مباني أُصول الفقه المجلد 2

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: رحمتي، محمد، 1307 -

عنوان واسم المؤلف: مباني أصول الفقه: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودي/ مولف آيت اللّه شيخ محمد رحمتي.

تفاصيل المنشور: قم: قرآن صاعد، 1440ق.= 1398.

خصائص المظهر : 5 ج.

ISBN : دوره:978-600-7282-94-6 ؛ ج.1:978-600-7282-89-2 ؛ ج.2:978-600-7282-90-8 ؛ ج.3:978-600-7282-91-5 ؛ ج.4:978-600-7282-92-2 ؛ ج.5:978-600-7282-93-9

حالة الاستماع: فیپا

لسان : العربية.

ملحوظة : ج.2-5(الإصدار الأول: 1398).

عنوان آخر: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودی.

مشكلة : أصول الفقه الشیعة -- قرن 14

Islamic law, shiites -- Interpretation and construction -- 20th century

المعرف المضاف: هاشمی شاهرودی، سیدمحمود، 1327-1397.

المعرف المضاف: Hashemi Shahroudi, Seyyed Mahmoud

ترتيب الكونجرس: BP159/8

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5841397

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

مباني أُصول الفقه

مؤلف: آيت اللّه شيخ محمد رحمتي

الناشر: قرآن صاعد

وقت وسنة النشر: 1398

الطباعة والتجليد: زلال کوثر

الدوران: 1000 نسخه

ISBN: 6-94-7282-600-978

ISBN: 2-89-7282-600-978

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین

الرحمن الرحیم

مالک یوم الدین

إیاک نعبد وإیاک نستعین

اهدنا الصراط المستقیم

صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین

لفت نظر

1 - رقم الآيات على حسب احتساب البسملة آية من السور غير سورة التوبة .

2 - مأخذ روايات الوسائل، طبعة ثلاثين مجلّداً .

3 - روايات المستدرك على طبعة 20 مجلّداً .

4 - صفحات الكفاية على طبعة جلدين مع حاشية المشكيني .

ص: 2

مباني أُصول الفقه

تقرير بحث المحقّق المدقّق آيت اللّه العظمى

السيّد محمود الشاهرودى قدس سره

لتلميذه آيت اللّه الحاج الشيخ محمد الرحمتي

الجزء الثاني

ص: 3

شناسنامه

ص: 4

يقع البحث من جهات:

الاولى: في مفاد صيغة النهي . فنقول ان مفادها ليس إلاّ طلب الترك كما ان الأمر طلب الفعل وايجاد الشيء وحيث ان الترك حاصل في الخارج فلابدّ من كون المطلوب هو الاستمرار على الترك وابقاء العدم على حاله وعدم ايجاده واخراجه إلى الوجود ولهذا المعنى لا نحتاج إلى الالتزام بكون المطلوب بالنهي هو الكف بل نقول ان المطلوب به ليس إلاّ العدم وابقائه واستمراره كما انه لا مجال للاشكال في ذلك بأنّه يرجع حينئذٍ الفرق بين الأمر والنهي إلى الاختلاف في المتعلّق لأنّ الأوّل أي الأمر يتعلّق بالوجود والثاني بالترك والعدم بعد اشتراكهما

معا في كون مفادهما هو الطلب مع ان النهي ينشأ من مبادى مخالفة لمبادي الأمر ومبدء الأمر ومنشأه هو الحبّ المستتبع للارادة والنهي منشأه البغض للشيء المستتبع لارادة تركه أو الزجر عنه فانه لا مانع من كون منشأ النهي هو البغض لكنه يوجب طلب المولى والترك وابقائه على العدم .

الثانية: يمكن ثبوتا في النهي المتعلّق بأفراد طبيعة واحدة أو بعدّة أشياء كونه على نحو العام المجموعي بأن يكون المطلوب في الترك هو جمع كلّ ذلك في

الكلام في النهي

ص: 5

الامتثال بحيث إذا أتى ببعضها دون بعض أو ترك بعضها دون بعض لم يطع فيالاولى وكذلك في الصورة الثانية حيث ان الاطاعة عبارة عن الاتيان بالجميع لا ما أراد فعله أو تركه على نحو ما أراد . والفرض ان ارادته طلبه للترك على ذلك الوجه فاذا أتى ببعض الأفراد أو شرب بعض قطرات الخمر في ما إذا كان النهي عنه على نحو العام المجموعي فلا يتعلّق بالباقي نهي اذ لا يقدر على امتثاله . كما انه يمكن كونه على نحو العام الأفرادي بحيث يكون لكلّ فرد اطاعة وعصيان يخصّانه ولا يرتبط ذلك بباقي الأفراد فاذا أتى بالبعض فعلاً أو تركا دون الباقي فبالنسبة إليه أطاع أو عصى دون الباقي .

ويمكن هنا وجه ثالث وهو كون المطلوب في الترك لشرب الخمر مثلاً كونه لا شارب الخمر بخلاف الوجهين الاولين فانهما على نحو السالبة المحصّلة كليّة وجزئيّة مجموعيّة وانحلاليّة دون الوجه الأخير فان المطلوب هو هذا العنوان وهو أيضا يرجع إلى استمراره . فان الانسان قبل وجوده لا شارب الخمر على نحو القضيّة السالبة بانتفاء الموضوع ازلاً فاذا وجد فله الاتّصاف بهذه الصفة واذا كان المطلوب هو هذه الصفة فالابقاء لهذا العنوان يكون مرادا للمولى . ويترتّب على هذه الوجوه الثلاثة ثمرات مختلفة يجري في بعضها البرائة كالاولين دون الأخير لرجوعه إلى الشكّ في المحصّل في مورد الشكّ في اللباس المشكوك وغيره من الموارد خصوصا إذا كان لمتعلّق النهي تعلّق بموضوع خارجي وكان له موضوع خارجي كالخمر في شرب الخمر والغيبة بالنسبة إلى المؤمن . وهناك وجه رابع تصوره لا يخلو من اجمال وسترة وهو كون المتعلّق بالوجود السعي يختلف بالطول والقصر .

ص: 6

وأظهر هذه الوجوه اثباتا كون المطلوب والمتعلق على نحو العام الافرادي حيث ان الوجه الأخير وما قبله خلاف الظاهر بل قد أشرنا إلى ان تصور الأخير لايخلو عن اشكال وكذلك كونه على نحو العام المجموعي يحتاج إلى عناية زائدة حيث ان عنوان الجمع في ذلك غير المتعلّق بالافراد . نعم إذا قام قرينة هناك على ارادة بعض الوجوه الآخر فلا اشكال .

الثالثة: هل النهي يدلّ على الاستمرار والشمول للافراد العرضيّة والطوليّة ثمّ انه يكون بالوضع أو بالاطلاق في كلا الموردين أو في الافراد العرضيّة بالشمول وفي الطوليّة بالاطلاق ؟ وجوه بل أقوال ربما يظهر(1) من المحقّق النائيني قدس سره الوجه الثالث . والتحقيق انّ اللفظ موضوع بازاء الطبيعة لا بشرط المقسمي وحدود الأقسام الثلاثة خارجة عن موضوع الطبيعة .

فالشمول لكلتي الأفراد الطوليّة والعرضيّة لابدّ وأن يكون بالاطلاق فتدبّر .

ثمّ انه لا يخفى انه تارة يكون للمتعلّق تعلّق بموضوع خارجي كالشرب المتعلّق بالخمر واخرى لا يكون كذلك كما في مثل النهي عن التكلم وإن كان قلما يوجد مورد للثاني خال عن اشكال رجوعه إلى القسم الأوّل . ففي القسم الأول البناء على كون العموم الافرادي ينحل إلى أحكام حسب تعدّد موضوعات الأفراد وفي الثاني لا موضوع كذلك .

توضيح: قد عرفت ان النهي إنّما يدلّ على الترك وكون المطلوب هو الاستمرار على ترك الطبيعة الازلى ولا دلالة فيه على الزجر لان المنشأ ليس إلاّ خصوص النسبة بين الفعل والفاعل . فقوله لا تفعل معناه المنشأ والموجد المنتزع

دلالة النهي بالوضع أو الاطلاق

ص: 7


1- . فوائد الاُصول 1/395 - 396 .

عن هذا القول مطلوبيّة الترك والاستمرار عليه . وليس مدلول النهي مخالفا لمدلول الأمر إلاّ من حيث المتعلّق وكون الأمر متعلّقا بالوجود ويكون طلبا له والنهييكون طلبا للعدم والترك ولا ينشأ هناك ردع ولا شيء آخر وليس مدلول صيغة النهي ردعتك . نعم امتثال متعلّق الأمر والنهي يشمل الضجر ومستلزم له لكنه ليس مدلولاً له كما انه يستلزم البعد عن الشيء وليس معناه نفس البعد .

ثمّ انه بعد ذلك هل يقتضي تاركية المتعلّق وكون المكلّف متصفا بهذا العنوان ومتسما بهذه السمة . فمعنى لا تشرب الخمر كن لا شاربها ومرجعه إلى ايجاد هذا العنوان ويكون ترك الشرب بافراده المختلفة محصّلاً لهذا العنوان . وعلى هذا لا يمكن جريان البرائة في الأفراد المشكوكة للشكّ حينئذٍ في المحصل .

نعم إذا كان المحصّل شرعيّا يمكن جريان البرائة على وجه بخلاف ما إذا كان عقليّا كما في المقام حيث يكون المطلوب عنوانا بسيطا . وبهذا البيان لا مجال للقول بصدق العنوان بالنسبة إلى الأفراد المعلومة دون المشكوكة لكون العنوان تشكيكيّا . وذلك لأنّ المطلوب هو تاركيّة الطبيعة لا كلّ فرد وحينئذٍ فيستحيل جريان البرائة على هذا المبنى . ويناسب هذا المبنى كون النهي انشاءاً وللنسبة بين الفاعل وترك الطبيعة ليكون تكوين العبد على طبق تشريع المولى . فالمولى يجعله تاركا أو لا شارباً تشريعيّا ولابدّ في مقام الاطاعة من جعل نفسه تكوينا حسب تشريع المولى . وربما يظهر من المحقّق الخراساني هذا المذهب حيث يشير في بعض كلماته في الكفاية(1) إلى وجوب ترك جميع أفراد الطبيعة عقلاً كما ان في ناحية الأمر أيضا يذهب إلى وجوب صرف الوجود عقلاً الاّ ان مشيه في الفقه

ص: 8


1- . كفاية الاُصول 1/233.

على خلاف هذا المبنى أو لا بل يتعلّق النهي بالطبيعة على نحو العام الاصولي يقتضي تاركيّة كلّ فرد فرد لا على نحو عموم السلب وتركه للجميع من حيثالمجموع بحيث إذا أتى بواحد فبعده لا يقدر على امتثال النهي لخروجه عن تحت الاختيار اذ الفرض كون المطلوب ارتباطيّة الترك في بعضها إلى بعض آخر . كما ان في النذر يمكن كلا القسمين فتارة ينذر ترك شرب التتن رأسا بالنسبة إلى كلّ فرد فرد من السجاير فاذا شرب واحدة فحنث وله الترك والحنث بالنسبة إلى الباقي واخرى ينذر الترك بحيث لا يشرب أصلاً فحينئذٍ إذا شرب فعصى وحنث مرّة واحدة ولا اشكال في جواز الشرب في المرّات اللاحقة لعدم العصيان وكون النذر إنّما هو على التاركيّة .

ويحتمل وجه ثالث وهو كونه بالنسبة إلى صرف الوجود بأن ينذر عدم شرب ماء دجلة قطرة واحدة فاذا فرض انه شرب جميع الماء وبقي منه قطرة واحدة لم يشربها فلا حنث وهذا خلاف الظاهر في باب النواهي بأن يكون المطلوب تركه هو صرف الوجود .

وكيف كان فالمطلوب في النواهي هو الترك بالنسبة إلى جميع الأفراد سواء كان في ماله متعلّق لمتعلّقه كما في الخمر أو لا . بل لم يكن كالتكلّم . لكن الكلام في ان دلالته على الترك بطريق العام الافرادي الانحلالي هل هو بالوضع مطلقا سواءً في الافراد العرضيّة والطوليّة أو بالاطلاق في كليهما أو بالاختلاف بالوضع في العرضيّة وبالاطلاق في الطوليّة ؟ وجوه ثلاث . فنقول قد ينسب إلى المشهور ان اللفظ وضع بازاء الماهيّة المرسلة التي يعبّر عنها بالماهيّة اللا بشرط القسمي وحينئذٍ فاستعماله في بشرط شيء أو بشرط لا مجاز خلافا للسلطان قدس سره فذهب

المطلوب في النواهي هو الترك لجميع الأفراد

ص: 9

إلى انّ اللفظ إنّما وضع بازاء الماهيّة من حيث هي هي مع قطع النظر عن الطواري والعوارض سواء كان بشرط شيء أو بشرط لا أو لا بشرط . بل لا يمكن وضع اللفظ بازاء الماهيّة بشرط لا لكونه كليّا عقليّا لا موطن له في الخارج كما انالوضع بازاء القسمين الاخيرين القسيمين للماهيّة بشرط لا أيضا لا وجه له لاستلزامه كون قسيم الشيء قسما له وهو محال فانحصر كون الوضع بازاء الماهيّة لا بشرط المقسمي التي تكون موجودة في كلّ أقسامها الثلاث . فسواءً أخذت مرسلة أو قيدت بشيء وجودي أو عدمي فالماهيّة موجودة في جميع الأقسام واللفظ المستعمل فيها حقيقة . وسيجيء إن شاء اللّه في بحث الاطلاق والتقييد ان النسبة بين المطلق والمقيد هو النسبة بين العدم والملكة وانه يستحيل كون تقابلهما من باب الايجاب والسلب بل يحتمل كونه من التضاد كما يحتمل من العدم والملكة ونقيم البرهان هناك إن شاء اللّه على عدم امكان كون التقابل بينهما من التضاد فينحصر في خصوص العدم والملكة . وبهذا لا مانع من اجراء البرائة في الأقل والأكثر الارتباطي .

على حذو جريانها في غير الارتباطي ويكون الجريان فيه أيضا بسهولة بل النزاع المعروف في ان متعلّق الأوامر والنواهي هي الطبائع أو الافراد أيضا يرجع إلى هذا المبنى من الماهيّة لعدم معقوليّة كون النزاع في ان المطلوب هو الماهيّة من

حيث هي أو الوجودات بل لا اشكال في كونه هي الوجودات .

نعم إنّما الكلام في كونها بوجودات الماهيّة كنسبة الآباء إلى الأولاد أو لا بل المطلوب هو الفرد مضافا إلى الماهيّة بتشخصاته الفرديّة .

إذا عرفت ذلك يسهل عليك حل اشكال المقام وان دلالة النهي على الأفراد

ص: 10

مطلقا طوليّة أو عرضيّة إنّما تكون بمقدّمات الحكمة لعدم دلالتها الا على الماهيّة(1)بل حتى لا يمكن كون دلالتها على الوجود الذهني أيضا .

نعم يدور الأمر بين القضيّة الحقيقيّة والشخصيّة وإلاّ فلا يمكن القول بكون القضايا الشرعيّة قضايا طبيعيّة . وحينئذٍ فما نسب إلى المحقّق النائيني من التفصيل

في المقام بكون الدلالة بالوضع على الأفراد العرضيّة وبالاطلاق في الطوليّة خلافا لما ذهب إليه في تنبيهات الاستصحاب من القول بكون دلالتها بالاطلاق مطلقا ليس في محلّه . لأنّه خلاف مبناه في المطلق والمقيّد . ويتفرّع على هذا كون الزمان واردا على حكم العام بخلافه اذا كان بالوضع فيكون الزمان مأخوذا في العموم والعموم واردا عليه الذي يختلف الحكم باعتبار جواز التمسك بعموم العام أو استصحاب المخصّص بعد التخصيص فراجع .

وقد سمعت منّا كرارا ومرارا ان جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقيّة لا على نهج القضايا الخارجيّة الشخصيّة ويترتّب على الوجهين ان العلم يعتبر في القضيّة الخارجيّة ويؤثّر في جعل الحكم بخلاف الحقيقيّه فانه وإن يعلم المولى بعدم وجود المكلف ولا حصول شرايطه ومع ذلك يجوز له تشريع الحكم وبهذا يمكن تصحيح ما يقال من ان كلّ ما في الدار نهب وان كلّ من في العسكر قتل مع العلم بكون زيد في العسكر وانه لا يتوقّف حصول العلم بالكبرى على مقتوليّة زيد ولا نهب خصوص الشيء الفلاني فلا دور وعلى هذا فينحل من هنا بحث آخر في

الدلالة بمقدّمات الحكمة

ص: 11


1- . وهذا بلا فرق بين العموم العنواني أو الافرادي نعم تارة يكون دلالة الحكم على الاستمرار والبقاء بالاطلاق أو بدليل آخر منفصل ثمّ ينسخ لكنه يكشف عن قيد آخر فيرجع النسخ حينئذٍ إلى التخصيص في الأزمان فلا مجال للتمسّك باستصحاب عدم النسخ عند الشكّ فيه بل يتمسّك بالاطلاق .

جواز أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه .

ثمّ ان البحث في دلالة الأمر والنهي على الترك في الأفراد الطوليّةوالعرضيّة قد علم حله بالاطلاق ومقدمات الحكمة وان كلّ فرد من أفراد الطبيعة المنهي عنها مبغوض لا أن تركه محصّل للمطلوب والمراد بالأبحاث المطويّة في ما نسب إلى المحقّق النائيني هو ما ذكرنا وأشرنا إليه فلا بحث في المقام غيره .

الكلام في جواز اجتماع الأمر والنهي وعنوان البحث بهذا النحو قد اشتهر بينهم وظاهره ان البحث عن أصل الكبرى وهل يكون تضاد بين الأحكام أم لا ؟ الا ان المراد من ذلك هو هل يجتمع الأمر والنهي أم لا وذلك في ما إذا تعلّق الأمر بطبيعة والنهي بالاخرى بينهما عموم من وجه ففي مادة الاجتماع اجتمع الأمر والنهي أم لا . والا فلا اشكال في تضاد الأحكام عندهم اما مطلقا أو في مقام المحركيّة .

نعم قد يظهر من بعضهم عدمه ولذا لا مانع من اجتماعها في شيء واحد ولو مع عدم تعدد الجهة على ما سنشير إليه فنقول:

توضيحا للتضاد انه لا ينبغي الارتياب في تضادهما بحسب مقام المحركيّة والبعث نحو متعلّقهما وقد يقال بعدم تضادهما في عالم الواقع ما لم يصر في مقام المحركيّة لعدم امتناع كون شيء واحد محبوبا ومبغوضا من جهتين لشخصين بخلاف الاعراض الخارجيّة كالسواد والبياض فانه لا يمكن حصولهما معا في مورد واحد ولو من شخصين أحدهما يريد تلوينه بالسواد والآخر بالبياض فالارادة والكراهة وغيرها من مبادئ الأحكام ليست كالاعراض الخارجيّة بل من قبيل المثال الأول الذي قد عرفت عدم امتناع اجتماع المحبوبيّة والمبغوضيّة

ص: 12

بالنسبة إلى شخصين فيها .

الا ان الجواب عن هذا انها أيضا تكون كالاعراض الخارجيّة لأنّه إذا كان في شيء واحد جهتان مصلحة ومفسدة فاما أن يكون احديهما هي الغالب فالحكمعلى طبقه والا فحكم ثالث ولا يمكن جعل الحكم على طبق كلا الملاكين مطلقا .

نعم لو صحّ هذا المبنى لأمكن الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بأسهل وجه لانحصار التضاد حينئذٍ في مقام المحركيّة والبعث مع ان الحكم الذي يبعث نحو متعلّقه ليس إلاّ الحكم الظاهري فكيف يضاده الحكم الواقعي الذي لا بعث له ولا يحرّك نحو متعلّقه .

توضيح وتكميل: سبق البحث عن كون النهي متعلّقا بالأفراد على نحو الاستغراق وانه على نهج القضايا الحقيقيّة لا الخارجيّة . وربما يذكر فيما يترتّب عليه بحث اجتماع الأمر والنهي . ولا يخفى ان التضاد بين الأحكام لا مجال لانكاره بل هو مسلم فعنوان الباب بأنّه هل يجوز اجتماع الأمر والنهي لا معنى له بعد مسلميّة تضاد الأحكام وعليه لا يجوز اجتماع الأمر والنهي في مورد واحد وهذا البحث كلامي لا ربط له بالاصول .

والذي ينبغي أن يقع البحث فيه بعد الفراغ عن قضيّة التضاد بينهما هو انه إذا تعلّق الأمر بشيء أي طبيعة والنهي بطبيعة اخرى كان بينهما أي المتعلقين عموم من وجه وكانا من غير العناوين الاشتقاقيّة بل مبدئين ويوجدان بايجاد واحد في مادة الاجتماع هل يتّحد المتعلّق أم لا ؟ وقولنا في العنوان كونهما عامين من وجه لخروج ما إذا كانا على نحو التباين والظاهر ان لم يقع البحث فيما اذا كانا متبائنين ومورد كلامهم في عنوان الباب نزاعا إنّما هو ما إذا كانا عامين من وجه كما ان

جواز اجتماع الأمر والنهي

ص: 13

التقييد بكونهما مبدئين دون العنوانين الاشتقاقيين لاخراج نحو العالم الفاسق الذي كان محلاًّ للأمر والنهي من جهتين مع اتحاد العنوانين ذاتا ومصداقا فانه خارج عن مورد باب الاجتماع وحينئذٍ . فباب الاجتماع ينحصر بما إذا كانا مبدئين بينهما عموم من وجه كالغصب والصلاة فاذا تعلّق الأمر بالصلاة والنهيبالغصب والتصرف في مال الغير فهل يتّحد المتعلّق في مورد اجتماع الغصب والصلاة أم لا ؟ بل يتعددان .

ثمّ انه على فرض الاجتماع وكون المتعلق واحدا فيدخل في باب النهي في العبادات كما انه على تقدير عدم وحدة المتعلّق بل تعدّده يدخل في صغرى باب التزاحم وحينئذٍ فالكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في انه هل تعلّق الأمر بطبيعة والنهي باخرى يوجب اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد في مورد اجتماع العنوانين في المصداق أم لا ؟ وبعبارة اخرى هل تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون وكون متعلق النهي شيئا ومتعلّق الأمر شيئا آخر لتعدّد ماهيّتهما أم لا ؟ بل كما انّهما في الايجاد واحد كذلك في الوجود ولا يمكن كون شيء واحد ووجود فارد مصداقا لماهيتين .

ثمّ انه على تقدير تعدّد المتعلّق وكون اجتماعهما في الوجود من باب التركيب الانضمامي وان وضع الجبهة على الأرض كما انه وضع وجزء الصلاة كذلك تصرّف في مال الغير ويستحيل اتّحاد المتعلّقين لرجوعه إلى وجود جامع بين الاعراض وقد بيّن في محلّه بطلانه وان ما به الامتياز في الأعراض عين ما به الاشتراك فلا جامع بين العرض والجوهر ولا بين الأعراض بعضها بالنسبة إلى بعض آخر . فالاين غير مرتبط بالوضع وكذاهما بالنسبة إلى الاضافة وهكذا

ص: 14

وحينئذٍ لابدّ من اثبات عدم سراية الأمر والنهي عن متعلّقهما إلى متعلّق الآخر بأن يكون متعلّق النواهي والأوامر هو خصوص الطبائع بمعنى وجودات الطبايع لا الأفراد بلوازمها الشخصيّة . وعلى هذا فلا يتجاوز الأمر عن متعلّق نفسه إلى متعلّق النهي وهكذا ولو فرض اجتماعهما في الايجاد والوجود بالتركّب الانضمامي .

المقام الثاني: متفرع على المقام الأوّل وهو انه إذا لم يتجاوز الأمر ولاالنهي عن متعلّق نفسه إلى متعلّق الآخر ونتيجة ذلك عدم كون ذلك من صغريات باب النهي في العبادات الذي نتيجته القيديّة الواقعيّة والمانعيّة كذلك فيكون نتيجة الاجتماع كونه من صغريات باب التزاحم لعدم خلو باب الاجتماع من كونه صغرى لاحدى المسئلتين . فامّا أن تكون نتيجته صغرى لباب النهي في العبادات وأمّا صغرى لباب التزاحم الذي يخالف ساير أبواب التزاحم كالمقدّمة المحرمة والاستقبال والاستدبار المتلازمين وغيرهما . وحينئذٍ فيترتّب عليه كون المانعيّة بناء على تغليب جانب النهي مانعية علمية كما في مطلق أبواب التزاحم وفي حال الجهل بالموضوع لا مانعيّة واقعا . بل يمكن القول بذلك حتّى اذا كان عامدا في ذلك جاهلاً بالحكم عالما بالموضوع . ولا يكون حينئذٍ الجاهل كالعامد . وعلى هذا فيصحّ الوضوء بمال الغير اذا لم يدر انه ماله وكذلك يصح له الاتمام اذا علم بعد الفراغ من الغسلات اذا قلنا بعدم كون الرطوبة الباقية على اليد مالاً عرفا أو قلنا بكونها تالفة غاية الأمر يترتب عليه الحكم الوضعي في المقامين وهوضمان ما أتلفه جهلاً من مال الناس ولا اثم عليه .

ثمّ إن لكلّ من المقامين مقدمات تخصه كما ان لهما مقدمات مشتركة فاحدى المقدمات المشتركة ان البحث عن لزوم الاجتماع وعدمه هل من

نتيجة عدم تجاوز الأمر والنهي عن متعلّقهما

ص: 15

المسائل الاصوليّة أو الفقهيّة أو من المباحث الكلاميّة أو من المبادى الأحكاميّة أو التصديقيّة أو التصوريّة ؟ لا اشكال في عدم كونه من المسائل الكلاميّة بالنظر إلى المقام الأوّل وكذا الثاني لعدم انطباق ضابط المسئلة الكلاميّة عليه كما هو واضح وكذا ليس من المسائل الفقهيّة ولا الأصوليّة ان جعلنا ضابط المسئلة الاصوليّة ما يقع نتيجة لكبرى قياس الاستنباط ضرورة عدم وقوع نتيجة المسئلة كبرى منه لأنّ المقام الاوّل نتيجته صغرى من صغريات باب النهي في العباداتبناء على اتّحاد المتعلّق كما انه بالنسبة إلى المقام الثاني أيضا يكون نتيجة البحث صغرى من صغرياته وبالنتيجة اما صغرى مسئلة النهي في العبادات أو لباب التزاحم وفي كلا البابين لا تكون النتيجة واقعة في كبرى قياس الاستنباط بل صغرى المسئلتين كما هو واضح .

وكذا ليس من المبادي الأحكاميّة فهو من أحد الأخيرين ولأوجه للثاني فيكون من المبادى التصديقيّة اما لباب التزاحم أو لباب النهي في العبادات هذا .

وأمّا اذا قلنا ان المسئلة الاصوليّة ما يقع في طريق الاستنباط نتيجة فلا اشكال في كون المقام كذلك .

توضيح: سبق التنبيه على ان محلّ البحث في باب الاجتماع ما اذا كان بين العنوانين عموم من وجه في التصادق على الأفراد الخارجيّة ولم يكونا ممّا يحملان على الذات فان كان كذلك فهو خارج عن بحث الاجتماع ويدخل في باب التعارض .

وبعبارة اخرى لابد من كون متعلّق الأمر والنهي في باب الاجتماع المبحوث عنه من المبادي لا من العناوين الاشتقاقيّة كالعالم والفاسق وقلنا

ص: 16

برجوع الثاني إلى كون الحيثيّة تعليليّة وان مصب الحكم الذات دون ما اذا كان عنوانا مبدئيّا لكن بنى بعضهم على رجوع مطلق ما اذا كان بين العنوانين المتخالفين عموم من وجه إلى باب التعارض .

وكيف كان فقد عرفت ان أخذ المبدأ لعدم رجوعه إلى باب التعارض الا انه قد يشكل بعدم كون مطلق المبادى راجعا في مادة الاجتماع إلى العموم من وجه كما في مثل الانفاق على واجبي النفقة والتصرّف في مال الغير والغصب وكما في مثل الوضوء بالماء بمال الغير والسر في ذلك ان الماء الذي يكون متعلّقا للوضوءفي الوضوء كما في التصرّف المنهي عنه في الغصب ليس له إلاّ وجود واحد فلا يتعدّد مع ان المفروض هو بوجوده الواحد متعلق الأمر والنهي معا . وكذلك مثال الانفاق فان المال الذي ينفق في نفقة واجب النفقة مال شخصي ودرهم خارجي فلا يمكن أن يكون متعلّقا للأمر بالانفاق والنهي عن التصرف فيه بالغصب بغير اذن مالكه بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة مثلاً فانّها ليست كالوضوء بمال الغير كما انه على هذا يتوجّه اشكال آخر وهو عدم بقاء مورد صالح لكونه من باب الاجتماع حيث ان العناوين الاشتقاقيّة بأسرها خارجة عن مورد النزاع لكونها من باب التعارض وكذلك العناوين المبدئيّة التي ترجع إلى اتّحاد المتعلّق في الأمر والنهي وتكون من الحيثيّات التعليليّة الموجبة لعروض الحكم من الأمر والنهي على نفس الذات فأين موضع التركّب ومورد الاجتماع .

لكن يمكن التمثيل له بالصلاة والغصب اذا لم نستشكل فيهما بعدم امكان كونهما من البابين حيث ان الحركة الواحدة الصادرة لا يمكن أن تكون من مقولتين فكيف يجتمع الأمر والنهي ويتعلّق كلّ بمتعلّقه ولا يتّحد مع الآخر . الاّ انّه

اشتراط باب الاجتماع بتعلّق الأمر والنهي بالمبادي

ص: 17

لا واقع لهذا الاشكال حيث ان الغصب عبارة عن نفس اشغال المكان المندرج تحت مقولة الاين على أي حالة من الحالات والصلاة عبارة عن الأفعال الخاصّة التي ربما تنطبق على أكثرها وتندرج تحت مقولة الوضع فلا موجب لتوهم الاشكال وانه لا يمكن اتّحاد الأعراض مع ان الحركة في كلّ مقولة عبارة عن نفس تلك المقولة فاذا كانت في الاين أو الوضع أو باقي الاعراض فهو من الاين والوضع أو الفعل وهكذا كما انه اذا قلنا بالحركة الجوهريّة فالحركة فيها من مقولة الجوهر فحينئذٍ يتّضح عدم تعدّد وضع الجبهة على الأرض فهي من مقولة واحدة غاية الأمر ان قوام الغصب ليس الا باشغال المكان الذي يكون من مقولة الاينوالباقي من لوازم وجوده حتّى السجود المنطبق عليه عنوان الوضع ففي الحقيقة ليس هناك تركب بين مقولتين غاية الأمر في الحس لا يكون الا شيء واحد يقسمه المنشار العقلاني ويميزه ويجعل حصة من مقولة الاين وهو الغصب واخرى من مقولة الوضع وهو السجود والركوع وهكذا وقد عرفت كون الحركة كالهيولى الاولى في كل مقولة تكون من تلك المقولة ومع ذلك فلا يمكن جعل الوضوء والانفاق بمال الغير بدون اذنه من باب الاجتماع .

ثمّ في مورد البحث وهو الصلاة إنّما يندرج المثال في باب الاجتماع بناءً على ما ذكرنا من جهة ان المكان كالزمان من لوازم وجود الشيء وتحقّقه خارجا ولا يمكن تفكيك الشيء من لوازم وجوده فحينئذٍ ينطبق باب الاجتماع عليه ويكون من محلّ البحث .

وقد اشير سابقا إلى ان العموم والخصوص من وجه إنّما يكون بين الاعراض الخارجيّة بحسب الوجود الخارجي على ما ذكرنا لا بين المفاهيم فانها متبائنات ولا بين الذوات فتدبر وراجع .

ص: 18

تكميل وتتميم: قد أشرنا إلى كون الصلاة في المكان الغصبي هو المثال لباب الاجتماع الا ان هنا نكتة لابدّ من التنبيه عليها وهي ان العناوين ان كانت تقييديّة فيكون من باب الاجتماع بخلاف ما اذا كانت تعليليّة فخارجة عنه . والضابط لذلك كما مرّ سابقا هو ان العناوين الاشتقاقيّة كلّها من التعليليّة التي لايمكن كونها من باب الاجتماع .

أمّا العناوين المبدئيّة التي الفرق بينها وبين العناوين الاشتقاقيّة كالفرق بين الهيولي والصورة وبين الجنس والفصل حيث ان الهيولى والصورة بشرط لا عن الحمل والاتّحاد مع الاخرى وكذلك المبادى فانها بشرط اللا عن الاتّحاد والحملبخلاف الجنس والفصل فانّهما لا بشرط عن ذلك ولذا يحمل أحدهما على الآخر كما يحمل العناوين الاشتقاقيّة على الذوات وتتّحد معها على ما سبق في بعض الأبحاث ( وظنّي انه مقدمة الواجب ) الا ان العناوين المبدئيّة أيضا تكون على قسمين فقسم منها يكون تعليليّة وقسم آخر تقييديّة .

أمّا الأوّل فهو مطلق ما اذا كان لمتعلّق الحكم تعلّق بموضوع خارجي كما في الوضوء فانه وإن لم يكن من العناوين الاشتقاقيّة لكنّه حيث يتعلّق بالماء الخارجي فيمتنع كونه من باب الاجتماع بل يدخل في باب التعارض وكما في الستر الصلوتي والسجدة على التربة المغصوبة أو وضع باقي الأعضاء السبعة على الأرض المغصوبة فانها بأسرها وأمثالها خارجة من باب الاجتماع .

ثمّ انه إمّا أن يكون هناك جمع حكمي بين الدليلين المتكلفين لبيان الأمر والنهي بأن يكون أحدهما أظهر والآخر ظاهرا أو غير ذلك كما في المطلق الشمولي والعام البدلي فانه لو قيل بتقدم العام الشمولي على البدلي فلا موجب

الفرق بين العناوين التقييديّة والتعليليّة

ص: 19

لكونه من باب الاجتماع والفرض مجرّد خروجه من باب الاجتماع سواءً كان داخلاً في باب التعارض محكوما بأحكامه من التساقط أو الرجوع إلى المرجحات أم لا بل كان هناك جمع حكمي بين الدليلين .

أمّا الثاني ففي المبادي التي لا تتعلّق بموضوع خارجي كما في الصلاة اذا كانت مواضع السجدة ملكاً(1) للمصلّي فانه من باب الاجتماع ويكون الغصب متحقّقا بمجرّد اشغال فضاء الناس أو استلزام صلاته ذلك ولا وجه لما يقال ان الأرض اذا كانت مقيرة فلا يكون التصرّف فيها ( عليها ) غصبا اذ فيه ما هو واضح الورود كماانه يكون من باب الاجتماع ما إذا كان بدنه في فضاء الناس غير المأذون له وركوعه وسجوده في ملكه ولا معنى لتوهم اتّحاد الغصب والصلاة في مثل وضع الجبهة على تربة نفسه اذا كانت موضوعه على الأرض المغصوبة التي لا يأذن المالك في التصرّف فيها اذ لا يمكن كون الغصب صلاة والصلاة غصبا بل الملابسات كلها خارجة عن حقيقة الشيء افترى انه اذا شرب ماء نفسه في ظرف له ومكان شرب الماء والتصرّف فيه بذلك دار الغير أو أرضه فيكون هذا الشرب حراما أو غصبا كلاّ فكذلك الصلاة التي يأتي بها لا تكون غصبا وان استلزمته .

وكيف كان فالمثال المناسب التام الانطباق على مورد البحث هو ما اذا صلّى وبدنه في مال الغير وموضع سجوده ملك نفسه أو وركوعه أيضا فانه اما أن لا يكون هناك تركب أو يكون تركبا انضماميّا لا اتّحاديّا .

ثمّ انه قد أشرنا إلى النسب الأربع وان كلّ كليين اما أن يكون جهة الصدق على الأفراد فيها واحدة فمتساويان أو لا بل متعدّدة وحينئذٍ فاما أن يتخالفا أو

ص: 20


1- . الظاهر لزوم كون العبارة لم تكن ملكاً للمصلى .

متبائنان والثاني لا يمكن وجودهما في مورد واحد وأمّا المتخالفان فيمكن وجودهما في مورد واحد الا ان جهة الصدق في مادة الاجتماع هي بعينها تلك الجهة الموجودة في مادة الافتراق فاذا فرض تصادق كليين في مادة الاجتماع ولو كان لحكمين لهما تعلق بالموضوع الخارجي فلا يمكن صيرورة الجهتين المتعددتين متحدة فهما اثنان متعددان فكيف يمكن القول بكون مادة الاجتماع تعليليّة الجهة لا تقييديّة بل لابدّ أن يكون تقييديّة وعلى هذا فيكون ما خرج من باب الاجتماع داخلاً فيه .

والجواب عن الاشكال الوارد على التقييديّة في ما اذا كان للمتعلّق تعلّق بموضوع خارجي ان جهة الصدق والانطباق لابدّ أن يكون في مورد البحث أيالعموم من وجه في كلّ من العنوانين مخالفا للجهة الموجبة للصدق في الاخر وبعبارة اخرى حيث الصدق والانطباق في العناوين الاشتقاقيّة غير ما هو المناط في غيرها . ففي العناوين الاشتقاقيّة إنّما تكون جهة الصدق تعليليّة لانطباق عنوان العام مثلاً على مصداقه وفي صورة اجتماع العنوانين لا يكون هناك تعدّد ذات بل الذات المتّحدة ينطبق عليها العنوانان ويكون الحكم واردا عليه . والمبدء المأخوذ فيه كونه بشرط لا بخلاف العنوان الاشتقاقي المأخوذ فيه اللابشرطيّة يكون جهة تعليليّة . نعم حيث ان بين عنوان العالم والفاسق وكذا بين عنوان العالم والعادل بحسب العناوين الخارجيّة العموم من وجه في التصادق فلابدّ أن تكون جهة الصدق في مورد الاجتماع عينها في مورد الافتراق . ففي مادّة الاجتماع يكون المجمع جامعا للعنوانين لما انه جامع للجهتين الموجبتين للصدق والانطباق .

أمّا العناوين غير الاشتقاقيّة فقد قدّمنا انها تارة يكون لها تعلّق بالموضوع

تصوير البحث على النسب الأربع

ص: 21

الخارجي كما في الوضوء بالماء واخرى لا يكون كذلك وقلنا ان الأول خارج عن مورد البحث حيث انه يرجع إلى الجهات التعليليّة كالعناوين الاشتقاقيّة ويكون داخلاً في باب التعارض . اذا كان هناك جمع حكمي فيها والا فيعمل ما يقتضيه قواعد باب التعارض وأمّا الثاني فمورد البحث في باب الاجتماع الا انه قد استشكلنا في القسم الأوّل وقربنا وجه دخولها في العناونين التقييديّة وقلنا انه لا يمكن صدق العنوانين على مورد الاجتماع الا لوجود الجهتين فيه فحينئذٍ ولو كان للمتعلّق موضوع خارجي لكن مع ذلك يمكن أن لا تكون تقييديّة الا ان هذا لا وجه له لما أشرنا إليه في العناوين الاشتقاقيّة من كون ذلك جهة الصدق على الذات والوجود الخارجي فالحيثيّة تعليليّة كما فيها لا تقييديّة .

ثمّ ان العموم من وجه في مثل العالم والجاهل والعادل والفاسق بعضها معبعض ليس لازمه تعدّد الأفراد بأن يكون هناك ثلاثة أفراد كزيد يكون عالما عادلاً وعمرو يكون عالما فاسقا غير عادل وبكر عادلاً جاهلاً بل يمكن تصويره بالنسبة إلى فرد واحد غاية الأمر في الحالات المختلفة فيمكن كون زيد في حال كونه جاهلاً فاسقا ان يصير عادلاً ويمكن أن يكون بعد ذلك عالما عادلاً كما انه يمكن اذا كان عالما عادلاً يصير جاهلاً أو فاسقا فما كتبوا في بعض المواضع من لزوم الانفراد بين الأفراد ليس على ما ينبغي .

واعلم ان القوم إنّما عنونوا النزاع في ما يكون بين العنوانين المتعلّق أحدهما للأمر والآخر للنهي عموم وخصوص من وجه لكنه لا مانع من تعميمه لما اذا كان بينهما التساوي في الصدق بمعنى التلازم بين العنوانين وان أحدهما كلّما يتحقّق فرد منه في الخارج يوجد من الآخر كذلك للملازمة بينهما وبين جهتي

ص: 22

صدقهما وعدم عنوان النزاع في هذا القسم لا ينافي كونه محل البحث لوجود مناط باب الاجتماع فيه وعدم انطباق ضابط باب التعارض عليه حيث ان المصلحة في طبيعة والمفسدة في طبيعة اخرى ولو فرض انهما متلازمتان في الصدق والانطباق .

نعم لو رجع إلى وجودهما أي الملاكين في شيء واحد فكان من باب التعارض ويخرج عن مورد البحث كما في العناوين الاشتقاقيّة .

وعلى هذا فيشكل تفريق المحقّق النائيني في المقام مع ما سبق(1) في بعض الأبحاث الراجعة إلى الترتب من ارجاع المتلازمين في الصدق المتخالفين في الحكم إلى باب التعارض لكون التعاند فيهما دائميّا وهنا صدق جريان أبحاثباب الاجتماع فيه ولازمه كون ذلك المقام من باب التزاحم .

ثمّ انه تارة يكون المتعلّق مفاد كان التامة واخرى مفاد كان الناقصة .

وبعبارة اخرى تارة يكون متمّم المقولة واخرى ليس كذلك والظروف التي هي تكون من متمم المقولة فقولك جائني زيد في يوم الجمعة أو ركب في ذاك المكان متمّم للمقولة كما انه تارة يكون متأصّلاً في عالم العين الخارجي أو في عالم الاعتبار ووعائه واخرى لا تكون كذلك بل منتزعا عن الوجود في وعاء الخارج أو الاعتبار كما انه تارة يكون من العناوين التوليديّة وينطبق عليه عنوان المسبب التوليدي وعنوان نفسه .

وكيف كان فجميع هذه الأقسام داخلة في محلّ النزاع من باب الاجتماع إلاّ خصوص ما يكون منتزعا فانّه لا وجود له متأصّل في عالم العين أو الاعتبار فهو

الفرق بين كون المتعلّق مفاد كان التامة والناقصة

ص: 23


1- . فوائد الأصول 1/321 .

بمنشأ انتزاعه يمكن أن يكون من جزئيّات مورد النزاع سواء كان العنوان من العناوين المستقلّة المتأصّلة ومفاد كان التامّة أو من العناوين المتمّمة للمقولة من الاعراض النسبيّة أو غيرها توليديّة أم لا يشمله مورد البحث .

ثمّ انه بمقتضى ما سبق من كون جهة الصدق في العامين من وجه في مادة الاجتماع لابدّ أن تكون في كلّ واحدة من الجهتين مغايرة للاخرى (إذ لو لا هذا لانتزع كلّ شيء من كلّ شيء فلابدّ أن يكون جهة انطباق العالم على الأفراد شيئا خاصّا وخصوصيّة مخصوصة لا توجد في كلّ مورد ولا تصدق على كلّ شيء ) فتارة نعلم باختلاف جهة الصدق واخرى نحتمل اتّحاد الجهة .

ولا يخفى ان طرو هذا الاحتمال ساد لباب الاجتماع وجريان أبحاثه بل اذا انطبق العنوانان فلا معنى لاتّحاد الجهة .

ان قلت: ينتقض عليك بانطباق العناوين الكثيرة على ذات الباري تعالى معانه أعلى البسائط وأبسطها مع انه لا يمكن انطباق العناوين المختلفة إلاّ مع اختلاف جهات الصدق والانطباق فكيف يصح دعوى لزوم اختلاف الجهة .

قلت: هذا قياس مع الفارق فان الصفات في الباري تعالى عين ذاته عزوجل فلا تكثر هناك لأن كمال توحيده نفي الصفات عنه مع انه لا ندري كيفيّة الانطباق .

وعلى كلّ حال فليس ذلك نقضا والتعبير بأنّه بسيط أو أبسطها أو أعلاها ليس على ما ينبغي .

إن قلت: بناءً على العينيّة لابدّ أن لا يكون فرق بين قولك يا اللّه ويا عالم .

قلت: نعقل فرقا بينهما إلاّ حقيقة الأمر عدم تعرّضنا لكيفيّة الانطباق .

ص: 24

وإن شئت فأقول معنى يا عالم معنى قولك يا اللّه .

فتلخّص ممّا ذكرنا من المقدّمات ان مورد بحث الاجتماع في العناوين التي ليست باشتقاقيّة سواء كانت عين المقولة أو من متمّماتها وسواء كانت من الامور المتأصّلة في الخارج أو في عالم الاعتبار توليديّا أو غيره كان بينهما عموم من وجه لا يتلازمان في الصدق والانطباق .

ثمّ انهم بنوا مسئلة الاجتماع على تعلّق الأحكام بالطبايع أو الأفراد وأنكر المحقّق الخراساني(1) هذا الابتناء إذ ظاهر كلامه منكر لذلك على جميع الوجوه المتصوّرة في هذه المسئلة الا ان للمحقّق النائيني قدس سره (2) تفصيلاً في ذلك وانه على بعض المباني الحق مع المحقّق الخراساني وعلى بعض الوجوه الآخر يمكنالابتناء .

بيان ذلك ان في وجود الكلي الطبيعي مذاهب . أحدها انه لا وجود له في الخارج بنحو من أنحاء الوجود لا مستقلاً ولا ضمنا لا أصلاً ولا تبعا كي يتشخص أوّلاً ثمّ يوجد أو يوجد الطبيعي ثمّ يتشخّص بل ليس إلاّ وجود الأفراد والكلّي أمر انتزاعي ينتزع من هذه الوجودات الخارجيّة فانه على هذا الوجه يمكن القول بتعلّق الأحكام بالطبايع ومع ذلك يكون من باب الاجتماع كما انه يمكن القول بتعلّقها بالأفراد وعدم كونها من باب الاجتماع حيث ان الموجود في الخارج ليس إلاّ الأفراد والكلي المنتزع ينطبق على هذا الفرد أو ينتزع منه كما ان الكلي الآخر كذلك فيمكن أن يذهب ذاهب إلى الاتّحاد في صدق الكليين على الوجود الواحد

بناء المسئلة على تعلّق الأحكام بالطبائع أو الأفراد

ص: 25


1- . كفاية الأصول 1/240 .
2- . فوائد الأصول 1/416 وما بعده .

وانتزاعهما منه كما يمكن القول بتعدّد الجهة والتركب الانضمامي . فهذا أحد وجوه النزاع الذي قد عرفت عدم ابتناء مسئلة الاجتماع عليه .

الثاني: أن يكون النزاع في ذلك راجعا إلى ما يتصوّر من التخيير العقلي والشرعي فعلى تقدير كون التخيير عقليّا فالواجب هو وجود الطبيعة وهو منطبق على كلّ هذه الأفراد على نهج واحد فهو مخير في اختيار أيّها شاء في مقام الامتثال وعلى تقدير كون التخيير شرعيّا فالفرد بخصوصه وتشخصه يكون مأمورا به أو منهيّا عنه فعلى التخيير الشرعي تكون المسئلة مبتنية دون التخيير العقلي .

الثالث: أن يكون النزاع في ذلك على نحو مقدّميّة المقدّمة لذيها ويكون هناك في مورد الاجتماع في المجمع خصوصيّة يمكن أن يكون بها مقدّمة وجوديّة لكلتا الطبيعتين وكان الأمر والنهي متعلّقا بنفس الطبيعة لكنّه يسرى من ذي المقدّمة خطابان تبعيان إلى هذه المقدّمة الواحدة ويكون من باب الاجتماعالا ان هذا مبتني على مسئلة تصوير الخطاب المقدمي وعلى فرضه فهو خطاب تبعي لا نفسي غيري لا أصلي ليس له طاعة وعصيان بل المناط على الخطاب الأصلي النفسي الذي يتصوّر بالنسبة إليه الاطاعة والعصيان فهذا خارج عن فرض مسئلة الاجتماع ( أقول: الظاهر ان هذين الأخيرين ليسا نحوين من صور المسئلة وجريان النزاع مبنيّا عليهما ) .

الرابع أن يكون الطبيعي متخصّصة بخصوصيّة ما بحيث لا تخرج عن الكليّة إلى الشخصيّة بل يكون من قبيل ضمّ الكلّي إلى الكلّي فاذا يوجد هذا الكلّي فلابدّ وان يوجد مع هذه الخصوصيّة في سعة أفرادها ضمن أيّ فرد .

ص: 26

وبعبارة اخرى ان النزاع المعقول في وجود الكلي هو تعلقه بوجودات الطبايع بلا سراية إلى خصوصيات الأفراد أو تعلّقها مع تلك الخصوصيّات فانه لا معنى للنزاع في كون المتعلّق هل هي الطبيعة بما هي هي أو بما هي موجودة ولا اشكال في عدم احتمال تعلّق الحكم بنفس الطبيعة بل يتعلّق بالوجود ثمّ ان الوجود إذا كان المراد الخارجي المتحقّق أيضا فلا يعقل طلبه لكونه من طلب تحصيل الحاصل كما ان متعلّقات الأحكام ليست هي الوجودات الذهنيّة فلابدّ وأن يكون محلّ الكلام في ذلك هو تعلّق الحكم بعد مسلميّة كون مركبه هو الوجود وجود نفس الأفراد بلا لحاظ خصوصيّاتها المشخّصة من الزمان والمكان وبلا لحاظ اللوازم أو مع لوازم الفرديّة ولا اشكال في ابتناء مسئلة اجتماع الأمر والنهي على هذا الوجه فانه يمكن القول بتعلّقهما بالطبايع بمعنى عدم السراية إلى لوازم الطبيعة بل الأمر واقف على نفس الطبيعة كالنهي فحينئذٍ في مثل الصلاة يجتمع العنوانان لأن اشغال الحركات الصلاتية لمكان أو زمان حسب الضرورة واللابديّة لعدم امكان خروجها عنهما لكون الانسان زمانيّا مكانيّا وحركاته كذلك ينطبقعليها التصرّف إذا كان في ملك الغير فيكون غصبا .

ونفس هذه الحركات صلاة وحيث ان الجهتين متغايرتان والمفروض ان الأمر لا يسري من متعلّقه إلى لوازم وجوده وكذلك النهي فيكون المجمع من موارد باب الاجتماع لكونه مصداقا للتصرّف من حيث اشغاله للمكان للصلاة باعتبار نفس الحركات والفرض ان كلاًّ منهما واقف على موضوعه لا يتعدّى إلى الآخر وعلى هذا فيكون من موارد باب التزاحم بخلاف ما اذا قلنا بالسراية فحينئذٍ يخرج عن باب التزاحم ويدخل في باب التعارض .

تصوير النزاع

ص: 27

فظهر انه بناءً على هذا الوجه تكون المسئلة مبتنية على كون تعلّق الأحكام بالطبايع أو الأفراد على ما عرفت

نعم لا فرق في ذلك بين اصالة الوجود أو الماهيّة فيمكن القول باصالة الوجود وتكون المسئلة من باب الاجتماع كما يمكن القول باصالة الماهيّة واختيار خروجها من باب الاجتماع واختيار عدم الاتّحاد(1) .

نتيجة الأبحاث:

وبعد عرفت ما ذكرناه من المقدّمات وجعلتها في بالك فتدبّر لها فنقول انه استدلّ للقائلين بالجواز بوجوه ترجع إلى معنى فارد وأمر واحد وهو لا محصّل له كما ان عمدة أدلّة القائلين بالمنع ما ذكره في الكفاية(2) .

وأورد عليه المحقّق النائيني(3) اشكالات لا يرد منها عليه الا واحد وهوتقسيمه الحكم إلى الانشائي والاقتضائي والفعلي وهذا يرجع إلى النزاع في المبنى والوجوه الآخر المستند إليها في القول بالمنع راجعة إلى الوجه الذي ذكره قدس سره في الكفاية . وأحسن الوجوه وأمتنها في الاستدلال على الجواز بمعنى عدم لزوم الاجتماع هو انه لا يكون بين العنوانين في مورد الاجتماع جهة اشتراك بل هما بماهيتهما متبائنان سواء كان أحدهما جوهرا والآخر عرضا أو كلاهما عرضين أو غير ذلك بل لابدّ وأن يكون هناك وجود أن يتعلّق الأمر بأحدهما والنهي بالآخر ولا ربط لأحدهما بالآخر إلاّ مجرّد تركب المجمع منهما أو ان كان التعبير بالمركب

ص: 28


1- . ثمّ انّه بعد ما عرفت كونهما متعدّدين عقلاً فهل حسّا كذلك أو لا ؟ فان كان كذلك أي متعدّدا يمكن وجودهما بايجادين فلا ربط له بمسئلة الاجتماع وإلاّ فداخل فيها .
2- . كفاية الأصول 1/249 وما بعده .
3- . فوائد الأصول 1/424 وما بعده .

مسامحة في بعض مواردها فاذا فرض ان زيدا في الدار أفيكون الدار عين زيد أو الكون فيها بل زيد شيء وكونه فيها شيئاً آخر كما انه اذا قلنا ان ضرب زيد في الدار فكذلك ويستحيل صدق ماهيتين على فرد واحد ومصداق فارد بل لابدّ في ذلك من كون الوجود الواحد وجودا لماهيتين حقيقة وان كان في الحسّ واحدا فاجتماع العنوانين في الايجاد الواحد كاجتماع الزنبور مع الانسان في المكان فليس أحدهما عين الآخر بل إنّما هو مجرّد الملازمة الاتّفاقيّة أو الدائميّة بناءً على ما ذكرنا من امكان جريان نزاع باب الاجتماع في التعاند الدائمي وليس من باب التعارض كما في استلزام استقبال القبلة لاستدبار بعض الجهات وفرض حرمة الاستدبار فانه لا يخرج عن باب التزاحم إلى التعارض لعدم انطباق ضابط باب التعارض عليه حيث قدمنا في المباحث السابقة من كونه عبارة عن تزاحم المناطين في مقام الجعل والداعويّة ولا ينطبق هذا على ما نحن فيه من التزاحم الدائمي بين شيئين في الأمر والنهي وما ذكرنا هوالمستفاد من كلام المحقّق النائيني ولذلك استشكلنا عليه بعدم التزامه بلازم كلامه في باب الضدّ حيث جعلهذا القسم من التعاند راجعا إلى باب التعارض .

وان أجزنا هذا الضابط فلابدّ من الالتزام بما جعله المحقّق الخراساني(1) ضابطا لبابي التعارض والتزاحم وحينئذٍ فيكون مثل قولنا أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق داخلاً في باب التزاحم لتزاحم المقتضين .

وكيف كان فاذا اختلف جهة الصدق في المجمع واستحال كون الحركة الواحدة صلاة وغصبا بما انهما من مقولة واحدة وإلاّ فلا يمكن الاعلى فرض

عدم ورود ايراد المحقّق النائيني إلاّ واحداً

ص: 29


1- . كفاية الأصول 1/245 - 246 .

كونهما من مقولتين ومعه لا تكون واحدة بل متعدّدة ولو كان واحدا حسا فلا يوجب من تعلّق الأمر بشيء والنهي بآخر واجتماعهما في الايجاد الواحد بل ولو بايجادين متلازمين كون كلّ منهما متعلّقا لحكم الآخر لما ذكرنا في بعض المقدّمات من عدم سراية الحكم إلى لوازم وجود متعلّقه من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها فالأمر وارد على متعلّقه والنهي كذلك ولا يسري أحدهما من متعلّقه إلى متعلّق الآخر والفرض ان المتعلّقين وان كانا متلازمين في الايجاد الا انهما متعدّدان في الوجود لان المتعدد ماهيّة متعدّد وجودا .

نعم ان كان هناك وجود واحد فلابدّ وأن يكون مصداقا لمقولة واحدة ولا ربط له بباب الاجتماع حيث انه في ما اذا يجتمع العنوانان على مورد واحد ويتصادقان باختلاف جهة صدقهما وتباينهما بالذات والاشتراك بينهما كي يكون المايز هو الفصل فاذا ثبت جواز الاجتماع في الايجاد الواحد .

فاعلم انه حيث لا يمكن الجمع بين موافقة الأمر في المجمع وعدم مخالفة النهي وكذلك لا يكون من مصاديق باب التعارض فتكون نتيجة البحث في بابالاجتماع تحقّق المصداق لباب التزاحم وبعد ذلك يقع الكلام في انه من أيّ قسم من أقسام التزاحم فهل من قبيل التزاحم في المقدّمة المحرمة وذيها الجاري فيه الترتب أو من قبيل التزاحم في باب التضاد الكافي فيه قصد المصلحة وإن لم يكن هناك أمر أو لا ؟ وهل تجري المرجحات السابقة الذكر لباب التزاحم هاهنا أو تختصّ بباب التزاحم على وجه التضاد ؟ فيه كلام وبحث وان لم يذكروا هذه الأبحاث .

ثمّ انه بناءً على ما ذكرنا فاذا كان المأمور به غير عبادة فلا اشكال في

ص: 30

سقوطه إذا أتى بالمجمع وان حصل باتيان المنهي عنه . وأمّا إذا كان عبادة فهل تصح أو لا ؟ لا اشكال في عدم كون عدم ملازمة الامتثال أو الوجود لاتيان المنهي عنه من قيود المأمور به .

فعندنا لاتصح العبادة لمنافاة ذلك لقصد القربة المعتبر في العبادات لا لخصوصيّة في ذلك لا يمكن صدق المأمور به عليه لمانع آخر بل المانع إنّما هو فقد بعض قيود المأمور به وهو وجود القربة فيه ولذلك نقول في صورة الجهل بالموضوع أو الحكم ولو عن تقصير لا مانع من صحّة الصلاة . غاية الأمر اذا تصرّف في مال الغير إنّما يضمن الاجرة وأمّا العبادة أي الصلاة فلا نقص فيها لوجود جميع ما اعتبر فيها فهي تنطبق على المجمع في ذلك الحال . بل لقائل أن يمنع عدم تحقّق القربة حال العلم فلا بطلان أصلاً كما انه اتّفقت كلمة الأصحاب على الصحّة في الشبهة الموضوعيّة للغصب والتصرّف في ملك الغير حال الصلاة اللازم منها وهذا من الشواهد على صحّة ما قلنا مضافا إلى البرهان اللمي . فهو برهان انّى لذلك والا فعلى فرض امتناع الاجتماع تكون نتيجة المسئلة تحقّق الصغرى لباب التعارض وإن لم يكن من تعارض الحجّة واللاحجّة . وحينئذٍ بناءعلى تغليب جانب النهي يكون من النهي في العبادات ويوجب المانعيّة الواقعيّة مطلقا سواء حال العلم أو الجهل الا أن يكون هناك دليل يقتضي الصحّة في صورة الجهل كالنسيان وهو ليس الا ( صحيحة لا تعاد الصلاة )(1) وهي مخصوصة بصورة النسيان ولا تشمل حال الجهل .

نعم بناء على ما ذهب إليه صاحب المدارك من كون المستفاد من الأدلّة

يسقط الأمر باتيان المجمع في غير العبادة

ص: 31


1- . وسائل الشيعة الباب 1/14 من أبواب أفعال الصلاة .

ليس إلاّ مانعيّة المعلوم وينكر اماريّة السوق واليد ويجعلهما من موارد ما اذا لم يتحقّق المصداق الممنوع فلا اشكال فالميتة إنّما هي معلوم الميتية ومنعها إنّما هو في هذه الصورة وكذلك بعض الموانع الآخر وعليه فلا نحتاج إلى ذلك ثمّ ان من موارد باب الاجتماع ما اذا لبس الحرير أو الذهب في الصلاة ولو كان في مثل لبس الحرير ورد النهي في الصلاة فيه فيجري فيه بعض ما ذكرنا .

ايقاظ:

ما ذكرنا في المباحث السابقة من عدم انطباق عنوان النزاع في باب الاجتماع على مثال الغصب والصلاة إنّما هو اذا كان السجود على أرض الغير وملكه على نحو يكون ما يصحّ السجود عليه للغير .

أمّا إذا كان ملكا له وإنّما المكان للغير فلا وجه للاشكال فيه كما سبق إليه الاشارة بل هو المثال الوافي الصحيح لمورد البحث كما مثّلوا به من السابق ولعلّنا سنوضح هذه الجملة ونشبعها بمزيد بيان في ما يأتي إن شاء اللّه .

فلنرجع إلى نتيجة البحث فنقول وباللّه التوفيق قد تلخص ممّا ذكرنا من المقدّمات انه لا يكون اجتماع الأمر والنهي في مادّة الاجتماع لما أشرنا إليه قريبافي بعض المقدّمات من عدم سراية الأمر والنهي عن متعلّقهما إلى لازم وجوده ومتعلّق كلّ بالنسبة إلى الآخر في مادّة الاجتماع من لوازم وجوده فلا وجه لتعلّق حكم الآخر إليه ولو بالتبعيّة والسراية فالكلّ موقوف عليه حكمه لا يتعدى إلى متعلّق الآخر فلا اتّحاد هناك كما ان على القول بالمنع لازمه اتّحاد المتعلّقين .

ثمّ انه على فرض الاجتماع وعدم المنع لتعدّد المتعلّق حقيقة واستحالة اتّحاده لتعدّد المقولتين فيكون مادة الاجتماع محكوما بحكمين بالنسبة إلى كلّ

ص: 32

من المتعلقين . فبالنسبة إلى متعلّق الأمر واجب وبالنسبة إلى الآخر حرام لا ان مورد الاجتماع بتمامه حرام أو واجب لا فانه عين مدعى الامتناعى ومن يقول باتّحاد المتعلّق بل المراد هو ما ظهر لك من المباحث السابقة من ان مورد الاجتماع وجود ان انضماميان فمتعلق الأمر وجود منضم إلى متعلّق النهي ولكلّ من المتعلّقين حكم نفسه بلا سراية إلى الآخر كما انه على تقدير القول بالامتناع لاتّحاد المتعلّق فيكون المسئلة من صغريّات باب التعارض بخلاف الاجتماع لتعدّد المتعلّق فانه من صغريّات باب التزاحم الا ان مجرّد اندراجه في باب التعارض بناء على الاتّحاد والامتناع لا يوجب التساقط . بل إذا لم يكن هناك جمع دلالي بين الدليلين لكن في المقام يمكن الجمع بينهما لكون الصلاة إنّما اريد منها صرف الوجود . والوجود البدلي الذي يمكن انطباقه على كلّ فرد بحسب لازمه من وجوده في هذا المكان أو ذاك وهكذا والغصب إنّما يحرم مطلق وجوده وطبيعته الشموليّة وقد تحقّق في محلّه عدم التعارض بين المطلق البدلي والشمولي لعدم اطلاق البدلي مع الشمولي كي يشمل هذا الفرد الذي يلازم الغصب كما في لا تكرم الفاسق وأكرم عالما فيخرج الفرد من الصلاة الملازمة للغصب عن تحت دائرة الطبيعة الصلاتيّة بما هي مأمور بها وإن لم يخرج عن تحت أصل الطبيعة لكنّهلا فائدة فيه ما لم تكن ينطبق عليه المأمور به وهذا بخلاف ما اذا كان من مصاديق وصغريات باب التزاحم فانه لوكان على نحو التزاحم في باب التضاد فلازمه صحّة الصلاة مطلقا سواءً في حال العلم والجهل بخلاف باب التعارض فانه تكون الصلاة باطلة مطلقا سواء في حال العلم والجهل لعدم انطباق المأمور به على المأتي به مع ان المختار والمتحصّل من المباحث السابقة كون المقام من تعدّد المتعلّق وكونه

الاجتماع انضمامي لا اتّحادي

ص: 33

من باب التزاحم . فيشكل الأمر لما ذهب إليه الأصحاب من البطلان في صورة العلم اتفاقا حسب ما وصل إلينا فتاويهم وان احتمل وجود المخالف الذي لم يعرف خلافه . مع ان التزاحم في باب التضاد إنّما كان في الصورة العلم وتصحّ الصلاة ولو ترك أداء الدَين أو ازالة النجاسة من المسجد وأمّا في حال الجهل فلا يكون هناك تزاحم لعدم التنجز فالبطلان في صورة العلم لا يناسب التزاحم كما ان اعتبار وجود المندوحة كما عن جماعة والصحّة في حال الجهل لا يناسب باب التعارض فانه أي ربط للمندوحة بباب التعارض وأي خصوصيّة للجهل في عدم البطلان فعلى كلّ تقدير يرد الاشكال سواء قلنا باندراجه في باب التزاحم أو التعارض ولا باب هناك يقال باندراج المسئلة فيها لعدم كونها من تعارض الحجّة واللاحجّة كي يلتزم بخروجها منهما وكونها من ذاك الباب .

لكن يمكن الجواب بناء على المختار باندراجه في باب التزاحم والالتزام بالبطلان في صورة العلم وعدمه في غيرها اما للوجه الذي ذكرناه من عدم تحقّق قصد القربة في صورة العلم ولا مانع هناك غير هذا وأمّا لما ذكره المحقّق النائيني من تحقّق القبح الفاعلي المانع لمحبوبيته عند المولى بل هو مبغوض فلا يمكن أن يتقرّب بهذا الفرد .

بيانه: ان في باب التضاد إذا يترك الازالة ويشتغل بالصلاة فلا يكون هناكملازمة بين الترك والفعل بأن يترك الازالة ويأتي بالصلاة ولا مقدميّة لأحدهما تركا أو فعلاً للآخر بل إنّما هو مجرّد المقارنة لكلّ منهما مستندا إلى علّته . ففي

حين الاتيان بالصلاة لعلتها الخاصّة لها يترك الازالة لوجود الصارف أو عدم ارادتها واتّفق مقارنتهما في الزمان بلا ربط آخر بينهما أصلاً بخلاف ما نحن فيه

ص: 34

فان المكان من قبيل المقدمة للصلاة لأنه من مشخصاتها والشيء ما لم يتشخص لم يوجد مع ان الفرض عدم امكان الاتيان بالصلاة في لا مكان بل يراد اتيانها في هذا المكان وهو ملازم للعصيان باتيان المنهي عنه من التصرف في ملك الغير بدون اذنه .

وصدور هذا الفعل من هذا الفاعل في هذه الصورة قبيح . فلا يمكن أن يتقرّب به إلى حضرة المولى وليس القبح في نفس الصلاة كي يقال ببداهة بطلانه بل القبح في الصدور وهو فاعلي لا فعلي . فالصلاة لا نقص فيها إلاّ أنّ الفاعل يقبح منه صدور الصلاة الملازمة للحرام الذي يكون من قبيل مقدّماتها فلا يمكن التقرّب بها والحاصل ان المقام على عكس اتيان الصلاة في المسجد الموجب لزيادة الحسن والثواب فيها وهذا أي وجود القبح الفاعلي المانع من التقرّب في حال العلم دون الجهل لوجود المأمور به ولا قبح في صدورها من الفاعل لجهله ظاهر لمن تدبّر وأعطى التأمّل حقّه فيها .

ثمّ انّ المحقّق الخراساني(1) تصدّى للجواب عن هذا الفرع بناءً على مذهبه من امتناع الاجتماع بكون أحد الحكمين فعليّا والآخر انشائيّا .

توضيح وتكميل: قد ظهر وجه الاشكال في باب الاجتماع من صحّةالصلاة حال الجهل وبطلانها في صورة العلم من انه لو كان من باب التعارض لما كان يفترق حال الجهل مع حال العلم بل في كلتيهما تبطل الصلاة كما انه لا وجه للبطلان في صورة العلم لو كان من باب التزاحم بل لابدّ من الصحّة في كلتا الحالتين وعلى كلّ حال فسواءً اخترنا الاجتماع وبنينا على تعدّد الوجود

قبح صدور الفعل يمنع عن التقرّب به

ص: 35


1- . كفاية الأصول 1/245 .

وانضمامهما في المجمع وعدم السراية لحكم أحدهما إلى الآخر أو اخترنا عدمه ووحدة المتعلّق فلابدّ من رفع الاشكال .

امّا بناء على جواز الاجتماع وتعدّد المتعلّق فقد ذكرنا وجهين . ونقول توضيحا للوجه الثاني انه قد يشبه المقام بما اذا كان الماء المطلوب للمولى المظروف في وعاء وظرف غير نظيف أو الليرة المقدم لها ملطخة بالنجاسة والقذارة فانه وإن لم يكن هناك سراية لحكم أحدهما إلى الآخر بل الوجود الصلاتي غير الغصبي والظرف غير مظروفه والليرة غير القذارة الا انه لمكان الملازمة بينهما في الوجود يوجب الجهة الراجعة إلى النهي حزازة في صدور هذا الفعل والجمع وتقديمه لحضرة المولى بحيث يشمئزّ منه لا انّه نقول بالسراية والكسر والانكسار بل النتيجة الموجودة في صورة وحدة المتعلّق آتية في ما نحن فيه ومتحقّقة بناءً على تعدّد المتعلّق فلا يمكن التقرّب بهذا الوجود وتقديمه للمولى والاكتفاء به في امتثال الأمر العبادي المتعلّق بالصلاة . وأمّا بناءً على وحدة المتعلّق ورجوع نتيجة المسئلة إلى باب التعارض اللازم منه البطلان حتّى في صورة الجهل لعدم الفرق بناءً على رجوعه إلى ذاك الباب بين الصورتين فبناءً على تغليب جانب النهي تكون المسئلة من صغريات باب النهي في العبادات الموجبة للمانعيّة في مطلق الأحوال ولازم ذلك فساد الصلاة لو أتى بها بهذا الفرد لعدم انطباق الطبيعة المأمور بها بما هي كذلك على هذا الفرد مع انه اجتمع فيهجهتان مع كونه وجودا واحدا بسيطا لكنّه ينتزع منه عنوانان أحدهما متعلّق الأمر والآخر للنهي ولا يضرّ ذلك ببساطته لأنّه يستحيل اندراج الوجود الواحد تحت مقولتين وماهيتين وقاس هذا المقام في انتزاع العناوين المتعدّدة من الوجود

ص: 36

الواحد البسيط بذات الباري تعالى فانه مع وحدته من جميع الجهات ينتزع منه عناوين متعدّدة .

فالجواب بناءً على هذا المبنى في صورة الجهل والصحّة فيها تعدد الحكمين في رتبتين ولا يكون فعليّاً إلاّ أحدهما غاية الأمر في صورة العلم يكون الأقوى مناطاً هو الفعلي بخلاف صورة الجهل فالأضعف ويكون الحكم الآخر في مرتبة انشائه النازلة عن مرتبة الفعليّة بمرتبة . فانه إذا تعلّق العلم بالحكم في مرتبة انشائه

يتحقّق الحكم الفعلي ويكون هناك البعث والزجر وقبله ليس أحدهما والغصب الذي هو عبارة عن التصرّف في مال الغير بغير اذنه ورضاه مفسدته أقوى من مصلحة الصلاة وهذه المصلحة الصلاتيّة أضعف . ففي حال العلم تكون هذه المصلحة مغلوبة لا اقتضاء لها ولذا يكون الحكم الفعلي على طبق الأقوى مناطا وأغلب ملاكا وهو الغصب . فلذا يكون الصلاة في هذه الحال باطلة وأمّا في صورة الجهل فالمصلحة المغلوبة التي أضعف يكون الحكم والأمر الناشي عنها فعليّا ويكون الحكم الآخر في هذا الظرف انشائيّا وتكون الصلاة في هذا الفرض صحيحة ينطبق عليها الطبيعة بما هي مأمور بها بالأمر الفعلي ولا يكون هناك تعارض لأنّه دائما يكون أحدهما انشائيّا والآخر فعليّا . والحكم الانشائي لا اقتضاء له بل اذا صار فعليّا يكون باعثا لجانب الفعل أو زاجرا عنه وبهذا يجمع بين الحكم الظاهري والواقعي وان اجتماعهما إنّما يلزم إذا كانا فعلين في مقام البعث ويبعث أحدهما نحو الفعل والآخر نحو الترك وإلاّ فاذا كان أحدهما أي الواقعيانشائيّا والظاهري فعليّا باعثا نحو متعلّقه فلا تضاد ويكون الجمع بسهولة .

ومبنى هذا الكلام ان الأحكام لها مراتب حتّى ان الحكم له مرتبة اقتضاء

صحّة الصلاة في صورة الجهل بالغصب

ص: 37

وهي مرحلة الملاك من المفسدة والمصلحة غاية الأمر منشأيّته للآثار إنّما هو له بمرتبته الفعليّة .

وأورد المحقّق النائيني(1) عليه اشكالات:

أوّلها: عدم صحّة المبنى من كون الأحكام لها مراتب بل ليس للحكم إلاّ مرتبتان فانه إمّا إنشائي أو فعلي فقبل وجود موضوعه ليس إلاّ الانشاء وبعده يكون فعليّا بفعليّة موضوعه لاستحالة التخلّف فيما هو كالمعلول عن علّته ولا يكون انشاء الأحكام على نهج القضايا الخارجيّة كالعقليّة بل يدور الأمر بين انشائها على نهج القضايا الحقيقيّة أو الطبيعيَّة والخارجيّة فاذا لم يكن سبيل إلى الخارجيّة لاستلزامه كون الأحكام اخبارا عن انشاءات متجدّدة حين وجود الموضوعات للأحكام وانه ينشأ عند وقت كلّ صلاة بالنسبة إلى كلّ مكلّف حكم جديد وهكذا بخلاف القضيتة الحقيقيّة وذلك لا يمكن الالتزام به فحينئذٍ لا وجه لما ذكره مترتّبا على هذا المبنى وكفى بذلك اشكالاً عليه .

مع انه أورد عليه انه يكون المقام من تزاحم المقتضيين وتسميته بباب التزاحم لا وجه له بل يكون راجعا حقيقته إلى باب التعارض لأنّه يكون المناطان داعيين إلى الجعل بالنسبة إلى المولى فلا ربط لعلم المكلّف وجهله في فعليّة الحكم وعدم فعليّته .

الا انه لقائل أن يقول أيّ مانع من كون الانشاءات متجدّدة ولم تكن علىنهج القضايا الحقيقيّة وأي تالي فاسد يترتّب عليه كي يكون نقضا واشكالاً على المحقّق الخراساني .

ص: 38


1- . فوائد الأصول 1/424 .

هذا تمام الكلام في جواب الاشكال على كلا المبنيين .

ثمّ انه لا يمكن البناء على تعدّد المتعلّق وجواز الاجتماع من جريان الأمر الترتبي في المقام كما في باب التضاد ولا الاتيان بقصد الملاك لما ذكرنا هناك من رجوعه إلى طلب تحصيل الحاصل وهو فاسد فهو مخصوص بباب التضاد والمقدّمة المحرّمة على ما سبق بيانه .

عود على بدء:

قد ظهر ممّا سبق تحقيقه جواز اجتماع الأمر والنهي بالمعنى المتنازع فيه وانه لا يلزم من ذلك تعلّق الأمر والنهي بالواحد الشخصي بل يقف كلّ منهما على متعلّقه من دون سرايته إلى متعلّق الآخر . ويمكن الاستشهاد لذلك ببعض الفروع المسلم عليها التي صارت كالضروري من الفقه وقد سبق إليه الاشارة وذلك فانه من المتّفق عليه عدم بطلان صلاة من جهل الغصبيّة في المكان وصلّى فيه بحيث لم يختلف فيه اثنان فلو كان ذلك من باب التعارض وعدم جواز الاجتماع لكانت الصلاة باطلة حيث ان في باب التعارض تكون النتيجة المانعيّة الواقعيّة لكون النهي شموليّا والأمر مطلقا بدليّا . وليس إلاّ من باب اللابديّة وعدم امكان اتيان الزماني والمكاني في غيرهما . والا فلو أمكن الاتيان لم يكن للمكان دخل في تحقّق المأمور به . فحينئذٍ فلصرف وجود المكان دخل في تحقّق المأمور به ولا يمكن معارضته مع المطلق الشمولي . بل يكون النهي غالبا أو بيانا لكون المطلوب اتيانه في غير هذا المكان ومع ذلك فلا يقول أحد بالبطلان . ولا مجال لجريان لا تعاد فيه لعدم شمول لا تعاد(1) لصورة الجهل مع ان القائل بعدم الشمول أيضا قائل

وقوف كلّ من الأمر والنهي على متعلّقه

ص: 39


1- . وسائل الشيعه 5 الباب 1/14 من أبواب أفعال الصلاة .

بالصحّة في مورد البحث ولم يرد في صحّتها نصّ بالخصوص بخلاف مثل الصلاة في الخبث(1) .

فانه ورد هناك الرواية(2) بعدم لزوم الاعادة في صورة الجهل بالموضوع وايد جواز الاجتماع أيضا بمسئلة العبادات المكروهة فان الفرق بين النهي التحريمي والتنزيهي هو جواز الفعل في الثاني دون الأوّل . أمّا في أصل التضاد للأمر فلا فرق بينهما . وحينئذٍ فيكون ذلك شاهدا لجواز الاجتماع وإن ما نحن فيه لا يكون من باب التعارض . ويزيد الدليل الأوّل مضافا إلى ما ذكرنا هو انه لو كان من باب التعارض لما كان فرق بين صورة العلم والجهل . بخلاف كونه من باب التزاحم فانه لا مانع في صورة الجهل حيث انه لا تزاحم هناك حقيقة لأن قوام التزاحم بالتنجز وقوامه بالعلم أو قيام الحجّة المعتبرة . ويمكن الجواب عن كلا الدليلين اما

عن الأوّل فبما ذكرناه عن المحقّق الخراساني قدس سره من الانشائيّة والفعليّة وان الحرمة في صورة الجهل انشائي والعلم بها يوجب فعليّتها وحينئذٍ تكون فعليته غالبة على مصلحة الأمر فلذلك يفترق بين صورة الجهل والعلم . ولا ينافي ذلك كون الأحكام يستوي فيها العالم والجاهل فانه قد يقال ان ذلك في الحكم الانشائي . وعلى فرض تسليم كونه في الفعلي فقد خصّص هذا العموم بصورة القصر والاتمام والجهر والاخفات فليكن ما نحن فيه بناء على كون صورة الجهل بالحكم أيضا داخلاً في مورد البحث ثالث الموارد وليكن هذا التسالم(3) دليلاً

ص: 40


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .
3- . أي تسالم الفقهاء على الصحّة في صورة الجهل على ما فصل وعلى فرض التنزل فلا يكون دليلاً لباب التعارض ولا لباب التزاحم .

لاندراجه فيباب التعارض .

وأمّا الثاني أي العبادات المكروهة فيمكن الجواب عن الاستشهاد بعدم التضاد بين الوجوب والكراهة حيث ان مقتضى الأوّل اتيان الفعل غاية الأمر على نحو الالزام والثاني لا يمنع من ذلك لأن مقتضاه جواز الاتيان بالفعل نهاية الأمر جواز الترك فلا يكون ما يقتضي أحدهما مخالفا للآخر كي يكون بينهما التضاد هذا .

أوّلاً وثانيا انه قد أجاب المحقّق النائيني قدس سره (1) بأن محلّ الكلام في باب الاجتماع المتنازع فيه هو ما إذا كان بين المتعلّقين عموم من وجه كما إذا كره الدخول في بيت الظلمة ووجبت الصلاة دون ما إذا كان من العموم المطلق والعبادات المكروهة بل مطلق المكروهات إنّما يكون متعلّق النهي فيها مطلق الوجود والوجود السرياني وقلّما يتحقّق في مورد لا يكون كذلك كما إذا لم يكن للمتعلّق تعلّق بالموضوع الخارجي وهذا بخلاف الأوامر فانها إنّما تتعلّق بصرف الوجود .

الاّ) ان هذا الجواب ليس على ما ينبغي . لأنّه قدس سره يقسم النهي في العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام وعمدتها ما إذا كان من العموم من وجه .

وثالثا يمكن الجواب عن الاشكال بان باب الأوامر كما ذكرنا إنّما يكون المطلوب هو صرف الوجود والخصوصيّات الفرديّة خارجة عن تحت دائرة الطلب . فلو فرض محالاً امكان اتيان الماهيّة والمطلوب كالصلاة في لا مكان ولازمان لكان مطلوبا إذا لم يكن موقّتا كما انه ليس المطلوب فيها إلاّ صرف الزمان

تقسيم العبادات المكروهة

ص: 41


1- . فوائد الأصول 1/434 وما بعده .

