مباني أُصول الفقه المجلد 1

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: رحمتي، محمد، 1307 -

عنوان واسم المؤلف: مباني أصول الفقه: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودي/ مولف آيت اللّه شيخ محمد رحمتي.

تفاصيل المنشور: قم: قرآن صاعد، 1440ق.= 1398.

خصائص المظهر : 5 ج.

ISBN : دوره:978-600-7282-94-6 ؛ ج.1:978-600-7282-89-2 ؛ ج.2:978-600-7282-90-8 ؛ ج.3:978-600-7282-91-5 ؛ ج.4:978-600-7282-92-2 ؛ ج.5:978-600-7282-93-9

حالة الاستماع: فیپا

لسان : العربية.

ملحوظة : ج.2-5(الإصدار الأول: 1398).

عنوان آخر: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودی.

مشكلة : أصول الفقه الشیعة -- قرن 14

Islamic law, shiites -- Interpretation and construction -- 20th century

المعرف المضاف: هاشمی شاهرودی، سیدمحمود، 1327-1397.

المعرف المضاف: Hashemi Shahroudi, Seyyed Mahmoud

ترتيب الكونجرس: BP159/8

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5841397

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

مباني أُصول الفقه

مؤلف: آيت اللّه شيخ محمد رحمتي

الناشر: قرآن صاعد

وقت وسنة النشر: 1398

الطباعة والتجليد: زلال کوثر

الدوران: 1000 نسخه

ISBN: 6-94-7282-600-978

ISBN: 2-89-7282-600-978

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین

الرحمن الرحیم

مالک یوم الدین

إیاک نعبد وإیاک نستعین

اهدنا الصراط المستقیم

صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین

لفت نظر

1 - رقم الآيات على حسب احتساب البسملة آية من السور غير سورة التوبة .

2 - مأخذ روايات الوسائل، طبعة ثلاثين مجلّداً .

3 - روايات المستدرك على طبعة 20 مجلّداً .

4 - صفحات الكفاية على طبعة جلدين مع حاشية المشكيني .

ص: 2

مباني أُصول الفقه

تقرير بحث المحقّق المدقّق آيت اللّه العظمى

السيّد محمود الشاهرودى قدس سره

لتلميذه آيت اللّه الحاج الشيخ محمد الرحمتي

الجزء الأوّل

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

في علم الاصول

تقرير بحث سيّدنا الاستاذ الأعظم الحاجّ السيّد محمود الشاهرودي قدّس اللّه نفسه الزكيّة ليلة الأربعاء 30 ربيع الثاني 1373، 16/10/1332

في بيان تعريف علم الاصول وموضوعه وفائدته والغرض منه .

مقدمة: يبين فيها الأمور الثلاثة

حيث انه لم يبين هذه الأمور في علم آخر فلذلك يبحث عنها في مقدمة هذا العلم على عادة المؤلفين وجريهم في تأليفهم .

وكانوا يذكرون امورا ثمانية في بيان موضوع العلم وفائدته وغير ذلك وبعضهم زاد أمرا تاسعا وهو الرتبة بذكر العلم الذي أريد الشروع فيه بالنسبة إلى علم أعلى أو أدنى منه رتبة أو في رتبته وقبل الشروع في المقصود يرتبون مقدمة أو مقدمات لبيان المبادي التصورية وذلك لعدم كونها من مسائل علم آخر كي يبحث فيه عنها كما هو الغالب في غير علم الحكمة . لذا فالاحرى بنا ذكر تعريف موضوع العلم كليا وما يرتبط به للاحتياج إليه في تبيين موضوع علم الاصول وحصول المعرفة به طردا أو عكسا .

تعريف موضوع علم الاُصول

ص: 5

قالوا موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية(1) وفسروا العرضالذاتي تارة بما يقتضيه ذات الشيء ويكون من لوازمها اما بنفسه أو بجنسه القريب أو البعيد أو فصله المساوي أو الأخصّ واخرى بما يعرض الشيء أولاً وبالذات في قبال ما يعرضه بالعرض والمجاز فان السخونة على هذا وان كانت تعرض الماء بواسطة أمر خارجي وهو النار أو الشمس لكن تعرضه لا غيره وبذلك نفترق عن مثل حركة جالس السفينة وفتح الأمير البلد مع ان الفاتح انما هو عسكره وعلى هذا التعريف الثاني تكون السخونة أمرا غريبا لا عرضا ذاتيا بخلافه على الأول فانه يشمل ما اذا عرض العرض بواسطة أمر مساوي كالتعجب اللاحق للانسان المساوي له الموجب لحدوث الضحك فالضحك وان لم يعرض الانسان أولاً وبلا واسطة لكن الواسطة ليست أمرا لم يكن بينها وبين ما صارت واسطة عروضه نسبة وربط بل هي مساوية للمعروض الذي هو الانسان ولذا يقال ان الضحك أيضا عرض ذاتي للانسان .

والأحسن في المثال للعرض الغريب على التعريف الثاني هو فتح الأمير البلد فان التمثيل بحركة جالس السفينة من المشترك لأنها بمعنى حاصلة له وبمعنى ليست ولذا يجب عليه القصر ولو كان طيّ المسافة بها هذا ما قاله القوم(2) لكن يشكل جريانه في ما نحن فيه من موضوع علم الاصول وكذلك في الفقه حيث انه على التفسير الأول للعرض الذاتي لا ينطبق محمولات مسائل العلمين وأبحاثها

ص: 6


1- . والعوارض جمع العارض ومن مادّته العَرض والعِرض والعرض باختلاف الحركات الثلاث في الأوّل .
2- . ان العرض في اصطلاح علماء المعقول ما يقابل الجوهر وينقسم إلى ما يكون سبباً أو غيره ولا يمكن أن يكون محطّ البحث في غالب العلوم .

على الاعراض التي فسروها بما ذكر . فان الحجيّة مثلاً التي هي ثابتة للخبر الواحدليست من الامور التي يقتضيها ذات الخبر ولا الوجوب والحرمة المحمولين لأفعال المكلفين كذلك بل انما هي اعتبارات بين الذوات الخارجية والمكلفين أو اُمور مجعولة للشارع وبعضها انتزاعي كالوجوب والحرمة فان الذي يوجد المولى هو النسبة بين الفعل والفاعل .

والعقل ينتزع عنها الوجوب أو الحرمة فاطلاق العرض عليهما ليس على ما ينبغي .

وان كان من الممكن التوسع في دائرة الأعراض سواء كانت من الامور الخارجية أو الذهنية التي وعاء وجودها الذهن أو الاعتبارية الا انه حيث ان ذلك بعيد أو خارج عن اصطلاحهم والمراد في أمثال المقام انما هو هذه الاعتبارات فاللازم المشيء في تفسير العرض والعوارض ما هو المناسب للتعميم بهذا النحو .

أو يقال المراد بذلك هو معناه اللغوي وهو مطلق ما يعرض الشيء ولما كان العرض أو العارض الذاتي بهذا المعنى الذي بينه المشهور وهو ما يقتضيه ذات الشيء لا مجال له في كثير من العلوم فاشكل عليهم التعريف المايز بين الأعراض الغريبة والعوارض الذاتية . فانه يلزم البحث في كثير من العلوم من العوارض الغريبة لعدم كونها مما يقتضيه الذات ولو عممنا فيه بشمول الذاتي ما يكون باقتضاء جنسه بعيدا أو قريبا أو فصله كذلك بل الأخص عند بعض . فأي اقتضاء لمثل كلمة الفاعل في جلب اعراب الرفع على نحو يكون ذاتيها غير قابل الانفكاك وأيضا لازم الجمود على ظاهر التعريف كون البحث عن عوارض نفس موضوع العلم مع ان الغالب بل المجموع هو البحث عن موضوعات مسائله فيلزم أحد

ص: 7

الأمرين إمّا الالتزام بكون البحث عن موضوعات المسائل هو البحث عن نفسموضوع العلم أو القول بأن كل مسئلة علم برأسها حيث ان موضوعها ومحمولها لايوافق المسئلة الاخرى(1) والمختار هو الأول .

بل الأحسن التعبير عنها بالأحوال والأوصاف وذلك لعدم عروضها على الوجودات الذهنية ولا الخارجية واستلزام الأول حصول الامتثال بنفس تصور الوجود ذهنا وكذلك الثاني يكون من تحصيل الحاصل . فلو كان هناك معروض في الذهن فلا يلتفت إليه . بل هو عبرة الخارج ومرآته وكأنه هو الخارج . والوجوب والحرمة في الأحكام التكليفيّة والملكيّة والزوجيّة في الأحكام والأمور الوضعية ليست من سنخ الأعراض ولا الجواهر . بل هي أوصاف وحالات اعتبارية موجودة في عالم الاعتبار ووعائه المناسب له .

والعقل يوجب الامتثال وتطبيق عالم الحقيقة والوجود الخارجي على ذلك العالم والوعاء .

نعم ما ذكروه في العرض الذاتي انما يناسب علم الطب وبعض العلوم الباحثة عن خواص الأشياء فانّها ذاتيّة لهما فان في أفعال المكلفين وان كان من المسلم تبعية الأحكام لما فيها من المصالح والمفاسد لكنه لا يمكن الالتزام باقتضاء تلك المقتضيات بلا جعل من الشارع للأحكام وضعية كانت أو تكليفية فما ذكرنا عن التعبير بالوصف والحال هو المناسب لمجعولية الأحكام وعدم كونها اعراضا حقيقةً كما انها ليست جواهر بل امور موجودة في عالم الاعتبار .

حيث ان موضوع العلم أمر كلي وموضوعات المسائل مصاديقه وينطبق

ص: 8


1- . أو الاستخدام في التعريف بارجاع ضمير عوارضه الذاتية إلى موضوعات المسائل .

عليها انطباق الكلي على مصاديقه ويتحد كاتحاد الطبيعي وافراده خارجافالمبحوث عن عوارضه هو الموضوع الكلي الجامع بين شتات الموضوعاتالمختلفة في المسائل كما ان من المسلم اختلاف الأعراض . وبالنسبة إلى البحث عن جهات العوارض فربما يكون البحث عن جهة خاصّة لغرض خاص ويدون له علم برأسه كما ان باعتبار غرض آخر يدون علم آخر كذلك ولا قبح فيه عند العقلاء فان احوال الكلمة مختلفة مثلاً فان كان البحث من حيث الاعراب والبناء يدون له علم النحو ويبحث فيه عن ذلك .

وإن كان من حيث الصحة والاعتلال يدخل في موضوع علم الصرف وكذلك بالنسبة إلى ساير الأغراض ولما كان الغرض أمرا بسيطا فيكشف انا عن كون ما دوّن لأجله وبحث عنه أمرا واحدا والا لما أثّر المتبائنات بما هي متبائنة أثرا واحدا ونتيجة فاردة فاذا كان الفائدة المترتبة عليها متحدة فالموضوع لابد أن يكون كذلك .

وقد تقصّى صاحب الكفاية عن اشكال دخول بعض العلوم في بعض كما في علمي الصرف والنحو حيث ان موضوعهما الكلمة والكلام بتفسير العوارض الذاتية بلا واسطة في العروض(1) . وهذا على تقدير كون المراد به عوارض الشيء العارضة لنفسه لا لمتعلقه صحيح وان كان في الثبوت لم يكن خاليا عن الواسطة أو الوسائط كما في حرارة الماء فانها ليست ذاتية يقتضيها الذات بل صارت عارضة له ومن احواله التي يتصف بها ولم تحصل بلا واسطة في عالم الوجود بل بسبب النار وهذا وان لم نقل بنفوذ اجزاء نارية في الماء والا فيخرج عن محل الكلام .

ص: 9


1- . فسّر العرض الذاتي بلا واسطة في العروض . كفاية الأصول 1/2 .

وربما يكون هذا التعريف أضيق من تعريف المشهور لعدم شمول هذاالتعريف لما اذا كان العروض بواسطة ثبوتية بخلاف تعريف المشهور فانه يكفيفي كون العرض ذاتيا اقتضاء الذات له وان لم يكن حاصلاً بتوسط نفس الذات كما اذا صار اشراق الشمس واسطة ومعداً لبروز المرض في وجود زيد مثلاً . وهناك تفسير آخر عن آخر وهو نسبة كون المراد بالعرض الذاتي هو ما ذكره المحقق الخراساني إلى القوم .

وذكر سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم العثور على ما نسب إليه هذا الكلام وكأنه راه في بعض الكتب المنطقية .

وأول ثالث العارض الذاتي بما يكون للذات قابلية له سواء كان ذلك في العلوم الشرعية أو الأدبية أو غير ذلك ولازم هذا القول هو كون الفاعل في ضرب زيد له قابلية الرفع وهكذا المفعول وساير ما يتعلق بعلم النحو بالنسبة إلى حركاتها وكذلك بالنسبة إلى ساير العلوم وربما ادى اختيار هذا المسلك أو ادعى من اختاره كون وضع الألفاظ ذاتيا بمعنى وجود المناسبة الذاتية بين الأسماء والمعاني حتى تعدّى بعض وادعى ذلك في الاعلام الشخصية واختلاف ذلك باختلاف الأمكنة وربما يستشهد لذلك أو كون الوضع الهاما بانا اذا وضعنا عدة أطفال في موضع بلا ارتباط كلامي بينهم وبيننا . فلا محالة يخترعون لسانا لايصال مقاصدهم الى أنفسهم مع عدم سبقهم بالوضع . وعلى هذا فلا ترادف حقيقي في اللغة بل مثل الفرس والجواد والخيل اسماء ادعى في كل واحد جهة خلى عنها الاخر .

لكن لا سبيل إلى تصديق هذه الدعوى كما ان من الواضح عدم كون عرض

ص: 10

حينئذٍ لشيء غريبا بل كل ما يعرض شيئا فلا يكون الا عن قابلية فحينئذٍ يرجع كل الأعراض والعوارض ذاتية وقيد الذاتية على هذا لغو أو توضيحي .ويمكن هنا جواب قد اختاره بعض بتصديق كون العرض ذاتيا في مثلسلسلة العلل والمعلولات فالانسان مثلاً مدرك وصفة الادراك سبب للتعجب فيكون متعجبا وهو موجب لحدوث الضحك فالضحك عرض ذاتي للانسان لكونه معلولاً عن التعجب المعلول عن الادراك وعلى هذا يمكن كون عرض المساوي أيضا عرضا ذاتيا لما يكون المساوي مساويا له كالانسان المدرك في المثال لكون المتعجب مساويا له .

تلخيص وتتميم: قد تبين بما ذكرنا ان الأحسن تبديل العوارض بالأحوال ويقال موضوع كل علم ما يبحث فيه عن أحواله التي تعرضه لذاته وبلا واسطة في العروض سواء كان هناك واسطة في الثبوت أم لا في قبال ما يكون الواسطة في العروض وينسب إلى ذي الواسطة بالعرض والمجاز كقولنا نهر جار أو الميزاب جار .

نعم يبقى اشكال تمايز الموضوعات بعضها من بعض وكيفية النسبة بين موضوع العلم وموضوعات مسائله . فان أحد الأمور لازم . اما كون الضمير في قولنا عن أحواله وقولهم عن عوارضه يرجع إلى الموضوع باعتبار موضوعات مسائله استخداماً أو يكون موضوع كل مسئلة موضوعا برأسه وتتعدّد العلوم بتعدد المسائل لتعدّد موضوعاتها . أو يتصور جامع بين الموضوعات المختلفة في مسائل علم واحد .

تمايز العلوم بعضها من بعض

ص: 11

ذهب المحقق الخراساني قدس سره (1) في كفايته إلى الأخير في خصوص المقام أي موضوع العلم بدعوى عدم الاشكال في استنتاج أثر واحد من الأبحاثالدائرة في علم اصول الفقه حيث ان المسلم استحالة صدور الواحد من المتعدد بماهو متعدد ولا يمكن أن يكون المتبائنات بما هي متبائنات نتيجة شيء فارد وأثر واحد فلا محالة يكشف ذلك عن اتحاد المؤثر وهو الجامع بين مسائل كل علم كما نحن فيه ولا يلزم في كونه جامعا معرفته تفصيلاً بان يمكن أن يعبر عنه بلفظ مخصوص به . قال ان موضوع كل علم وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ( أي بلا واسطة في العروض ) هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا وان كان يغايرها مفهوما تغاير الكلي ومصاديقه والطبيعي وافراده وقال بعد أسطر .

ثم(2) انه ربما لا يكون لموضوع العلم وهو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل عنوان خاص واسم مخصوص فيصح أن يعبر عنه بكل ما دل عليه بداهة عدم دخل ذلك في موضوعيته أصلاً الخ .

ثم ذهب إلى ان(3) المسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتّتة جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض الذي لأجله دون هذا العلم .

وقد قربنا مراده آنفا . لكن لا يخلو عن اشكال .

اما أولاً: فلابتنائه على عدم كون الأثر الا أمرا وحدانيا بسيطا وهو فاسد ضرورة قبوله التجزي وكونه ذا مراتب كما ربما يظهر بالنسبة إلى حصول ملكة رفع الفاعل دون اعراب المفعول بالنسبة إلى علم النحو وكذا ساير العلوم .

ص: 12


1- . كفاية الاُصول 1/2 - 5.
2- . كفاية الاُصول 1/5 - 6.
3- . كفاية الاُصول 1/5 - 6.

وثانيا: فانه في ما يكون من باب التأثير والتأثر تكوينا خارجيا دون المقامالذي لا ربط لتحصيل العلم في حصول ملكة الاجتهاد ورد الفروع إلى الأصول والا فربما يكون سهلاً حصول ذلك المقدار بل ليس الا عبارة عن موهبة الهيةوافاضة من جانب اللّه أو له دخل عظيم في ذلك وليس من باب التأثير والتأثر . فلا وجه لكشف الجامع بين مسائل العلم من وحدة الأثر المترتب عليها كالقدرة على الاستنباط أو حصول القدرة على صون الكلام عن الخطأ في النحو والفكر في المنطق . وسلك بعضهم في التعريف مسلكا آخر فجعل تمايز العلوم بتمايز الموضوعات فيما يكون الموضوعات متبائنة خارجا كما في البدن الذي هو موضوع علم الطب والتشريح دون اللفظ الذي هو موضوع العلوم العربية مثلاً وفيها يبحث عن موضوع واحد وهو اللفظ وعن حالاته فجعل تمايز الموضوعات بتمايز الجهات والحيثيات . فذهب إلى ان موضوع علم النحو مثلاً هو الكلمة من حيث الاعراب والبناء وموضوع علم الصرف هي من حيث الصحة والاعتلال واعترض عليه صاحب الفصول بعدم اجداء هذه الحيثية فان موضوع علم النحو وان كان هو الكلمة من حيث الاعراب والبناء الا انها لا تخلو عن جهة الصحة والاعتلال أيضا فيلزم أن يكون علم النحو والصرف واحدا . هذا ان كان قيد الحيثية تقييدية وان كان تعليلية فلا يستقيم المعنى ولعل مراده قدس سره في عدم استقامة المعنى من حيث عدم رجوعه إلى غرض البحث كي يرجع إلى ما أفاده المحقق الخراساني قدس سره من ان(1) تمييز العلوم بعضها من بعض بتمايز اغراض البحث والمهم المقصود من ذلك . بل يكون ناظرا إلى ان العلة في كون موضوع علم النحو الكلمة

ص: 13


1- . كفاية الاُصول 1/5 .

هي حيث الاعراب والبناء فتأمل .

وهنا جهة ثالثة جعلها بعضهم ثالث الحيثيات فعبر عن موضوع العلم بمايبحث فيه عن عوارضه من حيث هي هي ولم ينقل سيّدنا الاستاذ

قدس سره مرامه كذلكبل عبر اولاً بأنه من حيث هي ورده بعدم المعقولية أو عدم انفهام شيء منه ولكن حيث ان هذا لا معنى لصدوره عن عالم ولا نقله عنه لابد أن يكون مراده ما ذكرنا وحينئذٍ فيرجع إلى ان موضوع العلم من حيث هو موضوع لا بشرط انضمام المحمولات إليه هو ما يبحث فيه عن عوارضه وأحواله

( أو ما يبحث فيه عن أحواله من حيث هو هو وحينئذٍ فيرجع الحيثية إلى البحث ويخرج الأعراض الغريبة ولعلّه اشارة إلى ان موضوع العوارض هو ما تكون العوارض من مقتضيات ذاته )

وذهب المحقق النائيني قدس سره في دورات بحثه على ما نقله الأستاذ قدس سره إلى ان موضوع(1) علم النحو وان كان هو الكلمة واللفظ كموضوع علم الصرف الا ان المايز بينهما هو ان البحث في علم النحو انما هو من حيث قابلية الاعراب والبناء وفي علم الصرف من حيث قابلية الصحة والاعتلال . ومحصله بتحرير منّا ان الماهية بعد ان كانت من حيث هي ليست الا هي لا معدومة ولا موجودة وفي صقعها الخاص بها لا سبيل لأحدهما إليه بل هناك مجتمع النقيضين بل النقائض وذاك العالم وراء عالم الوجود بقسميه . بل اذا تصورناها في الذهن ولو بالنظر الآلي المرآتي لا تكون هي هي بل بوجودها الذهني وهي في كنه ذاتها لا وجود لها وان كانت يستحيل أن لا تكون موجودة ولا معدومة . لكن ذلك انما هو بتنزلها

ص: 14


1- . فوائد الاصول 1/23 - 24 .

من عالمها المختص وحينئذٍ فلها محمولان مترتبان أحدهما أحد النقيضين

الوجود والعدم فاما ان يحمل عليها الوجود واما العدم والثاني الذي رتبته بعدالمحمول الأول الّذي هو أحد النقيضين باقي المحمولات من الضرب والقياموالأكل وأمثالها . فمرادنا من قولنا الكلمة موضوع لعلم النحو

إنّما هي ذات الكلمة في صقعها الخاص لكن لا بذاك النحو بل بما انها قابلة للاعراب وتلبسها باختلاف العوامل للاعراب والبناء ومن المعلوم ان هذا ليس مقام الفعلية والتلبس بالاعراب وحينئذٍ فتمتاز الكلمة التي هي موضوع علم النحو من التي هي موضوع لعلم الصرف . هذا .

لكنّه كما ترى لا يخرج عن ما اعترض به صاحب الفصول قدس سره فان الكلمة من حيث قابلية الاعراب والبناء اما أن تكون الحيثية فيها قيدا للكلمة وهي تقييدية فيصدق على البحث عن مسألة من مسائل علم النحو ان البحث عن بعض حالات الكلمة من حيث قابلية الصحة والاعتلال كما يصدق على الكلمة من حيث الاعراب والبناء وان رجع إلى التعليليّة فلا نعقل منه الا ما أفاده المحقق النائيني قدس سره (1) من كون تمايز العلوم بتمايز الاغراض وليس هذا الا كرا على ما فرّ منه وحينئذٍ فقيد الحيثية لم يغن شيئا وكان النزاع بينهم يرجع لفظيا .

ولا يخفى ان ما اخترناه في تعريف الموضوع ان لم يوافق اصطلاح القوم في العلوم العقلية فليس البحث لنا عن ما هو الموضوع في اصطلاحهم وان وافق فنعم الوفاق .

توضيح: سبق الاشكال على أخذ قيد الحيثية في تعريف العلوم التي تكون

اشكال أخذ قيد الحيثيّة

ص: 15


1- . يظهر خلافه من تقريراته فوائد الاُصول 1/26 .

باحثة في أطراف موضوع واحد كالعلوم الأدبية فانه على تقدير كونه راجعا إلى البحث لا يكون الا الغرض وعلى تقدير رجوعه إلى الموضوع يكون من أخذالمحمول قيدا في الموضوع كما ان ارجاع(1) الحيثية الى القابلية كما عن المحققالنائيني

قدس سره لا يغني شيئا . فالأحسن القول بأن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات وجهات البحث في العلوم التي تكون متبائنة بالموضوع كالطب والنحو مثلاً وبتمايز الجهات فقط الراجعة إلى الأحوال في التي لا تكون كذلك كعلم النحو والصرف فيقال ان موضوع الأول الكلمة من حيث البحث عن أحوالها الراجعة إلى الاعراب والبناء وفي الصرف هي من حيث البحث عن حالاتها الراجعة إلى الصحة والاعتلال وهكذا في باقي المشتركات . اذ لا اشكال في تعدد الحالات وجهات البحث أيضا مختلفة . ففي كل علم يكون البحث عن جهة من الحالات والعوارض الطارية على الكلمة . نعم لابدّ مع ذلك من حسن التدوين أيضا فيما يكون البحث في علمين عن حالات متحدة غالبا .

والحاصل ان تعريف الموضوع بأحد هذه الوجوه لم يقع في منطوق آية ولا رواية ولا شاهد له إلاّ الوجدان ولا نرى بالوجدان الا ما ذكر في العلوم المدونة ولا ينبغي اطالة الكلام بأزيد من هذا .

هذا في موضوع العلم . اما موضوعات مسائله فليس بلازم اتحادها مع موضوع العلم بل لا مانع من الالتزام بأنها موضوعات متعددة وان كل مسألة تكون علما برأسها وان صار من المتعارف جمع مسائل متشتتة وجعلها علما واحدا .

لما ذكرنا من تعلّق الغرض بذلك وترتب فوائد كثيرة لعدم كون ذلك أي

ص: 16


1- . فوائد الاُصول 1/25 .

العلل الغائية من جهات البحث ومحددات الموضوع اذ هي لا زمة لفعل كل فاعل مختار يصدر عنه بشعور وارادة اذ ربما لا جامع بين الموضوعات المختلفة كما في علم الطب بالنسبة إلى البحث عن حالات الرأس والعين فان كلا منهما له بحثيخصّه وجهات لا تكون في الاخر وليس بالمنكر جعل كل واحد علما برأسه ولذا ترى واحدا متخصّصاً في احدهما دون الاخر . وان ابيت فانظر إلى علم اصول الفقه واختلاف موضوعات مسائله بحيث لا يمكن جعل جامع بينها ذاتا بنحو يختلف مع موضوعات المسائل مفهوما ويتحد معها خارجا وعينا . اذ الجامع العرضي وان كان ممكنا تصويره في المقام بأن يكون كل ما يقع في طريق الاستنباط أو يصح أن يقع كبرى القياس . لكنه يتصور في كلّ شيء مع كلّ شيء ولو كانا متبائنين بتمام ذاتيهما . فان البحث عن حجيّة الخبر الواحد غير البحث عن الانسداد واختلاف أنحائه حكومة وكشفا والتبعيض في الاحتياط . وكذلك لا ربط بمسئلة الاستصحاب وعدم نقض اليقين السابق بالشك اللاحق بمسئلة حجيّة الظواهر . ومع هذا الاختلاف كيف يمكن أن يدعى وجود جامع جنسي بينهما على النحو الذي اشير إليه ويدعى كشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثر . وسبق الاشكال في اتّحاد الأثر اذ لا ريب في اختلاف درجاته لأنه ليس أمرا فاردا كي يكشف عن وحدة المؤثر وهو موضوع العلم هذا مضافا إلى عدم كون المقام من باب التأثير والتأثر .

مع عدم الاشكال في ان هذه الأبحاث كلها من أبحاث علم الاصول . بل بعضها من أهم مسائله كحجيّة خبر الواحد والظهورات .

ولا يلزم وجود الجامع الأصيل بين موضوعات المسائل بل يكفي الجامع

ص: 17

الانتزاعي والاعتباري كما في الفقر في باب الزكوة فان عنوان الفقير ليس جامعا أصيلاً بين أفراد الفقير ضرورة عدم كونه جنسا ولا فصلاً بل هو من العناوين الطارية على ذات الفقراء ومع ذلك أخذ موضوعا في مصرف الزكوة فكذلك مانحن فيه من موضوع علم الاصول(1) .فان موضوع علم الأصول عبارة عن ما يقع في طريق الاستنباط ويمكن أن يقع كبرى القياس ويكون له الدخل التام وبهذه القيود يخرج العلوم الستة التي لها ربط بالاستنباط . لعدم صلاحية وقوعها كبرى القياس . بل كلها راجعة إلى تصحيح الصغرى وتحقيقها كالنحو والصرف واللغة وعلم المعاني والبيان والرجال فشأنها تعيين المصداق وايجاده لمسئلة حجيّة الخبر الواحد والظهور الذي اثباته شأن هذه العلوم وأهمها الذي له الدخل التام القريب في الاستنباط علم الاصول وليست تقع في طريق الاستنباط بنحو يكون الجزء الأخير لعلته وايجاد الملكة التي بها يقتدر على ذلك . فان قلنا بأن البحث عنها من حين وقوعها في طريق الاستنباط وموجدا للجزء الأخير من علته فكذلك في النحو والصرف واللغة لكونها أيضا شأنها ما يحصل بسبب الأوامر والنواهي والمطلق والمقيد إلى غير

فائدة علم الاُصول

ص: 18


1- . ولقد أجاد استاذنا المحقق الجامع بين المعقول والمنقول السيّد حسن الموسوي البجنورديتغمده اللّه برحمته في تحقيقه بتقسيم العلوم إلى قسمين . قسم دون لأجل معرفة حالات حقيقة من الحقائق وما هو مفاد هليتها المركبة وليس الغرض من التدوين إلاّ معرفة محمولاتها العرضيّة التي تحمل عليها بالحمل الشايع حملاً حقيقياً إلى قوله وتمايز هذا القسم من العلوم بعضها عن بعض لا يمكن أن يكون إلاّ بالموضوعات وقسم آخر عبارة عن مجموع قضايا مختلفة الموضوعات والمحمولات جمعت ودوّنت لأجل غرض خاص وترتّب عليه غاية مخصوصة عليها ففي هذا القسم ليس الجامع لهذه المسائل المختلفة الاّ تلك الغاية وترتب ذلك الغرض عليها إلخ . منتهى الاصول 1/6 - 7 .

ذلك من المسائل المبحوث عنها في بحث الألفاظ . فان خرجت العلوم الأدبية يلزم خروجها أيضا . وان دخل مثل بحث الألفاظ فيتجه دخول مثل علم الصرف والنحو في علم الأصول .

وسيأتي وجه عدّ مسئلة حجيّة خبر الواحد وحجيّة الظواهر كليهما من مسائل علم الاصول مع ان كلاً منهما لا يقع في كبرى القياس . بل مسئلة حجيةالظهورات كالصغرى لحجيّة الخبر الواحد في اوائل بحث الظهورات فانتظر . والمراد بالدخل في الاستنباط الدخل القريب لا ما يكون من المعدات والا فالاستنباط يتوقف على امور كثيرة كالسلامة والانتباه ولا اشكال في عدم كونهما من مقدماته . بل هذه من قبيل المعدات . وما يكون له الدخل بحيث يكون من المقدمات ويستند الاستنباط إليه هو ما ذكرنا من العلوم . وكلها راجعة إلى الصغرى الا علم الاصول الراجع إلى كبرى القياس الذي شأن باقي العلوم ايجاد الصغرى وجعل المصداق للكبرى المستفادة من الأبحاث الاصولية واما علم المنطق فلا اشكال في توقف الاستنباط عليه . بل ربما يكون من أنفع العلوم وأعلاها لتوقف فهم جميعها عليه بل لو لاه لم يستقم ميزان الاستدلال ولا ينبغي الارتياب في توقف استنباط الأحكام من المدارك عليه . لكنه مع ان الغالب بل مجموع الاستدلالات الفقهية تكون من الشكل الأول البديهي الانتاج . فلا احتياج إليه لكونه فطريا للانسان والا فلا يمكن بدونه تمييز باب المغالطات عن غيرها .

فقد تلخص مما ذكرنا . ان موضوع علم الأصول ( كما في الكفاية )(1) ليس

ص: 19


1- . قال في الكفاية بعد الاشكال في جعل موضوع علم الاصول هي الأدلة الأربعة أعم من أخذها بما هي هي أو بما هي ادلة هذا في الثبوت الواقعي . اما الثبوت التعبدي كفاية الاُصول 1/9 كما هو المهم في هذه المباحث فهو في الحقيقة يكون مفاد كان الناقصة فانه يقال نعم لكنه مما لا يعرض السنة بل الخبر الحاكي لها . فان الثبوت التعبدي يرجع إلى وجوب العمل على طبق الخبر كالسنة المحكية وهذا من عوارضه لا عوارضها كما لا يخفى . وبالجملة الثبوت الواقعي ليس من العوارض والتعبدي وان كان منها الا انه ليس للسنّة بل للخبر فتأمل جيدا . أما اذا كان المراد بالسنة ما يعم حكايتها فلأن البحث في تلك المباحث وان كان عن أحوال الستة بهذا المعنى . لكن البحث عن غير واحد من مسائلها كمباحث الألفاظ وجملة من غيرها لا يخصّ الأدلّة بل يعمّ غيرها وان كان المهم معرفة أحوال خصوصها كما لا يخفى . ويؤيّد ذلك تعريف الاصول بأنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية . وان كان الأولى تعريفه بأنه صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو التي ينتهي إليها في مقام العمل بناء على ان مسئلة حجية الظنّ على الحكومة ومسائل الأصول العملية في الشبهات الحكمية من الأصول كما هو كذلك ضرورة انه لا وجه لالتزام الاستطراد في مثل هذه المهمات انتهى . وقد عرفت تعريفه للموضوع سابقا حيث انه يكشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثر . وعلى كل حال فحيث يتوجه اشكال استطراد قسم من مباحث الألفاظ بل كثير منها كمباحث الأمر والنهي ومسائل اجتماع الأمر والنهي ضرورة انه على تقدير يرجع إلى البحث صغرويا عن النهي في العبادات وعلى آخر إلى البحث كذلك عن التعارض وكثير من مباحث هذا العلم يكون راجعا إلى الظهور الذي يكون صغرى مسألة حجية الظهورات . فالأولى حينئذٍ جعل الموضوع كل ماله دخل في الاستنباط ولم يدون في علم آخر يبحث عنه كذلك كي يشمل مجموع هذه الأبحاث ضرورة انه لا يرتكب بذلك خلاف نص أو بداهة والنتيجة انه لابد من جعل الموضوع ما يمكن أن يرجع جميع مباحث العلم إليه ويقرب ممّا ذكرنا ما عرفه المحقق النائيني قدس سره حيث قال على ما في التقريرات موضوع فوائد الاُصول ج1 ص28 - 29 علم الأصول هو كل ما كان عوارضه واقعة في طريق استنباط الحكم الشرعي أو ينتهي إليه العمل إلخ والا يتوجه عليه اشكال خروج مباحث الألفاظ أو دخول مثل علم الرجال لوقوعه في طريق الاستنباط بعوارضه . كفاية الاُصول 1/6 - 9 .

هو خصوص الأدلة الأربعة بما هي أدلة ولا بما هي هي . بل مطلق ما يمكن أن يكون نتيجة البحث عنه واقعا في طريق الاستنباط ويكون له الدخل في تشكيل كبرى القياس . وذلك لرجوع ما عرفت مع ما في الثاني من كونه من البحث عن

موضوع علم الاُصول الأدلّة الأربعة

ص: 20

مفاد كان التامة وهو داخل في المبادئ لا في المسائل . بل البحث انما يكون عن مفاد كان الناقصة وان المحمولات المنتسبة هل هي ثابتة للموضوع أم لا بل منفية كما انك عرفت مما بينا تعريف علم الأصول وموضوعه والفائدة المترتبة عليه ورتبته ويمكن الذهاب إلى ما عرف به المشهور لعلم الأصول وما جعلوه موضوعا له من الأدلة الأربعة اما بما هي هي أو بما هي أدلة . لكن على هذا يشكل بخروج مهمات المسائل الأصولية عن هذا الضابط لموضوع العلم كمسئلة حجيّة خبر الواحد وعمدة مسائل التعادل والتراجيح وغيرها عنه . ويبقى خصوص بعض المباحث كبحث البرائة والاشتغال في تعريف العلم . ضرورة عدم البحث فيهاتين المسئلتين اللتين عليهما يدور رحى الاستنباط عن أحد الأدلة الأربعة لعدم كونها من غير السنة ولا منها . وما عن الشيخ الأنصاري رحمه الله من رجوع البحث عن حجيّة خبر الواحد إلى ثبوت السنة الواقعية به وفي باب تعارض الخبرين عن حِجية أحد الخبرين غير مفيد كما أشار إليه المحقّق الخراساني قدس سره واستشكله بأنه من البحث عن مفاد كان التامة على خلاف ما عليه البحث في مسائل العلوم من كونه عن عوارض الموضوع التي هي مفاد مكان الناقصة واثبات شيء لشيء حيث ان السنة الواقعية التي هي القول والفعل وتقرير المعصوم علیه السلام يكون البحث في هاتين المسئلتين عن ثبوتها وتحققها أو أيهما .

هذا في الثبوت الواقعي . اما التعبدي(1) فهو وان كان يرجع إلى مفاد كان

الناقصة وهو ان السنة الواقعية هل كانت متعبدا بها بخبر الواحد لكن لا يخفى ان البحث عن ذلك أيضا يرجع إلى الحاكي وهو خبر الواحد الذي يحكي السنّة

ص: 21


1- . كفاية الاُصول 1/6 - 9 .

الواقعية ويثبتها تعبدا ويكون البحث في مسئلة الحجية من عوارض الحاكي وهو الخبر لا المحكي الذي هو السنّة وأجاب عن أصل الاشكال المحقق النائيني قدس سره

باشتراك المتضائفين في الصفات التي تعرض لأحدهما من حيث التضايف فاذا كان خبر الواحد الذي هو الحاكي عن السنة مثبتا بها السنة وكان البحث عنه راجعا إلى مفاد كان الناقصة فكذلك الأمر في المحكي الذي هو السنة التي تثبت بالخبر الحاكي لها .

فاذا كان البحث في انه هل الخبر مثبت للواقع والسنة الواقعية تعبدا أم لاراجعا إلى مفاد كان الناقصة . فانه وان لم يكن بحسب الظاهر بحثا عن أحوالالسنة الواقعية لكن حيث ان الخبر المثبت لا ينفك عن اثباته للمثبت فلو كان هو مثبتا فذاك مثبت فبالحقيقة يرجع إلى عوارض السنة وأحوال الموضوع .

الا انه لا يخفى عليك اختلاف المشارب والمسالك في بحث حجية الخبر الواحد من كون ذلك على التعبد والتنزيل بأن تكون الآيات والأدلّة التي اقيمت على ذلك مفادها جعل الخبر الواحد بمنزلة العلم في العمل بمقتضاه . وكذلك نفس الخبر مقام القطع الموضوعي اوان البحث في ذلك ينتج الحكم التكليفي . وان الشارع أوجب العمل بمؤدّى خبر الواحد سواء طابق الواقع أو لا كما ربما يومى اليه ما حكى عن صاحب الهداية من انا اليوم مكلفون بمؤدى الطرق والأمارات بناءً على عدم رجوعه إلى التصويب كما أشرنا إليه في محله . وكما ان ذلك مبنى الشيخ رحمه اللهفان كان المبنى في حجيّة الخبر هو التعبد والتنزيل لكان للبحث عن الثبوت التعبدي وان مرجعه إلى أي شيء مجال وإلاّ فعلى ما هو التحقيق من عدم بناء العقلاء على التعبد والتنزيل وان طريقتهم في ذلك هو الأخذ بالعلم العادي

ص: 22

النظامي الذي عليه مبنى معاشهم وان هذه الأدلة التي ادعيت على تقدير تماميتها أو بعضها من الآيات أو الاجماع واستقرار طريقة العقلاء وغير ذلك انما تدل على امضاء ما في الطريقة ولا دلالة لها على أزيد من ذلك . فلا تأسيس فيها . فحينئذٍ ليس البحث في مسئلة حجيّة الخبر الواحد عن أحوال السنة . بل يرجع البحث إلى أحوال الخبر الواحد وحيث اثباته وطريقيته وعدمه . اما المطابقة للواقع وعدمها فامر آخر . وعليه فلا مجال للتعبد كي يبقى موضوع لهذا البحث من جهة رجوعه الى احوال الموضوع والثبوت التعبدي له . وكذلك على كون المبنى فيها وجوب العمل .فانه على هذا يكون مسئلة فقهية ولا ترتبط بالثبوت التعبدي وعدمه .فما ذكره قدس سره من الاشكال ثم التسليم في الثبوت التعبدي انما هو بناء على مذهبه في أول مسئلة القطع وان رجع في بحث الامارات وذهب إلى جعل الحجية .

والحاصل ان الاشكال يتوجه على أخذ الموضوع الأدلة الأربعة على كلّ حال كما قد تفطّنت له في طي ما ذكرنا . فليكن موضوع علم الأصول كل ما له الدخل في الاستنباط قريبا بحيث لا يكون من المعد بل على نحو يكون عليه مداره في استبناط الأحكام سواء كانت ظاهرية أو واقعية . وعلى هذا يدخل فيه عمدة مباحث هذا العلم كمسئلة حجية الخبر الواحد والتعارض وأبحاث الأصول العمليّة .

أما مباحث الألفاظ فحالها حال معدات الاستنباط من اللغة والنحو والصرف لكنها حيث لم تكن مبحوثا عنها في اللغة أو علم آخر فلذلك جعل لها

اشكال الثبوت التعبّدي للسنّة

بحث حجّيّة الخبر الواحد

ص: 23

في الاصول مدخل عظيم وبحث عنها مفصلاً وان كان الجل أو الكل من ذلك يرجع إلى المبادي .

والحاصل ان بحث الأوامر والنواهي فيما يرجع إلى الظهورات من المباحث اللغوية التي لم يكن شأن الأصولي البحث عنها وكانت اليق بغيره الا انه حيث ان الموضوع وهو كل ماله الدخل القريب في الاستنباط ينطبق عليها فلذلك لو عدّ من مباحث هذا العلم لم يكن بعيدا ويخرج مقدّمات الاستنباط من اللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان والرجال .

وتحصل من ما ذكرنا تعريف علم الأصول بأنه العلم بما يقع نتيجته فيطريق استنباط الحكم الشرعي أو الوظيفة العملية أو كما في التقريرات(1) هو العلمبالكبريات التي لو انضم إليها صغرياتها يستنتج حكم فرعي كلي .

اما ما عرفه به المحقق الخراساني قدس سره (2) فيرد عليه انه لا قواعد مسلمة في

المقام كي ينظر إليها في التعريف بالعلم بالقواعد حيث انه قد يكون نتيجة أبحاث الأصول الانسداد في الأحكام وعدم انفتاح باب العلم والعلمي وعلى تقدير ينتج التبعيض في الاحتياط كما هو الصحيح . وفي آخر الكشف كما ان على مبنى ثالث الاكتفاء بالظن في مقام الامتثال وان لم يمكن فالاحتمال والشك . ومن المعلوم انه لا قاعدة على هذا إذ لم يكن المستفاد من أبحاث الألفاظ قاعدة أصولية بل بعض مباحثها من المبادي لآخر ويبحث فيه عن موضوع البحث الاخر فاللازم التعليق في التعريف بالصناعة أو العلم بما لو استفيد من الأبحاث يقع في كبرى الاستنباط أو التعميم بحيث لا يشذ بحث من الأبحاث على كل تقدير ووصوله الى أي نتيجة

اشكال تعريف المحقّق الخراساني

ص: 24


1- . فوائد الأصول 1/19 .
2- . كفاية الاُصول 1/9 .

سواء انتج الانسداد وحكم العقل والوظيفة العملية أو حجية الخبر وغير ذلك وكذلك الكلام في الاستصحاب وباقي الأصول بعد ان لم يكن مباحث القطع من أبحاث الأصول . الا انك قد عرفت في الموضوع ما يمكن أن يكون خاتما للترديد في التعريف . اذ اللازم التعريف على نحو يرجع أبحاث العلم الى الموضوع الواسع المزبور وسبق ان فائدة هذا العلم حصول القدرة على استنباط الأحكام الشرعية كما ظهر طي الأبحاث ان رتبته قبل الاستنباط بعد باقي المقدمات الدخيلة فيه .

نكتة: قد سبق في تعريف المحقق الخراساني قدس سره لهذا العلم اضافة قوله ( أوالتي ينتهي إليها في مقام العمل ) وكانه لادخال مثل بعض المسائل التي لا يرتبطبالاستبناط لا ظاهريا ولا واقعيا بل يكون لمجرد بيان الوظيفة العملية كبحث الانسداد الذي اشير إلى اختلاف نتائجة على التقادير المختلفة والمنتهى أعم من أن يكون مجتهدا أو مقلدا وحينئذٍ فيدخل في ذلك كثير من الأبحاث الفقهية في قواعد كثيرة لانتهائها إلى مقام العمل مع ان الظاهر خروجها عن علم الاصول ضرورة عدم سعته حتى للمسائل الفقهية وقواعدها . فاللازم اما التوسعة بجعل كبريات القواعد الفقهية كقاعدة الفراغ وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وقاعدة الغرر وكذلك الشك بقواعدها حيث انه يستنتج من كلّ منها حكم كلي انتهى إليها في مقام العمل وان كان فرق بين العمل الخارجي وهو الذي يكون وظيفة المقلد كتطبيق كبرى حرمة الخمر التي استنتج حكمها مجتهده مثلاً من الأدلّة بحسب ارتكازه على المصاديق الخارجية وبين ما لا يكون كذلك بل يبحث عن الحكم كليا وله تطبيقات في موارد عديدة كليا ثم تنتهي إلى مقام العمل .

ص: 25

والحاصل انه تارة يكون البحث ينتج في مقام العمل بلا واسطة وهذا هو ضابطة المسئلة الفقهية التي بعد استنتاج الحكم الكلي للمورد الجزئي أمر تطبيقها بيد المقلد واخرى لا تعلق لها بالعمل بلا واسطة بل بعد اعمال كبروية وانطباق ينتهي الأمر والنتيجة إلى مقام العمل . وهذه هي ضابطة القاعدة الفقهية وتشترك في هذه الجهة مع المسئلة الأصولية لوقوع نتيجة كل منها في مقام الاستنباط وترتبط بالعمل بعد وقوعها في طريق استفادة الأحكام فلا تكون النتيجة فيهما غالبا الا كليا بخلاف المسئلة الفقهية كما أشرنا إليه . وعلى هذا فالقاعدة الفقهية أيضا مرتبطة بالاستنباط ولا بأس بالتزام كون البحث عنها داخلاً في المباحث الأصولية .ولا يخفى دخول كثير من المباحث بناء عليه في علم الأصول الا ان معذلك كله كلها راجعة إلى غير المعاملات سوى بحث الاستصحاب فالقواعد والمباحث المذكورة في علم الأصول راجعة إلى أصول العبادات اما أصول المعاملات فأكثرها يبحث عنها في الفقه سواء كان مدار استفادتها من الأخبار من القواعد الكلية الجارية في كثير من أبوابها أو من الاجماع أو غير ذلك .

ويستنتج من هذا كله تعريف علم الاصول بأنه العلم بالقواعد أو النتائج التي تقع في طريق استنباط الحكم الكلي الفرعي الشرعي سواء في ذلك الحكم الواقعي أو الظاهري ويشمل التعريف مثل بحث القواعد الفقهية التي تقع في طريق الاستنباط وان شئت شمول التعريف لمثل بحث الانسداد بناء على الكشف أو التبعيض في الاحتياط أو الحكومة فلابد من اضافة قيد التوسعة على حسب ما يقتضيه .

ص: 26

الكلام في الوضع

والبحث فيه من جهات:

الأولى: في كيفيّته من انه ذاتية أو جعلية وعلى تقدير الجعلية بأي نحو من نحويه أو لا هذا ولا ذاك .

نسب الأول ( أي كون دلالة الألفاظ على معانيها ذاتية ) بلا تصرف من أحد إلى سليمان بن عباد كما ربما مال إلى الأخير المحقق النائيني قدس سره (1) وقال به غيره

بدعوى ان دلالة اللفظ على معنى من المعاني دون غيره وغير هذا اللفظ الخاص بل هذا لابد له من الخصوصية كي تكون ملحوظة في نظر الواضع الذي يخصصاللفظ بالمعنى فان الترجيح بلا مرجح ذاتي أو مطلقا محال فلم جعل لفظ الماء للماء ولم يجعل غيره .

وعلى هذا التقدير فالواضع هو اللّه تبارك وتعالى لعدم تناهي المعاني على حسب تناهي الألفاظ الا ان هذا القول ضعيف غايته .

فانه اية خصوصية في اللفظ ذاتية تقتضي اختصاصه بالمعنى دون غيره وغيرها . وما قيل من لزوم الترجيح بلا مرجح الذي مرجعه إلى الترجح بلا مرجح وإلى وجود المعلول وحصوله بلا علة صحيح . لكنه نمنع كونه منحصرا بالذاتي بل يكفي المرجح الخارجي .

ويمكن ارادته أي سليمان بن عباد ما قبله غيره والتزم به من احتياج ذلك إلى رجحان وخصوصيّة في اللفظ كي يختصّ به المعنى ويختص هو بالمعنى

الكلام في الوضع

ص: 27


1- . فوائد الاصول 1/30 - 31 .

الخاص دون غيره من الألفاظ ولغيره من المعاني فلايّ جهة وضع بازاء ذات احمد مثلاً هذه اللفظة ولم يجعل لها غيرها كما ان هذا الذي ذكروا يلزمهم في خصوص حروف المعاني لعدم امكان وضع اللفظ مركبة ما لم يضع مفرداته . وان ابيت عن ذلك فلا اقل من التزامه في الوجود الكتبي فانه لابد من الميز بين الحروف ووضع ما يشار به إلى تعيين كلّ واحد منها للحاجة الشديدة إليه . وبرهانهم في ذلك ما ذكرنا من لزوم الترجيح بلا مرجح في غير هذه الصورة .

وأنت خبير بأنه انما يلزم ذلك بالنسبة إلى الباري تعالى الذي كلّ الأشياء حاضرة عنده ويعلمها علما حضوريا من الألفاظ والمعاني . فحينئذٍ لو كان هو تقدّست أسمائه الواضع . لابد انه علم الخصوصية الموجبة لاختصاص أحد الألفاظ الخاصة لمعناه الموضوع له اللفظ . وأما بالنسبة إلى المخلوق فلا يلزمالترجيح بلا مرجح بما سنبينه لك .وذلك ان الترجيح بلا مرجح انما يلزم اذا كان مثلاً الواضع يرى عدّه ألفاظ ويعطيها خلعة الوضع ويضع بازاء كلّ واحد من المعاني لفظا مخصوصا فحينئذٍ لابدّ أن يرجح ولا يمكنه الوضع والتخصيص بلا مرجح . اما إذا فرض عدم تصوره لجميعها بل انما يكون ذلك على التدريج فلا اشكال ولا يلزم هناك ترجيح بلا مرجح . وفي الصورة الاولى أيضا نمنع كون المرجح ذاتيا . بل يكفي ولو كان خارجيا بل ولو كان خياليا بل وهميا . وما يمكن أن يوجب عند الفاعل المختار الاتكاء عليه في تعيين هذا بالخصوص دون ذاك وتخصيص المرجح بالمرجح الذاتي اقتراح في الأفعال الصادرة من اختيار وشعور وما ذكروا نقضا لعدم امكان الترجيح بلا مرجح لأنه باطل بمثال الرغيفيين للجائع وطريقي الهارب من الأسد

ص: 28

لا يخفى ما فيهما من المغالطة . فان المثال خارج عن محل الفرض حيث لا يبقى معه اختيار وشعور للهارب كي يختار أحد الطريقين ولا يرجّح وفي الأوّل انّه لا وقوع له عادة بنحو التساوي جميع الجهات حتّى قرب أحدهما من يده اليمنى ولو فرض ذلك نقول لا يختار أحدهما بل يتوقف ما لم يترجح عنده أحدهما لاستحالة حصول الفعل من الفاعل عن ارادته بلا ترجيح له على عدمه . فانه لا يوجب الامور المتقدمة على التصدي سلب اختياره حيث انه يتصور قهرا وليس باختياره وكذا ملائمة طبعه للمتصور وعدمها خارجة عنه إلى أن يصل إلى حد التصدي فانّ له الاختيار وحينئذٍ فله أن يفعل وله أن لا يفعل على ما ذكرنا بالمرجح .

الحاصل ان اشكال امام المشكّكين الفخر الرازي لبرهان الترجيح بلا مرجح بما ذكر من الأمثلة مغالطة وخارجة عن مورد البحث وقد عرفت الجوابعنه فلا يحتاج إلى التمسك باللعن كما نقل سيّدنا الاستاذ عن المحقّقالخراساني

فهو أي الترجيح بلا مرجح وان كان محالاً(1) الا ان المرجح أعم من المرجح الذاتي . وحيث لا مرجح فلا فعل ولا يصدر عمل اختيارا ومحل الكلام انما هو هذا . وقلنا انه لا مورد لم يكن هناك أحد المرجّحات ويكفي هذا المقدار في نظر الواضع مرجحا لتعيين لهذا المعنى الخاص .

ثم انه لا يلزم وضع الألفاظ دفعة واحدة كي يدعي استحالته ضرورة عدم امكان تصور معاني عديدة بلحاظ واحد بل لازمه لحاظات عديدة يتعدّد بحسبها

كيفيّة الوضع

ص: 29


1- . كما يمكن تمثيله بما إذا وضعنا شيئا كرويا مثلاً على رأس مسمار بحيث تكون نسبة موضع الوضع معتدلة لا مائلة إلى بعض الأطراف خارج عن مركز رأس المسمار فانه لا يقع بخلاف صورة الخروج عن حدّ الاعتدال .

تعدد ما يختص بها من الألفاظ . بل الممكن تدرج حضور الألفاظ الخاصة في الذهن حسب تدرج المعاني فيضع الاولى بازاء الثانية ويتعهد على ما سيجيء وكذلك اذا لم يكف ما وضع الواضع الأول فيضع من بعده إلى حد يكتفون به .

الجهة الثانية: في حقيقة الوضع وانه هل يحتاج إلى ايجاد علقة اعتباريّة بين اللفظ والمعنى ويكون اللفظ قالبا له ووجودا له في عالم الألفاظ كما انه يكون الكتابة وجودا كتبيا للموجود الخارجي مثلاً أم يكفي مجرد التعهد من الواضع والتباني على ارادة المعنى الخاص عند التكلم باللفظ الكذائي ؟

والاشكال في أحدهما مشترك الورود في آخر بلزوم الترجيح بلا مرجح

الذي له . ومرجع التعهد إلى حصول العلقة بهذا النحو في قبال الانشاء واعتباره في صفحة الاعتبار مثل الملكية أو الزوجيّة المنشأة في عالمه بين الزوجين . فهي ليست من سنخ الوجودات الذهنية والخارجية . بل من عالم الاعتبار ومنشأه بالانشاء الحاصل من أي منشئ . فاذا أنشأه يكون موجودا ويحصل العلم بالمعنىمن العلم باللفظ . فهي من هذه الجهة تشبة النصب والعقود الدالة على المعاني الخاصة بالاعتبار .

والحاصل انه لا يتعين كون الوضع بنحو الايجاد والانشاء كما لا يتعيّن بكونه حاصلاً بالتعهد . بل يمكن حصوله بأيهما فاذا تعهد الواضع خصوصية بين اللفظ والمعنى يرجع إلى ما يوجده الواضع على القول الآخر بالانشاء وحيث انه لا يكون ذلك الا مجرد انشاء واعتبار فلا وجه للاشكال بما ذكر في الجهة الاولى من عدم المناسبة بينهما نعم يمكن الفرق بينهما بكون مرجع التعهد الى جواز هدمه والبناء على عدمه من الواضع .

ص: 30

بخلاف الثاني أي كونه بالانشاء ( فتدبر ) كما انه لا اشكال في حصول ذلك بالتعيّن أي باستعمال اللفظ كثيرا في معنى بحيث يستغني استفادته من اللفظ عن القرينة فهذا أيضا وضع .

كما ذكرنا حصوله بالتعهد . بل بارادة الوضع بالاستعمال كما انه يصح باحضار طفله بقوله هاتوا أحمد مع انه لم يسمّه من قبل ويريد بهذا تسميته بأحمد فانه يحصل بذلك الوضع .

وكيف كان فبعد معلومية كون الوضع في اللغة عبارة عن جعل شيء في مكان مخصوص مثلاً كالحجر على الحجر وعرفت حاصل المختار في المقام فقد عبر عنه في الاصطلاح بتعابير عديدة أحسنها ما في الكفاية(1) من انه نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما .ومنها تعيين لفظ خاص للدلالة على معنى بنفسه أو باضافة قيد بلا قرينة أوانضمام قرينة .

ولا يخفى عدم جامعية هذا التعريف فانه وان خرج بقيد لفظ المعيّن من غيره من أنحاء التعيينات الراجعة إلى غير اللفظ كالنصب والخط ويشمل جميع انحاء الدلالات ويخرج بقيد معنى غيره كما بقيد لفظ غيره من الدوّال وبقيد الدلالة يراد كون اللفظ قالباً للمعنى وفانيا فيه بحيث يكون كانه شان من شؤون المعنى ووجود مرتبة منه كما ان الوجود الذهني قبال الخارجي كذلك والوجود الكتبي بالنسبة إلى اللفظي وعلى هذا فلا قابلية للفظ الواحد في استعمال واحد ارائة معنيين مشتركين أو حقيقة ومجاز أو مجازين مثلاً بأن يكون فانيا في كلّ واحد

حصول الوضع بالاستعمال

ص: 31


1- . كفاية الاُصول 1/10 .

منهما استقلالاً . اذ ليس دلالة اللفظ على معناه من قبيل ارائة المرأة أشياء متعددة تحصل في قبالها ولا مانع من ارائتها دفعة واحدة في جعلها بازائها دفعة . وكيف كان فخرج بقولنا تعيين اللفظ تعيين غيره ويقيد بنفسه المجاز . لكنه ربما يستشكل بالمشترك لاحتياجه إلى القرينة . الا أن يجاب بكونها لتعيين المراد لا لأصل الارادة بل فيه يحضر جميع المعاني في الذهن فله الدلالة التصوريّة وايجاد المعاني في الذهن ويخرج عنه الوضع التعيني والتعريف الأول اشمل وان لم يكن تعريفا حقيقيا بل فرار عنه ويشمل جميع انحائه من المنقول والمشترك والمرتجل والمجاز المشهور وغيرها والوضع التعيّني بعد ان كان الوضع في اللغة مطلق التخصيص وجعل شيء على آخر كما مثلنا بجعل الحجر على الحجر لكنه اصطلاحا جعل علقة أو ربط أو نسبة وضعية بين اللفظ والمعنى كما انه ربما يستشكل تعريفه بالتعيين الخ بالمعاني الحرفيّة اذ انه بالغير والا فمجرد عن متعلقه لا معنى ولا دلالة .ويمكن الجواب بأنه ليس دلالتها ( أي الحروف ) على معانيها بتوسطمتعلقاتها بل لا فائدة فيها والا فالمعنى المستفاد منها لا فرق فيه بين صورتي قبل الاستعمال وبعده وان يكون مع متعلقاته أو بدونها فلا اشكال على التعريف ( ولو كان للمجازات أيضا وضع فتدخل هي أيضا لكنها لو اريد وضع اللفظ للمعنى الحقيقي فتخرج ببعض القيود .

كما ان الامر كذلك على التعريف الاخر وهو التعريف الاول بزيادة قيد بلا اعتماد على معنى آخر فتخرج المجازات بأسرها حيث انها في دلالة الألفاظ عليها يعتمد على معنى آخر من قرينة اؤمسبوق بوضع آخر وهو وضعه للمعنى

ص: 32

الحقيقي بخلاف المعنى الحقيقي فلا احتياج فيه إلى وضع آخر .

ثمّ ان تعريف الوضع بما ذكر تعريف له بالمعنى المصدري وإلاّ فتعريفه بالمعنى المناسب لاسم المصدر يكون بغير هذا النحو وهو خلاصة ونتيجة المعنى المصدري كما في الغُسل بضمّ الغين بالنسبة إلى الغَسل بفتح الغين وربما لا يكون بازاء معنى اسم المصدر في بعض المعاني لفظ خاص فيعبرون بلفظ المصدر عنه كما في البيع والوضع من هذا القبيل .

فلو اريد التعبير عن معناه بما يناسب اسم المصدر يعبر بلفظة الوضع ويعرف بما ينبغي أن يعرف ويخصّه كما عن المحقق الخراساني قدس سره (1) من قوله نحو اختصاص وذلك عبارة عن ما يوجده الواضع وينشأه فهو الاختصاص كما في الانشاءات الواقعة في باب العقود والايقاعات حيث ان المنشئ انما ينشئ مفهوما من البيع وهو المبادلة في عالم الاعتبار . كما قد يقع في الخارج التبديل الخارجيبالمعاطاة . فالوضع أيضا كذلك . فربما يكون تكوينا وحقيقة كما في وضع الحجرعلى آخر وربما يكون بالانشاء وجعل الربط بينهما بحيث إذا القى اللفظ ينسبق المعنى عند العالم بذلك ويكون المنشأ حقيقة على هذا نسبة ربطية بحيث لو كانت الحروف عبارة عن نسب يشمل وضعها أيضا ونسبة وضعية وكذلك .

والحاصل ان الوضع بمعناه الاسمي للمصدر نحو اختصاص ووجود ملازمة أو ربط ينشأ تارة واخرى يحصل بغير الانشاء وليس بلازم ايجاد هذه النسبة بلفظ خاص مطابقي بل تحصل بكل ما يؤدّي هذا المعنى كما في باقي الانشاءات الواقعة في العقود فتقع بالكناية والمجاز وغيرهما الذي هو الحقيقة .

ص: 33


1- . كفاية الاُصول 1/10 .

تكميل أو تتميم: تعرض سيّدنا الاستاذ قدس سره لما ذكره صاحب الدرر في أوّل كتابه في الوضع وانه لا ينحصر .

والمستفاد(1) من كلامه انه يقول بعدم الانشاء في الوضع بل هو اظهار ما في النفس وابرازه وليس من الانشاء في شيء . ورده عليه بأنه لا يقول بذلك في باب الانشاءات في العقود والايقاعات قطعا .

وما ندعي في قباله ان اللفظ علة لحصول المعنى في الذهن والمعنى معلول بل المدعى في ما نحن فيه ان الألفاظ آلات لايجاد المعاني في الذهن والموجد ليس هو اللفظ كما في ألفاظ المعاملات والمنشئ هو الموجد لكنه باللفظ نظير ما يصنعه النجار بآلة نجارته .

فالالة ليست حقيقة هي الموجد والصانع بل آلة الصناعة والنجار هو الفاعل الصانع فليراجع كلامه في درره .وسبق الكلام في ان الواضع هو اللّه تعالى أم المخلوق وسبق استدلال بعضهم من كون المعاني غير متناهية لا يحيط بها البشر فلا يمكنه الوضع لها بل لابد ان يكون هو اللّه تبارك وتعالى واستدل بعضهم بالآية الشريفة « وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا »(2) لكن يرد عليه ان الظاهر من قوله تعالى فيما بعد « ثُمَّ عَرَضَهُمْ

عَلَى الْمَلاَئِكَةِ »(3) ان الأسماء لم تكن هي اللغات كلها . بل خصوص أسماء ذوي

اشكال كلام الدرر

ص: 34


1- . المذكور في الدرر درر الفوائد 1/35 . يرجع إلى التعهد . قال الذي يمكن تعقّله ان يلتزم الواضع انه متى أراد معنى وتعقّله واراد افهام الغير تكلم بلفظ كذا فاذا التفت المخاطب بهذا الالتزام فينتقل إلى ذلك المعنى عند استماع ذلك اللفظ منه إلى آخره .
2- . البقرة الآية 32 .
3- . البقرة الآية 32 .

العقول الذين أشار إليهم الباري تعالى بقوله ( ثمّ عرضهم على الملائكة ) وان قيل قد قرء بعضهم بافراد الضمير ( أي عرضها ) قلنا هذا لا يرد . لأن ما بعده يؤيّد ما ذكرنا . حيث ان بعد الجملة قوله تعالى: « فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤلاَءِ »(1) وربما يدل على هذا روايات مرسلة لكنه كما ترى لا حجيّة لها على المدعى . بل على تقدير التسليم لا يكون ذلك من باب ان اللّه هو الواضع لاحاطته بالزمان والزمانيات فلا يتوقف تعليمه الأسماء لآدم على نبيّنا وآله وعليه السلام على سبق وضع بل يمكن ذلك ولو بأن يضع الواضعون اللغات بعد .

والحاصل انه لا دلالة للآية على المدعى والتواريخ أيضا مختلفة ففي بعضها ان ذلك كان إلى زمن نوح على نبيّنا وآله وعليه السلام ثمّ لم يعلمها من بعده .

وفي بعضها انه(2) تبليغات الالسن فاصبح كل قوم ولا يعلمون ما يقولهالآخرون وفي بعضها ان كلا تكلم بلغة وكان من ايداع اللّه تبارك وتعالى هذه القوة فيهم والهامهم بها وهذا أيضا لا وثوق به . وكيف كان فلا دليل على كون الواضع هواللّه تعالى بل يظهر من بعض(3) الآثار ان اول من تكلم باللغة العربية هو اسماعيل على نبينا وآله وعليه السلام واجرى اللّه على لسانه هذه اللغة(4) .

ص: 35


1- . البقرة الآية 32 .
2- . مروج الذهب 2/132 .
3- . مروج الذهب 2/72 .
4- . أقول: تحقيق الحال ان الوضع قسم منه تعييني وليس هو التعهد ويمكن الاستشهاد له بوضع الاعلام الشخصية ويشير إليه قوله تعالى: « إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا » . مريم الآية 8 . وقوله تعالى: « سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ » . آل عمران الآية 37 . وأي تعهد من قبل اللّه تعالى وهذا يضعف مختار جمع من كون حقيقته التعهد كما في الحقايق واختاره السيّد الخوئي محاضرات في أصول الفقه 43/48 وذهب استاذنا المحقق . منتهى الاصول 1/15 . الجامع بين المعقول والمنقول إلى كون الوضع هو الهوهوية والاتحاد بين اللفظ والمعنى في عالم الاعتبار ويمكن أن يوجد بالجعل والانشاء وتارة بكثرة الاستعمال . وما اخترناه مختار صاحب النهاية . النهاية 1/30 .وإليه يرجع ما أفاده شيخ مشايخنا الآقا ضياءالدين العراقي قدس سره .

وعلى كلّ حال فلا اشكال ولا مانع من حصول أمر الوضع من المخلوق على التدريج في الاحتياج إلى المعاني وتدرج خطورها بالذهن ووضع الألفاظ لها ولا ندعى انه صار دفعة واحدة .

مضافا إلى ما عرفت من عدم تمامية أدلّة المخالف اذ عمدتها الوجه العقلي وفيه ما عرفت وفي النقلى عدم مساعدة الآية . بل يمكن أو قيل انه في عالم الاشباح وارى صور أولاده علیه السلام وأسمائهم ولا ربط له بما نحن فيه اذ المدعى لا يخصه .

الجهة الثالثة: في أقسام الوضع ان تصوّرات الوضع والموضوع له أربع والمراد بالوضع تصور المعنى الذي يراد وضع اللفظ له بأحد أنحاء تصوّره فانه اما أن يكون المتصور وما وضع له اللفظ واحدا بالخصوص والعموم أو لا . فان كانالمتصور خاصا والموضوع عاما له فهذا الذي اختلف كلامهم فيه انه ممكن أم لا ولا اشكال في امكان عكسه بأن يكون الوضع عاما والموضوع له خاصا أييكون العام بعمومه عبرة لملاحظة الخصوصيات المنطبق عليها هذا العام .

غاية الأمر لا يكون وجها لها إلاّ بهذا المقدار كما في العام الانحلالي مثل أكرم العلماء فان العالم ليس عنوان الذات بنحو يعرف الذات بكنهه . بل هو عنوان ووجه يعرفه بالعرضي . والقسمان الأولان أحدهما الوضع الخاص والموضوع له الخاص كوضع الاعلام الشخصية والعام وضعه والموضوع له كالانسان . ويدعى

أقسام الوضع

ص: 36

من يقول بامكان الوضع الخاص والموضوع له العام بامكان ارائة الخاص العموم في ضمنه اذ هو العام مع خصوصية زائدة . لكنه رجوع إلى الوضع العام والا فالخاص بما هو خاص كيف يكون مرآتا للعام بما هو عام وبما هو خاص كارائة زيد لعمرو كل منهما بخصوصيته فانه محال . فالممكن من هذه الأقسام ثلاثة عند المحقق الخراساني قدس سره وتصدى المحقق العراقي الآقاضياءالدين تصحيح(1) القسم الرابع ولعله له وجه لكن لا بما ذكرنا . والواقع بلا اشكال الأولان والخلاف في الوضع العام والموضوع له الخاص . فالوضع الخاص والموضوع له الخاص كما ذكرنا هي الأعلام الشخصية . والعام وضعا وموضوعا له كأسماء الأجناس . اما الوضع العام والموضوع له الخاص بنحو يكون في تصور العام تصور الخصوصات بالوجه والعنوان لا تفصيلاً بل بهذا القدر الاجمالي . فقيل في الحروف والهيئات العارضة على موادّ المشتقات .

الجهة الرابعة: حيث انتهى بنا الكلام إلى هنا فينبغي أن نذكر الأقوال والمباني في وضع الحروف مع أدلتها . وبيان فائدة الاختلاف والمباني . ثم البحثعن كيفية وضعها فاعلم ان المذاهب في وضعها ثلاثة: احدها الذي فرط صاحبهعدم وضع لها وانها ليست الاعلامات فلا معنى لها ولا موضوع له ولا مفهوم . بل دلالتها من قبيل دلالة العلائم التي ليس بازائها مفهوم ولم تجعل فانية فيه . كما ان

الثاني(2) الذاهب إلى الافراط يرى ان لها موضوعا لها كالاسماء غاية الأمر الفرق بين الابتداء الاسمي ومن الحرفية ليس الا في ناحية الاستعمال وان الواضع شرط في أحدهما الاستقلال وفي الثاني الحرفي الآليّة .

ص: 37


1- . نهاية الأفكار 1/36 .
2- . كفاية الاُصول 1/15 .

والثالث متوسط بينهما وان لها معاني موضوعا لها الا ان معانيها ليست مستقلة بنفسها . بل حالها بالنسبة إلى مفاهيم الأسماء حال الاعراض بالنسبة إلى الجواهر فان العرض لا يقوم بنفسه وكذلك المعنى الحرفي لا قيام له الا بالمعنى الاسمي أو الفعلي . وما لم يكن مع أحدهما لا تحقق له ولا فائدة .

وربما ذهب بعض إلى عدم مفهوم للحروف اذ ليست هي كساير ما يكون له طبائع التي ربما تكون موضوعا للوجود فيقال انها موجودة واخرى للعدم فيقال انها معدومة كالمفاهيم الخارجية مثل الماء والانسان والحيوان . فان هذه لها طبائع وماهيات ومفاهيم لها ربما تكون متصفة بالوجود وتارة بالعدم ولها ظرف تحصل وتحقق بخلاف المعنى الحرفي فليس له ظرفان . بل لا مفهوم له قابل للتصور وكذا نفسه أيضا لا يتصور وسندفع الاشكال على هذا المذهب عن كيفية تصوّره . فانه إذا تصورناه ينقلب عما هو عليه ومآله انما هو المعنى ولا مفهوم له . ويمكن تشبيهه من هذه الجهة بالانشاءات في العقود والايقاعات اذ قبل وجودها الانشائي لا تحقق لها وان كان لها مواد قابلة للتصور كالبيع والاشتراء وأمثالهما .لكنها من هذا الحيث لا مفهوم لها بل ظرف تحصلها وتحققها واحد كما ان لمطلقاللفظ ايّة كلمة كانت لها شبه بالمعنى الحرفي على هذا التقدير اذ لا يلتفت إليها نفسها . بل عند الالقاء والتعقل تمام التوجه والالتفات إلى المعنى بفناء الألفاظ فيه . لكنها ربما تتصور مستقلة بنفسها بخلاف المعنى الذي يوجد بالحروف في موطن تحققها ولا ينبغي الاشكال على هذا بأنه لا فائدة فيه . اذ المعنى الذي بهذه المثابة

من الدقة والخفاء الذي يشكل بل يستحيل معه تصور نفسه كيف يفيد في المحاورات . إذ لا يخفى انه لو لم يكن المعاني الحرفية لاختل نظام الافادات

ص: 38

والاستفادات لكونه ركنا عظيما . فاذا أردت أنت أن تخبر بخروجك من المسجد إلى الدار او العكس فما لم تستعن بالمعنى الحرفي مرتين لبيان ابتداء الخروج والسير وانتهائه لا يمكنك بيان قصدك وافهام مرادك لمن تريد . لعدم افادة المفردات بما هي شيئا الا نفس تصورها كما لا يخفى . لشدّة الاحتياج إلى الألفاظ مطلقا لكون قيام نظام أمر المعاش بل المعاد بها . لعدم وفاء الاشارة وغيرها من أنحاء المفيدات بتمام اغراض المتكلم بل بغرض واحد منه كثيرا ما .

ثم انه بناء على هذا القول لا معنى للنزاع في كون الوضع والموضوع له فيها عاما أو خاصا لعدم مفهوم لها على هذا . وكل ما تصورناه يكون غيره فكيف تتصف بذلك .

نعم يمكن البحث في كليته وجزئيته بمعنى آخر وهو البحث الواقع في وجود الكلي الطبيعي والمذاهب الثلاثة فيه وانه موجود بوجود الافراد أو لا وجود له بل الموجود هي الافراد . هذا .

وكيف كان فثمرة النزاع في المعاني الحرفية تظهر في الكلام في الصلاة فلو قلنا بكون مثل ب ب أو ل ل التي لها شأن الجر وعمله حرفا ذا معنى وله مفهومفتبطل الصلاة بالواحد منه اؤاثنين على الاختلاف المذكور المبتني عليه نزاعبطلان الصلاة بالكلام مطلقا ولو حرفا واحدا غير مفهم لشيء أم لا بل الكلام الاصطلاحي أو العرفي أو اللغوي .

الجهة الخامسة:

في تحقيق المعنى الحرفي وانه ليس اخطاريا بل ايجادي وهو يتوقف على تمهيد مقدّمة وهي ان بعد تسلم ان مثل الاعمى لا يمكنه ادراك المبصرات التي

وضع الحروف

ص: 39

يتوقف على ادراكها بخصوص حس الباصرة وهو مفقود فيه . نعم يمكنه ادراك بعض هذه اذا أمكن الدرك بنحو آخر مثل الطعم والرائحة وغيرها .

لكن الكلام في غيره . نقول ان تصور ما أدركناه بمادته وهيئته وصورته ليس بحضور نفسه في الذهن بل بالقاء مادته ووجود نفس الصورة والا فالشيء بما هو خارجي لا يوجد في الذهن كما هو واضح . نعم تخيل انه الخارج معنى آخر . وذلك لفناء الصورة في ذيها كفناء اللفظ في معناه . ثمّ اذا تجاوزنا بالصورة إلى عالم العقل الذي فوق الحس المشترك الذي يعطى كل ما يدركه للخزانة الحافظة والذاكرة فتصوّرنا لشيءٍ لا يكون بصورته أيضا . بل كما القى المادة في الحس المشترك والتصوّر المقدمى للذاكرة والحافظة . كذلك يلقى الصورة في عالم العقل وحصوله عنده ولا يكون هناك تصور الأشياء وادراكها بمادة ولا بهيئة وصورة بل بهويتها وحقائقها . اذا عرفت ذلك فنقول حينئذٍ إذا فرض الفرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي بالاستقلال والآلية يوضح بطلانه انه لا مايز في ذاك العالم الا عين ما به الاشتراك كالسواد الشديد الذي بالنسبة إلى السواد الضعيف الذي هو أضعف . فاذا أردنا ان نميّزه عن الضعيف لا يمكننا إلاّ بالتمسك بالسواد الذي هو الجامع بين المرتبتين . والتعبير بعدم واجدية المرتبة الضعيفةمسامحة . وعلى هذا فالمفاهيم كلها بسائط عند التعقل ولا صورة فيها ولا مادة والآلية والاستقلاليّة أيضا بعد اتّحاد المفهومين لا تجدى شيئا . وإلاّ كان المناسب

استعمال أحدهما في موضع الآخر ولو مجازا مع ان الاعتبار والعرف وبناء المحاورة لا يساعد عليه .

ص: 40

نعم يمكن ذلك في بعض الأشياء التي اشربت معنى حرفيا كأسماء الاشارة والمبهمات .

اذا صحّ ذلك فنقول ان الحروف على قسمين نسبية وغير نسبيّة أما النسبية نظير من وفى مما قوام وجوده بوجود الطرفين . ما لم يكن سير وابتداء وانتهاء لا يمكن استعمالها ولا ايجادها . فهذه يتوقف تعقلها على تعقل كلا طرفي النسبة بخلاف مثل ياء النداء فانها مجرد الايجاد ولا اخطار فيها .

ويؤيد ذلك قولهم من لابتداء الغاية وعلى للاستعلاء أي ايجاده في الخارج وعلى أي حال . فالدليل على الايجادية في الحروف وعدم قابليتها للاخطارية انها لو كانت اخطارية كالأسماء لصحّ استعمال كلّ منهما موضع الآخر ولامكن تأدية المعاني بذلك . مع انك ترى بالوجدان عدم امكانه . بل المعنى الحرفي في غاية من الدقة لا يتصور حين الاستعمال وانما يوجد بمثل هذا مصداق من الاشارة كما يوجد بالعصا ونحوها .

وحال المعاني الاسمية والحرفية حال البيع اللفظي والمعاطاة . فكما ان المعاطاة ليست الا مصداقا من البيع وان البيع اللفظي يوجد مفهوم البيع وحقيقته كذلك المعنى الحرفي عبارة عن سنخ معنى يوجد في الخارج في موطنالاستعمال كما في النداء بيا والاشارة بهذا بخلاف المعنى الاسمي فانه يوجب اخطاره في الذهن .

توضيح: سبق الكلام في عدم حصول ما في الخارج في الذهن بل الحاصل فيه انما هو صورة منه غير المادة والصورة اللتين يتركب منهما الجسم . بل المراد بذلك انما هو التصوير من الشيء والا فلابد أن ينقلب الخارج ذهنا

كيفيّة وضع الحروف

ص: 41

والذهن خارجا أو يحصل الخارج في الذهن أو ما في الذهن يكون في الخارج وذلك محال وان كان ظاهر كلام بعض .

وأفاد سيدنا الاستاذ قدس سره ان ما ذكرنا من القاء المادة في الحس المشترك والصورة في القوّة العقلانيّة مما لا ينبغي تصديقه . والذي يمكن أن يقال حصول صورة من زيد في الذهن بسيطة بحيث لا جنس له ولا فصل . وحينئذٍ فان كان المعنى الاسمي والحرفي متحدا فلابد أن يكون الفرق بينهما باللحاظ ويكون هو المصنف لهما .

أو المنوّع أو المشخص اذ الفرض اتحادهما في الجامع أعني مفهوم ما كالابتداء في من ولفظة الابتداء الاسمي . وحينئذٍ فحيث ان اللحاظ أمر خارج عن حقيقتهما فلابد من الفرق بينهما بكون ما به الاشتراك عين ما به الامتياز لعدم كون اللحاظ فارقا بعد اتحاد المعنى بالسنخ .

والحاصل انه يرد هذا القول عدم صحّة استعمال أحدهما في موضع الآخر ولو كان المعنى فيهما متّحدا بالسنخ لصح ذلك ولو مجازا بل الذي نجده من وجداننا ان اختلاف معنيهما اختلاف زيد وعمرو فكما انهما متبائنان فكذلك المعنيان الاسمي والحرفي .ان قلت: عدم صحّة الاستعمال كذلك ولو مجازا من جهة شرط الواضع .قلت لا معنى لذلك لامكان خلاف شرطه . وكذلك لا معنى لكون ذلك أي الآلية والاستقلالية شرط الاستعمال كما صدر عن بعض حيث التزم بكون الوضع والموضوع له في المعاني الحرفية كليّاً والمستعمل فيه ليس كذلك . بل هو كلّي اضافي . وأنت خبير بفساد الأول وسيجيء ما في الثاني .

الاشكال في معاني الحروف

ص: 42

وكيف كان فاخذ ما لوحظ في الاستعمال دخيلاً في حقيقة الوضع لا معنى له اذ المراد ممّا نحن فيه والكلام انما هو في الوضع ولا بحث لنا في عالم الاستعمال فالوضع اما استقلالي أو آلي فان كان استقلاليا فلا معنى لكون شرطه في الحرف آليا .

ان قلت: لا ندعى اتحاد المعنى الاسمي والحرفي بالشخص ولا بالسنخ بل بعد اتفاقهما في أصل المعنى كالابتداء بين من والابتداء تكون الخصوصيّة المميزة لأحدهما عن الاخر . هي الاستقلال في المعنى الاسمي وعدمه في المعنى الحرفي نظير الاختلاف بالآلية والاستقلال بين المرأة وما ينتقش فيها والوجه وذي الوجه والعنوان وذي العنوان .

قلت: هذا هو مرادنا حيث نقول انهما بذاتهما متبائنان ولا يعقل استعمال أحدهما مكان الآخر إلاّ بالانقلاب وإلاّ فالآليّة لا يمكنها الاستعمال في موطن الاستقلال وكذا العكس . وسنشير إلى ان قوام المعنى الحرفي بأربعة أركان وعند فقد أحدها تنثلم حقيقته .

وعلى كلّ حال فنقول: انهم قسموا المعاني على قسمين وعبر عنهما بعضهم بما يكون في وجوده وتحققه كالجوهر لا قوام لمعناه بقوام غيره من المعاني في قبال ما يكون كذلك . وبعض بالايجادية والاخطارية ويمكن ارجاع هذينوغيرهما إلى معنى واحد وهو ما ذكرنا كما انها تنقسم أيضا عند بعض بالنسبيّةوغير النسبيّة .

وتخيل بعض المحققين كصاحب الحاشية قدس سره الفرق بين مثل في ومن للابتداء مثلاً والى وبين غيرها من سنخ باقي الحروف بكون بعضها كالاولى

ص: 43

اخطارية وبعضها كياء النداء ايجادية . والتحقيق انها كلها كذلك وانه لا منشأ لتوهم الفرق بينهما فيه كما سيجيء .

ثم ان النسبة أيضا على قسمين نسبة اولية ونسبة ثانوية . والاولية عبارة عن نسبة الوجود إلى الماهية لتقدمها على النسبة الثانوية التي هي نسبة ملابسات الوجود إلى الموجود فان مثل الضرب في وجوده تارة ينظر إلى حيث قيامه بالفاعل . فمن هذه الجهة يكون منسوبا إليه وقائما به . وبهذه الجهة تتصف هذه النسبة بالاولية واخرى ينظر إلى حيث ملابسات الوجود من الزمان والمكان وباقي المفاعيل . فمن هذه الجهة تكون نسبة ثانوية ولهذا يكون للملابسات حكومة على غيرها من موضوع النسبة الاولية .

وحينئذٍ فيشكل في مثل من الابتدائية ويقال انها لو كانت لنسبة الابتداء فلها معنى النسبة ولا اشكال في ان النسبة معنى اسمي وضع بازائها هذا المفهوم وان كانت من أيضا كذلك تصح أن يحمل عليها النسبة . وبالوجدان ليس كذلك لكن الذي يرفع الاشكال ان اللازم على هذا كون النسبة معنى اسميا ومن لايجاد المصداق منه .

الجهة السادسة: في بيان أركان المعنى الحرفي على الايجادية .

افاد سيدنا الأستاذ قدس سره ان روح مراد المحقق النائيني قدس سره وحقيقة مبناه فيالمعاني الحرفية يرجع إلى امور أربعة(1) .والتقريب: انه لا اشكال في وجود حقائق قائمة بنفسها في الخارج كزيد وعمرو وغيرهما كما لا اشكال في وجود حقائق اخرى وجودها في أنفسها عين

اركان المعنى الحرفي على الايجاديّة

ص: 44


1- . فوائد الاُصول 1/34 - 42 وبعده .

وجودها في غيرها ولغيرها . وواضح حصول النسبة بين القيام وزيد بحصول القيام من زيد ووجوده منه وتحققه بسببه وليس تحقق النسبة مشروطا بارادة كما كان القيام حصوله بالقصد والارادة .

هذا في الخارج . وأمّا في الذهن فيحصل صورة ما في الخارج فيه .

غاية الأمر لا يكون في عالم الذهن ضيق كما في عالم الخارج . بل له التوسعة وفيه كل ما ليس في الخارج . لكن لا يكون بين زيد وقيامه ارتباط في الذهن بل صورتهما متبائنتان غير مرتبطة احديهما بالاخرى اذ اللازم في الحمل التغاير والا فلا يمكن حمل احديهما على الاخرى .

اذا عرفت هذا . فاعلم انه اذا أراد الحاكي حكاية ما في الذهن الذي هو صورة ما في الخارج . يتلفظ لافادة مفهوم زيد بلفظة زيد ولافادة مفهوم القيام بلفظته في هيئة من الهيئات التي تفيد أي معنى من المعاني . لكنه يوجد النسبة في الخارج عند التلفظ وليس بازائها في الذهن شيء كما بازاء القيام وزيد .

لا يقال لفظة زيد أيضا ايجادية بل مطلق الألفاظ في افادة معانيها ومفاهيمها ايجادية ولا اختصاص لذلك بالحروف .

لأنا نقول نعم . لكن ليس بازاء الحروف في الذهن شيء بخلاف غيرها . فانه مع قطع النظر عن عالم الايجاد وموطن الاستعمال يكون تحقق لزيد والقيام في الخارج وكذا لمفهومهما في الذهن .

والحاصل ان المعنى الحرفي لا يمكن تصوره على ما هو عليه ولا له اسم .اذ في قبال الاسم لا يكون المعنى الحرفي . حيث انه بالنظر اليه استقلالاً ينقلب عما هو عليه . وقوامه بأربعة امور وكما ذكرنا لا يتحقق المعنى الحرفي عند فقد كل

حاصل المعاني الحرفيّة

ص: 45

واحد من هذه الأربعة .

أحدها انه ايجادي وليس اخطاريا . بمعنى انه ليس بازائه مفهوم يوجب استعماله خطوره في الذهن . بل هو آلة للايجاد كما في الانشاءات غاية الأمر فرق بينه وبينها .

الثاني: انه وضع لايجاد مصداق النسبة والربط لا بازاء النسبة والربط . اذ عليه يلزم عند التلفظ بقولنا زيد قائم حضور معاني ثلاثة في الذهن وهي زيد والربط والقيام مع انه كما ترى . ولكن هذا المصداق يكون قائما بالغير ومن حالاته كقيام العرض بالمعروض ويكون وجودا ربطيا لا نفسيا ولا رابطيا كما أشار إلى ذلك السبزواري في منظومته .

وحاصل الأمر الثاني انه قائم بالغير ويوجد معنى في الغير . وأفاد المحقق النائيني قدس سره في تحقيق هذا القيد ان الموجود في النسخة الصحيحة في الرواية(1) عن مولانا أميرالمؤمنين علیه السلام في تقسيم الكلمة . ان الاسم ما انبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى والحرف ما اوجد معنى في غيره .

وسنبين فساد احتمال رجوع الضمير إلى المبهم . بل يرجع إلى المعنى

وحينئذٍ يكون منطبقا على ما ذكرناه . أي الحرف يوجد معنى في غير هذا المعنى بل في غيره من المعاني ويكون موجودا فيه ومن حالاته ولا يحتاج على هذا إلىتقريب بل نفس الكلام الشريف على تقدير صدوره واضح المراد .

الثالث: انه لا موطن لهذا المعنى الذي يوجد بالحرف ولاوعاء له الا ظرفالاستعمال ووعائه وموطنه وذاك الموطن بخلاف قسيميه الاسم والفعل .

الرابع: كونه مغفولاً عنه حين الاستعمال . بل يوجد قهراً بخلاف المعنى

ص: 46


1- . الشيعة وفنون الاسلام 1/550 - 551 .

الاسمي فانه يلتفت اليه استقلالاً ويلحظ ويستعمل اللفظ لافادته .

هذا حاصل الكلام في المعاني الحرفية .

وعن بعضهم الفرق بين مثل الحروف الموضوعة النسبية مثل من وفي والى وعلى فالتزم بكونها اخطارية دون ما ليس كذلك . الا ان المحقق النائيني قدس سره لم يفرّق بينهما كما ذكرنا .

وخلاصة ما ذكرنا في المعاني الحرفية انها ليست اخطاريّة بل ايجادية بأسرها كايجادية الانشاءات في باب العقود والايقاعات .

غاية الأمر الفرق بينهما ان المعنى الحرفي لا يتصور ولا مفهوم بازائه ولا يتعلق به الارادة بخلاف الانشاءات فتتعلق بها الارادة وتوجد كذلك . فالمعنى الحرفي انما يوجد في موطن الاستعمال وليس في الذهن الا زيد وقائم بدون النسبة بينهما وانما وجود هذه النسبة بأقسامها من الماضي والمضارع والأمر والجمل الشرطية والاسمية في الخارج ولا وجود لها في صقع آخر . حيث انه لا وجود لها في عالم التقرر ولا في صقع آخر من الحسّ المشترك وغيره الا موطن الاستعمال ويتحقق التركيب الجملي في الخارج في ظرف الاستعمال . وفناء المعنى الحرفي في غيره أشد من فناء اللفظ في المعنى . فليس الحرف الا آلة لايجاد النسب من الظرفية والابتدائية والانتهاء وغيرها في الاستعمال وان التركيب بين الاسم والخبر والارتباط وان كان بواسطة المعنى الحرفي . لكنه ليس عين التركيب والارتباط الاسميين والا كان اسما . بل لا يمكن تعلق اللحاظ بهبنفسه ولابد أن يكون بواسطة المعنى الاسمي كما أشرنا إليه في مطاوي البحث .وبعبارة اخرى فرق بين المعاني الاسمية والحرفية فان الاولى اخطارية

ص: 47

دون الثانية فايجادية . وللاولى عالمان . تحصل . وتحقق . وليس للثانية الا التحقق فقط ولا تحصل له أي لا تقّرر له ولا ماهية . اذا عرفت حقيقة المعنى الحرفي .

فاعلم ان انقسامه بالكلية والجزئيّة وقابليته لهما ليس على حذو المفهوم الاسمي لأن للاسم مفهوما يتعقّل في الذهن . ثم اما أن يكون كليا أو جزئيا بامتناع الصدق على كثيرين وليس ذلك للحرف . فالكلية والجزئية والنزاع بالنسبة إليه ليس الا النزاع المعروف في الكلي الطبيعي وانه هل يوجد في الخارج أم لا . بل ليس الا أمرا انتزاعيا . وعلى تقدير الوجود هل بوجود الافراد وفي ضمنها أم لا . بل كل فرد من أفراده وجود الكلي . فنسبة الكلي إلى الأفراد نسبة الآباء إلى الأبناء . وكل فرد وجود من الطبيعي قبال القول الاخر الذي لا يكون الكلي بكليته موجودا في الخارج . بل ما لم يتشخّص لم يوجد . وحينئذٍ ففي ضمن الافراد . وحيث ان مختار المحققين ان الكلي الطبيعي موجود بوجود الأفراد . بل ليس الموجود الا الافراد وهي وجودات الكلي فالمعنى الحرفي وان كان موطنه وظرفه ظرف الاستعمال وموطنه والموجود منه ليس الا المصداق وعلى ذلك يكون كليا . فاذا كان كذلك فالمستعمل فيه والموضوع له والوضع كلها عام . ولا معنى لكون الوضع خاصا والموضوع له كذلك فيها . بل يستحيل . فان كل فرد من الموجد بالاستعمال يقتضي وضعا بشخصه وكذلك العام والموضوع له الخاص . وان يكون الوضع للافراد كل فرد فرد مع لحاظ الوضع عاما لما عرفت ان المبنى كون وجود الكلي وجود الفرد وهذا المصداق مصداق الكلي ووجوده . وعلى هذا فما صدر عن بعض أو غير واحد من المحققين الذين اختاروا في الحروف مبنى الايجاديةوكانوا متنبهين لما ذكرنا من وجود الفرد بالنسبة إلى الطبيعي من جزئية المعنى

ص: 48

الحرفي لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما . فاما ان يكون قد نقل لهم الاشتباه واختاروا هنا خلاف ما كان لازم مبناهم أو ليس المراد من ظاهر كلامهم ما ذكرنا .

هذا غاية تقريب القول في المعاني الحرفية وكان هنا فائدة لعلنا نتعرض لها بعد ونبين النكتة اللطيفة من المحقّق النائيني قدس سره في تثليث أقسام الكلمة ووجود الفعل .

ثم انه قد استشكل في ما ذكرنا من المعنى الحرفي بامور: فبعضهم بعد قبوله ان لا مفهوم له منع من كونه ايجاديا . بل التزم بكونه اخطاريا كالاسمي وبعضهم منع من الأول أيضا فقال بالمفهوم له نهاية الأمر ليس مفهومه استقلاليا كالمفهوم الاسمي .

نكتة في ما يتعلق بالحديث الشريف وشرحه بنحو يتضح تثليث أقسام الكلمة .

فنقول قد اشتهر ان اللفظ العربي ينقسم إلى ثلاثة اسم وفعل وحرف بل مطلق الألفاظ في كل اللغات يمكن كذلك . فعنصر الألفاظ العربية هذه الثلاثة وعليها مدار محاوراتهم بحيث لا يوجد لها قسم رابع . لكن يمكن الاشكال بوجود القسم الرابع في بعض الكلمات التي روعى في معانيها جهتان جهة الاسمية وجهة الحرفية فباعتبار الاسمية ينتج خواصه وباعتبار الحرفية ينتج نتيجته سواء كان مركبا من كلمتين في الأصل أم لا كبعض أسماء الاشارة والضمائر التي ليس فيها تركيب كانا للمتكلم وكذلك وذلك وذاك ونحوها على ما يقال من كون الكاف فيها حرفا وافادة حضور المشار إليه وافهامه انما هو بتوسط ذا اسم الاشارة

نكتة لطيفة

ص: 49

والكاف يفيد معنى زائدا عليه فلم لم يتعد التقسيم إليها بأن يجعلها رابع الأقسام .ان قيل حيث روعى فيها جهتا الحرف والاسم وآثارهما الايجادية والاخطارية وغيرها فلذا لم يعدّ قسما في قبال القسمين .

قلنا فلازم ذلك عدم عد الفعل أيضا قسما في قبال الاسم والحرف، بل الألفاظ تنحصر بالاسم والفعل، واصول العناصر هذا اللفظان وباقي الألفاظ يتركب منهما وبهما يقوم عماد الكلام .

لكنه . يمكن الجواب عن أصل الاشكال بعد تسلّم عدم وضع لكل كلمة بمادتها بل وضعت بمادتها وهيئتها للمعنى كما في الحقائق الخارجية . حيث انها مادة وصورة أو هيولى وصورة ولا يمكن وجود أحدهما منحازا عن الآخر . بل لابد للهيولى من الصورة ولها منها . فكذلك الألفاظ لم يوضع موادها للمعاني حتى في المصدر كالضرب فانه جعل ووضع بماله من الهيئة وكذلك باقي الكلمات فالهيئة روعيت في كل الكلمات حتى الحروف فانها وضعت بمادتها وهيئاتها لمعانيها الايجادية . وعلى هذا فيشكل في كون الفعل بمادته وهيئته قسما ثالثا للكلمة الا ان الذي يمكن أن يقال بل قال به المحقق النائيني قدس سره (1) وبه فسر الحديث الشريف . هو ان الاسم مختص بالانباء عن المسمى والحرف بايجاد معنى فيه والفعل ما انبأ عن حركته . ومعلوم ان المسمى في كل هذه الثلاثة واحد لا شخصا الا انه يمكن تفسير الحركة هنا بما يقابل السكون كما يمكن تفسيرها بالخروج من القوّة إلى الفعل . لا خصوص مقولة الفعل من الاعراض التسعة . وعلى هذا فيكون قسما في قبالهما فلا يكون موجودا محضا ينبأ عنه بالاسم ولا

ص: 50


1- . فوائد الاُصول 1/50 - 51 .

معدوما كذلك ويوجد بآلته الحرفية . بل يكون معنى ثالثا فلذا جعل قسما برأسهفي قبالهما هذا لكن يمكن كون الحركة أيضا في قبال السكون كما ان من الممكن كونها أعم من جميع ما ذكر . بل في كل مقولة تكون من جنسها الا ان على هذا التقدير لا يشمل بعض الأفعال ويخرج عنها وان دخل فيها كثير منها .

فهذا وجه ضبط تثليث الأقسام ومعرفة الوجه منه وبه اتضح المراد من الحديث الشريف .

الجهة السابعة: أشرنا إلى ان جماعة ذهبوا إلى ان معاني الحروف كالأسماء اخطارية وليست بايجادية . ومن هؤلاء من قال ان المستعمل فيه فيها كالموضوع له عام وبعضهم جعل المستعمل فيه كالموضوع له خاصا . حيث مثل لهذا القسم بالحروف وماشابهها . لكن الحق بناء على هذا المعنى ما ذهب إليه المحقق الخراساني قدس سره (1) من كون المستعمل فيه عاما كالموضوع له وليس الموضوع له خاصا ويتبعه الاستعمال ولا عاما والاستعمال خاصا حيث قال رحمه الله

في برهانه وذلك لأن الخصوصية المتوهمة ان كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا فمن الواضح ان كثيرا ما لا تكون المستعمل فيه كذلك بل كليا ولذا التجأ بعض الفحول إلى جعله جزئيا اضافيا وهو كما ترى .

وقوله كثيرا اشارة إلى انه قد يكون المستعمل فيه جزئيا حقيقيا ولعله ليس كذلك اذ توهم الجزئية انما نشأ من عدم كون المستعمل فيه في مثل صلّ في هذا المكان كليا لعدم كون المكان كذلك بل مكانا شخصيا ولا يكون في الا مستعملاً في الظرفية المختصة بها . الا انّ ذلك توهم فاسد كاصل توهم كون المستعمل فيه

الكلام في اخطاريّة المعاني الحرفيّة

ص: 51


1- . كفاية الاُصول 1/13 - 14 .

في غيره من الموارد جزئيا ضرورة عدم انفهام الجزئية من قولنا سر من البصرةإلى الكوفة . ولذا لو ابتدء بأي مكان من البصرة لامتثل وحصل المطلوب . وهكذا الأمر في الأوامر التي تكون متعلق التكليف فيها وفي النهي الطبيعة . نعم لا ننكر التشخص في مثل العام البدلي لكن التشخص ليس من قبل الاستعمال بل انما هو جاء من قبل القرينة العقلية وان الانسان لا يسير في سير واحد من أمكنة متعددة إلى الكوفة بل من ابتداء مكان خاص . لكن ذلك لا يوجب كون الاستعمال شخصيا بل يكون من قبيل تعدد الدال والمدلول . كما ان قرينة المجاز أيضا لا تصيّر المستعمل فيه اللفظ المعنى المجازي . بل يمكن أن يقال ان المستعمل فيه هو المعنى الحقيقي الذي وضع له اللفظ والقرينة انما تكون قرينة المراد لا الاستعمال في غير ما وضع له وان المجاز على هذا يكون في الاسناد لا في الكلمة . فينطبق على مذهب السكاكي كما ان جعل ذلك جزئيا اضافيا لا وجه له .

تتميم: يرد على ما سبق في كلام المحقق الخراساني قدس سره من كثرة استعمال الحرف في المعنى الكلي . ان كون الاستعمال آية الحقيقة ليس بصحيح لكونه أعم ولا مجال لاجراء اصالة الحقيقة بعد تبين المعنى المراد . وليس في عداد علائم الوضع .

وما به يعلم الاستعمال:

ويمكن الجواب عن هذا الايراد بعد تسليم مقدمة وهي عدم وجود مورد يكون فيه المستعمل فيه خاصا متعينا بل اما أن يكون عاما أو مشتبها بحيث لا يدري خاص أو عام . وحينئذٍ فيقال ان كون الوضع عاما والموضوع له خاصا مع ان المستعمل فيه لا يكاد يكون خاصا . بل دائما يكون من العام مخالف لغرض

ص: 52

الواضع وحكمة الوضع . فعلى هذا يكون الاستعمال كاشفا عن كون الموضوع لهفي الحروف عاما ولكنه يمكن كون الموضوع له خاصا كما يمكن كونه عاما .حيث ان الاستعمال دائما في العام لا يكون قرينة على وضعه له . بل يمكن أن يكون الموضوع له كل واحد من الخصوصات وجعل العبرة العام وحيث ان علاقة الكلي والجزئي من العلائق التي يقبلها الطبع ويحسن معها الاستعمال فاستعمل في العام .

اللهم الا أن يراد من الوضع أعم من التعييني بل يعم التعيني الذي تجاوز حد المجاز إلى أن وصل إلى حد الحقيقة . ولم يصر أيضا منقولاً بل هجر المعنى الأول.

هذا على تقدير كون الخصوصية موجبة لكون المعنى جزئيا خارجيا .

اما على تقدير كون المراد بالمعنى المتخصص بالخصوصية الجزئي الذهني(1) فان الشيء كائنا ما كان لا يمكن حصوله في الذهن الاّ بنحو الوجود الذهني ويتعدد بتعدد اللحاظ كما في الخارج يتعدد الذوات . والا فتصور الماهية بما هي هي مع قطع النظر عن لحاظ وجود وطروه عليها لا يمكن . بل لابد لكونه كذلك من تجريد في صقع الذهن . ضرورة استحالة وجود شيء في أي موطن من مواطن العوالم الا بالتشخص وحينئذٍ فيباين الوجود الاخر من هذا الطبيعي . وعلى هذا فيشكل الأمر في امتثال أوامر المولى حيث ان الوجود الذي لاحظه وطلبه من غيره يستحيل وجوده في ذهن غيره . على فرض كون الامتثال كذلك فضلاً عن ما اذا كان بايجاده في الخارج لاستلزامه كون الخارج ذهنا وهو محال . فلو كان اللحاظ في الأسماء كذلك موجبا لصيرورتها جزئيا ذهنيا فكيف

مناقشة المحقّق الخراساني

ص: 53


1- . كفاية الاُصول 1/14 .

بالحروف التي هي آلة لملاحظة حال الاسم . اذ لابد من تصور السير في معنىمن . حيث ان السير بوجوده السعي وبما هو كلي طبيعي يجتمع فيه النقائض لايحصل في الذهن بل يتشخص فكيف بحال الابتداء .

الذي يكون حالة للغير ويدلّ عليه كلمة من . ولذا قيل ان الحرف ما دل على معنى في غيره وعلى هذا فلو وضع الواضع لفظا بازاء الحرف لا يتعدى ما لاحظ هو نفسه إلى ما يلاحظ الغير من الوجودات المبائنة لما تصوره الواضع . ولا معنى لاستعمال اللفظ الموضوع لمباين في ما يباينه الا بعلاقة التضاد كما في استعمال لفظة زيد في ارادة عمرو وهو كما ترى ينتج خلاف ما ارادة القائل بكون الموضوع له خاصا هذا كله مضافا إلى ما أورده عليه في الكفاية من الاشكالات الثلاث(1):

أحدها: لزوم لحاظ المعنى المركب من اللحاظ والملحوظ بلحاظ غير اللحاظ الذي هو جزء الموضوع كي يصح استعمال اللفظ فيه . بداهة ان تصور المستعمل فيه مما لابد منه في استعمال الألفاظ .

ثانيها: لا يصدق المعنى حينئذٍ على الخارجيات لامتناع صدق الكلي العقلي عليها . حيث لا موطن له إلا الذهن فامتنع امتثال مثل سر من البصرة الا بالتجريد والغاء الخصوصية . هكذا أفاد . ولكن الاولى تبديل الكلي العقلي بالكلي الطبيعي . ضرورة كون العقلي نظير الانسان كليّا أو الماء كذلك أو نوع وأمثال هذه من المحمولات الثانية .

ص: 54


1- . كفاية الاُصول 1/14 .

وثالثها(1): عدم الفرق في هذه الجهة بين الأسماء والحروف الا حيثالنفسية في الأسماء والآلية في الحروف فان أوجب هذا الحيث فيها صيرورتهاجزئيّة فكذلك يلزم أن تكون في الأسماء . وهذا يوجب سد باب الوضع العام والموضوع له العام . بل كلها يكون من الخاص . على انه يمكن توجه اشكال رابع وهو لزوم بقاء ما تصوره أولاً إلى حين استعمال اللفظ والا فيكون فردا آخر فتأمل(2) .

تكميل: تحصل من كلام المحقق الخراساني قدس سره ان الممكن من أقسام الوضع ثلاثة ولم يقع منها الا اثنان: الوضع العام والموضوع له العام والوضع الخاص والموضوع له الخاص . اما توهم وجود قسم ثالث يكون الوضع عاما والموضوع له خاصا ففاسد . وليس هذا في الحروف ولا في غيرها لما ذكره من الاشكالات المذكورة . الا ان كلامه إلى هنا لا يكون دليلاً على كون الموضوع له في الحروف عاما ولم يقم برهانا على ذلك . فيمكن كون الوضع فيها عاما

أقسام الوضع ثلاثة

ص: 55


1- . كفاية الاُصول 1/14 .
2- . يمكن الجواب عن الاشكال الأول بأن استعمال اللفظ في المعنى الملحوظ أمر قهري ولو كان بلحاظ جزء المستعمل فيه ولا يلزم لحاظه بل يكفي حصوله مقارنا مع الاستعمال بلا لحاظ آخر . وعن الثاني بالفرق بين ما يكون ظرف اتصافه الخارج وعروضه في الذهن وبين ما لا يكون كذلك . فان المعنى الملحوظ وان كان لحاظه في الذهن الا ان الاتصاف خارجي اذ يصح أن يقال استعمل اللفظ في المعنى الذي لاحظه ولا يلزم من ذلك التجريد ولا صيرورة اللحاظ خارجيا . بل يكون في الذهن ويجعل الواضع لحاظ المعنى عبرة لنوع اللحاظات التي تحصل من غيره وان كان لا يمكن وجود هذا اللحاظ إلاّ بالشخص وهو لا يضر بالمراد . فحينئذٍ يكون المستعمل فيه عين ما وضع له الذي هو المعنى الملحوظ عند كل أحد على طريقة الوضع العام والموضوع له الخاص ولا اشكال . وأمّا الثالث فواضح الدفع فتأمل .

والموضوع له خاصا لكن جوابه ما ذكرنا من لغوية حكمة الوضع فان الذي يشاهد في الاستعمالات هو كون المستعمل فيه عاما كالموضوع له واحتمال أن يكون قد أراد من اللفظ خصوص شخص خاص من المعنى وان لم يقم قرينة عليه مدفوعباستلزامه على هذا الاحتياط في مثل قولنا سر من البصرة بايقاع السير من كل مكان من الابتداءات كما في مثل أكرم زيدا اذا اشتبه زيد بغيره ولم نعرفه مع ان المسلم عدم الالتزام به .

بل يكتفي بالسير من ايّة نقطة وذلك آية كون المستعمل فيه أيضا عاما والعموم في المقام انّما هو العموم البدلي ويمكن أيضا الاستعمال في العموم الشمولي .

والحاصل ان دليل مدعاه ما أشرنا إليه من الاستعمال في العام وعدمه في الخصوصات ثمّ اختار ان المعنى فيهما واحد حيث ان الآلية في المعنى الحرفي والاستقلالية في المعنى الاسمي لا توجب التقييد في المعنى ولا صارتا من قيوده فحينئذٍ لا يكون فرق بين من والابتداء كما وجّه على نفسه ذلك بطريق السؤال بقوله:

ان قلت(1) على هذا لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى ولزم كون مثل كلمة من ولفظ الابتداء مترادفين صح استعمال كلّ منهما في موضع الآخر وهكذا ساير الحروف مع الاسماء الموضوعة لمعانيها وهو باطل بالضرورة كما هو واضح . انتهى .

نعم يمكن ذلك في بعضها كما في زيد كالأسد فيمكن وقوع لفظة مثل موضع

ص: 56


1- . كفاية الاُصول 1/15 .

الكاف وكذا في زيد على السطح أو في الدار لكن غالبا يوجب اختلاف ترتيب الكلام وتغيير الهيئات وليس كما اذا كانت باقية على حالها ورفعنا لفظة وبدلناهاباخرى . وكذلك في أسماء الاشارة فلا يمكن وضع لفظة الاشارة في موضع هذافي قولك هذا زيد .

نعم لا بأس بوضع لفظتي المشار إليه موضعه بخلاف مثل العصا الحاصل لها ما يحصل بالاشارة اللفظية . فاستعمال احد اللفظين مكان الآخر مقطوع بعدمه ولا يمكن مع انّه لازم الترادف على ما ذكرنا أو لازم كون الموضوع له فيهما واحدا وحيث الاستقلال والالية لم يكن بازاء اللفظة بل نظير المداليل السياقية تعرض عليها حين الاستعمال وأجاب قدس سره بقوله:

قلت: الفرق(1) بينهما انما هو في اختصاص كل منهما بوضع حيث انه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه والحرف ليراد معناه لا كذلك بل بما هو حالة لغيره . وليكن مراده قدس سره بقوله يراد في الموضعين ان المعنى لوحظ في حال الاستقلال في التصور ووضع له لفظة الابتداء مثلاً ولوحظ في حالة الآليّة وعدم الاستقلال في التصور ووضع له لفظة من . فليس عدم صحة استعمال كل واحد منهما في موضع الآخر الا من ناحية القصور في الوضع . فالوضع لم يكن واسعا في كل منهما لحال الآخر وليس ذلك من التقييد بشيء وليس القيد والتقيد داخلاً في الموضوع له والموضوع له فيهما على ما هو عليه . لكن لم يلحظ في أحد الحالين كما لوحظ في الحال الاخرى .

وذلك كما فرضنا خيطا ممدودا من أحد جانبي آجرة إلى الجانب الآخر

توضيح وضع الحروف

ص: 57


1- . كفاية الاُصول 1/15 .

وكان أحد قطعاته الوسطانية محاذيا لشيء فوضعنا اللفظة مثلاً بازاء هذه القطعة اللازمة لهذا الشيء بحيث لم يكن حيث الملازمة دخيلاً في الموضوع له ولااشكال في عدم سعة الوضع للقطعات التي لم تكن بحذاء هذا الشيء الذي يحاذيهتلك القطعة من الخيط . ولا حاجة على هذا التقريب إلى تصور وجود الربطي والرابطي وتشبيه حال الموضوع في الاسم والحرف بهما كما نقل سيّدنا الاستاذ قدس سره

عن الشيخ علي القوجاني رحمه الله أحد خواص تلامذة المحقّق الخراساني رحمه الله ونقل انه كان مصرا وملتزما بتصحيح ما في الكفاية ولم ينقّح مراد صاحبها ولم يقم عليه الدليل بحيث يبقى خاليا من الخدشة . لكن الذي يتوجه على ما ذكرنا من التقريب عدم مانع في صحة استعمال كل منهما احيانا في موضع الآخر لهذه المناسبة التي ذكرناها .

تذنيب: يمكن تلخيص الفرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي على مسلك الاخطار . بانه تارة من ناحية قصور في ناحية الوضع فلم يوضع اللفظ للابتداء مطلقا . بل لفظة من للابتداء في حال عدم الاستقلال بالمفهومية والتصور والاسم بخلافه . واخرى من ناحية شرط متأخر وهو على قسمين: أحدهما بكون الاستعمال بعد وضع اللفظ لمعنى الابتداء ومفهومه مشروطا في المعنى الاستقلالي ولفظة من للابتداء لكن بشرط الاستعمال في المعنى الآلى .

وثانيهما بكون الشرط هو الارادة على هذا النحو . وحينئذٍ فما لم يتحقق الشرط خارجا لم يتحقق حقيقة الوضع وهذا في الحقيقة تعليق للمنشأ لا ان الوضع يكون انشائه معلقا على الاستعمال والارادة كذلك . بل الوضع حصل وفرغ الواضع عنه . لكن الموجود بالوضع ظرف حصوله ليس متحدا مع ظرف وقوع

ص: 58

الوضع وانشائه بل يتأخر عنه إلى زمان أحدهما كما في الوصية التمليكية فان الانشاء ليس معلقا على شيء لاستحالته بل التعليق انما هو في المنشأ فاذا مات يتنجز المنشأ ويكون الملكية حاصلة .وعلى هذا ما لم يرد المريد ولم يستعمل لم يتحقق المنشأ بالوضع وانمايحصل بعده . وهذا أيضا لو كان معلقا على صرف وجود الارادة أو الاستعمال فيمكن تصديقه بوجه بالنسبة إلى الاستعمالات المتأخرة . فانها لا تتوقف على الارادة أو الاستعمال . بل تكون دلالة الألفاظ على المعاني لا تتبع الارادة أو الاستعمال وانما يوجب تصور اللفظ ووجوده حضور المعنى في ذهن السامع أو المتصور .

وثالثة: يقال في الفرق بين المعنيين ان أحدهما مغفول عنه بنحو لو توجه النفس إليه وحصل إليه الالتفات ينقلب عما هو عليه ويتبدل اسما فيوضع لفظ الحرف بازاء هذا السنخ من المعنى بخلاف الاسم فانه مما يلتفت إليه ووضع اللفظ له بهذا النحو وهذا ان رجع إلى كون الاستعمال والارادة قهرية غير متوجه إليها فلا معنى له . حيث ان الاستعمال امر ارادي ولا يمكن حصوله في الألفاظ قهرا لكن لا دليل عليه .

نعم يمكن أن يقال في الفرق بين السنخين بنحو لا يكون لحاظ الآلية والاستقلالية داخلين في الموضوع له بل كانا خارجين والموضوع له اللفظ نفس المعنى .

وان الفرق بينهما كالفرق بين الماء والشجر ويردّه الوجدان فانا لا نرى ما يتصور في الذهن من قولنا سرت من البصرة إلاّ الابتداء غاية الأمر ليس كمفهوم الابتداء

الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي

ص: 59

الذي يمكن أن يستعمل في أنحاء تصاريف الكلام .

فالأحسن أن يقال بوجه خامس لعله أوفق بكلام القدماء ويكون المعنى

الاسمي والحرفي متحدين في جهة مختلفين في بعض الآثار . فان كان المعنى قابلاً للحمل وان يخبر عنه فذلك يكون معنى الاسم كقولنا ابتداء سيري البصرة أوالبصرة ابتداء السير أو مبدئه وان لم يكن قابلاً كذلك بل آبيا عنه فهو المعنىالحرفي .

ولتوضيح المقام لا بأس بتنظيره بالمشتق ومبدء الاشتقاق بناء على مذهب من يرى اتحادهما وان المشتق ليس مركبا من الذات والنسبة والحدث . بل يرى المشتق عبارة عن الحدث الواقع في المحل بخلاف المبدء كالضرب فلا يكون كذلك بل يكون في قبال المهيّات شيئا بنفسه . وليس الضارب مع كونه هو الضرب كذلك . بل لا يمكن استعمال أحدهما في موضع الآخر . فان حمل الضرب على الذات في الامتناع كحمل الفعل الماضي ولا يمكن أن يخبر عن زيد بأنه ضرب كذلك لا يمكنك أن تقول انه ضرب أي الفعل الماضي .

نعم يمكن نسبة الصدور اليه بالنسبة إلى الماضي الا انه ليس من الحمل في شيء بل نسبة الصدور وهي غير الحمل . بخلاف قولنا زيد ضارب فانه ممكن ولا مانع عنه مع ان المعنى في الضرب والضارب واحد لكن حيث ان الهيئة الفاعلية في لفظة فاعل الذي هو زنة لفظة ضارب لو خط بها الضرب بوجوده المتحد مع المحل الصادر عنه .

كما في العرض الذي يتصور وجوده عارضا على محلّه لا مستقلاً فانه ليس الا نفس المعروض والمحل فلذلك صح الأخبار عن زيد بأنه ضارب بخلاف

ص: 60

ضرب المصدري . وهكذا يكون الفرق بين الاسم والحرف بعد اتحاد معناهما فان الاسم لو خط فيه المعنى بما هو هو في حيال نفسه بخلاف الحرف فانه كهيئة ضارب .

وبعبارة اخرى كالتقابل بين زيد وعمرو فانه ربما نريد تصور نفس مفهوم التقابل وعليه يكون معنى اسميا كالابتداء . واخرى نريد تصور نفس النسبةالخاصة الموجودة المرتبط بها زيد وعمرو المتقابلان وهذا يكون معنى الحرفوعليه لا يمكن تصوره مستقلاً بل بتبع طرفيه . وإلى هذا يشير كلام القدماء بأن الحرف ما دل على معنى في غيره فانه وان كان معناه قابلاً للتصور الا انه ليس مستقلاً في عالم التصور والمفهومية بل بتبع الغير . ولهذا لا يصح الأخبار عن من الابتدائية في سرت من البصرة كما في لفظة الابتداء(1) .

ص: 61


1- . حقيقة المعاني الحرفيّة انّها نسب وارتباطات بين طرفين لا ارتباط بينهما بدونها . فقولك سرت من البصرة إلى الكوفة لو لم يكن بين السير والبلدين ارتباط لا يفيد الجملة معنى مفيداً يصحّ السكوت عليه وهذا الربط إنّما يحصل بسبب كلمة من فتفيد ابتداء السير وإلى تفيد الانتهاء ولذا يكون وضعها وضعاً عاماً فالموضوع له فيها عام كالوضع لأن ابتداء السير له مصاديق متعدّدة كالانتهاء لكن استعمالها بدون السير والبصرة والكوفة لا يفيد معنى مفيداً فهويتها تخالف هويّة المعاني الاسميّة ونتيجتها تضييق المعاني الاسميّة وقسم الحروف في المحاضرات على قسمين: أحدهما ما يدخل على المركّبات الناقصة والمعاني الافراديّة كمن وعلى والى والثاني ما يدخل على المركّبات التامّة ومفاد الجملة كحروف النداء والتشبيه والتمنّى والترجى وذهب في القسم الأوّل إلى انه موضوع لتضييق المفاهيم الاسميّة في عالم المفهوم والقسم الثاني رأى ان حاله حال الجمل الانشائيّة وهي على رأيه قدس سره وضعت للدلالة على قصد المتكلّم ابراز امر نفساني غير قصد الحكاية ورأي ان الوضع في الحروف عام والموضوع له خاص ومعانيها في القسم الأوّل حكائيّه لا اخطارية واستند لمختاره في القسم الأوّل إلى امور أربعة ما له قابليّة الاعتماد اثنان أحدهما اشتراك المعنى بين جميع موارد الاستعمال من الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد والثاني موافقته للوجدان وماارتكز في الأذهان وفي بعض ما اختاره مجال للبحث والاشكال محاضرات في اصول الفقه 43/83 - 91. كما ان استاذنا السيّد المحقّق قدس سره البجنوردي منتهى الاُصول 1/22 - 24 - 25 - 32 اختار كون المعنى الحرفي من سنخ النسب والارتباطات القائمة بالطرفين بلا فرق بين أقسامها وبيّن ان في مثل يا زيد لفظة يا تدلّ على النسبة الندائيّة الانشائيّة التي بين المنادى والمنادى وان الموضوع له في المعاني الحرفيّة عام كالوضع بشهادة الوجدان وما اختاره قدس سره هو مختار المحقّق نهاية الأفكار 1/42 - 43 العراقي شيخ مشايخنا وهو الحقّ .

تكميل: الجهة الثامنة سلك المحقق الخراساني قدس سره بعد ما اختار ما ذكرنا عنه في الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي ذاك المسلك في الأخبار والانشاء .

وقال(1) ثمّ لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والانشاء أيضا كذلك .فيكون الخبر موضوعا ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه والانشاءليستعمل في قصد تحققه وثبوته وان اتفقا في ما استعملا فيه فتأمل انتهى .

ويظهر من قوله ( لا يبعد ) احتماله خلاف ذلك . لكن ينبغي الجزم بما ذكره غير مستبعد له فان الانشاء والاخبار ليسا من مداليل الألفاظ . بل استفادتهما انما هو من كون المتكلم في مقام الاخبار وكونه في مقام الانشاء لعدم وضع الحروف الا بازاء المعاني النسبية على ما مرّ شرحها وكون ذلك للأخبار أو الانشاء وكيفية ذلك فليس من شأنها افادته .

نعم ليس كل كلام أيضا قابلاً لقصد الانشاء . به فان ما في لفظة الماضي بقولنا بعت خصوصيّة ليست في بايع . فلو قصد بقوله انا بايع ذلك لم يقع لأن النسبة في بعت انما وضعت بازاء معنى التحقق .

ثم ان ذلك قد يستمعمل اخبارا فيكشف عن سبق التحقق في الماضي ووقوعه . واخرى يستعمل في مقام الانشاء وان يكون هذه اللفظة آلة للايجاد وبها يوجد المعنى في الخارج بعد ان لم يكن .

الفرق بين الاخبار والانشاء

ص: 62


1- . كفاية الاُصول 1/16.

وبهذه الجهة ليس قابلاً للصدق والكذب كما ان مع قطع النظر عن انضمام قصد الاخبار والانشاء لا يكون هيئة الماضي الا بازاء التحقق . كما ان هيئة فاعل للدلالة على القيام وكذلك تأتى للصدور إلى غير ذلك من أنحاء النسبة والربط ولا يوجب ذلك كون الاستعمال في الانشاء مجازا وفي الاخبار حقيقة فان الاستعمال وقع في ما وضع له . وهو النسبة بمعناها التحقّقي غاية الأمر لشدّة مناسبة الانشاء مع معنى التحقق استعمل في ايجاد المعنى وانشائه في عالم الاعتبار .

ولم يستعمل اللفظ في مفهوم الانشاء ولا في مفهوم الاخبار . بل المعنىعلى حاله في المقامين . وفي أحدهما اريد به الاخبار والكشف عن ما وقع أو عما سيقع وفي الاخر استعمل للايجاد بالاستعمال في المعنى الموضوع له . ولا يكونعلى الثاني الا آلة للايجاد لا في المعنى الموجود قبل الانشاء بل يتحقق المنشأ بهذا الانشاء وليس الاستعمال في الانشاء بمجاز ولا يلزمه القرائن المناسبة للمجاز فان بينهما بونا بعيدا . ولا يتحقق الانشاء بالمعاني المجازية وليس هذا الا من جهة الوضع والا لكان من الممكن استعمال الماء في الخبز فعلى هذا كان الأولى للمحقق الخراساني قدس سره أن يقول بذلك جزما .

فقد علم ممّا ذكرنا الفرق بين الانشاء والاخبار وانهما من المداليل السياقية وليس الموضوع له اللفظ أحدهما بل انما هو النسبة على انحاءها الرابطة بين الاعراض النسبية كالاين ومتى وغيرهما لا مثل قيام الوجود بشيء بل ما يعرض الذات بعد وجودها بمفاد كان الناقصة فان المفردات لا يستفاد منها الا معاني افرادية وفي الخارج يعرض العرض لمعروضه ولارادة قيام العرض بالمعروض

هل الانشاء والاخبار من المداليل السياقية

ص: 63

وتصوره في الذهن مع قطع النظر عن عالم العين والخارج . بل لابد من النسبة كي بها يحصل الربط بين المعاني المختلفة المتضادة التي لا ربط لأحدها بالآخر . فان زيدا وكذا لفظة قائم لو تصورنا معنى كل منهما لا يستفاد منه الا تصوره واما تصور القيام بزيد وحصوله له انما يكون لو كانت النسبة بينهما في الكلام واللفظ . فيقول زيد قائم وبذلك تتحقق القضية الحملية . فالقضية الحملية تحتاج في تحققها إلى أركان ثلاثة . الموضوع والمحمول والنسبة .

وان شئت فعبر عنه بالمسند والمسند إليه أو المبتدأ والخبر . وكذلك لو اريد بيان حصول النسبة لا بنحو الحمل . فيقال ضرب أو يضرب أو اضرب وصّل ففي كل واحد من هذه الألفاظ هيئته موضوعة بازاء معنى كما ان المادة الموجودة فيها أيضا موضوعة بهيئتها وكذا اسم المصدر . وعلى هذا يصح أن يقال ان الأصل فيالكلام المبتدأ والخبر كما انه يصح أن يقال الفعل والفاعل . اذ ما يستعمل فيالمحاورات من غيرهما انما يستعمل لافادة غير القيام والحمل من المعاني المرتبطة بذلك كالتمييز والمفعول به والمفعول فيه وغيرها ومن النسب النسبة الحاصلة في قولنا صل وليصل وباقي الصيغ التي من هذا القبيل وسنخها سنخ الايجاد وتكوينها عين تشريعها فاذا حصلت في الخارج أي في عالمها المخصوص بها يحكم العقل بلزوم كون التكوين على حسب تشريع المولى . حيث انه لابد من انتهاء ذلك إلى ما يكون حجة بالذات وإلى ذلك يشير ما اشتهر في الالسنة من ان كل بالعرض لابد أن ينتهي إلى ما بالذات(1) .

ص: 64


1- . اذ يكون مثل بعت لايجاد البيع وانشائه . ثم ان القبول اما أن يكون معنى آخر أو مثل الايجاب والوجوب والكسر والانكسار يحصل بنفسه .

اذا عرفت ما ذكرنا من اختلاف أنحاء النسبة من القيام والصدور والتحقق والثبوت وانحاء استعمالاتها من الدخل في تشكيل القضية الحملية أو الجملة الفعلية أو الأمر الممكن ارجاع كل ذلك إلى الحملية وعلى اختلاف أنحاء الاعراض العارضة على الماهيات والذوات بوجوداتها التي يكون على هذا قضاياها متكفلة لبيان مفاد كان الناقصة وان كان من الممكن تصور ما لا يتحقق في الخارج ووضع الألفاظ له .

فاعلم ان النزاع والدعوى انما هو من مثل الصيغ المستعملة في مقام الاخبار تارة وفي الانشاء اخرى لا في ما لا يستعمل الا في أحدهما كالأمر والنهي وغيرهما .

فنقول ان اللفظ فيهما لم يوضع بازاء الأخبار ولا الانشاء والا لكان معنى قولنا بعت انشأت وان كان في مقام الانشاء يحتاج إلى نصب القرينة وان كانتمقامية غير كلامية .

نعم في صورة عدم نصب القرينة ينصرف إلى الاخبار والحكاية عن ثبوت معناه .

توضيح: لا يخفى ان المصادر وغيرها من أنحاء الألفاظ المفردة في اللغة العربية قد تركبت من الحروف الهجائية . بل في كل لغة يكون كذلك . ولا يستفاد من هذه الا مجرد الحدث كما لا ينبغي الارتياب في وضع الهيئة تارة للدلالة على تحقق الحدث وثبوته للفاعل وصدوره عنه ويلازمه معنى المضيّ بالنسبة إلى زمان النطق والاستعمال . واخرى للدلالة على انه سيقع ويصدر الفعل من الفاعل ويعرضه . كما انه يستفاد منها الحال أو الاستقبال محضا بانضمام بعض ما وضع

وضع المصادر وغيرها

ص: 65

لذلك . والظاهر ان معنى المضى والاستقبال انما هو لازم المعنى وتحققه خارجا أو ترقّب وقوعه كذلك لا ان اللفظ وضع لذلك . بل ما وضع له اللفظ والهيئة الخاصة إنما هو التحقق أو الترقب في أي مادة حصلت هذه الهيئة . كما انه قد يراد اثبات تلبس الفاعل بالفعل وانه يتصف به فيفاد ذلك بالهيئة الفاعلية .

وهل الأصل في المشتقات هو المصدر وباقي التصاريف من الماضي والأمر اخذ واشتق منه كما هو المشهور أم لا ؟

بل كل موضوع يوضع غير ملحوظ فيه تبعيته لوضع آخر لا دليل على ذلك بل كلاهما ممكن .

والحاصل ان الوضع في الهيئات في المشتقات مقطوع به . كما ان المصادر أيضا لا دلالة لها إلا على نفس الحدث . ويفترق عن اسم المصدر بعدم لحاظ جهة الانتساب والصدور عن الفاعل فيه دون المصدر . ولكل ذلك قواعد مضبوطةمذكورة في محلها من علم اللغة بالمعنى الأعم . سواء روعى ذلك من ابتداء الأمرأو المذكور من علل ذلك في علم النحو والأدب من قبيل النكات التي يتنبه لها بعد الوقوع . ويستحسن لحاظها قبله .

ثم ان هيئة الفاعل والمفعول والماضي والمستقبل وغيرها من الهيئات لا اشكال في وضعها كما ذكرنا إلاّ ان مثل الضرب المتهيّئ بهيئة الماضي انما يستفاد معنى المضى والتحقق منه لمكان الهيئة . لكن انفهام معنى الضرب المصدري لابد أن يكون مستندا إلى الوضع أيضا . فاما ان يكون كلّ واحد من الهيئات موضوعة في ضمن موادها خاصا وان كان الوضع عاما فلا يكون الا وضع واحد متعلّقاً بالمادة والمصدر أو لا بل الهيئة موضوعة عاما والمادة أيضا موضوعة ولو في ضمن هيئته ما بلا لحاظ هيئته خاصة .

ص: 66

والحاصل ان الضرب المصدر بعد ان كان بهيئته الخاصة ومادته موضوعة لمعنى المصدر فلا معنى لالتزام كفاية وضع الهيئة وتلبس المادة بها في استفادة تحقق الضرب في الماضي . بل لابد أن يتعدى المدلول عن تحقق مادة ما ولا يستفاد معنى المادة الا بالوضع . والوضع اما يكون مطلقا بازاء الألفاظ الخاصة الثلاث من الضاد والراء والباء أو لا يكون كذلك . بل كما أشرنا إليه من تحقق وضع واحد بالمادة والهيئة معا ولا دليل على تعيّن واحد منهما .

نعم . المسلم عدم الوضع للمادة المجردة عن الهيئة لعدم امكان وجود أحدهما الا مع الآخر . والمتكلم تارة يكون بصدد الكشف عن وقوع النسبة وتحقق صدور العرض عن المعروض وقيامه به في عالم الخارج أو بانه يقع بعد ذلك فيفهم مراده بألفاظها الخاصة كالماضي والمستقبل سواء كان ما كشف عنه مطابقا لاعتقاده أو الخارج أو كليهما أم لا والكشف لا يقوم بذلك . بل ربما يطابقالواقع الخارج وربما لا . فيكون كذبا مرة وصدقا اخرى . وهذا هو الاخبار ولذلكقيل ان الخبر يحتمل الصدق والكذب . وتارة لا يكون بصدد بيان ذلك .

ولا يكون هناك معنى متحقق يكون بصدد الاخبار عنه وكشفه لا بالنسبة إلى ما مضى ولا إلى ما يأتي بل يريد ايجاد معنى في عالم الاعتبار وانشائه الذي لا يكون الا كايجاد التكوينيات . غاية الأمر حيث ان باب المفاهيم غير مسانخ للخارجيات لا يكون ما يوجد بالانشاء موجودا تكوينيّا والا فهذا أيضا تكويني وايجادي وتكوينه عبارة عن ايجاده في عالمه ويكون اللفظ آلة للايجاد ويسمى انشاءا ولا يكون قابلاً للصدق والكذب لعدم خارج له يلاحظ مطابقته له وعدمها .

ص: 67

وعلى هذا فباب الانشاء والاخبار متغايران ولكل منهما آثار وخواص ليست للآخر وليس أن لا يستعمل اللفظ في مقام الانشاء في معنى بل يستعمل ويوجد به مفهوم اعتباري يكون منشأ للآثار من البيع والنكاح وغير ذلك من الاعتباريات .

وقد يقال(1) ان الانشاء أيضا سنخ اخبار خاص ولا يكون في قبال بابالاخبار شيئا مغايرا له . بل اذا أراد ايجاد حقيقة البيع الذي هو أمر اعتباري في عالم الاعتبار كي يكون منشأ لترتب النقل والانتقال والحكم من الشارع بالملكية وعدمها يوجد ذلك المعنى في لوح نفسه ثم يخبر عنه باللفظ . فاللفظ في مقام الانشاء أيضا يكون استعماله للحكاية . غاية الأمر تارة يكون الحكاية والاخبار عن أمر خارجي . واخرى يكون عن أمر واقع في نفس المتكلم وضميره . ففي الحقيقة يتحقق البيع في نفس البايع ويكشف عنه باللفظ ويقبل القابل . غاية الأمر لا خصوصيّة للفظ ذاتية يوجد المعنى الاعتباري به على النحو الأول . وفي هذا

ص: 68


1- . لم يفرق في المحاضرات محاضرات في اُصول الفقه 43/95 - 98 بين الجمل الاخباريّة والانشائيّة فكما ان الجملة الانشائيّة لا تتّصف بالصدق أو الكذب بل انها مبرزة لأمر من الاُمور النفسانيّة . فكذلك الجملة الخبريّة فانّها مبرزة لقصد الحكاية عن الواقع نفياً أو اثباتاً وصحّح ان الجملة الانشائيّة موضوعة لابراز أمر نفساني غير قصد الحكاية ولم توضع لايجاد المعنى في الخارج واكتفى في الايجاد الاعتباري لمثل الوجوب والحرمة والملكيّة والزوجيّة وغير ذلك بنفس الاعتبار النفساني بلا حاجة إلى اللفظ والتكلّم به ثمّ استدرك بقوله نعم ان اللفظ مبرز له في الخارج لا انه موجد له وفرق مقرر المحقّق العراقي بين الانشاء والاخبار في الجملات الصالحة لكلّ من الأمرين من جهة المحكي وكون الاخبار عبارة عن وقوع النسبة وثبوتها وفي الانشاء ايقاعها الذي هو خروجها من العدم إلى الوجود وذكر ان في مقام الاثبات يحتاج في احراز كونها انشاءً إلى قرينة صارفة عن الاخباريّة . نهاية الأفكار 1/58 .

الفرض لا يكون الا اخبارا نهاية ما في الباب ان الشارع لم يمض ما انشأه في نفسه مطلقاً بل تارة يمضيه على كيفيات خاصة واخرى لا . وذلك لا يوجب تغييرا في حقيقة الانشاء الذي هو ايجاد المعنى في النفس ولا يتوجه عليه الاشكال بلزوم الوقوع أي المعنى ولو كان الكاشف عنه هو الكتابة .

الا ان هذا خلاف المشهور بينهم من كون الانشاء أمرا ايجاديا لا اخباريا وان كان قد يؤيد بعدم جعل للوجوب ولا للحرمة . بل هما انما ينتزعان عن حال المولى وكون ارادة الفعل أو الترك منه جديّة وكلماتهم في الأبواب المختلفة وما ذكروه في الأخرس في البيع والطلاق وانهم اكتفوا باشارته لكونها منه بمنزلة اللفظ . نعم ربما يحصل الشك بامضاء الشارع مطلق الموجد النفسي والمظهر باللفظ كالايجاب من البايع . بل اذا شك في اعتبار التوالي وموالاة القبول له يكون الأصل هو الفساد . ولا مجال لغيره من الأصول لكنه معنى آخر لا يرتبط بحقيقةالانشاء(1) .والحاصل انه قد علم ضعف دعوى ان الانشاء والاخبار ليسا من المداليل السياقية كما احتملنا اشتراك الوضع في بعض الألفاظ المستعملة فيهما كبعت كاحتمال الوضع لخصوص الأخبار والاستعمال في الانشاء يحتاج إلى قرينة ولا يحتاج الاخبار إليها . كما ان من المحتمل ما ادعاه بعض من كون مرجع الانشاء إلى الاخبار أيضا كما مرّ تقريبه وان يكون كلّها حكاية عن ما في لوح النفس وأحدهما يحكي ما اوجد في عالم الاعتبار في ظرفه الذهني . والآخر انما يحكي

المناقشة في كون الانشاء والاخبار من المداليل السياقيّة

ص: 69


1- . نقل بعض أجلة السادة من رفقائنا ان هذا المعنى في الانشاء ذهب إليه بعض أجداده المدفون بطبس وهو المرحوم الميرزا السيّد علي المدرسي اليزدي رحمه الله في كتاب له ذكر هذا فيه . وأقول هو مختار سيّدنا الأستاذ المعظم المرحوم السيّد الخوئي قدس سره كما عرفت .

عن ثبوته ووقوعه في أي عالم منهما محتجا على ذلك بورود الاشكال بناء على عدم تسليم هذا المبنى في جعل الاسباب الذي هو من المحالات . حيث انه اذا لم يكن المناط ما في لوح النفس مرادا به عالم الاعتبار من النقل والانتقال المناسب لذلك الوعاء فلا جرم من أن نلتزم بكون ألفاظ الايجاب والقبول من أسباب الملكية كما انه يتجه الاشكال على الوضع للاخبار في مثل بعت عدهم في باب المعاملات من الألفاظ الصريحة التي ليست بكناية ولا مجاز في البيع صيغة بعت(1) .

لكن ذلك الاشكال ضعيف لامكان اتجاهه على ما اختاره هذا البعض أيضا مع انه لا جعل كما لا تنزيل في بناء العقلاء . وانما انظارهم في مثل المعاملات وصيغها للايجاب والقبول طرق فيرونها اسبابا لا انهم يجعلون هذه أسبابا بلا مناسبة ويعتبرونها كذلك . بل لابد من خصوصيّة فيها تستتبع اعتبارها أسبابا فيأنظارهم التي قد يوافقها الشارع وقد يخالفها . فان عالم الاعتبار ليس من عالم العين ولا الذهن . بل الموجود الذهني في قبال الخارجي والخارجي اما الخارجي المدرك المحسوس المدرك بأسبابه التكوينية . وأمّا الخارجي الذي يكون تكوينه بالاعتبار وبناء على هذا المبنى فالأحكام الشرعية أيضا كذلك كلها تكون اخبارا وانما الحاصل حالة المولى حين تصديه لاستعمال صيغة الطلب في معناها وانما هذا في غير مقام الالوهية مما يناسبه كالنفس النبوي أو الولوي سلام اللّه عليهم والا فقد تعالت كبريائه عن ذلك علوا كبيرا .

ص: 70


1- . حيث انّه يمكن بالنظر إلى نفس المادّة لا الهيئة . أقول انه ممكن بالنظر إلى نفس المادة لا الهيئة .

ولكن حيث انه مذهب فرد خلاف ما عليه المشهور فهو بالاعراض عنه حقيق نعم يمكن الالتزام بكون الصيغة آلة للايجاد في نظر العقلاء والسببيته ذاتية والشارع امضاها اذ ليست أحكامه في أمثال هذه الأبواب تأسيسية . وربما يمكن تصحيح ذلك الكلام أيضا بالتزام كون ذلك منشأ الآثار العقلائية والشرعية .

لكن بشرط اظهاره اما مطلقا بأي سبب ومظهر . بالاشارة والكتابة أو التلفظ أو بسبب خاص منها وألفاظ كذلك كما في باب النكاح والطلاق .

ثم ان المنقول من أهل الصرف ان هيئة الأمر موضوعة لانشاء الطلب لا للطلب نفسه بل لانشائه .

الجهة التاسعة: في المبهمات كأسماء الاشارة الضمائر والموصولات .

سبق الكلام في الانشاء والاخبار وتحقيق الحق فيهما .

وعلم ان الوضع في الهيئات كالموضوع له والمستعمل فيه عام فان هيئة الماضي أو الفاعل أو غيرهما من الهيئات لم توضع للاستعمال مع مادة خاصة بل تستعمل في أي مادة لأي فاعل ومسند إليه . ولا اشكال في الالتزام بكون مثلالصيغ الماضية والمستقبلة موضوعة بجملتها لمعانيها لا بأن يوضع مادتها سواءوهيئتها كذلك .

أما المبهمات كأسماء الاشارة والضمائر والموصولات فقد ادعى بعضهم بكون الوضع فيها عاما والموضوع له كالمستعمل فيه خاصا استنادا إلى عدم الاستعمال في الكلي القابل للانطباق على كثيرين خصوصا والوضع فيها لا يكاد يستعمل خلاف الحكمة . فعلى هذا لابد أن يكون الموضوع له والمستعمل فيه في المبهمات خاصا .

وضع المبهمات

ص: 71

وهذا بخلاف الحروف اذ لا يستدعى الاستعمال فيها التشخص وفي المبهمات لازم معانيها ذلك لان الاشارة كالتخاطب تستلزم الشخص . هذا .

وأجاب المحقق الخراساني قدس سره (1) عن ذلك بأن الموضوع له والمستعمل فيه فيها أيضا عام كالحروف وأسماء الأجناس . لأن التشخص انما يجيء من قبل الاستعمال ويستحيل أخذ الخصوصية الجائية من قبله في الموضوع له والمستعمل فيه هذا ظاهر كلامه .

لكن ينبغي التنبيه على انه ما لم يعاون الاستعمال باليد والاشارة الخارجية لا يستفاد من أسماء الاشارة معنى ولا يعيّن المستعمل فيه . فان اريد بأخذ التشخص في معانيها انّهما مراد فان لمعنى الاشارة فمن البيّن أن لا يكون المعاني قابلة لحمل مفهوم الاشارة ولا معناها عليها خصوصا وتستعمل في الأشخاص ويقول المستعمل لمن عرفه باسمه وشخصه بعد عهد بعيد زيد هذا . وان اريد خروجهما عنها وان المستعمل فيه والمراد هو المشار إليه فهذا أيضا غير ظاهر .ثم على فرضه لا يكون شخصيّاً .والحاصل ان في الضمائر وباقي المبهمات يمكن الذهاب إلى عموم الموضوع له والمستعمل فيه فيهما لما ذكرنا من عدم انفهام المعنى بدون الاشارة الخارجية وانما يترتب على هذا ثمرة فقهية وهي ان الفقهاء قالوا في الشبهة الحكمية والموضوعية في التسليم على المصلى انه يجب بقصد القرآنية بقوله سلام عليك مع انه تبين ممّا ذكرنا عدم صحة هذا الكلام حيث ان قصد القرآنية ينافي الخطاب والدعاء للمخاطب كما انه ينبغي أن يعلم انه ربما لا يتحقّق الاختلاف بين

ص: 72


1- . كفاية الاُصول 1/16 في خصوص أسماء الاشارة والضمائر .

المحققين الخراساني والنائيني في الخبر والانشاء .

وان مرجع كلامهما واحد . وحيث ان المحقق الخراساني لا يريد بقوله في الصيغ المستعملة فيها ليراد بها الانشاء أو الاخبار أخذ ذلك فيها قيدا أو تقيدا فترجع إلى مختار المحقق النائيني من كونهما من المداليل السياقية .

وكيف كان المختار في المبهمات كون الموضوع له والمستعمل فيه خاصا .

نعم ان ثبت الاستعمال في العام فيمكن الالتزام به .

تتميم: هذا الذي ذكرنا عن السيّد الاستاذ قدس سره رجع عنه في الليلة المتأخرة واختار ان المبهمات بأقسامها موضوعة بالوضع العام والموضوع له والمستعمل فيه أيضا عام . لكن ليس المراد بالعموم في المقام الشمولي . بل الذي يناسبه هو العموم البدلي حسب ما يساعده الوجدان ولا برهان عليه لرجوعه إلى اثبات اللغة بالاجتهاد .

بقي الكلام في امور: أحدها هل المجاز منحصر بالمجاز في الاسناد أي المجاز العقلي الذي ذهب إليه السكاكي وان اللفظ في جميع موارد استعمالاته لا يستعمل الا في ما وضع له . غاية الأمر حيث انه ربما لا يكون المراد به معناهالموضوع له لقيام القرينة على المراد وحكومتها على ذي القرينة ( لأنه منمصاديق الأظهر والظاهر ) الذي لا تعارض بينهما . بل لهما جمع عرفي وحينئذٍ فلا يكون القرينة الا على المراد ولا استعمال الا فيما وضع له اللفظ ولا وجود للمجاز في الكلمة أصلاً أم لا . بل يمكن استعمال اللفظ في غير ما وضع له وان لم يوضع له اللفظ . غاية الأمر لابد من قيام القرينة على الاستعمال وارادة المستعمل باستعماله غير وضع له اللفظ وجهان بل قولان . اختار سيّدنا الأستاذ قدس سره الأوّل بدعوى ان

بحث المجاز

ص: 73

اللفظ لا يستعمل الا في معناه ويستحيل بعد وضع اللفظ للمعنى ووجود العلاقة بينهما استعماله في غيره بل يستفاد منه المعنى وان لم يرده المتكلم ولا خصوصية لذلك بالاستعمال من متكلم . اذ بعد حصول العلاقة يوجب مجرد تصور اللفظ بأيّ شيء حصل خطور المعنى في الذهن بلا اختيار ولو كان من جدار أو حيوان فضلاً عن المتكلم من غير اختيار أو باختياره . وعلى هذا فالاستعمال عبارة عن القاء المعنى بكسوة اللفظ بحيث لا التفات إلى اللفظ وكانه المعنى . ولا غرو في دعوى ذاتية الدلالة للألفاظ على المعاني . ويمكن ارادة مدعى الذاتية ذلك بعد الوضع وعلى هذا فالقرينة دائما انما تكون قائمة على المراد لعدم امكان ارادة غير ما وضع له اللفظ باستعماله بجعله فانيا فيه والقائه به وكونه قالبا له .

وبهذا يندفع ما يقال في اختيار القول الثاني من ان الاستعمال عبارة عن جعل اللفظ قالبا للمعنى سواء كان موضوعا له أم لا . وان الاستعمال في غير ما وضع له ليس ممنوعا ولا بمستحيل . لكنه يقيم القرينة على ان ارادته بالاستعمال انما هو غير ما وضع له وان الاستعمال كان في المعنى غير الحقيقي .

اذ بعد ما عرفت من كون الدلالة غير تابعة لارادة اللافظ .

لا يبقى مجال لهذه الدعوى . وجعل ذلك منوطا بالارادة . فان الانفهام لايكون الا للمعنى الموضوع له . اراده المتكلم أم لا بل . يستحيل تبعيته للارادة . وانالحاصل في ذهن المخاطب انما هو المعنى الذي يدرك بالعقل كما أشرنا إليه سابقا .

نعم قيام قرينة المجاز العقلي انما يكون سببا لانصراف الذهن عن الموضوع له إلى غيره .

ص: 74

اذا عرفت هذا . تعلم انه لا يبقى مجال للكلام في وضع المجازات وانها موضوعة بالوضع الشخصي أو النوعي كما ذهب إلى كلّ منهما فريق أم لا . بل بحسب ما يناسبه الطبع ويقبله الوجدان كما هو الحق المحقق . اذ ذلك فرع المجاز في الكلمة وبعد انكاره وان المجاز كله عقلي فيسقط هذا البحث . ولابد من الالتزام بكون الاستعمال في ما وضع له اللفظ وان القرائن انما تكون لبيان المراد ولا يشترط وجود علاقة معتبرة من العلائق المذكورة المحصورة حسب الاستقراء في خمسة وعشرين نوعا اذ المناط حينئذٍ هو المناسبة والا حالة إلى الوجدان كما هو واضح .

وترى كثيرا من الألفاظ كذلك تستعمل في غير ما وضع له ولا علاقة هناك من العلائق المذكورة . بل مصحح جميع ذلك انما هو المناسبة لما وضع له .

وذكر في الكفاية(1) ان من هذا الباب استعمال بعض الألفاظ المهملة في افادة معاني خاصة مع انها لا وضع لها .

ومن هذا الباب أيضا استعمال اللفظ في افادة نوعه أو صنفه أو شخصه فانا نرى بالوجدان صحة استعمال قولنا ضرب فعل ماض ويراد به طبيعة هذه اللفظةوكذا الاستعمال في الصنف كقولنا ضرب في ضرب زيد فعل ولا علاقة من العلائقالمعتبرة الا المناسبة . بل كذلك يجوز الاستعمال في الشخص كقولنا زيد لفظ أو مبتدأ ونحو ذلك من المحمولات القابلة للحمل على شخص اللفظ الذي هو المبتدأ . وادعى صاحب الفصول أمتناعه برجوعه إلى تثنية اجزاء القضية الملفوظة والمنقولة حيث ان المحمول والموضوع متحدان ولا ربط بين الشيء ونفسه فلا

ص: 75


1- . كفاية الاُصول 1/20 .

يجوز مع استلزامه اتحاد الدال والمدلول . وأفاد في الكفاية(1) في بيانه بما لفظه ( انه ان اعتبر دلالته على نفسه حينئذٍ لزم الاتحاد والا لزم تركبها من جزئين لان القضية اللفظية على هذا إنّما تكون حاكية عن المحمول والنسبة لا الموضوع فتكون القضية المحكيّة بها مركبة من جزئين مع امتناع التركب الا من الثلاثة . ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين انتهى .

وأجاب

قدس سره عن الاشكال الأول بكفاية تعدد الدال والمدلول اعتبارا .

قال(2) فمن حيث انه لفظ صادر عن لافظه كان دالاً ومن حيث ان نفسه وشخصه مراده كان مدلولاً . وعن الثاني بأن(3) ذلك فيما اذا لم يكن الموضوع نفس شخصه والا فاذا لم يكن للفظ مفهوم ولم يستعمل في معنى فلا يشترط التركب من ثلاثة أجزاء .

وحكى سيدنا الاستاذ قدس سره انه اختار هذا الجواب المحقق النائيني قدس سره وأفاد

في بيانه وحرره هذا . وقد اختار ما ذهب إليه المحقق الخراساني من دلالةاستعمال الألفاظ في المعاني المجازية بالطبع جماعة ممن تقدمه وتأخر عنه .

كما انه أفاد في صحة استعمال اللفظ في معنى غير ما وضع له ادعاء بكونهغير العلم الشخصي ولكنه التفت إلى نحو استعمال حاتم في الجود حيث انه يلزم سبك مجاز عن مجاز فتأمل .

تتميم: ربما يستشكل صحة استعمال اللفظ وارادة شخصه بلزوم اتحاد الدال والمدلول وحيئذٍ فيمكن جوابه بما سبق عن المحقق الخراساني قدس سره في

استعمال اللفظ في شخصه

ص: 76


1- . كفاية الاُصول 1/20 - 21 .
2- . كفاية الاُصول 1/20 - 21 .
3- . كفاية الاُصول 1/20 - 21 .

