أَبُوْ طَاْلَب وَبَنُوْه المجلد 2

هویة الکتاب

السيد علاء آل السيد علي خان

المدني

أَبُوْ طَاْلَب

وَبَنُوْه

الجزء الثاني

إصدار

مؤسسة مسجد السهلة المعظم

الطبعة الثالثة (1436ه- - 2015 م)

جميع الحقوق محفوظة للمؤسسة

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

تفضل به سماحة آية الله الراحل الشيخ باقر شريف القرشي (قدس سره) .

(1)

لم تشاهد الإنسانية في جميع فترات تأريخها دعوة خلاقة تفيض بالخير والعطاء كدعوة الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) التي كانت من أهمّ الأحداث العالمية، فقد غيرت مجرى التأريخ، واستهدفت تحرير الإنسان، وإعلان حقوقه، ورفع مستواه فكرياً وسياسياً واقتصادياً، وإقامة مجتمع متكامل تسوده الرفاهية والرخاء، وتعمه الإلفة والمحبة، يجمعهم الإسلام وتضمهم راية التوحيد.

وكان هذا هو السمت البارز للمسلمين في الصدر الأول من حياتهم، فقد كانوا إخواناً بررة، يتعاونون في السراء والضراء، قد صقلتهم أخلاق الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) ، وهذبتهم آدابه، ونزعت ما في صدورهم من غلٍّ، فلم تعد أية ثغرة في صفوفهم، وإنما كانوا جميعاً يداً على من سواهم.

(2)

واحتضن الضعفاء والمحرومون والبؤساء المبادئ العليا والقيم الأصيلة التي أعلنها نبيّ الإسلام، فآمنوا بها إيماناً مطلقاً لأنها ضمنت لهم العزة والكرامة وساوت بينهم وبين عظماء قريش، وسادات العرب، وفي طليعة من آمن بها من الضعفاء عمّار بن ياسر وأمّه سميّة،

ص: 2

وأبوه ياسر، وقد تعرضوا لصنوف مرهقة من العذاب والتنكيل صبّها عليهم الوحوش من سادات الجاهلية كأبي جهلٍ وأبي سفيان، وغيرهما من الحاقدين على الإصلاح الاجتماعي.

(3)

وكان من الطبيعي أن تتحد القوى الجاهلية الرعناء لمناهضة النبيّ (صلی الله علیه و آله) ومناجزته، فقد سفّه أحلامهم، وسخر من آلهتهم، وأفسد عليهم أبناءهم وعبيدهم، ودمر اقتصادهم القائم على النهب والربا والاستغلال، وقام بتغيير شامل لجميع مناهج حياتهم.

وقد ورمت أنوف زعماء القبائل القرشية وانتفخت أوداجهم، وملئت نفوسهم غيضاً وحقداً على النبيّ (صلی الله علیه و آله) فهبوا متضامنين لإخماد ذلك النور، وإطفاء تلك الشعلة الوهاجة التي أضاءت الطريق، وأرشدت الحائر، وهدت إلى الطريق المستقيم.

ولولا عناية الخالق الحكيم بدعوة الرسول (صلی الله علیه و آله) لأجهزت عليها تلك القوى الشريرة وأسكتتها في مهدها.

وكان لا بد للرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) من قوة ضاربة تحميه، وتصون مبادئه وقيمه، وترد عنه كيد المعتدين الذين يتربصون به الدوائر، ويكيدون له في غلس الليل، وفي وضح النهار.

وكانت تلك القوة التي منحها الله تعالى لنبيه الكريم عمّه المعظم سيد العرب وشيخ البطحاء أبو طالب، فقد تفانى هذا العملاق العظيم في نشر كلمة الإسلام ورفع راية التوحيد، وقد وقف إلى جانبه سداً منيعاً يحميه من ذئاب الجاهلية ويدفع عنه غائلتهم، وقد آمن إيماناً مطلقاً برسالة الإسلام المشرقة، وهو القائل:

ص: 3

ولقد علمتُ بأن دين محمّدٍ *** من خير أديان البريّة دينا

ولمّا مُني النبيُّ (صلی الله علیه و آله) بفقده، وفقد السيدة أمّ المؤمنين خديجة سمّى ذلك العام عام (عام الحزن)، وهاجر من مكة إلى يثرب لأنه لم تكن عنده قوة تحميه ولم يكن يأوي إلى ركن شديد...رحم الله أبا طالب فهو حامي الإسلام، وقائد مسيرته النضالية، فما أعظم عائدته على الإسلام والمسلمين.

(5)

ومما يدعو للسخرية والاستهزاء ما يرويه بعض المؤرخين الذين يسيرون في الخط الأموي، وما ينقله عنهم بعض المغفلين من الكتاب الذين يؤمنون بكل ما هو مدون في الكتب إن صدقاً وإن كذباً، من دون فحص ولا تمحيص، من أن أبا طالب مات ميتة جاهلية، ومعنى ذلك أنه مات على الجاهلية الرعناء التي جعلت الأصنام أرباباً لها من دون الله تعالى.

فأين جهاد أبي طالب، وتحمله للشدائد والأخطار في سبيل الإسلام؟ ثم وأين حمايته للرسول (صلی الله علیه و آله) ودفاعه عنه؟ كل هذا ذهب سدى.

(6)

وتصدى بعض العلماء قديماً وحديثاً للدفاع عن أبي طالب، وإثبات إيمانه وإسلامه وزيف القائلين بخلاف ذلك، وممن ألّف وأجاد وأبدع في ذلك صديقنا السيد الشريف الحجة السيد محمد علي آل السيد علي خان –رحمه الله -فقد بحث بحثاً موضوعياً وشاملاً عن شخصية أبي طالب، ودوره المشرق في حماية النبيّ (صلی الله علیه و آله) من بدء الدعوة الإسلامية، وفرض الحصار

ص: 4

عليه مع النبيّ (صلی الله علیه و آله) وسائر المسلمين في الشِعب، وقيامه بفكّ الحصار، ودعوته ملك الحبشة إلى اعتناق الإسلام، كما عرض إلى الأدلة الحاسمة التي لا مجال للشكّ فيها على إيمانه العميق بالإسلام، وتفانيه بالولاء للنبيّ (صلی الله علیه و آله) ، وفيما أحسب أن هذا الكتاب في طليعة الكتب التي أُلّفت في هذا الموضوع، فأجزل الله له المزيد من الأجر في دفاعه عن جده أبي طالب، وجعله من ذخائر حسناته التي يرفعها إلى الله تعالى.

(7)

وأتحفني السيد المفضال علاء الدين نجل حجة الإسلام المغفور له السيد محمد علي آل السيد علي خان الجزء الثاني من كتاب (أبو طالب وبنوه) المخطوط وهو من تأليفه، وجعله من متممات بحث أبيه، وقد تصفحته فرأيته مجهوداً رائعاً حافلاً بصفحات مشرقة من تراجم السادة العظام من أبناء أبي طالب وهم السادة: طالب، وجعفر، وعقيل، وقد أجهد السيد المؤلف نفسه في تتبع جمهرة كبيرة من المصادر التي عرضت لتراجم هؤلاء السادة الذين ساهموا مساهمة إيجابية في خدمة الإسلام، ومن المؤكد أن هذا الكتاب الكريم قد سد فراغاً في المكتبة الإسلامية، وسيجد فيه القرّاء المتعة في بحوثه الشيقة، شكر الله مساعي المؤلف السيد علاء الدين وبلغه أمانيه، ووفقه لكل مسعى نبيل.

(8)

وقبل أن أقفل هذا التقديم الموجز أرى من الحقّ عليّ أن أشيد بالأسرة الكريمة التي تفرع منها السيد المؤلف نضر الله مثواه، إنها من أجلّ الأسر العلوية فقد وهبها الله من صفاء النفس وطهارة الضمير مثل ما وهبه لآبائها العظام.

ص: 5

لقد تميزت هذه الأسرة الكريمة بأصولها وفروعها بسموّ الأخلاق ومحاسن الصفات، وهذا هو السمت البارز الذي عرفت به من بين الأسر العريقة في المجد...سلمت هذه الأسرة رائدة خير إلى الناس.

النجف الأشرف

باقر شريف القرشي

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف

لبني أبي طالب من المجد القديم ما لا يُسانى ويساجل، والحسب السَنيّ ما لا يسامى ويطاول، فهم مقاديم القوم وصُدرة الناس، بل ((أشرف الخلق)) (1)، أحلمُ الناس صغاراً وأعلمهم كباراً وأمسّهم برسول الله (صلی الله علیه و آله) رحماً، لمّا يزل آخرها متصلاّ بأولها في الدنيا والآخرة.

وعلى الرغم ممّا خُصّوا به من الفضل وأوثروا به من الشرف فإن أيّاً من أبناء أبي طالب الأربعة لم ينل سهمته من أقلام المؤرخين وأهل السيرة وبخاصة طالب وعقيل وجعفر فوجدت البعض يضرب عنهم صفحاً ويطوي كشحاً ويقحم الآخر أقلامه في سِيرهم في غير طائل أو يسدر بحديث غير متجاوب وربما صدر عن رأي غير شيء.

فمجمل ما وصل إلينا عنهم لم يعدُ كونه صوراً متجزئة الأجزاء يتعسر جمعها وضمّها إلى بعضها حتى بدت شخصياتهم في نظر الكثير غير واضحة المعالم ولئن وضح بعض من ملامحها فإنما هو يسير ومتباعد...

ولقد أزمعت الفكر –آخذاً بميسوره تاركاً معسوره -فأفرغت الوسع وأعملت الفكر مجتهداً في التقصي والتتبع فوجدتني وبعد لأي أعثر على كثير ممّا تجزّع من تلك الصور فوصلت بينها بالقرائن الحالية والمقالية التي أملتها طبيعة الكتابة بروح موضوعية بعيدة عن تنازع

ص: 7


1- الجاحظ/ رسائل الجاحظ/ راجع 1-2 / ص 209.

العواطف، متجردة عن دنيء الغايات نشداناً للحقيقة التأريخية التي ران عليها صدأ السنين وغبار الأزل وصولاً إلى خدمة تراثنا العربي والإسلامي والإشادة بأعلامه الخافقة.

وقد كسرت الكتابة على أربعة فصول.

•الفصل الأول: ويتناول بني أبي طالب (في دائرة الضوء) – الأبناء (طالب بن أبي طالب) – بين اللتيا والتي (في بدر).

•الفصل الثاني: عقيل بن أبي طالب – بين عقيل وعليّ – وجهاً لوجه (مع معاوية) – بني عقيل (العقيليون).

•الفصل الثالث: جعفر بن أبي طالب – في الحبشة (بخير دار مع خير جار) – في مؤتة (إمّا ظهور وإمّا شهادة) – بني جعفر (الجعفريون).

•الفصل الرابع: مبحث ميسر في أصول الدين وفروعه – كلام في صفات الله تعالى – كلام في أفعال العباد.

والهدف من هذا الفصل التعريف بأصل من أصول المسلمين الإعتقادية وهو (الإمامة) وصولاً إلى إمامة عليٍّ (علیه السلام) ، وأن استغناءه عن الكلّ واحتياج الكل إليه دليل على أنه إمام الكل، وقد خصصت الجزء الثالث لذلك إن شاء الله.

ومن جماع هذه الفصول يكون الجزء الثاني من كتاب (أبو طالب وبنوه)، وقد خرج إلى النور بعد أن صدر الجزء الأول منه عام تسعة وستين وتسعمائة وألف على عهد المغفور له الوالد، ولقد اخترمته المنيّة ولمّا تتكمل أجزاء الكتاب كما كان أزمع في حينه، فوجدت أن

ص: 8

من برِّ البنوة بالأبوّة القيام على استكمال الكتاب سائلاً العلي القدير السداد والسدد مستوزعاً شكر نعمته، اللهم فثبتْ وأنلْ، والحمد لله وحده.

النجف الأشرف علاء السيد محمد علي

آل السيد علي خان المدني

ص: 9

الفصل الأول

اشارة

ص: 10

بنو أبي طالب (في دائرة الضوء)

يطبق المؤرخون على أن أبا طالب أعقب من الأبناء الذكور أربعة: طالباً فعقيلاً فجعفراً فعليّاً، وفي ذلك يقول الشاعر:

أقام عماد العلا سامكاً *** بأربعة كالسنا الثاقبِ

بمثل عليٍّ إلى (جعفرٍ) *** ومثل (عقيلٍ) إلى (طالبِ)

أولئك لازمعات الرجا *** لِ على راجل ثمّ أو راكبِ

كما يشير غير واحد منهم إلى أن بين كل واحد من الأخوة وبين أخيه عشر سنين، وأزاء ذلك لم يخفِ الجاحظ تعجبه فيقول: ((إن أربعة أخوة كان بين كل واحد منهم وبين أخيه في الميلاد عشر سنين سواءً وهذا عجب)) (1).

وخالف الشنتريني عن هذا الرأي فقال: إن عقيلاً ولد مع أخيه عليٍّ (علیه السلام) توأماً، وأورد في سياق حديثه عن عقيل قوله: زوحمت حتى في الرحم (2).

وجميع أبناء أبي طالب لأبٍ وأمٍّ هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن مناف الهاشمية، وهي أول

ص: 11


1- رسائل الجاحظ/ راجع 3-4/ ص122.
2- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة/ القسم الرابع/ المجلد الأول/ ص225.

هاشمية تزوجت هاشمياً وولدت له، وأول هاشمية ولدت خليفة، ثم بعدها فاطمة الزهراء (علیها السلام) (1).

ولقد خصّ آل أبي طالب بغرائب وعجائب وفضائل لم توجد في أحد سواهم (2) منها: ((أنه لم يوجد قط في أطفالهم طفل يحبو، بل يزحف زحفاً لئلا ينكشف منه عن شيءٍ يسوءُه، ليكون أوفر لبهائه، وأدلّ على ما خصوا به)) (3).

ومنها أنّه: ((تهيأ في آل أبي طالب من الإذكار ما لم نعرفه في قديم الدهر وحديثه، ولا فيما قرب من البلدان ولا فيما بعد)) (4)).

وإنك لتنحدر مع أعقاب الذرية في الطالبيين مائة سنة وأربعمائة سنة فيخيل إليك أن هذا الزمن الطويل لم يبعد قط بين الفرع وأصله في الخصال والعادات كأنما هو بعد أيام معدودات لا بعد المئات وراء المئات من السنين، ولا تلبث أن تهتف عجباً ((إن هذه الصفات علوية لا شكّ فيها، طبع صريح، ولسان فصيح، ومتانة في الأسر يستوي فيها الخَلق والخُلق، ونخوة

لا تبالي ما يفوتها من النفع إذا هي استقامت على سُنّة المروءة والإباء...)) (5).

ص: 12


1- أنظر: المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص2، وابن حجر/ الإصابة/ الجزء السابع من ثمانية أجزاء/ ص160، 164، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ج1/ ص5 وما بعدها، وابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص14.
2- الجاحظ/ رسائل الجاحظ/ مج3-4/ ص122.
3- المصدر نفسه/ ص124.
4- ) المصدر السابق نفسه/ ص123.
5- العقاد/ أبو الشهداء/ ص46.

أوّل الأبناء طالب بن أبي طالب

أول مولود يولد بين هاشميين، وكريم بين طرفين، جمع المجد من أطرافه والشرف من حذافيره، حتى تمت أوصاله واستوفى خلاله.

قال الجاحظ: ((أول هاشميّ هاشميّ الأبوين كان في الدنيا ولد لأبي طالب)) (1).

وكان طالب بن أبي طالب شاعراً (2))، وقد ذكر ابن هشام عن ابن إسحق شعراً في وقعة الفيل منه قوله:

ألم تعلموا ما كان في حرب داحسٍ *** وجيش أبي يكسوم (3)) إذ ملئوا الشِعبا

فلولا دفاع الله لا شيء غيره *** لأصبحتمُ لا تمنعون لكم سَربا (4)

وقد أورد بعض من تعرض لذكره شعراً غير ذينك البيتين، سأعرض له في غير هذا المقام إن شاء الله.

ص: 13


1- رسائل الجاحظ/ مج 3-4/ ص122ز
2- ) الطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج1/ ص439، والأصفهاني/ الأغاني/ ج2/ ص178.
3- ) كنية أبرهة الحبشي.
4- السيرة النبوية/ ج1/ ص263.

ومع أننا لا نمتلك الكثير عن الرجل في أوليات حياته لندرة المصادر التي تناولته وتحاشي الكثير من المؤرخين والمعنيين بالسير الخوض في سيرته بخلاف بقية إخوته، إلّا أننا لو عدنا بالذاكرة إلى ما سمّاه العرب بعام المحل لاتضحت بعض ملامح تلك الحياة.

لقد تعرقت قريشاً بعامة وأبا طالب بخاصة المجاعة في ذلك العام الممحل المجدب، وكان أبو طالب كثير العيال، فيستشعر الرسول (صلی الله علیه و آله) ضائقة عمّه فلم يرَ منتدحاً عن إسداء يد العون نحوه، فينبري مشيراً على عمّه العباس – وكان موسراً – بأن يخفف عنه عن ثقل عياله وحمل بعض أثقاله وما أجدره (صلی الله علیه و آله) بالخير وهو ((الأحقّ بالرفد والأولى بحمل الكل في ساعة الجهد)) (1) فيستجيب أبو طالب متحفظاً فيقول: ((أتركا لي عقيلاً واصنعا ما شئتما)) (2)، وقيل: ((عقيلاً وطالباً)) (3)؛ فأخذ رسول الله (صلی الله علیه و آله) عليّاً، وأخذ العباس جعفراً (4)، ثم ذكر أنه كان أحد المحصورين في شِعب أبي طالب (5).

وكان طالب ذا إثرة عند أبيه وحظوة، ولو لم يك كذلك ما كان ليعهد إليه بوصيته – وهي آخر ما ندت به شفتا أبي طالب – في أن يشدد طالب يديه بغرز محمد (صلی الله علیه و آله) وينخع له بالطاعة

ص: 14


1- الموسوي/ فخار بن معد/ الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب/ ص34.
2- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص263.
3- المصدر نفسه/ ص263.
4- المصدرالسابق نفسه/ ص263.
5- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج14/ ص65.

ويستمر في نصرته ولو كلفه ذلك حياته، وكان ممّا أوصى به يومئذ (1):

أبنيَّ طالب إن شيخك ناصحٌ *** فيما يقول مسدد لك راتقُ

فاضرب بسيفك من أراد مساءة *** أبداً وإنك للمنية ذائق

هذا رجائي فيك بعد منيتي *** وأنا عليك بكل رشد واثق

فاعضد قواه يا بنيَّ وكن له *** إني بجدّك لا محالة لاحق

آهاً أردد حسرة لفراقه *** إذ لم أجده وهو عالٍ باسق

أترى أراه واللواء أمامه *** وعليُّ إبني للواء معانق

وقد ذكر هذه الأبيات الإمام الحافظ ابن شهر آشوب (2) بزيادة بيت سابع وهو:

أتراه يشفع لي ويرحم عبرتي *** هيهات إني لا محالة زاهق (3)

لقد كان محمد (صلی الله علیه و آله) من أبي طالب مهجته ونوط قلبه، وكان بعمّه ممتنعاً وعزيزاً وحماه به لا يُقرب، وكان أبو طالب به لهجاً ما أفتأ يذكره:

ص: 15


1- الموسوي/ فخار بن معد/ الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب/ ص98، وعلي خان/ محمد علي/ أبو طالب وبنوه/ ج1/ ص99.
2- مناقب آل أبي طالب/ ج1/ ص56 وما بعدها.
3- البيت يمثل غاية التواضع منه، فقد ذكر الإمام الطبرسي في الإحتجاج/ج1/ ص341 بسنده عن عليٍّ (علیه السلام) /قوله: ((والذي بعث محمداً بالحقِّ نبياً لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله فيهم...)).

بنيّ أخي ونوط القلب مني *** وأبيض ماؤه غدق كثيرُ (1)

ولم تكن تلك الحياطة من أبي طالب حياطة رحم فحسب، وإنما هي حياطة ((المقرِّ بنبوته والمعترف برسالته)) (2)، وهو إذ يستوصي به خيراً فإنما يقصد إلى نصرة القيم الحقة والمبادئ السامية والمثل العليا التي جاء بها محمد العظيم، وليس أدلّ على ذلك من قوله: ((والله لا يسلك أحد سبيله إلّا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلّا سعد، ولو كان لنفسي مدة، وفي أجلي تأخير، لكففت عنه الهزاهز، ولدافعت عنه الدواهي)) (3).

إن أبا طالب حين عهد إلى ابنه بما عهد لا بدّ وأنه يضع في اعتباره أمرين:

الأول: أهلية الموصى لإمضاء بنود تلك الوصية، وإلّا لكان مثله كمثل من يضع الشيء في غير موضعه والأمر في غير نصابه، وذلك ما لا يجوز بحال على أبي طالب الرجل الذي حلب الدهر أشطره.

الثاني: لو لم يكن على بينة من إيمان ابنه فكيف يا ترى يطلب إليه نصرة من يخالفه في العقيدة بل مفارقته، ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال.

أمّا طالب من جانبه فإنه لم يضق ذرعاً ولم يتبرم، بل وجد في ثقة أبيه المطلقة هذه ما يحفزه لتجسيدها.

ص: 16


1- الزمخشري/ أساس البلاغة/ ص7، 10.
2- مناقب آل أبي طالب/ ج1/ ص56 وما بعدها.
3- الأميني/ الغدير/ ج7/ ص366، والببلاوي/ تأريخ الهجرة النبوية وبدء الإسلام/ ص63.

إستمع إلى صدق أحاسيسه ونبل مشاعره وهو يمتدح النبيّ (صلی الله علیه و آله) معترفاً بفضله مشيداً برسالته مقراً بما جاء به من الحق فيقول (1):

إذا قيل من خير هذا الورى *** قبيلاً وأكرمهم أسره

أناف لعبد منافٍ أبٌ *** وفضّله هاشم الغرّه

لقد حلّ مجد بني هاشم *** مكان النعائم والنثره

وخير بني هاشم أحمد *** رسول الإله على فتره

وقد ذكر جدّنا (2) (قدس سره) البيتين الأخيرين من الأبيات المتقدمة هكذا:

وقد حلّ مجد بني هاشمٍ *** مكان النعائم والزهره

ومحض بني هاشم أحمد *** رسول المليك على فتره

وقال: ((إن تلك الأبيات هي مما استدل بها أرباب السير على إسلامه)) (3).

ص: 17


1- أنظر: ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج14/ ص78، والنقدي/ محمد جعفر/ مواهب الواهب في فضائل أبي طالب/ ص114.
2- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص63.
3- المصدر نفسه/ ص63.

بين اللتيّا والَّتي (في بدر)

تبرز لنا حين نستعيد إلى الذاكرة أحداث السنة الثانية للهجرة النبوية الشريفة معركة بدر الكبرى كواحدة من أهم تلك الأحداث وهي المعركة ((التي قتل فيها صناديد قريش وأشرافها، وأُسر من أسر من زعمائهم)) (1).

ولقد ألجأت قريش عدداً من بني هاشم على الخروج معها إلى خطوط المواجهة الساخنة في بدر مكرهين، وإن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال لأصحابه يومئذ: ((إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله)) (2).

وذكر أيضاً أنه (صلی الله علیه و آله) دعا يومها أن ينجي المستضعفين من المؤمنين (3).

وكان في القوم يومئذ طالب بن أبي طالب، فقد جاهدته قريش على الخروج معها وأجالت سهمه مع سهامها كارهاً غير باغٍ ولا عاد.

وقد عالن طالب قريشاً موقفه من هذه الحرب، كما أنه لم يتحفظ في إظهار ميله الوجداني نحو المعسكر الإسلامي وقيادة الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) وما تبع ذلك من مراجعة ومجاوبة بينه

ص: 18


1- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص403.
2- الأصفهاني/ الأغاني/ ج4/ ص198، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص98، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج14/ ص183، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج2/ ص450.
3- أنظر: ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج14/ ص183.

وبين القوم، وهذا ما أشار إليه غير واحد من المؤرخين فيقول: ((وكان بين طالب بن أبي طالب وبين بعض قريش محاورة)) (1).

يقال: حاورته: راجعته الكلام (2)، والمحاورة مراجعة الكلام في المخاطبة (3).

ولم يكن الموقف المبدئي لبني هاشم عامة وطالب بن أبي طالب على وجه الخصوص من هذه الحرب الظالمة بخافٍ على قريش، وهذا ما يتضح جليّاً من خلال مخاطبتهم لبني هاشم بالقول: ((واللهِ لقد عرفنا يا بني هاشم وإن خرجتم معنا أن هواكم لمعَ محمد)) (4).

فماذا يعني أن يكون هوى بني هاشم مع محمد؟

أو ليس يعني بالضرورة إقراراً بمصداقية النبوة ومشروعية الرسالة وإيقاناً بأن النبيّ (صلی الله علیه و آله) على بينة من ربّه وبصيرة من أمره؟

ولعلك تلمس معي أن حديث النبيّ (صلی الله علیه و آله) : ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) (5) لا يعدونَّ هذا المعنى.

ص: 19


1- الأصفهاني/ الأغاني/ ج4/ ص187، وابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص271، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص85، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج2/ ص439.
2- الشرتوني/ سعيد/ أقرب الموارد/ ج1/ ص243.
3- الزمخشري/ أساس البلاغة/ ص205.
4- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص271، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج2/ ص439.
5- محمد بن عبد الوهاب/ كتاب التوحيد/ ص 165-166/ مطبعة الزمان/ بغداد/ 1989.

ولقد كان طالب يعلم أن قريشاً ستجرّ على أنفسها الشرّ، وأن هذه الحرب التي افتعلتها ستحملها على مركب وعرٍ، وأن الدائرة ستكون فيها عليها، وتكون نهايتها إلى قتل وأسر وتنكيل.

وما الأبيات التي أثرت عنه يومئذ إن هي إلّا نذر الهزيمة المتوقعة للمشركين وإرهاصات بالفشل الذريع الذي سيلاقونه، ففي ساعة العسرة تلك يشخص بصره إلى الله لائذاً ملتجئاً عائذاً، فيرتجز (1):

يا ربّ إمّا خرجوا بطالبْ *** في مقنب (2) من تلكمُ المقانبْ

فاجعلهمُ المغلوب غير الغالب *** والرجل المسلوب غير السالبْ

والذي في الأغاني والطبري (3):

يا ربّ إمّا يغزونّ طالبْ *** في مقنب من هذه المقانبْ

فليكن المسلوب غير السالب *** وليكن المغلوب غير الغالبْ

والذي في السيرة النبوية (4):

لا همّ إمّا يغزونّ طالب *** في عصبة مخالف محاربْ

ص: 20


1- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص32.
2- المقنب بالكسر: ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل.
3- الأصفهاني/ ج4/ ص187، محمد بن جرير/ تأريخ الرسل والملوك/ج2/ ص439.
4- ابن هشام/ ج1/ ص171.

في مقنب من هذه المقانب *** فليكن المسلوب غير السالب

وليكن المغلوب غير الغالبْ

وعلى أية حال فإن هذه الأبيات تنحو منحىً واحداً في الدلالة على المعنى المقصود برغم اختلاف رواياتها.

ولقد تطير القرشيون بأبيات طالب وتوجسوا الشرّ واستشعروا الإحباط؛ فقالوا: ((إن هذا ليغلبنا فردّوه)) (1).

