تراثنا المجلد 113

هوية الکتاب

المؤلف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

المطبعة: نمونه

الطبعة: 0

الموضوع : مجلّة تراثنا

تاریخ النشر : 1434 ه.ق

الصفحات: 478

ص: 1

اشارة

تراثنا

صاحب

الامتیاز

مؤسّسة

آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

المدير

المسؤول :

السيّد

جواد الشهرستاني

العدد الثالث

والرابع [113 - 114]

السنة

التاسعة والعشرون

محتويات العدد

* كلمة العدد :

المحتدم الفكري والنيل من المقدّسات

................................................................. هيئة التحرير 7

* مزار المفيد بين نسختي الكبير والصغير منه؟!

............................................. السيّد حسن الموسوي البروجردي 10

* (المصابيح في تفسير القرآن) كنزٌ من تراث التفسير الشيعي

........................................................... مرتضى كريمي نيا 55

* الذكر المحفوظ قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن وما روي في تحريفه (1).

.................................................... السيّد علي الشهرستاني 101

* النظرية الحديثية في المدرسة الإمامية (1)

................................................ السيّد زهير طالب الأعرجي 184

محرّم الحرام

- جمادى الآخرة

1434

ه-

* الغدير بين الأدب والتأريخ

............................................ السيّد محمّد علي راضي الحكيم 204

* دراسة في سند الزيارة الجامعة الكبيرة

..................................................... حميد ستودة الخراساني 242

* من ذخائر التراث :

* (شرح القصيدة العينيّة للسيّد الحميريّ) للملاّ حبيب الله الكاشاني (1340 ه)

................................................ تحقيق : فارس حسّون كريم 269

* (كتاب صغير) رواية أبي الفتح الحائري (كان حيّاً سنة 573 ه)

..................................... تحقيق : الشيخ عبد الحليم عوض الحلّي 417

* من أنباء التراث.

............................................................. هيئة التحرير 456

ص: 2

* كلمة العدد :

المحتدم الفكري والنيل من المقدّسات

................................................................. هيئة التحرير 7

* مزار المفيد بين نسختي الكبير والصغير منه؟!

............................................. السيّد حسن الموسوي البروجردي 10

* (المصابيح في تفسير القرآن) كنزٌ من تراث التفسير الشيعي

........................................................... مرتضى كريمي نيا 55

* الذكر المحفوظ قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن وما روي في تحريفه (1).

.................................................... السيّد علي الشهرستاني 101

* النظرية الحديثية في المدرسة الإمامية (1)

................................................ السيّد زهير طالب الأعرجي 184

محرّم الحرام

- جمادى الآخرة

1434

ه-

* الغدير بين الأدب والتأريخ

............................................ السيّد محمّد علي راضي الحكيم 204

* دراسة في سند الزيارة الجامعة الكبيرة

..................................................... حميد ستودة الخراساني 242

* من ذخائر التراث :

* (شرح القصيدة العينيّة للسيّد الحميريّ) للملاّ حبيب الله الكاشاني (1340 ه)

................................................ تحقيق : فارس حسّون كريم 269

* (كتاب صغير) رواية أبي الفتح الحائري (كان حيّاً سنة 573 ه)

..................................... تحقيق : الشيخ عبد الحليم عوض الحلّي 417

* من أنباء التراث.

............................................................. هيئة التحرير 456

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (شرح القصيدة العينيّة للسيّد الحميريّ) للملاّحبيب الله الكاشاني (1262 - 1340 ه) والمنشورة في هذا العدد.

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

كلمة العدد : المحتدم الفكري والنيل من المقدّسات

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخفى أنّ بادية العرب على جدوبة أرضها وشظف عيشها وفضاضة خلق قاطنيها إلاّ أنّها كانت تحظى بحضارة إنسانية لعلّها تفرّدت بهاآنذاك بين الأمم ، فبينما كانت ولا زالت الحضارات تعتدّ بوفور المال وجمع السلاح والكراع والزهرجة والبهرجة واقتحام البلاد وسفك دماء العباد والتبختر على أشلاء الضحايا ، فقد شهدت البادية لأبنائها أيّاماً سجّلت على رمالها معنىً سامياً للكرامة والنبل والإباء والسخاء وإكرام الضيف وإيوائه واستجارة المستجير وخير شاهد على ذلك حلف الفضول في الجاهلية والذي أقرّه الرسول(صلى الله عليه وآله) ، كما رعت صحاريها ما شخصوا به من مهاراتهم في عذوبة البيان وسجالة الكلام وقوّة الفصاحة والبلاغة حيث يعدّ هذا الأخير هو العذب الفرات الذي نقل لنا من ذاك الرفات الخلق النبيل والمنطق الأصيل والتراث

ص: 7

الأثيل من مفاخر ومآثر ومواقف خلّدتها هذه الحضارة الثرّة ، فتلك نواديها وأسواق المعرفة فيها نقشت على صفحات التاريخ للبادية أيّامها ورفعت لها مرّ القرون أعلامها وحقّقت لأهل الكرامة أحلامها بعد أن تركت جاهليّتها واعتنقت إسلامها ، وتنفّست السماء لتحكي عن أنبائها وصفّقت أجنحة جبرئيل في أرجائها وخفق الوحي على جبال بكّةوبطحائها وهبط من بين تلك الفجاج على حرائها ليُقرىء أفصح من نطق بالضاد قرآناً من ربّ العباد يتلوه نبيّ منذرٌ ومبشّر هاد ، (إقرأ) إنّها الكلمة التي انهدّت من دونها الأصنام واهتدت لها أفئدة الأنام ورفعت للبرية راية الأمن والسّلام ، وأسلمت لها يثرب والبطحاء وطأطأ لها أسود الصحراء ووجم بها الفصحاء والبلغاء ، واندحرت بها الآثام والموبقات وسجدت لها من أعلى جدران الكعبة المعلّقات وحملت في طيّها السبع المثاني والعاديات وحاميم والصافّات وطه والمرسلات والنجم والذاريات وما إلى ذلك من آيات باهرات.

وانحدر النبيّ من شاهق الجبل وفي رشحات جبينه ومضات الأمل وهويرتّل الآيات ويتلو الجمل لينذر أمّ القرى ومن حولها من الملل ، يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة يرشدهم إلى الهدى ويتمّ عليهم مننه ليستمعوا القول فيتّبعوا أحسنه ، فكان لهم سراجاً وهّاجاً حيث جعل لهم من الدين شرعة ومنهاجاً فمنهم من آمن ومنهم من ازداد لجاجاً ، فجادلهم بالتي هي أحسن نهجاً وأقام لهم فيما دعاهم إليه حججاً وأراهم طريقاً بلجا لم يرو فيه أمتاً ولا عوجاً ، فغذا بحديثه العقول وابتنت على حججه الأصول ومضت عليه قوافل المعقول والمنقول ، فخطّ للكرامة مشرعاً وللإباء طريقاًمهيعاً ولتراث العلم والقلم مربعاً.

فأيّ منهج أسمى من الرسول إنسانية حيث كان لها أساساً ، وأيّ خلق أشفى للصدور إذ كان له نبراساً ، وأيّ سيرة كانت أكثر منه أمناً ودعة واحتراساً ، (ادْعُ إلى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة) هي آية الرشاد ، (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيْم) اللطف بالعباد ، (إنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدَاً وَمُبَشِّراً وَنَذِيْراً وَدَاعِياً إلى اللهِ بِإذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيْراً) آية أشرت بها الوهاد واستقرّت لها المهاد ، (حَرِيْصَ عَلَيْكُمْ مَا عَنِتُّمْ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوفٌ رَحِيْمٌ)

ص: 8

هرعت لها القلوب من كلّ فجٍّ عميق ومن كلّ واد ، وكلّ آية رتّلها من الكتاب كانت رحمة وشفقة ونهج سداد.

أعاد للمرأة كرامتها من بعد ذلٍّ ووأد ، وصار الأسود في ملّته كالأبيض دون كراهية وصد ، وانتزع الغلّ من الصدور بلا رعب وحد. أشبع المسكين الفقير وآوى اليتيم والأسير وعفى عن الآبق المستجير وانتظرت مبعثه كلّ صومعة ودير.

لا تسبّوا آلهة من كفر ، ولا تزيلوا حجراً عن حجر ، لا تهلكوا النسل والحرث من نبت وشجر ، ولا تجهزوا على جريح من بعد كرٍّ وفرّ ذلك هو جيشه الأغرّ وشعاره الأبر الذي ملأ به الوجود حكمةً وعبر في سالف غبر وحال حضر.

فإن كُذّب كان الصّدق سيفه وسنانه وإن صُدّ كان الخلق سجّيته وإحسانه ، وإن حورب كان العفو منطقه وأمانه ، فليهجر بضغنه كلّ متكتّم هامسوليجرأ عليه كلّ متكلّم نابس وليمتلىء عليه غيضاً كلّ متكبّر عابس هجس فنبس واربدّ وعبس ونسب إلى ساحة الرسول الأعظم كلّ رجس وإفكودنس دحراً للحسنات والتزاماً بالسيّئات.

فليس من العجب أنّنا اليوم نرى حملة هوجاء تستهدف الرسول(صلى الله عليه وآله)لتنال من قدسيّته وعظيم شخصيّته. وممّا زاد في الطين بلّة أنّ هناك بين المسلمين وجوهاً لا تُرى إلاّ عند كلّ سوءة ، غوغاء إذا اجتمعوا غلبوا وضرّوا وإذا تفرّقوا لم يعرفوا ونفعوا ، يحرقون الأخضر واليابس ، ويخلطون الحابل بالنابل ، نفوس مريضة تتستّر بأسماء برّاقة وزخرف القول ، جهّال متنسّكون ، ضلّوا وأضلّوا ومضوا في طخية عمياء حيث لم ترسم للرسول ورسالته السمحاء إلاّ صورة شوهاء عجفاءمتعسّفة هزيلة عشواء ، قوم كانوا لمدار الفتن كالقطب من الرحى أمروابالمنكر ونهوا عن المعروف فلبئس المنتحى ، لبسوا الحقّ بالباطل وقتلوا النفس التي حرّم الله.

هيئة التحرير

ص: 9

مزار المفيد بين نسختي الكبير والصغير منه؟!

السيّد حسن الموسوي البروجردي

بسم الله الرحمن الرحيم

العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الأكرمين ، واللعن الدائم على أعدائهم من الآن إلى يوم الدين.

وبعد ..

كرّم الإسلام بل الأديان السماويّة كلّها الإنسان حيّاً وميّتاً ، فتراه حرّم المثلة ولو بالكلب العقور ، وحرّم حرق الأموات - كما تصنعه بعض الأُمم - ونبش القبور. وغيرها من الانتهاكات التي يطول سردها ، وأوجب احترام الأموات من وجوب الغسل والتكفين والصلاة على الميّت والدفن ، وكلّ هذه الممارسات وصلت إلينا من خلال سيرة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن طريق الأخبار والأحاديث - في كتب الخاصّة والعامّة - وتلقّاها عنه الصحابة ومنها البكاء والرثاء والحزن ، وزيارة القبور ، وذكر محاسن الميّت ، وتأبينه ، والدعاء له ،

ص: 10

وفي هذا السلك تنتظم زيارة النبىّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين عليهم السلام ؛ فإنّ المُزار كلّما كان عظيم الشأن قريباً من الله كانت معطيات زيارته أكثر ؛ إذ ليس المقصود منها الوقوف على ركام من الأحجار والتراب - وإن كانت لهما قدسيّتهما كالحجر الأسود وتراب قبر الإمام الحسين الشهيد عليه السلام - بقدر ما هو وقوف على معالم الإيمان والكرامة والفكر.

فيكون من قبيل قولهم :

أمرُّ عَلَى الدِّيارِ ديارِ ليلى

أُقَبِّلُ ذَا الجِدارَ وذا الجِدارا

وما حُبُّ الدِّيارِ شَغَفْنَ قَلبِي

ولكن حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيارا

وبالجملة قد رُوِيت أحاديث كثيرة - في كتب الفريقين - عن النبىّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين عليهم السلام في حياتهم الإلهيّة على ضرورة زيارة قبورهم الشريفة بعد وفاتهم ، ووعدوا من ربّهم (عزّ وجلّ) على ذلك الثواب الجزيل والآثار العظيمة في الدنيا والآخرة ، لِمَا للزيارة من معان سامية ودلالات لائحة على علاقة المؤمن بنبيّه وأوصيائه وبما جاؤوا بها في حياته وبعد وفاته.

وإلى أن رويت سلسلة من الأعمال والمراسيم عند الزيارة من الطهارة والذكر والدعاء والصلاة والخضوع والخلوص والالتفات إلى العظمة الروحيّة للمُزار .. وغيرها من الأعمال؛ وقد جمعها العلاّمة المحدّث الميرزا حسين ابن محمّد تقي النوري (ت 1320 ه) في كرّاسة لطيفة من كتب المزار والفقه والحديث ، وأنهاها إلى ثلاث وأربعين أدباً ، وسمّاها ب- : (آداب الزيارة) ، وجعلها إحدى مقامات الفصل الرابع من كتابه تحيّة الزائر ، إذ قال تلميذه

ص: 11

العلاّمة الطهراني (1389 ه) عن هذه الرسالة : «ما رأيتُ من سبقه في هذا الجمع ، فحريّ بأن يعدّ تصنيفاً مستقلاًّ له» (1).

ومن تلك الآداب التي علّمها الأئمّة الهداة عليهم السلام لشيعتهم عند الزيارة ووصلت إلينا هي قراءة نصوص يردّدها الزائر عند قبورهم عليهم السلام تحتوي على أهمّ أركان الإسلام وأُصول الدين وقواعد الأخلاق وأُسس المعارف ، وقد قام أصحابنا - رضوان الله تعالى عليهم - في عهد أئمّتهم وبعدهم بجمع هذه النصوص وتدوينها في كتب خاصّة سمّوها بكتب المزار.

ومن الحريّ أن نشير هنا - استطراداً للموضوع - إلى الباب الخشبي العتيق الرائع لضريح المرقد الشريف لهانئ بن عروة المرادي - صلوات الله عليه - الذي يعدّ بحقّ من التحف الخشبيّة في العالم ، المزدان بزخارف منقوشة ، والمصنوع في البلاد الإيرانيّة في محرّم سنة 543 ه- / 1148 م ، والمحفوظ في متحف جاير أندرسون (بيت الكرتيليّة) بحيّ طولون بالقاهرة(2) ، والمهمّ هنا أنّ هذا الباب يحتوي على زيارة هانئ بن عروة ، وكلمات النصوص الكتابيّة المنقوشة عليه يطابق تماماً كلمات زيارة هانئ الموجودة في كتابنا الذي نحن بصدده وغيره من الكتب كمزار ابن المشهدي وابن طاوس والشهيد. 6.

ص: 12


1- الذريعة 1 : 20/ 93.
2- كتب الأُستاذ الدكتور عبد الرحمن فهمي أُستاذ جامعة القاهرة مقالاً ممتعاً عن هذا الباب ، وطبعه في مجلّة (سومر) العدد : 26 ، الصفحة : 263 - 276.

ومن خلال ما كتب على هذا الباب ترى أنّ شيعة الحسين بن عليّ عليهما السلامفي النصف الأوّل من القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي لم تنس لناصر الحسين عليه السلام والبطل الشهيد هانئ بن عروة - الذي كان من القرّاءالأشراف - جهاده وموقفه مع الحسين عليه السلام حيث إنّه كان ممّن يأمل فيهم الحسين عليه السلام في نشر دعوته الإلهيّة وتوطئة الأُمور له بالكوفة قبل انتقاله إليها ، فأقامت له ضريحاً يُزار بجانب مسجد الكوفة فوق جثمانه الشريف ، بقي من آثار هذا الضريح هذا الباب النفيس والذي يحمل تاريخاً يقوم دليلاً على وجود ضريح هانئ في ذلك العصر ، وتعدّ هذه الكتابة التي عليه هي أقدم نصٍّ وصل إلينا لزيارة ابن عروة المرادي رضي الله عنه ، وقد ذُكر في مزارالمشهدي (ق 6).

كما أنّ الزيارات التي زارها أئمّةُ أهل البيت عليهم السلام آباءَهم عليهم السلام جعلها أصحابهم - رضوان الله تعالى عليهم - في كتب مستقلّة عنونت باسم المزار ، وأوّل كتاب أُلّف في موضوع المزار في العالم الإسلامي بحسب ما وصل إلينا هو : كتاب مزار أمير المؤمنين عليه السلام ؛ للشيخ الثقة الجليل معاوية بن عمّار الدُّهني الكوفي (ت 175 ه) الذي كان من خواصّ أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام(1) ، وذلك في بداية إظهار الأئمّة المعصومين عليهم السلام قبرَ جدّهم أميرِالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام لشيعتهم لاسيّما الإمام أبي عبد الله جعفر بن 6.

ص: 13


1- الفهرست للنجاشي : 412/ 1096.

محمّد الصادق عليهما السلام (المستشهد سنة 148 ه) الذي كان له دور كبير في إظهار قبر جدّه وترغيب الناس إلى زيارته ، وقد يومئ تأليفُ كتاب - المزار - في بدايات ظهور المرقد الشريف من أحد تلامذة الإمامين الباقر والصادق عليهما السلامالثقاة القريبين إليهما إلى حثّ من قبلهما صلوات الله عليهما لجمع هذه النصوص ، ولرغبة المؤمنين إلى زيارة أمير المؤمنين عليه السلام واحتياجهم إلى آداب زيارته ، كما أنّ الكتب تؤلّف عادةً لتلبية احتياج المجتمع.

وكذا كتاب المزار ؛ لأبي سليمان داود بن كثير الرقّي (ت بعد 200ه) ، وهو من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام(1) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الثقة أبي الحسن علي بن أسباط بن سالم بيّاع الزُّطِّي ، المقرئ الكوفي (حيّاً سنة230 ه) ، وهو من أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام ، وكان أوثق الناس وأصدقهم لهجةً(2) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الفقيه أبي الحسن علي بن مهزيار الأهوازي الدورقي ، وهو من أوثق أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السلام ، وكان وكيلهم ر.

ص: 14


1- الفهرست للنجاشي : 156/ 410 ، رواه النجاشي بهذا الطريق : أخبرنا أبو الحسن ابن الجندي ، قال : حدّثنا أبو علي ابن همّام ، قال : حدّثنا الحسين بن أحمد المالكي ، قال : حدّثنا محمّد بن الوليد المعروف بشباب الصيرفي الرقّي ، عن أبيه ، عن داود بكتاب المزار.
2- الفهرست للنجاشي : 253/ 663 ، روى كتاب المزار هذا النجاشي في فهرسته بهذا الطريق : أخبرنا أحمد بن عبد الواحد بن أحمد ، قال : حدّثنا علي بن محمّد ، قال : حدّثناعلي بن الحسن بن فضّال ، قال : حدّثنا علي بن أسباط بكتابه المزار.

في بعض النواحي(1) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الثقة الحسين بن سعيد بن حمّاد الكوفي الأهوازي ، وهو من أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السلام ، وهذا المزار من جملة كتبه الثلاثينيّة في أبواب الفقه المعتمدة عندعلمائنا(2) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الثقة أبي جعفر محمّد بن الحسن الصفّار(ت 290 ه)(3) ، من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام.

وهذه جملة ممّا كتبها قدماء الأصحاب في عهد الأئمّة المعصومين عليهم السلام ممّا سمعوها أو جمعوها من ألفاظهم الشريفة ثمّ دوّنوها في كتب مستقلّة ، ثمّ انعكست هذه الأخبار والروايات في كتب متأخّريهم أمثال : كتاب المزار ؛ لشيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي أبو القاسم (ت 299 أو 300 أو 301 ه)(4) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الثقة الجليل أبي جعفر محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي(5) ، وكتاب المزار ؛ للشيخ الثقة الصدوق أبي النضر محمّد ابن مسعود العيّاشي السمرقندي (أواخر ق3ه)(6).

وفي أواسط القرن الرابع أُلِّفَتْ عدّة مزارات كبيرة؛ والتي كانت تتداول 4.

ص: 15


1- الفهرست للنجاشي : 253/ 664.
2- الفهرست للنجاشي : 60/ 136 - 137 ، الفهرست للطوسي 58/ 220.
3- الفهرست للنجاشي : 354/ 948.
4- الفهرست للنجاشي : 178 - 179/ 467.
5- الفهرست للنجاشي : 349 - 350/ 939.
6- الفهرست للنجاشي : 350 - 353/ 944.

بين الفقهاء والمحدّثين ؛ منها : كتاب الزيارات - على تعبير النجاشي في فهرسته - والذي عُرِف وطبع باسم : كامل الزيارات ؛ للشيخ الثقة الجليل أبي القاسم جعفر بن محمّد ابن قولويه (المتوفّى 368 ه) ، قال عنه النجاشي : عليه قرأ شيخنا أبوعبد الله [المفيد] الفقه ومنه حمل ، وكلّ ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه ، ووصف كتبه بأنّها : حسان(1).

وكذا كتاب المزار الكبير ؛ لشيخ هذه الطائفة وعالمها ، وشيخ القمّيّين فيوقته وفقيههم أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود بن عليّ القمّي (ت378ه) (2) ، والذي حكى أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري أنّه لم ير أحداً أحفظ منه ولا أفقه ولا أعرف بالحديث ، وقد وصف الشيخ الطوسي هذا المزار بأنّه : حسن(3).

وبعد هذا وذاك ؛ جاء الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (ت 413 ه) الذي كان من أصحاب الشيخين الجليلين ابن داود القمّي وابن قولويه وألّف كتاب المزار الصغير - على تعبير النجاشي(4) أو كتاب مناسك الزيارات على تعبير الشيخ الطوسي وابن طاوس(5). ة.

ص: 16


1- الفهرست النجاشي : 123/ 318.
2- الفهرست للنجاشي : 384/ 1045.
3- الفهرست للشيخ الطوسي : 211/ 603.
4- الفهرست للنجاشي : 399 - 400/ 1067 ، معالم العلماء لابن شهر آشوب : 149.
5- تهذيب الأحكام 6 : 56 ، محاسبة النفس لابن طاوس : 37 ، عدّه الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل 30 : 165 ممّا نقل عنه بالواسطة.

ويروي المفيد - رضوان الله تعالى عليه - عن هذين المزارين - أي مزار ابن داود وكامل الزيارات لابن قولويه - في كتابه المزار الصغير ، وهما المصدران الرئيسيّان لكتاب مزار المفيد ، وكذا في قسم المزار من كتابه المقنعة ؛ ونقل عن مزار ابن داود بعنوان : كتاب الزيارات(1) ، كما وقد أورد عدّة روايات وزيارات في مزاره بدون الإسناد إلى شيخه ابن داود القمّي ولا إلى شيخه الآخر ابن قولويه القمّي ، ويظهر لنا مصدر هذه الزيارات بعد الرجوع إلى كتاب تهذيب الأحكام ؛ حيث أورد الشيخ الطوسي (460 ه) جملةً من تلك الزيارات عن الشيخ المفيد ، عن ابن داود القمّي ... فهذه الأخبار كلّها مأخوذة عن كتاب شيخه ابن داود القمّي.

واقتدى به تلميذه الشيخ الطوسي (460 ه) بل مشايخ الشيعة كالحسين بن سعيد الأهوازي (ق 3) الذي اختصّ في كتبه الثلاثينيّة كتاباً خاصّاًبعنوان كتاب المزار ، فعقد الطوسي كتاباً خاصّاً في كتاب تهذيب الأحكام بعنوان كتاب المزار ونقل كثيراً من أخبار كتابَي المزار لابن داود وابن قولويه القمِّيَّين عن طريق الشيخ المفيد(2). 11

ص: 17


1- وهي هذه المواضع : المزار للشيخ المفيد : 178/ 7 ، و 191/ 2 ، و 192/ 4 ، و 201/ 4 ، و 207/ 1 ، و 222/ 3 ، و 224/ 5 ، و 225/ 7 ، و 226/ 8 - 9 ، و 228/ 12.
2- انظر : تهذيب الأحكام 2 : 228/ 106 ، و 5 : 431/ 145 ، و 6 : 3/ 1 ، و 9/ 11 - 12 ، و 20/3 ، و 24/ 9 ، و 25/ 1 ، و 33/ 10 ، و 40/ 1 ، و 42/ 1 ، و 45/ 11 ، و 46/ 14 ، و 47/17 ، و 50/ 30 ، و 51 - 52/ 36 و 37 و 38 و 1 ، و 53/ 5 ، و 53/ 7 ، و 54/ 7 ، و 72/5 ، و 74/ 15 ، و 75/ 16 ، و 76/ 20 ، و 78/ 3 ، و 81/ 1 ، و 83/ 2 ، و 85/ 4 ، و 93/2 ، و 106/ 2 - 3 ، و 109/ 10 ، و 110 - 111/ 12 إلى 116 ، و 115/ 20. ولاحظ : خاتمة المستدرك 3 : 240.

وفي القرن السادس جاء الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر الحائري ، المعروف بابن المشهدي وألّف المزار الكبير ، ثمّ في القرن السابع ألّف السيّدعليّ ابن طاوس الحلّي (664 ه) مصباح الزائر ، ثمّ في القرن الثامن ألّف الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (786 ه) كتابه المزار والذي نسب إليه ، وأودعوا في هذه الكتب زيارات شتّى للمشاهد المقدّسة ، ولكنّهم أخرجوا الأخبار والزيارات وأعمالها بشكل مرسل بحذف الأسانيد غالباً ، وكذالم يهتمّوا فيها بذكر مصادر الزيارات ، ومن هذه الجهة يصعب علينا جدّاً تعيين مصادرهم ، ومن المهمّ أنّ بين مزاري ابن طاوس والشهيد اشتراكات كثيرة في المنقولات ، وكأنّهما أخذا مطالبهما من مصدر واحد ، وهذابحث مهمّ في هذا المقام وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.

وينتهي الأمر في القرن الحادي عشر إلى العلاّمة المجلسي (1110 ه) - رحمة الله عليه رحمةً واسعةً - فجمع ما في كتب المزار في موسوعته الحديثيّة بحار الأنوار وخصّص مجلّداً خاصّاً ضخماً لتدوين الزيارات في كتابه ، وأورد فيه الزيارات المنقولة في المصادر المعروفة وغير المعروفة.

ص: 18

المجلسي ومزار المفيد :

نرى - كثيراً ما - في نُقُول العلاّمة المجلسي رحمه الله في كتاب المزار من البحارأنّه يُورِد زيارات عديدةً متتابعةً بهذه العبارات وغيرها(1) :

*

«ثمّ أقول :

لمّا ذكرنا ما وصل إلينا من الروايات الواردة في كيفية زيارته(صلى الله عليه

وآله) نختم الباب بإيرادما ألّفه وأورده الشيخ الجليل المفيد ، والسيّد النقيب

علي ابن طاوس ، والشيخ السعيد الشهيد ومؤلّف المزار الكبير وغيرهم - رضي الله

عنهم أجمعين - ، واللفظ للمفيد ..»(2).

*

«زيارة أُخرى

رواها المفيد والسيّد والشهيد وغيرهم - رضي الله عنهم - عن صفوان ، واللفظ0.

ص: 19


1- انظر لنقول العلاّمة المجلسي عن المزار للمفيد ومصباح الزائر لابن طاوس والمزار للشهيد والمزار الكبير لابن المشهدي : بحار الأنوار 97 : 183 و 217 و 271 و 281 و 291و 305 و 310 و 311 و 359 و 372 و 373 و 377 و 407 ، وج 98 : 202 و 206 و 251 و 274 و 276 و 278 و 279 و 283 و 286 و 303 و 305 و 317 و 328 و 332 و 336 و 337 و 345 و 350 و 352 و 359 و 362 و 363 ، ج 99 : 11 و 57 و 62 و 72 و 116و 119 و 173 و 198 و 273.
2- بحار الأنوار 97 : 160.

للمفيد ، قال

..»(1).

*

«وقال الشيخ

المفيد والشهيد ومؤلّف المزار الكبير(رحمهم الله) في وصف زيارته عليه السلام : فإذا فرغت من زيارة

جدّه وأبيه فقف على باب حرمه فقل ..»(2).

*

«ثمّ قال

المفيد والشهيد - رحمهما الله - : ثمّ عدإلى العسكريّين صلوات الله عليهما فزر

أُمّ الحجّة وذكراها مثل ما تقدّم»(3).

ومن المعلوم أنّ مراده رحمه الله من السيّد والشهيد هو قولهما في كتابيهما مصباح الزائر والمزار ، ونعلم أنّ المزار الصغير لشيخنا المفيد - أعلى الله مقامه - المقطوعة نسبته إليه من خلال أسانيده - والمطبوع مرّةً بتحقيق مؤسّسة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) بقم المقدّسة ، وعنه في موسوعة مؤلّفات الشيخ المفيد - لم يصل إلى العلاّمة المجلسي رحمه الله؛ إذ :

أ) لم ترد أكثر الزيارات المروية في البحار عن مزار الشيخ المفيد في المزار الصغير المطبوع.

ب) وكذا أنّ جملة كثيرة من الزيارات المروية في المزار الصغير مسندة بطرق الشيخ المفيد عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام بينما المروي في البحار من 9.

ص: 20


1- بحار الأنوار 97 : 281.
2- بحار الأنوار 99 : 116.
3- بحار الأنوار 99 : 119.

الزيارات عن المفيد كلّها مرسلة.

وتظهر من نُقُول المجلسي عن مزار المفيد - وهي كثيرة جدّاً - أنّ نسخته منه كانت نسخة كبيرة عمّا هو موجود ومطبوع وموسوم ب- : المزار الصغير ، ولذا نُسِب إلى المفيد مزاراً ثانياً بعنوان : المزار الكبير(1) ، ولكنّ نسخة المجلسي غير متوفّرة في المكتبات خلافاً للمزار الصغير الذي له عدّة نسخ(2).

وكذا يظهر من نقل ابن طاوس والشهيد في مزاريهما أنّهما أخرجا أكثرهذه الزيارات على الترتيب الموجود في مزار المفيد الموجودة نسخته عند العلاّمة المجلسي ؛ وقد اعتمد المجلسي على هذه النسخة أكثر من اعتماده على مصباح الزائر لابن طاوس ومزار الشهيد ونقل لفظ مزار المفيد وقال ما نصّه : «فنتّبع لفظه» ، وعلّل هذا بقوله : «لأنّه أسبق وأوثق»(3) ، ولذاوضع العلاّمة المجلسي السيّد ابن طاووس والشهيد الأوّل بعد المفيد مباشرةً في أكثر مواضع النقل عنهم لا سيّما الشهيد الأوّل؛ فإنّه إذا ذكر زيارة في مزاره فالمجلسي قبل إيرادها يذكر اسمه بعد ذكر اسم المفيد وخصوصاً عند اتّفاقهما في موارد نقلهما ، وسوف نبحث عن علاقة كلّ واحد بالآخر. 5.

ص: 21


1- هذا المزار هو غير المزار الكبير لابن المشهدي؛ فلاحظ.
2- لهذا المزار 16 مخطوطة (كما في فهرستگان نسخه هاي خطي 10 : 92 - 94 ، وانظر : فهرستوار دستنوشت هاي إيران (دنا) 9 : 467).
3- بحار الأنوار 97 : 305.

فعلى هذا لا يبعد أن يكون هذا المزار الكبير المنسوب إلى الشيخ المفيد هو من مصادر السيّد ابن طاوس والشهيد الأوّل في كتابيهما ، وهما كاناقد أخذا هذه الزيارات من هذا المزار المنسوب إلى الشيخ المفيد.

وبناءً على هذا الحدس أرى من المهمّ أن أبحث ماهيّة هذا المزار المنسوب إلى الشيخ المفيد وكذا علاقة مزاري ابن طاوس والشهيد الأوّل بالمزار المنسوب إلى المفيد.

وحريّ بالذكر أنّه لا شكّ بأنّ لابن طاوس والشهيد مصادر في تلك الزيارات ، وهذه الزيارات والأخبار من حيث النصوص هي - في الواقع - امتدادخطّ لكتاب المزار من التهذيب للشيخ الطوسي (460 ه) ، وكذا الطبقات السابقة عنه كالشيخ المفيد (413 ه) وابن داود القمّي (378 ه) وابن قولويه (368 ه) .. ومن ماثلهم ، وكذا الطبقات السابقة عنهم أعني محمّدبن علي بن الفضل بن تمّام الكوفي (أوائل ق4)(1) ، الذي كان كتابه المزار من مصادر مزار ابن داود القمّي والذي يروي عنه بلا واسطة(2) ، ومن ثمّ كتبت كتب المزار من قبل أصحاب الأئمّة الهداة عليهم السلام الذين مرّ ذكرهم فيما سلف آنفاً.5.

ص: 22


1- يروي عنه الشيخ الصدوق في مسجد أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة (كما في الأمالي : 189/8 ، و 258/ 12 ، و 315/ 4 ، وفي كتاب النبوّة على ما في قصص الأنبياء 1 : 249/70) ، وسمع منه التلعكبري وأجازه سنة 340 ه- (الرجال للطوسي : 443/ 70 ؛ وانظر : نوابغ الرواة في رابعة المئات للشيخ الآقا بزرك الطهراني : 290 - 291).
2- فرحة الغري : 223 - 225.

قصّتي مع كتاب المزار الكبير للمفيد :

في أثناء عملي في مشروع تحقيق (مصادر بحار الأنوار) - حدود سنة 1426 هجرية - دخلتُ بصحبة سيّدنا المحقّق وأُستاذنا العلاّمة السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي - طوّل الله عمره الشريف ومتّعنا بطول بقائه - على العلاّمة الكبير والمحدّث المحقّق آية الله السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحي - مدّ الله له في العمر السعيد ، ومتّعه الله بالعيش الرغيد ، والذي صرف عمره الشريف لخدمة مذهب أهل البيت عليهم السلام وإحياء علومهم وفضائلهم ومناقبهم - لكي نستفسر عمّا عمله هو في تحقيق مصادر البحار أو التي هي قيد التحقيق في مؤسّستهم المسمّاة باسم الإمام الحجّة المهدي - عجّل الله تعالى فرجه الشريف - ، فهو ببشاشة وجهه وكرمه ولطفه أعطانا مفتاح غرفته التي جمع فيها صور المخطوطات التي صوّرها منذ مدّة طويلة من هنا وهناك ، والأوراق المسوّدة التي عمل فيها أو استنسخها وحقّقها في هذه الفترة ، كما سمح لي بأخذ صورة ممّا أُريده عمّا جمعه؛ ومن منن الله تعالى عليّ بأن جعلني أعيش في وسط هؤلاء الأعلام الكبار وتربيتهم لي بالمسامحة والصبر وكرم النفس والجود؛ وكم حريّ بهم قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «المؤمن هيّن ليّن سمح ، له خلق حسن ، والكافر فظّ غليظ له خلق سيّئ ..»(1).9.

ص: 23


1- الأمالي للطوسي 1 : 189.

وحين البحث في غرفة سماحة السيّد وفِّقْت لرؤية صورة نسخة المزار وقد كُتِب على كيسها المختوم مزار الشيخ المفيد ، فاستعرتها من جنابه مع جملة كثيرة من الأوراق بل الدرر والغرر واستنسختها ، وبعد ذلك بدأتُ بمطالعة ما أتحفني به السيّد الأبطحي حتّى وصلتُ إلى رؤية أوراق هذاالكتاب ، وفي بادئ الأمر تصوّرت أنّها صورة من المزار الصغير للشيخ المفيد والذي حقّقه السيّد نفسه وطبعه وكذا طُبِع عنه ضمن موسوعة مؤلّفات الشيخ المفيد رحمه الله ، ولذا أردتُ أن أمرّ عليها وأتركها لزمان آخر ، ولكنّي رأيت أنّ النسخة المستنسخة كبيرة الحجم بينما المزار المطبوع صغيرجدّاً - وهو موافق لوصفه بالصغير - ، فظننتُ أنّها شيئاً آخر أو أنّها عدّة صور من المزار الصغير ، ففتحت باب الكيس وفتّشتُها فلم تكن إلاّ نسخة واحدة بخطّ واحد ، ولكنّها كبيرة غير المزار الصغير المطبوع ، والنسخة كانت من ممتلكات مكتبة آية الله الصفائي الخوانساري ، علماً بأنّ أصل المخطوطة كانت بخطّ والد صاحب المكتبة ، وقد كتب في آخرها :

«لقد وقع الفراغ من

استنساخ هذا المزار الشريف - بعون الله وتوفيقه - الذي هو من مؤلّفات شيخ الشيوخ

حجّة الفرقة الناجية ، ممدوح الحجّة صاحب العصر والزمان - عليه وعلى آبائه سلام

الله وتحيّاته - محمّد بن محمّد بن النعمان المشتهر بالمفيد ، بيد العبد الآثم ،

في شعبان المعظّم بعد مضيّ اثني عشر

ص: 24

يوماً منه ،

أفقر السادة وأحوج الطلبة إلى عفو ربّه الرحيم أحمد بن محمّد رضا الحسيني - غفر

الله له ولآبائه وأُمّهاته بحقّ أجداده المعصومين - من عام السابع والخمسين

وثلاثمائة بعد الألف ، والحمد له أوّلاً وآخراً».

وصرّح رحمه الله أنّ نسخة والده كانت غير تامّة بقدر 20 ورقة تقريباً من أوّلهاووسطها فأتمّها من نسخة كتبها العلاّمة المحدّث الحاجّ الشيخ عبّاس القمّي.

«ثمّ كتب السيّد الخوانساري في هامش الصفحة قبل الأخيرة من المخطوطة وقبل زيارة المختار رحمه الله ، ما نصّه :

«هذا

آخر ما أردنا ذكره في هذا المجموع والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد

وآله الطاهرين. تمام شد نسخه مزار مفيد ملحق شده است حرّره عبّاس القمّي».

ثمّ كتب بعده :

«وليعلم

أنّ ما رقم في هذا الهامش قد كتب [ه] المحدّث المتبحّر ثقة الإسلام الحاجّ شيخ

عبّاس القمّي

رحمه الله

[في] آخر النسخة التي أتممت منها هذه النسخة فنقلتها بعين عبارته حذو النعل

بالنعل؛ ليكون الناظر على بصيرة وليدعو لي بدعاء الخير حين القراءةوالمطالعة؛

الأحقر صفائي الخونساري - عفي عنه».

ص: 25

والذي ظهر لي بعد التطبيق أنّ الأوراق المكمّلة بخطّ العلاّمة السيّد مصطفى الخوانساري والتي هي منقولة عن نسخة المحدّث الشيخ عبّاس القمّي كلّها مطابقة لكتاب مزار الشهيد الأوّل من خطبته إلى غيرها ، وليست من مزار المفيد.

وعلى هذا فإنّ هذه النسخة المنسوبة إلى الشيخ المفيد ناقصة من أوّلهابقدر صفحة واحدة أو أكثر من الخطبة إلى قوله : (وإذا وردت إن شاء الله مدينة النبىّ(صلى الله عليه وآله) فاغتسل ...).

فراجعتُ المصادر ورأيتُ أنّ ثمّة مزاراً ثانياً منسوباً - في بعض المصادر- إلى الشيخ المفيد بعنوان : المزار الكبير ، وهو الذي ينقل عنه العلاّمة المجلسي في موسوعته الحديثيّة بحار الأنوار كما ذكرنا ، وقد أخبرت سماحة السيّد الأبطحي وقال لي : بأنّي صوّرتُ عن هذه النسخة عندما كانت ضمن مكتبة العلاّمة السيّد مصطفى ابن العلاّمة السيّد أحمد بن محمّد رضا الحسيني الصفائي الخوانساري - قدّس الله نفسه الزكيّة - كما أنّ عليها خطّ والده العلاّمة السيّد أحمد الصفائي (1359ه) ، علماً بأنّ هذه المكتبة بعد وفاة العلاّمة السيّد مصطفى انتقلت إلى مكتبة الآستانة الرضويّة على صاحبها آلاف التحية والثناء ، فتفحّصتُ في الفهارس الخاصّة التي كتبت لنسخ هذه المكتبة والتي انتقلت إلى مشهد المقدّسة وكذا في فهارس الآستانة الرضويّة فلم أعثر على نسخة الأصل ، فمرّت سنوات وأنا أتفحّص عن أصل هذه النسخة وغيرها من نسخ الكتاب ، فاقتصرنا في تحقيق هذا المزار المنسوب إلى شيخنا المفيد -

ص: 26

أعلى الله مقامه - ونشره على صورة هذه النسخة النفيسة والدرّة اليتيمة عسى أن يفتح الله لي أبواب كرمه ولطفه مرّةً ثانيةً لإكمال عملنافي هذا الكتاب ؛ فالله خير ناصر ومعين ..

هل هذا المزار للشيخ المفيد؟

ليس لدينا خبرٌ عن هذا المزار الكبير ونُسَخِه من زمن الشيخ المفيد (413 ه) إلى عصر العلاّمة المجلسي (1110 ه) الذي هو أوّل من استخرج زياراته في موسوعته الكبرى بحار الأنوار ، وكذا لم يذكره تلميذا الشيخ المفيد الشيخ الطوسي (460 ه) وأبو العبّاس النجاشي (450 ه) في فهارسهما ، نعم ذكر النجاشي عند ترجمة أُستاذه الشيخ المفيد كتاب المزار الصغير(1) ، وهو عين كتاب المزار الصغير المطبوع باسم الشيخ المفيد سابقاً الذي نُسَخُه متداولة في المكتبات ، ولا ريب في صحّة نسبة هذا المزار الصغير إلى الشيخ المفيد ؛ وذلك من خلال أسانيده والكتب التي نقلت عنه ، كما ذكرنا ذلك سابقاً ، كما أنّ المفيد التزم في أوّل مزاره الصغير المطبوع أن يكون ملخّصاً ظ.

ص: 27


1- لعلّ أسماء الكتب التي أوردها الشيخ في فهرسه هي كتبٌ قرأها أو سمعها عن الشيخ المفيد حيث يقول في آخر كلامه في الفهرست : 239/ 126 : «سمعنا منه هذه الكتب كلّها ، بعضها قراءةً عليه ، وبعضها يقرأ عليه غير مرّة وهو يسمع» ، وهذه الكتب غيرالكتب التي أجازه الشيخ المفيد لروايتها ، ولا يخفى أهمّية القراءة والسماع وأولويّتهما من بين الطرق السبعة لتحمّل الحديث ؛ فلاحظ.

ولعلّه لذلك يسمّى صغيراً(1) ، ولذا يطابق توصيف النجاشي لهذا المزار ب- : الصغير ؛ حيث إنّ هذا المزار صغير الحجم واقعاً.

وكذلك لم يرد اسم كتاب مزار للشيخ المفيد في فهرست الشيخ الطوسي أصلاً ؛ وذلك أنّه اكتفى في أسماء مؤلّفات المفيد بفهرس مؤلّفاته المعروفة آنذاك وقال في فهرسته : «وله قريب من مائتي مصنّف كبار وصغار» ، ثمّ بعد عَدِّ بعض مصنّفات أُستاذه يقول : «وفهرست كتبه معروف ، وغير ذلك من كتبه ممّا أومأنا إليه ممّا هو مثبت في فهرست كتبه» ، نعم هو ينقل عن كتاب مناسك الزيارات للشيخ المفيد في تهذيب الأحكام وقال في موضع منه :

وقد

ذكر الشيخ

رحمه الله

في كتابه في مناسك الزيارات ترتيباً لزيارة أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلامأحببت إيراده على

وجهه ، ذكر

رحمه الله

إنّه ...»(2).

وكذا ذكر هذا المزار الصغير السيّد علي ابن طاوس (664 ه) بعنوان كتاب مناسك الزيارات(3).

وبالإضافة إلى هذا ، هناك كثير من الزيارات بل أكثرها لم ترد في قسم المزار من كتاب المقنعة لنفس الشيخ المفيد ، ولا في قسم المزار من كتاب 2.

ص: 28


1- المزار الصغير : 3 ، المقدّمة.
2- تهذيب الأحكام 6 : 56.
3- محاسبة النفس (المطبوع في مجلة تراثنا) العدد 46 ، ص 380 و 382.

التهذيب بروايته عن الشيخ المفيد.

نعم .. أورد الكفعمي رحمه الله في آخر مصباحه عند تعداد مصادره اسم مزار المفيد مرّتين ، وينقل في متن المصباح عن مزار المفيد ولم يفرّق بين المزارين للمفيد ب- : الصغير والكبير أو شيء آخر ، وكذا كلّ ما نقله رحمه الله موجود في المزار الصغير المطبوع للشيخ المفيد(1) ، ولعلّ ذكره لمزار المفيد مرّتين إمّا لسبق قلمه من توهُّمه لعدم ذكره ، كما أنّه عدّ في خاتمة كتابه البلد الأمين مزاراً واحداً للشيخ المفيد(2) ، وكذا في فحوى الكتاب(3) ، أو لعلّ مراده المزاران المنسوبان للشيخ المفيد ؛ وهما المزار الصغير المقطوعة نسبته للشيخ المفيد ، والمزار الثاني هو النسخة الكبيرة التي نبحث عنها في هذاالمقال ، أو النسخة المختصرة عنها والتي هي منسوبة إلى الشهيد الأوّل ، وسيأتي بحثها بأنّ مزار الشهيد مختصر من مزار المفيد الكبير ، ونسبته للشهيد غير ثابتة ، ولعلّ مزار الشهيد كان منسوباً إلى المفيد آنذاك ؛ فراجع هناك.

وبعد هذا وذاك ، كلّ ما لدينا من الأدلّة لإثبات نسبة هذا المزار الكبير إلى الشيخ المفيد هو نقل العلاّمة المجلسي عنه ونسبته إليه في بحاره ، وكذا النسخة الخطّيّة التي وصلت إلينا منه والتي تحمل عليها نسبتها إلى الشيخ المفيد في ترقيمة النسخة في آخرها بخطّ العلاّمة السيّد محمّد رضا الصفائي الخوانساري ، ولكنّه يستفيد البعض من تقييد النجاشي لمزار الشيخ المفيد ب- : 79

ص: 29


1- المصباح للكفعمي : 183 و 184 و 411 و 505 و 772 - 773.
2- البلد الأمين : 723.
3- البلد الأمين : 379

الصغير أنّ هناك مزاراً آخر له كبيراً ، ويمكن أن يؤيّده ما قاله المفيد في مقدّمة مزاره الصغير ، وهذا ما نصّه :

«فإنّي

قد اعتزمت على ترتيب مناسك زيارة الإمامين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب

والحسين بن عليّ صلوات الله عليهما ، ووصف ما يجب من العمل عند الخروج إليهما ،

ويلزم من الفعل في مشهديهما ، وما يتبع ذلك في منازله ، ويتعلّق بأوصافه في

مراتبه. وأذكر على التقديم في صدره طرفاً ممّا جاءبه الأثر في فضله ، فإنّي لم

أجده على الحدود التي أؤمّها منه في شيء ممّا تقدّم من مصنّفات أصحابنا - رضوان

الله عليهم - وتأخّر ، وإن كان موجوداًفيها على غيرها - ممّا يتعذّر على القاصد العمل

بها لأجل الجمع بينها ، ويصعب عليه الإتيان على النسق والنظام بها - وهو اختلاف

محالّها من الأماكن ، وتباين أجناسها من المواضع ، واختلاط المعني منها بخلافه ،

ومجاوزة الباب في الغرض لبعيده ، ومباينة المناسب في المواطن لقريبه. فعمدت

تلخيص ذلك على اختصار ، وتحرّيت تأليفه للحفظ والتذكار ...»(1).ة.

ص: 30


1- المزار الصغير : 3/ المقدّمة.

ولا يخفى ما في هذا الدليل من الضعف حيث إنّ من المعلوم أنّ الوصف لا يدلّ على المفهوم ، وهذه قاعدة ثابتة في أُصول الفقه ، وكذلك توصيف مؤلِّف كتابَهُ بالملخّص عن الكتب المطوّلة للقدماء لا يدلّ على تأليف ثان له مطوّل مثل كتب السابقين عنه.

هذا ممّا يجعلنا في شكّ من نسبة هذا المزار إلى الشيخ المفيد ، والظاهرأنّ العلاّمة المتتبّع الخبير المجلسي رحمه الله - الذي هو أوّل من نقل عن هذاالكتاب - كان ملتفتاً أيضاً إلى هذه الإشكالات ولذا قال في بعض المواضع عند النقل عن هذا المزار ناسباً هذا الكتاب إلى المفيد على الشهرة :

«وقال

الشيخ المفيد

قدس سره

على ما ينسب إليه من كتاب المزار : إذا وردت مشهدهما صلّى الله عليهما فاغتسل ..»(1).

ومن جهة أُخرى نحن نعرف عدّةً من الكتب المعروفة الثابتة نسبتها إلى مؤلّفيها من قدمائنا بل المتأخّرين نسبت إلى غير مؤلّفيها من كبار العلماء ، وجاءت هذه النسب على بعض مخطوطات هذه الكتب؛ وذلك إمّا لمجرّد وجود اسمهم في أوائل هذه الكتب ، ولجهل بعض النسّاخ أو أصحاب النسخ ، أو لغرض البيع الجيّد لنُسخها ، أو غيرها من العلل سجّلوا نسبتها إلى العلماء المعروفين؛ منها : كتاب روضة الواعظين للفتّال النيسابوري 2.

ص: 31


1- بحار الأنوار 99 : 62.

(المستشهد 508 ه) الذي قد توهّم البعض فنسب الكتاب إلى الشيخ المفيد رحمه الله ، وردّه كثير من المحقّقين ونبّهوا على غلط النسبة ، وقبل ذلك كلّه فقدنسبه إلى الفتّال ونقل عنه تلميذه الشيخ الحافظ محمّد ابن شهرآشوب (588 ه) راوي هذا الكتاب عن مؤلّفه(1). وكذا الحال في كتاب الاختصاص المنسوب إلى الشيخ المفيد؛ وذلك لمجرّد ورود اسم الشيخ المفيد في سند الحديث الأوّل من الكتاب ، وكذلك كتاب كفاية الأثر للخزّاز القمّي ؛ فإنّه منسوب في بعض نسخه إلى الشيخ الصدوق بعنوان كتاب النصوص على الأئمّة عليهم السلام ؛ وذلك لورود اسمه في الأسانيد الأوّلوية للكتاب(2).

إذا يتفحّص الباحث في علم التراث والعارف بمناهج القدماء عن كيفية جمع مزارنا هذا وطريقة تدوينه يقف على أنّ هذا المزار كأنّه من مؤلّفات بعض علماء الشيعة المتأخّرة عن المفيد بقرون؛ حيث إنّ فيه بعض الميزات لم تكن معهودة في عصر المفيد - أي القرن الرابع والخامس الهجريّين - بل بدأت في كتب المتأخّرين مثل كتب القرن السابع الهجري ومابعده.

ومن هذه الميزات الترتيب الموجود لجمع الزيارات وتبويبها وتفصيلهابهذا النحو في مزارنا هذا ، حيث جُعِلَ الكتاب في عدّة أبواب وذيل كلّ باب ظ.

ص: 32


1- المناقب لابن شهر آشوب 1 : 14 و 389 و 2 : 11 و 91 و 3 : 180 و 278 و 482 ، وانظر : روضة الواعظين : 16/ المقدّمة بقلم العلاّمة السيّد مهدي الموسوي الخرسان - دام ظلّه -.
2- منها نسخة في مكتبة جامعة طهران؛ فلاحظ.

فصول غير متعارف عند القدامى ، وإن كانت رؤوس العناوين تتّفق فيه مع كتب القدماء كاشتراكه مع عناوين كتاب : كامل الزيارات لابن قولويه (368 ه) ، والمزار الصغير للشيخ المفيد ، وقسم المزار من كتاب المقنعة(1) ، وقسم المزار من كتاب تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي (460 ه)(2) ؛ لأنّها وغيرها من مصادر القدامى التراثيّة كانت من مصادر المتأخّرين من المؤلّفين في تأليف كتب المزار - متناً وعنواناً - ولذا رؤوس العناوين في هذا المزار تشبه ما ورد في كتب متقدّميه ، كما أنّ مؤلّفيها أيضاً أخذوا عمّا تقدّمهم من قدماء الأصحاب - رضوان الله تعالى عليهم - توارثاً ، وهذا هو ديدن الأصحاب والقدماء بل المؤلّفين في العلوم عامّةً.

وبالجملة أنّ كيفيّة تبويب مطالب الزيارات مع ما تقدّم من عدم ذكر عنوان هذا المزار في فهرستي الطوسي والنجاشي ، وعدم النقل عنه في مصادرالمتقدّمين كلّها ممّا يشكّك الباحث في نسبة هذا المزار إلى الشيخ المفيد ، ويؤيّد القول بكون هذا المزار من تأليفات بعض علماء الشيعة المتأخّرين.

تحقيق مصادر زيارات هذا المزار :

عند مراجعتي لفهارس كتب الشيعة في موضوع المزار بعناوينه المختلفة في العصور المتأخّرة عن المفيد ، وبعد التدقيق في المصادر التي ر.

ص: 33


1- المقنعة : 455 - 494 ، كتاب الأنساب والزيارات.
2- تهذيب الأحكام 6 : 2 - 119 ، كتاب المزار.

استخرجناها في تحقيقنا لزيارات هذا المزار ، التفتُّ إلى وجود معظم هذه الزيارات في ثلاثة كتب وتبيّن لي وجود علاقة وثيقة بين مزارنا هذا وهذه الكتب الثلاثة ومؤلّفيها ، كما أنّه مرّت علينا نصوص العلاّمة المجلسي في نقل زيارات مزار المفيد ؛ فإنّه كان يورد في كثير من المواضع أسماء ثلاثة من المشايخ بعد اسم المفيد وكتابه؛ وهم بالترتيب مع كتبهم :

1 - أبي عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي (ق 6) وكتاب المزار.

2 - السيّد علي ابن طاوس الحلّي (664 ه) ومصباح الزائر.

3 - الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (786 ه) وكتاب المزار.

أمّا بالنسبة إلى المزار الكبير لابن المشهدي فكأنّه كان تحت يد مؤلّف مزارنا هذا ، وأورد عنه كثيراً في هذا المزار ، وليس الأمر بالعكس ؛ لأنّ الزيارات المروية في مزار ابن المشهدي مسندة في عدّة من المواضع بطريقه عن غير المفيد ، ورويت نفس هذه الزيارات في هذا المزار بشكل مرسل ، وهذا ممّا يرجّح الاستدلال بكون هذا المزار من مؤلّفات الشيعة من بعد القرن السادس الهجري ، وأمّا بالنسبة لابن طاوس والشهيد ونسبة كتابيهماإلى مزارنا هذا لابدّ لنا من تخصيص كلام مستقلّ عنهما في هذا المقال فدونكه :

بين المزارين المنسوبين إلى المفيد وابن طاوس؟!

يتطابق كتاب مصباح الزائر لابن طاوس (664 ه) ومزارنا في بعض النقولات ولم ترد في المزار الكبير لابن المشهدي ، فلذا نحن تصوّرنا - في

ص: 34

بادئ الأمر - كون المصباح من مصادر كتابنا ك- : المزار الكبير لابن المشهدي ، ولكنّه عند المراجعة لفهارس الكتب خاصّة في الفهارس المعمولة لكتب المزار وجدنا عنواناً من كتب المزار يطابق ميزاته - وإن كانت ليست بكثيرة - مع كتابنا المزار حتّى في إطلاق العنوان ، وذلك العنوان هو كتاب المزار للسيّدابن طاوس.

فقد ذكر العلاّمة المتتبّع الشيخ آقا بزرك الطهراني - أعلى الله مقامه الشريف - في كتابه الذريعة الخالد - في قسم كتب المزار - عنواناً من كتب المزار نسبه إلى السيّد علي ابن طاوس رحمه الله ، وذكر لهذا الكتاب بعض الميزات ذات قيمة مهمّة تلفت نظر الباحث ؛ لوجود علاقة وتطابق بين الميزات والمواصفات التي ذكرها الطهراني رحمه الله للمزار المنسوب لابن طاوس ونسخة المزار - التي نحن بصددها في هذا المقال - المنسوب للشيخ المفيد ؛ ممّا يقوّي احتمال نسبة مزارنا هذا إلى ابن طاوس واتّحاده مع المزار المنسوب إليه ؛ كما أنّ هناك شواهد أُخر لم يذكرها الطهراني وسنذكرها في محلّه إن شاءالله تعالى.

ويجدر بنا قبل كلّ شيء أن نورد نصّ ما ذكره الشيخ الطهراني رحمه الله ومن ثمّ البحث فيه؛ وهو :

«كتاب

المزار للسيّد الأجلّ ، جمال السالكين ، السيّد رضيّ الدين علي ابن طاوس الحلّي

المتوفّى 664 ، فيه بعض الخصوصيّات التي ليس في كتابه

ص: 35

مصباح الزائر

، وبينهما فرق من جهات ؛ منها : إنّ هذا مرتّب على الأبواب والمصباح مرتّب على

الفصول ، وهذا المزار مقدّم على المصباح ، كما أشار إليه في أوّل مصباحه ، فكتب

هذا المزار أوّلاً ثمّ كتب مصباح الزائر بزيادة بعض الخصوصيّات عليه؛ مثل فصل

آداب السفر ؛ فإنّه ليس في هذا المزار باب آداب السفر ، والنسخة مخرومة الأوّل

والآخر في خزانة سيّدنا الحسن بخطّ عتيق لعلّه من عصر المصنّف»(1).

نسبة كتاب مزار إلى ابن طاوس؟!

لابدّ لنا في بادئ الأمر من الإشارة إلى أنّه ليس مراد الطهراني رحمه الله من كتاب المزار لابن طاوس هو كتاب مصباح الزائر المعروف المطبوع بتسامح في إتيان الاسم ، فلا يظنّ أنّ الطهراني أورد المزار المنسوب إلى ابن طاوس ولم يلتفت إلى هذا الفرق بينهما ؛ وذلك أنّه كثير من كتب المزار لها عناوين معيّنة ولكنّها تذكر عند النقل عنها بعنوان كتاب المزار لأنّه رحمه الله :

أوّلاً : كان ملتفتاً إلى هذا الأمر ، وحاول - بمقابلة هذين الكتابين (المزار والمصباح) وذِكْر المفارقات بينهما - بيانَ وجودِ الفرق بين الكتابين وإثبات كتاب ثان لابن طاوس في هذا الموضوع.5.

ص: 36


1- الذريعة 20 : 319 - 320/ 3195.

ثانياً : إنّه رحمه الله رأى نسخةً عتيقةً من هذا المزار في مكتبة أُستاذه العلاّمة السيّد حسن الصدر (1354 ه) في الكاظميّة ببغداد يرجع تاريخ كتابتها إلى عصر ابن طاوس (القرن السابع الهجري) - على حدّ تعبيره - ، فالمعلومات التي أعطاها الطهراني عن هذا المزار لم تكن معلومات ظنّيّة من بعض المصادروناشئة من تسامح هذه المصادر ، بل هي معلومات حسّيّة علميّة عن نفس الكتاب وعن نسخته الخطّيّة ، ولا شكّ أنّه رجل خبير عارف بمعرفة الكتب ونسخها.

وأخيراً : ومن الأدلّة القويّة على انتساب كتاب مزار إلى ابن طاوس أنّ السيّد غياث الدين عبدالكريم بن أحمد بن موسى ابن طاوس (693 ه) ابن أخي السيّد علي ابن طاوس وتلميذه والراوي عنه ينقل عن عمّه ابن طاوس في كتاب فرحة الغري في تعيين قبر أميرالمؤمنين عليه السلام زيارةً لأمير المؤمنين عليه السلام في يوم 17 من شهر ربيع الأوّل وهو يوم ولادة النبىّ(صلى الله عليه وآله) ، وذلك عن كتاب المزار لعمّه المذكور ؛ وقال ما هذا نصّه :

«ذكر

العمّ السعيد في مزاره : إنّ الصادق عليه السلام زار

بها(1) عليّ

بن أبي طالب يوم سابع عشر ربيع الأوّل ، وهي التي رواها محمّد بن مسلم ولكنّي

رأيت في الروايتين اختلافاً كثيراً»(2).م.

ص: 37


1- أي الزيارة التي نقلها قبل هذا الكلام عن مزار ابن المشهدي (فرحة الغري : 227).
2- فرحه الغري : 228 ، الباب السادس : فيما روي عن الإمام الصادق عليه السلام.

وهذه الزيارة المروية عن محمّد بن مسلم لم ترد في مصباح الزائر أصلاً ، وبهذا يتحتّم وجود كتاب المزار للسيّد علي ابن طاوس رحمه الله.

إشارة ابن طاوس إلى مزاره :

توجد إشارة من ابن طاوس نفسه في مقدّمة كتابه مصباح الزائر إلى قصده لتأليف كتاب في موضوع المزار أخصر من المصباح لئلاّ يطوّل على الزوّار قراءته ، حيث إنّه قال في المقدّمة :

«وقد

تعرّضنا للبسط في زيارات من قربت منّا داره ، وتيسّر لنا إزدياره ، على أنّنا لم

نخل أهل البعاد من ذكر ما يقوم بالمراد وإن كنّا لم نقصد في الجميع صلوات الله

عليهم استيفاء ما وفقنا عليه جعل الله ذلك خالصاً لوجهه مقرّباً إليه»(1).

ثمّ فصّل فصول الكتاب مع ذكر اسمه ، وما تحتوي عليه من رؤوس العناوين والموضوعات المبحوثة وعدد الروايات الموجودة في كلّ فصل منه ، وفي نهاية المقدّمة قال :

«ومن

وقف على تفصيل ما أجملناه ، واطّلع على ما حواه ، عرف عند ذلك تميّز كتابنا على

ما صنّف في سبيله ، وراح شاهداً بكماله وتفضيله ،5.

ص: 38


1- مصباح الزائر : 15.

ولعلّك أيّها

المطّلع على ما ذكرناه تستقبل العمل بمضمونه ومقتضاه وتقول : لو كان أخلاه من

عمل مدينة الرسول ، واقتصر على بعض الفصول ، كان ذلك أخفّ على القلوب ، وأحسن في

المطلوب».

ثمّ أورد إيراد أهل النشاط والزهادة إذا وقفوا على عمل مختصر غير جامع لفنون الزيارات ، ومن ثَمّ قال :

«وربّما

خطر لك هاهنا أن تقول : ماذا كان الأمر على هذا السبيل - وأنّ الإنسان لا يخلو

من عاتب مع التكثير والتقليل - فهلاّ أفرد منه مختصراً يصلح لأوقات الضجر

والاشتغال ، وجعل هذا المزار الكبير لساعات التفرّغ والإقبال».

فأجاب رحمه الله نفسه عن هذا السؤال وأوعد بتأليف مزار مختصر وقال ما نصّه :

«فأقول

: إنّ الأعمال المطلوبة من هذا العبد الضعيف ليست مقصورة على هذا العمل الشريف ،

وكم يعرض الإنسان من حائل بينه وبين الإمكان ، وإن وجدنا قدرة على ما يراد من

اختصار الكتاب ، سلكت إلى ذلك ما يليق بالصواب إن شاء الله تعالى»(1).

ولعلّ ما أشار إليه الطهراني في الذريعة من قوله المارّ قبل قليل : «وهذا المزار مقدّم على المصباح ، كما أشار إليه في أوّل مصباحه ، فكتب هذا المزار 5.

ص: 39


1- مصباح الزائر : 24 - 25.

أوّلاً ثمّ كتب مصباح الزائر ...» مراده ما مرّ من الكلام في مقدّمة المصباح ، ولكنّ هذا من هفوات الأقلام وسقطات الألفاظ ، حيث التبس الأمر على شيخنا الطهراني وزعم أنّ ابن طاوس أشار إلى كتاب مزاره المؤلَّف قبل المصباح في مقدّمته ؛ لأنّ ابن طاوس لم يشر إلى كتاب مزاره في أوّل المصباح ولا في متنه ولا في غيره من مؤلّفاته ، وما ذكرناه هو إيماء لتوجّهه إلى تأليف في تدوين بعض الزيارات ، ولكنّه بشكل أخصر وأخفّ يناسب حال عامّة المؤمنين ، فتأمّل.

وهنالك سؤالان :

هل هذه الزيارة التي ذكرها السيّد عبد الكريم ابن طاوس كانت تحت يدعمّه لينقلها في مزاره؟

ولأىّ سبب لم ينقلها في مصباحه؟ وهو أكبر من المزار وأهمّ منه كما ذكرناه(1)؟!

أمّا الجواب عن السؤال الأوّل :

نعم ، كانت الزيارة هذه عنده ؛ وذلك أنّه نقل هذه الزيارة نفسها في كتابه إقبال الأعمال فيما يعمل مرّة في السنة(2) ، وواضح أنّ ما أراده عبد 5.

ص: 40


1- من حيث جامعيته وما احتواه.
2- إقبال الأعمال 3 : 130 - 135.

الكريم ابن طاوس - هذا الرجل الخبير بالتراث والآثار والحديث - من قوله : في مزاره هو غير كتاب الإقبال ؛ لأنّ الإقبال موضوع لأعمال الشهور والأيّام من الصلوات والأدعية ، وينقل أحياناً بعض الزيارات المختصّة بالأيّام في الشهور ، فلا يقال لمثل هذا الكتاب : المزار.

والجواب عن السؤال الثاني :

إنّ هذا الخبر - يعدّ من الزيارات - المختصّة بهذا الكتاب وبتعبير الطهراني «الخصوصيّات» لهذا الكتاب ، ولابدّ لكلّ مؤلّف إذا ألّف كتابين في موضوع واحد أن يكون لكلّ واحد منهما هدف وميزة عن الآخر خاصّة بهما ؛ أمّا بالنسبة للهدف فأشار إليه ابن طاوس في مقدّمة المصباح بكون المصباح لأهل الزهادة والعبادة ، والثاني أي المزار - على فرض اتّحاده مع كتابنا الذي نحن بصدده - لعامّة المؤمنين.

ولا يخفى بأنّ ابن طاوس أشار في مقدّمة المصباح - مع اهتمامه بجمع الأخبار والزيارات - إلى استيفاء ما وقف عليه(1).

تطبيق وتبيين :

لتبيين ما أورده الطهراني من التباين الموجود بين المزار والمصباح5.

ص: 41


1- انظر : مصباح الزائر : 15.

نقسّم كلامه رحمه الله إلى أربعة ميزات :

1) وفيه [أي في مزار ابن طاوس] بعض الخصوصيّات التي ليست في كتابه مصباح الزائر.

2) بينهما فرق من جهات؛ منها : إنّ هذا مرتّب على الأبواب والمصباح مرتّب على الفصول.

3) المزار مقدّم على المصباح كما أشار إليه في أوّل مصباحه ، فكتب هذا المزار أوّلاً ثمّ كتب مصباح الزائر.

4) زيادة بعض الخصوصيّات عليه [أي المزار] مثل (فصل آداب السفر)فإنّه ليس في هذا المزار باب آداب السفر.

الميزة الأُولى : بيان الخصوصيّة في مزار ابن طاوس :

ظاهر كلام الشيخ آقا بزرك من الخصوصيات هي زيارات أوردها ابن طاوس في مزاره ولم يردها في كتابه الثاني مصباح الزائر ، وهذا بالفعل موجودفي كتابنا الذي نحن بصدده ؛ حيث توجد في مزارنا هذا أخبار وزيارات لم ترد في المصباح ؛ منها زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم 17 من شهرربيع الأوّل التي أشرنا إليها وبحثنا فيها ، وأخبار أُخرى لم ترد في المصباح.

الميزة الثانية : تبويب وتفصيل كلّ منهما :

نعم ، فإنّ المصباح مرتّب على الفصول بدون ذكر الأبواب ، ومزارنا هذامرتّب على بابين أصليّين يحتوي كلّ منهما على فصول ، وفي النهاية خاتمة.

الميزة الثالثة : تقديم المزار على المصباح في التأليف :

ص: 42

أشرنا إليه فيما سبق ، وذكرنا أنّه من هفوة قلم شيخنا الطهراني وسقط ألفاظه بل الموجود في أوّل المصباح الإيماء إلى قصده لتأليف كتاب في موضوع المزار.

الميزة الرابعة : فصل (آداب السفر) :

وكذا هذه الخصوصيّة فإنّ هذا الفصل ورد في المصباح ولم يرد في المزار.

وعلى هذا كلّه لا يبعد كون كتابنا هذا هو كتاب المزار لابن طاوس - رضوان الله تعالى عليه -.

بين المزارين المنسوبين للمفيد والشهيد :

إذا لاحظنا ترتيب الأبواب والفصول الموجودة في المزار الكبير المنسوب إلى الشيخ المفيد - وهو النسخة التي نحن بصددها - والمزار المطبوع(1) والمنسوب إلى الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (786 ه) نرى بوضوح الاتّفاق في ترتيب الأبواب والفصول ، والاتّحاد في العناوين بين ة.