الكفاية بالتعدد الاعتباري فان للّفظ اعتبارين اعتبار صدوره من اللافظ فيكون بهذا الاعتبار دالاً واعتبار من حيث نفسه فيكون مدلولاً . واخرى بتعدد اللحاظ فان اللفظ من حيث انه مراد ومستعمل فيه يكون لحاظه استقلاليا . ومن حيث انه يستعمل في ارائة نفسه يكون لحاظه آليا . واجتماع لحاظين متنافيين في آن واحد بالنسبة إلى شيء واحد محال .

نعم يمكن الجواب عن ذلك بأنه ليس من الاستعمال في شيء . وان اخطار المعنى في ذهن المخاطب تارة يكون بالحاكي عن المعنى والمراد . واخرى بايجاد نفس الموضوع في القضية المعقولة . وحينئذٍ فلا استعمال كي يلزم تعدد الدال والمدلول ويشكل الجواب .

والحاصل ان ذلك اما أن يكون بالاستعمال فلابد من الالتزام بايجاد الموضوع وترتبط اجزاء القضية الذهنية بذكر المحمول وايجاد الموضوع وتحصل النسبة قهرا بينهما فتتم القضية .

واما لا يكون بالاستعمال بل نظير ذي العلاقة اذ لا يكون العلاقة فانية في ذي العلاقة ثم ان الاستعمال كذلك انما يصح اذا كان المحمول قابلاً للحمل على الموضوع والا فان لم يكن فلا يصح الا كذبا . كما اذا قلنا ان زيدا مبتدأ أو لفظ وكذلك لابد من ارادة الصنف أو المثل أو النوع من ذلك أيضا . وربما يشملالمحمول نفس الموضوع أيضا ان كان قابلاً لذلك والا فلا .ثم انه لا وجه للاشكال في لزوم اتحاد الدال والمدلول بأن لحاظ المعنى أي اللفظ انما يكون رتبةً مقدما على الاستعمال وايجاده في الخارج فلا يلزم اجتماع اللحاظين . اذ لا اشكال في ان اللفظ انما يراد به نفسه ومن هذه الجهة يكون النظر إليه استقلالاً .

ص: 77

والفرض انه ليس الملقى لنفسه الا نفسه ولا فاني فيه الاّ هو فهذا اجتماع اللحاظين وذلك في رتبة واحدة بخلاف باقي الصور فلا يلزم اتحاد الدال والمدلول ولا اجتماع اللحاظين .

والمسئلة يحتاج إلى تأمل أزيد ممّا ذكرنا .

ومن التنبيهات ما وقع فيه النزاع من ان الألفاظ هل هي موضوعة بازاء معانيها الواقعية أم بما هي معلومة . فاذا لم يكن الشيء معلوما فلا موضوع له وليس له وضع . ويترتب على هذا ترتب جميع الأحكام على المعاني المعلومة وموضوعاتها كذلك ولا يلزم محذور التصويب . فاذا قال الخمر حرام معناه معلوم الخمرية حرام .

وكذا اذا جعل جلد غير المأكول مانعا في الصلاة معناه المعلوم وهكذا في ساير الأحكام والموضوعات ولا يتوجه محذور التصويب لعدم سراية اللفظ بمعناه إلى مطلق المعاني . بل الأحكام إنّما هي للمعلومة . ولا اشكال في عدم اتحادها مع المشكوكة والمجهولة . فلا يترتب على أحدهما أحكام الآخر . وكذلك من الأمور اللازمة ذكرها في التنبيهات .

هو ما عنونه الاصوليون أيضا من ان الألفاظ هل هي موضوعة بازاء معانيها أم بما هي مرادة . وحرّر بعضهم محلّ النزاع بنحو آخر وهو هل الدلالة تتبع الارادةأم لا . لا اشكال في انها وضعت لمعانيها بما هي لا بما هي مراده . وذكر فيالكفاية(1) ان الدلالة التصورية لا يعقل القول بتبعيتها للارادة من أحد فضلاً عن العلمين أي الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي وارتضى ما في هذا التنبيه في الكفاية

هل الألفاظ موضوعة بازاء معانيها الواقعيّة

ص: 78


1- . كفاية الاُصول 1/23 - 24 .

الا خصوص ما جعله صاحب الكفاية جهالة وضلالة حيث لم يحرز كون اللافظ بصدد الافادة بل اخطأ وقطع بما ليس بمراد واستشكل عليه بعدم صحته وكذا لا مجال لتوجيه كلماته قدس سره فليراجع الكفاية .

الكلام في طرق معرفة المجاز من الحقيقة:

قلنا بالمجاز في الكلمة أم لا وذكر من الطرق تنصيص الواضع أو اهل اللغة . الا ان الثاني لا يفيد غالبا الا العلم بعدم كون المعنى الحقيقي خارجا من موارد الاستعمالات . اما تعيين الموضوع له في صورة التعدد فلا يتكفّله لان هم اللغوي حصر موارد الاستعمال .

نعم . قيل ان التبادر وعدم صحة السلب من العلائم التي يمكن الاستطراق بها الى معرفة الوضع وحيث ان التبادر لا يكاد يحصل لمن لم يعلم بالوضع ففي معرفة الوضع به توقف الشيء على نفسه وهو الدور الواضح كما قيل في الشكل الأول من الاشكال الأربعة المنطقية . وحيث انه لابد في الانتاج من كلية الكبرى وهي لا تحصل الا بالعلم بالنتيجة المتوقف على العلم بالكبرى كما في مثل قولنا العالم متغير وكل متغير حادث .

فالعالم حادث . لكن لا يخفى عليك الفرق بين الدور الحاصل في المقام وبين ما هو في الشكل الأول . وذلك لعدم توقف العلم بالكبرى في الشكل الأول على العلم بالنتيجة . بل كما في المثال مستند إلى ملازمة عقلية بين الحدوثوالتغير وهو لا ينقص شيئا في حصول العلم بالنتيجة الا صغرى وجدانية فبانضمامها إلى ذلك تحصل النتيجة المطلوبة . اذ ليس الكبرى استقرائية . وهذا بخلاف ما نحن فيه لعدم امكان حصول التبادر من حاق اللفظ لغير العالم به .

ص: 79

وقد اجيب عن ذلك كما عن المحقق الخراساني(1) وغيره قدس سره م بالاجمال والتفصيل . والذي يتوقف عليه حصول التبادر هو العلم الاجمالي والذي يحصل به التفصيلي .

ولا يخفى عليك فساد ذلك لو اريد بالاجمال العلم الاجمالي المصطلح فانه لا يحصل العلم التفصيلي بشيء من المعاني كذلك . وان اريد به الاجمالي الارتكازي الذي ليس بالتفات تام . ففيه ان الكلام انما هو في كون الشيء علامة للوضع وهذا لا يوجبه بل غايته تذكر النفس لما قد علمته .

واجيب بنحو آخر . وهو التبادر الحاصل عند أهل المحاورة . وكونه دليلاً للوضع عند الجاهل به مسلم . لكنه لابد من استناده إلى حاق اللفظ فان التبادر على قسمين حاقي واطلاقي . والثاني لا يثمر ما نحن بصدده . والحاقي لابد فيه كما ذكرنا من معلومية استناده إلى نفس اللفظ لا القرائن الحالية أو المقالية أو المقامية .

ثم انه لا ينفى بمجرده سلب الحقيقة عن غير مورده بل ولا يثبت انه هو المعنى الحقيقي اذ يحتمل فيه كون المورد من انطباقات الموضوع له كما يحتمل تعدد الوضع وكون اللفظ حقيقة في المورد وفي غيره من الموارد .نعم لو انضم إليه عدم تبادر الغير امكن استفادة انحصار الوضع وعدمالاشتراك فيه(2) .

كما انه يمكن عدم تطرق احتمال كون المورد من موارد انطباق الموضوع له في مثل ما لا يكون المستعمل فيه من هذا القبيل لغيره كالأضداد .

اشكال التبادر

ص: 80


1- . كفاية الاُصول 1/25 .
2- . هذا ان قلنا بعدم الاحتياج إلى القرينة المعيّنة .

ثم انه عد من علائم الحقيقة صحة الحمل ومن علائم المجاز صحة السلب ويرد اشكال الدور هنا . وانما يفيد ذلك في مساعدة أهل العرف واللغة فيه والا ففي غيره يرد اشكال الدور . فاذا لم نعلم ماء الرمان ماء أم لا نستعلم أهل العرف فيه . فان أمكن صحة الحمل عندهم وكذا عدم صحة السلب نكشف بوجه ما . والا ففيه ما اشير إليه فتأمل .

خلاصة ما ذكرنا: في كون التبادر وعدم صحة السلب علامتين للوضع . لزوم استناد الأول إلى حاق اللفظ لا حاصلاً من الاطلاق سواء كان من قبيل اطلاق المعنى على أحد أفراده الذي لا يحتاج إلى قرينة . بل عند عدم قرينة الخلاف ينصرف إليه أو الاطلاق الذي يحتاج إلى مقدمات الحكمة . وقد ذكرنا توجه اشكال الدور في التبادر وفي صحة السلب وعدمها على كلا النحوين سواء كان بالحمل الأولى الذاتي أو الشايع الصناعي . اذ لا يكاد يحصل التبادر ولا يصح الحمل ولا عدم صحة السلب الا لمن كان عالما بالوضع .

فلو توقف حصول العلم بالمعنى الحقيقي من المجازي على ذلك فيدور كما هو واضح . ودفعه بالاجمال والتفصيل وكون المتوقف عليه التبادر هو العلم بكون المعنى الحقيقي أحد هذه وبالتبادر يراد تعيينه تفصيلاً أو المراد بالاجمال كونذلك ارتكازيا لكنه غفل عنه الا انه موجود في الحافظة وخارج عن الذاكرة . قدعرفت عدم اثمار الاولى ولا الثانية . ويمكن أن يكون المثمر هو التبادر عند أهل المحاورة وكذلك يعتبر في صحة السلب وعدم صحته . اذ ما لم يكن عالما بالوضع لا يمكنه السلب ولا عدمه والممكن الرجوع إلى أهل العرف واللغة وبالتنصيص منهم وان كان الغالب في أهل اللغة ( كما ذكرنا ذكر موارد الاستعمال . لكن يمكن

ص: 81

استفادة الموضوع له في بعض الموارد . وأما الاستعمال فهو أعم من الحقيقة . وأصل عدم القرينة انما يثمر لو جرى في تشخيص المراد وتعيينه لا في كيفية الارادة وانها على نحو الحقيقة أو المجاز وكذلك الكلام في الاطراد .

في دوران الأمر بين أحوال اللفظ .

لا يخفى انه اذا دار الأمر بين الاضمار والمجاز والتخصيص وغيرها فلا أصل يرجع إليه مما ذكر في تعارض الأحوال ويكون الأصل عدم ارادة غير المعنى الحقيقي . فيما اذا كان المراد معلوما وفي غيره أيضا اذا كان المراد معلوما ولو بقرينة سياقيه أو عقلية وغيرها فكذلك(1) .

انما الكلام فيما إذا علم عدم ارادة المعنى الحقيقي ودار الأمر بين غيرها ويظهر ثمرة البحث في موارد كثيرة من الفقه وقع الكلام في تشخيص المعنى المراد كالصعيد وانه هل هو مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب . أو المراد بالطيب وانه مقابل الخبيث أم لا أو الظاهر أو الباطن والبشرة . وهل يشمل مثل باطن العين أو لا وأمثال ذلك من الموارد الكثيرة التي يحتاج إلى تنقيحها الفقيه في مقام الاستنباط والظاهر معلومية كثير منها بالنصوص وغيرها بالسياق وغير ذلك فليراجع وليتأمّل .الكلام في الحقيقة الشرعية .

اختلف كلامهم فيها اما في خصوص مخترعات الشارع كالصلاة والصوم والحج والزكاة أو مطلقاً ولو فيما له حقيقة عند العرف ويعرفونه وعليهم مدار معاشهم ومرور دهورهم والظاهر وقوع النزاع في القسم الأوّل ( أي مخترعات

دوران الأمر بين أحوال اللفظ

ص: 82


1- . الظاهر بل المسلم كما تقدم آنفا عدم جريان أصل الحقيقة اذا كان المراد معلوما .

الشارع ) وعنون البحث في الكفاية(1) ومهد قبل بيان المطلب مقالاً بنى عليه دعوى الوضع التعيني من الشارع وهو امكان حصول وضع اللفظ بنفس الاستعمال وعبارته هذه ( يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما اذا وضع له بأن يقصد الحكاية عنه والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة الخ .

وأورد المحقق النائيني قدس سره عليه بأنه لا يمكن حصول الاستعمال قبل الوضع اذ لابد في الاستعمال من سبق وضع والا فيكون لغوا ولا يفيد المخاطب شيئا . الا انه وجّه مراد صاحب الكفاية بأن يكون الاستعمال لا للحكاية . بل لبيان غرضه من التسمية كما اذا صرح مريدا بذلك تسميه ولده احمد أو قال جئني بأحمد غير مريد من لفظة احمد الا خصوص الوضع ولا يجعله فانيا في معنى . ضرورة توجه الاشكال لو كان كذلك ويكون هذا كما صرح بالتسمية بقوله سميت ولدي هذا أحمد .

وأنت ترى اباء كلام صاحب الكفاية من هذا التوجيه بل غرضه وصريح

مراده كون الاستعمال في المعنى والدلالة بنفس اللفظ المستعمل . غاية الأمر يقيم القرينة لا للمراد بل لارادته من اللفظ هذا المعنى . وذيل كلامه ينادى بما ذكرنا .فان قوله فيما بعد ( وكون(2) استعمال اللفظ فيه كذلك في غير ما وضع له بلا مراعاةما اعتبر في المجاز الخ ينافي التوجيه . هذا ويؤيده عدم تمامية بناء ما يريده من دعوى الوضع التعييني في لسان الشارع الا بهذا النحو فانّ الوضع بنفس الاستعمال من الشارع في أول مرة ويكون ثانيا وثالثا استعمال اللفظ في هذا

ص: 83


1- . كفاية الاُصول 1/32 .
2- . كفاية الاُصول 1/32 .

المعنى لا يمكن الا بأن يكون الشارع استعمل اللفظ في ما يريده من المعنى الشرعي . بأن يقول الصلاة ويريد بها الأعمال الخاصة والأذكار كذلك . ولا يحتاج ثانيا إلى هذا . ولابد مع ذلك من كونه بصدد الوضع .

وادعى صاحب الكفاية قرب هذا وان دعوى مدعيه غير مجازفة وأضاف إلى ذلك سيّدنا الاستاذ قدس سره بكونه في مقام الوضع .

وبيان ذلك والا فيسعه من يقيم قرينة على مراده من لفظ غير ما وضع له هذا اللفظ . فلابد من الالتزام بكون كل استعمال مجازي وضعا . وهذا مما لم يقل به أحد ولا سبيل إليه .

والحاصل انه يمكن ثبوتا ذلك . لكن الكلام في ان الشارع أفاد هذا البيان الذي يستفاد منه الوضع ولو حقيقة الوضع لا بعنوانه الخاص .

والظاهر انه لا سبيل إليه . وما ورد(1) في ان صلاتنا ذكر وقرآن ودعاء . أو ثلث ركوع وثلثها سجود وثلثها طهور . فعلى تقدير تماميته في الدلالة على المدعى انما صدر في زمن الصادقين علیهم السلام وهو غير ما نحن بصدده من اثبات الحقيقة الشرعية في لسان الشارع وفي عصره .

كما انّه يمكن الاشكال في الوضع التخصيصي كذلك لتوقفه على اختراعهذه المعاني وكونها من مستحدثات شرعنا وهو غير ثابت . بل الظاهر كونها مشروعة قبل ظهور نبينا علیه السلام في الشرايع السابقة . فكيف يمكن تصحيح هذه الدعوى . بل يمكن دعوى ان الدين واحد . غاية الأمر خصوصيات الزمان ناسبت

الحقيقة الشرعيّة

ص: 84


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 9/1 من أبواب الركوع . الرواية صحيحة قال علیه السلام الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود .

واقتضت اظهار بعض ما اخفى في ساير الأديان كما بالنسبة إلى شرعنا .

فان اول الاسلام وبدء ظهور تلك النجمة الباهرة لم يكن ليبلّغ كل الأحكام بل يبين التوحيد إلى ان استدرجهم في قواعد الدين وأركانه إلى ان أتمّه بالولاية « اليوم أكملت لكم دينكم»(1) الآية وعلى هذا فتسقط هذه الدعوى من رأس .

قد ذكرنا ما مهّد صاحب الكفاية(2) لما ذهب إليه من حصول الوضع بنفس

الاستعمال وينفع ذاك الاستعمال في الاستعمالات اللاحقة ثمّ انها اما أن تكون حقيقة أو مجازا . اما هذا الاستعمال فلا يكون حقيقة ولا مجازا بل نظير الاستعمالات التي يحسنها الطبع ويقبلها الوجدان فيما اذا لا تكون بالوضع كاستعمال اللفظ مثلاً في ارادة جنسه أو ما شاكل ذلك . ولا دليل عقلاً ولا عرفا على عدم خروج الاستعمال عن الحقيقة والمجاز . بل ما ذكرنا يدل على عدمه فبالنظر إلى هذه المقدمة جعل قدس سره دعوى الوضع التعيني غير مجازفة بأن يحصل الوضع بنفس الاستعمال . أي العلقة التي تحصل بسبب جعل الربط والنسبة وتكون الاستعمالات بعدها مستندة إلى هذه العلقة وذاك الاختصاص .

كما انه يمكن حصول الوضع بالتعهد وكون الاستعمال ناشئا منه والقرينةعلى الوضع لا الموضوع له والمراد(3) .ثم انه قد يقال ان هذا اذا لم تكن المعاني موجودة في الشرايع السابقة وكانت مخترعة في شرعنا فيستقيم دعوى الحقيقة الشرعية والا فبناء على كونها في شرايع الانبياء السابقين كما هو قضية غير واحد من الآيات والروايات فلا تتم

الاشكال في ثبوت الحقيقة الشرعيّة

ص: 85


1- . المائدة /4 .
2- . كفاية الاُصول 1/32 .
3- . ما ذكره من الامكان لا مجال للخدشة فيه اما الوقوع فلا دليل لاثباته كما ذكرنا سابقا .

الدعوى ولا سبيل إلى الحقيقة الشرعية وما يترتب على اثباتها . فان المسلم ان الانبياء من لدن آدم إلى الخاتم صلوات اللّه عليهم أجمعين كانوا جميعا مبلّغين عن اللّه جلّ شأنه دين الاسلام ويأتي النبي السابق ببشارة النبي اللاحق ويؤخذ احيانا من اللّه الميثاق لتصديقه . بل التصديق للأوصياء فضلاً عن الأنبياء السابقة . غاية

الامر اختلاف الشرايع في كيفيات العبادات وغيرها كاختلافها بحسب الحالات المختلفة للمكلف في شرعنا . فان للصلاة مثلاً عرضا عريضا بالنسبة إلى أحوال المكلف من اختيار واضطرار وأنحاء الاضطرار إلى حالة الغرق مثلاً ومع ذلك لا يوجب اختلاف هذه الأحوال في الصلاة اختلافا في الحقيقة والماهية فكذلك يمكن ذلك بالنسبة إلى شرعنا بالنظر الى ما في الشرايع السابقة وعلى هذا فالدين واحد عند اللّه وهو الاسلام وكلّ الأنبياء كانوا داعين إليه .

نعم ربما لم يؤمر بعضهم بتبليغ بعض الأحكام بالنظر إلى جهات المصالح والمفاسد ومقتضيات الأزمان والا فأصل الدين وكثير من فروعها واحد .

فعلى هذا ربما لا يمكن دعوى الحقيقة الشرعية بالنظر إلى اختراع هذه المعاني . لكنه لا مانع من جعل الاسم وان كان المعنى موجودا ضرورة اختلاف لغات الأنبياء من سرياني وعبراني وعربي وغيرها فلو سلم وجود المعاني الحاصلة في شرعنا لا يوجب تسميتها بهذه الأسماء الفعلية في عرف المتشرعةفلتكن أسماءها من سنخ ما يناسب لسانهم وفي العربيّة جعل الحقيقة الشرعية على حذو ما لو كانت مخترعة محدثة في شريعتنا المقدسة .

وما نقل عن بعض من تسمية الصلاة في انجيل برنابا بالصلاة فهو على تقدير صحة النقل لا يثمر شيئا . ضرورة عدم كون هذا الانجيل كساير اناجيلهم ما

ص: 86

نزل على عيسى على نبينا وآله وعليه السلام كي يمكن التشبث به في قدم التسمية .

نعم قد يمكن أن يقال ان أنيباء السلف خصوصا اولى العزم منهم كانوا عالمين بجميع اللغات سواء العربي والسرياني والعبراني وغيرها ولا يختص ذلك بسليمان علیه السلام بل آدم ومن دونه وبعده منهم كانوا عالمين بجميع اللغات قبل أن يحدث ويوجد ذووها وأهلها . بل في بعض المواضع ان آدم علیه السلام علم جميع اللغات وورثتها ذريته عنه علیه السلام إلى ان تفرقوا وتفرد كل طائفة وقوم منهم بلغة منها .

وحكى(1) ان سليمان بن داود علیه السلام كان يتكلم في الحرب بالفارسية وفي

خلوة نسوانه بالسريانية ومع ندمائه بالعبرانية . فعلى هذا لا يتم الدعوى .

نعم الخمس لم يكن مشروعا في غير شريعتنا بل هو مخصوص بهذه الشريعة الخاصة كرامة للنبي صلی الله علیه و آله ولم يكن اولوا السهام موجودين(2) ومقتضى بعض ما ورد في وصايا النبي صلی الله علیه و آله (3) ان سهم اللّه وسهم رسوله وذي القربى بعدالنبي

صلی الله علیه و آله لعلي علیه السلام وبعده للأئمّة من ولده خاصة ثم للضعفاء من ذريته ولازمه عدم استحقاق ذوي القربي من غير أولاد أميرالمؤمنين علیه السلام شيئا فيخصص الآية

ص: 87


1- . قال الصادق علیه السلام: وأعطى سليمان بن داود مع علمه معرفة النطق بكلّ لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهائم والسباع وكان فكان إذا شاهد الحروب تكلّم بالفارسيّة وإذا قعد لعماله وجنوده وأهل مملكته تكلّم بالروميّة وإذا خلا بنسائه تكلّم بالسريانيّة والنبطيّة وإذا قام في محرابه لمناجاة ربّه تكلّم بالعربيّة وإذا جلس للوفود والخصماء تكلّم بالعبرانيّة . تفسير البرهان 3/198 .
2- . نعم . لكن قبل زمان نبيّنا صلی الله علیه و آله .
3- . لم أعثر على مأخذه والموجود في الوسائل والمستدرك يخالف ما في المتن . وسائل الشيعة أبواب قسمة الخمس /9، مستدرك الوسائل أبواب قسمة الخمس /7 . نعم في جامع الأحاديث عن طرف ابن طاوس رواية عن موسى بن جعفر علیه السلام ما يدلّ على ما في المتن . جامع الأحاديث 1/484 .

الشريفة لو تم . والبحث موكول إلى الفقه .

تأكيد وتوضيح: سبق استقراب صاحب الكفاية قدس سره دعوى(1) الوضع التعيني في لسان الشارع بنفس استعمال ألفاظ العبادات وما ذكره سيدنا الاستاذ قدس سره توجيها له يقبله صراحة كلام صاحب الكفاية . وذكر فيها ان مع احتمال كون الحقائق المجعولة في شرعنا ثابتة في الشرايع السابقة كما هو قضيّة غير واحد من الآيات والروايات فألفاظها حقائق لغوية لا شرعية . وحينئذٍ فاختلاف تلك العبادات مع عبادات شرعنا لا يضر باتحاد الحقيقة بعد كون ذلك من قبيل المحققات والمصاديق كما هي مختلفة في شرعنا بحسب اختلاف حالات المكلفين . وكذلك في الاعلام كزيد مثلاً فانه لا يوجب كبر سنّه وقصر طوله وكبره اختلافا في الحقيقة وكونه زيدا . وهذا ان قلنا بان الصلاة عبارة عن نفس الأفعال .

ثمّ ان تصوير الجامع بين أفراد الصلاة في شرعنا حسب اختلاف الحالات كيف كان فكذلك الأمر بالنسبة إلى شرعنا وتلك .

نعم ان قلنا ان الصلاة عبارة عن الخضوع الذي يشتمل عليه الصلاة أو هي أي الأفعال محصلة له في الصلاة وكذا في الصوم مثلاً خضوع يناسبه وكذلك في الحج وساير العبادات فربما لا يصعب تصوير الجامع بين الحقيقتين اللتين هما صلاتنا وصلاتهم .والحاصل انه قدس سره ذهب إلى كونها حقيقة لغوية لو ثبتت في الشرايع السابقة واستشكل عليه ابنه محمّد بن المصنف في بعض حواشيه على الكفاية بأن(2) ذلك

تصوير الجامع بين أفراد الصلاة

ص: 88


1- . كفاية الاُصول 1/33 .
2- . حاشية كفاية الاُصول 1/33 .

لا يتم . إذ من الممكن كون ذلك بغير هذه الألفاظ الخاصة في شرعنا لافادة هذه الحقائق ولو فرضنا انها هي بعينها لكنه لا يوجب كون ألفاظنا في شرعنا حقيقة لغوية لامكان عدم الوضع الا بها فيكون كما ذكرنا لا حقيقة ولا مجازا كما انه يمكن أن يكون نعلم المراد بمعونة القرائن لهذه الألفاظ الواردة في القرآن وانفهام هذه الحقائق الثابتة في شرعهم .

وكيف كان فلا ملازمة بين عدم اختراع هذه الحقائق وعدم وضع الألفاظ

بل يمكن كما ذكرنا الاستعمال بالوضع السابق عليه في المعنى المرادف لتلك المعاني كما هو المناسب في ترجمة لغة باخرى فان الدأب على اتخاذ ما يرادف من الألفاظ للألفاظ الدالة على المعاني الخاصة في تلك اللغة . في الترجمة لو كانت . والا فيمكن الوضع بنفس الاستعمال للفظ غير موضوع في هذا المعنى أو افهام المراد بألفاظ موضوعة في غير هذه المعاني مما يناسبها بالقرائن . وعلى هذا فما ذكره قدس سره قبل ذلك في تأييد ما استقربه أو لا من دعوى الوضع التعيني بالاستعمال يتوجه فيما نحن فيه بناء على ما ذكرنا من عدم كون العلاقة المعتبرة بين المعاني الشرعيّة واللغوية كما بين الدعاء والصلاة وان اشتمال الصلاة عليه لا يوجب ثبوت ما يعتبر من علاقة الكل والجزء بينهما . وان كان فيه ان الاستعمال ليس دائرا مدار وجود العلاقة . بل يصح إذا كان يقبله الطبع ولو بلا علاقة معتبرةكما ارتضاه قدس سره في هذه المسألة في بعض الأبحاث السابقة ومن ذلك يعرفما في كلامه أخيرا بقوله ( ثم لا(1) يذهب عليك انه مع هذا الاحتمال لا مجال لدعوى الوثوق فضلاً عن القطع بكونها حقائق شرعية الخ ) لما ذكرنا من عدم

ص: 89


1- . كفاية الاُصول 1/33.

الملازمة بين ثبوت ذلك ولو قطعا وكون الألفاظ حقائق لغوية غير مجعولة للشارع . كالاشكال في قوله ( ومنه انقدح حال دعوى الوضع التعيني معه ثمّ قال ومع الغض عنه فالانصاف ان منع حصول الوضع التعيني في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعية مكابرة ومنع من حصوله في خصوص لسانه . والحاصل امكان حصول الوضع التعيني بنفس الاستعمال في لسان الشارع ومع التنزل قرب دعوى حصوله تعينا في زمانه لا بالاستعمال تعيينا كالاول أو في زمان تابعيه بل الأخير متعين على فرض عدم ثبوت الاولين . لكن هذا كله على فرض عدم كون العبادات في زمن الأنبياء مشروعة . والا كما هو الأقرب فيمكن دعوى عدم ثبوت الحقيقة الشرعية بل الحقائق كلها لغوية أو شرعية من قبل . ولا يبعد هذه الدعوى كل البعد وان كان لا يوجب كون مشروعية العبادات ومخالفتها لما في شرعنا كاختلاف ما في شرعنا بحسب المصاديق والحالات عدم كون الحقيقة الشرعية . ضرورة امكان عدم كون ارادتها في لسانهم بالألفاظ المعبّر بها عنها في شرعنا بل بغير هذه الألفاظ . ولا ينافي ذلك معرفة الأنبياء بجميع اللغات كما ربما يستشهد لذلك بقوله تعالى « وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا »(1) بل كانوا يعلمون جميعا جميع اللغات . لكنهم يتكلمون بلسان قومهم حسب ما ارشد إليه التنزيل في قوله« وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ . . . »(2) وكيف كان فينتج ذلك كونهاحقائق لغوية أي شرعية ثابتة في ساير الشرايع قبل شريعة نبينا على فرض عدم الوضع واستعمال نفس هذه الألفاظ وهو بعيد بل في بعضها ممتنع .

ص: 90


1- . البقرة /32 .
2- . ابراهيم /5 .

ثم ان ثمرة البحث لا تكاد تخفى على تقادير الوضع . فانه لو كانت الحقيقة موضوعة بنفس الاستعمال الأول في لسان النبي صلی الله علیه و آله فجميع الألفاظ الصادرة الواردة عنه صلوات اللّه عليه فضلاً عن الأئمّة علیهم السلام تحمل على ذلك وهذا بعد تسليم مقدمة غير بعيدة وهو كون هذه الألفاظ بعد صيرورتها حقائق شرعية منقولة عن معانيها الاولى بحيث تحتاج الاولى إلى قرينة في مقام الاستعمال . وعند عدمها أو قرينة على الخلاف تحمل على المعاني الشرعية . كما انه اذا صارت بالاستعمال حقائق فجميع ما تأخر استعماله عن زمان حصول الوضع التعيني كذلك وهكذا إلى زمان الأئمّة علیهم السلام خصوصا الصادقين عليهماالسلام فانه قد صارت حقائق متشرعية .

وأما إذا لم يعلم تأخر الاستعمال وتقدمه فهل يمكن احراز التأخر أي تأخر الحادث أي الوضع من الاستعمال أو العكس ؟ الحق انه ان كان المراد بذلك احرازه بالاستصحاب فان الاستصحاب مع قطع النظر عن اشكال اثباته لما يترتب عليه الأثر معارض من الجانب الاخر فان كلا المعنيين حادثان . الاستعمال والوضع . ولا أصل غيره في المقام عقليا أو نقليا . كما انه اذا علم تاريخ

الاستعمال أيضا لا مجال لجريان الأصل فانه لو كان الاستصحاب ففيه ما ذكر وان كان الأصل العقلائي فاما أن يكون الأصل لاحراز المراد فيمكن أن يكون له وجه والا فلا بناء للعقلاء على ذلك أي تأخر النقل واصالة عدمه إلى زمان العلم . فاذا لميعلموا تاريخ انهدام البناء الفلاني قبل ثلاثة سنوات أو سنتين . لا بناء لهم على كون ذلك من سنتين . هذا وكذلك اذا كان الأمر مما يترتب عليه الأثر ويهتمون به في مقام الأثر العملي مالاً أو سياسة وغير ذلك . فانه ليس لهم بناء على كون ذلك أي

ثمرة البحث

ص: 91

الحدوث أخيرا ولا يرتبون آثار المتأخر عليه بل يحتاطون في ذلك إلى أن يقوم لهم الطريق القطعي فيبنون عليه .

والحاصل انه ليس لهم بناء على ذلك أصلاً . فما اشتهر من ان الأصل تأخر الحادث لا أصل له عموما وخصوصا في بحث الألفاظ . بل في مقامنا هذا اذا لم يتبيّن الوضع لا يبنون عليه .

والذي يسهّل الخطب انه ما من مورد الا والقرينة في تعيين أحد المعنيين موجودة سواء في باب العبادات أو المعاملات . فالبحث عن الحقيقة الشرعية من الأبحاث الساقطة . والظاهر عدم تأتي النزاع في المعاملات ضرورة عدم كونها اختراعية والشارع لم يتعدّ في التعبير ما عليه العرف . نعم قد يختلف نظره في اعتبار بعض الشرايط في حقيقة بعض المعاملات لكن هذا في الأسباب أمّا المسببات كقوله أحلّ اللّه البيع أو تجارة عن تراض فلا حقيقة شرعية قبال الحقيقة العرفية بل عبر عنها بلفظها عندهم(1) .

الكلام في الصحيح والأعم .

يقع البحث تارة في العبادات واُخرى في المعاملات .

قبل الخوض في أصل البحث وذكر أدلّة الطرفين لابدّ من ذكر اُمور مقدّمة:منها: ان المراد بالصحيح في المقام هو التام الكامل قبال الفاسد الذي هو الناقص، الذي ليس بكامل .

فان الفساد في مورد البحث ملزوم لعدم ترتب الأثر عليه وما ذكر من

ص: 92


1- . يمكن الاشكال بأن ذلك انما استفيد من الحكم والا فاستعمال الشارع لأحلّ اللّه البيع لا يوجب ان البيع لم يوضع لفظه عنده .

التعريفات كاسقاط الاعادة والقضاء وغير ذلك وإن كان قد يفي بالمراد، لكن ليعلم ان موضوع البحث ليس بهذه السعة كما نذكر في الأمر الآتي .

والظاهر جريان هذا النزاع على الوضع التعييني وانه هل الموضوع له خصوص الصحيح أو الأعم .

كما لا ريب في الجريان لو قلنا بأن الموضوع له خصوص الفرد الكامل الواجد لجميع الأجزاء والشرائط وان ما ليس كذلك بدل في جميع الحالات من الاضطرار أو غيره من التامّ الكامل .

وذلك لو عممنا موضوع البحث لما اذا كان بنحو الوضع التعيني .

فانه من الممكن حصول الاستعمال الموجب للغنى عن القرينة في غيره وكان من أول الأمر بالعلاقة .

كما انه بناءً على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية أيضا يجري النزاع وان القرينة هل لوحظت بالنسبة إلى ارادة الصحيح أو الأعم(1) .

ومنها: ان موضوع البحث انما هو من حيث الأجزاء والشرائط الممكن دخلها في متعلق الخطاب في قبال ما لا يمكن كذلك لكونه من الانقساماتاللاحقة للخطاب أو ما يجبى من قبل نتيجة بحث اجتماع الأمر والنهي أو التزاحم وقلنا بعدم كفاية الملاك مثلاً في حصول الغرض فان العبادة وإن كانت فاسدة .

لكن صحيحة بالنظر إلى ما يكون دخيلاً في التسمية .

ص: 93


1- . كما يجري النزاع على القول بالاستعمال في لسان الشارع في معانيها اللغويّة وارادة الشرعيّة بنحو تعدّد الدال والمدلول عند السيّد الخوئي واستشكله السيّد المحقّق البجنوردي ورأها خارجة عن حريم النزاع في النهاية . نهاية الأفكار 1/69 - 70 ؛ محاضرات في اُصول الفقه 43/152 ؛ منتهى الأصول 1/51 .

حيث ان موضوع البحث ما تعلق به الأمر وزاحمه واجب أهم أو حرام فلا يؤخذ ما يجبى من قبل الخطاب المتعلق بالمسمى في المسمى ولا ربط بالتسمية(1) .

ومنها: امكان تصوير الجامع بين افراد الصحيح على الصحيحي أو الأعم بناءً على الأعمي إذ لو لم يكن كذلك .

فامّا أن يكون الوضع بازاء كلّ فرد فرد على نحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ ولا يلتزمون به ولابد فيه من كونه واقعيا وامرا متحصلاً لا مفهوميا .

إذ المفهوم لم يوضع بازاء المفهوم في محلّ البحث . وكذلك لابد أن لا يكون من لوازمه . فمثل ما تصوّروه في الصلاة من أنّها الناهية عن الفحشاء أو قربان كلّ تقي وأمثال ذلك من التصورات للجامع بناءً على الصحيح لا مساس له بما نحن فيه لعدم كونها جوامع ماهويّة .

كما انه لابدّ بناء على الأعمي وجود جامع بين الواجد والفاقد بحيث ينطبق على كلّ فرد فرد من أفراده ومصاديقه كما في الصحيح المتحقق تارة بالركوع والقيام واخرى بالجلوس وأبدالها وما يقوم مقامها في أفراد الصلوات الصحيحة أو الأعم .ضرورة عدم ارتباط بين هذه المقولات المتبانية لأن كلّ واحد منها من مقولة ولا جامع بينه وبين الآخر . فالجامع لابد أن يكون على نحو ينطبق على جميع هذه الأفراد من فرد المختار والمضطر على انحائهما وعلى مصاديقها .

تصوير الجامع بين أفراد الصلاة

ص: 94


1- . ورأى السيّد المحقّق الخوئي قدس سره امكان الوضع بلحاظها لكن دخلها في المسمّى واضح البطلان . محاضرات في اُصول الفقه 43/157 .

وإذا أمكن تصويره بين أفراد الصحيح فبعين امكانه نقول يمكن تصويره بين أفراد الأعم .

ولا يخفى عدم انطباق هذه الجوامع المذكورة على مذهب مصوريها لأنه مع تصويرها يكون الشك في المحصل وهم لا يقولون بلازمه . نعم لا بأس بها جوامع لكن عرفت ما فيها .

اللهم إلاّ أن يقال في الجامع بين أفراد الصحيح عدم امكان صدور الواحد من الكثير .

والأمر الواحد الفارد من المتبائنات بما هي متبائنات فالوحدة في الأثر كاشفة عن الوحدة في المؤثر وان كنا لا نفهمه ولا نعلمه بل يمكننا الاشارة إليه والتعبير عنه بما يوجب تصوره .

لكن هذا كله على فرض عدم الالتزام بما ذكرنا من الوضع للواجد بجميع ما يعتبر فيه التام بحسب الاجزاء وان الباقي ابدال لها إن كانت توجب حصول الغرض وسقوط الأمر كما هو ديدن الواضعين في وضعهم الأسماء للمعاجين والمركبات حيث انه يضعون الأسماء للمسميات التي تكون جامعة لجميع الأجزاء تامة كاملة .

ويمكن دعوى العكس أو الاستعمال في الأعم فتأمل .

ما مال إليه المحقق النائيني قدس سره في تصوير الجامع بين أفراد الصلاةالصحيحة .بعد الخدشة في الوجوه المذكورة تصويرا للجامع بين أفرادها . انه يمكن

ص: 95

كون الصلاة(1) موضوعة لخصوص الصلاة التامة الأجزاء والشرائط للمكلف المختار الكامل وكون الباقي اما ابدالاً مسقطات للأمر مجزيات عن المأمور به للكامل المختار . أو كونها أفراداً تنزيلية للفرد الكامل الواجب على المختار ولا فرق في ذلك بين كون الوضع لذلك الفرد تعيينا أو تعيّناً حاصلاً حسب الاستعمال فانه لا مانع من كون الاستعمال في ذاك الفرد وكون الاستعمال في غيره من أفراد الصلوات العذرية الاضطرارية البدلية على ضرب من التأويل والتنزيل بالنسبة للفرد ولا يحتاج في ذلك إلى العلاقة بل يحسنه الطبع فلا اشكال فيه .

فالتوسعة إنما هي بالنظر إلى الفرد لا انّها في الماهية ولولا ذلك فلابد بعد تطرق الخدشة في الجوامع المذكورة من الوضع الشخصي بالنسبة إلى كل فرد من أفراد هذه الماهية . هذا في غير صلاة القصر والتمام . وفيهما ذهب إلى امكان تصوير الجامع الماهوي بينهما وان ذلك من الخصوصيات المفردة فبالنسبة إلى المسافر ركعتان وإلى الحاضر أربع مع انهما كليهما مختاران كاملان . وهذا منه بناء على امكان التخيير بين الأقل والأكثر .

لكن الماهية المشتركة بينهما تكون بشرط عدم انضمام الزائد إليها فردا يختص بالمسافر وبشرط انضمام ركعتين إليها تكون فردا للحاضر والماهية هو أصل الطبيعة .

أو يقال ان الصلاة بالنسبة إلى الحاضر والمسافر ركعتان لا غير حسب مافرضها اللّه تعالى وان الموضوع له إنما هو ذلك والزائد عليها بحسب الحضر أووالسفر في المغرب فرض النبي صلی الله علیه و آله ولا دخل له في التسمية ولذا ينطبق على

ص: 96


1- . فوائد الاُصول 1/63 .

القليل والكثير حسب الحالات . وأورد عليه سيدنا الاستاذ قدس سره بعد مدحه واطرائه ان الكلام منه رحمه الله يصلح فارقا وسكنا بالنسبة إلى الصلوات المختلفة بحسب الحالات كالقيام والقعود والاضطجاع ويكون جوابا ثبوتيا سكوتيا من ذلك وان الصلاة لم توضع بازاء هذه المتبائنات بحسب الحالات بل إنما هي موضوعة للفرد الكامل المختار الصحيح لكنه بعد لا يرفع الاشكال(1) فان انطباق هذا الجامع على صلاة الصبح والمغرب والعشاء على نهج واحد .

فاللازم الالتزام بتعدد الوضع بالنسبة إلى هذه الثلاث وان لفظة الصلاة مشترك لفظي بينها .

نعم بالنسبة إلى غيرها يمكن موافقته فيما قال . بل من الممكن جزما ان الصلاة إنما هي حقيقة بالنسبة إلى الحاضر فان الحضر وأربع ركعات ليست معلقة على شيء بخلاف القصر . فانه في المسافر الجامع للقيود الخمسة فهي معلقة على السفر الكذائي لا ان الصلاة إنّما هي للركعتين والزائد فرض النبي صلی الله علیه و آله .

والحاصل: ان الكلام في ان الصلاة حقيقة في الصحيح أو الأعم وقيل بتوقف النزاع على تصوير الجامع الممنوع هذه الدعوى على مدعيها .

قيل في تصوير الجامع وجوه . بعضها راجع إلى كشف(2) وحدة الأثرعن وحدة المؤثر وان النهي عن الفحشاء الذي هو أثر كل صلاة صحيحة كاشف

ص: 97


1- . ورأى في المحاضرات اطلاق ألفاظ العبادات على جميع مراتبها على نسق واحد بلا لحاظ عناية أو اشتراكها مع المرتبة العليا في الأثر كما قطع في المنتهى بخلاف الادعاء والتنزيل ويظهر من النهاية موافقة المحاضرات في أحد وجهيه . محاضرات في اُصول الفقه 43/160 - 161، منتهى الاُصول 1/54، نهاية الأفكار 1/81 - 82 .
2- . كفاية الاُصول 1/36 .

عن ان المؤثر في ذلك أمر وحداني جامع بين أفراد الصلاة الصحيحة وان لم نقدر على تشخيصه الا بهذه الاشارات والتعبيرات وبعضها راجع إلى اسقاط الاعادة والقضاء .

ويمكن تقريب الجامع الواحد بنحوين: تارة من ناحية العلة واخرى من ناحية المعلول . أي كشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثر والأول راجع إلى المصلحة وما يناسبها مما يكون في رتبة العلل فتكون من هذه الجهة مشيرة إلى الجامع الوحداني الذي من آثاره اسقاط الاعادة والقضاء . الذي هو الكاشف في التقريب الاخر عن وحدة المؤثر أي الجامع لما تحقق في محله واشير اليه مرارا من امتناع صدور الواحد من حيث هو من المتبائنات من حيث هي متبائنات فيكشف ذلك عن وجود أمر واحد بسيط موجود في الجميع هو الجامع .

وأورد عليه المحقق النائيني قدس سره (1) أولاً بمنع وحدة الأثر فتكشف عن المؤثر الواحد لامكان عدم استيفاء الصلوة الجلوسي بدل القيامي بمقدار مصلحة القيامي وهكذا في ساير الأفراد والأحوال ولا يوجب ذلك القضاء لامكان مانعية هذا المقدار من المصلحة المستوفاة من استيفاء الباقي وكفاية ذلك(2) .

وثانيا: انه لابد في هذا الجامع من انطباقه على الأفراد الخارجية اذ يمكنتصوره على نحوين:

الايراد على كشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثّر

ص: 98


1- . فوائد الاُصول 1/65 - 66 .
2- . وناقشه في المنتهى منتهى الاُصول 1/54 في ما إذا كان واحداً بالنوع كما في ما نحن فيه وثانياً لو سلم ففيما إذا كان المؤثّر من قبيل العلّة التامّة لا من قبيل المعدات كما في ما نحن فيه وفي المحاضرات ( المحاضرات 43/164 - 168 ) زاد على هذا الاشكال انّه لو سلم فلا يتم إذا كانت الوحدة بالعنوان دون الحقيقة والذات وثالثاً نعلم بترتّب الأثر على أفراد الصلاة بخصوصيّاتها دون الجامع واشكالات ثلاث اُخر .

فقسم منه لا يكون له مساس بالافراد والأجزاء الخارجية بل هي محصلة له وهو أمر واحد بسيط كساير البسائط التي لا تكون بنفسها تحت الأمر لعدم قابليتها للالقاء إلى المكلف وحينئذٍ فيكون مخالفا للحقيقة الشرعية والمتشرعية لعدم استعمال فيه أصلاً ولا داعي إلى وضع اللفظ لمعنى لا يعرفه العرف والذين وضع لافهامهم . بل لا يمكن على هذا اجراء البرائة عند الشك لرجوع الشك على هذا إلى حصول الجامع اللازم فيه الاحتياط . وقسم آخر من الجامع لا يكون كذلك . بل ينطبق على الافراد .

والكلام فيه انه كيف يكون هناك جامع ينطبق على الماهية بشرط لا والماهية بشرط شيء وهذا الجامع البسيط الذي قد عرفت ما فيه من المحاذير ربما يكون خارجا عن محط اثبات القوم ونفيه . هذا .

ولكن يمكن الجواب عن الاشكال الأول . انه التزام بالجامع . غاية الأمر بمرتبة منه لا بجميعه فليس انكارا لأصل دعوى وحدة الجامع .

نعم لو قيل بعدم جريان باب التأثير والتأثر في الموضوعات الشرعية ولا ربط لها بباب الكشف لكان وجها كما اشير إليه في تعريف علم الأصول . ويرد على الاشكال الثاني بعدم الحاجة إلى جريان البرائة على القول بعدم كون التخيير الشرعي كالتخيير العقلي وما نحن فيه من سنخ التخيير الشرعي . وعليه لا مانع من التمسّك بالاطلاق المقامي اذا شك في دخل شيء في المأمور به من حيث الشبهة الحكمية مثل الصلوات البيانية وغيرها الواردة في مقام البيان خالية عنه . والفرض تحقق الفحص بمقدار يعتد به وانه لو كان لبان فنكشف عن عدم دخل شيء زائد على ما بيّن اذ لو كان كان عليه البيان وعدم البيان كاشف عن عدم الدخل وان

ص: 99

شئت فعبر عنه باصالة العدم وعدم الوجود دليل العدم .نعم يشكل الأمر في مثل الشبهات الموضوعية كالمشكوك كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه فانه يحتاج إلى اجراء البرائة عند مجريها ولا يمكن على هذا المبنى الالتزام بالبرائة .

اما المحقق الخراساني قدس سره فاراح نفسه من ذلك بما ذهب إليه في باب البرائة في الأقل(1) والأكثر بذهابه إلى كون القصور في ناحية المعلوم ولا قصور في العلم .

والفعلية ثابتة من جهة كما ان ما الزم القائل بذلك الجامع البسيط من الالتزام بالاحتياط ليس الزاما حقيقة لذهاب كثير من الفقهاء إلى ذلك .

وعلى كلّ حال فليس للاشكال كثير مساس لما ذهب إليه المحقّق الخراساني في تصوير الجامع . وان أراد الاشكال بالاثبات فهذا ليس الا الاشكال المعروف في جريان البرائة في الشكّ في الأقل والأكثر الارتباطيين .

هذا ملخص التصوير والاشكال والجواب في الجامع الاثري وقد ذهب ما في الجامع المؤثري أي الداعي للمولى إلى الجعل .

وليعلم ان للصلاة عرضا عريضا باعتبار حالات المكلف من الاختيار والاضطرار إلى ترك بعض ما اعتبر في صلاة المختار شطرا أو شرطا من تبدل الطهارة المائية بالترابية ومن سقوط القيام في الصلاة وكفاية الجلوس أو الاضطجاع إلى آخر فرد يمكن أن يتعلق به الأمر بحسب أضعف حال من حالات المكلف الذي لا اضطرار فوقه كما لا خفة في التكليف أكثر منه وان لم نقل بجواز

للصلاة عرض عريض باعتبار حالات المكلّف

ص: 100


1- . كفاية الاُصول 2/34 - 35 أشار إلى ذلك في تنجز التكليف بالعلم الاجمالي بنحو العلّية .

البدار لذوي الأعذار لأن المطلوب منهم صرف الوجود من أول الوقت إلى آخرهفلابد من الانتظار للقدرة على الكاملة التامة فاذا صلى الاضطرارية في صورة رجاء الزوال وزال العذر فلابد من الاعادة أو القضاء .

نعم قد يشكل الحال في ما لو قطع بعدم زوال العذر إلى آخر الوقت وصلى الاضطرارية وتبين الخلاف فالمنسوب إلى المشهور بل الاجماع عدم لزوم الاعادة . لكن فيه اشكال ولا اشكال في أجزاء كلّ فرد من أفراد الصلاة حسب اقتضاء حال المكلف عن المأمور به ويسقط به العهدة وتفرغ الذمة فيمكن جعل هذا الأثر الواحد أي اسقاط الاعادة والقضاء أو اسقاط الأمر كاشفا عن وحدة المؤثر الجامع بين هذه الأفراد المختلفة حسب اختلاف مقتضيات الأحوال .

واستشكل على هذا المحقّق النائيني قدس سره (1) بأربعة وجوه:

الأوّل: انه يمكن ثبوتا كون اتيان الصلاة الاضطرارية مستوفياً لمقدار من المصلحة بحيث لا يمكن معه استيفاء الباقي . فعلى هذا لا أثر واحد كي يكون بوحدته كاشفا عن وحدة المؤثر الجامع لعدم اشتراكها ( أي الأفراد ) في استيفاء المصلحة حيث ان الصلاة الاضطرارية وان كانت وافية بمقدار من المصلحة بل تمام مصلحة الأمر الاضطراري لكنه لا تكون وافية بمصلحة الصلاة الاختيارية للكامل المختار .

وذلك نظير ما لو سقط تغسيل الميت أو دفنه والصلاة عليه باحراقه أو القائه في البحر مثلاً فانه لا موضوع كي يفعل به هذه الأعمال . كما ان ما نحن فيه من الصلاة الاضطرارية على اختلاف أنحاءها كذلك ليست مصلحة واحدة في

الاشكال على وحدة المؤثّر

ص: 101


1- . فوائد الاُصول 1/65 - 66 .

أفرادها بل في بعضها ليس ما في الاخر من المصلحة .اذ صلاة الغريق يمكن عدم وفائها بما لغيره من المصلحة . وبعبارة اخرى ان الاسقاط ليس أثرا للجامع بل ما يفيده الجامع الوفاء بالمصلحة وعدمه وهو في بعضها موجود وفي آخر مفقود إلاّ بمقدار منها غير مفيد .

الثاني: ان أخذ الصحة التي تلازم سقوط الأمر وحصول الامتثال أثرا كاشفا عن المؤثر غير معقول . حيث انها انما توجد بعد اتيان العمل الذي أمر به المولى على الوجه الذي يوجب الامتثال من قصد القربة والوجه والتمييز فكيف يمكن أخذها في مرتبة تعيين المسمى وجعلها كاشفا عن الجامع .

الثالث: ان هذا الجامع البسيط الذي لا يعرفه إلاّ هو لا يمكن أن يلقى إلى المكلف اذ القابل للالقاء اليه وطلبه منه انما هو ما من شأنه أن يشخصه والأمر في هذا الجامع ليس كذلك .

الرابع لزوم سد باب البرائة في الشكّ في الأقل والأكثر . اذ على هذا تنطبق الصلاة على الماهية بشرط شيء الزائدة عن الركعتين أو عن خصوصية اخرى كما تنطبق على الماهية بشرط لا عن الزائد وأثر كلّ منهما سقوط الأمر فيكشف ذلك عن ان هذه خصوصيات الأفراد وان المؤثر في البين هو الجامع البسيط وهذه محصلات له فاذا شككنا في دخل شيء في تحصيله . فلا يمكننا اجراء البرائة بل لابد من الاحتياط خروجا عن اشتغال الذمة باتيان الجامع البسيط . هذا .

ويمكن الجواب عن هذه الاشكالات:

أمّا الأوّل: فان اختلاف أفراد الصلاة في المصلحة ووفائها بها لا يوجب اختلافا في ناحية الاسقاط فكل فرد بحسب ما له من المصلحة يوجب سقوط

ص: 102

أمره والوفاء بمصلحته نعم يمكن الالتزام بتوجه الاشكال . بأن يقال الاسقاط ليسأثرا للجامع ولا للأفراد وما هو يؤثر فيه الأفراد انتاج كلّ واحد منها لحصولالمصلحة إلى آخر ما ذكر في الاشكال(1) .

أمّا الاشكال الثاني ففساده أوضح من أن يخفى وربما يشك في صدوره من المحقق النائيني قدس سره .

وعن الاشكال الثالث: ان الشارع يبين أفراد هذا الجامع ومورد انطباقه كما في غير واحد من الموارد . فاي جامع يتصور بين العتق وصيام شهرين متتابعين واطعام ستين مسكينا حيث ان المكلف مخير في الاكتفاء بايها شاء . ومجرد كون وقوع النفس في المشقة لا يكون جامعا بينها ومع ذلك جعل الشارع هذه الأفراد عرضية في حصول الكفارة والتكفير بكل واحد منها . وقد عرفت الجواب عن الرابع وانه لا اشكال في اجراء البرائة فيما كان المحصل شرعيا . وانما لا تجري في المحصل العقلي . اما ما أمره بيد الشارع فلا اشكال في جريانها في مشكوك الدخل في حصول الجامع البسيط .

هذا كلّه من الاشكال والتقريب والرد على كون وحدة الأثر كاشفة عن وحدة المؤثر والكشف عن سلسلة المعلولات عن العلة فيها وانها واحدة .

أمّا الكلام في تصوير الجامع على نظام سلسلة العلل وباب التسبيب التوليدي والضابط فيه أن تكون النتيجة مترتبة على العمل الصادر عن الانسان بلا توسط ارادة أصلاً أو ارادة فاعل غير مختار . كما في ارسال الماء المخرب للبناء

ص: 103


1- . أقول هذا الاشكال فاسد من رأسه اذ لو فرضنا ان الاسقاط ليس أثرا للأفراد لكن القابلية الموجودة في كلّ فرد من الصلوات لأن يحكم بوجودها في الخارج باسقاط بسقوط أوامرها كافية في كونها جامعة بين أفراد الصلاة فتامل .

أو الالقاء في النار الموجب للاحراق أو ارسال الكلب وعضه انسانا بأمر المرسل .والحاصل ان القاعدة والميزان الكلي في ذلك هو وجود تحقق النتيجة ولايكون بين فعل الفاعل وحصولها ارادة فاعل مختار بحيث اذا أراد نفسه عدم ترتب الأثر لا يمكنه .

نعم التعليق بمشية اللّه أمر آتى في كلّ علّة ومعلول . فالمراد مع قطع النظر عن ذلك . فاذا صار كذلك . يستند الفعل التوليدي إلى الفاعل كما يستند الفعل المنتج للعمل إليه . ويكون كلّ واحد عنوانا ووجها للآخر . ويصح أن يقال الالقاء احراق والاحراق القاء في النار بعناية العلة والمعلول . وان أحدهما مسبب عن الآخر ومن هذا القبيل ما يذكرون في بعض أبواب الفقه من أقوائية السبب من المباشر أو العكس . لكن في مسئلة القتل وإن كان قد جبر واكره عليه أو هدّد أو اطمعوه بالمال أو غيره الا انه في كل ذلك يكون القصاص على المباشر والآمر يحبس حتى يموت حيث انه لا تقية في الدماء لكونها شرعت لحقنها . ونظير المقام ما اذا صوت لرفع الحمل عنه فمات شخص من هيئة الصوت أو ألقى قشر البطيخ مثلاً في الشارع العام فمشى انسان عليه من غير التفات وقصد واختيار فسقط فمات .

والفرق بين باب المسبب التوليدي وغيره ان عمل العامل في غيره ما يستند النتيجة اليه بل يعدّ من مقدّماته الاعداديّة كما ذكرنا في القتل والأمر به فان أمر

الآمر لا يكون سبباً لحصول القتل ولا يستند القتل إليه ولا يكون سببا توليديا له .

الكلام في التشريعات وانها هل يكون ما يترتب عليها من الآثار والفوائد والنتائج من قبيل المسبب التوليدي لأنها توجب تحققها بلا توسط ارادة

الفرق بين المسبّب التوليدي وغيره

ص: 104

فاعل مختار أم لا ؟ بل انما هي ثمرات لها لا انها أسباب وعلل وتلك معلولات ومسببات .يمكن كشف ذلك في بعض الموارد من الخطابات الشرعيّة كقوله تعالى فيباب الغسل « فَاطَّهَّرُوا »(1) كما يصح أن يقال اغتسلوا وكذلك في باب الوضوء فان الظاهر انه وغيره من أقسام الطهارة مفيد وسبب للطهارة والطهور الذي هو أمر معنوي لا تصح الصلاة بدونه .

فعلى هذا كما يصح الأمر بالأفعال أي الغسلات والمسحات والاغتسال كذلك يصح الأمر بالتطهر .

أما في باب الصوم والصلاة فهل هما سببان بالنسبة إلى الجنّة من النار ومعراج المؤمن والنهي عن الفحشاء أم لا ؟ بل من المقدمات الاعدادية التي لا يمكن الاكتفاء في تحصيل النتيجة بمجردها ولا يكون الأمر بها أمرا بتلك النتيجة ولا يصح حمل أحدهما على الآخر ولو بالعناية .

وذلك لما عرفت من الضابط والفرق بين ما يكون من المسبب التوليدي وما لا يكون منه وممّا يكون من قبيل المسبب التوليدي الطهارة الخبثية . فانه كما يمكن الأمر بالتطهير من أبوال ما لا يؤكل لحمه مثلاً . كذلك يمكن الأمر بالفعل المحصل له . ومنه أيضا مسئلة صيرورة الزرع سنبلاً فانه من المسبب التوليدي لالقاء البذر وسقيه لأن ما يتوسط بين فعل الفاعل وحصول النتيجة ( أي صيرورته سنبلاً ) من اشراق الشمس ونزول الأمطار وجريان الرياح وإن كانت بقدرة اللّه تعالى وأمره لكنه ليس ارادة فاعل مختار انساني متوسطة في البين . مع ان بنائهم

ص: 105


1- . المائدة /7 .

على عدّه من المقدمات الاعدادية لصيرورته سنبلاً وانه خارج من تحت القدرة . فلا يصح اشتراطه في العقد كما لا يصح اشتراط بيع المبيع من زيد . فان المقدورمنه هو الايجاب فان كان هو المراد فلا كلام وإلاّ فهو خارج عن تحت القدرة لانالقبول من فعل زيد المختار كما ربما يستشكل في اشتراط بيعه من نفس البايع .

وعلى هذا . فان كانت الملاكات والعلل الشرعيّة وما يترتّب على العبادات من قبيل المعلول للعلّة والمسبب المترتب على السبب التوليدي . فيمكن كون الملاك كاشفا عن ما ينتجه ويكون الأمر به أمرا بالملاك كما يصح جعله معرفا أو معينا للمسمى .

وان كانت من قبيل ما يترتب على المقدمات الاعدادية من الآثار المتوسطة بينها وبين فعل الفاعل والمقدمة الاعدادية منه ارادة فاعل مختار فلا .

ثم ان الثمرة المهمة المترتبة على ذلك هو عدم امكان اجراء البرائة عند الشكّ في الأقل والأكثر الارتباطيين بناء على المسبب التوليدي . اذ لو شككنا في دخل شيء لترتب المسبب جزءا أو شرطا فلابد من الاحتياط لاشتغال الذمة بالمسبب وكون السبب محصلاً له فيرجع الشك في ذلك إلى الشك في المحصل(1) الذي لابد فيه من الاحتياط بخلاف المقدمات الاعدادية والدواعي ففيها تجري البرائة بلا اشكال مع ان بنائهم على اجراء البرائة . فكيف يناسب ذلك بنائهم في تصوير الجامع(2) .

ثمرة النزاع

ص: 106


1- . تقدّم قريباً التفصيل بين المحصّل العقلي فالاحتياط والشرعي فالبرائة .
2- . تعرض سيدنا الاستاذ قدس سره فرعا في الصلاة نيابة عن الميت الواجبة على وليه فانها إمّا بالمباشرة أو الاستنابة ولا يفيد مجرد الاستنابة بل لابد من اتيان النائب بالعمل ولهذا قال ان الأصل في كلّ تكليف المباشرة أو الأعم منها ومن التسبيب .

عود على بدء: ان صاحب الكفاية قدس سره قد تصوّر(1) الجامع بين أفرادالصحيحة في الصلاة وأشار إليه بخواصه وآثاره كالناهية عن الفحشاء وعمود الدين ومعراج المؤمن وجعل الجامع بسيطا ورفع بذلك الاشكال المتوجه علىتصويره الجامع بأ نّه إن كان مركّبا فلا يمكن كونه جامعا لاختلافه صحّة وفسادا بحسب حالات المكلف والأمر البسيط اما أن يكون عنوان المطلوب فهو غير معقول . لعدم امكان اخذ ما يتأتّى من ناحية تعلّق الأمر بالمسمّى في حقيقته . ضرورة كون عنوان المطلوب انما ينتزع من تعلق الأمر بالمسمّى . وهو متأخر عن تعلق الأمر كتأخره عن المسمّى فهو في ذلك كقصد القربة الذي يتأخر عن أصل الصلاة وعن أمرها . اذ هو قصد لأمرها . هذا مضافا إلى لزوم سد باب البرائة لرجوعه إلى الشكّ في المحصل مع ذهاب المشهور القائلين بالصحة إلى البرائة . وكذلك الاشكال في تصوره بسيطا بعنوان ملزوم المطلوب . وجعل الجامع أمرا انتزاعيا متّحدا مع الأفراد نحو اتحاد ولم يبينه .

ويمكن كون مراده من الانتزاع غير الانتزاع الذي ليس أمرا حقيقيا ولا اعتباريا . فيشكل الأمر فيه من هذه الجهة وعدم اناطته بالخطاب الشرعي وكيف يتّحد المنتزع مع منشأه . بل المراد به الأمر الاعتباري الذي هو أيضا أمر خارجي لكن قبال ساير الخارجيات . والتعبير بالانتزاع شايع منه قدس سره في ارادته ذلك أو امثاله وتوضيحه أن يقال كما ان في الخارج من أفراد الانسان أشخاصه ( وذكر سيّدنا الاستاذ قدس سره ) هذا التنظير بناء على مذهب من يرى ان الموجود في الخارج هو أفراد الكلي الطبيعي وهو أمر انتزاعي فالموجود من الانسان خارجا إنما هي

ص: 107


1- . كفاية الاُصول 1/36 - 37 .

أفراده المختلفة بحسب الخصوصيات من الطول والعرض وساير ما به الامتياز المشخصة لكل واحد مع اتحادها بحسب الحقيقة والانسانية التي بها يمتاز كل هذه الأفراد من ساير الماهيات . فلتكن الصلاة بالنسبة إلى أفرادها المختلفة كمّا وكيفا حسب اقتضاء اختلاف الأحوال . كذلك .وانه ينطبق عنوان الصلاة على كلّ من هذه الأفراد على حذو انطباقهواطلاقه على البواقي . واختلافها في الخصوصيات ليس مضرا بوحدة الحقيقة وليس الكلام في الجامع الأصيل بينها ضرورة عدم جامع بين نفس هذا المركب الا الوحدة الاعتباريّة والا فلا جامع بين عنوان الركوع والسجود والقرائة فكلها من مقولة غير مقولة اخرى كمقولة الفعل والوضع وهكذا .

ثمّ اختلاف حالات الصلاة وأفرادها كاختلاف أفراد الانسان في الأعضاء فربما يطلق الانسان على من ليس رجلاه صحيحتين أو ليس له إلاّ رجل واحد .

فان كان فهو الجامع بين أفراد الصحيحة . وإلاّ فلتكن الصلاة موضوعة بالوضع المتعدد لصلاة الصبح والمغرب والعشاء أو مطلق الرباعية .

وأمّا اشكال عدم جريان البرائة فهو فرع لجريانها في ما يكون المحصل شرعيا . فالعمدة في الاشكال اذن انكار وحدة الأثر والكشف عن الجامع المؤثر إذ لا يحيط بجهات المصالح والمفاسد الا اللّه تبارك وتعالى . فنحن لا نعرف من ذلك شيئا ومجرد اسقاط القضاء والاعادة ليس أثرا كاشفا عن المؤثر .

لكن الانصاف عدم امكان انكاره خصوصا بالنسبة إلى أجزاء نفس الصلاة حيث انه لكل جزء دخل خاص في الأمر الواحد البسيط الحاصل من المجموع .

كما في قوة كلّ واحد من العدّة الذين باجتماعهم في القوة تتحرك الصخرة

جواب اشكال البرائة

ص: 108

من مكانها للنقل إلى الموضع المقصود . فلابد من اجتماعها معا ولكل واحد دخل في حصول ذلك الأمر الواحداني الخاص وهو الانتقال إلى ذلك الموضع .

وهذا القدر لا يمكن انكاره بوجه . فالأثر الحاصل من القرائة لا يمكن حصوله من الركوع وكذا الحاصل منه لا يحصل من القرائة . لكن المجموع يحصّل امرا بسيطا كما في المثال .ويمكن تقريب الكلام بالنسبة إلى هذا الأثر الشخصي لشخص صلاة فيكلي الصلاة للكشف عن كلي الأثر الجامع بين الآثار المتعددة الكثيرة التي تجمعها الصلوات المختلفة وهي بوحدتها تنطبق على كلّ من الآثار وتكشف عن مؤثر واحداني فيها كذلك . الا أن الكلام في هذا الجامع . فهل هو عبارة عن الصورة التي تتبادل مادتها وتتشكل حسب اختلاف الأحوال أو موضوعة للهيئة والمادة . أو هي عبارة عن الهيئة الاتصالية التي استظهرها الشيخ قدس سره من الأخبار الواردة في باب القواطع للتعبير فيها بالنسبة إلى بعض القيود العدمية بالقاطع(1) . فاستظهر من ذلك ان للصلاة هيئة اتصالية . ويشكل الهيئة الاتصالية بناء على تسليمها واستفادتها من الأخبار دخلها في الصلاة وانها من أجزائها . بعدم كونها مسمى الصلاة كي يقال بوضع اللفظ لها . هذا مع عدم تسليم أصل اعتبارها في الصلاة . بل ليس إلاّ الموانع وما تخيل دلالته عليه لا يستفاد منه إلاّ دخل عدم ما اشتمله في الصلاة . كما انه ربما يشكل كون الجامع . الهيئة اعتبار مادتها لأنها لا مانع حينئذٍ

من انطباقها على الفاسدة كانطباقها على الصحيحة .

ص: 109


1- . وسائل الشيعة: 7 الباب 1، 2، 3، 4، من أبواب قواطع الصلاة، ح2، 7، 8، 14، 15، 19، 3، 5، 8، 1 .

ويمكن تصوير الجامع بين أفراد الصلاة بدعوى كونه هي الصورة النوعية الحاصلة من أول جزء من أجزاء العبادة وتتصل إلى آخر جزء منها ويكون حينئذٍ نفس الاجزاء خارجة عن نفس المسمّى . فالمسمّى على هذا ليس شيئا سوى الهيئة والصورة النوعية المنطبقة على القليل والكثير والزائد والناقص ولا يكون الوضع بازاء نفس الأجزاء وإن كان بزيادتها ونقصانها تزيد الصورة النوعية وتنقص .وليست هذه الصورة عبارة عن الترتيب بين أجزاء المركب الخارجي ولا الموالات بينها . بل هما دخيلان في تحققها كدخل باقي الأجزاء والمسمى انما هو تلك الصورة كما يمكن كون الدار أيضا كذلك موضوعة بازاء الصورة الحاصلة من اجتماع بيوت متعددة على ترتيب خاص وينتزع أو يوضع بازاء هذه الهيئة الخاصة لفظة الدار .

فانه لا اشكال في حصول صورة نوعية منها في الذهن لا يضر تفاوت الأفراد خارجا في وحدتها . وهذا الجامع ليس جامعا أصيلاً بين هذه الأفراد بل وحدتها عرضية . كما انه يمكن تصوير آخر للجامع بين القليل والكثير والصحيح والفاسد . بأن لا تكون هي الصورة النوعية والمواد خارجة . بل على نحو يدور مداره التسمية اما بكونها هي الأركان أو معظم الأجزاء وان الصحة والفساد والمطابقة للامر وعدمها لا تكون مرتبطة بعالم التسمية . بل المسمى شيء . والمطلوب شيء آخر . فان عدم مطلوبية الفرد الناقص في حال ومطلوبيته في حال اخرى أو كونها مطلوبة في حال بشرط شيء وفي حال آخر بشرط عدم ذلك الشيء إنما هي من خصوصيات المأمور به والمطلوب . اما المسمى فيمكن عدم

ص: 110

ضرر له في عدم هذه ولم يؤخذ في قوامه وحقيقته .

واستشكل هذا التصوير للجامع سيدنا الأستاذ قدس سره بما لا يرجع الى محصل من قبل أن الانطباق على المعظم في ظرف كمال اجزاء هذه الماهية لا تعين له بل كانه من قبيل الكلي في المعيّن والظاهر عدم توجه هذا الاشكال .

نعم يمكن توجيهه وتقريبه بوجه آخر وهو ان التسمية اذا كانت دائرة مدار المعظم ففي الكاملة يلزم المجاز اذ استعمال اللفظ وارادة المجموع خارج عنالموضوع له ومجرد عدم تقييد الموضوع له بحال عدم المقارنة لاجزاء اخر لايوجب الاستعمال في الزائد عن المعظم .

ثم ادخل بعض التصاوير في بعض وقرّبها بوجه جامع .

ونظير هذا التقريب في ما ورد ان صلاتنا ثلثها ركوع وثلثها(1) سجود وثلثها طهور . ولا يلزم مما ذكر اختصاص الجامع بالصحيح . بل لما ذكرنا من أقسام الجامع مناسبة تامة مع الأعم . وفي بعضها عينه .

نعم يمكن في الأوّل جعله للصحيح وان كان كلام سيّدنا الأستاذ على فرض الأعمية بأن يأتي بجميع ما اعتبر في نظر العرف في دخله في المسمّى بالهيئة النوعية والصورة الجامعة لشتات الأفراد وان ترك بعض ما لا يضر بالتسمية عرفا كما يمكن تصوير الجامع بما ذكروه من كونه كالمعاجين الخارجية أو الأوزان كاملة كالرطل وأمثاله للصدق على التام والناقص أو الزائد .

فالحقة قد تصدق على ما ليس بها بل ينقص عنها وكذلك الرطل والكر والمعجون الكذائي وان نقص بعض ما له الدخل التام في الفائدة المطلوبة من

الجامع بين افراد الصلاة

ص: 111


1- . وسائل الشيعة الباب 9، ح1 من أبواب الركوع .

المعجون المركب فان طريقة العرف وديدنهم ذلك ولا توقف لهم في تسمية ما نقص ببعض الأجزاء باسم التام الكامل .

وان شئت فشبّه المسمى في العبادات المخترعة والماهيات المأمور بها مما يعتبر فيه القربة بالأعلام الشخصية . فان لفظة زيد الموضوعة بازاء الطفل الصغير الحي باقية على استعمالها الحقيقي من لدن زمان التسمية مما يكون فيه صغيرا إلى زمان كبره وتجثثه وصيرورته انسانا عظيما كبيرا ذا صفات جسيمة .لكن يمكن المناقشة في بعض ما ذكره . أمّا في المعاجين فبعدم كونالماهيات المخترعة كالمعاجين مما يدور التسمية مدار ما ذكر فيها على تقدير التسليم بمعظم الأجزاء ولا لوحظ فيها ذاك التركب الخارجي في أجزاء المعجون . بل هو أمر اعتباري حصل لها الوحدة الاعتبارية من ناحية الأمر مثلاً ويوجد في الخارج تدريجا وما هذا شأنه لا وجه لقياسه في التسمية بالمركبات الخارجية .

وفي التشبيه بالأعلام أيضا يمكن المناقشة بكون الوضع للنفس الناطقة والروح وان نقص بعض الأجزاء وزيادتها وكبر جثته وصغرها ونقصانها لا ربط له بعالم النفس .

وعلى فرض كون التسمية للبدن . فيمكن طرو الشكّ في بعض الموارد فيه كما في محل البحث . فانه اذا مات قد يشكل صدق زيد حقيقة عليه كما في الحيوانات فان البقر لا اشكال في صدقه على الحيوان الخائر مادام حيا . اما اذا مات أو ذبح وقطع لحمه فلا يصدق على هذه القطعات ولا على مجموعها عنوان البقر .

نعم يمكن الصدق اذا لم تقطع ولم يسلخ فتأمل .

في تصوير الجامع لافراد الصلاة

ص: 112

وعلى كلّ حال . فالذي يمكن أن يستظهر في مقام الاثبات هو وضع الصلاة لصلاة التام المختار الواجدة لجميع ما اعتبر فيها اما تعيينا أو وضعا تعينا . ثمّ الاستعمال في البواقي مما هي ابدال أو مسقطات لهذا الفرد بالنسبة إلى غيره في الحالات المختلفة للمكلف إلى ان حصل لها الوضع التعيني وصارت الحالمشتركات لفظية(1) .ويمكن تصوير الجامع بين أفراد الصلاة أعم من الصحيحة والفاسدة وظاهر كلام سيدنا الاستاذ قدس سره انه بصدد تصوير الأعم . لكن ذيل كلامه يناسب الصحيح . بأن يكون الصلاة أمرا واحدا مركبا من الأجزاء الدخيلة في حقيقتها على نحو الاندكاك في شيئته الصلاة ولا يبقى معها آثارها الأولية بأن تمزج كبعض المركبات الخارجية المسمى بالبرش ترياق فاروق المركب من عدة امور مندك تكثرها في جنب وحدة المركب منها . بأن حصل منها مزاج ولا يصدق على هذه الماهية المركبة شيء منها . بل القت كل جزء من أجزائها خاصيته الخاصة به واثرت من حيث المجموع أثرا خاصا بالمركب . فهذه ماهية قبال الماهيات الاخرى ليست بواحد من أجزائها المركب منها .

هذا أصلها . ثمّ يطلق هذا الاسم على المركب من سنخ هذه الأجزاء ومواد هذا المركب . وان لم يكن فيه الخاصية المطلوبة لنقص بعض أجزائه كما في المركب والمعجون الخارجي المفيد لبعض الأمراض . فانه يطلق على ما اجتمع

ص: 113


1- . أقول: لا وجه في تصوير الجامع بين أفراد الصحيحي للفحص عن جامع أصيل بعد أن لم تكن الصلاة عنوانا أوليّاً أصيلاً منطبقا على الأجزاء . بل عنوانا اعتباريا عرضيا . وما هذا شأنه لابد من كون جامعه أيضا اعتباريا عرضيا وحينئذٍ فيمكن ما ذكره المحقّق الخراساني قدس سره من الجامع العرضي والاشارة إليه بخواصه وآثاره .

فيه كثير من أجزائه اسم المركب المجموع من الأجزاء وان لم يفد الخاصية الكذائية لكن بشرط كونها بعينها تلك المواد . غاية الأمر لم تكمل شروطها . أو هي مع أجزائها قلما تفيد ذلك الأثر كما في كثير من الأدوية إذا خلقت فانها تسقط عن تأثيرها الخاص بحسب أصل وضعها ومما يشهد أو يؤيد هذا عدم(1) جريان قاعدة الفراغ في الوضوء والتيمم والغسل وإن كانت أعمالاً حيث اندكت جهات كثرتها في الوحدة الملحوظة في المجموع من حيث المجموع فلتكن الماهياتالمخترعة الشرعية من هذا القبيل . هذا .

لكن يضعّفه عدم التركيب في أجزاء المركب مثل الصلاة على نحو ما ذكر في المعاجين أو المركبات الخارجية التي لا يكون تركبها بمجرد الانضمام واجتماع آثار المجموع . بأن تكون الصلاة أمرا واحدا بسيطا عبارة عن الفعل بالمعنى الأعم واندكت فيه الأفعال المتكثرة الموجبة لحصول هذه الوحدة . بل هي على كثرتها من المقولات المختلفة ولا تركيب مزجى فيها ويمكن منع حصول الوحدة لها في بعض المراتب . فان ما يمكن لحاظ التركيب والوحدة به وكونه آلة له اما اللحاظ بأن يلاحظ هذه الأفعال المتكثرة واحدة . أو بالأمر أو في مقام الامتثال والكل يمكن منع كونه آلة بلحاظ الوحدة على نحو ما ذكر في تقريب التصوير .

ان قلت: يمكن كونها كالجدار ممّا يلاحظ في التسمية بهذا الاسم الخاص اجتماع الهيئات الخاصة المتكثرة الدخيلة في هذا الاسم .

قلت: نعم هذا في مقام الامتثال . كما انه يمكن تصويرها مجتمعة في

الصلاة كالمركّبات الخارجيّة

ص: 114


1- . فيه منع . نعم قاعدة التجاوز لا تجري في الوضوء لنص خاصّ .

اللحاظ لكنه غير التركيب الذي هو مناط البحث وبه يحصل الوحدة المزاجية الموجبة لاندكاك الجهات المتكثرة وايجاد ماهية جديدة بماهيات متكثرة . فالصلاة على هذا مثل المركبات الخارجية التي مدار تسميتها ليس على اندكاك ماهيات عديدة في أمر واحد حاصل من الجميع . بل على حصول امر كلها دخيل فيه ويؤثر فيه أثرا فهو مجموع هذه الأمور لا الحاصل منها . وإن كان على فرض التركب منها على ما ذكر لا مانع من اجراء البرائة عند الشك في دخل جزء آخر الا ان العمدة كون الاشكال في ان الصلاة من قبيلها بل الوحدة الحاصلة فيهاعرضيته طارية لا ماهوية .وكيف يمكن فرض هذا التركب للصلاة مع دوران أفرادها بين بشرط شيء وبشرط لا عن الزائد وفرض تشبيهها بزيد الرضيع الموضوع له لفظ زيد الاسم المخصوص ويطلق عليه في جميع الأطوار العارضة له إلى الكبر لعلّه لا يخلو من نظر حيث انه من الممكن ان الجهات الطارية لزيد مما لم يؤخذ فيه المسمى بشرط عدمها وانما هي زائدة عما اعتبر في التسمية .

والاطلاق انما هو بلحاظ ذاك وهو لم يفرق . بل باق على ما كان حين التسمية بخلاف الصلاة فانها ليست كذلك . لما عرفت من انها تارة بشرط شيء واخرى بشرط عدمه في الصحة والمطلوبيّة .

والظاهر ان أمر تشخيصها وتطبيقها ليس بيد العرف . بل انما هي مخترع شرعي اعتباري وليس أمرا عرفيا كي يلاحظ في التسمية جانب العرف .

نعم . انما هو مناط بعد تعين الوضع وتحققه للواجد لجميع الأجزاء والشرائط وكثرة الاستعمال في ما لم تجمع بعد الشرائط والأجزاء وتنقص عن

ص: 115

الكاملة إلى أن وصلت إلى حدّ الغنى عن القرينة . والا فلا يبعد دعوى كونها حقيقة في الجامع لجميع ما يعتبر في الصحة . فالقيود المأخوذة في رتبة الامتثال والشرايط ملحوظة في ذاك المقام .

وما عن بعضهم من عدم امكان دخلها في التسمية بل ما يمكن دخله في التسمية ما يمكن لحاظ المأمور به قبل تعلق الأمر مقيدة بالنسبة إليها وبلا قيد . لا

القيود المتأخرة عن مقام التسمية بمرتبتين . أحديهما مرتبة الأمر والاخرى الامتثال . فانها لا معنى لأخذها في التسمية . ضعيف غايته .

اذ أيّ اشكال في تصور هذه القيود لدخلها في التسمية وان لم يمكن أخذهاجميعا في الخطاب الأوّلي المتوجه إلى المكلف . بل بخطابات عديدة ترجع إلىخطاب واحد . لكون الملاك في وحدته وتعدده وحدة الغرض وتعدده .

وحيث ان الغرض من جميعها انما هو أمر واحد . فلا يزيد الخطابات عن واحد حتى انه لا مانع من لحاظ تمام القيود حتى ما يجيء من قبل المزاحمة أو النهي الغيري وغير ذلك مما له الدخل في صحة المأتي به وانطباق المأمور عليه اما تصوير الجامع بغير هذا النحو بين الأفراد الصحيحة في غاية الاشكال .

نعم لو تم ما ذكروه في كونها كالمركب المزجي يتم الأمر في ناحية الأعم بفقد بعض القيود ونقص بعض الأجزاء والا فلا يتم .

والحاصل مدّعى الصحيحي ان الصلاة وضعت للعبادة الصحيحة بلحاظ تماميتها من حيث جميع الأجزاء والشرايط سواء امكنت انقسام الطبيعة إليها قبل الخطاب أو لم يمكن . بل توقف على الخطاب كالقيود المتأخّرة عن الأمر كقصد القربة بل حتى الشرائط الجائية من قبل النهي من العبادة أو باب التزاحم خلافا

الاشكال في تصوير الجامع بنحو آخر

ص: 116

للقوم فانهم قد صرّحوا باختصاص دائرة النزاع بما أمكن انقسام الماهية إليه قبل الخطاب . وهو من الأغلاط حيث ان ما لا يمكن تصوره إلاّ بعد التسمية ما توقف دخله في التسمية اما ما هو دخيل في الصحّة فلا اشكال في امكان تصوره في المسمى وإن لم يمكن جعله كالباقي تحت خطاب واحد متعلّق الأمر على ما سيجيء في اشكال قصد القربة والامر به فان ما نحن فيه وان تطرق الاشكال هناك يصح بلا توقف ولا ريب لأن تصوره بمكان من الامكان ولو لم يصل إلى غرضه من حيث الطلب إلاّ بخطاب متعدد ولا يمكن جعله ( أي المسمى ) الملحوظ فيه جميع الأجزاء والشرائط وتماميته بلحاظهما متعلّق الأمر والخطاب الواحد لأن بعض ما له الدخل يتوقف على تحقق الأمر والخطاب ثم لحاظه والأمر به بلحاظهكقصد القربة .وفرق بين امكان تصوره في مقام التسمية وبين عدم تعلق الأمر به الا بعد حصول موضوعه وهو الأمر(1) اشارة . ليعلم انه لا حاجة إلى الجامع الأصيل في الصلاة التي ليست عنوانا أوليا لأجزائها بل هي عنوان اعتباري للمقولات المختلفة كالفقير . فانه ليس عنوانا أصيلاً بل عرضيا اعتباريا مع تفاوت اختلاف أفراده

ومصاديقه وذلك لا يضر بأصل اشتراكها في الجامع ونحو انطباقه على الكل سواء.

ثمّ ليعلم ان سيّدنا الأستاذ قدس سره لم يتعرّض صريحاً لبيان الجامع للاعمّي فتبصّر وتعرّض العلمان لاثنين منه استشكلهما السيّد البجنوردي وارتضاهما السيّد الخوئي قدّس اللّه أرواحهما والحق مع الأخير(2) .

ص: 117


1- . العجب من سيدنا الاستاذ قدس سره كيف يغفل عن مثل هذا الأمر الذي هو بمكان من الوضوح ويدعى عدم امكان وصول المولى الى غرضه الا بخطاب متعدد وان تعلق الخطاب الواحد بالمسمى الملحوظ فيه جميع ما ذكر حتى المتوقف على الأمر لا يكفي .
2- . منتهى الاُصول 1/61 - 63 والمحاضرات 43/178 - 191 .

تنبيه: قد ذكر للجامع تصويران تعرّض لهما العلمان السيّدان المحقّقان البجنوردي والخوئي وناقشاهما أحدهما للشيخ المحقّق الشيخ محمّد حسن الغروي في حاشية الكفاية والآخر عن شيخ مشايخنا الآقا ضياءالدين العراقي طيّب اللّه رمسهما وللمحقّق البجنوردي تصوير آخر ربما يرجع إلى بعض ما ذكر(1) .

ثمّ ان لكل من الصحيحي والأعمي أدلّة . ذكروها بما فيها من النقض

والابرام فمن أدلّة الأعمي مسألة جعل ترك الصلاة في المكان المكروه متعلّق النذر حيث لا معنى للكراهة في العبادة . فمعناه راجع إلى أمر وجودي هو اتيانهافي غير الحمّام مثلاً مما لا يوجب وقوعها فيه منقصة عن أصل وقوع الصلاة فيمكان ما لا فضل فيها من حيث المكان كالبيت . لا انها تنقص حتى عن ما للطبيعة من المصلحة ولا تكون كالواقعة في المسجد أو في الحضرات المقدسة على ساكنيها ألف الصلاة والسلام . بدعوى صحّة النذر وانه لو أتى بها في الحمام لابد من عدم كونها صحيحة مع تعلّق النذر بها . وإلاّ فلو لم تكن فاسدة لما كانت الصلاة بتركها في المكان الكذائي مقدورة مع انه لابدّ في صحّة النذر وانعقاده من كون متعلقه مقدورا . وان المسلم صحّة النذر وانعقاده لترك الصلاة في الحمام .

وأجيب: بأنها صحيحة وفاسدة في رتبة واحدة حيث انها موافقة للأمر ومتعلق النذر بتركها . فتكون صحيحة وفاسدة كما اجيب بأن الصحة إنما هي من قبل .

وتحرير الكلام في هذه المسألة هو اذا نذر اتيان الصلاة كلّ يوم ظهرا مثلاً في الحضرة الشريفة العلويّة ولم يكن هناك موجب لانحلاله من مانع أو غيره فأتى

تصوير الأعمي بالصلاة المنذورة

ص: 118


1- . منتهى الأصول 1/56/58، المحاضرات 43/171 - 174 .

بها في المسجد اختيارا . فاما أن تكون هذه الصلاة المأتي بها في المسجد فاسدة أو صحيحة لا سبيل إلى الأوّل . اذ الصلاة واجدة لجميع ما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط غير انها كانت منذورة الاتيان في غير هذا المكان ومجرّد ذلك لا يوجب النهي عنها لعدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضد .

وكذا لا يحرم الا الحنث الذي هو الترك والترك في المكان المنذور اتيانها لا يستند إلى اتيانها في المسجد بل هو مستند إلى عدم ارادة اتيانها في المكان المنذور لا إلى ارادة اتيانها في المسجد ولا إلى نفس الصلاة المأتي بها في المسجد فلا موجب لبطلان هذه الصلاة وان تحقق منه العصيان بترك المنذور . لكنه لا ارتباط لذلك بالمأتي به كي يوجب فسادها .

واذا صحت فلا يمكن اتيانها في المكان المنذور لأن المطلوب انما هوصرف الوجود وقد أتى به وبعد ذلك يستحيل كون الصلاة الثانية والثالثة ولو فيالحضرة الشريفة المنذور الاتيان فيها مصداقا للصلاة المأمور بها المنذورة . فما نحن فيه يشبه بما لو عجز نفسه عن القيام في الصلاة أو عن الطهارة المائيّة بافراغ الماء الموجود فان الصلاة جالسا أو بالطهارة الترابية تصحّ منه . لكنه عصى حيث فوت مقدارا من المصلحة .

وعلى كلّ حال فلا يمكن اتيان المنذورة بعد صحّة المأتي به في المسجد في الحضرة الشريفة . إذ لم يبق لها موضوع . فهو كاحراق الميت الذي كانت الصلاة واجبة عليه فسقطت بذلك .

ان قلت: ان ذلك ينافي تحقّق القربة .

قلت: على هذا لابدّ من عدم تحقق القربة ممّن يطالبه داينه وهو قادر على

ص: 119

أداء دينه ويشتغل بالصلاة وذلك ممّا لا يلتزم به .

فظهر وتلخص ممّا ذكرنا صحّة الصلاة المأتي بها في غير المكان المنذور اتيانها فيه وانه بذلك ( أي بعدم ارادة اتيان المنذورة وعدم فعلها يتحقق الحنث ومن ذلك اتّضح عدم تقيد الصلاة الصحيحة بعدم كونها منذورة الترك ولا يحتاج إلى الجواب بأ نّها صحيحة لو لا النذر وغير ذلك .

نعم لو بنينا على فساد الصلاة لحصول التقيد بها من ناحية النذر . فلابدّ من جواب آخر لعلّنا سنشير إليه .

واستدلّ الاعميّون بوجوه ضعيفة كالتبادر وصحّة التقسيم وعدم صحّة السلب واستعمال الصلاة في غير واحد من الأخبار في الأعم كقوله علیه السلام: ( دعى الصلاة أيّام اقرائك )(1) .وجه الضعف ان بالتبادر وعدم صحّة السلب أيضا تمسّك الصحيحي فلابدّ من ضميمة عدم تبادر الغير إليه كي يتم الاستدلال .

أما التقسيم فقد يكون المقسم أعم كما ان الاستعمال أعم وما تمسك به من قوله علیه السلام دعي الصلاة الخ وأمثال قوله: لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب . فلابدّ فيه من التجريد .

حيث ان مرجعها إلى القضيّة الحمليّة ولا معنى فيها بأخذ الموضوع مقيدا بالمحمول أو ضده . فالموضوع في ان زيدا قائم . ان كان زيد القائم فهو من تحصيل الحاصل . وان كان زيد الذي ليس بقائم فيكون من اجتماع الضدين ( النقيضين ) فليس إلاّ ذات الموضوع لا بقيد القيام ولا بضده كي يستفاد ويفاد بالحمل شيء .

ص: 120


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 7 من أبواب الحيض ح2 .

وهذا هو معنى ما قيل من الأوصاف قبل العلم بها اخبار كما ان الاخبار بعد العلم بها أوصاف .

فظهر امتناع كون ارادة الصلاة المقيدة بعدم كونها في أيّام الحيض أو مع الفاتحة أو الطهور . بل لابدّ من التجريد كي يفيد القضية الراجعة إلى الحملية وان كانت ظاهرة غير حملية . بل لسانها لسان الانشاء والجعل . الا انها ارشاد إلى الماهية والجزئيّة والشرطيّة .

والعجب الاستدلال بموارد الاستعمال والطلب لتصحيح مقام التسمية وذلك مغالطة واضحة .

توضيح: سبق البحث في مسألة نذر اتيان الصلاة في الحضرة الشريفة وانه يكون من قبيل باب القضاء وقلنا ان الأمر متعلق بنفس الصلاة في اتيانها فيالموضع الكذائي والنهي تعلق بالترك والحنث .

وهو لا يوجب الفساد فالصلاة المأتي بها في غير المكان المنذور اتيانها فيه صحيحة لعدم تعلّق النهي بها .

وكما ان في باب الضدين لا يلازم الأمر بأحدهما النهي عن الآخر كأداء الدين والصلاة كذلك ما نحن فيه .

لكنه قد يقال ليس الأمر في النذر على ترك الصلاة في الأمكنة المكروهة كالحمام نظير النذر على الأمر الوجودي كي يجري فيه ما ذكر هناك . بل حيث ان متعلق النذر هو الترك في ذاك المكان . فلو أتى بالصلاة فيه يكون من باب اجتماع الأمر والنهي ويلزم من صحّة الصلاة عدمها لان النذر لم يتعلّق بترك الفاسدة لعدم رجحان فيها(1) .

ص: 121


1- . أقول: لا يشترط الرجحان في فعل المنذور تركه بل الرجحان في متعلق النذر والترك راجح للصلاة الفاسدة .

بل انما تعلق بترك الصلاة الصحيحة في الحمّام فلو كانت الصلاة صحيحة تكون فاسدة من قبل الأمر النذري بالوفاء والترك وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال .

مع ان متعلق النذر لا اشكال في اشتراط القدرة عليه وان النذر صحيح فلا محيص من الالتزام بالفساد واستعمال الصلاة في الفاسدة .

والحاصل اما أن لا يكون له القدرة على مخالفة النذر لعدم كونه صحيحا والمنذور تركها هي الصحيحة .

واما أن يحنث بالفاسدة وهي تكون متعلّق النذر .فعلى الأول يلزم من الصحّة عدمها ومن صحة النذر عدم الصحة .وعلى الثاني يلزم ما ذكر .

لكن يردّ عليه ان متعلّق النذر لابدّ أن يكون راجحا والترك في المكان المكروه من حيث هو ترك لا رجحان فيه .

فحينئذٍ لابدّ مع صحّة النذر من كشف كون متعلّقه أمرا راجحا . وان يرجع الترك إلى أمر وجودي يكون فيه رجحان كالاتيان في غير الحمام من الأمكنة التي تكون فيه مصلحة الصلاة مستوفاة مع الزيادة . إذ لو كان الحمام موجبا لنقص مصلحة الصلاة فيخرج هذا الفرد من الصلاة التي يأتي بها في الحمام عن تحت الطبيعة المحكوم بحكم العقل بالتخيير بين أفرادها حسب تساويها في أصل المصلحة ولازمه عدم صحّة الصلاة في الحمام وعدم كونها من أفراد المأمور بها بما هو مأمور بها .

وعلى هذا يرجع كراهة الصلاة في الحمام إلى كون غيرها أكثر ثوابا منها

اشتراط الرجحان في متعلّق النذر

ص: 122

لاشتمالها على أصل المصلحة المشتمل عليها الطبيعة وزيادة بخلاف صلاة الحمام فليس فيها الا أصل المصلحة الموجودة في الطبيعة أو المأتي بها في البيت .

لا يقال: على هذا فلا مضايقة في تسمية الصلاة المأتي بها في مكان غيره أفضل منه وأكثر ثوابا انها مكروهة في ذلك المكان .

لأنا نقول: يمكن ارجاع الكراهة في الحمام إلى أمر ملازم له كما في صوم يوم عاشوراء لا ان الترك بما انه ترك فيه مصلحة بل المصلحة والاستحباب انما هو في أمر وجودي كاتيان الصلاة في ما نحن فيه في غير الحمام ملازم للترك فيه . وكذلك المصلحة في الصلاة أو الصوم . فالتزاحم إنما هو واقع بين الأمرين الذين فيهما المصلحة متلازمين في الوجود الخارجي وأين هذا من كراهة الصلاة فيغير الحمام من الأمكنة التي يكون غيرها أفضل(1) .فعلى ما ذكرنا من التحقيق يلازم وجود الصلاة في المكان المكروه للترك المرجوع للأمر الواجد للمصلحة . وحيث انه متعلق النذر أي الترك والاتيان بها في غيرها فلا يتحقق قصد القربة من هذه الجهة ( أي ملازمة الصلاة للترك ) لكن يمكن القول بوجوب الترك للنذر والفعل فالتخيير يكون بين الفعل والترك شرعا الا انه بناء على رجوع ذلك إلى الأمر الوجودي . فالكلام فيه الكلام في ما ذكرنا عن النذر على أمر وجودي لاتيانها في ذاك المكان .

فالصلاة المأتي بها في الخارج توجب أمرين:

أحدهما اطاعة الأمر الصلاتي واجدة لجميع ما يعتبر فيها .

ص: 123


1- . أقول: يجيء الاشكال الآتي هناك بعينه في المقام . وسائل الشيعة، ج5، الباب 15، 34 ح6، 7، 1، 2، من أبواب مكان المصلّى، 34 .

وثانيهما عصيان النذر للزوم تركه .

وحاصل الجواب انه اما أن لا تكون مخالفة النذر مقدورة . أو تمكن ويكون مطيعا وعاصيا . وحيث ان المسألة غير معنونة في كلام الأصحاب فتحتاج إلى مزيد تأمّل .

ومن نظائر المقام مسألة ما لو نذر زيارة عرفة وكونه في كربلاء المشرفة زائراً للحسين علیه السلام واتفق انه استطاع في سنة النذر . فاما أن يقدم المقدم سببا وهو النذر لا الاستطاعة كما عن بعضهم . واما أن ينظر إلى القدرة العقلية والشرعية ويقدم الحج .

ولو كان أمر النذر متقدما وسببه قبل حصول الاستطاعة كما ذهب إليه المحقق النائيني قدس سره (1) نظرا إلى اشتراط النذر بالقدرة الشرعيّة دون الحج .لكنه يردّ عليه اشتراطه أيضا بالقدرة الشرعية . وأجبنا عن الاشكال بنحو آخر وهو كون المسئلة من باب التزاحم والترجيح للأهم وهو الحج سواء كان أحدهما أقدم سببا أم لم يكن .

وينبغي التنبيه على أمر: يتعلق بمسألة النذر وهو اعتبار عدم كونه مخالفا للكتاب والسنة .

ولا وجه للتفصيل بعدم كونه في اتيان الواجب وترك الحرام أو اتيان المستحب أو المباح وتركه أو المكروه مخالفا للكتاب بانعقاد النذر وصحته دون ما اذا نذر ترك الواجب أو فعل الحرام . كما لا وجه للقول بأن في نذر المباح أو المستحب أو المكروه لا يكون مخالفة حكم الشارع وعدم حكمه بالجواز أو

اشتراط النذر بعدم مخالفة للكتاب والسنّة

ص: 124


1- . فوائد الاُصول 1/330 .

عدمه . بل بالفعل والترك اذ لازم هذا القول انعقاد نذر من نذر شرب الخمر أو ترك الواجب حيث ان متعلق النذر ليس مخالفة الحكم الشرعي . فالقول بعدم الانعقاد في هذا والانعقاد في ذلك تحكم . بل لا فرق في الحكم الشرعي بين الحرام والواجب والمكروه والمستحب . فكما لا ينعقد النذر على تحريم الحلال أو تحليل الحرام كذلك لا ينعقد على اتيان المباح مثلاً .

فالاشكال هو هذا .

وأجاب الشيخ قدس سره بأنّ الأحكام الشرعيّة على نحوين تارة يكون فيها جهة العلية كالواجب والحرام ولا يقبل هذا القسم طرو العناوين الثانوية كالنذر والعهد واليمين واطاعة الوالدين وأمثالها .

وقسم منها فيها جهة الاقتضاء كالمباحات . فيمكن وجوبها بالعنوانالثانوي كاطاعة الوالدين أو بالنذر وأمثاله(1) .

هذا تمام الكلام في ألفاظ العبادات .

وأمّا المعاملات فان قلنا بأنها أسام للمسببات فالظاهر عدم امكان وصفها بالصحّة والفساد . بل بالوجود تارة وبالعدم اخرى .

وان قلنا انها أسامي للأسباب من الايجاب والقبول فيمكن انقسامها إلى الصحيح والفاسد وان الألفاظ هل هي موضوعة بازاء التام القيود والأجزاء أو بازاء عدة منها .

وعن الشهيد قدس سره ان استعمالها في الفاسدة مجاز وفي الصحيحة حقيقة فيمكن

في تصوير الجامع في المعاملات

ص: 125


1- . لكن الاشكال يتّجه على هذا أيضا اذ لازمه معرفة ان ذلك الحكم الشرعي هل هو من قبيل الأول أو الثاني . ولازمه عدم انعقاد النذر أو عدم وجوب الوفاء الا في ما يكون بترك الحرام أو فعل الواجب فتأمّل .

ارادته الأسباب لا المسببات .

حاصل الكلام في ذلك ان مثل لفظة البيع هل هي موضوعة بازاء المعنى الحاصل من الايجاب والقبول مثلاً الذي يعبر عنه بالنقل والانتقال وكذا الصلح والاجارة والهبة وساير المعاوضات .

وعليه . اما أن يكون هذا موجودا أو معدوما سواء كان الاعتبار من الشرع تأسيسا أو امضاءً لعدم الفرق . أو انها موضوعة بازاء بعت وقبلت . فاللفظ موضوع بازاء هذين اللفظين . ويعتبر فيه شرايط اخر .

كما ربما نسب إلى الشيخ الكبير كاشف الغطاء رحمه الله ويوجد في تعاريف بعض المصنّفين .

وحينئذٍ فيمكن جريان النزاع . حيث انه بعدم امضاء الشارع وابطاله ما عندالعرف لا يكون معدوما بل يصير بذلك فاسدا .

فالسبب على قسمين صحيح أي البيع وسبب فاسد أي البيع .

وعلى الوضع للصحيح من الأسباب يكون المعنى خصوص السبب الصحيح الذي يترتب عليه الأثر بامضاء الشارع .

هذا بناء على ممشى القوم من كون ذلك من باب الأسباب والمسببات وحينئذٍ فان كان للمسبب فلا يجري النزاع في الصحيح والأعم . بل يدور الأمر بين الوجود والعدم . واذا شككنا فلا مجال للتمسك بالاطلاق كما في البسيط عند بعض الصحيحي في العبادات .

وان كان للسبب فيجري النزاع ويمكن التمسك بالاطلاق في نفي اعتبار شيء زائد على ما عند العرف .

ص: 126

لكن قد يقال بامكان تصور الصحيح والفاسد بناء على الوضع للمسبب مع انه يدور الأمر بين الوجود والعدم . وذلك لأن ما يترتب عليه الأثر عند العرف من الصحيح لا يكون خصوص البيع الذي اعتبره الشارع . بل أعم منه . فعند العرف يصح البيع الربوي مع انه لا يصح عند الشارع . وقد يتوافق النظران فيرى الشارع البيع العرفي بيعاً يمضيه . فيمكن أن يقال ان البيع بما هو بيع شيء وبما هو ممضى شيء آخر .

فالبيع الصحيح أي المسبّب بما هو مسبب هو الصحيح وبما هو هو اذا لم يمضه يكون هو الفاسد ولو رأه العرف صحيحا هذا .

الا انه يمكن المناقشة في كون باب المعاملات من باب التسبيب .

بيان ذلك يحتاج إلى معرفة السبب التوليدي والفعل المباشري وما يوجدبالآلة وان المعاملات من قبيل الأخير . فنقول قد سبقت الاشارة إلى ان المسببالتوليدي هو ما لا يحصل الفاصلة بين فعل الفاعل وبينه أو يتوسط لكن لا بارادة فاعل مختار .

كما في ارسال الماء لتخريب البناء أو ارسال الكلب لعض انسان فان الأثر وهو العض أو خراب البناء انما حصل بواسطة في الأول غير شاعر وفي الثاني شاعر غير مختار .

ويصح الاستناد الى فاعل السبب كما يصح الاستناد الى الواسطة كالماء والكلب .

وهذا بخلاف الفعل المباشري الذي يصدر عن الفاعل بالمباشرة أو بمباشرة الآلة فلا يصح الاستناد إلى الآلة والواسطة بل الأثر والنتيجة مستندة إلى الفاعل

ص: 127

فالقاتل بالسيف حقيقة هو الذي قتله به ولا يصح اسناد القتل إلى السيف كما لا يصح اسناد التكلم إلى اللسان .

ان قلت: يشترط في المسبب التوليدي أن لا يتوسط الواسطة المختار . وهذا الضابط بعينه ينطبق على ما نحن فيه من الفعل المباشري . فالكلب والماء كالسيف واللسان . كل ذلك آلات ومجرّد كون الكلب ذا روح لا يوجب فرقا فان الماء أيضا واسطة في التخريب .

قلت: لا يخفى الفرق بين السبب التوليدي والفعل المباشري فان الأثر كما ذكرنا يستند في المباشري إلى الفاعل حقيقة والتكلم والنطق من فعله والسيف واللسان انما هو آلة دون السبب التوليدي .

فان استناد الأثر وفتح المدينة إلى الأمير بالعناية والمجاز وإلا فالحق ان القاتل والفاتح انما هو العسكر والعاض هو الكلب والمخرب هو الماء . غاية الأمرهو سبب ذلك وأوجب حصول الارادة من الكلب وجريان الماء بطبعه وسيلانهاليه بخلاف السيف . فانه ما لم يحركه محرك لا يقطع . وكذا القلم لا يكون كاتبا ما لم يحركه الكاتب .

وهذا بخلاف الكلب فانه بعد أن اغراه والماء بعد ان اساله يكون فاعلاً للأثر وليس كذلك القلم في الكتابة واللسان في النطق .

اذا عرفت ذلك . فباب المعاملات انما هو من الفعل المباشري والايجاد بالآلة وليس من المسبب التوليدي . فالألفاظ ليست أسبابا تترتب عليها المسببات(1) .

الفرق بين السبب التوليدي والفعل المباشري

ص: 128


1- . وبذلك يمكن المناقشة في ما ذكره في منتهى الاُصول منتهى الاُصول 1/68 - 69 من عدم الفرق بين الفعل المباشري بالآلة والتسبّبي وكذا في المحاضرات ( محاضرات في اُصول الفقه 43/214 - 215 ) الا ان السيّد الخوئي قدس سره يرى اسامي المعاملات للمركب من المبرز والمبرز خارجاً لكن المناقشة ضعيفة .

وهناك قسم ثالث: وهو المقدمة الاعدادية ولا يكون ذلك من السبب التوليدي كما لا يكون من الفعل المباشري والايجاد بالآلة .

فظهر بما ذكرنا ان النقل والانتقال والمسبّب يحصل باللفظ ويوجد به . لا ان اللفظ سبب وان الفاعل يوجده كالالقاء وان السبب يترتب عليه المسبب كالاحراق .

ولا بأس بالاشارة إلى حقيقة البيع . وليعلم ان هناك اُمورا ثلاثة . المضاف والمضاف إليه والاضافة . فالمال مضاف إلى مالكه . والمالك مضاف إليه والملكية هي الاضافة . فتارة يحصل التبدل بالمضاف إليه وطرف الاضافة كما في الارث واخرى يكون التبديل في المضاف كما انه ثالثة في الاضافة . ويشكل الأمر في ان بتبديل طرفي الاضافة أو أحدهما لا يمكن بقاء الاضافة الشخصية بل لابدّ مناعدامها ووجود فرد آخر .

فالبيع هو تبديل طرف الاضافة وأصل الاضافة باقية بالنسبة إلى البايع والمشتري والتبديل انما هو في ناحية طرف الاضافة فقبل البيع مثلاً كان طرف الاضافة في ملكية البايع والبيع بدله بطرف اضافة المشتري . وفي ناحية المشتري بالعكس . أو لا بل حقيقة البيع عبارة عن سلب اضافة وايجاد اضافة اخرى . لما في التصوير الأول من لزوم المحال واجتماع ملكين في آن واحد وكون الطرف ملكا لمالكين .

اذ الفرض ان الاضافة باقية لم تنعدم بالبيع بناء عليه كتبديل عمود الخيمة

ص: 129

بعمود آخر . فالخيمة باقية على حالها . فان كان عبارة عن سلب الاضافة وايجادها فيشكل الفرق بين البيع والهبة المعوضة . اذ الهبة أيضا سلب اضافة وايجاد اخرى والفرق بين ذلك وبين القرض . ان القرض كاليد ولزوم الضمان بالاتلاف . وربما يشكل أيضا ان البيع الكلي كذلك . اذ ليس الكلي شيئا موجودا خارجا . بل على فرض ذلك في بيع السلف لا يملك شيئا والتصور أيضا لم يكن مبيعا . بل السارق كيف يبيع مال الغير . وان عبر بعض الأعاظم عنه بأنه سرق الاضافة لكنه كلام ظاهري غير مراد لقائله قدس سره .

وعلى كلّ حال . فان كان البيع مثل ساير ألفاظ المعاملات موضوعا بازاء الأثر الخاص والنتيجة المترتبة على ذلك من النقل والانتقال في البيع وكذلك في ساير المعاملات .

فقد أشرنا انه بناء عليه لا مجال لتصور الصحيح والفاسد فيه . بل يدور الأمر بين وجود ذلك الأثر وعدمه . لكن قد يقال بعد امكان الفرق بين البيع العرفيوالشرعي واختلاف النظر . فالشارع قد يرى ما لا يراه العرف سببا لحصولالملكية كما انه قد يخطئ العرف في رؤيته حصول الأثر بالربا وبيع الحصاة وأمثال ذلك وهو لا يرى ذلك الاختصاص . فيمكن القول بأن ما يراه الشارع حاصلاً عند السبب نسميه من البيع العرفي صحيحا باعتبار ترتب الأثر شرعا عليه وما لم يمضه الشارع وخطأ العرف في نظرهم كونه حاصلاً عند ما يرونه سببا له بيعا فاسدا . لكنه بالاخرة يرجع إلى وجود الاختصاص والسببيّة المستتبعة لذلك وعدمه . وهذا ليس أمرا تعبديا من الشارع ولا عند العقلاء . بل انهم يرون حصول الاختصاص بذلك فيرتبون آثار الملك عليه .

بيان حقيقة البيع

ص: 130

ويمكن كون ذلك موجودا في الحيوانات .

نعم . ان كان الاسم للأسباب فعند الشك في اعتبار أمر زائد في السببية لترتب الملكية أو ساير آثار البيع وباقي المعاملات يمكن التمسك بالاطلاق دون ما اذا كان الاسم للمسببات . والأصل العملي في المعاملات هو الفساد . والعبارة المنقولة عن الشهيد قدس سره في ان ألفاظ المعاملات حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد .

ان كان بالنظر إلى المسببات فغير وجيه . وإن كان بالنظر إلى الأسباب فله وجه وجيه . لكن لا ينطبق عليه ما ذكره عقيب هذا الكلام . وربما لا يناسبه . كما انه إذا شككنا في ان بيع المكره صحيح أم . لا فبعد اعتبار العرف أصل الرضا دون خصوص المقارن يمكن التمسك باطلاق أدلّة الامضاء للنفوذ والصحّة إذا لحقه الرضا .

اما اللزوم فقد يشكل في بيع المعاطاة لدعوى الاجماع على عدمه لكنه تقييدي وكثير منهم كانوا يقولون بالاباحة . فأورد عليهم الشيخ الكبير الاشكالاتالتسعة من تأسيس فقه جديد ووجوب الحج على من ليس بمستطيع ومالكللاستطاعة . مع ان الشيخ المفيد قدس سره التزم باللزوم . لكن الأقوى ان المعاطاة بيع بل عقد لازم وبعد شمول قوله علیه السلام البيعان(1) بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا وجب البيع . فلا يحتاج إلى شيء زائد ولا أقل من الاحتياط .

في امكان التمسك بالاطلاق:

قد يقال أو يمكن أن يقال بامكان التمسك بدليل كل من السبب والمسبب

ص: 131


1- . وسائل الشيعة 18 الباب الأوّل 1 - 2 - 3 من أبواب الخيار مع تفاوت في العبارة .

في امضائه لامضاء الآخر اما في ناحية السبب فظاهر اذ امضائه امضاء المسبب . اما في ناحية المسبب فبوجهين:

أحدهما: الملازمة عرفا بين امضاء المسبب لامضاء سببه .

الثاني: استفادة امضاء كلّ سبب يتوصل به إلى المسبب من ناحية عدم بيان سبب خاص . ولو كان مناط ذلك خصوص سبب خاص ليبّن . ومرجع الوجهين إلى وجه واحد . ويمكن التعدد بأن الأول راجع إلى دعوى الكلية وان امضاء المسبب مع قطع النظر عن خصوص المورد يلازم امضاء السبب .

وكما أفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره يكون ذلك بالدلالة الالتزامية .

وان الثاني مع قطع النظر عن هذه الملازمة . حيث ان الخطاب ملقى إلى العرف بامضاء المسبب ولا معنى لامضاء مسبب خاص بلا بيانه فيكون كل مسبب هو مسبب عندهم وذلك عين امضاء الأسباب ( وظني ان الاستاد لم يبين الوجهين بغير هذا النحو ) لكن في كلّ منهما نظر . حيث ان مثل قوله علیه السلام ( النكاح سنتي )(1)لا نظر له إلى جهة السبب كي يمكن التمسك بالاطلاق لنفي الشك في اعتباره فيجهة السبب .

نعم امضاء أصل المسبب لا يمكن اجتماعه مع عدم امضاء سبب . لكن قد يكون بصدد بيان أصل امضاء المسبب وان هذا الحكم لم ينسخ في الشريعة فهو من هذه الجهة كخطاب أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ووجوب الحج وأمثالها من المطلقات التي لم تسق لبيان مالها من الاجزاء والشرائط . بل انما سبق لبيان أصل المشروعية والوجوب .

امضاء المسبّب يلازم امضاء السبب

ص: 132


1- . مستدرك الوسائل 14 الباب 1/18 من أبواب مقدّمات النكاح واللفظ النكاح من سنّتي .

فاذا شك في اشتراط العقد بالعربية . فحينئذٍ تارة لا يكون بناء العرف عليه واخرى يبنون على الاشتراط . فان كان العقد الذي يراد امضائه من ناحية اطلاق المسبب واجدا لما اعتبر في العرف . فالشك في نفي الزائد عما عند العرف بدليل المسبب مبتنى على تمامية أحد الوجهين . وقد عرفت عدم نظر المسببات عليه وان كان غير واجد فلا مجال للتمسك حتى على فرض تمامية الوجهين .

والحاصل ان التمسك بقوله علیه السلام ( النكاح سنّتي )(1) لنفي الشكّ في اعتبار العربية في العقد أو بقوله تعالى: « تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ »(2) بناء على كونهما حقيقة في المسببات لا الأسباب يكون من قبيل التمسك بالكبرى لاحراز الصغرى فكما ان ذلك غير جائز .

لعدم تكفل الكبرى للصغريات بل لحكمها . فكذلك ما نحن فيه اذ لا نظر للمطلقات إلى ذلك ولا يسمع دعواه من اصولي يجوز العقد بالتركية للتركي أوالفارسيّة للفارسي مثلاً أو بتبديل انكحت بانكحت ( بالفتح ) أو زوجت بجوزت مع بناء العرف عليه فلا ملازمة عرفا بين امضاء المسبب وامضاء السبب بعد عدم تعددالمسبب اذ لا نكاح عندنا شرعا ونكاح عرفا . بل اما ممضى أو لا على ما عرفت اذ الامضاء انما يرجع إلى ناحية ذات المسبب .

هذا كله اذا كان اسامى المعاملات موضوعة للمسببات التي عرفت ان أمرها دائر بين الوجود والعدم اما إذا كانت أسامي للأسباب .

فحيث انها القيت إلى العرف فيمكن لحاظ العناية فيها بكون امضاءها امضاء المسببات .

ص: 133


1- . مستدرك الوسائل 14 الباب 1/18 من أبواب مقدّمات النكاح واللفظ النكاح من سنّتي .
2- . النساء /30 .

فاذا احرز ما اعتبر في السبب عند العرف وما يراه العرف سببا فنتمسّك باطلاق دليل امضاء هذا السبب ) في نفي اعتبار الزائد كما في أصل اعتبار الرضا في عقد البيع لو كان اسما للايجاب والقبول .

والحق انه موضوع للنتيجة أي المعنى الحاصل بالايجاب والقبول .

هذا كله لو كان ذلك من باب السبب والمسبب التوليدي . اما إذا قلنا بأنها ليست من ذلك الباب ولا من باب المعدات التي تتوسط بين النتيجة والفعل ارادة فاعل مختار . بل انما هي من باب الفعل المباشري وان الألفاظ كالآلة كما في ساير الأفعال التي تصدر عن الانسان بالمباشرة باستعانة عضو من أعضائه كاللسان واليد .

فكذلك حال الألفاظ في ما نحن فيه حال الآلة . وحينئذٍ فيمكن دعوى الملازمة بين امضاء المعاملات أي الأفعال والنتائج الحاصلة بأعمال الآلات وامضاء آليتها .

والاشكال والجواب ما سبق في تقريب التسبيب وكونها من المسببات

التوليدية . اذ فرق بين آلة التجارة من المنشار والفاس وتوجه الامضاء إلى نحوالدرب المصنوع والباب والفهم العرفي باحتياج ذلك إلى الآلات . وهي آلاتهبخلاف المقام . اذ لا ندري ما الذي اعتبره الشارع وليس من المعاني التي يعرفها العرف . فلا مجال لدعوى استفادة امضاء الآلة من امضاء المسبب أي الفعل الحاصل بالآلة .

وللمحقّق النائيني قدس سره (1) كلام في الألفاظ بناء على كونها آلة وهو ان للمعاني

ص: 134


1- . فوائد الاُصول 1/81 - 82 .

من البيع والصلح وأمثالهما جهتين: جهة النفسية أي بما هو هو وجهة الصدور وبعبارة اخرى حيث المصدر واسم المصدر . والفرق بينهما بالاعتبار . فاسم المصدر ينظر إليه قبال ساير الماهيات والمصدر بالنظر إليه من حيث احتياجه إلى الايجاد .

والفرق بينهما كالايجاد والوجود . والامضاء يمكن تعلّقه بناحية الايجاد فحينئذٍ يكون له اطلاق بما في جهة الالات والألفاظ فبكلّ ما يوجد البيع عند العرف يتحقق عند الشرع . والشك في اعتبار الزائد منفي بالاطلاق . إذ باب المعاملات باب التمسك بالاطلاقات اللفظيّة . اذ الأصل فيها الفساد وحينئذٍ ينتج المطلوب .

نعم يشكل الأمر لو كان الامضاء تعلّق بها بما هي هي(1) .

اشارة: ذكرني بعض أجلّة الأصحاب ان أحد الوجهين في دعوى ملازمة امضاء المسبب للسبب العرفي . هو الملازمة والدلالة الالتزامية عرفا كما مر مثاله .وثانيهما: المسامحة في اطلاق المسبب للسبب والسبب للمسبب فامضاء أحدهما عين امضاء الآخر مسامحة .والجواب عن الوجه الأول . ان لا اطلاق في مورد البيان . وعن الثاني بأن المسامحة انما هو في باب أخذ المفاهيم اما في باب التطبيق فلا مجال للمسامحة .

تتميم: ذهب المحقّق النائيني قدس سره (2) إلى ان باب المعاملات ليس من باب

الأسباب والمسببات بل هو من الايجاد بالآلة ( أي الألفاظ وحينئذٍ يمكن تصوير

اشكال امضاء المسبب لامضاء السبب

ص: 135


1- . لكنك خبير بأن ذلك مجرد تغيير اصطلاح لا يسمن ولا يغني من جوع ولا فرق في ذلك بين باب التسبيب والايجاد فتأمل .
2- . فوائد الاُصول 1/81 - 82 .

النتيجة كالنقل والانتقال وان لها جهتين جهة بما هي هي وجهة بما هي صادرة وبعبارة اخرى جهة الوجود وجهة الايجاد . فان تعلق الامضاء بجهة الايجاد كانه تعلق بالوجود بل عينه . فكل ما هو يعتبر عند العرف في الايجاد أو يكون آلة فالامضاء بالايجاد امضاء له . لكن في الوجود جهة خفاء . وإن كان بالتأمّل يرجع إلى ما ذكر في الايجاد . وهذا الفرق وإن لم يكن له نتيجة في ما نحن فيه . الا ان له

أثرا في الأبواب الاُخر . فالسجدة مثلاً ان قلنا لها جهتان أو الركوع وكذلك باقي ما

يعتبر من حيث تعلق الخطاب به انما يكون ذلك من حيث ايجاده بخلاف ما اذا كان الغرض الاخبار أو بيان النتيجة وحيث اسم المصدر . فاذا وقعت جبهته على موضع السجود قهرا فلا يكون ممتثلاً لأمر السجدة لعدم تعلق الأمر بها بما هي هي بل بحيث صدورها . وتوضيح مرامه قدس سره ان باب الأسباب والمسببات التوليدية ليس لها مساس بباب الايجاد بالآلة . بل بينهما الفرق بين السماء والأرض . حيث ان الاحراق والالقاء ليسا حقيقة واحدة بل ما يصدر عن الفاعل مباشرة انما هو الالقاء كساير ما يصدر عنه بالمباشرة ويكون فعلاً له بآلاتها الخاصة . فالالقاء أيضا نظيرها بتحريك اليد والأخذ والالقاء .ثمّ الاحراق من فعل النار واسناده إلى الملقى انما هو بالعناية والعرض والافبالحقيقة ليس المحرق هو الملقى .

فلذلك اذا تعلق الامضاء بالمسبب أي الاحراق في المثال لا ربط له بمسألة امضاء الأسباب بل يكون ذلك من باب التمسك بقوله تعالى: « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ »(1) لعدم اشتراط طهارة موضع العض في جواز الأكل وليس ذلك من باب

ص: 136


1- . المائدة /5 .

الايجاد بالآلة .

اما اذا تعلق الامضاء بها من حيث الايجاد . فالايجاد ليس إلاّ عبارة عن أعمال الآلة كما في الشرب والكتابة وغيرهما من الموجدات بالالة . فان حيث الايجاد فيها عبارة عن تحريك الأصابع وجرى القلم بنحو يصدر منه الكتابة كما ان الشرب الذي هو الفعل المباشري والايجاد بالآلة حيث صدوره هو تحريك الفك واللسان وجذب الماء إلى الجوف كالمضغ بخلاف الايجار في الحلق الذي ليس من عمله .

فحينئذٍ تعلق الامضاء بها من حيث الايجاد عين امضاء الآلات والايجاد بها فعل آلة يوجد بها عند العرف الفعل المباشري . فامضاء الفعل من حيث الايجاد امضائها . هذا في حيث الايجاد . اما حيث الوجود فبعد التوجه إلى مقدمة سابقة وهي ان الفرق بين الحيثيين انما هو بالاعتبار . وإلاّ فالايجاد عين الوجود فيلازم الامضاء لحيث الايجاد .

واذا كان الايجاد عين أعمال الآلات فاذا تعلق الامضاء بالنتيجة وحيث الوجود وهو هو واسم المصدر فبالعينية التي لا يصادمها التغاير الاعتباري بينالجهتين يتعلق الامضاء بالايجاد . كما ان بما ذكرنا في عينية الايجاد وأعمال الآلةوان امضائه امضائها يكون امضاء الايجاد امضاء الآلة فامضاء حيث الوجود يكون امضاء آلالة ولذلك لا يفرق بين الجهتين في باب الايجاد بآلالة دون باب الأسباب والمسببات لما عرفت من كون الاحراق غير الالقاء وان اسناد الاحراق إلى الملقى ليس بالحقيقة .

وان شئت فقل ان حيث الوجود يلازم امضائه امضاء حيث الايجاد

الاشكال في ملازمة امضاء المسبّب للسبب

ص: 137

وامضائه امضاء الآلة . وكيف كان فهو غير باب المسبب التوليدي وبينهما بون بعيد.

ويمكن القول بأن امضاء المسبب في ذاك المورد لا يلازم امضاء السبب لعدم كون الاطلاق في مقام البيان بخلاف باب الايجاد للملازمة والعينية . فلا مجال للتمسك باطلاق المسبب في مثل الاحراق لأخذ الاطلاق في الالقاء وأنحائه بخلاف باب الايجاد . فاذا شككنا في اشتراط العربيّة في عقد النكاح والفرض ان أهل كلّ عرف يتعدون ولا يشترطون العربية والماضوية فلا مجال للتمسك باطلاق ( النكاح سنّتي )(1) لدفع الشك من هذه الناحية إذا كان من باب الأسباب والمسببات .

ولازم ذلك جواز ذلك اذا كان من باب الايجاد بالآلة ولكن سيّدنا الاستاذ قدس سره توقف أخيرا وكان يميل إلى ذلك وعدم جواز التمسك بالاطلاق حتّى بناء على الايجاد لامكان تعلق الامضاء بأصل حكم النكاح وانه جائز غير منسوخ منّة على العباد بل ممضى . اما ان ايجاده باية آلة وبأي نحو فليس بصدد بيانه والحق هو هذا .اذ لا فرق بين باب الأسباب والمسبّبات وباب الايجاد والوجود اذا لم يكنفي مقام البيان ولو كان في مقام البيان فيمكن التمسك بالاطلاق في كليهما . نعم إنّما هم الحقّق النائيني قدس سره اثبات الملازمة لبيان حيث الوجود لحيث الايجاد ومانعية الاتحاد والتعدّد الاعتباري غير مضر لكن عرفت امكان اتجاه الاشكال .

تكملة كى لي بعض حاضري بحث سيّدنا الاستاذ قدس سره تعرضه لكلام المحقّق

ص: 138


1- . مستدرك الوسائل 14 الباب 1/18 من أبواب مقدّمات النكاح واللفظ النكاح من سنّتي .

الخراساني وانه بناء على كون اسماء العبادات موضوعة للصحيحة لا يمكن التمسك(1) بالاطلاق بخلاف الأعم . وفي باب المعاملات(2) يمكن التمسك بالاطلاقات سواء بنينا على الصحيح أو قلنا بالأعم .

وقال مراده في ذلك ونظره إلى خصوص الأسباب لأن المسببات لا يتصور فيها الصحيح والفاسد بل الوجود والعدم . اذ ليس للشارع ترتيب خاص الا الامضاء وعدمه وحينئذٍ يمكن التمسك باطلاق ألفاظ المعاملات اذا كانت موضوعة للأسباب ولو الصحيحة . وتنظر هو ( سيّدنا الاستاذ قدس سره ) في ذلك لبناء ما ذكر على ما ذهب إليه المشهور من كون باب المعاملات من باب الأسباب والمسببات .

وأما بناء على ما اختاره تبعا لشيخه الاستاذ من كونها من باب الايجاد والوجود فلا مجال لهذا الكلام(3) .وقع الكلام في بيع المعاطاة وانه هل هو بيع أم لا، ذهب الشيخ قدس سره إلىالتمسك بأحل اللّه البيع لكونه بيعا لكنه ليس بلازم . اذ اللزوم غير الصحة . وردّه بكفاية التمسك حينئذٍ بقوله علیه السلام ( البيعان بالخيار ما لم يفترقا )(4) بالبيان المتقدم سابقا .

امكان التمسّك بالاطلاق

ص: 139


1- . كفاية الاُصول 1/42 - 43 - 50 .
2- . كفاية الاُصول 1/42 - 43 - 50 .
3- . الظاهر ان مراده بعدم جريان الكلام بناء على باب الايجاد بالآلة لما ذكره سابقا من ان امضاء الايجاد امضاء الوجود .
4- . وسائل الشيعة 18 الباب 1/1 - 2 - 3 من أبواب الخيار مع تفاوت في اللفظ .

الكلام في الاشتراك في اللغات:

احاله بعضهم وهو مردود لا يعبأ به وآخر جعله مستحيلاً وقوعا بعد تسليم امكانه عقلاً نظرا إلى تناهي الألفاظ وعدم تناهي المعاني ولا يفي المتناهي بغير المتناهي . وهذا نظير برهان العامة على جعل القياس من الأدلّة على ما أشار إليه بعض علمائهم في كتابه في الفقه حيث ذهب إلى عدم تناهي الأحكام والمسائل وتناهي المدارك فليس الا القياس خلافا لشرذمة من أهل الظواهر معرضا به للامامية ومن وافقهم في بطلان الاعتماد على القياس .

وحاصل الدعوى ان الحروف التي تتركب منها الكلمات ثمانية أو تسعة وعشرون وتركيب كل واحد مع البواقي محدود متناهي كيف ما يتّفق .

والمعاني ( أي الامور ) التي يراد تفهيمها وتفهمها ليست محدودة بل لا تتناهي كثرة .

واجيب أوّلاً: بمنع عدم تناهي المعاني بل هي أيضا متناهية .

وثانيا: على تقدير التسليم وعدم امكان وفاء باقي ما يحصل منه الافادة كالاشارة بالأعضاء وغيرها .

ان مقدارا منها الذي هو مورد الحاجة والابتلاء متناهية وليست هي أزيدمن تراكيب الألفاظ المفردة بل ربما زادت عليها .

وثالثا: ان باب المجاز واسع والعلاقة وان انحصرت في بضع وعشرين قسما وهي محصورة . لكن اسبقنا في بعض الأبحاث عدم الحاجة في ذلك إلى العلاقة .

بل تحسين الطبع كاف في جواز استعمال لفظ مجازا في غير ما وضع له .

ص: 140

ورابعا: ان اريد بعدم تناهي المعاني المعاني الجزئيّة فمسلّم . لكنه لا يلزم الوضع لكل منها كالأعلام الشخصية . وان اريد المعاني الكلية فهي محصورة لان الماهيات محصورة متناهية ليست خارجة عن حدود المقولات العشر وينطبق واحد منها على الجزئيات .

وفي قبال هذه الدعوى دعوى اخرى بعدم امكان الاشتراك في عالم الوقوع نظرا إلى الاحتياج إلى القرينة ولزوم اللغوية اذ لا فائدة في وضع لا يفيد تخصيصا بل نتيجته الاجمال .

واجيب بجواز تعلق الغرض احيانا بالاجمال واحالة تفصيله إلى زمن الحاجة كما هو واقع كثيرا في الأوامر الامتحانية وغيرها . كالمطلقات والعمومات . فانها مجملات يبين تفاصيلها في ظرف الحاجة وابتلاء المكلف لعدم اقتضاء المقام لغير القاء العمومات والمجملات(1) .

بل ربما يدعى استعمال المشترك في القرآن . فكيف يدعى لزوم اللغوية وان الواضع لو كان هو اللّه تبارك وتعالى لما كان منه الوضع مشتركا لاستحالة صدوراللغو من الحكيم . كما في تقريب الاشكال .

ويدل على ذلك قوله تعالى: « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهاتٌ »(2) .

لكن لا يخلو من نظر لكون لفظ التشابه أيضا متشابها ومقتضى بعض

الاشتراك في اللغة

ص: 141


1- . وأنكر السيّد العلاّمة الخوئي قدس سره محاضرات في اُصول الفقه 43/230 - 231 الاشتراك بناء على ما اختاره في معنى الوضع وانه التعهد وانه لايجتمع تعهده الأوّل مع تعهّده ثانياً . لكن عرفت ان الوضع ليس التعهّد .
2- . آل عمران /8 .

الأخبار(1) الواردة في أصناف ألفاظ القرآن تفسير المتشابه بمتحد اللفظ مختلف المعنى .

وربما يظهر من بعضها انه المجمل . فليس دليلاً الا بناء على ظهور المتشابه في المشترك اللفظي ولم يحتمل أو يظهر ارادة تعدد الاحتمال أو الاجمال في المجمل منه .

فالأحسن في الجواب كشف الاستعمال بالتبع لكلمات المفسرين واللغويين في ذكر المعاني المشتركة للفظ واحد واستعمال ذلك في القرآن وإلاّ لامكن انكار كون بعض الألفاظ من المشترك كاستوى في « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى »(2) بمعنى الجلوس على السرير والاستيلاء على الشيء بارجاع ذلك إلى معنى واحد . نعم في بعض الموارد لا يمكن ذلك لبعد ما يمكن أن يكون جامعا موضوعا له اللفظ . وارجاع جميع موارد الاستعمال إليه . فحينئذٍ ربما يكشف تعدد الوضع والاشتراك . وعلى كلّ حال فالاشتراك ممكن بل واقع وليس واجبا كماليس عدمه واجبا . ضرورة اقتضاء ذلك البرهان عدم تناهي الوضع ولو إلى يومالقيامة وعدم كون المهمل ومع ذلك لا يتمّ لامكان الوضع للمعاني الكلية والغنى بها عن الجزئيات مع ان الترادف واقع(3) .

فالاشتراك ممكن بل واقع . وان كان النزاع في ذلك لا يترتب عليه فائدة مهمة .

وهو في الاعلام كثير كاسماء البلدان والقرى والأشخاص حتى الأئمّة علیهم السلام

ص: 142


1- . بحار الأنوار 92 باب متشابهات القرآن، ص127 وبعده . الأحاديث 15 - 16 - 19 - 21 - 22 يستفاد منها بعض ما في المتن .
2- . طه /6 .
3- . فيه ان الترادف قبال الاشتراك ولا مجال لقياس الاشتراك بالترادف كما هو واضح .

كما يلوح من كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره .

استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد:

ان بحث الاشتراك مقدمة وتوطئة للكلام في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد . وعنوان النزاع يشمل المعنيين أو المعاني الحقيقية أو المجازييّن والمختلفين وستعرف اختصاصه ببعضها .

وعلى كلّ حال فالمراد بذلك كون الاستعمال بالارادة بأن يكون الاستعمال لها لا مجرد الارادة وان لم تكن ارادة استعمالية فان الظاهر عدم النزاع في الارادة من اللفظ وان لم يستعمل في المعاني المرادة . فالاستعمال بالارادة الاستعمالية غير الارادة وان لم يستعمل ولم يفهم .

وليعلم ان عنوان البحث بذلك يخرج ما ليس من الاستعمال في معنيين أو أزيد . بل في معنى واحد وان كان مصاديقه كثيرة فالعمومات والاطلاقات وعموم المجاز كلها خارج عن موضوع النزاع لعدم كون العام مستعملاً الا في ما وضع له ولم يستعمل في الخصوص اذا خصص . بل ذلك بتعدد الدال والمدلول . فليس من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد . وكذلك عموم المجاز فان المستعمل فيه معنى واحد له مصداقان وفردان . وكيف كان فالاستعمال تارة يراد به كوناللفظ وجودا للمعنى وكسوة له كما يكون كتابة زيد نوع وجود له في عالمه الخاص وتصوره كذلك وان لم يكن يترتب على هذا ما يترتب على وجوده الخارجي الا ان صيرورة اللفظ قالبا للمعنى وكسوة له وايجادا له وخلقا ليس قابلاً للانكار .

فحينئذٍ اذا كان هذا شأن اللفظ والمعنى بل ربما يسري ما للمعنى من القبح إلى اللفظ وليس ذلك إلاّ لأجل كونه بوجه نفسه كما انه مرآته ووجهه ولا يكون

استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد

ص: 143

اللفظ متصورا حين الاستعمال للمستمع والمخاطب الا اجمالاً وانما توجهه إلى المعنى وكانه يرى المعنى وتلقاه من المتكلم . فاذا كان هذا معنى الاستعمال فلا يمكن كون لفظ واحد كسوة لمعنيين كما ان لفظا واحدا لا يمكن أن يكتب لزيدين مثلاً بل اما أن يراد به وجود زيد بن عمرو أو بكر اذ لا يمكن تصور كلّ واحد إلاّ بلحاظين حتى ان الأول غير الثاني ولو تعلق اللحاظ بواحد فضلاً عن غيره فان كان معنى الاستعمال هو ما ذكرنا من كون اللفظ قالباً للمعنى واذا يلقى إلى المخاطب كأنّه المعنى وانه يوجد به فهذا من الواضح استحالة استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى ضرورة كون ذلك من قبيل لبس لباس واحد في آن واحد للابسين بلا طولية ولا ترتب في البين وهو واضح الاستحالة ولا فرق في ذلك بين ما ذكرنا وبين ما لو كان الاستعمال انضماما كالاشتراك في اللباس(1) .

وتارة نفسر الاستعمال بكون الشيء ( اللفظ ) علامة على غيره فليس منالمحال كون شيء واحدا علامة لاُمور كثيرة في آن واحد اذ ليس هناك لحاظ ولاالقاء ولا افناء اللفظ في المعنى بل عبرة وآلة لملاحظة حال الغير وعلامة عليه .

وليعلم ان عنوان النزع على ما ذكرنا مبتنى على تصوير المجاز في الكلمة والا فبناء على انكاره وعدم كون الاستعمال الا في المعنى الموضوع له والمجاز انما يكون مفهوما من المتحصل من المعاني الحاصلة من القرينة وذيها . فالكل

ص: 144


1- . في المحاضرات بعد مناقشته في عدم امكان الجمع بين لحاظين مستقلين محاضرات في اُصول الفقه 43/235 - 237 - 240 امكان ارادة معنيّين مستقلّين من اللفظ الواحد على ما اختاره في حقيقة الوضع وانّه التعهّد . وقد عرفت بطلانه . نعم رأى ان ارادة جميع المعاني خلاف الظهور العرفي بدون قرينة . ولم يفرق بين التثنية والجمع وبين المفرد سواء كان المعنيّان حقيقيين أو مجازيين أو مختلفين .

مستعمل في معناه وهو قرينة المراد لا الاستعمال . اذ الاستعمال إنما هو في الموضوع له فلابد من عنوان النزاع تبعا للقدماء بجواز استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد حيث انه على هذا دائماً يكون الاستعمال في المعنى الحقيقي حقيقة أو تنزيلاً كما في ادعاء أن الأسد موضوع للحيوان الشجاع الذي له مصداقان . أحدهما الحيوان المفترس والاخر الانسان الشجاع . وعلى هذا لا يكون هناك استعمال في المعنى المجازي بل يستحيل . فيسقط بعض تصورات المسألة من الاستعمال في المعنى المجازي متعددا أو مع الحقيقي . ضرورة ابتنائها على المجاز في الكلمة وحيث عرفت ان كله من المجاز العقلي فيختص النزاع في المشترك . ولذا يكون هذا البحث تبعا ومتفرّعا على مسألة المشترك . اذ لا يمكن الاستعمال الا في ما وضع له . فالوضع يوجد القابلية والصلاحية لكون اللفظ كسوة المعنى والاستعمال يحقّق ذلك . وعليه فينبغي جعل النزاع في المشترك بعد تحقق الوضع الموجد للصلاحية لكون اللفظ كسوة المعنى ووجودا منه . وهذا النزاع يجري في الأعلام الشخصية كزيد في زيدين لا بالتأويل إلى المسمى فان ذلك يوجب كونه عاما أو جنسا شاملاً .

ثمّ أورد على ذلك اشكالات .

منها الحكم باستحالة اجتماع النقيضين . وانه لو لم يمكن تصورهما فيالذهن معا كيف يحكم باستحالته . ومنها مسألة بطون القرآن وان له سبعة أو سبعينبطنا .

والجواب عن ذلك كله واضح بعد عرفان المراد ووضوح الدليل كما اذا عرفت عدم امكان الاستعمال عقلاً فلا حاجة إلى دعوى استبشاع العرف له .

الاشكال على استعمال اللفظ في أكثر من معنى

ص: 145

تلخيص:

قد سبق ان عنوان النزاع بما ذكره في الكفاية(1) من جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى الشامل باطلاقه لما إذا كان أحد المعنيين أو كلاهما مجازيا مبتن على تصوّر المجاز في الكلمة .

والا فعلى ما حققنا من عدم تصور المجاز في الكلمة بل كلها راجع إلى المجاز العقلي . فالأحسن تبديل العنوان باستعمال اللفظ المشترك في أزيد من المعنى الواحد ثمّ انّه لا فرق بين أخذ الاستقلال قيدا في ارادة المعنى من اللفظ وكان الاستعمال بمعنى افناء اللفظ في المعنى وايجاده به أو بمعنى كونه علامة له في عدم الجواز والاستحالة بداهة عدم الحاجة إلى البرهان لشدة وضوحه . فلابد من الغاء هذا القيد وجعل الاستعمال عبارة عن ايجاد المعنى باللفظ كما في ايجاده بالكتابة قبال نحوين من الوجود هما الخارجي والذهني إذ كون اللفظ علامة على المعنى كالنصب بعيد عن ناحية الاستعمال ولا ينبغي الالتزام به ولا احتماله . وعلى هذا فالنزاع في استعمال اللفظ في أكثر من معنى . ومحل الكلام على ما اخترنا في المعاني التي وضع اللفظ لها لتحقق القابلية بالوضع فيها والفعلية بالاستعمال .فنقول الذي يدلّ عليه الاعتبار ويحكم به الوجدان . عدم امكان(2) تصور

ص: 146


1- . كفاية الاُصول 1/54 .
2- . وخالف في ذلك السيّد العلاّمة الخوئي محاضرات في اُصول الفقه 43/235 - 236 ورأى ان النفس تقتدر على الجمع بين لحاظين مستقلّين في آن واحد واستشهد لذلك باُمور ثلاثة: 1 - في حمل شيء على شيء والحكم بثبوته له يتحقّق لحاظ كلّ من الموضوع والمحمول والنسبة في آن واحد . 2 - صدور فعلين أو أزيد من شخص واحد في آن واحد وكلّ من الفعلين اختياري مسبوق بالارادة واللحاظ ولحاظ كلّ منهما استقلالاً . 3 - النفس تقدر على تصوّر اُمور متضادّة أو متماثلة بتصوّرات مستقلّة في آن واحد .

معاني متعددة بلحاظ واحد فضلاً عن لحاظين في آن واحد . بل النفس والذهن لا يمكنه أن يتوجه في كل آن الا إلى معنى فارد وحقيقة واحدة وتصور معاني عديدة منه انما يتحقق على التدرج والترتيب . وليس أن لا يكون المستعمل متوجّها إلى الألفاظ بل لا محالة يتوجه إليها . وكذلك يتصور المعاني ويلقى باللفظ المعنى ويوجده به . اذ لا يكون وجود الألفاظ بنفسها بل بالايجاد والتصور بازاء المعاني . لكنه كما ان الكهرباء والقوّة الكامنة فيها بالسرعة المختصّة بها يخيل للناظر وصول قوتها إلى كلّ واحد من شعلاتها عرضيا مع ان في الحقيقة هناك تدرج في ذلك .

كذلك النفس في تصور المعاني الملقاة إليها بواسطة الألفاظ فتتصور كلّ واحد من المعاني عقيب الآخر بسرعة أقوى وأشد من تأثير الكهرباء في الشعل المرتبطة بها بالاسلاك وكذلك في ترتيب الكلام لا يحصل أطرافه دفعة في الذهن بل على التدرج والتعقب غاية الأمر بسرعة عجيبة .

وان ابيت . فنقول ان الصورة الحاصلة محفوظة إلى حين حصول المتأخرة وبعد ذلك .

والحاصل ان باللحاظ الواحد السعي يمكن تصور المتعدد لكنه اجمالاً

والتفصيل انما يحصل بالمحو والاثبات فالصورة اللاحقة لا تتحصل الا بمحوالاولى المتقدمة إلى أن يلتئم أجزاء القضية ويرتبط كل واحد بالاخر في لوح النفس وكذلك بالنسبة إلى اللحاظات المتعددة .

ص: 147

وعلى هذا فلا يمكن ايجاد معنيين بلفظ واحد في استعمال واحد .

نعم ان لم يكن هناك قرينة لا يتعيّن واحد منها كما في الكتابة . فاذا كتبت لفظ العين أو تلفظت بها فما لم يكن هناك قرينة على ارادة أحد المعاني الموضوع لها هذه اللفظة لا تتعيّن به وحينئذٍ فاذا اريد اثنان لابدّ من تكرار الكتابة أو التلفظ

لما ذكرنا من ان الواحد لا يتعدد .

فاما أن يكون اللفظ الواحد متعددا وهو محال أو تكون المعاني المتعددة على تعدّدها مرادة من الواحد وهذا أيضا محال لكون اللفظ وجودا من المعنى بوجه . فكيف يكون الايجاد الواحد وجودين . وهذا يدلّ عليه الوجدان . وإن شئت تنظره بما ذكرنا من مسألة اللباس وعدم امكان لبس لباس واحد في آن واحد للمتعدد .

نعم قد يتحقق بالخلع واللبس لكنه أمر آخر .

هذا نهاية ما يمكن أن يقال في تقريب هذه الدعوى . وقد عرفت انحصار دليله بالوجدان . ولا مجال لقياس ما ذكرنا بالرؤية الخارجية المتعلقة بالمتعدد مع وحدتها .

ثمرة البحث: يمكن أن تظهر في بعض الموارد كما قيل في ما ورد(1) في المغرب والغداة من انه لا تصل المغرب والغداة بلا أذان واقامة . وحيث انه قداستفيد من الخارج ان الأذان ليس بواجب فالنهي فيه لابدّ أن يكون مستعملاً فيالكمال وبيان ان للأذان استحبابا أكيدا في هاتين الصلاتين . فلابدّ من كون الاقامة أيضا كذلك . لعدم كون الاستعمال متعددا بل لا يكون الا نهي واحد بقوله لا تصل .

تقريب عدم جواز الاستعمال للفظ في أكثر من معنى

ص: 148


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 6/2 - 3 - 4 - 5 - 7 من أبواب الاذان والاقامة .

فاما أن يكون مستعملاً في الوجوب أو الندب ولا يمكن الاستعمال في أزيد من معنى واحد .

هذا ويرد عليه انه مبنى على عدم كون الهيئة معنى حرفيا بل معناها الطلب أو الزجر والا فعلى ما تحقق ويجيء إن شاء اللّه في محلّه عدم الاستعمال الا في النسبة الايجادية التي لابد من تطبيق التكوين بحكم العقل على طبق تشريع المولى فلا يكون الاستعمال في متعدد ولا وجوب وندب مركب أولهما من الطلب والمنع من النقيض وفي الثاني لا كذلك . بل المستعمل فيه النسبة الايجادية فان ظفرنا بالدليل المقتضي للترخيص في الترك فينتزع من ذلك التنزيه والكمال والا فالدخل في الماهية والشرطية .

الكلام في المشتق

وانه بعد التسلم انه حقيقة في المتلبس ومجاز في ما لم يتلبس هل هو حقيقة في ما انقضى عنه التلبس كحال التلبس أو هو مجاز كما في لم يتلبس .

وليقدم أمور: الأوّل: ليس النزاع في المشتق مبتنيا على ثبوت الاشتقاق الأدبي بأقسامه من الكبير والصغير حيث جعلوا له أصلاً وفرعا وانه لابدّ في الفرع من اختلافه مع الأصل . اما في الحروف الأصول زيادة أو نقيصة أو بهما أو في الترتيب أو الحركات حيث ان الأصل لا يقل عن ثلاثة . فالمتحصل من الأقسام في الاشتقاق خمسة عشر قسما من ضرب كل واحد من اصول الكلمة في أقسام التبديل .

وهذه الأقسام ما يكون فيها الحروف الاصول محفوظة بترتيبها ومعناهافيرجع إلى الاشتقاق الصغير كالمتعارف في السنة أهل الأدب من اشتقاق اسم

في المشتق

ص: 149

الفاعل والافعال من المصادر واسم المفعول وساير الأوصاف . وما لا يكون كذلك يكون من الكبير .

فالمسألة غير مبتنية عليه بل النزاع في مطلق ما ثبت له وصف من الأوصاف بلحاظ طرو حال عليه من الذوات المحفوظة في حالتي بقائه وزواله سواء كان من أقسام هذا المشتق أم لا . ويترتب على هذا البحث ثمرات ذكروها وفي بعضها نظر كمسئلة ارضاع الزوجتين للزوجة الصغيرة كما سيجيء بيانه إن شاء اللّه .

وتحرير محل الكلام في هذه المسألة . انه إذا عرض وصف على ذات ثم زال فلا اشكال في صحّة اتّصاف المعروض بالوصف العنواني المنتزع من طرو هذه الحالة المقارنة للوصف حين التلبس بالذات . كما لا اشكال في مجازيته بلحاظ التلبس في المستقبل .

انما الكلام والنزاع في كونه حقيقة في المنقضي عنه التلبس بالمبدء سواء اتصف بضده كالفسق والعدالة أم لا . ولابدّ في ذلك من كون الذات والمعروض محفوظا في الحالتين ( حال التلبس وحال الانقضاء كي يصح النزاع والا فلو تبدلت الحقيقة كما اذا صارت العذرة ترابا والكلب ملحا والشجر رمادا لا مجال للنزاع في ذلك أصلاً . بل ربما لا يصدق العنوان على الذات ولو مجازا ويكون من الغلط الذي يضحك على مستعمله . ومن هنا صح التفصيل بين النجس والمتنجس فان النجس اذا تبدل عنوانه وزالت صورته النوعية ولبست صورة اخرى فلا يصدق على المادة المحفوظة في كلتا الحالتين انه بول أو عذرة أو كلب . فيكونطاهرا . وكذلك إذا كان الدم الانساني من أجزاء البق . بخلاف المتنجس فان

ص: 150

الوصف أي النجاسة انما طرئت على ذاته وهي باقية كما اذا صار الشجر المتنجس فحما .

لكنه قد يشكل . بأن محل النزاع ان كان خصوص المشتق الذي يدور على السنة أهل الأدب كاسم الفاعل والمفعول والآلة كالمفتاح والزمان والمكان . فلا حاجة إلى تسريته إلى غيرها الذي لا يكون منه . وإن كان صدق العنوان على الذات بلحاظ طرو حالة ووصف كالزوجية والحرية والرقّية . فاللازم تعميم دائرته إلى مطلق ما يكون فيه الذات محفوظة وتبدل بعض ما لها من الأصاف سواء تبدلت بذلك صورتها النوعية كما إذا صار انسان بالاعجاز شاة أم لا . كما إذا كان متلبسا بالعدالة فزالت وطرء وصف الفسق فان الذات والحقيقة محفوظة في كلتا الحالتين وما تبدّل إنما وصف من الأوصاف الذاتية في الأول والعرضية في الثاني خصوصا أو بناءً على ان صيرورة البول بخارا والعذرة ترابا انما هي من لبس بعد لبس وإن كان خلعا صورة ولبس اخرى . ولكن ذلك لبس بالنسبة إلى الذات ضرورة ان ذات البخار والأجزاء البخارية منه لم تخلق حين صيرورة البول بخارا .

وبدفعه ان مناط النزاع والبحث في ذلك لو كان هو الدقة العقلية كان اللازم التعميم . الا انه حيث ان المساعدة العرفية والصدق ملحوظة في جهة البحث فلا وجه للتعميم لما لا يساعد عليه العرف . بل يراه غلطا كما في مطلق زوال الأوصاف الذاتية التي تخلع الذات بزوالها عن الصور النوعية وتتلبس اخرى وحينئذٍ فما يكون محل النزاع بلحاظ المناط العرفي هو ما ذكره في الكفاية(1) من

ص: 151


1- . كفاية الاُصول 1/58 .