وصرف المكان . وإلاّ كان اللازم اتيانه في كلّ مكان كما في كلّ وقت بخلاف المكروهات فانها تتعلّق بمطلق وجودات الافراد فلا يكون هناك اجتماع ارادة وكراهة ولا اجتماع أمر وكراهة لأن مركب الأمر هو صرف الوجود ومركب النهي هو مطلق الأفراد والخصوصيّات الفرديّة خارجة عن دائرة الطلب في الأمر على أيّ مبنى قلنا في الأمر والنهي سواء كان بمعنى الانشاء وايجاد النسبة أو بمعنى الطلب فاذا كانت الخصوصيّات خارجة واللوازم لم يتعلّق بها الأمر فهي منهي عنها بالنهي الا عافى ولا اجتماع للأمر والنهي غاية الأمر إذا أتى بالفرد المكروه من العبادة ينطبق عليه المأمور به لكونه صرف الوجود لا لكونه هو المأمور به كي يكون مجمع الأمر والنهي . فحينئذٍ لا يكون باب العبادات المكروهة من باب التعارض ولا من باب التزاحم لعدم اشكال في عالم الجعل وتشريع المولى ولا تزاحم في مقام الامتثال . ويؤيّد ذلك بل يدلّ عليه حمل الفقهاء النهي الوارد في مقام التعارض مع الأمر الالزامي على الكراهة مع ابقاء الأمر على الوجوب ويرون ذلك رافعا للتعارض وليس إلاّ لأجل عدم انفهام التضاد بين الأمر والنهي الا عافى فتدبّر جيّدا .

توضيح وتكميل: أطال الكلام سيّدنا الاستاذ في بيان الفرق بين الوجوب والحرمة وبينه وبين الكراهة على ما ذهب إليه شيخه الأستاذ النائيني بأنّ المطلوب في الأمر حيث انه صرف الوجود من الطبيعة وانطباقه على الأفراد إنّما هو لتساوي اقدامها في الفرديّة للطبيعة المأمور بها بصرف الوجود . والاجزاء حينئذٍ يكون عقليّا فاذا كان في النهي التحريمي كان تعلّقه بمطلق وجود الأفراد فحينئذٍ يوجب ذلك عدم تساوي الفرد الذي يكون مصداقا للحرام من الطبيعة

ص: 42

المأمور بها لباقي الأفراد التي لم تكن كذلك فاذا خرج عن مساواته لها فلا يمكن انطباق المأمور به عليه . فقهرا ينتج ذلك خروجه عن دائرة الانطباق ومصداقيّته . وهذا بخلاف ما إذا كان النهي تنزيهيّا فانّه لا يوجب ذلك خروج هذا الفرد عن مساواته لباقي الأفراد وعلى هذا فيمكن الفرق بين البابين بمثل هذا البيان ولا اختصاص له بخصوص ما إذا كان الاجتماع في المبدئين بل بالعنوانين الاشتقاقيين أيضا يمكن توجه هذا الفرق . فاذا قال أكرم عالما وقال لا تكرم الفسّاق وكان زيد عالما فاسقا ولم يكن النهي تحريميّا بل تنزيهيّا لا معارضة بينهما ولا تعاند هذا .

الا ان هذا في الحقيقة ليس جوابا عن الاشكال ولا يوجب امكان الاستشهاد بالعبادات المكروهة لجواز الاجتماع وإن كان نتيجة هذا البحث عدم كون باب الكراهة مع الوجوب من التعارض ولا من التزاحم حتّى في مثل التباين الشخصي بقوله أكرم زيدا ولا تكرمه لو كان المراد بالنهي الكراهة . بل هذا الجواب في الحقيقة راجع إلى عدم اجتماع الأمر والنهي في مثل العبادات المكروهة بل ان متعلّق الأمر شيء ومتعلّق النهي شيء آخر أمّا في التحريمي فمسلّم وأمّا في التنزيهي فعلى فرض عدم تسليم الفرق وان مقتضى المنقصة الموجودة فيه أيضا خروج الفرد المشتمل عليه المنقصة عن تساويه لساير الأفراد فلا يمكن انطباق صرف وجود الطبيعة المأمور بها عليه . وما يقال من كون الكراهة بمعنى أقليّة الثواب . فيه انه اخراج الأمر والنهي عن ظاهرهما في المولويّة إلى الارشاديّة . مع انه لا يمكن أخذ هذا الكلام بظاهره واطلاقه لأنّه يوجب كون تمام الأفراد المكروهة بالنسبة إلى الأكثر ثوابا كذلك مضافا إلى عدم

الجواب في العبادات المكروهة

ص: 43

معنى لاجتماع المصلحة والمفسدة بل المصالح والمفاسد الكامنة في الشيءالواحد لابدّ لها من الكسر والانكسار والحكم على طبق الغالب منهما ومعه فأما أن يبقى لهذا الفرد تساوي في الجهة المطلوبة من الأمر لساير الأفراد فلا مانع من وقوع الامتثال به وإلاّ فلا .

نعم لا ريب في اشتمال هذا الفرد على مقدار من النقص بالنسبة إلى ساير الأفراد . والكلام في انه هل يوجب ذلك خروجه عن تساويه مع الأفراد الباقية بحيث لا يمكن الامتثال به أم لا ؟ ولا ينافي هذا الفرق ما قدمناه سابقا من عدم سراية الأمر والنهي إلى لازم الوجود .

والحاصل ان هذا الجواب ليس بمستقيم بل الظاهر انه لا يمكن انكار المضادة بين الاحكام كلّ مع الآخر سواء كان الكراهة مع الحرمة أو الوجوب .

في تقسيم العبادات المكروهة:

اعلم انّ العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام: فقسم منها يكون بين متعلّق الأمر والنهي عموم من وجه وقسم النسبة العموم المطلق والثالث يكون بينهما التساوي بمعنى تعلّق الأمر بعين ما تعلق به النهي .

أمّا القسم الأوّل: فقد ذكرنا تفصيلاً انه لا يكون متعلّق الأمر والنهي فيه واحدا . غاية الأمر كان من الممكن الفرق بين ما إذا كان النهي تنزيهيّا وما إذا كان

تحريميّا حيث ان في التحريمي يوجب تعلّق النهي بمطلق الأفراد .

في متعلّقه خروج الفرد المجمع بين العنوانين عن مساواته لباقي الأفراد فلا يكون هناك تساوي الاقدام بينه وبين باقي الأفراد .

فحينئذٍ لا يمكن انطباق الطبيعة المأمور بها التي يكتفي في مقام الامتثال

ص: 44

بصرف الوجود منها عقلاً على هذا الفرد بخلاف التنزيهي فانّه يمكن بعد بقائه على مساواته لباقي الأفراد وانطباق المأمور بها عليه . فالنزاع حينئذٍ يكون صغرويّا فيانه هل النهي التنزيهي كالتحريمي موجب لخروج هذا الفرد عن تساويه لساير الأفراد في انطباق المأمور به عليه وكونه صرف الوجود منه فيكتفي به أم لا ؟ وأمّا القسم الثاني . وهو ما كان بين العنوانين العموم المطلق كما في الأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة في الحمام فأيضا كذلك فلم يكن في هذين القسمين اجتماع الأمر والنهي بل الأمر تعلّق بطبيعة والنهي بطبيعة اخرى . غاية الأمر تعلق النهي بالطبيعة المنهي عنها بمطلق أفرادها بخلاف المأمور بها فانّ المطلوب صرف وجودها في الخارج وإذا كان النهي تحريميّا فلا يمكن انطباق المأمور به على الذي يكون مصداقا للمنهي عنه لعدم تساويه لباقي الأفراد بخلاف ما إذا كان تنزيهيّا على ما سبق ولا يكون اجتماع عنوانين متضادين كي يقال بكون العنوانين تعليليين موجبين لتعلّق الأمر والنهي بالمصداق أو تقييديين كي لا يكون كذلك .

نعم اختيار الفرد الذي يكون مصداقا للنهي التنزيهي يوجب منقصة فيه لكنه ليس دائميّا بل اتّفاقي كما في تزاحم زيارة عاشوراء لصلاة جعفر علیه السلام بل ما نحن فيه لا يكون حقيقة من التزاحم بخلاف مثل زيارة عاشوراء فانه يمكن تعاندها بالنسبة إلى شخص مع صلاة جعفر دائما . وكيف كان فلا كلام منا الان في مثل ذلك بل الكلام في عدم لزوم التزاحم في هذين القسمين من العبادات المكروهة لتعدّد متعلّق الأمر والنهي ولا ربط لأحدهما بالآخر وليس هناك اجتماع الأمر والنهي .

أمّا في القسم الثالث منها الذي تعلّق الأمر والنهي بطبيعة واحدة شخصيّة لا يمكن اسراء الجواب السابق وإن كان لم يمكن الاستشهاد به لخروجه عن مورد اجتماع الأمر والنهي كي يكون شاهدا لباب التزاحم في مورد

الفرق بين أقسام العبادات المكروهة

ص: 45

الاجتماع لأنّه يكون متعلّق النهي عين متعلّق الأمر كما في صوم يوم عاشوراء فانه مستحب مع انّه مكروه بناءً على استفادة ذلك من اخباره . وليس ذلك أي استحباب صومه بالنظر إلى مطلقات استحباب الصوم في غير الأيّام المستثناة . بل يمكن استفادة ذلك من نفس أخبار خاصّة به وحينئذٍ فاجتمع الاستحباب والكراهة في مورد واحد شخصي ويمكن الاستشهاد به لباب الاجتماع وانه من باب التزاحم لا التعارض فانه لا مجال لانكار التضاد بين الكراهة والاستحباب بل هما متضادان كما ان الحرمة والوجوب كذلك .

نعم لو لم يستفد ذلك بل استفيد مجرّد(1) امساك وتشبه بالصائم والافطار قبل

الغروب فليس بصوم حقيقة بل إنّما هو مجرّد التشبه فيخرج عن ما نحن فيه .

وأجيب عن ذلك باحتمال انطباق عنوان مستحب على الترك ويكون مولّدا لذاك العنوان المستحب . وحينئذٍ يكون ترك الصوم مستحبّا كفعله فلا كراهة أيضا بناءً على هذا القول بل الكراهة بمعنى استحباب الترك والأمر بذلك ارشاد إلى ذاك المعنى أو النهي ارشاد وليس على ظاهره من المولويّة كما قلنا ان المستحب ترك التشبه بهؤلاء لأنّهم يصومونه فرحا واستبشارا وعيدا . فحينئذٍ يكون الترك من باب توليده لذاك المستحب الذي هو ترك التشبه والفعل أيضا في حدّ نفسه مستحب . أو ان الترك سبب لعنوان مستحب لا نعلمه ولكن المحقّق النائيني لم يرتض هذا الجواب واستشكل(2) عليه بأنّه يكون هذا أصعب من الضدّين اللذين

ص: 46


1- . وسائل الشيعة 10 الباب 23 - 28/1 - 1 من أبواب من يصحّ منه الصوم .
2- . فوائد الأصول 1/439 .

لا ثالث لهما حيث ارجعنا جهة المصلحة والمفسدة المتخالفة فيهما إلى التعارض فكيف بالمقام الذي يدور الأمر بين استحباب الترك واستحباب الفعل وانه يكون طرفا النقيض كذلك .

بل لابدّ من الكسر والانكسار فاما ان يغلب جهة الترك فيكون الترك مستحبّا أو الفعل فالفعل ولا يكون الآخر مستحبّا . والا فان تساويا فيكون أحدهما مستحبّا تخييراً ولا يمكن استحبابهما تعيينا فاذا لم يمكن ذلك فلا تصل النوبة إلى الاستشهاد به لباب التزاحم وانه اذا كان مورد الاستحبابين واحدا فيكون من اجتماع المثلين أو يكون تأكيدا .

وذهب هو قدس سره إلى وجه آخر(1) وهو كون الفعل مستحبّا في حدّ ذاته لأنّه صوم وأمّا الكراهة فتتعلّق بالتقرّب والتعبّد بهذا الصوم إلى اللّه تعالى فمركب الأمر والنهي والكراهة مختلفان ومتعلّقهما ليس واحدا مع اجتماعهما لا انه يكون هناك كراهة مع الاستحباب كما في الأجوبة السابقة بل اجتمعتا الكراهة والاستحباب غاية الأمر متعلّق كلّ غير متعلّق الآخر . وهذا الوجه ليس بمرضيّ فالأحسن ما ذهب إليه المحقّق الخراساني كما نقلناه عنه قدس سره .

خلاصة ما سبق قد ذكرنا ان أحد أقسام العبادة المكروهة ما اذا تعلّق الأمر بعين ما تعلّق النهي كما في صوم يوم عاشوراء بناءً على استفادة ذلك من أخباره .

أمّا القسمان الأولان فقد اشير إلى الجواب وان ما تعلّق به النهي غير ما تعلّق به الأمر واجيب عن هذا القسم والاستشهاد به لجواز الاجتماع وكونه من

خلاصة ما سبق

ص: 47


1- . فوائد الأصول 1/439 .

باب التزاحم لا التعارض بوجوه أشرنا إليها .

فأحدها انه يكون النهي ارشادا الى منقصة في المتعلّق ولا كراهة ولا شيء كما انه قد ذكرنا عن المحقّق الخراساني الجواب وأشرنا إلى ما ذهب إليه المحقّقالنائيني من كون الكراهة والاستحباب مختلف المتعلّق وانه يلتزم بالاستحباب والكراهة مع اختلاف تعدّد المتعلّق . ولا يخفى ان الاشكال إنّما يتأتى إذا قلنا بكون الأحكام متضادّة حتّى في عالم الجعل اما بناء على عدم التضاد الا في عالم المحركيّة والبعث فلا تضاد بين الكراهة والاستحباب لرجوعه إلى الاقتضاء واللا اقتضاء ولا تضاد ولا تخالف بينهما بل يجتمعان في مورد واحد وحيث ان الحق كون الأحكام متضادة بأسرها حتّى في عالم الجعل فلا وجه لهذا النحو من الجواب .

توضيح ما ذهب إليه المحقّق النائيني:

من الجواب هو ان الأمر الاستحبابي تعلّق بذات الصوم فذات الصوم في حدّ نفسها مستحبّة الا ان الكراهة لم تتعلّق بذات الصوم كي تجتمع مع الاستحباب في متعلّق واحد . بل متعلّق النهي التنزيهي إنّما هو الصوم المأتي به بقصد أمره والتقرب بهذا الصوم فالأمر الاستحبابي مأخوذ في رتبة موضوع النهي التنزيهي وفي رتبة ما هو كالعلّة لمعلولها فحينئذٍ يستحيل اجتماعهما معا على المتعلّق كما انه يستحيل بقاء مورد الاستحباب لو تعلّق الأمر الكراهي بنفس العمل حيث ان الفرض تعلّقه بالعمل بما هو مأمور به بالأمر الاستحبابي فالنهي الكراهي كانه آتٍ من قبل الأمر الاستحبابي . ولو فرض تعلق الكراهة بذات العمل يلزم المحال وهو افناء ما يحصل منه شيء ويتأتى من ناحيته لذاك الشيء . وهذا نظير الفرق بين نذر

ص: 48

صلاة الليل وما اذا وجب صلاة الليل والزيارة بالاستيجار فانه في مثل نذر صلاة الليل يكون متعلّق الوجوب نفس العمل حيث ان النذر تعلق بذاته وحينئذٍ يجتمع هناك أمران أحدهما استحبابي لذات العمل وهو الاستحباب العبادي لصلاة الليل والآخر توصّلي وجوبي فيكسبان كلّ الآخر جهته الخاصّة ويندك بجهته المختصّةبنفسه فلا بقاء للاستحباب ولا للتوصل بل يحصل من ذلك أمر وجوبي تعبّدي وهذا بخلاف الأمر الاجاري فانه يتعلّق بالعمل بقصد أمره النفسي غير الاجاري ويجب الوفاء والاتيان بالعمل المستحب في نفسه . فالوجوب متعلّق بالعمل الذي أخذ قصد الأمر الاستحبابي فيه بخلاف النذر للكسب والاكتساب . فما نحن فيه أيضا من هذا القبيل . وهذا الذي ذكرنا من تعلّق الأمر الوجوبي بصلاة الليل المنذورة اسنده الاستاذ إلى المحقّق النائيني في أبحاثه في الدورات المختلفة الثلاث فالاستحباب متعلق بذات العمل بخلاف الكراهة فانه لم تتعلّق بذاته بل به بعنوان التعبّد والتقرّب .

نعم هذا كلّه على فرض تماميّة الاستفادة . وإلاّ فيمكن بالنظر إلى الأخبار الواردة في انه يوم حزن ليس بيوم صوم أو لا صوم فيه نفي استحباب الصوم بل ورد(1) فيه من التشديد من انه من سنة بنياميّة وإن من صامه استنّ بسنّتهم وهو في النار ولم يستفد منه الحرمة فلا أقل من الكراهة لبناء الأصحاب على حمل هذه المضامين والتشديدات على كون الحكم هو الكراهة . وحينئذٍ فاذا كره الصوم فلا يمكن الاتيان به ورودا لأنّه تشريع ورجاءً أيضا لأنّه لا معنى له .

حكم صوم يوم عاشوراء

ص: 49


1- . وسائل الشيعة 10 الباب 2 / 21 من أبواب الصوم المندوب .

وهناك أخبار معارضة لا سند لبعضها ففي بعضها(1) انه صامه رسول اللّه صلی الله علیه و آله

وفي آخر(2) انه يوم وقوف سفينة نوح علیه السلام وغيره وحال هذا الخبر وراويه معلوم في عدم جواز الاعتماد عليهما كما انه ورد في بعضها(3) ان من صامه ويومتاسوعاء كان كمن صام سنتين وفي المعارضة للخبر الأوّل اشكال لعدم استنان بنياميّة قبل وقوع الواقعة المبكية للصوم على فرض سلامة سند الرواية وتحقّق صوم النبي صلی الله علیه و آله لذاك اليوم .

وكيف كان فعلى فرض استفادة الاستحباب والكراهة فالجواب ما ذكرنا من الأجوبة . الا ان الجواب الذي ذهب إليه المحقّق النائيني قدس سره فيه ما لا يخفى من الضعف وان قربناه غاية التقريب . إذ مرجعه إلى استحباب الصوم وكراهته ولو بعنوان كراهة اتيان الأمر الاستحبابي وامتثاله لا من جهة المعارضة لعدم تخالف في مقتضى الأمرين .

ثمّ انّ نتيجة بحث العبادات المكروهة هو عدم تماميّة الاستشهاد للتزاحم في باب الاجتماع . ولكن لا يخفى عليك ان الجواب من القسم الأوّل والثاني من العبادات المكروهة كان مبنيّا على الفرق بين النهي التنزيهي والتحريمي وان متعلّق الأمر هو صرف الوجود والنهي هو مطلق الوجود بالبيان المتقدّم .

نعم لو كان النهي تحريميّا لا يمكن انطباق المأمور به في دائرة الأفراد التي ينطبق عليها المنهي عنه بخلاف التنزيهي فانه لا يوجب الخروج عن تساوي الاقدام . لكنه يشكل هذا أيضا بعدم تماميّة هذا الجواب حيث ان صرف الوجود

ص: 50


1- . وسائل الشيعة 10 الحديث 1 - 5 - 2 - 3 الباب 21 - 20 من أبواب الصوم المندوب .
2- . وسائل الشيعة 10 الحديث - 1 - 5 - 2 - 3 الباب 21 - 20 من أبواب الصوم المندوب .
3- . وسائل الشيعة 10 الحديث 2 - 1 - 5 - 2 - 3 الباب 21 - 20 من أبواب الصوم المندوب .

بعد انطباق المأمور به عليه هو عين المأمور به ومصداق الطبيعي وفرده ونسبته إلى الطبيعي نسبة الولد إلى الأب كما انه بالنسبة إلى ساير الأفراد كذلك نسبتها إليه نسبة الأولاد إلى الآباء لا إلى الأب الواحد .

وحينئذٍ فاذا كان مصداق الطبيعة المأمور بها

فيكون فيه اجتماع الكراهة والاستحباب أو الوجوب لفرض كون المكروههو على نحو الشمول لجميع الأفراد واحد الأفراد ما ينطبق عليه المأمور به لكونه صرف وجوده فلا يتمّ ما ذكر من الجواب فيجري في ذلك جميع ما تقدّم في باب الاجتماع من الوجود الانضمامي أو الاتّحادي على ما فصّلناه فراجع وتدبّر في أطراف ما ذكرناه جيّدا .

ثمّ ان في المقام اشكالاً آخر راجع إلى أصل بحث التزاحم والتعارض وهو انه قد تقدّم في بعض الأبحاث السابقة انه إذا تعلّق الأمر أو النهي بما يكون له موضوع خارجي فيكون خارجا عن باب التزاحم إلى باب التعارض ولا فرق فيه بين صورتي العلم والجهل وقلنا ان باب الوضوء والتيمم بماء الغير وترابه يفترق عن الصلاة في مكان الغير اذا لم يكن ما يصحّ السجود عليه وما يقع عليه مساجده مملوكا للغير . فان مثال الصلاة مثال لباب الاجتماع بخلاف الوضوء والتيمّم لتعلّقهما بالموضوع الخارجي ومع ذلك يقولون بصحّة التيمّم والوضوء أو الغسل اذا كان بتراب الغير أو الماء المغصوب جهلاً فكيف يلائم ذلك كونه من باب التعارض مع انه لابدّ فيه من المانعيّة الواقعيّة والبطلان مطلقا في حالتي العلم والجهل .

نعم لا اثم عليه في حال الجهل ولو كان له قيمة أو اجرة فعليه . لكن تصحّ

اجتماع الكراهة مع الوجوب

ص: 51

طهارته به فلا يصحّ استثناء ما له تعلّق بالموضوع الخارجي عن باب الاجتماع والحاقه بباب التعارض بل لا محيص حينئذٍ من الالتزام بما(1) ذهب إليه المحقّق الخراساني وان أحد الحكمين وهو الحرمة في حال الجهل حكم انشائي والفعلي هو الحكم الآخر . وإذا علم بالحكم فيصير فعليّا على ما سبق الاشارة إليه ولايمكن كونه من باب التزاحم لأنه لابدّ من عدم البطلان حتّى حال العلم بل لعلّه في حال العلم أولى بذلك .

عود على بدء: قد تحصّل ممّا تقدّم ان مبنى المحقّق النائيني قدس سره في الفرق بين النواهي جواز اجتماع الكراهة مع الوجوب . وبالجملة الرجحان مع المرجوحيّة على بعض الوجوه كما عرفته مفصّلاً لكنّه . إنّما يتمّ ما ذكره إذا سلّمنا

دعويين في كلامه كلتاهما قابلتان للخدشة .

أمّا الاولى: فبكون صرف الوجود الذي تعلّق بطبيعته الأمر لم يكن عين الطبيعي ولا يصدق عليه وجوده بل من باب انه مخيّر عقلاً بين الأفراد يطبّقه أي الطبيعي على فرد لم يكن عينه أو يكون وجوده ولكن لم يكن عين المأمور به .

والثانية: تسليم الفرق بين النهي التحريمي والتنزيهي من عدم اخراج الثاني المنهي عنه عن تساوي الاقدام ويشكل ذلك بأن صرف الوجود وإن لم يكن عين المأمور به بمعنى عدم تعلّق الأمر بخصوصه أي الفرد الذي يأتي به الا ان الكلي ينطبق عليه ويكون مصداقا له . وحينئذٍ فيكون مصداق الواجب ومأمورا به . فاذا كان مأمورا به فلا يتمّ دعوى تعدّد المتعلّق في الأمر والنهي في القسمين الاولين كما ان الفرق بين قسمي النهي لا يتمّ ضرورة تضادّ الكراهة والوجوب

ص: 52


1- . كفاية الأصول 1/245 .

والاستحباب والوجوب وكذا كلّ واحد بالنسبة إلى باقي الأحكام الخمسة . سواء قلنا بانتزاع الأحكام من انشاء النسبة بين المتعلّق والمكلّف أو لا بل قلنا بالطلب أو غير ذلك فان منشأ الاشكال ليس خصوص أحد هذه المباني . بل الاشكال من ناحية عدم اجتماع المرجوحيّة والرجحان في شيء واحد على حالهما . بل لابدّ من الكسر والانكسار والا فمع التساوي لا يكون أحدهما . وبالجملة فالشيء الواحد لا يكون فيه خصوصيّة الرحجان وعدم الرجحان بل المرجوحيّة لاتستقيم .

وعلى هذا فاذا ورد هناك دليل يقتضي بظاهره اجتماعهما فلابدّ من تأويله وكونه ارشادا إلى خصوصيّة خارجيّة مانعة أو مخرجة عن تساوي هذا الفرد أو القسم لباقي الأفراد والأقسام بحيث يكون ثوابه أقلّ أو لا بل مساويا للباقي لكنّه فيه جهة اخرى كما في الصلاة في المواضع المكروهة كبطون الأودية مثلاً لامكان هجمة السيل وغرقه وغير ذلك في غيره وما ورد من فعل الفقهاء من رفع التنافي بحمل النهي في بعض الموارد على الكراهة كما في مثل ما ورد(1) في باب الصلاة للمرئة محاذية للرجل حيث حملوا النهي الوارد على الكراهة لاختلاف التحديد للبعد الذي للمنهي عنه وكونه قرينة على عدم الحرمة . والا فلابدّ من كونه ارشادا إلى المانعيّة كما هو قضيّة النهي عن شيء في شيء نظير النهي عن الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وأمثاله ولا معنى لبقاء النهي على ظاهرة من المولويّة لعدم امكانه على ما عرفت .

ثمّ ان الفرق بين ما اذا كان لمتعلّق الأمر والنهي تعلّق بموضوع خارجي

الفرق بين تعلّق الأمر والنهي بموضوع خارجي وغيره

ص: 53


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 5 من أبواب مكان المصلي .

وبين ما اذا لم يكن كذلك وادخال الأوّل في باب التعارض دون الثاني يقتضي فساد الصلاة حتّى اذا أتى بها في صورة الجهل بالموضوع لعدم الفرق في باب التعارض بين حالتي العلم بالموضوع والجهل به مع انهم لا يقولون به وتسلم عندهم صحّتها حال الجهل .

ثمّ انه كيف يمكن كون الايجاد الواحد مشتملاً على وجودين .

وما يقال انه كما ان الوجود متعدّد كذلك الايجاد . فيه بعد التسليم انه ليسمناط أحكام الشرع على هذه التدقيقات كما في مثل الاستحالة وفروعها الكثيرة حيث انه اذا وقعت قطرة بول في الماء الكر ونقص عن الكريّة بعد ذلك لا يقولون بنجاسته مع ان تداخل الأجسام محال والبول بعد باق في الماء . غاية الأمر لا بصورته النوعيّة حسّا بل حقيقة . يشهد لذلك امكان اخراجه بالتجزية ومع ذلك كيف لا يقولون بنجاسة الماء اذا نقص عن الكريّة مع فرض بقاء البول وعدم معدوميته . بل إنّما استهلك لا مطلقا وبالمرّة لقابليّة اخراجه بالتجزية ويفرقون بين

ملاقاتها للماء الذي يكون ناقصا عن الكر من أوّل الأمر وبين هذا الماء الذي كان كرا ونقص بعد الملاقاة .

وبالجملة لا يتمّ هذا المبنى كما لا يصحّ بعض ما بنى عليه من الفرق بين كون زيد في الدار وضربه مع ان الضرب ليس إلاّ وجوده وهو كونه .

والحاصل انه لابدّ في صحّة الصلاة في مثل ما اذا أمر بشيء ونهى عن شيء آخر واجتمعا في الوجود من انطباق الطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها على المصداق الذي ( يأتي به المأمور ) فلا فائدة في مجرّد كون هذا الفرد فردا للطبيعة بلا انطباقها بما هي مأمور بها عليه ومع صدق الغصب على الصلاة وكونها تصرّفا

ص: 54

كالنوم وباقي الحركات الاخر لا يبقى مجال التطبيق وانطباقها بما هي مأمور بها لاستحالة كون الشيء الواحد مأمورا به ومنهيّا عليه لتضاد الأمر والنهي سواء كان تنزيهيّا أو تحريميّا أو أحدهما أي الأمر استحبابيّا والآخر وجوبيّا الزاميّا . وحينئذٍ

فلابدّ من المصير إلى ما حقّقه المحقّق الخراساني قدس سره من القول بكون العلم بالحكم على نحو القضيّة الحقيقيّة موضوعا لفعليّة الحكم وكونه منجزا على المكلّف . وأمّا في صورة الجهل فلقيام الاجماع على الصحّة نكشف عن عدم فعليّة الحكم غاية الأمر كلّما قام الاجماع نقول به دون ما لم يقم . وأمّا تصحيحها على القاعدةفيمكن لا في صورة الجهل بالموضوع ولا بالحكم لعدم شمول لا تعاد لذلك . بل إنّما يشمل خصوص صورة النسيان . وأمّا في صورة الجهل بالحكم إذا قام الاجماع فيه أيضاً لا مانع من الاستثناء كما في مثل الجهر والاخفات والقصر والاتمام من كون العلم بالحكم دخيلاً في فعليّته وتنجزه على المكلّف على ما حقّقناه في محلّه .

وصورة الجهل بالموضوع فأسهل منه ولا اشكال فيها ولذلك نظائر كثيرة في باب الحج حيث ان الجاهل(1) بالحكم والناسي أيضا في كثير من المقامات لا كفّارة عليه إلاّ الصيد فتدبّر جيّدا .

في اشتراط المندوحة:

ثمّ انّهم ذكروا المندوحة وان الحكم يختلف معها وعدمها . فلابدّ من بيان ان وجود المندوحة هل يوجب رفع الاشكال أم لا بل وجودها كعدمها في ان الحكم لا يفترق فانتظر ( وبالجملة تلخّص ممّا ذكرنا من عدم كون باب الاجتماع من

في اشتراط المندوحة

ص: 55


1- . وسائل الشيعة 13 الباب 3 - 31/1 - 2 كفارات الصيد والباب 10 والباب 8/1 - 3 - 4 من أبواب كفارات الاحرام .

التزاحم بل التعارض والاستشهاد بالعبادات المكروهة لم يتم لما ذكرنا من كون النهي ارشادا لا مولويّا وحينئذٍ فاذا ورد النقل المعارض بالعقل المستقل فلابدّ من تأويله لعدم صحّته ) .

فنقول: فرق بعضهم في الصحّة في باب الاجتماع والفساد بين ما إذا كان هناك مندوحة وما إذا لم تكن . فقالوا بالصحّة في الاولى وبعدمها في الثانية ونظير ذلك ( أو مثاله ) ما اذا اغترف من الاناء الغصبي أو الذهبي أو الفضّي الماء المملوك

له أو المباح فانه تارة يأخذ بقدر حاجته لوضوئه فيعصى مرّة واحدة ويأخذ مايكفيه ولا اشكال في صحّة الطهارة ولو عصى اذ بعده يكون متمكّنا واجدا للماء واخرى يأخذ غرفة واحدة لا تكفيه فحينئذٍ يفصل بين ما اذا كان هناك ماء آخر مباح غير مظروف في الاناء الذهبي أو الفضي أو المغصوب فيصحّ وضوئه وغسله لصدق التمكّن والوجدان وما اذا انحصر بالموجود في هذا الاناء فلا يصحّ لأن الوضوء لا يتبعض الا أن يعصى ثانيا وثالثا ولكن هذا ممنوع شرعا والمانع الشرعي كالمانع العقلي وقد تقدّم تفصيل هذا الكلام سابقا عند التعرّض لكلام صاحب الفصول قدس سره .

وفي المقام يمكن أن يقال بهذا المعنى ويفصل في الصحّة وعدمها بين الصورتين فاذا كان هناك مندوحة وفرد آخر غير مزاحم للغصب بل مصداق للطبيعة المأمور بها دون المنهي عنها فيصحّ اتيان الطبيعة في ضمن المزاحم وذلك لأنّ الطبيعة مطلوبة للمولى وهي تنطبق قهرا على كلّ فرد منها ولو اختار المكلّف المزاحم وابتلى بالغصب ولكنه لا يوجب انثلاماً في ناحية انطباق الطبيعة وكذلك قال وذهب إلى هذا التفصيل في الأفراد الطوليّة وما إذا كان فرد من الصلاة مزاحما

ص: 56

لأداء الدين والأفراد الآخر ليست كذلك فقال بالصحّة في الفرد المزاحم لعدم كون ذلك تكليفا بالمحال أو لا يطاق بخلافه اذا انحصر في خصوص المزاحم فلا أمر كما فيما نحن فيه اذا انحصر بالمغصوب فلا يقول بالصحّة بلازم كلامه .

لكن لا وجه لهذا التفصيل فان وجود المندوحة وعدمها سيّان في ما هو مناط الصحّة . وذلك لانّ الصحّة دائرة مدار انطباق الطبيعة المأمور بها بما هي كذلك على المصاديق . ومجرّد انطباق الطبيعة بما هي هي لا بما هي مأمور بها لا يكفي فاذا انطبقت في مورد فيحكم بالصحّة كان هناك مندوحة أو لم تكن . كما انه اذا لم تنطبق على مورد بما هي مأمور بها فلا تصحّ بناء على تغليب جانب النهيوالامتناع كان هناك مندوحة أو لم تكن . ولا تنطبق الطبيعة المأمور بها بما هي كذلك على الفرد المجمع للطبيعتين . كما انه بناء على جواز الاجتماع ينحصر الاشكال بما ذكرنا من القبح الفاعلي ولكن ذلك لا ربط له بوجود المندوحة وعدمها كما ان في باب الوضوء أيضا يجيء الاشكال من ناحية التمكّن ووجدان الماء وعدمه لا لجهة اخرى .

وكيف كان فلا وجه لما هو ظاهر هذا التفصيل ولعلّهم أرادوا به غير ما هو ظاهره ولم نصل إلى مرادهم .

( أقول ) بنائهم على كونه من باب التعارض في صورة عدم المندوحة وتغليب جانب النهي لكون النسبة بين الأمر والنهي حينئذٍ هو التباين دون ما اذا كان مندوحة لكون النسبة العموم من وجه أو غير ذلك فيكون من باب التزاحم فتأمّل ) .

هذا اذا لم يكن جهة اخرى من الاضطرار في مثل المكان الذي حبس فيه

ص: 57

غصبا فانه يمكن تارة أن يقيم فيه باختياره واخرى بالاضطرار ففي صورة الاختيار اذا كان في ضيق الوقت فلابدّ من تعيين الأهم من الصلاة وحرمة الغصب اذا كان من باب التزاحم بل اذا لم يكن أيضا كذلك لكون اباحة المكان قيدا للصلاة ودار الأمر بين سقوطها أو ذهاب الوقت .

وحيث استفدنا اهميّة الوقت من الموارد الجزئيّة المستكشف منها كبرى كليّة عند الدوران بين الوقت وغير جامع الطهور وان الوقت اهم فلابدّ من سقوط غير الوقت وهو المهم وحفظ الوقت لكونه هو الميسور في حقّه والواجب الذي هو مأمور باتيانه حينئذٍ . وعلى كلّ حال فاما أن يكون التزاحم بين تكليفين نفسيّين وهو الصلاة والغصب بناءً على عدم المانعيّة وعدم كونه من باب التعارض كييوجب القيديّة . فعند التزاحم يقدم جانب الصلاة لو قلنا انها أهم لا لأنّه ( لا يترك الصلاة(1) بحال ) كما انه اذا رجع إلى باب التعارض وانتج القيديّة فالوجه ما ذكرنا .

وقد يقال بأنّه اذا صار مضطرّا إلى ايجاد المانع ولو لجهة خارجيّة كالتوقي من الحرّ والبرد بلبس الحرير أو النجس فلا يصحّ أيضا . لكن الحق في ذلك التفصيل وانه اذا كان القيديّة والمانعيّة ناشئة من النهي النفسي فلا اشكال في انه اذا

سقط للعذر فلا مانعيّة ولا قيديّة فتصحّ العبادة بخلافه اذا كانتا ناشئتين من علّة ثالثة وملاك آخر مستتبع لخطابين خطاب نفسي للحرمة وآخر للمانعيّة . فحينئذٍ اذا سقط النفسي للعذر والاضطرار فيبقى الغيري المستفاد منه القيديّة فلا تصحّ في السعة وأمّا اذا حبس في مكان مغصوب فقد يقال بعدم جواز تغيير الهيئة التي

ص: 58


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 1/5 من أبواب الاستحاضة واللفظ ولا تدع الصلاة على حال .

حبس عليها . وعن صاحب الجواهر قدس سره (1) انه اذا قال الشارع كذلك فيكون حكمه عليه أشدّ من حبس الظالم له . وفي العروة(2) انه يجوز الصلاة بالركوع والسجود الصلاة التامّة للمختار اذا لم يستلزم تصرّفا زائدا . وهذا بظاهره لا يستقيم لعدم الفرق للجسم في اشغاله الفضاء بتغير الحالات الطارئة عليه مع فرض بقائه على حالته من الثقل ولم يكبر كما هو الفرض فحينئذٍ اذا كان مضطرّا إلى اشغال مقدار جسمه من الفضاء ولم يوجب تغيير الهيئة زيادة ذلك فأيّ مانع من التصرّفات المختلفة وتغيّر الهيئات والمشي والدور فيه بل لا يكون مثل الصلاة تصرّفا ولا باقي الأشياء تصرّفا زائدا بالدقّة العقليّة وكذلك عرفا لا تكون زائدا على الهيئةالخاصّة التي حبس عليها وان كان صاحب العروة لم يجزم بكونها تصرّفا زائدا .

والتحقيق ان الكون في أرض الغير المغصوبة تارة يكون لا باختيار المكلّف وارادته بل قهرا بظلم ظالم واجباره عليه واخرى بسوء اختياره وثالثة لحفظ نفسه أو التوقّي من الضرر الشديد ونحو ذلك .

والثاني وهو توسّط الأرض المغصوبة اختيارا فسيجيء حكمه .

أمّا الأوّل وهو ما اذا لم يكن باختياره بل قهرا وظلما وجبرا . فنقول انه بناءً على امتناع الاجتماع وتغليب جانب النهي فتارة نقول بدلالة(3) النهي النفسي كالتصرّف في ما نحن فيه على عدم المانعيّة للصلاة فلا اشكال في صحّة الصلاة لو أتى بها في الأرض المغصوبة لا بالقهر . واخرى نبنى كما هو الطريقة والقاعدة على ان النهي النفسي منشأ للنهي الغيري موجبا له وحينئذٍ كساير النواهي الغيريّة في

حكم الصلاة في الأرض المغصوبة

ص: 59


1- . جواهر الكلام 7/300 .
2- . العروة الوثقى المسئلة 8 من فصل مكان المصلي .
3- . حق العبارة فتارة لا نقول بدلالة النهي على المانعيّة الخ .

استفادة القيديّة والمانعيّة منه وان وجود هذا النهي مضرّ بالعبادة فعدمها دخيل فيها كالشرط وهو ما يكون وجوده دخيلاً اذ لا فرق بين القيود الوجوديّة والعدميّة في هذه الجهة وعليه يترتّب على هذا النهي النفسي جميع ما يترتّب على الغيري من الآثار من استفادة المانعيّة منه . وحينئذٍ فتارة يكون دليل المانعيّة ومنشأها كالنهي النفسي في مورد البحث مخصوصا بحال التمكّن من اجتناب المنهي عنه فلا اشكال حينئذٍ ان في صورة عدم التمكن لا نهى نفسي كما انه لا يكون ما نشأ منه من النهي الغيري فتصحّ الصلاة في محلّ الفرض بلا اشكال أصلاً . واخرى لا يكون كذلك بل يستفاد منه المانعيّة مطلقا في جميع الأحوال وحينئذٍ فلا يسقط بالتعذّر .ولا يخفى انه اذا نشأ النهي الغيري من النهي النفسي فلا شبهة في سقوطه عند عدم التمكّن وأمّا اذا كانا ناشئين من علّة ثالثة فلا يوجب سقوط النفسي بالتعذّر سقوط الغيري بل يبقى على ما نعيته كما اذا اضطرّ في صورة أكل المخمصة إلى التصرّف في مال الغير فلا حرمة عليه لكنّه يبقى ضمان مال الغير . فكذلك في ما نحن فيه . وحينئذٍ فلابدّ من تشخيص الصغريات ( لكن مورد البحث لا ربط له بما اذا كان ناشئا من علّة ثالثة بل يختصّ بما اذا أوجب النهي النفسي للمانعيّة وحينئذٍ فيمكن القول بسقوطه عند التعذّر .

ثمّ انه اذا بقى النهي الغيري على مانعيته فمقتضى القاعدة الأولية سقوط الأمر بالمقيد للارتباطيّة الا ان بمقتضى القاعدة الثانويّة يمكن القول بوجوب مثل الصلاة لكن لا لقوله ( الصلاة(1) لا تترك أو لا تسقط بحال ) لعدم كونه صلاة بل

ص: 60


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 1/5 من أبواب الاستحاضة واللفظ ولا تدع الصلاة على حال.

لاستفادة أهميّة الوقت وكونه دخيلاً في العبادة . فعند الدوران بين سقوطه وسقوط غيره ممّا هو دخيل في الصلاة يقدم جانب الوقت إلاّ فيما اذا كان الدوران بين جامع الطهور والوقت فالجامع مقدم وعليه ففي مورد البحث لا اشكال في صحّة صلاته لعدم النهي والمانعيّة في ذلك . وقد سبق الكلام ممّا له ارتباط بما نحن فيه .

اما جامع الطهور فيمكن القول بسقوط الوقت عند الدوران بينه وبين الوقت بمقتضى القاعدة لعدم التمكّن من الجمع بين الجامع وبين الوقت وقد استفيد من الأدلّة المتفرّقة في الأبواب المختلفة تقدم الجامع على الوقت وتقدم الوقت وأهميّته على كلّ قيد سوى جامع الطهور . فحينئذٍ يخرج عن كونه موقتا كأنه لم يرد دليل للتوقيت فيه من اول الأمر فيعامل معه معاملة الموسعات من جوازالتأخير إلى ظن الموت لعدم لزوم الفور ولا يكون الصلاة حينئذٍ قضاءً لعدم الوقت لها .

فاذا كان التراب أو الماء مغصوبا في السجن مثلاً فمقتضى القاعدة وجوب الصلاة مطلقا لا موقتا ولا فرق بين أصل الطهور وقيده من اباحته فيقدم قيده على الوقت أيضا . وكذلك لا مجال للقول بجواز التصرّف في مال الغير للوضوء أو التيمّم اذا ضاق الوقت عن تحصيل الطهور المباح . وذلك لعدم الاضطرار إليه . فكذلك اذا كان محبوسا قهرا ولا يتمكّن على طهور مباح وكذلك اذا كان حبسه مخلدا فمقتضى القاعدة كذلك فتسقط الصلاة لعدم التمكن أصلاً على ما عرفت .

هذا اذا كان قهرا . وأمّا إذا وصل إلى أوّل الارض المغصوبة مثلاً وضاق الوقت ولا يتمكّن من مكان مباح فاما أن يصلّي في أرض الغير أو اذا كان خارجها لابدّ من المشي وعدم الوقفة للخوف من العدو والسبع فهنا أيضا لا

الفرق بين النهي الغيري الناشى من النفسي وغيره

ص: 61

اشكال في عدم جواز التصرف في ملك الغير . بل يسقط الاستقرار والركوع والسجود إلى بدلهما الايمائي والاشاري لكن اذا لم يتمكن من حفظ نفسه الا بالتصرف في أرض الغير وملكه فلا اشكال في جواز الصلاة فيها أيضا وهذا لا اشكال فيه . أمّا إذا لا يتمكّن من الصلاة في المباحة للثلج وغيره ولا خوف على النفس مثلاً بالبقاء خارج المغصوب فهل تجوز الصلاة والتصرّف في المغصوب أم لا ؟ وحكم هذا أيضا علم على ممّا ذكرنا في باقي الفروع .

الخلاصة أشرنا إلى ان وجوه الكون في الدار المغصوبة ثلاثة: ثالثها ما إذا كان الدخول فيها بسوء اختيار المكلّف وقد تعارف التعبير عن هذه الصورة في اصطلاح الاصوليّين بتوسط الأرض المغصوبة وذلك لتفرّع الفروع الكثيرة التي لا تكون في مثل الصلاة في اللباس المغصوب أو ساير ما يغصب وان كان الجميعمشتركا في الحرمة وللجهة الوضعيّة فيها .

وكيف كان ففي المسئلة أقوال: منها ان الخروج عنها منهيّ عنه ومأمور به ومنها انه مأمور به فقط ولا نهي عنه ومنها انه ليس مأمورا به ولا منهيّا عنه ولا عقاب ولا شيء . ومنها انه ليس بمنهي عنه لكن فيه جهة الحرمة وملاكها وذلك لعدم امكان توجه النهي إليه لعدم امكان الامتثال وامتناعه عنه . فلا يمكن توجه الخطاب إليه وإن كان هذا الامتناع بسوء الاختيار . لكن الامتناع لا ينافي العقاب . واختار المحقّق النائيني(1) تبعا لما نسب إلى الشيخ انه مأمور به فقط ولا نهى عنه . وذلك لأن عمدة أقوال المسئلة هذا القول والقول الذي ذهب إليه المحقّق

ص: 62


1- . فوائد الأصول 1/447 .

الخراساني قدس سره واذا لم يصح ما ذهب إليه في الكفاية(1) وثبت بطلان باقي الأقوال يثبت المطلوب . وهو كونه مأمورا به فقط ولا عقاب فيه ولا نهي . ودليله على ذلك انه ليس من صغريّات الامتناع بالاختيار لا ينافي العقاب وان كان هذه القاعدة في حدّ نفسها متينة ولها انطباقات لكنه لا تنطبق على مورد البحث لوجوه: منها كون اللازم في باب الامتناع تعلّق الامتناع بخصوص المورد لا بالجامع بينه وبين فرد آخر والمقام كذلك فان الجامع بين البقاء والخروج ممتنع تكوينا الا ان مجرّد الخروج وحده مقدور تكوينا فلا يكون ممتنعا .

نعم النهي عنهما لا معنى له لكونه راجعا إلى الجامع بفرديه وهما غير مقدورين لكن تعلّق النهي بخصوص احد الفردين كالأشدّ منهما لا مانع منه لكونه مقدورا .ومنها: ان اللازم في هذه القاعدة ان في صورة الامتناع ولولا النهي أن لا يكون هناك خطاب والمقام ليس كذلك بل الخطاب رد مال الغير . وحيث ان رد مال الغير يختلف باختلاف المال ففي ما نحن فيه يكون بالخروج منه وفي الدابة والفرس بايصال زمامها إلى صاحبها وفي النقود ادخالها في ملكه بيده أو بنحو آخر بحيث لا يصل إليه يد غيره وبغصب دار الغير تارة بالخروج واخرى بالتخلية فحينئذٍ لا ينطبق عنوان المنهي عنه على هذا التصرّف ويكون بالامتناع له حكم آخر .

ومنها: عدم كونه مترتّبا على موضوع آخر . وفي ما نحن فيه يكون من هذا القبيل حيث ان الخروج بلا دخول لا يمكن فهو مقدمة لوجوب الخروج لو كان

الأقوال في الخروج عن المكان المغصوب

ص: 63


1- . كفاية الأصول 1/263 .

الخروج واجبا . ومحل القاعدة ما لم يكن كذلك بل كان مقدمة اعدادية للشيء لا مثل مورد البحث حيث ان الدخول مقدمة لوجوب الخروج فتأمّل .

توضيح وتكميل: قد ظهر وجه ما ذهب إليه الشيخ والمحقّق النائيني من كون الخروج عن الأرض المغصوبة واجباً مأموراً به فقط لا منهيّاً عنه ولا عقاب عليه لكن لا يتمّ ما ذكر من الوجه الثالث من كون الدخول مقدمة وجوبيّة للخروج لا وجوديّة ولذا لا يمكن توجه خطاب الحرمة إليه بل يمكن أن يقال في منعه ان الخروج لانطباق عنوان التصرّف عليه يكون محرما من أوّل الأمر هذا .

نعم العمدة في الاشكال هو منع حرمة هذا النحو من التصرف الذي في مقام رد مال الغير وايصاله إلى صاحبه بل هو حسن لكونه ردّا لمال الناس إليهم وتخليته لهم لما ورد من كون المغصوب مردودا وانه ( على اليد(1) ما أخذت حتّىتؤدي ) وأمثاله ممّا يمكن استفادة وجوب ردّ المغصوب إلى مالكه بدون قبح في ذلك ولا حرمة .

لكنه يمكن الخدشة في ذلك بكونه مأمورا به ومنهيّا عنه لاجتماع الجهتين فيه وانطباق العنوانين عليه سواء كان هناك موضوع خارجي كما نحن فيه وتعلّق الوجوب والحرمة به أم لا . لعدم الفرق في باب الاجتماع كما ذكرنا سابقا واستشهدنا بصحّة الوضوء بالمغصوب في صورة الجهل على كونه من باب التزاحم لا التعارض وإلاّ فلابدّ من الالتزام بكونه من باب التعارض والقول بمقالة صاحب الكفاية قدس سره من عدم كون النهي فعليّا بل العلم بموضوعه أو لحكمه موجب لكونه فعليّا ففي صورة الجهل يكون الغالب هو ملاك الأمر والمصلحة فيكون مأمورا به .

ص: 64


1- . مستدرك الوسائل 17 الباب 1/4 كتاب الغصب عن تفسير أبي الفتوح الرازي .

والحاصل: ان اجتماع العنوانين وكونه في مقام تخلية مال الغير ورفع اليد عنه وفي مقام ردّه موجب لكونه محبوبا مأمورا به حيث انه لولاه ليبقى في الغصب ويكون المحذور أشدّ وارتكاب الممنوع أكثر . ولكونه ينطبق عليه عنوان التصرّف يكون منهيّا عنه . وهذا اذا لم يرجع إلى وحدة المتعلّق بل كان ضابط الاجتماع من كون الوجود انضماميّا منطبقا على المقام بأن يكون متعلّق الأمر والنهي متعدّدا حقيقة غاية الأمر يوجدان بوجود واحد كما اذا قلنا ان الواجب ليس الا نتيجة مشي الغاصب في مقام رفع اليد عن الغصب والتخلية . والحرام هو نفس هذا المشي لكونه تصرّفا وحيث انه لا يعتبر في الواجب هنا قصد القربة فيحصل الغرض من الواجب ولو بالحرام وفي هذا الفرض يكون المقدمة محرمة وذوها واجبا فالتزاحم حقيقة بين خطاب المقدمة وذيها وفي ما اذا اجتمع الجهتان في نفس المشي ورفع الاقدام ووضعها يكون من باب التزاحم بين الواجب والحراملباب الاجتماع . ولا اشكال في امكان سقوط الواجب بالمقدمة المحرمة اذا لم يكن تعبديا كما في غسل الثوب من النجاسة أو البدن بالماء المغصوب .

وكيف كان ففي فرض اجتماع الجهتين في نفس هذا التصرّف والردّ يكون من باب تزاحم الاجتماع . وحيث ان الرد مقدم في هذا المقام على حرمة التصرّف بحكم العقل والعرف والنقل لاستفادة ذلك من خصوصيّات المقامات فيكون الغلبة لجانب الأمر ولا اشكال كما ان الأهم على فرض كونه من باب تزاحم المقدمة المحرمة مع وجوب ذي المقدمة هو ذو المقدّمة وردّ مال الغير كحفظ نفسه فحينئذٍ يكون الرد واجبا سواء كان من باب تزاحم الاجتماع أو المقدمة المحرمة .

نعم ربما يمكن توجه الاشكال على هذا للغوية الحرمة المغلوبة للتصرف

عدم حرمة التصرّف لرد المال إلى صاحبه

ص: 65

لكونه مزاحما دائما مع وجوب الخروج والتخلية فلا وجه لجعله هذا بناءً على كونه من باب التزاحم .

أمّا إذا قلنا بكونه من باب التعارض واجتماع جهتي الوجوب والحرمة في نفس هذا التصرّف وانه لا تعدّد هنا لمتعلّق الأمر والنهي حقيقة حتّى انا منعنا كون الواجب النتيجة والحرام هو المشي فلابدّ من الكسر والانكسار وجعل الحكم على طبق الغالب وهو في ما نحن فيه جهة الوجوب فيكون مأمورا به محضا لا منهيّا عنه لعدم التزاحم .

لكنه يمكن أن يقال بترتّب العقاب عليه لا لكونه مأمورا به بل لابتلاء الجهة المقتضية للحرمة بالمانع بحيث لو لا هذه الجهة لكان منهيّا عنه لجهة مبغوضيته للمولى الا انه لمكان اجبار المولى على الصبر على المكروه لا يمكن له جعل الحرمة واما ملاكه فموجود فلذا لا مانع من العقاب . واذا عوقب على هذا الامتناع من النهي لا يذمّ ولا يرون به قبحا . كما انه يمكن منع هذا المقال في المقاموالذهاب إلى كونه مأمورا به رأسا لمغلوبيّة جهة المفسدة والنهي فلا وجه للنهي ولا للعقاب عليه اذ العقاب على الحرام وهو الدخول واما الخروج فمحبوب مأمور به أبدا دائما . فظهر بما ذكرناه صحّة ما ذهب إليه الشيخ والمحقّق النائيني لكن بهذا الذي قلنا من الدليل لا لما استدلا به عليه فتدبّر .

طرح المسئلة ببيان آخر: ليعلم ان واقع الأمر ومقام الثبوت لا يخلو من انحصار الجهة في الخروج عن الأرض المغصوبة بالمصلحة وكونه مأمورا به فقط لا منهيّا عنه وهذا هو مختار الشيخ قدس سره فحينئذٍ لا إشكال في جعل الحكم على طبقه والأمر به وليس منهيّا عنه ولا عقاب عليه لعدم اتيانه الا بما هو ذو مصلحة محضة

ص: 66

في مقام ردّ مال الغير والتوبة عن الغصب وظلم المغصوب منه .

أو ان التصرّف مطلقا في مال الغير المغصوب مبغوض ولو في مقام افراغ ماله ورفع اليد عنه . غاية الأمر حيث انه غير متمكّن من عدم التصرّف مطلقا بل اما أن يختار الخروج فيكون تصرّفا أو البقاء فأيضا كذلك ولا ثالث لهما .

وعلى كلّ فيكون مجبورا مضطرّا إلى التصرّف . فحينئذٍ إمّا أن يقال بعدم العقاب على مقدار ما لا يمكن الانتهاء عنه وهو القدر الجامع بين الخروج والبقاء بحيث يلزم لا محالة أو يقال بعدم التمكّن من خصوص القدر الذي يصرفه في الخروج فان لم يصرف فثانيا وهكذا ويؤدّي في بعض الأحيان إلى عدم حرمة البقاء رأسا لكن لا وجه لذلك .

بل التحقيق ان المقام من تزاحم الحرامين فلابدّ من ارتكاب ما هو المهم والانتهاء عن الأهم كما هو الضابط في كليّة المقامات التي يحصل التزاحم بين التكليفين لعدم قدرة المكلّف على امتثالهما معا لامكان ترك الخروج باختيار البقاء كما ان الخروج ممكن للاختيار بترك البقاء فكلاهما مقدوران في حدّأنفسهما نعم لا يمكن جمعا امتثالهما معا .

وأمّا ما يقال من ان الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي وحيث ان في المقام لا يمكنه الخروج إلاّ باختيار البقاء المنهي عنه الممتنع شرعا فكما انه لا يقدر على البقاء المضطرّ إلى الخروج وهكذا بالنسبة إلى البقاء فلا يمكن المساعدة عليه لاستلزامه محاذير عديدة . منها خروج الواجب عن وجوبه ولزوم عدم الشيء من فرض وجوده حيث ان التكليف انما يتعلّق بالمقدور وهو الذي يحرم أو يجب فاذا وجب على الانسان الفعل فيقال بكون الترك ممتنعا شرعا فيكون كالممتنع العقلي

تتمّة الكلام

ص: 67

وهكذا اذا كان الفعل حراما فالترك واجب ولا يمكنه اختيار الفعل لخروجه عن تساوي الطرفين بايجاب الشارع أو تحريمه فيكون الفعل بعد مقدوريته باستواء نسبة قدرة المكلّف على طرفيه مقدورا بالنسبة إلى طرف واحد وهذا معنى خروج الواجب عن وجوبه أو استلزام وجوده لعدمه . فحينئذٍ لا وجه لهذا القول ولا القول بكون الخروج ممتنع الترك وان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينافيه خطابا لمنع ذلك كما أشرنا إليه . بل الذي ينبغي أن يقال هو ما قدمنا من كون الباب من صغريّات باب التزاحم بين الأهم والمهم لعدم قدرة المكلّف على انتهائه عن كلا الحرامين والتصرفين البقائي والخروجي وكما ان القاعدة في ساير موارد التزاحم بين التكليفين تقتضي اختيار الأهم وسقوط المهم فكذلك في المقام لابدّ من سقوط النهي عن الخروج لكونه مهمّا بالنسبة إلى البقاء حيث انه مستلزم لمحذور أكثر من الخروج وعدّه ظلما وغصبا بخلاف الخروج .

وعلى أيّ وجه . فالبقاء أهم فلابدّ من بقاء حرمته دون المهم وهو الخروج فيكون مثل ما اذا كان مأمورا به محضا لكن سقط نهي مفسدته لمكان التزاحم وإلاّ فهي موجودة فيكون مستحقّا للعقاب وليس من قبيل ما اذا كان محبوسا فيالمكان المغصوب قهرا فانه اذا اطلق واذن له بالخروج عن الحبس فيكون تصرّفه في المغصوب خروجا مأمورا به محضا بلا شبهة . وذلك للفرق بينه وبين المقام فان في المقام فعل ذلك بسوء اختياره فالملاك بالنسبة إليه موجود وإن كان مبتلىً بالأهم الذي سقط لأجله النهي دون الملاك فيستحقّ العقاب لذلك . فالعقاب واستحقاقه مع كونه مأمورا بالخروج مستند إلى ما ذكرنا لا إلى ما اعتمد عليه

ص: 68

المحقّق الخراساني في كفايته(1) من جعل المقام من صغريّات قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي العقاب ولأجل ان الخروج أخفّ محذورا وإن كان المقام نظيره لا عينه . ولذلك فرقنا بين ما اذا ابتلى بين المحذورين بدون اختياره فيرتكب الأخف ولا عقاب دون ما اذا كان باختياره فيرتكب مع استحقاق العقاب . واما ان نقول بمقالة القمي رحمه الله من كونه مأمورا به منهيّا عنه لاجتماع جهتي الوجوب والحرمة على الخروج وكون الجهة تقييديّة . فحينئذٍ أيضا لا يمكن للمكلّف عدم ارتكاب المنهي عنه . فانه إمّا أن يرد فيلزم الحرام أو لا يرد فكذلك فاستلزام الحرمة للردّ الواجب دائمي بخلاف العكس فانه يمكن له اختيار البقاء فيكون حراما بلا لزوم امتثال الواجب ففي هذا الفرض أيضا يكون الوظيفة هو الرد لكونه أهم بالنسبة إلى البقاء على الغصب إمّا لكون البقاء زيادة تصرّف على الخروج . وإمّا لأنّ البقاء قبيح أشدّ قبحا من التصرّف الخروجي فأيضا تكون النتيجة مع الأمر ويكون هذا التصرّف مأمورا به ويسقط خطاب النهي دون عقابه .

هذا كلّه على التزاحم .

أمّا إذا كان من باب التعارض واجتماع جهتي المفسدة والمصلحة في نفسالمتعلّق وعدم تعدّده بل هو واحد اجتمع فيه جهتا الأمر والنهي فلا يخلوا واقع الأمر من كون أحدهما غالبا والآخر مغلوبا بالكسر والانكسار . فالحكم على طبق الغالب وأمّا لا غالب ولا مغلوب فالحكم هو الكراهة أو الاستحباب أو التخيير لكن في صورة عدم غلبة جانب النهي لا عقاب ولا استحقاق لانحصار التكليف بغير النهي ولا جهة مقتضية فيه أصلاً . الا ان من المعلوم المسلم ان جهة

الاشكال في اندراج المقام في قاعدة الامتناع بالاختيار

ص: 69


1- . كفاية الأصول 1/263 - 264 .

الأمر وهو الرد لكون تماميتها حسنا وايصال مال الغير إليه والتخلية عنه أهم أقوى فالحكم على طبقه ولا يكون هناك مفسدة مقتضية أو غالبة فلا عقاب بخلافه على التزاحم فان الملاك موجود فيه دون صورة التعارض .

فظهر بما ذكرنا ان الخروج يكون مأمورا به على هذه الوجوه وبناء على التعارض لا عقاب دونه على التزاحم على ما عرفت الا ان الطريق مع المحقّق الخراساني في صورة التزاحم مختلف حيث انه بنى على صغروية القاعدة وارتكاب أخف المحذورين دوننا وفي الحقيقة هو أيضا قائل بالوجوب وكون هذا الخروج مأمورا به لكن الخلاف مع الشيخ في استحقاق العقاب وعدمه . وكيف كان فما ذكره المحقّق النائيني(1) من منع صغرويّة المقام للقاعدة استنادا إلى كون الدخول مقدّمة وجوبيّة للخروج لا وجه له . فانا وان صدقناه في دعواه لكن دليله مخدوش بكون المقام من قبيل المقدمات الاعداديّة كما في شرب المسكر أو الماء وأمثالهما فان شرب القطرة الاولى مقدمة اعدادية لتمكنه من شرب القطرات اللاحقة وهكذا في باقي الموارد فلا يمكن القول بكونها مقدمة وجوبيّة .

والحاصل ان النتيجة مع الشيخ مع استحقاق العقاب على بعض الوجوه دونبعض آخر وهذا التصرّف الخروجي من أوّل الأمر واجب لا انه كان حراما ثمّ صار واجبا .

بقيّة الكلام ان ما ذكرنا في مسئلة الخروج عن الأرض المغصوبة إنّما هو بالنسبة إلى الحكم التكليفي .

أمّا بالنسبة إلى الوضعي وصحّة الصلاة وفسادها فمن جهة التصرّف المأمور

ص: 70


1- . فوائد الأصول 1/447 وما بعده .

به فلا اشكال في صحّة الصلاة لأنه على كلّ حال وعلى جميع المباني مأمور به . غاية الأمر ثبوت العقاب أي استحقاقه على بعضها ولا عقاب عليه على البعض الآخر سواء كان من باب التعارض أو التزاحم . وعلى كلّ حال جانب الأمر غالب فاذا كانت الصلاة من جهة هذا القدر من التصرّف فلا اشكال في صحّتها الاّ انه بالنسبة إلى القدر الزائد عليه اذا استلزمه الصلاة بان يستقر ويستقبل القبلة ولا يستدبرها ويركع ويسجد بلا ايماء بل بالركوع والسجود الحقيقيين فيكون صغرى لباب التزاحم بين الوقت لهذه الصلاة وبين حرمة التصرّف لفرض انه زائد على المأمور به وينافي قصد القربة المعتبرة في العبادة على ما مرّ بيانه . فاذا استكشفنا الأهم فهو فان كان الوقت أهم فلابدّ من حفظه واتيان الصلاة . غاية الأمر حينئذٍ يكون البحث عن أهميّة حرمة الغصب ووجوب مراعاة هذه القيود الوجوديّة أو العدميّة فان استفدنا حرمة الغصب وأهميّته حتّى في هذا المورد لكونه تصرّفا في حقّ الغير وانه ما اجتمع(1) الحلال والحرام في شيء الا انه غلب الحرام الحلال فلابدّ من سقوط هذه القيود والاتيان بالميسور بمقتضى الدليل الثانوي اذا كانت صلاة والا فمقتضى الدليل الاولى سقوط المأمور به لتعذّر بعض ما له دخل فيه وجودا أوعدما .

لكنه يمكن الاشكال في أهميّة الوقت في هذه الموارد وعليه تكون الصلاة غير موقتة من أول الأمر في مثل هذا الفرض كما انه لا أمر لها بالنسبة إلى فاقد الطهورين لعدم استفادة سقوط الطهور في صورة الاضطرار . وحينئذٍ فلا قضاء لعدم فوت شئاذ لا كاشف عنه وان احتمله خلافا لبعض حيث يوجب القضاء أي

في حكم الخروج وضعيّاً

ص: 71


1- . عن عوالي اللئالي 2/132 .

اتيانها خارج الوقت لاستفادة فوت الملاك بحسب الأمر الا انه سقط لمكان الضرورة فلولاها لكان الأمر موجودا .

وعلى كلّ حال فعلى تقدير عدم استفادة اهميّة الوقت فيمكن جريان هذا الكلام فيه كما بالنسبة إلى الاستدبار لعدم ما يدلّ على أهميّة الوقت بالنسبة إليه .

نعم بالنسبة إلى الاستقبال يمكن اهميّة الوقت لما ورد في الصلاة إلى أربع جهات عند التمكّن وإلى جهة واحدة مظنونة أو غيرها عند ضيق الوقت بالنسبة إليه كما انه يمكن دلالة رواية السفينة(1) انه يصلي إلى رأسها أين ما دارت على ذلك ويحتمل دلالتها على عدم ضرر الاستدبار باطلاقه وحينئذٍ فيستفاد أهميّة الوقت مطلقا بالنسبة إلى الاستقبال والاستدبار والأوّل شرط والثاني مانع فيسقطان اذا استلزم الخروج لذلك . ومنه يعلم الحال في النقطتين أو إلى ما بين المشرق والمغرب كما انه لا اشكال في أهميّة الوقت بالنسبة إلى الاستقرار والقيام والقرائة وأمثالها فتسقط أو تتبدّل إلى الابدال الاضطراريّة .

اما القضاء فلم يدلّ عليه دليل بل ظاهر الأمر بهذه الأوامر الاضطراريّةاجزاءها ولا شيء عليه .

أمّا بالنسبة إلى الاستقرار وعدم المشي بالنظر إلى الغصب فحرمته أهم منها ولذا يمشي ويصلي مضطربا بلا اشكال .

والحاصل: ان الميزان الكلي في مثل هذه الموارد هو استفادة الأهميّة فاذا علم الأهم بالقرائن الشرعيّة والبيانات الواردة عنهم عليهم السلام فهو والا فلا

ص: 72


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 14/10 من أبواب القيام . لكن الرواية ليست كما في المتن ( ففيها يصلي النافلة مستقبل صدره السفينة وهو مستقبل القبلة إذا كبّر ثمّ لا يضرّه إذا دارت .

يمكن القول بالتخرص والتخمين . وقد انعقد الاجماع على سقوط الصلاة بالطهور عند عدم وجوده الا مغصوبا ولم يقل أحد بالطهارة بالمغصوب ماءً أو ترابا .

ثمّ انه هنا فرعا قابلاً للتوجه وهو انه ربما يدور الأمر بين أن يأتي بهذه الصلاة الاضطراريّة في الوقت بلا استقرار في حال المشي واتيان الموانع من الاستدبار أو ترك الاستقبال ونحوهما وبين ادراك مقدار ركعة من احدى الصلاتين أو خمس ركعات بالنسبة إليهما صلاة تامّة للمختار . فهل يقدم جانب الوقت ويأتي بالصلاة الاضطراريّة في تمام الوقت بحيث لا يقع شيء منها خارجة أو لا ؟ بل يأتي بركعة منها تامّة مع الشرايط في الوقت وبالباقي خارجه اعتمادا على دليل التنزيل وانه(1) من أدرك ركعة من الوقت كمن أدرك جميع الصلاة فيه . ولا اشكال في ان الثاني أولى فلذا لابدّ من التأخير إلى الخروج عن الأرض المغصوبة والاتيان بركعة تامّة والباقي خارجه الذي نزل منزلة الوقت فتدبّر فانه لا يخلو من اشكال ولعلّه قد سبق في بحث المضيق والموسع .

بيان آخر في المسئلة: لا يخفى ان محلّ الكلام في مسئلة الصلاة في الأرض المغصوبة والتزاحم هو ما اذا ضاق الوقت عن الصلاة بحيث اذا أرادالصلاة في المكان المباح يفوت وقتها وحينئذٍ فلا مجال هيهنا لما يقال في باقي الموارد نظائر المقام من تقديم جانب النهي لكونه شموليّا على الصلاة لكونها بدليّا والشمولي أقوى من البدلي . اذ في مورد البحث وضيق الوقت لا بدل هيهنا للصلاة ويدور الأمر في ضيق الوقت بين ترك الصلاة لأهميّة الغصب والتصرف في مال الغير بغير اذنه على الصلاة وبين اتيان الصلاة وتقديمها على الغصب لأهميّتها

دوران الأمر بين الوقت وساير الشروط

ص: 73


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 30/1 - 2 - 3 من أبواب المواقيت .

والدوران إنّما هو من باب التضاد لوجوب الصلاة وحرمة الغصب فاتّفق في هذا المورد تزاحمهما . وليس المقام مقام التعارض لاشتراطه بكون التكليفين متزاحمين في شيء واحد لا في شيئين يبحث عن أهميّة احدهما بالنسبة إلى الآخر . ونظير ما نحن فيه ما اذا لم يكن عنده طهور مباح للصلاة وضاق الوقت أو مع العلم بعدم وجدانه للمباح إلى آخر الوقت . فهل يقدم جانب الصلاة ويتصرّف في المغصوب أو يقدم جانب الغصب ويكون هو الأهم ويسقط الصلاة في الوقت وتكون غير موقتة ويأتي بها بعد الوقت أو لا تجب عليه أصلاً ؟ ربما يتوهّم في أمثال هذه المقامات تقديم جانب النهي لكونه من قبيل دفع المفسدة والأمر من قبيل جلب المنفعة ودفع المفسدة أولى بالمراعات من طلب المنفعة وهو فاسد . اما اولاً فلعدم معلوميّة ذلك مطلقا بالنسبة إلى آحاد المكلّفين بل ربما يكون الجهات النوعيّة مقتضية لجعل الحكم على الجميع بحيث يخرج من حق كلّ واحد عن الجزاف . واما انه لابدّ من وصول نفع إليه أو دفع ضرر عنه فليس بلازم .

وثانيا على فرض التسليم فربما تكون جهة المصلحة والمنفعة فيه بحيث تكون غالبة على جهة المفسدة بنحو لا تغلب عليها المفسدة ولا تساويها لاختلاف المقامات والموارد كما انه بالنسبة إلى الأشخاص أيضاً كذلك فترى واحدا يقدم جانب المنفعة الكلية أو الجزئيّة على جانب الضرر .نعم ورد في الشرع انه(1) من قتل دون ماله فهو شهيد ولكن لا يمكن استفادة الاطلاق منه وانه يقدم جانب حفظ المال على النفس . فهذا التوهم فاسد كتوهم تقدم حق الناس على حق اللّه لعدم استفادة الميزان الكلي اذ يقدم في بعض

ص: 74


1- . وسائل الشيعة 15 الباب 46/13 - 14 من أبواب جهاد العدوّ .

الموارد حق اللّه .

والحاصل ان عند تزاحم النفس والمال فالنفس مقدم كما انه عند تزاحم النفس والدين يفدى الدين بالنفس .

وأمّا تقدّم جانب النفس على العرض أو العكس فليس بمعلوم وفي المال يجوز أو يجب الدفاع بالأسهل فالأسهل . وربما قيده بعضهم بعدم ظن الهلاك .

وكيف كان فلا وجه لتقديم جانب التصرّف على الصلاة لأنّه حقّ الناس ويقدّم على حقّ اللّه . وفيه ما عرفت أو دفع المفسدة أولى من جلب النفع وقد عرفت اشكاله أيضا . بل مقتضى ذلك تقدّم حرمة الغصب على حفظ النفس لو قلنا بأنّه واجب وحقّ اللّه .

نعم على القول بكونه حقّ الناس فيتزاحم حقّان للناس ولابدّ من الترجيح .

وخلاصة القول في هذه المقامات انه لابدّ للترجيح من مرجح وأصل عن أهل بيت العصمة سلام اللّه عليهم أجمعين ولا مجال للتمسّك فيها بلا ضرر ولا حرج .

ويمكن في بعض الموارد، اما كليّا فلا وجه له ضرورة عدم تفوه أحد بجواز الغيبة وأكل مال الناس والتصرّف فيه بمجرّد كون تركهما عسرا أو حرجا أو فيه ضرر كوجع الرأس . واذ لم يظهر وجه لتقديم أحد الجانبين في محل البحث فلابدّمن التوقّف عن الفتوى .

تنبيه: قد فاتنا ذكر أدلّة القول بالجواز وعمدتها وجوه ترجع إلى وجه واحد وهو ان الارادة التكوينيّة لا يمكن تعلّقها بالخارج للزوم تحصيل الحاصل بل هي من صفات النفس من الكيفيّات النفسانيّة ومحلّها النفس . كما انه لابدّ من

التزاحم بين النفس والمال

ص: 75

أن تتعلّق بما هناك اذ لا يمكن عروض ما في الذهن للخارج . فحينئذٍ اذا ظهر ان متعلّقها الأمور الذهنيّة لا الخارجيّة ومن المسلم انها بأنفسها مع قطع النظر عن الوجود الخارجي متبائنات فكيف يتصوّر الاجتماع .

والجواب: ان الارادة وإن كانت متعلّقة بما في الذهن لكن لا بما هي كذلك بل بما هي مرأة للخارج وحينئذٍ فاذا اتّحد المتعلّقان للأمر والنهي في بعض الموارد في الوجود الخارجي يلزم الدور .

تتميم الكلام في المسئلة: تارة يكون البحث عن صحّة الصلاة في ضيق الوقت في الأرض المغصوبة بحيث اذا قلنا بتقدم جانب النهي لا يقدر على اتمام الصلاة بل بمقدار ركعة من الوقت واخرى في غيره .

وأمّا الصورة الاولى فملخص الكلام فيها انه يمكن القول بجواز تأخير الصلاة وعدم اتيانها في الأرض المغصوبة بل بلحاظ سعة الوقت من جهة من أدرك(1) يؤخرها إلى الخروج منها ويدرك الركعة في الوقت والباقي خارجه . لكن هذا مبنى على تقدير توسعة من أدرك وشموله حتى في هذا الفرض . الا ان اطلاقه ممنوع باختصاص رواياته الخاصّة بصلاتي الصبح والعصر لا مطلقا . بل في ما اذا كان بدون اختيار المكلف لتأخير الصلاة وروايته العامّة(2) وإن كانت موردا لعملالمشهور الا ان سندها ضعيف .

نعم لا اشكال في دلالتها وإن أمكن الخدشة فيها .

وأمّا الصورة الثانية . وهي ما اذا لم يكن مورد من أدرك بل دار الأمر بين الصلاة في الوقت في المكان المغصوب وبين تركها واتيانها مع جميع الأجزاء

ص: 76


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 30/1 - 2 - 3 من أبواب المواقيت .
2- . نفس الباب ح4 .

والشرايط خارجه وحينئذٍ فيمكن ترجيح جانب الحرمة وتركها بزيادة التصرّف في ما اذا كان حال الخروج الواجب عليه بل يقتصر على مجرّد اتيان الصلاة بالركوع والسجود الايمائيين الذين لا يستلزمان زيادة تصرف على التصرف الخروجي وعدم الاشتغال بالصلاة أصلاً في ما اذا لم يكن في حال الخروج . بل لا يتمكن منها إلاّ في المغصوب . كما انه يمكن ترجيح جانب الصلاة الا انّ لكلّ وجها أو أكثر لا يفيد شيئا . فان وجه ترجيح الحرمة هو اما أن تكون الرواية المنقولة من انه ( ما اجتمع(1) الحلال والحرام الأغلب الحرام على الحلال ) ففيه انه لم نعثر على هذه الرواية ولم نجد لها سندا مع انه يمكن على فرض تسليم السند الاشكال في الدلالة بعدم ارتباط لها بما نحن فيه وموردها غير مورد دوران الأمر بين الواجب والحرام لكنه قابل للدفع بان المراد بالحلال غير الممنوع ومفادها على هذا انه ما اجتمع الممنوع وغيره الأغلب الممنوع على غيره .

لكنه يناقضه ما ورد من ان في صورة اشتباه(2) الحلال بالحرام يجوز الارتكاب حتّى اذا علم الحرام بعينه فيدعه .

وأمّا أن يكون الوجه في ذلك تقدم حقّ الناس على حقّ اللّه وفيه ما تقدّممن الاشكال سابقا وأمّا أن يكون وجهه هو أولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة ويرد عليه اشكالات وليس منها ما يقال من ان ترك الواجب أيضا مشتمل على المفسدة كما ان فعل الحرام مستلزم لفوت المصلحة اذ ذلك لا يستقيم .

بل الجواب ما ذهب إليه في الكفاية(3) . وإمّا أن يكون الوجه الاستقراء مثل

صحّة الصلاة في الأرض المغصوبة في الضيق أو السعة

ص: 77


1- . عن عوالي اللئالي 2/132 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 - 2 من أبواب ما يكتسب به .
3- . كفاية الأصول 1/266 .

ما ورد في مورد(1) الحائض من انه في مورد دوران الأمر بين الحيض وغيره من استحاضة أو دم آخر تترك الصلاة وتستظهر بتركها وادعى سيّدنا الأستاذ قدس سره ورود الرواية بترك الصلاة في أيّام الاستظهار وما ورد(2) في مورد الانائين المشتبهين من انه يهريقهما ويتيمّم .

والجواب عن الأوّل فبانه إمّا أن يكون النهي عن الصلاة في أيّام الحيض ارشادا إلى عدم الاتيان بالصلاة جامعة للشرايط وعدم القدرة عليها فلا اشكال في انه لا يمكن الاستشهاد به لما نحن فيه لعدم دوران هناك بل يجوز حينئذٍ الاتيان رجاء الطهارة وعدم المانع لكون حرمتها حينئذٍ تشريعيّة محضة لا ذاتيّة .

كما انه على فرض عدم كون النهي ارشادا بل تعبّديّا أيضا يرجع إلى الارشادي كما ورد(3) في مثل الصلاة بلا وضوء معهم ( العامّة ) وهذا أيضا مثله في رجوعه إلى التشريع وقصد الصلاة بما ليست بصلاة . مع انه ربما يمكن استفادة تقديم جانب الواجب في بعض موارد الدوران بالاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة وليس ذلك إلاّ من جهة عدم تقدم جانب النهي بلالعكس وأمّا عن الثاني فبامكان الجواب عنه بأنّه إنّما يتمكّن من اتيان صلاة واحدة رجاءً مع الطهارة الاحتماليّة وأمّا الصلاة الثانية فلا . إذ عند صبّ الماء على

موضع الوضوء أو الطهارة الاولى قبل انفصال الغسالة يعلم تفصيلاً بنجاسة العضو وبعده يكون من الشكّ في الرافع ولا يمكن معه اتيان الصلاة . أو يقال بحصول النجاسة الخبيثة ويدور الأمر بينها وبين الحدثيّة المائيّة . والثانية لها بدل بخلاف

ص: 78


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 13/1 الى 4 وغيرها من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 4/1 من أبواب التيمّم .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 2/1 من أبواب الوضوء .

الأولى فيسقط لأجلها الطهارة المائيّة وينتقل إلى التيمّم . ولكنه يمكن منع اطلاق الرواية لهذا الفرض بحيث يكون الماء كثيرا كافيا لذلك . وعلى كلّ حال فالاستشهاد به غير تام وهذان الموردان كما عرفت لم يستفد منهما شيء يفيدنا في مورد البحث كما ان باقي الموارد كذلك . إذ لابدّ من الفحص التام والتتبّع للعثور على مورد يكون الأمر دائرا بين الوجوب والحرمة ويقدم الحرام كي يتمّ البحث وما ذكر قد عرفت اشكاله . كما ان باب الصلاة ومسائلها الدورانيّة بين حالات المصلى من العجز عن الاستقرار والقيام وأمثالهما لا ربط لها بمورد البحث لدورانه بين الواجبين وقد فحص سيّدنا الأستاذ أكثر الأبواب المرتبطة بهذه المسئلة ولم يجد شيئا يفيد فيها .

وأمّا مسئلة تبدل القصاص بالدية في ما يخاف من القصاص تلف النفس فلا اشكال فيها لتقدم النفس على غير الدين على اشكال في العرض . حتى انه يجوز أكل الحرام كلحم الخنزير والآدمي لأجل حفظ النفس الا النّبى والوصيّ فانه لا يجوز ولو يلزم تلف كثير .

نعم يجوز له أن يأخذ من لحم نفسه كغيره ويأكل منه ويحفظ رمقه هذا . وأمّا وجه تقديم جانب الوجوب والصلاة في المكان المغصوب فما قيل من ان الناس شرع سواء في الماء والكلأ ( والنار ) وزاد هذا القائل مسئلة الصلاة وانها مستثناةمن الحرمة ولأجلها قال بعضهم بجواز التطهّر من الحدث بالماء أو التراب المغصوب إذا كان محبوسا ولا يسقط عنه الصلاة بخلافه على ما يظهر من القاعدة من سقوط الأداء والقضاء أيضا كذلك . وعلى كلّ حال فلا يظهر وجه تقديم جانب الاستقرار والركوع والسجود التامين للمختار على الصلاة الاضطراريّة لأجل

دوران الأمر بين أكل لحم الخنزير أو الآدمي

ص: 79

أهميّة الوقت واتيانها فيه .