وبعد الانتصار الساحق الذي تحقق للمسلمين في هذه الحرب بقيادة وتوجيه الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) والهزيمة المرة التي مني بها المشركون، وما وقع فيهم من القتل والأسر ((أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله) بالقتلى أن يطرحوا في القليب)) (2)، وأنه (صلی الله علیه و آله) جمع الأسارى فكانوا أربعة وأربعين أسيراً، ومن القتلى مثل ذلك (3).

ولم يكن طالب بن أبي طالب بين القتلى أو الأسرى حينئذ، لكنني وجدت له شعراً في مدح النبيّ (صلی الله علیه و آله) وبكاء أصحاب القليب من قريش، ولست أدري ما إذا كان طالب قد قاله بعد معايشة ميدانية لأحداث تلك المعركة وما أسفرت عنه من النتائج أم بعد منصرفه منها.

ص: 21


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص63.
2- الأصفهاني/ الأغاني/ ج4/ ص198 – 201.
3- المصدر نفسه/ ج4/ ص206-207.

قال طالب (1):

ألا إن عيني أنفدت دمعها سكبا *** نبكّي على كعب وما أن ترى كعبا

ألا إن كعباً في الحروب تخاذلوا *** وأرداهمُ ذا الدهر واجترحوا ذنبا (2)

وعامر تشكو للمسلمات غدوة *** فيا ليت شعري هل أرى لهما قربا

هما أخواي لن يعدّا لغيّه *** تُعدّ ولن يُستام جارهما غصبا

فيا أخوينا عبد شمس ٍ ونوفلاً *** فدىً لكما لا تبعثوا بيننا حربا (3)

ص: 22


1- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج3/ ص28.
2- في ابن الأنباري/ج1/ ص370، روي البيت هكذا: ألا إن كعباً في الحروب تخاذلوا *** فأردتهمُ الأيام واجترحوا ذنبا
3- البيت أحد شواهد ابن هشام الأنصاري في قطر الندى وبل الصدى/ ص300، إلّا أنه يورده على النحو التالي: أيا أخوينا عبد شمس ونوفلاً *** أعيذكما بالله أن تحدثا حربا وقال: ((هذا الشاهد عن كلام طالب بن أبي طالب أخي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وابن عمّ النبيّ (صلی الله علیه و آله) /من كلمة يمدح بها النبيّ صلوات الله وسلامه عليه ويبكي فيها على من قتل ببدر من قريش)).

ولا تصبحوا من بعد ودٍّ وإلفةٍ *** أحاديث فيها كلكم يشتكي النكبا

فما أن جنينا في قريش عظيمة *** سوى أن حمينا خير من وطئ التربا

أخا ثقة في النائبات مرزّأً *** كريماً ثناه لا بخيلاً ولا زربا

يطيف به العافون يغشون بابه *** يؤمّون بحرا ً لا نزوراً ولا صربا

فو الله لا تنفكّ نفسي حزينة *** تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا

ولعل القارئ يستغرب إن لم يكن يستنكر توجع الرجل وتفجعه على ما حلّ بالقوم من فناء في بدر، والجانب الإنساني له انعكاسه النفسي في مثل هذه المواقف، يستوي في ذلك طالب بن أبي طالب وغيره من عامة الناس.

ص: 23

ولنا من الشواهد على مصداقية ما ذهبنا إليه ردُّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) على مسلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري حين قال لرسول الله (صلی الله علیه و آله) : إن لقينا إلّا عجائز صُلعاً كالبدن المعلقة فنحرناها... وقول النبيّ (صلی الله علیه و آله) له: يا ابن أخي أولئك الملأ من قريش (1)، أو قوله (صلی الله علیه و آله) : ((هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها)) (2).

وما وقفة عليٍّ (علیه السلام) على طلحة يوم الجمل وقوله: ((أعزز عليّ أبا محمد أن أراك معفراً تحت نجوم السماء وفي بطون الأودية)) (3) ببعيدة عن ذاكرة الوعاة.

إن المتتبع لسيرة طالب بن أبي طالب يرى اضطراباً كثيراً فيما يروى حول مصيره بعد معركة بدر، فضمن الروايات ما يؤكد رجوعه إلى مكة مع من رجع (4)، ومنها ما يشير إلى أنه لم يرجع إلى أهله، أو فقد ولم يعرف له خبر (5)، وثالثة تقول باختطاف الجنّ إياه (6)، ورابعة تقول بانتحاره غرقاً (7).

ص: 24


1- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص91.
2- المبرد/ الكامل/ ج1/ ص242، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج2/ ص437.
3- المصدر نفسه/ ج1/ ص146.
4- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص271، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج2/ ص439.
5- الأصفهاني/ الأغاني/ ج4/ ص178، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص85، وابن شهر آشوب/ مناقب آل أبي طالب/ ج1/ ص162، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج2/ ص439 نقلاً عن ابن الكلبي.
6- الجاحظ/ الحيوان/ مج 2-7/ ص459، والجاحظ/ رسائل الجاحظ/ ج2/ ص373.
7- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص30.

ولعل الأولى أقربها إلى العقل وأوفقها إلى المنطق وأميلها إلى طبائع الأشياء؛ لأن ما سواها لا يمتلك مقومات الحجيّة أزاء ما يمكن أن يوجه إليها من نقود وطعون فهي إلى مرجمات الظنون أقرب،﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ﴾ (1).

وكما اضطربت تلك الروايات في مصيره تضطرب هي الأخرى في إسلامه، ولدى تتبعي لسيرة الرجل فيما تيسر بين يدي من المصادر وجدت أن الكثير منها ينسب طالباً إلى الكفر، وإن منشأ تلك النسبة هو الجهل بإسلامه، ولنا على ذلك ملاحظتان:

الأولى: إن عدم العلم بإسلام امرئ لا يمكن أن يقوم دليلاً على القطع بكفره.

الثانية: إن عدم علم امرئٍ لا يكون بحالٍ مانعاً علم غيره...فتأمل.

فمن كل ما تقدم مع ملاحظة قرائن الحال والمقال التي سأعرض لها باقتضاب نستطيع أن نتبين حقيقة هذا الرجل، فنحكم له أو عليه، وإذا ما عدمنا الحكم العدل فليحكمنّ فيه وجداننا...

1-النزعة الإيمانية الحنيفية التي لمسناها في شعره في وقعة الفيل.

2-معالنته قريشاً البراءة من المشركين وما كان بينه وبين القوم من مراددة، ثم صرفه عن ساحة الصراع في بدر.

3-مدحه رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأنه: أشرف الورى، وخير بني هاشم، ورسول الإله على فترة من الرسل.

ص: 25


1- سورة النجم/ الآية: 28.

4-هجرته إلى الشِعب وحصره فيمن أُحصر.

5-ضمانة أبي طالب بعدم خذلانه وأولاده له (صلی الله علیه و آله) في أبيات منها (1)): والله لا أخذل النبيّ ولا *** يخذله من بَنيَّ ذو حسبِ

6-ما ذهبنا إليه في وصية أبي طالب لابنه من لزوم النصرة والمؤازرة والمفاداة.

7-ما روي عن أبي عبد الله (علیه السلام) من أن طالباً: كان أسلم (2).

8-ما ذكره العلامة ابن خلدون في كتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر)، قال: ((فلمّا هلك أبو طالب وهاجر بنوه مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، وحمزة كذلك، ثم من بعده العباس والكثير من بني عبد المطلب، وسائر بني هاشم)) (3).

9-نهيه (صلی الله علیه و آله) عن إلحاق الأذى ببني هاشم في بدر، ودعاؤه بنجاة المستضعفين من المؤمنين.

10-ما رواه جابر بن عبد الله، صاحب رسول الله (صلی الله علیه و آله) عنه فيما شاهده (صلی الله علیه و آله) في الليلة التي أسري به فيها إلى السماء من الأنوار الأربعة وسؤاله (صلی الله علیه و آله) ربَّ العزّة تقدست أسماؤه عنها، وجوابه جلَّ وعزَّ: هذا عبد المطلب، وهذا أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا أخوك طالب...من كلام طويل ذكره المهزمي العبدي (4) في كتابه (ديوان شيخ الأباطح أبي طالب).

ص: 26


1- ) ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج14/ ص76.
2- الكليني/ الروضة في الكافي/ ج8/ ص375.
3- المغربي/ ج3/ ص3.
4- أبو هفان/ ص1، وهو من الشعراء المشهورين المذكورين وشعره موجود بكل مكان، ذكر ذلك ابن المعتز في طبقات الشعراء ص104.

ولم يشر أحد من المؤرخين – فيما أعلم – إلى وفاته زماناً أو مكاناً كما لم أعثر فيما أتيح لي من المصادر عن وجود عقب له، وبذلك قطع السويدي (1) وابن عنبه (2) والنويري (3)، وأسقطه من عداد بطون أبي طالب.

ص: 27


1- سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب/ ص71.
2- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص30.
3- نهاية الأرب/ ج2/ ص 360. ِ

الفصل الثاني

اشارة

ص: 28

عقيل بن أبي طالب

أبو يزيد (1)، عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي، شريف المئزر، كريم العِرق، مخول معم، وكان أبو طالب يحبه أكثر من سائر بنيه (2).

ولعل السيدة الفاضلة أمّه كانت تتوسم في عرنينه الشمم، فكانت تهدهده وتناغيه صغيراً:

أنت تكون ماجد نبيلْ *** إذا تهبّ شمألٌ بليل (3)

ولقد كان كذلك ماجداً ونبيلاً، وشجاعاً فارساً، ذا مقول صارم ولسان عضب كم أنكى به عدوه، عالماً بأنساب قريش مثالبها ومآثرها والأمهات، وكان الناس يأخذون ذلك عنه

ص: 29


1- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص255، وابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص69، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة / ج11/ ص250، وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص62.
2- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص250.
3- البيت من شواهد النحو في ألفية ابن مالك/ ج1/ ص292، ويورد ابن عقيل في شرحه بهامشها البيت السابق مع ما قبله هكذا: إن عقيلاً كاسمه عقيل *** وبيبي الملفف المحمول أنت تكون السيد النبيل *** إذا تهبّ شمأل بليل يعطي رجال الحيّ أو ينيل وكما أفاد الشارح فالبيت لأمّ عقيل بن أبي طالب تقوله وهي ترقص ابنها عقيلاً، والذي صادفته في الزركلي/ ج5/ ص9 من الأعلام أن: بهاء الدين بن عقيل، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد القرشي الهاشمي من أئمة النحاة من نسل عقيل بن أبي طالب (وهو شارح الألفية).

بمسجد المدينة، وكان سريع الجواب المسكت (1).

ويحسن أن أذكر أن في قريش أربعة يتحاكم الناس إليهم في المنافرات، وهم: عقيل بن أبي طالب، ومخرمة، وحويطب، وأبو جهم (2).

ويعتبر عقيل من أشدهم عارضة وأحضرهم مراجعة في القول وأبلغهم في ذلك (3)، وكان يعدّ المساوئ (4)، وله طنفسة كانت تطرح في مسجد النبيّ (صلی الله علیه و آله) فيصلي عليها ويجتمع إليه الناس (5)، حتى أن أخاه عليّاً (علیه السلام) لم يتردد في استشارته باختيار زيجة له قائلاً: ((أنظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً)) (6)، فأشار عليه بأن يتزوج أمّ البنين الكلابية، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها (7).

وكان عقيل بن أبي طالب هو الآخر فيمن أخرجته قريش إلى بدر كرهاً، وقد أسره يومئذ:

ص: 30


1- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص255، وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص64، والجاحظ/ البيان والتبيين/ ص170.
2- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص255، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص251، وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص65، والزركلي/ الأعلام/ ج5/ ص39.
3- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص155.
4- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص255، وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص64.
5- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص154، وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص64.
6- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص357.
7- المصدر نفسه/ ص357.

عبيد (1) بن أوس (2) الظفري (3).

وقيل: إن عليّاً (علیه السلام) مرّ به وهو أسير فأشاح بوجهه عنه، فقال له عقيل: ((والله لقد رأيتني ولكن عمداً تصدّ عني)) (4)، فجاء عليٌّ (علیه السلام) إلى النبيّ (صلی الله علیه و آله) فقال: ((يا رسول الله هل لك في أبي يزيد مشدودة يداه إلى عنقه بنسعه)) (5)؛ فانطلق معه رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتى وقف عليه فلمّا رآه عقيل قال: ((يا رسول الله إن كنتم قتلتم أبا جهل فقد ظفرتم وإلّا فأدركوا القوم ما داموا بحدثان فرحتهم)) (6).

وقيل: إن النبيّ (صلی الله علیه و آله) قال للعباس بن عبد المطلب حين انتهى به إلى المدينة: ((يا عباس إفد نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب)) (7).

قال ابن أبي الحديد نقلاً عن ابن إسحق قوله: ((وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) لمّا استشار أبا بكر وعمر وسعد بن معاذ في أمر الأسارى، غلظ عمر عليهم غلظة شديدة، فقال: يا رسول الله أطعني فيما أشير به عليك، فإني لا ألوك نصحاً، قدّم عمّك العباس فاضرب عنقه بيدك، وقدّم عقيل إلى عليٍّ أخيه يضرب عنقه، وقدّم كل أسير منهم إلى أقرب الناس إليه يقتله، قال: فكره

ص: 31


1- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج2/ ص343.
2- المصدر نفسه/ ج2/ ص343، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج14/ ص199.
3- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج14/ ص154.
4- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص154.
5- المصدر نفسه/ ص154.
6- المصدر السابق نفسه / 154.
7- الأصفهاني/ الأغاني/ ج4/ ص210، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج2/ ص465 باختلاف يسير.

النبيّ (صلی الله علیه و آله) ذلك ولم يعجبه)) (1)، وذكر أن النبيّ (صلی الله علیه و آله) مال إلى رأي أبي بكر في الفدا والاستبقاء (2).

في سياق تفسيره للآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى﴾ (3) قال السيد عبد الله شبّر: ((إنها نزلت في العباس وعقيل ونوفل)) (4).

وروى الإمام الحافظ ابن شهر آشوب عن أبي معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهد في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ (5))، أي بقومك، بأمير المؤمنين وجعفر وحمزة وعقيل (6).

وزوجة عقيل: فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس العبشمية، أخت هند أمّ معاوية (7).

قال ابن حجر (8) في الإصابة بسند صحيح: ((تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة بن ربيعة)).

ص: 32


1- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج12/ ص183، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج2/ ص 474-475
2- ابن حزم/ الفصل في الملل والأهواء والنحل، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج2/ ص475.
3- سورة الأنفال/ الآية: 70
4- تفسير شبر/ ص 198.
5- ) سورة الأنفال/ الآية: 62
6- مناقب آل أبي طالب/ ج/ ص341.
7- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء السابع من ثمانية أجزاء/ ص164، وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص64.
8- المصدر نفسه/ الجزء السابع من ثمانية أجزاء/ ص164.

وذكر (1) أيضاً عن عليٍّ (علیه السلام) قوله: ((أهدي إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) حُلّة استبرق، فقال: إجعلها خُمراً بين الفواطم، فشققتها أربعة أخمرة: خماراً لفاطمة بنت رسول الله، وخماراً لفاطمة بنت أسد، وخماراً لفاطمة بنت حمزة، ولم يذكر الرابعة))، قال ابن حجر: ((ولعلها امرأة عقيل)).

وعلى الرغم من واشجة الزوجية التي تشج الزوجين إلّا أنها ربما وجدت على عقيل حين يطوف بها طائف ذكرى مصارع أهلها في الجاهلية، فكانت تجبهه بقولها: ((يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبداً، أين أبي؟ أين عمّي؟ أين أخي؟ كأن أعناقهم أباريق فضة ترد آنافهم الماء قبل شفاههم)) (2).

وبحسبك ما لم تستطع كتمانه فجرى على لسانها من إرادة العام في حين أن المقام يقتضي الخاص، وكان عقيل يرد عليها بما لم تحرْ معه جواباً: ((إذا دخلت جهنم فخذي عن شمالك)) (3).

وقيل: إن زوجته – موضوع الحديث – أتت عثمان بن عفان يوماً فشكته عقيلاً، فبعث عبد الله بن عباس ومعاوية حكمين، فقال ابن عباس: لأفرّق بينهما، وقال معاوية: ما كنت لأفرّق

ص: 33


1- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء السابع من ثمانية أجزاء/ ص164.
2- الجاحظ/ البيان والتبيين/ ص375، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص252، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص164، والأندلسي/ العقد الفريد/ ج7/ ص201 باختلاف يسير.
3- الجاحظ/ البيان والتبيين/ ص375، والأندلسي/ العقد الفريد/ ج3/ ص201، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص252.

بين سِنخين من قريش، فلمّا أتياهما وجداهما قد أغلقا بابهما واصطلحا (1).

ومن الملاحظ أن عقيل بن أبي طالب كان له عدة زوجات بما فيهن من تسراهنَّ من الجواري، فيما سنعرض له ضمناً عند حديثنا عن بني عقيل.

وعن تسرّيه إحداهن يقول عقيل نفسه: ذكروا الجواري فالتفت إليّ يزيد وقال: إيهٍ يا عقيل، فقلت:

أفاض القوم في ذكر الجواري *** فأمّا الأعزبون فلن يقولوا

قال يزيد: إنك لم تبق عازباً، فلمّا رجعت إلى منزلي إذا أنا بخادم قد أتاني ومعه جارية وفرش من بيت وبدرة عشرة آلاف درهم (2).

وعن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: ((تزوج عقيل بن أبي طالب فخرج علينا، فقلنا له: ((بالرفاء والبنين))، فقال: مه لا تقولوا ذلك، فإن النبيّ (صلی الله علیه و آله) نهى عن ذلك، وقال: ((قولوا: بارك الله لك، وبارك عليك، وبارك لك فيها)) (3).

ولعقيل دار بالمدينة معروفة (4)، وأخرى في مكة أورد ذكرها القطبي (5) في مورد حديثه عن دار خديجة (رضی الله عنها) قال: ((ويستجاب الدعاء في دار خديجة أمّ المؤمنين (رضی الله عنها) ، وهو معروف الآن

ص: 34


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص164.
2- الأبشيهي/ المستطرف في كل فن مستظرف/ ج 1-2/ ص161.
3- ابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص66.
4- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص250.
5- إعلام العلماء الأعلام ببناء المسجد الحرام/ ص154.

في مكة، ويعرف بمولد السيدة فاطمة (رضی الله عنها) ؛ لأنها ولدت فيها، وهي وجميع أولاد خديجة من النبيّ (صلی الله علیه و آله) ، وتوفيت ولم يزل (صلی الله علیه و آله) ساكناً بها إلى أن هاجر إلى المدينة، فأخذها عقيل بن أبي طالب)).

قال جدّنا (1): ((وكان عقيل بن أبي طالب قد باع دور بني هاشم المسلمين بمكة، وكانت قريش تعطي من لم يسلم مال من أسلم؛ فباع دور قومه حتى دار رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، فلمّا دخل رسول الله (صلی الله علیه و آله) مكة يوم الفتح قيل له: ألا تنزل دارك يا رسول الله؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من دار؟)).

وفي الطبري وابن الأثير (2) أن مولد النبيّ (صلی الله علیه و آله) كان بالدار التي تعرف بدار ابن يوسف، وأن النبي (صلی الله علیه و آله) وهبها عقيل بن أبي طالب، فلم تزل في يده حتى توفي، فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج.

كما ذكر السيد (3) في درجاته الرفيعة: أن أبا سفيان بن الحرث بن عبد المطلب، ابن عمّ النبيّ (صلی الله علیه و آله) وأخاه من الرضاعة دفن عند موته في دار عقيل.

إن شرف بيتوتة عقيل الشامخ وعزّ أرومته الباذخ من جهة، ومماسته اليومية والتفصيلية وطبقات مجتمعه وملابسته الناس على قدر أخلاقهم، واستعداده النفسي الخاص – كما تقدم

ص: 35


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص154.
2- الطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج2/ ص156، والكامل في التأريخ/ ج2/ ص270.
3- علي خان/ ص166.

– جعل من عقيل بن أبي طالب رجلاً أصيل الرأي والعقل حتى بذّ بهما أصحابه، فكان الموئل والمفزع فيما استغلق على الناس فهمه واعصوصب أمره.

من ذلك ما روي عن انتداب الخليفة عمر بن الخطاب عقيلاً وآخرين معه لتدوين الدواوين بعد أن أشار الوليد بن هشام بن المغيرة على عمر بأن يفيد من تجربة ملوك الشام في هذا المجال.

وفي ذلك يقول الوليد: ((جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديواناً وجندوا جنداً، فدون ديواناً وجند جنداً فأخذ بقوله، فدعا عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم، وكانوا من لسان قريش، فقال: اكتبوا الناس على قدر منازلهم؛ فبدأوا ببني هاشم)) (1).

وروي أن عمر بن الخطاب لمّا وضع الديوان استشار بمن يبدأ فقالوا: ((إبدأ بنفسك، قال: لا، ولكني أبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقال: إن رسول الله إمامنا، فبرهطه نبدأ، فو الله ما أدركنا الفضل في الدنيا، وما نرجو الثواب على عملنا إلّا بمحمد (صلی الله علیه و آله) فهو شرفنا، وقومه أشرف العرب)) (2).

وفي إسلام عقيل بن أبي طالب أقوال: فقد قيل: إن إسلامه كان تأخر إلى عام الفتح، وقيل: بعد صلح الحديبية وإن هجرته كانت في أول سنة ثمان (3).

ص: 36


1- البلاذري/ فتوح البلدان/ص436.
2- المصدر نفسه/ ص476.
3- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص255.

وقيل: إنه شهد غزوة مؤتة، ولم يسمع له ذكر في الفتح وحنين، وكأنه كان مريضاً (1).

وأورد جدّنا (2) (قدس سره) في إسلامه قولين:

الأول: إن عقيلاً لمّا فدي عاد إلى مكة، ثم أقبل مسلماً مهاجراً قبل الحديبية، وشهد غزاة مؤتة مع أخيه جعفر (علیه السلام) .

والثاني: إنه لم يعد إلى مكة بل أقام مع النبيّ (صلی الله علیه و آله) ، وشهد معه المشاهد كلها، ثم يستدرك ليقول: ((والأول أصحّ)).

وروي أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قد أعطاه من خيبر مائة وأربعين وسقاً كل سنة (3).

وفي حب النبيّ (صلی الله علیه و آله) لعقيل ما روى غير واحد قوله صلوات الله عليه: ((يا عقيل أحبك حبين، حباً لقرابتك، وحباً لحب عمّي أبي طالب إياك)) (4).

كما وقع ذكره في الصحيح في مواضع (5)، وأخرج النسائي وابن ماجة له حديثاً (6)، وذكره الشيخ الطوسي (7) في رجاله في أسماء الرواة عن عليٍّ (علیه السلام) ، وروى له هشام بن محمد

ص: 37


1- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص255.
2- علي خان / الدرجات الرفيعة/ ص154.
3- ابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص14.
4- ) المصدر نفسه/ج4/ ص64، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص250، والقندوزي الحنفي/ ينابيع المودة/ ص154.
5- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص255.
6- المصدر نفسه/ ص255.
7- ص48.

الكلبي عن أبيه عن أبي صالح (1)، وذكره أبو عبد الرحمن السلمي (2) في سؤالاته للدار قطني في الجرح والتعديل.

وحدث عنه سعيد بن أبي هند عن أبي مرّة مولى عقيل، وذكر ذلك ابن هشام (3) عن ابن اسحق، وكذلك النجاري (4) بطريق آخر عن أبي مرة أيضاً عن عقيل، وعرض لذكره البلاذري (5) لدى حديثه عن حفائر مكة بما نصه: ((وكان عقيل بن أبي طالب حفر في الجاهلية بئراً، وهي في دار ابن يوسف))، وورد اسمه في عداد المحصورين في شعب أبي طالب. (6)

وفي تأريخ وفاة عقيل قولان:

أحدهما: أنه توفي في خلافة يزيد قبل وقعة الحرّة، وثانيهما: أنه توفي في خلافة معاوية (7)، وإلى الثاني يميل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (8)، والسيد علي خان المدني في الدرجات الرفيعة (9).

ص: 38


1- الآلوسي/ بلوغ الأرب/ ج3/ ص475.
2- ص 242.
3- ابن هشام / السيرة النبوية/ ج4/ ص53.
4- صحيح البخاري/ ج1/ ص94.
5- فتوح البلدان/ ص436.
6- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج14/ ص65.
7- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص255، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص250، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص165، والزركلي/ الأعلام/ ج5/ ص39.
8- ج11/ ص250.
9- ص165.

وأخال رجحان الثاني أيضاً لما ذكره ابن أبي الحديد، فإن استُصِحَّ هذا القول فإن عقيلاً يكون قد توفي حينئذ بعد أن بلغ من السن ستاً وتسعين سنة (1)، أو ربما يكون قد أناف على مئة سنة (2).

ووجدت في التحقيق بهامش السيرة النبوية لابن هشام كلاماً مفاده أن عقيل بن أبي طالب سكن البصرة ومات بالشام (3)، وهذا أمر لم يعن لي فيما بين يدي من المراجع إلّا ما أورده الأبشيهي في مستطرفه من قدومه واسط بعد أن استقدمه الأمير يزيد بن المهلب، ولم يطل لباثه في واسط غير عشر ليالٍ (4)، وابن أبي الحديد الذي ذكر أن عقيلاً خرج إلى العراق ثم إلى الشام ثم عاد إلى المدينة (5).

وفي (إعلام الأعلام ببناء المسجد الحرام) للقطبي صورة كتاب وقف قصر الواقف فيه مورد وقفه على إكساء قبر الرسول (صلی الله علیه و آله) بالأستار تكريماً وتشريف مراقد الأتباع وستر مراصد الأشياع أيضاً بالأزار ومحراب قبة العباس وقبره وقبر عقيل بن أبي طالب (6).

ص: 39


1- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص250.
2- الزركلي/ الأعلام/ ج5/ ص39.
3- ج3/ ص3.
4- المستطرف في كل فن مستظرف/ مج 1-2/ ص161.
5- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص250.
6- القسم الأول/ تواريخ مكة/ ص174.

بين عقيل وعليٍّ (علیه السلام)

كان عقيل بن أبي طالب ربيئة لعليٍّ (علیه السلام) ودريئة ولساناً حليفاً وعيناً، وغير مراغم لعتاب ولا مفارق لقلى، لم يؤثر عاجل الدنيا على آجل الآخرة، ولم يعدل بعليٍّ (علیه السلام) سواه من الخلق، فكم من موقف شدَّ فيه ظهر أخيه بصحيح بادرته، وكم من موطن نافح عنه فيه بجيد نادرته، وهو في هذا وذلك لم يتكعكع ولم يهن.

إستمع إليه في مجلس الخليفة عثمان بن عفان كيف أفلج الوليد (1) بن عقبة بن أبي معيط بلسان الصدق غضباً لله وللحق بعد نيل الأخير من أخيه عليٍّ (علیه السلام) قال عقيل: ((إنك لتتكلم يا ابن أبي معيط كأنك لا تدري من أنت، وأنت علجٌ من أهل صفورية)) (2).

