببي تامّة وشرايط حكومته على المسببي أيضا حاصلة فلا مجال معه لجريان المسببي .

ص: 387

هذا في أصل الشكّ السببي والمسبّبي . وأمّا تطبيق ذلك على المقام فهو انه بمقتضى حجيّة الظن في حال الانسداد فيكون كلّ ظن فردا له لكن فرديّة المانع لا يتوقّف على عدم فرديّة الممنوع بخلاف العكس لأن معنى حجيّة المانع هو حجيّةمؤدّاه وترتيب الأثر عليه ومفاده ومتعلّقه عدم حجيّة الظن الممنوع فعدم حجيّة الممنوع من آثار المانع الشرعيّة والشكّ في حجيّة الممنوع أيضا ممحض من ناحيته فاركان المنع تامة لا مجال للممنوع بخلاف المانع هذا تقرير الكلام ووجه كونه من ذاك القبيل وقد أجاب الشيخ عن هذا فراجع رسائله .

توضيح وتكميل: قد عرفت توجّه الاشكال في الظن المانع والممنوع وتقدّم أيّهما وسبق شطر من الكلام في كونه نظيرا للشكّ السببي والمسبّبي الذي يقدم السببي بشرايطه المذكورة وكذلك بناء على الحكومة يقدم الظن المانع لعدم توقّف للعقل بناء عليها في حجيّة مطلق الطن نعم حيث انّهما متضادان لا يجتمعان فلابدّ من الالتزام .

بتعليقيّة حكم العقل في ناحية الممنوع بعدم قيام دليل على المنع منه . وحيث ان المعلّق عليه حاصل خلافه وانه حكم العقل في ظرف الانسداد للظن الممنوع فلا يكون حجّة بخلاف المانع اذ لا تردّد في فرديّته للظن ولا توقّف بخلاف الممنوع فانّه على تقدير خروج المانع يكون حجّة . كما انه يمكن فرض الكلام في ما اذا كان الممنوع قائما على خلاف الاحتياط فانه ولو لم يكن المانع حجّة يمكن تقدّمه وأولويّته . وعلى تقريب الحكومة فقد عرفت الحال وإلى هذا يرجع ما أفاده المحقّق النائيني في دفع الاشكال والشيخ يحوم كلامه حول ما أشرنا إليه أولا مع شرح وزيادة .

ص: 388

وأمّا على فرض الكشف فلا اشكال أيضا لكون الدليل القائم على المنع من الممنوع يكون مخصّصا على تقدير الكليّة وشمول المانع والا فيكون مهملة .

هذا تمام الكلام في مقدّمات الانسداد وظهر بما ذكرنا عدم تماميّة المقدّمات رأسا وان غير الثانية باطلة جميعا لا مجال لها . ثمّ انّ انسدّ باب العلموالعلمي في ما يرجع إلى الأحكام من الموضوعات لها وتعيين حال الرواة بقول أهل الرجال وأمثال ذلك فهل الظن في حال الانسداد يقوم مقام العلم أم لا ؟ قد أشرنا سابقا إلى انه ان رجع إلى انسداد باب العلم في الأحكام وتمت المقدّمات فهو والا فلا وحينئذٍ فبناءً على الكشف تكون النتيجة كما سبق من الكليّة والاهمال وان المتيقن الظن الاطمئناني دون غيره من المراتب على تقدير الوفاء . كما انه على الحكومة لا فرق بين أنحاء الظن سببا وموردا . وأمّا مرتبةً فيقدم القوي على الضعيف إلى آخر ما سلف .

ثمّ انّهم جرّوا الكلام في بحث الانسداد إلى فرض انسداد باب العلم في الأصول وهي أولى بفرض الانسداد فيها من الفروع ولا يمكن الاكتفاء فيها بالعلمي بل لابدّ فيها من العلم والعلم له مراتب أعلاها اليقين الكامل الذي ورد في بعض(1) الروايات انه لا شيء أقلّ من اليقين ولا يمكن التمسّك فيها بالروايات لأن المعارف قد ذكرنا لزوم كونها يقينيّة . فاذا انسدّ فيها باب العلم فهل يكفي الظن

أو يعقد القلب على العنوان الواقعي للشيء وانفتاح باب اثبات الصانع بفطريّة احتياج المخلوق والمصنوع والأثر إلى الصانع والمؤثّر والخالق انما يوجب هذا المقدار دون باقي المراتب من الأمور اللازمة في الاعتقاديات من التوحيد

عدم جريان المقدّمات في اُصول العقائد

ص: 389


1- . مرآة العقول 7 ص324 - 328 .

وغيره .

فليعلم انه لا معنى لتكليف كلّ الناس بمعرفة المعارف حتى ضعفاء العقول ومن كان أوائل بلوغه بحيث ليس له انس ولا معرفة بالأصول الا بما يكون مقدورا لهم لاستقلال العقل بقبح تكليف العاجز عن شيء به . فحينئذٍ لابدّ وأنيكون قد نصب للكل طريقا يمكنهم الوصول إلى العقائد بسلوكه بحيث لا يخصّ الأوحدي منهم ولا صنفا ممتازا من بينهم . وإلاّ فاللازم اختصاص التكليف بهم دون غيرهم هذا .

ثمّ انّه نقول يكفي نفس أخبار الأنبياء والرسل بوجود صانع حكيم موصوف بما يجب منزه عمّا لا يليق به قد أرسل الرسل وبعث الأنبياء وأوجب على الناس التكاليف . وذلك لعدم معقوليّة عدم حصول العلم من أخبارهم كما انه يمتنع عدم حصول العلم في أخبار عدد التواتر أيّ عدد اشترطنا فيه . فانه اذا فرضنا انه أخبر عدّة رجال صلحاء أخيار أبرار لا داعي لهم إلى الكذب قد جرّبناهم بالصدق وعرفناهم به وقد فاقوا جميع أصناف البشر بكرائم الأخلاق وفضائل الصفات وهم قد اتّفقوا على الخبر عن مكّة ووجود البيت مثلاً وانه كذا بنائه وكذا ترتيبه إلى غير ذلك ممّا يتعلّق به فيحصل العلم من قولهم لكلّ أحد . غاية الأمر تختلف الأشخاص في الاكتفاء بالعدد الذي يوجب اتّفاقهم العلم وحصوله له فسواء كان العدد عشرة أو لم يكتف بها بل اشترطنا مائة أو أزيد إلى أيّ حدّ اكتفينا به فقطعا يحصل العلم ونقف على قولهم وأخبارهم فكيف يمكن مع وجود أنبياء يبلغ عددهم مائة ألف وأربعا وعشرين ألفا وهم قد اتّفقوا على الأخبار عن صانع حكيم مدبر فاعل الخيرات خالق الأرضين والسماوات مكلّف

ص: 390

العباد بالتكاليف الشك أو التوقف في تصديق قولهم إذا لم يعاند وجدانه ولم يكابر نفسه ولم يكن مباهتا . ولو فرض انّ أخبارهم ذلك لا يكون مستندا إلى الحسّ بل في الأمور العقليّة التي يجوز الخطأ إلاّ ان فرض التوقّف مع هذا الصلاح وظهور المعجزات الواصلة إلينا بالتواتر على أيديهم يمنع من ذلك ولا يتوهّم ان هذا اثبات التوحيد بالنبوّة بل المراد الاستدلال بصدق الأنبياء وتفوّقهم في فضائلالأخلاق على ساير أفراد البشر على صدقهم في أخبارهم عن اللّه مع ظهور الكرامات والمعجزات منهم .

وهكذا الحال في ساير الامور العرفيّة وغيرها والاّ فمن أين يثبت الانتساب للابن إلى أبيه وبعد موته يمكنه حيازة ارثه واستملاكها . اذ لا طريق إلى العلم بكونه ولده الا الشياع والتواتر المفيدين للعلم . وإلاّ فيجري اصالة عدم الانتساب لامكان كونه لقيطا غير مولود على فراش هذا الأب . وهكذا البناء على الشياع والتواتر ) في الانتساب في باب الخمس . وكما انه يمكن الاستدلال بالقرآن الذي لا شكّ في اعجازه على وجوب حصول المعرفة باللّه وصفاته والايمان بأنبيائه ويكفي كونه معجزا في كونه حقّا وليس ذلك دورا ( نعم ) لمن يؤمن بالقرآن التمسّك به بلا اشكال ولا توقّف على كونه معجزا عنده وفي الآيات الشريفة ارشادات وايماءات وأوامر إلى الايمان والتوحيد والزام تحصيل المعرفة . وهذا يكفي في انفتاح باب العلم في العقائد كما انه في المورد الذي لا يتمكن من تحصيل العلم فيمكن عقد القلب على واقع الأمر كائنا ما كان حتّى في الصفات الثبوتيّة والسلوب كما ان الامر لعلّه كذلك .

إذ لا يمكن للممكن الاحاطة بالواجب وبعد هذا فلا نحتاج إلى الاعتصام

في المعارف الاعتقادية

ص: 391

بحكمة يونان وأقوال حكمائهم مع عدم تماميّتها وورود الاشكال عليها في كلّ باب بل غاية ما حصل لهم على طول هذا العلم هو الشكّ والتحير والجهل بل ربما يكون سلوكه حراما لمن يحتمل ابتلائه بوساوس الشيطان التي لا نجاة منها .

الكلام في مباحث الشكّ

قد علم ممّا ذكرنا أوّل الدخول في مباحث القطع ان الكلام يقع في مقاماتثلاث: القطع والظن والشكّ .

وقد فرغنا عن أبحاث الاولين وبقي الثالث والآن أوان الشروع في مباحثه فنقول وباللّه التوفيق وقبل الشروع ينبغي التنبيه على أمور:

الأوّل: انّ الشكّ قد يؤخذ موضوعا للحكم الواقعي ومغيرا له ومبدلاً وقد يكون موضوعا للحكم الظاهري كما انّه قديتعلّق بالواقعة الجزئيّة الشخصيّة التي حكمها جزئي فالمشكوك هو الحكم الجزئي أو الموضوع الجزئي وقد يتعلّق بالحكم الكلي فالشك في شرب التتن من حيث انه واقعة من الوقايع الكليّة هل هو مباح أم حرام . فالشكّ المبدّل لحكم الواقع الذي أخذ موضوعا للحكم الواقعي كالشكّ في ركعات الصلوات اليوميّة . حيث انّه يوجب تبدل وظيفة الشاكّ من اتّصال الركعات بالانفصال فانه على تقدير تماميّة صلاتها صلاة الاحتياط المنفصلة عنها نافلة وعلى تقدير النقص متمّمة لها ملاكا وجزئا على ما ذهب إليه المشهور وبعضهم شيّد أركان هذا المعنى وأصرّ عليه خلافا لآخر حيث انّه يرى كونها متمّمة ملاكيّا لا جزئيّا .

ونظهر الثمرة بين القولين بتخلّل ما ينافي الصلاة مطلقا عمدا وسهوا بين

ص: 392

الصلاتين فعلى تتميم الملاك محضا لا يوجب البطلان وعلى تتميم الجزئيّة أيضا يكون مبطلاً لها حتى ان لازم من يرى عدم الجزئيّة لها انّه لو تعمّد الترك ولم يأت بها ولو بعد سنين فلا يجب عليه إلاّ الاتيان بالاحتياطيّة ولو منفردة ولا يمكنه الاتيان بالصلاة رأسا .

أمّا الشكّ الذي يكون موضوعا للحكم الظاهري بناءً على تعدّد الحكم فهو الشكّ في الحكم الواقعي في موارد الأصول . فانّه موضوع للحكم الظاهري من البرائة أو الاحتياط أو الاستصحاب على التفصيل الآتي في مجاريها ومواردهاوسبق التنبيه عليه في أوّل مباحث القطع . والشيخ قدس سره قد أطلق على هذا الحكم العنوان الثانوي بلحاظ طرو الشكّ المغاير للحكم المحمول على الطبيعة بعنوانها الأولي بلا لحاظ الشك والعلم وغيرهما . وذلك لترتّب العلم والشكّ والجهل على وجود الشيء وتحقّقه فلابدّ فيه من التحقّق فيعلم أو يجهل أو يشكّ فيه . كالفرق بينهما بالرتبة ورتبة الحكم الواقعي متقدّمة على الحكم الظاهري أو المجعول بالعنوان الثانوي الذي هو متأخّر رتبة عن رتبة الجعل . كما انّ الدليل الدال على الحكم الأولي الواقعي يسمّى دليلاً اجتهاديّا والدليل الدال على الحكم الظاهري أصلاً عمليّا . اما العلم فلا يطلق عليه الدليل على ما سبق في أوائل بحث الظن وقد يصطلح هنا اصطلاحا آخر كما عن الوحيد قدس سره من تسمية الدليل الدال على الحكم الواقعي دليلاً اجتهاديّا والدالّ على الثاني دليلاً فقاهيا والذي أوجب تأسيس هذا الاصطلاح ما تداول بينهم من تعريف الفقه بالعلم بالأحكام الشرعيّة الخ ولا يخفى ان الامارات لا يحصل منها العلم بالواقع بخلاف الأصول فانها توجب العلم بالحكم الظاهري المجعول في ظرف الشكّ فأراد ادخال هذا الحكم في تعريف

حكم الشك في التكليف

ص: 393

الفقه وذاك في تعريف المجتهد ولا مشاحة في الاصطلاح .

فعلى هذا يسمى فقيها باعتبار استفادته حكم ظرف الشكّ في موارد

جريان الأصول ومجتهدا بلحاظ حصول الظن له من الأدلّة الاجتهاديّة بالحكم الواقعي ولكن هذا كلّه على فرض تسليم تعدّد الحكم والجواب عن اشكال ابن قبة ذي شعب أربع من المحاذير الخطابيّة والملاكيّة . ولو فرضنا دفع الاشكال في الامارات من ناحية تسليم الطريقيّة والوسطيّة بلا لزوم جعل حكم في موردها كي يلزم اجتماع الضدين في مورد المخالفة للواقع أو المثلين في مورد الموافقة لايمكننا الجواب في موارد الأصول لفرض جعل الحلية مثلاً والاباحة فيموردها . فكيف يجامع هذا الحكم الحكم الواقعي على تقدير كونه هو غير الاباحة . والتزم الشيخ قدس سره على ما يظهر من كلامه بكون الحكم الواقعي هو الانشائي والظاهري هو الفعلي ولذا أورد عليه المحقّق الخراساني(1) ما أورد . منها عدم ايجاب تعلّق العلم بالحكم الانشائي لزوم الانبعاث على وفقه وأمّا التنزيل فان ظهر من كلام بعض تلامذة الشيخ في بعض المقامات ولكن في رسائله لا اشارة إليه . والمحقّق الخراساني قدس سره (2) كان رأيه سابقا بأن للحكم أربع

مراتب لكن في كفايته عدل عن هذا وجعل للحكم قسمين من الفعلي الأولى الفعلي الذي لو علم به لتنجز والثاني الفعلي المتنجز . وبعضهم تصدى لدفع الاشكال بعدم تصور التضاد الا في مرحلة الجري العلمي والداعويّة نحو الفعل والترك عند المكلّف والا فلا تضاد لها بما هي مجعولة واقعا . بل التضاد لها في

ص: 394


1- . كفاية الاُصول 2/27 .
2- . كفاية الاُصول 2/27 .

مرحلة الجري العملي فما لم يعلم الحكم الواقعي فلا تضادّ مع الحكم الآخر المعلوم الذي ينبعث المكلف منه ونظّر ذلك بالحب والبغض وان الاشياء لا تقبل كونها محلاً للعوارض الخارجيّة المتضادّة كالسواد والبياض ولو من شخصين متعددين بخلاف العوارض النفسانيّة كالحبّ والبغض فانّه يمكن كون شيء واحد محبوبا مبغوضا بالنسبة إلى شخصين أو شخص واحد في حالتين وجعل الأحكام من قبيل القسم الآخر الذي لا يكون اتّصافها بالأمور العارضة الخارجيّة .

ولكن الاشكال في ناحية اللّه وفي تنظيره فانه من المحال كونه تعالى محلاًللحوادث من الحب والبغض وأمثالهما بل اتّصافه تعالى بهذه وأمثالها إنّما هوبالمجاز فكانّه اريد به غايات الحب والبغض بخلاف الرازق والخالق وغيرهما فانه تعالى يتّصف بهما حقيقة سواء كان راجعا إلى صفات الذات أو الأفعال .

والحاصل ان الحكم الواقعي اما أن يكون مقيّدا بحال العلم به وهو محال لاستلزامه الدور كما أشار إليه العلاّمة في بعض كلماته وأخذ الجماعة منه قدس سره

مضافا إلى لزوم التصويب المجمع على بطلانه وكذلك لا يبقى مجال التمسّك ( للشكّ ) فيه في مورد الشكّ إذ بالشك نعلم ( انه ) لا حكم للشاكّ كما انّه اذا قيد

الموضوع للحكم بقيد المعلوميّة وكان الخمر المعلوم حراما ففي المشكوك خمريّته نعلم بعدم الحرمة واقعا فلا مجال للشكّ . نعم يمكن أخذ العلم بحكم موضوعا لحكم آخر كما إذا قال اذا علمت بوجوب الصلاة فتصدّق . وإمّا أن لا يكون مقيّدا بالعلم بل مطلق من هذه الجهة ولا دخل للعلم والجهل بوجود الحكم وعدمه . فحينئذٍ يلزم الاشكال المعروف من أين قبة باغصانها . لكن الشيخ على مبناه من انتزاع الطريقيّة من الحكم التكليفي بوجوب العمل التزم في الجمع بين الحكم

حال الحكم الواقعي

ص: 395

الواقعي والظاهري بما ذكرنا من كون الواقعي هو الانشائي والظاهري هو الفعلي .

ثمّ انه حيث ان الامارة لا توجب بقيامها رفع الشكّ وحصول العلم بمؤداها فالشكّ بعد قيامها متحقّق كقبله وهذا الشكّ أيضا موضوع للحكم الظاهري المجعول في موارد الأصول فلابدّ من الجمع بينهما أيضا . ويظهر من المحقّق النائيني قدس سره (1) انّه فهم من كلام الشيخ انه أراد أن يجمع بين موضوع الامارة والأصل بما جمع بين الحكم الواقعي والظاهري فاستشكل عليه لكن التأمّل في كلام الشيخ قدس سره يوجب عدم مجال لما أورد عليه المحقّق النائيني فراجع كلامهتعرف مرامه .

فذلكة: قد عرفت ممّا مرّ ان مذهب الشيخ قدس سره في الامارات وجوب العمل بها الذي ينتزع منه الطريقيّة وطريق الجمع بين وجوب العمل بالامارة والحكم الواقعي ما سلف من كون الحكم الواقعي مجعولاً على نفس موضوعه بلا لحاظ الشكّ بخلاف الحكم الظاهري فانه مجعول في ظرف الشكّ على نحو يسلم من اشكال التصويب وساير اشكالات ذلك ملاكا وخطابا التي سلك كلّ في مقام رفع الاشكال مسلكا غير ما سلكه الآخرون .

وبالجملة حيث ان قيام الامارة لا يوجب حصول العلم عند من قامت عنده بل بعد على شكه والظن كالشكّ أيضا لعدم حجيّته ذاتا بل يحتاج إلى الجعل والاعتبار فعند قيام الامارة على الحكم الشرعي يبقى الشكّ وجدانا خصوصا على مبنى القوم من بنائهم في الامارات على الظن النوعي . وحينئذٍ فحيث ان موضوع الأصول العمليّة أيضا هو الشكّ فاللازم جواز اجراء الأصول في مورد

ص: 396


1- . فوائد الاُصول 3/326 .

قيام الامارة فلابدّ من الجواب والتفصي عن هذا الاشكال . وربما يستفاد من كلام الشيخ التنزيل ولكنه مجمل اذ يحتمل ان مراده تنزيل الامارة منزلة العلم كما انه يحتمل تنزيل المؤدى منزلة المقطوع ولا وجه لكليهما كما أشار إليه في الكفاية(1) من لزوم الجمع بين لحاظين الالي والاستقلالي وان الظاهر كونه بلحاظ الآلية لا الاستقلاليّة فيكون حينئذٍ تنزيل المؤدّى منزلة الواقع فيما اذا كان القطع مأخوذا في الموضوع .

والحاصل ان عبارة الشيخ هاهنا مجملة فلعلّه يقول بتقدّم الامارة علىالأصل بلحاظ كون الامارة نزل مؤدّاها منزلة الواقع تعبّدا . وهذا يوجب عدم مجال لجريان الأصول لعدم بقاء الشكّ الذي أخذ موضوعا فيها مع التعبّد بالواقع تعبّدا لكنه لا يناسب مبناه من وجوب العمل بالامارة الذي لا يوجب تبدل الواقع فيما اذا كان مؤدى قول العادل أو الامارة القائمة على خلاف الواقع . فانه ينتزع منه الطريقيّة وهي لا توجب جعل الحكم في مورد الطريق كما التزم به أخيرا صاحب الكفاية قدس سره (2) في مبحث الظن وعدل عن ما بنى عليه اول مباحث القطع من اختيار تنزيل المؤدى منزلة الواقع . اذ يرد على مبنى تنزيل المؤدّى عدم الفرق بين الامارات والأصول . اذ ليس المجعول على هذا الاّ وجوب العمل والأمر بترتيب أثر الواقع على المؤدّى . وهذا لا يوجب زوال الشكّ لا وجدانا ولا تعبّدا اذ لسانه على هذا لسان الأصول ولا يمكن معه اثبات اللوازم العقليّة التي يرتّبونها على الامارات بل بعينه تكون كالاستصحاب ولا وجه لتقدّمها على الأصول حتى

وجه تقدّم الامارة على الاصول

ص: 397


1- . كفاية الاُصول 2/21 - 22 - 44 .
2- . كفاية الاُصول 2/21 - 22 - 44 .

ان ( مقتضى ) القواعد الخاصّة المجعولة في موارد الأصول النافية كاصالة الصحّة وقاعدتي الفراغ والتجاوز وأمثالها الجارية في موارد جريان استصحاب عدم الاتيان بما هو دخيل في ذي الأثر شرطا أو جزءا كما اذا شك في ان اذن البايع في الرهن قبل البيع أم بعده فالشكّ في صحّة البيع وعدمها كيف يمكن معه جريان أصل الصحّة مع استصحاب عدم الصحّة أو عدم ترتب الأثر وقلنا انه لمكان الأخصيّة تقدّم أدلّة هذه القواعد على الاستصحاب والأصول العدميّة الآخر لو تخالفنا ( ولا يمكن اجراء وجه لتقدم هذه القواعد على تلك الأصول النافية في المقام ويكون ذلك وجها لتقدم الامارة على الأصل وذلك لعدم جريان ذلك الوجهفيها .

اذ النسبة إنّما نلاحظ بين دليلي اعتبار الامارة والأصل ولا يلاحظ النسبة بين الامارة الشخصيّة والأصل الجاري في المورد الخاص فانه لابدّ من قطعيّة دليل الامارة والأصل وان كان المؤدّى في الامارة ظنيّا وفي الأصل حكما ظاهريّا لكنه لابدّ من مستند قطعي . وحينئذٍ فالتعارض إنّما يقع بين دليلي اعتبارهما حيث انّهما متخالفان بالعموم من وجه فيتساقطان . وذلك لأن دليل اعتبار الامارة مطلق من حيث قيام الأصل على وفقها وعدمه كما انها لا توجب العلم المعدم لموضوع الأصل . ودليل الأصل مطلق من حيث قيام الامارة على خلاف مفاده وعدمه فهما متخالفان بالعموم من وجه فيتساقطان ولا يكون أحدهما حجّة لعدم المرجح . اذ الوجوه الموجبة لتقدّم الامارة على الأصل تبتني على هذه المباني التي ليست بتامّه فلا يصحّ الجمع فلا يبقى أصل ولا امارة . وهذا بخلاف المبنى الصحيح المختار من عدم جعل في الامارات تأسيسا بل إنّما هي

ص: 398

منجملة الحجيّة . والشارع إنّما ارشد إلى ذلك ولا تعبد في البين بل كلّها ارشاد لما في الطريقة من حجيّة العلم النظامي العادي الذي يحصل من قيام الامارة وجدانا وحينئذٍ فوجه تقدّم الامارات على الأصول واضح على هذا المبنى . فالامارة حجّة في ظرف الشكّ لعدم معقوليّة حجيّتها في ظرف العلم لاستلزامه تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد وهو محال . بل إنّما هي مجعولة أو حجّة في ظرف الشك والشك ليس موضوعا اذ لو أخذ موضوعا فاللازم تحري وجه آخر في تقدّمها على الأصول ولكن لا نقول بذلك بل لأنّ الشكّ ليس إلاّ ظرفا فيها . وعلى هذا فبقيامها يحصل العلم الذي لا مجال معه لموضوع الأصول لورودها عليها والشيخ قدس سره كأنّه اختار حكومة الامارات على الأصول وذلك لقيام الحجّة علىالواقعيّات ومعه لا مجال لجريان الأصل . وأفاد في تعريف نفس الحكومة أن يكون أحد الدليلين متعرّضا لحال دليل الآخر وما اريد منه وإن لم يكن بلفظ التفسير كاى واعنى ولا يكون لذلك الآخر تعرض لحال هذا وبالجملة خروج موضوع عن عموم عام له وجوه أربعة .

فتارة يكون خروجا تكوينيّا كخروج زيد الجاهل عن عموم أكرم العلماء وهذا نسمّيه تخصّصا . واخرى يكون بلسان المعارضة وهذا يسمّى تخصيصا . وثالثه يكون بنفس التعبّد بالدليل الآخر بلا اثباته للمؤدى ورابعة باثباته للمؤدى .

فالثالث هو الورود كايجاب الاحتياط الشرعي الموجب لعدم بقاء موضوع قبح العقاب بلا بيان بناءً على تقديم أخبار الاحتياط مطلقا أو في مورد خاص . والرابع هو الحكومة وأورد المحقّق النائيني(1) على الشيخ قدس سره بأنّه جمع بين

الوجه الصحيح في حجيّة الامارة

ص: 399


1- . فوائد الاُصول 3/326 .

الامارات والأصول بما جمع به بين الحكم الواقعي والظاهري . لكن الشيخ قدس سره

يعطى كلامه غير ما فهمه منه المحقّق النائيني اذ في مورد الحكومة لا يكون للمحكوم تحقق البقاء فكيف يكون هناك حكمان يجمع بينهما بذلك . وهذا بخلاف الحكم الواقعي والظاهري والامارات بالنسبة إلى الواقع لو قيل بكون الامارة حكما ظاهريّا أو مستتبعة له فلا مجال لاشكال النائيني على الشيخ فراجع .

وخلاصة الكلام حيث ان دليل اعتبار الامارة ودليل اعتبار الأصول العمليّة من الاستصحاب والبرائة وغيرها هو الأخبار وهي بحسب الظاهر متخالفة فلا يمكن شمول الدليل لهما اذ قيام الامارة لا يوجب ذهاب الشك الموضوع في الأصول العمليّة وجدانا بل بعد هو على حاله .والفرض ان هذا الشك بعينه موضوع الأصول ففي مورد تخالف مؤدّى الامارة مع حكم الأصل لا يكون شمول صدق العادل الذي هو مفاد أدلّة حجيّة الخبر والامارة التي هي الدليل لحجيتها والأخذ بمؤداها كما انهما الدليل للاستصحاب وساير الأصول . وذلك لأن اللازم في كليّة الامارات والأصول كون حجيّتها قطعيّة وإن لم يكن مفادها كذلك . وعلى هذا فلابدّ من رفع التنافي على وجه يمكن معه شمول الدليل لكلّ واحد منهما وإلاّ فيلزم عدم حاجة إلى الامارة ولا انه يعتني بها لوجود الأصل وتحقّق موضوعه . اللهمّ إلاّ أن يقال بالأخصيّة لوجود الأصل في كلّ مورد يكون مقام قيام الامارة ولا عكس . فحينئذٍ يقدم دليل الامارة على الأصل للأخصيّة ولعدم لزوم اللغو . والشيخ قدس سره ذهب في المقام إلى ان مفاد دليل الامارة هو التنزيل وبهذا يقدم على الأصل . لكن الكلام في ان التنزيل اما أن يكون راجعا إلى الأمارة وكونها كالعلم أو إلى مؤدّى الامارة وتنزيله

ص: 400

كالمتيقن وأيّا ما كان فلا يمكن إلاّ بلحاظ ترتب أثر العلم أو المتيقن المعلوم على ما نزل منزلة العلم أو المتيقن وإلاّ فالتنزيل لا يمكن بلا ترتب أثر عليه . وحينئذٍ

فما وجه حجيّة الامارة حتى في المثبتات لكونها على هذا كالاستصحاب الذي لا يلتزمون بحجيّته في المثبتات مع انه انما يوجب هذا التنزيل تقدم الامارة على غير الاستصحاب من الأصول التي لا تنزيل فيها بل أخذ فيها الشكّ موضوعا محفوظاً للحكم المرتب عليه . فيمكن أن يقال فيها بأنّ العلم الذي هو الغاية فيها ظاهر بنفسه في العلم الوجداني وبقيام دليل حجيّة الامارة وتنزيلها منزلة العلم يتحقق فرد آخر من العلم بالحكومة على ذاك الدليل الأولى الظاهر علمه في الوجداني فيقدم الامارة على هذا على الأصل بالحكومة .

وأمّا في الاستصحاب فلا يجري هذا الكلام لكونه كالامارة من كونه تنزيلاًإمّا للشكّ منزلة العلم واليقين أو المشكوك منزلة المتيقن وأيّاً ما كان فهو تنزيل في عرض تنزيل الامارة أو مؤدّيها . ولهذا يقدم على ساير الأصول . ولكن لا وجه لتقدم الامارة عليه وليس المقام كتنزيل الطواف(1) بالبيت بالصلاة أو تنزيل الرضاع(2) وكونه لحمة بالنسب في كون التنزيل من طرف واحد . اذ التنزيل في المقام شامل لكليهما فكما ان الامارة نزلت منزلة العلم أو مؤدّاها منزلة المعلوم كذلك الاسيتصحاب فهما تنزيلان عرضيان لا تقدم لأحدهما على الآخر فلا مجال لدفع الاشكال حتّى بالأخصيّة والأعميّة لعدم أعميّة دليل الاستصحاب من دليل الامارة ولا انها أخص موردا منه بخلاف الاستصحاب وساير القواعد

تنزيل المستصحب والاشكال

ص: 401


1- . الوسائل 13 الباب 38/6 ونحوه مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 من أبواب الطواف واللفظ فان فيه الطواف بالبيت صلاة ونحوه، مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 .
2- . الوسائل 20 الباب 1 روايات عشر من أبواب ما يحرم من الرضاعة وليس فيها لحمة .

المجعولة في ظرفها كالفراغ والتجاوز والصحّة وغيرها حيث انّها تقدّم على الاستصحاب بلحاظ الأخصيّة .

ثمّ انّ الشيخ قدس سره ورد في بيان الأصول وحصرها في الأربعة ومجاريها فأفاد في الأول ان الشك إمّا أن يتصرّف فيه الشارع أو لا والثاني إمّا أن يكون مجال الحكم بأحد طرفي الشك أم لا .

وعلى الأوّل إمّا أن يحكم بالنفي أو الاثبات وإمّا باقي الأصول الحكميّة كقاعدة الطهارة وأمثالهما راجع إلى هذه الأصول .

وأمّا حصر مجارى الأصول في الأربعة لأنّه إمّا أن يكون الشكّ يلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا .وعلى الثاني إمّا أن يكون جنس الالزام معلوما أم لا وعلى الأوّل إمّا أنيمكن فيه الاحتياط أو لا .

فالأوّل هو مجرى الاستصحاب والثاني مجرى الاحتياط والثالث مجرى التخيير والرابع مجرى البرائة وهذا الكلام في المقام أحسن ممّا أفاد في أوّل مباحث القطع من جعل العلم بنوع التكليف ميزانا للاشتغال والبرائة لعدم لزوم التداخل في المجاري ( لكن الكلام في التزام الشيخ بالاشتغال في مورد معلوميّة جنس الالزام والاكتفاء به أو لزوم معلوميّة نوعه .

تكميل وتوضيح: قد عرفت انّ دليل الامارة على ما أفاده الشيخ قدس سره في المقام يكون مقدّما على دليل الأصل لافادة تنزيل المؤدى منزلة الواقع أو تنزيل الامارة منزلة العلم . وعلى كلّ حال فيوجب حصول الغاية المأخوذة في الأصول العمليّة غير الاستصحاب وتقدم بذلك على الأصول حكومة وذلك لايجاب دليلها

ص: 402

تقدّمها عليها باثبات المؤدّى لا بنفس التعبّد بها .

أمّا الاستصحاب فهو تنزيل كتنزيل مورد الامارة وحينئذٍ فيشكل تقدّم الامارة عليه . لكن يمكن الالتزام بتقديمها عليه أيضا وذلك لأنّ الاستصحاب وإن كان بلحاظ الشكّ المأخوذ فيه موضوعا حكم فيه بالمتيقن أو باليقين ونزل منزلة العلم أو الواقع ولكن ورد في بعض أخباره(1) الأمر بنقضه بيقين آخر واليقين

الوارد في المقام كالعلم الوارد في أدلّة ساير الأصول وإن كان ظاهرا في الوجداني ولكن دليل الامارة يوجب توسعة فيه ولذلك يقدم عليه فهذا وجه تقدم الامارة عليها على مذهب الشيخ .

وظاهر سيّدنا الأستاذ قدس سره ايراده على نحو لا يرد عليه الاشكال واناستشكله فيما سلف .

ثمّ انّه نقل عن المحقّق النائيني كون الامارة وحجيّتها في طول العلم لا في عرضه ويشكل باستلزامه اختصاص دليل حجيّتها بحال الانسداد وأجاب بعدم ورود اشكال وامكان حجيّتها في حال الانفتاح والطوليّة ( لكنه لا يستقيم ) .

ثمّ انّ الشيخ قدس سره جعل الأصول أربعة ولابدّ من توجيه كلامه في المقام بأن يكون مراده إمّا الأصول الجارية في جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والأحكام كهذه الأربعة بخلاف القواعد الفقهيّة كقاعدتي الفراغ والتجاوز فانّهما مثلاً لا تجريان في باب الديات وان جرتا في باب الحج وكذلك اصالة الصحّة في باب الديات لعدم مجال لها ولا موضوع بخلاف تلك الأصول الأربعة فانّها من الممكن فيها ذلك ويكون على هذا ذكر ساير الأصول والقواعد استطراديّا أو ان

انحصار الاُصول في أربعة

ص: 403


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

الحصر عقلي والباقي يرجع إليها فانّه في صورة الشكّ إمّا أن يتصرّف في الشكّ ويجعله كالعلم أو لا وعلى الثاني إمّا أن يحكم بالوجود وثبوت المشكوك أو بعدمه أو بالتخيير وهذا حصر عقلي ولا ينافي ذلك كون التخيير أصلاً عقليّا أو كون البرائة والاشتعال أيضا كذلك . وعلى هذا تكون الأخبار الواردة في مواردها ارشادا لحكم العقل .

واعلم ان بحث البرائة والاشتعال غير مرتبط بمسئلة كون الأصل في الأشياء هو الحظر أو الاباحة لاختلاف جهة البحث في المقامين امّا بالعنوان وان البحث في الثاني عن العنوان الأولي مع قطع النظر عن حكم الشرع أو قبله زمانا أو بالجهات . فالبحث في الثاني من جهة التصرّف في ملك المولى أو من جهة المضار التي تحتمل أو يقطع بها في بعضها .

والحق ان الاختلاف من الجهة الاخيرة دون الاوليين حيث ان ( القبليّة )الزمانيّة لا معنى لها لأنّه لو كان الحكم هو الاباحة أو الحظر فلا معنى لحدوث ملاكه بورود الشرع بل تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة الكامنة في الأشياء فلا يفرق فيها زمانا .

نعم مجال لاحتمال الحظر من جهة استلزامه التصرف في ملك الغير . وفرق بعضهم بجريانه في موارد الموضوعات الخارجيّة وإن شمل التكلّم والتنفس وغيرهما ممّا لا يتعلّق تصرّف الانسان بالموضوعات الخارجيّة ولكن الانصاف عدم المجال لهذا التفصيل وان صدر من جليل .

فان التكلم أيضا تصرّف . وعلى كلّ حال لو اخترنا الاباحة لقوله تعالى:

ص: 404

« خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا »(1) أو اخترنا الحظر لما ذكر من الوجه لا يغنينا عن البحث في البرائة والاحتياط لان الغاية والغرض هو حصول المؤمن . فاذا اخترنا الحظر في تلك المسئلة فلنا ان نختار البرائة في هذه ونستريح إليها . كما ان يمكن اختيار الاباحة هناك واختيار الاحتياط في هذه لقوّة الأدلّة ولا مجال للتفكيك في بعض الموارد فانه لو اخترنا البرائة واجريت فيلازم ذلك الاذن وجواز التصرّف فلا يتوقّف في كون الأصل هو الحظر مثلاً .

واعلم أيضا ان العلماء قاطبة اصوليهم واخباريهم اتّفقوا على الاحتياط في الشبهة الحكميّة قبل الفحص وإنّما الخلاف في حكمها بعد الفحص في الشبهة التحريميّة فافترقوا فرقتين: اصولي واخباري .

فالأوّلون طرا على البرائة والاخرون كذلك على الاحتياط . وربما يقال بكون عدد قليل من الطرفين اختار مذهب الآخر لكنه لم يتحقّق . بل الظاهرخلافه .

وعلى كلّ حال فربما يقال ان اللازم على الأصولي أتعاب النفس في اقامة الدليل وتصحيح سند الأخبار ودلالتها على مدّعاه من البرائة وانقلاب الأصل بعد الفحص إلى البرائة بخلاف الأخباري فانّه في فسحة من ذلك لكون الاحتياط هو وفق الأصل .

فاذا تعارضت الأخبار ولم ترحج البرائة فاللازم هو الاحتياط فالأصولي لابدّ له من الجواب عن اخبار الاحتياط والخروج عنها وتحكيم أدلّة البرائة عليها وتقديمها . هذا في الشبهة الحكميّة التحريميّة . وأمّا الوجوبيّة فاختار الاحتياط

افتراق الاصولي مع الاخباري في اجراء البرائة بعد الفحص

ص: 405


1- . سورة البقرة الآية 30 .

فيها فريق من كلا الفريقين .

كما ان صورة اجمال النصين أو تعارضهما أو التقابل في البين بل التحقيق ان هذا هو أصل مادة النزاع بينهم الا ان الوجوه التي ذكروها في الفرق بين الطائفتين انهاها بعضهم إلى سبعين لا تتم بل الصحيح هو هذا .

تنبيه: لما ذكرنا اتفاق العلماء قاطبة على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة قبل الفحص فربّما يتوهّم ان على الأصولي القائل بالبرائة بعد الفحص اقامة الدليل على انقلاب الوظيفة واختلاف الحكم بعد الفحص لما قبله اذ الاحتياط على طبق الأصل فيحتاج في الخروج عنه إلى دليل .

وجوابه عدم تحقّق مناط وجوب الاحتياط قبل الفحص لما بعده حيث انهم ذكروا في المقام وجهين وان ذكروا في لزوم الفحص في الامارات وجوها ربما تبلغ خمسة منها العلم الاجمالي وأوجبوا الفحص هناك عن المعارض أو المخصص والمقيد إلى حدّ جعله بعضهم اليأس عن الظفر بالمقيد الموجب للعلم بعدمه .والوجهان اللذان استند إليهما في وجوب الاحتياط:

أحدهما العلم الاجمالي بالأحكام المجعولة في الشريعة في الوقايع المشكوكة والموارد المشتبهة . وحيث ان البرائة إنّما تتمحض حسب الفرض بصورة فقد النص المعتبر فالفحص إنّما هو لتحقّق موضوع فقد النص . فاذا اقتضى هذا الوجه جواز التمسّك بالبرائة بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال الموجب لانحلال العلم الاجمالي فلا موجب للفحص بعده لأن بعده يكون العقاب بلا بيان فلا مجال للاحتياط بعد الظفر بالمقدار الموجب لانحلال العلم لعدم موجب

ص: 406

للاحتياط بل يكون مجال التمسك بقاعدة القبح بلا بيان .

الثاني: طريقة العبيد بالنسبة إلى الموالي العرفيّة في مقام التوصل إلى أغراضهم والمشي على مرامهم .

حيث انه لا يمكنهم الاعتذار بمجرّد الشكّ لعدم كونه بما هو شكّ عذرا عند العقلاء ما لم ينطبق عليه قاعدة القبح بلا بيان وحينئذٍ فطريقتهم الفحص عن ما يوجب علمهم بمراد المولى وبعد اليأس يرون أنفسهم معذورين .

وهذا الوجه سواء تمّ أو لا فيكفي الوجه الأوّل .

وكيف كان فلا يتمّ هذا الاشكال لتغيّر المناط بعد الفحص عمّا هو المناط قبله للاحتياط وحينئذٍ فان تمت اخبار لزوم الاحتياط كأخبار التثليث او الوقوف عند الشبهة فهو والا فتجري قاعدة القبح في الموارد المشكوكة بعد الفحص .