نعم الوقت أهمّ من الاستقرار والركوع والسجود الا انه إذا دار الأمر بينه وبينها بخلاف مورد البحث من كونه مضطرّا من ناحية أهميّته المستفادة من موارد خاصّة بالاستقراء ولابدّ من حفظه لكن الاشكال في تقديم جانب الوجوب أو الحرمة للغصب لا لأجل الوقت وإلاّ فلو فرض عدم اهميّته فلا يأتي بها فيه بل يأتي بها خارجه تامّة كاملة .

وكيف كان فالنتيجة هو التخيير عند عدم امكان تشخيص الأهم ودوران الأمر بينهما كما في كلّ مورد لا يمكن امتثال الواجب الا بارتكاب الحرام ويتمكّن من ترك الحرام بترك الواجب فاما أن تمكن من تركهما معا فليتركهما ولا يصلّي ولا يغصب في مورد البحث لا مطلقا .

تنبيه:

ربما استشهد القائل بجواز الصلاة في ملك الغير وتقديمها على الغصب بما ورد من انه ( جعلت(1) لي الأرض مسجدا طهورا أو ترابها طهورا ) وفاتنا ذكر بعض ما يتعلّق بمسئلة تقديم حرمة الغصب على الصلاة لكونه حق آدمي دون الصلاة وقد ذكرنا اشكاله وقلنا انه لا ميزان له كليّا . أمّا مسئلة عدم تمكّن أداءالدين من الخمس والزكاة مع الحجّ ووقوع التزاحم بين الحج وحقّ الفقراء أو السادة فبناءً على كون الزكاة والخمس ملكا لمستحقيهما لا يتحقّق بهما استطاعة صاحب المال بل لابدّ من رد مال الناس إليهم والاستطاعة معه حينئذٍ نعم يمكن فرضه في غير هذه الصورة ) .

ص: 80


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 7 / 1 - 2 - 3 - 4 من أبواب التيمّم .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بمسئلة اجتماع الأمر والنهي وتنبيهاتها .

الكلام في دلالة النهي في العبادة والمعاملة على الفساد وعدمها:

فنقول: اعلم ان المراد بالنهي هو خصوص النهي النفسي الأصلي لخروج الغيري والتبعي عن مورد البحث ضرورة عدم مورد للنزاع في ان ما دلّ على المانعيّة هل يدلّ على الفساد أم لا لوضوح فسادها أي العبادة باشتمالها على المانع كما انه بناءً على ما تقدّم من المحقّق النائيني قدس سره ينبغي خروج التنزيهي أيضا عن مورد النزاع أمّا بناءً على تعلّقه أي النهي بنفس العبادة فلا يمكن إذ تعلّق النهي

ولو تنزيهيّا كاشف عن مرجوحيّتها ولا يمكن كونها مأمورا بها .

ثمّ انه ربما يشكل تصور تعلق النهي بالعبادة .

والجواب انه ان تعلّق النهي بشيء لو أمر به لكان الأمر عباديّا والمراد من العبادة ما أمر به للتعبّد إلى اللّه تعالى والمراد بالمعاملة المنهي عنها الأعم الشامل حتّى حيازة المباحات .

ينبغي التنبيه على أمر وهو انّهم عنونوا النزاع في اقتضاء النهي في العبادة والمعاملة الفساد وعدمه . اما في المعاملة فيمكن اجراء النزاع لكن في العبادة غير معقول حيث ان وجود المفسدة اما ابتداءً من أول الأمر واما في الاستدامة التي هي ام النهى وملاكه موجب مرجوحيّة متعلّق العبادة ومعه كيف يمكن عباديّته، بل قد سبق في بعض مباحث الاجتماع عدم امكان المنهي بالنهي تنزيها عبادة فضلاًعن المنهي بالنهي التحريمي . اذ العبادة لابدّ وأن تكون راجحة ومع المرجوحيّة الحاصلة من ناحية النهي اذا كان فعليّا كيف يمكن عباديته . واذا لم يمكن فرض ذلك ووقوعه فكيف يمكن وقوع النزاع فيه وانه هل يقتضي الفساد أم لا ؟ اذ

اقتضاء النهي الفساد في المعاملة وعدمه

ص: 81

الفرض ان النهي تعلّق فعلاً به ومع تعلقه كذلك يكون منهيّا عنه بالنهي النفسي التحريمي وهو قطعا موجب للفساد أي عدم كون المنهي عنه عبادة . ومع عدم بقاء موضوع للعبادة كيف يفرض ان المنهي عنه هو العبادة . بل ذلك يكون كاجتماع النقيضين في الاستحالة اذ لو فرض ان فيه جهة الأمر ومصلحته فاما أن تكون غالبة على جهة النهي فلا نهي أو مغلوبة فلا أمر ولا عبادة أو لا يترجّح أحدهما على نحو اللزوم فالاستحباب أو الكراهة حتّى في الواحد الشخصي . وفي مورد اجتماع جهتي الأمر والنهي فيه على ما هو موضوع بحث الاجتماع فبناء على الامتناع يكون من صغريّات النهي في العبادة لكن ذلك غير معقول ولا يصحّ النزاع فيه من ذي شعور .

نعم لو قلنا بمقالة أبي حنيفة من اقتضاء النهي الصحّة لأمكن تصحيح جريان النزاع اذ وجهه واضح حينئذٍ . ودليله على ذلك ان النهي لابدّ وأن يتعلّق بالمقدور ومعه يمكن ارتكابه وعدمه ولو فرض دلالة النهي على الفساد فلا يكون بعده مقدورا لعدم وقوعه إلاّ على وجه الفساد مع ان النهي دال على تعلّق القدرة به وهو لا يمكن إلاّ بما يمكن للمكلّف أن يأتي به ولا يأتى به وكما انه قبل تعلّق النهي كان

صحيحا كذلك بعده .

والجواب عنه هو الجواب عن أصل مجرى النزاع من عدم معقوليّته حتّى يقع فيه النزاع ويقال بمقالته . ولذا وقع الاشكال من العلماء فيه وتفصّوا بوجوه أحسنها ما قيل من انه تعلّق النهي الفعلي بشيء لو لم يتعلّق به النهي وأمر به لكانأمره أمرا عباديّا وهو كما ترى فرض على فرض لا يسمن ولا يغني من جوع .

فالتحقيق ان لا مجال للنزاع في ذلك كما هو واضح . هذا اذا كان النهي

ص: 82

تحريميّا نفسيّا وأمّا النهي الغيري فواضح إذ هو ارشاد إلى المانعيّة . ومعه لا وجه للصحّة كما انه اذا لم يكن مأمورا به وكان النهي لأجل التشريع فهو أيضا فاسد من أصله لعدم الملاك والأمر ولا شيء هناك يقال انه فاسد أو صحيح وانه تعلّق به النهي .

والحاصل انه لابدّ في ذلك من مراعاة الجهة المقتضية للحكم فعلاً وان استدعاء الجهة إلى الوجوب أو الحرمة واذا كان فيه كلتا الجهتين . فقد ذكرنا انه اما أن يغلب احدى الجهتين أو لا وفي الفعل لا يكون هناك حكمان على ما عرفت .

ثمّ بعد ذلك نقول ان ألفاظ العنوان ومحلّ النزاع تعم جميع أقسام النهي ولا اختصاص لها بالنهي النفسي دون الغيري بل تشمل الغيري والنفسي والأصلي والتبعي والتحريمي والتنزيهي والتخييري والعيني ) لو فرضنا التخييري وغير ذلك من أقسام النهي وإن كان الحكم في الغيري هو الارشاد . لكنه لا يوجب خروجه عن تحت اطلاق دائرة النزاع لأنه ليس بأسوء حالاً من النفسي ومع ذلك فقد قيل بشموله وعمومه له بل النفسي أسوء حالاً لامكان المنع في الغيري دون النفسي على ما عرفت من عدم امكان مرجوحيّة العبادة . ولذا قلنا في التنزيهي ان تعلق النهي بذات العبادة لا معنى له . نعم بناء على ما تقدم من المحقّق النائيني يمكن اجتماع الوجوب والكراهة فيه على ما سبق .

والحاصل ان المناط في النفسي والغيري واحد في امكان شمول محل النزاع لهما وان قال واحد بالمنع في النفسي فالغيري أولى وإن لم يعقل ففي كليهما سواء - اما المراد بالعبادة فقد علم انه عبارة عن ماهيّة لو لم ينه عنها وأمر بها كانأمرها أمرا عباديّا . والمراد بالمعاملة جميع أنحاء المعاملة بالمعنى الأعم الشامل

الفرق بين النهي النفسي والغيري

ص: 83

لحيازة المباحات لا خصوص البيع والشراء والهبة والصلح ونحوها .

والمراد بالفساد تارة عبارة عن وصف وجودي فيه مقابل الصحّة ناشى عن المفسدة الكائنة فيه كما في العبادة المنهيّة مثلاً بالنهي النفسي وهو المراد بالفساد

في الفواكه كفساد البطيخ مثلاً . واخرى يراد به عدم انطباق المأمور به على المأتي وإن كان واجدا لمقدار من الملاك والمصلحة . الا انه لفقدان جهة فيه أو وجود مانع منه لم تحصل المصلحة التامة المطلوبة لمكان ارتباطيّة الاجزاء بعضها ببعض ولم تكن لا بشرط فلم ينطبق المأمور به على المأتي به لهذه الجهة .

توضيح وتكميل: أشرنا إلى بعض معاني الصحة والفساد وان الصحّة بالمعنى المناسب للمقام عبارة عن انطباق المأمور به على المأتي به . وكون المأتي به واجدا لخصوصيّة بها ينطبق عليه المأمور به وفي مقابلها الفاسد الذي يكون فاقدا لها فهو فاسد . وليس المراد بالصحيح والفاسد في مقامنا هذا هو الصحّة قبال الفساد ولا العيب في الفواكه والأشياء الخارجيّة . بل اذا كان المأتي به واجدا لما ذكرنا تكوينا فينطبق عليه المأمور به قهرا وينتزع منه الصحّة . واذا لم يكن فلا ينطبق وينتزع منه الفساد فالوجدان والفقدان أمران تكوينيّان لا تشريعيّان . كما ان الانطباق وعدمه المرتبطين لهما أيضا كذلك . ومنهما ينتزع الصحّة والفساد . فهما ( أي الصحّة والفساد ) وصفان متقابلان في الوجود الخارجي وهو اما أن يكون واجدا لما ذكر فصحيح أو فاقد له ففاسد ( ويكونان أمرين تكوينيين لا من الأحكام الوضعيّة الشرعيّة ) والتقابل بينهما من تقابل العدم والملكة لا من تقابل التضاد ولا من الايجاب والسلب . اذ ليس في قبال الصحيح العدم المحض بل هما وصفان للموجود الخارجي وهذا في المركّبات من متعلّقات التكاليف واما

ص: 84

البسائط فلا يتصور فيها الصحّة والفساد اذ اما أن تكون موجودة أو معدومة والعدم لا يتصف بالفساد كما عرفت وجهه . فالملكيّة إمّا أن تكون حاصلة بالنقل والانتقال والأسباب واما أن تحصل بالحيازة أو لا فلا معنى لاتصافها بالصحّة والفساد ولذلك يشكل الأمر في المسببات خصوصا اذا كان الموضوع له اللفظ فيها هو المسبّب لا الأسباب اذ امضاء المسبب لا ربط له بامضاء السبب كما انه لا معنى للصحيح والفاسد فيها .

نعم يمكن اجراء النزاع في الأسباب الموجبة للمسبّبات التي تكون بسائط ( كالنقل والانتقال الخارجي في الفضولي ) وكالايجاب والقبول وأمثالهما واذا كان كذلك فعند الشكّ في اعتبار شيء في الأسباب يرجع الشك إلى الشك في المحصّل لتلك المسببات . فهذان الاشكالان أي اشكال رجوع الشكّ إلى المحصّل واشكال عدم استلزام امضاء المسبّبات لامضاء الأسباب انما يترتبان بناءً على كون المعاملات اسامي للمسبّبات التي هي بسائط . ويمكن تصوير الصحيح والفاسد فيها أيضا لكن في ناحية الأسباب فالسبب الناقص الذي لا يوجب حصول المسبّب يكون فاسدا دون غيره .

لكنه يشكل ذلك أيضا بانه اذا كانت امورا عرفية اعتبارية عند العقلاء فاما أن تكون موجودة أو معدومة ولا معنى أيضا للصحّة والفساد بناءً على ذلك . الا أن يقال ان المراد بالصحّة تعلّق امضاء الشارع بما هو معتبر عند العرف فبالامضاء يحصل توافق العرف والشرع والفاسد يطلق على ما لم يعتبره الشارع بل اعتبره العرف فقط هذا .

وكيف كان فلا مجال للصحّة والفساد في ناحية الأوامر والنواهي لأنّهما من

جريان النزاع في أسباب المسببات

ص: 85

الأوصاف العارضة على الموجودات الخارجيّة لا الكليات المتعلقة للأمر والنهي .

نعم بناءً على ما ذكر لا يكون متعلق الأمر والنهي في المعاملات الا البسائط المسبّبات .

ثمّ انه قد تكون الصحّة باعتبار الواقع ونفس الأمر وتنتزع من انطباق المأمور به على المأتي به على ما سبق . وقد تنتزع من تعبد الشارع كما في قاعدة الفراغ فالانطباق على هذا قسمان . اما أن يكون تكوينا أو جعليّا بتعبد الشارع بناءً على كون مفاد قاعدة الفراغ وأمثالها ذلك . ويحتمل كون ذلك تعبّدا باتيان الركوع المشكوك فيه وانك أتيت به أو اخباراً عنه فحينئذٍ بعد تعبّد الشارع واخباره يكون الانطباق قهريّا تكوينا كالصورة الاولى . بل لا معنى للتعبد بالصحّة لرجوعه إلى القناعة في مقام الامتثال وقد استشكلنا فيه سابقا . كما انه لا يمكن الالتزام بكون ذلك ترخيصا في ترك الواقع ولا يلتزم به الملتزم بجريان قاعدة الفراغ ونحوها في مجاريها بل لا محيص من الالتزام بجعل البدل . غاية الأمر انه على قسمين فقسم منه يكون واقعيّا كما في مورد التخيير بين القصر والاتمام في مواضعه وقسم منه ظاهري وقوامه الشكّ فمادام شاكا يكون هذا الموجود الخارجي بدلاً عن الواقع بمعنى اناطة الاكتفاء به إلى بقاء الشكّ إلى آخر العمر فان انكشف الخلاف يكون الواقع هو المطالب واما في ظرف الشك ومادام هو شاك فهو بدل ظاهري .

ثم انه هل يمكن تسرية وصف الصحّة والفساد إلى موضوعات التكاليف كالمكلف بالحج اذا حصل له الاستطاعة بالقيود المعتبرة فيها فيقال هو صحيح وغيره فاسد ولا يختص ذلك بباب متعلقات التكاليف المركبة بل لو اتصفت هي

ص: 86

بذلك فلتتصف تلك أيضا بهما والا فلا يكون هنا أيضا اتصاف أم لا ؟ بل هما من الأوصاف العارضة على غير ذوات الأشخاص .

حاصل ما سبق تحصل ممّا ذكرنا ان الصحّة والفساد أمران منتزعان غير مجعولين وانماينتزعان من انطباق المأمور به على المأتي به وعدمه والانطباق وعدمه أيضا أمران تكوينيان ولا تنالهما يد الجعل اثباتا ونفيا ولو اخبر الشارع بالصحّة والفساد فانما هو ارشاد ليس فيه مجال للتعبد . نعم ربما يمكن التعبد في ظرف الشك باتيان المشكوك وبالصحّة لكنه بعد هذا التعبد يكون الانطباق للمأمور به على المأتي به أيضا قهرا والاجزاء عقليّا اذ لو لم يجز هذا الفرد فكذلك الفرد الثاني وهكذا كما ان الأمر الظاهري أو الاضطراري أيضا يجزي عن متعلّقه .

والحاصل ان الانطباق تارة يكون قهرا تكوينا واخرى ظاهرا وهكذا الكلام في المعاملات فانها أيضا تنقسم إلى الصحيحة والفاسدة بل ويمكن اجراء هذا الكلام في موضوعات التكاليف والأحكام وضعية كانت أو تكليفيّة . فما هو الواجد يكون تامّا صحيحا وما هو الفاقد يكون ناقصا كما انه لا مانع من تسميته فاسدا .

وأمّا ما في كلام بعض من عدم جريان النزاع في المعاملات أو لا يكون الصحّة والفساد فيها مثلهما في العبادات ليس على ما ينبغي . بل الصحّة والفساد هما أمران منتزعان عن مطابقة المأتي به للمأمور به الواقعي والاضطراري أو الظاهري كل بحسبه وكل يجزي عن متعلقه في العبادات وكذلك في المعاملات ينتزعان من تماميتها وترتب الأثر المقصود عليها وعدمها .

نعم لا تتصف المسببات كالملكيّة والزوجيّة بالصحّة والفساد بل بالوجود

الصحّة والفساد أمران منتزعان

ص: 87

والعدم اما الاسباب فهي اما تامة أو ناقصة ويقال للتام الواجد للخصوصية المقتضية لترتب الآثار صحيح أو تام .

وللناقص الفاقد انه فاسد والا فلا جامع اصيل في العبادات بين الصحيحوالفاسد وهذا الذي قلنا بكون التعبير بالتام والناقص والواجد والفاقد أجمع تعبير عن ذلك فيها .

ولا يخفى ان باب الأسباب والمسببات كما ذكرنا عبارة اخرى عن الموضوع والحكم وان الشارع رأي ما رأه العرف ورتب عليه الأثر الخاص وانتزع منه الموضوعيّة لمورده والحكم على ما رتب عليه وضعيا أو تكليفيّا . لكن في متعلّقات التكاليف تكون المصالح والمفاسد الكائنة في نفس الأشياء تكويناً موجبة ومقتضية لجعل الأحكام وكذلك في المعاملات كما ان العرف أيضا يرون عند وجود الأسباب الخاصّة وجود الملكيّة . غاية ما في الباب ان الشارع تارة وافقهم واخرى زاد أو نقص ولم ير ما رأوا بل خطأهم على ذلك . ولم يجعل بيع المنابذة سببا وكذا القمار اذ لم يكن عنده فيها ما في باقي الأسباب من الخصوصيّة التكوينيّة الواقعيّة التي أوجبت جعل الحكم والاعتبار . والا فلا يمكن اعتبار شيء خاصا سببا دون آخر ولا معنى لجعل السببيّة اذ الشيء اما أن يكون قبل اعتبار الشارع واجدا للخصوصيّة وسببا فلا معنى لجعله واعطائها اياه أو ليس فلا يمكن اعطائها اياه بالتعبد والاعتبار بل بالتصرف التكويني والا فبدون الخصوصية لاثّر كلّ شيء في كلّ شيء فليس الأسباب بمعنى ما يترشّح منها عند وجودها المسبّبات بل بالمعنى الذي ذكرنا وكذلك الكلام في المانعيّة والشرطيّة والجزئيّة للتكليف .

ص: 88

نعم في المكلف به يكون قابلاً للجعل بمنشأ انتزاعه .

هذا ما يتعلق بالصحّة والفساد . وقد ذكر في المقام بعض الامور التي لا يهمّنا التعرض لها كمقتضى الأصل الصحّة أو الفساد وانه يكون المراد من العبادة انه لو لا النهي لكان أمره أمرا عباديّا وقد سبق إليه الاشارة فلنختم الكلام فيالمقدّمات ونشرع في المقصود .

فنقول وباللّه نستعين: النهي اما أن يتعلق بالعبادة أو المعاملة فالبحث في مقامين الأوّل .

في النهي المتعلّق بالعبادة وهو اما أن يتعلّق بنفسها أو بجزئها أو شرطها أو بالخارج اما الأوّل فنفس تصوره يغني عن الاستدلال عليه بالفساد لعدم كونه راجحا ولا يمكن تعلق الأمر به ولا ينطبق عليه الطبيعة المأمور بها بما هي كذلك .

ينبغي أن يعلم ان النهي تارة يتعلق بالمعاملة بمعنى اسم المصدر والنتيجة الحاصلة من الايجاب والقبول مثلاً وبعبارة اخرى بالمسبب واخرى يتعلق في ناحية الايجاد وثالثة بالأثر . مثال الأوّل النهي عن بيع المصحف من الكافر أو بيع العبد المسلم منه لا بمعنى ان الحرام اقراره في يده أو الواجب اخراجه عن سلطانه ومثال الثاني قوله تعالى: « وذَرُوا البَيع »(1) المتعلّق على النداء يوم الجمعة للصلاة . والمراد بذلك هو نداء الحق وسلطانه لا الكناية عن دخول الوقت ولا كلّ نداء ولو من الشيطان . وهذا إنّما يكون مثالاً لما علمنا من الخارج بصحّة البيع وقت النداء فذلك قرينة ارادة معنى الايجاد من البيع وإلاّ فالظاهر ان لفظ البيع يراد به خصوص النقل والانتقال الحاصل والنتيجة المترتبة على ما يوجد به كما

أقسام النهي

ص: 89


1- . سورة الجمعة الآية 10 .

ان مثال الثالث مثل قوله علیه السلام ( ثمن العذرة سحت )(1) أو قوله علیه السلام ( ثمن الجارية

المغنيّة سحت )(2) اذا عرفت هذا فنقول لا اشكال بينهم في دلالة الثالث على فساد المعاملة بحيث لم يجعلوه محل الكلام بل هو مسلم عندهم كما انه لا وجه للتوقففي عدم دلالة الثاني على الفساد . ووقع الكلام في الأوّل وانه هل اذا تعلق النهي بالمسبب والنتيجة يدل على الفساد أم لا ؟ وقبل ذلك لابدّ من التنبيه على أمر وهو انه قد اشتهر اطلاق المسبّبات على المعاملات والأسباب على ما به توجد وذلك لا يخلو من نظر اذ اطلاق المسببات على المعاملات التي لا تكون من المسببات التوليدي وإنّما هي منشآت وموجودات بالآلة ليس على ما ينبغي . بل بابها باب الفعل المباشري كما في باب الديات حيث عنونوا ان المباشر أقوى من السبب أو بالعكس فان ضابط المسبّب التوليدي أن لا يكون بين فعل الفاعل والنتيجة المترتبة ارادة فاعل مختار بأن لا يكون في البين ارادة وشعور اصلاً كما في النار فان الالقاء إنّما هو سبب للاحراق والسبب هو النار والفاعل إنّما أوجد الالقاء المتسبب به إلى الاحراق الذي هو فعل النار فهو أوجد العلّة أو ما هو من ( قبيلها ) وترتب المعلول على ذلك قهرا أو تكون ولكن مقهورة كما في ارسال الكلب واغرائه إلى من يعضه ومع ذلك يكون وساطة لسبب بين فعله الخاص وتلك النتيجة وإلاّ فتخرج عن باب المسبّبات التوليديّة وتكون من الأفعال المباشريّة وإلاّ فلا فعل مباشري لنا بل كلّها من المسبّبات التوليديّة وليس كذلك فالبيع والصلح وأمثالهما من المعاملات من قبل الأفعال المباشريّة من الايجاد بالآلة كما

ص: 90


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 40 / 1 - 2 - من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 16 - / 3 - 4 - 5 من أبواب ما يكتسب به .

في فعل النجار فانه إنّما يجرّ المنشار على الخشبة فتقطع وتنفصل قسمين ولكن لا يخرج الفعل عن استناده إليه ولا يرون المنشار فاعلاً بل آلة . وكذلك في ما نحن فيه فان الألفاظ المتداولة التي تقع بها المعاملات أو تداولت وإن لم تكن كذلك في السابق كما اذا تعارف ارادة معنى التزويج من جوزت حكمها حكم الآلات والأدوات التي يستعملها النجار وغيره في التوصل إلى ما يوجدان ويفعلونه في صنائعهم ولا يوجد البايع شيئا يكون نتيجته البيع مع الواسطة بل هو ابتداءً لايوجد الا البيع غاية الأمر أخذ اللفظ في العقدي والمصداق في المعاطاتي آلة له ان قلنا بحصول البيع بالمعاطاة ولا مانع منه اذا كان المناط هو واجدية العرف في المعاطاة ما يجدونه في البيع العقدي ويترتب عندهم عليها ما يترتب على ذاك فالبيع عبارة عن تبديل طرف الاضافة وذلك يحصل بنفس ايجاد البايع باللفظ أو المعاطاة ولا يكون من آثار الألفاظ أو نتائجها والقابل إنّما ينشئ معنى القبول الذي يتعلق بانشاء البايع . وبذلك يفترق العقد عن الايقاع حيث ان الأول لابدّ فيه من انشاء ثاني يتعلق بالانشاء الأول ويكون رضىً به بخلاف الثاني .

أمّا الوجوه الخمسة الآخر التي أفادوا في بيان الفرق فلا تتم وحقيقتها ليست إلاّ عبارة عن معاني وامور واقعية يكون نظر العرف كاشفا عنها ولذلك يمكن تصوير الصحيح والفاسد في ناحية المسببات وان كانت بسائط حيث ان للعرف طريقا اليها وهم يرون تحقّق مثل الملكية بالقمار والشارع لا يرى ويخطئهم فيه . فهذا يكون بيعا فاسدا واذا لم يخطأ بل أمضى ما عندهم ويرونه من الآثار المترتبة على هذه المعاملات فيكون هذا العقد أو المعاملة صحيحا . وليست الملكيّة وساير الآثار أيضا ممّا تترتب على العقود قهرا . بل ان الشارع جعل أو

امضاء الشارع لما عند أهل العرف

ص: 91

رأى ترتب الأثر فحكم بذلك ان قلنا بوجود الحكم الوضعي . فكما ان في الأحكام التكليفيّة يكون هناك موضوع وحكم والحكم إنّما يترتّب على الموضوع الذي تارة يوجد قهرا كما في العمر أو دخول الوقت واخرى يحصل بفعل المكلف كما في ايجاد الخمر التي رتب الشارع عليها الحرمة . كذلك في باب المعاملات ايجاد الموضوع والمعاملة يكون بيد المكلف والشارع رتب عليها أحكامها وآثارها . غاية الأمر ليست تأسيسيّة بل امضاء لما عند العرف وتارة بزيادة قيد واخرى تخطئة كما في بيع المنابذة وبالحصى وبما ذكرنا تقدر على جواب الاشكال الواردعلى عدم استلزام امضاء المسبب امضاء الأسباب في مثل أحلّ اللّه البيع(1) . اذ لو كان المراد هو نفس النتيجة واسم المصدر فلا يلازم امضائه امضاء الأسباب والشكّ إنّما يكون دائماً في ناحيتها من شرط أو جزء وقيد . هذا مضافا إلى الوجهين الذين أفادهما الشيخ قدس سره .

تكميل وتتميم: ان باب المعاملات بل وكلية أبواب الايقاعات كالعتق والنذر والطلاق وباب حيازة المباحات التي ربما يكون القصد دخيلاً في ترتب الملكيّة عليها كما في الاحتطاب لا للغير فانه لو كان بالاجرة فلا يملكه ليس الأثر المترتب على هذه المذكورات من المسبب التوليدي ولا من قبيل الفعل المباشري على توضيح . وذلك لأن ضابط المسبب التوليدي أن يكون ما بيد الفاعل هو خصوص العلّة والسبب ويترتب على ايجاد السبب وجود المسبب اما قهرا بلا توسط شيء آخر أو مع توسط فاعل ليس له الارادة والاختيار مثال ذلك الاحراق فان الذي يصدر من الفاعل هو الالقاء في النار أو في مثال تخريب الدار

ص: 92


1- . سورة البقرة الآية 276 .

هو ارسال الماء اما بعد الارسال والالقاء فالتخريب والاحراق لا يكون من فعله بل من فعل النار والماء لأنّ الماء بنفسه يجري وينفذ ويخرب . وكذا مسئلة عض الكلب فانّ ما بيد الفاعل المباشر وباختياره هو اغرائه وأمّا عضّه فخارج عن اختياره ومن فعل الكلب . فهذا يكون من المسبب التوليدي . اما الفعل المباشري هو ما لا يكون كذلك بل يفعل الشيء بنفسه كما في الأكل والشرب . واما الآثار المترتبة عليه فربما تكون من المسبب التوليدي كالهضم ورفع العطش واخرى لا . كما في غرس الشجرة وسقيها الماء اما انتاجها للثمرة فليس من فعله . ومن امثلةالسبب التوليدي رمي البنادق والرصاصات فانّها تقتل لا عن شعور وما بيد الفاعل هو الرمي .

اذا عرفت ما ذكرنا . فاعلم ان باب العقود والايقاعات وساير ما لها ارتباط بها ليس من هذا القبيل فلا انها من المسبب التوليدي ولا من الفعل المباشري الذي يستند في كليهما الأثر والفعل إلى الفاعل بل هي من قبيل الموضوعات والأحكام التكليفيّة حيث ان ما بيد المكلف هو ايجاد الموضوع في كثير من الموارد والحكم إنّما هو من جعل المولى . وربما يكون الحكم والموضوع كلاهما خارجين عن اختيار المكلف كالوقت والبلوغ مثلاً . فما يمكن للمكلّف هو ايجاد الموضوع . وأمّا الحكم فيترتب عليه من ناحية جعل الشارع ولا يكون من فعل المكلف . فالبيع مثلاً الذي يوجد تارة بالألفاظ واخرى بالفعل الخارجي ( أي المعاطاة ) هو عبارة عن تبديل المال بالمال كما عبّر به الشيخ فانه التعريف الذي يساعده العرف والاعتبار ولازمه خروج المال في مقابل المال وقيام البدل مقامه لا انه يكون بايعا لشيء لا يكون ثمنه مقام المبيع وليس هو عبارة عن النقل الخارجي المكاني

اختلاف باب العقود والايقاعات عن المسبب التوليدي وأفعال المباشرة

ص: 93

بل عبارة عن معنى يوجد في عالم الاعتبار قوامه وحقيقته تبديل طرفي اضافة الملكية . غاية الأمر تارة نقول بجعل الملكيّة وأشباهها ولو أنكرنا جعل السببية والشرطيّة والجزئيّة والمانعيّة اصالة ونقسم الحكم إلى الوضعي والتكليفي فتكون الملكيّة مثلاً في باب البيع من الأحكام الشرعيّة المجعولة الوضعيّة وإنّما يجعلها الشارع ويوجدها في عالم الاعتبار حيث انه بيده الاعتبار في عالم التشريع كما في اعتبار من بيده الاعتبار في الأوراق القيميّة كالدنانير والاسكناسات التي يكون بها رواج الأسواق فانه لو لا الاعتبار والامضاء والجعل فلا فرق بينها وبين غيرها من الأوراق بل ربما يكون غيرها انفع كما انه لو لا ذلك لكان هو وامضاءغيره واعتباره على حد سواء . وعلى هذا فلا يكون الحاصل من البايع والمشتري وكذا من ساير المنشئين والذين ينشأوون الايقاعات أو العقود الا ما يكون موضوعا لأحكام الشارع الوضعيّة وهذا الايجاد والانشاء إنّما هو بيدهم واختيارهم يفعلونه مباشرة ولكن الآثار كالملكيّة والزوجيّة فلا تكون على هذا المبنى من فعلهم لا مباشرة ولا تسبيبا بل إنّما هو من ايجاد الموضوع وترتيب الحكم من ناحية الشارع . ولو أنكرنا جعل الملكيّة أيضا وجعلناها كساير ما ذكر من السببية وأشباهها في استحالة تعلق الجعل بها بل هي أمر انتزاعي كالسببية والمانعيّة والشرطيّة فالموجد والمنشئ بفعل المكلف هو نفس الملكيّة وأشباهها بالبيع والألفاظ على هذا المبنى وسابقه تكون من قبيل العصا المستعان بها على كسر رأس زيد مثلاً ولكنّه أيضا لا تكون هذه الآثار مسببيّة للمكلّف بفعله بل يوجدها مباشرة وبعد ذلك يحكم الشارع بحرمة التصرّف في مال الغير وانه مسلط على أموال نفسه ولا يجوز بيعه ولا هبته في باب الوقف وساير الأحكام التكليفيّة.

ص: 94

نعم ربما يشكل أمر الألفاظ وانها هل جعلها الشارع أسبابا خصوصا في الايقاعات أو العقود التي قلنا باعتبار لفظ خاص لها كما في البيع مثلاً بناءً على عدم كفاية مثل أنا بايع أو أبيعك وكما في الطلاق حيث يعتبر كونه بصيغة طالق بالجملة الاسمية لا الفعليّة كقوله طلقت . لكن حقّقنا في محلّه من الأحكام الوضعيّة انه يستحيل جعل السببيّة والشرطيّة وأمثالهما بل إنّما هي أمور انتزاعيّة تنتزع من جعل الشارع وحكمه باثر خاص على مواردها .

تكميل وتوضيح: لا ريب في ان للألفاظ دخلاً في حصول المنشآت في المعاملات والايقاعات في عالم الاعتبار كما كرّرنا ذلك في مثال البيع وقلنا انه عبارة عن تبديل طرفي الاضافة غاية الأمر بشروط وقيود وحدود . والكلام فيانه كيف يمكن تركيب الموجب لحصول المنشآت مع ان المنشأ والأمر الحاصل بسببه ليس إلاّ بسيطا لا مساس للتركب فيه .

كما انه يقع الكلام في ان هذه الألفاظ التي لها التأثير على أيّ نحو يكون تأثيرها . فنقول في المقام الثاني ان تأثير الألفاظ كما سيتضح ذيلاً كتأثير العصا في كسر رأس زيد مثلاً في انها ليست إلاّ آلة محضة . اما ان البساطة في المنشأ والتركّب في موجد المنشأ فلا يخفى ان الانشاء والايجاب الذي يقع من ناحية الموجب والبايع ليس إلاّ بمعناه اللغوي العرفي والانشاء عبارة عن الايجاد فهو يوجد في عالم الاعتبار شيئا بانضمام باقي ما يعتبر في ترتب الآثار عليه اليه يكون موضوعا للآثار والأحكام التي رتّبها الشارع أو العرف عليه . وربما يعتبر في أصل العقد أو ترتب الأثر القبض ويحصل باللفظ معاني المفاهيم التي لا يمكن حصولها بغيره في الغالب ولا يكفي مجرّد الرضا الباطني مثلاً بل لابدّ في عقد

فرق الانشاء والأمور التكوينية

ص: 95

الفضولي من تحقّق الاجازة . لكن ليس باب الانشاء في عالم الاعتبار كباب الايجاد في الأمور التكوينيّة التي ليس للموجود والموجد الذي يوجده المكون والفاعل حالة منتظرة في انطباق عنوانه عليه وترتب النتيجة التي تترتب على مثله عليه . فان الشرب اذا حصل فقد حصل ويكون شربا وكذا الأكل وينتج كل منهما الأثر المترتب عليه ولا كذلك الايجاب الذي لم ينضم اليه القبول نظير التكبير أو باقي اجزاء الصلاة التي لا يكون كلّ واحد منها جزءا اذا لم ينضم اليه باقي الأجزاء وكان مع ذلك بقصد الصلاة . فالجزء وحده بقصد انضمام باقي الأجزاء لا تتصف بالجزئيّة فعلاً ما لم ينضم اليه الباقي وانما له الاستعداد لأن يكون جزءا بانضمام الباقي . وبعده يتصف أو نكشف كونه جزءا من أوّل الأمر . فقبله لم يكن سوى القوة المحضة التي لها استعداد ان يكون جزءا ويتركّب منها الكل . وكذامقامنا هذا حيث ان الايجاب الخالي عن القبول ليس إلاّ عبارة عن تبديل انشائي اعدادي كالهيولى الخالصة التي ليست الا قوة محضة وإن لم يمكن وجودها الا مع الصورة النوعيّة . لكن التشبيه ناظر إلى أصل كونه قوّة محضة فلهذا للايجاب صلاحيّة التأثير في الأثر الخاص وانما يكون فعليّا بانضمام القبول أو وباقي الشرايط الدخيلة في الأثر إليه . لا انه لا يكون هناك منشأ مع وجود الانشاء بل لا يمكن وجود الانشاء بلا تحقّق المنشأ . الا ان الكلام في المنشأ . فالمنشأ بالايجاب ليس إلاّ هذا النحو من الوجود الذي أوجده في عالم الاعتبار وله الاستعداد والوجود الاعدادي لأن يكون منشأ للآثار حسب اعتبار المعتبر ولا ينافي ذلك بساطة النتيجة والمنشأ الفعلي فاذا انضم القبول يترتب الأثر ويكون ما في القوة فعليّا .

ص: 96

ثمّ انه هل يكون من المسبب التوليدي أو الفعل المباشري أو ايجاد الموضوع فالنزاع ما سبق من عدم انطباق ضابط المسبب التوليدي عليه . حيث انه لا يوجد المنشأ شيئا وذلك الشيء يكون مؤثّرا في الملكيّة والتبديل . بل نفس هذا الانشاء تبديل وملكية بناءً على كونها أمرا عرفياً وما بيد الشارع مجرد الامضاء وعدم الردع والا فعلى كون الملكية من الأمور الجعليّة والأحكام الوضعيّة يكون هذه الألفاظ مع قصد الانشاء وتحقق التبديل موضوعا لحكم الشارع بالملكيّة .

وكيف كان فليست الألفاظ تستعمل في المفاهيم الموضوعة لها فقط بل يتحقّق بها معنى في عالم الاعتبار ويوجد بها في مقام الانشاء ويكون ذلك المعنى هو البيع والملكيّة لا موضوعا لها كما لا يخفى .

غاية الأمر للشارع عدم ترتيب الآثار على بعض أقسام هذه المعاملة أو الردع وتحريمه مثلاً وبيان ان آلة الايجاد هو غير هذا النحو أو اللفظ فلا يكفيالمنابذة أو القاء الحصاة ولابد ان يتسبب البيع بغير هذه الآلة والوسيلة .

وبما ذكرنا تقدر على جواب أبي حنيفة حيث ذهب إلى دلالة النهي على الصحّة في العبادات والمعاملات بدعوى ان متعلّقه لابدّ أن يكون مقدورا ولا نهى عن الفاسد فلابدّ أن يكون بعد النهي قادرا على ايجاد المعاملة كي لا يلغو النهي والا فلا فائدة فيه بل نهى عن غير المقدور .

وجوابه ان المنهي عنه هو المعاملة الخارجيّة التي يرتّب العقلاء عليها الآثار ويجعلونها منشأً للامور التي يرتبونها عليها وهي كما كانت مقدورة قبل النهي فكذلك بعد النهي . وإنّما الشارع نهى عنها نفسيّا بناءً على معقوليّة النهي النفسي في المعاملات فلا يرى ما يراه العقلاء فيها من كونها منشأً للآثار . فيدلّ

الجواب عن أبي حنيفة

ص: 97

هذا النهي الذي هو بهذه المثابة على الفساد وهذا لا خفاء فيه . انما الاشكال في تصور النهي النفسي في هذه الموارد والظاهر انحصاره بغير بابي العبادات والمعاملات والا ففيهما يكون ارشادا وهو لا ريب في دلالته على الفساد .

ومن موارد ورود النهي الذي يمكن كونه نفسيّا مسئلة حرمة التزويج والعقد ولو للغير الذي يكون محلاً على المحرم . وحرمة التزويج في العدة . وهل ذلك في هذه الموارد نهي وضعي ويوجب عدم تأثير العقد في الحلية والمحرمية أم لا بل مضافا إلى الحرمة التكليفيّة مع الكفّارة في باب التزويج والعقد حال الاحرام أم لا بل مجرد الاثم ؟ وجهان وظاهرهم الثاني .

توضيح وتكميل: قد عرفت ان النهي في مورد المعاملة على أقسام فتارة يتعلّق النهي النفسي بالاشتغال بالمعاملة وبعبارة اخرى يتعلق النهي بالأسباب وبالمعاملة بالمعنى المصدري . واخرى يتعلّق النهي النفسي بالمعاملة بمعنى الاسم المصدري وبالنتيجة والتبديل والنقل والانتقال المترتب على المعاملة وايجادهاوثالثة بالآثار ورابعة بالتسبب بسبب خاص فهذه أقسام أربعة . ولا اشكال في عدم اقتضاء القسم الأوّل من النهي في المعاملة الفساد اتفاقا كما في مثل النهي عن البيع وقت النداء بناء على عدم تعلق النهي بالتبديل . وذلك لعدم تعلق النهي بنفس المعاملة بل بالاشتغال والفعل وهو غير التبديل . كما ان القسم الثالث الذي يكون متعلق النهي فيه آثار المعاملة خارج عن محل النزاع . مثل ما ورد(1) في ان ثمن الجارية المغنّية سحت وثمن العذرة سحت(2) . فان ذلك يكشف عن عدم صحّة

ص: 98


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 16 - / 3 - 4 - 5 - من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 40 / 1 - 2 من أبواب ما يكتسب به .

المعاملة حيث انه يكون التصرف في المثمن والثمن خارجا عن ما يملكه ويتسلّط عليه شرعا . وهذا هو البحث المعنون في كتاب البيع من ضمان المقبوض بالعقد الفاسد وانه يفترق صورة العلم والجهل ففي صورة الجهل يكون هناك ضمان لعدم رضى صاحب الثمن أو المبيع بتصرف الآخر فيه مطلقا بل مقيّدا مبتنيا على صحّة المعاملة ويسلمه باعتقاد انّه ملكه لا مطلقا . والرضا التقديري بانه لو كانت المعاملة فاسدة كان راضيا لا يكفى على اشكال كما ان في صورة العلم هل يكون ضامنا أم لا ؟ بل بتسليطه الغير على ماله لا ضمان فيه . أبحاث محررة في محلّها .

والحاصل ان النهي عن الآثار نفسيّا ليس إلاّ من جهة فساد المعاملة ويترتب على فسادها حرمة التصرف في الثمن .

نعم ربما يأذن ويرضى مع فسادها بالتصرف في ماله وهو خارج عن محلّ الكلام كما انه اذا لم يكن هناك معاملة .

اما النهي عن التسبب بالسبب الخاص فهو راجع وارشاد إلى عدم حصولالمسبب والنتيجة به . اما النهي النفسي المتعلق بالمعاملة بمعنى اسم المصدر والنتيجة والنقل والانتقال بناء على وجوده وتصوره فقد وقع الخلاف فيه . وانه هل يقتضي الفساد أم لا بخلاف النهي عن الآثار أو المعاملة بالمعنى المصدري فانه لا نزاع في عدم اقتضاء الثاني للفساد واقتضاء الأوّل له لكن لا وجود لهذا القسم من النهي في المعاملات بالمعنى الأخص .

نعم وجوده غير عزيز في المعاملات بالمعنى الأعم كما في التزويج في العدّة فانه مع العلم يحرم ويوجب الحرمة الأبديّة ومع ذلك محقق العصيان . اما اذا كان جاهلاً فلا عصيان الا انه يترتب عليه الأثر الوضعي وعدم ايجابه الحليّة

النهي عن التسبب بسبب

ص: 99

والمحرميّة وقد أشار إلى بعض الذي قلنا الرواية الواردة(1) في انه بأي الجهالتين يعذر أو احديهما أهون من الاخرى .

ثم انه يمكن دلالة النهي على الفساد في النهي المتعلّق بمعنى الاسم المصدري والنتيجة بتسلم مقدمة . وهي ان الأمر والنهي في الواجبات يوجب خروج متعلقه عن تحت الاختيار فلا يملكه ولا يمكن الاستيجار عليه بخلاف الواجب الكفائي فان الواجب في الكفائي هو الايجاد وترويج النظام والنهي المتعلّق به لا يكون بهذه المثابة بل معناه ولازمه عدم الاحتكار كاحتكار الطعام واللازم في الاجارة كون الأجير مالكاً لما يوجره مضافا إلى وصول نفع إلى المستأجر . واستشكل في هذا الأخير بعدم اشتراطه بل يكفي ترتب النفع ولو بالنسبة إلى غير المستأجر كما اذا استأجر من يكنس باب دار غير المستأجر وترتب الثواب وعدمه لا ريط له كثيرا بذلك .نعم الشرط الأول لابدّ منه . لكن ربما يتوجه الاشكال في عمل الحر باجارته من جهتين: احديهما من جهة انه لا يملك عمل نفسه فلا يمكنه بيعه ولا يكفي العهدة والذمّة بل لا تصح والاخرى انه غير مقدور أو انه ليس بمال . ويمكن الحل في احديهما بكفاية كونه بالانشاء يقبل الملك ولذا يفرق بين ما اذا حبس حرا آجر نفسه على عمل فيضمن الحابس لذلك لتفويت العمل وما اذا لم يكن قد آجر فلا يضمن .

وعلى كلّ حال . فاذا قلنا ان في ناحية الاجارة يملك المستأجر لعمل الأجير لوجوب الوفاء بالاجارة كما انّه يقولون في مثل شرط الصدقة بعد حصول

ص: 100


1- . وسائل الشيعة 20 الباب 17/4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة .

متعلق النذر اذا نذر انه ان عوفي مريضه يهب غنما لزيد أو انه يكون له أو يشترط شيئا في عقد المعاوضة فانهم يقولون بسلب سلطنته عن متعلّق النذر والشرط إلاّ بالوفاء بحسب النذر والشرط ويكون ذلك سالبا لسلطنته لخروج ماله بذلك عن طرف سلطنته المطلقة فيكون محجورا بالنسبة إلى التصرّفات . وهذه الفروع كأنّها مسلمة فلو قلنا بأن الأمر نظير النذر والاجارة على الواجبات العينيّة التي لا يمكن الاستيجار عليها بأن يصلّي الظهر ويأخذ الاجرة لايجابه أي الأمر خروج طرف الترك عن اختياره . وكذلك النهي اذا تعلّق بشيء يوجب خروج طرف الفعل عن اختياره فلا يمكن اجارته لاشتراط كون متعلّق الاجارة عملاً اختياريا للمكلّف وبالأمر والنهي خرج عن تساوي الطرفين . حيث ان المانع الشرعي كالمانع العقلي لكن هذا الكلام فاسد لمنع كون المانع الشرعي كالمانع العقلي بل له مورد خاص والا فلو كان كذلك فبتعلّق الأمر والنهي يكون غير مقدور فلا يمكن امتثال هذا الأمر والنهي ويكون كلّ واحد منهما معدما لموضوعه وهو محال . فليسمقامنا مورد المانع الشرعي . بل على حاله مقدور تكوينا كما كان قبل الأمر والنهي وكذا في باب الاجارة وما يقال من كونه ملكا للّه تعالى فان اريد به انه ملك

له ولا أثر للعبد فيه فربما لا يناسب الاعتقادات وإن كان بمعنى يناسب ذلك المقام فلا اختصاص له بالواجبات والمحرمات بأن يكون الترك أو الفعل في واحد والآخر في الآخر مملوكا له بل كلّ شيء مستند إليه ومملوك له .

والحاصل ان هذا الكلام لا يستقيم ولا يمكن تسليم هذه المقدمة وكون الأمر والنهي يستلزمان خروج متعلّقهما عن تحت القدرة فلا يمكن اجارتهما ولا

إذا نذر التصدّق بشيء

ص: 101

يمكن صحّة المعاملة لعدم كونه مالكا له ولا يقع التبديل لعدم كونه ملكه وخروجه عنه .

تتميم البحث وتوضيحه: قد عرفت وجه دلالة النهي التحريمي المتعلّق بالمسبب على الفساد كما ان من الموارد المسلمة في قصر السلطنة ومناسبته للمقام ما اذا نذر التصدق بشيء وفي مورد لا أن ينذر النتيجة فانه لا سلطنة له على غير هذا المورد وانما له عليه بأن يتصدّق به مع ان الوفاء بالنذر ليس نهيا بل أمر ولا يقتضي الأمر ذلك لكنهم يلتزمون به فليكن المقام كذلك نظيره فكما ان الأمر في هذا المورد يوجب قصر السلطنة كذلك النهي في ما نحن فيه عن التبديل كما في المعاملة الربويّة فانها تفسد وحيث ان النهي تعلق بالمعاملة فلا وجه لصحّتها في المساوي والبطلان في الزائد وان كان للاشكال في ذلك وجه . لعدم الملازمة بين حرمة الشيء تكليفا والفساد لامكان ترتب الأثر ولو على الفاسد كما في النهي عن الظهار فانه مع تحريمه يترتب عليه الأثر الوضعي ومنه الكفارة . لكن الحق ما ذكر من الوجه في دلالة النهي على الفساد لو كان له مصداق .ويمكن استفادة الارشاد من هذه النواهي بناء على تسلم هذه الثمرات وعلى هذا فلا وجه للنهي النفسي في المعاملات بالمعنى الاخص .

نعم لا ننكر وجوده في المعاملات بالمعنى الأعم وتحقّقه كما في باب التزويج كالتزويج في العدّة فانه مضافا إلى كونه حراما لا يترتّب عليه أثر بل يكون فاسدا ويوجب الحرمة الأبديّة ( مع العلم أو الدخول ) لكن في مثل عزم عقدة النكاح ربما لا يكون مجرّد القصد إلى ذلك حراما بلا ترتيب أثر خارجي عليه . كما انه يمكن انحصار الحرمة بالوضعيّة في نكاح ما كان سائغا في الجاهليّة

ص: 102

ومنع منه الاسلام وعفى عنه لكن لا يجوز بعد ذلك لعدم العفو . وهل يكون حراما أم مجرّد لغو صدر منه بلا كونه منشأً للأثر .

والحاصل انه على ما ذكرنا يدلّ النهي على الفساد في المعاملة اذا تعلّق بالسبب الا انه ليس في الحقيقة نهيا نفسيّا بل ارشاديا . وعلى هذا فيسقط البحث عن دلالته على الفساد وتنويعها إلى أربعه أقسام . أمّا النهي عن التسبب بالسبب الخاص دون النهي مطلقا فانه أيضا ارشاد إلى عدم حصول المسبب بهذا السبب كما ان النهي عن السبب مطلقا بعنوان المعاملة ارشاد إلى عدم تشريع هذه المعاملة رأسا . فاذا كان هذا العقد أو المعاملة منشأ للأثر عند العقلاء ويرونه مؤثّرا وصحيحا فالشارع لا يمضيه بمعنى عدم ترتب الأثر عليه وعدم ايجابه لترتب الآثار . كما انه لو لم يكن كذلك بل يكون معاملتهم موضوعا لحكم الشارع وضعا أو تكليفا فنهيه ارشاد إلى عدم جعل هذه الأحكام .

وممّا استدلّوا به على دلالة النهي على الفساد الرواية(1) الواردة في باب نكاحالعبد بدون اذن سيّده بالنظر إلى التعليل الوارد في الحكم بالصحّة والنفوذ اذا أجاز سيّده بقوله علیه السلام: ( انه لم يعص اللّه وانما عصى سيّده ) وتقريب الاستدلال ان الظاهر من التعليل ان صحّة المعاملة في المقام بعد اجازة السيّد لكونها تامة نافذة وانما التوقف من ناحية عدم اذن السيّد فحيث انه أجاز فلا مانع وتمت اركان المعاملة فتنفذ لامكان حصول رضا السيّد بعد عدمه أو اطلاعه على فعل العبد الذي صدر منه بدون اذنه بخلاف ما اذا كان النهي من قبل اللّه فانه لا يقبل الرضا والاباحة أو الأمر بالمنهي عنه الا بالنسخ والفرض انه ليس كذلك بل التشريع إلى

الفرق بين نهي السيّد ونهي اللّه تعالى

ص: 103


1- . وسائل الشيعة 21 الباب 24 / 1 - 2 من أبواب نكاح العبيد والاماء .

يوم القيامة فاذا عقد في العدّة مثلاً مع العلم أو الجهل فرضي السيّد لا يفيد في مشروعيّته لعدم كونه مشرعا كما انه لا يفيد رضى الأجنبي فيه في صورة مخالفة العبد لسيّده فيدلّ على ان النهي في التزويج يدلّ على الفساد وعدم النفوذ بهذا التعليل .

ومنه نتعدّى عن مورده إلى مطلق أبواب المعاملات بالمعنى الأخص بل الأعم فيشمل الايقاعات وغيرها . فاذا كان النهي فيها من قبل اللّه تعالى فلا أثر لاذن السيّد ورضاه بل يكون فاسدا بخلاف ما إذا كان من ناحية المولى فانه برضاه يكون العمل صحيحا منشأ للآثار المطلوبة منه . لا يقال ان عدم رضى السيّد يكون واسطة لتعلّق النهي بالعمل من قبل اللّه تعالى فيكون أيضا فاسدا فلا يكفي الاذن والرضى اللاحق لأنّا نقول فرق بين ما كان النهي فيه بعنوانه الاولى وما إذا كان لمراعاة حق الغير وعدم تضييع حقّه فانه اذا كان من هذه الجهة فلا بقاء له مع رضاه وزوال كراهته لكون النهي الشرعي تبعا لعدم رضاه . هذا بحسب ما هو ظاهر الرواية لكن قد يشكل تحقّق العصيان من العبد في فرض الرواية كما في العصيان في حق اللّه لأن ظاهر لفظ العصيان حصول التعدي والظلم بالنسبة إلىالذي عصاه وخالفه والعبد لا يكون مطلق تصرفاته محرما ما لم تكن مزاحمة لحق المولى كتحريك يده أو حك رأسه أو الذكر وأمثال ذلك فلا تحتاج هذه إلى الاذن . فحينئذٍ مع فرض اشتراط صحّة التزويج باذنه فاذا لم يرض المولى ولم يأذن فلا يكون صحيحا ولم يصدر من العبد الا مجرد التلفظ بألفاظ في مورد المعاملة وتحقّق القصد منه لانشائها . وهذه الألفاظ اذا لم تكن منشأ لترتب حكم فأيّ عصيان يتحقق بها وأيّ تعدّى يكون بالتلفظ بها الاّ أن يرجع هذا إلى البناء على

ص: 104

صحّة المعاملة بدون اذن سيّده وكونها منشأ للآثار . ولكن الفرض في مورد لم يتحقّق التصرّف الخارجي بل مجرّد صدور عقد المزاوجة .

نعم اذا كان بقصد التشريع والبناء على الصحّة والنفوذ فيكون حراما كما ان الأمر كذلك بالنسبة إلى عصيان اللّه تعالى في مثل هذه المناهي . فلابدّ أن يحمل العصيان على هذه المحامل بأن يكون بعنوان البناء على الصحّة والمنشأئية لترتيب الآثار وكونه بعنوان المخالفة للمولى فيكون تعدّيا في حقّه وظلما بالنسبة إليه .

خلاصة ما سبق ملخص الكلام في النهي في المعاملات انه تارة يكون للارشاد وهو اما أن يتعلّق بالسبب أي بالألفاظ أو ما يقوم مقامها واخرى بشرايط المتعاقدين وثالثة بالعوضين . فمعناه حينئذٍ عدم الامضاء وترتيب الأثر ودخل ما نهى لفقده أو لوجوده في صحّة المعاملة ونفوذها . الا ان الكلام في النهي في المعاملة ليس في مورد الارشاد ضرورة وضوح فساد المعاملة بعدم الشرط كما انه ليس محل الكلام الموارد التي قام الدليل الخاص من نص أو اجماع أو غيرهما على البطلان أو الصحّة مع النهي كما في مثل المعاملة الربويّة أو التزويج في العدّة حيث انه يحرم مع العلم تكليفا ووضعا . وفي حال الجهل لا حرمة تكليفا . وأمّا عدم ترتب الأثر وايجابه الحلية المفقودة قبله فلا، بل الكلام في ان مقتضىالقاعدة مع قطع النظر عن كلّ شيء هو ان النهي في المعاملة اذا تعلق بالمسبب بمعنى اسم المصدر هل يوجب الفساد أو يدلّ عليه بالدلالة الالتزاميّة البينة وانه يلائم النهي التكليفي مع صحّة المعاملة وضعيّا بأن يكون قد عصى وأتى بالمحرم ومع ذلك يترتب عليه الأثر المقصود وتكون المعاملة ممضاة أم لا ؟ بل النهي النفسي التكليفي يوجب الفساد ولا يلائم صحّة المعاملة وضعيّة ولو من جهة عدم

النهي النفسي التكليفي يوجب الفساد

ص: 105

ملائمة النهي كذلك مع الامضاء بناءً على كون الصحّة في المعاملات أمرا عرفيّا وانه يتمّ المعاملة عند العرف ويرتبون الأثر . وما بيد الشارع هو جعل الأحكام التكليفيّة والامضاء سواءً كان من باب ايجاد الموضوع أو باب الأسباب والمسبّبات .

والحاصل انه يكشف هذه الحرمة التكليفيّة عن ان الشارع لم يمض بل ردع عنها .

الحق انه لا دلالة للنهي على الفساد بل يلائم صحّة المعاملة وترتب الأثر وقد أشرنا إلى ان الموارد الخاصة خارجة عن موضوع البحث بالنظر إلى الحكم الفعلي .

نعم هي داخلة فيه على القاعدة . والا ففي مورد التزويج(1) في العدة عالما مضافا الى انه لا يوجب الحلية يترتب عليه أثر الضد وتكون المرئة محرمة أبدا وان لم يدخل بها والحقوا بهذه الصورة صورة كونها ذات بعل بالأولويّة .

وأمّا مع الدخول فمن جهة اخرى أيضا وكما في باب الظهار فانه مع كونه حراما يترتب عليه الأثر وكذلك النهي في المعاملات بالمعنى الأعم فانه في مثلحرمة الغصب لا يوجب الفساد في مثل التطهير عن الخبث بل يطهر ولو بالمغصوب .

نعم لا تحصل الطهارة الحدثية بالمغصوب في صورة العلم مع انه ربما يمكن الاشكال فيه بناء على ما يستفاد من الرواية الواردة في باب العبد وتزويجه بدون اذن المولى وانه اذا كان النهي الشرعي مراعاة لحق الغير فيكون النهي تبعا لعدم

ص: 106


1- . وسائل الشيعة 20 الباب 17/1 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة .

رضاه فاذا رضى فلا نهي لأنه حينئذٍ لابدّ أن نقول بصحّة الطهارة عن الحدث اذا رضى مالك الماء بعد التصرف فيه بالتطهير أو في الترابيّة في التراب . غاية الأمر يكون نقلاً أو كاشفا حسب النزاع في اجازة الفضولي . حيث ان النهي عن التصرف في مال الغير إنّما هو لأجل التعدي بحقوقهم وقد ذكرنا في تقريب دلالة الرواية انه لا يوجب الفساد بل دائر مدار عدم الرضا فاذا رضى يجوز ومن هذه الجهة يمكن أن نقول ان العصيان في الرواية في الموضعين ليس بمعناه المتبادر من اللفظ .

وعلى كلّ حال فلقائل أن يقول في باب البيع والربا بدلالة الآية على الحكمين الوضعي والتكليفي فان كان احل بالمعنى التكليفي فكذلك حرم معناه الحرمة التكليفيّة .

ثمّ انه يدلّ الاباحة والحرمة التكليفيان على الحكمين الوضعيين بالملازمة أو غيرها كما انه إن كان أحل وحرم وضعيين فيمكن دلالتهما على التكليفيين .

وكيف كان فينحصر الدليل في اقتضاء النهي في المعاملة الفساد برواية تزويج العبد بما ذكرنا من التقريب . وحيث ان العبرة بعموم العلة وسبيله سبيل التنصيص على موارد شمولها وانطباقها كما لو كان بلسان العام الافرادي أو الاطلاق الشمولي فلذا لا مانع من التعدي عن موردها الى باقي الموارد وسايرأبواب المعاملات بالمعنى الأخص اذا كان النهي نهيا مولويّا لا لحق الغير على ما سبق في تقريب الدلالة .

نعم ربما يشكل دلالتها على ذلك بتقريب ينتج عكس ما ذكرنا .

عود على بدء: لا ينبغي الاشكال في انه اذا تعلق النهي بالمعاملة بمعنى

الفرق بين النهي بمعنى اسم المصدر وغيره

ص: 107

اسم المصدر والنتيجة والتبديل مثلاً في البيع يكون منافيا للامضاء والنفوذ وبعبارة اخرى ترتب الأثر فيفيد الفساد كما اذا كان معنى أحل اللّه البيع وحرم الربا الحلية والحرمة التكليفيتين فالحلية في البيع ملازمة للامضاء والنفوذ وكذلك الحرمة في الربا ملازمة للفساد بخلاف ما اذا لم يكن كذلك فانه لا منافاة .

والحاصل انه تارة يكون معنى النهي عن التبديل المبغوضيّة ومعنى الامضاء المحبوبية فواضح انه لا يمكن الجمع بينهما لما بينهما من التضاد والمانع من تعلّق الامضاء وتحقّق النفوذ في ما إذا كانت حراما منهيّا عنها بخلاف ما إذا لم يكن كذلك وكان النهي متعلّقا بشيء وهو الأثر ولم يكن معنى الامضاء هو المحبوبيّة فيمكن الجمع وبعبارة أوضح ووجه أحسن ان المعاملات كالبيع والصلح امور عقلائيّة ويرى العقلاء ترتب الآثار المطلوبة منها بعد تحقّقها سواء كان ذلك من باب العلّة والمعلول وباب الأسباب والمسبّبات أو كان من باب ايجاد العمل مباشرة كضرب رأس زيد وكسره بالعصا فحينئذٍ يكون النهي عن المعاملة من الشارع معناه المبغوضيّة وهي لا تنافي تحقّق الأثر والتبديل في عالم الاعتبار اذ معنى الامضاء من الشارع توافق نظره مع العقلاء واذا لم يكن له توافق نظر ولم ير الأثر فيخطئهم ويرشد إلى كونها امورا عقلائيّة ويرون ويرتبون الأثر على المعاملة شيمهم وبنائهم حتّى من الذين ليس لهم تمدن صحيح ولم يربهم يد المربّي كسودان الافريقيّة الساكنين بالصحاري والآجام مثلاً فانّهم أيضا عندهمبعض الترتيبات الجارية على وفقها امورهم بل حتى الحيوانات والسباع فيرون للسابق حق اختصاص بالفريسة والصيد ويرون المجاوزة إليه والمؤاكلة معه تعدّيا في حقّه . غاية الأمر ليس ذلك من الأمور العينيّة الخارجيّة الأصليّة بل في قبال

ص: 108

عالم العين والانتزاع الذي يكون من باب الخيال كانياب الأغوال . فهو برزخ بين العالمين وله نحو وجود منتهاه في عالمه ويترتب عليه الأثر تكوينا بعد الاعتبار كما في مثل الاعتبارات التي تكون منشأً للآثار الخارجيّة من اعطاء القرض وغيره لمن له عندهم وجاهة فاذا كان باب المعاملات من هذا القبيل . فالنهي عنها المتعلّق بالتبديل لا ينافي تعلّق الامضاء كما في البيع مثلاً فانه يمكن تحقّق معنى

البيع سواء كان عبارة عن تبديل طرفي الاضافة ولازمه خروج المبيع ودخول الثمن مكانه كما بنى عليه الشيخ الأنصاري قدس سره وجماعة من المحقّقين أو لم يكن معنى البيع ذلك بل عبارة عن نفس التبديل بين الاضافتين . غاية الأمر تبديل طرفيهما يكون تبعا كما في المبنى الاول يكون تبديل الاضافة تبعيّا وحين انعدام الاضافة الاولى الحاصلة بين البايع والمبيع يوجد ويتحقّق بلا تخلّل زمان بل لو كان فهو التأخّر الرتبي اضافة اخرى بالنسبة إلى المشتري أو ان البيع ليس هذا ولا ذاك بل عبارة عن التبديل وإن لم يكن الثمن داخلاً في مخرج المبيع وكذا لم يكن المبيع واردا مورد خروج الثمن كما عليه المحقّق الخراساني قدس سره فانه على كلّ هذه التقادير لو كان التبديل معنى عرفيّا عليه عمل العقلاء ومدار معاشهم فلا ينافيه النهي المولوي النفسي بل يمكن تعلّق النهي بالتبديل وحرمته ومع ذلك لم يكن هناك تخطئة بل الامضاء . هذا لو كان نفس انشاء البايع والقابل وكذلك نفس العقد كافيا في الأثر ولم يكن انتظار لجزء العلّة الأخير . واما اذا قلنا بان ما يوجد في مقام الانشاء وبعمل المتعاملين هو الأثر الاعدادي القابل لانضمام الجزء الأخيرمن العلّة التامّة إليه ويرتب الأثر ويحكم بحصول الملكيّة من الشارع كما في مثل باب الفضولي حيث ان ما يوجد بعمل الفضولي وانشائه هو ما يكون قابلاً لتعلّق

تقريب كلام المحقّق النائيني

ص: 109

الاجازة به فيكون مستندا ومنسوبا إلى مالك المتاع بناء على صحّة الفضولي وعدم كونه تصرّفا في مال المالك . والاّ فعلى فرض عدم كونه شيئا ولا يوجد بانشائه شيء في عالم الاعتبار فلا تفيد الاجازة اللاحقة من المالك سواء كانت الاجازة كاشفة أو ناقلة فانه لا يتم الا بالاجازة والا فلا يكون العقد تاما . فان كان

ما يوجد بعمل المتعاقدين وانشائهما هو مثل هذا الأثر الاعدادي الحاصل في باب الفضولي ويكون حكم الشارع وضعيّا هو الملكيّة لا أن يكون موجودا متحقّقا بنفس العقد فالنهي عن المسبب لا يمكن تحقّقه في متعلّقه بعمل الشارع اذ الملكيّة والمسبب إنّما يحصل بانشائه وجعله فلابدّ أن يكون عبارة عن حرمة نفس هذا العمل الاعدادي والانشاء والبناء والعقد على نفس المسبب وإن لم يكن حاصلاً بفعلهم وانشائهم وحينئذٍ فيرجع إلى النهي عن السبب أو التسبب بسبب خاص فيمكن معه نفوذ المعاملة والمسبب بعد ذلك لعدم تعلّق النهي بالتبديل والنتيجة فلا منافاة أيضا .

وكيف كان فيمكن تقريب الكلام في الدلالة بما ذكره المحقّق النائيني قدس سره ممّا تقدّم نقله بأن كان موجبا لقصر السلطنة ويوجب الحجر وإن كان عنده قدس سره فرق بين باب النذر والشرط وعلى هذا فيكون هناك تكليف بلا وضع فلا مانع من مخالفته في مثل نذر الفعل أو شرطه ولكنه بناءً على ما بنى عليه سيّدنا الأستاذ قدس سره من استتباع الحكم التكليفي الوضع كما في ساير الأبواب كالصلاة والحج وغيرهما ولذا نقول بأن المستصحب في مثل الحكم التكليفي هو العهدة وذلك ( الأمر ) الوضعي والا فنفس الخطاب الشرعي غير قابل للاستصحاب فلا مانع من تصويرالدلالة على الفساد أيضا ولكنه لعلّه لا يخلو من نظر .

ص: 110

نعم يمكن الجواب بناءً على عدم تماميّة الدليل على دلالة النهي عن التبديل والمتعلّق بالمسبب على الفساد على ما ذكرنا من التفصيل عن باب النذر والشرط بايجابهما حقّا نظير حق الرهانة ووافقنا على ذلك الشيخ عبدالكريم الحائري قدس سره وعلى هذا فلا يتم المطلوب ويمكن الجواب عن قياس باب النهي والأمر بباب النذر والشرظ بما ذكرنا .

طور آخر من الاستدلال: تدلّ الآية الشريفة « عَبْدا مَمْلُوكا لا يَقْدِرُ عَلى شيءٍ »(1) على عدم جواز تصرّفات العبد مطلقاً في غير الامور التكوينيّة بمعنى عدم ترتب الأثر عليها فبناءً عليه لا يفيدها اجازة المولى أو امضائه واذنه بعد ذلك وعليه فلا ينفع البناء على صحّة الفضولي في الايقاعات في غير الطلاق(2) والعتق(3) للنص بعدم الجواز والنفوذ كما عليه الشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدس سره الا ان المحقّق النائيني طاب ثراه لم يتعرّض لصحّة الفضولي في الايقاعات بل إنّما تعرّض له في العقود فبناء على هذا فاذا طلق أو اعتق فلا يفيد اذن المولى واجازته بعد ذلك نفوذ الطلاق والعتق فضلاً عن أن تكون كاشفة وإن كان ظاهر القائلين بالكشف الحقيقي ذلك حتّى في عدم الحرمة فيما اذا كان بلا اذن المولى حراما .

والحاصل ان الآية الشريفة دالّة على عدم جواز تصرف العبد الا باذن المولى سواء كان من الامور الجزئيّة أو الكليّة بل حتّى في مثل الوكالة عن الغير يمكن الاشكال فضلاً عن الصوم والصلاة خصوصا بمقتضى ما ورد في السؤال

لا تدلّ الآية على عدم جواز الواجبات وترك المحرّمات

ص: 111


1- . سورة النحل الآية 76 .
2- . الوسائل 22 الباب 45/1 من أبواب مقدّمات الطلاق .
3- . لم نعثر على النص في العتق .

عن الطلاق وقوله علیه السلام (1): ( افشيء الطلاق ) قال نعم . فكيف بالتزويج فاذا كان الطلاق كالتزويج شيئا فننظر إلى الرواية الواردة في باب التزويج وقوله علیه السلام انه(2) لم يعص اللّه وانما عصى سيّده تعليلاً لصحّة نكاح العبد بدون اذن المولى . فحينئذٍ

يمكن استفادة كون التزويج شيئا كالطلاق بل بالأولويّة وليس المراد بأنّه لا يقدر على الطلاق في مثل قوله علیه السلام في رواية الطلاق(3) ( افشيء الطلاق ) انه لا يترتب

على انشائه الطلاق الشرعي لعدم كون الطلاق من فعل العبد ولا الحرّ بل من حكم الشارع بوقوعه . فالمراد حينئذٍ انه لا يجوز ولا يصح انشاء العبد للطلاق فلا يجوز لكونه تعدّياً في حقّ المولى وتصرّفا في شؤونه لكونه ماله وبمقتضى الآية لا يقدر على شيء .

نعم لا تدلّ الآية على عدم جواز الاتيان بالواجبات وترك المحرّمات الا باذن المولى لكونها مأذونة من ناحية المولى وعدم امتثالها وعدم اطاعة المولى يكون تعديا في حقه بهذا المعنى والا فبمعناه المتعارف في مورد العباد لا يمكن اطلاق الحق هنا والقول بجواز التعدي فعلى هذا حسب ما يستفاد من الرواية في كون انشاء الطلاق تصرّفا ويعضد هذه الدلالة الآية الشريفة الدالّة باطلاقها على عدم القدرة على أيّ شيء من الامور الشرعيّة المترتب عليها الآثار فلا يجوز انشاء التزويج لكونه كذلك تصرّفا وتعدّيا في حقّ المولى . غاية الأمر ليس تعدّيا في جانب اللّه ابتداءً بل تبعا للتعدّي بحقّ المولى .

وعلى هذا فلا مانع من اطلاق العصيان إذ التزويج بدون اذن المولى من

ص: 112


1- . وسائل الشيعة 22 الباب 45/1 من أبواب مقدّمات الطلاق .
2- . وسائل الشيعة 21 الباب 24/1 من أبواب نكاح العبيد والاماء .
3- . وسائل الشيعة 22 الباب 45/1 من أبواب مقدّمات الطلاق .

العبد وحيث انه لا نهي من اللّه تعالى في التزويج فاذا أجاز المولى واذن جاز بخلاف ما إذا كان معصية للّه تعالى وتعدّيا في حقّه فانه لا ينفذ ولا يجوز ويكون فاسدا بمعنى عدم ترتب الأثر عليه . فبقرينة كون العصيان في العبد تعدّيا في حقّه ولا يستتبع البطلان إلاّ إذا لم يجز المولى فيكون معنى العصيان في قوله ( إنّه لم يعص اللّه ) هذا المعنى أي ما هو ظاهره من مخالفة النهي والتعدّي بأمر اللّه ونهيه . فيدلّ على هذا انه كلّما كان الفعل معصية ومخالفة لأمر اللّه ونهيه فلا ينفذ مضافا إلى انه حرام وتثبت الملازمة بين المعصية والفساد في كلّ مورد بهذه الرواية ولا ينافي استعمال العصيان في بعض الموارد في غير هذا المعنى كما في الآية الشريفة « وَعصى آدَمَ رَبّه فَغَوى »(1) فانه بمقتضى الاخبار(2) الواردة في تفسيرها لم يكن معصية بل ولا ترك الاولى في قبال أخبار(3) اخر دالّة على كونها كذلك ومن هنا يمكن انكار كون المراد بالعصيان في الآية غير ما نحن فيه أيضا حيث ان ظاهر العصيان هو المخالفة للأمر والنهي وعند اختلاف الأخبار يكون ظاهر القرآن حجّة وما خالفه يطرح .

تكميل وتوضيح: لا اشكال بناء على ما ذكرنا من دلالة الرواية على الملازمة بين الحرمة التكليفيّة وعدم النفوذ والفساد في التعدّي عن مورد الرواية إلى ما يشمله عموم العلّة . غاية الأمر لا بالنسبة إلى كلّ ايقاع ومعاملة . وبعبارة اخرى لا دلالة لها على الفساد في كلّ معاملة بالمعنى الأعم إذا كان متعلّقا لحق الغير كما اذا كان العبد قد سافر بلا اذن المولى وصلّى صلاته تماما فهل يحكم أحد

اشكال استصحاب الملازمة

ص: 113


1- . سورة طه الآية 122 .
2- . بحار الأنوار 11 الباب 3 كتاب النبوّة 4 إلى 8 - 10 - 15 - 18 وغيرها .
3- . بحار الأنوار 11 الباب 3 كتاب النبوّة 4 إلى 8 - 10 - 15 - 18 وغيرها .

بلزوم اعادتها قصرا إذا أذن المولى بعد ذلك مع ان حرمة السفر ولزوم اتمامها كان لأجل التعدّي بحقّ المولى والسفر بدون اذنه فحينئذٍ لابدّ أن يكون مورد التعدّي وشمول العلّة ما يكون ممّا يقبل الفضولي ويترتّب عليه الآثار الوضعيّة دون التكليفيّة محضا ولذا لا يمكن القول بكون الوطي في الفضولي أو في مورد تزويج العبد قبل اذن المولى المتحقّق لاحقا للوطى جائزا حيث ان المولى اذن في التزويج وامضاه بعد . فالعلّة إنّما يقتصر بها على ما يكون من قبيل المقام كما في مثل ما ورد(1) في أخبار قاعدة التجاوز انه حين الفعل اذكر فيكشف منه انه اذا لم يذكر ويعلم بعدم التذكر فلا مجال لجريان القاعدة .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بالنهي عن المعاملة . وقد سبق منا الاشارة إلى حكم الأصل عند اليأس عن الظفر بالدليل الاجتهادي وحيث ان الملازمة بين النهي والفساد ليس لها حالة سابقة بل هي أمر ازلي فلا مجال لاستصحابها لعدم تحقّق العلم السابق المعتبر في الاستصحاب وحينئذٍ فلابدّ من الرجوع إلى الأصول الجارية في المقامات الخاصّة .

أمّا في العبادات فكلّ على مبناه فاذا كان يجري البرائة في مورد الشكّ بين الأقل والأكثر الارتباطي في اعتبار قيد زائد وجودي أو عدمي فيجري البرائة والاشتغالى يركن إلى قاعدة الاشتغال ويحتاط لكن يكفينا الاطلاقات في العبادات خصوصاً مثل الصلاة بل مورد جريان البرائة أو الاشتغال هو الشبهة الموضوعيّة وتحقيق الكلام فيها يستدعي البحث على نحو لا يسعه المقام وحيث اهملوه في الأصول بحثوا عنها في الفقه .

ص: 114


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/7 من أبواب الوضوء .

وفي المعاملات لا مجال لجريان البرائة وإن كان تحقيق الحق يحتاج إلى تأليف رسالة مستقلّة في هذا الموضوع والأصل عدم ترتب الأثر على المعاملة عند الشكّ في اعتبار قيد زائد من أول باب المعاملات بالمعنى الأعم إلى حيازة المباحات .

هذا تمام الكلام في ما يتعلق بالنهي وبهذا تتمّ مباحث النواهي .

الكلام في المفهوم والمنطوق: وعرفوا كلّ واحد منهما بتعاريف . الا ان الذي يهمنا نقله ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره (1) ولعلّه سبق إليه بعض قبله وهو ان المفهوم الذي قد يطلق عليه المدلول والمعنى وكلها اشارة إلى معنى فارد عبارة عن مدرك عقلاني بسيط في غاية البساطة بل أبسطها ولا مادّة له ولا صورة اذ هما لوازم الخارجيّات وهو ليس أمرا خارجيّا فالمادّة من لوازم الخارج وكذا الصورة المقومة لها الا ان في الحس المشترك ينتقش صورة ذهنيّة مجرّدة عن المادّة والصورة الخارجيتين لكن يجرد في العقل حتّى عن هذه الصورة . وحينئذٍ فالاشارة إليها والتعريف لها إنّما يمكن باللوازم والا فحقائق الأشياء لا يعلمها إلاّ

اللّه تبارك وتعالى كما في كثير من الأشياء . كالوجع فانه ليس أمرا محسوسا خارجيّا بل أمرا يحسّ بالمدرك الوجداني ونظيره العطش والجوع والشبع فحينئذٍ ليس في العقل من معنى الشجر والانسان وغيرهما من الحقائق الا حقيقة بسيطة وأمر مجرّد عن كلّ شيء وهل اللفظ بازاء هذا المفهوم أو بازاء الحقائق ؟ وجهان بل قولان . الا انه يترتب على الأوّل عدم وجود الدلالة التضمنيّة حيث ان المفهوم أمر بسيط على ما عرفت ليس له جزء كي يكون الدلالة عليه تضمّنا فالدلالة

المفهوم والمنطوق

ص: 115


1- . فوائد الأصول 1/476 .

التضمنيّة على هذا المبنى لا أصل لها بل ليس الا الدلالة المطابقيّة أو الالتزاميّة التي ينتقل من المعنى المفهوم إلى اللازم تارة بمجرد تصور المعنى فيكون لازما بيّنا بالمعنى الأخص واخرى بواسطة مقدمة خارجيّة عقليّة أو عادية وعرفية فيكون لازماً بيّنا بالمعنى الأعم وهي أي الدلالة الالتزاميّة كما تكون في المفردات كذلك تتحقق في الجمل التركيبيّة على أنحائها .

والقسم الثاني من الدلالة الالتزاميّة أي البين بالمعنى الأعم خارج عن الدلالة اللفظيّة فليست بمنطوق ولا مفهوم بل كنظائرها من دلالة الايماء والاشارة كدلالة الآيتين(1) على أقل الحمل وكدلالة الاقتضاء كقوله تعالى واسئل(2) القرية وقوله عليه السلام رفع(3) النيسان حيث انه لا معنى لرفعه لوجوده تكوينا . فهو أي البين بالمعنى الأعم من الاستلزامات والملازمات العقليّة كدلالة الأمر على وجوب المقدّمة للمأمور به ودلالة الأمر على النهي عن الضد وغيرهما من أبواب الملازمات حيث لم يفردوا لها بابا بالخصوص جعلوها في بحث الألفاظ .

ثمّ انهم اصطلحوا على كون القسم الأول من الدلالة الالتزاميّة بالمعنى الأخص هو المفهوم في قبال المنطوق وحينئذٍ فالبحث إنّما يكون عن وجود المفهوم وعدمه . والا فعلى فرض وجوده وتحققه يكون حجّة وهل يكون في طول المعنى المنطوق وفي الرتبة المتأخّرة عنه نظير تأخّر رتبة المعلول عن علّته أم عرضية ؟ اختار سيّدنا الاستاذ قدس سره الأوّل .

ثمّ وقع الكلام في موارد من وجود الدلالة اللازمة بالمعنى الأخص . منها

ص: 116


1- . سورة البقرة الآية 224 وسورة الأحقاف الآية 16 .
2- . سورة يوسف الآية 83 .
3- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

الشرط وانه هل للقضيّة الشرطيّة دلالة مفهوميّة أم لا ؟ بل إنّما سيقت لبيان الموضوع كما في قوله ( ان رزقت ولدا فاختنه ) ؟ فانه اذا لم يكن هناك ولد فلا موضوع فيكون سالبة بانتقاء الموضوع فلا مورد لنفي الختان .