تعميم دائرة النزاع للمشتق الأدبي وغيره مما يكون الأوصاف طارية على الذات الا ان الأحسن التعبير بأنه اذا طرء وصف على ذات تتصف معه بوصف من الأوصاف ثمّ زال . فهل الاتصاف مخصوص بحال التلبس أم لا . بل يعمّ بعد الانقضاء لكنه في ما يكون الوصف من الأوصاف التي تتصف الذات بضميمتها بعنوان من العناوين كالسواد والبياض مثلاً سواء كان من الأعراض الأصلية أو النسبيّة كمقولة الجدة دون ما لا يكون من المحمولات بالضميمة . بل مثل الامكان والوجوب والامتناع . هذا في تحرير محل النزاع .

الثاني: اما الحكم فلا يخلو من تعلّقه بالذات ولو في صورة عدم وجود الوصف الكذائي أو لا . بل هو متعلق بالعنوان . فان كان الأول فلا اشكال . وأما الثاني فمبتن على مسألة المشتق . فلو كان الذات في حال انقضاء الوصف متصفا أيضا بذلك العنوان المنتزع بلحاظ طرو الوصف فيترتب عليه الحكم بعد الانقضاء كقبله والا فيقتصر على حال التلبس دون الانقضاء .

والحاصل لو كان الحكم معلقا بحدوث العنوان فلا ارتباط له من هذه الجهة بالمشتق وانه حقيقة في الأعم من التلبس أو في خصوصه كما ربما نقول في امومة الزوجة فانه ليس بلازم في ترتب الحرمة دوام الزوجية بل لو حصل بينهما الزواج الانقطاعي ساعة مثلاً أو أكثر وزالت أو وهب الزوج بقية المدة . فتكون الام محرمة عليه أبدا . فالموضوع للبحث الذي يترتب عليه الثمرة انما هو في ما يكون موردا للحكم بعنوانه الحقيقي ويكون الحكم دائرا مدار صدق العنوان وعدم وجوده وبقائه .فحينئذٍ مجال للبحث في ان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدء أو

ص: 152

في الأعم منه وما انقضى عنه . ويترتب عليه الثمرة فلو كان للأعم يترتب الحكم ولو بعد الانقضاء بخلاف الخصوصية فينحصر الترتب بحال التلبس كما هو واضح . وقد عرفت ان موضوع البحث والنزاع في ما يكون الذات محفوظة في كلتا حالتي وجود العرض والصفة وزوالها فلو كان العرض مما يحدث ويوجد بوجود المعروض ويعدم بعدمه فلا يكون من محل البحث لعدم الانفكاك .

وقد سبق الاشارة إلى عدم اختصاص النزاع في ما نحن فيه بالمشتقات

الاصطلاحية كأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات الجارية على الذات قبال الجواهر . بل مناط البحث ومحل النزاع مطلق ما كان جاريا على الذات مما يتحد معها وجودا بلحاظ عروض عرض من الأعراض الأصلية والنسبية عليها أو بكونه مرتبطا بالامور الاعتبارية التي ليست من الامور العرضية ولا الذهنية بل في قبال الخارج والذهن وان عبّر عنهما في الكفاية(1) بالعرضي كالرقية والزوجية والملكية فان مراده بالعرضي الاعتباري كما انه قد يعبر عن الاعتباري بالانتزاعي وقد يطلق الانتزاعي على الأمور الخيالية والمتصورة في الذهن التي لا حقيقة لها إلاّ بذلك . لكن لم يوجد في التعابير واستعمالاتهم . وان كان قد أورد على ذلك المحققّ النائيني قدس سره (2) بأنه خلاف ما اصطلح عليه القوم في العرضي في ما يريد به صاحب الكفاية الاعتباري . وبعبارة اخرى ان مورد النزاع مطلق ما يكون من المحمولات بالضميمة من العناوين التي تطرء على الذوات المحفوظةفي حال تلبسها بها وزواله . لا الأمور التي تنتزع من الذات أو غيرها ممّا لا يكون

ص: 153


1- . كفاية الاُصول 1/60 .
2- . فوائد الاُصول 1/88 .

بازائها شيء نظير انتزاع الحيوانية من الحيوان والناطقية من الانسان مما يكون من ذاتياته كالوجوب والامكان والامتناع التي هي أيضا من المحمولات الخارجية لا بالضميمة . حيث ان ميزان كون شيء من المحمولات بالضميمة لحاظ شيء مع الذات بانضمامه إليها يطرء عليها عنوان تتّصف به . كما في عروض السواد والبياض على الأبيض والأسود . وميزه من الخارج المحمول عدم لحاظ شيء مع الذات زمانا أو زمانيا ولا حال من الأحوال كالسبق والاجتماع في ما يكون من خارج المحمول . فعلى هذا زوجية الأربعة من المحمول بالضميمة كالعلية والمعلولية بخلاف الوجوب والامكان اللذين هما من جهات الوجود . وربما يمكن اجتماع عنوانين في ذات بالنسبة إلى شخصين كالحب والبغض كما شاع ذلك ولونهما في السواد والبياض .

ثم انه قد يقال اذا وسعتم الموضوع للبحث في مسألة المشتق للاصطلاحي وغيره فلم لا تعممونه في ما يكون المادة محفوظة في حالتي تبدل صورتين عليها بعد عدم امكان خلو أحدهما عن الآخر فلابد فيها من أحدهما ولو بوجود ما واستحالة خلو المادة عن الصورة ووجودها بلا مادة .

فاذا تبدل البول بخارا أو الكلب ملحا . فيمكن أن يقال في صورة حفظ المادة في كلتا الحالتين بجريان النزاع لوجود المناط فيه وهو حفظ الذات ولو مادة ما في الحالتين وان تبدلت الصورة بصورة اخرى .

لكن لا وجه للتعميم لعدم حفظ عنوان الذات وان كانت المادة موجودة في الحالتين . إمّا لكونه من الخلع واللبس أو اللبس بعد اللبس وإن كان الثاني لا معنى له ولو باعتبار القوة والفعل . بأن تكون الصورة الاولى الطارية على مادتها صورة

ص: 154

نوعية اخرى في القوة والفعليّة انما هي للطارية لان القوة ليست بوجود فليس الاصورة نوعية واحدة وهي ما حدثت بالأخيرة .

والحاصل: انه يمكن الجواب عن ذلك بعدم انحفاظ الذات في الحالتين بل الثانية انما خلقت جديدا كما في الكلب اذا صار ملحا فانه مادامت الوحدة الكلبية لا يمكن أن تلبس بصورة ملحية وكما لا يمكن اجتماع الصورتين يمتنع خلو الذات عن احديهما وغيرها .

ان قلت: هناك صور متوسطة بينهما .

قلنا: ننقل الكلام بالنسبة إليها وبالاخرة نتيجة الأمر إلى الزوال والتجدد والخلع واللبس ومناط البقاء وعدمه انما هو بالصورة النوعية . فلا يمكن تعميم النزاع حتى بالنسبة إلى المواد المتبدل عليها الصور عقلاً .

مع قطع النطر عن عدم مساعدة العرف كما أشرنا إليه سابقا .

بقي الكلام في مثل الشدة والسرعة المتصف بهما الأعراض كالسواد والحركة . والظاهر انهما أيضا خارجان عن دائرة النزاع . لعدم كونهما عارضين على الاعراض للاستحالة بل ما به الامتياز فيهما عين ما به الاشتراك فهما من حدود الاعراض . فالسواد بما هو سواد شديد كما ان الحركة بما هي حركة سريعة . فلا معنى للنزاع في انهما حقيقة للمتلبس بهما في الحال أو في الأعم منه ومن المنقضي عنه إلاّ بناء على حفظ الذات أي المعروض بعد انعدام السرعة والشدة .

تذكرة: سبق الاشارة إلى مدار البحث في مسألة المشتق وانه ليس مناط النزاع ومدار البحث في المشتق الذي اصطلح عليه أهل الأدب قبال الجواهر . بل البحث ربما يشمل بعض الجوامد . فان المناط مطلق ما اذا حدث عنوان على ذات

عموم البحث في ساير المشتقّات

ص: 155

محفوظة حال طرو مبدء العنوان وزواله وهل العنوان تابع لبقاء مبدئه بحيث اذاكان العنوان موضوعا لحكم من الأحكام فبزوال الوصف والمبدء يزول الحكم أملا ؟ بل يبقى الحكم مادامت الذات الجاري عليه الصفة الزائلة عنها بعدا .

ولا يخفى ان هذا ليس نزاعا كبرويا بل النزاع إنما هو في تحقيق الصغرى وان العنوان بعد باق أم لا .

كما لا اشكال في انه يزول بزواله ويبقى ببقائه اذا لم يكن مما أخذ الموضوع نفس حدوث العنوان بطرو العرض ويكون صرف تلبس الذات بالوصف الكذائي موضوعا لحكم استمراري والا فسواء زال العنوان أو كان باقيا لا فرق في بقاء الحكم واستمراره . فعلى هذا يشمل العرض والعرضي بتعبير صاحب الكفاية(1) أو مطلق المحمول بالضميمة الحادث من قيام العرض بالذات من اية مقولة كان أو مثل قيام الاعتباريات كالزوجية والرقية وأمثالهما فانها بأجمعها داخلة تحت محل النزاع ويشملها .

وقد أشرنا سابقا إلى دفع اشكال لزوم شمول محل النزاع للذوات المتبدلة بعد مساعدة العرف بل العقل ببقاء المادة والذات وان استحالت وتبدلت بصورة اخرى على المبنيين في ذلك وانه هل يكون صيرورة العذرة دودا أو النطفة حيوانا أو الكلب الواقع في المملحة ملحا من باب لبس بعد لبس أو الخلع واللبس وتبدل الصورة النوعية وقلنا ان التغاير العرفي في هذه الموارد بين الذاتين والعنوانين أوجب انحياز الأحكام المترتبة على المادة في صورة خاصة عن الأحكام المترتبة عليها في لبس صورة اخرى . فلذا لم نحتج إلى البحث عنه كما في مثل

ص: 156


1- . كفاية الاُصول 1/59 .

صيرورة الخمر خلاً أو انتقال دم الانسان في البق . فانه لا يصدق عليه دم الانسانولا عنوان الخمرية حتى مجازا بل يكون من الغلط وهذا بخلاف باب المشتقالذي يكون مورد البحث والذات باقية في كلتا الحالتين بصورته النوعية .

ويمكن اطلاق العنوان الطارى عليها بلحاظ تلبسها بمبدء ما بعد زواله ولو مجازا فلذا صار من النزاع بمكان وانه حقيقة أم لا بل يدور مدار بقاء المبدء وقد ظهر من ذلك عدم اختصاص النزاع باسماء الفاعلين والمفعولين . بل يعم مثل الزوجية بشهادة الاستدلال وابتناء الثمرات المبحوث عنها في تلك المسألة على هذا البحث . وان ذكر لها وجهان آخران على ما سيقع البحث في ذلك وكمسألة حرمة بنت الزوجة فهل تحرم ما اذا ولدت بعد طلاق امّها ولو بعد أحيان مثلاً أم لا.

نعم يمكن على بعض الوجوه من كون الحرمة دائرة مدار تلبس امها بالزوجية لا البقاء والصدق خروجه عن النزاع كما لا يخفى . ولذلك ظهر وجه وقوع الكلام في حلية لبن ما لا يؤكل لحمه كالانسان أو يكره كالحمار ودعوى بعضهم سندا للمنع انه نفس دم الحيض الذي كان حراما .

نعم لا وجه لدعوى الملازمة بين نجاسة اللبن ونجاسة البول المستفاد من قوله علیه السلام: ( اغسل ثوبك(1) من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) كما لا وجه لها في كراهة لبن الحمار بلحاظ كراهة لحمه ويشمل مورد النزاع لغير خارج المحمول كالامتناع والوجوب وأمثالهما من المحمولات بالضميمة بانحلالها والامور الاعتبارية واسم الزمان كالمقتل ويوم قتل الحسين سلام اللّه عليه لا يوم عاشوراء

كون النزاع صغرويّاً

ص: 157


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 8/2 من أبواب النجاسات صحيحة عبداللّه بن سنان .

على ما سيجيء من تصحيحه على ما أنكره صاحب الكفاية(1) وجعل المسمىعنوانا كليا يكون مثل يوم قتل الحسين أو مقتله علیه السلام بعيدا .من مصاديقه حقيقة لا من باب التشبيه بل يمكن دعوى مساواة الأيام في ذلك.

وليعلم ان اختلاف المشتقات بحسب المبادئ لا يوجب اختلافا في الجهة المبحوث عنها . فان بعض المصادر والمبادئ صلاحي كالمفتاح فانه يطلق عليه ولو لم يفتح به باب ولم يستعمل أصلاً .

نعم . ان خرج عن القابلية فيكون من مورد النزاع وكالمستنبط والشارب فانه مبدء حدوثي وصدوري لا صلاحي وشأني ويمكن أخذ المستنبط شأنيا ملكيا وقس على هذا .

توضيح: سبق الكلام في خروج الذاتيات وعناوينها عن هذا النزاع وإن كان مناط النزاع في المشتق متحققا فيها .

فالمادة في مثل الانسان هي مادته الأولى التي طرئت عليها حالات والصور المختلفة المتبادلة إلى أن صارت انسانا من قوة الحس والحركة الارادية والنطق وادراك الكليات إلى أن يصل إلى غايته التي يمكن الوصول إليها .

كما ان الكلب الذي وقع في المملحة وصار ملحا لم يعدم بالكليّة ويوجد ملح بصورة الكلب . بل ذاك الكلب الذي كان سابقا له الصورة الكلبيّة صار ملحا بعينه ولم يتخلل عدم بين الصورتين أو الصور . فيكون هناك آن لا صورة على المادة الكذائية .

وفي ذلك سواء قلنا بكون الاستحالة خلع صورة ولبس اخرى أم لا . بل

الاشكال في اسم الزمان

ص: 158


1- . كفاية الاُصول 1/60 ولم يذكر الكفاية ما استبعده .

لبس بعد لبس وان اللباس الأول أيضا موجود فيه كما مثلنا في الانسان . الا ان المباينة العرفية بين الصورتين أغنتنا عن عنوان النزاع في ذلك أو جريان الكلامفي الذاتيات وعناوينها(1) وإن كان من الممكن فتح باب الكلام فيها بنحو آخر كماإذا كان العلف المأكول لحيوان غصبا فهل الروث واللبن الحاصلان من ذلك عين ذاك العلف فيكون ملكا أو مختصا بالمغصوب منه أم لا .

وكيف كان فالمهم صرف الكلام إلى محل النزاع وضابطه ما سبق ذكره من المحمولات بالضميمة دون خارج المحمول . لكن لا يجري النزاع أيضا طرا في المحمولات بالضميمة .

فان من ذلك ما اذا حصل عنوان اسم الزمان من وقوع حدث في زمان مع انقضاء ذلك الزمان الذي وقع فيه الحادث وانقضى وتصرم بحيث لا يمكن حصول ذلك ولا اعادته ولا يكون هو بنفسه باقيا كي يقع النزاع في انه للأعم أو لخصوص حال التلبس ضرورة لزوم ما به الاشتراك بين الحالين .

ويبحث عنه في ان العنوان الكذائي العارض عليه حقيقة باق بعد زوال مبدئه أم لا . وليس في اسم الزمان ذلك فان القتل مثلاً حصل وانقضى هو وزمانه فلا بقاء لأحدهما وليس شيء يكون هناك باقيا بعد زوال وانقضاء ذلك الزمان يكون مشتركا بين زمان آخر يبحث عن أعميّته وخصوصه .

ولم يوافق سيّدنا الأستاذ قدس سره ما أجاب به المحقق الخراساني قدس سره في الكفاية(2) بما حاصله: ان انحصار الكلي في الفرد لا يوجب الغنى عن البحث في انه حقيقة في المتلبس أم لا .

تصوير جريان النزاع في اسم الزمان

ص: 159


1- . مع ان الجمود الموجود في الزوجية حسب اصطلاح أهل الأدب موجود في الذاتيات .
2- . كفاية الاُصول 1/60 .

ونظره بمفهوم واجب الوجود مع انه منحصر في الخارج . لكن لا يوجب

تشخص المفهوم . أو ينظر بالشمس على فرض وحدتها وإن كان المنكشف ان فيالعالم شموسا كثيرة والتي تخص بنا هي هذه الشمس . ومع ذلك فالمفهوم عامومرجع هذا الكلام إلى الوضع العام والموضوع له العام دون الخاصين .

وأجاب المحقق النائيني بجوابين في دورتين: أحدهما كون الزمان شخصيا لكن يجرد عنه خصوصيات التشخص وثانيهما انه وضع(1) للكلي وان التطبيقات على المصاديق المختلفة . لكن سيّدنا الاستاذ قدس سره رأى رجوع الجواب الأوّل إلى ما أجاب به صاحب الكفاية .

كما ان في الثاني ما لا يخفى . فان اسم الزمان على قسمين قسم منه كيوم الجمعة والخميس . لا اشكال في وضعه عاما وله مصاديق مختلفة كهذا الخميس وذاك وهكذا أو كالشهور المتجددة في كلّ سنة في أي قوم وبأي اعتبار كان فانها من الوضع العام والموضوع له العام ولا نزاع فيها . اذ ليس اطلاق يوم الخميس على مصداق منه أولى من اطلاقه على آخر .

والقسم الثاني: مثل الأسماء المشتقة الزمانية فباعتبار وقوع حدث فيها وكونها ظرفا للأحداث كالقتل والضرب وهي ليست كالقسم الأوّل كما ليست من قبيل الضارب والشارب الذين بانقضاء الشرب والضرب لا ينقضي المعنون بهما أو بأحدهما بل ذاته باقية بعد . غاية الأمر بلا شرب ولا ضرب .

حيث ان في اسم الزمان أخذ نفس الزمان قبال الذات في الضارب والشارب معنونا بعنوان كذائي حدثي والآن الكذائي قد تصرم وانعدم وما يوجد

ص: 160


1- . فوائد الاُصول 1/89 .

بعد انما هي اشباه ونظائر . فان أراد المحقّق النائيني قدس سره بقوله يكون كليا أو شخصيا بالتجريد . انه يكون نظير السنة والشهر والليل الواقع في أحدها حدث فيقال سنةكذا أو شهر كذا . وليلة كذا فان التلبّس إنّما هو في الجزء الأوّل من السنة أو الشهرأو الليلة . ولكن بعد الانقضاء أيضا يقال سنة كذا وليلة كذا فله وجه . وان كان يمكن عدم خلوه من الاشكال . بل من الممكن أن يقال يحسب مجموع الساعات والآنات ساعة واحدة ودهرا طويلاً وقع في أحد آنات بعض أجزائه حدث حدوثي منقضي كما أشار في القرآن « يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ »(1) وإلاّ فيكون نظير موت انسان متصف بصفة كذائية واطلاق صفته على فرد موجود لم يتصف بها أصلاً .

والظاهر كما سبق إليه الاشارة عموم البحث لخارج المحمول كالمحمول بالصحيحة وفاقا لما في التقريرات(2) وان كان يظهر من كلام السيد الاستاذ قدس سره اختصاصه بالمحمول بالضميمة كما عرفت عدم شمول محل النزاع لاسم الزمان وما اجيب به حفاظا على الشمول عرفت ما فيه . وسبق امكان تصحيحه وادراج اسم الزمان في كلي النزاع لو قلنا باعتبار الوحدة في مجموع أجزاء الزمان إلى آخر الدهر مثلاً وكونه يوما واحدا وحينئذٍ يصح أن يوصف بالعنوان لوجود ما به الاشتراك المتحقق في حال الانقضاء والتلبس .

لا يقال إذا اعتبرت الوحدة فحينئذٍ لا يكون لذلك انقضاء . لأنا نقول هذا صحيح اذا فرضنا لجميع أجزائه الوجود ولوحظ عروض المبدء عليه .

عموم البحث لخارج المحمول

ص: 161


1- . الأنبياء /105 .
2- . فوائد الاُصول 1/88 .

وأما كما في الواقع من تدرج أجزاء الزمان وكونه بين ما انقضى وتصرم وما لم يجيء بعد . فلا معنى له بل انقضى الزمان الذي تلبس بالمبدء وكذلك التلبس .لكن لا يوجب ذلك انعدام ما به النزاع المحفوظ في الحالين بل هو موجود ( أيالزمان ) بوجوده التدرجي وهذا كما في ملاقات ماء كثير لشيء طاهر أو نجس ببعض أجزائه فان الماء بماله من الوحدة يوصف بالملاقاة لذلك الشيء مع ان ما به الملاقاة الذي لاقاه حقيقة هو البعض . والذي يسهل الخطب عدم الابتلاء بهذا النحو من اسم الزمان الذي يجري فيه النزاع فتأمل .

ثمّ ان الأصوليين قد مهد والتحرير محل النزاع مقدمات لا حاجة إلى تكثيرها بل تكفي واحدة وسبق الكلام في بعضها .

منها: ان المراد بالحال في عنوان النزاع أي حال . فهل يراد به حال النطق أو التلبس أو النسبة ؟ الظاهر هو الثاني دون الطرفين وذلك لأن لازم كون المراد حال النطق مجازيته فيما اذا كان في الماضي مع كونه متلبساً حال النسبة فاللازم هو كونه حال التلبس .

هذا مضافا إلى الحزازة في العبارة اذا قلنا هل المشتق حقيقة فيما اذا كان التلبس في الحال أو في ما انقضى فيما اذا فسّر الحال بحال التلبس كما هو واضح وما صدر من بعضهم من كون المراد بالحال حال النطق فخروج من المبنى والتحقيق . بل إذا كان المراد بزمان النطق النطق الفعلي ففساده أوضح ضرورة عدم الحاجة في كونه حقيقة فعلية النطق بالنسبة والجرى بل يكفي ولو تقديرا واذا جرى بل نسبته إلى المحقّق النائيني قدس سره فاسدة ضرورة ان مبناه في ذلك هو الفرق بين المبدء والمشتق بشرط لا ولا بشرط فكيف ينسب إليه ذلك .

ص: 162

سواء كان الحال الحاضر أو الماضي أو المستقبل .

فاذا كان الجرى بلحاظ حال التلبس فيكون حقيقة كما إذا كان بلحاظ ما يأتي فمجاز اتفاقا . واذا كان الجرى بلحاظ التلبس في الماضي فهو مورد الكلامالاّ ان التلبس حال النطق حقيقة وما يستقبل مجاز ولو كان متلبسا حال النسبةوبالنسبة إلى الماضي أيضا يكون مجازا وان كان بلحاظ حال التلبس .

ولا يخفى ان المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدء في الحال انما يصح اذا كان الجرى أيضا بذاك اللحاظ والا فيكون مورد الخلاف كما إذا كان بلحاظ حال الانقضاء(1) .

ثم ان الفعل بأقسامه لم يؤخذ الزمان في مفهومه فكيف باسم الفاعل والمفعول وغيرهما من المشتقات الاسمية .

ويظهر من المحقّق النائيني قدس سره (2) انه أورد على نفسه في المقام اشكالين:

أحدهما انكم بما أشرتم في تحرير محل النزاع ان حال التلبس غير حال النطق في قبال الماضي والمستقبل خالفتم أهل الادب طرا في اشتراطهم عمل اسم الفاعل محققا بل واسم المفعول عمل فعله . كونه بمعنى الحال أو الاستقبال .

الثاني: عدم بقاء مورد للنزاع المعروف بين المحققين الفارابي والشيخ الرئيس في عقد الوضع وانحلاله إلى قضية ممكنة أو فعلية بمعنى التلبس في أحد

المراد بالحال

ص: 163


1- . الظاهر ان تعيين كون المشتق حقيقة في حال التلبس اشتباه وغفلة . ضرورة ان الذي عليه مناط النزاع لابد وأن يكون حال النسبة أي إذا جرى المشتق على الذات في زمان من الأزمنة فهل اللازم في كونه حقيقة اتحاد زمان التلبس والنسبة ودوران النسبة مع التلبس أم يكفي تلبس الذات بالمبدء ولو في زمان قبل زمان النسبة .
2- . فوائد الاُصول 1/91 - 92 .

الأزمنة وانه لابد في كون الزمان مأخوذا في ذلك كي يصح النزاع .

وفي انحلال عقد الوضع إلى قضية اختلف تقرير القوم . فعن بعضهم انه مهما يكن شيء في الدنيا فاذا كان شيء انسانا كان حيوانا أو ناطقا أو ناهقا أو غيرها من العناوين الذاتية لعقد الوضع أو العرضية كالكاتب .فقولنا مهما يكن شيء انسانا ثابت له الناطقية أو الكتابة أو غيرهما بمعنىتحققه في أحد الأزمنة وكونه مطلقة عامة أو لا ولو كان ذلك بالامكان العام .

فاذا كان ثبوت انسانية شيء بالامكان ولم يكن فعلاً انسانا مع ذلك يحمل عليه عقد الحمل . ولم يأت سيدنا الاستاذ قدس سره في تقرير الملازمة بازيد من هذا المقدار واعتذر بأنه من حيث كونه مغالطة لا يمكن تقريره كي يجاب عنه واستظهر عدم كون النزاع في محله بل هو نزاع عام له ربط بما نحن فيه .

الأمر الثالث: لا إشكال في عدم أخذ الزمان في مفهوم المشتق بل هو كما يأتي تحقيقه خال عن النسبة والذات على ما سنبين الفرق بينه وبين العرض وعلى هذا لا وجه لتوهم ان المراد بالحال حال الجرى والنسبة بلحاظ أخذ الزمان في مفهومه بل لابد في ذلك من زمان . حيث ان الزماني لا يمكن وقوعه خارجا من الزمان لكن ذلك غير مرتبط بمسئلة أخذه في مفهومه .

فان التلبس بالمبدء اما أن يكون في الماضي أو الحال أو المستقبل فعلى هذا لا يكون الحال حال النطق وزمانه بل حال تحقق التلبس بالمبدأ وحينئذٍ يكون النسبة بينه وبين الحال الحاضر عموما من وجه كما ان النسبة بين الزماني والزمان هو التباين . ويمكن الجرى بلحاظ حال التلبس وان لم يكن حاضرا مطابقا للزمان الحاضر بل في الماضي أو المستقبل .

ص: 164

والحاصل: الذات اذا تلبست بالمبدء وجرت النسبة بلحاظ زمانه وحاله فيكون حقيقة كما اذا جرى عليها بلحاظ التحقق في المستقبل ومجاز في ما اذا جرى عليها فعلاً بلحاظ الاستقبال واختلف فيما إذا جرى بعد انقضاء التلبس . فالمراد بالحال فعلية التلبس وأن يكون الجرى والاطلاق في ذاك الحال أي حال التلبس أو يكون حقيقة في الأعم منه ومن المنقضي أي ولو كان الاطلاق في حالالانقضاء(1) .ثم انه لا يخفى عدم منافاة ما ذكرنا لما اتفق عليه أهل الأدب من اشتراط الحال أو الاستقبال في عمل اسمي الفاعل والمفعول .

وذلك لعدم اشتراطه في أخذه في المفهوم ولا يدل كلامهم عليه . بل يشترطون ذلك . وهو أعم من كونه مأخوذا في معناه وان أفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره في بيان عدم أخذه انه يحتاج إلى القرينة بذكر انه ضارب في الغد أو في الحال .

ومعه منظور فيه لكونه متوجها اذا لم يكن مشتركاً وقالوا بالنسبة إلى الماضي لابد من الاضافة كما في مثل قولنا زيد ضارب عمرو أمس كما لا ينافي ما ذكرنا نزاع العلمين في المعقول .

الفارابي والشيخ لقولهم بانحلال القضية إلى قضيتين بالنسبة إلى عقد وضعها وحملها . فقولنا كل كاتب متحرك الأصابع ينحل إلى قولنا مهما يكن شيء وكان

ص: 165


1- . ويعضهم كانه أنكر كون الحال بمعنى زمان الحال لانكاره أصل الحال حيث انه اما ان يكونماضيا أو مستقبلاً ولكن الحق بطلان ذلك لأن امكان قبول قسمة الزمان إلى ما لا نهاية له ولو وهما لا يوجب عدم تحقق زمان موجود ولو أقل قليل وشدة التدرج والمضي لا تنافي الوجود ولو أنكر ذلك لهان عليه انكار أصل الزمان مع انا قد أثبتنا في محله جريان الاستصحاب في نفس الزمان وان كان من الأمور التدريجية .

كاتبا فهو على فرض كتابته متحرك الأصابع وهذا لا يختص بالعناوين العرضية بل ولو في مثل قولنا زيد قائم من العناوين الذاتية .

ثم ان نسبة المحمول إلى الموضوع منحصر عقلاً في الامتناع والامكان والوجوب والدوام والضرورة فان صرحت في القضية بالجهة فتكون موجهة وان تلبست فمطلقة عامة ولو في زمان من الأزمنة وربما يقيد القضية بقيد نفي الدوام والضرورة وأمثالهما فتكون مركبة والا فبسيطة .

فمختار الفارابي في ذلك ان في صحة الحمل يكفي كون القضية التي انحلعقد الوضع إليها ممكنة بلا حاجة إلى كونها مطلقة بخلاف الشيخ فاختار لزوم كونها مطلقة . والظاهر عدم افتراق لهما في عقد الحمل لامكان توجهها حتى بجهة الامكان كغيرها من الجهات التي تتوجه القضايا بها .

كما لا ارتباط لنزاع الفارابي والشيخ الرئيس بما نحن فيه فان ذلك وان كان جاريا في مورد البحث ويشمله بعمومه لكون كلامهم في مطلق العناوين الذاتية أو العرضية كالكاتب أو الناطق أو الانسان . لكن لا يرتبط بمحل البحث .

وان كان لا يبقى مجال لهذا النزاع منهما ان كان المشتق حقيقة في الحال الحاضر ( أي حال النطق ) وخارجا عن الحقيقة ان لم يكن الجاري عليه متلبسا في الحال ضرورة عدم كونه حقيقة ولو في أحد الأزمنة غير الحال .

فأي معنى حينئذٍ لكلام الشيخ من اشتراط كون عقد الوضع فعليا أي في أحد الأزمنة ومخالفته للفارابي من اكتفاءه بمجرد الامكان . لكن مع ذلك فنزاعهما لا يكون من الجهة التي يبحث عنها في الاصول . لما عرفت من ان الكلام في ما نحن فيه من حيث سعة المفهوم وضيقه وعدم كون الزمان مأخوذا في المفهوم .

ص: 166

بخلافهما لكون نزاعهما اما أن يرجع إلى اشتراط كون القضية فعليّة الموضوع وانكار القضية الحقيقيّة التي يحكم فيها على الموضوع المفروض الوجود لا المحقق الوجود مثلاً لو اريد حمل محمول حرام أو محرم وأمثالهما على الخمر لابد في ذلك بنظر الشيخ من تلبس الخمر بالوجود في أحد الأزمنة ولا يكفي في صحّة قولنا حرام فعلاً وحكما فعليا مجرد امكان تحقق الخمر ولو لم يتحقق ولا يتحقق بعد .

والفارابي يكتفي بصرف امكان وجوده وصحة القضايا الحقيقية وحينئذٍفالحق هو امكان القضايا الحقيقية وعدم اشتراط الوجود الخارجي ( وان أفادسيدنا الأستاذ قدس سره ) بكون الحق مع الشيخ لكن لعله اشتباه لدلالة كلامه على حقيّة القضايا الحقيقيّة .

وأما ان يرجع نزاعهما في كفاية الامكان لعقد الوضع دون الفعلية هو ان لو فرض وجود شيء في الخارج محققا لكنه مستعد لقبول عنوان ذاتي أو عرضي آخر فلا يحكم عليه بلا حمل على ذلك العنوان الا بالفعلية والتلبس به عند الشيخ دون الفارابي فاكتفى بالامكان . كما في النطفة التي هي مستعدة وقابلة لصيرورتها انسانا . فالأحكام الثابتة للانسان من الضحك والنطق هل تحمل على هذه النطفة بلحاظ امكان صيرورتها انسانا أم لا . بل لابد من التلبس بالانسانية واتصافها بها بأن يقال هذا الشيء انسان فعلاً .

وكون معنى انحلال عقد الوضع إلى قضية أن يحمل الانسانية على الشيء الموجود ويقال هذا ذاك .

واحتمل سيّدنا الأستاذ رجوع نزاعهما إلى كلا الوجهين . واختار في الأول

الفرق بين كلام الشيخ والفارابي

ص: 167

حقيّة القضايا الحقيقية وفي الثاني مذهب الشيخ من اشتراط فعليّة التلبس فلا يقال للخبز الذي لابد له من سير مراتب عديدة إلى صيرورته جزء انسان انه انسان ولا يحكم عليه بما يحكم به على الانسان ( وكأنه كما أفاد قدس سره لأن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له . أي الموضوع ) وهو لا يكون الا بالفعلية لا الامكان بخلاف السالبة فلا احتياج فيها إلى وجود الموضوع . ولكن قد حققنا في مباحثنا الاصولية عدم معنى للسالبة بانتفاء الموضوع ورجوع القضايا إلى المعدولة .

الأمر الرابع: قد سبق دفع توهم أخذ الزمان في مفهوم المشتق حيث ان المراد بالحال ليس زمان الحال بل حال تحقق التلبس وفعليته وان الجرى اذا كانبلحاظه يكون حقيقة وان لم يكن بل بلحاظ الاستقبال فمجاز . والخلاف في انالتلبس في الجملة هل يوجب حقيقة الاطلاق ولو بعد انقضاء التلبس أم لا وهذا لا . ربط له بمسألة أخذ الزمان في مفهوم المشتق . بل حيث ان ذلك من الامور الزمانية ولابد من وقوعها في زمان يكون ظرفا لها فلا جرم لا يخلو واقع التلبس من وقوعه في زمان، إمّا ماضيا أو مستقبلاً أو حالاً بالنسبة إلى حال التكلم والنطق .

كما ان المشتق يدل على ذلك بالدلالة العقلية كدلالة الجسم على الاحتياج إلى الحيز .

لكن لا بحيث يكون مأخوذا في المفهوم . لأنّ المشتق زماني والزمان مباين له واحدهما غير الآخر حقيقة وكذا عرضا لكون الزمان ظرفا وذاك مظروفا .

والحاصل ان مورد الكلام في سعة المفهوم لما إذا تلبس وانقضى أو ضيقه بحيث لا يكون حقيقة الا في خصوص المتلبس وان جريه على المقتضي عنه

ص: 168

المبدء بأنحائه من الصلاحي والشأني والملكي والفعلي الصدوري مجازا . كما اذا كان فقيرا فزال فقره فهل يكون الفقير الذي هو من المشتق اصطلاحا موضوعا للأعم من حال التلبس وانقضائه أم لا ؟

وثمرة النزاع يمكن ان تظهر في بعض الموارد . لكن الظاهر عدم الاحتياج إليها وما مثلوا له من الموارد وغيرها يمكن دلالة الأخبار والأدلة الخاصة على حكم ما يبتني على مسألة المشتق . فلا ثمرة للنزاع بحيث اذا اختير كونه حقيقة أو مجازا تنقلب الفروع الفقهية بالنسبة إلى أحكامها ونتائجها .

كما في مسألة دار السكنى التي خرج الاحتياج في وسط السنة إليها مع انها من المؤونة المستثناة فان الظاهر انه إن كان وجودها مقتضى شأنه وان لم يسكنهافتحسب من المؤونة . والا فلا، سواء قلنا بأن اطلاق دار السكنى في حال عدمسكونتها حقيقة أو مجاز .

وقد أجبنا عن الاشكال النحوي في اشتراط عمل اسمي الفاعل والمفعول كونهما بمعنى الحال أو الاستقبال بعدم منافاته لعدم أخذ الزمان في مفهومه بل يستعمل كل منهما ولو بقرينة أدوات الحال أو الاستقبال .

الأمر الخامس: ذكر المحقّق النائيني قدس سره (1) اشتباه الأمر على بعض مستشكلا على الاصوليين جعل النزاع في المفهوم بل لابد أن يكون في التطبيق ضرورة ضيق المفهوم من ناحية الوضع . فالنزاع في ان تطبيقه على المنقضي عنه المبدأ يكون حقيقة أو ادعائيا وكون المجاز في الاسناد فمهّد لذلك مقدمة لتوضيح الأمر وانكار أساس كلام السكاكي القائل بكون المجاز في الاسناد وان القرائن

الاشكال في كون النزاع في التطبيق

ص: 169


1- . فوائد الاُصول 1/93 - 95 .

انما هي على المراد لا الاستعمال . لعدم استعمال اللفظ إلاّ في معناه ولا يتصور عند الاطلاق والعلم بالوضع الا معنى اللفظ ويريد اثبات المجاز في الكلمة وان القضية إمّا صادقة وهو ما اذا كان الحمل حقيقيا على فرده الحقيقي أو كاذبة ولا يخرج إلاّ دعاء الحمل عن الكذب فاطلاق الأسد على الانسان الشجاع لابد أن يكون كذبا اذا كان ادعاءً .

والحاصل يُدّعى عدم كون النزاع في مفهوم المشتق بل في تطبيقه بعد الفراغ عن عالم المفهوم وانه هل هذا المفهوم المعلوم في المشتقات ينطبق على ما انقضى عنه المبدأ أم لا وقد صدر من الشيخ قدس سره في بعض المقامات الفرق بين الشبهة الصدقية والشبهة المصداقية .وبعبارة اخرى فرق بين المفهوم وسعته وضيقه مع قطع النظر عن مقامتطبيقه وصدقه على افراده وبين مقام التطبيق على الافراد ولو الافراد الادعائية وان لم تكن أفرادا مع قطع النظر عن الادعاء . والنزاع في ان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدء في الحال أو الأعم منه ومن المقتضى عنه في التطبيق وهو غير مرتبط بالمجازية والحقيقية في الكلمة .

وقد بنى المحقّق النائيني(1) وتبعه الاستاذ صحّه الدعوى على الفرق وتعقّله بين المفهوم والتطبيق كما في تقرير الدعوى . والا فالمدعى غير معلوم صدوره ودعواه هكذا .

كما انه قدس سره (2) بنى صحّة الدعوى على صحّة المجاز في الاسناد الذي صار

ص: 170


1- . فوائد الاُصول 1/93 - 95 .
2- . فوائد الاُصول 1/93 - 95 .

إليه السكاكي . والا فالدعوى مردودة .

لكن لا يخفى عدم ابتناء هذه الدعوى على المجاز في الاسناد لان الكلام ليس في مقام التطبيق . بل انما هو في خصوص القضايا الشخصية الخارجية كزيد جالس وعمرو مستطيع . وأما الأحكام المحمولة على الموضوعات على نحو القضايا الحقيقية فليس الكلام في تطبيق الموضوعات على الأفراد بل البحث إنّما هو في ان هذا المفهوم هل له سعة مثلاً في من كان مستطيعا سابقا وانقضى عنه المبدء أم لا وان فرض جواز صدق المستطيع عليه على نحو المجاز العقلي . اذ ليس الكلام في هذه الجهة . بل في هذا البحث لابدّ من تنقيح سعة المفهوم وضيقه حسب المعاني الافرادية كما سنشير إليه .والمحقّق النائيني حيث بنى صحّة الدعوى على تعقّل مجاز السكاكي أفادان قولنا زيد أسد لا يخلو في الاسناد والحمل من التصرف في ناحية الموضوع وهو زيد بأن يراد منه مطلق الشجاع مثلاً أو التصرف في الأسد وان المراد به كذلك مطلق الحيوان الذي له الشجاعة أو في الاسناد .

أما الأول: وهو التصرف في الموضوع فغير مقبول لأن زيدا موضوع للذات الشخصية المتخصصة الخارجية ولا يدعى أحد ان التصرف وقع فيه كما ان اطلاق الخمر على الخل لا يوجب التصرف في الخل الذي هو الموضوع في قولنا هذا الخل خمر .

وكذلك التصرف في المحمول وفي عالمه بأن يراد من الأسد مطلق الشجاع يرجع إلى المجاز في الكلمة . واما الاسناد بأن يكون زيد بمعناه الحقيقي ولا يراد بالأسد الا الحيوان المفترس . ومع ذلك يحمل على زيد فهذا كذب لعدم كون زيد

المجاز في الاسناد والكلمة

ص: 171

أسدا ومن أفراده . فاذا ثبت كونه كذبا وان الثاني مرجعه إلى المجاز في الكلمة فلا يبقى موقع لهذه الدعوى .

لكن عرفت عدم ابتناء هذه الدعوى على ذلك . بل النزاع في المعاني

الافرادية التي تتركب منها الجمل . كما ظهر لك من بعض الأبحاث السابقة عدم معقولية المجاز في الكلمة . بل كلّها من المجاز العقلي . حيث لا يعقل عدم حضور المعنى في ذهن السامع العالم بالمفهوم وانه موضوع لمعنى كذائي وان اقامة القرينة انما هي على المراد لا الاستعمال لأن اللفظ بعد اختصاصه بالمعنى وحصول الارتباط الخاص بينهما الذي عبر عنه المحقق الخراساني قدس سره (1) بالوضع لابد منتصوره عند الاطلاق بالنسبة إلى العالم كما انه بالنسبة إلى غيره لا يفيد شيئا .ثم بعد انضمام المعاني الافرادية بعضها إلى بعض وحكومة القرائن على ذوى القرائن يتحصل معنى تركبي من الظهور الكلامي والجملي والتركيبي ويفهم منه مراد المتكلم . فحينئذٍ ليس إلا المجاز في الاسناد وينحصر المجاز بالمجاز العقلي . بل يمكن دعوى استحالة المجاز في الكلمة . وعرفت ان القرائن انما هي قرائن المراد وهي حرية بأن تسمى الصوارف التي تصرف الذهن عن المعنى الافرادي إلى المعاني الجملية والتركيبية . فانكار المجاز العقلي من المحقّق النائيني قدس سره لا وجه له . بأن يقال: ( ان الطواف بالبيت صلاة )(2) لا يراد منه إلا انه نظيرها في الآثار كما انه قد يقال زيد كالأسد فالدعوى المزبورة ليست مبتنية على ما تخيله ويكفي في ردها ما ذكرنا .

ص: 172


1- . كفاية الاُصول 1/10 .
2- . مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 من أبواب الطواف .

وان الكلام في الحقيقة واللغوية وعدمها(1) .

توضيح: ان النزاع في المفهوم أو التطبيق ليس مبنيّا على المجاز في الكلمة بل لو كان ذلك كما بيناه أمكن النزاع أيضا في التطبيق كما اذا لم يتصور المجاز في الكلمة أيضاً امكن النزاع في التطبيق كما يمكن في المفهوم وانه هل هو متّسع حتّى لما انقضى عنه المبدء أم لا بل لخصوص المتلبس فعلاً وحالاً وظهرممّا ذكرنا انه لم يثبت ما ذكروه من كون المصدر أو اسم المصدر أصلاً للكلاموباقي المشتقات بل ثبت خلافه .

نعم ما يمكن أن يقال هو ان النسبة الناقصة في المصدر من حيث صدور معنى اسم المصدر متقدمة على النسبة التامة . فلهذا قد يدعى ان الأصل في الكلام هو المصدر لكونه مشتملاً على نسبة ناقصة تقييدية والكلام المؤلّف من المشتق وغيره يكون مشتملاً على نسبة تامة خبرية أو انشائية بحيث يصح السكوت عليها .

ومعلوم ان النسبة التامة تشتمل على الناقصة وزيادة تكون بها تامة . ولكن هذا أيضا لا وجه له لما أشرنا إليه ان الموجود هو تحقق مادة الضرب أي المصدر في كل واحد من المشتقات سواء في ذلك اسم المصدر أو هو أو باقي المشتقات .

ص: 173


1- . للقوم تطبيق غير ما جعلوه مدار الاستدلال والنقض والاشكال . بل مرادهم به تطبيق المفهوم سواء استعمل أو كان حقيقة في الأعم أو الخصوص على الذات في بعض الحالات كما في مثل زيد ضارب الآن في الأمس ويكون في الأمس قرينة التطبيق ( والآن ) علامة النسبة بأن يكون هنا أربعة أشياء: 1 . الزمان أي الحال، 2 . النسبة وحالها، 3 . حال التلبس، 4 . حال التطبيق وزمانه وظرفه فزمان النطق في زيد ضارب الآن معلوم كما ان زمان التلبس مثلاً كان في قبل الأمس والنسبة الآن والتطبيق أي تطبيق المفهوم الجاري على زيد في الحال عليه في الأمس .

لعدم انحفاظ اسم المصدر أو المصدر بمادته وهيئته في المشتقات فلا مجال لهذه الدعوى .

نعم حيث ان مادة الضرب أو باقي المصادر محققة في ضمن جميع هذه المشتقات على اصطلاحهم في ضمن هيئة ما فلا جرم يمكن الالتزام بوضعها لكن بما انها لا توجد إلاّ في هيئة خاصة لا معنى أيضا لوضع خاص له الا ضمنا ولو مع الغير وبما ذكرنا يندفع ما قيل في رد دعوى ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار كما ان الأخبار بعد العلم بها أوصاف . فلو كانت النسبة التقييدية الناقصة متقدمة بالطبع

على التامة لما كان تحصل النسبة الخبرية بعد حصول العلم بها تلقى بالنسبة الناقصة فان الأمر في ذلك على عكس ما في الدعوى .

وجه الاندفاع لزوم ملاحظة كلّ نسبة ناقصة مع تامتها . فالناقصة في قولنا زيد العالم أو غلام زيد قائم . اذا لوحظت بالنسبة إلى تامتها تكون بالنسبة إليهاكالجزء من الكل لتركب الكلام من ملاحظتها والقائم والنسبة بينهما .والحاصل انه تارة يلاحظ العرض بما هو عرض قبال ساير الموجودات من الجواهر ويوضع اللفظ بازائه فيكون هو اسم المصدر الذي هو الخاصة والنتيجة الحاصلة من المصدر . واخرى يلاحظ بما هو صادر وحاصل عن الغير فيكون فيه نسبة إلى الصدور فيختص بوضع المصدر له . فالمصدر يفارق اسمه في انه لوحظ فيه حيث الصدور بخلاف ذاك فيلاحظ من حيث نفسه وذلك بدخل الهيئة العارضة على المادة في ما يكون للمصدر في الافادة حسب ما يستفاد من استعمال أهل المحاورة اذ ليس ذلك إلا أمرا لغويا يراجع فيه اللغة كالغُسل بالضم مع الغَسل بالفتح كما ان في بعض الموارد يكون لفظ واحد مستعملاً تارة في

ص: 174

المصدر واخرى في معنى اسمه والفرق بما ذكرنا .

ثم ليعلم انه قد يلاحظ تحقق ذلك الحدث ووقوع المعنى المصدري في الخارج بحيث لا يكون ناقصا كما في المصدر بل تاما ولو مع بيان الفاعل فيكون فعلاً على اقسامه ولا يكون المصدر هكذا . اذ غاية أمره أن يكون مثل غلام زيد لا يفيد الا نسبة ناقصة . والفعل ان وضع هيئته للدلالة على تحقق المعنى ووجوده في الخارج لا التلبس الفعلي فيكون ماضيا ولازم هذا المعنى وقوع ذلك في الزمان الماضي وليس الزمان داخلاً في مفهوم الفعل ولا في مؤداه إلاّ بهذا المعنى . أي لازم معناه وتحققه في الخارج هو وقوع ذلك في الزمان السابق على النطق . اخرى ليس كذلك بل للدلالة على الترقب والتوقع ووضع له لهذا الحيث هيئة المستقبل والكلام في عدم كون الزمان داخلاً في مفهومه وانه مستفاد من المعنى ولازمه كالماضي وبهذا الوجه صحّ أن يقال ان الأصل في الاخبار هو الجملة الفعليّة كما انه ان اريد بيان التلبس الفعلي فاختص للوضع بهذا المعنى صيغةالفاعل وهذا كله واضح يرجع فيه إلى اللغة بلاخلاف ولا نزاع فيه .الأمر السادس: في كيفية الاشتقاق في المشتقات .

ذهب القدماء السابقون إلى ان المصدر أصل الكلام ( أي المشتقات ) كما ذهب طائفة منهم إلى ان الفعل أصل الكلام وذكروا في كيفية اشتقاق الفعل الماضي من المصدر .

واشتقاق المستقبل من الماضي تفاصيل مذكورة في محلّها . وكذا في ضيغ الماضي واشتقاق بعضها من بعض من الغائب والحاضر والمتكلم كالمستقبل والأمر .

كيفيّة الاشتقاق في المشتقّات

ص: 175

وأنكر ذلك عليهم المتأخرون من الأصوليين وقالوا بعدم اشتقاق كل واحد من الآخر . بل ليس هناك إلا الأوضاع المتعددة للهيئات كما ان المادة بالمعنى الذي نذكره ذيلاً موضوعة .

تفصيل ما ذكروه . انهم قالوا على اختلاف القولين ان المصدر اشتقّ من الفعل الماضي أو بالعكس . حيث انهم رأوا في الماضي مضافا إلى معنى الحدث الذي في المصدر واسم المصدر نسبة ناقصة إلى فاعل ما كما انهم قالوا باشتقاق المصدر من اسم المصدر لكون المصدر مشتملاً على معنى اسم المصدر وزيادة وهي الاشارة إلى الصدور من فاعل ما . بخلاف اسم المصدر فليس فيه هذه الجهة بل فرض وجعل شيئا في قبال ساير المعاني والماهيات فوضع له اللفظ .

والتحقيق يقتضي ما ذهب إليه المتأخرون . حيث انه ليس الأمر كما زعم المتقدمون من وضع الضرب مثلاً للمصدر وظاهره انه بمادته وهيئته العارضة عليه من فتح الأول وسكون الوسط ثم في صوغ الماضي منه شوشوا هذا النظم في الهيئة وصاغوه في هيئة الفعل الماضي من فتح الثلاثة الأحرف . كما ان فيالمصادر المزيدة ليست الأصل المصادر المجردة وانما اشتقت المصادر المزيدفيها منها باعتبار اشتمالها على ما في تلك من المعنى وزيادة . بل لا يمكن جريان ما ذكروه في هذه الموارد لاستحالة وجود الهيولي والمادة بلا صورة كاستحالة العكس . فاذاً لا يمكن الالتزام بكون اسم المصدر أو المصدر أصلاً والباقي فروعا . والفرع مشتمل على الأصل بزيادة . لكون الهيئة في جميعها مما به تشخص اللفظ فدعوى ان لفظ ضرب موجود في جميع المشتقات واضح الفساد لان الموجود فيها انما هو مادة الضرب لا نفس ضرب بماله من المادة والهيئة

ص: 176

ضرورة ان مادة الضرب في كلّ واحد من المشتقات متهيئة بهيئة تخالف الهيئة الموجودة في الضرب فكيف يدعي انها موجودة في جميعها .

نعم ما يمكن الالتزام به هو ان حيث يدور على باب الألفاظ مدار التفهيم والتفهم لعدم تأتي أو سهولة افهام المعاني ( الدقيقة ) مطلقاً وغيرها غالبا إلاّ بالألفاظ لعدم وفاء باقي الدوال كالاشارة على أقل قليل من ذلك . والخط أيضا كذلك فلا جرم اقتضت حكمة نظم معاش بنيآدم ونظام امورهم في الوضع وأخذ مواد الحروف من الهمزة والباء والجيم والدال إلى آخرها وتركيب الكلمات والفرد منها لذلك فالأصل فيها انما هو حروف التهجي ثم بعد ذلك . لا معنى لكون لفظ أصلاً للفظ آخر والآخر فرعاً له مشتقا منه .

فالواقع اشتمال كل واحد من تصاريف المصدر على مادته وهذا القدر لا يوجب اشتقاقها منه وكونه أصلاً بالنسبة إليها بل الأصل انما هو المادة التي تتصرّف في هذه الهيئات التي أحدها هيئة المصدر . كما ان لاسم المصدر أيضا هيئة خاصة وكذلك الفعل بأقسامه في صروف الكلام وفنون البيان من النفي والاستفهام والنهي وغيرها .فتبين ان المادة التي هي موجودة في المشتقات هي غير ما تخيلوه منكونها الفعل أو المصدر(1) .

كما ان ما تشترك فيه المشتقات من المعنى لا بأس بأن يكون أصلاً فيها بمعنى ان معاني باقي المشتقات مشتملة على معنى أصل الحدث واضافة معنى آخر .

ص: 177


1- . ويتفرع على ذلك كون الفضولي في غير عقد النكاح والبيع مخالفا للقاعدة اذا كان بمعنى اسم المصدر بخلاف ما اذا كان بمعنى المصدر فانه يجري في جميعها .

ثم انه بالنظر إلى هذه الجهة التي أشرنا إليها في اشتمال المشتقات كلها على مادة الضرب وهي الضاد والراء والباء . يمكن القول بكون الفرق بين المادة والمشتقات بشرط لا واللا بشرط فان في الأول هي المادة لعدم قبولها الحمل والثاني وهي المشتقات . لكن هذا الفرق لا يتأتى في الفعل الماضي والمضارع لعدم امكان الحمل فيهما .

بل الأنسب هو الفرق يكون المادة لا بشرط والمشتقات بشرط شيء لكون المادة موجودة في جميع المشتقات لاستحالة وجود المادة بلا صورة كالعكس والمشتقات مشتملة على المادة واضافة معنى آخر .

هذا في المعنى . أما اللفظ فيلتزم بكون الضرب مثلاً موضوعا لأصل المعنى الحدثي ولم يوضع له الا خصوص مادة الضرب أي الضاد والراء والباء لا بهيئة الحروف سوى الترتيب وتقدم الضاد وتوسط الراء فيها .

تتميم: ما قالوا بدلالة الفعل الماضي على الزمان الماضي وفعل المضارع على زمان الحال والاستقبال . يحتمل الاشتراك اللفظي والمعنوي(1) . واستدلواعلى مذهبهم بأن استعمال الفعل الماضي في المعنى الذي لم يتحقق غلط كالعكسويعلم ذلك بتصدير كلّ واحد بالحروف الموضوعة للتحقق والمضي أو الاستقبال مثلاً استعمال يضرب زيد بقولنا قد يضرب زيد في الأمس غلط . كما ان ضرب زيد في الغد كذلك . فهذا قرينة وعلامة كون الزمان دخيلاً في الزمان الماضي كالمستقبل .

هذا محصل دليلهم . وهو كما ترى أعم من المدعى لاحتمال عدم استناد

ص: 178


1- . هذا صحيح في المضارع لا الماضي .

ذلك إلى دخل الزمان في حقيقة مفهوم الفعل . مضافا إلى عدم جامع في الزمان المستقبل والحال بناء على اشتراك صيغة المستقبل بينهما معنى والتعبير بما ليس بماضي من السوالب التي يمكن أن يعبر بها عن كل شيء فالدليل لا يفي بالمدعى . وأما القائلون بعدم دخول معنى الزمان في مفهوم الأفعال فاستندوا في ذلك إلى موارد كثيرة من الاستعمالات التي لم يلاحظ فيها العناية بل استعمال في عرض ساير الاستعمالات مع امتناع أخذ الزمان في مدلولاتها .

منها: ما استند إلى اللّه تبارك وتعالى من الأفعال ماضيا أو مستقبلاً كما إذا قيل هذا رزق رزقك اللّه أو احياه اللّه وأماته مثلاً فان الفاعل اذا لم يكن زمانيا فلا

يمكن وقوع فعله في الزمان وان المحيط لا يكون محاطا بالزمان وغيره . لكن استشكله سيدنا الاستاذ قدس سره ( وهو الحق ) بعدم تمامية ذلك وان مال في أثناء التقرير إلى مذهبهم . إذ الأفعال المنسوبة إلى اللّه تعالى مما يرجع إلى صفات الذات كقولنا

علم اللّه وشهد اللّه .

ومنها: مطلق الأفعال المنسوبة إلى المجردات التي لا تقع أفعالها في الزمان ومنها اذا اسند الفعل إلى نفس الزمان ماضيا أو مستقبلاً . فان الزمان لا يقع في الزمان . والحاصل انا نرى بالوجدان صحة الاستعمال في هذه الموارد بلا عنايةولا مجاز بل كما نستعمل الأفعال في الزمانيات . كذلك نستعملها في ما ليسبزماني من الزمان أو المجردات على حذو استعمالها في الزمانيات فلو كان الزمان جزءً من مفهوم الأفعال لكان الاستعمال ممتنعا أو كان بلحاظ العناية والقرينة واذ ليس كل منها فيثبت عدم كون الزمان داخلاً في مفهوم الأفعال .

ويمكن الجواب عن بعض هذه الموارد:

الدليل على عدم أخذ الزمان في الفعل

ص: 179

على فرض كون عالم المجرّدات محيطاً بهذا العالم أي عالم الزمانيّات بامكان تصوّر زمان فيها ووقوع أقوالها فيه .

والظاهر ان مراده قدس سره فرض ما يكون محيطاً بعالم المجرّدات كما بيّن في البحث عن فرض السرمد والدهر الذي يمكن وقوع كلّ فعل من غير اللّه تعالى فيه ونسبتها إليه على حدّ سواء مثلاً فاذا كان الزمان داخلاً في مفهوم الفعل فلم يلزم محذور من التجريد والمجازيّة .

تنبيه: ثمّ ان سيّدنا الاستاذ قدس سره فصّل بين ما يكون الفاعل زمانا فالسبق واللحوق فيه ذاتي

وبين ما يكون زمانيا فليسا بذاتيّين . وإنّما هو بملاحظة تقدم زمان بعض الزمانيات وتأخر زمانه في ما يأتي لان التقدم والتأخر أحد أقسامه السبق الذاتي وحصول زمان قبل زمان آخر .

وليس كذلك الزمانيات، فانها من حيث مقارنتها للمتقدم والمتأخر تكون متقدمة أو متأخرة .

وعن بعضهم ان مفهوم المستقبل أعم من الحال والاستقبال حيث انه لو لا القرينة الخاصة لا يفهم منه أحدهما .

نعم لو كانت قرينة على كون المراد وقوع الحدث في أحد الزمانين لا يكونحينئذٍ منفهما منه الا فرد من ذلك ما اذا كان المبدء من المبادى ء التي يكونصدورها عن الفاعل حالاً ولو بالغلبة كيشرب ويأكل .

وذكر عن المحقّق النائيني قدس سره انه قد أجاد أهل الأدب في قولهم ضرب يضرب فهو ضارب . والظاهر ان مراده بذلك ترتيب المشتقات بالنسبة إلى المبدء

ص: 180

في الواسطة وعدمها كما في التقريرات(1) .

والحاصل ان دليل القائلين بكون الفعل دالا بمعناه على الحدث غير تام . بل ذلك من لوازم المعنى والمدلول الفعلي لا انه جزء المعنى كما سبق والدليل غير تام .

اشارة: وجه تسمية الفعل المستقبل بالمضارع . انه يشبه المعنى الذي قابل للحمل ولذلك يعمل اسم الفاعل والمفعول عمله اذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال وذكرنا ان المصدر فيه اشارة إلى الحصول من الفاعل بنفس الضرب ( لكن الموجود في التقريرات(2) وتعبير سيّدنا الأستاذ قدس سره ضرب زيد واستفادة النسبة من

اضافته أو منه بما هو مصدر وقد نقل الاشكال فيه عن المحقق النائيني قدس سره في

التقريرات وهو في محلّه لكون افادة ذلك بالاضافة غير كون المصدر هو بنفسه فيه اشارة إلى ذلك .

وذكر عن المحقّق النائيني(3) ان الفعل الماضي للتحقق والمستقبل مجرد الاخبار بالاعداد واستعداد الفاعل للتلبس بالمبدء واستشكله بعدم مساعدةالوجدان عليه كما هو واضح .الأمر السابع: في بساطة المشتق وتركبه . قبل الخوض في البحث ينبغي تقديم أمرين:

الأوّل: لا يبتني القول بالأعم على بساطة المشتق أو التركب كما لا يبتني كون المفاد خصوص التلبس . بل يجامع كل منهما البساطة والتركب . فالذي

الكلام في بساط المشتق وتركّبه

ص: 181


1- و2 . فوائد الاُصول 1/101 .
2-
3- . فوائد الاُصول 1/100 .

يذهب إلى البساطة يمكن له القول بالأعم كما ان الذي يذهب إلى التركب يمكنه أن يختار الخصوص .

الثاني: ان المراد بالتركب ليس بالنسبة إلى المفهوم فلا يذهب ولم يذهب أحد إلى ان المشتق مركب من الذات والنسبة أو هما مع الحدث . ومع ذلك يقول ذلك في المفهوم فبناء على التركب من الذات والنسبة لا يمكن خروج الحدث عن ذلك اذ التركب من الحدث والنسبة لكون النسبة أمرا قائما بالطرفين فلا يمكن حصولها بلا وجود طرفيها . فيرجع نتيجة المذهبين إلى التركب من الأمور الثلاثة وان معنى الضارب الذات الذي ثبت له الضرب كالشارب بمعنى الذات الذي ثبت له الشرب وهكذا مثلاً . فيكون هناك قضية تامة خبرية بل لابد أن يقول ذلك بالنسبة إلى الحقيقة والتحليل العقلي .

ومن هنا ربما يتوجه الاشكال . وهو انه بناء على كون التركب في التحليل فلا فرق بين المشتق والجامد فان الماء أيضا ينحل إلى قضية الذات التي ثبت لها المائية وكذلك الحجر وأمثالهما من أسماء الأجناس . وان كان النزاع في المفهومفلا يمكن بل يمتنع(1) .وحاصل الكلام: انه يمتنع تحقق النزاع في بساطة مفهوم المشتق وتركبه لان المفهوم لا يمكن فيه تطرق التركب أصلاً . حيث ان ما يقع من الخارجيات في الحس المشترك انما هو بالصورة العلمية . ثم بعد ذلك يقع في الحافظة والذاكرة

كيفيّة التركّب

ص: 182


1- . أمّا ما أفاده الاستاذ قدس سره اولاً يكون أحد الطرفين أيضا داخلاً بناء على التركب من النسبة وأمر آخر فانما هو في مقام التحقق والواقع لا في المفهوم فان الملازمة ليست في عالم المفهوم بل في عالم التحقق والوجود كما ان قوله بانحلال ذلك إلى قضيّة تامّة خبرية ليس على ما ينبغي . بل ناقصة تقييدية .

ويترقى إلى عالم العقل ولا يبقى له شيء لا صورة ولا مادة . بل البساطة من جميع الجهات بحيث لا زمان ولا زماني ولا وجود خارجي ولا ذهني ولا مكان . لكونه معرّى من تمام الخصوصيات حتى عن الوجود الذهني . وإنّما التركب في مقام الانطباق والتحقق الخارجي . والا فعالم المفهوم ليس الا البساطة المحضة . فعلى هذا لا يعقل أن يقع النزاع في بساطة المشتق وتركبه مفهوما . وإنّما الصالح للنزاع هو التركب في الخارج والانطباق والتحليل كانحلال الشيء إلى الجنس والفصل والا ففي عالم المفهوم ليس الا حقائق المفاهيم ولا مايز بينها الا ذواتها لأنها بما

هي متبائنات . فلا حاجة إلى مايز آخر . كما ان المايز بين الأعراض التسعة ليس الا انفسها فالسواد شديد ليس شدته أمرا خارجا عن حقيقته نعم في الخارج لا يمكن البساطة كما انه بالنظر إليه ليس بقابل حمل أحدهما على الآخر . فان الصورة والمادة والهيولى لا يمكن حمل أحدهما على الآخر بخلاف الجنس والفصل . فمن الممكن حمل أحدهما على الآخر وحمل الذات على أحدهما وبالعكس . فاذا لابد أن يكون هذا النزاع في غير ناحية المفهوم لما عرفت من بساطته وامتناع تركبه . بل التركب انما هو في عالم التحليل . فان معنى ضارب وما ينطبق عليه هو الذات التي ثبت لها الضرب .ومن هذه الجهة يقال بانحلال عقد الوضع في الجوامد أيضا إلى قضية وان الماء والحجر والمدر تنحل إلى قضايا عديدة وأنه هناك شيء ثبت له هذه الجهة المائية والحجرية وغيرهما . وعلى كلّ حال فان اريد بالتركب في المشتقات التركب في المفهوم . فهو مما لم يقل به أحد لرجوعه إلى دعوى الترادف في قولنا ضارب أو ذات ثبت لها الضرب كالترادف الواقع بين الانسان والبشر حسب

ص: 183

المفهوم . بل نقول كما ان المصدر لم يوضع إلا بازاء الحدث . كذلك اسم الفاعل وباقي المشتقات لم يوضع الا وضعا واحدا لمفاهيمها لما سبق من عدم تعدّد الوضع في المصدر وان لكل من مادته وهيئته وضعاً على حدة . بل ليس هناك الا وضع واحد كالجوامد(1) .

ودعوى الفرق بينها وبين المشتقات بتعدد الوضع في المشتقات حيث ان لها مادة وهيئة ولكل منهما وضع وليس كذلك الجوامد . فدعوى التركب في المفهوم انما هي جائية من قبل هذا أي تعدد الوضع في المادة والهيئة . مدفوعة بعدم تعدد الوضع لما أشرنا إليه من امتناع وجود المادة بلا صورة كالعكس . فاذن لا يعقل أن يوضع بازاء المادة بلا هيئة بل لابد في تحققها من هيئة فيوضع لمعنى فالمادة المشتركة في الهيئات المتعددة الطارية عليها الوضع لم توضع وضعا في قبال وضعها بل للمصدر وضع واحد وللفاعل كذلك وهكذا باقي المشتقات .وحيث ان هذا المبنى يستدعي وضعاً شخصيا لكل مادة وهيئة في أسماءالفاعلين والمفعولين وساير المشتقات فلذا اضطرب كلام سيّدنا الاستاذ قدس سره في المقام فتارة يدعى ويميل إلى ذلك أي الأوضاع الشخصية وهو مناف للوضع النوعي بالنسبة إلى الهيئة وتارة يميل إلى الوضع النوعي في الهيئة ولازمه كون المادة موضوعة بوضع آخر وهو ما فرّ منه من المحذور أو يلتزم باتحاد الوضع

ص: 184


1- . الظاهر بل المسلّم تعدّد الوضع في المشتقّات بالنسبة إلى المادّة والهيئة بخلاف الجوامد فلها وضع واحد وما قلناه مختار المحقّق البجنوردي منتهى الاُصول 1/76 والعلاّمة الخوئي ( محاضرات في اُصول الفقه 1/246 - 261 ) ويظهر اختياره من النهاية ( نهاية الأفكار 1/125 - 126 ) وإن أشار إلى وضع المادة نوعيّاً والهيئة شخصيّاً والاخير صحيح في غير أسماء الفاعلين والمفعولين وصفات المشتبهة .

النوعي في الهيئات والاحتياج في المواد إلى الوضع وهو كما ترى لا طائل تحته ولا يصدر من مثله حتى انه قدس سره صرّح بعدم تعدد الوضع في الأفعال أيضا وفي أثناء الرد على كون النزاع في المفهوم يقول لا يمكن ذلك لاستلزام كون قضيّة قولنا زيد ضارب إلى نسب عديدة(1) .

الأمر الثامن: لاصحاب السامراء قدّس اللّه أسرارهم منهم استاذ الأساتذة السيّد محمّد الاصفهاني بحث حول بساطة المشتق على اصطلاح أهل الأدب وتركبه تصدى المحقق النائيني قدس سره لبيانه . ادعى فيه ان الهيئة في المشتقات موضوعة لقلب النسبة والمعنى الحدثي من نفس الحدث إلى معنى قابل للحمل أي قلب ما ليس بقابل للحمل إلى ما هو قابل له .

وبعبارة اخرى ان المادة في المشتقات سارية كما ذكرنا . وما ادعى من عدم تعدد الوضع فيها فيه ما فيه . الا ان الهيئة وضعت لايجاد هذا المعنى فهي آلة للايجاد كالمنشار والفاس بالنسبة إلى ما يصنعه النجار . فان المادة في ما نحن فيه كالخشبة بالنسبة إلى صنعته والآلة هو المنشار في صنعه والهيئة في محل الكلام وما يحصل بأعمال الآلة والنتيجة هي صيرورة الخشبة بابا .كصيرورة اسم الفاعل في المشتقات كما تقدم في بحث الحروف من كونها الآت لايجاد معانيها في عالم التحصل . وانه لا تعدد بالنسبة إليها . بل وجودها وتحققها في عالم الاستعمال . فليس لها عالم التحصل كعالم التحقق . والفرق بينها وبين الانشائيات في العقود والايقاعات ما بين السماء والأرض . وقد تقدم المايز

كلام أصحاب السامراء في المشتق

ص: 185


1- . لا يخفى ان الالتزام بوضع واحد في المشتقات مساوق للقول بتداخل المواد كالضرب والشرب وأمثالهما فتدبر جيدا .

بينهما في محله .

والحاصل انّه ادعى التركب في المشتقات ونقض على قائله بلزوم ذلك في الجوامد وانحلال الحجر إلى ذات له الحجريّة إلى غير ذلك . مع انه لا يلتزم به أحد فالمناط الذي لأجله التزم بالبساطة في الجوامد موجود في المشتقات ( وان كان التركب فيها لا يستلزم التركب في الجوامد ) وذكرنا ان المراد بالبساطة والتركب لابد من كونه في المفاهيم لا في المعاني والمفهوم التحليلي العقلي لما ذكرنا من ورود النقض عليه وكونه في المفاهيم هو محط النقص والابرام .

والمعنى بالاستدلال فعلاً . فهو قدس سره على ما نسب إليه ادعى البساطة(1) في المفهوم وان اللفظ لم يوضع الا بازاء الحدث لا بلحاظ النسبة معها ولا النسبة لورود الاشكال على كلا التقديرين اما النسبة فلتوقف وجودها على المنتسبين لأن ذلك في التحقق والوجود لا في الوضع لامكان الانفكاك في الوضع فلا يضع الا لخصوص النسبة أو واحد المنتسبين بلا دخول آخر في الموضوع له . فالموضوع له مركب من جزئين . والتحقق في الخارج أو القضية من دخول الآخر أيضا . بل حيث ان مبنى أهل الأدب في أسماء الفاعلين والمفعولين وأمثالها علىانها أسماء معربة لا شائبة للبناء فيها .

ص: 186


1- . فوائد الاُصول 1/106 .

ولو كانت هي موضوعة بازاء الحدث والهيئة لامتنع اعرابها لأجل دخول المعنى الحرفي في وضعها وذلك خلاف اتفاق أهل الأدب في وضعها .

هذا مضافا إلى لزوم وضع هيئة المصدر أيضا كما يلتزمون بوضع هيئة اسم الفاعل للنسبة مع انه كما ترى .

ولو كانت موضوعة بازاء الذات والحدث أو ومع النسبة . فأيضا يلزم محاذير عديدة نكشف من بعضها لماً عدم الوضع للمركب ومن آخر كشفا انيا . فانا نرى ان لو كانت الذات داخلة في المفهوم لا فائدة فيه ويكون ذلك خلاف حكمة الوضع والغرض منه لكفاية الوضع لما نلتزم به من الحدث بمعنى كونه قابلاً للحمل وانه يلزم الترادف بين زيد وبين الضارب والشارب لكون الضارب حينئذٍ بمعنى زيد الضارب مع استلزام ذلك أيضا من تركب قضيّه واحدة من ثلاثة تركيبات وقضايا لكون قولنا زيد قائم ينحل إلى زيد وإلى قائم والنسبة بينهما فهذه نسبة تامة خبرية وان القائم ينحل إلى قضية خبرية تامة وهو ان زيدا أو ذاتا ما له القيام ونسبة ناقصة تقييدية أيضا ثالثة للذات مع ان المحقق في محله ان النسبة الناقصة انما تخص الوصف كالانسان القائم أو الاضافة كغلام زيد وليس اسم الفاعل منها .

ورابعا يلزم تقدم رتبة النسبة الناقصة على التامة في قولنا زيد قائم مع انه مخالف لما هو المعروف عند أهل الأدب من ان الأوصاف قبل العلم بها أخبار كما ان الاخبار بعد العلم بها أوصاف . هذا .

فحينئذٍ . اذا لم يكن الهيئة في المشتقات موضوعة ولا ألفاظها بموادها وهيئاتها للذات والحدث ولا الحدث والنسبة فيبقى أن يكون الموضوع له فيها هو الحدث وخروج الذات والنسبة من الموضوع له . الا ان الهيئة فيها انما هي لافادةمعنى قابل للحمل وهو المراد بقوله لقلب المعنى الحدثى الذي لا يحمل كشربمثلا الى المعنى الذي يكون قابلاً له كشارب لا ان المراد ان هناك حقيقة قلب وانقلاب .

وقد تبين ممّا ذكرنا انه قدس سره التفت في كلامه إلى عدم ملازمة استحالة انفكاك

توضيح عدم أخذ الذات في المشتق

ص: 187

النسبة خارجا من المنتسبين مع كون الوضع لها كذلك . كما تبين بما ذكرنا في أحد وجوه الاشكال من لزوم أخذ الذات في مفهوم المشتقات انه غير ما عن المحقق الشريف في ما يأتي بل هذا كلام آخر مبناه على أخذ الذات في غير الذاتيات كقاعد وقائم والشارب مثلاً وأخذها في مثل ناطق وحيوان ناطق مما يكون الترادف هناك حقيقة ولو بالنسبة إلى بعض المفهوم . أو ان نظر المحقق النائيني قدس سره

إلى لزوم اتحاد الحدث ( أي العرض ) مع معروضه بأن يكون الشرب هو الشارب والشارب هو الشرب وذلك مستحيل .

هذا ملخص ما أفاده في هذا المقام ولا يخفى ما فيه من وجوه الاشكال فليتدبر جيدا(1) .الأمر التاسع: قد سبق استدلال المحقق النائيني قدس سره على بساطة مفهوم

ص: 188


1- . السيّد العلاّمة الخوئي قدس سره محاضرات في اُصول الفقه 43/304 - 317 بعد ما جعل النزاع في البساطة والتركب بحسب التحليل والواقع ونسب إلى المحقّق صاحب الكفاية اختيار المركّب وإلى المشهور بين الفلاسفة ومتأخّري الاُصوليّين منهم المحقّق النائيني البساطة . صحّح هو التركب في المشتقات من الذات المبهمة غاية الابهام . معرّاة عن كلّ خصوصيّة عدا قيام المبدء بها ولذا قابلة للحمل على الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد . وقال: فاذا قيل العالم فلا يراد منه إلاّ من ثبت له صفة العلم وإذا قيل الماشي فلا يراد منه إلاّ من له صفة المشي أو ما له صفة المشي وهكذا . واستدلّ على مدّعاه بالوجدان ( لتبادر الذات المتلبّسة بالمبدء على نحو الابهام ) وبالبرهان لعدم صحّة حمل المشتق على الذات إلا بأخذ مفهوم الشيء فيه . وناقش الوجوه الخمسة التي ذكرت للبساطة بنحو مشبع ) والظاهر صحّة مدّعاه خصوصاً بالنظر إلى الوجدان . ولذلك ضعّف مختار المحقّق البجنوردي ( منتهى الاُصول 1/94 - 95 ) من كون معنى المشتق نفس المبدء وخروج الذات والنسبة عن مفهومه وان مختار السيّد الخوئي عين ما اختاره سيّدنا الأستاذ ولعلّه إليه يرجع ما اختاره في النهاية من جعل المشتق عبارة عن المبدء القائم بالذات بما انه ملحوظ وجهاً وعنواناً للذات وطوراً من أطوارها . نهاية الأفكار 1/143 - 144 .

المشتق عند أهل الأدب بطريق الاّن واللّم اما الان فلانه لو كان المشتق(1) موضوعا لهيئة النسبة لكان مشتملاً على المعنى الحرفي الذي يتعين بنائه مع انه معرب . فهذا يكشف عن عدم كونه موضوعا للنسبة لكنّه كما ترى عجيب . بل ربما يشك في صدوره منه قدس سره ولذا كان سيّدنا الأستاذ قدس سره يعبر عن ذلك بأنه نسب إليه ذلك .

والحق انه لا يتم برهان الاّن لأن مبنى الاعراب والبناء ليس على مجرد المناسبة للمعنى الاسمي والحرفي بل الغلبة لجانب أحدهما فاذا غلب الجهة الاسمية يعربون الكلمة كما ربما يبنونها لذلك واسم الفاعل والمفعول من هذا القبيل مما غلب فيهما جهة الاسمية والفعل المضارع أيضا معرب مع ان فيه المعنى الحرفي .

هذا مضافا إلى عدم استلزامه إلاّ عدم الوضع للنسبة . اما الوضع للحدث . فلا لامكان الوضع للذات والحدث معا . قولكم لا يمكن خروج النسبة بل لابد من ملاحظة نسبة بينهما .

قلنا: لا ربط لذلك بعالم الوضع . نعم في مقام الاستعمال والتحقق وارتباط المعاني بعضها ببعض لابد من ذلك .

اما الاشكال بكون الوضع للذات خلاف حكمة الوضع .

ففيه أيّ مخالفة لها . بل الوضع لذلك لو لم يكن مفيدا لم يكن مضرا ضرورةكونه أنسب إلى الحمل . بل لو لم يلاحظ الذات لامتنع الحمل . كما ان تعدّد النسب لا ضير فيه بل القضايا غالبا أو كثير منها كذلك . مع انا لا نسلم كذلك من رأس

ص: 189


1- . فوائد الاُصول 1/109 .

عدم زيادة على نسبتين . احديهما بين المبتدأ والخبر والاخرى في المشتق .

كما في قولنا زيد قائم . وقد تقدم ضعف الاشكال بتقدم مرتبة النسبة التامة على التقييديّة واما اشكال .

دخول الجنس في الفصل أو الذاتيات بعضها في بعض أو الماهيات في الاخرى فليس بوارد . اذ مقام الوضع للمفاهيم غير مرتبط بذاك الباب ولا يلزم من وضع ضارب للذات التي صدر منه الضرب ذلك أي دخول الذات في المفهوم الحدثي ومعناه ولا العكس لتعددهما مفهوما وماهية . والماهيات بأسرها متبائنة خصوصا على مبناه قدس سره من ان المتعدد ماهية متعدد وجودا .

وكيف كان فلم يدخل الذات في العرض ولا العرض في الذات . ولو قال بذلك احد فغلط . بل المراد بذلك انه عند التحليل ينحل إلى ذلك أي ذات صدر منه الشرب أو الضرب أو غيرهما من المبادئ كما ان الأمر في الجوامد كذلك أي ذات ثبت له الحجرية والشجرية وغيرهما .

نعم هنا كلام في كون العرض لنفسه وفي نفسه لغيره وفي غيره نتعرض له إن شاء اللّه .

فالانصاف ان الاشكالات مندفعة بأسرها .

بقي الكلام في ما أشرنا إليه من وضع الهيئة في المشتقات لقلب المعنى الحدثي الذي لا يحمل إلى المعنى الذي يكون قابلاً للحمل .

فنقول: ان اريد بذلك ان البياض بما هو بياض تصيره الهيئة الفاعلية أوالموجودة في الصفة المشبهة إلى ما يكون قابلاً للحمل مبانيا للمعنى الأول .فمرجع هذا إلى جواز صيرورة الماء بما هو ماء حجرا والنار بما هي نار ماءً ولا

وضع الهيئة في المشتقّات

ص: 190

يحتاج فساده إلى اقامة برهان . وان اريد بذلك ان الذي ينقلب عن كونه لا يقبل الحمل إلى قبوله كما في لم الجازمة . فانها اذا تصدرت المستقبل تقلبه عن المستقبل إلى الماضي ويكون معنى لم يضرب في قوّة ما ضرب . فهذا له وجه . لكنه ربما يرجع إلى انّ هذا الفعل اذا تصدر بهذه الكلمة فمعناه كذا كان الواضع وضع هذا اللفظ لهذا المعنى بهذه الكيفيّة الكذائيّة .

فنقول: ان الأمر كذلك في ما نحن فيه أي ان الواضع لاحظ الحالات الطارية على المادة كما لاحظ الحالات الجارية على المعنى فجعل لكلّ معنى لفظا مخصوصا في هيئة خاصّة .

وان اشتركت تلك الهيئات في عروضها على مادة مخصوصة سارية في الجميع غاية الأمر ان الامتياز بين المعاني بكيفيات النسب وخواصها فوضع هيئة الفاعل المتصورة في ضمن مادة الفاء والعين واللام للتلبس كما وضع هيئة الماضي للمتحقّق والمستقبل للتوقع . لكنه لا يمكن وضع الهيئة بلا مادة كما لا يمكن العكس .

وكان سيّدنا الأستاذ قدس سره يريد بهذا الكلام تصحيح دعوى استحالة تعدد الوضع بأن يكون للهيئة وضع وللمادة السارية في الهيئات وضع آخر . والتزم بذلك في بيان الكلام والمراد وافاد كما ذكرنا بلحاظ الحالات الطارية على المعنى الحدثي وان الوضع لكل منها في هيئة خاصة فلم يكن هنا قلب الا بهذا المعنى وقد تكرر منه دعوى عدم تعدد الوضع في المشتقات وانه لا يمكن الوضع للمادة لعدم امكان تشخصها إلاّ في ضمن هيئة ومثل في الوضع للهيئة بفاعل وانه لا يمكن

ص: 191

وجود هذه الهيئة إلاّ في ضمن مادة ولو الفاء والعين واللام(1) .فالنتيجة ان الحروف الهجائية موضوعة بحسب التركيب لانه بدون التركيب لا يمكن الوضع ونظره في ذلك كانه غالبيّ والا فالوضع في المفردات غير عزيز .

الأمر العاشر: استدلّ المحقّق الشريف على بساطة المشتق على ما حكى عنه في حاشية شرح المطالع(2) انه يلزم من التركب اما دخول العرض العام في الفصل أو انقلاب الامكان إلى الضرورة . بيان ذلك انه عرف الفكر في المتن بأنه ترتيب امور وافاد الشارح في شرحه انه لا يرد النقض بما اذا أردنا تعريف الانسان مثلاً بالناطق ( فيما إذا كان المطلب مطلب ما أي ما هو حقيقة الشيء ) مع انه أمر واحد لا امور . لانحلاله إلى شيء ثبت له النطق . أو له النطق . فان التعريف تارة يكون بالحدّ التام أو الرسم التام واخرى يكون بالناقص منهما . والتعريف انما هو ملاحظة امور معقولة وترتيبها للتأدي إلى المجهول . واستشكل هذا البيان في الحاشية بأن ان كان المراد من الشيء مفهومه فيلزم دخول العرض العام في الفصل والتركب منهما ( هذا لو اريد تعريف الانسان مثلاً بالناطق تعريفه بما له من المعنى المفهوم منه وإلاّ فيمكن على فرض التركيب كون الفصل هو خصوص الفصل الخاص بالانسان الذي هو مقوم له ومميّز له من بين باقي الماهيات المشتركة في حقيقة الحيوانية من الحس والحركة الارادية والجسمية والنمو إلى غير ذلك . وان اريد بالشيء مصداقه فيلزم انقلاب جهة الامكان في قولنا زيد كاتب أو الانسان كاتب بالامكان العامّ أو الخاص إلى الضرورة .

كلام المحقّق الشريف في بساطة المشتق

ص: 192


1- . لكن عرفت ضعف هذا الكلام .
2- . شرح المطالع /11 .

توضيح ذلك: ان الماهيات من حيث هي ليست الا هي لا موجودة ولامعدومة وفي تلك المرحلة تجتمع النقائض كما ترتفع ومعنى ان الماهية ليست موجودة ولا معدومة ان حقيقة الماهية لا تلازم واحدا منهما أي الوجود والعدم كما ان في تلك المرحلة ربما تكون للماهيات لوازم كما لها ذاتيات تكون قابلة للحمل كما في الانسان حيوان أو الانسان ضاحك أو ناطق وأمثال ذلك من المحمولات التي يقتضيها الذات والماهية حتى مع قطع النظر عن الوجود .

ثمّ مع التنزل عن هذه المرحلة فاول محمول يحمل على الماهيات هو أحد الوجود والعدم فيقال زيد أو الانسان موجود أو معدوم . وبعد ذلك يحمل المحمولات المترتبة في فرض الوجود كما في قولنا زيد قائم وعمرو شاعر . وربما تكون القضية الواحدة في حكم قضايا أو قضيتين كما اذا قلنا ان زيدا الكاتب شاعر .

اذا عرفت هذا فاذا كان معنى الكاتب في قولنا زيد كاتب أو الانسان كاتب مصداق الشيء الذي ثبت له الكتابة فيكون معنى الكاتب في زيد كاتب، زيد زيد كاتب . ومعنى قولنا الانسان كاتب . الانسان انسان كاتب . فيلزم ما ذكره من المحذور من انقلاب الجهة الامكانية في نسبة الكتابة إلى الانسان أو زيد إلى الضرورة . لكون ثبوت ذات الانسان لها كذلك كما في كل شيء وما ذكرنا من صقع المحمولات الأولية مورد ما ذكره الشيخ قدس سره في الشرط المخالف للكتاب والسنة من جريان العدم المحمولي أو النعتي .

أي ان هذا الشرط لم يكن قبل وجوده مخالفا للكتاب فاذا حمل عليه الوجود وصار موجودا لا نعلم هل انقلب عدم مخالفته للكتاب إليها أم لا . فيرجع

ص: 193

إلى السالبة بانتفاء الموضوع .ونقل عن الشيخ قدس سره انه ارتضى هذا البيان وأورد بعض على ما ذكره من لزومأخذ العرض العام في الفصل والاتحاد بينهما . بأن المراد من الشيء إن كان هو الوجود فيلزم ما ذكرتم لعدم اختصاص الوجود بموجود دون موجود بل يشترك الموجودات بأسرها في الوجود . في قباله على هذا يقع اللاشيء . وان كان المراد من الشيء هو الذات فيكون من الجواهر بل جنس الأجناس وحينئذٍ لا يلزم دخول العرض العام في الفصل بل الجنس البعيد . بخلاف ما اذا كان أمرا مساوقا للوجود فلا . كما انه يمكن كونه أمرا منتزعا من الذات ويكون جوهريّته وعرضيته بحسب منشأ انتزاعه واعتباره بحيث لم يكن داخلاً في مقولة من المقولات بنفسه .

ثمّ أورد هذا القائل المستشكل وهو المحقّق النائيني قدس سره على نفسه بأنه انما يصح بناء على اصالة الماهية . اما بناء على اصالة الوجود فلا يتمّ ما ذكرت .

وأجاب بأن معنى اصالة الوجود أو الماهية انّ الأصل في التحقق أيّ شيء هل هو الماهية أو الوجود . فبعض اختار هذا وبعض ذاك وذهب بعض إلى تأصلهما معاً .

لكن الكلام في ان المراد بالتحقق أي شيء كما إذا قلنا زيد انسان والمراد بالانسان ما بازاء زيد من الحصّة الانسانية على ترتيب الآباء والأولاد لا الأب والأولاد نظير العام الاستغراقي الأصولي ) هل المراد به الوجود فيكون المراد ان الماهية موجودة أو الوجود . أو ما قاله المحقق النائيني قدس سره ان المراد بذلك هو ان المفاض الأوّل هل هو الوجود أو الماهية . الا انك خبير بأن ما جعله تفسيرا لنزاع الماهية والوجود وأن الأصل أيّهما انما هو بحث آخر لا ربط له ببحث الاصالة بل

ص: 194

ذلك راجع إلى ان الجعل أو الجعل التكويني تعلق ابتداءً بالوجود .

أو بالماهيات أو بالاتصاف هو كما هو مذهب قوم . وبحث اصالة الوجودوالماهية بحث منحاز عنه .نعم يمكن أن يقال عن ذلك انه الأصل في التقرر . لكنه ربما يشكل الأمر بما حكى عن أهله قال في المنظومة .

ان الوجود عارض الماهية . تصورا واتحدا هوية .

وظهر أخيرا من كلام سيدنا الاستاذ قدس سره عدم ارتضائه لما استشكل المحقق النائيني على صاحب الحاشية وقوله(1) لو ابدل العرض العام بالجنس لكان أولى أيضا غير تام عنده . وأفاد ان نظر المحقق النائيني قدس سره بهذا الكلام الذي قاله في تبديل عبارة صاحب الحاشية كأنه ملتقط من اول وجوه استدلاله وثالثها . لكنه لم نعثر ولم نتفحص عن ذلك بل المنقول منه هذا الوجه على شقين كما انه أفاد في الشق الثاني من الاشكال ما نسيت ان اذكره الآن .

تتميم لا اشكال في ان النزاع ليس في التحليل العقلي لحصول الانحلال إلى التركب بناء عليه حتى في الجوامد . بل ينبغي اختصاصه بالمفاهيم . وقد وقع في ان مفهوم المشتق هل هو بسيط أم مركب من الذات والنسبة أو الحدث والنسبة أو الثلاثة . وذهب القائل ببساطته إلى ذلك نظرا إلى أدلة وبراهين أقامها على مدعاه كل فرقة منهم .

فبعضهم نظر الى انه يلزم بناء على التركب من النسبة والذات أو الحدث كون المشتق مبنيا مع انه معرب . كما انه بناء على أخذ الذات والحدث أو مع النسبة

ص: 195


1- . فوائد الاُصول 1/113 - 116 .

يلزم دخول الجنس في الفصل والاتحاد كما سبق بيانه مفصلاً . وهذا منهم بعد الاتفاق على بساطه مفهوم الجوامد . كما ذهب المحقق الشريف في اختيار بساطةالمشتق الى ما ذكرنا منه من شقى الترديد . فانه على أخذ مفهوم الشيء يلزم تركبالمشتق من العرض العام وهو الشيء والفصل أي شيء له النطق أو شيء ناطق وعلى فرض أخذ مصداق الشيء لزوم انقلاب الجهة . ويظهر من المحقق النائيني قدس سره ارتضائه(1) لهذا البرهان إلاّ في قوله دخول العرض العام في الفصل . فقال لو عبر بدخول الجنس في الفصل كان أولى .

بيان ذلك: ان مفهوم الشيء عبارة عن الاشارة إلى جنس الأجناس بين أنحاء الموجودات والحقائق من الجواهر والأعراض مجردها وماديها ولا شيء فوقه أوسع منه وكل ما يوجد في أنواع الكائنات فهو شيء يمتاز بخصوصيّة مباينة مع خصوصيّة اخرى في غيره . فالمفهوم الجامع والجهة الاشتراكية بين الموجودات بل المفاهيم والحقائق هو مفهوم الشيء وحقيقته وهو ماهية أوسع من كل الماهيات الامكانية بحيث لا يشذّ عنه جوهر ولا عرض مادي ولا مجرد . ومعنى ذلك ان كل شيء من هذه بما انه جوهر أو عرض مادى أو مجرد شيء . فعلى هذا ليس عرضا عاما يعرض الموجودات بل جنس لها . غاية الأمر يتبع حقيقة ذلك الشيء ان كان جوهرا فجوهر وعرضا فعرض . كما قيل في الحركة انّها ليست مقولة واحدة . بل تكون في كل مقولة من سنخها ففي مقولة الجوهر جوهر وفي الكم كم وفي الكيف كيف وهكذا .

ان قلت على هذا لابد من تركب الاعراض بأقسامها من الجنس والفصل

جواب الاشكال عن كون مفهوم الشيء جنس الأجناس

ص: 196


1- . فوائد الاُصول 1/113 - 116 .

حسب بينوته كل واحد من الاخر مع ان المعروف عدم جامع بين الأعراض وهذا أي تركبها من الجنس والفصل لم يقل به أحد .قلنا مضافا إلى ان مجرد عدم القول بذلك لا يضر بصحته انه يمكن الجوابعن ذلك حلاًّ بأن في بعض الأشياء يكون ما به الاشتراك بين أفرادها وأقسامها عين ما به الامتياز كما في بعض الأعراض كالسواد فانه قد يقال هو شديد كما يقال ضعيف فهل المايز بين الشدّة والضعف غير نفس السواد وكذلك البياض .

ومن المعلوم ان مجرد التفاوت بالنسبة إلى الكم أو مراتب الوجود لا يوجب الاثنينية بل المرتبة القوية والضعيفة من الشيء كلتاهما داخلتان تحته ويشملهما فلتكن الأعراض من هذا القبيل فكما ان ما به الاشتراك بين جميع أقسامها هو الشيئية وانها شيء كذلك ما به الامتياز بين كل واحد وآخر فليكن هو وما يقال من ان الميز بالحدود والحدود اعدام كما ترى .

ان قلت: ان ذلك مخالف لما هو المشهور من المساوقة بين الشيء والوجود فالوجود هو الشيء والشيء هو الوجود . وقد تحقق في محله ان الوجود ليس بجوهر ولا عرض وليس من الماهيات بل يعرضها وليس شيئا في قبالها وهذا يناقض ما ذكرت من كون الشيء ماهية في قبالها بل أوسع من جميعها .

قلت: اما بناءً على اصالة الماهية فنحن مستريحون اذ الأصل في الحقائق هو الماهية والوجود أمر اعتباري عارضي لها . فهو أي الشيء الذي هو ماهية منها يكون جنس الأجناس وعلى هذا فلا مساوقة بين الشيء والوجود . وأمّا بناء على اصالة الوجود أيضا فتارة نلتزم بالواسطة بين الوجود والعدم . أو نقول بعالم التقرر للماهيات . وان كان الوجود أصلاً فحينئذٍ نقول معنى المساوقة ليس عبارة عن

ص: 197

الترادف والاتحاد . بل معناها عبارة عن الملازمة بين الوجود والشيئيّة . أي كلّ شيء فله وجود قبال اللاشيء الذي هو عدم محض ولا حظّ له من الوجود بأقسامه .اذ ليس حقيقة الشيء وهويته عبارة عن الوجود كي ينافي ما ذكرنا . بلالوجود على هذا المعنى يكون لازم الشيئيّة بحيث لا يتحقق الشيئيّة إلاّ مع الوجود ولو قلنا بأن الأصل هو الوجود وله الاصالة وان الماهية اعتباري(1) .

تكميل: استشكل سيّدنا الاستاذ قدس سره ما تقدم من المحقّق النائيني قدس سره اشكال لزوم التركب في الاعراض من جنس وفصل لجواز كون ما به الامتياز عين ما به الاشتراك وتنظيره بالسواد والشدّة العارضة عليه .

وقال بالتحليل عند العقل . وان السواد مخالف للشدة وهما اثنان وما ذكره من اتحاد ما به الامتياز مع ما به الاشتراك غير صحيح . وان كان فرضه ممكنا في مثل السواد ان لم ترجع الشدة إلى ما تكون بلحاظه وناشئه منه . وأصل الكلام أي كون شيئيّة الشيء جنس الأجناس صحيح . لكن لا يتم هذا البرهان . أي ما به الاشتراك عين ما به الامتياز وان فرض كل ما يكون به الامتياز شيئا وليس بلا شيء . لكنه تكون هناك خصوصيات مميزة لكلّ واحد منها عن الاخر . وقال ان فرض كون الشيئيّة جنس الأجناس يوجب تركب الأعراض بل الموجودات بأسرها من جنس هو الشيئيّة وفصول مقومة كما في الانسان فانه مركب من الحيوانيّة والناطقيّة . فالناطقية تكون مقومة للانسان . كذلك الاعراض تكون

اشكال سيّدنا الأستاذ على المحقّق النائيني

ص: 198


1- . أقول: كانه راجع إلى انه ان فرض شيء محالا ولا وجود له فلا اعتبار به لأن الأصل هو الوجود وحيث لا وجود له فلا شيئيته له .

متمايزة بخصوصياتها الخاصّة بها المنكشف عنها بالآثار واللوازم التي تترتب الرسوم المذكورة لكلّ واحد منها كما ان الأمر في الفرق بين الجوهر والعرض كذلك .

والحاصل انه وان سلمنا ان ما به الامتياز في السواد عين ما به الاشتراكوان المرتبتين الشدة والضعف عبارة عن السواد لكن تسليمه في ما نحن فيه لا وجه له بل نقول انها متمايزة بخواصها كما ذكرنا .

ثم ان ما تقدم منا وذكره المحقق النائيني قدس سره بناء على كون الشيء جنس الأجناس بهذا البيان وبداهة عدم تصور جنس فوقه يكون الشيئيّة من عوارضه بالنسبة إلى أفراده . يكون عرضا عاما . اما بناء على ان بالوجود يكون شيئا وقبله لا شيء . فالشيئيّة أيضا تكون من عوارض الأشياء والموجودات . ويمكن حينئذٍ تصحيح وجه الاشكال وعدم تركب المشتق بدخول العرض العام في الفصل والا فبناءً على ما ذكره اولاً يكون من الجنس ويكون الجنس داخلاً في الفصل ويكون ذلك نوعا .

هذا كله بناءً على اصالة الماهية . اما بناءً على اصالة الوجود فأيضا يمكن تصوير كون الشيئيّة جنسا عاما . وان أفاد سيّدنا الاستاذ قدس سره بكون الماهية على هذا جنس الأجناس لكون الوجود على هذا كلّه وجودا فالآثار المختلفة لابد من استنادها إلى غير الوجود بل الماهيات . وان معنى كون الوجود أصلاً ليس يراد به ما التزمه كثير منهم أو بعض أهل الفلسفة والعرفان من ارجاعه إلى الاتحاد في الوجود بل الموجود وردوا الشبهات المعروفة ( كشبهة ابن كمونة وغيرها ) في باب التوحيد بذلك حيث ان تصوير مفهوم الكلام وتصديقه من المحاذير والأمور

ص: 199

الفاسدة في نفسها بل لا محذور أشدّ منه وفوقه . فلا جرم لابد من أن يقال ان اصالة الوجود معناها ان المفاض الأول من الفياض المطلق هو الوجود لا الماهية لان الماهيات امور اعتبارية واعدام وما ذكره من التوحيد الحقيقي بناء على هذا المبنى الفاسد دفع الفاسد بالأفسد .عود إلى بدء قد تبين ما في الشق الأول من الاشكال . اما الشق الثانيوهو ما اذا كان المراد مصداق الشيء فيلزم انقلاب القضية الممكنة إلى الضروريّة .

بيان ذلك انه اذا حملنا الكاتب على الانسان أو زيد تكون هذه القضية موجهة بجهة الامكان الخاص الذي يسلب فيها الضرورة عن الطرف المخالف والموافق فاذا كان الذات مأخوذة في المشتق فينحل قولنا زيد كاتب إلى قولنا زيد زيد كاتب أو زيد زيد له الكتابة وكذلك في الانسان كاتب يكون مآل القضية إلى قولنا الانسان انسان كاتب فيلزم حمل الشيء على نفسه الذي يكون ضروريا .

واجيب عن ذلك بأنه على فرض تركب المشتق من الذات والنسبة والحدث يكون الذات فيه مقيدا بثبوت الوصف ومبدء الاشتقاق وليس فيه انقلاب جهة لبقاء الامكان في ثبوت الكتابة للانسان على حاله . اذا صارت الكتابة قيدا للانسان وحملنا الانسان الكاتب على الانسان لكون المحمول هو الذات المقيد وما يكون ثبوته ضروريا هو الذات لا مع قيده فمع القيد تكون القضية أيضا ممكنة .

ويناقش تارة بجعل الكاتب المنحل إلى الانسان الكاتب موضوعا وحمل عليه الانسان . ولا اشكال في كونه ضرورية فان الانسان الكاتب انسان قضية ضرورية لا ممكنة فلا انقلاب . واخرى بأن الكتابة اذا كان المراد بها قوة الكتابة

الجواب عن انقلاب القضيّة الممكنة إلى الضروريّة

ص: 200

فأيضا ضرورية وان لم يتلبس الانسان بالكتابة أصلاً . لكون ثبوت الكتابة له أي استعداده لها ووجود قوتها فيه ضروري . وثالثة بارجاع الامكان في ثبوت الكتابة الفعليّة أيضا إلى الضرورة لأن الامكان ضروري . وبين سيدنا الاستاذ قدس سره ان المراد من حمل الكاتب على الانسان . اما ثبوت قوتها فيه فضروري وان كان المراد صدورها منه فامكانه ضروري هذا . ولا يخفى عليك خلط محل الكلام عندالقوم بما ذكرنا . ضرورة ان محل الكلام ما اذا كان المشتق محمولاً فيلزم الانقلابعلى التركب على ما ادعاه المحقق الشريف وليس كذلك على البساطة .

اما تبديل ذلك بما اذا كان الكاتب موضوعا فلا وجه له . بل خروج عن محل الكلام . مضافا إلى انه لو كان المراد من الكتابة قوتها . لكان على البساطة أيضا ضرورية اذ لا شبهة في عدم صحة سلبها عنه وامكانها . كما ان ارجاع القضايا طرا إلى الضرورة خلاف اصطلاح القوم فان مناط تقسيمهم الجهات إلى الجهات الابتدائيّة لا كيفية نسبة هذه الجهات الأولية إلى موضوعاتها مع ان ذلك كلّه مناقشة في المثال(1) .

والحاصل ان جواب صاحب الفصول قدس سره عن اشكال الانقلاب متين لو لم نقل بما قال المحقّق النائيني قدس سره (2) من كون المحمولات جزئية موجهة لعدم التقيد . كما استشهد لذلك بما إذا قال بعتك هذا الكاتب . فانه لو لم يكن كاتبا يكون البيع

ص: 201


1- . والذي ينبغي أن يقال انه لا وجه لهذه المناقشات مع انه اعترف أخيرا بأنه على فرض تسليم المبنى يكون الاشكال في محله من انقلاب الممكنة إلى الضرورية ولو باعتبار انحلال القضية إلى قضيتين . وكانّ نظره إلى جعل المشتق موضوعا ومع ذلك هو غير وجيه لكون المشتق على التركب لا يكون مركبا تاما بل ناقصا تقييدا لكونه من الصفة والموصوف اذ كان تركبه من الأجزاء الثلاثة .
2- . فوائد الاُصول 1/114 .

صحيحا مع الخيار بخلاف ما اذا قال بعتك عبدا كاتبا فيجب تسليم العبد الكاتب ولا خيار لكونه من بيع الكلي .

وكيف كان فلا شبهة عند سيدنا الاستاذ انه لا يكون النزاع في التحليل العقلي لاشتراك الجوامد في هذه الجهة مع المشتقات وانما هو في المفهوم وادعى تبعا للمحقق النائيني قدس سره ان المفهوم في غاية البساطة ولا تركب فيه كالجوامدوعليه فالتركيب لو كان في المشتق يكون في المفهوم قبال مدعى البساطة .وعلى أي حال سواء كان في المفهوم أو في التحليل لا يكون تاما خبريا بل ناقصا تقييديا .

واجيب عن الشق الأول من اشكال المحقق الشريف بأن لا فصل حقيقي لنا كي يلزم دخول العرض العام بناء على مذهبه أو مذهب السيّد قدس سره أو الجنس في الفصل لأن الناطق في الانسان سواء كان بمعنى النطق بالألفاظ أو ادراك الكليات لا يكون فصلاً حقيقيا . بل لازم الفصل ومن خواصه وآثاره لعدم امكان حصول المعرفة بحقائق الأشياء الا لباريها جل وعلا أو بتعليمه والا فلا نعرف من ذلك الا التعريفات الرسمية التي ترجع إلى الخواص ولا يكون حقيقة هناك حد تام .

لكن لا يخفى عليك ان هذا أيضا مناقشة في الصغرى كما اعترف به واعترف أيضا بامكان كون المحمول بناء على تركب المشتق في الانسان كاتب هو غير الذات بالتجريد عن الخصوصيّة .

ثم انك عرفت ما ذكرناه من الاشكال والجواب في بساطة المشتق وعدم امكان تركبه من لزوم دخول الجنس أو العرض العام في الفصل بما فيها ويقع الاشكال على هذا في الفرق بين المصدر واسمه وساير المشتقات . فان المادة

عدم كون النزاع في التحليل العقلي

ص: 202

سارية في الجميع ولا تركب فيها فلازم كون المعنى في جميعها هو الحدث فالتجاؤا بالفرق باللاشرطية وبشرط اللائية كي يكون معنى المشتق في قولنا زيد شارب مثلاً هو الشرب لا بشرط عن الحمل وقولنا شرب زيد حسن بشرط اللا .

تلخيص: قد تلخص مما ذكرنا انه على فرض تركب المشتق اما أن يكون مفهوم الشيء داخلاً في معنى المشتق ويتركب من ذلك ومن الوصف فيلزم دخول العرض العام في الفصل في مثل الناطق وذلك عند بعضهم اما عند المحققالنائيني

قدس سره (1) فالداخل في الفصل هو الجنس كما انه اختار جواز دخول العرض العام فيه بتقريب ان الشيئية انما تنزع من الماهيات بناء على اصالتها وان لها التقرر

وان الأجناس جنسها(2) هي الشيئيّة عند وجودها يعني ان الشيئيّة تعرض الماهيات عند الوجود كما ان الوجود يعرضها وكيف كان فيرتضى الاشكال بناء على التركب .

وأمّا ما أورد على هذا الشق بانكار الفصل الحقيقي وان ما نعبّر عنه بالفصل في الانسان مثلاً هو الناطقية إنما هو من خاصة الفصل لعدم وسع البشر العادي للوصول إلى حقائق الماهيات الممكنة باجناسها وفصولها وانما يعرف منها الخواص والآثار . فما ذكر من دخول العرض العام في الفصل لا موضوع له . ومرجع هذا الكلام انكار الفصل . لكن لا يلزم من انكاره بطلان المدعى بتبديل الفصل حينئذٍ بالخاصة ويلزم دخول العرض العام في الخاصة .

ص: 203


1- . فوائد الاُصول 1/112 - 113 .
2- . أنكر ذلك في المحاضرات وانه غير معقول . محاضرات في اُصول الفقه 43/310 .

فان قلنا بامتناع التركب في المفهوم بحيث يكون هناك لفظ واحد بازاء مفهومين مستقلين على نحو لو اطلق هذا اللفظ يراد منه كلا هذين المفهومين بدون التبعية لأحدهما للاخر أو كونه التزاميا بل بالاستقلال . فهذا غير ممكن كما تحرر في المباحث السابقة .

نعم يمكن الوضع للجامع . فدعوى وضع الناطق أو باقي المشتقات على نحو التركب بهذا المعنى لا يمكن . بل في مثل الحيوان ناطق في تعريف الانسان لاتركب في الحقيقة وانما هو تحليل . ويكون كل واحد من هذه الألفاظ اشارة إلىجهة خاصة من ذاك المعرف سواء كان ذلك بالوضع أو بالالهام أو كان الواضع هو اللّه تبارك وتعالى كما في كل التعريفات التي مرجعها إلى شرح الاسم ومفاد ما الشارحة لا الحقيقيّة وترجع إلى تعريفات لفظية .

والحاصل: ان القائل بالبساطة يدعى الوضع بازاء المفهوم الساري في جميع هذه المشتقات بلا تركب في المفهوم ولا تعدد للوضع لاستلزام الوضع لهيئة الفاعل الوضع لهيئة المصدر مع ان هيئته لا وضع لها . فلذلك يدعى في المشتق على ما سيجيء بيانه وتحقيقة . حتى ان في الأفعال الماضي والمستقبل وغيرهما يدعى عموم الوضع للهيئة كما تقدّم نظرا إلى امتناع الوضع للمفهومين المتعددين بحيث يراد بهذه اللفظة الواحدة كلاهما ويقول بأن التعريف بقولنا الانسان حيوان ناطق . أو الماء جسم سيال بارد يرجع كل مفهوم من مفاهيم هذه الألفاظ المأخوذة في التعريف إلى جهة من المعنى وحيث منه . فالجسمية يشار بها إلى الجسم وكذلك البرودة بالبارد وقس على هذا . كما ان الانسان وضع للماهية الكذائية التي من آثارها كذا وكذا وله الخاصية الكذائية فالتحليل فيه لا ربط

بيان قول القائل بالبساطة

ص: 204

بالمفهوم كما ان انفهام معاني عديدة بعضها التزامي .

لكن المحقق النائيني قدس سره مع قوله بالبساطة(1) أجاب عن انكار المحقق الخراساني قدس سره (2) وجود الفصل والرد على المنطقين بأن النطق إن كان المراد به هو التكلم فنعم هو من خواصه وآثاره وليس من مقوماته . بخلاف ما اذا اريد بالناطقوجود القوة الكذائيّة التي من آثارها ذلك أي قوة ادراك الكليات قبال ساير أنواعالحيوان فان ذلك ليس من خواصه . بل هو فصل مقوم له ومنوع ومقسم للجنس أي الحيوان إلى الناطق وغيره . هذا في الشق الأول .

اما لو كان المراد بالشيء الذي يكون المشتق مركبا منه ومن الوصف الاشتقاقي مصداق الذات فيلزم الانقلاب . بيان ذلك انا لو قلنا زيد كاتب فمعنى دخول الذات في الكاتب ان معنى الكاتب هو زيد فيكون معنى زيد كاتب زيد زيد الكاتب فاورد على قوله بلزوم الانقلاب من الامكان اذا كانت المادة الامكان وموجهة بهذه الجهة صاحب الفصول بأن النسبة في هذا المركب ناقصة تقييديّة لكونها نسبة وصفية وحينئذٍ فلا يلزم انقلاب المادة إلى الضرورة لكون المحمول هو الذات المقيدة لا الذات مطلقا والقيد كذلك وحينئذٍ فكما ان بعض المحمولات على البساطة تكون مادتها الامكان وبعضها الضرورة كذلك اذا كان المشتق مركبا فتارة تكون المادة الامكان واخرى الضرورة فلا انقلاب ثم تنظر فيما أفاده بما رجع إلى الضرورة وكون المناط هو الواقع اما سلبا فسلبه ضروري أو ايجابا فالايجاب ضروري بمعنى الثبوت وعدمه .

ص: 205


1- . فوائد الاُصول 1/111 .
2- . كفاية الاُصول 1/78 - 79 .

وأورد عليه المحقق الخراساني(1) والنائيني (2) بأنه لو التزمنا بأن الأخبار بعد العلم بها أوصاف كما ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار فحينئذٍ لابدّ من انحلال القضية في قولنا زيد كاتب بناء على التركب إلى قولنا زيد زيد وزيد كاتب . كما ان هذه القضية الّتي محمولها الكاتب قضية موضوعها زيد ومحمولهاالكاتب المنحل إلى قضية حيث انه بالانحلال تكون قضية . لكن الظاهر ان الحقمع صاحب الفصول والعجب انه كيف تنظر فيما أفاده أولاً . فصاحب الفصول يجيب عن لزوم الانقلاب من الامكان إلى الضرورة بناء على تركب المشتق وأخذ الذات في مفهومه بأنه اذا كان المحمول هو المقيد فلا يلزم الانقلاب لأن ثبوت زيد الكاتب أي المقيد بالكتابة أو الانسان الكاتب بهذا القيد ليس ضروريا لزيد والانسان اللذين هما الموضوع في قولنا زيد كاتب أو الانسان كاتب ثم تنظر فيما أفاده بأن المناط في ذلك هو الثبوت وعدمه واقعا . فان كان الكتابة للانسان أو زيد ثابتا واقعا فثبوت المقيد للموضوع ضروري كما ان الأمر كذلك لو لم يكن ثابتا فان السلب ضروري .

وأورد عليه المحقق الخراساني قدس سره (3) مجيبا له من قوله قبل تنظره بثبوت

الضرورة أيضا اذا كان القيد خارجا وان كان التقيد بذلك القيد داخلاً كما في الصلاة مثلاً فانها مشروطة بالطهارة أو الوضوء مثلاً الذي هو شرط خارجي والتقيّد بهذا الشرط كالجزء الا انه ليس بجزء حقيقة فحينئذٍ يصدق على زيد انه زيد المتقيد بالكتابة على نحو خروج الكتابة . نعم اذا كان القيد داخلاً فالمحمول

جواب اشكال الانقلاب

ص: 206


1- . كفاية الاُصول 1/80 .
2- . فوائد الاُصول 1/115 .
3- . كفاية الاُصول 1/79 - 80 .

ينحل إلى قضية وينحل القضية الواحدة إلى قضيتين احديهما زيد زيد والاخرى زيد له الكتابة أو النطق وعلى هذا الفرض أيضا تكون القضية الاولى ضرورية والثانية ممكنة ووجه ذلك بأن الأخبار بعد العلم بها أوصاف كما ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار .

فاذا قلنا زيد الكاتب على نحو الوصفية فلا يتم الكلام ولا يصح السكوتعليه . لكون النسبة ناقصة . بل لابد في صحة السكوت عليه من اتيان خبر بخلافما اذا جيء على نحو الاخبار وقيل ان زيدا كاتب ومثل سيدنا الاستاذ قدس سره بقوله في هذا المقام بزيد الكاتب له الوصف الكذائي أو زيد وهو بالنسبة إلى حمل زيد غير ضروري . لكنه خارج عن كلام القوم . لفرضهم الكلام كما تقدم منا في كون المشتق محمولاً . ولا يخفى ان الانحلال إلى قضيتين احديهما زيد زيد والاخرى زيد له الكتابة قد أخذ الذات في له الكتابة أيضا . لكون الضمير في حكم مرجعه الا انه غير في مقام التعبير فلو أردنا الاخبار عن النسبة الناقصة بنسبة ناقصة اخرى لا يمكن وربما يتسلسل الأمر لو اريد الانتهاء إلى ما لا يكون الذات مأخوذة فيه .

وأجاب عن ما تنظر فيه بما حاصله ان انقسام القضايا يحسب الجهات إلى ممكنه وضرورية ودائمة أو مطلقة وغيرها ليس بحسب واقع الأمر وثبوت المحمولات للموضوعات ضرورة عدم امكان القسمة حينئذٍ . بل ليس بحسب الواقع الا جهة واحدة ومادة فاردة هي الضرورة والمعتبر في مقام الجهات انما هو في تشكيل القضية وكيفية ثبوت النسبة الرابطة بين الموضوع والمحمول ثم انه اذا وافقت الجهة المصرحة بها في ظاهر القضية الملفوظة لمادة القضية التي هي الامكان أو الضرورة والدوام وغيرها فصادقة والا فكاذبة .

ص: 207

فالعبرة بالجهة الاولية ونسبة الجهة وثبوتها في القضية ضرورية في الجميع وليس الكلام فيها بل في ما يعرض عليه الجهات ويكون في المواد .

وسلك المحقق النائيني قدس سره في دفع شبهة صاحب الفصول مسلكا آخر(1) . وهو انه لا اشكال في بيع الكلي كالسلف واذا ما أتى في مقام التسليم بالذي ينطبقعليه الكلي ويكون فردا له منطبقا عليه الأوصاف المعتبرة في المبيع فلا خيار . بلعلى البايع تسليم الفرد الذي يكون مصداقا للكلي الذي وقع البيع عليه . لأن الأمر دائر بين انطباق الكلي وعدمه فان انطبق يكون مبيعا والا فلا . فلا معنى للخيار .

هذا بناء على صحة بيع الكلي . والا فقد اخترنا انه ليس في هذا المورد الا التضمين والتعهد بذلك . لأن الكلي ليس شيئا قابلاً للبيع . والفرض ان البيع لم يقع على الفرد . وهذا بخلاف ما اذا وقع البيع على المبيع الشخصي . فقال بعتك هذا الكاتب أو هذا العبد الكاتب . فاذا تخلف الوصف لا يخرج المبيع الشخصي عن كونه مبيعا . غاية الأمر حيث لم يحصل وصف المبيع في مقام التسليم والتحقق فيكون له الخيار بقبول المبيع بلا وصف أو فسخ البيع . وان كان المختار في المقام عدم ثبوت الخيار على النحو الثابت في غيره ضرورة عدم كونه تجارة عن تراض فيكون كبيع الفضولي فان رضي فالبيع نافذ وإلا فلا . هذا وجعل ما نحن فيه من هذا القبيل فانه كما ان التقيد بكونه كاتبا لا يخرجه عند التخلف عن كونه هو المبيع الكذائي كذلك في محل الكلام تقيد المشتق والذات بثبوت الكتابة له لا يوجب كون المحمول أمرا مقيدا بل ينحل إلى قضيتين ومحمولين أحدهما الموصوف وثانيهما الوصف . والمادة في أحدهما أي زيد زيد هو الضرورة وفي ثبوت

طريق آخر لجواب الشبهة

ص: 208


1- . فوائد الاُصول 1/114 مع تفاوت .

الكتابة التي هي المحمول في الاخرى تكون هو الامكان فما ذكر من لزوم انقلاب المادة من الامكان إلى الضرورة حق لكن في خصوص احدى القضيتين .

اذا عرفت هذا فلا يمكن أن يكون المشتق مركبا من الذات والحدث وكذلك من المفهوم الذي هو الشيء ولا اشكال في عدم تركبه من الزمان وغيره والنسبة أيضا خارجة فيبقى هو الحدث الذي لابد من بيان الفرق بينه وبين المصدر فيصحة الحمل في مثل ضارب وقاتل دون الضرب والقتل(1) .(2)الأمر الحادي عشر: لم يرتض سيدنا الاستاذ قدس سره ما ذكرنا عن القوم من الاستدلال على بساطة المشتق وذهب إلى انه لا ينكر كون الوضع لمعنيين وان اشكال دخول العرض العام أو الجنس أو غير ذلك لا ربط له بما نحن فيه . وان المحقّقين الخراساني والنائيني استشكلا على صاحب الفصول فيما ردّ وأجاب به السيد الشريف من لزوم الانقلاب بجعل المناط في ذلك مادة الأمر ونفس الواقع فان كان زيد كاتبا واقعا فضروري الوجود والثبوت والا فضروري السلب ومرجعه إلى انكار أصل الجهات بان ذلك في مقام تحقيق الصدق من الكذب وتشخيص أحدهما من الآخر والكلام في ثبوت النسبة مع قطع النظر عن الواقع

ص: 209


1- . أقول: نظر المحقق النائيني قدس سره إلى جزئيّة المحمول واذا كان أمرا جزئيا لم يمكن تقييده لأن التقييد راجع إلى تعدد المقيد مع القيد وما ليس معه والجزئي بما هو جزئي ليس قابلاً له. نعم انما يتصور في الجزئي الوصف ويرجع وصف المحمول وحمل المحمول الموصوف على الذات إلى قضيتين احدهما المحمول فيها نفس الذات الموصوفة والاخرى هو الوصف كما سبق ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار ونظرهم إلى هذا . ويشكل على هذا ما أفاده قدس سره بأنه على فرض تسليمه انما يتسلم فيما اذا كان الموضوع جزئيا بخلاف مثل الانسان كاتب لعدم الجزئية فيه لو لم يدّع رجوعه إلى الأخبار لكونه وصفا .
2- . قد عرفت تحقيق الحال .

وكيفية ثبوتها لموضوعها وهي تنقسم إلى الاقسام المعروفة من الضرورة بأقسامها الأربعة والدوام والاطلاق والامكان .

ثمّ انّ صاحب الفصول قدس سره بنى انكاره في المشتق على القوم في ذهابهم إلى مذهب الحكماء وان ذلك لا ربط له في تشخيص المفاهيم . حيث ان هذا راجع إلى اللغة ويمكن التعبير عن اسم الفاعل في ضمن أي مادة بذو فزيد اذا كان هو هو يقال له زيد وان كان له مال منسوب إليه يقال انه متمول أي ذو مال . ومرجع هذا إلى تسلم التركب في المشتق . كما ان الحمل على قسمين . فتارة يكون المحمول والمحمول عليه متحدين ويلاحظ بينهما التمايز اعتبارا فيحمل أحدهما علىالآخر واخرى يكونان متغايرين ويلاحظ بينهما الوحدة اعتبارا فيصح الحمل بهذا اللحاظ والاعتبار كما اذا لوحظ الوحدة بين ذات زيد ونفسه وبدنه . فبهذا اللحاظ يصح حمل الجسم على زيد ويقال زيد جسم كما قد ينسب القتل الصادر من واحد من القوم باعتبار لحاظ الوحدة فيهم وكونه جزءا منهم(1) يقال قتله القوم وبهذا اللحاظ يكون زيد عمرا والقوم زيدا وزيد هو القوم . وأما مع قطع النظر عن هذا اللحاظ لا وجه لحمل البدن أو اسناد الضرب على زيد والقوم . فما ذهبوا إليه من الفرق بين المشتق والمبدء بلا بشرط وبشرط لا لا فائدة فيه . لأن الذات على ما هي عليه في الحالين بل مناط الحمل هو الاتحاد والتغاير على ما ذكرنا .

ص: 210


1- . كما في قاعدة الفراغ في قوله علیه السلام ( وسائل الشيعة 8، الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ: يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ) اذا شككت في شيء ودخلت في غيره فان الصلاة ليست أمرا واحداً بل امور مختلفة واعتبرنا فيها الصلاة الجامعة لها والموجب لطريان عنوان واحد عليها ويصحّ بالعناية والاعتبار اطلاق الشكّ في الشيء والدخول في غيره باعتبار الوحدة بين أجزائها .

هذا ملخص كلامه على ما حرره الاستاذ قدس سره ولم ينظر فيه بنفي والاثبات وعطف الكلام على بيان ما أفاده المحقق النائيني قدس سره من الفرق بين المبدء والمشتق وانه كيف يمكن حمل أحدهما على الذات دون الآخر مع ان على فرض البساطة لابد من المنع في كليهما أو الجواز في كليهما فأي موجب للفرق .

وخلاصة مرامه في ذلك هو الفرق(1) بينهما بلا بشرط وبشرط لا .

بيان ذلك للابشرط وبشرط لا اطلاقات ثلاث فتارة يطلق لا بشرط على الماهية نظرا إلى قابليتها لعروض الطواري عليها وتكون باعتبار الطواريوالعوارض الخارجية لا بشرط وفي قبالها بهذا المعنى الماهية بشرط الشيءوبشرط لا . واخرى يطلق لا بشرط ويراد به اللا بشرط المقسمي أي الماهية الامكانية التي ليست من حيث هي الا هي حتى لم يلاحظ فيها انها كذلك . والاولى هي اللابشرط القسمي الاصولي الاصطلاحي . وثالثه يطلق ويراد بلا بشرط عن الحمل أو بشرط لا عنه وهذا القسم الأخير(2) هو المراد في ما نحن فيه . الذي نفرّق بين المشتق ومبدئه به وهو الموجب لجواز الحمل في المشتق وعدمه في المبدٔلمكان كون المشتق لا بشرط عن الحمل والمبدء بشرط لا . فيصح أن يقال زيد ضارب ولا يصح أن يقال زيد ضرب كما لا يقال زيد شرب ويقال شارب ومنشأ ذلك إن الماهية العرضية تارة تلاحظ قبال ساير الماهيات بنفسها

الفرق بين المبدء والمشتق

ص: 211


1- . فوائد الاُصول 1/116 وما بعده .
2- . كما صرّح بذلك في المحاضرات محاضرات في اصول الفقه 43/326 - 327 وبينه بما يقرب من المتن ويستفاد من كلام المنتهى ( منتهى الاُصول 1/94 - 95 ) وفي النهاية ( نهاية الأفكار 1/143 ) جعل المشتق المبدأ القائم بالذات بما انه ملحوظ وجهاً وعنواناً للذات وطوراً من أطوارها .

وبهذا اللحاظ يكون بازائها لفظ المصدر واسم المصدر واخرى تلاحظ بما هي موجودة في الخارج في المحلّ القائم به .

وبعبارة اخرى تلاحظ بالوجود الرابطي الذي يكون وجوده النفسي بهذا اللحاظ عين وجوده الرابطي لكونه في نفسه وبنفسه عين غيره ولغيره فيوضع بازائه لفظ المشتق . وحيث ان الفرق بين المشتق ومبدئه انما هو بحسب ما لوحظ في كلّ واحد منهما بحسب الوضع والمعنى وانه في أحد الحالين لوحظ بنفسه في قبال ساير الماهيات وفي حال اخرى بما انه موجود وحال في المحلّ فاختلف الوضع وآثاره فصح حمل المشتق على الذات لعدم أخذه بشرط لا عنه بل . لا بشرط عن الحمل والاتحاد بالذات بخلاف هذا المعنى الحدثي والعرض الذييكون في وجوده محتاجا بما يقوم به فأخذ بشرط لا ولهذا لا يصح حمله على الذات . فالفرق بينهما باللحاظين نظير الفرق بين الفاسق والعالم الذي يمكن اجتماعهما في مادة الاجتماع على زيد فالفاسق زيد وزيد فاسق كما انه عالم وليس زيد بفاسق ولا بعالم ولهذا يكون في مورد الاجتماع ومادته من باب التعارض ولا يرجع إلى اتّحاد الغصب والصلاة لكونه وجودا انضماميا لا اتحاديا . هذا في اسم الفاعل .

وكذلك الكلام في باقي المشتقات من اسم الزمان والمكان واسم الآلة ففي جميعها أخذ المعنى الحدثي لكنه لا بشرط عن الاتحاد والحمل على ما هو القابل حسب اختلاف حيثيات الوضع في كل واحد من هذه المشتقات .

وبصورة اخرى يكون الفرق بينهما نظير الفرق بين الجنس والمادة والفصل والصورة فان أخذ بشرط لا يكون مادة أو صورة وإلاّ فجنسا أو فصلاً .

ص: 212

ولا يخفى ان للمحل دخلاً في حصول العرض وتحققه ووجوده الاّ ان الكلام في ان هذا الدخل كدخل العلة في معلولها أو كدخل الشرط في مشروطه أو غير ذلك كدخل الزمان ويكون المحل على هذا ظرفا محضا . لكن لا يخفى عليك ان تعدد اللحاظ للماهية الواحدة لا يوجب تعددها حقيقة . فان كان سنخ المعنى في المقامين متحدا فلا يوجب تعدد اللحاظ تعددهما بل ذلك مجرد اعتبار لا أثر له وان كان متحدا فلا حاجة إلى تعدد اللحاظ .

وكيف كان فلاشكال صاحب الفصول قدس سره مجال واسع وحينئذٍ فالمناط هو ما قاله من لحاظ اعتبار وحدة بين المتغايرين في القوم الذين صدر القتل من واحد منهم كي يصح اسناده اليهم أو لحاظ تعدد بين الجسم والبدن والنفس ويصحّ حملالجسم عليه بهذا الاعتبار على ما سبق لاحتياج الحمل إلى تغاير من وجه واتحادمن وجه آخر .

ويمكن أن يقال ان قابلية الحمل في المشتق وعدم قابليته في المبدء بعد ان كان مادة المشتقات سارية في جميعها أو صحّة الحمل وعدمه أو الحمل وعدمه هو الموجب لكشف اختلاف سنخ المعنيين فيهما بلا لحاظ دخله فيه .

والأحسن في ذلك أن يصار إلى وجه آخر في تركب المشتق وبساطته بأن ما ذكره القوم من اشكال لزوم دخول الجنس أو العرض العام في الفصل وغير ذلك لا ربط له بمسئلة كشف مفهوم المشتقات . لامكان التجريد بناءً على التركب في الحمل مع ان الظاهر عدم لحاظ العناية في الحمل . بل اللفظ بما له من المعنى يحمل على الذات . ويقال بأن المنفهم عرفا من مثل القائم الذي هو لفظة مشتقة من القيام ذات ماله القيام وكذلك لغة فيكون المشتق لذات ما ثبت له المبدأ .

ص: 213

لا يقال ان ذلك من حيث احتياج القائم إلى محلّ يحمل عليه كما في باقي الأعراض النسبيّة وغيرها . لأنا نقول مع قطع النظر عن هذا الحيث أيضا يمكن ذلك ويرشد القائم إلى ذات ما في مفهوم معناه له القيام . وليس كذلك العلم بحيث اذا اطلق يشار به الى ذات هو العالم وشيء هو المعلوم . وان كان لا يتحقق الا بذلك . وعلى هذا فيكون المستفاد من التتبع والتأمل التام في مفهوم المشتقات انها وضعت للاشارة إلى الذات بهذا العنوان فمعنى القائم على هذا ذات له القيام كما ان معنى الناطق ذات له النطق لا القوة ولا الانسان . غاية الأمر يكون الفرق بين صورة الحمل وعدمه بالاجمال والتفصيل فتارة يكون في مقام الجمع والاتحاد فيحمل أحدهما على الآخر . ويقال الانسان ناطق كما يقال زيد ناطق أو انسان ويحمل القائم على الذات على حذو حمل الذاتيات عليه .واخرى يكون في مقام أخذ المفهوم ولحاظه بلا تطبيق وتفصيل الاجمالفالمنفهم منه ذات ما بلا لحاظ تفصيل بل اجمالاً واما استفادة البساطة نظرا إلى ما عن الشريف أو غيره فلا وجه له . بل يشكل الفرق بين ما ذكره القوم في الجنس والمادة والفصل والصورة من عروض الوجود أولاً للفصل ثم للمادة . فان كلماتهم مضطربة لا شاهد على صدقها . والذي يمكن أن يقال انه لا مانع من وجود العرض والمعروض في رتبة واحدة فضلاً عن الجواهر التي منها المادة والصورة فالفحم أو اللبن لا يكون منفكا في الوجود عن اللون بل اذا يوجد يوجد أحدهما أسود والآخر أبيض .

نعم في تبديل الألوان كلام آخر مسانخ لما ذكرناه في تبديل الصور بناء على الحركة الجوهرية وغيرها ليس المقام مقام تفصيلها . هذا تمام الكلام في

ص: 214

البساطة للمشتق والتركب . وصار الحاصل ان مفهوم المشتق ذات ما ثبت له كذا ويمكن الالتزام بتعدد الوضع في الهيئة والمادة وان كان لا مانع من الأوضاع الشخصية بالنسبة إلى كلّ هيئة وان يضع لفظة الضارب بغير وضع الفاعل أو الأكل أو الشارب في الهيئة والمادة .

ثمرة النزاع

ان كان المختار هي البساطة فلا يبقى مجال للنزاع في كونه للأخص أو الأعم والا فللنزاع فيه مجال .

اذ بناء على البساطة وان المشتق عبارة عن الحدث لا بشرط لا يبقى مجال للنزاع في كونه أعمّ أو حقيقة في خصوص المتلبّس إذ لا يمكن الوضع للأعم من حال وجوده وعدمهكما في أصل المبدء فالشرب مثلاً انما وضع للشرب الذي هو موجودويطلق عليه ولم يوضع للأعم من الشرب وعدمه . وكذلك الشارب الذي هو المشتق منه لعدم الفرق بينهما على البساطة الا بما ذكرنا من الوضع للشرب بما هو هو أي بشرط لا وبما هو موجود في المحل الذي هو المعنى الاشتقاقي . وعلى هذا فلا يبقى مجال للنزاع من رأس ضرورة الاحتياج في ذلك إلى ذات أو شيء يكون على هذا محفوظا بين الحالين . أي حال التلبس والانقضاء وبناء على البساطة بهذا المعنى ليس هناك ما يكون محفوظا بينهما يقع فيه النزاع . بل بناء على هذا يكون حالها حال الجوامد فكما انه بانعدام الصورة النوعية الخمرية مثلاً لا تصح اطلاق الخمر على ما انعدم كذلك بانعدام الصورة النوعية العرضية في المشتقات

ثمرة النزاع

ص: 215

تخرج عن قابلية الصدق والاطلاق في ما مضى وانقضى اللهم إلاّ مجازا . بل النزاع في عدم مجيئه في ما نحن فيه احسن وأوضح من الجوامد كالكلب الذي صار ملحا والحطب الذي صار رمادا لكون المادة فيهما موجودة بخلاف ما نحن فيه . وكذلك على التركب لكن من غير الذات . بل المبدء والنسبة لأن الذات على هذا أيضا خارجة وليس هناك ما يكون محفوظا بين الحالين كي يقع فيه النزاع .

ودعوى ان الذات في هذين الموردين وان لم تكن داخلة في الموضوع له لكنها لازمة عقلاً في الأخير . وفي الأول من باب الانطباق وحمل المشتق عليها ويكفي في المحفوظ بين الحالين هذا المقدار وعلى هذا يكون مبنى النزاع في ان التلبس بالمبدء في آن ما هل يكفي في صحة الاطلاق بمعنى سعة دائرة الوضع لذلك أم لا . مدفوعة بما ذكرنا من عدم مجال للنزاع على البساطة اذ يكون حال الشارب حال الشرب فكما ان الشرب انما يطلق ويكون حقيقة موضوعا لما هو موجود ولا يقال على المعدوم انه شرب كذلك حال الشارب .نعم على المباني الاخر التي يكون الذات داخلة في ما وضع اللفظ فيهامجال للنزاع في انه للأعم أو لخصوص المتلبس . والمذكور من أدلة الطرفين كلها قابلة للخدشة والمناقشة كالتبادر من الطرفين أو صحة الحمل في الأعم وصحة السلب .

الأصل العملي

في جانب خصوص التلبس . وحينئذٍ فاذا لم يكن هناك أصل موضوعي يعيّن الوضع للأعم أو لخصوص المتلبس في المسألة الأصولية وتصل النوبة إلى الشكّ . ففي المسألة الفقهية يختلف الأمر في جريان الأصل .

مقتضى الأصل العملي

ص: 216

فاذا شككنا في ان من فاته الحج لعدم دركه ما هو المعتبر في ذلك . فان كان ينقلب(1) حجه تمتعا افرادا ويجب بعد ذلك عمرة مفردة . ويكون انقلاب الاحرام قهريا فبالأعمال المخصوصة من طواف النساء بعد طواف العمرة والسعي والتقصير يخرج عن الاحرام .

وانما يجب عليه العمرة . وان كان الانقلاب محتاجا إلى النية وكان غافلاً فيبقى إلى العام القابل ويترتب عليه الأحكام . ولكن حيث ان المسألة غير مرتبطة بكون النزاع في الصحيح أو الأعم ( اللازم التعبير بالخصوص أو الأعم ) فلا داعي إلى الاطالة بل لابدّ من تنقيح موارد الشكّ .

وقبل ذلك نقول انه يمكن بناءً على الأعم جعل الحكم في خصوص المتلبس وعدم سعته لمطلق المشتق ولو في حال الانقضاء . كما يمكن العكس . وكذلك على الوضع لخصوص المتلبس لا مانع من كون موضوع الحكم خصوصالتلبس آنا ما بالمبدأ وكونه ملاكا لجعل الحكم ولو في حال الانقضاء .اذا عرفت هذا فنقول ان الثمرة انما تظهر في ما لو جعل المشتق بما له من المعنى الخاص بالمتلبس أو الأعم منه ومن المنقضي عنه المبدء موضوعا للحكم وحينئذٍ فاذ لا أصل في المسئلة الاصولية تصل النوبة إلى اجراء القواعد الفقهية وما عن المحقق الخراساني قدس سره (2) جريان أصل البرائة فيما إذا كان بعد الانقضاء ويشك في انه داخل في موضوع الحكم أم لا اذا كان الحكم الزاميا كالوجوب والحرمة وان كان حين الخطاب متلبسا ثم زال تلبسه بعد ذلك . فيجري

ص: 217


1- . وسائل الشيعة 14، 1 - 7، الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر .
2- . كفاية الاُصول 1/68 .

استصحاب الحكم عنده . واستشكله سيدنا الاستاذ قدس سره تارة بجعل الموضوع للحكم هو العادل مثلاً فاذا لم نعلم السعة في المفهوم وكان عادلاً فنشك في بقاء الموضوع . وحينئذٍ فلا معنى للاستصحاب ولو في ناحية الحكم . واخرى بأن الموضوع وان كان هذا الشخص الكذائي الذي كان عادلاً أو عالما حين الخطاب ولكن ملاك هذا الحكم انما هو العدالة ولابد في جريان الاستصحاب من احراز الملاك حدوثا وبقاءً وإذ لا علم لنا بذلك فلا يجري الاستصحاب لكون الشكّ راجعا إلى بقاء الموضوع ويكون الشك فيه كالقطع بعدمه .

ثم احتمل أخيراً بناء المحقق الخراساني قدس سره في الاستصحاب على كون الموضوع هو هذا الشخص ويشك في بقاء الحكم لزوال الوصف . لاحتمال كون العدالة ملاك الحدوث والبقاء ولو بعد ما زالت أو لا بل انما هي ملاك حدوثا وبقاءً بحيث يدور الحكم وجودا وعدماً على وجوده وعدمه . فتكون المسألة من هذه الجهة نظير مسألة استصحاب نجاسة الماء المتغير الذي زال تغيره ويشك في كونالتغير ملاك الحكم بالنجاسة حدوثا وان الحكم يترتب عليه ولو بعد زوال التغير أولا . بل يدور الحكم بالنجاسة مدار حدوث التغير وبقائه . وحينئذٍ يرجع النزاع بين المحقق الخراساني وسيدنا الأستاذ في المبنى كما هو واضح(1) .

الأمر الثاني عشر: لا يخفى ان محل الكلام في كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس أو الأعم منه ومن المنقضى عنه المبدء بعد الاتفاق على عدم الاختصاص بما انقضى وعدم وجود القائل به في سعة المفهوم وضيقه لا في

مجمل الكلام في المشتق في سعة المفهوم وضيقه

ص: 218


1- . وفي المحاضرات ( محاضرات في اُصول الفقه 43/277 - 278 ) لم يفرق بين الموردين في اجراء البرائة . استناداً في المورد الثاني إلى مبناه في الاستصحاب من عدم جريانه في الشبهات الحكميّة لتعارض الاستصحاب مع استصحاب عدم سعة المجعول .

التطبيق وعدمه سواء في ذلك كون المشتق حالاً أو تميزاً أو فاعلاً أو مفعولاً به إلى غير ذلك من أقسام المعربات والمحمولات وهذا على أنحاء اختلاف المبادى فان اختلافها بالملكة والحرفة والفعلية والصدور والحلول والاتحاد لا يضر بما هو محل الكلام . ضرورة انه مادام له الملكة وان لم يحصل الفعليّة يكون متلبسا حقيقة بها وكما في المجتهد والبزاز والعطار وبزوال الملكة والحرفة يدخل في محل البحث وانه هل يطلق عليه حقيقة أم لا . وهذا واضح لا اشكال فيه .

اذا عرفت هذا فاعلم ان الأقوال في المسئلة وان كثرت الا انها بلحاظ تخيل اختلاف انحاء الوضع غفلة عن اختلاف المبادى وان الجرى بلحاظ حال التلبس أو غير ذلك وسنشير إليه طي دليل الأعمى والا فالمسئلة قبل ذلك دائرة بين قولين .

الوضع لخصوص المتلبس فعلاً والوضع للأعم .

وحينئذٍ فنقول بناء على بساطة المشتق لا مجال للنزاع في الوضع للأعم أولخصوص المتلبس لما عرفت من انه على البساطة الفرق بين المشتق ومبدئه انماهو بلحاظ اللابشرطية وبشرط اللائية فحيث ان المبدء من الأعراض على اختلاف أنحائها من الكيف والكم والفعل والانفعال وغيرها من الماهيات الامكانية التي تنقسم إلى الجواهر والأعراض .

فالعرض بهذا اللحاظ ليس قابلاً للحمل على المحل والذات لمبانيته لهما وتارة يلاحظ بالنظر إلى عالم وجوده وتحققه في المحل واتحاده معه وحينئذٍ يكون هو المحل ويصح حمله عليه كما ذكرنا لاتحاده معه وعلى هذا فلابد من النظر في نفس العرض وانه هل هو موضوع للأعم من وجوده وعدمه أو الوضع له

ص: 219

باعتبار وجوده والا فما ليس بعرض لم يوضع له اللفظ .

فاذا ثبت هذا فالكلام في المشتق على البساطة بعينه هو الكلام في المبدء ولا يمكن أن يكون المشتق للأعم من المتلبس وغيره لخروج الذات على هذا عن دائرة الموضوع له . والموجود انما هو العرض . فاذا كان موجودا فاللفظ وضع له والا فلم يوضع اللفظ بازاء ما ليس بموجود وليس عرضيا كما هو واضح .

نعم بناء على أخذ الذات في المشتق مجال للنزاع في ان الوضع للذات مطلقاً اذا تلبست بالمبدء وضع لها اللفظ ولو بعد انقضاء المبدأ أم لا . بل انما وضع لها اللفظ في حال وجود المبدء وتلبس الذات به وانما يكون المشتق عنوانا للذات بهذا اللحاظ وان قيل على هذا بالأعم لا مجال لدعوى التضاد بين القائم والقاعد لكون القائم على هذا هو الذي تلبس بالقيام ولو آنا ما ثمّ زال عنه القيام وكذلك القعود .

فحينئذٍ يفترق الوضع بين المبادي المتضادة والمشتقات . فالوضع في المشتقات أوسع دائرة من المبادي فبساطة المشتق أو تركبه من أهم المقدمات التي يبتني عليه النزاع . وقد عرفت انه على البساطة لابد من الوضع لخصوص المتلبس أي لخصوص العرض حال وجوده في المحل الذي بهذا الاعتبار يكون عرضيا .

واستدل على الوضع لخصوص المتلبس مضافا إلى هذا بوجوه:

منها: التبادر ولا يخفى ان التبادر انما يفيد اذا كان مستندا إلى حاق اللفظ وقد مرّ مرارا الاشكال في التبادر وانه متوقف على العلم بالوضع ودفعنا الاشكال على ما سبق بيانه .

أدلّة مدّعى الوضع لخصوص المتلبّس

ص: 220

منها: صحّة الحمل .

ولا يخفى انها أعم من الوضع لخصوص المتلبس .

نعم لو انضم إليه صحة السلب عن المنقضي عنه المبدء فيتم دليلاً على الوضع لخصوص المتلبس .

ولا ريب في ان حال وجود الغنى وتلبس الشخص به أو بالفقر أو العلم يقال عليه انه غني أو فقير أو عالم ويصحّ سلب هذه العناوين عنه اذا انقضى عنه كل من هذه المبادي . فيصدق عليه بعد زوال فقره انه ليس بفقير وبعد زوال الغنى انه ليس بغني أو زال علمه فيقال انه ليس بعالم وهكذا وهذا من العلائم التي يتوقّف على الوضع بها ويتعيّن بها سعة دائرة الموضوع له وضيقها .

وقد استشكل على هذه العلامة انه ان اريد السلب مطلقا فغير سديد فان القائم ولو آنا ما لا يصح السلب القيام عنه وانه ليس بقائم وان اريد السلب مقيدا بحال . فليس بمفيد انما المفيد هو السلب المطلق .

وأجاب عنه في الكفاية(1) بأنه ان اريد تقييد المسلوب فسلبه وان كان أعممن سلب المطلق ولا يكون علامة على كون المطلق مجازا لكنه ( تقييده ) ممنوع وان اريد تقيد السلب فلا يضر بعد صدق المطلق على افراده على كل حال .

مع انه يمكن أن يلاحظ القيد في ناحية الذات ويسلب عنه القيام وعنوان القائمية بلحاظ هذا الحال

أي يلاحظ الموضوع زيدا في الحال ويسلب عنه القائم .

ولا اشكال في انه يصح مطلقا سواءً بلحاظ الحال أو الماضي أو الاستقبال .

ص: 221


1- . كفاية الاُصول 1/72 .

واستدلّ أيضا ببرهان المناقصة وتضاد المبادى المستتبع لتضاد المشتقات حسب الارتكاز وانه حمل القائم والقاعد يكون من حمل المتضادين .

ثم ان للمحقق الخراساني قدس سره (1) مناقشات في هذا المقام وأورد عليه أسئلة وأجاب عنها فراجع وتأمل .

وكيف كان فأدلة من يدعي الوضع لخصوص المتلبس تامة غير قابلة للنقص والاشكال .

وبذلك يظهر النظر في أدلة الأعمى مع انه ليس إلا موارد اطلاق توهم عدم العناية فيها مع ان الأمر ليس كذلك أو لوحظ حال التلبس وهو حقيقة بلا ريب .

أدلة الاعمى: واستدل هو أيضا بالتبادر وصحة الحمل وموارد استعمالات اطلق المشتق بلا لحاظ عناية ( في المنقضي عنه المبدء ) والأصل في الاستعمال الحقيقة .

وبرهان التضادّ للاولين توضيح وتقريره انه لا اشكال في وجود التضاد بينكثير من المبادى والمناقضة بينها بحيث لا يمكن اجتماعها كل واحد مع الآخر فيزمان واحد في مكان واحد كالنوم واليقظة والقيام والجلوس والعلم والجهل إلى غير ذلك من المبادى المتضادة . ولازم ذلك حصول التضاد بين ما اشتق من كل واحد بالنسبة إلى ما اشتق من الآخر . فلا يمكن اطلاق القائم والقاعد بلحاظ حال النسبة والجرى لرجوع ذلك إلى التضاد والمناقضة الحاصلة بين المبادى .

واجيب عن ذلك: بأن التناقض والتضاد انما يلزم بناء على الوضع لخصوص حال التلبس . فاذا كان كذلك فلا يمكن كون زيد قائما وقاعدا أو عالما

أدلّة الأعمى

ص: 222


1- . كفاية الاُصول 1/74 - 76 .

وجاهلاً امّا بناءً على الأعم فلا . إذ حينئذٍ يكون للمشتق فردان فرد في حال التلبس وآخر في حال الانقضاء وعلى فرض كون الوضع للجامع بينهما الأعم فلا مانع من اطلاق القائم والقاعد على واحد بلحاظ حال الجري والاطلاق .

غاية الأمر، لا يجتمع ثبوت الوصفين أي التلبس بالمبدئين فعلاً في زمان واحد ولا مانع من اجتماع العنوانين فيكون في أحدهما بالنسبة إلى فرده التلبسي وفي الآخر بلحاظ فرده الانقضائي . وهذا واضح لا سترة عليه .

وقد يورد عليه بأن التضاد حاصل بلا توقف على شيء . بل بما للعنوانين المشتقين من المبدئين المتضادين من المعنى المرتكز في الذهن لا يصح ويكون بينهما المضادة . وهذا يكشف عن كون الوضع لخصوص حال التلبس . والا فلو كان للأعم لما كان موجبا لارتكاز ما يوجب المناقضة بين العنوانين .

ويرد عليه ان هذا انما يصح عند القائل بالوضع لخصوص حال التلبس ولا يفيد الأعمى وذلك لرجوعه إلى التبادر من الاطلاق ومن حاق المشتق خصوص حال التلبس لا حال انقضاء المبدء وليس وجها على حدة ولا يقبله الاعمى بالنظر إلى أدلته فلا يتم برهان المناقضة .وحاصل الكلام والجواب في هذا المقام انه تارة نقول بكون المشتق بسيطالا تركب فيه كما ذكرنا . فلا يمكن أن يكون للأعم بل يكون معنى المشتق هو معنى المبدء .

والفرق كما ذكرنا سابقا في لا بشرط وبشرط لا والا فالمشتق هو المبدء والمبدء هو المشتق وحينئذٍ فيستحيل الوضع للأعم من الشيء وعدمه .

نعم انما يصح النزاع في الخصوص أو الأعم بناء على التركب من الذات

ص: 223

وغيرها الذي يكون هناك جامع بين الحالين كي يصح الوضع له والاطلاق بعد انقضاء التلبس . وحينئذٍ فاما أن يتم ما ذكر من التبادر وصحة السلب في تمامية دعوى الأعمى فلا يحتاج إلى برهان التضاد والا فان لم يتم دليل الأعمى . أو يبقى لنا الشك في المسألة الأصولية . يرجع في المسألة الفقهية إلى مقتضى القواعد من البرائة والاشتغال .

وقد اعترف سيدنا الاستاذ قدس سره بعدم ورود اشكاله على صاحب الكفاية في جريان الاستصحاب في هذا المقام .

قلت: كلامه قدس سره في ما اذا ورد الخطاب في حال التلبس ثم انقضى باستصحاب الشغل وفي ما اذا ورد في حال الانقضاء بالبرائة أو ما يرجع إلى ما ذكرنا فراجع .

وأفاد سيّدنا الأستاذ انه لابد من النظر في الدليل المتكفل لبيان الحكم فانه اما ان جعل موضوع الحكم خصوص حال الانقضاء أو التلبس . فلابد من العمل بمقتضاه وان لم يثبت الأعم أو الأخص أو ثبت واحد . وكذلك اذا كان التلبس ولو آنا ما كان موضوعا للحكم ولو قلنا بالوضع لخصوص حال التلبس فان الحكم أعم .وعن المحقّق النائيني قدس سره انكار امكان الوضع للنسبة والحدث لعدم وضعالنسبة للأعم من وجودها وعدمها فاذا انقضى المبدء فلا مورد للنسبة وأجاب سيدنا الاستاذ قدس سره بامكان وضع النسبة لمجرد التلبس آنا ما وان انقضى بعد ذلك فان حال المشتق على هذا آو أخذ الذات في مفهومه نظير حال اسماء الاعلام الموضوعة لنفس الذوات مثل ما اذا وضع لفظة العالم لابنه أو سمّيه أو غير ذلك من الأسماء والوضع في المشتق بناء على الأعم وان لم يكن بهذه المثابة الا انه لا مانع

صحّة النزاع على التركّب

ص: 224

من كون الموضوع له والملحوظ في الوضع هو خصوص التلبس آنا للوضع مطلقا ولو بعد الانقضاء فانه بمكان من الامكان فلا ملازمة بين تضادّ المبادى والمشتقات .

وأورد سيدنا الاستاذ قدس سره على برهان التضاد بما هو المسلم عند أهل الميزان من عدم التنافي بين المطلقين العامّين كزيد قائم وزيد قاعد وتسلم عندهم ان نقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية ولذا احتاجوا إلى التفصى عما يرد عليهم بناءً على ذلك على أخذ المفهوم من قوله علیه السلام (1) ( إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء ) مع ان المستفاد من النكرة في سياق النفي هو العموم ويكون السلب عاما . ولا يمكن أن يكون هناك سلب العموم لأنه يجوز حيث يكون النفي واردا على شيء في رتبة سابقة عليه كلفظة الكل أو كما في أخبار الاستصحاب(2) ( لا تنقض اليقين بالشك ( لكنه على اشكال كما لا يخفى ) لا في مثل المقام الذي انما يستفاد العموم من النفي ووقوع النكرة في سياقه فحينئذٍ لابد أن يتمحض الكلامفي كونه ظاهرا في عموم السلب فاذا لم يكن هناك تنافي بين المطلقتين العامينالا اذا قيد أحدهما بقيد الدوام ومقتضى عدم التنافي تصادق كل واحد مع نقيض الآخر يشكل الأمر في برهان التضاد لمناسبة ذلك مع الأعمى كما لا يخفى .