فالعمدة هي تماميّة أدلّة الاحتياطي وحكومتها وتقدمها على أدلّة البرائة من الكتاب والسنّة والعقل .

وأمّا الأخباريّون فلم يتمسّكوا بالعقل والاجماع .

وذهب قاطبتهم في الشبهة التحريميّة لفقد النص بعد الفحص إلى الاحتياطخلافلاً لقاطبة الأصوليّين فاختاروا البرائة .

ولنقدم احتجاج الاصوليّين ثمّ النظر في أدلّة الأخباريين التي عمدتها حكم النقل ولا يرون للعقل في قبال النقل حكومة .

استدلّ الأصوليّون من الكتاب بآيات منها قوله تعالى: « لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا »(1) تقريب دلالة الآية الشريفة على عدم وجود التكليف في صورة

أدلّة الاُصوليين

ص: 407


1- . سورة الطلاق الآية 8 .

عدم اعلام الحكم للمكلّف وهذا على تقدير أن يراد من الموصول الشيء مفعولاً به والمراد بالايتاء هو الاعلام والايصال . فالمفاد هكذا لا يكلف اللّه نفسا بشيء الا

بما اعلمها به وبينه لها فحرمة شرب التتن لا يكلف اللّه العباد بها في صورة عدم اعلامهم بها فلا مانع من ارتكابهم لشرب التتن لعدم التكليف . ويمكن ارادة الاعطاء من الايتاء والمال من الموصول والمعنى لا يكلف اللّه نفسا بالمال إلاّ بما

أعطاها .

فلا تجب الزكوة على الذي لا مال له بل إنّما تجب على من ملك أربعين غنما أو ملك نصاب احدى الغلات وهكذا . كما انه يمكن ارادة الاقدار من الايتاء والتكليف من الموصول بأن يكون مفعولاً مطلقا وحينئذٍ تكون نتيجتها نتيجة قوله تعالى: « لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها »(1) فاذا لم يقدر المكلّف على الفعل فلا يكلّف به أو على الترك فلا تكليف عليه ثمّ انّه لا جامع بين هذه المعاني المختلفة في المفعوليّة فبعضها مفعول مطلق وبعضها مفعول به لعدم امكان تحقّق جامع يجمعشتاتها ويكون رابطا للمفعول بقسميه واذا لم يظهر من الآية أحد هذه المعانيبخصوصه فتصير مجملة خارجة عن صلوح التمسّك بها .

تتميم: لا يخفى ان ظاهر الآية الشريفة بحسب السياق وذكرها بين آيات آخر عدم التكليف بما لا يطاق أو ما يكون حرجيّا وفيه مشقة . وحينئذٍ فلا مجال لما قيل أو يمكن أن يقال فيها من الاحتمالات . فعلى الأول تكون ارشادا إلى حكم العقل بقبح التكليف بما لا يطاق بلا اختصاص لأمّة دون اُمّة ولذلك لم يخصص فيها وعلى الثاني وزانها وزان أدلّة نفي الحرج . وكيف كان فلا ترتبط

ص: 408


1- . سورة البقرة الآية 287 .

بالبرائة اذ الاحتياط في المشتبه الحكم في الشبهة التحريميّة لا يكون تكليفا بما لا يطاق ولا فيه عسر وحرج .

نعم لو لزم امتثال الأحكام بعناوينها وقلنا بلزوم قصد الوجه فحينئذٍ يدخل الحكم المشكوك في مقام الامتثال في الآية الشريفة لكونه حينئذٍ تكليفا لا طريق للمكلّف إلى العلم به والاتيان به الا تشريعا وهو حرام . فيمكن حينئذٍ نفيه لو قيل بلزوم قصد الوجه مطلقا كما انه لا وجه للاشكال في المقام بلزوم عدم توجه التكاليف إلى الكفار حيث يعلم اللّه تعالى انهم لا يؤمنون فتكليفهم به يستلزم جهل الباري تعالى نفوذ باللّه من ذلك أو انه لا مجال لتكليف الكافر بالحج .

اذ حال الكفر لا يصح منه وبعد اسلامه يجُبُّ الاسلام(1) ما قبله فلا يكون

تكليفا بما يطاق لعدم ارتباط له بما نحن بصدده وإن قال بعض الأشاعرة بجواز تكليف ما لا يطاق ولعلّه استدلّ عليه بعموم قدرته تعالى لكلّ شيء ومنه تكليف المكلّف بما فوق طاقته فهو يجوز . وفيه ما لا يخفى ولذلك لم يلتزم بهذه المقالةوأشباهها محققوهم كانكار الحسن والقبح العقلييين وإن ذهب بعضهم إلى احتماله وعدم ادراك العقول لها .

وكيف كان فالاستدلال على البرائة بالآية الشريفة إنّما هو في فرض عدم ظهور لها في ما قلنا وذلك إمّا بأن يراد بالموصول الأعم من التكليف المجعول والفعل والترك والمال ويراد من الايتاء الاعطاء ودعوى كون ايتاء كلّ شيء واعطائه بحسبه أو يدعى اختصاص الآية بخصوص التكليف .

الاستدلال بالآية

ص: 409


1- . مستدرك الأحكام 7/448 - 449 الباب 15/2 - 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، بحار الأنوار 40/230 واللفظ فيه هدم الاسلام ما كان قبله .

وعلى الثاني فتدلّ الآية على نفي التكليف واقعا اذا لم يؤته . ويراد بالايتاء الايصال فالتكليف الذي لم يصل ولم يبين للعباد لم يشرع ولم يجعل وحينئذٍ فتكون النتيجة والمفاد اختصاص الأحكام والتكاليف بالعالمين بها .

فاذا لم يعلم فلا تكليف له واقعا وأين هذا ممّا نحن بصدده من حفظ الشكّ واجراء البرائة في ظرف الشكّ . بل الآية عليه دالّة على نفي وجوده واقعا فيما يشكّ اذ بعدم العلم نعلم ونقطع بعدم وجوده واقعا ولا نحتمل ثبوته فكيف تجري البرائة مع القطع بعدمه .

وهذا محال لعدم امكان أخذ العلم بالحكم في متعلّقه وبعين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق بناء على العدم والملكة .

نعم يمكن تقريبها على هذا بوجه آخر وهو انه لا يكلف اللّه العباد بشيء إلاّ أن يبيّنها فلا تكليف له غير مبيّن .

فاذا تفحّصنا عن تكليف وما علمنا وما ظفرنا فنعلم بعدمه لا ان مجرد الشك يكفي بل انما يكفي في فرض الفحص وعدم الظفر به فيما بأيدينا .

وأمّا الأوّل فقد يشكل كما عن الشيخ وغيره بتوقفه على وجود جامع بين هذه المعاني في الموصول ويكون على بعضها مفعولاً به وعلى بعضها الآخر مفعولاًمطلقا ولا جامع في البين يمكن أن يضم ( يعم ) هذه الشتّات من المعاني والاضافات .

ودفع هذا الاشكال المحقّق النائيني قدس سره (1) بدعوى ارادة الشيء من الموصول ويكون الموصول مفعولاً به ويراد من التكليف نتيجة الانشاء والجعل

ص: 410


1- . فوائد الاُصول 3/332 .

ونفس المعنى المصدري لاستلزامه بيان كيفيّته في الآية وحيث انه لم يسبق له وجود فلا مجال لبيان كيفيّته . ولكن على تقدير ارادة النتيجة من التكليف والانشاء كالوجوب مثلاً يكون هذا الوجوب أيضا شيئا كالمال وكالفعل والترك يمكن ارادتها من الشيء ويكون الجميع مفعولاً به وينفي بالآية الشريفة وقوع التكليف بها اذا لم يؤته والمراد بالايتاء الاعطاء وهو يختلف بحسب اختلاف موارده ففي المال التمليك وفي الفعل والترك الاقدار وفي الأحكام هو البيان .

هذا كلامه قدس سره لكنه لا يخفى ما فيه من الاشكال .

وأمّا دفع الاشكال بكون نفس الموصول هو الجامع واستفادة الخصوصيّات الشخصيّة ليست من الموصول كي يوجب تعدّد اللحاظ فهو نظير الانسان الموضوع للطبيعة المنطبقة على الأفراد المختلفة في الخصوصيّات الشخصيّة ولكن اختلافها ليس مستفادا من ناحية اللفظ .

ففيه انه ليس إلاّ وجود الطبيعة والطبيعة مهما تحقّقت يكون لها وجود كالآباء والأولاد بلا لحاظ الشخصيّات وأين هذا ممّا نحن فيه . ( تدبر ) .

تنبيه: قد ذكرنا ظهور الآية الشريفة بقرينة السياق وتوسطها بين آيات في كون المراد منها عدم التكليف بما لا يطاق . والمراد بالايتاء على هذا هو الاقدار أويراد بها رفع العسر والحرج وأيّا ما كان فلا ترتبط بمسئلة البرائة . اذ لو كان الاحتياط واجبا لأدلّته لا يكون غير مقدور ولا انه عسري .

اذ وزان الآية على هذا وزان قاعدة قبح مطالبة العاجز كآية « لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها »(1) وان كان اسلوب التعبير فيهما مختلفا .

كيفيّة الاستدلال بالآية

ص: 411


1- . سورة البقرة الآية 287 .

نعم ربما يمكن الاستدلال بها على البرائة بظهورها في البيان بقرينة ما ورد في رواية عبدالأعلى من السؤال عن تكليف الناس بالمعرفة وجواب المعصوم سلام اللّه عليه بأنّ التكليف بعد البيان وانه على اللّه البيان .

ثمّ التكليف إنّما يكون بعد البيان والاستشهاد لذلك بالآية الشريفة فحينئذٍ يظهر ان المراد بالايتاء هو الاعلام والبيان ويتمّ الاستدلال بها على المدعى الا ان

الاشكال في سند الرواية وإلاّ فلا يمكن جعل الرواية الضعيفة سنداً لكشف المراد من الآية والاستدلال بها على البرائة كما ان الاشكال في المراد بالمعرفة ومتعلّقها أهو فروع الأحكام كي تفيدنا أو خصوص الاعتقاديات مع عدم امكان توقف التكليف في الاعتقاديات في مسئلة التوحيد والنبوّة على البيان . وحينئذٍ فالآية لا تدلّ على المطلوب لعدم ظهورها في ما يفيد القائل بالبرائة وعدم وضوح كيفيّة الاستدلال مع عدم تحقق اعتبار سند الرواية .

تذكرة: قد عرفت تصدّي المحقّق النائيني قدس سره في بيان امكان ارادة نفي التكليف المشتبه من الآية الشريفة بدعوى أخذ الموصول هو المفعول به ويراد من التكليف المشتبه نتيجة التكليف والأمر الحاصل منه الذي هو من الامور الاعتباريّة كالملكيّة والمناصب المجعولة وليست من الأمور الخارجيّة والأعيانالموجودة في عالم الخارج ولا من الأمور المنتزعة العقليّة المحضة الخياليّة بل الاعتباريّات لها وجود غير وجود هذين القسمين .

وبالجملة فالمراد بالموصول يمكن أن يكون هو خصوص الأمر الحاصل والنتيجة المترتبة من الانشاء والجعل . وعلى هذا فالتكليف عبارة عن انشاء الحكم ويؤخذ الحكم المجعول مفعولاً به .

ص: 412

أو يراد من الموصول هو الأعم من الحكم المجعول ومن الاقدار والمال والايتاء في المقامين معنى الاعطاء واعطاء كلّ شيء بحسبه ففي الأحكام عبارة عن جعلها وانشاءها هذا ( ولا يخفى ما فيه من الاشكال اذ على هذا يكون معنى قوله تعالى: « لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها »(1) انه لا ينشأ اللّه حكما إلاّ ما أعلمه ولا يبقى لقوله منشأ في الآية معنى ) مع انه احتمال في قبال الاحتمال الذي ذكرنا من كون مساقها مساق لا يكلف اللّه نفسا إلاّ وسعها ولا يوجب الا الاجمال في المراد فلا يمكن الاستدلال بهذه الآية على مدعى الأصولي .

ومن الآيات ما جعله بعضهم أظهرها دلالة على البرائة وهو قوله تعالى: « وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً »(2) مدار الاستدلال بها على وجهين:

إمّا بأن يكون مفادها مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو مفاد حديث الرفع وعلى الأوّل فلا ينفع في قبال الاخباري لكون أخبار الاحتياط عنده دليلاً على الحكم ولا يكون للآية دلالة أزيد من حكم العقل بقبح العقاب فهي ارشاد إليهوأخبار الاحتياط مقدّمة على حكم العقل والنقل الذي يرشد إليه .وعلى الثاني يمكن الاستدلال بها كحديث الرفع وينفع الأصولي في قبال الأخباري .

ثمّ انّه استدلّ بهذه الآية جماعة من الأخباريّين على انكار قاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل وحكم الشارع على طبقه .

اذ لو كانت الملازمة تامّة فاللازم منه عدم حصر العذاب ببعث الرسول

ص: 413


1- . سورة البقرة الآية 287 .
2- . سورة الإسراء الآية 16 .

لامكان ادراك العقل قبح شيء أو حسنه وبقاعدة الملازمة كان يحكم الشارع على طبق حكم العقل وحينئذٍ فمخالفته أيضا توجب العقاب وهذا ينافي حصره في بعث الرسول .

وردّهم الفاضل التوني بأن مفاد الآية نفي الفعليّة لا الاستحقاق فحينئذٍ لا تدلّ على نفي الاستحقاق فيبقى مجال لحكم العقل وقاعدة الملازمة .

وأورد عليه المحقّق القمي قدس سره بذهابه إلى اجتماع المنتناقضين حيث انه في المقام رد مقالة الأخباري بدعوى كون الآية نافية لفعلية العذاب لا استحقاقه وقد استدلّ في مقام آخر على البرائة بهذه الآية اذ استدلاله بها للبرائة إنّما يتمّ على

تقدير دلالتها على نفي الاستحقاق وحينئذٍ فالاستدلال بها على البرائة مقتضى لجعلها لنفي الاستحقاق . ورد الملازمة إنّما هو بنفي الفعليّة لا الاستحقاق فذهب إلى اجتماع النقيضين الذي لا يمكن تحقّقه حتّى في ما يمكن تحقّق ارتفاع النقيضين وهو عالم الماهيّة اذ هناك أيضا لا يمكن اجتماع الوجود والعدم وهذه المناقضة الحق انه لا جواب عنها .

بل الاشكال وارد على المحقّق الفاضل التوني لجعله الآية دالّة على نفي الفعليّة في مقام رد الاخباريّين وانه يمكن كون ما حكم به العقل ( حراما عند الشارع ولكنه لا يعذب العباد فعلاً عليه الا اذا بعث الرسول وبدون البعث لا عذابوان كان هناك مجال للحكم والتشريع فحينئذٍ يكون نظير ما ورد في العفو والتكفير عن السيّئات باجتناب(1) الكبائر مع ان الصغائر السيّئات أيضا محرّمة .

وأورد عليه بأنّ الأخبار بالعفو يوجب حمل العباد على مجرى التجرّي

الاشكال على الفاضل التوني

ص: 414


1- . سورة النساء الآية 32 .

على المعصية حيث انهم آمنون بالعفو عنها وعدم العقاب عليها .

فحاصل الاشكال على الفاضل أمران: أحدهما مناقضة استدلاله على البرائة لردّ مقالة الأخباري في انكار الملازمة . والثاني استلزام جعل نفي التعذيب التعذيب الفعلي لا الاستحقاقي للتجري . والاشكال الثاني يمكن الجواب عنه بأنّه لو لا هذه الآية لكفى دلالته على العفو عن الصغائر الآية الواعدة على تكفير السيّئات باجتناب الكبائر وان كانت الذنوب كلّها كبائر إلاّ انّ الصغائر إنّما هي بالاضافة إلى ما أكبر منها سمّيت صغائر وقد وردت الرواية(1) بتفسير الكبائر بما أوعد عليه النار .

فالغيبة ليست على هذا من الكبائر لعدم الوعيد عليها بالنار وإن كانت أشدّ من القتل .

ولكن يندفع بأنّ الآية الشريفة جعلت اجتناب الكبائر مادام العمر موجبة لتكفير الصغائر . فحينئذٍ لا تجري فيها على المعاصي كما ان الوعد بالعفو أيضا ليس مطلقا لما ورد في بعض الروايات(2) من اشتراطه بالوفاء بالعهد حيث ان السائلسئل عن المعصوم عليه السلام أو شكى إليه الدعاء وعدم الاستجابة فأجابه حسب الرواية باشتراط وفائه بعهده بوفاءكم بعهدكم لما قال اللّه تعالى: « أَوْفُوابِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ »(3) وحينئذٍ فلا تجري ولا شيء لاشتراطه بالوفاء ومن هنا يظهر ان معارضة هذا لقوله تعالى: « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ »(4) ليست

ص: 415


1- . الوسائل 15 الباب 14/1 - 2 - 6 من أبواب جهاد النفس .
2- . بحار الأنوار 93 الباب 24/3 من أبواب الذكر والدعاء .
3- . سورة البقرة الآية 41 .
4- . سورة آل عمران الآية 9 .

في محلّه

لاشتراط الوعد لا انه مطلق .

ثمّ انّه وإن كانت الملازمة صحيحة ثابتة لكن الاشكال في احاطة العقل بمصالح الأحكام واستعدادات مقتضياتها والمقدار المسلم هو ادراكه قبح الظلم وان اعطاء شيء لما هو لا قابليّة له أو نقصه عن قابليته طلم وأمّا في الصغريّات فلا

طريق له إلى التشخيص .

تتميم: قد ذكرنا سابقا ان الاصوليّين استدلّوا على البرائة بالأدلّة الأربعة ولا يخفى ان استدلالهم بالعقل على البرائة من باب قبح العقاب بلا بيان وكذا مفاد الآيات على تقدير تماميّة دلالتها كما في البعض لا يزيد على حكم العقل فتكون حينئذٍ ارشادا إليه ( كما لا تتمّ دلالة آخرى كقوله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا

بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ »(1) لو كان الاضلال بمعنى الخذلان ) ولا شبهة في تقدم أدلّة الاحتياط على فرض استفادة وجوبه من الأخبار عليها لكونه بيانا فلا مجال لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان .

فالعمدة في البرائة هي الأخبار وهي ان تمّت دلالتها على نحو جمع بينها وبين أدلّة الاحتياط بتحكيمها على تلك فهو والاّ فلابدّ من الاحتياط سواءً فيالشبهة الحكميّة أم الموضوعيّة .

والأخبار الدالّة على البرائة كثيرة . منها حديث الرفع(2) المشهور بينالفريقين على اختلاف المرفوع ففي بعضها التسعة المعروفة وفي بعض(3) رواياتها

ص: 416


1- . سورة التوبة الآية 116 .
2- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة والوسائل 7 الباب 37/2 من أبواب قطع الصلاة .
3- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة والوسائل 7 الباب 37/2 من أبواب قطع الصلاة والوسائل 15 الباب 56/1 من أبواب جهاد النفس والوسائل 23 الباب 12/12 من كتاب الايمان والباب 16/3 إلى 6 .

أقل ولكن من الأخبار المجموع من حيث المجموع تتمّ دلالتها على رفع التسعة والكلام في الحديث يقع في دلالته لكون سنده قطعيّا لا مجال للبحث فيه .

ولابدّ قبل الشروع في البحث عن فقه الحديث وما يستفاد منه من تقديم نكتة وهي انه لا اشكال في أتحاد السياق في كون المرفوع في الأمور التسعة هو واحداً . فان كان هي المؤاخذة فلابدّ من كونها مقدرة في الجميع كما انه لو كان هو الحكم أو أثر شرعي آخر فكذلك مع ان تعلّق الرفع وإن كان تشريعا ولكنه بنفس هذه التسعة الا انه لابدّ أن يكون بلحاظ الأثر وهو ليس إلاّ الحكم الذي أمر رفعه وضعه بيد الشارع .

اذ اللازم فيه امور ثلاثة: أن يكون المرفوع مجعولاً لامكان الرفع التشريعي به ومجهولاً لأنّه اذا كان معلوما فلا مجال لتعلّق الرفع به في ( ناحية ) ما لا يعلمون

والثالث أن يكون في رفعه منّة فالاباحة المجهولة لا مجال لتعلّق الرفع بها لأنّه خلاف المنة لكون حديث الرفع امتنانيّا .

نعم الحرمة أو الوجوب المجهولان يمكن تعلّق الرفع بهما للمنّة والجهل وكون أمر وضعهما بيد الشارع ) ثمّ انّ الرفع بمعنى الازالة في قبال الدفع الذي يمنع المقتضي في تأثيره في وجود الشيء والفرق بينهما تعلّق الرفع بالموجود والدفع انما يكون دافعا لما لم يتحقق وله مقتضى التحقق وحينئذٍ فنقول ان كانالمرفوع في ما لا يعلمون نفس الحكم الواقعي فيلزم التصويب واختصاص الأحكام بخصوص العالمين وهذا خلاف مذهب المخطئة . ولكن قد يقال بأن

تعلق الرفع بالحرمة والوجوب المجهولين

ص: 417

الحكم الواقعي لا يكون مرفوعا بل متمّمه في ظرف الجهل حيث ان المتمم على ثلاثة أقسام أحدها ما يكون نتيجته تقييد الموضوع أو اطلاقه كما في ما لا يمكن أخذ قيد في ناحية متعلّق الحكم أو موضوعه .

الثاني ما يكون نتيجته وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها . والثالث ما يكون متمّما لقصور الخطاب كما في ايجاب الاحتياط حيث ان الحكم لا يمكن شموله لمرتبة الجهل به بنفسه لقصوره عن ذلك فبالاحتياط الواجب يمكن تتميم هذا القصور منه ويكون واجبا أو حراما في ظرف الجهل به وحيث أن ايجاب الاحتياط مقتضيه يتحقق في ظرف الجهل بالحكم الواقعي فتعلّق الرفع به ورفعه صار مانعا من ايجاب الاحتياط ولكن بعد رجوع الرفع إلى الدفع لاستحالة وجود الرافع والمرفوع في آن واحد كما في الحدث فانه لا يمكن حال تحقّقه وآنه يكون الطهارة أيضا متحقّقة بل إنّما يكون قبل حدوث الحدث مقتضى الطهارة في الأزمنة اللاحقة موجودا متحقّقا فبالحدث يندفع مقتضى التحقق فلا يتحقق الطهارة بعد حصول رافعها فيرجع الرفع إلى الدفع وإنّما الفرق بينهما بالاعتبار وان الرفع باعتبار تعلّقه بالموجود ودفع مقتضيه والدفع من أوّل الأمر .

بيان آخر: حول حديث الرفع ليعلم ان في الحديث جهات من البحث:

الأولى: في كون الرفع مرادا به الدفع وتحقيقه ما ذكرنا من استحالة اتّحاد زمان وجود الرافع ووجود المرفوع بل بتحقّق الرافع لا يكون المرفوع موجودا والا لم يكن الرافع رافعا له فحينئذٍ لابدّ من اشتراك الرفع والدفع في منع كلّ واحد

منهما من وجود الشيء غاية الأمر فرقهما بالاعتبار فلو تعلق بازالة الموجود فهوالرفع والا فهو الدفع وهذا المقدار من الفرق الاعتباري لا يوجب منع استعمال

الكلام في حديث الرفع

ص: 418

الرفع في الدفع بعد اشتراكهما في عدم وجود المرفوع والمقتضي حال تحقّق الرافع والدافع كما ان الأمر كذلك في النسخ اذ مرجعه على التحقيق إلى الدفع لا الرفع لاستحالة البداء في حقّ اللّه تعالى وإنّما هو الدفع الا ان اللازم في الرفع هو تحقق

المقتضى كما في الدفع اذ من هذه الجهة هما كالمانع بل عينه فاذا لم يكن مقتضى للاحراق فلا مجال لاسناد المنع إلى الرطوبة في المحل كما هو واضح فالمنع إنّما هو من تأثير المقتضى أثره الخاص بعد تحقّقه ( بل يمكن أن يقال بكون الرفع بمعناه الحقيقي بعد كونه منة على الامة المرحومة في قبال ساير الأمم اذ لا منّة في رفع تكليف ما لا يطاق عن الامة المرحومة لعدم اختصاصها بذلك بل قبح ذلك لا يختصّ به امّة دون امة اخرى . وحينئذٍ فاختصاص الامة المرحومة بالرفع لابدّ وان يكون بلحاظ تحقق هذه الامور في باقي الامم فرفعت عن هذه الامة ) .

الثانية: قد يقال بأن قوله ( ما لا يعلمون ) ظاهر في كونه من الشبهة الموضوعيّة بلحاظ وحدة السياق المقتضية لكونه كساير الأمور المذكورة المرفوعة بأنفسها كالخطأ والنسيان وما لا يطيقون والطيرة وغيرها فلا يشمل الشبهة الحكميّة بل إنّما يكون الحديث من أدلّة عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة التي اتّفق كلّ الأصحاب على عدم وجوب الاحتياط فيها . لكنه لا مجال له بعد كون المرفوع لابدّ وأن يكون بلحاظ الأثر الشرعي . وحينئذٍ فالشبهة الموضوعيّة لا دخل له في ذلك بل هي أحد أسباب الشكّ في الحكم الكلّي . اذ منشأ الشك تارة يكون هي الامور الخارجيّة واخرى اجمال النص أو فقده أو تعارضهما وفي الكل يكون الشبهة والشك راجعا إلى الحكم . انما الاختلاف والفرق في ناحية المنشأ وهو لا يوجب اختصاصا للحديث ببعضها دون بعض . بل

ص: 419

الأولى اختصاصه بالحكميّة لأنّها التي تقبل الجعل الشرعي ابتداءً لكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع وعلى كلّ حال لا اشكال في اطلاق الرفع في ما لا يعلمون للشبهتين الموضوعيّة والحكميّة .

الثالثة: في غير ما لا يعلمون من العناوين المرفوعة لا شبهة في تحقّق المقتضى للجعل وانما المنّة ومصلحة التسهيل اقتضت عدم الجعل على طبق المقتضى فيها وان كان قد جعلت الأحكام على وفق المقتضيات في الشرايع السابقة كما في النسيان حيث انه يمكن على الانسان حفظ نفسه من الوقوع في النسيان ولو بالمشقّة ومزاولة الأمور الموجبة للذكر وعدم النسيان .

فهذا المعنى وان كان ممكنا وفيه مقتضى الجعل مثلاً لكنه مرفوع وهكذا الأمر في الثلاثة الأخيرة وهي الطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق والحسد فارتفعت بنفسها ولم يجعل حكم على طبقها .

وأمّا ما ورد(1) في عدم خلو الأنبياء عن امور منها الحسد فالظاهر ان المراد به المحسوديّة لا وقوع الحسد منهم فانهم منزهون عن هذه الرذائل كما ان التفكر والوسوسة في الخلق يحتمل أن يراد به ما اشير(2) اليه في بعض الاخبار من وسوسة الشيطان في نفس الانسان انه من خلق اللّه بعد جوابه عن سؤال تعلق بنفس المكلف وان اللّه هو خالقه . كما انه يحتمل أن يراد به في ناحية المخلوق لا في كيفيّة الخلق .ثمّ انّ لازم تعلّق الرفع بالأمور المذكورة في غير ما لا يعلمون هو رفع الآثار الشرعيّة التي جعلها بيد الشارع عن مورد هذه الأمور . فاذا كان أثر يترتّب

المراد بالطيرة والتفكّر في الخلق والحسد

ص: 420


1- . الوسائل 15 الباب 55/8 من أبواب جهاد النفس ومرفوعة الأشعري، بحار الأنوار 11/75 و73/254 عن الخصال .
2- . مرآة العقول 11/268 - 271 - 3 - 5 .

على عنوان أعم من الخطأ والنسيان فبالنسيان لا يترتّب ذلك الأثر وهكذا بالخطأ كما انه لو نذر مثلاً ان لا يشرب من ماء دجلة فاذا شربه نسيانا لا يتحقّق به الحنث لارتفاع النسيان بمقتضى الحديث .

تنبيه: المراد بالامة تارة يكون جميع الخلق الذي عليهم قبول الدعوة الاسلاميّة بعد بعثة النبي صلی الله علیه و آله باعتبار ان اللازم عليهم ذلك وان لم يلتزمو به فعلاً .

فعلى هذا يكون الرفع عاما لجميع المكلّفين واخرى يراد به خصوص التابعين اذ لا يطلق هذه اللفظة على من لم يتابع ولا ينقاد ولا مانع من اختصاص هؤلاء بالرفع دون باقي الناس من الذين يجب عليهم قبول الاسلام وذلك لشرفهم دون غيرهم فاقتضى العناية برفع هذه الأمور وآثارها عنهم ولا يراد بالامة في المقام ما يطلق على الواحد بلحاظ تماميّته وجامعيّته لصفات الكمال الانساني .

الرابعة: ظاهر الحديث الشريف ان الرفع تعلّق بنفس هذه التسعة فلو اريد التقدير كالمؤاخذة فلابدّ وان يقدر في الجميع كما انه لو لم يقدر شيء بل أخذ بظاهر الاسناد وكون المرفوع نفس هذه بلحاظ الآثار الشرعيّة فكذلك في الجميع وعليه فلا يكون المرفوع في ما لا يعلمون امّا المؤاخذة والعقاب على الحكم الواقعي المجهول أو انه يكون الجهل من أسباب رفعه وعدمه وهذا بظاهره ليس إلاّ التصويب لاستلزامه اختصاص الأحكام بالعالمين بها وقد تقرّر بطلانه وان الأحكام يستوي فيها العالم والجاهل وان العلم لا يمكن أن يكون قيدا في الموضوع فأوجب ذلك والجأ المحقّق النائيني(1) إلى التزام تعلّق الرفع في ما لا يعلمون بايجاب الاحتياط لاستلزام تعلّق الرفع بنفس الحكم الواقعي التصويب

ص: 421


1- . فوائد الاُصول 3/345 .

مع انه اذا شكّ يقطع بعدم الحكم ولا يحتمل ثبوت حكم في الواقع لفرض رفع الحكم الواقعي بناء على عدم تقدير المؤاخذة .

وأمّا ايجاب الاحتياط فلا يوجب رفعه رفع الحكم الواقعي ولا يتوجه من تعلّق الرفع به محذور التصويب لبقاء الحكم الواقعي على ما هو عليه من الموضوع والقيود بحاله . غاية الأمر تارة يتعلّق به العلم واخرى يكون مجهولاً ولا يوجب تعلّق الجهل به وكونه مجهولاً انتفائه في الواقع فيكون نتيجة الحديث في ما لا يعلمون هو الرفع الظاهري وهو رفع ايجاب الاحتياط لا الواقعي بخلاف غيره من العناوين الآخر .

ثمّ انّه قدس سره يجعل الاحتياط متمّما لقصور الخطاب في ناحية الداعويّة إلى الامتثال لا انه متمّم لملاك الحكم الواقعي ولا متمّما لشموله وسعة دائرة موضوعه بل متمّما لسعة دائرة الوصول المستتبع لتحقّقه في حق الجاهل كالعالم ثم انه ليس خطابا واقعيّا نفسيّا والا لكان الاحتياط واجبا بالعنوان الثانوي ويكون ملاك جعله هو احتمال الواقع في مورده . فاذا احتمل الواقع يكون الاحتياط واجبا سواء كان هناك أم لا . وعلى هذا بكون ايجاب الاحتياط حكما مجعولاً من قبل الشارع نفسيّا وله امتثال وعصيان يخصّانه بلا ارتباط له بالواقع ونفس الأمر الا بكون ملاكه هو الواقع ولا يكون هذا احتياطا في حقّ المكلّف ولا حفظا للمحتمل بل المولى إنّما حفظه بايجاب الاحتياط وإنما هو ايجاب تتميمي طريقي وملاكه حفظ الواقع فاذا أصاب الواقع فليس شيئا في قباله بل هو هو لكون ملاكه هو ملاك الواقع وحيث ان التحقيق في وحدة الخطاب وتعدّده هو كون العبرة بوحدة الملاك وتعدّده .

ص: 422

ففي صورة وحدة الملاك يكون جميع الخطابات المتعدّدة الناشئة عن ملاكواحد راجعا إلى خطاب واحد كما ان في صورة تعدد الملاك يتعدد الخطاب بتعدد الملاك حقيقة .

وعلى هذا فايجاب الاحتياط في المقام حيث ان ملاكه ليس إلا ملاك الواقع في ظرف الجهل ورتبة الشكّ فلو صادف الاحتياط الواقع لا يزيد عن الحكم الواقعي ولا يخالفه بل يكون هو هو كما انه اذا لم يكن هناك واقع وأخطأ الاحتياط الواقع لم يكن هناك شيء لعدم الملاك . حيث ان قوام المتمم بالموضوع وموضوعه الحكم الواقعي الذي يكون الاحتياط متمّما له ففي صورة عدم الموضوع والمتمم لا مجال لوجود المتمم والحكم .

وعلى هذا يشكل الأمر في تصوير مثل هذا الاحتياط وانه كيف يمكن جعله اذ لا يكون نفسيّا كي يجب في صورة الشك والاحتمال الاحتراز عن الوقوع في محذور مخالفة الملاك الواقعي للحكم المجهول . كما انه في صورة عدم النفسيّة بل تبعيته للواقع لا يمكن التحرك من قبله في فرض الشكّ لكونه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة .

وكيف كان فهذا الانشاء لا يترتب عليه أثر لأنّه على تقدير النفسيّة وإن كان ينحفظ الواقع على كلّ تقدير ولكنّه غير ايجاب الاحتياط بل جعل لحكم نفسي مستقل ملاكه الاحتياط ورعاية الواقع من ناحية المولى . كما انه على تقدير الطريقيّة وتبعيته للواقع لابدّ من احراز الواقع في مورده في التحرك من قبله وتحقق موضوعه ومعه لا مجال له للعلم به كما هو واضح .

هذا لو كان رفع ايجاب الاحتياط انشاءً فانه يتوجّه عليه الاشكال من

ملاك ايجاب الاحتياط

ص: 423

ناحية عدم توقّفه على الرفع الشرعي اذ الرفع الشرعي انّما يتعلّق بما يكون قابلاً للوضع التشريعي والجعلي .اما لو اخبر بأنّه يريد حكمه المجهول وان الواقع المجهول لم يرفع يده عنه في ظرف الجهل بل يريده وان خطابه الواقعي شامل لحال الجهل بلا احتياج أو استتباع في ذلك للانشاء فلا محذور فيه . اذ لا يتوجه عليه محذور النفسيّة في النفسيّة ولا التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة في ما يكون راجعا إلى المتمم وجعل ايجاب الاحتياط خطابا متمما لقصور الحكم الواقعي في الشمول لحال الجهل وكونه موصلاً له وبه يصل الحكم الواقعي في صورة المصادفة إلى المكلّف الجاهل فحينئذٍ يمكن وصوله إلى غرضه بالأخبار بارادة الواقع وأمّا انشاءا فلا كما عرفت ( لكن سيّدنا الأستاذ قدس سره صرّح بعد ذلك بامكان جعل ايجاب الاحتياط.

تكميل: ان ايجاب الاحتياط على وجهين: فتارة على ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره (1) من الخطاب المتمِم ويكون المتمَم في صورة مصادفة المتمم هو هو وفي صورة عدمها فلا مجال للمتمم بالكسر لعدم الموضوع له على ما سلف بما فيه من الاشكال من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة والنقض والابرام وهو ايجاب طريقي ( هذا الوجه هو الذي جعله السيّد محمّد قدس سره ظاهر عبارة الشيخ وفسّر كلامه في المقام به لما سئله المحقّق الآقاضياءالدين العراقي ولا يخفى عدم مساعدة كلام الشيخ له بل ظاهره الوجه الثاني ) . والوجه الآخر ما يظهر من عبارة الشيخ في المقام وهو أن يكون ايجابه ايجابا نفسيّا ظاهريّا ويكون ظاهرا لكونه في رتبة الشك في الحكم الواقعي وفيه يكون الحلال الواقعي في مرحلة الشك في

ايجاب الاحتياط على وجهين

ص: 424


1- . فوائد الاُصول 3/339 .

حكمه حراما كساير الموارد التي تتغير الأحكام المجعولة على موضوعاتها

الأوليّة بعناوينها الأوليّة بطرو العناوين الثانويّة ويوجب تبدّل الحكم مادام العنوانحاصلاً متحقّقاً باقيا واذا زال العنوان الثانوي كالشكّ في المقام وارتفع الشبهة فلا حكم ولا احتياط لانعدام موضوعه .

ثمّ انّ الشيخ قدس سره استشكل على هذا الوجه أيضا باستلزامه وقوع العقاب عليه لا لأجل الواقع الذي في مورده وهذا مخالف لظواهر اخبار الاحتياط لدلالتها على الوقوع في مفسدة الواقع لا ايجاب الاحتياط .

ثمّ انه لا يخفى عليك توجه اشكال الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري الوارد في ساير المقامات كمورد الحلية الظاهريّة والحرمة الواقعيّة في المقام أيضا .

غاية الأمر مع اختلاف في الكيفيّة . حيث ان في المقام لابدّ من الجمع بين الحلية الواقعيّة والحرمة الظاهريّة . وذاك المقام بين الحلية الظاهريّة والحرمة الواقعيّة وأمّا في مورد غير البرائة فربما يكون الأمر كالمقام ولابدّ من الجمع بينهما

كما انه يمكن الجمع في المقام بما جمع به في ذاك المقام . فاللازم رفع الاشكال في مثل الموارد التي يقال بانقلاب الأصل من البرائة إلى الاحتياط فيها في الشبهة الموضوعيّة كالاعراض والنفوس والأموال ولا يخفى عدم تماميّة تلك الوجوه المذكورة للجمع بين الحكمين على ما سلف ذكرها والاشكال عليها بل الجمع بين الحكمين من المحالات .

ومنها عدم تضاد الأحكام الا في مرحلة البعث والزجر .

ومنها كون العلم بالحكم في المرحلة السابقة موجبا لترقيه الى مرحلة

ص: 425

الفعليّة التنجزيّة الموجبة للبعث والزجر والانبعاث من قبله وان الحكم الواقعي هو ما لم يصل إلى هذه المرحلة والظاهري هو الواصل .

ومنها غير ذلك كما انه لا يمكن القول باجراء الوجه الذي كان يوجبالأخذ بالامارات من باب العلم الاجمالي في المقام لعدم امكان تعلّق الجعل في الامارات بمطلقها مخطيها ومصيبها بل انما تعلق بخصوص المصيب فاشتباهه بالمخطى يوجب الأخذ بالجميع للعلم الاجمالي . وذلك لعدم علم اجمالي في المقام بل المقام من الشبهة البدويّة .

وبالجملة فالخروج عن محذور اجتماع الخطابين مشكل وان أمكن دفع الاشكال الملاكي بالمصلحة والاهميّة وغيرها .

وذهب بعضهم إلى لزوم الاحتياط من باب قاعدة اقتضاء تعليق حكم على أمر وجودي للحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذاك الأمر الوجودي .

نعم يمكن تصوير الاحتياط الشرعي في المقام بوجه آخر وهو لزوم الاتيان بالمشكوك برجاء الواقع واحتماله لا انه يكون واجبا بلا هذا العنوان كي يجتمع الخطابان فبهذا يمكن الخروج عن محذور اجتماع الحكمين اذ في مورد لزوم الترك رجاءً لا يكون الواقع متبدّلاً عن ما هو عليه من الحال والحكم . غاية الأمر انما وجب الترك رجاءً وهذا غير وجوب الترك لنفسه كي يكون عليه وجوب الترك هذا . الا ان النظر في أخبار الاحتياط يوجب القول بكونها ارشادا إلى حسن كف النفس ومنعها من الرعى حول الحمى لخوف أن يقع فيه وهذا أمر وجداني فانه لا يكاد ينفك مرتكب الشبهات عن ارتكابه المحرّمات ووقوعه فيها فلا يتعارض هذه لأدلّة البرائة وقاعدة قبح العقاب بلا بيان هو كما هو واضح .

تصوير الاحتياط الشرعي واشكاله

ص: 426

فحينئذٍ لا مجال لايجاب الاحتياط أو البرائة الشرعيين ولو أمكن ايجاب الاحتياط الشرعي بالوجه الذي ذكرنا فهو بمعزل عن مفاد أخبار الاحتياط فتبصر .

تنبيه: اعلم ان النزاع بين الطائفتين في البرائة والاحتياط واختيار كلّفريق واحدا من القولين انما هو بعد الامكان والفراغ عن مرحلة الثبوت فاختار الأصولي البرائة في الشبهة التحريميّة بعد الفحص لعدم المناط للاحتياط بعده واختلاف حكمه لما قبل الفحص واختار المحدّث الأخباري الاحتياط لاخبار الاحتياط . وحينئذٍ فاللازم تصوير امكان الاحتياط الشرعي كي يكون اخباره ناظرة إليه .