واستشرف مجلسه عند معاوية بن أبي سفيان كيف يوتر قوسه ويرمي غرضه، فلم يخطئ قصده ثأراً لأخيه (علیه السلام) بعد تعريض معاوية به، وعندها لم يسع معاوية إلّا الإذعان بالحقّ والتسليم للحقيقة والاعتراف: بأن محل المجد من بني هاشم منوط في أبي يزيد ما تغيره الأيام والليالي (3)، وهو أربة عقد الأخاء ورؤبة صدع الصفاء، فما أن يبلغه ائتمار بعض القوم بأخيه وخذلان أهل الكوفة له وتقاعسهم عن نصرته عقب غارة الضحاك الفهري على بعض أعماله (علیه السلام) حتى يسارع في إنفاذ كتاب إليه يمحضه فيه نصحه ويمنحه مشورته وينابذ فيه عدوه ويذمر نفسه على فوت الحرب.

ص: 40


1- الوليد بن عقبة بن أبي معيط: أخو عثمان لأمّه، وكان والياً على الكوفة.
2- المسعودي/ مروج الذهب/ ج1/ ص436.
3- المصدر نفسه/ ج2/ ص75.

قال ابن أبي الحديد (1): ((وعرض نفسه وولده عليه فأعفاه ولم يكلفه حضور الحرب))، وكان مما كتبه يومئذ: ((فإن كنت الموت تريد تحملت إليك ببني أخيك وولد أبيك فعشنا معك ما عشت ومتنا معك إذا متّ، فو الله ما أحبّ أن أبقى في الدنيا بعدك فواقاً)) (2).

وكان مما أجاب به عليٌّ (علیه السلام) عقيلاً: ((وأمّا ما عرضت من مسيرك إليّ ببنيك وبني أبيك فلا حاجة لي في ذلك، فأقم راشداً محموداً، فو الله ما أحب أن تهلكوا معي أن هلكت، ولا تحسبن ابن أبيك لو أسلمه الناس متخشعاً ولا متضرعاً، إنه لكما قال أخو بني سليم:

فإن تسأليني كيف أنت فإنني *** صبور على ريب الزمان صليبُ

يعزّ عليَّ أن ترى بي كآبة *** فيشمت عادٍ أو يساء حبيب)) (3)

وعلى الرغم من تصوير البعض لعقيل بن أبي طالب بصورة الرجل المحك لكثرة ترداده على أخيه (علیه السلام) والإيغال في استرفاده واستزادته من العطاء، ثم الإنكفاء إلى معاوية بن أبي سفيان

ص: 41


1- شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص250.
2- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص250، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص155، والأصفهاني/ الأغاني/ ج16/ ص 202-203.
3- الأصفهاني/ الأغاني/ ج11/ ص 203-204، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص157، وقال: وقد أورد الشريف الرضي بعض هذا الكتاب الذي كتبه أمير المؤمنين (علیه السلام) /جواباً لأخيه في نهج البلاغة، إلّا أن بين ما أورده – والقول لمّا يزل للسيد علي خان – وبين ما نقلناه اختلافاً يسيراً في العبارة.

فإن عقيلاً لم يترك نصح أخيه والتعصب له (1) في حلّه به وظعنه عنه، ففي الحلّ كان يجده خيراً لدينه (2)، وفي ظعنه عنه كان يتركه على ما يحب الله ورسوله (3)، وهو بين هذين: ((قد جعل دنياه دون دينه وخشي الله على نفسه ولم تأخذه في الله لومة لائم)) كما يقول عقيل (4)، فمما لا جدال فيه أن عليّاً (علیه السلام) ((كان شديد السياسة خشناً في ذات الله، لم يراقب أخاه عقيلاً في كلام جبهه به)) (5).

إن عليّاً (علیه السلام) كان يعطي فرضه، فإذا ما كان عطاؤه قليلاً فإنما هو لقلة ما في يده وكثرته في يد عدوه، ثم إن تلك الأموال التي كانت بين يديه إنما هي أموال الله لكل مسلم فيها حق، ولكل ذي حاجة فيها نصيب، يستوي عند عليٍّ (علیه السلام) في ذلك القريب والبعيد والقاصي والداني، وليست ملكاً لابن أبي طالب طلقاً يحتجنه فيما يحتجن، فما قيمة المال عنده إذاً إن لم يقم به حقاً ويدفع باطلاً ويرأب صدعاً.

أو ليس (علیه السلام) هو الذي يقول: ((ما أزهد كثيراً من الناس في الخير! عجبت لرجل يجيئه أخوه (6) في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً، فلو كنّا لا نرجو جنة، ولا نخاف ناراً، ولا ننتظر

ص: 42


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص157.
2- المصدر نفسه/ ص155.
3- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص75.
4- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص163.
5- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص254.
6- إن (الأخ) عند أمير المؤمنين (علیه السلام) /اثنان، إمّا أخ في (الدين)، أو نظير في (الخَلق).

ثواباً، ولا نخشى عقاباً؛ لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنها تدل على سبيل النجاة)) (1).

لذا فقد كان يصل أخاه بما اتسعت له كفاه واحتمله ماله (2)، أ فيحسب ذلك منه تقصيراً أو قصوراً؟

ومما روي عن عقيل بن أبي طالب أنه قدم على عليٍّ (علیه السلام) الكوفة، فأنزله وأمر ابنه الحسن (علیه السلام) فكساه، فلمّا أمسى دعا بعشائه فإذا خبز وملح وبقل، فقال عقيل: ما هو إلّا ما أرى؟ قال: لا، قال: فتقضي دَيني؟ قال: وكم دَينك؟ قال: أربعون ألفاً، قال: ما هي عندي، ولكن اصبر حتى يخرج عطائي، فإنه أربعة آلاف فأدفعه إليك، فقال له عقيل: بيوت المال بيدك وأنت تسوفني بعطائك! فقال: أتأمرني أن أدفع إليك أموال المسلمين وقد ائتمنوني عليها!؟ قال: فإني آتٍ معاوية، فأذن له (3).

وعنه أيضاً قال: ((أقويت وأصابتني مخمصة شديدة، فسألته فلم تند صفاته، فجمعتُ صبياني وجئته بهم، والبؤس والضرّ ظاهران عليهم، فقال: ائتني عشية لأدفع إليك شيئاً، فجئته يقودني أحد ولدي، فأمره بالتنحي، ثم قال: ألا فدونك، فأهويت حريصاً قد غلبني الجشع أظنها صرّة، فوضعت يدي على حديدة تلتهب ناراً، فلمّا قبضتها نبذتها، وخرت كما يخور الثور تحت يد جازره، فقال لي: ثكلتك أمّك، هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا، فكيف بك وبي غداً أن سلكنا في سلاسل جهنم! ثم قرأ: ﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ

ص: 43


1- الأصفهاني/ الأغاني/ ج17/ ص279.
2- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص163، من كلام لعقيل: ((فوصلني بما اتسعت له كفاه واحتمله ماله)).
3- ابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص65.

يُسْحَبُونَ﴾ (1)، ثم قال: ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلّا ما ترى، فانصرف إلى أهلك)) (2).

وروي نحو ذلك مما هو كثير في مظانه من كتب التأريخ والسيرة، وليس في ذلك ما يعاب به على عليٍّ (علیه السلام) وهو الذي وتر قربانه وبعدانه في الله أو يعير به عقيل وقد أعوز وتحوج، وإنما هو عظة بالغة لكل ذي لبٍّ ودرس خليق بأن يؤتسى به في كل زمان ومكان.

قال الأستاذ العلّامة القرشي: لقد مثّل الإمام عليٌّ (علیه السلام) في عهده الفضيلة والمساواة والحق والعدالة حتى ساوى بين أخيه عقيل وبين غيره من طبقات الشعب، وقد ملأ (علیه السلام) التأريخ عظمة وافتخاراً بمآثره الطيبة التي هي عنوان لسلطان الحق والمساواة (3).

لقد كان عليٌّ (علیه السلام) يقيس الأمور بمقياس الحق ويزنها بالقسطاس المستقيم، لم يصانع ولم يلاين أحداً قرب إليه أو بعد منه، والجميع على سوية من الأمر عنده، فلقد عنّف (علیه السلام) ولده الحسين (علیه السلام) ريحانة رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأوشك أن يحذفه بالدرة لأنه (علیه السلام) أخذ مقسمه من زق عسل جاءهم من اليمن قبل غيره لضيف نزل به، لولا أن يُقسم على أبيه بحق عمّه جعفر، وكان (علیه السلام) إذا سئل بحق جعفر سكن، وقال له: ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة؟ فقال (علیه السلام) : إن لنا فيه حقاً، قال: فداك أبوك وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، أما لولا أني رأيت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقبل ثنيتك لأوجعتك ضرباً، ثم

ص: 44


1- سورة غافر/ الآية: 71.
2- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص 253-254.
3- القرشي/ حياة الحسين بن علي/ ج1/ ص192.

دفع إلى قنبر درهماً كان مصروراً في ردائه وقال: اشترِ به خير عسل تقدر عليه، وجعل يبكي ويقول: اللهمّ اغفر للحسين فإنه لم يعلم (1).

واستعارت بنت أمير المؤمنين عليٍّ (علیه السلام) عقد لؤلؤ تتجمل به في يوم الأضحى من عليّ بن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فلمّا رآه عليها عرفه وأمرها بردّه، ثم قال: ويل لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مردودة مضمونة، لكانت أول هاشمية قطعت يدها في سرقة، ووبّخ ابن أبي رافع وتوعده بالعقوبة إن هو عاد إلى مثله (2).

قال صاحب الدرجات الرفيعة: ((فهذه ابنته الجارية مجرى نفسه لم يحابها في دين الله، ولا راقبها في حدود الله)) (3).

وفي اختلاف عقيل إلى معاوية قولان:

الأول: باختلافه إليه في حياة أخيه، واستدل القائلون بذلك بقول معاوية – وعقيل عنده يومئذ – هذا أبو يزيد، لولا علمه أني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه، ومجاوبة عقيل له (4).

ص: 45


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص159 وما بعدها.
2- البهائي/ الكشكول/ ج2/ ص267.
3- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 17.
4- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص251، والجاحظ/ البيان والتبيين/ ص 374.

الثاني: بعدم عودته إلى معاوية إلّا بعد وفاة أمير المؤمنين عليٍّ (علیه السلام) ، واحتجّ بالكتاب الذي أنفذه عقيل إلى أخيه (علیه السلام) في آخر خلافته، وجواب عليٍّ (علیه السلام) عليه (1).

وأظهر القولين عند ابن أبي الحديد الثاني، وبه أخذ (2).

كما نسب السيد الأمين (3) (قدس سره) إليه قوله: ((إن معاوية وبّخ سعيد بن العاص على تأخره عنه في صفّين، فقال سعيد: لو دعوتني لوجدتني قريباً، ولكن جلست مجلس عقيل وغيره من بني هاشم، ولو أوعبناك لأوعبوا))، وعنه (4) أيضاً: ((إن عقيلاً كان بقي بأولاده في المدينة كما يدل قول سعيد بن العاص...وكتاب عقيل إلى أخيه الدال على أن عقيلاً كان بالحجاز مع أولاده عند غارة الضحاك التي كانت بعد الحكمين، وأن أمير المؤمنين أمره بالإقامة بأولاده بالحجاز وعدم المجيء إلى العراق...وأن عقيلاً لم يذهب إلى معاوية في حياة أمير المؤمنين، وإنما ذهب بعد موته، ويدل على ذلك الكتاب والجواب كلام سعيد بن العاص)).

أيّاً كان الأمر فسواءً اختلف عقيل إلى معاوية في حياة عليٍّ (علیه السلام) أو بعدها، فإنه ليس الرجل الوحيد الذي كان يطرق باب معاوية فتفتح له على مصراعيها، فهناك الكثير من خيار الصحابة وصلحاء المسلمين ممن زخرت بأسمائهم صفحات التأريخ فيمن وفد عليه، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: صعصعة بن صوحان وشريك بن الأعور وعبد الله بن

ص: 46


1- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص 251.
2- المصدر نفسه/ ج11/ ص251.
3- محسن/ أعيان الشيعة/ ج3/ ص 490.
4- المصدر نفسه/ ج3/ ص 490.

عباس والأحنف بن قيس وغيرهم، وكان لأولئك الرجال مواقف مع معاوية لمّا يزل الناس يتمثلونها.

ولعل الدافع الاقتصادي – وإن لم يكن الدافع الوحيد – هو أقوى الدوافع التي كانت تستحثهم نحو معاوية، فقلة الموارد الاقتصادية في الجزيرة العربية لا سيما الحجاز، ووفرتها في بلاد الشام وكثرة الأموال بها، واحتواء بني أميّة لها و((ذهاب تلك الأموال في جيوب عدد قليل من الناس بينما لا يحصل غيرهم على شيء)) (1) كل ذلك كان يدفعهم لاستنقاذ أقواتهم من بين براثن سبع رحب المسرط رغيب والاجتهاد في تحصيل حقوقهم، التي قد استوثق منها بنو أميّة ((بالأبواب والأقفال)) (2)، ومن ذلك قول الأحنف بن قيس لمعاوية: ((إنّا والله لا نلومك على ما في خزائن الله، ولكن على ما أنزله من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه)) (3)، وكان البعض يحاول معاوية مجاوزاً الحدّ في الكذب في كثير من الأحيان وصولاً إلى مراده.

أ فيكون بعد ذلك كله من الإنصاف في شيء قول القائل:

فمنْ بسواك باعك فاغنَ عنه *** كما استغنى عليٌّ عن عقيلِ (4)

ص: 47


1- ولهاوزن/ يوليوس/ الدول العربية وسقوطها/ ص53.
2- المبرد/ الكامل/ ج1/ ص38.
3- العاملي/ الكشكول/ ج1/ ص 362.
4- أنظر: الشنتريني/ الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة/ القسم الرابع/ المجلد الأول/ ص225.

وهل يُستصاب ما نُسب إلى عليٍّ (علیه السلام) من القول إذ قولوه ما لم يقل: ((ما زلت مظلوماً منذ كنت صغيراً، إن عقيلاً ليرمد فيقول: لا تذروني حتى تذروا عليّاً، فاضطجع وأذرى وما بي رمد)) (1).

أفنسي أولئك الذين ذهبوا طولاً وعدموا معقولاً أن عليّاً (علیه السلام) يوم ولد كان لعقيل من العمر عشرون سنة، فهل يتصور ذو مسكة أن إنساناً بلغ من العمر عشرين سنة يتأبى على طِباب علته حتى يرغم أخاه الذي يصغره بكثير على دواء له عنه غنيه؟

وأيّاً كان الأمر فالذين كشحوا لعقيل بالعداوة لا بدّ وأنهم وضعوا هذا القول ونسبوه إلى عليٍّ (علیه السلام) كي يحطوا من قدر عقيل وينتقصوه كما ادعوا على أبيه وأخيه من قبل.

ومع كل ما تقدم، فإننا لو افترضنا أن عقيل بن أبي طالب قد كان جاء بذنب واحد فإن محاسنه جاءت بألف شفيع، ولعل تلك المحاسن – لا كما توهم الجاحظ – هي التي كانت أطلق للسان الباغي والحساد فيه (2).

ص: 48


1- أنظر تفصيل ذلك في (الشهيد مسلم بن عقيل) للمقرّم/ ص 34.
2- أنظر: الجاحظ/ البيان والتبيين/ ص 374.

وجهاً لوجه (مع معاوية)

ربما قد تجنيت على عقيل فتوهمته على غير حقيقته، ولو أمعنتَ في أمره لربما كنت التمست له العذر في انتجاعه معاوية، فربّ ملوم لا ذنب له، أو لعل له عذراً وأنت تلوم، فمن أجدب جنابه انتجع ومن أقحط استرفد، لكن عقيلاً في انتجاعه ينقذ حقه ويُصحر بما في قلبه وينكي في خصمه نكايات غليظة.

وهو وإن كان معاوية خيراً له في دنياه (1) فإنما كان يعطيه – كما يقول عقيل (2) -: مما لم يعرق فيه جبينه ولم تكدح فيه يمينه رزقاً أجراه الله على يديه، وهو المحاسب عليه لا محمودٌ ولا مشكور فيه، ولم ينسَ أن يسأل الله خاتمة خير (3).

إن الذين كانوا يغشون مجلس معاوية لا يبعد أن يكونوا على أنماط ثلاثة، ولكل نمط خصوصياته النفسية واستعداداته الذاتية فمنهم: الهمج الرعاع الذين ينعقون بنعيق معاوية، يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه ويقولون بمقولته، لا يفرقون بين الحق والباطل والمفضول والفاضل والفضل والنقصان والجمرة والتمرة، هم مع السلطان أطوع إليه من ظله مادام يكفل لهم بحبوحة العيش، رغيفاً ساخناً ودراهم وكسوة ودعة وحظوة، ولم يكن طموحهم ليصل لأبعد من ذلك، ولعل أمثل شاهد على هذا النمط هو في ذلك الرجل الذي جاء مغذّاً يهنئُ

ص: 49


1- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص251.
2- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 163.
3- المصدر نفسه/ ص 163، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص 251.

معاوية بتوليته ابنه يزيداً وليّاً للعهد قائلاً: يا أمير المؤمنين ((إنك لو لم تولِّ هذا أمور المسلمين لأضعتها)) (1).

ومنهم: من كان على قدر من المعرفة ووفرة من القدرة على التمييز بين الأخماس والأسداس والمضرّ والنافع والغث والسمين، ولكنه يعيش حالة من التذبذب والتأرجح بين واقع الحقيقة وحقيقة الواقع، فالأصفر الرنان ملك عليه إحساسه وشعوره، ورنينه صخَّ أذنيه وهيمن على مسامعه فهو في ظاهر الحال مع معاوية يتمسح بأعتابه ويمحضه ودّه، لكنك ترى إليه حين يخلو إلى من يثق به، يركن إلى سلامة طويته سيفاً مصلتاً ولساناً ناقماً، وهو بين ذلك مغلوب على أمره، أصغ إليه وهو يسرُّ في أذن صاحبه على عجالة – بعد أن نال بغيته من معاوية – هامساً: ((إني لأعلم أن شرّ من خلق الله هذا وابنه، ولكنه قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والمفاتيح فلسنا نطمع في استخراجها إلّا بما سمعت)) (2)، فيردّ عليه صاحبه دهشاً: ((يا هذا أمسك فإن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيهاً)) (3).

أمّا النمط الثالث: فهم العناصر الذين يمثلون مراكز قوىً بحسب بنياتهم الاجتماعية وانتماءاتهم الطبقية مع توافرهم على قدر لا يستهان به من المكر والدهاء، مكنهم من مساومة معاوية وصولاً إلى مطامحهم وغاياتهم، رائدهم في ذلك ولاية يولونها أو إمارة

ص: 50


1- المبرد/ الكامل/ ج1/ ص 38.
2- المصدر نفسه/ ج1/ ص 38.
3- المصدر السابق نفسه/ ج1/ ص 38.

تناط بهم إدارة دفتها أو مسؤولية يرمى إليهم بمقلادها، ولسان حال الجميع يقول: يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة...

وها هو واحد من أولئك يستعتب معاوية في أمور فيقول له: ((ولو لا مصرَ وولايتها لركبت المنجاة منها، فإني أعلم أن عليَّ بن أبي طالب على الحقِّ وأنا على ضدّه)) (1).

وتأسيساً على ما سبق كان حضور نمط رابع أمراً لا منتدح عنه ولا مصرف تمليه طبيعة الواقع وتستلزمه مسؤولية التكليف، فلئن قُيّض لبني أميّة في غفلة من الزمن وغفوة من المسلمين وغياب الوعي وغيبوبة الضمير أن ((يفلحوا في أن يحولوا إلى أنفسهم ثمرة حكم الدين)) (2) فيملكوا الناس قهراً ويذلوهم كبراً ويستولوا بالباطل كذباً ومكراً تحت شعار الخلافة وإمرة المؤمنين المهتضمين، وهما أمران ليس لبني أميّة فيهما إيراد وإصدار... وكان لا بدّ والحالة هذه لصوت الحق في ظل الواقع المحموم أن يصدح ليعلو ضجيج الباطل، ولا بدّ لألسنة الحقيقة أن تنطلق حليفة بما يؤدي إلى فلج الطغاة حتى يتفرى الليل عن صبحه ويسفر الحق عن محضه.

لم يعهد معاوية هذا النمط من الرجال فيمن عرف من قبل وخبر، أيَداً ومرؤة وعزة ونخوة وأنفة ونجدة...رجالاً لم يدالسوا ولم يجبنوا ولم يؤثروا سحت العاجل على الحلال من الآجل، ولا العسل في جانب الباطل على العلقم في جانب الحق، وأن عليّاً (علیه السلام) مع الحال المُضيرة خير من معاوية مع المَضيرة، ولم يألوا جهداً في أمر بعرف ونهي عن نكر ودفاع عن

ص: 51


1- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص 65.
2- ولهاوزن/ الدولة العربية وسقوطها/ ص 53.

فضيلة واستنقاذ حق مضيع، لا يقلل من عزائمهم في سبيل ذلك إرجاف مرجف ووعيد متوعد، حتى أن معاوية كان لا يملك نفسه أمام هذا النمط إلّا أن يقول: ((هكذا فلتكن الرجال)) (1)، وأمام أنموذج آخر من أولئك الأفذاذ يود معاوية لو أنه كان من صلبه (2).

ولم يكن عقيل إلّا واحداً من أولئك الأماثل، فلقد سدّ بثباته وجلده وشدة عارضته على معاوية المخارج، وأخذ عليه السبل بمقول الصدق الذي هو من السيف أقطع والحجة التي هي من السنان أنفذ، فكم من حق رصد له حتى أصاب منه مفصله، ومن حقيقة قصد إليها بسهم حجته فلم يخطئ كبدها.

إستمع إليه يخاطب معاوية غير هيّاب ولا وجل فيقول: ((وأيم الله يا معاوية لئن كانت الدنيا مهدتك مهادها وأظلتك بحذافير أهلها، ومدت عليك أطناب سلطانها، ما ذاك بالذي يزيدك مني رغبة ولا تخشعاً لرهبة)) (3).

وذكر أن معاوية قال لعقيل يوماً: إن عليّاً حافظ لك قطع قرابتك وما وصلك ولا اصطنعك، فيجيب عقيل مدافعاً بقوارص الكلام عن أخيه فيقول: ((والله لقد أجزل عليّ العطية وأعظمها ووصل القرابة وحفظها، وحسن ظنه بالله إذ ساء به ظنك وحفظ أمانته وأصلح رعيته، إذ خنتم وأفسدتم وجرتم فاكفف لا أباً لك فإنه عمّا تقول بمعزل)) (4).

ص: 52


1- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص 77.
2- المصدر نفسه/ ج2/ ص 77.
3- الأندلسي/ العقد الفريد/ ج3/ ص 201.
4- المصدر نفسه/ ج3/ ص 200، ومحمد أحمد جاد المولى وآخرون/ قصص العرب/ ج1/ ص 213.

ومن تمذر نفس معاوية أن يطلب من عقيل في بعض الأيام أن يرقى المنبر ليلعن عليّاً (علیه السلام) ، فيرتقي عقيل المنبر ليقول بعد حمد الله والثناء عليه: ((أيها الناس إن معاوية أمرني أن ألعن عليّاً فالعنوه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) (1) ، فلمّا نزل قال له معاوية: إنك لم تبين يا أبا يزيد مَن لعنت، قال عقيل: والله لا زدت حرفاً ولا نقصت آخر، والكلام إلى نية المتكلم (2).

عندها يتغيظ معاوية ويغضب، لكنه غضب الخيل على اللجم...

كثيراً ما حاول معاوية أن يخطب ودّ عقيل وأن يستميله فيغريه بالمال العظيم والمنزل الرافه والحفاوة البالغة ليستعديه بعد كل ذلك على أخيه فلم يظفر بطائل، وكانت جميع محاولاته تبوء بذريع الفشل.

روي أن معاوية قال لعقيل: هل من حاجة فأقضيها لك؟ قال عقيل: نعم جارية عرضت عليّ وأبى أصحابها أن يبيعوها إلّا بأربعين ألفاً، فأحبّ معاوية أن يمازحه فقال: وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفاً، وأنت أعمى تجتزئ بجارية قيمتها خمسون درهماً؟ قال عقيل: إني لأرجو أن أطأها فتلد لي غلاماً إذا أغضبته يضرب عنقك بالسيف، عند ذلك لم يسع معاوية إلّا أن يضحك ويقول: مازحناك يا أبا يزيد (3).

ص: 53


1- الأندلسي/ العقد الفريد/ ج3/ ص 216.
2- المصدر نفسه/ ج3/ ص 216، والأبشيهي/ المستطرف/ مج 1-2/ ص43، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 161.
3- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص 251.

وروي أن عقيل بن أبي طالب غدا يوماً عند معاوية وذلك بعد وفاة عليٍّ (علیه السلام) وصلح الحسن (علیه السلام) ، وكان يحيط بمعاوية جلساؤه فقال: يا أبا يزيد أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك، فقد كنت وردت عليهما، قال: أخبرك، مررت والله بعسكر أخي فإذا ليله كليل رسول الله (صلی الله علیه و آله) ونهاره كنهار رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلّا أن رسول الله ليس في القوم، ما رأيت إلّا مصلياً ولا سمعت إلّا قارئاً، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله (صلی الله علیه و آله) ليلة العقبة ناقته.

ثم أخذ يسأل معاوية عمّن معه فقال: هذا عمرو بن العاص، وهذا الضحاك بن قيس الفهري، وهذا أبو موسى الأشعري، فطفق عقيل يثلبهم واحداً واحداً ويذكر مناقصهم، فلمّا رأى معاوية أنه أغضب جلساءه فأحب أن يسأله ليقول فيه ما يعلمه من السوء فيذهب بذلك غضب جلسائه، قال: يا أبا يزيد ما تقول فيَّ؟ قال: دعني من هذا، قال: لتقولنّ، قال: أتعرف حمامة؟ قال: ومن حمامة؟ قال: قد أخبرتك، ثم قام فمضى (1).

يحاول معاوية جاهداً أن ينتزع من عقيل أية كلمة يستشف منها النيل من عليٍّ (علیه السلام) ويستشعر منها التعريض به، وحين يشعر بالإحباط والخيبة وأن بينه وبين ما يأمل خرط القتاد...يلجأ إلى وسيلة أخرى وهي أن يستفز عقيلاً، ولم تكن هذه بأوفر حظاً من سابقتها.

ص: 54


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص160-161.

من ذلك ما ذكر عن عقيل من أنه دخل على معاوية وقد كان كفّ بصر الأول، فأجلسه معاوية على سريره ثم قال له: أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم، فقال عقيل: وأنتم يا معشر بني أميّة تصابون في بصائركم (1).

ودخل عقيل بن أبي طالب على معاوية فقال الأخير لأصحابه: ((هذا عقيل عمّه أبو لهب، قال له عقيل: وهذا معاوية عمّته حمّالة الحطب، ثم قال: يا معاوية إذا دخلت النار فاعدل ذات اليسار فإنك ستجد عمّي أبا لهب مفترشاً عمّتك حمّالة الحطب، فانظر أيهما خير، الفاعل أو المفعول به)) (2)، إلى كثير من هذا اللون.