ص: 43


1- طبع المزار المنسوب إلى الشهيد الأوّل مرّة بتحقيق موسّسة مدرسة الإمام المهدي عليه السلام في قم المقدّسة وفي نفس المؤسّسة عام 1440 ه- ، ثمّ أعادت تحقيقه مؤسّسة المعارف الإسلاميّة في قم عام 1416 ه- بتحقيق محمود البدري ، ثمّ نشر ضمن موسوعة الشهيد الأوّل في الجزء 19 ، عام 1430ه- بتحقيق وبمراجعة مركز إحياءالتراث الإسلامي في المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلاميّة.

هذين المزارين إلاّ في مواضع قليلة(1) ، وكأنّ الشهيد أخذ واختصر المزار ).

ص: 44


1- تنحصر الفروق بين هذين المزارين في أربعة نقاط : الأُولى : انفصلت في مزار الشهيد (ص93 - 130) زيارتا أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير ؛ فزيارة منهما مذكورة قبل زياراته عليه السلام في شهري ربيع الأوّل ورجب كمزار المفيد ، وزيارة أُخرى مذكورة بعدها (ص 149- 151) بعنوان : (تتمّة : قال في المصباح : زيارة أميرالمؤمنين عليه السلام يوم الغدير). الثاني : وقعت في مزار الشهيد زيارة أبي عبدالله الحسين عليه السلام في (ليلة الفطر وعيد الأضحى) بعد زيارته عليه السلام في (أوّل يوم من رجب وليلة النصف من شعبان) ، وقبل زيارته عليه السلام (في النصف من رجب) المعروفة بالغفيلة ، ولا يخفى أنّ ما هو موجود في مزارالمفيد هو الصحيح ؛ حيث إنّ الزيارة وقعت فيه بعد زيارته عليه السلام (في ليالي القدرويومي العيدين) يعني في زياراته عليه السلام بعد شهر رجب وفي رمضان ، وهي محلّه. الثالث : فُصِّل في مزار الشهيد الفصل الخامس من مزار المفيد المختصّ بزيارات (الإمامين أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم وأبي جعفر محمّد الجواد عليه السلام) ؛ حيث خصّص في مزار الشهيد لكلّ إمام فصلٌ خاصٌّ به بعنوان : (الفصل الخامس) و (الفصل السادس) ، وجاء في آخر هذين الفصلين عنوان باسم : (زيارة أخرى لهما عليه السلام) ، وهذا العنوان ورد في مزار المفيد ضمن الفصل الخامس المذكور آنفا ، وذِكْرُهذا العنوان بهذا النحو يتلائم مع النحو المذكور في مزار المفيد ، والظاهر أنّ المختصِر له في المزار المنسوب للشهيد تصرّف في الفصول وعقد لكلّ إمام فصلاً خاصّاً ، ولايخفى أنّ زيارات الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام وردت في مزار الشهيد بعنوان فصل واحد كمزار المفيد ، وهذا يناسب بأنّ زيارات الإمامين موسى الكاظم ومحمّد الجواد عليهما السلام أيضاً تجمع في فصل واحد. الرابع : هنالك تقديم وتأخير في مزار الشهيد (ص242 - 243)؛ حيث إنّه قدّم (فصل : في زيارة القبور) على (فصل : فيما يقول الزائر عن غيره بالأُجرة وما يقول عن أخيه تطوّعاً).

المنسوب للمفيد ؛ حيث إنّ الزيارات الموجودة في مزار الشهيد كلّها منقولة في مزار المفيد إلاّ في موضع واحد؛ وهي زيارة وردت في مزار الشهيد ولم ترد في مزار المفيد ، ولكنّها وردت في مزار المفيد بزيادة بعض المقاطع عليها(1).

ولايخفى أنّ مزار الشهيد قد يسمّى في بعض المواضع منتخب الزيارات ، كما صرّح بهذا الانتخاب في مقدّمته بما نصّه : « ... وبعد فهذا المنتخب موضوع لبيان ما ينبغي أن يعمل في المشاهد المقدّسة والأمكنة المشرّفة من الأفعال المرغّبة والأقوال المرويّة»(2) ، ولعلّه منتخب من أصل أقدم منه وهو النسخة التي نحن بصددها.

ولعلّ هذا التطابق بين المزارين المنسوبين للمفيد والشهيد كان منشأ نسبة مزار الشهيد إلى الشيخ المفيد على جملة من مخطوطات مزار الشهيد(3) ، وقد ذكر السيّد إعجاز حسين الكنتوري النيسابوري (1286 ه) 0.

ص: 45


1- المزار للشهيد : 176 - 181 (زيارة أُخرى لعليّ بن الحسين عليهما السلام وسائر الشهداء على التفصيل) في ضمن : (ذكر زيارات أبي عبدالله الحسين عليه السلام المخصوصة بالأيّام والشهوروما يتعلّق منها من قول وعمل مبرور) في قسم : (زيارته عليه السلام في أوّل يوم من رجب وليلته وليلة النصف من شعبان) ، وهذه الزيارة موجودة باختلاف وتفصيل أكثرفي المزار الكبير المنسوب إلى الشيخ المفيد بعنوان : (زيارة أُخرى للشهداء برواية أُخرى في يوم عاشوراء).
2- المزار للشهيد : 47.
3- منها نسخة مكتبة السيّد المرعشي برقم : 490.

مزار الشيخ المفيد في كشف الحجب والأستار وأورد أوّل مزار الشهيد الأوّل بعنوان أوّل مزار الشيخ المفيد ؛ حيث قال :

«المزار

للشيخ المفيد ... ذكر فيه زيارات النبىّ(صلى الله عليه وآله)والأئمّة عليهم السلام ؛ أوّله : يا من جعل

الحضور في مشاهد أصفيائه ذريعة إلى الفوز بدرجات أحبّائه ...»(1).

وتبعه على ذلك الشيخ آقا بزرك الطهراني(2) ، وأضاف على هذا أبواب مزار المفيد وفصوله ، ومن الملاحظ أنّ ترتيب الأبواب والفصول التي ذكرها رحمه الله كلّها تنطبق تماماً على ترتيب الأبواب والفصول في مزار الشهيد(3).

ولذا لعلّ هذا الخلط بين نسبة مزار الشهيد إلى الشيخ المفيد نشأ من هذاالتطابق والتوافق بينهما.

نعم أنّ الكنتوري لم يذكر الأبواب والفصول عند ذكره لمزار المفيد ، واكتفى بذكر أوّل مزار المفيد المطابق مع أوّل مزار الشهيد ، فمن المحتمل أنّه رحمه الله رأى نسخة من مزار المفيد - التي نحن بصددها والتي وصلت إلينا ناقصة الأوّل بسقوط مقدّمته وورقة من زيارة النبىّ(صلى الله عليه وآله) وكان أوّلها كامل ينطبق ك.

ص: 46


1- كشف الحجب والأستار : 502/ 2822.
2- الذريعة 20 : 325/ 3226.
3- ذكرنا آنفاً في الهامش المخالفات الطفيفة المعفوّة في ترتيب بعض الأبواب والفصول بين مزاري المفيد والشهيد؛ فلا تتصوّر التضادّ بين الكلامين؛ فراجع هناك.

على مزار الشهيد من حيث إنّ مزار الشهيد مختصر ومنتخب من مزار المفيد ، فالمنتخب لم يغيّر ديباجة الكتاب ونقل نفس الديباجة كما أنّ لهذاشواهد(1) في بعض مختصرات الكتب التراثيّة(2).

هذا ما خطر ببالي من الاحتمالات بعد إكمال التحقيق وإتمام المراجعة النهائيّة وحين كتابة المقدّمة للكتاب الذي نحن بصدده.

ولكنّني ما برحت أبحث عن مخطوطات كتاب مزار الشهيد ومقابلتها مع كتابنا هذا - أي مزار المفيد - وكذا كتب المزار عامّة رجاءَ أن أحصّل على نسخة أُخرى كاملة الأوّل من مزار المفيد حتّى أُكمل بالاستعانة بها النقص الموجود في أوّل النسخة الموجودة عندي والتي حقّقتُ هذا الأثر عليهاإلى أن وفّقني الله تبارك وتعالى للعثور على نسخة محفوظة في المكتبة الرضويّة - على صاحبها آلاف التحيّة والثناء - بمشهد الإمام الرضا عليه السلام برقم 3289(3) ، ّم

ص: 47


1- منها كتاب : (كنز جامع الفوائد ودافع المعاند) للشيخ علم بن سيف بن منصور النجفي الحلّي (ق10) الذي هو مختصر من كتاب (تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة) للسيد شرف الدين علي الحسيني الأسترآبادي النجفي (من أعلام القرن العاشر) ، والذي قمت بمقابلتهما ، ورأيت أنّ المختصِر لم يغيّر ديباجة الأصل ، والنسخة بخطّ المختصِر في مكتبة الفاضل الخوانساري في خوانسار تاريخها سنة 937 هفي المشهد الغروي ومذكورة في فهرسها 1 : 38 / برقم 48.
2- هناك بعض التعسّف الآخر عند العلاّمة الشيخ آقا بزرك الطهراني - عليه الرحمة والرضوان - في تعريف مزار الشهيد (فلاحظ : الذريعة 20 : 322/ 3216 ، وص 296/ 3051 ، والشهيد الأوّل حياته وآثاره للشيخ رضا المختاري : 379).
3- فهرست مخطوطات المكتبة الرضويّة المقدّسة 2 : 202. ويجب عليّ هنا أن أقدّم

تبدأ بخطبة مزار الشهيد ، وراجعتُها فوجدتُها هي نفس المزار المنسوب إلى الشيخ المفيد ، فعلمتُ أنّ الذي ذكره السيّد إعجاز حسين - إن كان قد رأى نسخةً من المزار المنسوب للمفيد ، ولم يخلط بين المزارين مثل الطهراني - هو الصحيح ، وظَنُّنا من أنّ مزار الشهيد مختصر عن مزار المفيد هو الصواب ، فبدأنا بمقابلة هذه النسخة على هذا الكتاب وتصحيحه مرّةً أُخرى وضبط اختلاف النسخ في الهوامش ، ولله الحمد.

وعلى كلّ حال فإنّ نسبة المزار المختصر المطبوع باسم الشهيد إليه غيرثابت؛ وذلك لعدم ذكر اسم الشهيد في هذا المزار ، كما لم أعثر فيه على قرائن تدلّنا على أنّ الشهيد هو الذي اختصره؛ مثلاً ذكر اسم بعض مؤلّفاته فيه ، وكذلك لم يعدّه في إجازاته في قائمة مؤلّفاته ، كما لم يذكره ولم ينقل عنه أحد من تلامذة الشهيد وغيره من معاصريه ، حتّى أنّ تقي الدين الكفعمي العاملي (905 ه) - وهو قريب العهد للشهيد الأوّل وعاش في جبل عامل البلد التي عاش فيها الشهيد الأوّل والذي عرف بتأليفاته في الأدعيةوالزيارات من المصباح والبلد الأمين وغيرهما ، والمهتمّ بجمع الكتب لا سيّما في موضوع مؤلّفاته(1) - لم يذكر مزاراً للشهيد الأوّل ولم ينقل عنه في كتبه. ).

ص: 48


1- ورد في ترجمة الكفعمي عند وصفه : كان جمّاعة للكتب واسع الاطّلاع .. (انظر : طبقات الفقهاء 10 : 14).

نعم .. ذكرنا فيما سبق أنّ الكفعمي رحمه الله أورد في آخر مصباحه عند تعداد مصادره اسم مزار المفيد مرّتين ، وينقل في متن المصباح عن مزار المفيد ولم يفرّق بينهما ، ولكنّه كلّ ما نقله رحمه الله موجود في المزار الصغير المطبوع للشيخ المفيد ، ولذا نحتمل : أنّ مراد الكفعمي من المزارين للشيخ المفيد هما المزار الصغير المقطوعة نسبته للشيخ المفيد ، والمزار الثاني إمّا هوالنسخة الكبيرة التي نحن بصددها ، أو النسخة المختصرة المنسوبة للشهيد الأوّل ، وهذه النسخة المختصرة كانت في ذلك العصر منسوبة للشيخ المفيد لا الشهيد الأوّل ، ثمّ في القرن الحادي عشر ظهرت بعض النسخ من المزار المختصر منسوبة إلى الشهيد الأوّل ، فحاله مثل حال كتاب روضة الواعظين والاختصاص وكفاية الأثر وغيرها ممّا ذكرتها من الكتب المنسوبة على بعض مخطوطاتها إلى غير مؤلّفيها ، وجاء العلاّمة المجلسي رحمه الله (1110 ه)في نفس القرن ونقل عن هذا المزار بعنوان مزار الشهيد اعتماداً على هذه النسخ فاشتهرت باسم الشهيد.

خلاصة البحث :

1) أرى - من عبارات هذا المزار وكيفية جمعه وتدوينه ونقولاته - أنّه من تأليف أحد قدمائنا وليس من المتأخّرين في زمن العلاّمة المجلسي ، وإلاّ فقد أدركه خرّيت هذه الصناعة العلاّمة المجلسي قطعاً ، ولم يكن كتاباً عادّياً غير معتمد عليه وقد طالته يد الزيادة والنقصان بمرور الزمان بل كان يعتبر

ص: 49

مؤلَّفاً من بعض العلماء العارفين بروايات الزيارات والأعمال ، وأظنّ أنّه كتاب المزار للسيّد علي ابن طاوس (664 ه) ، بالأدلّة التي ذكرناه في موضعه.

2) ولهذا المزار نسختان ؛ النسخة الكاملة : وهي المنسوبة إلى الشيخ المفيد ، والنسخة المختصرة : وهي المنسوبة إلى الشهيد الأوّل.

3) وأمّا نسبته إلى الشيخ المفيد فغير واضحة ، ولكنّ وجود جملة من نقولاته في مزار المفيد الصغير ، وأنّ بعضها مرويٌّ في كتاب التهذيب للشيخ الطوسي والمزار لابن المشهدي وغيرهما بطرقهم الواصلة إلى الشيخ المفيد ، وكذلك وجود بعض النسخ في زمن المجلسي وكذا نسختنا التي نحن بصددها والمنسوبة إلى المفيد ؛ فلا يستبعد انتسابه إليه.

خاتمة :

ومن التوفيقات الربّانيّة أن وفّقنا لتحقيق هذا الكتاب القيّم بصحبة الأخ صاحب الأخلاق المرضيّة زميلنا الفاضل الأُستاذ أحمد علي مجيد الحلّي - أدام الله توفيقه وتسديده بحقّ محمّد وآله خير الآل - الذي أتعب نفسه في مقابلة النسخ وتصحيحه وتخريجه فللّه درّه وعليه أجره.

وكذا وُفِّقتُ إلى وضع الحركات على نصوص الزيارات الواردة فيه عندزيارتي للعتبات المقدّسة في النجف الأشرف وكربلاء المقدّسة والكاظميّة- عند قبر جدّي باب الحوائج إلى الناس الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام - وحرمي سامرّاء والسرداب المقدّس ، ومشهد الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

ص: 50

في خراسان ، عند أضرحتهم المقدّسة المنوّرة ، مضافاً إلى الزيارات الواردة للنبىّ(صلى الله عليه وآله) وأئمّة البقيع عليهم السلام فإنّي وفّقتُ لأن أتشرّف لزيارتهم صلوات الله عليهم أجمعين وشكّلتُ زياراتهم هنالك ؛ فأسأل الله التوفيق لذلك مرّةً بعد مرّة وكرّةً بعد كرّة ، وما توفيقي إلاّ بالله ..

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ..

وكتب السيّد حسن بن محمّد الموسوي البروجردي عفي عنهما

في ليلة استشهاد إمامنا الهادي علي بن محمّد صلوات الله عليهما

في مكتبة العلاّمة المجلسي

قم القدّسة سنة 1432 من الهجرية النبويّة

على مهاجرها آلاف الثناء والتحية

ص: 51

المصادر

1 - الأمالي : للشيخ الصدوق ، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية - مؤسّسة البعثة - قم- إيران ، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة ، 1417ه.

2 - الأمالي : للشيخ الطوسي ، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية - مؤسّسة البعثة ، دارالثقافة للطباعة والنشر والتوزيع - قم - إيران ، 1414ه.

3 - اختيار معرفة الرجال : للشيخ الطوسي ، تحقيق : السيّد مهدي الرجائي ، تصحيح : ميرداماد الأسترآبادي ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، - قم - إيران1404ه.

4 - إقبال الأعمال : للسيّد ابن طاووس ، تحقيق : جواد القيّومي الاصفهاني ، مكتب الإعلام الإسلامي - قم - إيران ، 1414 ه.

5 - بحار الأنوار : للعلاّمة المجلسي ، مؤسّسة الوفاء - بيروت - لبنان ، 1403ه- -1983م.

6 - البلد الأمين : للكفعمي ، منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان ، 1424 ه.

7 - تأويل الآيات : شرف الدين الحسيني ، تحقيق : مدرسة الإمام المهدي(عج) ، مدرسة الإمام المهدي - الحوزة العلمية - قم المقدّسة - إيران ، 1407ه.

8 - تراثنا : مجلّة فصلية تصدر عن مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم - إيران.

ص: 52

9 - تهذيب الأحكام : للشيخ الطوسي ، تحقيق : السيّد حسن الموسوي الخرسان ، دارالكتب الإسلامية - طهران - إيران ، 1364 ش.

10 - الذريعة : لآقا بزرگ الطهراني ، دار الأضواء - بيروت - لبنان ، 1403ه.

11 - رجال النجاشي : للنجاشي ، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين - قم المشرّفه - إيران ، 1416 ه.

12 - روضة الواعظين : للفتّال النيسابوري ، تحقيق : السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان ، منشورات الشريف الرضي - قم - إيران.

13 - فرحة الغري : للسيّد ابن طاووس ، تحقيق : السيّد تحسين آل شبيب الموسوي ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلامي - قم - إيران ، 1419ه- - 1998م.

14 - الفهرست : للشيخ الطوسي ، تحقيق : الشيخ جواد القيّومي ، مؤسّسة نشر الفقاهة - إيران ، 1417 ه.

15 - كشف الحجب والأستار : للسيّد إعجاز حسين ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم المقدّسة - إيران ، 1409ه.

16 - المختصر النافع : للمحقّق الحلّي ، قسم الدراسات الإسلامية في مؤسّسة البعثة - طهران - إيران ، 1402 - 1410ه.

17 - المزار : للشيخ المفيد ، تحقيق : السيّد محمّد باقر الأبطحي ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان ، 1414ه- - 1993م.

18 - المزار : للشهيد الأوّل ، تحقيق : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، مؤسّسة الإمام المهدي عليه السلام - قم المقدّسة - إيران ، 1410ه.

19 - المزار : للشيخ محمّد بن المشهدي ، تحقيق : جواد القيّومي الإصفهاني ، نشر القيّوم - قم - إيران ، 1419ه.

ص: 53

20 - المصباح : للكفعمي ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان ، 1403ه-

-1983 م.

21 - مصباح الزائر : لابن طاووس ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم - إيران ، 1417 ه.

22 - المقنعة : للشيخ المفيد ، تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة - إيران ، 1410ه.

23 - مناقب آل أبي طالب : لابن شهرآشوب ، تحقيق : لجنة من أساتذة النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف - العراق ، 1376ه- - 1956م.

ص: 54

(المصابيح في تفسير القرآن) كنزٌ من تراث التفسير الشيعي

مرتضى كريمي نيا

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد طوت مدرسة التفسير الشيعي مرحلتين مهمّتين من مسارها العلمي وذلك حتّى نهاية القرن الرابع الهجري.

فالمرحلة الأولى تتمثّل بعهد الأئمّة عليهم السلام ، وهي المرحلة التي نشأ فيها أخذ الروايات التفسيرية عنهم عليهم السلام شفاهاً مع تدوينها مشتّتة في كتب الروايات.

والمرحلة الثانية هي مرحلة تدوين المصنّفات التفسيرية في القرن الثالث والرابع الهجري ، حيث تعدّ جلّ هذه المصنّفات ذات منحىً واحد تقريباً من تناولها تفسير بعض الآيات وشرحها ومن اقتصارها على نقل الروايات الشيعية فقط.

وهذا ما يشبه كثيراً النصوص الروائية القديمة لأهل السنّة ، حيث نقلت

ص: 55

بعض الروايات الدالّة على تحريف القرآن ولم تتطرّق إلى بعض الآليّات والمناهج التفسيرية المعهودة في تفاسير أهل السنّة مثل اختلاف القراءات المشهورة ، والاستشهاد بالشعر الجاهلي ، والأمثال البلاغية ، والقواعدالنحوية ، وتشريح جذور الكلمات وأمثالها.

يعدّ أواسط القرن الخامس الهجري منعطفاً مهمّاً في منهجية التفسير عندالشيعة الإمامية ، فإنّ التبيان في تفسير القرآن لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460ه) هو أوّل تفسير شيعيٍّ كامل للقرآن اتّخذ طريقة مغايرة لطريقة السلف ، فإنّ منهجيّته في هذا التفسير تختلف كلّياً عن منهجية جميع من سبقه في التفسير ؛ حيث يعدّ تفسيراًكاملا للقرآن من أوّله إلى آخره ، وقد قلّص فيه المصنّف من الروايات الشيعية مستفيداً من المناهج المعهودة في تفاسير أهل السنّة ، فقد استطاع الشيخ الطوسي أن ينقل عدداً كبيراً من روايات وأقوال الصحابة والتابعين في التفسير مستفيداً بذلك من كتاب تفسير الطبري ، وأبدى اهتماماًكبيراً في نقل المواضيع اللغوية ، والصرفية ، والنحوية ، واختلاف القراءات ، والاستشهاد بالشعر العربي الجاهلي ، وقد تطرّق إلى مباحث كلامية وبالأخصّ الأقوال التفسيرية لمتكلّمي السنّة مثل أبي علي الجبّائي وأبي مسلم محمّد بن بحر الأصفهاني وأبي القاسم البلخي والرمّاني و ... وقدمال إلى الكثير من آرائهم.

وقد قام الشيخ الطبرسي رحمه الله (ت 548 ه) بمراجعته وتنظيمه من جديد وذلك بعد قرن من تصنيفه تحت عنوان مجمع البيان لعلوم القرآن ، ممّا أدّى

ص: 56

إلى ظهور تفسير علمي أصبح فيما بعد معياراً ومصدراً ومرجعاً في القرون اللاحقة والمعاصرة في تاريخ التفسير عند الشيعة(1).

هذا ويمكن أن تعدّ طريقة الشيخ الطوسي في التبيان في تفسير القرآن تركيباً بين التفسير الشيعي وبين سائر المناهج التفسيرية من أهل السنّة والمعتزلة ، وبالرغم من الصبغة الشيعية التي طغت على تفسيره إلاّ أنّه هناك ثلاث مناهج أخرى اقتبسها من تفاسير أهل السنّة نراها واضحة في كتابه :

الأوّل : هو التفسير الروائي المأخوذ من تفسير الطبري.

الثاني : التفسير اللغوي والأدبي ومصدره بعض المصنّفات التي أُلّفت في هذا المجال مثل معاني القرآن للفرّاء ومجاز القرآن لأبي عبيدة.

والثالث : تفاسير المعتزلة مثل أبي علي الجبّايي وأبي الحسن الرمّاني وأبي مسلم الإصفهاني(2).

وقد حظيت هذه الطريقة بالقبول واعتمدها المفسّرون الشيعة(3) وما ان

ص: 57


1- يمكننا أن نطلق اسم (عصر الشيخ الطوسي) على هذه الحقبة ، أنظر مقالتنا تحت عنوان : (چهار بارادايم تفسيرى شيعه : مقدمه اى در تاريخ تفسير شيعى بر قرآن كريم).لتطّلع على أهمّية تفسير الشيخ الطوسي ومنهجيّته بالمقارنة مع منهجيّة المدارس التفسيرية الشيعية الثلاثة.
2- لقد تعرّض كلّ من تفسيري التبيان ومجمع البيان إلى آراء المعتزلة بشكل ملفت للنظربحيث قال في ذلك دانيل جيمارة : «إنّ تفيسري الطوسي والطبرسي أكثر اعتزاليةً من كشّاف الزمخشري». أنظر : Daniel Gimaret, "Mu tazila", in EI2, vol. 7,p. 876.
3- إنّ منهجية المفسّرين مثل الطبرسي في مجمع البيان والشيباني في نهج البيان وأبو الفتوح الرازي في روض الجنان ... مستلهمة من منهجية الشيخ الطوسي في التبيان في تفسير القرآن.

هجرت إلاّ في العهد الصفوي حيث أهملها الإخباريّون ولكنّها سرعان ما استعادت نشاطها واستمرّت حتّى عهدنا وعصرنا الحاضر.

ولكن بقي هناك سؤال وهو : هل من الصحيح أنّه لم يصنّف أيّ تفسيرقبل الشيخ الطوسي على غير الطريقة الروائية والطريقة المأثورة؟ وإذا قلنا بوجود تفاسير قبله فما هو مدى تأثيرها على تبيان الطوسي؟

منذ سنين ونتيجة لاهتمامي وتأثّري بالشيخ الطوسي وكتابه التبيان كنت أظنّ أنّ الشيخ الطوسي هو المفسّر الشيعي الوحيد بل هو أوّل مفسّر في القرن الخامس الهجري أخرج التفسير الشيعي من حالته التقليدية المأثورة والروائية المحضة وأوجد تحوّلا جديداً في التفسير الشيعي ولا زلت أعتقد بذلك ، ولكنّني اليوم لا أعتقد بأنّه الوحيد والفريد في أداء هذا الدور ، كما أنّي ولعدّة جهات لم أر تفسيره حاز قصبة السبق في هذا المضماربل هناك من سبقه وتقدّمه في ذلك التحوّل في التفسير ، فإنّ العالم الشاعر والأديب والسياسي الشيعي أبوالقاسم الحسين بن علي المعروف بالوزيرالمغربي أو ابن الوزير أو ابن المغربي قد خطا خطوته في تطوّر التفسير الشيعي بتصنيفه المصابيح في تفسير القرآن وذلك قبل نصف قرن من الشيخ الطوسي ، ولا شكّ في أنّ الشيخ الطوسي قد استفاد من هذا الأنموذج في تفسيره التبيان وقد صاغ صورة متكاملة لذلك المنهج في تفسيره.

ص: 58

لقد ذكر القدماء هذا المصنَّف بعناوين مختلفة مثل خصائص علم القرآن(1) ، وإملاءات عدّة في تفسير القرآن العظيم وتأويله(2) ولكنّهم لم يصرّحوا أبداً عن وجود مثل هذا الكتاب إلاّ الشيخ الطوسي ، وأنّه قلّما نعرف مفسّراً كان هذا التفسير في حوزته وقد نقل منه مثل ابن عديم في بغية الطلب وحتّى ابن طاووس (589 - 664ه) في سعد السعود فإنّه ذكر تفاسير قيّمة مثل مصنّفات الرمّاني وأبي مسلم الأصفهاني لكنّه لم يذكر عن تفسير الوزير المغربي هذا شيئاً أبداً.

إنّ الشيخ الطوسي هو أوّل من نقل في التبيان في تفسير القرآن الآراءالتفسيرية للوزير المغربي في أكثر من خمس وخمسين مورداً مع ذكر الإسم(3) ، فإنّ بعض هذه النصوص - النصوص التفسيرية المذكورة في تفسير التبيان - قد تناقلتها من بعده سائر التفاسير الشيعية شيئاً فشيئاً ، ومن أهمّ هذه النصوص يمكن الإشارة هنا إلى :

- الطبرسي (468 - 548 ه) في مجمع البيان في مواضع عديدة.

- القطب الراوندي (573ه) في فقه القرآن (1 / 13 ، 113 ، 116 ، 226 ، 224 ، 304 ، 336 ؛ 2 / 99 ، 225 ، 337). ش.

ص: 59


1- رجال النجاشي : 69.
2- طبقات المفسّرين للدّاوودي 1 / 156.
3- للاطّلاع عمّا نقله الشيخ الطوسي من تفسير الوزير المغربي وتقييمه أنظر مقالة السيّدمحمّد جواد الشبيري تحت عنوان (مصادر الغيبة) في مجلّة انتظار موعود ، العدد19 ، ربيع سنة 1386 ش.

- أبو الفتوح الرازي (القرن السادس) في روض الجنان (5 / 279 ، 279 ؛ 6/ 20 ، 117 ، 221 ، 225 ، 227 ، 410 ؛ 7 / 19 ، 123 ، 319 ، 415 ؛ 8 / 166).

- ابن شهر آشوب (489 - 588ه) في متشابه القرآن ومختلفه (1 / ؛2/ 114)(1).

- محمّد بن الحسن الشيباني (ت640ه) في نهج البيان عن كشف معاني القرآن (1 / 164 ، 313 ؛ 2 / 307)(2).ه.

ص: 60


1- لقد نقل ابن شهرآشوب (489 - 588 ه) في موضعين من متشابه القرآن ومختلفه (1/141 ؛ 2 / 114) عن الوزير المغربي موضوعاً حيث تبيّن لنا بالمقارنة أنّه مأخوذ من تفسير التبيان للشيخ الطوسي وليس من مجمع البيان للطبرسي (468 - 548 ه) ، «قال الحسين بن علي المغربي : معناه : لو شاء الله ألاّ يبعث إليهم نبيّاً فيكونون متعبّدين بمافي العقل ويكونون أمّة واحدة» (التبيان 3 / 546). «وقال الحسن [كذا] المغربي : معناه : لو شاء الله لا يبعث إليهم أنبياء فيكونوا متعبّدين بما في العقل ويكونون أمّة واحدة» (متشابه القرآن ابن شهر آشوب ، 1 / 141)«وقال الحسين بن علي المغربي : المعنى : لو شاء الله لم يبعث إليكم نبيّاً فتكونون متعبّدين بما في العقل وتكونون أمّة واحدة ولكن ليختبركم فيما كلّفكم من العبادات وهو عالم بما يؤول إليه أمرك» (مجمع البيان ، 3 / 314). فإنّ النموذج المذكور يبيّن بوضوح أنّ ابن شهر آشوب استنسخ من تفسير التبيان.
2- نسب الشيباني في نهج البيان عن كشف معاني القرآن (2 / 307) أبياتاً للوزير المغربيوكان المعاصرون للوزير المغربي أمثال الشيخ المفيد في الفصول المختارة (73)والشريف المرتضى في أماليه (1 / 152) والكراجكي في كنز الفوائد (1 / 366) هم أوّل من نقل هذه الأبيات عن شاعر مجهول من دون ذكر اسم المغربي أو غيره.

- الفاضل المقداد (ت حدود 826ه) في كنز العرفان في فقه القرآن (2/121)(1).

فإنّ أغلب هؤلاء الأعلام تقريباً لم يرجعوا إلى تفسير المغربي مباشرةً.

ويمكن القول بأنّ تفسير المغربي لم يرد إلى إيران في القرون الوسطى ، كما يستبعد وفور نسخه في إيران في ذلك الزمان(2).

وفي التفاسير الجديدة نرى العلاّمة محمّد جواد البلاغي في آلاء ن.

ص: 61


1- يتبيّن لنا من بعض العبارات الموجودة في التفسير الفقهي للفاضل المقداد أنّه كان متأثّراًبتفسير التبيان للطوسي وليس بمجمع البيان للطبرسي ومثال ذلك ما ورد في تفسير (آية 89 المائدة) فإنّ نقل الأقوال وترتيبها جاء مشابهاً لما أتى به الطوسي لا الطبرسي ، كما أنّ نقله للأقوال من تفسير المغربي عثرنا عليه في التبيان فقط وبعد التبيان فإنّها قد ذكرت في فقه القرآن للقطب الراوندي ولم نعثر عليها في سائر التفاسيرمثل مجمع البيان.
2- وإنّ أقوى شاهد على هذا الأمر هو أنّ اسم المغربي وأقوإله وحتّى رواياته عن أئمّة الشيعة لم تأت في أيّ من الجوامع الحديثية ولا في التفاسير المصنّفة في العهد الصفوي مثل بحار الأنوار للمجلسي ، الصافي للفيض الكاشاني ، نور الثقلين للعروسي الهويزي ، والبرهان للبحراني ، بالرغم من أنّهم كانوا تارة يذكرون في مصنّفاتهم حتّى الروايات الضعيفة المنسوبة لأئمّة الشيعة عليهم السلام وحتّى الروايات المرسلة المنسوبة إليهم عليهم السلام. كما أنّهم تركوا حجماً غفيراً من الروايات التفسيرية للمغربي عن أئمّة الشيعة والتي لم ترد بعضها في أيّ مصدر آخر من المصادر ، ويبدو أنّ الدليل الوحيد على هذا الأمر هوعدم وجود هذا التفسير في متناول يد العلماء والمحدّثين في إيران في ذلك الزمان.

الرحمن (1 / 114 ، 123 ، 362) والسيّد محمّد حسين فضل الله في كتابه من وحي القرآن (5 / 112) قد نقلا أيضاً عن الوزير المغربي اعتماداً على مانقله الطبرسي في مجمع البيان(1).

هذا وإنّ أهمّ المفسّرين من أهل السنّة الذين نقلوا من تفسير المغربي هم :

نجم الدين محمود بن أبي الحسن النيشابوري (القرن السادس) في إيجاز البيان عن معاني القرآن.

- أبو حيّان الغرناطي (654 - 745 ه) في البحر المحيط.

- وبرهان الدين الزركشي (745 - 794 ه) في البرهان في علوم القرآن(2).

وفي الواقع لا أعلم كيف حصل كلّ من نجم الدين محمود بن أبي الحسن النيشابوري وأبو حيّان الغرناطي على هذا التفسير؟

ولماذا لم يذكر أحدٌ من مفّسري مصر والمغرب والأندلس عنه شيئاً أبداً؟

حتّى إحسان عبّاس حينما كتب بحثه القيّم في المغربي والذي جاء تحت عنوان الوزير المغربي أبو القاسم الحسين بن علي العالم الشاعر الناثر الثائر (عمّان الأردن 1988م) فإنّه لم يطّلع على هذا التفسير ولم يُشر إليه ، 5.

ص: 62


1- وقد أحال ما نقله في موضعين إلى مجمع البيان والتبيان.
2- البرهان في علوم القرآن 3 / 65.

حتّى أنّه لم يكن لديه أيّ اطلاع عمّا اقتبسه أو نقله المفسّرون مثل الشيخ الطوسي عن تفسير المغربي.

هذا ويبدو أنّ متأخّري المفسّرين من أهل السنّة اعتمدوا بأسرهم في منقولاتهم اليسيرة من تفسير المغربي على تفاسير الشيعة المشهورة مثل مجمع البيان للطبرسي ، وإنّ الآلوسي (1217 - 1270ه) كان أكثرهم نقلا في روح المعاني(1) وكذلك ابن عاشور (1296 - 1393ه) في التحرير والتنوير(2). فإنّه نقل قولا عن الوزير المغربي مرّةً واحدة ويبدو أنّ هذا الكلام نقله أوّلا الآلوسي في روح المعاني(3) ثمَّ نقله رشيد رضا (1282 - 1354ه) في المنار في تفسير القرآن وقد أشار رشيد رضا إلى مصدر الكلام وهو الآلوسي ، كما قد يمكن العثور على موارد أخرى غير هذا الموردكان قد أخذها ابن عاشور من كلام المغربي دون أن يصرّح باسمه في حين أنّ المغربي أوّل من تكلّم بها ، ولكن بما أنّه قد تكرّر منه ذكر الطبرسي فيمكن القول بأنّ المصدر الذي أخذ منه هو مجمع البيان للطبرسي(4). في

ص: 63


1- 3 / 59 ، 4 / 92 و 230 ، 5 / 49 ، 6 / 154 ، 7 / 54 ، 8 / 59 و 107. إنّ أكثر ما نقله الآلوسي قد جاء ذكره في التبيان.
2- التحرير والتنوير 2 / 576 و 577.
3- روح المعاني 2 / 57 - 58.
4- ومثال ذلك أنّ الوزير المغربي في (آية 6 من سورة المائدة) يقول : «إنّ معنى قوله إذاقمتم إلى الصلاة أي عزمتم على الصلاة وهممتم بها» فقد أتى الشيخ الطوسي في

ولابدّ لنا من الإشارة هنا إلى أمر مهمّ وهو أنّ الشيخ الطوسي كثيراً ما نقل عن المغربي في كتابه التبيان من دون الإشارة إلى اسمه.

ويتّضح لنا هذا الأمر بوضوح في المواضيع التي تفرّد بها الوزير المغربي في تفسيره وذلك مثل الآراء التفسيرية الشاذّة التي وردت في تفسير المغربي دون غيره ، أو النقل المباشر من العهدين القديم والجديد(1) ، فقدعلّق الوزير المغربي في المصابيح في تفسير القرآن على قوله تعالى (مَا ة.

ص: 64


1- لقد بحثت كثيراً فلم أعثر على مفسّر شيعيٍّ أو سنّيٍّ مثل الوزير المغربي يحيل في تفسيره مباشرة إلى نصّ العهدين أو إلى أقوال علماء اليهود والنصارى المعاصرين له ، وإنّه قد ذكر حتّى أسامي أناجيل يوحنّا ، لوقا ، متّي ، مرقس ، كما ذكر كذلك أرقام الأبواب والآيات في الأناجيل والأسفار الخمسة من التوراة وإنّ ما ذكره في هذا المجال كثيرٌ جدّاً بحيث سوف أفرد له مقالة على حدة.

قُلْتُ لَهُمْ إلاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ)(1) قائلا : «وقوله عزّ وجلّ : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبّي وَرَبَّكُمْ ...) شاهدٌ بلفظ الإنجيل ، فإنّه ذكر في الفصل الرابع من انجيل لوقا : قال المسيح مكتوب أن اسجد لله ربّك وإيّاه وحده فاعبد ، وهذا لفظه ، وهو النصّ على التوحيد بحمد الله تعالى». فقد أورد الشيخ الطوسي نفس هذا الموضوع برمّته في التبيان من دون ذكر للوزيرالمغربي : «وقوله (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ...) شاهدٌ بلفظ الإنجيل ، فإنّه ذكر في الفصل الرابع من إنجيل لوقا : قال المسيح مكتوب أن اسجد لله ربّك وإيّاه وحده فاعبد ، وهذا لفظه وهو صريح التوحيد»(2).

وفي أنموذج آخر في باب تعبير (وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْر) فقد علّق المغربي على قوله تعالى : (فَتَمَّ مِيْقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً)(3) قائلا : «لأنّه لو لم يورد الجملة على التفصيل وهو الذي يسمّيه الكتّاب : الفذلكة ، لتوهّم أنّ قوله وأتممناها بعشر أيّ كملت الثلاثين بعشر حتّى كملت ثلاثين كما يقال : ضممت العشرة بدرهمين وسلّمتها إليه» ، فقد جاء نفس هذا الكلام في التبيان : «وقوله تعالى (فَتَمَّ مِيْقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً) ومعناه فتمّ الميقات أربعين ليلة ، وإنّما قال ذلك مع أنّ ماتقدّم دلّ على هذا العدد ، لأنّه لو لم يوردالجملة بعد التفصيل وهو الذي يسمّيه الكتّاب : الفذلكة ، لظنّ قوله : 2.

ص: 65


1- سورة المائدة : 117.
2- التبيان : 4 / 70.
3- سورة الأعراف آية : 142.

(وأتممناها بعشر) أي كمّلنا الثلاثين بعشر حتّى كملت ثلاثين ، كما يقال : تمّمت العشرة بدرهمين وسلّمتها إليه»(1) ، كما جاء فيما بعد نفس هذا الكلام في مجمع البيان : «(فَتَمَّ مِيْقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِيْنَ لَيْلَةً) إنّما قال هذا مع أنّ ما تقدّمه دلّ على هذه العدّة للبيان والتفصيل الذي تسمّيه الكتّاب : الفذلكة ، ولو لم يذكره لجاز أن يتوهّم أنّه أتمَّ الثلاثين بعشر منها على معنى كمّلنا الثلاثين بعشر حتّى كملت ثلاثين ، كما يقال : كمّلت العشرة بدرهمين»(2).

ويبدو أنّ محمود بن أبي الحسن النيشابوري (القرن السادس) كثيراً ماكان متأثّراً بتفسير المغربي في كتابيه إيجاز البيان عن معاني القرآن وباهر البيان في معاني مشكلات القرآن ، والملفت للنظر أنّه لم يذكر اسم المغربي وتفسيره قط ، ولعلّ ذلك بدليل تشيّع المغربي ، وقد عثرنا على عدّة موارد نذكر بعضها :

الأنموذج الأوّل : قال الوزير المغربي في بيان معنى (البدو)(3) في تفسير المصابيح : «البادية : المجتمعون ، وقد زلّ الرمّاني زلّة يرتفع علمه عنها عندنا ، فقال : البادية : بلد الأعراب ، وهذا لا يعرف وإنّما هو معتاد في ألفاظ عامّة العراق ، السالكين لطريق الحجّ ، وكرّر على سمع أبي الحسن (الرمّاني) 8.

ص: 66


1- التبيان : 4 / 532.
2- مجمع البيان 4 / 729.
3- سورة يوسف : 88.

حتّى ظنّه عربيّاً».

وقد تكرّرت خلاصة هذا الكلام في تفسير إيجاز البيان للنيشابوري(1)حيث قال : «(وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ ...) : وكانوا بادية أهل وبرومواش ، والبادية : القوم المجتمعون الظاهرون للأعين ، وعادة العامّة أنّ البادية بلد الأعراب».

الأنموذج الثاني : قال الوزير المغربي في تعليقه على الآية 21 من سورة المائدة : «(كَتَبَ اللهُ لَكُم ...) : الذين كتب الله لهم دخولها غير الطائفة التي حرّمت عليهم أربعين سنة ، ودخلوها بعد موت موسى بشهرين مع يوشع بن نون».

وقد وردت نفس هذه العبارة في إيجاز البيان للنيشابوري «(كَتَبَ اللهُ لَكُم ...) : الذي كتب لهم دخولها غير الذين حرّمت عليهم أربعين سنة ، دخلوها بعد موت موسى بشهرين مع يوشع بن نون عليهما السلام»(2).

الأنموذج الثالث : قد ذكر الوزير المغربي في تفسير قوله تعالى : (إنّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ أَنْفُسَهُمْ)(3) قائلا : «والاشتراء في قوله : (إنّ اللهَ1.

ص: 67


1- تفسير إيجاز البيان : 1 / 447.
2- إيجاز البيان 1 / 273 - 274.
3- سورة التوبة : 111.

اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ أَنْفُسَهُمْ) مجاز ؛ لأنّ المشتري إنّما يشتري مالا يملك ، والقصد به تحقيق العوض في نفوسهم».

وقد تكرّر مضمون هذه العبارة في إيجاز البيان : «(إنّ الله اشترى من المؤمنين ...) : مجازٌ ، لأنّه إنّما يشتري ما لا يملك ، ولكن المعنى تحقيق العوض في النفوس»(1).

والأنموذج الرابع : قد علّق الوزير المغربي على الآية 88 من سورة يونس قائلا : «(ليضلّوا عن سبيلك ...) : على الاستفهام ، كأنّه قال : أليضلّوا عن سبيلك أعطيتهم ذلك كلّه؟» فإنّ النيشابوري أيضاً نقل نفس عبارة المغربي في إيجاز البيان(2) قائلا : «(ليضلّوا عن سبيلك ...) : استفهام ، أي ليظلّوا عن سبيلك أعطيتهم ذلك كلّه؟». 3.

ص: 68


1- إيجاز البيان 1 / 392 - 393.
2- إيجاز البيان 1 / 402 - 403.

الخصائص التي امتاز بها الوزير المغربي في المصابيح

أ - هو أوّل مفسّر شيعيّ حاول التقليص من حجم الروايات الشيعية في تفسيره ، وقد حذا الشيخ الطوسي حذوه في التبيان(1) ، فبالرغم من أنّ المغربي مفسّرٌ شيعيٌّ ومن أصول شيعية(2). لكنّه لم ينقل مباشرة من المصادرالحديثية والتفسيرية الشيعية ، ولذلك لم يذكر أيّاً من المحدّثين والمفسّرين الشيعة في تفسيره.

وقد ذكر بعض الروايات عن الإمام زين العابدين عليه السلام والإمامين الصادقين عليهما السلام. من دون ذكر للمصدر الذي أخذ منه.

والجدير بالذكر هنا أنّه قد ذكرت لأوّل مرّة في تفسير المغربي زهاء مئتي رواية تاريخية في السيرة وأسباب النزول المنسوبة لأبي جعفر وقد نقل منه الشيخ الطوسي معظمها إلى تفسيره التبيان ومنه انتقلت إلى تفسير مجمع 9.

ص: 69


1- إنّ نقل الروايات التفسيرية للشيعة أخذت تزداد شيئاً فشيئاً في مجمع البيان ، وأمّا التفاسير الشيعية في العهد الصفوي فإنّها لم تعتمد إلاّ الروايات الشيعية ، أنظر مقالتي الأخرى تحت عنوان (چهار پارادايم تفسيري شيعة : مقدّمه اى در تاريخ تفسيرشيعى بر قرآن كريم).
2- أنظر ترجمته في رجال النجاشي : 69.

البيان ، وعندما بحث نعمة الله الصالحي النجف آبادي طاب ثراه عن نماذج من هذه الروايات في تفسير التبيان للشيخ الطوسي ولم يعثر على شاهدلها في المصادر الحديثية الشيعية المتقدّمة فقد تبنّى الرأي القائل بأنّ الشيخ الطوسي نقل هذه الروايات من تفسير الطبري والتي هي في واقع الأمرأقوال الصحابة والتابعين ، والمراد من (أبو جعفر) في عبارات الشيخ الطوسي في واقع الأمر هو أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري.

وكما بيّنت في مقالة مستقلّة أنّ هذا الرأي لا يمكن أن يكون صحيحاً ، فإنّ هذه الروايات بأسرها جاءت لأوّل مرّة في تفسير المغربي المصابيح في تفسير القرآن وأنّ مصدرها الأصلي تفسير محمّد بن سائب الكلبي (ت 146 ه)حيث يعدّ - بناءً على بعض الأقوال - من تلامذة الإمام محمّد الباقر عليه السلام (1).

وللتفصيل في هذا الأمر بشكل أدقّ يمكننا بيان أنموذج من روايات الكلبي التي وردت في تفسير المغربي تحت عنوان أبو جعفر وقد نقلها ابن طاووس نصّاً من نصّ تفسير الكلبي.

فقد قام ابن طاووس في كتابه سعد السعود بنقل فصول من التفاسير القديمة ومن جملتها أصل تفسير الكلبي الذي كان بحوزته ، ومن ضمن ما ش.

ص: 70


1- ولمزيد من التوضيح في هذا المجال أنظر مقالة كاتب هذه السطور تحت عنوان (مأكله ى سالانه ى يهود : بررسى روايت تفسيرى در منابع كهن شيعى وسنّى).في مجلّة بژوهشهاى قرآن وحديث (مقالات وبررسيها) العدد 2 سنة 1390 ش.

أسهب في نقله مباشرة من تفسير الكلبي في حين أنّه موجود نصّاً بعينه في تفسير المغربي - وذلك قبل مئتي عام من ابن طاووس - وقد نسبه إلى أبي جعفر ؛ أذكر أوّلا عبارة ابن طاووس ومن ثمّ عبارة الوزير المغربي :

قال ابن طاووس : «فيما نذكره من الجزء السابع عشر من تفسير الكلبي ونذكر حديثاً أوّله من آخر الجزء السادس عشر وتمامه من الجزء السابع عشر في تفسير قوله تعالى : (قَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلُنا يُبَيِّنُ لَكُم كَثِيْراً مِمّاكُنْتُمْ تُخْفُوْنَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيْر) :

وضع ابن صوريا يده على ركبة رسول الله وقال : هذا مكان العائذ بك أعيذك بالله أن تذكر لنا الكثير الذي أمرت أن تعفو عنه ؛ فأعرض رسول الله عن ذلك ، فقال ابن صوريا : أخبرني عن خصال ثلاث أسألك عنهن؟ فقال رسول الله : ما هنّ؟ فقال : أخبرني كيف نومك؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : تنام عيني وقلبي يقضان ، فقال له : صدقت ، فأخبرني عن شبه الولد بأمّه ليس فيه من أبيه شيء أو شبهه أباه ليس فيه من أمّه شيء؟ فقال : أيّهما أعلى ماؤه ماءصاحبه كان له الشبه ، قال : صدقت ، أمرك أمر نبيٍّ ، قال : فأخبرني ما للرجل من الولد وللمرأة منه؟ قال : فأغمي على رسول الله طويلا ثمّ جلى عنه محمرّاً وجهه يفيض عرقاً ثمّ قال رسول الله : اللحم والدم والظفر والشعر للمرأة ، والعظم والعصب والعروق للرجل ، قال : صدقت ، أمرك أمر نبيٍّ ، فأسلم ابن صوريا ، قال : يا محمّد من يأتيك بما تقول؟ قال : جبرئيل ، قال : صفه لي؟ فوصف له النبيُّ ، قال : فإنّي أشهد أنّه في التوراة كما قلت ، فإنّك

ص: 71

رسول الله حقّاً صدقاً ، وأسلم ابن صوريا ووقعت به اليهود فشتموه»(1).

وأذكر الآن عبارة الوزير المغربي في المصابيح في تفسير القرآن في تعليقه على الآية 15 من سورة المائدة في قوله تعالى : (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيْر).

«لمّا أخبرهم بالرجم وأخرجه من التوراة ، وأعلمهم (علمه) بغير ذلك ليتركوا المجاحدة ، لئلاّ يظنّوا ما أعلمهم به اتّفاقاً لا مدد له. قال أبو جعفر : (كانت امرأة من خيبر في شرف منهم زنت وهي محصنة ، فكرهوا رجمها ، فأرسلوا إلى يهود المدينة يسألون النبيّ(صلى الله عليه وآله) طمعاً أن يكون رخصة ، فسألوا ، فقال : هل ترضون بقضائي؟ قالوا : نعم ، فأنزل الله (عليه الرجم فأبوه) ، فقال جبرئيل : سلهم عن ابن صورا ، واجعله حكماً بينك وبينهم ، فقال : هل تعرفون شابّاً أبيض أعور أمرد يسكن فدكاً يقال له : ابن صورا؟ قالوا : نعم ، هوأعلم يهودي على وجه الأرض بما أنزل الله على موسى ، قال : فأرسلواإليه ، فأتى ، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أنت عبدالله بن صورا؟ قال : نعم ، قال : أنت أعلم يهودي؟ قال : كذلك يقولون ، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : فإنّي أنشدك الله الذي لا إله إلاّ هو القويّ ، إله بني إسرائيل ، الذي ظلّل عليكم الغمام ، وأنزل عليكم المنّ والسلوى ، وأنزل عليكم كتابه ، فيه حلاله وحرامه ... هل تجدون في كتابكم الذي جاء به موسى الرّجم على من أُحصن؟ قال عبدالله بن صورا : نعم والذي ذكّرتني به ، ولولا مخافة التوراة أن تهلكني إن كتمت ما 3.

ص: 72


1- سعد السعود لابن طاووس : 213.

أعترفت لك به ، فأنزل الله سبحانه : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُم رَسُوْلُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيْراً مِمّا كُنْتُم تُخْفُوْنَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَن كَثِيْر) فقام ابن صورا فوضع يديه على ركبتي رسول الله ثمّ قال : هذا مكان العايذ بك ، أعوذ بالله وبك أن تذكر لنا الكثير الذي أُمرت أن تعفو عنه ، فأعرض عليه السلام عن ذلك ، وسأله ابن صورا عن نومه ، وعن شبه الولد بأبيه وأمّه ، وما حظُّ الأب من أعضاء المولود وما حظّ الأم؟ فقال : تنام عيناي ولاينام قلبي ، والشبه بغلبة أيّ الماءين علا ، وللأب العظم والعصب والعروق ، وللأمّ اللحم والدم والشعر ، فقال : أشهد أنّ أمرك أمر نبيٍّ .. وأسلم ، فشتموه اليهود وعضهوه ، فقال المنافقون ليهود ...».

ب - وهو أوّل مفسّر شيعيٍّ استفاد من تفاسير المعتزلة على نطاق واسع أمثال (الجبّائي ، والرمّاني ، وأبو مسلم الأصفهاني) ونقل منها ، وتارة كان يدلي بآرائه الانتقادية ، وعلى إثره فقد انتحى بعض مفسّري الشيعة والسنّة نفس الطريقة أيضاً بعد الوزير المغربي ، أشهرهم الشيخ الطوسي في التبيان وفخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير ، وقد اعتمد بعض المحقّقين هذين التفسيرين سعياً منهم لإصلاح شطراً من الآراء والأقوال التفسيرية للمعتزلة ، فمن الواضح أن أقدّم تفسير تطرّق للنقل من تفاسير المعتزلة هو المصابيح في تفسير القرآن للوزير المغربي ، وبعض منقولاته من تفاسير المعتزلة لم تذكر في أيّ من التفاسير التي صنّفت فيما بعد.

ص: 73

ج - هو أوّل مفسّر شيعيّ أبدا في تفسيره اهتماماً كبيراً بالجانب الأدبيواللغوي والنحوي للآيات ، وبرأيي أنّ النكات اللغوية والأدبية للوزيرالمغربي لا مثيل لها في تاريخ التفسير الشيعي ، وبما أنّ الوزير المغربي شاعر عارف بمواقع الكلام ولغوي لامع نراه قد اعتنى بهذا الجانب في تفسيره لفهم القرآن ، وله آراء لغوية من ابتكاراته تفرّد بها بحيث لم يسبقه أحد بها وقد ذكرت تارةً في بعض قواميس اللغة المتأخّرة مثل لسان العرب(1) ، وقد اعتمد لأوّل مرّة على الشعر الجاهلي في بيان مفهوم آيات القرآن حيث انتقلت هذه المنهجية إلى تفسير التبيان ومن بعده اعتمدتها سائر تفاسير الشيعة عن طريق مجمع البيان للطبرسي.

ولتضلّعه في أمر اللغة من صرف ونحو فإنّه لم يدع زلّة لغوية في تفاسيرالقدماء إلاّ وأشار إليها حيث سخر من أبي بكر الجصّاص في أحكام القرآن قائلا : «وقد قال أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن : إنّ المحسور : المتحسّر على ما أنفق ، ومن مثل هذا المقام استعاذ الجاحظ فقال : ونعوذ بك من العجب بما نحسن ، كما نعوذ بك من التكلّف لما لا يحسن»(2).

وفي موضع آخر تعرّض مرّةً أخرى إلى أبي بكر الرازي وذلك في قوله 9.

ص: 74


1- طبعة دار صادر ، 1414 ه- ، 1 / 223 ؛ 2 / 197 ، 224 ، 10 / 137 ؛ 11 / 313 ؛ 12 /593 ؛ 14 / 381 ، 444.
2- في تفسير سورة الإسراء الآية : 29.

تعالى : (حَمُوْلَةً وَفَرْشاً)(1) حيث قال : «الفرش : صغار الإبل. قال الرازي في كتابه الذي سمّاه أحكام القرآن : إنّ الفرش ما يفرش من أصوافها ، ولو اقتصر هذا الرجل على علمه كان أولى به من تعاطي ما ليس من شأنه».

والملفت للنظر أنّ المغربي رغم احترامه الخاصّ للمعتزلة إلاّ أنّه لم يتجاوز عن اشتباهاتهم اللغوية قط ، وإنّ نقده الأدبي الذي يشوبه الاعتذار من أبي حسن الرمّاني - اللغوي والأديب المعتزلي اللامع - لمثيرٌ للإعجاب في تعليقه على قوله تعالى : (البَدْوِ)(2) يقول : «(البدو) : البادية المجتمعون.وقدزلّ الرمّاني زلّة يرتفع علمه عنها عندنا ، فقال : البادية : بلدالأعراب ، وهذا لا يعرف وإنّما هو معتاد في ألفاظ عامّة العراق ، السالكين لطريق الحجّ ، وكرّر على سمع أبي الحسن حتّى ظنّه عربيّاً».

د - وهو أوّل مفسّر شيعيّ أورد في تفسيره روايات الصحابة والتابعين من مصادر أهل السنّة ، وإنّ تفسير الطبري هو من أهمّ المصادر التي أخذ منها ومن بعد ذلك اعتمد على روايات السِّيَر من أشخاص مثل عمر بن شبّه ، الواقدي ، ابن هشام ، ابن إسحاق ، ومحمّد بن مسلم الزهري ، وإنّ ما نُقل من مصادر أهل السنّة في تفسير التبيان أكثر من ذلك بكثير وقد اعتمدت هذه المنهجية في تفاسير أخرى مثل مجمع البيان. 8.

ص: 75


1- سورة الأنعام الآية : 142.
2- سورة يوسف الآية : 88.

والجدير بالذكر أنّه قلّ ما نعثر قبل الوزير المغربي على من ذكر روايات الصحابة والتابعين أو من أسند إلى رواة السنّة في مصنّفات تفسير السلف من الشيعة كأمثال الجزي والسياري وفرات الكوفي وعلي بن إبراهيم القمّي والعيّاشي ، حتّى روايات الإمامين الصادقين عليهما السلام من طرق أهل السنّة والمذكورة في تفاسيرهم مثل تفسير الصنعاني والطبري وابن أبي حاتم فإنّها لم تُذكر في أيّ من تلكم المصادر التفسيرية لسلف الشيعة قبل الوزير المغربي.

ه- - وإنّ المغربي هو من جملة من راجع العهدين القديم والجديد مباشرة وينقل تارة أقوالا يأيّد بها رأياً أو يردّه(1) ، وإنّي لم أعرف حتّى الآن مفسّراً قبله تناول أجزاءً مختلفة من العهد الجديد بهذه الصراحة أو يصرّح أنّه سمع مباشرة من اليهود والنصارى.

ولم يعلم هل أنّه كان يحسن اللغة السريانية أم لا؟

فإنّ حواره في أواخر سنيّ عمره مع إيليا إسقف نصيبين(2) المعروف ين

ص: 76


1- ولا بأس هنا من الإشارة إلى أنّ المغربي في تفسير الآية 150 من سورة الأعراف كان قدصرّح بتحريف التوراة ليس فقط من خلال الشواهد التاريخية بل من خلال نفس النصوص الواردة فيه ومثال ذلك ما جاء في التوراة من أنّ هارون قد توجّه لعبادة العجل وقد أشاع ذلك بين بني إسرائيل ، وهو أمرٌ نحن لا نستحسنه للعقلاء فكيف بالأنبياء.
2- إنّ مدينة نصيبين التي تقع اليوم في جنوب تركيا كانت من أهمّ مراكز المسيحيّين

ب- : إيليا برشينايا (975 - 1049م) يتبيّن منه أنّه كان يحسن السريانية قليلا(1).

وعلى كلّ حال فإنّ نقله من العهدين أمرٌ لا يقاس به أيّ من المفسّرين من قبله ولا من بعده ، ومثال ذلك قال في موضع : «في الإنجيل الأوّل في الفصل الثاني عشر منها أنّهم سألوه أن يريهم آية من السماء فقال في جواب طويل : القبيلة الخبيثة الفاجرة تطلب آية ولا تؤتى آية وكذلك في إنجيل لوقا» (في تفسير آية 97 من سورة المائدة).

وفي الآية 112 من سورة المائدة يقول : «وقيل لم ينزل مائدة لما شرط بنزولها من تغليظ العذاب عليهم إن كفروا وعلى ذلك يدلّ الفصل السادس من انجيل يوحنّا». م.

ص: 77


1- يسأل الوزير المغربي من إيليا أنّه كيف يتمّ التمييز عندكم في اللغة بين الفاعل والمفعول؟ ترى هل لديكم علائم نصب ورفع كما لنا ذلك في اللغة العربية؟ يجيب عليه إيليا قائلا : أمّا في السريانية فإنّه يتمّ التمييز بسهولة جدّاً بحيث نستطيع أن نميّز بين الفاعل والمفعول ولا حاجة لنا إلى العلائم.

وكذلك في تفسير قوله تعالى (دَرَاهِمَ مَعْدُوْدَة)(1) قال : «وهي في التوراة عشرون درهماً».

وتارة كان يتكلّم بكلام يوحي بأنّه استنبط كلامه من العهدين من دون أن يسند كلامه إليهما ، ومثال ذلك ما قاله في تفسير قوله تعالى (فَلَمّا أَحَسَّ عِيْسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصارِي إلَى اللهِ)(2) قال : «(من أنصاري)حين عاد - بعد رفعه - إلى الأرض وجمع الحواريّين الإثني عشر وبثّهم في الآفاق يدعون إلى الحقّ ..»(3) إنّ هذه العبارة تبيّن بوضوح أنّ المغربي استفاد من نصّ الإنجيل(4).

والأمر الآخر هو أنّ المغربي كسائر من عاصره من المفسّرين مال إلى نقل بعض القصص الروائية عن الصحابة والتابعين الواردة في شأن شخصيّات بني إسرائيل الواردة في القرآن الكريم وهي الروايات المعروفة ب- : (الإسرائيليّات) ومثال ذلك ما نقله في باب التابوت في تفسير الآية 248 من سورة البقرة حيث نقل كلاماً عن الحسن البصري مأخوذاً من مصادر تفسيرية مثل تفسير الطبري. وكذلك في آية (أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِيْنَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوْفٌ)(5) فقد ذكر عن ابن إسحاق مطالباً. كما ذكر حول قصّة طالوت 2.

ص: 78


1- سورة يوسف الآية : 20.
2- سورة آل عمران الآية : 52.
3- ص : 248.
4- انجيل متّي ، باب 18 ، انجيل مرقس ، باب 16 ، انجيل لوقا ، باب 24.
5- سورة البقرة الآية : 242.

وجالوت(1) خلاصة من أقوال الصحابة والتابعين نقلها من الطبري.

و - كان الوزير المغربي كثيراً ما يهتمّ بالتاريخ والسيرة سواء في تفسيرالآيات أو بيان أسباب النزول ، حيث كان له ولعٌ شديدٌ بالتاريخ والسيرة ، كما أنّ له تهذيب على سيرة ابن هشام أيضاً(2) ، وذلك لولعه وتضلّعه بروايات السيرة ، وإنّ أحد أهمّ اهتماماته في تفسيره هو اهتمامه بروايات السيرة في بيان وتفسير بعض آيات القرآن ، فإنّ هذا الأمر عموماً يتعلّق بالحوادث المعاصرة لحياة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) أو يرتبط بسبب نزول آية من آيات القرآن الكريم(3). د)

ص: 79


1- سورة البقرة الآية : 246.
2- لقد نظّم الوزير المغربي متن سيرة ابن هشام تنظيماً جديداً وبوّبه إلى ثلاثين قسماً كالقرآن الكريم ليستطيع أن يقرأ كلّ يوم قسماً منها ، وقال رفيع الدين إسحاق بن محمّدالهمداني قاضي أبرقوه (م 623ه) : «إنّ من أفاضل العصر وأكابر الدهر في إقليم المغرب شخص يسمّى ابن الوزير المغربي ولم يكن له مثيلٌ في الفضل والعلم والزهد والورع وقد قسّم كتاب السيرة على غرار القرآن إلى ثلاثين جزءاً وكان يقرأ في كلّ صباح أربعة أجزاء بعد فراغه من درس القرآن ثمّ كان يشتغل بشغل آخر» (أنظر سيرة رسول الله ترجمة رفيع الدين إسحاق بن محمّد الهمداني ، تحقيق أصغر مهدوي ، طهران ، خوارزمي ، الطبعة الثالثة ، 1377 ش ، ج1 ، ص 5 - 6) ولابدّ هنا من الإشارة إلى أنّ سهيل زكّار نشر هذا الأثر تحت عنوان السيرة النبوية لابن هشام بشرح الوزير المغربي في مجلّدين طبع في بيروت في دار الفكر ، 1412ه.
3- وفي مكان آخر بعد أن بيّن رواية طويلة في سبب نزول (الآية 13 من سورة الرعد)

وكان ينقل في تفسيره بعض الروايات التاريخية المعروفة ب- : (الإسرائيليّات) ولم يذكر في بعض مواردها اسم الراوي أو المصدر الذي أخذمنه(1).

كما كان ينتقد روايات السيرة ، ففي سورة الأنفال الآية 65 ينقل عن محمّد بن يزيد المبرّد «أنّ النبيّ كان يطلق الأسرا إزاء تعليمهم المسلمين القراءةوالكتابة ولذلك شاعت القراءة والكتابة في المدينة» فإنّه يقول معلّقاً على ذلك «وليس هذا يثبت عندنا».

ولا بأس هنا من الإشارة إلى أمر مهم فهو بالرغم من أنّه كان يعيش بين أهل السنّة وكان مجبوراً على عدم البوح عن مذهبه في بعض المواضع ولكن كان يدافع في تفسيره عن المعتقدات الأصيلة للشيعة إزاء المعتزلة وجمهور أهل السنّة ، مثلا علّق على قوله تعالى (بَعَثْنَاكُم)(2) قائلا : «وأنكرت المعتزلة الرجعة عقلا وقالوا : لأنّ فيها إغراءً بالمعاصي ، من أين الإغراء والقوم غير 6.

ص: 80


1- مثلا في آية (يُرْسِلِ الصّوَاعِقَ فَيُصِيْبُ بِها مَن يّشَاءُ) (الرعد 13) قال ضمن بيان رواية طويلة : «نزلت لمّا أهلكت الصاعقة أربد بن قيس ...» ولكن لم يذكر المصدر الذي أخذمنه.
2- سورة البقرة الآية : 56.

معيّن عليهم ولا معروفين» وفي قوله تعالى (لَن يَّسْتَنْكِفَ الْمَسِيْحُ)(1) ، يقول : «دليل عند بعض المتكلّمين على تفضيل الملائكة على الأنبياء ، ولنا في هذا نظر» ، وفي آية (امْسَحُوا بِرُؤُوْسِكُم وَأَرْجُلِكُم إلى الْكَعْبَيْنِ)(2) يقول : «فأمّا القراءة بالخفض فدلالتها على المسح ظاهرة ، وأمّا القراءة بالنّصب فهي عندنا دالّة على مثل ذلك ، فالخفض عطف على اللفظ ، والنصب عطفٌ على الموضع» ، ثمّ بعد أن أبدا توضيحاته النحوية ردّ بشكل مفصّل جميع الاعتراضات ، وكذلك في قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُم مّنْ شيء فَأَنّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُوْلِ)(3) فقد أعرب عن رأيه مفصّلا فيما ذهب إليه الشيعة.

وفي ختام هذا الكلام أنقل مقتطفات من الصفحات الأولى لتفسير المغربي ليكون القرّاء الكرام على اطّلاع تام بمنهجيّة ومحتوى هذا التفسير ، آملا أن أقدّم في القريب العاجل للعلماء والمحقّقين العاملين في مجال تفسيرالقرآن والعلوم القرآنية دورة كاملة لكتاب المصابيح في تفسير القرآن والتي تمّ مقابلتها على بعض المخطوطات. 1.

ص: 81


1- سورة النساء الآية : 172.
2- سورة المائدة الآية : 6.
3- سورة الأنفال الآية : 41.

مقتطفات ممّا افتتح به الوزير المغربي تفسيره

(المصابيح في تفسير القرآن)

بسم الله الرحمن الرحيم. ربّ أعن. اللهمّ إنّا نُقدّم بين يديك ما نأتمر من عزم ونتصرّف فيه من علم ، شُكراً لنعمك وحديثاً بواقع حِكَمِك ، وتعزّزاًبالانقطاع إليك وتفانياً بالتوكّل عليك ، وإقراراً بوجوب حجّتك وتعرّياًمن الحَول والقوّة إلاّ بقدرتك ، ونسألك أن تصلّي على محمّد فإنّه رحمتك وعلى أهل بيته المصطفين من بريّتك ، و ...

... بين قلبه ولسانه [واجعل لنا] من بين علمه وعمله أقرب الزلفة وأدوم الألفة ، وأن تُلبسنا من قَولك ما يكون زلفة في العاجل وذمّة في الآجل ، وأن تأخذ بنا في ديمة من طاعتك لا تُستبدل بها ورحمة من لدنك لانفتقر في الدنيا والآخرة معها ، وأن تهدينا للتي هي أقوم وتستعملنا بما هوأغنم ، إنّك سميع قريب.

وحقّ على من علّمه الله البيان واستحفظ صدره القرآن ، أن يقسّم جزيل الحظِّ فيه بين قلبه واعياً ولسانه تالياً ، وأن يستخدم له أشرف ما أعطيه من آلات الفَهم والإفهام فلا يزال بين استفادة منه وترجمة فهمه عنه ، ليصل

ص: 82

إلى الغرض المقصود لمشكل معانيه وامتثال أوامره ونواهيه ، وليعدّ من السابقين بالخيرات البالغين به أعلى الدرجات ، فقد كفانا في الحثّ على تفهمّه قول الله تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ)(1) ، فجعل غرض تنزيله ينتهي إلى تدبّر تأويله.