وقد ذكرنا وجهين له واستشكلناهما كما انه استشكل الوجه الثاني الذي نقلنا عن ظاهر عبارة الشيخ هو نفسه قدس سره . وهنا وجه ثالث لا يرجع إلى أحد الوجهين الاولين وهو أن يكون الاحتياط واجبا مع بقاء الواقع على ما هو عليه من الحكم فاذا كان مشتبه الحكم الذي يجب فيه الاحتياط أو يستحب على اختلاف الاستفادة من الأخبار فلا يكون الواجب أو المستحب هو الواقعة المشكوك حكمها الذي قد يخالف حكمه الواقعي لوجوب الاحتياط أو استحبابه بل متعلّق الوجوب والاستحباب في الاحتياط شيء ومتعلّق الحكم الواقعي وموضوعه شيء آخر فالحكم المجهول موضوعه نفس الواقعة والواجب أو المستحب ليس هو هو بل الاتيان بالواقع احتياطا أو تركه كذلك بلا ايجاب . وهذا الحكم المجعول على الاحتياط لا يغير الواقع عن ما هو عليه من الحكم . وعلى هذا فلا يكون الواقع حراما وواجبا . بل هو على ما عليه من الحكم الواقعي

ص: 427

والواجب أو المستحب اتيانه لرعاية الواقع وحفظه وبينهما بون بعيد لا يكاد يشتبه أحدهما بالآخر . اذ لا يمكن لأحد على هذا الالتزام باستحباب الواقع أو وجوبه ولا انه يسري حكم الاحتياط إلى الواقع بل الموضوعان متعددان والحكمان مختلفان ولا سراية لأحدهما في أحد الطرفين إلى الآخر مطلقا .

فان قلت: فعلى هذا لا مساس لهذا الاحتياط بالواقع فيكون واجبا أومستحبا نفسيّا له مخالفة وموافقة مستقلّة نفسيّة ويكون الثواب والعقاب عليه بلحاظ نفسه بل لا يدور مدار الواقع وعدمه . فالاحتياط واجب أو مستحب حتّى اذا لم يكن للواقع في مورده أثر . وهذا رجوع من الاحتياط إلى الوجوب النفسي الذي هو أشد محذورا من تصويره نفسه .

قلت: ليس الأمر كذلك بل يدور هذا الواجب أو المستحب مدار وجود الواقع فاذا لم يكن للواقع تحقق فلا احتياط فلا يكون العقاب والثواب عليه بلحاظ نفسه ولا انه حكم مجعول مطلقا حتّى في فرض مخالفة الواقع وعدم مصادفته له . ومجرّد احتمال مصادفة الواقع منجّز للواقع الموجود على فرض تحقّقه في ظرفه ويصل المولى إلى مراده ويتوصل بذلك إلى غرضه ولا اشكال ولا يرجع هذا الوجه إلى ما ذكره المحقق النائيني قدس سره من خطاب المتمم والمتمم بل فرقهما واضح كما لا يخفى .

فاذا أمكن ايجاب الاحتياط الشرعي بهذا النحو بلا محذور النفسيّة ولا كون العقاب والثواب عليه بلحاظ نفسه ولا انه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة فليكن أدلّة الاحتياط على فرض تماميّتها ناظرة إليه وحديث الرفع وساير أدلّة البرائة يرفع مثل هذا الوجوب للاحتياط لعدم امكان رجوع الرفع في

ص: 428

ما لا يعلمون إلى الواقع نفسه للزوم محذور التصويب .

والحاصل ان احتياط المقام واجب غيري تهيّأي نظير وجوب المقدّمات

التهيئيّة وإن لم يكن من ذلك القبيل . ( قلت اشكال التمسّك بالعام آتٍ هنا كما ان منجزيّة الاحتمال آتٍ في الوجه الذي أفاده المحقّق النائيني فتبصر ) هذا وأمّا ساير الأمور المذكورة في الحديث كالخطأ والنسيان والاضطرار فلا اشكال في دلالة الحديث على رفع آثارها وهي على قسمين تكليفيّة ووضعيّة . أمّا التكليفيّةفمرفوعة بلا اشكال منّة لتحقّق المقتضي للجعل في مورد الخطأ والنسيان والاكراه والاضطرار لكن الشارع منّة على العباد لم يجعل الحكم على طبقه بل جعله مخصوصا بغير مواردها فهو تقييد واقعي واللازم في تحقّق المنة كونه منة على المكلّف وان لا يلزم ضرر وخلاف منة على الغير . والاشكال في الآثار الوضعيّة فاذا نوى في صلاة الاستيجار انها عن أبيه خطأً فلا يدل الحديث على كون الخطأ مرفوعا فيكون عن المنوب عنه لأن ذلك من لوازم الوضع والحديث انما يرفع لا انه يضع ويجعل . وأما الاكراه على الجنابة أو الاتلاف وأمثالهما فتارة يكون موضوع الأثر هو أعم من هذه العناوين أو مجعولاً بعنوانها الخاص ففي الثاني لا مجال لرفع الحديث لها لعدم امكان كون مقتضى الشيء رافعا له .

فذلكة البحث قد عرفت امكان ايجاب الاحتياط بما ذكرنا من الوجه وانه قد يكون للواقع في ظرف الجهل أهميّة تقتضى ايجاب الاحتياط رعاية لحفظه وقد لا يكون كذلك فيرخص في الترك والمخالفة ولا يستلزم ذلك محذورا لأنّ الذي يمتنع هو ترخيص المولى في المعصية وأمّا ترخيصه في مخالفة الواقع بما هو واقع فلا محذور فيه لعدم معلوميّته وتنجزه كي يكون الترخيص فيه

يدور الاحتياط مدار الواقع

ص: 429

ترخيصا في المعصية بل ورد الترخيص في موارد القواعد المفرغة كقاعدة الفراغ والتجاوز في مورد معلوميّة الحكم تفصيلاً .

فكيف بالمقام وهذا ليس جريانه مخصوصا بالأصولي دون غيره . بل يشترك الكل في اجرائها في مواردها مع توجه استصحاب عدم الاتيان وشغل الذمّة لو لا هذه القواعد .

وعلى كلّ حال فلا يهمنا الجواب عن اشكال جعل الحكم الذي رخص في مخالفته في موارد تلك القواعد وانه أي فائدة في جعله بل الجواب عنه موكول إلىمحلّه وقد أجبنا عنه بوجوه فليراجع .

انما الكلام في ان المرفوع في لا يعلمون أيّ شيء هو وقد تقدم بيان كونه هو ايجاب الاحتياط . فالقائل بالبرائة يدعى تماميّة أخبار البرائة وأدلّتها على الترخيص في مخالفة الواقع في مورد البرائة لو كان وانه مأمون عليه ولا يجب عليه الاحتياط رعاية له والاحتياطي يذهب إلى الاحتياط وان المولى أوجب رعايته نظرا إلى تماميّة اخبار الاحتياط ودلالتها عنده على المدعى . وأشرنا إلى تماميّة دلالة الحديث على رفع ايجاب الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة والحكميّة بلا فرق لكون الجامع بينهما هو الاشتباه في الحكم . غاية الأمر يختلف المنشأ في الموضوعيّة معه في الحكميّة وهذا لا يوجب فرقا . وعلى ذلك يشكل الأمر على الاحتياطي القائل بالبرائة في الموضوعيّة مع انّها أيضا من الشبهة الحكميّة فاما أن يلتزم بالبرائة في الحكميّة أيضا أو يلتزم بالاحتياط في الموضوعيّة لكون الشكّ في المقامين شكّا في التكليف .

ثمّ ان من العناوين المضاف إليها الرفع في الحديث الشريف هو عنوان

ص: 430

الخطأ والنسيان وظاهر تعلق الرفع بهما انهما مرفوعان . ولكن حيث ان الرفع من ناحية الشارع فالمرفوع انما يكون مرفوعا بخلوّ صفحة التشريع عنه في قبال عالم العين والذهن فالشارع في صفحة التشريع لم يفرض الخطأ والنسيان . ولازم ذلك عدم ترتب أثر لهما لو كان الأثر غير مخصوص بهما بلحاظ أنفسهما وان أبيت الا من كونه رفعا للحكم بلسان نفي الموضوع كما في حديث لا ضرر(1) فلا بأس أيضا لعدم فرق في ناحية النتيجة (1 على ما يقول به المحقّق الخراساني(1) خلافاللمحقّق النائيني (2) حيث انه جعل الضرر عنوانا ثانويّا للحكم فالوجوب الضرري لا جعل له كما ان الوضوء الضرري لا وجوب له وجعله كدليل نفي الحرج راجعا إلى نفس الأحكام ) وعلى أيّ تقدير فالآثار المترتبة لا يترتب على الخطأ والنسيان وهذا في باب الصلاة لا كثير فائدة فيه لوجود حديث لا تعاد(3) وانما الفائدة فيه في ساير الأبواب كما ان في الصلاة أيضا يمكن ترتيب الأثر مع قطع النظر عن القواعد الاخر كلا تعاد وغيره . فحينئذٍ اذا نسى الفاتحة فهل يمكن اجراء حديث الرفع أم لا ؟ ذهب المحقّق النائيني(4) إلى عدم امكان جريانه لكون اللازم

في جريان الحديث كون الرفع بلحاظ الأثر الشرعي وكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ومفاد الحديث ليس إلاّ الرفع لا الاثبات فلا مجال لاجرائه في نسيان الفاتحة من جهة اثبات ان ترك الفاتحة كعدم تركها واتيانها لأنّه ليس رفعا بل اثباتا كما ان الأجزاء وانطباق المأمور به على المأتي به أيضا ليس أمرا قابلاً

المرفوع في ما لا يعلمون

ص: 431


1- . كفاية الاُصول 2/268 - 269 .
2- . منية الطالب 2/201 وما بعده .
3- . الوسائل 7 الباب 4/4 من أبواب قواطع الصلاة .
4- . فوائد الاُصول 3/353 إلى 355 .

للرفع والوضع التشريعي بل ذلك عقلي فلا وجه لتطبيق الحديث في ناحية الاجزاء والانطباق ولا اجرائه في ناحية وجوب الفاتحة وكذلك لا يمكن بناء على كون النسيان بمعنى المنسي لأن المنسي في المقام هو الترك والترك بنفسه معدوم فلا مجال للحكم بعدمه في صفحة التشريع وكذلك الامر بناء على جعله بمعنى المنسيّ فيه بأن تكون الصلاة المنسي فيها الفاتحة مرفوعة لكونه خلاف المنة فحينئذٍ حيث ان الوقت باقٍ يأتي بها ثانيا كاملة الأجزاء .عود على بدء: قد اشتمل الحديث على رفع عنوان الخطأ والنسيانوالوسوسة في الخلق والطيرة والحسد وقد أشرنا سابقا إلى ان المراد بالحسد ليس بمعناه الفاعلي والا لا يناسب(1) شؤون الأنبياء والأوصياء حيث ورد ان هذه الثلاثة لم يخل منها نبي من لدن آدم إلى نبيّنا محمّد صلی الله علیه و آله بل المراد به المحسوديّة كما ان المراد بالطيرة وقوع التطيّر بهم وهكذا في الوسوسة فهي من الناس في خلقهم وانّهم هم الخالقون وادّعاء الالوهيّة في حق بعضهم لما ورد في بعض الروايات الآخر حيث ان الروايات يفسر بعضها بعضها .

فتحصل من مجموع هذه الروايات ما ذكرنا كما ان المرفوع فيها كساير الأمور الآخر المذكورة هو الحكم بلسان نفي الموضوع وهكذا الأمر في الخطأ والنسيان .

وذهب المحقق النائيني قدس سره في التعبير عن ذلك بوجه آخر وهو(2) اسناد

رفع الخطأ والنسيان

ص: 432


1- . لا يخفى ان الحسد في الحديث بمعناه الفاعلي ولم ينسب إلى الأنبياء في هذا الحديث وما ورد في حديث [ الوسائل 15 الباب 55/8 من أبواب جهاد النفس ] آخر ثلاثة لم يخل منها نبي الخ فهو المراد بالمحسوديّة فتدبّر وكذا الطيرة .
2- . فوائد الاُصول 3/342 - 348 إلى 350 .

الرفع إلى الخطأ والنسيان حقيقة في عالم التشريع لا التكوين لوجودهما فيه كثيرا كما انه ذهب في حديث نفي الضرر إلى ان المنفي هو الحكم الذي يلزم منه الضرر ويكون المراد به هو الحكم لكونه هو العنوان الثانوي للحكم هذا ولكنه لا يقول برفع آثار الخطأ مطلقا وخلو صفحة التشريع منه رأسا . بل اذا لم يكن الحكم مجعولاً على خصوص عنوان الخطأ والنسيان فحينئذٍ مجال لتطبيق الحديث وان الخطأ هو مرفوع بمعنى عدم جعل حكم له في تلك الصفحة لكن الانصاف عدم الاحتياج إلى تبعيد المسافة في المقامين بل الأمر فيهما واحد وهو ما أفادهالمحقّق الخراساني قدس سره (1) فيهما من كون نفي الحكم بلسان نفي الموضوع حتى في مثل الضرر الممكن بتعسف جعل الضرر عنوانا للحكم بخلاف الخطأ فانه لا مجال له كما لا يقول هو قدس سره بكون الخطأ والنسيان عنوانا ثانويّا .

وكيف كان فالمراد والنتيجة نفي أحكام الخطأ والنسيان وذلك أي انطباق الحديث وجريانه للرفع موقوف على تحقق أمور ثلاثة: أحدها كون الأثر مجعولاً شرعيّا ويكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع كي يمكن اسناد الرفع إليه .

الثاني أن يكون رفعه منة مطلقا أو أن يكون وضعه خلاف المنّة وفي رفعه منة .

الثالث عدم كون الأمر مجعولاً بعنوان الخطأ والنسيان أو غيرهما من العناوين الآخر كالاضطرار والاكراه والا فلا يمكن نفيه بهذا الحديث لاستحالة كون مقتضى الشيء رافعه فاذا تمت هذه القيود يكون مجال للاستدلال بالحديث على رفع الأثر .

ص: 433


1- . كفاية الاُصول 2/174 - 175 لكن لا ظهور لكلامه في ما ذكر في المتن .

ثمّ انه تارة يراد تطبيقه على الأمر الوجودي واخرى في العدمي وعلى كلّ تقدير سواء كان للحديث اطلاق برفع جميع الآثار وضعيّها وتكليفيها مطلقا أو انه لم نقل بذلك بل كان مخصوصا برفع بعضها فاللازم اجتماع القيود وبها لا مانع من تطبيقه على الأمر الوجودي لو كان له مع قطع النظر عن حديث الرفع أثر فيجري الحديث لرفعه ونفيه كما في مورد النذر فانه اذا نذر ترك فعل من الأفعال مع الشرايط المعتبرة في انعقاد نذره وأتى بالمنذور تركه نسيانا أو خطأً فحيث انه تجب الكفارة للحنث فببركة الحديث تنفي الكفارة لتنزيل وجود الفعل منزلة عدمهفي صفحة التشريع . فلم يجعل لهذا المنسي حكم التكفير والحنث . ولكن يشكل التمثيل بالنذر حيث انه تابع لقصد الناذر فاذا قصد في النذر الترك في غير حال النسيان والخطأ ففيهما لا موجب للكفّارة ولو مع قطع النظر عن حديث الرفع فلا حاجة إليه لنفي الكفّارة برفع الفعل وتنزيل وجوده منزلة العدم وهكذا اذا نذر انه لو

أكره على كذا يصوم ثلاثة أيّام في نذر المجازاة زجرا أو شكرا فلا مجال لرفع وجوب المنذور وهو الصوم بالاكراه لكون مقتضيه نفس الاكراه فلا يرتفع به بنفسه .

والحاصل ان التمثيل بالنذر ليس في محلّه .

نعم في مورد يكون قصد الناذر عموم لحالتي النسيان والخطأ يمكن التمسّك بالحديث لتنزيل وجود ما يوجب الكفّارة منزلة عدمه وسيأتي الكلام على ان المرفوع هل جميع الآثار أو بعضها كما انّه سيجيء الكلام في تقدّم حديث الرفع على لسان الأدلّة الأوليّة وإن كانت النسبة بينها وبينه هي العموم من وجه(1)

ص: 434


1- . وذلك لأنّ دليل مانعيّة التكلّف أو اشتراط القبلة أو مانعيّة التكلّم يظهر منه الركنيّة المطلقة والدخل والمنع المطلقان بلا اختصاص بغير حال الخطأ والنسيان كما ان دليل نفي الخطأ والنسيان لا يختص بباب الموانع والشروط للصلاة فالنسبة هي العموم من وجه .

وانه يقدم الحديث بكلّ مبنى على تلك الأدلّة لحكومته عليها ولا تلاحظ النسبة فينطبق الحديث على غير باب الصلاة أيضا اذا لم يكن دليل الأثر مخصوصا بحال النسيان أو الخطأ أو مثل الاضطرار والاكراه والا فلو رتب الأثر على خصوص حال النسيان أو الخطأ فلا يجري حديث الرفع كما في باب دية قتل الخطأ حيث ان الخطأ بخصوصه موضوع الأثر وهكذا اذا لم يكن للدليل اطلاق أو عموم يشمل حال الخطأ والنسيان فلا حاجة إلى حديث الرفع لنفي الأثر .نعم في المورد الذي لا اختصاص له بأحدها بل أخذ عنوان عامّ شامل للخطأ والنسيان وغيرهما ببركة حديث الرفع يمكن التمسك لتنزيل وجود ما يترتّب عليه الأثر منزلة عدمه في عدم ترتب الأثر ويكون في باب الصوم مفاده مفاد الرواية(1) الواردة في من أفطر نسيانا انه رزق رزقه اللّه ويكون الدليل هو كلّ واحد ولا مانع منه .

هذا حال التمسّك بالحديث لنفي الأثر في حال الخطأ والنسيان في ناحية الوجود . اما في ناحية الترك فذهب المحقق النائيني(2) إلى عدم مجال لتطبيق الحديث على الترك نسيانا أو خطأً حيث ان الترك بنفسه مرفوع فلو اريد بالحديث انه كالوجود فيكون هذا وضعا لا رفعا وشأن الحديث ليس الا الرفع . فلا مجال للتمسك به في كون الترك كلا ترك وانه كالموجود كما انه ليس نظره في منع التمسك بالحديث على صورة الترك نسيانا أو خطأً إلى أن ترك الشرط أو الجزء

التمسك بالحديث في الترك

ص: 435


1- . الوسائل 10 الباب 9/9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم .
2- . فوائد الاُصول 3/352 إلى 354 .

المنسي اذا تركه نسيانا أو خطأً ليس مجعولاً شرعيّا لعدم كون الجزئيّة والمانعيّة قابلة للجعل لامكان الجواب عنه بامكان رجوع الرفع إلى منشأ الوجوب وملاكه الذي أوجب جعل الحكم أو الدخل التكويني أو الجزئيّة والمانعيّة المنتزعة فلا يجري لنفيهما بل نظره في المنع إلى ان المنسي بنفسه مرفوع متروك . فالتمسّك لرفعه بالحديث إمّا أن يكون لأجل كون تركه كلا ترك وهذا اثبات ووضع لا يثبته الحديث وإمّا لكون النسيان والخطأ متعلّقاً بنفس الحكم فيكون المرفوع هو نفسالحكم ( مع ان اجراء الحديث لنفي جزئيّة الجزء المنسي معناه اثبات كون الباقيهو المأمور به وليس هذا شأن الحديث فتدبّر كي يظهر لك انه لازم التطبيق لا بلحاظه ) وهذا أيضا لا معنى له لأنّ الحكم إمّا أن يكون معلوما أو مجهولاً سواءً بالجهل الابتدائي أو الطاري ولا معنى لنسيانه بل النسيان تعلّق بالسجدة فالسجدة صارت منسية مثلاً هذا لو اريد بالنسيان في صورة الترك هو المنسي . اما لو اريد به المنسي فيه وهو الصلاة المتروك فيها السجدة فرفعها لا يوجب شيئا بل هو خلاف المنّة كما ان جعل الرفع في الترك بمعناه الظاهر بلا اثبات للوجود لا فائدة فيه بل هو خلاف المنّة .

تنبيه: لا يخفى ان الآية الشريفة « رَبَّنَا لاَ تُؤاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا »(1) دالّة على رفع المؤاخذة في مورد الخطأ والنسيان فلو كان مفاد الحديث الشريف رفع المؤاخذة فانما يفيد مفاد قبح العقاب بلا بيان ولا يصلح الحديث على هذا لمعارضة أخبار الاحتياط على تقدير دلالتها على وجوب الاحتياط . ولكن لا ينافي رفع المؤاخذة في الآية لكون المرفوع في الحديث جميع الآثار .

مدلول الآية الشريفة

ص: 436


1- . سورة البقرة الآية 287 .

ثمّ انّ الحديث انما يفيد الرفع التشريعي منّة . فلابدّ في جريانه في كلّ مقام اريد تطبيقه من كون المرفوع أمرا مجعولاً شرعيّا أو بلحاظ آثاره وكون ذلك منّة فلو فرض ان في رفعه خلاف المنة فلا مجال لجريان الحديث والتمسّك به . كما انه لابدّ من تعلّقه بالموجود فينزل وجوده منزلة عدمه فلا يتعلّق بالمعدوم لكونه مرفوعا بنفسه ولابدّ في عدم كون الأثر مجعولاً على خصوص عنوان الخطأ والنسيان أو باقي العناوين المرفوعة الاخر كالاكراه والاضطرار ولا مجعولاً على عنوان يقابله كالعمد وإلاّ فلا حاجة إلى الحديث في الثاني ولا مجال له في الأوّللما عرفت مرارا . بل إنّما يمكن رفع الأثر الذي أخذ موضوعه أعمّ من الخطأ والنسيان أو الاكراه أو الاضطرار كي يمكن رفعه بلحاظ الخطأ أو غيره من الأمور الباقية . وعلى هذا فلا مانع من تطبيق الحديث على اتيان الفعل نسيانا أو خطأً أو اكراها أو اضطرارا فانه لو فرض انحصار الدليل في باب الصلاة بهذا الحديث ولم يكن عندنا حديث لا تعاد ولا ساير الأدلّة الخاصّة الواردة في أبواب الخلل فيمكن التمسّك بهذا الحديث لرفع(1) دخل الفعل الذي أتى به نسيانا أو خطأً أو اكراها أو اضطرارا كما اذا استدبر القبلة بناءً على كونه مانعا وان الاستقبال ليس بشرط في جميع أحوال الصلاة وإلاّ فلا تصل النوبة إلى اسناد الابطال إلى وجود المانع بل إلى عدم الشرط وذهب المحقّق النائيني قدس سره (2) إلى صحّة جريانه في وجود المانع لتعلّق الرفع بالوجود وتنزيله منزلة العدم بلحاظ أثره لا برفع المانعيّة

كي يقال بعدم كونها مجعولة بل بمنشأ انتزاع المانعيّة في حال النسيان فلا يبقى

ص: 437


1- . فيه منع ولا دلالة ولا قوّة للحديث برفع الآثار الوضعيّة في كلّ الموارد نعم في بعضها لا مانع منه .
2- . فوائد الاُصول 3/356 .

اطلاق للمنشأ في حال النسيان بل الرفع يتعلّق بالوجود بلحاظ أثره وشرايط تحقّقه فيوجب اختصاص المأمور به بالباقي كما في لا يعلمون على كلام سيأتي بيانه في بحث الاشتعال إن شاء اللّه .

والحاصل انه لا مانع في التمسك بالحديث لرفع الموجود الذي تحقّق

نسيانا أو خطأً فيه . اما الترك فلا مجال لتطبيق الحديث عليه لحصول أصل الترك بنفسه فلو اريد برفعه اثبات وجوده وانه أتى به فهذا مفاد الوضع والحديث انمايفيد الرفع لا الوضع . كما لا مجال لتطبيقه على الحكم وهو الوجوب وجزئيّةالسورة والفاتحة مثلاً لعدم تعلّق النسيان بالحكم بل يعلم بالحكم ويعلم بعدم اتيان الركوع أو الفاتحة مثلاً فكيف يمكن التمسك بالحديث لرفع الجزئيّة أو دخلها مع ان قاعدة الفراغ أو التجاوز اللتين شأنهما اثبات مشكوك الاتيان لا مجال لهما في صورة العلم بعدم الاتيان فلا يكون حديث الرفع الذي شأنه الرفع لا الوضع مفيدا ورافعا للجزئيّة وانحصار المأمور به بالمأتي به . وأمّا الاجزاء فلا يكون أثرا شرعيّا كي يفيده الحديث . وهكذا الكلام على تقدير ارادة المنسي فيه من النسيان كالصلاة التي نسي فيها الفاتحة أو شيئا آخر فتركها ولم يأت بها فيما يكون مركبا لا في الأمور البسيطة المتروكة فلا مجال فيها لتعلّق الرفع بالمنسي فيه لعدم تركب كي يصح تعلّق الرفع فيه بلحاظ النسيان لبعض أجزائه وأجراء الرفع في المنسي فيه أيضا لا يفيد الاثبات بل هو خلاف المنة لاثبات ان وجوده كعدمه فلا يترتب عليه أثر بل لابدّ من الاستيناف .

والحاصل ان النسيان إنّما يتعلق بالترك والترك لا أثر له شرعي ولا يمكن تعلّق الرفع به لعدم كونه امرا موجودا متحقّقا ولا ان رفعه يفيد اثباته فعلى بعض

متعلّق النسيان

ص: 438

التقارير يختل بعض شرايط التمسك بالرفع وعلى بعض يكون الاختلال في الكل فلا منة ولا موجود قابل لتعلّق الرفع به ولا ان هناك أثرا شرعيّا .

تنبيه: أشرنا إلى كون الحديث امتنانيّا ولذا يفصل بين صورة الاضطرار والاكراه في بيع ماله . فانه في صورة الاضطرار يكون رفع الصحّة وامضاء المعاملة خلاف المنة بخلاف صورة الاكراه فترتفع بالاكراه دون الاضطرار هذا . ولكن هذا التفضيل مبني على الدقة العقليّة وتفصيل في اضافة رفع النسيان بين الترك والفعل . اما بالنظر إلى العرف فالنسيان ينطبق على كلا الموردين فيكون المنسي عنوانا لمورد الترك كما يقولون في مورد لزوم التقصير وتركه عن نسيان انه نسي التقصيروكما يتمسكون بالحديث في هذا المقام يتمسكون به في مورد الأمر الوجودي وتنزيله منزلة العدم ونفي أثره أي الحكم كمورد نسيان التظليل فظلل نسيانا أو غطى الرجل رأسه أو امرأة وجهها .

ثمّ انه يبتني على الوجهين ثمرات في موارد كثيرة . منها ما اذا نسى التلبية التي بها يتم الاحرام فلو قلنا بشمول الحديث لرفع الترك بمعنى رفع وجوب المنسي المتروك فالاحرام منعقد يترتب عليه الآثار من وجوب الكفارة في ارتكاب تروكه واما لو لم نقل به فلا احرام له كي يترتب عليه الكفارة .

نعم لا مانع من التمسّك به في موارد ارتكاب محرّمات الاحرام نسيانا بلحاظ اطلاقه كما انه يشكل الأمر في موارد كثيرة لم يتمسّكوا برفع النسيان ولا تعرّضوا له كما اذا نسى قصد العنوان في باب الغسل أو الظهريّة والعصريّة في باب الصلاة فانه لا يتحقق للعمل في المثال الأول عنوان شرعي ولا يتعين في المثال الثاني كونها ظهرا أو عصرا . ويمكن أن يقال برفع ذلك وإن لم يقل به أحد . ويؤيّده

ص: 439

ما ورد في انها أربع مكان أربع فيما اذا نسي فقدم العصر ) كما انه يتوجّه على التمسّك به في رفع المنسي تركا كما في باب الصلاة اذا ترك جزءً نسيانا انه لا مجال به في نسيانه في جزء من الوقف مع تذكره في ما بقي منه . كما لا مجال أيضا للتمسك به في نسيانه في تمام الوقت اذا تذكر خارجه .

نعم لا مانع من ذلك فيما اذا نسيه تمام العمر .

والحاصل ان انطباق رفع النسيان على ايجاد المانع الوجودي وتنزيل

الحكم منزلة عدمه من ناحية تحقق الوجود لا اشكال فيه بخلافه على فرض الترك فلا وجه له كما لا مجال أيضا لما يقال من رفع الحكم بلحاظ ايجاب الترك للفساد الذي هو ناش من وجود الأمر في مورد تحقق الترك الموجب لتحقق الفساد منقبل نفس هذه الجهة يكون كالجزئيّة والمانعيّة لا مانع من تعلّق الرفع بمنشأهما . فانه يقال ان الفساد ليس أثرا للترك اذ الأجزاء وعدمه إنّما هو بلحاظ انطباق المأمور به على المأتيّ به وعدمه وهذا ليس مجعولاً ولا قابلاً له .

هذا مع قطع النظر عن الآية الشريفة وإلاّ فيمكن أن يقال بأنّ المرفوع إنّما هو المؤاخذة والعقاب فلا عقاب على المنسي ولا على ما أخطأ ولا على ما لا يعلمون .

وهكذا في باقي الأمور وذلك بلحاظ وحدة السياق في التسعة مع ما ورد في الآية الشريفة من قوله تعالى « رَبَّنَا لاَ تُؤاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا »(1) فان الظاهر تحقق لحاظ المؤاخذة والدعاء انما هو في فرض تحقق المقتضى للمؤاخذة الا أن يقال ان تكليف الناسي قبيح عقلاً لعدم الالتفات فحينئذٍ لابدّ أن يرجع الأمر

ص: 440


1- . سورة البقرة الآية 287 .

إلى ايجاب التحفّظ وان معنى لا تؤاخذنا سؤال عدم جعل الحكم على نحو يقتضي ايجاب التحفظ وهو وان كان خلاف ظاهر الآية لكنّه لابدّ منه حفظا لما يظهر منها أيضا من تحقق مقتضى المؤاخذة ولو بجعل الحكم لا انه كان الحكم مجعولاً مقتضيا فعليّا للعقاب والمؤاخذة على مخالفته في حال النسيان:

هذا مضافا إلى ان الخطاب لو كان منشأ انتزاع وجوب الجزء والشرط أو دخل عدم المانع فلا تكليف في ناحية الناسي بهذه الأمور لعدم امكان توجه الخطاب إليه . فاللازم حينئذٍ جعل الرفع في مورد النسيان بما يمكن تعلّقه به شرعا وهو الملاك فالنتيجة تقييد الملاك في الناسي .

والحاصل انه يشكل الأمر في التمسّك بالحديث في هذه الموارد لأنّه ما لميثبت انحصار الأجزاء بالبقيّة فلا ينتج نتيجة ومجرّد رفع العقاب والمؤاخذة لا يريده الخصم فحينئذٍ لابدّ من جعل الرفع في النسيان بايجاب التحفّظ وفي الاكراه والاضطرار يقال بالتقييد الواقعي مع اجتماع القيود ومنها أن يكون منّة عليه ولا يكون خلاف المنّة على الغير . واما في ما لا يعلمون فظاهره متعلّق بأصل الحكم الواقعي المجهول وإلاّ فبايجاب الاحتياط على ما سلف .

ثمّ انه بقي الكلام في وجه تقدّم حديث الرفع في مورد النسيان والخطأ وغيرهما على الأدلّة الأوّليّة مع كون النسبة هي العموم من وجه على ما أشير إليه سابقا والوجه فيه حكومته على تلك الأدلّة ومعها لا مجال لملاحظة النسبة على ما تقرّر في محلّه فالحاكم يقدم على المحكوم ولو كان أعمّ والمحكوم أخصّ كما يقال بالحكومة بين حديث لا تعاد والأدلّة المتكفّلة لحال الأجزاء وشرايط الصلاة ولا يخفى ان الحاكم لابدّ أن يتعرّض لشيء لم يتعرّض له دليل المحكوم سواء كان

نسبة الحديث مع الأدلّة الأوّليّة

ص: 441

في عقد الوضع أو عقد الحمل . لكن هذا المعنى غير متحقق في ما بين الأدلّة الأوليّة وحديث الرفع ولا بينها في باب الصلاة وبين لا تعاد حيث ان لا تعاد الصلاة لا تعرض له لبيان كيفيّة دخل الأجزاء والشرايط وانما باطلاقه ينفي الحكم عن غير الخمسة في صورة النسيان بناءً على اختصاصه بمورده أو الأعم منه ومن الجهل بالحكم ولو تقصيرا وخروج صورة العمد فقط لو كان أعم . وأدلّة الأجزاء والشرايط وكذلك الموانع مطلقة في جميع الأحوال وظاهرها الدخل الركني المطلق سواء كان قادرا أم لا متمكنا أم لا مضطرا إلى الترك أم لا وهكذا فباطلاقها الأحوالي تشمل صورة النسيان كغيرها فليس ممّا لا يتعرّض الدليل الأولي لحال الجزء أو الشرط وكيفيّة دخلهما اذ لا اهمال فيها بل ظاهرها الاطلاق .

وهذا المعنى هو الذي تعرض له حديث لا تعاد أيضا في صورة النسيانفنسبته مع دليل كلّ واحد من الأمور الدخيلة في الصلاة هي العموم من وجه ولا ينطبق عليه ضابط الحكومة كما ان الحال كذلك أيضا في حديث الرفع اذ الأدلّة الأوليّة في كلّ باب لها الاطلاق الأحوالي لحال النسيان وغيره من الأحوال حيث ان مورد جريان حديث الرفع انما هو في هذا الفرض كما عرفت . وحينئذٍ فتلك الأدلّة مطلقة شاملة لحال النسيان ولا اهمال فيها بالنسبة إليه وهكذا حديث الرفع باطلاقه شامل لحال النسيان في كلّ مورد كان للدليل اطلاق وعليه يتحقق العموم من وجه ويتعارضان في مادّة الاجتماع . والتعارض اما أن يقع بين دليل اعتبار كلّ واحد من المتعارضين أو بين أنفسهما .

وعلى كلّ حال فاما أن يقدم أحدهما لمرجّح والا فيتساقطان ويرجع إلى الدليل الذي يكون مرجعا أو إلى الأصل العملي إن لم يكن دليل عام . فالاحرام

ص: 442

الذي نسي فيه التلبية لو جرى حديث الرفع فيه فنتيجته رفع دخل التلبية المنسية وان الاحرام متحقق بلا تلبية ويترتب عليه جميع الآثار من الكفارة بارتكاب الصيد مطلقا عمدا وخطأً وغيره عمدا . ومقتضى اطلاق دخل التلبية عدم كون الاحرام الذي نسي فيه التلبية احراما فدخلها في الاحرام في حال النسيان انما هو بالاطلاق كشمول حديث الرفع لنسيان التلبية في الاحرام فكيف يقدم هذا دون ذاك .

وبالجملة في مورد كان الدليل منحصرا بخصوص الحديث يشكل الامر في مقام الجمع بينه وبين الدليل الاوّلي المطلق واما اذا كان دليل فلا حاجة إلى لا تعاد

ففي باب الصلاة اذا نسى المسافر فاتم الصلاة وكان عالما بالحكم وردت الروايةبالتفضيل(1) بين خارج الوقت وداخله بالاعادة في الثاني وعدمها في الأول ولاحاجة بنا إلى حديث الرفع لنسيان الحكم .

نعم مع قطع النظر عن الدليل الخاص يقع الاشكال في كيفيّة تطبيق رفع النسيان على نسيان القصر وكذا غيره من الأمور المنسيّة الدخيلة في المركب الاعتباري وانه يكفي النسيان في جزء من الوقت في رفعه ولو مع التذكر بعده أو انه يعتبر النسيان في تمام الوقت في عدم القضاء خارجه أو مطلقا إلى تمام العمر وكذلك الحال في تمسّك بعضهم بحديث الرفع في عدم لزوم اعادة الصلاة التي صلاها في النجاسة ناسيا حيث نقله الشيخ قدس سره في الرسائل في مقام كون المرفوع هل هو جميع الآثار أو بعضها فان النسبة بين حديث رفع النسيان وبين دليل اعتبار الطهارة أو مانعيّة النجاسة هي العموم من وجه فكيف يقدم حديث الرفع

التعارض بين لا تعاد وأدلّة الاجزاء والشرايط

ص: 443


1- . الوسائل 8 الباب 17/2 من أبواب صلاة المسافر .

دون ذلك الدليل . هذا مع معارضته للرواية(1) الواردة في الصلاة مع دم الرعاف ناسيا والأمر بالاعادة ولا خصوصيّة لدم الرعاف فاللازم الالتزام بالاعادة ولو مع تقديم حديث الرفع على الأدلّة الأوّليّة لأخصيّة دليل الاعادة وكونه بالنسبة إلى حديث رفع النسيان خاصّا فلا مانع من تخصيصه به ( أقول: أمّا مسئلة العموم من وجه بين لا تعاد والأدلّة الأوّليّة وعدم الحكومة فيمكن تسليمها لعدم انطباق ضابط الحكومة وأمّا في حديث الرفع فيمكن انطباق الحكومة لكونه من قبيل زيد ليس بعالم الذي هو حاكم على قوله أكرم العلماء أو من قبيل قوله زيد ليس بعالم اذا كان عالما حقيقة فانه في الأوّل يكون دليل الحاكم موسعا ومتعرّضا لعقد وضع دليل المحكوم بلا امكان تكفل دليل المحكوم لعقد وضعه ( صغرويّا ) بل إنّما هوحكم على فرض تحقّق الموضوع وكذلك في الثاني وحديث الرفع حاله بالنسبة إلى الأدلّة الأوّليّة كذلك اذ ينفي النسيان وتحقّقه تعبّدا وعناية لا حقيقة تكوينا وإن شئت فعبّر بنفيه تشريعا كما في زيد ليس بعالم فهو يتعرّض لبيان عقد وضع الأدلّة الأوّليّة بالتضييق وعدم تحقّق النسيان وإن كان مآل كلّ عقد وضع في التعبّدات الشرعيّة إلى عقد الحمل لكونه أثرا له ولكن اللسان مختلف فتارة يكون مصب التوسعة والتضييق نفس الحكم وعقد الحمل واخرى بواسطة تعلّقه بعقد الوضع فلا مانع من تقدّم الحديث بالحكومة مع انه على فرض عدم تماميّته يقدم حديث الرفع بلحاظ عدم لزوم اللغوية لأن نسبته مع كلّ واحد من الأدلّة الأوّليّة هي العموم من وجه فلو قدم في كلّ مقام ذلك الدليل للغى حديث الرفع كما انه يقدم الدليل الأولى في بعض الموارد دون بعض لا لمرجح ترجيح بلا مرجّح .

الحكومة على قسمين

ص: 444


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 41/1 من أبواب النجاسات .

توضيح وبيان: وليعلم انّ الحكومة تارة تكون واقعيّة واخرى ظاهريّة كما انّها تارة تكون راجعة إلى عقد وضع المحكوم واخرى إلى عقد حمله وثالثة خارجة عنهما بل تكون من قبيل التفسير والشرح بأي واعني . وكذلك تكون موسّعة للموضوع ومدخلة في أفراده فردا بالتعبّد أو مضيقه بالاعدام(1) كما في حكومة الأصل السببي على المسببي فان نتيجتها اعدام فرد بافناء موضوعه تعبّدا وفي الكل يكون دليل الحاكم متعرّضا لما لا يتعرّضه دليل المحكوم ولذلك لاتكون بينهما معارضة بل يقدم الحاكم وإن كان عاما على المحكوم ولو كان خاصّا لعدم المعارضة .

ففي حديث الرفع يكون تقدّمه على أدلّة الأحكام الأوليّة بالحكومة لتعرّضه لعقد وضع ساير الأدلّة ببيان عدم تحقّق النسيان في عالم التشريع وكذلك الاكراه والاضطرار . ومعنى ذلك انّ الموضوع العام المطلق الشامل للنسيان أو الاكراه رفع عن مورد النسيان حيث ان الرفع إنّما هو بلحاظ الأثر ويعتبر فيه المنّة كما سبق كما انّ في قولنا لا شكّ لكثير الشكّ معناه خروج هذا الفرد من الشكّ عن تحت الدليل العامّ الذي يكون مطلق الشكّ موضوعا له بنحو القضيّة الحقيقيّة وهكذا في جميع الموارد وقوله اذا شككت(2) فابن على الأكثر معناه انه مهما وجد شيء في العالم

ص: 445


1- . فالحكومة في مورد نفي الحرج وحديث نفي الضرر راجع إلى عقد الحمل وفي مثل لا شك لكثير الشكّ أو رفع النسيان والاضطرار والاكراه راجعة إلى عقد الوضع لتعرّض دليل الحاكم إلى عقد وضع دليل المحكوم وفي مثل قوله علیه السلام الطواف بالبيت صلاة تكون واقعيّة وفي رفع ما لا يعلمون ظاهريّة أثرها عدم الاجزاء المترتب آثاره في صورة انكشاف الخلاف كما ان في مثل زيد عالم مدخلة وفي زيد ليس بعالم مخرجة كلّ ذلك بالتعبّد والا فلا مجال لحمل الكلام بلحاظ التكوين والخارج بل في عالم التشريع .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/1 - 1 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ إذا سهوت فابن على الأكثر .