وأجاب عن ذلك المحقق النائيني أو أجيب عن اشكال نقيض السالبة الكلية بأن الكلام تارة في مقام صدق التناقض والتضادّ واخرى في مقام الظهور وما عند أهل الميزان وان كان صدقا لكن لا ربط له بباب الظهور العرفي وما هو راجع إلى

ص: 225


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/1 - 2 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق واللفظ إذا كان الماء قدر كر لم ينجّسه شيء .
2- . وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء واللفظ ولا تنقض اليقين أبداً بالشكّ .

الألفاظ . والمتفاهم في المفاهيم هو كون المفهوم تابعا للمنطوق كلية وجزئية مضافا إلى ان في الحقيقة تنخلّ القضية السالبة إلى قضايا عديدة حسب تعدد موضوعاتها وحينئذٍ فلذلك لابدّ أن يكون في المفهوم اما مطلقا لما بين عند أهله ان نقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية لا ينافي كون الكلية أيضا نقيضا لها وذلك لأن المراد لابد اما أن يكون ان أقل ما يتحقق به التناقض لا مطلقا .

واجيب عن الاشكال الأول بأن كلام أهل المنطق راجع إلى لبّ الواقع ونفس الأمر بلا توجه إلى كون القائم أو القاعد مثلاً موضوعا للأعم أو للمتلبس . بل المناط في التناقض عندهم اجتماع الوحدات الثمانية أو أكثر ولذلك اذا اجيب جوابا للسائل عن نوم زيد ويقظته انه ليس بنائم ولا يقظان يرى ذلك تناقضاً لعدم الواسطة وذلك لكون القرينة قاضية بأن المراد بيان حاله الفعلي ولذلك لا منافاة بين ما اذا قيل زيد قائم وزيد قاعد لو لم يكن قرينة على انصراف القضية إلى الحال .

فحينئذٍ يجمع بينهما بما لا تناقض فيه والا فلو اريد منه الحال فقطعا يكون تناقضا فما ذكره أهل الميزان غير مرتبط بمسئلة المشتق وكونه حقيقة في الأعم .

أقول: وجه ارتباط القضيتين المطلقتين بالمقام واضح لكونه اشكالاً علىالصحيحي الذي يدعي المناقضة والمضادة بين الصفات والعناوين كالمبادى وامافي ارتباط كون النقيض للسالبة الكلية هي الموجبة الجزئية ففيه خفاء ويمكن كونه تتمة الاشكال الأول وهو انه اذا أمكن ولو في مادة ما من المواد صدق المطلقتين اللتين احديهما محمولها القائم والاخرى القاعد فحينئذٍ لا يتمّ برهان المناقضة والمضادة فتأمل جيدا .

ص: 226

وسألت سيّدنا الاستاذ قدس سره فأجاب بان ربط الأول أي المطلقتين العامين واضح اما ربط كون النقيض للسالبة الكلية هي الموجبة الجزئية فانما هو من باب التنظير وعدم ربط المسائل الميزانية بالظهورات .

وقد يدعي كما عن المحقق النائيني قدس سره عدم امكان الوضع(1) للأعم ولو على التركب لانحصار الجامع حينئذٍ بينهما في الزمان وهو بالاتفاق خارج عن المفهوم . لكن لا يخفى فساده ضرورة امكان الوضع لخصوص التلبس آنا ما بناء على أخذ الذات أو وضع النسبة للأعم من وجودها حدوثا أو حدوثا وبقاءً .

هذا تمام الكلام في أدلّة الصحيحي وبذلك يظهر النظر في أدلّة الأعمى .

ومنها آية « لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »(2) فاستدلّ بهذه الآية على عدم لياقة

الثلاثة للخلافة والولاية الالهيّة للاتّفاق على كونهم كافرين عابدين للوثن قبل ايمانهم بالرسول صلی الله علیه و آله .

ونوقش الاستدلال بتوقفه على القول بالوضع للأعم مع انّكم لا تقولون بهوعن الفخر الرازي الجواب(3) بامكان كون التلبس آنا موجبا للحكم دائما وأبداولو بعد خروجهم عن التلبس هذا ولكن لا يخفى انه تارة يبني على ما هو الوارد في بعض الأخبار والأدعية من كونهم كافرين حتى بعد ايمانهم على الظاهر فالأمر واضح لعدم الحاجة إلى دعوى كون الوضع للأعم .

ص: 227


1- . فوائد الاُصول 1/121 .
2- . البقرة الآية 135 .
3- . الفخر نقل استدلال الاماميّة وعبر عنهم بالروافض وفي استدلالهم جوابا عن اشكال عدم زوال اسم الكفر بعد الزوال ( الظالم من وجد منه الظلم وقولنا وجد منه الظلم أعم من قولنا وجد منه الظلم في الماضي أو في الحال الى أن قال: فلا يلزم من نفي كونه ظالما في الحال نفي كونه ظالما الخ وأجاب عن الاستدلال بالمعارضة ( مفاتيح الغيب 4/46 ) .

اما بناء على ممشى القوم فاما أن يجاب بما أجاب به الفخر لكنه لا يخلو من نظر لكونه غير مرتبط بمقام الاستظهار . أو يجاب بما استفيد من الخارج من كون المشتق غير أعم لكن الاطلاق أعم من الحقيقة لعدم جريان اصالة الحقيقة عند انكشاف المراد كما اطلق في آيتي حد الزنا والسرقة . وان استدل الأعمى بهما الا انه يكون ردا عليه في التمسك بصحة الاستعمال والاطلاق ولو بلحاظ ما سبق خصوصا والوارد في الأخبار المعصومية الاشارة إلى عدم اللياقة للتلبّس ولو آنا ما .

ومنها: آيتا السرقة(1) والزنا(2) . والجواب انا لا ننكر الاستعمال ولو مجازا انما الكلام في المعنى الحقيقي . والحكم في الآيتين انما هو بلحاظ التلبس . والقرينة على ذلك عدم امكان اجراء الحد على الزاني والسارق حين يتحقق منهما ذلك فانه انما يكون موضوعا حدوثيا للحكم البقائي مع ان غايته الاطلاق والاستعمال وهو أعم من الحقيقة وليس للأعمى دليل غير الاطلاقات والاستعمالات وهي كما عرفت لا تفيد شيئا .

فالحق مع من رأى الوضع لخصوص المتلبس وبما ذكرنا عرفت عدم مجالللتفصيل بين ما اذا كان المشتق موضوعا أو محمولاً وغير ذلك من التفاصيل .الأمر الثالث عشر: قد استعمل المشتق في موارد عديدة يتخيل منها الاستعمال في المنقضي عنه المبدء أشار إليها في الكفاية(3) ذيل برهان التضاد وفي أدلة الأعمى .

بقيّة أدلّة الأعمى والجواب عنها

ص: 228


1- . المائدة /39 .
2- . النور /3 .
3- . كفاية الاُصول 1/71 - 76 .

وأجاب عنها بوجوه ثلاثة: وأجاب عن ذلك المحقّق النائيني قدس سره (1) عدم الاستعمال فيها الا في المتلبس بالمبدأ فعلاً وليس بلحاظ حال الانقضاء والاطلاق حال الانقضاء بلحاظ قيام المبدء حال التلبس وان الاستعمال في هذه الموارد كايتي السرقة والزنا وأمثالهما انما هو خصوص ما تلبس ودوام الحكم بلحاظ كون حدوث هذه العناوين أو قيام مباديها بالذات علة للحكم وهو باق ما لم يمتثل . فانه يمكن كون العنوان اشارة إلى الذات بلا لحاظ دخل بقاء المبدء أو العنوان كما في مسئلة الوقف فانه تارة يكون جهة الوقف المنفعة فينحل حقيقة الوقف إلى شيئين نفس المكان والبناء الموجود فيه أو الشيء الاخر الموجود كالشجرة في الأرض أو المدرسة فخراب البناء أو قطع الشجرة لا يلازم بطلان الوقف بخلاف ما اذا كان جهة الانتفاع . فان المدرسة بعد خرابها لا يبقى جهة الانتفاع فيها . وإنما تكون مثل البقر الموقوف فاذا مات فلا موضوع للوقف . بل ادعى المحقق النائيني وتبعه سيّدنا الاستاذ عدم استعمال المشتق في موضوعات الأحكام الا في ما تلبس ولم يقع الاستعمال الا فيه دون ما انقضى .

نعم يمكن الاستعمال في ما انقضى لكن بلحاظ حال التلبس الذي يكونالاطلاق فيه حقيقة كالاستعمال فيما يأتي والاطلاق بلحاظ تلبسه فيه . لكنه يحتاج في كلا الموردين إلى قرينة من كلمة قدا وسوف والسين . ولو لا ذلك . فاماأن يكون تورية واظهارا لخلاف ما يريد لمصلحة . أو يكون غلطا كما في العناوين الذاتية كالخمر فانّه لا معنى لاطلاقها فيما اذا خرجت عن الخمرية لعدم بقاء موضوع لها . نعم يمكن الفرق بين الموضوعات والمحمولات واطلاق المشتق في

ص: 229


1- . فوائد الاُصول 1/124 - 127 .

المحمولات حتى بلحاظ التلبس حال الانقضاء وكون الاطلاق فعلاً بذاك اللحاظ الا ان الكلام في ان الاستعمال في القضايا الشرعية هل ثبت في المحمول أو كلها انما هو بالنسبة إلى الموضوعات سواء كان تمام الموضوع أو جزئه ودخيلاً فيه .

وفي هذا لا فرق بين البساطة والتركب وعرفت انه على التركب لا يكون الزمان داخلاً في المفهوم لعدم دعوى أحد كون الزمان داخلاً في مفهوم الاسم بل بناءً على التنزل وكون الزمان داخلاً في مفهومه فانما يكون جزء المعنى ولا يمكن كونه جامعا بين ما انقضى والمتلبس .

وعلى تقدير التركب ليس الزمان جامعا بل الموضوع له هو الذات التي تلبست بالمبدء ولو آنا ما ويكون له هذه السعة والعنوان له دائما حتى بلحاظ حال الانقضاء فلا معنى لتوهم استلزام القول بالتركب دخول الزمان أو كونه جامعا بين الحالين فانه فاسد كما عرفت .

وحاصل البحث ان المشتق حقيقة في ما تلبس بالمبدء في الحال ومجاز في غيره يحتاج إلى قرينة وانه مركب من ذات ما والصفة كما أشرنا إلى ذلك .

أما الحكم فيدور مدار موضوعه فيمكن مع كون المشتق أعم وضعه وجعل

الحكم لخصوص حال التلبس كالعكس . ومن ذلك تعرف ما في بعض الامور المتفرعة على المباني الفاسدة في قبال المختار من التركب . وكونه حقيقة في خصوص المتلبس وكون الاسناد بلحاظ غير ما هو له والمجاز فيه دون الكلمة أوغيرها من الامور . وكذلك تعرف ان اطلاق العالم والقادر والحكيم عليه تعالى عمايقول الظالمون علوّا كبيرا حقيقة كغيرها من صفات الأفعال وان معنى العالم الواجد لصفة العلم كالخالق وغيرهما وما ذكر من اتحاد المبدء مع المشتق لا يصح

المشتق حقيقة في المتلبس مجاز في غيره

ص: 230

بل الاشارة بالمشتق إلى الذات والمبدء انما هو اشارة إلى نفس الحدث فليس معنى العالم هو العلم كما ليس معنى العلم هو العالم . وعرفت ان اطلاق هذه الصفات انما هو على نحو الحقيقة بلا لزوم تركيب ومحذور . غاية الأمر جهلنا بكيفيه علمه تعالى كساير صفاته تقدست أسمائه لا يوجب منع الاطلاق لعدم امكان احاطتنا بما هو خارج عن حيطة افهامنا وعقولنا ولا معنى للتنظير أو التشبيه بالنفس لأنه ليس الثرى كالثريا . بل التكلم في العلم يرجع إلى التكلم في الذات المنهي عنه وعلى الداخل المتعمق في امثال هذه الاحتياط التام بعدم الخروج عن الجادة المستقيمة ولا يمكن تصحيح الاعتقادات الحقة الا بالرجوع إلى الأئمّة علیهم السلام والبيانات الواردة عنهم علويا أو سجاديا أو غير ذلك من الأدعية والأخبار والمعارف الربانية التي انما خرجت عن مصدر علمهم وتنحصر بهم . وما يقال ان الاعتقاديات لابد أن تكون بالدليل العقلي فهو خطأ . فان الثابت ان باب التوحيد لابد أن يكون بذلك أو واضافة العدل .

اما باقي الاعتقادات فلا اشكال من أخذها من القرآن أو الاخبار بلا احتياج إلى الوجوه العقلية الملفقة من الأوهام والخرافات . بل اثبات التوحيد لا يمكن إلا باصالة الوجود والا فاصالة الماهية توجب الابتلاء بشبهة ابن كمونة ولا يمكن الخروج عنها مع ان في اصالة الوجود محاذير لا تخفى .

والحاصل ان الجهل لا يمنع من اطلاق العالم والقادر وغيرهما من الصفات عليه تعالى لعدم امكان وصولنا إلى حقيقة لسان الثور فضلاً عن ذاته تقدّس وتعالى .

ص: 231

الكلام في الأوامر:

صار من المتعارف عد مبحثها من المقاصد الاصولية . لكنه يشكل لرجوعه الى الصغريات المحتاجة إلى كبريات اخرى تقع في طريق استنباط الحكم . فان الكلام في ان الأمر ظاهر أو حقيقة في الوجوب أم لا ليس الا في الاستظهار . وهذا يحتاج إلى تنقيح حجيّة الظواهر كي يفيد في الاستنباط والمعهود من المبحث الاصولي وتعريفه ما يقع كبرى لقياس الاستنباط . فان كان يرجع ما له دخل في ذلك في الاصول فتكون العلوم الستة المعدية المقدمة على علم الاصول أيضا داخلة فيه . وهو كما ترى نعم من المباحث الأصولية على هذا المبنى بحث حجية خبر الواحد .

وكيف كان فالكلام في ذلك يقع في مقامين: الأول في مادة الأمر والثاني في صيغته .

أمّا الأول: فلا اشكال في استعمال لفظة الأمر للطلب الخاص على ما سيجيء بيانه . وانه حقيقة فيه . وقد استعمل في معاني اخر كالشأن والأمر العجيب ومطلق الشيء والغرض والفعل الى غير ذلك مما عد من موارد استعماله وهل الاستعمال فيها للاشتراك اللفظي أو المعنوي بكون اللفظ موضوعا لمعنى وهذه المعاني من مصاديقه أم لا . بل في بعضها حقيقة وفي الباقي بالعناية والمجاز بلحاظ ذلك المعنى ؟ وجوه واحتمالات . ربما يدعي ان لفظة الأمر بالفتح لا الامر بالكسر موضوع للشيء المهم والأمر العجيب وغير ذلك انما هو من مصاديقه . لكنه يشكل بمقابلة بين الأمر وبين مصاديقه في قوله تعالى ألا له الخلق والأمر . مع ان الخلق بناء على هذا من مصاديق الأمر . وكذلك يشكل بعدم اطلاق الأمر

الكلام في مادة الأمر

ص: 232

على الأشياء المهمة الخارجية سواء قيل بأنه موضوع لمطلق الشيء أو الشيء المهم . فلا يقال على الشجر انه أمر أو الماء وأمثالهما من الأجناس الخارجية . ودعوى انحصار المدعى في أسماء المعاني وان اللفظ موضوع ( للمنبع ) الجامع بين المصاديق اللغوية لا الخارجية لا يصدقها الاستعمالات . مع ان عد بعضها من المعاني لمادة الأمر لا يخلو من بحث فان الغرض انما يستفاد من اللام في ( جئت لأمر كذا ) لا من استعمال الأمر بمعنى الغرض بحيث ينوب منابه لفظ الغرض .

نعم . الثابت المسلم هو الاستعمال في الطلب وهل هو مرادف له كي يكون معنى أمره طلبه أو لا ؟ بل انما يوجد بالأمر مصداق الطلب أو لا . بل ينشئ النسبة بين الفعل والفاعل ؟ وجوه وأقوال . وكذلك لا ريب في اطلاق الأمر على مثل صيغة افعل لكنه ليس معنى له .

بل الطلب ما يكون موجودا بافعل وهو المعنى . لا ان نفس افعل هو الطلب وحيث ان الطلب أعم من صدوره من السافل أو العالي أو المساوي وفي كلّ هذه الموارد تارة يكون على تخضع واخرى على استعلاء ومن المسلم عدم كون جميع ذلك أمرا فلابد من تخصيص الأمر بانه طلب خاص من العالي على جهة اعمال الاستعلاء . والا فلو لم يكن عاليا لا يكون طلبه أمرا كما ان زجره لا يسمّى نهيا . وان كان ارادته في مطلوبه في المقامين أشد بمراتب كاظهارها لكنه لا يكون مع ذلك أمرا وكذلك اذا لم يكن مستعليا وان كان عاليا . فلذلك تخرج الأوامر الارشادية بأسرها عن دائرة الاوامر ولا تكون أمرا لعدم لحاظ جهة الاستعلاء فيها وتسميتها أوامر انما هي بالعناية والمجاز والتقسيم إلى الارشادي وغيره لا يكون تقسيما حقيقيا . بل الطلب على غير جهة الاستعلاء أو عدم العلو اما ارشاد

في معاني الأمر

ص: 233

أو شفاعة أو استدعاء وسؤال ونحوها .ثم انه اذا كان أمرا فهو أعم من أن يكون للوجوب أو الندب اذ ذلك لا يخرجه عن حقيقة الامر .

اذا عرفت ما ذكرناه في مادة الأمر . فاعلم انهم بحثوا عن اتحاد الطلب والارادة وان الأمر اذا كان طلبا خاصا فالطلب عين الارادة أم لا ؟ بل هما متغايران ؟ فذهب المحقّق الخراساني في الكفاية(1) الى اتحادهما عينا وانشاءا وانه ليس وراء الارادة ومقدماتها شيء في صقع النفس ولا في زواياها يكون طلبا . بل الطلب هي الارادة والارادة . هي الطلب وهذا البحث لا ربط له بالجهة الاصولية للأوامر وانما هو مسألة كلامية بحتة أوردوها في المقام . نعم تشمل على فوايد جليلة .

والحاصل انهم نفوا وجود شيء وراء الارادة ومقدماتها في صقع النفس ووعائها يكون هو الطلب الذي تسميه الأشاعرة كلاما نفسيا . كما ان المحقق النائيني قدس سره زاد شيئا آخر له نفع في حل مسألة الجبر والاختيار . وهو ان للنفس(2) مقاما آخر باعتباره تكون فاعلة ومعملة جهة الفاعلية . ويكون ما يصدر عنه منتسبا إليها ونسبة النفس إليه نسبة الفاعل إلى الفعل وحيث ان الفعل الصادر عن الفاعل المختار(3) .

ص: 234


1- . كفاية الاُصول 1/95 .
2- . فوائد الاُصول 1/130 - 134 .
3- . تعطل البحث بمناسبة فوت آية اللّه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره في ليلة الثلاثاء 18 ذي القعدة الحرام 1373 وآل الأمر الى مسافرتنا إلى ايران من النجف الأشرف ولما وفقنا اللّه للتشرف بالحضرة العلوية ثانيا وتوفقنا للحضور ليلة السبت 11 صفر المظفر 1374 17/7/1333 وصل البحث في الأوامر إلى التعبدية والتوصلية .

لا يمكن أن يكون بلا رجحان من أحد طرفي وجوده وعدمه . فالنفسترجح جهة الايجاد أو الاعدام وتوجد بالعضلات المطيعة لها المتسلطة عليها في الخارج . ولا يتوجه حينئذٍ اشكال الجبر ولا ما عن الحكماء الذين تبعهم المحقق الخراساني في أجوبته في المقام عن كون الفعل الارادي هو ما يصدر عن الارادة وان كانت الارادة غير اختيارية ولا محتاجة إلى ارادة اخرى كي ينتهي هذا الكلام إلى الجبر ويبقى في الاعضال بلا مخرج فتدبر جيدا(1) .

الأصل في الأوامر التعبدية أو التوصلية ؟

لا يخفى ان القيد تارة يكون من الامور التي يمكن أخذ تقيده في متعلق الأمر . كالطهارة فان الاجزاء الصلاتية تقيدت بكونها عن طهارة . فالطهارة تكون شرطا وقيدا للأجزاء . واخرى لا يمكن أخذ القيد في المتعلق فالخطاب يتعلق بنفس الاجزاء لكنها ليست على نحو لو أتى بها مجردة عن هذا القيد تكون وافية بالغرض لدخل هذا القيد في حصوله وذلك كقصد القربة والطاعة وبعبارة اخرى

هل الأصل في الأوامر كونها تعبدية أو توصلية

ص: 235


1- . لقد أدى حق البحث وبين الحق ورفع الاشكال في هذا المبحث وازال الشبهة في مورد الجبر والاختيار العلمان استاذنا المحقق السيد حسن الموسوي البجنوردي والسيد العلامة الخوئي في ما أفاداه جزاهما اللّه عن الاسلام وأهله خير الجزاء منتهى الاُصول 1/115 - 124 محاضرات في اُصول الفقه 43/352 - 470 وفي النهاية بعد نقل استدلال النافين للمغايرة بين الطلب والارادة بانا لا تجد في أنفسنا عند الأمر بشيء وطلبه غير العلم بالمصلحة والارادة والحب والبغض صفة اُخرى قائمة بالنفس نسميها بالطلب واشكاله في التوجيهات للمغايرة احتمل بعيداً توجيه المغايرة بالبناء والقصد المعبّر عنه بعقد القلب في باب الاعتقادات لكونه من أفعال النفس وقد يؤمر به وقد ينهى عنه وجاء بأمثلة للموردين ثمّ أخذ في ابطال مباينهم التي أوجبت للقول بالمغايرة أحدها انكار التحسين والتقبيح والعقليين ومنها عدم جواز انفكاك الارادة عن المراد والأوامر الامتحانيّة وشبهة الجبر نهاية الأفكار 1/164 - 172 .

قصد الأمر فانه لما تبين استحالة أخذ هذا القيد في متعلق التكليف المتعلق بالاجزاء فلا محالة لا يمكن وصول المولى إلى غرضه بالأمر الأول للصلاة عنتعلقه بجميع ما له الدخل فيه حتى قصد الأمر فاذن لابدّ من توصله اليه بأمر آخر وانشاء ارشادي إلى دخل هذا القيد في متعلق الأمر من الأجزاء المأمور بها لا انه يأمر باتيان المتعلق بقصد القربة كي يتوجه اشكال المحقق الخراساني قدس سره (1) في امتثال الأمر الأول والثاني . هذا ان قلنا ان قصد القربة عبارة عن قصد الأمر المحال أخذه في متعلقه ( أي الأمر الأول ) وكذا الثاني . فالعلاج منحصر بالخطاب الارشادي إلى الدخل في الغرض ولا مانع من كونه دخيلاً فيه ولم يمكن أخذه في متعلق الأمر المتوجه إلى الاجزاء . واما ان قلنا ان الغرض عبارة عن الخضوع والتخضع والتخشع للمولى وهو لا مانع من أخذه في متعلق الأمر الأول فانه كما ان من الممكن خطاب المولى بقوله ( صل متطهرا ) كذلك يمكنه توجيه الخطاب بقوله ( صل متخضعا ) على أنحاء الخضوع من أعلاه الذي هو عبادة الأحرار الى أدنى مراتبه التي منها الخوف من النار والشوق إلى الجنّة .

غاية الأمر قصد الأمر والطاعة أحد أنحاء التخضع ويكون من مصاديق محصّله وما يوجب بوجوده تحقق الخضوع في الخارج على نحو السببية هذا .

ثم انه لو شككنا في ذلك وان مثل الخمس مثلاً هل هو كالزكاة في اشتراطه بقصد القربة أم لا ؟ بل هو نظير ساير الشركات المشاعية على ما هو التحقيق في الخمس . فان أداء سهم الشركة لا يحتاج إلى قصد القربة . فهل المقام كساير مقامات الأقل والأكثر الارتباطيين الجاري فيها البرائة . أم يرجع إلى الشك في

ص: 236


1- . كفاية الاُصول 1/111 - 112 .

الامتثال الجاري فيه أصل الاشتغال(1) كما يدعيه المحقق صاحب الكفاية قدس سره (2) .وانه فرق بين المقام وساير المقامات التي تجري فيها البرائة بعدم امكان أخذ ذلك من ناحية المولى في متعلق الخطاب . والبرائة انما تجري في ما يكون أمر رفعه ووضعه بيد الشارع . بخلاف المقام . فان الدخل أمر واقعي والغرض لا يحصل الا بذلك ولذلك لا مجال للتمسك بالاطلاقات اللفظية أو المقامية في ما يكون سبيله هكذا .

لكن في ما أفاده مجال للنظر . فان الاطلاقات ليست على منوال واحد كما في الاطلاقات المقامية الفعلية . فربما يوجب القطع بعدم دخل شيء في متعلق الأمر والخطاب زائدا على ما بين المعصوم علیه السلام دخله فيه بفعله .

والحاصل ان من الممكن أخذ قيد الخضوع والتخشع في متعلق الأمر الصلاتي وعليه فلا توقف في امكان اتيان المأمور به على نحو العبادية على قصد الأمر بل يكفي نفس القدرة على الاتيان به خاضعا ولو لم يكن أمر كما ان من الممكن أخذ الطهارة والستر وغيرهما مما يعتبر في متعلق أمر الصلاة . وعلى هذا فليس قيد القربة من الانقسامات اللاحقة للأمر بل يمكن أخذها في متعلق الأمر على حذو غيرها وان ابيت الا عن كونها متعلق الأمر ولا معنى للعبادية الا ان يأتي بها المكلف عن قصد الأمر المتوقف على وجوده ولحاظه والتحرك من قبله المفقود في محل البحث ولا يكفي الامكان على التشريع .

فنقول انه تارة يقع الكلام في ما هو مقتضى الأصول واخرى في ما هو المستفاد من الاطلاقات .

في ما يتعلّق بالتعبديّة

ص: 237


1- . كفاية الاُصول 1/113 .
2- . كفاية الاُصول 1/207 .

اما المقام الثاني فاذا لم يمكن تقيد ما هو الآتي من قبل الأمر فيه وارتباطهبه تحت دائرة الأمر فيمكن التمسك في نفي دخله بالاطلاقات المقامية ولو مع منع جريان البرائة لعدم كون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع . لكن حيث ان العبرة في الاطلاقات المقامية ( أي بيان ) جميع ما له الدخل في الغرض فالسكوت في مقام البيان على هذا النحو كاشف عن عدم دخل غير الذي بين المبين في الغرض لأن الذي بينه هو تمام ماله الدخل .

وأما المقام الأول . فقد أشرنا إلى منع صاحب الكفاية لجريان البرائة والطريق في دفع اشكاله على مابيننا عليه واضح ( فانه ليس الأمر من قبيل الطبيعي ومصاديقه كي يرجع الاشكال بل من قبيل المحصل له والمحقق . وان قصد الأمر يكون محققا للخضوع وجهة العبادية التي لوحظت في متعلق الأمر ويأتي به بهذا اللحاظ . بحيث اذا لم يأت بهذه الكيفية اتى بها بلا روح ولا قوام كما

في الطهارة ولذا ربما نمنع من جريان قاعدة الميسور في فاقد الطهور ) .

وقد أشرنا إلى التمسك بتصور امكان الأخذ في متعلق الأمر بتعدد الأمر وتوجيه الأمر الثاني نحو المكلف لتكفل الأمر الثاني ما لم يمكن يتكفله الأمر الأول وهو على نحوين . أحدهما على طريقة صاحب الكفاية كما مر . والثاني على النحو الذي سنقرره لكن إذا كان الأمر محالاً فلا يمكن تصييره ممكنا ولو بالف خطاب .

توضيح النحو الثاني . ان المناط في تعدد الأمر ووحدته . انما هو تعدد الملاك ووحدته . فاذا كان الملاك واحدا فالأوامر وان كانت في الظاهر متعددة لكن مآلها إلى أمر واحد . كما اذا كان هناك ملاكات متعدده متجلية في صورة

ص: 238

خطاب واحد ينحل هذا الخطاب والأمر إلى أوامر وخطابات متعددة حسب تعددالملاك . بل لو لا قضية الانحلال لأشكل اجراء البرائة عند الشك في المركبالارتباطي . حيث انه لا يكون أمر آخر متعلق بالمجهول كي يجري البرائة عند الجهل بالنسبة إليه . فالأمر الواحد ينبسط على الاجزاء المتعددة وله تعلق بحسب تعددها وانبساطه عليها . وحينئذٍ فيمكن حصول العلم بالنسبة إلى بعض والجهل بالنسبة إلى آخر فيكون مجرى البرائة .

لكن بما ان من المستحيل أخذ ما لا يتأتى إلاّ من قبل الأمر في متعلقه والغرض لا يحصل الا باتيان المأمور به بقصد القربة .

فالأمر الثاني يتكفل لهذه الجهة . غاية الأمر هو أمر ثان صورة وفي الحقيقة من شؤون الأمر الأول لعدم حصول ملاك ذلك الأمر إلاّ به وسبق ان وحدة الأمر وتعدده منوط بوحدة الملاك وتعدده فيرجع الأمر الثاني إلى الأمر الأول ويكون من متمماته وبعبارة اخرى انما يكون مراد المولى من المأمور به الحصة التوأم مع قصد الأمر الذي يأتي به المكلف مع هذا القصد لا انه يكون عنوان اشارة إليه فقط لعدم اطلاقه بالنسبة إليه كما لا يمكن تقييده في لسان الأمر(1) .

ص: 239


1- . وسلك في المحاضرات مسلكاً آخر وهو ان الأمر وإن كان خارجاً عن قدرة المكلّف واختياره حيث انّه فعل اختياري للمولى كما انه لا يمكن للمكلّف الاتيان بشيء بقصده بدون فرض تحقّقه ووجوده إلاّ ان كلّ ذلك لا يستدعي أخذه مفروض الوجود والوجه في ذلك . هو ان المعتبر في صحّة التكاليف إنّما هو قدرة المكلّف على الاتيان بمتعلّقاتها بكافّة الاجزاء والشرايط في مرحلة الامتثال وإن كان عاجزاً وغير قادر في مرحلة الجعل وعلى هذا الضوء فالمكلّف وإن لم يكن قادراً على الاتيان بالصلاة مثلاً بداعي أمره وبقصده قبل انشائه وجعله . لكنّه قادر على الاتيان بها كذلك بعد جعله وانشائه . وقد عرفت كفاية ذلك وعدم المقتضى لاعتبار القدرة من حين الجعل إلخ . محاضرات في اُصول الفقه 43/516 . أقول: هذا ثبوتاً وأمّا مقام الاثبات فيرجع إلى الفقه كما ان شيخ مشايخنا الاُصولي المحقّق الشيخ ضياءالدين العراقي قدس سره تصوير ذلك بالالتزام بالحصة التوأمة وان الأمر تعلّق بها . نهاية الأفكار 1/192 - 193 .

ليعلم انّه اذا لم يقم دليل على لزوم قصد القربة والأمر في ما يشك فيعباديته ولا على نفيه ولم يمكن أخذ قيده في متعلق الأمر ولو على نحو ما مر . فهل مقتضى الأصل جريان البرائة كما في موارد عديدة يشك في اعتبار هذا القصد فيها أم لا بل المقام مجرى الاشتغال ؟

لازم من يذهب إلى جريان البرائة في الأقل والأكثر الارتباطيين حتى في القيود جريان البرائة . لكنه قد يمنع بعض من يذهب إليه في غير هذا المقام . نظرا إلى عدم تمامية اركان البرائة لكونها عبارة عن كون المورد مجهولاً وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع وفي رفعه منة ولم يكن هناك أصل موضوعي حاكم . والاركان هنا ناقصة لعدم كون أمر قصد القرية وضعا ورفعا بيد الشارع . وحينئذٍ فمقتضى حكم العقل لزوم تحصيل غرض المولى ومع الاقتصار على غير قصد القربة والأمر يشك في تحصيل غرضه فلا مؤمن عقلاً ولا نقلاً لذلك فلذا يجب الاحتياط بالاتيان بجميع ما يحتمل دخله في حصول غرض المولى .

هذا في البرائة الشرعية ويتبعها البرائة العقلية .

واجيب عن هذا بمنع عدم تمامية أركان البرائة الشرعية فانه ليس بلازم فيها لحاظ المجرى في خصوص الأمر الأول بل يكفي في صحة جريان البرائة امكان البيان من قبل المولى وايجابه ولو بنحو الواجب في الواجب بخطاب آخر وأمر كذلك حسب ما مرّ بيانه من رجوع الأمرين إلى أمر واحد بعد وحدة الملاك اما لزوم تحصيل الغرض والملاك ففيه انه قد تحقق في محله عدم لزوم تحصيله

جريان البرائة في مورد الشكّ

ص: 240

لعدم امكان القائه إلى المكلف لعدم تسببه عن فعله نعم لو كان مسببا لفعله بحيث يكون كالالقاء والاحراق لامكن لكن ليس باب الملاكات من صغريات باب الأسباب والمسببات التوليدية بل هي من قبيل المقدمات الاعدادية فيتوسط بينفعل الفاعل وغرس الأشجار في الجنّة أعمال اخر في غالب أبواب العباداتكالصلاة التي هي معراج المؤمن والزكاة والصوم .

ثم على فرض كونها من هذا القبيل لا مجرى للبرائة لعدم تمامية أركانها لأن باب الأحكام الوضعية على خلاف باب متعلقات التكاليف . فان الأقل فيها متيقن والأكثر مشكوك فيجري البرائة بالنسبة إلى الزائد على الأقل بخلاف الوضعيات فالأكثر متيقن السببية ويحصل بوجوده المسبب في الخارج والاقل مشكوك ولا معنى لجريان البرائة . أما بالنسبة إلى الأكثر لأنه خلاف المنّة وكذلك الأقل لاستلزامه عدم حصول المسبب .

يمكن لعله بوجه آخر وهو جريان البرائة عن القيد الزائد على الأقل في دخله فتأمل .

نعم، على ما قال المحقّق النائيني قدس سره (1) يمكن فرض جريان البرائة بعد تسليم محالين: أحدهما: تصوير مجعولة السببية . وثانيهما مجعولية اجزاء السبب . مع انه تبين في محله عدم كونها من الامور المجعولة . بل هي أمر تكويني ولو على فرض تسليم المحال الاول لا يمكن تسليم الثاني من مجعولية جزء السبب . لأنه بعد جعل السبب ينتزع الجزئية بالنسبة إلى بعضه ثمّ يجري البرائة .

تلخيص: منع بعضهم جريان البرائة في قيد قصد القربة والأمر في متعلق

ص: 241


1- . فوائد الاُصول 1/165 .

التكليف وفرق بينه وبين ساير القيود التي تجري البرائة فيها إلاّ انّ الفرق انما يتم بتصوير ثلاث محالات في ما نحن فيه . وحيث انها لا تتم فالمقام كأمثاله في جريان البرائة .أحدها: أن يكون الغرض تحت الأمر أو نكون نحن مكلفين بحكم العقلبتحصيل الغرض وليس الأمر في الواقع كذلك لعدم وقوع النتائج والأغراض تحت الأمر . بل ما تعلق به الأمر هو المأمور به بقيوده واجرائه ولا يجب علينا تحصيل أزيد من ذلك .

ثانيها: كون السببية مجعولة لكنها أمر تكويني لا تناله يد الجعل اثباتا ولا نفيا .

ثالثها: كون الاجزاء أيضا مجعولة كي اذا شككنا في الدخل تجري البرائة في ذلك مع اجتماع باقي القيود وهو ممنوع .

في كيفية جعل الأحكام: وهل هو على نحو القضايا الخارجية أو الحقيقية ؟ فنقول:

ان الحكم في القضيّة الخارجية دائر مدار الموضوع وجودا وعدما ولا انفكاك بينهما . والحكم فيها فعلى ولا يعقل عدم فعليته وانفكاكه عنه وتخلفه عن الموضوع . للزوم الخلف والمناقضة المحالين . بخلاف القضايا الحقيقية . فان الحكم وان ينشأ على فرض وجود الموضوع ولحاظه لكن . لا ملازمة بين جعل الحكم وانشائه وفعلية الموضوع لامكان عدم وجود الموضوع دهرا طويلاً مع عدم استلزام ذلك انثلاما في ناحية جعل الحكم وانشائه . وليس جعل الحكم وانشائه على نحو القضايا الطبيعية . نعم ان كان فبمعنى عدم أخذه ونشره وانبساطه

جريان البرائة في قصد القربة

الفرق بين القضيّة الخارجيّة والقضيّة الحقيقيّة

ص: 242

على لوازم وجود الموضوع والا فلا معنى لجعل الحكم على الموضوع الذي هو الطبيعة بما هي طبيعة لأنها ليست كذلك الا هى . فمحط الأحكام والانشاءات انما هي الوجودات لا الطبايع .

لكن الكلام في الجعل . هل هو على نهج القضايا الحقيقية أو الخارجية التيلابد للمولى من الجعل كل حين وآن بل ربما يستلزم ذلك المحال عادة باعتبارعدم شمول خطاب صلوا مثلاً المتوجّه إلى حضار مجلس النبي صلی الله علیه و آله أو زمانه لغير هم أو في غير ذلك الوقت . نعم لا يلزم ذلك في القضايا الحقيقية . ولذا لابد في الخارجية في تعميم الخطاب إلى غير الموجودين في عصر النبي صلی الله علیه و آله أو في مجلس الخطاب أو غير المشافهين من دليل الاشتراك .

ثم ان معنى القضية الحقيقية . هل هو بمعنى أخذ العناوين متعلقات الأحكام بحيث تكون هي العبرة والصراط إلى جعل الأحكام على المعنونات نظير الوضع العام والموضوع له الخاص . فهذا يرجع إلى القضية الخارجية . كما ان الأمر كذلك في الجعل على نحو العنوان المشير . بل ما ذكرنا هو عينه كان يقول كل من في الدار أو في الصحن . وان كان من الممكن في القضية الحقيقية أيضا كذلك . كان يقول كل من يوجد في الدنيا أو امثال هذا التعبير . الا ان العبرة في الخارجية والحقيقية بغير ذلك . وهو ان في الخارجية لا يتوسط عنوان ينطبق على الموضوعات بين الحكم وبينها بخلاف الحقيقية . فاذا قال يدخل داري كلّ من كان صديقى فلا يجوز لعدوّه دخول داره لعدم انطباق هذا العنوان عليه . بخلاف ما اذا اذن له في الدخول بخيال انه صديقه . والمأذون له يعلم بعدم رضاه بدخول العدو داره . لكنه حيث تخيله صديقا اذن له .

ص: 243

فاذا تبين هذا يعلم طريق حل مسائل عديدة في الفقه والاُصول المبتنية

على هذا من كون الاحكام في جعلها على نحو القضية الحقيقية أو الخارجية . ففي بيع الكلي اذا باعه عبدا واشتراه المشتري بخيال انه كاتب أو خياط فانكشف الخلاف . فهذا حيث يكون علة لبيعه وغرضا له فلا يضر تخلفه كما في ما ذكرنا في ما سبق من مثال تعليلية خيال صداقة العدو لمن اذن له في اذنه لدخول داره وليسكذلك القضايا الحقيقية كما في بيع الكلي بأن باعه عبدا فسلم له حمارا حيث انالمبيع انما هو الكلي الذي لا ينطبق على ما سلمه إليه بحيث لو أمكن تسليم الكلي في وفائه بالبيع مخلّىً عن جميع لوازم الافراد والخصوصيات الفردية لكان وفاءً كما في متعلقات التكليف لعدم كونها واقعة موقع الموضوع ومتعلق التكاليف . ولذا يكون مثل عنوان الفقير الذي هو عنوان كلي مالك للزكوة كبعض الأوقاف مثل الوقف على المدرسة وساكنيها فانه حين اشتداد حبات الحنطة مثلاً لا يكون من يسلم إليه نصيبه من الموقوف موجودا في المدرسة ومن طلابها وحين التسليم بزمان ينطبق عليه هذا العنوان فتدبر جيدا .

تلخيص الكلام: في الفرق بين القضيتين ان القضية الخارجية لا يكون للعنوان فيها دخل أصلاً واذا لوحظ فانما هو للاشارة الى الذات الشخصية بخلاف الحقيقية . فانه لا يلاحظ الذات فيها بل الحكم على العنوان . ولا يلزم وجود فرد منه في الخارج أصلاً . بل لو كان فانما هو من باب الاتفاق على خلاف الخارجية التي لابد من وجود الموضوع فيها محققا .

ولا يعقل الانفكاك بين الحكم والموضوع ولو آنا ما في الخارجية فانهما كليهما فعليان .

ص: 244

وبين عدم الدليل في كون الأحكام على نحو القضايا الحقيقته دون الخارجية .

نعم لو لوحظت الأدلة في الأحكام فمثل الخطابات الخاصة يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا وكتب عليكم الصيام وامثالها فانما هي خطابات خاصّه لا تشمل المعدومين .في تصوير الواجب المشروط(1) والمعلق: ثم بيان الفرق بين نحويالقضية وكيفية تعلق القيد وانه بأي شيء يتعلق مثلاً اذا قلنا ( ان بنى هنا مسجد فصل فيه ) أو ( حجّ ان استطعت ) فتارة نقول ان التعليق والقيد تعلق بالانشاء . فهذا

في الواجب المعلّق والمشروط

ص: 245


1- . في تصوير الواجب المشروط أي الوجوب المشروط ثلاثة وجوه بل أقوال: 1 - قول المشهور من توقف الوجوب على حصول شرطه في الخارج . 2 - تحقّق الوجوب منوطاً لا مطلقاً ولا يصلح للبعث إلاّ بعد تحقّق شرطه في وقته . 3 - فعليّة الوجوب مع تحقّق شرطه بعداً وترتب الأثر عليه ويشير إلى القول الثاني كلام الكفاية كفاية الاُصول 1/145 قال: المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله فلابدّ أن لا يكون قبل حصول طلب وبعث وإلاّ لتخلّف عن انشائه وانشاء أمر على تقدير كالأخبار به بمكان من الامكان كما يشهد به الوجدان وأصرح منه كلام الحقائق ( حقائق الاُصول 1/232 ) . قال موضوع هذه الاُمور نفس الوجود اللحاظي الذي يرى خارجياً غير ملتفت إلى كونه لحاظيّاً فهو فان فيه فناء الحاكي في المحكي وقريب منه ما في النهاية نهاية الأفكار 1/296 - 302 . وإلى الثالث كلام المحاضرات حيث فصّل بين ما يكون متعلّق الوجوب ذا ملاك فعلاً وما يكون ذا ملاك في ظرف متأخّر فالوجوب في الأوّل فعلي وإن كان تحقّق الفعل خارجاً يتوقّف على مقدّمات إمّا باختيار المكلّف أو خارجة عن اختياره ومن هذا القبيل الصوم والحجّ فان وجوب الصوم فعلي بعد دخول الشهر وهذا لا يمكن إلاّ بالالتزام بتماميّة ملاكه من الليل وكذا الحال في وجوب الحج بعد الاستطاعة فالوجوب حالي والواجب استقبالي وفي الثاني أي ذي ملاك في ظرف متأخّر لا يكون الوجوب فعليّاً . أقول: وهذا يرجع في الحقيقة إلى الواجب المعلّق ومثل الوجه الثاني يرجع إلى الثالث فتدبّر . محاضرات في اُصول الفه 1/150/151 .

محال . حيث ان الانشاء لا يمكن أن يكون مقيدا ومعلّقا لأنه اما موجود أو معدوم .

واخرى يكون القيد معلقا على المنشأ أي النسبة فهي أيضا لا يمكن أن يتعلق بها القيد لعدم كونها متصورة لما بنينا في المعاني الحرفية على عدم مفهوم لها(1) بل انما لها المعاني التي توجد في موطن الاستعمال ومعانيها ايجادية لا لكونها معاني جزئية فلا يعقل تقييدها . لما اجيب عن ذلك بالالتزام بكونها كليّات لا انها جزئية . وحينئذٍ فاذا لم يمكن تقييد المعاني الحرفية لعدم كونها متصوراتومعقولات لكون هذا من الاصول الأصلية فيها والركن الركين فيها هو عدم معقوليتها . واذا دخلت تحت التصور خرجت عن كونها معاني حرفية وتبدلت اسمية فيبقى كون التعليق في المعاني الافرادية وهو أيضا لا يعقل وان نسبه في التقريرات إلى الشيخ قدس سره لكنهم أنكروه ونسبوا ذلك إلى الاشتباه . وعلى كلّ حال فالأمر واضح . وإن كان في المسألة خلاف . لأنها اذا تعلقت القيود والتعليقات بالمواد أي الاكرام في نحو قولنا ( اكرم زيدا ان جائك ) أو الصلاة في نحو قولنا في المثال السابق ( ان كان هنا مسجد فصل فيه ) فيرجع إلى الواجب المعلق وتكون المقدمات من المقدمات الوجودية لا الوجوبية . وعلى هذا فيكون اذا دخل الوقت فصل أو(2) ( وجبت الصلاة والطهور ) راجعا إلى ان الصلاة في الوقت واجبة .

ص: 246


1- . والكلية والجزئية فيها انما هي على المذاهب المربوطة بالكلي الطبيعي وان الفرد الموجود في الخارج هل هو عين الكلي أو لا على ما سبق في بحث المعاني الحرفية .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/1 - 5 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 20 / 22 واللفظ إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر فاذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة وفي الباقي قريب من هذا . وسائل الشيعة 1 الباب 4/1 من أبواب الوضوء إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة الخ .

وحينئذٍ فالمقدمات التي يمكن للمكلف ايجادها في الحال الحاضر . عليه أن يحصلها كما في الحج . فان الحج واجب الآن لكن في الموسم أي ظرف ايجاده هناك ووجوبه الآن والحاصل انه يجب تحصيل كلّ من المقدمات التي في قدرة المكلف .

نعم حيث ان الوقت ليس جرّه في قدرته لا يمكن التكليف به بخلاف الستر والوضوء أو الاستطاعة في ما نحن فيه . الا انه في المقام شيء آخر يكون القيد مرتبطا به ومعلقا عليه . وهو انه حيث ان معنى الهيئة ايجاد النسبة بين الفعل والفاعل بمعنى كون المكلف مصليا تشريعا . فيكون تكوينه على طبق تشريع المولى . فقبل ايجاد النسبة لا يكون هناك تعليق ولا قيد وكذا بعده بزمان . نعم فيالرتبة المتأخرة عن رتبة ايجاد النسبة الطلبية بين الفعل والفاعل . يحصل التعليقويتعلق القيد على المادة لكن لا بما هي هي بل بما انها منتسبة إلى الفاعل . فالقيد يرجع في الحقيقة إلى الهيئة لكن لمكان عدم امكانه لما سبق يتعلق بالمادة المنتسبة . ونتيجته ضيق النسبة المرتبطة إلى هذه المادة أيضا كما انه اذا لم يكن محذور في تعليق الهيئة بالشرط وتعليق الوجوب على المقدم فينتج هذا الذي ذكرناه .

خلاصة الكلام في الواجب المشروط(1) .

ظهر ممّا ذكرنا ان بناء المحقّق النائيني قدس سره فيه على رجوع القيد(2) والشرط

ص: 247


1- . قال في المحاضرات بعد تجويز الشرط المتأخّر ثبوتاً والحاجة في مقام الاثبات إلى الدليل ان الأحكام الشرعيّة بشتّى أنواعها امور اعتباريّة فلا واقع موضوعي لها ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار وقال فكما يمكن للشارع جعل حكم على موضوع مقيد بقيد فرض وجوده مقارناً لفعليّة الحكم يمكن له جعل حكم على موضوع مقيد بقيد فرض وجوده متقدّماً على فعليّة الحكم مرّة ومتأخّراً عنها مرّة اُخرى وقال فاذا كان أمره بيده وضعاً ورفعاً سعة وضيقاً كان له جعله بأيّ شكل ونحو أراد وشاء فلو كان جعله على الشكل الثالث فبطبيعة الحال تتقدم فعلية الحكم على فعلية موضوعه كما انه لو كان على الشكل الثاني تتأخّر فعليّته عن فعليّته وإلاّ لزم الخلف . محاضرات في اُصول الفقه 44/135 - 136 .
2- . فوائد الأصول 1/180 إلى 182 .

إلى المادة المنتسبة لا إلى المادة لرجوعه إلى الواجب المعلّق وكون معنى حرمة الخمر حرمة ايجادها مثلاً للزوم رجوع الحكم إلى فعل المكلف والا فلو رجع إلى غيره لزم ما ذكرنا . وكذا لا معنى لرجوعه ( أي القيد ) إلى الهيئة لكونها معنى حرفيا

غير قابل للاخطار والتصور في الذهن ولا مفهوم له كي يقيد لا لكونه جزئيا والجزئي لا يكون قابلاً للتقييد . كي يجاب عنه بأنه كلي مع ان الكلية والجزئية هنا ليست كساير المقامات . بل بمعنى النزاع المعروف في الكلي الطبيعي وانه هل هو موجود في الخارج اصالة أو تبعا أو لا وجود إلاّ للأفراد . والكلي ليس بموجود في الخارج .والحق المحقق انه يوجد الكلي في الخارج اصالة غاية الأمر نسبته إلىالأفراد نسبة الآباء إلى الأولاد فحينئذٍ يتشخص ويوجد لعدم امكان غيره . وعلى هذا يتوجه الاشكال . وانه اذا كان القيد راجعا إلى المادة المنتسبة فيلزم النسخ في قولنا اكرم زيدا ان جائك . والجواب انه انما يلزم اذا كان هناك تأخر زماني لا رتبي ففيه لا اشكال هذا . وان رجع القيد إلى الطلب كما هو المساعد عند العرف فيلزم الجواب عن اشكالين مذكورين في الكفاية بنحو ما أجاب . وتظهر الثمرة في موارد شتى في المسألة الفقهية مضافا إلى الأصولية فراجع وتأمّل .

والحاصل ان الفرق بين الواجب المطلق والمشروط . ان في ( المشروط ) يتعلّق الحكم . والوجوب على فرض وجود قيده . بحيث يدور الوجوب مداره وجودا وقبل وجوده لا وجوب . فاذا وجد في الخارج وتحقق يصير الوجوب فعليا . بخلاف المطلق فانه لابد من تحصيله . فاذا قال صل في المسجد مثلاً فان كان قيدا للواجب فاللازم تحصيله دون الوجوب . وقد تحقق مما ذكرنا ما نسب

في الواجب المشروط

ص: 248

إلى الشيخ قدس سره وارجاعه القيد إلى المادة وبينا انه لا يعقل وان الحق رجوعه إلى المادة المنتسبة على ما سبق .

وحاصل الكلام انه تارة يكون الحكم بالنسبة إلى شيء مشروطا فما لم يوجد لا حكم لتوقّف مصلحة الحكم على وجوده كما في الوقت حسب ما يرشد إليه قوله علیه السلام ( إذا دخل الوقت(1) إذا زالت الشمس وجبت الصلاة والطهور ) واخرى لا يكون له دخل في المصلحة بل في تحقّقها لأخذه من قيوده وشرايطه لا مما يرتبط إليه المصلحة بحيث يوجد الحكم بدونه ولا يمكن الامتثال الا به .الشكّ في تقيد الوجوب أو الواجب:

ثم انه تارة يكون ما له الدخل أمرا غير اختياري فلا يعقل كونه قيدا للواجب لعدم كونه تحت قدرة المكلف . كما انه لا يمكن تقيد الوجوب به بعد فرض وجوده لرجوعه إلى تحصيل الحاصل . واخرى يكون داخلاً تحت الاختبار فيمكن كونه ثبوتا قيدا للواجب أو الوجوب . فان ظهر من كلام المولى أحدهما من كونه قيدا للواجب أو الوجوب فهو . والا ففي صورة الشك كما إذا لم يكن القضية شرطية فانها في الأغلب لبيان اشتراط الوجوب ولم تكن مثل قوله ( صلّ في المسجد ) فانه ظاهر في كونه قيدا للواجب . فالأقرب جريان البرائة عن الوجوب عند فقد ذلك القيد الذي يشك مع فقده في الوجوب . هذا خلاصة الكلام في الواجب المشروط والمطلق . ولا يخفى ان المراد بالمشروط انما هو بالنسبة إلى شيء خاص كالاستطاعة في الحج مثلاً والا فلا واجب لنا مطلق بل كلها

ص: 249


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/1 - 5 - 8 - 9 - 10 - 21 من أبواب المواقيت . واللفظ اذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر وفي بعضها فقد دخل وقت الصلاتين والوسائل 2 الباب 14/2 من أبواب الجنابة والتعبير إذا دخل الوقت .

مشروطات ولو بالشرايط العامة كالعقل والبلوغ مثلاً .

في تصوير الواجب المعلّق:

ثم ان بعضهم صور في المقام واجبا آخر وزاد تقسيما آخر للواجب من كونه منجزا أو معلقا . وقال بارجاع جميع الواجبات إليه للفصل بين زمان البعث والانبعاث ولو في الواجبات المطلقة غير المشروطة بآن وهذا هو معنى التعليق ووجوب مقدمات الحج من المسير مع عدم فعليّة خطاب مناسك الحج وعدم حضور الموسم . وكذلك في الصلاة فانه ان كان وجوب التكبيرة مشروطا باتيان آخر جزء من الصلاة فيرجع إلى الوجوب المشروط .

واصرّ على تصوير الواجب المعلّق جماعة من الفطاحل وانه يرجع إلىالواجب المشروط لعدم الفرق بين الوقت وغيره .توضيح ذلك: انه لمّا كان من اللازم لمريد الحج وحضوره في عرفات واتيانه بالمناسك الخروج قبل يوم عرفة بمدة كي يدرك المناسك في الموسم مع عدم وصول زمان ايجاد تلك الأفعال في مواقعها . والصبر إلى وصول وقتها ثم الاقدام في السير موجب لفوات الوقت . اذ لا يدركها . وقبل ذلك لا تكون تلك الأفعال واجبة التجأ جماعة في الفرار عن محذور وجوب مقدمة الشيء قبل وجوب ذيها في المقام ونظائره ( كباب وجوب التطهير عن الجنابة قبل الفجر في صوم يوم واجب الصوم . مع عدم وجوب الصوم قبل الفجر . بناء على مانعية نفس الجناية مضافا إلى البقاء عليها ( ولذا يندفع التناقض المتوهم في بعض عبارات الفقهاء بذلك لامكان استفادة ذلك أي مانعية نفس الجنابة من بعض الاخبار(1)

في الواجب المعلّق

ص: 250


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 14/1 من أبواب الجنابة .

واحسن التعبير في نجاة(1) العباد حيث ترقى بعد ذكر البقاء ( بل في عد الجنابة نفسها ) فراجع . وفي الفحص عن حصول الاستطاعة أو بلوغ ماله النصاب في الشبهة الموضوعية ووجوب تعلم الأحكام أو السورة أو خصوصيات الصلاة قبل أوقات هذه أو قبل وجوب ذي المقدمات . التجاء إلى الالتزام بالواجب المعلق . كما انه ذهب جماعة إلى تصوير المقدمة المفوّتة وهذه أيضا تتصور على نحوين وتقرب بتقريبين ولعل أحدهما يرجع إلى الوجوب النفسي . اما لحصول ملاك الوجوب فيه أو لعدم لزوم اللغوية . وهرب بعضهم عن الاشكال بالتزام الوجوبالنفسي حتى في المسير إلى الحج وبعضهم إلى الالتزام بالشرط المتأخر .

والحاصل ان للتفصى عن الاشكال في هذه المقامات لكل مهرب وممّنأصرّ على الوجوب المعلق صاحب الجواهر قدس سره (2) في اوائل كتاب الطهارة وبالغ في ايضاح ذلك صاحب مصباح الفقيه(3) . ومستندهم في تصوير الواجب المعلق

والتزامه انه لو لم يكن كذلك لزم عدة توالي باطلة .

منها: عدم وجوب هذه المقدمات لعدم الوجوب قبل الوقت . وبعد دخوله يفوت الواجب أو لا يقدر عليه . فلا يكون واجبا .

ومنها عدم امكان اتصاف الواجب بالوجوب حين الخطاب لعدم تعقل عدم الانفكاك بين البعث والانبعاث اذ يتحقق الفصل بينهما ولو بآن ما و حينئذ فاذا فصل ذلك فلا فرق بين الآن أو أزيد منه إلى سنة أو ألف سنة مثلاً . لاتحاد المناط

ص: 251


1- . في نجاة العباد بعد عدّ السابع من ما يمسك عنه الصائم في شهر رمضان . قال: بل الأقوى البطلان بالاصباح جنباً وإن لم يكن عن عمد في قضاء شهر رمضان . نجاة العباد /165 وهذا غير ما ذكر في المتن .
2- . جواهر الكلام 1/40 .
3- . مصباح الفقيه 1/17 وما بعده .

في ذلك وكل الواجبات الشرعية كذلك هذا .

ولا يخفى عليك ما في هذه الأدلّة من الضعف .

اما ما ذكروه من لزوم عدم وجوب هذه المقدمات فقد ذكرنا ان لكل منها مهربا . ونحن بنينا في محلّه على الوجوب . اما بملاك المقدمة المفوّتة على تقريبهما أو نلتزم كمن يلتزم بالشرط المتأخر بلا احتياج إلى تصوير الواجب المعلق أو غير ذلك من الوجوه المقولة فيها .

اما لزوم الفصل بين البعث والانبعاث . ففيه ان في الصوم الذي هو من الواجبات المضيقة لا اشكال في امكان الامتثال من أول وقت وجوبه . غاية الأمر لعدم حصول المعرفة بذلك في اول آنه الدقي ينوي الصوم من اوله ويحيل ذلك إلىلبّ الواقع لان الآن الاول الذي يفرض فيه عدم فعلية الخطاب أو عدم اتصاف الفعل بالوجوب أو عدم امكان اتيانه فيه . ان كان دخيلاً في الوجوب فيكون جزءاللموضوع والموضوع بعد لم يتم . فاذا فرض ان الموضوع ولو كان ذا أجزاء تمت اجزائه . فحينئذ لا يعقل انفكاك الواجب عنه ويكون الحكم بفعليته فعليا وبوجوده موجودا اذ لو لم يكن كذلك يلزم عدم كون ما فرضناه موضوعا موضوعا مع انه موضوع . فيلزم اما الخلف أو المناقصة المحالان لكون الحكم بالنسبة إلى الموضوع كالمعلول بالنسبة إلى علّته . فكما انه يستحيل تخلف المعلول عن علته كذلك يستحيل تخلف الحكم عن الموضوع . ولذلك قد يعبر عن الموضوع بالسبب كما في الايجاب والقبول اللذين يعبر عنهما بالسبب للملكية ولا سببية حقيقة لا في الأحكام التكليفية ولا في الوضعية . كما اذا كان للان الثاني أيضا في الصوم دخل ينقل الكلام فيه حرفا بحرف إلى انتهاء آنات اليوم فيلزم خروج الواجب أي

ص: 252

الصوم عن وجوبه هو كما ترى .

تلخيص: قد عرفت مما ذكرنا ان الأحكام الشرعية على نهج القضايا الحقيقية يفرض فيها وجود الموضوع وينشأ الحكم ويكون فعلية الحكم بفعلية موضوعه فاذا لاحظ المولى الموضوع بالنسبة إلى كل شيء فاما أن يرى لشيء دخلاً في مصلحة حكمه وجودا وعدما أو لا يرى ذلك .

وعلى الثاني: يكون الحكم مطلقاً بالنسبة إلى ذلك الشيء . وعلى الأول فيكون مشروطا فيفرض وجوده بجميع حدوده وقيوده وما لم تجتمع تلك القيود والحدود لا يكون الحكم فعليا . سواء كان ذلك القيد زمانا أو زمانيا . فطلوع الفجر في الصلاة أو الصوم لا معنى لكونه قيدا للواجب دون الوجوب . اذ على ما ذكرنا لا يعقل الانفكاك بين الموضوع والحكم . فما لم يكن الموضوع فعليا بجميع ما له الدخل ولو الوقت لا يكون الحكم فعليا للزوم الخلف والمناقضة . فالقضاياالشرعية لا تخرج عن أحد هذين النوعين . اما أن تكون مطلقات أو مشروطات .غاية الأمر لا يكون لنا مطلق ولا مشروط مطلق . بل كل منهما بالاضافة إلى بعض القيود يكون كالآخر ولو كان وجود الموضوع أو الشرايط العامة .

نعم القدرة اذا كانت عقلية يمكن أن تكون شرطا للخطاب . والا فان كانت شرعية تكون كساير ما له الدخل في الحكم من شروطه ودخيلة في المصلحة اذ لو لم يكن الحكم فعليا عند وجود الموضوع يلزم الخلف والمناقصة .

والحاصل: ان ما يلاحظه المولى عند الانشاء انما هو الموضوع بقيوده وحدوده فيفرض وينشأ الارادة المنوطة وبفعليّة الموضوع وقيوده يكون الحكم فعليا ويوجد المنشأ .

جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقيّة

ص: 253

ان قلت: فعلى هذا يلزم الانفكاك بين الانشاء والمنشأ وذلك لا يمكن كما في الايجاد والوجود .

قلت: لا يخفى ان قياس باب الشرعيات بالتكوينات ليس في محله لأن في باب التشريعيات من بيده الاعتبار والجعل يمكن أن ينشأ الحكم فالانشاء يكون فعليا . والمنشأ إنما يوجد بعد . ولا اشكال في ذلك كما في الملكية المنشأة في الوصية بعد الموت . فالانشاء إنما يكون حين الحيوة . لكن المنشأ وهو الملكية انما توجد بالموت . وإلا فلو اوجد في زمن حياته يلزم الخلف . وعلى هذا فلا مجال لقياس أحدهما بالاخرى .

ان قلت: اذا كان باب التشريعيات غير باب التكوينيات فأي مانع من أن ينشأ الحكم فعلاً ويكون الوجوب حاليا والواجب استقباليا . أو بلحاظ وجود الشرط في ظرفه وموطنه يكون الحكم فعليا . ولازمه ترتيب الآثار التي لا يمكنه بعد ذلك كالاتيان بمقدماته التي لا يتمكن منها في غير هذا الحال مثلاً مع عدموجود شرطه وهذا غير الوجود العلمي .قلت: اذا فرض اناطة الحكم بالموضوع مع الشرط . فان وجد الحكم قبل ذلك يلزم الخلف اذ معنى الاناطة والتوقف هو هذا . فما لم يصر فعليا وموجودا لا يوجد المنوط لرجوع القيود إلى الموضوع . فمعنى ان جائك زيد فأكرمه هو اكرام زيد الجائي وهذا يناقض ما ذكر من امكان الواجب التعليقي أو الواجب المشروط بالشرط المتأخر .

ان قلت: ان القيود في الواجبات المشروطة انما ترجع إلى الحكم وتكون حيثيات تعليلية للأحكام وان الموضوع مقيد بها . وما ذكرنا هو الذي يساعد عليه

ص: 254

القواعد العربيّة والظاهر المتفاهم العرفي .

قلت: هذا دعوى على اللغة ومكابرة مع الوجدان(1) .

نعم، يمكن الاشكال في الواجبات التدريجيّة مطلقاً وفي المضيقات منها كالصوم خصوصا لعدم حصول وقت الواجب المضيق الممتد إلى الغروب في الصوم . فبأي موجب يجب الامساك عند أول آن من طلوع الفجر والفرض ان المسلم هو رجوع القيد في « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ » إلى الصيام أي الصيام إلى الليل واجب .

فيرجع إلى حكم واحد على موضوع تنحل إلى آنات متعددة من أول الفجر

إلى آخر النهار ولذا يكون تكفير من يفطر لعلمه بحدوث مانع من الصحة أو الوجوب عليه في أثناء النهار قبل حدوث الحادث على خلاف القاعدة . اذ لا نقول بأن كل آن له صوم وخطاب مستقل منبسط عليه . وكذلك الأمر في صلاةأربع ركعات مثلاً ففي مثل هذه الموارد لابد من الالتزام بالواجب المعلق .تقريب الواجب المعلق بنحو آخر(2):

لا ينبغي الاشكال في امكان تكليف المولى عبده بالاتيان بشيء بعض ما له دخل فيه غير اختياري له . لكنه يحصل قهرا عليه لعدم كون القدرة شرط الخطاب بل هي شرط الامتثال . فلو لم يكن العبد حين فعلية الخطاب وتوجهه إليه قادرا على المأمور به . لكن يقدر على الاتيان به في ظرفه الذي جعله المولى قيدا له

مناقشة الواجب المعلّق

ص: 255


1- . لا يخفى ما في هذا الجواب وهذا خلاف المسلم .
2- . قد التزم بالواجب المعلّق ثبوتاً شيخ مشايخنا الآقا ضياءالدين العراقي رحمه الله وتبعه كثير من تلامذته كتصوير الوجوب المشروط كما أشرنا إليه في بعض الهوامش السابقة . نهاية الأفكار 1/312 .

( أي الواجب ) فلا قبح في فعليّة الخطاب وان لم يكن حينه قادرا . ولا مانع من كون الخطاب والحكم فعليا والواجب استقباليا .

اذا تقرر هذا، فنقول ان في مقام الاثبات بعد عدم المانع في مقام الثبوت في تصوير الواجب المعلق لابد أن ينظر إلى ظاهر الدليل فان كان بحيث علق الخطاب والحكم على فرض وجود شيء لا يكون الخطاب ولا يصير فعليا الا بعد فعلية الموضوع والقيود التي فرضت في فعليّة الحكم كما اذا قال ( إذا زالت الشمس وجبت الصلاة والطهور )(1) وإن لم يوجه الخطاب الحامل للحكم كذلك . بل وجهه بلا تعليق على شيء . لكن جعل للمطلوب قيدا فاللازم في ما اذا كان مقدورا للمكلف تحصيله مع القيد كما اذا قال ( صل في المسجد ) أو ( صل مع الطهارة ) فان لم تكن الطهارة حاصلة أو المسجد موجودا فاللازم تحصيلهما في صورة القدرة . اما اذا لم يكن مقدورا كما اذا قال ( صل عند الظهر ) والمفروض انالظهر بعد لم يحصل . فحينئذٍ لا مانع من كون الخطاب فعليا وفي ظرفه له القدرة على الصلاة فينتظر بفعليّة الوقت لزوم الامتثال . ونتيجة هذا القسم من الخطاب والتكليف تظهر في موارد عديدة . كما إذا لم يكن قادرا في الوقت على تحصيل الماء والطهارة أو الستر وأمثال ذلك . فاللازم تحصيلها لكون الخطاب والحكم فعليا بالنسبة إليها والا فلا يبقى فرق بين الطهارة والاستطاعة ويكون الطهارة كالاستطاعة قيدا للوجوب لا للواجب . ومجرد عدم القدرة حين فعلية الخطاب على اتيان الواجب لا يكون موجبا لانكار الواجب المعلق . لوجود هذا المناط في

ص: 256


1- . وسائل الشيعة، ج2 الباب 14 من أبواب الجنابة، ح2 . والعبارة إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة والوسائل، ج4 الباب 4، ح1، 5، 8، 9، 10، 21 إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر وفي بعضها فقد دخل وقت الصلاتين .

مثل خطاب صل مع الطهارة لعدم القدرة أول الوقت على امتثال هذا التكليف .

فالذي يقول بالواجب المعلق كصاحب الفصول ومن تبعه قدّس اللّه أسرارهم . ينبغي أن يكون نظرهم في ذلك إلى ما ذكرنا وما وجه به كلامهم أو جعل غرضا لهم من الأمور التي ذكرناها سابقا من عدم وجوب السير إلى الحج أو لزوم الانفكاك بين الانشاء والمنشأ .

فتحصل من ما ذكرنا النظر في كلام المحقّق النائيني المنكر(1) للواجب المعلق لعدم الفرق بين الزمان وغيره في لزوم فرض وجودهما .

لما عرفت من منع لزوم الفرض بل نحن نفينا الاشكال عن امكان الواجب

المعلق ثبوتا . ونتبع الدليل في مقام الاثبات فاذا كان ظاهر قضية شرطية فرض وجود الموضوع بما له من القيد فنقول بالوجوب المشروط وان لم يكن كذلكفيكون منجزا أو معلقا فما ذكره قدس سره في هذا المقام لا يمكن المساعدة عليه(2) .توضيح وتبيين: اعلم ان عمدة نظر منكر الواجب المعلق إلى الانفكاك بين البعث والانبعاث . وان الوجوب حالي والواجب استقبالي . ولا يمكن للمكلف اتيان الواجب حين فعليّة الوجوب وأي فائدة لمثل هذا الواجب الذي ليس في قدرة المكلف اتيان متعلقه بل يستحيل فعلية الخطاب والحكم بلا قدرة على اتيان المتعلّق فاللازم حينئذٍ كون الوقت مفروض الوجود كساير ما للواجب المشروط من قيود الوجوب اللازم أخذها مفروضة كي يكون الوجوب فعليا حين فعليتها

ص: 257


1- . فوائد الاُصول 1/187 .
2- . قد التزم بالواجب المعلّق امكاناً وقوعاً وثبوتاً واثباتاً غير واحد من الأعاظم تبعاً لصاحب الفصول وللمحقّق العراقي كما التزم بذلك السيّد الخوئي على ما في تقريرات بحثه وهو الحق . محاضرات في اُصول الفقه 44/174 - 175 .

وانشائيا ما لم تكن هذه القيود حاصلة في الخارج .

والحاصل: انه ليس فرق بين الوقت الذي هو غير مقدور للمكلف ومثل الاستطاعة التي مقدورة التحصيل . فكما انها اخذت مفروضة الوجود فليكن الوقت كذلك وأي موجب أوجب الفرق بينها وبين الوقت .

وقد يقال بوجود الفائدة في ذلك . فان الثمرات المترتبة على كون الوجوب فعليا والواجب استقباليا مما لا تكاد تخفى .

منها لزوم حفظ الماء الذي لا يقدر في الوقت مثلاً على تحصيله . ومنها حفظ المقدمات التي ليس في قدرة المكلف فعلها في الوقت وحين حصول ظرف الواجب . هذا مع ورود النقض عليهم بانه أي سبب يوجب على المكلف الذي يعلم بحصول الموسم للحج . مع ان الاستطاعة المالية حاصلة له فعلاً بالسير إلى الحج . فان الوقت ما لم يصر فعليا موجودا . فلا وجوب لذي المقدمة كي يترشح الوجوب منه إلى المقدمة .فتكون واجبة . وفي ظرفه أيضا لا يقدر على ذلك . وكذلك في باقي الامور منها: مسئلة الصلاة والصوم، فانّ الصوم اذا كان واجبا في الوقت والوقت ليس ظرفا للواجب بل قيد للوجوب فما لم يكن موجودا بتمامه لوجوده التدريجي فلا معنى للوجوب الفعلي . وكذلك مسئلة الوجوب الفعلي في الصلاة لمن يتوقف امتثاله بالنسبة إليه على صرف مقدار من الوقت في تحصيل الطهارة أو غير ذلك من مقدمات الواجب الوجودية . فاذا أمكن الانفكاك بين الوجوب والواجب بهذا المقدار فلا فرق بينه وبين الأزيد لأن الدليل الذي استند إليه عقلي لا يقبل التخصيص .

ص: 258

نعم إن كان الظرف والوقت في الصوم قيدا للوجوب فكل آن صوم وله خطاب مستقل يمكن دفع الاشكال(1) .

لكنّه يتضمن محاذير: منها: وجوب الصوم بالنسبة إلى من يعلم غدا بحصول مانع له من اتمام الصوم من مرض أو سفر أو غير ذلك مع لزوم الكفارة بالنسبة إليه على القاعدة لو افطر وكذا في آخر الوقت اذا زال عنه المرض أو الموانع الاخر . بل في كل حين من الوقت لانحلال الوجوب والخطاب بانحلال آنات النهار مع انه خلاف ما تسالم عليه الفقهاء ظاهرا هذا . مع انا نرى العقلاء في امورهم العرفية حسب ما اعتادوا عليه يقدمون تحصيل المقدمات التي لا يمكنهم تحصيلها في ظرفها حتى بالنسبة إلى الامور التي ليست بتمامها تحت اختيارهمبل عمدة ذلك بيد الغير كأمر استقبال الوافد فانه ليس ايراد الوافد بيدهم . مع انك تريهم يتهيّئون ويهيّؤون المقدمات التي لو تأخّروا عن تحصيلها لا يمكنهم تحصيلها في وقتها عند وفود الوافد الذي يريدون استقباله . مع ان ذي المقدمة وهو الورود بعد لم يحصل . فهذا ونظائره مما يوجب خفة الانكار على القائل بالواجب المعلق . وان كان لكل من المنكر والمثبت مقويات . فللمنكر نفي الفائدة في كون الوجوب فعليا والواجب استقباليا .

والجواب عن اشكال المقدمات المقومة بالوجوه التي اجيبت وكذا انكار

ص: 259


1- . إلاّ أنّه أيضا لا يمكن لأنه حين وجود الزمان والوقت الذي هو قيد للوجوب تصرم الظرف الذي يجب فيه الصوم الا أن يقال انه قيد بالنسبة إلى الآن اللاحق وهو خلاف مفروض المقام . ويمكن جريان الاستصحاب الاستقبالي لتحقق موضوع وجوب الصوم ويصوم فتدبر جيدا .

الشرط المتأخر . وللمثبت ايجاب المقدمات والجرى في الصوم والصلاة وأمثالهما على القاعدة . الا ان الذي يقوي في النظر عدم المانع من امكان الواجب المعلق . فأي شيء يوجب الانكار ويجعل الوقت كغيره وينفي الفرق بينه وبين القيود الاختيارية كالطهارة . فالطهارة لو كانت مثل الوقت فاللازم كون الصلاة مشروطة بوجودها . وهذا كما ترى . فتدبر في أطراف ما ذكرناه جيدا فان الحق مع المثبت للواجب المعلق .

الاشكال على منكر الواجب المعلق:

ربما يشكل على المنكر للواجب المعلق تصوير الأمر بالقضاء الذي يكشف عن أمر الأداء في ما اذا كان هناك المكلف فاقد الطهورين وقال بالقضاء خارج الوقت . فان الأمر بالأداء فعلي مع ان ظرف الواجب استقبالي فانفك الواجب عن الوجوب .

نعم من يقول لا يجب عليه الاداء ولا القضاء ففي فسحة عن هذا الاشكال فان التقيد بالوقت في الصلوة لا مجال لانكاره . حيث ان الوقت اهم من باقي القيود الا في خصوص جامع الطهور ففيه كلام . ولذا يجب على المكلف اتيانالصلاة في كلّ حال ولو لا يقدر على اتيانها تامّة على حسب ماله القدرة عليها بحسب حاله . وكذلك الاشكال في حق النائم . فان الخطاب بالنسبة إليه فعلى مع انه لا يقدر على الاتيان وظرف الواجب بعد ذلك وفي كلّ هذه الموارد وأمثالها لابدّ اما من الالتزام بالواجب المشروط وان الوقت الذي هو غير اختياري لابدّ من فرض وجوده في الحكم . كي يكون الحكم بوجوده وساير ماله الدخل في الموضوع فعليّا كما في كلّ حكم بالنسبة إلى موضوعه . فاذا لم يملك أربعين غنما

الاشكال على منكر الواجب المعلّق

بقيّة البحث في الواجب المعلّق

ص: 260

فلا حكم بالنسبة إليه وإن كان بالغا عاقلاً ويساوقه اشتراط الخطاب بالقدرة لا انها شرط للامتثال فقط . أو يتصور للحكم مراتب ثلاث . وهذا بناء على كون الأحكام مجعولة لها انشاءات أحد مراتبها مرتبة الانشاء .

والثانية: مرتبة الفعلية وهي المرتبة التي فيها يكون الحكم موجودا فعليا فيها لوجود موضوعه لكنّه لا بعث ولا تحريك . والمرتبة الثالثة مرتبة التحريك والبعث التي في هذه المرتبة يتحقق تضاد الأحكام في قول بعض . والا فهي في حد انفسها لا تضاد بينها كما اذا كان شيء أو انسان في آن واحد محبوبا بالنسبة إلى شخص ومبغوضا بالنسبة إلى آخر بخلاف مثل السواد والبياض فانهما متضادان حتى من فاعلين فلو أراد أحدهما ايجاد البياض والآخر السواد فلا يمكن اجتماعهما في الفعل والتلون للشيء بلونين في آن واحد ولو من شخصين . وباب الأحكام الشرعيّة التي هي اُمور اعتبارية عند هذا القائل باب الحب والبغض في مقام الجعل فلا تضاد بينهما . انما التضاد في مرتبة البعث والمحركيّة التي إن شئت فعبر عنها بمرحلة التنجز والمرحلة التي علم الحكم فيها بحيث كان فعليا من جميع الجهات لاستواء العالم والجاهل بالنسبة إلى الأحكام . لا أن يكونالعلم شرطا للفعلية . فان تصورنا للحكم هذه المراتب الثلاث امكن تصويرالواجب المعلق الذي هو في خصوص الوقت معلق على اتيانه والا فلا تعلق له بغيره لفرض فعليّته .

والحاصل: انه لا يصحّ مطالبة العاجز والتحريك في ارادته فاذا كان من الممكن الانفكاك بين مرحلة الفعلية ومرحلة التحرك فيمكن تصور ذلك وإلاّ فيرجع إلى امتناع فعلية الحكم والمطالبة مع عدم القدرة على اتيان متعلقه

مراتب الحكم

ص: 261

والانبعاث من قبل هذا الخطاب . فيصير الأمر بالاخرة إلى الالتزام بالواجب المشروط ولزوم فرض وجود هذا القيد كساير القيود من العقل والبلوغ ومنها ادراك الوقت لا أن يكون الوقت قيدا للواجب لعدم امكان فعليّة الحكم مع عدم وجود الموضوع بما له من القيود . اذ لابد من فرضه كما ذكر على ما تقدم ونسبة الحكم والموضوع نسبة السبب والمسبب . ولذا قد يعبر بذلك وحينئذٍ فلا مجال للواجب المعلق .

خلاصة الاشكال في الواجب المعلق .

استشكل تصويره من جهة عدم اتصاف المتعلّق قبل الوقت بالوجوب وانه لم يمتثل أمر الصلاة أو غيرها من المعلقات مثلاً اذا أتى بها قبل اوقاتها المعلق عليها الواجب . ولذلك لا وجه للنقض على منكر الواجب المعلق بالواجب الموسع لعدم مجيء هذا الاشكال هناك بخلاف ما نحن فيه . غاية الأمر في بعض أفراد الواجب الموسع ربما لا يكون له التمكن من الاتيان بالواجب في تمام الوقت لبعض الجهات التي لا أثر لها في ذلك . بل لو فرض رفع هذه الموانع وأتى بالواجب لكان متّصفا بالوجوب وينطبق عليه هذا العنوان .

نعم لو كان فاقدا للطهورين وعدم تمكنه من هذه الجهة فلا نلتزم بالوجوب أصلاً .والحاصل ان هذا الاشكال مختص بباب الواجب المعلق وهو الانفكاك بين الوجوب والواجب وعدم امكان اتصاف الفعل قبل الوقت بالوجوب .

وربما يخطر بالبال في حل الاشكال تصوير الفعلي من جهة كما ربما لابد من ذلك في ايجاب الاجتناب عن الاناء الباقي بعد تلف الاخر في مورد تعلق

خلاصة الاشكال في الواجب المعلّق

ص: 262

العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما مع كون العلم موجبا للتنجز حدوثا وبقاءً . فبقاء التنجز إنّما هو ببقاء العلم . فحينئذٍ يقال بكون التكليف بالاجتناب فعليا من جهة وغير فعلي من جهة . ولكن لا يخفى ما في هذا المبنى . اذ لو كان بنائه على كون العلم قيدا للموضوع فلا تكليف اذا لم يكن هناك علم . والا فلا معنى لكون التكليف فعليا من جهة وغير فعلي من جهة اخرى . لكون التكليف والحكم تبعا لوجود موضوعه فاذا لم يحصل بتمام قيوده وحدوده فلا معنى لوجود الحكم . والا يلزم الخلف والمناقضة . فاذا لم يحصل الدرك للوقت والاستطاعة والعقل والبلوغ حاصلة فلا حكم ما لم يحصل القيود الاخر .

نعم لابد من الالتزام بعدم القصور في العلم . وانما القصور في المعلوم . والا فلا يمكن تصوير تصحيح ما ذكره المحقق الخراساني قدس سره في مسئلة الاضطرار(1) وتلف أحد طرفي العلم الاجمالي إلاّ بهذا ولا يمكن المساعدة على ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره في هذا المقام .

وعلى كل فهذا أيضا مشكل وإن كان يرد النقض في انكار الواجب المعلق

بمسئلة الصوم والصلاة اللتين يتوقف فيهما الوجوب لأوّل جزء بآخر الوقت أوبالجزء الأخير ولابدّ من الالتزام بذلك فيهما . ولا محيص وحينئذٍ . فلابد من نفيالاشكال عنه ثبوتا لمحاذير تلزم الانكار كما لا وجه للنقض بالواجب الموسع كما سبق نظرا إلى الوجوب في آخر الوقت مع ان ظرف الواجب في آخر الوقت استقبالي . وذلك لان التخيير هناك بين الأزمنة الطولية في الوجود . وذلك مستفاد من الدليل الشرعي . واخرى يكون التخيير عقليا وليس اشكال الواجب الموسع

ص: 263


1- . كفاية الاُصول 2/216 - 218 .

ذلك . بل الاشكال فيه هو الترخيص في ترك الواجب في بعض الوقت ويمكن تصوير الواجب المعلق بناء على عدم جعل الاحكام بل هي عبارة عن الحب والبغض المتعلقين إلى متعلقاتهما ولا يوجد المولى الطالب لشيء فعلاً أو الزاجر عن شيء كذلك نسبة في الخارج . بل إنما يكشف عما في ضميره أو عن الحب والبغض والارادة النفسانية في ما يكون كذلك . ولا اشكال في انه لا ملازمة بين فعلية الحب والبغض وفعلية متعلقهما . نعم ربما يشكل الأمر في باب الوضعيات الايجادية بانه كيف يمكن تصويره في باب الوضعيات كالملكية والزوجية فانه ليس شيء هناك كي يوجد ويظهر حبّه بل لابدّ من الانشاء الذي هو المنشأ لترتيب الاثار في عالم الاعتبار . وإن كان لهم الجواب عن ذلك أيضا بكون ذلك بيد من بيده الاعتبار . وإنّما أثر ذلك في عالم الاعتبار كساير ما هو من هذا الباب . والألفاظ انما هي للكشف عما في ارادته وقلبه . ولذا قد يؤثر انقباضا وانبساطا لما معها من الرشح من المعاني والمتعلقات . فان وصلت النوبة إلى هذا فتصويره في نهاية السهولة . لكن الاشكال في الجزم بهذا المعنى ودفع الاشكالات وتصوير الواجب المعلق حينئذٍ من الممكن .

عود على بدء: يرد على منكر الواجب المعلق اشكالان . أحدهما انفكاكالمنشأ عن الانشاء . وأجاب عنه المحقّق النائيني قدس سره (1) باستحالة خلافه . فانه إذاكان الوقت دخيلاً في الموضوع فلابد من فرض وجوده في ترتب الحكم ولو لا ذلك أي فعلية الوجوب والحكم حين حلول وقته يلزم الخلف والمناقضة . وعدم كون ما فرض موضوعا كذلك . كما هو كذلك في الخارجيات . فاذا يقول اذا كانت

الجواب لانكار الواجب المعلّق

ص: 264


1- . فوائد الاُصول 1/186 - 193 .

الشمس طالعة فالنهار موجود فالطلوع إنما يتحقق عنده وجود النهار .

وثانيهما: ما في الصوم والصلاة وغيرهما من التدريجيّات الواجبة على المكلفين مع ان حين فعلية الوجوب والحكم لا وجود لآخر الوقت مع كونه دخيلاً في ذلك . ويمكن الجواب عن ذلك بوجهين على فرض أخذ القيد والاستمرار في الموضوع . وعلى فرض كون الحكم منحلاً إلى أحكام متعددة بتعدد الصومات لانحلال الصوم الواحد إلى متعددات فواضح . ولا اشكال . اذ عند فعلية كل حين يمكن ترك ما يحرم على الصائم فيه يكون حكمه فعليا بالوجوب المتعلق بالامساك ولا طولية في الزمان بل إنّما هي في الرتبة وإن كان لازم هذا الفرض أن يكون كلّ آن صوما مستقلاً ويكون بعض الصوم أيضا صحيحا إذا كان في بعض آنات اليوم مع النية من كلّ من اجتمع فيه الشرايط . كما إذا رجع من سفره بعد الظهر أفطر أم لم يفطر وغير ذلك من اللوازم مع انه خلاف الضرورة الفقهيّة . فانه يمكن الالتزام في ذلك بكونها على خلاف القاعدة . لكن حيث ان الضرورة الفقهيّة وتسالم الفقهاء على خلاف ذلك فلا يمكن الالتزام به لكون الصوم عندهم هو الصوم الممتد إلى الغروب . فعلى هذا لابدّ من الجواب بأحد النحوين الايتين على فرض رجوع الاستمرار والقيد إلى الصوم كان يكون الصوم إلى الليل واجبا . وحينئذٍ فيتسجل الاشكال بلزوم فرض تمام الوقت في فعلية الحكم . فاذا كانالوقت باقيا بعد لم يحل كله فلا وجوب وبعد حلول تمام الوقت يكون الحكم فعليا ولا موضوع له وقبله ليس الموضوع فعليا . وكذلك لازمه عدم لزوم الكفارة لمن يعلم بابتلائه بالحيض أو السفر أو غيرهما من موانع الصحة أو رافعات الوجوب

ص: 265

مع انه ما لم يبتل بذلك وافطر عليه الكفارة بحكم النص(1) . الا ان هذا الأخير لا مانع منه لترتبه على ترك الامساك لا على الصوم ولا مانع منه كما في تروك الاحرام . فان الكفارة انما تترتب على التروك وايجادها كما هو واضح . وكذلك لا اشكال في انه اذا يعلم ببقائه إلى آخر وقت الصوم لكن لا من جهة اشكال الواجب المعلق .

اما الجوابان فاحدهما تنظير فعلية الحكم على فرض كونه مستمرا أو الصوم أو الزمان باول وجوده كما في مثل اصابة المطر للماء مع عدم اصابته لجميعة ولا اشكال في الحكم بطهارة الجميع بحكم العرف باصابة هذا المطر أو النجاسة للماء ويحكم في كلا الموضوعين بالطهارة والنجاسة لصدق اصابة المطر في الطهارة واصابة النجس في النجاسة بل يحكم في آن ملاقاة النجس للماء بنجاسة رأسه الواقع في رأس الفرسخ وتنجس يد الذي اصابها الماء فليكن في ما نحن فيه أيضا كذلك ويكون كالخيط يصدق عرفا وجوده وتحققه باول زمان وجوده وتحقق اول جزء منه .

لكن هذا الجواب كما ترى وان اصر عليه المحقّق النائيني قدس سره والثاني أن يكون الشرط في ذلك التعقب(2) والتقدم بأن يكون تعقب كل جزء من الأجزاءالزمانية الآتية شرطا للآن الفعلي وهذا التعقب امر حاصل وكذلك التأخر حينحلول الاجزاء المتأخرة وكذلك في الصلوة .

لكن هذا أيضا فيه ما فيه لاستحالة الشرط المتأخر عنده فتأمل فان الجزء الزماني الآتي يكون موضوعا مع تعقبه بالاجزاء الآتية المتأخرة .

ص: 266


1- . الظاهر ان مدركه الاطلاقات .
2- . فوائد الأصول 1/209 .

الجواب بنحو آخر يمكن الجواب عن اشكال الصوم بناء على استحالة التعليق نظرا إلى الأخبار الواردة وظاهر الأدلة بفعليّة الوجوب بطلوع الفجر بكون النهار واليوم كالليل وأمثالهما من القطعات الزمانية الموضوعة اساميها للمجموع من حيث المجموع موجودا عرفا باول جزء من أجزائه فاذا طلع الفجر فيكون الليل متصرما والنهار موجودا ولابدّ أن يمسك من مفطرات الصوم لمساعدة العرف على ذلك وكذلك نجيب عن اشكال الصلاة التي كل جزء شرط للاجزاء المتقدمة والمتأخرة فانه لا يكون جزءا للصلاة من التكبير الا خصوص التكبيرة التي تكون منضمة إلى الاجزاء الباقية للصلاة وكذلك بالنسبة إلى باقي الاجزاء بكون التعقب شرطا مقارنا للتكبيرة مثلاً الموجود فعلاً فان تعقب الاجزاء اللاحقة أمر موجود يكشف عنه اتيان الأجزاء متأخرة عن هذا الجزء وهذا التعقب وإن لم يكن موجوداً معلوما حين التكبيرة لكنه بعد تمامية الصلاة يعلم بوجوده مقارنا لما هو مشروط به وكذلك التأخر بالنسبة إلى باقي الاجزاء فلا يرد عليها نقض .

ان قلت ان الامور الانتزاعية ليست لها الدخل في الخطابات الشرعيّة .

قلت: ما تقول في الاسلام قبل القسمة أو الركوع قبل ركوع الامام وأمثال ذلك من الأمور الانتزاعية التي جعلت موضوعة للأحكام والآثار الشرعية .

والحاصل ان انكار الواجب المعلق والشرط المتأخر لا يوجب الضيق علينامن هذا الجهة(1) .ثمّ انه بعد انكار الواجب المعلق والشرط المتأخر يتوجه علينا تصوير وجوب المقدمات قبل وجوب ذيلها مما ذهب المشهور على الوجوب قبل

ص: 267


1- . أقول: لا يخفى ما في هذا الجواب .

وجوب ذي المقدمة فيها أو صارت من المسلمات . مع ان وجوب ذي المقدمة بعد لم يصر فعليا وبناءً على ما عليه جماعة من كون خطاب المقدمة متولدا من خطاب ذي المقدمة ومترشحا منه بل بعد فعلية خطاب ذي المقدمة يكون مترشحا منه متمما له . فانه كيف يكون الخطاب الذي ينشأ ويترشح من خطاب آخر متعلق بذي المقدمة ويكون عصيانه راجعا إلى ترك ذي المقدمة لا من جهة نفسه لكونه خطابا تبعيا موجودا فعلاً ولم يصر خطاب ذي المقدمة فعليا .

منها: مسئلة وجوب المعرفة في اصول الدين وان قال بعض بالوجوب قبل البلوغ .

ومنها: مسئلة تعلم مسائل الصوم والصلاة لمن يكون مكلفا في أول وقته بذلك مع عدم امكانه من التعلم حينئذٍ .

ومنها: مسئلة السير إلى الحج مع عدم كون الموسم موجودا . ووقت الأفعال بعد لم يصل مع وجوب السير مع آخر قافلة أو رفقة أو إذا لم يطمئن بادراك آخر الرفقة فمع قبلهم . وأمثال ذلك من الموارد التي لم تكن الوجوبات المتعلقة بذوات المقدمات فعلية موجودة . بل قد يتجاوز في ذلك الأمر فيفتون بعدم جواز تفويت الاستطاعة المالية مع عدم الاشكال ظاهرا في جواز نقص الأربعين غنما قبل الحول .

والجواب عن هذه الموارد بوجهين:

أحدهما: غير تام في بعض الموارد وهو ايجاب الملاك الذي في ذيالمقدمة لوجوب المقدمة قبل فعلية ذيها وحصول حينه فانه بالنسبة إلى ذي المقدمة لم يتم لعدم حلول وقته بخلاف المقدمة . ولكن هذا لا يتم بالنسبة إلى

الجواب عن وجوب المقدّمات المفوّتة

ص: 268

المعرفة التي هي من اصول الدين لعدم كون الملاك في حقها فعليا بل في حقها لا ملاك ولا خطاب اذ ليس ذلك من قبيل انقاذ الغريق الذي مصلحته تامة . لكنه لا يقدر على ذلك فلا يتوجه إليه الخطاب فعلاً لقبح مطالبة العاجز الا ان المصلحة والملاك تامّة(1) موجودة ولمكان العجز العقلي لا يتوجه الخطاب بالنسبة إليه . واما استفادة تماميّة الملاك في كل مورد كي يتوجه بذلك خطاب المقدمة قبل وقت ذي المقدمة ووجوبه فلا يتم لعدم الدليل في ذلك كي يستفاد منه هذا المعنى . بل في حق الصبي نقول بكون البلوغ دخيلاً ملاكا وخطابا لا خطابا فقط .

والثاني: من باب حفظ القدرة فانه إذا يعلم بعدم امكان حفظ غرض المولى في وقته . فالعقل يلزمه باتيان ما معه يحفظ غرض المولى وخطابه وحكمه في وقته .

توضيح: يتعلق بدفع الاشكال والجواب عنه في ما يرتبط بانكار الواجب المعلق والشرط المتأخر وأشرنا إلى الاشكال في دعوى تمامية الملاك في وجوب المقدمات قبل وجود ذيها لعدم حصول وقته كما سبق الجواب بالقاعدة العقلية المدعى اتّفاق العقلاء عليها وعملهم بها وذلك يتوقف على مقدمات:احدها ان القدرة على قسمين فتارة اعتبارها عقلي ولم يؤخذ في متعلقالخطاب وإنما يعتبرها العقل بمناط قبح مطالبة العاجز . واخرى ليس الاعتبار

ص: 269


1- . وفيه ان للشارع خطابه بنحو ان قدرت فانقذ . لكنه لا يخفى ان القدرة التي هي شرط لو قال الشارع باشتراطها أيضا فيكون ارشادا محضا . فالقدرة التي هي شرط عقلاً لا يمكن توجيه الخطاب بغير واجدها أصلاً عقلاً . وذلك لتقبيح العقلاء من يطالب العاجز بشيء . نعم القدرة الشرعية يمكن اعتبارها في لسان الدليل كما في الحج فاشترط فيه الاستطاعة ولو مع قدرته عقلاً وعدم الاستطاعة المالية أو الرجوع إلى الكفاية .

عقليا بل الشارع اعتبرها في موضوع الحكم وهي على أقسام ثلاثة: فاما ان تؤخذ القدرة في أي وقت كان شرطا . وإمّا في وقت خاص عند فعلية الحكم . أو عند فعلية الملاك وعند ظرف الامتثال .

اما القسم الاول: وهي القدرة العقلية قد يدعى وجوب حفظها بقاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار . وهي المقدمة الثانية للمطلب وتحريرها . انه

لا اشكال في قبح توجيه خطاب احفظ نفسك إلى من عجز نفسه عن امتثال خطاب المولى كما إذا القى نفسه من شاهق لعدم القدرة فعلاً عليه . فالامتناع بالاختيار ينافي الخطاب أو الاختيار خطابا لكنه لا ينافيه عقابا بمعنى جواز العقاب عليه واستحقاقه لكونه بنفسه عجز نفسه .

اذا تحررهاتان المقدمتان، فنقول ان بناء العقلاء في امورهم التكوينية على حفظ القدرة على شيء لا يتمكنون منه في ظرفه فاذا يدري انه لا يصل إلى الماء إلى أيام بعد ذلك في سفره هذا . فلا اشكال في انه اذا لم يحصل الماء ولم يأخذ اهبته لذلك فيذمه العقلاء على تركه بل ربما يكون في ظرف احتمال ذلك أيضا بناءهم وحكمهم على التحفظ بمناط واحد لاهمية حفظ النفس عند العقلاء وكذلك في باقي الامور ان فهمنا فكذلك كل شيء بحسب ما له الاهمية عندهم ويهمهم في اغراضهم فاذا كان هذا حال العقلاء في امورهم التكوينية ويذمون تارك الاحتياط والأخذ للاهبة لذلك . فلا اشكال في جريان هذا البناء والقاعده في ما نحن فيه من الامور التي يعلم بعدم امكان تحصيلها في ظرفها . فلابد من تعلم الأحكام قبل فعلية وقت ايجادها وامتثالها في الخارج .كما انه لابد من السير إلى الحج . وإلاّ فان صبر فيفوت المراد . كما انه لابد

ص: 270

أن يتعلم مسائل أصول الدين ويعتقدها عن جزم والا فلا يمكنه ذلك اول أزمنة التكليف . وهكذا بالنسبة إلى باقي الموارد . فحفظ القدرة في ما نحن فيه من الأمثلة الشرعية كحفظ الماء وأخذه في ما ذكرنا من المثال كما انه كذلك تعلم الرمي وباقي أفعال الحرب . والا فالصبر إلى هجوم الخصم يفوت الغرض . هذا . ففي كل ذلك يحكم العقل بتمامية الملاك عنده بلزوم حفظ القدرة الآن على متعلق العمل في ظرفه كي لا يتوجه عليه الذم .

والتعبير من المحقق النائيني قدس سره في القسم الثاني(1) من القدرة الشرعية ربما لا يخلو من مسامحة فانه لا فرق بينها وبين القدرة العقلية .

نعم ان كان ذلك لدخلها في الملاك لا الخطاب كان لذلك وجه . والا فالقسم الاول من القدرة الشرعية لا فرق بينه وبين القدرة العقلية .

اما مسلك سيّدنا الأستاذ قدس سره في أمثال هذه الموارد فمضافا إلى انه لا يلتزم بالواجب المعلق ولا الشرط المتأخر كذلك لا يلتزم بترشح الخطاب التبعي أو الشرعي من تمامية الملاك عند العقل بلزوم حفظ القدرة على ما يتوقف عليه ذلك ( أي امتثال الواجب في ظرفه ) بل يجعل ذلك من شؤون الاطاعة . فان ذلك مما له الدخل في الاطاعة التي لا ربط لها بالشرع . بل انما يحكم بها العقل ويكون قضية حفظ المقدمات قبل وقت ذيها من شؤون الاطاعة لذي المقدمة كما سيجيء بيانه تفصيلاً ان شاء اللّه تعالى .

نتيجة الأبحاث والجواب عن الاشكال:

سبق الجواب بوجوه ثلاثة: أحدها عدم جواز تفويت القدرة على اتيانمتعلق خطاب المولى ولو لم يصر بعد فعليّاً بعد العلم بابتلائه بذلك .

الجواب بوجوه ثلاثة

ص: 271


1- . فوائد الاُصول 1/200 - 201 .

الثاني: فعلية الملاك وتماميّته في ظرفه فان العلم حاصل بتمامية مصلحة الصلاة في ظرفها ووفتها . وكذلك في الواجبات المشروطة . لأن الأحكام الشرعية انما هي عبارة عن هذا لا العلم بالمصالح اذ لا تكون الأحكام من قبيل المسببات للمصالح والمفاسد . بل هي تكون من قبيل الدواعي والا فتبطل جهة المولوية .

ثم انه حيث لا يكون الوقت فعلاً حاصلاً فلا معنى للخطاب الفعلي المتوجه إلى ذي المقدمة ولو كانت مصلحته تامة . نعم لو جر المولى الزمان مثلاً للمكلف وسدّ باب امتناع المتعلق للمكلف فعلاً فلا اشكال في لزوم امتثاله ولكن دون ذلك المانع من توجيه الخطاب وهو عجزه عن الاتيان . وفي ظرفه يكون قادرا لوجود المصلحة وفعليتها وهو استيفاء الملاك حينذاك والا فالمصلحة الملزمة في الصلوة لا تحصل قبل الوقت ولا تكون في الصلاة التي يجأ بها حينئذٍ . ولكن ذلك غير مرتبط بالمقدمة لعدم المانع من توجيه الخطاب نحوها خطابا طريقيا تبعيا في الملاك والمصلحة لا في الوجود لعدم الترشح والتولد في ذلك . بل كلا الخطابين إنّما يكون جعلهما من قبل المولى حفظا للملاك . أحدهما في ظرف فعلية ملاك ذي المقدمة وامكان المكلف لتحصيله والآخر حال قدرته على حفظ شأن من شؤون ذلك المتعلق في ظرفه طريقيا تبعيا . وما قرع سمعك من حديث الولادة والترشّح انما يصح في ناحية الملاك . فان الملاك الموجود في المتعلق موجب لتوجيه خطابين على ما ذكرنا . وبناءً على هذا البيان لا وجه لانكار تمامية هذا الوجه لعدم تاتيه في كل الموارد . اذ بما ذكرنا ظهر اطراده في ساير موارد المقدمات المفوتة التي لا يمكن للمكلف تحصيل ذي المقدمة في ظرفه الا باتيان هذه المقدمات قبل ذلك الوقت فان الغرض في هذه الصورة كما اذا لا يمكنه

ص: 272

ادراك الوقوف بعرفات الا بالسير قبله بأيام أو بساعة ولم يسر ولو بالركوبلاسرع طيارة فيطرد في المعرفه والتعلّم وغيرها .

الثالث: قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار . فانها أيضا جارية في نحو المقام ولازمها توجه خطاب ( احفظ القدرة ) خروجا عن مقتضى مخالفة هذا الخطاب وهو عدم منافاة الامتناع بالاختيار للعقاب . وان كان لا معنى حينئذٍ لتوجيه الخطاب لعدم القدرة . الا انه لا مانع من حسن العقاب لكونه ناشئا بسوء اختياره . ولا يخفى ان ذلك غير باب عدم الارادة فانها مرتبطة بباب الاطاعة وبحكم العقل لابد من ايجاد الارادة والداعي نحو المتعلق . فلا يمكن أن يقال حين عدم الارادة يمتنع العمل فلا خطاب لعدم القدرة . فانه يوجب سدّ باب العصيان وانكار تحققه وغفلة عن عدم تمشي قاعدة الامتناع بالاختيار . بل ذلك عدم الارادة لعدم امكان اجتماع ارادة وعدمها فانه اما مريد أو غير مريد .

ثمّ انه كما أشرنا سابقا ان هذه الوجوه الثلاثة إنّما هي في مورد عدم أخذ القدرة في موضوع الخطاب وفيما اذا لم تكن دخيلة في الملاك . والا ففيه كلام آخر . وانما هي فيما اذا تكون القدرة عقلية . فان الشرايط على ثلاثة أقسام . إمّا أن تكون دخيلة في الملاك والخطاب كالبلوغ والعقل وغيرهما من الشرايط العامة وكالوقت . وقسم منها شرط في الخطاب فقط ولو مع تمامية الملاك كالقدرة . وثالث شرط التنجز كالعلم ومرجع هذا الوجه الأخير في الحقيقة إلى الثاني لأن الملاك تام موجب لحفظ القدرة . والا ففي صورة عدم تماميته لا واجب ولا تكليف ولا ملاك كي يكون العبد مكلفا بحكم العقل أو الشرع مأمورا بحفظ القدرة على اتيانه في ظرفه .

الجواب الثالث

ص: 273

تتميم: لا يخفى ان أحد الأجوبة الثلاثة قضية تمامية الملاك في ظرفه الا ان المولى لمانع لا يخاطب العبد باتيان ذي المقدمة مع ان المقتضى تام لكن العبدحيث يعلم بعدم القدرة لحفظ غرض المولى في ظرفه عند حصول الوقت وفي ظرف فعلية الخطاب لا يقدر على اتيان مراده فلو لم يحفظ قدرته فعلاً لكان قد فوت على نفسه المصلحة وعجز نفسه بسوء اختياره . لكنه ربما يشكل بعدم الطريق لاثبات هذا المعنى وان المصلحة هي تامة أم لا .

ثم انه هل هي بنحو توجب حفظ القدرة عليها حتى قبل فعلية وقتها والخطاب به . ويمكن الجواب عن هذا المحذور ( لكنه ثبوتا لا اثباتا ) انّه ربما يلزم من تشريع الحكم في ظرفه اللغويّة دائما بحيث اذا لم يلزم العبد قبل فعلية ذلك الخطاب ووصول ظرف استيفاء مصلحته لحفظ القدرة وايجاد بعض المقدمات التي لا يمكنه حفظها في غيره ويلزم فوت ذي المقدمة في وقته بدون ذلك كما في ا لحج اثباتا فانه يريد من العبد الحج في أول عام الاستطاعة مع ان الخطاب لا يكون فعليا الا عند الموسم الذي لا يمكن العبد دركه في وقته الا بالسير قبل ظرفه فان لازمه بحكم العقل جعل خطاب طريقي تبعا لذلك الملاك في ظرفه مع كونه تاما والمكلف يعلم بذلك متعلق بهذه المقدمة .

وهذا بعد فرض ان الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد النفس الامرية وليست بالجزاف كما عليه الأشعريّة فحينئذٍ لابدّ للمولى حفظا لمصلحة العبد جعل مثل هذا الخطاب حذرا من لزوم التفويت على العبد . فان القدر الممكن من قبله بمقتضى حكم العقل حفظه لاستحالة صدور القبيح منه تعالى بل عن عاقل فضلاً عن الحكيم .

ص: 274

نعم الزائد على هذا القدر لا يجب حفظه على المولى . بل القدر اللازم هو الجعل لخطاب متمم حفظا لفوت المصلحة على المكلف في وقتها . فهذا في مثل مايكون دائما قابل للتصديق كما مثلنا ذلك في الحج بالنسبة إلى الوقوف بل ربمايتصور هذا المعنى في حق غير المتمتع لعدم وجوب السير قبل الموسم على الفرض وعنده بحيث يدرك تمام القدر الواجب ليس بقادر .

اذا عرفت هذا في ما يكون الجعل لغواً في صورة عدم جعل خطاب متمّم . فنقول لا فرق بينه وبين مثل الأغسال اللازمة في صوم الغد في شهر رمضان . وهكذا مسئلة الصلاة التي مصلحتها تامة في الوقت مطلوبة والمكلف يعلم بذلك . وان كانت المصلحة في هذه الموارد بمعنى المقتضى للجعل تامة والمانع من الجعل أيضا مفقود . لكنه ربما لا يجعل ولا يوجه الخطاب لأصل ذي المقدمة لعدم الفرق بين لزوم التفويت على المكلفين لمصلحة درك الحج في اول عام الاستطاعة أو كلية وما اذا يلزم تفويت صلاة واحدة بلا طهورين في وقت من الأوقات وحيناً من الأحيان لاتحاد المناط في المقامين وهو استحالة التفويت من المولى الحكيم .

فبهذه البراهين يمكن كشف الخطاب المتممى الطريقي التبعي المقدمى لحفظ الغرض في ظرفه صونا للمصلحة على المكلّف من الفوت اثباتاً وهكذا في باقي الموارد وقد عرفت في صدر البحث ان محلّ الكلام في ما إذا لا يكون للقدرة دخل ملاكي . بل إنّما هي دخيلة في حسن الخطاب .

عود على بدء: سبق ان استناد المحقق النائيني قدس سره في ايجاب(1)

كشف الخطاب المتمّمي الطريقي

ص: 275


1- . فوائد الاُصول 1/197 - 202 .

المقدمات التي يقوت ذو المقدمة في وقته بفقدها قبل اوقات ذلك إلى أحد الأمور الثلاثة: 1 - لزوم حفظ القدرة عقلاً، 2 - تماميّة الملاك، 3 - قاعدة عدم منافاةالامتناع بالاختيار للعقاب .وقد استشكل نفسه في تمامية الملاك في بعض الموارد وتسلم ذلك في بعضها وأورد عليه سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن معنى تماميّة الملاك ليس إلاّ عبارة عن كون الأحكام مما تقتضيها المصالح والمفاسد النفس الامرية . سواء قلنا بالجعل وانقداح مباديه في النفس النبوي أو الولوي أم لا . بل انكرنا ذلك مبتنيا على جعل الأحكام ازلية بمعنى العلم والاحاطة بكون الحجّ من المستطيع البالغ العاقل ذا مصلحة وكذلك بالنسبة إلى ساير الأحكام . وهذا المعنى من تمامية الملاك ليس مختصا بباب دون باب لان مرجعه إلى ما ذكرنا في قبال الاشعرية المنكرين للحسن والقبح العقليين . ولا نعقل معنى آخر لتمامية الملاك الذي يوجب ايجاب المقدمات قبل وقت ذي المقدمة فانه ربما تكون المصالح تامة لكن المصلحة التسهيليّة تقتضي الترخيص في ترك ما تقتضيه تلك المصلحة . وهكذا فان الجبر لا يحكم في ذلك المبدء بل إنّما هو قبح صدور القبيح واستحالته عقلاً وإلاّ فقياس التشريعيات على التكوينيات فكما انه لا جبر(1) في خلق الخلق وايجادهم وساير ما يخص شؤونهم كذلك لا جبر في أمر التشريع .

والحاصل ان انكار تمامية الملاك بهذا المعنى الذي ذكرنا لا سبيل إليه فيمكن أن يكون نظره إلى قبح مطالبة العاجز حيث ان الامساك في النهار ملاكه تام لكنه ليس جر الوقت اختياريا للمكلّف فما هو مقدور له فعلاً يوجّه إليه خطابا

ص: 276


1- . هذا بمعنى صحيح وبمعنى آخر فيه منع .

مولويا متعلقا به وحين فعلية الموضوع وحصول الوقت يخاطبه بخطاب ذي المقدمة ويطالبه به .ثم انه على تقدير عدم تمامية هذا الوجه فالنظر لابد أن يكون إلى القاعدةالعقلية وهو ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار . وانه هل هو دليل مستقل غير مرتبط بتمامية الملاك . أو كلاهما دليل واحد أحدهما كالصغرى للآخر . فان الملاك اذا تم ولم يحفظه المكلف من قبل حفظ بعض مقدماته يكون قد فوت على نفسه المصلحة وعجز نفسه بسوء اختياره . فحينئذٍ تنطبق القاعدة العقلية . والا فلو فرض ان للمكلف تبديل الموضوع كما انه اذا كان حاضرا فصار مسافرا أو رخص له المولى في ترك المقدمات المفوتة قبل وقت ذي المقدمة . فمن أين يمكن ايجاب هذه المقدمات أو كشف تمامية الملاك وجعل خطاب طريقي إلى هذه المقدمات ولذلك يفصل المحقق النائيني قدس سره بين الوضوء والماء فيلتزم بوجوب حفظ الماء قبل الوقت ولا يلتزم بوجوب حفظ الوضوء .

بل له الخروج عن عنوان المتوضى بالنوم مثلاً لان له تبديل الموضوع .

ثم انه قد أشرنا إلى جواز تأخير الجعل عن فعلية الموضوع لكن لا بما هو موضوع كما اذا تم جميع ما له دخل في موضوعية الموضوع المستتبعة لجعل الحكم لكن هناك مصلحة مانعة عن فعلية الجعل . فيؤخره إلى رفع ذلك المانع . ولا يوجب ذلك انثلاماً في ناحية الموضوع ولا عدمه جزءا له ولكنه لا ينتزع عنوان الموضوع والحكم إلاّ بعد الجعل الموقوف على عدم مصلحة مانعة عنه والا فيلزم البخل لفرض تمامية الموضوع . ولا مانع من الجعل فلا معنى لعدمه وعلى هذا فاذا جعل الحكم ورتب على موضوعه ينتزع عنوان الموضوعية والحكم ويكون

الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار

ص: 277

التخلف مناقضة للزوم الخلف .

ثم انه اذا فرض فعلية الموضوع لكن كان هناك مانع من الجعل اما من باب قبح مطالبة العاجز أو شيء آخر كما في صدر الاسلام حيث اكتفى منهم بمجردقول لا إله إلاّ اللّه لا يجب حفظه كما لا يجب تحصيله وله التبديل الا انه اذا يدرىعدم تبديله ومن قصده ذلك ولا انه هناك مانع بل في ظرف رفع قبح المطالبة يكون واجدا لجميع ما يعتبر في فعلية توجه الخطاب إليه . يجب حفظ المقدمات المفوتة ويتوجه على هذا البيان لزوم الحفظ حتى فيما اذا يدري حصول الاستطاعة المالية بعد ذلك . لكنه لا يتمكن من ايجاد الواجب الا بمقدمة يحصّلها الآن كما ذكرنا في ما قدمنا من كلامه في لزوم أخذ الماء وجميع ما له دخل في حفظ نفسه من العطش في المسير إلى طريق كذائي فانه مع عدم فعلية العطش يأخذ الماء ويتهيّأ وليس ذلك الا من باب تمامية الملاك . بل اذا شربه في حال ريّه يكون مضرا .

والحاصل ان حفظ المقدمات غير لزوم تحصيل الموضوع فلا يجب تحصيل الاستطاعة عليه وله تركه أو تفويتها كصرفها في طريق الزيارة وكذلك بالنسبة إلى الغنم في الزكاة ولا يجب عليه صرف المال في تخلية السرب .

ولا ابقاء الطهارة بخلاف حفظ القدرة كما في الصلاة . وقد ذكرنا سابقا ان له طريقين: احدهما: تمامية الملاك لكن المانع من توجيه الخطاب هو قبح مطالبة العاجز فلا يوجّه إليه الخطاب بذي المقدمة لكن حيث انه في ظرفه متوقف على مقدمة لا يمكن حفظ ذي المقدمة في ظرفه الا باتيان هذه المقدمة في هذا الظرف فلا جرم اما ان يخاطب المولى عبده بحفظ ذي المقدمة من ناحية تحصيل هذه

ص: 278

المقدمة ويوجه إليه خطابا نفسيا لبه طريقي مقدمي من نفس ذاك الغرض الكذائي والملاك الحاصل في ذي المقدمة .

وأمّا أن يكون هناك حكم العقل الثابت الجازم بحفظ القدرة على ما يكون عليه ايجاده بعد ويطالبه منه المولى لعلمه ببقائه على شرايط التكليف الا ان المانعقبح المطالبة .والطريق الثاني قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينافيه خطابا . فان العقل اذا يرى ان الانسان له غرض في مستقبل الزمان وملاكه من ناحية البلوغ والعقل والاستطاعة وغير ذلك من الشرايط حاصل تام وهو في غاية الاشتياق إلى اتيان ذلك الغرض . غاية الأمر لمانع لا يمكنه المطالبة الفعلية ويتوقف على مقدمات غير ممكن التحصيل في ذاك الحين بل لا قدرة عليها في حفظ الغرض والمطلوب الا في هذا الظرف . يحكم بلزوم تحصيل الغرض وايجاد المقدمات لبقاء القدرة وحفظها لحين الغرض ولو لم يفعل فقد عجز نفسه بسوء اختياره وللمولى عقابه لعدم تحصيل غرضه عند الوقت من ناحية تعجيز نفسه .

نعم ان رخص له المولى في ترك هذه المقدمة . فلا مجال لجريان هذه القاعدة . وانما تجري في ما لم يرخص المولى في ذلك والا فيكون التفويت مستندا إليه وكذلك لا يكون المكلف مجازا في التبديل واعدام الموضوع . وحاصل هذين الوجهين إلى استكشاف الخطاب المقدمي إمّا عقلاً أو شرعاً في الوجه الأول وإلى حكم العقل بلزوم حفظ الغرض وتحصيله في الوجه الثاني . ولا يخفى ما في هذين الوجهين فانه إنما يكون ظرف تطبيق الوجهين في مورد يكون المكلف مطالبا باتيان الموضوع ومتعلق التكليف على كل حال سواء كان قادرا أو

ص: 279

لا وأيّ طريق لنا في استكشاف ان الحجّ والوضوء من هذا القبيل فانّه إذا لم يكن قادراً لا يكون هناك تكليف ولا عقاب فاثبات الصغرى بهذه المقدمات من قبيل المصادرة على المطلوب .

تلخيص: لما سبق قد تبين وجه ايجاب المقدمات المفوتة على ما حققه المحقق النائيني قدس سره وبنى عليه وانه اما من باب تمامية الملاك واستكشاف الخطابالمقدمي الطريقي أو النفسي من حكم العقل أو بجعل المولى أو من باب قاعدةالامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار . وليس في هذه الموارد دخل ملاكي وإنما هو من باب قبح مطالبة العاجز كما فيما اذا تكون مصلحة انقاذ الغريق الذي هو ابن المولى تامة . لكنه هناك مانع من توجيه الخطاب نحو عبده لغفلته أو عدم قدرته على امتثال أمر المولى فلا يوجّهه إليه فعلاً . لكن لو فرض علم العبد بتمامية الملاك

عند مولاه وان غرضه تحصيل الأمر الكذائي وجميع ما له دخل في ذلك حاصل الا ان قبح مطالبة العاجز يمنعه من ذلك فعلاً ولهذا الغرض مقدمات لازمة التحصيل في هذا الظرف فيحكم العقل في مثل هذا المورد بلزوم تحصيل غرض المولى الذي لا يمكنه توجيه خطاب نحو عبده لعجزه .

وذلك لعدم كون القدرة دخيلة في الملاك ولا العلم بل القدرة موجبة لحسن الخطاب والعلم شرط للتنجز . وربما يكون للمطلوب مطلوبية بحيث يوجب جعل الاحتياط في ظرف الجهل مثلاً . لكنه ربما يوجب مصلحة تسهيلية منع ذلك . وقد أجبنا عن اشكال لزوم الكسر ولا انكسار في جهات الفعل حسنا وقبحا . وقلنا ان ذلك في ما لو كانت ذاتية يكون مرجعها إلى التزاحم في الاقتضاء والحكم على الغالب الا ان الأمر هنا ليس كذلك بل مصلحة التسهيل من الجهات العارضة .

لزوم حفظ القدرة قبل وقت الواجب

ص: 280

هذا كلامه قدس سره . لكن الاشكال في كشف ان القدرة كذلك . والملاك تام . فان مثال الحج انما الشرط فيه الاستطاعة الشرعية التي لا مساس لها بالقدرة العقلية والقسم الأول من القدرة الشرعية التي قسمها رحمه اللّه إلى ثلاثة أقسام:

أحدها يكون الشرط فيه عين الشرط في القدرة العقلية والثاني والثالث ما يكون للقدرة دخل في الملاك عند فعلية الموضوع أو في وقت معين خاص لا يتصور معنى له في الأحكام الشرعية ولا يمكننا المساعدة عليه .نعم مثال ان لم تجدوا ماءً يمكن استفادة ذلك منه الا انه أوّله بأن لم تتمكّنواولا وجه له . فان جواز التيمم عند عدم التمكن إنما هو لدليل آخر .

والحاصل انه لا يتم هذا المعنى الذي جعله وجها لايجاب المقدمات في هذه الموارد لعدم العلم ببقاء الشرايط إلى حين فعلية خطاب ذي المقدمة من الحياة والاستطاعة وأمثال ذلك من الشرايط . ولو احتملنا عدم البقاء فلا موجب لانطباق قاعدة تمامية الملاك لعدم الانكشاف . وحينئذٍ لا يحكم العقل بلزوم حفظ القدرة . فاما ان نلتزم بالواجب المعلق أو الشرط المتأخر أو نحوهما من الطرق الجارية في بعض هذه الموارد التي سلوكها احسن من الالتزام بتمامية الملاك واستكشاف جعل خطاب مقدمي مولوي أو ارشادي لحكم العقل(1) والا فلا موجب لايجاب المقدمات بعد عدم احراز حفظ الموضوع إلى حين توجه الخطاب(2) . والاجماع المدعى على عدم جواز تفويت الاستطاعة بعد حلول أشهر الحج إن لم يحتمل تجدّدها المالي إلى حين خروج آخر رفقة ان احتمل

وجه ايجاب المقدّمات قبل وجوب ذي المقدّمة

ص: 281


1- . اقول: يمكن اجراء الاستصحاب في ما يكون مذكورا في الدليل وقد استراح من التزم بالواجب المعلق وانفكاك البعث عن الانبعاث أو بالفعلية على تقدير
2- . خصوصا مع اشتراط الرجوع في الكفاية أو غيرها فانى له الاحراز كي يجب عليه .

استناده إلى هذه الوجوه المذكورة في المقام . فلا يمكن الاعتماد عليه ولا معنى لجريان استصحاب الامور الدخيلة في الموضوع كي يكون من اللازم حفظ القدرة .

وله قدس سره مسلك آخر في المقدمة العلمية وتعلم الأحكام سنتعرض له إن شاء اللّه . كما انه إن كان وجوب اتيان هذه المقدمات من باب عنوان المقدمية فلا معنىلحكم الشارع على ما سيجيء في باب مقدمة الواجب ( إن شاء اللّه ) بالوجوب بل إنما هو ارشادي محض لكنه متوقف على تمامية الموضوع .ثم ان في ذيل هذا المبحث تنبيهين:

أحدهما انهم قالوا في صوم شهر رمضان ببطلان الصوم والغسل الارتماسي فيما اذا فعل ذلك عمدا وكذلك صرح بعضهم بالبطلان في الاخراج أو المكث بأن يقصد الغسل ذاك الحين بناء على كون جميع هذه ارتماسا . وكذلك في صوم اليوم المعين كقضاء شهر رمضان بعد الظهر بالبطلان في المكث والارتماس بالغمس دون الاخراج . وفي الصورة الاولى جعلوا بعض الصور كالمكث اشكل من الاخرى . وهو الاخراج مع ان مقتضى قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا لا خطابا الصحة في بعض صور البطلان كصورة الاخراج . اللهم إلاّ أن يكون نظرهم إلى وجوب الامساك بعد افطار الصائم أيضا إلى حصول الليل عن جميع المفطرات . فلذا يكون الغسل الارتماسي عمدا منه باطلاً حال الاخراج والمكث أيضا فتدبّر جيدا .

الثاني: انهم صرّحوا في بعض المقامات بجواز اعدام الموضوع وتبديله بموضوع آخر . لكن أوجبوا حفظ القدرة في مثل البحث على متعلق التكليف فجوّزوا أن يصير المسافر حاضرا أو الحاضر مسافرا وأمثال ذلك . ومقتضى هذا

جواز اعدام الموضوع وتبديله

ص: 282

التجويز ( أي تبديل الموضوع واعدامه ) جريانه في مسئلة الحج . فانه له الخروج عن الاستطاعة ولو في أشهر الحج مع انه قد صرّحوا بعدم الجواز مطلقا أو في أشهر الحج . ونظر بعضهم غير الاجماع إلى مسئلة التفويب للغرض أو لزوم حفظ القدرة . وعلى هذا فلا موجب لايجاب المقدمات بعد عدم لزوم حفظ الموضوع فلا يجب السير لدرك موقف عرفات مثلاً . وكيف يلتزمون بعدم لزوم حفظ الموضوع ومع ذلك يوجبون المقدمات المحتاج إليها في تحصيل الغرض والملاكفي وقته فتأمل .تعليق وتتميم: ذكرنا ان المحقق النائيني قدس سره قسم القدرة(1) المأخوذة في لسان الدليل على أقسام ثلاثة لكن ذلك مجرد فرض لا واقع له . اذ القدرة المفروضة موضوعا في الأحكام الشرعيّة مختلفة . ففي باب الحج لم يعتبر القدرة العقليّة بل المعتبر قسم خاص من القدرة وهي الاستطاعة المفسّرة في الأخبار بأمور: منها: التمكن المالي . والحاصل ان القدرة انما هي شرط عقلي لقبح مطالبة العاجز . والا فهي ليست ملاكا .

وجزء الملاك في الخطابات الشرعية . نعم في ما لها دخل كما في باب الحج قد فسرت وأخذت موضوعا .

بل: يمكن أن يقال ان القدرة العقليّة أيضا ليست بمعتبرة لرفع الأحكام الحرجيّة والضررية في الشريعة فهي غير مجعولة . نعم في بعض الموارد كمسئلة الدين المطالب ربما وردت الرواية(2) بصرف الزائد عن مؤنة اليوم في أداء الدين

ص: 283


1- . فوائد الاُصول 1/197 - 198 .
2- . لم نعثر على هذه الرواية في مظانّها كما اعترف في الحدائق 20/198 على عدم وقوفه عليها في الأخبار واستظهره من كلام المحدّث الكاشاني في المفاتيح .

وإلاّ فيقع في الحرج ان لاحظ ذلك في الامتناع ( وان أفتى المحقّق النائيني قدس سره على خلافها ولكنه اجتهاد في قبال النص ) .

وأمّا مسئلة اعدام الموضوع ولزوم الحفظ فليست على نهج واحد اذ

لاضابط له لاختلاف الموارد . ففي باب الصوم القضائي يفتون بلزوم ايجاد الموضوع والاقامة للتمكن من قضاء صومه المضيق قبل شهر رمضان بأيّام . وفيبعض الموارد ليس الأمر كذلك وله التبديل والاعدام كالسفر في شهر رمضان مثلاً .

وأمّا مسئلة الحج فالاجماع قائم على لزوم حفظ القدرة والمسير مقدمةويحتمل استناده إلى هذه الوجوه المذكورة سابقا .

نعم إن كان يحتمل احتمالاً عقلائيّا بتجدد التمكّن المالي له ولو عند خروج آخر الرفقة فيجوز له تفويت الاستطاعة الماليّة وكذلك حفظ الماء قبل الوقت لا دليل عليه بخلاف بعد دخول الوقت فانه على القاعدة كما ان الأغسال الليليّة قبل طلوع الفجر منصوصة(1) في خصوص الحائض والجنب . والحق بالحائض النفساء فلا حاجة إلى هذه التكلفات .

ثمّ ان ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره في المقدمات المفوتة(2) من تمامية الملاك واستكشاف الحكم المتمم اما عقلاً أو بجعل المولى كما في بعض الموارد التي ذكرناها كمسئلة الحج والأغسال . حيث ان القدرة ليست دخيلة فيها وانها في كمال المطلوبية . لكن المكلف لا يقدر على الامتثال فالعقل يقبح خطابه فعلاً بالاتيان . فلو فرض محالاً قدرته على امتثال المطلوب وتحصيل الملاك قبل

ص: 284


1- . وسائل الشيعة ج10 الباب 21 - 16، ح1 - 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم .
2- . فوائد الاُصول 1/195 .

الوقت على حسب ما في الوقت لكان واجبا لكنه للوقت دخل في ذلك ولا توقف الا من هذه الجهة والا فالموضوع فعلى وانما هي في خصوص ما تمت أركان الموضوع والتوقف انما هو على الوقت فيكون للعقل أو للمولى حكم طريقي مقدمي أو نفسي لحفظ هذه المقدمات على ما مرّ بيانه .

أمّا المقدّمات العلميّة فلها ملاك آخر لوجوبها .

تفصيل ذلك ان العلم لا مدخليّة له في الموضوع الا من باب التنجز للأحكامالمجعولة والتمكن(1) من امتثالها فلو فرض قدرته على الامتثال بنحو آخر بلاتكلف تعلم فلا يجب عليه . فوجوبه انما هو على ما سنبين طريقي محض لوجوب امتثال أوامر المولى اما بالاجتهاد أو بالتقليد ان لم يتمكن من الاحتياط . بل في الاحتياط أيضا يجب عليه تعلم طرقه كي تسلم أفعاله من النقص لحصول امتثال خطابات المولى . وهي اما في المسائل التي يعلم بابتلائه بها أو بعموم ابتلائه بها أو

يحتمل الابتلاء وبعضهم أو جماعة منهم أوجب تعلم مسائل الشك والسهو للصلاة وإن كان قاطعا بعدم ابتلائه بها بل حكم بعضهم بفسق من ترك التعلم للمسائل المبتلى بها نوعا في الشكوك .

والحاصل ان وجوب التعلم ليس من باب المقدمة المفوّتة . بل إنّما هو لاحتمال البيان وتوجه خطاب المولى فعلاً إلى المكلف لعدم كون الشكّ بما هو عذرا ما لم تجر قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو لم يجيء الترخيص من المولى وعليه اذا يحتمل وجود أحكام وخطابات فعليّة متوجهة إليه ولا ترخيص في ترك الفحص فبحكم العقل الجاري في لزوم دفع الضرر المحتمل الاخروي العقابي

وجوب المقدّمة العلميّة

ص: 285


1- . فوائد الاُصول 1/195 - 204 وبعده .

يجب عليه الفحص عنها لاحتمال تمامية البيان من قبل المولى وتوجه الخطاب والتكليف اليه ومع تركه لا يكون العقاب بلا بيان . وهذا بخلاف باب المقدمات المفوتة فان وجوب تحصيلها انما هو لتمامية الملاك .

وقد استشكلنا في ذلك . وقلنا بورود الروايات في بعض الموارد وفي بعضها لا دليل عليه الا الوجوه الاعتبارية المذكورة في محالّها كلزوم حفظ القدرة على القيام أو الركوع الاختياري فيما إذا لا يقدر على اتيان تمام ما له دخل في الصلاة وله القدرة على بعضها كالقيام في أول ركعة أو الركوع في آخر ركعةوأمثالها فيقولون بلزوم حفظ القدرة للمؤخر الاهم . كما انه يقال المقدم مقدم قبال لزوم تقديم الأهم مع ان عند القدرة يصرف قدرته على ما يقدر عليه . وعند العجز تتبدل الوظيفة .

وبالجملة يفترق الوجوب في باب المقدمات المفوتة عن باب التعلم بوجهين: أحدهما: ان في باب المقدّمات لا يكفي احتمال تماميّة الملاك بل اللازم احرازها كي يجب حفظ القدرة بخلافه في التعلم فاحتمال البيان كافٍ في حكم العقل بلزوم الفحص والتعلم .

الثاني: ان الوجوب هناك يحتمل أن يكون نفسيا . والمجعول من قبل المولى خطابان: خطاب على هذه المقدمة المفوتة . وخطاب على أصل ذي المقدمة بخلاف باب التعلم فانه ليس الا حكم واحد بمناط واحد في المحتمل والمقطوع لان مناط حكم العقل في ما يقطع بالعقاب الاخروي أو يحتمل متّحد . وليس له خطاب نفسي وآخر طريقي بخلاف باب المقدمة . فان خطابها إنما هو مقدمي متمم لخطاب ذي المقدمة وملاكه إنّما هو من قبله حفظا له . فهناك للعقل

في الخطاب المتمّم المقدّمي

ص: 286

حكمان . وهنا له حكم واحد كما ان في باب الضرر ان كان للعقل حكم طريقي وحكم العقل نفسي لا أثر للوضوء أو العمل الذي أتى به بخيال الضرر المنكشف عدمه بخلافه على تقدير وحدة مناط حكمه في مقطوعه ومحتمله فتدبر جيدا .

وفي باب التشريع له حكم واحد بمناط واحد في ما يقطع بعدم كونه من قبل المولى أو يحتمل فاسناده إليه تشريع محرم ( كما انه في ما إذا قام الطريق في ماله حكمان فخالفه وانكشف الخلاف يكون قد تجرى وفعل الحرام ان قلنا بحرمة التجري ) .توضيح: قد ذكرنا ان مبنى المحقّق النائيني قدس سره (1) في باب وجوب التعلمغير ما بنى عليه وجوب المقدمات المفوتة التي كان ملاك وجوبها عنده تمامية الملاك بحكم العقل أو استكشاف خطاب مولوي على ما تقدم . وكان المخالفة هناك والعقاب إنّما هو لترك الواقع الذي قد يحصل من ناحية ترك المقدمات المفوّتة ومن حين ترك هذه المقدمات يكون قد عصى وخطابها خطاب نفسي ملاكه حفظ القدرة على متعلق التكليف في ظرفه على ما مر .

وهذا بخلاف وجوب التعلم . فان وجوب تعلم الأحكام إنّما هو من باب احتمال العقاب الاخروي لعدم كون الشك بما هو عذرا ما لم يرخص المولى ولذا لا يكون الجاهل المقصر معذورا في المخالفة وترك الواقع .

ووجوب التعليم في حق الغافل من باب ارشاد الجاهل وفي حق المقصر من باب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف .

والحاصل: حيث ان قبح العقاب بلا بيان موضوعه عدم البيان . فاذا احتمل

ص: 287


1- . فوائد الاُصول 1/204 وما بعده .

البيان من الشارع فلا مجرى له ولو لم يكن له العلم . ولم يحصل لكون العلم شرطا للتنجز .

الا انه لا رخصة له في ترك الواقع ما لم يرخصه المولى لحكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل الاخروي . فالوجوب في المقام طريقي محض لدفع الوقوع في مخاطرة مخالفة الأحكام الواقعيّة التي يحتمل فعليتها في حقّه . فانه على تقدير مصادفة ترك التعلم للوقوع في ترك الواقع فقد عصى وعلى تقدير عدم المخالفة عصيانه مبنى على قبح التجري عقلاً أو شرعا .

فالفرق بين المقدمات المفوتة ووجوب التعلم من جهتين:احديهما: من ناحية كون الخطاب في المقدمات المفوتة نفسي من ناحية الملاك التامّ في التكاليف المشروط امتثالها عقلاً بالقدرة باتيان هذه المقدمات والعصيان يتحقق قبل فعليّة ذي المقدمة بترك المقدمة . بخلاف التعلم في ما نحن فيه فان قدرته باقية للتمكن حين العمل من الاحتياط .

اللهم إلاّ أن يفرض موضوع الكلام أعم من أحكام نفس الاحتياط وطرقه فحينئذٍ لا قدرة له فيها أيضا .

الثانية: كون لزوم الاحراز في المقدمات كما ذكرنا سابقا بخلافه في المقام فالوجوب طريقي محض ومناط حكم العقل في المحتمل والمقطوع واحد .

هذا محصل كلامه . لكنه لا يخفى عليك ان العصيان في المقدمات لا معنى له بكونه من حين ترك المقدمة . كما ان الفرق بينهما من ناحية جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان واحتمال العقاب الاخروي في الشبهة الحكمية قبل الفحص دون الموضوعيّة في التحريميّة في التعلم دون المقدمة المفوتة لا يتم . لان المناط إنّما هو حفظ

ص: 288

الواقع ولذا لا يكون الترك فيما اذا لم يصادف مخالفة الواقع الا تجريا محضا .

ثم ان حاصل الكلام في وجوب التعلم انّه قيل بكونه نفسيا ومقتضى هذا الكلام ان العقاب على ترك نفس التعلم فهناك عقابان على ترك تكليفين: احدهما: نفس الأحكام والتكاليف والاخر التعلم ومستند هذا القول اخبار(1) هلا تعلمت . بل قال بعضهم في تعلم أحكام السهو والشك المبتلى به نوع الناس في كلّ يوم بالوجوب حتى فيما اذا لم يبتل ولا يبتلى بها ونسب ذلك إلى الشيخ وانه يكونبتركه فاسقا كما ان له سابقا ولاحقا على هذه الفتوى . ولعل مستند الحكم اخبارهلا تعلمت التي استفادوا منها الوجوب النفسي . ومقتضى هذا القول وجوب التعلم قبل الاحكام أو خصوص أحكام الامور التي يكون موردا لابتلائه غالبا . وإلاّ فالاقتصار على مسائل شك الصلاة لا معنى له . ولا وجه لهذا القول بعد ما ذكرنا من عدم كون التعلم الا مقدمة للقدرة على امتثال التكليف . وان العقاب ليس الا على ترك الواقع . وانما ترك التعلم فيما يحتمل أو يقطع بابتلائه ببعض الموارد التي يقع في مخالفة الواقع فيها ولم يقع يكون تجريا محضا . وما صدر من أفاضل الفقه وأساتيذ الفن في وجوب التعلم نفسيا مطلقا أو في خصوص بعض الموارد انما هو استناد إلى هذه الأخبار والا فشأنهم أجل من القول والفتوى بغير العلم .

لكن الخدشة في دلالة هذه الأخبار . بل من نفس خبر هلا تعلمت يستفاد كون التوبيخ على ترك الواقع بسبب ترك التعلم لا على تركه نفسا .

الواجب المطلق والمشروط:

هذه تمام الكلام في البحث عن المقدمات المفوتة ولنرجع إلى أصل البحث

في وجوب التعلّم وانّه نفسي أو لا ؟

ص: 289


1- . بحار الأنوار 2/10 الباب 9 من كتاب العلم .

عن الواجب المشروط والمطلق .

فنقول: قيل ان كل شرط يكون للهيئة أي الحكم يرجع إلى الموضوع فالحج الذي يكون وجوبه مشروطا بالاستطاعة مطلوب من البالغ العاقل المستطيع بخلاف شرط الموضوع فلا يكون شرطا للحكم فجميع قيود الحكم راجعة إلى الموضوع والتضييق في دائرة الحكم يوجبه في دائرة الموضوع دون العكس . ومن هنا قيل في صورة الشك بين رجوعه إلى المادة أو الهيئة برجوعه إلى المادة أي الموضوع لكونه أقل تقييدا من الهيئة لكون تقييد الهيئة يوجب تقييد المادة فيكون التقييد الوارد عليها منحلاً في الواقع إلى تقييدين بخلاف المادة فانه تقييد واحد .وقد أورد المحقّق الخراساني في كفايته(1) على الشيخ هذا المعنى وللمحقّق النائيني قدس سره كلام في توجيه مراد الشيخ لا يخلو من دقة سنتعرض له إن شاء اللّه تعالى فانتظر .

توجيه رجوع القيد إلى المادة .

ذكر الشيخ قدس سره وجهين لرجوع القيد إلى المادة لا إلى الهيئة كان يكون الواجب مشروطا . أحدهما اعتباري عقلي وهو ملاحظة كلّ عاقل حكيم قيود مطلوبه وحدوده فانه إمّا أن يكون مطلقا أو مقيّدا ولا معنى للاهمال فيما فرضناه .

والحاصل ان القيود ترجع إلى المطلوب وهو المادة . الثاني عدم معقوليّة تقييد الخطاب بقوله اكرم فانه اما موجود أو معدوم ولا معنى لتقييده بالوجود عند حصول الشرط .

امكان رجوع القيد إلى الهيئة

ص: 290


1- . كفاية الاُصول 1/153 - 154 - 156 .

وأنكر عليه المحقّق الخراساني بما ذكرناه هناك فيما(1) يرجع إلى المعاني الحرفيّة وقابليتها للتقييد واللحاظ . وان وجه المحقّق النائيني(2) كلام الشيخ لكنه لا يقبل التوجيه لظهور كلامه فيما فهمه منه المحقّق الخراساني وجماعة .

وكيف كان فاذا علم من الدليل كون القيد راجعا إلى ما به يكون الوجوب مشروطا سواء قلنا بامكان رجوعه إلى الهيئة كما هو مذهب المحقّق الخراساني أو لم نقل بل يرجع إلى المادة . أو على ما ذكره المحقّق النائيني من أوّل الأمر إلىالمادّة المنتسبة . فهو كما إذا علمنا برجوعه إلى المادة أي الواجب . فعلى الأوّل يكون الوجوب مشروطا وعلى الثاني الواجب . وأمّا إذا شككنا فلم ندر برجوعهإلى الهيئة أو المادة وبعبارة اخرى لم ندر انه شرط الوجوب أو الواجب فان كان في الكلام قيدا متّصلاً فلا يمكن انعقاد الظهور في الاطلاق لكلّ منهما . واما إذا كان منفصلاً فقيل بالرجوع إلى المادة بدعوى أولويّة التقييد الواحد من التقييدين لأنّ رجوعه إلى الهيئة مستتبع لتضييق دائرة المادة والموضوع فلا يمكن اطلاق للمادة مع تقييد الهيئة بخلافه على تقدير الرجوع إلى المادة . فان اطلاق الهيئة بعد

بحاله ورددناه بأ نّه لا معنى له بل يستحيل لعدم امكان رجوع قيد الهيئة إلى المادة .

وبعين امتناع تقييد المادة بقيد الهيئة يمتنع الاطلاق أيضا لكون التقابل بينهما من العدم والملكة بل يرجع الأمر إلى طلب مادة حاصلة بعد الاستطاعة التي مثلاً هي قيد الوجوب على ما تقدّم من البيان .

وللشيخ قدس سره هنا ترجيح الرجوع إلى المادّة بحيث يكون المطلوب واجبا مطلقا وهذا القيد شرطه بوجهين:

ص: 291


1- . كفاية الاُصول 1/154 .
2- . فوائد الاُصول 1/180 - 181 .

أحدهما: تقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي والهيئة مطلقة والوجوب على كلّ تقدير بعد فرض الموضوع ووجوده سواء كان هذا القيد معه أم لا . فللهيئة اطلاق في حال وجود القيد وعدمه . كما انه كذلك بالنسبة للقيود الاخر . وأمّا المادة فليس الا ان صرف الوجود منها مطلوب وبما ان الاطلاق الشمولي مقدم على البدلي فلا محالة يرجع القيد إلى الموضوع أي المادة ويكون اطلاق الهيئة على حاله .

والثاني: هو انه وإن لم نقل بأنّ التقييد الواحد أولى من التقييدين لعدم صحّته كما ذكرنا . لكنه حيث ان تقييد الهيئة نتيجته عدم قابليّة المادّة بعده للاطلاق

فلا جرم الأصل عدمه وبقاء المادة على قابليته للاطلاق إذ كما ان تقييد المادةمخالف الأصل كذلك ما ينتج نتيجة التقييد الذي يوجب تضيقا في ناحية المادةوإن لم يكن من التقييد في قبال الاطلاق . هذا .

لكنه لا يتم هذا البيان . لأن الوجه الأوّل الذي ذكره بعد تسليم أصل المبني بالبيان الذي أفاده المحقّق النائيني قدس سره في محله مختص بباب التعارض واين هذا ممّا نحن فيه من مسئلة العلم الاجمالي بورود قيد اما على الهيئة أو المادة، نعم هناك يمكن ترجيح جانب الاطلاق الشمولي كما في لا تكرم الفاسق لرجوعه إلى حرمة اكرام كل فاسق وأكرم عالما الذي وجوبه للعالم بدلي سواء كان فاسقا أم لا فحينئذٍ يوجب الاطلاق في الشمولي عدم محل للبدلي لحكومته عليه وان استشكل فيه أيضا بكون الشمولي وإن كان من حيث الافراد كذلك لكنه لا يزيد على العام الاستغراقي مع انه انما يكون الاستغراق في الأفراد (اما) باعتبار المصب وهو خصوصيات الاكرام وكذا حالات العلماء إنّما يكون بالاطلاق كما

ص: 292

في اكرم عالما فلا موجب لتقديم أحدهما على الآخر فراجع ما ذكرناه في باب التعارض كما يرد على الوجه الثاني عدم تماميته .

ومحصّل الكلام في المقام . هو انه في صورة الدوران فيما إذا يكون القيد من القيود التي يمكن أن يكون قيدا للوجوب أو الواجب تظهر الثمرة في موضعين: في وجوب تحصيل القيد بعد فعلية الموضوع فيما لا يرجع إلى وجود القيد .

والثاني فعليّة الوجوب .

أمّا الأوّل فمجرى البرائة حيث انه يشك في لزوم تحصيله كالثاني . وأمّا ما يقال من جريان أصل عدم لحاظ الخصوصيّة في جعل الخطاب على الموضوع فيكون مطلقاً فمبنى على جريان الأصل في العدم الازلي . وحيث لا موضوع لهفلا معنى لذلك لعدم اليقين السابق فلا نعلم انه أوجده على هذا الترتيب أو انّهلاحظ القيد للوجوب .

نعم فيما يكون من دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطي يمكن الجريان بالبيان الذي افدناه في اللباس المشكوك .

وللمحقّق الخراساني في ما ذكره الشيخ أيضا اشكال(1) في أصل رجوع القيد إلى المادّة في موضوع الوجوب المطلق والمشروط كما هو الحق . وان الوجوب يكون مشروطا لامكان لحاظ المعنى الحرفي وهو عبارة عن الطلب فيكون مقيدا كما انه لا مانع من كونه مطلقا وذكر سيّدنا الاستاذ قدس سره موردا لبعض الأبحاث فيما اذا يكون لبيا كان يكون مورد كلام الشيخ لكنه قدس سره غفل عنه ولم يبيّنه .

تكميل: قد ذكرنا ان الشيخ قدس سره ذهب إلى امتناع رجوع القيد في الواجب

ثمرة النزاع

ص: 293


1- . كفاية الأصول 1/153 وما بعده .

المشروط إلى الهيئة لعدم معقوليّة تقييد الخطاب الشخصي بالقيد ولوجه آخر تقدم ورده المحقّق الخراساني رحمه الله(1) بعدم امتناع ذلك . لأنّ الهيئة من المعاني التي تتصور وهي قابلة لان تقيد لأنّها معانٍ كلية . فحينئذٍ لا مانع من تقييد المعنى الحرفي في الهيئة بالشرط على ما سبق .

وذهب الشيخ قدس سره في المقام إلى رجحان رجوع القيد إلى المادة نظرا إلى الوجهين الذين تقدما وسبق ما يرد عليهما من الاشكال .

وذهب المحقّق النائيني قدس سره (2) في المقام إلى موافقة الشيخ وصاحبالحاشية في ما ذهبا إليه في خصوص بعض النتيجة المترتّبة على رجوع القيد إلى المادة . وهو عدم اتّصاف الواجب بالوجوب فيما إذا حصل قبل القيد كالاستطاعةالتي هي قيد للوجوب مثلاً فانه لا معنى لرجوع قيد الهيئة كالاستطاعة إلى المادة فتكون شرطا للواجب فيجب تحصيلها . بل إذا كان قيدا للهيئة فالحج قبل الاستطاعة لا يكون امتثالاً للواجب من الحج الذي بعد الاستطاعة . وبعبارة اخرى تقييد الهيئة موجب لتضيق دائرة الموضوع لا انه يوجب كون قيد الهيئة قيدا للمادة . وحيث ان المحقّق الخراساني لا بأس عنده بتقييد الهيئة التي معناها الطلب . لكن(3) الانشائي منه كالارادة على ما حقّقه في بحث اتّحاد الطلب الارادة من اتحادهما مفهوما وخارجا وانشاءً فانشاء الطلب انشاء الارادة . وما ينشأ إنّما هو الطلب الانشائي . فلا يكون ارادة حقيقيّة بل انشائيّة كما في الارادة

بالنسبة إلى الطلب . فالارادة الحقيقيّة لا يمكن أن تكون طلبا انشائيّا بل حقيقيّا .

ص: 294


1- . كفاية الاُصول 1/153 وما بعده .
2- . فوائد الاُصول 1/217 .
3- . كفاية الاُصول: 1/169 .

فعند الدوران اذا لم يتبيّن الأمر والحال ولم يصح الوجهان اللذان استند إلى كلّ منهما الشيخ في ارجاع القيد إلى المادة . يرجع إلى مقتضى الاصول والقواعد لدوران الأمر بين تقييد المادة أو الهيئة . فيشكّ في وجوب تحصيل القيد للشكّ في رجوعه إلى المادة . كما انه يشك في وجوب الواجب للشكّ في تقيده بهذا القيد ( أي وجوبه ) . فلا مانع من جريان أصل البرائة في كلا الطرفين بعد تعارض الاطلاقين الشمولي والبدلي في الناحيتين . المادة والهيئة لعدم رجحان تقييد المادة عنده دون الهيئة . لكون الشمولي وهو الهيئة انما هو بالاطلاق كالبدلي دون الوضع . بخلاف ما إذا كان البدلي بالوضع فيقدم على الشمولي الذي هو بالاطلاق . فالبرائة تجري في ناحية وجوب تحصيل القيد للشكّ في كونه قيدا للواجب كماانه تجري في ناحية الواجب للشكّ في وجوبه دون حصول هذا القيد . هذا .والمحقّق النائيني قدس سره (1) بنى في هذا المقام بعد بنائه على عدم امكان تقيد المعنى الحرفي والموافقة لمن تقدم . على جريان البرائة عن اللحاظ الزائد ثبوتا وكذلك اثباتا في ناحية الانتساب إلى المادة لقيد الواجب حيث تقدم سابقا ان الواجب المشروط عنده يرجع قيد الوجوب إلى المادة بعد انتسابه إلى معنى الهيئة فالاكرام الواجب مقيد عنده بمجيء زيد كما سبق . ولا فرق عنده بين القيد المتصل والمنفصل وان نقل عنه سيّدنا الأستاذ قدس سره تخطئة المحقّق الخراساني في نسبة الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ لرجحان تقييد المادة إلى القيد المتصل وظنه ( أي سيّدنا الأستاذ ) ان المحقّق الخراساني لم ينسب إلى القيد المتّصل أو المنفصل بل اطلق حيث انه لا معنى لذلك في المتصل . لعدم انعقاد الظهور الا انه نقل عن شيخه

جريان البرائة عند الشكّ

ص: 295


1- . فوائد الاُصول: 1/217 - 218 .

الاستاذ بالشك في رجوع القيد إلى الهيئة أي المادة بعد الانتساب . فأصل رجوعه إلى المادة متيقن . الا انه لا ندري بعد الانتساب أو قبله . ولحاظ الانتساب إلى المادة محتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا فتجري البرائة . ويكون القيد نتيجة للمادة بلا لحاظ الانتساب وبالنتيجة ينتج نتيجة تقيد المادة . فاذا كانت محتاجة إلى مؤنة زائدة ثبوتا أو اثباتا . فالأصل يجري في نفي ذلك ويكون القيد راجعا إلى المادة . والهيئة تكون مطلقة . لكنه لا يخفى ان ذلك فيما لا يكون هناك ظهور في رجوع القيد إلى المادة أو الهيئة كما في ملابسات الفعل فانه تكون من قيود المادة .

نعم في الحال يمكن أن يكون قيدا للمادة أو للهيئة . إذ القضية الشرطية عندهمن قبيل رجوع القيد إلى الهيئة . واذا كان القيد لبيا والشكّ في رجوعه إلى أيمنهما فهناك أيضا كما في التقريرات بنى على رجوعه إلى المادة فتدبر في أطراف كلامه فان فيه نظرا كما نظر صاحب التقريرات(1) .

تبيين: قد عرفت ان المحقّق النائيني قدس سره تسلّم تضيق دائرة الموضوع اذا كانت الهيئة مقيدة لكن لا بمعنى رجوع القيد إلى المادة أيضا كما نسب إلى صاحب الحاشية . بل بمعنى عدم حصول الواجب الا بعد القيد . وفي هذا الفرق بين رجوع القيد إلى الهيئة أو المادة . بل لعل مراد صاحب الحاشية من رجوع القيد إلى المادة أيضا ذلك لا ان كل قيد للهيئة يكون قيدا للمادة فشرط الوجوب يصير شرطا للواجب كي يجب تحصيله . فان هذا لا يصدر من مثله وحيث ان مبناه ان المعاني الحرفية لا مفهوم لها فلا معنى لتقيدها كما لا معنى لاطلاقها لا انه ينظر في ذلك إلى

ص: 296


1- . فوائد الاُصول 1/219 وما بعده .