ولم أزل منذ علّمني الله كتابه طامحاً بفكري إلى معرفة إعجازه باليقين الذي يخصّ دون التقليد الذي يعمّ ، فكان البحث يهجم بي على بدائع فصاحة تروق أسماع العالمين وودائع بلاغة تفوق قدر المخلوقين ، وتسبح بي خواطر تحصينه عن شكّ المتأمّل وإعنات المتأوّل أراها مواهب - من الله تعالى - مبتكرة وعوائد من لطفه - جلّت قدرته - مقبلة ، حتّى أنّني لم أكن أكرّ فيه كرّة إلاّ استسرّ فيها قلبي في كلّ موقف أجسر عليه عنان الفكرة ، متمهّلاكمين من الفائدة لم يكن طلع أوّلا ، فكأنّني منه حديقة تتلاحق جناها و (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِيْن بِإِذْنِ رَبِّها)(2) ، فأحببت نظم ذلك كلّه وجمع شمله بما أورده العلماء من مثله ليكون النفع تامّاً والقصد عامّاً - بعون الله تعالى.

فاخترت أحسن ما اختلف فيه أهل النقل وأخلصه على عيار السّمع والعقل ، فاقتضبته لُمَعاً هادية ونكتاً كافية ، ونزّهته عن التطويل المملّ والإيجازالمخِلّ ، وأخليته من استقصاء العلوم المفردة بذواتها ، كالإعراب والأحكام والقراءات واشتقاق اللغات ، إذ كان قصدنا تفسير اللفظ الغريب 5.

ص: 83


1- سورة ص الآية : 29.
2- سورة إبراهيم الآية : 25.

وإيضاح المعنى اللطيف مع ما لا يتسغني التأويل عنه من العلوم المذكورة ، وأوردناه عشراً عشراً ليسهل وجود المطلوب منه ، وإنّا لنسأل الله تعالى أن يصلّي على محمّد وأهل بيته وأن يُحسن ثوابي عمّا يرضاه ويغفر زللي فيما سواه ، فقد علم - جلّت قدرته - ما أردت من البيان عمّا في كتابه من شرف النظم والأسلوب الممتنع عن الخلق ، وإنّي توقّيت بجهدي أن أحِلّ حراماً أوأحرّم حلالا أو أفضّل ناقصاً ، أو أنقص - وأعوذ بالله - فاضلا أو أقطع على مراد الله في المتشابه أو أخرج عن الإجماع في المحكم ، ويعلم الله لقدصنعته وأنا أراوح بين إملائه والاستغفار متأرجحاً بين الأمل والحذار ، وفي سعة رحمة الله تحقيق أحسن ما ظننت وهِبته ما أعلنتُ لما أكننتُ ، ولكلّ امرىء ما نوى(1) (وَحَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ)(2).

ومن طلب تأويلا يعرفه ففقده في هذا الكتاب فلا يظنّ بنا إغفالا له ، فإمّاأن يكون قد استوفينا شرحه في موضع آخر رأيناه أليق به ، فإنّ متشابه التلاوة كثير ، وإمّا أن يكون لم نره أهلا لأن نُثبته وكرهنا التطويل بذكر الوجه الذي يطلّ منه ، غير مدّعين في ذلك كلّه ولا في شيء منه الإحاطة ، ولا 3.

ص: 84


1- حديث معروف عن النبيّ رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطابّ «قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرىء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها - وفي رواية يتزوّجها - فهجرته إلى ما هاجر إليه».
2- سورة آل عمران الآية : 173.

متبرّين من السهو والعجز (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيْلَ)(1).

واعلم أنّ تفسير القرآن على أربعة أقسام : قسم محكم يكاد تأويله يظهرفي تلاوته ، وقسم بين الواضح والمشكل قد ازدحم العلماء في تفسيره فاجتبينا أحسن ما ذكروه وضممنا أطراف ما نشروه ، وقسم يُظنّ واضحاًفي التلاوة وتحته جِنىً من العلم يشهد بأعلى رتب البلاغة ، وقد أوردنامنه أكثر ما يحتمله هذا الكتاب على خفّة حجمه ، وقسم محتمل الإشكال ، مرّ أكثر العلماء به صفحاً وألمُّوا بتأويله لمحاً ، فعنده يجب أن تطلب نيابتنا عنك وتلتقط ثمر ما غرسناه لك إن شاء الله تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم. فاتحة الكتاب : افتتاح القراءة بقولنا : (بسم الله الرحمن الرحيم) [1] واجب ، لقوله عزّ وجلّ : (اقْرَأ باسْمِ ربِّك)(2) ، [سورة العلق ، 1] ، وقد أجمع المسلمون على استحباب افتتاح كلّ أمر بها ، فصارت علماً من أعلام الدّين ، وهي في الذّبح فرض وفي المآكل سنّة مؤكّدة.

و (الرَّحْمن) ذو الرّحمة بالناس كلّهم ، (الرّحِيْم) بالمؤمنين خاصّة عن جعفر بن محمّد [عليه السلام](3). وقُدِّم (الرّحمن) لأنّه كالعَلم الخاص :

ص: 85


1- سورة النحل الآية : 9.
2- نصّ العبارة نقلها النيسابوري في باهر البيان في معاني مشكلات القرآن : 1 / 4. والظاهرأنّ الوزير لخّص تفسير أبى بكر الرازي في هذا الموضع. أنظر أحكام القرآن : 1 / 5- 6.
3- أنظر المحاسن : 1 / 238 ، الكافي : 1 / 114 ، تفسير القمّي : 1 / 28 ، تفسير العيّاشي :

بتسمية الله عزّ وجلّ(1) ؛ ولذلك قُدّم عليهما جميعاً اسم الله تعالى ، لأنّه كالعَلم الخاصّ الذي يزيد على لفظ الرحمن خصوصية بتسمية الخالق جلّت قدرته.

و (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيْمِ) عندنا من كلّ سورة غير براءة ، بدلالة إثباتهم إيّاها في المصاحف مع توقّيهم أن يثبتوا فيها الأخماس والأعشار.

و (الحَمْدُ لله) [2] تعليم من الله لعباده كيف يحمدونه كأنّه قال : قولوا (الْحَمْد) ، ويجوز أن يكون إخباراً بأنّ الحمد له كلّه ؛ لأنّ كلّ نعمة فهوفَعلها أو عرض لها ، ولذلك قيل : الحمد لله بالألف واللام إخباراً بأنّ النعم على القائل الحامد دون غيره.

و (الحمد) في الأصل بناء لعموم النعم (والشكر) بناء لخصوصها ، والخصوص يدخل في العموم.

و (العالَم) [2] قيل : هو اسمٌ لما حواه الفلك ، رواه(2)أبوالحسن7.

ص: 86


1- نصّ العبارة في التبيان للطوسي : 1 / 29.
2- نقل النيسابوري هذا الرأي في إيجاز البيان : 1 / 59 ونسبه في كتابه الآخر إلى الحسن البصري. أنظر باهر البيان في معاني مشكلات القرآن : 1 / 7.

الرماني (1) واشتقاقه من العلامة ، لأنّه علامة ودلالة على صانعه(2)جلّت قدرته وهو ...

سورة البقرة

لأنّ منفعة الهُدى لهم من حيث اختصّوا باتّباعه واجتَنَوا ثمرة نفعه.

(الريب) [2] الشكّ(3) ، قال ساعدة بن جؤيّة الهُذلي(4) : ة.

ص: 87


1- أبو الحسن الرمّاني : هو علي بن عيسى بن علي بن عبدالله ، المعروف بالرمّاني (196 -384 ه) أصله من سامرّاء ولكن مولده ووفاته ببغداد ، له حوالي مئة مصنّف أشهرهاتفسير حجيم على القرآن المسمّى ب- الجامع لعلم القرآن ، لم يصل إلينا غير قطعات متفرّقة منه. طبع منه خضر محمّد نبها قطعة من سورة هود مع آيات من سورة إبراهيم ضمن «موسوعة تفاسير المعتزلة» في بيروت (دار الكتب العلمية ، 2009).فمفسّرنا الوزير المغربي هو أوّل من نقل جمّاً غفيراً من تفسير الرمّاني وأخريات من تفاسير المعتزلة في كتابه هذا.
2- نصّ العبارة نقلها الطوسي في تفسيره التبيان : 1 / 32.
3- العين لخليل بن أحمد : 8 / 287 ؛ معاني القرآن للفرّاء : 1 / 11 ، ومجاز القرآن : 1 / 29.وقال ابن أبي حاتم في تفسيره : «الريب - يعني الشك - من الكفر ولا أعلم في هذاالحرف اختلافاً بين المفسّرين منهم ابن عبّاس وسعيد بن جبير وأبو مالك ونافع مولى ابن عمر وعطاء بن أبي رباح وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيّانوالسدّي وإسماعيل بن أبي خالد» (1 / 34).
4- ساعدة بن جؤية الهذلي : أحد بني كعب بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدسمة ، شاعر محسن جاهلي ، وشعره محشوّ بالغريب والمعاني الغامضة.

وقالوا تركنا الحيّ قد حصروا به

فلا ريب أن قد كان ثمّ لحيم(1)

أي : أطافوا به(2).

(الغيب) [3] ما غاب عن الحواس ؛ لأنّ المدرَك بها لا مدح في الإقراربوجوده.

(الفلاح) : إدراك المطلوب.

(يُوْقِنُوْنَ) [4] مدحوا بعلم الاستدلال.

قوله : (مِمّا رَزَقْنَاهُم يُنْفِقُوْنَ) [3] ، قيل : إنّه أراد الزكاة ، وقيل : أراد التطوّع بالصدقات وكلّ خير ورزق الله هو الحلال ، وإلى ذلك ذهب ابن جريرالطّبري من بين أصحاب الحديث(3).

(رَزَقْنَاهُم) الرزقُ : الحظُّ. (وَتَجْعَلُوْنَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمَ تُكَذِبُوْنَ) ي.

ص: 88


1- البيت من قصيدة يرثي ابن عمّ له لقيه عبد شمس ، واسمه جندب ، قتلته قبيلة قسر ، ومطلعها : أهاجك مغنى دِمنة ورسوم لِقَيْلة منها حادث وقديم
2- أخذ الوزير هذا النقل من السيرة النبوية لابن هشام : «يقول الله سبحانه وبحمده : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ، أي لا شكّ فيه. قال ابن هشام : قال ساعدة بن جؤية الهذلي : فقالوا عهدنا القوم قد حصروا به فلا ريب أن قد كان ثمّ لحيم وهذا البيت في قصيدة له ، والريب (أيضاً) : الريبة. قال خالد بن زهير الهذليّ : كأنّني أرببه بريب. قال ابن هشام : ومنهم من يرويه : كأنّني أريته بريب. وهذا البيت في أبيات له. وهو ابن أخي أبي ذؤيب الهذلي» (السيرة النبوية : 1 / 530).
3- لا يوجد صريح هذا الاختيار في جامع البيان للطبري.

[سورة الواقعة : 82] أي : حظَّكم من الشكر.

(هُدى) [5] بَيانٌ.

(أَأَنْذَرْتَهُم) [6] إخبار خرج مخرج الاستفهام(1) ، كما قال جرير(2) :

ألستم خير من ركب المطايا

وأندَى العالمين بطون راح(3)

و (هم) [5] اسم مبتدأ وخبره : (المفلحون) ، والجملة خبر (أولئك)(4).

وقوله : (أَأَنْذَرْتَهُم) [6] نزلت في أبي جهل وخمسة من قومه من قادة الأحزاب قُتلوا يوم بدر(5) ، وقال ابن عبّاس : نزلت في قوم بأعيانهم من 8.

ص: 89


1- مجاز القرآن لأبي عبيدة : 1 / 31.
2- جرير بن عطية الخَطَفَي (33 - 133 ه) ، من بني كليب بن يربوع بن عمرو بن تميم ، من شعراء بني أمية وهو من أشهر شعراء العرب في فنّ الهجاء وفي المدح أيضاً. ولدومات في اليمامة ، أنظر طبقات فحول الشعراء : 2 / 297 ؛ الشعر والشعراء : 309 ؛ والأغاني : 8 / 54.
3- استشهد أبو عبيدة بهذه الدلالة في هذا البيت في مواضع مختلفة من مجاز القرآن (1/35 - 36) والطبري في تفسير سورة العنكبوت (21 / 11) ؛ والبيت في ديوانه : 98 ، وهومن قصيدة في مدح الخليفة عبدالملك بن مروان مشهورة.
4- هذا تلخيص لرأي الزجّاج في معاني القرآن : 1 / 74 : ف- (أولئك) مبتدأ و (المفلحون)خبر ، و (هم) فصل. والكوفيّون يقولون : عماد ويجوز أن يكون (هم) ابتداءثانياً ، و (المفلحون) خبر ، والجملة خير (أولئك).
5- نسب الثعلبي الكشف والبيان : 1 / 149 والواحدي أسباب النزول : 25 ، هذا القول إلى الضحّاك نقل الطوسي هذا القول من الوزير المغربي في تفسيره التبيان : 1 / 59 وأخذمنه الطبرسي في مجمع البيان : 1 / 128.

أحبار اليهود(1).

(خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوْبِهِم) [7] : شهد عليها كما يختم الشاهد حقيقة ، وجملة الختم أنّه استعارة ، فليس لأحد أن يتعلّق منه بتأوّل. وقيل : إنّ (خَتَمَ) بمعنى طبع فيها أثر الذنوب كالسِّمة والعلامة ليعرفها الملائكة(2) فيتبرّءوا منهم ولا يوالوهم ولا يستغفروا لهم(3) مع من يستغفرون له في قولهم : (فَاغْفِرْ لِلَّذِيْنَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيْلَك) [سورة غافر : 7].

(وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشاوَة) [7] لطول اكتساب الذنوب.

و (سَمْعِهِم) جاء مفرداً لأنّه مصدر.

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يّقُوْلُ آمَنّا) [8] هم المنافقون ، ثمّ قال : (وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِيْنَ) لأنّ (مَن) تقع على الواحد والجميع ، كما قال الشاعر(4) : 6.

ص: 90


1- هذا تلخيص لرأي ابن عبّاس ذكره الطبري بتفصيله هكذا : «وحدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمّد بن أبي محمّد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس : أن صدر سورة البقرة إلى المائة منها نزل في رجال سمّاهم بأعيانهم وأنسابهم من أحبار اليهود ومن المنافقين من الأوس والخزرج.كرهنا تطويل الكتاب بذكر أسمائه» جامع البيان : 1 / 84.
2- نقلها أبو علي الفارسي في الحجّة للقرّاء السبعة : 1 / 301 والماوردي في تفسيره : 1/67.
3- نقل الطوسي هذه العبارة في تفسير التبيان : 1 / 63.
4- الفرزدق وهو همّام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمّد بن سفيان بن مجاشع بن دارم ، وإنّما لُقّب بالفرزدق لغلظه وقصره ، الشعر والشعراء : 315 - 316.

...................................

نُكُن مثل مَن يا ذئب يصطحبان(1).

(يخادعون) [9] ممّا جاء (فاعَلَ) فيه بمعنى (فَعَل) ، كقوله (باعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا)(2) [سورة سبأ : 19] وكقولك : عافاك الله.

(وَمَا يَخْدَعُوْنَ إلاّ أَنْفُسَهُم) [9] أي ضرر الخديعة عائد عليهم ، فكأنّهم خدعوا أنفسهم وإن لم يقصدوا ذاك.

(وَمَا يَشْعُرُوْنَ) أنّهم مغلوبون ، وأنّ ضرر خداعهم عائد عليهم.

(فِي قُلُوْبِهِم مَرَضٌ) [10] غمّ ووجع من الحسد والعداوة لكم.

(فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضَاً) [10] دعاءٌ كما قال : (ثُمّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوْبَهُم) [سورة التوبة : 127].

(هُمُ الْمُفْسِدُوْنَ) [12] لأمر أنفسهم في الآخرة.

(إِنّما نَحْنُ مُصْلِحُوْنَ) [11] قالوا : الذي عندكم أنّه هو فسادٌ عندنا صلاح. قال أبو جعفر : (كانت الأرض قبل بعث الأنبياء عليهم السلام تُسْفَك فيها ه.

ص: 91


1- عجز بيت ، صدره : تعشَّ فإن واثْقَتني لا تَخونَني. والبيت في ديوان الفرزدق : 2 / 329.
2- هذا أمر معروف بين النحاة ومفسّريهم وقد ذكروا له أقساماً (راجع ابن الحاجب ، شرح الشافية : 1 / 96 - 99 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة : 1 / 31). وفي آثارهم نجد بعض الأمثلة القرآنية لهذا الأسلوب مثل : قاتلهم الله (سورة التوبة ، 30) أي قتلهم(القرطبي : 6 / 267) ، فلمّا جاوزه (سورة البقرة : 249) أي جاز (أبو حيان : 2 / 590)أمّا استشهاده بهذه الآية أعني باعِد بين أسفارنا (سورة سبأ : 19) ، فالظاهر أنّ الوزيرمتفرّد فيه.

الدّماء ، وتحلّ المحارم ، ويُعمل بغير الحقّ ، وذلك هو الفساد ، ولمّا بُعث النبيّ(صلى الله عليه وآله) أمر بالحلال ونهى عن الحرام ، وذلك الصّلاح)(1).

وقوله : (لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ) [11] لا تمنعوا من ظهور الدّين الذي هو صلاحها ، كما قال : (آمَنَ النّاس) [13] يُراد بالناس هاهنا (المؤمنون).

(وَإِذَا خَلَوا إلَى شَيَاطِيْنِهِمْ) [14] رؤسائهم من المشركين ر.

ص: 92


1- لا يوجد شيء من هذه الرواية في تفسير أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري ولا أثرلنسبة هذا القول إلى الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام في أي من التفاسير المتقدّمة الشيعية. نعم هناك أقوال غير منتسبة إلى شخص معيّن في تفسير أبي الليث السمرقندي (بحر العلوم : 1/ 27) ، والثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن : 4 / 260 - 261) ولعلّ القرطبي (الجامع لأحكام القرآن : 1 / 202) أخذ منهما حينما قال : «قيل كانت الأرض قبل أن يبعث النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيها الفساد ، ويفعل فيها بالمعاصي ، فلمّا بعث النبيّ(صلى الله عليه وآله) ارتفع الفساد وصلحت الأرض. فإذا عملوا بالمعاصي فقد أفسدوا في الأرض بعدإصلاحها». وجدير بالذكر أنّ القرطبي نسب هذه الرواية إلى ابن عبّاس في تفسير قول شعيب في آية : 56 من سورة الأعراف : «قال ابن عبّاس : كانت الأرض قبل أن يبعث الله شعيباً رسولا يُعمل فيها بالمعاصي وتستحلّ فيها المحارم وتسفك فيها الدماء. قال : فذلك فسادها ، فلمّا بعث الله شعيباً ودعاهم إلى الله صلحت الأرض. وكلّ نبيٍّ بعث إلى قوم فهو صلاحه». (القرطبي : 7 - 248) وهذا شاهد على أنّ للكلبي دخلا في نقل هذه الرواية في تفسيره الذي لم يصل إلينا بعد ؛ إذ كلّ من السمرقندي والثعلبي والوزيرالمغربي حريصون على نقل أقوال الكلبي في تفاسيرهم ولكن الوزير أسند كلّ منقولاته إلى هذه الكنية المشهورة بأبي جعفر.

والمنافقين.قال أبو عبدالله(1) : «شياطينهم كَهَنتهم» ، وقال بعض العلماء : الشيطان المتمرّد من كلّ جنس(2) ، وأصله [من] الشطون ، وهو البُعد ، وهو هاهناالبُعد عن الخير وقال ابن إسحاق(3) : «شياطينهم قُرناؤهم من اليهود الذين يأمرونهم بالتكذيب بالحقّ»(4).

و (الاستهزاء) [14] لا يجوز من فعل الحكيم ، وإنّما ذكر في فعل الله تعالى ؛ لأنّ الفعل والجزاء عنه يُسمّيان اسماً واحداً ، كما قال : (وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوْقِبْتُمْ بِهِ) [سورة النحل : 126] ، والأوّل ليس بعقوبة ، وقال : (وَجَزَاءُ سَيِّئَة سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [سورة الشورى : 40] ، والثانية ليست س.

ص: 93


1- الظاهر أنّ مراد الوزير هنا هو أبو عبدالله الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام.
2- لعلّ الوزير أشار إلى قول أبي عبيدة في مجاز القرآن : 1 / 32 : «كلّ عات متمرّد من الجنّوالإنس والدواب ، فهو شيطان» أو إلى قول الطبري في تفسيره (1 / 38) : «حدّثنابذلك يونس بن عبد الأعلى قال : أنبأنا ابن وهب قال : خبّرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال أبو جعفر : وإنّما سمّي المتمرّد من كلّ شيء شيطاناً لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه وأفعالهم وبعده من الخير» وقال الثعلبي : «والشيطان : المتمرّد العاصي من الجنّ والإنس ، ومن كلّ شيء» (الكشفوالبيان : 1 / 156).
3- أبو عبدالله (وقيل : أبو بكر) محمّد بن إسحاق بن يسار بن خيار المدني (85 - 151 ه)كان مولى لقيس بن مخرمة بن المطّلب القرشي. هو أوّل مؤلّفي السيرة. ومن جملة أساتذته ذُكر ابن شهاب الزهري والإمام محمّد الباقر والإمام جعفر الصادق عليهما السلامولدبالمدينة وتوفّي ببغداد.
4- أنظر ابن هشام ، السيرة النبوية : 1 / 531 ، ونسب الطبري : 1 / 101 ، وابن أبي حاتم الرازي : 1 / 47 ، هذا القول إلى ابن عبّاس.

بسيّئة ولكنّها حكمة مستحسنة ؛ وكذلك (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) [سورة البقرة : 119] ، والثاني قصاص ليس باعتداء ، والعرب تقول : الجزاء بالجزاء ، وقال الشاعر(1) :

ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا(2)

والاستهزاء من الله تعالى ، هو الإملاء الذي يظنّونه إغفالا(3). قال أبو مسلم(4) (يَسْتَهْزِيءُ بِهِم) [15] : يحلّ عقابه جزاء استهزائهم ، فلمّا كان رجوع الاستهزاء يظهر مع عقاب الذنوب نسب الاستهزاء إليه.

(وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُوْنَ) [15] يمدُّهم : يُمهلهم ويزيد في أعمارهم ، كما قال : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر) [سورة لقمان : 27] أي يزيد فيه ، والمعنى يُمهلهم وهم في حال طغيانهم تأنيباً بهم ، وإنظاراًة.

ص: 94


1- عمر بن كلثوم ، هو من بني تغلب من بني عتّاب ، شاعر جاهليّ وأحد أصحاب المعلّقات ، وهو قاتل عمرو بن هند ملك الحيرة الشعر والشعراء : 141.
2- البيت في ديوان عمرو بن كلثوم : 78 ، والأغاني : 25 / 252 ، وجمهرة أشعار العرب : 1 /414.
3- نصّ العبارة في التبيان للطوسي : 1 / 80.
4- هو أبو مسلم محمّد بن بحر الأصبهاني (254 - 322ه) ، كاتب ، نحوي ، أديب ، مفسّرومتكلّم على مذهب المعتزلة. لم يصل إلينا شيء من آثاره في النحو والتفسير ، سمّى تفسيره ب- : (جامع التأويل لمحكم التنزيل) والذي كان في متناول أيدي المفسّرين حتّى نهاية القرن السادس الهجري. قال الوزير المغربي أوّل من نقل منه آراءه الأدبية والكلامية والتفسيرية وبعده أثنى عليه الشيخ الطوسي لأوّل مرّة في مقدّمة تفسيره التبيان ونقل منه أقوالا كثيرة.

لهم وإيجاباً للحُجّة عليهم ، وقوله : (فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُوْنَ) [15] : في تقدير حال ، والعمه ضدّ الاستبصار وأصله الحيرة قال رؤبة :

ومَهْمَه أطرافُه في مَهمِه

أعْمَى الهُدَى بالحائرين العُمَّه(1)

يُقال : عَمِه وعَامِه ، والعُمّه هاهنا جمع عامِه ، وجمع عَمِه (عَمِهُون).

(اشْتَرَوُا الضّلالَةَ بِالْهُدْى) [16] أخذوا الضّلالة وتركوا الهُدى. وأصْلُ الشّراء استبدال العين بالثّمن ، فلمّا استبدل قول الكفر بالإيمان الذي فَطَرهم الله عليه قِيل : (اشْتَرَوُا) ، وإن كانوا من قبل كفرهم لم يكونوا مؤمنين.وجعل التجارة هي الرابحة ، كما قال رؤبة(2) :

......................

ونام ليلِي وتجلّى همّي(3)

قال : (وَمَا كَانُوا مُهْتَدِيْنَ) [16] لأنّ التاجر قد يخسر وهو مهتد غير ضالّ. والاشتراء استعارة ، وحسنت هذه الاستعارة لأنّها تمثيل بما يظهر للحِسّ ، ولأنّ الغَبن في الشراء أقبح.

وضرب (مَثَلُهُمْ كَمَثِلَ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَارَاً) [17] أي استوقد ناراً ، فلمّاعرف جميع ما حوله ممّا يضرّه فيتّقيه وينفعه فيبتغيه ، أطفأ الله النار ، وضرب الله الإضاءة والإظلام مثلا لدخولهم في الإسلام تفْرِقةً وإجمالا ، ثمّ ي.

ص: 95


1- البيت في ديوانه 166 ، وبدل بالحائرين (الجاهلين) ، وفي لسان العرب : (عمه) أنظرأيضاً مجاز القرآن لأبي عبيدة : 1 / 32 ، ومعاني القرآن للزجّاج : 1 / 91.
2- مرّت ترجمته.
3- هو رجز رؤبة في ديوانه ، ص : 166 ، وقبله : حارث ، قد فرّجت عنّي غمّي.

خروجهم منه بالنّفاق.

(وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) [20] إذا عزّ الإسلام سكنوا ، وإذا نُكب المسلمون شكّوا ورجعوا وتبدّلت إلى اليهود الذين كانوا يتمنّون رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فلمّا بعث كفروا به ، فكانوا كمن أوقد ناراً ، فلمّا أضاءت ، عَمِي ، وقال : بنورهم. وقد تقدّم ذكر واحد ؛ لأنّه أراد ذهب نُورهُ ونورُ من حوله ، فكان أبلغ في الخسران ، إذ لم ينتفع به هو ولا غيره ، وعلى أنّ (الذي) يُخبر بها عن الجمع كما يُخبر بها عن الواحد.

وأنشدوا :

إنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد(1)

وحال من يقع في الظلمة بعد الضياء أشدّ في الحيرة فكذلك كان حال المنافقين في حيرتهم بعد اهتدائهم ، ثمّ يزيد استضرارُه على استضرار من طَفِئَت ناره بسوء العاقبة ودوام المضرّة ، وقال أبو مسلم(2) : «والمراد به أنّه لا ».

ص: 96


1- البيت للأشهب بن رميلة : وهو ابن ثور بن أبي حارثة بن عبد الدار بن جندل بن نهشل بن دارم ، ورميلة اسم أمّه ، وهو شاعر إسلاميٌّ مخضرم ، أسلم ولم تعرف له صحبةواجتماع بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) أنظر الإصابة لابن حجر وطبقات فحول الشعراء : 2 / 585 ، والأغاني : 9/308. حانت دماؤهم : أي لم يؤخذ لهم بدية ولا قصاص.
2- ذكر الطوسي هذا القول في التبيان : 1 / 88. مع إضافات أُخر : «وقال أبو مسلم : معناه أنّه لا نور لهم في الآخرة ، وإنّ ما أظهروه في الدنيا ، يضمحلّ سريعاً كاضمحلال هذه اللمعة.وحال من يقع في الظلمة بعد الضياء أشقى في الحيرة ، فكذلك حال المنافقين في حيرتهم بعد اهتدائهم ، ويزيد استضرارهم على استضرار من طفئت ناره بسوء العاقبة».

نور لهم في الآخرة ، وأنّ ما أظهروه في الدنيا يذهب سريعاً كاضمحلال هذه اللمعة القريبة». ثمّ ضرب مثلا آخر بالرّعد والبرق لما هم فيه من الحيرةوالالتباس ، يقول : لا يرجعون للحقّ إلاّ خلساً كما يلمع البرق ثمّ يعودون إلى ضلالتهم وأصلهم الذي هم ثابتون عليه وراجعون إليه. والكفر كظلمة الليل والمطر اللذين يعرض خلالهما البرق لمعاً وهم في أثناءذلك يحذرون الوعيد والعذاب العاجل إن أظهروا الكفر ، كما يحذرون الصواعق من الرعد فيضعون أصابعهم في آذانهم ارتياعاً وانزعاجاً في الحال ، ثمّ يعودون إلى الحيرة والضلال(1) ، وكان قوم يسدُّون آذانهم لئلاّ يسمعوا القُرآن ، فضُرب لهم هذا المثل ، فهم لا يرجعون : لا يتوبون. ه.

ص: 97


1- نصّ العبارة ذكرها الطوسي في التبيان : 1 / 94 - 95. مع انتساب ألفاظ المغربي إلى نفسه.

المصادر

1 - آلاء الرحمن في تفسير القرآن : للبلاغي النجفي ، محمّد جواد ، قم ، منشورات بنياد بعثت ، 1420 ق.

2 - أمالي المرتضى : للشريف المرتضى ، أبو القاسم علي بن الحسين ، تحقيق : محمّدأبو الفضل إبراهيم ، القاهرة ، منشورات دار الفكر العربي ، 1998.

3 - إيجاز البيان عن معاني القرآن : للنيشابوري ، نجم الدين محمود بن أبو الحسن ، بيروت ، منشورات دار الغرب الإسلامي ، 1415 ق.

4 - البحر المحيط في التفسير : لأبي حيّان الغرناطي ، محمّد بن يوسف بيروت ، منشورات دارالفكر ، 1420 ق.

5 - البرهان في علوم القرآن : للزركشي ، برهان الدين محمّد بن عبدالله ، بيروت ، منشورات دار المعرفة ، 1410 ق / 1990م.

6 - بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم ، عمر بن أحمد بن هبة الله ، تحقيق : سهيل زكّار ، بيروت ، 1408 ق / 1988 م.

7 - التحرير والتنوير : لابن عاشور ، محمّد بن طاهر ، تونس ، منشورات الدار التونسية ، 2008.

8 - تفسير من وحي القرآن : لفضل الله ، سيّد محمّد حسين ، بيروت ، منشورات دارالملاك للطباعة والنشر ، 1419 ق.

ص: 98

9 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم : للآلوسي ، سيّد محمود. بيروت ، منشورات دار الكتب العلمية ، 1415 ق.

10 - روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن : لأبي الفتوح الرازي ، حسين ابن علي ، تحقيق : محمّد جعفر ياحقي ومحمّد مهدي ناصح ، مشهد ، منشورات بنيادپژوهشهاى اسلامى آستان قدس رضوى ، 1408 ق.

11 - سعد السعود للنفوس منضود : لابن طاووس الحلي ، سيد علي ، قم ، محمّد كاظم الكتبي.

12 - سيرة رسول الله : للهمداني ، رفيع الدين إسحاق بن محمّد ، تحقيق : اصغر مهدوي ، طهران ، منشورات الخوارزمي ، 1377ش.

13 - السيرة النبوية لابن هشام بشرح الوزير المغربي : لابن هشام ، أبو محمّد عبدالملك ، تحقيق : سهيل زكّار ، بيروت ، دار الفكر ، 1412 ق.

14 - طبقات المفسّرين : للداوودي ، محمّد بن علي بن أحمد ، بيروت ، منشورات

دارالكتب العلمية.

15 - الفصول المختارة : للشيخ المفيد ، محمّد بن محمّد بن النعمان ، قم ، منشورات الموتمر العالمي للشيخ المفيد ، 1413 ق.

16 - فقه القرآن في شرح آيات الأحكام : للراوندي ، قطب الدين سعيد بن هبة الله ، قم ، منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي ، 1405.

17 - فهرست أسماء مصنّفي الشيعة المشتهر ب- : رجال النجاشي : للنجاشي ، أبوالعباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس ، تحقيق : السيّد الشبيري الزنجاني ، قم ، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة ، 1407 ق.

18 - كنز العرفان في فقه القرآن : للفاضل المقداد ، جمال الدين مقداد بن عبدالله ، تحقيق : سيّد محمّد القاضي ، طهران ، منشورات مجمع جهاني تقريب مذاهب اسلامي ، 1419 ق.

ص: 99

19 - لسان العرب : لابن منظور ، أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم ، بيروت ، منشورات دار صادر ، 1410 ق.

20 - (مأكله ى سالانه ى يهود : بررسي روايتي تفسيري در منابع كهن شيعه وسنّي) : لكريمي نيا ، مرتضى ، مجله پژوهشهاي قرآن وحديث (مقالات وبررسيها) ، لسنة 44 ، رقم2 ، خريف - شتاء 1390ش.

21 - متشابه القرآن ومختلفه : لابن شهرآشوب ، محمّد بن علي ، قم ، منشورات بيدار ، 1410 ق.

22 - مجمع البيان في تفسير القرآن : للطبرسي ، فضل بن حسن ، طهران ، منشورات ناصر خسرو ، 1372 ش.

23 - مقالة (النعماني ومصادر الغيبة) : للشبيري ، سيّد محمّد جواد ، في مجلة (انتظارموعود) ، رقم 19 ، لسنة 1386 ش.

24 - نهج البيان عن كشف معاني القرآن : للشيباني ، محمّد بن الحسن ، تحقيق : حسين درگاهى ، طهران ، 1413 ق.

25 - الوزير المغربي أبو القاسم الحسين بن علي العالم الشاعر الناثر الثائر : لإحسان عباس ، عمّان ، الأردن ، 1988.

26 - Daniel Gimaret, "Mu tazila", in EI2, vol. 7, Leiden : Brill, 1993.

ص: 100

الذكر المحفوظ قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن وما روي في تحريفه (1)

السيّد عليّ الشهرستاني

بسم الله الرحمن الرحيم

تكلّمنا في الأعداد السابقة عن الإنزالين الدفعي والتدريجي للقرآن ، موضّحين معنى العرضة ، وما قيل عن ترتيب القرآن ، هل هو توقيفي أم اجتهادي؟ آتين بالروايات الدالّة على إشراف النبيّ(صلى الله عليه وآله) وجبريل عليه السلام على ترتيب الآيات في السورة.

ثمّ أشرنا إلى وجود أقوال أربعة في جمع القرآن وتأليفه ، وبيّنا أوّله وهو جمع القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنّه أمر بجمع ما نزل عليه إلى ذلك الحين ، مؤكّدين وجود مصاحف ناقصة للصحابة يقرؤون فيها ، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أكّد على عدم تنجيسها ، وحملها إلى بلاد الكفر و ... ، وأنّ ما قالوه

ص: 101

في تفسير جمع القرآن بأنّه يعني الحفظ لا الكتابة ، هو باطل.

قالوا بذلك لسلب فضيلة جمع القرآن للإمام عليٍّ عليه السلام وإعطائها لآخرين ، مع أنّه الأولى بذلك - عدا كونه أوّل كتّاب الوحي ، وصهر الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وزوج البتول عليها السلام ، وابن عمّه ، وأوّل القوم إسلاماً - وذلك لكونه عِدْل القرآن ، وأحد الثقلين ، والقائل : سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار.

ثمّ صاروا إلى التشكيك في روايات جمع الإمام للقرآن وتضعيفها ، وحملها على الجمع في الصدور ، وأكثر من ذلك أنّهم رووا على لسانه أنّه قال : «أعظم الناس أجراً في المصاحف أبوبكر ، رحمة الله على أبي بكر هو أوّل من جمع كلام الله بين اللوحين»(1). وقوله في مصحف عثمان : «والله لو ولّيت لفعلت مثل الذي فعل»(2).

ثمّ أشرنا إلى الجمع بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بواسطة الإمام عليّ عليه السلام من خلال الأدلّة والروايات التاريخية من كلا الفريقين ، ثمّ استعرضنا أقوال علماء الشيعة في مصحف الإمام عليه السلام وأخبار مصحف الإمام عليّ عليه السلام في كتب الجمهور ، ومن ثمّ تطرّقنا إلى لجوء الخلفاء إلى أسلوب الاحتماء بالصحابة 5.

ص: 102


1- المصاحف 1 / 154 الرقم 17 و 18 و 19 ، تاريخ دمشق 30 / 380 ، 381 ، تاريخ الإسلام 3 / 115 ، تاريخ الخلفاء : 86.
2- أنظر البرهان للزركشي 1 / 240 ، الاتقان للسيوطي 1 / 166 ، تاريخ دمشق 39 / 44 ، 246 ، 248 ، تاريخ ابن شبة 3 / 995.

ومصاحفهم لتصحيح أعمالهم في هذا المضمار فتعرّضنا إلى بعض مصاحف الصحابة ومواقفهم اتّجاه السلطة ، ثمّ ذكرنا بعض الآراء لبعض المؤلّفين في هذا المجال واستعرضناها بالنقد والتحليل ونستأنف الكلام هنا في مصحف الإمام عليّ عليه السلام :

مصحفا الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام :

بعد كلّ هذا العرض نتساءل : هل كان للإمام عليّ عليه السلام مصحف يختصّ به - كما يشيعه الآخرون - أم أنّ مصحفه هو مصحف المسلمين اليوم؟ وَبعبارة أخرى : هَلْ يَخْتَلِف مُصْحفُهُ عليه السلام عن المصحف الموجود المتداول المقروء عند الناس اليوم أم أنّه على وفاق معه؟

فلو قلنا بالقول الأوّل ، فما الدليل على المخالفة؟ بل ما هو حجم المخالفة فيما بينهما؟ هل هو في الترتيب؟ أم في متنه زيادة أو نقصاً؟

أمّا لو قلنا بالثاني ، فهل ذلك المصحف هو نفس مصحف رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي أمر بترتيبه وتدوينه ، وكان أودعه خلف فراشه ، أم أنّه مصحف آخر كتبه بإملاء رسول الله؟ أم أنّ له مصحفين؟ أحدهما ذاك ، والآخر هذا؟

ولا يخفى عليك بأنّ ابن أبي الحديد المعتزلي أكّد في شرح النهج على أنّ الإمام عليّاً عليه السلام هو أوّل من جمع القرآن وحفظه ودوّنه إذ قال :

«وأمّا قراءته القرآن واشتغاله به ، فهو المنظور إليه في هذا الباب ، اتّفق الكلّ على أنّه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولم يكن غيره

ص: 103

يحفظه ، ثمّ هو أوّل من جمعه ، نقلوا كلّهم أنّه تأخّر عن بيعة أبي بكر ، فأهل الحديث لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنّه تأخّر مخالفةً للبيعة ، بل يقولون : تشاغل بجمع القرآن ، فهذا يدلّ على أنّه أوّل من جمع القرآن ، لأنّه لو كان مجموعاً في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما احتاج إلى أن يتشاغل بجمعه بعد وفاته(صلى الله عليه وآله) ، وإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمّة القرّاء كلّهم يرجعون إليه ، كأبي عمرو بن العلاء ، وعاصم بن أبي النجود وغيرهما ؛ لأنّهم يرجعون إلى أبي عبدالرحمن السلمي القارئ ، وأبوعبدالرحمن كان تلميذه ، وعنه أخذ القرآن ، فقد صار هذا الفنّ من الفنون الّتي تنتهي إليه أيضاً ، مثل كثير ممّا سبق»(1).

فما يعني هذا الكلام؟ وهل جمع عليه السلام بين اللوحين تنزيله وتأويله ، أو اختصّ بجمع أحدهما دون الآخر؟

والّذي أحتمله وأَميلُ إليه هو وجود مصحفين للإمام أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام :

أحدهما مجرّد عن التفسير والتأويل ، وهو ما يمكن أن نصطلح عليه بمصحف التلاوة والذِّكْر.

والآخر مفسَّر وَمُؤَوَّل ، وفيه شأن النزول ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، وأسماء المؤمنين والمنافقين ، كما فيه فضائح بعض المهاجرين 7.

ص: 104


1- شرح نهج البلاغة 1/27.

والأنصار ، إلى غيرها من المعارف الإلهية. وهو مصحف العلم والتفسير والتأويل.

فالمصحف الأوّل هو المنزل على رسوله(صلى الله عليه وآله) في ليلة القدر دفعة واحدة والذي أمرنا بتلاوته.

أمّا المصحف الثاني(1) فهو كتاب علم وتفسير وليس كتاب ذكر وتلاوة.

وقد احتملنا هذا الأمر جمعاً بين الأخبار لأنّ جمع القرآن في مدّة ثلاثة أيّام لا يتّفق مع جمعه في ستّة أشهر الواردة في نصوص اُخرى ، فلابدّ من الجمع بين الأقوال مع الحفاظ على الثوابت المعروفة في أمر القرآن ، كوجود مصاحف مدوّنة على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وإشراف رسول الله(صلى الله عليه وآله) على ترتيب المصحف و ...

وممّا اشتهر في هذا الأمر هو أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يعرض عليه من قبل جبرئيل عليه السلام القرآن كلّ عام مرّة ، ومعناه أنّه كان يعيد الآيات النازلة عليه

نجوماً إلى أماكنها في السور من قرآن التلاوة ، فيقول : ضعوا الآية الفلانية في المكان الفلاني (2) ، وقال تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَاْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) أي أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) كان يرتّب الآيات طبق قرآن التلاوة كلّ سنة بعد نزولها منجَّمةً عليه(صلى الله عليه وآله) ، ثمّ يجيز قراءتها في الصلاة بعد إكمال تلك السور ، وكتابة تلك السور في مصاحف. ً.

ص: 105


1- نسميه بالمصحف مسامحة.
2- والتي مرت نصوصها سابقاً.

وقد يكون تأكيد الرسول(صلى الله عليه وآله) على أفضلية قراءة القرآن في المصحف من قرائتها عن ظهر القلب يعود إلى إصراره وتأكيده على ترتيب التلاوة.

نحن بهذا الجمع أمكننا أن نوفّق بين تلك الأخبار الكثيرة المتخيّل تعارضها. مؤكّدين بأن لا تعارض بين أخبار مصحف الإمام عليّ عليه السلام.

نعم ، إنّ الإمام عليه السلام جمع مصحفه الثاني (أي المفسّر) حينما رأى الأمّة أعرضت عنه وغيّرت الاُمور لصالحها ، فأراد أن يؤرّخ للناس ما سمعه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في تفسير الآيات حسب التسلسل التاريخي للأحداث والمناسبات فيها ، رافعاً بذلك الإجمال في بعض الأمور ، بتقديم المنسوخ على الناسخ ، والمكّي على المدني ، وجعل المحكم بجنب المتشابه ، بل وضع كلّ شيء في محلّه ، وهذا ما عناه البعض بأنّه عليه السلام قدّم المنسوخ على الناسخ والمكّي على المدني ، أو ما قاله عليه السلام بقوله : (جمعته بتنزيله وتأويله ، محكمه ومتشابهه) ، وهو الذي عناه محمّد ابن جزي الكلبي في قوله : «لو وجد مصحفه لكان فيه علم كثير» (1).

وقد قدَّم الثاني (أي المفسّر) للحكّام دون الأوّل ، لأنّه كان يعلم بأنّ الحكّام لا يريدون أن يعرّفوا أو يتعرّف الآخرون بأسماء من نزلت فيهم الآيات عند قرائتهم لها.

وأنّهم قد تركوا الأخذ بالمصحف المفسّر - مضافاً لما سبق - لأنّ 4.

ص: 106


1- التسهيل 1/4.

الإمام عليه السلام اشترط عليهم بأن يكون هو مع القرآن ولا يفترق عنه ، إذ قال لهم لمّا جاء بالمصحف إليهم : «هذا كتاب الله قد ألّفته كما أمرني وأوصاني رسول الله كما أُنزل.

فقال له بعضهم : اتركه وامض.

فقال لهم : إنّ رسول الله قال لكم (إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض) فإن قبلتموه فاقبلوني معه ، أحكم بينكم بما فيه من أحكام الله.

فقالوا : لا حاجة لنا فيه ولا فيك ...» (1).

إذن المصحفُ المُفسَّرُ هو غير المصحف المُجَرَّدِ ، إذ قدّم الإمامُ عليه السلام المصحف المفسَّر للخلفاء ظاهراً مع علمه بعدم استجابتهم للأَخذ به ؛ وذلك لصعوبة ما فيه ، ولوجود علوم فيه هي من ودائع النبوّة ، فلا يمكن تطبيقه وإجراؤه إلاّ على يد المعصوم عليه السلام الذي هو عِدْل القرآن ، إذ لا يمسّ معاني ذلك الكتاب إلاّ المطهّرون.

وعليه فالإمام عليه السلام أقدم على تقديم الكتاب لهم إتماماً للحجّة عليهم ليس إلاّ.

أمّا المصحف المجرّد فإنّه وإن اختلف عن المصحف المتداول في بعض القراءات ، لكنّ الإمام عليه السلام كان لا يرتضي الجهر بالمخالفة ، لأنّه لا يريد أن يفتح 3.

ص: 107


1- إثبات الوصية : 123.

باب التصرّف بالقرآن المشهور بين المسلمين ، أو قل المتواتر بين المسلمين.

إذن الإمام عليه السلام قد جمع الموجود من الآيات في الألواح والعسب والرقّ ، أي وحدَّها في مصحف واحد مجموع في ثلاثة أيّام ، ثمّ احتفظ بها كي تكون أصلاً يرجع إليه لو اشتدّ الخلاف بين المسلمين.

ويعود عدم تقديم الإمام عليّ عليه السلام مصحف التلاوة - أعني المجرّد عن التفسير - للناس ، لمعرفته بأنّهم كانوا قد ألّفوا آيات ذلك الكتاب العزيز وحفظوه وكانوا يَقْرَؤون به في صلواتهم بجوف الليل ومنذ أيّام رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولهم دويّ كدويّ النحل ؛ إذ جاء في الأخبار : بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يمرّ على بيوت الأنصار ويستمع إلى نداء أصواتهم بالقراءة في بيوتهم(1). لذلك اكتفى الإمام عليه السلام بتقديم المصحف المفسّر لإتمام الحجّة عليهم.

والزبدة هي أنَّ الإمام عليّاً عليه السلام في أكبر الظنّ كان لا يرى ضرورة في تقديم مصحفه المجرّد للناس لأُنسهم به وتلاوتهم لآياته ، أو قُلْ لاشتهاره وتواتره بينهم ، ولأنّهم كانوا يعرفونه كما يعرفون آباءَهم وأبناءهم وبلدانهم ، لكنّه ومع كلّ ذلك احتفظ بنسخة منه لنفسه ولأهل بيته.

ومعنى كلامي أنّ كلّ ما أثاروه من إعلام وضجّة حول جمع الخلفاء للقرآن كان يعني الاستنقاص من النبوّة والتعريض برسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وفي المقابل الرفع بضبع الخلفاء والارتفاع بمنزلتهم حتّى على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لكنّ ن.

ص: 108


1- انظر مثال ذلك في صحيح البخاري 4/1547/ح 3991 ، باب غزوة خيبر ، وصحيح مسلم 4 /1944/ح 2499 ، باب فضائل الأشعريّين.

كلّ تلك الضجّة ردّت من خلال القول بتواتر القرآن عند المسلمين ، وأنّ العلم به كالعلم بالبلدان.

كما أنّ وصية رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعليّ بن أبي طالب عليه السلام بأنّ يجمع المصحف بعد وفاته جاءت للقول بأنّ الإمام عليه السلام هو الأولى بهذه الفضيلة دون غيره من الصحابة.

ولَرُبَّ قائل يقول : إنّ مصحف الإمام عليّ عليه السلام المفسَّر هو عينه المجرّد ، بفارق أنّه أضاف إليه التفسير في حواشيه ، أو أنّه أشار إلى كون هذه الآية منسوخة ، والآية الفلانية ناسخة ، أو أنّ هذه الآية هي المحكمة وتلك هي المتشابه ، وهذه الآية مكّية وتلك مدنية ، وكان الإمام يذكر كلّ ذلك في هامش الكتاب العزيز وهذا يعني بأنّ للإمام عليه السلام مصحفاً واحداً لا مصحفين.

وهذا الاحتمال قد يصحّ إن قلنا باتفاق النصوص على اشتمال مصحف الإمام عليه السلام على الناسخ والمنسوخ لا بتقديم الناسخ على المنسوخ كما في بعض النصوص ، والفرق بين التعبيرين واضح ، والنصوص تدلّ على كلا الطرفين ، وليس من السهل البتّ بأحد الطرفين ، وإن كنّا نرجّح تقديم الناسخ على المنسوخ في مصحف الإمام عليّ عليه السلام المفسّر ، وهذا يفنّد الاحتمال السابق ويشير إلى وجود مصحف آخر بترتيب آخر ، لكنّ الاحتمال السابق يبقى قائماً ، لأنّ في رواية سليم : «فلمّا جمعه كلّه وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ» وفي رواية الاحتجاج : «ولقد أُحْضِرُوا الكتاب كُمُلاً مشتملاً على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ» ونقل السيوطي عن ابن اشته عن ابن سيرين قوله : «إنّه كتب في مصحفه الناسخ

ص: 109

والمنسوخ» وهذه النصوص تختلف عن سابقتها وحتّى ابن سيرين حكي عنه كلا الأمرين ، ففي قول آخر عنه : «نبّئتُ أنّه كتب المنسوخ وكتب الناسخ في أثره» ، وهذه الجملة تختلف عن جملته السابقة.

القرّاء والإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام :

مرّ عليك حال الصحابة القرّآء ، أمّا الإمام عليّ عليه السلام فلم يطلبوا منه أن يأتيهم بنسخته ، وهو لم يعطهم إيّاها ، لكنّهم عن طريق أبي عبدالرحمان السّلَمي وصلوا إلى قراءته - حسبما مرّ عليك - واعتمدوها كي يصحّحوا مصحفهم ويعطوه الشرعية ، وقد يكونون استعانوا بحذيفة بن اليمان للوقوف على قراءة الإمام عليّ عليه السلام وتصحيحه للمصحف الإمام.

وبرأيي أنّ تصحيح المصحف الموجود لا يحتاج إلى كثير من المؤونة ، لاعتقادنا بأنّ المقروء ليس فيه ما يخالف القراءة المشهورة بين المسلمين والّتي قرأ بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، والإمام عليّ عليه السلام ، وفاطمة الزهراء عليها السلام.

وإنّك لو ألقيت نظرة إجمالية على نهج البلاغة وخطب السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ضدّ الشيخين وكلام الإثني عشر الذين احتجّوا على أبي بكر في جلوسه مجلس الخلافة ، ووقفت على الآيات الّتي استشهدوا بها لَما رأيت في كلامهم آية تخالف القراءة المشهورة والمأخوذ بها اليوم خلافاً مغيّراً للمعنى.

ص: 110

بل في كلام السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام : «وهذا كتاب الله بين أظهركم»(1) ، يدلّ على وجود الكتاب كاملاً آنذاك ، وهو مقبول عندها حيث تستشهد بآياته.

فهم قد استشهدوا وقرؤوا بآيات هذا الكتاب الذي نتلوه كلّ يوم ، أي أنّ التواتر بقرآنية هذا القرآن هو الذي صحَّح المصحف لا ما ادَّعَوه من اتّخاذ شاهدين وما شابه ذلك من أقوال بعيدة عن المنطق والعقل السليم. ولنرجع إلى قراءة الإمام عليّ عليه السلام تارة اُخرى.

فقد روى الطحاوي ، عن يحيى بن أَكْثَم أنّه قال :

«إن كانت القراءة تؤخذ بصحّة المخرج ؛ فما نعلم لقراءة من صحّة المخرج ما صحّ لقراءة عاصم ؛ لأنّه يقول : قرأت القرآن على أبي عبدالرحمان ، وقرأ أبو عبدالرحمان على عليّ ، وقرأ عليٌّ على النبيّ(صلى الله عليه وآله)». ثمّ قال الطحاوي : «وصَدَق ، وقد كنّا أخذنا قراءة عاصم حرفاً حرفاً عن روح بن الفرج ، وحدّثنا : أنّه أخذها عن يحيى بن سليمان الجعفي ، وأنّه قال لهم : حدّثنا أبو بكر بن عيّاش ، قال : قرأت على عاصم ، قال أبو بكر : فقلت لعاصم : على من قرأت؟ قال : على السّلَمِي ، وقرأ [السّلِميُّ] على عليّ ، وقرأ عليٌّ على النبيّ(صلى الله عليه وآله)».

إلى أن يقول : «ولقد حدّثني إبراهيم بن أحمد بن مروان الواسطي ، 4.

ص: 111


1- بلاغات النساء : 14.

حدّثنا محمّد بن خالد بن عبدالله الواسطي ، قال : سمعت حفص بن سليمان الكوفي ، عن عاصم ، قال : قال أبو عبدالرحمان : قرأت على عليّ فأكثرتُ ، وأمسكتُ عليه فأكثرت ، وأقرأتُ الحسن والحسين حتّى ختما القرآن»(1).

فالجملة الأخيرة من الخبر ذات وجهين ، فقد تكون صادرة عن السلمي وقد تكون أضافة من الراوي(2) لأنّه لا داعي لمثل الحسن والحسين عليهما السلام أن يختما القرآن على أبي عبدالرحمان السلمي ، وأبوهما الإمام عليّ عليه السلام هو الذي أقرأ أبا عبدالرحمان السلمي ، فلماذا لا يُقْرِئُهُما أبوهما كما أقرأ أبا عبدالرحمان؟!

بل كيف لم يقرئهما جدّهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وهو الذي دعا المسلمين إلى تعليم القرآن وتعلّمه ، مؤكّداً فَضْلَ تِلاوتِه وختمه؟! بل لماذا لم تقرئهما أمُّهما الزهراء عليها السلام؟!.

فالمحتمل أيضاً بأنّ السلمي أقرأهما للتأكّد من صحّة أخذه عن أمير ة.

ص: 112


1- مشكل الآثار 1/263 ، وراجع وفيات الأعيان 6/390/الترجمة 825 ليعقوب الحضرمي.
2- قد يكون أَمرُ الإمامين الحسن والحسين قد وصل في زمن عثمان ومعاوية ، إلى ما يشابه قول أهل المدينة في الإمام الباقر : ما رأينا أحداً قطّ أكذب من هذا يحدّث عمّن لم يره ، فلمّا رأى الإمام الباقر ما يقولون حدّثهم عن جابر بن عبدالله الأنصاري فصدّقوا ، وكان جابر يأتيه يتعلّم منه «رجال الكشّي 1/217/ح 88 ، الكافي 1/469 ، باب مولد أبي جعفر/ح 2» فقد يكون الإمامان قد أخذا عن أبي عبدالرحمان في الظاهر ليقرِّرا للناس صحّة هذه القراءة.

المؤمنين عليه السلام ، ولذلك قال (قرأت فأكثرت) (أمسكت فأكثرت) ، وهذا يعني أنّه قرأ القرآن ثمّ أمسك على قراءة عليّ عليه السلام ليضبطها ، ثمّ قرأها على الإمامين عليهما السلام ليتأكّد من صحّة ما أخذه.

قال ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب : « ... والقرّاء السبعة إلى قراءته يرجعون.

فأمّا حمزة والكسائي فيعوّلان على قراءة عليّ وابن مسعود ، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنّما يرجعان إلى عليّ ، ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الإعراب ، وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحداً أَقْرَأُ من عليّ بن أبي طالب للقرآن.

وأمّا نافع وابن كثير وأبو عمرو ، فمعظم قراءاتهم يرجع إلى ابن عبّاس ، وابن عبّاس قرأ على أُبيّ وعليّ ، والَّذي قرأه هؤلاء القرّاء يخالف قراءة أُبي ، فهو إذاً مأخوذ من عليّ عليه السلام.

وأمّا عاصم ، فقرأه على أبي عبدالرحمن السلمي ، وقال أبو عبدالرحمن : قرأت القرآن كلّه على عليّ بن أبي طالب ، فقالوا : أفصح القراءات قراءة عاصم لأنّه أتى بالأصل ، وذلك أنّه يظهر ما أدغمه غيره ويحقّق من الهمز ما ليّنه غيره ، ويفتح من الألفات ما أماله غيره.

والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى عليّ ، وليس في الصحابة من

ص: 113

ينسب إليه العدد غيره ، وإنّما كتب عدد ذلك كُلُّ مِصْر عن بعض التابعين»(1).

أجل ، إنّ السلمي أخذ القراءة عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وعنه أخذ حفص هذه القراءة ؛ قال حفص : «قال لي عاصم : ما كان من القراءة الّتي أقرأتك بها فهي القراءة الّتي قرأت بها على أبي عبدالرحمان السلمي عن عليّ عليه السلام ».

وقد ذكر عاصم أنّه لم يخالف أبا عبدالرحمان في شيء من قراءته ، فإنّ أبا عبدالرحمان لم يخالف عليّاً عليه السلام في شيء من قراءته(2).

وكذا الحال بالنسبة إلى قراءات الآخرين أمثال حمزة الزيّات والكسائي وأبو عمرو بن العلاء فهم أخذوا عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

فحمزة الزيّات عن جعفر الصادق عن محمّد الباقر عن عليّ بن الحسين زين العابدين عن الحسين بن عليّ عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.

والكسائي قرّاء على حمزة الزيّات بالإسناد المتقدّم وأبو عمرو بن العلاء بن نصر ، ويحيى بن يعمر قرأ على أبي الأسود الدؤلي وهو قرأ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

قال الشيخ محمّد هادي معرفة رحمه الله بعد أن نقل كلام الذهبي : «وكانت القراءة الّتي أخذها حفص بن سليمان عن عاصم بن أبي النَّجُوْدِ ترتفع إلى 9.

ص: 114


1- مناقب آل أبي طالب 1/321 وعنه في بحار الأنوار 40/157 ، 89/53 ، وانظر عمدة القاري 18/82.
2- معرفة القرّاء الكبار للذهبي 1/92 ، سير أعلام النبلاء 5/259.

عليّ عليه السلام (1).

نستنتج أنّ قراءتنا اليوم هي قراءة عليّ بن أبي طالب ثابتة منذ العهد الأوّل تتعاهدها الأمّة عن الأمّة وباقية مع الخلود»(2).

ثمّ قال تحت عنوان (حفص وقراءتنا الحاضرة) : «كان عليّ أمير المؤمنين أوّل من أبدى فكرة جمع القرآن بعد وفاة رسول الله مباشرة وإِن كان جمعه هو رُفض ، لكنَّ فكرة الجمع أَثَّرت أَثَرها في نفس الوقت ولم يكن الاختلاف بين الجمعين في ذات القرآن»(3).

إلى أن يختم كلامه بالقول : «أمّا القراءة الحاضرة - قراءة حفص - فهي قراءة شيعية خالصة ، رواها حفص وهو من أصحاب الإمام الصادق ، عن شيخه عاصم وهو من أعيان شيعة الكوفة الأعلام ، عن شيخه السلمي وكان من خواصّ عليّ عليه السلام (4) ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن الله عزّوجلّ»(5).

قلت : كلام الشيخ هادي معرفة صحيح من جهة وغير صحيح من جهة أُخرى ، فهو صحيح من جهة أنّ مادّة القرآن المتداولة اليوم ونصّه ما هو إلاّ 0.

ص: 115


1- معرفة القرّاء الكبار للذهبي 1/141.
2- التمهيد في علوم القرآن 2/184 ، طبقات القرّاء في عليّ بن أبي طالب.
3- التمهيد في علوم القرآن 2/249.
4- ذكره ابن قتيبة في أصحاب عليّ وممّن حمل عنه الفقه. المعارف : 528 وعدّه البرقي في رجاله من خواصّ الإمام من مضر ، رجال البرقي : 36/الترجمة 46.
5- التمهيد في علوم القرآن 2/250.

نفس القرآن المنزل على رسوله(صلى الله عليه وآله) والذي كتبه الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وغيره من الصحابة في عهده(صلى الله عليه وآله). وهو ما اصطلحنا عليه ب- : (المصحف المجرّد).

لكنّ الخطأ هو الإيحاء بأنّ ترتيب القرآن الحالي والقراءة فيه هو نفس ترتيب وقراءة الإمام عليّ عليه السلام في كلا مصحفيه ، فهذا غير صحيح ؛ لأنّا كنّا قد وضَّحنا بأن ترتيب القراءة غير ترتيب النزول ، وأنَّ لكل واحد من الصحابة قراءةً خاصةً وترتيباً خاصّاً به. وقد وقفت على أنّ للإمام عليه السلام مصحفاً مفسّراً ذكر فيه التنزيل والتأويل ، طبقاً للنزول وهذا ما اصطلحنا عليه ب- (المصحف المفسّر).

وهذا يختلف عن المصحف المجرّد ، لكن الاختلاف لم يكن في ذات القرآن ، فالمصحف المفسّر قرآن تفسير وعلم ، والمصحف المجرّد قرآن تلاوة وذكر.

وعليه فهذا المصحف المتداول اليوم مقبول عند الأئمة عليهم السلام ومُمْضى من قبلهم ، ونحن نقرؤه تبعاً لهم ؛ لأنّ مادّته القرآنية وأصله الإلهي معترف بهما وبصحّتهما عندهم ، ومعناه أنّ الإمام عليّاً عليه السلام يقبل بهذا المصحف كما يقبل به آخرون من الصحابة ، لكن في الوقت نفسه لا ننفي وجود اختلاف بين قراءة أهل البيت عليهم السلام وقراءات الصحابة ، وبين ترتيب مصاحف الصحابة ومصحف أهل البيت عليهم السلام ، بل بين ترتيب مصاحف الصحابة فيما بينهم ، ولا يستبعد أن يقال : بأنّ هذا المصحف المتداول اليوم هو مأخوذ عن مصحف الإمام

ص: 116

عليّ عليه السلام ؛ لاتّفاق أربعة أو أكثر من القرّاء السبعة على القراءة به على وَفْقِ قراءة الإمام عليّ عليه السلام.

أو قل بأن الإمام عليّاً عليه السلام والصحابة الكبار - أمثال اُبَيّ وابن مسعود - جاءوا يصحّحون قراءة المصحف المشهور ، أي أنّ قراءتهم كانت الأصل لهذا المصحف لأنّهم أعيان الصحابة لا قراءة زيد بن ثابت ، لأنّ المتواتر بين المسلمين هو قراءة أولئك لا قراءة زيد ، لأنّ الروايات أَطبقت على أنّهم هم الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

وعلى كلّ حال ، فإنّ المهمّ هو أنّ الأئمّة عليهم السلام قد قبلوا هذا المصحف ، فيكون هو (المصحف الإمام) عند جميع المسلمين ، ولا خلاف في ذلك ، ويؤكّده عدم تحريفه ووحدة نصّه وبقاؤه عبر عدّة قرون بِرَغْمِ كُلّ الملابسات ، وبرغم كثرة طبعاته وخطوطه وأشكاله المختلفة في مختلف البلدان ، بل وبرغم سعي الأعداء لتحريفه ، وخصوصاً إسرائيل التي سعت في الآونة الأخيرة إلى تشويه القرآن العزيز والمساس به.

البسملة معياراً في القرآن المتواتر :

وممّا يمكن قوله في صحّة قراءتنا ، وأنّ المصحف اليوم هو ليس ببعيد عن مصحف الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام والصحابة الذين دوّنوه على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، هو بَدْءُ سُوَرِهِ بالبسملة ، وهذا ما لا يعتبره الآخرون في بدء سور مصاحفهم ، فتراهم إلى يومنا هذا يصرّون على إسقاط البسملة من السور

ص: 117

الّتي يقرؤونها في صلواتهم ، بدعوى أنّ أبا بكر وعمر كانا لا يقرآن بهما وخصوصاً في الصلوات الإخفاتية.

فعن مالك والأوزاعي : أنّه ليس من القرآن إلاّ في سورة النمل ، ولا يقرأ لا سرّاً ، ولا جهراً إلاّ في قيام شهر رمضان(1).

وقال أبوحنيفة : تقرأُ ويسرُّ بها ، ولم يقل أنّها آية من السورة أم لا.

قال يعلى : سألت محمّد بن الحسن عن (بسم الله) فقال : ما بين الدفّتين قرآن.

قال : قلت : فلِمَ تسرُّه - أي تقروه سرّاً - قال : فلم يجبني(2).

فهؤلاء استدلّوا على عدم جزئية البسملة بما رووه عن فعل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر وعثمان ، فهي وإن كانت تخالف روايات صحيحة اُخرى صادرة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإنّه كان يجهر فيها بالبسملة(3).

فعن أبي هريرة قال : كان رسول الله يجهر ب- : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة ، فترك الناس ذلك(4).

وإليك ما استدلّوا به على عدم مشروعية الجهر بالبسملة. 8.

ص: 118


1- تفسير الرازي 1/194.
2- تفسير الرازي 1/194 ، العدّة للصنعاني 2/410 ، الاتقان للسيوطي 1/78 ، سبل السلام 1/172 ، الام للشافعي 1 / 107 ، مختصر المزني : 14.
3- سنذكر تلك الروايات لاحقاً إن اقتضى الأمر.
4- السنن الكبرى للبيهقي 2/ 47 ، وانظر مستدرك الحاكم 1/232 ، الدرّ المنثور 1 / 8.

منها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، والنسائي في سننه ، وأحمد في مسنده ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال : «صلّيت مع رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحد منهم يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)»(1).

وفي سنن الترمذي عن يزيد بن عبدالله ، قال : «سمعني أبي وأنا أقول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال أبي : بُنيَّ إيّاك ، قال : ولم أر أحداً من أصحاب رسول الله كان أبغض إليه حدثاً في الإسلام منه ، فإنّي قد صلّيت مع رسول الله ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان فلم أسمع أحداً منهم يقول ، فلا تقلها ، إذا أنت قرأت فقل : الحمد لله ربّ العالمين»(2).

فهاتان الروايتان إن صحّتا فهما تناقضان روايات اُخرى وردت عن أبي بكر وعمر - دون عثمان جامع القرآن!! - في الجهر بالبسملة.

ففي الدرّ المنثور : عن ابن عمر ، قال : «صلّيت خلف النبيّ وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ب- (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)»(3).

وفي المستدرك ، عن أنس ، قال : «صلّيت خلف النبيّ وخلف أبي بكر وعمر وخلف عثمان وخلف عليّ فكلّهم كانوا يجهرون بقراءة (بِسْمِ اللهِي.

ص: 119


1- صحيح مسلم كتاب الصلاة باب حجّة من قال لا يجهر بالبسملة / ح 50 و 52 ، وسنن النسائي باب ترك الجهر بالبسملة من كتاب افتتاح الصلاة 1/ 144 ، مسند أحمد 3/ 177 ، 203 ، 205 ، 223 ، 255 ، 273 ، 278 ، 286 ، 289.
2- سنن الترمذي 2/43 ، مسند أحمد 4/85 ، المصنّف لعبدالرزّاق 2/88.
3- الدرّ المنثور 1/8 عن الدارقطني.

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)»(1).

وفي السنن الكبرى : روى عبدالرحمن بن أَبْزَى ، قال : «صلّيت خلف عمر ابن الخطّاب فجهر ب- (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)»(2).

فقد يكون أبوبكر وعمر من المثبتين للبسملة ، وقد يكونان من النافين لها ، لكن أقول : إنّ عثمان ومعاوية كانا من النافين لها على نحو القطع واليقين ، فلي دراسة مخطوطة أُثبت فيها دور الأمويّين في رفع البسملة وأنّها حذفت في الستّ الأواخر من عهد عثمان بن عفّان وهي السنين التي ابتدع عثمان فيها ابتداعاته حسب إقرار الجميع.

فالنهج الحاكم أدرجوا إسم الرسول(صلى الله عليه وآله) مع الخلفاء كي يتستّروا باسمه(صلى الله عليه وآله).

وفي المقابل نرى إصرار مدرسة أهل البيت عليهم السلام على الإتيان بالبسملة بل الجهر بها ، إذْ عُدَّ في أخبار أهل البيت عليهم السلام الجهرُ بالبسملة في ضِمْنِ علائم المؤمن الخمسة.

وعن عليّ عليه السلام أنّه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وكان يقول : من ترك قراءتها فقد نقص ، وكان يقول : هي تمام السبع المثاني(3). 5.

ص: 120


1- مستدرك الحاكم 1/234 وله بيان في ذيله راجعه.
2- السنن الكبرى 2/48.
3- الدرّ المنثور 1/7 قال أخرج الثعلبي عن عليّ ، وأنظر كنز العمّال 2/191 ، 375.

كما ورد عن الإمام عليه السلام تعريضاً بالآخرين قوله : «ما لهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها»(1).

كما تواتر عن معاوية أنّه حذف البسملة في الصلاة فاعترض عليه الأنصار والمهاجرون بقولهم : «أسرقت الصلاة أم نسيت؟!»(2).