وكان شكّا فهو محكوم بالبناء على الأكثر ومقتضى دليل الحاكم عدم تحقّق هذا التقدير أي وجود الشكّ بالنسبة إلى كثير الشكّ . لكن الدليل لم يتضمّن هذا المضمون بل انما ورد في انه(1) اذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ومرجعه إلى بناء كثير الشكّ على الصرفة سواءً كان في ناحية النقصان أو الزيادة ولا يعتني باحتمال الزيادة المبطلة كما لا يعتني باحتمال النقصان المخلّ بل يبني على الأقل في الأوّل وعلى الأكثر في الثاني وهكذا . فدليل المحكوم ناظر إلى جعل الحكم على الأفراد الحقيقيّة التي في ظرف وجودها تكون متّصفة بالوصف العنواني للموضوع ودليل الحاكم متكفّل لاثبات هذا التقدير أو نفيه وكذلك الأمر في موردرفع ما استكرهوا عليه أو اضطروا إليه فلو انطبق رفع الاكراه أو الاضطرار على خصوص الفعل الذي أتى به اكراها أو اضطرارا فيكون أثره مرفوعا فقط .

وان كان ينطبق على الترك كالفعل كذلك يكون أثره مرفوعا وعلى هذا فربما يرد النقض في كلا الموردين كما(2) انه اذا أكره على مباشرة الصبيان للعقد دون البالغين فيكون الاكراه في ترك البالغين لتصدّى العقد أو اكره على ايجاد العقد الذي اشترطنا فيه العربيّة بغيرها فيكون الاكراه في الترك أو الفعل أي غير العربيّة وإذا كان مرفوعا بمعنى اثبات العربيّة فاللازم ترتّب الأثر على العقد غير العربي فيوجب انطباق حديث الاكراه على ترك القيد أو الجزء اكراها كون الفاقد

ص: 446


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/1 - 1 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ إذا سهوت فابن على الأكثر .
2- . كما انه اذا اكره على الجنابة فهل يجري حديث رفع الاكراه في عدم كونها سببا للغسل أو اذا اكره على ترك الغسل فهل يكون تركه كفعله في ترتب الأثر اذا اجرى الحديث ونطبق على الترك وهكذا الحال في النسيان اذا اجنب نفسه نسيانا .

هو موضوع الأثر كما ان في جانب الفعل اذا اكره عليه يكون خارجا عن الدليل العام للاكراه .

ولكن يمكن الجواب عن بعض النقوض التي منشأ ورودها ورود روايات خاصّة في الموارد الخاصّة أو كون النسيان أو الاكراه بخصوصه موضوعا للأثر في دليله .

فانّ الكلام في انطباق الحديث في كلّ من هذه المذكورات إنّما هو في مورد كون الدليل الأولى عامّا شاملاً لحالتي وجود العنوان وعدمه كالاكراه وعدمه والاضطرار وعدمه . فاذا كان مترتبا على عنوان الاكراه أو العمد كما في الافطار في شهر رمضان بالنسبة إلى وجوب الكفّارة أو على خصوص النسيان فلا يكون الحديث رافعا له لما عرفت من اعتبار قيود في جريان الحديث في موارد انطباقهومنها المنّة .

بقي الكلام في انّ المرفوع بعض الآثار أو جميعها ؟

قيل بكونه بعضها وقيل كلّها وقيل بكونه هو الأثر الظاهر .

ونقل الشيخ قدس سره في رسائله عن بعضهم كلاما في اختصاص المرفوع بكونه بعضها المتيقّن اذا شككنا في كونه هل هو الجميع أو البعض . وهو انه حيث انعقد للدليل العام المتكفّل لبيان الأحكام بعناوينها الأوليّة ظهور في الاطلاق .

فلو شككنا في كون المرفوع هو جميع الآثار أو بعضها فنأخذ بالقدر المتيقّن وندفع الشكّ بالدليل العام كما اذا اشتبه زيد الذي ورد الدليل بعدم اكرامه

بقوله لا تكرم زيدا بين زيد العالم الذي يجب اكرامه لوجوب اكرام كلّ عالم بالدليل العام وبين كونه غيره فنتمسك باطلاق قوله أكرم العلماء بكون زيد هو غير

في عموم الرفع وخصوصه

ص: 447

العالم للشكّ في التخصيص فندفع الشكّ عن زيد باطلاق المطلق وبعموم العام ونجعل زيدا الذي يحرم اكرامه هو زيداً الجاهل .

ثمّ انّه قدس سره استشكله كما هو كذلك فانّه لا صغرى له ولا كبرى . فاللازم تحقيق الكلام في هذا الحديث في كون المرفوع هل هو جميع الآثار أو بعضها وما سلكه بعضهم في استلزام كثرة لزوم الاضمار لا وجه له لتخصيص الرفع بأحدها .

تتميم: قد يقال بأنّ المرفوع هي المؤاخذة بلحاظ منشأها في مثل النيسان والخطأ لكون المؤاخذة عليهما بلحاظ أنفسهما قبيحة لكونهما غير اختياريين بل الممكن فيهما هو ايجاب التحفّظ الموجب لعدم حصول النسيان والخطأ وعدم وقوعهما وحينئذٍ فالمقتضي فيهما متحقّق لكنه رفع عنهما تأثيره في الجعل ولم يجعل الحكم على طبق دعوته منة على العباد حيث ان الامتنان لا معنى له إلاّ فيما تحقّق المقتضى للجعل .أمّا إذا لم يتحقّق المقتضي أو كان هناك مانع من الجعل غير مصلحة التسهيل المناسب للامتنان فالجعل قبيح فلا معنى للمنّة في رفعه وعدم اعطاء مقتضاه من الحكم . فالمنّة إنّما هو في مورد تماميّة المقتضى في الجعل وعدم منع مانع عنه فاللازم حينئذٍ بمقتضى الحكمة الكاملة التي توافق العدل وتعطى كلّ شيء ما يناسبه ويضع كلّ شيء موضعه القابل جعل الحكم لتماميّة قابلية الموضوع ولكن المصلحة اقتضت رفع ذلك من الامة المرحومة لاستيهاب النبي صلی الله علیه و آله إيّاها من اللّه تبارك وتعالى عند سدرة المنتهى كما في الرواية(1) وهذا إنّما يكون فيما لا يستحيل العقل جعله لعدم اختصاص عدم جعله ورفعه بامّة دون امّة كالمشاق

ص: 448


1- . بحار الأنوار 18 باب اثبات المعراج 26 ص312 وما بعده و34 ص319 - 329 .

والآصار المجعولة على الامم السابقة فرفعت عن هذه الأمّة وكايجاب التحفّظ في النسيان فرفع وهكذا وكجعل الحكم المجعول على العنوان الاولى في صورة الاضطرار إليه أو الاكراه عليه فان المقتضى في جميع هذه الموارد متحقق ودفع عن تأثيره في الجعل للامتنان .

ثمّ الأثر المجعول الذي يرتفع برفع موضوعه في مورد النسيان أو الاكراه أو الاضطرار أو ما لا يطيقون الذي لا يكون غير المقدور العقلي بل ( المشاق ) العرفيّة الذي لا تختصّ كما توهّم بخصوص أثر خاص تكليفي أو وضعي بل لا مانع من ارتفاع مطلق الأثر سواء كان تكليفيّا أو وضعيّا قابلاً للجعل التشريعي بنفسه أو بمنشأه فانه في جميع ذلك يمكن رفعه وتطبيق كلّ واحد من العناوين لرفعه وعدم كون موضوعه موضوعا له باخلائه في صفحة التشريع عن الحكم .هذا وأمّا الآثار التكوينيّة الخارجيّة فلا يقتضي الحديث رفعها كالسكر الحاصل من شرب الخمر فانه يترتب عليه ولو نسيانا كما انه لا يقتضي الحديث رفع الآثار القهريّة المترتّبة على المرفوع أيضا مثل ما اذا اقتضى أسوداد القلب فان الاضطرار أو الاكراه لا يوجب رفعه بل الرفع له انما هو بالتوبة . وبالجملة المرفوع في مورد العناوين المأخوذة في الحديث موضوعا للرفع انما هي الآثار الشرعيّة القابلة للجعل والرفع التشريعي لا الآثار التكوينيّة القهريّة كما ان المرفوع

لا يكون هو الأثر الشرعي أيضا اذا كان المكلّف هو الذي أوقع نفسه بسوء اختياره في الاضطرار أو الاكراه وغيره .

حيث ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فانه وان لم يمكن توجيه

ما يرتفع بالاكراه والاضطرار

ص: 449

الخطاب إليه في حال عجزه عن امتثاله كما اذا عجز نفسه عن حفظ بدنه بالقائه من الشاهق فان خطاب احفظ نفسك لا يمكن توجهه إليه لكن لا ينافي ثبوت العقاب عليه وحسن مؤاخذته لكونه بسوء اختياره . وانما المرفوع اذا لم يكن ذلك باختياره .

ثمّ انه كما أشرنا إليه لا يختص الأثر بخصوص التكليفي بل هو عام للوضعي أيضا ولو كان جزءا للمركب أو شرطا فاذا أكره أو اضطرّ إلى زيادة ركعة في الصلاة أو ترك الصوم أو شرب الخمر مثلاً فبانطباق رفع الاكراه يكون هذه الزيادة كالعدم في عدم ترتّب الفساد والبطلان للصلاة(1) بسببها وكذلك لا يكون الاكراه على شرب الخمر موجبا للحرمة اذا شربه عن اكراه لكونه مرفوعا وأمّا الاضطرار فرفعالأثر في بعض الموارد ربما يكون خلاف المنّة كما اذا اضطرّ إلى بيع أمواله للضيافة فان عدم صحّة بيعه خلاف المنّة .

ثمّ انّه قد علمت ممّا أشرنا إليه سابقا ان محلّ البحث في كلّ من النسيان وماأخطأوا أو ما استكرهوا عليه أو اضطروا إليه وما لا يطيقونه انما هو ما اذا كان الحكم لا بشرط عن أحد هذه العناوين فاذا كان مقيدا بما لا يلائم أحدها أو مقيدا به بأن يكون موضوعه النسيان أو الاكراه أو الخطأ فلا يقتضي الحديث حينئذٍ رفع الأثر في أحد المقامين حيث ان الأثر في الأوّل بنفسه غير ثابت في النسيان مثلاً أو الاكراه أو الاضطرار كي يوجب النسيان رفعه وكذا في الثاني إنّما يكون النسيان مقتضيا للأثر وموضوعا له فكيف يمكن كونه رافعا له . كما ان الكلام إنّما هو في ما يستفاد من ظاهر الحديث بلحاظ نفسه مع قطع النظر عن ورود دليل

ص: 450


1- . فيه منع .

خاص من نص أو اجماع على خلافه . وحينئذٍ فبذلك يمكن الخروج عن الاشكالات والنقوض المتوجّهة على التمسّك بالحديث في الموارد المختلفة فاذا أكره على الاجناب فالموضوع للأثر ليس هو الاجناب كي يوجب الاكراه رفعه أو وجوب الغسل وإن كان يمكن أن يرفع الاكراه وجوب الغسل المترتب على الجنابة بلحاظ تعلّق الاكراه بسبب الجنابة وهو الاجناب .

لكن الحق خلافه حيث ان الجنابة أمر قهري لا يقبل الاكراه وما يقبل الاكراه لم يترتب عليه وجوب الغسل .

نعم اذا كان له أثر خاص في بعض الموارد يمكن رفعه بالاكراه عليه كما انه اذا نسى النية فيمكن الجواب بعدم جريان الحديث في الترك فلا ينطبق على نسيان النية وان كان الصلاة لا تحتاج إلى النيّة في أصل قوامها بل إنّها شرط لصحّتها .نعم في الغسل يمكن تصوير هذا بأن ينسى العنوان رأسا وهكذا الأمر في مورد الاضطرار فانه اذا اضطرّ إلى بيع كتابه أو قبائه لما اضطرّ إليه بسببه فلا يكون

نقضا على الحديث وذلك لاشتراط جريانه بالمنة ولا منة في رفع الأثر أي الصحّة في الفرض بل رفعه خلاف المنّة .

فتلخّص ممّا ذكرنا انه لا مانع من عموم المرفوع للآثار التكليفيّة والوضعيّة كما انه ظهر جريان الجواب عن اشكال تعلّق الرفع بالنسيان والخطأ في الآية الشريفة حيث يقول تعالى فيها: « رَبَّنَا لاَ تُؤاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا »(1) .

الخلاصة: تلخص ممّا ذكرنا ان الرفع في الحديث الشريف إمّا أن يكون

مورد تطبيق رفع الاكراه والاضطرار

ص: 451


1- . سورة البقرة الآية 287 .

بمعنى الدفع ومنع المقتضيات(1) في الأمور التي اضيف إليها الرفع في الحديث عن التأثير في الحكم منة على العباد لكن المناسب جعله لكلّ واحد أو انه يؤخذ بما هو الظاهر منه بلحاظ ثبوتها على الأمم السابقة لكن النبي صلی الله علیه و آله استوهبها اللّه تبارك وتعالى فرفعها عن هذه الأمة فعلى هذا يكون تعلّق الرفع بشيء موجود وأثره منع مقتضى البقاء على ما كان عليه في الأمم السابقة .

ثمّ ان ظاهر تعلّق الرفع بلحاظ جميع الآثار كما سبق أعم من الوضع

والتكليف بلا اختصاص بالثاني اذ لا موجب لتوهم اختصاصه به فكما ان التكليف حكم من الأحكام يكون مرفوعا بلسان نفي موضوعه كذلك الوضع فلا معنى لتقدير المؤاخذة في الرفع كما لا وجه للتسك باطلاق أدلّة الأحكام الأوليّة التييعرضها أحد هذه الأمور من نسيان أو خطأ أو الاكراه والاضطرار وغيرها لدفعالشكّ عن اجمال المخصّص وتردده بين الأقل والأكثر اذ رفع التكليف معلوم والوضع مشكوك . فلا يعلم تخصيص تلك الأدلة في موارد تحقق أحد هذه العناوين زائدا على ما ترتب عليها من الأحكام التكليفيّة فنتمسك باطلاقها لدفع اجمال المخصّص لكونها من الأصول اللفظيّة العقلائيّة وهي كما انها حجّة في مواردها كذلك حجّة في لوازمها وآثارها . كما انه اذا شككنا في كون الفاسق هل هو مختص بمرتكب الكبيرة فقط أو الأعم منه ومن الصغيرة فيمكن التمسك باطلاق أكرم العلماء لدفع الشكّ في مرتكب الصغيرة وعدم كونه فاسقا هذا . لكنّه ضعيف كما انّ الشيخ قدس سره لبداهة ضعفه لم يتعرّض لوجهه .

بقي الكلام في ما يتعلّق برفع الاكراه والاضطرار . فنقول انّ المنّة كما انها

ص: 452


1- . كما انه الى ذلك رجع النسخ فانه في الحقيقة دفع لا رفع .

قيد في جريان الحديث في مورد رفع النسيان والخطأ وساير ما اشتمل عليه الحديث كذلك لابدّ منها في رفع الاكراه والاضطرار حيث انهما كالنسيان والخطأ لم يتعلق بهما الرفع بلحاظ وجودهما الواقعي . فلابدّ من كون الرفع فيهما نفيا للحكم بلسان نفي الموضوع اذ الاكراه كالنسيان والاضطرار متحقّقان في الخارج ولا مجال لرفعهما كما انه لا مجال لاضافة الرفع بنفس الأحكام الشرعيّة في مواردهما لعدم تعلّق الاضطرار والاكراه بنفس الحكم بل بمورده وموضوعه . وحينئذٍ فيلاحظ في تطبيق الحديث تحقق المنة . فاذا أكره على عمل واجب عليه فأتى به كرها أو اضطرارا وفرض تحقّق جميع قيوده الدخيلة فيه فلا يمكن التمسّك برفع الاكراه لرفع الاثر عنه وجعله كالمعدوم لانه خلاف الامتنان وهكذا في ما اذا اضطرّ لأجل قوت نفسه وعياله من بيع كتابه ومتاعه مثلاً فانّه إذا فرض جريان رفع الاضطرار فيه فيلزم عدم صحّة المعاملة ووقوعه في المحذور أشدّ ممّا كان . كما لا مجال للتمسّك به في ما اذا أكره على البيع بغير العربي لو اشترطنا فيهالعربيّة لترتب الأثر على هذا العقد لكونه خلاف المنّة كما لا يمكن تكفّله للوضع وكون غير العربي كالعربي . هذا مضافا إلى عدم تحقّق الاكراه على النتيجة والمعنى الذي يفيده اسم المصدر بل في المعاملات ما هو القابل للاكراه هو الأسباب والآلات لا نفس النتيجة . ولذلك ربما يشكل الأمر في الرواية(1) الواردة في الحلف بالعتاق والطلاق اكراها وتمسّك الامام علیه السلام لعدم صحّته بحديث الرفع في رفع ما استكرهوا عليه حيث ان الاكراه لا يقع على النتيجة ولابدّ من تحقّقها

بقيّة الكلام

ص: 453


1- . الوسائل 23 الباب 12/12 من كتاب الايمان .

بلا اكراه كما ورد نفي الاكراه في موارد عديدة منها في الطلاق(1) ومنها في العتق(2) مع عدم صحّة الحلف على الطلاق والعتاق ولو بلا اكراه وذلك لأنه اذا كان راجحا حين الحلف ومرجوحا عند العمل فلا يجب الوفاء به لو حلف على الفعل .

كما انه لو كان مرجوحا في الحالتين فكذلك .

نعم إذا كان راجحا حين الوفاء فيجب الوفاء به .

وأمّا في النتيجة فلا تصحّ بل ولو مع الرجحان بل لا ينعقد فكيف يتمسك الامام علیه السلام لنفي البأس أو عدم العتاق والطلاق برفع الاكراه .

والجواب عنه ان التمسّك بالحديث وتطبيقه على المقام يمكن أن يكون تقيّة باعتقادهم وقوع ذلك وصحّته وذلك لا يضرّ بصحّة الحديث وتماميّة الكبرى والتمسّك بها لرفع الآثار الوضعيّة كما ورد نظير ذلك التطبيق في الافطار بافطارالسلطان حيث قال علیه السلام (3) ان أفطر السلطان افطرنا وإن صام صمنا ولكن تطبيقهعلى ذاك الفاسق كان تقيّة مع صحّة الكبرى في نفسها وفي ذلك تأمّل وكيف كان فلو اكره على الطلاق بغير العربي فحديث نفي الاكراه لا يوجب صحّة الطلاق لعدم تحقّق شرايط تطبيقه من المنّة والرفع أو الوضع .

ثمّ انه لا بأس بالاشارة إلى الفرق بين الاكراه والاضطرار بما يتّضح به تحقّق الاكراه على نفس الأسباب لا النتائج فنقول: العمل الصادر من الانسان تارة يكون موافقا لميله ومشتهى نفسه واخرى لا يكون كذلك ولكنه يرتكبه

الفرق بين الاكراه والاضطرار

ص: 454


1- . الوسائل 22 الباب 37/1 إلى 4 من أبواب مقدّمات الطلاق .
2- . الوسائل 23 الباب 19/1 - 2 من أبواب العتق .
3- . الرواية ان صمت صمنا وان أفطرت أفطرنا بعد قوله علیه السلام ذاك إلى الامام حين سأله أبوالعبّاس بالحيرة . [ الوسائل 10 الباب 57/5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ] .

برضاه لترتب نتيجة عليه مطلوبة له مع عدم رضاه بنفس الفعل وعدم طيب النفس به وثالثة يرتكبه لا طيّبة النفس به ولا انه يريد تحقق النتيجة ولا يرضى بها فالآخران هو الاكراه والأول هو الاضطرار ففي الاضطرار يكون الرضا بالنتيجة ولكن لا طيب له بالعمل وفي الاكراه لا يكون الرضا حتى بالنتيجة لكن ورد في المقام رواية(1) تعرّض لها الشيخ في المكاسب من ان الجبر من السلطان والاكراه من الوالد أو الوالدين ويشكل ظاهرها بان الاكراه لابدّ فيه من توعيد على ترك المكره عليه وفي حمل الوالدين الولد على فعل لا يكون الا الخجل وهو ليس موجبا لصدق الاكراه وفي هذه الرواية اعضال من جهة اخرى يرفع بتعلق الجملة التي وقعت بعد قوله الجبر من السلطان جوابا بالسؤال الذي ورد من السائل قبل السؤال الثاني ولم يمهل الامام للجواب واجابه بعد جواب سؤاله الثاني .

ثمّ انّ هاهنا بحثا مهمّا يليق بالكلام وهو ان هذه الأمور هل هي مقيداتللواقع بمعنى عدم كون الملاك في موردها للحكم الأولى مع قطع النظر عن طروّ أحد هذه العناوين أو انها لا تقيد الملاك بل انما ترفع الوجوب والا لزام المحقّق في موردها وأمّا الملاك فأمر لا يقبل الرفع ؟ الظاهر هو الثاني حيث ان الحديث الشريف في مقام الامتنان على الأمة برفع هذه الأمور وهذا يقتضي تحقق المقتضى للجعل في مواردها ولكن دفع المقتضي عن التأثير في الجعل منة على العباد وتوسعة عليهم وهذا هو المناسب للرفع والا فلو كانت مقيّدة للملاك فلم

ص: 455


1- . الوسائل 23 الباب 16/1 من أبواب كتاب الايمان واللفظ: الجبر من السلطان ويكره الاكراه من الزوجة والاُم والأب وليس ذلك بشيء ورواها الشيخ في كتاب البيع في اشتراط الاختيار في المتعاقدين .

يكن هناك منّة في عدم الجعل بل كان ذلك مستندا إلى عدم المقتضي كما انه لا معنى للرفع حينئذٍ .

ان قلت: من أين نستكشف الملاك والمصلحة في موارد هذه الأمور مع انه لا أمر بل الاضطرار والاكراه إنّما يرفع الوجوب من باب الأهميّة فاذا كان هناك شيء أهم في نظر الشارع مراعاته من الأمر الذي ابتلى به فلا بأس بارتكاب الذي ابتلى به لأجل ذاك الأهم كحفظ النفس اذا توقف على شرب الخمر مثلاً فانه لا يتحقق الاضطرار فيه الا اذا كان حفظ النفس اهم في نظر الشارع من شرب الخمر والا فاللازم هو اجتناب الشرب ولو فرض انه يموت بتركه .

قلت: يكفينا نفس هذا الدليل المتكفل للرفع منّة وتوسعة فانه يدلّ على وجود الملاك والمقتضي ولم يجعل على طبقه الحكم ولم يلزم اللّه العباد توسعة عليهم كما انه كذلك الأمر في دليل نفي الحرج ونفي الضرر فانّهما أيضا إنّما يرفعان الالزام لا الملاك فلا يقيد في موردهما الواقع وحينئذٍ فيمكن للمكلّف الايتان بالوضوء الضرري أو بالقيام الحرجي في الصلاة وهكذا في ساير الموارد بقصد الملاك والمصلحة ويكون مجزيا عن الواقع ويسقط الأمر ويكون آتيا بالوظيفة .إن قلت: فعلى هذا يلزم العرضيّة بين الوضوء والتيمّم إذا كان الوضوء ضرريّا وتحمل الضرر وتوضأ مع انه مشروع في حقّه التيمّم .

قلت: لا ضير فيه بأن يكون في هذا الحال مخيّرا بين المحصّلين واختيار أيّهما شاء في تحقيق تحصيل الطهارة به لعدم كونه أمرا محالاً ولا مستلزما له .

هذا اذا لم يوجب اقدامه على تحمل الضرر سابقا على الوضوء وعدم ترتب ضرر عليه والا فلا اشكال فيه . كما انه لا مجال للخدشة في التمثيل بالاضطرار

ص: 456

على شرب الخمر بأنّه لا مورد له إلاّ صورة التداوي به وهو مدفوع لما ورد(1) في عدم تحقّق حرام يترتب عليه فائدة إلاّ وخلق اللّه مثله من الحلال اذ ذلك لا ينافي الاحتياج إلى الحرام لعدم الوصلة إلى الحلال أو عدم معرفته ونحو ذلك .

والحاصل انه يمكن استكشاف الملاك من نفس هذه الأدلّة الامتنانيّة لما ذكرنا من الوجه . فما ذكره المحقّق النائيني من عدم كشف الملاك لا يخفى ما فيه من المغالطة . كما ان الكلام ليس في ما إذا اعتقد الضرر الواقعي وأخطأ في اعتقاده فتبين عدم الضرر أو اعتقد عدم الضرر فتبين وجوده بل نفرض الكلام في الضرر الواقعي وانه اعتقده ونقول انه في هذا المقام لا مانع من الاقدام على الضرر وتحمله ويكون مستوفيا للملاك ويكفي في سقوط الأمر وامتثال التكليف المحقق في البين والاتيان بالوظيفة التي عليه .

ان قلت: فأيّ وجه في الفرق بين باب الوضوء وباب الصوم حيث يختلف

الكلمات في البابين ولم يجروا على منهاج واحد مع ان مقتضى القاعدة في الجميعواحد .

قلت: ما ذكرنا من وجود الملاك ليس أمرا منضبطا في كلّ مقام بل المقامات مختلفة ففي باب الصوم لم يوجب الشارع الصوم على من يضرّه وكذا اذا(2) خاف على عينه الرمد . والخوف بنفسه أمر واقعي ولو لم يكن ضرر واقعا كما ان الضرر لابد أن يناط حكمه مدار وجوده الواقعي وعدمه مدار عدمه واقعا فان كان هناك دليل على ان رفع ايجاب الصوم من باب الامتنان فنلتزم بصحّة

العرضيّة بين الوضوء والتيمّم

ص: 457


1- . الوسائل 25 الباب 20/1 - 5 - 7 من أبواب الأشربة المحرّمة والمستفاد عدم جعل دواء أو شفاء في ما حرّم اللّه وانّه لا ينبغي لأحد أن يستشفي بالحرام .
2- . الوسائل 10 الباب 20/1 - 2 - 5 - 6 - 9 من أبواب ما يصحّ منه الصوم .

الصوم اذا تحمل الضرر وأتى به كما نلتزم بصحّة القيام للصلاة الذي يكون حرجا عليه اذا تحمّله وأتى بالصلاة قائما وربما لا يفي الدليل في مقام الاثبات لكشف الملاك فلا يمكننا الالتزام بالاتيان بقصد الملاك والمصلحة . كما ان ما ذكرنا انما هو اذا لم يصل إلى حد الاضرار بالنفس والا فلا اشكال في حرمته .

وكيف يمكن قصد الملاك في ما هو حرام بل يرجع الأمر معه إلى باب النهي في العبادة ويكون حراما لا يمكن معه قصد التقرب . فالكلام ليس في موارد حرمة الاضرار إذ لا مجال للاكتفاء بالملاك فيها لعدم امكان تحققه وعدم امكان تأتي قصد القربة بل كلامنا في الموارد التي لم يثبت حرمة الاضرار وانه اذا تحمل الضرر في مورد العبادة وأتى بها فهل يجزيه لتحقق الملاك ووجوده أم لا .

وما ورد(1) في حليّة ما ينفع وتحريم ما يضر فليس له اطلاق قابل للتمسّك به في امثال هذه الموارد . وبالجملة فمقتضى القاعدة جريان الحديث في كلّ منفقراته من ما لا يطيقون والخطأ وما استكرهوا عليه وما اضطرّوا إليه سواء كان منالأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة في المركّبات الاستقلاليّة أو الأجزاء والشرايط في العبادات وغيرها وذلك لا ينافي قيام الدليل في بعض الموارد أو كثير منها على خلاف ما يقتضيه القاعدة الأوليّة لعدم كونه نقضاً على القاعدة بل تخصيصا لموردها وتضييقا في دائرة انطباقها فتدبّر جيّدا .

فذلكة:

قد تبيّن ممّا ذكرنا فى ¨معنى الحديث عدم رفع هذه خارجا لوجودها فيه بل الرفع تشريعي بمعنى عدم كونها موضوعة للآثار المترتبة على الموضوعات التي

ص: 458


1- . بحار الأنوار 65/132 - 162 .

تعم حال هذه من الخطأ والاكراه والاضطرار وغيرها .

وقلنا ان التقييد فيها ليس واقعيّا كما ان الأمر كذلك في رفع الحرج والضرر فانهما أيضا ليستا ممّا يقيّد الواقع والملاك . ويكفي في كشف الملاك فيها نفس هذه الأدلّة المتكلّفة للرفع والنفي فانها بلحاظ كونها امتنانيّة ظاهرة في تحقّق المقتضي

والملاك وان الرفع والنفي انما هو بلحاظ المنة تسهيلاً . وحينئذٍ فلا مانع من جريانها في كلية الموارد والمقامات التي يكون عدم الالزام من الوجوب والحرمة منة على العباد سواء كان حرجيّا أو ضرريّا أو عسريّا ولا بأس بعرضيّة البدل للمبدل في مورد الوضوء الضرري أو الحرجي أو العسري اذا تحمل المشقّة وأتى بالوضوء أو الغسل فانه يكون مجزيا مسقطا للتكليف . كما انه اذا أتى بالتيمّم فانه أيضا مجزي ولكن هذا اذا لم يكن الضرر بالغا إلى حدّ الحرمة . فان الضرر تارة يكون بدنيّا وأخرى ماليّا ولا بأس بتحمّل الضرر المالي لمصالح اذا لم ينطبق عليه أحد العناوين المحرّمة وأمّا البدني فتارة يرجع إلى غرض عقلائي كالفصد والحجامة فهذا لا بأس به ومن هذا القبيل التتبير (التطبير) الذي لا يبلغ حدّ الاضرار بالنفس واخرى لا يرجع إلى شيء فهذا حرام ولا مصلحة فيه ولا كلام لنافيه .

بل الكلام انما هو فيما اذا لم يصل الحرج أو الضرر والعسر إلى حد يكون تحمله حراما لكونه من قبيل القاء النفس في التهلكة أو تفويتا لبعض المنافع كحاسة الذوق والشم وغيرهما ممّا يكون في الانسان واحداً أو متعدّدا كحاسة السمع أو من الأعضاء فانها يحرم اتلافها وتفويت منافعها أو قطعها وتحمل الضرر فيها . فاذا كان في مورد الوضوء والغسل مثلاً منه فلا اشكال في حرمته لعدم

كشف الملاك عن ما يدلّ على الرفع والنفي

ص: 459

الملاك فيه وكذلك الأمر في باب الصوم فانه اذا لم يكن بالغا حدّ الاضرار بالنفس الحرام فلا اشكال في صحّته والاجتزاء به . كما ان المرضعة اذا كان الصوم يضر بها أو بالطفل على هذا النهج فكذلك . وعلى هذا فلا وجه لما في وسيلة الاصفهاني قدس سره

من الاحتياط في القضاء للصوم الذي كان حرجيّا ومنشأه التردّد في تقييد دليل الحرج للواقع وعدمه والا فبناء على استظهار أحد الأمرين من التقييد أو عدمه لا مجال للاحتياط بل بناء على المنة فلا اشكال في عدم القضاء كما انه بناء على التقييد لابدّ منه ولا يكون في الصوم مصلحة .

اما نحن فحيث اخترنا عدم التقييد للملاك فلا وجه لنا للاحتياط في القضاء ويترتب على مسئلة التقييد الواقعي وعدمه فروع كثيرة ومسائل مهمّة في أبواب الفقه .

منها باب الحج واشتراط الرجوع بالكفاية للحرج فانه اذا تحمله ومشى إلى الحج وكان واجدا لساير قيود الاستطاعة فانه مجز لا يجب عليه ثانيا حجة الاسلام بخلافه على التقييد فانه لا يجزي ما أتى به أوّلاً حرجيّا بل عليه حجّة الاسلام اذا استطاع بلا حرج .

وكيف كان فبناء على ما استظهرنا لا يرد النقض بمورد مسلم ويجريالكلام في تمام الموارد بلا كلام ما لم يمنع عنه مانع من نص واجماع . هذا .

ثمّ ان المرفوع في ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه أيضا هو الآثار لا نفس الاضطرار بل الظاهر تعلق الرفع بنفس العمل الذي اضطرّ إليه أو استكره عليه بلحاظ رفع الآثار .

ويمكن ارجاع الاضطرار والاكراه إلى أمر واحد حيث ان طيب النفس في

ص: 460

كليهما مفقود اذ في مورد مسيس الحاجة إلى حفظ عرضه وشرفه اذا باع متاعه الذي هو في غاية المحبوبيّة له لا طيب له وجدانا بحصول النتيجة خارجا وهو ما يؤديه اسم المصدر من المعنى وهو النقل والانتقال لعدم الاضطرار إلى نقل المتاع وبيعه وانشاء البيع اذ هذا لا اضطرار اليه بل الاضطرار انما تعلق بالنتيجة وهو لا يكون طيب النفس بها . كما ان الاكراه أيضا لا طيب للنفس بحصول النتيجة فيه مع انه أيضا تعلّق بالنتيجة وما يكون معنى اسم المصدر لعدم تعلق غرض المكره الا بالنتيجة وحصولها وخروج المال في الاكراه على البيع مثلاً من يده فعلى هذا يرجعان إلى معنى واحد . لكن يمكن الفرق بينهما مع ذلك بأن في الاكراه لا يتعلق غرض المكره بالفتح بالفعل الصادر منه الا لرفع محذور الأمر المتوعد عليه به بخلاف الاضطرار فانه يرجع النتيجة إلى نفسه ويتعلق بها غرضه لمساسها به حيث ان في الاكراه لابدّ من كون المكره مهدّدا على ايقاع ضرر به على ترك المكره عليه ويكون قادرا على ذلك ويكون المكره بالفتح عالما أو كالعالم بأنّه إن لم يأت بالمكره عليه يوقع الأمر المتوعد عليه به وحينئذٍ يرتكب المكره عليه مع كونه على خلاف طبعه غير طيب نفسه به بخلاف الاضطرار فانه لا يتعلق بالمضطر عليه غرض غيره كما في الاكراه بل تعلق به غرضه ويرضى بالمضطر عليه لحفظ الأهمالذي يترتب عليه كحفظ عرضه أو حفظ النفس حيث ان اللازم في الاضطرار وجود أهم في البين يرتكب المهم لأجله سواء كان شرعيّا أو عقليّا كحفظ الشأن والشرف .

وكيف كان فيصح تقسيم الفعل الصادر من الانسان اختيارا إلى ما يكون

امكان ارجاع الاكراه والاضطرار إلى أمر واحد

ص: 461

خارجا عن الاكراه والاضطرار وإلى ما يكون اكراهيّا كما حمله غيره عليه مهدّدا على تركه وإلى ما يكون اضطراريّا كما اذا توقف عليه حفظ أهم بلا اكراه من الغير أمّا الفعل الخارج عن الاختيار كايجار الماء في حلقه في يوم الصوم فخارج عن المقسم .

في تحقّق العناوين بالترك هل يجري الحديث في مورد تعلّق أحد العناوين المذكورة فيه من النسيان والخطأ والاضطرار والاكراه بالترك أم لا ؟ فاذا كان الفعل في مورد التكاليف الالزاميّة الوجوبيّة حرجيّا وعسريّا فلا اشكال في نفي دليل نفي الحرج والعسر لوجوبه . لكن هل الترك كذلك اذا كان عسريّا أو حرجيّا كان لم يصبر نفسه عن الحرام بل يكون حرجا عليه أو انه اضطرّ إلى الترك ؟ فيه اشكال . الذي يظهر منهم اختصاص مجراه بالوجودي وانه اذا كان الترك في التكاليف المحرّمة حرجيّا لا مجال للتمسك بحدث نفي الحرج في رفع الحرمة بل المجري مخصوص بخصوص التكاليف الوجوبيّة دون التحريميّة سواء كان حرجيّاً أو عسريّا فاللازم مراعاتها . هذا . ولا مجال لانكار تعلّق العسر والحرج بالترك أو الاضطرار اليه فانه لا شبهة في وقوعه وتحققه خارجا .

نعم يمكن ارجاع الترك الذي هو أمر عدمي إلى الابقاء الذي هو الفعل الوجودي واجراء العسر والحرج فيه أو إلى الكف عن الحرام في التكاليفالتحريميّة والكفّ أيضا فعل وجودي فيجري الحديث .

وكيف كان يظهر منهم عدم جريانه في الترك . ثمّ انا قد أشرنا سابقا إلى بعض الكلام في الأسباب والمسبّبات الشرعيّة واشباع الكلام فيها حسب ما يقتضيه المقام هو انه تارة يقع البحث في الأسباب وفرض تعلق النسيان أو الاكراه

ص: 462

أو الاضطرار أو غيرها بها واخرى في المسببات وهي النتائج المترتبة على الأسباب وثالثة في الآثار والأحكام المجعولة عليها شرعا ولا اشكال في جواز التمسك بالحديث لرفع مطلق الأثر سواء كان تكليفيّا أم وضعيّا لما عرفت من عدم اختصاص الرفع ببعض الآثار بل يعم مطلق الآثار .

البحث في جريان البرائة في مورد اجمال النص

اعلم ان البرائة كما تجري في مورد فقد النص في الشبهة التحريميّة كذلك تجري في مورد اجمال النص بلا اشكال ومثلوا له بالنهي اذا احتمل أن يكون للحرمة كما أمكن أن يكون للتنزيه لكن المثال لا يناسب ما بنى عليه من كون المنشأ في الأوامر والنواهي هي النسبة وان الظاهر انه بداعي الجدّ فينتزع من ذلك الوجوب في الأمر والحرمة في النواهي ولا مانع من اشتمال حديث واحد أو جملة واحدة على امور بعضها محرم وبعضها مكروه بداعي التنزيه وبداعي الجد كما في باب الأمر نظير قوله اغتسل للجمعة والجنابة فالأنسب المثال له بالغناء ومثله سماع الغيبة فان الأول المتيقن منه ما اذا كان جامعا للقيود الأربعة بأن يكون الصوت مشتملاً على الترجيع مطربا الخ فاذا فقد بعض أوصافه كما اذا لم يكن فيه ترجيع أو لم يكن مطربا فيشك في شمول المفهوم له وكما في الغيبة فانّها ليست مطلق ذكر الشخص في غيبته فتجري أدلّة البرائة فيهما وفي غيرهما منموارد اجمال النص وتردّده بين الأقل والأكثر في غير الأكثر بخلاف باب الأوامر فان الأقل فيها متيقن والأكثر مشكوك هذا بلا فرق بين البرائة العقليّة والنقليّة .

لكن قد يقال بلزوم الاحتياط نظرا إلى انه من الشك في الامتثال لأنّ

جريان البرائة في الشبهة لاجمال النص

ص: 463

الشارع بين الحكم فلا اجمال من هذه الجهة والموضوع تعلّق به الحكم بماله من المعنى وحينئذٍ فاللازم في الخروج عن عهدة الحكم ترك المشكوك كونه غنا أو غيبة في ناحية الترك .

وفيه انه لو كان التكليف تعلق بالمفاهيم والماهيات على ما هي عليه بلا تعلق الوجودات الخارجيّة فكذلك ومع ذلك يكون لا يكون طريق الامتثال ذلك بل في صورة تعلّق التكليف بالمفاهيم أو الماهيّات حرمة تصور الماهيّة وايجاد صورتها الذهنيّة في الذهن .

وأمّا لو كان التكليف إنّما تعلّق بالوجودات الخارجيّة وتعلّقه بالمفهوم ليس بما هو هو بل بما هو طريق ومرآة إلى الوجودات الخارجيّة فلا مجال للاشكال في جريان البرائة عقلها ونقلها لرجوع الشكّ في سعة المفهوم وضيقه إلى الشكّ في التكليف وان الفاقد هل تعلّق به الحرمة أم لا ؟ لما هو بين في غير مورد من انحلال التكاليف بتبع تعدّد الأفراد والوجودات فكلّ فرد له تكليف وجوبي أو حرمة تخصه ولذلك عممنا أدلّة البرائة النقليّة للشبهة الموضوعيّة التي اتّفق كلام الأصحاب فيها على البرائة بتقريب رجوع الشبهة فيها إلى الشكّ في الحكم والتكليف فالمقام كذلك . هذا في اجمال النص .

أمّا إذا كانت الشبهة من جهة تعارض النصين فكذلك لا مانع من جريان البرائة لعدم دوران الأمر مثلاً بين المحذورين لاحتمال كون الحكم الواقعي في ماإذا تعارض نصّان في مورد الوجوب والحرمة غيرهما بل كان هو الاباحة ولكن لا(1)مانع من بقاء دلالتهما الالتزاميّة على نفي الحكم الثالث لعدم استلزام سقوط

ص: 464


1- . سيجيء في باب التعارض سقوط الدلالة الالتزاميّة في مورد تعارض النصين .