ومن أمثلة استفزاز معاوية عقيلاً أنه قال له يوماً: ((والله إن فيكم لخصلة ما تعجبني يا بني هاشم، قال: وما هي؟ قال: لين فيكم، قال: لين ماذا؟ قال: هو ذاك، قال: إيانا تعيّر يا معاوية، أجل والله إن فينا لليناً من غير ضعف، وعزّاً من غير جبروت، وأمّا أنتم يا بني أميّة فإن لينكم غدر وعزّكم كفر، قال معاوية: ما كلّ هذا أردنا يا أبا يزيد، قال عقيل:

لذي اللبّ قبل اليوم ما تقرع العصا *** وما علّم الإنسان إلّا ليعلما)) (3)

ص: 55


1- الأندلسي/ العقد الفريد/ ج3/ ص200، والزبيدي/ تاج العروس/ج3/ ص48، إلّا أنه ينسب الحوار إلى ابن عباس ومعاوية طبقاً لحديث ابن عباس بهذا الخصوص، كما يوافقه البهائي في الكشكول/ ج1/ ص 193 الرأي.
2- الأندلسي/ العقد الفريد/ ج3/ ص200، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج11/ ص252، باختلاف يسير، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص162.
3- المصدر نفسه/ ج3/ ص200-201، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص160-161.

ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وعنده عقيل، فوسع معاوية بينه وبين عقيل فجلس بينهما، فقال عقيل: من هذا الذي أجلست بيني وبينك؟ قال معاوية: أخوك وابن عمّك عتبة، قال: أما إنه إن كان أقرب إليك مني إني لأقرب لرسول الله (صلی الله علیه و آله) منك ومنه، وأنتما مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) أرض ونحن سماء.

قال عتبة: يا أبا يزيد أنت كما وصفت، ورسول الله فوق ما ذكرت، وأمير المؤمنين عالم بحقك، ولك عندنا مما تحب أكثر مما لنا عندك مما تكره (1).

ولمّا لم يفلح معاوية في وسيلته هذه أيضاً يلجأ إلى إغراء جلسائه بعقيل كي يعيبه ويفحمه.

من ذلك مقالة الوليد بن عقبة لعقيل في مجلس معاوية: ((غلبك أخوك يا أبا يزيد على الثروة، قال: نعم واستبقني إلى الجنة، قال: أما والله إن شدقيك لمضمومان من دم عثمان، فقال: وما أنت وقريش! والله ما أنت فينا إلّا كنفح التيس، فغضب الوليد وقال: والله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لأرهقوا صعوداً، وإن أخاك لأشد هذه الأمة عذاباً، فقال: مه والله إنّا لنرغب بعبد من عبيده عن صحبة أبيك عقبة بن أبي معيط)) (2).

لقد كان عقيل يفوت مرة بعد أخرى على معاوية فرصه، وكثيراً ما أعياه حتى أنه كان يلجأ أحياناً إلى أن يقطع على عقيل كلامه ((مخافة لأن يأتي بشيءٍ يخفضه)) (3) ، أو يعزم عليه

ص: 56


1- الأندلسي/ العقد الفريد/ ج3/ ص200.
2- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص162.
3- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص75.

لمّا يمسك فإنه لم يجلس لهذا (1).

وربما لجأ إلى التهديد والوعيد أحياناً أخر، من ذلك قوله لعقيل بعد أن أمعن في تبكيت معاوية وإفحامه: ((أما والله يا ابن أبي طالب لولا أن يقال: عجل معاوية لخرق ونكل عن جواب لتركت هامتك أخف على أيدي الرجال من حولي الحنظل، فأجابه عقيل:

عذيرك منهم من يلوم عليهم *** ومن هو منهم في المقالة أظلمُ

لعمرك ما أعطيهمُ منك رأفة *** ولكن لأسباب وحلوك علقم

أبى لهمُ أن ينزل الذل دارهم *** بنو حرّة زهر وعقل ومسلم

فدونك ما أسديت فاشدد به يداً *** وخيركم المبسوط والشرّ فالزموا)) (2)

وكان معاوية قد أمر له بمائة ألف درهم فرمى بها عقيل بن أبي طالب ونفض ثوبه وقام ومضى فلم يلتفت إلى معاوية (3).

وروي أيضاً أن معاوية قال لعقيل: يا أبا يزيد كيف تركت عليّاً؟ فقال: ((تركته على ما يحبّ الله ورسوله، وألفيتك على ما يكره الله ورسوله)) (4)، فقال معاوية: ((لولا أنك زائر منتجع جنابنا لرددت عليك يا أبا يزيد جواباً تألم منه)) (5).

ص: 57


1- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص75.
2- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 163.
3- المصدر نفسه/ ص 163.
4- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص75.
5- المصدر نفسه/ ص 75.

وللأسباب التي أشار إليها عقيل بن أبي طالب والتي لا تخفى على معاوية أيضاً نجد أن معاوية استعطفه بعد ذلك ولم يبد له إلّا المحبة، وكان يحتمل له ما يجبهه به، يدل على ذلك ما رواه الزمخشري في ربيع الأبرار أن معاوية كتب إلى عقيل يعتذر إليه من شيء جرى بينهما: ((أمّا بعد يا بني عبد المطلب فأنتم والله فروع قصيّ ولباب عبد مناف وصفوة هاشم، فأين أحلامكم الراسية وعقولكم الكاسية، وحفظكم الأواصر وحبكم العشائر، ولكم الصفح الجميل مقرونان بشرف النبوة وعزّ الرسالة، وقد والله ساءني ما كان جرى ولن أعود لمثله إلى أن أغيب في الثرى، فكتب إليه عقيل (رضی الله عنه) :

صدقت وقلت حقّاً غير أني *** أرى أن لا أراك ولا تراني

ولست أقول سوءً في صديقي *** ولكني أصدّ إذا جفاني

فركب إليه معاوية وناشده الصفح وأجازه مائة ألف درهم حتى رجع)) (1).

قال الأستاذ العقاد: وقد اجتمع من سجال بني هاشم وخصومهم في مجلس معاوية ما ينعقد به سجل خاص في مأثورات الحوار في كل مقام...أناس من ذوي السلطان المحدث يعلمون هو أن أقدارهم مع بني هاشم وآل النبيّ وصفوة قريش، ويلذ لهم أن ينعموا بالسلطان وأن ((يجتروا)) تلك النعمة حيثما وسعهم اجترارها في حضرة وليهم وعلى مسمع من السادة الأعلين الذين غلبوا على ذلك السلطان، وأن وليّ الأمر نفسه ليحبّ ذلك ولكنه يعلم أنه مركب غير مأمون، وأن الموتورين إذا سمعوا ما يكرهون فردوه بمثله فما في وسعه أن يواجه العالم الإسلامي كل يوم بشهيد من آل البيت، فسبيله أن يصطنع المخالفة لجلسائه

ص: 58


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 163 وما بعدها.

وأن يحذرهم مغبة اللهو بهذه الملهاة ولا أمان فيها من لسن القوم وأنفتهم التي لم تخذلهم قط في مقام المناظرة والتحدي من زمن قديم، فإن أصيب جلساؤه فعليهم وزر عملهم وليس لهم أن يطالبوه بالاقتصاص لهم من أمر قد اختاروه على خلاف رأيه، وإن سلم أولئك الجلساء فقد شفوا صدره من أولئك الموتورين.

وتكاد القصص مع بني هاشم في مجلس معاوية تجري كلها على وتيرة واحدة: رجل من آل البيت يدعى إلى المجلس أو يأتي إليه في أمر من أموره فيغرى به جليس من الحاشية يتحرش به ويستثيره فيجاب بما هو أهله، ويتغاضب معاوية على الجليس فيلومه إذا بلغ الجدال والمحال فصل المقال، وما نرى أن الملهاة كلها مدبرة لكي تنتهي إلى خاتمة أخطر من هذه الخاتمة، وماذا عليهم إذا استطال الموتورون بالمقال وهم يستطيلون بالسلطان؟ (1)

فلماذا يكون عقيل – وعقيل وحده – مظنة شبهة وموضع ريبة ومحل همز ولمز؟

قد علمت أن بين زوج عقيل بن أبي طالب وأم معاوية بن أبي سفيان رحما ماسة، وذلك هو السبب الذي يعزوه ابن الأثير في سيره إلى معاوية (2)، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن عقيلاً هو من ذؤابة هاشم فنسبه من الشمس أسطع، وشرفه من هام الثريا أرفع، وفي ذلك يقول الجاحظ: ((وله بعدُ لسانه ونسبه وأربه وجوابه، فلمّا فضل نظراءه من العلماء بهذه الخصال صار لسانه بها أطول)) (3).

ص: 59


1- العقاد/ معاوية/ ص 90 وما بعدها.
2- أسد الغابة/ ج4/ ص 64.
3- البيان والتبيين/ ص 374.

فالذي يكون بهذه المنزلة الرفيعة مع رصانة الرأي وأصالة العقل ليس من المنطق في شيء أن تحول بينه وبين أداء رسالته حدود الجغرافيا كما لا ينبغي أن ينتظر لاجتيازها تصريحاً بذلك، من هنا كان وجوده في مجلس معاوية بمنبر للتوعية والتوجيه أشبه، فلم يدع نهزة إلّا واختلسها في أمر بمعروف ونهي عن منكر ودحض لشبهة وكشف لزيف، ولا فرصة إلّا افترصها في تأكيده للشرعية بقاطع الدليل ودامغ الحجة بعد أن اشتبهت على الناس الأمور واضطربت المقاييس وألبس الحق لبوس الباطل ومسخت الحقائق أمام الأعين، ولقد كان يرهص بما كان يخشى منه معاوية ويحاذر، ولعل من مصاديق ذلك الإرهاص قوله لمعاوية:

إصبر لحرب أنت جانيها *** لا بدّ أن تصلى بحاميها (1)

وكان عقيل بن أبي طالب في كل ذلك يستنير ويسترشد بمقولة أخيه أمير المؤمنين (علیه السلام) : ((فمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن فقد قضى الذي عليه، ومن شنأ الفاسقين فقد غضب لله ومن غضب لله غضب الله له)) (2).

ولعل الإمام الشافعي لم يبعد عن هذا المعنى حيث يقول: ((من صدق في أخوة أخيه قبل عمله وغفر زلله)) (3)، والذي كان يغدقه معاوية عليه من الأموال إنما هو بعض حقه والذي فضل عليه أكثر مما خرج منه (4).

ص: 60


1- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص 75.
2- القالي/ الأمالي/ ج2/ ص 171.
3- الصبان/ إسعاف الراغبين/ ص 240.
4- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص 152.

من جميع ما تقدم تخلص إلى أن عقيل بن أبي طالب شخصية واسعة الأبعاد، متعددة المواهب، فسيحة الأوصاف المتغايرة، مما لو اجتمعت في واحد من الناس لكونت مجالاً لاجتماع الضدين، وهما كاجتماع النقيضين من حيث الاستحالة وعدم المعقولية، وهو في كل ذلك ((لا يقوم له أحد)) (1)، ((فعادوه وقالوا فيه بالباطل ونسبوه فيه إلى الحمق، واختلقوا عليه أحاديث مزورة)) (2).

((وسمعت ذلك العامة منهم فلا تزال تسمع الرجل يقول: قد سمعت الرجل يحمقه حتى ألّف بعض الأعداء فيه الأحاديث، فمنها قولهم: ثلاثة حمقاء كانوا أخوة ثلاثة عقلاء والأمُّ واحدة: عليٌّ وعقيل وأمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم، وعتبة ومعاوية ابنا أبي سفيان وأمهما هند بنت عتبة بن ربيعة، وعبد الملك ومعاوية ابنا مروان وأمهما عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص)) (3).

فكيف يوائم ذلك ما يؤكد عن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب حيث يقول مفتخراً بخاليه عليٍّ وعقيل:

أبي من بني مخزوم إن كنت سائلاً *** ومن هاشم أمّي لخير قبيل

فمن ذا الذي يبأى عليَّ بخاله *** وخالي عليٌّ ذو الندى وعقيل (4)

ص: 61


1- الجاحظ/ البيان والتبيين/ ص 170.
2- ابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص 64، والجاحظ/ البيان والتبيين/ ص 373.
3- الجاحظ/ البيان والتبيين/ ص 373.
4- المصدر السابق نفسه/ ص 373، وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج1/ ص 340.

وما أبين قدامة بن موسى بن عمر بن قدامة بن مظعون القائل:

وخالي بغاة الخير تعلم أنه *** جدير بقول الحق لا يتوعرُ

وجدّي عليٌّ ذو التقى وابن أمّه *** عقيل وخالي ذو الجناحين جعفر

فنحن ولاة الخير في كل موطن *** إذا ما ونى عنه رجال وقصّروا (1)

وما أمتن قول أبي الحسن التهامي في ممدوحه:

يدعو النبيّ من الجدود وحيدراً *** ومن العمومة جعفراً وعقيلا

نسب ترى عنوانه في وجهه *** لا شبهة فيه ولا تأويلا (2)

أجل فلقد كان عقيل للخير موئلاً وللشمم رمزاً وللملهوف غوثاً وللندى كفّاً، حتى أن معاوية بن أبي سفيان كان يقول: ((إذا لم يكن الهاشميُّ جواداً لم يشبه قومه)) (3).

قال المدائني: ((أراد أن تجود بنو هاشم بأموالها فتفتقر إلى ما في يديه)) (4).

ص: 62


1- الجاحظ/ البيان والتبيين / ص 374.
2- الشنتريني/ الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة/ القسم الرابع/ المجلد الثاني/ ص 540 وما بعدها.
3- الجاحظ/ البيان والتبيين/ ص 587.
4- المصدر نفسه/ ص 587.

بنو عقيل (العقيليون)

اشارة

بنو عقيل (1) ويقال لهم العقيليون (2) من أشراف آل أبي طالب، قال الجاحظ: ((وآل أبي طالب أشرف الخلق)) (3).

واسم الشريف كان يطلق على كل من كان من أهل البيت (علیهم السلام) سواءً كان حسنيّاً أم حسينياً أم جعفرياً أم عقيلياً، وذكر ذلك الشيخ الصبان (4) في كتابه المطبوع بهامش كتاب نور الأبصار للشيخ سيد الشبلنجي.

وآل عقيل بن أبي طالب ممن تحرم عليهم الصدقة (5).

وعلى الرغم مما عمله السيف فيهم فإنهم أنمى عدداً وأطيب ولداً، شأنهم شأن آل أبي طالب، فهم بقية السيف كما قال أمير المؤمنين عليٌّ (علیه السلام) (6).

((ومما يستدل به على صدق قوله: ما عمل السيف في آل الزبير وآل أبي طالب، وما أكثر من عددهم)) (7).

ص: 63


1- النويري/ نهاية الأرب/ ج2/ ص36، والزركلي/ الأعلام/ ج5/ ص39.
2- المصدر نفسه/ ج2/ ص36، والصبان/ إسعاف الراغبين/ ص 120.
3- رسائل الجاحظ/ ج1/ ص 209.
4- إسعاف الراغبين/ ص 120.
5- الشبلنجي/ نور الأبصار/ ص 110، والنووي/ رياض الصالحين/ ص 166.
6- الأندلسي/ العقد الفريد/ ج1/ ص 66.
7- المصدر نفسه/ ج1/ ص 66.

فلقد قتل يوم الطفّ من آل أبي طالب سوى ما يختلف في أمره اثنان وعشرون رجلاً (1).

أمّا من استشهد من آل عقيل فقد ذكر المؤرخون وأهل السير منهم (2):

-جعفر بن عقيل بن أبي طالب (3).

-عبد الله بن عقيل بن أبي طالب (الأكبر) (4).

-عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب (5).

-محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب (6)

-محمد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (7).

-عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (8).

ص: 64


1- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص 61.
2- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص 303-304، والأندلسي/ العقد الفريد/ ج4/ ص171، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص61، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 165.
3- البلاذري/ أنساب الأشراف/ ج3/ ص200، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص61، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص302، والكوفي/ ابن أعثم/ الفتوح/ مج 5-6/ ص126.
4- البلاذري/ أنساب الأشراف/ ج3/ ص224، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص61، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص303.
5- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص61.
6- ابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص69، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص61، والبلاذري/ أنساب الأشراف/ ج3/ ص224، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص 303، والكوفي/ ابن أعثم/ الفتوح/ مج 5-6/ ص 126.
7- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص 61.
8- المصدر نفسه/ ص61، والبلاذري/ أنساب الأشراف/ ج3/ ص224، والمسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص91، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص303/ والكوفي/ ابن أعثم/ الفتوح/مج 5-6/ ص 126.

فأمّا جعفر بن عقيل فأمّه: أمّ الثغر (1) بنت عامر بن الهضاب العامري من بني كلاب (2)، ويقال: أمّه (الخوصاء) بنت الثغرية (3)، وهي أمّ البنين (4).

وإمّا عبد الله بن عقيل وعبد الرحمن بن عقيل ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل ومحمد بن مسلم بن عقيل، فأمهاتهم أمهات أولاد (5).

إمّا عبد الله بن مسلم بن عقيل فأمّه رقيّة ابنة عليٍّ بن أبي طالب (علیه السلام) (6).

وعلى من ذكر أن جعفر بن محمد بن عقيل كان قد قتل مع عبد الله بن مسلم بن عقيل، أو يوم الحرّة يعقّب أبو الفرج (7) فيقول: ((وما رأيت في كتب الأنساب لمحمد بن عقيل ابناً يسمى جعفراً)).

وقال أيضاً (8): ((وذكر محمد بن حمزة عن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: أن علي بن عقيل، ((وأمّه أمّ ولد قتل يومئذ)).

وقد ذكر العلامة المحقق الشيخ محمد حرز الدين في كتابه الجليل الموسوم ب- (مراقد المعارف) ولدين لمسلم بن عقيل أحدهما محمد والثاني إبراهيم الشهيدان وقال: وغير خفي

ص: 65


1- في ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص302 (ابنة الشقر بن الهضاب).
2- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص 61.
3- المصدر نفسه/ ص 61.
4- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص 302.
5- المصدر نفسه/ ج3/ ص 302-303، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص61.
6- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص 303.
7- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص 61.
8- المصدر نفسه/ ص 61.

أن هذه الشهرة قد مضى عليها قرون وقرون حتى وصلت إلينا، ولم يتنكر لها أحد من مشاهير علماء الإمامية ومن يعتمد عليه في التأريخ والآثار من علمائنا المحققين، ومرقدهما بالضواحي الغربية لمدينة المسيب الواقعة على ضفة الفرات، هذا على المشهور المعروف، كما نقل عن الشيخ الصدوق في أماليه قصة مقتل الغلامين بعد أسرهما (1).

ووجدت في كتاب الفتوح للكوفي ما يؤكد استشهاد ثلاثة من آل عقيل مع الحسين (علیه السلام) بالطفّ، وهم عبد الله بن مسلم بن عقيل (2)، وجعفر بن عقيل بن أبي طالب (3)، وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب (4).

وفي عدد من استشهد من آل عقيل بن أبي طالب اضطراب.

ص: 66


1- ج1/ ص 169-170.
2- قال الكوفي في الفتوح، مج 5-6، ص 126: كان أول من خرج إلى القتال من إخوان الحسين وبني عمّه وهو يقول: اليوم ألقى مسلماً وهو أبي *** وفتية ما توا على دين النبي ليسوا كقوم عرفوا بالكذب *** لكن خيار وكرام النسبِ من هاشم السادات أهل الحسب
3- في المصدر نفسه، ص126 يذكر الكوفي خروجه من بعد عبد الله إلى القتال وهو يقول: أنا الغلام الأبطحيّ الطالبْ *** من معشر في هاشم وغالبْ ونحن حقاً سادة الذوائب *** هذا حسين سيد الأطائبْ
4- وفي المصدر السابق نفسه، ص126 يذكر الكوفي أيضاً خروجه من بعد أخيه وهو يرتجز: أبي عقيل فاعرفوا مكاني *** من هاشم وهاشم إخواني كهول صدق سادة القرآن *** هذا حسين شامخ البنيان

فعند ابن عبد ربّه الأندلسي (1) أنهم خمسة، ويعزز رأيه ببيتين ينسبهما لبنت عقيل بن أبي طالب ترثي الحسين (علیه السلام) ومن أصيب معه:

عين إبك بعبرة وعويلِ *** واندبي إن ندبت آل الرسولِ

ستة كلهم لصلب عليٍّ *** قد أبيدوا وخمسة لعقيلِ

كما يشاركه الرأي السيد علي خان في درجاته الرفيعة (2).

وفي البلاذري (3) ستة وسبعة على روايتين، فستة على ما نسبه البلاذري للمغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب وهو يرثي قتلى الطف:

أضحكني الدهر وأبكاني *** والدهر ذو صرف وألوانِ

يا لهف نفسي وهي النفس لا *** تنفكّ من همٍّ وأحزان

على أناس قتلوا تسعة *** بالطفِّ أمسوا رهن أكنان

وستة ما أن أرى مثلهم *** بني عقيل خير فرسان

وسبعة على ما نسبه البلاذري من بيتي بنت عقيل بن أبي طالب المتقدمين إلى سراقة البارقي الشاعر بشيء من الإختلاف.

ص: 67


1- العقد الفريد/ ج4/ ص 171. ِ
2- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة/ ص 165.
3- أنساب الأشراف/ ج3/ ص 223-224.

عين إبكي بعبرة وعويل *** واندبي إن ندبت آل الرسولِ

خمسة منهم لصلب عليٍّ *** قد أبيدوا وسبعة لعقيلِ (1)

ولعل الشاعر ضمّ مسلم بن عقيل إلى قافلة شهداء الطف رغم استشهاده (علیه السلام) بالكوفة فتم عنده العدد على النحو المذكور.

لقد بذل بنو عقيل النصرة لابن عمّهم الحسين (علیه السلام) وأغنوا عنه الغناء الحسن في الطف، واستبسلوا للموت دونه، وجعلوا من أجسادهم متاريس في سبيله حتى مازجت دماؤهم دمه وعانقت أشواقهم أديم الطف الطهور؛ فألهمت كل ذرة منه الحياة ومنحتها الخلود، فكانوا بحق معاني المجد الأثير الحفيد بكل معاني السمو والعظمة والإباء، وعلى الرغم من إذن الحسين (علیه السلام) لبني عقيل بالانصراف عن ساحة المعركة بقوله: ((يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم، قالوا: سبحان الله فما يقول الناس! يقولون: تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرمِ معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا واموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك)) (2).

ص: 68


1- يتفق الأستاذ عباس محمود العقاد والبلاذري في نسبة البيتين إلى الشاعر سراقة البارقي لكنه يورد البيتين هكذا: عين جودي بعبرة وعويل *** واندبي ما ندبت آل الرسول سبعة منهم لصلب عليٍّ *** قد أبيدوا وسبعة لعقيل أنظر في ذلك: (أبو الشهداء الحسين بن علي) ص 159.
2- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص285، والشيخ المفيد/ الإرشاد/ ص 212.

ولم يكن هؤلاء الفتية الأطيبون الأكارم هم كلّ ما لعقيل من الأبناء، فكتب الأنساب مزدانة بلوامع الأسماء من أبناء عقيل لصلبه غير الذين ذكرت ففي ابن حزم (1) منهم: مسلم بن عقيل، عليّ، حمزة، سعيد، أبو سعيد (2)، عيسى، عثمان، يزيد: به يكنى، محمد.

وفي البلاذري (3) عون في الأبناء أيضاً.

ولم يختلف المعنيون بالأنساب في أن العقب لعقيل بن أبي طالب إنما هو من ولده محمد (4) فلمحمد هذا من العقب:

ص: 69


1- جمهرة أنساب العرب/ ص 69.
2- لأبي سعيد هذا حكاية طريفة أوردها ابن عبد ربّه في العقد الفريد/ج3/ ص205، وما بعدها، قال: دخل الحسن (علیه السلام) /على معاوية وعنده ابن الزبير، فلما جلس الحسن (علیه السلام) /قال معاوية: يا أبا محمد أيهما أكبر عليٌّ أم الزبير؟ قال: فقال: ما أقرب بينهما، عليٌّ كان أسنّ من الزبير، رحم الله عليّاً، فقال ابن الزبير: رحم الله الزبير، فتبسم الحسن (علیه السلام) /فقال أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب: دع عنك عليّاً والزبير، إن عليّاً دعا إلى أمر فاتبع وكان فيه رأساً، ودعا الزبير إلى أمر كان فيه الرأس امرأة، فلما تراءت الفئتان والتقى الجمعان نكص الزبير على عقبيه وأدبر منهزماً قبل أن يظهر الحق فيأخذه أو يدحض الباطل فيتركه، فأدركه من مثل بعض أعضائه فضرب عنقه وأخذ سلبه وجاء برأسه، ومضى عليٌّ قدماً كعادته مع ابن عمّه ونبيه (صلی الله علیه و آله) /فرحم الله عليّاً ولا رحم الزبير، فقال ابن الزبير: أما والله لو أن غيرك تكلم بهذا يا أبا سعيد لَعَلم، قال: إن الذي تعرض به يرغب عنك وأخبرت عائشة بمقالتهما فمرّ أبو سعيد بفنائها فنادته: يا أحول يا خبيث، أنت القائل لابن أختي كذا وكذا، فالتفت أبو سعيد فلم يرَ شيئاً فقال: الشيطان ليراك من حيث لا تراه فضحكت عائشة وقالت: لله أبوك ما أخبث لسانك.
3- أنساب الأشراف/ ج3/ ص 224.
4- ابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص69، وابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص32، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 165.

أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب:

الفقيه، المحدث، الجليل، الثقة، وأمّه زينب بنت عليٍّ بن أبي طالب (علیه السلام) (1).

وعبد الله هذا ((جزم الترمذي في جامعه بصدقه ووثاقته؛ لذا خرّج حديثه، كما احتجّ به أحمد بن حنبل وإسحق والحميدي والبخاري وأبو داود وابن ماجه القزويني، كما عن (تهذيب التهذيب) ج6/ ص 15، وعدّه الشيخ الطوسي من رجال الإمام الصادق (علیه السلام) وأصحابه، وكفاه فضلاً وتقدماً، توفي بعد سنة 140 ه-)) (2).

((وأعقب عبد الله من رجلين محمداً، ومن ولد عبد الله بن محمد بن عقيل أيضاً: النسابة المشهور الحسين بن قمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، كان أعلم الناس بالنسب)) (3).

ص: 70


1- ابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص69، وابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص32.
2- محقق العمدة/ ص 72.
3- ابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص69.

عبد الرحمن بن محمد بن عقيل بن أبي طالب:

الرجل الصالح، كان يشبه النبيّ (صلی الله علیه و آله) في صورته، أمّه زينب بنت عليٍّ بن أبي طالب (علیه السلام) (1) الصغرى، كما في عمدة الطالب/ ص 32 تمييزاً عن زينب الكبرى (علیها السلام) بنت عليٍّ (علیه السلام) التي كانت تحت عبد الله بن جعفر.

القاسم:

في العمدة (2): ابن عبد الله بن محمد بن عقيل، وفي الجمهرة (3): ابن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الفقيه المذكور، كان يشبه أيضاً في صورته النبيّ (صلی الله علیه و آله) (4)، وكان أعقب ثم انقرض (5).

وبالحري فإن العقيليين من الكثرة والعدد ما ملأ بطون الكتب، وهم أينما قرّوا وأنى استقروا صدرة الناس، فما تجد في شرقي المعمورة وغربيها مكاناً إلّا ولهم فيه حسن حضور وشرف مرتبة مقرونين بكريم النسب، وفي المظان من كتب الأنساب متفسح لمن أراد المزيد من الإطلاع.