فعدم قراءة الثلاثة ومعاوية بالبسملة يشير إلى أنّ المصحف الموجود والذي فيه البسملة ليس هو ما جمعوه بل هو قرآن الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) وهو الذي جمعه الإمام عليّ عليه السلام ، بل هو قرآن التلاوة الذي نزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور - أو قل على صدر النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله) في ليلة القدر -.

إذن هذه النصوص صريحة بأنّ قريشاً حذفت البسملة بِرَغْمِ وجودها في القرآن ، فإنّ هذا الإنكار للبسملة يشابه ما ادّعوه من نسخ التلاوة وما يشابهه من أفكار طرحت لاحقاً ، فإنّهم بهذه الأفكار والآراء أرادوا تحريف معاني القرآن والإتيان بأُمور لم تكن في الذكر الحكيم ، فأرادوا أن يزيدوا وأن ينقصوا من القرآن ، لكنَّ الوعد الإلهي بصون كتابه وقف أمامهم في قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، وقد كان الإمام عليّ عليه السلام يتخوّف من دخول هكذا أمور في القرآن. م.

ص: 121


1- تفسير العيّاشي : 22 ، وعنه في بحار الأنوار 82/21 ، 89/238/ح 39.
2- سنن الدارقطني 1/311/ح 33 ، مسند الشافعي366 ، مستدرك الحاكم 1/357 / ح851 ، قال هذا صحيح على شرط مسلم.

وعليه فالبسملة كانت من الآيات الكريمة الّتي تؤذي رجالات قريش منذ أوّل عصر الرسالة إلى آخره ، فَقَدْ جاءَ في تفسير فرات الكوفي : «إنّ رسولَ اللهِ كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، فإذا قام من الليل يصلّي جاء أبو جهل والمشركون يستمعون قراءته ، فإذا قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وضعوا أصابعهم في آذانهم وهربوا ، فإذا فرغ من ذلك جاءوا فاستمعوا ، وكان أبو جهل يقول : إنّ ابن أبي كبشة ليردّد اسم ربّه ليحبّه ، فقال الإمام الصادق : صدق وإن كان كذوباً»(1).

ولعلّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يشير إلى أنّه هو أوّل من جمع القرآن وأنّه هو باء البسملة التي أرادوا إسقاطها في قوله : «كلّ القرآن في سورة الحمد ، وكلّ الحمد في البسملة ، وكلّ البسملة في الباء ، وكلّ الباء في النقطة ، وأنا النقطة»(2).

أجل ، قد جاء عن ابن عبّاس قوله : كان المسلمون لا يعرفون انقضاء السورة حتّى تنزل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فإذا نزلت عرفوا أنّ السورة قد انقضت(3).

وعن ابن مسعود قوله : كنّا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتّى تنزل 7.

ص: 122


1- تفسير فرات : 242.
2- انظر ينابيع المودّة 1 / 213 ، 3 / 212.
3- مستدرك الحاكم 1/231 ، السنن الكبرى 2/43 ، الدرّ المنثور 1/7.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(1).

وكذا جاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : «كان يعرف انقضاء السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداءً للأخرى»(2) ، وهذا يشير إلى أنّ بدء السُّورة بعد ختم التي قبلها إنّما كان يعرف بالبسملة ، وهذا يعني الشيء الكثير.

إذن هذا المصحف المتداول اليوم هو ليس مصحف أبي بكر ولا مصحف عمر ولا مصحف عثمان ؛ لأنَّ القراءات المنسوبة إليهم في كتب التفسير والقراءات - وكذا المنسوبة إلى حفصة وعائشة - لا توجد في هذا المصحف المعروف بالمصحف العثماني المنسوب إلى هؤلاء الثلاثة وإلى حفصة وعائشة بنحو آخر ؛ لأنّهم يقولون بأنّ عثمان أخذ مصحفه على ضوء مصحف أبي بكر - الموجود عند حفصة - ، أو أنّ عثمان كتب إلى الأمصار بأنّه اعتمد مصحف عائشة.

فالاختلاف الموجود بين المحكيّ عن هؤلاء الثلاثة وحفصة وعائشة في كتب التفاسير والقراءات وبين هذا المصحف يشير إلى كون هذا القرآن المتداول بين أيدينا ليس هو قرآنهم ، بل هو القرآن الذي دوّن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، والذي كان الناس يقرؤون به ، والمتواتر نقلا بينهم حتّى اشتهر بأنّ القرآن عدّ قرآناً لكثرة قراءة المسلمين به.

أجل ، المسلمون أخذوا مصاحفهم عن مصاحف الصحابة الذين كتبوه 3.

ص: 123


1- الدرّ المنثور 1/7.
2- تفسير العيّاشي 1/19 ، مستدرك الوسائل 4/65 ، باب البسملة/ح 3.

على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لا أنّ زيداً هو الذي جمعه لهم في عهد الخلفاء الثلاثة ، إذ لا نرى في هذا المصحف قراءة حفصة وأمثالها(1).

إذن المنقول عن الشيخين ، وعن عثمان ، وحفصة ، وعن غيرهم من قراءات مخالفة للمصحف الإمام ، كلّها تعدّ قراءات شاذّة لا يؤخذ بها ، وحتّى لو قالوا بأنّها تفسيرات لتلك الآيات ، فهي الأُخرى متروكة لا يأخذ بها المسلمون في القراءة اليوم.

كما عرفت أنّ الإمام عليّاً عليه السلام كان لا يرتضي التغيير والتبديل في (المصحف الإمام) وخصوصاً بعد إقرار الصحابة وتصويبهم له ؛ لأنّ الإصلاح والتغيير بعد ذلك سيكون ذريعة لأهل البدع والأهواء للتلاعب في القرآن ، فقد جاء في تفسير الطبري وغيره : إنّ رجلاً قرأ بمسمع الإمام عليّ عليه السلام (وَطَلْح مَنضُود)(2) فجعل الإمام يترنّم لدى نفسه : ما شأن (الطلح) ، إنّما هو (طلع) ، كما جاء في قوله تعالى : (وَالنَّخْلَ بَاسِقَات لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ)(3) ، ولم يكن ذلك من الإمام عليه السلام اعتراضاً على القارئ ، ولا دعوة إلى تغيير الكلمة ، بل أراد الإمام عليه السلام الإشارة إلى أنّ هذا على نحو الإبدال ، فإنّ العرب تبدّل العين من الحاء وبالعكس ، فكأنّه شرح معنى الطلح ب- الطلع ، والشاهد على ما نقول أنّهم اختلفوا اختلافاً فاحشاً وارتكبوا في بيان معنى «الطلح» 0.

ص: 124


1- في قوله : (حَافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاة الْوُسْطَى) وهي العصر.
2- سورة الواقعة : 29.
3- سورة ق : 10.

فقالوا أنّه الموز وقالوا أشياء اُخرى ، مع أنّ الطلع معروف عند العرب ، ولذلك بيّن الإمام أنّ الطلح معناه الطلع. فلا يجوز تغييره ، وقال كلمته الخالدة : «إنّ القرآن لا يهاج اليوم ولا يحوّل»(1).

فالإمام عليه السلام كان لا يرتضي الزيادة في القرآن وإن كانت زيادات توضيحية وتفسيرية مهمّة ، بل كان عليه السلام يدعو إلى تجريد القرآن عنها ؛ ولأجله دوّن المصحف المجرّد بعيداً عن المصحف المفسّر كي يصون للمسلمين المتن القرآني المجيد عن الزيادة والنقصان بعد علمه برفضهم القرآن المُأوّل المفسَّر الذي لا يروقهم.

نعم إنّ عمر بن الخطّاب كان قد استغلّ فكرة تجريد القرآن لأغراض سياسية ونحن وضّحناها في كتابنا منع تدوين الحديث ، مؤكّدين بأنّ التفسير والبيان كان موجوداً عند الصحابة ولا يمكن إنكاره ، إذ مرّ عليك إضافة عائشة جملة (وصلاة العصر) في مصحفها ، وهذا ما فعلته حفصة كذلك(2) ، ولكن الإمام عليه السلام كان لا يرتضي مثل ذلك في المصحف المجرّد.

وقد أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن حميدة ، قالت : «أوصت لنا عائشة بمتاعها ، فكان في مصحفها (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) 7.

ص: 125


1- تفسير الطبري 27/81 ، مجمع البيان 9/368 ، وفيه : إنّ القرآن لا يهاج اليوم ، ولا يحرّك.
2- المصاحف 1/371 رقم 239 إلى 247.

والَّذينَ يصلّون الصفَّ الأوّل»(1).

فإنّ جملة (وصلاة العصر) كما في الرواية السابقة وجملة (والذين يصلون الصفّ الأوّل) هنا لم تكن من القرآن يقيناً ، بل هي جمل تفسيرية وتوضيحية ، وهي زيادات نشاهدها كثيراً عن الصحابة في التفسير الأثري كما نشاهدها عن أهل البيت عليهم السلام ، وهي موجودة عند الفريقين ، لكنّ هذه الزيادات الإيضاحية أو التفسيرية لا تعدّ من القرآن عند الفريقين ، ولو أحببت فراجع تفسير الآلوسي لتراه يذكر الروايات الكثيرة الموجودة في كتبهم والدالّة على ما يسمّونه بنسخ التلاوة ، الذي هو التحريف بعينه فيقول : «والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى إلاّ أنّها محمولة على ما ذكرناه»(2).

وقد ردّ الزرقاني في مناهل العرفان تلك الروايات بقوله : «فليُلاحظ دائماً في الردّ على أمثال تلك الشبهات أمران :

الأوّل : تلك القاعدة الذهبية الّتي وضعها العلماء ، وهي أنّ خبر الآحاد إذا عارض القاطع سقط عن درجة الاعتبار وضُرِبَ به عرض الحائط مهما يكن درجة إسناده من الصحّة.

ثانيهما : خطّ الدفاع الذي أقمناه في المبحث الثامن (حصناً حصيناً) دون النيل من الصحابة واتّهامهم بسوء الحفظ أو عدم التثبّت والتحرّي 5.

ص: 126


1- المصاحف 1/370 ، باب وصف صحف عائشة/ح 238.
2- تفسير روح المعاني 1/25.

خصوصاً في كتاب الله وسنّة رسوله(صلى الله عليه وآله)»(1).

وإنّي خوفاً من الإطالة والخروج عن البحث أكتفي بهذا القدر ، وأرجع إلى الموضوع ، فأقول : إنّ بعض الصحابة قد جمعوا ما عندهم من سور في مصاحف لهم. وكان الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام منهم ، بل رئيسهم وعميدهم ؛ لأنّ مصحفه المجرّد من الشرح لم يكن كبقية المصاحف بل إنّه المصحف الأصل الكامل الذي كتبه الإمام عليه السلام وورثه من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ؛ لكونه ابن عمّه وزوج ابنته والشخص الوحيد الذي كُلّف من قبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) بجمع القرآن كُلِّه من بعده ، ولم يحظ بهذا الشرف غيره من الصحابة حتّى ابن مسعود وأُبيّ.

لكن بما أنّ قراءات أمثال أولئك الصحابة كانت رائجة بين الناس أيضاً ، فرسول الله(صلى الله عليه وآله) أقرّها ، لكنّه في الوقت نفسه كان يريد أن يمتاز الإمام عليّ عليه السلام على غيره بجمع كتاب ربّه بين الدفّتين كاملاً بعد وفاته(صلى الله عليه وآله) ؛ وإنّ تعريفه(صلى الله عليه وآله) بأنّ عليّاً مع القرآن والقرآن مع عليّ ، يعني هذا الأمر بل أكثر من ذلك ، وخصوصاً لو أضفنا إليه إرشاد الرسول(صلى الله عليه وآله) الناس إلى لزوم اتّباع العترة عليهم السلام بجنب القرآن ، فيكون الابتعادُ عن هؤلاء ابتعاداً عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) والإسلام ، وهذا هو عين الضلالة والهلكة ؛ لأنّه لا هدى إلاّ بالقرآن والنبيّ والعترة ، «فعليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتّى يردا عليّ 4.

ص: 127


1- مناهل العرفان 1/274.

الحوض»(1).

ولو تأمّلت هذه العبارة لعرفت مكانة الإمام عليّ عليه السلام في رتبة المعيّة «مع القرآن» ، إذ وضّح آية الله الشيخ الوحيد الخراساني دام ظلّه معنى هذاالحديث بقوله : « ... وهي نسبة تقوم بطرفين ؛ ويستحيل أن تقوم بطرف واحد ، وعندما قال النبيّ : (عليّ مع القرآن) ، فقد أثبتها ؛ فلماذا أعاد إثباتها بصيغة أخرى ، فقال : (والقرآن مع عليّ)؟

حاشا أفصح مَن نطق بالضاد مِن اللغو في كلامه ، وحاشا أفصح مننطق بالضاد من التكرار في كلامه ، [دون معنى متوخّى ، فإنّه(صلى الله عليه وآله)] أراد أن يُفهمنا أنّ مسألة معيّتهما [هي] معيّة من نوع خاصّ ، ويشير إلى أبعادها العميقة ، ذلك أنّ المعيّة بين شيئين أو أكثر عندما تطلق فيقال : زيد مع عمرو ، فهي أعمّ من أنّ يكون هذا الطرف في الإضافة متقدّماً رتبة على ذاك أو متأخّراً عنه ، بل تدلّ على أنّهما معاً بقطع النظر عن رتبة كلّ منهما.

وربّما كان فيها إشارة إلى أنّ المَقْرون أقلّ رتبةً من المقرون به ، لهذا أعاد النبيّ(صلى الله عليه وآله) صياغة هذه المعيّة ، ليقول للمفكّرين : لا ينبغي أن تفهموا من قولي : «عليّ مع القرآن» أنّ عليّاً أقلّ رتبة من القرآن ، بل القرآن مع عليّ أيضاً ، فهما وجودان متعادلان»(2). ي.

ص: 128


1- المستدرك 3/124 ، قال صحيح ولم يخرّجاه ، الجامع الصغير 2/177 ، كنز العمّال11 /603.
2- الحقّ المبين : 105 للمرجع الديني الكبير الشيخ الوحيد الخراساني.

أمير المؤمنين أعلم الناس بما بين اللوحين :

ولم يجرؤ أحد في تاريخ المسلمين على ادّعاء علم الكتاب كلّه سوى أمير المؤمنين عليه السلام ، ولكي لا يكون كلامه عليه السلام مجرّد ادّعاء كان يدعو الناس لسؤاله عن كتاب الله ، فكان يكرّر قوله - من أوّل استلامه للخلافة الظاهرية إلى أوان استشهاده - بأنّه مستعدّ للإجابة عَنْ جميع الأمور من القرآن الكريم.

فقد جاء في تاريخ دمشق عن أبي الطفيل قال : «سمعت عليّاً وهو يخطب الناس فقال : يا أيّها الناس سلوني فإنّكم لا تجدون أحداً بعدي هو أعلم بما تسألوني منّي ، ولا تجدون أحداً أعلم بما بين اللوحين منّي ، فسلوني»(1).

محمّد بن فضيل يقول : «سمعت ابن شبرمة يقول : ما كان أحد يقول على المنبر سلوني عن ما بين اللوحين إلاّ عليّ بن أبي طالب»(2).

وعن سليمان الأحمسي عن أبيه قال : «قال عليّ : والله ما نزلت آية إلاّ 8.

ص: 129


1- تاريخ دمشق 42/398 ، وانظر طبقات ابن سعد 2/338 ، وانظر شرح الأخبار للقاضي النعمان 1/91 ، 196 ، عن الأعمش ، والخبر موجود أيضاً في أمالي الصدوق : 423 المجلس الخامس والخمسون/ح 1 ، التوحيد : 305/الباب 43 / ح 1 ، وعيون أخبار الرضا 1/73/ح 310 ، كتاب سُليم : 331 ، أمالي الطوسي : 523/ح 65 ، الاحتجاج 1/388.
2- تاريخ دمشق 42/399 ، وعنه في شرح الأخبار 2/562 ، شواهد التنزيل 1/50 / ح46 ، 47 ، وانظر بحار الأنوار 89/78.

وقد علمت فيما نزلت ، وأين أنزلت ، وعلى من نزلت ...»(1).

وعن جعفر بن محمّد الصادق عن أبيه عن آبائه عن عليّ صلوات الله عليهم قال : «سلوني عن كتاب الله ، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ولا نهار ولا مسير ولا مقام إلاّ وقد أَقَرأَنِيْها رسولُ اللهِ وعلّمني تأويلها.

فقام ابن الكوّاء ، فقال : يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟ قال : كان [يحفظ عليّ] رسول الله ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه حتّى أقدم عليه فيقرئنيه ويقول : يا عليّ أنزل الله بعدك كذا وكذا وتأويله كذا وكذا فعلّمني تأويله وتنزيله»(2).

ولأجل معرفة الإمام عليه السلام بشأن نزول الآيات ، فِيمَ نزلت؟ وأين نزلت؟ أمره رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يوضّحها للناس أنَّى احتاجوا إليها ، كما أنّه(صلى الله عليه وآله) أمر الناس بالرجوع إليه ، وهذا الترابط يؤكّد بأنّه عليه السلام هو الأَوْلى بجمع القرآن من غيره ، فجعل المصحف مُدَّخَراً عنده ، مع ما ورثه من علوم وصحف من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ؛ لكونه عليه السلام وصيّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ونجيّه ، وحبيبه ، بل نفسه حسب دلالة آية المباهلة ، وإذا أردت أن تعرف منزلة أمير المؤمنين عليه السلام في حفظ القرآن في زمان رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاقرأْ هذا النصّ :

قال عبدالله بن مسعود : «تمارينا في سورة من القرآن ، فقلنا : خَمْسٌ ج.

ص: 130


1- تاريخ الإسلام 3/637 ، تاريخ دمشق 42/398 ومثله في 42/397 عن ثوير عن أبيه عن عليّ.
2- أمالي الطوسي : 523/1158 ، بحار الأنوار 89 / 79/1 عن الاحتجاج.

وثلاثون أو ستّ وثلاثون آية ، قال : فانطلقنا إلى رسول الله فوجدنا عليّاً يناجيه ، قال : فقلنا : إنّا اختلفنا في القراءة ، قال : فاحمرّ وجه رسول الله ، قال : إنّماهلك من كان قبلكم باختلافهم بينهم ، قال : ثمّ أَسَرَّ إلى عليّ شيئاً ، فقال لناعليّ : إنّ رسول الله يأمركم أن تقرأوا كما عُلِّمْتُمْ»(1).

من الطبيعي أن يتغيّر وجه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأن يستنكر الاختلاف ، لكن هل فكّرت في سبب مناجاته لعليّ عليه السلام وإسراره بالجواب له عليه السلام دون غيره من الصحابة ، وعدم إعلان الجواب بنفسه للمتنازعين ، بل جعله(صلى الله عليه وآله) الإمام عليه السلام واسطة بينه وبين ابن مسعود ، أو قل إنّه(صلى الله عليه وآله) أراد أن يوصل الجواب إلى المتنازعين عن طريق خليفته وصهره؟

وهذا الإِسْرار يشبه مناجاتهِ(صلى الله عليه وآله) لفاطمة عليها السلام قبيل وفاته وقوله لها : «يا بنية لا تجزعي ، فإنّي سألت ربّي أن يجعلك أوّل أهل بيتي لحاقاً بي ، فأخبرني أنّه قد استجاب لي»(2).

أجل ، إنّ في النصوص السابقة معاني سامية ، وهذا الإصرار من الرسول(صلى الله عليه وآله) على الآل عليهم السلام يحمل في طيّاتَهِ تلك المعانِيَ المُهِمَّةً التي أدعو القارئ أن ينتزعها هو بنفسه ولا أحمّله رأياً خاصّاً ، ولنجيب على سؤال آخر وهو : 0.

ص: 131


1- تفسير الطبري 1/36.
2- بحار الأنوار 22/533 ، وانظر صحيح البخاري 3/1326/ح 3426 ، صحيح مسلم4/1904/ح 2450.

سؤال وجواب :

وهنا سؤال آخر يجب الإجابة عنه وهو : لماذا لا يُظْهِر أميرُ المؤمنين عليه السلام والأئمّة عليهم السلام من ولده ذلك المصحف بعد الخلفاء؟ وما الفائدة من خزنه وإخفائه عن أعين الناس ، وهو الذي جمعه لحاجة الناس إليه؟

وخصوصاً بعد رفع المانع؟

بل أيّ فائدة من إخفاء العلوم المدَّخرة عنده مثل كتاب عليّ والجفر والجامعة عن الناس؟

الجواب :

أوّلا : إنّ الأئمّة عليهم السلام لم يخفوا ذلك المصحف وتلك الصحف والكتب الموجودة عندهم عن أنظار الناس ، بل كانوا ينقلون منها لهم ويروون عنها عند الضرورة. بل إنّ الله سبحانه وبمقتضى وعده جَمَعَ قرآنه في صدر رسوله (صلى الله عليه وآله) وألزمه بيانه ، وقد بَيَّن بالفعل ما كلّف به ، وقد أكمل دينه وأَتمّ نعمته على يد وصيّه يوم الغدير ، فممّا قاله سبحانه (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ، وقال تعالى (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) وقال تعالى (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وقال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) ، فالنبيّ(صلى الله عليه وآله) بلّغ رسالته لكنّه مع ذلك أوصى بجمع آيات ربّه مع التفسير والتأويل وكلّف الإمام عليّاً عليه السلام بتدوين ما سمعه من رسول الله(صلى الله عليه وآله) في القرآن والأحكام والأخلاق ، وإليك بعض النصوص عن

ص: 132

تلك الصحف ثمّ سنتحدّث عن المصحف بعد ذلك.

فقد سئل الإمام الحسن عليه السلام عن رأي أبيه في الخيار ، فأمر بإحضار رَبْعَة فأخرج منها صحيفة صفراء مكتوب فيها قول عليّ عليه السلام في الخيار(1).

وقد تداول الأئمّة عليهم السلام الواحد منهم بعد الآخر كتاب عليّ عليه السلام ، فكان هذا الكتاب موجود عند الإمام الحسين عليه السلام ، ثمّ عند عليّ بن الحسين عليه السلام ، ثمّ عند الباقر عليه السلام ثمّ عند الصادق عليه السلام و ...(2).

وعن عليّ بن الحسين عليه السلام أنّه قال : «أتى محمّدُ بن الحنفيّة ، الحسينَ ابن عليّ فقال : أعطني ميراثي من أبي ، فقال له الحسين : ما ترك أبوك إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطاياه ، قال - فإنّ الناس يزعمون فيأتون فيسألوني فلا أجد بدّاً من أن أجيبهم - قال : فأعطني من علم أبي. قال : فدعا الحسين عليه السلام فذهب فجاء بصحيفة تكون أقلّ من شبر أو أكثر من أربع أصابع ، قال : فملأت شجرة ونحوه علماً»(3).

وعن عذافر الصيرفيّ ، قال : «كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر (أي الباقر) فجعل يسأله ، وكان أبو جعفر له مُكْرِماً ، فاختلفا في شيء! فقال أبوجعفر : يا بنيّ! قم ، فأخرج كتاب عليّ. 9.

ص: 133


1- العلل لابن حنبل 1/346.
2- انظر بصائر الدرجات : 194 باب الأئمّة عندهم الصحيفة والجامعة الّتي هي إملاء رسول الله وخطّ عليّ بن أبي طالب.
3- بصائر الدرجات : 179 ، باب قول أمير المؤمنين بأحكامه/ ح 29.

فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً وفتحه ، وجعل ينظر ، حتّى أخرج المسألة ، فقال أبو جعفر : هذا خطّ عليّ وإملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله).

وأقبل على الحَكَم ، وقال : يا أبا محمّد! اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم - يميناً وشمالاً - فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبريل عليه السلام »(1).

وعن زرارة بن أعين ، قال : «سألت أبا جعفر عن الجدّ ، وذكر الحديث إلى أن قال : فأقبل على ابنه جعفر فقال له : أقْرئ زرارة صحيفة الفرائض ...فأخرج إليَّ صحيفة مثل فخذ البعير ... فلمّا ألقى إليَّ طرف الصحيفة ، إذا كتاب غليظ ، يُعرف أنّهُ من كتب الأوّلين ، فنظرتُ فيها فإذا فيها خلاف ما بأيدي النّاس ... فلمّا أصبحت لقيت أبا جعفر ، فقال لي : أقرأت صحيفة الفرائض؟ ... فإنّ الذي رأيت والله يا زرارة هو الحقّ ، الذي رأيت إملاء رسول الله وخطّ عليّ بيده ... وقد حدّثني أبي عن جدّي أنّ أمير المؤمنين حدّثه ذلك ...»(2).

وعن محمّد بن مسلم ، قال : «نشر أبو جعفر صحيفة ، فأوّل ما تلقّاني فيها : (ابن أخ وجدّ ، المال بينهما نصفان) ، فقلت : جعلتُ فداك إنّ القضاة ن.

ص: 134


1- انظر الكافي 7/329 ، باب الخلقة/ ح 1 ، وقد تكرّر هذا القول على لسان الأئمّة عليهم السلام في أكثر من موضع ومسألة فقهية انظر مختلف الشيعة 9/367 في قضاء العين والجوارح ، وعن أبي عبدالله في المهذّب البارع 5/228. في الديات ، ومجمع الفائدة 11/524 في الميراث. وغيرها من كتبنا.
2- الكافي 7/95/ح 3 ، الموارث ، باب ميراث الولد مع الأبوين.

عندنا لا يقضون لابن الأخ مع الجدّ بشيء ، فقال : إنّ هذا الكتاب بخطّ عليّ وإملاء رسول الله»(1).

وفي نصّ آخر عن ابن عيينة البصريّ ، قال : «كنت شاهداً عند ابن أبي ليلى ، وقضى في رجل جعل لبعض قرابته غلّة دار ولم يوقِّت لهم وقتاً ، فمات الرجل ، فحضر ورثُتُه ابنَ أبي ليلى وحضر قريبه الذي جعل له الدار ، فقال ابن أبي ليلى : أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها.

فقال له محمّد بن مسلم الثقفي : أما إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام قضى - في هذا المسجد - بخلاف ما قضيتَ ، قال وما علمك؟

قال : سمعت أبا جعفر يقول : قضى عليّ بن أبي طالب عليه السلام بردّ الحبيس وإنفاذ المواريث.

فقال ابن أبي ليلى : هو عندك في كتاب؟

قال : نعم.

قال : فأرسل وائتني به.

فقال محمّد بن مسلم : على أن لا تنظر في الكتاب إلاّ في ذلك الحديث ، قال : لك ذاك.

قال : فأراه الحديث عن أبي جعفر في الكتاب فردّ قضيّتَه»(2).1.

ص: 135


1- الكافي 7/112/باب ابن الأخ والجد/ح 1.
2- الكافى 7/35/باب ما يجوز في الوقف والصدقة/ح 27 ، من لا يحضره الفقيه 4/245/ح 5581.

وفي بصائر الدرجات : عن عبدالملك قال : «دعا أبو جعفر (الباقر) بكتاب عليّ فجاء به جعفر - مثل فخذ الرجل مطويّ - فإذا فيه أنّ النساء ليس لهنّ من عقار الرجل إذا هو توفّي عنهنّ شيء ، فقال أبو جعفر عليه السلام : هذا والله خَطَّهُ عليّ بيده وأملاهُ رسول الله(صلى الله عليه وآله)»(1).

وعن أبي بصير المراديّ ، قال : «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن شيء من الفرائض ، فقال لي : ألا أخرج لك كتاب عليّ؟

فقلت : كتابُ عليّ لم يدرس؟!

فقال : إنّ كتاب عليّ عليه السلام لا يدرس ، فأخرجه فإذا كتاب جليل ، وإذا فيه : رجل مات وترك عمَّهُ وخالَهُ ، فقال : للعمّ الثلثان وللخال الثلث»(2).ا.

ص: 136


1- بصائر الدرجات : 185/باب في الأئمّة : وأنّه صارت إليهم كتب رسول الله وأمير المؤمنين/ح 14. وعن حبّابة الوالبية ، قالت : «قلت لأبي عبدالله عليه السلام : إنّ لي ابن أخ وهو يعرف فضلكم ، وإنّي أحبّ أن تُعْلِمَني أمن شيعتكم؟ قال : وما اسمه؟ قالت : قلت : فلان بن فلان ، قالت : فقال : يا فلانة هاتِ الناموس ، فجاءت بصحيفة تحملها كبيرة فنشرها ثمّ نظر فيها ، فقال : نعم هو ذا اسمه واسم أبيه ههنا» بحارالأنوار 25/117.
2- الكافي 7/119/باب ميراث ذوي الأرحام/ح 1 ، التهذيب 9/324/الباب 30 / ح 2 ، وفي وفي الكافي 7/324/ح 9 ، والفقيه 4/54/ح 194 ، والتهذيب 10/295/ح 1141.عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن ابن ظريف ، عن أبيه ظريف بن ناصح ، عن عبدالله بن أيّوب عن أبي عمرو المتطبّب قال : «عرضت على أبي عبدالله يعني كتاب ظريف في الديات ...». وروى الصدوق والشيخ بأسانيدهما وذكر أنّه عرض على أبي عبدالله وعلى الرضا.

وعن محمّد بن مسلم ، قال : «سألته عن ميراث العلم ما بلغ؟ أجوامع هو من العلم أم فيه تفسير كلّ شيء من هذه الأُمور الّتي يتكلّم فيها الناس مثل الطلاق والفرائض؟ فقال : إنّ عليّاً عليه السلام كتب العلم كلّه ، القضاء والفرائض ...»(1).

وعن عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسن عليه السلام ، وعن أبيه عن ابن فضّال ، قال : «عرضت كتاب عليّ على أبي الحسن عليه السلام (الرضا) فقال : هو صحيح ، قضى أمير المؤمنين في ديّة جراحة الأعضاء»(2).

إذاً الأئمّة عليهم السلام لم يخفوا تلك الصحف عن أعين الناس ، بل كانت عندهم وينقلون عنها لهم عند الضرورة ، كما شاهدت في الروايات السابقة ، ونظائرها أكثر في المجاميع الحديثية فليراجع.

كما أنّهم لم يخفوا ذلك المصحف ، فكان الأئمّة عليهم السلام يحكون قراءات الآيات للناس ويقسمون بأنّ الآية الفلانية نزلت كذا وكذا ، حسبما ستقف عليه لاحقاً.

ثانياً : إنّ الإمام عليه السلام لو أخرج المصحف المفسَّر بعد الخلفاء لكُذِّب فيما أتى به ، واتُّهم بإثارة الفرقة بين المسلمين ، وقد يمكن أن يحرَّف ذلك المصحف ويزاد فيه أو ينقص منه ويقع اللّوم على الإمام عليّ عليه السلام. 8.

ص: 137


1- بصائر الدرجات : 163 ، باب الأئمّة أنّ عندهم الصحيفة الجامعة/ح 7.
2- تهذيب الأحكام 10/292/ح 1135 ، الكافي 7/327/ح 7 و 330/ح 1 وعنه في وسائل الشيعة 27/58.

فإنّه عليه السلام جعل المصحف عند أولاده عليهم السلام يخرجونه عند الضرورة ، وهو بهذا العمل قد وقف أمام استغلال الآخرين لمصحفه المفسَّر ، وفي الوقت نفسه نقل للمسلمين قراءة الأئمّة للآيات.

ثالثاً : إنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يخافون أن يحدّثوا الناس بكلّ شيء ، لعدم تحمّلهم تلك الأمور ، وقد اشتهر عن الإمام عليّ عليه السلام قوله : «إنّ ههنا لعلماً جمّاً - ويشير إلى صدره - لو أصبت له حَمَلَةً ...».

وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «لو وجدت ثلاثة رهط استودعهم العلم وهم أهل لذلك لحدّثت بما لا يحتاج فيه بعدي إلى حلال ولاحرام وما يكون إلى يوم القيامة»(1).

ونقل ابن أبي الحديد عن أبي جعفر النقيب مجيء أحد أخوة الإمامَين الحسن والحسين عليهما السلام ، وسؤاله ميراث أبيه عليّ عليه السلام منهما ، إلى أن يقول : «قال أبو جعفر النقيب : فروى أبان بن عثمان عمّن يرويه له ذلك عن جعفر بن محمّد عليه السلام قال : فدفعا إليه صحيفة لو أَطْلَعاه على أكثر منها لهلك ، فيها ذكر دولة بني العبّاس»(2).

وقد اشتهر عن الأئمّة عليهم السلام توبيخهم لبعض أصحابهم لإفشائهم بعض 9.

ص: 138


1- بصائر الدرجات : 498/ح 1 ، باب في الأئمّة عليهم السلام ، ومختصر البصائر : 73/ح 20 ، وفيه : لحدث بما لا يحتاج فيه بعدي إلى نظر في حلال ولا ... ومثله في بحار الأنوار2 /212/ح 1 ، عن البصائر.
2- شرح نهج البلاغة 7/149.

علوم آل محمّد عليهم السلام ، كما أنّهم عليهم السلام كانوا يخافون إبادة الخلفاء لتلك العلوم وتحريفهم لها.

رابعاً : إِنَّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام هم أئمّة الدين والمدافعون عنه ، وقد وضّحوا للناس مسائل الحلال والحرام وما يحتاجون إليه من التفسير والتأويل ، ولم يبخلوا على الناس بنشر العلم في هذا المضمار إلاّ أن تحدّهم ظروف التقية في بعض الأحيان ، لذلك لم يجعلوها في متناول أيدي الناس خوفاً من إبادتها وتحريفها ، فقد روى عنبسة بن مصعب عن أبي عبدالله عليه السلام قوله : «لولا أن يقع عند غيركم كما وقع غيره لأعطيتكم كتاباً لا تحتاجون إلى أحد حتّى يقوم القائم»(1).

لهذه الأمور ولغيرها معها أخفى الأئمّة عليهم السلام الكتب الموجودة عندهم ، ولهذا بحث طويل ينظر في مظانّه.

لماذا الجمع في ثلاثة أيّام؟

وثمّة سؤال آخر يطرح نفسه : هل يحتاج جمع الموجود من القرآن والمكتوب على العسب والكتف والقرطاس والحرير والرقّ والخزف إلى ثلاثة أيّام أو سبعة؟ أم كان بإمكان الإمام عليه السلام إعداده في يوم واحد؟

الجواب : نعم كان بإمكانه إِعداده في يوم واحد أو أقلّ من ذلك ، إذا 8.

ص: 139


1- بصائر الدرجات : 478.

أُريد ترتيبُها ولفّها في حرير فقط دون رعاية التنسيق والترتيب بين أجزائها ، وموادّها ، وأشكالها.

أمّا لو أُرْيدَ توحيد شكلها وجنسها من القرطاس والرقّ والعسب والكتف والشظاظ والخزف إلى شكل واحد ، فإنّه يكون على الإمام عليه السلام أن يعيد كتابة بعض الأجزاء وتنسيقها بحيث يمكن أن تُجْمَع بين الدفّتين ؛ لأنّ اختلاف أجناس المكتوب من الكتف والعسب والرقّ والورق يعكّر شكل الجمع ، فلابدّ من توحيد شكلها وجنسها. وهذا يأخذ بعض الوقت ، وخصوصاً لو اعتبرنا أنَّ القرطاس والجلد هما أكثر الوسائل شيوعاً في الكتابة آنذاك ، وقد جاء صريحاً في وصية رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأنّ المجموع خلف فراشه غالبه من الصحف والحرير والقرطاس ، فكانت الأيّام الثلاثة أو السبعة كافيةً لهذا العمل.

وبرأيي أنّ ما قالوه عن الصحابة وأنّهم كانوا يُدَوِّنُوْنَ القرآن على أكتاف العظم ورقاق الحجارة والخشب وأضلاع النخيل وما شابهها ، لم تكن هي الحالة السائدة والرائجة عندهم آنذاك ، بل إِنّهم كانوا يَلجَؤُوْنَ إليها عند فقدان وسائل الكتابة المعروفة في البلدان المجاورة للجزيرة كالقرطاس والرقّوالورق والحرير والقماش ؛ إذ بمراجعة الكتاب العزيز تَقِفُ على وجود اسم القرطاس كوسيلة مألوفة للتدوين والكتابة فقد قال سبحانه : (وَلَوْ نَزَّلْنَا

ص: 140

عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاس فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ)(1) ، وقال تعالى : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً)(2) ، وقال تعالى : (فِي رَقٍّ مَنشُور)(3) ، فقد يكون المجموع خلف فراش رسول الله(صلى الله عليه وآله) أكثره من الوسائل اللّينة كالحرير والقرطاس.

وقد مرّ عليك أنّ كلمة صحيفة وصحف وسجلّ وأمثالها كانت من أدوات الكتابة والتدوين آنذاك والّتي يلحظ فيها اللين والمطّاطية ، وكان الباري جلّ وعلا يذكّرهم بتلك الوسائل تشبيهاً وتمثيلاً ، قال تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)(1).

وهذا ما قاله الأستاذ عِزَّة دَرْوَزة أيضاً :

« ... وهذا يجعلنا نعتقد أنّ ما روي من أنّ القرآن كان يدوّن على قطع عظيمة الحجم ، ثقيلة الوزن ، صعبة الحمل والحفظ والتّرتيب ، كأضلاع النّخيل وأكتاف العظام ورقاق الحِجارة والخَشَب لا يمكن أن يكون هو الواقع على إطلاقه ، كما أنَّ هذا القول يطَّرد في ما يمكن أن يستتبع ذلك من فقدان أو نقص وسائل الكتابة اللّيّنة المعروفة في ذلك العصر في البلاد المجاورة ، 4.

ص: 141


1- سورة الأنعام : 7.
2- سورة الأنعام : 91.
3- سورة الطور : 3.

كالقِرطاس والورق والحرير والقماش والرُّقوق النّاعمة المسوّاة»(1) إلى أن يقول :

« ... لا يعقل في حال أن لا يكون فيها وسائل مدنيّة للكتابة وأن لا يوجد ما يدوّن عليه القرآن إلاّ ألواح العظام ورقائق الحِجارة وأضلاع النّخيل وقطع الخشب ، هذا بالإضافة إلى أنّ القرآن قد احتوى كلمة القرطاس أكثر من مرّة ممّا يصحّ أن يكون دليلاً على أنّه كان معروفاً ومألوفاً كوسيلة للتّدوين والكتابة»(2) ، ثمّ يقول.

« .... فإنّ القرآن احتوى كلمة «الصُّحُف» أكثر من مرّة في معرض الإشارة إلى القرآن والكتب السّماويّة ...(3) على أنّ الصُّحُف كانت تنشّر وتطوى ، وهو ما لا يمكن أن يتّصف به إلاّ وسائل الكتابة اللّيّنة كالقماش وورق القماش وورق الحرير والرُّقوق النّاعمة المسوّاة إلخ ...»(4) ، ثم يقول.

« ... وجُلّ الكتابيّين الّذين كانوا في الحجاز جاليات نازحة من البلاد المجاورة الّتي كانت وسائل الكتابة اللّيّنة فيها معروفة ميسورة ، فلا يعقل أن تكون كتبهم هذه مكتوبة على تلك الوسائل البدائيّة الثّقيلة الضّخمة ، ولا يعقل إلاّ أن يكون النّبيّ قد اهتمّ لتدوين القرآن معجزته الكبرى على نسق ما دوّنت ه.

ص: 142


1- نصوص في علوم القرآن 3 / 441 عنه.
2- نصوص في علوم القرآن 3 / 332 عنه.
3- نصوص في علوم القرآن 3 / 443 عنه.
4- نصوص في علوم القرآن 3 / 443 عنه.

عليه كتب الكتابيّين ، إلى أن يقول : ... على أنّنا لا نريد أن ننفي بالمرّة ما ورد في الأحاديث العديدة عن كتابة القرآن على الألواح والأكتاف والرّقائق والأديم ، فإنّ من الممكن أن يكون لها أصل صحيح أيضاً ، ولكن على غير الصّورة أو المقصد الّذي عبّرت عنه الرّوايات أو تركته غامضاً.

فمن المحتمل أن يكون النّبيّ إذ يستدعي أحد كُتّابه لإملاء ما يكون نزل عليه من وحي فوراً أن لا يكون متيسّراً إلاّ شيء من هذه الوسائل البدائيّة ، فيكتب الكاتب عليها ما يمليه النّبيّ موقّتاً رَيثما ينقله إلى مكانه من سِجِلاّت القرآن»(1).

وعليه فالذي احتمله في هكذا أمر أن يكون الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد وحّد الصحف الموجودة خلف فراش رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى شكل واحد ، والقرطاس أو الرّق هما الأقرب والأشهر في الجمع ، لأنّهما من الأدوات الرائجة آنذاك ، وهي أكثر استخداماً في الكتابة من العظم وأضلاع النخل وأمثالها ، هذا بالنسبة إلى جمع القرآن المجرّد.

وأمّا القرآن المفسّر فالإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام مع إقدامه على جمع المصحف المجرّد في أقصر وقت ممكن أقدم في الوقت نفسه على عمل أهمّ من ذلك ، وهو تأليفه القرآن مع تفسيره وتأويله لكي يحافظ على يوميّات الدعوة مع بيانه لشأن نزول بعض الآيات ودقائق التفسير والتأويل فيها ، وهي ه.

ص: 143


1- نصوص في علوم القرآن 3 / 445 عنه.

الّتي سمعها من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وكان الرسول(صلى الله عليه وآله) قد خصّه بهذه المكرمة دون غيره من الصحابة ، معيدين كلامنا بأنّه عليه السلام قَدَّم عمله هذا للخلفاء كي تتمّ الحجّة عليهم ، لكنّهم رفضوه.

وعليه ، فالقرآن المجرّد الموجود عند الإمام عليّ عليه السلام هو نفس القرآن الموجود عند الناس ، لكن بفارق الترتيب واختلاف القراءة في بعض الأحيان ، وهذه الاختلافات البسيطة لا تشكّك في قرآنية القرآن ولا تدعو إلى تركه ؛ لأنّ المعروف عند أهل القرآن بأنّه لا خلاف في جواز القراءة بإحدى القراءات السبع والتمسّك بها ، سواء كانت متواترة أم لا ، بشرط أن توافق قواعد اللغة العربية ، وإنّ قراءة الإمام عليّ عليه السلام والأئمّة عليهم السلام من ولده هي من أصحّ القراءات بلا شكّ ، لكونهم من قريش وقد أُمر الناس بقراءة قريش!

وقد وثّق بعض الكتّاب المدّعى السابق بمثال في البسملة فقال : «مع أنّ البسملة ليست موجودة في قراءة حمزة وقراءة أهل الشام وأهل البصرة والمدينة إلاّ قالون ، ولم يُجَوِّزْ أحدٌ من الأصحاب تركها مع تجويزهم القراءة بقراءة من أسقطها ، ولم يظهر منهم الطعن عليه ، لعدم اشتمال قراءته على البسملة».

وعليه فعدم موافقة ترتيب مصحف الإمام عليّ عليه السلام المفسّر لمصحف الآخرين ، أو اختلاف قراءته مع قراءات الآخرين ، غير مضرّ للأخذ بهذا المصحف ، وهو نفس ما قالوه في الاختلاف الموجود بين المصحف المتداول ومصحف أُبيِّ بْنِ كَعْب وابن مسعود وغيرهما من الأصحاب.

ص: 144

بعد كلّ هذا لابدّ من الرجوع إلى ما ادّعيناه من وجود مصحفين للإمام عليه السلام وخصوصاً المفسّر منه ثم التأمّل بعد ذلك في تلك النصوص ، وهل أنّها تساعدنا للقول به أو لا؟

فأوّل نصّ يجب الوقوف عنده وهو دالّ على المصحف المفسّر على الأرجح ، ما رواه ابن ضريس (ت 294 ه) في فضائله عن عكرمة ، حيث سأله ابن سيرين : «ألّفوه كما أنزل الأوّل فالأوّل؟

قال : لو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يؤلّفوه ذلك التأليف ما استطاعوا ، قال محمّد بن سيرين : أراه صادقاً»(1).

انظر إلى كلمة (ألّفوه) وكلمة (أن يؤلّفوه ذلك التأليف) الواضحتين في عدم كون ذلك المصحف هو المصحف المجرّد - والذي كان الناس يتلونه - لأنّ المصحف المجرّد كان مؤلّفاً ومقروءاً عند المسلمين ، أمّا ما تمنّاه ابن سيرين فهو شيء آخر وهو مصحف العلم ، وما جزم به هو : الأوّل فالأوّل ، أي مرتّباً كما اُنزل سوراً وآيات.

ومثله جاء في رواية سُلَيْم : «فلمّا جمعه كلّه وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ والمنسوخ»(2).

وفي الاحتجاج : «ولقد أُحْضِرُوا الكتاب كُمُلاً مشتملاً على التأويل 7.

ص: 145


1- فضائل القرآن : 36/ح 20 ، 21 ، مناهل العرفان 1/177.
2- كتاب سليم : 146 ، الاحتجاج 1/107.

والتنزيل»(1).

والذي رواه الشريف الرضي في خصائص الأئمّة : «فإذا قُبِضْتُ وفرغتَ من جميع ما أوصيتك به وغيّبتني في قبري فالزم بيتك واجمع القرآن على تأليفه ، والفرائض والأحكام على تنزيله»(2).

فإنّ الجمل السابقة : (على تنزيله وتأويله والناسخ والمنسوخ) و (مشتملاً على التأويل والتنزيل) و (اجمع القرآن على تأليفه) وأمثالها ، كلّها واضحة في كون هذا المصحف المجموع هو المصحف المفسَّر لا المصحف المجرّد عن التفسير النبوي المعدّ للتلاوة.

ولا يخفى عليك أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يهدف في مشروعه الثاني إلى ترتيب القرآن حسب التنزيل ، أي حسب ما جاء به جبرئيل مرتّباً سوراً وآيات ، كي يوثّق شأن نزول الآيات وتسلسل الأحداث ، موضحاً للناس خلفيّات الاُمور وكيف وصل الأمر بهم إلى ما وصلوا إليه.

مؤكّدين بأنّ كتابه هذا كان كتاب علم وتفسير ، قدّمه للناس كي يقرؤوه ، لكن لمّا ثبت لديه عليه السلام بأنّ الخلفاء يريدون محوه وإبادته أخفاه عنهم وجعله عند ولده الأوصياء عليهم السلام ينقلون عنه للناس ، فيقولون : كذا في مصحف عليّ ، أو كذا : في قراءة عليّ ، أو : والله إنّ قراءة عليّ هكذا ، وأمثالها.

نعم ، إنّ الإمام أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام كان يثير نَوازِعَ الفطرة ومكنون0.

ص: 146


1- الاحتجاج 1/383.
2- خصائص الأئمّة : 73 ، وعنه بحار الأنوار 22/483/ح 30.

النفس مخبراً عن مكامِن علومه ، وأنّ الناس لو قرَؤوا القرآن كما أُنزل وعرفوا في من أنزل ، لما اختلف اثنان!

وهذا الأمر تراه في نصوصه الأُخرى أيضاً ، كقوله عليه السلام : «لكنّي حلفت أن لا أرتدي بعد وفاة النبيّ برداء حتّى أجمع القرآن كما أنزل».

وفي نصّ المناقب : «فلمّا قبض النبيّ جلس عليٌّ فألّفه كما أنزله الله ، وكان به عالماً».

فهذه النصوص تشير إلى أنّ الإمام عليه السلام كان يريد بمصحفه المفسّر أن يوضّح للناس ما أُبْهِمَ عليهم من فضائح القوم ، وكيف صار المفضول إماماً ، حتَّى وصل الأمر بالطلقاء أن يكونوا أُمَراءَ على الناس ، مبدّلين القيم والموازين ، جاعلين المُحاصِر بجنب المُحاصَر ، والطليق بجنب المهاجر.وهذا الجمع والترتيب - أعني جمع القرآن جمعاً تفسيرياً - هو الذي عناه الآلوسي في مقدّمة تفسيره بقوله : «وقيل : كان جمعاً بصورة أخرى لغرض آخر»(1).

وعليه ، فلا تنافي بين أن نقول بهذا التقسيم الثنائي ، وأن نعترف في الوقت نفسه بأنّ مصحف الإمام عليّ عليه السلام المفسَّر قد دوّن طبق التنزيل وبوصية منه(صلى الله عليه وآله) ؛ لأنّ غالب تلك النصوص(2) تعني المفسَّر ، في حين أنّ أعداء أهل البيت عليهم السلام يحملون ما جاء عنه على المصحف المجرّد ، وهذا خلط واضح في م.

ص: 147


1- روح المعاني 1/22.
2- أي في مصحف الإمام عليّ عليه السلام.

طريقة فهمهم واستنتاجهم للأخبار.

كما علينا هنا أن نوضّح بعض الشيء عمّا حكوه عن مصحف الإمام عليّ عليه السلام المفسّر وأنّه كان يشتمل على فضائح قريش وأسماء المنافقين ، وهل ذلك كان صحيحاً وواقعيّاً ، أم كان إعلاميّاً وتشهيريّاً ، وهل هذا الأمر يعترف به الصحابة أم لا.

الصحابة وخوفهم من أسماء بعض السور :

المهمّ أنّ بعض كبار الصحابة كانوا يخافون من بعض السور لما فيها وفي أسمائها من التنديد ببعض الصحابة.

فعن سعيد بن جبير ، قال : «قلت لابن عبّاس : سورة التوبة ، قال : التوبة؟! بل هي الفاضحة ، ما زالت تنزل فيهم ومنهم حتّى ظننّا أن لن يبقى منّا أحد إلاّ ذكر فيها»(1).

وفي آخر : «إنّها الفاضحة ، ما زالت تنزل فيهم ومنهم حتّى خشينا أن لا تدع أحداً»(2).2/

ص: 148


1- الدرّ المنثور 4/120 ، والخبر في صحيح البخاري 4/1852/ح 4600 ، باب تفسير سورة الحشر ، وفيه : «ما زالت تنزل ومنهم ، ومنهم حتّى ظنّوا أنّها لن تبقي أحداً منهم إلاّذكر».
2- ورد هذا الحديث بصيغ مختلفة منها : «بل هي الفاضحة ما زالت تنزل : ومنهم ومنهم ، حتّى ظنّوا أنّها لن تبقي أحداً منهم إلاّ ذكر» ، صحيح البخاري 4/1852/

وعن حذيفة : «إنّكم تسمّونها سورة التوبة ، والله ما تركت أحداً إلاّ نالت منه»(1) ، وفي آخر : الّتي تسمّون سورة التوبة هي سورة العذاب ، والله ما تركت أحداً إلاّ نالت منه ، ولا تقرؤون منها ممّا كنّا نقرأ رُبْعَها»(2).

وعن ابن عبّاس : «إنّ عمر قيل له سورة التوبة قال : هي إلى العذاب أقرب ، ما أقلعت عن الناس حتّى ما كادت تدع منهم أحداً»(3).

وفي الاتقان قال : «قال مالك : إنّ أوّلها لمّا سقط معه البسملة ، فقد ثبت أنّها كانت تعدل البقرة»(4).

وعن عكرمة ، قال : «قال عمر : ما فرغ من تنزيل براءة حتّى ظننّا أنّه لم يبق منّا أحد إلاّ سينزل فيه»(5).

وفي مصابيح الأسرار للشهرستاني (ت 548) «عن عطاء ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا 6.

ص: 149


1- الطبراني في الأوسط 2/86/ح 1320 ، تفسير الرازي 15/172 ، 16/189 ، الدرّ المنثور4 /120.
2- الدر المنثور 3/208 سورة التوبة ، المستدرك للحاكم وتلخيصه للذهبي 2/331 وصحّحا اسناده.
3- الدرّ المنثور 4/121 ، الإتقان 1/152/ح 680 وفيه حتّى ما كادت تبقي منهم أحداً.
4- الاتقان 1/67.
5- الدرّ المنثور 4/120 ، عن أبي الشيخ ، كنز العمّال 2/179/ح 4396.

فِي قُلُوبِهِمْ) : إنّه كان في هذه السورة أسماء سبعين نفراً من المنافقين بأعيانهم وأسمائهم وأسماء آبائهم ...

وعن أبي بن كعب أنّه سال زر بن حبيش : كم تعد سورة الأحزاب فقال : اثنين وسبعين أو ثلاثاً وسبعين ، قال : إن كانت لتعدل سورة البقرة وان كنا لنقرآ فيها آية الرحم ، قال : وما آية الرجم؟ قال : إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموها البته نكالاً من الله والله عزيز حكيم»(1).

وعن مجاهد قال : إن الأحزاب كانت مثل البقرة أو أطول ولقد ذهب يوم مسيلمة قرآن كثير ولم يذهب منه حلال أو حرام(2).

وعن أبي بصير ، قال : «أخبرني المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، قال : سمعت عليّاً أمير المؤمنين7 وهو يقول : ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ وقد نزلت فيه آية أو آيتان تقوده إلى الجنّة أو تسوقه إلى النّار ، وما من آية نزلت في برّ أو بحر أو سهل أو جبل إلاّ وقد عرفتها ، حيث نزلت ، وفي مَنْ أُنزلت ، ولو ثُنِيَتْ لي وسادة لحكمت بين أهل التوراة بِتَوْراتِهِمْ ، وبين أهل الإنجيل بإِنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حتّى تزهر إلى الله»(3).9.

ص: 150


1- الدر المنثور للسيوطي
2- نواسخ القرآن لابن الجوزي : 34 ، امتاع الاسماع للمقريزي 4/283 ، التمهيد لابن عبدالبر 4 / 275.
3- بصائر الدرجات : 135 ، 139.

فإنّ وجود تفسير وتأويل هكذا أُمور في هوامش وحواشي بعض الآيات من مصاحف الصحابة ، وخصوصاً في المصحف المفسّر والمدوّن من قِبَلِ أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يقلق نهج الخلافة.

وما قلناه من وجود قرآن التلاوة والقرآن المفسَّر المُأَوَّل ليس بِدْعاً من القول ، إذ قد قال به علمين من أهل السنّة قبلنا :

أحدهما لأبي شامة في كتابه المرشد الوجيز إلى علوم القرآن - جمع القرآن في زمن رسول الله - إذ قال :

« ... فإنّ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفنا ... ثمّ كان ينزله مفرّقاً على رسول الله مدّة حياته عند الحاجة ... وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة».

وهذا الكلام قد يخالفه أتباع مذهبه من منكري توقيفية السور. وإنّي لا أريد أن أقول بقوله ، لكنّي ألّفت النظر إلى تفريقه بين ترتيب النزول وترتيب التلاوة والقول بأنّ كِلَيْهما قرآن.

وثانيهما محمّد بن عبدالكريم الشهرستاني (ت 548 ه) في التفسير المنسوب إلى حين كلامه عن كيفية جمع القرآن ، قال :

«بلى والله إِنّ القرآن محفوظ ، لقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(1). وأمّا حفظه بحفظ أهل البيت فإنّهما لا يفترقان قطّ ، فلا 9.

ص: 151


1- سورة الحجر : 9.

وَصْلُ القول ينقطع ، لقوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ)(1) ، ولا جمع الثَّقَلَيْن يفترق ، لقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)»(2).

فنُسخته إن كانت عند قوم مهجورة ، فهي بحمد الله عند قوم محفوظة مستورة (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْح مَحْفُوظ)(3) ، ولم ينقل عنه عليه السلام إنكار على ما جمعه الصَّحابة (رضوان الله عليهم).

لا كما قال عُثمان : أرى فيه لحناً وستقيمه العرب ، ولا كما قال ابن عبّاس : إنّ الكاتب كتبه وهو ناعس ، بل كان يقرأ من المُصْحَف ويكتب بخطّه من الإمام ، وكذلك الأئمّة من وُلده عليه السلام يتلُون الكتاب على ما يتلونه ، ويُعلِّمُون أولادهم كذلك ، والله تعالى أكرم وأمجد من أن يدع كتابه الكريم المجيد على لَحن حتّى تقيمه العرب ، بل له (عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)(4). ولا يستبعد أن يكون لكتابه المُنزل نُسختان لا تختلفان اختلاف التّضادّ ، وكلاهما كلام الله عزَّوجلَّ ...

فالقرآن الّذي بين أظهرنا كلام الله بين الدّفّتين ، محفوظ بحفظ الله عن التغيير والتبديل بتأويله وتنزيله ، وينفون عنه زيغ الزائغين وانتحال المُبطلين (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ 7.

ص: 152


1- سورة القصص : 51.
2- سورة القيامة : 17.
3- سورة البروج : 21 - 22.
4- سورة الأنبياء : 26 - 27.

أُولُوا الأَلْبَابِ)(1).

أجل نحن لا ننكر وجود اختلاف بين أهل البيت عليهم السلام والخلفاء الثلاثة في القراءة والترتيب ، لكنَّ هذا لا يعني مخالفة القرآن المتداول بين أيدي الناس ، بل ترى أئمّة أهل البيت عليهم السلام ينهون الآخرين عن مخالفة قراءة «المصحف الإمام»(2) ، حسبما وقفت على كلامهم عليهم السلام وشهد به بعض المحدّثين من الكتّاب أمثال الدكتور شاهين ، لأنّ (المصحف الإمام) ما هو إلاّ صورة مستنسخة عن مصاحف الصحابة المدوّنين للقرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وإنّه ليس بمصحف أبي بكر وعمر وعثمان الذين دوّنوا القرآن بشاهدين - كما يقولون - وذلك لمخالفته لقراءة الخلفاء الثلاثة في كثير من الأحيان.

إذ عرفت بأنّ الخلفاء الثلاثة لا يقرؤون بالبسملة ، في حين أنّ البسملة تراها موجودة في مصاحف الآخرين ، وهي موجودة أيضاً في (المصحف الإمام) المدّعى تأليفه وجمعه لعثمان ، فكيف تكون البسملة موجودة في المصحف الإمام ولا يقرأ به الخلفاء.

فلو قالوا بأنّ البسملة ذكرت من باب كلّ أمر ذي بال لم يبتدأ ببسم الله فهو أبتر ، وهذا لا يعني بأنّها آية من القرآن بل ذكرت تيمّناً وتبرّكاً ودفعاً للشيطان. س.

ص: 153


1- تفسير مصابيح الأسرار 1/13 ، والآية الأخيرة من سورة آل عمران : 7.
2- أي ما يقرا به الناس.

فنقول لهم : ألم ترد هذه البسملة في القرآن الموجود بين أيدينا؟

وأليس تقولوا بأنّ القرآن الموجود هو النازل من عند الله بدون زيادة ونقصان؟ فلو صحّ كلامكم الأوّل فينقضه كلامكم الثاني.

وعليه فأئمّة أهل البيت عليهم السلام لا يجيزون مخالفة القراءة السائدة :

ففي كتاب بصائر الدرجات بإسناده عن ابن أبي سلمة ، قال : «قَرَأَ رجل على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أسمع حروفاً من القرآن ليس على ما يَقْرَؤُها الناس ، فقال أبو عبدالله : مه مه كُفَّ عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم فإذا قام فَقَرَأَ كتابَ الله على حَدِّهِ ، وأخرج المصحف الذي كتبه عليّ وقال أخرجه عليّ إلى الناس ...»(1).

وفي كلام الإمام الصادق عليه السلام إشارة إلى الاختلاف في القراءة لا في أصل القرآن ، وأن الاختلاف في القراءة لا يعني الأختلاف في القرآن ، قال العلاّمة الطباطبائي في الميزان : «وبالجملة ، الذي تدلّ عليه هذه الرّوايات هي : أوّلاً - إنّ الموجود فيما بين الدَّفّتين من القرآن هو كلام الله تعالى ، فلم يزد فيه شيء ولم يتغيّر منه شيء ، وأمّا النّقص فإنّها لا تفي بنفيه نفياً قطعيّاً ، كما روي بعدّة طرق أنّ عمر كان يذكر كثيراً آية الرجم ولم تكتب فيه.

وأمّا حملهم الرّواية وسائر ما ورد في التحريف - وقد ذكر الآلوسيّ في تفسيره أنّها فوق حدّ الإحصاء - على منسوخ التّلاوة فقد عرفت فساده ، ن.

ص: 154


1- بصائر الدرجات : 213 باب أنّ الأئمّة عندهم جميع القرآن.

وتحقّقت أنّ إثبات منسوخ التّلاوة أشنع من إثبات أصل التحريف.

على أنّ من كان له مُصْحف غير ما جمعه زيد - أوّلاً بأمر من أبي بكر ، وثانياً بأمر من عُثمان ، كعليّ عليه السلام وأبيّ بن كعب وعبدالله بن مسعود - لم ينكر شيئاًممّا حواه المصحف الدائر غير ما نقل عن ابن مسعود أنّه لم يكتب في صحفه المعوّذتين ، وكان يقول : إنّهما عَوْذتان نزل بهما جبريل على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ليعوّذ بهما الحسنين عليهما السلام ، وقد ردّه سائر الصَّحابة وتواترت النّصوص من أئمّة أهل البيت على أنّهما سورتان من القرآن ...»(1).

وعلى ذلك قد يكون البغوي عنى بكلامه في شرح السنّة : «بأنّ ترتيب النزول غير ترتيب التلاوة» ، أنّ مصحف التلاوة هو المصحف المجرّد عن التفسير النبوي ، والمرتّب طبق ما أنزله الله واقعاً في الإنزال الدفعي الأوّلي له.

وأمّا ترتيب النزول فهو ما يراعى فيه الترتيب الزماني والتاريخي وتسلسل الوقائع والأحداث فيه ؛ وهو ما نراه في مصحف الإمام عليّ عليه السلام فهو عليه السلام أكّد بأنّه سيخرج مصحفه لو ثُنّيت له الوسادة وعرف له حقّه.

ارتباط جمع القرآن بموضوع الخلافة :

وهنا مسألة فيها شيء من الغموض لابدّ من الوقوف عندها واستيضاحها ؛ لأنّها استوقفتني وتستوقف كلّ باحث ودارس ، ألا وهي ارتباط ً.

ص: 155


1- الميزان 12/125 ، وإنّا ناقشنا هذه الأكذوبة على ابن مسعود سابقاً.

موضوع جمع الإمام عليّ عليه السلام للمصحف بموضوع الخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، أي أنّه عليه السلام دوّن مصحفه في مفصل تاريخي مهمّ وحسّاس.

فالسؤال هو : ما الداعي لإقدامه على هذا الجمع في تلك الفترة الحسّاسة من تاريخ الإسلام؟

هل كانت بوصية من الله عزّ وجل ، كما قال هو عليه السلام : «فخصّني الله عزّوجلّ بذلك من دون الصحابة»(1)؟ أم بوصية من رسوله الأمين(صلى الله عليه وآله) حسبما مرّ عليك في خبر تفسير القمّي.

أم أنّ ذلك كان مبرّراً ومسوّغاً وتعليلاً تمسّك به الإمام عليه السلام لعدم مبايعة أبي بكر ، كما أشارت إليه النصوص الأخرى من الفريقين؟.

فلو تأمّلت في مطلع تلك الأخبار لرأيته عليه السلام يقدم على هذا الأمر حينما يرى خذلان الناس له ، وقلّة وفائهم معه ، وميلهم للسلطة ، وتركهم للعترة ؛ لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان قد أخبره بحصول هذه الأمور له من بعده ، وأنّ عليه الصبر والاستقامة لقوله تعالى (وَمَا مُحمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ).

ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ ، بل تراه عليه السلام يشير إلى تخوّفه من الزيادة في القرآن والتلاعب به.

إذ جاء في نصّ العيّاشي (ت 320 ه) : «فلمّا رأى ذلك عليّ عليه السلام ورأى 5.

ص: 156


1- الخصال : 579/ابواب السبعين/المنقبة 55.

الناس قد بايعوا أبابكر خشي أن يفتتن الناس ففزع إلى كتاب الله وأخذ بجمعه في مصحف ...».

وفي خبري الفهرست لابن النديم وشواهد التنزيل للحسكاني (القرن الخامس الهجري) : «إنّ عليّاً رأى من الناس طيرة عند وفاة النبيّ فأقسم أن لا يضع ...».

وفي المصنّف لعبدالرزّاق الصنعاني (ت211 ه) : «فإنّي خشيت أن يتفلّت القرآن» ، وفي آخر : «خشيت أن ينقلب القرآن».

وفي خبر ابن أبي شيبة (ت 235 ه) : «ولكن كان القرآن يزاد فيه فلمّا قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله) ...».

وفي خبر الجوهري (ت323 ه) : «ولكن القرآن خشيت أن يزاد فيه فحلفت أن لا أرتدي ...».

وفي خبر آخر عند الحسكاني : «فكرهت أن يزاد فيه».

وفي آخر : «ما كرهت أمارتك ولكنّي أرى القرآن يزاد فيه فحلفت أن لا أرتدي ...».

وفي خبر ابن ضريس (ت294 ه) : « ...ما أقعدك عنّي؟ قال : رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدّثت نفسي أن لا ألبس ...».

وفي رواية المستغفري (ت432 ه) : «ولكن كان النبيّ حيّاً والوحي ينزل والقرآن يزاد فيه ، فلمّا قبض جعلت ...» وغيرها.

كلّ هذه النصوص جديرة بالوقوف عندها والتأمّل في معانيها

ص: 157

ودلالاتها ؛ لأنّها تشير إلى نفسيّات الناس بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وأنّهم كانوا يريدون الزيادة في القرآن وهو ما لا يرتضيه الإمام علي عليه السلام.

أو قل : إنّ الإمام عليه السلام كان يخاف أن يزاد في القرآن ؛ لأنّ معترك الصراع السياسي قد يدعوهم إلى ذلك ، فإنّ جملة : (خشيت أن ينقلب القرآن) أو : (ولكن القرآن خشيت أن يزاد فيه) أو : (أنّ عليّاً رأى في الناس طيرة عند وفاة النبيّ) لها دلالاتها وإيحاءاتها ، وخصوصاً صدورها في تلك الفترة الحرجة عليه عليه السلام وعلى أهل بيته عليهم السلام ، لكنّ المغرضين لم يوفّقوا ، لأنّ الله صان كتابه من التحريف وحفظه من يد المتطاولين.

ونحن لو جمعنا هذه الفقرات من كلام الإمام عليّ عليه السلام - مع ما مرّ من تخوّف رسول الله(صلى الله عليه وآله) من أن تُضيّع أمّته القرآن كما ضيّعت اليهود والنصارى كتبهم ، مع تخوّفه من انقلابها على أعقابها من بعده ، أو قوله(صلى الله عليه وآله) : «يا عليّ ألّفه في ثلاثة أيّام كي لا يزيد الشيطان ولا ينقص منه ... فلم يزد الشيطان منه شيئاً ولا ينقص منه شيئاً» ، وخشية الإمام عليه السلام من أن يفتتن الناس ، وفي آخر : «رأى عليّ في الناس طيرة بعد وفاة رسول الله» وأمثالها - لو جمعناها معاً لعرفنا وجود مخطّط يدعو للزيادة في القرآن ، أو قل : وجود من يعتقد بأنّ القرآن الحقيقي هو أكثر من القرآن الذي عند المسلمين ، وهذا رأيناه في كلام عمر إذ قال : «ذهب قرآن كثير».

كُلُّ هذه الأمور دعت الإمام عليه السلام إلى أن يقف أمام دعاة المنهج الجديد في القرآن ، وأن لا يفسح المجال لهم للنيل من الكتاب المجيد ، فهو وكبار

ص: 158

قُرَاء الأمّة أمثال ابن مسعود وأُبيّ بن كعب دعوا إلى حجّية القرآن من خلال التواتر لا البيّنة.

وإنّي بإطروحتي أردت لفت نظر الباحثين إلى اُمور جديدة لم يدرسوها ويبحثوها من قبل في تاريخ جمع القرآن ، وأنّها بنظري ضرورية ، تفتح آفاقاً جديدة في العمل العقائدي ، إذ بهذه البحوث يتبيّن خلفيّات الأمور على صورتها الواقعية دون إعطاء هالة لهذا الشخص أو ذاك.

فالإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام - كما قلنا - أراد أوّلاً : أن يدوّن المصحف المجرّد = مصحف التلاوة ، لسدّ التلاعب بالقرآن.

ثمّ بعده أن يدوّن المصحف المفسّر ، ذلك الكتاب الذي أعدّ أوّليّاته وكلّيّاته منذ زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله). لإيقاف الأمّة على تاريخه وتشريعه.

لأنّ الجمع المبكّر للقرآن وبعلم الصحابة يسدّ الباب أمام تلاعب الآخرين بآياته وسُوَرِهِ ، ولأجل ذلك نرى الخلفاء يحتاطون - أو قل يخافون - عند جمعهم للقرآن من التسرّع بالأخذ بآيات الكتاب العزيز وسوره ، وينتهجون منهج البيّنة في الجمع(1) ، وهذا الاحتياط من قِبل الخلفاء قُرِّر كي لا يواجهوا تخطئة لهم من قبل الإمام عليّ عليه السلام أو من قبل كبار القرّاء ، لوجود المصحف الأُمّ والمدوّن على عهد رسول الله عنده عليه السلام.