ثمّ ان ما ذكرنا من تعريف المفهوم راجع إلى منطوق اللفظ وما يستفاد منه حسب الدلالة المطابقيّة والا فمورد الكلام ليس ذلك بل الكلام في الدلالة الالتزاميّة والبين بالمعنى الأخص الذي اصطلح عليه بالمفهوم في قبال المنطوق لا مطلق الدلالات اللفظيّة ولو كانت كالايماء والاشارة والاقتضاء ولا خصوص المستفاد من اللفظ بضم مقدّمة خارجيّة كما في الملازمات العقليّة فانها خارجة عن محل النزاع . فمحل الكلام هو المفهوم بهذا المعنى سواء كان في المفردات أو الجمل التركيبيّة .

ثمّ انه وقع الكلام في مقامات في ثبوت المفهوم الذي يستفاد من اللفظ ويكون محكيّا به ومكشوفا عنه وكان اللفظ كاشفا وحاكيا عنه وانه كما يدلّ على المعنى المطابقي كان دالاً على هذا المعنى اللازم كان هناك مناسبة وملائمة بينهما وعلاقة أم لا وليس الكلام في لوازم المكشوف والمعنى الذي ينطبق عليه المفهوم ويكشف عنه .

فمنها الشرط وليس المراد منه في هذا المقام هو الشرط الذي يلزم من عدمه العدم واما من وجوده فلا يلزم الوجود كما في ناحية العلة . فانّها ما يلزم من وجوده الوجود بل الكلام في المقام على العكس حيث انه يبحث فيه عن دلالة المنطوق على الانتفاء عند الانتفاء . اما الدلالة على الوجود عند الوجود فلا اشكال فيه كما انه ليس البحث عن الشرط الذي يكون نوعا من التعهد فالشرط

في مفهوم الشرط

ص: 117

بكلا معنييه خارج عن محلّ البحث كشرايط العبادات وأمثالها بل المراد منالشرط في المقام هو ما اذا جعل شيء موضوعا لحكم فيبحث فيه انه هل يدل هذا على انحصار الموضوع به وبعبارة اخرى هل يكون علة منحصرة بحيث لا علّة لهذا الحكم غيره أي لا موضوع غيره فلذا ينتفي عند انتقائه الحكم بل ولا يكون كلّ واحد منهما معلولاً لأمر ثالث ولا أن يكون العلية بالعكس . وليس موضوع الكلام والبحث في الشرط عن المسئلة العقليّة الراجعة إلى علل الأشياء وخواصها فما قيل في المقام من ان اللازم كون استناد التالي إلى المقدم لزوميّة لا اتفاقية ولا مطلق اللزومية بل خصوص ما اذا كانت العلاقة هي العلية لا الأعدادية ثمّ العلية المنحصرة التي لم يكن سبب لوجود التالي الا المقدم ليس على ما ينبغي . اذ الكلام ليس في جعل الأسباب والمسببات مع انه لا يتم وهو انما يكون في الأمور التكوينيّة فيمكن فيها جعل ما ليس سببا لشيء سببا له واعطاء الماء حكم الحرارة واعطاء النار برودة الماء ولا اشكال فيه الا ان السببيّة في الامور الشرعيّة بأن يكون الدلوك سببا لوجوب الصلاة ويكون هذا الوجوب رشحا منه في عالم الاعتبار والتشريع كما تكون الحرارة رشح النار ممنوعة محررة فيموضعه من مجعوليّة الأحكام الوضعيّة وعدمها وحقّقنا هناك انه لا يقول القائل بمجعوليّة الأحكام الوضعيّة ان الجعل يتعلّق بالسبب والشرط والمانع والجزء بل إنّما القابل له هو منشأ انتزاع هذه الامور ويمكنه الجعل للحكم عند وجود موضوعه أو اعتبار عدم شيء أو ترتب أمر على المركب من امور فينتزع السببيّة والمانعيّة والشرطيّة والجزئيّة وأمثالها . وليس الحكم عبارة عن الحب والبغض بل انشاء النسبة أو انشاء الطلب على المباني وحينئذٍ فلا وجه لما ذكر .

نعم انما يمكن جريان تلك الأبحاث لمن يعلم الغيب ويحيط بكنه الأشياء

ص: 118

وكيفيّة ترتب بعضها على بعض وإلاّ فلا معرفة لنا بملاكات الأحكام وكيفيّةاقتضائها للجعل ولا طريق للعقل أيضا إلى اثباتها . وعلى فرض ذلك فهي مسئلة عقليّة وتخرج عن بحث الألفاظ . ونحن انما نبحث في المقام عن الدلالة اللفظيّة وكشف اللفظ عمّا في الضمير حسب تطابق عالم الثبوت والاثبات فحينئذٍ محلّ البحث في الشرط هو انه هل يكون لهذه القضيّة دلالة على معنى آخر غير ما هو المنطوق لها يكون كاشفا عن ما في ضمير المتكلّم مخالفا في جهة الاثبات والنفي للمنطوق وهل هناك كشف ودلالة بحسب الدلالة اللفظيّة على الانتفاء عند الانتفاء وإن لم يكن هناك عليّة وعلاقة بين الطرفين .

ثمّ انه على فرض وجود هذه الدلالة يقع الكلام في الاطلاق الواوي والاوى والمراد بالاول كون موضوع الحكم هو خصوص ما ذكر في اللفظ الكاشف بحسب تطابق عالم الاثبات والثبوت وكشف الأوّل عن الثاني أو لا بل له ضميمة آخر وان الاكرام إنّما يجب على مجيء زيد واعطائه الفلوس مثلاً أو تأدّبه كما ان المراد بالثاني عدم العدل للموضوع وانه ينحصر في كونه موضوعا لهذا الحكم ولا يترتب هذا الحكم على مجيء عمرو بل اذا جاء زيد فقط فيجب اكرامه دون غيره وهو الاطلاق الاوى .

ثمّ انه لابدّ في ثبوت المفهوم للقضيّة الشرطيّة من وجود علاقة لزوميّة بين الشرط والجزاء وان يكون الشرط له خصوصيّة بحيث ينتفي بانتفائه الجزاء ويمكن أن يقال انّ القضيّة بطبعها تدلّ على وجود العلاقة اللزوميّة لا الاتفاقيّة غاية الأمر لابدّ أن يكون الشرط هو العلّه المنحصرة للجزاء بحيث تكون نتيجة

جريان المقدمات في ناحية العدل

ص: 119

ذلك هو ما اشير اليه من الانتفاء عند الانتفاء(1) كما انه يمكن أن يقال بجريانمقدمات الحكمة في ناحية كون المذكور في الشرط هو تمام الموضوع . فانه لو كان لشيء آخر دخل في ترتب الحكم كان على المولى بيانه . وحيث انه لم يبين فيكشف عن عدمه بمقتضى تطابق عالم الثبوت والاثبات فقوله ( اذا كان الماء قدر كر لم ينجّسه شيء )(2) يستفاد منه ان تمام العلّة لعدم التنجّس هو ذلك وليس لشيء آخر دخل موضوعي في هذا الحكم . لكن هذا انما يتم بعد أن الموضوع هو هذا المذكور أو باصطلاح آخر ان العلّة لهذا الحكم هو المذكور وهو بمجرّده لا يفيد الانتفاء عند الانتفاء لاحتمال أن يكون لهذا الشيء علتان أو علل متعدّدة فلا يلزم من انتفاء أحدها انتفاء هذا الحكم وانتفاء الجزاء أصلاً .

وقد يقال بجريان المقدمات في ناحية العدل أيضا بأن يقال انه لو كان لشيء آخر أيضا هذه العلية وكان عدلاً للشرط لبيّنه المولى بلسان أو وحيث لم يبين فيكشف عن عدم العدل فينحصر كون العلة والموضوع بالمذكور بحيث لا دخل لشيء آخر مقارنا له أو سابقا عليه أو لاحقا له . بل تمام الموضوع هو هذا كما انه ليس شيء آخر عدلاً والا لبينه . هذا .

واستشكل هذا البيان المحقّق النائيني قدس سره (3) بعدم جريان هذا الكلام في الشرعيّات اوّلاً حيث ان العلة والمعلول انما هي في الامور التكوينيّة وكلامنا في القضايا الشرعيّة . وثانيا بعدم افادة هذا البيان انحصار الموضوع لاشتراكه مع ما لا

ص: 120


1- . ذكر في الحقايق عن الفوائد الطوسيّة انه استقصى مائة مورد أو أكثر من القرآن الكريم لا دلالة فيها على المفهوم . حقائق الأصول 1/448 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 9 / 1 - 4 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .
3- . فوائد الأصول 1/481 .

يكون الموضوع منحصرا فيه . فانه اذا قلنا ( اذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ) كما انه يمكن استعمالها في ما يكون طلوع الشمس علّة منحصرة لوجودالنهار كذلك يمكن اذا لم يكن كذلك بل كان شيء آخر أيضا موجبا لوجود النهار ولا اطلاق يستفاد منه ذلك فلا يمكن التمسّك باطلاق الشرط لانحصار الموضوع لكنه قدس سره أفاد في المقام بيانا آخر لاستفادة الانحصار . ونقول ابتداءً انه جعل محلّ الكلام لثبوت المفهوم وعدمه هو القضايا الشرطيّة التي لا يكون الشرط له دخل عقلي في وجود الجزاء . فانها تارة تكون كذلك كقوله ( ان رزقت ولدا فاختنه ) فان وجود الولد شرط عقلاً لتحقّق الختان وإلاّ فلا يمكن تحقّق الختان بلا موضوع فهذا القسم من القضايا خارج عن تحت دائرة النزاع . واخرى لا تكون كذلك فيمكن تحقق الجزاء بلا وجود هذا الشرط كما يمكن معه فحينئذٍ لا مانع من ثبوت المفهوم من هذه الجهة . لا انه لابدّ أن يكون لها مفهوم كما قد يترائى من بعض حيث نسب ذلك إلى المحقّق النائيني لكنه ليس كذلك بل غرضه قدس سره جريان النزاع في هذا القسم منها . وحينئذٍ فطريق استفادة المفهوم سواء قلنا بأنّ المفهوم دلالة لفظيّة أو انه لا يكون كذلك بل لازم للكلام غير منطوق هو ثبوت التعليق للمعنى الجملي من الجزاء .

واعلم انه لا ينبغي الارتياب في انتفاء نفس شخص هذا الحكم المنطوق به في القضيّة بانتفاء موضوعه عقلاً . إنّما الكلام في انّ القيد هل يكون للمعاني الافرادية أو ان التعليق راجع إلى نفس انشاء النسبة أو لا الى هذا ولا إلى ذاك بل إلى المحمول المنتسب . فالعمدة هو هذا ولا معنى لرجوع التعليق إلى ما يرجع إلى المعاني الافراديّة في ناحية الموضوع قبل ورود الحكم لرجوعه إلى تقيد المادة

الشرط على قسمين

ص: 121

فيكون معنى قوله اكرم زيدا ان جائك ان زيدا الجائي يجب اكرامه ولا يكون له مفهوم حينئذٍ . كما انه لا يمكن رجوع القيد والتعليق إلى انشاء النسبة بناءً على هذا المبنى من تحقّق النسبة الطلبيّة بين المنشئ والمتعلّق . وكذلك اذا تعلق القيدبالمحمول بلا انتسابه سواء كان المراد به هو الوجوب أو الاكرام في قولنا ان جائك زيد فاكرمه وكذلك اذا تعلق بالوجوب بعد الانتساب زمانا لاستلزام الاول رجوع القيد إلى المفهوم الافرادي والثاني النسخ اذ يقيد الوجوب بقيد بعد كونه مطلقا . هذا مضافا إلى انه ليس الا هذا الحكم في هذا الكلام واحدة القضية فحينئذٍ يكون القيد راجعا إلى المحمول المنتسب في ظرف انتسابه ويكون المعنى المتحصل هو المقيّد بهذا القيد أي وجوب الاكرام المضاف إلى زيد أو اكرام زيد الواجب معلق على وجود الشرط وحينئذٍ فيمكن بهذا البيان بضميمة مقدمات الحكمة الجارية في انه لو كان شيء آخر يقوم مقام هذا القيد في تقييد هذا الحكم لبين المولى له . وحيث انه لم يبين في هذا الكلام وانا استفدناه في كلام آخر منفصل فنكشف عن الاطلاق . وانه كان بصدد بيان مراده . اذ لابدّ في جريان المقدمات من احراز كونه بصدد البيان . والا فلا تتم المقدمات . فبهذا يمكن الانتفاء عند الانتفاء وبالتأمل فيما ذكرنا تعرف جواب الاشكال المتوجه على هذا . بانه لا فرق بين ما ذكرت في وجود المفهوم للقضيّة الشرطيّة والقضيّة اللقبية والوصفيّة خصوصا بناءً على مبنى رجوع كل حمليّة إلى شرطيّة وان قولنا زيد واجب الاكرام أو أكرم زيدا انه اذا وجد شيء في الخارج وكان زيدا يجب اكرامه فتأمّل تعرف .

توضيح وتكميل: ان الشرط على قسمين: فتارة يكون اشتراط شيء

ص: 122

بوجود شيء أو عدمه لدخله عقلاً بحيث لا يمكن وجود المحمول في غير صورة حصول الشرط والمنوط به والمعلق عليه . فهذا لا مفهوم له اصلاً . حيث ان مقتضى التعليق الانتفاء عند الانتفاء فهو نوع تقييد وبمقتضى ما نحقّقه في محلّه إن شاء اللّه من كون التقابل بين المطلق والمقيد من العدم والملكة لا التضاد ولا السلبوالايجاب فلا يمكن التقييد بعين امتناع الاطلاق فحينئذٍ لا معنى للنزاع في وجود المفهوم وعدمه هناك واخرى لا يكون كذلك بل يمكن تحققه في حال حصوله وعدمه اذ ليس مثل وجود زيد أو الولد يتوقف وجوده عقلاً في تحقق الحكم ولا يمكن حصوله في حال عدمه أو في صورة عدم الولد كما اذا كان المعلق عليه والمنوط به من حالاته كمجيئه أو قيامه مما يمكن لحاظ اطلاقه بالنسبة إلى الحكم بالنظر إليه وعدمه . فهنا يكون مورد المفهوم والتعليق الذي يكون نتيجته انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء الموضوع . ومن ذلك تعرف الحال في مثل القضيّة اللقبية والقسم الذي لا يكون المفهوم فيه من القضية الوصفيّة حيث ان تحقق الموضوع للحكم في مثل قولنا اكرم زيدا شرط عقلاً ولا يد للتشريع والجعل هناك فلا معنى للانتفاء عند الانتفاء لعدم امكان لحاظ الاطلاق في جانب وجود زيد وعدمه كي يقيد في حال وجوده . فلا مفهوم في مثل هذه بخلاف ما يمكن الاطلاق فيه . فالتقييد ينتج الانتفاء عند الانتفاء فالاطلاق في مورد البحث نظير الاطلاق الذي نقول به في مورد التعيين والتخيير حيث ان ظاهر الأمر التعيينيّة والعينيّة والنفسيّة لا التخييريّة والكفائيّة والغيريّة .

بيانه انه حيث يكون بصدد بيان مراده ولم يجعل الشرط للحكم غير ما ذكر في المقدم فيستفاد منه كونه تمام الموضوع وتمام ما له الدخل سواء كان شيء

ص: 123

آخر أم لا . وحيث ان الحكم علقه على الموضوع بلا جعل عدل له في ترتب الجزاء عليه فالترتب منحصر بخصوص هذا المقام دون غيره لما ذكرنا من كون التعليق انما هو بالنظر الى المعاني المحصلة لا الافراديّة لكون القضيّة الشرطيّة هي

ما حكم فيها بثبوت نسبة على تقدير اخرى فالمعلق ليس معنى افراديّا بل نتيجة قولنا اكرم زيدا هو ما تقدم من الاكرام الواجب أو وجوب الاكرام المنتج من هذهالقضيّة وذلك لأنّ القيد لا معنى لرجوعه إلى نفس الانشاء حيث انه اما أن يكون موجودا أو معدوما فلا معنى للتقييد فيه واما ان يكون راجعا إلى نتيجة الانشاء وهو المنشأ وهذا فرع امكان تصور المنشأ . وكونه معنى مفهوما اخطاريّا بحيث يمكن لحاظه في عالم الذهن كي يرتبط به القيد وبناءً على ما حققه المحقق النائيني قدس سره لا يكون المعنى الحرفي اخطاريّا بل موطن تحققه موطن الاستعمال ولا وجود له إلاّ في عالم الانشاء ولا يمكن تصوّره بل اذا يتصوّر يتصوّر معنى اسميّا فهو مغفول عنه واذا كان وجوده وانشائه بتبع المعاني الاخر فكيف يمكن لحاظ التقييد والاطلاق فيه . فلابدّ من رجوع القيد والتعليق الى ناحية المعنى المحصل . وهو الاكرام الواجب أو وجوبه أي الاكرام فهو معلّق على حصول الشرط وليس المراد من المعلّق هو نفس هذا الحكم الشخصي لأنه لا فرق في هذه الجهة بينه وبين القضيّة اللقبيّة لاشتراكهما بانتفاء الحكم لانتفاء موضوعه حيث ان وجود الموضوع شرط عقلي لترتب الحكم . بل الاكرام الواجب أو وجوبه علقه على نفس الشرط مطلقا ولم يجعل شيئا آخر عدلاً له أو جزءا يتركّب معه في ترتب الجزاء . بل إنّما رتّبه على هذا وحيث علّق الاكرام المتعلّق بزيد على وجود الشرط فلا ينتج المفهوم المتحصّل من انتفاء الشرط الا انتفاء اكرام زيد عند انتفاء

ص: 124

موضوعه أي الشرط .

لا يقال ان المحقق في محله على ما بنيتم عليه هو رجوع كلّ شرط إلى الموضوع فمعنى قولنا اكرم زيدا إن جائك ان زيدا الجائي يجب اكرامه فأين المهفوم .

لانّا نقول ان القضيّة الشرطيّة وضعت بطبعها للتعليق والانتفاء عنده وان رجع الشرط إلى الموضوع والفرق بينها وبين اللقبيّة بيّن لكون الشرطيّة من قبيلالشروط المطابقيّة بخلاف اللقبيّة فكالشروط الضمنيّة كما قد عرفت ان مبنى المحقّق النائيني عدم رجوع القيد إلى المعنى الحرفي والانشاء لعدم تعقّل الأول بل انما يعقل مغفولاً عنه فلا يمكن لحاظ الاطلاق والتقييد فيه كي يعلق وعدم معقوليّة التعليق في الانشاء .

نعم بناء على ما استظهرناه في المعنى الحرفي من ان الحق ما حقّقه القدماء في المعاني الحرفيّة وإنها أيضا لها مفهوم وليست ايجاديّة يتّحد موطن استعمالها مع موطن تحقّقها فيمكن رجوع القيد إليها اذا فرضنا انها كلي . ومرجع التقييد إلى تعيّن نوع خاص وجعله موردا للنفي والاثبات .

خلاصة البحث وتلخيصه: قد تحصّل ممّا ذكرنا ان انتفاء(1) الحكم عند انتفاء الشرط مسلم بناءً على ما بنى عليه المحقق الخراساني من العلية والمعلوليّة

رجوع القيد إلى المعنى المتحصّل

ص: 125


1- . كفاية الأصول 1/302 - 303 . والذي في الكفاية استبعاد تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلّة المنحصرة كما ان المحقّق نهاية الأفكار 1 - 2/481 آقا ضياءالدين العراقي شيخ مشايخنا رأى دلالة القضيّة الشرطيّة على التلازم بين المقدم والتالي وعلى كون اللزوم بنحو العليّة والمعلوليّة في غاية الوضوح كما رأى المجال لدعوى المنع عن اقتضاء الترتب بنحو العليّة المنحصرة كما انّ العلاّمة الخوئي نفى الدلالة على انّه من ترتّب المعلول على العلّة التامّة . المحاضرات 46/201 .

وان الشرط علة لوجود الجزاء فبانحصار العلّة ينحصر المعلول وينتفي عند انتفائها بلا اشكال بعد تماميّة دلالة الكلام على انحصار العلّة على ما تقدّم . لكن حيث ان هذا المبنى أي مبنى جعل العليّة فاسد يترتب عليه توالي ومحاذير فلا يمكن الالتزام به كما انه لا يمكن الالتزام بعدم مجعوليّة الأحكام وانها مترشحة عن عللها . بل الذي ينبغي أن يقال ونبنى عليه هو ان الأحكام مجعولة غاية الأمر ان المولى لا يتعلق جعله بكلّ شيء على كلّ موضوع بل لابدّ في ذلك من ملاكومصالح نفس الأمرية كائنة في نفس متعلّقات الأحكام لا في نفس الجعل تدعو تلك الملاكات المولى إلى الجعل على طبق دعوتها لا أنّ المولى مجبور في ذلك وان جعلها يكون قهرا بلا ارادة واختيار ولا انها عبارة عن ارادة مظهرة وحصول الارادة بمباديها من الحب والبغض لا يكون اراديّة بل قهريّة جبريّة . كما ان جعل العليّة فاسد بناء على هذا المعنى الذي ذكرنا من انه ليس بمجبور في جعل الأحكام وتشريعها . وأمّا اذا اريد بجعل العلية واعتبارها هو ان العبد بعد تشريع المولى وجعل عليّته يكون مصليا تكوينا خارجا ويترشّح منه العمل من العلّة ففاسد من أصله ولا يدّعيه أحد . وان اريد بذلك ترتيب الحكم على موضوعه وان بعد ذلك ينتزع عنوان الموضوع والحكم فلا نضائقة عليك لكنه شيء خلاف الاصطلاح .

وكيف كان . فليس جعلها أي الأحكام جزافا بل لمصالح ومقتضيات في متعلّقاتها داعية للجعل والمولى ربما لا يجعل الحكم على طبق المقتضيات لموانع واخرى يجعل فلا علية في المقام كي يقال بانحصارها والانتفاء عند انتفائها .

نعم بناء على تسليم هذا المبنى فلا اشكال في البناء . أمّا بناءً على ما حقّقه

ص: 126

المحقّق النائيني(1) من تعلّق الجعل بالأحكام فلا يتمّ ما ذكره المحقّق الخراساني من وجهين أحدهما عدم صحّة مبنى العليّة والمعلوليّة حتّى عند القائلين بجعل الأحكام الوضعيّة وهو أي رحمه اللّه ( أي صاحب الكفاية ) منهم فلا يلتزمون(2) بجعل السببيّة والمانعيّة والشرطيّة وأمثالها .والثاني: انه قدس سره اجرى مقدّمات الحكمة في الشرط والجزاء والحال ان جريانها في ناحية جملة الشرط لا يفيد الانحصار بل لا فرق بين ما لا يكون منحصرا له في هذه الجهة فكما يمكن أن يقال بالقضيّة في المنحصرة فكذلك في ناحية غير المنحصرة . لكن لعدم تمامية جعل العلية والسببيّة عنده اختار مسلكا آخر وهو ان جعل الأحكام كرفعها بيد المولى . فيمكن اناطة الحكم المجعول على موضوع خاص بشيء بحيث لا يترتب على غيره . فلابدّ في أخذ المفهوم من استفادة كون تمام ما به الاناطة هو الشرط وذلك لجريان مقدمات الحكمة في ناحية ترتب الجزاء على شرطه وتعليق الجزاء عليه واناطته به . فاذا علقه بالشرط ولم يبين شيئا آخر ولم يجعل في اناطته عدلاً له فبجريان المقدمات يمكن استفادة الانحصار حيث ان الاطلاق يقتضي التعيينيّة اذ التعيينيّة عبارة عن عدم العدل وذلك انما يكون في ما يمكن فيه لحاظ الاطلاق فاذا لم يجعل عدلاً في نفس الاناطة والترتب فبمقتضى الاطلاق يكون ما به الاناطة منحصرا في المذكور في الكلام اذ لو كان له عدل أو جزء آخر لبيّن . وحيث انه ما بين فالاطلاق يكشف عن عدم العدل لكن هذا يختلف بالنسبة إلى المحمولات والموضوعات . فتارة

إشكال مبنى المحقّق الخراساني

ص: 127


1- . فوائد الأصول 1/479 وما بعده .
2- . كفاية الأصول 1/302 - 303 .

يكون المحمول هو الختان أو أخذ ركاب الأمير في قولنا اذا رزقت ولدا فاختنه أو اذا ركب الأمير فخذ ركابه . فلا اشكال في عدم امكان لحاظ اطلاق الترتب بالنسبة إلى هذا الشرط بل دخله في ذلك عقلي . فلا معنى للتصرف الشرعي . وتارة لا يكون كذلك كما اذا جعل الشرط أو الجزاء هكذا ( ان شفى اللّه ولدي فعليّ نذر كذا ) فحينئذٍ يمكن فيه لحاظ الاطلاق بالنسبة إلى وجود الشرط وعدمه . فبعدم بيان العدل أو القيد الآخر نكشف عن انه تمام الموضوع وهو المنحصر في اناطة الحكم به . ولو لا جريان المقدمات في ناحية الاناطة والترتبيرد عليه ما أوردنا على المحقّق الخراساني من عدم اختصاص للقضيّة في المنحصرة بل يجري هذا الكلام بعينه في غيرها . فاذا كان بيده الاناطة والجعل كما انه له الرفع وفي مقام الاناطة حكمه بالقيد لم يجعل القيد والمعلّق عليه في ما به الاناطة الا مثل المجيء فبالاطلاق نكشف التعيينيّة وان هذا تمام الموضوع ولا عدل له .

إنّما الكلام في انه هل يمكن اجراء المقدّمات في ناحية الشرط وينتج الانتفاء عند الانتفاء أم لا ؟

لا اشكال في ان القضيّة الشرطيّة تعليق واناطة الجزاء بالشرط وحكم على فرض وجود وحينئذٍ فلا مانع من اجراء مقدمات الحكمة للاطلاق في ناحية الشرط أو الجزاء اذ الشرط ما لم يترتب عليه الجزاء لا معنى لكونه شرطا أو اجراء المقدّمات فيه . وعلى هذا فاذا جعل الشرط هو خصوص المجيء في قولنا إن جائك زيد فأكرمه وحسب جريان المقدّمات انحصر الشرط في المجيء بلا جعل عدل أو انضمام شيء آخر إليه واناط به الجزاء فبمقتضى ذلك ينتفي الحكم

ص: 128

عند انتفاء هذا الشرط . اذ الفرض انه منحصر في ذلك ولو كان شيء آخر أيضا له فيه الدخل أو يترتب عليه الجزاء ويناط به لكان عليه البيان وحيث لم يبين فبمقتضى الاطلاق نكشف عن الانحصار ونتيجة ذلك هو الانتفاء عند الانتفاء.

ان قلت: كيف يكون نتيجة التعليق والاناطة انتفاء سنخ الحكم والمحمول مع انه في مثل قولنا أكرم زيدا بعد قوله ان جائك ليس الا شخص الاكرام المتعلّق بزيد المنشأ بهذا التعليق .

قلت: لا أظنّك ترتاب في انتفاء سنخ الوجوب ونوعه اذا قال اذا ( ان ) جائك زيد فيجب عليه اكرامه وتصدّق بانتفاء الوجوب مطلقا عند عدم المجيءبلا توهّم انتفاء شخص هذا المنشأ كما انه اذا قدم الجزاء على الشرط أيضا كذلك بقوله أكرم زيدا ان جائك . فنقول في الموضعين بانتفاء الوجوب أو الاكرام عند انتفاء المجيء فأيّ خصوصيّة في تقديم الشرط كي تتوهّم مع ان الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف عام فليس معنى جزئيّا غير قابل لانتفاء كلي الوجوب بانتفائه .

وكذا الحكم فيستفاد في مثل قولنا اذا خفى الاذان فقصر انتفاء التقصير عند انتفاء خفاء الأذان وهو أيضا عين المدعى وهذا لا إشكال فيه .

وينبغي التنبيه على امور:

الأوّل: ان المستفاد ممّا ذكرنا ان المفهوم عبارة عن قضيّة موافقة للمنطوق في كلّ ما تشتمل عليه من الموضوع والمحمول الا انها مخالفة لها في السلب والايجاب فان كان المنطوق موجبة فالمفهوم قضية سالبة . وإن كانت سالبة فالمفهوم موجبة ( غاية الأمر لا في خصوص الحكم بل في قيود الموضوع أيضا )

معنى المفهوم

ص: 129

وعلى هذا فربما يشكل الأمر في مثل قوله عليه السلام اذا بلغ(1) الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء ) مع ان نقيض الموجبة الكليّة سالبة جزئيّة كما ان نقيض السالبة الكليّة موجبة جزئيّه فبمقتضى ذلك يكون مفهوم قوله اذا بلغ الماء الخ انه اذا لم يبلغ الماء قدر كرّ ينجّسه شيء ولا يفيد انه ينجّسه كلّ شيء كما هوالمدّعى .

وأجاب المحقّق النائيني قدس سره (2) عن هذا الاشكال بانه انما يتمّ هذا الاشكال في القضايا العقليّة وباب البراهين اما في باب الألفاظ فنحن والدلالة ولا يلزم منذلك كون مفهوم الكلية جزئيّة سلبا أو ايجابا .

هذا مع ان استفادة الكلية في المقام لا مانع منها حيث ان الفرق بين عموم السلب وسلب العموم واضح والمقام من قبيل الأول لا الثاني . وليس المقام نظير قولنا ما أخذت كلّ الدراهم الذي يستفاد منه أخذ البعض أو لا ينافيه ولا يكون كاذبا اذا أخذ بعضها . اذ ذاك في مورد يكون متعلق النفي لفظة كلّ ممّا اعتبر في معناه المجموعيّة فيمكن أن يجعل في حيّز النفي ويستفاد منه بحسب المفهوم البعض بخلاف قولنا اذا بلغ الماء اذ العموم في قوله ( لم ينجّسه شيء ) انه لا ينجّسه

شيء من النجاسات بالملاقاة كما هو المسلم . لا بالتغيير لعدم الفرق بين المفهوم والمنطوق في قبول النجاسة بالتغيير . حيث ان المفهوم إنّما استفيد من السياق ووقوع النكرة في حيز النفي فهو أمر مغفول عنه لا يمكن تعقّله وتعلّق النفي به فلذا يكون المفهوم عين المنطوق . ويكون مفهومه اذا لم يبلغ الماء قدر كر ينجسه كلّ شيء بالملاقاة . مع انه لو فرض الخدشة في ذلك كفانا مجرّد حصول النجاسة في

ص: 130


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9 / 1 - 4 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .
2- . فوائد الأصول 1/485 .

قبال دعوى عدم قبولها في الماء القليل مطلقا الا بالتغيير اذ لنا أدلّة آخر مذكورة في الفقه في باب نجاسة الماء القليل بكلّ نجاسة .

تكميل وتتميم: قد ذكرنا الاشكالين الواردين من المحقّق النائيني قدس سره

على مبنى العلية كما علم ان أحدهما عدم الفائدة في ناحية اجراء المقدّمات في جانب الشرط وان اللازم اجراؤها في جانب الترتب والجزاء اذ يمكن لحاظها في كلا الجانبين اما في جانب الترتب وحصول الجزاء للشرط فنتيجتها افادة الانحصار وانتفاء الحكم بانتفاء الشرط ولا جزاء في صورة عدم الشرط . وحينئذٍ فاذا ورد منطوق آخر رتب الجزاء على موضوع آخر يكون من باب تعارض المنطوق والمفهوم كما اشتهر التمثيل لذلك (باذا خفي الأذان فقصّر واذا خفيالجدران فقصّر وسيجيء الكلام في ذلك من انه كيف يجمع بين الكلامين كما هو الميزان في حصول الاطلاق وكون المولى في صدد بيان مراده والانحصار في الترتب والا فلا واما أن يكون جريانها في ناحية الشرط مع قطع النظر عن ترتب الجزاء عليه فحينئذٍ لا يفيد الانتفاء عند الانتفاء . بل انما يثبت فيه حينئذٍ بعد فرضه

كذلك وترتيب الجزاء عليه مجرّد وجود الشرط عند وجود الجزاء . اما انحصاره فيه فلا يمكن اثباته بالمقدمات الجارية في ناحية الشرط . نعم القدر الذي يفيده هذه القضية التي اجريت المقدمات في ناحية شرطها هو القدر المستفاد من كلّ قضيّة سواء الشرطيّة وغيرها من انتفاء الحكم عند انتفاء موضوعه عقلاً . الا ان المراد بذلك هو شخص الحكم . اما انتفاء أصل الحكم وسنخه فانما هو من خصائص القضيّة الشرطيّة على فرض جريانها في ناحية الترتب وقد سبق الضابط في أخذ المفهوم وعدمه وأشرنا إلى ان في مثل أكرم زيدا لا يمكن أخذ المفهوم

الاشكالان من المحقّق النائيني على مبنى العلية

ص: 131

حيث انه لا يمكن لحاظ الاطلاق فيه بالنسبة إلى حالتي الوجود والعدم بل انما يمكن في ما يكون أصل الموضوع موجودا ويناط الحكم بحال من أحواله . ويمكن وجوده وعدمه مع فرض بقاء الموضوع . وحينئذٍ فاذا كان بصدد بيان مراده ولم يبين سوى الشرط ولم يجعل المعلق عليه الا اياه فاطلاق الكلام في جعله وترتيبه الجزاء على الشرط يقتضي التعيينيّة . وان ما به الاناطة هو خصوص هذا الشرط سواء كان معه شيء آخر أم لا وسواءً وجد شيء آخر أم لا . بل ينحصر الموضوع في ترتب هذا الجزاء ولا عدل له أصلاً .

ثمّ انّك عرفت ان مرجع كلّ قضيّة شرطيّة إلى حمليّة كالعكس ولكنّك لم تغفل عن ميزان أخذ المفهوم فقولنا أكرم زيدا إن جائك معناه أكرم زيدا الجائي . وعلى هذا فيتّجه السؤال عن الفرق بين القضيّة الوصفيّة والشرطيّة حيث انه لايقال بالمفهوم لها .

واجمال الجواب انه على قسمين: فتارة يكون الوصف غير المعتمد على الموصوف كما في قوله تعالى: « إنّما الصدقات لِلفُقَراء »(1) فهذا لا مفهوم له بل له حكم اللقبيّة كأكرم زيدا . واخرى يعتمد على الموصوف كما في قولنا في الغنم السائمة زكوة . فأيّ خصوصيّة في الشرطيّة بها ينتفي سنخ الحكم عند انتفاء الشرط حتى لو فرض وجود موضوع يحكم عليه بهذا الحكم يكون من باب التعارض فلابدّ من الجمع بينهما بخلاف مثل الغنم السائمة فيه زكوة فلا يحكم كذلك بل ينتفي بالأصل بخلاف ذاك المقام فانه يكون دليلاً اجتهاديّا . ومجمله ان في الشرطيّة إنّما علّق الجعل والاناطة على الشرط فلذا يفيد الانتفاء عند الانتفاء

ص: 132


1- . سورة التوبة الآية 61 .

بخلاف الوصفيّة المعتمدة على الموصوف فانها إنّما يحكم فيها بترتب الحكم على الموضوع .

ثمّ انك قد عرفت أيضا بناء على مبنى المحقّق النائيني قدس سره كيفيّة استفادة الانتفاء عند الانتفاء . وذلك لأنّ الانشاء لا يتعلّق به التقييد والتعليق . كما انه لا يمكن تعلّقه بالمنشأ عنده لكونه معنى حرفيّا لا مفهوم له ولا يتصوّر بل مغفول عنه وموطن وجوده واستعماله واحد . لا انه لا يمكن ذلك لكونه جزئيّا بل نقول بكليّة المعاني الحرفيّة ان قلنا بوجود الكلي الطبيعي في الخارج .

والحاصل: ان النزاع في كليّة المعاني الحرفيّة هو مثل النزاع في وجود الكلّي الطبيعي في الخارج وترتب الثمرة على هذا المقام على النحو المستفاد هناك فالمنشئ إنّما ينشئ النسبة الكليّة الايجاديّة بين الفاعل والاكرام مثلاً وهويكون منشأ لحكم العقل بلزوم تكوين الفاعل على طبق تشريعه . كما انه ينتزع الوجوب عن هذا الانشاء وايجاد النسبة . غاية الأمر لا يمكن تعلّق القيد والتعليق بالانشاء ولا بالمنشأ لكونه مغفولاً عنه مع اشتراط اللحاظ في ما يتعلّق به القيد فحينئذٍ نقول حين انشاء النسبة بين الاكرام والفاعل يحصل ويتحقّق وجوب الاكرام أو الاكرام الواجب وهو يكون مركب القيد ويتعلق به . والفرض انه لا يمكن تعلّقه به بعد حصوله وفي رتبة متأخّرة عنه للزوم النسخ في التأخّر الزماني بل يكون في حين حصول معنى وجوب الاكرام وانتساب المحمول وفي رتبته رتبة التقييد .

وخلاصة الكلام: انه بناء على ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره في معاني الحروف فالنتيجة وطريقة أخذ المفهوم ما أشرنا إليه .

النتيجة في أخذ المفهوم على مبنى النائيني

ص: 133

لما عرفت مرارا من انه ذهب إلى أنّ الحروف ايجاديّة لا مفهوم لها بل معناها إنّما يوجد في موطن الاستعمال وكليّتها مبتنية على وجود الكلّي الطبيعي في الخارج وانشائيتها وايجاديتها مخالفة لايجادية وانشائيّة مثل التزويج ونحوه من الأمور الانشائيّة القابلة للتصوّر وذلك لأنّ المعاني الحرفيّة لا تتصوّر بل هي مغفول عنها فمعانيها لا يمكن تعلّق التصوّر بها فضلاً عن الألفاظ الفانية فيها ( فهي

بالنسبة إلى المعاني الاسميّة كالأعراض بالنسبة إلى محلّها ) وإنّما بها الربط بين المعاني الافراديّة ولو لا المعاني الحرفيّة لما قام للكلام سوق ولاختلّ نظام المحاورات اذ لولاها لم ترتبط المعاني الافراديّة بعضها ببعض فحينئذٍ لا يمكن تقييدها لعدم امكان لحاظها وانما يوجد بها مصاديق كما في مثل أسماء الاشارة حيث انه يكون كالعصا واليد التي يشار بها .

وتعجّب المحقّق النائيني قدس سره من المحقّق صاحب الحاشية حيث توقّف فيبعضها ولم يجعلها من المعاني الايجاديّة وكانه تأمّل في اخطاريتها وايجاديتها .

والحاصل انه على هذا المبنى يتعلّق القيد والتعليق بالمتحصّل من القضيّة والنسبة الحاصلة بين الموضوع والمحمول في قولنا ( إذا جائك زيد فأكرمه ) فالمعلّق هو المعنى المتحصّل وهو الاكرام الواجب أو وجوبه لعدم امكان رجوع القيد إلى نفس الانشاء لما بينّا سابقا ولا إلى المنشأ بل إلى المعنى المتحصّل من نسبة الموضوع إلى المحمول لكنه في رتبة الانشاء والنسبة يحصل هذا التعليق والتقييد فلذا ينتج الانتفاء عند الانتفاء اذا لم يجعل له العدل ( على ما سبق ) .

لكن هذا كلّه كما ترى اتعاب للنفس بلا الزام اذ الحقّ المحقّق هو ما أفاده

ص: 134

المحقّق الخراساني قدس سره (1) في المعاني الحرفيّة وان لها مفاهيم كليّة كالأسماء الا انها ليست استقلاليّة بل غير مستقلّة وحالها بالنسبة إلى المعاني الاسميّة حال الاعراض بالنسبة إلى محالها والفرق بينها وبين الأسماء هو ما ذكرنا من كونها معاني غير مستقلّة بل آلية لملاحظة حال الغير .

أمّا جواز استعمال أحدهما في مورد الآخر فانما يصحّ لو كان بلحاظ الاستقلال وان الابتداء لا مانع من استعماله في من اذا لوحظ فيه التبعية لا الاستقلاليّة .

وما قيل في الفرق بينهما من ان الفرق شرط الواضع الاسعتمال الآلي في الحروف دون الأسماء .

فالاستقلالي أو ان الوضع انما هو في حال الاستقلال في الأسماء وعدمه في الحروف فلا يصح .ولذا فالمنشأ بالهيئة إنّما هو الطلب الذي ليس باستقلالي ولا مانع من رجوع القيد إليه .

وعلى كلّ حال فالانتفاء عند الانتفاء إنّما هو من لازم هذه القضيّة فانّها بطبعها وضعت لذلك وحيث انه لم يعلق المنشأ على غير هذا الشرط فيستنتج منه الانحصار ولازمه الانتفاء عند الانتفاء سواء شئت سمه باللازم بالمعنى الأخص للدلالة المنطوقيّة للكلام أو اجعله منطوقا له .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بباب المفهوم للشرط .

بقي التنبيه على امور:

الحق مع المحقّق الخراساني في رجوع القيد إلى الهيئة

ص: 135


1- . كفاية الأصول 1/14 .

الأوّل: ما تقدّم من ان المفهوم عبارة عن قضيّة مطابقة للمنطوق في الموضوع والمحمول مخالفة له بالسلب والايجاب . فان كانت سالبة فهي موجبة وبالعكس فبالعكس وذلك عند ارتفاع ما به الاناطة . فاذا قال أكرم زيدا إن جائك فالمفهوم هو لا تكرم زيدا إن لم يجئك . فقولنا لا تكرم زيدا عين أكرم زيدا موضوعا ومحمولاً مخالف له في الحكم وحينئذٍ فيشكل الأمر في مثل الرواية الواردة في باب الكر وعدم انفعاله بالملاقاة فان نقيض السالبة الكليّة هي الموجبة الجزئيّة فقوله ( إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء )(1) لابدّ أن يكون المفهوم منه ( إذا لم يبلغ ينجسه شيء ) وذلك لا يفيد هذا مضافا إلى انه ورد في باب الجاري ( اذا كان له مادة )(2) انه كذلك أيضا وهكذا في ماء البئر(3) وان لم يكن هناك مادةمتّصلة بارزة كمادة الحوض والحمام ويكون كرا فاللازم حينئذٍ الجواب عن الاشكالين .

الجواب أمّا عن الأوّل فبما ذكرنا سابقاً . نعم لو كان الكلام في النقيض المنطقي فنقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئيّة الا ان الكلام في الظهور العرفي فحينئذٍ نتيجة المفهوم ليس هو سلب العموم بل عموم السلب .

وعن الثاني فبما يأتي في التنبيه الثاني وإن أجاب الشيخ وغيره عن الاشكال لكن يمكن المعارضة بين هذه المناطيق وحينئذٍ فيسقط المفهوم ويرجع إلى أدلّة عدم انفعال الماء مطلقا من قوله علیه السلام ( خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجّسه شيء

ص: 136


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9 - / 1 - 2 - 4 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 5 / 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - من أبواب الماء المطلق .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 14 / 1 - 2 - 4 - 5 - 6 - 1 إلى 4 1 من أبواب الماء المطلق .

إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه )(1) .

التنبيه الثاني: إذا وردت قضيتان شرطيّتان قد علّق حكم واحد فيهما على شيء مخالف للآخر مباين معه أو بالزائد والناقص والأقل والأكثر فأيّ شيء الوظيفة ؟ قد قيل اذا لم يكونا بالأقل والأكثر وجوه من الجمع الا انه لا وجه لها سوى وجهين وهما تقييد اطلاق كلّ منهما بالنسبة إلى نفي العدل فيكون العلّة المنحصرة كليهما ويترتب الجزاء على كلّ واحد مستقلاً كما اذا قال اذا خفى الأذان فقصّر وقال اذا خفى الجدران فقصّر . فالتقصير علّق تارة على خفاء الجدران واخرى على خفاء الأذان وحينئذٍ بناء على تقييد اطلاق نفي العدل في كلّ واحد منهما هو كون كلّ سببا مستقلاً في لزوم التقصير سواء كان معه الاخر أم لا .والى ذلك يرجع ما قيل من كون الشرط هو العنوان الجامع بينهما .

والوجه الثاني: هو تقييد اطلاق كلّ واحد بنفي الضميمة وهو كون الشرط هو تمام الموضوع فبعد التقييد يكون الحكم مستندا إلى مجموعهما وبوجود أحدهما لا يحصل الجزاء . وبما ذكرنا ظهر ان لا وجه لما قيل من تقييد مفهوم كلّ منهما بمنطوق الاخر لعدم مساس له بمورد النزاع بل الذي ينبغي أن يقع مورد البحث هو تقييد اطلاق أو التي تدلّ على العدل فيهما أو تقييد اطلاق الواو الدالة على الضميمة وقد ذكر لكلّ واحد منهما وجه .

أمّا وجه تقييد اطلاق أو وابقاء اطلاق الواو على حاله . ان ظاهر القضيتين

إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء

ص: 137


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/1 من أبواب الماء المطلق .

استناد الجزاء الى كلّ منهما أي الشرطين بالاستقلال . وهذا الاستناد انما يكون حقيقة اذا كان هذا الظاهر محفوظا والا فالاستناد إلى جزء العلّة ليس استادا حقيقيّا فاللازم من ذلك كون كلّ واحد منهما علّة نظرا إلى ذلك . غاية الأمر يقيد اطلاق نفي العدل في كلّ واحد بسبب الآخر وبعد ذلك فهما مشتركان في نفي الثالث . وقد اختار هذا المحقّق النائيني لكن صرّح بفساده لاحقا وانه لا يتمّ حيث ان استفادة نفي العدل وانحصار الموضوع والعليّة المنحصرة وكونه تمام العلّة إنّما استفيد لكلّ واحد منهما من مقدّمات الحكمة والاطلاق . فليس أحد الاطلاقين أولى من الآخر كي يقيد أحدهما ويبقى الآخر على حاله فهذا الوجه فاسد جدا كالوجه الآخر الذي ذكر لترجيح اطلاق الواو وبقاء اطلاق أو على حاله .

وحاصله ان اطلاق تمام الموضوع المفاد تقييده بالواو مقدم رتبة على اطلاق أو التي يوجب الانحصار اذ بعد معلوميّة كونه تمام العلّة يجري المقدّمات في نفي العدل فالتقييد لو ورد فيرد على ما هو الموضوع للآخر ولا يرد على الآخرلتقدم رتبة اطلاق الواو ويقدّم في التقييد . وفيه ان تعدّد الرتبة لا يجدي ما لم يرجع إلى تعدد الموضوع والمقام من قبيل دوران الأمر بين أحد التقييدين . فالعلم الاجمالي حاصل بذلك ولا يوجب تقدم رتبة أحد الاطلاقين انحلال العلم .

وذكر وجه ثالث لترجيح تقييد اطلاق أو وابقاء اطلاق تمام الموضوع على حاله اذ لو ورد التقييد على انحصار الشرط بالمذكور وانه تمام العلّة يلزم هناك تقييدان لعدم بقاء مورد لاطلاق أو لنفي العدل كما انه قيد اطلاق عدم الجزء بخلاف ما اذا ورد القيد على اطلاق أو فيبقى اطلاق نفي الجزء للعلّة على حاله وقلّة التقييد أولى فالتقييد لابدّ أن يرجع إلى اطلاق أو .

ص: 138

وجوابه ان الأمر دائر بين أحد التقييدين اما تقييد اطلاق أو او الواو غاية الأمر اذا قيد اطلاق الواو لا يبقى موضوع لاطلاق أو لا انه يكون بالنسبة إليه تقييدا زائدا . وحينئذٍ فليس أحد التقييدين أولى من الآخر وهذا كما ذكرنا في باب دوران الأمر بين رجوع القيد إلى المادّة أو الهيئة وان رجوعه إلى الهيئة يوجب عدم بقاء مورد لتقييد المادة ولا اطلاق للمادّة حينئذٍ لا انه تقييد زائد . فالمقام من قبيل العلم الاجمالي والحكم بالنظر إلى المسئلة الأصوليّة اعمال قواعد العلم الاجمالي ولازمه هو الأخذ بالقدر المتيقن . فاذا حصل كلا الشرطين نعلم حينئذٍ بحصول الجزاء بخلافه اذا حصل أحدهما فنشك في وجوب التقصير أو الجزاء مثلاً اذ مقتضى اطلاق كلّ واحد من القضيتين نفي الاخر ومرجعه إلى التناقض وهو محال . فلابدّ إمّا من كون الواو أو او لرفع المناقضة ) وحيث لا معيّن لأحدهما يكون الحكم ما ذكر .

لكن يمكن العلاج في مورد ( إذا خفى الأذان أو خفى الجدران ) بكون الأذان له مراتب في خفاء جوهر الفصول أو الهمهمة وكون المخفي هو مجموعهمن حيث المجموع بخلاف خفاء الجدران فانه مبين فيمكن حمل المجمل ( أي خفاء الأذان ) الذي له مراتب على المبين في اذا خفي الجدران ويرتفع الاجمال لكن يشكل الأمر في مثل قوله ( اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء )(1) حيث ان ظاهره كون الماء الكر هو تمام الموضوع المنحصر لعدم التنجس بالملاقاة وقوله في ماء البئر انه واسع لا يفسده شيء ( أءلى قوله لأنّ له مادة )(2) وما ورد في مثل

الاذان له مراتب

ص: 139


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9 / 1 - 2 - 4 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 4/1 الى 9 من أبواب الماء المطلق .

الجاري وحينئذٍ فيتعارض المفاهيم ونأخذ باطلاق قوله ( خلق اللّه الماء طهورا لا ينجّسه شيء )(1) الخ وذلك للشكّ في حصول الانفعال لغير مورد المجمع وهو الماء الجاري الذي لا يكون مادته كرا .

تكميل وتوضيح: قد عرفت الاشكال في تقديم تقييد أحد الاطلاقين على الآخر وحصول العلم الاجمالي وطريق الاحتياط في مورده واضح لأنّه إذا كان الجزاء هو الحكم الالزامي واراد الاحتياط فيأتي به عند حصول كلّ واحد من الشرطين . وإن لم يجب عليه الاحتياط نظرا إلى الشكّ في وجوب الجزاء عليه في صورة انفراد حصول الشرط . كما اذا كان الجزاء حكما تحريميّا فلا يأتي به عند حصول أحد الأمرين وإن لم يكن لازما عليه . بل المتيقّن هو صورة اجتماع كليهما فانه سواء كان أحدهما عدلاً للآخر في الترتب أو كانا جزئين للموضوع ويتركّب منهما ويترتب الجزاء عليهما مجموعا . فالموضوع متحقّق في الخارج هذا فيما لا يمكن حصول المتعدّد في الجزاء كما اذا كان في مقام تحديد الموضوع مثل المثالين فان وجوب القصر محدد على مسافة خاصة ويكون كلّ واحد منخفاء الأذان والجدران طريقا إليه . وذلك لا يقبل الزيادة والنقصان ولا التكرّر وان أمكن العلاج في مثل هذا المورد بجعل الجدران على ما هو ظاهر خفائه من خفاء الصورة دون الأذان فان لخفائه مراتب مختلفة فيكون مجملاً . فإمّا أن يحمل على ما ينطبق على خفاء الجدران أو يكون طريقا إلى خفاء الجدران وعند حصول الطريق وهو خفاء الجدران فلا معنى للطريق إليه وهو خفاء الأذان .

أمّا فيما اذا كان الجزاء ممّا يقبل التعدّد وليس كازهاق الروح أو انفعال الماء

ص: 140


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1 - 9 من أبواب الماء المطلق .

القليل ممّا لا يقبل التعدّد . بل اذا حصل فقد حصل ويترتّب الحكم أي عدم جواز شرب الماء وعدم جواز استعماله في الطهارة عليه ولا يلزم وصوله إلى حدّ الاضافة بالنجاسة . فلو بنى على هذا المبنى فيلزم منه ما هو مخالف لضرورة الفقه كما في مثل ما ورد في النوم من الآية الشريفة ان قيل به وانها فسرت صحيحا بذلك وهي قوله تعالى: « إذا قُمتُم إلى الصلاةِ فاغسِلُوا وُجوهَكُمْ وأيديكُم »(1) كما انه قيل ان المراد من اذا قمتم إلى الصلاة ( أردتم ) وإن كان غير خال عن الاشكال لتعليق الوجوب على ارادة المكلف فبحسب ما تقدّم من المفهوم ينحصر الوضوء بما إذا قام من النوم . وان استشكل في الآية فيكفي الروايات الواردة وفي بعضها ( فاذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء )(2) .

وظاهر القضيّة الشرطيّة انحصار الجزاء بخصوص هذا الشرط مع انه ورد في مثل البول والغائط أيضا ما يمكن كونه كالمقام من ما ورد بلسان الشرطيّة وعليه فلا يجب الوضوء إذا حصل أحد هذه الامور وحده بل إنّما يجب بحصولجميعها وهو خلاف ضرورة الفقه .

نعم إن لم يكن بعضها بلسان الشرطيّة بل ورد على نحو القضيّة اللقبيّة أو كان الكل كذلك فلا اشكال .

ومنها: مسئلة عدم انفعال الماء القليل والكر وذي المادّة وإن كان من القسم الأوّل أي ممّا لا يقبل التعدّد . حيث انه لو أخذ بتقييد اطلاق الواو في هذه الموارد

فيلزم اشتراط عدم انفعال الماء الكر بكونه ذا مادة وكذا الجاري . ويلزم كونه كرا

جمع المحقّق الهمداني

ص: 141


1- . سورة المائدة الآية 7 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

حيث ان مقتضى انحصار الموضوع في كلّ شرطيّة هو عدم حصول عدم التنجّس في الماء في ما إذا لم يكن كرّا وكذلك ما إذا لم يكن له مادة ولو كان جاريا وهو كماترى .

وقد يقال كما عن بعض الأساطين رحمه الله في خصوص ما إذا كان الجزاء يقبل التعدّد بعدم توجّه الاشكال حيث ان المطلوب هو صرف الوجود من الطبيعة لا لكونه مفهوما من القضيّة الشرطيّة . بل لكون انطباق الطبيعة عليه عقليّا فاذا علق وجوب سجدة السهو على نسيان التشهّد وكذلك على نسيان السلام أو السجدة الواحدة فلا منافاة بينها لعدم التعدّد في الطبيعة ولم يؤخذ لذلك الوحدة .

في الأمر وكان المطلوب هو الطبيعة فالطبيعة علقت على كلّ واحد من هذه الأسباب وبحصولها تنطبق على صرف الوجود ولا يجب شيء آخر لحصول لانطباق وبذلك يحصل الأجزاء .

لكنّه كما ترى ممّا لا يمكن الالتزام به من وجوب سجدة واحدة لمجموع أسبابها .

وقد يجمع بينها كما عن المحقّق الهمداني بعدم المفهوم لهما بل انما ورد(1)رواية الكر في مورد الغدير الذي يرد عليه الكلاب والبهائم وغير ذلك فأجاب بأن الماء اذا كان قدر كرّ لم ينجّسه شيء ليس بصدد بيان الانحصار كي يتعارض مع ما ورد في عاصميّة المادة وحينئذٍ فطريق الجمع بينهما ملاحظتهما في كلام واحد ولا معارضة هناك للجمع باو او الواو .

وفيه ما لا يخفى اذ لابد في رفع المعارضة ملاحظة كلّ بانفراده وما ذكر في

ص: 142


1- . مصباح الفقاهة 1/40 .

الوجه ليس على هذا بل جمع برفع المعارضة . ثمّ لوحظا مجتمعين أو أن يقال ان الماء إمّا أن يكون ذا مادة أو لا . فالأوّل عاصم لا ينفعل بالملاقاة والثاني فيه تفصيل فان كان حدّ كرّ فكذلك والا فينفعل .

وأنت خبير بأن هذا الكلام انكار المفهوم للقضيّة الشرطيّة . والكلام إنّما هو على فرض وجود المفهوم لها كما انه لا يستفاد هذا التفصيل بين ذي المادة والمحقون فحينئذٍ يشكل الأمر .

التنبيه الثالث: إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء فهل مقتضى القاعدة تعدّد أفراد الجزاء بتعدّد الشرط أم لا ؟

ومحلّ الكلام فيما يمكن تعدّد الجزاء فيه كسجدتي السهو دون مثل القتل الذي لا يقبل التعدّد .

ودون ما لا يقبل الاستناد إلى سبب دون سبب يترتب عليه العفو عن مقتضى سبب وابقاءً من ناحية اخرى كما في خيار العيب والمجلس والشرط فاذا كان الجزاء يقبل التعدّد والتكرر .

أمّا وجودا أو من ناحية الاستناد فمع قطع النظر عن الاخبار الواردة فيالمقامات المختلفة هل الجزاء يتكرّر بتكرّر الشرط .

وكما إذا حصل سبب الجنابة والحيض ومسّ الميّت وأمثالها وقلنا بأنّ المتفاهم من قوله ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل )(1) لا يستفاد منه بمقتضى الجمع بين الأدلّة انحصار وجوب الغسل بالالتقاء فيجب حينئذٍ لكلّ سبب غسل واحد مع قطع النظر عن الرواية الواردة في الاكتفاء بغسل الجمعة عن الغسل الذي

ص: 143


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 6/2 من أبواب الجنابة .

عليه سواءً نواه أم لا وربما عمل بها بعض الأصحاب وقيّدة بعض بما نوى الواجب من الأغسال التي وردت الرواية بالاجزاء عنها لا بنيّة كفاية هذا الغسل أم لا وكذلك الكلام في موجبات سجدة السهو .

وربما يقال بأنّ المطلوب حيث كان في كلّ شرط هو طبيعة الجزاء وهو يحصل بصرف الوجود فالصرف لا يقبل التعدّد فيكتفي بواحد على القاعدة ومعناه تداخل الأسباب لعدم معقوليّة التكرّر في الصرف فيكون السبب الثاني تأكيدا .

الا انه يمكن الجواب بكون الظاهر هو ايجاب الشرط لوجود الجزاء في كلّ سبب فاذا حصل له موجب سجدة السهو من كلام ونسيان تشهّد وسجدة فاللازم التكرّر بسبب تكرّر الموجب .

نعم إنّما يقتضي الصرف لكن بالنسبة إلى كلّ سبب لا إلى مطلق الأسباب . أمّا إذا تعدّد السبب الواحد كما إذا حصل الكلام في الصلوات المتعدّدة بأن تكلّم سهوا في الصبح والظهرين مثلاً فيكتفي بسجدة واحدة لذلك . يشكل الأمر في ذلك . وكيف يمكن القول بكفاية سجدة سهو واحدة لمجموع ما صدر منه من السهو في الكلام آخر عمره مثلاً .فمحلّ البحث ما إذا كان الجزاء يقبل التعدّد ولو بحسب الآثار التي تكون موردا لنظر الفقيه وتقبل الاستناد او العفو بالنسبة إلى بعض دون بعض أو الاسقاط كما إذا قتل أشخاصا متعدّدين عمدا فالقصاص وإن لم يمكن تحقّقه بالنسبة إلى الجميع لكنّه يقتل لواحد وبالنسبة إلى الباقين الدية أو العفو أو في مثل خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار العيب فانه وإن أمكن القول بكون مبدء زمان خيار الحيوان انقضاء زمان خيار المجلس لكن لا يمكن القول به في خيار العيب

ص: 144

وحينئذٍ فيمكن اسقاط خيار أو المصالحة عليه على شيء دون خيار آخر .

كما اذا وجب القتل للارتداد وكذلك للزنا حيث انه لا يقبل التعدّد ولا الاستناد إلى سبب دون سبب فلا اشكال في عدم الكلام فيه وخروجه عن مورد البحث ولو قلنا بكون القتل عقوبة خاصّة يبقى معه العذاب في الآخرة ( لعدم ارتباطه بالأبحاث الفقهيّة ) .

تنبيه: إذا كان الجزاء لا يقبل التكرّر حتّى بالنسبة إلى سبب دون سبب .

والحاصل: انّه اذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء وكان الجزاء لا يقبل التكرّر والتعدّد ولو بحسب المرتبة كما في مثل الخيار ان قلنا انه ملك فسخ العقد فهل يتعدّد الجزاء ويتكرّر بحسب تعدّد الشرط أم لا ؟

أمّا إذا لم يكن الجزاء قابلاً للتكرّر ولو بحسب المراتب والآثار فلا معنى لهذا النزاع وليس النزاع مخصوصا بالتكاليف الالزاميّة بل يعمّ غيرها أيضا كالمستحبّات كما انه وان عنون هذا البحث في باب الشرط والجزاء لكن يمكن تحريره على وجه يشمل مثل ما اذا لم يكن بصورة القضيّة الشرطيّة كما إذا قال ( اغتسال الجنب في البئر يوجب نزح دلاء سبع مثلاً ) .

فهل يتعدّد الجزاء أو يتعدّد الحكم بالنسبة إلى ذلك سواء كان اغتسالهم أيعدّة جنب في البئر مرّة واحدة أو على التعاقب فلكلّ ينزح سبع دلاء أو يتداخل الأسباب على ما سنشرحه .

ولا يخفى ان الكلام في ذلك على ما هو مقتضى القاعدة الأوّليّة مع قطع النظر عن القرائن الخاصّة في الموارد المخصوصة .

ثمّ انّ القول بعدم التكرار وان المجموع يوجب جزاءً واحدا بحيث يستند الجزاء في صورة الاجتماع إلى الجميع لا إلى الجامع بينها هو معنى التداخل في

إذا لم يكن الجزاء قابلاً للتكرار

ص: 145

الأسباب اذ ليس المراد به هو دخول أسباب الوضوء ونواقضه كالبول والغائط أو المني في الآخر كما انه ليس المراد بذلك دخول الأبوال المتعدّدة في أنفسها ولا ان المراد أن يكون الأثر مستندا إلى الجامع أو أن يكون مستندا إلى الأوّل من الأسباب دون الباقي لخروج ذلك كلّه عن مورد تداخل الأسباب خصوصا على الأخير حيث ان الأوّل هو السبب دون اللواحق . فالمراد حينئذٍ انه إذا كان السبب واحدا فالأثر يستند إليه بشرط عدم انضمام سبب آخر ولحوقه . وإن كان متعدّدا فالجميع موجب لترتّب الجزاء الواحد . فالمراد بالتداخل في الأسباب هو هذا والقائل بعدمه يمكنه أن يقول بايجاب كلّ سبب جزاءً واحدا .

ثمّ انه هل يمكن تحقّق الامتثال لتكاليف متعدّدة في مجمع العناوين المتعلّق بها الأحكام كما إذا أوجب اكرام عالم وأوجب اكرام هاشمي وكذلك أوجب اكرام فقير فأكرم رجلاً عالما هاشميّا فقيرا أو لا يكفي ؟ بل لابدّ من استقلال كلّ عنوان في الامتثال كما انه يوجب مثلاً لكلّ حدث في باب الوضوء وضوءا واحدا .

ثمّ المراد بتداخل المسبّبات هو انه بعد الفراغ عن اقتضاء كلّ تكليف وشرط جزاءً واحدا هل يكتفي في مقام الامتثال بفرد واحد كما في الأغسال المتعدّدة الموجبة لها أسبابها أم لا ؟فالقائل بالاكتفاء يذهب إلى التداخل فيها والقائل بعدمه لا يقول به .

إذا عرفت هذا فلنقدم مقدّمة قبل الشروع في ذكر أدلّة الطرفين في حكم مورد الشك . وهو انّه تارة يكون بالنظر إلى التداخل في الأسباب فاذا شككنا في ذلك ولم نعلم اقتضاء كلّ سبب جزاءً واحدا وانه هل يجب لكلّ بول وضوء واحد إذا تعدّد البول منه مرارا عديدة أو انه تعدّد منه أسباب الوضوء كما إذا بال وتغوّط وهكذا يجب لكلّ فرد من جنس واحد أو متعدّد جزاءً واحد أم لا ؟ فالشكّ يرجع

ص: 146

إلى الشكّ في التكليف الزائد عمّا علم اشتغال الذمّة بموجبه أوّلا . فيجري البرائة لكنه لا ربط له بمسئلة التداخل في الأسباب إذ على التداخل أيضا تكون النتيجة عدم التكرّر لكن بنحو آخر لا يؤثّر في الجزاء .

واخرى يكون الشكّ في مقام تداخل المسبّبات بعد الفراغ عن ايجاب كلّ سبب جزاءً واحدا كما إذا شككنا في انه هل الرواية الواردة في اجتماع الحقوق ( اللفظ أجزاك عمل واحد ) كي يجري في غير مورد الأغسال أيضا أم لا بل ( اجزءك غسل واحد ) كي يختصّ بالأغسال فحيث انه يكون المقام مقام الامتثال فمع الاقتصار على الواحد يكون الشك في الخروج عن عهدة الاشتغال بالتكليف فلابدّ من الاتيان حسب تعدّد الجزاء خارجا خروجا عن عهدة التكليف مثلاً والاشتغال به .

وينبغي تقديم نكتة . هي كالاشكال على القائلين بالتكرّر وهو انه أيّ فرق بين قول المولى صم يوما ثمّ قال في خطاب آخر صم يوما أو صم يوم الخميس ثمّ في خطاب آخر صم يوم الخميس . حيث انّهم اتّفقوا على عدم افادته التكرار . بل حملوا الخطاب الثاني على التأكيد للخطاب الأوّل دون التأسيس كي يجب صوم يومين أو خميسين . وبين ما نحن فيه من القضيّة الشرطيّة حيث قالوا فيهبتعدّد الجزاء لتعدّد الشرط . ولو قالوا الفرق هو ظهور اللفظ في الشرطيّة في العلّيّة والسببيّة لكلّ وجود شرط لجزاء مستقل على نحو الانحلال بخلاف قولنا صم فليس كذلك .

لكن يمكن الاشكال فيه بعدم تماميّته خصوصا بعد عدم انفهام التأكيد بل ظهوره في التأسيس كما انه لا فرق بين قولنا صم يوما أو ان الوطي في موضع الدم

مقتضى القاعدة في تعدّد الشرط

ص: 147

في أوّل الحيض يجب فيه دينار فهل يتكرّر على تقدير التكرار لم لا يقولون في مثل صم يوما .

وإن سلّمنا الفرق بين صم يوما وبين ما نحن فيه من الشرطيّة كما انه ربما يمكن الاشكال في مثل قوله إن جائك زيد فاعط زيدا درهماً ثمّ قال إن جائك زيد فصم يوما وهكذا فهل يترتّب الجزاءات المتعدّدة على شرط واحد أم لا بل يلزم لكلّ جزاء شرط ؟

ملخّص الكلام: في انّ تكرّر الشرط سواء كان من جنس واحد أو أجناس مختلفة ( فيما يمكن تكرّر الجزاء وتعدّده ) هل يوجب ذلك حسب تعدّده أم لا . بل يؤثّر الجميع واحدا فاذا حصل هناك سبب واحد فلينظر . فاذا لم يلحقه آخر فالسبب هو وحده واذ لحقه يستند المعلول والمسبّب إلى المجموع من حيث المجموع لا إلى الجامع بينها ولا إلى السبب المتقدّم في الوجود وهو معنى التداخل في الأسباب .

وقد عرفت انّ مع عدم الظفر على دليل اجتهادي على التداخل وعدمه وعدم قيام دليل عليه يرجع إلى الأصل العملي . وهو في المورد البرائة كما تقدم ومع الفراغ عن عدم التداخل في الأسباب واقتضاء كلّ سبب وشرط جزاءً واحدا مستقلاً .يقع الكلام في المقام الثاني وهو التداخل في المسبّبات كما إذا كان عليه حقوق متعدّدة وحصل في حقّه أسباب الغسل من الجنابة والجمعة وغيرهما فهل يجتزي بواحد أم لا كما وردت الرواية ( بأنّه أجزأها عنك غسل واحد )(1) سواءً

ص: 148


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 43/1 من أبواب الجنابة .

قلنا باحتياج الوقوع عن المجموع إلى النيّة أو لا بل يقع قهرا كما ربما مال إليه في العروة(1) .

ولا يخفى انّ البحث عن تداخل الأسباب وعدمه وان كلّ سبب يقتضي جزاءً واحدا إنّما هو بعد الفراغ عن عدم الاشكال في ورود الشرطين لجزاء واحد وعدم وصول النوبة إلى العلم الإجمالي بورود التقييد على اطلاق الواو أو او في القضيتين واقتضاء ذلك عدم ترتب الجزاء إلاّ بعد حصول كلا الشرطين دون أحدهما فقط .

وإن الحق في مثل ما إذا ورد « إذا قُمتُم إلى الصلاةِ فاغسِلُوا وُجوهَكُمْ »(2) الخ وكذا ورد وجوب الوضوء(3) في ما خرج عن السبيلين . فالجمع العرفي بينهما هو تقييد اطلاق أو دون الواو لعدم انطباق تقييد اطلاق الواو في أذهانهم .

وحينئذٍ فيكون السبب متعدّدا لا أنّهما معا سبب واحد ويبقى مورد للبحث عن تعدّد الجزاء بتعدّد السبب .

وأمّا إذا قلنا بتقييد اطلاق الواو فلا مورد لهذا النزاع أصلاً لعدم الصغرى لتعدّد السبب والشرط ( لكن لا يخفى إذا كانت من أجناس متعدّدة دون الجنسالواحد كما إذا بال ثمّ بال وهكذا ) فضلاً عن التداخل في المسبّبات .

ثمّ انّه نسب القول بالتداخل في الأسباب الذي هو المقام الأوّل إلى فخر المحقّقين وإن قال به غيره . واستدلّ على ذلك بكون هذه الأسباب من قبيل الحكمة لجعل التشريع وكما انه ربما يحصل في مورد الحكم ملاك واحد وربما

نسب القول بالتداخل إلى الفخر

ص: 149


1- . العروة الوثقى: فصل مستحبات غسل الجنابة مسئلة 15 .
2- . سورة المائدة الآية 7 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 2 / 1 الى 5 من أبواب نواقض الوضوء واللفظ من طرفيك أو طرفيك الأسفلين .

يتعدّد كذلك في مورد البحث تكون الأسباب المتعدّدة من هذا القبيل فقد يكون سبب واحد وقد يتعدّد الأسباب لكن لا يتعدّد المسبّب لذلك لعدم كونها موضوعات بل إنّما هي حكم وملاكات كما في مثل غسل الجمعة حيث ورد(1) انه لرفع ارياح الآباط أو تشريع العدة لحكمة عدم اختلاط الأنساب لكنّك خبير بعدم انضباط هذا الكلام كما ان الملاكات لا تنحصر في ما ذكر لنا أو عثرنا عليها .

لان ذلك إنّما حسب ما وسعه عقولنا والا فلا يدري ملاكاتها الا علاّم الغيوب .

وما جمعه الصدوق قدس سره في علله لا يزيد على ما بيّنوه علیهم السلام حسب توسعة العقول البشريّة وإلاّ فلا اشكال في عدم اطراد المذكور وانعكاسه كما في رفع ارياح الآباط . فيقال باستحباب غسل الجمعة حتّى لمن لا رياح له ونظّف يوم الخميس مثلاً بل إنّما هي اُمور تعبّديّة .

وما أحسن ما قال في القوانين في الفرق بين التعبّدي والتوصّلي بقوله: ( إذ لا يعلم انحصار الملاك فيه ) .

وزاد غير الفخر على هذا الدليل بظهور الجزاء في صرف الوجود ولا اشكال في عدم امكان التكرّر في صرف الوجود فالتداخل في ناحية الأسباب إنّما هو على وفق القاعدة لكون المطلوب في مثل ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الآية )وكذا في مثال النوم ممّا وجب لأجله الوضوء هو صرف الوجود فلا معنى للتكرّر

وهو كماترى مغالطة واضحة .

توضيح وتكميل: قد عرفت ان القائلين بالتداخل وعدم تكرّر المسبّب

ص: 150


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 6/15 من أبواب الأغسال المسنونة .

بتكرّر السبب استدلّوا بوجهين:

أحدهما ما ذكرنا عن الفخر من كون النزاع مبتنيا على كون الأسباب الشرعيّة مؤثّرات وملاكات وجعلها من قبيل الملاكات فلذا لا معنى لتكرّر المسبب بتكرر السبب بل يكون لكلّ دلالة على وجود المسبب والحكم . اما تكرّره فلا وبعبارة اخرى لا يكون الشرط في القضيّة الشرطيّة علّة للمجعول أي الحكم بل إنّما هو علّة للجعل الذي هو الملاك . فاذا كانت الأسباب علّة للجعل فلا معنى لتكرّر المسبب بتكرّر السبب والشرط بخلاف ما إذا كانت علّة للمجعول فيتكرّر بكلّ علّة وجود المسبب والمجعول ويترتّب عليه وسنشير إلى ضعفه .

الوجه الثاني: حكم العقل بعدم قابليّة صرف الوجود المطلوب في الأمر المجعول جزاءً في القضايا الشرطيّة الواردة عن الشارع للتكرّر حيث ان المادة في مثل اذا بلت فتوضّأ لم توضع الا لخصوص الطبيعة والهيئة لا دلالة لها الا على طلب الطبيعة ولا دلالة لأحدهما على التكرّر ولا على المرّة كما لا دلالة لهما على الفور والتراخي وغيرهما .

فحينئذٍ كما لا يمكن في ما يكون الجزاء غير قابل للتكرّر القول بتكرّره كذلك في ما نحن فيه مما لا مانع من تكرّره خارجا . لدلالة العقل على ذلك لعدم امكان التكرّر في الصرف . وهذا الدليل يمكن أن يقرّر بوجه آخر وهو راجع إلى دلالة اللفظ . وتحريره ان الذي علّق على الشرط ليس هو الطبيعة ومتعلّق الحكم بل إنّما هي طبيعة الحكم وهو الوجوب في مثل ما ذكرنا والوجوب أمر واحد لايمكن فيه التكرّر لاستلزام اجتماع المثلين وهو كاجتماع الضدّين محال . بل لو كان ذلك لكان مؤكّدا وإنّما يؤثّر في أهميّة الحكم وتأكّده وإلاّ فلا يقبل الوجوب

الاستدلال على التداخل

ص: 151

وهو الحكم التعدّد كي يقال بتعدّد المسبب والجزاء .

والجواب إمّا عن الوجه الأوّل من نحوي هذا الاستدلال هو ان حكم العقل وإن كان مقتضاه عدم قابليّة التكرّر كما في ما لا يمكن فيه بحسب ذاته لكن لا يبقى مع حكم العرف بتكرّر الجزاء بتكرّر الشرط موضوع لحكم العقل لكونه بيانا فهو كالورود أو الحكومة بالنسبة إلى حكم العقل . اذ قد عرفت عدم امكان المساعدة على ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره في مورد تعدّد الشرط بل يدور الأمر بين أحد التقييدين اما الواو أو او بل قد ذكرنا ان تقييد اطلاق الواو لا ينساق إلى الأذهان العرفية فلابدّ من تقييد الانحصار والقول بترتب الجزاء على كلّ واحد من الشرطين وحينئذٍ فهذا البيان والفهم العرفي قرينة على ترتب الجزاء على كلّ الشرطين مع حفظ الاستقلال في مؤثريّة كلّ منهما وحفظ ظهورهما في كون كلّ تمام الموضوع .

وأمّا الجواب عن التقرير الثاني فاستراح المحقّق النائيني

قدس سره عنه بعدم تصويره المعنى الحرفي حيث ذهب إلى كونه غير قابل للتصوّر بل المتصوّر إنّما هي المعاني الاسميّة والمعنى الحرفي ايجادي لا كالانشائيّات . وهو بالنسبة إلى المعنى الاسمي كالعرض بالنسبة إلى المحل مع الفرق في امكان تعقل العرض دون المعاني الحرفيّة فهي لا تقبل التصور ومعه لا يمكن لحاظها كي تتقيد بالشرط ونحوه فلا يمكن كونها معلّقة على الشروط في القضايا الشرطيّة وليس الوجه في ذلك جزئيّتها والمعنى الجزئي لا يقبل التقييد بل النزاع في كليتها وجزئيتها هو النزاع المعروف في الكلي الطبيعي من وجوده في الخارج استقلالاً أو في ضمن الفرد وان التشخص يتعلّق بالطبيعة ثم توجد أو بالعكس . أو ليس الموجود في

ص: 152

الخارج الا الأفراد والكلي أمر انتزاعي . وجعل المعلّق على الشرط ما عرفته سابقا من نحو الاكرام الواجب أو وجوب الاكرام وهو قابل للتعدّد ومختلف بحسب الموارد وليس أمرا واحدا . ففي القضايا الشرطيّة التي هي مورد البحث يكون المعلّق وجوب الوضوء أو الوضوء الواجب وهو المتعلّق الخارجي ويقبل التكرار حسب ما عرفت في جواب أوّل الوجهين .

لكنك عرفت قريبا عدم مساعدتنا له في مختاره في المعاني الحرفيّة وقلنا ان مفاد الهيئة في صيغة الأمر هو الطلب في تمام الموارد . غاية الأمر تختلف الدواعي للطلب فاذا كان هو الجد ينتزع منه الوجوب ومعناه تبع لمعنى الاسم ونسبته إليه نسبة العرض إلى محلّه فليس هذا الجواب بمرضى عندنا .

لكن الجواب هو تسلم انحلال الأحكام حسب انحلال موضوعاتها الخارجيّة في مورد الجنس الواحد أو الأجناس المختلفة فكما ان قوله لا تشرب الخمر ينحلّ إلى تكاليف متعدّدة حسب التعدد وانحلال الأفراد الخارجيّة من الخمر ولذا إذا شككنا في الموضوع الخارجي انه خمر أو لا تجري البرائة لرجوعه إلى الشكّ في التكليف باتّفاق الاصوليّين والاخباريّين وكما انه كلّما وجد هناك بالغ عاقل توجبون عليه الصلاة أو تقولون بوجوب الحج عليه اذا استطاع ولا تكتفون أن يحج واحد أو يصلي بصلاته وحجّه عن الباقين بل تقولون بالانحلال كذلك الأمر والمناط في مورد الاسباب والشروط لابد من الانحلال لتعدّد الموضوع حيث ان الموضوع للحكم أمران حسب ما استفيد من القضيتين الشرطيتين فيترتب على كلّ منهما الجزاء بلا ارتباط واكتفاء له وعنه بالاخر بلا فرق في ذلك بين وحدة الجنس والتكرر أو اختلاف الجنس والسبب والشرطلاتّحاد المناط في الجميع بالانحلال فما ذكرتم واعتمدتم عليه فيه ما ذكرنا .

انحلال الأحكام حسب انحلال موضوعاتها

ص: 153

مضافا إلى عدم اقتضاء هذا الكلام للتداخل في جميع الأقسام . بل يمكن على فرض التسليم سلامته في مثل اتّحاد الجنس . ومع ذلك ففيه ما عرفت على انه كما لا يمكن القول بالتعدّد والتكرّر لا مرجح للتداخل بل لا يمكنكم اثبات مدعاكم أيضا .

وأمّا ابتناء التداخل على القول بكون الأسباب الشرعيّة ملاكات أو مؤثرات فالقائل به لابدّ أن ينكر دلالة القضيّة الشرطيّة على العلاقة اللزوميّة . بل يقول هو

مجرّد الاتّفاق في الوجود وإلاّ فلا يتم كلامه وسيجيء مزيد توضيح إن شاء اللّه .

بيان آخر: قد عرفت ان مثل الفخر

قدس سره بنى مسئلة التداخل في الأسباب الشرطيّة وعدمه على كونها معرفة لا مؤثرة . بمعنى كونها من قبيل الملاكات لا الموضوعات حيث ان الملاك ليس علة للمجعول بل هو علّة للجعل فلا يلزم اطراده وانعكاسه بخلاف الموضوع وهو علّة المجعول فحينئذٍ لا يتداخل الأسباب بل يكون كلّ سبب وحده مؤثّرا كما ان الأسباب الآخر أيضا كذلك يتعدّد المسبّب بتعدّدها . وهذا كما في مسئلة كون الحكم منصوص العلّة لامستنبطها الذي يصطلح عليه بتنقيح المناط حيث انه لو كان من باب تنقيح المناط فلا يلزم التعدّي من مورده بخلاف منصوص العلّة . لجعل الحكم على ما هو الموضوع فيتعدى منه إلى غيره . مثال ذلك ما ورد في بعض الأخبار المعتبرة الواردة في الاستنجاء عن الغائط تعليلاً لعدم نجاسة مائه وتعدى عنه إلى ماء غسل البول لعدم انفكاكهما غالبا فالظاهر ارادتهما معا بقوله علیه السلام (1): ( أتدري لم صار لا بأس ؟ قال: قلت: ( لاواللّه ) فقال علیه السلام لأنّ الماء ( ان الماء ) أكثر من القذر فانه لو قلنا بكون لأنّ في حكم

التعدّي عن المورد لو كان هناك كبرى

ص: 154


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 13/2 من أبواب الماء المضاف والمستعمل .