ص: 71


1- ابن حزم/ جمهرة أنساب العرب / ص69.
2- ابن عنبه/ ص 32.
3- ابن حزم/ ص 69.
4- ) المصدر نفسه/ ص 69
5- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص32.

الفصل الثالث

اشارة

ص: 72

جعفر بن أبي طالب

أبو عبد الله (1)، أبو المساكين (2)، ذو الجناحين الطيار (3) في الجنة، الرفيق النجيب (4) الأنصح لله في طاعة الله ورسوله والأنصح لرسول الله (صلی الله علیه و آله) في طاعة الله، والأصبر على البلاء والأذى في مواطن الخوف (5) ممن هدوا إلى الطيب من القول (6) يسعى نورهم بين أيديهم،

ص: 73


1- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص53، وابن حجر/ الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء/ ص248، وحرز الدين/ محمد/ مراقد المعارف/ج1/ ص224/ط1/ الآداب/ النجف/ 1969.
2- الأصفهاني/ أبوالفرج/ مقاتل الطالبيين/ص3، وابن حجر/ الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء/ص248، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص72، وابن عنبة/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ص35.
3- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج2/ ص151، والجاحظ/ الحيوان/ مج 4-7/ ص464، وابن حجر/ الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء/ ص249.
4- في المسند من حديث عليٍّ رفعه: أعطيت رفقاء نجباء فذكره منهم، ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء/ ص249.
5- في مكاتبة بين عليٍّ (علیه السلام) /ومعاوية قال عليٌّ (علیه السلام) /: ((وأيم الله ما رأيت ولا سمعت بأحد كان أنصح لله في طاعة الله ورسوله، ولا أنصح لرسول الله في طاعة الله، ولا أصبر على البلاء والأذى في مواطن الخوف من هؤلاء النفر من أهل بيته الذين قتلوا في طاعة الله: عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد، وجعفر وزيد يوم مؤتة))، ذكر ذلك الأندلسي/ ابن عبد ربه/ العقد الفريد/ ج4/ ص138.
6- أبو عبد الله (علیه السلام) /في قوله تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ (سورة الحج/ الآية: 24، قال: ذلك حمزة وجعفر وعبيدة وأبو ذر والمقداد وعمّار، ذكر ذلك ابن شهر آشوب، الإمام الحافظ/ مناقب آل أبي طالب/ ج2/ ص292.

يضيء على الصراط (1)، شبيه رسول الله (صلی الله علیه و آله) خلقاً وخُلقاً (2)، وله مثل عقل أخيه عليٍّ (علیه السلام) ، ومثل عقل عمّه حمزة، مع المساواة بالبيان والخلق (3).

وكان خير الناس للمساكين (4)، وكان يقول لأبيه أبي طالب: يا أبتِ إني لأستحي أن أطعم طعاماً وجيراني لا يقدرون على مثله، فكان أبوه يقول: إني لأرجو أن يكون فيك خلف من عبد المطلب (5).

قال أبو هريرة: ما وددت أحداً ولدتني أمّه إلّا أمّ جعفر بن أبي طالب، تبعته ذات يوم وأنا جائع فلمّا بلغ باب داره التفت ورآني، فقال لي: أدخل فدخلت ففكر حيناً فما وجد في بيته إلّا نحياً كان فيه سمن فأنزله من الرف فشقّه بين أيدينا، فجعلنا نلعق ما كان فيه من السمن وهو يقول:

ما كلّف الله نفساً فوق طاقتها *** ولا تجود يدٌ إلّا بما تجدُ (6)

ص: 74


1- تفسير مقاتل عن ابن عباس في قوله تعالى: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا(سورة التحريم/ الآية: 8: لا يعذب عليَّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر، ونورهم يسعى يضيء على الصراط، ذكر ذلك ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب/ج2/ ص9، وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج1/ ص341.
2- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء/ ص248، والأندلسي/ العقد الفريد/ ج2/ ص128، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص73.
3- الجاحظ/ الحيوان/ مج 4-7/ ص464.
4- أنظر: ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء/ ص248، وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج1/ ص342.
5- الأبشيهي/ المستطرف من كل فن مستظرف/ مج 1-2/ ص136، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص69.
6- الأندلسي/ العقد الفريد/ ج1/ ص 128.

وعته أيضاً قال: ((إن كنت لألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية وهي معي، كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكّة التي ليس فيها شيء، فنشقّها، نلعق ما فيها)) (1).

وقد ذكر له من الإفتخار بالسخاء قوله (علیه السلام) (2):

يا ليت للناس رسماً في وجوههمُ *** تبين أخلاقهم فيه إذا اجتمعوا

وليت رزق أناس مثلُ نائلهم *** قوتاً بقوتٍ وتوسيعاً إذا اتسعوا

وليت ذا الفحش لاقى فاحشاً أبداً *** وذا التحكم أهل الحلم فارتدعوا

وليت من يمنع المعروف يحرمه *** حتى يذوق أناس مثل ما صنعوا

فلا غرابة والحال هذه أن يسميه رسول الله (صلی الله علیه و آله) أبا المساكين (3).

ولقد كان جعفر بن أبي طالب (علیه السلام) في طليعة المبارزين ومقدمة المسارعين المصدقين برسالة ابن عمّه النبيّ (صلی الله علیه و آله) والذائدين عنها، فقد كان أسلم ((بعد إسلام أخيه عليٍّ بقليل)) (4)، فكان ذا القبلتين والهجرتين والبيعتين.

ص: 75


1- ابن الأثير/ أسد الغابة/ ج1/ ص342.
2- الأصبهاني/ محمد بن داود/ الزهرة/ ج2/ ص653.
3- أنظر: ابن الأثير/ أسد الغابة/ ج1/ ص 342.
4- ابن الأثير/ أسد الغابة/ ج1/ ص340.

روي عن صادق آل البيت (علیهم السلام) (1) أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) كان يصلي وعليٌّ (علیه السلام) معه، إذ مرَّ أبو طالب وجعفر معه، فقال أبو طالب لجعفر: صِلْ جناح ابن عمّك، فلمّا أحسَّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) تقدّمهما، وانصرف أبو طالب مسروراً وهو يقول:

إن عليّاً وجعفراً ثقتي *** عند مُلمِّ الزمان والكربِ

والله لا أخذل النبيَّ ولا *** يخذله من بَنيَّ ذو حسب

لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما *** أخي لأمّي من بينهم وأبي

وتلك أول صلاة جماعة كانت ذلك اليوم في الإسلام (2).

روي عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) قال: ((أوحى الله تعالى إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) إني أشكر لجعفر بن أبي طالب (علیه السلام) أربع خصال، فدعاه النبيّ (صلی الله علیه و آله) فأخبره فقال: لولا أن الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتك، ما شربت خمراً قط لأني لو شربتها زال عقلي، وما كذبت قط لأن الكذب ينقص المرؤة، وما زنيت قط لأني خفت أني إذا عملت عُمل بي، وما عبدت صنماً قط لأني علمت

ص: 76


1- أنظر: علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص69، وابن شهر آشوب/ مناقب آل أبي طالب/ ج1/ ص201، بزيادة بيت قبل البيت الأخير، وهو: اجعلهما عرضة العدى وإذا *** اترك ميتاً نما إلى حسبي وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج1/ ص340 دون ذكر الأبيات.
2- انظر: ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص71، وابن شهر آشوب/ مناقب آل أبي طالب/ ج1/ ص301، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص65.

أنه لا يضرّ ولا ينفع؛ فضرب النبيُّ على عاتقه وقال: حقَّ لله تعالى أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة)) (1).

وروي عن علي بن يونس المدني قال: ((كنت مع مالك فإذا سفيان بن عيينة بالباب يستأذن قال مالك: رجل صاحب شيبة أدخلوه فدخل فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فردوا عليه السلام ثم قال: ((السلام سلامان خاص وعام، ثم قال: السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته، فصافحه مالك ثم قال: يا أبا محمد لولا أنها بدعة لعانقناك فقال سفيان بن عيينة: عانق خير منك ومنّا النبيّ (صلی الله علیه و آله) فقال مالك: جعفراً؟ قال: نعم قال: ذاك حديث خاص يا أبا محمد ليس بعام، قال سفيان: ما يعمّ جعفراً يعمّنا إذا كنّا صالحين، وما يخصّه يخصّنا...)) (2).

حين رأى النبيّ (صلی الله علیه و آله) اشتداد البلاء على أصحابه وتصعيد قريش عدوانها على المستضعفين من المسلمين بالأذى النفسي والجسدي كي يفتنوهم عن دينهم، ولمّا لم يستطع صلوات الله عليه أن يمنعهم مما هم فيه أشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة لأن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد (3)، وكان الملك عصرئذ النجاشي، وكان ذا دين في النصرانية (4).

ولعل معرفة الرسول (صلی الله علیه و آله) واطلاعه على أحوال الأحباش وخصوصيات ملكهم تأتي في سياق العلاقات العامة لقريش ((التي اشتهرت بالتجارة وعرفت بها وذاع صيتها بين القبائل،

ص: 77


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص70.
2- المصدر نفسه/ ص 70 وما بعدها.
3- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص344.
4- المصدر نفسه/ ج1/ ص43.

وتمكنت بفضل ذكائهم وحذقهم بإسلوب التعامل مع الدول الكبرى في ذلك الوقت لا سيما الحبشة وتكوين علاقات طيبة معها)) (1) ، وكانت أرض الحبشة متجراً ووجهاً لقريش (2).

خرج المسلمون امتثالاً لما أشار عليهم به رسول الله (صلی الله علیه و آله) مهاجرين إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفراراً إلى الله بدينهم، وتتابعوا حتى اجتمعوا بها، وكانت تلك أول هجرة كانت في الإسلام.

لكن المغفور له الوالد (3)يرى غير هذا الرأي وفي نفسه منه وقفة، فالهجرة في نظره ليست هجرة انهزامية، وإنما هي ذات طابع تبشيري بحت ليكون المهاجرون رسلاً وسفراء للدعوة الإسلامية في الحبشة؛ لتوسم النبيّ (صلی الله علیه و آله) فيها وفي عاهلها الخير وأنها – الحبشة – أرض خصبة تصلح لهذه الغريسة التي أينعت فكان من ثمرها أن اعتنق النجاشي الإسلام، وهو أمر كانت قريش تستفدحه، ولو لم يكن كذلك ما سارعت إلى إرسال بعثة مضادة جندت لها اثنين من رجالها داهيين جليدين وحملتهما الهدايا للنجاشي وبطارقته كي يردّ المهاجرين عليهم، ثم إذا كان ذلك يصحّ للمستضعفين من المسلمين فهل يصحّ لجعفر بن أبي طالب بعد أن تعرف أن محمداً (صلی الله علیه و آله) لم تتسق دعوته ولم يستقم أمره في مكة إلّا ((بمكانة من الله ومن عمّه أبي طالب)) (4).

ص: 78


1- أنظر: علي جواد الدكتور/ المفصل في تأريخ العرب قبل الإسلام/ ج4/ ص19/ بيروت/ 1970.
2- الأصفهاني/ أبو الفرج/ الأغاني/ ج9/ ص55.
3- في مخطوطة عن جعفر بن أبي طالب (علیه السلام) /.
4- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص344.

أفلا تطّرد حياطة أبي طالب لتشمل ولده وفلذة كبده، ثم أين عليٌّ الكرار (علیه السلام) المعتصم واللياذ في الملمات والمؤمل المرجى عند نزول المهمات، أفتراه يقصر عن توفير الحماية لأخيه ومما يجدر بنا ذكره أن أولئك المهاجرين كان منهم من هاجر بنفسه حسب، ومنهم من كان اصطحب أهله معه.

وكان جعفر بن أبي طالب (علیه السلام) ممن اصطحب امرأته معه في هجرته وهي أسماء بنت عميس بن النعمان (1) بن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم (2) الخثعمية (3) الجرشية، أكرم الناس أحماء (4)، وقد ولدت له جميع أولاده، قال ابن هشام: ((كان جميع من لحق بأرض الحبشة، وهاجر إليها من المسلمين سوى أبنائها الذين خرجوا بها معهم صغاراً وولدوا بها، ثلاثة وثمانين رجلاً، إن كان عمّار بن ياسر فيهم، وهو يشكّ فيه)) (5)، وفي ابن الأثير أنهم تمام اثنين وثمانين فقط (6).

ص: 79


1- الذي في الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص11 ((أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة)).
2- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص 344.
3- المصدر نفسه/ ج4/ ص3.
4- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص 11، وقال: ((جرش من اليمن)).
5- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص 353.
6- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص53.

في الحبشة

بعد الظلم والقهر والتضييق في مكة بلغ المهاجرون مأمنهم في أرض الحبشة، فحطوا عصا الترحال فيها وأنزلوا حاجتهم على كريم لا يضام جاره، ولا ينتهك ذماره، يحسن الصحبة، ويحفظ الجوار، ويكرم المثوى؛ فأصابوا في كنفه داراً وقراراً، آمنين على دينهم وادعين، لا ينالهم أذى ولا يسمعون شيئاً يكرهونه...لا يشغلهم شاغل إلّا مفارقة الديار والأحبة...

لكن الحال لم يدم على صفوه دونما مكدر، فلقد هال قريشاً أن يستجمّ المسلمون أنفسهم ويلتقطوا أنفاسهم، وعظم على أعداء الله أن ينال المسلمون ما نالوا من الدعة والحظوة؛ فأتمروا بينهم أن يبعثوا من قريش رجلين إلى النجاشي وبطارقته، وحملتهما من الهدايا مما خفّ وغلا عساهما يستزلان النجاشي عن موقفه ليردهم عليهم ويخرجهم من دارهم التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها.

فانتدبت قريش لهذه المهمة، عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل (1).

حين يطرق سمع سيد مكة وشيخ قريش خبر إيفاد الرجلين إلى النجاشي يبيت متوفزاً يغالب همومه، فصدور القوم تنفث بالعداوة.

ص: 80


1- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص 357، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص 54، الذي يورد اسم الأول منهم هكذا: عبد الله بن أبي أميّة، وتقول إدارة التحقيق بهامش الكامل: الذي في سيرة ابن هشام وهو الصواب أنه عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي.

لقد خشي (رضی الله عنه) أن ينفخوا عند النجاشي في البوق بما يوغر صدره على المسلمين؛ فيسارع إلى إنفاذ أبيات من الشعر يحضه فيها على حسن جوارهم والدفع عنهم .. نظم أبو طالب:

ألا ليت شعري كيف في النأي جعفر *** وعمرو وأعداء العدوّ الأقاربُ

وهل نال أفعال النجاشي جعفراً *** وأصحابه أو عاق ذلك شاغبُ

تعلّمْ أبيت اللعن، أنك ماجد *** كريم فلا يشقى لديك المجانب

تعلّمْ بأن الله زادك بسطة *** وأسباب خير كلها بك لازب

وأنك فيض ذو سجال غزيرة *** ينال الأعادي نفعها والأقاربُ (1)

وصل مبعوثا قريش إلى الحبشة محملين هدايا مما يستطرف من متاع مكة واجتمعا فور وصولهما ببطارقة النجاشي أولاً، فأخبرا كل بطريق بالسبب الذي بعثتهما قريش من أجله،

ص: 81


1- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص 357.

ولم يتركا بطريقاً إلّا وأهديا إليه هدية، ثم استأذنا على الملك فأذن لهما، واستجلسهما ثم قدما بين يديه الهدايا الخاصة به فتقبلها منهما، وبعد أن قرَّ منهما القرار عالناه بما عالنا البطارقة من قبل قائلين: ((أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك منّا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت)) (1)، من كلام طويل نحيله على مظانّه.

كان الملك يلقي إلى الرجلين سمعه، وما أن انتهيا حتى استشاط غضباً وقال: ((لا ها الله، إذاً لا أسلمهم إليهما، ولا يكاد قوم جاوروني، ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عمّا يقول هذان في أمرهم)) (2) ، ولم يكن أبغض إلى الرجلين من أن يسمع النجاشي كلام المهاجرين (3).

دعا النجاشي بالمهاجرين فأحضروا ليقف على حقيقة أمرهم، وبالأساقفة فنشروا مصاحفهم حوله، فطفق يلقي أسئلته على المهاجرين.

النجاشي: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟

ص: 82


1- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص 358، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص 54.
2- المصدر نفسه/ ص358، وأيضاً ابن الأثير/ ص 54.
3- المصدر السابق نفسه/ ص 359، وابن الأثير/ ص 54 مع اختلاف يسير، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 71 وما بعدها.

جعفر بن أبي طالب (1): أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويّ منّا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفته، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات.

أمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام...فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا ومنعونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلمّا قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، فخرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.

النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟

جعفر بن أبي طالب: يقرأ صدراً من (كهيعص).

ص: 83


1- قالت الإدارة بهامش ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص 53 ما نصه: ((وكان هو قائد المهاجرين في هذه الهجرة ومنه تعلم اهتمام الدين الإسلامي بالقيادة والإمارة لتوحيد الكلمة))، وقال صاحب الدرجات الرفيعة/ ص 71: ((وكانت هجرته (رضی الله عنه) /إلى الحبشة في السنة الرابعة من النبوة، وكان هو المتكلم عند النجاشي من المسلمين المهاجرين إلى الحبشة لمّا جمع بينهم وبين عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص)).

يبكي النجاشي حتى اخضلت لحيته، والأساقفة يبكون حتى اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلاه عليهم جعفر بن أبي طالب، يكفكف النجاشي دموعه ويقول: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، ثم يلتفت محدقاً إلى الرجلين قائلاً: انطلقا، فو الله لا أسلمهم إليكما، ولا يُكادون.

قال فيليب حتي في تأريخ العرب ((مطوّل)): ويبدو الإختلاف واضحاً بين العهدين الجاهلي والإسلامي في تلك الكلمات التي نسبها الرواة إلى جعفر بن أبي طالب مع النجاشي (1).

لمّا خرج الرجلان مهينين من مجلس الملك داخل عمرو بن العاص الغضب فأسرّ في نفسه أمراً ولم يبده لصاحبه، وتوعد أن يأتي النجاشي في اليوم التالي عنهم بما يستأصل به غضراءهم، ثم غدا على النجاشي فقال له ابن العاص: أيها الملك! إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً، فسلهم عمّا يقولون فيه، فأُحضر المهاجرون ثانية ليُسألوا في شأن ما نسبه ابن العاص إليهم من القول في ابن البتول بما لا يجوز.

النجاشي: ما تقولون في عيسى بن مريم؟

جعفر بن أبي طالب: نقول في عيسى ما جاءنا به نبينا (صلی الله علیه و آله) : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.

يضرب النجاشي بيده إلى الأرض، فيأخذ منها عوداً، ثم يلتفت إلى جعفر ويقول: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلتَ هذا العود.

ص: 84


1- فيليب حتي/ ج1/ ص 167.

ولم يرق الأمر لبطارقة النجاشي فأنشأوا يتناخرون (1) حوله، فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم شيوم (2) بأرضي، من سبّكم غرم (3).

ص: 85


1- النخرة: الأنف، والنخير: صوت بالأنف تقول منه: نخرَ ينخِر(بالكسر) نخيراً، وينخُر (بالضمّ) لغة.
2- وردت في بعض المصادر (سيوم)، والسيوم الآمنون، كذا في الدرجات الرفيعة/ ص 74.
3- أنظر: ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج1/ ص 359 وما بعدها، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ص 54 وما بعدها، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 74 وما بعدها.

بخير دار مع خير جار

ثم أمر النجاشي بردّ هدايا قريش على الرجلين وقال: ما أخذ الله الرشوة مني حتى آخذها منكم، ولا أطاع الناس فيّ حتى أطيعهم فيكم...فخرجا من عنده ملكزين يجران خصاهما...

ومن المفارقات التي حصلت لجعفر بن أبي طالب بأرض الحبشة ما ذكره جدّنا السيد علي خان (1) مروياً عن الصادق جعفر بن محمد (علیهما السلام) قوله: لقد كاد عمرو بن العاص عمّنا جعفر بأرض الحبشة عند النجاشي وعند كثير من رعيته بأنواع الكيد، ردها الله تعالى بلطفه، فلمّا نبا معوله عن صفاته هيّأ له سمّاً قدمه إليه في الطعام، فأرسل تعالى هرّاً كفأ تلك الصفحة، وقد مدّ نحوه ثم مات لوقته وقد أكل منها؛ فتبين لجعفر (علیه السلام) كيده وغائلته، فلم يعدها عنده، وما زال ابن الجزار عدواً لنا أهل البيت.

وذكر أيضاً أن النبيّ (صلی الله علیه و آله) سأل جعفراً عن أغرب ما شاهده في الحبشة فقال: يا رسول الله بينا أنا أمشي في أزقتها إذا سوداء على رأسها مكتل فيه بُرٌّ فصدها رجل على دابته فوقع مكتلها وأقبلت تجمعه من التراب وهي تقول: ويلٌ للظالم من الديان يوم الدين، ويل للظالم من المظلوم يوم القيامة، ويل للظالم إذا وضع الكرسي للفصل يوم القيامة، فقال النبيّ (صلی الله علیه و آله) : لا يقدس الله أمّة لا يؤخذ لضعيفها من قويّها حقه غير متعتع (2).

ص: 86


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 75.
2- المصدر نفسه/ ص 71.

بقي المسلمون بالحبشة بخير دار مع خير جار عزيزي الجانب موفوري الكرامة مجللين بنعم الله التي كان إسلام النجاشي على يد جعفر إحداها، وقيل: إن النجاشي أرسل ابنه في ستين من الحبشة إلى النبيّ فغرقوا في البحر (1).

بينما يؤكد السيد محمود علي الببلاوي سلامة وصولهم، وإكرام النبيّ (صلی الله علیه و آله) لهم وقال: وفد وفدُ النجاشي فقام النبيّ (صلی الله علیه و آله) يخدمهم بنفسه فقال له أصحابه: نحن نكفيك، قال: إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، وأنا أحب أن أكافئهم.

ثم استطرد السيد البلاوي فقال: إن الوفد الحبشي النصراني سمع النبيّ (صلی الله علیه و آله) يقرأ سورة (يس)، فدخل الإيمان في قلوبهم وبكوا من خشية الله وأسلموا لله ربّ العالمين (2).

وإكراماً من جانب النبيّ (صلی الله علیه و آله) فقد أرسل إلى النجاشي ليزوجه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت مهاجرة مات زوجها عبيد الله بن جحش في الحبشة، فخطبها إليه فأجابت وزوّجها وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار، فلمّا سمع أبو سفيان تزويج رسول الله (صلی الله علیه و آله) أمّ حبيبة قال: ذاك الفحل لا يقدع أنفه (3).

ويعود حليف الندى جعفر بن أبي طالب إلى المدينة يقدم رفاق هجرته عودة الظافر المنتصر يتحفّى به رسول الله (صلی الله علیه و آله) ويتلقاه بالترحيب والترجيب، ووافق مقدمه (علیه السلام) يوم فتح خيبر

ص: 87


1- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص 145.
2- تأريخ الهجرة النبوية/ ص 89/ دار القلم/ بيروت/ 1985.
3- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص 154، والجاحظ/ رسائل الجاحظ/ مج 1-2/ ص 202.

فالتزمه رسول الله (صلی الله علیه و آله) وطفق يقبل بين عينيه ويقول: ((ما أدري بأيهما أنا أشدّ فرحاً، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر)) (1).

روى جدّنا عن جابر قال: ((لمّا قدم جعفر من أرض الحبشة تلقاه رسول الله (صلی الله علیه و آله) فلمّا نظر جعفر إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) حجل، قال: مشى على رجل واحدة إعظاماً منه لرسول الله (صلی الله علیه و آله) فقبّل رسول الله (صلی الله علیه و آله) بين عينيه وأعطاه وامرأته أسماء من غنائم خيبر)) (2).

ثمّ يلتفت جعفر بن أبي طالب ليجد أخاً يرقبه بشوق ويتطلع إليه بلهفة، ليس هو من إخوة الولاد، وإنما هو من إخوة الوداد...ذلكم معاذ بن جبل - فلقد اعتقد رسول الله (صلی الله علیه و آله) أخا بني سلمة – أخاً لجعفر بن أبي طالب يوم كان جعفر غائباً بأرض الحبشة فيمن آخى صلوات الله عليه بينهم من المهاجرين والأنصار.

ص: 88


1- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص6، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص 72.
2- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 69 وما بعدها.

في مؤتة

في شهر جمادى الأولى لسنة ثمانٍ من الهجرة النبوية الشريفة نهد القوم إلى عدوهم...حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء دون دمشق، انحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: مؤتة، فالتقى عندها الجيشان، جيش المسلمين الذي كان تعداد أفراده لا يتجاوز ثلاثة آلاف، وجيش الروم الذي بلغ المائتي ألف بما انضمّ إليهم من العرب (1).

ومع أن العدد والعدة والمدد كان في جانب جيش الروم بقيادة هرقل فإن جيش المسلمين قد أدخل الرعب في صفوف العدو الكافر حتى قبل الشروع بالقتال.

وقد كانت كاهنة من حدس حين سمعت بجيش رسول الله (صلی الله علیه و آله) مقبلاً قالت لقومها تنذرهم: أنذركم قوماً خزراً ينظرون شزراً، ويقودون الخيل تترى، ويهرقون دماً عكراً؛ فأخذوا بقولها واعتزلوا (2).

وكان عبد الله بن رواحة يقول: ((ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقابلهم إلّا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به)) (3).

ص: 89


1- أنظر: الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص 7، وابن هشام / السيرة النبوية/ ج4/ ص 16 وما بعدها، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص 159، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 75.
2- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج4/ ص 24، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج3/ ص 41-42.
3- المصدر نفسه/ ج4/ ص 17، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص 259 باختلاف يسير.

وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) قد استعمل على جيش المسلمين زيد بن حارثة، وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر، فعبد الله بن رواحة على الناس (1).

فقال جعفر بن أبي طالب: ما كنت أرهب يا رسول الله أن تستعمل عليّ زيداً، فقال: إمضِ فإنك لا تدري أيّ ذلك خير، فبكى الناس (2).

قال ابن أبي الحديد: اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك وقالوا: كان جعفر بن أبي طالب الأمير الأول، فإن قتل فزيد بن حارثة، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، وقد وجدت في الأشعار – والقول لمّا يزل لابن أبي الحديد – التي ذكرها محمد بن إسحق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم (3).

وعلى أيّ حالٍ فإن ترتيب الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) للإمرة في قيادة وإدارة العمليات الحربية على النحو المتقدم لا يعتبر قدحاً في كفاءة جعفر بن أبي طالب، فليس فيهم من يماثله أو يفاضله ويساميه أو يساجله لقول رسول الله (صلی الله علیه و آله) : ((خير الناس حمزة وجعفر وعليٌّ)) (4) ، وقوله: ((الناس من شجر شتى، وأنا وجعفر من شجرة واحدة)) (5).