وهذا المصحف كان بمنزلة المُؤَمِّنّ من التلاعب ، إذ لو تلاعب شخص ن.

ص: 159


1- أي أخذهم الآيات بشاهدين.

أو قوم في آيات القرآن وسوره لفضحهم أميرالمؤمنين عليه السلام ، لذلك لم يجرؤوا على الزيادة في أصل القرآن(1) ، إلاّ في بعض التقديم والتأخير والقراءات فيه ممّا لا يضرّ بأصل الكتاب العزيز ، فلا تراهم يجرؤون في تقديم ما جمعوه في زمن أبي بكر وعمر بن الخطّاب إلى الناس ، وجعله دستوراً للدولة لوجود من يُخَطِّئُهُم من الصحابة ، فانتظروا إلى زمان عثمان لتقديم ما دوَّنُوه ، وكان آنذاك قبول الإمام عليّ عليه السلام ، ذلك القبول لم يأت لصحّة منهجهم في الأخذ بآيات القرآن العزيز ، بل لتواتره بين المسلمين.

ومن جملة تخوّفاته عليه السلام هو أن يزيدوا في القرآن ما ليس منه ، بمعنى أن يدرجوا من كلمات الرسولِ(صلى الله عليه وآله) - الّتي سمعوها في تفسير الآيات وتأويلها - في أصل القرآن ، أو أن ينقُصُوا التفسيرات والتأويلات النبوية ، وبذلك تخفى كثير من معاني ومغازي القرآن ، وهذان الأمران - الزيادة والنقصان - كانا ممّا يتخوَّفُ منه الإمام عليّ عليه السلام.

لكُلّ ذلك رأينا الإمام عليه السلام قد فصّل بين كتابة المصحفين ، فبدأ بالجمع الأوّلي للقرآن ، أعني : جمعه للمصحف المجرّد عن كلّ تفسير وتأويل ، ليكون أصلاً يعرض عليه باقي المصاحف إن احتيج إليه ، وقد أتمّه في ثلاثة أيّام ، وعلى نقل آخر في سبعة أيّام أو تسعة.

أمّا مشروعه الثاني - وهو الأهمّ - فقد دوّن أوليّاته منذ أيّام !!

ص: 160


1- وأن نراهم قد قالوا : «ذهب قرآن كثير»!!

رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، إذ كان يكتب يوميّات الدعوة الإسلامية بما لها وعليها ، فكان يخلو برسول الله(صلى الله عليه وآله) ، يسأله عن شأن نزول الآيات والأحكام فيجيبه(صلى الله عليه وآله) فيدوّنها ، تاركاً تدوين تفاصيلها وتطبيقاتها إلى ما بعد وفاته(صلى الله عليه وآله) ؛ لأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) كان أوصاه بفعل ذلك.

ولمّا قُبض(صلى الله عليه وآله) ورأى طيرة من الناس ، وعدم وفاء الأمّة له عليه السلام ، وتغييرهم للأمور ، جلس في بيته يدوّن تلك الجزئيّات وتفاصيلها لتبقى وثيقة عند أولاده عليهم السلام ، أوصياء الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وهو المعنيّ من قوله (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) كما ورد في تفسيره عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام : هي لنا خاصّة وإيّانا عنى(1).

وعليه فالستّة أشهر - الّتي دوّن فيها الإمام مصحفه المفسّر - كان من ضمنها الفترة الّتي عاشت فيها السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وهي مظلومة تقارع الظالمين باستدلالاتها وحججها(2).

فجاء في صحيح البخاري بإسناده عن عروة ، عن عائشة : «إنّ فاطمة عليها السلام بنت النبيّ(صلى الله عليه وآله) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله(صلى الله عليه وآله) - إلى أن يقول - : ... فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، وعاشت بعد النبيّ ستة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليُّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها ...»(3).8.

ص: 161


1- وسائل الشيعة 27 : 200/ ح 33590.
2- والتي سنذكر بعضها عند جمع أبي بكر للقرآن.
3- صحيح البخاري 4/1549/ح 3998.

أجل ، إنّ هذه الفترة تحمل في طيّاتها بعض الأمور التاريخية المهمّة ، وإنّ مسألة جمع الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام للقرآن ترتبط بشكل وآخر بمسألة الخلافة ، ولا يمكن تفكيك إحداهما عن الأُخرى.

كما أنّ تدوين الإمام عليّ عليه السلام مصحفاً والسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام مصحفاً (يعني كتاباً ، لا قرآناً حسبما يشيعونه عنها) له دلالتهُ مع لحاظ الفارق بين المصحفين.

فإنّ مصحف الإمام عليّ عليه السلام (1) كان املاءً من قبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ممّا أوحاه الله إليه في تفسير وتأويل الآيات وبيان شأن نزولها تفسيراً للآيات مع توضيح للأحكام والأحداث.

أمّا مصحف فاطمة الزهراء عليها السلام فهو إملاء مَلَك على عليٍّ وفاطمة عليهما السلام ، وما هو بقرآن ولا بتفسير لآياته حسب تعبير الأئمّة عليهم السلام ، بل هو كتاب كان يمليه جبريل للزهراء عليها السلام بعد وفاة الرسول كي يسلّيها ويؤنسها بعد وفاة أبيها ، وقد كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام المدوِّن لتلك الأُمور ، فجاء الخبر عن الصادق عليه السلام :

«إنّكم لتبحثون عمّا تريدون وعمّا لاتريدون ، إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله خمسة وسبعين يوماً ، وكان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبريل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن ر.

ص: 162


1- المفسر.

أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريّتها ، وكان عليّ يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة»(1).

وعن الصادق عليه السلام أيضاً : « ... وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله»(2).

أو قوله عليه السلام : «وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن ولكنّه كلام من كلام الله»(3).

وعنه عليه السلام : «وإنّ عندنا لمصحف فاطمة ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟

قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.

قال ، قلت : هذا والله العلم.

قال : إنّه لعلم وما بذاك ، ثمّ سكت ساعة ثمّ قال : إنّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة»(4).

ومن الطريف - بعد كلّ هذا - أن نرى الآخرين ينسبون التحريف إلى الشيعة مستغلّين بعض الاصطلاحات والأقوال الموجودة هنا وهناك ، في حين وقفت على دور الإمام عليّ عليه السلام والسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام والأئمّة عليهم السلام من 1.

ص: 163


1- الكافي 1/241/ح 5 ، بصائر الدرجات : 173 ، بحار الأنوار 26/41/ج 72 و 43/79 ، 67.
2- بصائر الدرجات : 173/ح 5 ، وانظر بصائر الدرجات : 178/ح 19 ، 181/ح33.
3- بصائر الدرجات : 176/ح 14.
4- الكافي 1 / 297 باب 40 من كتاب الحجة / ح 1.

ولدها اتجاه هذا القرآن وإقرارهم له و «إنّ القرآن لا يهاج اليوم ولا يحوّل».

وممّا يجب التنبيه عليه أنّ كلمة (المصحف) عامّة وتشمل كلّ ما هو مجموع بين الدفّتين ، وقد أطلق على كتاب السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام المصحف من هذا الباب ، لا كما يشيعه المغرضون عن هذا المصحف ، وتقارن مصحفها مع مصحف ربّ العالمين ، وأنّه مصحف آخر يخالف مصحف المسلمين.

بقي شيء :

بقي شيء لم يبحث لحدّ الآن ، وهو هل أنّ كلمة المصحف هي عربية أم حبشية ، وهل أنّ جمع الإمام عليّ عليه السلام للقرآن كان جمع حفظ أم جمع تدوين؟ وإن كنّا قد أشرنا سابقاً إلى رأي علماء الجمهور في جملة (جمع القرآن على عهد رسول الله فلان وفلان) وأنّهم يعنون أنّه جمع حفظ لا جمع تدوين ، ثمّ رددنا قولهم ، وإليك الآن الكلام عن المصحف.

المصحف كلمة عربية أم حبشية؟

فأتباع الخلفاء - بعد أن وقفوا على أخبار مصحف الإمام عليّ عليه السلام ، وأنّه أقسم أن لا يضع رداءه على ظهره حتّى يجمع القرآن ، وأنّه كان أوّل من جمع المصحف بين الدفّتين - جاءوا يثيرون بعض التساؤلات ويشكّكون في بعض الأمور المرتبطة به.

ص: 164

منها المرويّ عن ابن بريدة إذ قال : «أوّل من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة ، أقسم أن لا يرتدي برداء حتّى يجمعه ، ثمّ ائتمروا ما يسمّونه ، فقال بعضهم : سمّوه السِّفْر ، قال : ذلك اسم تسمّيه اليهود ، فكرهوه ، فقال : رأيت مثله بالحبشة يسمّى المصحف ، فاجتمع رأيهم على أن يسمّوه المصحف»(1).

وجاء مثله عن ابن مسعود أنّه قال : «رأيت للحبشة كتاباً يدعونه المصحف ، فسمّوه به»(2).

كما حكى السيوطي عن أبي بكر ، أنّه : «أوّل من جمع القرآن وأوّل من سمّاه مصحفاً»(3).

وذكر الباقلاّني في (الانتصار لنقل القرآن) بأنّ أبا بكر استشار عمر في اسمه فسمّاه مصحفاً.

فإنّهم قالوا بهذه الاُمور كي يرفعوا بضبع الآخرين أو ليحدّوا من منزلة الإمام عليّ عليه السلام ، وهي بنظرنا لا تعطي لأُولئك منزلة تفوق الآخرين ؛ لأنّ (المصحف) هو المؤلّف من (صُحُف) ، وكلمة (الصحف) وردت في القرآن الحكيم عدّة مرّات ، إمّا حكاية عن الأقوام السابقة أو استعمالاً لكلمات العرب ؛ لأنّ الكتب الأولى سميّت بالصحف في قوله تعالى : (أَوَ لَمْ تَأْتِهِم 6.

ص: 165


1- الإتقان 1/162/ح 754.
2- البرهان للزركشي 1/282 عن المظفّري في تاريخه ، الإتقان 1/146/ح 635.
3- الإتقان 1/146/ح 636.

بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى)(1) ، وقوله تعالى : (إِنَّ هذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)(2) ، وقوله تعالى : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى)(3) ، وقوله تعالى : (فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُف مُكَرَّمَة)(4) ، وقوله تعالى : (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُّطَهَّرَةً(5)).

وقوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً)(6).

ومن المعلوم أنّ (الصحف) هي جمع (صحيفة) وهي ما يكتب فيها من ورق وجلد ونحوهما.

و (المُصحف) - مُثَلَّث الميم - هو اسم للمجموع من الصحف المكتوبة بين الدفّتين(7).

إذن أصل مادّة (ص ، ح ، ف) قد وردت في القرآن وهي عربية ، فلا يستبعد أن يكون أهل الحبشة أخذوها من العرب لا العكس ، أو أنّ اللغتين توارَدَتا في معنىً واحد ، وهذا ليس بعزيز ، هذا أوّلاً. 6.

ص: 166


1- سورة طه : 133.
2- سورة الأعلى : 18 - 19.
3- سورة النجم : 36 ، وفي سورة الأحقاف : 12 (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً).
4- سورة عبس : 12 - 13.
5- سورة البينة : 2.
6- سورة المدثر : 52.
7- تهذيب اللغة 8/76.

وثانياً : إنّ ما قدّمناه من النصوص كاف في إثبات استعمال الصحابة لهذه الكلمة على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وقد حكينا ورود هذا الاصطلاح على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله) سابقاً ، وهو يشير إلى أُنْس العرب بهذه الكلمة وأنّها لم تكن بأجنبية عنهم حتّى يذكّرهم ابن مسعود أو سالم بأنّ للحبشة كتاباً يسمّونه المصحف.

وثالثاً : لماذا يتحيّر الصحابة في انتخاب اسم لهذا المجموع من الذكر الحكيم ، أليس الله قد سمّاه في كتابه بالفرقان ، والذكر ، والكتاب ، والهدى ، والكلام ، وأشباهها؟! وسواء كانت هذه هي أسماء أو صفات للكتاب العزيز فلا يشكّ أحد في إطلاق اسم القرآن عليه.

كان هذا مجمل الكلام عن أصل المصحف وهل هي عربية أم حبشية ، ولنتكلّم الآن عن جمع الإمام عليه السلام : هل هو جمع حفظ أم جمع تدوين؟

جمع الإمام عليه السلام ، جمع حفظ أم جمع تدوين؟

أمّا ما قالوه في معنى جمع الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام للمصحف وأنّه بمعنى الحفظ ، فهو الآخر باطل وعليل ؛ لأنّ الموجود في النّصّ : «أنّ أبا بكرسأل الإمام عليّاً عليه السلام : ما أقعدك عنّي؟

فقال عليه السلام رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدّثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلاّ لصلاة حتّى أجمعه.

ص: 167

فقال له أبو بكر : فإنّك نِعْمَ ما رأيت»(1).

ويدلّ على أنّ الجمع هنا بمعنى الكتابة لا الحفظ ، أشياء :

الأوّل : إنّ جملة (حتّى أجمعه) لا يمكن حملها على الحفظ كما يدّعون!! لأنّها لو حُمِلَت على ذلك المعنى فلا يرتبط بقوله الآخر : (رأيت كتاب الله يزاد فيه).

الثاني : إنّ قول القائل عن جمع الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام للذكر الحكيم : هو «جمع الصدر لا جمع المصحف ، وحفظ نزول الآيات لا الجمع للقراءة»(2) ، هو رجم بالغيب وتخرّص محض ، لثبوت معرفة الإمام عليّ عليه السلام بأسباب النزول ومكان التنزيل أهو في سهل أم في جبل ، في ليل أم في نهار ، بغضّ النظر عن حفظه والاستشهاد بآياته في خطبه وكلامه ، فلو كان المراد من الحفظ حفظ الصدر فلا داعي للجلوس في بيته لمدّة طويلة حتّى يجمعه.

الثالث : إنّ حمل الجمع على جمع الحفظ في الصدر هو مجاز يستدعي القرينة ، ولا قرينة قائمة فيما نحن فيه ، فلا يحمل عليه ، بل هناك قرائن على خلافه في شخص مثل الإمام عليّ عليه السلام ؛ عدل القرآن المجيد.

الرابع : إنّ النصوص الدالّة على جمع الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ه.

ص: 168


1- الإتقان 1/161/ح 751 ، وانظر البرهان 1/177.
2- فواتح الرحموت بهامش المستصفى 2/12 ، وقال ابن حجر في فتح الباري 9/13 معلّقاً على خبر مصحف الإمام عليّ : وعلى تقدير أن يكون محفوظاً فمراده بجمعه حفظه في صدره.

للمصحف تشير إلى أنّها كانت بوصيّة من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ؛ لأنّه قال لعليّ عليه السلام : «إنّ القرآن خلف فراشي ... فجمعه عليّ في ثوب أصفر ...»(1) ، وفي آخر : «إنّ رسول الله أوصاني إذا واريته في حفرته لا أخرج من بيتي حتّى أُوّلف كتاب الله»(2) ، وفي ثالث : «يا عليّ لا تخرج ثلاثة أيّام حتّى تؤلّف كتاب الله كي لا يزيد فيه الشيطان ولا ينقص منه شيئاً»(3) ، وفي رابع : «هذا كتاب الله قد ألّفته كماأمرني وأوصاني رسول الله كما أنزل»(4) ، وهذه النصوص تؤكّد بأنّ الجمع لم يكن كما يقولونه جمع حفظ بل هو جمع كتابة وتدوين.

الخامس : إنّ يمين الإمام عليّ عليه السلام وقَسَمَه بأن لا يخرج من بيته إلاّ بعد جمع المصحف ، ووجود المصحف عند آل جعفر - كما قال ابن النديم - وغيرهما من النصوص لتؤكّد على أنّ الجمع كان جمع تدوين لا جمع حفظ كما يدّعون.

السادس : إنّ ما جاء في خبر عبد خير وقوله عليه السلام «حتّى أجمع ما بين اللّوحين» صريح بأنّ الجمع هو جمع كتابة لا جمع حفظ أيضاً.

السابع : يرى الباحث في المتاحف والمكتبات في العالم مصاحف منسوبة كتابتها إلى الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، وهي تشير إلى أنّ الجمع كان 3.

ص: 169


1- تفسير القمّي 2/451 ، سورة النساء ، وعنه في بحار الأنوار 89/48/ح 7.
2- تفسير العيّاشي 2/66/ح 76 ، وعنه في بحار الأنوار 28/227/ح 14.
3- تفسير فرات : 339/ح 17 ، وعنه في بحار الأنوار 23/249/ح 23.
4- إِثبات الوصية : 123.

جمع كتابة لا جمع حفظ أيضاً.

قال ابن عِنَبَة (المتوفّى 828ه) في عمدة الطالب : «وقد كان بالمشهد الشريف الغروي مصحف في ثلاث مجلّدات بخطّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، احترق حين احترق المشهد سنة خمس وخمسين وسبعمائة ، يقال : إنّه كان في آخره : (وكتب عليّ بن أبو طالب) ...».

ومنها نسخة منه بالمذار ، قال : «وقد رأيت أنا مصحفاً بالمذار في مشهد عبيدالله بن عليّ بخطّ أمير المؤمنين في مجلّد واحد وفي آخره بعد تمام كتابة القرآن المجيد : (بسم الله الرحمن الرحيم كتبه عليّ بن أبي طالب) ... واتّصل لي بعد ذلك أنّ مشهد عبيدالله احترق واحترق المصحف الذي فيه»(1).

وفي ضوء ما سبق يمكننا القول بأنّ الجمع الأوّليّ للقرآن كان على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد صدر بأمره(صلى الله عليه وآله) لعدم ارتضاء الرسول(صلى الله عليه وآله) تبعثر آيات ربّه النازلة عليه نجوماً ، وذهاب جهود دعوته هباءاً ، فأراد الحفاظ على كتاب ربّه بالتدوين والكتابة ، فسمح أوّلاً للصحابة بالتدوين وكان عليّ بن أبي طالب عليه السلام رئيسهم وعميدهم فيها ، إذ شهد بذلك ابن مسعود(2) وغيره ، فدوّنت المصاحف وإن لم تكن كاملة ، فبعضٌ جمع سورة الحجر والأعراف ويونس 8.

ص: 170


1- عمدة الطالب : 20 - 21.
2- المعجم الكبير 9 / 76/ ح 8446 ، حلية الأولياء 1 / 65 ، تاريخ دمشق 42 / 400 ، ينابيع المودة : 448.

والأنبياء وغافر ، والآخر : الكهف ومريم والأنعام والذاريات وطه والصافّات وص ، وثالث : سوراً أخرى ، كلّ ذلك بعد التأكّد من عدم ورود النسخ في تلك السور من قبل جبريل عليه السلام في العرضات المختلفة من كلّ عام.

وهذه المصاحف كانت موجودة عند أصحابها يقرؤون فيها ، وبما أنّ مصحف الإمام عليّ عليه السلام كان المصحف الأكمل ، وقد دوّن تحت إشراف رسول الله(صلى الله عليه وآله) مباشرة مجرّداً ومع التأويل والتفسير ، فأناط رسول الله(صلى الله عليه وآله) مهمّة جمعه وتوحيد شكله إليه عليه السلام ، لأنّه وصيّه ووارث علمه وعلوم الأنبياء عليهم السلام من قبله.

فتحصّل من كلّ ما قدّمناه وجود مصحفين للإمام عليه السلام ، وإن كانت غالبية الأخبار الّتي نقلت عن مصحف الإمام عليّ عليه السلام إنّما تحدّثت عن المصحف المفسّر لا المجرّد.

لأنّ المصحف المجرّد والمتلوّ كانوا يعرفونه ويتدارسونه ويعلّمونه فلا ضرورة في أن يأتيهم به ، لأنّ «الرجل كان إذا هاجر دفعه النبيّ إلى رجل منّا يعلّمه القرآن وكان يسمع لمسجد رسول الله ضجّة بتلاوة القرآن حتّى أمرهم رسول الله أنّ يخفضوا أصواتهم لئلاّ يتغالطوا»(1).

أمّا المصحف المفسّر والمؤوّل فهو الذي كان يُحرجهم ويجرحهم ، ومن خلاله جاءوا يثيرون التهم ويتهجّمون على الشيعة بأنّ لهم مصحفاً غير ت.

ص: 171


1- مناهل العرفان : 169 ، 218 عن عبادة بن الصامت.

القرآن ، في حين عرفت أنّ ذلك ما هو إلاّ تفسير للقرآن حسب النزول ، وبيان للمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ من الآيات ، فهو قرآن علم لا قرآن ذكر وتلاوة وصلاة.

وإنّ وجود هذا المصحف عند أهل البيت عليهم السلام يُشير إلى المكانة العلمية لأهل البيت عليهم السلام ، وهو المَعْنِيّ من قول الباقر عليه السلام : «ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده [علم] جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء»(1).

فالإمام الباقر عليه السلام وضّح بأنّ هذا المصحف ما هو إلاّ مصحف علم وتفسير لأنّ فيه جميع القرآن ظاهره وباطنه تنزيله وتأويله.

وقد أكّد العلاّمة الطباطبائي هذا المعنى أيضاً عند شرحه لهذا الحديث بقوله : « ... لكن تقييدها بقوله (ظاهره وباطنه) يفيد بأنّ المراد هو العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة على الفهم العادي ومعانيه المستنبطة على الفهم العادي»(2).

والأصرَح من كلّ ذلك قوله عليه السلام عن علاقته برسول الله(صلى الله عليه وآله) : «وكنت إذا سألته أجابني ، وإذا سكتّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلاّ اقرأنيها وأملاها عليّ ، فكتبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصّها ش.

ص: 172


1- الكافي 1/228/ح 2 ، بصائر الدرجات/213 ، الباب 6/ح 1.
2- الكافي 1/226 ، الهامش.

وعامّها»(1).

إنّ أمثال هذه الأخبار كثيرة في روايات أهل البيت عليهم السلام ، وكلّها تشير إلى وجود المصحف المفسّر عندهم مع المصحف المجرّد الذي يقرأ به الجميع.

بهذا فقد عرفت أنّ ما افترضوه في جمع القرآن - من قبل الخلفاء - لاحقاً باطل ، لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان قد جمعه ورتّبه ، لكنّه مع ذلك أناط مهمّة جمعه بين اللوحين إلى الإمام عليّ عليه السلام لكي يؤكّد بأنّه وصيّه وخليفته من بعده والعالم بالقرآن تنزيلاً وتأويلاً.

ويؤكّد بطلان منهجهم أيضاً هو أنّه إذا كان لابدّ من جمعهم القرآن فإنّه كان عليهم لحاظ مقياس ومعيار لتصحيحه ، وحيث لم يشرف المعصوم على جمعه وترتيبه حسب دعواهم فلا حجّة له ، وبمعنى أوضح : لابدّ من لحاظ مرجعية تعرض عليه تلك الآيات والصحف عند الجمع ؛ وحيث لم يشرف رسول الله(صلى الله عليه وآله) على ذلك الجمع فهو باطل ، لأنّ قضية إثبات القرآن بشاهدين أو الاكتفاء بشاهد واحد - كما رأينا في خزيمة - لا يمكن الركون إليه ، خصوصاً بعد علمنا بوجود نسخة من المصحف الكامل عند وصيّ محمّد(صلى الله عليه وآله) ، عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، تلك النسخة الّتي كتبت على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأخذت من فمه(صلى الله عليه وآله) ، فلابدّ من الاعتماد عليها لا على غيرها.

فعلى مؤرّخي القرآن إمّا أن يقولوا بوجود مرجعية واحدة معصومة 6.

ص: 173


1- الكافي 1/64/ح 1 ، شرح أصول الكافي 2/306.

لتصحيح القرآن المتداول بين أيدينا ، وإمّا أن لا يقولوا بوجود تلك المرجعية.

فلو قالوا بالأوّل فلابدّ لهم أن يأخذوا بمصحف الإمام عليّ عليه السلام (1) كأصل يعتمد عليه لتصحيح المصاحف الاُخرى ، لأنّه مأخوذ من نسخة رسول الله(صلى الله عليه وآله) التي ورثتها الزهراء عليها السلام ، وأنّ المشرف على الجمع هو شخصٌ لا خلاف فيه بأنّه أوّل القوم إسلاماً ، وأعلم الصحابة ، وقد كان مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حِلِّه وترحاله - عدا غزوة تبوك حيث استخلف على المدينة - وهو القائل : «إنّي لأعرف ناسخه من منسوخه أو محكمه من متشابهه ، وفصله من فصاله ، وحروفه من معانيه والله ما من حرف نزل على محمّد إلاّ أنّي أعرف فيمن أنزل ، وفي أيّ يوم ، وأيّ موضع»(2) ، كما أنّه القائل : «أنا النقطة تحت باء بسم الله الرحمن الرحيم»(3) ، وقوله : لو تكلّمت في الفاتحة لحمل منها سبعين وقراً(4) ، أي لابدّ أن يكون الجامع للقرآن هو الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وأن يكون مصحفه عليه السلام هو المعتمد عند المسلمين وعند الخلفاء أيضاً لا ما انتهجوه من منهج خاطئ كالبيّنة في جمع القرآن لاحقاً.

وأمّا لو قالوا بالثاني ، فهذا مخلّ بوحدة كتاب الله ؛ لأنّ الرجوع إلى ً.

ص: 174


1- والذي كتبه على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله).
2- تفسير العيّاشي 1 / 14/1 من باب علم الأئمّة بالتأويل فيه.
3- ينابيع المودّة للقندوزي 1 / 213/15 من الباب 14 في غزارة علمه عليه السلام عن كتاب الدرّ المنظّم في الإسم الأعظم ، للسيوطي : و 3 / 212 ، عن الباب 68 أيضاً.
4- فيض القدير 1 / 69 ، ينابيع المودّة 1 / 205/ الباب 14 ، 3 / 209/ الباب 68 ، وفيهما بعيراً بدل وقراً.

أشخاص غير معصومين ومتعدّدين ، وقد يكونون مختلفين في الرأي وهو الحال ، يشكّك في حجية الكتاب العزيز ، ويعني تعدّدية أحرف القرآن ، في حين أنّ الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام أَكَّدوا بأنّ القرآن واحد نزل من عند الواحد على لسان واحد(1) وهو يُخَطَّئُ القول بالأحرف السبعة.

فالذي أذهب إليه أنّ الخلفاء رغم جهودهم في جمع الأُمّة على مصحف واحد ، لم يفلحوا ، بل إنّ فلاح الأُمّة ونجاحها جاء من خلال إقرار الصحابة لهذا المصحف وقولهم بتواتر القرآن ، وعدم مخالفة هؤلاء الصحابة له.

فالصحابة عموماً والإمام عليّ عليه السلام على وجه الخصوص قبلوا بالمصحف الرائج ، ولم يجاهروا بالمخالفات البسيطة بينهم وبين المصحف ، بل استشهد الإمام عليّ عليه السلام بآيات ذلك المصحف الشريف كما استشهدت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام والإمامان الحسن والحسين عليهما السلام بآياته أيضاً رغم خلافهم للنهج الحاكم في كلّ شيء وعلى رأس ذلك الخلاف في تفسير القرآن وتأويله.

إذن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام برغم كلّ هذا الإجحاف بحقّه ، وانتهاجهم منهجاً خاطئاً في رسم القرآن وجمعه ، تراه يؤكّد على لزوم القراءة بالمصحف الذي يقرأ به الناس ، ولا يرتضي به بديلاً ، بل يقف أمام الآخرين الذين يريدون استغلال الخلاف بينه وبين الخلفاء طالبين منه عليه السلام أن يغيّر (وَطَلْح 3.

ص: 175


1- أنظر الكافي 2 / 63 ، باب النوادر/ ح 3. وليس في الحديث : على لسان واحد ، شرح أصول الكافي 11 / 77 ، باب النوادر/ح 13.

مَنضُود) به (طلع منضود) فيقول لهم عليه السلام : «إنّ القرآن لا يهاج اليوم ولا يحوّل».

كما جاء هذا في سيرة أولاده المعصومين عليهم السلام أيضاً ، فقد قرأ رجل على الإمام الصادق عليه السلام حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤوها الناس ، فقال أبو عبدالله الصادق عليه السلام : «مه مه كفّ عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس».

ولا يستبعد أن يكون هذا هو سِرّ إِسْرار رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى الإمام عليّ عليه السلام دون غيره من الصحابة حينما اختلف ابن مسعود مع غيره في عدد آيات بعض السور وسؤالهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك ، وإرجاعهم إلى الإمام عليّ عليه السلام لأخذ الجواب ، وقول الإمام عليه السلام لهم : يأمركم أن تقرؤوا كما علّمتم.

فالإمام عليه السلام كان لا يسمح لأحد بالتشكيك في هذا القرآن ، ومعناه سعيه للحفاظ على وحدة الصفّ وعدم السماح للأجنبي للدخول في الصفّ الإسلامي.

إذ لو كان الإمام عليه السلام يريد التشكيك في القرآن كما يتّهمه بعض الناصبة لقال للذين رفعوا المصاحف يوم التحكيم : كيف تُحكّمون قرآناً أشكّ فيه.

لكنّه لم يقل هذا ، بل قال عكسه للذين يريدون الفتنة : «لا يهاج القرآن اليوم ولا يحوّل» ، ومعنى كلامه بأنّه قبل بهذا المصحف فكان عليه السلام يتلو فيه ويصلّي هو - وأولاده المعصومون - بسوره وآياته ، ولا يرتضي الصلاة بما يخالف الموجود فيه من القراءات الشاذّة. وهذا هو رأي جميع فقهاء الإمامية اليوم تبعاً لأئمّتهم.

ص: 176

فكيف يشيع أعداء أهل البيت بأنّ الشيعة يقولون بتحريف القرآن ولا سند لهم لهذا القرآن ، مع أنّك ترى موقفهم الصُّلْب من المحرّفين والمنهج الموصل إلى التحريف.

لقد استفاضت أخبار مصحف الإمام عليّ عليه السلام في كتب الفريقين الحديثية والتفسيرية والتاريخية والرجالية إن لم نقل بتواترها.

فقد استشهد به ابن شاذان (ت 260 ه) في إفصاحه ، والصفّار (ت290 ه) في بصائره ، واليعقوبي (ت 292 ه) في تاريخه ، وابن جرير الطبري الشيعي (من علماء القرن الرابع) في مسترشده ، والعيّاشي (ت 313 ه) في تفسيره ، والقمّي (ت 320 ه) في تفسيره ، والكليني (ت 329 ه) في الكافي ، والمسعودي (ت 346 ه) في إثبات الوصية ، وفرات الكوفي (ت 352 ه) في تفسيره ، وابن النديم (ت 380 ه) في الفهرست ، والصدوق (ت 381 ه) في الخصال وفي الاعتقادات ، وأحمد بن فارس اللغوي (ت 395 ه)في الصاحبي ، والشريف الرضي (ت 406 ه) في خصائص الأئمّة ، والمفيد (ت413 ه) في أوائل المقالات وفي المسائل السروية ، والطبرسي (ت548 ه) في الاحتجاج ، وابن شهرآشوب (ت588 ه) في مناقب آل أبي طالب وفي معالم العلماء ، وابن جبر (من علماء القرن السابع) في نهج الإيمان ، والسيّدابن طاووس (ت 662 ه) في بناء المقالة الفاطمية ، وفي سعد السعود ، والإربلي (ت692 ه) في كشف الغمّة ، والعلاّمة الحلّي (ت 726 ه) في كشف اليقين وفي التذكرة ، والعاملي (ت 877 ه) في الصراط المستقيم ،

ص: 177

والمازندراني (ت 1081 ه) في شرح أصول الكافي ، والطريحي (ت 1085ه) في مجمع البحرين ، والفيض الكاشاني (ت1091ه) في كتبه الثلاثة المحجّة البيضاء وتفسير الصافي والوافي ، والحرّ العاملي (ت 1104 ه) في وسائل الشيعة وغيرهم.

ومن أهل السنّة : الصنعاني (ت 211 ه) في مصنّفه ، وابن سعد (230ه) في طبقاته ، وابن أبي شيبة (ت 235 ه) في مصنّفه ، والجاحظ (ت 255 ه) في عثمانيّته ، والبلاذري (ت 271 ه) في أنسابه ، وابن ضريس (ت294ه) في فضائل القرآن ، والسجستاني (ت 316 ه) في المصاحف ، والجوهري (ت 323 ه) في السقيفة وفدك ، والعسكري (ت 395ه) في الأوائل ، والحسكاني (من علماء القرن الخامس) في شواهدالتنزيل ، وأبو نعيم الأصفهاني (ت 430 ه) في حلية الأولياء ، والمستغفري (ت 432 ه) في فضائل القرآن ، وابن عبدالبرّ (ت 463 ه) في الاستذكار ، ومحمّد بن عبدالكريم الشهرستاني (ت 548 ه) في تفسيره ، والخوارزمي (ت 568 ه) في المناقب ، وابن عساكر (ت 571 ه) في تاريخ دمشق ، وسبط ابن الجوزي (ت 654 ه) في تذكرة الخواص ، والمعتزلي (ت 656 ه) في شرح النهج ، والقرطبي (ت 671 ه) في تفسيره ، والغرناطي الكلبي (ت 741 ه) في التسهيل ، والذهبي (ت 748 ه)في كتبه الثلاثة السير ، وتاريخ الإسلام ، وتذكرة الحفّاظ ، والصفدي (ت 764 ه) في الوافي بالوفيات ، وابن كثير (ت774 ه) في تفسيره ، والزركشي (ت 794ه) في البرهان ، وابن الخطيب في الفرقان ، وابن حجر العسقلاني (ت852 ه)

ص: 178

في فتح الباري ، والعيني (ت 855 ه) في عمدة القاري ، والسيوطي (ت 911ه) في الإتقان وفي تاريخ الخلفاء ، والقسطلاني (ت 923 ه) في إرشاد الساري ، والصالحي (ت942ه) في سبل الهدى والرشاد ، والمتقي الهندي (ت 975 ه) في كنز العمّال ، وغيرهم.

فإنّ كثرة الناقلين والمخبرين والراوين لخبر مصحف الإمام عليّ عليه السلام في الصحاح والسنن والمسانيد والكتب ومن جميع أطياف الفريقين - محدِّثين كانوا أم مؤرّخين ، لغويّين أم مفسّرين ، فقهاء أم متكلّمين - وفي القرون الأولى ، لَتُوجِدُ في النفس اطمئناناً في صحّة ماقيل عن وجود مصحف للإمام عليه السلام بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) بصرف النظر عمّا علّله الإمام عليه السلام وهل هو لوجود وصية من النبيّ(صلى الله عليه وآله) له حسبما جاءت في روايات القمّي(1) ، والمسعودي(2) ، وفرات الكوفي(3) ، والصدوق(4) ، والطبرسي(5).

أو : أنّه أقسم أن لا يرتدي رداءه إلاّ للصلاة حتّى يؤلّف المصحف كماجاء في رواية سُلَيْم بن قيس(6) ، والاحتجاج(7) ، والذي يؤيّده ما جاء في 0.

ص: 179


1- تفسير القمّي 2/45 سورة الناس.
2- إثبات الوصية : 123.
3- في تفسيره : 398 سورة حم عسق/ح 20.
4- الخصال : 579 أبواب السبعين وما فوقه/ح 1.
5- الاحتجاج 1/225.
6- كتاب سُلَيْم بن قيس : 148.
7- الاحتجاج 1/107 ، ومناقب آل أبي طالب 1/320.

المصنّف لعبدالرزّاق(1) ، والأنساب للبلاذري(2) ، وحلية الأولياء لأبي نعيم(3) ، وكنز العمّال للمتّقي الهندي(4).

أو : خوفه من تحريف القرآن حسبما جاء في رواية عبدالرزّاق بن همّام : «خشيت أن يتفلّت القرآن»(5).

أو : خشيته عليه السلام من الفتنةِ بين المسلمين كما ورد في رواية العيّاشي(6).

أو : أنّه عليه السلام رأى من الناس طَيْرَة عند وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله) كما في الفهرست لابن النديم(7).

أو : أنّه عليه السلام أراد أن يقيم الحجّة على الحكّام كما جاء في كتاب سليم(8) ، والاحتجاج(9).

أو : أنّه عليه السلام عمد إلى ذلك بعد أن رأى خذلان الناس له كما في خبر سليم(10) ، والاحتجاج(11) ، أو غيرها. 7.

ص: 180


1- المصنّف لعبدالرزّاق 5/450/ح 9765 و 9828.
2- أنساب الأشراف 2/269/ح 1187.
3- حلية الأولياء 1/67 ترجمة الإمام عليّ/ح 208.
4- كنز العمّال 13/66/ح 36473.
5- المصنّف لعبدالرزّاق 5/250/ح 6765.
6- تفسير العيّاشي 2/307 سورة الإسراء/ح 134.
7- الفهرست لابن النديم : 41.
8- كتاب سليم : 148.
9- الاحتجاج 1/228.
10- كتاب سليم : 147.
11- الاحتجاج 1/107.

فإنّ كلّ هذه الأخبار تجعلنا نطمئنّ بإِقدام الإمام عليه السلام على جمع القرآن من خلف فراش رسول الله(صلى الله عليه وآله) قبل أن يشرع أبوبكر في جمع القرآن أو أن يكلّف زيد ابن ثابت بالجمع.

فالسؤال هو : لو كان القرآن قد كتب وجمع ورتّب على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مصحف واحد ، فما الداعي لإعادة جمعه من جديد على عهد أبي بكر؟.

ألم يقولوا بأنّ معاذاً ، وأُبيّاً ، وسعيداً ، وأبا الدرداء ، وزيداً ، وأبا زيد ، قدجمعوا القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ وأَنَّ جمعهم كان جمع تدوين وكتابة لا جمع حفظ في الصدور كما وضّحناه.

فإن كان هذا الخبر صحيحاً ، فلماذا يجمعه أبوبكر مرّة أخرى؟

باعتقادي أنّ ما برَّرُوه في الجواب - بأنّ جمعهم كان حفظاً في الصدور والذاكرة - هو عليل ، لأنّ غالب الصحابة كانوا قد حفظوا القرآن أوجزءاً منه ، وكانوا يرتّلونه آناء الليل وأطراف النهار ، ولذلك سُمّي القرآن قرآناً لكثرة قراءتهم إيّاه ، بل كانت لهم مصاحف تامّة كمصحف الإمام عليّ عليه السلام أو ناقصة كمصاحف غيره من الصحابة ، وإلاّ ، فأيّ شيء أحرق عثمان إن لم يكن هناك مصاحف؟ أم أيّ شيء طلبه أبو بكر وعمر من الصحابة حينما جمعت المصاحف عندهم لمّا أرادوا توحيدها بزعمهم؟!

إذن مع صحّة هذه الأخبار فلا مبرّرَ لجمعه من جديد.

فتلخّص من كلّ ما سبق :

ص: 181

1 - كتابة القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

2 - وجود صحف بل مصاحف ناقصة على عهده(صلى الله عليه وآله) ، فيها السورالكاملة ، والّتي أُحكِمَتْ آياتها وعُرفت حدودها من خلال عرض جبريل للقرآن على رسول الله(صلى الله عليه وآله) كلّ عام.

3 - قراءة الناس القرآن في صلاتهم على عهده(صلى الله عليه وآله) وكذا قراءَتهم في تلك الصحف أو المصاحف.

4 - أمر الرسول(صلى الله عليه وآله) الإمام عليّاً عليه السلام بجمع الصحف من خلف فراشه وجعلها مصحفاً بين الدفّتين بعد وفاته.

5 - بدأ الإمام عليّ عليه السلام جمع القرآن بكلا شقّيه المجرّد والمفسّر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأكمل عليه السلام المصحف المجرّد في ثلاثة أيّام حسبما رواه عبد خير عنه(1) ، والثاني أعني المصحف المفسّر في ستّة أشهر على قول ابن عبّاس(2).

6 - إنّ الإمام عليّاً عليه السلام قدّم المصحف المفسَّر إلى الخلفاء كي يقيم الحجّة عليهم ويبيّن للناس أنّهم ماضون في التفكيك بين القرآن وعدله - أعني العترة الطاهرة عليهم السلام - خلافاً لقوله(صلى الله عليه وآله) : «وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ 1.

ص: 182


1- الفهرست لابن النديم : 30 ، حلية الأولياء 1/67 أو ستّة أيّام حسب حكي جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام ، توحيد الصدوق : 73 ، بحار الأنوار 40/155 و 89/51 ، التوحيد للصدوق 72 ، 73.
2- مناقب بن شهرآشوب 1/319 ، عنه في بحار الأنوار 40/155 و 89/51.

الحوض» لقول عمر انصرف به لا تفارقه ولا يفارقك.

وواضح أنّ كثيراً ممّا هو موجود في مصحفه المفسّر لن يروق للآخرين ، وخصوصاً الخلفاء منهم ؛ إذ فيه القضايا والبلايا ، ووجود هذه الأمور في مصحف العلم جعلهم أن يفكّروا جدّياً بتطويق الإمام عليه السلام وسلب كلّ ماخصّه الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) من فضائل ومنحها لآخرين صارفين بذلك الناس عن الإمام عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام ، كما أنّ هذا هو الذي دعاهم إلى كتابة المصحف من جديد ، وحرق بقية المصاحف كي لا يبقى فيها شيء يوافق مصحف الإمام عليّ عليه السلام.

أجل إنّ جمع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لهذا المصحف في الفترة الزمنية الّتي جلس فيها الإمام عليه السلام في بيته اعتراضاً على الحاكمين لها دلالاتها وإيحاءاتها وقد وضّحنا بعضها وسنكملها في الأقسام الاُخرى.

وعليه فإنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان قد جمع القرآن في ثلاثة أيّام امتثالاً لأمر الرسول(صلى الله عليه وآله) ليكون هو أوّل من جمع القرآن بين اللوحين لا غيره.

وكذا الحال في جمعه المفسّر في ستّة أشهر.

وللبحث صلة ...

ص: 183

النظرية الحديثية في المدرسة الإمامية (1)

حميد ستودة الخراساني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد ، فقد انعقد الكلام في هذا المقال بشأن الزيارة الجامعة الكبيرة سنداً والتي يزار بها جميع الأئمة صلوات الله عليهم ، وهي أفصح الزيارات وأبلغها وأعلاها وأعظمها.

والكلام فيه يقع في جهتين :

الأولى : التحقيق في ما أفاده العلاّمة المجلسي رحمه الله بشأن سندها.

الثانية : البحث السندي ولاسيّما الفحص عن تمييز ووثاقة النخعي الوارد في سندها.

ص: 184

الجهة الأولى : التحقيق في ما أفاده المجلسي أعلى الله مقامه بشأن سند الزيارة.

قال المحدّث المحقّق في بحاره بعد أن نقل الزيارة الجامعة :

«إنّما بسطت الكلام في شرح تلك الزيارة قليلا وإن لم أستوف حقّها حذرا من الإطالة ؛ لأنّها أصحّ الزيارات سنداً وأعمّها مورداً وأفصحها لفظاً وأبلغها معنىً وأعلاها شأناً»(1).

وقال أيضاً في موضع آخر من نفس الكتاب :

«أوردت في هذا الكتاب من الجوامع بعدد المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين لكن أفضلها وأوثقها الثانية [أي الزيارة الجامعة الكبيرة المعهودة] »(2).

وقال في تحفة الزائر :

«روى هذه الزيارة الشيخ الصدوق وغيره بسند معتبر» ... إلى أن قال بعد أن نقل الزيارة : «وهي أحسن الزيارات الجامعة سنداً ومتناً»(3).

هذا ، ولكن يمكن أن ينتقض كلامه بما أفاده بشأن سند الزيارة الجامعة في ملاذ الأخبار في باب (زيارة جامعة لسائر المشاهد على أصحابها السّلام) 9.

ص: 185


1- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السلام : 99 / 144.
2- نفس المصدر : 99 / 209.
3- تحفة الزائر : 580 و 589.

وإليك لفظه :

«الحديث الأوّل مجهول ؛ لكن الزيارة نفسها شاهد عدل على صحّتها»(1).

والغريب أنّه ذكر في ختام بحثه وبعد أن شرح وأوضح الزيارة في الملاذ عين ما تقدّم منه أوّلا في البحار فراجع(2).

هذا ، ثمّ إنّه نسب أيضاً الأصحّية سنداً إلى زيارة أخرى في بحاره ، وهي زيارة مطلقة لأمير المؤمنين عليه السلام ومعروفة بأمين الله(3) ، وهذه الأمور توجب التنافي بدواً بين كلماته ، إلاّ أنّا نأوّل ونوجّه ذلك بما سيأتي في ختام البحث.

الجهة الثانية : البحث السندي والتتبع في تمييز ووثاقة النخعي.

روى المجلسي رحمه الله الزيارة في البحار عن الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام عن الدَّقَّاق وَالسِّنَانِي وَالْوَرَّاق وَالْمُكَتِّب جَمِيعاً عَنِ الأسَدِيِّ عَنِ الْبَرْمَكِيِّ عَنِ النَّخَعِيِّ(4).

أمّا المشايخ الأربعة للصدوق في الطبقة الرابعة من نفس السند فلم يرد 7.

ص: 186


1- ملاذ الأخبار في فهم تهذيب الأخبار : 9 / 247.
2- نفس المصدر : 278.
3- قال رحمه الله : «بيان : إنّما كرّرنا تلك الزيارة لاختلاف ألفاظها وكونها من أصحّ الزيارات سنداً وأعمّها مورداً». أنظر : بحار الأنوار : 97 / 269.
4- بحار الأنوار : 99 / 127.

بشأنهم جرح أو قدح ، بل ذكرهم في إسناده مقروناً بما يوجب المدح من اعتماده عليهم وإكثار روايته عنهم في مواضيع كثيرة من كتبه ، ومن إردافه الرضيَلة والرحمَلة لهم تلو أسمائهم ؛ مع أنّ ما وقع من تعدّد الرواة واجتماعهم في هذه الطبقة لا يقصر عن التوثيق ، بل يوجب الوثوق بالخبر المروِي عنهم(1).

وأمّا أبو الحسين محمّد بن جعفر بن عون الأسدي الكوفي في الطبقة الثالثة ، ومحمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي في الطبقة الثانية فنصّ على وثاقتهما النجاشي وقال للأسدي : «كان ثقة صحيح الحديث ...»(2) وللبرمكي : «كان ثقة مستقيماً ...»(3).

وعليه ، لا ضير في رجال سنده إلاّ الأخير وهو مختلفٌ في تحديد اسم أبيه(4) أيضاً ، فروى الزيارة الصدوق في العيون بإسناده عن موسى بن عمران النخعي(5) ، بينما رواها في الفقيه بإسناده عن موسى بن عبد الله النخعي(6) ،9.

ص: 187


1- أنظر : «با پيشوايان هدايتگر» بالفارسية [أي مع أئمة الهدى] : 1 / 45 - 58.
2- رجال النجاشي: 373.
3- رجال النجاشي : 341.
4- يحتمل أن يكون الرجل في السند هو الذي أدّى بالمجلسي في الملاذ إلى الحكم بكون الحديث مجهولاً سنداً.
5- عيون الأخبار : 2 / 272.
6- من لايحضره الفقيه : 2 / 609.

فتبعه الشيخ رحمه الله في تهذيبه(1) ، وقد ورد الرجل أيضاً في الاستبصار بعنوان موسى بن عمرو النخعي(2).

إذن ، يكون البحث في مقامين :

المقام الأوّل : في اتّحاد المختلف فيه.

والمقام الثاني : في القرائن الدّالّة على وثاقته.

المقام الأوّل : في اتّحاد المختلف فيه :

قد اتّضح ممّا سردناه أنّ الرجل المبحوث عنه قد سُمّي أبوه باسمين مختلفين ، وهما عمران وعبدالله ، وأمّا الاسم الذي ورد في الاستبصار (أي عمرو) فهو تصحيف عمران قطعاً ، وقد التفت إلى ذلك وصرّح به السيّد المحقّق الخوئي قدس سره في معجم الرجال ، فراجع(3).

ثمّ إنّه يقول السيّد المتتبّع المحقّق البروجردي :

« ...ولم أجد لموسى بن عبدالله النخعي ذكراً في غير تلك الرواية [اي رواية الزيارة الجامعة] ، وذكر جدّي محمّد بن عبدالكريم في رسالته في الزيارات هذه الرواية وذكر بدل موسى بن عبدالله موسى بن عمران ولم يظهر مستنده مع مخالفته للتهذيب والفقيه ، فإنْ صحّ ذلك كان هو موسى بن عمران 1.

ص: 188


1- تهذيب الأحكام : 6 / 95.
2- الاستبصار في ما اختلف من الأخبار : 3 / 70.
3- معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال : 19 / 60 - 61.

ابن يزيد النوفلي النخعي ابن أخ الحسين بن يزيد النوفلي الذي روى عن السكوني كتابه ورواه عنه إبراهيم بن هاشم»(1).

ومقتضى التحقيق على ما سيبدو في ما سيأتي هو أنّ موسى بن عبدالله النخعي متّحد مع الرجل المعروف والمشتهر بموسى بن عمران النخعي والذي قد كثر ما رواه في كتب الإمامية عن عمّه وشيخه الحسين بن يزيد النوفلي ، سيّما في مجال المعارف الاعتقادية التي تشكّل أعمدة الدين وأصوله وجذور المذهب وأسسه(2) ، وذاك هو الذي حمل كثيراً من الأسرار فأمكنه أنتحمّل ما ألقى إليه الإمام الهادي عليه السلام من زيارة جامعة كبيرة مع تلك الفصاحة والبلاغة ، وإليك نبذة ممّا رواه الصدوق من معارف مشرقة عالية أصيلة عبر هذا الرجل لتثبت هويته :

1 - «عن محمّد بن أحمد السناني رضي الله عنه ، عن محمّد بن أبي عبدالله الأسدي الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن عليّ بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام ، قال :

إنّ الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ، ولا مكان ، ولا حركة ، ولا انتقال ، ولا سكون ، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون 7.

ص: 189


1- ترتيب أسانيد كتاب الكافي : 287.
2- للوقوف على بعض ما رواه ، راجع : بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : 2 / 7 ؛ 35 ؛ 92 ؛ 150 ؛ 154 ؛ 175 ؛ 176 ؛ 197.

والانتقال ، تعالى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً»(1).

2 - «حدثّنا محمّد بن أحمد السناني رضي الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن عليّ بن سالم ، عن أبيه ، عن أبان بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله جلّ جلاله : لو اجتمع الناس كلّهم على ولاية عليّ ما خلقت النار»(2).

3 - «حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب رحمه الله ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الأسدي الكوفي ، قال : حدّثني موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) :

إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا عليّ على ناقة من نور ، وعلى رأسك تاج له أربعة أركان ، على كلّ ركن ثلاثة أسطر : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، عليّ وليّ الله ، وتعطي مفاتيح الجنّة ، ثمّ يوضع لك كرسي يعرف بكرسي الكرامة فتقعد عليه ، ثمّ يجمع لك الأوّلون والآخرون في صعيد واحد ، فتأمر بشيعتك إلى الجنّة ، وبأعدائك إلى النار ، فأنت قسيم الجنّة ، وأنت قسيم النار ، ولقد فاز من تولاّك ، وخسر من عاداك ، فأنت في ذلك 7.

ص: 190


1- الأمالي للصدوق ، المجلس السابع والأربعون : 279.
2- نفس المصدر ، المجلس الرابع والتسعون ، 657.

اليوم أمين الله ، وحجّة الله الواضحة»(1).

4 - «روى محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن يحيى بن أبي القاسم ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : الأئمة بعدي إثنا عشر ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، وآخرهم القائم ، فهم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمّتي بعدي ، المقرُّ بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر»(2).

5 - «حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه الله ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن عليّ بن سالم ، عن أبيه ، عن ثابت ابن أبي صفيّة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «مَن سرّه أن يجمع الله له الخير كلّه فليوال عليّاً بعدي ، وليوال أولياءه ، وليعاد أعداءه»(3).

6 - «حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد رضي الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام : لأيّ علّة دفنت فاطمة عليها السلام بالليل ولم تدفن بالنهار؟ قال : لأنّها 4.

ص: 191


1- المصدر نفسه ، المجلس الخامس والتسعون : 670.
2- الفقيه : 4 / 180.
3- الأمالي للصدوق ، المجلس الثاني والسبعون : 474.

أوصت أن لا يصلّي عليها الرجلان»(1).

إذن ، إنّ ما كتبه الصدوق في الفقيه من عنوان موسى بن عبدالله النخعي إمّا سهو من قلمه أو غلط وقع من النسّاخ ، فنقَل عنه الشيخ رحمه الله أيضاً في التهذيب دون التحقيق والتبيين.

وعلى أيّ حال ، فإنّه إمّا متّحد مع موسى بن عمران النخعي كما أورده الصدوق في العيون(2) وكثيراً ما روى عنه مع الواسطة ، أو محمول على الرجل المشهور والمعروف بين القدماء من المحدّثين. أضف إلى ذلك أنّ وحدة الطريق للصدوق رحمه الله يقتضي وحدة الراوي ، والمتعيّن هو موسى بن عمران بن يزيد النخعي ؛ إذ لم يوجد موسى بن عبدالله النخعي في غير هذا الموضع في مصادرنا الإمامية كما ذكر ذلك السيّد البروجردي رحمه الله ، وهذا النوع من التصحيف قريب محتمل لتشابه الكلمتين ، ولأنّه لم تتغيّر سائر مفردات العنوان غير عبدالله - أي (موسى) و (ابن) و (النخعي) - مع أنّ الصدوق قد أكثر نقل رواياته عن موسى بن عمران النخعي في التوحيد(3) والعيون(4) وعلل1.

ص: 192


1- علل الشرايع : 1 / 185 / الباب 149.
2- عيون الأخبار : 2 / 272.
3- التوحيد (للصدوق) : الصفحة 19 / الحديث 4 ؛ 20 / ح 7 ؛ 59 / ح 17 ؛ 95 / ح 15 ؛ 117 / ح 20 ؛ 134 / ح 1 و 3 ؛ 138 / ح 15 ؛ 138 / ح 16 ؛ 164 / ح 1 ؛ 184 / ح 20 ؛ 280 / ح 7 ؛ 382 / ح 29 ؛ 403 / ح 10.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 7 / ح 2 ؛ 1 / 59 / ح 28 ؛ 2 / 272 / ح 1.

الشرائع(1) والأمالي(2) وكمال الدين(3) وثواب الأعمال والفقيه(4).

ويؤيّد ما اخترناه ما ذكره الشيخ أبو عبدالله محمّد بن جعفر صاحب المزار من سنده لهذه الزيارة ، حيث نقلها في كتابه بإسناده عن الطوسي ، عن المفيد ، عن الصدوق ، عن علي بن أحمد بن موسى والحسين بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الكاتب ، عن عليّ بن أبي عبدالله الكوفي ، عن البرمكي ، عن موسى بن عمران النخعي(5).

هذا ، وأمّا ما قاله بعض المحقّقين من أنّ (عبدالله) اسم لجدّ موسى فنسب إليه ، وأيّد ذلك بقرينة وهي السند المروي في روضة الكافي (الرقم 141) ، حيث نقل فيها رواية الكليني بإسناده عن موسى بن عمران النخعي 4.

ص: 193


1- علل الشرايع (للصدوق) : 1 / 13 / ح 10 ؛ 1 / 15 / ح 1 ؛ 1 / 16 / ح 1 ؛ 1 / 31 / ح 1 ؛ 1 / 67 / ح 1 ؛ 1 / 68 / ح 1 ؛ 1 / 77 / ح 1 ؛ 1 / 107 / ح 5 ؛ 1 / 120 / ح 4 ، 2 / 437 / ح 2 ؛ 2 / 447 / ح 6 ؛ 2 / 571 / ح 4 و ....
2- الأمالي للصدوق ، المجلس الرابع : 15 ؛ المجلس السادس : 20 ؛ المجلس الرابع والعشرون : 112 ؛ المجلس السابع والعشرون : 131 و 132 ؛ المجلس التاسع والعشرون : 150 ؛ المجلس الثالث والثلاثون : 178 ؛ المجلس الخامس والتسعون : 670 و ....
3- كمال الدين : 1 / 257 / ح 2 ؛ 1 / 258 / ح 3 ؛ 1 / 259 / ح 4 ؛ 1 / 322 / ح 4 وح 5 ؛ 1 / 329 / ح 11 ؛ 2 / 334 / ح 4 ؛ 2 / 340 / ح 20 ؛ 2 / 345 / ح 31 ؛ 2 / 358 ، ح 56 و ....
4- من لا يحضره الفقيه : 3 / 313؛ 4 / 179 و 351.
5- المزار الكبير : 524.

عن عمّه الحسين بن عيسى بن عبدالله(1) فبدّل (عيسى) في السند ب- : (يزيد) لتصحيفه وتحريفه(2) ، فغير موجّه ، فإنّه مضافاً إلى عدم ذكر عبدالله في أجداد الحسين - بل هو الحسين بن يزيد بن محمّد بن عبدالملك النوفلي كما أشار إليه النجاشي(3) - فإنّ الحسين قد روى مراراً عن عيسى بن عبدالله بن محمد العمري في الوسائل(4) ، فالصواب وقوع التصحيف في هذا السند من جهة (بن) فيكون تحريف (عن) لتشابه الكلمتين كما صرّح بذلك السيّد المحقّق الخوئي رحمه الله أيضاً حيث يقول :

والظاهر أنّ فيه [أي في السند المروي في الروضة ، الرقم (141)] تحريفاً ، فإنّ الحسين بن عيسى بن عبدالله لا يكون عمّاً لموسى بن عمران ، بل عمّه الحسين بن يزيد بقرينة سائر الروايات ، والصحيح : موسى بن عمران ، عن عمه الحسين ، عن عيسى بن عبدالله ، والله العالم»(5). ..

ص: 194


1- الكافي ، 8 / 152 / ح 141.
2- بررسي سندي زيارت جامعه كبيره [بالفارسية] ، الشيخ محمّد سند ، مجلّة سفينة ، ترجمة : مهناز فرحمند ، رقم 15 ، العام 1385 الهجري الشمسي ، الصفحة 98.
3- رجال النجاشي : 38.
4- وسائل الشيعة : 2 / 64؛ 16 / 294 و 332؛ 23 / 198؛ 25 / 201.
5- معجم الرجال : 19 / 61. هذا وروى الحرّ العاملي بإسناده عن موسى بن عمران النخعي عن عمّه الحسين بن عيسى بن عبدالله مراراً ، فراجع وسائل الشيعة : 2 / 436 / ح 8 ؛ 3 / 77 / ح 3 ؛ 4 / 96 / ح 8 و ....

المقام الثاني : في القرائن الدّالّة على وثاقة النخعي :

قد اتّضح ممّا قدّمناه في المقام السابق أنّ موسى بن عمران النخعي وإن كان مهملا في كتب الرجال كما ادّعاه المجلسي في الملاذ إلاّ أنّ هناك عدّة من القرائن والشواهد التي إذا ضممنا بعضها إلى بعض - وأنْ يوجد فيها ما يكون مبنائيّاً - يثبت أنّه لا يقلّ ذلك عن النصّ على وثاقته إن لم يزد عليه ، بل لا يشكّ أحد في جلالته ورفعة مقامه ، بل نطمئنّ بأنّه غنيّ عن التوثيق صريحاً ، سيّما إذا عرفنا دأب الرجاليّين من الإماميّة من أنّهم يذكرون في كتبهم أو فهارسهم من كان له تصنيف أو تأليف في مجال الفقه والحديث ولم يذكروا الآخرين ، بينما الرجل المبحوث عنه لم يصنف كتاباً بشأن الروايات الناقلة لها الدالّة على حسنه وكماله. وكيف كان نذكر في ما يلي القرائن التي يستكشف منها علوّ قدره وعظمته :

1 - إكثار رواية بعض الأجلاّء عنه ، فقد روى عنه أبو الحسين محمّد ابن جعفر الكوفي الأسدي - ويقال له أيضاً : محمّد بن أبي عبدالله - ما يقرب من خمسين رواية في الوسائل واعتمد عليه.

2 - ما قاله العلاّمة المامقاني رحمه الله بشأن الراوي في تنقيح المقال وإليك لفظه :

« ... وفي روايته لها دلالة واضحة على كونه إماميّاً صحيح الاعتقاد ، بل في تلقين مولانا الهادي عليه السلام مثل هذه الزيارة المفصّلة المتضمّنة لبيان مراتب

ص: 195

الأئمّة عليهم السلام شهادة على كون الرجل من الحسان ، مقبول الرواية لهم ، وإهمالهم ذكره في كتب الرجال غير قادح فيه»(1).

بل هذا - أي إلقاء الرواية الغامضة العالية المضامين مع تلك الحقائق الصادقة إلى المخاطب - دليل لِمّيٌّ على اعتماد الإمام عليه السلام على الرجل وكونه من أخيار أصحابه بل من أصحاب أسراره ، وهذا أرقى وأرفع من القول بأنّه ثقة.

3 - إنّ الرجل وقع في أسناد تفسير القمّي ، سورة النحل ذيل قوله تعالى : (إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسان)(2) فوثّقه السيّد المحقّق الخوئي رحمه الله من هذا الطريق(3).

4 - إنّه وقع في إسناد كامل الزيارات ، الباب التاسع ، في الدلالة على قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، الحديث السابع(4).

5 - إنّه قد تكرّر ذكره في أسانيد كتاب العلل كما قاله في تنقيح المقال(5) ، بل قد كثر نقل الصدوق رحمه الله عن الرجل في أسانيد كتبه المختلفة ، وهذا شهادة على اعتماد الصدوق إليه ووثاقته عنده. 8.

ص: 196


1- تنقيح المقال : 3 / 257.
2- النحل : 90.
3- معجم الرجال ، 20 / 66؛ أنظر : تفسير القمّي ، سورة النحل : 1 / 389 ، وكذا سورة القمر : 2 / 342.
4- كامل الزيارات : 36.
5- تنقيح المقال : 3 / 258.

6 - إنّه قد وقع في أسانيد كتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى عدّة مرّات مع ما قال مولّفه عماد الدين محمّد بن أبي القاسم الطبري من أنّه لا أذكر فيه إلاّ المسند من الأخبار عن المشايخ الكبار وثقات الأخيار(1).

7 - إنّه قد وقع في إسناد المزار الكبير(2) مع ما قال صاحبه في مقدّمته من أنّه قد جمع في كتابه من فنون الزيارات للمشاهد المشرّفات ... وما يلجأ إليه من الأدعية عند المهمّات ، ممّا اتّصل به من ثقات الرواة إلى السادات عليهم السلام(3).

إذن ، يستخلص من جميع ما ذكرناه أنّ النخعي كان من وجوه الأصحاب وأعظمهم مقاماً عند الإمام عليه السلام ، فيقاس حاله بمثل هشام والمفضل وابن سنان من أصحاب المعارف الإلهيّة ، وقد شهّره بين الإمامية ما رواه كثيراً بشأن الأئمة وأحوالهم إلى أن انتهى أمره إلى أن أجابه الإمام عليه السلام وخاطبه فألقى إليه بارقة ملكوتية بشأن الأئمّة الأطهار عليهم السلام وزيارتهم.

وبذلك يعلم أنّ تجميع هذه القرائن والاستظهار من جميع الشواهد المنقولة وإن لم يكن فيها نصّ على وثاقة الرجل ولكنّه يحصل الإطمئنان بوجاهته والإعتناء بشأنه وهو مقدّم على الظن المعتبر بوثاقة أحد الحاصل من 7.

ص: 197


1- بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : 2 / 7 ؛ 35 ؛ 92 ؛ 150 ؛ 154 ؛ 175 ؛ 176 ؛ 197.
2- المزار الكبير : 534.
3- نفس المصدر : 27.

قول الرجالي : إنّه ثقة. وانطلاقاً من هذا يعلم صحّة ما قاله المجلسي رحمه الله بشأن سند الزيارة الجامعة من أنّها أصحّ الزيارات سنداً ؛ فإنّه يكون صحيحاً أعلائياً في غاية الصحّة ، فيفوق على سائر الزيارات سنداً ، ولذلك واضب عليها علماء الطائفة قديماً وحديثاً وقد كثر استشهادهم بها في مختلف المجالات الشرعية من تفسير الآيات القرآنية وبيان الأحكام الشرعية وشرح الأخبار ولولا ثبوتها عندهم لما كانت هذه الكثرة من الاستدلالات بفقرة أو فقرات منها.

اللّهم إلاّ أنّ يقال : إنّ زيارة أمين الله مع تعدّد واعتبار سندها تكون من أصحّ الزيارات سنداً أيضاً كما قاله المجلسي رحمه الله بشأنها ، فيحمل ما أفاده من الوصف المذكور للزيارتين على كونه نسبيّاً إضافيّاً ، أي يقاس كلّ من الزيارتين مع غيرهما من بقيّة الزيارات ؛ أو يحمل ويقيَّد الوصف المذكور بشأن سند الزيارة الجامعة بما يتوفّر في إطار سند الجوامع من الزيارات ، بمعنى أنّ هذه الزيارة من بين الجوامع تكون أحسنها وأوثقها سنداً ؛ لأنّ البرمكي والكوفي ممّن رويا الحديث موثّقان بتزكية عدلين كما لا يخفى ، والنخعي وجيه ومعتمد عند الإمام عليه السلام كما عرفت ، فيصير السند صحيحاً أعلائيّاً كما مرّ آنفاً. والقرينة على هذا القيد ما كتبه المجلسي رحمه الله بشأن السند في كتابه تحفة الزائر بالفارسية (1085ه) حيث كتبه بعد أن مضت أربعة أعوام من فراغه من تأليف المزار من كتاب البحار(1081ه) ، فيثبت لنا منه ما اختلج في خاطره من القيد المذكور ، وقد مرّ في صدر البحث كلامه في تحفة

ص: 198

الزائر ، ويؤيّده أيضاً ما سردناه عنه هناك حيث قال في البحار :

«أوردت في هذا الكتاب من الجوامع بعدد المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين لكن أفضلها وأوثقها الثانية [أي الزيارة الجامعة الكبيرة المعهودة] »(1).

هذا ، ويمكن أن يقال : إنّ العلاّمة المجلسي رحمه الله اعتقد بأصحيّة الزيارة الجامعة إذا قورن المتن مع السند وضمّ إليه ، فيصير معنى كلامه أنّ هذه الزيارة تكون أصحّ الزيارات سنداً ومتناً معاً ، فيحتمل أنّ المجلسي حكم بأصحيّة الزيارة الجامعة على ما هو المصطلح عند قدماء الأصحاب من حصول الاطمئنان بصدور الخبر لقرائن مرجّحة كوجودها في الأصول والكتب المعتبرة وعبر اقتران متنها بسندها فيوجب ذلك الوثوق والركون إلى صدورها قطعاً بحيث لا يبقي أيّ ريب وشكٍّ فيه ، والشاهد على ذلك ما نقل عن ملاذه من أنّ الزيارة الجامعة نفسها شاهد عدل على صحّتها ، بينما تكون زيارة أمين الله من أصحّ الزيارات سنداً فقط.

هذا ، ويوجد هنا احتمال ضعيف آخر في كلامه ، وهو أنّ المجلسي أطلق الكلام المذكور على ما هو المصطلح عند الرجاليين من القدماء ، فيكون المراد من أصحيّة السند هو أنّ الطريق الواصل منه إلى الشيخ أو الصدوق رحمهما الله في هذا الحديث أحسن الطرق الموجودة من بين يديه ، بينما 9.

ص: 199


1- بحار الأنوار : 99 / 209.

يكون المراد من أصحيّة المتن هو أنّ الطريق المكتوب للشيخ أو الصدوق في كتابيهما إلى الراوي عن الإمام عليه السلام أوثق طريق وإسناد في ذلك.

وعلى كلّ تقدير يندفع التنافي بين كلاميه رحمه الله وإن كان الأوّل أقرب تحقيقاً ، والعلم عند الله ، والحمد لله رب العالمين.

ص: 200

فهرس المصادر

1 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار : الطوسي ، أبو جعفر محمد بن حسن ، دار الكتب الإسلامية ، تهران ، ط1 ، 1390ه.

2 - الأمالي : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، كتابچي ، طهران ، ط6 ، 1376ش.

3 - با پيشوايان هدايتگر : الحسيني الميلاني ، السيّد علي ، منشورات الحقائق ، قم ، ط2 ، 1432ه.

4 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم السلام : العلاّمة المجلسي ، محمّد باقر بن محمّد تقي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط2 ، 1403ه.

5 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى (الطبعة القديمة) : الطبري الآملي ، عماد الدين أبي جعفر محمّد بن أبي القاسم ، المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف ، ط2 ، 1383ه.

6 - تحفة الزائر : العلاّمة المجلسي ، محمّد باقر بن محمّد تقي ، مؤسّسة الإمام الهادي ، قم ، ط1 ، 1428ه.