فانّ يفيد كبرى كليّة باعثا للتعدّي في كلّ مورد تنطبق هذه الكبرى عليه ولم نقل كما عن بعضهم من كون لان راجعا إلى المفرد ويكون مثل اكرم زيدا لعلمه فيما اذا قال أكرم زيدا لأنّه عالم فلا يفيد المناط والكليّة بل قلنا لا فرق بينهما في افادة الكبرى فيتعارض حينئذٍ هذا الحكم مع ما تقدّم في بعض المباحث القريبة من اختصاص انفعال الماء القليل بما اذا لم يكن متّصلاً بالمادّة حسب الجمع بين الاخبار .

إذ ماء الاستنجاء كالمورد فلا بأس بالتعدّي عنه إلى كلّ مورد يكون الماء أكثر من النجاسة ولو لم يكن كرا . وإذا تعارضا فنأخذ بعموم قوله علیه السلام خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شيء الخ(1) فينحصر نجاسة الماء بصورة التغير بالنجس .

الا ان الجواب عنه انه ليس علّة للمجعول . بل إنّما ذكر لبيان حكمه الجعل وملاكه وليس موضوعا يتعدى عنه إلى غيره .

والحاصل ان المحقّق النائيني أجاب عن ابتناء المسئلة على مؤثريّة الأسباب أو معرفيتها بعدم صحّة تعلّق الجعل بالأسباب حيث تكرّر منّا القول بعدم كون السببيّة قابلة للجعل وليس إلاّ الموضوع والحكم وتسمية الموضوع سببا ليس بصحيح حتى مجازيّا .

نعم يمكن اطلاق المؤثريّة على موضوعات الأحكام بمعنى انها كالعلّة بالنسبة إلى أحكامها في عدم امكان تخلف أحكامها عنها وإلاّ فليست هي مؤثّرة أثرا وباب التأثير والتأثّر لا معنى له في الأحكام الشرعيّة .ولا يكون حكم الشارع وجعله في كلّ مورد عبثا وجزافا ولابدّ له من

مناقشة أدلّة التداخل

ص: 155


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/9 من أبواب الماء المطلق .

مصلحة اقتضت الجعل على طبقها لعدم نقض ( الحكمة ) حيث انها تقتضى اعطاء كلّ شيء ما يقبله ويتحمله حتى الكافر والشيطان فيخلقهما اللّه تعالى لما فيه من المصالح التي لا يحصيها إلاّ هو وحينئذٍ فلا معنى لهذا النزاع بل التحقيق كما قد مرّ سابقا ان باب موضوعات الأحكام التي لم تبين بنحو القضيّة الشرطيّة أيضا راجعة إليها . غاية الأمر ان شروطها ضمنيّة كما ان كلّ شرط يرجع إلى الموضوع وكلّ موضوع إلى الشرط والقول بكون وجوب الحج على زيد مثلاً للاستطاعة وتحقّق الملاك بل إنّما يجب على المستطيع فالاستطاعة تكون دخيلة في تحقّق الموضوع لا في تحقّق الخطاب .

فكما لا يمكننا القول في موضوعات الأحكام بعدم ترتب الحكم على كلّ موضوع . بل لابدّ من انحلال الأحكام حسب انحلال الموضوعات كذلك في القضايا الشرطيّة بلا فرق بينهما لما عرفت ولذلك قلنا انه اتّفق الأصحاب على اجراء البرائة في الشبهات الموضوعيّة ولو لا هذا الانحلال لما كان لذلك وجه .

نعم إلاّ أن يفرق بين ما لم يرد بلسان الشرطيّة فيقال بالانحلال . وما ورد به فلا انحلال فالنزاع انّما هو صغروي وان مفاد القضايا الشرطيّة ليس راجعا إلى الموضوع . وهذا أيضا فاسد كما ذكرنا فحينئذٍ لا وجه للتوقّف في تكرّر المسبّب بتكرّر السبب والشرط .

فظهر بما ذكرنا ان أدلّتهم مدخولة وانها ترجع إلى ثلاثة امور:

أحدها: مسئلة كون الأسباب الشرعيّة معرفة أو مؤثرة وقد عرفت ما فيه مفصّلاً .

والثاني والثالث: استحالة تعدّد صرف الوجود وتكرره واستحالة اجتماع

ص: 156

الحكمين المثلين على الوجوب الذي علق على الشرط في القضايا الشرطيّة وهناك رابع وهو كون مفاد الهيئة هي المرة فلا يقبل التعدّد وقد عرفت ما في كلّ ذلك مفصّلاً فلا وجه للاعادة . كما عرفت ان محلّ الكلام في هذا النزاع انما هو ما يقبل التكرّر من أنحاء الجزاء ولو بالاستناد إلى سبب دون سبب . والا ففي مثل القتل حدا للارتداد والزنا وغير ذلك من الحدود الالهيّة فلا يقبل التكرّر ولو بالاستناد إلى السبب فلا يفيد تكرّر السبب فيه إلاّ التأكّد . اما فيما اذا يقبل التكرر من ناحية الاستناد كما اذا قتل أشخاصا متعدّدين فيمكن لورثة بعض المقتولين العفو أو الصلح بالدية دون الاخر فالقصاص . فهنا يتكرّر بهذا الحيث ويمكن كون الوضوء وعدم تكرره بتكرر الشرط من قبيل ما لا يقبل التعدد اصلاً اذا قلنا ان الموجب ليس الا حصول حالة ظلمانية نفسانية عقيب الحدث الأصغر ترتفع بالوضوء كما انّها تحصل بأي نوع من الحدث . فحينئذٍ لا معنى للتكرر لرجوعه إلى تحصيل الحاصل كما ان الأحداث اللاحقة لا يمكن كونها مؤثرة في شيء ( ولذلك لا معنى لمعارضة أصل عدم البول لأصل عدم الجناية في ما اذا شك في مورد انه بول أو مني في بعض صور الاشتباه لعدم أثر للبول مع الجناية فعدم الجناية مقدم لترتب الأثر على البول والا فلا اثر للبول مع الجناية والشيء لا يمكن أن يعارض ما هو مقوّمه ) كما انه يمكن كون الوضوء وهو الطهارة ممّا لا يقبل التكرّر ولو بحسب المراتب . فحينئذٍ اذا توضّأ وضوءا واحدا فقد ارتفع الحدث ولا يقبل التكرر والترتب لكن في الوضوء ربما لا يخلو عن اشكال . كما ان التيمم يمكن كونه مؤثّرا في مرتبة من رفع حدث الجنابة ولذا يجوز معه الدخول في الصلاة . الا انه يشكل ان اللازم على هذا عدم وجوب تمام الغسل بل الباقي من مراتب

مقتضى الأصل اللفظي

ص: 157

الطهارة .

لكنه يندفع بتصوير الطهارة الموقتة كما في الملكية الموقتة المتصورة في مثل الوقف الخاص وكل طبقة انما تتلقى الملك في زمن حياته مثلاً من الواقف وبعدهم يرجع إلى الطبقة اللاحقة فكذا في ما نحن فيه .

وعلى كلّ حال فلا وجه للاباحة المحضة لكون التيمّم يؤثر ولو في مرتبة ولذا يجوز معه الدخول في الصلاة .

امّا مسئلة تداخل الأغسال فهي راجعة إلى تداخل المسببات وهي أيضا على خلاف الأصل والقاعدة لاقتضاء كلّ سبب مسببا فالواجب هي أغسال متعدّدة بتعدّد أسبابها كالجنابة والحيض والنفاس ومسّ الميّت والجمعة . نعم إنّما وردت الرواية بالاجتزاء بعمل واحد لقوله علیه السلام ( فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد )(1) على تفاصيل في ذلك من حيث احتياج الوقوع عن المجموع بنيّة الجميع أو بنيّة الجنابة إن كانت فيها أو لا يحتاج .

نتيجة الأبحاث: قد عرفت ان الأصل اللفظي في الأسباب حسب ما تقدّم عدم التداخل كما ان مقتضى القاعدة عدم التداخل في المسببات وعدم الاكتفاء بأقل من العدد الواجب عنه الا أن يقوم دليل خاص في المقامات الخاصّة على التداخل والكفاية .

فمنها: ما أشرنا إليه من مسئلة تداخل الأغسال حسب ما ورد في بعض الروايات من كفاية غسل واحد للجنابة والجمعة بقوله علیه السلام ( إذا اغتسلت بعد طلوع

ص: 158


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 43/1 - 2 من أبواب الجنابة .

الفجر أجزئك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة الخ )(1) وكذا ما ورد منقوله

علیه السلام ( اذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزء عنه ذلك الغسل عن كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم )(2) واستفادوا من الاولى لزوم اللحاظ والنيّة لهما ( الجمعة والجنابة ) الا ان الظاهر عدم الاحتياج إلى ذلك كما يدلّ عليه الثانية لاطلاقها في كفاية الغسل الذي يغتسله بعد طلوع الفجر عن كلّ غسل واجب أو مستحب ولو لم ينوه أو لم يعلم به ولم يكن ملتفتا إليه وأفتى بذلك جمع من الأصحاب .

وورد في بعض الروايات(3) عدم لزوم قضاء صيام شهر رمضان بالنسبة إلى الأيّام التي صامها بعد اغتساله للجمعة فيما اذا كان جنبا ولم يكن يدري به . وحينئذٍ فالجناية بتعمّدها أو بوجودها الواقعي ربما تكون من المفطرات في باب الصوم والتفصيل في محله .

وكيف كان فقد قال بذلك بعض الأصحاب مطلقا حتى لو لم ينو الجميع أو لم ينو الجنابة ولو كان الغسل الذي نواه مستحبا جمعة أو غيره . وعلى كلّ حال فلا اشكال في ذلك في الجملة . انما الاشكال في المسئلة الاصوليّة وانه هل تكون من باب تداخل الأسباب كأسباب الوضوء وليس من باب تداخل المسببات . بل اللازم هو غسل واحد والمؤثر انما هو السبب الأول . أو ان الاجزاء هنا اشارة إلى الاكتفاء بهذا الواحد عن المتعدد ويكون عفوا كما في مورد قاعدة الفراغ حيث يكون ترخيصا وقناعة في مقام الامتثال ولكنه لا يجامع الطلب في صورة انكشاف الخلاف .

الكلام في المسئلة الاُصوليّة

ص: 159


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 43/1 - 2 من أبواب الجنابة .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 43/1 - 2 من أبواب الجنابة .
3- . وسائل الشيعة 10 الباب 30/2 من أبواب يصحّ منه الصوم .

نعم يمكن كونه بدلاً ظاهريّا ماداميا في صورة بقاء الشكّ ودائميّا فيصورة عدم انكشاف الخلاف أصلاً كما في مثل التيمّم من كونه بدلاً مادام التعذّر لكنه يشكل بعدم كون المقام من قبيل مورد القاعدة لعدم تحقّق الشكّ هنا . بل المقام لليقين . فالظاهر من الاجزاء كونه أقل الواجب أو يحصل به الواجب كما في مثل التسبيحات حيث قال ( أمّا ما يجزيك من الركوع تقول فثلاث تسبيحات تقول سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه ثلاثاً )(1) وكما في مثل ما ورد في الاخيرتين حيث قال في جواب سؤاله بقوله ( ما يجزي من القول في الاخيرتين )(2) ان تقول ( سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر ) وكما في مورد الاقامة وإن كان الاجزاء بمعنى ما يجتزي به عن الوظيفة الاستحبابيّة للاذان .

والحاصل انه لا يكون من باب تداخل المسببات كما انه يمكن كونه من باب تداخل الأسباب . وان كان لتداخل المسببات وجه حيث ان الآثار المختلفة للأغسال المتعددة التي تترتب على كلّ منها حال الانفراد تترتب على هذا الغسل فيشبه تداخل المسببات . لكنه كيف يمكن كون وجود واحد وجودات متعددة أو أغسالاً كذلك مع ان الواجب متعدد بتعدد أسبابه مع انهم يقولون بجواز الاتيان بكل غسل على حدة واتيانها متعددة فيشكل الحكم بتداخل الأسباب اذ على التداخل لا غسل هنا ولا شيء في ذمته كي يكون جائز الاتيان بعد اول غسل أتى به حيث انه على التداخل في باب الأسباب يكون الواجب به هو صرف وجود

ص: 160


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 5/3 من أبواب الركوع .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 42/5 من أبواب القرائة في الصلاة .

الحدث والحالة الظلمانية التي يعبر به عنها . فمعه كيف يتعدد الغسل ولو جوازا معان مع غسل الجنابة لا وضوء بخلاف باقي الأغسال . وإن كانت الرواية(1) وردت بأن أيّ وضوء أنقى من الغسل لكنهم لم يعملوا بها وكون المقام من قبيل الواجب الكفائي الذي يسقط بفعل البعض ( فيه ) ان تصوير الواجب الكفائي أيضا غير خال عن الاشكال بأن يكون صرف وجود المكلف به واجبا على الجميع بحيث انهم لو أتوا به دفعة ينطبق على الجميع والا فعلى صرف الوجود كما ان كونه من قبيل العفو لا معنى له وعلى كلّ حال فالمسئلة غير صافية عن شوب الاشكال .

النتيجة: ان مقتضى الأصل اللفظي عدم تداخل الأسباب بل كلّ سبب يقتضي مسببا غير ما اقتضاه الآخر كما انه لا أصل لفظي في مسئلة عدم تداخل المسببات .

نعم مقتضى الأصل العملي عدم التداخل على ما عرفت الا ان يقوم دليل على ما ينتج نتيجة التداخل كما ورد في باب الأغسال على ما سبق ويمكن كون الاجزاء في ذلك راجعا إلى ان حصول البعض مسقط عن الباقي من جهة حصول الغرض واستيفاء الملاك . ولا تداخل في الأسباب بل كلّ سبب يقتضي مسببا خاصّا به غاية الأمر عند الاجتماع يكتفي بالواحد عن الجميع .

والحاصل انه على هذا الاستظهار فظاهر الرواية ان حصول الغسل مجزئ عن كلّ حق في ذمّة المكلّف سواء نواه أم لا وسواء نوى الجنابة بينها أم لا وسواء كانت واجبة كلّها أو مستحبّة أو مختلفة . بل الظاهر هو انه يكتفي بأصل اتيان الغسل ولو بلا نية اضافته إلى سبب مخصوص كالجنابة والمس فيقصد العنوان

تداخل الأسباب في بعض الموارد

ص: 161


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 33/1 - 4 من أبواب الجنابة واللفظ اطهر من الغسل .

الكلي ويكتفي به . لكنه يشكل اولاً برجوعه إلى اتّحاد حقيقة الأغسال مع ان منالواضح اختلاف آثارها المترتبة على كلّ واحد منها كاجزاء غسل الجنابة عن الوضوء بخلاف الباقي وثانيا . ان الآثار المترتبة على الغسل كما في الجمعة من النورانيّة المعنويّة مضافا إلى رفع ارياح الاباط الذي لا يحتاج إلى القصد بل يحصل بمجرد الغسل ولو بدون قصد وساير ما يترتب عليه من كونه طهورا من الجمعة إلى اخرى لا معنى لترتبها على مجرد غسل البدن في الماء كما في ازالة الأخباث بل لابدّ أن يقصد ان يقع هذا العمل غسلاً فالتميز انما هو بالقصد وحينئذٍ فاللازم قصد احديها بالخصوص كي يتعين غسلاً والا فلا يكون غسلاً بلا نيّة كي يكون مجزيا وكافيا ومسقطا عن الباقي على ما هو ظاهر لفظة الاجزاء . وينبغي أن تكون هي الجنابة لكنه يمكن الاشكال في ذلك وفي لزوم تعيين غسل مخصوص منها وكذلك فيما قالوا ان قصد وقوعه كذلك أى مسقطا أو لحاظ ذلك في نيّته عند الغسل .

وكيف كان فلا اشكال في أصل الاجتزاء بالعمل الواحد في الجملة والمسئلة راجعة إلى الفقه والقدر اللازم الراجع إلى الاصول ما ذكرنا . فيمكن بالنظر إلى الدليل الخاص الذهاب إلى تداخل المسببات وفي الحقيقة ليس هناك تداخل بل اسقاط البعض عن الباقي كما قلنا في الوضوء من كون الصرف هو الناقض أو الواجب فاذا حصل فلا معنى للتكرار لعدم قبوله التكرر . فحينئذٍ اذا حصلت النواقض دفعة يكون الأثر مستندا إلى الجامع بينها والا فالى اول وجود منها ويمكن كفايه الوجود الواحد عن التكليف المتعدد أيضا اذا كان مجمعا بين عنوانين أو ازيد كما اذا أوجب اكرام العالم ثمّ أوجب اكرام الهاشمي فباكرام العالم الهاشمي

ص: 162

يمتثل التكليفان خصوصا في الانحلاليين واما في مثل النذر وأمثاله فراجع إلى قصد الناذر(1) . ثم انه ظهر ممّا ذكرنا ان القضية الشرطيّة لها مفهوم ومعناه رفع الحكم عن الموضوع في غير صورة حصول الشرط فاذا قال في الغنم اذا كانت سائمة الزكاة لا يستفاد منه بالمفهوم الا انتفاء وجوب الزكوة في الغنم المعلوفة لا في الابل أو غيره وذلك واضح . هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بالقضيّة الشرطيّة .

الكلام في مفهوم الوصف:

وهو تارة يكون معتمدا على الموصوف واخرى غير معتمد . اما الثاني فهو انما يكون عنوان الموضوع ويدور الحكم مداره وجودا وعدما . فاذا قال أكرم العالم فمعناه ان العالم موضوع لوجوب الاكرام وهذا العنوان يكون دخيلاً في تحقّق الحكم وترتبه وعلق عليه الحكم وهذا معنى ما يقال ان الأحكام انما رتبت على الأسماء لا المسمّيات . يراد به دوران الحكم مدار العنوان فاذا تبدل الموضوع بحيث زال عنه العنوان فلا يترتّب عليه الحكم كما في مثل انما الصدقات للفقراء الخ ونقول بكون العنوان مالكا وكل من اعطاه الزكوة ينطبق عليه العنوان ويصير مالكا .

كما في الكلب اذا صار ملحا أو المني صار حيوانا طاهرا وهكذا وهكذا وهذا الوصف بهذا المعنى يكون كاللقب فمعنى اكرم العالم كمعنى اكرم زيدا فكلّما

في مفهوم الوصف

ص: 163


1- . اختار المحقّق العراقي قدس سره وجعل الأقوى من الوجوه الثلاثة هو الأوسط بعد لزوم التصرّف في الجزاء بالحمل على التعدّد والوجوه الثلاثة التفصيل بين قبل الامتثال بالتداخل وبعده بالعدم ولزوم التصرّف في المتعلّق والحمل على وجود فوجود حسب تعدّد الشروط ولازمه عدم التداخل مطلقاً أو لزوم التعدّد في ناحية متعلّق المتعلّق والواجب في مثل ان جاء زيد يجب اكرام العالم وإن جاء عمرو يجب اكرام العالم اكرام العالمين. نهاية الأفكار 1 - 2/487.

نقول في القضيّة اللقبية من عدم المفهوم على ما سيجيء نقول به في هذا القسم من الوصف .

وأمّا القسم الأوّل وهو المعتمد على الموصوف . فقد يقال بدلالته على المفهوم لكونه احترازيّا ومعناه ان الموضوع المنحصر لترتّب الحكم عليه هو هذا الذي فيه الوصف وكما ان انتفاء الحكم عن غير الموضوع مسلم في القضيّة اللقبيّة كذلك في الوصف الذي لا يكون معتمدا على الموصوف ) ويمكن تقريب جميع ما ذكرنا في القضيّة الشرطيّة في أخذ المفهوم فيه حيث ان ذكر هذا الوصف لدخله في ترتب الحكم على الموضوع فلا يكون فاقد الوصف موضوعا للحكم ويكون منتفيا عنه فاذا رتب الحكم في قوله ( قلد المجتهد العادل ) فالحكم فيه بعينه هو الحكم في مثل أكرم زيدا اذا كان عالما . فالموضوع في كلتا حالتي وجود العلم والجهل وعدم العلم محفوظ رتب عليه الحكم في فرض وجود العلم وانتفى عنه في فرض عدمه . وكذلك قلد المجتهد العادل رتب الحكم على وجود المجتهد في فرض عدالته وانتفى عنه في فرض عدمها وهكذا . بل لا اشكال في ثبوت المفهوم في مثل الحدود التي تذكر في مقام التعريف أو في الكتب العلميّة وكذلك في الأقارير والوصايا والأوقاف وأمثالها وان كان لأجل خصوصيّات المقام فليس انتفاء المفهوم للوصف لو ثبت في الأصول يؤخذ به في الفقه مطلقاً بل لابدّ من ملاحظة قرائن الأحوال والأدلّة كما أشار إلى ذلك الوحيد البهبهاني قدس سره في بعض فوائده وقل مورد لا يكون للوصف مفهوم في لسان الأدلّة بل اعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم العثور فعلاً على مثال لما إذا رتب الحكم على الموضوع المتّصف بصفة وكذلك كان مترتّبا على فاقد هذا الوصف .

ص: 164

ثم انه لا يخفى ان المفهوم في الوصف لو كان فلابدّ في مثل ما اذا كان الوصف مشعرا بالعليّة من كونه علّة منحصرة وما ربما يستفاد من كلام المحقّق النائيني من عدم اعتبار الانحصار مجمل يفسره ما ذكرناه سابقا في القضيّةالشرطيّة من لزوم استفادة الانحصار في الموضوع للحكم المترتب عليه .

وأجاب المحقّق النائيني(1) في المقام عن هذا الاشكال بعدم رجوع التقييد إلى ناحية الحكم بل انما جيء بالوصف لبيان عدم ترتب هذا الحكم على مطلقه الذي لا يكون متّصفا بهذا الوصف ويكون حكمه حكم الموضوع حيث ان انتفاء وجوب الاكرام عن غير زيد عقلي من باب اناطة الحكم بزيد وجعله موضوعا وكذلك في ما اذا قيده أي الموصوف بوصف فهو لبيان تحديد موضوع الحكم وواضح ان انتفاء الحكم عن فاقد الوصف لا ربط له بمسئلة المفهوم . فان المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم عن غير هذا الموضوع بحيث اذا وجد ترتب الحكم على غيره يكون معارضة بين المنطوقين لا المفهوم والمنطوق كما تقدم اليه الاشارة . وهذا بخلاف الوصف المتّكي على الموصوف فانه انما يستفاد منه عدم موضوعيّة فاقده لهذا الحكم في هذه القضيّة . وأمّا انتفائه رأسا فلا ولذلك لو ورد في مورد ترتب الحكم على مطلقه دون المتصف بالوصف فلا يعارض دليل المقيد كما اذا قال في بيان كفارة حنث اليمين بأنّها اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فجعل لكلّ من هذه الثلاث عدلاً ولم يطلق الكلام . ومرجع هذا الكلام إلى كون المفهوم إنّما هو بالنسبة إلى جعل البدل وعدم انحصار الموضوع في هذا الموصوف المتّصف بالوصف لامكان جعل العدل له ولا ينافي ثبوت الحكم

ص: 165


1- . فوائد الأصول 1/501 - 502 .

للموصوف ولا يدلّ الوصف على انتفاء هذا الحكم عن غيره بالنسبة إلى عدم هذا الوصف . فلا يمكن نفي المفهوم حيث انه عقلي ضرورة عدم مناسبة دخل الايمان في الرقبة المؤمنة في مقام الكفّارة وكذلك عدم دخله بل يستحيل نيابة الكفر مقام هذاالوصف واما غير هذه الصفة من ساير الصفات الذي لا ينافي هذا الوصف فلا بأس بقيامه مقامه في كونه موضوعا للحكم وما ذكر في بعض المقامات من عدم المفهوم حتى بالنسبة إلى هذه الجهة فهو خلط بين المقامين وعدم الفرق بينهما .

بيان آخر: ذكر المحقّق النائيني(1) وغيره قدّس اللّه أسرارهم ان الوصف لا ينافي احترازيّته لعدم المفهوم حيث انه يكفي في ذلك انتفاء شخص هذا الحكم بانتفاء هذا الوصف لعدم تماميّة الموضوع . وذهبوا إلى ان القيد في ما اذا كان في القضيّة الشرطيّة وجعل الموضوع مركبا من أمرين أو امور فانه بانتفاء كلّ واحد من القيود ينتفي الحكم وكما في مثل ما اذا جعل زيدا موضوعا للاكرام فانه ينتفي الاكرام عن غيره عقلاً .

والحاصل ان المفهوم عبارة عن انحصار سنخ هذا الحكم بصورة وجود

الوصف في الموضوع ولا يقوم مقامه شيء آخر . فاذا كان كذلك بأن انحصر الحكم بخصوص مورد الوصف فيكون حينئذٍ للوصف مفهوم وهو انتفائه مع وجود الموضوع عن فاقده . والا فاذا لم يكن كذلك بل كان من قبيل انتفاء شخص هذا الحكم فلا يكون من المفهوم في شيء . فحينئذٍ نقول ان قولنا أكرم العالم العادل ليس في تعليق الحكم عليه الا مثل قولنا أكرم زيدا وكما ان ثبوت الاكرام لغير زيد وهو عمرو لا ينافي ثبوته لزيد فكذلك في مثل أكرم العالم العادل اذا جعل غير

ص: 166


1- . فوائد الأصول 1/503 .

العادل أيضا موضوعا للحكم وأوجب الاكرام له وقال أكرم العالم ( الصانع ) مثلاً اذ لا مفهوم للقضيّة الوصفيّة بل غايته السكوت عن غير مورد الوصف وهذا معنى ما يقال ان اثبات الشيء لا ينفي ما عداه . وعرفت ان انتفاء شخص هذا الحكم عنغير مورد موضوعه عقلي بلا فرق في ذلك بين القضايا التي ادّعى لها المفهوم أو لا حتى ان القضية اللقبية أيضا كذلك . فينتفي حكمها بانتفاء موضوعها فلا يمكن أكرم زيدا سواء كان زيد أو لم يكن وحيث لم يمكن التقييد فيمتنع الاطلاق وانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي .

ان قلت: هذا إنّما يتمّ على تقدير رجوع القيد إلى الموضوع فلم لا يرجع إلى الحكم ويكون كالقضيّة الشرطيّة التي قلتم بثبوت المفهوم لها .

قلنا: الفرق بين ما نحن فيه والقضيّة الشرطيّة في كمال الوضوح فان المنشأ هناك وهو معنى النسبة على قولنا والاكرام الواجب على مذهب المحقّق النائيني كان معلّقا على الشرط ومقتضى هذا اطلاق الواو ونفي العدل انحصار الموضوع بخصوص صورة وجود الشرط على الموضوع بخلاف ما نحن فيه فانه لم يعلق الحكم على الوصف بل لوحظ الموصوف ووصفه ثمّ رتّب عليه الحكم ولا تعليق ولا تقييد الا التعليق العقلي الذي يكون في كلّ مورد لعدم معقوليّة بقاء الحكم بلا موضوع . فالموضوع لوحظ مقيدا بالوصف ورتب عليه الحكم لا في رتبة الحكم كي يكون من قبيل القضيّة الشرطيّة . فقوله يجب اكرام العادل العالم أو أكرم العالم العادل لا يكون معناه إلاّ ما قلنا من كون ذلك هو تمام الموضوع . وبانتفاء قيد العدالة لا يكون الموضوع موجودا محققا بخلافه في القضيّة الشرطيّة . فان زيدا في الحالين زيد لكن في أحداهما انتفى شرط تعلّق الحكم به وهو المجيء وفي

ما إذا للموصف مفهوم

ص: 167

الحال الاخرى يكون محقّقا فلذا يكون واجبا وليس كذلك أكرم العادل العالم فانه مع انتفاء العلم لا موضوع فلا حكم لما ذكر من استحالة وجود الحكم بلا موضوع أو تخلفه عن الحكم ووجوده بلا موضوع . وقلنا ان الترتب بينهما هو الطبيعي وإنّما ينتزع عنوان الموضوعيّة للموضوع في ظرف ترتب الحكم عليه والمفروض انهلوحظ مقيدا .

نعم يمكن دعوى المفهوم في مثل قولنا الرقبة المؤمنة اعتق لامكان رجوع قيد الايمان إلى الحكم دون قولنا أكرم الرجل العالم لعدم ظهور القضيّة في ذلك بل في لحاظ الوصف جزءا للموضوع فلا وجه لقياس المقام بالقضيّة الشرطيّة .

والحاصل ان التعليق في رتبة الانتساب في القضيّة الشرطيّة أوجب تحقّق المفهوم مع اطلاق عدم الجزء للموضوع والعدل ولم يجعل الحكم اولاً كي ينسخه ثانيا وفي مورد الكلام جعل الحكم على الموضوع المقيد بهذا القيد والاناطة هنا عقلي وهناك شرعي فراجع .

ان قلت: لا محيص من القول بالمفهوم ولذلك يحمل المطلق على المقيد في المثبتين اما المتنافيين فلا شبهة في الحمل والجمع .

قلت: الحمل ليس لأجل المفهوم بل لأجل ظهور المقيد في التعيينيّة واطلاق المطلق في التخيير .

والمقيد باقوائيّة ظهوره يكون بيانا للمراد من المطلق .

ولكن هذا الجواب مع أصل حمل المطلق على المقيد انما يجريان في مثل ما اذا كان الحكم وجوبيا لا استحبابيا . والا فلنا ان نقول قوله اكرم العالم لا ينافي قوله اكرم العالم العادل على فرض عدم انفهام الوجوب منه بل انما ذكر لبيان

ص: 168

الفضل كما انه لابدّ مع ذلك كون التكليف صرف الوجود منه مطلوبا واما في الشمولي والانحلالي فلا معنى لذلك على ما يأتي بيانه في محلّه . وأي ربط لهذا بمسئلة المفهوم بل الكلام في المفهوم على ما عرفت يجري على ما اذا فرض ترتب الحكم على فاقد الوصف كان معارضا لواجده ولا يمكن القول بذلك في مورد الوصف أصلاً . افترى المعارضة بين قوله صلّ خلف من تثق بدينه وأمانتهمع قوله صل خلف من تتقى سيفه وسوطه . وعلى فرض وجود المفهوم وانحصار سنخ الحكم بواجد الوصف لابدّ من المعارضة ومع عدم الجمع العرفي يتساقطان على ما عرفت(1) .

تكميل البحث وتوضيحه: قد أشرنا إلى لزوم اجتماع الشرايط في حمل المطلق على المقيد وذلك بأن يكونا حكمين الزاميين مثبتين وإلاّ ففي المتنافيين لا مجال للاشكال . ثم اذا ورد أمر مطلق وأمر مقيد فلابدّ من بقاء الظهور في كلّ منهما في الوجوب والا فيمكن حمل المقيد على الأفضليّة لاقوائيّة ظهور الأمر الاطلاقي في الوجوب من ظهور المقيد في الخصوصيّة فيبقى الأمر على ظاهره في المطلق ويحمل المقيد على بيان الفرد الأفضل . ولا معنى حينئذٍ لحمل المطلق على المقيد . كما ان الحكم لابدّ أن يكون صرف الوجود والا فلو كان مطلق الوجود فلا مجال أيضا للحمل فيكون المقيد والمطلق كلاهما موضوعين للحكم ولا تنافي في ذلك وهذا غير مرتبط بقضيّة المفهوم حيث ان المفهوم لو كان للوصف فلابدّ من المعارضة بين هذا المفهوم وما اذا جعل هذا الحكم على غير

المناقشة في حمل المطلق على المقيد

ص: 169


1- . وتسلم المحقّق العراقي نهاية الأفكار 1 - 2/499 - 500 المفهوم للوصف في بعض الموارد لقرينة خارجيّة لا بنحو الكلية كما أنكر المفهوم استاذنا المدقّق السيّد البجنوردي تغمّده اللّه برحمته . منتهى الاُصول 1/435 وبعده .

مورده وأي ربط له بمسئلة حمل المطلق على المقيد كما ذكرنا .

والحاصل ان الحمل ليس من جهة المفهوم بل لو لم يكن هناك مفهوم أيضا يتحقّق الحمل بشرائطه على ما عرفت .

فظهر بما ذكرنا ان القضيتة الوصفيّة لا مفهوم لوصفها(1) . نعم لو رجع القيدإلى الحكم ومفاد الجملة يمكن ثبوت المفهوم بتقريب ما عرفت في الشرطيّة والا فبرجوعه إلى الموضوع لا معنى للمفهوم كما هو ظاهر الوصف من رجوعه إلى الموضوع . وحينئذٍ فيكون الموضوع مركبا من الوصف والموصوف ويترتب عليه الحكم وبانتفائه بانتفاء وصفه أو عدمهما معا لا معنى للحكم .

ان قلت: فاذا كان كذلك فيكون شرطا ضمنيّا ان لم يكن شرطا صريحا فيكون له المفهوم كالشرطيّة .

قلت: شرطيته انما هي عقلي على ما عرفت حيث ان كلّ قضيّة يرجع إلى الشرطيّة مقدمها يتضمن فرض وجود الموضوع والتالي ترتب الحكم عليه . وهذا وان دلّ على الانتفاء عند الانتفاء لكنه لا ينتج ثبوت المفهوم الذي يتعارض مع الدليل المتكفل لاثبات مثل هذا الحكم على غير هذا الموضوع . بل يكون كالقضية اللقبية اذ هي أيضا مشروطة بوجود موضوعها عقلاً في ترتب الحكم . وأين هذا من المفهوم . بل يمكن انكار المفهوم للشرطيّة أيضا بدعوى عدم انسباق غير الثبوت عند الثبوت منها ولا دلالة لها على الانتفاء عند انتفاء الشرط .

ثمّ انه ربما يشكل ما ذكرنا من عدم المفهوم للوصف بما ثبت في مورد

ص: 170


1- . وركن السيّد الخوئي إلى دلالة أو فائدة أو اشعار بنفي الحكم عن فاقد الوصف . محاضرات في اُصول الفقه 46/278 - 279 .

الأوقاف والوصايا من كونها ذات مفهوم ولا يمكن الوقف ثانيا أو على غير من سماهم أو لغير الموصوف بالأوصاف الكذائيّة وهل هذا الا المفهوم . بل وكذلك في باب الصلاة من انتفاء الأمر بالكل بتعذر جزئها أو شرطها .

لكن الجواب عن ذلك اقتضاء صيغة الوقف والوصيّة حبس المال وتسبيل

المنفعة في الأوّل بحيث اذا زاد أو أوصى أو اوقف ثانيا على غير الموقوف عليهأوّلاً يكون ناسخا للوقف الأوّل بل لا يمكن نفوذه لعدم ثبوت سلطنة له حينئذٍ على وقفه بل يرجع إلى المتولى أو الحاكم الشرعي . وكذلك في مورد انتفاء أمر الكل بانتفاء الجزء والوصف انما ثبت ذلك بدليل خارجي أو غير مناف لعدم المفهوم للوصف كما ان احترازيّة الوصف وان كانت مسلمة لكنها لا ربط لها بمسئلة المفهوم الذي هو عبارة عن انحصار سنخ الحكم على مورد ثبوت ( المنطوق ) حتّى لو ورد موضوع رتب عليه هذا الحكم يكون معارضا . والوصف مع كونه احترازيّا لا يفيد ذلك بل قصر الحكم المترتب على مورده على ذي الوصف وهو ساكت عن الغير . هذا تمام الكلام في الوصف .

الكلام في الغاية:

وقد وقع الكلام في كونها داخلة في المغيي وعدمه كما وقع النزاع في دلالتها على انتفاء الحكم عمّا بعدها وعدمها .

أمّا المقام الأوّل . فالحقّ انه لا وضع في أدواتها كي يستفاد منه دخول الغاية في المغيي كالى وحتّى وموارد الاستعمال واستفادة دخولها وعدمه لقرائن وخاصّة مقامية خارجيّة غير مرتبطة بوضع الكلام . كما ان البحث عن كون الغاية هو نهاية الشيء ونهايته كبدايته وأوله من الشيء لا خارج عنه لا ربط له بالمسئلة الاصوليّة اللفظيّة بل هي مسئلة عقليّة .

ص: 171

وأمّا الثاني(1) فربما يكون الغاية والقيد بحسب ظاهر الكلام راجعا إلى الموضوع فالحكم مطلق ولا دلالة معه على انتفاء الحكم عما بعد الغاية بل لا معنىله حيث لا موضوع .

نعم يمكن النزاع في دلالته على الانحصار وانتفاء حكم ما بعدها عما قبلها أم لا ؟ وأمّا اذا كانت راجعة إلى الحكم وتكون قيدا له فيمكن الدلالة على الانتفاء عما بعدها وانحصارها في المغيي .

وبعبارة اخرى: يمكن كون الغايات التي تكون قيودا في القضايا راجعا إلى الأحكام كما انّه يمكن كونها قيودا للموضوعات والمتعلق فيها وتختلف النتيجة حسب اختلاف المتعلق فاذا كان قوله تعالى: « فاغسِلُوا وُجوهَكُمْ وأيديكُم إلى المَرافِق »(2) غاية للحكم فتكون النتيجة حينئذٍ مخالفة لما اذا كانت غاية للمتعلق وهو الغسل أو الأيدي ويكون حينئذٍ غاية المغسول . كما ان قوله تعالى: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليلِ »(3) يمكن رجوع الغاية إلى الصيام الذي هو متعلق المتعلق الذي هو الاتمام وعلى هذا فالحكم وهو وجوب الاتمام مطلق وينتفي بانتفاء موضوعه الذي ينتفي بانتفاء بعض قيوده كما إذا حصل الليل مثلاً ولا موضوع كي يكون الحكم منتفيا أو لا ويقع النزاع فيه . بل الحكم مطلق باق مادام موضوعه باقيا وبانتفائه ينتفي بخلاف ما إذا كان قيدا للحكم وهو الوجوب فينتج

ص: 172


1- . والذي جعله المحقّق العراقي مقتضى التحقيق ان التقييد بالغاية يقتضي انتفاء سنخ الحكم عمّا بعدها بل وعن الغاية وهو الحق وإن كان لتفصيل المحقّق الخراساني بين كونهاقيداً للحكم فلها دلالة على ارتفاع الحكم عند حصولها وكونها قيداً للموضوع فكالوصف ليس لها دلالة مجال . نهاية الأفكار 1 - 2/497 .
2- . سورة المائدة الآية 7 .
3- . سورة البقرة الآية 188 .

هناك صيامات متعددة حسب تعدد الآنات إلى الغروب . وعلى هذا فاذا يميل ( يقصد ) إلى انه يسافر قبل الزوال أو بعده يجب عليه الصيام وكذا الكفّارة بالافطار قبله بخلاف ما إذا كان قيدا للصيام فانّ الكفّارة تكون على خلاف القاعدة . وتختلف النتيجة في جريان الاستصحاب أيضا وانه تارة يكون الزمان واردا على الحكم واخرى يكون الحكم فوق دائرة الزمان على ما بينّاه في بعضتنبيهات الاستصحاب .

ثمّ ان المحقّق النائيني وجماعة آخرين قدّس اللّه أرواحهم جعلوا قوله علیه السلام ( كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف انه حرام )(1) أصلاً في المثال لما إذا كان الغاية

غاية للحكم وتنتج الانحصار وكذلك قوله تعالى: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليلِ »(2) وفرعوا عليهما باقي الموارد والأمثلة واستظهروا رجوع القيد والغاية في مورد عدم القرينة إلى الحكم .

لكن فيه أوّلاً انه خلاف المتبادر من هذه القضايا في مورد الأمثلة

ويرجعون القيود فيها إلى الموضوع وهو المتعلّق للحكم أو متعلّقه ولا ربط لها بالحكم أصلاً . فلا وجه لدعوى تبادر رجوعها إلى الحكم أصلاً . وهذا في مثل قوله تعالى: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليلِ »(3) واضح ولا يكون القيد راجعا إلى وجوب الاتمام وان الوجوب ثابت إلى الليل . بل الظاهر المتبادر رجوعه إلى الصيام ثمّ ورود الحكم عليه . وايجاب الاتمام حينئذٍ يناسب ما ذكرنا بخلاف ما إذا كان قيدا لغير الصيام مضافا إلى ان تسليم الظهور في مثل قوله تعالى: « ثُمَّ

في مفهوم الغاية

ص: 173


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . سورة البقرة الآية 188 .
3- . سورة البقرة الآية 188 .

أَتِمُّوا الصيامَ »(1) وقوله علیه السلام: ( كلّ شيء هو لك حلال )(2) ربما يكون قرينة المقام على فرض التسليم فلا يفيد الكليّة في الباب . ويشهد لما ذكرنا من رجوع القيد إلى غير الحكم انه لو أوجب الجلوس إلى ساعة ثمّ أوجب بعده كذلك لا يكون هناكتنافٍ بين الكلامين . كما انه لو أوجب الصيام إلى الليل بقوله أتمّوا وأوجب بعدهإلى ساعتين مثلاً لا منافاة ولا تناقض ولا تعارض مع ان ثبوت المفهوم لازمه التنافي كما لا يخفى .

وثانيا ربما يكون الأمر في المثال الثاني أوهن من المثال الأوّل لعدم استقامة رجوع القيد فيه إلى الحكم بخلاف المثال الثاني وذلك لعدم صحّة رجوع القيد إلى الحكم بناءً على كون موضوعه ( أي الشيء ) في كلّ شيء لك حلال هو العنوان الاولى للأشياء . اذ بناءً عليه يكون معنى قوله ( كلّ شيء لك حلال ) ان مثل الحنطة والشعير وغيرهما من أعيان الموجودات الخارجيّة لك حلال . وهذه الحليّة ثابتة إلى أن تعلم انه حرام . وغاية الحلية العلم بالحرمة بمعنى ان الحرمة ليست ثابتة الا بالعلم والا فقبله يكون بعنوانه الاولى حلالاً واقعا وهذا معناه دخل العلم بالحرمة في تحقّقه وهو محال ولا يستقيم حمل الكلام عليه .

هذا لو قلنا ان المراد بالحلية الحلية في قبال الحرمة الوضعيّة وان خصصناه بخصوص ما يكون مشروبا ومأكولاً يشمل الشيء خصوص هذه الأشياء فقط بخلاف ما إذا كان المراد من الحلية عدم المنع فيشمل كلّ شيء حتّى أفعال المكلّف كما انه لو كان الشيء بمعنى الواقعة المشكوك حكمها والشيء بالعنوان الثانوي

ص: 174


1- . سورة البقرة الآية 188 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

الذي تعلّق الشكّ بحكمه . فواضح فساد دعوى رجوع الغاية إلى الحكم . إذ حينئذٍ بعد العلم بالحرمة لا موضوع للمشكوك حكمها والشيء بعنوانه الثانوي كي يغيي حكمه بالغاية العلميّة والمعرفة فلابدّ من رجوع القيد إلى الموضوع . والمعنى كلّ شيء إلى معرفة حرمته حلال والحلية لا غاية لها بل تابعة لموضوعها . ومن المعلوم ان في صورة العلم بالحرمة أو ما يقوم مقامه من العلم التعبّدي لا موضوع فلا حكم .

وهذا الوجه أظهر من الوجه الأوّل بل أصحّ منه وممّا ذهب إليه المحقّقالخراساني

قدس سره (1) من استفادة الأحكام الثلاثة للشيء بعنوانه الاولى وثبوت هذه الحلية إلى العلم بالحرمة الذي استشكلنا فيه وقلنا لا معنى لكون العلم بحكم الشيء بعنوانه الاولى مع جعل الحلية غاية للحلية لعدم الجعل . بل الذي يمكن هو تقييد الحكم بالحلية وجعل الغاية لها إلى حين تنجز الحرمة . وهذا الوجه راجع إلى ما استظهرناه الذي عرفت رجوع القيد معه إلى الموضوع وهو ثاني الثلاثة التي استظهرها المحقّق الخراساني من قوله علیه السلام ( كلّ شيء هو لك حلال )(2) بمعنى ان الواقعة المشكوك حكمها لك حلال . وهذه الحلية مستمرّة إلى حين الحكم بالحرمة . والثالثة حكم مورد الاستصحاب وقد عرفت ضعفه بما ذكرناه فلا وجه لعطف ساير الموارد مثل قوله علیه السلام ( كلّ ماء نظيف حتّى تعلم انّه قذر )(3) عليها بل الظاهر ما ذكرنا بقرينة ما عرفت .

ثمّ اعلم انّ مورد الكلام إنّما هو ما إذا كان المقام قابلاً لرجوع الغاية إلى كلّ

استفادة الأحكام الثلاثة

ص: 175


1- . كفاية الأصول 2/298 - 300 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/2 - 5 من أبواب الماء المطلق واللفظ قريب منه .

من الموضوع والحكم والا فيدخل في ما هو خارج عن محل البحث ممّا قامت القرينة الشخصيّة على رجوعها إلى أحدهما ( كما في مثل ما ورد في وقت الظهر والعصر فالغاية للموضوع والوقت فراجع .

فتلخص وظهر ممّا ذكرنا عدم صحّة كون الغاية في قوله علیه السلام ( كلّ شيء هو

لك حلال حتّى تعرف انه حرام )(1) غاية للحكم الاولى للشيء بعنوانه الاولى فلا جرم يكون المراد بالشيء هو المشكوك حكمه وحينئذٍ فلا يمكن جعل الغاية غايةللحكم كي تكون ذات مفهوم وينفي ما بعد الغاية عن حكم ما قبلها ضرورة انّك عرفت ان القضيّة التي تكون ذات مفهوم شرطها عدم سوقها لبيان ما له الدخل عقلاً بل هي ما سيقت لبيان الاناطة الجعليّة كتعليق الحكم على الشرط مع حفظ الموضوع في كلا الحالين وفي مثل قوله ( كلّ شيء هو لك حلال )(2) بناء على كون المراد بالشيء هو المشكوك حكمه لا يمكن كون الغاية للحكم لعدم بقاء الموضوع حينئذٍ بل لابدّ وان يكون غاية للموضوع الذي ينتفي بحصول العلم كما لا يخفى .

وحيث ان هذا المعنى قد صدر من اساطين الفن ويرد عليه هذا الاشكال فيمكن توجيهه بكون المراد ان ما به انحصار الدخل وعنده ينتفي الحكم بالحلية هو العلم ولو كان شيء آخر له عدل لبيّن وحيث انه لم يبين فالاطلاق يقتضي التعيينيّة وان العلم هو الذي يكون غاية لهذا الحكم دون غيره . الا ان هذا التوجيه أيضا لا فائدة فيه . ثم مع قطع النظر عن هذا الاشكال والاستشهاد به ففي مورد يمكن ورود القيد بالحكم والموضوع قد ذكرنا رجوعه إلى الموضوع ( وقد ذكرنا

ص: 176


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

ان الضابط في المفهوم وعدمه كون التقييد في رتبة الانتساب أو راجعاً إلى المعاني الافراديّة فان كان الثاني فلا مفهوم للقيد بخلاف الأول . فالنزاع في المقام صغروي حيث انه برجوعه إلى الموضوع يكون في رتبة المعاني الافراديّة كما اذا رجع إلى المحمول فعليه لا مفهوم له ) .

ثمّ انه بناء على رجوع القيد إلى الحكم أو ظهوره فيه فيتحقق له المفهوم(1) واذا ورد غاية اخرى للمعلّق على تلك الغاية فيتعارضان . فعلى ما ذكرنا لا مانعمن ذلك للجمع العرفي بينهما بتقييد اطلاق أو وابقاء اطلاق الواو في كلّ منهما .

وأمّا على ما ذكره المحقّق النائيني من حصول العلم الاجمالي بين تقييد أحد الاطلاقين فهل يمكن تسريته في المقام بأن يقال بتقييد اطلاق الواو أو او لابد من مراجعة الموارد المختلفة واقتضاء اختلافها ولكن الظاهر هو ما ذكرنا وبيننا عليه بل لا مانع من ورود التقييد كما ورد في قوله ( الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة )(2) وكما في الموارد الآخر . غاية الأمركلامنا في التقييد المنفصل وهذا المورد من بيان كلتا الغايتين في كلام واحد .

وكيف كان فلا منافاة بحسب الجمع العرفي الذي ذكرناه فتدبّر جيدا .

الكلام في مفهوم الحصر:

ومن الموارد التي قالوا فيها بالمفهوم هو مفهوم الحصر ولا اشكال في ان الاستثناء من النفي ايجاب ومن الايجاب نفي الا ان المنقول عن شرذمة انكار كون الاّ للاستثناء بل جعلوها بمعنى غير فكلّ مورد يستعمل هذه اللفظة فتفيد

في مفهوم الحصر

ص: 177


1- . كما اختاره في الكفاية .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

عندهم معنى الوصف وتكون قيدا توضيحيّا بدعوى لزوم التناقض في مثل قولنا جائني القوم الا زيدا لو كان للاستثناء لضرورة اثبات المجيء ونفيه بالنسبة إلى زيد وهو تناقض فليس معنى الا الاّ الوصف بأن القوم الجائين غير زيد ولا نفي ولا اثبات للمجيء بالنسبة إلى زيد ولذا يكون الاستثناء من النفي في حكم الوصف كما قال في المسالك في ما لو قال ( ماله على عشرة إلاّ درهما ) بالنصب انه لم يقرّ بشيء ضرورة صيرورة المعنى حينئذٍ ليس على له عشرة مغايرة لدرهم وهكذا يكون في الاستثناء من الاستثناء وان ردّ عليه في الجواهر(1) .تحقيق الكلام: ان المشهور ان الاستثناء بالاّ من النفي ايجاب ومن الايجاب نفي ولازمه خروج المستثنى عن حكم المستثنى منه خلافا لما نقل عن بعضهم فجعل ذلك للصفة والوصف فاذا قال له على عشرة الا درهما فمعناه وصف العشرة بمغايرتها للدرهم وان زعم سيّدنا الاستاذ قدس سره بكونه عبارة عن التسعة والمراد وصف العشرة بكونها غير الدرهم فيكون المقر به تسعة . كما اذا قال في النفي كذلك فلا يكون اقرارا بشيء . وكذلك في مثل قولنا جائني القوم إلا زيدا معناه ان القوم الذين هم غير زيد جاؤوني فيكون التقييد راجعا إلى الموضوع ثمّ بعد ذلك يرد النفي والاثبات على الموضوع المقيد بالقيد ومن المعلوم ان نفي المقيد أو اثباته لا ينافي نفي المطلق أو اثباته .

وبالجملة فيرجع إلى ما ذكرنا من الضابط من انه كلّ ما كان راجعا إلى تقييد الموضوع أو المحمول وقبل رتبة الاسناد فيكون قيدا لهما ولا مفهوم له . كما انه اذا كان التقييد راجعا إلى الحكم وفي رتبة الاسناد فيثبت المفهوم ويحقق هناك كما

ص: 178


1- . جواهر الكلام 35/88 .

سبق ومنشأ ذلك الانكار لمجيء الاّ للاستثناء من الحكم لزوم التناقض على تقدير الاستثناء والاخراج الحكمي حيث ان قولنا جائني القوم الا زيدا متضمن لاثبات القيام لزيد ونفيه وهو تناقض فارجعوا القيد إلى الموضوع والمعنى ما ذكرنا . فلا تناقض حينئذٍ وغفلوا عن ان هذا التناقض جاري في كلّ مورد من التخصيصات والتقييدات خصوصا المنفصلة منها كما في قوله اعتق رقبة مع قوله منفصلاً لا تعتق رقبة كافرة فانه مستلزم لجواز عتق الكافر وعدم جوازه وهذا أيضا تناقض . وأمّا المتّصل وإن كان فيه هذا التناقض أيضا لكنه لا معنى للأخذ بالكلام مادام المتكلممشتغلاً به . فاذا فرغ منه ولواحقه ومتمماته فحينئذٍ يكون الظهور المتحصل هو الحجّة ويؤخذ به . فمرجع ما ذكرنا من التخصيص والتقييد وغيرهما إلى التخصص لبا وانما أتى بالمطلق أو العام ابتداءً لنكتة وهي تعريف المكلف مثلاً كيفيّة اطاعته

للمولى وتوطين نفسه على اطاعة الجميع . لكنه لابدّ من وقوفه إلى حد يبقى معه الحسن الاستعمالي والا فالاستثناءات المتعاقبة اذا وصلت إلى حد استوعبت العام فلا تكون حينئذٍ مخرجة لثبوت التناقض ورجوعه إلى الانكار بعد الاقرار .

وعلى كلّ حال فما هو الجواب في هذه الموارد هو الجواب بعينه في مورد الاستثناء بل فيه بطريق أولى كنظائره من الاخراجات المتّصلة . فان كان ذهابهم إلى ذلك لهذا الوجه فقد عرفت فساده وان كان لمجيء الا صفة كما جائت للاستثناء كما قالوا في مثل قوله تعالى « لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا »(1) ان الا وصفية بمعنى الغير فلا ننكر مجيء الا للوصف الا انه لا يصار إليه الا بقرينة وحينئذٍ فلابدّ من بيان الضابط بينهما ليكون ميزانا لموارد الاستعمال .

الكلام في الاستثناء

ص: 179


1- . سورة الأنبياء الآية 23 .

فنقول: ان الظاهر العرفي والمتفاهم هو الميزان لكون الاّ للاستثناء أو الوصف والظاهر عندهم كونها للاستثناء في أمثال هذه المقامات . كما ان الميزان في الكلام المنفي في مقام الاقرار والاستثناء منه أيضا الظاهر العرفي رجوع الاستثناء إلى الموضوع قبل الاسناد أو إلى الاسناد وعليه يبتني كون قوله ليس له على عشرة إلاّ درهم أو درهما اقرارا بدرهم واحد أو لم يكن اقرارا بل نفيا ولا مفهوم له فانّه إن رجع القيد والاستثناء إلى الموضوع وهو العشرة وتقييدها بكونها غير الدرهم أو اخرج منها درهم ثمّ يرد حرف النفي وينفي فالمعنى انه العشرة التياستثنى منها درهم واحد لم تكن على ولا ينافي نفي هذا المقيد لاثبات شيء آخر كان يكون عليه عشرة أو لم يكن عليه شيء أو كان من غير جنس العشرة بخلاف ما إذا كان الاخراج والاستثناء راجعا إلى الحكم وقيدا له فيكون حينئذٍ مقام المفهوم ويكون المقربه درهما فينفي كون العشرة عليه وأثبت في ضمن هذا النفي انه عليه الدرهم بلا فرق في ذلك بين كون الدرهم منصوبا أو مرفوعا فانّه يجوز الوجهان في الاستثناء في الكلام المنفي . وعليه فالتفصيل الذي ذكره صاحب المسالك ونسبه إلى المشهور من ان في صورة النصب أقرّ بدرهم بخلاف الرفع فلم يقر بشيء أصلاً لا وجه له . وبهذا الذي ذكرنا ردّ عليه صاحب الجواهر(1) من رجوع القيد إلى النفي لا إلى المنفي ( نسب في التقريرات في مورد النفي ان الاقرار بالواحد ان كان الدرهم مرفوعا وانه لم يقر بشيء في ما اذا نصب الدرهم )(2) .

ص: 180


1- . جواهر الكلام 35/88 .
2- . فوائد الأصول 1/506 .

تذنيب:

حكى عن أبي حنيفة مجيء الا للوصف وجعل قوله علیه السلام في موارد لا صلاة إلاّ بفاتحة(1) الكتاب ولا صلاة إلاّ بطهور(2) ومثله لا صلاة لمن لم يقم صليه(3) وكذا لا إله إلاّ اللّه من ذلك وانه في هذه الموارد للوصف نظرا إلى عدم كونها للاستثناء لعدم كون الصلاة منحصرا بالطهور ولا يكون الطهور هي الصلاة فحينئذٍ يكون المعنى لا تكون الاجزاء الصلاتيّة بغير طهور ولا يتحقّق الصلاة التي لايكون لها طهور فمعنى الا معنى الغير الوصفي .

لكن فيه انه لا يلزم من كون الا للاستثناء محذور في هذه الموارد لصحّة المعنى مع كونها للاستثناء اذ المراد نفي الصلاة وتحقّقها بلا طهور فالاجزاء الصلاتيّة لا تكون بلا طهور صلاة بل معه خصوصا بناءً على الصحيحي وان الصلاة عبارة عن التي يسقط معها الامر وقد عرفت في بحث الصحيح والأعم انحصار الصلاة بخصوص الواجدة لجميع الأجزاء والشرايط غير الاضطراري وان الباقي ابدال مسقطات للتكليف لا انها داخلة في المسمى ومن افراده وعلى هذا فلا مانع من كونها استثنائيّة .

نعم لو الجانا عدم استقامة المعنى في مورد مع كونها للاستثناء فلا نضائق في الالتزام بالوصفيّة .

ثمّ انه قد استشكل في الكلمة الطيّبة في افادتها للتوحيد من حيث ان قولنا لا لنفي الجنس وهي من نواسخ

الاشكال في افادة الكلمة الطيّبة

ص: 181


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 1/1 - 2 من أبواب القرائة في الصلاة مع تفاوت في اللفظ .
2- . وسائل الشيعة الباب 1/1 من أبواب الوضوء .
3- . وسائل الشيعة 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام مع تفاوت في اللفظ يسير .

المبتدأ والخبر كلا وما المشبهتين بليس ترد على المبتدأ والخبر وتكون ناسخة لها في العمل فترفع بعضها المبتدأ وتنصب الخبر وبعضها بالعكس وحينئذٍ فلابدّ من تقدير خبر لها كما في لو لا الغالبية حيث انها ركبت مع لا النافية للجنس وجعلوا الفرق بينها وبين غير الغالبيّة بكون خبر الغالبية واجب الحذف لكونه من أفعال العموم كما قيل في قوله ( لو لا علي علیه السلام لهلك عمر ) وحينئذٍ فان قدرنا الخبر في قولنا لا إله إلاّ اللّه هو موجود فلا يدلّ على نفي امكان

اله إلاّ اللّه بل غايته انحصار الوجود به تعالى كما انه ان أخذنا الامكان في الخبر

فلا يدلّ على وجود اللّه تعالى نعم يمكن على تقدير أخذ الاله مستغنيا عن الخبر .

والجواب انه يمكن تقدير لفظة موجود والمراد بالاله المنفي هو واجب الوجود فينفي وجود واجب الوجود ويحصره في اللّه تعالى وحينئذٍ فيستفادالتوحيد كما انه يمكن كون لا غير محتاجة إلى خبر أصلاً بل تكون ككان التامة بلا خبر فانه مسلم مجيئه تاما بخلاف ليس فلم يجيء تامة فحينئذٍ يرد النفي على الذات ويكون المعنى عدم ذات اله سوى اللّه تعالى وينحصر الذات به تعالى بلا احتياج إلى تقدير خبر حتى انه يلاحظ الذات قبل ترتب المحمولات المترتبة عليه كما في مثل حمل قولنا قائم على زيد أو موجود فانه يقال اما أن يحمل القائم على زيد القائم أو الموجود على زيد الموجود كذلك فيستلزم حمل الشيء على نفسه أو المعدوم وغير القائم فيتناقضان . فيجاب بانه يلاحظ الذات مع قطع النظر عن كل منهما فيحمل عليه العدم أو الوجود أو المحمول الآخر الوجودي كالقيام مثلاً وكذلك في ما نحن فيه فلا احتياج لتقدير شيء آخر . وعلى الوجه الأوّل يمكن كون معنى الاله هو المعبود بالحق أو المستحق للعبادة والا فالمعبود بغير حق لم يكن منفيا في الخارج فتدبر جيدا .

وعدّ من أداة الحصر انما ولا اشكال في افادته الحصر وجعل الحكم

ص: 182

منحصرا حسب الوضع بما يتلوه فيكون لها المفهوم كما في الاّ . وعلى هذا فاذا ورد اثبات الحكم الذي ثبت بانما حصره ) بموضوع خاص لغيره فيتحقق التعارض هناك وقد ذكرنا في حلّ الاشكال تقييد المنحصر به بما تضمّنته القضية الثانية من الموضوع . لكنه لا يخلو عن اشكال وان صدر هذا الكلام من بعض اساطين الفن . بل لابدّ أن يحمل على كون المنحصر به بانما كان هو الموضوع الأهم وذلك كما ورد في باب الصوم من حصر(1) ما يضر فيه باربعة بانّما مع انه قد ورد وثبت كون المفطرات أو الذي يحرم في الصوم أكثر من أربعة . اما البحث فيان انما مركب من ان وما أو غير ذلك فلا حاجة لنا به بل الكلام على كونها دالة على الحصر كما في الا .

ثمّ انه قد علمت ان في صورة ورود ما يدلّ على خلاف الحصر المستفاد بانما لابد من الجمع بانحائه . هذا في الحصر بانما . وقد ذكر من ما يفيد الحصر تقديم ما حقه التأخير كتقديم المسند على المسند إليه بقولنا ( الفقيه زيد ) أو القائم

زيد . فانه وان استفيد من ذلك الحصر لكنه ليس مستندا إلى وضع ولا قرينة عامة بل للقرينة الخاصة وهذا خارج عن محلّ البحث ولو باعتبار كون القائم مرادا به الكلي واسناده إلى شخص زيد يفيد الحصر فانه أيضا خارج عن الوضع .

ومن ما قيل له بالمفهوم العدد وقد وقع الكلام في ان له المفهوم أم لا ؟ والظاهر ان المراد بذلك في ناحية الزيادة والا فمن جانب النقصان فبالنص . كما ان الكلام في جميع هذه الموارد التي وقع فيها الكلام في المفاهيم مع قطع النظر

تقديم ما حقّه التأخير

ص: 183


1- . وسائل الشيعة 10 الباب 1/1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم .

عن الموارد الخاصة والقرائن الخارجيّة . وحينئذٍ فمثل ما ورد من رواية(1) ضعيفة في باب تسبيحة الزهراء عليهاالسلام انّه إذا زاد على التكبيرة ينقص واحدة ويأتي بها ويطرح الزائد ثمّ يلحق التحميدات بالتي يأتي بها من التسبيحة ولا بأس بالعمل بها رجاءً ولكنه لا وجه لاحتياط بعضهم .

والحاصل انه يقع البحث في مثل اطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين

متتابعين أو صلاة أربع ركعات أو في مثل سبعة أشواط في الطواف أو السعي هلمع قطع النظر عن الدليل وعدم جواز الزيادة عليها بعنوان التشريع مطلقا والورود مطلقا يدلّ على نفي الزيادة وان موضوع الحكم منحصر في هذا العدد أم لا ؟ اختار سيّدنا الاستاذ قدس سره الدلالة على نفي الزائد كالناقص وان المفهوم في العدد هو عبارة عن هذا حيث انه تجري المقدمات في جعل هذا العدد موضوعا للحكم أو متعلّقا له بأن يقال لو كان الموضوع أزيد من هذا أو كان لشيء آخر دخل فيه لكان عليه البيان وبعدمه نكشف انحصار الموضوع بالعدد فهذا هو المفهوم المطلوب في المقام فاذا ورد ثبوت الحكم على أزيد من العدد فلابدّ من التقييد وكشف عدم الانحصار وتقييد اطلاق الواو .

هذا تمام الكلام في المفاهيم . وقد عرفت ان الجملة الشرطيّة ثبت لها المفهوم وكذا كان للاستثناء أو الحصر في انما وان مع ورود المعارض يكون المراد بانما هو الحصر الاضافي كما عرفت عدم ثبوت المفهوم لغير العدد من الامور

ص: 184


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 21/4 من أبواب التعقيب ولفظ الرواية ( من سها فجاز التكبير أكثر من 34 هل يرجع إلى 34 أو يستأنف الى فأجاب علیه السلام إذا سها في التكبير حتى تجاوز 34 عاد إلى 33 ويبني عليها وإذا سها في التسبيح فتجاوز 67 تسبيحة عاد إلى 66 وبنى عليها فاذا جاوز التحميد 100 فلا شيء عليه .

الباقية وقد ظهر من مطاوي الأبحاث السابقة عدم ثبوت المفهوم للقب أيضا وبعد الفراغ عن ذلك يقع الكلام:

في العام والخاص:

وقد عرف العموم بالشمول لكن ذلك لو لم يجعله أخفى لا يوجب جلائه وحصول المعرفة به كما في أمثال ذلك من هذه التعاريف بل المراد به واضح اذ توضيح الواضحات من اشكل المشكلات .

وكيف كان فقسموا العموم إلى بدلي وشمولي واستغراقي والظاهر ان العموم ليس على أقسام بل هذه الأقسام إنّما نشأت باعتبار كيفيّة جعل الحكم على المقام فاذا كان الحكم على نحو ملاحظة المجموع موضوعا واحدا مرتبطا في الامتثال فيكون من العام المجموعي وان لو خط كلّ فرد من العام موضوعا مستقلاً وإنّماجمع الأفراد في العام لاتّحادها في فرديتها له وكون العام وجها لها فهو الاستغراقي ويكون حينئذٍ لكلّ امتثال وعصيان يخصّه فربما يعصى واحداً ويطيع آخر كما انه ان كان المطلوب واحدا بلا تعيين فيكون عاما بدليّا وباتيان فرد منه يحصل المطلوب ويسقط التكليف .

وينبغي قبل الورود في مباحث العام والخاص من بيان مقدمة وهي ان القضايا لا تخلو من أقسام ثلاثة فاما أن تكون طبيعية واما أن تكون حقيقية أو خارجية وشخصية والمراد بالأخير ما يشار به إلى الأفراد الموجودة في الخارج والتخصيص عبارة عن اخراج الافراد من العام فان كانت القضية خارجيّة فلابدّ في التخصيص من كونه أفراديّا وإن لوحظ هناك عنوان عام قابل للانطباق على قسم من مصاديق العام والقضيّة الخارجيّة . اذ هذا العنوان إنّما يكون انتزاعيّا ولا

في العموم والخصوص

ص: 185

يمكن تصور التخصيص العنواني هنا بخلاف ما اذا كان من القضايا الحقيقيّة فلابدّ من كون التخصيص عنوانيّا لا افراديّا فمثل قوله تعالى: « إنَّما الصدَقاتُ لِلفُقَراء »(1) الخ من القضايا الحقيقيّة لا الشخصيّة والا فاللازم جواز قسمة الفقراء الموجودين في الزكوة والسادة في باب الخمس المال وأخذ حصّتهم مع انه لا يجوز انفاقا .

والفرق بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة هو ان الاولى يكون فيها جامع يترتب على أفراده الحكم باعتباره دون الخارجيّة حيث ان الجامع فيها اتفاقي ويترتب على ذلك أحكام آخر تقدّم إليها أو بعضها الاشارة .

منها . ان العناوين في القضايا الخارجيّة تكون من قبيل الملاكات لهاوالموضوع للحكم هو نفس الذوات الخارجيّة كزيد وعمرو والحكم إنّما يترتّب عليه باعتبار علمه وفسقه ولم يترتب الحكم على العنوان الذي ينطبق على كلّ فرد بخلاف الحقيقية فان العنوان أخذ موضوعا لما ينطبق عليه وليس المناط هو ذوات من ينطبق عليهم العناوين مطلقا بل مادام الانطباق ممكنا .

ومنها . لزوم الدور في كلية الخارجيّة وجعلها كبرى بخلاف الحقيقيّة حيث ان الحقيقيّة في أي علم كانت إنّما أخذت من دليل خاص وبرهن على كليتها كما اذا كانت في الشرعيّات بدليل عقلي أو اجماع أو نص كتاب أو سنة ثمّ يجعل كبرى لقياس الاستنباط وتنطبق على كلّ ما فرض لها من الأفراد بلا لزوم دور أو توقف الكليّة على هذا الفرد . بخلاف الخارجيّة كقولنا كلّ من في العسكر قتل أو كلّ ما في الدار نهب حيث عرفت انها اشارة إلى الأشياء المخصوصة الخارجيّة أو

ص: 186


1- . سورة التوبة الآية 61 .

الذوات كذلك ولكلّ ملاك يخصه . فاذا قلنا كل من في العسكر قتل أو كلّ ما في الدار نهب فليس العلّة والسبب في ذلك أمرا اصيلاً يدور الحكم مداره وجودا وعدما بل لكلّ سبب خاص غير الباقي . وليس من اللازم اجتماعها بل انما كان الاجتماع وحصول الكليّة من باب الاتفاق باجتماع الأسباب المتعدّدة بتعدّد الآحاد في العسكر أو الأشياء في الدار فقتل ونهب وهذا بخلاف قولنا الخمر حرام حيث ان كلّ فرد يفرض من الخمر انما ينطبق عليه هذه الكبرى بعين ما ينطبق على الفرد الآخر لا بحسب الاتفاق . ولو لم يكن خمرا فلا ينطبق عليه الكبرى بحكمها . وحينئذٍ فلا دور في الحقيقية بخلاف الخارجيّة كما سيتّضح لك بملاحظة قولنا العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث فالعالم حادث حيث ان العلم بحدوث العالم لا مدخليّة له في الحكم بكليّة الكبرى بل انّ البرهان قائم على ان المتغير بما هو متغير مع قطع النظر عن كون العالم متغيّرا حادث .ثمّ اذا انضمّ إليه أحد مصاديقه وهو العالم فيحصل من ذلك العلم بالنتيجة وهو ثبوت الحدوث للعالم وقد عرفت في ما تقدّم كون القضايا الشرعيّة من قبيل القضايا الحقيقيّة لاستلزام كونها من الخارجيّة محاذير فاسدة وتوالي باطلة منها لزوم الانشاءات الجديدة لكل موضوع بعدد كلّ فرد .

ومنها غير ذلك ممّا سلف سابقا الذي كان الالتفات إليه والتصديق به من قبيل المبادي التصديقيّة لهذا المقام من كون القضايا الشرعيّة من الحقيقيّة لا الخارجيّة .

ومن الثمرات المهمّة المترتّبة على كون القضايا الشرعيّة من القضايا الحقيقيّة دون الخارجيّة هو كون التخصيص عنوانيّا لا افراديّا ضرورة وضوح ان

الفرق بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة

ص: 187

التخصيص في الحقيقة انما يرد على المصب للعام ويكون تقييدا لاطلاقه الأحوالي مع بقاء العموم بعد على حاله . بخلاف الافرادي فانه مختص بالخارجيّة فحينئذٍ تكون نتيجة التخصيص في الخارجيّة هو خروج مثل العباء والفراش من تحت العام في قولنا كلّ ما في الدار نهب الا العباء والفراش بل لو فرض الخروج العنواني فليس الا اشارة إلى هذه المسميات الجامع بينها العنوان الانتزاعي لا الأصيل .

نعم يمكن تصوير التخصيص في الحقيقية باعتبار موت فرد واعدامه لكنه لا يوجب تعنون العام كما لا يوجب في الافرادي . الا انه سيأتي في الأبحاث الآتية دعوى المحقّق النائيني قدس سره ان مثل قولنا اكرم العلماء إلاّ زيدا أيضا يكون معنونا للباقي بعد التخصيص ويكون المراد أكرم العلماء الذين هم غير زيد .

وكيف كان . فاذا كان التخصيص عنوانيّا فتختلف سعة دائرة العام وضيقها بحسب المصب وتقييد اطلاقه الأحوالي وعدمه مع بقاء العموم وافادة مثل لفظةكلّ له على حاله . فهذه اللفظة باقية على افادتها معناها سواء كان واردا على عالم فقط أو على عالم مع خروج الفساق . وحينئذٍ فيكون التخصيص راجعا إلى التقييد كما في قولنا اعتق رقبة وقولنا لا تعتق رقبة كافرة فيوجب التقييد وتعنون الرقبة الواجبة العتق بغير الكافرة ولذا لم يعهد من أحد من الاصوليّين التمسّك باطلاق المطلق في الشبهة المصداقيّة على ما سيجيء بيانه .

ثمّ انك عرفت ان أنحاء العموم واختلافها انما نشأ من ناحية كيفيّة جعل الحكم والا فالعموم لا يختلف .

وقد عرفت عدم افتراق أقسام العموم باعتبار أنفسها بل العموم معنى فارد

ص: 188

وهو عبارة عن الشمول لكنه يختلف باعتبار كيفيّة لحاظ الافراد في جعل الحكم وأداته تارة يكون مثل لفظة كلّ واخرى مثل الجمع المحلى بالألف واللام وثالثة المفرد المحلّى باللام ورابعة النكرة في سياق النفي وأشباهها أمّا مثل الكل فلا اشكال في كونه عبارة عن الشمول لمدخول مصبه فبأي نحو أخذ المصب يدلّ هذه اللفظة على الشمول والعموم سواء في ذلك نفس هذه اللفظة أو ما يرادفها من ساير اللغات وهذا لا اشكال فيه .

انّما الكلام في ان ذلك يدلّ على المجموعيّة أو الانحلاليّة فحينئذٍ يكون لكلّ فرد اطاعة وعصيان يخصانه بخلاف العام المجموعي فانه يكون للمجموع اطاعة واحدة واذا اخل بفرد فلم يحصل الامتثال بل عصى لعدم اتيان المأمور به وهل يجري أصل عدم لحاظ المجموعيّة ؟ فيه تفصيل فانه ان كان المراد به الاستصحاب الازلي فهو قابل للاشكال لعدم فائدة فيه في ما هو محلّ الكلام .

نعم ربما يجري الأصل في حين اللحاظ واذا كان في مقام جعل الحكم لكنه قد يجري الأصل اللفظي ويكون الظاهر هو الانحلاليّة .وبيانه ان لحاظ المجموعيّة في الأفراد أمر زائد على أصل جعل الحكم عليها وكونها موضوعا له . فحينئذٍ لا مانع من كشف عدم المجموعيّة باعتبار عدم التقييد لكونه محتاجا إلى مؤنة زائدة وعدم احتياج الانحلاليّة إليها . لعدم كونها أمرا وجوديّا وإنّما هي انتزاعي هو عبارة عن عدم لحاظ المجموعيّة كما في الانفراد بالنسبة إلى الجماعة وذلك لعدم كون الانفراد أمرا زائدا على نفس الصلاة بل الجماعة فيها وصف زائد كما فيما نحن فيه .

هذا مضافا إلى ظهور الكلام في كونه بنحو الانحلال واختصاص كلّ فرد

الفرق بين العام الانحلالي والمجموعي

ص: 189

بحكمه بماله من العصيان والامتثال اللذين يتبعان الحكم بنحوه وهذا بلا فرق بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة .

نعم إنّما الفرق في جهة اخرى وهي كون الخارجيّة يشار بها إلى الأفراد الخارجيّة والذوات بخلاف الحقيقية فان الأحكام انما تترتب على الأسماء والعناوين لا المسميات على ما سبق بيانه . هذا في ما اذا كان اداة العموم لفظة كل وهل يجري هذا البيان في النكرة الواقعة في سياق النفي ؟ ربما يشكل ذلك لعدم كونها قابلة للمجموعيّة حيث ان العموم للافراد النجسة انما يتحقق من ناحية المقدمات بعد الحكم لا أنه لو خط العموم قبل ورود الحكم بل يمكن أن يقال بعدم قابليّة النكرة لذلك لما ذكرنا .

ثمّ انه على فرضه يستفاد منه كون العناوين للأشياء النجسة أو مطلق الأشياء ولو كانت طاهرة لا ينجس كلّها الماء اذا بلغ حدّ الكر . فربما يكون مفهومه انه اذا لم يبلغ ينجّسه كلّ فرد فرد . أو ان المفهوم حينئذٍ انه ينجسه شيء منها من النجاسات ان قلنا بعدم امكان عموم الحكم والمحمول لما لا يكون قابلاً له بالتنجيس فانه قرينة على كون الشيء هو النجس لا الطاهر أو لا ينجسه شيء ولوكان طاهرا .

وكيف كان فلا جدوى كثيرة فيه . إنّما الكلام في مثل الجمع المحلّى بالألف واللام فانه ربما يمكن أن يقال بدلالته على المجموعيّة باعتبار كون أقل الجمع ثلاثة لا الاثنين . فالعام مع قطع النظر عن الألف واللام يدل على هذا الجمع وان كان لهذا الجمع مراتب باعتبار الدرجات . الا ان الألف واللام الدالّ على الاستغراق يفيد استغراق مدخوله وشموله مع انه أخذ بنحو الجمع الذي لا ينطبق

ص: 190

على أقل من ثلاثة ولازمه عدم حصول الامتثال بما اذا أتى بأقل من الثلاثة فأكرمهم . ولو لم نقل باقتضاء الاطلاق في العلماء أقصى مراتب الجمع . هذا لكنه قد يقال هذا اذا كان دخول الألف واللام بعد اعتبار الجمعية الا انه لا وجه له بل نقول بورود كليهما أي علامة الجمع اللاحقة للآخر والألف واللام اللاحقة للصدر في مرتبة واحدة على الطبيعة وهو عالم وكذلك اذا قلنا بوضع العلماء بهيئتها لمعناه فتأمّل جيّدا .

تنبيه: عنون سيّدنا الاستاذ قدس سره تخصيص العام وان العام الذي خصّص هل هو مجاز أو لا وظهر من مطاوي البحث كونه من باب تعدد الدال والمدلول لا من باب المجاز . ثمّ البحث في استعمال العام وعدم ارادة عموم أفراده بل خصّص في الواقع وفي اللب الا انه لم يظهر في عالم اللفظ بالنسبة إلى المكلفين . فكان المحقق الخراساني قدس سره (1) يدعى كون العام في هذا الظرف بالنسبة إلى غير من وصل إليه انما هو ضرب قاعدة للعمل عليها خلافا للمحقّق النائيني قدس سره (2) . فاستشكل عليهبأنّ العام في هذا الظرف لا يفيد إلاّ الحكم الواقعي ولا يكون الحكم الظاهري الا ما أخذ في موضوعه الشك والعام ليس كذلك كما انه يشكل بلزوم التصويب وكون العالم بالتخصيص ورد في حقّه دون الجاهل وان رفع هذا الاشكال بكون موضوع الخاص ليس هو العالم به بل العالم بقولي هذا مثلاً لا العالم بالحكم فلا يرد اشكال من هذه الجهة كما انه ليس ينتج الا ان المحقّق النائيني قدس سره أنكر عليه بشدّة وانكار ان ذلك ضرب القاعدة . وكذلك استشكل ما نسب إلى الشيخ قدس سره من كون هذا جمعا

هل ارادة استعمال اللفظ والمعنى واحدة

ص: 191


1- . كفاية الأصول 2/405 .
2- . فوائد الأصول 4/736 وما بعده .

بين العمومات الواردة في لسان المعصومين السابقين عليهم السلام مع ورود الخصوصات في لسان الصادقين عليهما السلام بعدم تسليم ذلك . بل نقول بوصول الخصوصات لهذه العمومات أيضا للأئمّة السابقين ولم تنقل إلينا بل انما نقل العمومات .

ثمّ انّه وقع النزاع ظاهرا بين المحقّقين الخراساني والنائيني بكون الارادة في استعمال اللفظ وارادة المعنى أزيد من واحد وهناك ارادتان . فالخراساني يدعى تعددها والنائيني ينكر عليه لكن ينبغي أن يعلم ان تعدد الارادة في ناحية الاستعمال والمراد الواقعي ممّا لا يكاد ينكر ولا يمكن نسبته إلى المحقّق النائيني فالمستعمل ربما يتوجه إلى الألفاظ ويريدها ويريد استعمالها فلا يمكن انكار امكان ارادة استعمال الألفاظ وارادة معانيها منها .

نعم ربما حصل للانسان شدة انس بالألفاظ فيتلفظ بها حتى في حالات غير اختيارية بلا ارادة كما في حال النوم . وذلك خارج عن محل البحث . فهذه الارادة لا يمكن انكارها كما لا يريد المحقّق النائيني تحقّق ارادة معنى اللفظ حقيقة وواقعا وعدم امكان تخلف ارادة الاستعمال عن المراد والجد . فهذا أيضاغير مرتبط بمحلّ البحث اذ الجد والمراد الجدى غير مرتبط بارادة الاستعمال ولا مجال لانكارها .

وعلى كلّ حال فيمكن نظر المحقّق الخراساني إلى مثل المعنى المتحصل من المعاني الافراديّة وتعدّد الارادة بالنسبة إليها وانكار النائيني يكون في هذا الموضوع مثل ارادة الرجل الشجاع من قولنا اسد يرمى . وان هناك ارادتين . ارادة استعمال الاسد ويرمى في المعنى الافرادي وارادة الرجل الشجاع منه . وهذا

ص: 192

أيضا لا يمكن انكاره .