المطابقيّة سقوط الالتزاميّة حيث ان دليل الاعتبار لا يشمل المتعارضين للتعارض من أوّل الأمر في دلالتهما المطابقيّة وهذا ضرورة تقدر بقدرها في المطابقيّة بخلاف الالتزاميّة إذ لا ضرورة توجب سقوطها عن الحجّيّة .

بل ذهب بعضهم إلى بقاء حجيّة واحد منهما بالنظر إلى القاعدة وتقدر الضرورة بقدرها أو من جهة الاخبار العلاجيّة فجعل كلّ واحد حجّة عند عدم الآخر كما انّه قد تصدّى الشيخ قدس سره في بحث التعادل والتراجيح لتصحيح الترتب من جهتين في الحجيّة مع انكاره له من طرف واحد .

فحينئذٍ ينتفي الحكم الثالث بهما كما في مورد تعارض العموم من وجه حيث انّه يتفكّك الرواية والدليل الواحد باعتبار مضامينه في مادّة الافتراق والاجتماع .

اللهمّ إلاّ أن يشكل ذلك باباء العرف تفكيك سند واحد في الحجيّة وعدمها .

وعلى كلّ حال فحيث انّهما بنفي الثالث لا يخرجان الشبهة عن الشكّ في الحكم فلا مانع من شمول أدلّة البرائة في الحرمة لكونها مشكوكة وكذلك الوجوب لكونه كذلك وتجري أدلّة البرائة العقليّة أيضاً لعدم انفكاك مجراها عن مجرى البرائة الشرعيّة وجوداً وعدماً .

فلا اشكال في جريان البرائة في مورد تعارض النص .

أمّا الشبهة الموضوعيّة فجريان البرائة فيها أظهر والاتفاق فيها أشهر مع عدم جريان البرائة قبل الفحص في مورد الشبهة الحكميّة والفرق بين الحكميّةوالموضوعيّة بعد اطلاق أدلّة الأصول للشكّ وعدم تقيده بالفحص وعدمه كون الحكميّة من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة والتمسّك بالكبرى لاحراز

جريان البرائة في الشبهة الوجوبيّة

ص: 465

الصغرى لورود المقيدات والمخصّصات على العمومات اجمالاً وتعنوتها بعنوان زائد على عناوين العام فاللازم في ترتب الحكم احراز العنوان وقبله لا يمكن التمسّك بالدليل اللفظي بخلاف الموضوعيّة .

ثمّ انه تمسّك بعضهم بعدّة أخبار على جريان البرائة في الموضوعيّة كرواية مسعدة بن صدقة(1) بعد بيان عدّة موارد محتمل في بعضها السرقة كالثوب أو كونها أخت الرضاعة وغير ذلك ( ان الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة . فهذا الظاهر ينفي لزوم الفحص ولا يجب تحصيل الغاية في موضوع أدلّة الأصول وتبديل الشكّ علماً . لكن الاشكال في ان موارد ترخيص الامام علیه السلام في مورد رواية مسعدة وفي موارد نظيره كموارد حرمة التزويج كاحتمال كون المرأة مزوجة أو ذات عدّة لنا فيها حجّة معتبرة كاليد في مورد احتمال السرقة فانّها امارة الملك وجريان اصالة عدم الرضاع في مورد احتمال كونها أحث الرضاعة فالأحس ما قاله الشيخ .

أنّا في غنى عن التمسّك بهذه الأخبار بتسلّم كون الشبهة الموضوعيّة مجرى البرائة . هذا تمام الكلام في الشبهة التحريميّة .

أما الوجوبيّة: فذهب كثير إلى كونها كالتحريميّة تجري فيها البرائة عقلها ونقلها حتّى انه ذهب جماعة من المحتاطين في التحريميّة إلى البرائة في الوجوبيّة أمّا شذوذ المولى محمّد أمين الاسترآبادي فليس بضار لشذوذه واختصاصهبممشى شاذ وتجري في المقام أدلّة البرائة المتمسّك بها في التحريميّة الا بعضها

ص: 466


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح4 .

لاختصاصها بالتحريميّة كرواية(1) كلّ شيء مطلق حتّى يردّ فيه نهي لكن يكفيا حديث الرفع(2) الذي هو أظهر أدلّة الباب .

تتميم: قد سبق(3) البحث والكلام في دلالة أدلّة البرائة والجمع بينهما وبين أدلّة الاحتياط في الشبهة التحريميّة فلنعطف الكلام إلى بعض التنبيهات التي تعرض لها الشيخ قدس سره: أحدها ان محل الكلام في المقام هو ما إذا كان الشكّ في الوجوب النفسي دون الغيري فان محلّه صورة الشكّ في المكلّف به والكلام فيه .

الثاني انه إذا دار الأمر بين الوجوب والاباحة مثلاً دون الاستحباب فهل يمكن الاتيان بالعمل بعنوان الاستحباب ويمكن الفتوى به جزماً إذا كان عبادة مثلاً أي لو كان له الأمر كان أمراً عبادياً ؟ قوى الشيخ قدس سره في المقام العدم وهو خلاف ما بنى عليه في أوائل الكتاب وهو في المقام يذهب بمنه ويستره .

والوجه الذي استند إليه الشيخ قدس سره ان العباديّة تحتاج إلى الأمر وفي مورد الاحتياط في محلّ الكلام لا علم بالأمر أصلاً لا تفصيلاً ولا إجمالاً فلا يمكن الاحتياط في العبادة ولا مجال للتمسّك باصالة الاحتياط لتصحيح العباديّة بدعوى تعلّق الأمر بذات العمل واستفادة الاستحباب من الأمر ويكون قصده أوكيفيّة أخذه في المقام كقصد الأمر في أمر الصلاة بلزوم الاتيان بقصد الأمر اما لتحصيل الغرض أو بالأمرين أو لتوقّف الملاك في احرازه واستيفائه على ذلك أوغير ذلك من الوجوه المقرّرة في محلّه لما فيه من استحالة أخذ ما يتأتى من قبل

هل العباديّة تحتاج إلى الأمر

ص: 467


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 67 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . كنت في السفر ولم أحضر البحث في بحث البرائة في الشبهة التحريميّة لفقد النصّ . لكن يظهر مرام سيّدنا الأستاذ قدس سره في مطاوي الأبحاث وترجيح أدلّة البرائة على أدلّة الاحتياط .

الأمر في متعلّقه وموضوعه حيث ان الغرض والفرض تصحيح العباديّة بأمر الاحتياط والأمر لابدّ له من الموضوع فلو توقّف عباديّته على الأمر يتوقّف الأمر على نفسه ويلزم الدور .

ولكن يشكل على الشيخ قدس سره انّه كيف يقول بالاحتياط في الجوانب الأربع في مورد اشتباه القبلة أو بأقل من ذلك إذا ضايقه الوقت وكيف يقول به في ساير موارد العلم الاجمالي كما إذا تردّد ثوبه الطاهر بين طاهر ونجس فاللازم له أن يقول ببطلان الاحتياط رأساً كما هو مختار من يبطل طريقيّة الاحتياط ويذهب إلى بطلان عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد وربما ينسب ذلك إلى السيّد الرضي وانّه ادّعى الاجماع عليه وقرّره عليه أخوه المرتضى لكن النسبة غير صحيحة فان العبارة لا يظهر منها ذلك . هذا . مع ان للامتثال مراتب أربع كما تقدّم في مبحث القطع وان الرابع من المراتب الاحتمالي ويتنزل الأمر إليه عند عدم التمكّن من المراتب السابقة مع انه لو لزم قصد الأمر أو احرازه فكيف يصلي الظهر يوم الجمعة من يتردّد بين وجوب صلاة الظهر عليه أو الجمعة مع عدم ترجيحه لأدلّة أحد الأمرين وهكذا في ساير موارد الدوران . فحينئذٍ لابدّ من التقييد في قصد الأمر أو الوجه أو احرازه عند من يلتزم بها وتخصيصه بمورد التمكّن مع انّه لا دليل عليه فظهر ان ما استند إليه الشيخ في المقام لعدم امكان الاحتياط في العبادة ضعيف .

لكن المنقول عن القدماء والمتقدّمين هو الاستحباب وانّهم يفتون بذلك فاذا احتمل المكلّف وجود خلل في عباداته من الصوم والصلاة لا من جهة الشكّ في جواز تقليد من قلّده أو يقلّده فان لازمه تطبيق العمل على فتوى من يجوز تقليده

ص: 468

ولو بالنسبة إلى الأعمال السابقة كما انه إذا علم بصحّة تقليده وشكّ في صحّة أعماله السابقة فانّ له البناء على الصحّة لكن في هذا الفرض ومحلّ الكلام إذا احتمل خللاً في صلاته كما إذا أفتى من يقلّده بكفاية تسبيحة واحدة في الركوع والسجود أو بكفاية مرّة من التسبيحات ولم يزد على ذلك مع وجود من يوجب الثلاث فهل يستحب له اعادة الصلاة التي صلاّها مكتفياً فيها بمرّة في الموردين أم لا ؟ قد يتوهّم أو يمكن أن يتوهّم كفاية أخبار الاحتياط لذلك .

لكن فيه ان المقام لا مسرح لها حيث ان الاحتياط نوع من الانقياد وهو والاطاعة والعصيان واقعة في سلسلة معلولات الأحكام ولا يمكن استفادة حسنها أو قبحها الشرعي من الشرع اتكالاً على حسن الاحتياط عند العقل وقبح المعصية كما لا يمكن أن تكون هذه الأخبار اشارة أو دليلاً عليه بل لا مجال للمولويّة فيها فهي ارشاديّة محضة ( نعم يمكن تشريع الأمر الحرام والاتيان به كذلك لكنّه ليس من الاحتياط في شيء بل التشريع ضدّ الاحتياط وفي قباله ) .

وربما يتوهّم ان الموضوع والمتعلّق وإن لم يحرز عباديته من جهة الشكّ في الأمر والا يخرج عن كونه محتاطاً فيه إذ الاحتياط ليس إلاّ الاتيان بالعمل رجاءً في ناحية العمل أو تركه في ناحية الترك وهذا سهل في ما إذا كان المحتاط فيه توصلياً كما انه كذلك إذا كان الأمر دائراً بين الوجوب والاستحباب لاحراز جهة عباديّته وامكان الاحتياط فيه لكن محلّ الكلام ما إذا يحتمل الأمر وعدمه ولو كان أمراً كان عباديّاً وإلاّ ففي التوصليّات يمكن اتيانها طرّاً بقصد الاطاعة ولا

يتوقّف حصول ملاكاتها واستيفائها على قصد الأمر والامتثال فيتوهم اكتساب المتعلّق من الأمر جهة العباديّة وتكون عبادة .

اشكال انطباق الكسر والانكسار

ص: 469

لكن استشكله المحقّق النائيني قدس سره بعدم انطباق ضابط الاكتساب والكسروالانكسار على المقام حيث انه تارة يكون العمل كصلاة الليل لنفسه أو تبرّعاً عن الميّت أو الحي كما ربما يظهر من عدّة(1) من الأخبار حيث اشتملت على تعاهد

ثلاثة على الاتيان بها وغيرها وإن لم تخل عن الاشكال أو مثل الزيارة عن الحي فانها ممكنة فان ذلك العمل كصلاة الليل مستحبّة في نفسها وينذرها بأن يأتي بها واخرى يكون صلاة الغير الواجبة أو المستحبّة عليه ويستأجر لاتيانها فان بين المقامين فرقاً وهو انه يمكن الاكتساب في الأوّل بأن يكتسب الأمر الوجوبي بالوفاء بالنذر جهة العباديّة من ذات العمل وهي صلاة الليل كما انها تكتسب الوجوب من جهة النذر لوحدة متعلّق الاستحباب والنذر لعدم تقييد النذر باتيان الصلاة بعنوان كونها مستحبّة بأن يكون قصد الاستحباب وعنوانه في حيز النذر بخلاف باب الاجارة فان العمل للغير وأخذ فيه عنوان الوجوب أو الاستحباب على الغير وهو يستأجر على اتيان العمل بداعي أمره المتعلّق به على الغير بداعي أخذ الاجرة لوجوب الوفاء بالنذر فأمر الوفاء في طول أمر الصلاة فحينئذٍ لا مجال لاكتساب صلاة الغير المستحبّة مثلاً الوجوب من الأمر الاجاري ولا جهة لاكتساب الأمر الاجاري العباديّة من المتعلّق وان اختار سيّد العروة اكتساب الامر الاجاري ذلك من متعلّقه إذا كان عبادة . هذا إذا كان نذره لصلاة الليل المستحبّة فان نذره يمكن أن يؤثّر في وجوبها ويكتسب الصلاة الوجوب بخلاف

ص: 470


1- . ثلاثة تعاهدوا على اتيان الصلاة والصوم وايتاء الزكوة عن من مات منهم فكان صفوان بن يحيى آخرهم موتاً يأتي ب- 150 ركعة صلاة وثلاثة أشهر صوماً وثلاث مرّات زكوة . تنقيح المقال 2 ص101 . الوسائل 8 الباب 12/16 وغيره من أبواب قضاء الصلوات .

ما إذا أخذ عنوان الاستحباب في متعلّق النذر فانه باطل لعدم امكان الاتيان بهابعد النذر مستحبة .

وأمّا إذا تعلّق النذر بالواجب فلا اكتساب ولكنه يوجب هذا النذر ترتب آثار من جهة اثبات حق زائد على ما يقتضيه الواجب بنفسه على نفسه له آثار وإن لم نقل بالمراتب ولا بالتأكد ولا بالتركب في باب الواجب والمستحب لكن لا مانع من اجتماع حقوق متعدّدة لأسباب مختلفة كما في باب الخيار فانه حق أثره السلطنة على الفسخ وهذا أمر واحد لا يقبل التعدّد والتأكّد ولكن يقبل الاسقاط من ناحية خيار الشرط دون المجلس أو بالعكس فيمكنه أخذ شيء في قبال اسقاط حق من هذه الخيارات دون الباقي فالآثار مترتبة على حقوق متعدّدة .

تذنيب: سبق بيان الفرق بين نذر العمل المستحب كصلاة الليل والاستيجار على عمل وان النذر إنّما يتعلّق بذات العمل لا بقيد كونه مستحباً والا يخرج عن كونه مقدوراً إذ حال الوفاء بالنذر لا يقدر على الاتيان به مستحبّاً لكونه واجباً بالنذر .

لكن للاشكال فيه مجال واسع حيث انه لا مانع من تعلّق النذر بالعمل الذي يكون مستحبّاً لأنّه يؤخذ الاستحباب في مرتبة موضوع النذر وإنّما يتعلّق النذر بالعمل المستحب ولا مانع من كونه واجباً بالنذر لتعدّد المورد والموضوع إذ الواجب ليست ذات صلاة الليل في الفرض المزبور بل الواجب إنّما هو امتثال الأمر الاستحبابي المتعلّق بذات صلاة الليل فلم يتّحد مورد الأمرين ولا صار الأمر الاستحبابي وجوبيّاً والمستحب واجباً وإذا لم يأت بهذا المستحب بقصد أمره يكون مستحقاً للعقاب واجباً عليه الكفّارة للحنث وعلى هذا فلا كسب ولا

ص: 471

اكتساب للوجوب والاستحباب بخلاف ما إذا قلنا باتّحاد المتعلّق فانّه قهراً لا يبقى مجال للاستحباب بالاتفاق بل الضرورة ولابدّ من كونه هو الأمر الوجوبيكما انه يكون حينئذٍ عبادياً على ما سبق هذا .

ويدفع هذا الاشكال ان النذر إنّما يتعلّق بذات العمل ويكون هو الواجب اتيانه ولو فرض انه نذر اتيان العمل بقصد أمره الاستحبابي إذ المقيّد شامل للمطلق فذات العمل الذي تقيد بالاستحباب يتعلّق به الأمر الوجوبي وهذا كاف في صحّة ما قلناه أوّلاً إذ لا معنى لتعلّقه بالأمر بل الواجب هو الوفاء بكلّ ما دخل تحت نذره وصار منذوراً له فالوفاء يجب له وهذا كأنّه نذر امتثال الأمر الاستحبابي ولو فرض انه يكون في رتبة الامتثال لكنه لا يخرج عن كون المتعلّق للوجوب ذات العمل سواء تبيّن الفرق بينه وبين الأمر الاجاري أم لم يتبيّن إذ المقصود في المقام هو بيان استحباب الاحتياط في العبادة وان الأمر الاحتياطي يمكن أن يكون مثل الأمر النذري في جهة الكسب والاكتساب بأن يكتسب ذات العمل المحتاط فيه الوجوب أو الاستحباب من أوامر الاحتياط على فرض القول بالوجوب أو تماميّة دلالة الاستحباب فيها ومن المسلم ان المحتاط فيه ليس مطلقاً من جهة قصد القربة والأمر بأن يأتي به سواء قصدها أم لم يقصدها لعدم كونه توصليّاً إذ الكلام حسب الفرض فيما يكون الدوران بين الواجب والمباح فيما لو كان واجباً كان أمره أمراً عبادياً كما انه ليس مقيداً بعدم قصد القربة والأمر بل لو كان فهو مقيّد

بقصد القربة كالأمر النذري في محلّ البحث .

وكيف كان فلو قلنا بتوقف الاحتياط في العبادة على الأمر فاللازم حينئذٍ بطلانه في محلّ الكلام لعدم الأمر الجزمي وعدم كفاية الاحتمالي وتصحيح الأمر

ص: 472

بنفس أوامر الاحتياط فيه انه لا موضوع للاحتياط بعد كي يكون الأمر متعلّقاً به للزوم أخذ ما يتأتّى من قبل شيء فيه وكشف الأمر من أخبار المقام بقاعدة الملازمة فيه انه ليس المقام مقام القاعدة لاختصاصها بسلسلة علل الأحكاموكشف المصالح والمفاسد لا المعلولات كباب الاطاعة والعصيان وعلى هذا فينسدّ باب الاحتياط في العبادات .

أمّا التوصليّات فالأمر فيها سهل إذ لا يترتب على الاحتياط فيها محذوره في العباديات لتوقّفه على الأمر فأمّا أن يبطل أو يكون المحتاط مشرعاً في الأمر وذاك حرام لكون اللازم اتيان العمل رجاء كونه واجباً لكونه ضد التشريع ومع توقفه على الأمر كيف يمكن حصوله بدون التشريع إلاّ ان الذي يسهل الخطب عدم توقفه على الأمر وبطلان المبنى من رأس والشيخ قدس سره كان كلامه في المقام منع ذلك الا انه في أوائل الرسائل يصحّح ذاك بقوله بالمراتب الأربع للامتثال منها الاحتمالي الذي تصل النوبة إليه بعد المراتب السابقة الثلاث وكلامه هذا متأخّر في النظر والاختيار عن قوله في المقام بالعدم لكونه عدولاً عنه حسب ما ثبت من تجديد نظره بعد تأليفه الرسائل ولم يف عمره رضوان اللّه عليه لتجديده إلى المقام .

نعم هذا قول بعض من يعتبر قصد الوجه في الامتثال من الأصحاب أو لازم قوله .

هذا تمام الكلام في الشبهة الوجوبيّة فيما إذا لم يكن نص معتبر ودليل معمول به سواء كان مورد فقدانه أو اجماله أو تعارضه .

أمّا إذا كان هناك خبر ضعيف على وجوب شيء أو كراهته فالمشهور كما

ص: 473

نسب إليهم على القول بالكراهة أو الاستحباب فيما دلّ على الاستحباب تسامحاً في أدلّة السنن لكنّه لا يناسب توقف الأحكام الشرعيّة على الدليل بلا فرق بين الالزاميّات وغيرها لكونه اسناداً إلى اللّه تعالى وافتراءً عليه فيما لم يكن دليل

معتبر وهو تشريع محرم . نعم ربما يمكن بملاحظة بعض الأخبار الواردة في البابالقول باستحباب نفس العمل أو اتيانه بداعي الرجاء .

فنقول تعارف اطلاق التسامح في أدلّة السنن في مورد الاستدلال على الكراهة أو الاستحباب بالأخبار الضعاف وقد أشرنا إلى انّهما كالوجوب والحرمة حكمان يحتاج اثباتهما إلى الدليل المعتبر فلا وجه للتسامح إلاّ ان نظر القوم في ذلك إلى الأخبار الواردة في ان(1) من بلغه شيء من الثواب على عمل فعمله رجاء ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن كما بلغه وفي بعضها(2) التماس ذلك الثواب واشتمل آخر(3) على الخير والاحتمالات في هذه الأخبار أربعة أو أزيد فانّه لو كان البلوغ مختصّاً بما إذا كان المبلغ مأخوذاً بقوله ثقة فينحصر بمورد قيام الخبر والرواية المعتبرة على مستحب أو واجب موعود به الثواب الاخروي لا ترتّب فوائد وخيرات دنيويّة كزيادة الرزق أو سعة العيش والرفاه فيه وغيرها فانه إذا كان المبلغ ثقة واشتمل خبره على عدّة ثواب على العمل أو على الخير يؤتى الآتي بالعمل ذلك الثواب وإن كان المبلغ كاذباً أو واهماً في نقل الخبر ولعل هذا

التسامح في أدلّة السنن

ص: 474


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/18 - 2 - 3 - 6 إلى 9 من أبواب مقدّمة العبادات مع اختلاف في بعض الألفاظ .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/18 - 2 - 3 - 6 إلى 9 من أبواب مقدّمة العبادات مع اختلاف في بعض الألفاظ .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/18 - 2 - 3 - 6 إلى 9 من أبواب مقدّمة العبادات مع اختلاف في بعض الألفاظ .

الاحتمال أظهر احتمالات الحديث .

الثاني عدم اختصاصه بكون المبلغ كذلك بل يشمل مطلق الوصول ونقل

الخبر بلا اختصاص لكونه ثقة وعليه اما أن يراد بقوله في الخبر ( فعمله ) ما هو ظاهر فيه من كونه اخباراً كما يرشد إليه قوله التماس ذلك الثواب أو رجائه فيكونمفاد الرواية اعطاء الثواب لمن عمل العمل الموعود به الثواب أمّا مطلقاً بأن يكون البلوغ جهة تعليليّة لاعطاء الثواب أو تقييديّة بأن يختصّ بالخبر البالغ الموعود به الثواب فحينئذٍ لا يشمل ما إذا لم يأت بلا رجاء والتماس ولا دلالة على استحباب نفس العمل بل إنّما يستفاد منه رجحان الاتيان رجاءً والتماساً .

ثالثها ارادة الانشاء من قوله ( عمله ) بأن يكون معناه فليعمل أو اعمل أيّها البالغ إليه الخبر الثوابي فيستفاد على هذا استحباب ذات العمل إلاّ انّه يبعده قوله رجاء أو التماساً ولو انه لا جهة للاشكال في دلالة الماضي على الانشاء لكثرة استعماله والمضارع في الانشاء كقوله في اخبار سجدة السهو ( يسجد سجدتي السهو ) إلى غير ذلك بل دلالتها آكد من الانشاء .

رابعها: أن تكون هذه الأخبار من أدلّة حجيّة خبر الواحد الضعيف في نفسه وهذا بعد استفادة حجيّة الأخبار بالقطع بصدور مضمون واحد من الأخبار الدالّة على حجيّة الخبر وانه متواتر اجمالاً يكون هذا الخبر دالاّ على حجيّة كلّ خبر ثقة كي يشمل أخبار المقام وببركتها يستفاد حجيّة كلّ خبر ضعيف قائم على المستحبات أو الواجبات موعوداً فيه الثواب والمسئلة على هذا الاحتمال الأخير اصوليّة كما انه على الثالث فقهيّة وعلى الثاني كلاميّة .

توضيح وتتميم: لا يخفى ان لازم قولهم التسامح في أدلّة السنن هو

في دلالة أخبار من بلغ

ص: 475

الظاهر من الكلام في وقوع التسامح في دليل المستحب مثلاً وانّه لا يلزم أن يكون له من الاعتبار ما يعتبر في موارد الأحكام الالزاميّة لكن حيث ان الاسناد إلى اللّه

تعالى ما لا يعلم تشريع محرم بالأدلّة الأربعة فلا دليل نقلي ولا عقلي يجوّز ذلك فاللازم اقامة الدليل على هذا التسامح في المقام ونظر المشهور في ذلك إلى أخبارمن بلغ(1) فاذا تمت دلالة الأخبار على ذلك فهي تكون دليلاً على حجيّة خبرالواحد في مورد المستحب والمسئلة على هذا كما أشرنا إليه تكون اصوليّة غاية الأمر لو لا ثبوت حجيّة نفس هذه الأخبار بالأدلّة المقامة في محلّه لم يمكننا التمسّك بها في اثبات المدعي في المقام . وحينئذٍ فنقول ان البلوغ في هذه الأخبار لا يمكن الأخذ باطلاقه لكل خبر وإن كان عن غير ثقة بل لا اطلاق له حيث ان الروايات واردة في بيان حكم آخر وليست بصدد الاتيان والتعميم لكلّ خبر سواء كان المخبر صحيحاً خبره أو موثقاً أو غيره فهو نظير التمسّك باطلاق قوله تعالى: « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ »(2) لطهارة موضع عضّ الكلب من الصيد في الوهن كما انه على هذا لا اطلاق للعمل يستفاد منه كون الاتيان به رجاءً ادراك الثواب الموعود بل ربما يمكن استظهار الخلاف منه لأنّه متفرّع على البلوغ فاللازم كونه بمثابة من القوّة كي يكون قابلاً للاعتناء به وحينئذٍ فينحصر في الخبر الصحيح المعتبر .

وأمّا قوله رجاء ادراك الثواب أو التماس فلا يكون قرينة على كون العمل رجاءً ودخله في ترتّب الثواب بل هذا اشارة إلى أمر عرفي مرتكز عقلائي من

ص: 476


1- . الوسائل 1 الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . سورة المائدة الآية 4 .

كون اتيان الأعمال في هذه الموارد ونظائرها لادراك الثواب ووصول الخير إليهم وهذا أمر طبيعي لكون غالب عبادة الناس من قبيل اعمال الاجراء فهو في الوهن نظير التمسّك بالبدئة بالأعلى في غسل الوجه من الأئمّة علیهم السلام على وجوب الترتيب في غسل الوجه من الأعلى فالأعلى إذ هو أيضاً أمر طبيعي . هذا .

وبناء على كون الرواية بصدد ( بيان استحباب العمل بأن يكون قوله فعمله )بمعنى الأمر والانشاء الذي يكون آكد في المطلوب من صيغة الأمر فيكون معنى قوله ( عمله ) فليعمل به أو اعمل به .

فاللازم حينئذٍ الآخذ باطلاق العمل والبلوغ ولا ينافي كونه في مقام البيان لترتب الثواب .

غاية الأمر بيانه راجع إلى الجهتين اذ اللازم في مقام تشريع الحكم تحديد الموضوع حيث انّه لم يقيّد البلوغ ولا العمل ببلوغ أو كيفيّة خاصّة فالانشاء مطلق الموضوع إلاّ انّه ليس في كلّ مورد حتّى مع العلم بالكذب .

بل إنّما الانشاء على هذا الاحتمال أمر الارشاد والاخبار مع الاحتمال الأوّل في مورد احتمال الصدق والصدور لكونه تعبّداً في مورد الشكّ لا العلم بالخلاف هذا .

ولكن على الاحتمال الأخير الذي نتيجته استحباب العمل البالغ عليه الثواب لا يختصّ الأمر ولا الثواب ولا الخير بالمستحب بل يشمل الواجبات وعليه فيشكل الأخذ باطلاقه من التسامح في مورد الواجبات من جهة دليله والاعتناء بكلّ خبر ضعيف موجب للبلوغ لعدم عمل العقلاء على الاحتمال ولا على الظن بل على الاطمينان . وغاية ما يمكن التخصيص في أدلّة حجيّة الخبر

احتمالات الأخبار

ص: 477

الواحد هو مورد المستحبّات بل مطلق غير الالزاميّات بلا فرق في هذه الجهة بين مشارب الحجيّة من كونها أمراً انتزاعيّاً أو تتميم الكشف أو بناء العقلاء أو غير ذلك

فتدبّر جيّداً .

بيان آخر: يحتمل في أخبار من بلغ كما ذكرنا انّها بصدد بيان استحباب العمل الذي بلغ الثواب عليه بأن يكون بلوغ الثواب من الاُمور والعناوين الثانويّة الموجبة لاستحباب العمل البالغ عليه الثواب .كما ان النذر من العناوين الثانويّة الموجبة لوجوب العمل المنذور .

وعلى هذا يكون لسانه لسان ما ورد في ترتب الثواب على كثير من الأعمال الذي يستفاد منه استحباب العمل من الدعوات والصلوات من قبيل من دعا بهذا الدعاء فكذا أو من سرّح لحيته فله كذا . حيث يستفيدون من الثواب عليه استحبابه ولا يضرّ تخلّف الثواب الموعود ولو كان دنيويّاً غير مرتبط باُمور الآخرة في بعض الموارد لتوجّه ذلك في عدّة من الاُمور التي قام الدليل المعتبر على ترتب الآثار عليها وقد تخلّف لامكان اشتراطها باُمور مقيّدة لاطلاق دليل الترتب بل الآية الشريفة ( ادعوني أستجب لكم ) لا مجال لتطرق احتمال النسيان أو الخطأ فيها ومع ذلك كثيراً لا يستجاب الدعوات .

وقد ورد في بعض الروايات انّه مشروط بالوفاء بالعهد مضافاً إلى ذلك لزوم دخله في النظام الأحسن أو تعلّق الارادة الالهيّة وكذلك الأمر في الثواب الاُخروي .

وكيف كان فعلى هذا الاحتمال يكون العمل مستحبّا موافقاً لمبنى المشهور في أمثال هذه الموارد كما انّه يحتمل انها بصدد اعتبار الخبر الضعيف في

ص: 478

المستحبّات والمسئلة عليه تكون اُصوليّة وان المخبر كلّ من كان يكون خبره في أبواب المستحبّات معتبراً مأخوذاً . ولا مجال أيضاً للاشكال في عدم اطلاق البلوغ للخبر الضعيف من جهة كونها واردة في بيان حكم آخر إذ لا يضرّ ذلك إذا كان بصدد بيان أمرين . فمن عدم تقييد البلوغ بكيفيّة ونوع خاص يستفاد الاطلاق وحينئذٍ ربما يشكل على الاحتمال الأخير بوقوع التعارض بينها وبين أدلّة اعتبار العدالة في الخبر كآية النبأ الملغية حجية خبر الفاسق . فأي مزيّة لهذه الأخبار كي تكون موجبة لتقدّمها على تلك الأدلّة فيؤخذ بمفادها وتحكم على أدلّة اعتبارالعدالة في الخبر بل يتعارضان ويتساقطان في مادّة الاجتماع وهو قيام الخبر الضعيف على المستحب . ويكون مجرّد الشكّ في حجيّة الخبر كافياً في عدم جواز ترتّب آثار الحجيّة عليه .

وقد يجاب عن الاشكال كما عن بعضهم بأن أخبار من بلغ محقّقة لموضوع تلك الأدلّة لكنه فيه اشكال كما انّه يتوجّه الاشكال على الوجهين(1) الذين افادهما في المقام المحقّق النائيني قدس سره أحدهما اختصاص آية النبأ بالواجبات والمحرّمات بقرينة الذيل فلا تشمل المستحبّات والثاني ان هذه الأخبار حاكمة على أدلّة اعتبار العدالة ومن قبيل الاستثناء لها وحينئذٍ فيجمع بين هذه وتلك باختصاص حجيّة الخبر الضعيف بغير الأحكام الالتزاميّة بل بالمستحبّات واعتبار العدالة في الحجيّة بالاخبار الواردة في الواجبات . إذ لو لم يعمل بأخبار من بلغ في المقام لا يبقى لها مورد فهي تكون كقاعدة التجاوز والفراغ في مورد الاستصحاب اللتين إذا لم يعمل بهما في ذلك المورد وعمل بالاستصحاب لا يبقى

اشكال الدلالة

ص: 479


1- . فوائد الاُصول 3/414 - 415 .

لهما مورد يعمل بهما فيه .

تتميم: ذكرنا احتمالات روايات المقام وانّه على بعضها يكون العمل البالغ عليه الثواب مستحباً وعنوان البلوغ من الاُمور المغيرة للواقع والمسئلة على هذا كما سلف فقهيّة وطريق استفادة الاستحباب هو ترتّب الثواب على العمل . الا انّه ربما يكون كذلك في الواجبات وبناءهم على جعل هذا البيان دليلاً على كون العمل مستحبّاً كما انّه إذا ورد التوعيد بالعذاب والعقاب على عمل يجعلونه مكروهاً ويرد عليهم في المقامين عدم الدليل والشاهد على هذا الحمل .نعم ربما يكون قرائن خاصّة في بعض الموارد شاهدة على جعل الاُمور المذكورة في رواية مستحبّة أو مكروهة لوحدة السياق وتسلّم استحباب أو كراهة بعضها لكنّه ليس بمطرد في جميع الموارد كي يبنى عليه القاعدة هذا .

وعلى بعضها تكون المسئلة اُصوليّة لو كانت هذه الأخبار بصدد جعل الحجيّة للأخبار الضعيفة في الاُمور المستحبّة وعليها . حيث يكون في مقام البيان يمكننا الأخذ باطلاق البلوغ واستفادة الحجيّة للخبر الضعيف الوارد في المستحبّاب وتقع المعارضة بينها وبين أدلّة حجيّة الخبر الواحد كالآيات .

ولو كانت المعارضة بالعموم من وجه فمرجع هذا التعارض إلى التباين ولابدّ من طرح المخالف للكتاب لكونه زخرفاً وباطلاً ولا مجال لملاحظة السند في الطرفين لكون الكتاب قطعي السند .

ولكن الشيخ قدس سره أجاب في المقام عن المعارضة بانحصار التعارض اما على فرض كون المسئلة اصوليّة بآية النبأ دون غيرها من الآيات والمعارض الثاني لها هو الاجماع .

ص: 480

أمّا آية النبأ فموردها بملاحظة التعليل الوارد في ذيلها لا تشمل الامور المستحبّة بل تختصّ بالواجبات والمحرّمات لامكان حصول الندامة بالاصابة جهالة كما ان الاجماع لا يشمل الأخبار الضعيفة لبناء المشهور على حجيّة الخبر الضعيف في المستحبّات هذا .

والمحقّق النائيني كما سبق لا يرتضى(1) جوابي الشيخ واعترض عليه بعدم انحصار الملاك في آية النبأ بل لنا أدلّة غير آية النبأ على حجيّة الخبر الواحدوتكون المعارضة بينهما بالعموم من وجه وذكر في الذب عن الاشكال وجهين تقدّم ذكرهما والانصاف ( كما استشكلنا ) عدم مجال لما ذبّ به عن الاشكال كما لا وجه لايراده على الشيخ بل الحق في المقام ما أفاده الشيخ قدس سره لانحصار المعارض لهذه الأخبار بآية النبأ لايجاب التبين والفحص شرطاً للعمل بخبر الفاسق فهي يمكن معارضتها لأخبار المقام بخلاف باقي الأدلّة العامّة للمحرّمات والمستحبّات وغيرها فانّها لا تنفي حجيّة الأخبار الضعاف بل إنّما تثبت حجيّة الأخبار الموثوق بصدورها وساكتة عن الضعاف فهي بالنسبة إليها لا اقتضاء .

وأخبار المقام تعطي للضعاف اقتضاء الحجيّة فلا معارضة كما ان الشك في الحجيّة كافٍ في عدم جواز ترتيب آثار الحجيّة على الخبر ولا مجال للاستدلال بغيره بل لورود يكون ارشاداً إلى حكم العقل المستقل .

ولكن من حيث صلاحيّة الخبر الضعيف للحجيّة في المقام وورود الدليل على حجيّته لا يبقى مجال للشكّ كما لا موضوع لحكم العقل .

ثمّ انّه على فرض استفادة الاستحباب فيكون حكماً واقعيّاً موضوعه البلوغ

على فرض استفادة الاستحباب

ص: 481


1- . فوائد الاُصول 3/414 .

ويكون من العناوين المغيّرة للواقع كما سبق ويجعل العمل البالغ عليه الثواب مستحباً واقعاً بخلاف الحجيّة فانّه إنّما تكون حجّة في ظرف الشكّ فتفيد على هذا استحباباً ظاهرياً .

ولكن يشكل بأنّه إذا انكشف الخلاف فهل ينكشف عدم الاستحباب من أوّل الأمر أو انه لا يبقى للاستحباب موضوع من حين انكشاف الخلاف وعلى الثاني فلا معنى لجعل الاستحباب ظاهرياً .

ثمّ ان الحق في أخبار المقام انها ارشاد إلى تفضل الثواب بالانقياد ولا مجال لاستفادة اعطاء الحجيّة لضعاف الأخبار ولا استحباب العمل الذي بلغ عليهالثواب فتدبّر جيداً .

فذلكة البحث: يمكن تصوير الاحتمال الأوّل وهو استفادة الاستحباب وكون المسئلة فقهيّة على وجهين فتارة لا بعنوان كون العمل معنوناً بالبلوغ بل الاستحباب ترتّب على ذات العمل الذي بلغ عليه الثواب واخرى على نحو دخالة البلوغ وكونه مغيّراً للواقع ومبدّلاً لملاكه وموجباً لحصول ملاك الاستحباب فيه وكون الثواب على العمل البالغ عليه الثواب لا على ذات العمل .

وبالجملة استفادة الاستحباب من هذه الأخبار مبتنية على كونها في مقام بيان ذلك كقوله ( من سرح لحيته فله كذا ) وكساير الأدلّة الواردة في الموارد المختلفة المستفاد منها حكم المورد من هذا اللسان لعدم انحصار لسان الوجوب أو الاستحباب أو غيرهما بالجملة الانشائيّة بل تارة يكون بالأمر على نحويه أو بالنهي كذلك واخرى يكون بالجملة الخبريّة المرتّبة للثواب والعقاب والنار والجنّة على ارتكاب العمل فان استفدنا من أخبار المقام ذلك فيمكن القول بالاستحباب

ص: 482

لكنه يشكل الأخذ باطلاقها لكون البلوغ بأيّ نحو من الخبر ولو كان ضعيفاً غير حجّة في نفسه قائماً على وجوب شيء فان اللازم حينئذٍ بمقتضى دلالة هذه الأخبار على هذا الوجه كونه مستحباً وتبدل وجوبه الواقعي لو كان في الواقع واجباً . بل وكذا لو كان له غير الوجوب من ساير الأحكام إلى الاستحباب واقعاً وهذا يشكل الالتزام به .

مع انه يحتمل سوقها لترتب الثواب على الانقياد نظير قوله تعالى: « من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها »(1) اذ لا دلالة لتضاعف الثواب عشر أمثال علىاثبات الحسنة بل لابدّ من احراز كونها حسنة في ذلك ولا يمكن اثبات الأمر وتحقيق الحسنة به .

وكذلك في المقام يحتمل ترتب الثواب على العمل الذي أتى بعنوان الرجاء وطمعاً في ادراك الثواب خصوصاً مع تقيد الترتب في بعضها بالرجاء والتماس الثواب .

هذا ولكنه يمكن الذب عن الاشكال بأنّه يكون المقام نظير ترتب الهلاك على ارتكاب الشبهة في أخبار الاحتياط حيث استفيد فيها بالملازمة تحقّق الحكم الواقعي والحرمة في البين وأمّا ترتّب الثواب على العمل بعنوان الرجاء فليس في جميع أخبار الباب بل فيها ما هو مطلق وليس المقام مقام حمل المطلق على المقيد لعدم حصول شرايطه بل نأخذ بالمطلق ويكون ترتب الثواب غير مشروط بالاتيان رجاءً .

وممّا يؤيّد ذلك ويبعد كون الثواب على الانقياد ترتب الثواب الموعود في

اشكال في الدلالة على الاستحباب

ص: 483


1- . سورة الأنعام الآية 161 .

الخبر البالغ فيه الثواب على العمل .

وفي مورد الانقياد ليس الأمر كذلك . اذ لا يتقدر ثوابه به . فحينئذٍ فالعمدة في الاشكال اما التوقف في دلالة هذه الجملة على الاستحباب باستبعاد كونه أي البلوغ مغيّراً للواقع ومحصّلاً لملاك الاستحباب أو على ظهورها في الاستحباب لاحتمال الانقياد أو شمول البلوغ للخير الضعيف . هذا .

نعم لا مجال للتوقف في ظهور الثواب في كونه اخروياً فيشكل اثبات

الاستحباب على فرض تسليم استظهار الاستحباب من هذه الأخبار فمورد البحث للامور التي وردت أخبارها باثبات الثواب الدنيوي من قضاء الحوائجورفع الكروب والتنفيس عن الآتي بالعمل ككثير من الصلوات والدعوات والزيارات .

ولكن في هذه الموارد استفيد الاستحباب من أدلّة اخرى .

وهذه لبيان خصوصيّات اخر فلا اشكال .

وكيف كان فاحتمال عدم ترتب الثواب كي يكون الاتيان للعمل رجاءً آتياً في ما قام الخبر الصحيح عليه أيضاً لكونه حكماً ظاهريّاً غير قطعي لاحتمال الكذب والخطأ خصوصاً على مبنى حجيّة الخبر الواحد بالظن النوعي ولو مع الظن بخلاف مضمون الخبر .