7 - ترتيب أسانيد كتاب الكافي : الطباطبائي البروجردي ، السيّد حسين ، مجمع البحوث الإسلامية في العتبة الرضوية المقدّسة ، مشهد ، ط1 ، 1414ه.

8 - تفسير القمّي : الشيخ قمّي ، علي بن إبراهيم ، دار الكتاب ، قم ، ط3 ، 1404ه.

ص: 201

9 - تنقيح المقال في علم الرجال : المامقاني ، الشيخ عبدالله ، المرتضوية ، النجف الأشرف ،ط1 ، 1352ه.

10 - التوحيد : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، النشر الإسلامي ، قم ،ط1 ، 1398ه.

11 - تهذيب الأحكام : الطوسي ، أبو جعفر محمّد بن حسن ، دار الكتب الإسلامية ، تهران ، ط4 ، 1407ه.

12 - رجال النجاشي : الشيخ النجاشي الأسدي الكوفي ، أبو العباس أحمد بن علي ابن أحمد بن العباس ، تحقيق : السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، النشر الإسلامي ، قم ، ط 6 ، 1418ه.

13 - علل الشرائع : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، منشورات داورى ، قم ، ط1 ، 1385ش.

14 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، نشر جهان ، طهران ، ط1 ، 1378ه.

15 - الكافي : الكليني ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ط4 ، 1407 ه.

16 - كامل الزيارات : ابن قولويه ، جعفر بن محمّد ، دار المرتضوية ، النجف الأشرف ، ط1 ، 1398ه.

17 - كمال الدين وتمام النعمة : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، الإسلامية ، طهران ، ط2 ، 1395ه.

18 - المزار الكبير : ابن المشهدي ، محمّد بن جعفر ، النشر الإسلامي ، قم ، ط1 ، 1419ه.

ص: 202

19 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال : الموسوي الخوئي ، السيّد أبو القاسم ، منشورات مدينة العلم ، بيروت ، ط3 ، 1403ه.

20 - ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار : العلاّمة المجلسي ، محمّد باقر بن محمّد تقي ، منشورات مكتبة آيه الله المرعشي النجفي ، قم ، ط1 ، 1406ه.

21 - من لا يحضره الفقيه : ابن بابويه ، محمّد بن علي ، النشر الإسلامي ، قم ، ط2 ، 1413ه.

22 - وسائل الشيعة : الحرّ العاملي ، محمّد بن الحسن ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، ط1 ، 1409ه.

ص: 203

الغدير بين الأدب والتأريخ

السيّد محمّد علي راضي الحكيم

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ موسوعة الغدير هي من أهمّ الموسوعات التي أغنت المكتبة الشيعية بحثاً وتنقيباً وإلماماً بالتاريخ الشيعيِّ المتمثِّل في نصرة أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلا زالت هذه الموسوعة يعتزُّ بها أبناء طائفة أهل البيت عليهم السلام ، ومرجعاً للعلماء والباحثين والمحقّقين منذ أن خطا العلاّمة الأميني رحمه الله خطوته في لمِّ شتات التحقيق والتنقيب والذَّبِّ عن كلمة الحقِّ وكشف اللثام عنها ليهتدي من هدى الله عن بيِّنة ويضلُّ من أضلَّ الله عن بيِّنة ، كما بذل رحمه الله جهوداً عظيمةً في الاهتمام بالتراث الشيعيِّ الثرِّ.

فالعلاّمة رحمه الله على أنَّه انتحى منحى الذبِّ عن أهل البيت عليهم السلام والدفاع عن المعتقد الإمامي في إثبات الخلافة بلا فصل لأمير المؤمنين عليِّ ابن أبي

ص: 204

طالب عليه السلام يوم الغدير إلاّ أنَّه أثرى هذه الموسوعة وكما هو المشهود والمعهود عنها بالشواهد التاريخية والمباحث الكلامية والتراجم ، كما لا يخفى على القارئ والمتتبِّع فيما سلكه رحمه الله من مسلك أدبيٍّ واضح ، إذ لا محيص عنه في مثل هذه الموسوعة التي تبنَّت إحياء تراث مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

منهجيَّة العلاّمة الأميني في كتابه :

منذ أن بدأ العلاّمة بدراسته التاريخية بحثاً وتنقيباً عن الصحيح من التاريخ وأهمِّية الغدير في التاريخ وذكر واقعة الغدير والاهتمام بحديث الغدير النبويّ الشريف فقد دأب على ذكر الشواهد التاريخية القيّمة كحجج رادعة وبراهين ساطعة وأدلّة قاطعة لإماطة الستار عن الحقائق وإزالة القتام عن وجهها المشرق فأخذ يذكر الأدلّة التاريخية لرواة حديث الغدير من الصحابة والتابعين وطبقات رواته من أئمَّة الحديث وحفّاظه وذلك بدأً من القرن الثاني الهجري وحتّى القرن الرابع عشر الهجري ما يربو عددهم على الخمسمائة والخمسين جمعاً من الصحابة والتابعين والحفّاظ والعلماء.

ثمَّ استمرَّ رحمه الله على هذا المنحى في ذكر المؤلّفين في حديث الغدير من الفريقين ، والمناشدة والاحتجاج بحديث الغدير ، ومناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى وأيّام عثمان ويوم الرحبة ... ، وما إلى ذلك من مناشدته عليه السلام يوم الجمل طلحة بحديث الغدير ، وأعلام الشهود له يوم الركبان ، ومن أصابته الدعوة و ... ، هكذا أخذ يذكر كلَّ شاردة وواردة تارخية ليستدلَّ بها على

ص: 205

خلافة علىّ عليه السلام بعد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) ، وإثبات فضله وفضيلته وحقِّه وحقّانيّته حيث كان يرى بها تصريحاً بذلك لا مفرَّ عن ذكره.

وإذا أمعنّا النظر في نقده لأعلام المؤلِّفين من الجانب المخالف كنقده لفرية القرطبي والقسطلاني على الشيعة ، ونقده على السيوطي والآلوسي وعلى ابن تيمية وعلى السويري والمقريزي وعلى ابن حزم ، لرأينا أنَّ المسلك التاريخيّ للعلاّمة الأميني في ردِّ التحريفات والتزييفات من يد الأمانة!

- على حدِّ تعبيره - لهو خير مسلك انتحاه وعبّأ له فكره وقلمه وجوانحه وجوارحه ليحذو حذو السلف الصالح في إثبات كلمة الحقِّ بالدليل الواضح والبرهان الراجح ، كما مدَّ إلى الجانب الأدبي باعه ، وبرى له يراعه ، وأتحف موسوعته بالشعر والشعراء ، وآلف بينهما بنسق يدرء الملل ، ويشحذ الأفكار ويونس المقل ، فجعله محتذياً الجانب التاريخيّ حذو النَّعل بالنَّعل ، والقذَّة بالقذَّة ، أو قل كفرسي رهان سيقا إلى مضمار الغدير بعنان قاده القلم فجعله خفّاقاً كالعلم.

فإنَّ هذا المجهود التاريخيّ والأدبيّ العظيم الذي خلَّفه العلاّمة رحمه الله بين دفَّتي كتاب الغدير ترك للمحقِّقين والباحثين والناقدين مجالاً واسعاً ليخوضوا غمار هذا البحر الموّاج عسى أن يبلغوا غمره إن استطاعوا ولم يستطيعوا إلاّ بسلطان.

هذا وقد جعل العلاّمة كتابه على قسمين ، القسم الأوّل : وهو الجزء الأوَّل تحت عنوان : الغدير عند الصحابة والتابعين والمصنِّفين والآيات النازلة في الغدير ومعاني المولى.

ص: 206

والقسم الثاني : وهو من الجزء الثاني إلى آخر الكتاب المشتمل على الغدير في الشعر العربيّ من القرن الأوّل إلى القرن الرابع العشر الهجريّ.

ولكن كما ذكرنا سابقاً أنّ الجانب التاريخيَّ قد طما على الجانب الأدبيِّ في كلا قسميه.

ولا يخفى أنّ العلاّمة وثّق كلاًّ من الجانبين التاريخيّ والأدبيّ فذكر المصادر وأمّهات الكتب التي أخذ منها والأسانيد التي اعتمدها في صحَّة ما ينقله ، كما أشار في مواطن عديدة إلى ما نشلته يد الأمانة! - على حدّ تعبيره - وغيّرت بعض معالمه من حذف وتصحيف.

قراءة أدبية في الغدير :

لو أردنا أن نتطرَّق للجانب الأدبيّ من هذه الموسوعة وأن نحصيه عدداً ، لرأينا أنّ أدب السجال الشعريّ له السهم الأوفر والثقل الأكبر فيها ، ولأذعنّا أنّ للعلاّمة باعاً طويلاً وحسّاً مرهفاً ومذاقاً أدبيّاً قلّما يتوفَّر لمثله من علماء ومحقّقين وباحثين ، وذلك بدأً من ذكره شعراء القرن الأوّل الهجريّ كحسّان بن ثابت وقيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّين.

ثُمَّ إنّ هذه الموسوعة وإن زخرت بالمباحث الأدبية إلاّ أنّ المنحى التاريخيّ الذي انتحاه العلاّمة من جمع المعلومات وصبِّها مصبَّ الدفاع عن يوم الغدير والذبِّ عن مظلوميّة أهل بيت الرسالة عليهم السلام قد طما على جانب الأبحاث الأدبية.

ص: 207

فإنّ ما يلفت النظر في هذا المضمار من البحث والنقد الأدبيّ هو أنّ العلاّمة رحمه الله عدَّ بعض الشخصيّات في عداد شعراء القرن الأوَّل كأمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام وقيس بن سعد بن عبادة وعمرو بن العاص ومحمَّد بن عبد الله الحميري ، ولم نعهد من كتب التاريخ والأدب والتراجم عدُّ مثل هؤلاء في عداد الشعراء ، ولم تذكر لهم حتّى بعض القصائد إلاّ ما قلَّ وندر كقصيدة واحدة مثلاً أو بعض الأبيات والأراجيز ، وكثيراً ما ذكر هذا النمط الأخير من الشعر - وهو الرجز والحدي - في مغامرات ومساجلات ومواقف عديدة من أسفار العرب وأوطارهم ، ولكن ليس كلُّ من نطق بالشعر بشاعر ، ولم يعدُّ كلُّ من نطق بالشعر في عداد الشعراء.

اللّهمّ لايكون النقد منقصةً من مقام العلاّمة الشامخ وهو من تعلمون! وأين الحصى من نجوم السّما؟ وأين المتطفِّل الغافل من النحرير الباسل؟ وأنّا يكون ذلك؟! إلاّ أنّ المباحث عادةً ما تتَّخذ أسلوبها وتجري مجراها العلميّ علّها أن تستفيد أو تفيد والله أعلم بما نعي ونقول وهو من وراء القصد.

أمير المؤمنين عليه السلام والشعر :

هو سيِّد الكلام ، وإمام البيان ، وربُّ الفصاحة والبلاغة ، ومن شهدت له آيات الكتاب العزيز بانشراح صدره وسجاحة لسانه ورجاحة عقله وبيانه ، وهو إمام الموحّدين وسيّد الوصيِّين وإمام المتّقين وقائد الغرِّ المحجّلين ووصىُّ رسول ربِّ العالمين.

ص: 208

وكلّما نغور في ذكر فضائله ومناقبه عليه السلام ونتطلّع عليها ونتمعّن فيها نراه رجلاً من حملة رسالة السماء ومن أولياء الله الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، ومن عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و ....

فكيف يمكن أن يعدَّ عليّاً عليه السلام في عداد الشعراء الذين يصفهم القرآن بوصف عام (أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَاد يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ) (1) ، وإن استثنى سبحانه وتعالى المؤمنين منهم فإنَّ الطابع الشعريّ العامّ يسلك بالشاعر مسالك وإن لم تضرُّ بشخصيّة المؤمنين منهم لكنّها لا تليق بمقام الإمامة وحملة رسالة السماء ، فإذا كان الشعراء يميلون إلى الشعر في الملمّات والنوائب لإثارة المشاعر فإنّ أولياء الله يلجؤون فيما ينتابهم إلى المنطق السليم والبيان الحكيم لإحياء الضمائر أو تسلية الخواطر أو إرشاد المشاعر.

فإنّهم عليهم السلام كانوا يترفّعون ويتنزَّهون عن مسالك الشعر والشعراء ، وإن نطقوا به أحياناً فما ذلك إلاّ في نطاق معرفة الله وحيِّز التربية الإيمانية والتقوى والحكمة والموعظة الحسنة ، وإنّ ما نسب إلى الإمام عليٍّ عليه السلام من ديوان شعر فقد توصّلت يد التحقيق إلى أنّ أكثر مانسب إليه من الشعر ماهو إلاّ لشعراء آخرين كان يتمثَّل به الإمام عليه السلام ، وإنَّ ما ثبت إليه منه ما هو إلاّ النزر القليل وذلك في مواطن لا يعدُّها المتفطّن اللبيب من مسالك الشعراء وممّا لا ينبغي أن يعدّ ديواناً من الشعر. 5.

ص: 209


1- سورة الشعراء 26 : 225.

أجل إنّهم عليهم السلام كانوا ينطقون بالشعر تارة وذلك فيما ذكرناه من الحكمة والموعظة الحسنة ؛ لأنَّه من لوازم الأدب وهم سادته ، ومن كلام العرب وهم أعلم بمذاهبه ومآربه ، ولمّا سئل أمير المؤمنين عليه السلام من أشعر الناس؟ تنزَّه عن الجواب ولمّا ألحّوا عليه قال عليه السلام : «إن كان ولا بدّ فإنّه الملك الضلّيل» (1) وأراد به إمرأ القيس ولم يصرّح باسمه حيث تستشعر منه كراهية أن يخوض ما يخوضه الناس فيما يذهب إليه الشعراء من مسالك شتّى ، وأنّا يكون للإمام وكيف ينبغي له أن يسلك مسالك الشعراء حيث عرفوا وعرفت أشعارهم بكثرة الاستعارات المجازية والتزويقات والترويقات الشعرية حتّى قيل في الشعر : «أكذبه أعذبه» حيث يسير في عالم الخيال ويصوّر كلّ ما هو بعيد عن الواقع ليتقرّب به الشاعر إلى الملوك والأكابر من ذوي الجاهات والمقامات طمعاً وتملُّقاً ، هذا وقد عرف الشعر بالغزل والهجاء والطرب والغناء والتشبيب والمفاخرة والتحريض على الأخذ بالثأر والانتقام ، وكلّ ذلك مخالف لما جاء به الدين الحنيف من شريعته السمحاء التي ترسم للإنسان طريق طاعة الله في كلِّ ما ترمي إليه رسالة السماء من برّ وصلاح.

ولا يعني هذا أنَّهم عليهم السلام كانوا لا يعتنون بالشعر والشعراء ولا يعيرون لهما أيّ أهمّية ، وكيف ذلك وهو من لوازم الأدب ومن آليّات حفظ اللغة والإبقاء عليها من الإندراس والانطمار ، ولكن كان أكثر اهتمامهم هداية الشعر5.

ص: 210


1- نهج البلاغة 4 / 105.

والشعراء إلى الالتزام بموازين الشريعة السمحاء وبثِّ روح الإيمان والإخاء وأعمال الخير ، وكلّ ما يدلّ على سبل الخير والفلاح والعبودية والإيمان بالآخرة والإحساس بعظم المسؤولية وخطرها.

فلذلك كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يرتجز بشعر عبد الله بن رواحة أو عامر ابن الأكوع - على اختلاف الرواية - في يوم الخندق وهو يحمل التراب وقد وارى شعر صدره :

لاهمّ لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا (1)

... الخ.

وكما أبدى ارتياحه لشعر كعب بن زهيرلمّا أنشده لاميّته المعروفة والتي مطلعها :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيّمٌ إثرها لم يفد مكبول

إلى أن قال :

إنّ الرسول لنورٌ يستضاء به

وصارمٌ من سيوف الهند مسلول

فقال الرسول(صلى الله عليه وآله) : من سيوف الله (2).

فإنَّ إبداله(صلى الله عليه وآله) (الهند) ب- : (الله) لدليل على علمه(صلى الله عليه وآله) بأوزان الشعر ومجاري الكلام ، وهو سيّد الكلام وأفصح من نطق بالضّاد ، وكذلك يتبيّن لنا هذا المعنى جليّاً في ردّه(صلى الله عليه وآله) على أبي سفيان يوم أحد لمّا رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله) 6.

ص: 211


1- الغدير 2 / 6.
2- الغدير 2 / 6.

متحصِّناً بالجبل والمسلمون محدقون حوله فنادى :

أُعلُ هبل أعلُ هبل

فأجابه(صلى الله عليه وآله) :

الله أعلى وأجلّ

فأعاد أبو سفيان كرّته ثانيةً :

نحن لنا العزّى ولا عزّى لكم

فأجابه الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) :

الله مولانا ولا مولى لكم (1)

وما قوله(صلى الله عليه وآله) في حنين :

أنا النّبيُّ لا كذب

أنا ابن عبد المطّلب (2)

إلاّ شعرٌ من الرجز ذو وزن وقافية.

هذا ولو اطّلعت على ما سجّله العلاّمة الأميني من المساجلات الشعرية في حضرة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) في الجزء الثاني من كتابه الغدير تحت عنوان (الشعر والشعراء في السنَّة والكتاب) لأغناك وكفاك ، ولعلم كلّ باحث وسائل يحمل بين جنبيه حبَّ التطلّع ليشفي غليله من المعين الصافي والسلسال العذب أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار من أهل بيته عليهم السلام كانوا أشدّ وأكثر 8.

ص: 212


1- قصص الأنبياء : 348.
2- الغدير 10 / 80.

اهتماماً بالشعر والشعراء ، وأمّا قول الرسول(صلى الله عليه وآله) : «لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتّى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً (1) » فإنّه يصبُّ في مصبِّ التوجيه الهادف للشعر والشعراء.

وممّا يدلّنا على الشعر الهادف وأنّهم عليهم السلام كانوا ينظمون الشعر أحياناً هو ما أضافه ثامن الحجج الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام على تائية دعبل في قوله عليه السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

ألحّت على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتّى يبعث الله قائماً

يفرّج عنّا الهمّ والكربات (2).

وإنَّ هذا التوجّه والاهتمام من الأئمّة عليهم السلام لدليل على الأثر العظيم الذي يتركه الشعر على النفوس ويشحنها بما يحمله في طيِّه من أخبار وآثار وقد قال العلاّمة في ذلك : «وأنت تجد تأثير الشعر الرائق في نفسيّتك فوق أيّ دعاية وتبليغ ، فأيّ أحد يتلو ميمية الفرزدق فلا يكاد أن يطير شوقاً إلى الممدوح وحبّاً له؟ أو ينشد هاشميّات الكميت فلا يمتلئ حجاجاً للحقِّ؟ أو يترنَّم بعينية الحميري فلا يعلم أنّ الحقّ يدور على الممدوح بها؟ أو تلقى عليه تائية دعبل فلا يستاء لاضطهاد أهل الحقّ؟ أو تصكّ سمعه ميمية الأمير أبي فراس فلا تقف شعرات جلدته؟» (3).

وفي مجال اهتمام الأئمّة عليهم السلام بالشعر والشعراء قال رحمه الله : «وبهذه 2.

ص: 213


1- الخلاف 6 / 308.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 450.
3- الغدير 2 / 2.

الغاية المهمّة كان الشعر في القرون الأولى مدحاً وهجاءً ورثاءً كالصارم المسلول بيد موالي أئمّة الدين ، وسهماً مغرقاً في أكباد أعداء الله ، ومجلّة دعاية إلى ولاء آل الله في كلِّ صقع وناحية ، وكانوا صلوات الله عليهم يضحّون دونه ثروةً طائلة ويبذلون من مال الله للشعراء ما يغنيهم عن التكسّب والاشتغال بغير هذه المهمّة ، وكانوا يوجّهون الشعراء إلى هذه الناحية ، ويحتفظوا بها بكلِّ حول وطول ، ويرضّون الناس عليها ويبشّرونهم عن الله - وهم أمناء وحيه - بمثل قولهم : (من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنّة) ، ويحثّونهم على تعلّم ما قيل فيهم وحفظه بمثل قول الصادق ألأمين عليه السلام : (علّموا أولادكم بشعر العبدي) وقوله : (ما قال فينا قائل بيت شعر حتّى يؤيّد بروح القدس)» (1).

وحاشى للعلاّمة رحمه الله أن يطلق كلمة شاعر على مولى الموحّدين عليه السلام ، ولكنّه لمّا اتّخذ منهجية في ذكر شعراء الغدير وتراجمهم جعل أميرالمؤمنين من شعراء القرن الأوّل طرداً للباب ، ولو ذكر الفصل تحت عنوان شعر القرن الأوّل في الغدير لكان أنسب بشخصية الإمام عليه السلام ، وأمنع للعلاّمة من الوقوع في مغبّة مثل هذا النقد ولكن للمصنِّفين في مصنّفاتهم شأنٌ وهو رحمه الله أسمى من كلِّ ذلك وأزكى.

قيس بن سعد ، محمَّد بن عبد الله الحميري ، عمرو بن العاص :

إنّ طبيعة لغة العرب بما تملكه من فصاحة وبلاغة وذلك لكثرة 3.

ص: 214


1- الغدير 2 / 3.

مفرداتها وجزالة ألفاظها ودقّة معانيها إضافة إلى القواعد التي ابتنيت عليها من إعراب رفع ونصب وجرٍّ جعل أبناء هذه اللغة ينشؤون على فصاحتها وبلاغتها متفطّنين إلى مواقع الكلم ومجاري الكلام ، حيث حصلت لهم منذ نشأتهم ونعومة أضفارهم ملكة في علومها من صرف ونحو وبيان وبديع وشعر وسجع وما إلى ذلك من بدائع اللغة وروائعها ، فإنّ تمرّسهم بفنون اللغة ومهاراتهم بها أضحى كأمر فطريٍّ يتلقّونه ويأنسون به منذ طفولتهم ، فإنّك إذا اطّلعت على كتب الأدب مثل الأغاني وقصص العرب وأيّام العرب لرأيت ذلك بكلِّ وضوح حيث إنَّهم ينشدون الشعر منذ الصبا ولهم ملكة في الأوزان الشعرية التي اقتبسوها من نفس طبيعة اللغة بلا معلّم ، ولكن برز منهم من عُرف بالشعر وامتاز به عن الآخرين ، مضافاً إلى ذلك النبوغ والذكاء المتوقِّد الذي كان يدفع ببعض الشعراء إلى الاهتمام والاكتراث بهذا الجانب فكانت تلمع أشعارهم وتسير بها الركبان فتنتشر في البلاد فيشتهرون بها وتعرف بها مسالكهم الشعرية أو قل نفسهم الشعريّ ، فإذا قرأت ترجمة الكميت بن زيد مثلاً فسوف تطّلع على نبوغه الشعريّ منذ عهد الصبا ، وإذا ألقيت نظرة على سوق عكاظ فسوف تعلم أنّها كانت قصبة سبق ومضمار مباراة للشعراء حيث يعلّقون الشعر الفائز منها على جدار الكعبة ، ومن ذلك لمعت المعلّقات من بين شعر العرب وشعرائهم ، وإذا قرأت قصصهم رأيت مدى احتياج مجتمعهم آنذاك إلى الشعراء حتّى في حلِّ بعض معضلاتهم الاجتماعية كبثِّ روح الأخلاق والنبل فيهم مثلاً وذلك ما نراه في لامية العرب.

ص: 215

هذا ومن طريف ما يذكر من قصصهم هي قصّة لبيد بن ربيعة العامري في قصيدته التي يقول فيها :

نحن بنو أمِّ البنين الأربعة

الضاربين الهام وسط المجمعة (1)

فإذا اطّلعت عليها لرأيت مدى احتياجهم إلى الشعراء وكيف يورد لبيد الكلام موارده حيث غار فكره في عالم الخيال وصنع العجب العجاب وهو شابٌّ يافع آنذاك ، وإنّي أحترز عن ذكر القصّة برمّتها خشية الإطناب والإسهاب ولما فيها من ألفاظ لا تناسب المقام والمقال.

إذن فلا يمكننا أن نقول إنّ مثل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومحمّد بن عبد الله الحميري وعمرو بن العاص ليسوا بشعراء فإنَّهم كانوا شعراء وذلك لما أهدته إليهم طبيعة لغتهم من فنون الكلام والبيان ، ثمّ إنّ مثل سعد بن قيس وهو رئيس الأنصار ورجل معروف بالفطنة والدهاء ، ومثل عمرو بن العاص الذي يعدّ من دهاة العرب كيف لا يمكن لهما أن ينطقا بالشعر؟ سوى أنّنا نستطيع أن نقول إنّهم لم يعرفوا بهذه الصفة لأنّهم لم يسلكوا مسالك الشعراء ولم يكثروا منه وإن كانت لبعض أشعارهم مسحة أدبية ، فإنّ للشعر والشعراء مشارب ومآرب لم تتصف بها هذه الثلّة التي ذكرها العلاّمة الأميني من شعراء القرن الأوّل.

أجل إنّ قيس بن سعد كان عالماً متكلّماً وكان معاوية يخشى سطوة 5.

ص: 216


1- خزانة الأدب 9 / 551 ، الأغاني 17 / 185.

لسانه وقد أنشد بعض الأشعار ، وإنّ عمرو بن العاص كان يعرف بدهائه في الجاهلية بخذلان المسلمين عند النجاشي ملك الحبشة ، وفي الإسلام بشقّ عصاهم منذ أن شدّ رحاله الخاوية ومال بدهائه إلى معاوية ، ولكن لم نعهد من كتب الأدب والتراجم أنّها أثبتتهم ظمن الشعراء ولو المقلّين منهم على أقلّ الاحتمالات ، كما صدر في الآونة الأخيرة ديوان مالك الأشتر النخعيّ رضي الله عنه أثبتوا فيه بعض الأشعار والأراجيز التي قالها أيّام حياته وفي حروبه ومواقفه في نصرة أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ، ولكن لم تتّصف هذه الشخصية الفذَّة وهذا الرجل العظيم بكونه شاعراً ، فإنّ طبيعة اللغة العربية وبكارتها آنذاك شيءٌ والشعر والشاعرية شيءٌ آخر.

فلو أردنا أن نكثر من الشواهد في هذا المجال لطال بنا المقال وابتعدنا عن لسان الحال ولخرجنا من أصل المطاف إلى ما نحذر ونخاف فثبِّتنا من لدنك بالقول الثابت يا خفىَّ الألطاف.

الكميت بن زيد رائد الصناعة الشعرية :

لقد تميّز كتاب الغدير بتراجم كافية وافية للشعراء الذين نظموا في يوم الغدير قصائد تناولت قصّته الخالدة أو مرّوا عليه دون إطناب كقضيّة تاريخية ماجدة ، فكانت تراجم تغني القارئ وتزوِّده من المعلومات ما يكفيه عناء التنقيب والتفتيش عنها في المصادر وأمّهات الكتب ، حيث أعرب الأديب المصريّ محمّد عبد الغني حسن في مقاله الذي طبع في الجزء الأوّل من

ص: 217

الغدير عن تقديره لجهود العلاّمة مثنياً على موسوعته العلمية قائلاً : «فهو - أي العلاّمة - يذكر في كلِّ قرن شعراء الغدير فيه ويذكر غديريّاتهم ولا يكتفي بذلك كلّه بل يترجم لهؤلاء الشعراء تراجم لا يستغني عنها مؤرّخ أو باحث أو أديب ... إلى أن يقول : ولست مبالغاً في تقدير هذه التراجم ، فترجمة الشاعر الكميت مثلاً من شعراء الغدير في القرن الثاني قد بلغت ثلاثين صفحة من الجزء الثاني حتّى كادت تصلح أن تكون في ذاتها كتاباً قائماً بدراسة الكميت ...» (1).

فلو اطّلع القارئ على هذه الترجمة من هذه الموسوعة ورأى ماذكر فيها من المدح والإطراء والثناء عليه والاعتراف بمقامه الأدبيّ الشامخ لأذعن حينئذ بأنّه اللبيب الحاذق والكميت السابق ذو الأدب الرائق الذي لم يدركه لاحق ولم يسبقه لبلوغ القمم من سابق فائق.

وإنّي أكتفي بما ذكره العلاّمة رحمه الله من كتاب الأغاني في معرفة مقامه الأدبيّ اللامع وبيانه الرائع :

«سئل معاذ الهراء من أشعر الناس؟ قال : أمن الجاهليّين أم من الإسلاميّين؟ قالوا : بل من الجاهليّين ، قال : إمرؤ القيس وزهير وعبيد بن الأبرص ، قالوا : فمن الإسلاميّين؟ قال : الفرزدق وجرير والأخطل والراعي ، قال : فقيل له : يا أبا محمّد ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت؟ قال : ذاك 4.

ص: 218


1- الغدير 1 / 14.

أشعر الأوّلين والآخرين» (1).

وكفاه فخراً وشرفاً حبُّه وولاؤه لأهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، إذ كان ينتصر بهم ولهم ، فكانوا ملاذه ومأواه وخير من سدّده ورعاه وأيَّده وحباه ووجّهه وهداه ، فكثيراً ما اعتنى أئمّة أهل البيت عليهم السلام به وبشعره ، فكانوا يؤيِّدونه ويقوّمون شعره تارةً أو يزوِّدونه من المعاني أدقّها وأرقاها وأحمدها وأنقاها ، هذا كلّ ما نراه وندركه من حياة هذا الشاعر العملاق والأديب اللوذعيّ الفذّ.

هذا وإنّ ما جاء من كلام الجاحظ في شأن الكميت بن زيد حيث تناقلته كتب الأدب والتراجم في مقام المدح والثناء على شاعرنا اللبيب هو قوله : «ما فتح للشيعة الحِجاج إلاّ الكميت بقوله :

فإن هي لم تصلح لحيٍّ سواهم

فإنّ ذوي القربى أحقُّ وأوجب

يقولون لم يورث ولولا تراثه

لقد شركت فيهم بكيل وأرحب» (2)

وهو كلام تخامره العصبية الطائفية ويشوبه الاستهجان والاستخفاف بمنهج الشيعة القويم ومنطقها العليم ، حيث ظهرت على فلتات لسان الجاحظ تذمّره من تاريخ الشيعة اللامع بالإباء وإنكاره لمواقفهم الراسخة في إحقاق كلمة الحقّ ودحر كلمة الباطل منذ عهد السقيفة وحتّى يومنا هذا ، حيث ظهرت المباحث العلمية وكشفت النقاب عن التاريخ المزيّف والحقيقة المجهولة ، وقد وجم القوم عن الردِّ وعجزوا عن الصدّ ، فقلبوا لنا ظهر المجن بإثارة الفتن 1.

ص: 219


1- الغدير 2 / 195.
2- الغدير 2 / 191.

واصطناع المحن ، وطفق الحقُّ ليرتئي مرَّةً أخرى على أن يصول بيد جذّاء أويصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمنٌ حتّى يلقى ربَّه ، ألا وإنّ الصبر على هاتا أحجى ، فلنصبرنَّ وفي العين قذى وفي الحلق شجى نرى تراثنا نهبا(1).

وقد تصدّى العلاّمة الأميني رحمه الله لهذا الكلام رادّاً على الجاحظ وقد ألقمه حجراً بأسلوبه العلميِّ متَّبعاً في ذلك الشيخ المفيد في ردِّه عليه في الفصول المختارة(2).

ولكن ومع كلِّ ما في كلام الجاحظ من تحامل وتغيُّظ على الشيعة ، وبالرُّغم من أنَّ كلامه كلام ذمّ بما يشبه المدح ، إلاّ أنّه لا يخلو من اعتراف وإقرار بمقام الكميت بن زيد على المناظرة العلمية في شعره ، وبالرغم من أنّ الكميت لم يكن هو أوّل من ناظر من الشيعة على الصعيد العامّ ، وإن لم يكن يعدّ من الشخصيّات أو من العلماء الجدليِّين الكلاميِّين والمناظرين للخصوم ممّن عدّهم العلاّمة الأميني قبل أن تنعقد نطفة الكميت بن زيد كخزيمة بن ثابت وعبد الله بن عبّاس والفضل بن عبّاس وعمّار بن ياسر وأبي ذر الغفاري و ... ، ولكنَّه هو أوّل من أدخل المناظرة في الشعر من الشعراء ، وهو أوّل من أوجد هذه الصناعة في الشعر وفتح الباب على مصراعيه لأجيال ومواكب الشعراء ليدخلوا هذا المضمار فدخلوا وخاضوا وجاؤوا بالعجب العجاب ، 6.

ص: 220


1- استعارة أدبية من الخطبة الشقشقية ، نهج البلاغة 1 / 31.
2- الفصول المختارة : 286.

وقد سرى وفشا هذا الفنّ بين الشعراء من شيعة وسنّة.

ولا أقول إنّ هذه الصناعة قد انحصرت عند شعراء الشيعة - حيث أنّهم جاؤوا بالبراهين والحجج الدامغة في أشعارهم وأرغموا أنوف الخصوم والمعاندين والمنابذين لولاية أمير المؤمنين ومناقب أهل بيت الرسالة عليهم السلام - ولكن أقول إنّ الكميت بن زيد الشاعر الشيعيّ هو أوّل من أوجد هذه الصناعة وفاق بها الأوّلين والآخرين ، وإنّه رائد هذه الصناعة بلا منازع.

ولم يكن أحدٌ من الشعراء لا في الجاهلية ولا في الإسلام من أوجد هذه الصناعة وأخذ يناظر خصمه بأن يذكر رأيه ثمّ يردّ بما هو أقوى من ذلك ويقيم عليه الحجج الرادعة والأدلّة الجامعة والبراهين المانعة ، وإنّ كلّ ذلك يرجع إلى الأحداث والتطوّرات الّتي كانت تهبُّ وتدبُّ في العالم الإسلامي آنذاك ، وإنّ الحقبة الزمنية العصيبة المضطربة التي عاشها شاعرنا بإحساسه المرهف صنعت منه شاعراً مجاهراً يبحث عن الحقيقة التي كادت أن تنطمر فصنع من شعره صارماً يذبُّ به عن الحقِّ وأهله فيناظر ويجاهر ويجاهد ويكابد دونه.

وإذا أردنا أن نمرّ على الشعر الجاهليّ والإسلاميّ بلمحة سريعة نرى أنّ لاميّة العرب لم تشتمل إلاّ على معان في علوِّ الهمَّة ومكارم الأخلاق ، وقد روي «علِّموا أولادكم لاميّة الشنفري فإنّها تعلّمهم مكارم الأخلاق»(1) ، ولم نرَ فيها أثراً للمناظرة والجدل ، كما أنَّه لم يأت في شعر عنترة إلاّ الشجاعة وشدّة 8.

ص: 221


1- أعيان الشيعة 6 / 128.

البأس ، وقس على هذا شعر نظرائهم من شعراء الجاهلية.

وإنّ ما ورد من قصَّة أمرىء القيس مع علقمة الفحل فما هو إلاّ أن أنشد كلّ واحد منهما قصيدةً على حدة في وصف الخيل على رويٍّ واحد وإليك مطلع قصيدة إمرىء القيس :

خليليّ مرّا بي على أمِّ جندبِ

لنقضي حاجات الفؤاد المعذّبِ

ومطلع قصيدة علقمة :

ذهبت من الهجران في كلِّ مذهب

ولم يك حقّاً كلُّ هذا التجنُّبِ

فتحاكما بهما إلى أمِّ جندب زوجة إمرئ القيس فحكمت لعلقمة في قوله :

فأدركهنَّ ثانياً من عنانه

يمرُّ كمرِّ الرائح المتحلِّبِ

وفضّلته على قول إمرئ القيس في قوله :

فللسوط ألهوبٌ وللسّاق درَّةٌ

وللزجر منه وقع أهوج منعبِ(1)

فلم نلمس فيهما أيّ مساجلة ومناظرة من ردِّ رأي أو إفحام خصم.

هذا وإنَّ كلّ ما كان يدور في سوق عكاظ ماهو إلاّ عرض للشعر واختيار الأفضل منه ليكون من المعلّقات.

وإنّ ما جاء من الاعتراض على شعر حسّان في قوله :

لنا الجفنات الغرُّ يلمعن بالضُّحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما(2)2.

ص: 222


1- خزانة الأدب 2 / 267.
2- خزانة الأدب 8 / 111 و 112.

وقيل إنَّ المعترض النّابغة الذبياني أو الخنساء على اختلاف في الرواية ، فإنّه لم يأتِ في صياغة شعريّة ، ولوكان ذلك لعدّت صناعةً شعريةً في كتب الأدب منذ عهد الجاهلية.

ثمَّ إنّ حسّان الذي كان شاعر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وشهد معه مواقفه لم يأت شعره على شكل المناظرة قطّ.

وهذا عمرو بن أبي ربيعة الذي يعدّ من أشعر الشعراء الإسلاميّين فإنّ شعره معروف بالغزل والمجون كما عرف هو أيضاً بولعه بالنساء ، فكيف ينبغي لمن يقول متغزِّلاً :

فقلت لها بل قادني الشوق والهوى

إليك وما عين من الناس تنظر(1)

- ويقول ما يقول في شعره - أن يضع حقّاً أو يرفع باطلاً حتّى يناظر ويجاهر في شعره.

وأمّا جرير فكان الشعراء يخشون سطوة لسانه لما عرف من هجائه الهجين بألفاظ ومعان يندى لها الجبين وذلك في هجائه للفرزدق في قصيدته التي مطلعها :

أقلّي اللّوم عاذل والعتابا

وقولي إن أصبت لقد أصابا(2)

وإنّ ترفّع الفرزدق عن الجواب لدليلٌ على بذاءة لسان جرير وهو شعر بعيد كلّ البعد عن مناصرة الحقِّ وأهله فكيف له أن يكون متكلِّماً مناظراً. 5.

ص: 223


1- ديوان عمر بن أبي ربيعة 1 / 106.
2- الأغاني 8 / 32 - 35.

إذن فإنّ كلام الجاحظ وإن كان ظاهراً في تحامله وتغيُّظه على الشيعة إلاّ أنّ إشارته إلى شعر الكميت في الأبيات التي ذكرت آنفاً لدليلٌ على اعترافه وإذعانه بقوَّة شاعرية الكميت وأنّه صاحب صناعة شعريَّة ، أي أوّل من ناظر في الشعر وإنّ الجاحظ أراد أن يقدح فمدح وذلك كما يقول الشاعر :

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالناس أعداءٌ له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسداً وبغضاً إنّه لدميم(1)

فلابدّ أن نميِّز الجانب العقائديَّ التاريخيَّ من الجانب الأدبيِّ ونستخلص هذا من ذاك ، وإلاّ فقد ضيّعنا الجانب الأدبيَّ حقّه ، وإن عاد الإشكال على كلام الجرميِّ الراوية أو العتابيِّ حيث ذكر العلاّمة القول ولم ينسبه لأحد وذلك قوله رحمه الله : «وقال بعضهم : ... وهوأوّل من ناظر في التّشيُّع رامياً لم يكن في أسد أرمى منه(2) ...» فيعود حينئذ الردّ نفس الردّ الّذي قدّمناه في استخلاص الجانب الأدبيّ من الجانب العقائديّ التاريخيّ من كلام الجاحظ وأنّه ليس في هذا الكلام الآخر إلاّ ثناءٌ ومدح وإطراءٌ وإنّ الراوية للشعر والأديب الشاعر كثيراً ما ينظران إلى مجال تخصُّصهما فإذا أردنا أن نعوِّل على الردّ العقائديّ التاريخيّ دون استخلاص الجانب الأدبيّ من إعطاء كلِّ جانب حقَّه الذي لابدَّ منه فلقائل أن يقول : ما هكذا يا سعد تورد الإبل(3).ل.

ص: 224


1- أعيان الشيعة 7 / 404. الغدير 3 / 61.
2- الغدير 2 / 196. تاريخ مدينة دمشق 50 / 232.
3- مجمع الأمثال 3 / 427 رقم 4362 ، صدر البيت : أوردها سعد وسعد مشتمل.

المناظرة الشعرية في الغدير :

لقد حفل كتاب الغدير بذكر الشعر والشعراء وقد توسّع في ذلك إلى غير الشيعة ممّن تأثَّروا بيوم الغدير فنظموا القصائد وألَّفوا الكتب وقد طفح هذا الكتاب بالأدب الشِّيعيّ أدباً ثرّاً غنيّاً ذا فصاحة وبلاغة فائقاً عذباً سلساً سلسالاً جزلاً غزيراً بأسمى المعاني وأجمل الألفاظ وأروع البيان من فنون الأدب ولابدّ لنا أن نشير هنا إلى جهود العلاّمة رحمه الله ومجهوده الذي قدّمه من عرض الأدب ، الشيعيّ عرضاً رائعاً رائقاً يركن إليه كلُّ من كان له ولو أقلّ معرفة بالأدب أو مذاقاً أدبيّاً.

هذا وإن كان العلاّمة قد اقتصر على ذكر الشعراء الّذين تناولوا ذكر الغدير حسب منهجيته الّتي ابتناها من أوّل الكتاب ، ولكن للحقِّ والحقُّ أقول إنَّه رحمه الله قد تناول أشعارهم التي جاءت منها في عموم فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وسائر أهل بيت الرسالة عليهم السلام من ذكر مناقبهم ومصائبهم وما جرى عليهم من ظلم واستئصال ، وكثيراً مانرى كتاب الغدير متوجِّعاً ومتفجِّعاً ومتألِّماً ومتأثِّراً لقضيِّة الحسين عليه السلام وذكر يوم الطفوف وما جرى على أبي الأحرار ريحانة المصطفى وثاني سبطيه(صلى الله عليه وآله) ، كما ذكر من أشعارهم ما فيه من وعظ وأخلاق وما احتواه من علاقاتهم الاجتماعية.

ثمّ إنَّ ذكر الغدير ولو ببيت واحد من قصيدة لاتمتُّ إلى الغدير بصلة إلاّ كذكر يمرُّ به الشاعر أو كربط تاريخيّ في بضع أبيات ، أو ذكر شعراء غير

ص: 225

الشيعة لحديث من كنت مولاه في شعرهم ، يجعل القارئ لكتاب الغدير واقفاً على أنَّ يوم الغدير كان منعطفاً تاريخيّاً عظيماً وخطيراً وفي غاية الأهمِّية بحيث اعتنت به السماء وبلَّغ له الرسول(صلى الله عليه وآله) جهاراً في العراء ، وقد تفاقمت من بعده الأحداث لمّا أعرضت عنه الأمَّة في السقيفة دون اكتراث.

فإنَّ عرض العلاّمة للأدب الشيعيّ بهذا الكمّ الهائل وهو يحاول الاختصار والاقتضاب منه رعاية لعدم الإطناب والإسهاب حيث أشار إلى مطالع من قصائد لم يذكرها مشيراً إلى مصادرها ومدلاًّ عليها ممّا يدلّ على شغفه وولعه المفرط ونظره البعيد لإحياء هذا التراث الثرّ وتخليده للأجيال القادمة وتعريفه للعالم العربيّ والإسلاميّ على حدٍّ سواء خشية الانطمار والاندراس ، فإنّ الأدب الشيعيّ قلّما يتوجّه إليه من غير أبناء طائفته وإن أصبح - ويا للأسف - شبه المهجور حتّى في المجتمع الشيعيّ في حاضرنا هذا.

فإنّ تعريف العلاّمة للأدب الشيعيّ وعرضه وإطراء الأدباء وذوي الخبرة والتحقيق عليه من غير أبناء الطائفة لدليلٌ على الأدب الرفيع الذي يحمله هذا الكتاب من شعراء الشيعة.

وقد جهّز كتاب الغدير قوافل الأدب يحدوها الشعر الشيعيّ على مرِّ الحقب ، فقد جاء شعراء الغريّ لعلي الخاقاني إثر الغدير ، كما اندفع إثرهما متَّبعاً آثارهما أدب الطفِّ للسيِّد جواد شبَّر ليعرِّف كلُّ منهما على شاكلته الأدب الشيعيّ الرفيع ومنطقه الأبيّ المنيع.

ص: 226

فإنّ القضية التي يحملها شعراء أهل البيت من مظلوميّتهم عليهم السلام وحقِّهم المهتضم جعل الشعر الشيعيّ يتميَّز عن غيره باندفاعه وحماسه وقوّة منطقه وشدَّة سجاله ومناظرته في إفحام الخصوم ، وإنّ انسجام كلِّ هذا مع التحليل التاريخيّ في الشعر الشيعيّ قد كساه وشياً من المعاني السامية والقراءة التاريخية التي خرجت بنتائج تذهل العقول دهشةً فإنّك إذا قرأت قول الشاعر :

كلُّ غدر وقول إفك وزور

هو فرعٌ عن جحد نصِّ الغدير(1)

علمت ما يرمي إليه الشاعر من التمرّد التاريخي على رسالة السماء بهذا الأسلوب الأدبيّ الرائع.

ولو طرق سمعك قول الشاعر :

عبد شمس قد أضرمت لبني ها

شم حرباً يشيب منها الوليد

فابن حرب للمصطفى وابن هند

لعليٍّ وللحسين يزيد(2)

فإنّه يكفيك مؤنة كلِّ تحقيق وتنقيب عن معرفة الحقِّ وأهله ومعرفة الباطل وأهله.

وماذا الجواب غداً يوم الحساب عند الشفيع المصطفى لأمّة قتلت ابن بنت نبيِّها؟

أترجوا أمَّةً قتلت حسيناً

شفاعة جدِّه يوم الحسابِ

معاذ الله لا نلتم يقيناً

شفاعة جدِّه وأبي ترابِ5.

ص: 227


1- ظرافة الأحلام 81 - 82.
2- الوافي بالوفيات 12 / 265.

قتلتم خير من ركب المطايا

وخير الشيب طرّاً والشبابِ(1)

فإنَّ لشعر شعراء أهل البيت عليهم السلام والفرقة الناجية معان تفوق كلَّ مناظرة بحيث تسدُّ على الخصوم طرق الحجاج واللجاج وتنبِّههم - إن انتبهوا - عن الزيغ والاعوجاج.

ولا أنسى ذات يوم رأيت أحد السادة المحقِّقين متألِّماً متأوِّهاً قد احمرَّت عيناه لما يضجُّ في حشاه ويعجُّ فسألته عن سبب تألُّمه وما يبدو عليه من تذمُّر فأجابني قائلاً قرأت مقالةً لأحد السلفيِّين يتهجَّم بها على سيِّدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام بأنّه عليه السلام خرج عن حدِّه فقتل بسيف جدِّه ، وإنِّي كما تراني متوقِّداً غضباً متوجِّعاً أبحث عن جواب شاف لهذا اللعين الحقود المبغض ، فلمّا سمعت مقالته حضرتني أبيات كنت قد حفظتها من كتاب الغدير فقلت له على الفور أراك تعثر على الجواب الشافي من رائيّة الشيخ الصالح بن العرندس حيث يقول :

فويل يزيد من عذاب جهنَّم

إذا أقبلت في الحشر فاطمة الطُّهر

ملابسها ثوبٌ من السمِّ أسودٌ

وآخر قان من دم السبط محمرُ(2)

فرأيته وقد استبشر وعلت شفتيه ابتسامة كشفت عنه غمّه واهتضامه وأخذ يتشكّر ويقول أجل هو الجواب الكافي ، ولمّا أريته القصيدة برمَّتها عثر فيها على أبيات تحوم حول هاتين البيتين ممّا زادت في ابتهاجه وارتياحه. 7.

ص: 228


1- كامل الزيارات : 160.
2- الغدير 7 / 17.

أجل لقد زخر الغدير بأمثال هذه المعاني والأشعار ، وقد أشار إليها العلاّمة مراعياً في ذلك الاختصار ، وهي أشعارٌ ومعان توقف الخصم عند حدِّه وتلجمه وتتركه واجماً لم يحر بجواب إلاّ أن يعود إلى كرَّته العنيدة : إنَّهم الصحابة إنَّهم الصحابة وإنَّ هذا شرك! فيا للعجب ثمَّ يا للعجب! وتبّاً لصحابة تمرّدت على صاحبها ولم ترع له في أهله وأمَّته إلاًّ ولا ذمَّةً وهو يدعوهم إلى الفلاح والنجاة إن أطاعوا ، ويالها من مقالة سخيفة تعرب عن جفاء أتباع السقيفة.

هذا وكما ترى فإنَّ كتاب الغدير حافلٌ بشعراء مجاهرين أمثال الكميت والسيِّد الحميري ودعبل وأبي فراس الحمداني ، وكيف لا يكون مجاهراً شاعرٌ يتظلَّم لآل الله آل بيت الحبيب المصطفى(صلى الله عليه وآله) الذين مجَّدهم الله فجعلهم للعالمين منارا وحباهم الرسول المصطفى(صلى الله عليه وآله) وملأ صدورهم علماً وأسرارا وأشاد بذكرهم ليلاً ونهارا فعصوه وأتَّبعوا من لم يزده ماله وولده إلاّ خسارا ومكروا بأهل بيته مكراً كبّارا.

وكيف لا تشقُّ المناظرة طريقها الأدبيّ بعد كلِّ هذه المشاحنات والمساجلات التاريخية فقد جاء كتاب الغدير يوازن بين الكفّتين ، فإنّه كما عقد فصلاً من الاحتجاجات التاريخية في الجزء الأوّل ، وكما ذكر المناظرين من كبار جهابذة الطائفة وأعلامها المتكلّمين في الردِّ على الجاحظ في الجزء الثاني ، فكذالك قد جاء بالثقل الأدبي يحمل أوقاراً من الحجاج والمناظرات الشعرية المشحونة بالأدلَّة العقلية والنقلية ، فقد كسا هذا الأسلوب والمنهج

ص: 229

الجليُّ الشعرَ الشيعيَّ بُرداً محبَّراً بالآيات والأحاديث النبويّة الشريفة الدالّة على أفضليّة علىّ عليه السلام ، مشيِّدةً بفضائله ومناقبه مع أهل بيته الأخيار الأبرار المنتجبين الأطهار ، إضافةً إلى ما ذكرناه من القراءة والتحليلات التاريخية من ذكر الوقائع والأحداث والفتن والمحن ، ولعلّ القارئ الكريم يدرك بوضوح ما أرمي إليه - دون أيِّ غلوّ ومكابرة - وقد ترى ذلك - على سبيل المثال - في قول الشاعر أبو الفتح كشاجم في قصيدته التي مطلعها :

له شغلٌ عن سؤال الطلل

أقام الخليط به أم غفل

إلى أن يقول :

ومن ضرب الناس بالمرهفات

على الدين ضرب عراب الإبل

وقد علموا أنّ يوم الغدير

بغدرهم جرَّ يوم الجمل(1)

كما وقد جاء البشنوي محتجّاً على الناصبيِّ في شعره :

يا ناصبيّ بكلِّ جهدِك فاجهدِ

إنّي علقت بحبِّ آل محمَّدِ

الطّيِّبين الطاهرين ذوي الهدى

طابوا وطاب وليُّهم في المولدِ

واليتهم وبرئت من أعدائهم

فاقلل ملامك لا أبا لك أو زدِ

فهم أمانٌ كالنُّجوم وإنّهم

سفن النَّجاة من الحديث المسندِ(2)

وقد تناول يوم الغدير في تحليل تاريخيٍّ يكشف فيه النقاب عن مؤامرة السقيفة قائلاً : 8.

ص: 230


1- الغدير 4 / 3.
2- الغدير 4 / 38.

فقال كبيرهم ما الرأي فيما

ترون بردِّ ذا الأمر الجليّ

سمعتم قوله قولاً بليغاً

وأوصى بالخلافة في عليّ

فقالوا حيلةٌ نصبت علينا

ورأىٌ ليس بالعقد الوفيّ

تدبَّر غير هذا في أمور

تنال بها من العيش السنيِّ

سنجعلها إذا ما مات شورى

لتيميٍّ هنالك أو عديِّ(1)

وإنّ من جميل ما قاله الصاحب بن عبّاد من حِجاج نسج بسبك الغزل هو قوله :

قالت فمن صاحب الدِّين الحنيف أجب

فقلت أحمد خير السادة الرسلِ

قالت فمن بعده تصفي الولاء له

قلت الوصىُّ الّذي أربى على زحلِ

مشيِّداً بذكر فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ... إلى أن يقول :

قالت أكلُّ الذي قد قلت في رجل

فقلت كلَّ الذي قد قلت في رجلِ

قالت فمن هو هذا الفرد سمه لنا

فقلت ذاك أمير المؤمنين علي(2)

هذا وقد ذكر العلاّمة احتجاجاً من شعر السيِّد محمّد الأقساسي في سبعة أبيات نذكر منها :

وحقُّ عليٍّ خير من وطأ الثرى

وأفخر من بعد النبيِّ قد افتخر

خليفته حقّاً ووارث علمه

به شرفت عدنان وافتخرت مضر

ومن قام في يوم الغدير بعضده

نبيُّ الهدى حقّاً فسائل به عمر0.

ص: 231


1- الغدير 4 / 38.
2- الغدير 4 / 40.

ومن كسّر الأصنام ولم يخش عارها

وقد طال ما صلّى لها عصبةٌ أُخر

وصهر رسول الله في ابنته التي

على فضلها قد أُنزل الآيّ والسُّوَر(1)

جاءت في الردِّ على بيتين لبعض العامّة وهما :

وحقٌّ أبي بكر الّذي هو خير من

على الأرض بعد المصطفى سيِّد البشر

لقد أحدث التوديع عند وداعنا

لواعجه بين الجوانح تستعر(2)

حيث ترى التفضيلين أحدهما محدقاً بالفضائل والمناقب لسيِّد العترة الطاهرة ، والآخر صفر اليدين كباسط كفِّيه إلى الماء ليبلغه وما هو ببالغه ، هذا يقول خير من وطأ الثرى وذاك يقول خير من على الأرض ، فلينظر المؤمنون وليحكم المنصفون وليهتدِ المهتدون.

كما ذكر العلاّمة أبياتاً لعزِّ الدين بن الأقساسي رادّاً فيها بالبديهة الخليفة المستنصر العبّاسي من إنكاره مجيء عليٍّ عليه السلام إلى المدائن لمّا توفّي بها سلمان رضي الله عنه وتغسيله ومراجعته إلى المدينة في ليلته ، قائلاً :

أنكرت ليلة إذ صار الوصىُّ إلى

أرض المدائن لمّا أن لها طلبا

وغسّل الطهر سلماناً وعاد إلى

عراص يثرب والإصباح ما وجبا

وقلت ذاك من قول الغلاة وما

ذنب الغلاة إذا لم يوردوا كذبا

فآصف قبل ردِّ الطرف من سبأ

بعرش بلقيس وافى يخرق الحجبا

فأنت في آصف لم تغل فيه بلى

في حيدر أنا غال إنّ ذا عجبا3.

ص: 232


1- الغدير 5 / 3.
2- الغدير 5 / 3.

إن كان أحمد خير المرسلين فذا

خير الوصيِّين أو كلُّ الحديث هبا(1)

فإنّ القراءة التاريخية لشعراء الشيعة ترى فيها قوَّة احتجاج واستقامة منطق موافق لرسالة السماء وما جاء به الأنبياء من قبل في منهجيَّتهم التي رسمتها لهم السماء وخطَّها لهم الله سبحانه وتعالى من وصاية وتوارث للنبوَّة وللأسرار الإلهيّة.

أمّا القراءة التاريخية لشعراء السنَّة وأبناء العامّة فهي عادةً ما تخلط الحابل بالنّابل وتصلح بين الحقِّ والباطل والظلمات والنور ، وتجعلهما في هدف ومسير واحد!! حيث ترسم من الإجرام والاعتداء ومحاربة أهل بيت الرسالة حكمةً أو شجاعةً ونبلاً وذاك مانراه جليّاً في شعر الحافظ إبراهيم في قوله :

وقولةٌ لعليٍّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرَّقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها(2)

فإن كان هذا هو فصل الخطاب فلا ملامة إذن ولا عتاب على كلِّ إجرام وغصب وانتهاب.

وهذه قراءةٌ تاريخيَّةٌ أخرى ينقلها لنا أمير شعرائهم أحمد شوقي في ميميَّته التي مدح بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) والتي مطلعها :

ريمٌ على القاع بين البان والعلم

أحلَّ سفك دمي في الأشهر الحرم6.

ص: 233


1- الغدير 5 / 15.
2- الغدير 7 / 86.

إلى أن يقول فيها :

خلائف الله جلُّوا عن موازنة

فلا تقيسنَّ أملاك الورى بهم

من في البريَّة كالفاروق معدلة

وكابن عبد العزيز الخاشع الحشم

وكالإمام إذا ما فضَّ مزدحماً

بمدمع في مآقي القوم مزدحمِ

الزّاخر العذب في علم وفي أدب

والناصر النَّدب في حرب وفي سلمِ

أو كابن عفّان والقرآن في يده

يحنوا عليه كما تحنوا على الفُطمِ

ويجمع الآي ترتيباً وينظمها

عقداً بجيد الليالي غير منفصمِ

جرحان في كبد الإسلام ما التأما

جرح الشهيد وجرح بالكتاب دمي

وما بلاء أبي بكر بمتَّهم

بعد الجلائل في الأفعال والخِدَمِ(1)

ولا يخفى على القارئ الكريم أنّ الشاعرين الحافظ وشوقي كانا زميلين معاصرين ولكن هكذا شاءت الأقلام فذاك يقول حرَّقت دارك وهذايقول كالفاروق معدلةً؟!!

لا أدري لعلَّ مقولة حرّقت دارك تعدُّ من تواضع عمر؟! ولعلَّ الّذي أحرق الدار واجترأ هو عبد الله بن سبأ الّذي ليس له في التاريخ ذكرٌ ولا نبأ ، ولا ندري كيف شبَّ ونشأ ومن أين شرع وبدأ ، وإلى أيِّ دلج زجّ واختبأ وبأيّ جحر ثوى وانكفأ؟!!.

هذا وترونه كيف يتألّم لجرحين في كبد الإسلام ما التأما أحدهما جرح 6.

ص: 234


1- ديوان أحمد شوقي 2 / 206.

شهيدهم عثمان بن عفّان الذي أحرق المصاحف وحكَّم بني أميّة في رقاب المسلين فاتّخذوا مال الله دولاً وعباده خولا ، والجرح الآخر هو جرح بالكتاب دمي لعلّها إشارةٌ إلى القرآن الذي اتّخذه عثمان ملاذاً له فحمله في يده لينجوا من نقمة الأمّة التي رأت منه ومن آل أميّة الويلات ، وأمّ المؤمنين تنادي اقتلوا نعثلاً؟!! فقتل وتلطّخ ذاك القرآن بدمه.

وقد نسي أن يذكر في شعره سبط رسول الله(صلى الله عليه وآله) وريحانته ولم ينبس لسانه في مظلومية أبي عبد الله الحسين عليه السلام بكلمة قطّ ، أو أنّه تناسى أو لم يعر له أهمّيّةً ، فيا ليته أدرك قول شاعرنا الشيعيّ في مصاب خامس أصحاب الكسا ليعلم أيّ جرح بالكتاب دمي وذلك حيث قال مخاطباً أبا الأحرار عليه السلام :

أروحك أم روح النبوَّة تصعد

من الأرض للفردوس والحور سجّد

ورأسك أم رأس النّبيِّ على القنا

بآية أهل الكهف راح يردِّد

وصدرك أم مستودع العلم والحجى

لتحطيمه جيش من الجهل يعمد

إلى أن يقول :

وأيّ ذبيح داست الخيل صدره

وفرسانها من إسمه تتجمّدُ

ألم تك تدري أنّ روح محمَّد

كقرآنه في سبطه متجسِّد

فلو علمت تلك الخيول كأهلها

بأنَّ الذي تحت السنابك أحمد

لثارت على فرسانها وتمرّدت

عليهم كما ثاروا بها وتمرَّدوا(1)م.

ص: 235


1- القصيدة للسيّد محمّد صالح بحر العلوم.

وفي ختام هذا المطاف أذكر للقرّاء الكرام أنموذجاً من الشعر الشيعيّ حيث يرى فيه بوضوح قوَّة المنطق وفصاحة البيان وشدَّة المناظرة وأسلوب الحجاج ، حيث يغور شاعرنا صفىُّ الدين الحلِّي رحمه الله في التاريخ فيستخرج دوافنه ويكشف مكامنه ويردُّ على الخصم مطاعنه وينتخب من البيان محاسنه ثمَّ يأخذ بعنان الكلام فيورده موارده ويبلغه مبالغه فيلزم على المتناظرين ما ألزموا به أنفسهم من نهج ويقطع عليهم طريق الحجج.

قال العلاّمة الأميني بعد أن ترجم له : «ومن شعر المترجم قوله وقد أجاب به قصيدة ابن المعتزّ العبّاسي التي مستهلّها :

ألا من لعين وتسكابها

تشكّى القذا وبكاها بها

ترامت بنا حادثات الزمان

ترامي القسيِّ بنشّابها

ويا ربَّ ألسنة كالسُّيوف

تقطِّع أرقابَ أصحابها

ويقول فيها :

ونحن ورثنا ثياب النبيِّ

فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحمٌ يا بني بنته

ولكن بنو العمِّ أولى بها

ومنها :

قتلنا أميَّة في دارها

ونحن أحقُّ بأسلابها

إذا ما دنوتم تلقَّيتم

زبوراً أقرَّت بجلاّبها

فأجابه الصفيُّ المترجم بقوله :

ألا قل لشرِّ عبيد الإله

وطاغي قريش وكذّابها

ص: 236

وباغي العباد وباغي العناد

وهاجي الكرام ومغتابها

أ أنت تفاخر آل النبيِّ

وتجحدها فضل أحسابها

بكم باهل المصطفى أم بهم

فردَّ العداة بأوصابها

أعنكم نفى الرجس أم عنهم

لطهر النفوس وألبابها

أما الرجس والخمر من دابكم

وفرط العبادة من دابها

وقلت ورثنا ثياب النبيِّ

فكم تجذبون بأهدابها

وعندك لا يورث الأنبياء

فكيف حظيتم بأثوابها

فكذّبت نفسك في الحالتين

ولم تعلم الشهد من صابها

أجدُّك يرضى بما قلته

وما كان يوماً بمرتابها

وكان بصفِّين من حزبهم

لحرب الطغاة وأحزابها

وقد شمَّر الموت عن ساقه

وكشَّرت الحرب عن نابها

فأقبل يدعو إلى حيدر

بإرغابها وبإرهابها

وآثر أن ترتضيه الأنام

من الحكمين لأسبابها

ليعطي الخلافة أهلاً لها

فلم يرتضوه لإيجابها

وصلّى مع الناس طول الحياة

وحيدر في صدر محرابها

فهلاّ تقمّصها جدُّكم

إذا كان إذ ذاك أحرى بها

إذا جعل الأمر شورى لهم

فهل كان من بعض أربابها

أخامسهم كان أم سادسا

وقد جليت بين خطّابها

وقولك أنتم بنو بنته

ولكن بنو العمِّ أولى بها

ص: 237

بنو البنت أيضا بنو عمِّه

وذلك أدنى لأنسابها

فدع في الخلافة فصل الخلاف

فليست ذلولا لركّابها

وما أنت والفحص عن شأنها

وما قمَّصوك بأثوابها

وما ساورتك سوى ساعة

فما كنت أهلاً لأسبابها

وكيف يخصُّوك يوماً بها

ولم تتأدَّب بآدابها

وقلت بأنّكمُ القاتلون

أسود أميَّة في غابها

كذبت وأسرفت فيما ادَّعيت

ولم تنه نفسك عن عابها

فكم حاولتها سراةٌ لكم

فرُدَّت على نكص أعقابها

ولولا سيوف أبي مسلم

لعزَّت على جهد طلاّبها

وذلك عبدٌ لهم لا لكم

رعى فيكم قرب أنسابها

وكنتم أسارى ببطن الحبوس

وقد شفَّكم لثم أعتابها

فأخرجكم وحباكم بها

وقمَّصكم فضل جلبابها

فجازيتموه بشرِّ الجزاء

لطغوى النفوس وإعجابها

فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف

وجاؤوا الخلافة من بابها

هم الزاهدون هم العابدون

هم الساجدون بمحرابها

هم الصائمون هم القائمون

هم العالمون بآدابها

هم قطب ملّة دين الإله

ودور الرحى حول أقطابها

عليك بلهوك بالغانيات

وخلِّ المعالي لأصحابها

ووصف العذارى وذات الخمار

ونعت العقار بألقابها

ص: 238

وشعرك في مدح ترك الصلاة

وسعي السقاة بأكوابها

فذلك شأنك لا شأنهم

وجري الجياد بأحسابها(1)

هذه دراسة أدبيَّة مختصرة ، اجتنيتها بيد مقصّرة من رياض الغدير النضرة ، واقتنيتها من جنانه الغضرة ، وانتقيتها من حدائقه الزهرة ، وانتشقت أريجها من أوراده العطرة ، واقتطفتها من أغصانه المثمرة ، خدمةً للعترة الطاهرة ، وانتصاراً لحججهم المبهرة ، وشريعتهم النيِّرة ، راجياً منه سبحانه العفو والمغفرة.

والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطيِّبين الطاهرين والحمد لله ربِّ العالمين.

تمّت بحوله وقوّته في اليوم السابع من ربيع الثاني

لسنة ألف وأربعمائة وأربعة وثلاثين هجرية.

السيّد محمَّد علي الحكيم

نجل خادم العترة الطاهرة

السيِّد راضي الحكيم 3.

ص: 239


1- الغدير 6 / 53.

فهرس المصادر

1 - أعيان الشيعة : السيّد محسن الأميني (ت 1371ه) ، تحقيق : حسن الأميني ، نشر : دار التعارف للمطبوعات ، بيروت - لبنان.

2 - الأغاني : لأبي الفرج الأصفهاني (ت 976ه) ، تحقيق عبدالكريم العرباوي والدكتور عبدالعزيز مطر ، نشر مؤسّسة جمال للطباعة والنشر ، بيروت - لبنان.

3 - تاريخ دمشق : ابن عساكر ، (ت 571ه) ، تحقيق علي شيري ، طبع سنة 1415ه- ، نشر دار الفكر ، بيروت - لبنان.

4 - خزانة الأدب : البغدادي (ت 1093ه) ، طبع سنة (1998م) ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت - لبنان.

5 - الخلاف : الشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، تحقيق : السيّد على الخراساني السيّد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي نجف ، طبع سنة (1417 ه) ، الناشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، قم - ايران.

6 - ديوان أحمد شوقي : دار العودة - بيروت - لبنان 1988 م.

7 - ديوان عمر بن أبي ربيعة : تحقيق الدكتور فوزي عطوي ، دار صعب ، 1980م بيروت - لبنان.

8 - ظرافة الأحلام : محمّد بن طاهر السماوي (ت 1370ه) ، طبع سنة 1360ه- ، المكتبة المرتضوية ، النجف الأشرف.

9 - الغدير : الشيخ الأميني (ت 1392 ه) ، الطبعة الرابعة سنة 1394ه- ، الناشر :

ص: 240

دار الكتاب العربي ، بيروت لبنان.

10 - الفصول المختارة : الشريف المرتضى (ت 413 ه) ، محقّق السيّد نور الدين جعفريان ، طبع سنة (1414 ه) ، الناشر دار المفيد ، بيروت - لبنان.

11 - قصص الأنبياء : للراوندي (ت 573 ه) ، تحقيق : الميرزا غلام رضا عرفانيان ، سنة الطبع 1418 ه- ، الناشر : الهادي ، قم - ايران.

12 - كامل الزيارات : ابن قولويه ، (ت 367ه) ، تحقيق جواد القيّومي ، طبع سنة 1417ه- ، نشر مؤسّسة نشر الفقاهة ، قم - إيران.

13 - مجمع الأمثال : للميداني ، (ت 518ه) ، تحقيق : أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الثانية ، سنة 1407 ه) ، بيروت - لبنان.

14 - مناقب آل أبي طالب : ابن شهر آشوب ، (ت 588ه) ، محقّق ، طبع سنة 1376ه- ، نشر المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف - العراق.

15 - نهج البلاغة : الشريف الرضي (ت 406ه) 4 أجزاء ، تحقيق : محمّد عبدة ، سنة الطبع 1412 ه- ، الناشر دار الذخائر - قم - إيران.

16 - الوافي بالوفيات : الصفدي (ت 764ه) ، تحقيق أحمد الأرناؤوط ، طبع سنة 1420 ه) ، نشر دار إحياء التراث ، بيروت - لبنان.