نعم يمكن توجيه الكلام وانكار تعدّد الارادة في مورد آخر قد أشرنا إليه سابقا وهو كون نظر المحقّق الخراساني من التعدّد تعدّد ارادة الاستعمال من اللفظ في مورد العام الذي يرد على المكلف ولا يدرك مخصصه إلى أن يموت فبالنسبة إلى ارادة الاستعمال اراد العام وبالنسبة إلى المراد الواقعي لا يكون هذا العام مطلوبا منه بل اريد من اكرام العالم خصوص اكرام العادل ولا يريد اكرام الفاسق . لكنه جعله حكما ظاهريّا بمعنى قاعدة مضروبة لهذا المكلف . ويمكن التمثيل له بموارد كنجاسة النواصب حيث انه بين في زمن اللاحقين من الأئمّة علیهم السلام وادّعى المحقّق الخراساني ان الغالب في ذلك ورود التخصيص بعد لكن لنا مناقشة في هذا ومورد انكار المحقّق النائيني هذا المقام حيث يشد عليه منكرا لتعدّد الارادة بل ليس الا المراد الواقعي الذي ينكشف بهذا العموم وأمّا كون اصالة الظهور أو العموم أو غيرهما حجة ليس إلاّ من باب بناء العقلاء فلا شكّ . بل يكون مؤدّى ذلك هو الحكم الظاهري ولو لم يكن مرادا في الواقع .

تتمّة الكلام: اعلم انه في مورد المجازات والكنايات بأنواعها وأقسامها من التخييلية وغيرها يستعمل اللفظ في المعاني المخصوصة غاية الأمر لا يكونالمراد نفس المعنى المستعمل فيه اللفظ بل تعلقت الارادة الواقعيّة اللبيّة بلوازمها أو ملزومها كما في مثل قولنا فلان كثير الرماد فان زيدا والكثير والرماد كلّها استعملت في معانيها الافرادية واريد بذلك لازم هذا المعنى وانه جواد فيما اذا كان هذه الكثرة اشارة إلى ذلك وكذلك في ما يقال رأيت حاتما ويراد بذلك في المراد اللبي الرجل الجواد وهذا يقول به الكل .

ص: 193

ثمّ انه هل يوجب التخصيص في ناحية العام مجازية أم لا ؟ وذلك بعد وضوح عدم كون الحقيقة والمجاز الا في ناحية الاستعمال . وهل يكون فرق بين التخصيص الانواعي والافرادي أم لا ؟ اختار كلّ مذهباً فمنها التفصيل بين الافرادي والأنواعي في المقام وان الافرادي يوجب المجازيّة حيث ان التخصيص الافرادي يكشف عن كون المراد بالعام المفردات الخاصة الخارجيّة وخروج بعض الأفراد منها يوجب مجازيته في استعمال الكل وارادة غير الخارج منها بخلاف التخصيص الأنواعي . فان قولنا اكرم كلّ عالم لم يستعمل الألفاظ فيه الا في معانيها فالعالم في معناه وكذلك الكل وأكرم إلى آخر الأوصاف . ولذلك اذا ورد لا تكرم الفساق منهم إنّما يوجب التضييق في ناحية اللب لا في ناحية الكل . فالكل باقٍ على معناه وشموله هذا . لكن يجاب عن هذا الاشكال في ناحية الافرادي بأن المقام ليس من قبيل القضيّة الخارجيّة التي لا يكون المراد به إلاّ الذوات . بل انما المناط تحقق العنوان أينما وجد بلا نظر إلى ان الذي ينطبق عليه زيد أو غيره فحينئذٍ يكون نحو انطباق الحكم على كلّ فرد على نحو القياس المستعمل في الشكل الأوّل . فيقال زيد عالم وكلّ عالم يجب اكرامه حسب ما ينطبق به قوله اكرم كلّ عالم . فهذا أي زيد يجب اكرامه . والفرق بين العام الاصولي الشمولي والمطلق الشمولي مثل أكرم العالم حيث يستفاد منه العموم لا من جهةدلالة الالف واللام بل من ناحية جريان المقدمات ان العام ولفظة الكل يراد به كلّ ما ينطبق عليه عنوان مدخوله ومصبه فيكون مرادا للحكم وهذا بخلاف المطلق ولذا يقدم العام على المطلق في موارد الاختلاف .

ان قلت: سلّمنا ذلك في الحقيقية ولكن لا يتمّ في الخارجيّة حيث انّ المراد

ص: 194

بالعنوان العامّ ليس إلاّ خصوص كلّ فرد فرد من مدخوله فاذا خرج فرد منها بالتخصيص فلابدّ من المجازيّة وارادة أقرب المجازات من العموم منه .

والجواب انه لا فرق في نحو الاستعمال بين الخارجيّة والحقيقيّة فما هو الجواب عن الحقيقيّة هو الجواب عن الخارجيّة وإن كان ملاك الحكم في الخارجيّة غير ما هو الملاك في الحقيقيّة فان في الاولى يكون لكلّ فرد ملاك يخصه كما في قولنا كلّ ما في الدار نهب أو كلّ من العسكر قتل بخلاف الحقيقية .

والحاصل انه لا اشكال في ناحية المجازيّة ولا يوجب التخصيص مجازيّة في مورد العام لا في الخارجيّة ولا في الحقيقية لا بنحو الانواعي ولا الافرادي .

فقد تبين ان في مورد الكناية والمجاز لم يستعمل الألفاظ الا في معانيها الافراديّة غاية الأمر ينعقد الظهور للكلام في ما هو ملزوم المدلول في ناحية الكناية وكذلك في ناحية المجاز . فذلك لا يوجب المجازيّة في الكلمة على ما سبق شرحه في الأبحاث السابقة حتى فيما اذا كان من قبيل انشبت المنية اظفارها مما شبه المنية بالسبع واسند الفعل الى لازمه فاستعمال اللفظ لم يحصل الا في معناه لكن المتحصّل من ذلك هو ما أراده القائل المستعمل . وعرفت ان تخصيص العام وإن كان أنواعيّا أو افراديّا لا يوجب المجازيّة في العام في ناحية استعماله كما ذكرناه سابقا وكذلك لا يخرج عن الحجيّة في الباقي بعد التخصيص الا ان الشيخ قدس سره ذهب إلى المجازيّة وجعل العام بعد التخصيص حجّة في الباقي وعللذلك بعدم المانع . واستشكل عليه ان ذلك لا يتمّ حيث انه بعد التخصيص بناء على المجازيّة والعلم بعدم كون الكلّ مرادا لا يكون معه وجود المقتضى فكيف ينفي المانع وذلك لان التخصيص يوجب عدم ارادة الكل بكليّته وبعد لا نعلم أي مرتبة

هل التخصيص يوجب المجازية

ص: 195

اريد منه مجازا لاختلاف مراتب الباقي . واصالة عدم التخصيص في مقام رفع المانع انما يتمّ جريانها بعد تماميّة الظهور للعامّ في الباقي ولم يحرز ذلك فلا يمكن بل يكون مجملاً بالنسبة إلى ارادة ما أراده ولا معين في البين لعدم الظهور حيث ان الظهور لابدّ أن يكون قطعيّا ولا قطع في المقام على المجازيّة .

لكن عرفت فساد ذلك وضعفه على ما حقّقناه بل لا مانع من جريان اصل عدم التخصيص بعد العلم بتخصيص المقدار المعلوم .

هذا كلّه في ما يتعلّق بكون العام المخصص حجّة في الباقي وان التخصيص يوجب المجازيّة أم لا .

ثمّ ان التخصيص تارة يكون بالمخصص اللبي واخرى بالمخصص اللفظي والكلام هنا في الثاني .

فاعلم انه تارة يكون المخصص مبيّنا بلا اجمال فلا اشكال في تقدّمه على العام في المنفصل كما ان في المتصل ينعقد الظهور بالنسبة إلى غير افراد المخصّص واخرى يكون مردّدا . وذلك على قسمين فتارة يكون بين المتبائنين كما اذا علمنا بعد قوله اكرم العلماء بقوله لا تكرم زيدا مع ان زيدا مردّد بين عالمين ولا نعلم أيّهما أراد . واخرى بين الأقل والأكثر مثل ما اذا لا ندري ان الفاسق هل يراد به خصوص مرتكب الكبيرة أو أعم منه ومن مرتكب الصغيرة دون مرتكب الصغيرة فقط . فحينئذٍ يفترق المقام بين ما اذا كان في المتصل فلا ينعقد الظهور في العام بالنسبة إلى المشكوك كونه من أفراد المخصّص أم لا . وبين ما اذا كان في المنفصلفانه يكون حينئذٍ في قوّة التخصيص الزائد على ما علم خروجه بالتخصيص الأول وهو خروج مرتكب الكبيرة . فالعام له سواءات عديدة كثيرة بالنسبة إلى الزمان

ص: 196

والزماني ويلاحظ في ذلك كلّ شيء ونقيضه فاذا خصص مرتكب الكبيرة فانهدم هذا السواء المخصوص به وخرج عن استواء وجوده وعدمه وبقي باقي السواءات على حالها فحينئذٍ لا مانع من التمسّك باصالة العموم بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة لانعقاد الظهور للعام . كما انه اذا شككنا من اول الأمر في خروج زيد العالم عن تحت العام لا مانع من جريان اصالة العموم بأن لا ندري ان زيدا الذي جعله موضوعا لعدم الاكرام في قوله لا تكرم زيدا هل هو زيد العالم أو زيد الجاهل فيكون مرجع الشكّ إلى الشكّ في التخصيص ولا مانع من اصالة عدمه وبذلك ينحل العلم الاجمالي ويوجب العلم بكون زيد هو الجاهل على ما سنبيّنه في محلّه .

خلاصة البحث ونتيجة الكلام:

قد عرفت ممّا ذكرنا ان تخصيص العام لا يوجب انهدام ظهوره في الباقي بعد التخصيص فهو يقبل التخصيص إلى حدّ لزوم الاستهجان بتخصيص الأكثر فحينئذٍ يقع التعارض بين الخصوصات والعام أو انه يخصّص العام بالمخصّص الأول ويعارض المخصص اللاحق .

وكيف كان فالتخصيص بالمتصل اذا كان مجملاً مردّدا بين الأقل والأكثر يوجب عدم ظهور العام الا في الأقل أمّا بالنسبة إلى الزائد المردد في ما اذا كان المخصص مرددا كذلك فلا ينعقد ظهور للعام . اما إذا كان التخصيص منفصلاً والعام قد انعقد ظهوره في العموم وكان المخصص مردّدا بين الأقل والأكثر الاستقلاليين كما اذا خصص منفصلاً بقوله لا تكرم الفساق من العلماء مثلاً فانّ الفاسق مردد بينخصوص مرتكب الكبيرة أو يشمل مرتكب الصغيرة . فحينئذٍ لا اشكال في لزوم

الفرق في التخصيص بين المتّصل والمنفصل

ص: 197

التخصيص بالأقل المعلوم . أمّا بالنسبة إلى المردّد الزائد فيتمسّك باصالة العموم للشكّ في التخصيص الزائد حيث ان العام مطلق بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني كساير المطلقات إذ لا يخلو واقع الأمر من كونه تقييداً بالنسبة إلى كلّ شيء بوجوده أو بعدمه أو ان الوجود والعدم بالنسبة إليه سواء . فحينئذٍ قد خرج في سواء مرتكب الكبيرة العام عن السوائيّة بل قيد بعدم كونه

أي مصبّه مرتكبا للكبيرة وبقي بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة على حاله للشكّ في التخصيص الزائد على ما علم بمرتكب الكبيرة فتجري اصالة العموم وبذلك نرفع الشكّ عن المردّد بين كونه مخصّصا للعام وعدمه على ما ذكرنا . وهذا لا اشكال فيه من أحد .

إنّما الكلام في ما اذا رجع الشكّ إلى الشبهة المصداقيّة للعام أو المخصّص بأن شككنا في ان مرتكب الذنب الفلاني مرتكب للكبيرة أم لا للشكّ في كون ذلك الذنب كبيرة بعد ان علمنا ان العالم الكذائي ارتكبه أو انه شككنا في أصل ارتكاب الذنب أو انه رأينا منه شيئا مرددا بين كونه كبيرة وعدمه .

والحاصل انه حصل الشك في فرد انه من مصداق المخصص حتى يكون حكمه عدم الاكرام أو من العام الباقي تحته كي يجب اكرامه . فقد وقع النزاع فيه وانه يجوز التمسك بالعام لاحرازه كونه محكوما بحكمه أم لا ومن المسلم ان الثمرة انما تظهر اذا كان الطريق منحصرا بالتمسك بالعام ولم يكن هناك أصل موضوعي لاحراز العام مع عنوان نقيض المخصص . ولم نقل بجواز التمسّك بقاعدة كلّ حكم علق أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضده إلى أن يثبت ذلك الأمر الوجودي . وكذا لم نقل بقاعدة المقتضى والمانع ولا كان مورد الجزء بالوجدان

ص: 198

والاخر بالأصل كما في مورد الحكم بالضمان في التصرّف في مال الغير فان التصرف معلوم بالوجدان والرضا مسبوق بالعدم فيحصل الحكم بالضمان لاحراز موضوعه بذلك فلا وجه للاشكال على الشيخ قدس سره في ذلك والذي استقرّ عليه آراء المعاصرين ومن قارب عصرهم على العدم . ويظهر من بعض المتقدمين ومن السيّد الاصفهاني السيّد أبوالحسن قدس سره الجواز في مسئلة الماء المشكوك(1) انه متصل بالمادة أم لا فحكم بالنجاسة بملاقاة النجس .

ثمّ ان مختار المحققين الخراساني والنائيني على العدم وصرح في الكفاية(2) ( قال فان الخاص وان لم يكن دليلاً في الفرد المشتبه فعلاً الا انه يوجب اختصاص حجيّة العام في غير عنوانه من الافراد ) والمراد بمرجع الضمير في قوله اخيرا في غير عنوانه أي غير عنوان المخصص وقال بعده فيكون أكرم العلماء دليلاً وحجّة في العالم الغير الفاسق الخ ) ووجه عدم جواز التمسك به للمشتبه واضح حيث ان التخصيص انما يوجب تقييد دائرة مصب العام ومدخول أداة العموم مع بقاء الكلية بحالها حيث ان الكلام في التخصيص الاحوالي لا الافرادي فحينئذٍ يوجب تعنون العام بنقيض عنوان الخاص وكونه مغايرا له لا بعنوان ضده فيكون معنى الكلام ومفاده اكرام العلماء غير الفساق لا العلماء العدول ويثمر الوجهان في جريان الأصل فحينئذٍ يكون موضوع الحكم مركبا من جزئين أحدهما العام والآخر عدم كونه فاسقا أو كونه غير فاسق . فكما انه لا يجوز التمسك بالعام في ما اذا شككنا في فرد انه مصداقه بلا كلام كذلك في ما هو جزء

عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة

ص: 199


1- . وسيلة النجاة فصل في المياه .
2- . كفاية الأصول 1/342 - 343 .

موضوعه . اذ لا اشكال في عدم امكان احراز الصغرى بالكبرى فلا يجوز التمسك بقوله تعالى انما الصدقات للفقراء(1) على اثبات انّ زيدا المشكوك كونه فقيرا فقير لعدم تكفل العام لاثبات واحراز افراده وكذلك الأمر في احراز عدم كون الفرد المشتبه فاسقا اذ بعد تعنون العام لا مجال للاشكال والشبهة في عدم الجواز .

نعم للقائل بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة منع هذا المبنى وان التخصيص لا يوجب تعنون العام ولا يكون كالتقييد في قولنا اعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة بل حكمه حكم موت فرد من الأفراد . ولا اشكال في عدم ايجابه لاتصاف الباقي بكونهم غير زيد الميت مثلاً لكن هذا على تقدير تماميّته انما يثمر في التخصيص الافرادي في القضيّة الخارجيّة لا الحقيقيّة ضرورة عدم امكان كون فرد وصفا لفرد آخر وجودا وعدما الا برجوعه إلى العنوان الانتزاعي وحينئذٍ فللقائل مجال دعوى ان المتيقن خروجه من تحت دائرة العام هو زيد المعلوم . اما بالنسبة إلى حاله مثلاً فنشكّ في التخصيص الزائد فنتمسّك بالعموم حيث ان العام تمام الموضوع للحكم . لكن يرد عليه حينئذٍ انه لا موجب لخروج المتيقن في صورة العلم بالمصداق أيضا اذ لا فارق بينه وبين صورة الاشتباه في الفرد المشتبه إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة المترتبة على هذا المبنى بل المرجع في هذا التخصيص إلى التقييد الذي لم يخالف ولا يخالف فيه أحد انه يوجب التقييد وعدم جواز التمسك بالعام . هذا الا انه يمكن القول بجواز التمسك بالعام في المصداق المشتبه في المخصص اللبي اذ ليس لفظا كي يتمسك باطلاقه وعلم بوروده على مصب العام فيكون جزءا للموضوع . بل انما هو بحكم العقل ولا حكم له في صورة

ص: 200


1- . سورة التوبة الآية 61 .

الشك وحينئذٍ لا يكون العام مخصّصا الا بالمصاديق المعلومة دون المشتبه كما اذا قال ليدخل داري جيراني ونعلم بحكم من العقل عدم رضاه بدخول عدوّه داره وعندئذٍ لا يمكننا منع دخول المشتبه عداوته له في داره من جيرانه بل العرف والعقلاء يذمون المانع من دخول المشتبه ويجوزون له الدخول أخذا بحكم العام ومجرّد احتمال انه عدوه لا يوجب وقفتهم في الحكم بعدم الدخول .

تكميل وتوضيح: قد أشرنا إلى ان التخصيص الانواعي يعنون العام ومعه يكون موضوع الحكم مقيدا ومعنونا اذ تارة يكون التخصيص بما يرجع إلى العنوان الاشتقاقي أي حالات الموضوع ككونه عادلاً أو فاسقا نجفيّا هاشميا أو غير ذلك واخرى يرجع إلى التركيب فيما اذا لم يكن عرضا لمحل . والكلام هنا في الأول وهو ما يكون التخصيص بما يرجع إلى تقييد مصب العام . ولا اشكال في ان التخصيص حينئذٍ يوجب تقييد العام وتعنونه على ما ذكرنا . ومعه لا مجال للتمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة اذ كما انه لا يجوز التمسك بالعام في قولنا أكرم العلماء لوجوب اكرام من شك في كونه عالما كذلك لا يجوز التمسك به في وجوب اكرام من شك في فسقه بعد احراز كونه عالما . وذلك لأن عنوان غير الفاسق في ما اذا خصص العام بالفساق صار جزءا للموضوع ولا يجوز التمسك بالعام لاحرازه كما في الجزء الأوّل وهو كونه عالما بلا فرق . لما عرفت من رجوع هذا القسم من التخصيص الى التقييد وتسميته تخصيصا تغيير اصطلاح ولم يعهد التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقيّة للمقيّد من أحد من العلماء .

الا ان القائلين بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة لكونه فردا للعام غير المخصص أو من أفراد المخصص ركنوا في القول بذلك إلى وجوه ثلاثة على

أدلّة القائلين بجواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة

ص: 201

سبيل منع الخلو:

أحدها قاعدة المقتضى والمانع فان العام من قبيل المقتضي لوجوب الاكرام وعنوان المخصّص من قبيل المانع . فمع الشكّ في كون العالم المشتبه انه فاسق قد احرز في حقه وجود المقتضي وشك في المانع من اكرامه فيجب اكرامه لقاعدة المقتضى والمانع لعدم ايجاب التخصيص تعنون العام بل انما يمنع من تأثير المقتضي وهذا الدليل مركب من جزئين:

أحدهما كون المقام من موارد المقتضي والمانع ولنا أن نمنع ذلك فان الظاهر كما ذكرنا كون الخاص موجبا لكون العام جزءا للموضوع والمقتضي . سلمنا لكنه يحتمل كونه من قبيل جزء الموضوع فلا تتم الدعوى .

ثانيهما تمامية قاعدة المقتضى والمانع وهي محل المنع فهذا الدليل لا صغرى له ولا كبرى .

الدليل الثاني: كون العام والخاص من قبيل الحجّة واللاحجّة فان العام حجّة على اكرام مطلق العالم في أي حال كان من كونه عادلاً أو فاسقا أو غيرهما والخاص انما أوجب عدم اكرام الفساق من العلماء وحرمته . فبالنسبة إلى الفرد المشتبه قد احرز كونه عالما وشمله قوله اكرم العلماء ولا نعلم شمول لا تكرم الفساق له لاحتمال عدم كونه فاسقا فيحكم بوجوب اكرامه .

وهذا أيضا واضح الضعف . اذ الخاص أوجب ذهاب الاطلاق من أكرم العلماء وتقييده بغير الفاسق . اذ قوام الاطلاق الحاصل من ناحية جريان مقدمات الحكمة عدم البيان وحيث ان الخاص بيان فلا مجال حينئذٍ لبقاء الاطلاق . بل انما هو خيال العموم والاطلاق فلا وجه للتمسك بعموم أكرم العلماء في وجوب اكرام

ص: 202

المشتبه .

نعم ربما يحرز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل كما اذا شككنا فيصدور الفسق منه أو في بقاء عدالته فيستصحب ويحرز الموضوع بالوجدان والاصل لكن هذا لا ربط له بالحجة واللاحجة .

الوجه الثالث الذي أوردوه بطريق المانعين من التمسك بالعام في مورد الكلام لزوم اختلال كثير من أحكام الفقه كما في باب الضمان حيث يقولون ان الأصل في اليد الضمان مع انها على قسمين أماني وغير أماني . وبعبارة اخرى عادية وغيرها أو عارية وفيما يشكّ كونها أمانة أو عارية يحكمون بالضمان مع عدم احراز كونها عدواناً بل يحتمل عدمه . وهذا إنّما يتمّ في ما اذا لم يكن وجه لباقي القواعد الجارية في امثال المقامات كما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده اذ هذه القاعدة أيضا ليس لها مستند ركين وقاعدة تعليق الحكم على أمر وجودي والحكم عليه بحكم ضده إلى ان يثبت ذلك الأمر الوجودي . اذ لا مجال لها في المقام لكون الاماني أيضا كذلك فكلا الطرفين علّقا على أمر وجودي . وكذا لا مجال لقاعدة المقتضى والمانع فحينئذٍ ينحصر الوجه بالتمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة حتى ان تصحيح الضمان بضم الوجدان الى الأصل لا يتم اذ لا يثبت كيفيّة حدوث اليد ولا حالة لها سابقة فالعدم المحمولي لا ثمرة فيه وما يثمر من العدم النعتي لا يجري .

والجواب عنه عدم كون المقام من الموارد التي نحتاج فيها إلى التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة لعدم كون العام معنونا بعنوان لا يمكن اثباته بالأصل بل انما ثبت من الخارج ان اتلاف مال الغير موجب للضمان فما علق على أمر

بعض أدلّة القائلين بجواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة

ص: 203

وجودي ويكون له الأثر هو ما يوجب الضمان ولا يترتب الأثر على غيره مما لا ضمان فيه ويمكننا اثبات الضمان بضم الوجدان إلى الأصل لكون الرضا وعدمهأمرين قائمين بنفس المالك للمال والتصرف انما هو عرض للمتصرف فلا مانع من استصحاب عدم الرضا الكائن قبل التصرف وجرّه الى حينه والتصرف ووضع اليد على المال أمر وجداني فيحصل موضوع الضمان . ويمكن ارجاع ذلك إلى العرض للمحل حيث ان الاذن من المالك يوجب حصول عنوان المأذونيّة للمال كما انه متصرف فيه .

وكيف كان فنحن في غنى عن ما ذكر ولا نحتاج إلى التمسك بالعام في ذلك المقام فربما نلتزم بكون الأصل عدم الضمان لكونه محتاجا إلى الاثبات وعدم كفاية العدم الأزلي .

والحاصل انه لا يتمّ الدليل على التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة .

نعم يمكن هذا الكلام في مثل التخصيصات الافراديّة مثل أكرم العلماء إلاّ زيدا وذلك لعدم كون الجوهر وصفا عرضا لجوهر آخر فلا يعنون العام هناك فمجال للتمسّك بالعام في الفرد المشكوك . ويمكن القول بكونه من قبيل الحجّة واللاحجّة لوجوب اكرام العالم وإنّما الخارج زيد ولم يعنون العام بكونه غير زيد فلا وجه للكفّ عن اكرامه أي المشكوك بذلك في التخصيصات الافراديّة . الاّ ان المحقّق النائيني قدس سره لم يلتزم بذلك فيها أيضا بل جعله معنونا بعنوان غير زيد أيضا واعترض على القائلين بجواز التمسك في الانواعي بانهم أخذوا نتائج الكبريات في القضايا الحقيقيّة المحتاج إلى تأليف القياس مع لزوم احتياج انطباق العام بحكمه على الافراد إلى تأليف القياس فحينئذٍ لا وجه للتمسّك بالعام نفسه في

ص: 204

مورد المشتبه كونه من أفراد المخصص كما ان في الافرادي اذا لم نقل بالتقييد يكون تقدم المخصص على العام بالحكومة لا التعارض .

نتيجة البحث: قد عرفت حكم التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة فيما إذا كان ذلك حسب القضيّة الحقيقيّة سواء في ذلك التخصيص الانواعي أو الافرادي وانه لا يجوز في كليهما . اما في القضيّة الخارجيّة سواء كان بنحو الأنواعي أو الافرادي فقد يدعي جوازه بتقريب أن يقال ان القضيّة الخارجيّة ليست الا اشارة إلى الافراد الخارجيّة ويشار بالعنوان إلى ذواتها كزيد وبكر وعمرو وخالد وأمثال ذلك واخراج فرد منه بالتخصيص ثمّ الشكّ في مصداقه انّما يحقّق الشك في انه زيد أم لا فحينئذٍ قد علم حكم العام بوجوب اكرام زيد وشك في اخراجه فاصالة العموم محكمة في وجوب الاكرام وعدم جواز الاهمال بذلك اذ ليست كالقضيّة الحقيقيّة .

وفرق المحقّق النائيني(1) بين ما لو قال اكرم هؤلاء ثم اشار إلى جماعة بقوله لا تكرم هؤلاء وبين ما اذا قال أكرم هؤلاء ثمّ حرم اكرام عشرة وشك في كلا المقامين من خروج زيد ودخوله في واجب الاكرام . فانه يجعله في المثال الأول من المشتبه المفهوم حيث انه يجهل ما المراد بالمخصص . بخلاف المثال الثاني فانه قد علم بالمقدار الذي هو العشرة وشك في دخول زيد في العشرة أو خروجه عنها ففي الأوّل لا مانع من التمسك بالعام في المشتبه انه دخل في هؤلاء الأوّل أو الثاني وفي الثاني قد علم بخروج عشرة مسلما ولا تردّد في مقدار الخارج وانما الشك في زيد انه منها أو لا . فحينئذٍ يكون من المشتبه المصداق ومعه لا مجال

نتيجة الكلام

ص: 205


1- . فوائد الأصول 1/527 .

للتمسك بالعام بخلاف الصورة الاولى والمثال الأوّل لما عرفت .

الا ان سيّدنا الأستاذ قدس سره استشكل في المثال الثاني بأنّه أيضا كالمثال الأوّلأذ تردّد العشرة بين كونها من في الجانب الشرقي أو في غيره يوجب كونه أيضا كالصورة الاولى كما انّه كذلك الأمر فيما إذا علم الاشارة إلى جماعة ولكنه تداخلوا مع المستثنى منه . وبالجملة فالعلم بخروج عدّة أفراد من هؤلاء الذين أوجب اكرامهم أوّلاً يمنع من جواز التمسّك بالعام في الموردين ولابدّ من الرجوع إلى الأصول العمليّة . فاذا كان هناك أصل موضوعي يعمل عليه وإلاّ فيرجع إلى الأصل الحكمي الاّ انه في المقام يكون الدوران بين الوجوب والحرمة . وحيث دار بين المحذورين فلا مجال للحكم الشرعي بل يكون مخيّرا عقلاً فانه اما فاعل أو تارك خارجا وحينئذٍ فحكم الشرع بالتخيير يكون من باب تحصيل ما هو الحاصل بالوجدان بالتعبد وهو محال كما انه لا مجال للقرعة وإن قيل بها في ما إذا طلّق احدى زوجاته بقوله احديهنّ طالق وذلك لعدم قصده إلى أحديها بالخصوص ومعه لا مجال للتعيين بالقرعة وإن قيل بها في الشبهة المحصورة في مثال الانائين المشتبهين .

وملخص الكلام في القضيّة الخارجيّة . ان الفرق بينها وبين الحقيقيّة بعدم احتياج الخارجيّة إلى تشكيل القياس في تطبيق الحكم بخلاف الحقيقيّة لا يوجب جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة . فلابدّ لكليّته سواء كان في الحقيقيّة أو

الخارجيّة من الرجوع إلى الأصول الموضوعيّة إن كانت . وإلاّ فالى الأصل الحكمي . وقد عرفت الاشارة إلى جملة من الأصول الموضوعيّة كقاعدة المقتضى والمانع وقاعدة كل أمر علق على أمر وجودي أو احراز الجزء بالوجدان والآخر

ص: 206

بالأصل كما في الضمان في اليد على ما تقدّم .

ثمّ انّه قد يدعي وجود الأصل الموضوعي في غالب الموارد ويتمسك

باستصحاب المشكوك في حالته السابقة مع كونه فردا للعام بالوجدان . لكن لايخفى انه لابدّ من انطباق الضابط عليه .

والمحقّق النائيني قدس سره وان أشار إلى ذلك في عدّة موارد . الاّ ان ملخص كلامه في هذا المعنى هو انه تارة يكون الموضوع مركبا وأخرى مقيّدا . فان كان مركّبا فمعه مجال للذهاب إلى احراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل . وإلاّ فان كان مقيّدا بان كان عرضا ومحلاً فلا يجوز إلاّ فيما إذا كان متيقن الحالة وجودا أو عدما . فالمرئة المشكوكة انها من قريش لا مجال لاستصحاب عدم قرشيتها لعدم العلم بحالتها السابقة لذلك وجودا وعدما نعتا . اما العدم المحمولي فلا فائدة فيه .

اذ المرئة اما ان توجد قرشيّة أو لا وحينئذٍ فلا حالة متيقنة لنا كي يحرز ذلك بالأصل في مقام الشك . بل لو علمنا حالتها السابقة حال الولادة فلا شكّ لنا في بقائها على تلك الحالة وأمّا استصحاب عدم الانتساب إلى قريش الذي كان قبل وجود المرئة فلا فائدة فيه اذ اثباته لعدم كون هذه المرئة المشكوكة من قريش يحتاج إلى تمامية الأصل المثبت في ما هو لازم عقلي للمستصحب وقد ثبت في محلّه عدم تكفّله لهذه الجهة .

والحاصل فقد عرفت عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة مطلقا بلا فرق في ذلك بين المتصل والمنفصل على ما تقدم .

نعم اذا كان هناك أصل موضوعي يمكن احراز كون المشكوك من أفراد العام غير المخصّص أو من أفراد المخصّص فيعمل عليه . ولا مورد للاصول

إذا كان هناك أصل موضوعي

ص: 207

الحكمية . والا فالمجال لجريانها .

وفرق المحقق الخراساني قدس سره (1) بين المخصّص المتّصل والمنفصل فذهب فيالمتّصل إلى انه يعنون العام بعنوان غير الخاص بخلاف المنفصل وإنّما يوجب المخصّص المنفصل أظهريّته أو حكومته رفع اليد عن حجيّة العام أو ظهوره بالنسبة إلى أفراد المخصّص ولا يعنون العام فيه أصلاً . وكذلك الكلام في المخصّص المتّصل الذي يكون كالاستثناء وهذا الذي أشرنا إليه في المنفصل هو مراده قدس سره من عبارته في كفايته حيث يقول(2) ( ان الباقي تحت العام بعد تخصيصه

بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص كان احراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد الا ما شذّ ممكنا الخ فقوله بعنوان خاص بطريق الوصف والموصوف لا باضافة العنوان إلى الخاص وقوله ( بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص ) أيضا معناه نفي تعنون العام بعنوان مغاير لعنوان الخاص بطريق اضافة العنوان إلى الخاص .

الحاصل: انه لا يعنون العام فيما اذا خصّص بالمنفصل أو كالاستثناء في المتّصل بعنوان خاص حتّى العناوين المغايرة لعنوان الخاص بأن يتّصف بعدم كونه ذاك العنوان أي الخاص . بل إنّما يقدّم عنوان الخاص على العام لأظهريته عليه وقد عرفت الاشارة في كلامه قدس سره إلى امكان احراز المشتبه بالعام والاصل الموضوعي وذلك كما في مثل المرئة غير القرشيّة حيث انه ورد بعض المطلقات

ص: 208


1- . كفاية الأصول 1/335 وما بعده .
2- . كفاية الأصول 1/346 .

بأن المرئة(1) تحيض بلا قيد . وورد(2) أيضا ما يظهر منه كون نهاية الحيض فيالغالب خمسين سنة الا انه قد خصّص ذلك منفصلاً بما(3) إذا كانت المرئة قرشيّة . فانّها تحيض إلى ستّين وبعده يكون الدم استحاضة كما في غيرها بعد الخمسين . فحينئذٍ لم يعنون العام في ناحية غير القرشية بكونها غير قرشيّة . بل خروج القرشيّة انما أوجب ضيقا في دائرة الموضوع . وعليه لا مانع من اجراء اصالة عدم الانتساب إلى قريش وعدم كونها قرشيّة في كون المرئة المشتبهة تحيض إلى خمسين بعد كونها مرأة وجدانا وحيث لا أصل هناك يحرز كونها قرشيّة أو غيرها فلابدّ من اجراء اصالة عدم الانتساب . وما ذكرنا من احراز كون المشتبه مرئة غير منتسبة إلى قريش ليس بنحو يكون هذا قيدا له ولا نعتا ولا وصفا بل المراد مجرّد حصول هذين الأمرين وجود المرئة وعدم الانتساب إلى قريش .

نعم في ناحية الأمر الثاني لابدّ من كون عدم الانتساب بالنسبة إلى هذه المرئة إلاّ انه لا بعنوان التقييد ولا الاجتماع وبالجملة فليس عنوان عدم الانتساب بعنوانه مأخوذا في موضوع الحكم ولا بالوصف الانتزاعي . بل التعبير بذلك إنّما هو لضيق العبارة وقصورها وإلاّ فليس ذلك من جهة كون المرئة متصفة بعدم الانتساب إلى قريش .

والحاصل: انّه يجري في هذا المقام اصالة عدم الانتساب إلى قريش المتيقنة قبل وجود المرئة في رتبة الماهية حيث انها لا وجود ولا عدم . بل انما

جريان أصل عدم القرشيّة

ص: 209


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 2 / 1 - 2 من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 3 / 1 - 2 من أبواب الحيض .
3- . وسائل الشيعة 2 الباب 31 / 1 - 3 - 6 - 2 - 5 - 7 - 9 من أبواب الحيض .

يعرضان عليها فكذلك الأوصاف والعوارض الطارية عليها كالانتساب إلى قريش وعدمه . فانه يعرضها أيضا مقارنا لوجود المرئة ورتبتها رتبة المحمولات الاوليةفان العوارض اما ان تعرض الماهية بعد وجودها أو مقارنة معه . وحينئذٍ فيترتب على ذلك آثار المرئة غير الخارجة عن تحت العام بعد شمول العام وجدانا لها كما انه يجري اصالة بقاء زيد على العدالة بعد احراز كونه عادلاً سابقا في ما اذا علمنا بعلمه وشك في عدالته وكان ترتب الأثر على كونه عالما عادلاً .

تكميل وتلخيص: قد عرفت ان المحقّق صاحب الكفاية قدس سره (1) ذهب في المخصص المنفصل والاستثناء من المتصل إلى عدم تعنون العام بعنوان خاص كعنوان غير المخصص وضده . كما انه قبل أن يدخل في الايقاظ قد ذكر عدم جواز التمسك بالعام لاحراز المصداق المشتبه بعد أن فرق بين اللبي واللفظي وارجع رفع الحيرة في مقام الشك إلى الأصول العمليّة حسب ما يقتضيه المقامات من البرائة والاحتياط . مع انه اذا لم يعنون العام فيكون نفسه تمام الموضوع للحكم ولا جزء له ولا وصف كي يتركب منهما كما في العالم العادل . بل الخاص حيث انه أظهر من العام يكون حاكما عليه في عدم الاكرام وحرمته . فاذا قال أكرم العلماء وقال بدليل منفصل لا تكرم الفساق من العلماء فيكون نتيجة الكلامين هو وجوب اكرام العالم وقد أخرج من هذا خصوص الفساق . لكن لم يقيد العام بغير الفاسق بخلاف ما اذا قال لا تكرم الفساق فحينئذٍ يكون التعارض بين العامين وليس أحدهما أظهر من الآخر فالكلام إنّما هو في مثل العام والمخصّص لا

ص: 210


1- . كفاية الأصول 1/346 .

العامين من وجه خصوصا اذا كان التخصيص بمثل زيد فانه ليس زيد من حالات العلماء . ففي ما اذا اشتبه فرد انه زيد أم لا فيكون العام شاملاً له بعمومه اذ الفرضانه لم يقيد فلم لا يكرم بمجرد الشك في انه زيد الخارج . فلابد اما من التقييد ولا يقول به أو التركيب بأن يكون الموضوع مركبا من العالم وعدم كونه فاسقا . لا أن يكون عدم الفسق قيدا ونعتا للعام ولذا لا يعبّر باكرام العالم الذي ليس بفاسق . أو يقال بعدم التقييد ولا التركيب بل هناك قسم ثالث وهو رفع الحكم عن بعض الموضوع لا تقييده وتضييقه من أول الأمر وعلى هذا فلابدّ من بيان حكم صورة الشك .

فنقول: ان التخصيص تارة يكون فرديّا كما مثلنا باكرم العلماء إلاّ زيدا فحينئذٍ في صورة اشتباه الفرد انه زيد أو عمرو الذي يجب اكرامه ليس في البين أصل موضوعي يحرز انه زيد أو عمرو بل الأصل لو جرى في عدم كونه زيدا كذلك يجري في نظيره وعدم كونه عمرا فلا محيص من الرجوع إلى الأصول الحكميّة وحيث انه اشتبه بين واجب الاكرام وحرام الاكرام في فرد أو فردين بأن انحصر مورد الشبهة فيهما مثلاً . فامّا أن يقال بالقرعة أو يقال بتقديم الامتثال الاحتمالي على المخالفة القطعيّة . والموافقة القطعيّة حيث انه اذا تركهما أو أكرمهما فيعلم بارتكاب حرام وامتثال واجب في البين بخلاف ما اذا أتى باكرام واحد وترك الآخر فانه لم يخالف قطعيّا بل امتثل احتمالاً .

هذا . واما اذا كان التخصيص بمثل قوله أكرم العلماء ثمّ أخرج الفسّاق وقلنا بعدم التقييد كما هو المفروض فلا يمكن أن يقال ان تمام الموضوع هو خصوص العالم مع خروج الفساق عن تحت الحكم . فلا جرم يكون الموضوع مركبا كما

فيما يكون الموضوع مركباً

ص: 211

هو قدس سره على هذا صرح في طي الايقاظ بجريان الأصل لتنقيح موضوع العام . مع انه قد صرّح بعدم تعنونه بعنوان قبل هذا . وحينئذٍ فيجري اصاله عدم الفسق المحموليويترتب عليه الأثر بلا اشكال . وأمّا جريانه في المثال المعروف من المرئة القرشيّة فيقال انه قد ورد في بعض(1) الروايات المرئة ترى الحمرة إلى خمسين وقد ورد في آخر(2) ان القرشية ترى إلى ستين فيكون الثاني في حكم المخصص من الأول ويكون موضوع الأول المرئة لكن لا اذا كانت قرشية فيجري اصالة عدم الانتساب إلى قريش والمرئة محرزة بالوجدان وعدم كونها قرشية بالأصل والاستصحاب العدمي سواء كان في باب الحيض أو بالنسبة إلى أخذ الزكوة لها ( أو له ) .

نعم لا يفيد ذلك بالنسبة إلى أخذ الخمس لعدم احراز هاشميتها بذلك كما ان الأمر كذلك بالنسبة إلى مطلق الفقراء في جواز أخذ الزكوة مع خروج شارب الخمر أو مطلق الفاسق من تحت هذا الحكم . والوجه في الكل ان حكم المنفصل كالاستثناء فكما ان مثل الاّ لا يعنون الباقي تحت الحكم بعنوان غيره أي المستثنى كذلك الكلام في هذه الموارد .

واستشكل المحقق النائيني قدس سره في عدم اجراء المحقق الخراساني أصل عدم القرشيّة واجرائه أصل عدم الانتساب مع انه يحتاج إلى الاضافة إلى قريش وأجاب سيّدنا الاستاذ قدس سره بترتب الأثر على المرئة القرشيّة هذا ما رأه المحقّق الخراساني وذهب إليه في هذا المقام .

ص: 212


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 31 / 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 7 من أبواب الحيض 5 - 9 .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 1 - 8 / 31 من أبواب الحيض .

تتمة: قد تقدم بيان مرام المحقق الخراساني قدس سره في التخصيص المنفصل أو كالاستثناء من المتصل في انه لا يعنون العام بعنوان غير الخاص على ما سبق فيتفسير عبارته في الايقاظ وقوله ( بل بكل عنوان لم يكن ذاك عنوان الخاص ) يمكن أن يكون عطفا على ما سبق في قوله ( لم يكن معنونا بعنوان خاص وليس اضرابا بل كلام منفي . ومعناه انه كما لا يعنون بعنوان خاص كذلك لا يعنون بأيّ عنوان فرض مغايرا للخاص كما انه يمكن أن يكون المراد به انه يعنون بكلّ عنوان يمكن أن يعنون به لكن لا يعنون بعنوان ضد الخاص . وليس معناه انه يعنون بكل عام حتى المتضادات والمتناقضات ضرورة فساده ( أقول بل المراد من قوله ( بل هو ) الاضراب ويراد به انه يكون العام معنونا بكلّ عنوان والمراد بذلك الاشارة إلى العمومات الخاصة الا انه يكون العنوان غير عنوان الخاص لا تقييدا بل بما بين بقوله لم يكن عنوان الخاصّ ) فحينئذٍ في صورة الشك في المصداق الباقي تحت العام أو في الخارج عنه يمكن احراز الموضوع بمعونة الأصل الموضوعي كما في المرئة الخارجة منها القرشية بناء على ما ورد(1) من بيان حد رؤيتها الحمرة وانه إلى خمسين ثم ورد(2) ما يدلّ على رؤية القرشية إلى ستين المخصص للدليل الاول ويجري الاستصحاب العدمي في عدم ثبوت الانتساب إلى قريش الذي كان في الأزل وشك في تبدّل هذا العدم إلى الوجود . وانه كانت المرئة قرشية أم كانت ولم تكن قرشية أي منتسبة إليه . فالأثر انما يترتب على العدم المحمولي بلا احتياج إلى اتّصاف المرئة بأنّها غير قرشيّة . بل مجرّد عدم

ص: 213


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 31 / 1 - 2 - 3 - 5 الى 7 من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 31 / 5 - 9 من أبواب الحيض .

ثبوت الانتساب إلى قريش كما في مثل موضوع الضمان فانه تصرف في مال الغير وعدم رضا صاحبه وهما من المقارنات التركيبيّة لا ممّا يقبل الاتصاف وذلك لانهان لوحظ عدم انتساب هذه المرئة إلى قريش فيخرج عن المحمولي ويكون نعتيا مع ان النعتي لا يمكن أن يتحقق إلاّ بعد وجود الموضوع . اذ حينئذٍ يكون نعتا ووصفا والا فقبله لا وصف ولا موصوف وانما لم يجر قدس سره اصالة عدم كونها قرشية لانها في معنى تعنون العام بعنوان ضد الخاص مع انه خلاف مبناه .

هذا ملخص ما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدس سره وأورد عليه المحقق النائيني طاب ثراه(1) بأنّه بعد اخراج المرئة القرشيّة من تحت حكم العام فلا محالة تتضيق دائرة العام ولا يمكن أن يبقى على اطلاقه الكائن قبل ذلك . وانه سواء كانت هذه المرئة قرشيّة أم لا وحيث انه لا اطلاق له . فامّا أن يقال بعدم الاطلاق ولا التقييد

وذلك محال فانه في معنى الاهمال . فينحصر الأمر في التقييد بغير القرشيّة اذ لا يمكن بقاء الموضوع على حاله من الاطلاق وشمول القرشيّة .

ثمّ انّ القيود على قسمين فتارة تكون من الأوصاف والنعوت كالعلم والجهل والعدالة لمحالها وكالشخصيّة الايرانيّة والكبيرة وغيرها من الأوصاف واخرى تكون من المقارنات كحرارة الهواء وبرودته وعلم زيد بالنسبة إلى المرئة وغيرها فالقسم الأول يكون من التقييد . والثاني من التركيب كما انه لو لم يكن مطلق حصول الجزئين للمركب مرادا بل يراد تقارنهما في الزمان فلابد من دخل عنوان الاجتماع . وحينئذٍ فنقول القرشيّة كغيرها انما تكون من الأصاف والنعوت للمرئة فلا جرم يكون العام معنونا بعنوان غير القرشية بسبب التخصيص بالقرشية

ص: 214


1- . فوائد الاُصول 1/534 إلى 536 .

وعليه فلا أصل يحرز كونها غير قرشية والاستصحاب العدمي المحمولي لا يثبت لازمه العقلي من الاتصاف بعنوان غير القرشية .

هذا اجمال ما أورد المحقّق النائيني عليه على مبناه قدس سره في ضابط التركيبوالتقييد وان المقام من الأول .

لكنه ربما يمكن الخدشة في ذلك كبرى وصغرى .

توضيح كلام المحقّقين الخراساني والنائيني: قد سبق ان مراد الخراساني من قوله ( بل بكل عنوان ) عدم تعنون العام بعنوان ضد الخاص لا أنه يعنون بالعناوين الكثيرة المتناقضة . كما انه اجرى أصل عدم انتساب المرئة المشكوكة كونها من قريش الا زلى إلى قريش بعد وجودها ولم يجر أصل عدم كونها قرشيّة لما أفاد انه لا أصل يحرز انها كذلك أم لا لأنها اذا وجدت اما ان وجدت قرشية أو غير قرشية وحينئذٍ فيترتب الأثر على المرئة مع عدم انتسابها إلى قريش الا ان المحقق النائيني كما عرفت استشكل عليه وقدم مقدمة لبيان اشكاله وهي ان كلّ عنوان يؤخذ أولاً في موضوع الحكم ويراد اضافة شيء عليه لا يخلو هذان الأمران أي الذي أخذ في الموضوع والذي يراد أخذه اما أن يكونا جوهرين كزيد وعمرو وإمّا أن يكونا عرضين أو أحدهما جوهر والآخر عرض .

ثمّ ان الجوهرين لا يمكن أن يكونا على نحو التقييد لعدم امكان اتصاف جوهر بجوهر وحينئذٍ فلا يخلو واقع الأمر إمّا أن يكون ترتب الأثر وموضوعيّتهما للحكم بمجرّد وجودهما في الزمان بأن يكون الزمان ظرفا لهما أو لا بل يعتبر مع ذلك اجتماعهما فيه . فان كان الثاني بأن أخذ هذا العنوان في الموضوع فلابدّ من احرازه ومجرد احراز الجوهرين لا يفيد . نعم ان لم يلاحظ

إشكال جريان عدم القرشيّة

ص: 215

هذا الاجتماع قيدا بل المناط هو مجرد وجودهما لا بعنوان التقارن فما ذكرنا . وكذلك العرضان اذا كانا لمحلين إمّا العرضان لمحلّ واحد فذهب المحقق النائيني فيه أيضا إلى التركيب واستشكله سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم التركيب فيما اذا كانا عرضيين بأن يراد وجودهما الخارجي كما في مثل العالم والفقير فانهما يكونانتقييديّين وفي ساير الأقسام يتحقق التقييد اذا كان العرض لمحلّه لا العرض لمحلّ آخر مع الجوهر فالتركيب أيضا .

اذا عرفت هذا . فما ذكره المحقق الخراساني قدس سره في المرئة القرشيّة خلط بين التركيب والتقييد حيث ان القرشيّة أو الانتساب إلى قريش اذا وجدت وجدت على نحو الوصف والنعت لكونها عرضا لمحل واحد فحينئذٍ بمقتضى عدم تحقق الوجود للعرض اذا لم يكن معروضه موجودا فلا معنى لاجراء الاستصحاب فيه كي يترتب عليه الأثر اذ الأثر إنّما يترتب على العدم النعتي الذي لابدّ في النعت والصفة من ملاحظة المحمول الاولى وهو الوجود ثم لحاظ الوصف وعدمه حيث ان التقابل في ذلك من قبيل التقابل بين العمى والبصر من العدم والملكة كما في كلّ اطلاق وتقييد لا من الايجاب والسلب . وما له الحالة السابقة هو العدم المحمولي اذ ليس للنعتي حالة سابقة قبل وجود المرئة .

هذا ملخص ما أفاده المحقق النائيني في المقام اشكالاً على المحقّق الخراساني ولا يخفى ما فيه من الخدشة فانتظر .

والنتيجة ان المحقق الخراساني لا يجوّز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة لا لأجل تعنون العام ولكن يجري الأصل الموضوعي في غالب الموارد بضم الوجدان إلى الأصل وعرفت اشكال المحقّق النائيني له استنادا إلى

ص: 216

ضابطه من تقسيم ما يؤخذ موضوعا أو متعلّقا للحكم إلى ما يرجع إلى التقييد وإلى ما يرجع إلى التركيب فجعل ما اذا كان العرض ومحله من التقييدي . وباقي الأقسام من الجوهرين والعرضين لمحلين أو جوهر وعرض لمحل آخر والعرضين لمحل من التركيبي الذي يمكن في مقام ترتب الآثار اجراء الأصل العدمي في أحد جزئيه بخلاف التقييدي فانه في جانب العدم ليس له حالة سابقةاذ ما يترتب عليه الأثر هو العدم النعتي وما يجري فيه الاستصحاب هو المحمولى واجراء المحمولي لاثبات النعتي لا يكون الا بناء على الأصل المثبت وقد تقدم الكلام في ذلك وأشرنا إلى اشكال سيّدنا الاستاذ قدس سره في خصوص جعل العرضين لمحل من التركيبي بعد تسلم باقي الأقسام . وذهب فيه أيضا إلى التقييد وانه يكون وصفا كما في العلم مع الغنى فانّهما اذا كانا لمحل واحد لا محالة يكونان تقييدين . لكن لا يخفى ان مراد النائيني ليس لحاظهما بالنظر إلى محلّهما بل انما هما بالنسبة إلى أنفسهما حيث ان الكلام في مثل لحاظ شيء مع شيء آخر لا اثنين بلحاظ ثالث كما ان محل الكلام في ما يكون عرضيّا يوصف به المحل لا ما اذا أخذ عرضا فانه لا معنى لاتّخاذه تقييديّا في مثل العرض ومحله كما في باقي الموارد هذا .

ثمّ انه قد يشكل الأمر في مثل غير العرض ومحله ممّا لا يكون تقييديّا بدعوى انه لا يمكن تصور قسم رابع للاقسام الثلاثة التي يلاحظ الموضوع أو متعلق الحكم في الانقسام الاولى بالنسية إلى كلّ شيء من الزمان والزماني . فانه اما أن يكون لوجود ذاك الشيء دخل في الموضوع أو المتعلق أو لعدمه أو كلاهما سيان . فحينئذٍ فحيث يكون المقام من الانقسام الاولى دون ما يجيء من ناحية

الفرق بين التركيب والتقييد

ص: 217

الحكم ويكون من الانقسام المتأخر واللاحق الذي ربما يمكن فيه أعمال نتيجة الاطلاق والتقييد فنقول . هل يكفي في التركيب وجود كلّ جزء في أيّ وقت كما اذا كان لغنا زيد وعلم عمر ودخل فهل يلاحظان بالنظر إلى وجودهما معا أم يكفي وجود أيّ منهما في أي حين كان ولو لم يكن حين وجود الآخر . ومع اشتراط اجتماعه معه فان كان لهذا العنوان الانتزاعي الذي هو التقارن أو الاجتماع دخل في الحكم فلا يمكن اجراء الأصل العدمي في التركيبي أيضا لعدم كون الاجتماعوالتقارن موردا للأصل الجاري ولا مترتبا عليه الاثار إلاّ بالأصل المثبت كما في موارد ترتب الأثر على العنوان الانتزاعي مثل عدم رفع الامام رأسه قبل ركوع المأموم وكما في الاسلام قبل القسمة فان الاستصحاب العدمي الجاري في موضوع عدم رفع الامام رأسه أو عدم حصول القسمة لا يثبت وقوع الاسلام قبل القسمة ولا ركوع المأموم حال ركوع الامام أو قبله . وعلى هذا فلا فائدة في التركيبي أيضا لعدم امكان جريان الاصل العدمي فهو كالتقييدي وان أمكن في التقييدي أيضا لحاظ العرض والمحل بنحو التركيب الا ان الظاهر ما ذكرنا .

والجواب عن هذا الاشكال هو انه وإن كان الاجتماع والتقارن أمرا قهريّا لكن ليس لذلك دخل حتى انه لو فرض محالاً امكان وجود الجزئين معا بلا حصول التقارن ولا امكان انتزاع عنوان الاجتماع لكان الأثر مترتبا فتأمّل .

اشارة إلى بعض النتائج الفقهيّة لهذه المسألة:

وليعلم انه حيث يترتب على احراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل فروع كثيرة في الفقه لا بأس بتحقيق المقام والنظر إلى الاشكال وما يمكن أن يدفع به عنه فنقول: انه اذا كان المتكلم ملتفتا إلى مواقع كلامه كما هو المفروض في

إذا كان للعنوان الانتزاعي دخل في الحكم

ص: 218

مورد البحث في الأحكام الشرعيّة فلا يخلو واقع الأمر عنده من دخل كلّ شيء في موضوع حكمه أو متعلقه وجودا أو عدما أو انه لا فرق بينهما بل كلاهما سيان . ولا رابع لهذه الثلاثة . ولو فرضنا عدم امكان التقييد في الدليل أو الاطلاق فلابدّ من بيان مراده الواقعي وما هو موضوع أو متعلّق لحكمه بنتيجة الاطلاق أو التقييد كما هو الحال في الانقسامات اللاحقة والثانويّة التي تترتب على الخطاب والحكم . وأمّا الانقسامات الملحوظة قبل ذلك فالأمر فيها ما ذكرنا من الامور الثلاثة . اذ لا يمكن الاهمال ولا الاطلاق ولا التقييد اذ العدم والملكة في الموردالقابل حكمهما حكم السلب والايجاب لا يمكن ارتفاعهما ولا اجتماعهما .

نعم في المورد الذي لا يكون له القابليّة لا مانع من ارتفاعهما كما في الجدار فانّه لا أعمى ولا بصير .

اذا عرفت هذا . فاعلم ان الموضوع المركب من جزئين على نحو لا يكون أحدهما قيدا للآخر ولا نعتا له لا يخلو واقع الأمر من دخل الاجتماع لهما في ذلك أو لا .

فان كان الثاني فلابدّ من ترتب الأثر على مجرّد وجودهما واحرازهما ولو لم يكن هناك اجتماع بل كان أحدهما في زمان والآخر في زمان آخر . واذ ليس الأمر كذلك فلابدّ من دخل عنوان الاجتماع . وحينئذٍ فاجراء الأصل في أحد الجزئين لا فائدة فيه ما لم يترتب عليه عنوان الاجتماع والمعية . وإلاّ فلا أثر له كما هو الفرض مع ان ترتب عنوان الاجتماع على التعبد بأحدهما وجودا وعدماً لا يكون إلاّ بناء على الأصل المثبت الذي هو خلاف التحقيق . فحينئذٍ ينسد باب الاستصحاب في هذه الموارد بالكليّة .

إذا لم يؤخذ التقارن قيداً

ص: 219

ان قيل . ان الزمان ليس قيدا لهما بل إنّما هو ظرف اجتماعهما بعنوانه الواقعي لا بلحاظ هذا العنوان أي الاجتماع فيه .

قلنا: ان هذا لا معنى له اذ لو لم يكن لهذا الزمان دخل فيه فليكن مجرد وجودهما وكل في زمان كافيا واذ ليس فلا يكون الزمان ظرفا بل قيدا كما في ساير الموارد مثل الصلاة في الوقت .

والجواب عن هذا الاشكال يمكن بأحد وجهين: الأوّل ما أشرنا إليه سابقا من كفاية مجرّد وجودهما بلا دخل لعنوان الاجتماع . بل لو فرض محالاً حصولهما ولم يكن هناك عنوان اجتماع ولا معيّة لكفى في ترتب الأثر . لكن يردعليه ان وجودها في الزمان أو في المكان أو غيرهما هو نفس عنوان الاجتماع فكيف يمكن غضّ النظر عنه .

فان قيل فما تقولون في مثل استصحاب الطهارة في الصلاة مع اتيان الاجزاء بالوجدان وتستنتجون الصلاة مع الطهارة ولا تقولون في قاعدة الفراغ وساير نظائرها .

قلنا: وهو الجواب الثاني بأنّ الأثر في باب الطهارة واستصحابها هو جواز الدخول في الصلاة ولا احتياج بنا إلى احراز عنوان وقوع الصلاة في حال الطهارة بل لابدّ من كون الصلاة واقعة من المتطهّر وحيث جرى الاستصحاب في مورد الشك في بقاء طهارته فيحرز بذلك عنوان المتطهّر البسيط . ومن آثاره وأحكامه الشرعيّة جواز الدخول في الصلاة كما ان عنوان الفقير يترتب عليه جواز أخذ الزكوة وكذلك ساير العناوين ولا نحتاج إلى اثبات اجتماع الصلاة مع الطهارة وكذلك في قاعدة الفراغ والتجاوز إنّما ثبت ذلك لقولنا فيهما بكونهما قاعدة مادام

ص: 220

الشك . ومرجعها إلى القناعة في مقام الامتثال وكذلك استصحاب الكرية في حال غمس اليد فيه انما ينتج جواز التطهير به وطهارة ما يغسل به ولا يلزم من ذلك وقوع الطهارة والغسل ولا أخذ الفقير للزكوة ولا حصول أجزاء الصلاة في حال الشك وجريان الاستصحاب في الطهارة واما بالنسبة إلى نفس اجزاء الصلاة فقد التزمنا بالسبق واللحوق والشرط المتأخّر والواجب المعلّق إلى غير ذلك ممّا تقدّم في محلّه .

وحاصل الكلام في المقام هو عدم التقييد في مورد هذه الأمثلة والنقوض كما ان الضمان في اليد المشكوكة ان استشكلنا في هذا الضابط ولم يكن لنا طريق آخر من قاعدة المقتضى والمانع وقاعدة التعليق وغيرها لا نقول بمقتضاه بلنحكم بعدم الضمان .

هذا حاصل الكلام في هذا المقام . وقد تلخّص ممّا ذكرنا عدم جريان الأصل في ما اذا كان العام مخصّصا بمخصص سواء كان متّصلاً أو منفصلاً وسواء كان بالاستثناء أو غيره . وتلخص عدم جريان الأصل الموضوعي الا فيما كان له حالة سابقة ولم يكن من العنوان الانتزاعي الذي لا يترتب على جريان الأصل في منشأ الانتزاع الا فيما اذا كان لهذا العنوان حالة سابقة . فحينئذٍ لابدّ من الرجوع إلى الاصول الحكميّة من البرائة والاحتياط . أمّا بناءً على مبنى المحقق الخراساني قدس سره

من عدم تعنون العام بعنوان نقيض الخاص أيضا لا مجال للتمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة للعثور على الدليل الأقوى والحجّة المزاحمة على ما سبق الكلام فيه .

نعم الا اذا كان المخصص لبيا فقد يدّعي جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقبّة فانتظر للتتمّة الكلام .

الجواب عن النقض

ص: 221

ثمّ انّ سيّدنا الاستاذ قدس سره لم يرتض صحّة النقض بالموارد المذكورة على انكار التركيب في مثل هذه المقامات وعدم جريان الأصل لكونه مثبتا . ولا يفيد في اثبات العنوان الانتزاعي من الاجتماع وغيره . حيث ان ما ذكر يرجع إلى باب التقييد ولا يجوز التمسك بالأصل العدمي لاحراز جزء الموضوع فيها حتى بناءً على تسليم التركيب كبرويّا . وذلك لعدم كونه من التركيب . بل هي تقييديّة كما يستفاد من قوله علیه السلام (1) ( لا صلاة إلاّ بطهور ) دخل عنوان الاجتماع والمعيّة وكذلك في باب الوقت واستصحاب بقائه بالنسبة إلى احراز وقوع الصلاة في الوقت مثبت كاثبات استصحاب الطهارة لاحراز الصلاة مع الطهور . فلا يتمّ النقص بهذه المواردلكونها تقييديّة . وذلك اشكال وارد على كلا المذهبين حيث ان مقتضى ما ذكرنا عدم جريان الاستصحاب فيها لاشكال الاثبات الا أن يجاب بما ذكره المحقّق الخراساني قدس سره من خفاء الواسطة وهذا أيضا استشكله المحقّق النائيني قدس سره في بحث الاستصحاب .

وكيف كان فلابدّ من الجواب . بل القدر المتيقّن من مجرى الاستصحاب هو هذا المورد حيث ان أخبارها واردة في باب الطهارة من الحدث والشك في البقاء وعدمه وان أنكر جريانه بعض من الاخبارية وتمسّك باخبار اخر وحصر مورد الاستصحاب بما اذا كان الشك في النسخ .

وهو أيضا لا مجرى له كما بيناه في مباحث الاستصحاب .

والحاصل ان الاشكال قوى ولذا توقف سيّدنا الاستاذ قدس سره في المقام ولم يكن له مجال التفكر في الجواب وان كان يمكن تقريره بما ذكرنا سابقا من عدم

ص: 222


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 14/2 من أبواب الجنابة .

دخل عنوان الاجتماع بل الدخيل احراز جزئي الموضوع .

نعم يجري الاستصحاب العدمي في بعض الموارد .

وحاصل الكلام في المخصص اللفظي هو عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة عند كلتا الطائفتين من القائلين بعدم تعنون العام بعنوان ضد الخاص في مثل المخصص المنفصل أو كالاستثناء من المتصل كالآخوند ومن يقول بمقالته ممّن تقدّم وتأخّر والقائلين بتعنونه كالنائيني ومن تبعه ومن تقدمه .

أمّا بناءً على تعنون العام فوجهه واضح للزوم احراز ان المشكوك عالم غير فاسق مثلاً ولا يكفي مجرّد احراز كونه عالما . وبناء على مذهب المحقّق الخراساني وان كان لم يعنون العام بعنوان ضد الخاص ولازمه التمسك بعموم العام لشمول العام له وجدانا وإنّما الشك في خروجه وعدمه بالمخصص . الا انه حيثقد علمنا بورود المزاحم الأقوى للعام وقد أخرج الفساق من قوله أكرم العلماء ففي المورد المشتبه لا يمكن التمسك بالعامّ لابتلائه بالمعارض الأقوى في حجيّته لا في ظهوره فان التخصيص لا يوجب إلاّ انثلام حجيّته لا ظهوره . فلا وجه للتمسّك بالعام للشك في حجيّته بالنسبة إلى المشتبه وعدم حجيّته لوجود العارض الأقوى من الخاص المنفصل أو المتصل كالاستثناء .

نعم لو كان هناك أصل موضوعي يجري في احراز الموضوع فلا شبهة في ترتب الحكم حينئذٍ عند كليهما إلاّ ان الخلاف في الصغرى فهو قدس سره يدعي جريان الأصل الموضوعي بخلاف المحقّق النائيني فينكر جريان الأصل لاشكال الاثبات على ما عرفت . وحيث ان المحقق الخراساني لا يقول بتعنون العام فيمكنه التمسك به في الشبهة المصداقيّة له والمخصص اللبي . وتقريره ان

ص: 223

المخصص تارة يكون هو الاجماع . واخرى حكم العقل اما ضروريّا أو النظري الذي يلتفت إليه بواسطة مقدمات أو مقدمة . وفصّل المحقق النائيني فيما اذا كان بيان المصداق بيد المولى فيجوز الرجوع إلى العام في الشبهة المصداقيّة دون ما اذا كان تشخيصه من ناحية المكلف . فحينئذٍ لا مجال للرجوع إلى العام في الشبهة المصداقيّة المشتبهة بينه وبين المخصّص اللبي لكن يرد عليه جريان هذا التفصيل في المخصص اللفطي أيضا .

توضيح ما سبق قد عرفت حكم التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة وانه لا يجوز عند كلتا الطائفتين . اما عند الذين يقولون بتعنون العام فواضح . واما مثل المحقق الخراساني الذي لا يقول بتعنون العام فوجهه عدم بقاء العام على حجيّته مطلقا بل خرج عن الحجيّة بالنسبة إلى مقدار المخصص ففي الفرد المشتبه لم نحرز ان العام حجة أو المخصص . وذلك لعدم تكفل العام والكبرى لاحرازصغرياته لكنه يرد عليه ان التخصيص أوجب انثلام التسوية الحاصلة بين أفراد العام بالنسبة إلى حالتي الفسق وعدمه بل اخرج الفسق وبقي ان يكون الباقي معنونا بعنوان غير الفاسق كما هو التعبير به عن ذلك عرفا فانه يقال بقي العدول على حكم العام .

ثمّ ان المحقق الخراساني حيث انّه لا يذهب إلى تعنون العام بالتخصيص فله مجال إلى التمسك بالعام في ما اذا خصص بالمخصص اللبي ووافقه المحقق النائيني (1) .

ص: 224


1- . كما يظهر حقائق الأصول 1/500 الموافقة من السيّد الحكيم وخالف المحقّقان العراقي والبجنوردي والحق معهما قدس سره م ( نهاية الأفكار 2/526 ) . منتهى الاُصول 1/454 وللسيّد العلاّمة الخوئي تفصيل في المقام . المحاضرات 46/349 - 361 .

توضيح المقام: ان المخصص تارة يكون عقليّا ضروريّا أو نظريّا واخرى اجماعا . اما مثل الحكم الضروري العقلي فيوجب عدم انعقاد الظهور في العموم من اول الأمر كالمخصّص المتصل بخلاف النظري فانه كالمنفصل . وكيف كان فالعنوان أو القيد المنظور في المخصص تارة لا يصلح الا للموضوعيّة . واخرى للملاكيّة وثالثة لهما فان كان صالحا للموضوعيّة فقط فحينئذٍ لا يجوز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة حيث ان تشخيص الموضوع واحرازه ليس بيد المولى . بل راجع إلى المكلّف فلا يجوز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة في هذا القسم كما في مثل قوله علیه السلام (1) انظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا الخ حيث انه بصدد بيان من يرجع إليه في مقام القضاء وجعل المنصب فاعتبر الرجوليّة والرواية للحديث والنظر الذي يستفاد منهالاجتهاد والعرفان بالأحكام فلا يكفي الظن . وعلمنا من الخارج اعتبار العدالة في القاضي باعتبار دليل عقلي نظري كعدم صلاحيّة الفاسق لمنصب القضاء ففي هذا المورد قد قيد هذا الاطلاق بالعادل ولكن لا يمكننا التمسك في صورة الشك في كون من احرزنا فيه ساير ما له الدخل في ذلك عادلاً باطلاق فانظروا إلى رجل لامكان تشخيص العادل في حقنا وليس أمرا مجهولاً لا نعلمه وليس تشخيصه بيدنا . فحاله كحال ساير العناوين المأخوذة في لسان الدليل من الرجوليّة والاجتهاد والرواية في عدم ترتب الأحكام على المشكوك كونه كذلك . فكانه من اول الأمر قيد الموضوع في لسان الدليل بالعادل . وهذا بخلاف الأمر

التفصيل فيعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة

ص: 225


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 1 - 11 / 5 - 1 من أبواب صفات القاضي مع تفاوت في الألفاظ لا يضرّ بالاستدلال .

الذي لا يصلح الا للملاكية . فحيث ان الملاك لا نعلم بوجوده وعدمه وليس تشخيصه بأيدينا فبالنسبة إلى الأفراد المعلوم عدم الملاك للحكم فيهم ووجود ملاك الحكم المخصص نرتّب آثار العدم كما انه بالنسبة إلى من علمنا بوجود ملاك الحكم فيهم وعدم وجود ملاك المخصص نرتب آثار العام . اما بالنسبة إلى المشتبه حاله في وجود ملاك الحكم أو ملاك المخصص فلنا التمسك بعموم العام لأجل عدم امكاننا من احراز الملاك وعدمه والقى العموم إلينا وذلك يكشف عن وجود الملاك فيه وعدم تحقق ما يوجب ترتب حكم المخصص في حقه . وذلك كما في مثل قوله ( العن بني اميّة ) أو العنوا بني اميّة ) فان ملاك اللعن هو الشقاوة وعلمنا

بوجود ملاك عدمه وعدم تحقق الشقاوة في حق معدود منهم فلا يجوز لعنهم بخلاف المشكوكين . اما الذي يصلح لكلا الأمرين فملحق بالموضوعيّة ولا يجوز التمسّك بالعام في المشتبه كما في مثل العداوة في قولنا اكرم جيراني وعلم المخاطب بعدم رضا المتكلّم باكرام عدوّه . والمحقق الخراساني قدس سره قد مثل بهذا الاخير لمسئلة الموضوعيّة الا انه لا يخلو عن خدش بل المثال المنطبق ما ذكرنامن قوله انظروا الى رجل الخ . اما في مثل اللهمّ العن(1) بني امية قاطبة فيشبه خروج المؤمن السعيد منهم بالتخصص لا بالتخصيص بالمخصص اللبي .

فظهر بما ذكرنا من البيان تفصيل المحقق النائيني في المخصص اللبي بين ما إذا كان صالحا للموضوعيّة وما اذا كان صالحا للملاكيّة فقط فذهب إلى عدم جواز التمسك بالعام في المشتبه في الأول بخلاف الثاني بالتقريب المتقدم . كما انه ذهب إلى عدم الجواز في ما اذا كان صالحا لكلا الأمرين بخلاف المحقق الخراساني

ص: 226


1- . زيارة عاشوراء المعروفة .

فانه لم يفرق في جواز التمسك بالعام بين هذه الموارد . بل قال بالجواز مطلقا كما انهما قدّس اللّه أسرارهما اتّفقا في عدم انعقاد العموم للعام في ما اذا كان المخصص اللبي حكما عقليّا ضروريّا وانه يكون كالمخصص المتصل . وكما اذا كان الكلام محفوفا بما يصلح للقرينيّة المانعة عن انعقاد الظهور في العموم بخلاف الحكم النظري فانه يكون كالمنفصل في انعقاد الظهور .

توضيح: ما أفاده المحقّق الخراساني . ان العام حيث انه يشمل الفرد المشتبه حسب الفرض بعمومه ويشك في كونه ممّا ينطبق عليه عنوان المخصص فلا مانع من التمسك بالعام لشموله هذا الفرد والمخصص انما هو حجّة بالنسبة إلى المقدار المتيقن حيث ان العقل لا يشكّ في موضوعه فاما ان يرى تحققه ويحكم عليه واما ان لا يرى فلا حكم له . فحينئذٍ في المشتبه انه عدو من الجيران فيما اذا قال أكرم جيراني لا يمكن التوقف من جانب المأمور اعتذارا بعدم علمه بعدم عداوته بل يأخذ بظهور كلام المولى ولا توقف له وهذا بخلاف المخصص اللفظي .

والحاصل هو ان الفارق هو حكم العرف وعدم توقفهم في المقام . بل يرونللمولى صحة مؤاخذة العبد اذا لم يكرم المشتبه من جيرانه . وليس كذلك المخصص اللفظي فان العام بالنسبة إلى مقدار ظهور المخصص وحجيته قد حكم عليه بالظهور الأقوى . وحيث انه لا يقوم الكبرى باثبات الصغرى واحرازها فلا نعلم انطباق أي الحجتين على المشتبه أهو من الباقي تحت العام الذي لم يعنون بعنوان أم من الخارج .

وبعبارة اخرى الفرد الفاسق المعلوم الفسق ليس غير عالم بل هو عالم قطعا فلم يخرج المخصص هذا الفرد عن كبرى العالم . بل انما رفع حكم العام عنه كما

التفصيل بين المخصص اللبي واللفظي

ص: 227

انه تارة يعدم فرد من العام ويموت في الخارج فهل يعنون الباقي الاحياء بكونهم غير ذاك المعدم والميت .

وكيف كان . فلا فرق عنده قدس سره بين أقسام المخصّص وأنحائه كما انه لم يفرق بين مثال قولنا أكرم جيراني أو لعن اللّه بني اميّة قاطبة . بل قال(1) بامكان الاستدلال بعموم قوله ( لعن اللّه بني اميّة قاطبة ) على الفرد المشكوك انه داخل تحت عنوان المخصص أو باق تحت العام بلا تخصيص خلافا للمحقّق النائيني(2) فيما اذا كان صالحا للملاكيّة فقط فذهب إلى عدم جواز التمسك بالعام فيه لعدم كون تشخيص المصاديق بيد المولى بل انما هو راجع إلى المكلف ولذا اشتهر ان تشخيص الموضوع ليس إلى نظر الفقيه .

نعم ربما حدّد الشارع بعض الموضوعات في موارد خاصة كالعين انها باطنة في الوضوء وهل اللازم غسلها أم لا وكما في بعض الموضوعات المستنبطةكالصعيد فانه بنظر الفقيه هذا كلامهما .

وقد استشكل اطلاق كلامهما سيّدنا الاستاذ قدس سره واعترف بصحّة بعض من كلام كلّ واحد منهما ولم يوافق البعض الآخر حيث ان التخصيص تارة يكون في القضيّة الخارجيّة فيمكن أن يقال بمقالة المحقّق الخراساني ( حسب ما استفيد من فحوى كلام سيّدنا الاستاذ ) كما ان ما ذهب إليه المحقّق النائيني قدس سره من جواز التمسك بالعام في ما يكون صالحا للملاكيّة والموضوعيّة وما ذكر من المثال من قوله اكرم جيراني لا يتم لامكان الاشكال في العداوة بأنّه من قبيل الملاك كما انّ

ص: 228


1- . كفاية الأصول 1/344 - 345 .
2- . فوائد الأصول 1/536 - 537 .

في مثل الايمان بالنسبة إلى بني اميّة يمكن الذهاب إلى كونه موضوعا لا ملاكا .

هذا مضافا إلى عدم الفرق بين المخصص اللفظي واللبي حيث ان حجيّة اللفظي إنّما هو من باب الكشف عن المراد كما في اللبي وحينئذٍ فكما لا يجوز التمسك بالعام في اللفظي كذلك في اللبي ومجرّد كونه لبيّا لا يخرج عن كونه كاشفا حجّة خصوصا بناءً على مبنى الاطلاق والتقييد وان الخاص انما يوجب ذهاب الاطلاق وانصرامه وانكشاف كون العموم والاطلاق خيالاً . افترى التوقف من أحد في تقييد مثل قولنا اعتق رقبة بالمؤمنة لقوله لا تعتق رقبة كافرة مع ان البحث في العموم والخصوص ناظر إلى هذه الجهة والتقييد الأحوالي فهذه الأبحاث ساقطة من رأس جدا .

تبيين وتوضيح وتكملة: صادق سيّدناالاستاذ ما ذكره المحقّق النائيني في المخصص اللبي وتفصيله في الأنحاء الثلاثة . لكنه ناقش في الأمثلة فذهب إلى ان قوله ( لعن اللّه بني اميّة قاطبة ) وانه من باب الملاك ربما يشكل حيث انه وان كان من الممكن تقريبة بدعوى ان الشقاوة أمر ليس تشخيصها بيد المكلف وانما يعلم بها المولى مع انه نعلم بالقطع عدم جواز لعن المؤمن . فبالنسبة إلى المشكوك حصول الملاك فيه يكون دليلاً على حصول ملاك العام وهو اللعن فيه بخلاف ما كان من قبيل الموضوع لكن يمكن الاشكال بعدم جواز لعن المؤمن واقعا فليس لنا حينئذٍ فرد مشكوك حيث ان اللعن قرينة على عدم ارادة المؤمن واقعا اذ لا يمكن عموم الحكم وخصوص الموضوع واللعن على غير المستحق الشقي يرجع إلى لاعنه فحينئذٍ يكون قوله ( اللهم العن بني اميّة قاطبة ) لعنا مقصورا على خصوص غير المؤمن منهم ولو فرضنا المشكوك فيهم . فهو في الواقع لو كان مؤمنا

اشكال سيّدنا الأستاذ

ص: 229

لم يشتمل اللعن عليه كما انه لو لم يشمله عنوان العام وان كان منهم كذلك يشمله اللعن اذ لسنا نلعن رجلاً مخصوصا باسمه بل بعنوان العموم وعدم جواز اللعن على غير الشقي وعدم حصوله وبعده من اللّه يمنع عن ارادة المؤمن منهم فهو من قبيل الانصراف أو نفس الانصراف إلى غير المؤمن وعليه فلا مورد للشك ولا يترتب عليه أثر فيه انه خلاف الظاهر .

وكيف كان فهذا التفصيل الذي ذهب إليه لا اختصاص له بالمخصص اللبي بل يتّجه في اللفظي أيضا مع ان الظاهر كونه من باب الموضوعيّة .

ويرد على المحقّق الخراساني قدس سره الذي اطرد الكلام في الكل انه لا فرق بين أنحاء المخصّص من اللفظي واللبي وكونه اجماعا أو حكم العقل اذ كلّها كاشفة عن القيديّة والتخصيص وحينئذٍ فيوجب خروج الاطلاق عن كونه مطلقا كما عرفت عدم استقامة ما ذهب إليه سابقا من عدم كونه مرادا بما هو حجّة وان كان العام يشمل الخارج الحكمي بما هو غير حجّة بل بما هو ظاهر . بل الظاهر القيديّة والخروج عن التسوية . اللهم الاّ ان يكون الخارج فردا بالخصوص فحينئذٍ يكون كالموت والمعدوميّة له ولا يوجب ذلك زيادة قيد . بل انما يوجب تضييق دائرةالتطبيق كما اذا شككنا في ان موضوع قوله لا تكرم زيدا هل هو زيد العالم أو الجاهل فيمكن التمسك باطلاق أكرم العلماء وعمومه لرفع الشكّ عن زيد العالم واثبات كون الموضوع هو الجاهل .

وقد اعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم العثور بعد التتبّع التام على مورد يكون في الفقه من باب التخصيص سواء كان من باب الأحكام التكليفيّة أو كان راجعا

ص: 230

إلى الوضعيّات بل هناك ما لا يرجع إلى واحد منهما ولا يكون تخصيصا ولاتقييدا واما توهم كون سؤر الهرة مثلاً من هذا القبيل أي من قبيل التقييد أو التخصيص ففاسد لكون التعبير به وأمثاله في هذا الباب وساير الأبواب من الفقهاء وليس في النصوص كذلك كما ان قوله تعالى: « احلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم »(1) ليس من هذا الباب بل يمكن كونه من الاستثناء المنقطع لعدم كون المحرمات من الكلب والخنزير وغيرهما ممّا يصدق عليها بهيمة الأنعام .

نعم اذا ثبت في مورد من هذه وأمثالها ذلك وانه قال احل لكم كلّ حيوان إلاّ الكلب أو الخنزير مثلاً فنقول بمقتضاه من عدم التقييد وان ذلك من باب اخراج الفرد لا التقييد الا ان الكلام قد عنونوه في التخصيص وأتوا بما يناسب التقييد اذ الأمثلة المذكورة في هذه المقامات كلّها راجعة إلى التقييد الأحوالي ولا كلام لأحد في عدم جواز التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقيّة . بل الاتفاق قائم على العدم . مع ان مثل قولنا أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم يكون من الاطلاق والتقييد وتقييد اطلاق العلماء أحوالاً بما اذا كانوا غير فساق على ما عرفت في ماسلف واعترف قدس سره بالعثور على مثال للتخصيص الفردي في ما مضى لكن يثبت(2) فيه الخدشة أيضا على ما أذكر وقد كتبنا في بعض أبحاثنا .

والحاصل . انه اذا كان التخصيص من قبيل اخراج الفرد الداخل في المستثنى منه منه فلا شك في عدم التقييد لعدم كون الكلب صفة للحيوان ولا أمثاله

ما يرد على المحقّق الخراساني

ص: 231


1- . سورة المائدة الآية 2 .
2- . كان سيّدنا الأستاذ قدس سره يرى إلاّ ما ذكّيتم مثالاً للتخصيص الفردي وعرضت عليه قدس سره انه أيضاً تخصيص عنواني فقبل وتسلّمه .