ما عن الشيخ قدس سره من كون المعاني الحرفية جزئيات ليست قابلة للقييد بل حيث ان ذلك مستلزم للحاظها وتصورها فالقيد لا يكون راجعا إلى الهيئة . بل المولى الآمر إنّما ينشأ النسبة الايقاعية الطلبية بين الفعل والفاعل ويجعل العبد مصليا تشريعا مثلاً فيحكم العقل بلزوم مطابقة تكوين العبد لتشريع المولى . وعلى هذا فاذا شككنا في رجوع القيد إلى المادة كي يكون شرطا للواجب فيجب تحصيله أو إلى الهيئة كي لا يكون واجب التحصيل بل قبله ليس الواجب واجبا . فحينئذٍ تارة يكون مثل القيود الاختياريّة التي هي قابلة للتقيد بها كل من المادة والهيئة . واخرى يكون مختصا باحدهما . ومحل الكلام انما هو في القسم الأول(1) . وهوأيضا تارة يكون للكلام ظهور في رجوع القيد إلى المادة أو الهيئة كما في مثل صلّمتطهّرا فانه يكون كالقيود المستفادة من الخارج كقوله لا صلاة الا بطهور أو إلى القبلة وأمثالهما فهو وإلاّ فمعناه رجوع القيد إلى المادة نتيجة . حيث ان النزاع وثمرته انّما هو قبل حصول هذا القيد . لانه بعده سواء كان شرطا للوجوب أو الواجب فيجب المكلف به عنده .

انما الكلام وثمرة النزاع إنّما بالنظر إلى قبل حصوله . وحيث ان في لحاظ هذا القيد بالنسبة إلى الهيئة يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتاً واثباتا فيتمسك باطلاق الهيئة وعدم تقيدها بهذا القيد للشكّ في تقيدها به . فالتمسك بالاطلاق إنّما هو بالنسبة إلى هذا لعدم كون المقام من قبيل الاستثناء المتعقب بجمل متعددة أو تخصيص العام بالمجمل المفهومي مما لا يكون هناك قدر متيقن في البين . وهذا بخلاف ما نحن فيه . حيث ان في لحاظ تقيد الهيئة بهذا القيد الذي يكون مرجعه

كيفيّة ثمرة النزاع

ص: 297


1- . فوائد الاُصول 1/213 وما بعده .

إلى انتساب المادة على نحو ما تقدم في الواجب المشروط ثبوتا يحتاج إلى مؤنة زائدة وكذلك اثباتا يحتاج إلى تقييد ذلك به . وحيث ما بان وما صرح به فتجري مقدمات الحكمة الموجبة لانعقاد الاطلاق لدفع الشك لا ان المقام يصير من قبيل الأقل والأكثر فيجري الأصل بالنسبة إلى الأكثر فانه لا يقول بذلك . وما يوهمه ظاهر بعض تقارير كلامه ليس في محله . وحيث ان بعد حصول هذا القيد لا مجال للنزاع . فانه على كل تقدير يجب الواجب . فمحطّ النزاع وما يكون مثمرا فيه انما هو المورد الذي ذكرناه هذا .

ولكن بما ان مبنى سيدنا الاستاذ قدس سره امكان رجوع القيد إلى الهيئة ففي صورة الشك لا مجال لمثل هذا الكلام بل يجري الأصلان فيما اذا انعقد الاطلاق ولا ينعقد الظهور في المتصل . وبعد ذلك جريان البرائة على نحو ما مر في عدموجوب تحصيل هذا القيد فتدبر . فانه لا يخلو عن اشكال المعارضة .هذا تمام الكلام في تتمّة بحث الواجب المشروط والمعلق .

الكلام في الواجب النفسي والغيري: ومن أقسام الواجب، الواجب النفسي والغيري وحيث ان المحقق الخراساني يرى ملاكات الأحكام قابلة التحصيل وانها مقدورة ولو بالواسطة فقد وقع في حيص بيص وفتح على نفسه باب الاشكال في تصوير الواجب النفسي والغيري . فجعل النفسي(1) ما يكون معنونا بعنوان حسن مضافا إلى كونه محصلاً للملاكات بخلاف الواجب الغيري . فانه ممحّض في انه انما يؤتى به للتوصل إلى واجب آخر وليس كذلك الواجب النفسي فان له جهتين وحينئذٍ فيرد عليه الاشكال في كون جل الواجبات حتى

توضيح في الواجب النفسي والغيري

ص: 298


1- . كفاية الاُصول 1/171 .

المعرفة باللّه تعالى واجبا غيريّا لعدم خلوّها من ملاك والا لارتفع الفرق بين القيام للصلاة والركوع فيها وما يفعله البناء لصنع البناء ( بل ليس من واجب والاوله مقدمية لحصول شيء آخر وبالاخرة مآل الجميع إلى حبّ النفس ودفع الضرر المحتمل ) . وهذا العنوان الحسن من أين جاء به كي يكون ما يزاً بين الوجوب النفسي والغيري . بل ربما ينطبق عنوان على المقدمة ويوجب على ضابطه كونها واجبا نفسيا .

واستشكل هذا المبنى المحقّق النائيني(1) وبين ذلك مرارا من عدم كون الملاكات ممّا يوجه إلى تحصيلها الخطاب . والا لاشكل جريان البرائة لرجوع الشكّ في ذلك إلى الشكّ في المحصل حيث لا يعلم بحصول الملاك الذي يكونالمكلف مأمورا بتحصيله بالاقل أم لا . فبحكم العقل مجبور باتيانه .توضيح: حقيقة مرام المحقق الخراساني انه وان كان المطلوب في الواجب النفسي هو ما يترتب عليه من الفوائد والآثار المسبّبة عن هذه التكاليف ولو بواسطة هذه الأعمال لكنّه حيث ان الفعل له عنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله ويذم تاركه . فوجوبه النفسي من هذه الجهة بخلاف الواجب الغيري . فانه انما تمحض للمقدمية وكونه يتوصل به إلى واجب آخر .

وللمحقق النائيني(2) اشكالان: أحدهما: على أصل مبنى المحقّق الخراساني في جعل الملاكات(3) والفوائد مما تتسبب عن التكاليف أي كونها مقدورة للمكلّف متسببة عن فعله بلا توسط ارادة فاعل مختار . وثانيهما: توجه

ص: 299


1- . فوائد الاُصول 1/72 - 219 .
2- . فوائد الاُصول 1/67 - 70 - 219 .
3- . كفاية الاُصول 1/171 .

المكلف لأجلها وكانها مورد للتكاليف .

توضيح الاشكال الأوّل على وجه يتضح الثاني ان المسبب التوليدي هو ما يترتب على فعل الفاعل بلا توسط ارادة فاعل مختار . فان ما يكون كذلك هو المسبب الذي يتولد من فعل الفاعل ويترتب عليه ويكون نتيجة لعمله بحيث تكون نسبة الفعل اليه نسبة العلة إلى المعلول فاذا توسط بين فعل الفاعل وذاك الأمر ارادة اختياريّة فيخرج عن انطباق هذا الضابط عليه ولا يكون من ذلك . فارسال الماء لتخريب دار الغير يكون سببا مولدا لخرابها . فالخراب مسبّب توليدي لفعله وهذا بخلاف النتائج المترتبة على اعمال المكلف من الثواب والجزاء حيث ان غرس الشجر في الجنة ليس ممّا يترتب على فعله بلا واسطة ارادة الملائكة الذينهم مختارون في أفعالهم وليسوا بعاصين . لكن ذلك لا يسلب اختيارهم فلذا لامعنى لجعل باب الملاكات والنتائج المترتبة عليها من ذلك الباب .

نعم ذلك من المعدات ولا وجه لعدّه من المسببات .

الا ان المحقق الخراساني أشار إلى جواب هذا الاشكال في كفايته(1) كما أشرنا إليه بجعل الملاكات والمصالح النفس الأمرية المترتبة على أفعال المكلفين التي هي تحت الأمر مثلاً مقدورة بالواسطة كما في الصلاة الاستيجاري أو صنع البناء فان الذي بيد معطى المال والموجر هو ذلك ويتسبب عنه ولو باختيار الفاعل المصلى والبناء صنع العمارة وايجاد الصلاة فبهذا المقدار يكون مقدورا للمكلف ولا مانع لهذه الجهة من توجه التكليف إليه لعدم معقولية كونه مباشرة وحيث لغى هذا القيد فالاستحالة في مطلوبيتها بهذا النحو وكونها تحت الخطاب وذلك بناء

ص: 300


1- . كفاية الاُصول 1/171 .

على مذهب العدلية القائلين بالحسن والقبح العقليين المعتقدين بكون الأفعال والتكاليف لا يمكن الا عن مصالح ومفاسد في نفس الأمر ولب الواقع لا بالجزاف ولا في نفس الأمر بلا وجود المصلحة في المأمور به فانهم بمعزل عن هذا المذهب ولا ينافي عدم انتساب هذه الأفعال التي تصدر عن غير الفاعل صحة خطابه بها ومطلوبيتها منه بل كذلك الدعاء فانه اذا يمكنه تحصيل أمر ولو بالدعاء ويرى انه يستجاب له فذلك الأمر يكون مقدورا له ولو بهذا المقدار فيمكن الجواب عن الاشكال بهذا الا ان هنا جوابا أحسن سلوكا منه حيث ان الثواب ولو لم نقل بكونه عن استحقاق العبد لمكان كون قدرته ووجوده وجميع ما يتعلق به نعمة من ربه تبارك وتعالى ولا معنى لاستحقاق الجزاء على عمله إلاّ ان قاعدة العدلية بطلانالجزاف في حق الحكيم تعالى فلابدّ أن يكون اثابة هذا الشخص دون ذلك وكذلكالعقاب لأمر حاصل من نفس اتيانه بما أمر المولى أو تركه ما نهى عنه وذلك الأمر يكون مسببا لفعل المكلّف وان لم نعرفه وفي مثل الصلاة لا مانع من كونه عنوانا ثانويا وذلك الأمر يترتب على مثل الصلاة وغيرها من الأفعال ويوجب الاستعداد لتفضّله تعالى عليه بالنعيم ولا مانع من كونه مطلوبا نفسيّا وتكون هذه العناوين التي يتعلّق بها الأمر عناوين ثانويّة لذلك المطلوب وكونها نفسيات .

ثمّ انه ربما يحتاج في تحقّقه إلى حصول أمر غيره اما لوجوده بحيث لو لم يوجد لما يتحقق ذلك المطلوب كما في وضع السلم لوجودا لكون على السطح أو في شروطه أو شروط شروطه وحينئذٍ يكون على قسمين . فتارة يعرفه العقل فان توجه أمر من المولى في هذا المورد اليه يكون ارشاديا محضا . وأخرى لا يتطرق إليه العقل بل الشارع يتعبد المكلف به ويبين له تحصل ذلك الاثر ولا يلزم من ذلك

ص: 301

الرجوع إلى أدلة الاحتياط حيث ان الاحتياج إلى البرائة إنّما هو في الشبهات الموضوعيّة وإلا ففي الشبهات الحكميّة يكفينا الاطلاقات ( كما في الغسلات والمسحات التي توجب بوجودها تحقق الطهارة ذلك الأمر المعنوي الذي يغاير الطهارة من الخبث الذي ربما يكون للعقل طريق إليه في الجملة . وذلك الأمر الغيري المتوقف عليه في وجوده ذلك المطلوب ينحصر في المقدمة .

فان أراد المحقّق النائيني من توجه الخطاب الترشحي والتوليدي هذا الذي ربما يعرفه العقل في معنى المقدميّة واخرى ينبه الشارع ويتعبد المكلف بتحصيله في حصول ذلك المطلوب فنعم الوفاق . وان أراد حقيقة الترشح والتولد بأن يكون الخطاب الثاني يتولد من الخطاب الأوّل ومسببا عنه فلا نعقله كما انه رحمه الله لا يريد الا ما ذكرناه .بيان آخر:قد عرفت الاشكال في تعريف الواجب النفسي والغيري وما وجه به الاشكال المحقّق الخراساني وما اعترض على ذلك المحقّق النائيني قدس سره في حيث المقدمية لحصول الملاكات .

في جانب الواجبات كالصلاة والصوم والنفسية . فلا تكون تلك واجبا نفسيا ولا غيريا . وجعل الواجب(1) النفسي ما يتعلّق به الخطاب ابتداءً والغيري ما يترشح من الغير اليه . فاشكل عليه المقدمات المفوّتة وأدرجها في الواجبات النفسيّة لعدم تعلق خطاب بها من ناحية خطاب ذوي المقدمات . بل حصول0 ملاكها انما اقتضى ذلك بالنسبة إليها .

ص: 302


1- . فوائد الاُصول 1/220 وكذلك عرفهما في المنتهى . منتهى الاُصول 1/195 .

ولا يخفى ان النزاع في الواجب الغيري والنفسي والنقض والابرام في تعريفهما انما هو بناء على تصوير الواجب الشرعي الذي يؤمر به لأجل الغير . والا فبناءً على ما هو التحقيق من كونها ارشادية إلى دخل المادة في المأمور به فلا معنى للنزاع . كما ان الأمر كذلك في ما يكون بلسان نفي الماهيّة بدون وجود الشرط كقوله لا صلاة إلا بطهور(1) . لعدم الفرق بينه وبين ما يؤمر به في الخطابات لكونها ارشادا إلى الدخل سواء كان أمرا لدخله في المأمور به أو نهيا غيريا . فانه أيضا ارشاد إلى اعتبار عدمه في ذلك المطلوب النفسي . لعدم خلو الواقع ولبّ نفس الأمر من كونه مطلقا ليس مقيدا بوجود زمان أو زماني أو مقيدا ولوجود شيء فيه دخل أو لا بل لعدمه . ولا معنى لتصور الشق الرابع . فاذا كان كذلكوالفرض ان لوجود هذا القيد مثلاً دخلاً في تحقق الماهية وجودا كالقدرة أو في تحقق أوصافه كالطهارة والقبلة والستر وأمثالها بالنسبة إلى الصلاة فلا يمكنامتثال المأمور به الا باتيانها عقلاً . غاية الأمر تارة يعرفها العقل . واخرى يرشد الشارع العقل إليها . والا فالأمر المولوي التعبدي انما هو بالنسبة إلى الأوامر النفسية المتعلّقة بالكل دون الاجزاء وما يعتبر فيها . ولذلك ارجع المحقق الخراساني قدس سره (2) المقدمات الشرعية إلى المقدمات العقليّة ضرورة عدم امكان امتثال أمر الصلاة مع الطهارة بدون الطهارة عقلاً .

حاصل الكلام ان المصالح والمفاسد ممّا تدعوا إلى جعل الأحكام لاستحالة الجزاف لرجوعه إلى الترجيح بلا مرجح وهو محال على المولى الحكيم بل على العاقل فان فعله لابد وأن يكون عن غرض ويكون الغاية متصورة قبل

ص: 303


1- . وسائل الشيعة ج2 الباب 14، ح2 من أبواب الجنابة .
2- . كفاية الاُصول 1/143 .

الفعل ويأتي بالفعل لأجل تلك الغاية كما عليه بناء أفعال العقلاء في معاشهم وساير أعمالهم .

الا ان تلك المصالح عند المحقق النائيني انما تكون دواعي وليست بلازمة التحصيل وعند المحقق الخراساني مما هو مقدور بالواسطة .

وحقّ المقام انه لا يمكن خلوها أي الأفعال والواجبات عن خصوصيات ذاتية وبهذه الجهة تكون الأفعال والواجبات عين تلك الخصوصيّات . واما احتمال كون الثواب والعقاب وغرس الأشجار انما يكون بواسطة أفعال الملائكة من الآثار والدواعي .

فمدفوع بعدم الدليل اثباتا عليه . بل الذي يساعد عليه الدليل هو ما ذكرناه .

ثمّ انّه اذا علمنا ان الواجب نفسي أو غيري على ما ذكر فهو . والا فاللازمالرجوع إلى الأصل اللفظي وهو كونه نفسيا . كما انه يقتضي كونه عينيّا تعيينالاحتياج الغيري والكفائي والتخييري إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا كما اذا شككنا في الاحرام فلم ندر انه واجب نفسي أو غيري لاعتباره في صورة الالتفات والعمد في صحّة مناسك الحج .

اذ لا اشكال في اقتضاء الخطاب حسب اطلاقه كون الواجب نفسيا عينيا تعيينيا مطلقا لاحتياج الغيريّة والكفائيّة والتخييريّة والاشتراط إلى مؤونة زائدة ثبوتاً واثباتاً وبعض هذه الاطلاقات انما ينتزع عن أمر عدمي كالنفسية فانها عبارة عن عدم كون الوجوب للغير . وليس أمرا وجوديا فحيث انه لم يصرّح ولم يبين في خطابه انه للغير فاطلاقه يقتضي كونه مطلوبا واجبا لنفسه كما انه كذلك في مقام الثبوت .

المصالح ليست لازمة التحصيل وإنّما هي دواعي الجعل

ص: 304

فحينئذ اذا علم كون الواجب نفسيا أو غيريّا فهو والا ففي صورة الشك فالمرجع كما أشرنا إليه الأصول اللفظيّة لو كان لها مجرى والا فالأصول العملية . اذا عرفت هذا فالاطلاق مختلف على المبنين في جريانه في ناحية المحتمل الوجوب للغير وفي ناحية الواجب الذي يحتمل ان واجبا شرط وجودي له فصاحب الكفاية قدس سره يرى للحروف مفاهيم قابلة للاطلاق والتقييد فيجري الأصل اللفظي في ناحية محتمل الغيرية كالوضوء . فان الهيئة موضوعة عنده للطلب . فاذا لم يقيدها بشيء فالاطلاق يكون مقتضاه النفسية . خلافا للشيخ والمحقّق النائيني حيث ان الهيئة عندهم معنى حرفي لا مفهوم له قابلاً للتصور وإنما يكون معناها موجودا بالحرف لا متصورا به والهيئة ايجاد شخصي وطلب وتصدى للمطلوب بايجاد النسبة بين الفاعل والفعل . النسبة الايقاعية ولا معنى للاطلاق والتقييد فحيث يكون ايجادا للمصداق ولا يعقل التقييد . في ناحيتهوامتناعه بعين امتناع الاطلاق . فمقتضى الأصل اللفظي عندهم غير ما هو مقتضاهعند المحقّق الخراساني وكلّ يخطئ الاخر . الا ان ذلك نزاع في أصل المبنى والا فكلامهم متين على مبناهم .

والحاصل انه اذا شككنا ان خطاب توضّأ مثلاً غيري أو نفسي فعند المحقق الخراساني(1) تجري مقدمات الاطلاق في ناحية هذا الخطاب ومقتضاها كون الوجوب نفسيا لعدم تقيده بشيء . وعند المحقق النائيني تجري مقدمات الاطلاق في ناحية الصلاة(2) حيث نشك اشتراطها بالوضوء بأن يكون شرطا وجوديا لها

في الشكّ في النفسيّة والغيريّة

ص: 305


1- . كفاية الاُصول 1/173 .
2- . لا اشكال في جواز تعليق وجوب الوضوء على وجوب الصلاة فيجري الأصل اللفظي لنفيه .

لاحتياج اشتراط الصلاة بأمر إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا . فتجري المقدمات في عدم الاشتراط واطلاق المادة عن لحاظ قيد معها لامتناع لحاظ التقييد في ناحية الهيئة في خطاب الوضوء على ما سنبين وبذلك يثبت عدم كون الوضوء واجبا غيريا حيث ان الاطلاق أصل لفظي ومن شأنه اثبات لوازمه ومنها عدم كون الوضوء شرطا للصلاة بل واجبا لنفسه . اما في ناحية الوضوء فيحتمل كونه شرطا للصلاة كما يحتمل كونه واجبا نفسيا . فاذا شككنا مثلاً في ان قوله ( اغتسلت وصلّيت ) اريد به اشتراط الاغتسال للصلاة أم لا . بل لو ترك الاغتسال ترك واجبا نفسيا كما ان الصلاة أيضا كذلك فمقتضى عدم لحاظ الوضوء بما هو منتسب الدال عليه الاطلاق المحتاج لحاظه إلى مؤنة زائدة ثبوتا عدم لحاظ الوضوء بما هو منتسب إلى شيء كالوقت مثلاً . فحينئذٍ يكون واجبا مطلقا كما انه يكون واجبا نفسيا . ولا معنى لاحتمال تقيد الوضوء بالصلوة لرجوعه إلى كونها شرطا لوجوبههذا بناء على كون الاشتراط إنما هو تعليق مفاد الجملة على مفاد اخرى لا تعليقالمعنى الافرادي وهو الوضوء(1) .

اما اذا لم يكن هناك اطلاق او لم تجر مقدماته عند من يرى اختلالها . فحينئذ تصل نوبة الاصول العمليّة . فتارة يكونان في مقام الثبوت واجبين مطلقين . واخرى مشروطين . وثالثة يكون وجوب الوضوء مشروطا بوجوب الصلاة دون العكس كما يمكن اشتراط وجوب الصلاة بالوضوء وجودا أو وجوبا .

بيان آخر: في الشكّ في النفسية والغيريّة .

إذا شككنا فتارة يكون موردا لاحتمال وجوبهما نفسيا واحدهما المعين

ص: 306


1- . فوائد الاُصول 1/221 - 224 .

غيريا ( مع العلم بفعليّة كليهما ) . واخرى مشروطا بأمر آخر . وثالثه أحدهما نفسي والآخر يحتملهما مع عدم فعليّة النفسي على ما نشرحه لكنه يكون بعد نفسيا فعند حصول شرطه يشك في وجوب الاخر وعدمه . ورابعة يكون أحدهما نفسيا مع عدم فعليته بخلاف الصورة السابقة . واخرى يحتمل كونه نفسيا كما انه يحتمل كونه مقدميا وذلك النفسي الذي لم يصر فعليا وهذا المحتمل على تقدير وجوبه النفسي فعلي .

اما احتمال كونهما مشروطين كل بالآخر فمحال .

نعم احتمال اشتراط وجوب أحدهما بالآخر لا مانع منه وحيث انه مجهول فكل واحد من الطرفين يحتمل كونه مقدمة وجودية للاخر . كما يحتمل كونه وجوبية .

فالصورة الاولى . لا اشكال في لزوم امتثال كليهما للعلم بوجوبهما سواءكان محتمل النفسية في الواقع نفسيا أو غيريا للعلم بوجود مشروطه على تقديراشتراط وجوبه به .

نعم نشك في اشتراط النفسي بهذا المحتمل فيكون مجرى البرائة عن القيدية . اما اصل الوجوب فلا .

وفي الصورة الثانية . تجري البرائة عن كليهما حيث نحتمل تقيد وجوب كل بالاخر كما انه يحتمل كونه مقدمة وجودية له .

نعم . اذا صار أحدهما فعليا فالشكّ في الاخر يرجع إلى الشك في وجوبه النفسي الذي يكون معه هذا الواجب الذي علم بوجوبه مقدمة له . ويحتمل الغيرية بأن يكون شرطا وجوديا لذاك المعلوم الوجوب . فيعلم بوجوبه على كل تقدير

ص: 307

فيرجع إلى الصورة الاولى .

اما الثالثة . فكما يحتمل كون الوضوء واجبا نفسيا قبل الزوال ويعلم بوجوب الصلاة بعد الزوال . فقبل الزوال يتوضأ برجاء المطلوبيّة وعند الزوال يعلم بتحقق وجوب الصلاة . لكنه يشكّ في وجوب الوضوء لاحتمال الاكتفاء بالوضوء الحاصل قبل الظهر . وإن كان الموجود من تقرير المحقق النائيني قدس سره في هذا الفرض التعبير بالشكّ في ان الوضوء المأتي به قبل الظهر يسقط الوضوء بعد الزوال .

لكن الاحسن . التعبير بالكفاية أو كون الشكّ في ثبوت التكليف بالوضوء بعد الزوال . فحيث انه توضأ قبل الزوال فعنده يشكّ في الوجوب فيجري البرائة عنه لاحتمال كونه غيريا وان كان نفسيا فقد أتى به .

ان قلت: انه يعلم اجمالاً بوجوب الوضوء عليه اما نفسيا أو غيريا لواجب بعد الزوال فمقتضى العلم الاجمالي الاتيان به بعد الزوال أيضا لليقين بالفراغ كماهو مقتضى تنجّز العلم الاجمالي في التدريجيّات .قلت: ذلك مبنى على تقدير جريان هذا الكلام هناك في ما إذا يعلم بابتلائه بالربا في المعاملة في هذا اليوم أو في أحد أيّام هذا الشهر مثلاً .

اما جريان استصحاب الوجوب الثابت اما نفسيا أو غيريا المشكوك حصوله بذلك الوضوء قبل الزوال كما ترى .

فانه من قبيل جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام الكلي فيما إذا يعلم بالبقاء قطعا على تقدير كونه غيريا . اذا كان من اللازم الاتيان به بقصد الوجه والأمر الغيري والا فالامر في الوضوء سهل لمطلوبيته كما في الغسل .

ص: 308

انما الكلام في التيمم . واحتمل بعض فيه ذلك بلا احتياج إلى شيء من واجب وان لم يكن هذا المقام منه بل له شباهة بالقسم الثاني . كما ان له شبها بالقسم الثالث لاحتمال حدوث الوجوب بعد الزوال لاحتمال الغيريّة كما انه يكون في بعض الصور من استصحاب الفرد المردّد لأنه ان كان نفسيا فقد أتى به وان لم يكن نفسيا فباقٍ ولا معنى لجريان الاستصحاب فيه كما قرر في محله .

نعم ان لم يتوضأ قبل الزوال فبعده يعلم قطعا بالوجوب على كلّ تقدير ويرجع إلى الصورة الاولى .

اما الصورة الرابعة . فكما اذا يحتمل كون الوضوء واجبا نفسيا يحتمل كونه واجبا مقدميا للصلاة التي لم يصر وجوبها فعليا بعد .

وللمحقق النائيني قدس سره (1) هنا كلام بكون المقام من قبيل الشكّ بين الأقل والأكثر الارتباطيين الذي يكون التكليف بالاقل معلوما منجزا على نحو التوسطفي التنجيز . فاذا ترك الأقل فيعاقب على تركه استحقاقا اما من جهة وجوبهالنفسي أو من جهة ترك الأكثر من ناحيته . فان الأكثر وان كان وجوبه مشكوكا الا ان من جهة الأقل منجز .

وليس بمعذور في ترك الأكثر من جهة الأقل لو كان في الواقع واجبا ( أي الأكثر ) ويستشكل على المحقّق الخراساني قدس سره عدم ايجابه الوضوء في المقام حتّى على مبناه المختار في ذلك المقام . حيث لا يقول بمقالة الشيخ بوجوب الأقل على كلّ تقدير سواء الوجوب المقدمي للكلي أو النفسي . لما يرد عليه من الاشكال ويوجب هناك ( أي في الأقل والأكثر الارتباطيّين ) الاحتياط عقلاً بدعوى كون

حكم الصورة الرابعة

ص: 309


1- . فوائد الاُصول 1/223 .

المقام من ذاك القبيل . فان المختار عند المحقق الخراساني هناك كما ذكرنا جريان الاحتياط عقلاً ومع ذلك فلا يلتزم بمبناه في المقام ويجري البرائة في ما نحن فيه من الصورة الرابعة مع انه من التوسط في التنجيز .

لكن هل يكون مورد لهذا الاشكال أم لا ؟

يمكن تقريب ورود الاشكال بالعلم بلزوم التكليف بالوضوء عليه قطعا اما نفسيا أو غيريا مقدميا وان لم يكن فعليا الا ان في كلام كليهما نظرا وتأمّلاً(1) .

وأفاد سيّدنا الاستاذ قدس سره عدم استفادة الصورة التي استشكل عليها المحقق النائيني على المحقق الخراساني من عبارة الكفاية(2) .

الكلام في استحقاق الثواب على الطاعة وكونه بالتفضل .وفيه قولان: قول بكونه بالتفضل وعليه جماعة . والقول الآخر بالاستحقاقوعليه جماعة آخرون . وهذا البحث مقدمة لبحث كون الثواب على المقدمة وعدمه اختار سيدنا الاستاذ تبعا لشيخه المحقق النائيني (3) كونه بالتفضل استنادا إلى كون الطاعة من وظيفة العبد وتجب عليه وجوبا عقليا ولا يستحق قبالها جزاءً على اللّه تعالى ولا له عليه حق . لعدم رجوع فائدة من اطاعة العبد إلى

اللّه تبارك وتعالى . بل كلّ ذلك يرجع إلى العبد نفسه . ووجوب الاطاعة عليه عقلاً نظرا إلى ان ذلك وظيفته بالنسبة إلى مولاه العرفي فضلاً عن مولى الموالي . وجميع

ص: 310


1- . فرض المثال في تقريرات بحث المحقق النائيني فوائد الاُصول 1/223 فيما اذا علم بوجوب ما شك في غيريته لكن شك في غيريته كي لا يجب جريان البرائة عن الصلاة التي يحتمل كون الوضوء شرطا لها المشكوك وجوبها فتأمّل .
2- . الظاهر استفادتها منها .
3- . فوائد الاُصول 1/224 لا يستفاد منه .

قوى العبد وقدرته تستند إليه وإنّما منه الارادة وتصريف القوى في شؤون اختياراته من الاطاعة والمعصية فاذا لم يعمل بوظيفة العبوديّة للمولى الحكيم . فيكون قد ظلم المولى وقصر في حقه . وكيف يمكن الحكم على المولى باستحقاق العبد منه الثواب والجزاء مع كون وجوده الذي هو اعلى نعمة وأتمّها بكرمه تعالى وجوده . مع ما ذكرنا من رجوع كلّ ذلك إلى العبد . وما في بعض الأحاديث القدسيّة من ان الخلق للمعرفة إنّما هو أيضا لرجوع نفع ذلك إلى مصالح العبد . ولا ينافي ما ذكرنا كون البخل محالاً على المبدء الفياض لعدم ايجاب الاستحالة جبرا على خلقه الخلق واعطاء النعم وليس اطاعة العبد لمولاه نظير الاجارة على فعل من الأفعال كي يوجب اتمام العمل والقيام بمقتضى عقد الاجارة اجرة على الموجر .

والحاصل: ان الثواب انما هو تفضل منه تعالى على العباد بحسب مراتب استعداداتهم وقابلياتهم . وله تعالى جهنم والنار كما ان له الجنّة . وجعل الجنّةللموحدين والنار للعاصين . واما ما ورد في الأخبار والآيات من كون الجنة جزاءًعلى عمل العبد وكذلك جهنم والنار . فلا ينافي كون ذلك ( أي الأوّل ) للتفضل لعدم الجبر على اللّه . بل هو تعالى جعل على نفسه ذلك ولا يستحق الواحد منا الأجر على العمل الذي أوجبه عليه منعمه الذي أعطاه رأس المال للتجارة . فكيف باللّه تعالى . وكيف كان فهل الواجب الغيري كالواجب النفسي يوجب اطاعته استحقاق الثواب بناء على كونه بالاستحقاق أو التفضل بناء عليه ؟ ربما يقال بذلك نظرا الى انه في طريق طاعة المولى . واحسن ما قيل في المقام ما في الكفاية(1) من

استحقاق الثواب على الطاعة وانّه بالتفضّل

ص: 311


1- . كفاية الاُصول 1/175 - 177 - 178 .

الوجهين المذكورين فيها . وهذا بناء على تصوير الواجب الغيري فحينئذٍ مجال للقول بكون الأخذ في اتيان الواجب الغيري من شؤون اطاعة الواجب النفسي . ووجه الاشكال في ذلك نظرا إلى مسئلة الوضوء والغسل . وأحسن الأجوبة في الكفاية(1) من ثبوت الرجحان النفسي لهما والاستحباب كذلك . فلا اشكال بكونهما مقربين بل يكفي اتيانهما بداعي الأمر النفسي دون داعي المقدمية بل يكفي الملاك فلا حاجة إلى التطويل في هذا المقام لعدم فائدة مهمة فيه ولا اشكال يعتد به .

بيان آخر: أفاد سيّدنا الأستاذ

قدس سره بيانا جامعا لا يرتبط بكلام الطائفتين وهو انه إن أراد القائل بالاستحقاق انه يكون طالبا للثواب على اللّه تعالى كديون الناس بعضهم على بعض وان للمطيع عليه تعالى حقّاً فهو فاسد ضرورة لما ذكرنا سابقا من ان وجوده وقدرته وتمام شؤون وجوده انما هو من جهته تعالى وانما لهالارادة والاختيار . فكيف يعقل ثبوت حق له وكونه طالبا . كما ان القائل بالتفضل ان أراد بقوله هذا انه لا فرق بين العاصي والمطيع واثابة كليهما انما هو تفضل فلامعنى له لاستواء المطيع والعاصي . مع انه لا يخفى ثبوت لياقة واستعداد للمطيع باطاعة الأمر ويحصل له بذلك قرب ليس للعاصي . فالحق انه يليق المطيع بالاطاعة للثواب الذي أوجب اللّه تعالى على نفسه ووعد عليه وهو لا يخلف الميعاد . وهذا غير قضية استحقاق العبد للثواب . وما ورد في الآيات والروايات من الأجر للمحسنين والمطيعين فلا يخالف ما ذكرنا . لكونه مجعولاً من قبل اللّه تعالى ووعد العباد المطيعين لما ورد في أخبار اخر انه ان كان بالاستحقاق أو العمل فبالنسبة إلى أوليائه يكون الاثابة بالتفضل .

ص: 312


1- . كفاية الاُصول 1/175 - 177 - 178 .

والحاصل ان أمر الثواب ليس كأجر الاجراء والبناء الطالب للاجرة بعمله ولا يقول القائل بالاستحقاق بهذا المعنى من كون العبد طالبا وصاحب حق ولفساد هذا المعنى لا يعقل صدوره عن عاقل . فبما ذكرنا يكون النزاع لفظيّا بين القائلين بالاستحقاق والقائلين بالتفضل . منهم الشيخ المفيد قدس سره (1) وتبعه عليه جماعة.

ثم ان المحقق الخراساني قدس سره (2) بعد أن بنى كون الثواب بالاستحقاق والعقاب كذلك عقلاً في الواجبات النفسيّة . اختار عدمه في الواجبات الغيريّة . ثمّ استدرك ذلك بنفي البأس عن استحقاق العقوبة عند ترك المقدّمة ولو واحدة منها الحاصل منه ترك ذي المقدّمة وكذلك له بزيادة الثواب على المقدّمات اذا أتى بها بما هي مقدمات لعدم ايجاب موافقة الأمر الغيري بما هو أمر قربا ولا مخالفته بماهو كذلك بعدا .

ولا يخفى ان القرب والبعد في كلامه هنا لا ينافي ما نسبوا إليه قدس سره واستنتجوه من كلامه بل كان يصرح في درسه على ما نقل سيّدنا الأستاذ قدس سره بعدم صحّة هذه المعاني وهو لا يلتزم بها إلاّ انه حيث انه طبع كتاب كفايته فلم يصر حذفها منه ميسورا .

نعم اذا انضم ما أفاده هنا من كون الموافقة موجبة للقرب والمخالفة للبعد إلى ما أفاد في غير هذا الموضع في بحث الطلب والارادة لطلع ما لا ينبغي التفوّه به والاّ فنفس القرب والبعد لا محيص عنه لكن القرب والبعد عند المولى اثابته وعقابه .

ص: 313


1- . فوائد الاُصول 1/224 .
2- . كفاية الاُصول 1/175 .

ثمّ انّه استشكل(1) الطهارات الثلاث في حصول الاطاعة والقرب والمثوبة بموافقة أمرها مع ان أمرها غيري والأمر الغيري لا يكون الا توصّليّا .

والجواب عن هذا الاشكال بوجوه . وأجاب قدس سره بواحد وارتضاه وبوجهين واستشكلهما بما سنذكر وفي المقام اجوبة اخرى . منها الجواب الذي اختاره في المقام من كون متعلق الأمر الغيري هو الطهارات لكن لا بما هي هي . بل بما انها متعلّقة للأمر النفسي الذي هو الاستحباب الناشي عن مصلحة الاستحباب الكائنة فيها أنفسها والأمر الغيري تعلق باتيان ما هو المستحب الراجح في نفسه من قبيل تعلق الأمر الاجاري والوفاء بالعقد على متعلق الاجارة عملاً عباديا كان أو غير عبادي أو كما في مثل الاتيان بما قام على ترتب الثواب عليه رواية غير معتبرة . فانه تارة تكون مفاد اخبار من بلغ استحباب العمل نفسه . واخرى اتيان العمل القائم عليه امارة غير معتبرة رجاءً . فالاتيان كذلك مستحب متعلق بالعملالكذائي فلا تصادم الوجوب والاستحباب في هذا الجواب .الثاني: تعلق الوجوب الغيري الترشحي بذات الأفعال الطهارية لا بما هي متعلق الأمر الاستحبابي النفسي بل بما هي طهارة وضوءً أو غسلاً أو تيمما لكنه حيث تعلق الأمر بها فالرجحان الكائن فيها بحاله . ويكون جهة العباديّة فيها محفوظة وان لم يكن كالصورة الاولى . حيث ان هناك طوليّة بين الوجوب الغيري والاستحباب بخلاف المقام فان الوجوب تعلق بنفس الأفعال والطهارات التي هي في ذاتها راجحة(2) .

اشكال الطهارات الثلاث

ص: 314


1- . كفاية الاُصول 1/177 - 179 .
2- . وبعبارة اخرى العبادية والتوصلية انما تنتزع من متعلّق الخطاب لا من نفسه فان كان متعلق الأمر في نفسه عبادة يكون الأمر عباديا والخطاب المتعلّق به يعتبر فيه قصد القربة وإن لم يكن فيكون توصليّا كما في باب الاجارة على البناء أو على الزيارة أو الصلاة مثلاً .

الثالث: الذي هو مختار المحقّق النائيني قدس سره (1) وهو أن يكون الخطاب الوجوبي الناشى من ناحية ذي المقدمة يعامل الخطاب النفسي المتكمن في نفس هذه الطهارات باعطاء الخطاب النفسي الجهة المفقودة فيه والأخذ منه الجهة التي هو يفقدها . فحيث ان الخطاب النفسي استحبابي لا يمنع من الترك باعتبار عدم شدته فيكتسب الوجوب الموجب للمنع من الترك وشدّة الطلب من هذا الخطاب الغيري كما ان الخطاب الغيري يكتسب التعبدية من الخطاب النفسي ويكونان معا خطابا واحدا وجوبيّا عباديا ونسب سيدنا الاُستاذ قدس سره هذا القول إلى المحقق النائيني قدس سره وكذلك الفرق بين باب الاجارة والنذر حيث ان الخطاب بالوفاء في عقد الاجارة عنده طولي بالنسبة إلى متعلق عقد الاجارة كما اذا كان عبادة بخلاف باب النذر فجعله تأكيدا .وزاد وجها رابعا بتقريب جعل متعلق توارد الرجحان النفسي والوجوبنفس المتعلق أي الأفعال .

والخامس: من الوجوه الذي نقله صاحب الكفاية(2) هو لزوم قصد الأمر الغيري في اتيان هذه الأفعال . لأنه ربما لا تكون محصلة لما هو المقصود منها . فاذا قصد الأمر الغيري المتعلق بها فحيث ان الأمر لا يدعوا إلاّ إلى متعلّقه يكون قد أتى بما هو المطلوب والمقدمة الدخيلة في حصول ذي المقدمة .

واستشكل عليه قدس سره بعدم انحصار الامتثال بذلك بل يمكن أخذ الأمر بنحو

ص: 315


1- . فوائد الاُصول 1/228 - 229 .
2- . كفاية الاُصول 1/178 والظاهر من صاحب الكفاية اختيار هذا الوجه .

الوصف مضافا إليه انه لا وجه لترتب الثواب عليه . وهذا الوجه فاسد كبعض الوجوه السابقة لعدم صورة لبعضها ولا معنى كما انه لا معنى آخر .

طور آخر: سبق جواب المحقّق الخراساني قدس سره عن اشكال الطهارات الثلاث كما انه استشكل الجوابين المنقولين عن الشيخ الأنصاري قدس سره وسبق ذكر جواب عن المحقّق النائيني بعد اشكاله في الوجهين المنقولين عن الشيخ . الا ان المنسوب إلى المحقّق النائيني في تقريرات القوم غير ما ذكره سيدنا الأستاذ قدس سره فانه رحمه الله قال على ما قرّره الأستاذ عن من نسب إليه دفع الاشكال لا ينحصر بالأمر

الغيري أو النفسي بل هناك وجه ثالث وهو تعلّق الأمر النفسي الوجوبي بنفس الطهارة وكونها من هذه الجهة كاجزاء الصلاة . فكما ان الأمر المتعلق بالصلاة منبسط على اجزائها وباعتباره يكون الجزء واجبا ضمنيا كذلك للأمر انبساط على الطهارة . وبهذا الاعتبار يكون واجبا ضمنيّا كاجزاء الصلاة . ومورد هذا الوجوب الضمني نفس الأفعال بلا أخذ قصد مورديتها للأمر النفسي فالأمر انالضمني والنفسي الاستحبابي يردان عليه في رتبة واحدة . الا ان الأمر النفسيينسلخ عن حده الخاص الاستحبابي ويكون الطلب في المقام أشد من طلب الأمر النفسي . وهذا وان كان على خلاف اصطلاحه في الأمر اذ ليس عنده الا ايجاد النسبة لكن الدواعي مختلفة .

والموجود في النسبة هكذا ( فالأمر النفسي بعد موجود في الأمر الضمني لكنه يندكّ بحده الخاص . والأمر الغيري الترشحي يتعلق بهذا الواجب الضمني الذي تعلق به الوجوب الضمني من الأمر الصلاتي . فاجتمع في المقام ثلاث جهات من الأمر اثنان منها في رتبة واحدة وهما الأمر النفسي والضمني لتعلقهما

وجوه الجواب عن الاشكال

ص: 316

بنفس الأفعال والاخر متعلق بالشرط . والشرط انما هو أمر عبادي والأمر العبادي له الأمر القربي الضمني المنبسط عليه من أصل أمر الواجب النفسي . فالعباديّة الحاصلة للطهارة من ناحية الأمر الضمني المندكّ فيه الأمر النفسي الاستحبابي موضوعة للأمر الترشحي الغيري . اذ هو في رتبة الموضوع والأمر يرد عليه ونظير المقام ما اذا كانت صلاة الليل منذورة أو انه صار اجيرا للعبادة فالأمر العبادي في الرتبة السابقة على الأمر التوصلي الاجاري المتعلق بالوفاء بخلاف صلاة الليل المنذورة فانه عنده يكون النذر مؤكّدا لا انه يرد على غير مورد الأمر النفسي لا بما هو مورد للنذر .

وهذا الفرق ربما كان محل الاشكال ولعلنا سنتعرض له اذ يحتاج إلى بيان واسع يمكن أن ينتج كون باب النذر والاجارة من سنخ واحد .

ان قلت: من أين صار هذا الشرط موردا للأمر الضمني وباعتباره أخذ فيه قصد القربة وصار موردا للوجوب الغيري الترشحي دون باقي الشرايط كالستر والاستقبال وأمثالهما .قلت: لكونه بهذا النحو أي بكونه عبادة شرطا وله الدخل في حصولالغرض .

لكن يمكن أن يردّ عليه بكون تقدم صلاة الظهر شرطا ذكريا لصلاة العصر ولازمه كونها واجبا ضمنيّا وسراية الأمر من الأمر العصري إليها مع انه لو أتى بها بقصد أمر العصر تبطل .

نعم . يمكن أن يقال ان لها حصّة خاصّة من أمر العصر . ونظير هذا الاشكال يجري في نفس اجزاء الصلاة الواحدة لكون التكبيرة شرطا متقدما للأجزاء

اشكال اشتراط صلاة العصر بتقدم صلاة الظهر عليها

ص: 317

اللاحقة وكونها شروطا متأخرة للسابقة . الا ان يجاب بعدم كون صلاة الظهر شرطا للعصر بل المستفاد من الأدلّة ان تقدمها شرط وهو غير مسئلة نفس الصلاة أي القيد فالعنوان الانتزاعي لا مانع من كونه شرطا دون المنتزع عنه .

أقول: المظنون ان الذي نقل سيّدنا الأستاد عن شيخه المحقّق النائيني من أحد وجهي ما اجيب به عن الاشكال هو كون الغرض لا يحصل الا باتيان الطهارة عن داعى قربى ثم استشكل قدس سره عليه بلزوم الدور لتوقف العباديّة في المقدمة على الأمر الغيري مع ان موضوعه انما يجيء من قبل الأمر فالدور واضح .

والحاصل: ان الاشكال انما جاء من ناحية عباديّة الطهارات مع كونها واجبات غيريّة والأمر الغيري لا يوجب التعبديّة . فدفع المحقّق النائيني(1) الاشكال بما سبق من توجه الأمر النفسي الصلاتي وانبساطه على هذا الجزء كما ان في خصوص الغسل والوضوء لهما جهة الرجحان النفسي الثابت لهما قبلالوقت فبعده يجتمع هذه الجهة النفسيّة الموجبة للاستحباب مع الجهة النفسيّةالضمنيّة المنبسطة عليهما من ناحية الأمر الصلاتي لكن لا بحدّها بل تندكّ تلك الجهة في جهة الوجوب الجائيّة من الأمر الصلاتي ويوجب شدة الطلب .

إلاّ ان هذا خلاف مبناه من عدم كون الوجوب والاستحباب عبارة عن الطلب كما ذكرنا في بعض الأبحاث السابقة والأمر الغيري انما يرد على متعلق الأمرين الاولين بما هو متعلق لهما . لا بذاته . فعلى هذا لا مانع من التقرب بالأمر

الصلاتي المندكّ فيه الجهة النفسيّة ولا يتوجه محذور من جهة عدم حصول التقرب

ص: 318


1- . فوائد الاُصول 1/228 - 229 .

من الأمر الغيري لكونه توصليا . وليس قضية اشتراط صلاة العصر بالظهر من هذا القبيل ( أي كون الأمر العصري منبسطا عليها كي يمكن التقرب بصلاة الظهر بالأمر العصري كما امكن التقرب بالأمر الصلاتي النفسي الضمني بالوضوء بل لو قصد ذلك كانت باطلة وذلك لعدم كون صلاة الظهر شرطا للعصر بل تقدمها شرط والقبلية غير نفس صلاة الظهر .

لكن في التقريرات خلاف ما بين سيّدنا الأستاذ قدس سره (1) بل جعل صلاة الظهر من قبيل متعلق الأمر الاجاري الذي يتعلق بالصلاة الواجبة بما هي واجبة لا بذاتها وكذلك صلاة الظهر شرط للعصر لا بماهي هي بل بما هي واجبة فحينئذٍ لا يمكن التقرب باتيان صلاة الظهر بالأمر العصري . لعدم تعلّقه ( أي الأمر النفسي العصري ) بصلاة الظهر بنفسها بما هي هي . وكذلك في صوم الاعتكاف أي جعله في طول الاعتكاف . مع انه لا اشكال في جواز اتيان الصوم بأمر الاعتكاف . لكنه في اذا لم يكن في صوم الواجب المعين مثلاً كصوم شهر رمضان فان الصوم قديجتمع فيه جهة الوجوب النفسي والرجحان الاستحبابي لاستحبابه في غير الايامالمستثناة بطول السنة مع انه شرط لصحّة الاعتكاف . فيترشح جهة النفسيّة كما في الوضوء عليه فيكون مأمورا به بالأمر الضمني الاعتكافي فلا مانع من قصد الأمر الاعتكافي بالصوم لكنه قدس سره جعله في الطول .

وعلى كلّ حال . فهنا بابان: باب النذر للصلوة المستحبة كصلوة الليل وباب الاجارة للصلاة الواجبة مثلاً . وجعل توارد الأمرين النفسيين الاستقلالي والضمني على الوضوء والغسل من قبيل باب النذر والأمر النفسي الاستقلالي

الجواب عن الاشكال

ص: 319


1- . فوائد الاُصول 1/230 .

الاستحبابي بالنسبة إلى الأمر الغيري من قبيل باب الاجارة . ففي باب الاجارة وجوب الوفاء أي الأمر الاجاري يتعلق بالصلاة الواجبة على ذاك الميت . فيكون الأمر في رتبة متأخرة عن الأمر الصلاتي . فهي بما هي واجبة متعلق للأمر الوجوبي الاجاري بخلاف نذر صلاة الليل فان الجهة النفسيّة والرجحان المشروط به متعلق النذر بسبب توارد الأمر النفسي الاستحبابي والأمر النذري عليها في رتبة واحدة والرجحان ليس متقدما بالرتبة على الأمر النذري . وحيث ان الأمر النذري ليس الا توصليا فيكتسب التعبدية من الأمر النفسي المتوارد معه على متعلق النذر .

وفيه اشكال لكون الأمر النذري متأخّراً رتبة عن الموضوع الذي هو النذر وكونه منذوراً في رتبة الأمر النفسي فتأمّل .

والحاصل انه يمكن التقرب بالأمر النفسي الصلاتي . والأمر الغيري لو تعلّق فانما هو في الرتبة المتأخرة عن العباديّة ويرد على ما هو عبادة فلا دور لان الاشكال انما يتسجل على تقدير مجيء العبادية من ناحية الأمر الغيري فاندفع بما ذكرناه وفي كلامه موارد للنظر كما أفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره .ثم ان للسيد الجليل صاحب العروة رحمه الله(1) كلاماً في المقام من جهة اجتماعالنفسية الاستحبابية والوجوبية في الوضوء ولا ضير فيه ولا يوجب تبدل الاستحباب بالوجوب والاندكاك فيه . بل الأمران باقيان بحدّهما واستشكله المحقّق النائيني قدس سره بانه وان كان في باب الاجتماع صحيحا لتعلق الأمر بطبيعة كالصلاة مثلاً والنهي باخرى كالغصب ولا ربط لاحديهما بالاخرى لاستحالة اتحادهما والعمل المأتي به يمكن للعقل تحصيص الطبيعتين منه بحيث لا يرتبطان

ص: 320


1- . العروة الوثقى 1 المسئلة 33 من فصل شرايط الوضوء .

ولا يتحدان لان الماهيتين لا تتحدان في الوجود والوجود الواحد انما هو انضمام الوجودين بحيث يمتازان عند العقل . لكن ذاك مخصوص بباب الاجتماع ولا مناص عن الجواز بناء عليه . لكون ذلك من الحيثيّة التقييديّة بخلاف المقام . اذ الأمر النفسي وجهة المقدمية الموجبة للوجوب انما هما تعليلية . وفي الجهات التعليلية يكون مورد الأمر واحدا لا تعدد فيه . فالوضوء في كلتا الصورتين يكون موردا للأمر ولا معنى لكونه واجبا مندوبا . فيكون المقام من قبيل لا تكرم الفاسق واكرم العالم والعلم يقتضي وجوب الاكرام والفسق حرمته واجتمعا في العالم الفاسق فيخرج عن باب التزاحم في مورد الاجتماع .

ثم ان هنا تنبيها: وهو انه لو قصد بالوضوء الصلاة وبعد الفراغ بدا له فهل وضوئه صحيح له جواز مس القرآن وغير ذلك من غايات الطهارة أم لا ؟ لا اشكال بناءً على وجوب مطلق المقدمة من صحته وجواز فعل الغايات معه انما الكلام في وجوب خصوص الموصلة .

الكلام في الواجب التعييني والتخييري:

ومن تقسيمات الواجب تقسيمه إلى التعييني والتخييري . وبعد وجود الواجب التخييري اثباتا بلا اشكال وقع الكلام في تصويره ثبوتا . فقد قيل فيهوجوه:

أحدها: ان الواجب في التخييري الأمر المبهم عن المكلف الذي يعلمه اللّه تعالى والمكلف لا يعلمه وهو عنده مبهم وربما يرجع إليه ما قيل في مسئلة وجوب الزكاة بنحو الكلي في المعيّن من انه اذا بقى بمقدار الزكاة في ما تجب فيه يكون هو ما يتعيّن كونه زكاة .

منها كون الواجب هو أحدهما على نحو لا يكون عند المكلف ولا عند اللّه

في الواجب التعييني والتخييري

ص: 321

تبارك وتعالى معلوما ولعل هذين القولين لا قائل لهما حديثا . وانما القائل بهما القدماء من العامة وفي بيع أحد العبدين أو طلاق احدى الزوجات أو اثنتين منها على هذا النحو الظاهر البطلان لا التعيين بالقرعة .

منها ما ذهب إليه في الكفاية(1) من كون الواجب هو الجامع بين الافراد في الواجب التخييري كالعتق والاطعام والصوم مثلاً . وحيث ان المكلف لا يمكنه تشخيص الجامع فامر تعيينه ارشادا إلى الشارع . فالجامع حيث انه ينطبق على كل واحد من هذه الأفراد أو هذين الفردين وجبت أو وجبا . ففي الحقيقة مرجع التخييري الشرعي إلى العقلي . غاية الأمر . الفرق . عدم تشخيص المكلف للجامع في الشرعي دون العقلي . والظاهر كون هذا الجامع اصيلاً . وربما قيل بالجامع الانتزاعي على نحو لا ينطبق الاّ على هذه الافراد مثلاً في الواجبات التخييرية جامعا مانعا .

ومنها: كون كل واحد واجبا عند ترك الآخر أو ارادة تركه . ولازمه تحققعصيانين عند ترك كليهما . وهذا القول نسب إلى المحقق النائيني قدس سره الظاهر بلالمسلّم عدم التزامه به(2) .

اذا عرفت هذه الوجوه . فاعلم ان غير ما ذهب إليه في الكفاية والجامع المبهم الذي صوّره المحقق النائيني قدس سره فاسد لا وجه للمصير إليها(3) انما الكلام في

ص: 322


1- . كفاية الاُصول 1/225 .
2- . وهذا الوجه اختاره في المنتهى ودفع اشكالاته . منتهى الاُصول 1/219 - 222 .
3- . وهناك وجه آخر اختاره المحقّق الاُصولي شيخ مشايخنا الآقا ضياءالدين العراقي قدس سره نهاية الأفكار 1/391 - 392 وهو وجوب كلّ واحد من الشيئين أو الأشياء بوجوب ناقص بنحو لا يقتضي إلاّ المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك البقيّة من غير فرق بين أن يكون هناك غرض واحد يقوم به كلّ واحد منهما ولو بملاحظة ما هو القدر الجامع بينهما أو أغراض متعدّدة بحيث كان كلّ واحد منهما تحت غرض مستقل وتكليف مستقل وكان التخيير بينهما من جهة عدم امكان الجمع بين الغرضين الخ واختار السيّد العلاّمة الخوئي محاضرات في الفقه 44/5 ان الواجب هو أحد الفعلين أو الأفعال لا بعينه وتطبيقه على كلّ منهما في الخارج بيد المكلّف كما هو الحال في الواجبات التعيينيّة .

ما ذهب إليه المحققان . فاذا لم يمكن الالتزام بما في الكفاية فلابد من المصير إلى قول المحقّق النائيني . ويمكن تقريب مرام المحقّق الخراساني قدس سره بأن الأثر الواحد لا يمكن أن يصدر من مؤثرين فلابد أن يكون هناك جامع مؤثر في الأثر الواحد الذي يكون به كل الفردين ذا أثر واحد ضرورة ان الاثنين بما هما اثنان لا معنى لصدور واحد منهما ما لم يكن بينهما جامع . لعدم مناسبة أثر أحد الضدين مع الضد الآخر وحيث ان الواجبين مثلان في سقوط ما في الذمة وعلى عهدة المكلف بهما فحينئذٍ ينكشف انّا كون الجامع بينهما هو مورد التكليف وانما الاكتفاء بالفردين من جهة وجود الجامع بينهما ولا خصوصيّة للفردين بل الخصوصيّة الفردية انما مشخصة للجامع وجودا .

ولكن لا يخفى ان هذا الكلام مبتنى على كون باب التكاليف من باب التأثيروالتأثر ونظيره كالاقتضاء كما استند إليه في موارد عديدة في كفايته ونحن قد أشرنا في أول بحث الا صول إلى فساد هذا المبنى وان باب الأحكام غير مرتبطبباب التكوينيّات وانه لا تأثير ولا تأثر وان لم ننكر هناك داعوية ومصلحة ومفسدة . فلذا يبقى خصوص الوجه الأخير وكون الواجب هو العنوان المبهم أي أحدهما مثلاً وان لم يمكن في مقام الامتثال امتثال الاحد بحيث يتوجه إليه الارادة بخصوصه . بل لابد من تحقق الارادة بالنسبة إلى شيء خاص من الفردين أو الأفراد .

ص: 323

وربما يدعي المحقق النائيني قدس سره (1) الفرق بين الارادة التشريعيّة والتكوينيّة

بامكان تعلق الاولى بالمبهم بخلاف الثانية . الا ان الكلام في تصديق هذا الأمر وانه هل فرق بينهما من هذه الجهة أم لا بعد الفرق من جهات اخر خصوصا على مبناه من انشاء النسبة وكذا على مبنى الطلب .

ويشكل تصوير المبهم الذي جعله المحقق النائيني قدس سره (2) متعلق الوجوب في الواجب التخييري . وانه كيف يمكن تعلق الوجوب به مع ان الارادة التكوينية لا يمكن تعلقها الا بغير المبهم وإنّما انشاء هذه النسبة بين الفعل والفاعل في الأوامر تكوين النسبة كما انه وقع الاشكال في الوضعيّات لعدم الفرق بينها وبين التكليفيّات في هذه الجهة ولذا جعل بعضهم باب بيع السلف والسلم من التضمين لان الكلي قابل للانطباق على كلّ فرد فاذا باع غنما فأي الأغنام يكون متعلق البيع كي يلزمه تسليمه إلى المشتري . والكلي بما هو كلّي ليس شيئا وانما الآثار على الخارجيات .لكن يمكن حل الاشكال بان هذه الامور ليست لها واقعية بل هي اعتبارات

فكيفما اعتبرت توجد وتترتب عليها الآثار الا انه مع ذلك قالوا بفساد بيع المرددبين الفردين وعدم شمول « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ »(3) له وظاهرهم انه ليس لدليل خاص وان ذلك من باب عدم تحقق البيع لا ان البيع واقع والمبيع مردد . مع انهم جعلوا للامور الاعتبارية ملكية كما في عنوان الفقير والمسكين الذين هما فردان من مصارف الزكوة وليس الفقير الخارجي مالكا له فاذا اعطى انطبق ذاك العنوان عليه

ص: 324


1- . فوائد الاُصول 1/235 .
2- . فوائد الاُصول 1/235 .
3- . البقرة: 276 .

ويملكه . وكما في مثل الحكومة والدولة والهيئة الحاكمة بل مثل مناصب الامامة والولاية وأمثالهما مما لا يرث ما يختص بهذا الشأن من الآثار والأموال غير من يقوم مقام من مات أو انخلع مثلاً بخلاف أمواله الشخصيّة فان الوارث يرثونها دون ذاك هذا الا ان ذلك لا يصحّح تعلق الارادة التشريعية بالمبهم كما في الارادة والحبّ والبغض أيضا لابدّ من تعيين متعلق هذه الصفات خارجا تكوينا .

نعم يمكننا المساعدة على هذا المعنى وهو ثبوت الوجوب التخييري في الشريعة في مقام الاثبات المنشأ قبال الواجب التعييني الذي هو سنخ آخر من الوجوب الذي لا يجوز تركه بخلاف التخييري فيجوز تركه إلى بدل . ففي مقام الاثبات نرى انشاء النسبة بين الصوم والفاعل مثلاً فاذا لم يأت بعده بأو يكون تعيينيّا بخلاف ما إذا أتى بها فانه يوجب اثباتا كون الاعتاق مثلاً وكذا الاطعام المعطوف باو في عرض الواجب الأول الذي انشأ النسبة بين الفاعل وبينه ولا يستفاد الترتيب مع احتماله . لعدم امكان التكلم بها دفعة واحدة . فلا محالة يكون أحدهما سابقا في الذكر . ونتيجة هذا العمل أي إنشاء النسبة بين كل واحد من هذه المواد وبين الفاعل هو انتزاع سنخ وجوب تخييري في قبال التعييني . ولازمهجواز ترك كلّ عند الاتيان بأحدها . فالواجب له عدل أي الصوم ليس واجبا تعيينابحيث لا يجتزى بغيره بل له عدل سواء أتى به أو بعدله . فاذا أتى بأحدهما يسقط الآخر وفي هذا ليس من تعلق الارادة التشريعيّة أو انشاء النسبة بين المبهم والفاعل بل كل من هذه الأمور واجبة بهذا النحو . وليس هذا تقييدا في ناحية النسبة كي يكون وجوبا ناقصا لعدم امكان تعلق القيد بالنسبة التي هي معنى بسيط .

ص: 325

فان كان مختار المحقق النائيني قدس سره في الواجب التخييري الذي عبّر عنه بالمبهم هذا فنعم الوفاق .

والا فان أراد معنىً آخر فنحن لا نعقله . وليس هذا من الواجب المشروط وتقييد وجوب كل بعدم الاخر كي يتعدّد العقاب بل العقاب واحد وانما الواجب واحد فاذا لم يأت بأحدها فلم يترك الا واجبا واحدا .

والحاصل ان الواجب التخييري من جهة . نظير الواجب الكفائي . غاية الأمر الفرق بينهما ان العدل في الواجب التخييري في ناحية المتعلق وهناك في ناحية الموضوع . فان أمكن هذا فهو والا فلا مناص عن ما ذكرناه عن المحقق الخراساني قدس سره من كون الواجب في المقامين أمرا واحدا يكشف عنه وحدة أثره لعدم معقوليّة صدور الواحد عن اثنين بما هما اثنان فالمؤثر لابد أن يكون واحدا الا انه حيث لا نميزه نحن فأمر بيانه بيد الشارع على نحو لا ينطبق على غير هذه الثلاثة مثلاً فلا يكفي الزيارة والصلاة وغيرها بل العتق والاطعام والصوم مثلاً مصاديق الواجب المنحصرة . فالواجب في المقام يرجع إلى الواجب التخييري العقلي والفرق عدم تشخيص هذا السنخ من الواجب إلاّ ببيان الشارع فنسميه بالتخيير الشرعي بخلاف ذاك الذي يمكن القاء الجامع إلى المكلّف وخطابه بهومطالبته عنه الذي يمكنه تشخيص أفراده وأمر الطبيعة بيده فيكون ممحضا فيالتخيير العقلي هذا .

ثمّ لا يخفى ان الواجب التخييري لا يؤول إلى الواجب التعييني بل لو فرض انحصار الواجب في أحد العدلين لا يكون تعيينيّا وانما ينحصر الامتثال به وهذا غير صيرورته تعيينيّا للزوم الانقلاب عن الماهية المحال .

الاستدلال على المختار

تنظير الواجب التخييري بالواجب الكفائي

ص: 326

تكميل وتوضيح: ليعلم ان التزاحم له صورتان: فتارة يكون في مقام قدرة المكلف والامتثال للتكاليف المتوجهة إليه واخرى في مقام الداعوية والجعل . اما الاول فكما اذا كانت لكلا التكليفين مصلحة الزامية فعلية مثل اذا كانت نفسان في معرض التلف فيجب حفظهما معا مع انه لا قدرة للمكلف الا على امتثال أحدهما وحفظ واحد منهما فاذا صرف قدرته فيه فلا قدرة له على امتثال الاخر وحفظه وفي هذا الفرض تارة يكون حفظ أحدهما اهمّ من الآخر فيكون خطابه مطلقا وخطاب الاخر مقيدا بتركه . واخرى يكونان في عرض واحد كما اذا لم يكن النفسان اللتان في معرض التلف مثلاً الا مؤمنين لا مزية لأحديهما على الاخرى فهنا لا مجال لاطلاق الخطابين بل لابد من تقييد كل واحد منهما بترك الاخر بخلاف صورة الاهمية لاحديهما فخطاب المهم ترتبي .

اما التزاحم في الملاك يمكن تصوره بأن يكونا على نحو اذا استوفى أحدهما لا يكون للاخر مقتضى لذلك بحيث لو فرض طوليتهما في الاتيان خارجا في زمانين مثلاً لا يكون الواجب الا أحدهما .

بخلاف التزاحم في مقام الامتثال فان الواجب في الفرض المحال الذي أمكن له الاتيان بهما معاً كلاهما اذ ليس في ما نحن فيه ( باب تزاحم الملاك ) مصلحة لكليهما تامة مطلقة حال الاتيان بالاخر وعدمه بخلاف ذاك القسم فانه لولا قصور قدرة المكلف لكان اطلاق خطاب كل في حال اتيان الاخر وعدمهعلى حاله . وكذلك ليس المقام مما يمكن فيه فرض الكسر والانكسار ليكون النتيجة حكما ثالثا على خلاف مقتضى كل واحدة من المصلحتين أو المصلحة والمفسدة مثلاً كراهة أو استحبابا أو اباحة . كما انه لا يمكن على الفرض جعلهما

ص: 327

واجبين تعيينيّين فلا محالة يكون الجعل لكل واحد مشروطا بعدم الاتيان بالآخر واذا تركهما معا فبلحاظ حصول المعلق عليه في كليهما وهو ترك الاخر يكون قد ترك واجبين ويستحق عقابين . فاذا أمكن ما ذكرناه ثبوتا وصورنا تعلق الخطاب في مقام الاثبات بأزيد من واحد باو فهل بيان هذا النحو من الحكم يمكن باو أو يكون المكشوف بها معنى آخر ؟ الظاهر ان انشاء النسبة أو الطلب باو وان كان ممكنا لكنه ينتج وجوبا واحدا تخييرا بين الأفراد .

بعبارة اخرى يكون الواجب ذا عدل وكل واحد يكون عدلاً للآخر وهذا ينتج خلاف ما ذكرناه في مقام الثبوت فلابد وان يكون انشائه بنحو آخر . فاذا كانا معا سويين فيشترط وجوب كلّ بترك الآخر والا فيجعل الوجوب على الذي هو أهم في نظره واذا تركه على الآخر بنحو الخطاب الترتبي على ما سيجيء بيانه إن شاء اللّه . والواجب يكون في المقام اثنين .

اما ما ذكره المحقق الخراساني قدس سره (1) من تصوير الجامع الأصيل الذي لا نعرفه نحن وان كان مبناه على التأثير والتأثر الذي أبطلناه الا انه لا محيص عن الالتزام بما قاله بطريق آخر لعدم امكان استواء الفردين عند المولى في حصول الملاك بهما . فلابدّ أن يكون الأثر لشيء آخر يكونان فرديه من حيث عدم امكانحصول أثر واحد من مؤثّرين الا بالرجوع إلى جامع . وكذلك اقتضاء الجعلفيرجع التخيير الشرعي إلى العقلي ( كما أشرنا إليه ) وعدم قدح عدم معرفتنا للجامع في كونه هو الواجب . غاية الأمر بيان مصاديقه بيد الشارع .

هذا تمام الكلام في التخيير ثبوتا .

ص: 328


1- . كفاية الاُصول 1/225 .

التخيير بين الأقل والأكثر:

فتارة يكون في الافراد فيرجع إلى التخيير العقلي كصوم يوم طويل أو قصير في الكفارة أو اطعام رجل قليل الأكل أو كثيره فيما اذا وجب عليه الاطعام ولا اشكال في امكانه ووقوعه لكون الواجب في الأول هو الصوم وفي الثاني الاشباع .

واخرى يكون بين الواجبين كالقصر والاتمام في مواضع التخيير لكن يشكل تصويره لكون الزائد على الأقل بناء على كون الأكثر واجبا شرطا بخلافه على الأقل فيكون مانعا فيرجع إلى المتبائنين . كما كان محل الكلام في التصاوير الثبوتية المتقدمة آنفا . وذلك لا اشكال فيه انماالكلام في كون ذلك على نحو لا يرجع إليه كما في التسبيحات الأربع مثلاً . فاذا أراد الأكثر فلا ينطبق الواجب على الأقل واذا أتى به فلابد في صدق الواجب من ضم الباقي إليه . أو كما في الخط الطويل فانه ما لم ينقطع يكون خطّاً واحدا أو كما في الكلام في سجود السهو فاذا تكلم كثيرا بلا فصل بجملات متعددة بلا تخلل ما يوجب معه صدق التعدد فلا اشكال في وجوب السجدتين عليه مرّة واحدة . مع انه اذا تخلل ذلك فتجبان مرات لكن مسئلة الخط الطويل والقصير وتنظير باب الأقل والأكثر عليه لا يخلو من مسامحة ومناقشة .

فالأحسن التنظير بما ذكرنا من مسئلة التكلم واثباتا بمسئلة القصر والاتمام فانه بهذا النحو لا مانع فيه واذا قلنا بكون الصلاة ماهية واحدة في القصر والاتمامفلا يجب التعيين في اول الشروع فيها بل بكل ما حصلت قصرا أو اتماما تكون الصلاة مجزية وأمّا مسئلة التسبيحات فمرّة واحدة والزائد عليها مستحب هذا

التخيير بين الأقلّ والأكثر

ص: 329

تمام الكلام في الواجب التخييري(1) .

الكلام في الواجب الكفائي:

استراح المحقّق الخراساني قدس سره (2) في تعريفه بأ نّه نحو وجوب يكون من آثاره ما هو المعروف المترتب عليه من استحقاق الجميع للعقاب بتركه والسقوط عن غير الواحد بفعله وصدق الواجب على كل ما يأتي به كل واحد دفعة واحدة وجعل المحقّق النائيني قدس سره (3) متعلق الوجوب في الواجب الكفائي الطبيعة لا بما هي هي بل صرف الوجود منها الذي نتيجته انطباق الصرف على كلّ من قام بالمكلف به . ونظّره بما إذا كان الواجب على المكلف صرف الطبيعة لا مطلق الوجود .

كما إذا قال: أكرم العالم أو اشرب الماء ممّا يكون المطلوب منه صرف الوجود الحاصل بأوّل وجود الطبيعة لا مطلق الوجود الانحلالي وحينئذٍ فكما انه يمكن تعلق الخطاب بالمكلف المعلوم باكرام العالم أو شرب الماء الذي ينطبق على كلّ فرد فرد من العالم والماء مع انه مبهم كذلك في ناحية نفس المكلف يمكنتوجهه إلى صرف الطبيعة وعليه فان تركوه جميعا يعاقبون واذا قام به واحد منهم يسقط عن الباقين ضرورة كونه لازما لما إذا كان المطلوب صرف الطبيعة منصرف وجود الطبيعة للمكلف . كما في غير ذلك من الموارد مثل ما اذا كان المال

في تصوير الواجب الكفائي

ص: 330


1- . وللمحقّق البجنوردي كلام آخر في التخيير بين الأقل والأكثر عقلاً بحيث لا يرجع إلى المتبائنين وفي الشرعي أمكن لكن هو صرف فرض . منتهى الاُصول 1/226 .
2- . كفاية الاُصول 1/228 - 229 . قال في الكفاية التحقيق انّه سنخ من الوجوب وله تعلّق بكلّ واحد بحيث لو أخل بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعاً .
3- . فوائد الاُصول 1/235 - 236 .

الموقوف على عنوان الموقوف عليهم . فانه يعطى لن ينطبق عليه العنوان وان كان جديد الورود في المدرسة مثلاً أو داخلاً في العنوان وغيره الخارج سابق في ذاك الا انه خرج عن المدرسة . لكن فيه نظر وتأمّل .

والحاصل ان كان الابهام في المكلف مضرا فليكن في المكلف به أي متعلق المتعلق كذلك مع انه بمكان من الامكان . فان التكاليف على قسمين: فتارة بالنظر إلى متعلقها يكون المطلوب صرف الوجود منها . واخرى مطلق وجود الطبيعة . لكنه يشكل ذلك بانه لو كان انطباق صرف الوجود يحتاج إلى امتثال التكليف والقيام به فهذا باطل والا فقبل الامتثال لابد أن يكون الكل مكلفا به . اذ لا معنى لكون المكلف هو الطبيعة . بل لابد من كونه وجودها وبالمعنى الجامع بين الأفراد والوجودات لا وجه له لاستلزامه كون الوجود له وجود ينطبق على كل فرد من الوجودات وهذا أيضا فاسد فتدبّر جيدا(1) .

وتلخص ممّا سبق انه لا معنى للجامع الذي ذكره المحقّق النائيني من كون الوجود جامعا متعلقا عليه الوجوب وهو الذي يجمع الوجودات كما هو واضح . الا أن يرجع إلى ما نظرّه عليه من كون المكلف هو صرف الوجود الذي ينطبق على كل فرد من أفراد المكلف إذ كما انه لا اشكال في كون متعلّق التكليف أو متعلقه صرف الوجود قبال مطلق الوجود الذي يكون المطلوب فيه كل فرد منأفراد الماهية كما لو وجب اكرام كل عالم ( ومثال وجوب صرف الوجود اكرامعالم ) فالقيود والخصوصيات في صرف الوجود ملغاة بالكليّة . فلم يلاحظ فيه

ص: 331


1- . وللمحقّق البجنوردي قدس سره منتهى الاُصول 1/226 كلام استظهر فيه كون حال الواجب الكفائي في الترديد والدوران بعينه حال الواجب التخييري . غاية الأمر الترديد والتخيير في التخييري كان في المكلّف به وهنا في المكلّف إلخ والظاهر رجوعه إلى بعض ما تقدّم .

خصوصيّة أصلاً فاذا أتى يفرد من الأفراد يتحقّق به الامتثال . فكذلك يمكن تصوير هذا المعنى في ناحية موضوع التكليف والمكلف . بأن يكون صرف وجوده موضوعا للحكم الذي ينطبق على كلّ فرد من أفراده ولازم هذا المعنى هو مطلوبيّة صرف وجود الطبيعة من صرف وجود المكلف . فاذا أتى به واحد منهم سقط عن الباقين . كما انه اذا لم يأت به واحد منهم يعاقب الجميع على تركه . واذا قام به واحد فلا بقاء للموضوع كي يكون لباقي الأفراد مجال تكليف وامتثال واذا لم يأت به واحد منهم متقدّما على باقي الأفراد وأتى به الكل كان الكل مثابا . فاذا أمكن تصوير مثل هذا الوجوب ثبوتا اذ لا وجه لامتناعه واستحالته بل هو واقع فيكون الأدلّة في مقام الاثبات كاشفة كافية عنه . ومن هذا القبيل الواجبات النظامية الدخيلة في الامور الدنيويّة والاخرويّة من الاشغال والمكاسب التي يحتاج إليها الناس في أمور معاشهم أو تحصيل العلم الديني في ما يرجع إلى حفظ اعتقاد الناس ودفع شبه المخالفين والملحدين وما يرجع إلى ضبط الأحكام واستنباطها . لكنه اذا أتى به من به الكفاية سقط عن الباقين بالنسبة إلى كل قطر ومحل ( قال اللّه عزوجل: « فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا »(1) الخ ) ومن هذا القبيل دفن الأموات وتكفينهم والصلاة عليهم وهذا أحد وجوه تصوير الواجب الكفائي .

ويمكن له تصوير آخر يرجع إلى الواجب المشروط وتوجه الوجوب علىكل في ظرف ترك الآخرين أو بنائهم على الترك . أو بنائهم عليه مع الترك فان كانالأول فعند الموت للميت مثلاً يكون الجميع مخاطبا بالواجب ويلزم الكل امتثاله

تصوير آخر

ص: 332


1- . التوبة: 123 .

واذا أتى به البعض سقط عن الباقين . اذ لا موضوع إلى أن يحصل العلم باتيان بعضهم . وعلى هذا يشكل مثل تجهيز الأموات فيما إذا لم يعلم بالصلاة عليهم والقيام بأمورهم على الوجه المعتبر . الا اذا جرى في ما اذا علم اصل الفعل وشك في الصحة والفساد اصالة الصحّة في فعل الغير لكن تقدم في بعض المباحث الاصولية في الدورة السابقة من سيّدنا الأستاذ قدس سره الاشكال فيها .

وارجاعها إلى أصل عدم النسيان والسهو الذي هو مما بنى عليه العقلاء وعلى الثاني . أي بنائهم على الترك فاذا علم من الآخر ذلك يجب عليه كما اذا كانوا كلهم بانين على الفعل فلا وجوب في حق أحدهم لعدم حصول شرط الوجوب اذ هو بنائهم على الترك وليس حاصلاً ولو في حق أحدهم . وهذا فاسد فلا وجه للذهاب إلى كون البناء على الترك شرطا للوجوب على الباقين . وكذلك الثالث فانه اذا لم يكن لأحدهم البناء على الاتيان يجب على الباقين . كما انه اذا بنوا جميعا على الاتيان وأتوا به فلا وجوب على أحد منهم لما ذكرنا . فيبقى الوجه الاول سالما عن هذه المحاذير فحينئذٍ يجب على كلّ واحد منهم إلى أن يعلم السقوط ويمكن هنا تصور وجه ثالث بكون الكل مكلفين باتيانه تعيينا . لكن باتيان البعض يسقط عن الباقين . وثمرات هذه الوجوه مختلفة في جريان البرائة في صورة الشك وعدمه .

تحقيق المقام(1) والذي يقتضيه النظر الصحيح عدم امكان كون الواجب

ص: 333


1- . والمحقّق العراقي قدس سره نهاية الأفكار 1/394 جعله سنخاً من الوجوب متعلّقاً بفعل كلّ واحد من أحاد المكلّفين وأرجعه كما في الواجب التخييري إلى تعلّق وجوب ناقص بفعل كلّ واحد من المكلّفين بنحو لا يقتضي إلاّ المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو تركه في حال ترك بقيّة المكلّفين وللسيّد العلاّمة الخوئي قدس سره ( محاضرات في اُصول الفقه 44/8 - 9 ) تصويرات أربع في الواجب الكفائي ورأي ان مقتضى الاطلاق هو الواجب العيني على جميعها أحدها توجه التكليف إلى واحد معين عند اللّه يسقط بفعل غيره . الثاني: توجه التكليف إلى مجموع آحاد المكلّفين من حيث المجموع على نحو العموم المجموعي . الثالث: توجّه التكليف إلى عموم المكلّفين على نحو العموم الاستغراقي . الرابع: توجّه التكفيف إلى أحدهم لا بعينه المعبّر عنه بصرف الوجود وصحّح الأخير .

الكفائي واجبا عينيا بنحو ما اذا أتى به الاخر يسقط عن الآخرين أو تخييريا بحيث يكون واجبا على كلّ أحد عند ترك الآخرين لا ارادة الترك لعدم امكان الترك المتعقب للارادة أو ارادة الترك فقط موجبا للوجوب على الآخرين . وذلك لأن الخطاب المتعدد لا يمكن أن ينشأ عن ملاك واحد . حيث ان الملاك في صلاة الميت ( مثلاً ) ليس الا في صرف الوجود ولو فرض حصوله محالاً من غير المكلفين لما كان أحدهم موردا للخطاب بالاتيان .

نعم لو كان بالنسبة إلى كلّ مكلّف ملاك يخصّه لامكن الخطاب لكل مستقلاً والفرض انه ليس هناك الا ملاك واحد وهو اتيان صرف الوجود من الصلاة أو الدفن أو القتل مثلاً في ساب أحد الأئمّة علیهم السلام . ولا معنى لخطاب الكلّ باتيان هذا صرف الوجود بل لابد من توجه التكليف إلى من يقوم به ولو بنحو الابهام . وحينئذٍ فلا وجه لانكار كون الواجب في التخييري أحدهما لاتحاد الوجه في ما اذا كان المبهم متعلق التكليف أو متعلق المتعلّق أو يكون مخاطبا فكما انه يجوز خطاب شخص خاص باكرام عالم بنحو صرف الوجود الملغى فيه الخصوصيات .

كذلك يمكن الخطاب له باتيان أحد الصوم والعتق والاطعام مثلاً . كما انه لا اشكال في توجه التكليف إلى أحد عبيده لا بعينه لعدم دخل للخصوصيّات في ذلك بل ينطبق هذا العنوان على كلّ واحد منهم ويحصل الغرض بفعل واحد أيّا منكان .

ص: 334

والحاصل ان موضوع التكليف ومن يتوجه إليه الخطاب ويكون واجبا عليه اتيان المتعلّق ليس الا صرف الوجود الذي ينطبق على الجميع . لكن لا أن يكون لكل واحد من المكلفين خطاب خاص . بل قلنا ان المخاطب ليس الا صرف الوجود . غاية الأمران الصرف حيث لا يكون أحدهم بعينه . بل ينطبق على الكل يكتفي في الامتثال بذلك فلا يكون حينئذٍ كلّ واحد مخاطبا بخطاب يخصّه عينيا تعيينيا أو على التخيير .

نعم لو كان في كل واحد ملاك خاص أمكن توجيه خطاب خاص به كما في انقاذ الغريقين ضرورة تعدد الملاك ولو مساويا في انقاذهما . ولذلك حيث لا قدرة للمكلف على امتثال كلا الخطابين يقيد اطلاق كل خطاب بنصّ الاخر وينتج الوجوب التخييري . وليس المقام من هذا القبيل لأنه ليس الا ملاك واحد ولا هناك ملاكات متعددة حسب تعدد أفراد المكلفين . والا فلابد من خطابات متعددة كذلك .

وعلى هذا فالواجب الكفائي يكون ما ذكرنا ويساعده العرف المبتني عليه نظام معاش العباد .

ثم ان المحقق النائيني قدس سره (1) نظر بمسئلة التخيير ما اذا كان هناك اثنان وردا على ماء واحد يكفي لوضوء أحدهما فهل يبطل تيمم كليهما أو يصح من كليهما أو يبطل من أحدهما لا بعينه دون الاخر لصدق صرف الوجود أو يكون مراعى بتمكن أحدهما من الطهارة لتملكه الماء بالحيازة فاذا سبق أحدهما الماء يكونوضوئه صحيحا ويوجب بوجدانه الماء بطلان التيمم .

إذا كان هناك اثنان وردا على ماء يكفي لوضوء أحدهما

ص: 335


1- . لم يذكر في التقريرات .

وأمّا الاخر ففي بطلان تيممه وصحته وجهان . لا يبعد القول بصحته لكشف عدم الوجدان اخيرا عن صحته اولاً .

نعم ان وردا عليه معا بمعنى حيازته فلا يكون كل واحد منهما واجدا واذا سبق أحدهما اليه فلا يجوز اتلافه ولا بذله بل يجب تحصيل الماء ولو بحفر البئر وغيره .

اذا لم يكن حرجيا اجحافيا مثلاً فكيف بالمقام .

ويمكن أن يقال حيث ان الماء مباح لهما فكل واحد يصدق انه واجد له فيبطل تيممه وبحيازة الاخر يعيده .

واستشكل سيّدنا الأستاذ قدس سره ما أفاده المحقّق النائيني قدس سره من بطلان تيمم كل منهما لصدق الوجدان ( ولا يلتزم بذلك المحقق ) في الفقه حيث ان مجرد وجود الماء لا يكفي بل لابد من التمكن من استعماله . ولذا ذهب المشهور إلى صحّة التيمّم والصلاة المتأخرة عن الصلاة التي أتى بها بالتيمم لعدم وجدان الواجد فى أثنائها الماء وبعد الفراغ من الصلاة صار غير متمكن . اما لفقدان الماء أو لأمر آخر

فانه لو لا هذا لكان التيمم باطلاً . فلا وجه للقول ببطلان كلا التيممين في ما نحن فيه . بل لابد في ذلك من حصول التمكن من استعماله والا فبمجرد وجود الماء لا يمكن الحكم بنقض التيمم . فاذا سبق أحدهما الاخر وتمكن منه فيبطل تيممه ويكون من الآخر صحيحا والا فلو وردا جميعا عليه لا يكون أحد منهما متمكنا واجدا له .

نعم يقع الكلام في وجوب السبق إلى الماء وعدمه وان قلنا بوجوب الشراء

ص: 336

إذا كان في سعته كما في الرواية(1) ولو باضعاف الثمن من باب عدم اشتراط ذلكبالقدرة الشرعيّة بل جريا على القاعدة أو تعدينا عن مورد النص وهو الشراء بالسعة لامكن الالتزام به في المقام . الا ان الكلام في ذلك فانه لا يكون التعدي عن مورد النص الا بالظن القياسي الذي يكون من مستندات العامة . ووجوب الطلب على الفاقد غلوة سهم أو سهمين انما هو بالنص(2) وإن كان الأقرب وجوب الحفر اذا كان الماء في شبر أو ذراع ونحو ذلك وتمكنه من اخراجه لوجود الآته .

هذا تمام الكلام في الواجب الكفائي .

الكلام في الواجب الموسع والمضيق:

ومن انقسامات الواجب انقسامه إلى الموسع والمضيق واستشكل في كلّ منهما . فذهب قائل إلى امتناع الواجب الموسع لاستلزامه جواز ترك الواجب .

وفيه ان الوجوب الموسع لا يستلزم ترك الواجب . ونلتزم بعدم جواز الترك لكن الواجب ليس الا صرف الوجود في صرف الوجود من الوقت . فكما يجوز ترك الافراد العرضيّة في ظرف اتيان واحد منها كذلك بالنسبة إلى الأفراد الطولية وآنات الوقت . فاذا أتى بالواجب في ظرف من الوقت ينطبق على صرف الوجود يكون مجزيا مسقطا للأمر . وليس ظرف الواجب تمام الوقت حتى مع الاتيان به وانما يصدق ترك الواجب اذا تركه في تمام الأوقات التي ينطبق عليها صرف الوجود . كما انه ذهب قائل إلى امتناع الواجب المضيق ونتيجة الاشكالين اطلاق الواجب نظرا إلى عدم البعث قبل الوقت مثلاً في الصوم الذي هو أول طلوع الفجر

الكلام في الموسع والمضيق

ص: 337


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 1 ح 26 - 1 - 2 - 2 من أبواب التيمّم .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 1 ح 26 - 1 - 2 - 2 من أبواب التيمّم .

كالامتثال . اذ الاتيان بالصوم قبل الوقت يكون تشريعا محرما وكذلك بعد الوقتلاستلزام الانبعاث عن البعث زمانا ولو آنا أو آنين فحينئذ يكون الواجب في هذا المقدار متروكا لم يأت به لعدم امكان ذلك لانه لابد من الانفكاك بين زماني البعث والانبعاث .

وفيه ان ذلك يتم لو كان المقام من قبيل باب العلة والمعلول والأسباب والمسببات وكان هناك تأثير وتأثر اذ حينئذٍ مجال للقول بأن الطلوع الذي هو سبب لوجوب الصوم ما لم يحصل لا معنى للوجوب ولذلك لم يقع الفصل والانفكاك لكنه ليس الأمر كذلك بل المقام من باب الموضوع والحكم وان كان نظير باب العلة والمعلول في عدم جواز انفكاك الحكم عن الموضوع لاستلزامه الخلف والمناقضة . فان اول الطلوع كما انه يتحقق الموضوع يوجد الحكم والمكلف يمكنه الامتثال بلا تخلف الانبعاث عن البعث . فليقصد الصوم من اول آن الطلوع ويمسك قبل ذلك ولا اشكال فيه ولا محذور يعتريه كما ذكرنا في جواب اشكال الواجب المعلق فليراجع .

بيان آخر: سبق ان الواجب باعتبار توقيته بوقت ينقسم إلى الموقت والمطلق . والاول إلى المضيق والموسع . ولا اشكال في كل من القسمين ووقوعه والمطلق اما يكون وجوبه مع الفور أم لا . ثم انه اذا وجب الموقت فقيل بسقوطه بعد الوقت مطلقا إذا لم يأت به في الوقت وقيل بالثبوت لو كان التوقيت بدليل منفصل اما المقيد بالمتصل فلا يجب بعد الترك في الوقت اتيانه خارجه .

واختار المحقق النائيني قدس سره السقوط مطلقا ولا يخفى عليك ان محل الكلام ما اذا كان الواجب صرف الوجود وعلى هذا فلا اشكال في لزوم حمل المطلق

ص: 338

على المقيد ولا ثبوت بعد تعذر القيد كما هو الكلام في مطلق صرف الوجود .نعم اذا كان في مطلق الوجود فلا معنى للحمل كما اذا قال اكرم العالم ثمبدليل آخر قال اكرم العالم الهاشمي وانما يتنافيان اذا كان المطلوب في احدهما عين الاخر . وبعبارة اخرى كان المطلوب واحدا فحينئذٍ يقيد ولا يكون هناك وجوب بعد تعذر القيد . فكذلك في ما نحن فيه من بحث الموقتات فان التقييد بالوقت كساير التقييدات فيجري فيه ما يجري فيها .

اذا تحرر ذلك فوقع النزاع في ان القضاء في الموقتات هل هو بالأمر الأول أو بأمر جديد ؟ والاحتمالات ثلاث:

أحدها: كون الأمر الأول بالموقت من باب تعدد المطلوب مطلقا في حال الاختيار وغيره .

الثاني: كونه من باب وحدة المطلوب في حال الاختيار ثم في غير حاله وعدم القدرة على اتيان المقيد لذهاب الوقت وانتفاء القدرة على امتثال الموقت يكون الواجب هو المطلق من باب تعدد المطلوب .

الثالث: كون القضاء بأمر جديد أي بمعنى وحدة المطلوب ولازم الوجهين الاولين الحاجة إلى الكاشف . كالثالث فانه اذا لم يكن هناك كاشف فلا يعلم الوحدة أو التعدد من نفس الأمر . لما ذكرنا من حمل المطلق على المقيد اذا كان بدليل منفصل وفي المتصل يكون المطلوب من اول الأمر مقيدا .

والحاصل ان الكلام في كونه من هذا القبيل أو ذاك ؟ فذهب المحقق النائيني قدس سره (1) إلى كون القضاء بأمر جديد واستشهد لذلك بباب نذر الصوم ليوم

وجوب الواجب المضيق بعد الوقت

ص: 339


1- . فوائد الاُصول 1/239 .

معين على طريق وحدة المطلوب بحيث لا يكون في نية الناذر صوم يوم آخرعلى تقدير تركه في اليوم الأوّل .ومع ذلك أوجب عليه الشارع واتّفق عليه الفتوى بوجوب صوم يوم آخر وكذلك في مسئلة الحج اذا فات منه الحج في الموقف فانفصل الزمان بين الأمر الاول ومجيء الأمر الثاني .

نعم في مسئلة الحج يمكن الخدشة لعدم كونه من الموقت . بل انما يجب الفور ويحرم التسويف لكونه من الكبائر . وفي باب الصلاة أيضا يبتني على مقدمة وهي عدم جواز الصلاة في اقل من مقدار الركعة في الوقت ان قلنا بلزوم قصد الأداء والقضاء . وفي هذا المقدار من الوقت لا يتمكن من أحدهما لكنه لا يخفى عليك بطلان هذه المقدمة لصدق الفوت بمجرد عدم القدرة على اتيان تمام الصلاة في الوقت أو مقدار ما جعله الشارع أداءً للصلاة . ففي أقل من هذا القدر يمكن الاتيان بالصلاة لعدم الدليل على المنع وينوي القضاء لكونه صادقا عليه .

نعم ان اعتبرنا ذلك فيكون هناك زمان فاصلة بين الأمر الأول ومجيء الأمر الثاني فيكشف عن عدم كون الثاني هو الأمر الأول . بل هو أمر جديد والا فلو كان هو اياه فلا معنى لعدم وجوده في هذه القطعة من الزمان .

توضيح: عرفت مما سبق لزوم حمل المطلق على المقيد اذا كان المطلوب صرف الوجود للزوم التنافي اما اذا كان المطلوب مطلق الوجود فلا تنافي في البين كما اذا كانت الصلاة مطلوبة والصلاة في الوقت أيضا كذلك فانه لا تنافي بينهما بل يجمع بين الدليلين باتيان كليهما . فالحمل انما هو في مورد التنافي ولا مجال في هذه الصورة لحمل المقيد على الاستحباب وكون المطلوب في المقامين

ص: 340

واحدا وانما في المقيد رجحان وخصوصيّة تقتضي مزية له لاتصل إلى حد اللزوم لما ذكر في محله وهو وان كان مسلما عندهم الا انه يمكن المناقشة فيه .هذا كلّه في الواجبات .اما المستحبات فليس بنائهم فيها على حمل المطلق على المقيد .

اذا عرفت هذا . فاذا صار المطلوب من دليل ايجاب الصلاة الصلاة المأتي بها في الوقت سواء كان التقييد بالمتصل أو المنفصل فلا دلالة لذلك على مطلوبية أصل الصلاة في غير الوقت بل يدل الموقت على عدم الأمر به بعد مضي الوقت بلا اشكال . فاذا جاء دليل القضاء فلا ينبغي الريب في كون الوجوب عن مصلحة كما عليه العدليّة فلا يكون جزافا .

الا ان المحقق النائيني قدس سره (1) بنى على كون القضاء بأمر جديد استشهادا بما ورد في قضاء الفوائت من اطلاق لفظة الفوات والقضاء وهو انما يكون في مورد لا يكون للفائت بقاء بنحو يمكن تداركه باتيانه نفسه . لكن استشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره بكشف تعدد المطلوب في الأمر الصلاتي الموقت بالوقت من دليل القضاء وحيث انه ليس هناك ما يتخيل كونه موجبا لحدوث مصلحة جديدة سوى الترك والترك ليس الا أمرا عدميا لا يصلح أن يؤثر في الأمر الوجودي ويجب به الصلاة خارج الوقت والاستشهاد بلفظة الفوات لا يتم لما هو واضح من صدق المطلق عند صدق المقيد فاذا فات من المكلف الصلاة في الوقت فقد فاتته الصلاة المطلقة أيضا ولذلك يصحّ اطلاق لفظة الفوات واطلاق القضاء بعناية تخيل وحدة المطلوب وانه قد فات بحيث لا يمكن اتيانه . فالدليل بهذا البيان يكشف عن بقاء

الاستدلال على احتياج القضاء إلى أمر جديد ومناقشته

ص: 341


1- . فوائد الاُصول 1/237 - 239 .

المصلحة الاولية لذات الصلاة وان في الوقت كان مطلوبان اصل الصلاة وكيفيتها باتيانها في الوقت فاذا فات الوقت وذهب لا يكون الواجب الممكن الاستيفاءفائتا من المكلف ويمكنه بعد اتيانه ولا وجه للنقض بالمغمى عليه لعدم وجوبأصل الصلاة في حقه لان من شرايط وجوب الصلاة كونه عاقلاً ولو بمقدار أداء الصلاة فاذا لم يكن كذلك فلا فرض عليه كي يصدق انه فاته ويشمله دليل القضاء . كما ان من شرايطه ادراك الوقت والا فقبل الوقت لا معنى لاتيان اصل المصلحة المضمون بالصلاة ولذلك لا نقول في النوم بعدم الفوت حيث لم يجعل من شرايطه القدرة . بل عليه القضاء .

نعم في المجنون ان لم يكن العقل شرطا للملاك فيصدق الفوت . لكنه يحتاج إلى الدليل وليس في البين ما يكشف عنه .

بيان آخر: قلنا ان اللازم في ما اذا كان المطلوب صرف الوجود حمل المطلق على المقيد بلا اشكال . حيث ان قوام الاطلاق عدم البيان والمقيد بيان فمعه لا معنى لبقاء الاطلاق لرجوع ذلك إلى التنافي . اما اذا كان الدليل من أول الأمر بلسان التقييد فلا اطلاق بل ينعقد الظهور في التقييد . اما في المنفصل اذا كان

هناك انصراف فنعم والا فالقدر المتيقن في مقام التخاطب لا يوجب التقييد .

وفي ما اذا كان المطلوب مطلق الوجود فلا تنافي بين المطلق والمقيد فنأخذ بكليهما ونحمل المقيد على الفرد الأكمل كما اذا أوجب اكرام الرجل العالم وأوجب أيضا اكرام العالم الهاشمي أو أوجب الوقوف بعرفات وأوجبه في يوم عرفة أو أوجب الصلاة وأوجبها في الوقت مثلاً اذا احر زكون ذلك من باب

ص: 342

مطلوبية مطلق الوجود . هذا(1) .ثم ان المحقّق الخراساني قدس سره (2) فصّل بين التقييد المتصل والمنفصل في ما نحن فيه من التقييد بالوقت فقال بعد نفي دلالة الأمر بالموقت على الأمر به خارج الوقت اذا لم يأت به في الوقت وفاته لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به .

نعم لو كان التوقيت بدليل منفصل لم يكن له اطلاق على التقييد بالوقت وكان لدليل الواجب اطلاق لكان قضيّة اطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب لا أصله(3) ( انتهى ) .

( قوله: لم يكن له اطلاق على التقييد بالوقت ) يحتمل وجوها ثلاثة:

أحدها: كون التقييد بلحاظ حال التمكّن وعدمه فاذا لم يكن لدليل القيد اطلاق من هذه الجهة وكان لدليل الواجب اطلاق فيجب اتيانه بعد الوقت سواء كان الفوت في الوقت عن تمكّن منه أو عدمه ولو كان نائما .

الثاني: أن يكون الاطلاق بلحاظ اتيان خارج الوقت وعدمه وانه سواء أتى

التفصيل بين اطلاق دليل الواجب وعدمه

ص: 343


1- . استظهر المحقّق العراقي قدس سره نهاية الأفكار 1/398 من الأدلّة وحدة المطلوب وان التقييد بالوقت بلحاظ أصل المطلوب وحينئذٍ فلابدّ من اثبات وجوب القضاء خارج الوقت وفاقاً للمحقّقين من قيام دليل عليه بالخصوص وأمكن عند المحقّق البجنوردي قدس سره كون القضاء بالأمر الأوّل إذا كان دليل الواجب مطلقاً ودليل التقييد مهملاً وان استشكل صدق القضاء عليه ( منتهى الاُصول 1/232 ) وهذا عين ما في الكفاية .
2- . كفاية الاُصول 1/230 .
3- . ورأى السيّد الخوئي قدس سره ( محاضرات في اُصول الفقه 45/252 - 253 ) هذا التفصيل في غاية الصحّة والمتانة كما صحّحه استاذنا المحقّق البجنوردي ( منتهى الاُصول 1/231 ) وعمما هذا التفصيل لساير القيود لكن راه شيخ مشايخنا المحقّق العراقي ( نهاية الأفكار 1/397 - 398 ) مجرّد فرض لاستظهاره وحدة المطلوب وعلى فرض الاجمال وعدم ظهور دليل التوقيت أنكر الاطلاق لدليل العبادة في الموقتات .

بالصلاة خارج الوقت أم لا . يجب اتيانه في الوقت فاذا كان كذلك فهو وإلاّ كان لدليل المطلق أي الواجب اطلاق يجب الاتيان به خارج الوقت .

الثالث: أن يكون الاطلاق بلحاظ أصل المطلوب ومراتبه في قبال بعض ذلك كان يكون دليل المقيّد مقيّدا ومبنيّا بلحاظ أقصى مراتب المطلوب لا أصلهفاذا كان كذلك فالوجوب والمطلوبيّة لم يقيّد مطلقاً بذلك القيد ففي حال عدمهوخارج الوقت إذا كان لدليل الواجب اطلاق فلم يفت منه سوى المطلوب الأقصى وإلاّ فأصل المطلوب بعد على حاله يجب الاتيان به .

ويحتمل أن يراد بعدم الاطلاق الاجمال إلاّ أن ذلك يرجع إلى بعض هذه الوجوه وأظهر هذه الاحتمالات والأنسب منها بكلامه قدس سره .

هو الثالث: حيث يقول بعد عبارته المتقدّمة ( وبالجملة(1) التقييد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب كذلك ربما يكون بنحو تعدد المطلوب بحيث كان أصل الفعل ولو في خارج الوقت مطلوبا في الجملة وإن لم يكن بتمام المطلوب إلاّ أنّه لابدّ في اثبات أنّه بهذا النحو من دلالة ولا يكفي الدليل على الوقت إلاّ في ما

عرفت .

ثمّ قال: ومع عدم الدلالة فقضيّة اصالة البرائة عدم وجوبها في خارج الوقت ولا مجال لاستصحاب وجوب الوقت بعد انقضاء الوقت فتدبّر جيّدا ) .

ويمكن في صورة الشكّ القول بجريان استصحاب الحكم في نفس هذه الاجزاء الواجبة حيث انه يشكّ في ان وجوبها من باب تمام المطلوب وتعدّده فبمضي الوقت الوجوب ثابت لها أو انّه من باب وحدة المطلوب وان التقييد راجع

ص: 344


1- . كفاية الاُصول 1/230 .

إلى أصل المطلوب فيستصحب ذاك الوجوب الكائن على الصلاة الواجبة في الوقت لعدم استفادة الاطلاق من دليل القيد ولا دليل أصل الواجب وإلاّ فلو كان لأحدهما اطلاق بأيّ نحو فلا معنى للرجوع إلى الأصل العملي إذا لم يكن الشكّ في المقتضى بل وجود الرافع أو رافعيّة الموجود .إلاّ أنّه قد بيّن في محلّه عدم جريان الاستصحاب في أمثال هذه الموارد ولافي ما إذا كان الشكّ في الشبهة المفهوميّة فتدبّر جيّدا(1) .

تتميم: نسب المحقّق النائيني(2) إلى المحقّق الخراساني

المعنى الأوّل من المعاني الثلاثة وهو كون القيد في حال الاختيار والتمكّن . ففي حال عدم التمكّن والاضطرار بأيّ نحو كان ليس له قيديّة ولا يحتاج حينئذٍ في ايجاب الواجب إلى دليل آخر كقاعدة الميسور ونحوها . بل نفس الدليل الأوّل مقتضاه ذلك كما هو واضح . وفي صورة عدم اطلاق دليل القيد ولا دليل الواجب يكون المرجع أصل البرائة ولا وجه لجريان البرائة عن القيد لكونه خلاف المنة وهو وجوب الواجب على الشاكّ ( هكذا أفاده سيّدنا الأستاذ قدس سره وفيه نظر لأن ذلك إنّما يكون في مورد احراز أصل الوجوب والشكّ في القيد الزائد فاذا لم يكن لدليل الواجب اطلاق فلا مجال له كما اذا كان له الاطلاق ونشكّ في تقييده بالقيد وكذلك تعذّر القيد على فرض تقييد الواجب به ولا اطلاق لدليل الواجب . فحينئذٍ مقتضى القاعدة السقوط لكن لا يخفى عليك ان ذلك إنّما هو في مورد كون المطلوب صرف الوجود وإلاّ في مطلق الوجود لا تنافي كما ذكرنا كما . إذا كان الأمر دالاًّ

ص: 345


1- . أقول لا إشكال في جريان الاستصحاب حتى في ما إذا أحرزنا وحدة المطلوب وشككنا لعدم تعدّد الموضوع من ناحية الوقت .
2- . فوائد الاُصول 1/237 .

على التكرار وقال صلّ ثمّ أوجب الصلاة في الوقت فحينئذٍ يجب في كلّ ما يمكن أن يصلّي فيه من زمان وكذا في الوقت الكذائي وكذلك إذا كان المطلوب والمقيّد متخالفين بالنفي والاثبات . إنّما الكلام في ما يكون المطلوب هو صرف الوجودمن الطبيعة وسدّ باب العدم ومع ذلك يكون لكلام المحقّق الخراساني مجال فان معنى صرف الوجود هو اتيان الطبيعة بحيث تخرج من العدم إلى الوجود وهذا إنّمايتحقّق بأوّل وجود منها بحيث لا يكون الثاني واجباً بل لو أتى به هكذا امكان تشريعاً . نعم يمكن أن يكون مستحبّاً وحينئذٍ فبناءً على لزوم حمل المطلق على المقيّد على ما تقرّر في محلّه فالواجب إنّما يكون هو الفرد من الصلاة المأتي في الوقت وبمثال أوضح إذا كان الظهار سبباً لصرف وجود العتق بحيث يوجب خروج العتق من العدم إلى الوجود .

وقال: ان ظاهرت فاعتق . وقال في دليل آخر ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة . فامّا أن يحمل المطلق على المقيّد أو لا . فان كان الثاني فهو خلاف الفرض والمستفاد من الدليل من أنّ الواجب ليس إلاّ صرف الوجود وليس لثاني وجودها مطلوبيّة بحدّ الوجوب ) وإن كان الأوّل فمعناه كون الواجب هو العتق الخاص وصرف وجوده فاذا أتى باعتاق الرقبة الكافرة فلا يقال بالاجتزاء فكيف يلتزم به إذا لم يقدر على عتق المؤمنة ليس ذلك إلاّ لحمل المطلق على المقيّد وان المطلوب هو صرف وجود العتق متعلّقا بالرقبة المؤمنة . وايجاب مطلق الرقبة يحتاج إلى دليل آخر . كان يقول إن لم تعتق المؤمنة فاعتق الكافرة أو اعتق رقبة أو ان الدليل من أوّل الأمر صرّح بذلك كما إذا قال أعتق رقبة وقال في دليل آخر أعتق رقبة مؤمنة في حال التمكّن ولا يكون ذلك من تعدّد المطلوب . وحينئذٍ فالوقت إمّا أن

التقييد بحال الاختيار وعدمه

ص: 346

يكون قيدا للواجب أو لا ؟ فان كان قيدا فلا معنى للوجوب خارج الوقت لعدم مطلوبيّة أزيد من صرف الوجود .

والفرض ان الدليل الأوّل حمل مطلقه على مقيّده . ومع قطع النظر من ورود دليل القضاء لا يكون هناك واجبان بل واجب واحد مقيّد . حيث ان الوقت ليس مطلوبا ثانيا في قبال مطلوبيّة أصل الصلاة بل الواجب هو الصلاة في الوقت كماانه هي الصلاة مع الطهور .ثمّ انّه إذا فرض للدليل اطلاق بنحو يشمل خارج الوقت فلا يكون هناك مجرى الأصل بل مقتضى الدليل الاجتهادي الوجوب على فرض تسلّم ما ذكره المحقّق الخراساني قدس سره بل تسميته قضاءً مسامحة لعدم الفوت من المكلّف وإن الفائت هي خصوصيّة وبعض مراتب المطلوب وأقصاه فأصله قابل للدرك . هذا كلّه قبل ورود دليل القضاء . أمّا بالنسبة إليه فأفاد سيّدنا الأستاذ كما أسلفنا عنه

كشفه عن تعدّد المطلوب وإن الحمل على غير موضعه خلافا للمحقّق النائيني فذهب إلى كونه واجبا مستقلاًّ لأنّه بأمر(1) جديد نظرا إلى ما ذهب(2) إليه من عدم توجه خطاب أداء الصلاة ولا قضاءها في أقلّ من مقدار ركعة إلى الغروب فلو لا انه واجب مستقل جديد لم يكن هذا المقدار فاصلاً بين زمان الوجوبين الأداء والقضاء . بعده وما هو المسلّم من وجوب الصوم إذا نذر صوم يوم معيّن فلم يف به مع ان النذر إنّما تعلّق خطابه بالوفاء به وليس إلاّ صوم اليوم المعيّن ومع ذلك أوجب الشارع الصوم ليوم آخر وليس هذا إلاّ من باب كون القضاء بأمر جديد

ص: 347


1- . فوائد الاُصول 1/239 .
2- . ناقشه في منتهى الأصول بامكان شمول دليل وجوب القضاء . منتهى الأصول 1/234 .

لمصلحة عند الشارع فتأمّل .

أقول: كان ما ذهب إليه سيّدنا الأستاذ تبعا للمحقّق النائيني (1) من كون المطلوب صرف الوجود وحمل المطلق على المقيّد مبنى على ما بنوا عليه من كون قوام الاطلاق بعدم البيان والمقيّد بيان فلا يبقى هناك اطلاق بعد ورود المقيد لكنهغفلة من ان القيد ربما لا يكون على نحو يوجب هدم الاطلاق رأسا بل بمرتبة خاصّة ولا ينافي ذلك كون الواجب صرف الوجود وحينئذٍ فندور مدار الاطلاق .الكلام في الأجزاء: هل اتيان المأمور به على وجهه يوجب الاجزاء أم لا.

والمراد بالاتيان ما يؤدّي مؤدّي الامتثال وعلى هذا فقيد على وجهه توضيحي كما ان القيد احترازي لو كان المراد بالاتيان ما هو ظاهره والاقتضاء معناه الايجاب والعليّة والاجزاء الاكتفاء به وقيد على وجهه بمعنى ما اعتبر في المأمور به من الاجزاء والشرايط والقيود العدميّة سواء كانت شرعيّة أو عقليّة إن كان لها مصداق . كما إذا جعلنا قصد الأمر في التعبديّات عقليّا لا ان المراد بوجهه بمعنى قصد الوجه كالوجوب والاستحباب لعدم اعتباره ولو فرض اعتباره فمعه إلاّ ان محل الكلام ليس خصوص التعبديّات بل مطلق الأوامر تعبديّة كانت أو توصليّة وقسّموا المأمور به إلى واقعي وظاهري واضطراري . ولا اشكال في اجزاء الاتيان بكلّ منها عن أمره وانه يسقط أمره فاذا أتى بالمأمور به الواقعي لو كان مكشوفا للمكلّف عن اجتهاد أو تقليد فهو مسقط لأمره كما ان الأمر في الظاهري والاضطراري كذلك . ولا يخفى ان التقسيم ليس بلحاظ حال عدم انكشاف الخلاف في الأمر الواقعي بل باعتبار كونه مكشوفا ليس مؤدى الاصول

في اجزاء اتيان المأمور به

ص: 348


1- . فوائد الاُصول 1/237 .

بل بالأدلّة الاجتهاديّة والا ففي صورة كشف الخلاف لا فرق بين المأمور به الواقعي والظاهري وغيرهما بل القطع ربما يكون خلاف الواقع وما ذكر في الأمر الواقعي لو فرض له مصداق وإلاّ فلا يخلو باب من أبواب الفقه لا يكون هناك حاجة إلى الأصول أمّا في الشبهة الحكميّة أو المفهوميّة أو المصداقيّة لا أقل من القيود العدمية خصوصا على بعض المباني في الأمارات وان لها الطريقيّة التي تكون عذرا عند انكشاف الخلاف وعند الوفاق فهو أو بناءً على التعبّد والتنزيل فانها وإن كانت لها حينئذٍ ترتيب الآثار كالاستصحاب لكنه لا يكون الواقعمكشوفا بل في قبال الواقع إذ هو ما حكم الشارع حكما جعليّا انه هو الواقع .نعم ربما يمكن احراز الواقع بالاحتياط التام بمراعاة تمام ما يحتمل دخله في الواقع لكنه ربما يكون خلاف الاحتياط اذ احتمل لزوم الامتثال التفصيلي ويلزم التكرار في مورد دوران الأمر بين المحذورين كالشرطيّة والمانعيّة كما انه بناءً على انسداد باب العلم والعلمي فالتبعيض في الاحتياط مثلاً لا يكون واقعا وكذلك الأخذ بأحوط القولين أو الأقوال الذي مرجعه إلى الاحتياط الناقص .

والحاصل ان الاتيان بالمأمور به على وجهه مجز عنه أي عن أمره المخصوص به وإلاّ فالواقع على حاله لم يقيّد بموارد الامارات والطرق . امّا التكليف بمؤدّى الطرق الذي يوجد في كلمات بعض المحقّقين فلعلّه لا يريد التصويب بحيث لا تكليف علينا بالواقع وإلاّ فيتوجّه كلام الشهيد قدس سره من ان الاجزاء مساوق للتصويب وإن كان يمكن الجواب عن كلام الشهيد أيضا بما يرجع إلى مصلحة السلوك أو التسهيل ونحو ذلك .

وكيف كان فمدار البحث ليس على تحقيق الصغرى بل على فرضها ولا

ص: 349

يخفى الفرق بين هذا البحث وبحث تبعيّة القضاء للأداء وعدمه وكذلك بينه وبين مسئلة التكرار فانه لو قلنا بالتكرار في مسئلته يكون من صغريّات المقام وإن اتيان المأمور به على الوجه المعتبر فيه من التكرار يوجب الاجزاء أم لا ؟

تكميل: أنكر سيّدنا الأستاذ

قدس سره المصداق للمأمور به الواقعي فانه لا يكاد يوجد مورد نكون على قطع بالواقع بل ليس الاّ مؤدّى الأمارات والأصول ولو فرض حصول القطع من الأمارات إلاّ انه يحتاج مع ذلك إلى أعمال الأصول ولو في بعض جهات المأمور به مع ان مفاد الأمارات ليس إلاّ الحكم الظاهري ولو فرض حصول القطع بالحكم الواقعي فانه ليس خارجا عن مورد احتمال كشفالخلاف وعلى فرضه فلا يكون هناك أجزاء . بل ادّعى ان في مورد بعض الأصولربما يكون الأمر أعلى من الأمارات كالاستصحاب فانه في عرض الواقع ومعمم بالنسبة إليه .

والحاصل ان الواقع لا يكون له مصداق . نعم الأمر الظاهري كالأمر الواقعي إذا وجد . لا اشكال في ان الاتيان به على وجهه يوجب الاجزاء ولو على نحو العليّة فانه اذا فرضنا ان المطلوب ليس الا صرف الوجود لم نستفد من الأدلّة إلاّ هذا المقدار .

فاذا أتينا به على وجهه فاما أن تبقى المصلحة أم لا ؟ فان كانت باقية ويحتاج في اسقاط الأمر واستيفاء المصلحة إلى ثاني الوجود وأزيد فهو خلاف الفرض من قوام المصلحة بالصرف فلابدّ أن تكون المصلحة مستوفاة ولا بقاء لها وان الامتثال والاتيان أوجب استيفائها بتمامها وكمالها بحيث لا يبقى ما معه يستحب الاتيان ثانيا فضلاً عن وجوب الاتيان كذلك . والا فيكون خلاف ما

انكار مصداق المأمور به الواقعي

ص: 350

فرضناه أوّلاً وان المصلحة لم تقم بالصرف بل بمطلق الوجود أو أزيد من الفرد الواحد . وعلى هذا فلابدّ من سقوط الأمر وما يستحب في مثل صلاة الكسوف من الاعادة ثانيا وثالثا إلى الانجلاء فليس ممّا نحن فيه لكون المصلحة مختلفة موجبة لتعدّد الأمر الوجوبي في فرد والاستحبابي في أفراد . وكذلك الكلام في استحباب اعادة الصلاة المأتي بها فرادى جماعة فانه لابدّ أن تكون عن مصلحة أخرى موجبة للاستحباب لا ان الباقي من المصلحة الاولى ما أوجب اتيان هذا الفرد ثانيا والا فننتقل الكلام إلى هذا الثاني ولا مجال للاعادة ثالثا لعدم الملاك

ففي مثل هذه المقامات ليس إلاّ المصالح المختلفة كما لعلّه يرشد إليه بالنسبة إلىالاعادة جماعة ما روى(1) من انه تعالى يختار أحبهما إليه .ولا يذهب عليك ان ذلك غير مرتبط بحصول الغرض الداعي إلى الأمر فان اللازم تحصيله هو غرض الأمر الذي لا يمكن بقائه مع الامتثال اما الغرض الأصلي الموجب لذلك فليس من الواجب تحصيله ما لم يأمر به المولى . فاذا كان الغرض من طلب الماء بالأمر هو رفع العطش فليس من اللازم تعدّد الاتيان إلى أن يرفع عطشه بل الواجب امتثال خطاب ائتني بالماء وهو يحصل غرضه بأوّل مرّة ولا معنى للتعدد وإلاّ ففي المتعدد أيضا يكون الأمر كذلك لوحدة حكم الامثال فيما يجوز وفي ما لا يجوز .

فما يقال من الكشف انّا عن بقاء المصلحة ولو بمقدار الاستحباب قد عرفت ما فيه . وانه ليس عين تلك المصلحة باقية وانما الباقي مصلحة اخرى في عرض تلك المصلحة محسنة للاتيان هذا .

ص: 351


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 53/10 من أبواب صلاة الجماعة والسند فيه سهل بن زياد. وفيه كلام.

أمّا القبول فتارة يكون مرجعه إلى الصحّة فاللازم دخل كل ما هو شرط للقبول في صحّة المأمور به . واخرى يقال كما هو الحق ان القبول أمر آخر وراء الصحّة ولكلّ آثار فان أثر الصحّة اسقاط الأمر والاعادة والقضاء وللقبول التأثير في استعداد المكلّف المطيع الآتي بشرايط القبول كالمانع نفسه من حسد الناس ونصب العداوة والاقبال إلى اللّه في صلاته مثلاً وأمثال ذلك من الآداب المستحبّة فحينئذٍ لا ربط له بما نحن فيه فان الملاحظ شرايط صحّة الصوم بجميع ما اعتبر فيه من المستحبّات والواجبات وترك المكروهات لا يتوقّف صحّة صومه على الصلاة ولا على صحّتها بل إنّما يكون قبول صومه متوقفا على ذلك فالقبول مقام آخر غير الصحّة وكانه الاستعداد والأهليّة للتفضل عليه وحصول القرب والمنزلة عندالمولى المطاع واللياقة لمزيد العناية به وما يرجع إلى هذه الشؤون هذا .

الاتيان بالمأمور به الاضطراري .

ولا اشكال كما أشرنا في أجزائه عن أمره . إنّما الكلام في اطلاق كلام القوم بل استقرّت عليه الآراء في عصرنا الحاضر من الأجزاء عن الواقع لو زال العذر خصوصا بعد الوقت . لكن لا يخفى عليك ان هذه المسئلة مبتنية على جواز البدار لذوي الأعذار وإلاّ فيشكل الأمر خصوصا إذا زال العذر ولم يكن مأيوسا من ارتفاعه قبل آخر الوقت . فان الكلمة وان اتّفقت على الاجزاء لو بان زوال العذر فيما علم بعدم زواله قبل انتهاء الوقت إلاّ انه لا ريب ان العلم لا موضوعيّة له في المقام وإنّما هو طريق محض فكيف يمكن قلب الواقع به .

نعم . إذا يعلم عدم زوال العذر أو يرجوه فيجوز له البدار لكن مجرّد ذلك لا يوجب سقوط الأمر ما لم ينكشف حقيقة الأمر ببقاء العذر إلى آخر الوقت ولا

في اجزاء اتيان المأمور به الاضطراري

ص: 352

ربط بمسئلة تقييد الاضطرار كالضرر والحرج وأمثالها من العناوين الثانويّة للواقع .

والكلام في الصغرى في ما نحن فيه فاذا زال العذر قبل آخر الوقت فنكشف عن عدم الاضطرار من أوّل الأمر فكيف يجوز الاكتفاء بما لم يكن مأمورا به .

نعم إنّما يصحّ فيما لو كان الفاقد ( أي المأمور به الاضطراري واجدا لتمام المصلحة التي يتضمنها المأمور به الاختياري فحينئذٍ ولو انكشف الخلاف لا مانع من الاكتفاء بالمأمور به الاضطراري وإن لم يكن مضطرّا لكن أنّى لنا باثبات ذلك بل مادام الوقت لابدّ من تحقّق الاضطرار في المأمور به كي يصدق .وفي مسئلة التيمّم ربما يقال بغير ذلك للنص(1) إلاّ انه في غير مورده منموارد الاضطرار ومسئلة ذوى الأعذار لا يمكن القول بذلك بل لابدّ من تحقّقه في تمام الوقت ولا يخفى عليك انه ربما يكون له حكم آخر كما في الحج اذا لم يدرك عرفة ( أو المشعر ) فانه يدخل في موضوع من فاته الحج واما ان حجه ينقلب قهرابالعمرة المفردة أو بالنية وجهان .

تنبيه هامّ: ينبغي الاشارة إلى جواز تبديل الامتثال بالامتثال وعدمه فانه قد ذهب إلى جوازه بعض الأعلام(2) ومثل له بالماء وللمكلّف تبديل الامتثال بفرد آخر لكنه لا مجال لذلك . اذ المثال أيضا لا يخلو من مغالطة فان الامتثال الأوّل ان أوجب حصول الغرض من الأمر وسقوطه فلا معنى لانقلابه عمّا وقع عليه بارجاع

ص: 353


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 21 من أبواب التيمّم .
2- . كفاية الاُصول 1/127 .

المكلّف هذا الفرد إلى نفسه وتحويل فرد آخر للمولى وإن لم يحصل الغرض بالأوّل فهو خلاف الفرض .

ان قلت يمكن كون الامتثال عند العقلاء والراجع إليهم أمر الاطاعة والعصيان معلّقا في خصوص فرد بعدم تبديله بفرد آخر أو بعدم رجوعهم عنه إلى غيره سواء كانا مثلين أم للثاني مزية على الأوّل .

قلت: لا معنى لرجوع أمر التطبيق بيد العقلاء اذ انطباق المأمور به على المأتي به أوّلاً قهري ولا نصيب للعقلاء ولا الاختيار فيه وحينئذٍ فالاجزاء عقليّ وإنّما يتصوّر ذلك فيما لم يأت بفرد كما في ناحية العصيان فاذا عصى وانعدم الموضوع بالعصيان فلا معنى لارجاعه .

نعم يمكن ذلك بالنسبة إلى الأفراد الاخر .والحاصل: انه لا معنى لتبديل امتثال بامتثال آخر بل في ما ذكر من المثال من التعليق خروج عن مورد الكلام لعدم كون الاول ما امتثل به التكليف .

تنبيه: قد عرفت ان الاجزاء بالنسبة إلى كلّ أمر مسلم لا مجال للتشكيك فيه وقد اشترط في القبول أمور مع صحّة العمل بدونها . ولا بأس ببيان ما به امتياز كل منهما عن الاخر أو انهما معاً شيء واحد .

فنقول: لا اشكال كما تقدم سابقا ان الجزاء والثواب ليس ممّا يترتّب على فعل المكلّف بحيث يكون الفعل سببا له .

نعم ما يوجبه الامتثال واتيان المأمور به صحيحا مع الشرايط هو سقوط العقاب واستحقاقه . اذ لا يعقل العقاب واستحقاقه مع فرض صحّة العمل . فهذا القدر يوجبه الامتثال بلا اشكال ولا معنى للتفكيك بين الصحّة والقبول فيما يرجع

الفرق بين الصحّة والقبول

ص: 354

إلى هذا المعنى . لكن اعطاء الأجر والثواب يمكن اشتراطه بامور اخر واستعداد ولياقة أزيد غير ما اعتبر في اتيان العمل على نحو يوجب سقوط الأمر والأداء والقضاء في طول الامتثال .

فالعمل الصحيح اذا لم يصادف موانع القبول فيتقبل ويترتب عليه الأجر ويثاب عليه الا انه قد لا يكون كذلك وهناك موانع من ذلك عدمها دخيل في القبول وترتب الأجر والثواب . ولا اشكال في ذلك ولا مانع منه عقلاً . كما ان في ناحية العقاب يمكن رفع التوبة له وايجابها العفو عن الذنوب وعدم تأثيرها في عقابه ( أي الذنوب لم تكن علّة لترتّب العقاب ) بل اذا لم تتعقب بالتوبة مثلاً .

هذا تمام الكلام في ما يرجع إلى الاجزاء في كلّ مورد من أمره وجواز تبديل الامتثال وعدمه .الكلام في المأمور الاضطراري والاتيان به: والبحث تارة في ارتفاعالعذر قبل انتهاء الوقت واخرى بعده . اما الأوّل فقد يقال بالاجزاء نظرا إلى أن مثل باب الصلاة مقتضى الأدلّة وجوبها والطهور بزوال الظهر . وقبل ارتفاع العذر . يسئل هل يكون المكلّف مأمورا بالصلاة في حاله الاضطراري من فقد الطهارة المائيّة أو الاختياريّة بل بالطهارة الجبيريّة أو بوظيفة سلس البول وأمثال ذلك من موارد الاضطرار أم لا بل المكلف به خصوص الصلاة التي يكون الاضطرار بالنسبة إلى بعض ما له دخل فيها مستوعبا ؟ لا اشكال في دلالة الأدلّة على الأوّل وانه مأمور بالصلاة في ظرف الاضطرار ) لكونه مأمورا بها فيجزي .

ولا يحتاج إلى بقائه إلى آخر الوقت والا فيكون هذه القطعات من الوقت كقبله وهو خلاف الفرض فحينئذٍ لو فرض العلم بزوال العذر أو رجائه قبل الانتهاء

ص: 355

فيجوز له البدار .

الا انه قد عرفت سابقا عند الجواب عن اشكال الواجب الموسع ان الوقت المفعول فيه ليس الا ما يسع المظروف وهو صرف الوجود من الوقت والتخيير بيد المكلف في تطبيق الصرف على أحد الاحيان التي له الأداء فيها . فالتخيير في المقام عقلي .

نعم لو كان شرعيّا وفي كلّ آن كان له الأمر فكان من الجائز البدار في حقّه للأمر الا ان الأمر ليس كذلك . فحينئذٍ فالمأمور به هو صرف الوجود في صرف وجود الوقت . واذا يدري بزوال العذر قبل انتهاء الوقت فكيف يجوز تطبيق الصرف على قبله بعد كون المطلوب منه حفظ الوقت وساير ما اعتبر في المأمور به فيدور الأمر في هذه الموارد بين المحذورين فلابدّ من مراعاة الأهم كما استفدنا ذلك من عدّة موارد جزئية مفيدة لاهميّة الوقت . كما اذا دار الأمر بين حفظ القياموالوقت أو الركوع والوقت أو الطهارة المائيّة والوقت وكما اذا فرض بالتيمم يدركتمام الصلاة أو غير التشهّد لكن لا يدرك بالطهور المائي الا مقدارا من الصلاة . ففي هذه الموارد لا اشكال في وجوب حفظ الوقت ولو استلزم فوات هذه المذكورات . فمن هذه الموارد استكشفنا الاهميّة . فعند الدوران يكون مراعاة الوقت أهم وأولى . فيكون مساويا لغيره وحينئذٍ فيتخير أو يصبر إلى أن يتمكن من القيد أو الجزء في خارج الوقت . وعليه اذا كان له القدرة على صرف وجود الصلاة مع الشرايط تامّة في صرف وجود الوقت فلا يصدق في حقّه الاضطرار إلى القعود أو الاضطجاع أو الطهارة الجبيريّة أو الترابيّة وأمثالها من موارد الاضطرار لتمكّنه

من صرف الوجود المطلوب من المختار .

اشتراط الاضطرار في تمام الوقت

ص: 356

نعم وردت الرواية(1) في الطهارة الترابيّة دون باقي الموارد .

والنتيجة ان الأبحاث أربعة: اثنان منها متعلقان بالمأمور به الاضطراري . فانه تارة يرتفع الاضطرار في الوقت بحيث لا يكون العذر مستوعبا لتمام الوقت وأخرى يكون مستوعبا له ويرتفع العذر بعد الوقت . وهذان القسمان يتحقّقان في الأمر الظاهري لما سبق من عدم المصداق للأمر الواقعي بحيث يكون تمام المأمور به ثابتا به واثنان متعلّقان بالمأمور به بالأمر الظاهري وكشف الخلاف تارة بالقطع واخرى من قبل تبدل الاجتهاد .

وانكشاف الخلاف ظنّا فهي أربع مسائل وقد عرفت ما هو الحق عندنا في المسئلة الاولى وهي ارتفاع العذر في الوقت وعدم استيعابه لتمامه .

الا ان المحقّق النائيني قدس سره (2) بنى الكلام على جواز البدار وعدمه وانّه لو قلنابجوازه وقلنا ان هذا الحكم ليس حكما ظاهريّا بل حكما واقعيّا لا يتحقّق بالنسبة إليه انكشاف الخلاف فهو أي الأمر الاضطراري اتيانه مجز عن المأمور به الواقعي والا فلا وهذا كما ترى يشبه القضيّة بشرط المحمول . فان جواز البدار وعدمه انما يكون اذا احرزت المصلحة في المأمور به الاضطراري وان هناك أمرا وقد عرفت اختلاف الكلمات فيه على أقوال . فمن قائل بجواز البدار حتى في صورة القطع بزوال العذر قبل انقضاء الوقت . وقائل بجوازه عند اليأس عن الزوال في الوقت ولعلّ بعضهم ذهب إلى الجواز عند رجاء الزوال وان اتّفقت الكلمة في عصرنا الحاضر على عدم جوازه اذا يعلم بزوال العذر .

ص: 357


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 21 من أبواب التيمّم الباب 14/9 - 11 - 13 - 17 .
2- . فوائد الاُصول 1/245 .

ومن العجيب ما نقله المحقّق النائيني قدس سره هنا عن بعضهم من تنظير المقام وقياسه بباب بدل الحيلولة وانه كما ان الضمان لما أتلف من مال الغير يتحقّق به اما بالمثل أو القيمة اذا تلف . كذلك يجب عليه بدل الحيلولة اذا لم يتلفه ولكنه غرق في البحر بتسبيبه وهو لم يتلف الا انه لا يمكن اخراجه الا بعد شهر أو ستّة أشهر فان المال وان لم يتلف لكن الانتفاعات التي كانت للمالك عند عدم حيلولته سلبت منه وكذا سلطنته على المال وتصرفاته فيه من بيع وشراء وغير ذلك . فحينئذٍ يجب عليه تسليم ما يكون بدله مادام في الحيلولة . كذلك في المقام يكون المأمور به الاضطراري في فرض كون الاضطرار في بعض الوقت بدلاً عن الواقع مادام الاضطرار باقيا وبعد ارتفاع العذر والاضطرار يكون المأمور به هو الاختياري لكنه لا يخفى عليك فساد المقيس والمقيس عليه . فان بدل الحيلولة لا أساس له وأحسن ما قيل فيه ما ذكره الشيخ قدس سره في كتاب البيع وإن كان غير خال عنالاشكال . وكذلك تنظير المقام عليه بل الأمر بالعكس وان الواقع الاختياريالمأمور به الاولى يكون في عهدته .

والحاصل ان الكلام في المسئلة من حيث الحكم الفقهي وانها انعقد عليها الاجماع وان الاتيان بالمأمور به يجزي ولا يجب عليه صلاتان إلاّ ان البحث في الصغرى وتعيين المأمور به وقد ذكرنا انّ كلاًّ اختار مذهبا ولا اشكال فى ان الاتيان به يجزي عن الواقع .

ثمّ ان الفاقد لبعض قيود الاختياريّة بسبب الاضطرار إمّا أن يكون وافيا بتمام مصلحة الواجد للقيد أو الجزء الواقعي الاختياري أم لا . وعلى الثاني فالمقدار الباقي اما أن يمكن استيفائه أو لا . وعلى الأوّل إمّا أن يكون بمقدار ما

فساد قياس المقام ببدل الحيلولة

ص: 358

فيه ايجاب التكليف الوجوبي على المكلّف أو الاستحبابي . وإمّا عدم قيامه بشيء فلا يعقل بعد تعلق الأمر به في صورة الاضطرار وعلى الأوّل أي ( وفاء الفاقد بتمام مصلحة الواجد الاختياري ) في هذا الحال فلا يجب علينا بعد الاتيان بالاضطراري شيء . كما انه على عدم الوفاء وعدم امكان الاستيفاء . وكذلك اذا كان ممكنا لكن لا يكون واجبا فالاحتمالات انما يفيد واحد منها في وجوب الواجد بعد ارتفاع الاضطرار لو كان هناك دليل في مقام الاثبات على ذلك .

لكن حق المقام ما ذكرنا من عدم تحقّق الاضطرار بصرف الوجود اذا لم يكن باقيا إلى تمام الوقت .

نعم إذا يحتمل بقائه إلى آخر الوقت يجوز له البدار رجاءً اذا لم نستشكل في ذلك . والا فعلى فرض لزوم الامتثال التفصيلي فلابدّ من الصبر إلى آخر الوقت فاما أن يكون العذر باقيا فيأتي بالاضطراري جزما أو لا فبالاختياري كذلك . الاّ انه لو فرض اطلاق لدليل الاختياري وانه يجب حتّى اذا جاء بالميسور الفاقدلبعض ما اعتبر فيه فلا نضائق بوجوب استيفاء الباقي من المصلحة التي لم تستوفبالاولى .

هذا ملخص الكلام في المسئلة الاولى وفي المقام فروع فقهيّة كثيرة .

الثانية: ما إذا بقي الاضطرار إلى آخر الوقت وأتى بالمأمور الاضطراري، فهل يجزي عن المأمور به الواقعي أم لا ؟ وبما ذكرنا تعرف انه لا مجال للاشكال في الاجزاء حيث انه في صورة الاضطرار لا مجال للأمر بالمأمور به الواقعي خصوصا مع لزوم مراعاة الأهم ( أي الوقت ) فلابدّ في فرض تشريع الفاقد من رفع اليد عنه في الوقت لعدم القدرة عليه ثم في استيفاء مصلحة الواجد وعدم

ص: 359

استيفائها يأتي التفصيل المتقدّم آنفا . وعلى احد الاحتمالات يجب عليه بعد الوقت الاتيان بالمأمور به الاختياري لعدم استيفاء الملاك الا انه لا دليل عليه اثباتا . بل على فرض انكشاف بقاء الملاك بقدر ايجاب الصلاة مثلاً وجوبا لا يلزم شيء على المكلّف لعدم كوننا دائرين مدار الملاك والمصلحة . بل الأمر وفي باب الصلاة انما يجب اذا فات من المكلف فريضة لا مطلق الملاك . وعند الشكّ في الفوت لا يمكن احرازه بالكبرى لرجوعه إلى التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة .

فتلخّص: ان مقتضى الأدلّة كون الاتيان بالمأمور به الاضطراري مجزيا عن الواقع بالنسبة إلى رفع الاضطرار خارج الوقت .

توضيح وتبيين: قد ذكرنا ان الاضطرار إذا كان في بعض الوقت فلا يوجب تقييد الواقع وان الاتيان بالمأمور به الاضطراري لا فائدة فيه . بل ليس بمشروع . أمّا إذا كان الاضطرار في الوقت وكان مستوعبا لتمامه فهل يجزي عن المأمور به بالأمر الواقعي أم لا ؟ قد ذكرنا ملخّصا من الكلام فيه . لكن يحتمل ثبوتاان القيد المتعذّر المضطر إلى تركه والذي لا يتمكّن منه له الدخل مطلقا سواءتمكّن أم لا اضطراري تركه أم لا ذاكرا له أم ناسيا .

كما يحتمل كون قيديته منحصرة بحال التمكّن وفي حاله ولا قيديّة له في غير حال التمكّن . وليعلم ان الأبواب هناك ثلاثة:

أحدها باب تبدّل الموضوع فالصلوات الاضطراريّة كمطلق التكاليف الاضطراريّة إن كانت هي الواقعيّات الثانويّة فلازمه كون ذلك من باب تبدّل الموضوع كالمسافر والحاضر ولو فرض محالاً قدرة المضطر في هذا الحال على

الاضطرار في بعض الوقت لا يقيّد الواقع

ص: 360

اتيان المضطر في تركه لما كان في حقّه ذا مصلحة . بل ولا مشروعا إذ حينئذٍ يكون كالمسافر الذي يأتي بأربع ركعات وإذا فات منه فلابدّ من كون القضاء أيضا كذلك أي حسب ما فات منه ولو تمكّن في خارج الوقت على اتيان ما اضطرّ في تركه في الوقت .

الثاني وإن كانت هي من قبيل باب البدل والمبدل كما إذا يكون التيمّم والطهارة الترابيّة عند عدم التمكّن من المائيّة بدلاً عنها فما في ذمّته خصوص المبدل ولكن اذا أتى به أو ببدله يسقط التكليف وحصل الامتثال بخلاف ما إذا لم يأت بواحد منهما فحينئذٍ يكون ما في ذمّته وعليه والقضاء هو خصوص المبدل .

والثالث: ما لا يكون من باب تبدّل الموضوع ولا من باب الابدال

الاضطراريّة بل باب السقوط فان الاضطرار والحرج والضرر وأمثالها ليست بحد يوجب تقييد الأحكام الواقعيّة بل لمصلحة التسهيل والامتنان على الامة يكتفي في مقام الأداء بغير المضطر إلى تركه من باقي الأجزاء المتركب منها ومن غيرها المأمور به . وعلى هذا فلا يتوجّه الاشكال بأنّه إذا فات من الذي يجب عليه الاتيان بالفاقد للمعسور قضائه أيضا كذلك كما فات اذ ذاك إنّما يتوجّه إذا كان منقبيل تبدّل الموضوع كالحاضر والمسافر ويكون هناك تقييد واقعي بخلاف ما إذا كان التقييد لمكان عدم القدرة وان من يقدر عليه أن يأتي بالصلاة قائما ومن لم يقدر أن يصلّي قائما فليصل جالسا وليس الجلوس بدلاً عن القيام ولا انّه في عرضه بحيث اذا فرض امكان قدرته محالاً على اتيان الصلاة قائما لا يكون فيه مصلحة بل المصلحة باقية على حالها وإنّما وجب عليه من باب مراعاة الأهم وهو

ص: 361

الوقت الاتيان بالمعسور وهذا إنّما هو على فرض كشف أهميّة الوقت من الموارد الجزئيّة والا فلا يمكننا كشف الأهم من المهم . وعليه فلو لم ندر الأهم من المهم فلا يمكننا تعيين أحدهما والميسور وان وجب اتيانه إذا لم يكن المفقود قيدا مطلقا ولو في حال الاضطرار إليه إلاّ ان الكلام في تعيينه وتشخيصه . ولذلك إذا لم يحرز الأهم ولم يكن هناك أهمّ يتخير بين اتيانه في الوقت مثلاً فاقد القيد أو يأتي به خارج الوقت ويسقط قيد كونه في الوقت وهكذا في ساير المسائل الدورانيّة إذا كان الوقت أهم ومن باب حفظه يدور الأمر بين ترك أحدها كالستر والاستقبال مثلاً أو الستر وغيره والطهارة المائيّة إذا كان التراب موجودا .

نعم حينئذٍ أي فرض كشف أهميّة الوقت اذا أتى بالفاقد للمعسور وأتى بالميسور فلا مجال للقضاء عليه خارج الوقت لعدم احراز فوت المصلحة الالزاميّة فانه وان كانت محتملة لكن مجرّد الاحتمال لايكفي بل لابدّ من الاحراز كي يشمله دليل القضاء كما انه عند تعذّر المعسور لابدّ من الأمر بالباقي إمّا من دليل خارجي أو من نفس أدلّة الاضطرار كما عن بعض وفي صورة عدم الأهميّة كما في مسئلة فاقد الطهورين .قد يقال بما ذكر وإن كان الاحتياط بالاتيان أداءً في الوقت والقضاء خارجه . وعلى هذا فالتكليف إنّما هو بالمأمور به الواقعي . غاية الأمر لمكان عدم القدرة على الاتيان في هذا الحال يقبح مطالبته به فيكتفي فيه بالاضطراري لا ان تكليفه ينقلب أو يكون هذا الفاقد بدلاً وعليه فالقضاء إذا ترك الفاقد إنّما هو للواجد فتدبّر جيدا .

الفرق بين الدخل الركني وغيره

ص: 362

تكميل وتتميم مع ايضاح:

لا يخفى ان المستفاد من دليل لا تعاد(1) الصلاة إلاّ من خمسة دخل الشرايط الثلاث والجزئين في الصلاة دخلاً ركنيّا بحيث إذا ترك باقي الأجزاء والشرايط في صورة النسيان أو الاعم منه ومن غيره ممّا يدخل تحت جامع عدم التمكّن فلا يجب اعادة الصلاة . ومعنى الاعادة إمّا أن يكون هو الاتيان بثاني فرد أو مطلقاً سواءً في خارج الوقت أو فيه أو خصوص الوقت . وليس اللازم في مثله كون العذر إلى آخر الوقت بخلاف الاضطرار وعدم التمكّن تكوينا في ساير الموارد فان مقتضى القاعدة عند تعذّر الاتيان بشيء له الدخل في المركّب الارتباطي هو سقوطه لاستحالة تعلّق التكليف بغير المقدور كما ان بمقتضى الارتباطيّة يسقط التكليف بالباقي لاشتراط الطبيعة بتمام الأجزاء والشرايط . فعند تعذّر بعضها تكون لا بشرط بالنسبة إليه فلابدّ لها من أمر آخر ودليل غيره يقوم على لزوم الاتيان بالباقي وانه هو المأمور به في هذا الحال . كما ان الاضطرار في بعض الوقت لا فائدة له في سقوط التكليف بصرف الوجود لعدم صدق عدم التمكّن بالنسبة إلى صرف الوجود الواجب من أوّل الوقت مستمرّاصلاحيّة الوقت لايجاده فيه إلى آخره .

نعم . ربما لا يكون هناك دليل على قيام الباقي مقام المأمور به الاولى بمعنى عدم وجوبه كما إذا اضطرّ إلى ترك الطهور فانّه لا وجه لتطبيق قاعدة الميسور على الباقي لتحقّق الاجماع على الخلاف . وان فاقد الطهورين لا صلاة له وقد مرّ شطر من الكلام في باب تبدّل الموضوع وكون الحاضر مسافرا والمسافر

ص: 363


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

حاضرا وانّه يتبدّل التكليف بتبدّل الموضوع . وهكذا في ما قام البدل مقام المبدل فان التيمّم جعله الشارع عند تعذّر الماء إمّا وجودا عقلاً أو استعمالاً شرعا مكان الماء والطهارة المائيّة فانّ التراب(1) أو التيمّم أحد الطهورين فانه إمّا أن يكون في حال عدم الماء وافيا بتمام مصلحة المائيّة ولازمه عدم وجوب الغسل مثلاً إذا وجد الماء لعدم كون وجدان الماء من موجبات الغسل أو إنّما يكون التيمّم مبيحا للصلاة أو انه يترتّب عليه زوال الحدث مادام غير واجد للماء ولا يتمكن من استعماله شرعا . لكن الأخير لا وجه له لعدم معقوليّته وفرق بينه وبين الملكيّة الموقتة . وهناك باب آخر هو باب التزاحم فالأبواب راجعة إلى الاضطرار العقلي الموجب لعدم التكليف بغير المقدور والاضطرار الشرعي وتبدل الموضوع والبدل والمبدل وباب التزاحم وما نحن فيه من الاضطرار راجع إلى باب التزاحم . فحينئذٍ لابدّ من اعمال قواعد ذاك الباب وهو إنّما يكون تحقّقه بتحقّق الملاك للمتزاحمين . والا فلا تزاحم بين ما لا ملاك له مع ما له الملاك ولا يتصوّر . فاذا كان أحدهما أهم فلابدّ من صرف القدرة نحوه وفوت المهم فان صرف القدرة فيانقاذ النبي مثلاً من الغرق موجب لفوت المؤمن من السوقة وإذا لم يكن هناكأهميّة فيكون مخيّرا .

ففي ما نحن فيه يكون الأمر كذلك وإنّما المزاحمة جائت من قبل أهميّة الوقت فاذا يدور الأمر بين حفظ الوقت وقيد من قيود الصلاة شرطا أو جزءا .

فباعتبار أهميّة الوقت لابدّ من رفع اليد عنه سوى جامع الطهور كما أشرنا إليه . وعليه فعند الدوران بين الستر والوقت وكذا الاستقبال مثلاً فالوقت أهم

المزاحمة من ناحية الوقت

ص: 364


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 21/1 من أبواب التيمّم واللفظ فان التيمم أحد الطهورين .

ولو لا الأهميّة لكان قادرا على تحصيل الستر والقبلة ولو خارج الوقت لعدم كونه موقتا وإنّما يكون متعذّرا لو لم يكن قادرا عليه إلى تمام العمر فالاضطرار في هذه الموارد ليس عقليّا وإنّما هو شرعي باعتبار لزوم حفظ أهميّة الوقت .

فحينئذٍ إذا صرف القدرة في حفظ الأهم وترك المهم فلابدّ من فوت مقدار من المصلحة والملاك منه وإذا قام الدليل على تدارك ما فات بالاطلاق فالواجب عليه تداركه ولو قضاءً ومقتضي القاعدة عدم اجزاء المأمور به الاضطراري عن الواقعي لفوت مقدار من الملاك .

نعم إن كان الحاصل بالفاقد للمعسور من المصلحة والملاك هو الحاصل بالواجد فلا فوت حينئذٍ وتتأتى الاحتمالات المتقدّمة من عدم الفوت أو وجوده ثمّ على تقدير وجوده إمّا أن يكون بمقدار يوجب الالزام أو لا وإن كان من قبيل باب البدل والمبدل أو جعل الحكم حكما جعليّا بأنّه ( أي الفاقد ) هو الواقع أو القناعة في مقام الامتثال كما في مورد قاعدة الفراغ فاشكال بل المقام أشكل من مورد قاعدة الفراغ وقد حقّقنا ما يحقّ أن يقال هناك .

ثمّ ان هذا كلّه إنّما هو حسب القاعدة وإلاّ ففي باب الصلاة توجد الأدلّة بلااحتياج إلى أعمال الأصول والقواعد مثل ما ورد ان من(1) لم يستطع أن يصلّيقائما فليصل جالسا أو جعل الابدال للركوع والسجود وأمثالهما فراجع وتدبّر ( كما انّ في مثل النائم قام الدليل على ان مجرّد فوت الملاك يوجب القضاء .

الكلام في اجزاء المأمور به بالأمر الظاهري . عن المأمور به بالأمر الواقعي .

ص: 365


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 1/15 - 18 من أبواب القيام واللفظ في الأوّل المريض يصلّي قائماً فان لم يستطع صلّى جالساً وفي الثاني إذا لم يستطع الرجل أن يصلّي قائماً فليصلّ جالساً .

ويقع البحث تارة في صورة انكشاف الخلاف قطعا وأخرى بدليل ظنّي وعلى الصورتين تارة في الموضوعات وأخرى في الأحكام نظير ما إذا أدّى اجتهاده إلى جواز الصلاة واجزائها عن الواقع مع النجاسة الخبثيّة ناسيا أو عدم مانعيّة اجزاء ما لا يؤكل لحمه أو ان المايع الفلاني ماء فتوضّأ به وصلّى أو استعمله

في موارد آخر إلى غير ذلك من الأمثلة المتفرّقة في أبواب الفقه كالعقود فلا يرى العربيّة شرطا في نفوذ عقد النكاح مثلاً أو يكتفي بفري أحد الأوداج أو أكثر منه في الذبيحة .

ولا ريب في ان الخطأ في الاجتهاد لا يوجب اثما إذا لم يكن عن تقصير وإن كنا لسنا بصدد بيان ان للمصيب اجرين وللمخطى أجرا واحدا وكذا في ان المجتهد ضامن أم لا لعدم الدليل عليه إلاّ في مورد خاص في باب الديات .

وعلى كلّ حال . فالظاهر اتّفاق الكلمة على عدم الاجزاء مطلقا إذا انكشف الخلاف بالدليل القطعي وذلك لعدم كون الامارات الا طرقا محضا لا شائبة للموضوعيّة فيها .

نعم لا مانع في الموضوعات من أن يكون العلم جزء الموضوع كان يجب عليه شيء أو يترتّب عليه حكم آخر إذا علم بالشيء الفلاني لكن الظاهر ان فيالأحكام ليست الامارات والعلم إلاّ طرقا محضة لم تؤخذ جزءا للموضوع .

ثمّ انّه بناءً على ما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدس سره ربما يستفاد من بعض كلمات الشيخ قدس سره ان الأمر الظاهري مقتضى للاجزاء عن الواقع إذا لم يكن فعليّا بل باقٍ في وعائه الانشائي ولم يصر بعد فعليّا بناء على المراتب الأربع التي صورها المحقّق الخراساني .

ص: 366

والرابع وهو مرحلة التنجز(1) بعد الفعليّة إنّما ذكرها في الكفاية وقبله لم يكن قائلاً به على الظاهر وإن رجع في بحث الظن عمّا بنى عليه في مباحث القطع عند الكلام في الامارات وقيامها مقام العلم وكونها كالاستصحاب وعدم امكان الجمع بين اللحاظين(2) الآلي والاستقلالي . وقال هناك بالطريقيّة المحضة إن

أصاب فهو وإلاّ فهو معذور ( وكيف كان فالمباني في الطرق والأمارات مختلفة وعلى بعضها يجزي الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن الواقع وعلى كثير منها ليس الأمر كذلك .

وليعلم أوّلاً أنّه ليس لنا حكمان حكم واقعي وحكم ظاهري وأمر واقعي وظاهري بل ليس إلاّ الأمر الواقعي وليس هناك إلاّ الطريق المحض وإن حاول جمع الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بناءً على ما بنوا عليه والتزموا به من تصوّرهما بالفرار عن الاشكالات المذكورة في محلّها .

منها اجتماع الحكمين المتناقضين كان يكون يعني واحد حلالاً وحراماوكذلك مانعا وغير مانع واجتماع الضدّين إلى غير ذلك . ولقد ذهب بعض(3) هؤلاء ( كالشيخ محمّد حسين قدس سره ) إلى عدم تنافي الأحكام إلاّ في مرحلة البعث وإن كانت فعليّة إلاّ أنّه لا منافاة بينهما ما لم يبعث أحدهما إلى الفعل والآخر يزجر عنه . لكنه ليس كذلك كما انه لا وجه لدعوى كون الأحكام من قبيل توارد العنوانين الاعتباريين على شيء واحد فيمكن اتّصافه بالمحبوبيّة والمبغوضيّة بالنسبة إلى شخصين مع ان المحبوب والمبغوض شيء واحد وإنّما المحال

هل الأمر الظاهري يقتضي الاجزاء

ص: 367


1- و2 . كفاية الاُصول 2/10 - 21 .
2-
3- . نهاية الدراية الجزء الأوّل 95 .

اجتماعهما فيه إذا كان المتواردان من العوارض الخارجيّة كاللون فاذا أراد أحدهما تلوينه بالسواد والاخر بالبياض فلا يمكن وإن كانا شخصين .

وذلك لعدم وجه لقياس باب الأحكام والحكم الواقعي والظاهري بذلك بل قد ذكر في باب الامارات ان العلم من الصفات ذات الاضافة فيمكن كون شيء واحد معلوما لشخص مجهولاً للآخر لكن لا يمكن أن يكون واجبا وحراما كما لا يمكن كونه مانعا وغير مانع .

وبالنظر إلى ما ذكرناه اتّفق الأصحاب على بطلان التصويب وان قيام الامارة على شيء لا يوجب تغييره عمّا هو عليه بل بعد باق على ما كان فلا يقولون بالتصويب الذي يقول به الأشعريّة من انه ليس لنا واقع الا ما أدّى إليه الاجتهاد .