ص: 241

دراسة في سند الزيارة الجامعة الكبيرة

قراءة في كتاب رحلة (تذكرة الطريق)

لرئيس

الأمراء

الحافظ

محمّد عبد الحسين الكربلائي الكرناتكي الهندي

السيّد حسن علي مطر الهاشمي

بسم الله الرحمن الرحيم

تختلف كتب الرحلات والسير الذاتية من رحلة إلى أخرى ومن سيرة إلى أختها من حيث الأساليب والغايات والمناهج ، ولكنّها بأجمعها تشترك في نقطة واحدة جوهرية وهي صلتها الوثيقة بالأحداث والوقائع التاريخية ، فكاتب الرحلة وذاك الذي يوثق لسيرته الذاتية إنّما يقدّم شهادة على الوقائع التي رصدها في تلك الفترة الزمنية التي حدثت فيها الرحلة ، أو الحقبة الزمنية التي عاشها ووثّق فيها سيرته الذاتية أو حتّى ذكرياته المتفرّقة. من هنا يمكن اعتبار أدب الرحالات أو السير الذاتية مصدراً ومرجعاً للباحثين يقتنصون منه بعض الشهادات على أحداث ووقائع جليلة وخطيرة تركت بثقلها على رسم

ص: 242

خطوط المستقبل ، وإذا أردنا توضيح ذلك من خلال مثال ملموس يؤكّد لنا حالة الاحتقان الطائفي والقمع المذهبي وعدم الاعتراف بالآخر وممارسة الإرهاب ضد الآخر مثلاً ، أمكن لنا الاستشهاد بالحادثة التي يرويها لنا محمّد ابن إبراهيم اللواتي المعروف ب- : (ابن بطوطة) في رحلته ؛ إذ يقول :

«لما دخلنا هذه المدينة [صوبة] ، رآنا أهلها نُصلّي مُسبلي أيدينا ، وهم حنفيّة لا يعرفون مذهب مالك ، ولا كيفية صلاته ، والمختار من مذهبه هو إسبال اليدين ، وكان بعضهم يرى الروافض بالحجاز والعراق يصلّون مسبلي أيديهم ؛ فاتّهمونا بمذهبهم ، وسألونا عن ذلك ؛ فأخبرناهم أننا على مذهب مالك ، فلم يقنعوا بذلك منّا ، واستقرّت التهمة في نفوسهم ، حتّى بعث إلينا نائب السلطان بأرنب ، وأوصى بعض خدّامه أن يلازمنا حتّى يرى ما نفعل بها ، فذبحناها وطبخناها وأكلناها ، وانصرف الخديم إليه وأعلمه بذلك ، فحينئذ زالت عنّا التهمة»(1).

وهكذا يثبت من خلال هذه الشهادة العابرة أنّ الإرهاب المذهبي كان من القوّة بحيث يعتبر معتنق المذهب الآخر متّهم ، وعليه أن يثبت براءته بالأدلّة العملية القاطعة ، ولو لم يكن هؤلاء النفر من المالكية حقّاً ، وامتنعوا عن أكل الأرنب ، لكانوا قد طبخوا وأكلوا فداءً لتلك الأرنب ، ولما تسنّى لابن بطوطة أن يكمل لنا كتابة رحلته. 6.

ص: 243


1- رحلة ابن بطوطة : 186.

مثال آخر من الكتاب نفسه يصلح أن يكون شهادة تؤكّد ذهاب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى القول بالتجسيم ، وذلك في الموضع الذي يذكره ابن بطوطة تحت عنوان : (حكاية الفقيه ذي اللوثة) ، حيث يقول :

«وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقيّ الدين بن تيمية ، كبير الشام ، يتكلم في الفنون إلاّ أنّ في عقله شيئاً ... وكنت إذ ذاك بدمشق ، فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على المنبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جملة كلامه أن قال : (إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من دُرُج المنبر»(1).

إنّ هاتين الشهادتين الواردتين في واحد من كتب الرحلات ترصدان لنا مدى أهمية هذا النوع من الكتب بالنسبة إلى الباحثين والمحقّقين في إثبات بعض الحقائق التي يسعى الإقصائيّون والإلغائيّون إلى التستّر عليها وإنكار وقوعها ، بل ورمي الآخر بها ، من باب (رمتني بدائها وانسلّت).

ومن بين تلك الرحلات التي لم تخلُ من مثل هذه الشهادات كتاب رحلة (تذكرة الطريق) الذي كتبه مؤلّفه الأمير محمّد عبد الحسين الكربلائي الهندي باللغة الفارسية ، والذي عرّفني به سماحة الأستاذ السيّد علي باقر الموسى عارضاً عليّ ترجمته إلى اللغة العربية ، وعند قراءتي له وجدت في مطالعته متعة بالغة لما يحتوي عليه من إثارات جديرة بالتأمّل والاعتبار. وها7.

ص: 244


1- نفس المصدر : 56 - 57.

نحن نضع بين يدي القارئ الكريم التعريف بهذه الرحلة على أمل أن نوفّق إلى تعريبها ونشرها كاملة.

كتاب رحلة رئيس الأمراء الهندي

المسمّى ب- : (تذكرة الطريق)

يَسرّنا أن نضع بين يدي القارئ الكريم قراءة في رحلة كتبها باللغة الفارسية أمير هندي قبل قرنين من الزمن تقريباً ، وظلّت هذه الرحلة مخطوطة حبيسة الأدراج في واحدة من المكتبات الألمانية ببرلين ، حتّى قيّض لها الله مَن صوّرها بالميكروفيلم ، الأمر الذي ساعد على طباعتها طباعة ألكترونية حديثة ، لتجلو الغبار المتراكم على أحداث مريرة وقعت للحجّاج في رحلتهم من مدينة كربلاء إلى البقاع المقدّسة في أرض الحجاز ما بين عامي 1815 و 1817 للميلاد ؛ ألا وهي الرحلة التي كتبها الأمير الكرناتكي الهندي ، حيث كان ضمن القافلة ، ورصد ما شاهده من الأحداث والوقائع التي صادفها في هذه الرحلة يوماً بيوم ، إبتداءً من اليوم الأوّل من مغادرة مدينة كربلاء المقدّسة ، إلى حين عودته إلى المدينة نفسها بعد ما يقرب من العامين تقريباً.

وقبل الدخول في إلقاء الضوء على هذه الرحلة ، نجد من المناسب أن نعرّف بمؤلّف هذه الرحلة والأسرة التي ينتمي لها.

المؤلّف وأسرته في سطور :

ينتمي مؤلّف هذه الرحلة - واسمه الكامل الحافظ محمّد عبد الحسين

ص: 245

الكربلائي الكرناتكي الهندي بن عبد الهادي خان بن محمّد علي خان والا جاه ، والمعروف ب- : (رئيس الأمراء) - إلى سلالة من الملوك الهنود الشيعة الإمامية الإثنى عشرية الذين حكموا إقليم (كرناتك) الواقع إلى الجنوب الشرقي من شبه القارّة الهندية ، وعاصمته (آركات) ، وقد امتدت فترة حكمهم من عام 1690م إلى 1855م (1102ه- - 1272ه) ، ويقال : إنّ هذه الأسرة تنحدر من أصول عراقية هاجرت إلى الهند قبل قرون ، ويبدو من كلام الآقا بزرك الطهراني في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة(1) والإمام السيّد محسن الأمين العاملي في كتاب أعيان الشيعة(2) اعتبارهما مؤلّف رحلة تذكرة الطريق من السادة الأشراف الذين يعود نسبهم إلى جعفر الطيّار ، حيث ذكر اسمه على الشكل الآتي : «المولوي محمّد عبد الحسين بن محمّد علي الهادي الجعفري الطيّاري». إلاّ أنّنا نستبعد هذا الأمر ؛ لأنّ المؤلّف لم ينوّه إلى ذلك ولو بالإشارة ، مع أنّنا نراه يطير فخراً لأدنى انتساب إلى أهل البيت عليهم السلام ، حتّى ولو كان ذلك مثل الرؤيا التي يراها في المنام ، بل قد تكون في بعض عباراته ما يُشير إلى عدم كونه سيّداً وذلك من خلال الاحترام الذي يوليه إلى السادة وهو أمر لا نراه عادة من السيّد تجاه نظيره السيّد لمكان التكافؤ فيما بينهما من هذه الناحية ، من ذلك قوله : «مضى اليوم على أحسن وجه ، غير أنّ السيّد مجيد الكاشميري المعروف ب- : (بابا شاه) استاء منّي دونما أدنى سبب ، فقلت 0.

ص: 246


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 / 458 ، و 4 / 39.
2- أعيان الشيعة 9 / 1380.

له : أنت سيّد ، فافعل ما بدا لك ، ثم لزمت الصمت والسكوت». وتبقى هذه الأمور مجرّد مؤشّرات لا أكثر.

لسنا نعرف متى ولد مؤلّف هذه الرحلة ولا اليوم الذي توفّي فيه ، ولكنّه يصرّح في بعض مواضع هذه الرحلة بأنّه ولد في اليوم العاشر من شهر جمادى الأولى ، دون أن يبيّن السنة التي ولد فيها ، ويتّضح من بعض مؤلّفاته الأخرى - كما سيأتي - أنّه كان على قيد الحياة حتّى عام 1242 للهجرة ، ويحتمل إحتمالاً كبيراً أنّه كان يعيش في الكاظمية أو كربلاء المقدّسة.

ذكر السيّد محسن الأمين للمؤلّف كتابين ، وهما أنيس الشيعة ، وتذكرة الطريق(1) ، وأمّا العلاّمة الآقا بزرك الطهراني فله تفصيل أكبر من ذلك ؛ حيث عرّف بكتاب أنيس الشيعة في الجزء الثاني من كتابه الذريعة إلى تصانيف الشيعة تحت رقم : (1778) قائلاً ما نصّه : «أنيس الشيعة : في وقائع الأيّام من موجبات السرور والأحزان من مواليد الأئمة عليهم السلام ووفياتهم ومعجزاتهم (فارسي) للمولوي الحافظ محمّد عبد الحسين بن محمّد عبد الهادي الجعفري الطيّاري الهندي الكربلائي ، ألّفه باسم السلطان فتح علي شاه وابنه العبّاس ميرزا سنة 1241 للهجرة ، ثمّ ألحق به ثلاثة منامات رآها بالكاظمية سنة 1242 للهجرة ، رتّبه على ترتيب الأشهر ، بدأ بربيع الأوّل وختم بصفر ، وله مقدّمة في نسب النبي(صلى الله عليه وآله) وسنة جلوس الوصي عليه السلام وخاتمة في أحوال ر.

ص: 247


1- نفس المصدر.

الحجّة المنتظر(عج) ووقائع ظهوره. رأيته عند السيّد آقا التستري ، وأحال فيه إلى تصانيفه الأخرى زاد المعاد ، وتذكرة الطريق ، وعناية الإمام الرضا عليه السلام (1).

وبذلك يمكن لنا أن نرصد للمؤلّف أربعة كتب ، وهي كالآتي :

1 - تذكرة الطريق (وهو الكتاب الذي نحن في سياق التعريف به) ، وقد عرّف به صاحب الذريعة في الجزء الرابع تحت رقم (148) أيضاً(2).

2 - أنيس الشيعة.

3 - زاد المؤمنين.

4 - عناية الإمام الرضا عليه السلام.

وأمّا والدته التي صحبته في هذه الرحلة والتي يذكرها دائماً بكلّ تبجيل واحترام ، إذ يدعوها على الدوام بالسيّدة صاحبة القبلة ، ويردفها أحياناً بالدعاء لها قائلاً (دام ظلها) ، فتنتسب إلى السيّد علي خان المدني الشيرازي ، صاحب كتاب : شرح الصحيفة السجادية.

وقد كان جدّ المؤلّف لأبيه هو محمّد علي والا جاه أحد أعظم أمراء هذه السلالة على الإطلاق ، حيث امتدت فترة حكمه لما يقرب من خمسة عقود من عام : (1163 - 1210 للهجرة / 1749 - 1795 للميلاد) ، وقد ذكر مؤلّفنا بعض مآثره في هذه الرحلة ، ومن ذلك إهداؤه سلّماً خشبياً مرصّعاً بالفضّة ووقفه على بيت الله الحرام في الكعبة المشرّفة ؛ إذ يقول : «رأيت9.

ص: 248


1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 / 458.
2- نفس المصدر 4 / 39.

السلّم الذي أرسله جدّي الراحل المغفور له النوّاب والاجاه بعد أن صنعه ورصّعه بالفضّة الخالصة. ولا يزال هذا السلم موجوداً ولكن الناس قد انتزعوا منه جميع الفضّة ، ولم يفضل منه غير الخشب ، وقد نقشت فيه العبارة الآتية : (خادم بيت الله محمّد والا جاه سنة 1201 للهجرة المقدّسة».

كما كان المؤلّف بنفسه يلقّب ب- : (رئيس الأمراء) على ما هو صريح تسميته لنفسه في بداية ونهاية هذه الرحلة ، وقد كان له شأن كبير على ما يبدو في هذه الأسرة ، وكان له الكثير من الممتلكات في مدينة مدراس بالهند ، وبعض الدور في كربلاء المقدّسة والكاظمية ، وملك الكثير من الجواري والإماء ، وقد اصطحب معه عدداً منهن في هذه الرحلة وجاء على ذكر بعضهن مثل : حَسينة ، وهكنور ، وسروب كنور ، وترنجا ، ولالة ، كما يأتي على ذكر جارية أخرى في موضعين من هذه الرحلة بمناسبة وضعها لطفل في منزل سلمان ، وفي موضع آخر حيث يخبر عن وفاة هذا الطفل ، دون أن نعلم ما إذا كانت واحدة من جواريه أم لا.

وقد كتب المؤلّف أحداث رحلته هذه في الفترة التي حكم فيها إقليم كرناتك النوّاب عظيم الدولة (1210 - 1236 للهجرة / 1801 - 1820 للميلاد).

وكانت هذه الأسرة في بداية أمرها على صلة بالحكومات المغولية التي حكمت شبه القارة الهندية في تلك الحقبة ، حتّى إذا تمدّد الاستعمار البريطاني في تلك الأصقاع بالتدريج لتكون له بعد مدة اليد الطولى فيها

ص: 249

واصلت هذه السلالة حكمها على مناطقها تحت الوصاية البريطانية ، واستبدلت فيما بعد لقب النوّاب - الذي اشتهر به ملوكها - بلقب البرنس أو الأمير ، وتتضح أواصر العلاقة الوثيقة بين هذه الأسرة والإدارة البريطانية السياسية فيها في أكثر من موضع من هذه الرحلة ، ومن ذلك الموضع الذي يسأله فيه عبد الله بن سعود عن أوضاع الهند ، فأخذ مؤلّف الرحلة يعدّد له الكفاءة الإنجليزية في تنظيم الشؤون الإدارية للمملكة وحسن تعاملهم مع الناس! وتتجلّى عمق العلاقة هذه بشكل خاص عندما نواكب المؤلّف في طريق العودة والوصول إلى البصرة ومنها إلى بغداد ، حيث يحضى باستقبال خاصّ من قبل القنصل البريطاني في كلّ من البصرة وهو المستر كهون ، وقنصلها الآخر في بغداد المستر رايخ ، وبالإضافة إلى الحفاوة الخاصّة التي حضي بها من قبل القنصل البريطاني في البصرة ، فقد وضع القنصل تحت تصرّفه سفينته الخاصّة ليذهب على متنها في رحلته إلى بغداد.

يتكشّف لنا من خلال هذه الرحلة أنّ المؤلّف يتمتّع بقريحة شعرية حيث يستهلّ كلّ فصل من فصول رحلته ببعض الأبيات الشعرية كتمهيد للدخول في تفاصيل أحداث تلك الفصول ، إنّ هذه الأشعار وإن كانت لا ترقى إلى مستوى القصائد العصماء ، ولكنّها تشهد للمؤلّف بتمكّنه من الوزن والقافية ، ويمكن اعتباره لذلك ناظماً أكثر منه شاعراً ، وتعطيه الحقّ في أن تسمعه طبقاً للتصنيف الرباعي للشعراء.

وعلى الرغم من كتابة المؤلّف للرحلة باللغة الفارسية ، ولكنّه لا يخفي

ص: 250

أهمّية اللغة العربية بالنسبة له ، حيث نراه يصرّ على اختيار عناوين عربية لكتبه بما في ذلك هذه الرحلة على ما عرفت ، وتبلغ غيرته على اللغة العربية ذروتها حتّى تجده يدفع مكافأة تشجيعية لرجل ينطق كلمة (أقول) بشكلها الفصيح ، ولا يقول (أگول) كما هو دأب الكثير من سكّان البادية العربية ، وذلك إذ يقول : (أعطيت (أقول) خمسة أرباع رومية) ، وأوضح ذلك في الهامش قائلاً : كان هناك شخص يقول : (أقول) ولا يتلفظ حرف القاف من غير مخرجه الصحيح في اللغة العربية الفصحى.

إطلالة على الرحلة :

يُعتبر كتاب تذكرة الطريق في مصائب حجّاج بيت الله العتيق من كتب الرحلات ، وقد رصد وقائع حدثت قبل ما يقرب من قرنين من الزمن ، في الفترة ما بين عام 1230 - 1232 للهجرة الموافق ل- 1815 - 1217 للميلاد. وإنّ هذه الرحلة التي استغرقت كتابتها ما يقرب من العامين (من 26 / شوال / 1230) إلى (16 / جمادى الأولى / 1232) وإن كانت لا ترقى إلى مستوى غيرها من الرحلات الأخرى - من قبيل : رحلة ابن جبير المعروفة بّ اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك في ذكرها لأدقّ التفاصيل والمشاهد التي مرّ بها في رحلته من الأندلس إلى البقاع المقدّسة وغيرها - إلاّ أنّها تبقى صالحة لتمثّل شاهداً تاريخيّاً على بعض الحقائق والظواهر الملفتة للانتباه ، والتي تزوّد الباحث بالأدلة الملموسة التي تدعم حجته في إثبات بعض

ص: 251

الحقائق التاريخية ، فإذا كانت الصحافة المعاصرة والإعلام الراهن يرصد الوقائع والأحداث بالصوت والصورة ، فقد كان كتاب الرحلات والسير يمارسون ذات الدور في تصوير الأحداث والوقائع والمشاهد ، ولكنّهم إنّما يصوّرون ذلك بأقلامهم وبيانهم ودقّة ملاحظتهم ، وإذا أردنا أن نجري مقاربة لبيان الفارق بين رحلة ابن جبير مثلاً ورحلة مؤلّفنا الأمير الكرناتكي الهندي ، أمكن لنا القول بأنّ رحلة ابن جبير تمثل فيلماً متسلسل الأحداث ، بينما رحلة تذكرة الطريق تمثل ألبوماً مشتملاً على الكثير من الصور الفوتوغرافية التي التقطها في مناسبات متفرّقة ، وبعبارة أخرى : إن رحلة ابن جبير عبارة عن صور متلاحقة ، بينما رحلة الكرناتكي عبارة عن صور منفصلة ، نعم قد تكون هناك العديد من الصور التي تؤخذ لمكان واحد ، ولكنّها مع ذلك تبقى منفصلة عن بعضها.

تعود اللغة الفارسية التي استعملها الأمير الكرناتكي في كتابة هذه الرحلة إلى العهد القاجاري ، ولذلك فإنّها لا تخلو من بعض الغموض من هذه الناحية ، يضاف إلى ذلك كتابتها ببعض الخطوط الرديئة في بعض الأحيان ، ووجود طمس في الكثير من الكلمات الواردة فيها الأمر الذي زاد من تعقيد فهم بعض عباراتها.

وقد تجد في رحلة أميرنا الكرناتكي بعض الإسراف في عمليات التصوير ، كنا نفضّل أن يوفّرها لرصد مشاهد أخرى ، وعدم تبذير الطاقة في تصوير أمور لا تفيد القارئ في شيء أبداً سوى استهلاك وقته الثمين ، من

ص: 252

ذلك إكثاره من الحديث في مناسبات متفرّقة عن تناول المسهلات وتحريك أمعائه على مدى اليوم أربع مرّات أو اثنتي عشرة مرّة!

كما نجده أحياناً يقع في بعض الأخطاء الفاحشة ، من ذلك اعتباره يوشع بن نون وصيّاً لنبي الله عيسى بن مريم عليه السلام ، مع أنّه وصيّ لموسى بن عمران عليه السلام بداهة!

وعلى الرغم من ذلك فإنّ هذه الهنات لا تقلّل من شأن وقيمة هذه الرحلة لما تشتمل عليه من الصور المعبّرة والهامّة الأخرى في رصد بشاعة تلك الحقبة ، والظلم الذي كان يلقاه الحجّاج في طريق الحجّ تحت ظلّ السيطرة الوهابية ، سواء أكان ذلك بعلمهم أو بغير علمهم ، فالحكمة تقول : (إن كنت تدري فتلك مصيبة ، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم). فإنّ الظلم والتعسّف الذي لاقاه الحجيج في رحلتهم هذه يفوق حدّ التصوّر ، فقد فرض عليهم أمير مخوّل من قبل عبد الله بن سعود يدعى مبارك الظاهري - ويصفه المؤلّف أحياناً ب- : (مبارك اللامبارك) - إجراءات قاسية للغاية ، وكان يتشدّد في جوره وظلمه وتعسّفه في أخذ الأموال من الحجّاج بما يفوق طاقتهم ، وقد يعجزّهم أحياناً ، ومع ذلك كان يرهقهم حدّ إزهاق الأرواح والأنفس ، وكان يضطرّ القافلة بأجمعها إلى التوقّف وعدم الضعن إلى حين استيفاء النقود من بعض الممتنعين عن الدفع بسبب عجزهم ، وقد تكرّر منه حبس القوافل حتّى أدّى ذلك بقافلة حجيج كربلاء إلى عدم إدراك موسم الحجّ من عام 1230 للهجرة ، فانقسمت القافلة على نفسها شطرين ، شطر آثر العودة من

ص: 253

حيث أتى بعد أن فاته الحجّ ، وأما الشطر الآخر فقد اختار مواصلة الطريق والبقاء في الحجاز لإدراك الحجّ في العام المقبل ، وكان مؤلّف رحلتنا الأمير الكرناتكي من الذين اختاروا البقاء ومواصلة الطريق والإقامة في المدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة إلى العام المقبل ، وهكذا كان.

وعلى الرغم من العنوان العربي الذي تحمله الرحلة تذكرة الطريق في مصائب حجّاج بيت الله العتيق ، إلاّ أنّها كتبت باللغة الفارسية ، ومما يميّزها أنّها تعتبر من أقدم الرحلات التي كتبت في العصر القاجاري في إيران ، وأنّ مؤلّفها ذو موقع مرموق حيث ينتمي إلى سلالة من الأمراء ، وهو الأمر الذي يتيح له بعض المزايا التي لا تتاح لغيره ، وأنّه من الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ، وهو فخور بانتمائه العقائدي والمذهبي ، كما يبدي اهتماماً شديداً بالتواريخ الدينية حتّى ليخال لقارئ الرحلة أنّه يقرأ تقويماً أو روزنامة تاريخية ، كما أنّه يعتمد في تأريخ أحداث رحلته بالإضافة إلى السنة الهجرية سنة أخرى خاصّة به - وهي السنة التي اعتمدها في كتابه أنيس الشيعة على ما مرّ بيانه - وقد اصطلح عليها ب- : (السنة الجلوسية) في إشارة منه إلى يوم خلافة أمير المؤمنين وجلوسه على سدة حكم الأمّة الإسلامية ؛ ليبيّن عمق تمسّكه ويعبّر عن اعتزازه بولاية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وقد يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال يقول : ما الذي يدعو أميراً هنديّاً إلى أن يقصد الحجّ وشدّ الرحال إلى مكّة المكرّمة من أرض العراق ، ولا يتوجّه إليها مباشرة من الهند ، حيث يمكنه أن يعدّ لنفسه مركباً فارهاً يمخر به عباب

ص: 254

المحيط الهندي وصولاً إلى مضيق باب المندب والدخول إلى البحر الأحمر والرسو في ميناء جدّة ، الأمر الذي يغنيه عن عناء سفر البرّ ، وقطع هذه المفازات الشاسعة؟ ولكنّ هذه الغرابة سرعان ما تزول إذا علمنا أنّ شيعة الهند قد سبقوا حتّى إخوانهم من الإيرانيين في الاعتقاد بأن الذي يروم الحجّ إلى بيت الله الحرام لا بدّ له حتماً من زيارة العتبات المقدّسة للأئمّة الأطهار في العراق ، واعتبار ذلك واجباً بوصفه مقدّمة للواجب.

أبطال هذه الرحلة :

لقد كان في ضمن القافلة التي التحق بها الأمير الحافظ محمّد عبد الحسين الكرناتكي الكثير من الشخصيّات التي تكرّر ذكرها في الكثير من مواطن هذه الرحلة ، وكان منهم قادة القوافل والتجّار والوجهاء وعلماء الدين والحرّاس والرماة والحمّالون والناس العاديّون ، ومما يلفت الانتباه في هذه الرحلة هو تصوير المؤلّف لشخصيّات هذه الرحلة وأبطالها ، حيث تتكشّف هذه الشخصيّات عن أمزجة وسجايا مختلفة ، حيث تجد بين مجموع أبطال الرحلة مختلف أصناف الناس ، فمنهم : المخلص ، والانتهازي ، والشحيح ، والنبيل والوضيع ، فبينما تراه يذكر شخصية في بداية الرحلة بالثناء والتبجيل ، حتّى تتغيّر صورته بعد مدّة طويلة عنها ، إذ تتكشّف هذه الشخصية عن إنسان آخر هو غيره الذي حاول أن يكونه في بداية الرحلة ، وقد قيل قديماً : (إذ أردت أن تعرف شخصاً على حقيقته فاصحبه في سفر) ، وقد أبقى المؤلّف

ص: 255

هذه الصور المتفرّقة رغم اختلاف حكمه بشأنها على حالها ، الأمر الذي يوفّر للمختصّ في علم النفس البشري مادّة خصبة لدراسته ، وهناك شخصيّات حافظت على ثبات صفاتها سلبية كانت أم إيجابية على حالها منذ بداية الرحلة إلى نهايتها ، ومن تلك الشخصيّات يمكن لنا تسمية :

- السيّدة بيكم صاحبة القبلة (سلطان النساء) (أم المؤلّف).

- إسماعيل ناظر شاه (من مرافقي المؤلّف)

- الشيخ خلف (عالم دين).

- الحاج مفلح الحملة دار (قائد قافلة).

- الحاج صالح الكاظماوي الحملة دار (قائد قافلة)

- الميرزا رجب علي اللنبوني (وجيه إيراني من إصفهان)

- الميرزا رضا قلي (وجيه إيراني)

- المير يوسف علي (قريب من المؤلّف).

وحيث لا يسعنا أن نأتي على تفاصيل المواقف التي حدثت لكلّ واحدة من هذه الشخصيّات طوال الرحلة ، سنكتفي بالإشارة إلى نموذجين من هذه الشخصيّات ، وذلك كالآتي :

الأولى شخصية الشيخ خلف : حيث يُذكر في الشطر الأوّل من الرحلة بكثير من التبجيل والاحترام واصفاً إيّاه بصاحب السماحة ، ولكنّه بعد ذلك وبالتدريج يتخلّى عن وصفه بهذا اللقب دون التصريح بالأسباب ، حتّى تصل في رحلتك مع هذه الرحلة إلى مقاطع من قبيل :

ص: 256

- (يقولون : إنّ الشيخ خلف يقول : إنني من أصحاب السقيفة - والعياذ بالله - أسأل الله العفو والأمان ، هذا بهتان عظيم).

- (جاء الشيخ خلف الصاحب يستأذنني في الذهاب إلى مكّة المكرّمة عند العصر. لقد تبعته سنة كاملة ، في حين أنّه لم ينتظرني حتّى ليوم واحد أو يومين في الحدّ الأقصى!).

وأمّا الشخصية الثانية فهي شخصية المير يوسف علي :

حيث يظهر في الكثير من صور هذه الرحلة كصاحب شخصية نفعية وأنانية هزليّة ، بل وتثير الضحك والسخرية أحياناً ، وإليك بعض المشاهد التي ظهرت فيها هذه الشخصية :

- (أخذ المير يوسف علي يشتم الحاج مهدي شتائم مقذعة دونما سبب وجيه ، فبادر المير سبحان علي إلى منعه ، ونصحه بأنّ ما يتفوّه به مخالف للشرع. فقال يوسف علي : أنا لا أخاف الشرع)!

- (وفي المساء مازحت المير يوسف علي كثيراً ، وأخذنا بالضحك ؛ حيث كنت أتعمّد قراءة آيات السجدة ، فكان يهوي إلى السجود تباعاً).

- (وفي الليل تحدّث المير يوسف علي في مسألة السجدة الواجبة كثيراً ، حتّى توصّل إلى إنكار أن تكون هناك سجدة واجبة في القرآن الكريم)!

- (طلب مني السيّد الطهراني مقلمة ، ولكنّي اعتذرت منه إذ لم تكن بحوزتي مقلمة ، ثمّ صادف أن جاء المير يوسف علي من السوق وبيده مقلمة اشتراها بريالين إفرنجيين ، فما كان من السيّد الطهراني إلى أن اختطفها منه

ص: 257

قائلاً : هذه هي مقلمتي ، ثم انصرف بها مسرعاً تاركاً المير يوسف في حيرة وذهول ، وأخذ يدعو عليه بالويل والثبور).

- (أثار المير يوسف مسألة السجدة الواجبة ثانية ، وطرحها على السيّد حسن الخراساني ، فكان الحقّ معي. كما سألنا الشيخ خلف عن موضوع ممازحة السيّد الطهراني للمير يوسف علي وتظاهره بسرقة مقلمته ، فكان المير يوسف علي يقول : يجب قطع يد ذلك السيّد الذي أخذ منه المقلمة! فقلت : كلاّ ، وفي النهاية صدّق الشيخ قولي أيضاً).

فكان المير يوسف علي بسبب شخصيته الهزليّة يضفي متعة على الرحلة تخرج القارئ من حالة الرتابة والسأم ، ولله في خلقه شؤون.

خارطة طريق الرحلة :

- بداية الرحلة من كربلاء المقدّسة ، يوم السبت : 26/شوال/1230 للهجرة.

- وصول القافلة إلى النجف الأشرف ، يوم الإثنين : 28 / شوال / 1230 للهجرة.

- منزل (عين السيّد) في الرحبة ، يوم الجمعة : 2 / ذي القعدة / 1230 للهجرة.

- منزل (سلمان) ، يوم الثلاثاء : 6 / ذي القعدة / 1230 للهجرة.

- منزل (لينة) ، يوم الإثنين : 12 / ذي القعدة / 1230 للهجرة.

- منزل (البقعة) ، يوم الإثنين : 19 / ذي القعدة / 1230 للهجرة.

ص: 258

- الوصول إلى جبل شمّر - الحائل - ، الثلاثاء : 20 / ذي القعدة / 1230 للهجرة.

- منزل (حديدة) ، الإثنين : 26 / ذي القعدة / 1230 للهجرة.

- منزل (تميّة) ، الأحد : 3 / ذي الحجة / 1230 للهجرة.

- منزل (بريدة) ، الخميس : 7 / ذي الحجة / 1230 للهجرة. (وهنا أيقن أفراد القافلة من فوات موسم الحجّ عليهم).

- منزل (الرويزة) ، الخميس : 21 / ذي الحجة / 1230 للهجرة.

- منزل (الخبرة) ، الجمعة : 22 / ذي الحجة / 1230 للهجرة.

- الإقامة في بريدة لمدة شهرين (من 27 / ذي الحجة ، إلى 11 / ربيع الأول / 1231 للهجرة) ، وخلال هذه المدة آثر بعض أفراد القافلة العودة إلى العراق.

- الانطلاق من بريدة والإقامة في الخضيرة.

- منزل (عنيزة) ، الإثنين : 13 / ربيع الأول / 1231 للهجرة.

- الدخول إلى المدينة المنوّرة والإقامة فيها عدّة أشهر (من 10 / ربيع الثاني / 1231 وحتّى 27 / شوال / 1231 للهجرة).

- اللقاء بإبراهيم باشا ، الجمعة : 5 / ذي القعدة / 1231 للهجرة.

- الحركة من ينبع إلى جدة عبر البحر ، الإثنين : 8 / ذي القعدة / 1231 للهجرة.

ص: 259

- الحركة من جدة إلى مكة المكرّمة ، الإثنين : 15 / ذي القعدة / 1231 للهجرة.

- الوصول إلى مكّة المكرّمة ، الأربعاء : 29 / ذي القعدة / 1231 للهجرة. (أداء مناسك الحجّ ومشاعره).

- الخروج من مكّة المكرّمة ، الإثنين : 27 / ذي الحجة/1231 للهجرة.

- الوصول إلى الدرعية ، الثلاثاء : 4 / صفر / 1232 للهجرة.

- اللقاء بعبد الله بن سعود ، الخميس : 13 / صفر / 1232 للهجرة.

- الخروج من الدرعية ، الجمعة : 21 / صفر / 1232 للهجرة.

- الوصول إلى الأحساء ، السبت : 7 / ربيع الأول / 1232 للهجرة.

- الوصول إلى الكويت ، الأربعاء : 2 / ربيع الثاني / 1232 للهجرة.

- الخروج من الكويت باتجاه البصرة عبر البحر ، السبت : 5 / ربيع الثاني / 1232 للهجرة.

- الوصول إلى البصرة ، الأربعاء : 9 / ربيع الثاني / 1232 للهجرة.

- مغادرة البصرة عبر نهر دجلة باتجاه بغداد ، الثلاثاء : 15 / ربيع الثاني / 1232 للهجرة.

- الوصول إلى المدائن وزيارة مرقد الصحابي الجليل سلمان الفارسي ، الثلاثاء : 29 / ربيع الأول / 1232 للهجرة.

- الدخول إلى بغداد ، الخميس : 1 / جمادى الأولى / 1232 لهجرة.

- الخروج من بغداد باتجاه كربلاء المقدّسة ، السبت : 9 / جمادى

ص: 260

الأولى / 1232 للهجرة.

- الوصول إلى كربلاء المقدّسة ، الإثنين : 12/جمادى الأولى/1232 للهجرة.

صوَر معبرة من رحلة (تذكرة الطريق) :

لقد اشتملت هذه الرحلة على الكثير من المشاهد المعبّرة والغريبة ، ومن خلال هذه الرحلة يمكن لنا إبراز بعض المشاهد التي صوّرها الكرناتكي في هذه الرحلة بعدسته ، ونترك التعليق عليها للقارئ الكريم :

- (دارت هناك الكثير من الأحاديث ، من ذلك كلام عجيب مفاده : أنّه توجد شجرة حَوَر في قزوين يسيل دمٌ عبيط من جميع أغصانها في يوم العاشر من المحرّم).

ولا زالت أصداء هذه الشجرة الدامية تطرق أسماعنا ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين للميلاد ، بل هناك توثيقات بالأفلام والصور ، وتقع هذه الشجرة في قرية (زر آباد) في باحة مرقد أحد السادة الأشراف من نسل الإمام موسى الكاظم عليه السلام.

- (تمتاز هذه القرية بمائها العجيب ، حيث ترتفع حرارته بقدرة الله ، حتّى أنّ البخار يتصاعد منه وكأنه ماء حمّام ، يكون الماء في هذه القرية عند الصباح شديد الحرارة ، فلو أدخلت يدك فيه فإنّها ستحترق ، ثم تنزل درجة حرارته بالتدريج حتّى يبرد في منتصف الليل ، ثم تبدأ الحرارة بالارتفاع مرّة ثانية ، وهكذا دواليك ، وهذا هو شأن جميع المياه في هذه القرية ، سواء في

ص: 261

ذلك الماء المخزون أو ماء الآبار ، وحتّى الأنهار).

- كما وصف الشيخ حمود بن مراد قائلاً : (أرسلت بعض الرجال إلى حمود بن مراد كبير سوق الشيوخ ، وله منزلة ومكانة مرموقة عند الباشاوات في بغداد ، وتقع البصرة تحت تصرّفه أيضاً ، وكما يقول الشيخ المذكور : إنّه يقيم في موضع واحد من سوق الشيوخ ... وقد دأب على أداء صلاة الصبح ، لينام بعد ذلك إلى الظهر ، حيث يستيقظ ، ثم يذهب إلى الصحراء للخلوة ، ويعود بعد ذلك قبل انقضاء النهار بساعة ، ثمّ يصلّي الظهرين ، وبعد ذلك يصلّي المغرب والعشاء ، ثمّ يتناول الطعام ويفرغ منه عند انتصاف الليل ، ثم ينشغل بالمجاهدة حتّى الصباح ؛ ليصلي ثمّ ينام وهكذا دواليك ...).

- وصوّر الظلم الذي تعرّض له الإيرانيون ، ولم يسلم منه حتّى زعيمهم وسيّدهم الميرزا رضا قلي ؛ إذ يقول : (ماذا أقول إذ وقع الميرزا تحت وطأة هؤلاء القساة الذين لا يرعون للضيف إلاّ ولا ذمّة ، فكان يمشي معهم مسرعاً مستسلماً لقدره ومصيره ، حتّى بلغوا به إلى حيث خيمتهم ، وبدأوا يجرّدونه من ثيابه ، فأخذ واحد غطاء رأسه ، ومال آخر إلى جبّته ولفاعه ، وأخذ آخر على عاتقه مهمّة الجلاّد فشهر سيفه ووقف على رأس الميرزا ، وجاء أحدهم بالسلاسل ليضعها في قدميه ، وقال آخر : سنركبه على جمل ونأخذه معنا. خلاصة الكلام : أنّ الميرزا المسكين وقع بين أشداق هؤلاء الأشقياء وحيداً مظلوماً ، لا يعرف حيلة للخروج من تلك المصيبة).

- (قضى ما يقرب من ألف أو ألفي حاجّ من العجم حيث مرضوا تحت

ص: 262

حرارة الخيام ، إذ أنّهم كانوا يعيشون في مدنهم أجواءً باردة ، ولم يألفوا مثل هذا المناخ المرتفع الحرارة).

- (معروف أنّ كلّ من يشرب من ماء بغداد - أي دجلة - يغدو بديناً أسود القلب ، وكل من يشرب من ماء الفرات يغدو نحيفاً أبيض القلب ، وإنّ ماء الفرات أعذب من ماء دجلة).

- (كان الأتراك في البستان يعزفون على الأعواد والأوتار ، وينفخون في الأبواق ، سبحان الله كيف يتمّ العزف في مثل هذا المكان المقدّس بالذات على مثل هذه الأدوات التي تمّ تحريمها. إنّ في ذلك لعبرة).

- (طلع علينا قرن جباة الخاوة من بني عنيزة ، وقد أراد القائمون على القافلة الإقامة حتّى الظهر ، ولكنّهم شدّوا الرحال بعد مضيّ ثلاث ساعات من النهار ، وعند الظهر بلغنا مشارف قلعة بني عنيزة ، حيث تمّ إجبار الحجّاج على النزول ، وبدأ أصحاب تلك القلعة التحلّق حول الحجيج جماعات جماعات ، وكانوا يدخلون الخيمة واحداً إثر آخر ، وكان كلّ واحد يأخذ شيئاً ويلوذ بالفرار ، وكان كلّ واحد من الحجّاج إذا تعقّب سارقاً وانفصل عن سائر الحجّاج مسافة قليلة ، كان أفراد بني عنيزة الذين أحاطوا بالحجيج يتبعونه ويضربونه بالسياط ويعملون على تجريده ، ليعود إلينا حاسراً كسيراً ، وإذا انطلق للحصول على شيء ، عاد إلينا مجرّداً من ثيابه ، بعد أن يكون قد نال نصيبه من الضرب والإهانة ، كانت مثل هذه القيامة ماثلة أمامنا في ذلك الموضع ، وكان الناس بعد ما جرى عليهم في تلك الليلة يتوجّسون مما

ص: 263

سيحلّ عليهم في ذلك اليوم ، وجاء حمّالونا يتوسّلون إلينا قائلين : إنّهم يبيعون الكبش بريال إفرنجي ، وتوسّلوا إلينا أن ننعم عليهم بذلك ، فاشتريت وأعطيتهم ، مع أنّهم لم يستحقّوا ذلك ، إذ لم يقوموا في الليلة السابقة بواجبهم في الحراسة ، وناموا منذ بداية الليل ، ولم يقوموا بمهامهم إلاّ بعد أن أجبرناهم على الاستيقاظ.

قبل نصف ساعة من غروب الشمس قام الأعراب من بني عنيزة بصفّ جمال الحاجّ صالح الحملة دار الكاظماوي - الذي كان رجلاً شجاعاً ومقداماً - وكان عددها سبعين بعيراً ، وكانوا يهمّون بنهبها ، وحمّلوها لهذه الغاية ، فلحق بهم الحاجّ مهدي شقيق الحاجّ صالح مع رجاله ، وانتزعوا منهم أربعين بعيراً بعد عراك وقتال ، ولم يتمكنوا من استرجاع الثلاثين الباقية. خلاصة القول : إنّها كانت معركة غير متكافئة تعكس غربة الحجيج وظلامتهم ؛ اجتمع ما يقرب من ثلاثمئة رجل من بني عنيزة مدجّجين بالأسلحة من البنادق والهراوات والرماح والسيوف والخناجر ، وأحاطوا بالحجّاج من كلّ جانب ، وأيقنا بأنّهم سينقضّون على الحجاج في الحال وينهبون منهم أموالهم ، حتّى جاء كبار بني عنيزة وحالوا دونهم ودون الهجوم على الحجيج ، وعمدوا إلى تفريقهم ، وفي هذه الأثناء جاء أحد أفراد عبد الله بن سعود من الدرعية وهو مبارك الظاهري ومعه مئة رجل يحملون السلاح ، وادّعى بأنّه قد نُصّب من قبل أمير أمراء الحجيج أميراً على الحاج ، وأنّ عبد الله قد صرّح بأنّ الحجّاج قد سلكوا طريق الجبل على خلاف أمره ، ولذلك فإنّهم يستحقّون القتل ،

ص: 264

ويستحقّون أن يُغار عليهم ، وتنهب أموالهم. ولكنّه قد عفا عنهم ، وهم الآن في أمان ، وحمل ثوباً وأهداه إلى الحاجّ صالح الحملة دار ، ليكون له الأمر والنهي على الحجّاج ، ولم يعلم الناس بما كان يضمره لهم ، ولذلك فرحوا وتصوّروا أنّ ذلك سيجنّبهم سطوة الأعراب والأشرار ، ويجعلهم في مأمن منهم. خلاصة الكلام : أنّ مشعل بن حزال - شيخ قبيلة بني عنيزة - كان يريد أخذ حصّته من الخاوة ، ويقول إنّها تبلغ ثلاثين ألف دينار ، وأضاف قائلاً : إنّكم إن أعطيتموها لي سمحت لكم بالذهاب ، وإلاّ فإنّي سأجرّد جميع الأفراد من ممتلكاتهم. القصد أنّ التفاوض قام على هذا الأساس.

جاء الحاجّ مفلح بخمسة رجال ، أجرة الواحد منهم ريالاً إفرنجيّاً ؛ ليقوموا بواجب الحراسة ليلاً ، فوافقت على ذلك وباشروا عملهم. والحقيقة أنّا بتنا ليلتنا في أمان من شرّ أولئك الأشقياء ، بيد أنّ الحجّاج من الكبار إلى الصغار أحيوا تلك الليلة حتّى الصباح.

كان الماء في ذلك الموضع مالحاً وفي طعمه شيء من المرارة ، علاوة على أنّه في مكان ناء عن الحجّاج قليلاً ، وإذا أرادوا جلب الماء كانوا يتجرّدون ويذهبون على شكل جماعات ، وإذا أراد أحد أن يذهب لحاجة عند الماء لم يكن ليجرؤ على الانفصال عن سائر الحجيج لرفع حاجته ثمّ العودة إليهم ، فكان يضطرّ إلى اصطحاب شخص معه مسلّح بحربة ، لينشغل في قضاء حاجته ، والآخر يقف حارساً عليه.

ماذا أقول وماذا أكتب عن ظلامة الحجيج؟! كانوا مبتلين في مصيبة لا

ص: 265

يسعها الوصف ، حتّى أنّ ملائكة السماء كانت ترقّ لغربة الحجّاج في بادية نجد والحجاز).

- (جاءتني جارية ابن سويلم المطوي - إمام جماعة الوهابية - بشيء من التمر والدبس والبصل ، دعوت الجارية إلى الخيمة وسألتها عن أمرها وكيفية وصولها إلى تلك البلاد ؛ فقالت : إنّ الوهابي أسرني يوم القتل الذريع في كربلاء المقدّسة)!

نكتفي بهذا القدر من إطلالتنا على هذه الرحلة ، على أمل أن يتمكن القارئ الكريم من اقتناء نصّها الكامل ، ويجد فيها أضعاف ما قدّمناه له منها في هذه العجالة.

ص: 266

فهرس المصادر

1 - أعيان الشيعة : للسيّد محسن الأمين العاملي ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، 1986م.

2 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة : للعلاّمة آقا بزرك الطهراني ، دار الأضواء ، بيروت.

3 - رحلة ابن بطوطة : لأبي عبدالله محمّد بن إبراهيم اللواتي ، المعروف بابن بطّوطة ، دار صادر ، ط3 ، بيروت ، 2009م.

ص: 267

ص: 268

من ذخائر التراث

ص: 269

ص: 270

شرح القصيدة العينيّة

للسيّد الحميريّ

تأليف

الملاّ حبيب الله الشريف بن عليّ مدد

الكاشاني قدس سره

1262 - 1340 ه-

1846 - 1922 م

تحقيق

فارس حسّون كريم

ص: 271

ص: 272

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة السيّد الحميري(1) : عة

ص: 273


1- ينظر : رجال الطوسي : 148 ، أمالي الطوسي : 49 و 627 و 628 ، الفهرست للطوسي : 82 ، معالم العلماء : 146 ، التحرير الطاووسي : 38 ، سير أعلام النبلاء 1 / 278 ، ربيع الأبرار 1 / 445 و 484 و 4 / 289 ، البداية والنهاية : 9 / 41 و 10 / 179 ، فوات الوفيات 1 / 188 - 193 ، لسان الميزان 1 / 436 و 437 ، رجال الحلّي 10 ، المنتظم 9 / 39 - 41 ، وفيات الأعيان 6 / 343 ، الأعلام 1 / 322 ، الكامل للمبرّد 3 / 206 و 237 ، جمهرة أنساب العرب 436 ، العقد الفريد 2 / 101 و 103 و 3 / 45 و 4 / 122 و 144 ، تاريخ ابن خلدون 1 / 294 ، عيون الأخبار 2 / 144 و 149 ، تاريخ الأدب العربي لبروكلمن 4 / 68 و 69 ، تاريخ الأدب العربي لعمر فرّوخ 2 / 109 - 111 ، تاريخ آداب اللغة العربية 1 / 366 و 367 ، تاريخ التراث العربي لسزگين (المجلّد الثاني ، الجزء الثالث) : 231 - 235 ، ديوان أشعار التشيّع : 346 ، البيان والتبيين 2 / 168 ، جامع الرواة : 1 / 102 ، قاموس الرجال 2 / 106 - 114 ، رجال الكشّي : 285 - 289 ، رجال ابن داود : 51 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 / 245 ، المقالات والفرق : 36 ، إتقان المقال : 27 ، هديّة العارفين 1 / 206 ، النجوم الزاهرة 2 / 68 ، تاريخ ابن الوردي 1 / 196 ، تاريخ أبو الفداء 3 / 21 ، أعيان الشيعة

اسمه وكنيته : أبو هاشم إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن وِداع الحِمْيريّ ، الملقّب بالسيّد(1).

ولادته : وُلد عام (105 ه) بعُمان(2).

نشأته : نشأ في البصرة إلى أن عقل وشعر ، ثمّ غادر إلى الكوفة(3).

أُسرته : كانت أُسرته من بني حِمير الذين قطنوا عُمان ، وكانوا أُباضيّة المذهب يكنّون العِداء لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وعلى الرغم من كلّ ذلك فقد ظهر من هذا المنبت السوء موال لأهل البيت عليهم السلام ، مخلص في حبّهم ، ذابّ عن حريم ولايتهم بشعره وبيانه وجسمه وروحه ، على نحو لم يُر له مثيل فيمن غبر. 3.

ص: 274


1- أخبار السيّد للمرزبانيّ : 151 - 152.
2- أخبار السيّد : 151 - 152.
3- لسان الميزان 1 / 383.

روى سليمان بن أبي شيخ عن أبيه : أنّ أبوي السيّد كانا أُباضيّين ، وكانمنزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبّة ، وكان السيّد يقول : طالما سُبَّ أمير المؤمنين في هذه الغرفة ، فإذا سئل عن التشيّع من أين وقع له ، قال : غاصت علَيَّ الرحمة غوصاً.

وروي عن السيّد أنّ أبويه لمّا علما بمذهبه همّا بقتله ، فأتى عقبة بن سلم الهنائي فأخبره بذلك فأجاره وبوّأه منزلا وهبه له فكان فيه حتّى ماتا فورثهما(1).

حبّه لأهل البيت عليهم السلام : إنّ أبرز ما في حياة السيّد هو شدّة حبّه وتعلّقه بأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وسعيه في نشر مناقبهم ، ونقده لأعدائهم.

روي عن الحسن بن عليّ بن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي ، قال : كنّا جلوساً عند أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا السيّد ، فجاء فجلس وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعة فنهض ، فقلنا : يا أبا هاشم ، مِمَّ القيام؟ فقال :

إنّي لأكْره أن أطيلَ بمجلس

لا ذكر فيه لفضلِ آل محمّدِ

لا ذِكرَ فيه لأحمد ووصيه

وبنيه ذلك مجلس نَطْفٌ(2)

رَدِي

إنّ الذي يَنساهُم في مجلس

حتّى يفارقه لغير مُسدّدِ(3)7.

ص: 275


1- الأغاني 7 / 230.
2- النطف : السيّيء الفاسد.
3- الأغاني 7 / 267.

ممّا قيل فيه :

1 - قال ابن عبد ربّه : السيّد الحميري وهو رأس الشيعة ، وكانت الشيعة من تعظيمها له تلقي له الوسادة في مسجد الكوفة(1).

2 - قال أبو الفرج الأصفهاني : كان السيّد شاعراً متقدّماً مطبوعاً ، يقال له : إنّ أكثر الناس شعراً في الجاهليّة والإسلام ثلاثة : بشّار ، أبو العتاهية ، والسيّد ، فإنّه لا يعلم أنّ أحداً قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع(2).

وقال في موضع آخر : كان السيّد أسمر ، تامّ القامة ، أشنب(3) ، ذا وفرة ، حسن الألفاظ ، جميل الخطاب ، إذا تحدّث في محلّ قوم أعطى كلّ رجل في المجلس نصيبه من حديثه(4).

3 - قال العلاّمة الحلّي : ثقة ، جليل القدر ، عظيم الشأن والمنزلة رحمه الله(5).

وفاته : أثار نبأ وفاة السيّد ضجّة كبيرة في المجتمع الكوفي ، فقد توفّي 2.

ص: 276


1- العقد الفريد 2 / 289.
2- الأغاني 7 / 229.
3- الشنب : البياض والبريق والتحديد في الأسنان. ينظر : ترتيب كتاب العين 2 / 945 ، المعجم الوسيط 1 / 496 ، نزهة النظر : 460.
4- الأغاني 7 / 231.
5- خلاصة الأقوال : باب الهمزة ، رقم 22.

السيّد عام (173 ه) ؛ وقيل : (178 ه)(1).

روى المرزبانيّ بإسناده عن ابن أبي حودان ، قال : حضرت السيّد ببغداد عند موته ، فقال لغلام له : إذا متُّ فأت مجمع البصريّين وأعلمهم بموتي وما أظنّه يجيء منهم إلاّ رجل أو رجلان ، ثمّ اذهب إلى مجمع الكوفيّين فأعلمهم بموتي أنشدهم :

يا أهل كُوفانَ إنّي وَامِقَ لكم

مُذ كنت طفلا إلى السبعينَ والكبرِ

أهواكم وأُواليكم وأمدحكم

حتماً عليَّ كمحتوم من القدْرِ

بحبكم لوصي المصطفى وكفى

بالمصطفى وبه من سائر البشرِ

إلى أن قال :

وكفِّنوني بياضاً لا يخالطه

شيء من الوشْيِ أو من فاخر الحِبَرِ

ولا يشيعني النُصَّاب إنهم

شرّ البرية من أنثى ومن ذكرِ

عسى الإلهُ يُنَجِّيني برحمته

ومدْحِيَ الغُرَرَ الزّاكين من سقرِ

فإنّهم ليسارعون إليَّ ويكبّرون ، فلمّا مات فعل الغلام ذلك ، فما أتى من البصريين إلاّ ثلاثة معهم ثلاثة أكفان وعطر ، وأتى من الكوفيّين خلق عظيم ومعهم سبعون كفناً ، ووجَّه الرشيد بأخيه عليّ وبأكفان وطيب ، فردَّت أكفان العامّة عليهم وكفّن في أكفان الرشيد ، وصلّى عليه عليّ بن المهديّ وكبّر خمساً ، ووقف على قبره إلى أن سطّح ومضى كلّ ذلك بأمر الرشيد(2).0.

ص: 277


1- لسان الميزان 1 / 438.
2- أخبار شعراء الشيعة : 170.

ترجمة المؤلّف(1)

اسمه ولقبه الشريف : هو آية الله المحقّق العلاّمة الملاّ حبيب الله الشريف بن الملاّ عليّ مدد بن رمضان الساوجي(2) الأصل ، الكاشاني النشأة والمدفن(3).

مولده ونشأته : وُلد في كاشان في حدود سنة (1262 ه- / 1846م) على ما هو تحقيقه ، إذ ذكر أنّه لم يتبيّن تأريخ مولده من مكتوب من والده وإنّما ذكرتْ له والدته رحمهما الله تعالى أنّ ولادته كانت قبل وفاة الغازيد.

ص: 278


1- تجد ترجمته أيضاً في : أعيان الشيعة 4 / 559 ، طبقات أعلام الشيعة - القرن الرابع عشر - 1 / 360 - 361 ، مصفّى المقال : 120 ، العقد المنير : 394 - 395 ، الذريعة 2 / 66 و 67 و 4 / 182 و 491 - 492 و 5 / 287 و 8 / 98 و 10 / 161 - 162 و 187 و 13 / 248 و 15 / 28 و 19 / 143 و 23 / 4 ، معجم المؤلّفين 3 / 187. وخير ما كُتب عنه قدّس سرّه هو ما كتبه بقلمه الشريف مترجماً نفسه في كتابه : لباب الألقاب : 148 - 157. وينظر أيضاً ما كتبه المحقّقون الأفاضل في مقدّمات كتب المؤلّف التي حقّقوها : الأُستاذ عماد جبّار كاظم ، السيّد محمّد تقي الحسيني ، نزار الحسن.
2- ساوة : مدينة حسنة بين الريّ وهمدان. مراصد الاطّلاع 2 / 685.
3- كاشان : مدينة قرب أصفهان تذكر مع قم ، وأهلها كلّهم شيعة إماميّة أعيان الشيعة 1 / 206 نقلا عن معجم البلدان 4 / 296 وفي معجم البلدان 4 / 430 : مدينة بما وراء النهر ، وتشتهر كاشان اليوم بالسجّاد وماء الورد.

محمّد شاه القاجار المتوفّى سنة (1264 ه) بسنتين.

كان والده رحمه الله من العلماء الأعلام ، له مؤلّفات عدّة في الفقه وأُصوله ، من أهل ساوة ، رحل إلى قزوين وأصفهان للدراسة ، ثمّ إلى كاشان فسكنها وتزوّج فيها ، فولد له نجله الشريف حبيب الله قدس سره.

ولمّا بلغ حبيب الله الخامسة من العمر بعث أكابر أهل ساوة في طلب أبيه لمكانته العلميّة في تولّي شؤونهم الدينيّة وأمور الفتيا ، فعاد إليها.

وبقي المؤلّف رحمه الله في كاشان يتنقّل فيه على نخبة من الشيوخ بكفالة أمّه ورعاية الفقيه الحاجّ السيّد محمّد حسين الكاشاني(1) الذي كان أبرّ به ، وأعطف عليه من أبيه ، كما قال الشريف.

وتوفّي والده في مدينة ساوة سنة (1270 ه) ، والمؤلّف في ربيع التاسعة من عمره ، في شغف التحصيل ، وشوق الدرس ، بتشويق السيّد محمّد حسين.

ثمّ سافر إلى طهران وهو في سنّ التاسعة عشرة من العمر لمواصلة الدرس ، ومتابعة التحصيل.

ومن ثمّ هاجر إلى العراق سنة (1281 ه) لزيارة العتبات المقدّسة ، ولإدراك الشيخ المرتضى للاستفادة ، فما أن وصل إلى كربلاء حتّى نُعي له وفاة الشيخ الأنصاري قدس سره فتوقّف ، ثمّ ذهب إلى النجف الأشرف ، ولم يحضر ن.

ص: 279


1- تنظر ترجمته في لباب الألقاب ، الباب الثامن.

مجلساً من مجالس الدرس لتعطيلها بموت الشيخ مرتضى الأنصاري رحمه الله ، فطفق راجعاً إلى كاشان.

ثمّ هاجر إلى گلپايگان ، للتزوّد من أُستاذه التقيّ الملاّ زين العابدين ، الذي تأسّى بسيرته ، والتزم بوصيّته ، وسار على طريقته في الدرس والتهذيب والتأليف في العلوم بأنواعها ، والفنون بأشتاتها عندما عاد إلى كاشان(1).

حياته العلمية : عكف رحمه الله منذ نعومة أظفاره على الدرس ، والسعي الحثيث لطلب العلم والمعرفة - وقد مرّت بنا أسفاره وتنقّلاته في اختصار - مقبلا على شأنه ، صارفاً عنان نفسه عن جمع الأموال مع فقده لها وكثرة العيال ، غير مدّخر وسعاً في البحث والتدريس ، ولا صارفاً عمراً فيما صرفه البطّالون ، واللاهون الغافلون(2).

أخلاقه وأوصافه : وهو على كلّ ذلك كان - كما وصف نفسه قدس سره - دايم الذكر والتلاوة ، كثير التهجّد والعبادة ، محبّاً للاعتزال ، متجنّباً عن المراءوالجدال ، وعن غير شأنه من الجواب والسؤال ، إلاّ في مسائل الحرام والحلال ، معرضاً عن الحقد والحسد والطمع وطول الآمال ، صابراً على البأساء والضرّاء وشدائد الأحوال ، غير جازع من الضيق والفاقة وعدم المال ، يدلّك على ذلك - في أبسطه - كثرة مؤلّفاته وآثار العلمية(3).ه.

ص: 280


1- ينظر : العقد المنير للمازندراني : 394 ، معجم المؤلّفين 3 / 187.
2- نقلا عن مقدّمة كتاب ذريعة الاستغناء : 14.
3- المصدر نفسه.

شيوخه : تتلمذ الشيخ قدس سره على عدد من العلماء الكرام ، في مقدّمات الدرس ، ومراحل البحث المتقدّمة في الفقه والأُصول ، منهم :

1 - الميرزا أبو القاسم الكلانتري الطهراني.

2 - المولى حسين الفاضل الأردكاني.

3 - المولى زين العابدين الگلپايگاني.

4 - الشيخ محمّد الأصفهاني - ابن أُخت صاحب الفصول -.

5 - الميرزا محمّد الأندرماني.

6 - السيّد محمّد حسين بن محمّد علي بن رضا الكاشاني - وهو الذي قد أجازه بالرواية وهو في عمر السادسة عشر.

7 - السيّد المير محمّد علي بن محمّد الكاشاني ، تلميذ صاحب الضوابط ، وشارح نتائجه ، والمؤلّف رحمه الله صهر هذا السيّد.

8 - المولي هادي المدرّس الطهراني وغيرهم.

ولمّا بلغ الثامنة عشر أجازه السيّد محمّد حسين الإجازة التي نصّها كالآتي :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين. وبعد :

فإنّ ولدي الروحاني ، العالم الربّاني ، والعامل الصمداني ، النحرير

ص: 281

الفاضل ، الفقيه الكامل ، الموفّق المسدّد ، المؤيّد بتأييد الله الصمد ، حبيب الله ابن المرحوم المغفور علاّمة زمانه علي مدد رحمه الله ، قد كان معي في كثير من أوقات البحث والخوض في العلوم ، وقد قرأ عَلَيَّ كثيراً من علم الأُصول والفقه ، وسمع منّي كثيراً من المطالب المتعلّقة بعلم الكلام والمعارف الدينية وما يتعلّق بها ، وقد صار بحمد الله ومنّه عالماً فاضلا ، وفقيهاً كاملا ، مستجمعاً لشرائط الفتوى والاجتهاد ، حائزاً لمراتب العلم والعمل والعدالة والنبالة والسداد ، فأجزت له أن يروي عنّي عن مشائخي بأسانيدي وطرقي المرقومة في إجازاتي المتّصلة بأهل العصمة عليهم آلاف الصلاة والسلام والثناء والتحيّة ، وألتمس منه أن يلتزم الاحتياط في الفتوى والعمل ، وأن لا ينساني في أوقات الإجابة من الدعاء في حياتي وبعد مماتي.

وكان تحرير ذلك في الثاني عشر من شهر ذي الحجّة الحرام سنة (1279ه).

عبده

محمّد حسين بن محمّد علي الحسنيّ(1). 2.

ص: 282


1- نقلا عن مقدّمة ذريعة الاستغناء : 12.

أقوال العلماء فيه : وترقّى المؤلّف رحمه الله مكانة علمية رفيعة المستوى ذائعة الصيت ، بالغة الأُفق ، ما جعله يحظى باهتمام العلماء والدارسين.

1 - قال السيّد محسن الأمين : عالم فاضل ، له عدّة مؤلّفات(1).

2 - قال الشيخ آقا بزرك الطهراني : عالم فقيه ، ورئيس جليل ، ومؤلّف مروّج مكثر(2).

3 - قال السيّد موسى الحسينيّ المازندرانيّ : عالم فقيه ، محقّق ، مشارك في عدّة علوم(3).

مؤلّفاته : وقف المؤلّف رحمه الله نفسه على العلم والتصنيف ، والجمع والشرح والتأليف ، فبرع في كثير من العلوم ووسع فيها ، وتحقّقت إجادته في جملة من الفنون وخبرها ؛ فبلغت مؤلّفاته (163) مؤلّفاً(4) بين كتاب ورسالة ؛ في العلوم العربية والعقليّة ؛ كالخطّ والصرف ، والنحو والبلاغة والأدب وتاريخ السيرة وعلوم القرآن والحديث والكلام والفقه والأصول والمنطق والأخلاق والعرفان وغيرها من أفانين المعرفة. 1.

ص: 283


1- أعيان الشيعة 4 / 559.
2- نقلا عن مقدّمة ذريعة الاستغناء : 32.
3- العقد المنير : 394.
4- نقلا عن مقدّمة ذريعة الاستغناء : 31.

ولقد أُعدّت لذكر مؤلّفاته قوائم خاصّة بذلك ؛ أهمّها ما أعدّه الشريف هو لنفسه قدّس الله روحه في الفهرس الذي ذكره في نهالية ترجمته في كتابه لباب الألقاب الذي طبع مختصره في نهاية كتابه مغانم المجتهدين في حكم صلاة الجمعة والعيدين(1).

والقائمة التي شمّر لها عن ساعده الشيخ رضا الأستادي الطهراني التي رتّب فيها مؤلّفاته على الحروف الهجائيّة ، وطبعت مع ترجمة مفصّلة عن المؤلّف في مجلّة (نور علم) الفارسيّة ، العدد (54) الصادرة في قم سنة (1413 ه).

والفهرسة التي قدّمها محقّق كتابه ذريعة الاستغناء في تحقيق مسألة الغناء والذي صدر عن مركز إحياء آثار الشريف الكاشاني سنة (1417 ه) ، إذ صنّفت فيها المؤلّفات بحسب العلوم والموضوعات ، مع ترجمة مختصرة عن حياة المؤلّف في تصرّف بالاعتماد الكلّي على ترجمته لنفسه في لباب الألقاب ، وغيرها من الفهارس العامّة التي ذكرت حياته والخاصّة التي تصدّى لها من عمل على تحقيق تراثه الخالد.

وقد ذكر منها(2) :

1 - آداب المناظرة. نسخة منه في مركز إحياء التراث الإسلامي بقم ، رقم (909 / 1). ر.

ص: 284


1- الدرّة الفاخرة : 339.
2- ربّما ذكرنا الكتاب الواحد مرّتين ، وذلك لاختلاف الاسم في المصادر.

2 - الأسرار الحسينية(1) ، بالفارسية.

3 - إكمال الحجّة ، في المناجاة.

4 - الأنوار السانحة في تفسير سورة الفاتحة. طبع بتحقيق ونشر مؤسّسة شمس الضحى الثقافية ، طهران (1383 ه.ش).

5 - إيضاح الرياض ، حاشية على رياض الدلائل(2).

6 - بوارق القهر في تفسير سورة الدهر. طبع بتحقيق ونشر مؤسّسة شمس الضحى الثقافية ، طهران (1383 ه. ش)(3).

7 - تبصرة السائر في دعوات المسافر.

8 - تذكرة الشهداء ، مطبوع على الحجر ، بالفارسية.

9 - تسهيل الأوزان في تعيين الموازين الشرعية ، مطبوع(4).

10 - تفسير سورة التوحيد ؛ طبع مع الأنوار السانحة(5).

11 - تفسير سورة الفتح ؛ طبع مع الأنوار السانحة(6).

12 - تفسير سورة الملك ؛ طبع مع الأنوار السانحة. 9.

ص: 285


1- الذريعة 11 / 67 رقم 420.
2- الذريعة 18 / 277 ، و 26 / 75 رقم 354.
3- الذريعة : 26 / 109 رقم 523.
4- الذريعة 4 / 182 رقم 906.
5- الذريعة 4 / 335.
6- الذريعة 4 / 341 رقم 1487 ، أعيان الشيعة 4 / 559.

13 - جذبة الحقيقة ؛ في شرح دعاء كميل(1).

14 - جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث ، طبع بتحقيق نزار الحسن ، وتوزيع دار الأنصار ، قم سنة (1424 ه)(2).

15 - الجوهر الثمين في أصول الدين ، منظومة ، طبع سنة (1419 ه) ، وصدر عن سبط المؤلّف رحمه الله.

16 - حاشية على شرح قطر الندى.

17 - حديقة الجمل.

18 - حقائق النحو.

19 - حواشي تمهيد القواعد(3).

20 - خواصّ الأسماء ، في شرح الأسماء(4).

21 - الدرّ المكنون في شرح ديوان المجنون.

22 - درّة الدرر في تفسير سورة الكوثر ؛ طبع مع الأنوار السانحة(5).

23 - الدرّة الفاخرة ، منظومة في علم دراية الحديث ، طبع أوّلا مع الجوهر الثمين ، ثمّ طبع بتحقيق السيّد محمّد تقي الحسينيّ.

24 - درّة اللاهوت ، منظومة في العرفان. 8.

ص: 286


1- الدرّة الفاخرة : 340.
2- الدرّة الفاخرة : 340.
3- الذريعة 6 / 49 ، و 7 / 96 رقم 492.
4- الذريعة 7 / 271 رقم 1310 ، و 11 / 67.
5- الذريعة : 8 / 98 رقم 368.

25 - ديوان سالك الكاشاني(1).

26 - ذريعة الاستغناء ، في تحقيق مسألة الغناء ، صدر عن مركز إحياء آثار الشريف الكاشاني ، قم (1417 ه).

27 - رجال الميرزا حبيب الله. لعلّه لباب الألقاب الآتي(2).

28 - رجوم الشياطين في ردّ الملاعين. في ردّ البابية(3) ، بالفارسية.

29 - زبدة الفرائد. بالفارسية.

30 - زهر الربيع في علم البديع ، منظومة.

31 - شرح زيارة عاشوراء ، طبع بتحقيق نزار الحسن ، وتوزيع دار الأنصار ، قم 1423 ه. نسخة منه في مركز إحياء التراث الإسلامي بقم ، رقم (909 / 7).

32 - شرح الصحيفة السجّادية.

33 - شرح على المناجيات الخمس عشرة.

34 - شرح القصيدة العينية - هذا الكتاب ، وسيأتي الكلام عنه -.

35 - صراط الرشاد ، في الأخلاق.

36 - العشرة الكاملة. في آداب التلاوة وتجويد القرآن الكريم. نسخة منه في مركز إحياء التراث الإسلامي بقم ، رقم (909 / 4). 0.

ص: 287


1- الذريعة : 9 - القسم 2 - / 419 رقم 2440.
2- الذريعة 10 / 108.
3- الدرّة الفاخرة : 340.

37 - عقائد الإيمان ، في شرح دعاء العديلة ، بالفارسية(1).

38 - القواعد الجفرية ، قريباً ننجز تحقيقه بإذنه تعالى.

39 - كشف السحاب ، في شرح الخطبة الشقشقية(2).

40 - كلمات يبحث عنها النحويّون(3) ، قريباً ننجز تحقيقه بإذنه تعالى.

41 - گلزار أسرار ، بالفارسية(4).

42 - لبّ النظر. نسخة منه في مركز إحياء التراث الإسلامي بقم ، رقم (909 / 2).

43 - لباب الألقاب في ألقاب الأطياب ، مطبوع.