نعم لو كان المبنى هو كونه من باب الاطمئنان وايجاب الخبر للعلم العادي والركون إلى الخبر فلا مجال حينئذٍ للاشكال .

ثمّ انه على تقدير استفادة الاستحباب لا يمكن استظهار جواز النسبة والاسناد في نقل الأخبار الضعاف كأكثر قضايا الأئمّة والأنبياء علیهم السلام فلو استفدنا

ص: 484

من قوله: ( من بكى أو أبكى أو تباكى على الحسين علیه السلام وجبت له الجنّة )(1) الاستحباب للابكاء فلا يمكن استفادة جواز النسبة واسناد جميع ما ذكر في المقاتل من القضايا الواردة والمصائب إلى المسند إليه اذا كان اماماً وان كان ربما يتأيد جواز النسبة بما ورد في انّهم أي الظالمين لو أوصى النبي صلی الله علیه و آله بايذاء أهل بيته ما زادوا على ما فعلوا .

بل من ذلك ربما يشكل الاعتماد على أقوال علماء الرجال حيث انهم لم يدركوا أصحاب الأئمّة والرواة فالتوثيق والجرح غالباً يستند إلى ابن عقدةوالنجاشي الذين لم يدركا أرباب الروايات والأحاديث ولكن لا مجال لهذا الاشكال في ناحية علماء الرجال بل ابن عقدة وإن لم يكن صحيح الاعتقاد لكنّه أدرك أصحاب الأئمّة علیهم السلام وجميع ما عنده كان منهم علیهم السلام . بل ربما نسب إليه حفظ وضبط ثلثمائة ألف حديث .

وعلى كلّ حال فانّما يجوز في علم الرجال وغيره من موارد الحاجة كأداء الشهادة والجرح للشهود ذكر بعض المعايب وأمّا إذا لم يكن المقام مقام ذلك فيدخل في عناوين آخر كالغيبة إذا اجتمعت قيودها الأربعة اللازم اعتبارها في التحريم وغيرها .

تذنيب: قد ذكرنا توجّه الاشكال في الاعتماد على علم الرجال ولكن في كثير من الموارد يقع الاطمئنان وليس كلّه مستنداً إلى النقل بلا تدرب وضبط ووثوق بالمنقول كما انّه في قسم منه يمكن دعوى كونه فنّاً خاصّاً والركون إلى قولهم من باب الخبرويّة .

حصول الاطمينان من أقوال الرجاليين

ص: 485


1- . عوالم العلوم 17/532 عن اللهوف مع اختلاف في الألفاظ .

وهكذا الكلام في كثير من القضايا المنقولة في مصائب الأئمّة علیهم السلام خصوصاً سيّد الشهداء علیه السلام . فانّا نقطع بتحقّق كثير منه وحجيته وفي الباقي يكون الاعتماد على الرواة وأرباب المقاتل . حيث بنوا على ضبط القضايا الصحيحة ونقد الاسناد ونقل ما يصحّ عندهم .

هذا تمام الكلام في الشبهة الوجوبيّة التعيينيّة .

أمّا إذا شككنا في الوجوب التخييري فهل تجري البرائة أم لا ؟

فنقول: لا اشكال في ان قوام جريان البرائة باُمور ثلاثة كون المجرى مجهولاً وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع ويكون في رفعه منة .

فاذا تمّت هذه القيود في مورد من الموارد تجري فيه البرائة وإلاّ فلا . فاذاعلم ذلك فليعلم ان الشك في الوجوب التخييري على نحوين فانّه تارة يكون مع العلم بوجوب الأمرين كليهما ولكنّه يشكّ في كونه على نحو التعيينيّة أم لا . واخرى يتحقّق مع الشك في وجوب الأمر الثاني والعلم بوجوب الأمر الأوّل . والمثال له كثير:

منها: مورد خصال الكفّارة من انّه على نحو التعيين ووجوب كفّارة الجمع أو انّه يكفي كلّ واحدة من الخصال تخييراً .

ومنها: ما إذا ضاق الوقت عن التعلّم لواجبات القرائة وكان هناك جماعة فهل يكون الجماعة واجبة عليه أو انّها باقية على استحبابها .

وقد ذكر صاحب العروة موارد لوجوب الجماعة منها إذا ضاق الوقت وكان هناك جماعة يدرك منها الركعة بلا لزوم الاشتغال بالقرائة الموجب لفوات الوقت وقوع بعض من صلاته خارجة . ومنها بعض موارد القتل . .

ص: 486

وليعلم ان التخيير على ثلاثة أقسام:

منها: في باب التعارض عند تكافؤ الخبرين . ومنها: في باب التزاحم . ومنها: في باب الأخذ بالفتويين المخالفتين ومحل البحث هو خصوص التخيير بين الواجبين والشكّ في التعيين والتخيير . ولا بأس بنقل الوجوه المتصوّرة في الواجب التخييري .

وليعلم ان محل البحث إنّما هو في الانشاء الواحد وانّه كيف ينشأ الوجوب التخييري بين أمرين أو اُمور وأمّا بالكلامين أو الانشائين وتعقيبهما بكلام يستفاد منه التخيير فليس من خصائص الاُصولي . فقد قيل كما في الكفاية بأنّه نحو من الوجوب وسنخ منه يباين الوجوب التعييني كما انه يباين الكفائي والعيني والنفسي والغيري واختلاف آثارها يكشف عن اختلافها في أنفسها .وأمّا حقيقة الوجوب التخييري فليست بمعلومة عندنا وكلامه في التخيير بين العتق والصيام والاطعام ناظر إلى جامع في البين يكون هو الواجب ويترتّب عليه الأثر ويكون الغرض حاصلاً به . وكلّ من الخصال فرد منه . وتصوير هذا النوع من الجامع وامكانه قد سبق وتكرّر منّا الكلام عليه في موارد عديدة من انه ليس باب الشرعيّات من قبيل الامور التكوينيّة من التأثير وان كان لا الاشكال حينئذٍ في تصويره وفرقه من التخيير العقلي لأنّه لنا أن نقول الواجب المخيّر الشرعي على هذا يكون بيانه من الشارع وليس تشخيص افراده بيد المكلّف بخلاف التخيير العقلي ومن المباني في تصوير الواجب التخييري كونه في كلّ واحد من العدلين مشروطاً بعدم اتيانه بالاخر ومرجعه إلى واجبين تعيينين مشروطين . وليس من الواجب التخييري في شيء .

اشكال الجامع بين خصال الكفّارة

ص: 487

وكيف كان فاذا شككنا في وجوب شيء تعييناً أو تخييراً بعد العلم بأصل الوجوب فما هو الممكن جريان البرائة فيه للشكّ فيه يكون قيده الثالث مختلاًّ . أي تحقّق المنّة في رفعه وهو وجوب العدل اذ وجوب العدل بعد العلم بوجوب الأمر الأوّل وإن كان حسب الفرض مشكوكاً وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع ويكون مجهولاً لكنه لا يوجب جعل العدل لواجب ضيقاً على المكلّف بل فيه السعة فلا تجري البرائة لكونه خلاف المنّة . نعم المنّة في رفع الوجوب التعييني . لكنه ليس وجوبه مشكوكاً فيه كي تجري فيه البرائة وإنّما المشكوك خصوصيّة التعيينيّة وهي ليست أمراً مجعولاً وإن كان في رفعها المنّة ومجهولة .

توضيح وتكميل: سبق ان جريان البرائة في محلّ البحث كساير المقامات تتوقف على أركان ثلاثة كون الأمر الذي يراد جريان البرائة فيه مجهولاً وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع ويكون في رفعه المنّة وتوسعة على العباد فاذااختلّ أحد هذه الأركان فلا مورد لجريان البرائة بلا اشكال .

وأشرنا إلى ان التخيير على أقسام ثلاثة قسم منها محل البحث والباقي لا بحث لنا عنه في المقام والأقسام كما سبق الواجب التخييري الشرعي الابتدائي وسبق فيه الكلام .

والثاني التخيير في الواجبين المتزاحمين اذا تساويا في الملاك ولم يكن لأحدهما أهميّة ولا موجب للترجيح غيرها .

والثالث في مورد الأخبار العلاجيّة في باب الخبرين المتعارضين المتكافئين في جهات الرجحان على ما استقرّت عليه الآراء من الطريقيّة دون السببيّة لأنّه عليه يكون المتعارضين كالمتزاحمين لا يمكن الجمع بينهما في

ص: 488

الامتثال ولا يكون قسماً برأسه . ومن هذا الباب التخيير في الفتويين المتخالفتين .

ثمّ الشك في الوجوب التخييري على أنحاء منها الشك في أصل الوجوب حيث لا علم للمكلف بجعله أصلاً ويحتمل جعله كما يحتمل عدم جعله .

نعم على تقدير جعله يعلم قطعاً انه على نحو التخيير وهذا القسم لا اشكال في جريان البرائة فيه لتماميّة أركانها وحصول السعة على المكلّف برفعه والبرائة عنه .

نعم ربما توهم عبارة الشيخ من قوله بجريان البرائة فيما إذا كان واجباً تعيينياً مجعولاً للشارع اصالة أو عرضياً منعه جريانها فيه الا انه بعده بقليل تفيد عبارته الجريان فيه فلا وجه للاشكال على الشيخ قدس سره . وقسم من الشك في التعيين والتخيير ما إذا علمنا بجعل الوجوب وكان الشكّ في التعيين والتخيير وهذا تارة مع العلم بجعل وجوبين على أمرين يشكّ في كونه تعيينياً في كلّ منهما أو تخييريّاً يسقط كلّ منهما بفعل الآخر واخرى مع العلم بوجوب واحد يشك في جعل شيءآخر عدلاً له يكون اتيانه موجباً لسقوطه وحصول الواجب في الخارج وثالثة يشك مع العلم بوجوب أمر في كون شيء مسقط للواجب أو مانع عن استيفاء ملاكه مباحاً أو مستحباً أو انه عدل للواجب وهذه الفروض إنّما هي احتمالات عقليّة لا مثال لها في الفقهيات الا على نحو الفرض .

نعم قد مثّلوا للأخير بالسفر المباح المسقط لصوم شهر رمضان . لكنه خارج عن الفرض حيث انه لا موضوع لوجوب الصوم حينئذٍ كما انه مسقط لوجوبه وكذلك الحيض وغيره من الموانع الا انه وقع الكلام في كون الجماعة عدلاً للواجب أو انها مستحب مسقط له . اذ القرائة واجبة على المكلّف فاذا اختار

الشك في التعيين والتخيير

ص: 489

الجماعة يكون الأمر المستحب مسقطاً عن القرائة الواجبة عليه . كما انه وقع الكلام في كون الجماعة واجبة على من وظيفته الاكتفاء بمقدار ما يعلم من سورة الحمد أو التكبير والتهليل بدلها تخييراً أو انها باقية على استحبابها بالنسبة إليه .

وتفصيل الكلام في أحكام هذه الأقسام في صورة الشك انه اذا كان الشك بعد العلم بوجوب كلّ منهما في الجملة في كونه على نحو التعيين أو التخيير ولا اشكال في ان فرض الشك إنّما هو فيما إذا لم نستفد الاطلاق من كلام المولى الموجب لرفع الشك بل اعطى مثلاً ثلاث جمل ( خصال ) في مجلس واحد للافطار في شهر رمضان وصار منشأ للشكّ في انها على نحو التعيين أو التخيير بل كان الكلام بنحو لا اطلاق فيه فحينئذٍ لا مجال لجريان البرائة لاختلال بعض أركانها اذ لو اريد جريانها في التعيينيّة فلابدّ وان تكون هي مجعولة شرعاً كي تجري ولا اشكال في انها ليست الا عبارة عن عدم جعل العدل اذ ليست من حالات التكليف وكيفيّاته وخصوصيّاته لعدم كونها حالاً ولا تميزاً ولا وصفاً له بل ولا قيداً كما انه كذلك امثالها في العينية والنفسية اذ هي ليست الا منتزعة عن عدمجعل العدل أو ضم شيء آخر معه في الوجوب أو عدم جعله على الغير أو على عدم تقيده في الوجوب بالغير بل إنّما مقابلاتها قيود ولا تجري البرائة في بعضها لعدم الامتنان في رفعه . فحينئذ لا مجال لجريان البرائة في محلّ الكلام لعدم تماميّة أركانها كما لا تجري في الشكّ في النفسيّة والغيريّة في نفسيته ولا في عينيته بأن يكون كفائياً للعلم بتوجه التكليف إليه . ولو كان واجباً على غيره بنحو الكفائي فيسقط عنه بفعل الغير . فالشك يرجع إلى مقام الاسقاط ولابدّ من العلم بفراغ الذمّة فيه . وإذا لم تجر البرائة في القسم من الأوّل من التخيير فاولى بعدم

ص: 490

جريانها في القسم الثاني وهو المتزاحمان . كما انه أولى بعدمه في القسم الثالث .

فذلكة: سبق ان محلّ الكلام في الشك في التعيينية والتخييرية هو القسم الأوّل الذي هو التخيير الابتدائي وعلى المبنى الأوّل في تفسير الوجوب التخييري من كونه سنخاً مبايناً للتعييني لا مجال لجريان البرائة كما انّه على المبنى

الذي رجع إلى الواجبين المشروطين لا مورد للتخيير غاية الأمر كما ان الوجوب قد اشترط في بعض الموارد بشرط له قد اشترط في المقام وجوب كلّ واحد بعدم الاتيان بالآخر فالترتب بينهما من الطرفين لأن الخطاب أي خطاب فرض لا يمكن اطلاقه لحال امتثاله وعصيان متعلقه فكما انّه يشترط وجوب الصلاة بترك أداء الدين ولا يكون من طلب الجمع بل من الجمع في الطلب كذلك في المقام قد اشترط وجوب كلّ بعدم الآخر وتحقّق الصارف عنه ويتأخّر الخطاب في الواجب عن خطاب الآخر برتبتين . ولازم هذا عدم وجوب كلّ واحد منهما اذا أتى بهما معاً بل الواجب إنّما يتحقّق بواحد اذا تقدّم على وجود الآخر لتحقّق شرطه من عدم وجود الآخر عند اتيانه كما ان اللازم من ذلك وجوب كليهما عند ترك كلّ واحد منهما .كيف كان فعليه يمكن جريان البرائة في كلّ منهما عند وجوب الآخر(1) حيث ان وجوب كلّ عند اتيان الآخر مشكوك فيمكن جريان البرائة فيه للشك في حدوث التكليف على تقدير اتيان كلّ للآخر لان الوجوب في حال عدم الآخر مسلم له بخلاف حال اتيانه لأنّه مشكوك ولا يجري هذا التقريب في الوجه الأوّل . لأنّه ليس في البين إلاّ بجعل العدل وقد عرفت عدم كونه مجراها .

وإن شئت توضيح المرام أزيد من ذلك فاعلم انّه بناءً على كون الأحكام

لا اشكال في كيفيّة ايجاب الواجب التخييري

ص: 491


1- . الظاهر وجود .

جعليّة لا مجعولة قهراً يقع الاشكال في كيفيّة ايجاب الواجب التخييري وانشائه فان الانشاء لا يقبل التدريجيّة بأن ينشأ أحدها ثمّ الآخر على نحو التخييريّة وانشاء كلّ واحد يفيد الوجوب التعييني لأن انشاء النسبة بين كلّ فعل والمخاطب مفاده ذلك وإن لم يتعدّد الانشاء بل كان الانشاء واحداً وإنّما يفيد التخيير بأو ونحوه من الألفاظ الدالّة على ذلك وبسط النسبة فهذا معناه جعل العدل ولا مجال لجريان البرائة فيه على ما قلنا ولو انّه هو القابل بجريانها فيه مع قطع النظر عن لزوم الضيق على المكلّف من قبل جريان البرائة فيه . لأنّه هو الذي يحتاج إلى مؤونة زائدة ثبوتاً واثباتاً .

نعم لو لم يكن الأحكام مجعولة بل إنّما يكون انشائها قهريّاً لا اختياريّاً وإنّما هو اظهار الشوق وابراز الارادة المستتبع بروزها بمباديها فربما لا نحتاج إلى تحقيق الحال أمّا على مذهب المحقّق الخراساني من كون الواجب هو أمراً واحداً في البين وهو الجامع بين العتق والاطعام مثلاً فلا اشكال في الواجب التخييري . لكن العلم به إنّما يتحقّق بوحدة الأثر المترتّب على الأمرينالمتخالفين . إذ المتبائنان بما هما كذلك لا يمكن يصدر منها أمر واحد فلابدّ وأن يكون الأثر الواحد مترتباً على مؤثر فارد وأمر واحد يكون هو السبب والمؤثّر بحيث لا ينطبق إلاّ على الصوم والاطعام والعتق مثلاً وإن لم نعرفه ولم نشخصه بعينه وحينئذٍ فيكون كلّ واحد من هذه الامور فرداً له ويكون مرجع هذا التخيير إلى التخيير العقلي وإنّما نسمّيه بالشرعي لأن تشخيص الافراد وانطباق الجامع عليها إنّما يكون المرجع فيه الشارع . هذا .

واعلم انّه بناءً على ما ذكرنا من الاشتراط في الواجب التخييري وجريان

ص: 492

البرائة فيه على هذا التقدير إنّما هو إذا كان الواجبان حدوثاً مشروطين بعدم الآخر أمّا إذا كانا في عالم البقاء كذلك فلا مجال للبرائة بل يكون المرجع المجرى فيه الاشتغال للشكّ في المسقط . ولا مجال للبرائة فيه . فتدبّر جيّداً .

( أقول: لا اشكال في جريان البرائة في التعيينيّة والتخييريّة على كلا المذهبين في الواجب التخييري . أمّا على مبنى الاشتراط فواضح كما انّه على مبنى انّه سنخ آخر مقابل الوجوب التعييني يكون نتيجة الجعل هوالواجب التخييري في حال عدم الفرد الآخر ولا اطلاق لوجوبه في حال وجود الآخر فحينئذٍ مرجع الشكّ في التعيين والتخيير إلى العلم بوجوب كلّ واحد في حال عدم الآخر والشكّ حال وجوده فيكون الشكّ من الأقل والأكثر ولا مجال لمنع جريان البرائة فيه فتأمّل .

تنبيه: اعلم انّه وإن قال(1) بعضهم بعدم كون الأحكام انشائيّة بل ليست الألفاظ إلاّ كاشفة عن ما في الضمير من الحبّ والارادة والكراهة وغيرها منالصفات وان الارادة هي الشوق المؤكّد لكن المشهور ذهبوا إلى كونها انشائيّة على خلافهم في المنشأ في باب الأوامر فبعضهم جعله الطلب وانّه المنشأ وما هو المتّحد من الطلب مع الارادة هو الطلب النفساني مع الارادة النفسانيّة بخلاف الانشائيّة فانّه لا يتّحد معها وبعضهم كالمحقّق النائيني قدس سره جعل المنشأ هو النسبة وإن ليس في المقام سوى انشاء النسبة والنسبة من المعاني الحرفيّة التي لا تحصل لها في عالم المفهوم وإنّما تتحقّق في عالم الانشاء وموطنها ذلك المقام والمنشئ إنّما ينشئ المصداق التي هي ليست إلاّ ما لا يمكن تصوّرها إلاّ بالمعاني الاسميّة .

قول بعضهم بكون الأحكام كاشفة

ص: 493


1- . نهاية الأفكار 1/169 .

وليس الطلب هو المنشأ لكونه معنى اسمياً .

وكيف كان ففي تصوير الوجوب التخييري مذهبان حسب ما قدّمنا شرحه

آنفاً . فقد يقال بأنّ التخييري سنخ مغاير للتعييني وهما مختلفان في الآثار وقد يقال بكون الفرق بينهما بجعل العدل وعدمه وهما يرجعان إلى معنى واحد . في قبال المذهب الآخر الذي يرجع إلى ان الواجب التخييري هو الواجب المشروط بعدم الآخر فالواجبان التخييريان مألهما إلى واجبين مشروط وجوب كلّ بعدم الآخر . وقد سبق ان لازم هذا الأخير وجوب كلّ منهما عند ترك كلّ وترتّب عقابين على تركهما . وهذا لا يكون وجوباً تخييريّاً بل وجوب تعييني مشروط بشيء مغاير لساير شرايط الواجبات المشروطة بموضوعاتها . وكما ان الحج مشروط بالاستطاعة بل كلّ حكم مشروط بوجود موضوعه كذلك الوجوب المشروط المتصور به الوجوب التخييري . ولا اشكال في انه على هذا المبنى اذا وصلت النوبة إلى الشك ولم يكن أصل لفظي موجب لاطلاق كلّ من الواجبين يجري البرائة عن المشكوك للشكّ في تحقّق شرط الوجوب . إذ حال اتيان كلّ منهما يشكّ في تحقّق وجوب الآخر وعدمه . اذ لو كان واجباً مشروطاً فلا يجبوإلاّ فيكون واجباً فتجري البرائة لتماميّة أركانها بلا اشكال . كما انّه على المذهب المختار وهو كون الفرق بينهما بجعل العدل وعدمه . امّا بأن ينشأ واجبين وبكلام آخر يدلّ على كونهما من الوجوب التخييري وانّه لا يريد اتيان الآخر عند الاتيان بواحد منهما أو انّه ينشأ في كلام واحد ويبين العدليّة باو كما انّه في مقام الجمع يدلّ على وجوب الجمع بالواو لا مجال لجريان البرائة لعدم الامتنان في رفع وجوب العدل . وعدم جريانها في التعيينيّة لعدم كونها مجعولاً شرعيّاً فحينئذٍ لا

ص: 494

مجال لجريانها . فلابدّ من الاتيان عند الشك للاستصحاب وأصل الاشتغال والشكّ في الامتثال . للعلم بالوجوب والشكّ في ان اتيان الآخر هل مسقط عنه أم لا . اذ لا اشكال في وجوب كلّ عند عدم الآخر سواء كان على نحو التعيينيّة أو التخييريّة وإنّما ظهور الثمرة في صورة الاتيان بواحد وعدم الآخر فعلى التخييريّة لا يجب وعلى التعيينيّة يجب فحيث يكون الشكّ في الاسقاط فلابدّ من الاشتغال كما انّه على المذهب الأوّل وهو الوجوب المشروط لو فرض الاشتراط في عالم البقاء والاستمرار والامتثال بعدم الآخر . فعند الشكّ لا مجال للبرائة أيضاً . للشكّ في الاسقاط والامتثال .

( لا يخفى ما في ذلك على ما تقدّم الاشكال منافيه اذ الشك من أوّل الأمر في الوجوب ولا يصل إلى هذا الحدّ ) .

فذلكة: قد تقدّم انّ الوظيفة في صورة الشك في كون أمرين واجبين تعينيين أو تخييريين مع العلم بوجوب كلّ واحد منهما . الاشتغال للشكّ في الامتثال للعلم بوجوب كلّّ والشكّ في ان الآخر هل هو مسقط أو واجب بملاك آخر حيث انّه في صورة اتّحاد الملاك بينهما يعلم بكونهما واجبين تخييراً .

فيحتمل تعدّد الملاك . كما يحتمل وحدته . إذ لابدّ في الوجوب التخييريمن وحدة الملاك والجامع الملاكي .

وقد سبق بعض الكلام في تصوير الجامع الأصيل وغيره في بحث الصحيح والأعم .

وما ذكرنا من الاشتغال هو الذي بنى عليه المحقّق النائيني . هذا إذا كان الأمر ان معلومي الوجوب .

موارد الشك بين الوجوب التعييني والتخييري

ص: 495

أمّا إذا علمنا بوجوب شيء وان الشيء الآخر مسقط له وتردّد بين كونه واجباً تخييريّاً له أو انه مفوّت لملاكه أو مانع من استيفائه فهل تجري البرائة أم لا ؟ ومثّلوا له بصلاة الجماعة بالنسبة إلى الصلاة فرادى وتترتّب على ذلك الثمرة .

واعلم ان في الجماعة احتمالات ثلاث فتارة تكون فرداً للصلاة الواجبة تخييريّاً والمكلّف بالخيار بين اختيار هذه أو تلك .

غاية الأمر تكون أفضل فردى الواجب التخييري . كما انّه يحتمل أن تكون مستحبّة في حدّ نفسها واجدة لملاك الفرادى وأزيد بحيث اذا استوفى ملاكها تكون مانعاً أو مفوّتاً لملاك الفرادى ( يدلّ على ذلك مشروعيّة الجماعة بعد الفرادى بخلاف العكس . فانّه إذا أتى بصلاة الجماعة فلا يشرع الفرادى بعدها .

وزاد المحقّق النائيني الاحتمال الثالث . بأن يكون قرائة الامام في الجماعة منزّلة منزلة قرائة المأموم لا فرداً للواجب التخييري ولا مفوّتاً لملاك الفرادى . ومستوفية لملاكه أزيد . فالمأموم مختار بين أن يختار القرائة بنفسه . أو بلسانه ونائبه وهو الامام المقتدى ويترتّب الثمرة على هذه الوجوه . فانّه لو كانت الجماعة فرداً تخييرياً للفرادى . فالمكلّف بالخيار بينها وبين الفرادى . ولو فرض عجزه عن الفاتحة لا يجب عليه الجماعة بل يأتي ببدل الفاتحة . كما انّه على الوجه الثاني لا يجب عليه أيضاً اختيار الجماعة بل مستحبّة غاية الأمر مسقطة أومفوتة أو مانعة لملاك الفرادى . وعلى الثالث فاللازم على المأموم القدوة إذا عجز عن القرائة بنفسه لقدرته على اتيانها بنائبه أو بلسانه وهو الامام فيجب لكن لم يختر المحقّق النائيني هذا الوجه الأخير وذلك لأنّه إنّما يكون قرائة الامام نازلة منزلة قرائة المأموم اذا اختار الجماعة . ولا تكون الجماعة واجبة . بل هي باقية على استحبابها . وفي ظرف اختيارها تكون موجبة سقوط القرائة عن المأموم .

ص: 496

كما يدلّ عليه ما ورد في الأخبار من ضمان الامام لقرائة المأموم . فعلى هذا فتخرج عن كونها مثالاً لما نحن فيه .

وكيف كان فاذا فرض الدوران بين كون أمر واجباً تخييريّاً أو مباحاً أو مستحبّاً مسقطاً للوجوب . فعند تعذّر الواجب لا يجب هذا المشكوك لجريان البرائة لتماميّة أركانها حيث ان وجوب المشكوك موجب للضيق وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع ووجوبه مجهول فتجري البرائة فلا يجب اتيانه عند تعذّر ذاك الواجب كما ان عند القدرة على الواجب لا يجوز اتيان المشكوك الوجوب لاحتمال كونه مفوّتاً لملاك الواجب لمنعه عن استيفائه .

قد عرفت ان التخيير على ثلاثة أقسام: أحدها ما تقدّم الكلام فيه من التخيير الابتدائي الجعلي.

الثاني والثالث: التخيير في باب التزاحم والتخيير في الفتويين أو الخبرين المتعارضين .

أمّا الأوّل فانّه لا اشكال في صورة تزاحم الواجبين أو مطلق التكليفين في قدرة المكلّف بعد الفراغ عن مقام الجعل بأن جعل المولى كلاًّ منهما ولم يكن هناك مانع واتّفق التزاحم في قدرة المكلّف في عالم الامتثال فاذا كان لأحدهما أهميّة في الدين بحيث يكون مزيته موجبة للترجيح وجوبا فاللازم صرف القدرة فيالأهم كما انه اذا لم يكن هناك مزيّة فالمكلّف بالخيار في اختيار أيّهما شاء ولا يكون هناك مجال التوقف في العمل خارجا اذ لا يجب كون المرجح ذاتيّا بل يكفي المرجح العارضي وحينئذٍ فقرب المختار من أيّهما يمكن أن يكون موجبا لاختياره فلا يعبأ بالاشكال بالرغيفين أو الطريقين للجائع والهارب من الأسد أو لزوم وقوف الاسطوانة الكبيرة اذا جعلت ووضعت على رأس ابرة على التساوي

التخيير على أقسام ثلاثة

ص: 497

من جوانبها فانها فروض ( بحته ) لا خارجيّة لها .

نعم لو فرض عدم وجود المرجح فاللازم ترتب اللوازم .

هذا اذا احرز الأهم فيجب تقديمه كما اذا احرز التساوي فهو بالخيار اما اذا شكّ في الأهميّة ويكون أحدهما بالخصوص محتمل الأهميّة فالعقل يرى تعينه للاختيار لدوران الأمر بين التخيير والتعيين ويكون اتيانه على كلّ حال متيقنا ويشكّ في الآخر انه عدل له أو لا .

بالجملة فحكم العقل بسقوط التكليف يتوقف على المقدار الذي لا قدرة له عليه وحيث ان له القدرة على أحدهما فلا موجب لسقوط التكليف بالكلية بل يبقى بالأهم اذا كان والا فيكون أحدهما لا بعينه واجبا والمكلّف بالخيار لأن الضرورة تتقدّر بقدرها ولا مجال لجريان البرائة عن التعيينية في المقام لكونه في مقام الامتثال ولو فرض امكان جريان البرائة في التعيينيّة في غير المقام وفرضنا انها صفة وجوديّة في رفعها المنة وجعلها ووضعها ورفعها بيد الشارع فان المقام مقام الامتثال .

هذا بناء على كون المقام مقام التزاحم ولكن لو قلنا بتعارض الخطابين

للتزاحم وانهما كالتزاحم في مقام الجعل وعدم اختصاصه بما اذا كان هناك تزاحم في المقتضى والتكاذب في مقام الاثبات بل يعم ما اذا كان التزاحم في القدرةفحيث لا مجال لملاحظة الكسر والانكسار وغلبة أحد الملاكين كما في ما يكون التزاحم في عالم المقتضى وإلاّ يكن غالب فيكون الحكم هناك حكما ثالثا لا يجعل على طبق أحد المقتضيين كما انه لا مجال للترجيح السندي لوقوع ذلك في مقطوع السند أيضا كالآيتين أو أمر واحد كما في انقاذ الغريقين فانه ليس خطابا متعلّقا بصرف الوجود بل يجب حفظ النفس المحترمة من كلّ أحد فلا يختصّ

ص: 498

الحكم بواحد دون واحد فينحل الحكم إلى أحكام عديدة حسب تعدّد أفراد الموضوع الخارجي فلا مجال لملاحظة الترجيحات السنديّة بل اللازم ملاحظة الأهم فان كان فيختص الأمر به ويسقط عن الآخر بالمرّة كما انه اذا لم يكن أهم يتساقطان فلا أمر بأحدهما لعدم القدرة على كلّ منهما وتعيين واحد منهما بالخصوص ترجيح بلا مرحج فيسقط الخطابان وذلك لاشترط القدرة في حسن الخطاب لا الملاك كما ان العلم شرط التنجيز ولكن لمكان وجود الملاك في كلّ واحد منهما يحكم العقل تخييرا بلزوم انقاذ أحدهما أي خطابا تخييريّا بانقاذ كلّ منهما ويكون الحال كالخطاب التخييري الابتدائي من صور الشكّ على هذا المبنى والمبنى السابق وانه لا مجال لجريان البرائة عن التعيينية كما انه اذا شكّ في الأهميّة وعدمها فيكون اتيان محتمل الأهميّة مسلما اما لتعين الخطاب واختصاصه به أو لكونه عدل التخيير بخلاف الآخر فاللازم اختياره دون الآخر عقلاً .

أمّا التخيير في الفتويين فحيث يكون البناء على الطريقيّة فاذا تخالفتا فان كان هناك أعلم فيكون الأخذ بفتواه لازما للترجيح كما انه اذا تساويا أو تساووا وكان الحكم واحداً فلا يلزم اسناد العمل إلى واحد بل يكون الحال كما في ورود روايات متعددة مدركا لحكم واحد فيكون كلّ واحد مدركا أو يكون الجامع هوالمدرك .

نعم في صورة الاختلاف والتساوي فعلى الطريقيّة لازمه السقوط ولا مجال للمرجّحات الروائيّة في البين لاختصاصها بالأخبار دون الفتاوى الا ان دليل اعتبار الفتوى وحجيّتها جعل الحجّة صرف الوجود من المجتهدين

ص: 499

المختلفين في الفتوى فايّهم اختار يكون قوله حجّة في حقّه ويلزم العمل بقوله كما في وجوب الوضوء بالماء والتيمّم بالتراب فانّه لا يلزم استيعاب جميع أفراد المياه والتراب بل اللازم هو صرف الوجود فتدبّر جيدا .

ففي القسم الثالث من التخيير وهو التخيير في الأخذ باحدى الفتويين والتخيير بين الخبرين المتعارضين ولا اشكال في انه عند تعارض الخبرين لا يشمل دليل الحجيّة واحدا منهما لأنّه بناءً على الطريقيّة في باب الامارات على مااستقرت عليه الآراء كما انه كذلك الأمر في باب الفتوى يتساقطان فلا مجال للأخذ بهما كما انه كذلك الأمر في مطلق أبواب التعارض سواء كان بين القاعدتين أو الاستصحابين فان معناه عدم شمول دليل الحجيّة لهما .

ثمّ انّ بمقتضى الأخبار العلاجيّة لو كان لأحدهما مزيّة ليست في الآخر يتعين الأخذ بذي المزيّة ولا حجيّة للآخر واذا احتمل أن يكون في أحدهما دون الآخر فيتعين للحجيّة دون الآخر للشكّ في حجيّته والقطع بحجيّة الآخر اما لكونه حجّة تعيينا أو للتخيير بينه وبين الآخر حسب أخبار التخيير الواردة في السعة في الأخذ بأيّهما ومع الشكّ في حجيّة أحدهما المعين لا نحتاج إلى استصحاب عدم الحجيّة بل يكفي الشكّ في الحجيّة وعدمها وهكذا الأمر في الفتويين اذا تخالفتا فانه اذا احتمل تعين الأخذ بأحداهما يكون هي المتعينة والشكّ في الاخرى كافيا في عدم حجيّتها .هذا على ما أفاده المحقّق النائيني ولكن الحق انه ليس باب الفتوى وباب الخبرين المتعارضين من باب واحد بل الأمر فيهما مختلف فان في باب الأخبار المتعارضة لابدّ من الرجوع إلى المرجّحات على أنحائها والمرجح لابدّ أن يكون

ص: 500

حجّة عقلاً أو شرعا وحيث انه لا طريق إلى العقل في ذلك فينحصر كونه شرعيّا ومع وجود أحد المرجّحات في أحد المتعارضين وخلوّ الآخر عنه يتعين كونه حجّة دون الآخر كما انه لو تعدينا من العلّة المذكورة لترجيح المشهور بأنّه لا ريب فيه إلى كلّ ما لا ريب فيه بالاضافة إلى غيره فيكون المناط في الترجيح الأقربيّة إلى الواقع ولا مجال بعد ذلك للشكّ في التعيين والتخيير اللهمّ إلاّ في الشبهة المصداقيّة وحينئذٍ لابدّ بمقتضى القاعدة الأخذ بما يتيقن حجيته اما لكونه على التعيين أو للتخيير بينه وبين غيره ولا يجوز الأخذ بالآخر للشكّ هذا .

وأمّا في الفتويين فتارة ينظر فيهما من باب الأخبار وسيأتي الكلام فيه وأخرى يكون النظر فيهما من جهة حكم العقل . ولا اشكال انه على الأخبار أو على حكم العقل أيّ شيء فرض دليل التقليد لا مانع من العمل عند اتفاق الفتاوى سواء كان هناك ذو مزيّة أم لا في جهة من الجهات لعدم لزوم الاستناد إلى الفتوى في العمل بل يكفي مجرّد المطابقة ويكون بذلك معذورا ولو فرض استناده إلى غير من يجوز أو يجب تقليده فانه بموافقته في الفتوى لمن يجوز تقليده كانه قلّد ذاك وأمّا في صورة الاختلاف في الفتاوى . فتارة يكون هناك ذو مزيّة عند العقل من الأعلم أو الأورع على فرض التساوي في العلم بخلاف ساير المزايا فانها بعد اجتماع ملكتي العدالة والاجتهاد لا اعتبار بها .

نعم لو فرض أحدهما مجتهدا مطلقا والآخر متجزى فلا اشكال في كون العبرة بالمطلق وان كان المتجزي رأيه حجة في حقّ نفسه .وكيف كان فعند الاختلاف في المزايا يكون العقل حاكما بلزوم الأخذ بقول ذي المزية ويشكّ في الآخر فيكون مجال القاعدة المشار إليها من كون الوظيفة

العبرة بالمجتهد المطلق لا المتجزي

ص: 501

هو الأخذ بالمتيقن على كلّ تقدير . كما انه اذا كان أحدهما أعلم في بعض الأبواب والآخر في آخر فاللازم التلفيق في التقليد . اما اذا فرض تساويهما في المزايا اما بالفحص أو بالاختبار فبناءً على كون التقليد طريقا لا موضوعيّة فيه كما هو الحق المحقّق فيتساقطان لعدم امكان حجيّة كليهما مع تخالفهما في المؤدّي فلا حكم للعقل حينئذٍ بالأخذ بأيّ منهما شاء بل لا حجيّة عنده لأحد منهما سواء كان التقليد من باب الرجوع إلى أهل الخبرة أو غيره لكونه على خلاف القاعدة على كلّ تقدير ولم يستقر بناء العقلاء على الأخذ بقول أهل الخبرة في صورة الاختلاف مع تساويهم في الخبروية وما يعتبر فيها . فهل حينئذٍ يحتاط بالجمع بين القولين اذا أمكن أو الأحوط منهما أم لابدّ من الرجوع إلى حكم العقل كما هو المقرّر في باب الانسداد للعلم الاجمالي بالأحكام ولا طريق لنا إلى الخروج عنها فاللازم هو الاحتياط التام اذا لم يخلّ بالنظام والتبعيض فيه في صورة الاختلال كما هو كذلك . وهو النتيجة عند انسداد باب العلم اذ لا دليل على حجيّة مطلق الظن فيكون الوظيفة حاله هو التبعيض في الاحتياط حسب ما قرّرناه في مباحث الانسداد . ولا يجدي في ذلك شبهة بعض في جواز الاحتياط ولو كانت على خلاف التحقيق كما ان لبعضهم الشبهة في التقليد والاجتهاد وخصوصا الظنون الاجتهاديّة وذلك لأن العامي اذا آل أمره إلى ما ذكرنا مع كون الفرض كون الدليل في باب التقليد حكم العقل لا اعتناء له بهذه الشبهات ولا التفات وان فرض التفاته فالمتبع هو حكم عقله .

فذلكة البحث: قد عرفت ممّا تقدّم ان محتمل الرجحان والترجيح فيباب تعارض الخبرين لا يكون متيقن الحجيّة . بل المدار على المرجّحات

المدار في الفتويين على المرجحات المنصوصة

ص: 502

المنصوصة وبعدها فلا مجال لاحتمال الترجيح . فان تحقّقت في مورد أوجبت رجحانه وتيقن وتعين العمل بها ويطرح الآخر والا فمجرّد الاحتمال لا يجدي بل الحكم هو التخيير ( ان قدمنا أخباره ولم نقل بالتوقف ) نعم لو احتمل في بعض الموارد الترجيح لأحد الخبرين المتعارضين على نحو الشبهة في المصداق وتحقق بعض المرجحات في أحدهما دون الآخر فهنا نلتزم بتعين الأخذ بالمحتمل وترجيحه على الآخر لليقين بحجيّته على كلّ . تقدير اذ الحال لا يخلو من أمرين . إمّا أن يكون فيه الترجيح ويكون متعين العمل واما لا ترجيح فيه فيتخير بينه وبين الآخر .

وكيف كان فنتيقن حجيته بخلاف الآخر هذا .

وأمّا في باب الفتويين المتعارضتين فتارة يكون الملاك في باب التقليد هو حكم العقل واخرى الأخبار . فان كان الأوّل فلا اشكال في انه اذا كان لأحد المجتهدين رجحان على الآخر في العلم والفقه فيتعين الأخذ به عند العقل كما انه اذا احتمل أن يكون أحدهما أعلم وأقدم .

فان أوجبنا الفحص وعرف ذلك بالفحص بالرجوع إلى أهل الخبرة العادل

واحدا على اشكال ومتعدّدا يقينا أو انه يكون نفسه من أهل الخبرة فيتعين تقليده والا فاللازم عند العقل تقليد المحتمل للدوران . الا ان الاشكال كلّه في الضابط للأعلميّة ثمّ الاشكل منه تشخيص الأعلم لعدم العبرة بحسن البيان والتقرير ولا مانعيّة حصره في التكلم ولا عبرة بالهوسات التي يتهوس الناس بها . كما ان الأعلم اما أن يراد به كونه مطلقا في قبال المتجزي فهو خارج عن محل الفرض وان اريد كونه أجود استنباطا فيشكل الأمر بعدم ابتناء الفقه الا على الاستظهارات

اشكال الأعلميّة

ص: 503

عرفيّة في الغالب والظهور العرفي ليس أمرا يختلف فيه الناس كما ان الاشتباه وعدمه لو كان ميزانا لكون الذي لا يحصل له الاشتباه أعلم فهذا ليس بشيء . اذ الاشتباه وصدوره تارة يكون لتقصيره في الاجتهاد فهذا لا يجوز الأخذ بقوله واخرى يكون اتفاقا فلا يقدح وهكذا لو كان المراد بالأعلم والأفقه المذكور في المقبولة في مقام ترجيح أحد المدركين في باب القضاء الذي له الاطلاع بالعام والخاص والمطلق مع قيده لا خصوص المطلق بلا قيده ولا العام بلا خصوصه .