ولسخافة هذا المذهب لم يلتزم به رؤسائهم كمسئلة انكار ادراك العقل الحسن والقبح للأشياء أو كون الأشياء ذات حسن وقبح ذاتيّين لعدم معقوليّة هذاالسنخ من التصويب وكذا أجمعوا على بطلان التصويب الذي ذهبت إليه المعتزلةمن احداث قيام الامارة مصلحة أو مفسدة في مؤادّها غالبة عليه ( فيكون قيام الامارة من الجهات التعليليّة للحكم والمصالح والمفاسد المقتضية لجعل الحكم فامّا أن تغلب المصلحة المفسدة أو العكس أو تتساويان وينتج تارة الوجوب وأخرى الكراهة أو الاستحباب أو الاباحة مثلاً ) .

ولو التزمنا بذلك فلازمه عدم معاملة الامارتين المتخالفتين معاملة التعارض بل التزاحم كما هو واضح .

نعم ربما لا يكون مانع من الالتزام بالمصلحة السلوكيّة مع بقاء الواقع على

ص: 368

ما هو عليه لكنه على نحو يتدارك بسلوك الامارة ما فات السالك من المصلحة من المصلحة الواقعيّة وإلاّ فيلزم التفويت من المولى الحكيم وهو محال . وان اجيب بأنّه ربما لا يلزم ذلك اذا لم يجعل له هذا الطريق وخلّى وطبعه لكان خطأه أكثر .

والحاصل: ان اختلاف مراتب الفوت يتبع مقدار السلوك للامارة والتدارك بها فاذا عول عليها في ذهاب وقت فضيلة الصلاة فلابدّ من تدارك هذا القدر وكذلك اذا عول إلى فوت الوقت فكذلك . إلى أن يوجب الفوت مادام العمر فكذلك . مع انه ربما يختص ذلك بصورة انفتاح باب العلم . فانه إذا راجع بنفسه الامام علیه السلام مع كونه في بلده أو لا مشقه عليه في المراجعة فاذا عوّل أمره على مثل زرارة فربما يلزم التفويت لعدم التفات زرارة مثلاً على عدم التفاته لاستماع كلامه بخلاف الامام لكنه أيضا يمكن الجواب عنه بأنّه يسمع من زرارة كما يسمع من الامام علیه السلام فلا يلزم تفويت شيء . نعم له تصوير في بعض الموارد كما أشرنا إليه .

توضيح وتكميل:

قد تبيّن ممّا ذكرنا انّ المذهب الصحيح في الامارات الطريقيّة المحضة وليس هناك مصلحة في قيام الامارة على شيء تحدث بسببها ولا في سلوكالامارة .

نعم لو لزم من التعبد بالامارات فوت مصلحة على المكلف كما في بلد الامام ومع ذلك يرجعه إلى غيره فاللازم عليه في صورة الخطأ والاشتباه تدارك المصلحة الفائتة من المكلّف بذلك . وهذا مخصوص بصورة انفتاح باب العلم . ثمّ ليعلم ان للمحقّق الخراساني قدس سره (1) تفصيلاً في المقام بين قاعدة الطهارة والحل

في أثر المصلحة السلوكيّة

ص: 369


1- . كفاية الاُصول 1/133 .

واستصحابهما في وجه قوي وبين الامارات من الاجزاء في الاولين وعدمه في الامارات بدعوى كون دليل القاعدة والاستصحاب في الطهارة والحلّ معمّما للدليل الواقعي وحاكما عليه فاذا اشترط شيء مثلاً بالطهارة أو الحليّة فهناك فردان فرد مصداق لذلك قطعا وجدانا وفرد آخر تعبّدي ويترتب على هذا الفرد التعبدي ما يترتّب على الفرد الواقعي . وهذا إنّما هو في باب الصلاة والطهارة وأمثالها وإلاّ ففي ساير أبواب الفقه لا يجري هذا الكلام كما ان في باب الصلاة أيضا لا يثمر . حيث ان المستفاد من الجمع بين الأدلّة ان العلم بالنجاسة مانع وليست النجاسة بوجودها الواقعي مانعا كما ان ذلك أيضا مخصوص بالطهارة من الخبث لا من الحدث وذلك أيضا في صورة الجهل دون النسيان كما التزم به المحقّق النائيني قدس سره وبينّا وجهه في بعض الأبحاث . ويرشد إلى بعض الكلام في هذا المقام ما ورد في كشف النجاسة بعدم مبالغة الجارية في ازالتها وانه يعيد الصلاة دون ما اذا باشره بنفسه من رواية ميسّر(1) الحسنة .قلت لأبي عبداللّه علیه السلام آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ فيغسله فاصلّي فيه فاذا هو يابس قال علیه السلام: أعد صلاتك أمّا انّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء . كما ان في باب صلاة الجماعة لا يكون طهارة الامام شرطا واقعا لصحّة صلاة المأموم بالنظر إلى النص(2) الوارد هناك وان اشتراطها واقعا

بالنسبة إلى نفس الامام وكذا طهارة الامام بالنسبة إلى صلاة نفسه .

والحاصل ان مدعى المحقّق الخراساني في هذا المقام الفرق والتعميم في

ص: 370


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 1/18 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 36/1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 7 - 8 من أبواب صلاة الجماعة .

الاصول التي ذكرناها في مورد رواية زرارة(1) الواردة في اصابة ثوبه دم الرعاف

حيث انه عليه السلام لا يوجب عليه اعادة الصلاة التي صلاّها فيما إذا ظنّ الاصابة للنجاسة بثوبه ونظر فلم ير شيئا ورأى بعد الصلاة معللاً بانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا . وكذا في ذيل هذه الرواية لا يوجب نقض الصلاة التي لم يشكّ في ابتداءها وفي أثنائها رأى ثوبه رطبا معللاً بأنّه لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ الذي يستفاد منها في باب الاستصحاب ان الشرط اما هو حقيقة الطهارة أو احرازها تعميما وقرّر كلامه هنا سيّدنا الأستاذ قدس سره بجريان ما قلنا في الاستصحاب لأنّه ناظر إلى الواقع ومحرز والاصول على وجه لكنه رجع إلى ما نقلنا عن المحقّق الخراساني .

ثمّ انّ للمحقّق النائيني(2) اشكالات خمسة على ما ذهب إليه المحقّقالخراساني(3):أحدها: ان ذلك خلاف ما بنى عليه من انحصار الحكومة بما إذا كان بأي واعنى وأريد وأمثالها وليس المقام كذلك فانّه رجع عن مبناه أو مشى على خلافه.

الاشكال على ما أفاده في الكفاية

ص: 371


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 37/1 من أبواب النجاسات .
2- . فوائد الاُصول 1/249 - 251 .
3- . كما أورد عليه السيّد العلاّمة الخوئي قدس سره بعدم امكان الالتزام بما أفاده في غير باب الصلاة من العبادات والمعاملات ولذا لو توضّأ بماء حكم بطهارته لقاعدة الطهارة أو استصحابها ثمّ إنكشف نجاسته لم يلتزم أحد من الفقهاء والمجتهدين حتّى هو قدس سره بالاجزاء فيه وعدم وجوب اعادته إلى أن قال ان قاعدتي الطهارة والحلية وان كانتا تفيدان جعل الحكم الظاهري في مورد الشكّ بالواقع والجهل به من دون نظر إليه الا ان ذلك مع المحافظة على الواقع بدون أن يوجب جعله في موردهما انقلابه وتبديله أصلاً كما ان الحكومة حكومة ظاهريّة موقتة بزمن جهل الواقع وليست حكومة واقعيّة توجب توسعة الواقع . محاضرات في اُصول الفقه 44/70 - 73 .

وأحسن ما ذكره الشيخ في الحكومة من كون أحد الدليلين متعرّضا لحال الدليل الآخر بما لا يتعرّضه نفس ذلك الدليل وان أغمضنا عن هذا الاشكال وعمّمنا الحكومة إلى أقسامها الخمسة فانه تارة تكون معمّمة واخرى مضيقة كما في حكومة الأصل السببي على المسببي فينحصر الاشكال بالأربعة الباقية . منها التنافي للاول وان ذلك انّما يصحّ في ما إذا كان لنا حكومة ظاهريّة وحكومة واقعيّة ويكون هناك دليل مقتضاه كون الظاهري في عرض الواقعي . والمفروض ان الدليل الذي لنا في المقام مقتضاه كون الطهارة شرطا واقعيّا فكيف يعمّم دليل الأصل الظاهري الذي يجري في تنقيح موضوع التكليف والمراد به ما هو دخيل شرطا في متعلّق التكليف أو جزءا كما في الطهارة مثلاً بالنسبة إلى الصلاة . والا فموضوع التكليف يطلق تارة ويراد به المكلّف والشرط فيه راجع إلى الموضوع واخرى يراد به متعلق المتعلق كما في لا تشرب الخمر فان الحكم الحرمة المستفادة من لا والموضوع هو المكلف ومتعلّق التكليف هو الشرب ومتعلّقه أي الموضوع هو الخمر فالخمر متعلّق المتعلّق أو موضوع التكليف والفرض انه ليس لنا دليل معمّم غير نفس اصالة الطهارة بدليلها والحل والاستصحاب في الموردين .وهذا ليس كمسئلة اكرم العلماء والتعبد بان زيداً عالم في عرض ذلك وبالنظر إليه كما سنشير إليه فان دليل الاستصحاب لا يمكن قيامه مقام العلم به فاذا وجب على المكلّف اذا علم بوجود زيد النذر فعند الشكّ لا يتوهم أحد جريان الاستصحاب لتنقيح العلم كما اذا اريد منه الطريقيّة أيضا كذلك اذا اريد هذا النحو الخاص .

ص: 372

الثالث: ان ما ذكر انما يصح اذا كان الحكومة واقعيّة والتنزيل في عرض الواقع كما في الطواف(1) بالبيت صلاة أو كما في مسئلة ( إذا شككت(2) فابن على الأكثر وإذا كثر(3) عليك السهو في الصلاة . فامض في صلاتك ولا تعد ممّا يكون الحاكم في رتبة المحكوم واقعا لا مثل ما نحن فيه الذي ليست الطهارة الظاهريّة في عرض الواقعيّة التي لازمه عدم كشف الخلاف لها كما ان الطهارة الواقعيّة ليس لها كشف الخلاف . وعلى هذا فقوله علیه السلام ( كلّ شيء هو لك حلال )(4) أو قاعدة الطهارة أو الاستصحاب في الماء أو غيره إنّما هو بالنظر إلى الآثار التي لا تكون مشروطة بالواقع بل تترتّب على الأعم من الواقع والظاهر وإلاّ فمقتضاه كونها في عرض الواقع ولا يمكن ذلك لان الأدلّة الظاهريّة لا معنى لحكومتها على الواقعيّة المتقدّمة عليها برتبة أو برتبتين .نعم لو كان مقتضى الأدلّة الاوّليّة في جواز الشرب مثلاً أو الصلاة هو الطهارة الواقعيّة للماء فاللازم هو الترخيص في شرب الماء كما إذا شرب بخيالانه ماء فتبيّن خمرا فانّه معذور . وكذلك إذا كان طاهرا باصالة الطهارة أو استصحابها فصلّى معه فانّه إنّما يكون بناءً على ما ذكرنا رجاءً وبهذا المقدار يمكن

أن يكتفي فائدة له .

الرابع: انه لو كان الاحراز شرطاً في قبال الواقع فاللازم كون الأمر في

ص: 373


1- . مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 من أبواب الطواف .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/3 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ إذا سهوت فابن على الأكثر .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/6 من أبواب الخلل .
4- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

الامارات أحسن من الأصول مع انه لا يقول بذلك وفي الامارات لا يقول بالاجزاء .

والخامس: ان اللازم عليه صحّة الوضوء واقعا اذا انكشف الخلاف وعلم كون مستصحب الطهارة أو الجاري فيه قاعدتها نجسا وكذا لا يكون ملاقيه نجسا الا اذا لاقاه بعد العلم مع انه لا يلتزم به أحد(1) .

تذييل وتتميم وتوضيح: لا يخفى ان مقتضى الأدلّة ان الطهارة الخبثيّة شرط في الصلاة إذا علم بالنجاسة أو ان النجاسة الخبثيّة بوجودها العلمي مانع من الصلاة لا مطلقاً فان الرواية الواردة في الصلاة(2) ( رجل صلى وفي ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب ) وجواب الامام عليه السلام إن كان لا يعلم فلا يعيد مقتضاها ما ذكرنا . كما انه كذلك الأمر في نسيان غير المستثنى في صحيحة لاتعاد(3) الا ان الكلام كليّا في ان كلّ مورد يجري الاستصحاب أو أصل آخر لتنقيحالموضوع هل يكون معمّما لدليل الاشتراط واعتباره في مجراه وموسعا له أم لا ؟ وما فرضه المحقّق الخراساني من كون ذلك معمّما فانه على فرض تسليمه صحيح الا ان الكلام في ان مقتضى ظاهر الأدلّة الواردة في موارد الأصول ذلك أم لا كما

اشتراط الصلاة بالطهارة عن الخبث

ص: 374


1- . كما رأى جعل الطهارة في قاعدتها أو استصحابها وجعل الحلية في قاعدة الحلّ في المنتهى منتهى الأصول 1/254 - 256 اثباتياً لا ثبوتياً في ظرف الجهل وبكشف الخلاف يظهر انه كان سراباً ثمّ بنى كلام المحقّق الخراساني على مسلك جعل المؤدّى والحكومة على هذا حكومة واقعيّة ولم ير هذا المسلك تاما يترتب عليه المفاسد اشار إلى بعضها وحقق البحث في الموردين شيخ مشايخنا المحقّق العراقي مستوفى مناقشا في مختار صاحب الكفاية . نهاية الأفكار 1/243 - 255 .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .
3- . وسائل الشيعة 7 الباب 1/4 من أبواب قواطع اللصلاة .

في مثل كلّ شيء(1) طاهر ( أو نظيف ) حتّى تعلم انه قذر أو كلّ شيء هو لك(2) حلال حتّى تعلم انه حرام بعينه إلخ فان ظاهر هذا الدليل ان الواقع هناك محفوظ تارة يتعلّق به علم المكلّف وأخرى يجهله وفي ظرف الجهل يترتّب عليه أحكام الطهارة ومرجع الشبهة الموضوعيّة أيضا إلى الحكميّة .

والمراد بالعلم العلم بالحكم فالمشكوك حكمه حلال أو طاهر . لكن لا يدل هذا الدليل على كون العلم مأخوذا في موضوع الحكم بحيث ينحصر الموضوع بالمعلوم البوليّة في ناحية النجاسة أو الخنزيريّة في ناحية الحلية(3) ولا معنى لكون مفاد كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم انه حرام ان المشكوك الخنزيريّة لك حلال حتّى تعلم انه خنزير أو أرنب . وكذا ليس مقتضى الدليل ان المشكوك البوليّة لك طاهر حتّى تعلم انه بول ولا ان المعلوم بوليّته موضوع الأحكام في ترتيب آثار النجاسة والحرمة مثلاً اذ حينئذٍ لازمه كون كلّ ما تيقن المكلّف انه بول حراما

( نجسا ) وإن كان ماءا . بل نقول ان البول المعلوم موضوع للأحكام لا ان تمام الموضوع هو معلوم البوليّة بل العلم جزء الموضوع اذ هو خلاف ظاهر الأدلّة ولوكانت الغاية غاية للموضوع فالمراد بالعلم أيضا العلم بالحكم لا الموضوع وإن كانت الغاية للحكم كما هو الظاهر فمقتضاه وجود الحكم الواقعي هناك وفي ظرفالجهل به وعدم معلوميّته يترتّب على موضوعه أحكام الطاهر أو الحلال .

وكيف كان فقد عرفت مدعى المحقّق النائيني واشكاله على المحقّق الخراساني من عدم كفاية دليل الأصل لكونه معمّما وموسعا بل لابدّ من قيام

ص: 375


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . اللازم كون العبارة الحرمة .

دليل آخر يقتضي التوسعة في ناحية الاشتراط وإلاّ فظاهر الأدلّة الأوّليّة كون الطهارة بوجودها الواقعي شرطا أو موضوعا للآثار وكذا في غيرها .

ان قلت: يكفي نفس تنزيل المشكوك منزلة الواقع في ذلك وهو بظاهره ومقتضاه معمم الواقع بلا احتياج إلى دليل آخر ثالث غير دليل الواقع ودليل الأصل يوجب التوسعة .

قلت: مضافا إلى انه خلاف مبناه في حصر الحكومة بنحو أي وأعنى يرد عليه انه صحيح في ما إذا كانت الحكومة واقعيّة ودليل الحاكم في عرض دليل المحكوم ويجعل متعرّضا لشيء لا يتعرّض له المحكوم كما إذا قال أكرم العلماء وفي عرضه ينزل فردا جاهلاً منزلة العالم أو يخرج فردا من العلماء وهذا بخلاف موارد الحكومة الظاهريّة كما في حكومة الامارات على الاصول وحكومة الاستصحاب عليها وحكومة قاعدة الفراغ والتجاوز عليه فانها حكومات ظاهريّة ومرتبتها متأخّرة عن المحكوم وموضوعه وحكمه . فان الحكم الواقعي في مرتبة متأخرة عن موضوعه وكذلك حكم الشك في مرتبة متأخرة عن موضوعه الذي هو الشك والشك لابدّ أن يتعلّق بموضوع الحكم الواقعي وفي بعض الموارد كما اذا كان الشك متعلّقا بالحكم يكون متأخّرا عن الموضوع الواقعي برتبتين وفي غيره برتبة واحدة . فحكمه متأخر عن موضوع الحكم الواقعي بثلاث رتب أو برتبتين وعن نفس الحكم الواقعي برتبتين أو رتبة وحينئذٍ فلا وجه للحكومة والتوسعة فيدليل المحكوم ومفاده فالحكومة الواقعيّة مثاله ما إذا ترتّب على الشك واعتدالالوهم في اعداد ركعات الصلاة البناء(1) على الأكثر وصلاة الاحتياط ودليل

توضيح معنى الحكومة

ص: 376


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 7 - 8/1 - 1 - 4، 16/1 - 2 - 3 من أبواب الخلل في الصلاة .

الحاكم موضوعه نفس الشكّ الذي هو موضوع دليل المحكوم في ما إذا(1) كثر عليه السهو فان عليه أن يمضي ولا يعتني ولا يترتب على كثير السهو أحكام الشك التي ترتبت على مجرد الشك في ركعات الصلاة . فان هذه الحكومة واقعية وليس كذلك ما نحن فيه مضافا إلى باقي وجوه الاشكال التي منها كون الامارات مجزية عن الواقع بطريق أولى ولا يكون لها انكشاف الخلاف . ومنها عدم لزوم ترتيب آثار النجاسة على ما إذا لم يعلم حين ملاقاة المتنجس لملاقيه بالنسبة إليه .

بيان آخر: وليعلم انه لابدّ في محل الكلام النظر إلى مقتضى الأدلّة الواردة فيه وهل هو التعميم للأدلّة الأوليّة باعتبار موردها أم لا .

ولا ينبغي الاشكال في ان قوله علیه السلام ( والأشياء كلها على(2) هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة وكذا ما ورد في باب الطهارة والنجاسة ليس دالاًّ على تعميم الواقع وإنّما هو ترخيص في ظرف الشكّ والا فالأحكام الواقعيّة ليست مقيدة بالعلم بها لاستواء العالم والجاهل فيها وبطلان التصويب . والظاهر ان المحقّق الخراساني لا ينكر ما ذكرنا والنزاع انما هو في الصغرى واختلاف موارد الاستفادة .

هذا تمام الكلام في ما يتعلق بالمقام الأول من المقامين في انكشافالخلاف في الأحكام الظاهريّة .

أمّا المقام الثاني وهو ما إذا انكشف الخلاف ظنّا بمعنى عدم العلم بخلافما ظهر له سابقا بل إنّما تبدل طريقه ويرى فعلاً ان مقتضى الأدلّة الاجتهاديّة مثلاً

انكشاف الخلاف ظنّاً

ص: 377


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 7 - 8/1 - 1 - 4، 16/1 - 2 - 3 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

غير ما استفاده سابقا ولعلّ الحكم الواقعي هو ما استفاده أوّلاً لكنّه بمقتضى السيرة الجارية والنهج المألوف بين الأعلام اجتهد بلا خطأ في اجتهاده بل الاجتهاد كان خطأ لا أنه لم يكن من أهله واجتهد فانه ليس بطريق بل اللازم في مثل هذا المورد عرض نفسه على أهله إلى أن يحصل له الوثوق أو الاطمينان بأحد الطرفين وانّه من أهل الاجتهاد أم ليس له أهليّة .

والحاصل انه لم يأل جهدا في الاجتهاد والفحص إلى المقدار اللازم ولم يظفر مثلاً بمخصص للعام الذي أفتى على حسبه ثم عثر عليه بعد حين في كتاب الديات مثلاً أو كان يرى الشرط في حلية الذبيحة الشق أو فرى الودجين لا الأربعة وتبين له الخطأ بحسب الأدلّة التي قامت عنده الحجّة المعتبرة على حجيّتها للزوم كون دليل اعتباره كذلك لو كان بصدد بيان حجيّة الأصل الظاهري مثلاً أو كان يرى العقد بالفارسيّة ولو في النكاح مثلاً أو الطلاق بالفضولي وتبدل في ذلك رأيه . وحينئذٍ فلا اشكال في عدم جواز البناء على حسب الاجتهاد الأوّل وكذلك على لزوم البناء بالنسبة إلى أعماله السابقة الماضية بالاجتهاد الأول من هذا الحين بالنسبة إلى الاعادة والقضاء أو تجديد العقد أو غير ذلك من الآثار بناءً على الطريقيّة لأن الامارة أو الأصل بقيامها على المؤدي لا تحدث فيه شيئا وحينئذٍ فالرأي الأوّل مادام باقيا كان عذرا له في مخالفة الواقع الذي أحرزه حسب مقتضى الرأي الثاني وعليه فلا موجب للاجزاء وعدم الاحتياج إلى التدارك بالاعادة أو القضاء والاتيان على الوجه المعتبر .

اللهم إلاّ أن يقوم دليل على عدم لزوم الاعادة مثلاً أو القضاء كما في موارد

ص: 378

جريان لا تعاد(1) فانه ليس عليه شيء في بعض الموارد كما ان في بعضها عليهقضاء المنسي(2) وسجدتا(3) السهو وهو وإن لم يكن من قبيل انكشاف الخلاف لكنه يصلح مثالاً وتنظيرا في ما نحن فيه وحينئذٍ فما يظهر من بعضهم من التفصيل في ما ذكرنا ( بين العبادات والمعاملات لا وجه له ) .

تلخيص: لما سبق في تبدل الرأي السابق بالرأي الجديد

قد سبق انه إذا كان المبنى في حجيّة الامارات هي افادتها العلم والاطمينان العادي النظامي فكشف الخلاف أيضا يكون كذلك وهو اما بالعثور على مقيد أو مخصص لم يعثر عليه في الاجتهاد السابق بعد الفحص المعتبر أو اعتقد عدم وجوده أو استظهار خلاف ما استظهره سابقا كان يرى بعد الغور والتأمّل جديدا انه غير ظاهر وان الاستظهار السابق كان خطأ وحينئذٍ فلا اشكال في لزوم البناء والعمل على مقتضى هذا الخبر مثلاً والجمع بينه وبين باقي الأدلّة الواردة في المقام

وكان معذورا في العمل حسب الرأي السابق إذا كان عن قصور لا عن تقصير وإنّما عليه ترتيب الأثر بالنسبة إلى الاعادة والقضاء أو تطهير ما لاقاه ممّا كان يرى طهارته وحسب الاجتهاد الفعلي يراه نجسا فانه وإن لم يكن انكشاف الخلاف بعلم وجداني حقيقي ومبناه الوثوق والاطمينان العقلائي الذي عليه مدار أمرهم في امور ديناهم فانه كالعلم الوجداني في انكشاف خطائه لأنّه ليس للشارع طريق تأسيسي في موارد الاطمينان والوثوق العقلائي ويكفي مجرد عدم الردع في الامضاء وتقريرهم على ما هم عليه وإلاّ كان عليه الردع كما في القياس .

ص: 379


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 3/5 - 6 - 8 - 9 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 32/1 - 2 - 3 من أبواب الخلل .

نعم بناء على احداث قيام الامارة في مورده مصلحة وبعبارة اخرى بناءعلى موضوعيّة الامارات فلا موجب لعدم الاجزاء بالنسبة إلى الأعمال السابقة لكون الواقع حينئذٍ تابعة لرأي المجتهد وظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم كما ان

الأمر كذلك بالنسبة إلى المقلّدين إذا رجعوا إلى مجتهد يقول بخلاف ما يقوله المجتهد السابق فانه بناء على الموضوعيّة فاعمالهم السابقة مجزية قطعا وحينئذ فبالنسبة إلى المجتهد طريقيّة وبالنسبة إلى المقلّد موضوعيّة .

لكن الحق انه ليس موضوعيّة في كلا الموردين بل طريقيّة صرفة فيدور مدار الواقع وعدمه قيام الحجّة المعتبرة على الاجزاء وإلاّ فمقتضى القاعدة في فرض انكشاف الخلاف بحجة معتبرة عدم الاجزاء لما عمل سابقا(1) .

نعم يمكن القول بالاجزاء في مورد بعض العبادات كالصوم والصلاة اذا جرى حديث لا تعاد الصلاة(2) أو قام الاجماع على عدم وجوب صلاتين كما ادعى الا ان الاجماع ملاكي على فرض وجوده ) ومقتضى الاصول والقواعد ما ذكرنا ولا يخفى عليك ان ذلك لا ربط له بمسئلة الحكم وإلاّ ففي مورد حكم الحاكم على خلاف الفتوى عليه التعبد بحكم الحاكم ولو على خلاف مقتضى فتواه لقيام الدليل وعليه ترتيب آثار الصحّة مثلاً على بيعه إذا كان لا يقول بالجواز نعم في ساير الاستعمالات التي لا ربط بحكم الحاكم بها عليه العمل بفتواه كنجاسة

ليس للامارة موضوعيّة

ص: 380


1- . واستثنى السيّد الخوئي قدس سره محاضرات في اُصول الفقه 44/103 - 104 مسئلتين احداهما مسئلة النكاح والاخرى مسئلة الطلاق وأوجب على كلّ أحد ترتيب آثار النكاح الصحيح على نكاح كلّ قوم وإن كان فاسداً في مذهبه وكذلك في الطلاق تمسكاً للمسئلتين مضافاً إلى امكان استفادة ذلك من الروايات بالسيرة القطعيّة الجارية بين المسلمين من لدن زمن النبي الأكرم صلی الله علیه و آله إلى زماننا هذا .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

ملاقيه مثلاً هذا اذا لا يراه مخطئا في اجتهاده أو ممّن لا يتعبد بحكمه .ولا ينافي ما ذكرنا من مقتضى القاعده قيام دليل خاص في بعض الموارد على الاجزاء كما في القصر(1) في موضع الاتمام على ما أفتى به جماعة منهم الشيخ محمد طه نجف وغيره ولكن احتاط بعضهم لاعراض السابقين عن هذا الخبر ( الدليل الخاص ) وكما في مثل القرائة جهرا في موضع الاخفات وبالعكس والاتمام في موضع القصر .

لكن قد يدفع ما ذكرنا من كون مقتضى القاعدة ما ذكر في لزوم الاعادة والقضاء وكونه معذورا في ترك الواقع اذا لم يكن عن تقصير بان اللازم اعادة أو قضاء جميع ما أتى به على حسب فتوى المجتهد السابق أو تطهير جميع الألبسة والأقمشة التي باشرها باليد الرطبة بماء الغسالة أو المتنجسة بملاقاة الماء القليل على حسب فتوى المجتهد الفعلي الذي لا يرى كون الكر ما بلغ مكسره 27 شبرا على خلاف ما عمل عليه طبق فتوى المجتهد السابق بل ربما يلزم الهرج والمرج لعدم المأمونية على عدم رجوع هذا المجتهد عن رأيه وهكذا يلزم العسر والحرج الشديدين .

ومن موارد تبدل الاجتهاد كما إذا حكم بطهارة الجلود المجلوبة من بلاد الكفّار لعدم اتّصال زمان اليقين منها بالشكّ ( بالنسبة إلى أصل عدم التذكية ) ثمّ تبدل رأيه بالنجاسة .

تكميل: في تبدل رأي المجتهد والفرق بين الحكم الواقعي والظاهري .

ص: 381


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/3 من أبواب صلاة المسافر .

قد عرفت ان الاجزاء في الاعمال السابقة حسب الرأي السابق للمجتهدبناء على الموضوعيّة بالنسبة إليه وإلى مقلّديه على القاعدة(1) وان الاشكال بناء على الطريقيّة . لكن يمكن التفصيل بناء على الطريقيّة بين موارد التكاليف فالاجزاء والوضعيّات فالعدم وذلك بعد عدم اجماع محقّق في البين على استواء العالم والجاهل في الأحكام بل لو ثبت فمدركى وما ذكر من المدرك في الكتب المفصّلة كالفصول وغيره غير خال عن الخدشة . نعم دلالة الأخبار على ذلك تامّة لكن لم يرد لفظة الاستواء فيها بل مقتضى عدّة من الأخبار بل الواصلة إلى حدّ التواتر انه ما من واقعة إلاّ وللّه فيها حكم واطلاقها يقتضي استواء العالم والجاهل فيها فما نسب إلى صاحب الحدائق(2) من القول بورود الأخبار الناطقة باستواء العالم والجاهل بالأحكام في مقدّمات حدائقه لا وجه له بل الموجود فيها عدّة من الأخبار(3) المذكورة في الوسائل المستفاد من مضامينها ما ذكرنا وهو لم يدع ما نسب إليه فراجع .

وكيف كان لا يمكن الجمع بين حكم الشارع بحرمة الشيء الفلاني ومع ذلك ترخيصه في فعله أو حكمه بوجوب الشيء الكذائي ويرخص في تركه فانه وإن يمكن ارتفاع الحكم الظاهري عن مرتبته إلى مرتبة الحكم الواقعي الا ان الحكم الواقعي لا يمكن أن يكون مهملاً لصورة الجهل به فاما أن يكون مقيّدة بالعلم أو لا بل مطلق .

استواء العالم والجاهل في الأحكام

ص: 382


1- . واما ما قيل من أن للمصيب اجرين وللمخطى واحدا فمناسبته لمذهب المخطئة ظاهرة والأجر الواحد باعتبار تحمله المشاق .
2- . الحدائق 1/45 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

والحاصل انه لابدّ أن لا يكون الحكم الواقعي مطلقا حتّى في مرتبة الجهلبه وإلاّ فيكون هناك مناقضة بين الحكمين اللهم إلاّ أن يجمع بين الحكم الظاهري والواقعي بكون الواقعي عبارة عن مجرّد العهدة والوضع كما في اشتغال الذمّة بالدين فتارة يكون مخاطبا بأدائه واخرى لا ومع ذلك لا يكون الحكم معدوما في ظرف عدم مخاطبته به بل عهدته مشغولة به .

وعلى هذا فاذا بنينا على استتباع كلّ وضع حكما تكليفيّا كما هو المستفاد من عدّة أخبار على ما ادّعى سيّدنا الاُستاذ قدس سره فيكون هو الذي يستوي فيه العالم والجاهل وذلك بالنظر إلى الأدلّة المرخّصة من قبيل حديث الرفع(1) فان ظاهر هذه الأدلّة كون الموضوع هو الحكم الواقعي . كما يشهد بذلك وحدة السياق في حديث الرفع لكون تعلّق الرفع بما لا يعلمون على حذو تعلقه بباقي التسعة كالنيسان وغيره وحينئذٍ فما يكون من قبيل الوضعيات فلا يتغيّر ولا يتبدّل بالعلم والجهل ولا باختلاف الاجتهاد وعدمه فاذا كانت الذبيحة باقية والزوجة المعقودة بالفارسيّة حيّة فلا يجوز بمقتضى كشف الخلاف وتبدل الاجتهاد ترتيب آثار الزوجيّة أو الحليّة من هذا الحين عليهما .

نعم بالنسبة إلى ما مضى فهو كان على طبق الواقع لعدم معلوميته أي الوضع بالنسبة إليه الا انه يجب عليه بعد تبدل الاجتهاد عقدها جديدا أو اعتزالها لحرمة مباشرتها لعدم كونها زوجة . نعم كان الوطي وطي الشبهة ولا حرمة عليه ويجب عليها العدّة ويلحق به الولد كما اذا ماتت فلا موضوع للحرمة بعد ذلك . وكذلك

ص: 383


1- . وسائل الشيعة 8/15 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة والباب 56/1 - 2 - 3 من أبواب جهاد النفس .

الأمر في الذبيحة فان كانت باقية فبتبدل الرأي ينكشف حرمتها بالشق مثلاً أوبالتذكية التي فقدت بعض ما يعتبر فيها حسب اجتهاده الجديد في حليتها ولا يجوز ترتيب آثار الحليّة بعد تبدل الرأي بخلاف الأحكام التكليفيّة فانها لم تكن فعليّة في حق الجاهل ويمكن أن يكون العلم بالوضع ( أي الحكم الوضعي ) واشتغال العهدة بها موضوعا لخطاب آخر فعلي يوجب ترتيب آثاره عليه فاذا كانت الأحكام والتكاليف من الموقتات فبعد الوقت لو انكشف كون عهدته على خلاف ما كان عليه حسب الاجتهاد السابق فلا يجب عليه القضاء بالنسبة إليها لكون القضاء تابعا للأداء وهو لم يكن مخاطبا بالأداء كي يكون مخاطبا فعلاً بالقضاء وكذا لم يفت منه فريضة لعدم كون تكليفه ذاك الوقت وهو حال الجهل إلاّ بما علم لكون دليل الرفع مقيّدا للواقع خطابا لا عهدة وهذا بخلاف غير الموقتات فانه كان يزعم ان تكليفه غير ما ثبت فعلاً له بالدليل وان عهدته مشتغلة بغير ما كان

يظنّه فيأتي به فعلاً على حسب الوظيفة المنكشفة بهذا الدليل .

فتلخّص ممّا ذكرنا الفرق بين الوضعيّات والأحكام التكليفيّة في الاجزاء وعدمه فالأجزاء في التكاليف على القاعدة وفي الوضعيّات يحتاج إلى دليل في الموارد الخاصّة وعلى هذا فلا حاجة في ذلك إلى استصحاب عدم الزوجيّة أو استصحابها لانكشاف الخلاف بالامارة .

وإن لم نقل بهذا فاللازم سد باب البرائة وعدم مورد لقاعدة كلّ شيء لك حلال(1) وأمثالها واللازم الاشتغال في كلّ الموارد وإلاّ فلا محيص لما ذكرنا دفعا لمحذور التناقض والتضاد بين الحكم الواقعي والظاهري أو الترخيص على خلافه

الفرق في الأجزاء بين الوضعيّات والتكاليف

ص: 384


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

إذ لو كان الواقع بمرتبة من الأهميّة عند الشارع لكان عليه ايجاب الاحتياط وإلاّفلا يمكن مطالبة الواقع مع الترخيص على خلافه .

لكن يشكل كشف الفعليّة بهذا التقدير وملخص كلام سيّدنا الاستاذ قدس سره على دقّته ان تعلق العلم باشتغال الذمّة موضوع للحكم الفعلي مع وضوح عدم تبدّل الحكم واشتغال الذمّة بتعلّق العلم به بل العلم يتعلّق به على ما هو عليه . فان كان

فعليّا فكذلك والا فبالعلم لا يصير فعليّا كما ان اشتغال الذمّة بالدين لا يكون بمجرّد تعلّق العلم به مأمورا بافراغها ورفع الاشتغال . وأوردنا هذا الاشكال عليه قدس سره وأجاب بكون هذه الأدلّة كاشفة عنه لكنه كما ترى والمقام بعد يحتاج إلى التأمّل وعلى كلّ حال يمكن بهذا الوجه ان تمّ تصحيح ما ذهبوا إليه وادعوا عليه الاجماع والا فان لم يتم لا يتم .

عود على بدء في تبدل الاجتهاد والاشارة الى الحكم الواقعي والظاهري .

قد ذكرنا انه يمكن تصحيح الأعمال السابقة المأتي بها حسب الاجتهاد السابق بدعوى عدم فعليّة الأحكام التي كشف عنها الاجتهاد اللاحق الجديد في حق الجاهل بها جهلاً عذريّا كما في ما نحن فيه حسب الفرض .

ان قلت هذا هو التصويب . قلنا وان كان هذا تصويبا الا انه لا دليل على بطلانه وأمتناعه بل التصويب المجمع على بطلانه لابد وان يكون باستواء(1) العالم والجاهل في الاشتغال للذمّة بالوضعيّات المستتبعة للتكاليف والخطاب بها فانه الذي لا يفرق فيه العلم والجهل ويكون كالدين الذي يجهله الشخص كما انه ربما

ص: 385


1- . الظاهر كون العبارة بعدم استواء أو بانكار استواء .

يتعلق به العلم منه فان العلم والجهل لا يغير ان العهدة واشتغال الذمة . ان قلت علىهذا فلا يكون العلم باشتغال العهدة موجبا لصيرورة الأحكام فعلية . بل العلم باشتغال الذمّة كالجهل في ان الاشتغال لم يحدث عنه تكليف خطاب بالمطالبة .

قلت: ما ذكرت وان كان صحيحا الا انه يمكن كون العلم بالاشتغال موضوعا للحكم والخطاب الفعلي بالمطالبة غاية الأمر يحتاج إلى دليل اثباتا وسنشير إليه ذيلاً .

والحاصل ان الأمر في المقام ينتهي إلى انكار أصل التكاليف وهو ضروري البطلان لكون ثبوت التكليف بالنسبة إلينا من الضروريّات ومنكره مرتد . وإمّا أن يقال باختصاص الأحكام بالعالمين وهو أيضا خلاف الاجماع والدليل بل يستحيل أخذ العلم بالحكم في نفس الحكم حتّى بنتيجة الاطلاق والتقييد لاستلزامه تقدم الشيء على النفس وتقدم المعلول على العلة فهو باطل . بل لا معنى لاحتماله لكونه كاحتمال اجتماع النقيضين كما ان الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري أيضا بكون المولى مريدا وكارها أو مطالبا وغير مطالب أو المكلف ممنوعا من الفعل وغير ممنوع محال . الا بالالتزام بكون الحكم الواقعي انشائيّا والفعلي هو مؤدّي الأصول والامارات المرخّصة .

وهذا عبارة اخرى عمّا ذكرنا من ان الذي يشترك فيه العالم والجاهل هو اشتغال الذمّة والعهدة فحينئذٍ يكون قوله علیه السلام (1) رفع عن أمّتي تسعة منها ما لا يعلمون مرادا به الرفع للخطاب الذي بالعلم به يوجد فالخطاب والمطالبة مقيد بالعلم بالاشتغال ودليله في مقام الاثبات ما ذكرنا من استحالة اختصاص

ص: 386


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

الأحكام بالعالمين بذاك المعنى وكون التكليف ضروري الثبوت بالنسبة إلينا مععدم امكان الجمع بين الترخيص في الترك والوجوب الفعلي فالعقل يكشف حينئذٍ كون العلم باشتغال الذمّة والعهدة موضوعا للخطاب وفعلية الحكم .

فالحكم الواقعي اما انشائي أو ليس الا العهدة وإلا فلو كان بمرتبة من الأهميّة حتّى في حال الجهل فعلى المولى حفظه ولو بايجاب الاحتياط على نحو الكليّة في موارد الجهل . والا فنفس الجهل ما لم يجعل عذرا ليس عذرا . وحينئذٍ فمن هذه الأدلّة الواردة في مقام الجهل بالترخيص نكشف عن عدم الأهميّة . وإن الحكم الواقعي ليس الا نفس اشتغال العهدة . فانه وإن كان الحكم الظاهري متأخرا رتبة عن الواقع ولا يصعد إليه الا ان الواقع لا يمكن رفعه حال الجهل فهو ينزل إلى مرتبة الظاهري وهو موجود فالجمع ممكن بهذا النحو .

مضافا إلى ان رتبة الرافع والمرفوع متعددة ولا يمكن كون الرافع في مرتبة المرفوع ( لتقدم وجود مقتضى الرفع على وجود الرافع فلابد وان يكون المرفوع هو الخطاب لا نفس الاشتغال فيكون حينئذٍ هو ايجاب الاحتياط لا نفس الاشتغال لاستلزامه التصويب . وعليه فالرفع هنا بمعنى الدفع فان الجهل مقتضى لعدم كون الاشتغال مؤثرا في الخطاب ) وكيف كان فهذا على تقدير تماميته انما ينفع في بعض الموارد التي لا اثر للأحكام السابقة لعدم الموضوع فيها وذهاب الوقت مثلاً . وعليه فلا يجب القضاء لفرض كون موضوعه هو فوت الفريضة . وإذا لم يكن شيء واجبا عليه في الوقت فلا فوت للفريضة مع وجود موارد اخرى لا محيص عن القول بها بعدم كفاية الاجتهاد السابق . بل لا يناسب ما ذكرنا فلابد من رفع اليد عن هذا المبنى والقول بعدم اجزاء الاجتهاد السابق عن اللاحق والواقع

الفرق بين مراتب الحكم

ص: 387

في موارد كشف الخلاف سواء في حق نفس المجتهد أو في حق مقلّديه وما يقالمن كون اجتهاده في حقّهم له موضوعيّة ففاسد لعدم الفرق بينه وبينهم في الطريقيّة .

ثم انه هل يجب عليه الاعلام أم لا ؟ لا اشكال في ما اذا أخطأ في اجتهاده ولم يفحص بالمقدار المعتبر في لزوم الاعلام . اما في صورة عدم التقصير في الاجتهاد ففيه اشكال إلاّ ان تبدل الرأي لا يتفق غالبا الا مع التقصير . وإلاّ ففي غير

هذا المورد لا اقل من الاحتياط في الفتوى لكونه مستندا إلى الاستظهارات التي لا يجزم بها فيحتاط .

نعم يمكن التشبث بدليل رفع الحرج ولزوم العسر في موارد تبدل الرأي خصوصا اذا باشر بالنجاسة أو المتنجس حسب كشفه الجديد أو تقليده عدة أمكنة أو أشياء يعسر عليه تطهيرها أو يضرّ به وكذا في دهنه خصوصا اذا حرمنا عليه بيعه كذلك .

تكميل وتوضيح في حكم ما اذا تبدل الاجتهاد وعمل على الاجتهاد السابق .

لا اشكال في عدم الاجزاء في ما اذا بقى ما عمل عليه حسب الاجتهاد السابق كالمثمن أو الزوجة المعقودين مثلاً بالفارسيّة أو الذبيحة المذبوحة بما لا يراه في كلّ واحد من هذه الموارد وأمثالها ممّا يترتّب الأثر فعلاً على ما مضى عليه حسب الاجتهاد السابق وعدم جواز ترتيب الأثر الذي كان يراه سابقا عليه .

وسبق الكلام في وجوب اعلام المقلدين . ويمكن أن يقال في مورد عدم الخطأ في الاجتهاد السابق وعدم تقصيره فيه بعدم لزوم الاعلام بل يبقيه حسب

ص: 388

استصحابه ان قلد هذا المجتهد في جواز جريان الاستصحاب والعمل عليه كما في ساير الموارد التي يفتي المجتهد المقلّد كلّيّا مع عدم موافقته له في التطبيقات .والظاهر ان الاجماع المدعى على تقدير تسليمه على الاجزاء إنّما هو علىالموضوعيّة وإلاّ فعلى الطريقيّة لا يظن هناك اجماع بل مستنده هذه الوجوه ولا تعبديّة فيه .

الا ان سيّدنا الاستاذ قدس سره قد أطال الكلام في بيان عدم تحقق رجوع المجتهد عن اجتهاده إذا كان الاجتهاد السابق عن نظر صحيح وفحص عن الأدلّة ومعارضاتها واستظهاره من الدليل والنظر العرفي وعدم تقصيره في ذلك ووقوفه على المدارك وفحصه كاملاً عنها سواء في ذلك الكتب المتداولة بين الأصحاب قديما أو ما وجد وعثر عليه بعدهم ولم يكن ممن يشكّ في حصول القوة القدسيّة في حقّه بل لو كان شاكّا عرض نفسه على أهل النظر والفتوى وامتحنوه ووجدوه أهلاً لها فان في هذه الموارد يبعد عادة بل لا يتفق رجوعه عن الاجتهاد الأوّل بل لو رجع فمن الاحتياط إلى الفتوى كما لو كان غير مطمئن بالظهور العرفي فاحتاط وفي تجديد النظر جزم بالظهور العرفي .

وذلك أي عدم الاجزاء في مورد البحث نظير عدم امكان وقوع المعاملة من المختلفين في الفتوى أو التقليد كما اذا لا يرى العشرة رضعات محرما في باب الرضاع والآخر يراها فلو فرض كمال العشر دون الخمسة عشر الذي يراها الاخر محرما ناشرا للحرمة لا يمكن للثاني المعاقدة معه وكذلك في ساير الموارد التي يتّفق كما ان علم المقلد بالخلاف في موارد جريان البرائة أو الاصول الاخر مثلاً لا يضرّ إذا كان في حق اشخاص مختلفين فان العلم بخطأ المقلدين في

ص: 389

الاستصحاب التي يجرونه لا يوجب شيئا في حقه .

نعم لو جرى جميع الاصول في حق نفسه وكان عالما اجمالاً بالخطأ في أحد مواردها لامتنع الجريان فتدبّر .

جواز علم الأمر مع علمه بانتفاء شرطه .لا وجه للتعرض في ما عنونوه من جواز علم الآمر مع العلم بانتفاء شرطه وكذا لمسئلة بقاء الجواز إذا نسخ الوجوب لما قد تبين في محلّه من عدم كون الوجوب مركّبا بل هو كساير المفاهيم من البسائط بل ابسط البسائط هي المفاهيم فلا وجه لتوهم بقاء الجنس اذا ذهب الفصل . نعم ينبغي التعرض لما ذكروه من كون الامر بالأمر أمرا وعدمه .

ولا يخفى ظهور الثمرة في كون عبادات الصبيان شرعيّة أو تمرينيّة . فان الوجهين ينفعان فيه . فلقائل أن يقول ان المأمور هونفس الأمر ويتحقق بفعل الآمر ولا يوجب ذلك كون متعلق أمر الآمر المأمور بذلك متعلّقا للمصلحة ومطلوبا للمولى فالأمر بأمر الصبيان بالصلاة والصيام لا يستلزم شرعيّة الصلاة والصيام في حقّهم واستحبابهما . بل إنّما هي تمرينيّة للتعود عليها والمأمور به إنّما هو الأمر

والتأديب المقتصر في تحقّقه على القدر المشروع كما في ساير الموارد المرخص فيها من قبل الشارع فانه إذا تعدّى الحدّ الممكن الحاصل به المطلوب فعليه الدية فاذا تجاوز في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الجائز الحاصل به الغرض بأن ضربه فيما يحصل به المطلوب بأقلّ من وصول الضرب إلى الاسوداد أو الاحمرار فعليه الدية . كما يمكن دعوى مشروعيّة العبادات في حقّهم بعدم تأدّي الوظيفة بذلك منهم ( أي الصبيان ) بل ذلك أي الأمر بالأمر يستلزم مطلوبيّة

أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه

ص: 390

المأمور به في حقّهم بالنسبة إلى المولى هذا .

الا ان الدليل لا ينحصر بذلك بل لنا في مثل العقائد الحقّة اللازم تأديبهم وتعليمهم من الأولياء على المولّى عليهم سواء كانوا ( أي الأولياء ) الآباء أو الحاكم للشرع أو غيره .وجه آخر ومسلك غيره هو ان وجوب معرفة الصانع تعالى والمسائلالاصوليّة عقلي لا تصرف فيه من الشارع فالصبيّ إذا عقل ذلك فعليه بمقتضى فطرته وحكم عقله معرفة الصانع وصفاته ونعوت جلاله وجماله وحصول الاعتقاد بالعقائد الحقّة ولا يلزم كون ذلك على مقتضى البرهان بل اللازم هو العقيدة خلافا لبعض الأساطين ولا يدفع ماذكرنا بحديث(1) الرفع لما قد ذكره صاحب العروة قدس سره في حاشية المكاسب من ان(2) الرفع انما يتعلق بما وضعه بيد

الشارع ولزوم تحصيل المعرفة في مسائل الاصول للديانة أو خصوص مسئلة التوحيد عقلي ولو ورد من الشارع فيه شيء فهو ارشاد إلى حكمه . فحينئذٍ لا مجال لتعلق الرفع به . وفي غير المسائل الاصوليّة لنا اطلاقات شاملة للصبيان أيضاً خصوصا ما ورد في المستحبّات والآداب الموظفة الشرعيّة وان من فعل كذا فله كذا فان أدلّتها لا تخص البالغين بل تعم الصبيان .

ثم ان حديث رفع القلم(3) وان كانت الاحتمالات فيه كثيرة الا ان الأظهر منها اختصاص المرفوع بقلم الالزام لا مطلق التكاليف حتى الاباحة مثلاً فيكونون كالبهائم ولا الوضعيات لجواز وجود الأحكام الاستحبابيّة في حقّهم وكذا الوضع

ص: 391


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . يستفاد من كلامه وإن لم يصرّح به . حاشية المكاسب: 112 الطبع القديم .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 4/11 من أبواب مقدّمات العبادات .

والعهدة وليسوا كالبهائم التي لا عهدة لها ولا تتصور في حقها وكذا لا وجه لتقدير القلم قلم المؤاخذة لانها عبارة عن فعل اللّه تعالى فهو العفو ولا معنى لرفعه فاما أن يعفوا أو لا والاستحقاق أمر عقلي ليس قابلاً للرفع خصوصا والرفع في المقامامتناني كما في حديث الرفع المعروف .

وعليه فنقول ان القلم يختص بقلم الالزام وهو التكاليف الوجوبيّةوالتحريميّة .

اما المستحبّات وغيرها فلا مانع من تشريعها في حقّه وكذا يعمّ الصبيان والأطفال جميع أدلّة الوضعيّات ولذلك نقول انه يجب عليه الخمس في مثل الكنز والغوص وغيرهما وكذلك في أرباح مكاسبه على الأظهر ويجب عليه الغسل من الجنابة إذا حصل سببه قبل البلوغ . وما ورد في بعض الروايات من ان الصبي(1) والغلام متى يلي أمره قال علیه السلام إذا احتلم فانّما يراد منه الاستقلال في ذلك والا فالمعاملات الحاصلة منه باذن الولي نافذة .

اذا عرفت ذلك وان العبادات بالنسبة إليه مشروعة لا تمرينيّة فهل يجزي صلاته على الميت عن البالغين أو يجوز استيجاره في الصلاة والصيام مثلاً أم لا .

لا إشكال(2) في الأوّل وما احتاط في العروة(3) في صلاة بالغ أيضا لا وجه

ص: 392


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 14/1 - 2 من أبواب عقد البيع يستفاد منها ما في المتن وكذا في ساير أبواب الفقه .
2- . لكن الأستاذ قدس سره احتاط في حاشية العروة مطلقاً . العروة الوثقى مسئلة 11 في صلاة القضاء كما جعل الأقوى عدم اجزاء صلاته على الميت ولم يذكر في العروة احتياط في الموردين الصلاة على الميّت مسئلة 2 .
3- . لكن الأستاذ قدس سره احتاط في حاشية العروة مطلقاً . العروة الوثقى مسئلة 11 في صلاة القضاء كما جعل الأقوى عدم اجزاء صلاته على الميت ولم يذكر في العروة احتياط في الموردين الصلاة على الميّت مسئلة 2 .

له وإنّما ذلك مراعاة لاحتمال التمرينية فاذا ثبت كونها تشريعية فلا وجه للاحتياط بل ربما يكون من الصبي أحسن وأولى . وأمّا مسئلة استيجاره في الصوم والصلاة والنيابة فربما يظهر من بعضهم عدم جوازه مع قوله في غيرها بكونها تشريعيّة لا تمرينيّة ولا يظهر لنا الآن له وجه صحيح .تتميم: الاحتمالات في الأمر بالأمر ثلاث . فاما أن يكون المراد نفسالأمر بلا مطلوبيّة للمأمور به لا تمرينا ولا تشريعا وهذا هو معنى الموضوعيّة . واما ان يكون على الطريقية وهي على قسمين: 1 - أن يكون للتمرين، 2 - أو المطلوبيّة الشرعيّة . ولا يتمّ الاستدلال على كون عبادات الصبي شرعيّة الا على ثاني احتمالي الطريقية . إلا انك عرفت تماميّة المطلب من غير هذه الناحية لورود الاخبار والأدلّة عامّة في أكثر الموارد . نعم كل ما قام الدليل على اشتراطه بالبلوغ

نلتزم به . ثمّ انّ ذلك إنّما يكون بغير رفع المصلحة والا فقد ذكرنا ان رفع المصلحة

خلاف الامتنان وان احتمل بعضهم بل جزم بكون الصبي مرفوع القلم مطلقا وهو لا عنان كالبهائم بمعنى ان الشارع لم يحكم عليه بشى ء أصلاً . ولذلك يستشكل في استصحاب عدم التكليف وعدم اشتغال الذمّة الثابت له قبل البلوغ لعدم كونه حكما شرعيّا بل لم يكن عليه شيء ولم يوضع عليه قلم التكليف ولو بالاباحة . ولقد شيّد أركان هذا المبنى في عدم جريان الاستصحاب . المحقّق النائيني قدس سره (1) في بحث جريان الاستصحاب في الاعدام الازليّة فراجع .

وفي قبال هذه الدعوى دعوى كون المرفوع هو خصوص قلم الالزام كما

احتمالات ثلاث في الأمر بالأمر

ص: 393


1- . فوائد الاصول 1 - 2 - 4/530 إلى 533 - 504 إلى 509 .

ذكرنا وانه في كل الأحكام كالبالغين الا ما قام الدليل على اختصاصه بهم كما في الزكوة فانه ورد الدليل على ان لا زكاة عليهم في أموالهم . وحينئذٍ فاذا بيننا على رفع القلم عنه فلا يصح استيجاره في العبادات ولا تصح وكالته في الانشائيات المحتاجة إلى القصد كما في مثل الطلاق والعقود لكونه مسلوب العبارة .

وكان المحقق النائيني قدس سره فيما نسب إليه ( على ما ببالي ( أي سيّدناالأستاذ قدس سره ) ذهب إلى ذلك وعلى كلّ حال فعلى فرض كون عباداته شرعيّةمطلوبة والمرفوع عنه هو الالزام وان الاطلاقات والخطابات تشمله كما مثل الصلاة وساير الآداب الشرعيّة غاية الأمر قام الدليل من الخارج على عدم الوجوب بالنسبة إليه فيكون قرينة على كون الطلب بالنسبة إليه بداعي الحث والترغيب المنتزع عنه الاستحباب ولا يلزم من ذلك تركب الاستحباب والوجوب ولا بناء المسئلة على رفع الوجوب وبقاء الجواز أو الاستحباب كما ان الدليل ورد في بعض أبواب(1) الوقف والوصيّة بعدم اشتراط نفوذهما على بلوغه خمسة عشر سنة .

نعم في باقي الموارد في خصوص الالزاميات أو لزوم عقوده وانشاءاته اشترط البلوغ وهو ليس عبارة عن نفس العلامات بل هي حتى السن الواصل إلى الست عشر كاشفا عنه وليس المراد مرتبة من العقل كما انه لم يرد في جواز تقليده دليل على المنع . بل الدليل(2) علق الحكم على كون الانسان صائنا لنفسه مطيعا لأمر مولاه مخالفا لهواه الذي يرجع أمرها إلى العدالة لا ما يتلو العصمة وإن كان

ص: 394


1- . وسائل الشيعة 19 الباب 2/15 - 44 من أبواب الوقوف وكتاب الوصايا .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

من الممكن بلوغ الانسان درجة لا يتصور في حقّه العزم على المعصية والخطور بالبال . فحينئذٍ يصحّ استيجاره للعبادات حتى الحج وكذا تصحّ وكالته وساير أعماله ومعاملاته وليس مسلوب العبارة وان اشترط في بعض الموارد على اذن الولى أو تنفيذه .

نعم . ربما يشكل في الحج النيابي تارة من جهة كون عباداته تمرينيّةواخرى من جهة عدم حصول الاطمينان بأداء العمل وثالثه لا لهذا ولا ذاك بل كماذهب إليه في العروة(1) لكون الدليل شاملاً للفظة الرجل الذي لا ينطبق على الصبي الا انه اشكال خال عن الوجه لعدم كون الرجل مرادا به البالغ الكامل بل هو ورد حسب التعارف مرادا به الشخص الانساني الذي لا يكون مجنونا مع انهم يقولون بصحّة نيابة المرأة والخنثى وإن قام الدليل هناك بالخصوص في المرأة أو ومع الخنثى .

نعم لو كان في المسئلة اجماع لقلنا به لكن يبعد تحقق الاجماع التعبدي فيها بل لو كان فنظر المجمعين إلى هذه الوجوه المذكورة . فلا تتمّ دليلاً كما ان ما ذكروه

في باب الوكالة من اشتراط بلوغ الوكيل أيضاً خال عن الدليل .

فتلخص ممّا ذكرنا ان الحق هو شرعيّة عبادات الصبي وصحّة عباراته وجواز استيجاره للعبادات من الصوم والصلاة والحج إذا لم يكن مانع من جهة اخرى غير الصباوة كما في البالغ أيضا وكذا يصح استيجاره للحيازة والقصد لكون المباحات ملكا لمن استأجره لعدم كونه مسلوب القصد الا بناء على ما ذهب إليه

الحقّ ان عبادات الصبي شرعيّة

ص: 395


1- . لم يستبعد في العروة كفاية استيجاره في الصلاة مع العلم باتيانها على الوجه الصحيح . العروة الوثقى مسئلة 11 صلاة القضاء .

بعض فحينئذٍ لا يملكه هو ولا الولي ولا من يقصد كونه من جانبه هذا تمام الكلام في هذه المسئلة .

ثمّ ان من المسائل التي يبحث عنها في علم الاصول ولها جهة اصولية وان كانت صغرى مسئلة اصوليّة اخرى تنفع في الفقه الا انها بالاخرة تصل إلى العمل وينتج في مقام الاستنباط . مسئلة تعلق الأوامر بالطبائع أو الأفراد .

هل الأوامر متعلّقة بالطبائع أو الأفراد ؟وهذا له معنيان فان المراد بالطبيعة إذا كانت هي من حيث هي فلا يعقل وقوع النزاع في كونها مطلوبة ومتعلقة للاوامر اذ ليست إلاّ أمرا ذهنيّا لا معنى لتعلق الطلب . بها والفرد بناء على هذا عبارة عن وجود الطبيعة بناءً على وجودها في الخارج ولابدّ من أن يكون كذلك أي تكون الأوامر متعلّقة بالافراد اي الوجودات فلا معنى لعنوان النزاع فيها . نعم لو كان المراد من الفرد وجود الطبيعة مع ما جميع ما يشخصه من العوارض والطوارى من الزمان والمكان ونحوهما لكان للنزاع مجال . وانه هل المطلوب هو وجود الطبيعة الذي هو المراد في هذا الفرض من تعلّق الأمر بنفس الطبيعة أو مع مشخّصاته بحيث تكون تحت الأمر بخلاف ما إذا تعلّق بنفس الطبيعة فانه لو فرض محالاً اتيان المأمور به في لا مكان ولا زمان لكان المأمور ممتثلاً وهذه المسئلة تنتج في مسألة اخرى وهي بحث اجتماع الأمر والنهي .

وليعلم انه لا اشكال في ان الماهية من حيث هي ليست إلا هي وانما يحمل عليها الوجود والعدم في مرتبة متأخّرة عن صقع ذاتها وإلاّ ففي مرتبة ذاتها ارتفع النقيضان . واذا تصورناها في الذهن فذلك وجود ذهني لها كما انه إذا وجدت في

ص: 396

الخارج كذلك فالماهيّة والطبيعة بهذا المعنى الذي في قبال وجودها المتأخر عن رتبة ذاتها لما لم يكن وجه معقول للنزاع في انها هي مطلوبة بالأمر أو الافراد والوجودات فاذا لابد من جعل النزاع في كلام القوم بمعنى آخر معقول وهو انه هل مركب الاوامر هي وجودات الطبائع بمعنى نفس الطبيعة بوجودها الخارجي الذي ما لم تتشخص لم توجد ونسبتها إلى الأفراد أي الوجودات نسبة الآباء إلى الأولاد أم لا . بل المتعلّق للاوامر هو الوجود بما له من المشخّصات الفرديّة منالزمان فيما يكون زمانيّا والمكان فيما يحتاج إليه وهكذا . ومرجع النزاع حينئذٍإلى انه لو فرض محالاً امكان اتيان المكلف للطبيعة ووجودها بلا خصوصيّة فرديّة ولا مشخصات ولوازم الافراد لكان ممتثلاً بخلاف تعلّقها بالأفراد أي الطبائع بوجوداتها ومشخصاتها ولوازمها . فحينئذٍ تكون هذه اللوازم التي لا ينفك وجود الطبيعة عنها أيضا تحت دائرة الأمر . فاذا كان التصرف حراما فكما ان كل فرد يصدق عليه التصرف يكون ايجاده في الخارج حراما ممنوعا عنه من النوم فيه اذا كان مكانا أو المشي أو ساير الأفعال الوجوديّة التي تكون مصاديق التصرّف كذلك اذا لازم هذه الوجودات التصرفيّة امورا آخر كالصلاة مثلاً . وحينئذٍ اذا فرض تعلق النهي والأمر بالأفراد أي الوجودات مع لوازمها الشخصيّة تكون الصلاة في الدار الغصبيّة ممنوعا عنها واقعا كالنهي عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه ولا يكون نهيه علميّا بخلاف ما إذا لم يكن كذلك كما سنشير إليه في محلّه .

والحاصل انه إذا اخترنا تعلق الأمر والنهي بالافراد أي الوجودات مع اللوازم فيكون مانعاً في باب النهي في العبادات مثل الصلاة في الدار المغصوبة

ص: 397

لكون التصرف حراما بلوازمه الوجوديّة وفي الفرض من اللوازم الصلاة فنتيجة المسئلة هي وجود الصغرى لباب النهي في العبادات . وإذا قلنا بعدم تعلق الأمر والنهي إلاّ بالطبائع أي وجودات الأفراد بلا لوازمها الشخصيّة فيكون نتيجة المسئلة صغرى باب التزاحم لعدم امكان اتّحاد المتعدّد ماهيّة كما ان الوجود الواحد لا يمكن أن يتعدّد ماهيّة . فحينئذٍ يكون الوجود الواحد الحسّي مصداقا للطبيعتين وفرداً للتصرّف الحرام وللصلاة الواجبة ولكن وجودا انضماميّا تشخيصه عقلي .ثمّ في باب التزاحم ندور مدار الأهم فاذا كان أحدهما أهم يكون اللازمصرف القدرة فيه كما اذا خالفنا فتبتني المسئلة على اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه إذا كان التزاحم لباب التضاد كالازالة والصلاة أو الصلاة وأداء الدين المطالب المقدور . فحينئذٍ على الاقتضاء تكون الصلاة باطلة بخلافه على عدمه كما استقرت عليه الآراء اليوم .

ثمّ الصلاة إمّا أن نكتفي فيها بمجرّد وجود الملاك والمصلحة إذا كان عدم الأمر لعدم القدرة كما هو الفرض وإذا لم نكتف بمجرّد الملاك فيمكن تصحيح الأمر بالترتب في الرتبة المتأخّرة عن عصيان الأهم لا سقوط خطابه لعدم سقوط الخطاب الا بعدم الموضوع أو الامتثال وذلك بخلاف التزاحم في باب الاجتماع فانه سواء كان عن علم أو جهل تكون الصلاة باطلة ) وليس كباب تزاحم التضادّ الذي يكون تزاحمه بالعلم . فاذا جهل الغصبيّة فلا مانعيّة واقعا لكنه قد يرد على الصلاة في الدار المغصوبة ان الاجماع قام على البطلان فيما اذا يعلم الموضوع كما انه قام على الصحّة في صورة الجهل بالموضوع ( أي الغصبيّة ) .

ص: 398

ثم ان هذه ثمرات المسئلة . وامّا ان الأمر متعلق بالطبيعة أي بلوازم وجودها معها فليس دليله إلاّ الوجدان والامور العادية التي توجد بالنسبة إلينا وعليها مدار معاشنا ونظامه فان المطلوب ولو بألف قيد ليس إلاّ نفس الوجود وليست لوازمه مطلوبة عندنا لا انها مبغوضة ومنهى عنها . بل ليس المطلوب الانفس المأمور به وأمّا لوازم وجوده فلا يتعلّق بها ارادتنا في مقام الأمر .

وإن شئت ازيد من ذلك فنقول انه قد ثبت ان الارادة الآمرية تابعة للارادة الفاعليّة فكلّما يمكن تعلّق ارادة الفاعل به يمكن تعلّق ارادة الأمر به وما نحن فيه

في الخارج ان ارادة الفاعل انما تتعلّق بنفس الشيء لا بلوازم وجوده فمتعلّقالارادة الآمريّة كذلك .اشكال ودفع: ربما يشكل وجود ارادة مطلقا من الآمر أو الفاعل مع عدم وجود محلها ومعروضها فان الارادة لابدّ ان تتعلّق بشيء ولا يمكن أن لا يكون لها مراد . فحينئذٍ إمّا أن يكون المراد هو الوجود الذهني فلا معنى له لعدم مطلوبيّه

الوجود الذهني ولا يتعلّق به قصد الفاعل وإمّا أن يكون هو الوجود الخارجي فيلزم تحصيل الحاصل في ارادة الفاعل والامر بايجاد الموجود في ارادة الآمر .

ويمكن الجواب عن ذلك بوجهين: أحدهما ان الارادة ليست من الأعراض التي تحتاج إلى معروض . بل هي عبارة عن مرتبة اكيدة من الشوق النفساني عند تصور الشيء وهذا في الحقيقة يرجع إلى الجواب الثاني الذي ذهب إليه المحقّق آقاضياءالدين العراقي قدس سره (1) من تعلّق الارادة بالوجود الذهني ولكن بما هو مرآة إلى الخارج الذي لا يلتفت الرائي بهذه النظرة إلى عدم وجود المراد في الخارج .

في كيفيّة تعلّق الارادة

ص: 399


1- . نهاية الأفكار 1/381 .

بل كانه يرى الخارج ويغفل في هذه النظرة عن الذهن وعن وجود هذا الملحوظ الخارجي في الذهن . بل إنّما يرى الخارج ولذا يطلبه ويريده وليس العدم متعلّقا لارادته بل مركب الارادة هو في الحقيقة الشيء الذي ليس بموجود في الخارج كما ان الأمر في ناحية النهي أيضا كذلك . فانه إمّا أن يرجع إلى ارادة الترك وابقاء

العدم على عدمه أو إلى أمر وجودي وهو كراهة وجوده في الخارج وبالاخرة امّا أن يكون المراد هو ابقاء العدم أو الكفّ الذي هو أمر وجودي وبالتأمّل فيه .

يعلم انه لا محيص عنه . والا فلا يمكن تحقق ما هو الموجود في الخارج وحصوله في الذهن بل انما هو الصورة التي هي لحاظه ومرآته .هذا حسب ارادتنا في أفعالنا سواء كان بالنسبة إلى الامام أو الرعية امابالنسبة إلى الغني بالذات فالارادة كما وردت في الرواية ارادتان(1) احديهما حادثة الخ .

هذا تمام الكلام في تقسيمات الواجب من التعبدي والتوصلي والمباشري والتسبيبي والنفسي والغيري والمطلق والمشروط والمعلّق والتعييني والتخييري والعيني والكفائي وما يتعلّق بكلّ قسم منها .

ولنشرع الآن في ساير الأبحاث الاصوليّة التي منها مسئلة مقدمة الواجب وليعلم أوّلاً ان المراد بالمقدّمة هو ما يتوقّف عليه وجود الشيء المأمور به اما لذاته ويدخل فيه ما يكون جزءا أخيرا لعلّته التامّة أو المعدّ أو لوجود وصف معتبر فيه كالشرط وهل المسئلة اصوليّة أم كلاميّة أم من المبادي الأحكاميّة أو التصديقيّة أو من القواعد الفقهيّة ؟ وجوه والظاهر كونها من المسائل الاصوليّة كما

ص: 400


1- . مرآة العقول 2 ص149 - 150 - 155 - 156 .

ذهب إليه المحقّق النائيني قدس سره (1) وهي من المسائل العقليّة . لكن من الأبحاث الاستلزاميّة والملازمات لها لا من المسائل اللفظيّة لعدم كونه راجعا إلى بحث الألفاظ ولا من المسائل العقليّة الصرفة التي لا تتوقف على وجود خطاب من الشارع كما في باب التقبيح والتحسين العقليين بل مما يحتاج إلى ورود دليل من الشرع وحيث انه يستلزم عنوان بحث له مستقلاً ولم يذكروا لها ولم يعنونوا لأجلها فلذلك أدرجوها كنظائرها في الأبحاث المناسبة لها كما في باب المفهوم . فانّ المفهوم إنّما هو مكشوف عقلي لكن بتوسط ورود خطاب من الشارع بالمنطوقوليست من المسائل الفقهيّة إذ هي ما تكون نتيجتها شخصيّة كوجوب الصلاةوالزكوة أو السورة مثلاً فيها وليست هي كذلك . بل إنّما هي تقع نتيجتها كبرى لصغرى المقدمات فيقال هذه مقدمة يتوقف على وجودها فعل الواجب وكل ما يتوقّف عليه فعل الواجب فهو واجب . ومن المعلوم ان الموضوع في الصغرى العناوين الشخصيّة التي تكون من المسائل الفقهيّة وكذلك ليست من القواعد الفقهيّة بل هي مسئلة اصوليّة لوقوع نتيجتها في طريق استنباط الأحكام . والمسائل الفقهيّة وقواعدها ليست كذلك كما في وجوب الوفاء بالنذر فانه لا يختصّ بباب دون باب .

توضيح: هل مسئلة مقدّمة الواجب اصوليّة أم كلاميّة أم فقهيّة أم مسئلة أو قاعدة أم من المبادي الاصوليّة كما أشرنا إليه ؟

وقبل البحث لا بأس بالاشارة الاجماليّة إلى الفرق بين المسئلة الاصوليّة والفقهيّة والقاعدة الفقهيّة فان في مسئلتنا هذه دخلاً في كلّ هذه الأبحاث .

في مقدّمة الواجب

ص: 401


1- . فرائد الاُصول 1/261 .

فنقول ان المسئلة الفقهيّة هي ما تكون كبرى لصغريّات المكلّف الشخصيّة الملازمة للعمل فاذا استفدنا ان الخمر حرام فكلّ موضوع خارجي شخصي علمنا انه خمر منطبق عليه هذه الكبرى ونقول انه حرام بلا توقف في شيء . بخلاف المسئلة الاصوليّة فانها تتعلق بالعمل لكن لا بلا واسطة بل إنّما هي تقع نتيجتها كبرى لقياس الاستنباط كما اذا صار نتيجة البحث عن حجيّة الخبر الواحد انه حجّه فهذا لا يفيد عملاً ما لم ينضم إليه الصغريات الخاصّة المتعلّقة بالأحكام وضعيّة وتكليفيّة ولا يخفى ان العلوم الاخر الدخيلة في الاستنباط كعلم الرجال لها دخل في ذلك لكن ليست مما تقع في كبرى لقياس الاستنباط بل ما يكون الجزء الأخير للكبرى انما هي نتيجة المسئلة الاصوليّة والفرق بينها وبين المسئلةالفقهيّة ظاهر بيّن . كما ان الجهة الفارقة بينها أي المسئلة الأصوليّة والقاعدة الفقهيّةأيضا إنّما هي جواز تعلّق المسئلة الأصوليّة بكلّ باب كما أشرنا إليه في الخبر الواحد بخلاف القاعدة الفقهيّة فانها لا تعم أبواب الفقه وإن كان كلاهما يقعان كبرى لقياس الاستنباط فان قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده انما تجري في خصوص المعاملات والعقود كالبيع مثلاً فاذا كان هناك عقد بيع كليّا أو شخصيّا فيقال هذا يضمن بصحيحة بمعنى الضمان المعاملي أي التعهّدي فيضمن بفاسده أي الضمان بالمثل أو القيمة في صورة التلف أمّا الاتلاف فواضح ولا تعم جميع أبواب الفقه لا وقوعا ولا جوازا وكذلك قاعدة اليد التي هي دليل الضمان في شيء يضمن بفاسده فان اليد مقتضي للضمان واقدام المالك مانع فاذا لم يكن هناك اقدام منه ورضي بذلك .

فتؤثّر قاعدة اليد أثرها للضمان بالمثل أو القيمة وإذا شككنا أيضا

ص: 402

فنستصحب عدم رضى المالك وبضميمة وضع اليد على ما له يتم المطلوب بضم الوجدان إلى الأصل .

نعم استثنى من عموم هذه القاعدة مثل عقد الاجارة في انه يوجب صحيحها الضمان فاذا كانت فاسدة واتّفق تلف العين المستأجرة بهذه الاجارة الفاسدة في يد المستأجر فيشكل تطبيق هذه القاعدة ولذا لا يمكن الأخذ بكليتها كما ان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده أيضا كذلك قد خصّص في مورد اجارة الصيد في الحرم فان صحيحها لا يوجب الضمان بخلاف فاسده .

والحاصل ان القاعدة الفقهيّة لها جهتان: احديهما: انها تتضمن حكما شرعيّا وضعيّا أو تكليفيّا بخلاف المسئلة الاصوليّة . والاخرى: انها لا تعم الفقه بخلاف المسئلة الاصوليّة فانها يجوز عموم نفعها له وبالجهة الاولى تفارق المسئلةالاصوليّة في وقوعها كبرى لقياس الاستنباط في جواز انطباق هذه القاعدة علىالموارد الشخصيّة بأن يفتي بمضمون هذه القاعدة لمن يقلّده ويطبقها المقلّد على الموارد الشخصيّة بخلاف المسئلة الاصوليّة . واما الفرق بين القاعدة الفقهيّة والمسئلة الفقهيّة من جهتين . احديهما جواز وقوع القاعدة كبرى لقياس الاستنباط والتطبيق على الموارد المخصوصة كالبيع والصلح مثلاً دون المسئلة الفقهيّة فانها يكون انطباقها على الموارد الشخصيّة . والاخرى انها أي القاعدة لا تخص بابا دون باب بل تعم عدّة أبواب بخلاف المسئلة الفقهيّة .

اذا عرفت الفرق بين المسئلة الاصوليّة والفقهيّة وبين القاعدة الفقهيّة فهل قاعدتنا هذه من الفقهيّة أو مسئلة اصوليّة أو فقهيّة ؟

فنقول ان البحث تارة يكون عن الملازمة بين ارادة ذي المقدّمة ومقدّمته

ص: 403

فتكون مسئلة اصوليّة . واخرى يكون البحث عن استتباع وجوب ذي المقدّمة وجوبها . فالبحث عن الوجوب وعدمه فيكون فقهيّة قاعدة أو مسئلة والمسئلة هي انها هل مقدمة الواجب واجبة أم لا بأن يكون عنوان المقدمة مورد البحث . والقاعدة ان وجوب شيء هل يستتبع وجوب مقدمته أم لا فيكون قاعدة .

الجهة الثانية التي تليق ان تقدم على المطلوب هي انه هل الوجوب والملازمة المبحوث عنها في المقام نفسيّته أو تبعته . فنقول لا اشكال في عدم الوجوب النفسي فلابدّ أن تكون ملازمة تبعيّة ولكن بعضهم لما نظر إلى عدم التفات الأمر إلى مقدميّة شيء لمطلوبه أو يلتفت وينكر مقدميته ذهب إلى كون الوجوب والملازمة في المقام قهريّة ولو مع عدم الالتفات . لكن كان بحيث لو التفت اراد وبعبارة اخرى جعل النزاع في الوجوب الترشحي والارادة التي تتبع ارادة ذي المقدمة وتكون تبعا لها المترشحة عنها . وهذا بعد عدم النزاع من أحدفي اللابديّة العقليّة إذ لا معنى للكلام والنزاع فيها . لأن لازم المقدمية هذا وانوجود ذي المقدمة متوقف على وجود المقدمة . وحينئذٍ فتكون المقدمة من شؤون امتثال ذي المقدمة والعقل يدرك ذلك الدخل فان بين المولى هذا الأمر أو يكون الوجوب والارادة التبعيّة هو ما ذكرنا فهو عقلي ويكون ارشادا وان كان فيه جهة زائدة فهو خلاف الفرض لأنّ الكلام إنّما هو من جهة المقدّميّة وتوقف ذي المقدّمة عليها .

ثمّ ذلك بعد ما عرفت انه لا شيء وراء حكم العقل وان خطاب المولى لو كان فانما هو ارشاد إليه . فاعلم انه لا تكاد تترتب ثمرة على بحث المقدمة فان بحث اجتماع الأمر والنهي والأمر بالشيء موجب للنهي عن ضدّه إنّما ينفع بحثنا

الملازمة بين المقدّمة وذيها نفسيته أو تبعيته

ص: 404

فيه لو قلنا بمقدّميّة ترك الضد في وجود آخر . واذ قد استقرت الاراء على عدم مقدمية ترك أحد الضدّين للآخر ولا انه موقوف على عدمه فلا يفيد بحث المقدمة والعقاب انما يترتب استحقاقه على ترك ذي المقدّمة لعدم ملاك النفسيّة في المقدّمة كما هو فرض البحث فهذه الجهة الثانية لم تفد فائدة .

الجهة الثالثة: انهم قسموا المقدمة بالاعتبارات المختلفة تارة إلى العقليّة والشرعيّة ( ولا يخفى ان الشرعيّة أيضا ترجع إلى العقليّة التي لا سبيل للشرع فيها الا من باب بيان مورد خطابه وان الصلاة التي يريدها هي المشروطة بالطهارة التي هي عبارة عن الأمر الكذائي مثلاً وحينئذٍ فتكون دخلها فيها عقليّا .

واخرى إلى الشرط والمعدّ والمعدّ له أقسام .

فتارة يكون معدّا لمقدمة اخرى ومعد آخر واخرى ليس كذلك .

ومنها: تقسيمها إلى الداخليّة والخارجيّة ومن الخارجيّة المعد والشرط وقد أشرنا إليها مجملاً . اما الداخليّه فقد يشكل تصويرها حيث انه اذا كانت كاجزاءالصلاة التي ذهبنا إلى انها أمر معنوي وان هذه الاجزاء تكون محصّلة له فترجعالمقدّمة إلى المقدّمة الخارجيّة . والا فكيف يمكن دخل الشيء في وجود نفسه ويكون نفسه ذا المقدّمة وكذلك المقدمة . لانه يستلزم اجتماع مثلين أي وجوبين فيها .

واجيب عنه بعدم المانع من ذلك غاية الأمر يوجب التأكّد كما في اجتماع الجهتين في صلاة الظهر فمن جهة واجب نفسي ومن جهة اخرى واجب شرطي لصلاة العصر . وذهب بعضهم في الجواب إلى تصوير الاجزاء بشرط الشيء ولا بشرط فبالاعتبار الثاني جعلها مقدمة وبالاعتبار الاول ذا المقدمة فان الماهيّة

الفرق بين أقسام المقدّمة

ص: 405

المقسمي التي في صقع ذاتها ليست الا هي يمكن انقسامها في المرتبة المتأخّرة عن صقع ذاتها إلى بشرط الشيء واللا بشرط وبشرط لا ومن المسلم تباين الأقسام لكون كلّ واحد بالنسبة إلى الاخر قسيما فحينئذٍ تتعدد الجهة في وجوب المقدمة التي تكون كلّها ذا المقدّمة .

ولا يخفى ان اللابشرط وبشرط الشيء تارة يطلق ويراد بشرط اللا عن العوارض كما في باب المطلق والمقيد واخرى يطلق بشرط الشيء ولا بشرط من الاتحاد والحمل كما في الجنس والفصل فانه يقبل كلّ منهما الحمل على الآخر بخلاف الهيولى فلا يمكن حملها على الصورة وكذلك العكس . وهذا كما في المشتق ومبدء الاشتقاق على البساطة فان الفرق بينهما على هذا هو الفرق فيما نحن فيه أي لا بشرط وبشرط شيء فاللا بشرط هو الصفة الاشتقاقيّة التي تقبل الحمل على الذات وبشرط اللا أو الشيء هو المبدء والظاهر ان المراد في المقام هو بشرط انضمام بقيّة الاجزاء ولا بشرطه .

لكن لا يذهب عليك ان هذه الوجوه الاعتباريّة إنّما تفيد إذا كانت المقدّمةباعتبارها متعدّدة وإلاّ فلو كانت على وحدتها فلا تفيد شيئا في الخارج وإنّما هيانقسامات للماهيّة في صقع الذهن ولا ارتباط لها بالخارج فيشكل تصوير المقدمة الداخليّة بهذا الاعتبار ولا يمكن الجواب بما ذكر عن الاشكال فتدبّر في أطراف ما ذكرناه جيّدا .

تصوير المقدميّة الداخليّة للمركّب الارتباطي .

يمكن تصوير أجزاء المركب الارتباطي على نحو تكون مقدمة يترشح عليها الوجوب المقدمي على القول به وكذا تكون ذات المقدمة ويرد عليها

ص: 406

الوجوب النفسي بأن يقال مركب الوجوب النفسي هي الاجزاء بشرط الاجتماع والوحدة الاعتباريّة الطارية عليها بلحاظ المعتبر فان للمعتبر اعتبار ذلك كما ان من الممكن كونها انتزاعيّة بأن يكون بعد جعل أمره على المركب من عدّة أجزاء ينتزع عن كلّ واحد من اجزاء هذا المركب الذي صار مركبا للأمر جزء المطلوب والمأمور به وإلاّ فمن الواضح ان اجزاء الصلاة ليست من مقولة واحدة وليس لها وحدة حقيقة خارجيّة بل هي متعدّدة متكثرة والوحدة انما يطرء عليها بأحد الوجهين . نعم في الوحدة الاعتباريّة لابد من اعتبار من بيده الاعتبار كما ان في الوجود التكويني لابدّ من المكوّن وفي الوجود الانتزاعي لابدّ من منشأ للانتزاع . والأمر كذلك بالنسبة إلى جريان قاعدة التجاوز في اجزاء الصلاة كلّ بعد الدخول في الجزء الاخر وليس إلاّ من ناحية لحاظ كلّ واحد استقلالاً مع قطع النظر عن اندكاك وحداتها في جنب وحدة الكل الذي هو متعلّق الأمر وليس كذلك الوضوء لورود الروايات باعتناء الشاك قبل الفراغ وصار الغسل والتيمّم محلّ الكلام . وانه هل الأصل في مثل هذه الموارد هو لحاظ الاجزاء استقلالاً فتكون مجرى لقاعدة التجاوز أم لا بل الأصل كونها شيئا واحدا وإنّما خرج باب الصلاة بالتعبّد .والحاصل انه تارة يلاحظ كلّ جزء من المركّب بلحاظ نفسه مع قطع النظرعن انضمام باقي الأجزاء إليه لحاظا وبهذا الاعتبار يكون مقدمة واخرى يلاحظ كلّ واحد مع الآخر بنحو يتركّب منها الكل . وفي هذا اللحاظ لا استقلال للأجزاء بل إنّما لمجموعها الوحدة الانتزاعيّة الحاصلة من تعلّق الأمر بالمجموع ولذا في ناحية حصول المركب لابدّ من وجود كلّ مع الباقي كما يقال ان كل جزء كما انه جزء كذلك شرط للاجزاء الاخر . وحينئذٍ فالفرق بين المقدّمة وذي المقدّمة في

ص: 407

كمال الوضوح . اذ الاولى هو لا بشرط والثانية بشرط الشيء أي انضمام باقي الأجزاء ولذلك لو أتى بالاجزاء الصلاتية كلّ واحد بلا نيّة اتيان الباقي لا تفصيلاً

ولا اجمالاً وان أتى بالمجموع لا يكون ممتثلاً لا للزوم قصد الوجه . بل لعدم الاتيان بما هو مأمور به فاذا تكون الأجزاء المنضمّة كلّ واحد مع الآخر في عالم اللحاظ هو الكلّ واجبا وجوبا نفسيّا وكلّ واحد لا بشرط الانضمام في عالم اللحاظ مقدمة هذا .

وبهذا الاعتبار تكون الأجزاء التي يكون لوجودها وتقيدها دخل في الماهيّة ويصطلح عليها بالاجزاء الداخليّة بالمعنى الأخص في قبال الأعم الذي هو مجرد دخل تقيدها في المركب وان لم يكن للقيد دخل فيه كما في الستر والطهارة داخلة في محل النزاع . لكن مع ذلك كلّه لا يجدي فيما هوالمهمّ اذ لا يكون مركب الوجوبين منحازا عن الاخر لعدم وجود مستقل للمقدّمات عن وجود ذي المقدّمة والفرض انّها انما تكون مقدّمة للصلاة والمركّب اذا حصل من مجموعها نفس المركب وان لم يكن ذلك ملحوظا فكيف يمكن تصور وجوبها مقدميّا ونفسيّا فلا محيص عن خروجها عن محل النزاع .

تكميل وتوضيح:

لا ينبغي الاشكال في عدم وحدة أجزاء المركب الاعتباري من تعلق أمرواحد بها بل هي بعد باقية على تعددها ويصدق على كلّ منها الشيء بالنسبة إلى جريان قاعدة التجاوز فما ذهب إليه الشيخ قدس سره من خروج باب الوضوء والغسل عن عموم القاعدة هو الأظهر وان كان كلام المحقّق النائيني رحمه الله(1) أيضا بكون

تصوير الاجزاء الداخليّة

ص: 408


1- . فوائد الاُصول 4/625 .

اجزاء الصلاة اشياء متعددة تعبّدا أيضا فيه متانة .

وحاصل الكلام ان المقدمات الداخليّة بالمعنى الأخص التي يراد بها الاجزاء لم يمكن كونها داخلة في محل النزاع اذ لم يفد الفرق بين الاجزاء والكل بما ذكر تعددها خارجا كي يكون مركب الوجوب المقدّمي غير مركب الوجوب النفسي الانحلالي بعدد الأجزاء .

أمّا الأجزاء الداخليّة بالمعنى الأعم التي يراد بها دخل التقيد سواء كان نفس القيد أيضا دخيلاً أم لا ويدخل فيه حينئذٍ المقدّمات الخارجة عن أصل الصلاة وان اصطلح عليها بالمقدمات الداخليّة بالمعنى الأعم كالطهارة والاستقبال وأمثالهما فهي لا اشكال في دخولها مورد النزاع وان كان قد تقدّم(1) عن المحقّق النائيني قدس سره بالنسبة إلى الطهارات الثلاث الالتزام بكونها واجبة بالوجوب النفسي .

الا انه لا معنى له وبما ذكرنا ظهر ان المقدمات الشرعيّة كلّها داخلة في مورد النزاع اذ قسّموا المقدمة إلى شرعي وعقلي وعادي . لكن الشرعي أيضا كما أشرنا إليه سابقا يرجع إلى العقلي اذ الشارع أراد من المكلّف شيئا يتوقّف على وجود الطهارة مثلاً وبيّنها هو فهي دخيلة في حصول وصف للمأمور به ودخلهاعقلى اذ لو أراد نفس الصلاة وحدها لما كانت تتوقف عليها إذ لو لا بيانه للطهوروان الصلاة لها دخل فيها لم ندر بعقولنا فضلاً عن حواسّنا .

السبب والشرط:

ومن التقسيمات تقسيم المقدّمة إلى السبب والشرط . ونسب إلى بعض الأعاظم خروج السبب عن مورد النزاع وإنّما محلّ النزاع خصوص الشرط لكن

تقسيم المقدّمة إلى السبب والشرط

ص: 409


1- . فوائد الاُصول 1/270 .

المحقّق النائيني خطأ الناسب، بل مراد المنسوب إليه التفصيل . هو انه لا معنى للايجاب بعد وجود الشيء في الخارج لرجوعه إلى تحصيل الحاصل وعليه فالسبب أيضا داخل في محل النزاع على ما سنشرح .

فنقول: ان اريد بالسبب هو السسبيّة الشرعيّة فلا معنى لها لعدم كونها مجعولة فلابد أن يكون المراد غيرها وان كان الشارع رتّب عليها وجود المسبّب وكيف كان فالسبب تارة يطلق ويراد به مثلاً الالقاء في النار الذي يتسبّب عنه الاحراق الذي هو اسم المصدر ويصطلح على هذا النحو انه سبب ويكون الاحراق عنوانا ثانويّا للالقاء ولذا كان الاحراق حقيقة فعل النار لكنّه صار سببا وعن فعله حصل المسبب فالاحراق مسبب توليدي لفعله كما في ارسال الماء فخرب دار غيره . والضابط عدم فصل ارادة فاعل مختار بين فعل الشخص والنتيجة أو عدم حصول شيء آخر . وهذا القسم من السبب هو الذي يكون موجبا للضمان ويقال فيه انه اقوى من المباشر واخرى يطلق ويراد به نحو الغسل والتطهير كما يقال اغسل(1) ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه أو طهّر فان كلّ واحد منهما كالآخر لأن الغسل موجب للطهارة كما ان امر التطهير امر بايجادها الحاصل بالغسل فحينئذٍ يكون الأمر بكل عين الأمر بالآخر واختلافهما لفظا واتّحادهمامفادا .

نعم فيما إذا كان بما انه مطهر كما في باب الطهارة من الحدث إن قلنا انه كذلك نظرا إلى بعض الأخبار(2) الواردة فيه .

ص: 410


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 8/2 - 3 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 26 - 33/1 - 2 - 4 من أبواب الجنابة .

وعلمنا منها ان الغسل المأمور به في باب الوضوء بما انه مطهر فحينئذٍ يكون الغسل مقدمة ومحصّلاً ويكون المأمور به عبارة عن الأمر الحاصل منها وهو الطهارة المعنويّة التي يخرج بها الانسان عن ظلمة خلافها .

ثمّ ان المقدّمة كما عرفت اما شرط واما سبب ومقتضى وعدم المانع ولا اشكال في اتصاف المقتضى والمانع بذلك عند الأثر الفعلي والمنع من الاخر وإلا فلو لم يكن كذلك . إنّما يكون الاتّصاف شأنيّا كما إذا كانت النار في الهند والشيء المحرق على تقدير المماسة والدنو في غيره من البلاد فلا يستند عدم الاحراق إلى البلة المانعة على تقدير دنو النار .

والحاصل ان السبب بهذين المعنيين اللذين ذكرناهما لا يكون مورد النزاع بل في الثاني يكون المأمور شيئا واحداً وإنّما يعبر عنه بنحوين بخلاف النحو الأوّل فانّه يكون فعل الشخص من المعدات لحصول النتيجة .

توضيح وتكميل: لا يخفى ان في باب الأسباب والمسبّبات كالالقاء والاحراق لا يكون بيد السبب الفاعل إلاّ نفس الالقاء . اما حصول النتيجة وهو الاحتراق يتوقف على مقدّمات اخرى وهو أي الفاعل قد أوجد بعض ما له دخل في ذلك كالمماسة والا فبعد يحتاج إلى عدم الرطوبة في الذي أراد احراقه أو عدمالدعاء وبالاخرة لابدّ في ترتب الأثر من اذن اللّه تبارك وتعالى كما في كلية هذهالموارد . فالايجاب الذي هو بيد الموجب لا يوجب تحقق البيع فاذا شرط عليه البيع مثلاً أو غيره ممّا يتوقّف على فعل الطرفين فما هو تحت اختيار الشخص إنّما هو الايجاب أما القبول الذي يتوقّف عليه النتيجة إنّما هو بيد شخص آخر نعم في الايقاعات ليس الأمر كذلك وأمّا في الانشائيّات القائمة بالطرفين فما هو تحت اختيار الشخص إنّما هو مثل الايجاب أو القبول وكذلك الأمر في مثل اشتراط

ص: 411

صيرورة الزرع سنبلاً فانه ليس بيده بل الذي بيده هو القاء البذر والسقي مثلاً .

والحاصل ان باب الأسباب والمسبّبات التوليديّة التي ذكرنا ان ضابطه عدم توسط ارادة فاعل مختار بين فعل الفاعل وحصول النتيجة بعد فراغ اذن اللّه واشتراطه في ذلك لا معنى لجعله خارجا من دائرة النزاع وارجاع الأمر بالمسبب إلى السبب .

أمّا إذا كان هناك ارادة فاعل مختار فلا يكون مسببا توليديّا كما اذا أمر عبده فقتل شخصا فالوارد ان الآمر يحبس مخلّدا دائما والفاعل القاتل(1) يقتص منه إذ لا معنى للتقية ولا اكراه في هذا المورد .

ولا اطاعة المولى والا فلو كان للاكراه دخل فكان يلزم من وجوده عدمه بل انما موضوع الحكم هو الاختيار ولا اشكال في عدم سلب ارادة العبد بأمر مولاه بفعل شيء وكذلك في ارادة الواجبات من العباد اذ لا نقول كما ذهب إليه بعض من انه يوجب فعل المراد في الخارج بل الارادة بعد باقية فله ان يأتي بالمأمور به وله أن يتركه .فتلخّص ما ذكرنا عدم الفرق بين المقدمة السببيّة وغيرها ولا وجه لاخراج الاولى من مورد النزاع بل مطلق المقدّمة سواء كانت من المعدّات أو الأسباب أو الشروط وغيرها داخل في محل النزاع إذا كان هناك اثنانية في الوجود فعلى هذا تدخل في مورد النزاع المقدمات الداخليّة بالمعنى الأعم كمطلق المقدّمات الخارجيّة . وقد أشرنا إلى ان منها المعد وهو ما يكون لوجوده دخل في التمكّن من

دخول المقدّمة السببيّة في محلّ النزاع

ص: 412


1- . هذا في غير مورد أمر السيّد عبده بالقتل وفيه روايتان معتبرتان وسائل الشيعة 19 الباب 14 من أبواب قصاص النفس 1 - 2 بقتل السيّد ( المولى ) وحبس العبد حتّى يموت وعمل بهما ولااعراض عنهما.

المسبب والمعلول وربما يكون مقدمة لمعد آخر وذاك يكون مقدمة كما في الاقدام المتعاقبة من مكان إلى المسجد مثلاً . وبما ذكرنا سابقا ظهر عدم وجه للتقسيم الاخر في المقدمة بكونها شرعيّة أو عادية أو عقليّة . نعم العادية ربما تكون مقدمة وربما يكون هناك ماخرق عادة فيحصل المطلوب بلا وجود هذه المقدمة .

تقسيم المقدمة إلى السابقة والمقارنة واللاحقة:

ومن التقسيمات: تقسيم المقدمة إلى السابقة والمقارنة واللاحقة بأن يكون لتحقّق المطلوب شرط يؤثر في وجوده بأحد الوجوه أو مطلقا بأيّ نحو حصل ذاك الأمر ولا اشكال في القسمين الاولين ( أي السابقة والمقارنة ) اما اللاحقة وهو المصطلح عليها بالشرط المتأخر فوقعت محل الكلام والنقض والابرام بين الاعلام . فجعلها بعضهم من الواضحات التي لا ينبغي التشكيك في امكانها وآخر جعلها من المستحيلات ولا اشكال في انه اذا كان الشيء مؤثّرا في وجود شيء آخر ولو في حال عدمه وعدم تحقّقه في الخارج فهذا لا ينبغي الشكّ فيه بأن يكون الشيء بوجوده الخارجي مؤثّرا في معلول ويقتضي لاحقا وجوده سابقا فهذا من المحالات لتوقف المعلول على تماميّة علّته ولا معنى لحصول المقتضى في الخارج قبل وجود مقتضيه . ونسبة الحكم والموضوع نسبة العلّة والمعلول التكويني فلا يمكن تقدم الحكم على الموضوع ولا تخلفه عنه لبرهان الخلفوالمناقضة فكما ان انفكاك المعلول عن علّته التامّة محال كذلك تخلف الحكم عن موضوعه . فان كان الفرض ان الشرط بوجوده الخارجي يؤثّر في المشروط فهذا من المستحيلات وان كان هناك فرض آخر اصطلحوا عليه بالشرط المتأخّر فلا نضائقهم عليه لكن لو أرادوا تصحيح ما ذكرنا بارجاعه إلى الوجود العلمي لا

ص: 413

الخارجي كما ذهب إليه صاحب الكفاية(1) أو الوجود الانتزاعي كالتعقب وأمثاله

فهذا خروج عن محلّ الفرض .

تحقيق البحث في الشرط المتأخّر: لا اشكال في انه اذا فرض ان الشيء بوجوده الخارجي شرط في أمر آخر لا بوجوده العلمي الذي يرجع إلى الوجود التصوري الغائي فان الحكم باستحالة وجود الأثر في الخارج اذا كان في الامور الخارجيّة بمكان من الوضوح ولا مجال للارتياب فيه . فالجواب عن اشكال الشرط المتأخّر بما يرجع إلى الوجود الغائي التصوري الذي لابدّ من الغاية في كلّ فعل من الأفعال الّتى تصدر من العقلاء ليس على ما ينبغي كما في الكفاية ) لأنه خارج عن الفرض بل الوجود المقارن منه شرط وهو حاصل . فما هو محلّ الكلام الذي هو الشرط المتأخّر الذي عنونا به البحث محال وما فرضوه ممكنا وأتعبوا أنفسهم فيه فليس من الشرط المتأخر الذي هو محلّ البحث .

والحاصل: ان الكلام في الموارد التي وقعت في الشرعيّات كالاجازة

اللاحقة للعقد الذي وقع فضوليّا فان هذه الاجازة لا يمكن أن تؤثّر في العقد بوجودها المتأخر عن الواقع المتقدم عليها بزمان ولو آنا فضلاً عن أكثر من ذلكولازم هذا الشرط المتأخر وتصويره على مبنى القوم انه تكون بالعقد زوجة غاية الأمر ان الاجازة كاشفة من ذلك فان الكشف الحقيقي مرجعه إلى هذا مع انه كماترى .

نعم لو فرضنا باب الاعتباريات غير باب التكوينيّات ولا يترتب عليها ما يترتب على تلك لكان لذلك وجه . لكن لا يخفى ان كليهما من باب واحد . فانه بعد ان جعل الاجازة شرطا فلا معنى في تأثيرها حال عدمها لرجوعه إلى استواء

في استحالة الشرط المتأخّر

ص: 414


1- . كفاية الاُصول 1/161 وما بعده إلى 167 .

وجودها وعدمها فلابد أن تكون موجودة كي تؤثّر ويترتّب الأثر على المؤثر ولو اعتبارا . فان الفرض ان لوجوده الخارجي الاعتباري دخلاً في الأثر وذلك يقتضي وجود الشرط خارجا كي يحصل معه الأثر ولو اعتبارا . ولذا كان مقتضى القاعدة في باب الاجازة النقل كما ذهب إليه جماعة من المحققين والكشف خصوصا الحقيقي خلاف التحقيق وإن كان في الحكمي ليس ذلك الاشكال الا انه لا يخلو من الاشكال على القاعدة لكن الرواية الواردة(1) في ذلك مع موت الزوج واجازة الزوجة بعده يمكن حملها على الحكمي لا الحقيقي وان استشهد بها القائل للكشف الحقيقي .

وذهب بعضهم فيه إلى ان الشرط هو التعقب ولا يخفى انه أيضا ليس جوابا عن الاشكال بل التزام به وان الشرط المتأخر محال وما هو الشرط في هذا المورد هو الشرط المقارن وهو تعقب العقد بالاجازة اللاحقة وهو مقارن لوقوع العقد وإن كان هناك فصل بين وجود المتعاقبين فانه لم يكن هناك علم بذلك قبل حصول الاجازة فبعد الاجازة يحصل العلم بوجوده ( أي التعقّب ) من أوّل الأمر ولا ينافي ذلك كون التعقّب من الامور الانتزاعيّة . فهذا الجواب أيضا ليس جوابا كالجوابالذي أجاب به المحقّق الخراساني قدس سره في الكفاية الذي نقلناه من ارجاعه إلىالوجود العلمي الغائي .

ثمّ انّه قد يستشكل كما عن فخر المحقّقين(2) بأنّه لابدّ من الشرط المتأخّر

كما في باب الايجاب والقبول فانّ القبول شرط متأخّر للايجاب لعدم وجود

ص: 415


1- . وسائل الشيعة 26 الباب 11/1 من أبواب ميراث الأزواج .
2- . ايضاح الفوائد 1/419 - 420 .

الايجاب حال حصول القبول فلابدّ من تأثير المعدوم في الموجود لأنّ الأثر الذي يترتّب على العقد بعد الايجاب والقبول فانّما هو مفصول من الايجاب الحاصل بزمان انعدم فيه الايجاب فيرجع إلى كون المؤثّر هو الايجاب خصوصا إذا كان المؤثّر هو الايجاب والفرق بين العقود والايقاعات إنّما هو بكون البيع مثلاً عبارة عن الايجاب المتعقّب بالقبول أي عبارة عن حصّة من الايجاب الذي لا يفارق القبول بخلاف الايقاعات فليس هناك إلاّ ايجاب فقط كما ذهب إلى هذا المبنى المحقّقان الميرزا النائيني والآقا ضياءالدين العراقي .

أمّا الفرق بكون العقد عبارة عن ايجابين مرتبطين والايجاب واحد في الايقاعات فكلام لا قائل به وإنّما هو احتمال من سيّدنا الأستاذ قدس سره .

وقد يجاب عن الاشكال بكون الأثر إنّما هو حكم الشارع بالملكيّة وهو إنّما يحصل بعد تمام موضوعه وهو وجود الايجاب والقبول خارجا بلا احتلال فصل بينهما عرفا فاذا حصل موضوعه فيحكم هو بالملكيّة وأي ربط لهذا باب الشرط المتأخّر . ولا يخفى ما في هذا الجواب فانه يمنع باب جريان البرائة في الأحكام الوضعيّة مع ان مرجعه إلى انكارها وارجاعها إلى التكليفيّات وإلى جعل السببيّة التي استقرّت الآراء اليوم على امتناع جعلها .نحو آخر من الجواب عن اشكال الشرط المتأخّر: قد يقال في جوابالاشكال بأنّه إذا كان باب العلّة والمعلول والتأثير والتأثّر في التكوينيّات فالكلام في محلّه والاشكال وارد يستحيل هناك كون الشرط متأخرا عن مشروطه والمشروط متقدما عليه . لكنه اذا كان من الامور الاعتباريّة(1) فلا مانع من كون

في الجواب عن اشكال الشرط المتأخّر

ص: 416


1- . الحق ان الأمر في الشرعيّات كذلك وليس قياسها بالتكوينيّات وهذا هو الذي اختاره وصرّح به السيّد العلاّمة الخوئي محاضرات في اُصول الفقه 44/130 إلى 137 وكذلك شيخ مشايخنا العراقي ( نهاية الأفكار 1/276 - 289 ) وبين الأوّل ان الشرط ما يكون تقيده دخيلاً في الواجب دون نفس القيد وكان هذا تفسير مختار المحقّق الخراساني زيد في علوّ مقامه .

الشيء في وعائه المتأخّر موجبا لترتيب أثر متقدّم عليه عند العقلاء اعتبارا كما في الوجاهة المتأخّرة فانّها توجب بوجودها في وعائها ترتيب الآثار التي يرتبونها عليها كاقراضه مثلاً لكنه . لا يخفى ما في هذا المثال من المغالطة .

ولنبين الضابط بين الامور الاعتباريّة والخارجيّة والذهنيّة فنقول إن كان لشيء مع قطع النظر عن تصوّره وجود في عالم العين فهو الخارجي وإن كان إنّما هو مجرّد الخيال والفرض وإنّما ينتزع عن وجود شيء آخر فهو الانتزاعي . فانه إذا لم يتصوّر ولم يفرض فلا وجود له ولا شيء هناك .

كما انه ما لا يكون ذاك ولا هذا بل برزخ بينهما فهو من الامور الاعتباريّة وهي تبع اعتبار المعتبر ومن يبده الاعتبار فيقال في جواب هذه المغالطة وغيرها انه تارة يكون للشيء دخل فلا يمكن وجود الذي هو دخيل فيه قبل ماله الدخل والاّ فيرجع اما إلى العلل الغائية التي تكون مطمحا للنظر في الأفعال كي يتوصل عليها بوجودها العلمي الشرط في العمل الموصل للوجود الخارجي أو إلى عدم الدخل واستواء وجود الشيء وعدمه ولو فرضنا عدم كون الاعتباريّات من باب التأثير والتأثر فانه لا يخلو اما أن يكون للشيء دخل فلابد من وجوده اذا فرضانه بوجوده الخارجي دخيل في شيء أو لا دخل له فيخرج عن محل الفرض وارجاع الشرط المتأخر إلى الوجود العلمي كما عرفت خروج عن محلّ الفرض . بل كاد أن يكون النزاع بين القوم لفظيّا فانه لا يعقل ولا يحتمل التزام أحد بجواز

ص: 417

تقدّم المعلول على أجزاء علّته . وما يظهر من بعضهم كونه معنويّا فلابدّ أن يأوّل بما ذكرنا وانه جعل محل الفرض من الموارد التي يكون للوجود العلمي واللحاظي دخل في شيء . اذ لا يعقل كون الاجازة المتأخّرة من سنة عن زمان العقد مؤثّرا في حصول الملكيّة من حين العقد بل لابدّ من رجوعه إلى التعقب اذا ساعده الدليل أو يلتزم بالكشف الحكمي أو النقل هذا .

وقد يقال انه مع فرض استحالته كيف وقع هذا الشرط المتأخر في الشرع وأدل دليل على الامكان هو الوقوع وذلك في موارد عديدة .

منها: صوم اليوم فان بعض اليوم ليس بصوم بل لابدّ من تمام الصوم إلى الغروب فالساعة المتأخّرة شرط للساعات والأزمان المتقدّمة وإلاّ لم تكن هي صوما بل لو أفطر في ساعة منها فعليه الكفّارة في ما إذا تعقّب الافطار عذر من الأعذار المانعة عن وجوب الصوم أو صحّته كما اذا حاضت المرأة أو سافر الصائم ربما تكون الكفّارة على خلاف القاعدة كما مرّت الاشارة إلى ذلك في بعض الأبحاث السابقة وكما في الصلاة على ما مرّ وكما في اشتراط الصوم السابق على الليلة بالغسل الواقع في الليلة المتأخّرة .

وأمّا في السابقة فلا اشكال كما قال بعض بمقتضى الروايات الواردة في هذا الاشتراط للصوم .

والجواب ان هذه الموارد ليست من الشرط المتأخر كما توهم وتقدمالجواب عن بعضها سابقا . وربما أجاب بعضهم بكون الشرط هو الوجود الدهريكما نقله سيّدنا الاستاذ عن شيخه الاستاذ المحقّق النائيني وانه اسنده إلى الميرزا الكبير الشيرازي قدّس اللّه تربته .

في موارد النقص بوجود الشرط المتأخّر

ص: 418

توضيح وتبيين: وليعلم انه تارة نقول ان باب المعاملات من الأمور الوضعيّة ليست من الامور الاعتباريّة التي حكمها كالأحكام التكليفيّة التي يكون جعلها بيد الجاعل الذي له اعتبارها . بل هي من الامور الواقعيّة وان نظر العرف طريق إليها والشارع بامضائه لذلك ليس جاعلاً ومعتبرا لها بل إنّما وافق نظره نظر العرف ولذلك قد يخطئهم فيما لا يرى ما يرونه كبيع المنابذة والحصاة . فحينئذٍ اذا كانت هي من الامور الواقعيّة فبابها باب الأسباب والمسبّبات ويحكم عليها بما يحكم على الأسباب بمسبباتها لأنّه اذا حصل السبب الموجب لحصول الملك على النحو المعتبر عند العرف فيستحيل تخلف المسبب عنه بل يحصل عقيب سببه ولا يكون هناك تخلف المعلول عن علّته والا المسبب عن سببه كما انه كذلك الأمر إذا كان من باب الموضوع . والحكم إنّما هو بيد الشارع . فاذا قلنا في الوقف بحصوله بمجرد الصيغة أو ولو بالمعاطاة فيما إذا كان في نحو المسجد بوضع اللبنة فوق اللبنة كما قال به صاحب العروة قدس سره (1) فلنا أن نقول ان القبض شرط اللزوم فاذا اقبض يلزم وقبله الرجوع إلى الواقف ولو حصل الملكيّة للموقوف عليهم . كما انه لنا أن نقول ان الوقف إنّما يتمّ بالقبض وقبله لم يكن شيء يترتّب عليه الأثر وفي كلا الوجهين وفي الوجه السابق بناء على كونها من الامور الواقعيّة وبكونها من باب الأسباب والمسبّبات حتّى عند البهائم وغير ذوات العقول فضلاً عنالعقلاء فترى الكلب الذي سبق الطعمة يمنع غيره وغيره يرى له حق التقدم والتصاحب لا يكون تركب في ناحية المسبب بل مادام لم يحصل سببه بتمام ما له

ص: 419


1- . لم نجده في مظانّه لكن ذكر ما يستفاد منه ذلك ورأي وقفيّة المساجد ولو لم يجر الصيغة كتاب الوقف العروة الوثقى 2/185 .

الدخل لم يحصل المسبب الذي هو في البيع عبارة عن حصول علقة الملكيّة بين المشتري والمبيع وفي البايع بالنسبة إلى الثمن ويفترق عن باب الارث بأنّه هنا إنّما يكون تبدل طرف الاضافة مع وحدة الشخص فالبايع هو الذي كان للمبيع به ربط وكانّ المبيع كان خيطا مشدودا بظهره والمشتري كذلك للثمن والمبايعة انما أوجدت بالألفاظ الخاصّة المنشأة للمفهوم والشارع اعتبر الملكيّة فالتبديل إنّما هو في طرف الاضافة وفي الارث في الأشخاص والتفصيل موكول إلى محلّه .

وكيف كان فسواء كان من الأسباب والمسبّبات أو من قبيل الموضوع وان الشارع إنّما يعتبر الملكيّة فمادام لم يتمّ موضوعه أو لم يحصل سببه لا يمكن الحكم بالملكيّة وبناء على ان البيع إنّما هو فعل البايع لا اشكال أيضا اذ له شرط هوالقبول فاذا حصل ووجد يحكم بالملكيّة أو غيرها من الأحكام الوضعيّة المترتّبة على المعاملات كما انه كذلك بالنسبة إلى العقلاء لو كانت من الامور الواقعيّة المنكشفة عندهم وإنّما أنظارهم طرق إليها .

وأمّا في باب الأحكام التكليفيّة وموضوعات الأحكام فالأمر أيضا واضح .

والبلوغ والاستطاعة وإن كانا حاصلين لكن الحج مشروط بالموسم فمادام لم يحصل وقته على النحو المعتبر لا يجب الحج كما انه مشروط بالبلوغ والعقل فاما أن يحصلا وقته أوتدريجيّا لكن حصول الموضوع وتماميّته هنا وفي باب الوضعيّات المتقدّم فيها الكلام إنّما يكون دفعيّا والمسبب هناك من البسائط وليسفيه تركيب وإن كان التركيب في سببه . وعلى كلّ حال فلو فرض حصول البلوغوالعقل والموسم لكنه ليس بمستطيع فلا يجب عليه الحج لعدم تماميّة الموضوع

استحالة تخلّف المعلول عن علّته

ص: 420

وهذا واضح ولا يتوجّه فيه وفي سابقه وهو باب الوضعيّات على النحوين من كونها جعليّة أو واقعيّة اشكال الشرط المتأخّر وتخلّف المعلول عن علّته .

بقي الكلام في مثل متعلّقات التكاليف الوجوبيّة كالصلوة والصوم . وفيها تارة نقول بأن الامتثال كالاشتغال إنّما يكون دفعيّا ولذلك ينحل الأمر الواحد إلى أوامر متعدّدة ضمنيّة وله تعلّق بكلّ واحد من الأجزاء وباتيان تمام الأجزاء غير الجزء الأخير لم يحصل الامتثال .

فاذا أتى به يحصل امتثال الجميع فلا اشكال . واخرى نقول بان الامتثال وان لم يحصل قبل تمام الجزء الأخير بالنسبة إلى الأجزاء السابقة لكنه يكون مراعى باتيانه وإذا أتى به يكشف عن كونه من أوّل الأمر كان ممتثلاً فالامتثال تدريجي وهنا يجري الاشكال ويمكن الجواب عنه بالتعقب والتقدم وان الشرط للجزء السابق هو تعقب اللاحق كما ان للاّحق تقدّم السابق وهما ينتزعان عند حصول منشأ الانتزاع ولا علم قبله فلا اشكال .

تتميم مع توضيح: أشرنا إلى انحلال أمر المركب الارتباطي كالصلوة والصوم إلى أوامر ضمنيته حسب تعدد الأجزاء ولذا يجري البرائة في المشكوك جزئيته . اما كون الامتثال تدريجيّا كتدريجيّة الأجزاء في الوجود وان باتيان كل جزء امتثل أمره فممنوع لا سبيل اليه وليس المركب الارتباطي مثل غيره كالبسائط والمركب الذي ليس ارتباطيّا كي لا يكون لاتيان كلّ واحد من الأجزاء الدخيلة في حقيقة المأمور به دخل في الامتثال للباقي بل باعتبار ارتباطيّة الأجزاء بعضها مع بعض والتيام المركب من المجموع يكون كلّ جزء يأتي بهمراعىً في الواقع إلى أن يأتي بالجزء الأخير فاذا أتى به ينطبق المأمور به على

ص: 421

المأتي به فالانطباق قهري والاجزاء عقلي .

وهذا كما ترى لا تدريجيّة فيه بل هو دفعي ويحصل باتيان الجزء الأخير وقبله لم يكن آتيا بالمأمور به بل بالبعض الذي ليس مأمورا به مستقلاً ولا معنى لكشف الجزء الأخير عن امتثال باقي الأوامر ومن هنا يعرف الحال في نظائر المسئلة .

منها: ما لو احدث بالأصغر في أثناء الغسل الترتيبي للجنابة فانه على أن يكون غسل الجنابة دفعيّا حسب المستفاد من الأدلّة لم يأت بشيء ويكون حال هذا الحدث قبل تمام الغسل حال الحدث الواقع قبل الشروع فيه ولا يزيده شيئا بل يتم العمل وباتمامه يكون الجنابة مرتفعة عنه دفعيّا ويصلّي مع هذا الغسل لعدم كون الحدث مبطلاً له ولا لشيء منه والغسل والطهارة إنّما يحصلان بعد تمام العمل دفعيّا .

وأمّا بناءً على التدريجيّة لأن كلّ(1) ما جرى عليه الماء فقد طهر وارتفع جنابته كما ورد ان تحت كلّ شعرة(2) جنابة ولا ارتباط لاجزاء البدن بعضها مع بعض واذا بقي من بدنه شيء بعد تمام الغسل والتفت إليه فيغسله ) .

كما ورد في الأخبار فحينئذٍ بما ان الحدث الأصغر لا يوجب جنابة جديدة فرأسه مثلاً إذا طهر وقع الحدث بينه وبين طهارة باقي الأجزاء من الجانبين فلايمكنه بعد فراغ الغسل من الصلاة بلا وضوء ولو قلنا بجواز مس كتابة القرآن برأسه قبل تمام الغسل إذا لم يحدث بالأصغر ولذلك الذي قلنا إذا أراد الاحتياط

التعقّب في اجزاء المركّبات

ص: 422


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 26/1 من أبواب الجنابة .
2- . الوسائل 2 الباب 1/5 من أبواب الجنابة واللفظ من ترك شعرة من الجنابة متعمّداً فهو في النار . مستدرك الوسائل 1 الباب 29/3 من أبواب الجنابة .

فلا يحصل باعادة الغسل من رأس في هذا الفرض .

والحاصل: ان الأمر في الصلاة وأمثالها لا يكون مرتبطا بالشرط المتأخّر بل الشرط لكلّ جزء هو التعقّب بالاجزاء اللاحقة وللمتأخّر عن السابقة والتعقّب والتقدّم ليسا من الامور التي تتوقف على حصول منشأ الانتزاع الذي هو وقوع المتأخر في انتزاع وصف التعقب به فعلى فرض كون الامتثال دفعيّا فلا اشكال ولا يكون هناك شرط متأخّر كما انه على التدريجيّة لا يكون الجزء الأخير شرطا للسابق ولا العكس بل التعقب والتقدم وهما حاصلان ونفس الاجزاء ليست شروطا لها بعضها بالنسبة إلى البعض فان الاجزاء قيود وأوصافها الانتزاعيّة شروط كما بينّا فلا اشكال فالاشكال والنقض لابدّ أن يكون بمورد مسلم وليس في موردنا .

اما اشكال الصوم واشتراطه بالغسل فكما انه يجيء في غسل الليل المتأخّر بالنسبة إلى صوم اليوم المتقدم على قول بعض كذلك يجيء على قول غيره بالنسبة إلى غسل النهار لصحّة ما تقدّم من الزمان من أوّل يوم صومه إلى حين الغسل فكلّما يجاب به عن غسل الليل المتأخّر بالنسبة إلى صوم اليوم المتقدم فيلكن جوابا عن ما نحن فيه بالنسبة إلى قبل زمان الغسل من الآنات والتزم بذلك في هذه الموارد بدعوى مساعدة العقل والاعتبار والدليل بخلاف باب الاجازة في عقد الفضولي فانه لا معنى لكون وصف التعقب للعقد بالاجازة مؤثّرا في النقل من حينه أي حين العقد ولكن أي شاهد لهذه الدعوى هذا . وربما يقال انه يمكن القول بأن ارجاع الاشتراط في هذه الموارد إلى عنوان التعقب لا يستقيم اذ ذلك فرع كون عنوان التعقب شيئا مؤثّرا له دخل في كلّ مقام يلتزم به وليس كذلك لأن

ص: 423

الموالاة والترتيب في الصلاة التي هي عبارة عن توالي الأجزاء في الوجود أوكون بعضها سابقا على بعض والآخر لاحقا قام الدليل بالنسبة إليها الا ان الصوم واشتراطه بالغسل النهاري بالنسبة إلى صحّة الانات السابقة لا وجه لتعقب الاجزاء به بل الظاهر كونه هو الشرط فحينئذٍ يشكل الأمر في المقام وانكار الشرط المتأخّر .

عود على بدء: قد أشرنا في مطاوي الأبحاث السابقة إلى ما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدس سره (1) في الشرط المتأخّر وارجاعه إلى ما يؤل إلى الشرط المقارن فان الاضافة التي يشترط تأثير المشروط بها وما لم يحصل هذه الاضافة لا يؤثر المقتضي المشروط بها على وجه أو كما يقول قدس سره ان الاضافة كاشفة أي وجودها في وعاءها كاشف عن تأثير المقتضي من أوّل الأمر لا ربط لها بالشرط المتأخّر ولعلّ الشرط المتأخّر بالمعنى الذي حرّرنا به مورد البحث لا يتردد أحد في استحالته بل المهارب في غيره .

البحث في وجوب المقدمة: ثم انه قد تقدّم انحاء تقسيمات المقدّمة من كونها باعتبار شرعيّة وعقليّة وعادية واخر ما هو مقدمة لذات الشيء أو لتقيده ووصفه أو غير ذلك من التقسيمات وان محل النزاع ليس في اللابديّة العقليّة اذ هي لا سبيل إلى انكارها بل النزاع إنّما هو في الوجوب الشرعي والملازمة بين الايجابين . وبعبارة اخرى في ان الآمر إذا أوجب شيئا وله مقدمات فهل أوجب مقدماته أم لا . بل بعد فرض عدم امكان التوصّل بذي المقدمة إلاّ بالمقدمات وان الشيء في وجوده يحتاج إلى حصول المقدّمة . ولا شبهة في ان مورد النزاع ان

ص: 424


1- . كفاية الاُصول 1/146 إلى 148 .

كان في الوجوب ففي صورة الشكّ يكون مجرى البرائة بلا اشكال بخلافالملازمة فانه لا أصل هناك يقتضي وجودها أو عدمها بل الملازمة أمر واقعي ولا أصل يقتضي فيها شيئا .

نعم هي باعتبار وجوب المقدّمة أيضا تكون مجرى البرائة وهذا البحث وهو وجوب المقدّمة سواء كان ما هو معلوم المقدّميّه وانه مقدّمة لوجود هذا الشيء أو لا بل ولو فرض عدم تعلّق العلم به لكنه في الواقع مقدّمة فمورد البحث على كلتا الصورتين .

وكيف كان فهل يعقل بعد عدم فرض وجود مصلحة اخرى في المقدّمة غير وقوعها في طريق امتثال أمر المولى وانه لابد منها في وجود ذي المقدمة وجوبها المولوي الشرعي أم لا . بل لو فرض تعلّق أمر به فيكون ارشاديّا كما في مثل قوله تعالى: « أطيعُوا اللّه َ »(1) والفرض انه لا مصلحة في ايجابها سوى انها واقعة في طريق الامتثال وهذا ليس سوى اللابديّة العقليّة وليس ورائها شيء آخر فلا معنى لوجوبها الشرعي فتدبّر جيّدا .

ثمّ انه بناء على الوجوب الشرعي فالوجوب تعليلي أي انّما يجب لكونها مقدمة والوجوب تعلق بذات الشيء لا بما هي مقدمة . بل لأنّها كذلك . وكيف كان فقد سبق انه لا معنى للوجوب المولوي من جهتين . فتارة لكونه من باب الأوامر الواردة في باب الاطاعة وحكمه حكم أطيعوا اللّه ولا تعصوا وأمثالها من الارشاديات وتقدم إلى هذه الجهة الاشارة . واخرى من جهة عدم الأثر لعدم النفع في المباحث الاصوليّة .

في أنّ الأمر إذا أوجب شيئاً هل أوجب مقدّماته

ص: 425


1- . النساء الآية 59 .

فان في باب اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضد لم نقل بكون ترك أحدالضدين مقدمة للآخر كي يتصوّر النزاع في الوجوب والحرمة .

والحاصل انه لا يعقل هنا الوجوب المولوي المقدمي على المقدمة وللمحقّق النائيني قدس سره هنا كلام في تصوير الخطاب المولوي على خلاف ما ذكرنا من انه لا يتصور مورد لذلك وهو كونه خطابا تبعيّا .

بيان ذلك: انه ليس النزاع في الوجوب النفسي لعدم ملاك في المقدمة نفسي يقتضي الوجوب بحيث يكون لها اطاعة وعصيان في قبال ذي المقدمة ولا في الوجوب العرضي على أنحائه . فان العرضي بمعنى يرجع إلى التبعي كما في حركة اليد الموجبة لحركة المفتاح . وبمعنى آخر يرجع إلى الواسطة في العروض كما في حركة الجالس في السفينة وفتح الأمر للبلد . فان الحركة في هذين المقامين إنّما هو للسفينة والفتح فعل العسكر واسنادها إلى الجالس والأمير مجاز وان كان بمعنى آخر يمكن الاسناد الحقيقي في هذه الموارد إلى الأمير وإلى جالس السفينة وإلى الراكب للطيّارة فانه بمعنى الانتقال لهما من مكان إلى آخر .

بل المراد من ذلك هو الوجوب التبعي . والتبعي الذي يقولون به في باب قصد الاقامة والمسافة لا أثر له ولا له أصل أصيل فانه ما لم يرجع إلى قصد التابع تبعا لقصد القاصد استقلالاً لا فائدة فيه ومجرد انه يقصد ما قصده ولا يدري ما قصده وهل تحقق منه قصد الاقامة عشرة أيّام أو أقل لا يوجب الاتمام ولا قصد مسافة لا يدري التابع تبلغ المسافة الموجبة للقصر موجب لقصر الصلاة . بل مرجع هذا القصد التبعي إلى كونه ( أي المتبوع كالداعي لقصده السفر أو الاقامة .

وباب التبعية في طهارة وعاء الخل المنقلب عن الخمر انما هو لعدم الفائدة

ص: 426

في طهارته ( أي الخل ) بسبب الانقلاب فهي ( أي الطهارة ) لازم عقلي لطهارةالخل بالانقلاب وإلاّ فالطهارة للخل ونجاسة الظرف يمنعان من ترتيب الاثارالمطلوبة منه .

نعم الحليّة ليست من باب التبعيّة بل بمجرّد الانقلاب يكون حلالاً والتبعيّة في ما نحن فيه يراد بها التبعيّة القهريّة الترشحيّة بتسليم مقدمة . وهي ان الارادة

الآمرية انما تتعلق بما تتعلق به الارادة الفاعليّة فاذا فرض ان قصد واحد أمرا له مقدمة واحدة أو متعددة فلا يمكنه أن لا يريد هذه المقدمة بل يقصدها للوصول إلى مقصوده وهو ذو المقدمة ويتعلّق بها ارادته قهرا . والا فلا يريد ذا المقدمة وهو

خلاف الفرض .

وحينئذٍ فاذا كان هذا في الارادة الفاعليّة فالارادة الآمريّة أيضا تتعلّق بما يقصده الفاعل وبعبارة اخرى الارادة الآمريّة توجب تحرّك الارادة الفاعليّة وتكون بين الارادتين مطابقة ووفاق هذا ثبوتا . وامّا اثباتا فمعلوم انه لا يمكن النهي عن المقدمة بل تكون رشحا ومتولدة من الارادة المتعلّقة بذي المقدّمة بعد فرض كون هذا الشيء مقدمة وذلك ليس بجعل وارادة مستقلة بل قهري ولا يمكن عدم تعلّق الجعل والارادة بهذا النحو وعدم ارادته هذا .

واستشكله سيّدنا الاستاذ قدس سره بأنّه كيف يمكن كونه مرادا وواجبا بهذا النحو من الوجوب مع انه ربما لا يلتفت إليه الآمر . وعلى فرضه فليس هذا النحو من الوجوب مجعولاً مسندا إلى المولى بل اسناده إليه لكونه متولّدا من خطابه كما في النار والاحراق فان المحرق إنّما هي النار وأثره الاحراق إنّما يكون قهرا كرطوبة الماء . وأمّا حديث التبعيّة فالمسلم إنّما هو امتناع تعلّق ارادة المولى الآمر بما لا

ص: 427

يقدر عليه العبد لقبح مطالبة العاجز وأين هذا من قياس احدى الارادتين بالاخرى .تتميم وتوضيح وتبيين: قد عرفت ان المقدّمة تارة يمكن تشخيصهاعقلاً لتوقف وجود ذي المقدمة عليها بلا حاجة إلى بيان مصداقها . واخرى تحتاج إلى بيان الشارع وبعد بيانه وانه يتوقف ذو المقدمة على هذه المقدمة أو لوصفه حاجة إليها فيكون أيضا عقليّة . غاية الأمر في العقليّة ابتداءً يرى العقل ان لهذا الشيء توقفاً على ذاك الذي هو مقدّمة وهنا ليس تشخيص المقدّمة بنظر المكلّف بل الشارع يبين ما هو دخيل عقلاً في تحقّق ذي المقدّمة بتبيينه لتوقف ذي المقدمة وشرح وبيان لنفس المقدمة وكيفيّتها كما في الطهارة الحدثيّة فانها لو لا بيان الشارع لم يدر المكلف بأيّ نحو تحصل وليس شأنها شأن الطهارة الخبثيّة كي لا يحتاج إلى البيان المولوي .

وان كان في الخبثيّة أيضا تصرّف الشارع في بعض الخصوصيّات وعلى هذا فلا مجال لما قد يتوهّم من حصول الكسر والانكسار بعد دخول الوقت في استحباب الوضوء والغسل من الجنابة نفسيّا ان ( أثبتنا ) والوجوب المقدمي لو قلنا بالوجوب الشرعي أو اللابديّة العقليّة ان لم نقل بالوجوب الشرعي بل المقدمة مقدمة على نحو أخذها الشارع وحيث لم يعتبر في تحقّقها ومقدميّتها سوى المقدّمة قصد غاية من الغايات فيكفي الاتيان بها في كونها مقدمة .

نعم لو اعتبر في مقدميتها قصد غاية أو التوصل فلابدّ منه وليس الأمر كذلك لأن مقدميّة المقدّمة لا تحتاج إلى القصد بل لو كانت مقدّمة فبالقصد لا تختلف كما انه لو لم تكن فلا أثر له وعلى هذا فربما يشكل الأمر في وجوب بعض المقدّمات

هل المقدّميّة يشترط فيها قصد الغاية أو التوصل

ص: 428

للأفعال الواجبة كما لو كان الكون على السطح المتوقف على الصعود بالدرج واجبا وكان بين مراقى الدرج حجرة له فيها شغل يصعد إليها وينزل منها بلا اتمام مراقى الدرج فانه لا يحتاج في مقدميتها إلى القصد فاللازم اتّصاف الصعود مراراعديدة بالوجوب لكونه مقدّمة مقربة إلى الكون على السطح الواجب وكذلك فيباقي الامور كما لو كان يجب عليه الحج المتوقف على المسير واتّفق خروجه إلى الميقات أو ما دونه لغرض آخر .

فاما ان نقول بعدم كون هذه مقدمة بل اللازم القصد وهو خلاف ما هو المسلم من عدم لزوم القصد في ذلك بل لو اتّفق كونه نائما ونقلوه إلى الميقات فلا يجب الرجوع والعود ثانيا إلى الميقات عن قصد .

وامّا أن يقال بعدم لزوم القصد بل إنّما تجب ذوات المقدمات وحيث المقدمية تعليليّة فاللازم كون ما ذكرنا واجبا وهو خلاف ما عليه الوجدان .

ومن هنا ذهب بعضهم إلى الالتزام بالمقدّمة الموصلة(1) فرارا عن هذين المحذورين كما ان قصد التوصل إلى ذي المقدمة إنّما جاء من قبل هذا الاشكال المبني على اتّصاف هذا المشي وهذا الصعود إلى قرب السطح أو الميقات أو غير ذلك ولو بقصد الخلاف بالوجوب .

والحاصل ان المقدمة لا تحتاج إلى قصد الوفاق وكونها مقدمة كما ان قصد الخلاف لا يضر بالمقدميّة في ما هو مقدمة .

ص: 429


1- . الحق صحّة المقدّمة الموصلة وإمكانها ووقوعها كما اختاره صاحب الفصول والسيّد العلاّمة الخوئي محاضرات في اُصول الفقه 44/252 وما بعده والمحقّق العراقي ( نهاية الأفكار 1/340 - 341 ) وتلاميذه منهم اُستاذنا المدقّق المرحوم السيّد يحيى المدرّسي اليزدي أعلى اللّه مقامهم وشرحها في الحقائق ( حقائق الاُصول 1/285 ) .

نعم حيث ان روح الترتب يسري في بعض موارد المسئلة فاحتيج إلى

انضمام قصد التوصّل وذلك فانه لا اشكال في ان انقاذ الغريق الواجب لو توقّف على مقدّمة وهو التصرّف في الأرض المغصوبة وتخريب زرع الناس فيكون الانقاذ لكونه أهم موجبا لعدم اتصاف العبور عن الأرض المملوكة للغير بالحرمةلدوران الأمر بين الأهم الواجب والمهم الحرام الذي هو مقدمة مع انه لم يكن من قصده من التصرف في الأرض المغصوبة التوصل إلى انقاذ الغريق بل قصد عدمه كالتفرّج مثلاً يكون هذا التصرف حراما وإنّما يباح حيث انه يستطرق الأرض للانقاذ فالحرمة مشروطة بترك الأهم أو قصد تركه أي إذا تركت الانقاذ فلا تصرف في أرض الناس ولا في زرعهم فاما أن نقول بالترتب ويستقيم المسئلة والا فلابد من الجواب .

تحقيق البحث في وجوب المقدمة:

لا ينبغي الاشكال في ان ذات المقدمة على القول بالوجوب المولوي الشرعي تكون واجبة بلا احتياج إلى قصد التوصل ولا قصد الايصال ولا ارادة شيء ولا خصوص الغاية المطلوبة بل لو كانت مقدمة فلا يضرها قصد الخلاف وعدم القصد ولو لم تكن فالقصد لا يوجب كونها مقدمة .

والاشكال الذي ذكرناه سابقا في وجوب مطلق المقدمة يندفع بما سنشرحه ذيلاً حيث ان البعيد عن مكّة الذي يجب عليه الحج إذا لم يقصد في سفره إلى قرب الميقات مثلاً التوصّل إلى الحج بل التجارة وليس من قصده الحج بل قاصد العدم لا يكون هذا الميسر في حقه على القول بالوجوب واجبا بل هو باق على حكمه الاولى الذاتي لو لا طرو الوجوب عليه من حيث المقدميّة أي كون المقدمية علة لوجوبه .

ص: 430

وذلك قد يكون حكمه الاولى مباحا كما انه قد يكون حراما وقد يكون الحكم غيرهما .

نعم لو اتّفق انه قصد المقدميّة بمعنى كونه آتيا بذي المقدمة فحينئذٍ يكون واجبا كلّ ما يأتي به من مقدماته .والحاصل انه لا اشكال في الوجوب إذا كان بصدد الامتثال وفي طريق اتيان ذي المقدمة ولكن لا مطلقاً ولو لم يأت بذي المقدمة أصلاً بل في صورة تعقب المقدمة بذي المقدمة وهذا هو معنى الموصلة ولا يتوجه على ذلك اشكال كون اتصافها بالوجوب بعد حصول ذي المقدمة وترتبه عليها لأنه إنّما يكون في ما يكون الموصلة أو الايصال جهة تقييديّة والمقدمة بما انها موصلة واجبة . وأمّا إذا قلنا كما هو الحق بأن المقدمة الموصلة واجبة لا بعنوان الايصال بل الايصال جهة تعليليّة فما هو المتعقب واقعا بذي المقدمة هو الواجب فلا إشكال بل تعقّبها بذي المقدمة يكشف عن كونها من أوّل الأمر واجبا .

وقد عرفت عدم لزوم قصد كون المقدمة واجبة ويجتمع هذا الوجوب مع حكمها الاولى لأنّه إذا لم يقصد بالمقدمة اتيان ذي المقدمة فلها حكمها الاولى .

نعم في صورة القصد يكون المقام من باب الدوران فتارة يكون حكمها الاولى هو الاباحة فلا تبقى في صورة المقدمية وحصول ذي المقدمة . واخرى هو الحرمة وذو المقدمة يكون واجبا أهم فكذلك لابدّ من تقديم جانب الأهم ولا يكون خطاب المهم فعليّا في هذه المرتبة . وإنّما يكون فعليّا في طرف ترك الأهم على الترتب فيقال في تقريره مثلاً ( انقذ الغريق ) وهو متوقف على التصرف في أرض الغير المغصوبة لكونها طريقا منحصرا .

الايصال في المقدّمة جهة تقييديّة أو تعليليّة

ص: 431

( فان تركت الانقاذ فلا تصرف في مال الغير وأرضه ) وإنّما يجتمع الحكمان المتضادان اذا كان كلاهما فعليين مطلقين وأمّا إذا كان أحدهما مشروطا بترك الآخر والآخر مطلقا وغير مشروط بشيء فلا اشكال كما في مثل أدّ الدين .

وان تركت أداء الدين فصل وهذا النحو من الشرط هو الذي لا يتوجّه عليهالاشكال على ما سنبين في محلّه إن شاء اللّه .لا أن ارادة الترك أو قصد المعصية كان يقال ان أردت الترك أو ان عصيت فكذا ولا يكون خطاب أدّ الدين مشروطا بشيء ولا له اطلاق في حق متعلقه إنّما هو بذاته وقد يكون ذوالمقدمة مستحبّا والمقدمة حراما فلا أهميّة هنا في ذي المقدمة غاية ما في الباب كون مقدمة المستحب مستحبّا لا واجبا مقدما على الحرمة المقدمية كما ان مقدمة الحرام لا تكون حراما إلاّ إذا كانت علّه تامّة دون المقدّمة الاعداديّة لامكان منع ترتب ذي المقدمة بالتصادف .

اما مسئلة انقاذ الغريق وحرمة التصرّف في أرض الغير فهي واضحة بعد ما ذكرنا حيث انه إذا قصد الانقاذ بالتصرف وتعقب بالانقاذ فلا اشكال في كونها واجبة على القول بالوجوب لأهميّة الانقاذ وتقدمه على حرمة التصرف ولا يكون حينئذٍ مقام لخطاب لا تصرف كما انه لو قصده ولم يجيء بذي المقدمة بعد ذلك فكان حراما معذورا في ارتكابه . وأمّا إذا لم يقصد ذلك من أوّل الأمر بل قصد العدم أو لم يقصد شيئا فعلى ما ذكرنا من وجوب واقع المقدمة الموصلة كان قد أتى بالواجب غاية الأمر لعدم كونه قاصدا لذي المقدمة المستلزم لخيال توجه الحكم الفعلي بحرمة التصرّف في الأرض المغصوبة حصل منه تجرى والا فلا حرمة من غير هذه الناحية وإلى الترتب الذي ذكرنا في هذه الموارد يرجع أجوبة

ص: 432

المحقّق الخراساني قدس سره في كفايته(1) من اشكالات المقدمة المطلقة التي أوردها عليه المحقّق اليزدي صاحب العروة في مجلس جمع بينهما المرحوم الحاج آقا حسين القمّي قدّس اللّه أسرارهم .مع انه انكر الترتب غاية الانكار كما سنشير إليه إن شاء اللّه في محلّه .تتمّة البحث في المقدّمة:

قد عرفت الاشكال واختلاف الآراء في المقدمة وانه الجأ بعضهم إلى القول بوجوب المقدمة الموصلة كصاحب الفصول قدس سره وان غيرها ليست بواجبة ولا يتوجه عليه الاشكال السابق من الوصول إلى قرب مكة والقصد التجارة وكونها واجبا لكن سبق ان المقدمة على القول بوجوبها تكون واجبة بذاتها . وظاهر كلام صاحب الفصول ان المراد بالموصلة ليست واقعها بل الموصلة بعنوانها ولذا استشكلوا عليه بأنه إنّما تجب المقدمة بعد حصول ذيها لأنّها حينئذٍ تتّصف بالايصال ويتحقّق عنوانها كما انه يلزم عليه كون ذي المقدمة تبعا لمقدمته واتّصافها بالايصال لأنّ الايصال يتوقّف على وجود ذي المقدّمة والا فبدونه لا ايصال للمقدّمة .

فعلى هذا بناء على الوجوب الشرعي للمقدّمة يكون ذو المقدّمة أيضا مكتسبا منها الوجوب التبعي المقدمي وهو كما ترى في الاستحالة .

وذهب صاحب الكفاية قدس سره (2) إلى القول بوجوب مطلق المقدمة والمنسوب

إلى صاحب الحاشية رحمه الله انه قال بالمقدّمة الموصلة لكن لا كما ذهب إليه صاحب

وجوب مطلق المقدّمة من صاحب الكفاية

ص: 433


1- . كفاية الاُصول 1/188 - 200 .
2- . كفاية الاُصول 1/188 - 200 .

الفصول بل الذي قاله ان الواجب هو المقدمة من حيث الايصال ويمكن أن يكون مراده حيث انه لا معنى في لب غرض الواقع أن يكون وجوبها كساير التكاليف خارجا عن تحت الأقسام الثلاثة ( للماهية ) فانها في ذاتها وحد نفسها ليست إلاّ هي ولكنها في وعاء التصور وتخلية الذهن عن هذا اللحاظ الذي تلحظ الماهيّةفي مكانها وصقعها يتوجه إليه النظر والموجود هي الأفراد الثلاث فانها إمّا أنتكون الوجود التصوري الذهني في عالم التنزل سواء كان لها واقع في الخارج أم لا بشرط الشيء بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني أو بشرط عدمه أو لا بشرط عن شيء ولا رابع للأقسام . والمنسوب إلى المشهور انهم يرون نسبة التضاد بين المطلق والمقيد ولا يخفى انه ان كان كذلك وفرضا من الضدين لا ثالث لهما .

فالنافي لأحدهما لابدّ أن يقول بالآخر فاذا لم يوجب المقدمة مطلقا فلابدّ أن يكون نظرهم إلى الايصال كما انه لم يقل أحد بكون التقابل بين المطلق والمقيد هو تقابل السلب والايجاب .

والحاصل ان عدم ايجاب مطلق المقدمة من صاحب الحاشية يرجع إلى نتيجة ما يقول في التقابل بين المطلق والمقيد فان كان بالتضاد فالنافي لوجوب المطلق يقول بوجوب الموصلة وإن كان بالعدم والملكة فلابد من قابليّة المقدمة للتقييد في وجوبها بالايصال وحيث تقدم استحالة المقدمة الموصلة على ما قالوا فبعين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق لأن الاطلاق على هذا المبنى عبارة عن عدم التقييد في ما يمكن ان يقيد فاذا امتنع من التقييد فلا معنى للاطلاق .

والذي نسب إلى المشهور انهم يرون المطلق في قبال التقييد ويجعلون اللا بشرط القسمي الذي هو ضد بشرط الشيء وبشرط اللا مطلقاً والمقيد هو بشرط

ص: 434

الشيء فيتضادان على مذهبهم كما نسب إليهم وذهب آخر إلى ان الماهيّة المهملة اللا بشرط المقسمي التي في مقام الوجود يكتسي بأحد هذه الأقسام الثلاثة إلاّ ان اللفظ وضع بازاء اللابشرط القسمي لعدم كون المقسمي موردا لشيء .

وكيف كان فبناء على ما ذكرنا يمكن أن لا يقول صاحب الحاشية بوجوب

المقدمة بشرط الايصال ولا بعدمه بل الذي يقول كون الواجب هو المقدمة لامطلق وجودها بل الحصة التوأمة للايصال ولا يتوجه عليه الاشكالات الواردةعلى الموصلة كما ان توجيه المحقّق النائيني قدس سره (1) بكون مراده ما ذكرناه في وجوب اجزاء المركب عن اشتراط كلّ جزء بالسبق واللحوق بالنسبة إلى باقي الأجزاء لعدم وجوب مطلقها ليس على ما ينبغي . بل يمكن قوله بخروج القيد أي قيد الايصال والتقييد عن موضوع الوجوب ويقول بما وجهنا به كلامه ولا يتوجه عليه ما أورده عليه المحقّق النائيني من عدم لزوم قصد التوصل أو الايصال وارادة ذي المقدمة في وجوب المقدمة وذلك لكون المقدمة في ذلك تبعا لذيها فكما لا يمكن اشتراط وجوب المتعلّق وتوجه الخطاب إليه بارادته وقصده فكذلك المقدمة .

ثمّ ان كلّ هذا في ما إذا قلنا بالوجوب الشرعي .

أمّا بناء على ما ذكرنا من عدمه فلا موقع للنزاع .

هذا تمام الكلام في وجوب المقدمة والأقوال فيها .

بقي هنا شيء فاتنا ذكره لاضطراب الاحوال وهو بناء على ما ذهب إليه صاحب الحاشية من المقدمة الموصلة على ما شرحنا فيكون حكم المقدّمة في

في توجيه كلام صاحب الحاشية

ص: 435


1- . فوائد الاُصول 1/292 - 296 لكن في التقرير لم يذكر الاشكال .

صورة عدم الايصال على نحو الترتب حكمه الاولى واستشكله المحقّق النائيني قدس سره (1) بعدم تعقّل كون الترتب في حكم الشيء الواحد .

ثمرات الأقوال في وجوب المقدمة:

أمّا على القول بوجوب مطلق المقدمة ربما ينتج البطلان في مثل العباداتإذا كان مأمورا في أوّل الوقت بأداء الدين الأهم أو ازالة النجاسة عن المسجد فانهحينئذٍ تكون الصلاة ضدّاً لكل منهما وبناء على مقدميّة ترك الضد لوجود الضد الآخر فهذه الصلاة تكون فاسدة باطلة بخلاف المقدمة الموصلة ولو على التزام مقدّميّة ترك أحد الضدّين لوجود الآخر فاذا قلنا ان الازالة أو أداء الدين واجب أهم وإن مقدماته تكون واجبة وتركها حراما فأحدى المقدّمات ترك المقدّمة الموصلة فيجب هذه المقدّمة التي هي عبارة عن ترك الصلاة الموصل ونقيضه يكون حراما لكن النقيض عبارة عن رفع هذا الترك وعدمه وهو ترك هذا الترك وهذا الترك للترك ليس هو الصلاة كي تكون حراما بل هي من المقارنات . فلذا لا معنى لكونها حراما بخلافه على وجوب مطلق المقدّمة فيكون ترك مطلقها أيضا حراما فترك الصلاة مقدّمة واجبة للازالة مثلاً فنقيض هذا الترك ترك تركها وهو الفعل فيكون حراما لكن هذه الثمرة مبنيّة على ذاك المبنى وهو المقدميّة وحيث انا قد حقّقنا وسيجيء في محلّه إن شاء اللّه عدم مقدّميّة ترك أحد الضدّين لوجود الآخر فلا ثمرة من هذه الجهة فحينئذٍ يمكن أن يقال بصحّة الصلاة في فرض وجوب مطلق المقدّمة .

ثمّ انه ينبغي أن يبين ان المقدمة بناء على وجوبها أو عدمه تشمل كلّ ما له

ص: 436


1- . فوائد الاُصول 1/292 - 296 لكن في التقرير لم يذكر الاشكال .

دخل في تحقّق ذي المقدّمة فليست مجرّد المقتضي بل العلّة التامّة للزوم عدم المانع ووجود الشرايط في ترتب المعلول على علّته فتكون كلّها واجبة بناء على الوجوب ولذا تجب الارادة أيضا لكونها مقدمة ولا يمكن أن يتحقق ذوالمقدمة في ما للارادة دخل في تحقّقه بدونها .

فبناء على الوجوب تكون هي أيضا واجبة . واستشكل هذا الوجوبالمحقّق الخراساني قدس سره (1) بدعوى انها على الوجوب محتاجة إلى ارادة اخرىوهكذا فيتسلسل وهو محال . فلابدّ أن تكون الارادة خارجة عن فرض وجوب المقدمات لكنّه بناء ما على ما حقّق في محلّه من ان اختياريّة الفعل الاختياري وصدوره عن ارادة المختار إنّما يتوقّف على مرتبة لاحقة للمراتب القهريّة التي ليس فيها محل الاختيار كالخطور والميل والشوق المؤكّد وهي مرتبة التصدي والطلب وهناك مكان الاختيار ومقام الأمر بين الأمرين فلا مانع من كون الارادة أيضا واجبة بالوجوب المقدمي لو كانت في المراتب اللاحقة للشوق المؤكّد .

أمّا إذا كانت هي الشوق فلا وجوب لها لكونها قهريّة لكن محلّ الاختيار بعد باق فليس الشائق مؤكّدا مسلوب عنه الاختيار . وقد ذكروا ثمرات اخر اهمّها مسئلة النهي في العبادات فيما تكون المقدّمة محرمة وكذا صغرويتها لباب التزاحم على ما سنشرح إن شاء اللّه .

بقية الثمرات:

من الثمرات المترتّبة على وجوب المقدمة مسئلة برء النذر وعدمه ومنها مسئلة الاجتماع والنهي في العبادة وينكر هذا المعنى المحقّق الخراساني(2) ولا

ص: 437


1- . كفاية الاُصول 1/186 - 196 - 198 .
2- . كفاية الاُصول 1/250 - 198 .

يرى ثمرة وجوبها منتجة في المقام كما ان المحقّق النائيني (1) لا يرى الثمرة على الاطلاق بل في بعض الموارد .

والحاصل ان المقدمة تارة تكون منحصرة واخرى غير منحصرة ومحلّ

الكلام في المقدمة المحرمة . وحيث ان المحقق صاحب الكفاية(2) مبناه على عدمامكان تعدد الوجود الواحد ماهيّة وان جهة المقدميّة حيث تعليلي عنده فيرىذات المقدمة محرمة وهذا المعنى لا يجامع وجوبها المقدمي . فان الشيء الواحد لا ينطبق عليه عنوانان فاما ان يكون حراما لا واجبا فيما يكون هناك شيئان مجتمعان في الوجود تارة ويفترقان اخرى كالصلوة والغصب أمّا إذا كان من قبيل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق فيخرج عن باب التزاحم وهو داخل في باب التعارض في مادة الاجتماع . فالعناوين الاشتقاقيّة الاتّحاديّة خارجة عن محلّ البحث ومفروض ظهور ثمرة المسئلة . بل ضابط باب الاجتماع فيما كان هناك عنوانان غير اشتقاقيين أو متّحدان في الوجود ولكن يوجدان بايجاد واحد فبحسب الايجاد واحد كالصلاة والغصب أو كالسير إلى الحج والتصرف في مال الغير وقد عرفت عدم كون المقام من موارد ظهور الثمرة بناءً على وجوب المقدّمة عند المحقّق الخراساني سواء كانت المقدّمة منحصرة أو غير منحصرة كما إنّه سواءً كان ذلك في التعبّدي أو التوصّلي الا ان التوصلي فيه جهة اخرى لا يوجب فساد العمل بخلاف التعبّدي ففي بعض الصور تكون العبادة باطلة .

واستشكل سيّدنا الاستاذ قدس سره ما ذهب إليه صاحب الكفاية من كون مورد

ثمرات وجوب المقدّمة

ص: 438


1- . فوائد الاُصول 1/296 - 297 .
2- . كفاية الاُصول 1/250 - 198 .

الوجوب هو ذات المقدمة وحيث مقدميتها تعليليّة لا تقييديّة وليس كالصلاة والغصب ممّا كان هناك عنوانان وان القضيّة في المقام خارجيّة لا حقيقيّة بأن المقدّمة أيضا كلّي لها أفراد فحينئذٍ تكون مثل ما إذا تعلّق الوجوب بالعنوان فالسير

الذي هو مقدّمة ليس سيرا خاصّا بل كلي السير وهو عين العنوان .