ص: 90


1- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج1/ ص 158، وابن هشام/ السيرة النبوية/ ج4/ ص15، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص6، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص61، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج3/ ص 36.
2- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج1/ ص 158، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج3/ ص 41 الذي أورد كلمة(أذهب) بدلاً من (أرهب) في عبارة ابن الأثير.
3- شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص 62.
4- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص9، وابن أبي الحديد/ شرح نهج اللاغة/ ج15/ ص 72.
5- المصدر نفسه/ ص10، وأيضاً: ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ص72 باختلاف يسير.

ويشهد لسموه وتفرده أبو هريرة فيقول: ((ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا وطئ التراب بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) أفضل من جعفر بن أبي طالب)) (1).

ونوّه به معاوية بن أبي سفيان في مقام المفاضلة بين الأكرم من الناس يوم سأل معاوية جلساءه: من أكرم الناس أباً وأمّاً، وجدّاً وجدّة، وعمّاً وعمّة، وخالاً وخالة؟ فقالوا: أنت أعلم، فأخذ بيد الحسن بن عليٍّ وقال: هذا أبوه عليٌّ بن أبي طالب، وأمّه فاطمة بنت رسول الله، وجدّه رسول الله، وجدّته خديجة زوجة رسول الله، وعمّه جعفر، وعمّته هالة بنت أبي طالب، وخاله القاسم بن رسول الله، وخالته زينب بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) (2).

ص: 91


1- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء/ ص248، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص 73 باختلاف يسير.
2- ابن عبد ربّه/ العقد الفريد/ ج5/ ص 313.

إحدى الحسنيين إمّا ظهور وإمّا شهادة

استعر أوار الحرب والتحم الفريقان في قتال ضارٍ واستحرّ القتل في صفوف العدو، وتناشد المسلمون بإحدى الحسنيين، إمّا ظهور وإمّا شهادة، فاقتحم زيد بن حارثة الصفوف رابط الجأش قوي العزيمة فقاتل قتالاً شديداً ولواء رسول الله (صلی الله علیه و آله) بيده حتى شاط في رماح القوم شهيداً، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فقاتل بها ثابت القدم ثبت الجنان وهو يقول:

يا حبذا الجنة واقترابها *** طيبة وبارد شرابها

والروم رومٌ قد دنا عذابها *** كافرة بعيدة أنسابها

عليَّ إذ لاقيتها ضرابها (1)

حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها كي لا يفيد العدو منها، فكان جعفر (علیه السلام) أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام (2).

وتحت مشتبك الرماح وبين سنابك الخيل ووسط مثار النقع أجلب القوم على جعفر فأثخنوه بالجراح.

ص: 92


1- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج4/ ص20، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص 159.
2- المصدر نفسه/ ج4/ ص20، وابن الأثير/ ج2/ ص 160، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص7.

قال ابن هشام: إن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل (علیه السلام) ؛ فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء (1).

وذكر ابن أبي الحديد عن الواقدي قوله: إنه وجد في بدن جعفر (علیه السلام) اثنتان وسبعون ضربة وطعنة بالسيوف والرماح (2).

ويقال: إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه بنصفين (3).

وعن ابن عمر قال: كنت في تلك الغزوة فالتمسنا جعفراً فوجدناه في القتلى فعددنا بين منكبيه تسعين ضربة بين طعنة رمح وضربة سيف (4).

فلمّا رأى عبد الله بن رواحة استشهاد رفيقيه أخذ الراية وتقدم بها على فرسه وهو يرتجز:

يا نفس إلّا تقتلي تموتي *** هذا حمام الموت قد صُليتِ

وما تمنيتِ فقد أُعطيتِ *** إن تفعلي فعلهما هديتِ (5)

فقاتل ببطولة وبسالة فائقتين حتى استشهد (رضی الله عنه) .

ص: 93


1- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج4/ ص20.
2- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص67.
3- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج4/ ص20، والسيد علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص75، وأضاف: إن أحد نصفيه وقع في كرم هناك فوجد فيه بضع وثلاثون جرحاً.
4- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص75، وابن حجر/ الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء/ ص248 باختلاف يسير.
5- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج4/ ص20، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص 19-20.

ذكر أبو الفرج في مقاتله (1) عن عبد الرحمن بن سمرة قال: بعثني خالد بن الوليد بشيراً إلى النبيّ (صلی الله علیه و آله) يوم مؤتة فلمّا دخلت المسجد فجئني رسول الله قائلاً: على رسلك يا عبد الرحمن أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل زيد فقتل، فرحم الله زيداً، ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فقاتل جعفر فقتل، فرحم الله جعفراً، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل عبد الله بن رواحة فقتل، فرحم الله عبد الله، قال: فبكى أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) وهم حوله، فقال: ما يبكيكم؟ فقالوا: ما لنا لا نبكي وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل منّا، فقال: لا تبكوا، فإنما مثل أمّتي كمثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكيها وهيّأ مساكبها وحلق سعفها فأطعمت عاماً فوجاً، ثم عاماً فوجاً ثم عاماً فوجاً، فلعل آخرها طعماً أن يكون أجودها قنواناً، وأطولها شمراخاً، والذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمّتي خلفاً من حواريه.

جدير أن أذكر أن النبيّ (صلی الله علیه و آله) كان يحاط علماً بتفاصيل المعركة وتتابع أحداثها أولاً بأول عن طريق السماء، فلمّا أن جاءه نعي جعفر (علیه السلام) من السماء في ساعته صعد المنبر وأمر فنودي بالناس الصلاة جامعة، فأخبر المسلمين بمجريات الأحداث وما انتهت إليه المعركة من النتائج (2)، وتلك واحدة من معجزاته صلوات الله عليه.

ص: 94


1- مقاتل الطالبيين/ ص7 وما بعدها.
2- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص160.

استهلت عيون النبيّ (صلی الله علیه و آله) ((حتى قطرت لحيته)) (1) ، وعرف الناس الحزن في وجهه، فلقد عزَّ عليه مصرع ابن عمّه وحبيبه جعفر ورفيقه زيد، فقال وهو يغالب دمعه: ((أخواي ومؤنساي ومحدثاي)) (2).

حدّث ابن إسحق عن أسماء بنت عميس قالت: لمّا أصيب جعفر وأصحابه دخل عليَّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) وقد دبغت أربعين منّاً، وعجنت عجيني، وغسلت بَنيَّ ودهنتهم ونظفتهم، قالت: قال لي رسول الله (صلی الله علیه و آله) : إئتيني ببني جعفر، قالتك فأتيته بهم، فتشممهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي، ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم أصيبوا هذا اليوم، قالت: فقمت أصيح، واجتمعت إليَّ النساء، وخرج رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى أهله، فقال: لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً، فإنهم شغلوا بأمر صاحبهم (3)، وهو أول ما عمل في دين الإسلام (4).

وفي رواية أخرى قالت أسماء بنت عميس: فقمت أصيح واجتمع إليّ النساء فجعل رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: يا أسماء لا تقولي هجراً، ولا تضربي صدراً، ثم خرج عني حتى رحل على فاطمة (علیها السلام) وهي تقول: ابن عمّاه؟ فقال (صلی الله علیه و آله) : على مثل جعفر فلتبكِ الباكية (5).

ص: 95


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 76.
2- ابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص20.
3- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج2/ ص22، وابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص 161.
4- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج2/ ص 161.
5- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص76.

قال ابن الأثير: فلمّا رجع الجيش من مؤتة ودنا من المدينة لقيهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) والمسلمون فأخذ عبد الله بن جعفر فحمله بين يديه (1).

وعن يحيى بن أبي يعلى قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول: أنا أحفظ حين دخل النبيّ (صلی الله علیه و آله) على أمّي فنعى إليها أبي وأنا ناظر فدنا يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهرقان بالدمع، ثم قال (صلی الله علیه و آله) : يا أسماء أأبشرك؟ قالت: بلى بأبي وأمّي، قال (صلی الله علیه و آله) : فإن الله تعالى جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة، قالت: بأبي وأمّي فأعلم الناس بذلك؛ فقام رسول الله وأخذ بيدي يمسح رأسي حتى رقى المنبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى، وإن الحزن ليعرف عليه، فتكلم فقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمّه، ألا إن جعفراً قد استشهد، وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة، ثم نزل ودخل بيته وأدخلني وأمر بطعام فصنع له، وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداءً طيباً وأقمنا عنده ثلاثة أيام ندور في بيوت نسائه، ثم رجعنا إلى بيتنا (2).

قال ابن حجر: أرى النبيّ (صلی الله علیه و آله) جعفراً ملكاً ذا جناحين مضرجين بالدماء (3).

وروى ابن عباس (رضی الله عنه) قال: بينما رسول الله (صلی الله علیه و آله) جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ قال:

ص: 96


1- الكامل في التأريخ/ ج2/ ص161، والطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج3/ ص 42.
2- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 76-77.
3- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء/ ص249.

يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب قد مرّ مع جبرئيل وميكائيل فردّي عليه السلام، وفيه: وقد عوضه الله من يديه جناحين يطير بهما حيث يشاء (1).

قال الجاحظ: ((ولم يخرجه ذلك من أن نراه في الجنة)) (2).

وفي سنّه عند استشهاده خلاف، ففي ابن هشام أنه ابن ثلاث وثلاثين سنة (3)، وفي الإصابة أنه استوفى أربعين سنة وزاد عليها على الصحيح (4).

وذكر الأصفهاني عن عبد الله بن جعفر أنه استشهد وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين، ومضى يقول: وهذا عندي شبيه بالوهم؛ لأنه قتل في سنة ثمان من الهجرة، وبين ذلك الوقت وبين مبعث رسول الله (صلی الله علیه و آله) إحدى وعشرون سنة، وهو أسنّ من أخيه أمير المؤمنين عليٍّ (علیه السلام) بعشر سنين، وكان لعليٍّ (علیه السلام) حين أسلم سنون مختلف في عددها، فالكثير يقول: كانت خمس عشرة، والمقلّ سبع سنين، وكان إسلامه في السنة التي بعث فيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) لا خلاف في ذلك، وعلى أيّ الروايات قيس عمره علم أنه عند مقتله كان قد تجاوز هذا المقدار من السنين (5).

ص: 97


1- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء / ص 249.
2- الجاحظ/ الحيوان/ ج 4-7/ ص 464.
3- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج4/ ص20.
4- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الأول من ثمانية أجزاء/ ص248.
5- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص8.

وكان جعفر بن أبي طالب أحد خمسة كانوا يشبهون بالنبيّ (صلی الله علیه و آله) وهم: الحسن بن عليٍّ بن أبي طالب (علیهم السلام) وقثم بن العباس، وأبو سفيان بن الحرث، والسائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف، وكان ابن سيد الناس جمعهم في بيتين من الشعر فقال:

لخمسة شبه المختار من مضر *** يا حسن ما خولوا من شبهة الحسنِ

لجعفر وابن عمّ المصطفى قثم *** وسائب، وأبي سفيان والحسنِ (1)

وروى السيد مؤلف الدرجات الرفيعة عن الزمخشري في ربيع الأبرار قال: ((وكان الرجل يرى جعفراً يقول: السلام عليك يا رسول الله يظنه إياه فيقول: لست برسول الله أنا جعفر)) (2).

وكان لاستشهاده (علیه السلام) من الوقع ما انقضت له جوانح المسلمين، وترك في قلوبهم جروحاً ليس من اليسير اندمالها، وفاضت عواطف بعضهم على لسانه شعراً.

قال كعب بن مالك (3):

وكأنما بين الجوانح والحشا *** مما تأوبني شهاب مدخلُ

وجداً على النفر الذين تتابعوا *** يوماً بمؤتة أسندوا لم ينقلوا

ص: 98


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 166.
2- المصدر نفسه/ ص 70.
3- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج4/ ص 37، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص9، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص63.

صلّى الإله عليهم من فتية *** وسقى عظامهم الغمام المسبل

صبروا بمؤتة للإله نفوسهم *** عند الحِمام حفيظة أن ينكلوا

إذ يهتدون بجعفر ولوائه *** قدام أوّلهم ونعم الأوّل

حتى تفرقت الصفوف وجعفر *** حيث التقى وعث الصفوف مجدل

فتغير القمر المنير لفقده *** والشمس قد كسفت وكادت تأفلُ

وقال حسّان بن ثابت (1):

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا *** بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفرُ

أغرّ كضوء البدر من آل هاشم *** أبيّ إذا سيم الظلامة محسر

فطاعن حتى مال غير موسد *** بمعترك فيه القنا متكسر

فصار مع المستشهدين ثوابه *** جنان وملتف الحدائق أخضر

وكنّا نرى في جعفر من محمدٍ *** وفاءً وأمراً حازماً حين يأمر

فما زال في الإسلام من آل هاشم *** دعائم عزٍّ لا يزلن ومفخر

همُ جبل الإسلام والناس حولهم *** رضام إلى طور ٍ يروق ويقهر

بهاليل منهم جعفر وابن أمّه *** عليٌّ ومنهم أحمد المتخير

ص: 99


1- ابن هشام/ السيرة النبوية/ ج4/ ص 26، وابن أبي الحديد/ شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص62-63.

وحمزة والعباس منهم ومنهمُ *** عقيل وماء العود من حيث يُعصرُ

وقال حسان أيضاً (1):

ولقد بكيت وعزّ مهلك جعفر *** حبّ النبيِّ على البرية كلّها

ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي *** مَن للجلاد لدى العقاب وظلّها

بعد ابن فاطمة المبارك جعفر *** خير البرية كلها وأجلّها

رزءاً وأكرمهم جميعاً محتداَ *** وأعزّها متضلماً وأزلّها

بالعرف غير محمد لا مثله *** حي من أحياء البرية كلّها

ولابن عبدون من قصيدة ضمّنها ذكر من أباده الحدثان قوله (2):

الدهر يفجع بعد العين بالأثرِ *** فما البكاء على الأشباح والصورِ

ما لليالي أقال الله عثرتنا *** من الليالي وخانتها يد الغيرِ

إلى أن يقول:

ومزقت جعفراً بالبيض واختلست *** من غيله حمزة الظلام للجزر

وليتها إذ فدت عمرواً بخارجة *** فدت عليّاً بمن شاءت من البشرِ

ص: 100


1- المصدر نفسه/ ج4/ ص 28.
2- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة/ القسم الثاني/ مج 2/ ص 720.

((لا يزال قبر جعفر الطيار قائماً عند مؤتة، ويقال إن النصارى أيضاّ يبجلون قبره كما يبجله المسلمون، وابتنى المسجد القائم هناك الملك المعظم عيسى الأيوبي)) (1).

وعن قبر جعفر (علیه السلام) ذكر الشيخ المحقق محمد حرز الدين: أنه مشيد وعليه قبة قديمة وله حرم وإلى جنبه مسجد، نقلاً عن بعض الزائرين العراقيين لمرقده في الأردن في إمارة الشريف عبد الله بن الشريف حسين بن الشريف علي الحسني شرفاء مكة، وأضاف فضيلة المؤلف فقال: حدثني المتتبع السيد عبد الرزاق المقرم رحمه الله عن قبر الطيار وبقاء جسده الطاهر...قال السيد المقرم: حدثني الشريف الجليل الأديب السيد عبد الجبار الوردي الكاظمي في يوم السبت 10 جمادى الأولى سنة 1386 وهو في دمشق الشام، أن الشريف عبد الله من أهل عمان والمحامي بالمحكمة الشرعية، حدثه في قرية (أريحا) سنة 1383 ه- أنه في سنة 1942 ذهب الشريف عبد الله ابن الشريف الملك حسين جد الملك الحسين بن طلال - وكان الشريف عبد الله أميراً في عمّان - لتعمير قبر جعفر الطيار في مؤتة، فلمّا وصلوا القبر وجدوه مهدوماً، فنزل الشريف عبد الله المحامي في المحكمة الشرعية إلى القبر وحده بأمر الشريف الأمير عبد الله فرأى بدن جعفر الطيار بهيئته وبثيابه وعليه الدم طرياً والسيف في عنقه إذ لم يتغير من بدنه شيء، فكأنه ميت من يومه، وكان الشريف المحامي يحلف بالأيمان المغلظة مراراً أنه وجده كذلك، فعمّر الأمير عبد الله ابن الملك حسين القبر وبنى المسجد الذي عليه الآن، وبهذه المناسبة نظم السيد عبد الجبار الوردي بيتين في حق جعفر ذي الجناحين:

ص: 101


1- الشنتناوي وآخرون/ دائرة المعارف الإسلامية (الترجمة العربية) /ج6/ ص472.

وشهيد بأرض مؤتة حيٌّ *** جعفر والشهيد ليس يموتُ

هو باقٍ قد ضمّه كل قلبٍ *** حيث ما ضمَّ جعفراً تابوت (1)

وإذا ما استصبنا ما ذكر في دائرة المعارف ومراقد المعارف فإن ابن عنبه يرى أن جعفراً وزيداً وعبد الله كانوا دفنوا في قبر واحد وعُمّي القبر (2).

رحم الله جعفراً وأجزل له الثواب فلقد كان (علیه السلام) لسان ابن عمّه النبيّ (صلی الله علیه و آله) وسفيره الصادق الحجة، الواضح المحجة، ويده القوية الضاربة التي جلت الكرب عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) والمسلمين في مواطن كثيرة نكل فيها الأبطال وولى فيها الفرسان الأدبار، وكان محمد (صلی الله علیه و آله) به كثيراً، وكانت أبصار المسلمين تشخص إليه في مدلهمات الخطوب وأعناقهم تشرئب نحوه في ساعات المحن والأرزاء، فحريٌّ بالتأريخ أن يدخله من أوسع أبوابه ويخلده في أنصع صحائفه.

بنو جعفر بن أبي طالب، ويقال لهم: الجعفريون (3) بطن من بطون آل أبي طالب، وهم ثلاث أفخاذ: بنو علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وبنو إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وبنو إسحق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (4)، والعقب من جعفر بن أبي

ص: 102


1- مراقد المعارف/ ج1/ ص 227 وما بعدها.
2- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص 36.
3- النويري/ نهاية الأرب/ ج2/ ص 360.
4- المصدر نفسه/ ص 360.

طالب (علیه السلام) إنما هو في ولده عبد الله الأكبر الجواد، وليس له عقب إلّا منه، قاله صاحب العمدة (1).

ص: 103


1- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص 39.

عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

قطب السخاء (1)، أبو جعفر (2)، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي، ابن ذي الجناحين، أحد أجواد الحجاز الثلاثة (3)، ورابع أجواد بني هاشم (4).

وهو أول مولود للمسلمين المهاجرين في الحبشة، وتيمناً باسمه الكريم فقد سمى النجاشي عاهل الحبشة ولداً له عبد الله، فأرضعته أسماء حتى فطمته (5).

وقد أدرك عبد الله بن جعفر النبيّ (صلی الله علیه و آله) وروى عنه (6).

قال جعفر بن محمد (علیهما السلام) : بايع رسول الله (صلی الله علیه و آله) الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وهم صغار، ولم يبايع قطّ صغير إلّا هم (7).

وعند منصرف الناس من مؤتة وقفولهم إلى المدينة لقيهم الصبيان يشتدون والرسول مقبل

على القوم على دابة، فقال (صلی الله علیه و آله) : خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطوني ابن جعفر، فأتي بعبد الله

ص: 104


1- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص 48.
2- المصدر نفسه/ ص48، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 168.
3- ابن عبد ربه/ العقد الفريد/ ج4 / ص 170.
4- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص 38.
5- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص 48.
6- المصدر نفسه/ ص 48، والأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص 214.
7- ابن عبد ربه/ العقد الفريد/ ج4 / ص 170.

فأخذه وحمله بين يديه (1).

روى عبد الله بن جعفر فقال: مسح رسول الله (صلی الله علیه و آله) على رأسي وقال: اللهم اخلف جعفراً في ولده، وعنه أيضاً قال: كنّا نلعب فمرَّ بنا (صلی الله علیه و آله) على دابة فحملني أمامه (2).

وقد ذكر غير واحد من الرواة أن النبيّ (صلی الله علیه و آله) مرَّ بعبد الله بن جعفر وهو يصنع شيئاً من طين من لعب الصبيان فقال: ما تصنع بهذا؟ قال: أبيعه، قال: ما تصنع بثمنه؟ قال: أشتري به رطباً فآكله، فقال النبيّ (صلی الله علیه و آله) : اللهم بارك له في صفقة يمينه، فكان يقال: ما اشترى شيئاً إلّا ربح فيه (3).

لقد تهيأ لعبد الله من الحسب السني والمجد القديم ما حقَّ له أن يتبذخ به، ومن الأدب والأرب

ما كان به قميناً، ولله درّ واصفه حيث يقول: ((ريحانة طيّبٌ ريحُها، ليّنٌ مسّها، قليل على المسلمين ضرّها)) (4).

ص: 105


1- الطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج3/ ص42، وابن هشام/ السيرة النبوية/ ج4/ ص 24.
2- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص48.
3- المصدر نفسه/ ص48، والأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص214، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص169 باختلاف يسير.
4- الآلوسي/ بلوغ الأرب/ ج3/ ص167، من كلام لربيع بن ضبيع الفزاري الذي ذكر أنه عاش مائتي سنة في فترة عيسى (علیه السلام) /وعشرين ومائة في الجاهلية، وستين في الإسلام.

ولا غرو في ذلك، فإن من شابه محمداً (صلی الله علیه و آله) في خلقه وخُلقه كان أجدر بأن يجمع الله فيه الحسنى وأن يعلي في المكارم، ولا بدع فيمن كان (صلی الله علیه و آله) وليّه في الدنيا والآخرة أن تثنى به الخناصر وأن تكون له معاظم واجبة المراعاة (1).

وكان عمر بن الخطاب إذا رأى عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين (2).

ومما أثر عن عبد الله بن جعفر قوله: ((كنت إذا سألت عليّاً شيئاً فمنعني، وقلت له: بحق جعفر إلّا أعطاني)) (3).

كان عبد الله بن جعفر من أولئك الأقطاب الذين لا يقايض بهم أحد...عزة قعساء وهمة غلباء وفروسية ثابتة ومقول فصيح، ولعمري تلك في بني الطيار صفات لازمة ((وهي صفات علوية لا شكّ فيها)) (4).

ولنا من الدلائل المتناصرة على أن ابن جعفر من تلك الصفات على أحسن موفر فقد كان أحد أمراء عليٍّ (علیه السلام) يوم صفّين (5)، والناطق بلسانه إثر محنة التحكيم مخبراً عن جلية الأمر مبيناً حقيقة الحال وملزماً الخصوم الحجة، وكان مما قال: ((أيها الناس هذا أمر كان النظر فيه

ص: 106


1- إشارة إلى حديث النبيّ (صلی الله علیه و آله) /: ((وأمّا عبد الله فيشبه خَلقي وخُلقي، وفيه: أنا وليهم في الدنيا والآخرة)) يراجع: ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص48، وابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ص37.
2- ابن الأثير/ أسد الغابة/ ج1/ ص344.
3- المصدر نفسه/ ص 344.
4- العقاد/ أبو الشهداء/ ص46.
5- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص49، والجاحظ/ البخلاء/ تعليقات وشروح/ ص 357.

لعليٍّ والرضا فيه إلى غيره، جئتم بأبي موسى فقلتم: قد رضينا هذا فارضَ به، وأيم الله ما أصلحا بما فعلا الشام ولا أفسدا العراق، ولا أماتا حق عليٍّ، وإنا لعليٍّ اليوم كما كنّا أمس عليه)) (1).

وكان له شرف منازلة الباطل وهو يناضل عن أمير المؤمنين (علیه السلام) وينافح عن حقه المضيع في (معركة الجمل) (2) ، بل يرى السيد المحقق بهامش العمدة أن عليّاً (علیه السلام) عقد له يوم الجمل على عشرة آلاف، ولازم عمّه عليّاً فأفاد منه علماً وتبصّراً في دقائق الأمور، وحظي بعده بإمامة الحسن والحسين (علیهما السلام) ، وكم من مرة استماله معاوية فما وجد إلّا رجلاً صلب الإيمان عارفاً بالحق مائلاً عن سفاسف الملحدين؛ فكثرت فيه القالة وتوسع أتباع الهوى في الحطّ من قدره بأحاديث لا نصيب لها من الحقيقة (3).

لقد كان عبد الله بن جعفر حريصاً على حياة عليٍّ (علیه السلام) حرصه على الإسلام ومثله وأن افتقاده يعني نقضه وتقويضها، من هنا تدرك مدى التياع قلبه وانقضاض جوانحه وتنكد عيشه يوم قام النعيُّ بمصرعه (علیه السلام) بسيف خلاصة الإثم ابن ملجم.

قال عبد الله بن جعفر مخاطباً الحسن بن عليٍّ (علیهما السلام) : ((يا أبا محمد ادفعه إليَّ أشفِ نفسي منه)) (4) ، ولا أخالك تصاب بالدهش إزاء موقفه ذاك إذا ما استعدت إلى ذاكرتك مقولة عليٍّ

ص: 107


1- القرشي/ حياة الحسن بن علي/ ج1/ ص 367.
2- أنظر: المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص8.
3- هامش عمدة الطالب/ ص 37 بقلم السيد المحقق.
4- المبرد/ الكامل/ ج3/ ص 109.

(علیه السلام) في صفّين بعد التحكيم: ((ولقد هممت بالإقدام على القوم فنظرتُ إلى هذين قد ابتدراني – يعني الحسن والحسين – ونظرت إلى هذين استقدماني – يعني عبد الله بن جعفر ومحمد بن عليٍّ – فعلمت أن هذين إن هلكا انقطع نسل رسول الله (صلی الله علیه و آله) من هذه الأمّة، وكرهت ذلك وأشفقت على هذين أن يهلكا)) (1).

وكان عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (علیهم السلام) مع سمو منزلته وأصالة عقله وشرفه لا يقطع في أمر دون استشارة الحسين (علیه السلام) والاستئناس برأيه والتزام جانبه، فقد ذكر أبو العباس محمد بن يزيد المعروف ب-(المبرد): ((أن معاوية كتب إلى مروان بن الحكم وهو والي المدينة: أمّا بعد فإن أمير المؤمنين أحب أن يرد الإلفة ويسلَّ السخيمة فإذا وصل إليك كتابي فاخطب إلى عبد الله بن جعفر ابنته أم كلثوم على يزيد بن أمير المؤمنين وارغب له في الصداق، فتوجه مروان إلى عبد الله بن جعفر فقرأ عليه كتاب معاوية وأعلمه بما في رد الإلفة من صلاح ذات البين واجتماع الدعوة، فقال عبد الله: إن خالها الحسين بينبع وليس ممن يفتات عليه بأمر، فأنظرني إلى أن يقدم، وكانت أمّها زينب بنت عليٍّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، فلمّا قدم الحسين ذكر ذلك له عبد الله بن جعفر، فقام من عنده فدخل على (أم كلثوم) فقال: يا بنيه إن ابن عمّك القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب أحقّ بك، ولعلك ترغبين في كثرة

ص: 108


1- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص157.

الصداق، وقد نحلتك البغيبغات)) (1)، وأضاف المبرد: إن هذه الضيعة لمّا تزل في يدي بني عبد الله بن جعفر من ناحية أم كلثوم يتوارثونها (2) .