والحاصل ان جودة الاستنباط لا محصّل لها كما ان التقصير في المقدمات وعدمه فيها ليس ميزانا وهكذا الأحفظيّة والاحاطة بالأخبار والأدلّة يوجب عدم جواز تقليد الآخر اذ هو ناقص لا علم له .

ثمّ انه ربما يشكل الأمر في المقام من جهة اخرى وهو ان التقليد لو كان بالنظر إلى حكم العقل وفطريّا للعقلاء من باب رجوع الجاهل إلى العالم فلا ينطبق على تقليد الظان بالأحكام لعدم كونه عالما ولا انه يصدق عليه ما ورد في الأخبار بكونه حكما وقاضيا من عرفان الأحكام لعدم المعرفة له بها بل هو ظان كما ان الحكم الظاهري أيضا لا نقول به في باب الامارات .

نعم يمكن الالتزام به في موارد الأصول . وعلى كلّ حال فلابدّ من دفع الاشكال ويستريح من لا يلتزم في باب الأمارات إلاّ بالطريقيّة والظن الاطمئناني ولا يقول بالحكم الظاهري فانه يكون عالما اطمئنانيّا يجوز الرجوع إليه من الجهال .

خلاصة الكلام: قد علم ممّا سبق عدم جريان البرائة في الشكّ في التعيين والتخيير اذا كان التخيير ابتدائيّا جعليّا من الشارع في الأحكام الفرعيّة وكون

عدم جريان البرائة في التعيين والتخيير

ص: 504

الوظيفة هو الاشتغال وأوضح منه التخيير في باب المتزاحمين وأوضح من الثانيالتخيير في باب المتعارضين والفتويين . وانه اذا احتمل أن يكون أحدهما ذا مزيّة يكون هو المتيقن والا فالتخيير على ما سبق الكلام فيه .

لكن المحقّق النائيني لم يتعرّض في المقام لصورة تساوي المجتهدين واختلافهما ولا بأس بالتعرض له .

فنقول: تارة يكون المشرب فيه الموضوعيّة والسببيّة كما في الأمارات ( بناء على ما ذهب إليه بعض المتقدّمين أوالمشهور منهم ) بأن يكون الفتوى موضوعا كساير الموضوعات ولها حكم مخصوص وتكون بقيامها موجبة لحدوث مصلحة في المؤدّى غالبة على ملاك الواقع . وان الواقع إنّما يجب استيفاء ملاكه اذا لم تقم الامارة على الخلاف ولم يفت المجتهد على خلافه والا فيكون تابعا لفتواه وموضوعا للزوم العمل فحينئذٍ في صورة الاختلاف مع التساوي يتخير المقلّد في تقليد أيّهما شاء وهذا في ما اذا لم يوجب هرجا ومرجا فلا اشكال لكن قد يشكل الأمر في ما اذا أخذ كلّ بقول مجتهد وكانا مخالطين أحدهما يرى نجاسة الغسالة والآخر طهارتها كما انه يشكل الأمر في صورة تبدل الفتوى وان اللازم البناء على صحّة ما أتى به من الأعمال السابقة عبادة كانت أو معاملة أو غيرهما ولكن لا يلتزمون بذلك كلّه مطلقا فاذا كان المجتهد رأيه الاكتفاء بفري الواحد من الأوداج الأربعة اذا لم ينفصل بالآلة الحديدية مع الشرايط السبب خارجي أو غيره وانقطع حسب ما يرى كفايته فتارة يكون صاحب اللحم قد باعه وأخذ الثمن وأكله الناس وتبدل رأيه . فهذا لا مجال للاشكال ولا لمكان تبدل الرأي فيه واخرى يكون اللحم باقيا على حاله ولم يبعه

ص: 505

ولم يأكله ففي هذه الصورة اذا تبدّل الرأي لا يمكن للقائل بالموضوعيّة والسببيّة الالتزام بجواز أكله وبيعه وحلية ثمنه لحكمه الآن بكونه ميتة .فالفتوى على الموضوعيّة إنّما تكون موضوعا مادام المجتهد ( عليها ) ولم يتبدّل رأيه إلى غيرها وإلاّ لا يمكن البناء على صحّة ما أتى به على حسب الفتوى السابقة ولو كانت الموضوعات باقية خصوصا في الوضعيّات فلا يمكن الالتزام بعدم لزوم تجديد العقد بالعربيّة اذا تبدّل رأيه عن جواز غيرها وفرض حياة الزوجين فاللازم حينئذٍ تجديد العقد على حسب رأيه الجديد ولو فرض الالتزام بالموضوعيّة والسببيّة فلا يلتزمون بها إلى هذا الحدّ وهذه السعة وأمّا على الطريقيّة

فالأمر واضح . حيث انه لو كان المدرك في جواز التقليد هو حكم العقل فيكون المجتهد كالمقلّد ورأيه رأيه وتتبعه واجتهاده تبع المقلّد واجتهاده وبالاخرة عمله عمل المقلّد وهو نازل منزلته ونائب عنه ولا شبهة في سقوط كلتا الفتويين المتخالفتين عنده عن الاعتبار بناءً على الطريقيّة لتخالف مؤدّاهما فتسقطان عند العقل عن كونهما طريقين . وأمّا على فرض الطريقيّة وكون الملاك هي الأخبار نظير قوله علیه السلام ( فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا )(1) بناءً على كونه دليلاً للتقليد

حيث لم يرجع إلى الروايات بل إلى الرواة بخلاف ما ورد في حق بني فضال من قوله علیه السلام ( خذوا ما رووا وذروا ما رأوا )(2) حيث منع من العمل برأيهم وهذا يوجب تخصيص اطلاق الرجوع إلى الرواة فلا يجوز الأخذ بقول كلّ راو ومجتهد

ص: 506


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/9 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/13 من أبواب صفات القاضي .

بل اللازم اعتبار بعض الأوصاف فيه .

لكن الاشكال فيه انه يحتمل عدم انطباق الرواية على التقليد . بل راجع إلىالرواة في الأمور الحادثة الواقعة التي ترجع إلى غير المسائل الدينيّة لعدم كون مثل الشكّ بين الثلاث والأربع من الحوادث الواقعة التي يسئل عن حكمها ويرجع الامام إلى الرواة .

نعم لا بأس بالرواية الواردة من العسكري علیه السلام (1) وفيها ( وان كان ارسال ) ولكن متن الرواية يشهد بصدورها عن الامام علیه السلام واشتمل هذا الخبر على المنع عن الأخذ بقول غير من اتصف بالصفات التي اعتبرها علیه السلام في المجتهد المقلّد وبيّن ان بعض من لا يجوز تقليده ضرره أشد وأكثر من جيش يزيد بن معاوية . ولكن لا يستفاد من الأوصاف التي اعتبر في المقلّد غير العدالة لا المرتبة العليا التي تتلوا

العصمة كما ربما يتوهم . وحينئذٍ فحيث انه ليس على سبيل الاطلاق العمومي بحيث يشمل كلّ مجتهد بنحو العموم ويكون المطلوب هو مطلق الوجود كما في لزوم تصديق قول العادل بل من قبيل آية التيمم يكون المطلوب هو صرف الوجود فحينئذٍ لا يكون المكلف المقلّد موظفا الا بالأخذ بواحد من المجتهدين المخالفين في الفتوى ومعه لا مجال للاشكال لعود الاختلاف والحال هذه .

ان قلت لابدّ وأن يكون قول كلّ حجّة طريقا له قبل اختياره واحدا منهم كما في آية التيمّم فيلزم احراز الترابيّة ثمّ الاكتفاء بصرف الوجود فيه ومع اختلاف الفتاوى فلا طريقيّة كي يختار المقلّد واحدا منها .

قلنا لا اشكال في ان كلّ واحد من المجتهدين لا يكون رأيه إلاّ حجّة لنفسه

مقتضى الروايات في التقليد

ص: 507


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

ولو خالف الآخر لا يعارض فتواه فتوى الآخر لعدم حجيّتها على غيره كما في واجدي المني في الثوب المشترك حيث تجري البرائة في حقّ كلّ منهما ويكونانكما طاهرين ويجوز اقتداء كلّ جماعة بكلّ واحد منهما فيصلّي واحد منهم بجماعة والآخر بآخرين فالمقام بعينه من هذا القبيل فكلّ مقلّد يختار واحدا منهم في مقام العمل والتقليد فيأخذ برأيه ولا اشكال .

النتيجة فقد علم جواب الشبهة في لزوم التناقض عند حجيّة قول كلّ من المجتهدين وعرفت ان المقام بعينه كالجناية المردّدة بين شخصين حيث يجري كلّ منهما الأصل في حقّ نفسه ولا يعارضه أصل الآخر ولا علم بالتكليف في البين لما علم في محلّه من لزوم اتّحاد الموضوع في مورد العلم ومورد المثال خارج عن موارد العلم بالتكليف حيث ان المقام إنّما يكون قطع كلّ من المجتهدين المتخالفين في الفتوى حجّة في حق نفسه فالمقلّد اذا اختار رأي واحد منهما على نحو صرف الوجود يكون أخذا بقوله ولا تناقض ولا تنافي بالنسبة إليه لكون الموضوع في باب التقليد هو صرف الوجود والخصوصيّات ليست بمرادة بل إنّما يوجد الكلي معها وزائد ولو فرض امكان تحقق الكلي في الخارج بلا خصوصيّه لكان من الجايز ترتيب آثاره وأحكامه عليه وإلى هذا يكون الاشارة في بحث الانقلاب والاستحالة من دوران الحكم على الاسم أو المسميّات وبعبارة أخرى على العناوين كما هو التحقيق أو على المواد .

ثمّ انه هل من الواجب تقليد الأعلم أم لا . بل راجح لا متعين ؟ يمكن أن يقال بالنظر إلى حكم العقل يكون المتعين الأخذ بقول الأعلم عند الاختلاف

هل يجب تقليد الأعلم

ص: 508

ولكن بحسب الروايات الدليل كرواية الاحتجاج(1) مطلق مع اختلاف الرواة في زمن صدور الرواية واختلافهم في درجات الفقاهة وكان عليه السلام في مقامالبيان ولم يقيد كون المرجع هو الأعلم .

فهذا الاطلاق يلغي قيد الأعلميّة في المرجع والمقلد كما انه يستفاد اعتبار الاجتهاد والفقاهة في المرجع من هذه الرواية ومن الرواية(2) الواردة في جعل الحكم والقاضي من كونه ناظرا في الحلال والحرام حيث يدلّ على كونه أهل النظر . ويمكن استفادة اعتبار الأعلميّة من المقبولة(3) في مقام الاختلاف في الحكم في فرض السائل اختلاف رجلين في دين أو ميراث وان الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث .

ثمّ انه يفرض السائل تساويهما في هذه الصفات حيث ان المرجح لابدّ وأن يكون في باب القضاء اذا اعتبر المدرك مرجّحا في باب الفتوى فعلى هذا نكشف بالملازمة بين البابين كون هذه المرجحات معتبرة عند الاختلاف في الفتوى والا فلا مجال لكون العبرة بها في باب القضاء .

ثمّ انه يشكل على الرواية من جهات عديدة . منها فرض الراوي رجلين متساويين في الصفات فأمر عليه السلام بالأخذ بقول من مدركه مشهور بين الأصحاب وأمر بطرح الآخر الشاذ وهذا يكشف عن كون الرجلين الحكمين غير عارفين بالشاذ والمشهور فكيف يمكن المرافعة عندهما . هذا . مع انه يشكل من جهة اخرى وهو عدم الحكم على المتحاكمين من شخصين بل لابدّ وأن يختارا

جواب الاشكال عن المقبولة

ص: 509


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .

رجلاً واحدا برضا المدعى عليه وتعيينه أو اتفاقهما على رجل يحكم بموازينالقضاء فكيف جوز في الرواية النظر في المدرك مع اختيار كلّ رجلاً .ويمكن الجواب بامكان كونهما قاضي التحكيم . كما انه يجاب عن اشكال عدم معرفة الحاكمين بالموافق والمخالف للعامّة وساير المرجّحات بأن الراوي انما فرض ذلك لا انه اتفق كذلك رجلان حاكمان بين المتخاصمين . ويستفاد من هذه الرواية حرمة نقض حكم الحاكم . لكن له شروط باجتماعها يتحقق الحرمة والا فلو فرض حكم أحدهما بمجرّد النكول والاخر لا يرى لذلك مدركا معتبرا فلا مجال لحرمة النقض .

وكيف كان فيمكن استفادة اعتبار الأعلميّة من هذه الرواية بنحو ما ذكرنا ويؤيّده ما في بعض الأخبار(1) في باب الجماعة وغيرها من تقديم الأفضل والأعلم وانه اذا قدم غيره يكون الأمر في سفال أو يرتفع الخير من بينهم .

تذكرة للشيخ قدس سره في التنبيه الثالث كلام لم يتحصل على ناظريه فاستشكلوا عليه ولا بأس بذكر مراده قدس سره في هذا التنبيه قال قدس سره (2) ان البرائة انما تجري في ما اذا كان المشكوك واجبا تعيينيّا بالذات بالذات أو بالعرض . ومراده بالعرض ما كان عدلاً للواجب التخييري فانحصر الفرد به وتعذر الفرد أو الافراد الآخر فزعم الشيخ قدس سره وجوبه تعيينيّا بالعرض وجوبا شرعيّا . لكنه لا يتمّ ما ذكره إلاّ بناءً على رجوع الوجوب التخييري إلى الوجوب المشروط وا ءلاّ فبناءً على ( المباينة ) السنخيّة فلا يتمّ .

مبنى الشيخ في الواجب التخييري إذا لم يتعذّر العدل

ص: 510


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 26/1 إلى 5 من أبواب صلاة الجماعة .
2- . فرائد الأصول 1/385 مع تفاوت في العبارة غير مضرّ بالمقصود .

وكيف كان فلا تجري البرائة عنده قدس سره في الواجب التخييري اذا لم يتعذّرالعدل وذلك لاختلال أركانها عنده . لأنّ البرائة إنّما تجري في ما اذا كان المجرىواجبا لا يجوز تركه مطلقا ويكون على تركه العقاب والواجب التخييري ليس كذلك لأنه يجوز تركه في حال الاتيان بالآخر لكن الشيخ فرض الكلام في ما إذا علمنا بوجوب شيء بخصوصه وشك في شيء آخر في انه عدل له أم لا مع كونه مستحبّا مسقطا للواجب . وفيما اذا علمنا بوجوب اكرام زيد ولكن شككنا في انه من باب كونه عالما وانطباق عنوان العالم عليه بحيث يكون العالم موضوعا للحكم ومنه زيد أو يجب اكرامه بالخصوص . فحينئذٍ عند التعذّر في المقامين لو كان المشكوك وجوبه تخييريّا واجبا في الأول أو كان الموضوع لوجوب الاكرام كلّي العالم يجب اكرام غير زيد من العلماء كما يجب الاتيان بالفرد الآخر في الفرض الأوّل . فهل تجري البرائة عن هذا المشكوك أم لا ؟ ذهب قدس سره إلى منع جريان البرائة لما ذكرو اما أصل العدم فلا مانع منه بل يجري ونتيجته عدم وجوب المشكوك وجوبه لعدم اشتراط أصل العدم والاستصحاب بما اشترط في البرائة ومجراه حينئذٍ عدم تعلّق انشاء بوجوب هذا المشكوك . وحينئذٍ فنكون من قبله في راحة . ويترتب على جريان اصالة عدم وجوب المشكوك ترتب لازمه الوضعي وهو عدم سقوط ذلك الواجب المعلوم بفعل هذا المشكوك اذ لو كان واجبا عدليّا ليسقط يفعله .

نعم قد اجرى أصل البرائة اذا تعذّر ذاك الواجب المعلوم وعلم بأن هذا المشكوك مسقط له ويشكّ في كونه واجبا أم مباحا كالسفر الذي يتخيّر المكلّف بين اختياره وعدم الصوم وبين الحضر والصوم أو مستحبّا فحينئذٍ تجري البرائة

ص: 511

عنه اذ لو كان واجبا صار تعيينا على مذهب الشيخ قدس سره .

ثمّ ذكر مسئلة الايتمام ووجوبه على العاجز عن القرائة وأجاب بكونه عدلاًلا مستحبا مسقطا الخ واستشكل كلام الشيخ المحقّق النائيني (1) بعدم ترتب فائدةعلى هذا البحث لأنّه اذا كان المختار الاشتغال باتيان ما علم وجوبه وعدم جواز تركه لكونه المتيقن على كلّ تقدير فلا أثر للبحث عن وجوب الآخر وعدم وجوبه وجريان الأصل فيه وعدمه لسقوطه حتى انه لو اخترنا البرائة في التعيينيّة لما كان للبحث في وجوب الآخر وجريان الأصل فيه وعدمه أثر . ولكن الحق ترتب الثمرة على هذا البحث اذ لو تعذّر ذاك الواجب المعلوم فيوجب جريان أصل عدم الوجوب أو البرائة عنه الا من عن اتيانه فلا يجب اتيانه .

هذا تمام الكلام في دوران الأمر بين التعيين والتخيير في المسائل الثلاث .

الشكّ في الواجب الكفائي:

أمّا الواجب الكفائي والشكّ فيه والعيني فكما في الواجب التخييري . غاية الأمر في الكفائي يكون التكليف واحدا والمكلّف متعدّدا وفي التخييري يكون المكلّف واحدا والتخيير بين المكلّف به .

ثمّ ان الواجب الكفائي انما يتحقق في ما إذا لم يكن المورد قابلاً للتكرار وطلب وجوده من المكلفين كالقتل فانه لا يقبل التكرار اذا حصل منه موجبه أو كان قابلاً ولكن لم يكن المطلوب الا صرف الوجود كما في ردّ السلام أو الصلاة على الميّت .

نعم في بعض الموارد ربما ورد الدليل على جواز أو رجحان الاتيان به ثانيا

الشك في الواجب الكفائي

ص: 512


1- . فوائد الأصول 3/430 وما بعده بتفاوت .

أو ثالثا لكنه خارج عن محلّ البحث وكما في التسليم من الجماعة على الجماعة فانه مستحب كفائي اذا اذا أتى(1) به واحد أدى وظيفة الاستحباب ولا يجبالجواب من الكل بل لو ردّه واحد سقط وظيفة الرد . اما اذا كان المطلوب مطلق الوجود من كلّ واحد فهذا ليس من الوجوب الكفائي .

تتميم اذا شككنا في الوجوب الكفائي والعيني بأن علمنا الوجوب وكان الترديد في الخصوصيّة فهل تجري البرائة أم لا ؟ فيه تفصيل فانه لو كان الواجب الكفائي من الوجوب المشروط فتجري والا فلا .

توضيح ذلك ان في تصوير الواجب الكفائي وجهين . بعد الاتفاق على انه اذا أتى به واحد يسقط عن الجميع واذا لم يأت به عوقبوا على الترك . اما كل واحد عقابا مستقلاًّ أو ينبسط عقاب واحد على الجميع . كما ان محل الكلام ما اذا كان المطلوب هو صرف وجود ايجاد المتعلق في الخارج . فالثاني ليس بمطلوب واذا اتى به على قصد الورود فيكون محرما للتشريع الا رجاء وأحد الوجهين انه يكون التكليف والخطاب متوجها إلى واحد من المكلفين غاية الأمر بشرط الترك وعدم حصوله من أحد . فهذا يرجع إلى الواجب المشروط بل إلى الواجب العيني التعييني كما أشرنا اليه في بحث الشك في الواجب التخييري ويزيد على الشرايط العامة انه اشترط بالترك من الباقين كما . ان اشكاله ذاك الاشكال الذي وجهناه هناك وحينئذٍ فاذا أتى به واحد فلا يجب في حق الباقين كما انه اذا لم يأت به أحد يكون واجبا على الكل لحصول الشرط في حق الكل .

الثاني أن يكون المكلف هو الكلي وصرف الوجود والخطاب متوجه إليه

ص: 513


1- . وسائل الشيعة 12 الباب 46/1 إلى 4 من أبواب أحكام العشرة .

لكن حيث ان الكلي بما انه كلي لا يتحقق في الخارج بل انما يتحقق بالافراد وكل فرد يكون وجودا للكلي ونسبته إليه نسبة الاباء المتعدّدة إلى الأولاد ينطبق هذا العنوان على كلّ واحد لكونه انسانا بالغا عاقلاً لا لخصويّته الفرديّة لكونها خارجةوذلك لعدم امكان كون الكلي بما هو كلي محلاً للخطاب ومتوجها إليه الحكم . بل لابدّ وأن يكون النظر إلى الأفراد لا بالخصوصيات الفرديّة والتشخصات الخارجيّة لكونها لوازم الوجودات خارجة عن حيز التكاليف . وحينئذٍ فاذا قام به واحد انطبق عليه صرف الوجود ولا مجال لاتيانه من الباقين . كما انه اذا تركه الكل فيكونون عصاة لانطباق الصرف على كلّ واحد منهم وان شئت زيادة وضوح فقايس المقام بالمطلق البدلي كما اذا أوجب اكرام عالم فانه يشمل هذا الاطلاق كلّ عالم وينطبق عليه وبأيّهم وقع الاكرام كان المخاطب ممتثلاً وآتيا بالمأمور به فكذلك المخاطب في الواجب الكفائي على هذا الوجه هو صرف الوجود والوجود البدلي المنطبق على كلّ بدلاً . هذا حسب ما يمكن تصوره لنا وإلاّ فحقائق الأمور لا يحيط بها إلاّ اللّه تعالى وإنما نعرف بعض خواص الأشياء ويكون وسيلة واشارة إليها .

وكيف كان . فان كان الواجب الكفائي على النحو الأوّل فعند الشكّ في الوجوب العيني والكفائي يكون الشكّ عند اتيان الغير بالمكلّف به شكّا في الاشتغال ويكون مجرى البرائة لأنّه اذا كان واجبا عينيّا فلم يسقط بفعل الغير وان كان كفائيّا فلم يجب على الشاكّ لعدم حصول الشرط بناءً على الوجه الأول .

وأمّا على الوجه الثاني فيكون الشكّ في الاسقاط والامتثال ولابدّ من الاشتغال على ما ذكرناه بلا حاجة إلى الاستصحاب على ما مرّ في الواجب

تصوير الواجب الكفائي

ص: 514

التخييري .

نعم يمكن القول بالاشتغال على الوجه الأوّل أيضا اذا كان الوجوب في حال الحدوث غير مشترط وطرء الاشتراط أو العسر في حالة البقاء وانه انما يشترط بقاء الوجوب اذا لم يأت به الغير فان أتى به فالوجوب يسقط .فحينئذٍ(1) عند الشكّ في اتيان الغير يكون الشكّ في الامتثال .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بالشكّ في الوجوب بأنحائه من التعييني والتخييري والعيني والكفائي وعرفت جريان البرائة على بعض الصور والاشتغال على بعضها الآخر وتحصّل عدم جريان البرائة الا في الوجوب التعييني لا التعيّني إلا على تقريب تقدم سابقا . ولم يذكر الأصحاب صورة الشكّ في الوجوب النفسي والغيري . وباقي الكلام في أحكام الشكّ في الوجوب لتعارض النصين أو اجماله على حذو الكلام في الشبهة التحريميّة كما ان الشبهة الموضوعيّة هنا أيضا مجرى البرائة بلا احتياج إلى الفحص كالشبهة التحريميّة ولكن اذا كان الشكّ في متعلّق المتعلّق كالعالم في مثال أكرم العلماء حيث ان الكبرى لا تحرز الصغرى بل لابدّ من العلم بانطباقها على الأفراد والموارد في لزوم الحكم عليها بحكم الكبرى فتجري البرائة عند الشكّ للانحلال .

نعم اذا كانت الشبهة الموضوعيّة في مقام الافراغ كما اذا كان الحكم بدليّا فلابدّ من اليقين ولا مجال للبرائة كما في باب الخمس . فاذا ادعى أحد السيادة فلا

نتيجة البحث على المباني

ص: 515


1- . أقول: لنا مقامان أحدهما الشك في أصل توجه الخطاب المردّد بين العيني والكفائي والثاني الشك في الكفائيّة والعينيّة بعد العلم بأصل الخطاب وما ذكرنا وتعرضنا له هو الشق الثاني لا الأوّل . اما هو فيمكن توجه اشكال الشيخ في التخييري فيه كما انه يمكن الجواب المذكور هناك آتيا فيه فراجع .

يكتفي بمجرّد دعواه ما لم تثبت بالتواتر أو الشياع المفيد للعلم العادي والاطمئناني كما انه وردت الرواية(1) بثبوت سبعة أشياء أحدها النسب بالشياع لكن اذا أفاد الاطمئنان فلا يكفي الدعوى ولا المشجرات الخالية عن قرائنالاطمئنان ثم انه ذهب المشهور في صورة تردّد الفوائت بين الأقلّ والأكثر إلى الاحتياط وحكموا بوجوب الاتيان إلى حدّ يحصل الاطمئنان بفراغ الذمّة مع انه مجرى البرائة لكونه شكّا في الأقلّ والأكثر غير الارتباطيين .

نعم لو كان ارتباطيّا لأمكن القول بالاحتياط كما هو مذهب جماعة ولكن في غير الارتباطي لا مجال له فتدبّر جيّدا .

عود على بدء قد علم ممّا تقدّم جريان البرائة في الشبهة الوجوبيّة لفقد النص أو اجماله أو تعارض النصين حسب القاعدة مع قطع النظر عن الأخبار العلاجيّة كما انّه لا مانع من جريانها في الشبهة الموضوعيّة خصوصا في غير الارتباطيّة بل لا يعرف قائل بوجوب الاحتياط فيها فتجري البرائة أو الأصل الموضوعي الموافق لها في النتيجة كاصالة عدم الضمان أو عدم اشتغال الذمّة بمال الغير . وبالجملة فالشك في التكليف يكون مجرى البرائة بلا فرق بين مناشئ الشبهة والشكّ من فقد الدليل أو اجماله أو تعارضه أو الأمور الخارجيّة وتجري في الشبهة الموضوعيّة كالشبهة الحكميّة لكن المنسوب إلى المشهور وجوب الاحتياط في تردّد الفوائت بين الأقل والأكثر في خصوص الصلاة لا غيرها من العبادات كالصوم ولا غير باب العبادات مع ان مقتضى قاعدة الحيلولة بخروج

جريان البرائة في الشبهة الوجوبيّة

ص: 516


1- . الفتوى في سبعة جواهر الكلام 40/55 لكن الرواية ( وسائل الشيعة 27 الباب 22/1 من أبواب كيفيّة الحكم اشتملت على خمسة .

الوقت الحكم بالاتيان وبرائة الذمّة . وهذه القاعدة اما أصل تنزيلي كالاستصحاب أو قاعدة الفراغ أو انها امارة بناء على تحقق شروط الامارة فيها من وجود الكشف فيها ورعاية الشارع جانب الكشف والاماريّة والا فاصل .

وكيف كان فتقدم على الاستصحاب الجاري في موردها كاصالة عدم الاتيان أو استصحاب الاشتغال أو اصله بناء على اتّحاد الأمر القضائي والأدائي وعدم احتياج القضاء إلى أمر جديد ( أو عدم كون الفوت الا عبارة عن عدمالاتيان المتحقّق في كليّة موارد الشكّ ) فاذا شكّ بعد الوقت مطلقا أي حتى الاضطراري في أصل الاتيان وعدمه فالقاعدة تحكم بالاتيان وعدم وجوب القضاء .

نعم لو شكّ في الوقت ولو الاضطراري لابدّ من الاتيان لبقاء الوقت وعدم مجال لحيلولة الوقت بلا فرق بين مناشئ الشكّ سواء كان من جهة نومه اياما متعددة متّصلة يشك في عددها بين القليل والكثير أو غيره .

نعم قد يقال في توجيه مقالة المشهور كما عن المحقق صاحب الحاشية قدس سره

باختصاص جريان القاعدة بما إذا لم يكن الشكّ مسبوقا بالعلم وإلاّ فلا مجال لجريانها وذلك لتنجز التكليف عليه بالعلم . والقاعدة انما تقتضي البناء والحكم على الاتيان في ما إذا كان الشكّ حادثا بعد الوقت بلا سبق علم . وحينئذٍ فبمقتضى العلم بالاشتغال بدخول الوقت حال كونه جامعا لشرايط التكليف لابدّ من الخروج عن عهدته اما علما أو بتعبد الشارع .

وفي المقام لا مؤمن له من أحد الطريقين فلابدّ من الاتيان إلى أن يعلم بفراغ ذمّته من الصلوات قضاءا لحق العلم بالاشتغال ولا مانع من منجزيّته ولا

توجيه فتوى المشهور في تردد الفوائت بين الأقل والأكثر

ص: 517

أصل يثبت في المقام الاتيان هذا .

وكان المحقّق النائيني قدس سره في بعض دورات بحثه يعظم هذا الكلام ويرتضيه ولكنه عدل عنه أخيرا كما هو القابل لذلك حيث ان العلم المتصرم المنقضي المتبدّل بالشكّ الساري انما كان منجزيّته مادام موجودا والحال لابدّ من ملاحظة الحالة الفعليّة فمقتضى الدليل كون هذا الشكّ أيضا موضوعا لقاعدة الحيلولة ولا انصراف يوجب اختصاص الحكم بغير هذا المورد . اذ الانصراف انما يكون في مقام يكون تقييد المطلق بغير المنصرف إليه تأكيدا لا تقييدا ويكون السلبصحيحا كان يقال ليس هذا ماءً بخلاف ساير الانصرافات كغلبة الأفراد أو انس الذهن بالفرد أو الأكمليّة فانها لا توجب الانصراف الذي يكون معتدّا به معتبرا مع ان اللازم التزام المشهور بذلك في باب الصوم كما اذا فات منه أيّام ترددت بين الأقل والأكثر فيما اذا كان يجب القضاء عليه كما اذا فات لمرض غير مستمر إلى رمضان آخر أو سفر أو غيرهما مع انه لا يكون في باب الصوم دليل الحيلولة التي تجيى ء في باب الصلاة بعد انقضاء الوقت . وأمّا احتمال استناد المشهور إلى رواية(1) واردة في باب قضاء النوافل وأمر الامام علیه السلام بالقضاء حتّى يعلم أو يغلب على ظنّه قضاء كلّ ما فاته فضعيف . لعدم شمول قاعدة الحيلولة للنافلة بل تختص بالفريضة مع انه على تقدير الشمول لا يمكن اثبات الحكم بثبوته في النافلة في الفريضة بمجرّده لكونه قياسا خصوصا مع خلو كلامهم عن ذكر المدرك .

ولزيادة التوضيح نقول اذا لم يكن لنا دليل على قضاء ما فات من الواجبات في الوقت المضروب له لم يمكننا اثبات الوجوب بمجرّد الترك والفوت

اشكال وجوب اتيان الفائتة المرددة بين الأقل والأكثر

ص: 518


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 18 - 19 من أبواب اعداد الفرائض .

في الوقت بل كان الظاهر من الدليل فوته بفوات الوقت ولا يترتب حينئذٍ عليه الا مجرّد استحقاق العقاب فالنتيجة المستفادة على هذا من دليل التكليف هو وحدة المطلوب الا انه حيث ان دليل القضاء لابدّ في ايجابه القضاء بالفوت من مصلحة فلا محالة يكون كاشفا عن بقاء المصلحة الاولى الوقتية وان دخل الوقت كان لأجل مصلحة اخرى فاتت بفوت الوقت بلا دخل لها بأصل المصلحة الصلاتيّة أو الصوميّة أو غيرها من ساير الواجبات التي تقضي بعد فوت وفتها .

وعلى هذا فمع قطع النظر عن كلّ شيء . مقتضى القاعدة اذا شكّ في ايتانالواجب عليه فيجري استصحاب عدم الاتيان به المتيقن في أوّل الوقت ولكن في القضاء وخارج الوقت لابدّ من الكاشف عن بقاء المطلوب الأول كما انه في الوقت اذا شكّ في الامتثال تجري قاعدة الاشتغال المستدعى للفراغ اليقيني مضافا إلى استصحاب عدم الاتيان به وذلك لأن التكليف اليقيني لابدّ من الخروج عن عهدته وحصول المؤمن اما عقليّا أو المؤمن الشرعي كقاعدة الفراغ حيث ان في الشكّ في تماميّة المأمور به ونقصانه منه مع العلم بالدخول في المأمور به تجري بعد الفراغ عنه وتوجب امن المكلف من العقاب وتريحه من ناحية التكليف الصلاتي المنجز عليه . ولكنه لمكان حفظ الواقع على حاله ولزوم الاعادة بعد انكشاف الخلاف إنّما تكون القاعدة موجبة للأمن مادام المكلّف على حال الشكّ وعدم العلم . ولكنه اذا علم فلا مجال للحكم بالفراغ اذا كان المجرى للقاعدة لنقصانها أو زيادتها موجبا لبطلان الصلاة وإلا فلو فرض ان القاعدة موجبة للأمن دائما فلا يمكن الحكم بلزوم الاعادة لتعدّد الموضوع . كما ان في مورد قاعدة التجاوز لا يمكن في الحكم بالمضى من احراز الدخول في العمل والخروج عنه

الفرق في الشك في الوقت وخارجه

ص: 519

لعدم الشكّ حينئذٍ في اتيان العمل وفحينئذٍ لابدّ من ارادة تجاوز المحل لا تجاوز نفس الشيء بخروجه عنه . وأمّا في ما اذا لم يتجاوز المحل فلابدّ من الاتيان واما مجرد احتمال الاتيان بالمشكوك اتيانه بحيث يكون اتيانه حينئذٍ زيادة فلا يضر لالغاء احتمال الزيادة من ناحية الشارع . وحيث ان مورد الشك بعد خروج الوقت قد جعل الشارع قاعدة الحيلولة موجبة للامن ولو فرض عدم الاتيان به في الواقع فعند الشكّ تجري القاعدة وتوجب الأمن .

هذا إذا لم يحرز الدخول في الصلاة .

وأمّا اذا احرز الدخول فتجري معها قاعدة الفراغ أيضا .وكيف كان ففي صورة الشكّ بين الأقل والأكثر لا مانع من جريان البرائة عن الأكثر في مثل الصلوات الفائتة لجريان قاعدة الحيلولة الموجبة للأمن .

وفي هذا لا فرق بين الالتزام بتعدّد المطلوب أو وحدته كما انه تجري البرائة وأمّا في ساير المقامات كصوم شهر رمضان أو في السفر فاذا شكّ في الأقل والأكثر فتجري البرائة ولا قاعدة هناك توجب الأمن غيرها وحينئذٍ فيبقى على هذا فتوى المشهور بلا دليل . نعم يمكن توجيه فتواهم بطريق منحصر وهو انه لا اشكال في تعلق علم المكلف بالفوت في كلّ فائتة كما هو الحال عادة . وحينئذٍ فاذا علم بالفوت لابدّ من القضاء لتوجه الأمر القضائي ولا مجال حينئذٍ لقاعدة الفراغ ولا الحيلولة لعدم الموضوع لأي منهما اذ لا مورد لجريانهما في صورة العلم بعدم الاتيان وتحقّق الفوت الذي ليس أمرا وجوديّا في قبال الترك بل هو عبارة عن الترك وعدم الاتيان بالشيء بحيث اذا لم يكن لنا قاعدة الحيلولة كان التمسك بأصل عدم الاتيان كافيا في وجوب القضاء .

جريان البرائة في الأقل والأكثر في الصلاة والصوم

ص: 520

هذا في صورة العلم .

وأمّا في القرض حيث تردّد بين الأقل والأكثر فيحتمل وجوب الأكثر عليه كما انه على تقدير فوت الأكثر كان يعلم بفوتها .

فهذا الاحتمال في المقام موجب للتنجز وانه لو كان في الواقع الفائتة هي الأكثر وأزيد ممّا علم به يقينا وهو الأقل لكان منجزا ولا مؤمن له لا عقلاً ولا شرعا كما هو الحال في أطراف العلم الاجمالي اذا علم اجمالاً بفوت احدى صلواته ولا يعلم بترك احداها بعينها ومع ذلك لابدّ من الاتيان بالمحتملات لاحتمال انطباق المعلوم الاجمالي على كلّ واحد من أطراف الاحتمال ولا مانع من جريان الأصل في الأطراف لعدم افادة الأصل البرائة عن المجموع من حيثالمجموع كي يتنافى للعلم بل تجري في كلّ واحد بخصوصه مع انه لا نقول به بل لابدّ من الاحتياط وهكذا الحال في مسئلة الانائين المشتبهين وصورة خروج أحد الأطراف بعد العلم عن الابتلاء اما بانصباب أو غيره فان المعلوم لزوم الاجتناب عن كلا الانائين وعن الباقي من الأطراف وليس الا لاحتمال انطباق التكليف الذي علم به على كلّ منهما وعلى الباقي من الأطراف وانه لو انطبق عليه لكان منجزا فيمكن أن يكون نظر المشهور في فتواهم بوجوب قضاء الفوائت المردّدة بين الأقل والأكثر واتيانها إلى أن يعلم أو يغلب على ظنه الفراغ هذا فتدبّر وتأمّل جيدا .

وعلى هذا يمكن توجيه مقالة المشهور في ذهابهم إلى الاحتياط ولزوم الاتيان بالفائتة إلى أن يعلم أو يغلب على ظنه الوفاء بانه اذا كان المكلّف يعلم بفوت كلّ ما فاتته من صلاة كلّ يوم أو في كلّ شهر مثلاً أيّاما معدودة فلا مجال

توجيه فتوى المشهور

ص: 521

حينئذٍ لجريان قاعدة الحيلولة اذ لا شكّ له حينئذٍ كي يكون مجال للقاعدة وعليه اذا طال به الزمان مثلاً فلم يدر ان فوائته أي عدد فلا يمكن جريان البرائة ولا قاعدة الحيلولة لأنّه كما ذكرنا لا شكّ له في الفوت بل كل ما فات منه علم به . انما

الشكّ الآن في تحقّق ما يتقدر ولا أصل لنا يحقق ما ينافي هذا الاحتمال فبمقتضى القاعدة لابدّ من الخروج عن عهدة هذا الاحتمال كما هو الحال في أمثال المقام كما اذا اهرق ماء أحد الانائين المشتبهين فحينئذٍ لا مانع من جريان الأصل النافي في الباقي ولكن لا يقولون به بل يلزمون الاحتياط وليس الا لما ذكرنا من منجزيّة الاحتمال . هذا .

ان قلت لا يتم منع جريان الأصل في مورد بقاء أحدهما لدوران التنجز

مدار وجود العلم حدوثا وبقاءً بل نقول بالمنع من جهة كونه ترخيصا في محتملالمعصية .

قلنا: هذا المبنى لا يتم منه المشي في كلية المقامات اذ صرّح من يقول به بانحلال العلم الاجمالي بجريان الأصل المثبت في أحد أطراف العلم فانه لو كان فناء طرف العلم لا يوجب خللاً في العلم فلم يجري الأصل المثبت ويوجب انحلال العلم بجريانه .

هذا في مسئلة الصلوات الفائتة وقس عليها الحال في ساير المقامات التي يشكّ في الأقل والأكثر اذا كان من هذا القبيل كما في الصوم وكما في الدين فان في الدين اذا يعلم بكونه مديونا بما في الذمّة ويشكّ في شمول الذمّة بالأقل أو الأكثر فلا يمكنه اجراء أصالة عدم الضمان وعدم الاشتغال كما انه اذا علم بفراغ ذمته من ديون زيد وشكّ ساريا فيه فليس له الاتكال على فراغ الذمّة بل بمقتضى

جريان الكلام في الدين المردد بين الأقل والأكثر

ص: 522

الاشتغال لابدّ من الخروج عن العهدة والأداء إلى أن يعلم بالفراغ .

لكن يمكن دعوى وجود الأصل الموضوعي المقدم على الأصل الحكمي في باب الدين وهو الفارق بين هذه المسئلة ومسئلة الفوائت حيث لم يلتزمون في الدين بالاحتياط وهو اصالة عدم الضمان وهذا الأصل ليس له أساس في باب الفوائت فتأمّل فانّه لا يخلو من مصادرة .

وعلى كلّ حال فلو لم نفت في باب الفوائت بفتوى المشهور فلا أقل من الاحتياط الذي لا يترك .

هذا تمام الكلام في مسئلة البرائة وشقوقها وما يتعلّق بها .