أمّا عند المحقّق النائيني الذاهب إلى عدم امكان وجود المتعدّد ماهيّة بوجود واحد ولو فرض وجودهما بايجاد واحد إلاّ انّه عند العقل وبالمنشار العقلاني يكون هناك وجودان انضماميان ينطبق على كلّ واحد منهما عنوانويكون كلّ من لازم وجود الاخر ومن المعلوم عدم سراية الأمر والنهي عنمتعلّقهما إلى لوازمه بحسب الوجود . ففي المقدمة المنحصرة يكون التزاحم بين الواجب والحرام ولابد من مراعاة المرجحات . اما فيما اذا لم تكن المقدمة منحصرة بالحرام بل لها افراد ويختار المكلف حرامها فهنا يمكن ظهور ثمرة المسئلة بناءً على الامتناع وحرمة العبادة إذا كانت عبادة فظهر ان وجوب المقدمة لا ينفع في بطلان العبادة على كلّ حال كي يعد من ثمرات المسئلة برجوعها إلى صغرى باب النهي في العبادة .

ومن ثمرات المسألة: عدم جواز أخذ الاجرة على الواجبات فانه بناء على وجوب المقدمة فلا يجوز أخذ الاجرة عليها بناء على عدم جوازه في الواجبات ولا يخفى اختلاف الواجبات في هذه الجهة ولا يجوز أخذ الاجرة على الواجبات العباديّة العينيّة للاخلال بقصد القربة فانه لابدّ أن يكون الداعي قربيّا .

وقد ذكروا في غير موارد العباديات ضابطا لجواز الاجارة والاستيجار وهو أمران:

في عدم جواز أخذ الاُجرة على الواجبات

ص: 439

أحدهما: ملك الأجير للعمل .

والثاني: وصول النفع إلى الذي استأجره .

فاذا لم يكن مالكا للعمل أو كان مالكا ولا يوجب نفعا على المستأجر أو في بعض الموارد إلى من يوجب نفعه نفعه فلا تصح الاجارة بذلك ولا يصح استيجار المؤمن للنيابة عن المنافق في صلاة وغيرها من العبادات لعدم قابليّة المحل أي المنافق لحصول نفع من ثواب وغيره إليه . ولا اشكال في لزوم ذلك في الاجارة كما في البيع فان تبديل الاضافة سواء كانت بالملك أو بنحو الاجارة لابدّ من كون متعلقها ملكا فكما انه يكون الاجير مالكا للمال الذي يأخذه اجرة علىاجارته ويكون العمل ملكا له كذلك لابدّ أن يكون المستأجر أهلاً لتملّك العمل .لا يقال على هذا فلا يمكن أخذ الاجرة على الواجبات مطلقا عينيّة كانت أو كفائيّة سواء انحصر الفرد بالمكلف أم لا بل قام مقامه في ذلك غيره لخروج العمل بسبب وجوبه عن ملكه ويكون ملكا للّه تعالى .

فيختل أحد ركني جواز الاجارة وهو كونه ملكا للأجير وعلى هذا فلا يجوز لأحد أخذ الاجرة على شيء ممّا له دخل في بقاء النظام فان الامور النظاميّة التي يتوقّف عليها حفظ نظام المعاش ممّا لا اشكال في وجوبها حذر الهرج والمرج .

لانا نقول قد ذكروا ضابطا له أيضاً وهو الفرق بين كون الواجب هو معنى اسم المصدر أو المصدر وحيث الصدور فان كان الأوّل أي اسم المصدر وذات الفعل واجبا فهو خارج عن ملك الأجير ولا يصح اجارته عليه دون المصدر . ولا يكون وجوب المعنى المصدري موجبا لسلب ملكيّة الشخص لمعنى اسم المصدر .

ص: 440

فيجوز أخذ الاجرة بخلاف اسم المصدر فانه إذا كان على ترك الشيء أو فعله فيخرج عن تحت اختياره لكون الاختيار نسبته إلى الفعل والترك على السواء وليس كذلك في المقام كما في مثل الصلوات وغيرها من الواجبات العينيّة .

أمّا الواجبات النظاميّة فانّ الواجب فيها إنّما هو المعنى المصدري فيجب على الزارع الزراعة وعلى الخياط الخياطة وهكذا فالواجب هو حيث الصدور وهو إمّا أن يأتي بالواجب أو لا ولا يكون الفعل بمعناه اسم المصدري خارجا عن ملكه .

هكذا قالوا الا ان في هذه الموارد نظرا وتأمّلاً وتحقيق الحق في محلّه .

فاذا انقسم الواجب إلى قسمين في جواز أخذ الاجرة وعدمه فنقول: انالمقدمات بناء على وجوبها إنّما يكون متعلّق الوجوب هو حيث المعنى المصدريلا اسم المصدري فيجوز أخذ الأجرة عليها .

الكلام في مقدّمات الحرام: ذهب إلى حرمة ما تكون علّة تامّة للحرام منها المحقّق الخراساني قدس سره (1) بناء على وجوب المقدّمة بخلاف غيرها وحيث ان كثيرا من المقدّمات لا توجب تسبب ذي المقدّمة عنها لحفظ الاختيار فلا يقول بحرمتها وإن كانت الف مقدمة .

حيث ان الارادة والاختيار بعد باق .

ثمّ أورد على نفسه بما حاصله دعوى التنافي بين هذا والقاعدة المبرهن عليها من ان الشيء ما لم يجب لم يوجد وانه كيف التوفيق . فأجاب بامكان كون ذلك من مبادي الارادة دفعا لمحذور الدور والتسلسل .

في حكم مقدّمة الحرام

ص: 441


1- . كفاية الاُصول 1/205 .

وظاهر جوابه الأخير يؤمى إلى الجبر وفيه مجال للكلام .

الا ان تحقيق الحق في الكلام ويمكن تقريب الأدلّة الواضحة بنحو لا يبقى سترة في كون الأفعال اختياريّة وانه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين .

وكيف كان فثمرة كلامه قدس سره الفرق في وجوب المقدمات بين ما تكون الارادة باقية محفوظة فلا تكون حراما لعدم تسبيبها وجود ذي المقدمة وبين غيرها التي تكون علّة تامّة فتحرم وإلى هذا يميل المحقّق النائيني قدس سره وان فصل(1) وقسم المقدمة إلى قسمين ما يكون معه صارف وما لا يكون كذلك ثمّ الذي لا يكون معه صارف اما ان يوجب قهريّة وجود ذي المقدّمة في الخارج أو لا بل معه واسطة .ومثال ما يوجب قهريّة ذي المقدّمة بحيث يخرج عن تحت اختيار المكلّف ما إذاكان ذو المقدّمة مسبّباً توليديّاً للمقدّمة . كما إذا صب الماء على مواضع وضوئه في موضع ينصب الماء منه على أرض الغير بناء على كون ذلك تصرّفا ومع ذلك حراما فيدخل حينئذٍ في باب الاجتماع الذي ضابطه وحدة الايجاد ويكون التركيب انضماميّا كما في المقام إلاّ انّه قدس سره كان يريد اخراج هذا المورد عن تحت باب الاجتماع . لكنّه لا فرق بينه وبين ما إذا كان المصلى يصلّي في لباس غصبي عالما في كلا المقامين ومثال ما إذا يكون هناك واسطة كما اذا يجري الماء في المثال على الأرض المباحة ومنها يجتمع في ميزاب جار في أرض الغير أو على رأسه مثلاً بناء على حرمة نحو هذه الموارد الا انه يمكن كون المثالين من باب واحد . فان جعلنا المناط في المسبب التوليدي عدم واسطة فعل فاعل اختياري بين الأثر والفعل فالمورد ان من باب المسبّب التوليدي .

ص: 442


1- . فوائد الاُصول 1/199 - 300 - 312 مع تفاوت لما في المتن .

وان جعلنا المناط ترتب المسبب بلا واسطة وكونه كالمعلول للعلّة فيخرج المثال الأخير وينحصر بالمثال الأوّل لكن يرجع هذا التفصيل منه رحمه اللّه إلى ما ذكره المحقّق الخراساني . فيكون الضابط حينئذٍ في حرمة المقدّمة كونها موجبة لترتب ذي المقدمة الحرام عليها سواء كانت موجبة لسلب قدرة المكلّف ووجود ذي المقدّمة الحرام منها قهرا التي ربما تدخل تحت ضابط الامتناع بالاختيار وربما تحت ضابط باب التزاحم . لكن الثاني خارج عن مورد البحث لانّ الكلام في ما يوجب تسبب ذي المقدمة من المقدمات . والأمثلة في هذا المقام كثيرة . منها: ما اذا يعلم انه إذا دخل المجلس الفلاني يبتلي بالجلوس على مائدة يشرب فيها الخمر أو يبتلي بالشرب في اناء الذهب والفضّة إذ لا اشكال في حرمة الشرب في هذا المورد وهل يسري إلى المشروب ويوجب انتزاع عنوان عنه إليه موجبلحرمته أم لا ؟ فيه كلام والمسئلة خلافيّة وحريّة بالتنقيب لكن ربما نلتزم بعدمالمانع من ذلك حيث يكون الجلوس أو الشرب في مورد المثال موجبا لرفع القتل عنه أو غيره في صورة الاضطرار وحفظ النفس في مقام التقيّة ويقال بعدم المانع من ايجاد المكلّف مثل هذا المفرّ له وجعل نفسه معرضا لأمثاله وحينئذٍ فلا مجال لمقدّمة الحرام في مثل هذه الموارد .

ومما ذكرنا يعرف الحال في مسئلة ازار الغير المغصوب وكون تحريك الماء في الخزانة موجبا للتصرّف فيه أو حركته فانه يكون من موارد الاجتماع فان الفعل يعنون بعنوان التصرّف في مال الغير بالعنوان الثانوي كالالقاء في النار والاحراق وكذلك هو غسل أو وضوء مثلاً فيكون في صورة العلم باطلاً وهكذا في نظائر المقام والضابط في الجميع ما ذكرنا وممّا ذكر في مقدّمة الحرام تعرف الكلام

ص: 443

في مقدّمة المكروه .

هذا تمام الكلام في المقدّمة

في ان الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه ؟

هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه أم لا ؟ فيه أقوال .

فقائل بعدم الاقتضاء مطلقاً سواء بالنسبة إلى الضدّ العام أو الخاص وقائل بعكسه والاقتضاء مطلقاً في الموردين وقائل بالتفصيل . ولا يخفى كون المسئلة من المباحث الاصوليّة التي تنفع في موارد كثيرة . والمراد من الاقتضاء في المقام ليس هو الدلالة اللفظيّة لما تسلم من عدم التركب في معنى الهيئة وليس معناها عين النهي عن ضدّه وإن كانت عند القدماء لفظيّة . إلاّ انّها عقليّة وليست من مستقلاّته بل من الملازمات العقليّة التي تأخذ الموضوع من الشرع وتحكم عليه .

وكان الأنسب بباب الملازمات تبويب باب لها على حدة إلاّ انّها تفرّقت في المباحث المناسبة لها .وبالجملة باب الملازمات احدى الأبواب الثلاثة التي يتركب منها القواعد الاصوليّة والأخريان باب المستقلاّت وبحث الألفاظ .

وكيف كان فحيث انّ معنى الهيئة ليس مركّبا من طلب شيء والنهي عن نقيضه أو ضدّه ولا طلب الشيء والنهي عن اتيان معانده فليس من مباحث الألفاظ بل اما أن يكون معنى الهيئة هو الطلب في جميع مواردها . غاية الأمر تختلف دواعيه فتارة يكون الطلب بداعي الجد واخرى بداعي الحث والترغيب وثالثة غيرهما . وعلى أيّ حال ينتزع منها الوجوب أو الاستحباب أو غيرهما حسب اختلاف الدواعي وامّا تكون ايجاد النسبة وتحقيق المصداق للطلب

هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه

ص: 444

خارجا حسب اختلاف الدواعي المنتزع منها أيضا الوجوب أو ساير الأحكام وليكن على طبق تشريع المولى تكوين العبد . فالاقتضاء في عنوان البحث ينحصر بالدلالة العقليّة وباب الملازمات سواء كان من اللازم البين بالمعنى الأخص الذي من تصور الملزوم يتصور اللازم ( والظاهر انحصار مثاله بالعمى والبصر ) أو من البين بالمعنى الأعم الذي من تصوّر الطرفين والنسبة بينهما يحصل الجزم باللزوم وذلك بلا فرق بين كون اللزوم لجهة موجبة لذلك أو حسب الاتفاق وكذلك في لزومه للوجود الخارجي أو الذهني أو للماهيّة ( وقد لا يكون كما في مثل تصور العالم والحدوث فانه لا يحصل الجزم بلزوم الحدوث للعالم لما بينهما من المباينة مفهوما .

وليس العالم مركّبا من سوى اللّه تبارك وتعالى والحدوث .

ولا ملزوما للحدوث بأحد النوعين بل يحتاج إلى مقدمات ) .

إذا عرفت هذا فنقول: استدلّ للملازمة بين الأمر بالشيء والنهي عن نقيضهأي الضدّ العام الذي هوالترك بمقدّمتين بعد تسليمهما يحصل الجزم بالحكم .احديهما انه لا اشكال في ان المريد لشيء لا يريد تركه فاذا يعامل معاملة يريد النفع فلا اشكال في عدم قصده الضرر كما اذا يريد فعل شيء فلا يريد عدمه وان ضايقت في العينيّة وانّه ليس ارادة الشيء عين كراهة تركه وان الأمر بالشيء ليس أمرا بترك تركه مفهوما فلا اشكال في انه كذلك مصداقا وهذا المقدار كافٍ في هذه المقدّمة .

الثانية ان الارادة التشريعيّة تكون على طبق الارادة التكوينيّة كما مرّت إليه الاشارة مرارا .

استدلّ للملازمة بأمرين

ص: 445

فكما انّ المكلّف إذا أراد فعل شيء لا يريد تركه بل ترك تركه فكذلك في ناحية التشريع وانه هناك ملازمة بين الارادتين أي ارادة الشيء تشريعا وكراهة تركه والنهي عنه . وبعد تسلم هاتين المقدمتين نستنتج اقتضاء الأمر بالشيء تشريعا النهي عن ضدّه العام الذي هو الترك حسب الملازمة .

ثمّ انه ربما يمكن لهذا القائل أن يدعي سراية هذا الدليل إلى الأضداد الخاصّة بدعوى كونها عبارة عن مصاديق الترك فتكون كأفراد الجامع .

وهناك وجه آخر للاقتضاء بدعوى مقدميّة ترك أحد الضدّين لوجود الآخر وسيأتي إليه الاشارة فانتظر .

تفصيل الكلام: الأقوال في اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه وإن كثرت على اختلاف التفاصيل الا انها مبتنية على المقدميّة أو الدلالة اللفظيّة بأنحائها الثلاث من المطابقة بأن يكون الأمر بالشيء في اقتضاء النهي عن ضدّه العام عينه ومعنى صلّ أي لا تترك الصلاة أو اترك ترك الصلاة أو التضمن بأن يكون الطلب الذي هو معنى هيئة افعل بناءً على كون معناها مفهوما لا مصداقاايجاديّا مركّبا من جزئين الأمر بالشيء والمنع من النقيض .ولا يخفى ان الاقتضاء بناء على الأول واضح للعينيتة وكذلك على الثاني حيث انه يدلّ عن النهي عن ضدّه العام أي الترك بالتضمن . وبما ان التحقيق على ما استقرّت عليه الآراء عدم التركب في معنى الهيئة بل هو معنى بسيط لا تركب فيه أصلاً . وإنّما الاختلاف في الدواعي فلا وجه للقول بالتضمن كما لا وجه للعينيّة وإن كان ولابدّ فذلك لا من جهة دلالة اللفظ كما انه لا ربط له بالعينيّة بناءً

عليه .

ص: 446

نعم . قالوا بدلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضدّه بالالتزام اما باللازم البين بالمعنى الأخص أو لا أقل من البين بالمعنى الأعم . كما ان المحقّق النائيني(1) يميل بعض الميل في بعض الدورات وكلّه في آخر إلى هذا المذهب واطال بما في ظاهره جيد لكن لا وجه له(2) بعد كون الكلام في المقام إنّما هو في الانشاء والجعل والخطاب بأن يكون قوله صلّ ملازما لقوله اترك ترك الصلاة أو لا تترك الصلاة خطابا مولويّا بحيث لو خالف خالف خطابا مستقلاًّ سوى مخالفته لخطاب صلّ وهذا المعنى محال حيث ان الخطاب المولوي لا يتصور في ما أمره بيد العقل لأنّ الباب باب الاطاعة والعصيان فكما انه ليس للمولى تشريع خطاب مولوي في وجوب الاطاعة والعصيان كذلك لا معنى له هنا إذ ذاك لو كان فانما هو لرجوعه إلى عصيان خطاب صلّ فيرجع الكلام إلى قوله أطع ولا تعص . وهماارشاديان إذ لابدّ من انتهاء ما بالعرض إلى ما بالذات وإلاّ فيتسلسل لاحتياجاطاعة أمر الصلاة إلى أمر أطع وأمر أطع إلى أمر آخر وهكذا .

فلابدّ أن يكون المرجع في باب الاطاعة والعصيان هو العقل ولا تسلسل عندئذٍ .

هذا لو كان المراد خطابا مستقلاًّ مولويّا وقد عرفت انه لا مجال له . وما ذكرنا سابقا من قياس الارادة التشريعيّة بالارادة التكوينيّة وإن في الارادة

ص: 447


1- . فوائد الاُصول 1/303 .
2- . كما أنكر الدلالات الثلاث في المحاضرات محاضرات في اُصول الفقه 44/335 - 336 ولكن اختار المحقّق العراقي ( نهاية الأفكار 1/377 ) الدلالة الالتزاميّة بدعوى الملازمة التامّة بين الارادة لشيء وكراهة تركه بحسب الارتكاز بل نفي البأس عن دعوى العينيّة انشاء .

التكوينيّة إذا يريد شيئا فلا يريد ضدّه وتركه أو يكرهه فمغالطة ولو فرض صحّته فلا ربط له بما هو محلّ الكلام . إذ الكلام في الانشاء والجعل لا في مجرّد الكراهة وعدم ارادة ضد مطلوبه .

وكذلك الأمر في الخطاب التبعي والنهي التبعي بأن يكون المنشأ في بدو الأمر هو الأمر المنشأ المتعلّق بالصلاة وتبعا له بكون النهي عن أضدادها مطلقاً أو ضدّه العام أي الترك كما في الكفاية لما عرفت وعلى فرض كونه فليس مولويّا .

ومحلّ الكلام إنّما هو الخطاب المولوي كما عرفت في مبحث المقدّمة من عدم كون أمر المقدّمة مولويّا ومقامنا من ذاك القبيل . فحينئذٍ لا وجه للخطاب المولوي بالنهي عن الترك أي الضدّ العام فضلاً عن الخاص لا بالمطابقة ولا باختيها .

بقي الكلام في الاقتضاء بناء على المقدميّة:

وستعرف منعها وعلى فرض تماميّة ذلك فالاقتضاء فرع تصوير الخطاب المولوي من ذي المقدمة إلى مقدمته وهو الذي يفيد في ثمرات المسألة وانى لهم باثباته .

حيث قد عرفت في بحث وجوب المقدمة امتناع الخطاب المولوي وإن كانفانما هوارشاد إلى حكم العقل .وأمّا تقريب المقدّميّة كما هو بناء القول بالاقتضاء عند الكثير وتوقف وجود أحد الضدّين على ترك الضد الآخر وذهب بعضهم إلى مقدميّة وجود الضد في ترك الضد فهو ان الشيء لابد في وجوده من تماميّة أجزاء علّته كالمقتضى والشرط ومن الامور التي يتوقّف وجود الشيء عليها عدم المانع لا لكون العدم مؤثّرا في

في الاقتضاء بناء على المقدّميّة

ص: 448

الوجود كي يشكل بعدم تأثير الاعدام خصوصا في الوجودات بل لأن وجود المانع يمنع المقتضي عن التأثير فعدمه دخيل في التأثير وحصول المقتضى والمعلول من نفس المقتضى . والا فالأثر انّما هو للمقتضى لا عدم المانع وكذلك الشرط دخلهما من هذه الجهة وحصول التأثير .

اذا عرفت هذا فلا اشكال في عدم امكان وجود السواد في محل يكون ملونا بالبياض الذي هو ضدّ السواد فلابدّ في وجود أحدهما من عدم الآخر وبدونه لا يمكن وجود الضدّ فيتوقّف وجود البياض على عدم السواد وكذلك العكس وهذا هو معنى المقدميّة إذ معنى المقدّمة بالنسبة إلى الشيء انّه لو لا تلك المقدّمة لما يوجد ذاك الشيء وفي ما نحن فيه ما لم ينعدم السواد ويزول لا يمكن وجود البياض .

هذا غاية ما يمكن أن يقرب به مقالة القائلين بالمقدّميّة .

ولا يخفى انه على فرض تماميّته لا يثمر في ما هو محلّ الكلام أوّلاً وثانيا إنّما هو في الاُمور التكوينيّة وأمّا في الاُمور الشرعيّة كالصلاة والازالة هل الأمر

كالأمور التكوينيّة أم لا ؟ بل لا يكون هناك ارادتان للازالة والصلاة معا فلا يتمّ فلا

يقتضي ذلك هذا الدليل .

ثمّ انّه على فرض الغض عن الاشكالين لابدّ من جواب الدور بناء علىمقدميّة ترك أحد الضدّين لوجود الآخر .كما انه بناء على قدّمنا من عدم امكان الأمر المولوي لا مجال لشبهة الكعبي من انتفاء المباح إذ لو كان هناك تكاليف محرّمة فلابدّ من الاشتغال باُمور اخر تكون واجبة في تركه ولو كان تكاليف الزاميّة واجبة فتكون ما يتوقّف عليها واجبة .

ص: 449

تكميل وتوضيح: قد عرفت ان جماعة منهم قد استدلّوا على الاقتضاء بالمقدميّة وإن ترك أحد الضدّين مقدّمة لوجود الآخر ولذلك قالوا باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه .

ورد بوجوه ثلاثة: تارة منع المقدميّة واخرى باستلزامه الدور وثالثة بما ستسمع .

امّا تقريب المقدّميّة فبانّه لا إشكال في انّ الشيء يحتاج في وجوده إلى تماميّة علّته باجزائها لأن وجود العلّة مقدّمة ومقدّم على وجود المعلول وما لم تتحقّق خارجا لا يمكن وجود المعلول والمعلول وإن كان رشح المقتضى الا ان المقتضى قد يحتاج في تأثيره إلى شرط فلابدّ أن يكون في حصول المعلول موجودا حاصلاً كما انه ربما يكون هناك مانع من التأثير فلابدّ من رفع المانع وعدمه في تأثير المقتضي وحصول المعلول واقتضائه وجوده وهذا لا ريب فيه .

إذا عرفت هذا فنقول ان من الموانع لوجود أحد الضدّين وجود الآخر فمادام أحد الضدّين موجودا لا يمكن تحقّق الآخر وهذا معنى المقدّميّة لأنّها ما يتوقف عليه وجود الشيء ولو لاها لم يوجد . فان أحد الضدّين لا يمكن تحقّقه ما لم ينعدم الآخر وكما ان عدم أحدهما مقدّمة لوجود الآخر كذلك وجود الآخر مقدّمة لعدم الضد فبناءً عليه اذا أمر المولى أو غيره أو أراد فاعل فعلاً له ضدّ يقتضي ذلك عدم وجود الضد الآخر في الارادة وفي مقام الايجاد .هذا تقريب المقدميّة .

أمّا تقريب الأجوبة . فمنع المقدّميّة بأنّه إنّما تكون المقدّميّة في ما إذا يستند عدم الضدّ إلى وجود هذا الضدّ الذي يدّعي مانعيّته عن وجود الضد الذي يراد

رد استدلال المقدّميّة

ص: 450

ايجاده في الخارج وهذا محال لأنّه يكون من قبيل اسناد عدم الاحراق إلى الرطوبة فيما لا نار هناك لأن عدم الشيء يستند إلى أسبق علله والشيء إنّما يستند عدمه إلى وجود المانع ومنعه من التأثير إذا كان مقتضيه تامّا وشرط تأثيره حاصلاً وإنّما المشكل وجود المانع . فاذا ارتفع المانع يؤثّر المقتضي أثره . أمّا إذا لم يكن

هناك مقتضى ولا ما يقتضي وجود المعلول فلا وجه لجعل وجود الشيء الآخر مانعا . وما نحن فيه من هذا القبيل حيث ان ارادة الضدّين ممّا لا يمكن ونفرض المثال في الضدّين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون فالانسان إمّا أن يكون ساكنا او متحرّكا ومادام ساكنا وإن كان لا يمكن أن يكون متحرّكا لكنّه ليس من جهة وجود السكون وكذا إذا فرض انّه ساكن ولا يمكن كونه في هذا الحال متحرّكاً وليس ذلك له لمانعيّة الحركة بل حيث انّه لا ارادة له في ايجاد الضدّ الآخر

أيّهما فرض لما بين الارادتين من التمانع والتضاد وحينئذٍ كيف يمكن(1) اسناد المانعيّة إلى ما يسبقه في ايجابه العدم وهو عدم الارادة لايجاد الضدّ وكذلك الكلام في أمثال المقام وفيما إذا كان الشيء له أضداد كثيرة كالصلاة التي لا يلائمها المشي والشرب والأكل مثلاً فانّه إمّا أن يشتغل بالصلاة أو لا يشتغل بل يشتغل بغيرها من الأضداد ولا يريد في ذلك الحين والظرف ايجاد نحو الصلاةفأين التوقف ؟ وليس ذلك من جهة عدم وجوب المقدّمة أو عدم لزوم وجودأجزاء علته وعدم ما يمنع من تأثير المقتضي كوجود المانع بل إنّما هولمنع الصغرى وهو المقدّميّة اذ لو كانت مقدمة لكان الكلام في محلّه . لكنّه قد عرفت عدم توقّف أحد الضدّين أو الأضداد في وجوده على عدم الآخر بل على عدم ارادته التي تضاد ارادة الآخر بحيث لا يوجد .

ص: 451


1- . الظاهر ان العبارة لا يمكن .

وأمّا تقريب الدور في رد المقدميّة فهو ان الشيء في وجوده يحتاج إلى عدم ضدّه فهو موقوف على عدم الضدّ وإنّما ينعدم الضدّ بوجود الضدّ الآخر فالتمانع من الطرفين والتوقف بين العدم ووجود أحدهما أيضاً كذلك لأن عدم أحدهما مقدمة لوجود الآخر والفرض ان هذا الوجود مقدمة لذاك العدم الذي فرض انه مقدمة لهذا الوجود وهذا هو معنى الدور أي توقّف الشيء على نفسه وفي المقام بواسطة واحدة .

وأجاب المحقّق الخراساني(1) عن اشكال الدور بأنّه من أحد الطرفين فعلى ولكن في الطرف الآخر شأني بمعنى ان توقّف وجود أحد الضدّين على عدم الآخر فعلي لا تقدير فيه بلا تعليق بخلاف مقدميّة وجود أحدهما لعدم الآخر فانه إنّما يستند العدم إلى وجود هذا الضد إذا فرض وجود جميع ما يعتبر في تحقق العدم . وإنّما هذا الوجود مانع بحيث لو لم يكن وجود الضد لما كان هناك عدم الآخر لتماميّة ما يقتضي ذلك وهذا لا فعليّة فيه بل شأني لعدم وجود ما يعتبر في وجود الضد الذي فرض وجود الضد الآخر مقدّمة شأنيّة لعدمه لعدم ارادة ذاك الضد فكيف يستند عدمه إلى وجود الآخر .وزاد المحقّق الخراساني قدس سره (2) على هذا التقريب بأنّه ربما يكون عدم تعلّقالارادة الأزليّة موجبا لعدم تحقّق ما يقتضي وجود الضد الذي قلنا انه متوقّف عدمه شأنا على وجود الآخر .

ثمّ أورد المجيب على نفسه بما حكاه في الكفاية بقوله:

رد اشكال الدور

ص: 452


1- . كفاية الاُصول 1/207 .
2- . كفاية الاُصول 1/207 لكن التفصيل ليس مختاره .

ان قلت(1) هذا إذا لوحظا منتهين إلى ارادة شخص واحد وأمّا إذا كان كلّ منهما متعلّقا لارادة شخص فأراد منه أحد الشخصين حركة شيء وأراد الآخر سكونه فيكون المقتضي لكلّ منهما موجودا فالعدم لا محالة يكون فعلاً مستندا إلى وجود المانع .

قلت: هاهنا أيضا يكون مستندا إلى عدم قدرة المغلوب منهما في ارادته وهي ممّا لابدّ منه في وجود المراد ولا يكاد يكون بمجرّد الارادة بدونها لا إلى وجود الضد لكونه مسبوقا بعدم قدرته كما لا يخفى انتهى .

ثمّ ردّه بأنّ التوقّف الشأني(2) أيضا محال و ( ردّه ) المحقّق النائيني(3) بوجه آخر وهو ان الجواب في غاية المتانة لكنّه رجوع إلى إنكار المقدّميّة كما ان مرجع هذا الوجه إلى الوجه الأوّل .

والمحقّقون من العامّة أيضا على نفي المقدّميّة وببالي حكاية سيّدنا الاُستاذ قدس سره عن بعضهم انه أنكر الوجوب لا أصل المقدّميّة .

تتميم: قد عرفت الجواب عن المقدّميّة بوجوه ثلاثة أحدها ان التوقّف إنّماإذا حصل المقتضي لوجود الضد الآخر الذي يراد ايجاده الذي فرض مقدميّة عدمالضدّ الآخر له وهذا إنّما يكون في صورة وجود المقتضي والشرط كي يمنع تأثيرهما ويتمّ بعدم المانع .

الثاني: انّه مع فرض وجود المقتضي لكلا الضدّين لا يمكن تأثير كليهما بل

ص: 453


1- . كفاية الاُصول 1/208 .
2- . كفاية الاُصول 1/208 .
3- . فوائد الاُصول 1/310 - 311 لكن الجواب اطراد مناط الاستحالة بين الضد الموجود والمعدوم .

إمّا أن يكون أحدهما غالبا والآخر مغلوبا كما في شخصين بايقاع شيء واحد أحدهما يريده والآخر يريد ضدّه لا على فرض المحال في ارادة شخص واحد أو لا يكون هناك غلبة ولا مغلوبيّة بل يتساويان فلا يقع مقتضى أحدهما وحينئذٍ ففي هذا الفرض كالفرض الأوّل أين مقدميّة وجود المانع كي يستند عدم الضد إلى وجود المانع الذي فرض عدمه مقدمّة لوجود الضد أو يقال في الاشكال الأوّل انّه على فرض مقدميّة عدم أحدهما لوجود الآخر فلا محالة يكون وجود الآخر أيضا مقدّمة لعدم الآخر ويلزم الدور على التقريب المتقدم ولا محيص عن التزامه ولا يكون ما ذكر جوابا عن الدور على هذا الفرض لرجوع الجواب إلى انكار المقدميّة .

الثالث: انكار أصل المقدميّة وذلك لأن المقدمة رتبتها رتبة العلّة والعلّة باجزائها مقدّمة على المعلول تقدّما رتبيّا لا زمانيّا كما هو واضح .

وحينئذٍ فاذا كان عدم أحد الضدّين مقدمة لوجود الآخر يلزم المحال وهو اتّحاد رتبة المقدّمة وذي المقدّمة الذي لا يمكن الالتزام به لعاقل إذ في رتبة المقدّمة لا وجود لذي المقدمة ويرجع حينئذٍ إلى اجتماع النقيضين .

توضيح ذلك: انه لا شبهة في اتّحاد رتبة النقيضين فاذا فرض كلّ شيء وجودي فعدمه إنّما هو في رتبته وإنّما الكلام هنا ليس في ما هو في رتبة الماهيّة إذ هي في حدّ ذاتها لا تقتضي وجودا ولا عدما بل لا موجودة ولا معدومة .نعم في المرتبة اللاحقة إمّا أن يعرض لها الوجود أو العدم الذي هو بديلالوجود ورتبته رتبته كما ان المحمولات المترتبة والملابسات رتبتها بعد رتبة الوجود ويكون الوجود كالموضوع لها وكما ان الماهيّة بما هي إمّا تكون موجودة

انكار أصل المقدّميّة

ص: 454

أو معدومة ولا يمكن أن تكون بما هي موجودة معدومة وكذا العكس كذلك بالنسبة إلى المحمولات المترتبة فالقيام لا يمكن أن يحمل على زيد القائم أو زيد الذي فرض انه ليس بقائم لرجوعه إلى تحصيل الحاصل أو اجتماع النقيضين بل بما هو معرّى غير ملحوظ فيها ذلك يكون محمولاً عليها المحمولات .

ثمّ انه لا إشكال في اتّحاد رتبة الضدّين إذ هما الأمران الوجوديان الذان لا يمكن اجتماعهما في زمان واحد في مكان واحد . وقد عرفت اتّحاد رتبة النقيضين فالحركة والسكون اللذان فرضناهما ضدّين . رتبة الحركة وعدمها واحدة بلا إشكال وكذا رتبة الحركة والسكون قضية للمضادة بينهما فيكون السكون الذي هو في رتبة الحركة في رتبة عدمها الذي يتّحد رتبته مع رتبة وجود الحركة فاذا استوت رتبة أحد الضدّين مع عدم الضدّ الآخر كوجوده فلو فرض ان عدم هذا الضد مقدمة له فيلزم اجتماع العدم والوجود كما ذكر لاختلاف رتبتي المقدّمة وذيها وفرضنا ان العدم لأحد الضدّين متّحد رتبة مع وجود الضد الآخر فكيف يمكن أن تكون مقدّمة له مع اختلاف رتبتي المقدمّة وذيها لكون المقدّمة في رتبة العلّة وذيها في رتبة المعلول . وعدم المانع إنّما يكون في رتبة متأخّرة عن

الشرط المتأخّر رتبة عن المقتضى . لذلك لا يمكن كون الاستقبال شرطا والاستدبار مانعا فأوجب ذلك ان أجاب الفقهاء عن الاشكال بكون الشرط لحال الاجزاء والمانع مطلقاً في جميع الأحوال حتّى حال السكونات حذرا عن اللغويّة . كما انه كذلك الأمر في غمس يده النجسة في الماء الكثير لتطهيرها وقصدالغسل أو الوضوء له . ولذا استشكله صاحب العروة(1) وتبعه المحقّق النائينيلاختلاف الرتبة .

ص: 455


1- . العروة الوثقى . الشرط الثاني من شرايط الوضوء .

فظهر بما ذكرنا من الوجوه الثلاثة اندفاع الاشكال . وتوهّم كون عدم أحد الضدّين مقدّمة لوجود الاخر . ويجري هذا الكلام بعينه في العكس وهو مقدّميّة وجود أحد الضدّين لعدم الآخر لما عرفت من بطلان هذا القول وهذا المذهب فالقول بمقدميّة الوجود للعدم كما انه عليه يبتني شبهة الكعبي بنفي المباح لمقدميّة الموضوعات لترك المحرمات أو مقدميتها لفعل الواجبات وهي ظاهر الفساد . وكذلك القول بمقدميّة العدم للوجود كما عليه يبتني مقالة القائلين باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه الخاص لذلك .

أمّا التفصيل بين الضد الموجود فيتوقّف ايجاد الضد الآخر على رفعه وعدمه مقدمة بخلاف غيره إذا كان موجودا فلا توقف عليه كما عن المحقّق الخونساري وربما مال إليه الشيخ بعض الميل أو كلّه نظرا ان مثل السواد الموجود في المكان إذا أريد تبديله بالبياض فبمجرّد وجود مقتضى البياض لا يمكن حصول البياض ما لم يرتفع السواد المانع وكذلك في الحجر أو المنبر الموضوع في مكان إذا اريد وضع غيره في هذا المكان فلا يمكن مادام موجودا وهذا حكم يقتضيه الوجدان ويحكم به وهو أكبر برهان . فهذا أيضا عند التحقيق فاسد لما عرفت من البرهان أوّلاً واحتياج الباقي في بقائه إلى مؤثر ثانيا . غاية الأمر ربما تكون العلّة المحدثة للشيء مبقية له . وإلاّ فالامكان مساوق للفقر والاحتياج . وحينئذٍ فالقول بمقدّميّة عدم الضد الموجود لوجود الآخر لا يجامع احتياج الباقي في بقائه إلى المؤثر وعليه فيعود الكلام وانه إمّا أن يكون مقتضى أحدهما موجودا والآخر لا مقتضى له فلا معنى لمقدميّة عدم أحدهما لوجود الآخر بلا فرق بين الموجود وغيره وامّا يتساويان فكما ذكرنا فتدبّر في أطراف الكلام جيّدا .

التفصيل بين الضد الموجود وغيره

ص: 456

بقي تتمّة اشارة إلى بعض ما مرّ منها: ما في رد المحقّق النائيني(1) عن ردّ الدور الوارد على المقدميّة من المحقّق الخونساري فان صاحب الكفاية استشكل جواب المحقّق الخونساري عن اشكال الدور بما عرفت وإليه يرجع جواب المحقّق النائيني قدس سره م الا انه بتغيير عبارة كما لا يخفى .

ومنها: الجواب عن تقريب مقدميّة أحد الضدّين عدما لوجود الآخر وانه يردّ بوجوه ثلاث وان رجعت إلى اثنين:

أحدهما: انه لا يمنع المانع ولا يستند عدم الشيء إليه وفي المقام لا يستند عدم الضد إلى وجود الضد الآخر إلاّ بعد حصول المقتضي وتماميته في التأثير وإنّما المانع يمنع من ذلك ولا يمكن ذلك في الضدّين لعدم امكان اجتماع مقتضيهما فدائما يستند عدمه إلى عدم المقتضي .

والثاني الذي هو تتمّة للأوّل انه إذا فرضنا شخصين يريدان الضدّين فلا يمكن اجتماعهما في ذلك إذ لا محالة إمّا أن يكون أحدهما غالبا والآخر لا مقتضى له وإمّا أن يتساويا . فأيضا لا منع من جهة وجود الضد كي يكون عدمه أي الضد مقدمة .

الثالث الدور الذي تقدّم تقريبه تصريحا وتلويحا في مطاوي الأبحاث إلاّ أنّ المحقّق النائيني قدس سره قرب بوجه آخر سمعته في انكار المقدميّة .

ومنها: ثمرة التفصيل بين مقدميّة عدم الضد الموجود وعدم مقدميّة عدم الضد الذي ليس بموجود وان الصلاة قبل الاشتغال بها صحيحة لعدم مقدميّة عدمهاللازالة وأمّا إذا اشتغل بها فتصير حراما للمقدميّة وفي هذا من التهافت ما لا يخفى.

ص: 457


1- . فوائد الاُصول 1/308 وما بعده .

الجواب عن شبهة الكلعبي وهي لزوم انتفاء المباح وأشرنا إلى أن بعضهم قائل بالمقدميّة منكر للوجوب كالكعبي كما سيظهر من تقريب استدلاله وآخر منكر للمقدميّة على ما عرفت . وتقريب الاستدلال بناء على مذهبه بمقدّمتين:

أحديهما ان الانسان لا يخلو دائما من فعل من الأفعال كالشرب والأكل والنوم والسكون والقيام والقعود إلى غير ذلك من الأفعال .

الثانية: انه إذا ترك كلّ واحد من الأفعال التي لا تجتمع مع فعل حرام كشرب الخمر مثلاً فحينئذٍ لابدّ أن يكون مشتغلاً به وهو حرام فتنتج وجوب الاشتغال بواحد من الأفعال والأضداد للشرب المحرم كي لا يبتلي بالشرب مقدمة له ولا يفعل المحرم . وهذا يوجب عدم كون المباح في جملة الأفعال لكون ترك الحرام واجبا ومقدمته كذلك وحيث ان كون الأحكام أربعة وانتفاء المباح محال فما يستلزمه وهو وجوب مقدمة الواجب محال هذا تقريب كلامه وهو على ما فيه ظاهر الفساد .

فتلخّص ممّا ذكرنا ان الأمر بالشى ء لا يقتضي النهي عن ضدّه بأحد الوجوه لا بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام الذي يكون لازم المعنى المطابقي . وكذا لا دليل عقلي على النهي عن ضد المأمور به كما عرفته مفصّلاً ولا شبهة في جواز الدلالة الالتزاميّة وإن لم يكن ما نحن فيه كذلك كما ذكروا في البيع اللفظي انه هناك

دلالتان لكلام واحد حيث ان بعت معناه المطابقي بدلت أو ملكت ونحوهما والدلالة الالتزاميّة من اللفظ كباب المفاهيم انه تعهد بالوفاء . بخلاف البيع بالمعاطاة فانه ليس إلاّ عبارة عن مصداق البيع ولا عقد بل لا تعهد فيه . وفرعوا

لا يقتضي الأمر بالشيء النهي عن ضدّه

ص: 458

على ذلك عدم شمول أوفوا بالعقود لبيع المعاطاة لعدم كونه عقداً بخلاف البيع العقدي وحينئذٍ فالبيع بالمعاطاة جائز ويتعلّق حق ردّ العوضين بها بخلاف البيع العقدي لكنه لا يخفى فساد المبنى وانه أوهن من بيت العنكبوت وكذا ما فرعوا على هذا المبنى الفاسد وكان المحقّق النائيني يقول به في بدو الأمر لكنّه كما نقل سيّدنا الاستاذ انه رجع عنه أخيرا لالتفاته إلى اشتباهه وفساد ما ذهب إليه إلاّ انه خفى على البعض أو غفل وصار مطبوعا أو منقولاً منه هذا .

نعم الأمر بالشيء لا يجامع الأمر بضدّه فهو أي الأمر بالشيء يقتضي عدم الأمر بضدّه لعدم امكان الامتثال للضدّين في زمان واحد كما هو واضح فطلب الضدين لا معنى له وإذا أراد أحدهما فلا معنى لارادة الآخر . هذا تمام الكلام في بحث الاقتضاء .

وتلخّص انّه لا اقتضاء وإنّما المقام مقام الامتثال وليس لأعمال جهة المولويّة وجه ففي الترك أيضا اذا نهى يكون ارشاديّا .

ثمرات اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه . قيل منها بطلان الضد إذا كان عبادة كما في الأمر بالازالة فاذا اقتضى الأمر بها النهي عن الصلاة تكون باطلة بخلافه على عدم الاقتضاء هذا ولكن لا يخفى عليك انه ليس البطلان والصحة مبنيين على الاقتضاء وعدمه إذ على فرض عدم اقتضاء الأمر النهي عن ضدّه فيقتضي عدم الأمر بضدّه فلا أمر بالصلاة إذا أوجبنا في العبادة الأمر وقصده كما انه لو لم نقل بلزوم قصد الأمر أيضا فالصلاة صحيحة لكفاية قصد الملاك .

توضيح البحث: انه تارة يكون ضد المأمور به أمرا توصليّا فلا اشكال انه إذا اتينا بمتعلقه يسقط الأمر . أمّا إذا كان عباديّا فلا اشكال كما ذكرنا في ان الأمر

ص: 459

بالشيء يقتضي عدم الأمر بضدّه فهي لا أمر بها . لكنه نمنع توقف العباديّة علىالأمر بل يكفي الملاك إذ الملاك منشأ الأمر بناء على ما ذهب إليه العدليّة من تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد الكائنة في نفس متعلقاتها وإلاّ يلزم الترجيح بلا مرجح . فان قصد الملاك لو لم يكن أحسن من قصد الأمر فلا أقل من مساواته له فيحصل منه ما يحصل بسبب قصد الأمر ويسقط التكليف عن عهدة المكلف .

ان قلت: هذا على فرض كون الصلاة في صورة المزاحمة بالأهم الذي فرضنا انه الازالة ذا ملاك ومن أين ينكشف الملاك مع عدم الأمر بالصلاة حسب ما قرر مع انحصار الكاشف للملاك بالأمر وعدم تشريع كليهما أي الأمر بالضدّين معا ازلاً لا انه في خصوص هذه الحال ارتفع التكليف بالضد الآخر .

قلت: نعلم بوجود الملاك حيث ان المانع من التكليف بالضد المهم الذي هو في الفرض الصلاة عدم قدرة المكلّف على الجمع في الامتثال بين المتعلقين والتكليفين وإلاّ فلو فرض انه قادر على ذلك محالاً فالأمر كان متوجّها إليه لوجود ملاكه .

إن قلت: هذا إذا كان اشتراط القدرة عقلاً من باب قبح مطالبة العاجز . أمّا إذا كان مستندا إلى اقتضاء الخطاب مقدوريّة متعلّقه للمكلّف فلا يتمّ المدّعى حيث انه يكون حينئذٍ كالاستطاعة التي هي تكون موضوعا لوجوب الحج

ولا مصلحة الزاميّة ولا ملاك وجوب في حق غير المستطيع وعلى هذا فلا يمكن الاتيان به والاكتفاء بلا مصلحة له بحيث تكون مسقطة عن الواقع .

تكميل البحث: وتوضيح أزيد: قد عرفت ان الأمر بالشيء لا يقتضي

لو فرض الاقتضاء فهو طريقي غيري

ص: 460

النهي عن ضدّه(1) إلاّ انه يقتضي عدم الأمر بالضد وحينئذٍ فيمكن الاستدلال علىبطلان الضد إذا كان عبادة بمقدمتين كما عن الشيخ البهائي قدس سره .

احديهما: اقتضاء الأمر بالشيء عدم الأمر بضدّه لعدم امكان الامتثال والجمع بين الضدين فلا يمكن الأمر به .

ثانيتهما: احتياج العبادة إلى الأمر إذ هي عبارة عن قصد الأمر في مقام اتيان العمل ومنه يعرف انه على فرض تماميته لا يكون بطلان العبادة من ثمرات اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه .

لكنه يمكن الخدشة في المقدّمة الثانية وهي قوام العبادة بقصد الأمر اذ نمنع الانحصار بل يمكن حصولها بقصد المصلحة والملاك وهذا المقدار لو لم يكن أحسن من قصد الأمر فلا أقل من كونه كافيا في مقام افراغ الذمّة من الضد لو كانت عبادة واجبة مثلاً .

إن قلت: سلّمنا كفاية قصد الملاك والمصلحة في التقرب وكفايته في العباديّة لكن لا علم لنا في مورد الأمر بالضد بحصول الملاك للآخر لعدم الأمر حسب ما تقدّم ولا كاشف لنا غير الأمر عن وجود الملاك والمصلحة وحينئذٍ فينحصر باحتمال الملاك وهو وان سلّمنا كفايته في العباديّة والقرب لكن لا يمكن الاكتفاء به في افراغ الذمّة للشكّ في فراغها الموجب لتحصيل الفراغ القطعي .

قلت: ان عدم الأمر بالضد في المقام إنّما هو لعدم القدرة على الجمع بين الضدّين وإلاّ فلا إشكال في وجود الملاك والمصلحة وانه على فرض محال لو كان

ص: 461


1- . ثمّ انّه لا يخفى على فرض اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه إنّما هو طريقي غيري مراعاة لا طاعة الضد المأمور به لا لملاك نفسي في متعلق النهي وحينئذٍ فلا يوجب فسادا على ما سيظهر في مسئلة الترتب .

قادرا على الجمع بين المتضادين لكان مأمورا بهما فليس الموجب لعدم الأمرالأقبح مطالبة العاجز عن الجمع بين المتضادين .

ان قلت: هذا إذا كان استكشاف ذلك من العقل الحاكم بقبح مطالبة العاجز عن الشيء الا انه قد تقدّم في المباحث السابقة ان نفس الخطاب يقتضي القدرة على متعلقه وحينئذٍ فالمقدوريّة تكون كالاستطاعة المأخوذة في مسئلة الحج المستفاد منها عدم وجود الملاك في حقّ غير المستطيع كالعقل والبلوغ من الشرايط العامّة التي كلّها دخيلة في الملاك . وحينئذٍ فلا وجه لكشف الملاك إذ القدرة مأخوذة فيه وفي المقام منتفية وإنّما الملاك للمقدور .

قلت: انه لا معنى للقدرة المستفاد اشتراط التكليف بها وكونها دخيلة في الملاك بحيث أن يقال الارادة الآمريّة تابعة للارادة الفاعليّة فكلّما يمكن تعلّق ارادة الفاعل به يمكن تعلّق ارادة الأمر به وما لا يمكن فلا بل يستحيل في المقام لما بين الخطاب ومتعلّقه من الترتب فان تصوّر المطلوب وجميع ما يعتبر فيه من القيود والحدود مقدم على الخطاب به فكيف يمكن دخل ما يستفاد من الخطاب المتأخّر رتبة عن متعلّقه الذي يعرضه في متعلّقه .

وهذا معنى ما يقال من اطلاق المادة وإلاّ فبغير هذا المعنى لا وجه لهذا الاطلاق المدعى . وهذا كما في باب الأمر بالمعروف من اشتراط العلم بالمعروف والمنكر كي لا يكون ناهيا عن المعروف آمرا بالمنكر حيث وقع النزاع فيه انه طريقي أم لا ؟ وبعبارة اخرى شرط للتكليف كي يكون نظير الاستطاعة غير واجب التحصيل لكونه شرط الوجوب أو قيدا للواجب كي يجب تعلم الأحكام مضافا إلى وجوب تعلم ما يتعلق منها بنفسه بالنسبة إلى الغير كي يكون آمرا

الاشكال لو اقتضى نفس الخطاب القدرة

ص: 462

بالمعروف وناهيا عن المنكر وهذا هو الواجب الطريقي .نعم لو كانت القدرة مأخوذة في الخطاب لكان ما ذكر تماما حيث انّهاحينئذٍ تكون شرعيّة دخيلة في الملاك نظير الاستطاعة وانى هذا لما نحن فيه من ما لم يؤخذ فيه القدرة في الخطاب وإنّما هو من باب حكم العقل بقبح مطالبة العاجز كما انه كذلك الأمر في امورنا الشخصيّة . وما ذكر في الاشكال من كون الارادة الآمريّة محرّكة للارادة الفاعليّة واذا لا يمكن تعلق الارادة الفاعليّة بمورد

فلا مقام للآمريّة قد عرفت انه لا يقتضي كون القدرة دخيلة في الملاك بل الملاك والمصلحة موجود غاية الأمر يكون الخطاب به لغوا قبيحا .

هذا ما أفاده المحقّق النائيني(1) في المقام لكنه لا يستقيم انقسام القدرة إلى الشرعيّة والعقليّة وان الأولى ما يكون مأخوذة في لسان الدليل بخلاف الثانية إذ ليس لنا قدرتان شرعيّة وعقليّة بل القدرة ليست إلاّ عقليّة(2) ولو أخذها الشارع في لسان الدليل بقوله ( ان قدرت فصل ) فانما هو ارشاد إلى حكم العقل ولو لا خطاب الشارع وأخذها في موضوع الخطاب أيضا لكنّا ندري بها .

والمثال بمسئلة استطاعة الحج من كونها قدرة شرعيّة غير سديد لكون السائل يدري الاستطاعة العقليّة والقدرة وإنّما سؤاله عن الاستطاعة في غير هذه الجهة . فاجيب بكونها عبارة عن اجتماع الامور الدخيلة فيها شرعا كخلوّ السرب والزاد والراحلة واضافة الرجوع إلى الكفاية لو قلنا به إلى غير ذلك وان المشي لمن يطيقه ليس شرطا للوجوب فلا يجب عنده وانّى هذه من الاستطاعة(3) العقليّة

ص: 463


1- . فوائد الاُصول 1/314 وما بعده .
2- . لكن يأتي اعتراف سيّدنا الاستاذ بالقدرة الشرعيّة .
3- . الظاهر كون العبارة الاستطاعة الشرعيّة وكذا في السطر التالي أو هي أضيق .

أو القدرة الشرعيّة بل هي أوسع من القدرة العقليّة لعدم اشتراطها بهذه الامور .

ثمّ انه قد يستشكل ما ذكر بانه إنّما ذلك في مورد عدم تزاحمهما دائميّا والافيرجع إلى باب التعارض كما انه لو كانت اتفاقيّة لا دائميّة لابدّ أن يرجع إلى عدم المقتضي أو تزاحم المقتضيين كباب العموم من وجه من باب التعارض وإلاّ فلا يمكن تصحيح الأمر بأحدهما فضلاً عن كليهما بالترتب .

والحاصل انه ان ادعى الأمر بكليهما في صورة التزاحم الذي هو محلّ الكلام من الأمر بالضد فهذا يكذبه الوجدان او يرجع إلى تزاحم المقتضيين .

فاما أن يغلب أحدهما بالكسر والانكسار أو يتساويا فلا أمر بأحدهما بل يكون هناك حكم آخر فتدبّر .

وعلى فرض الرجوع إلى ما ذكر فلا مجال للترتب أصلاً إذ هذا هو الركن الركين فيه .

اشكال ربما يورد على عدم أخذ القدرة في الخطاب .

ان قلت يمكن تصوير دخل القدرة في الملاك أو المتعلّق لكن المولى اتّكل في بيانه إلى حكم العقل بذلك فأين اطلاق المادّة حينئذٍ فلا يتمّ ما ذكرتم من كفاية

قصد الملاك لعدم احرازه .

قلت: إن كان الاتّكال في القدرة العقليّة التي ذكرنا انها من ناحية قبح مطالبة العاجز فان كان لا يتعلّق الخطاب بغير المقدور لكنه عرفت عدم دخلها في المرتبة السابقة على عروض الطلب على المتعلّق بل لو فرض في مورد ان الشارع أخذها في الموضوع أو المتعلّق فايضا ارشاد إلى حكم العقل لعدم امكان تعلّق الخطاب بغير المقدور عقلاً . وإن كان المراد بالقدرة دون القدرة العقليّة بحيث

جواب الاشكال

ص: 464

يكون قادرا على مشقّة وهذه هي التي رفعت عن هذه الامّة امتنانا وإلاّ فلا منة في رفع الخطاب بغير المقدور عقلاً فهذا لا ربط له بالملاك بل لا يستقل العقل به ولابدّفي صورة الدخل من أخذها في ماله الدخل ملاكا ومتعلّقا . فاذا لم يأخذها فيأحدهما فيكون مطلقا بالنسبة إليها . وحيث ان فعل الضد لم يقيد بعدم مقارنته لترك الأهم ومزاحمته له فيكون خطاب الضد من هذه الجهة مطلقا وحينئذٍ فلا يبقى مجال لاشكال عدم كشف الملاك لوجود اطلاق المادّة الكاشف عنه .

ان قلت: هذا إذا كان من قبيل باب التزاحم وأمّا إذا كان من باب التعارض فلا مجال لكلّ ما ذكرت .

وإذا شككنا فلابدّ من بيان كون الأصل هو باب التزاحم أو التعارض .

قلت: لابدّ من بيان الضابط بين البابين وعدم وقوع الخلط بينهما . وان الفرق والدوران كدوران الأمر بين ان الأصل طهارة الغسالة أو دية الميّت كدية الجنين وبعد ما يتلى عليك من الضابط لكل من البابين تعرف ما ادّعاه ذلك القائل من كون المقام من قبيل باب التعارض وان خطاب ازل وصلّ من العام من وجه ففي مورد الاجتماع ومادته لابدّ من الرجوع إلى مقتضى الأصل وانه هو الاشتغال أو البرائة .

نعم في مادتي الافتراق من الطرفين لا معارض لأيّ منهما فيؤخذ بمقتضى الدليل ويعمل به فانتظر .

تكميل وتوضيح: لبعض ما سبق في القدرة .

وليعلم ان القدرة على قسمين عقليّة موجبة لقبح الخطاب والمطالبة بالنسبة إلى فاقدها وهذه لو أخذها الشارع في لسان الدليل ليس إلاّ للارشاد وشرعية

ص: 465

وهي ما دون القدرة العقليّة تناسب المشقّة ويكون العمل معها ميسورا ولا يكون الخطاب معها قبيحا وهذه يمكن دخلها في الملاك كما يمكن دخلها في الخطاب ولا مانع من أيّ الوجهين .وبعبارة اخرى يمكن دخلها في موضوع الخطاب كما يمكن في متعلّقهوعلى الأوّل تكون كالبلوغ والعقل وغيرهما من الشرايط العامّة . وعلى الثاني تكون من شرايط وجود الشيء ويحتمل أن يكون الوقت كذلك فعلى فرض يكون شرطا للتكليف والموضوع وعلى نحو يمكن أن يكون من شرايط المكلّف به فسبيله سبيل الطهارة اللازم تحصيلها غاية الأمر لا يكون جرّ الزمان بيد المكلّف .

وهذه أي القدرة الشرعيّة إذا أخذت شرطا للتكليف وجزءا للموضوع فعدمها موجب لعدم التكليف كما في الاستطاعة فاذا نذر صحيحا زيارة عرفة ولا مانع من ذلك فلا يتحقّق بعد بالنسبة إليه الاستطاعة لعدم قدرته شرعا للزوم الوفاء بالنذر على الكون في عرفات مثلاً ) كما انه يحتمل أن يكون آية الوضوء والتيمّم من هذا القبيل بدعوى ان قوله تعالى: « فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا »(1) قرينة على كون الوضوء والطهارة المائيّة مشروطة بقرينة المقابلة بالوجدان الشرعي وهو التمكّن من استعمال الماء حيث ان التفصيل قاطع للشركة . وحينئذٍ تكون القدرة بهذا المعنى دخيلة في الملاك ولا مصلحة عند عدمها والظاهر ان المحقّق النائيني يذهب إلى هذا المعنى في القدرة الشرعيّة وانها دخيلة في الملاك لا في حسن الخطاب لكن قبال هذه الدعوى قول بكون القدرة في الآية عقليّة كما ان في موارد الضرر باستعمال الماء ليس المرفوع هو ملاك الوضوء بل الالزام فالمصلحة باقية

تقسيم القدرة إلى شرعيّة وعقليّة

ص: 466


1- . المائدة الآية 7 .

وتكفي في مشروعية الوضوء الضرري . وكذلك يحتمل أن يقال في الصوم

الضرري ( وهذا تمحل ) وعلى كلّ حال فان كانت القدرة الشرعيّة بهذا المعنى مأخوذة في موضوع الخطاب والحكم فعند عدمها لا ملاك له كي يقصد الملاكويتقرّب فاذا أخذ في موضوع خطاب صلّ عدم مزاحمة الاهم فعندها لا ملاك لهبخلاف ما إذا لم يكن كذلك وإنّما هو منهي على فرض اقتضاء الأمر بالازالة الأهم تهيئا طريقيّا لا نفسيّا بعدم اتيان الصلاة فانّ المصلحة حينئذٍ لم تقيد بشيء كي لا

تكفي في التقرّب .

وعلى هذا فيأتي بها بقصد المصلحة وإن لم يكن هناك أمر بالصلاة للمزاحمة وعدم امكان الأمر بالضدّين لاقتضاء الأمر بالشيء عدم الأمر بضدّه .

لكن قد يقال ان ما ذكرت مبنى كله على التزاحم بين الخطابين مع انه لا أصل له بل ليس إلاّ المعارضة . فلابدّ من معالجة هذه المقامات معالجة باب التعارض لمعارضة خطاب الازالة خطاب الصلاة . وربما نسب المحقّق النائيني هذا الكلام إلى المحقّق الخراساني في ظاهر عبارة كفايته واستشكل عليه بعض من أدرك بحث المحقّق الخراساني ممّن حضر بحث المحقّق النائيني في ما نسب إلى الآخوند بأنّه لم يصل إلى مراد صاحب الكفاية . لكن الانصاف ان عبارة الكفاية(1) في هذا المقام لا تخلو من اضطراب وتشويش ولم يكن الميرزا النائيني بصدد فهم مراد صاحب الكفاية وتفسيره . بل إنّما استشكل على ما هو ظاهر كلامه في الكفاية حيث انه يحصر التزاحم بتزاحم المقتضيين في مقام الداعويّة إلى الجعل حسب دعوتهما وأمّا في قدرة المكلّف فلا على خلاف ما بنى عليه المحقّق

ص: 467


1- . كفاية الاُصول 1/241 - 242 - 245 .

النائيني كما ستسمع عن قريب إن شاء اللّه من كون التعارض كذلك وان التزاحم إنّما هو في مقام قدرة المكلف .

والحاصل ان محصل مرام الآخوند قدس سره (1) في هذا المقام انه لا تعارض فيالحكمين الانشائيين وفي مقام الاقتضاء والداعويّة للجعل ما لم يبعث نحو الفعل أو الترك وان في مقام الثبوت لابدّ من ملاحظة أقوى المناطين في ما إذا يكون الحكم فعليّا لا اقتضائيّا وانشائيّا ولو فرض كون دليل اضعف المناطين أقوى من الآخر .

وأمّا في مقام الاثبات فالدليلان الدالان على الحكمين المتخالفين متعارضان فلابدّ من ملاحظة المرجّحات وهذا مبنى على مبنى آخر ولعلّنا سنتكلّم في مراد المحقّق الخراساني في هذا المقام فانتظر .

وكيف كان فلا مجال لانكار باب التزاحم وارجاع كلّ تزاحم إلى التعارض بل هنا مقامان: فتارة يكون في الشيء مقتضى لجعل الحكم على حسبه ومقتضى الاخر لجعله على خلاف مقتضى الأول .

فهنا اذا لم يكن غالبيّة ومغلوبيّة بحيث يكون الحكم هو الاستحباب أو الكراهة أو حكما ثالثا كالاباحة فيكون مقام التحير للمولى في الجعل لتزاحم المقتضيين في الجعل على حسب كلّ واحد منهما مع انه لا يمكن جعل حكمين كذلك كما فرض . واخرى لا يكون كذلك بل لا تزاحم في مقام جعل الحكمين عند الجعل في نظر المولى فيجعل الحكم على كلّ واحد من الموردين ويجيب دعوة كلّ من المقتضيين لعدم المانع من ذلك . إلاّ انّه تارة لا مزاحمة في مقام الامتثال

التزاحم في مقام الامتثال

ص: 468


1- . كفاية الاُصول 1/245 - 246 .

بين الحكمين أصلاً فلا تزاحم ولا تعارض . واخرى تكون هناك مزاحمة في مقام الامتثال بعد الفراغ عن مقام الجعل وعدم الاشكال فيه .

فحينئذٍ تارة تكون المزاحمة دائميّة بحيث يزاحم امتثال خطاب صلّ دائمامع خطاب الازالة فهذا أيضا يرجع إلى تزاحم المقتضيين ويكون من بابالتعارض واخرى يكون التعاند والتزاحم اتفاقيّا لا في جميع الموارد فهذا يكون من باب التزاحم فاذا لم يكن أحدهما أهم فالتخيير أو كان فالأهم مقدم على ما سيأتي الاشارة إليه وإلى غيره من المرجحات . وحيث ان التزاحم في المقتضيين يناسب في مقام الاثبات لتعارض الدليلين بناء على الطريقيّة اصطلحنا عليه بباب التعارض لكشف مقام الاثبات عن الثبوت فالدليلان المتعارضان إنّما تعارضهما من ناحية عالم الثبوت والتحير في الجعل على حسب كلّ واحد . والتزاحم في مقام الامتثال يناسب تسميته في قبال باب التعارض بباب التزاحم .

والضابط ان التعارض يكون محطه في شيء واحد اجتمع فيه جهتان متساويتان بحيث لا يغلب احديهما الاخرى ولا ينتج حكما ثالثا والتزاحم في موردين كالصلاة والازالة والانقاذ والصلاة أو انقاذ هذا وانقاذ ذاك إلى غير ذلك من الأمثلة لكنّه ربمايشكل الفرق بين التعاند الدائمي والاتّفاقي بكون الثاني من التزاحم دون الأوّل .

توضيح أزيد في الفرق بين التزاحم والتعارض:

وينبغي أن نبين قبل مقام الاثبات تصور البابين بحسب مقام الثبوت وانه لا مانع من أحدهما فنقول: لا اشكال في امكان تداعي المقتضيين في شيء واحد بالنسبة إلى جعل الحكم على حسب كلّ واحد منهما بحيث لا يكون هناك غالب

ص: 469

ومغلوب كي يشرع الحكم على حسب الغالب أو ينتج حكما آخر غير ما يدعو إليه كلّ واحد من المقتضيين . فحينئذٍ لا يجعل الحكم على طبق أحدهما ويكون هذا عبارة عن التزاحم في المقتضيين في استدعائهما الحكم على حسب دعوتهما الا انه في شيء واحد .كما انه لا اشكال في امكان عدم المزاحمة في مقتضى الحكمين وجعلالحكم على حسب مقتضى كلّ واحد من وجوب وحرمة وغيرها كما في أكثر التكاليف فيوجب الصلاة والزكاة والحجّ والصوم ولا تزاحم في دعوة مقتضياتها لكن قد يتّفق في مقام الامتثال أن لا يقدر المكلّف على الجمع في اطاعة الخطابين .

وأزيد بل له قدرة واحدة غير قابلة للصرف في أزيد من حكم واحد وتكليف مع انه لا تزاحم في مقام الجعل المولوي في الحكمين فالوجوب والحرمة على طبيعتين أو الوجوب ووجوب آخر وهذا نسمّيه بالتزاحم كالأوّل بباب التعارض .

وإن شئت فاعكس الا ان العمدة هو ترتيب آثار التعارض على باب التعارض ولو سمّيته تزاحما كما ان الأمر بالعكس بالنسبة إلى باب التزاحم فبالنسبة إلى باب التعارض حيث انه بنى على الطريقيّة يكون الخطابان الواردان في بيان الحكمين متعارضين متساقطين . الا ان الحكم حسب الأخبار العلاجيّة الرجوع إلى المرجحات المذكورة من السند وغيره .

كما انه ربما لا مجال للمرجحات السنديّة كما في المتواترتين أو الآيتين فلابدّ من عدم تماميّة الجهة في أحديهما أو غير ذلك من الجهات . والنتيجة في

الفرق بين التعارض والتزاحم

ص: 470

صورة عدم المرجح التخيير أو التوقف على ما فصلناه في محلّه بخلاف ما إذا كان مورد التزاحم فلا مجال أصلاً للرجوع إلى تلك المرجّحات . بل له مرجّحات خاصّة كما ان الترجيحات في ساير الأبواب كذلك فلباب اليدين ترجيحات ولباب البيّنات كذلك هذا .

وضابطه كون الحكمين على طبيعتين أو متعلقين كانقاذ الغريقين ولا يقدرالمكلّف على الجمع في الامتثال وربما يكون هذا التزاحم أي في مقام الامتثالدائميّا ويكون بين الحكمين معاندة دائميّة بحيث لا يقدر في كلّ مورد يتّفق من امتثال أحدهما لابتلائه بالآخر وهذا جعلوه في مصاديق التعارض . ولكنه ليس فيه معاندة في مقام الجعل لعدم ارتباط مصلحة أحدهما ومقتضيه بالآخر . الا انه جعل من باب التعارض للغوية . فان تشريع حكمين لا يمكن المكلّف امتثالهما دائما لغو لا يصدر من المولى . لكن ينافي ذلك ما مرّ من الضابط من كون المتعلّق واحدا فان المقام ليس منه مع جعله من التعارض . وحينئذٍ ربما يشكل بعدم الفرق بين التزاحم الاتفاقي والتزاحم الدائمي في مقام الامتثال ولا وجه في كلا الموردين للرجوع إلى المرجّحات السنديّة وغيرها من مرجّحات باب التعارض . بل ينظر إلى ذي الأهميّة ومحتملها فيقدم والا فالتخيير . وإن كان مجرّد اللغويّة كافيا في كونه من التعارض ففي اطلاق كلّ واحد من الخطابين في التعاند الاتفاقي الأمر كذلك فليحكم عليه في مورد التزاحم في مقام الامتثال بالتساقط والرجوع إلى مقتضى الأصل .

والحاصل: انه لا يعقل الفرق بين النحوين من التزاحم كي يكون أحدهما من باب التعارض والآخر من التزاحم ويحكم على كلّ واحد بآثار البابين . واذن

ص: 471

فمن يفرق بينهما لابدّ له من دليل مقنع . والا فالحق مع القائل باندراج ذلك في باب التزاحم . وان الضابط في باب التعارض إذا كان المتعلّق واحدا ويكون في مقام الجعل والداعويّة حسب استدعاء المقتضيات . والتزاحم في مقام الامتثال سواء كان المتعلّق واحدا بحسب الطبيعة كانقاذ الغريق أم متعدّدا .

نعم في المقام نحو آخر من التزاحم غير التزاحم في مسئلة القدرة وهو ما اذا ملك خمسا وعشرين بعيرا ثمّ بعد ستّة أشهر ملك السادس والعشرين فحينئذٍفاما أن يعطي خمس شياة زكوة ويصبر إلى مضى ثمانية عشر شهرا ويعطي بنتمخاض وهذا مخالف للدليل كما انه لو أعطى في السنة من خمس وعشرين وبعد ستّة أشهر أعطى بنت مخاض أيضا كذلك وهذا هوالتزاحم في باب الأسباب . ولكن الحق انّه اما أن يرجع إلى تزاحم المقتضى في مقام الداعويّة أو في مقام الامتثال .

ويمكن بيان آخر ينفع في بعض موارد المسئلة بتسجيل الاشكال وهو ان الموضوع والمتعلّق في كلّ خطاب لم يقيّدا بالقدرة العقليّة بل لو أخذها الشارع في احدهما فيكون ارشادا فاطلاق المادة في متعلّق الحكم مع عدم أخذ القدرة في موضوعه يوجبان حكم العقل بالتخيير حيث انه في مقام الامتثال وحكمه بيد العقل فاذا رأى أهميّة فيهتم بذيها وإلاّ فالتخيير .

خلاصة الكلام: ان الأبواب ثلاثة فباب خارج عن كلا البابين وآخر باب التعارض والنتيجة فيه التخيير شرعيّا حسب ما دلّت عليه الأخبار وثالثة باب التزاحم على ما تقدم من الضابط . والحكم فيه هو التخيير عقلاً إذا لم يكن أحدهما أهم أو محتملها والا فهو المقدم ولا يخفى ان لكل واحد من البابين مرجّحات غير

الأبواب ثلاثة أحدها باب التزاحم

ص: 472

مرجّحات الباب الآخر . أمّا مرجّحات باب التعارض ففي محلّها . اما مرجحات باب التزاحم فقد ذكر انه لو كان التزاحم بين الواجبين الذين أحدهما تخييري والآخر تعييني فالتعييني مقدم لكونه من قبيل ذي الاقتضاء والتخييري لا اقتضاء له . وما له الاقتضاء مقدم على ما لا اقتضاء له كما في ما اذا زاحم الانفاق الواجب اطعام المساكين الواجب في الكفّارة فحينئذٍ ينتقل إلى غير الاطعام من التحرير أو الصوم على فرض قدرته عليهما ويصرف ما له في الانفاق الذي لا قدرة معه على اطعام المساكين .ثمّ من المرجحات مسئلة عدم البدل . فما لا بدل له يقدم على ما له البدلفاذا كان عنده ماء لايكفيّه للوضوء وتطهير بدنه ولا يقدر على ماء غيره فيصرف الماء في تطهير البدن حيث انه لا بدل له ويتيمّم لكونه بدلاً عن الوضوء . وكما في مثل ما إذا زاحم الطهارة المائيّة الوقت فعلى تقدير التيمّم يدرك تمام الصلاة في الوقت بخلاف مااذا تطهر بالماء فلا يدرك تمام الصلاة . والطهارة لها بدل والوقت ليس له بدل ان لم نقل بجواز الاشتغال بالتطهير المائي إلى أن يتضيّق إلاّ بمقدار الركعة والا فيخرج عن مورد المثال فهذان اثنان مرجحان وإذا لم يكن مورد لأحد هذين كما إذا كان الواجبان كلاهما تخييريين أو تعيينيين وليس لهما بدل أو لكليهما بدل ودار الأمر بينهما فحينئذٍ يكون مقام المرجح الثالث بالترجيح بالقدرة العقليّة دون الشرعيّة فان كانا مشروطين معا بالقدرة العقليّة أو كلاهما بالشرعيّة فلا مجال لهذا المرجح بل يرجع إلى الأهميّة فيقدم الأهم . والا بان كان أحدهما مشروطا بالقدرة العقليّة والآخر بالشرعيّة فيقدم ما هو مشروط بالقدرة العقليّة على المشروط بالقدرة الشرعيّة ومثلوا للمشروط بالقدرة الشرعيّة بالحج حيث

ص: 473

انه اشترط بالأزيد من القدرة العقليّة بل لا معنى لعدم الاشتراط بالقدرة العقليّة بمعنى جواز التكليف بما لا قدرة للمكلّف عليه عقلاً لاستحالته وقبحه في حقّ الحكيم تعالى .

فاذا دار الأمر بين ادراك الحج والصلاة فان أراد ادراك الحج يفوته صلاة واحدة أو يبتلي بفعل حرام . فيقال بتقديم الصلاة على الحج لعدم اشتراط المشروط بالعقليّة بشرط بخلاف المشروط بالقدرة الشرعيّة . فانّه لا ملاك له ولا خطاب إذا لم يكن قادرا شرعا عليه اللازم ذلك من ناحية التكليف بالمشروط بالقدرة العقليّة فخطاب العقلي معجز مولوي عن المشروط بالقدرة الشرعيّة . بل لايبقى معه ملاك الالزام . وكما في النذر فاذا نذر زيارة كربلاء يوم عرفة في كلّ عاموكان النذر غير مشروط بالقدرة الشرعيّة فلابدّ من تقديم النذر وشبهه على الحج لعدم اشتراطه بالقدرة الشرعيّة بخلاف الحج .

نعم اذا اشترطنا في صحّة الندر وشبهه عدم كونه محلّلاً للحرام ومحرّما للحلال وعدم استلزامه لذلك فيشكل تقديم النذر على الحج حتّى لو فرض تقدم النذر على حصول الاستطاعة فضلاً عمّا لو حصلا معا أو تأخّر النذر عن حصول الاستطاعة .

وللمحقّق النائيني(1) طريق آخر وهو كون النذر أيضا مشروطا بالقدرة الشرعيّة بتقريب أن يقال ان الناذر حيث انه ينذر بما هو مقصوده ولا يتعلّق قصده وارادته بغير المقدور فينذر ما يقدر عليه والشارع أوجب الوفاء بنذره حسب ما نذر وقصد فحينئذٍ يكون مشروطا بالقدرة الشرعيّة فلذلك لابدّ في مسئلة تقديم

ص: 474


1- . فوائد الاُصول 1/330 .

النذر على الحج أو العكس من ملاحظة باقي المرجّحات من الأهميّة وغيرها ولا يمكن الترجيح بالقدرة العقليّة دون الشرعيّة هذا .

الا انه يشكل ما ذكره المحقّق النائيني في هذا المقام لمنافاته لما ذكره سابقا في مسئلة القدرة العقليّة حيث انه أجبنا عن اشكال كشف ملاك المهمّ في ما اذا سقط خطابه بمزاحمة الأهم باطلاق المادة مع انه لا قدرة له على اتيان المهم في ظرف الأهم . ولابدّ أن يكون المتعلّق مقدورا . بأن اشتراط القدرة إنّما هو ينشأ من اقتضاء الخطاب ويعرض بعد الفراغ عن مرحلة الجعل . فلا دخل له في متعلّق التكليف وإنّما يعرض هذا الاشتراط من ناحية قبح مطالبة العاجز وهذا لا يناسبما ذكره هنا مع ان الارادة الآمريّة كالفاعليّة فلابدّ من دخل القدرة في ذاك المقامأيضا في الملاك ومعه لا يتمّ مسئلة الترتب والملاك .

ثمّ على فرض التسليم فلا وجه لكون ذلك مقدورا شرعا لعدم استلزامه اشتراط القدرة في متعلقه شرعا كما انه لا معنى في صحّة انعقاد النذر عدم استلزامه تحريم الحلال والعكس إذ الشرط كون متعلقه راجحا دينيّا أو دنيويّا .

وأمّا مسئلة استلزام ذلك إنّما هي فرع عدم كون الحج مشروطا بالقدرة الشرعيّة إذ معه لا وجوب للحج كي يكون النذر والوفاء به مستلزما لتحريم الحلال والتمسّك بهذا الوجه لذلك دور كما لا يخفى .

فذلكة: قد عرفت ان المرجحات أربعة ولم يذكر سيّدنا الاستاذ قدس سره

الترجيح بالتقدم وان المقدم مقدم دون الآخر والاربعة احدها الترجيح بالتعيينيّة فاذا زاحم الواجب التعييني واجب آخر تخييري في أحد عدليه أو اعداله فيقدم التعييني واذا لم يكن كذلك وكان كلاهما تخييريين ولا يمكن الجمع بينهما فيقدم

هل النذر مشروط بالقدرة الشرعيّة

ص: 475

ما لا بدل له على ما له البدل وإذا لم يكن الأوّل ولا الثاني بأن كانا تخييريين أو تعيينيين ولا بدل لأحدهما أو لكليهما بدل ولا يمكن الجمع بين الفرضين فيقدم المشروط بالقدرة العقليّة منهما على المشروط بالقدرة الشرعيّة كما مرّ .

ولو كان الواجب المشروط بالقدرة العقليّة أضعف الواجبات وذلك المشروط بالقدرة الشرعيّة أقواها كما مثل تزاحم الحج مع وجوب السلام الواجب لا بالنسبة إلى ( الطفل ) أو الصلاة مع الحجّ بل قالوا إذا فرض ان المشروط بالقدرة الشرعيّة يستلزم عدم القدرة على المشروط بالقدرة العقليّة ولو بعد حين فيكون ذلك المشروط بالعقليّة مقدما .

فاذافرضنا ان الحج في الموسم مستلزم لفوات ذلك الواجب في المحرمفيسقط خطاب الحج ويوجب ذلك الواجب عجز المكلف عن التمكن من الحج بللا يبقى معه لذاك الواجب ملاك الا في النذر فانه وشبيهيه مشروط بشرطين أحدهما كونه حين الفعل راجحا . والثاني عدم تفويته لواجب آخر وعدم استلزامه لفعل محرم حيث ان ترك الواجب حرام فاذا استلزمه لا يكون صحيحا ولو فرض ذلك الواجب الذي يوجب النذر فواته مشروطا بالقدرة الشرعيّة فاذا لم يكن مورد الترجيح بما ذكر بأن كان كلاهما مشروطين بالقدرة العقليّة أو الشرعيّة فهناك يقدم ما هو الأهمّ في نظر المولى كما إذا دار الأمر بين ارتكاب حرام كشرب الخمر وحفظ النفس أو تناول الميتة الا تناول بدن الأنبياء والأوصياء فلا يجوز .

ثمّ ان هذا ترتيب المرجحات وسيجيء الكلام في أقسام التزاحم وانها خمسة:

ص: 476

أحدها تزاحم الواجبين في مسئلة التضاد كالصلاة والازالة في سعة الوقت أو ضيقه وانه يقدم الأهمّ كما ان في باب التعارض إنّما يكون الملاك لخصوص الأقوى سندا ولكن في باب التزاحم لا يوجب المقدم عدم كون الملاك في الآخر أصلاً على ما سيشرح ويمكن الخدشة في هذه المرجحات عدا مسئلة الأهميّة .

أمّا مسئلة دوران الأمر بين التعييني والتخييري كمسئلة وجوب الانفاق وفرض صرف ماله في الانفاق الواجب اما ان يقدر على الصوم والعتق أو خصوص الصوم أو لا ؟ ففي الأوّل في مورد التخيير الشرعي دون العقلي لعدم مجال للاشكال بالجمع بين غرضي المولى لابد من اختيار ما لا يزاحم الواجب ولا يصرف ماله في الاطعام بل يصرف في التعييني وبالنسبة إلى التخييري يختار الفرد الذي لا يزاحم ذلك التعييني بحكم العقل بالجمع بين غرضي المولى مهماأمكن فان اختيار تعيين الفرد المزاحم لم يؤخذ ويسلب من المكلّف فله الاختيارحينئذٍ فاذا اختار فلابدّ من الترجيح من مرجح آخر ولا عبرة بكونه تخييريّا والاخر تعيينيّا ) .

وأمّا الثاني أي إذا كان الفرد الآخر غير مقدور فيكون كما اذا كانا معا تعيينيين لا لتبديل التخييري تعيينيا لاستحالة انقلاب الماهيّة بل لأن النتيجة نتيجة التعييني ولا مجال للاشكال بتقديم التعييني بالأصل كماهو واضح .

وأمّا مسئلة البدل وما لا بدل له . فلا يصلح مجرّد كون أحدهما لا بدل له مرجحا لاحتمال أهميّة ذي البدل . فربما يحتمل كون الطهارة المائيّة أهم في نظر الشارع من الستر الصلاتي في مورد المزاحمة . كما انه يحتمل كون طهارة الستر أضعف من الطهارة المائيّة . فلا وجه للانتقال إلى التيمم وصرف الماء إلى تحصيل

بعض أقسام التزاحم

ص: 477

طهارة الساتر . وكما انه يحتمل كون القيام أهم في نظر الشارع بلا طمأنينة من الجلوس مع الطمأنينة وهكذا فان كان نظر القائل إلى الموارد الخاصّة التي جعل بدل فيها ففيها نكشف الأهميّة لما أوجبه الشارع في مورد المزاحمة ولا يكون قاعدة كليّة مطردة في جميع الموارد . كما ان مسئلة الترجيح بالقدرة العقليّة لا مدرك لها ما لم يرجع إلى الأهميّة . إذ لو فرضنا أخذ عدم المزاحمة بواجب آخر جزءا لموضوع الخطاب فعلى فرض المزاحمة لا ملاك للحج والا فمع فرض عدم اشتراط المشروط بالقدرة الشرعيّة بذلك فيكون كالمشروط بالقدرة العقليّة .

ولابدّ من الترجيح بالاهميّة ولا يكاد ينقضي التعجّب من جعلهم القدرة العقليّة من المرجّحات مع عدم اشتراط الخطاب الآخر بعدم المزاحمة بواجب ومجرّد اشتراط الحجّ بالاستطاعة لا يجعله محكوما بخطاب واجب آخر ما لم يشترط في ملاك وجوبه عدم ذاك الخطاب أو عدم مزاحمة له . فالاستطاعةبالنسبة إليه كالموضوع بالنسبة إلى خطاب ذاك الواجب إذ كما ان الصلاة مشروطةبالعقل والبلوغ وادراك الوقت وغيرها من الشرايط الراجعة إلى الوجوب كذلك الاُمور المعتبرة في وجوب الحج ولأ مرجّح لأحدهما على الآخر .

وأمّا الترجيح بالأهميّة فلا اشكال فيه كبرويّا .

نعم لابدّ في تشخيص الموارد من كشف الأهميّة عند الشارع فما ذكروه لا يتمّ على اطلاقه صغرويّا وكبرويّا في بعض وكبرويّا في آخر فتدبّر جيّدا .

تلخيص لبعض ما سبق: قد عرفت ممّا ذكرناه مرارا عدم الاشكال في عدم جواز التكليف بغير المقدور عقلاً فالقدرة العقليّة لا ريب في اشتراط التكليف بها لقبح التكليف بما لا يطاق بلا استثناء سواء كان في هذه الاُمّه أو في ساير الاُمم

الترجيح بالأهميّة

ص: 478

وإنّما الذي ليس في هذه الاُمّة ما لا يقدر عليه بسهولة . وبعبارة اخرى . المرفوع عن هذه الاُمّة الآصار والمشاق العرفيّة وما يكون حرجيّا « مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(1) « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »(2) إلاّ فيما كان نفس التكليف وطبيعته مشقّة كما في الجهاد فانّه لا مانع من ذلك فيه دون باقي الموارد .

أمّا الحجّ فلا إشكال في اشتراط وجوبه بالقدرة المأخوذة في لسان الدليل أي الاستطاعة وحيث ان اعتبار الزاد كان معلوما وقع السؤال في بعض الروايات عن الاستطاعة توقعا لاعتبار أمر زائد فاجيب باعتبار الراحلة مع انه قادر على المشي ويطيقه كما انّه من ساير الأدلّة الواردة في بابه استفيد اعتبار امور اخركخلو السرب والرجوع إلى الكفاية وإن كان فيه خلاف الا انه لا وجه للاشكال فيدلالة أخباره وظهورها فيه .

وإذا أفسد حجّه قبل المشعر بمباشرة النساء فعليه اتمامه ثمّ الحجّ من قابل كفّارة وكذلك في الحجّ الندبي حسب ما استفيد من الأدلّة بخلاف ما إذا كان بعد الوقوفين ولا يجب على من اطاق المشي بل يجب على من ملك الزاد والراحلة ولو اجارة ولو انه يقاد معه مركوبه ولا يركبه ولا ندري الحكمة في ذلك ولعلّه لكون الحجّ مع الجلال دون زيارة كربلاء فانّه على خلاف ذلك وكلّما كان أقرب إلى التقشّف لعلّه كان أحسن . وعلى كلّ حال فليس من الامور المعتبرة في موضوع الحج عدم المزاحمة لواجب آخر وعدم استلزامه ترك واجب بحيث

ص: 479


1- . الحجّ الآية 79 .
2- . البقرة الآية 186 .

يكون كالامور المعتبرة في الاستطاعة التي لا يجب على فاقدها الحج فانه اذا ملك الزاد لكن ليس له قوّة في البدن يباشر أفعال الحج فلا يجب(1) كما انه اذا قوى في بدنه لكنه فقد الاستطاعة الماليّة لا يجب واذا اجتمعا لكن لا سرب خاليا فلا يجب .

نعم إذا استقرّ في بعض الموارد عليه الحج ولو بحصول الاستطاعة بقيودها وسوف فذاك مطلب آخر لعدم اشتراط استقراره باجتماع القيود بقاءً ولا اشكال في كون التسويف من الذنوب العظام . ولازم ما قالوا في اشتراط وجوبه بعدم مزاحمته لواجب غير مشروط بالقدرة الشرعيّة انه لو حصلت الامور المعتبرة في الاستطاعة على ما ذكرنا الا انه لا يقدر على الجمع بين اتيان الحج وذاك الواجب الذي يكون مشروطا بالقدرة العقليّة انه عند تقديم ذاك الواجب لا يكون ملاكالوجوب بالنسبة إليه محقّقا وكذلك لو أتى بالحج وترك ذاك الواجب فلازم ماقالوا عدم كفايته عن حجّ الاسلام مع انه لا يظن بهم الالتزام بمثل هذه التوالي ولزومها عليهم حسب ما اختاروه من المبنى . بل لابدّ في هذه المقامات من ملاحظة الأهميّة والمهميّة فيقدم الواجب الأهم ويكون أهميّته معجزة في مقام الامتثال عن وجوب امتثال المهم .

إلاّ انّه لا يوجب فوات ملاك المهم بل يستقر عليه . غاية الأمر لم يكن ذاك الحين مأمورا عقلاً بالامتثال كما في مثل وجوب الصلاة بدخول الوقت جامعا للشرايط لكن زاحمها واجب أهم يعذر بالاشتغال به عن ترك الصلاة فانّه لا يصلّي لكن يقضي صلاته . وعلى كلّ حال فلا فرق بين الحجّ وغيره من هذه الجهة .

ص: 480


1- . مباشرة ويجب عليه الاستنابة .

والامور المعتبرة في وجوبه لا توجب كونه مقدورا بالقدرة الشرعيّة التي يقدم عليه المشروط بالقدرة ( العقليّة ) بل المراد بالقدرة في ما نحن فيه القدرة العرفيّة التي ليست بعسريّة في ما إذا لا يستلزم طبيعة المكلّف به ذلك وأين هذا من اشتراط وجوبه بعدم المزاحمة لواجب آخر على ما قالوا .

هذا ما يتعلّق بمسئلة الحج .

أمّا في النذر فلا إشكال في لزوم كون متعلّقه راجحا دينيّا أو دنيويّا حسب ما وردت به الرواية(1) وكذلك العهد واليمين غاية الأمر في بعضها لم يعتبر الرجحان بل لا ينعقد إذا كان متعلّقه مرجوحا وأمّا انه مشروط بالقدرة الشرعيّة فلا دليل عليه وإن كان ما ذكر من عدم تعلّق قصد الناذر إلاّ بما يكون مقدورا لهفهذا يوجب كون باقي التكاليف المولويّة الواجبة من الشرع ابتداءً كذلك لعدمتعلّق الوجوب بغير المقدور فلازمه كون القدرة شرطا شرعيّا في التكاليف مع انّه لا يقولون به . كما قالوا من انه لابدّ من انعقاده مضافا إلى رجحان متعلّق النذر أن

لا يستلزم تحليل حرام أو تحريم حلال وعدم استلزامه فوت واجب آخر لا دليل عليه وقياسه على الشرط مع انه لا وجه له .

فيه ان الشرط ليس إلاّ أن لا يكون مخالفا للكتاب ولذلك قد يشكل الأمر في ما إذا لم يعلم مخالفته للكتاب جريان الاستصحاب وعدمه على الاشكالات المذكورة في محلّها التي حلّها الشيخ قدس سره بارجاع العدم النعتي والمحمولي لكنه لم يشترط في انعقاد النذر عدم استلزامه فوت واجب .

نعم لابدّ من رجحان متعلّقه فاذا لم يكن حين الامتثال كذلك يكشف عن

ص: 481


1- . وسائل الشيعة 23 الباب 2 - 17/7 - 1 - 2 - 3 كتاب النذر والعهد. الباب 25/1 - 2 - 3 - 4.

عدم انعقاد النذر من الأوّل كما انه اذا بان الخلاف حين الامتثال في العهد واليمين يكشف عن عدم انعقادهما وأمّا إذا لا يقدر على امتثال النذر وشبيهيه للمزاحمة مع تكليف آخر فلا يكشف عن عدم انعقاده وكونه منحلاًّ من أوّل الأمر بل لو لم يكن موقتا فلا مزاحمة فيأتي بذاك الواجب ويؤخّر النذر وغيره إلى وقت آخر . وإن كان موقتا فلابدّ من الدوران مدار الأهميّة والمهميّة . فاذا كان ذاك المزاحم أهم فيقدم ويقضي النذر إذا كان متعلقه الصوم للدليل(1) الخاص ويكون في تركه إذا كان غيره معذورا .

فظهر لك ممّا ذكرنا ان ما صدر من صاحب الجواهر قدس سره من نذره زيارة عرفة بكربلاء المشرّفة مادام مشتغلاً بكتابة الجواهر كي لا يجب عليه الحجّ لا يستقيمبل لابدّ من ملاحظة الأهميّة والمهميّة . ولو فيما إذا كان سبب النذر مقدّما علىحصول الاستطاعة فاذا دار الأمر بينهما فلعدم قدرة المكلّف على الجمع بين موقفه بعرفة بعرفات وكذا كربلاء فيقدم الأهم ويؤخّر المهم ولا إشكال في انّ الحجّ أهم حسب ما ذكرنا فلا وجه لما في العروة(2) من التفصيل بين ما إذا كان سبب النذر مقدّما على الاستطاعة فيقدم أو لا فيقدم الحج . أو عدم الفرق من المحقّق النائيني بين الصورتين لما ذكره من المبنى من عدم استلزامه تفويت واجب ولو كان مثل ردّ السلام والا فنكشف عن عدم المصلحة فيه من أوّل الأمر . إذ عرفت عدم صحّة ما ذكره بل المدار على الأهميّة في صورة فعليّة وجوب الواجبين وإلاّ فلا مزاحمة فتدبّر جيّدا .

ص: 482


1- . وسائل الشيعة 23 الباب 10/1 من كتاب النذر والعهد .
2- . العروة الوثقى فصل الحج الواجب بالنذر والعهد واليمين مسئلة 17 .

ايقاظ: المستفاد من أدلّة النذر(1) اعتبار رجحان متعلّقه حين الامتثال والوفاء لا حين النذر كما ان المعتبر في انعقاد العهد واليمين عدم المرجوحيّة . والرجحان المعتبر في انعقاد النذر أعم كما سبق من الديني والدنيوي ويجوز تعلّقه بالفعل كما يجوز بالترك كنذر ترك شرب السجاير والتدخين إذا كان في حقّه رجحان لا ما إذا يتضرّر بتركه دون فعله . وعلى هذا فيصح نذره إذا كان في الواقع متعلّقه راجحا حين العمل سواء كان معتقدا حين النذر بالرجحان أو لا بل حتّى إذا اعتقد عدمه ضرورة عدم اعتبار القربة في أصل انعقاد النذر كي يشكل تحقّقها في صورة العلم أو اعتقاد عدم الرجحان . نعم اختلفوا في اعتبار القربة حين الامتثال وذلك أمر آخر كما انه إذا كان حين العمل مرجوحا دون وقت النذر بل كان وقته راجحا فالنذر ينحل لانكشاف عدم انعقاده من أوّل الأمر بتحقّق المرجوحيّة حينالعمل وما ذكرنا من اعتبار الرجحان في متعلّقه حين العمل فانّما هو باعتبار نفسه وإن فعله راجح أو تركه بالنسبة إلى الطرف الآخر لا باعتبار أمر آخر .

وبالمقايسة إليه فانّه قد يكون حينئذٍ مرجوحا مع انعقاد النذر كما اذا نذر الصلاة في مسجد من مساجد النجف الأشرف مثلاً فانّها بالنسبة إلى الحضرة العلويّة على مشرفها آلاف التحيّة والثناء مرجوحة لو لم يصدق العندية حتى في مساجده كما استظهره بعض وإلاّ فنفرض انه نذر عملاً مرجوحا بالنسبة إلى أمر آخر دينا أو دنيويّا فانّه لا اشكال في صحّة النذر وانعقاده في هذا المورد لعدم اعتبار الرجحان بالنسبة إلى الغير بل إنّما هو بالنسبة إلى طرفي نفسه وانه يتعلّق النذر بالطرف الراجح اما دينا أو دنيويّا كماعرفت .

اعتبار رجحان المنذور وقت العمل

ص: 483


1- . وسائل الشيعة 23 الباب 8 من كتاب النذر والعهد .

وعلى هذا إذا صادف الوفاء بالنذر واجبا آخر أهم فلا يوجب ذلك عدم انعقاده وانحلاله بل يقدم الأهم على الوفاء بالنذر مع بقاء مصلحة الوفاء على حالها حيث انه لم يعتبر في موضوع النذر عدم وجود مزاحم أقوى بل موضوعه كون متعلّقه راجحا فاذا كان كذلك فينعقد النذر ويوجب الشارع الوفاء بالنسبة إليه لمصلحة في ايجاب الوفاء غير ما في المتعلّق بل هذا الحكم المجعول من قبل الشارع بايجاب الوفاء بمتعلّق نذره فيه مصلحة داعية لجعل الحكم على طبقها . فحينئذٍ في مورد المزاحمة إنّما تتحقّق بين مصلحة الوفاء بالنذر وذاك المزاحم كما في ساير موارد المزاحمة ولم يؤخذ في موضوع النذر القدرة الشرعيّة لعدم كونه حكما ابتدائيّا من الشارع بل ربما ورد في بعض الأخبار(1) النهي عن النذربالشاق لكنه ارشادي .نعم للمحقّق النائيني قدس سره (2) كلام في كون القدرة المأخوذة في النذر شرعيّة بدعوى عدم تعلّق نذره وقصده بما لا يكون مقدورا له وحينئذٍ فالقدرة كالموضوع بالنسبة إلى النذر لكون موضوعه الأمر الراجح الذي يكون مقدورا في حق الناذر حسب اختياره ذلك لا أنّه في لسان الدليل كذلك بل لما ذكر من عدم تعلّق القصد إلاّ بالمقدور . وعليه إذا لم يكن له قدرة على ذاك المتعلّق فلا يكون النذر منعقدا بل لا مصلحة فيه ولا خطاب . لأنّك قد عرفت انّ القدرة التكوينيّة التي تعتبر في موضوع النذر ولو حسب قصد الناذر لا تنسلب بالمزاحمة لواجب آخر كي يكشف عدم وجود الملاك وانحلال النذر حينئذٍ بل له القدرة تكوينا المصحّحة لانعقاد النذر .

استدلال المحقّق النائيني على كون القدرة في النذر شرعيّة

ص: 484


1- . وسائل الشيعة 23 الباب 6/1 - 2 - 3 من أبواب النذر والعهد .
2- . فوائد الاُصول 1/330 .

نعم لا ينعقد بما لا يكون مقدورا بالمرّة ولو مع العسر والمشقّة وإلاّ فمع القدرة عليه ولو كان عسريّا فيجب الوفاء لانعقاد النذر والنهي المذكور سابقا ارشادي إلى عدم ايقاع نفسه في المشقّة لا انّه أخذ عدم المشقّة في صحّة انعقاده موضوعا أو شرطا وإلاّ فلا ينعقد . وحينئذٍ فاذا كان العمل في حدّ نفسه راجحا فالمزاحمة لواجب أهم أو مطلقا لا توجب مرجوحيّته في حدّ ذاته فالنذر ينعقد ولو مع الاستطاعة غاية الأمر عدم قدرته على الجمع بين الخطابين وقلنا انه لم يؤخذ في صحّته وانعقاده رجحانه حتّى بالنسبة إلى الأمر الخارجي فانّه يصحّ ولو كان مرجوحا بالنسبة إليه كما إذا نذر صوم جمادي ولا ينذر صوم شعبان مثلاً الذي هو أفضل .وما يقال من أخذ القدرة فيه إنّما هو القدرة العرفيّة على ما ذكره المحقّقالنائيني وإن لم يلتزم بذلك بل راجعه إلى القدرة الشرعيّة إلاّ انك عارف بفساد ذلك لما تقدّم من ان القدرة الشرعيّة عبارة عن أمر آخر وراء القدرة العقليّة وانزل منها كما في موارد التكاليف اليسرية التي لا تكون عسرية فان القدرة الكذائيّة التي لا تكون عسريّة إنّما هي تعبّديّة شرعيّة وإلاّ فالقدرة العقليّة لا معنى لاعتبارها في الخطاب وملاكه على ما أشرنا إليه لعروضها في رتبة الخطاب دون المتعلّق ولذا صحّ لنا اطلاق المادّة دون القدرة الشرعيّة فانها مع فقدها لا كاشف للملاك حيث انه يكون هو الأمر ومع عدم القدرة لا أمر فلا كاشف بل لا ملاك مع عدم القدرة العرفيّة وباب النذر ليس كذلك بل قصد الناذر ونذره في رتبة عروض الخطاب على المتعلّق الموجب لاعتبار القدرة عقلاً وقبيح مع عدمها الخطاب ولا ربط لذلك بالقدرة الشرعيّة التي يعتبرها الشارع .

ص: 485

ثمّ انّ هذا المتعلّق الذي في مرحلة عروض النذر له الموجب لكونه مقدورا يكون موضوعا لخطاب الشارع بالوفاء به فتدبّر جيّدا .

توضيح وتكميل: لا إشكال في انّه إذا قلنا انّ القدرة المعتبرة في النذر شرعيّة أو لم نقل ولكنّه استفدنا اشتراط ايجاب الوفاء بالنذر وبعبارة اخرى الوفاء يكون مشروطا بالقدرة الشرعيّة عدم الوجوب والملاك إذا لم تكن القدرة حاصلة . إلاّ انّه لا يخفى ان معنى القدرة الشرعيّة لو قلنا بها ان قصد الناذر لا يتعلّق

إلاّ بما هو المقدور والشارع يوجب الوفاء بالنذر الذي موضوعه المقدور ولكن القدرة ليست هنا إلاّ عقليّة لعدم تعلّق القصد إلاّ بما يكون مقدورا كذلك . فاذا لم

يكن مقدورا فالنذر لا ينعقد ويكون منحلاًّ . والعبرة بحال الوفاء لا بحال النذر فلو

كان مقدورا حينه عاجزا حين الوفاء انكشف انحلاله من أوّل الأمر وليس العلمبالقدرة شرطا لصحّة النذر ولا العلم بالخلاف مضرّا بانعقاده فالقدرة المعتبرة فيالنذر تصحّ بما ذكرنا وإلاّ فالشارع لم يشترط في ذلك القدرة ولو شرط لا يكون شرعيّا بل يكون ارشادا إلى حكم العقل .

نعم على ما ذكرنا يكون فرق بين القدرة المعتبرة في النذر حسب عدم تعلّق نذره إلاّ بما هو المقدور وبين القدرة المعتبرة في متعلّقات التكاليف فانّها في الأوّل

دخيلة في الموضوع دون الخطاب إلاّ من باب المتابعة . وأمّا في متعلّقات التكاليف فالقدرة إنّما تكون شرطا في رتبة عروض الخطاب . وبهذا اللحاظ صحّ لنا دعوى اطلاق المادّة والتمسّك بصحّة العبادة وغيرها إذا ابتليت بالمزاحم ولو كان أهم وإلاّ فعلى ما ذكروا لازمه عدم تحقّق هذه الثمرات اذ أخذت القدرة الشرعيّة في موضوع الخطابين ومع عدم تحقّق القدرة فلا ملاك كما انه اذا ابتلى

بعض الاشكالات على المحقّق النائيني

ص: 486

بالمزاحم فلا يمكن الامر بالضدّين لاستحالته إلاّ انه يقتضي الأمر بالضد عدم الأمر بالضد الآخر . لكن صحّة المزاحم لو أتى به في صورة المزاحمة إنّما هو لكشف الملاك ومع تقيد موضوعه وملاكه بالقدرة الشرعيّة التي يفسرونها بالمعنى المركب من الامور الوجوديّة كالزاد والراحلة والعدميّة كعدم الابتلاء بالمزاحم أو الأهم فكيف يمكن كشف الملاك بل ينكشف عدمه . وحينئذٍ فلو أتى بالحج في صورة المزاحمة لواجب آخر أو أتى بملاك الواجب فلا يصحّ أحد منهما أو خصوص ما أخذت القدرة الشرعيّة في موضوعه لعدم الملاك . بل إنّما يصحّ تصوير المزاحمة إذا كان الملاكان موجودين محقّقين وبتحقّق أحدهما لا ينعدم موضوع الآخر .

وحينئذٍ فمقام للمرجّحات وبدونه لا تصحّ المزاحمة وإن قيل فإنّما هو تجوز . وهذا أيضا أحد الاشكالات الواردة في المقام على المحقّق النائيني منجعل أحد المرجّحات القدرة العقليّة في قبال المشروط بالشرعيّة التي استنتج منهذا التفصيل عدم وجود الملاك للثاني مع ذلك وقد عرفت عدم اشتراط الحجّ بالقدرة الشرعيّة التي يريد بذلك عدم ابتلائه بالمقدور بالقدرة العقليّة بل ذكرنا انّه

لا يمكن تعلّق الخطاب بغير المقدور بالقدرة العقليّة فهذا أمر ساري في الجميع والامور الاخر إنّما هي قيود الموضوع وحدوده التي بدونها لا يتحقّق الموضوع وبتحقّقه يتحقّق الخطاب . فاذا زاحم امتثال هذا الخطاب خطاب واجب آخر بعد تحقّق مقتضيه وملاكه فيكون مقام الترجيح بما ذكرنا من المرجّحات . فان كان الحج مشروطا بالقدرة الشرعيّة فلازمه في صورة الابتلاء بالمزاحم وترك الحج عدم استقرار الاستطاعة لو كان قد زالت بالنسبة إلى السنة الآتية كما انه لو أتى به

ص: 487

في هذه السنة فلازمه عدم كفايته في صورة بقاء الاستطاعة إلى السنة الآتية لعدم وجود ملاك الواجب فيه لاشتراطه بعدم المزاحم مع انه كان مبتلىً به كما انه إذا فرض انّ الحجّ يستلزم فوت صلاة في الوقت ان لم نخدش في المثال وإلاّ فمثال آخر كحفظ النفس ولو فرض ان الحج يكون أهم منه وذلك لأن الأهميّة إنّما تفيد في ما إذا كان الملاك في الآخر موجودا متحقّقا لا بدونه . مع انه لا يظنّ بهم الالتزام بهذه الاُمور بل الأمر في مثل هذه الموارد كساير موارد المزاحمة في امتثال الملاكين والخطابين بما ذكرنا .

والحاصل: إنّما تتحقّق صورة المزاحمة في ما إذا كان كلّ من الخطابين يصلح شاغلاً عن الآخر بعد تحقّق مقتضيهما وبدونه لا مزاحمة . والحج أيضا من هذا القبيل كما ان النذر عرفت حقّ الكلام فيه وليس القدرة المعتبرة فيه من ناحية قصد الناذر فيه إلاّ عقليّا فلو فرض موافقة المحقّق النائينى في تسليم ما ذكر وقلنا

انه مشروط بالقدرة الشرعيّة وفسّرنا القدرة بما ذكر كما لا يبعد الالتزام به فلايوجب تصحيح ما ذهب إليه من تقديم الحج عليه أو واجب آخر لعدم الملاك فيهبل القدرة إنّما تكون عقليّة وما لا يتعلّق به قصد الناذر إنّما هو ما ليس بمقدور عقلاً

فاذا كان مقدورا تكوينا فالملاك محقّق فيه وحينئذٍ فيمكن مزاحمته لخطاب واجب آخر ولا وجه لترجيح ذلك بكون قدرة النذر شرعيّة وملاك أو خطاب الواجب الآخر مذهب ومعدم لموضوع النذر .

نعم . يمكن أن يأخذ الناذر في موضوع نذره عدم المزاحمة بواجب آخر وحينئذٍ فلا يجب عليه عند المزاحمة لعدم حصول شرطه وذلك غير مسئلة انعقاده وتقديم واجب آخر عليه كما لا يخفى . وكذلك لم يؤخذ في موضوع النذر

لحاظ الأهميّة في تزاحم الواجبين

ص: 488

وانعقاده عدم استلزامه لترك واجب أو فعل حرام بل الذي أخذ عدم انعقاده على ترك الواجب وفعل الحرام وكذلك لزوم الرجحان الديني أو الدنيوي في انعقاده فالضابط في مورد تزاحم الواجبين ملاحظة الأهميّة بعد ما ذكر من المرجّح الذي لم يكن به اشكال . والدين مقدم على كلّ شيء . أرشد إلى ذلك بعض أخبار(1) التقيّة وانّه لا يستلزم فسادا دينيّا ولذا حرم التقيّة المحقّق الكركي قدس سره وأفتى بحرمتها واستشكل عليه معاصروه من العلماء وأوجب ذلك قتل نفوس كثيرة كما انه إذا أدّى الحجّ إلى ترك الصلاة فلابدّ من ملاحظة الأهميّة والأهميّة لعلّها للحجّ

لما ورد من انه أفضل ولو باعتبار اشتماله على الصلاة . لكنّه مجرّد فرض إذ لا أقل من القدرة على الصلاة الاضطراريّة فلا يتصوّر ما إذا دار الأمر بينه أي الحج وترك الصلاة في الوقت عمدا . نعم يمكن فرض الكلام في مثل حفظ النفس وأكل الميتة بمقدار ما تسد به الضرورة حتّى ميتة المؤمن وأمّا مثل النبي والوصي فلا يجوزولو يلزم فوت وموت عدّة كثيرة بل يجوز في مثل هذا المورد أكل لحم الخنزير فضلاً عن لحم بدنه للضرورة . كما يمكن الخدش في كون لزوم النوم المستوعبللوقت اللازم من الشروع في امتثال واجب كالحج طرف الدوران لعدم الحرمة أو الذهاب إلى مجلس يضطر إلى الجلوس على مائدة يشرب فيها الخمر بناءً على حرمته كما ورد بذلك عدّة(2) أخبار أو الأكل منها لعدم حرمة الذهاب وكذلك عدم حرمة المضطرّ إليه حفظا للنفس على اشكال في ذلك يظهر بالتأمّل .

فذكلة وتتميم: لا يخفى ان القدرة المعتبرة في النذر شرعيّة بالمعنى الذي ذكرنا إلاّ ان القدرة الشرعيّة المعروفة في ألسنة الطلاّب يراد بها ان الشارع اعتبر

ص: 489


1- . وسائل الشيعة 11 - 16 الباب 25/6 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
2- . وسائل الشيعة 25 الباب 33 من أبواب الأشربة المحرّمة .

مضافا إلى القدرة العقليّة التي هي شرط في مطلق التكاليف ولا يعقل بفاقدها التكليف في امة من الامم وإلى اليسر الذي يشتمل عليه جلّ التكاليف بل كلّها بالنسبة إليها اُمورا خاصّة فانّه لا إشكال في عدم جعل الحرج في الدين وان اللّه يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر لكن مع ذلك لا يجب الحجّ على من قدر عليه معسورا كما انه إذا أطاق المشي أو يمكنه تحصيل مؤنته في الذهاب والاياب مع بقاء الكفاية في الرجوع ولكنه ليس موجودا عنده ما به يحجّ بأن يصير قائدا أو سائقا أو معينا لسائق السيّارات مثلاً فالشارع اعتبر في وجوبه مضافا إلى السير فورا امورا آخر وإلاّ فالقدرة الشرعيّة التي هي عبارة عن اليسر وعدم جعل الحرج في التكاليف لا يختصّ بباب الحجّ بل في كلّ التكاليف إلاّ ما يكون طبعه عسريّا وحرجيّا كالجهاد كما ان القدرة العقليّة أشرنا مرارا إلى دخلها مطلقا في التكليف لاستحالة الخطاب ومطالبة العاجز عقلاً .

وأمّا الرجوع بالكفاية فقد وقع فيه الخلاف كما وقع الخلاف في الضابط لههل هو بمقدار قوت يومه عند الرجوع كما قيل أو أزيد أو ما يحفظ به ماء وجههوليس في الامور المعتبرة في وجوبه أمر آخر .

كما ان النذر أيضا كذلك على ما ذكرنا ولم يعتبر في موضوع الحج عدم مزاحمته لواجب آخر .

نعم إذا زاحمه واجب أهم فيقدم ذاك الأهم كما إذا توقّف حفظ نفس محترمة أو عرض أهم من الحجّ وعليه يحمل ما ورد في جواز تركه لعذر وإلاّ فلو تركه لأمر مباح أو واجب لا يبلغ أهميّة الحجّ فلا .

وحينئذٍ فاذا تركه بعد حصول موضوعه فيكون الحج بذمّته لكن لا يمكن

ص: 490

سريان الاضطرار إلى ترك الشيء في جميع الموارد موجبا لسقوطه ودوران الأمر بينه وبين غيره . بل ربما لا يكون لشيء دخيل في مركب دخل مطلق ولذا يسقط عند الضرورة وعدم التمكن واخرى يكون له ركنيّة مطلقة فاذا اضطرّ إلى تركه فلا يسقط بل في الحجّ إذا اضطرّ إلى ترك الوقوف بعرفات ولم يدرك المشعر فيكون ممّن فاته الحجّ لا ان الساقط هو الوقوف والباقي هو المأمور به لأداء الاضطرار إلى ترك الوقوف إلى الاضطرار إلى ترك أصل الحجّ الذي للوقوف دخل مطلق فيه .

وحينئذٍ لا يجب عليه باقي أعمال الحجّ وفي بعض الصور يكون عليه الحجّ من قابل وعلى ما ذكر فاذا نذر ندرا انحلاليّا بالوقوف بكربلاء وزيارة عرفة الحسين علیه السلام واتّفق في بعض سنيه حصول شرايط وجوب الحج وتنجز عليه التكليف فيجب عليه الحجّ والنذر ولا يمكنه اتيان كليهما لعدم قدرته مع ان موضوع كليهما صار فعليّا .

فلابدّ من تقديم الأهم لا ان النذر يكون منحلاًّ من أول الأمر وتشخيصالأهميّة لا يمكن إلاّ ببيان الشارع . فهل يمكن استفادة أهميّة الحجّ من وجوبهالفوري وحرمة التسويف الذي هو من الذنوب العظام وجواز السفر في الصوم اختيارا حتّى إذا نذر غاية الأمر يكون حنثا في بعض الموارد ولا يمكن التعدّي عن مورد جواز النذر في الصوم اختيارا كشف أهميّة غيره عند الدوران بل لابدّ من الوقوف على مورده كما لا يمكن استفادة ان الحج أهم من النذر بما ورد في بعض الروايات(1) من انه إذا نذر صوم كلّ يوم خميس فاتّفق يوم خميس فصار

لزوم تقديم الأهم

ص: 491


1- . وسائل الشيعة 7 - 10 الباب 1/6 من أبواب الصوم المحرم والمكروه لكن متن الرواية رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة كل جمعة دائماً ما بقي وآخرها يصوم يوماً بدل يوم إن شاء اللّه و23 والباب 10/1 من أبواب النذر والعهد .

عيدا انه يقضي ذلك اليوم وكذلك في بعض الموارد الآخر وإن كان لو لا النصّ لقلنا بانحلال النذر في اتّفاق يوم الخميس مثلاً يوم عيد .

والحاصل انّه وإن أمكن دعوى أهميّة الحجّ عند الدوران بينه وبين النذر لكنّه لا يصل إلى حدّ القطع والجزم واعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره (1) بعدم العثور فيما تتّبع على شاهد أهميّة الحجّ من النذر .

وكيف كان فقد عرفت عدم أخذ قيد عدم المزاحمة بواجب آخر في موضوع الحجّ كما لم يؤخذ في موضوع النذر ومتعلّقه إلاّ الرجحان في طرف النذر بالنسبة إلى طرفه الآخر من الفعل والترك لا بالنسبة إلى أمر آخر فلا يمكن القول بانحلال النذر بترك شرب السجاير إذا استلزم مثلاً عدم القدرة على اسماع جواب السلام الواجب وذلك لعدم الدليل على اشتراط عدم استلزام النذر ترك واجب . بل إنّما الشرط الرجحان الفعلي حين العمل في متعلّق النذر فما ذكره في العروة(2) فيباب الحجّ ممّا يظهر منه اشتراط وجوب الحجّ بعدم المزاحمة فيه ما فيه كما عرفته مفصّلاً فحينئذٍ ليس المناص إلاّ الرجوع إلى المرجّحات وما هو المفيد منها مسئلةالترجيح بالتعييني والتخييري بل هي في الحقيقة خارجة عن الترجيح لعدم المزاحمة ضرورة ان المزاحم في مثل وجوب الازالة الفوري والصلاة في الوقت خصوص الفرد الذي يفوت الوقت بتركه وإلاّ ففي أوّل الوقت وسعته لا يزاحم الازالة للصلاة ولا العكس بل في أوّله الازالة تزاحم الفضيلة ولا معنى لمزاحمة المستحب للواجب .

ص: 492


1- . لكن لعلّه من الواضحات أهميّة الحجّ بالنسبة إلى النذر .
2- . العروة الوثقى فصل شرايط وجوب حجّة الإسلام مسئلة 65 .

فمثال الازالة والصلاة ليس على اطلاقه ففي السعة يكون كالتعييني والتخييري.

نعم في الضيق يكون من تزاحم الواجبين اللازم مراعاة الأهم كما في الحجّ اذا زاحم واجب آخر عند آخر رفقة لا يمكن درك الحج إلاّ بمصاحبتهم فان علمنا أهميّة الحجّ من النذر فهو والا فيشكل الأمر بتقديم الحج اذا لم نحتمل اهميّته بل نتخيّر كما ان على ممشى القوم من اشتراط الحج بعدم المزاحمة لمشروط بالقدرة العقليّة أو عدم استلزامه ترك واجب آخر وكذلك في النذر لا يتحقّق خطاب كلّ منهما لعدم حصول موضوعه .

نعم إذا حصل واحد لتقدم زمانه استلزم لعدم تحقق موضوع الواجب الآخر كما إذا تقدم زمان الحج أو النذر مثلاً فالأقدم زمانا هو المقدم ولكنه خارج عن صورة التزاحم لعدم تحقّق واجبين . وحيث ان المطاردة من الجانبين بالنسبة إلى استلزام ترك الواجب الآخر فلا يمكن تحقّق وجوب كليهما .

نعم واحد منهما موضوعه محقّق إمّا تعيينا أو تخييرا شرعيّا لا عقليّا ولا عبرة بساير المرجّحات عندنا حتّى مسئلة البدل وما لا بدل له لأنّه ربما يكون ما له البدل أهم كما في الطهارة المائيّة اذا زاحم طهارة الساتر التي لا بدل لها وكذلك

مسئلة التعييني والتخييري في الحقيقة خارجة عن مورد التزاحم والترجيحوكذلك لا أصل للقدرة العقليّة والشرعيّة .نعم إنّما يفيد خصوص الأهميّة كبرويّا الا ان تشخيص الأهم في موارد الدوران لا يمكن بالقياسات والاستحسانات والوجوه الاعتباريّة ولابدّ من الانتهاء إلى قول المعصوم علیه السلام كما ان المقدم مقدم ليس مرجحا على اطلاقه بل ربما يقدم المؤخر لركنيته كما إذا دار الأمر بين قيام حال قبل الركوع وحال القرائة مثلاً .

الاشكال إذا لم نعلم الأهميّة

ص: 493

نعم في غيره يكون المقدم مقدّما لتحقّق موضوعه وعدم انتظار شيء آخر وبعده اذا عجز فليجلس كما اذا قوى فليقم فتدبر في أطراف ما ذكرنا .

تتمّة البحث: أشرنا مرارا إلى عدم امكان تشخيص الأهم من المهمّ الا من الأدلّة الشرعيّة وإلاّ فلا طريق إلى ذلك غيرها ولا اشكال في تقدم حفظ النفس على كلّ تكليف الزامي واجب أو حرام سوى ما استثنى كما اذا توقف حفظ نفسه على التعدي إلى بدن امام أو نبي ووصيّ ولو ميّتا فلا يجوز للنص(1) وأمّا في غير ذلك فلا اشكال فيجوز أكل لحم الخنزير لحفظ النفس .

هذا في التكاليف الاستقلاليّة أمّا التكاليف المركّبة كالصلاة والحج وأمثالهما فاذا توقف حفظ النفس على ترك الصلاة حتّى بمقدار صلاة الغرقى والحريق فلا شبهة في لزوم تقديم حفظ النفس على حرمة ترك الصلاة وكما إذا اضطرّ في الحج لحفظ النفس إلى ترك الوقوف بعرفة فانه تارة يمكن فعل التقية وحصول الغرض منها بموافقتهم في اليوم الثامن ( من ذي الحجّة فلا اشكال ) واخرى يتوقف على ترك الوقوف بعرفات في اليوم التاسع وإلاّ فاذا وقف يقتل . فهذا تارة يكونالاضطرار إلى ترك قيد أو جزء أو شرط في مثل هذه المركّبات الارتباطيّة وتركهاموجبا لفوات ذاك المركب لكون هذا المضطر إلى تركه ركنا فيه وله دخل مطلق في جميع الأحوال حتّى حال الاضطرار فلا اشكال في انه يكون مضطرّا إلى ترك أصل العمل لا إلى خصوص هذا القيد . واخرى لا . بل ليس لما اضطرّ إلى تركه

ص: 494


1- . لعلّه يستفاد من مرفوعة يعقوب بن يزيد عن الصادق علیه السلام وما رواه الشيخ في المصباح عن حنان بن سدير عن أبي عبداللّه علیه السلام وفي الأولى من باع طين قبر الحسين علیه السلام فانّه يبيع لحم الحسين ويشتريه وفي الثانية من أكل من طين قبر الحسين علیه السلام غير مستشفٍ به فكأنّما أكل من لحومنا إلخ . وسائل الشيعة 24/230 الباب 59 من أبواب عدم تحريم أكل طين قبر الحسين علیه السلام .

دخل كذلك . فحينئذٍ إذا كان يسقط بالاضطرار فيسقط والباقي هو المأمور به .

والحاصل انه لا مجال لجريان قاعدة الميسور في كلّ مورد بل مخصوص بغير الصورة الاولى كما في ما نحن فيه من مسئلة الحج فان الأدلّة متطابقة على فوت الحج بفوت الوقوف بعرفة .

نعم إذا أمكنه درك الوقوف بالمشعر الحرام ولو اضطراريّا قبل الظهر فيقوى الاجتزاء ولو لم يدرك الوقوف بعرفات لكنه في خصوص المصدود الذي اطلق بما لا يمكن درك غير ما ذكر فاذا لم يدرك هذا المقدار وفي الطريق صار مصدودا فتارة يمكنه الوصول إلى المواقف قبل فوت الوقت واتّفق انه لم يصل فهذا يكون ممّن فاته الحج ووظيفته التحلّل من احرام حجّه بعمرة مفردة إمّا قهرا أو بالنيّة ولابدّ في تحلّله من الاحرام من اتيان طواف النساء وغيره ممّا له الدخل في الخروج من الاحرام حتّى ان صلاة الطواف لها دخل في حليّة النساء له . فاذا كان الحج مستقرّا في ذمّته من سابق يحجّ من قابل وإلاّ فلا وادّعى سيّدنا الأستاذ قدس سره

استفادة ذلك من النصوص(1) الواردة في المصدود . لأن الصد ليس مختصّا بما إذا يمنع في الطريق بل يشمل ما إذا منع من الوقوف ولو لوجوب حفظ النفس المتوقف على تركه .واخرى لا يكون مدركا فلابدّ من الذبح في مكانه وليس كذلك من نام أو نسى فانه يستقرّ عليه الحجّ وعليه الاتيان من قابل . ففرق بين باب التقيّة وغيرهاففيها بمقتضى القواعد لابدّ من الالتزام بكون الحج في ذمّته لعدم تقيد موضوعه بعدم المزاحمة بالأهم لكنّه لمكان خصوص المصدود قلنا بتقيد موضوعه وغير ذلك من ما تقدّم آنفا بخلاف ساير الأبواب فانّها على مقتضى القاعدة الأوّليّة من

لو صار مصدوداً عن الوقوف بعرفات

ص: 495


1- . وسائل الشيعة 9 - 13 الباب 1 - 8/6 - 3 - 4 من أبواب الاحصار والصدّ .

وجوب الاتيان في السنة التي يتمكن .

نعم لو قلنا في فرض ترك الوقوف تقية بتنزيل اليوم الثامن منزلة يوم عرفة فلا إشكال في كون ادراكه مجزيا لكنه لم يثبت سواء كان عالما بكونه هو اليوم الثامن أو في صورة الجهل لعدم دلالة رواية أبي الجارود(1) وورود الاشكال عليها من جهات . منها من ناحية السند .

ثمّ ان ما ذكرنا من القاعدة في المتزاحمين من لزوم الأخذ بالأهم وترك المهم وعدم العبرة بساير المرجّحات المذكورة عدى مسئلة التعييني والتخييري التي أخرجناها من صورة المزاحمة هو الميزان في جميع الأبواب ودوران أمر قدرة المكلّف بين صرفها إلى أحد التكليفين فاذا تعين كون أحدهما أهمّ فلا اشكال وإلاّ فان كان كلاهما متساويين من ناحية الأهميّة أو احتمالها فلا اشكال أيضا في التخيير .

أمّا إذا احتمل أهميّة احدهما دون الآخر فتارة يكون المبنى في هذا الباب هو التخيير الشرعي فيرجع النزاع إلى مسئلة البرائة والاشتغال من جريان البرائة في التعيينيّة وانها مجعولة ومجهولة وفي رفعها منة دون التخييريّة لعدم كون المنة في رفعها لاقتضائها السعة بخلاف التعييني المقتضي للضيق ولو كانت التخييريّةأيضا مجعولة ومجهولة إلاّ ان عدم المنّة في رفعها كاف في عدم جريان البرائة فيهاوهذا بخلاف ما إذا قلنا بكون التخيير حكما عقليّا في صورة التساوي لكونه في مقام الامتثال دون ما إذا كان شرعيّا لكونه في مقام اشتغال العهدة الجاري فيه الوجهان فحينئذٍ لا محيص من الاشتغال واتيان محتمل الأهميّة للقطع بفراغ الذمّة

ص: 496


1- . وسائل الشيعة 7 - 10 الباب 57/7 من أبواب ما يمسك عنه الصائم .

باتيانه سواء كان في الواقع أهم أو مساويا للآخر المهم بخلاف ما إذا اقتصرنا على اتيان المهم فلا نقطع بفراغ العهدة المتيقن اشتغالها المحكوم بحكم العقل بالفراغ القطعي فتدبّر(1) .

ايقاظ: لابدّ في الترجيح في مورد المزاحمة كونه بالمرجح الذي يستقلالعقل بكونه موجبا للترجيح ومرجحا أو ان الشارع جعله مرجحا والا فاذا لميكن أحد هذين النحوين فلا يمكن الترجيح بالمرجح الاعتباري الذي لا يستقل

كلام سيّدنا الاستاذ المحقّق المدقّق السيّد يحيى المدرسي

ص: 497


1- . تنبيه: يتعلّق بمسئلة النذر والحج . قال سيّدنا الاستاذ المحقّق المقدقّق السيّد يحيى المدرسي اليزدي قدس سره بأنّ الحج مشروط بالقدرة الشرعيّة بدعوى ظهور الآية الشريفة في وجوبه على من استطاع المستفاد من الاستطاعة عدم اشتغال ذمّته باتيان واجب آخر في اوقات الحج فاذا فرض انه نذر زيارة الحسين علیه السلام في يوم عرفة فلا يستطيع الحج لعدم القدرة الشرعيّة المأخوذة في الآية ولا يستفاد من الأخبار الواردة في بيان الاستطاعة . وانها الزاد والراحلة وغيرها انها في مقام الحصر من جميع الجهات فاطلاق الآية بظهورها في لزوم المقدوريّة بحاله كما ان النذر مشروط بالقدرة الشرعيّة بوجهين: أحدهما ان الناذر على ما ذكرنا في مبحث الشروط في البيع لا يتعلّق قصده بل التزام كلّ ملتزم إلاّ بالمقدور ويستحيل تعلّق الالتزام بما لا قدرة عليه . والثاني انه ورد في بعض الأخبار انّه لا يجوز تفويت قدرته على متعلّق النذر قبل حلول وقته والجمع بين هذين يقتضي اشتراط النذر في الانعقاد الى القدرة الشرعيّة وفي البقاء وعدم الانحلال إلى القدرة العقليّة فحينئذٍ يقدم على الحج اذا كان سببه مقدما كما ان الحج يقدم إذا كان سببه مقدما أمّا إذا تقارنا فتارة يكون حكم أحدهما بالوجوب في رتبة موضوع الآخر فكما إذا تقدّم ذلك المقدم الحكم فهو المقدم كما إذا حصل الاستطاعة في رتبة وجوب الوفاء بالنذر فحينئذٍ لابدّ من تقديم النذر . وأمّا إذا حصل الموضوعان أي الاستطاعة في الحج والنذر المتعلّق بما يقدر عليه في رتبة واحدة فيكون مورد التزاحم لتوارد الحكمين على قدرة المكلّف ولكنه كان بصدد بيان تقديم النذر أيضا وعدم تصوير هذا الفرض . ولا يخفى ان مجرّد عدم القدرة في موضوع النذر باختيار المكلّف وقصده لا يجعله مشروطا بها شرعا فهو من هذا الحيث كالامارات التي يقولون انها مجعولة في ظرف الشك بخلاف الاصول فان موضوعها الشكّ .

العقل بكونه مرجحا ولا ان الشارع حكم بذلك . فاذا علمنا من الأهميّة في نظر الشارع كونه أقدم من الآخر فلا إشكال . كما انه يمكن كشف الأهميّة من كثرة الثواب والآثار المترتّبة عليه دون الآخر ولا اشكال في تقدم الأهم على المهم سواء في نظر الشارع أو العقل إلاّ انّه لابدّ في ذلك من الكشف .

وقد ذكرنا بعض الوجوه الممكنة لكشف الأهم منها لكنه إذا لم نعلم الأهم والمهم بل علمنا بتساوي المتزاحمين في الملاك أو احتملنا أهميّة كليهما وكان الاحتمال فيهما سواء فحينئذ لا اشكال في تخيير المكلّف لايهما شاء وترك الاخر إنّما الاشكال والكلام في كون هذا التخيير شرعيّا أو عقليّا فاختار طائفة ممّن تعرض للمسئلة التخيير الشرعي كما انه اختار جماعة اخرون كونه عقليّا .

دليل الأول ان الاحتمالات أربع في مورد تزاحم التكليفين في قدرة المكلّف بحيث لا يمكنه جمع كليهما في الاتيان . فانه اما أن يتركهما معا كما انه لا

يمكنه الاتيان بكليهما أو لا يكون حكم بالنسبة إلى هذا ولا إلى ذاك بل يسقطان معا أو يجب عليه فعل أحدهما بعينه دون الآخر وهذا ترجيح بلا مرجح فيبقى الاحتمال الرابع وهو كونه مخيّرا بالنسبة إليهما فحينئذ لابدّ أن يكون الحكم المجعول من الشارع هو التخيير الشرعي .

ودليل من يختار التخيير العقلي هو ان في صورة المزاحمة وإن لم يكن للخطابين اطلاق إلاّ ان ذات الخطاب موجود بل لا يمكن اطلاق ذات الخطاب بالنسبة إلى اتيان متعلّقه وعدمه أو كونه مقيّدا بحالٍ ضرورة عدم امكان وصول الخطاب وحكمه بالنسبة إلى الرتبة المتأخّرة وهي رتبة متعلّقه بل لابدّ في ذلك منكون الخطاب بالنسبة إلى امتثال المتعلّق وعدمه لا مطلقا ولا مقيّدا . بل يستحيل

التخيير عقلي أو شرعي

ص: 498

حتّى بنتيجه الاطلاق والتقييد . فحينئذ إنّما يقتضي الخطاب بذاته حال المزاحمة كما ان الأمر في الخطاب الآخر أيضا كذلك فحيث ان الخطابين باقتضاء ذاتهما يشملان صورة المزاحمة وإنّما المزاحمة تمنع من امكان امتثال كليهما فلا مزاحمة في أصل ذات الخطاب بل إنّما هو في شموله حتّى صورة المزاحمة .

فحينئذ حيث لا يقدر فيحكم العقل الحاكم في مقام الامتثال بالنسبة إلى الذي لا يقدر على اتيان كليهما ويقبح مطالبته بما هو عاجز عنه بالتخيير لان الملاك فرضنا كشفه من الأمر حسب ما تقرّر في المباحث السابقة وهذا أي اقتضاء ذات الخطاب أحد ركني الترتب الذي سيجيء إن شاء اللّه ويظهر هناك وجه دعوى بعضهم ضروريّة الترتب ودعوى خصمه استحالته وان الدعويين مبتنيان على تسليم هذه المقدمة وعدم تسليمها .

وعلى كلّ حال فلا مزاحمة في مادتي الافتراق بالنسبة إلى المتزاحمين كي يسقط أصل الخطاب فدعوى عدم انطباق طبيعة الصلاة بما هي مأمور بها في فرض مزاحمتها لفرد من الصوم مثلاً على هذا الفرد كما انه لا ينطبق طبيعة الصوم بما هي مأمور بها على هذا الفرد المزاحم للصلاة وان في مورد المزاحمة لا أمر بكلّ واحد منهما فاسدة .

نعم لو سلّمنا هذه الدعوى فالنتيجة هي ما ادّعاه فانّه اذا لم تنطبق الطبيعتان اللتان تحقق التزاحم في فرد من كلّ منهما على الفردين بما ان الطبيعتين مأمور بهما فامّا أن يأمر بأحدهما دون الآخر بعينه فذلك الترجيح بلا مرجح أو لا يأمر بكلّ منهما فمخالف لمقتضى الملاك الذي يكون عدم الأمر خلاف الحكمة لا انه مجبور بذلك بل لا يفعل وهو خلاف الحكمة سواء في ذلك التكوينيّات أو الامور

ص: 499

التشريعيّة فلا يبقى إلاّ الأمر التخييري كما قال القائل . لكنّك عرفت ما فيه منالاشكال حيث ان المقام مقام الامتثال والمزاحمة إنّما هي في اطلاق الخطابين المتزاحمين لا في ذاتيهما فتدبّر جيّدا .

عود على بدء: قد عرفت انه إذا كان المتزاحمان متساويين في ما هو ملاك التقدم والترجيح لأحدهما ويتساويان في موجبات الامتثال فهناك قولان . فطائفة من الاصوليّين ذهبوا إلى التخيير الشرعي واخرون إلى التخيير العقلي . وقد ذكرنا في البحث السابق مدرك من يذهب إلى التخيير الشرعي بأنّ المكلّف قد فرض عدم قدرته على كليهما معا للمزاحمة كما هو فرض الكلام فامّا أن يأتي بأحدهما بعينه دون الآخر فذاك ترجيح بلا مرجّح أو لا يأتي بأحدهما وهذا أيضا لا وجه له بعد وجود الملاك فلابدّ أن يأتي بأحدهما تخييرا دون الآخر .

أمّا في ناحية الشارع فلا يمكن مخاطبة العبد بكليهما لقبحها من العاجز كما انه لوجود الملاك التام ولو في أحدهما لا يمكن الاهمال في كليهما وايجاب أحدهما بعينه دون الآخر مع فرض تساويهما كما ذكرنا ترجيح بلا مرجّح فنكشف بهذه المقدّمات من انه جعل حكما تخييريّا في مورد المتزاحمين من أوّل الأمر لا أنّه جعل الخطاب في كليهما تعيينا ثمّ صار تخييريّا بل حيث ان في الواقع كان المقام مقام مزاحمة الواجبين في غير هذا المورد فالحكم إنّما جعل تخييرا وهذا بناءً على ان الساقط في مورد المزاحمة هو أصل الخطابين لا اطلاقهما فان الساقط في الفرض الثاني لو كان هو الاطلاق فينتج حكما آخر وهو التخيير العقلي على اشكال كما سنبين .

وما ذكرنا واضح في ما إذا كان الخطاب والتكليف في كليهما بنحو الانحلال

ص: 500

فالفردان المتزاحمان من الطبيعتين يتصوّر فيهما ما ذكرنا من الوجوه ويستنتجمنها كون التخيير حكما شرعيّا في هذا المورد وأمّا إذا كانا معا بنحو صرفالوجود فلا وجه للمزاحمة حينئذٍ كما ذكرنا في بحث الموقتات انه لا يمكن سعة الوقت بالنسبة إلى الواجب ولا ضيقه بل لابدّ من الانطباق وقلنا ان الوقت في مثل صلاة الظهر إنّما هو صرف وجوده لا أنّه من أوّل الوقت إلى آخره وإلاّ لابدّ من الاشتغال بالصلاة الواحدة في تمام الوقت أو الاشتغال بصلوات كثيرة من أوّله إلى آخره وهما فاسدان .

هذا كلّه لو كان الساقط عند المزاحمة ذات الخطاب وإلاّ فان كان هو اطلاقهما فيكون التخيير عقليّا وله ثمرات اخر هكذا ذكره المحقّق النائيني قدس سره لكن فيه اشكال لجريان ما ذكر في التخيير الشرعي بعينه هنا فانه لا يمكن الالتزام بانطباق الصلاة المزاحمة للصوم بما هي مأمور بها على الفرد المزاحم للصوم كما في الصوم لعدم القدرة على الجمع في الاتيان . فان كان مراده قدس سره بسقوط أصل الخطابين في التخيير الشرعي يعني حتى في غير صورة المزاحمة فهذا لا يمكن الالتزام به ولا انه يدّعيه فيرجع النحوان إلى نحو واحد وهو سقوط اطلاق الخطابين لحال مزاحمة الآخر . فلا يكونان واجبين تعيينين بل يرجعان إلى واجبين تخييريين ولكن التعبير بالتخييري أيضا مسامحة بل واجبين مشروطين تعيينين لا انهما صارا كذلك بل في مورد المزاحمة كذلك يكون من أوّل الأمر وذلك لقدرته على اتيان كليهما في ظرف ترك الآخر فحينئذٍ لابدّ من اشتراط وجوب كلّ واحد بترك الآخر على نحو الترتّب في الأهم والمهم على فرق بين البابين بأن في باب الأهم والمهم ربما يقال بكون الشرط لخطاب المهم هو

الفرق بين سقوط اطلاق الخطاب أو أصله

ص: 501

عصيانه على منع فيه فانه أيضا كالمقام راجع إلى الترك وان في باب الأهم والمهم إنّما يكون الترتب في جانب خطاب المهم بخلافه في ما نحن فيه من المتساويينفالترتّب من الجانبين .والحاصل: ان عدم قدرة المكلّف على الجمع بين الملاكين لا يوجب إلاّ رجوع الخطاب في مورد المزاحمة إلى خطاب مشروط في كلّ واحد بترك الآخر وانه لا يجب في ظرف الاشتغال بالآخر على ما سيظهر وجه قيديّة الاشتغال حيث ان الضرورة تتقدر بقدرها وهي في ترك أحدهما لا في ترك كليهما فلابدّ من الخطاب كذلك إلاّ انه قد أراد المحقّق النائيني في بحث الواجب التخييري ارجاعه إلى الواجب المشروط لكنّه لا وجه له ويرد عليه الاشكال كما سبق .

نعم في المقام لا مانع منه ولكن كون الساقط في فرض التخيير الشرعي هو اصل الخطابين لم نفهم معناه فانّه بعد فرض عدم دخل القدرة في ملاك الخطاب وإنّما هي دخيلة في حسن الخطاب والمطالبة ولا تكون قيدا لمتعلّقه بل المتعلّق في الرتبة السابقة مطلق من حيث الملاك الاّ ان رتبة عروض الخطاب مستدعية للقدرة على متعلّقه ( أي الخطاب ) فحينئذٍ لا وجه للتخيير الشرعي الذي ادّعاه وان الساقط هو أصل الخطابين وذاتهما .

نعم بناءً على كون القدرة دخيلة في الملاك زائدة على القدرة العرفيّة وهي الميسورية التي ادّعيت في جلّ التكاليف كما في مسئلة الحج حيث اعتبر فيه مضافا إلى القدرة العرفيّة قدرة شرعيّة وهي اليسار بالمال ولو فرض انه ربما يكون بالمشي الذي يقدر معه على الحج مع حصول ساير الشرايط غير الراحلة يكون أحسن حالاً من الراكب على الراحلة وأشباهها . لكنه لم يوجب على ذلك

لو كانت القدرة زائدة على العرفيّة

ص: 502

الشخص الحج بل أوجب مع القدرة على الراحلة ولو هو يختار المشيء . فحينئذٍ يخرج من باب التزاحم ويدخل في باب التعارض لعدم القدرة على كليهما فلا يمكن جعل الحكم التخييري بل أحدهما مقدور والآخر غير مقدور ولابدّ مناعمال قواعد باب التعارض فكيف يمكن ترتيب ما رتب على مسئلة التزاحم منالترتب وغيره عليه فانه لا ينطبق إلاّ على ما ذكرنا من كون القدرة شرطا عقليّا في مقام حسن الخطاب ومعه فلا موجب لجعل خطاب واحد تخييري بل لابدّ من جعل خطابين مشروطين كلّ واحد بعدم الاتيان بمتعلّق الخطاب الآخر وينتج تعدّد العقاب على فرض ترك كليهما لحصول شرط كلّ منهما وهو ترك الآخر وعدم الاشتغال به فلا وجه للتخيير الشرعي بل لابدّ من الخطاب المشروط .

ثمّ ان هذا الخطاب المشروط هل مجعول وآت من قبل الشارع أو العقل ؟ لا وجه للثاني بل من هذه المقدمات يكشف العقل عن جعل الشارع وانه جعله كذلك أي مشروطا على ما عرفت .

( أقول: الظاهر عدم توجّه اشكال سيّدنا الأستاذ على المحقّق النائيني حيث انه لا يرى أصل وجود الخطاب بشيء في بعض الموارد التي يجري فيها الترتب مانعا من الخطاب بالمزاحم وحينئذٍ فيتّجه له التفصيل بالتخيير الشرعي وان الساقط أصل الخطابين أو العقلي وهو اطلاقهما على ما سيظهر في أبحاث الترتب إن شاء اللّه فانتظر .

تكرار لا يخلو عن فائدة: قد عرفت ممّا ذكرنا سابقا ان في مورد تزاحم التكليفين لا مجال لبقاء خطاب كليهما لعدم القدرة عليهما من أوّل الأمر لأن الساقط هو اطلاق الخطابين لاذاتهما لما ذكرنا من ان مرجع الأمرين واحد إذ لا

ص: 503

اشكال في بقاء الخطاب والملاك في غير مورد التزاحم في الطبيعتين أو غيرهما لعدم المزاحمة وفي صورة التزاحم مع فرض التساوي تحصل ممّا سبق اشتراط وجوب كلّ واحد بعدم الاتيان بالآخر فحينئذ اذا ترك كليهما يتعدّد عقابه بتعدّد الترك ولا ينافي ذلك انه إذا أتى بأحدهما لا يقدر على الاتيان بالآخر وذلكلحصول شرط كليهما اذ من جهة تساويهما وعدم موجب لسقوطهما معا رأسا ولايمكن الجعل على كلّ واحد تعيينا ينشأ هناك خطابان مشروطان كلّ واحد بعدم الاتيان بالآخر . ففي صورة الترك يتعين فعل كليهما واستشكلنا ما ذهب إليه المحقّق النائيني من كون الحكم في المقام هو التخيير عقليّا أو شرعيّا إذ في فرض كونه تخييرا يكون هناك واجب واحد كما في خصال الكفارة ولا يجب عليه إلاّ أحدهما بخلاف المقام حسب ما فصّل وتحقيق الكلام في ذلك وانه يتعدّد العقاب أم لا ليس له مزيد دخل في المسئلة الاصوليّة والفقهيّة وإنّما هو مسئلة كلاميّة راجعة إلى أمر الآخرة والمعاد .

نعم في مورد يكون صغيرة يمكن بتعدّدها كونها كبيرة ويترتب عليها آثارها .

هذا وقد سبق في الأبحاث السابقة الاشكال في كون مورد المزاحمة حكما فعليّا تخييريّا أو تعيينيّا وانه داخل في باب التعارض بالعموم من وجه بل هو هو بعينه كما ان التعارض بالعموم من وجه كذلك فكيف يمكن حينئذٍ ما قيل في مورده وحقّقنا هناك ان التعارض راجع إلى التكاذب والتزاحم في مقتضى الحكمين كما إذا تزاحم جهتا العلم والفسق في ايجاب الاكرام وحرمته على العالم الفاسق لكن المورد واحد لمتعلّق واحد يتعدّد فيه جهتان للحكمين بخلاف باب

الفرق بين التزاحم الدائمي والاتفاقي

ص: 504

التزاحم فانه ليس كذلك بل متعلّق الحكمين غالبا متعدّد وليس باب التزاحم الاتفاقي كالدائمي الذي يلتزم فيه بكونه من باب التعارض كما ان نتيجة باب التزاحم رفع موضوع الآخر حيث ينجز ويرفع موضوعه ويعدمه بخلاف باب التعارض فانه مع وجود موضوع الحكم الآخر وكون العالم فاسقا يرفع حكمه مع بقاء موضوعه وكذلك يختلفان من جهة المرجّحات فالمرجّح في باب التزاحمالامور المتقدّمة سابقا التي مرجعها إلى أمر واحد وباب التعارض إنّما يكونالمرجح حسب ما بيّن في الأخبار العلاجيّة .

والحاصل ان من يقول بكون تزاحم التضاد داخلاً في التعارض قد عرفت فساده ممّا ذكرنا بما لا مزيد عليه .

هذا كلّه في الخطابات النفسيّة أمّا الخطابات الضمنيّة فقد يقال بكون الحكم فيها كبرويّا هو الحكم في النفسيّات لكن لا يخفى ان في مورد تشخيص الأهم والمهم لا إشكال في تقديم الأهم كما انه قد يقال في صورة التساوي بكون المقدم مقدما الا ان المورد خصوص ما إذا لم يكن للجزء أو الشرط المفقود دخل مطلق حتّى في صورة الاضطرار وعدم القدرة التي يكشف ذلك عن سقوط الباقي عند الاضطرار فان علمنا فهو . والا فيشكل الحكم بلزوم الباقي ولما ذكرنا ظهر وجه سقوط الخطاب بالصلاة بالنسبة إلى فاقد الطهورين حيث انه لا مجال لجريان قاعدة الميسور لانحصار مجريها فيما لا دخل له مطلق وفي جميع الأحوال للمعسور وفي باب الصلاة بالنسبة إلى بعض الموارد يمكن تشخيص الأهم والمهم .

أمّا الباقي الذي لم ينص عليه فيشكل كما إذا دار الأمر بين القيام حال

ص: 505

التكبيرة والقيام حال قبل الركوع فانّ التكبيرة للاحرام وإن لم تكن ركنا إلاّ انّ النص(1) ورد بأنّه يعيد اذا كبر جالسا .

فما ذهب إليه المحقّق النائيني باطلاقه حتى في مثل هذا المورد الذي لم يرد فيه نص بالخصوص لا يمكن المساعدة عليه .

الكلام في الترتبقد عرفت انه إذا لم يكن بين الخطابين أهميّة ومهميّة باعتبار متعلّقهما ان الحكم هو التخيير عقلاً لا شرعا وإذا كان بينهما أهميّة وكان أحدهما أهم من الآخر فلا اشكال في لزوم تقديم الأهم . الا ان الكلام في ان المهم يسقط بالكليّة حتّى في ظرف عدم الاشتغال بالأهم أم لا ؟ بل السقوط إنّما هو إذا اشتغل بالأهم المعجز المعدم لموضوع المهم وهو الذي يعنون البحث فيه بالترتب ؟ فيه خلاف بين الاعلام فالمنسوب إلى المحقّق الكركي وبعض . الثاني كما ان المنسوب إلى الشيخ الأنصاري وربما يشهد به بعض كلماته الأوّل وانكار الترتب كالمحقّق الخراساني .

وبالجملة فالمسئلة من أهمّ المسائل الاصوليّة وفي كلا الطرفين اعلام ومحققون وممن قال بالترتب بل ادعى ضروريته هو المحقّق النائيني بخلاف المحقّق الخراساني فيجعله من المحالات .

وينبغي تقديم مقدّمة في بيان أقسام التزاحم وان محل النزاع والخلاف في مسئلة الترتب هو كلّ هذه الأقسام أو خصوص بعض . فنقول ان ظاهر كلماتهم وإن كان يشهد بكون محلّ النزاع هو خصوص تزاحم باب التضاد على ما سنبين

في الترتب

ص: 506


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 13/1 من أبواب القيام .

الا ان ملاك النزاع موجود في بعض الأقسام الآخر .

فان التزاحم إمّا أن يكون في المقتضيين أو في السببين أو في الخطابين .

أمّا الأوّل فقد تبيّن ممّا ذكرنا رجوعه إلى باب التعارض على التفصيل المذكور سابقا كما ان الثاني ويمثّل له بما إذا ملك خمسا وعشرين ابلاً وبعد مضيّ ستّة أشهر من ملكه لها ملك آخر فصار المجموع ستّا وعشرين فبعد ستّة أشهر من ملكه للسادس والعشرين يكون كمال سنة الخمس والعشرين اما بحلول الشهرالثاني عشر أو بكماله مع اجتماع باقي الشرايط كما ان بعد ستّة أشهر بعد ذلكيكون تمام سنة الست والعشرين فهل لا يعطي الزكوة في السنة الاولى وتجب من اول ملكه للسادس والعشرين ومضى سنة ويزكى ويعطى بنت مخاض في 18 شهرا أم لا ؟

بل يعطي في السنة الاولى خمس شياة وهكذا بعد ستّة أشهر بنت مخاض .

وهذا أيضا لا وجه له لاستلزام الأوّل عدم تزكية المال في أزيد من سنة والثاني تزكيته في سنة مرّتين فالتزاحم في سببيّة الخمسة بزيادة الستة كما ان البحث في اليدين اذا تعلقتا بمباح دفعة واحدة فتتزاحمان وتكونان ناقصتين والمال بينهما نصفان ( أو لا بل يقرع ) إلى غير ذلك من الوجوه الخمسة المقولة فيها على الظاهر خارج عن مورد النزاع أصلاً الا النزاع السابق اما في غير ذلك ممّا يكون المزاحمة من ناحية عجز المكلّف اما باعتبار اقتضاء المتعلقين بحيث لا يمكن جعلهما في الوجود في آن واحد في مكان واحد لتعاند ذاتهما كما في البياض والسواد الواردين على الجسم معا فانه محال ولو من فاعلين ومثاله الفقهي ما اذا لزم المشي والاستقرار في الصلاة المتنافيان في الوجود ويرجع هذا

ص: 507

القسم من التزاحم إلى عدم قدرة المكلّف ولو باعتبار عدم قابليّة المورد فلا اشكال في كون هذا المورد محلاً للنزاع كما ان التزاحم من ناحية التضاد والتعاند الاتفاقي في قدرة المكلّف ولو لا تضاد فيهما من حيث أنفسهما كما في انقاذ الغريقين الذي لا يقدر المكلّف على ذلك بل اذا ينفذ أحدهما يغرق الآخر أيضا كذلك وهناك أقسام اُخر منها التزاحم باعتبار الاستلزام كما في مثل لزوم استقبال القبلة الملازم لاستدبار الجدي في أواسط العراق اذا فرض عدم جواز استدبار الجدي ومنها التزاحم بين مقدمة الحرام وذيها الأهم ومنها التزاحم في بابالاجتماع فهذه جملة أقسام التزاحم ولا ينبغي الاشكال في وجود ملاك الترتّبالذي يكون في باب التضاد في جميع هذه الأبواب الا خصوص باب الاجتماع لنكتة تظهر بعد ان شاء اللّه . وهذا بناء على عدم وحدة متعلّق الأمر والنهي في باب

الاجتماع وعدم سراية الأمر والنهي عن متعلّقهما إلى متعلّق الآخر وإنّما المتعلّقان

في كلّ باب منهما من لوازم وجود متعلّق الباب الآخر كما ان التزاحم في باب المقدمة المحرمة أوجب توهم وجوب المقدمة الموصلة الناشى من وجود حقيقة الترتب فيها على ما أشرنا إليه سابقا وسيظهر بعد إن شاء اللّه .

وبالجملة مرجع هذه الأقسام الخمس من التزاحم غير باب الاجتماع إلى التزاحم في باب التضاد لوجود ملاكه فيها وإن كان عنوان البحث في باب اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه إنّما يترائى منه في بادي الأمر اختصاص النزاع به لكنه عند التحقيق ليس كذلك لعدم ارادة الضد الخاص من الضد المعنون في مورد البحث كما تقدم في أوائل البحث .

ثمّ انّه بعد ما عرفت عموم ملاك الترتب في غير الأخير فنجعل البحث في

في مورد الترتب

ص: 508

خصوص باب التضاد ويظهر حكم باقي الأقسام وإن كان المرجع في الحقيقة واحدا وكلّها من باب التضاد .