وروي أن عمرو بن عثمان بن عفان وأسامة بن زيد مولى رسول الله (صلی الله علیه و آله) تنازعا إلى معاوية بن أبي سفيان في أرض فقال عمرو لأسامة: كأنك تنكرني؟ فقال له أسامة: ما يسرني نسبك بولائي، فقام مروان بن الحكم فجلس إلى جانب الحسن وقام عبد الله بن عامر فجلس إلى جانب أسامة، فقام سعيد بن العاص فجلس إلى جانب مروان، فقام الحسين فجلس إلى جانب الحسن، وقام عبد الله بن عامر فجلس إلى جانب سعيد، فقام عبد الله بن جعفر فجلس إلى جانب الحسين، وقام عبد الرحمن بن الحكم فجلس إلى جانب ابن جعفر فلما رأى معاوية ذلك قال: لا تعجلوا إن كنت شاهداً إذ أقطعها رسول الله (صلی الله علیه و آله) أسامة بن زيد، فقام الهاشميون فخرجوا ظاهرين، وأقبل الأمويون عليه فقالوا: ألا كنت أصلحت بيننا قال: دعوني فو الله ما ذكرت عيونهم تحت المغافر يوم صفّين إلّا لبس على عقلي (3).

إن من دلائل أدب عبد الله وسمو خلقه أنه كان إذا ما خاطب الحسنين (علیهما السلام) فداهما بأبويه – وهما من هما – فيقول: بأبي أنتما وأمّي (4)، وبعمرك هل كان ذلك على نحو المحاباة والمصانعة؟ أم ترى هي حقيقة العارف بقدرهما والمذعن بحقهما.

ص: 109


1- الكامل/ ج3/ ص 115.
2- المصدر نفسه/ ص 115.
3- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص55.
4- المبرد/ الكامل/ ج1/ ص 96.

إن عند عبد الله بن جعفر مصداق ذلك فحين بلغه مصرع ابنيه مع الحسين (علیه السلام) في واقعة الطف دخل عليه بعض مواليه يعزونه فقال مولى له: ((هذا ما لقيناه من الحسين فحذفه ابن جعفر بنعله وقال: يا ابن اللخناء أ للحسين تقول هذا؟ والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه، والله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما ويهون عليّ المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له صابرين معه، ثم قال: إن لم تكن آست الحسين يدي فقد آساه ولدي)) (1)، فصار هذا وفاءً لذاك.

أمّا ما ذكر من أمره مع يزيد بعد وفاة معاوية ومضاعفة يزيد العطاء لابن جعفر إثر كلام جرى بينهما والاعتراض عليه فهو عند ابن أبي الحديد: ((ساقط؛ لأن ذلك إن صحّ لم يعد جوداً ولا جائزة ولا صلة رحم، هؤلاء قوم كان يخافهم على ملكه، ويعرف حقهم فيه، وموقعهم من قلوب الأمّة، فكان يدبر في ذلك تدبيراً، ويريع أموراً، ويصانع عن دولته وملكه)) (2).

ولم يبعد ابن أبي الحديد – فيما أظن – عن الحقيقة فيما ذكر فبين يزيد وعبد الله بن جعفر مضاغنة عظيمة ومؤاحنة قديمة يروي جانباً منها صاحب الدرجات الرفيعة فيقول: دخل عبد الله بن جعفر على معاوية بن أبي سفيان وعنده ابنه يزيد فجعل يزيد يعرّض بعبد الله وينسبه إلى الإسراف فقال عبد الله: إني لأرفع نفسي عن جوابك، ولو صاحب السرير يكلمني لأجبته، فقال له معاوية: كأنك تظن أنك أشرف منه! قال: إي والله ومنك ومن أبيك ومن جدك، فقال

ص: 110


1- ابن الأثير/ الكامل في التأريخ/ ج3/ ص700 وما بعدها.
2- شرح نهج البلاغة/ ج15/ ص 251 وما بعدها.

معاوية: ما كنت أظن أن في عصر حرب بن أميّة أشرف منه، فقال عبد الله: بلى إن أشرف من حرب من أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه، فقال معاوية: صدقت يا أبا جعفر (1).

وتنقص عمرو بن العاص عبد الله بن جعفر عند معاوية، وكان جماعة من بني هاشم حاضري المجلس فقال: أتاكم رجل خذول للسلف متعارف بالسرف...فغضب عبد الله بن الحرث بن عبد المطلب وقال: كذبت يا عمرو ليس عبد الله كما ذكرت ولكنه لله ذَكور، ولبلائه شكور، وعن الخنا نفور، مهذب، ماجد، كريم، حليم، إن ابتدأ أصاب، وإن سئل أجاب، غير حصر ولا هياب، كالهزبر الضرغام والسيف الصمصام (2).

ولقد جاء الجاحظ بمراهم الكلام في مقام الدفاع عن ابن ذي الجناحين قال: وهل كان إنفاق عبد الله المال إلّا في طلب الذكر والتماس الشكر؟ وهل قال أحد إن إنفاقه كان في الخمور والقمار وفي الفسولة والفجور؟ وهل كان إلّا فيما تسمونه جوداً وتعدونه كرماً؟ (3)

وبعمرك هل كان حديث الأربعاء (4)4) عن ابن جعفر حديث وعاية ورعاية أم حديث سماع ورواية؟

لقد عيّب البعض عبد الله بن جعفر فقالوا: رجل بذرٌ سَرِف...ونسوا أن أملأ الناس بالعيوب العيّاب.

ص: 111


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 173.
2- المصدر نفسه/ ص 172.
3- البخلاء/ ص 176.
4- 4) د. حسين/ طه/ حديث الأربعاء/ ج1/ ص235 وما بعدها.

وقال عبد الله بن جعفر: إن الله قد عودني أن يتفضل علي، وعودته أن أتفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة فيقطع عني (1).

وتخوف البعض الفقر عليه فكان جوابه:

لست أخشى قلة العدم *** ما اتقيت الله في كرمي

كلّما أنفقت يخلفه *** ليَ ربٌّ واسع النعم (2)

لقد كان ابن جعفر فياضاً بالعطاء لو ملك الدنيا لفيّحها في يوم واحد، وهو في ذلك لا يخاف فقراً أو خصاصة ولا يخشى غائلتهما، فمما يروى أن يزيد بن معاوية وجّه إلى عبد الله بن جعفر مالاً جليلاً هدية ففرقه في أهل المدينة ولم يدخل منزله منه شيئاً، وفي ذلك يقول عبد الله بن قيس بن الرقيات:

وما كنت إلّا كالأغرّ ابن جعفرٍرأى المال لا يبقى فأبقى له ذكرا (3)

وكقول الشماخ بن ضرار الثعلبي:

أنك يا ابن جعفر نعم الفتى *** ونعم مأوى طارق إذا أتى

وجار ضيف طرق الحيَّ سرى *** صادف ناراً وحديثاً يُشتهى

ص: 112


1- ابن عبد ربه/ العقد الفريد/ ج1/ ص123، والمبرد/ الكامل/ ج1/ ص96، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 169.
2- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص77 وما بعدها، وعلي خان / الدرجات ال رفيعة/ ص 184.
3- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص 49.

إن الحديث طرف من القرى (1)

وكان كثير النوال جزيل العطية كريماً نفاحاً...قال الأصفهاني: بلغني أن أعرابياً وقف على مروان بن الحكم أيام الموسم بالمدينة فسأله فقال: يا أعرابي، ما عندنا ما نصلك، ولكن عليك بابن جعفر، فأتى الأعرابي باب عبد الله بن جعفر فإذا ثقله قد سار نحو مكة، وراحلته بالباب عليها متاعه وسيف معلّق، فخرج عبد الله من داره، وأنشأ الأعرابي يقول:

أبو جعفر من أهل بيت نبوةٍ *** صلاتهم للمسلمين طهورُ

أبا جعفر إن الحجيج ترحلوا *** وليس لرحلي فاعلمنّ بعير

أبا جعفر ضنّ الأمير بماله *** وأنت على ما في يديك أمير

وأنت امرؤ من هاشم في صميمها *** إليك يصير المجد حيث تصير

فقال عبد الله بن جعفر: يا أعرابي، سار الثقل فدونك الراحلة بما عليها، وإياك أن تخدع عن السيف فإني أخذته بألف دينار، فأنشأ الأعرابي يقول:

حباني عبد الله نفسي فداؤه *** بأعيس موّار سباط مشافره

وأبيض من ماء الحديد كأنه *** شهاب بدا والليل داجٍ عساكره

وكل امرئٍ يرجو نوال ابن جعفر *** سيجري له باليمن والبشر طائره

فيا خير خلق الله نفساً ووالداً *** وأكرمه للجار حين يجاوره

ص: 113


1- الأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص 217.

سأثني بما أوليتني يا ابن جعفر *** وما شاكر عرفاً كمن هو كافره (1)

ومدح نصيب بن رياح عبد الله بن جعفر فأمر له بمال كثير وكسوة شريفة ورواحل موقرة بُرّاً وتمراً فقيل لعبد الله: أتفعل هذا بمثل هذا العبد الأسود؟ فقال عبد الله: أما لأن كان عبداً إنني لحر، وإن كان أسوداً إن ثناءه لأبيض، وإنما أخذ مالاً يفنى وثياباً تبلى ورواحل تنضى وأعطى مديحاً يروى وثناءً يبقى (2).

ووفد شاعر على عبد الله بن جعفر فأنشده:

رأيت أبا جعفر في المنام *** كساني من الخزّ درّاعه

شكوت إلى صاحبي أمرها *** فقال ستؤتى بها الساعه

سيكسوكها الماجد الجعفري *** ومَن كفه الدهر نفاعه

ومن قال للجود لا تعدني *** فقال لك السمع والطاعه

فقال عبد الله لغلامه: ادفع إليه دراعتي الخزّ، ثم قال له: كيف لو ترى جبتي المنسوجة بالذهب التي اشتريتها بثلثمائة دينار؟ فقال له الشاعر: بأبي دعني أغفى إغفاءة أخرى فلعلي أرى هذه الجبة في المنام، فضحك عبد الله منه وقال: يا غلام ادفع إليه جُبتي الوشي (3).

ص: 114


1- الأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص 215 وما بعدها، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص181.
2- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص169.
3- الأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص216 وما بعدها، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص181.

وكان أهل المدينة يدانون بعضهم من بعض إلى أن يأتي عطاء ابن جعفر (1).

وروى المدائني عن أبي زكريا العجلاني قال: قال مخرمة بن نوفل: بنو هاشم أكمل سخاءً من بني أمية، وقال جبير بن مطعم: بنو أمية أسخى، فقال مخرمة: امتحن ذلك ونمتحنه.

فأتى جبير سعيد بن العاص وابن عامر ومروان فسألهم فأعطاه كل واحد منهم عشرة آلاف، وأتى مخرمة الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر فأعطاه كل واحد منهم مائة ألف درهم فردّها مخرمة وقال: إنما أردت امتحانكم (2).

وقصد رجل عبد الله بن جعفر بسكّرٍ قدم به من المدينة فكسد عليه فاشتراه منه وأنهبه الناس، فلمّا رأى الرجل ذلك قال لعبد الله: أتأذن لي أن أنهب معهم جعلت فداك، قال: فانهب؛ فجعل ينهب مع الناس وعبد الله يضحك (3).

وقيل: أن أعرابياً باع راحلة من عبد الله بن جعفر، ثم غدا عليه فاقتضى ثمنها، فأمر له به، ثم عاوده ثلاثاً، وهو في كل مرة يقتضي ثمنها فقال فيه:

لا خير في المجتدى في الحين تسأله *** فاستمطروا من قريش خير مختدعِ

تخال فيه إذا حاورته بلهاً *** من جوده وهو وافي العقل والورع (4)

ص: 115


1- الأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص 217.
2- البلاذري/ أنساب الأشراف/ ج3/ ص25.
3- الأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص218 وما بعدها، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص170.
4- المصدر السابق نفسه/ ج12/ ص218 وما بعدها.

ومن غريب ما يحكى من جوده أن عبد الرحمن بن أبي عمارة وهو من نساك الحجاز دخل على نخاس يعرض قياناً له، فتعلق بواحدة منهن فشهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاوس ومجاهد يعذلونه، فكان جوابه أن قال:

يلومني فيك أقوام بما لهمُ *** فما أبالي أطار اللوم أم وقعا

فانتهى خبره إلى عبد الله بن جعفر، فلم يكن له همّ غيره، فحجّ فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها منه بأربعين ألف درهم وأمر قيّمة جواريه أن تزينها وتطيبها ففعلت، وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه فقال: ما لي لا أرى ابن أبي عمارة، فأخبر الشيخ فأتاه مسلّماً فلمّا أراد أن ينهض استجلسه ثم قال: ما فعل حبّ فلانة؟ قال: في اللحم والدم والمخّ والعصب، قال: أتعرفها لو رأيتها؟ قال: لو أُدخلت الجنة ما أنكرها، فأمر بها عبد الله أن تخرج إليه وقال: إنما اشتريتها لك، والله ما دنوت منها، فشأنك بها مباركاً لك فيها، فلمّا ولّى قال: يا غلام احمل معه مائة ألف درهم ينعم معها فبكى عبد الرحمن فرحاً وقال: يا أهل البيت لقد خصكم الله بشرف ما خص به أحداً قبلكم من صلب آدم (علیه السلام) فلتهنكم هذه النعمة وبورك لكم فيها (1).

وخرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له فنزل على نخيل قوم فيه غلام أسود يقوم عليه، فأتى الغلام بقوته ثلاثة أقراص، فدخل كلب فدنا من الغلام فرمى إليه بقرص فأكله، ثم رمى إليه بالثاني والثالث فأكلهما، وعبد الله ينظر إليه فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم؟ قال: ما رأيت، قال: فلمَ آثرت هذا الكلب؟ قال: ما هي بأرض كلاب، وإنه جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت أن أرده، قال: فما أنت اليوم صانع؟ قال: أطوي يومي هذا، فقال عبد الله بن جعفر: أألام على

ص: 116


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص169 وما بعدها.

السخاء! إن هذا لأسخى مني، فاشترى الغلام والنخيل، فأعتق الغلام ووهب له النخيل ثم ارتحل.

وانشد عبد الله بن جعفر قول الشاعر:

إن الصنيعة لا تكون صنيعة *** حتى تصيب بها طريق المصنعِ

فقال: هذا رجل يريد أن يبخل الناس بل أمطر المعروف مطراً فإن صادف موضعاً كان الذي قصدت وإلّا كنت أحق به (1).

لقد شرف الله تعالى عبد الله بن جعفر بالكرامة وجلله بالحرمة وحباه الوجاهة فكان الملجأ واللياذ للمتحوج والخائف.

قال المبرد: إن عبد الله بن قيس الرقيات كان منقطعاً إلى مصعب بن الزبير وكان كثير المدح له وكان يقاتل معه وله فيه أشعار كثيرة، فلمّا قتل مصعب كان عبد الملك عازماً على قتل عبد الله بن قيس فهرب فلحق بعبد الله بن جعفر فشفع فيه إلى عبد الملك فشفعه في أن ترك دمه فقال: ويدخل إليك فتسمع منه فأبى فلم يزل به حتى أجابه، ففي ذلك يقول لعبد الله بن جعفر:

أتيناك نثني بالذي أنت أهله *** عليك كما أثنى على الأرض جارها

تقدت بي الشهباء نحو ابن جعفر *** سواء عليها ليلها ونهارها

ص: 117


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص170.

تزور فتى قد يعلم الناس أنه *** تجود له كفّ قليل غرارها

فو الله لو لا أن تزور ابن جعفر *** لكان قليلاً في دمشق قرارها (1)

إلى كثير من ذلك مما يجاوز حدود الحصر كنا تركناه خشية الإطالة، ولعل خير ما نختم به هذا الموضوع ما أنشده الخليفة هارون الرشيد لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال الرشيد: لله درّ عبد الله بن جعفر، فلقد نطق بالحكمة حيث يقول:

يا أيها الزاجري عن شيمتي سفهاً *** عمداً عصيت فقال الزاجر الناهي

أقصر فإنك من قوم أرومتهم *** في اللؤم فافخر بهم إن شئت أو باهي

يزين الشعر أفواهاً إذا نطقت *** بالشعر يوماً وقد يزري بأفواه

قد يرزق المرء لا من فضل حيلته *** ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي

لقد عجبت لقوم لا أصول لهم ***

ص: 118


1- الكامل/ ج2/ ص194.

أثروا وليس وإن أثروا بأشباه

ما نالني من غنى يوماً ولا عدم *** إلّا وقولي عليه الحمد لله (1)

قال يعقوب بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، قلت: ((ومن الذي بلغت به المقدرة أن يسامى بمثلك أو يدانيه؟ قال: لعله من بني أبيك وأمّك)) (2).

وفي مرض عبد الله بن جعفر الذي توفي فيه توارد عليه الزائرون عارفو فضله ومقدرو قدره وصنائع إحسانه، وكان منهم أعرابي أتاه وهو محمول فأنشأ يقول:

كم لوعة للندى وكم قلق *** للجود والمكرمات من قلقك؟

ألبسك الله منه عافية *** في نومك المعترى وفي أرقك

أخرج من جسمك السقام *** كما أخرج ذم الفعال من عنقك

فأمر له بألف دينار (3).

وهذا أسير معروفه وعتيق كرمه عبد الله بن قيس الرقيات ينعى إليه خبر توعك عبد الله فيقول (4):

ص: 119


1- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 184.
2- المصدر نفسه/ ص 184.
3- الخطيب البغدادي/ أحمد بن علي/ تأريخ بغداد/ ج6/ ص 381-382/ دار الكتاب العربي/ بيروت/ لبنان.
4- الأصفهاني/ أبو الفرج/ الأغاني/ ج12/ ص221.

قد أتانا بما كرهنا أبو *** اللسلاس كانت بنفسه الأوجاع

قال يشكو الصداع وهو ثقيل *** بك لا بالذي ذكرت الصداعُ

قال أبو الفرج: ((فراح يوماً إلى الجمعة وهو يقول: اللهم إنك عودتني عادة جريت عليها، فإن كان ذلك قد انقضى فاقبضني إليك، فتوفي في الجمعة الأخرى)) (1).

وقيل: إنه لمّا حضرته الوفاة دعا ابنه معاوية فأوصى إليه – وفي ولده من هو أسن منه – وقال له: إني لم أزل أؤملك لها، فلما توفي احتال معاوية بدين أبيه وخرج فطلب فيه حتى قضاه، وقسم أموال أبيه بين ولده، ولم يستأثر بدينار ولا درهم ولا غيرهما (2).

واختلف في سنة وفاته وعمره، فقيل: توفي وهو ابن سبعين سنة في خلافة عبد الملك بن مروان، وهو الذي صلى عليه (3).

وفي الإصابة عن الواقدي أنه توفي سنة سبع وثمانين، وله تسعون سنة (4).

وقيل: مات بالأبواء سنة تسعين، وصلى عليه سليمان بن عبد الملك بن مروان، وله تسعون سنة (5)، وقيل: غير ذلك.

ص: 120


1- ) الأصفهاني/ أبو الفرج/ الأغاني / ج12/ ص219.
2- المصدر نفسه/ ج12/ ص219، وابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص39 باختلاف يسير.
3- الأصفهاني/ أبو الفرج/ الأغاني/ ج12/ ص219.
4- ابن حجر/ الجزء الثالث من ثمانية أجزاء/ ص48.
5- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 183.

ولمّا توفي عبد الله بن جعفر شهده أهل المدينة كلهم، فما تنظر إلى ذي حجى إلّا رأيته مستعبراً قد أظهر الهلع والجزع (1).

فلما فرغوا من دفنه وقف عمرو بن عثمان على شفير قبره فقال: ((رحمك الله يا ابن جعفر! إن كنت لرحمك لواصلاً، ولأهل الشر لمبغضاً، ولأهل الريبة لقالياً، ولقد كنت فيما بيني وبينك كما قال الأعشى:

رعيت الذي قد كان بيني وبينكم *** من الودّ حتى غيبتك المقابرُ

فرحمك الله يوم ولدت ويوم كنت رجلاً ويوم متّ ويوم تبعث حيّاً، والله لئن كانت هاشم أصيبت بك لقد غمّ قريشاً كلها هلكك، فما أظن أن يرى بعدك مثلك.

ووقف عمرو بن سعيد عند قبره ورثاه فقال: لا إله إلّا الله الذي يرث الأرض ومن عليها وإليه ترجعون، ما كان أحلى العيش بك يا ابن جعفر، وما أسمج ما أصبح بعدها، والله لو كانت عيني دامعة على أحد لدمعت عليك، كان والله حديثك غير مشوب بكذب، وودّك غير ممزوج بكدر (2).

وقال عبد الله بن قيس الرقيات:

بات قلبي تشفه الأوجاعُ *** من هموم تجنها الأضلاعُ

من حديث سمعته منع النو *** م فقلبي مما سمعت يُراع

ص: 121


1- الأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص319، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص183.
2- المصدر نفسه/ ج12/ ص220، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص183.

إذ أتانا بما كرهنا أبو *** اللسلاس كانت بنفسه الأوجاع

ابن أسماء لا أباً لك تنعى *** إنه غير هالك نفاع

هاشمياً بكفه من سجال ال- *** مجد سجل يهون فيه القُباع

نشر الناس كل ذلك منه *** شيمة المجد ليس فيه خداع

لم أجد بعدك الأخلاّء إلّا *** كثماد به قذىً أو نقاع

بيته من بيوت عبد مناف *** مدَّ أطنابه المكان اليفاع

منتهى الحمد والنبوة والمجد *** إذا قصّر اللئام الوضاع

فستأتيك مدحة من كريم *** ناله من ندى سجالك باعُ (1)

وأمّا عقب جعفر بن أبي طالب (علیه السلام) ففي ولده عبد الله الأكبر الجواد وحده، وليس له عقب إلّا منه، قاله: صاحب العمدة (2)، فولد عبد الله عشرين من الأبناء الذكور، وقيل: أربعة وعشرين (3)، نذكر منهم:

ص: 122


1- الأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص221.
2- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص39.
3- المصدر نفسه/ ص38، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص183.

-عليّ بن عبد الله بن جعفر الزينبيّ (1)، وفيه الكثرة والعدد (2)، أمّه زينب (علیها السلام) بنت عليٍّ بن أبي طالب (علیه السلام) ، وأمّها فاطمة (علیها السلام) بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، ويقال لبني عليّ: الزينبيون (3)، وعليّ بن عبد الله هذا سيد فقيه عالم يصلح للرياسة والإمامة (4).

-معاوية بن عبد الله بن جعفر وصيّ أبيه والأثير لديه، وإنما سمّي بمعاوية لأن أباه يوم بشر بولادته كان في مجلس معاوية بن أبي سفيان، فطلب معاوية منه ذلك، وبذل له مئة ألف درهم (5)، وقيل: ألف ألف (6)، وبعد أن قبض عبد الله المال أعطاه لمن بشّره بالوليد (7).

-إسحق العرضي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (8).

-إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، الزاهد (9)، كان من ثقات التابعين (10)، من أصحاب

ص: 123


1- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب / ص38، وابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص68.
2- ابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص68.
3- المصدر نفسه/ ص68، وابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص38.
4- الجاحظ/ رسائل الجاحظ/ مج 3-4/ ص121.
5- الأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص222، وابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص38.
6- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص38.
7- المصدر نفسه/ ص38، والأصفهاني/ الأغاني/ ج12/ ص222.
8- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص38، قال: العريضي، وابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص 68، والنويري/ نهاية الأرب/ ج2/ ص360 قال: ((العرض: موضع بالمدينة)).
9- المصدر نفسه/ ص38.
10- هامش العمدة/ ص 39 السيد المحقق.

الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) (1)، قال السيد المحقق (2): قتل إسماعيل سنة 145ه- وقد قارب التسعين، وأضاف أن ابن حجر ذكره في التقريب.

-عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (3)، وبدا لي أن لعبد الله ولدين بهذا الإسم أحدهما الأكبر والثاني الأصغر، وأمّا الأكبر فقد قيل: إنه مات في حياة أبيه (4)، وقيل: إنه استشهد مع الحسين (علیه السلام) بالطف (5).

وقيل: إن الذي استشهد مع الحسين بن علي (علیهما السلام) إنما هو عون الأصغر (6)، وإلى الأخير يذهب ابن أعثم الكوفي في فتوحه، كما نسب إليه عند خروجه (علیه السلام) إلى ساحة المعركة البيتين من الرجز:

إن تنكروني فأنا ابن جعفرِ *** شهيد صدق في الجنان أزهرِ

يطير فيها بجناح أخضر *** كفى بهذا شرفاً من مشعر (7)

ص: 124


1- الطوسي/ رجال الطوسي/ ص147.
2- هامش العمدة/ ص 79.
3- المسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص91، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص60، وابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص68، والبلاذري/ أنساب الأشراف/ ج3/ ص223، وابن أعثم/ الفتوح/ مج 5-6/ ص127.
4- ابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص 68.
5- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص68.
6- ابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص 68.
7- الفتوح/ مج 5-6/ ص127.

وإياه عنى سليمان بن قتة بمرثيته:

واندبي إن بكيت عوناً أخاه *** ليس فيما ينوبهم بخذول

فلعمري لقد أصيب ذوي القر *** بى فابكي على المصاب الطويل (1)

لكن أبا الفرج الأصفهاني يؤكد في مقاتله استشهاد عون الأصغر يوم الحرّة، كما لم يغفل ذكر قاتله (2).

وأمّ عون هي زينب العقيلة (علیها السلام) بنت عليٍّ بن أبي طالب (علیه السلام) ، وأمّها فاطمة (علیها السلام) بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) (3).

-محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (4)، واستشهد مع الحسين (علیه السلام) بالطف أيضاً (5).

وأورد له ابن أعثم الكوفي في فتوحه أرجوزة عند خروجه إلى المعركة:

نشكو إلى الله من العدوانِ *** فعال قوم في الردى عميانِ

ص: 125


1- مقاتل الطالبيين/ ص60.
2- المصدر نفسه/ ص83.
3- المصدر السابق نفسه/ ص 60.
4- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ج2/ ص91، والبلاذري/ أنساب الأشراف/ ج3/ ص223، وابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص68، والكوفي/ ابن أعثم/ الفتوح/ مج 5-6/ ص 127، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ طبعة أخرى/ ص60.
5- الكوفي/ ابن أعثم/ الفتوح/ مج 5-6/ ص 127، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص60، والمسعودي/ مروج الذهب/ ج2/ ص91، والبلاذري/ أنساب الأشراف/ ج3/ ص223، وابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص68.

قد بدلوا معالم الفرقان *** ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيانِ (1)

وكان (علیه السلام) معنياً هو الآخر بمرثية الشاعر سليمان بن قتة بقوله:

وسمي النبيّ غودر فيهم *** قد علوه بصارم مصقولِ

فإذا ما بكيت عيني فجودي *** بدموع تسيل كل مسيل (2)

نوّه الجاحظ به في رسائله فقال: ((سيد فقيه عابد يصلح للرياسة والإمامة)) (3).

وأمّ محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب هي الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة بن عثمان بن ربيعة (4).

-عبيد الله بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأمّه الخوصاء بنت حفصة، استشهد هو الآخر مع الحسين (علیه السلام) بالطف، وذكر ذلك الأصفهاني في مقاتله عن يحيى بن الحسن العلوي فيما حدثه به أحمد بن سعيد عنه (5).