خاتمة: قد عرفت ممّا تقدّم في أوّل بحث البرائة ان مجارى الأصول منحصرة في أربعة لأنّه اما أن يلاحظ فيه الحالة السابقة له أو لا سواء لم تكن له أو

كانت ولم تلاحظ ثمّ على الثاني أي عدم ملاحظة الحالة السابقة إمّا أن يكونعالما بالتكليف أو لا وعلى الأوّل إمّا أن يمكنه الاحتياط أو لا وعلى هذا فلا تداخل في ا لمجاري والأوّل مجرى الاستصحاب والثالث مجرى البرائة والثاني مجرى الاشتغال .

والرابع هو محل البحث هنا فنقول ان كان عالما بلزوم أحد الأمرين عليه من الفعل والترك ولم يكن هناك حالة سابقة كي يمكن جريان الاستصحاب ولا أصل آخر يوجب زوال الحيرة وتعيين الوظيفة في أحد الطرفين كما انه لا يمكن جريان البرائة للعلم بالتكليف ولا مجال للاشتغال لعدم امكان الاحتياط وكانت الواقعة متّحدة لا متعدّدة ففي هذا المقام لا خفاء في انه تكوينا اما أن يكون فاعلاً

أو تاركا ولا مجال لحكم الشارع بالتخيير لا ظاهرا أو لا واقعا لكونه من تحصيل

مجارى الأصول الأربعة

ص: 523

ما هو الحاصل بالوجدان بالتعبد وهو أسوء أنحاء تحصيل الحاصل فليس الا التخيير تكوينا والشيخ قدس سره في باب العلم الاجمالي من مباحث القطع وفي أوّل البرائة(1) قد اعتبر جنس التكليف وإن لم يكن نوعه معلوما لكنه خالف في بحث الاشتغال فاعتبر العلم(2) بالنوع ولم يعتبر العلم بجنس الالزام وبجعل المعلوم جنس الالزام يرتفع وتندفع الاشكالات التي أوردها المحقّق الخراساني قدس سره في حاشية الرسائل ) .

وكيف كان فاذا علم اجمالاً بوجوب شيء أو حرمته وكان العمل من

التوصليّات التي لا يعتبر فيها القربة ولم يكن هناك ما يوجب التصرف في الشكوالحاقه بأحد الطرفين سواء كان من جهة تعارض الروايتين والدليلين بلا ترجيحبينهما أو من جهة العلم الاجمالي بذلك من الخارج ولم يكن الفعل أو الترك محتمل الترجيح بل تساويا في ذلك احتمالاً في نظر الشارع فيدور الأمر حينئذٍ بين الفعل والترك ولا مجال لجعل التخيير بأنحائه لا التخيير الذي يكون في باب التزاحم ولا التخيير الواقعي ولا الظاهري . اما التخيير في باب التزاحم فان مورده ما اذا كان المتزاحمان واجدين لملاك الحكم والتكليف وإنّما الاشكال في قدرة المكلف حيث انه عاجز عن امتثال كليهما بل لا قدرة له إلاّ على أحدهما فحينئذٍ اذا لم يكن أحدهما أهم لا واقعا ولا احتمالاً يكون الحكم هو التخيير في اتيان أيّهما شاء بحسب حكم العقل . وهذا بخلاف المقام اذ لا يمكن وجود الملاك في كلّ من طرفي الشيء وجودا وعدما بل إمّا أن يكون فيه ملاك الفعل أو الترك

دوران الأمر بين الوجوب والحرمة

ص: 524


1- . فرائد الأصول 24 وما بعده 1/313 .
2- . فرائد الأصول 2/403 .

وعلى فرض وجود الملاك لكلا الطرفين فالحكم تابع للغالب فان غلب أحدهما على الآخر فالحكم على طبق الغالب إمّا وجوبا أو حرمة أو بالكسر والانكسار الاستحباب أو الكراهة وإلاّ فان تساويا فالاباحة .

وهذا ممّا لا اشكال فيه كما ان التخيير الواقعي أو الظاهري بين الفعل والترك لا فائدة فيه لأنّ المكلّف لا يخلو تكوينا من أحدهما فاما أن يكون قائما أو لا قائم ولا ثالث لهذين اذ لا يمكنه الخروج عن أحدهما واذا كان الأمر على هذا الحال فالتخيير الواقعي أو الظاهري لا يفيده شيئا ولا يترتب عليه فائدة . اذ لا

بعث ولا تحريك لهذا التخيير ولا ان اختيار أحد الطرفين يستند إليه لكونه من الأمر بتحصيل الحاصل بل بكون من أسوء أنحائه كما أشرنا إليه . فاذن التخيير المشار إليه في مجاري الأصول لا يكون حكما شرعيّاً بل فطريّا تكوينيّا غير خال عنه بحسب الخلقة فلا مجال على هذا لجريان أصالة التخيير . وأمّا ساير الأصول كأصالة الحل والاباحة فعذرها في المقام انه تناقض للمعلوم بالاجمالوحيث انه مفادها الترخيص في طرفي الفعل والترك وهذا مخالف للالزام المعلوم في البين وليس هذا الأصل كساير الأصول الجارية في ناحية الوجوب أو الحرمة أحدها بل انما مفادها في عدم الوجوب عدم الالزام بالفعل والترك وكذلك في ناحية الحرمة نعم يمكن دعوى جريان اصالة البرائة لتماميّة أركانها وانخفاظ مراتبها وتحقق شرايطها اذا لمرفوع لابدّ أن يكون مجهولاً وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع وبعبارة اخرى يكون مجعولاً ويكون في رفعه منة ولا يلزم منه مخالفة عمليّة قطعيّة للمعلوم بالاجمال وهذه الشرايط حاصلة متحقّقة في المقام اذ ليس أصل البرائة كالاستصحاب من الأصول التنزيليّة كي يكون الترخيص في طرفيه

ص: 525

مناقضا للعلم كما انه يكون في رفعه منة ولا يلزم منه مخالفة عمليّة كما هو واضح .

توضيح وتكميل: كان الكلام في جريان البرائة وعدمه في مورد دوران الأمر بين المحذورين وهو الوجوب والحرمة وقلنا انّه يمكن دعوى جريان البرائة في كلّ من الوجوب والحرمة المشكوكين . وذلك لأنّ البرائة إنّما يشترط في جريانها كون المجرى أمرا مجعولاً أي يكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ومجهولاً وفي رفعه منة كما انه يجب في جريانها ألاّ يلزم المخالفة العمليّة للتكليف وفي المقام لا اشكال في كون كلّ من الوجوب والحرمة بخصوصه مشكوكا ومعلوميّة جنس الالزام لا أثر له في المقام اذ لا يوجب لزوم الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة لعدم امكان المكلّف من أحدهما فلا أثر للعلم بالالزام . بل هذا العلم كساير العلوم التي لا ترتبط بالتكاليف فكلّ واحد من الوجوب المحتمل والحرمة المشكوكة مجهول بخصوصه وليس أصل البرائة كأصل الاباحة يفيد اباحة الفعل والترك جمعا كي يناقض المعلوم بالاجمال ويمتنع جريانه . بل إنّما مفاده في كلّ واحد رفع ذلك المجهول فالوجوببخصوصه مرفوع وكذلك الحرمة وهذا أي جريانه في كلّ واحد رتبة الجهل فيه محفوظة كما ان الرتبة الثانية أيضا كذلك اذ لا يكون أصل البرائة أصلاً تنزيليّا كالاستصحاب حيث يمتنع جريان استصحابين في أطراف المعلوم بالاجمال لمناقضته لأصل العلم ولو مع قطع النظر عن المخالفة العمليّة بل هو أصل غير تنزيلي ومحذورها مجرّد لزوم المخالفة القطعيّة للتكليف وحينئذٍ فلا اشكال في جريان الاصلين في رفع كلّ من محتمل الوجوب والحرمة .

وأمّا الرتبة الثالثة فهي أيضا محقّقة اذ لا يمكن حسب الفرض المخالفة

امكان جريان البرائة في فرض الدوران

ص: 526

القطعيّة العمليّة في المقام فلا اشكال من هذه الجهة أيضا .

نعم استشكل المحقّق النائيني(1) جريانها في المقام بأنّه فرع امكان جعل الحكم الواقعي في المقام وهو محال .

أمّا التخيير بأن يحكم المولى بالتخيير بين الأمرين فهذا لا يعقل لفرض تحقّق الملاك في أحد الطرفين فإمّا أن يكون في الفعل مفسدة ملزمة موجبة لجعل الحرمة أو فيه مصلحة ملزمة داعية لجعل الوجوب فلا يمكن جعل كليهما فحينئذٍ لا معنى للتخيير لعدم تحقّق ملاكه في البين كما انه لا معنى لجعل أحدهما تعيينا وعليه فلا معنى لجريان أصل البرائة أصلاً . هذا .

ولا يخفى ما في ذيل كلامه قدس سره فانّه ما أفاد في عدم امكان جعل التخيير في محلّه ولكن لا يصحّ ما أفاده في الذيل من عدم امكان جعل أحدهما تعيينا وذلك لأنّه إذا غلب جانب الفعل على الترك أو بالعكس بنحو الالزام فالحكم يكون هو الحرمة أو الوجوب فكيف لا يمكن جعل أحدهما تعيينا اذ لو لم يمكن فمن أيندار الأمر بين الوجوب والحرمة ومن أين علمنا بكون الحكم في المقام إمّا واجب أو حرام . فالحقّ في الاشكال في جريان البرائة أن نقول انه مختل من جهتين احداهما عدم تحقّق مرفوع في المقام اذ لابدّ في تحقّق الرفع وجريان البرائة من امكان جعل حكم ليكون حديث الرفع والبرائة رافعا له .

أمّا الحكم الواقعي فلا معنى لرفعه بحيث لم يكن في حقّ الجاهل لاستلزامه التصويب فحينئذٍ يبقى اختصاص الرفع بما يستدعيه ملاك الحكم الواقعي في مرحلة الشكّ وهو ايجاب الاحتياط والمقام حيث لا يمكن فيه الاحتياط فليس

لا مجال للتخيير شرعاً في فرض الدوران

ص: 527


1- . فوائد الأُصول 3/444 .

هناك حكم ظاهري أو امكان جعله كي يكون الرفع رافعا له . كما ان الجهة الأخرى هي عدم تحقّق المنّة في رفع المجعول اذ لا أثر لهذا الرفع فسواء رفع هذا الحكم المشكوك أو لم يرفع لا يؤثّر في ناحية المكلّف في مقام العمل لكونه على ما هو عليه .

فحينئذٍ لا يمكن اصالة التخيير لكون التخيير تكوينيّا ولا أصالة البرائة لما عرفت مضافا إلى عدم تحقّق الالزام وعدم معنى محصّل له إذ ليس هو حكما سادسا من الأحكام كي يكون مشكوكا يجري فيه البرائة بل لا يمكن تحقّقه بنحو الكليّة .

فاما أن يوجد في ضمن الوجوب أو الحرمة فلا معنى لجريان البرائة فيه فتأمّل فانّه لا يخلو عن خدش .

لأنه كما إذا علمنا بدخول انسان في الدار ولم نعلم انه زيد أو عمرو وامّا الاستصحاب فيختل الركن الثاني من أركان جريان الأصل فيه وهو المجهوليّة لأنّه حيث يكون فيه تنزيل المؤدّى منزلة الواقع وأمر المستصحب فيه بالبناء على المستصحب على انه هو الواقع فلا يمكن تحقق بنائين على عدم الحكم مع العلمبتحقّق أحد الحكمين إمّا الوجوب أو الاباحة فيه ولذا لا يفرق في عدم جريان الاستصحاب في أطراف المعلوم بالاجمال بين ما إذا يلزم المخالفة العمليّة ومخالفة التكليف الالزامي في البين أو لا يلزم . فلا يجري الاستصحابان في ما اذا كان المستصحبان طاهرين وتنجس أحدهما لا بعينه أو كانا نجسين وطهر أحدهما لا بعينه حيث انه وإن كان لا يلزم في صورة استصحاب نجاسة كليهما في المثال الثاني المخالفة العمليّة ولكن لمكان مخالفة البناء على نجاسة كليهما للعلم

اشكال جريان البرائة

ص: 528

بطهارة أحدهما لا مجال للأصلين .

وعلى هذا المبنى صار مختار الميرزا الكبير الشيرازي قدس سره بعد أن سافر إلى سامراء وكان بنائه قبل ذلك بعدم الجريان اذ الزم المخالفة العمليّة .

توضيح وتتميم: قد عرفت اشكال المحقّق النائيني في مورد دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في أصل جعل الحكم تخييرا وكذا تعيينا ومخالفة البرائة لكلّ طرف من الفعل والترك أو في كلّ من الوجوب والحرمة للموافقة الالتزاميّة لامكان اجتماع الحكم الواحد والتدين به مع ورود الترخيص الظاهري على خلافه . بل الاشكال من جهة عدم ترتب أثر على جعل هذه الحرمة أو الوجوب لا بنفسه ولا بخطاب متممه .

أمّا الأول فلفرض الدوران بين الحكمين والخطاب لابدّ أن يترتّب عليه أثر كي يكون باعثا للمكلّف ومحرّكا له نحو العمل وفي المقام لا يتصوّر على جعل هذا الحكم أثر كما انه لا مجال للحكم الظاهري أو جعل الخطاب المتمّم لعدم امكان الاحتياط والحال هذه . فحينئذٍ لا يمكن جعل أحد الحكمين لعدم الفائدة ولزوم اللغويّة في جعل الخطاب الواقعي أو خطاب متممه فقهرا يكون الحكم مخصوصا بالعالم به على نحو ما تصوّرناه في بعض الموارد الآخر الواردة من الشرع الدالّةعلى امكان اختصاص الحكم في تلك الموارد بالعالم ولو بنتيجة التقييد كما في موارد القصر والاتمام والجهر والاخفات . ولو لم يمكن وصول المراد إلى المكلّف بخطاب واحد فبأزيد إلى أن يتمّ الغرض من حصول علمه بكيفيّة جعل الخطاب .

ويمكن دفع اشكال الدور ( بما تصوّر ) في تلك الموارد كما انه يرتفع بذلك ساير الاشكالات المتفرّعة على اختصاص الحكم بالعالم كلزوم اجتماع النقيضين

توضيح كلام المحقّق النائيني

ص: 529

لدى المكلّف .

فالحاصل ان عدم جريان البرائة هو لعدم امكان الجعل والوضع مضافا إلى ساير الاشكالات المتقدّمة .

فحينئذٍ لا يمكن الجعل لا لعدم الملاك بل لوجود المانع من الجعل كما في كثير من الأحكام أهمّها فرض الولاية حيث انّه قبل جعلها كان هناك موانع من الجعل ومجرّد وجود الملاك لا يكفي .

نعم يمكن على مسلك المحقّق الخراساني قدس سره من الالتزام بانشائيّة ذلك الحكم الواقعي . غاية الأمر لا يمكن وصوله إلى المرتبة الفعليّة وبهذا المعنى يرتفع

الاشكالات في كثير من الموارد كما انه بذلك رفع الاشكال المتوجه في باب الاجتماع على بطلان الصلاة حال الجهل بالغصب بناءً على اتّحاد المتعلّق لما بنى عليه من وحدة المتّحد وجودا بحسب الماهيّة وانه على هذا يرجع إلى باب التعارض ولا يكون من التزاحم في شيء . فاللازم بطلان الصلاة حتّى في حال الجهل بالغصب فأجاب بكونه في حال الجهل في مرتبة الانشاء ولو تحقّق المانع من الفعليّة قبله في ظرف الجهل كما يدلّ على ان لكل واقعة حكما من الأحكاميستوي فيه العالم والجاهل ما ورد(1) من الأخبار المتواترة المشار إلى بعضها فيمقدّمات الحدائق(2) وانّها وان لم تشتمل على لفظة يستوي فيه إلاّ انه مقتضى اطلاق تلك الأخبار فراجع الوسائل .

هذا في البرائة كما انه يجري هذا الوجه في جريان الاستصحاب ويمتنع

عدم جريان البرائة لعدم امكان الجعل

ص: 530


1- . وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . الحدائق الناضرة 1/87 وما بعده .

جريانه لأجل هذا المحذور مضافا إلى محذور اللغويّة في جريان الاستصحابين ولو مع تحقّق الجعل .

ولكن يظهر من المحقّق النائيني قدس سره اختصاص المانع بلزوم المخالفة الالتزاميّة لكون الاستصحاب من الأصول التنزيليّة .

لكنّه كماترى وليعلم ان الاستصحاب الأزلي بمعناه المتبادر لا يتصور بل لا يناسب المقام الربوبي فاللازم تصوّره في النفس البنوي أو الولوي الذي يكون أمر التشريع بيده .

تكميل لا يخلو من توضيح:

سبق الاشكال في جريان الأصول غير الاستصحاب في ما نحن فيه وتبين ان عمدة الاشكال في الاستصحاب عدم ترتب الأثر عليه ويشترك مع الاستصحاب في عدم ترتب الأثر ساير الأصول ومنها اصالة الاشتغال .

ان قلت: كيف تقولون بالتخيير الأصولي في مورد تعارض الروايتين بالأمر والنهي مع كونه كالمقام ونعلم اجمالاً بثبوت أحد الحكمين فليكن المقام أيضا من هذا القبيل فيكون أحد الاستصحابين حجّة تخييرا . بل لا يختصّ هذا الاشكال بالاستصحابين فيجري في الامارتين أيضا حيث ان التعارض لا يوجب سقوطكلتيهما عن الاعتبار بالكليّة بل لا مانع من جريان كلّ واحد عند عدم الآخر وحجيّة كلّ واحد عند عدم الأخذ بالآخر فليكن المجعول في الامارتين حجيّة مشروطة وعلى ما ذكرنا يكون التخيير المشار إليه في دليله بين الروايتين المتعارضتين على وفق القاعدة .

قلت: دليل الاعتبار إنّما يشمل كلّ واحد بعينه انحلاليّا فاذا تعارضتا

جريان الأصول غير الاستصحاب

ص: 531

أوجب ذلك سقوطهما فلا معنى لشمول احداهما لا بعينها ولا واحدا بعينه .

نعم حيث ان الدليل ورد في الروايتين بالتخيير فنأخذ به ولا يمكن التعدّي منه إلى ساير المقامات ولو آيتين أو اجماعين وغيرهما مضافا إلى استلزام الحجيّة المجعولة المشروطة في كلّ واحد بعدم الأخذ بالآخر حجيّة كليهما عند عدم أخذ واحد منهما وهو كما ترى فلا مجال لهذا الاشكال .

ثمّ انه اذا احتمل أهميّة الوجوب على الحرمة أو بالعكس أو كان المحتمل في أحدهما أقوى من الآخر فهل يوجب ذلك الترجيح أم لا ؟ كما اذا ظنّ بالحرمة وتوهّم الوجوب أو بالعكس أو كان الحكم على فرض الحرمة أشدّ منه على فرض الوجوب لكونه من أكبر الكبائر بخلافه على الوجوب فانه لا يكون إلاّ من الواجبات الابتدائيّة لا الشديدة .

التحقيق . انه لا صغرى لذلك بحسب ما يدركه عقولنا بل اللازم الرجوع إلى بيانات الأئمّة علیهم السلام في تشخيص الأهم من المهمّ . واما احتمال أهميّة دفع المفسدة بالنسبة إلى جلب المنفعة فعليه يقدّم جانب الحرمة فمدفوع بأنّه لا كليّة له بل ربما

تكون منفعة أهم من كثير من المفاسد بحيث يهم استيفائها في قبال دفع تلك المفسدة كما انه مبنى على تبيعية الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة الانحلاليّة في كلّ مورد وإلاّ فلو احتمل أن تكون نوعيّة دخيلة في النظام الكليفلا يتمّ هذا البيان .

تنبيه: قد يتوهّم في صورة تعدّد الواقعة وتكرارها لزوم الاحتياط بترك المخالفة القطعيّة الحاصلة بالبناء على اختيار ما اختاره أولاً في القضايا المتكرّرة فان اختار الفعل في الأوّل يختاره في البقيّة أو الترك فهكذا وذلك لأن في مخالفته

هل احتمال أهمية أحدهما يوجب الترجيح

ص: 532

يخالف التكليف المعلوم في البين . لأنّه اما أن يكون واجبا أو حراما فان كان واجبا فقد خالفه في احدى المرات قطعا أو حراما فكذلك بخلاف ما لو بنى على اختيار الأوّل فلا يكون إلاّ احتمال المخالفة .

ولكن لا مجال لهذا الكلام بعد عدم منجزيّة العلم الاجمالي نعم بناءً على قبول المخالفة للأمر المولوي يمكن تصور ما ذكر في التوهّم إلاّ انه لا مجال لامكان وقوع الخطاب المولوي عليها لكونها من قبيل الاطاعة والعصيان ممّا لا يكون الأمر بها أو النهي عنها إلاّ ارشادا كما هو واضح .

كما انه لا مجال لتوهّم ضمّ القضايا والوقايع المتكرّرة كلّ إلى الباقي والعلم فيها ودعوى امكان المخالفة القطعيّة وقدرته عليها فيكون العلم منجزا فيوجب حرمة المخالفة فيكون التخيير بدويا خروجا عن المخالفة .

وذلك لحصول العلم بالموافقة القطعيّة أيضا في البين . فظهر انه لا مجال لتأثير العلم الاجمالي للمنجزيّة لعدم العلم بالتكليف نوعا ومجرّد العلم بالالزام لافائدة فيه .

هذا كلّه إذا كان الدوران من جهة فقد النص اما اذا كان من جهة تعارض النصين فبناء على تقديم أخبار التخيير في صورة التعارض على أخبار التوقّف وفرض تساويهما في ما يكون مرحّجا أو لا مرجّح في أحدهما فيكون مخيّرا في الأخذ بأحدهما .فحينئذٍ يقال حيث ان التخيير في الأخذ في المسئلة الأصوليّة موجب لكون المقام ممّا قام عليه الحجّة فيخرج المكلّف عن التحير ولا يمكنه الأخذ بالرواية الاخرى في الواقعة الثانية وذلك لقيام الحجّة على الواقع فالتخيير بدوي لا

حكم تعدد الواقعة

ص: 533

استمراري .

ولكنه يمكن أن يقال انّ التخيير لا يوجب ذلك بل إنّما هو حكم على العمل حال التحير ولا يزول تحير المكلّف بابتلائه بالواقعة مرّة واحدة والأخذ بأحدهما فالتخيير استمراري .

وعلى هذا فللمكلّف الأخذ بأحدهما في كلّ مرّة .

ولكن يشكل الأمر في المفتي اذ اختار في كلّ مرّة أحدهما واعتمد عليه في مقام الفتوى . فتارة يقدم خبر الخروج من الثلث في منجزات المريض وأخرى من الأصل وتارة يختار طهارة الغسالة واخرى نجاستها .

نعم إذا كان هناك عام فوق الخبرين وقلنا ان المعارض للخاصّ غير معارض للعام فيكون العام مرجعا ولا أقلّ من كونه مرجّحا لما يوافقه من الخاصّين لكنّه لا مجال لهذا البناء لعدم حالة انتظارية للعام في وقوع المعارضة بينه وبين الخاص المخالف بل من أوّل الأمر تقع المعارضة بين الخاصّ المخالف وبين الخاصّ الآخر والعام الموافق له .

فالعمدة حينئذٍ دعوى اطلاق الروايات في الاستمرار في التخيير والا فيشكل الأمر ولا مجال لجريان الاستصحاب لعدم بقاء الموضوع أو الشكّ فيه لأنّ الموضوع في أوّل الأمر هو المتحير في الأخذ بأحد الخبرين لكن بعد الأخذ إمّا أن لا يكون هذا هو ذاك فالموضوع مختلف أو انه يشك في بقاء الموضوع ولا يجري الاستصحاب في صورة الشكّ في بقائه كما انه بناءً على تقديم أخبارالتوقّف فالمسئلة ترجع إلى فقد النص . واما إذا كان الدوران في الشبهة الموضوعيّة كما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة في المايع الخاص الخارجي

حكم تعدد الواقعة في الدوران

ص: 534

أو في النكاح اذا نذر أحدا من الفعل والترك ولا يدريه بعينه فيمكن أن يقال بجريان اصالة الحل والاباحة لكون الشبهة الموضوعيّة هي القدر المتيقّن كما انه يشكّ في الوجوب فيمكن أن يقال بجريان البرائة عنه وهكذا ساير الأصول الموضوعيّة كاصالة الطهارة .

تكميل: نقل الشيخ

قدس سره (1) مثالين لما إذا كان الدوران بين الوجوب والحرمة من جهة الأمور الخارجيّة وناقش فيهما بوجود الأصل الموضوعي وأتى بمثال ثالث جعله مثالاً للمقام وانه لا مناقشة فيه .

أمّا الأولان كما اذا تردّد الأمر بين الوجوب والحرمة فيما اذا نذر الوطي في ليلة معلومة لزوجته وتردّدت بينها وبين الأجنبيّة وما اذا نذر أو وجب عليه بسبب آخر شرب المايع المخصوص المردّد بين كونه ماءً فيجب الوفاء بالنذر أو خمرا فتحرم . والمناقشة في المثال الأوّل فانقلاب الأصل في مورد الدماء والأموال والفروج فلا مجال لجريان اصالة الاباحة بل يحتاط ( أو انه لوجود الأصل الموضوعي وهو اصالة عدم وقوع العقد على هذه المردّدة ) وأمّا الثاني فلاصالة عدم انعقاد النذر وحينئذٍ يبقى الشكّ في كونه ماءً أو خمرا فتجري اصالة الحل والاباحة ولا مجال لجريان أصل البرائة عن الوجوب وعليه لا يجري الأصلان معا أي أصل الاباحة وأصل البرائة كي يعلم بكذب أحدهما .

ثمّ المثال الذي أتى به الشيخ قدس سره وهو تردّد الأمر بين كونه عالما أو فاسقا اذاكان اكرام العالم واجبا واكرام الفاسق حراما بناء على عدم رجوعه إلى باب الاجتماع بل إلى باب التعارض وحينئذٍ فيكون المجمع ومادة الاجتماع إمّا

ص: 535


1- . فرائد الأصول 1/402 .

واجب الاكرام أو حرام الاكرام بخلاف مادتي الافتراق فحيث لا أصل موضوعي في المقام يحرز انه عالم عادل لكونه حال البلوغ اما عادل أو فاسق فلا حالة تستصحب في ناحية العدالة ولا الفسق فيجري فيه كلّ ما ذكرنا في المسائل الثلاث المتقدّمة حرفا بحرف من عدم جريان الأصول وانه يتخير تكوينا بين الفعل والترك .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بمسئلة التخيير .

بقي الكلام في ما أشار إليه الشيخ قدس سره من جريان البرائة في مورد الشكّ في غير مورد احتمال الحكم الالزامي كما اذا كان طرف الاحتمال استحبابا أو كراهة لا وجوبا أو حرمة فهل تجري البرائة أم لا ؟ بنى الشيخ قدس سره عدم الجريان على كون المرفوع هو المؤاخذة لكنه لا تجري ولو كان المرفوع غيرها اذ يختلّ الركن الثالث من شروط جريان البرائة وهي المنة اذ لا منة في رفع الاستحباب اذ على فرض معلوميّته كنا في راحة من تركه ومن فعل المكروه فكيف به والحال انه مجهول نعم لا بأس باتيانه رجاءً اما بقصد الورود فحرام كما لا يخفى .

جريان البرائة وعدمه في غير مورد الحكم الالزامي

ص: 536

فهرس المحتويات

الكلام في الأدلّة العقليّة والأصول العمليّة··· 5

المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي··· 7

ترتيب المحقّق الخراساني··· 8

ما أفاده المحقّق ا لعراقي··· 11

مجاري الأصول··· 12

عدم الجعل في الجري على القطع··· 15

آثار القطع··· 16

عدم اطلاق الحجّة على القطع··· 18

لا اشكال لو قلنا بمنجزيّة الاحتمال··· 20

في القطع الموضوعي··· 21

جواب اشكال المقدّمة الموصلة··· 23

أخذ العلم بنحو نتيجة التقييد··· 25

في رفع اشكال الجهر والاخفات··· 28

ص: 537

الأحسن في دفع الاشكال··· 30

قيام الامارات مقام القطع··· 32

جهات أربع للعلم··· 34

لا فرق بين القطع والامارات والاصول في المنجزية··· 36

حكم تنزيل المؤدّى··· 38

مبنى تتميم الكشف··· 40

معنى الحكومة··· 42

في قيام الامارة مقام القطع الموضوعي··· 44

مسلك المحقّق الخراساني··· 46

اشكال قيام الامارة مقام القطع الموضوعي··· 48

اشكال قيام الامارات··· 50

هل الأصول تقوم مقام القطع··· 52

الفرق بين الظن الحجّة وغيره··· 54

التجري··· 56

دليل المحقّق الخراساني··· 58

اشكال المحقّق النائيني··· 61 مختار سيّدنا الاستاذ··· 63

حكم التجري من الجهة الكلاميّة··· 65

ص: 538

الفرق بين القبح الفعلي والفاعلي··· 67

متعلّق التكليف هو فعل المكلّف··· 69

تقريب الصغرى··· 71

انكار الصغرى والكبرى··· 73

عدم تماميّة قاعدة الملازمة··· 75

الاستدلال على حرمة التجرّي··· 77

الاستدلال بالأدلّة النقليّة··· 80

الجمع بين الروايات··· 82

أظهر الوجوه في الرواية··· 84

استحقاق العقاب عقلي··· 86

كلام صاحب الفصول··· 88

امكان استفادة الحرمة من روايات العفو··· 91

قبح التجري بالوجوه والاعتبار··· 93

نظر سيّدنا الأستاذ··· 94

اشكال تداخل العقابين··· 96

في ما نسب إلى الاخباريين··· 99

عدم إمكان إنكار حسن الأشياء وقبحها كلاًّ··· 102

اشكال الأمثلة··· 104

ص: 539

كلام المولى محمّد أمين الاسترآبادي··· 106

العقل رسول باطني··· 108

الكلام في العلم الاجمالي··· 109

عدم اعتبار قصد الوجه··· 111

مراتب الامتثال··· 113

أدلّة عدم كفاية الامتثال الاجمالي··· 115

الاحتياط طريق··· 117

ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي··· 119

الفرق بين نحوي العلم الإجمالي··· 123

امتناع الترخيص في مورد العلم الاجمالي··· 125

توجيه موارد جريان قاعدة الفراغ وأمثالها··· 127

شرايط تنجز العلم الاجمالي··· 129

في حكم الدرهم الودعي··· 130

بقيّة الشرايط··· 131

اشكال الدرهم الودعي··· 133

لا نقض بمورد مسلم··· 135

النجاة المعلومة المانعة··· 138

الفرق بين صورة الاشتباه والشركة··· 139

ص: 540

الملازمة بين وجوب الموافقة وحرمة المخالفة··· 141

في الموافقة الالتزاميّة··· 142

في التعبّد بالظن··· 145

اشكال جعل الظن حجّة··· 148

في المصلحة السلوكيّة··· 151

جواب اشكال الخطاب··· 153

وجوه الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري··· 155

جواب اشكال الحكم الواقعي والظاهري··· 157

جواب بعض المحقّقين··· 159

تتمّة الكلام··· 161

تعدّد موضوع الحكم الواقعي والظاهري··· 163

الاشكال في المبنى··· 165

حال الاُصول التنزيليّة وغيرها··· 167

الدفاع عن كلام المحقّق الخراساني··· 169

الحكم الانشائي والفعلي··· 171

في مختار المحقّق النائيني في الامارات··· 173

عدم الاجزاء إذا انكشف الخلاف··· 175

في مقام الاثبات··· 177

ص: 541

في كيفيّة جعل الامارة··· 179

الطريقيّة امضائيّة··· 181

حكم الشك في كيفيّة الجعل··· 184

نتيجة الجعل··· 186

لزوم العمل بخبر الثقة··· 187

كيفيّة وجوب العمل بالخبر··· 188

قبح التشريع··· 190

هل تسرى حرمة التشريع إلى العمل··· 193

جريان الاستصحاب وأصل الطهارة معاً··· 195

اشكال المحقّق النائيني··· 196

المسلم العمل بالاخبار على كلّ المباني··· 199

ما خرج عن حرمة العمل بالظنّ··· 201

حجيّة الظواهر··· 202

التفصيل في حجيّة الظاهر··· 204

تفصيل المحقّق القمّي··· 206

كلام الاخباريين··· 209

اختلاف القراءات··· 211

ظهور المفردات··· 212

ص: 542

المعنى الجملي من ضم المفردات··· 215

وثاقة كثير من الرواة··· 217

اشكال الفرق بين المخصص المنفصل والمتّصل··· 219

حجيّة الاجماع··· 220

الكلام في الاجماع المنقول··· 223

الكلام في مستند الاجماع المنقول··· 225

توجيه بعض الإجماعات··· 227

ما يمكن الاستدلال به على حجيّة الاجماع المنقول··· 229

موارد حجيّة الاجماع··· 231

تشرّف السيّد بحرالعلوم··· 232

جبر الرواية الضعيفة··· 235

وجه حجيّة الشهرة··· 238

نفي الاشكال في صدور المشهور رواية··· 241

أدلّة النافين لحجيّة الخبر الواحد··· 242

أدلّة المثبتين··· 244

اشكال آية النبأ··· 248

جواب الاشكال··· 253

تعارض مفهوم آية النبأ··· 254

ص: 543

اشكال الأخبار مع الواسطة··· 256

اشكال آخر··· 257

ردّ الاشكال على دليل الحجيّة··· 258

اندفاع اشكالات الأخبار مع الواسطة··· 261

الاستدلال بآية النفر··· 262

اشكال الاستدلال بالآية··· 264

الاشكال في دلالة الآية··· 267

الاشكال في الاستدلال بالآية··· 270

آية الاذن··· 273

الاستدلال بطوائف من الأخبار··· 275

الاستدلال بالأخبار··· 277

الاستدلال بالتوقيع··· 280

فذلكة البحث··· 282

أخبار حجيّة الثقات ارشاد··· 285

عدم معارضة الاجماعين··· 287

الاستدلال بالعلم الاجمالي··· 289

انحلال العلم الاجمالي الكبير··· 293

اشكال الانحلال··· 297

ص: 544

الانحلال بجريان الأصل··· 299

لزوم دفع الضرر الاخروي··· 301

وجوب الاحتياط قبل الفحص··· 303

الاشكال في دفع الضرر··· 305

ملازمة الظن بالتكليف للظن بالضرر وجوابها··· 307

مناقشة قاعدة الملازمة··· 309

المقدّمة الثانية للانسداد··· 311

مبنى عدم جواز الاهمال··· 313

المقدّمة الثالثة··· 315

جريان دليل العسر والحرج في المقام وعدمه··· 317

لزوم الاحتياط في الباقي بعد العسر··· 322

العسر كالاضطرار··· 323

التفصيل في الاضطرار بعد العلم وقبله ومعه··· 325

بقيّة كلام المحقّقين··· 328

تعلّق الاضطرار بالحرام بعينه··· 329

إذا لم يكن التعاند دائميّاً··· 331

تفترق النتيجة في مدرك المقدّمة الثانية··· 333

اشكال اجماع السيّد المرتضى··· 335

ص: 545

اختلاف النتيجة باختلاف مدرك المقدّمة الثانية··· 337

إن تمّ الاجماع ينكشف وجود حجّة··· 339

اجراء الشيخ المقدّمات··· 341

ملخّص ما أفاده في الفصول··· 343

تحليل كلام صاحب الفصول وأخيه··· 347

ترتيب المقدّمات على نحو تنتج ما أفاده الشيخ··· 353

اشكال عبارة صاحب الحاشية··· 354

افتراق النتيجة حسب اختلاف ترتيب المقدّمات··· 357

النتيجة حجيّة الظن بالطريق أو الواقع··· 359

من النتائج التبعيض في الاحتياط··· 360

فذلكة البحث··· 363

هل الظن حجّة في موارد النفي والاثبات··· 366

وجوه ثلاثة في الترجيح··· 367

عموم النتيجة واهمالها··· 371

مقتضى القاعدة··· 371

نتيجة المقدّمات على المختار··· 374

ترتيب المقدّمات من المحقّق الخراساني··· 376

النتيجة بناء على الحكومة العقليّة··· 378

ص: 546

اشكال خروج القياس··· 381

منع العمل بالظنّ حال الانسداد··· 382

في الظن المانع والممنوع··· 385

وجه تقدم الأصل السببي على المسبّبي··· 386

عدم جريان المقدّمات في اُصول العقائد··· 389

في المعارف الاعتقادية··· 391

حكم الشك في التكليف··· 393

حال الحكم الواقعي··· 395

وجه تقدّم الامارة على الاصول··· 397

الوجه الصحيح في حجيّة الامارة··· 399

تنزيل المستصحب والاشكال··· 401

انحصار الاُصول في أربعة··· 403

افتراق الاصولي مع الاخباري في اجراء البرائة بعد الفحص··· 405

أدلّة الاُصوليين··· 407

الاستدلال بالآية··· 409

كيفيّة الاستدلال بالآية··· 411

الاشكال على الفاضل التوني··· 414

تعلق الرفع بالحرمة والوجوب المجهولين··· 417

ص: 547

الكلام في حديث الرفع··· 418

المراد بالطيرة والتفكّر في الخلق والحسد··· 420

ملاك ايجاب الاحتياط··· 423

ايجاب الاحتياط على وجهين··· 424

تصوير الاحتياط الشرعي واشكاله··· 426

يدور الاحتياط مدار الواقع··· 429

المرفوع في ما لا يعلمون··· 431

رفع الخطأ والنسيان··· 432

التمسك بالحديث في الترك··· 435

مدلول الآية الشريفة··· 436

متعلّق النسيان··· 438

نسبة الحديث مع الأدلّة الأوّليّة··· 441

التعارض بين لا تعاد وأدلّة الاجزاء والشرايط··· 443

الحكومة على قسمين··· 444

في عموم الرفع وخصوصه··· 447

ما يرتفع بالاكراه والاضطرار··· 449

مورد تطبيق رفع الاكراه والاضطرار··· 451

بقيّة الكلام··· 453

ص: 548

الفرق بين الاكراه والاضطرار··· 454

العرضيّة بين الوضوء والتيمّم··· 457

كشف الملاك عن ما يدلّ على الرفع والنفي··· 459

امكان ارجاع الاكراه والاضطرار إلى أمر واحد··· 461

جريان البرائة في الشبهة لاجمال النص··· 463

جريان البرائة في الشبهة الوجوبيّة··· 465

هل العباديّة تحتاج إلى الأمر··· 467

اشكال انطباق الكسر والانكسار··· 469

التسامح في أدلّة السنن··· 474

في دلالة أخبار من بلغ··· 475

احتمالات الأخبار··· 477

اشكال الدلالة··· 479

على فرض استفادة الاستحباب··· 481

اشكال في الدلالة على الاستحباب··· 483

حصول الاطمينان من أقوال الرجاليين··· 485

اشكال الجامع بين خصال الكفّارة··· 487

الشك في التعيين والتخيير··· 489

لا اشكال في كيفيّة ايجاب الواجب التخييري··· 491

ص: 549

قول بعضهم بكون الأحكام كاشفة··· 493

موارد الشك بين الوجوب التعييني والتخييري··· 495

التخيير على أقسام ثلاثة··· 497

العبرة بالمجتهد المطلق لا المتجزي··· 501

المدار في الفتويين على المرجحات المنصوصة··· 502

اشكال الأعلميّة··· 503

عدم جريان البرائة في التعيين والتخيير··· 504

مقتضى الروايات في التقليد··· 507

هل يجب تقليد الأعلم··· 508

جواب الاشكال عن المقبولة··· 509

مبنى الشيخ في الواجب التخييري إذا لم يتعذّر العدل··· 510

الشك في الواجب الكفائي··· 512

تصوير الواجب الكفائي··· 514

نتيجة البحث على المباني··· 515

جريان البرائة في الشبهة الوجوبيّة··· 516

توجيه فتوى المشهور في تردد الفوائت بين الأقل والأكثر··· 517

اشكال وجوب اتيان الفائتة المرددة بين الأقل والأكثر··· 518

الفرق في الشك في الوقت وخارجه··· 519

ص: 550

جريان البرائة في الأقل والأكثر في الصلاة والصوم··· 520

توجيه فتوى المشهور··· 521

جريان الكلام في الدين المردد بين الأقل والأكثر··· 522

مجارى الأصول الأربعة··· 523

دوران الأمر بين الوجوب والحرمة··· 524

امكان جريان البرائة في فرض الدوران··· 526

لا مجال للتخيير شرعاً في فرض الدوران··· 527

اشكال جريان البرائة··· 528

توضيح كلام المحقّق النائيني··· 529

عدم جريان البرائة لعدم امكان الجعل··· 530

جريان الأصول غير الاستصحاب··· 531

هل احتمال أهمية أحدهما يوجب الترجيح··· 532

حكم تعدد الواقعة··· 533

حكم تعدد الواقعة في الدوران··· 534

جريان البرائة وعدمه في غير مورد الحكم الالزامي··· 536

فهرس المحتويات··· 537

ص: 551

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.