فنقول: انا أشرنا إلى ان في باب الضد فيما اذا يتساويان يكون المكلّف مخيّرا عقلاً وإذا كان أحدهما أهمّ فهل الساقط اطلاق خطاب المهم لحال الاشتغال بالأهم أم لا ؟ بل ذات خطابه وعلى الوجهين مبنى انكار الترتب واقراره . فمدعى الترتب يدعى ان الساقط إنّما هو اطلاق خطاب المهم بالاشتغال بالأهم لا لوجود خطابه .

نعم بالاشتغال بالأهم يرتفع موضوع خطاب المهم مع بقاء ملاكه وذلك لأنموضوع الخطاب هو المقدور لا بمعنى عدم وجود الملاك فيما لا يقدر عليه بلبمعنى عروض الاشتراط في رتبة الخطاب فاذا لم يكن مقدورا فلا خطاب .

أمّا إذا لم يشتغل بالأهم بل تركه فلا وجه لسقوط خطاب المهم كما ان الترتب ومن يدعي استحالته كالمحقّق الخراساني(1) والشيخ على ما نسب إليه يستند في الانكار إلى استلزامه طلب الضدّين والجمع بين المتعلقين وما ذكر من ان الاشتغال بالأهم يعدم موضوع خطاب المهم وفي ظرف عدم الاشتغال فيتحقق الموضوع انما يفيد اذا لم يرد المولى في حال ترك الأهم له وإلاّ فلو فرضنا انه ترك الأهم وصار خطاب المهم فعليّا والفرض ان خطاب الأهم بعد على حاله فيلزم ما ذكرنا من المحذور من كونه طلب الجمع بينهما إذ لايمكن التفوه برجوع خطاب الأهم انشائيّا بعد أن كان فعليّا .

توضيح البحث: لا ينبغي الاشكال في استحالة طلب الضدّين كان يأمر

ص: 509


1- . كفاية الاُصول 1/213 .

المولى عبده بالاستقرار وعدمه والمشي في آن واحد بحيث لا يجوز له مخالفة أحدهما وذلك لعدم القدرة على ذلك عقلاً الذي يمتنع معه تكليفه بهما كما انه لا شبهة في عدم استحالته في ما إذا جعل طلبه لأحدهما في ظرف ترك الآخر لعدم كونه طلبا للضدّين ولا تكليفا بما لا يقدر عليه المكلّف . فاذا قال له اشتر اللحم وان لم تشتر فاللبن فحينئذٍ لا يريد كليهما بل في ظرف الجمع لا يريد الا أحدهما وربما يكون الآخر الذي اشترط وجوبه ومطلوبيته بترك الآخر الذي لم يتركه وأتى به في هذا الظرف مبغوضا وهذا واضح لا اشكال فيه . كما ان المنشأ لذلك ليس الا استحالة طلب الضدين وتعجيز المكلف بطلب ما لا يقدر على كليهماولذلك لا مانع من الطلب اذا لم يستلزم ما ذكرنا . ومن هذه الجهة تعجب المحقّق النائيني من الشيخ حيث انه في مبحث التعادل والتراجيح يجعل(1) الاماراتالمتخالفة بناء على الموضوعيّة كالمتزاحمين المتساويين وحينئذٍ فلابدّ من العمل بكلّ منهما وحيث ان ذلك منوط بالقدرة فلا يقدر على كليهما وإنّما يقدر على أحدهما وبما ان الضرورة تتقدر بقدرها يكون الوظيفة هو الحكم بالتخيير عقلاً في اختيار أحدهما وفي ظرف تركه يقدر على الآخر فلابدّ من اتيانه فيكون الواجب حينئذٍ كلّ واحد في ظرف ترك الآخر لحصول ما هو مناط ذلك من المقدورية فيه وليس هناك طلب المحال الذي يترتب على طلب كليهما مطلقا بلا شرط .

نعم بناء على الطريقيّة لا مجال لذلك وما ذكر مبني على الموضوعيّة وان قيام الامارة على متعلّقها يحدث فيه المفسدة أو المصلحة حسب اقتضائها فيرجع إلى التزاحم في المصالح والمفاسد في بعض الموارد وإلى تزاحم التكليفين في قدرة المكلّف في موارد اخر فالتزم ( أي الشيخ قدس سره ) بالترتب من الجانبين مع انه

في طريقيّة الامارة

ص: 510


1- . فرائد الأصول 2/761 .

ينكره في ما نحن فيه حتى من طرف واحد وهو الأمر بالمهم عند ترك الأهم ومنشأ تعجبه قدس سره من الشيخ إنّما هو عدم الالتزام ولو من طرف واحد والتزامه(1) من الطرفين ومن المعلوم انه لا يمكن الاعتذار عن الشيخ بأنّه لا يلزم في ما التزم من الجانبين محذور طلب الضدّين بخلافه في المقام .

فان الاشتراط إنّما هو في ناحية المهم لا الأهم فانه واجب على كلّ تقدير لما سنبيّن إن شاء اللّه في مقام دفع الاشكال .

وما استند إليه المحقّق الخراساني في المنع من الترتب(2) حيث ان ذلكالأمر بالأهم لا يسري من موضوعه ولا ينزل إلى ظرف تركه وكذلك التكليفبالمهم المشروط بالترك .

والحاصل وإن كان كلام الشيخ في بحث التعادل والتراجيح شبيهاً بما نقله المحقّق النائيني وربما يظهر منه ذلك الا ان الكلام في المنسوب والنسبة وانه هل يمكن الفرق أم لا بل الالتزام بالترتب في باب الامارات أشدّ محذورا من المقام لابتنائه على ذلك المبنى الفاسد من الموضوعيّة ثمّ رجوعه إلى حدوث المصلحة والمفسدة باختيار المكلّف ما يكون الحدوث مشروطا به بأنّه يكون على تقدير اختيار ما قام على الوجوب يحدث فيه تلك المصلحة وكذلك على تقدير اختيار ما قام على الحرمة يحدث فيه المفسدة ولا يمكن الالتزام بهذه التوالي الفاسدة وليس كذلك المقام . فان الفرض ان المكلف قد تنجز في حقّه المصلحتان أو المفسدة والمصلحة وذلك للفراغ عن كشف الملاك حسب ما تقدّم في المباحث

ص: 511


1- . فرائد الاُصول 2/761 .
2- . كفاية الاُصول 1/213 .

السابقة وحينئذٍ فلا يقدر على استيفاء كلتيهما أو استيفاء المصلحة وعدم الوقوع في المفسدة لعدم القدرة فلا يمكن في هذا الظرف الأمر من قبل المولى باستيفائهما والفرار عن المفسدة الا أن يكون جاهلاً أو غافلاً . واذ ليس فلابد في فرض أهميّة أحدهما في نظره أن يأمر بذلك الأهم . ثمّ انه لا يوجب ذلك رفع اليد عن المهم بالكلية بل لا مانع من الأمر بالمهم في ظرف ترك الأهم لعدم مبغوضيّة فيه من حيث نفسه وانما المانع عدم القدرة في ظرف الاتيان والفرض انه لم يختر الأهم المفوت للقدرة . وعلى هذا فلا يحتاج إلى شيء بل نفس الدليل الاجتهادي الدال على مطلوبيّة المهم في هذا الفرض كاف في ما نحن فيه ولذلك يكون الوظيفة عند احتمال اهميّة أحدهما بحكم العقل اتيانه للفراغ اليقيني باتيانه عن ما اشتغل ذمّته به باليقين للقدرة على أحدهما الواجب بذمّته فاما أن يكون هذاالمحتمل وغيره سواء أو يكون هو اللازم الاتيان في الواقع . فاتيانه على كل تقديرمجز بخلاف ما إذا اختار ذاك الذي في قبال هذا المحتمل فيشكّ في فراغ الذمّة عمّا اشتغلت الذمّة به .

ثمّ انه لا شبهة في ان الشرط في القضيّة الشرطيّة ليس من العلل الغائيّة وذلك لاستلزامه الاكتفاء بتصوره في النتائج المترتبة . وليس كذلك قولنا اذا جاءك زيد فأكرمه بل الشرط راجع إلى قيد الموضوع على ما تبين في الواجب المعلق والمشروط مستوفى . وقد ذكرنا هناك ان كل قضيّة يرجع إلى القضيّة الشرطيّة لاشتراط كلّ حكم بوجود موضوعه غاية الأمر فرق بين الشرايط العقليّة وغيرها فاذا كان الشرط ممّا يعتبره العقل فاذا أخذ في القضيّة لا مفهوم لها بخلاف ما إذا كان تعبّدا فتكون حينئذٍ ذات المفهوم وليست بلقبية .

ص: 512

فظهر من ذلك ان حال الموضوع قبل فعليته وبعدها على حد سواء وليس ما إذا صار فعليّا وترتّب حكمه عليه يخرج عن ما هو عليه ضرورة فاذا كان اللازم لمن ملك أربعين غنما تزكيتها بشاة فاذا ملك ووجب عليه لم تنقلب القضيّة ولا الحكم عمّا كان عليه قبل وذلك واضح .

تكملة وتوضيح: قد علم ممّا ذكرنا مورد اجتماع الطلبين وارادة الضدّين المستلزمة للمحال وما إذا لا يستلزم ذلك في المقدمة .

وحاصلها انه لا مانع من الأمر بالمهم فيما لا يرجع إلى طلب الضدين لعدم الاستحالة في ذلك لعدم موجبها وهو عدم القدرة على الجمع بين الارادتين حيث ان الضرورة نتقدر بقدرها وهو سقوط الأمر بالمهم فيما يلزم عن الأمر به طلب الضدين لاطلاق الأمر بالأهم بخلاف المهم الساقط في ذلك المورد اما اذا لا يلزم من الأمر بالمهم هذا المحذور فلا اشكال فيه كما ذكرنا .المقدمة الثانية: انه إذا كان شيء مشروطا في وجوبه بشرط فلا يمكنخروجه من الاشتراط إلى الاطلاق عند تحقّق هذا الشرط وذلك لاستحالة خروج الموضوع عن الموضوعيّة بعد صيرورته فعليّا ولا يمكن انعدامه بوجوده .

نعم في مثل الحج ورد الدليل الخاص بلزومه وانه على ذمته ولو خرج عن الاستطاعة في السنوات الآتية ولكن مرجع هذا الدليل إلى عدم موضوعيّة الاستطاعة مطلقا بل وجودها الحدوثي شرط لاستقرار هذا التكليف على المستطيع في الجملة .

نعم لو فرض كون الشرط من العلل الغائيّة يمكن جريان ما ذكر فيه فالنزاع ينبغي أن يجعل في الحقيقة في ان شرط الواجب في وجوبه هل راجع إلى

مورد اجتماع الطلبين وارادة الضدّين

ص: 513

الموضوع أو يكون من قبيل العلل الغائيّة ولا ثالث للاحتمالين . فان كان من قبيل الأول فلا دخل إلاّ بوجوده الخارجي فلابدّ أن يكون جزء الموضوع إذ المراد بالموضوع ما يدور الحكم مداره وجودا وعدما وعنوان الموضوعيّة إنّما ينتزع من جعل الحكم على شيء ولا اشكال في ان شرط الوجوب يدور مدار وجوده وعدمه وجود الحكم وعدمه فهو راجع إلى الموضوع بلا اشكال والا فيلزم الخلف والمناقضة على ما سيظهر وسنشير إليه في المقدمة الثالثة .

وتوهم كون الشرط من قبيل العلل الغائيّة مدفوع بأنّه إذا كان كذلك فلا انتظار لفعليّة وجوده الخارجي ولو بعد حين بل يكفي نفس تصوره كما هو الحال في كليّة العلل الغائيّة .

وهذا هو المنشأ لتوهّم انقلاب الواجب المشروط بعد حصول شرطه إلى الواجب المطلق ولكنه قد تبيّن في الأبحاث السابقة بطلان هذا التوهم .

وان الأحكام ليست مجعولة إلاّ على نحو القضايا الحقيقيّة علىالموضوعات المفروض وجودها لا انه عند وجود كلّ موضوع ينشأ الحكم وبعددالموضوعات يكون هناك انشاءات عديدة عند صيرورتها فعليّة .

فالمحمول المنتسب في الواجبات المشروطة إنّما هو يترتّب على فرض وجود الموضوع خارجا ولا أثر لوجوده العلمي على نحو العلل الغائيّة .

وعلى كلّ حال فالحال في الشرط ما ذكرنا سواءً سميته بالموضوع والحكم أو السبب والمسبب والعلّة والمعلول وهذا صار سببا في الخلط بين عدّة من الموارد .

منها في علّة الجعل والمجعول وبعبارة اخرى وقع الخلط بين علّة التشريع

ص: 514

وعلّة الحكم المجعول .

ومنها: ما في الواجب المشروط والمطلق كما أشرنا إليه هنا ويترتّب على هذا المبنى الفاسد في المقام صيرورة الحكمين فعليّين عرضيّين لحصول شرط الواجب المشروط وهو ترك الأهم فوجوب المهم صار فعليّا في عرض وجوب الأهم فيجيء المحذور ولا يمكن الترتب على هذا الا على رفع الملاك والخطاب عن الأهم بالمرّة وهذا في مكان من الوضوح ولا مجال للاشكال فيه من أحد اذ سبيله سبيل « فان لم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا »(1) أو التكليفين يكونان في آن واحد فعليّين لكنّهما في رتبتين على نحو الطوليّة فخطاب المهم في طول خطاب الأهم على فرض انه ان اشتغل بالمهم فقادر لعدم صرف قدرته في الأهم ولو اختار العصيان بالنسبة إلى الأهم .

ثمّ اذا رفع اليد عن الصلاة فيقدر على الأهم ويرتفع موضع المهم على ماسنبين عن قريب إن شاء اللّه .المقدمة الثالثة: ان نسبة الحكم والموضوع على ما ذكرنا سابقا طي المباحث السابقة نسبة العلّة والمعلول فكما يستحيل تخلّف المعلول عن علّته التامّة ولو بآن كذلك يستحيل تخلف الحكم عن موضوعه وكما يستحيل تقدم المعلول على علّته كذلك في الحكم وذلك لأنّه بعد تحقّق الموضوع وفعليّته إن لم يصر الحكم فعليّا فلا جرم لحالة منتظرة لها دخل في الحكم وذلك خلف .

اذ فرضنا ان الموضوع صار فعليّا أو لا حالة كذلك فيلزم المناقصة واجتماع الوجود والعدم بلا فرق بين الواجبات المضيقة والموسعة حتى ان زمان الامتثال

الفرق بين علّة الجعل والمجعول

ص: 515


1- . النساء الآية 44 .

يستحيل تخلّفه مطلقا عن زمان الحكم والموضوع ولو بآن .

نعم إنّما يتخلّل بين هذه الثلاث الرتبة فبين الموضوع والحكم إنّما يتخلل الرتبة كما ان بين الحكم وامتثاله كذلك .

وبالجملة لا يمكن تخلّل زمان الامتثال عن زمان الحكم والموضوع والا فيلزم اما بعث الحكم بالنسبة إلى ما قبل وجوده وتحقق موضوعه أو انه لا حكم فاذا فرض عند وجود اول آن طلوع الفجر لا يصوم بل ينتظر الآن الثاني فانه اما أن يكون لفعلية الحكم فلابدّ من ربط الآن الأوّل في موضوع الوجوب والا بان فرض عدم دخله فيه ومع ذلك ينتظره فكذلك يمكن ترتبه بالنسبة إلى تمام الآنات إلى الغروب ثمّ يقصد صوم اليوم الماضي وهو كما ترى ممّا يضحك به الثكلى .

وهذا أيضا قد تقدّم بيانه مفصّلاً عند الكلام في الواجب المعلّق والمشروط واللازم ذكر نتيجته في ما نحن فيه وقد أطال المحقّق النائيني قدس سره لكنه لا وجه له فهذه المقدمة ليس لها كثير ربط بما نحن فيه .

المقدمة الرابعة: وهي العمدة في بحث الترتب . ان الحكم بالنسبة إلى متعلّقهلا يكون مطلقا ولا مقيّدا بحال وجوده ولا بعدمه لاستلزام ذلك المحال . اماتحصيل الحاصل أو المناقضة واجتماع النقيضين وذلك كما في حمل المحمولات الاوليّة من الوجود والعدم على الماهيّة المعراة عنهما .

فلا يمكن حمل الوجود على زيد الموجود للزوم تحصيل الحاصل ولا حمله على زيد المعدوم لاستلزامه اجتماع النقيضين كما انه لا يمكن حمل العدم على زيد المعدوم ولا الوجود لما ذكرنا وهذا إنّما هو في عالم الحمل والا ففي الخارج لابدّ أن يكون كذلك في صدق القضيّة بل مضافا إلى امتناع تقييد الحكم

المقدّمة الرابعة

ص: 516

بحال وجود المتعلّق وعدمه كما انه يمتنع الاطلاق بعين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق والتقييد حتّى بنتيجتهما وليس كبعض الامور المترتبة على الحكم في الانقسامات اللاحقة للخطاب ممّا يمكن فيه ذلك بل المقام كالاطاعة والعصيان ممّا لا مجال للقيد والاطلاق ولو بنتيجتهما فيه كما ان من الواضح انه ليس من الانقسامات السابقة على الخطاب التي تكون كالموضوع له .

تبيان وتوضيح أزيد: ليعلم ان كلّ من يريد شيئا

ويلتفت إلى جهاته ونسبته إلى أيّ شيء من الزمان والزمانيّات فاما أن يكون لذلك الشيء دخل في مطلوبه في لب غرض الواقع أو لعدمه أم لا بل وجوده وعدمه سيّان ولا يخلو الواقع عن أحد هذه فعلى تقدير دخل وجوده في المطلوب فيكون مشروطا به أو عدمه فيشترط عدمه أو لا فهو مطلق .

ثمّ انه في مقام الطلب يطلبه حسب ما في ذهنه ويكون مقام الاثبات كاشفا عن الثبوت وغرضه الواقعي لكنّه إنّما يصحّ في خصوص ما يمكن أخذه في خطابه سواء في موضوع الخطاب أو متعلّق متعلّقه وهو الموضوعات الخارجيّة كما في شرب الخمر مثلاً وأمّا في ما لا يمكن أخذه في الخطاب فيمكن دخلهمطلقا أو مقيّدا لكنه لا يمكن كون الخطاب واردا عليه على نحو يكون موضوعاللخطاب لاستحالته كما في العلم والجهل بالحكم فانه لا يخلو الواقع عن اطلاق الغرض بالنسبة إلى العالم بالحكم والجاهل به أو لا بل مخصوص مثلاً بما إذا كان عالما لكنه يستحيل أخذ جهل الحكم وعلمه أو اطلاقه في موضوع الخطاب لأنّه يترتّب على الخطاب فلا يمكن أخذه في موضوعه . وإن كان ملاك الاطلاق والتقييد موجودا في هذا الفرض وفي القسم الأوّل الذي اصطلح عليه

ص: 517

بالانقسامات الاوليّة في فرض الاطلاق يكون هناك سواءات بالنسبة إلى كلّ ما احتمل دخله فيه وعدمه . ولذلك يمكن اجراء البرائة بالنسبة إلى بعض ما شك في دخله ويكون من هذه الجهة في حكم المطلق .

والثاني الذي يكون فيه ملاك الاطلاق والتقييد اصطلح عليه بالانقسامات

المتأخّرة أو اللاحقة للخطاب . وهناك فرض ثالث لا يمكن فيه احدى الصورتين فلا يمكن الاطلاق والتقييد اللحاظي ولا نتيجة أحدهما وملاكهما بل يستحيل كما انه يستحيل في الفرضين السابقين عدم الاطلاق والتقييد وهو فيما يقتضيه الخطاب من الفعل والترك فلا يمكن دخله في موضوع الخطاب حيث انه إنّما يجيء من قبله ويترتّب على الخطاب ومقتضىً له فكيف يمكن دخله في موضوعه لرجوعه إلى اجتماع النقيضين المحال . اذ حال موضوع الخطاب وحكمه حال العلّة والمعلول فكما لا يمكن تقدّم المعلول على علّته كذلك يستحيل ذلك بالنسبة إلى الخطاب وما يجيء من ناحيته ويقتضيه الخطاب الذي هو كالمعلول بالنسبة إلى موضوعه ولذا يطلق على الموضوع السبب كما انه قد يطلق عليه العلّة وحينئذٍ . فكلّ خطاب من هذه الجهة يستحيل تقيد موضوعه بما يترتب عليه ويقتضيه نفس الخطاب كما انه بعين استحالة التقييد يستحيل الاطلاق بلا فرق في ذلك بين كونالمبنى في الاطلاق والتقييد هو العدم والملكة أو الايجاب والسلب أو التضاد وانالماهيّة بعد نزولها عن عالمها في عالم التصور وطريان الوجود الخارجي وعدمه عليها لها حالات ثلاث . فاما أن تكون مقيّدة بوجود شيء أو بعدمه أو بالنسبة إليهما سواء وهذا الاخير في قبال القسمين الأوّلين قسم ثالث قسيم لهما وحينئذٍ فالتقابل بهذا الاعتبار يكون هو التضاد . كما انه على مذهب السلطان الاطلاق

ص: 518

ليس إلاّ في غير هذه الجهات الثلاث على نحو لا يكون هذا الاطلاق أيضا ملحوظا بخلاف ما إذا كان قسيما فيلحظ الاطلاق . فانه على كلّ الصور يستحيل تقيد موضوع الخطاب بما يكون معلولاً للخطاب وأثرا له كما انه يستحيل تقيّده بنقيضه لاجتماع النقيضين استلزاما كما ان في الأوّل يكون من قبيل طلب الحاصل .

فاذا كان أمرا فمقتضاه ايجاد الفعل ووجود المتعلّق فلا يمكن أخذ وجود المتعلّق في موضوع هذا الخطاب كما لا يمكن أخذ نقيضه وهو العدم والترك وكذلك إذا كان نهيا يقتضي عدم تحقّق المتعلّق فيستحيل أخذ عدم المتعلّق الذي يقتضيه هذا الخطاب أو وجوده في موضوعه .

نعم لا مانع من التقييد بوجود شيء آخر لمتعلّق خطاب آخر أو عدمه وحاله كحال الانقسامات الأوّليّة التي لا مانع من أخذها في موضوع الخطاب أو متعلّقه .

إذا عرفت ذلك . فنقول ان ما نحن فيه من باب الأهم والمهم الذي فرض مزاحمة المهم للأهم بناءً على ما هو المسلم من لزوم تقديم الأهم فخطابه يقتضي وجود الأهم في الخارج بلا اشكال . الا ان المهم لا يعارضه في هذه الجهة بل من حيث عدم كون هذا الخطاب بمقتضى انبعاث المكلّف في جانب الامتثال واتيانمتعلّقه لو كان أمرا وتركه إن كان نهيا فقدرته التكوينيّة على جانبي الفعل والتركبعد على حالها ولم يوجب الأمر ولا النهي في جانب الأهم سلب القدرة تكوينا وان أوجب سلبها تشريعا . فلا مانع حينئذٍ من تشريع خطاب المهمّ معلّقا على ترك الأهم وعصيانه خارجا تكوينا . فخطاب الأهم المقتضي للفعل إنّما يبعث المكلّف

استحالة تقيد موضوع الخطاب بما يكون معلولاً له

ص: 519

على عدم ايجاد موضوع خطاب المهم وهو الترك ويدعوه إلى ايجاد نقيضه وهو الفعل الذي لا يبقى معه موضوع لخطاب المهم . وخطاب المهم لا يقتضي إلاّ وجود متعلّقه على تقدير حصول موضوعه وهو ترك الأهم الذي أمر بنقيضه . وهو أي خطاب المهم لا يقتضي حفظ شرطه كي يزاحم الأهم في ذلك . بل لو فرض قدرة المكلّف على اتيانهما معا محالاً فلم يتّصف بالمطلوبيّة الا خصوص الأهم . والمهم لا امر له أصلاً فاذا اشتغل بالصلاة فالترك الموضوع له حاصل ويوجب فعليّة خطابه أي المهم كما ان خطاب الأهم بعد لم يسقط فيمكنه رفع اليد عنها أي الصلاة والاشتغال بالأهم المعدم لموضوع المهم . وعلى ما ذكرنا فالترتب من الواضحات الأوليّة ولا مجال للاشكال فيه .

( أقول: ان مجرّد أخذ ترك الأهم موضوعا لخطاب المهم لا يوجب تأخّر المهم برتبتين عن الأهم أحديهما رتبة تأخر الترك عن الأمر الأهم والثانية رتبة أخذ هذا الترك موضوعاً لخطاب المهم إذ لو فرض أخذ مجرّد الترك بلا نسبة إلى كونه ترك الأهمّ المقيّد بهذا القيد فلا طوليّة ولا ترتب في البين بل يمكن أخذه في رتبة جعل الأمر على الأهم فتأمّل )(1) وعلى هذا فالأمران في رتبة واحدة لكن أحدهما تام يطارد . الآخر والآخر ناقص لا يطارد فلا تزاحم في البين منالطرفين وهذا القدر كافٍ في عدم مجال لحكم العقل باستحالة طلب الضدين ) .

توضيح وتكميل لبحث الترتب:قد ظهر ممّا ذكرنا ان الترتب وهو عبارة عن طوليّة الخطابين المتزاحمين بحيث لا يقدر على الجمع في متعلّقهما عرضا لا اشكال فيه حيث انه بعد البناء على عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه وما ذكرنا من المقدّمات تكون

بيان الترتب

ص: 520


1- . فانّه يشبه المغالطة .

نتيجتها صحّة الترتّب بل ضروريته .

نعم لو كان الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضدّه أو كان عدم الأهم مأخوذا في ملاك المهم بحيث انه مع جود الخطاب بالأهم ولو لم يشتغل به لما كان ملاك للمهم فلا يمكن القول بالترتب والالتزام به . لكنك عرفت فساد هذين الاحتمالين في ما مضى وان غاية ما يقتضيه كل خطاب هو القدرة على متعلقه لأنه لا يمكن أخذ ما هو الأثر لكلّ خطاب موضوعا للخطاب للاستحالة . فالترك أو الفعل الذي يقتضيه الأمر أو النهي يستحيل صيرورتهما جزءا للموضوع . نعم لا مانع من أخذ مقتضى أحد الخطابين في موضوع خطاب الآخر بحيث لو لم يوجد ذلك المقتضي مثلاً لما كان للخطاب الآخر موضوع . وحينئذٍ فاذا حصل هذا الشرط الذي هو راجع إلى الموضوع فيوجد عقيبه رتبة حكم الموضوع الآخر ويتحقّق خطابه ويكون فعليّا . ولا يرجع ذلك في باب الأهم والمهم الذي يكون خطاب المهم مشروطا بترك الأهم إلى طلب الجمع . بل اللازم إنّما هو الجمع في الطلب الذي لا استحالة فيه بل هو ضد طلب الجمع . وذلك كما في مثل الواجبين المتزاحمين المتساويين الذي ذكرنا سابقا انه يكون ترك كلّ منهما موضوعا لخطاب الآخر ولا يترتّب على ذلك محذور طلب الجمع . بل لو فرض محالاً انه أتى بهما المكلّف مجموعا فلا يقع كلاهما على صفة المطلوبيّة بل خصوص الأهم وإن كان الملاك في المهم موجودا على هذا الفرض المحال لكنّه لا أمر به للمحذور .فعلى هذا كيف يمكن الاشكال في الترتب وانه بالاخرة يرجع إلى طلبالجمع حيث ان خطاب الأهم لا يسقط بالعصيان والترك .

وبالجملة أيّ شيء فرض موضوعا لخطاب المهم وإن كان ربما يترتّب على

ص: 521

أخذ غير الترك اشكال كما في ما اذا أخذت الارادة بعدمها شرطا لخطاب المهم للزوم العرضيّة في الطلب، بل اللازم إنّما هو خصوص أخذ عدم الاشتغال بالأهم موضوعا للمهم كي يتحقّق الطوليّة بين الخطابين مع حفظ الفعليّة في الخطابين والموضوعين من حيث الزمان والمكلّف . وإنّما الفارق هو خصوص طوليّة الخطابين وترتب أحدهما على الآخر طبعا وخطاب المهم أيضا بالترك يصير فعليّا وحينئذٍ فيتحقّق طلب الجمع وهذا هو المحذور . وذلك لما عرفت من المقدّمات التي بالتأمّل فيها لا مجال للاشكال . وقد دفعنا اشكال لزوم الالتزام بالواجب المعلّق والشرط المتأخّر في المقدّمة الثالثة وسيظهر اندفاع ما يتخيل من الاشكالات من لزوم الالتزام مع انه على فرضه لا محذور فيه كما التزم المحقّق النائيني قدس سره في الواجبات التدريجيّة كالصلاة والصوم . هذا مضافا إلى النقض بمثل ما إذا كان هناك واجب فعلي تركه واشتغل بالمباح فهل يلتزم بحرمة هذا المباح وانه يخرج عن اباحته . وليس ذلك إلاّ لما ذكرنا من ان المزاحمة ليست بين الخطابين بل إنّما هي في المتعلّقين فاذا لم يأت بمقتضى خطاب الأهم ولم يشتغل به فلا تفوت قدرته التكوينيّة على المهم . فحينئذٍ مجال للخطاب به أي المهمّ . وكيف يمكن ورود الاشكال مع انه كما ذكرنا على هذا الفرض لو أتى بهما جمعا إنّما يقع المطلوب هو خصوص الأهم . وطلب الجمع إنّما يلزم لو كان كلاهما على هذا الفرض مطلوبين كما اذا اشتغل بالأكل المباح في ظرف فوت الصلاة الواجبة فلا يكون الأكل حراما بل هو بعد على اباحته .ثمّ انه قد يستشكل في مقام الاثبات بأنّه بعد الفراغ عن الالتزام بالترتبوصحّته فانّما هو في مقام الثبوت . أمّا في مقام الاثبات فأين الدليل .

الاشكال في مقام الاثبات

ص: 522

ويجاب عنه بأنّ لنا دليلين حلي ونقضي كما في أصل اشكال لزوم طلب الجمع .

أمّا الحلي فهو بعد فرض انّ الموجب لاستحالة طلب الجمع هو عدم القدرة على امتثالهما أي الأهم والمهم معا وقبح مطالبة العاجز فمعه لا يمكن الخطاب بهما معاً لذلك فلابدّ من سقوط المهم عن المطلوبيّة ويبقى خطاب الأهم على اطلاقه وفعليّته وحيث انّ المكلّف يختار بنفسه ترك الأهم ويعصي وفي هذا الظرف وعلى هذا التقدير يكون المهم بالنسبة إليه مقدورا . والفرض ان ملاكه تام فعدم الخطاب به وعدم ايجابه يكون تفويت المصلحة والملاك على المكلّف وهو قبيح على المولى فلا يفعله لا جبرا بل لعدم فعل القبيح على وفق الحكمة فحينئذٍ لابد أن يأمر بالمهم لما ذكرنا وهذا هو برهان اللم على ما ذكرنا .

وأمّا النقض فبمثل ما إذا كان السفر واجبا على المكلّف وتركه عصيانا وأقام فهل يمكن القول بعدم الصوم لو صادف ذلك شهر رمضان لأنّه ترك الواجب الأهم الذي هو السفر للحج مثلاً أو لغيره وليس إلاّ لصحّة الترتّب وان الساقط هو خطاب المهم على تقدير لا على كلّ تقدير(1) .

والحاصل: ان عدم القدرة إنّما يوجب قبح مطالبة العاجز في مورد يلزم من الخطاب بشيء واحد أو شيئين وقوع المكلّف في المحذور لعجزه واما فيما إذا كان قادرا ولو باختيار العصيان فلا قبح معه . بل يكون خطابه وفقا للمصلحة وهذاكما في مثل ما إذا القى نفسه من شاهق عصيانا فالخطاب يسقط بالنسبة إليه لتعجيزنفسه لكن يعاقب ولا يخاطب . ومثل ذلك ما إذا لا قدرة للمكلّف على انقاذ ابن

ص: 523


1- . ولكن منكر الترتب يجيب عن ذلك كما أجاب في الكفاية بوجهين أحدهما كون الأمر ارشادا إلى الملاك بلا أمر فعلي والآخر هو بعد التجاوز عن الأهم .

المولى فيقبح من المولى مطالبته به مع انه في كمال المطلوبيّة لعجزه .

نعم لو كان صرف وجود الترك بالنسبة للأهم موجبا لخطاب المهم وفعليّته أبدا فيلزم طلب الجمع لكنه ليس كذلك ولا ينافي ما ذكرنا منع مسئلة استنابة من وجب عليه الحج مستطيعا عن غيره للنص(1) الخاص الوارد على خلاف القاعدة.

فذلكة قد ظهر ممّا ذكرنا ان الخطابين المتزاحمين لا مانع من توجههما على المكلّف في زمان واحد على الطوليّة وكون أحدهما مشروطا بترك الأهم ولا وجة لسقوط خطاب أو خصوص المهم رأسا إذ الفرض ان ملاكه تام وإنّما المانع من ناحية عدم القدرة . فاذا فرض حصول هذا الشرط في حسن الخطاب فلابدّ من توجّه الخطاب إليه مراعاة للحكمة وعدم تفويت المصلحة والملاك على المكلّف وإنّما الساقط في صورة المزاحمة هو اطلاق خطاب المهم حال الاتيان بالأهم . اما الأهم فلا يقيد اطلاق خطابه بشيء فالاطلاق فيه على حاله بالنسبة إلى الانقسامات الأوليّة ومنها اتيان المهم وعدمه بخلاف خطاب المهم فانه إنّما يتحقّق على تقدير عدم الاتيان والاشتغال بالأهم .

وأمّا على تقديره فلا خطاب بالنسبة إليه وان فرض ان ملاكه تام لعدم القدرة التي هي شرط في توجه الخطاب لا في أصل الملاك(2) وهذا واضح كما ذكرنا وأنّه يترتب هذه النتيجة على ما ذكرنا من المقدّمات . وهذا هو البرهان اللمى علىالترتب كما سبق ويمكن اقامة البرهان الاني وايراد الموارد المسلمة في الفقه المتسالم عليها عند الأصحاب شاهدا على امكان الترتب اذ ادل دليل على الامكان هو الوقوع .

ص: 524


1- . وسائل الشيعة 11 الباب 5/1 - 2 من أبواب النيابة في الحج .
2- . على هذا لا وجه لما سبق من عدم مطلوبيته لو فرض محالاً اتيانه مع الأهم .

فمنها ما إذا وجب عليه السفر للحجّ مثلاً فتركه وأقام فهل يعقل من أحد الالتزام بعدم وجوب الصوم عليه في شهر رمضان وإن كان مأمورا بترك الاقامة التي لا يناسب وجودها وجود السفر .

ومنها(1) ما إذا فرض حرمة الاقامة ووجوب السفر فانه أيضا كذلك أي على فرض ايجاد الاقامة يكون قد فعل محرما وترك واجبا . لكن الأحسن(2) في المثال التمثيل بما إذا وجب السفر ووجبت الاقامة لمصلحة فيها حيث ان السفر إمّا ترك الاقامة والاقامة قاطعة لموضوع السفر أو انّهما يتقابلان بالايجاب والسلب وعلى كلّ حال فلا فرق في ما نحن فيه في ما هو مناط التمثيل بل ولو كانت الاقامة قاطعة لحكم السفر فضلاً عمّا إذا كان التقابل بينهما من الايجاب والسلب أو العدم والملكة أو التضاد فانه لا يمكن الجمع بينهما بأن يأتي بالسفر ويقيم بما يجب منه القصر فحينئذٍ لو كان السفر أهم وتركه واختار الاقامة فلابدّ من الصوم بلا اشكال الا ان التمثيل بما ذكرنا لا يخلو عن حزازة ومناقشة اذ الدليل الاني لابد من كونه متسالما عليه عند الجميع لا أقل من المعظم كي يكون كاشفا عن الترتب والا فيرجع إلى الدليل اللمي ومصاديقه ومنكر الترتب يجيب عن الجميع وما ذكرنا من المثال بوجوب الاقامة والسفر فمنكره لا يلتزم بوجوب الاقامة بل إنّما هو مجرّد فرض وعلى تقدير . فجوابه فيه جوابه عن مطلقه مع ان هذا المثال أحسن منالتمثيل بوجوب الصوم والسفر اذ الصوم في السفر لا موضوع له في غير صوم

مورد وقوع الترتب

ص: 525


1- . هذا المثال عين المثال الأوّل ويمكن تصحيحه بعدم وجوب الصلاة تماماً فلا يلتزم به أحد.
2- . بل المتعين والعجب من المحقّق النائيني وتبعه العلاّمة الخوئي بالتمثيل بما سبق ونحوه مع انه اعدام موضوع ووجود موضوع آخر لا ربط بمسئلة الترتب وإنّما مورده ما إذا كان الحكمان فعليّين أحدهما أهم والآخر مهم لا يمكنه امتثال كليهما كما بيّنه سيدّنا الأستاذ في ذيل كلامه حيث يقول إذ مورد الكلام إلخ وأوضحه في التلخيص .

النذر كي يكون ممّا نحن فيه اذ مورد الكلام في المتزاحمين اللذين يكون الملاكفي كلّ واحد منهما تامّا وان المانع من اطلاق خطاب كلّ في حال الاتيان بالآخر وعدمه هو عدم القدرة على ذلك فيتعين حينئذٍ الخطاب بالأهم وسقوط المهم في حال اتيان الأهم لا في صورة عدم اتيانه وتركه وليس الحال في الأمثلة كذلك . كما ان التمثيل بمسئلة وجوب الانفاق على الأقارب فيما اذا حصل ربحاً فوجب عليه الخمس لا موضوع له اذ على فرض الانفاق فلا موضوع لخطاب ( خمّس ) إذ الفرض انه يكون من المؤونة فكيف يخاطب مع الانفاق بالتخميس وما أشرنا إليه سابقا من مسئلة ملك خمس وعشرين ابلاً ثمّ ملك السادس والعشرين أيضا راجع إلى باب تزاحم الأسباب كما انه اذا باع واحدا من الخمس والعشرين لا يقوم مقامه السادس والعشرون .

والحاصل انه لم نجد موردا خاليا عن المناقشة تام الانطباق على مسئلة الترتب كي يكون نقضا على منكره والزاما له به اذ الأمثلة المذكورة شاهدا له كلّها مخدوشة غير مرتبطة به أصلاً فلاحظ وتأمّل .

تلخيص عرفت ان ما مثّلوا به برهانا انيا بأمثلة غير خالية عن الخدشة .

فمنها ما إذا وجب عليه السفر وكذا الصوم في ظرف تركه فانه حينئذٍ يترتّب الواجبان أحدهما على الآخر فان المسافرة مع انها واجبة لكنه يتركها ويختار الاقامة بناء على كون الاقامة قاطعة لموضوع السفر فمع انه عصى بترك الأهم توجه إليه التكليف بالصوم على تقدير ترك الأهم لوجود موضوعه وهو الاقامة ولو بعصيانه بترك ضدّها وهو المسافرة كما انه يترتب الحكمان أحدهما على الآخر في ما إذا كانت الاقامة قاطعة لحكم السفر لأنّها من مصاديق المسافرة لصدق البعد عن الوطن غاية الامر رتب الشارع الحكم بلزوم القصر وترك الصوم

بقيّة الموارد

ص: 526

وعدم صحّته على خصوص السير لا مطلق المسافرة ولو مع الاقامة . وحينئذٍ فاذااختار الاقامة على هذا الفرض أيضا وكانت الاقامة حراما عليه فمع فرض انها حرام يجب عليه الصوم في فرض اختيارها وفي هذه الموارد وان كان الترتب محقّقا الا انه خارج عن محلّ الكلام لأن خطاب الأهم معدم لموضوع خطاب المهم من غير ناحية القدرة بحيث مع الاشتغال بالأهم لا يبقى ملاك المهم أصلاً ومحلّ الكلام والنزاع هو خصوص ما إذا كان الملاكان موجودين غاية الأمر لا قدرة له على الجمع بين موردهما فانه لو سافر واختار المسافرة وترك الاقامة فلا موضوع حينئذٍ للصوم الذي هو مورد المثال وهو ما إذا لم يكن معلّقا على السفر بالنذر . وأين هذا من الترتّب الذي هو محلّ الكلام وإن كان أمره أهون من الترتّب المتعارف الذي لا يمكن انكاره رأسا كمسئلة وجوب التيمّم على الفاقد للماء الذي لا يجتمع الحكمان في زمان واحد بل ينعدم موضوع حكم ويرتفع خطابه ويتحقّق موضوع آخر وهذا بخلاف تلك الأمثلة ونظائرها فان في صورة ترك الأهم يتوجّه إليه الخطابان الفعليّان وهو المسافرة والصوم معا ممّا يكون بينهما المنافرة في الجمع بنحو القضيّة المانعة الجمع وليس ممّا لا قدرة على كلا المتعلّقين

فانه يمكنه أن يختار المسافرة ويأتي بالواجب ويترك الحرام الذي هو الاقامة الا ان من جهة امكان اجتماع الخطابين يمكن التمثيل به وان لم يكن تام الانطباق على محلّ الكلام كمسئلة توارد الخطابين بالتخميس وأداء الدين إذا كان من السنوات السابقة فانه لو كان الدين من سنة الربح فنفس وجود الدين مانع ومعدم لموضوع فاضل المؤونة الذي يجب فيه الخمس .

نعم إذا كان الدين من السنة السابقة فلا يعدم بمجرّد اشتغال الذمّة به

ص: 527

موضوع التخميس بل اذا أدى الدين فلا يجب عليه التخميس لصيرورته منالمؤونة التي معها لا موضوع للخمس وحينئذٍ إذا كان هذا الدين مطالباً ولا يؤدّىمع انه ميسور له واجب الأداء فيجب عليه الخمس من فاضل المؤونة فيتوجّه عليه خطابان فعليّان وجوب أداء الدين وأداء الخمس مع انه لا يمكن الجمع بالنسبة إليهما إلاّ أنّه لو أدى الدين ينعدم موضوع الخمس هذا .

ثمّ انه قد يستشكل في ما هو نتيجة الخطابين المترتّبين من لزوم تعدّد العقاب حيث انه على تقدير ترك الأهم فيعصى ثمّ انه إذا ترك المهم الموجود وخطابه بعصيان الأهم فيعصي ويتعدّد العقاب مع انه لو أتى لا يقدر إلاّ على أحدهما .

ويمكن أن يجاب عن هذا الاشكال بأنّ العقاب على الجمع في الترك الذي هو مقدور للمكلّف كقدرته على ايجاد ما يوجب عدم الجمع في الترك بل يترك أحدهما بحيث لا عصيان كالمهم أو عصيان واحد كترك الأهم واتيانه بالمهم إلاّ ان تعدّد العقاب ووحدته لا يوجب اشكالاً في ما هو نتيجة المسئلة الاصوليّة ولا يرد نقضا عليها . ولهذا الاشكال نظائر كمسئلة تعدّد العقاب على الأيدي المترتّبة على المال المغصوب وكتعدّده في صورة ترك الواجب الكفائي مع ان في هذه الموارد لا موضوع للجمع بين ما يوجب عدم تحقّق موضوع العقاب فانه اذا أدّى واحد من الذين تعاقبت أيديهم على مال الغير أو أتى واحد من المكلّفين بالواجب الكفائي لا يبقى موضوع الخطاب للباقين ومع ذلك فيتعدّد العقاب على تقدير ترك هذا الواحد البدلي في المقامين .

هذا خلاصة البحث ونتيجة مسئلة الترتّب .

ص: 528

وقد ظهر ان العقل يكشف من تماميّة الملاك بضميمة ما ذكرنا من المقدّمات السابقة وجود الخطاب الترتبي في البين بلا توقّف واحتياج إلى دليل آخر حيثان وجود البرهان اللمى كاف . الا انه هل يمكن المناقشة في هذا المعنى وصحّةالصلاة بناء على اشتراطها بوجود الأمر وقصده في ما إذا ترك الأهم كالازالة وأداء الدين أم لا ؟ وعلى فرض امكان المناقشة فيبتني صحّة الصلاة على كفاية قصد الملاك وعدمها على عدمها .

نكتة واشارة: ذكر سيّدنا الأستاذ قدس سره ان الموجود في التقريرات منه كغيره(1) لبحث المحقّق النائيني قدس سره التمثيل للدليل الاّني بما إذا كانت الاقامة

محرّمة فيفعلها ويجب عليه الصوم فحينئذٍ يتوارد عليه خطابان فعليّان بينهما الترتّب أحدهما حرمة الاقامة والثاني وجوب الصوم الذي يترتّب على تقدير الاقامة واختيارها من المكلّف ولو حراما المتحقّق التكليف كشرطه كزمان امتثال الواجب بطلوع الفجر عند تحقّق أوّل آنه . وهذا بناء على ان الاقامة قاطعة لحكم . السفر ولكن تفصيل الكلام في ذلك وان الاقامة قاطعة لموضوع السفر أو حكمه موكول إلى الفقه واجماله ان موضوع القصر ليس هو مطلق السفر بل السفر الواجد للقيود المعتبرة شرعا في القصر وعدم صحّة الصوم . فحينئذٍ لا معنى لكونها قاطعة للموضوع أو الحكم بل كلّها يرجع إلى قيود الموضوع كما انه يمكن التمثيل بما إذا كان السفر حراما لا لغاية محرّمة بل لنفسه ومع ذلك يفعل الحرام ويصوم فانه في هذا المورد توجه إليه خطابان مترتبان(2) لأنّ القيود العدميّة المعتبرة في موضوع

ص: 529


1- . فوائد الأصول 1/357 - 358 .
2- . لا يخفى انّ المثال المذكور كسائر الأمثلة في الاقامة وتركها ليس من محل البحث بل حصول موضوع بتحقق موضوع آخر ومحل البحث ما إذا كان هناك خطابان أحدهما أهم والآخر مهم أو كلاهما متساويان .

السفر بمجرّد تركها يوجب عدم تحقّق موضوع السفر الذي يجب معه القصر وتركالصوم وحينئذٍ فيتوجّه على المكلّف خطاب حرمة السفر وخطاب وجوب الاتماموالصوم مترتّبا على اختيار هذا الحرام وعدم تحقّق قيد السفر الواجب معه القصر كما في مسئلة أخذ السفر شغلاً فانّه إذا أخذه كذلك فيجب معه الاتمام خصوصا بناءً على ما يقولون من صدق ذلك بالسفر الأوّل إلى غير ذلك من الأمثلة التي بعضها لا يخلو عن الخدشة إلاّ ان وجوب الصوم والاتمام مسلم في هذه الموارد .

نعم ليست من المتزاحمين اللذين لا يمكن تحقق القدرة بالنسبة إليهما معا في ظرف واحد كما ان الملاك في كليهما ليس موجودا بحيث إنّما يمنع الخطاب عجز المكلّف على ما أشرنا إليه سابقا .

فتلخّص ممّا ذكرنا امكان الخطاب الترتّبي سواء كان في ما إذا تساويا كما لعلّه مسلم عند الكل . غاية الأمر بالفرق بين التخيير العقلي أو الشرعي أو فيما إذا

كان أحدهما أهم وانه لا يوجب الرجوع عن المباني المقرّرة في محلّها من عدم امكان الواجب(1) المعلّق أو الشرط المتأخّر . وان نفس الأدلّة الاوّليّة بعد عدم كون القدرة شرطا في الملاك بل إنّما هي شرط لحسن الخطاب كافية بالنظر إلى ما ذكرنا من الدليل اللمي . وفي مقام الاثبات لا نحتاج إلى أزيد من ذلك وظهر من المقدمة الاولى ان طلب الجمع إنّما هو ينشأ من اطلاق الخطابين في حال متعلّق الآخر واتيانه وعدمه بخلاف ما إذا قيد أحدهما أي غير الأهم بترك الأهم فلا يلزم طلب الجمع بل في قباله . وان المقام من القضيّة المنفصلة المانعة الجمع ولا مانع

امكان الخطاب الترتبي

ص: 530


1- . قد تقدّم امكان الواجب المعلّق والشرط المتأخّر ووقوعه في الشرع .

من عدم كليهما وخلوهما معا كما في مثل ما إذا قلنا انّ الماء إذا طغى إمّا أن ينصب إلى الموضع الفلاني أو يغرق بيت فلان فانه يمكن عدمهما معا ولكنه لا يجتمعانمعا وان بالمقدمات الثانية والثالثة والرابعة ظهرت الطوليّة بين خطاب الاهموالمهم وعدم العرضيّة وعدم الجمع بل إنّما يجتمعان في آن واحد على موضوع واحد لكن طولاً مع تعدّد الرتبة . ولذلك أخذنا شرط وجوب المهم عصيان الأهم لا تركه مطلقا ولا ارادة تركه حيث ان قوام المزاحمة بالعجز عن اتيان كلا المتعلّقين والعجز إنّما يحصل مع فعليّة تنجزهما وهو إنّما يكون بالعلم . ففي ظرف عدم العلم لا مزاحمة واقعا وحينئذٍ فشرط العصيان تحقّق العلم بالأهم وتركه عن علم كي يكون عصيانا وعلى هذا فيكون خطاب المهم في طول خطاب الأهم بخلاف ما إذا أخذنا الترك أو الارادة فانه يوجب الخروج عن الطوليّة إلى العرضيّة بالنظر إلى المقدّمة الرابعة التي تحقّق فيها إن كلّ خطاب لا يمكن اطلاقه وتقييده بالنظر إلى ما يقتضيه نفسه . بل يمكن بالنظر إلى خطاب آخر وما يقتضيه ذلك الخطاب مع ان ما يقتضيه الخطاب الآخر في مثل الأهم والمهم كساير المقامات إنّما هو في الأمر هو الفعل وإلاّ فالارادة ليست تقتضى الخطاب لكونها مقدمة عقليّة لتحقّق المقتضى وكذلك مجرّد الترك ولو في غير صورة المزاحمة لا يوجب الطوليّة بل يمكن في عرض الخطاب بالمهم وحينئذٍ فيخرج المقام عن الطوليّة إلى العرضيّة كما يظهر بالتأمّل هذا .

ثمّ ان في المقام تنبيهات:

أحدها: انّه بناءً على صحّة الترتّب كما بنى عليه المحقّق النائيني وفاقا لاستاده السيّد محمّد الاصفهاني واستاد استاده الميرزا محمّد حسن الشيرازي

اجتماع خطاب الأهم مع المهم طولاً

ص: 531

وغيرهم قدّس اللّه أسرارهم لا مجال له في مسئلة الوضوء والتيمّم لأن الترتّب كما حقّق ممّا ذكرنا انحصار مورده بما إذا لم يكن أحد الخطابين مشروطا بالقدرة وإلاّ فبناءً عليه فلا ملاك في هذه الصورة . كما ان الأمر كذلك في باب الوضوء حيث ان أوّل الآية وإن لم يقيّد وجوب الوضوء بالتمكّن الاّ) ان في ذيلها في بيان التيمّمقال تعالى: « فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا »(1) فبمقتضى قاطعيّة التفصيل للشركة يظهر ان وجوب الوضوء مورده إنّما هو في صورة التمكّن من الاستعمال وعدمه بقرينة ما ورد في التفسير فحينئذٍ يستفاد دخل التمكّن في وجوب الوضوء وعند عدمه لا يجب بل يجب التيمّم ولا مجال للوضوء . ففي موارد ورود الأدلة على عدم وجوب الوضوء للحرج أو العسر أو الضرر لا يمكن التمسّك بالآية الشريفة على مشروعيّة الوضوء وتخيير المكلّف بينه وبين التيمّم حتّى بناءً على كفايه الملاك بلا

وجود الأمر أيضا لا يمكن الالتزام به ولو عند منكر الترتّب القائل بكفاية الملاك لما تقدّم من استفادة القدرة والتمكّن في موضوعه ففي صورة عدمها لا ملاك كي يكتفي به وهذا بخلاف ما إذا قلنا ان قوله تعالى: « فَلَمْ تَجِدُوا ماءً »(2) إنّما هو لبيان صورة عدم الوجدان لا عدم التمكّن فحينئذٍ يكون شرطا عقليّا ولا مفهوم له كما لا يستفاد اشتراط الوضوء بالتمكّن بل الآية مطلقة غاية الأمر ثبت الترخيص في بعض الموارد كما إذا كان هناك حرج أو ضرر أو نحوهما يجوز التيمّم والشارع إنّما منّ على المكلّف برفع الالزام وإن الملاك ليس مقيّدا بعدم الضرر والعسر والحرج وعلى هذا ولو كان مقتضى اطلاق قوله علیه السلام ( التيمّم أحد الطهورين ) كفايته

ص: 532


1- . سورة النساء، الآية 44 .
2- . النساء، الآية 44 .

حتّى في صورة وجدان الماء إلاّ ان القدر الخارج بالمسلميّة هو صورة عدم وجدان الماء . أمّا باقي الصور فيمكن صحّة الوضوء والتيمّم معا كما لعلّه يظهر منصاحب العروة(1) ويقول به الحاج آقا رضا الهمداني (2) .نعم بناء على اشتراط ملاك الوضوء بالقدرة والتمكّن الكذائي فلا ملاك له في غيرها كما انه لا ملاك للتيمّم في صورة وجود الملاك للوضوء والغسل وعلى هذا فلا يتحقّق الترتّب أصلاً .

الثاني: قد ذكر(3) الشيخ الكبير كاشف الغطاء رحمه الله في مسئلة الجاهل بوجوب الاجهار وبالعكس صحّته بالترتّب بأن كان الواجب عليه الاجهار فان تركه فالاخفات ونسب إليه المحقّق النائيني ذلك في مسئلة القصر والاتمام أيضا لكنّه ذكره الشيخ في الرسائل والمعروف من كاشف الغطاء هي الصورة الاولى . وهل يمكن الترتب في هذا المقام أم لا ؟ ربما يمنع منه بناء على ما ذكرنا من عدم امكان تقييد الشيء بما يقتضيه نفس الخطاب أو بنقيضه وفي المقام كذلك . إذ دليل وجوب الاجهار مقتضاه تحقّق الاجهار وعدم تحقّق الاخفات فكيف يمكن أخذ ما يقتضيه في متعلّق خطاب الاخفات مع انه إمّا يخفت أو يجهر(4) .

خلاصة ما ذكر: قد تلخّص ممّا ذكرنا ان الترتّب المبحوث عنه المتنازع فيه إنّما يتحقّق بشرطين باضافة شرط ثالث فالشرطان المتقدّمان . أحدهما فعليّة

ص: 533


1- . العروة الوثقى الثالث من مسوّغات التيمّم المسئلة 18 .
2- . مصباح الفقيه 6/144 - 150 .
3- . كشف الغطاء: ص27 البحث الثامن عشر .
4- . لكن الحق مع العلامة الخوئي حيث أجاب عن اشكال النائيني قدس سره مدافعاً عن كاشف الغطاء كما يظهر الاشكال في موافقة استاذنا المحقّق البجنوردي . محاضرات في اُصول الفقه 44/472 وبعده منتهى الاُصول 1/353 وما بعده .

موضوع الخطابين المترتبين وإنّما المانع من فعليّة الخطابين وتوجّههما كونه من طلب الجمع كي يدفع بالترتب فاذا كان خطاب الأهم معدما لموضوع خطاب المهم ولا يبقى معه الموضوع فليس من الترتب(1) .الثاني: اطلاق خطاب الأهم بحال فعل متعلّق المهم وعدمه . وبالجملة فعليّةموضوعه وإلاّ فليس من مورد الأهم والمهم الجاري فيه الترتّب الذي هو مورد النزاع .

الشرط الثالث: أن يكون الخطابان معلومين أو خصوص خطاب الأهم حيث ان المانع من فعليّة خطاب المهم وتوجّهه نحو المكلّف إنّما هو عدم القدرة وهو إنّما يتحقّق في ظرف تنجز خطاب الأهم بحيث لو أراد أن يشتغل به لا يبقى معه القدرة على المهم تكوينا . وقوام التنجز بالعلم وقيام الطريق على الخطاب فبدونه لا مزاحمة واقعا ويصحّ ولو بناء على انكار الترتب . وعلى هذا فيشكل تصوير الترتّب في بعض ما ذكرنا من الامور الثلاثة من وجوب الاخفات في الجهريّة والجهر في الاخفاتيّة بالنسبة إلى ناسي الحكمين أو جاهلهما عن تقصير فضلاً عن القصور حيث انه يعاقب خصوص الجاهل المقصّر على ترك الاخفات في الاخفاتيّة والجهر في الجهريّة إن كان رجلاً ومع ذلك يتوجّه إليه خطاب وجوب الجهر في الأوّل والاخفات في الثاني مع عدم كون الحكم في صورة الجهل والنسيان هو التخيير بين الجهر والاخفات وعدم امكان وجوبين تعيينين لعدم قابليّة المحل . إذ المطلوب في القرائة إما الاخفات وإمّا الجهر ومع وحدة القرائة وعدم وجوبها مرّتين بل بصرف وجودها كيف يمكن فرض الخطابين

الاشكال في الترتب بين الجهر والاخفات

ص: 534


1- . وكذا لو كان موجباً لتحقّقه .

التعيينين وكذا كيف مع عدمه يصح مع اتيان الاخفات والجهر على حسب الوظيفة الاوليّة وعلى تقدير عدمه يكون يعاقب ويصحّ الاخفات والجهر على خلاف متعلقهما ؟

ودفعوا هذا الاشكال بالترتّب أي وجوب الاخفات في الجهريّة على تقدير ترك الاجهار فيها وكذا العكس . وحينئذٍ فيصح العقاب على ترك الكيفيّة الاوليّةولا يكون الحكم من أوّل الأمر هو التخيير بينهما وبين الكيفيّة الاولى .وأورد على هذا الترتب في المقام بوجوه ثلاثة: أحدها ان الترتّب إنّما يكون مورده فيما إذا لم يكن من التعاند الدائمي بين المتعلقين . وهو خصوص ما إذا كان التعاند بين الخطابين اتفاقيّا وجعل كلّ منهما على موضوعه الذي لا ربط له بالآخر الا انه اتّفق في مورد مزاحمة متعلّق كلّ منهما لمتعلّق الآخر . وحينئذ فاذا

كان التعاند دائميّا يدخل في باب التعارض ويكون من صغريّاته وفي المقام نسبة الجهر والاخفات في القرائة نسبة التعاند الدائمي . والقرائة دائما إمّا جهر أو اخفات لا انه يتّفق التعاند بل التعاند دائمي بين الكيفيتين وهذا الاشكال إنّما يرد

على مبنى المحقّق النائيني(1) حيث أدرج التعاند الدائمي في باب التعارض . امّا على ما بنينا عليه من كونه من التزاحم غاية الأمر انه دائما لا يقدر على المتعلقين معا ولا مانع من جعل المولى لمراعاة كلتا الجهتين الكائنتين في متعلّق كلّ منهما فلا مورد له .

الاشكال الثاني انه يلزم من هذا الترتب شبه تحصيل الحاصل إذ الفرض ان النسبة بين الكيفيتين نسبة التضاد وهما مما لا ثالث لهما كما أشرنا إليه . فحينئذٍ اذا

ص: 535


1- . فوائد الاُصول 1/321 .

فرضنا ان عدم الاجهار في القرائة أخذ موضوعا لخطاب وجوب الاخفات يستلزم ما ذكرنا حيث ان عدم الاجهار إنّما يتحقّق بالاخفات فمع وجوده وتحقّقه كيف يترتّب عليه الخطاب .

وبعبارة اخرى خطاب المهم إنّما يتحقّق بفعليّة موضوعه من ناحية القدرة عليه بترك متعلّق خطاب الأهم الذي يقتضي خطاب الأهم ايجاد نقيضه وهوايجاد الاخفات أو الجهر وكيف يمكن أخذ عدم حد الضدّين الذين لا ثالث لهماموضوعا لخطاب الضد الآخر مع عدم امكان تحقّقه إلاّ بوجود الضد الذي هو الحكم . فالحكم الوارد على المهم إنّما يقتضي عدم موضوعه كما ان موضوعه يقتضي عدم الحكم وبينهما مطاردة .

والثالث: ان مورد الترتّب إنّما هو بعد تنجّز خطاب الأهم بالنسبة إلى المكلّف وفي المقام ليس كذلك إذ هو ناسي أو جاهل بالحكم ولو فرض خطابه بعنوان النسيان أو الجهل ينقلب موضوعه ولا مورد للترتب لأنّه يكون ذاكرا أو عالما ومعه لا يصح الاجهار في موضع الاخفات والعكس كما انه كذلك لو أخذ في موضوع خطاب المهم ترك الأهم هذا ( لكن في بعض ما ذكرنا نظر حيث انهمالهما ثالث وهو ترك القرائة وكذلك الاشكال الثاني يمكن الجواب عنه كأصل اشكال البحث الموجب لترتب النتيجة عليه هذه الاشكالات فلا تغفل ) .

النتيجة:

تحصل ممّا ذكرنا امكان الترتّب في الخطابين الفعليّين على موضوع واحد في آن واحد وانه لا يلزم من ذلك محذور مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه اذ لو كانا مطلقين سواء في صورة فعل متعلّق الآخر أو تركه لكان بينهما المضادة والمنافرة

نتيجة ما سبق

ص: 536

لكنّه ليس كذلك . بل أحدهما مطلق وهو الأهم والآخر مشروط بترك الأهم وهو المهم . وان المتعلقين بهذا الاعتبار يكونان مقدورين فلا وجه لتفويت الملاك على المكلّف بترك الخطاب والمطالبة في هذا الظرف ( لان القدرة على اتيان المهم حاصلة في ظرف ترك الأهم تكوينا ولو فرض عصيانه بترك الأهم الذي فرض خطابه مطلقا بالنسبة إلى المهم وانه سواء أتى بالمهم أم لا لابدّ أن يأتي بالأهم إلاّ

ان خطاب الأهم وإن كان كذلك لكنّه يقتضي عدم تحقّق موضوع المهم تشريعا لا تكوينا ففي ظرف ترك الأهم له القدرة على المهم تكوينا وهو الميزان لصحّةالخطاب فما هو مقدور تعلّق به الخطاب دون ما ليس كذلك . كما انه إذا لم يكونا من الأهم والمهم بل كانا متساويين فحينئذٍ باعتبار تماميّة الملاك في كلّ منهما وعدم القدرة على اتيانهما مطلقا سواء بالنسبة إليهما فعل الآخر أو تركه وإنّما يقدر

على كلٍّ اذا ترك الآخر . فبهذا النحو كلاهما مقدوران فلابدّ من توجّه الخطاب عليهما كذلك كما في الأهم والمهم للدليل اللمى . وهو تماميّة الملاك على ما سبق في المقدّمات السابقة وان الخطابين في المتساويين لا يقتضي واحد منهما ترك الآخر أو فعله بل مشروطان كلّ واحد بترك الآخر وإنّما يتوجّهان على هذا التقدير كما ان في الأهم والمهم لا يقتضي خطاب المهم تعجيز الأهم الا ان الأهم تعجيز مولوي لخطاب المهم بحسب اقتضاء ذات الخطاب اتيان متعلّقه الذي لا يناسب تركه ولا يلائمه بل يناقضه إلاّ انه اذا اختار الترك وترك يتحقّق موضوع المهم ولابدّ من فعليّة خطابه لما ذكرنا من المقدّمات السابقة وكشف الملاك والمقتضي لجعل الخطاب لمّا ولوجود الدليل الاني على ما سبق .

ثمّ انّه في ظرف ترك الأهم على نحو يكون خطابه بعد باقيا يتوجّه إليه

ص: 537

خطاب المهم لعدم محذور فيه وان كان الخطابان فعليّين للطوليّة في الرتبة وتأخّر رتبة خطاب المهم عن خطاب الأهم بل مترتّب عليه حسب ما ذكرنا من العليّة والمعلوليّة وان نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة المعلول إلى علّته . فكما يستحيل تخلّف المعلول عن علّته أو وجودها بلا معلول كذلك بالنسبة إلى الحكم والموضوع ومن الواضح أخذ ترك الأهم موضوعا لخطاب المهم . فاذا حصل هذا التقدير الذي فرض اشتراط وجوب متعلّق المهم به يصير فعليّا وخطاب الأهم بعد باق اذا لم يكن مضيقا آنيا بل استمراريّاً ولكن له القدرة على اتيانه المعدملموضوع المهم واختيار المهم بترك الأهم . الا ان مجرّد فعليّة خطاب المهم بتركالأهم في هذا الظرف لا يخرجه عن طوليّة الرتبة على عصيان وترك متعلّق خطاب الأهم لما سبق في المقدّمات من عدم خروج الواجب المشروط عن كونه مشروطا بفعليّة شرط وجوبه . وعلى هذا ففي مثل الازالة والصلاة اذا اشتغل بتكبيرة الصلاة وفرض استمراريّة وجوب الازالة ولم يشتغل بالازالة حال تكبيرة الصلاة يكون موضوع خطاب الصلاة محقّقا لكن حيث ان الخطاب لا يحفظ موضوعه بل لابدّ إلى حين الفراغ من امتثاله من بقاء الموضوع وإلاّ فحكمه حكم انتفاء الموضوع يكون خطاب الصلاة التي فرض في ما نحن فيه مهمّاً معلّقا ومشروطا بعدم رفع اليد عنها بالاشتغال بالازالة لما ذكرنا من طوليّة الرتبة على خطاب الأهم وعصيانه وبفعليته لا يخرج عن هذا الترتّب والطوليّة ولا يصير مطلقا بل بعد على شرطيّته خلافا للمحقّق الخراساني لما يظهر نزول خطاب الأهم حينئذٍ في رتبة خطاب المهم أو صعوده إليه لتلازمهما . فاذا لم يكن بذلك خارجا عن الشرطيّة والطوليّة ولا يحفظ موضوعه وهو ترك الأهم كما في كلّ موضوع

ص: 538

بالنسبة إلى حكمه كما في الاستطاعة حيث انه لابدّ من بقائها إلى رجوع الميقات أو مع اضافة الرجوع إلى الكفاية فاذا زال المال وخرج عن يده قبل الفراغ عن أعمال الحجّ فنكشف عن عدم حصول الاستطاعة من أوّل الأمر .

وكذا اذا شرعت في الصلاة في أوّل الوقت وفاجأها الحيض أو الجنون أو مانع آخر فنكشف عن عدم وجوبها عليه من أوّل الأمر . نعم اذا مضى بمقدار وقت الصلاة جامعا للشرايط ثمّ طرأ المانع فعليه القضاء ولا ينافي ذلك جواز الدخول في الصلاة أوّل الوقت مع احتمال انه ربما لا يمهله الاجل لحصول الاطمينان العادي في هذه الموارد . وإلاّ فالرجاء غاية الأمر الفرق بين ما نحن فيه مناشتراط فعليّة خطاب المهم بعصيان الأهم وتركه الذي هو أمر اختياري وبينساير الموارد من كونها قهريّة ليست تحت اختياره كالحيض والجنون والموت بخلاف ترك الأهم . كما ان اشكال الواجب المعلّق والشرط المتأخّر في الترتّب وانه لابدّ من بقاء الموضوع وترك الازالة إلى الفراغ من الصلاة مثلاً لا يزيد على اشكال نفس الصلاة واشتراط التكبيرة في اتّصافها بالوجوب بلحوق الاجزاء الآتية لها . وكذلك بالنسبة إليها من سبق الاجزاء السابقة التي منها التكبيرة بل الشرط المتأخّر والواجب المعلّق لابدّ من الالتزام به على كلّ حال ولو مع عدم امكان الترتّب . وهذا الاشكال على الترتّب عين ذاك الاشكال وليس أمرا على حدة مختصّا به وبهما يكون الأمر في ما نحن فيه من ذلك أهون من غيره ممّا لا يكون ابقاء الموضوع بيد المكلّف .

عود على بدء: قد تحصّل ممّا ذكرنا من المقدّمات امكان الترتّب بل وقوعه وتحقّقه في مقام الاثبات للدليل اللمي والاني . الا انه ربما يظهر من كلمات

الالتزام بالشرط المتأخّر والواجب المعلّق

ص: 539

المحقّق النائيني ويوهمه بعض المقدّمات السابقة انّه لمكان اختلاف الرتبة بين الحكمين والخطابين الذين يتحقّق بينهما الترتّب حيث ان خطاب المهم متأخّر عن موضوعه برتبة وهو في رتبة مقتضى خطاب الأهم المتأخّر عن موضوعه وعلى هذا فخطاب المهم متأخّر عن خطاب الأهم برتبتين . الا ان هذا الترتّب الرتبي لا يفيد شيئا كما في الجمع بين الاصول الظاهريّة والحكم الواقعي . فان الحكم الظاهري وإن كان أخذ الشك في موضوعه وفي ما إذا لا شكّ لا حقيقة ولا موضوع للحكم الظاهري كاصالة الحل والاستصحاب وغيرهما الا ان الحكم الواقعي ينزل إلى مورد الحكم الظاهري والا فيكون هو التصويب المجمع علىبطلانه . بل نفس أدلّة الاصول متكفلة لبيان هذه الجهة فقوله علیه السلام (1) ( كلّ شيء هولك حلال حتّى تعلم انّه حرام الخ ) ظاهره ان الحرام محفوظ في وعائه وانه يتعلّق به العلم تارة والجهل اخرى فالحكم الظاهري متأخّر عن موضوع الحكم الواقعي حيث انه لابدّ أن يكون هناك حكم وجعل كي يتعلّق به العلم والجهل ومع ذلك فالحكم الواقعي موجود في مورد الحكم الظاهري .

وإنّما المفيد في المقام اختلاف الزمان وحيث ان الزمان متّحد في الحكمين وتوجه إليه الخطابان ولو فرض تحقق اختلاف الرتبة بينهما فيعود محذور طلب الجمع . والاختلاف في الرتبة مع اتّحاد الموضوع والزمان لا فائدة فيه . إنّما المفيد

عدم الاطلاق فانه اذا كان المتعلّقان متساويين في جميع الجهات فلما ذكرنا في بعض الأبحاث السابقة يقيد اطلاق خطاب كلّ منهما في حال اتيان الآخر وعدمه بحال عدم الاتيان لوجود المزاحمة على هذا التقدير . وإنّما نشأت من هذه الجهة واما الاطلاق من ساير الجهات فلا فائدة في تقييده بل لابدّ من انحفاظ الاطلاق

ص: 540


1- . وسائل الشيعة 17 - الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

في مورد لزومه في الانقسامات السابقة على الخطاب وإنّما الساقط هو اطلاق كلّ واحد من الخطابين بالنسبة إلى حال اتيان متعلّق الخطاب الآخر وعدمه . فاذا فرض تساوي الصلاة والازالة ومزاحمتهما في زمان واحد في قدرة المكلّف ولا يقدر على الجمع بينهما فقطع النظر من المزاحمة كلّ خطاب كان مطلقا من ناحية اتيان متعلّق الآخر فخطاب الصلاة مطلق من ناحية اتيان متعلّق خطاب الازالة أي ( صلّ سواء ازلت أم لا ) وكذلك خطاب الازالة مقتضاه وجوب الازالة كان يقال ( ازل النجاسة سواء صلّيت أم لا ) الا ان من ناحية التزاحم يقيد اطلاق كلّ واحد بما اذا لم يأت بالآخر لعدم المزاحمة حينئذٍ عقلاً .

هذا إذا كانا متساويين . وكذلك إذا كان أحدهما أهم من الآخر يقيد اطلاقخطاب المهم بحال عدم الاتيان بخطاب الأهم ويكون ترك متعلّق خطاب الأهم شرطا لخطاب المهم . ولا اطلاق لخطاب المهم بالنسبة إلى حال عدم الاتيان بالأهم واتيانه حيث ان الفرض ان ترك الأهم أخذ موضوعا له . وكيف يمكن للخطاب أن يتكفّل لبيان حفظ موضوعه . بل هو على تقدير الموضوع ولابدّ من بقاء الموضوع إلى حين الفراغ عن امتثال خطابه كما ذكرنا بالنسبة إلى الوقت وعدم اشتغالها بالصلاة إلى مضي مقدار أربع ركعات ثمّ ابتليت بالحيض بخلاف ما إذا لم يمض هذا المقدار فانه ليس عليها القضاء ولو فرض انها ما اشتغلت كما انّه اذا اشتغلت نكشف عن عدم توجّه الأمر إليها من أوّل الأمر لعدم انحفاظ الموضوع .

فخطاب المهم لسانه انه ان ترك الأهم فانا موجود فهو حكم على تقدير ترك الأهم مع ان خطاب الأهم يقتضي اتيان متعلّقه وهو نقيض ترك الأهم الذي

ص: 541

فرض موضوعا لخطاب المهم فكيف يمكن تصوير المزاحمة بينهما بل ذلك خلاف ايجاب الجمع لما ذكرنا من انه لو أتى بهما معا محالاً فان الموصوف بالمطلوبيّة متعلّق الأهم لا المهم(1) .

وهذا واضح لا اشكال فيه بعد التأمّل فيما ذكرنا من المقدمات .

نعم لو فرض ان ترك الأهم آنا ما أخذ موضوعا لوجوب المهم مطلقا

فحينئذٍ يمكن تصوير المزاحمة ولا يفيد الترتّب باختلاف الرتبة لفعلية كلا الخطابين بعد وجود موضوعهما وخطاب الأهم مطلق من ناحية اتيان متعلّقخطاب المهم وعدمه كما ان خطاب المهم صار موضوعه فعليّا بعد تحقّق الترك آناما لمتعلّق الأهم الا انه خلاف الفرض حيث ان الترك بالنسبة إلى الأهم الذي فرض اشتراط خطاب المهم به لابدّ من بقائه إلى حين الفراغ فاذا علم من حاله انه لا يأتى بالأهم فيرى توجه خطاب المهم بالنسبة إلى نفسه ويأتي به . الا انه معلق في الواقع على بقائه على نيّته وعدم العدول إلى اتيان متعلّق الأهم وإلاّ فمن أوّل الأمر لم يكن خطاب متوجّها إليه .

وكيف كان فالأمر في ما نحن فيه أسهل من موارد كون الموضوع خارجا عن تحت اختيار المكلّف حيث انه يمكنه ايجاد الموضوع بعصيانه لخطاب الأهم كما انه يمكنه اعدام موضوعه باتيان متعلّق الأهم . وبعد هذا لا مجال لتوهّم المزاحمة فلا مزاحمة ولا مطاردة بين الخطابين وإنّما المطاردة من ناحية الأهم وهو يساعد تصوير الترتب وامكانه لا أنّه يمنع عنه .

ثمّ انّه ربما يتوجّه هنا اشكال . وهو انه اما أن يكون هذا المكلّف في الواقع

ص: 542


1- . هذا ممنوع بعد فرض تماميّة الملاك وإنّما هو غير مقدور في ظرف اتيان الأهم .

آتيا بالأهم فلا خطاب بالنسبة إلى المهم إليه كما إذا يعلم المولى انه آت بالأهم واذا يعلم انه لا يأتي بمتعلّق الأهم يتوجّه إليه خطاب المهم لا غير .

ففي كلّ حين إنّما يتوجّه إليه خطاب واحد فأين الخطابان الفعليّان .

والجواب ان هذه مغالطة واضحة . أمّا إذا لم يأت بمتعلّق الأهم فلم يسقط خطاب الأهم بل بعد متوجه إليه . وأمّا إذا يأتي بالأهم فلا إشكال في ذلك . بل لا مجال للاشكال من رأسه وليس هنا اشكال في الحقيقة حيث ان جعل الأحكام لو كان على نحو القضايا الحقيقيّة فهي دائرة مدار تحقّق موضوعاتها ولو فرض انه يعلم المولى خلافه أو وفاقه فلا عبرة بعلمه وجهله في توجيه الخطاب كما في تقرير الاشكال بل ذلك مبنى على كون جعل الأحكام من قبيل القضايا الشخصيّة .نكات: بعد ما تحقّق من المقدّمات السابقة امكان الترتب بلا حاجة فيمقام الاثبات إلى نص خاصّ . بل مجرّد حكم العقل بضميمة الخطابات الأوّليّة كافٍ في ذلك . لكن ينبغي التنبيه على بعض الأمور والنكات التي تقدّمت الاشارة إليها منها .

انه أخذنا شرط خطاب المهم هو عصيان الأهم لا عدم ارادته وذلك لأنّ الترتب الذي نقصده إنّما هو فيما إذا كان لخطاب الأهم اقتضاء عدم المهم ولا اقتضاء في جانب المهم كذلك . بل لا اقتضاء فيه من هذه الجهة . فحينئذٍ اشتراط خطاب المهم بالعصيان بذلك بخلاف عدم الارادة لأن خطاب الأهم لا يقتضي ارادة الأهم بل مقتضاه وجود الاهم فحينئذٍ بناء على أخذ عدم ارادة متعلّق خطاب الأهم يخرج الخطاب بالمهم من الطوليّة إلى العرضيّة بخلاف أخذ العصيان لاقتضاء خطاب الأهم نقيضه وهو وجود المتعلّق الذي يناقضه عدمه الذي هو

لا يحتاج الترتب بعد امكانه إلى نص خاص

ص: 543

شرط لخطاب المهم . وهذا وإن كان في صورة أخذ عدم الارادة أيضا ذلك الترتب بناء كفاية الترتب بتعدد الرتبة لوجود اختلاف الرتبة بين خطاب الأهم والمهم الذي أخذ عدم ارادة خطاب الأهم شرطا لخطاب المهم لوقوع ذلك في رتبة الامتثال الذي هو متأخّر عن رتبة الخطاب وحينئذٍ فعلى هذا أيضا يتحقّق الخطاب الترتّبي ولكنّه لا يقتضي على هذا خطاب الأهم طرد موضوع المهم فبناء على امكان الترتب على فرض اقتضاء الأهم عدم المهم لا يصحّ الترتّب .

ومنها انا اشترطنا في الخطاب بالمهم ترتّبا عصيان خطاب الأهم لا مجرّد تركه وحينئذٍ فيسأل عن سرّه ولم لم يؤخذ مجردا لترك .

والجواب ان المزاحمة التي كلامنا فيها وصحّة الترتّب بين المتزاحمين إنّما تتحقق فيما إذا كان الخطابان معلومين فاذا لم يعلم خطاب الأهم بل كان مثلاًمجرى البرائة فحينئذٍ لا وجه للمزاحمة .وهذا كما يقال ان الأحكام لا تضاد بينها إلاّ في مقام المحركيّة والبعث وإلاّ ففي مقام الجعل بلا وصولها إلى هذه المرتبة لا تضاد بينها. وهذا القول وإن كان فاسدا إلاّ ان هذا القدر منه وهو كون التضاد في مقام البعث والمحركيّة ممّا لا مناص عنه وعلى هذا فاشتراط العصيان إنّما هو من ناحية ان المزاحمة إنّما تكون في مورد تنجز خطاب الأهم والتنجز إنما يكون بالعلم وجدانا أو بالطريق المعتبر شرعا وإلاّ فمجرّد الحكم الواقعي بلا تنجّز ووصوله إلى المكلّف لا يستدعي بعثا ولذا ربما يجعل الاحتياط في مقام أهميّة غرضه . فظهر ان السر في اشتراط العصيان شرطا لخطاب المهم إنّما هو من هذه الجهة وإن شئت فعمم العصيان لماذا لا يريد خطاب الأهم ولكن إذا كان معلوما في صورة المزاحمة حيث ان عدم

ص: 544

الخطاب بالمهم لعدم القدرة واشتغال المكلّف بالأهم لقدرته وهو إنّما يتحقّق فيما كان منجزا وإنّما يتنجز بما ذكرنا .

ومنها انه ربما يتوهم أو يقال بأن الشرط في المهم عصيان خطاب الأهم فاذا لم يتحقّق عصيان الأهم فلا ملاك للمهم كما انه لا خطاب له لرجوع كل شرط إلى الموضوع كما ان كل موضوع يرجع إلى الشرط . وعلى هذا فأين مورد الخطاب الترتبي بأن يكون الخطابان فعليين مع مطاردة خطاب الأهم لخطاب المهم .

لكنه لا يخفى عليك الفرق بين الموضوع بذلك المعنى الذي أخذ في تقرير الاشكال الذي يدور مدار الملاك وعدمه وبين الموضوع في ما نحن فيه حيث ان محل البحث مورد الخطاب وان الخطاب مشروط بشرطين . أحدهما تحقّق الملاك لمتعلّقه .والثاني القدرة على متعلّقه بحيث لا يرجع خطاب المكلّف إلى اتيانه راجعاإلى مطالبة العاجز . والشرط الأوّل حاصل في الخطابين المترتبين لوجود الملاك في كليهما الا أن الشرط الثاني لحسن الخطاب في المهم وهو المقدوريّة بالنسبة إلى المتعلّق إنّما يتحقّق بترك الأهم وعدم الاشتغال به وهو يناسب وجود الملاك له الا ان الخطاب لا يتوجه مع عدم حصول كلا الشرطين . وحينئذٍ فلا مجال للاشكال لاشتباه موضوع بموضوع . فما هو الموضوع لتحقّق الملاك والخطاب معا غير ما هو موضوع لحسن الخطاب ولو مع وجود الملاك .

ثمّ ان العصيان إنّما يتحقّق في الخطابين المضيقين وأمّا إذا كان أحدهما موسعا وفرض كونه أهم فلا عصيان لأصل الخطاب بل العصيان إنّما هو لفوريته

دفع التوهّم

ص: 545

فاذا فرض انه عصى الفوريّة لكنه يمكنه الاتيان بالواجب الترتبي ولو مع بقاء خطاب الأهم الذي عصاه بالنسبة إلى الفورية .

وأمّا إذا كان مضيقا فربما يخرج عن صورة الترتب . الاّ انه أجبنا عن اشكاله فيما سبق في بعض الأمور المتقدمة من عدم اشكال في المقام بالنسبة إلى الشرط المتأخّر .

وحينئذٍ فاذا أخذ العصيان شرطا لحسن الخطاب فعلى النحو الذي أشرنا إليه مع ان الفوريّة في مثل خطاب الازالة وأداء الدين لا تنافي الاشتغال بمثل الصلاة ولو استحبابا كما ان الفوريّة في الدفن والتجهيز أيضا لا تنافي التأخير بمقدار يوم أو ليلة أو أزيد اذا لم يؤد إلى الهتك والا فلابد من التعجيل ولو لم يكن

هناك مشيّع .

الحاصل ان ما يذكر في مقام تزاحم الازالة وأداء الدين للصلاة إنّما هو مجرد فرض والا فالفوريّةالمعتبرة في هذه الموارد لا تنافي الاشتغال ببعض الامور التي لا ينافيالفوريّة عرفا لعدم الدليل عليها بأزيد من هذا .

فظهر بما ذكرنا ان الترتّب يتصوّر في ما ذكرنا ولا يرجع إلى انعدام موضوع ووجود موضوع آخر كي يخرج عن مورد الترتب المتنازع فيه .

والاشكال إنّما يتّجه على هذا ورجوع الشرط إلى الموضوع وهو خارج عن باب التزاحم لسقوط الخطاب بالعصيان .

والجواب ما ذكرنا .

فلا مجال لسقوط الخطاب بالمهم رأسا الا اذا انعدم موضوع خطاب الأهم

لا يرجع الترتب إلى انعدام موضوع ووجود موضوع آخر

ص: 546

رأسا لما ذكرنا من سقوط اطلاق الخطاب لا أصله لأن المزاحمة إنّما هي في الاطلاق واشغال قدرة المكلّف لا مطلقا .

ومنها انه يمكن تصوير مغالطة بعدم اجتماع الخطابين في ما إذا يعلم المولى باشتغال العبد بخصوص الأهم ويترك المهم أو فيما إذا كان هناك تساوي المتعلّقين أحدهما فيتحقّق الملاك بالنسبة إليه والخطاب والفرد الآخر لا ملاك له ولا خطاب كما انه اذا يعلم اتيان المهم وترك الأهم فحينئذٍ يكون الملاك في المهم بلا اشكال . وربما يمكن تصوير ارجاع المزاحمة في صورة اجتماع خطاب الأهم والمهم بتحقّق موضوعيهما وهو ترك الأهم في جانب المهم إلى باب التعارض .

لكنه جوابها معها . كما يمكن جريان هذا الكلام في المتساويين أيضا وأحدهما بعينه الذي يختاره المكلّف له الملاك ولا ملاك للآخر فيرجع إلى باب التعارض فتأمّل جيّدا وهذه المغالطة لا تحتاج إلى الجواب واطالة الكلام .

دفع وحل: قد يتوهّم عدم الحاجة إلى الخطاب الترتبي في مزاحمة المضيق للموسع في مثل مزاحمة الازالة مع الصلاة في سعة الوقت وانه إذا أتىبالصلاة تصح بلا احتياج إلى الأمر بل لانطباق الطبيعة المطلوبة على هذا الفردالمزاحم للمضيق الأهم .

الا انه لا يخفى ان انطباق الطبيعة ليست بما هي مأمورا بها بل بما هي هي وذلك لا فائدة فيه الا بناء على وجود الملاك في هذا الفرد ولو لم يكن موردا للأمر أو بتصحيح الأمر بالنسبة إليه بالترتب . لكن لا ريب في ان الطبيعة في الموسع ليست بافرادها الطوليّة موردا للأمر بل قد أشرنا في بعض الأبحاث المتقدّمة ان صرف وجود الطبيعة اذا كان موردا للأمر فوقته أيضا صرف الوجود ويكون

ص: 547

التخيير حينئذٍ عقليّا بين الأفراد الطوليّة .

نعم اذا اختار أحد الأفراد ينطبق عنوان المأمور به عليه ويكون واجبا على ما ذكر ( بالترتّب على ما سبق ) وبدونه على خلاف التحقيق الذي قال به البعض وعلى هذا فالترتب غير مخصوص بخصوص المضيقين بل يجري في المضيق والموسع بالتقريب الذي تقدم في المضيقين .

ثمّ ان هنا فرعا نبهوا عليه يرجع إلى مسئلة الترتب وهو انه إذا كان الماء موجودا في الاناء الغصبي أو في اناء الذهب أو الفضّة فهناك صور . فتارة وقع الماء بغير قصده بل بسبب الغير في اناء غيره فحينئذ لابدّ له من الافراغ وتخليص ما له بافراغ اناء الغير فرارا من الغصب كما انه يجب على من بقي في المكان الغصبي من غير اختياره لابدّ له وجوبا من الخروج ولا يبقى فيه آنا ولو انه يلزم زمان خروجه بمقداره التصرّف في الأرض . الا انه يجب تخلّصا عن ذلك بأسرع ما يمكن واذا كان في ضيق الوقت يجوز الاشتغال بالصلاة أيضا . ولكن هذا في غير اناء الذهب والفضّة وما فيهما فبناء على حرمة مطلق الاستعمالات حتى غير الأكل والشرب كما ربما يمكن القول به فالاستعمال يكون حراما . وأمّا حرمة نفس مافي الاناء ففيه خلاف ويترتب على ذلك ما لو كان مفطرا بما فيه فانه لو كان حرامايكون من الافطار بالمحرم . كما انه اذا قلنا بأن الاستعمال لا يضرّ بالصوم ونفس المأكول والمشروب لا يكون حراما بل باقٍ على حليّته فعصى لكن لا يجب عليه كفّارة الجمع لعدم الافطار بالحرام . وحينئذٍ فيكون الوضوء بناء على حرمة مطلق الاستعمالات حراما لاستلزامه التصرّف إلى غير ذلك من ما يرد في الاناء الغصبي أمّا إذا كان الماء مباحا والاناء مال الناس فتارة يعصى ويأخذ من الماء المباح

صور وجود الماء في الاناء الغصبي

ص: 548

مقدار ما يكفي لوضوئه دفعة واحدة فلا اشكال في صدق الوجدان بالنسبة إليه ويصحّ وضوئه على كلّ حال .

وأخرى يأخذ بمقدار غسل الوجه فقط لكن بنائه على الأخذ من اناء الناس

الماء المباح إلى تمام الوضوء . فهنا تارة نقول بأنّ القدرة والوجدان للماء في الوضوء بقرينة التفصيل في التيمم شرعيّة فلا يصح وضوئه لعدم صدق وجدان الماء حين غسل الوجه بالنسبة إليه . نعم بعده يكون واجدا لكنه لا يكفي كما لا يكفي حصول الاستطاعة أثناء اشتغاله بالحج أو بعد الرجوع في وجوب الحج . اما إذا قلنا بان القدرة عقليّة كما بنينا عليه خلافا للمحقّق النائيني الذاهب إلى كونها

شرعيّة(1) فلا اشكال في كفاية ذلك لأنّه ليس بأسوء حالاً ممّن يتوضّأ من البئر الذي لا ينزح بمقدار الوضوء دفعة واحدة بل ينزح بمقدار غسل الوجه فقط ثمّ عند ارادة غسل اليدين بلا فصل طويل ينزح بقدر ذلك أو ممّن عنده ما يكفي لخصوص الوجه ولا يدري قدرته على غيره فيصرفه رجاءً فيه ثمّ يجد لغيره بما أتمه ولا يصدق تبعض الوضوء بالفصل وكما في الماء الموجود في الأنابيب فانّهلا يجري دفعة واحدة لجميع وضوئه بل تدريجا . ولا وجه لدعوى(2) صدق الوجدان حتّى بناء على كونه شرطا شرعيّا في صورة الاغتراف دفعات للوضوء .

هذا تمام الكلام في هذه المسئلة من الصور الخمس أو الست للتزاحم أحدها تزاحم تضاد المتعلقين وقلنا انه لا يقتضي الأمر بالشيء النهي عن ضدّه بل

ص: 549


1- . فانه بناء على كونها شرعيّة لا يكون هناك تزاحم لأن مورده فيما إذا كان الملاكان تامين والاشكال كان ممحضّا من ناحية الخطاب لعدم القدرة بخلاف ما اذا كانت القدرة شرعيّة فلا ملاك للوضوء كي يجيء الأمر الترتبي .
2- . الظاهر ان حق العبارة لدعوى عدم صدق الوجدان .

عدم الأمر وانه إذا كان عبادة تارة نقول بكفاية الملاك فلا اشكال واخرى نشترط الأمر وبالمقدّمات السابقة علم امكان الأمر لكن لا مطلقا للتزاحم بل بنحو يوجب عدم قبح مطالبة العاجز وهو بعدم اطلاق المهم أو اطلاقهما كما في ما إذا كانا متساويين وذكرنا امورا في مقام الترجيح قد تقدّمت .

الثاني من أقسام التزاحم تزاحم الموردين كما اذا لا يقدر على القيام في الركعة الاولى والثانية معا بل فى احديهما فقط وهنا لا اشكال في تقدّم المقدم لفعليّة أمره وعدم ظرف متأخّر لامتثاله بخلاف المؤخّر فانّ له ظرفا متأخّرا ولا وجه لتأخير القدرة وصرفها فيه لما ورد(1) ( اذا قوى فليقم ) وهذا اذا قدر على القيام في الركعة الاولى يجب عليه واذا عجز فالجلوس .

ثمّ انه اذا لم يصرف فهل يمكن تصحيح ذلك بالخطاب الترتبي أم لا ؟ سيظهر وجهه في ما إذا كان المؤخر أهم . ولا وجه لما يقال من تساوي الركعتين في ذلك لاستواء نسبة الأمر إليهما لما قلنا من ان قدرته متأخرة وامتثاله مؤخر فالقدرة الفعليّة ليست شرطا للقيام في الركعة الثانية . لكن هذا اذا لم يكن المؤخرأهم والا فيقدم الأهم لوجود خطابين بالنسبة إليه . خطاب نفسي بالنسبة إلى لزوماتيانه وخطاب متمم مقدمي بحفظ القدرة . له فاذا عصى هذا الخطاب أي خطاب حفظ القدرة فلا يمكن الأمر بالمهم المقدم بالترتب لرجوعه إلى تحصيل الحاصل . فانه اذا أخذ عصيان أمر الأهم المتمّمي فذلك اما بصرف قدرته في المهم فيكون من تحصيل الحاصل لأنّه يكون في قوّة أن يقال إذا عصيت خطاب حفظ القدرة وصرفتها في خطاب المهم فيجب عليك القيام في مورده أي في المهم . إلاّ أن

ص: 550


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 6/3 أبواب القيام .

يكون بصرفها في غيرها فلا مجال للخطاب الترتبي لعدم القدرة هذا . ولكن تقدم الأهم لما ذكر محل تأمّل واشكال .

تذييل يعتبر في صحّة الخطاب الترتبي مضافا إلى الامور المتقدّمة سابقا عدم كون الأمر الترتبي أمرا بالمحال وطلب الممتنع أو أمرا بتحصيل الحاصل . وإلاّ فلا اشكال في فساده وقبحه كما لا يخفى . وحينئذٍ ففي باب التضاد لا يلزم من الأمر الترتبي بالمهم بترك الأهم ذلك المحذور فلا اشكال فيه . واما في مثل المزاحمة بين القيام في الأهم المتأخّر والمهم المتقدّم في مثل الصلاة في ما لا قدرة له عليهما معا كما هو محلّ الفرض فلا يمكن الخطاب الترتبي لما ذكرنا . فان المهم يزاحم خطابه خطاب حفظ القدرة المقدمي حفظا للأهم المتأخّر . بناء على ما سبق في بحث مقدّمة الواجب من وجوب هذه المقدمات . وهي المقدمات المفوتة . فهذا الخطاب في عرض خطاب المهم وصرف القيام فيه الا ان نفس خطاب الأهم متأخر رتبة وزمانا ولكن خطاب حفظ القدرة المتمّمي مقدم وفي عرض خطاب المهم ( لا يخفى ما فيه بعد عرضية الأمر على المركب ) وعلى هذا فلو اريد تصحيح الأمر بالمهم وهو صرف القدرة فيه فيلزم طلب تحصيل الحاصل على تقدير عصيان خطاب حفظ القدرة وصرفها في نفس المهم كما انه يلزم الأمربالممتنع على تقدير صرفها في حمل ثقيل مثلاً فان الفرض ان شرط خطاب المهمعصيان خطاب الأهم ولو مقدميّا كما في المقام والعصيان لا يحصل إلاّ بأحد هذين الأمرين الممتنع فيهما الأمر للمحذور . والا فنفس عدم ارادة صرفها في الأهم أو ارادة صرفها في المهم لا يوجب عصيانا وعجزا . وهذا كما ذكرنا في بعض الأبحاث السابقة من ترتب لزوم التخميس في الربح . الحاصل من فاضل

ما يعتبر في الخطاب الترتبي

ص: 551

المؤونة إذا لم يصرفه في أداء الدين السابق على عام الربح كما انه بناء على ما قدمناه من عدم خطاب مولوي في المقام بل إنّما هو خطاب ارشادي عقلي لحفظ واتيان التكليف في ظرفه يمكن عدم المزاحمة . وعلى كلّ حال هذا البحث إنّما هو بناء على عدم شرطيّة غير العصيان لخطاب المهم الترتبي . إذ حينئذٍ يلزم ما مرّ من الاشكال وأن يؤخذ معلول الخطاب في موضوعه . اذ طلب الحاصل عبارة عن طلب شيء لابد أن يترتّب على الخطاب ويكون معلولاً موضوعا له فحينئذٍ يتقدّم المعلول على نفسه برتبتين ويكون في مرتبة العلّة . اما على تقدير أخذ الشرط لخطاب المهم هو عدم ارادة اتيان الأهم وارادة تركه فلا اشكال في امكان الترتب في جميع هذه الموارد حتى في تزاحم باب الاجتماع بلا اشكال . والاشكال إنّما هو من جهة أخذ العصيان شرطا الذي هو غير ارادة الترك أو عدم ارادة الفعل .

نعم ان أمكن ذلك فنلتزم به لو لا لزوم العرضيّة وطلب المحال .

بقيّة أقسام التزاحم:

ومن أقسام التزاحم: التزاحم في باب الاجتماع .

والكلام بالنسبة إليه في مقامين:

أحدهما: في لزوم الاجتماع وعدمه . لا اشكال في ان هذا البحث ليس في امكان الاجتماع وعدمه بل في لزوم الاجتماع وعدمه . وهذا في مورد يكون الامر على طبيعة والنهي على طبيعة اخرى فيجتمعان في مادة الاجتماع ولايكون المجمع عنوانا اشتقاقيّا أي لا يكونان مورد الأمر والنهي ذلك كما في العالم الفاسق فانّه لا ربط له بباب الاجتماع بل داخل في باب التعارض . فحينئذٍ بناء على ما استقرّت عليه الآراء من عدم السراية الأمر والنهي عن متعلّقهما إلى غير

تزاحم باب الاجتماع

ص: 552

المتعلّق فالنهي في موضوعه والأمر أيضا على موضوعه ولا يسري كلّ واحد إلى لوازم وجوده . غاية الأمر يكون التركيب فيهما تركيبا انضماميّا يعلم ذلك بالمنشار العقلاني . وإلاّ فبحسب الظاهر لا يكون المتعلّقان الا شيئا واحدا الا انه

لما كانت الماهية متعدّدة فالوجود متعدّد كما يقوله المحقّق النائيني قدس سره (1) أو ان الوجود الواحد الشخصي يستحيل أن يتعدّد ماهيّة كما يدّعيه المحقّق الخراساني(2) . وعلى كلّ حال بناء على ذلك وان التركيب انضمامي أيضا يلزم ما ذكر من الاشكال في المقام الثاني وهو امكان الأمر الترتبي بناء على كون الغصب أهم من الصلاة . وإذا قلنا بعدم امكان الاجتماع وتغليب جانب النهي فيدخل في باب النهي في العبادات . كما انه بناء على امكان الاجتماع يدخل في صغرى باب التزاحم كما هو المختار . وحينئذٍ فنقول كما في المسئلة الثانية من مسائل التزاحم انه يلزم اما طلب الجمع المحال واما الأمر بتحصيل الحاصل حيث انه يخاطب بلا تغصب والفرض انه في مادة الاجتماع واذا غصبت فصل مع عدم حصول الغصب الا بالصلاة وعدم حصولها الا بالغصب وهو أمر بتحصيل الحاصل كما انه اذا غصب وما صلى فلا معنى للأمر بالصلاة للزوم طلب الممتنع كما اذا اختار النوم .وعليه فيرد الاشكال على أيّ من النحوين ويستحيل الأمر الترتبي في هذا المقام .هذا بعد العلم بالغصب كي يكون التكليف منجزا مضافا إلى ان في صورة الجهل بالغصب لا مانعيّة له في الواقع . فالعلم معتبر من جهتين أحديهما من ناحية حصول موضوع الحرمة والغصب . والثانية نظرا إلى حصول شرط الأمر الترتبي

ص: 553


1- . فوائد الأصول 1/324 وبعده .
2- . كفاية الأصول 1/250 .

وهو العصيان . اما اذا كان الشرط هو عدم ارادة الاتيان بالأهم فالترتب ممكن في جميع هذه الموارد . بخلاف ما اذا كان العصيان شرطا فينحصر بخصوص مورد مسئلة التضاد والمقدمة المحرمة . اما في باب الاجتماع والتزاحم الناشى من ناحية عدم قدرة المكلف أو التلازم بين متعلق الأمر والنهي كما اذا صار استقبال القبلة الواجب ملازما لاستدبار الجدي في أواسط العراق وما ضاهاها أو شاكلها في طول البلد أو عرضه وباب السبب والمسبب فيستحيل لما ذكرنا . فان ترك الاستقبال أو عصيانه إنّما هو بصرف القدرة إمّا في الاستدبار فالأمر به تحصيل الحاصل أو في غيره فطلب الممتنع . فتدبّر جيّدا فانّ المسئلة لا تخلو من اشكال وفي بعض ما ذكر نظر وتأمّل .

النتيجة:

قد ذكرنا انه لا يمكن جريان الخطاب الترتبي في باب الاجتماع بناء على ما تقدم من ان التركيب انضمامي وان متعلّق الأمر والنهي متعدّد حقيقة واحد حسّا وان الأمر والنهي لا يسريان عن متعلّقهما إلى غيره . وحينئذٍ فلو اريد اجراء الخطاب الترتبي فلابدّ من اطلاق الأمر بالأهم وهو حرمة التصرّف والغصب في مال الغير ثمّ على تقدير عصيانه وتركه يصلي وهذا لا يخلو في الواقع من ان عصيان خطاب الأهم إمّا أن يكون بالصلاة أو بغيرها من الأضداد . ففي الاولى يكون من الأمر بتحصيل الحاصل . وفي الثاني من الأمر بالضدّين الممتنع كما لو نام فيخاطب بالصلاة أو يكون الاطلاق الأعم من لزوم كلّ منهما وظهر ممّا حقّقناسابقا ان مورد الخطاب الترتبي ينحصر بخصوص تزاحم التضاد .

ص: 554

نعم بقي الكلام في تزاحم المقدّمة المحرّمة وذيها وبيان جريان الترتب فيها وعدمه .

فنقول: لا يخفى انه إذا توقف وجود شيء واجب على وجود شي بحيث لولاه لم يوجد ذلك الواجب في وجوده لا في وجوبه . فلا يخلو الأمر من ان الحكم الاولى المجعول على هذه المقدمة يكون غير الحرمة أو يكون هي . فان كان الأوّل فلا اشكال في ان عند التوقّف يكون الحكم هو الوجوب المقدمي الشرعي ولا يعارضه الحكم الأولي الذاتي المجعول على ذات المقدمة لا بما هي مقدّمة فلابدّ أن يأتي بها بلا توهم ذلك . واما لو كان الحكم هي الحرمة . فتارة تكون المقدمة وذاك الذي يتوقّف عليها ( أي ذو المقدّمة ) سواءً في الاهميّة بحيث لا يفضل أحدهما على الآخر أو يكون الواجب وذو المقدمة هو الأهم . وبعبارة اخرى إمّا أن يكون الواجب ذو المقدمة أهم من مقدمته أو لا . وعلى التقديرين إمّا أن تكون المقدّمة مقارنة لوجود ذيها أو متقدمة عليه . إلاّ ان الغالب كونها متقدّمة

زمانا على زمان ذيها فان لم يكن ذوالمقدمة أهم فلا وجه لجريان الترتّب ووجوب ذي المقدّمة لأنّه إمّا أن يكون وجود ذي المقدّمة بلا وجود مقدّمته فهو خلاف الفرض وإمّا أن يفرض معها وهو مع حرمته والنهي عنها لا يمكن توجيه الخطاب المقدّمي إليها لأنّ الفرض تساويهما أو أهميّتها من ذي المقدّمة .

والحاصل: إمّا أن يكون وجوب ذي المقدّمة تكليفا بالمحال وهو ايجاده بلا مقدّمة واما ما يرجع إليه .

وأمّا الثاني وهو ما إذا كان الواجب أهم فهنا محلّ الكلام وانه هل يمكنجريان الخطاب الترتبي في المهم وهو التصرف المتوقف عليه وجود الانقاذ اما

تزاحم المقدمة المحرمة

ص: 555

بانحصار الطريق بالأرض المغصوبة مثلاً أو انحصار الطريق للانقاذ مع وجود الأرض المباحة لكن لا يصل إلى ذي المقدّمة باستطراقها . فحينئذٍ لابدّ من وجود المقدّمة لتحقّق ذيها . فنقول انه لا مانع من ذلك بعد كون اطلاق خطاب المقدّمة وعدمه دائرا مدار اطلاق خطاب ذيها وعدمه . وانه بمقتضى تبعيته طولى فكلّ ما يكون شرطا وموضوعا لوجوب ذي المقدّمة فهو شرط لوجوب مقدّمته فهو خطاب تبعي من جميع الجهات لخطاب ذيها . غاية الأمر يتوهّم هنا لزوم الالتزام بالوجوب المعلّق والشرط المتأخّر اذا فرض تقدّم زمان المقدمة على ذيها وانه إنّما يكون مقدمة لتوقف وجود ذيها عليها وإلاّ فلا مقدميّة في البين . وحينئذٍ فكيف يمكن جريان الخطاب الترتبي اذ مرجعه إلى انه اذا تركت ذا المقدمة فهي عليك حرام .

وجوابه ان أمر ذي المقدّمة يتعلّق باجزائه المنبسط عليها وكذلك بالمقدمة غاية الأمر لون تعلقه بذيها أشد منها . وعليه فيمكن جريان الخطاب الترتّبي بتقدير ترك المقدّمة لأجل الانقاذ الواجب عليه لخطاب متممي مقدمي حفظا للأهم في ظرفه ويكون عصيان هذا الأمر الحاصل بفعليّة زمان المتعلّق وخطابه شرطا للخطاب الترتبي بأصل الحكم المجعول على المقدّمة . وهو الحرمة بالعنوان الاولى وحيث ان روح الترتب جارٍ في هذا المقام ولذا صار منشأ للاشكال في وجوب المقدّمة واختلاف الآراء فيها فبعضهم أوجب مطلقها وبعضهم في ظرف الايصال وبعضهم في ظاهر عبارته بقيد الايصال ضرورة عدم اتّصاف ما يتوقّف وجود الحجّ عليه من السير إلى مكّة ولو بقصد أمر آخر .بل ومع الغفلة خصوصا في قرب زمان الحج بالوجوب المقدمي مع انه

ص: 556

يقرب من مكّة ولذا اضطرّوا إلى تقدير هذه الوجوه . ولكن بما قلنا من تبعيّة خطاب المقدّمة لذيها يظهر ان المقدّمة إذا لم تكن لأجل ذيها فلا مانع من ترتب حكمها الاولى بلا اشكال ولا مجال لاشكال الشرط المتأخّر والواجب المعلّق .

خلاصة الكلام في جريان الترتّب في المقدمة المحرمة .

وليعلم انها اما ان تكون مقارنة لوجود ذيها أو متقدمة عليه .

ثمّ انه اما أن يكون هذا هو أهم منها أم لا .

والكلام في المقدمة المحرمة التي يكون ذوها أهم منها وهي مقدّمة زمانا عليه فنقول: لا اشكال في وجوب انقاذ الغريق واطفاء الحريق على كلّ أحد قادر عليه ثمّ انه إذا توقّف ذلك على التصرّف في ملك الغير الذي لا يأذن بذلك مع انه واجب عليه ( أي الانقاذ والاطفاء ) لكنه يعصى فهل يمكن هنا توجه خطابين فعليّين على هذا الموضوع والمقدمة المحرّمة بالترتب أم لا ؟ لا ينبغي الارتياب في ان المقدمة المحرّمة وإن كان ذوها أهم منها ويتوقف وجود الانقاذ أو الاطفاء الأهم عليها وذلك يوجب سقوط حرمتها فعلاً الا انه ليس على كلّ تقدير . وانه سواء أتى بالأهم أم لا . بل إنّما يكون ذلك أي مقدميتها للأهم موجبا لسقوط خطابها الأولى وهو حرمتها وانه إذا يأتي بالأهم فواجبة . وإذا لا يأتي به فهي محرّمة على نحو الترتب وذلك لاقتضاء الارتكاز على عدم وجوبها حتى اذا كان من قصده التنزه والتفرج بل وكذلك اذا لا يعلم بالانقاذ . غاية الأمر فيما اذا تصرف لا بقصد الانقاذ ثمّ أنقذ انما تجرّى وأتى بما هو الواجب عليه واقعا كما انه اذا ندم وأتى بالمقدمة بقصد ذيها ولم يأت بذيها يكون معذورا في اتيان المقدمة وذلك صار منشأ لتعدّد الأقوال في وجوب المقدمة وألجأ بعضهم إلى الالتزام بوجوب

خلاصة بحث ترتب المقدمة المحرمة

ص: 557

الموصلة وبعضا آخر إلى وجوبها في صورة قصد التوصل بها إلى ذيها . إنّماالاشكال في انه كيف يمكن خطاب المهم ترتّبا والأهم على كلّ تقدير مع ان الانقاذ إنّما يكون متأخّرا عن مقدمته فلابد من الالتزام بالشرط المتأخّر والواجب المعلّق . والاشكال الثاني انه يلزم اجتماع الوجوب والحرمة بالنسبة إلى المكلّف على هذه المقدّمة التي هي واحد وجودا وليس مثل طلب الضدين المحال الذي لا يمكن للمكلّف الاتيان بهما لعدم القدرة بل مقامنا من اجتماع النقيضين وطلبهما واستحالته أشد من استحالة اجتماع الضدّين وطلبه كذلك من طلبه .

ويندفع الاشكال . اما الأوّل فبانه بمقتضى المقدميّة وتبعيتها لذيها في الاطلاق والاشتراط وكما ان الأهم ليس في رتبة عصيانه وامتثاله كذلك المهم الذي في مقامنا هذا وهو مقدمة له . وبالجملة فكما يكون موضوعا لخطاب ذي المقدّمة فهو كذلك بالنسبة إلى مقدّمته . وحينئذٍ فالخطاب المنبسط على الأهم وهو ذو المقدّمة من شؤنه الخطاب المنبسط على مقدمته بل لا تعدد رتبة هناك ولو كان مقدمة . وعليه كلّ ما يكون الجواب عن اشكال الشرط المتأخّر في ساير المقامات فهو الجواب في المقام . كما ان الالتزام بالواجب المعلّق والشرط المتأخّر ممّا لابدّ

منه في مثل الصلاة والصوم الذي تقدّم تفصيل الكلام فيها وبالنتيجة كان الشرط هو عنوان التعقب كذلك في المقام .

كما ان الاشكال الثاني أيضا يندفع بتعدّد الرتبة إذ في فرض الامتثال وكونه واقعا في طريق الأهم أي الانقاذ . فالوجوب محضا كما انه إذا لم يكن في هذا المقام فالحرمة لا غير .

نعم يجتمع الخطابان وهو الخطاب المقدمي بالتصرّف والخطاب النفسي

اجتماع الخطاب المقدمي والخطاب النفسي

ص: 558

الكائن عليه لملاك فيه بعدم التصرّف على هذا الموضوع الواحد إلاّ ان غائلة طلبالنقيضين مرتفعة وشبهتها مدفوعة بعدم اطلاق خطاب المهم وهو خطاب التصرّفبل مقتضى خطاب الأهم الاتيان بالمقدّمة على كلّ تقدير . فهو يقتضي وجود المقدّمه طريقاً ومقدمة لذيها واعدام موضوع خطاب المهم وهو الخطاب الموجود بملاك نفسي على المقدمة ومقتضى خطاب المقدمة انّه على تقدير الترك وعدم الانقاذ فلا تصرّف . وبمقتضى المقدّمات السابقة من عدم امكان انحفاظ الموضوع من ناحية الخطاب فخطاب المهم لا يتعرّض لموضوعه بل هو حكم على تقدير كما ان خطاب الأهم كذلك بالنسبة إلى موضوعه لكنّه يقتضي اعدام موضوع المهم فالترتّب في المقام كساير المقامات قد اجتمع في موضوعه الخطابان الفعليّان غاية الأمر أحد الخطابين مطلق والآخر مشروط بترك الأهم لعدم القدرة على الجمع بينهما بعد تماميّة موضوعهما وبعد ما ذكرنا فلا توقف في استكشاف الخطاب الترتبي على المهم بحكم العقل الحاكم بسقوط اطلاق حرمة المقدمة لحال اتيان ذيها وعدمه واختصاصه بصورة عدم تعقّب الانقاذ عليها . فهو موجود ثابت على تقدير ترك الأهم وساقط على تقدير اتيان الأهم وهو الانقاذ الذي يتوقّف على هذه المقدمة .

وهذا على مبنى المحقّق النائيني قدس سره من تصوير الخطاب المقدّمي .

أمّا إذا استشكل في المبنى فليس الا اللابديّة العقليّة ولعلّه ينتج هذه النتيجة أيضا .

إن قلت: ان المكلّف دائما إمّا أن يختار الانقاذ وإمّا أن يختار عدمه وعلى كلا التقديرين يأتي بالمقدّمة فأين الخطابان الفعليّان .

ص: 559

قلت: الجواب كالاشكال قد تقدّم سابقا وتقدّم انه في ظرف اختيار

العصيان وترك الأهم وإن كان يتوجّه إليه الخطاب المترتّب على المهم الا انه بعدخطاب الأهم موجود لم يسقط . فهناك يجتمع الخطابان مع تأخّر رتبة خطابالمهم واشتراط موضوعه بترك الأهم . ولذا قد يتولّد اشكال مطلقاً وفي خصوص المقام توجهه أظهر .

وهو انه إذا لا يدري تعقّب المقدّمة بذيها وانه هل يترتب عليها الانقاذ أم لا فلا يمكنه التصرّف الحرام للشبهة المصداقيّة لخطاب العام والمخصّص .

الا انه يسهل الجواب عنه بأنّه كذلك في الازالة والاشتغال بالصلاة اما بالاكتفاء بالظن أو بالرجاء أو البناء . فظهر بما ذكرنا امكان الخطاب الترتّبي في المقدّمة المحرّمة وانه لا يزيد اشكالاً على الاشكال الوارد على أصل الترتب وقد عرفت الجواب عن الشبهات الواردة في المقام وانه بمقتضى حكم العقل يجري فيه خطاب حرمة المقدّمة في صورة عدم تعقّب ذي المقدّمة عليها .

خلاصة الكلام وفذلكته: قد ظهر ممّا سبق جريان الخطاب الترتّبي في المقدّمة المحرّمة بحسب ذاتها وانه إذا لم تكن موصلة لذيها ومتعقبة به فلا وجوب عليها لشهادة الوجدان بعدم كونها واجبة مطلقا حتّى فيما إذا لم يكن اتيانها لذلك وهذا واضح بعد معلوميّة انقسام المقدّمة إلى موصلة وغير موصلة لا ان قيد الايصال شرط للوجوب لاستحالته على ما أشير إليه في بحث مقدّمة الواجب(1) بل بمعنى ما ذكر من كون الواجب هو هذا القسم من المقدّمة لا مطلقا . وان خطاب هذه المقدّمة بالتحريم إنّما يسقط إذا كانت متعقبة بالانقاذ والا فأصل خطابها

ص: 560


1- . لا استحالة فيه كما أشرنا إليه في بحث الموصلة .

بالتحريم باق في صورة عدمه وبعد ذلك فلا مجال للاشكال بأنّه اذا لا يعلم تعقب الانقاذ بها وعدمه فكيف تكون واجبة لما تقدّم من عدم اختصاص هذا الاشكالبالمقام بل هو جار في كلية المقامات التي يكون التكليف فيها تدريجي الوجودكما في الصلاة والصوم فانّه لعلّه يحدث المانع من حيض أو جنون أو يصير عاجزا في بعض الموارد . فلا وجه لهذا الاشكال وانه يكون من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة كما ان اجتماع الحكمين في المقدمة لا مانع منه بعد اختلاف الرتبة واشتراط أحدهما وهو خطاب أصلها بعصيان الآخر وعدم وقوعها في طريقه ولو بالشرط المتأخّر لجريان جميع ما ذكر في موارد الشرط المتأخّر وهو الواجبات التدريجيّة حرفا بحرف في المقام فلا تغفل .

هذا كلّه في المقدمة المتقدّمة في الوجود على ذيها .

أمّا المقدّمة المقارنة في الوجود لذيها . فأيضا لا مانع من جريان الخطاب الترتبي في الحكم في مثل الصلاة والازالة لو قلنا بمقدميّة ترك كلّ منهما للآخر فان الساقط بمقتضى حكم العقل بامتناع طلب الضدّين وقبح مطالبة العاجز إنّما هو اطلاق خطاب المهم وهو وجوب الصلاة لحال اتيان الازالة وعدمه حيث انه بناء على وجوب المقدمة يكون ترك الصلاة التي هي ضد الازالة واجبا كما ان فعلها أيضا كذلك فاطلاق أمر المولى موجب لطلب الضدّين الفعل والترك معا وهو غير مقدور بالنسبة إلى المكلّف . فاذا ترك الأهم وعصاه فحينئذٍ لا مانع من أمر المهم وهو وجوب الصلاة ولو يقتضي الخطاب المقدمي ايجاد تركها الا انه اذا عصى ذلك فلا مانع منه لكن قد يوجب ذلك تحصيل الحاصل . لأنّه إذا عصى ترك الصلاة فالعصيان إنّما يتحقّق باتيانها ولا معنى لايجاب شيء بعد وجوده لكونه من

الترتب في المقدمة المقارنة

ص: 561

تحصيل الحاصل كما انه اذا صرف قدرته على الازالة في غير الصلاة وأتى بغيرها فالأمر بالصلاة يكون من تكليف العاجز بما لا يقدر عليه .

لكن يمكن الجواب عن هذا الاشكال بأنّه تارة نقول ان خطاب اتركالصلاة المقدّمي فيه ملاك نفسي يستدعي خطابا مولويّا فحينئذٍ يرجع المقام إلىباب التعارض بعد فرض وجود الملاك النفسي في ضد هذا الحكم إذ الفرض ان ملاك مقدميته موجب للأمر بالترك كما ان ملاك ذاته موجب للأمر بالفعل فيتزاحم الجهتان عند الجعل في داعويّة المولى وهذا هو الميزان في التعارض ثبوتا .

واخرى نقول انه لا ملاك نفسي في الخطاب المقدمي بل هو طريقي مرجعه إلى وجوب الاطاعة فحينئذٍ يخرج المبحث عن باب التضاد وطلب الضدّين بل النقيضين إلى باب التزاحم .

بيانه ان معنى الخطاب المقدّمي في المقام وفي كلّ مورد إنّما هو وجوب اطاعة أمر ذي المقدّمة وذلك لا يمكن مع لزوم صرف قدرته على مقدّمة ذي المقدّمة الواجب اتيانه في الخطاب النفسي للمقدّمة فيتزاحمان . فاذا عصى أمر الأهم وهو الازالة بأن لم يأت بها وما اشتغل فالقدرة بعد باق وان فرض ان عدم الاشتغال بذي المقدمة وهو الازالة في المقام بعدم صرف القدرة في مقدمته وعدم اتيانها . فحينئذٍ يكون هنا مجال للخطاب النفسي الكائن على ذات المقدمة فلا تزاحم ولا تعاند في البين وان فرض وجود كلا الخطابين في المقام وتسلم جميع ما ذكر من المقدمات السابقة وجريانها فيه وان الشرط هو بقاء العصيان إلى آخر العمل كما في ساير الموارد .

نعم لو كان الأمر الترتبي على الصلاة بعصيان تركها المحقّق بفعلها فحينئذٍ

ص: 562

من حيث اشتراط الخطاب بالمهم إلى بقاء شرطه إلى حين الفراغ منه فلابدّ من عدم ترك الصلاة إلى حين الفراغ كي تكون الصلاة واجبة لكان لما ذكر من لزوم الأمر بتحصيل الحاصل مجال كما انه في صورة صرف القدرة في ضد آخر يلزم طلب الممتنع وتكليف العاجز . لكنك عرفت انه لا مجال لذلك وان الشرط لخطابالمهم هو عصيان الأهم وهو ترك الازالة ولو فرض تحقّقه بعدم الاشتغال بمقدمتهاوهي الصلاة .

أمّا اشكال لزوم طلب الجمع من الطرفين الأهم والمهم بناء على المقدّميّة وإن ترك أحد الضدّين مقدّمة للآخر ففي طرف المهم أيضا يكون الخطاب المقدمي بترك الأهم الذي هو مقدّمة له على هذا الفرض مقارنا زمانا متّجها مع وجوب فعل الاهم .

فالاشكال من الجانبين مدفوع بما أشار إليه المحقّق النائيني قدس سره من لزوم طلب الحاصل ومن لزوم تأثير المعلول في علّته . ووجه ثالث وهو لزوم تحقّق خطاب الواجب وهو ذو المقدّمة قبل زمان تحقّق نفس هذا الخطاب كي يترشّح منه خطاب آخر على مقدّمته السابقة على زمان خطابه .

هذا تمام الكلام في المقدّمة المحرّمة وجريان الترتّب في كلتا الصورتين سواء كانت مقارنة في الوجود لذيها أو متقدّمة .

جريان الترتب في باب الملازمة وعدمه .

أمّا جريانه في باب الملازمة لفعل أحد التكليفين لعدم الآخر كما في مثل استقبال القبلة واستدبار الجدي إذا فرض وجوبهما أو حرمة الاستدبار ووجوب الاستقبال للقبلة واستدبار الجدي في بعض أماكن العراق فلا وجه له حيث ان

جريان الترتب في كلتا صورتي المقدمة المحرمة

ص: 563

امتثال خطاب الاستقبال مستلزم لعدم تحقّق الاستدبار فاذا فرض عصيانه الاستقبال فيكون طلب تحصيل الحاصل لوقوع الاستدبار حينئذٍ كما انه في بعض الصور ربما يرجع إلى طلب الممتنع .

اما جريان الترتب في باب الأسباب كما في من ملك خمسا وعشرين ابلاً إلى ستّة أشهر ثمّ ملك واحدا آخر الى سنوات فحينئذٍ إمّا أن يسقط هذه الستّة أشهر أو يجب في كلّ عام تزكية الابل مرّتين أو عدم احتسابه أي السادسوالعشرين أصلاً . فليس التزاحم لعدم قدرة المكلّف بل المكلّف قادر على تزكيته مرّتين وأزيد فالمانع إنّما هو من ناحية الجعل . فهناك يكون الجعل بيد المولى فكيفما جعل يمتثل المكلّف جعله وايجابه فلا وجه لجريان الخطاب الترتّبي وتوهمه فيه .

فذلكة ما تقدّم واضافة .

سبق الكلام في جريان الترتب في المقدّمة المحرّمة بناء على تصوير الخطاب المقدّمي الشرعي .

أمّا إذا أنكرناه كما تقدّم في بحث مقدّمة الواجب وقلنا بأن وجوب المقدّمة عقلي بمعنى اللاّبديّة فيقع التزاحم بين خطاب ذات المقدّمة وهو الحرمة وبين خطاب ذي المقدّمة ويجري الترتب حينئذٍ في ذات المقدّمة بالنسبة إلى نفس حكمها الأصلي على ما تقدّم حسب الشرايط المتقدّمة .

وقد علم ممّا تقدّم سابقا ان جريان الترتّب مشروط بامور ويشترط فيه مضافا إلى ذلك بعض امور آخر .

الأوّل: كون الخطابين فعليّين نفسيين بينهما التزاحم حسب ما تقدّم بيانه .

شروط آخر للترتب

ص: 564

الثاني: كون خطاب الأهم مقتضيا لرفع موضوع المهم ويكون ذلك من أثره ومقتضاه .

الثالث: كون موضوع المهم أمرا اختياريّا للمكلّف بحيث يكون ايجاده باختياره كرفعه ولا يشمل العقل والبلوغ والوقت وأمثالها . وإلاّ فلا مجري للترتب .

الرابع: أن لا يكون موضوع خطاب المهم مشروطا بعصيان خطاب الأهم على نحو لا يتحقّق العصيان إلاّ بفعل المهم لرجوعه إلى الأمر بتحصيل الحاصل .الخامس: أن لا يكون موضوع خطاب المهم في مورد يكون الخطاب به ممتنعا كما إذا صرف قدرته في غير الأهم والمهم فحينئذٍ لا مجال للخطاب الترتّبي .

السادس: أن لا يكون خطاب الأهم محتملاً وجوده وعدمه بل يكون معلوما كي يتحقّق المزاحمة للتنجّز في قدرة المكلّف ولذا لا يجري الخطاب الترتبي في مورد الشبهات . اما بعد الفحص فلجريان البرائة ولا مزاحمة حينئذٍ في تكليف المهم ومجرّد احتمال وجوب خطاب الأهم في الواقع مع الترخيص على خلافه في الظاهر لا يصحّح جريان الترتّب . كما انه لا يمكن تصوير الترتّب باشتراط خطاب المهم بعصيان خطاب الأهم وكون الحكم الظاهري كالترخيص وجواز الارتكاب مشروطا بعصيان خطاب الأهم وهو الحرمة الواقعيّة لأنّه مضافا إلى ما ذكرنا يكون بعض القيود السابقة مفقودا فيه وهو لزوم تحقّق موضوع المهم بنفسه لأ من عصيان الأهم وهذا لا يتحقّق إلاّ بفعل المهم كما ان الشبهات الموضوعيّة أيضا كذلك . اما في الشبهات قبل الفحص فيمكن القول بعدم جريان

ص: 565

الترتب أيضا ولو فرض كون الأهم على تقدير وجوده على نحو يلزم فيه الاحتياط إمّا عقلاً كما في مورد العلم الاجمالي مع العلم بالتكليف أو شرعا كموارد ايجاب الاحتياط من قبل الشارع في مثل(1) الأموال والأنفس والأعراض والفروج حيث ان التكليف بالأهم إنّما يزاحم المهم ويقتضي رفع موضوعه بعدمالقدرة على فعله إذا كان واصلاً بنفسه

ففي الشبهات الموضوعيّة الجاري فيها البرائة أو الشبهات بعد الفحص ليس التكليف بالأهم وأصلاً لا بنفسه ولا بطريقه كما انه في صورة لزوم الاحتياط وإن كان واصلاً بطريقه الا انه ليس واصلاً بنفسه لاحتمال عدم وجوده في البين فكيف يمكن مزاحمته لخطاب المهم المحقّق موضوعه فعلاً وكذلك في مورد العلم الاجمالي بالتكليف وفرض مزاحمة أحد الأطراف على تقدير كونه هو المكلّف به كما انه على فرض أهميّته لا يجري الترتّب لعدم معلوميّة كون هذا المحتمل هو الذي يعاقب على تركه كي يوجب سلب القدرة فلا يمكن لزوم صرف المال المشتبه انه ماله أو مال زيد في الانفاق الواجب عليه على تقدير عصيان الأمر الاحتياطي . اللهمّ إلاّ أن يكون حكم المشتبه في هذه الموارد هو الحرمة بالعنوان الأولي لا بعنوان انه مشتبه فحينئذٍ يمكن جريان الترتّب فيه مع حصول الشرايط الاخر .

والأمثلة في هذه الموارد كثيرة . وهل يمكن جريان الترتّب في مورد

ص: 566


1- . قد تكرّر لزوم الاحتياط شرعاً في الموارد الثلاثة واستدلّ عليه بالاجماع ولكن يمكن الخدشة كما ناقشنا سيّدنا العلاّمة الحكيم قدس سره في البحث في ما إذا شككنا في المرئة المردّدة بين الزوجة وغيرها فأجاب بجريان الأصل الموضوعي وهو عدم حصول موجب الحلية لهذه المرئة المشكوكة .

اختلاف المجتهدين في الفتوى كما في مثل الغسالة فأحدهما أو أحدهم يرى نجاستها والآخر طهارتها(1) وأحدهم يقول بكون الظن في اوليي الصلوات بحكم اليقين والآخر يلحقه بالشكّ في البطلان به وفرض تساويهما في جهات الأخذ بفتواهم أو إذا قلنا بكون الأعلم واجب التقليد متعيّنا ولو عقلاً لدوران الأمر بين التخيير والتعيين(2) فانه إمّا أن يكون مخيّرا مع الاختلاف في العلم والفضل كماربما يظهر من قوله علیه السلام في المرويّ ( من كان من الفقهاء صائنا لنفسه الخ )(3) فللعوام أن يقلّدوه مع انه لا يخلو زمان من الأزمنة فيه الفقهاء الا وتختلف مراتبهم

في العلم والفقاهة ومع ذلك اطلق فيه الحكم بالأخذ ممّن اجتمع فيه الشرايط ولم يذكر فيها الأعلميّة أو يكون الأعلم لازم الأخذ ؟ فيقال في صورة لزوم تقليد الأعلم أو تقليده وغيره على السواء انه يجري الترتب بلزوم الأخذ بفتوى كلّ واحد عند عدم الأخذ بفتوى الآخر أو بلزوم الأخذ بفتوى غير الأعلم إذا لم يأخذ بفتواه أم لا ؟ مع البناء على الطريقيّة في باب التقليد لا الموضوعيّة .

وحقّ المقام ان لسان الدليل من أوّل الأمر يشملهم جميعا وليس المطلوب الا صرف الوجود والا فلا يجب تقليد الجميع فحال اختلاف الفتاوى ابتداءً كحال تعارض الحبرين بمقتضى الأخبار العلاجيّة من جواز الأخذ بأيّهما من باب التسليم .

ثمّ انه يمكن القول بجريان الترتب في مطلق الخبرين المتعارضين

جريان الترتب في الفتويين

ص: 567


1- . وهذا هو معنى التعارض يعني ان دليل الحجيّة لا يشملها معا من أوّل الأمر لا انه يشملها ثمّ يتساقطان بالتقابل .
2- . العمدة في دليله هو هذا الوجه .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

والاستصحابين المتعارضين وغيرهما من الأصول المحرزة وغيرها مطلقا ولو بناءً على الطريقيّة في مثل خبر الثقة كما يرشد إلى ذلك كلام الشيخ قدس سره في جريان الترتب من الطرفين في الخبرين المتعارضين على الموضوعيّة والحاصل وإن بنينا على الطريقيّة إلاّ ان تمام الموضوع لوجوب الأخذ هو خبر العدل الثقة مع فرض كلا الخبرين المتعارضين رواتهما ثقات .

فانه وإن لم يشمل دليل الحجيّة كليهما معا لفرض تنافي مدلوليهما الموجبللتناقض وكذلك لا يشمل أحدهما بعينه الا انه أي مانع من حجّية أحدهما لا بعينه في ظرف عدم الأخذ بالآخر وكذلك بالنسبة إلى الآخر وهكذا الكلام في الاستصحابين وغيرهما من الأصول . وهذه شبهة وردت لابد من دفعها . فتحصل ممّا ذكرنا سابقا ان موضوع الأمر الترتّبي وخطابه مشروط بهذه الأمور الستّة مضافا إلى كون الشرط هو العصيان للأمر بالمهم في ناحية الأهم لا ارادة ترك الأهم إذ لا يقتضي خطاب الأهم ارادة متعلّقه بل يقتضي ايجاده كما انه يشترط شرط ثامن وهو كون التزاحم في مورد الاتفاق والمصادفة لا في التعاند الدائمي لانك قد عرفت عدم تماميّته عنده بل في الدائميين أيضا يكون هناك موردا للخطاب الترتبي لكونه محكوما عنده بالتزاحم .

عود على بدء قد يتوهّم جريان ما ذكرنا من الترتب ثبوتا في مثل الخبرين المتعارضين والأصلين المتعارضين من استصحابين أو قاعدتين في مقام الفراغ وغيرها من الأصول المحرزة والتنزيليّة وغيرها .

بأنّه إنّما يمتنع الجمع بينهما في الخبرين اذا كان لكلّ واحد منهما اطلاق كما في غيرهما من الأصلين والقاعدتين وهذا بخلاف ما إذا كان أحدهما واجبا أو

جريان الترتب في الخبرين وعدمه

ص: 568

حجّة عند عدم الآخر فالترتّب يكون على هذا التقدير من الطرفين كما انه يرتفع المحذور لو كان الترتّب من طرف واحد بأن كان أحدهما جاريا في ظرف عدم الآخر ومشروطا بعصيانه لا مطلقا ولا من الجانب الآخر خصوصا على مبنى الشيخ قدس سره من كون المجعول هو وجوب العمل بمؤدّى الخبر لا جعل الطريقيّة كما

انه هذا التوهّم مختصّ بما إذا لم يكن المبنى في باب الامارات السببيّة والموضوعيّة وإلاّ فلا مجال للاشكال عند التزاحم في جريان الترتب وجميع ماذكر فيه بالنسبة إلى الأهم والمهم .نعم لو كان في مثل جريان استصحابين في طهارة الطرفين إذا علمنا بنجاسة أحدهما فهناك يلزم من جريانهما مخالفة قطعيّة للتكليف الالزامي في البين كما إذا كان الأصل الجاري في مورد دوران الأمر بين المحذورين مفاده الجمع نظير اصالة الاباحة في ما إذا نعلم اجمالاً بوجود الحرمة أو الوجوب فيه . فانه لا مجال لجريان أصل الاباحة فيه أصلاً للعلم تفصيلاً بخلافه فانّه إمّا أن يكون أحد الالزامين هو الوجوب أو الحرمة ومعه لا معنى للاباحة ظاهرا وهذا بخلاف جريان أحد الأصلين في ظرف عدم الآخر في ما نحن فيه كما في الخبرين بأن يكون أحدهما حجّة لازم العمل في صورة الترك وعدم العمل بالآخر . غاية الأمر يحتمل مصادفته أي مجرى الأصل للواقع بأن كان مجرى الأصل في مثال الاستصحابين هو النجس في الواقع واحتمال المعصية لا ضير فيه بل يمكن جريان هذا التوهّم في مطلق المتعارضين بلا اختصاص بالخبرين والأصلين والقاعدتين . بل يجري في البينتين واليدين لعدم اختصاص المجرى بما إذا كان المانع هو عجز المكلّف كي يرتفع بالاشتراط ويشترط خطاب أحدهما بما إذا

ص: 569

عصى الآخر أو تركه إذا لم يكن أهم هذا .

لكنّه مدفوع امّا أوّلاً فلأنّه لا يستقيم على تمام المباني في الامارات لأنه لو كان المبنى هو الاطمينان والعلم العادي النظامي في حجيّة الطرق كما هو الحق فعند التعارض يتساقطان ولا مجال لحصول الاطمينان بأحدهما في ظرف عدم حصول الاطمينان بالآخر بل لا مورد لحصوله بالنسبة إلى كلّ واحد منهما .

نعم يستقيم بناء على كون اللازم هو وجوب العمل بمؤدّى الخبر كما بنى عليه الشيخ قدس سره ولم يكن هناك جعل حجيّة وطريقيّة كما انه يمكن ذلك بالنسبة إلىمبنى جعل الوسطيّة في مقام الاثبات والحكم التعبّدي وجعل التعبديّة .وأمّا ثانيا فانه على تقدير تماميّته إنّما هو في مقام الثبوت ولا دليل عليه في مقام الاثبات لاختصاص الأدلّة الجارية في مورد المتزاحمين في قدرة المكلّف بذاك المقام لاستكشاف العقل من باب عدم طرح المولى وتفويته الملاك على المكلّف بجعل الحكم على المهم في صورة عصيان خطاب الأهم أو في المتساويين عند ترك كلّ واحد بالنسبة إلى الآخر . وهذا بخلاف المقام لعدم دلالة حكم العقل على ذلك كما ان الأدلّة المتكلّفة لذلك لا تشمل ما هو الممكن حيث ان ظاهرها ان الموضوع للحكم هو مطلق الوجود لا مع كلّ واحد من الاستصحابين مجرى لعدم النقض كما انه كذلك في الخبرين بناءً على الطريقيّة كما هو مورد التزاحم فانّ الدليل يشمل كلّ واحد من المتعارضين بعينه والفرض انه لا يمكن العمل بالنسبة إلى كليهما معا وأمّا بكلّ واحد عند عدم الآخر وان كان ممكنا لكن الدليل قاصر عن ذلك كما ان المجعول غير ممكن وما هو الممكن غير مجعول وأمّا في مثل تعارض الفتويين فقد أشرنا إلى ان مفاد الدليل من أوّل الأمر ان اللازم هو

ص: 570

الأخذ بصرف الوجود من الفقهاء ويكون التخيير عقليّا وهذا في مورد اختلافهم اما في مورد الاتّفاق يكون قد أخذ بقول الجميع كما في ما إذا قام في مسئلة من مسائل الفقه أدلّة كثيرة فيكون الحجّة هو الجامع بينها ولا يجب تقليد جميع الفقهاء اذ ذلك كالتيمّم بالصعيد في آيته حيث يقول تبارك وتعالى: « فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا »(1) وكما في مثل الطهارة والوضوء والغسل والصلاة في الظهر والعصر حيث ان الواجب واللازم هو صرف الوجود من هذه ولا ينافي ذلك استحباب تجديدالوضوء مثلاً . فالتوهم ساقط من أصله .أمّا الترتّب في موارد العلم الاجمالي خصوصا إذا كان الواجب المنجز في البين أهم اذا زاحم بعض أطرافه لواجب آخر مهم فليس من الترتب المعهود لأنّه إذا أتى مثلاً بالصلاة إلى أطراف ثلاثة وزاحم في الطرف الرابع واجب آخر ( أو غير ذلك من المثال ان ناقشت في المثال ) فانه على تقدير كون الاهم في الأطراف الثلاثة الخارجة عن الابتلاء بالاجتناب أو بالعصيان فقد حصل موضع المهمّ وله القدرة على تقدير كونه فيه فلا يعلم اذ انه احتمال الترتب فهو ترتب على تقدير لعدم العلم بالأهم في المقام كي يعصيه ليتحقق موضوع المهم .

ص: 571


1- . سورة النساء، الآية 44 .

فهرس المحتويات

تعريف موضوع علم الاُصول··· 5

تمايز العلوم بعضها من بعض··· 11

اشكال أخذ قيد الحيثيّة··· 15

فائدة علم الاُصول··· 18

موضوع علم الاُصول الأدلّة الأربعة··· 20

اشكال الثبوت التعبّدي للسنّة··· 23

بحث حجّيّة الخبر الواحد··· 23

اشكال تعريف المحقّق الخراساني··· 24

الوضع··· 27

كيفيّة الوضع··· 29

حصول الوضع بالاستعمال··· 31

اشكال كلام الدرر··· 34

أقسام الوضع··· 36

وضع الحروف··· 39

كيفيّة وضع الحروف··· 41

ص: 572

الاشكال في معاني الحروف··· 42

اركان المعنى الحرفي على الايجاديّة··· 44

حاصل المعاني الحرفيّة··· 45

نكتة لطيفة··· 49

الكلام في اخطاريّة المعاني الحرفيّة··· 51

مناقشة المحقّق الخراساني··· 53

أقسام الوضع ثلاثة··· 55

توضيح وضع الحروف··· 57

الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي··· 59

الفرق بين الاخبار والانشاء··· 62

هل الانشاء والاخبار من المداليل السياقية··· 63

وضع المصادر وغيرها··· 65

المناقشة في كون الانشاء والاخبار من المداليل السياقيّة··· 69

وضع المبهمات··· 71

بحث المجاز··· 73

استعمال اللفظ في شخصه··· 76

هل الألفاظ موضوعة بازاء معانيها الواقعيّة··· 78

اشكال التبادر··· 80

دوران الأمر بين أحوال اللفظ··· 82

الحقيقة الشرعيّة··· 84

ص: 573

الاشكال في ثبوت الحقيقة الشرعيّة··· 85

تصوير الجامع بين أفراد الصلاة··· 88

ثمرة البحث··· 91

تصوير الجامع بين أفراد الصلاة··· 94

الايراد على كشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثّر··· 98

للصلاة عرض عريض باعتبار حالات المكلّف··· 100

الاشكال على وحدة المؤثّر··· 101

الفرق بين المسبّب التوليدي وغيره··· 104

ثمرة النزاع··· 106

جواب اشكال البرائة··· 108

الجامع بين افراد الصلاة··· 111

في تصوير الجامع لافراد الصلاة··· 112

الصلاة كالمركّبات الخارجيّة··· 114

الاشكال في تصوير الجامع بنحو آخر··· 116

تصوير الأعمي بالصلاة المنذورة··· 118

اشتراط الرجحان في متعلّق النذر··· 122

اشتراط النذر بعدم مخالفة للكتاب والسنّة··· 124

في تصوير الجامع في المعاملات··· 125

الفرق بين السبب التوليدي والفعل المباشري··· 128

بيان حقيقة البيع··· 130

ص: 574

امضاء المسبّب يلازم امضاء السبب··· 132

اشكال امضاء المسبب لامضاء السبب··· 135

الاشكال في ملازمة امضاء المسبّب للسبب··· 137

امكان التمسّك بالاطلاق··· 139

الاشتراك في اللغة··· 141

استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد··· 143

الاشكال على استعمال اللفظ في أكثر من معنى··· 145

تقريب عدم جواز الاستعمال للفظ في أكثر من معنى··· 148

في المشتق··· 149

عموم البحث في ساير المشتقّات··· 155

كون النزاع صغرويّاً··· 157

الاشكال في اسم الزمان··· 158

تصوير جريان النزاع في اسم الزمان··· 159

عموم البحث لخارج المحمول··· 161

المراد بالحال··· 163

الفرق بين كلام الشيخ والفارابي··· 167

الاشكال في كون النزاع في التطبيق··· 169

المجاز في الاسناد والكلمة··· 171

كيفيّة الاشتقاق في المشتقّات··· 175

الدليل على عدم أخذ الزمان في الفعل··· 179

ص: 575

الكلام في بساط المشتق وتركّبه··· 181

كيفيّة التركّب··· 182

كلام أصحاب السامراء في المشتق··· 185

توضيح عدم أخذ الذات في المشتق··· 187

وضع الهيئة في المشتقّات··· 190

كلام المحقّق الشريف في بساطة المشتق··· 192

جواب الاشكال عن كون مفهوم الشيء جنس الأجناس··· 196

اشكال سيّدنا الأستاذ على المحقّق النائيني··· 198

الجواب عن انقلاب القضيّة الممكنة إلى الضروريّة··· 200

عدم كون النزاع في التحليل العقلي··· 202

بيان قول القائل بالبساطة··· 204

جواب اشكال الانقلاب··· 206

طريق آخر لجواب الشبهة··· 208

الفرق بين المبدء والمشتق··· 211

ثمرة النزاع··· 215

مقتضى الأصل العملي··· 216

مجمل الكلام في المشتق في سعة المفهوم وضيقه··· 218

أدلّة مدّعى الوضع لخصوص المتلبّس··· 220

أدلّة الأعمى··· 222

صحّة النزاع على التركّب··· 224

ص: 576

بقيّة أدلّة الأعمى والجواب عنها··· 228

المشتق حقيقة في المتلبس مجاز في غيره··· 230

الكلام في مادة الأمر··· 232

في معاني الأمر··· 233

هل الأصل في الأوامر كونها تعبدية أو توصلية··· 235

في ما يتعلّق بالتعبديّة··· 237

جريان البرائة في مورد الشكّ··· 240

جريان البرائة في قصد القربة··· 242

الفرق بين القضيّة الخارجيّة والقضيّة الحقيقيّة··· 242

في الواجب المعلّق والمشروط··· 245

في الواجب المشروط··· 248

في الواجب المعلّق··· 250

جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقيّة··· 253

مناقشة الواجب المعلّق··· 255

الاشكال على منكر الواجب المعلّق··· 260

بقيّة البحث في الواجب المعلّق··· 260

مراتب الحكم··· 261

خلاصة الاشكال في الواجب المعلّق··· 262

الجواب لانكار الواجب المعلّق··· 264

الجواب عن وجوب المقدّمات المفوّتة··· 268

ص: 577

الجواب بوجوه ثلاثة··· 271

الجواب الثالث··· 273

كشف الخطاب المتمّمي الطريقي··· 275

الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار··· 277

لزوم حفظ القدرة قبل وقت الواجب··· 280

وجه ايجاب المقدّمات قبل وجوب ذي المقدّمة··· 281

جواز اعدام الموضوع وتبديله··· 282

وجوب المقدّمة العلميّة··· 285

في الخطاب المتمّم المقدّمي··· 286

في وجوب التعلّم وانّه نفسي أو لا ؟··· 289

امكان رجوع القيد إلى الهيئة··· 290

ثمرة النزاع··· 293

جريان البرائة عند الشكّ··· 295

كيفيّة ثمرة النزاع··· 297

توضيح في الواجب النفسي والغيري··· 298

المصالح ليست لازمة التحصيل وإنّما هي دواعي الجعل··· 304

في الشكّ في النفسيّة والغيريّة··· 305

حكم الصورة الرابعة··· 309

استحقاق الثواب على الطاعة وانّه بالتفضّل··· 311

اشكال الطهارات الثلاث··· 314

ص: 578

وجوه الجواب عن الاشكال··· 316

اشكال اشتراط صلاة العصر بتقدم صلاة الظهر عليها··· 317

الجواب عن الاشكال··· 319

في الواجب التعييني والتخييري··· 321

الاستدلال على المختار··· 326

تنظير الواجب التخييري بالواجب الكفائي··· 326

التخيير بين الأقلّ والأكثر··· 329

في تصوير الواجب الكفائي··· 330

تصوير آخر··· 332

إذا كان هناك اثنان وردا على ماء يكفي لوضوء أحدهما··· 335

الكلام في الموسع والمضيق··· 337

وجوب الواجب المضيق بعد الوقت··· 339

الاستدلال على احتياج القضاء إلى أمر جديد ومناقشته··· 341

التفصيل بين اطلاق دليل الواجب وعدمه··· 343

التقييد بحال الاختيار وعدمه··· 346

في اجزاء اتيان المأمور به··· 348

انكار مصداق المأمور به الواقعي··· 350

في اجزاء اتيان المأمور به الاضطراري··· 352

الفرق بين الصحّة والقبول··· 354

اشتراط الاضطرار في تمام الوقت··· 356

ص: 579

فساد قياس المقام ببدل الحيلولة··· 358

الاضطرار في بعض الوقت لا يقيّد الواقع··· 360

الفرق بين الدخل الركني وغيره··· 362

المزاحمة من ناحية الوقت··· 364

هل الأمر الظاهري يقتضي الاجزاء··· 367

في أثر المصلحة السلوكيّة··· 369

الاشكال على ما أفاده في الكفاية··· 371

اشتراط الصلاة بالطهارة عن الخبث··· 374

توضيح معنى الحكومة··· 376

انكشاف الخلاف ظنّاً··· 377

ليس للامارة موضوعيّة··· 380

استواء العالم والجاهل في الأحكام··· 382

الفرق في الأجزاء بين الوضعيّات والتكاليف··· 384

الفرق بين مراتب الحكم··· 387

أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه··· 390

احتمالات ثلاث في الأمر بالأمر··· 393

الحقّ ان عبادات الصبي شرعيّة··· 395

في كيفيّة تعلّق الارادة··· 399

في مقدّمة الواجب··· 401

الملازمة بين المقدّمة وذيها نفسيته أو تبعيته··· 404

ص: 580

الفرق بين أقسام المقدّمة··· 405

تصوير الاجزاء الداخليّة··· 408

تقسيم المقدّمة إلى السبب والشرط··· 409

دخول المقدّمة السببيّة في محلّ النزاع··· 412

في استحالة الشرط المتأخّر··· 414

في الجواب عن اشكال الشرط المتأخّر··· 416

في موارد النقص بوجود الشرط المتأخّر··· 418

استحالة تخلّف المعلول عن علّته··· 420

التعقّب في اجزاء المركّبات··· 422

في أنّ الأمر إذا أوجب شيئاً هل أوجب مقدّماته··· 425

هل المقدّميّة يشترط فيها قصد الغاية أو التوصل··· 428

الايصال في المقدّمة جهة تقييديّة أو تعليليّة··· 431

وجوب مطلق المقدّمة من صاحب الكفاية··· 433

في توجيه كلام صاحب الحاشية··· 435

ثمرات وجوب المقدّمة··· 438

في عدم جواز أخذ الاُجرة على الواجبات··· 439

في حكم مقدّمة الحرام··· 441

هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه··· 444

استدلّ للملازمة بأمرين··· 445

في الاقتضاء بناء على المقدّميّة··· 448

ص: 581

رد استدلال المقدّميّة··· 450

رد اشكال الدور··· 452

انكار أصل المقدّميّة··· 454

التفصيل بين الضد الموجود وغيره··· 456

لا يقتضي الأمر بالشيء النهي عن ضدّه··· 458

لو فرض الاقتضاء فهو طريقي غيري··· 460

الاشكال لو اقتضى نفس الخطاب القدرة··· 462

جواب الاشكال··· 464

تقسيم القدرة إلى شرعيّة وعقليّة··· 466

التزاحم في مقام الامتثال··· 468

الفرق بين التعارض والتزاحم··· 470

الأبواب ثلاثة أحدها باب التزاحم··· 472

هل النذر مشروط بالقدرة الشرعيّة··· 475

بعض أقسام التزاحم··· 477

الترجيح بالأهميّة··· 478

اعتبار رجحان المنذور وقت العمل··· 483

استدلال المحقّق النائيني على كون القدرة في النذر شرعيّة··· 484

بعض الاشكالات على المحقّق النائيني··· 486

لحاظ الأهميّة في تزاحم الواجبين··· 488

لزوم تقديم الأهم··· 491

ص: 582

الاشكال إذا لم نعلم الأهميّة··· 493

لو صار مصدوداً عن الوقوف بعرفات··· 495

كلام سيّدنا الاستاذ المحقّق المدقّق السيّد يحيى المدرسي ؛··· 497

التخيير عقلي أو شرعي··· 498

الفرق بين سقوط اطلاق الخطاب أو أصله··· 501

لو كانت القدرة زائدة على العرفيّة··· 502

الفرق بين التزاحم الدائمي والاتفاقي··· 504

في الترتب··· 506

في مورد الترتب··· 508

في طريقيّة الامارة··· 510

مورد اجتماع الطلبين وارادة الضدّين··· 513

الفرق بين علّة الجعل والمجعول··· 515

المقدّمة الرابعة··· 516

استحالة تقيد موضوع الخطاب بما يكون معلولاً له··· 519

بيان الترتب··· 520

الاشكال في مقام الاثبات··· 522

مورد وقوع الترتب··· 525

بقيّة الموارد··· 526

امكان الخطاب الترتبي··· 530

اجتماع خطاب الأهم مع المهم طولاً··· 531

ص: 583

الاشكال في الترتب بين الجهر والاخفات··· 534

نتيجة ما سبق··· 536

الالتزام بالشرط المتأخّر والواجب المعلّق··· 539

لا يحتاج الترتب بعد امكانه إلى نص خاص··· 543

دفع التوهّم··· 545

لا يرجع الترتب إلى انعدام موضوع ووجود موضوع آخر··· 546

صور وجود الماء في الاناء الغصبي··· 548

ما يعتبر في الخطاب الترتبي··· 551

تزاحم باب الاجتماع··· 552

تزاحم المقدمة المحرمة··· 555

خلاصة بحث ترتب المقدمة المحرمة··· 557

اجتماع الخطاب المقدمي والخطاب النفسي··· 558

الترتب في المقدمة المقارنة··· 561

جريان الترتب في كلتا صورتي المقدمة المحرمة··· 563

شروط آخر للترتب··· 564

جريان الترتب في الفتويين··· 567

جريان الترتب في الخبرين وعدمه··· 568

فهرس المحتويات··· 572

ص: 584

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.