-حسين بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، استشهد مع الحسين (علیه السلام) بالطف، ذكر ذلك ابن حزم في جمهرته (6).

وذكر ابن حزم أبناء آخرين لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب هم:

ص: 126


1- الفتوح/ مج 5-6/ ص 127.
2- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص60.
3- رسائل الجاحظ/ مج 3-4/ ص 121.
4- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص60.
5- المصدر نفسه/ ص61، وابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص68، لكن دون أن يتعرض لذكر استشهاده.
6- جمهرة أنساب العرب/ ص68.

-جعفر.

-عياض.

-أبو بكر (1).

-يحيى.

-صالح.

-موسى.

-هارون.

-يزيد.

ولا عقب لواحد منهم (2).

قال أبو نصر البخاري في (سر السلسلة العلوية): ((كل جعفري في الدنيا فمن ولد عبد الله بن جعفر إذ لم يصح لجعفر عقب إلّا من عبد الله بن جعفر، والذين ينتسبون إلى عون ومحمد ابني جعفر لا يصح نسبهم أصلاً، والذين ينتسبون إلى عبد الله الجواد بن جعفر من غير أولاد معاوية بن عبد الله وعلي بن عبد الله وإسحق بن عبد الله وإسماعيل بن عبد الله، هؤلاء الأربعة فلا يصح لهم نسب، ولا أعرف منتسباً إلى غيرهم)) (3).

وسأقتصر التنويه بأحد أحفاد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من ولده معاوية، وهو عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، من شجعان الطالبيين ورؤسائهم وشعرائهم،

ص: 127


1- ذكر في الجمهرة/ ص 68، والمقاتل/ ص 82 أن أبا بكر قتل بالحرّة.
2- جمهرة أنساب العرب/ ص68.
3- هامش عمدة الطالب/ ص 57 بقلم السيد المحقق.

يكنى أبا معاوية، وأمّه أسماء وهي أمّ عون بنت العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب، وزوجته فاطمة بنت الحسن بن الحسن، أنجبن له الحسن وصالحاً ويزيد.

وكان عبد الله قد ظهر بالكوفة سنة خمس أو سبع وعشرين ومائة ودعا الناس إلى بيعته على الرضا من آل محمد (صلی الله علیه و آله) ؛ فاجتمع عليه نفر من أهل الكوفة فبايعوه، وعظم أمره واتسعت مقدرته وملك الجبل بأسره، وكان أبو جعفر المنصور الدوانيقي عامله على (أبذج)، واستعمل أخاه الحسن بن معاوية على (أصطخر)، وأخاه يزيد على (شيراز)، وأخاه عليّاً على (كرمان)، وأقام هو بأصبهان، فلم يزل مقيماً في هذه النواحي التي غلب عليها حتى ولي مروان بن محمد (الحمار) فوجّه إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف، فخرج إلى أبي مسلم المروزي طامعاً في نصرته، فأوقع عليه الحيل حتى أخذه وحبسه بهراة، ولم يزل محبوساً حتى قتل سنة تسع وعشرين ومائة، وقبره بهراة، وفيه يقول أبو مالك الخزاعي:

تنكرت الدنيا خلاف ابن جعفر *** عليَّ وولى طيبها ونعيمها

وعلى الرغم مما ذكر عنه من الفظاظة والغلاظة فإنه كان من ظرفاء بني هاشم وأدبائهم المجيدين في منظوم القول ومنثوره، وكان خطيباً لسناً، وكان الناس يقولون: ابن الطيار أخطب الناس.

ومن ظريف القول ما رواه الأصفهاني في أغانيه عن طفولة معاوية بن عبد الله بن جعفر، أن كثير عزّة الشاعر كان يمرّ بمعاوية وهو في المكتب فيكب عليه ويقبله ويقول: أنت من الأنبياء الصغار وربِّ الكعبة.

ولمعاوية من الشعر ما سار في الآفاق منه قوله:

لسنا وإن كرمت أوائلنا *** يوماً على الأحساب نتكلُ

ص: 128

نبني كما كانت أوائلنا *** تبني ونفعل مثل ما فعلوا

وله أيضاً:

وأنت أخي ما لم تكن لي حاجة *** فإن عرضت أيقنت أن لا أخاً ليا

فلا زال ما بيني وبينك بعدما *** بلوتك في الحاجات إلّا تماديا

كلانا غنيٌّ عن أخيه حياته *** ونحن إذا متنا أشد تغانيا

وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا

وله:

ألا تنزع القلب عن جهله *** وعمّا تؤنب من أجلهِ

فيبدل بعد الصبا حكمة *** ويقصر ذو العذل عن عذله

فلا تركبن الصنيع الذي *** تلوم أخاك على مثله

ولا يعجبنك قول امرئٍ *** يخالف ما قال في فعله

ولا تتبع الطرف ما لا ينال *** ولكن سل الله من فضله

وكم من مقلٍّ ينال الغنى *** ويحمد في رزقه كلّه

وله في الاعتذار والاستعطاف نثراً:

((أمّا بعد فآتاك الله حفظ الوصية، ومنحك نصيحة الرعية، وألهمك عدل القضية، فإنك مستودع ودائع، ومولى صنائع، فاحفظ ودائعك بحسن صنائعك، فالودائع عارية، والصنائع

ص: 129

مرعية، وما النعم عليك وعلينا فيك بمنزور نداها، ولا مبلوغ مداها، فنبّه للتفكير قلبك، واتق الله ربّك...)) (1).

-محمد بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي أخو عبد الله وعون (2)، في الأصفهاني، لا تعرف له كنية (3)، وفي ابن حجر عن الواقدي أنه كان يكنى أبا القاسم (4)، وقيل: إنه أول من سمّي محمداً في الإسلام من المهاجرين (5)، وكانت ولادته بأرض الحبشة (6)، وأمّه أسماء بنت عميس الخثعمية – كما مرَّ -.

وقد روي أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال لمّا استشهد جعفر بن أبي طالب: أدعوا لي بني أخي فجيء بنا كأنا أفراخ فقال: أدعوا لي الحلاق فأمر فحلق رؤسنا، ثم قال: أمّا محمد فشبيه عمّنا أبي طالب، وأمّا عون فشبيه خَلقي وخُلقي..إلى آخر الحديث (7).

وقد مرّ نظير هذا في ثنايا الحديث عند ذكرنا لذي الجناحين وابنه أبي جعفر، وفي الطبري

ص: 130


1- المبرد/ الكامل/ ج1/ ص110، والأندلسي/ العقد الفريد/ ج2/ ص، وابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص68 وص42، والأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص111 وما بعدها، وابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص38، والجاحظ/ البيان والتبيين/ ص57، والجاحظ/ الحيوان/ مج 1-2/ ص586، وقدامة بن جعفر/ نقد الشعر/ ص147، والبهائي/ الكشكول/ ج2/ ص15، والأصفهاني/ الأغاني/ ج9/ ص18.
2- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص52.
3- مقاتل الطالبيين/ ج11.
4- الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص52.
5- ابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ ص68، ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص52
6- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص52 عند الدار قطني.
7- المصدر نفسه/ ص44، وابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص52

أن عليّاً (علیه السلام) ندبه ومحمد بن أبي بكر رسولين إلى الكوفة وعليها أبو موسى الأشعري يستصرخ أصحابها ويستنصرهم (1).

وقد ذكر الشيباني قال: لمّا نزل محمد بن أبي بكر مصر، وصيّر إليه معاوية ابن خديج الكندي تفرق عن محمد من كان معه فتغيب فدلّ عليه فأخذه وضرب عنقه وبعث برأسه إلى معاوية، فكان أول رأس طيف به في الإسلام، وكان محمد بن جعفر بن أبي طالب معه فاستجار بأخواله من خثعم فغيبوه، وكان سيد خثعم يومئذ رجلاً في ظهره بزخ من كسر أصابه فكان إذا مشى ظن الجاهل أنه يتبختر في مشيته فذكر لمعاوية أنه عنده، فقال له: أسلمْ إلينا هذا الرجل، فقال: ابن أختنا لجأ إلينا لحقن دمه فدعه عنك، قال: والله لا آتيك به، قال: كذبت والله لتأتيني به، إنك ما علمت لأوره، قال: أجل إني أجل لأوره حين أقاتلك على ابن عمّك لتحقن دمه وأقدم ابن عمّي تسفك دمه، فسكت عنه معاوية وخلّى بينه وبينه (2)، وأورد ابن حجر عن المرزباني في معجم الشعراء قوله نحو ذلك (3).

وقيل: إن محمد بن جعفر كان تشرف بمصاهرة عليٍّ أمير المؤمنين (علیه السلام) على ابنته أمّ كلثوم (4).

ص: 131


1- الطبري/ تأريخ الرسل والملوك/ ج3/ ص393.
2- الأندلسي/ ابن عبد ربه/ العقد الفريد/ ج1/ ص83.
3- الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص52.
4- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص52، فضلاً عن الواقدي والمرزباني، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص185 نقلاً عن ابن عبد البر في الإستيعاب والقاضي نور الله في المجالس.

وفي مكان استشهاده كما في ولادته خلاف، فقيل: إنه استشهد بتستر (1)، وقيل بالطف (2)، وقيل بصفين (3).

وذكر أبو الفرج بطرقه عن الضحاك بن عثمان قال: خرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب في كتيبة يقال لها: الخضراء، وكان بأزائه محمد بن جعفر بن أبي طالب معه راية أمير المؤمنين عليٍّ بن أبي طالب (علیه السلام) التي تسمى الجموح، وكانا في عشرة آلاف فاقتتلوا قتالاً شديداً.

قال: فلقد ألقى الله عزّ وجلّ عليهم الصبر، ورفع عنهم النصر، فصاح عبيد الله متى متى هذا الحذر؟ إبرز أناجزك، فبرز له محمد فتطاعنا حتى انكسرت رماحهما، ثم تضاربا حتى انكسر سيف محمد، ونشب سيف عبيد الله بن عمر في الدرقة، فتعانقا وعضّ كل واحد منهما أنف صاحبه فوقعا عن فرسيهما، وحمل أصحابهما عليهما فقتل بعضهم بعضاً حتى صار عليهما مثل التل العظيم من القتلى، وغلب عليٌّ (علیه السلام) على المعركة فأزال أهل الشام عنهما، ووقف عليهما فقال: اكشفوا هؤلاء القتلى عن ابن أخي فجعلوا يجرون القتلى عنهما حتى كشفوهما فإذا هما متعانقان، فقال عليٌّ (علیه السلام) : أما والله لعن غير حب تعانقتما (4).

ص: 132


1- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص52، نقلاً عن الواقدي والمرزباني، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص185 نقلاً عن ابن عبد البر في الإستيعاب والقاضي نور الله في المجالس.
2- وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص185
3- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص52، نقلاً عن الدار قطني في كتاب الأخوة والمرزباني في معجم الشعراء.
4- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص11-12.

قال أبو الفرج: هذه رواية الضحاك بن عثمان، وما أعلم أحداً من أهل السيرة ذكر أن محمد بن جعفر قتيل عبيد الله بن عمر، ولا سمعت لمحمد في كتاب أحد منهم ذكر مقتله (1).

وإزاء التضارب في الأقوال والاضطراب في الروايات وما نتج عنها من لبس وإبهام، يقول السيد صاحب الدرجات: كان لجعفر بن أبي طالب ابنان يسمى كل منهما محمداً أحدهما الأكبر ولا خلاف أنه قتل مع عمّه أمير المؤمنين (علیه السلام) بصفّين وهو الذي كان زوج أمّ كلثوم، والثاني محمد الأصغر وهو الذي قيل أنه قتل بالطف أو بشوشتر، قال صاحب العمدة: يقال: إنه ما أدرك الحلم، فقرر أن صاحب الترجمة إنما هو محمد الأكبر وخفي على القاضي نور الله ذلك فظنّ إنما هو محمد واحد، فاستصوب أنه قتل بشوشتر.

قال: إنه تشرف بمصاهرة أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وقد علمت أن أحدهما غير الآخر.

بقي أن صاحب العمدة قال: خلف على أمّ كلثوم عون بن جعفر بن أبي طالب، ثم بعده أخوه محمد، فإن أراد بمحمد هذا محمد الأكبر فهو قد قتل بصفّين قبل عون كما ذكره هو بنفسه في العمدة، فكيف خلفه عليها بعده!؟ وإن أراد محمد الأصغر فقد قتل هو وعون معاً بالطفّ أو بغيره، على الخلاف في ذلك أن يكون عون طلقها فتزوجها بعده أحد المحمدين، لكن عبارته لا تعطي ذلك، والله أعلم (2).

وكان السيد صاحب الدرجات الرفيعة وصاحب العمدة قد أشارا في معرض حديثهما عن سيرة جعفر بن أبي طالب (علیهما السلام) إلى أنه أعقب من الولد ثمانية ذكور، وقد ذكراهم بالأسماء

ص: 133


1- الأصفهاني/ مقاتل الطالبيين/ ص13.
2- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص 185-186.

وهم: عبد الله، وعون، ومحمد الأكبر، ومحمد الأصغر، وحميد، وحسين، وعبد الله الأصغر، وعبد الله الأكبر (1)، وهذا يعني رجحان رأي السيد على ما سواه.

وعن عقب محمد الأكبر – موضوع بحثنا – يقول صاحب العمدة: إنه انقرض، ودرج الخمسة الأُخر أعني أولاد جعفر ما عدا عبد الله الأكبر (2).

ص: 134


1- علي خان / الدرجات الرفيعة/ ص79، وابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص36.
2- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص37.

عون بن جعفر

عون بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي ابن عمّ النبيّ (صلی الله علیه و آله) ، ولد بأرض الحبشة، وقدم به أبوه في غزوة خيبر (1)، وقد مرَّ ذكر حديث النبيّ (صلی الله علیه و آله) فيه وفي إخوته فيما تقدم.

وكان يشبه أباه جعفراً خَلقاً وخُلقاً، وأمّه أمّ إخوته جميعاً، وهي أسماء بنت عميس الخثعمية.

وكان قد تزوج من أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين (علیه السلام) ثم من بعده أخوه محمد، قاله صاحب العمدة (2).

واختلف في أيّ ولدي جعفر محمد وعون كان أسنّ، فأمّا عبد الله فكان أسنّ منهما (3).

قال صاحبا العمدة والدرجات: أن عوناً استشهد مع ابن عمّه الحسين (علیه السلام) يوم الطف (4)، وقيل: إنه استشهد بتستر، وذلك في خلافة عمر بن الخطاب (5).

ص: 135


1- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص44، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص184.
2- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص184.
3- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص44-45.
4- علي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص184، وابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص36.
5- ابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص45، نقلاً عن (أبو عمر)، وابن الأثير/ أسد الغابة/ ج4/ ص14.

وولد عون بن جعفر بن أبي طالب شهيد الطف إبناً اسمه مساور له ذيل لم يطل وانقرض عقبه (1).

أمّا ابن حزم فيقول: إن لعون عقباً غير مشهور، وقد قيل: إن موسى بن معاوية الصمادحي، راوية وكيع بن الجراح، من ولده، وأنه موسى بن معاوية بن أحمد بن عون بن معاوية بن عون بن جعفر، وقيل: عون بن عبد الله بن جعفر (2)، بينا يرى ابن الأثير أن عوناً لم يعقب (3).

ص: 136


1- ابن عنبه/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ ص37، وعلي خان/ الدرجات الرفيعة/ ص184، وابن حجر/ الإصابة/ الجزء الخامس من ثمانية أجزاء/ ص45، قال: ((وما له عقب)).
2- الأندلسي/ جمهرة أنساب العرب/ ص68.
3- أسد الغابة/ ج4/ ص314.

فهرست المصادر المعتمدة في تأليف الكتاب

القرآن الكريم

1-إبن أبي الحديد/ عز الدين/ عبد الحميد/ شرح نهج البلاغة/ الطبعة الأولى/ دار إحياء الكتب العربية/ القاهرة 1959.

2-إبن الأثير/ عز الدين/ أسد الغابة/ دار الشعب/ القاهرة 1970.

3-إبن الأثير/ عز الدين/ الكامل في التأريخ/ الطبعة الثانية/ دار الكتاب العربي/ بيروت 1967.

4-إبن حجر/ شهاب الدين/ أبو الفضل/ أحمد بن علي بن محمد/ الإصابة/ المطبعة الشرقية/ القاهرة 1907.

5-إبن خلدون/ عبد الرحمن المغربي/ كتاب السير وديوان المبتدأ والخبر.

6-إبن شهر آشوب/ رشيد الدين/ أبو عبد الله/ محمد بن علي/ مناقب آل أبي طالب/ المطبعة الحيدرية/ النجف 1956.

7-إبن عقيل/ بهاء الدين/ عبد الله بن عقيل/ شرح ألفية بن مالك/ الطبعة الرابعة عشرة/ القاهرة/ 1965.

8-إبن عنبه/ جمال الدين أحمد/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ دار الأندلس/ النجف 1988.

9-إبن المعتز/ عبد الله/ طبقات الشعراء/ الطبعة الرابعة/ دار المعارف/ القاهرة 1981.

ص: 137

10-إبن هشام/ السيرة النبوية/ مصطفى البابي الحلبي/ القاهرة 1936.

11-إبن هشام/ قطر الندى وبل الصدى.

12-الأبشيهي/ شهاب الدين/ محمد بن أحمد/ المستطرف في كل فن مستظرف/ دار الفكر/ بيروت.

13-الأصفهاني/ أبو الفرج/ علي بن الحسين/ الأغاني/ دار الفكر/ بيروت.

14-الأصفهاني/ أبو الفرج/ علي بن الحسين/ مقاتل الطالبيين/ دار إحياء علوم الدين/ بيروت.

15-الأصفهاني/ أبو الفرج/ علي بن الحسين/ مقاتل الطالبيين/ الطبعة الثانية/ المطبعة الحيدرية/ النجف 1965.

16-الأصفهاني/ محمد بن داود/ الزهرة/ تحقيق د. إبراهيم السامرائي/ د. نوري حمودي القيسي/ الأردن.

17-الآلوسي/ محمود شكري/ بلوغ الأرب/ المكتبة الأهلية/ مصر.

18-الأمين العاملي/ محسن/ أعيان الشيعة/ الطبعة الثانية/ مطبعة الإتقان/ دمشق 1947.

19-الأميني/ عبد الحسين/ الغدير/ الطبعة الثالثة/ دار الكتاب العربي/ بيروت 1967.

20-الأنباري/ أبو بكر محمد بن القاسم/ الزاهر في معاني كلمات الناس/ الطبعة الثانية/ دار الشؤون الثقافية العامة/ بغداد 1961.

ص: 138

21-الأندلسي/ إبن حزم/ علي بن أحمد/ جمهرة أنساب العرب/ الطبعة الخامسة/ دار المعارف/ القاهرة 1962.

22-الأندلسي/ إبن عبد ربه/ شهاب الدين/ العقد الفريد/ القاهرة 1953.

23-الأندلسي/ إبن عبد ربه/ شهاب الدين أحمد/ العقد الفريد/ الطبعة الأولى/ مكتبة هلال/ بيروت 1986.

24-البخاري/ أبو عبد الله/ محمد بن إسماعيل/ صحيح البخاري/ دار الفكر/ بغداد 1986.

25-الببلاوي/ محمود علي/ تأريخ الهجرة النبوية وبدء الإسلام/ الطبعة الأولى/ دار القلم/ بيروت 1985.

26-البلاذري/ أبو الحسن/ أحمد بن يحيى/ أنساب الأشراف/ الطبعة الأولى/ مؤسسة الأعلمي/ بيروت 1977.

27-البلاذري/ أبو الحسن/ أحمد بن يحيى/ فتوح البلدان/ مطبعة السعادة/ القاهرة 1959.

28-الخطيب البغدادي/ أبو بكر/ أحمد بن علي/ تأريخ بغداد/ دار الكتاب العربي/ بيروت.

29-الجاحظ/ أبو عثمان/ عمرو بن بحر/ الحيوان/ شركة الكتاب اللبناني/ بيروت 1986.

30-الجاحظ/ أبو عثمان/ عمرو بن بحر/ البخلاء/ الطبعة الأولى/ دار الكتاب المصري/ القاهرة 1948.

ص: 139

31-الجاحظ/ أبو عثمان/ عمرو بن بحر/ البيان والتبيين/ شركة الكتاب اللبناني/ بيروت 1986.

32-الجاحظ/ أبو عثمان/ عمرو بن بحر/ رسائل الجاحظ/ الطبعة الأولى/ القاهرة 1979.

33-الديلمي/ أبو محمد/ الحسن بن أبي الحسن بن محمد/ إرشاد القلوب/ دار القلم/ بيروت 1381ه-.

34-الزبيدي/ محمد مرتضى/ تاج العروس/ دار صادر/ بيروت 1966.

35-الزركلي/ خير الدين/ الأعلام/ الطبعة الثالثة/ بيروت 1969.

36-الزركلي/ خير الدين/ الأعلام/ الطبعة السادسة/ دار العلم للملايين 1984.

37-الزمخشري/ محمود بن عمر/ أساس البلاغة/ دار مطابع الشعب/ القاهرة 1965.

38-الرازي/ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر/ مختار الصحاح/ دار الرسالة/ الكويت 1983.

39-السويدي/ محمد أمين/ سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب/ المكتبة التجارية الكبرى/ القاهرة.

40-الشرتوني الخوري/ سعيد/ أقرب الموارد.

41-الشنتريني/ أبو الحسن/ علي بن بسام/ الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة/ الطبعة الأولى/ دار الثقافة/ بيروت 1979.

42-الشنتناوي/ أحمد/ دائرة المعارف الإسلامية/ الترجمة العربية/ 1933.

ص: 140

43-الصبان/ محمد/ إسعاف الراغبين/ المطبوع على هامش نور البصار/ الطبعة السابعة/ القاهرة 1965.

44-الطبرسي/ أبو منصور/ أحمد بن علي بن أبي طالب/ الإحتجاج/ مطبعة النعمان/ النجف 1969.

45-الطبري/ محمد بن جرير/ تأريخ الرسل والملوك/ دار المعارف/ القاهرة 1968.

46-الطوسي/ أبو جعفر/ محمد بن الحسن/ رجال الطوسي/ الطبعة الأولى/ المطبعة الحيدرية/ النجف 1961.

47-الظاهري/ إبن حزم/ علي بن أحمد/ الفصل في الملل والأهواء والنحل/ دار الندوة الجديدة/ بيروت.

48-العقاد/ عباس محمود/ أبو الشهداء/ الطبعة الثانية/ دار الكتاب العربي/ بيروت 1966.

49-العقاد/ عباس محمود/ معاوية/ دار الكتاب العربي/ بيروت 1966.

50-القالي البغدادي/ أبو علي/ إسماعيل بن القاسم/ الأمالي/ دار الفكر/ بيروت.

51-القرشي/ باقر شريف/ حياة الحسن بن علي/ مطبعة النجف/ 1956.

52-القطبي/ عبد الكريم بن محب الدين/ إعلام العلماء الأعلام ببناء المسجد الحرام/ الطبعة الأولى/ دار الرفاعي/ الرياض 1983.

53-القندوزي الحنفي/ سليمان بن إبراهيم/ ينابيع المودة/ الطبعة الثانية/ النجف 1385ه-.

ص: 141

54-الكليني/ محمد بن يعقوب/ الروضة في الكافي/ المكتبة الحيدرية/ النجف.

55-الكوفي/ إبن أعثم/ أحمد/ الفتوح/ الطبعة الأولى/ دار الكتب العلمية/ بيروت 1986.

56-المبرد/ أبو العباس/ محمد بن يزيد/ الكامل/ مطبعة محمد علي صبيح/ القاهرة 1366ه-.

57-المسعودي/ أبو الحسن/ تأريخ مروج الذهب/ المطبعة البهية المصرية/ القاهرة 1366ه-.

58-المظفر/ محمد حسن/ دلائل الصدق/ المطبعة الحيدرية/ النجف 1953.

59-المفيد/ محمد بن محمد بن النعمان/ الإرشاد/ 1364ه-.

60-المقرم/ عبد الرزاق/ الشهيد مسلم بن عقيل/ النجف 1369ه-.

61-النقدي/ محمد جعفر/ مواهب الواهب في فضائل آل أبي طالب/ المطبعة المرتضوية/ النجف 1341ه-.

62-النويري/ شهاب الدين/ أحمد بن عبد الوهاب/ نهاية الأرب/ المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر/ القاهرة.

63-المهزمي العبدي/ أبو هفان/ عبد الله بن محمد/ ديوان شيخ الأباطح أبي طالب/ المطبعة المرتضوية/ النجف 1356ه-.

64-حرز الدين/ محمد/ مراقد المعارف/ مطبعة الآداب/ النجف 1971.

65-جميل إبراهيم حبيب/ القول الجازم/ دار الكتب العلمية/ بغداد 1987.

66-جواد علي الدكتور/ المفصل في تأريخ العرب قبل الإسلام/ بيروت 1970.

ص: 142

67-سليمان/ سؤلات أبي عبد الرحمن السلمي الدار قطني في الجرح والتعديل/ دار العلوم/ الرياض 1988.

68-شبّر/ عبد الله/ تفسير شبّر/ الطبعة الثانية/ القاهرة 1966.

69-شمس الدين/ أبو علي/ فخار بن معد/ الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب/ المطبعة العلوية/ النجف 1351ه-.

70-سيد مؤمن/ الشبلنجي/ نور الأبصار/ الطبعة السابعة/ القاهرة 1960.

71-طه حسين/ حديث الأربعاء/ مصطفى البابي الحلبي/ القاهرة 1937.

72-علي خان/ صدر الدين/ الدرجات الرفيعة/ المطبعة الحيدرية/ النجف 1962.

73-علي خان/ محمد علي/ أبو طالب وبنوه/ الطبعة الأولى/ مطبعة الآداب/ النجف 1969.

74-علي خان/ محمد علي/ تقريرات على الكفاية (مخطوطة).

75-فيليب حتّى/ تأريخ العرب (مطول)/ دار المكشاف/ بيروت 1965.

76-قدامة بن جعفر/ نقد الشعر/ الطبعة الثالثة/ مكتبة الخانجي/ القاهرة 1979.

77-محمد أحمد جاد المولى وآخرون/ قصص العرب/ دار الجيل / بيروت 1988.

ص: 143

فهرست الجزء الثاني من الكتاب

1-تقديم سماحة الشيخ القرشي....................................... 2

2-مقدمة المؤلف....................................................... 7

3-الفصل الأول......................................................... 10

4-بنو أبي طالب....................................................... 11

5-أول الأبناء.......................................................... 14

6-بين التي واللتيا..................................................... 19

7-الفصل الثاني...................................................... 29

8-عقيل.................................................................30

9-بين عقيل وعلي................................................... 41

10-وجهاً لوجه مع معاوية................................ 50

11-بنو عقيل................................................ 65

12-الفصل الثالث.......................................... 74

13-جعفر بن أبي طالب................................... 75

14-في الحبشة............................................. 82

15-بخير دار............................................... 88

16-في مؤتة............................................... 91

17-إحدى الحسنين....................................... 94

ص: 144

18-عبد الله بن جعفر.................................. 105

19-عون بن جعفر.................................... 135

20-مصادر الكتاب................................... 137

21-فهرست الجزء الثاني............................ 144

ص: 145

ص: 146

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.