ولا زيد صفة لعمرو ولذلك قلنا بعدم كون خروج الفرد مثل أكرم العلماء ثمّ قال لا تكرم زيدا راجعا إلى التقييد خلافا للمحقّق النائيني قدس سره فقال بالتقييد في هذا أيضا . اما مسئلة الجزء بالوجدان والجزء الاخر بالأصل فلعله لا يوجد له مثال في الفقه حتى ان المثال المعروف في اثبات موضوع الضمان في اليد المشكوكة يمكن ارجاعه إلى التقييدي بكون الاذن من المالك في التصرف فحينئذٍ يكون التصرّف مأذونا به من المالك ويجوز واذا لم يكن مأذونا فيه من المالك فيكون ضامنا وانى لنا باثبات عدم المأذونيّة في التصرف بمجرّد استصحاب عدم رضا المالك مع وضع يده أي المتصرف على مال الغير كما انك عرفت امكان ارجاع التركيبي أيضا إلى التقييد على ما تقدّم . ولذا جاز تقسيم اليد إلى قسمين يد عادية ويد امانية . ثمّ انه ربما يتمسّك ببعض العمومات المتكفلة للأحكام الثابتة على الأشياء بعناويها الثانويّة كما اذا شككنا في جواز الوضوء بمايع مضاف فنتمسك باطلاق أدلّة النذر اذا كان منذورا . لكن لا يخفى ما فيه من الاشكال حيث ان متعلق النذر لابدّ أن يكون مع قطع النظر عن تعلق النذر به راجحا فكيف يمكن اثبات رحجانه بنفس هذا الدليل .واستدلّ القائل بمثل وجوب الوفاء بنذر الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات مع عدم جوازهما قبل النذر فهذا يكشف عن كفاية النذر في ذلك وصحّة المدّعى . وبالجملة ففي نذر الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات . اما أن يقال برجحانهما قبل النذر ولا سبيل إليه لبطلان الاحرام وحرمته اذا أتى به بقصد الورود وكذلك الصوم لا يصحّ أو ان النذر لا ينعقد . ولا سبيل إليه لاتفاق العلماء على انعقاد النذر ووجوب الوفاء به .

ص: 232

وأجاب المحقّق الخراساني قدس سره (1) بوجوه ترجع إلى ثلاثة عند التحقيق . فامّا ان نقول بوجود المقتضى والمصلحة في الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات . غاية الأمر ابتلى في كلا المقامين بمانع كالسفر في الأول والمشقة الكثيرة في ترتب احكام الاحرام في الثاني . فلذا لم تؤثر المصلحة تأثيرا تامّا يستدعي الجعل على طبقها . وبالنذر يرتفع المانع ويصحّان ويتعلّق بهما الأمر واذا جاز ذلك عقلاً فيكفي في مقام الاثبات حكم الشارع والدليل الوارد .

والوجه الثاني . أن نقول بتخصيص أدلّة لزوم الرجحان في متعلّق النذر في هذين الموردين وانه لابدّ من الرحجان في متعلقه الا في ما قام الدليل على عدم لزومه .

الثالث . أن نقول بكفاية الرحجان بعد تعلق النذر وانه موجب الرحجان فيه كما ربما يستفاد أو يؤيّده ما دلّ من التشبيه للاحرام قبل الميقات بالصلاة قبل الوقت وفي المقام اشكال آخر وهو لزوم القرب في متعلق النذر اذا كان عباديّا كما في الاحرام . وأمّا الأمر النذري فهو توصلي فلا يفيد مع انه لو كان مستحبّاذاتا ولو عباديّا فلا يبقى الأمر الاستحبابي بعد ورود الأمر النذري ( الا أن يقال بالكسب والاكتساب كما مر في بحث مقدمة الواجب أو غيره فراجع ) .

ثمّ ان في الاحرام اشكالاً آخر ناسب المقام ايراده . وهو ان من يعلم انه بعد الاحرام لابدّ من ركوب ما لا يمكن معه عدم تظليل الرأس كيف يعقد احرامه .

وأجاب سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن الجواب الصحيح عنه ان حقيقة الاحرام انما هو القصد إلى الأركان المخصوصة في العمرة والحج وتروك الاحرام إنّما هي أحكام تترتب على ذلك وليست داخلة في حقيقة الاحرام كي ينافي قصد

اشكال التمسّك باطلاق دليل النذر

ص: 233


1- . كفاية الأصول 1/349 - 350 .

ارتكابها قصد الاحرام ونيّته ونعم ما أفاد(1) .

ثم انه استشكل الجواب الثالث واستجود الجوابين الاولين عن المحقق الخراساني قدس سره .

بحث: في الفرق بين الاصول اللفظيّة والاصول العمليّة .

اعلم انهم قد فرّقوا بين الاصول اللفظيّة التي عليها مدار المحاورات

والاصول العلميّة الجارية في مقام الشك الأعم من التنزيليّة وغيرها كالبرائة بكون اللفظيّة تثبت لوازمها العقليّة والعادية بخلاف الثانية ( أي الأصول العملية ) بل يقتصر فيها على مؤدّى الأصل . فلو كان الشك في حياة زيد وقد علمنا بها قبل عشرين سنة فالاستصحاب لا يثبت نبات لحيته اذا كان يترتب عليه اثر شرعي أو حكم وهذا بخلاف الأصول اللفظيّة حيث ان مناط حجيّتها بناء العقلاء وحصول الاطمينان منهم على مفادها . كما ان المناط هو ذلك أيضا في خبر الواحد يأخذون بمؤدّى خبر الثقة للاطمئنان . ولذلك اذا كانت قرينة على الخلاف أواحتمل قرينيّته لا يأخذون بل يتوقفون ولا يرتبون الآثار . وهذا لا اشكال فيه في الجملة . انما الاشكال في عمومه أو الاقتصار به على بعض الموارد الخاصّة . فاذا شككنا في انّ زيدا عالم أم لا بعد العلم بعدم كونه واجب الاكرام بل محرّمه مع وجوب اكرام العلماء فهل يمكن التمسك باصالة العموم لاثبات عدم كون زيد عالما بل جاهلاً فيترتب عليه آثار الجاهل أو الذي ليس بعالم أم لا . اذ لو كان الأصل اللفظي مما يثبت اللوازم العقلية فيكون في المقام لازم عدم طرو

ص: 234


1- . الا انه لا يخلو من مناقشة ولعلّ ما عن الشيخ قدس سره بل المشهور انه قصد ترك المحرمات أوفق ويؤيّده لو لم يدلّ عليه ما في دعاء الاحرام احرم الى من النساء والثياب والطيب .

التخصيص على أكرم العلماء عدم كون زيد منهم بل جاهلاً الا انه ليس للعقلاء بناء على ذلك في هذه الموارد وان كان من المسلم لوجوب اكرام العالم بعكس نقيضه ان من لا يجب اكرامه ليس بعالم . لكنّهم لا يرون هذا الأثر للعام ولا يقولون بحجيّته حتّى بالنسبة إلى هذا المقام . نظير ذلك ما تقدم ذكره سابقا من الشكّ في كون زيد الذي يحرم اكرامه أو يجب اهانته هو العالم فيكون تخصيصا لوجوب اكرام العلماء أو الجاهل فيكون تخصصا . فنقول نتمسك باصالة العموم لعدم كونه زيدا العالم وحينئذٍ فبالنسبة إلى الجاهل يشك في ذلك فتجري البرائة فيكون كساير مقامات جريان الأصل المثبت في أحد أطراف أو طرفي العلم الاجمالي الموجب لجريان الأصل النافي في الطرف الآخر بلا معارض ( أقول لا يخفى عدم كون المقام من ذاك القبيل حيث ان الأصل المثبت اذا كان موافقا للمعلوم بالاجمال يوجب جريان النافي بلا معارض بخلاف المقام حيث ان المثبت هو وجوب الاكرام مع كون التكليف هو عدم وجوب اكرام زيد أو حرمته وجريان الأصل العدمي في الطرف الآخر أيضا يوجب جواز اكرامه . وحينئذٍ فيعلم بمخالفة التكليف المعلوم في البين وهو حرمة الاكرام تفصيلاً فتدبّر ) .

وعلى كلّ حال فلو كان الأصل اللفظي مثبتا فلازمه في المقام كون محرمالاكرام هو زيدا الجاهل . لكنه يشكل كونه مثبتا بالنسبة إلى هذه الجهات وفي هذه المقامات فلا وجه لكون زيد هو الجاهل . فما افاده المحقق الخراساني في كفايته هو الحق الذي لا محيص عنه لتحير العقلاء في ترتيب هذا الأثر وعنده لا يترتب .

بيان آخر: اعلم ان غرض المحقق الخراساني قدس سره بيان الفرق عند العقلاء في محاوراتهم بين ما اذا تردّد أمر موضوع الحكم بمثل لا تكرم زيدا بين زيد العالم

الفرق بين الأصول اللفظيّة والعمليّة

ص: 235

والجاهل وبين ما اذا علمنا بكون الرجل الكذائي لا يجب اكرامه ولا نعلم انه من باب خروجه موضوعا عن حكم العام كي يكون تخصصا أو اخراجه كي يكون تخصيصا باجراء أصالة العموم في المقام الأول واثبات لازمه من عدم كون زيد العالم موضوع عدم وجوب أو حرمة الاكرام . وعدم اجراء اصالة العموم في المقام الثاني لاثبات لازمه من كون الرجل جاهلاً غير عالم فيترتب عليه كلّ ما يترتب على الجاهل من ساير الأحكام . اما عدم وجوب اكرامه فمسلم على كلّ حال ولا يخفى ان كلامه قدس سره في المقام الأوّل متين جدّا لبناء العقلاء على الأخذ بالظهور الى أن يثبت ظهور على خلافه واذا لم يعلموا ذلك فلا يرفعون اليد عن الظهور المسلم بل يوبّخ المولى وله حق توبيخ عبده الذي أمره باكرام جميع مصاديق العام اذا لم يكرم بعضهم باحتمال انه كان موضوع حكم مخالف لحكم العام . والظاهر ان ذلك من باب حصول الاطمئنان لا التعبد والتنزيل لعدم انعقاد بناء العقلاء على ذلك في امورهم بل انما يمشون على العلم العادي النظامي على ما مرّ مرارا في أبحاثنا وان كان يختلف كيفيّة هذا البناء في الامور الخطيرة وغيرها . نعم لو كان مرجع اصالة عدم التخصيص إلى أمر عدمي وهو عدم قيام القرينة على الخلاف فربما كان مجال للتوقف . وهذا بخلاف المقام الثاني فليس لهم بناء على اثبات لوازم الأصل لعدم الشك في حكم مصاديق العام ولا الشكّ في ان هذا بعينه محكوم بعدمالاكرام . والاصول اللفظيّة وإن كانت تثبت اللوازم العقليّة لكنه يقتصر بها على موارد مجريها كما في البينة . فاذا علمنا بولادة زيد في السنة الكذائيّة وشككنا في حياته فقامت البيّنة على حياته نأخذ بلازم ذلك من الحكم ببلوغه ونرتب عليه آثاره واما اثبات ملازمات ولوازم اخر فلا وجه له وليس هناك بناء العقلاء .

فما ذكره في الكفاية لا محيص عنه . وربما يمثل للمقام بمثال وهو في ماء

ص: 236

الغسالة حيث انه ورد في بعض الأخبار(1) بأنّه لا بأس به وعلّل بأن الماء أكثر من القذر ومقتضاه الأخذ بظاهره ويؤيّده ما ورد(2) في كفاية مثلى ما على الحشفة .

من البلل وظاهره عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة الا انه اجبنا عنه بحمل ذلك على بيان الملاك لا كونه علة على ما سبق في بعض أبحاث المفهوم .

وكيف كان . فيدور أمر ماء الغسالة في الاستنجاء من الغائط والحق به البول للملازمة والاطلاق بين كونه طاهرا فيخصّص به أدلّة انفعال القليل واطلاقه الاحوالي في مساواة الورود على النجاسة أو ورود النجاسة على الماء في حال الالتفات أو غيره أو انه نجس فلا يكون تخصيصا بل تخصصا ولكنه معفو عنه الا انه تنظر سيّدنا الأستاذ قدس سره في المثال وانه من قبيل المثال الاول في مورد البحث أي كالشك في تخصيص العام باخراج زيد العالم أو المثال الثاني والتمسك باصالة العموم على كونه تخصصا معفوا عنه فتأمّل .

والنتيجة: ان مقصود المحقق الخرساني في هذا المقام الذي أشرنا إليه الفرق بين النحوين من المثال في النتيجة بالنسبة إلى التمسّك بالعام . وان الحكمتارة يكون مردد الموضوع بين من هو من أفراد العام كزيد العالم وبين من يعلم بعدم كونه منهم . فحينئذٍ يتمسك بعموم العام وعدم التخصيص وكون الموضوع لحرمة الاكرام هو زيد الجاهل . وذلك لازم عقلي لظهور العام واخرى يكون شخص الموضوع وانه هو هذا بعينه . لكنه يشك في كونه عالما فخصص العموم بحرمة اكرامه أو ليس من افراده كي يكون تخصصا . وفي هذا المقام لا يرون للعام

نتيجة ما سبق

ص: 237


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 13 ح 2 من أبواب الماء المضاف والمستعمل .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 26 ح5 من أبواب أحكام الخلوة .

لازما في اتبات جهالة موضوع حرمة الاكرام باصالة الظهور في العموم وعدم التخصيص . وأمّا المثال فاعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم صحّة التمثيل له بمسئلة ماء الاستنجاء وانه هل هو معفو عنه كي لا يكون تخصيصا أو لا ينجس كي يكون كذلك . بان المستفاد من الرواية ليس الا عدم نجاسة ملاقيه ولا عموم لنا في نجاسة كلّ ملاقي كي يدور الأمر بين التخصيص والتخصص .

نعم هو عبارة الفقهاء . وعلى كلّ حال فدلّ الدليل على ان الملاقى لماء الاستنجاء لا بأس به أو لا ينجس ولا ربط له بقضيّة انفعال الماء القليل وعدم انفعاله بل ربما كان ظاهر الروايات منها ما اشتمل على التعليل بأن الماء أكثر من القذر استهلاك عين النجاسة ولذا لا نقول بطهارة الغسلة المزيلة للعين بل بما استعمل في غيرها أو فيها بنحو استهلك الاجزاء الصغار . وان كان يشكل بان الوارد في حد الاستنجاء هو النقاء فلا يجب الغسلة الثانية . كما انه لا وجه للتعدّي

عن مورد الاستنجاء بكون الماء أفضل من غيره إلى كلّ مورد . ويقال بكفاية غير الماء واعترف قدس سره بعدم اشتمال أبواب الفقه الاّ على ما يجمع بينها بالاطلاق والتقييد ولم يجد مثالاً يمكن التمثيل به في المقام كما في باب ارث الزوجة والجمع بين شتات أخبارها مع قطع النظر عن مقطوعة ابن اذينة(1) التي لا اعتبارلها بمحروميّة الزوجة(2) من عين الأراضي ومن البناء تورث قيمته والمنقول عينا . كما أن في باب الزكوة بالنسبة إلى غير البالغ وان عدم وجوب الخمس في أرباح مكاسبه دون ساير ما يتعلق به الخمس وان الزكوة عين الخمس أو بالعكس . الا ان

ص: 238


1- . وسائل الشيعة 26 الباب 7 ح2 من أبواب ميراث الأزواج .
2- . وسائل الشيعة 26 الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج الأحاديث 1 إلى 17 .

الفرق بينهما بالخمس ونصفه لا وجه له كما لا وجه للفرق بين خمس أرباح المكاسب وغيرها على ما حقق في محلّه .

وأمّا الكلام في المثالين فلا اشكال في صحّة ما أفاده قدس سره في المثال الثاني

وعدم بناء العقلاء في استنتاج جاهلية متعلق الحكم بحرمه الاكرام في مورد معلوميته . وفي المثال الأول فحيث انه انعقد الظهور في وجوب اكرام زيد العالم ويشك في تخصيصه وقيام الحجّة الأقوى على خلافه فلا وجه لرفع اليد عن الحجّة المعتبرة وهو ظهور العام في وجوب اكرام زيد العالم وان كان احتمال خطأ الامارة في مطلق أقسامها قائم لا يضر بالاستدلال ولا بالوثوق . لكن الكلام في لا تكرم زيدا حيث ان اجماله لا يليق بالحكومة على ظهور أكرم العلمأء ولا يعارضه لعدم معلوميّة كون موضوعه هو زيدا العالم مع ان زيدا قد علم كونه واجب الاكرام فلا موجب لرفع اليد عن الدليل العلمي بالاحتمال . وأمّا بالنسبة إلى الجاهل فهل يكون مقام البرائة أو الاشتغال ؟ لا اشكال في كونه من الاشتغال للعلم بالتكليف وان قلنا بكون مقامه ما علم نوع التكليف ولم نكتف بجنسه . وقد ذهب إلى كلّ منها الشيخ قدس سره ولذا يوجد في كلاميه في رسائله تناقض وتهافت كما

انه لا موجب للقرعة لأن مقامها ما قصرت أيدينا عن كلّ شيء حتّى الدليل العقليوكذلك وجهنا روايات اعتبار العيينيّة في ترتيب الحكم . وقد أجاب عنها السيّد في حاشية المكاسب انه لو لا الشهرة لكان مقتضى الجمع بينها وبين باقي الأدلّة هو ذلك أي اعتبار العلم بالمتعلق شخصا الا انك عرفت ان لزوم العمل بالأطراف عقلي لا شرعي ولابد من المؤمّن . والمؤمّن في ارتكاب الاكرام في العالم هو اطلاق الدليل فاذا تركنا اكرام العالم والجاهل كليهما نعلم بامتثال لا تكرم زيدا

الكلام في المثالين

ص: 239

بخلاف ما اذا اقتصرنا على خصوص الجاهل .

ثمّ انه لا يخفى انه بناء على تعارض الأصول في مورد العلم الاجمالي

وتساقطها ولزوم مراعاة كلّ الأطراف للمعلوم بالاجمال تكون النتيجة هي وجوب الاجتناب عن اكرام زيد الجاهل اما بالنسبة إلى زيد العالم أيضا مقتضى القاعدة ذلك . لكن حيث قامت الامارة على لزوم اكرامه فيكرم فيكون المقام من قبيل ما اذا علم بنجاسة ماء أحد الانائين ثمّ فقد أحدهما أو انصب مائه في وجوب الاجتناب عن الباقي . اذ لو فرض وجود المعلوم بالاجمال وانطباقه في الواقع على هذا الباقي لم يكن للعبد مؤمن عن عقاب المولى وحسن مؤاخذته لتنجز التكليف حسب العلم به . وحينئذٍ فلابدّ من الاجتناب عن هذا الطرف واكرام زيد العالم بقيام المؤمّن وهو الامارة على اكرامه . واحتمال خطأ الامارة في حرمة اكرام زيد المجمل المردد بينهما قائم في العام أيضا . فلا يصلح هذا الاحتمال لرفع اليد عن أحدهما . لكن الاشكال في معارضة الأصلين في طرفي المعلوم بالاجمال مع وجود الامارة المعتبرة في أحدهما . وعلى هذا فلو جرى الأصل ففي طرف واحد وهو زيد الجاهل ومعه يعلم بمخالفة التكليف بحرمة الاكرام اذ متعلقه اما زيد العالم أو الجاهل والعالم وجب اكرامه حسب العموم والخاص نفي حرمته بحسب الأصل . نعم لو كان حجيّة الظهور معلّقا على عدم قيام الاحتمالعلى الخلاف لما كان اصالة الظهور في العام جارية ومعه فالأصلان لا معارض لهما في الطرفين ويحرم اكرامهما . الا ان بناء العقلاء على الأخذ بالظهور إلى قيام الحجّة الأقوى على خلافه لا قيام مجرد الاحتمال على فرض انعقاد الظهور كما في المقام .

ص: 240

نعم يمكن أن يقال بمعارضة جريان الأصل في زيد الجاهل مع دليل حجيّة الامارة في زيد العالم لعدم امكان اثبات الامارة لازمها من كون متعلق الحرمة هو الجاهل ولا تنهض على انحلال التكليف المعلوم بالاجمال . اذ لو كان من قبيل قيام الامارة أو البيّنة على كون هذا الاناء الطرف للعلم قد وقعت فيها قطعة دم سابقا لكان للانحلال وجه . لكنه ليس كذلك بل المقام مجرى الامارة على خلاف المعلوم بالاجمال . ولو قيل بترجيح مجرى الامارة في موردها على مجرى الأصل في مورده لكان اللازم ما ذكرنا من اكرام العالم وعدم مؤمّن لترك الاجتناب عن اكرام الجاهل . لكنه انما يتم اذا كانت الامارة مع الأصل متّحد المورد وليس كذلك . بل مجرى احدهما في احد طرفي المعلوم والاخر في الاخر . والا فلا اشكال في تقدم جريان الاستصحاب على ساير الاصول فضلاً عن جريان الامارة اذ لو لم تكن واردة على الأصول فلا اقل من الحكومة مع ان الفرض قصور ادلة الأصلين عن شمول كليهما للعلم بنجاسة المعلوم بالاجمال ولا معيّن لأحدهما بالخصوص ولا بعينه اذ لا حقيقة له غير الفردين . فيشكل الأمر بناء على مبنى تعارض الأصول في أطراف العلم الاجمالي . نعم لبعضهم المنع مطقاً ولو بدون جريان الأصلين بمعنى التعارض في الجريان لا انهما يجريان ويتساقطان على ما حققنا في محلّه وعليه مبنى الشيخ قدس سره .

والحاصل إمّا أن يلتزم بجريان الامارة وحجيّتها في موردها واكرام زيدالعالم واجتناب اكرام زيد الجاهل أو لابدّ من القول باثبات الامارة للازمها وهو تعيين موضوع لا تكرم في زيد الجاهل وحجيّتها في موردها وهو زيد العالم ( وربما يكون بناء على تعارض الأصلين دوران الأمر بين المحذورين في زيد

امكان معارضة جريان الأصلين

ص: 241

العالم ) .

فصل في عدم جواز التمسك بالعام

قبل الفحص عن المعارض .

اتّفق الأصحاب على عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص كما انهم اتّفقوا كلّهم محدثوهم واصوليّهم على عدم جواز اجراء الأصول النافية قبل الفحص عن الدليل . ويشهد لذلك عنوانهم النزاع في الشبهات بجريان البرائة أو الاحتياط بكون حكم الشبهة بعد الفحص حكمها قبل الفحص في عدم جواز اجراء البرائة أم لا . فعدم جريانها قبل الفحص من المسلمات عندهم ويبعد كون هذا الاجماع تعبديّا . بل الظاهر انه مدركي مستنده اما عدم جريان البرائة العقليّة فلعدم حكم العقل بعدم استحقاق العقاب قبل الفحص اذ لا يلزم على المولى الا البيان واما الفحص فوظيفة العبد وليس على المولى دقّ باب العبد واسماعه الأحكام واما النقليّة فيمكن دعوى انصراف أدلّتها عن ما قبل الفحص وان مثل قوله ( رفع ما لا يعلمون )(1) منحصر الظهور بما بعد الفحص .

نعم لا يجب الفحص في الموضوعات على تفصيل كما في مثل الفحص عنطلوع الفجر في ليلة رمضان وذلك لكون الغاية التبين ولا يخفى ان جواز الأكل انما هو اذ لم يظهر امارات الطلوع والا فمجرد رفع الرأس والنظر إلى الأفق الموجب إلى حصول اليقين في الطلوع لا يكون فحصا .

ص: 242


1- . وسائل الشيعة 7 - 8 الباب 37/2 من أبواب قواطع الصلاة والباب 31/2 من أبواب الخلل واللفظ وضع .

وكيف كان فلا اشكال في عدم جواز الأخذ بالعمومات قبل الفحص عن المخصّص وعلّل ذلك بوجوه:

أهمّها وأقواها اثنان: أحدهما العلم الاجمالي بوجود مخصّصات لعمومات الأحكام التي لا ريب في عدم خلوّ كلّ شريعة منها اذ لا معنى لشريعة لم يكن فيها الزاميّات من الواجبات والمحرّمات ويكون الأحكام فيها منحصرة في الثلاث غير الالزاميّين ( بل اشتهر انه ما من عام إلاّ وقد خصّ ) حتّى انه مخصوص أيضا وحينئذٍ فمقتضى العلم الاجمالي عدم جواز العمل بالعموم قبل الفحص عن المخصص والظفر به .

الثاني ان من المسلّم عدم أخذ العقلاء والعرف بظهور كلام من دأبه وديدنه الاتّكال في كلامه على القرائن والمخصّصات المنفصلة وإنّما يبيّن بعض ما له الدخل في الحكم أو يعم الحكم على جميع أفراد الموضوع مع انه يتبعه في كلام آخر بما يقيده ويخصّصه والحال كذلك بالنسبة إلى الشارع كما لا يخفى على من راجع الكتب وله أدنى بصيرة بالفقه وأدلته .

هذا عمدة الأدلّة . ولكن لا يخفى ان المدعى هو أعم من ذلك ولا يفى كلّ من الدليلين بتمام المدعى . اذ يرد على الدليل الأوّل انه اذا تفحّصنا عن المخصّصات وظفرنا بها على المقدار الذي ينطبق عددا على المعلوم بالاجمال المتيقن كمائة أو ألف أو أزيد مثلاً ووجدنا عمومات خصّصت بها فاللازم الأخذ بالباقي من العمومات بلا لزوم فحص عن المخصّص . مع انه ليس كذلك ولا يقولبه أحد . كما انه يرد على الثاني انه لا يمكن الأخذ بالعموم ولو بعد الفحص واليأس عن المخصّص اذ لابدّ على هذا من القطع بعدم المخصّص والوثوق بعدم وجود

عدم جواز التمسّك بالعام قبل الفحص عن المخصّص

ص: 243

مخصّص وعدم العثور عليه لا يفيد ما لم يوجب القطع بعدمه مطلقا .

والحاصل ان الكلام في المسئلة يقع في مقامين: الأوّل في جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص وعدمه .

الثاني: في مقدار الفحص وهل اللازم الفحص إلى أن يحصل اليأس عن الظفر بالمخصّص ولو مع احتمال صدوره عنهم . أو المدار على حصول الوثوق بعدم الصدور أو عدم امكان الوصول إليه .

أمّا الكلام في المقام الأوّل: فاعلم انّه كما ذكرنا اتّفق الأصحاب قديما وحديثا على انه لا يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص . وهذا حكم كلّي حتّى انه لو فرض ان هناك عامّا واحدا لا يجوز العمل به قبل الفحص . الا ان الكلام في كون هذا الاجماع تعبديّا كي نتعبد بما انعقد عليه أو مدركي مستند الى الوجوه المذكورة في كتب القوم . ولا يخفى انه كما ذكرنا يبعد كونه تعبديّا كاشفا عن رأي الامام عليه السلام ودستورهم لأصحابهم بعدم العمل بالعمومات قبل الفحص . وانه سيرتهم الكاشفة عن ذلك . فحينئذٍ فالعبرة بالمدرك . فمن الوجوه المذكورة لذلك الوجهان السابقان من العلم الاجمالي بورود مخصّصات كثيرة في الشريعة وان العمومات قد خصّص مقدار منها ومقتضى هذا العلم عدم العمل بالعام قبل الفحص عن مخصّصه .

والثاني: كون ديدن المتكلّم في مقامنا هذا على الاتّكال بالقرائن المنفصلة وانه ربما يبين امد الحكم في زمن المعصومين علیهم السلام مع كون العام قد القى في السابق عليه لا انّه نسخ في ذلك الزمان بل انما اودع علمه إليهم علیهم السلام وبيّنوا عندالحاجة إلى ذلك فبيّنوا ان امده قد تصرّم .

ص: 244

وعلى كلّ حال فلو كان الدليل هو العلم الاجمالي فلازمه الانحلال فيما اذا ظفرنا بالعدد المعلوم بالاجمال بالمخصّصات ولابدّ في الباقي من العمومات العمل ولو قبل الفحص ولا يلزم الفحص عن المخصّص . اذ مقتضى العلم الاجمالي هو ذلك ما لم ينحل واذا انحلّ بالظفر فلا وجه للفحص . لكن كما ذكرنا ان المدّعى هو العموم والكليّة ولو في عامّ واحد لم يفحص عنه انه لا يجوز قبله كما انه لا يتمّ في

ما اذا كان العلم منحلاً من أوّل الأمر .

ثمّ انّ المحقّق النائيني قدس سره بيّن وجها(1) آخر في المقام يناسب الكليّة في جميع موارد العام وهو وان مثل بمثال الغنم الموطوء الا ان الأحسن التمثيل بغير ذلك وحاصل مراده قدس سره ان لنا علمين صغير وكبير . اما الصغير فهو مردد بين الأقل والأكثر في أفراد المخصص وحينئذٍ فبالظفر بمقدار المعلوم ينحل العلم ولا موجب للفحص . لكن يبقى العلم الكبير .

مثاله انه نفرض ان زيدا مديون لعمرو بدين مردّد بين خمسة دراهم وعشرة فالمعلوم المتيقّن هو الخمسة والمشكوك الخمسة الاخرى . لكن له علم اجمالي آخر بكونه مديونا لعمرو بكلّ ما كتب في الدفتر الفلاني وحينئذٍ فلا يمكن اجراء البرائة أو حصول الاطمينان بالعدم إلاّ بعد الفحص عن كلّ أوراق الدفتر للاطلاع على ما فيه . ثمّ الحكم على أموال زيد الميت بكونه مديونا بذلك المقدار ولا يكفي الفحص بأقل من هذا . ولا مجوز للعمل بالعموم فيما نحن فيه قبل الفحص عن المخصّصات بعنوان ما في الكتب في ما بأيدينا من الأخبار .فظهر بما ذكر في تقريب العلم الاجمالي على وجهين ان مرجع أحدهما إلى

الدليل على عدم الجواز

ص: 245


1- . فوائد الأصول 1/542 .

الأقل والأكثر ولا اشكال في انه اذا ظفرنا بالمقدار المعلوم المتيقن بالمخصص ينحل هذا العلم ويبقى بالنسبة إلى الأزيد من المقدار المتيقن مجرد احتمال التخصيص ويجري اصالة الظهور والعموم في العمومات الباقية بلا اشكال والمدّعى اعم اذ ندعى عدم جواز العمل بالعموم حتى اذا لم يبق الا عام واحد فلابد من الفحص بالنسبة إليه عن المخصص . وثاني الوجهين عدم تعلق العلم بالعدد الدائر بين الأقل والأكثر المنحل إلى الأقل المعلوم والشك في الزائد عليه بل تعلق العلم فيه بالعنوان بما ينطبق عليه من الافراد قليلة أو كثيرة وهو العلم بوجود المخصّصات في ما بأيدينا من الأخبار بالنسبة إلى عموماتها أو بعنوان انها في كتاب الوسائل وحينئذٍ فلا ينحل العلم الاجمالي بالظفر بمقدار من المخصصات لكونه علما معلّما ولابدّ من الفحص عن جميع محتملاته لتنجز العنوان ولا موجب لجواز العمل قبل الاطمينان بعدم ورود المخصص أو وروده وليس من قبيل العلم الأول الدائر بين الأقل والأكثر كما في علمنا بكون الزكوة لعنوان الفقراء . فانه غير مرتبط بالعدد القليل أو الكثير بل من قبيل علمنا بكون الوسائل بما له من العنوان فيه غلط ولم يتعلّق علمنا بالعدد كي بالظفر بمقداره نعمل

على حسب القواعد في احتمال الأزيد . ومقتضى هذا القسم من العلم الاجمالي هو الفحص بالنسبة إلى كلّ واحد من العمومات في مورد العنوان . بل لو فرض العلم الحاصل من هذا العلم بعدد معلوم مشكوك الأزيد فلا يوجب هذا العلم الثاني انحلال العلم الأول بل انما هو علم ناش متولد من العلم الأول وهو باق على حاله ولا ينحل بانحلال الثاني بل الثاني كما في القسم الأول من العلم لا يقتضي بالنسبة إلى المشكوك فحصا بخلاف هذا القسم فانه مقتض للفحص ولا يعارضه في

ص: 246

مقتضاه العلم التولدي لكونه لا يقتضي فلا يمكن مزاحمة المقتضي هذا .

ولا يخفى ان حصول العلم بالنسبة إلينا من هذا القبيل فانه قد عرفنا علمنا قبل العثور على أبواب الأخبار والغور فيها ان هناك عمومات وخصوصات وقد سمعنا ( انه ما من عام إلاّ وقد خصّ منه ) حتّى ان هذا العام أيضا مخصوص كما انه لو اريد من الخاص القيود والاضافات الواردة على الأحكام وموضوعاتها ولو بالعناوين الثانويّة كالعسر والحرج وأمثالهما فلا اشكال في كون كلّ عامّ كذلك إلاّ في بعض الموارد فانها لم يرد القيد عليها في فروع الأحكام وان كان في الأصول والاعتقاديّات كساير الفروع فحينئذٍ لا يجوز العمل بأيّ عام قبل الفحص عن مخصصه وقيده .

نعم ربما لا يحصل العلم كذلك بل يحصل مع العلم بعمومه منحلاً فحينئذٍ لا مجال لهذه الكبرى من عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن مخصّصه كما ان الأمر كذلك بالنسبة إلى أصحاب الأئمّة علیهم السلام وأصحاب الأصول فانّهم كانوا يسمعون العامّ من الامام علیه السلام أو الراوي والخاص أيضا كذلك يجدونه عند الراوي أو يسمعه مرّة اخرى من الامام علیه السلام وبالجملة فبالنسبة إلى العلم الثاني الذي يتصور في حقّنا يكون الأمر من قبيل دوران الأمر بين المتبائنين بخلاف القسم الأول فانه من الأقل والأكثر فلا تغفل .

تكميل وتوضيح: قد سبق الاشارة إلى ان الدليل لوجوب الفحص عن المخصص في جواز التمسك بالعام عمدته مسئلة العلم الاجمالي . والثاني اتّكال المتكلّم في كلامه على القرائن المنفصلة . اما تقريب العلم الاجمالي فقد سبق .

أمّا اتّكال المتكلّم على القرائن المنفصلة . فنقول انه لا يخفى ان أخذ العقلاء

عمدة الدليل على العدم

ص: 247

بظهور الكلام ليس من باب التعبد والتنزيل بل انما هو لكشفه عن المراد النفسالأمري وحصول العلم والاطمئنان لمراد المتكلّم بذلك . ومقتضى ذلك التوقف وعدم الأخذ وعدم الحجيّة فيما يفرق المتكلّم بين القرائن وذويها . لسلب اطمئنان العقلاء عن ظهور ذوي القرائن عن ذلك الا فيما علم انه لم يتّكل في قرينيّته على البيان المنفصل . ومقتضى هذا العلم باتّكال المتكلّم وان ذلك دأبه وديدنه في محاوراته لزوم الفحص عن المخصّص في كلامه في جواز التمسك بظهور كلامه أو عموم عامه . وحينئذٍ على فرض تسليم كون ما نحن فيه كذلك وان المولى الشارع يتّكل على القرائن المنفصلة وان ديدنه استقرّ على هذا فلا يمكن التمسك بالعام في كلامه الا بعد الفحص عن المخصّص بلا اشكال .

ثمّ انه لا اشكال أيضا في كون الفحص انما هو عن الحجّة والا فلا معنى للفحص عن شيء لا يكون في نفسه حجّة . الا ان احتمال وجود حجّة مخصّص أو مقيّد كاف في لزوم الفحص ولو كان قبل العثور عليه لا حجيّة له علينا بل لا يجري أدلّة البرائة هذا . في المقام الاول وهو لزوم الفحص .

في مقدار الفحص عن المخصّص:

أمّا الكلام في المقام الثاني . وهومقدار الفحص . فيختلف بحسب اقتضاء دليله فان كان هو العلم الاجمالي فلابدّ من الفحص إلى انحلال العلم . وان كان هو الدأب والديدن فنحو آخر وقد اضطربت كلماتهم في هذا المقام . فمن قائل بكفاية الظن بعدم المخصّص أو المقيّد أو المعارض نوعيّا أو شخصيّا . ومن قائل بعدم كفاية الظن بل اللازم هو الاطمئنان العادي النظامي . ومن قائل بعدم كفاية ذلك أيضا بل اللازم العلم بعدم المخصّص والمعارض لعدم كفاية الظن الشخصي فضلاً

ص: 248

عن النوعي وكذلك الاطمئنان . كما انه اختلف الكلام في حصول الاطمئنان أو العلم بعدم كون المعارض في الواقع أو في ما بأيدينا من الأخبار .

وذهب بعضهم إلى كفاية الفحص إلى أن يحصل اليأس عن المعارض وانه لو كان لوصل إلينا وظفرنا به .

واستشكل المحقّق النائيني قدس سره على القائل بعدم كفاية غير العلم بلزوم انسداد باب الاجتهاد . وأجاب عنه سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم كون هذا محذورا بل يعمل على حسب القواعد كما في انسداد باب العلم والعلمي وعدم حجيّة أخبار الآحاد فلابدّ من الاحتياط التام أو في غير ما يرتفع بالحرج والضرر .

لكن الذي ينبغي أن يقال هو عدم لزوم العلم الجزمي اليقيني بل يكفي سكون النفس والاطمئنان العادي كما في ساير الموارد . كما انه لا يخفى عدم وجه للاقتصار على خصوص ما في الوسائل من الأخبار اذ لا يلزم من عدم حجيّة كتاب أو وثاقة صاحبه عنده عدمها عندنا . فربما يحصل بالفحص الاطلاع على وثاقة الراوي أو اعتبار كتابه فاللازم هو الاجتهاد التام والتتبع الكامل في مقام الافتاء واستنتاج الأحكام من المأخذ والمدارك . وقد استشكل على صاحب الوسائل بوجوه خمسة وأجاب عنها الميرزا أبو طالب على ما قاله سيّدنا الاستاذ منها مسئلة التقطيع وأجاب عنه بعدم تقطيعه في ما يضرّ بمورد الاستدلال . وان ذلك في موارد لا يرتبط الصدر بالذيل بنحو افترق بين القرينة وذي القرينة ولا بان يبدل المفاد بضم الذيل إلى الصدر أو انفصاله عنه .

الكلام في الخطابات الشفاهيّة

في مقدار الفحص

ص: 249

من الأبحاث الراجعة إلى العموم والخصوص . انه هل الخطابات الشفاهيّة ك-: ياأيّها الناس ويا أيّها الذين آمنوا وأمثالهما مخصوصة بمن حضر مجلس الخطاب أو بالموجودين أم لا ؟ بل يعم الغائبين بل المعدومين .والحق أن يقال ان القضيّة تارة تكون خارجيّة فلا معنى لسراية الحكم أو توجه الخطاب الكذائي إلى غير المخاطب ولو كان حاضرا فضلاً عمّا اذا كان غائبا فكيف اذا كان معدوما واخرى تكون قضيّة حقيقيّة رتّب الحكم على الموضوع الذي فرض له الوجود كقوله تعالى « وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً »(1) ولا إشكال في عدم اختصاص الحكم بالموجودين أو انحصار شمول القضيّة بحكمها لغيرهم ولهم على حدّ سواء اذ لا خطاب فيه إلى أحد كي يحتاج إلى تخاطب يستلزم للوجود والحضور أو تنزيلهما .

والحاصل انه ظاهر القضايا الخطابيّة اختصاص الخطاب والحكم بخصوص الموجودين الواقع اليهم الخطاب وشموله لغيرهم يحتاج إلى تنزيل المعدوم منزلة الموجود كما في ساير المقامات في جميع ما ذكرنا فنرى اختصاص الدعاء بشخص أو أشخاص .

وكما في مثل التحيات الواقعة من الناطقين والراثين وغيرهم فان المراد لا يكون كل من يطلق على ذلك الموضوع الذي أخذ في الخطاب كالمؤمن وأهل البلد وأمثال ذلك وعلى هذا فالتعدّي عن موضوع الخطاب في القضايا الخطابيّة إلى غيرها تحتاج إلى قيام قرينة عليه من خارج والا فالظاهر الاختصاص بهم . واذا قامت القرينة على عموم الحكم لجميع من بلغه هذا الكلام أو سمعه فلا اشكال

ص: 250


1- . سورة آل عمران الآية 98 .

في العموم . ولو لم يكن هناك دليل اشتراك كما هو الحال في مثل الخطابات الواقعة في أوائل المطالب أو أواخرها الواقعة من المصنفين كاعلم أو تدبر ولا تغفل .

ثمّ ان الثمرة لهذا البحث هو انه اذا لم يكن دليل الاشتراك في مورد كان منالممكن اثبات الحكم لغير مورد الخطاب بناءً على شمول الخطابات لغير من قصد افهامهم وغير من القى اليه الخطاب وعلى كلّ حال فهذا من الأبحاث الساقطة ولا يترتب عليه فائدة .

تنبيه: عنونوا الكلام في دوران الأمر بين التخصيص والاستخدام مع كون المراد معلوما وانه ايهما يقدم ومثّلوا له بالآية الشريفة « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ »(1) إلى قوله: « وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ »(2) الخ فان التربص والاعتداد يعم الرجعية والبائنة وغيرها في ما اذا كانت مدخولة غير صغيرة ولا يائسة . واما التي لم يدخل بها أو دخل وكانت صغيرة أو يائسة أو مطلق الصغيرة فلا عدّة لها . ولا يختصّ الاعتداد بالرجعيّة فاريد من المطلقات العموم في غير الثلاث . الا ان المراد بقوله تعالى: « وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ » خصوص الرجعيات ولا يشمل البائنة فاريد من الضمير في قوله بردهنّ وبعولتهن غير ما اريد من المطلقات والا فلابدّ من اختصاص الحكم في الصدر بالرجعيّة دون غيرها أو انه يبقى العموم على حاله في الصدر ويتصرف في ذيل الآية بالاستخدام الذي من أظهر أقسامه ان يقصد بأصل اللفظ معنى ومن ضميره معنى آخر أو يقال بكون الضمير راجعا الى المطلقات غاية الأمر خصص الحكم

دوران الأمر بين التخصيص والاستخدام

ص: 251


1- . سورة البقرة الآية 229 .
2- . سورة البقرة الآية 229 .

من الخارج .

وعلى كلّ حال فنقل سيّدنا الاستاذ عن استاذه النائيني قدس سره انه أنكر الاستخدام أو التخصيص وانه انما يكون هناك تخصيص لو كان المراد من المطلقهو اللا بشرط القسمي كقولنا أيّ رجل . وحينئذٍ فارادة بعض الأفراد يكون استعمالاً للعام في الخاصّ مجازا وحيث انه ثبت في محلّه خلافه فلا يوجب استعمال المطلق في ارادة الرجعيات مجازا ولا تخصيصا بل البعولة قرينة على كون المراد بمن يراد ردهن وثبت عليهن الاولويّة والاحقية بالردهنّ خصوص الرجعيات وبيّن ذلك المحقّق النائيني بوجوه عديدة فراجع التقريرات هذا .

لكن الحق عدم ذلك كله بل لابد من التخصيص لذيل الآية بما ثبت من اختصاص الرجوع والاحقية بخصوص المطلقات الرجعيات دون غيرهن من أقسام البائن ذات البعل .

توضيح وتكميل: قد عرفت ان المحقق النائيني قدس سره أنكر كون ارادة الرجعيات في الآية الشريفة من باب الاستخدام . بيانه ان الآية الشريفة قد اشتملت على أحكام ثلاثة بالنسبة إلى المطلقات فصدرها دال على لزوم التربص ثلاثة قروء بقوله تعالى: « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ »(1) ولا إشكال في عدم كون هذا الحكم كذلك على اطلاقه بل خرج عنه اليائسة وغير المدخولة والصغيرة حسب النص دخل بها أم لم يدخل . والجملة المتوسطة قد اشتلمت على حرمة كتمان الحمل لهنّ بقوله تعالى: « وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا

ص: 252


1- . سورة البقرة الآية 229 .

خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ »(1) ولا يخفى عدم عموم هذا الحكم بالنسبة إلى جميع المطلقات بل في حق من كانت ذات حمل منهنّ واشتمل ذيلها على كون البعولة أحق بردهنّ وهذا أيضا لا يعم غير الرجعية بل مخصوص بخصوص الرجعية غيرالكارهة لزوجها وغير الكارهين . وبالجملة غير مرتبط بالبائن فلا يشملها الا ان اللفظ في جميع هذه الموارد لم يستعمل الا في معناه ولا مجاز كما لا استخدام حيث ان قيام الدليل من الخارج أوجب اختصاص الحكم في الذيل بالرجعيّة . كما ان القرينة قامت على اختصاص حكم حرمة الكتمان بذات الحمل . غاية الأمر لم يرد من ضمير لهن وبعولتهن وكذلك بردهن العموم وهذا لا يوجب شيئا لما قد تحقق ان العموم اذا تخصص احواليا لا يكون في الباقي مجازا حيث انه سيجيء بيانه في باب الاطلاق والتقييد من وضع اللفظ للماهيّة اللا بشرط المقسمي الذي أحد أقسامه اللابشرط القسمي . وما نسب إلى الأصحاب من قولهم بكونه موضوعا للابشرط القسمي لعله في غير محلّه . وحينئذٍ فعدم ارادة جميع الافراد بل بعضها بتقييد اطلاق المطلق أحواليّا لا يوجب مجازية . وقد سبق بيان كون التخصيصات كلّها من قبيل تقييد اطلاق الأحوال . حيث ان قولنا أكرم العالم يشمل باطلاقه حالتي فسقه وعدمه فبتقييده بخصوص حالة عدم الفسق يخرج حالة الفسق . وذلك غير مستلزم للمجازية في العالم وما نحن فيه كذلك . فلا يلزم من ارادة الرجعيات من الضميرين المتأخرين مجاز لو سلم الاستعمال فيها مع انه ليس الامر كذلك بل استعمل في العموم والاطلاق وخصص بالاخبار .

نعم . ربما يمكن أن يقال بعدم انعقاد العموم للمطلقات في غير الرجعيات

توضيح بحث الآية الشريفة

ص: 253


1- . سورة البقرة الآية 229 .

لاحتفاف الكلام بما يصلح للقرينية على الاختصاص وهو ارادة الرجعيات في الذيل فلا تعرض للآية بالنسبة إلى غير الرجعيات في تربصهن وحرمة كتمان أولادهن هذا .

لكنه لا وجه له أوّلا بعدم وجود ما يصلح للقرينية في المقام حيث ان الذيل ليس ظاهرا في الرجعيات بل عام خصص من الخارج وهذا لا يوجب قرينيّةللخصوص .

وثانيا بان الاطلاق في مقدمات الحكمة لا يحتاج إلى أزيد من كون المتكلم بصدد البيان من الناحية التي يراد أخذ الاطلاق وعدم القرينة على التعيين ولا يعتبر أزيد من هاتين المقدمتين أمر آخر فالاطلاق في الصدر محكّم بلا اشكال ولو كان الذيل أريد منه حكم الرجعيات لا يوجب مجازية ولا الحيرة في تعيين أقرب المجازات أو ايّها .

وممّا ذكرنا يظهر حال البحث الاخر المعنون في كلماتهم بانه اذا تعقب العمومات استثناء أو ضمير صالح للرجوع إلى العام في كلّ الجمل السابقة عليه أو أتى بالوصف القابل للرجوع إلى جميع ما في الجمل فهل يرجع الى الجميع أو الأخير أو يتوقف في غير الأخير ومثل له بقوله تعالى: « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا »(1) ومن أحكامه كونه فاسقا ثمّ استثنى بقوله: « إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا »(2) فهل الاستثناء راجع إلى حكم الفسق وانه اذا تاب رجع إلى العدالة أو خرج عن هذا

ص: 254


1- . سورة النور الآية 5 .
2- . سورة النور الآية 5 .

الذنب أو انه راجع إلى كلّ هذه الأحكام الثلاثة ويكون مقيّدا لاطلاقها الاحوالي ؟

أو يفصل بين ما اذا كان على طريق الوصف فلا يرجع إلى غير الأخير أو الاستثناء فالى الجميع ؟ وجوه: والظاهر عدم وجه للتفصيل .

اختار سيّدنا الأستاذ قدس سره الاطلاق والعموم في غير الأخير والتمسك به لدفع الشكّ عن تخصيصه وتخصيص الأخير متعين بلا اشكال ويجري في الباقي اصالةالاطلاق والعموم ولا يخفى ما فيه . إذ الفرض انّه لم يستقر الظهور بعد في الكلام .

وجه التوقف تساوي نسبة الاستثناء الى الجميع كالوصف . ومجرد الابتداء بأحدها لا يوجب اهميته . كما لا وجه للاشكال في المرجح للابتداء بأحدها اذ لابد من الاتيان بها تدريجا غاية الأمر ربما يكون الانس بما ابتدء به موجبا له أو تقدم الذكر له .

وكيف كان فصور المسئلة ثلاث: فتارة يكون الجمل متحدة في الموضوع واخرى في المحمول وتختلف في الموضوع وثالثة تختلف الموضوعات كالمحمولات . اما اذا كان المحمول واحدا والموضوعات مختلفة متعددة واستثنى أو أتى بالوصف فالظاهر رجوعه إلى الجميع . كما اذا قال اكرم العلماء والادباء والأغنياء والفقراء الا الفساق منهم أو العدول منهم ولا مجال للقول بكون الأخير متيقنا والباقي مشكوكاً . بل لا مجال لانكار رجوعه الى الجميع . واما اذا كان الموضوعات والمحمولات مختلفة كما اذا قال أكرم العلماء واحذر الأمراء ودار الأغنياء وأحسن إلى الفقراء الا الفساق منهم فلا اشكال في كون الأخير متيقن الارادة وهل يرجع الاستثناء الى غيره أم لا .

بيان آخر وتكميل: قد تقدّم شطر من الكلام في عدم كون آية المطلقات

تكميل بحث الآية الشريفة

ص: 255

مشتملة على الاستخدام . ومجمل الكلام هو ان المطلقات لم تستعمل في غير معناها كما ان الضمير في بردهن وبعولتهن لم يرجع إلا إلى المطلقات غاية الأمر اريد خصوص الرجعيات بقرينة الأخبار الخاصة كما ان الصدر قد خصّص بالصغيرة واليائسة وغير المدخول بها وقد عرفت عدم استلزام تقييد المطلق مجازية في الباقي بعد التخصيص . لعدم وضع اللفظ الا للماهية اللابشرط المقسمي والقسمي خارج عن حقيقة الموضوع له . كما ان ساير الأقسام كذلك حتى انالاطلاق أيضا خارج عن مدلولها . وحينئذٍ فلا مجازية في ارادة الرجعيات من المطلقات دون جميعها ونظير المقام المخصص بالمتصل أو المنفصل . فانه لا يكون مجازا حيث ان استفادة الموضوع للحكم الذي هو مقيد ببعض حالات الموضوع من الدالين . فالمدلول متعدد بتعدد الدال ولا مجازية في البين . كما انه لا

تعدد استعمال بالنسبة إلى المطلقات . بل استعملت مرة واحدة في معناها وارجع الضمير إليه تارة اخرى فالاختلال انما حصل في ناحية المرجع في ارجاع الضمير إليه لا في أصل استعمال المرجع ولا في استعمال الضمير . فلا استخدام في المقام بل يمكن انكاره في القضايا الشرعية .

نعم يكون الاستخدام في مورد يراد ويستعمل اللفظ مرة في معنى والمرة الثانية يرجع الضمير اليه بمعناه المجازي أو معنى آخر مشترك فيه وفي الأوّل اللفظ كما في العين . يراد في اطلاقها الأول الباكية وفي الضمير يريد أحد معانيها الاخر إلاّ انه غير مرتبط بما نحن فيه لكون الرجعيات أيضا مطلقات هذا حاصل الكلام في المقام .

في حكم العام بالنسبة إلى المفهوم الموافق والمخالف .

ص: 256

أمّا المفهوم الموافق فهو ما يكون موافقا للمنطوق في الحكم ايجابا وسلبا وفي قباله المخالف الذي يخالف المنطوق في الايجاب والسلب . والموافق قسمان فقسم يكون بلا توسيط مقدمة عقليّة فيستفاد حكمه من المنطوق . وقسم يكون استفادة حكمه بانضمام مقدمة عقلية قطعيّة إلى المنطوق .

أمّا الأوّل فكالآية الشريفة « فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ »(1) حيث انه تدلّ علىحرمة الضرب والشتم بالاولوية . بل يمكن أن يقال ان دلالتها تكون من أقسام المداليل الالتزامية اللفظية ولا يكون هناك مقدمة عقلية كما ذكرنا .

وبعبارة اخرى تكون الآية من أوّل الأمر دالّة على حرمة الضرب والشتم خصوصا لو قلنا بكونها من باب المثال والتنبيه من الادنى الى الأعلى ومن الخاص إلى العام .

والثاني كقولنا اكرم خدام العلماء حيث انه يدلّ بالأولويّة على اكرام نفس العلماء بتوسط المقدمة العقليّة وهي اولويّة اكرام العلماء من اكرام خدامهم . وهذا القسم من اللازم بالمعنى الأعم بخلاف الأول . فانه من اللازم بالمعنى الأخص وكلاهما من المفهوم سواء فسرنا المفهوم بانه حكم غير مذكور أو حكم لغير مذكور ( في خصوص الثاني لا الأوّل ) وعلى هذا التفسير ( أي الثاني ) يدخل في أقسام المفهوم منصوص العلّة مع انه لا يكون اصطلاحا من أقسام المفهوم حيث انّه قسم برأسه .

نعم يسمّى القسم الأوّل والثاني بتنقيح المناط . الاّ ان وجوده في الشرعيّات

حكم العام بالنسبة إلى المفهوم

ص: 257


1- . سورة الإسراء الآية 24 .

مفقود لعدم العلم والقطع بالمناط للحكم الشرعي بعد الالتفات إلى قضيّة ابان(1) .

ثمّ ان منصوص العلّة كما عرفت لا يكون الحكم فيه مذكورا كما انه لم يذكر الموضوع فيه مثاله ما اذا ورد لا تشرب الخمر لأنّه مسكر . فانه يدلّ على حرمة شرب كلّ مسكر لكونه تعليلاً . ولا يتم حسن التعليل الاّ اذا كانت كبرى كلية . والا فلا يمكن التعليل بقولنا لان بعض المسكر حرام لقولنا لا تشرب الخمر لانه مسكر ضرورة لزوم كلية كبرى الشكل الاول حسب الارتكاز . والا فهذه التفاصيل فيمقام البيان وتحليل العمل العقلي . فحكم النبيذ يستفاد من هذه الكلية المعلّلة لحرمة الخمر وذلك غير النبيذ الوارد في رواياتنا انه شربه النبي صلی الله علیه و آله (2) والمراد به الماء الذي كان ينبذ فيه معدود من التمر لتغير طبعه إلى الحلاوة فالنبيذ المحرم الشرب هو المسكر فلو فرض عدم ورود دليل خاصّ على حرمته يمكن استفادة حكمه من التعليل .

لكن قد استشكل هذا المعنى سيّدنا الاستاذ قدس سره بأنّه تارة يكون النظر إلى حكم الخمر فهو مذكور منصوص . فلا يمكن كون قوله لأنه مسكر وكلّ مسكر حرام علة لاستفادة الحرمة في ناحية الخمر . واخرى يكون النظر الى استفادة حكم النبيذ وغيره من المسكرات فهو يدلّ عليه الكليّة لو صرح بها . كما لو قال وكل مسكر حرام فهو مذكور ولا يكون مفهوما وذلك كما في قولنا العالم متغيّر

ص: 258


1- . وسائل الشيعة 29 الباب 44/1 من أبواب ديات الأعضاء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 2/1 - 2 - 3 من أبواب الماء المضاف والمستعمل . لكن ليس فيها انه صلی الله علیه و آله شربه، نعم في روايات اخر شرب بعض الأئمّة علیهم السلام أو جوزوا شربه . وسائل الشيعة 25 الباب 20 من أبواب الأشربة المحرمة 3 الباب 22 / 5 - 1 - 3 - 24 نعم يستفاد ما في المتن من روايات الدعائم المرسلة . مستدرك الوسائل 17 الباب 25 ح1 - 3 / كتاب الأطعمة والأشربة .

وكل متغير حادث فالكبرى علّة لثبوت الحكم للصغرى . واما تعليل الكبرى فلابدّ من استفادة حكمها من مقدمة اخرى خارجية في مثل حدوث المتغير .

ثمّ ان تخصيص العام بالمفهوم الموافق قد اختلف كلامهم فيه من انه تابع للمنطوق أم لا . فذهب إلى كلّ فريق واختار سيّدنا الاستاذ قدس سره كونه تابعا ومثل له بقولنا اكرم خدام العلماء اذا عارضه لا تكرم الفساق . فالنسبة كما ان بين أكرم الخدام ولا تكرم الفساق هو العموم من وجه كذلك بينه وبين المفهوم الموافق وهو أكرم العلماء . فاذا تعارضا في المجمع فان قدمنا منطوق أكرم الخدام فيكونالمفهوم أيضا تابعا له كما انه اذا قدمنا لا تكرم الفساق في المجمع على اكرم الخدام فالمفهوم أيضا يتبعه ولا يوجد مورد يكون التعارض بين المفهوم والعام .

تكميل وتتميم: ادّعى المحقّق النائيني قدس سره (1) تبعيّة المفهوم الموافق للمنطوق بقسميه سواءً كان القسم الذي لا يحتاج إلى توسط مقدمة عقليّة . بل انما يكون هناك تنبيه من الأدنى إلى الأعلى . هو في آية الاف(2) أو الذي ينتقل إليه بواسطة المقدمة العقليّة كمثال أكرم خدّام العلماء . فاذا عارض المنطوق عام يتبعه المفهوم واذا قدمنا في مادة الاجتماع مع العام الآخر الذي يكون النسبة بين المنطوق وبينه العموم من وجه هذا العام الذي له المفهوم الموافق فيتبعه المفهوم ويقدم على ذلك العام . كما اذا قدمنا على هذا المنطوق في مادة الاجتماع ذاك العام فيسقط العام المنطوق ويتبعه المفهوم فلا يبقى مورد للمعارضة مع المفهوم كما اذا عارض أكرم خدام العلماء لا تكرم الفساق .

تبعيّة المفهوم الموافق للمنطوق

ص: 259


1- . فوائد الأصول 1/555 وما بعده .
2- . سورة الإسراء الآية 24 .

لكن استشكل سيّدنا الاستاذ قدس سره بأنّه لا يكون الأمر كذلك في جميع الموارد .

نعم في المثالين يكون على ما ذكر . اما في مثل ما اذا قال أكرم عبيد العلماء الذي يستفاد بالأولويّة ومقدمته العقليّة اكرام نفس العلماء وما اذا عارضه عام آخر كقولنا لا تكرم الفساق من العلماء فلا تعارض لهذا العام مع العام المفهومي كما هو واضح . واما المثال الفقهي للعام المعارض مع المفهوم الموافق فقد ذكر سيّدنا الأستاذ عن المحقّق الثاني وذكر انه لم يذكره مثالاً للمقام بل هو قدس سره ذكره فيمقام آخر لكنه مثال لما نحن فيه وهو انهم اختلفوا في العقود واحتياجها إلى العربيّة كما انهم اتفقوا على لزوم الماضوية وانه لا يكفي صيغة المستقبل أو اسم الفاعل في مقام البيع بأي لغة كانت مع الاتفاق على كفاية بعت الماضي في العربية . فاذا كان لا يكفي ابيع العربي مع كونه في مقام الانشاء متّحد المفاد مع قولنا بعت وواجدا لمادة البيع الذي يكفي في تحققه ماضيه فبالاولى لا يكفي غير العربي لعدم كونه واجدا للمادة ولا الهيئة فبعت يكفي وابيع لا يكفي ومادتهما واحدة فلا يكفي ( فروختم بالفارسية ) لفقدانه مادة البيع وهيئة الماضي منه . وبهذا يخصص عموم أحلّ اللّه (1) البيع أو أوفوا بالعقود(2) بعد أن كان البيع العرفي صادقا على غير العربي وغير الماضي هذا ( وجهه ان المفهوم الموافق وهو عدم كفاية غير العربي لمجرد موافقته في المعنى للعربي عارض العام وهو أحلّ اللّه البيع(3) مع منطوقه وهو عدم كفاية المستقبل واسم الفاعل ) هذا في المفهوم الموافق .

ص: 260


1- . سورة البقرة الآية 276 .
2- . سورة المائدة الآية 2 .
3- . سورة البقرة الآية 276 .

الكلام في المفهوم المخالف

اما المفهوم المخالف فالكلام فيه كالكلام في الموافق في جواز تخصيص العام مع الخصوص بلا اشكال وفي ساير ما ذكرنا . الا ان الاشكال في تحقّق مورد لمعارضة العام مع المفهوم المخالف لرجوعه الى موافقة العام للمنطوق لكنه يمكن أن يوجد في بعض الموارد مما كان الحكم للعام مخالفا لحكم المنطوق والمفهومكليهما ويمكن التمثيل له بما ذكروه في اشكالات آية النبأ(1) من تعارض المفهوم لعموم التعليل في ذيل الآية ( وهو الاصابة بجهالة ) وذلك لخروج صورة العلم عن مورد المفهوم والمنطوق . فانه يتحقق المعارضة حينئذٍ بين المفهوم وهو أخذ خبر العادل وبين ذيل الآية وهو التحذير عن الاصابة بجهالة . ولكن هذا انما يستقيم مثالاً لما نحن فيه على فرض كون قبول الخبر من باب التعبد .

اما اذا كان من باب بناء العقلاء وحصول الاطمئنان والوثوق بالمخبر به فلا يتوجه التعليل ولا يكون هناك معارضة بين المفهوم والتعليل وذلك لعدم كونه كذلك . كما لا يكون الأخذ بخبر العادل منطبقا على الأخذ بخبره الاصابة بجهالة ولا تقف(2) ما ليس لك به علم .

نعم يمكن التمثيل له بمفهوم قوله علیه السلام ( إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء )(3) سواء كان المفهوم هو الموجبة الكلية أو الجزئيّة مع ادلة الحمام أو

ص: 261


1- . سورة الحجرات الآية 7 .
2- . سورة الإسراء الآية 37 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 9 من أبواب الماء المطلق الأحاديث 1 - 2 - 4 - 5 - 6 .

الجاري المعلل عدم انفعالهما بكونهما ذي المادة(1) وقد سبق في بعض أبحاث المفهوم كلام لهذه المعارضة .

تلخيص واستنتاج:

قد تلخص ممّا ذكرنا ان في المفهوم الموافق يكون التخصيص للعام أو به والمفهوم انما يتبع المنطوق كما انه في بعض الموارد لا مانع من معارضة العام للمفهوم الموافق دون المنطوق على ما عرفت من المثال الجعلي . اما المفهومالمخالف وجواز التخصيص للعام أو بالعام له .

فملخّص الكلام فيه انه غير تابع للمنطوق في ذلك . بل يلاحظ حاله ابتداءً مع العام لو فرض مخالفة العام للمنطوق والمفهوم المخالف كليهما . لكنه مشكل على ما أشرنا إليه . فاذا كان المفهوم خاصا يقدم على العام أو عاما فيخصص به ويعمل في مورد التعارض من وجه حسب القواعد . مثاله ما أشرنا إليه من معارضه أدلّة الكر حسب المفهوم مع عموم التعليل في أخبار البئر حيث انه يعلل الحكم فيها بان له مادة ويرجع ظاهرا إلى قوله ( ماء البئر واسع لا يفسده شيء )(2) وما ورد في مثل الماء الجاري الاقل من الكر فيتعارض مفهوم قوله اذا بلغ مع اخبار المادة في الماء القليل(3) ذي المادة . فان مقتضى اخبار المادة عدم انفعاله ومقتضى مفهوم أخبار الكر هو الانفعال لاطلاق دليل كلّ منهما . فأخبار انفعال القليل مطلق من حيث كونه ذا مادة أم لا . كما ان أخبار المادة مطلقة من حيث

ص: 262


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 14 من أبواب الماء المطلق 6 - 7 - 12 لكن التعليل لماء البئر والحمام .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 7 ح4 و6 - 7 - 12 من أبواب الماء المطلق .
3- . في خصوص الجاري ولم تقيد بالمادّة .

بلوغ الكر وعدمه . فتارة ندعى كما عن ( الحاج آقا رضا قدس سره )(1) بعدم المفهوم لأخبار الكر خصوصا ما ورد منها في بيان جواب السؤال عن الغدير المجتمع فيه الماء فاخبارها انما سيقت لبيان تحقق الموضوع فحينئذٍ لا معارضة .

لكن هذا خلاف التحقيق . لما قدمنا في باب المفاهيم من انطباق ضابط كون القضية ذات مفهوم على هذه الأخبار وعدم انطباق الضابط الاخر عليها . واخرى نقول انه عند التعارض يكون العامّ الذي هو قوله علیه السلام ( خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجسه شيء الا ما غيّر )(2) الخ مرجحا للدليل الموافق له أو انهما يتساقطانويرجع بعده إلى عامّ الفوق فهو اما مرجح أو مرجع الا انه أيضا خلاف التحقيق لمعارضة الدليل المخالف لما يوافقه العام لنفس العام أيضا . فلا وجه لخروج العام عن دائرة المعارضة . وذلك لأن الملاك في المعارضة هو عدم امكان الجعل لكلا الدليلين المتعارضين . اما التمثيل بآية النبأ فقد عرفت مجمل المقال فيها وانه إنّما

يصح بناء على كون الحجيّة من باب التعبد . والا فلو كان من باب افادة العلم لما كان فرق بين خبر الفاسق والعادل . وبذلك يظهر عدم صحّة ما أجاب المحقق النائيني قدس سره عن المعارضة في الآية مع التعليل باصابة القوم بجهالة من ان خبر العدل بعد حجيته من الشارع يكون كالعلم فيكون المفهوم في الاية حاكما على التعليل والظاهر ان هذا غفلة منه رحمه الله والا فلا وجه لهذا الجواب .

والتحقيق في الجواب هو انه بعد فرض كون الآية مثالاً لما نحن فيه لا مانع من التخصيص للعام بالمفهوم ويمكن تصوير المعارضة للمفهوم مع العمومات

تخصيص العام بالمفهوم

ص: 263


1- . مصباح الفقيه 1/151 و 152 - 86 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/9 من أبواب الماء المطلق .

الواردة في النهي عن العمل بالظن . وان كان الاستدلال بها مشكلاً على عدم حجيّة ألظن لكون دلالتها ظنيّة كما أجاب بذلك المحقق القمي رحمه الله ولكن الاشكال في الاحتياج إلى الاستدلال على عدم حجيّة الظن . اذ نفس الشك في حجيته يكفي في عدمها ولا حاجة معه إلى الاستدلال .

ثمّ انّ سيّدنا الأستاذ قدس سره قد أطال البحث في بيان المعارضة بين المفهوم المخالف والعام وتقديم المفهوم على العام والعكس وان تقديم العام على المفهوم وانه قرينة عدم كون القضية ذات مفهوم أو العكس والكشف عن عدم العموم للعام.

وملخص الكلام هو ان الضابط لكون القضيّة ذات مفهوم هو رجوع التعليقإلى الاسناد وتعليق جملة بجملة . وعدم العدل في مقام التعليق انما يفيد الانحصار والترتب وكان هناك اطلاقان . اطلاق جار في ناحية كون ما علق عليه تمام الموضوع . واطلاق جار في ناحية ترتيب الجملة على مفاد الاخرى . والاول مفاده كون الموضوع هو تمام المذكور . والثاني مفاده الانتفاء عند الانتفاء .

والحاصل: انه جعل بعضهم العام قرينة على عدم كون القضية ذات مفهوم لمنافاة ذلك لانحصار الموضوع . وبعضهم عكس فجعل المفهوم مقدما على العموم وعدم جريان المقدمات في اطلاق العام الاحوالي ( لكن الكلام لم يحرّر كما ينبغي ( وقد استفسرت سيّدنا الأستاذ عن ملخص الكلام في بيان تعارض المفهوم المخالف مع العام فتحصل من بيانه قدس سره ما يأتي .

ان العام مع المفهوم المخالف تارة يكون تخالفهما بالعموم والخصوص مطلقا فلا اشكال في تقدم الخاص منهما أيّا ما كان . واخرى بالتباين أو بالعموم من وجه فحينئذٍ يعمل على حسب القواعد اذا لم يمكن الجمع بوجه . وهاهنا

ضابط كون القضية ذات مفهوم

ص: 264

اشكالان أحدهما من بعضهم في ان العموم لا ينعقد مع المفهوم المخالف اذ المفهوم المخالف قوام موضوعه الانحصار فكيف يمكن أن يعارضه العامّ .

والجواب عنه ان ذلك لا ينافي التخصيص كما مرّ في مباحث المفهوم وهذا الاشكال كما ترى على طرف نقيض للاشكال الآخر الوارد من المحقق الخراساني قدس سره (1) من اختلاف حالات المفهوم مع العام . فربما يكون العام مقدما على المفهوم وربما يكون بالعكس الخ ما أفاده في الكفاية . ولا فرق بين المتصل والمنفصل في هذين الاشكالين وان كان ربما يظهر في كلام المحقق الخراسانيفرق بين بعض الصور مع بعض .

وأجاب المحقق النائيني(2) عن اشكال المحقّق الخراساني

بكون المفهوم موجبا لانهدام العموم في العام فانّه وان كان العموم في كليهما بجريان المقدمات الا ان رتبة جريان المقدمات في العام في رتبة جريانها في المفهوم من ناحية اطلاق الواو الذي مفاده عدم جزء للموضوع سوى المذكور وللمفهوم اطلاق آخر حاكم على العام وبيان له وهو الاطلاق الحاصل في ظرف الترتب وربط جملة باخرى وتعليقها عليها .

في جواز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد وعدمه

لم يتعرّض المحقّق النائيني قدس سره لبحث جواز تخصيص الكتاب بالسنة الآحاد اكتفاءً بما بين في باب حجية أخبار الآحاد وهذا البحث ساقط لا وجه له

تخصيص الكتاب بالخبر الواحد

ص: 265


1- . كفاية الأصول 1/363 - 364 .
2- . فوائد الأصول 1/560 - 561 .

وانما عنوانه لورود بعض الأخبار الواردة في(1) ان ما خالف القرآن باطل أو زخرف(2) أو لم أقله(3) حيث ان هذه التبعيرات لا تقبل التخصيص . فان الباطل لا معنى لاستثناء فرد منه من عدم جواز الأخذ أو عدم الحجيّة . وما ورد في عدم صدور الخبر أو حجيّته اذا لم يكن عليه شاهد أو شاهدان من كتاب اللّه تعالى لكن لا يخفى ان التخصيص للعام والتقييد للمطلقات ليس من المخالفة كي يتّجه توهم الاشكال والتوقف بل انما هو بيان مراد العام والمطلق . ومعه ينكشف بطلان(4)جريان المقدمات في العموم والاطلاق . بل انما كان خيال الاطلاق والعموم . فلا موضوع حينئذٍ للمعارضة حيث انا قد حققنا في مباحثنا من عدم كون مصداق للعموم والتخصيص بل انما هو تقييد الاطلاقات الاحوالي والتخصيص الأنواعي خصوصا على مبنى كون حجيّة الأخبار من باب بناء العقلاء وان دلالة الآيات لو تمت فانما هي ارشاد إلى طريقة العقلاء بما هم عقلاء بلا اختصاص لذلك بفرقة خاصة منهم . بل ان ذلك دأبهم وديدنهم في مطلق الثقة حيث يحصل لهم الوثوق والاطمئنان وجدانا بخبره ويرتبون الأثر ويمشون على طبقه . فحينئذٍ كيف يمكن توهم المعارضة مع كون التخصيصات عبارة عن المبينات للمراد من عمومات الكتاب . بل في الحقيقة ليست مغايرة للكتاب ونسبتها إلى الكتاب نسبة الدفتر الكبير إلى الصغير على ما عرفت في بعض الأبحاث السالفة . وكذلك الأمر لو كان

ص: 266


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/29 - 35 - 48 - 10 - 19 من أبواب صفات القاضي واللفظ ما خالف كتاب اللّه فدعوه . أو فردّوه وفي رواية واحدة وإن لم يشبهها فهو باطل .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/12 - 14 - 15 - 10 - 19 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/15 - من أبواب صفات القاضي .
4- . فيه انه خلاف التحقيق .

حجيتها أي أخبار الآحاد من باب التعبّد وقيام الأدلّة القطعيّة على حجيّتها . فانه أيضا بعد الحجيّة لابدّ من ترتيب الأثر ولا يمكن تحقق المعارضة لوجود الجمع العرفي لعدم تحقق شرايط المعارضة وقيودها الأربعة أو الخمسة في معارضة العام والخاص وليس هذا البحث لخصوص كون الأخبار ظني السند والكتاب قطعيّه فكيف يقاومه الظنّي لما عرفت من انه بناءً على ذلك أيضا بعد حجيّة السنة لا مجال للمعارضة لكون الدليل القطعي دالا على حجيتها . فلا يمكن توهم المعارضة مع الظني واما اخبار(1) الاحتياج الى شاهد أو شاهدين من الكتاب فالكلام فيها نفسها . اذ يلزم من حجيتها عدمها لعدم دلالة ( آية ) من الكتاب فياشتراط أخذ الخبر بوجود شاهد أو شاهدين من الكتاب عليه . مضافا إلى لزوم كون صدورها محققا والا فمجرد وجود الرواية والخبر لا يفيد .

هذا حاصل الكلام في ما يتعلق بهذا البحث ( وممّا يرجع اليه ويلحقه ) هو البحث الاخر المعنون في كتبهم من انه اذا ورد عام وخاص فاما ان يردا قبل حضور وقت العمل فلا اشكال في تخصيص الخاص للعام بل هذا المقام هو القدر المتيقن من موارد التخصيص . واما أن يرد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام والعمل عليه . فحينئذٍ يقع الكلام في كون هذا الخاص ناسخا للعام او ان تكليف العاملين بالعام لم يكن الا بذاك العام . أو ان تكليفهم وغيرهم هو العمل بالخاص غاية الأمر هم معذورون جهلاً عذريّا بعدم العمل بالخاص أو يقال ان تكليفهم وايانا واحد وورود الخاص إلينا كاشف عن مقرونية العام في زمان صدوره بالخاص لكن لم يدون ولم يكتب وبينه في كلّ عصر امام ذاك العصر وخيّل إلينا

ص: 267


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/9 - 18 من أبواب صفات القاضي .

عدم وروده الا من العسكري علیه السلام مثلاً ؟ وجوه .

تتمة البحث: لا اشكال عندهم في كون الخاص مخصصا اذ أورد قبل حضور وقت العمل بالعام سواءً ورد معه أو بعده .

أمّا اذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ففيه اشكال . حيث انه يحتمل أن يكون ناسخا لحكم الخاص كما انه قيل بكون الخاص مخصصا للعام من أول وروده ومثلوا له بما اذا قال أقتل زيدا المشرك ثمّ قال فيما اذا حضر وقت العمل بالخاص لا تقتلوا المشركين . فان كان الخاص مخصصا للعام فيكون قتل زيد واجبا مطلقا قبله وبعده . وأمّا إذا كان العام ناسخا فلا يجوز قتل زيد بعد ورود العام لكونه نسخا له .

وقد ذكروا في مورد الدوران بين النسخ والتخصيص وجوها من ترجيحلكل من النسخ والتخصيص ككون التخصيص أشهر والنسخ أندر . ولكن لا يفيد ذلك في رجحان أحدهما بعد كون الجمع بين الخاص والعام عرفيا غير مشترط بورود الخاص بعد العام أو معه كي يكون ورود العام بعد الخاص مانعا من ذلك بل الخاص لأظهريّته يقدم على العام ولامجال للحيرة خصوصا مع كون النسخ والتخصيص مآلهما واحد وكلاهما من التخصيص والتقييد للاطلاق . غاية الأمر يختلف متعلق النسخ عن التخصيص وان التخصيص يرجع إلى تقييد الافراد والأحوال مع بقاء الحكم بخلاف النسخ لرجوعه إلى تخصيص الازمان . ومرجعه إلى نفي الحكم بعد ورود التخصيص ولذلك أنكرنا استصحاب عدم النسخ الذي حصر مجرى الاستصحاب به فريق من المحدثين . وذلك لأن النسخ تخصيص وتقييد للاطلاق الأبدى بالنسبة إلى الحكم المنكشف من جريان مقدمات الحكمة

ص: 268

فان كان يمكن جريان المقدمات بحسب قابلية المورد فهو . والا فكما اذا كان هناك اجماع فنأخذ بالقدر المتيقن ولا مجال لجريان استصحاب عدم النسخ بعد ذلك .

والحاصل: ان الترجيح في هذه الصورة للتخصيص وان النسخ عبارة عن اظهار ما خفي علينا لا انه رفع الثابت حقيقة . واما اذا ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام فقد ذكرنا فيه احتمالات ثلاث: أحدها انكاره رأسا وان التخصيص في كلّ زمان كان مع العام . غاية الأمر خيل الينا ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام . وعلى احدها كونه ناسخا للعام . والاخير هو كونه مخصصا . غاية الأمر يحتمل كون العام حكما ظاهريّا بالنسبة إلى غير الواصل إليهم الخاص كما يحتمل كونه ترخيصا وهم معذورون في عدم العمل بالخاص . وحيث ان الحكم يستحيل أن يقيد متعلقه بالعلم بنفس الحكم بخلاف كون العلم به مأخوذا قيدا لحكم آخر فلا معنى لكون الحكم مخصوصا بالعالمين به وينشأللجاهل حكم آخر . بل حكم العالم والجاهل واحد . غاية الأمر ينشأ هناك ترخيص بالنسبة إلى من لم يصل الواقع إليه كما في مورد مؤدى الامارات اذا خالفت الواقع . وليس كما قال به صاحب الحاشية وارتضاه أخوه صاحب الفصول من كوننا مكلفين اليوم بمؤدى الامارات وهذا أيضا يتصور على أقسام بعضها طريقيّة محضة وآخر تصويب محض وثالثة بين البين .

وكيف كان فلا معنى لانشاء حكمين واقعي وظاهري بالنسبة إلى الجاهل بالحكم الواقعي ويختص الواقعي بالعالم اللهم الا أن يكون بنتيجة الاطلاق أو التقييد هذا حاصل الكلام في هذه المسئلة .

تبيين وتوضيح: لا يخفى اختلاف أقسام الخاص والعام المتخالفين في

دوران الأمر بين النسخ والتخصيص

ص: 269

الورود ومجمل الكلام فيها على أقسامها هو تقديم الخاص على العام للأظهريّة ( ومن تواردهما ما اذا كان حكم من خصائص النبي صلی الله علیه و آله فعارض بعضهم بين دليل التأسي ودليل العام المخالف لهذا الخاص . وبعضهم لم يعارض لذلك . بل قدم الخاص المخالف للعام من النبي مع دليل التأسي على العام المخالف ) وانه لا مورد لاستصحاب حكم العام الا اذا كان الحكم ثابتا في الشريعة السابقة ولم نعلم بكيفيّة تشريعه . فحينئذٍ يمكن جريان استصحاب عدم النسخ في هذا الفرض مع كون الشك ممحضا في ارتفاع الحكم من ناحية الزمان وحفظ ساير أركان الاستصحاب . والا فعلى فرض كيفيّة العلم بتشريع الحكم وانه مخصوص بهم أو يعمهم كما في القضيّة الحقيقية فلا مجال للاستصحاب . كما انه على فرض تشريع الحكم على نهج القضايا الحقيقيّة لا حاجة إلى اتعاب النفس بفرض الاستصحاب في مدرك الشريعتين .هذا خلاصة الكلام في ما يتعلق بهذه المسئلة .

الاطلاق والتقييد: الاطلاق في اللغة عبارة عن الارسال يقال اطلق الدابة واطلقتها اذا أرسلها وأرسلتها ومن هذا الباب الطلاق للزوجة لكونها مرسلة من علاقة الزوجية والظاهر ان اصطلاح الاصوليّين ليس خارجا عن حد مفهوم الاطلاق اللغوي . فالاطلاق في المفاهيم عبارة عن أخذها ولحاظها مرسلة هذا واما تعريف المطلق بأنّه الحصة الشايعة في جنسها ففيه بعد الغض عن اصل امتناع الاطلاع على حقايق الأشياء لغير خالقها فيمتنع التعريف الحقيقي . بل انما هو شرح الألفاظ وتعاريف لفظيّة .

ان هذا التعريف انما هو لفرد من أفراد المطلق وهو اسم الجنس مع انه لا

في الاطلاق والتقييد

ص: 270

معنى للحصة لعدم كون نسبة الطبيعي إلى أفراده نسبة الأب الواحد إلى أولاده بل نسبته إليها كنسبة الآباء إلى أولادهم وكل فرد وجود الطبيعي والافراد وجوداته . فهذا الفرد وذاك وهكذا كلها وجودات للطبيعة وليست تتجزّأ فيختص كل فرد بحصّه .

والحاصل ان الاطلاق غير مختص بالمفاهيم الافرادية بل يعم الجمل التركيبية كالافرادية فاطلاق الكيل والوزن والنقد ينصرف إلى المتعارف في البلد كما ان الاطلاق في الجمل يقتضي الضيق بخلافه في المفردات على ما سيوضح وبالجملة فلا يكون الاطلاق مخصوصا بالمفاهيم الافراديّة بل يتحقق فيها وفي الجمل كما انه يتحقق في متعلقات التكاليف وفي موضوعاتها وله أقسام . فتارة يكون اشارة إلى فرد مبهم كما في جاء رجل(1) من أقصى المدينة واخرى فيأكرم رجلاً .

وكيف كان فالاطلاق في الكل عبارة عن الارسال ومقتضاه مختلف . واعلم ان الاطلاق ليس موضوعا له اللفظ بل انماهو منتزع من عدم التقييد والارسال والا فاللفظ لم يوضع الا للماهية بناء على كون الأوضاع من الواضعين لا بحسب الفطرة والجبلة وانطاق اللّه أهل اللغات بها كما انها ليست عن مناسبة ذاتية اقتضت ذلك . فالماء لم يوضع لفظه الا لماهيّته أي شيء كانت وانما نعرفها بحسب الخواص والآثار لا بالكنه لاستحالة حصول معرفة ماهيات الأشياء كذلك بالنسبة إلينا غاية الأمر تختلف بحسب الارادة وجعل الحكم وفي مقام الموضوعيّة . والا ففى كلّ الموارد تكون الماهية على ما هي الموضوع له اللفظ والاختلاف بحسب

ص: 271


1- . سورة القصص الآية 21 .

ارادة جعل الأحكام وكيفيّة كونها موضوعا ومتعلقا له وليست الماهية عبارة عن رب النوع ولا المثل الافلاطونيّة وليست هي موضوعا لها اللفظ كما انه لم يوضع للماهية بلحاظ الوجود والعدم ولا للمفهوم بل لنفس الحقايق والماهيات التي تعرضها الحالات والطوارى لاتحاد استعمالها في جميع الموارد بلا تجريد ولا عناية . ولو كانت موضوعا لها بلحاظ الوجود لما صحّ استعمالها في غيره الا بالعناية . كما انها لو كانت موضوعا لها باعتبار المفهوم الذهني لاحتاج استعمالها في ارادة الخارجيّات إلى التجريد والتخلية وهكذا لو كانت بلحاظ الوجود لما صح حمل المحمول الوجودي إلى الموجود عليه ) وكذلك بالنسبة إلى لحاظ العدم فيها . فهي موضوع لها اللفظ بلا لحاظ أمر آخر ولا عناية أصلاً . فالماء كما ذكرنا ليس الا موضوعا لنفس طبيعته ولا يختلف حاله في مقام الحمل على المصداقالخارجي كقولنا هذا ماء أو زيد انسان مع صورة حمل المحمولات العقلية عليه ويقال الماء جنس أو نوع أو الانسان كلي بل هي في جميع الموارد على حالها والاختلاف انما هو في ناحية الارادة . وعلى هذا فاذا قيل جئني بماء فالمطلوب هو طبيعة الماء غاية الأمر حيث انه لم يقيد كون الماء ماءا مخصوصا بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني فتجري مقدمات الحكمة في ارادته أي فرد من الماء . وبأي صفة وحالة كان . فالماء أي ماء ليس موضوعا له اللفظ بل الموضوع له هو نفس الطبيعة وانما أي فرد منه أو اية طبيعة وباية صفة انما هي من خصوصيات المراد لا نفس الطبيعة . فالموضوع له ليس إلاّ خصوص الماهيّة وأيّ ماء خارج عن الموضوع له بلا ريب . ولهذا لا يمكن اسناد الالتزام بكون الموضوع له في المطلق هو أي رجل أو أي ماء إلى المشهور . بل مرادهم مع السلطان قدس سره واحد حيث انه يذهب إلى ان

ص: 272

الموضوع له للألفاظ هي نفس الماهية والحقيقة بلا لحاظ شيء ولا دخل لأمر آخر . بل نقول ان مراد المشهور أيضا ذلك واما ذهابهم إلى كون استعمال المطلق في المقيّد مجازا فهو غفلة عن أصل مبناهم في المطلق وفي وضع الألفاظ . وذلك لعدم كون استعمال الانسان في ما اذا قيد بقيد العالم مخالفا لما اذا حمل على مصداق له فيقال زيد انسان اذ المعنى كما عرفت في كلا الموردين وساير الموارد هو نفس الطبيعة والماهية .

ثم ان هاهنا خلافا آخر في كون الكلي الطبيعي هو ماذا أهو الطبيعة بشرط لا عن الوجود الخارجي الذي يمتنع مع هذا القيد اطلاقه على الخارجيات . أم لا بل هي ليست الا الطبيعة لا بشرط التي توجد في ضمن كلّ فرد . أو هي عبارة عن كلّ فرد فرد فكلّ فرد وجود منها ؟ ولا يهمّنا تحقيق الحال في الكلي الطبيعي بعدوضوح كون الموضوع له الألفاظ هي نفس الماهية . انما المهم بيان أقسامها في مقام حمل المحمولات وجعل الأحكام .

بيان أقسام الماهية: فانهم قسّموا الماهية إلى ثلاثة أقسام بشرط الشيء واللا بشرط وبشرط اللا . وقالوا كل واحد منها قسيم للآخرين والمقسم انما هي الماهية اللابشرط المقسمي وخصّوا اللابشرط القسيم للاخرين باللابشرط القسمي وقالوا بوجود المقسمي في كل الأقسام . مع انه يرد على تثليت الأقسام اشكال كما انه يرد على جعل اللابشرط قسمين حيث ان اللابشرط اما أن يؤخذ قيدا للطبيعة والماهية فهي بهذا الاعتبار واللحاظ تكون مشروطة بهذا القيد . وتدخل في بشرط شيء فينحصر أقسام الماهية بشرط اللا وبشرط الشيء ولا

الموضوع له اللفظ نفس الماهيّة

ص: 273

وجود للا بشرط في قبال القسمين بل هي مقسم لهما لا انهما قسيم لها . وان لم يلاحظ هذا القيد في الماهية فهي عبارة اخرى عن القسمي فأين المقسمي مع ان المقسمي أيضا لا وجود له أصلاً لأنه اذا تحقق في وعاء الذهن أو الخارج فهو اما بشرط شيء أو بشرط اللا أو يكون اللابشرط القسمي فأين المقسمي .

وحل الاشكال . انه تارة تلاحظ الماهية مع قطع النظر عن جعلها موضوعا وجعلها معرضا للأحكام والمحمولات الاولية أو الثانويّة حتى عن الوجود والعدم اللذين هما من المحمولات الاولية .

وبعبارة أهل الفن من العوارض للماهية . وبعبارة اخرى في عالمها ولحاظها من حيث هي التي ليست الا هي لا موجودة ولا معدومة بحيث يرتفع هناك النقيضان وبهذا الاعتبار نسميها باللابشرط المقسمي . واخرى نلاحظ الماهية فيمقام جعل الأحكام وحينئذٍ يستحيل خروجها في لب غرض الواقع بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني من أحد أقسام ثلاثة . فانها اما مطلقة من حيث دخل كل زمان وزماني وجودا وعدما وهما سيان بالنسبة إليها أو لوجوده دخل لا لعدمه أو بالعكس فباعتبار لحاظ وجود شيء تكون بشرظ الشيء وباعتبار عدمه مشروطا بعدمه وبلا اعتبار لهما وثبوته حالهما بالنسبة إليهما تكون لا بشرط القسمي .

والحاصل ان الماهية تنقسم إلى ثلاثة أقسام فاذا لوحظت بشرط عدم وجودها في الخارج فهي بشرط اللا عن الخارجيات واذا لوحظت بالنسبة إلى شيء فهي بشرط الشيء واذا كانت كلتا الحالتين بالنسبة إليها سواء فهي لا بشرط .

ولا يخفى ان عروض الوجود والعدم على الماهية وكونها هي المعروض

ص: 274

لهما انما هو بحسب التصوّر كما قال في المنظومة ( ان الوجود عارض الماهية تصورا واتّحدا هوية . وفي المقام بعض الأبحاث التي ترتبط باصالة الوجود أو الماهيّة وان باصالة الوجود تنضبط أدلّة التوحيد بخلاف اصالة الماهيّة لعدم امكان الجواب عن شبهة ابن كمونة طوينا ذكرها لعدم ارتباط لها بما نحن بصدده . وانما المهم بيان كون الماهية على ثلاثة أقسام . والمقسم فيها هي اللابشرط المقسمي فلا يرد اشكال انحصار الأقسام بغير اللابشرط القسمي على فرض أخذ اللابشرطيّة قيدا وبغير المقسمي على فرض عدمه .

تلخيص واستنتاج:

قد أشرنا وعرفت ان اللفظ موضوع للمعنى بما هو هو مع قطع النظر عن دخل كل شيء معه ولا يكون السريان والشمول من مدلول المعنى ولا من اجزائه .فما عن بعضهم من كون جئني بماء استعمل الماء في أيّ فرد منه ليس كما ينبغي . ضرورة عدم كون معنى الماء ذلك . بل هو نفس الطبيعة والماهية من حيث هي هي بلا لحاظ خصوصيّة معها أصلاً . وانما ذلك من ناحية المراد . والا فلابد من كون معنى المطلق والعام واحدا ولما احتاج العموم إلى استعمال لفظة كل وأمثاله . اذ لازم دخول السريان والشمول في معنى اللفظ وكون المراد بالماء هو كلّ ماء أو أيّ ماء هو ما ذكرنا . وهو واضح الفساد . بل اللفظ انما استعمل في نفس معناه الموضوع له . دائماً غاية الأمر تختلف المرادات وباختلافها تختلف المعاني واستفادة ذلك انما تكون بدوال اخر غير اللفظ الموضوع لماهية المعنى . فاذا استعمل اللفظ في الماهية بشرط لا عن الخارج فالاستعمال لا يكون حقيقة في

تقسيمات الماهيّة

ص: 275

غير الموضوع له . بل المراد ذلك المعنى كما اذا كانت المحمولات منها المحمولات الثانوية التي يكون ظرف عروضها الذهن كقولنا الانسان نوع . وكذلك اذا كان المحمول من الخارجيات فالمعنى للفظ والموضوع له في جميع هذه الصور على نحو واحد والاستعمال غير مختلف . نهاية الأمر استفادة الخارجي أو الذهني وغيرهما من دال آخر ويكون من باب تعدد الدالّ والمدلول ولهذا أنكرنا في باب العام والخاص كون استعمال العام وارادة الخاص من باب المجاز بل من باب تعدد الدال والمدلول والعام ولو اريد منه فرد واحد لم يخرج عن عمومه بل بعد على عمومه ولا يكون مجازا ولو خصّص بتخصيصات إلى حد الاستجان بحيث ينحصر في واحد . اذ استفادة هذه الخصوصيّة من الدوّال الاخر لا من العام . وكذلك الأمر في ناحية المطلق وانما الفرق بينهما ان المطلق يحتاج إلى اجراءالمقدمات مرتين بخلاف العام فان عمومه لا يحتاج إلى مقدّمات بل جريانها مرة واحدة كاف في اطلاق أحوال أفراد العموم .

والحاصل ان اللفظ لم يوضع الا للمعنى والماهية بلا لحاظ خصوصيّة وقيد وان الاستعمال لا يكون الا فيه واختلاف المرادات وانحاء المعاني انما هي من اختلاف الدوال .

ثمّ اعلم ان الارسال والاطلاق الذي ذكرنا في أسماء الأجناس لا يجري في ناحية الاعلام الشخصيّة اذ لا معنى لملاحظة الاطلاق بالنسبة إلى حالات زيد من غناه وفقره وقيامه وقيوده . بل هو ذات شخصيّة لا تفاوت فيها من حيث كونها مسماة للفظ ومرادة منه لعدم امكان لحاظ السريان والعموم فيها . وهذا أيضا من شواهد عدم اشراب العموم بأيّ نحويه البدلي أو الشمولي في أسماء الأجناس وان

ص: 276

المنسوب إلى المشهور لا يخلو من نظر . بل لعلّهم أيضا لم يقولوا بذلك . اذ لا يلتزمون بلوازم كلامهم الا ان يصرح واحد منهم بذلك فلا محيص عن اسناده إليه .

وكيف كان فالارسال المبحوث عنه في المقام المناسب له هو الارسال في ناحية الوجود الخارجي واللابشرط القسمي لخروج المقسمي عن محطّ التكاليف الشرعيّة ضرورة ارتباط الأحكام التكليفيّة بموضوعاتها ومتعلّقاتها للخارجيات فالارسال انما يلاحظ فيها .

النتيجة: فعلم ان اللابشرط الذي يكون مورد البحث في القضايا الشرعية هو القسمي حيث ان متعلقات الأحكام من الوضعي والتكليفي وكذلك موضوعاتها انما هي الماهيات بلحاظ الوجود لا الماهيات من حيث هي هي في أي صقع كانت . بل بعد أن لبست كسوة الوجود الذي هو بديل العدم وهما اولمحمول بحمل على الماهيات ثمّ ساير المحمولات الخارجيّة كما انّك عرفت ان الارسال في جميع الصور انما هو معنى واحد لا يختلف بالنسبة إليه الموارد وهو في الشمولي والبدلي ذو معنى فارد وهو عبارة عن عدم التقييد وهو معنى الاطلاق . غاية الأمر اختلاف أنحاء المطلقات من الشمولي والبدلي انما هو من ناحية كيفية جعل الحكم كما قلنا في أقسام العموم من الاستغراقي والبدلي والشمولي . فاذا كانت الطبيعة مطلوبة في نظر المولى الآمر بلحاظ صرف وجودها فيكون المطلق بدليّا . واذا كانت بلحاظ مطلقه فشمولي . والنتيجة تتحد في النكرة والاطلاق البدلي الا انه قيل في النكرة هو مفاد اللفظ من باب تعدد الدال والمدلول بخلاف صرف الوجود فان دالّه الاخر ليس عبارة عن اللفظ . والاطلاق الوجودي أو صرفه انما يعلم من الخارج . فظهر بما ذكرنا استناد اختلاف أنحاء الاطلاق الى

في مورد الارسال والاطلاق

ص: 277

اختلاف جعل الحكم لا الى نفس المطلق كما انك عرفت عدم قابليّة الاعلام الشخصيّة للاطلاق والتقييد الجاريين في ناحية أسماء الأجناس بل الجاري فيها هو الأحوالي فقط لا الافرادي .

ثمّ انه كما يتحقق الاطلاق في المعاني الافراديّة كذلك في الجمل التركيبية على أنحائها غاية ما في الباب اطلاقها يقتضي الضيق ومقتضى تقييدها السعة بخلاف المفردات وحسب اختلافها في الاطلاق والتقييد يختلف المطلقات والمقيدات . فمن ناحية الموضوع يقتضي الكفائية ومن ناحية المتعلق التعيينيّة والنفسية والتقييد فيها يوجب التخييرية والغيرية والكفائيّة . ولذلك قلنا ان الواجب

التعييني هو مقتضى القاعدة لا يحتاج إلى مؤنة زائدة اثباتا وثبوتا فبمجرد عدم جعل العدل نكشف التعيينيّة بخلاف ما اذا جعل له العدل فيوجب انتزاع التخييرية فالتعيينية أمر عدمي . كما انه لا مانع من تحقق الاطلاق في الانشائيات كالعقودفاطلاق العقد يقتضي الحلول ونقد البلد . فاذا كان الدرهم مثلاً له أقسام فاطلاق العقد يقتضي نقد البلد لا غيره والتقييد يجعل العقد حسب ما قيدوه وهذا يوجب ضيقا في ناحية اطلاق الدرهم الذي هو معنى افرادي لقول البايع بعتك بكم درهم فانه لو لا كونه في حيز العقد كان يشمل باطلاقه مطلق الدراهم اما الدراهم الساقطة فهي خارجة عن مقتضى المبايعة والمعاملة .

وأمّا جريان الاطلاق في ناحية الجمل فاطلاقها في باب الجملة الشرطية يقتضي كونها ذات مفهوم كما ان اطلاق الواو يقتضي عدم العدل . وكذلك في الغاية وغيرها مما مضى في بحث المفاهيم فانه راجع إلى الاطلاق والتقييد هذا .

واعلم انه لا ربط لكون محل البحث في المطلق هو اللابشرط القسمي بما عنونوه في بابه من كون متعلّقات الأوامر والنواهي هل هي الطبائع أو الوجودات

جريان الاطلاق في الجمل والمعاني الحرفيّة

ص: 278

فتبصر .

بقي الكلام في جريان الاطلاق والتقييد في المعاني الحرفية .

وأنكره المحقق النائيني قدس سره بناء على مبناه من عدم قابليتها للتصور والوقوع تحت ارادة المستعمل . ولا تحقق لها بل تحصلها في موطن الاستعمال . ولا وعاء لها غيره وبمجرد التصور تتقلب اسميا وليست لحاظبّا بل انشائيّا والفرق بينها وبين الانشاءات في العقود والايقاعات بعد اشتراكهما في أصل الانشائيّة بين السماء والأرض فعلى هذا المبنى لا معنى للاطلاق والتقييد فيها اذ هما فرع اللحاظ والتصور وهي ليست بقابلة له .

أمّا على ما هو التحقيق عندنا من كونها ملحوظة غير انشائيّة بل قابلة للتصور ولا ينحصر موطنها بموطن الاستعمال بل لها وعاء فلا مانع من لحاظ الاطلاق والتقييد فيها على ما هو المختار من كون الوضع والموضوع له فيهاعامين فحينئذٍ مجال لجريان الاطلاق والتقييد فيها .

هذا ما كان راجعا إلى أنحاء الاطلاق .

توضيح وتبيين:

قد أشرنا سابقا إلى ان اللابشرط المبحوث عنه في المقام لا ربط له باللابشرط الذي عند الفلاسفة في الفرق بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة حيث ان الفرق بينهما وبينهما باللابشرط وبشرط اللا . وكذا غير مرتبط بما في المشتق مع مبدئه كما انه لا يبتني البحث في المقام على وجود الكلي الطبيعي في ضمن أفراده أو بوجود مستقل مع انه لم يقل أحد بالثاني بل القول بين عدم وجوده أصلاً في الخارج وبين وجوده بوجود الافراد وان النسبة بينه وبين أفرداه كنسبة الآباء والأولاد . كما انه لا يهمنا عدم وجود الكلي بكليته في الخارج وانه ما لم

ص: 279

يتشخص لم يوجد أو ما لم يوجد لم يتشخص . وكذا لا نعتني بعدم تحقق للماهيات وان الحقيقة في الوجود أو اصالة الماهيات وعروض الوجود عليها بل المدار في البحث عندنا على لحاظ متعلق التكليف أو موضوعه مع القيود أو بدونها . فانه لا يخلو واقع الأمر عن كون ذلك مشروطا بشيء وجودا أو عدما فهو بشرط الشيء أو يستوي فيه الوجود والعدم فهو الاطلاق . فالاطلاق واللابشرط عبارة عن لحاظ الماهية معراة عن الخصوصيات والقيود الخارجيّة الوجودية في مقام جعل الحكم وجعلها متعلقا للتكليف أو موضوعا له كما في مثل قولنا اعتق رقبة أو ( توضأ ) بالماء حيث ان الأول موضوع التكليف والشرب أو العتق أو ( التوضأ ) متعلق التكليف . فاستواء الوجود والعدم بالنسبة إلى ذلك هو معنى الاطلاق وذلك بالنسبة إلى كلّ زمانيّ وزمان يمكن لحاظ وجوده أو عدمه في دخله لموضوع الحكم أو متعلقه . فظهر بما ذكرنا كون قوام الاطلاق بعدم التقييدفهو أمر عدمي لا يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا بخلاف التقييد . فاذا لم يقيد قوله ( من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه الخ(1) بقيد زائد على المذكورات فهذا معنى الاطلاق واستواء وجود غيرها وعدمها في جواز التقليد . وحيث ان ذلك على سبيل صرف الوجود لا الشمولي فيجوز ابتداءً تقليد كلّ واحد من المجتهدين لكون جعل الحكم تخييريا . الا ان قيام النصّ(2) الخاص على تقليد الأعلم أوجب تقليده بخلاف ما اذا كانا

ص: 280


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .
2- . لعلّ المراد استفادة ذلك من مقبولة عمر بن حنظلة حيث سئل الامام علیه السلام في اختلاف الحاكمين فقال علیه السلام: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وغيرها الوسائل 27 الباب 9/1 - 20 - 45 من أبواب صفات القاضي . وكلّ هذه الثلاثة في مورد المنازعة

متساويين فلا تعارض في البين ولو كان على الطريقيّة لا الموضوعيّة . الا ان نحو الطريقية صرف الوجودي لا مثل أخذ قول الثقة مما يكون مطلق الوجود بل مثل ( توضأ ) بالماء الذي من صرف الوجود .

ثمّ ان المهم في المقام بيان كون النسبة بين الاطلاق والتقييد هو من تقابل السلب والايجاب أو التضاد أو العدم والملكة . فانه لو كان من تقابل التضاد فلا يمكن اجراء البرائة في الأقل والأكثر الارتباطي وكذلك أمر الاستصحاب وساير ما لها شائبة الأصليّة من الأصول والقواعد كقاعدة الفراغ . ولذلك لم يجر صاحب الفصول أو اخوه البرائة بل جعل الأمر كالمتبائنين الذي لا مجري للبرائة العقليّة فيهما كما لا تجري الشرعيّة . بل لا يمكن بناء على كون التقابل من التضاد اجراء الأصول في الشبهات الموضوعيّة في مثل اللباس المشكوك وأشباهه حيث ان الصلاة لابدّ أن تكون حاصلة واقعة في غير ما لا يؤكل لحمه وهو لا يمكن الابالاجتناب عن المعلوم كونه من غير المأكول ومشكوكه كي يحصل الامتثال ويخرج عن عهدة حكم الشرع عقلاً بذلك . بل ينحصر مجرى البرائة فيها لكفاية الاطلاقات المقامية في الشبهات الحكميّة لكونها دليلاً اجتهاديا يرفع الشك عن وجوب الاستعاذة أو السورة وأشباهها . انما الاشكال كله في الشبهات المصداقيّة والموضوعيّة . واثبات أحد الضدّين بنفي الضدّ الآخر من أظهر أنحاء المثبتات التي قد ثبت في محلّه امتناع جريانها . وهذا بخلاف ما اذا كان التقابل من العدم والملكة فانه لا يحتاج بعد نفي المشكوك إلى اثبات ان الباقي هو المأمور به لكون

نسبة الاطلاق والتقييد

ص: 281

رفع التقييد عين الاطلاق بلا احتياج إلى مؤنة أمر آخر . ويشكل على الفارق في اجراء البرائة في الشبهات الحكمية دون الموضوعيّة أو العكس باتّحاد المجريين وتمامية أركانها في كلا الموردين فان قوام جريانها بكون موردها مشكوكا مجهولاً مجعولاً وفي رفعه منة وهذا كما ترى يتحقق في الشبهة الحكمية والموضوعيّة فلا يتصوّر فارق بين المقامين . فهذا من شواهد عدم كون التقابل من التضاد . لكنه يحتمل كونه من تقابل الايجاب والسلب الا انه يشكل في موارد كالتعبدية والتوصلية التي قد مثل بها المثال المحقق النائيني قدس سره فيما نسب إليه . الا ان الحق التمثيل بالقيود التي لا يمكن أخذها في الخطاب وتتحقق في الرتبة المتأخرة عنه كقصد الوجه والامتثال . ولكن الاشكال ان في هذه الأبحاث قد أحال الأمر على كون التقابل بين الاطلاق والتقييد من العدم والملكة وفي المقام أحال تحقيق التقابل بالعدم والملكة على تلك الأبحاث وهذا كماترى دور ظاهر فلابد من تحقيق كون التقابل من العدم والملكة لا من الايجاب والسلب من أمر آخر والا فيمكن للذي يختار كونه من الايجاب والسلب في هذه المقامات ان يقول رفع التقييد هو اثبات الاطلاق فاذا لم يثبت كون الخطاب تعبديا فيثبت كونهتوصليا كما انه يمكن اثبات كونه غير مباشري بعدم التقييد بكونه مباشريا وهكذا بالنسبة إلى ساير القيود .

والتحقيق انه يمكن أن يستند في كون التقابل من العدم والملكة إلى اقتضاء الخطاب للامتثال . فانه لا يمكن ان يتكفّله الخطاب بالاطلاق ولا التقييد فلا يكون أخذه في متعلّق الخطاب قبل توجه الخطاب وكذا لا يمكن أخذه في القيود المتأخرة التي يمكن تصوير نتيجة الاطلاق والتقييد فيها بل الخطاب بنفسه يقتضي

ص: 282

الامتثال مع انه لو كان من تقابل الايجاب والسلب لم يمكن رفعهما فتأمل .

تذنيب: لا اشكال في تحقق التنافي بين الاطلاق والتقييد فلا يمكن اجتماعما في مورد واحد بالنسبة إلى شيء واحد كما انه لا يكون النسبة والتقابل بينهما تقابل التضايف فيدور الأمر بين كونه من التضاد أو الايجاب والسلب أو العدم والملكة . اما التضادي فواضح وأمّا الايجاب والسلب فهو عبارة عن الوجود والعدم ويكون الماهية بالنسبة إلى ذلك موجودة أو معدومة ولا يمكن رفعهما معا كما يستحيل اجتماعهما معا وتقابل العدم والملكة مخصوص بالمورد الذي يكون له شأنية التقييد وصلاحيته .

ثمّ انه اما يقيد أو يرسل ويطلق بعد لحاظ القيود . فالتقابل بين الاطلاق والتقييد ينحصر بهذه الثلاثة وحيث ان الاطلاق ليس الا عبارة عن عدم دخل للقيد في جعل الحكم بعد اللحاظ فلا يمكن كونه من التضاد وذلك لأن موضوع الكلام في المتكلّم المحيط بجوانب كلامه الملتفت إلى قيوده وحدوده فعنده لا يخلو واقع الأمر بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني في متعلّق تكليفه ووضعه أو موضوعه من الدخل وجودا أو عدما أو انه يستويان بالنسبة إليه ولا وجه زائد على هذه الوجوه . فاذا كان له الدخل وجودا أو عدما فلابدّ ان يقيّده به فيالاثبات كما انه يحتاج ثبوتا إلى عناية زائدة . والا فيرسل ولا يقيد . فالاطلاق هو هذا الأمر العدمي الذي لا يكون هناك تقييد . وهو في قبال القسمين الآخرين من أقسام الماهيّة وهما بشرط الشيء وبشرط اللا التي يجمعها الماهيّة اللابشرط المقسمي وقد عرفت انه لا يكون الارسال قيدا للابشرط القسمي والا لكان اما بشرط الشيء أو بشرط اللا ويخرج عن كونه لا بشرط .

الفرق بين أقسام التقابل

ص: 283

والحاصل: لا يكون التقابل على هذا من تقابل التضاد ويكون الاطلاق أمرا عدميّا ويلاحظ المتكلّم القيود ويطردها ويرسلها وربما يتحقّق بين اطلاق بالنسبة إلى كلّ ما يمكن تقيد المتعلق أو الموضوع به وبعبارة اخرى يجذب ويفك فالاطلاق هو الفك فيدور أمره بين الاثنين الآخرين فاما أن يكون من السلب والايجاب أو العدم والملكة . وبما ذكرنا في شرح السلب والايجاب تعرف عدم كونه منه فيكون لا محالة من تقابل العدم والملكة(1) اذ لا معنى للحاظ القيود في مورد لا يكون له قابليتها فيقيد بها أو يطلق فلا يقال للجدار انه بصير أو لا بصر له

لعدم قابليّته بخلاف الانسان القابل له فيمكن اتّصافه بالبصر كما يمكن بعدمه ولو فرض نسبة قيد الى محل غير قابل له فيكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع . كما في مثل زيد ليس بعالم فيما اذا لم يكن هناك زيد ولا علم . فظهر بما ذكرنا كون التقابل بينهما من العدم والملكة لا التضاد ولا السلب والايجاب . بل أمر بينهما فباعتبار له شبه بالتضاد من حيث عدم امكان اجتماع الاطلاق والتقييد وباعتبار آخر حيث يمكن ارتفاعهما معا عن غير المحل القابل لهما فلا يكون من الايجاب والسلب .في شرايط الاطلاق: كشف الاطلاق يحتاج إلى مقدمات جعلها بعضهم(2) ثلاثا هي كون المتكلّم في مقام بيان المراد . اما مراده الواقعي النفس الامري أو بيان مقدار ما يريد بيانه . والثانية عدم القيد . والثالثة عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وهل هذا عبارة عن عدم انصراف إلى خصوص بعض

ص: 284


1- . وهو الذي اختاره المحقّق البجنوردي قدس سره منتهى الأصول 1/468 .
2- . كفاية الأصول 1/384 .

أفراد المطلق أو أمر آخر .

ولكن المحقّق النائيني قدس سره (1) اقتصر في المقدّمات على اثنيين . وجعل العمدة في جريانها بل ما هو دخيل في تحقق موضوعه هو قابليّة المحل للتقييد . فاذا لم يكن قابلاً فلا مجال للتقييد كما انه لا معنى للاطلاق وبعد ذلك لا نحتاج إلى

أزيد من كون المتكلّم في مقام البيان وعدم وجود القيد .

وعلى كلّ حال لو لم يكن المحل قابلاً للتقييد فلا معنى للتقييد أو لحاظ الاطلاق والارسال . فلا وجه لتقييد الجدار بكونه لا بصيرا أو أعمى أو بصيرا لعدم القابليّة بل هو قابل بلحاظ الطول والعرض ولحاظ بنائه من آجر ونحو ذلك والمثال الواضح لما اذا لم يكن قابلاً للتقييد هو مثال الجدار الذي لا قابليّة له في البصر وعدمه . ولهذا قلنا بكون التقابل بين الاطلاق والتقييد من العدم والملكة . فاذا لم يكن للمحل قابليّة قبول الملكة فلا يكون هناك اطلاق ولا تقييد . فالتقابل من العدم والملكة وان كان يمكن التعبير عن ذلك بتغيير عبارة بما يرجع إلى تقابل السلب والايجاب ويقال انه مقيد أو ليس بمقيّد . الا ان واقع الأمر هو ما أشرنا إليه بل لا يمكن في الاعراض غير كون التقابل من العدم والملكة سواء لو حظ محلها أو لم يلاحظ فلا وجه لما عن المحقّق النائيني من كون التقابل بينهما(2) من السلبوالايجاب اذا لوحظ القيام مثلاً بنفسه في قبال ساير الماهيات . فيقال القيام موجود أو معدوم بخلافه اذا لوحظ متّصفاً به المحل وقائما به . وبعبارة اخرى تارة يلاحظ محموليا واخرى نعتيّا وفي النحو الاول يكون من السلب والايجاب اذ لا يستقيم ذلك في الاعراض لاحتياجها إلى المحل لا محالة ولو فرضنا تعريتها في

في شرايط الاطلاق

ص: 285


1- . فوائد الأصول 1/573 وما بعده .
2- . فوائد الاُصول 1/565 .

نسبة الوجود والعدم إليها عن الانتساب إلى المحل وقلنا ان القيام موجود أو معدوم . نعم لا بأس بذلك في الجواهر .

ثمّ انّ المقدّمة الاولى هي كون المولى في مقام بيان مراده اما النفس الأمري الواقعي أو ما أراد بيانه ولو يحتاج بيان نفس الأمر والواقع إلى مكمّل ليس بصدد بيانه حين التكلّم لمصلحة على ما سبق احتماله في باب العام والخاص . فان لم يكن في مقام البيان فلا يمكن كشف الاطلاق اذ لابدّ في ذلك من لحاظ القيود وعدم تقييد المطلق بها فيكشف عن عدم دخلها في متعلّق حكمه وموضوعه سواءً في ذلك بالنسبة إلى الأشخاص أو الأوصاف وأنواع مورد الحكم .

والثانية عدم بيان القيد متّصلاً أو منفصلاً ولذا لا يمكن أخذ الاطلاق واستفادته الاّ بعد الفحص التام عن مقيداته ولو في ساير أبواب بيان الحكم كي يقطع بالاطلاق ويكون سندا وحجّة يحتجّ بها على المولى في الأخذ باطلاق كلامه وربما يكون بصدد البيان من جهة دون اخرى فلا يمكن الاطلاق من غير الجهة التي كان بصدد البيان كما اشتهر التمثيل له بالآية الشريفة في بيان حليّة ما صاده الكلب المعلّم بقوله تعالى: « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ »(1) حيث انه ليس بصدد بيان طهارة موضع العضّ ونجاسته كي يستدلّ بالاطلاق على الطهارة وعدمالاحتياج إلى الغسل في جواز أكله .

استنتاج لما تقدّم وتكملة: فظهر بما ذكرنا ان اللازم في انكشاف الاطلاق فيما لم يكن في اللفظ تصريح بالاطلاق جريان مقدمات الحكمة وهي كون المتكلم بصدد بيان المراد وقلنا انه اما أن يكون في صدد بيان مراده الواقعي

ص: 286


1- . سورة المائدة الآية 5 .

النفس الأمري فلا يحيل البيان إلى وقت آخر أو يكون في مقام بيان ما أراد بيانه لاتمام مراده ليكون قاعدة وقانونا يعمل عليه لمصلحة . لكن هذا خلاف المختار اذ لا معنى لاعطائه قاعدة وقانونا الا أن يكون في مورد التقيّة فهناك ربما لا يبين تمام المراد الواقعي . وهل يكون مقام البرائة أم لا ؟ سيجيء الكلام فيه .

وعلى كلّ حال هذه المقدّمة لا اشكال فيها وفي اعتبارها في جريان الاطلاق وانعقاده .

الثانية عدم التقييد مطلقا منفصلاً ومتّصلاً وهذا أيضا لا اشكال فيه في تحقق الاطلاق ولابدّ من الفحص التام عن كشف المقيد للاطلاق حتّى يحصل الاطمينان وقد تعارف في زماننا هذا الاكتفاء عن الفحص التام بالرجوع إلى الوسائل والجواهر ومفتاح الكرامة اعتمادا على ضبط الأقوال والروايات والاحتمالات في المسئلة . ولا بأس به بعد حصول الاطمئنان والا فيكون الافتاء بغير علم الذي يجر إلى النار . ثمّ بعد العثور على المقيد والمخصص ينكشف عدم الاطلاق وانه مجرد خيال(1) له وعلى هذا لا وجه للاعتماد على المطلقات قبل الفحص عن المقيدات على ما سبق في بحث العام والخاص .

والثالثة من المقدمات انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب وزادهاالمحقق الخراساني قدس سره (2) ولا يكون مراده القدر المتيقن الذي علم به من الخارج اذ لا ربط له بالاطلاق اللفظي . بل القدر المتيقن في ناحية اللفظ . لكن هذا ان رجع إلى الانصراف إلى خصوص معنى من موارد المطلق أو الانصراف عنه بحيث

ص: 287


1- . هذا ممنوع . بل الاطلاق منعقد وبالعثور على المقيد يجمع بينهما بالحمل .
2- . كفاية الأصول 1/384 .

يكون التصريح بالقيد تأكيدا فلا اشكال في عدم الاطلاق مع هذا لكونه انصرافا مانعا عن انعقاد الاطلاق والا فمجرّد وجود القدر المتيقن لا يضرّ بالاطلاق ولا انتفائه من مقدّماته .

ومن أمثلته الرواية الواردة في باب البئر المسئول فيها عن حكمه وقوله علیه السلام ماء البئر(1) واسع لا يفسده شيء إلى قوله لأن له مادة .

فان المتيقن من هذا الاطلاق بيان خصوص حكم البئر ومع ذلك لا يصار الى التقييد بخصوصه . بل المتسالم عليه عدم كون المورد مخصصا ولكن القاعدة والضابط الكلي لذلك ما أشرنا إليه من عدم كونه على نحو يوجب كون التصريح بالقيد تأكيدا ويكون كالقيد اللفظي كما في انصراف الماء إلى غير ماء الكبريت والزاج ولذا اشتهرت المحاجة السيالة من كون الانصراف محققا والجواب بكونه منصرفا والرد بكونه انصرافا بدويّاً .

والحاصل: ان مع تماميّة هذه المقدّمات وعدم الانصراف وعدم القيد واقعا إلى حدّ اليأس عن الوجود والاطمئنان بالعدم يتحقق الاطلاق ويكون للتمسك به مجال .

ثمّ انه اذا شككنا في كونه في مقام البيان وعدمه فلا اشكال في اقتضاءالطبع البشري بيان تمام مراده اذا كان بصدد التكلم والبيان فاذا يبين ويتكلّم في موضوع فظاهر الحال واقتضاء الطبع على بيان حقيقته وتمامه بحيث لو لم يكن مانع من ذلك ليبين تمام غرضه في مجلس التكلم ولا يؤخر بيان شيء إلى وقت آخر . بل شدة اقتضاء الطبع وارتكاز المتكلم ربما تبلغ به إلى حد يوجب بيان ما

ص: 288


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 14/7 من أبواب الماء المطلق .

عزم على كتمانه في مجلس الخطاب وعند غير الأهل أو في مقام التقية والخوف المستتبع لحصول الندم منه على ما فعل . فكيف بما اذا لم يكن هناك مانع عنه وهذا أمر معلوم لأهل المحاورة . والشارع الحكيم جرى في محاوراته معهم حسب سيرتهم وطريقتهم بينهم .

نعم اذا كان هناك مانع عن بيان تمام المراد وحقيقته فلا يمكن بيان المراد الواقعي حفظا لدم الشيعة ودمائهم عليهم السلام فامتنعوا عن البيان . وهل يكون هناك مقام الاحتياط أو البرائة ؟ والحق هو كون الحال كساير المقامات على مقتضى القواعد فتجري البرائة في موردها والاحتياط في مورده .

فلو كان في مقام الامتثال فلا اشكال في كون المقام مقام الاحتياط كما انه اذا رجع الشك إلى التكليف فتجري البرائة . فاذا علمنا بالاطلاق وشككنا في القيد فيجري البرائة بخلاف ما اذا شككنا في تحقق الامتثال للاطلاق نظير لزوم الاطعام في الكفارة وانّه هل يحصل بمجرّد ايكال الخبز أو انه لابدّ في ذلك من ضمّ ادام وانحاء ذلك .

ثمّ انّك قد عرفت لما ذكرنا في المقام عدم كون التقييد موجبا للمجازيّة في ناحية اللفظ . بل اللفظ بعد حقيقة لم يخرج عن حقيقة معناه والتقييد لا يوجب المجازية كما ان التخصيص لا يوجب المجازيّة في العام بالنسبة إلى الباقي تحته والكلام الكلام بل ذاك المقام حقيقة ممّا نحن فيه لكونه من التقييد الأنواعيوستعرف إن شاء اللّه في حمل المطلق على المقيّد وجه ذلك مع احتمال المقام ثلاثة وجوه من الجمع . حمل المقيد على بيان الافضل فيما اذا كان صرف الوجود وجواز الأخذ بالاطلاق . والتقييد والجمع الموضوعي . وهكذا الحال في مطلق

إذا شككنا في كون المتكلّم في مقام بيان تمام مراده

ص: 289

المقامات التي يقدم أحد الدليلين على الآخر بالجمع بينهما لا من جهة المعارضة كدليل لا تعاد بالنسبة إلى أدلّة الاجزاء والشرايط ودليل العسر والحرج والضرر بالنسبة إلى أدلّة التكاليف كالوضوء والصلاة مع كون النسبة بين كلّ واحد من هذه الأدلّة وأدلّة المخالف العموم من وجه . اذ النسبة بين لا تعاد وبينها وكذا بين أدلّة العسر والحرج والضرر وبين دليل الوضوء والغسل مثلاً هو العموم من وجه فأيّ وجه لتقديم هذه على تلك في مادة الاجتماع دونها ؟

وتحقيق الحال . ان ذلك لحكومة هذه على تلك ولا اشكال في تقدّم الحاكم على المحكوم ولو كان الحاكم أضعف طهورا من المحكوم أو عامّا وهو خاصّا . اذ لا يلاحظ النسبة بينهما ولا قوّة الظهور . بل المناط كون الحاكم ناظرا إلى المراد بالمحكوم ومفسّرا له . وهذا وجه تقديم هذه الأدلّة الواردة للعناوين الثانويّة على أدلّة الأحكام الاوليّة كما ان السرّ في تقديم ظهور لا تنقص على اليقين هو ذلك . اذ لا يمكن كون الحكم خاصّا والموضوع عامّا وجواز العكس فظهور النقض في الاحتياج إلى الابرام وكون المورد مبرما قرينة على التصرّف في اليقين وحمله على خصوص اليقين الذي له المقتضى في البقاء وقد تفطن لهذا المطلب المحقق الخونساري وشيّد أركانه الشيخ الأنصاري رحمهم الله .

وربما استشكل على الشيخ بعدم التزامه بعدم جريان الاستصحاب في غير صورة احراز المقتضى في مكاسبه . وردّ الاشكال المحقّق النائيني قدس سره بأن مراد الشيخ من المقتضي غير ما تخيلوه ولسنا الآن بصدد تحقيق صحّة الاشكال وسقمهوالجواب . اما التمثيل بقولنا رأيت أسدا يرمى أو لا تضرب أحدا بكون يرمي قرينة على التصرّف في ظهور الأسد ولو وضعيا في الحيوان المفترس وكون المراد

ص: 290

به هو الرجل الشجاع دون التصرّف في يرمى الظاهر في الرمي بالنبل وحمله على الرمي بالتراب فلا يخلو من الاشكال . اذ القرينة في حمله على الرجل الشجاع هو تكلّم من يعلم عدم ارتباطه برؤية الأسد وعدم كون من أهل الآجام بذلك الكلام والاّ فلو صدر هذا الكلام منه فربما يظهر في غير ما هو ظاهره . والعمدة في المقام هو بيان الضابط والقاعدة الكلية في تشخيص القرينة وذيها كي يرفع اليد بسبب ظهورها عن ذيها ويصرفه في ما ترشد إليه .

فنقول: لا اشكال في تركب الجمل من ما يكون ركن الكلام وما هو فضلة سواء قلنا بكون الأصل في الكلام هو الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر . فهما ركنا الكلام وأمّا المفاعيل بأنحائها وما يلحق بها من التميز والحال فهي إنّما يقيد بها الكلام لبيان كيفيّة انتساب الفعل إلى الفاعل ونحو انتساب العرض لمعروضه فهي بأجمعها تكون قرائن مفسرة مبنية لما يفيد أصل انتساب الفعل إلى الفاعل أو حمل الخبر على المبتدأ لكن في بعض الموارد لا يتم هذا الضابط اذ لا يكون الاتيان بالفضلات لهذا الغرض .

الكلام في حمل المطلق على المقيد وموارده:

لحمل المطلق على المقيد شرايط لعدم تأتي الحمل في جميع الموارد بل لابدّ من كونهما متنافيين أو يرجعان إلى المتنافيين والا فاذا أمكن الجمع بين حكميهما فلا وجه للحمل . ثمّ ان الوجه في ذلك اما أظهريّة المقيد بالنسبة إلى المطلق ويقدم الأظهر على الظاهر عند التخالف . ولهذا يرتفع التعارض بينهما كما عليه المحقق الخراساني قدس سره (1) أو ان ذلك من جهة الحكومة وفيها لا تلاحظ النسبة

في حمل المطلق على المقيد

ص: 291


1- . كفاية الأصول 1/393 .

بين الحاكم والمحكوم بل يقدم الحاكم على المحكوم ولو كان أضعف ظهورا من المحكوم والمحكوم في قوّة الظهور لتعرض الحاكم لما لا يتعرض له المحكوم اذ هو يتكفل لكيفيّة الموضوع في المحكوم . وهي على أنحاء . منها ما يرجع إلى التفسير والشرح وبيان المراد من المحكوم كما في التفسير بأي واعنى . ومنها ما يرجع إلى الاخراج أو الادخال كما اذا كان الحكم في المحكوم هو لزوم اكرام العالم بقول مطلق والدليل المقيد تكفل لاثبات ان زيدا أو ان عمرا ليس بعالم . ولا يخفى اختلاف المطلقات بالنسبة إلى المقيدات من حيث النسبة إذ النسبة بينهما تارة هو العموم من وجه واخرى هو العموم المطلق . واخرى هو التباين من حيث المتعلق . ثم ان في العموم من وجه ربما يتحقق التعارض واخرى يرجع إلى باب الاجتماع . ولا فرق في الأنحاء بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة كما اذا قام الدليل على حلية البيع بقوله تعالى: « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ »(1) وقام الدليل الخاص على انه لا تبع(2) ما ليس عندك وان كان يترائى واشتهر بينهم من كون ذلك ليس من باب الاطلاق والتقييد بل هو ارشاد إلى الدخل أو المانعية .

ثمّ ان تحقق التنافي في غير المتخالفين في الحكم انما هو من جهة كون المتعلق هو صرف الوجود أو ان متعلق المتعلق كذلك وان كان المآل واحدا . وذلك ان للحكم موضوعا هو المكلف ومتعلّقا وهو ما تعلق به الحكم كما في مثل أكرم زيدا فالاكرام تعلق به الوجوب وله متعلق المتعلق وهو الموضوع الخارجي والمفعول به الذي تعلق به الاكرام أو الشرب كما في الخمر أو التيمم كما في

ص: 292


1- . سورة البقرة الآية 276 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 2/1 من أبواب عقد البيع واللفظ لا يجوز بيع ما ليس يملك .

التراب .

وكيف كان فلابدّ من بيان الضابط والقاعدة في تقدم المقيد على المطلق وانه هي الحكومة أو الأظهريّة أو أمر آخر ولأيّ وجه يقدّم قوله لا تعتق رقبة كافرة على قوله اعتق رقبة الذي تحقق الاطلاق في الرقبة وباطلاقها يشمل الكافرة كالمؤمنة ولم لا يكون ظهور الأمر قرينة على التصرّف في النهي بالحمل على الكراهة كما انه يحتمل العكس ؟ فنقول ان وجه ذلك في جميع هذه المقامات هو ما ذكرنا من الحكومة وكون المقدم هو القرينة على ما تقدّم عليه الذي هو ذو القرينة . والضابط للقرينة من ذيها هو ما أشرنا إليه من ان كلما يتعرض لأصل اسناد الفعل إلى الفاعل فهو ذو القرينة وهو الأصل في الكلام سواء كان بنحو المبتدء والخبر كقولنا زيد قائم أو قام زيد لكون المرجع واحدا وهو بيان اتّصاف المعروض بعرضه واما الملابسات للكلام فهي بأجمعها تكون من القرائن ولذا تقدم على ذيها وتبيّن كيفيّة انتساب الفعل إلى الفاعل وقيام العرض بمعروضه سواء كان مفعولاً به أو فيه أو لاجله أو حالاً أو تميزا لكون تلك رافعة للابهام والاجمال ومبينة ومعينة للنحو الذي استند الفعل إلى الفاعل فبذلك يرتفع الاجمال والابهام وجعل المحقق النائيني قدس سره المثال المذكور سابقا وهو رأيت أسدا يرمى أصلاً وقاس هذه المفاعيل وما يلحق بها من الفضلات في الكلام نحو المثال من تقدم ظهور القرينة على ذيها لتقدم ظهور يرمى في الرمي بالنبل على ظهور الأسد في الحيوان المفترس . ولو كان ظهور المحكوم أقوى من حيث كونه وضعيّا والحاكم اطلاقيّا . والا لكان للاشكال في ذلك مجال واسع حيث ان ظهور الأسد في كونه حيوانا مفترسا عند التلفظ به يستلزم كون المراد بالرمي معنى مناسبا وهو

ص: 293

الرمي بالتراب دون غيره . كما ان ظهور الرمي في كونه بالنبل موجب ومستلزملكون المراد بالأسد هو الانسان الشجاع لا الأسد . فالظهور ان متبائنان . لكن الوجه في تقدم ظهور يرمى انه هادم لظهور الأسد في الحيوان المفترس . فلا يبقى معه مجال لاستلزام ارادة الرمي بالتراب من يرمي حيث انه ظاهر بلا قيد في الرمي بالنبل وهو موجب لصرف ظهور الأسد عن كونه الحيوان المفترس . لكن بعد للاشكال فيه مجال لعدم تماميّة هذا الكلام في تمام موارد مدعاه . وان كان تطبيق مدعاه على المثال مسلم خلوه من الاشكال من حيث كون يرمى وصفا وحالاً ومرجعه إلى الاسد يرمى لا ظاهره من كون الأسد ويرمي كليهما فضلتين .

والتحقيق أن يقال ان الاطلاق حسب ما تقدم انما ينعقد للمطلق بجريان مقدمات الحكمة ومنها كون المتكلم في مقام البيان والا فلو لم يكن فلا يمكننا كشف كونه مطلقا ومن هذه الجهة لم نأخذ بالاطلاق من غير الجهة التي كان بصدد البيان وأسلفنا ان الظاهر ومقتضى الطبع كون المتكلم في بيان تمام مراده الا انه بمجرّد العثور على الخاص انكشف(1) عدم كونه في مقام البيان ولا اقل من الشك المانع من تحقق الاطلاق . وعلى هذا فلا يبقى مجال للاشكال على الضابط المتقدم بتسليمه في المتّصل دون المنفصل مع ان طريق كشف القرينة عن ذيها جمع الكلامين في كلام واحد . ثمّ اتّخاذ المفهوم العرفي المتحصّل منهما كما في قولنا لا تعتق رقبة كافرة اذا انضمّ إلى قولنا اعتق رقبة.

فذلكة: ليعلم انه لابدّ من حمل المطلق على المقيّد من أمرين أحدهما كون المطلق قابلاً للاطلاق والتقييد أي من شأن ما يراد حمله على الآخر ان يقيد ولم

ص: 294


1- . تقدّم الاشكال عليه .

يقيد على ما سلف .

الثاني تحقق التنافي بين المطلق والمقيد فاذا تحقق الأمران فلا محالة يحمل المطلق على المقيد اما لكون المقيد أظهر من المطلق ويقدم عليه لذلك أو لكونه قرينة والمطلق ذا القرينة والقرينة حاكمة على ذيها بلا اشكال .

ثمّ ان التنافي تارة يتحقق بلا حاجة إلى أمر زائد كما اذا كانا متنافيين في الحكم وكان أحدهما أمرا والآخر نهيا واخرى بلحاظ كون السبب في كليهما أمرا واحدا مع كون المطلوب صرف الوجود فحينئذٍ يحمل المطلق على المقيّد .

وحاصل الكلام . انّه تارة يكون المطلوب في المتعلّق هو مطلق الوجود كما اذا أوجب اكرام العالم بوجوده الساري بمعنى كونه أيّ عالم . وحينئذٍ فاذا ورد خطاب آخر ينافيه في بعض مدلوله كما اذا قال لا تكرم فساق العلماء أو الفساق منهم فيقدم الدليل الخاص على العام ويوجب تقييد المطلق اخراج الفاسق عن اطلاق متعلّق الخطاب الوجوبي . واخرى لا يكون كذلك . وفي هذا الفرض فتارة يكون كلاهما أي المطلق والمقيد مقرونين بالسبب كما اذا قال ان ظاهرت فاعتق رقبة وان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة واخرى أحدهما . وهو اما أن يكون هو المطلق أو المقيد أو يكون كلاهما مطلقين عن ذكر السبب .

ثمّ في ما إذا ذكر السبب في كليهما تارة يكون أمرا واحدا كما ذكر في المثال واخرى متعدّدا كما اذا قال ان أفطرت فاعتق رقبة وقال ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة . هذه احتمالات المطلق والمقيد في المثبتين ولا اشكال في عدم التنافي بين الاطلاق والتقييد على النحو الأخير في مورد تعدد السبب . اما ساير أقسامه فلا ريب في التقييد أيضا فيما اذا كان المطلق مطلق الوجود كما لا شك في

شرايط حمل المطلق على المقيّد

ص: 295

ما اذا كان السبب واحدا والمطلوب هو صرف الوجود في التقييد . الا انه يمكن هنا القول بالجمع الحكمي وحمل المقيد على الأفضل . وقيل في وجه تقدم الجمعالموضوعي وهو الحمل على المقيد بكون الجمع الموضوعي مقدماً رتبة على الحكمي . والوجه الآخر هو انه يكون المقيّد قرينة والاخر ذا القرينة كما في ما اذا قال له على عشرون ولم يبين فاذا قال درهما فيفسر المراد ويرفع الابهام بحكومته . فكذلك في مثل ما نحن فيه اذا قال اعتق رقبة ثمّ قال اعتق رقبة مؤمنة وعلمنا بكون المطلوب هو صرف الوجود فيكون المقيّد . هادما لظهور المطلق في الاطلاق بلا فرق في هذين الوجهين في ورودهما معا أو بالتقدم والتأخّر كما انه لا فرق في كونهما متصلين أو منفصلين وطريق الاختبار في المنفصلين فرضهما متصلين في كلام واحد فاذا انعقد الظهور في المقيد فكذلك في المنفصلين لكشفه عن كون المقيد قرينة على المطلق فلا يبقى معه اطلاق في المطلق(1) .

تتمة: يمكن التمثيل لمسئلة حمل المطلق على المقيد بما ورد من رواية(2) الاحتجاج في جواز تقليد العالم الفقيه الذي كان صائنا لنفسه حافظا لدينه مطيعا لأمر مولاه مخالفا لهواه الذي للعوام أن يقلّدوه ولم يقيد المرجع والمقلد في هذه الرواية بكونه أعلم . كما انه لم يشترط التساوي في جواز اختيار صرف الوجود من بين العلماء المتصفين بهذه الصفات . حيث ان التقليد انما هو مطلوب كأصل متعلّقه على نحو صرف الوجود وفتواه طريق إلى الواقع وليس له الموضوعيّة مع اختلاف العلماء والفقهاء في زمن صدور الرواية وفي غيره من الأزمان خصوصا

ص: 296


1- . تقدّم الاشكال في المقيّد المنفصل .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

مع عدم اختصاص جواز التقليد بعصره بل انما ذلك حكم كلّي . فيستفاد من هذه الرواية حسب الاطلاق جواز تقليد أي مجتهد فرض مع الصفات المذكورة التيبستفاد منها الحيوة أيضا . وقد ورد في بعض الروايات(1) ما يمكن استفادة انحصار الجواز بتقليد الأعلم اذا كان هناك اختلاف في الفتوى كالرواية الواردة في الحكم الذي فضّل حكم أحدهما على الآخر بكونه أعدل وأفقه وأصدقهما في الحديث وفي بعض النسخ أعلمهما . وهناك روايات آخر فعلى قواعد حمل الاطلاق على التقييد لابدّ في المقام من ارتكابه . الاّ ان الرواية المذكورة يرد عليها اشكالات مضافا إلى اختصاصها بباب الحكم والقضاء . فلا وجه للتعدّي بها إلى باب الفتوى كما ان الروايات الاخر لا سند لها على فرض سلامة دلالتها . نعم بناء على الطريقية عقلاً لابدّ من الأخذ بما هو الأوفق بالاحتياط اذا اختلفا للزوم الجزم والاطمنيان ووثوق النفس كما في ساير امورهم الدنيويّة كمعرفة قيمة الجوهرة النفيسة التي وقعت بيده ولزوم الأخذ بقول الأعلم حينئذٍ انما هو لدوران الأمر بين التعيين والتخيير .

وكيف كان فالوجه في حمل المطلق على المقيد بعد امكان الجمع بأنحاء آخر . منها حمل المقيد على الاستحباب والفضل . ومنها ما يشترك في الحمل على خلاف صرف الوجود الساقط عن مورد البحث .

ان مع ورود المقيد لا يبقى اطلاق للمطلق لكونه بيانا هادما(2) لظهور المطلق في الاطلاق وموجبا لكشف كون الاطلاق خياليا ولم يكن المولى بصدد

في ما يستفاد منه لزوم تقليد الأعلم

ص: 297


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 - 20 - 45 في موارد المنازعة من أبواب صفات القاضي .
2- . سبق الاشكال عليه .

البيان .

وهذا انما يتم في الواجبات مع كون المطلوب هو صرف الوجود كي يتحققالتنافي . وحينئذٍ فان عمل بالمطلق فلم يبق مجال لامتثال المقيد مع ظهوره في تعيّنه وحسب الاطلاق . وهذا بخلاف المستحبّات لعدم التنافي هناك ولذا لا يحمل المطلق فيها على المقيّد وقد استشكل المحقّق النائيني قدس سره (1) حمل المطلق على المقيّد اذا كان المقيّد مذكورا معه السبب كقوله ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة والمطلق لم يذكر معه السبب لعدم احراز وحدة السبب فيهما الموجب للتنافي المستلزم للحمل كما انه كذلك على العكس

كما اذا كان ظاهر أحدهما الوجوب في صورة عدم الشرط لا معنى لحمل المطلق على المقيد بل تقديم أحدهما على الآخر مستلزم للدور لتوقف الحمل على وحدة التكليف الذي يتوقف على الحمل . ولا اشكال في الحمل اذا كان المقيد منفيا والمطلق موجبا سواء كان صرف الوجود أو مطلقه .

خلاصة ما سبق

اعلم ان المقيد والمطلق تارة يكونان أمرين واخرى نهيين وثالثة مختلفين فان كانا أمرين أو نهيين فلا معنى للحمل لامكان العمل بكلّ منهما بلا تصرف في الآخر الا اذا رجعا إلى متنافيين كما انه لو كانا مختلفين لا اشكال في لزوم العمل بكليهما بما يساعد عليه العرف . فاذا كان متعلق الأمر الطبيعة والنهي بمقيد منها فمقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد وتعين الامتثال للأمر في غير المنهي

ص: 298


1- . فوائد الأصول 1/580 .

عنه كما اذا كانا مطلق الوجود يجب العمل على العموم والشمول فيما اذا كانا متحدين غير متخالفين بالسلب والايجاب . واما اذا كانا متخالفين بالسلب والايجاب وكان كقولنا أكرم كلّ عالم ولا تكرم كلّ فاسق فرجعهما إلى باب الاجتماع بناء على مختار صاحب الكفاية وباب التعارض بناء على ما اخترناه . الا ان محلّ البحث في حمل المطلق على المقيد هو ما اذا لم يكن أحدهما مطلق الوجود بل احرزنا كون المطلوب هو صرف الوجود وهو فيما اذا كانا أمرين كي يحصل التنافي ويتحقق مجال للحمل . والا فاذا كانا نهيين فلا تنافي بينهما كما اذا قال: لا تكرم الفاسق ثمّ ورد دليل آخر لا تكرم الفاسق العالم اذ لا تنافى بينهما ويمكن ورود كليهما وامتثالهما بلا مزاحمة ولا تعارض ولا تخالف أصلاً . وكذلك اذا كانا أمرين والسبب مختلف وكانا من مطلق الوجود كما اذا رتب العتق على الظهار وعلى الافطار . نعم فيما اذا احرزنا صرف الوجود في الأمرين المتوافقين فهناك مجال للحمل ووجهه اما اظهريّة المقيّد في الخصوصيّة من ظهور متعلّق الأمر في المطلق في الاطلاق أو كون المقيد هادما(1) للاطلاق بانهدام احدى مقدماته وهو كونه في مقام البيان . وذلك لكشف ورود المقيد عن عدم كونه في مقام بيان مراده . لا لما ذكره المحقّق النائيني قدس سره من كون المقيد قرينة والمطلق ذا قرينة فالجمع بينهما بذلك . لما سبق من الاشكال في ذلك ولا لما ذهب اليه بعضهم من كون العمل بالمقيد يوجب عدم بقاء مورد للعمل بالمطلق لحصول صرف الوجود وتحقّقه في الخارج والفرض انه كان مطلوبا دون غيره . اذ يجوز المعاكسة عليه بتقديم المطلق في الامتثال على المقيد والذهاب إلى كون المقيد بيانا للفرد

خلاصة البحث

ص: 299


1- . سبق منعه .

الأفضل والاستحباب هذا .

ثمّ انه على هذا يشكل الأمر في المستحبات بجريان هذا الوجه بعينه فيهاالموجب لحمل المطلق فيها على المقيد مع كون العمل والبناء على الخلاف ( وقد عرفت ان العمدة في حمل المطلق على المقيد في الالزاميات هو كشف صرف الوجود ووحدة التكليف وهو فيما اذا لم يكن انحلاليّا لعدم المتعلّق الخارجي واضح كما في التكلم . اما فيما اذا كان له متعلق خارجا فلابدّ من قيام القرينة أو التصريح كما في مثل التيمم بالتراب أو الوضوء بالماء فان المطلوب هو رفع الحدث وهو يحصل بصرف الوجود ولا دخل للتعدد الا بدليل كما في الوضوء على الوضوء ولم يرد في التيمم .

فقد علم انّه يدور الأمر في المتنافيين أو في ما يؤل إليهما من المتوافقين كأمرين في ما اذا كان المطلوب صرف الوجود إلى حمل المطلق على المقيّد جمعا موضوعيّا أو حمل الأمر في المقيّد على الاستحباب والفضل وان أيّهما مقدّم على الآخر ويمكن التمثيل لذلك بالمسح فيما(1) ورد من صحيح البزنطي بتمام الكف فانه مقيد في قبال اطلاق المسح المستفاد من الكتاب ومقتضى الجمع بين المطلق والمقيد بالجمع الموضوعي هو الالتزام بلزوم المسح بتمام الكف كما في كليّة موارد حمل المطلق على المقيّد حيث انه لا اشكال في ذلك . انما الكلام في وجهه فيمكن كونه أظهريّة المقيّد في التعيين من اطلاق المطلق في التخيير كما انه يمكن كونه هادميّة ظهور المقيد لاطلاق المطلق وانهدام مقدّماته ويمكن ان الوجه كون المقيّد قرينة على ذي القرينة وهو اطلاق المطلق على ما عرفت .

ص: 300


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 24/4 من أبواب الوضوء واللفظ الا بكفه كلها .

الا انه يمكن أن يستكشل في ذلك كلّه بكون ظهور المقيد في التعيينية ظهورا اطلاقيّا ناشئا من عدم جعل العدل له لاحتياج العدل إلى مؤنة زائدة ثبوتاكما ان ظهور المطلق في الاطلاق وكفاية عتق الكافرة أيضا كذلك فالظهور ان كلاهما اطلاقيان ونعلم اجمالاً بعدم تماميّة أحدهما فيتساقطان ويرجع إلى الأصل العملي وهو في المقام الاشتغال لدوران الأمر بين التعيين والتخيير الذي يرجع أمره إلى التباين لا الأقل والأكثر فحينئذٍ لا محيص عن الاتيان بالمقيد لذلك .

عود على بدء: قد سبق حمل المطلق على المقيد اذا كانا مثبتين ( على المشهور ) ووجهه حصول التنافي . ولكن لابدّ في تحقق التنافي من ثلاثة امور: احدها كون المطلوب في مورد الأمر هو صرف الوجود والثاني عدم انطباق الصرف على المطلق . والا فاذا انطبق عليه فلا يمكن الاتيان بالمقيد لعدم معنى للامتثال بعد الامتثال فاتيانه بعنوان الورود تشريع محرم . الثالث كون المقيد تعيينيّا والا فلا منافاة بين وجوب المطلق وبين وجوب المقيد ولو مع احراز كون المطلوب هو صرف الوجود . لأن اللازم حينئذٍ كون المقيد أفضل أفراد الواجب لا انه واجب .

الا ان المحقق النائيني قدس سره (1) بدل التعيينة بكون المطلوب واجبا وجعل الموجب للتنافي هو الوجوب مع الأمرين الآخرين لكنه غفلة عن حقيقة الحال . اذ لا ينافي الوجوب مع عدم التنافي بين المطلق والمقيد . بل الأمر الثالث هو كون المقيد تعيينيّا فاذا كان كذلك فيتحقق حينئذٍ التنافي بين طلب المطلق ومطلوبيّة

يشترط في التنافي أمور ثلاثة

ص: 301


1- . فوائد الاُصول 1/580 وما بعده .

المقيد لاقتضاء تعلق الخطاب بالمطلق الاكتفاء ولو بالرقبة الكافرة وظهور خطاب المقيد في عدم الاكتفاء بغير المقيد وكونه هو المطلوب تعيينا لا تخييرا . وحينئذٍ فيتعارض الخطابان بمعنى عدم شمول دليل الاعتبار لكليهما للتنافي وعدم قيامدليل على الأخذ بأحدهما لا بعينه مع انه لا وجود له سوى وجود الفردين وهذا هو معنى التعارض في جميع موارده والتساقط . لا انه يشمل الدليل للمتعارضين ثمّ يتساقطان بالتنافي . فاذا تحقق التنافي وامتنع شمول الدليل لكليهما معا فحينئذٍ

نرجع إلى الأصول العمليّة فيدور الأمر بين اتيان الكافرة والشك في الامتثال أو اتيان الرقبة المؤمنة واليقين به للعلم بكون الرقبة المؤمنة مجزية واجبة اما من باب

كونها هو الواجب المتعين أو أفضل الفردين فلابدّ من الاحتياط باتيان المقيد خروجا عن عهدة التكليف المعلوم في البين . ولا مجال للبرائة أصلاً . اما في ناحية الواجب التخييري لكونه خلاف الامتنان لاقتضاء الواجب التخييري سعة على المكلف فرفعه مناف للمنة وعدم تحقق موضوع مجرى البرائة في ناحية الواجب التعييني لاشتراطه بكون مجراه مجعولاً مجهولاً وفي رفعه منة وليس كذلك . لعدم تعلق الجعل بالتعيينة بل بالواجب التعييني لا بتعيينيه اذ هو عبارة عن أمر عدمي وهو عدم جعل العدل وليس هو أمرا مجعولاً شرعيّا كي يسند رفعه إليه فيجري البرائة وفي الحقيقة مرجع الدوران بين تعين المؤمنة أو كفايتها والكافرة وليس مقامنا من قبيل الواجب التخييري في باب التسبيحات حيث يقولون بالتخيير بين الواحدة والثلاث والتزامنا بكون الزائد مستحبّا محضا . اذ في اختيار الثلاث يأتي بالصرف أوّل مرّة ثمّ يأتي بالمرتين بعده ويتحقق الواجب بخلاف ما نحن فيه لكون الاتيان اما بالكافرة أو بالمؤمنة لا انه يأتي بالرقبة ثمّ بالمؤمنة

ص: 302

فحينئذٍ تكون المؤمنة اما هي الفرد الأفضل وتتّصف بالوجوب لكونها محقّقة للصرف أو هي الواجب تعيينا .

ثمّ بما ذكرنا ظهر الوجه في عدم حمل المطلق على(1) المقيّد في المستحبّاتبناءً على مختار المحقّق النائيني لعدم اجتماع شرايطه التي منها كون المطلوب واجبا لكن عرفت الاشكال فيه في الواجب فكذا هنا . بل ينطبق ضابط الحمل في المستحبات أيضا لو تحقّقت المقدّمات غاية الأمر بعد دوران الأمر بين كون المطلوب هو المطلق أو المقيد لا تجري البرائة لعدم منة في رفعه لعدم وجوبه أصلاً اللهمّ الا في مورد النذر أو الاجارة للغير فحينئذٍ يمكن جريان ما تقدّم في الواجب هنا بتمامه كما اذا ورد مثلاً كما في مورد كثير من الصلوات فعلها بسور كثيرة مخصوصة وأدعية وترتيبات خاصّة أو ورد مطلق ومقيد ففي رواية ورد الدعاء بعد الصلاة مطلقا مثلاً وفي اخرى دعاء مخصوص الا انه ربما لا نحرز كون المطلوب هو الصرف أو يستفاد من الخارج ان المطلوب له مراتب مختلفة في الفضل .

والحاصل انه بناء على مختار(2) الكفاية من كون الوجه في حمل المطلق

على المقيد هو كون الواجب تعيينيّا لا انه واجبا فلا يجري ما أجاب النائيني قدس سره .

نعم هو أجاب بجوابين لا يستقيمان على الظاهر ولا يقبلان التوجيه أحدهما كون الغالب في المستحبات هو تعدد المطلوب والثاني كون عدم الحمل من باب التسامح لكنك خبير بما فيهما خصوصا الوجه الأخير فانه أي ارتباط

حمل المطلق على المقيد في المستحبّات

ص: 303


1- . فوائد الأصول 1/585 .
2- . كفاية الأصول 1/393 .

للتسامح في أدلّة السنن بعدم الحمل مع انه في السند لا في عدم الحمل والدلالة .

والحاصل انه لا وجه لعدم الحمل في المستحبات بعد اجتماع شرايط الحمل في الواجبات .

والنتيجة: انّه لا فرق بين الواجبات والمستحبات في حمل المطلق علىالمقيد في ما اذا كانا مثبتين واحرزنا صرف الوجود كما اذا ورد قرائة سورة في صلاة خاصّة ثمّ ورد في دليل آخر قرائة سورة خاصّة بكيفيّة خاصّة فانه لابدّ من الحمل اذا احرز صرف الوجود لعدم اختصاص ذلك بالخطابات النفسيّة التكليفيّة بل يجري في الخطابات الارشادية الغيريّة كما يجري في الوضعيّات وباب العقود والايقاعات .

كما اذا ورد لا بأس(1) بالصلاة فيما لا تتم فيه منفردا اذا كان نجسا مثلاً مع ورود النهي(2) عنها في القلنسوة فلابدّ من التقييد وهكذا . والفرق بين المقام والمثبتين انه لابدّ في المثبتين من مقدمتين للحمل . احديهما احراز صرف الوجود بخلاف المقام فانه بنفسه كاف في التقييد خصوصا مع ما عرفت في باب التخصيص كون التخصيصات انما هي انواعيّة ولا اشكال في التقييد بلا خلاف من أحد في التقييد في المتخالفين .

نعم حيث ان الغالب عدم احراز صرف الوجود فلا يجتمع شرايط الحمل

ولذا لا نقول به بل يكون هناك وظيفتان فالاتيان بالمقيد مستحب والاتيان بالمطلق مستحب آخر كما انه على الحمل أيضا وان جاز ترك السورة في النافلة بالمرّة لكنّه لا تكون هي تلك الصلاة الخاصّة التي تترتب عليها الآثار المخصوصة

ص: 304


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 14 / 1 - 2 من أبواب لباس المصلي .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 14 / 4 من أبواب لباس المصلي .

هذا كلّه فيما اذا كان المطلق والمقيد مثبتين اما اذا كان أحدهما مثبتا والآخر منفيا فلا اشكال في التقييد كما إذا ورد في باب الستر في الصلاة الأمر به مطلقاً وورد في رواية اخرى عدم التستر بالحرير للرجال أو ما لا يؤكل لحمه فانّه لا اشكال في التقييد وكون المراد من المطلق هو خصوص المقيد بل يكون في حكم الواردوالمورود وبورود التقييد نكشف عدم الاطلاق بل انما كان تخيله فقط .

هذا تمام الكلام في باب المطلق والمقيد .

الكلام في المجمل والمبين

المجمل هو ما لا يتّضح دلالته واصطلح عليه لمناسبة المعنى اللغوي حيث انه في اللغة بمعنى الضم يقال اجملت الحساب اذا ضم شتاته ويقال اجمال البحث واجمال المقول بمعنى البسط فالمجمل من الألفاظ حيث لا يعلم المراد به ويحتمل فيه احتمالات فقد أجمل الاحتمالات وجمعها وضمها وانضمت هي فيه وسببه اما في مرجع الضمير لدورانه بين أمرين أو كونه من المبهمات كالموصول كما في قوله تعالى: « إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ »(1) لاحتمال كون الموصول هو الولي وانه يعفو عن النصف الآخر ( من المهر ) عن الزوج واحتمال كونه هو الزوج فيعطى النصف الآخر . ولا يذهب عليك عدم الاجمال في الآية الشريفة الواردة في السرقة لمعلوميّة كون اليد من المنكب إلى أطراف الأصابع وكذا القطع عبارة عن ابانة الشيء فالاجمال ليس في أصل اليد وانما الاجمال في الذي يجب قطعه وهل يقطع من المنكب أو المرفق أو الزند أو من

المجمل والمبين

ص: 305


1- . سورة البقرة الآية 238 .

اصول الأصابع وهي ( الاشاجع ) سوى الابهام كما في(1) المروي عن الامام الجواد علیه السلام واستدلاله علیه السلام في قبال القوم بالآية الشريفة « وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ »(2) مع توجه الاشكال على هذا الاستدلال حيث ان ابهام الرجل يقطع في السرقة في المرّة الثانية وعدم استثنائه في القطع مع كونه ممّا يسجد عليه والرواية لا سند لها .نهاية الجزء الثاني من كتاب مباني اُصول الفقه

ص: 306


1- . وسائل الشيعة 28 الباب 4/5 من أبواب حدّ السرقة .
2- . سورة الجنّ الآية 19 .

فهرس المحتويات

الكلام في النهي··· 5

دلالة النهي بالوضع أو الاطلاق··· 7

المطلوب في النواهي هو الترك لجميع الأفراد··· 9

الدلالة بمقدّمات الحكمة··· 11

جواز اجتماع الأمر والنهي··· 13

نتيجة عدم تجاوز الأمر والنهي عن متعلّقهما··· 15

اشتراط باب الاجتماع بتعلّق الأمر والنهي بالمبادي··· 17

الفرق بين العناوين التقييديّة والتعليليّة··· 19

تصوير البحث على النسب الأربع··· 21

الفرق بين كون المتعلّق مفاد كان التامة والناقصة··· 23

بناء المسئلة على تعلّق الأحكام بالطبائع أو الأفراد··· 25

تصوير النزاع··· 27

عدم ورود ايراد المحقّق النائيني إلاّ واحداً··· 29

يسقط الأمر باتيان المجمع في غير العبادة··· 31

الاجتماع انضمامي لا اتّحادي··· 33

ص: 307

قبح صدور الفعل يمنع عن التقرّب به··· 35

صحّة الصلاة في صورة الجهل بالغصب··· 37

وقوف كلّ من الأمر والنهي على متعلّقه··· 39

تقسيم العبادات المكروهة··· 41

الجواب في العبادات المكروهة··· 43

الفرق بين أقسام العبادات المكروهة··· 45

خلاصة ما سبق··· 47

حكم صوم يوم عاشوراء··· 49

اجتماع الكراهة مع الوجوب··· 51

الفرق بين تعلّق الأمر والنهي بموضوع خارجي وغيره··· 53

في اشتراط المندوحة··· 55

حكم الصلاة في الأرض المغصوبة··· 59

الفرق بين النهي الغيري الناشى من النفسي وغيره··· 61

الأقوال في الخروج عن المكان المغصوب··· 63

عدم حرمة التصرّف لرد المال إلى صاحبه··· 65

تتمّة الكلام··· 67

الاشكال في اندراج المقام في قاعدة الامتناع بالاختيار··· 69

في حكم الخروج وضعيّاً··· 71

دوران الأمر بين الوقت وساير الشروط··· 73

التزاحم بين النفس والمال··· 75

ص: 308

صحّة الصلاة في الأرض المغصوبة في الضيق أو السعة··· 77

دوران الأمر بين أكل لحم الخنزير أو الآدمي··· 79

اقتضاء النهي الفساد في المعاملة وعدمه··· 81

الفرق بين النهي النفسي والغيري··· 83

جريان النزاع في أسباب المسببات··· 85

الصحّة والفساد أمران منتزعان··· 87

أقسام النهي··· 89

امضاء الشارع لما عند أهل العرف··· 91

اختلاف باب العقود والايقاعات عن المسبب التوليدي وأفعال المباشرة··· 93

فرق الانشاء والأمور التكوينية··· 95

الجواب عن أبي حنيفة··· 97

النهي عن التسبب بسبب··· 99

إذا نذر التصدّق بشيء··· 101

الفرق بين نهي السيّد ونهي اللّه تعالى··· 103

النهي النفسي التكليفي يوجب الفساد··· 105

الفرق بين النهي بمعنى اسم المصدر وغيره··· 107

تقريب كلام المحقّق النائيني··· 109

لا تدلّ الآية على عدم جواز الواجبات وترك المحرّمات··· 111

اشكال استصحاب الملازمة··· 113

المفهوم والمنطوق··· 115

ص: 309

في مفهوم الشرط··· 117

جريان المقدمات في ناحية العدل··· 119

الشرط على قسمين··· 121

رجوع القيد إلى المعنى المتحصّل··· 125

إشكال مبنى المحقّق الخراساني··· 127

معنى المفهوم··· 129

الاشكالان من المحقّق النائيني على مبنى العلية··· 131

النتيجة في أخذ المفهوم على مبنى النائيني··· 133

الحق مع المحقّق الخراساني في رجوع القيد إلى الهيئة··· 135

إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء··· 137

الاذان له مراتب··· 139

جمع المحقّق الهمداني··· 141

إذا لم يكن الجزاء قابلاً للتكرار··· 145

مقتضى القاعدة في تعدّد الشرط··· 147

نسب القول بالتداخل إلى الفخر··· 149

الاستدلال على التداخل··· 151

انحلال الأحكام حسب انحلال موضوعاتها··· 153

التعدّي عن المورد لو كان هناك كبرى··· 154

مناقشة أدلّة التداخل··· 155

مقتضى الأصل اللفظي··· 157

ص: 310

الكلام في المسئلة الاُصوليّة··· 159

تداخل الأسباب في بعض الموارد··· 161

في مفهوم الوصف··· 163

ما إذا للموصف مفهوم··· 167

المناقشة في حمل المطلق على المقيد··· 169

في مفهوم الغاية··· 171 - 173

استفادة الأحكام الثلاثة··· 175

في مفهوم الحصر··· 177

الكلام في الاستثناء··· 179

الاشكال في افادة الكلمة الطيّبة··· 181

تقديم ما حقّه التأخير··· 183

في العموم والخصوص··· 185

الفرق بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة··· 187

الفرق بين العام الانحلالي والمجموعي··· 189

هل ارادة استعمال اللفظ والمعنى واحدة··· 191

هل التخصيص يوجب المجازية··· 193 - 195

الفرق في التخصيص بين المتّصل والمنفصل··· 197

عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة··· 199

أدلّة القائلين بجواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة··· 201

بعض أدلّة القائلين بجواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة··· 203

ص: 311

نتيجة الكلام··· 205

إذا كان هناك أصل موضوعي··· 207

جريان أصل عدم القرشيّة··· 209

فيما يكون الموضوع مركباً··· 211 - 213

إشكال جريان عدم القرشيّة··· 215

الفرق بين التركيب والتقييد··· 217

إذا كان للعنوان الانتزاعي دخل في الحكم··· 218

إذا لم يؤخذ التقارن قيداً··· 219

الجواب عن النقض··· 221 - 223

التفصيل فيعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة··· 225

التفصيل بين المخصص اللبي واللفظي··· 227

اشكال سيّدنا الأستاذ··· 229

ما يرد على المحقّق الخراساني··· 231

اشكال التمسّك باطلاق دليل النذر··· 233

الفرق بين الأصول اللفظيّة والعمليّة··· 235

نتيجة ما سبق··· 237

الكلام في المثالين··· 239

امكان معارضة جريان الأصلين··· 241

عدم جواز التمسّك بالعام قبل الفحص عن المخصّص··· 243

الدليل على عدم الجواز··· 245

ص: 312

عمدة الدليل على العدم··· 247

في مقدار الفحص··· 249

دوران الأمر بين التخصيص والاستخدام··· 251

توضيح بحث الآية الشريفة··· 253

تكميل بحث الآية الشريفة··· 255

حكم العام بالنسبة إلى المفهوم··· 257

تبعيّة المفهوم الموافق للمنطوق··· 259

تخصيص العام بالمفهوم··· 263

ضابط كون القضية ذات مفهوم··· 264

تخصيص الكتاب بالخبر الواحد··· 265 - 267

دوران الأمر بين النسخ والتخصيص··· 269

في الاطلاق والتقييد··· 270 - 271

الموضوع له اللفظ نفس الماهيّة··· 273

تقسيمات الماهيّة··· 275

في مورد الارسال والاطلاق··· 277

جريان الاطلاق في الجمل والمعاني الحرفيّة··· 278 - 279

نسبة الاطلاق والتقييد··· 281

الفرق بين أقسام التقابل··· 283

في شرايط الاطلاق··· 285 - 287

إذا شككنا في كون المتكلّم في مقام بيان تمام مراده··· 289

ص: 313

في حمل المطلق على المقيد··· 291 - 293

شرايط حمل المطلق على المقيّد··· 295

في ما يستفاد منه لزوم تقليد الأعلم··· 297

خلاصة البحث··· 299

يشترط في التنافي أمور ثلاثة··· 301

حمل المطلق على المقيد في المستحبّات··· 303

المجمل والمبين··· 305

فهرس المحتويات··· 306

ص: 314

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.