44 - لباب الفكر في علم المنطق.

45 - اللمعة في تفسير سورة الجمعة ، قريباً ننجز تحقيقه بإذنه تعالى.

46 - مرثيّة الإمام الحسين عليه السلام ، طبع بتحقيقنا في مجلّة تراثنا ، العدد (61 ، قم 1421 ه).

47 - مصابيح الدجى.

48 - مصابيح الظلام.

49 - مصاعد الصلاح في شرح دعاء الصباح(5). 0.

ص: 288


1- الدرّة الفاخرة : 340.
2- ريحانة الأدب 5 / 19 ، مصادر الإمامة في التراث الشيعي : رقم 1098.
3- مركز إحياء التراث الإسلامي فهرس النسخ الخطّية المجلّد الثالث.
4- الذريعة 9 - القسم 2 - / 419.
5- الدرّة الفاخرة : 340.

50 - منتخب الأمثال ، في أمثلة العرب.

51 - منتخب درّة الغوّاص في أوهام الخواصّ للحريري.

52 - منظومة في الصرف ، طبع مع الجوهر الثمين ، وهو عندنا قيد التحقيق.

53 - منظومة في علم المناظرة ، طبع مع الجوهر الثمين أيضاً.

54 - منظومة في المواعظ ، طبع مع الجوهر الثمين أيضاً.

55 - منظومة في النحو ، طبع مع الجوهر الثمين أيضاً ، وهو عندنا قيد التحقيق.

56 - منقذ المنافع في شرح المختصر النافع(1).

57 - منية الوصول ، منظومة في أصول الفقه ، طبع مع الجوهر الثمين أيضاً.

58 - نخبة التبيان في علم البيان ، أنجز تحقيقه الأستاذ عماد جبّار كاظم. نسخة منه في مركز إحياء التراث الإسلامي بقم ، رقم (909 / 5).

59 - نخبة المصائب(2).

60 - هداية الضبط في علم الخطّ ، أنجز تحقيقه الأستاذ عماد جبّار كاظم. نسختان منه في مركز إحياء التراث الإسلامي بقم ، رقم (909 / 3 و 1198 / 1). 0.

ص: 289


1- الذريعة 23 / 151 رقم 8459 ، أعيان الشيعة 4 / 559.
2- الذريعة 24 / 99 رقم 510.

61 - الوجيزة في الكلمات النحوية.

وغيرها كثير.

أولاده :

1 - الميرزا محمّد.

2 - الميرزا محمّد حسين.

وفاته ومدفنه : بعد عمر ناهز الثمانين في الدرس والتدريس والتأليف ، والنتاج والعطاء ، رفل المؤلّف في الذكر الخالد الحميد ، والتحق قدّس سرّه إلى الرفيق الأعلى في يوم الثلاثاء 23 خلت من جمادى الآخرة سنة (1340ه- / 1922م)(1).

ودفن في المقبرة المسمّاة ب- (دشت أفروز) التي تقع خارج بلدة كاشان ، في بقعة خاصّة به(2).

وأصبح قبره مزاراً يرتاده المؤمنون حتّى هذه الأيّام ، مخلّفاً وراءه تراثاً علميّاً كبيراً ، وذريّة صالحة ينعمون في أثواب المجد والخير إلى الآن.

القصيدة العينية وشروحاتها :

لقد كان لهذه القصيدة دويّ واسع في المجتمع الإسلاميّ ، وهذا هو 5.

ص: 290


1- ينظر : الذريعة 5 / 287 ، العقد المنير : 395 ، معجم المؤلّفين 3 / 187.
2- ينظر : الذريعة 10 / 108 ، العقد المنير : 395.

الإمام الصادق عليه السلام يُشيّد بهذه القصيدة ويضرب ستراً لتسمعها النساء - كما سيذكر ذلك المؤلّف رحمه الله -.

وقد نالت هذه القصيدة إقبالا واسعاً من قبل الأُدباء والشعراء ، وأكبَّ غير واحد من المحقّقين على شرحها ، نذكر ما تسنّى لنا معرفته من هذه الشروحات كالآتي :

1 - تحفة الأحبّاء في شرح قصيدة سيّد الشعراء : للشيخ المولى علي بن عبدالعظيم الحكم آبادي التبريزي المعروف بالواعظ الخياباني (1282 - حدود 1370 ه) من مشاهير العلماء وفرسان رجال الخطابة والوعظ ، أديب بارع متكلم متضلّع متتبّع.

وهو شرح لطيف جيّد يظهر منه براعته في الأدب العربي(1).

2 - التحفة الأحمدية : للشيخ المولى محمّد قاسم بن محمّد رضا المدرّس الهزارجريبي الأسترآبادي ، المتوفّى حدود سنة (1135 ه) ، من نوابغ الفلاسفة وأساتذة التحقيق والتدقيق ، جامع الفنون والكمالات ، عميق النظر ، دقيق الفكر ، عالم كبير ، حكيم متألّه ، كان من تلامذة ملاّ شمسا الگيلاني في الفلسفة العالية ، والشيخ محمّد كاظم الطالقاني القزويني المتوفّى سنة (1094ه) في الفقه والأصول والكلام.

وهو شرح مختصر جيّد - باللغة الفارسيّة ، طبع في مجلّة (حوزه 8.

ص: 291


1- نقباء البشر 4 / 1468 ، الذريعة 3 / 409 و 14 / 11 ، أعيان الشيعة 8 / 369 ، مستدركات أعيان الشيعة 1 / 128.

أصفهان) العدد الرابع والخامس سنة (1380 ه. ش)(1).

3 - شرح عينية الحميري : للشيخ كمال الدين محمّد بن معين الدين محمّد الأصفهاني الفسوي المعروف بميرزا كمالا ، المتوفّى حدود سنة (1125 ه) ، حكيم متكلّم أصوليّ ، مفسّر أديب ، وهو صهر العلاّمة المجلسي الأوّل (1070 ه) على بنته.

وهو شرح لطيف جيّد ، فرغ منه سنة (1115 ه). نسخة منه في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران(2).

ونسخة أخرى في مكتبة المرتضوي ضمن المجموعة رقم (104) (3).

4 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : - باللغة الفارسية - للشيخ أبي القاسم بن أبي الحسن الهزارجريبي المازندراني ، المتوفّى بعد سنة (1297ه) ، مجتهد فاضل ، متضلّع في النحو والصرف والأدب ، شاعر مفلق ، ذو باع واسع في اللغة الفارسية وآدابها ، له شرحان على هذه القصيدة.

نسخة منه في مكتبة المرعشي في قم ، ونسخة أخرى في مكتبة الإمام الصادق عليه السلام في قزوين(4).9.

ص: 292


1- الكواكب المنتثرة : 594 ، فهرس مخطوطات المرعشي 6 / 18 و 26 / 277 الغدير 2 / 224 ، تلامذة المجلسي : 119.
2- الذريعة 14 / 13 رقم 1521 ، فهرس مكتبة المجلس 22 / 355 - 357.
3- مذكورة في مجلّة تراثنا ، العدد 68 ص : 140.
4- فهرس مكتبة المرعشي 16 / 49 و 19 / 158 ، فهرس مكتبة الإمام الصادق عليه السلام 1 / 311 ، موسوعة مؤلّفي الإمامية 2 / 359.

5 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : - بالأردو - لأنور حسين الهنديّ ، الملقّب بممتاز الأفاضل ، المتوفّى حدود سنة (1350 ه) ، فقيه متضلّع ، أصولي محقّق. طبع في الهند(1).

6 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : للشيخ بخش علي اليزدي الحائري (1320 ه) كان فقيهاً أصوليّاً ، عالماً متبحّراً في العلوم ولا سيّما العربية والنحو والمنطق.

وهو شرح جيّد لطيف ، يظهر منه تبحّره في الأدب(2).

7 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : للملاّ حبيب الله الشريف بن علي مدد الكاشاني - هذا الشرح -.

8 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : للشيخ حسن بن محمّد إبراهيم بن محتشم الأردكاني النجفي ، المتوفّى سنة (1315 ه) ، من أجلاّء المدرّسين ، وأكابر العلماء ، له التبحّر في الأدب العربي ، واليد الطولى في الشعر ، وكان أستاذ السيّد محمّد كاظم اليزدي الطباطبائي - صاحب العروة الوثقى -(3).

9 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : للشيخ حسن الصالحي (1310 - 1401 ه) ابن مدرّس الطفّ الشيخ الميرزا علي نقي بن الشيخ الحسن بن 2.

ص: 293


1- الذريعة 14 / 11 رقم 1510 ، نقباء البشر 1 / 184.
2- نقباء البشر 1 / 230 ، الذريعة 14 / 11 رقم 1511.
3- نقباء البشر 1 / 378 ، الذريعة 14 / 11 رقم 1512.

الزعيم الميمون الشيخ محمّد صالح البرغاني الحائري ، من العلماء الأبرار ، والأتقياء الأخيار ، فقيه مجاهد ، ساهم في الثورة العراقية سنة (1920 ه) ، فرغ من تأليفه سنة (1340 ه) في كربلاء.

10 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : - باللغة الفارسية - للشيخ زيب العلماء بن حسام الحسامي ، المتوفّى بعد سنة (1271 ه) ، من العلماء الأفاضل والمجتهدين الأجلاّء ، متخصّص في فنون الأدب والشعر.

وهو شرح مفصّل جيّد ولطيف ، ألّفه باسم السلطان ناصر الدين الشاه القاجاري ، المتوفّى (1313 ه) ، وفرغ من تأليفه في رمضان سنة (1271 ه) ، وينقل فيه عن أستاذه السيّد جعفر الدارابي (1189 - 1267 ه)(1).

11 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : - باللغة الفارسية - للسيّد علي أكبر بن السيّد رضيّ بن محمّد تقيّ الرضوي البرقعيّ ، المولود سنة (1317 ه)(2).

12 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : - باللغة الفارسية - للشيخ الميرزا علي خان بن ذو الفقار الگلپايگاني ، المتوفّى سنة (1130 ه) ، من أساطين الدين الجامعين للفضائل الصورية والمعنوية ، متّصف بالصلاح والسداد نسخة منه في مكتبة السيّد حسن الصدر في الكاظمية(3). 9.

ص: 294


1- فهرس مكتبة المرعشي 6 / 134 رقم 2122 ، تراجم الرجال 1 / 221.
2- الذريعة 14 / 12 رقم 1518.
3- تلامذة العلاّمة المجلسي : 43 ، الذريعة 14 / 12 رقم 1519.

13 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : - بالأردو - للشيخ علي بن علي رضا الخاكمرداني الخوئي (1292 - 1350 ه) ، من أعلام الفقه والأصول ، شارك في مختلف العلوم الإسلامية(1).

14 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : للشيخ الميرزا فضل علي بن المولى عبدالكريم بن أبي القاسم الإيرواني المولوي التبريزي ، المتخلّص في شعره ب- : (صفائي (تبريز 1272 - برلين 1339 ه) ، فقيه أصولي ، من أساتذة الفقه والأصول والتفسير ، جليل القدر ، رفيع المنزلة ، أديب شاعر.

وهو شرح جيّد لطيف ، نسخة منه في مكتبة الشيخ علي الخياباني ونسخة أخرى في مركز إحياء التراث الإسلامي ، قم برقم (1215)(2).

15 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : للشيخ محمّد باقر البيدگلي الكاشاني ، من أعلام القرن الرابع عشر الهجري ، عالم فاضل ، أديب متبحّر.

وهو شرح مختصر كتبه بالتماس بعض أصدقائه ، ويعتني فيه بالجوانب الأدبية ، يقوم بتحقيقه : الأستاذ أياد گمركرم(3).

16 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : للميرزا محمّد رضا بن نور محمّد القراجة داغي التبريزي ، المتوفّى حدود سنة (1295 ه) ، فقيه بارع ،0.

ص: 295


1- الذريعة 14 / 11 رقم 1517.
2- الذريعة 14 / 12 رقم 1520 ، فهرس المخطوطات العربية في مركز إحياء التراث الإسلامي 2 / 249.
3- التراث العربي في خزانة مخطوطات مكتبة المرعشي 3 / 375 ، تراجم الرجال 2 / 589 رقم 1100.

أديب متضلّع ، فرغ منه سنة (1279 ه) ، طبع مراراً(1).

17 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : للشيخ محمّد القمّي ، عالم مجتهد ، وفقيه أصولي ، أديب محقّق من الأعلام(2).

18 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : للسيّد مرتضى بن السيّد علي رضا الحسيني ، فرغ من تأليفه سنة (1290 ه)(3).

19 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : مجهول المؤلّف ، نسخة منه ضمن مخطوطات مكتبة الراجة فيض آباد في الهند(4).

20 - شرح القصيدة العينية (الحميرية) : مجهول المؤلّف ، نسخة منه مكتوبة في القرن الثالث عشر الهجري يحتمل أن تكون بخطّ مؤلّفه ، يظهر منه أنّ مؤلّفه تبحّر في الأدب العربي.

21 - الشهاب الثاقب ومرغم الناصب في فضل عليّ بن أبي طالب عليه السلام : للشيخ محمّد حسين بن إبراهيم القزويني المشهور بدرباغي ، المتوفّى حدود سنة (1185 ه) ، من العلماء الأعلام والمجتهدين الأفاضل. فرغ من تأليفه سنة (1111 ه)(5). 3.

ص: 296


1- مؤلّفين كتب چاپي 3 / 205 ، فهرس مكتبة المرعشي 7 / 138 - 139 ، الذريعة 14 / 11 رقم 1514.
2- الذريعة 14 / 13 رقم 1522.
3- الذريعة 14 / 13 رقم 1523.
4- الذريعة 14 / 11 رقم 1515.
5- الذريعة 14 / 11 رقم 1513.

22 - الغديرية العينية للسيّد الحميري : للشيخ محمّد صالح بن محمّد البرغاني الحائري ، المتوفّى سنة (1271 ه) ، من أعاظم علماء الشيعة البارزين ، وشيوخ الاجتهاد والفتوى. طبع بتحقيق عبدالحسين الصالحي آل الشهيد الثالث ، وصدر عن مؤسّسة البلاغ ودار سلوني ، بيروت (1424 ه- / 2004م)(1).

23 - اللآلىء العبقرية في شرح العينية الحميرية : لبهاء الدين الإصبهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062 - 1137 ه) ، طبع بتحقيق مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، قم (1421 ه)(2).

24 - الموجة الكوثرية في شرح القصيدة الحميرية : للسيّد محمّد هادي بن علي أكبر اللكهنوي ، من أعلام القرن 14 الهجري ، ألّفه بعد أن تتلمذ في العلوم الأدبية على أخيه السيّد محمّد عباس اللكهنوي ، فرغ منه في شعبان سنة (1267 ه).

نسخة منه في مركز إحياء التراث الإسلامي في قم برقم (2833)(3) ، يقوم بتحقيقه : الأُستاذ أياد گمركرم.

وقد ذكر العلاّمة الأميني جماعة آخرين بأنّ لهم شرحاً على هذه 5.

ص: 297


1- الذريعة 14 / 11 رقم 1516.
2- الذريعة 3 / 409 و 14 / 13 و 18 / 259 رقم 17.
3- فهرس المخطوطات العربية 4 / 254 - وفي الفهرس الفارسي : ج7 / 280 - الذريعة 23 / 254 رقم 8865.

القصيدة ، وهم :

1 - الشيخ حسين بن جمال الدين الخوانساري ، المتوفّى (1099 ه).

2 - السيّد محمّد عباس بن السيّد علي أكبر الموسوي ، المتوفّى سنة (1306 ه).

3 - المولى علي التبريزي ، مؤلّف وقائع الأيّام(1).

حول الكتاب

شرح لطيف مختصر على القصيدة العينية المشهورة للسيّد الحميري ، والتي مطلعها :

لأُمِّ عَمْر بِاللَّوى مَرْبَعُ

طامِسَةٌ أعْلامُهُ بَلْقَعُ

يذكر المؤلّف رحمه الله بعد كلّ بيت - أو أبيات - المفردات اللغوية ثمّ يشرحها مع الاستفادة من الأحاديث المناسبة للأبيات المروية عن أهل البيت عليهم السلام.

وابتدأ الكتاب بتعريف موجز للحميري وبعض أخباره ، وصلته بالإمام الصادق عليه السلام ، ومنزلة هذه القصيدة بالذات عند أهل البيت عليهم السلام.

فرغ منه مؤلّفه رحمه الله في شهر محرّم الحرام سنة (1299 ه).

أمّا القصيدة فهي على بحر السريع ، سمّيت بالعينية على وجوه ، منها :

1 - أنّها على قافية العين. 4.

ص: 298


1- الغدير 2 / 224.

2 - أنّها لشرفها ممّا ينبغي أن تحمل على العين ، لا على الرأس أو اليدين ، أو تضمّ على الصدر بالساعدين أو الزندين ، بل ينبغي أن تكتب بالأجفان على بياض العين ، لا على القراطيس.

3 - أنّها في شأن ما هو فرض العين على الأعيان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام.

4 - أنّها من منشآت عين الأعيان السيّد الحميري.

5 - أنّها في شأن عين أعيان الثقلين ، وعين ما وصّى به النبيّ(صلى الله عليه وآله) من أحد الثقلين.

6 - أنّها في الظهور بمنزلة المشهود بالأنظار.

افتتحها السيّد الحميري بالتغزّل على عادة الشعراء ، واختار في تغزّله التحسّر على إقفار منزل المحبوبة وانطماس آثارها للمناسبة مع ما هو بصدده من التحسّر على ما جرى من الظلم على أهل بيت النبوّة عليهم السلام ، ويذكر فيها حديث الغدير في البيت (20) وما بعده ، لذا سمّيت القصيدة ب- (الغديرية) أيضاً.

واحتلّت القصيدة الصفحات (261 - 266) من ديوان السيّد الحميري ، وطبعه الديوان التي اعتمدناها في تحقيقنا هي بجمع وتحقيق وشرح شاكر هادي شاكر ، قدّم له العلاّمة الكبير الحجّة السيّد محمّد تقي الحكيم عميد كلّية الفقه في النجف الأشرف وأستاذ أصول الفقه المقارن في جامعة بغداد - قسم الماجستير ، ومن منشورات دار مكتبة الحياة - بيروت.

ص: 299

النسخة المعتمدة :

هي النسخة المخطوطة المحفوظة في خزانة مركز إحياء التراث الإسلامي بالرقم 1982 ، والمذكورة في فهرس المخطوطات العربية للمركز المذكور (ج3 / 217) ، وفي الفهرس الفارسي (ج5 / 414).

كتبت النسخة بخطّ النسخ في 73 صفحة ، وفي كلّ صفحة 17 سطراً بقياس 21 × 5/15 سم. كاتبها محمّد بن حبيب الله الشريف الكاشاني (ابن المؤلّف) ، وقد تمّت كتابتها في جمادى الثانية سنة (1373 ه). وقد رمزنا لها بالحرف (خ).

منهج التحقيق :

كان عملنا في إحياء هذا الأثر الجميل كالآتي :

1 - دوّنّا أبيات عينية الحميري وقابلناها مع ديوان السيّد ، وأشرنا لمحالّ الاختلاف.

2 - الأحاديث الشريفة التي استشهد بها المؤلّف رحمه الله أرجعناها إلى مصادرها الحديثية المعتبرة.

3 - الأبيات الشعرية التي استشهد بها المؤلّف أعرنا العربيّ منها وذكرنا أوزانها ، أمّا الأبيات الفارسية فقد اكتفينا بالمعنى الإجمالي لها.

4 - المفردات اللغوية التي أوضحها المؤلّف رحمه الله ذكرنا بدورنا المصادر

ص: 300

اللغوية التي ذكرت ذلك التوضيح ، أو تؤيّده ، أو تزيد عليه.

5 - شروحات المؤلّف رحمه الله بصورة عامّة قارنّاها بالشروحات الأخرى لهذه القصيدة الخالدة ، وأضفنا عليها ما كان مفيداً.

6 - ما أضفناه في المتن جعلناه بين معقوفتين [] ، وأشرنا لمصدره.

وأخيراً نحمده تبارك وتعالى أن وفّقنا لإتمام هذا السفر الثمين ، إنّه نعم المولى ونعم المعين.

فارس حسّون كريم

الكوت / العراق

13 رجب 1429 ه-

ذكرى ولادة أمير المؤمنين عليه السلام

ص: 301

صورة

ص: 302

صورة

ص: 303

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا إلى موالاة أوليائه ، ومعاداة أعدائه ، والصلاة على محمّد سيّد أنبيائه ، وعلى المعصومين من عترته وآله ، ولا سيّما عليّ أفضل أوليائه وأُمنائه.

أمّا بعد :

فيقول العبد الواثق بالله الصمد حبيب الله بن علي مدد : إنّ الشعر وإن كان (أحسنه أكذبه)(1) ، وإنّ الشعراء يتّبعهم الغاوون(2) ، وقد نزّه الله نبيّه (صلى الله عليه وآله) عنه ، فقال : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغي لَهُ)(3) ، ولكن قد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) : «إنّ من الشعر لحكمة»(4) ، وصحّ عنه أنّه كان تُنشد الأشعار بحضرته ، وقد أمر حسّان بن ثابت يوم الغدير بقول الشعر فأنشأ لديه ما أنشأ(5) ، ومدح جماعة -

ص: 304


1- فتح الباري 10 / 444. ويؤيّده قوله تعالى (يَقُوْلُوْنَ مَا لاَ يَفْعَلُوْنَ) الشعراء : 226.
2- إشارة إلى قوله تعالى في سورة الشعراء : 224.
3- يس : 69.
4- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 269 و 273 ، سنن الدارمي 2 / 296 ، من لا يحضره الفقيه 4 / 379 ح 5805.
5- روى المفيد في الإرشاد 1 / 177 أن جاء حسّان إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فقال له : يا رسول الله ، ائذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله. فقال له : قل - يا حسّان -

من الشعراء ووصلهم بصِلات وعطايا(1) ، وجَرَت هذه السنّة في المعصومين من عترته حتّى أنّ الحسين بن علي عليه السلام كان يتوفّر الجوائز على الشعراء إلى أن كتب إليه الحسن بن علي عليه السلام يلومه على ذلك ليظهر للناس عذره ، فكتب إليه : «أنت أعلم منّي بأنّ خير المال ما وقى العِرضَ»(2).

وصحّ قول الشعر عن أمير المؤمنين عليه السلام في الجملة ، وكذا عن سائر المعصومين عليهم السلام. 2.

ص: 305


1- روى المقريزي في الإمتاع 1 / 356 في حوادث السنة الثامنة من الهجرة : ففي هذه السنة كان إسلام كعب بن زهير بن أبي سُلمى ، فأسلم وقدم على رسول الله المدينة وأنشده القصيدة [التي مطلعها : بانَتْ سُعادُ فَقَلْبِي اليَومَ مَتْبُولُ مُتَيَّمٌ إثْرَها لَم يُفْدَ مَكْبُولُ] فكساه بُردة كانت عليه ، وقال ابن قتيبة : أعطى رسول الله كعب بن زهير راحلة وبُرداً ، فباع البُرد من معاوية بعشرين ألفاً ...
2- كشف الغمّة 2 / 31 ، نزهة الناظر للحلواني : 83 ح 39 ، وسائل الشيعة 21 / 558 باب 28 ح 2.

فطريق الجمع في ذلك حمل ما دلّ على ذمّ الشعر والشعراء على المشتمل منه على الكذب والباطل ، وهجاء المؤمنين ، وتمزيق الأعراض ، كما في كثير من أشعار شعراء الجاهلية ، كإمرىء القيس وأضرابه (1).

وما دلّ على المدح على ما دلّ على حكمة وموعظة ، وبيان حقّ ، وردع باطل ، ومن ذلك القبيل ما أنشدوه في مراثي الحسين عليه السلام : وقد روى أبو هارون المكفوف أنّ الصادق عليه السلام قال له : «يا أبا هارون ، أنشدني في الحسين عليه السلام.

قال : فأنشدته [فبكى].

فقال لي : أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقّة - ، فأنشدته :

أمْرُرْ على جَدَثِ الحُسَيْ-

-نِ فَقُلْ لأعظُمِهِ الزَّكيَّة

فبكى ، ثمّ قال : زدني. فأنشدته القصيدة الأخرى ، فبكى ، وسمعت البكاء من خلف الستر.

فلمّا فرغت قال : يا أبا هارون ، مَن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنّة ، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنّة ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً 5.

ص: 306


1- كما في أبياته الماجنة في معلّقته : أفاطم مَهْلا بعضَ هذا التدَلُّل وإن كنتِ قد أزْمَعْتِ صَرْمي فأجْملي أغَرَّكِ منّي أنّ حُبَّكِ قاتِلي وأنّكِ مهما تأمري القلبَ يفعلِ ينظر شرح المعلّقات السبع للزوزنى : 13 - 15.

كتبت له الجنّة»(1).

وقصّة دعبل بن عليّ الخزاعي معروفة.

ومن ذلك القبيل أيضاً ما أنشدوه في مدح أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وبيان مراتب فضائلهم وفواضلهم ، والحثّ على موالاتهم ومحبّتهم وطاعتهم.

فمن شعرائهم الممدوحين ، المادحين لهم : السيّد إسماعيل الحميري فإنّه مع شيوع الإنحراف عن ولاية أهل البيت في قبيلته ، وعادة أبويه للعن أمير المؤمنين عليه السلام على ما حكاه الشيخ المفيد رحمه الله(2) ، قد هداه الله إلى ولايتهم ، لك

ص: 307


1- كامل الزيارات : 208 ح 1 و 210 ح 5 ، ثواب الأعمال : 84 ، مثير الأحزان : 64 ، وسائل الشيعة 14 / 595 ح 3 ، بحار الأنوار 44 / 287 ح 25 وص : 288 ح 28.
2- لم نجده عن المفيد. نعم روى أبو الفرج الاصفهاني عن سليمان بن أبي شيخ ، عن أبيه : أنّ أبوي السيّد كانا أُباضيّين ، وكان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبّة ، وكان السيّد يقول : طالما سُبّ أمير المؤمنين في هذه الغرفة ، فإذا سئل عن التشيّع من أين وقع له ، قال : غاصت عليَّ الرحمة غوصاً. وروي عن السيّد أنّ أبويه لمّا علما بمذهب همّا بقتله ، فأتى عقبة بن سلم الهنائي ، فأخبره بذلك فأجاره وبوّأه منزلا وهبه له فكان فيه حتّى ماتا فورثهما. الأغاني 7 / 230. وقال إسماعيل بن الساحر راوية السيّد : كنت عنده يوماً في جناح له ، فأجال بصره فيه ، ثمّ قال : يا إسماعيل ، طال - والله - ما شُتم أمير المؤمنين عليّ في هذا الجناح. قلت : ومن كان يفعل؟ قال : أبواي. الأغاني 7 / 235. وقال المرزباني بسنده عن العبّاسة بنت السيّد ، قالت : قال لي أبي : كنت وأنا صبيّ أسمع أبويّ يثلبان أمير المؤمنين عليه السلام فأخرج عنهما وأبقى جائعاً ، وأوثر ذلك

والإذعان بمراتبهم ، فأنشد في مدائحهم ما أبدى فضله ورسوخه في محبَّتهم ، حتّى أنّ الصادق عليه السلام سمّاه سيّد الشعراء(1) بعد أن سمّاه قومه سيّداً.

قال أبو عمرو الكشّي : إنّ الحميري ذهب إلى الصادق عليه السلام ، فقال عليه السلام له : «سمّاك قومك سيّداً وقد أدركت التوفيق وجعلت سيّد الشعراء» ، وهو يقول بعد ذلك في مقام التفخّر :

ولقد عجبت لقائل لِيَّ مرة

علاَّمَةً فَهْمٌ من(2)

الفُقَهاءِ

سَمّاكَ قومك سيداً صَدَقوا [به](3)

أنت الموفق سيد الشعراءِي.

ص: 308


1- رجال الكشّي 2 / 574 ح 507 ، بحار الأنوار 47 / 326.
2- كذا في الكشّي ، وفي (خ) : فهّامة.
3- من الكشّي.

ما أنت حينَ تَخُصُّ آل محمد

بالمدح منك وشاعر بِسَواءِ

مُدح الملوك ذوو الغنى لعطائهم

والمدح منك لهم لغيرِ عَطَاءِ

أبشر فإنّك فائز في حُبّهم

لو قد وردْتَ عليهم بجَزاءِ

ما تَعدلُ الدنيا جميعاً كلها

من حوض أحمد شربة من ماءِ

ويظهر من هذا أنّ سيادته كانت بحسب المعنى اللغوي.

ولم يرفد له ابن خلّكان في تاريخه ترجمةً ، ولكنّه قال في ترجمة يزيد بن زياد بن ربيعة : «والسيّد الحميري الشاعر المشهور من ولده ، وهو إسماعيل بن محمّد بن بكّار بن يزيد.

كذا ذكره ابن ماكولا في كتاب الإكمال(1) ، ولقبه : السيّد ، وكنيته : أبو هاشم ، وهو من كبار الشيعة ، وله في ذلك أخبارٌ وأشعارٌ مشهورة»(2) انتهى.

وقال القطيفي في الهداية(3) : إنّه كان من الكيسانية ، وله في مذهبهم أشعار كثيرة ، ثمّ رجع عن القول بالكيسانية ، وبرىء منه ، ودان بالحقّ ، لأنّ الصادق عليه السلام دعاه إلى إمامته ، وأظهر له الحقّ فتبعه وفارق ما كان عليه من الضلالة(4).

وله عند رجوعه ، قوله : 3.

ص: 309


1- إكمال الكمال 4 / 417.
2- وفيات الأعيان 6 / 343 رقم 339.
3- لعلّه الهداية في إثبات الإمامة والولاية لعبدالله بن فرج بن عبدالله بن عمران القطيفي صاحب تحفة الأبرار. ذكره في الذريعة 25 / 186 رقم 183.
4- الفصول المختارة : 93.

تَجَعْفَرْتُ باسم الله والله أكبر

وأيقنت أنّ الله يعفو ويغفرُ

وَدِنْتُ بدين غيرِ ما كنتُ دايِناً

به ونهاني سيّد النّاس جعفرُ

فلست بِغال ما حَييتُ وارجعاً

إلى ما عليه كنت أُخفي وأُضمرُ(1)

ولا قائلا قولا لكَيْسانَ بعدها

وإن عابَ جُهّالٌ مقالي وأكثروا

ولكنّه ممّن مضى لسبيله

على أحسن الحالات يُقْفَى ويُؤْثَرُ(2)

وفي كتاب معالم العلماء من شعراء أهل البيت عليهم السلام لمحمد بن علي بن شهرآشوب قسّم شعراءهم على أربع طبقات : المجاهدين ، والمقتصدين ، والمتّقين ، والمتكلّفين ، وجعل من المجاهدين السيّد إسماعيل الحميري ، قال : وكان من أصحاب الصادق عليه السلام ، ولقي الكاظم عليه السلام ، وكان في بدء الأمر خارجيّاً ، ثمّ كيسانيّاً ، ثمّ إماميّاً.

وقيل له : لِمَ لا تقول شعراً غريباً؟

فقال : أقول ما يفهمه الصغير والكبير ، ولا يحتاج إلى التفسير ، ثمّ أنشأ :

أيا ربّ إنّي لم أُردْ بالذي به

مدحتُ علياً غير وجهك فَارْحَم(3)

وفي كتاب المحاضرات للراغب : «قال السيّد الحميري : رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المنام كأنّه في حديقة سبخة فيها نخل طوال ، وبجنبها 6.

ص: 310


1- وأُظهِر (خ ل).
2- طبقات الشعراء : 7 ، الفصول المختارة : 299 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 / 371.
3- معالم العلماء : 180 ، أعيان الشيعة 3 / 406.

أرض كأنّها كافور ليس فيها أشجار ، فقال لي : أتدري لمن هذه النخيل؟

فقلت : لا.

فقال : لامرىء القيس ، فاقلعها واغرسها في هذه ، ففعلتُ.

فلمّا أصبحت أتيت ابن سيرين ، فقصصتُ رؤياي عليه ، فقال : أتقول الشعر؟

قلت : لا.

فقال : أما إنّك ستقول مثل شعر امرىء القيس ، إلاّ أنّك تقوله في قوم طهرة.

فما انصرفتُ إلاّ وأنا أقول الشعر»(1) ، انتهى.

فهو من النوابغ في الشعر. قيل : جمعت من شعره ألفين ومائتي قصيدة ، وزعمت أنّه لم يذهب عنّي منه شيء.

فبينما أنا ذات يوم إذ أنشد رجل شعراً ، فقلت : لمن هذا؟ فقالوا : للسيّد.

فقلت في نفسي : ما أراني في شيء بعد الذي جمعته(2). انتهى.

وعن الشيخ الطوسي قدس سره في أماليه : أنّ آخر ما قاله السيّد إسماعيل الحميري من الشعر عند احتضاره حين ابيضّ وجهه بعد اسوداده هذا الشعر :

أُحب الذي مَن مات مِن أهل وِدِّهِ

تلقَّاه بالبشرى لدى الموت يضحكُ7.

ص: 311


1- محاضرات الأدباء 1 / 87 ، نفس الرحمن في فضائل سلمان : 232.
2- الأغاني 7 / 236 و 237.

ومَن مات يهوى غيره من عدوه

فليس له إلاّ إلى النار مسلكُ

أبا حسن تفديك نفسي وأسرتي

ومالي وما أصبحتُ في الأرضِ أسلكُ

أبا حسن إنّي بفضلك عارف

وإنّي بحبل مَن هَواك لَمُمْسِكُ

وأنت وصيُّ المصطفى وابن عمه

وإنّا نعادي مبغضيك ونَتْرُكُ

مواليك ناج مؤمن بَيِّن الهدى

وقَالِيك معروف الضلالة مشركُ

ولاح لَحانِي في عليٍّ وحزبه

فقلت لَحَاكَ اللهُ إنك أعْفَكُ(1)(2)

وروي عن سهل بن ذبيان ، قال : دخلت على الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام في بعض الأيّام قبل أن يدخل عليه أحد من الناس ، فقال لي : مرحباً بك - يا ابن ذبيان - الساعة أراد رسولنا أن يأتيك لتحضر عندنا.

فقلت : لماذا ، يا ابن رسول الله؟

فقال : لمنام رأيته البارحة؟ وقد أزعجني وأرّقني.

فقلت : يكون خيراً إن شاء الله.

فقال : يا ابن ذبيان ، رأيت كأنّي قد نُصِب لي سُلّم فيه مائة مرقاة ، فصعدت إلى أعلاه.

فقلت : يا مولاي ، أُهنّئك بطول العمر ، وربّما تعيش مائة سنة ، لكلّ مرقاة سنة.

فقال لي عليه السلام : ما شاء الله كان. 2.

ص: 312


1- أعفك : أحمق.
2- أمالي الطوسي : 49 ح 32.

ثمّ قال : يا ابن ذبيان ، فلمّا صعدتُ إلى أعلى السلّم رأيت كأنّي دخلت في قبّة خضراء يُرى ظاهرها من باطنها ، ورأيت جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) جالساًُ فيها وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان يُشرق النور من وجههما ، ورأيت امرأة بهيّة الخلقة ، ورأيت بين يديه شخصاً بهيّ الخلقة جالساً عنده ، ورأيت رجلا واقفاً بين يديه وهو يقرأ هذه القصيدة : «لأمِّ عَمرو باللِّوى مربَعُ».

فلمّا رآني النبي(صلى الله عليه وآله) قال لي : مرحباً بك يا ولدي يا عليّ بن موسى الرضا ، سلِّم على أبيك عليّ ، فسلّمت عليه.

ثمّ قال لي : وسلِّم على أُمّكَ فاطمة الزهراء ، فسلَّمتُ عليها(1).

ثمّ قال لي : وسلِّم على أبويك الحسن والحسين ، فسلَّمت عليهما.

ثمّ قال لي : وسلِّم على شاعرنا ومادحنا في دار الدنيا السيّد إسماعيل الحميري ، فسلَّمت عليه ، وجلست ، فالتفتَ النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلى السيّد إسماعيل ، وقال : أعد إليَّ ما كنّا فيه من إنشاد القصيدة ، فأنشد يقول :

لأمّ عَمْرو بِاللِّوى مَربعُ

طامِسةٌ أعلامُهُ بَلْقَعُ

فبكى النبيّ(صلى الله عليه وآله).

فلمّا بلغ إلى قوله : (ووجهه كالشّمس إذْ تطلعُ) بكى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفاطمة عليها السلام ومن معه.

ولمّا بلغ إلى قوله : (قالوا له لو شئت أعلمتَنا) رفع النبي(صلى الله عليه وآله) يديه ، ر.

ص: 313


1- من البحار.

وقال : إلهي أنت الشاهد عليَّ وعليهم إنّي أعلمتهم أنّ الغاية والمفزع عليّ بن أبي طالب ، وأشار بيده إليه ، وهو جالس بين يديه صلوات الله عليه.

قال عليّ بن موسى الرضا عليه السلام : فلمّا فرغ السيّد [إسماعيل الحميري](1) من إنشاد القصيدة التفت النبيّ(صلى الله عليه وآله) إليَّ ، وقال لي : يا عليّ بن موسى الرضا ، احفظ هذه القصيدة ومُر شيعتَنا بحفظها ، وأعلمهم أنّ مَن حفظها وأدمنَ قراءتها ضمنت له الجنّة على الله تعالى.

قال الرضا عليه السلام : ولم يزل جدّي يكرّرها عليَّ حتّى حفظتها منه(2).

قيل : لعلّه عليه السلام لمّا كان متشوّقاً إلى مشاهدة جمالهم عليهم السلام لم يخطر بباله حفظ تلك القصيدة بمجرّد استماعه لها.

وروي عن فضيل بن عبد ربّه أنّه قال : دخلت على الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، فقلت له : يا سيّدي ، إنّي أُنشدك قصيدة للسيّد إسماعيل الحميري.

قال : أجل ، ثمّ إنّه عليه السلام أمر بستور فسدلتْ ، وأبواب ففتحتْ ، وأجلس حريمه من وراء الستر ، ثمّ قال : أنشد - يا فضيل - بارك الله فيك.

فأنشدته قصيدة السيّد التي أوّلها : (لأمّ عَمرو باللوى مربع).

فلمّا بلغت إلى قوله : (وَوَجْهه كالشَّمْسِ إذْ تَطلعُ) سمعت نحيباً من وراء الستر ، وذلك بكاء أهل بيته وعياله ، وبكى هو أيضاً عليه السلام لأنّه كان رقيق القلب ، سريع العبرة.8.

ص: 314


1- من البحار.
2- بحار الأنوار 47 / 328.

فقال عليه السلام لي : يا فضيل ، لمن هذه القصيدة؟

فقلت : هذا للسيّد إسماعيل الحميري.

فقال عليه السلام : يرحمه الله.

فقلت : يا مولاي ، إنّي رأيته يرتكب المعاصي.

فقال عليه السلام : يرحمه الله.

فقلت : يا مولاي ، إنّي رأيته يشرب النبيذ نبيذ الرستاق.

فقال : تعني الخمر؟

قلت : نعم.

قال : يرحمه الله ، وما ذاك على الله بعسير أن يغفر لمحبّ جدّي عليّ ابن أبي طالب شرب الخمر.

فقلت : الحمد لله على ولايته ومحبّته ، ثمّ إنّي أكملت هذه القصيدة إلى آخرها وهو عليه السلام مع ذلك يبكي(1).

قيل : لم يكن سؤال الكاظم عليه السلام بقوله : «لمن هذه القصيدة؟» لجهله عليه السلام بمنشئها مع كونها من القصائد المعروفة ، بل لأنّه كان يريد أن يدعو له ويظهر للفضيل فضله ، ولا يخفى أنّ دعاءه له مع أنّ الفضيل ادّعى رؤيته يشرب الخمر كان باعتبار أنه تاب ولم يطّلع عليه الفضيل ، فعرَّفه الإمام عليه السلام.

وأقول : يحتمل أن يكون مراده عليه السلام إظهار كمال عناية الله بمحبّي 5.

ص: 315


1- منتخب الطريحي : 315.

عليّ عليه السلام ، وغفرانه لهم بمحبّتهم له وإن لم يتوبوا ، فإنّ هذه كفّارة لذنوبهم ، كيف وقد ورد في كثير من العبادات أنّها كفّارات للذنوب من دون تعرّض لاشتراط التوبة ، ولا ريب أنّ محبّة عليّ عليه السلام أفضل العبادات ، بل أصلها وروحها.

وورد أنّ حبّ عليّ عليه السلام حسنة لا يضرّ معها سيّئة ، كما أنّ بغضه سيّئة لا ينفع معها حسنة(1).

وروي عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) فقال : ما كان له ذنبٌ ، ولا همَّ بذنب ، ولكنّه حمّله ذنوب شيعته فغفرها له(2).

وروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال : يدخل الجنّة من أمّتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب.

ثمّ التفت إلى عليّ عليه السلام ، قال : هم شيعتك وأنت إمامهم(3).

وقال(صلى الله عليه وآله) : يا عليّ ، إنّ الله قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ، [ومحبّي شيعتك](4) ، ولمحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنّك الأنزع البطين ، المنزوع من ب.

ص: 316


1- تاريخ بغداد 4 / 195 رقم 1185 ، تاريخ مدية دمشق 42 / 244 ح 8761 ، صفات الشيعة : 53 ح 10 ، بشارة المصطفى : 153 ح 111 ، كشف الغمّة 1 / 103.
2- مجمع البيان 9 / 184 ، التفسير الصادقي 5 / 37.
3- إرشاد المفيد 1 / 42 ، مناقب ابن المغازلي : 293 ، الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لشاذان : 170 ح 148.
4- من العيون والمناقب.

الشرك ، البطين من العلم(1).

والأخبار من هذا القبيل متواترة لا يكاد تحصى ، فلا يستبعد المطّلع عليها لما ذكرناه. وفي قوله عليه السلام : «وما ذاك على الله بعسير أن يغفر لمحبّ جدّي» إشارة إليه أيضاً.

هذا مع أنّه قد سلف أنّ من أنشد شعراً في الحسين وأبكى كتبت له الجنّة ، فلا غَرو في أن يكتب الله الجنّة للسيّد المشار إليه بقصيدته المشار إليها ، وقد قال فيه وفيها رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما قال.

وكيف كان فهي من القصائد الممدوحة على لسان المعصوم عليه السلام ، وقد رأيتُ أن أشرحها شرحاً مفصّلا لا يغادر ما فيها من النكات والإشارات ، وما يتعلّق بها من الآيات والروايات ، فعاقني عن ذلك عوائق الدهر الخوّان ، وهزاهز نكبات الزمان ، فاقتنعتُ عن البحر بالقطرة ، وعن القنطار بالبَدْرَة(2) ، واقتصرت على ما تيسَّر لي في الحال ، متوكّلا على الله في جميع الأحوال ، فقلت مع تشتّت البال :

قال :

1 - لأُم عَمرو باللِّوى مَرْبَعُ

طامِسةٌ أعلامُهُ(3)

بَلْقَعُا.

ص: 317


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 52 ح 182 ، مناقب الخوارزمي : 294 ح 284 ، بحار الأنوار 27 / 79 ح 13.
2- البَدْرَة : كيس فيه مقدار من المال يُتعامل به ويُقدّم في العطايا ، ويختلف باختلاف العهود. المعجم الوسيط 1 / 43.
3- في الديوان أعلامُها.

شبَّب بأمّ عمرو ، وهي كنية محبوبته ، أو المراد بها مطلق المحبوبة وإن لم تكن مكنّاة بهذه الكنية ، بل لا يشترط في التشبيب تحقّق الحبيب ، وهذه شَنْشَنة معروفة من الشعراء حيث يشبّبون في أوائل القصائد بأعلام الخرائد فتارة بسلمى ، وأخرى بليلى ، ومرّة بسعاد وعَزّة وسعدى ، وما عنى كثير منهم إلاّ مجرّد التغزّل وإلاّ لما قرَّرهم المعصومون عليهم السلام على أشعارهم ، ولما مدحوهم عليها ، وقد أجازوهم بها جوائز كثيرة ، ومنحوهم بها عطايا سنيّة مع أنّها مصدّرة بما عرفته من أسماء النساء والتشبيب بها ، ويرشدك إلى ما ذكرناه ما أسلفناه لك في فضل هذه القصيدة ومُنْشِئها.

واللِوى : بكسر اللام - كإلى ما الْتَوَى من الرَّمْل ، أو مُنْقَطَعُه ، وهو الجَدَد بعد الرَّمْلة ، والجَدَد : الأرض الصلبة ، وإليه يرجع تفسيره بما الْتَوَى من الرَّمْل ، ومُسْتَرَقَّه أي مُسْتَغلَظه ؛ ويقال : ألْوَى القوم : إذا صاروا إلى لِوَى الرمل ، ومن كلامهم : ألْوَيْتُم فانْزِلُوا ، واللام للعهد ، فيكون المراد بالِلوى المكان المخصوص المعهود أو المعروف.

والمَرْبَع والرَّبْع : المَنْزِل مطلقاً أو في فصل الربيع ؛ ويقال : ارْتَبَعْنا بموضع كذا ، أي أقمنا به في الربيع ، ومسوّغ الابتداء بالمنكر كون الخبر ظرفاً مع أنّه موصوف بعدّة أوصاف تنزله منزلة المعارف.

والطَّمْس والطُّموس : المحو والإمحاء ، ومنه : (فإذا النُّجومُ

ص: 318

طُمِسَتْ)(1) أي ذهب ضوؤها ، كما يَطْمُِسُ الأثر حتّى يذهب.

والأعْلام : جمع العَلَم - محرّكة - ، وهي العلامة ، وأصله الجَبَل الّذي يُعْلم به الطريق.

والبَلْقَع : الأرض القفراء الّتي لا شيء فيها ، يَسْتَوي فيه المُذكّر والمُؤنّث ، فيقال : مَنْزِل بَلْقَع ، ودار بَلْقَع ، والجمع : بَلاقِع.

ومنه الحديث : «اليمينُ الكاذبةُ تَذَرُ الديار بَلاقِع من أهلها»(2) أي خالية.

قال في المجمع : وهو كناية عن خرابها وإبادة أهلها. انتهى(3).

والوصف به مع كونه غير مشتقّ لتأويله بالمشتقّ. فالمَرْبَع البَلْقَع هو المنزل الخالي عن الأهل.

ومحصّل البيت : إنّ للمحبوبة بلِوَى الرَّمْل مَنزِلا لا يسكنه أحد لخَرابه ، وانْدِراس عَلاماته ، وذلك لارتحال المحبوبة عنه وعدم سكناها فيه.

وقد قيل في معناه بالفارسيّة :

يار در كهسار دارد خانه

بى نشان آبادى ويرانه

2 - تَروحُ عنه الطير وَحْشِيةً

والأُسْد من خِيفته تفْزَعُ

تَروح : أي تَصير ، من راحَ بمعنى صار ، فيكون من الأفعال الناقصة ، 5.

ص: 319


1- المرسلات : 77 / 8.
2- أعلام الدين : 402 ، عوالي اللآلي 1 / 261 ح 48 ؛ بحار الأنوار 101 / 283 ح 24.
3- مجمع البحرين 1 / 245.

ويحتمل أن يكون من راحَ الرجل : إذا دخل في وقت الرَّواح ، وهو نَقيض الصَّباح(1) ، كما في قوله تعالى : (غُدُوُّها شَهْرَ وَرَواحُها شَهْرٌ)(2). يقال : راحَ نقيض غَدا ، ومنه المُراح للمكان الّذي تأوي إليه الماشية فَتَرُوح عنه الطَّيْر ، أي : تخرج عنه في وقت العشاء بقرينة التَّعدية بحرف المجاوزة ، فإن قيل : تَروح إليه الطير ، كان المعني تدخل إليه. حينئذ وحشيّة على الأوّل خبر ، وعلى الثاني حال ، والتأنيث لمكان الجنسية المستفادة من اللام ، كما في قوله : (وَالطَّيْرُ صَافّات)(3) والوَحْشِيّ من الحيوان : ما لا يأنس بإنسان.

ويقال : أرض وَحْشية ، إذا كانت قَفْراء لا يَأْنَس بها حيوان لخلائها عن الماء والعشب.

قال الشاعر :

لِمَيَّةَ موحِشاً طَلَل(4)

......................

والأسْد : بضمّ الهَمْزَ وسكون السِين : مخفّف من الأُسُد - بضمّتين -

وهو مقصود من الأسود جمع الأَسَد - بفتحتين - : وهو حيوان معروف بالجُرْأَة والشجاعة.

قال الشاعر : ل.

ص: 320


1- قيل : الرَّواح من لدن زوال الشمس إلى الليل. لسان العرب 2 / 463.
2- سبأ : 34 / 12.
3- النور : 24 / 41.
4- هذا صدر بيت لكثيّر عزّة في ديوانه : 506 ، لسان العرب 11 / 220. وعجزه : يَلوحُ كأنَّهُ خِلَل.

إذا اسْودّ جُنْحُ الَليْلِ فلتأتِ ولْتكُن

خطاك خِفافاً إنّ حُرَّاسَنا اُسْدَا(1)

وله - على حكي عن ابن خالويه - خمسمائة اسم ك- : البَيْهَس ، والدَّوْكَس ، والفَدَوْكَس ، والكَهْمَس ، والهِرْماس ، وغيرها.

وكُناه أيضاً كثيرة ، ك- : أبي الأبطال ، وأبي الشِّبل ، وأبي العبّاس ، وغيرها.

وفي حياة الحيوان : أنّه أشرف الحيوان المتوحّش ، إذ منزلته منها منزلة الملك المهاب لقوّته وشجاعته وقَساوته وشَهامته [وجهامته] وشراسة خلقه ، ولذلك يضرب به المثل في القوّة والنَّجْدة والبَسالة وشِدّة الإقْدام والجُرْأة والصَّوْلة(2).

وفي بعض النسخ : «والوَحْش» بدل «والاُسد».

والخِيفة والخَوْف والمَخافة - بالخاء المعجمة - : بمعنىً. كالفَزَع والذُّعْر ؛ يقال : أفْزَعْته : إذا أخَفْته.

والمحصّل : إنّ هذا المنزل لخلوِّه عن الساكن ، وعرائه عن الماء والنبات ، تتوحّش وتنفر عنه الطير ، وقد صار موضع المَخافة بعد أن كان مستأهلا ومنزلا للمحبوبة حتّى أنّ الأسد مع كمال جُرأته لا يمرّ إليه ولا يسكن فيه من مَخافته. 5.

ص: 321


1- ينسب إلى عمرو بن أبي ربيعة ، ولم يوجد في ديوانه. ينظر : تفسير البحر المحيط 4 / 440 ، مغني اللبيب 1 / 37 رقم 47.
2- حياة الحيوان الكبرى 1 / 5.

وقد قيل بالفارسية :

مرغ را آنجا نمى افتد گذار

شير ميترسد از او روباه وار

وقيل أيضاً :

مرغ از آنجا ميرود وحشت زده

در فزع افتد زبيمش شيرها

3 - بِرَسم دار ما بها مونسٌ

إلاّ صِلالٌ في الثَّرى وُقَّعُ

رَسْم كلّ شيء أثَره ، ورَسْم الدار أثرها بعد خرابها من التراث والأحجار.

قال الشاعر :

رَسْمِ(1) دار وَقَفْتُ في طَلَلِهْ(2).

وهو بدل من قوله : بالِلوَى. ويحتمل تعلّقه بقوله : تَفْزَع ، أي تَفْزَع بسبب هذا الرَّسم.

ما بها : أي ليس فيها ساكن.

والصِلال - بكسر الصادق المهملة - : جمع الصِلّ - بالكسر وتشديد اللام - : وهو الحَيّة التي لا تنفع فيها الرُّقْيَة ؛ يقال : فلان صِلّ مطْرِق : أي لا يؤثّر فيه كلام كالصِّلِّ. ْ.

ص: 322


1- أي : رُبّ رَسْم دار.
2- هذا صدر بيت لجميل بثينة في ديوانه : 189. وينظر : كتاب العين 7 / 405 ، الصحاح 4 / 1659 ، لسان العرب 11 / 120. وعجزه : كِدْتُ أقْضِي الغَداةَ مِن جَلَلِهْ.

ووقّع : كركّع : جمع واقع ، وصف للصِلال أي حيّات واقعات في الثَّرَى وهو التراب النَّدِيّ.

قال الطريحي : وهو الّذي تحت [الظاهر](1) من وجه الأرض(2).

والمحصّل(3) : ما أُشير إليه في الفارسية :

در زميني كاندران غمخوار جان

نيست جز مارى بخاك ان نهان

4 - رُقشٌ يَخافُ الموتُ من نَفثِها(4)

والسَّمُّ في أنيابها مُنْقَعُ

الرُّقْش - بضمِّ الراء وسكون القاف - : جمع الرَّقْشاء ؛ يقال : حَيَّة رَقْشاء : إذا كان فيها نُقَط سُود وبِيض ، وهو وصف للصِلال.

والنَّفْث - بالنون والفاء والثاء المثلّثة - : شبيه بالنَّفْخ ، وهو أقلّ من التَّفْل ، ومنه : (مِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي العُقَدِ)(5) أي السَّواحِرُ ؛ يقال : نَفَثَ الرَّاقي ، إذا نَفَخَ. وفي بعض النسخ القديمة : (نَفْثاتِها) بدل (مِنْ نَفْثِها). 5.

ص: 323


1- من المجمع.
2- مجمع البحرين 1 / 310.
3- قال الفاضل الهندي في معناه : إنّ لأمّ عمرو مربعاً كذا وكذا مع أثر ، أو في أثر دار أي منزل أو بلدة أو صقع أو قبيلة ليس بتلك الدار أو الرسم أو بمنزلة تلك القبيلة للوحشية ... أو ذو علم ... إلاّ حيّات ساقطة في تلك الأرض النديّة .. ووصف الحيّات بالسقوط للدلالة على أنّ تلك الأرض لغاية إقفارها عن أهلها قد استوطنتها الحيّات. اللآلىء العبقريةّ : 166 و 167 بتصرّف.
4- في الديوان : نَغْثاتِها.
5- الفلق : 113 / 5.

والسّمّ - بضمّ السين وفتحها - : قاتل معروف.

والأنْياب : جمع الناب ، وهو السِنّ خلف الرباعية.

والناقِع والمُنْقَع - بالنون والقاف - : البالغ ، أو القاتل.

ومحصّل المعنى : أنّ تلك الحيّات منقّطة بالسَّواد والبياض الدالّين على كثرة السَّمّ وسُرعة القَتل بحيث يخاف الموت من نفثِها فضلا عن لَسْعها ، وسمّها قاتل لا محالة.

وأمّا على النسخة الأخرى ، فالمعنى : أنّ الموت يخاف من نفثها مع أنّ كلّ شيء يخاف من الموت ، ولعل هذا أبلغ.

وعليه قال من فَسَّره بالفارسيّة :

ابلقى كزوى هراسانست اجل

زهر در هر نيش او دارد محل

وقال آخر :

ما را بلق كردمش ترسيده مرك

زهر خيسيده به نيش مارها

ويحتمل اتّحاد النسختين في المعنى بأن يُقرأ يخاف في الأولى أيضاً على البناء للفاعل ، فليتفطّن.

5 - لمّا وقفْنَ العِيسُ في رَسْمِها(1)

والعَينُ من عِرْفانِهِ تَدْمَعُ

6 - ذكرتُ مَن(2) قد كنت ألْهو

به

فَبِتُّ والقلب شَج مُوجَعُا.

ص: 324


1- في الديوان : رَسْمِهِ.
2- في الديوان : ما.

الوَقْف : الحَبْس ، ووقف الرجل ووقفته ، يتعدّى ولا يتعدّى ، والبيت يحتملهما ؛ فَعَلَى التعدّي يرجع الضمير إلى الصِلال ، أي منعت العِيس عن المرور.

وعلى الثاني فهو من قبيل : أكلوني البراغيث(1).

وفي بعض النسخ : لمّا وَقَقْتُ - بتاء المتكلّم - وهو أوضح.

والعيِس - بكسر العين المهملة - : الإبل البِيض الّتي خالَطَ بياضَها شيء من الشَّقْر.

في رسمها : أي رَسْم الدار ، أو المحبوبة.

عرفانه : أي معرفة هذا الرسم أنّه رسم دار المحبوبة.

واللَّهْو : الاشتغال بالملاهي وتذكير العائد إلى من لملاحظة اللفظ ، ويجوز التأنيث لملاحظة المعنى ، فإنّ المراد به أمّ عمرو ، كما لا يخفى.

وشَجَى الرجل فهو شَج وشَجِيّ : أي حَزَن ، وربّما يتعدّى ، ومنه قوله :

شَجاكَ أظُنُّ رَبْعُ الظَّاعِنِينا(2).

والموجِع - بكسر الجيم - : أي ذو وَجَع ، ويحتمل الفتح : أي أوْجَعَه ذكر المحبوبة. والوَجَع : المَرَض. ا.

ص: 325


1- وهو قد يؤتى في الفعل المسند إلى الظاهر الذي بعده بعلامة تدلّ على التثنية أو الجمع ، مثل : احمرّتا عيناه ، يتعاقبون فيكم ملائكة.
2- هذا صدر بيت في مغني اللبيب 2 / 387 رقم 617. وعجزه : ولم تعْبَأْ بِعَذْلِ العاذِلينا.

والمحصّل : أنّه لمّا قمت بهذا المنزل المُنْدَرِس المتوحّش والحال عَيْني تُجري الدَّمْعَ من انْدِراسه وخَرابه ذكرت أيّام الوِصال والعَيْش مع المحبوبة فبتّ في هذا المنزل إلى الصبح ، والحال إنّ قلبي حَزين من العيش مَريض بالفِراق ، ومعناهما بالفارسية على ما قيل :

چون بدانجا ناقه را واداشتم

چشم را سرچشمه انگاشتم

يادم آمد صحبت آن دلفروز

با دلى غمگين شبى بودم بروز

وقال الآخر :

چون در آنجا ايستاده اشتران

اشك ريز از ديدن آن چشم ما

يادآمد آنكه بودم عاشقش

دل غمين با درد خفتم در بلا

7 - كأنّ بالنار لِما شَفَّني

من حُبِّ أرْوى كَبِدِي تُلْذَعُ

يقال : شَفَّه الحُبّ يشفّه - بالضمّ - : إذا هَزَلَه ؛ ويقال : شَفَّ جسمه يَشِفّ - بالكسر - : إذا نَحَلَ.

وفي بعض النسخ : شَقَّتي - بالقاف - : من المَشَقَّة.

ومن بيان للموصولة.

وأرْوى - بالراء المهملة والواو والألف المقصورة - من أسماء النساء ، والمراد هنا محبوبته التي كَنّى عنها أوّلا بأمّ عمرو ، فصرّح باسمها للاستلذاذ بعد قصد التعظيم بالتكنية ، ولهذا لم يعبّر عنها بالضمير مع تقدّم ذكرها.

قال الشاعر :

ص: 326

أعِدْ ذِكْرَ نُعَمَان لَنا إنّ ذِكره

هو المِسكُ ما كَرَرْتَهُ يَتَضَوَّعُ(1)

وكبدي اسم كان أي كان كبدي تلذع بالنار.

يقال : لَذَعَتْه النار - بالذال المعجمة - : إذا أحْرَقَتْه.

والكَبِد - بفتح الكاف وكسر الباء ، وربّما يسكن ، وربّما يكسر الكاف مع تسكين الباء - : معروف يذكّر ويؤنّث ، وهو الأكثر.

والمحصّل : إنّ كبدي كأنّها تُحرق بالنار لما هَزَلَني وأنْحَلَني من حبّها وهواها ، بل نار العشق أقوى تأثيرها في هَزْل البدن من النار المحسوسة وحرارتها.

وقد أجاد من فسّر البيت بالفارسية :

گويا بود از غم آن سروناز

زآتش هجران جگر اندر گداز

8 - عَجِبتُ من قوم أتَوا أحمداً

بِخبطة ليس لها مَوْضِعُ

عدل عن تشبيه إلى غرضه الأصلي من إنشاء القصيدة ، ووجه المناسبة أنّه كما انْدَرَسَت دار المحبوبة كذلك تَهدَّمت أركان الهدى ، وانْطَمَسَت آثار التُّقى ، وتوحَّش بيت بيت ، وانمحت أعلام الرسالة بغَصْبهم حقَّ الأوصياء من آل الرسول(صلى الله عليه وآله) ، ونَصْبهم العداوة لأولاد البتول ، وإعراضهم عن الحقّ إلى الباطل ، وإيثارهم العاجل على الآجل ، وصدّهم عن السبيل ، فهم لا يهتدون. 6.

ص: 327


1- يتضوّع : ينتشر. والبيت لمهيار الديلمي. ينظر : المجدي في أنساب الطالبيّين : 91 ، عمدة القارىء 1 / 28 ، بحار الأنوار 17 / 166.

والخبط - بالخاء المعجمة ثمّ الباء الموحّدة - : هو الحركة على غير النحو الطبيعيّ ، وعلى غير اتّساق. ويقال : خَبَطَ الرجل : إذا مشى على غير الطريق.

والمعنى : أنّهم جاءوا إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) من غير استبصار واستهداء ، وسألوه على غير بصيرة وهداية ، فإنّهم كانوا منافقين يظهرون الإيمان ، ويسرّون الكفر. فقوله : (بخبطة) في موضع الحال : أي خابطين بخَبْطَة فضيحة لا يُهتدي فيها إلى سبيل ومحلٍّ من الهداية.

ويحتمل تعلّقه بالفعل كما في ذلك : أتيتُ فلاناً بخبر ، أي : حَدَّثْته به ، والمراد أنّهم سألوا النبيّ(صلى الله عليه وآله) عمّا لم يكن مرادهم إطاعته فيه لو كان على خلاف مقتضى مَيْلهم وهَواهم ، فلم يكن له محلّ ، إذ كلّ سؤال لا يراد به جوابه الواقعيّ فهو في غير محلّه.

وفي بعض النسخ : بخُطْبة - بضمّ الخاء بعدها الطاء - : أي بكلام في غير محلّه لمكان نفاقهم وكفرهم حيث لم يريدوا إطاعته حال حياته فكيف يريدون طاعته بعد وفاته ، وقد انقلبوا حينئذ على أدبارهم ، وارتدّوا كما تعاهدوا وتحالفوا.

ويحتمل أن يكون المراد أنّ إتيانهم النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان لنصّه(صلى الله عليه وآله) على خلافة أئمّة الضلالة وعَبَدة الأوثان ، وهذه كانت طلبتهم منه(صلى الله عليه وآله) ، فكانت خبطة لا محلّ لها ، وكلاماً لا محصّل له.

پس عجب دارم زقومى كامدند

نزد امد حرف بى وجهى زدندن

ص: 328

وقيل أيضاً :

اى عجب از قوم كايشان آمدند

باتنى كردند بى جا ادّعا

9 - قالوا له لو شئتَ أعْلَمتَنا

إلى مَنِ الغايةُ والمَفْزَعُ

10 - إذا تُوُفِّيتَ وفارَقْتَنَا

وفيهِمُ في المُلكِ مَن يَطْمَعُ

هذا بيان وتفسير للخطبة أو الخطبة ، أو تفريع على الإتيان بحذف الفاء.

والغاية : الرجوع في جميع الأُمور.

والمَفْزَع : الالتجاء في جميع الحوادث والمشكلات من الأحكام ، فهو في البيت مصدر ميمي بمعنى الفزع ، أي : لو شئت أرشدتَنا إلى خليفتك بعد وفاتك نرجع إليه في أمور الدين والدنيا.

قوله : وفيهم أي لم يكن سؤالهم هذا للدين ، بل كان فيهم مَن يطمع في الملك والسلطنة ، وكان غرضه تفويض ذلك إليه بعد وفاته(صلى الله عليه وآله) ، بل لم يكن إيمانه به إلاّ لنَيْل الامارة والسلطنة ، وذلك لما سمع من بعض الكهنة أنّ محمّداً(صلى الله عليه وآله) لا يكون نبيّاً ، بل يكون سلطاناً قاهراً ، فآمن طمعاً في ذلك.

كما يدلّ عليه رواية الحجّة عليه السلام المرويّة في الاحتجاج ...(1).

وقيل في تفسير البيتين بالفارسية : 4.

ص: 329


1- الاحتجاج 2 / 267 - 274.

جملگى گفتند كى خير الورى

كاش گوئى كيست ما را پيشوا

چون لقاى حق كنى وهجر ناس

بودشان دل در پى ملك وأساس

11 - فقال لو أعْلمتُكم مفزعاً

كنتم(1) عَسيتُم فيه

أن تصنَعوا

12 - صنيعَ أهل العِجل إذ فارقوا

هارونَ فالترْكُ له أوْدَعُ(2)

13 - وفي الذي قال بيان لمن

كان إذاً يَعْقِلُ أو يَسْمَعُ(3)

عِلْم العرفان متعدّ إلى واحد ، فإذا دخلت عليه الهمز تعدّى إلى إثنين : المَفْزَع ، والمَلجَأ. ويجوز في السين من عَسَِيتم الفتح والكسر ، ومعناه : التَّرَجِّي.

والصنع : الفعل والعمل ، كالصَّنيع والصَّنيعة.

وأهل العجل : قوم من بني إسرائيل عبدوا العجل وتركوا هارونَ ، وضيَّعوا وصيّه موسى عليه السلام فيه.

وروي : أنّه لما أراد موسى أن يذهب إلى الميقات ليأتيهم بألواح التوراة ترك هارون فيهم وأمرهم بطاعته ، والائتمار بأمره ، والانتهاء بنهيه ، وجعله خليفته في جميع الأمور ، ووعدهم بالرجعةَ بعد ثلاثين يوماً ، فعندما انتهت الثلاثون ولم يرجع إليهم جاءهم إبليس في صورة شيخ ، وقال لهم : إنّ موسى ُ.

ص: 330


1- في الديوان : ماذا.
2- في الديوان : أوسعُ.
3- في الديوان : كان له اذن بها يسمعُ.

قد هرب ولا يرجع إليكم أبداً ، فاجمعوا إليَّ حليّكم حتّى أتّخذ لكم إلهاً تعبدونه.

فلمّا اتّخذ إبليس لهم العجلَ قال للسامريّ : هات التراب الذي عندك ، فأتاه به وقد جمعه من تحت حافر رملة جبرئيل ، فألقاه في جوف العِجل ، فتحرّك وَخَارَ ونَبَتَ له الوَبْر والشَّعَر ، فسجدوا له وكانوا سبعين ألفاً ، وكلّما نهاهم هارون عليه السلام عنه لم ينتهوا ولم يرجعوا إلى قوله(1).

وقوله : فالترك له : أي إن كنتم تصنعون مثل صنيع بني إسرائيل بهارون وقد كان خليفة لنبيّهم عليه السلام ، فالترك لذكر المفزع والسؤال عنه :

أوْدَع لكم : أي أرْوَح من الدَّعَة ، وهو الراحة والخَفْض ، إذ لا مؤاخذة مع الجهل ، ولا تكليف قبل البيان ، و (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاّ ما آتاها)(2) و «الناس في سعة ما لم يعلموا»(3) ، ويتمّ الحجّة عليهم بعد الإعلام (وما كُنّا مَعَذّبِينَ حتّى نَبْعَثَ فِيْهِمْ رَسُولا)(4).

گفت اگر روشن بيارم شرح حال

ميكنيد از بهر مهر جاه ومال

همچه نادانان گوساله پرست

ترك هارون پس نگفتن بهتراست

قوله : إذاً : أي حين سماعه لهذا المقال ، فإنّه(صلى الله عليه وآله) قال مراراً : «عليّ منّي5.

ص: 331


1- التفسير الصافي 1 / 131.
2- سورة الطلاق : 65 / 7.
3- المعتبر 2 / 478 ، عوالي اللآلي 1 / 424 ح 109.
4- الإسراء : 17 / 15.

بمنزلة هارون من موسى»(1) فتذكيرهم بعد سؤالهم عن الوصيّ قضيّة بني إسرائيل وهارون دليل واضح على أنّ المَفْزَع بعده هو عليّ بن أبي طالب الذي هو منه بمنزلة هارون من موسى ، وهذا يدركه من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد(2).

هر كه بودى صاحب گفت وشنيد

زين سخن فكرش بمقصد ميرسيد

وروى أبو رافع مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال أبو بكر لعائشة : سَلي رسول الله وقولي له : إن كان الله يقضي بأمر فمَن لأُمّتك من بعدك؟

فسألته عائشة ، فقال(صلى الله عليه وآله) : يا أبا رافع ، انطلق فادعُ لي فلاناً وفلاناً وجماعة من المهاجرين والأنصار ، منهم أبو بكر وعمر ، فدعاهم فأقبلوا إليه ، فقال(صلى الله عليه وآله) : ادعُ عليّاً عليه السلام ، فدعوته فأقبل وجلس عن يمين النبي(صلى الله عليه وآله) ، فأمر النبي(صلى الله عليه وآله) الجماعة أن يسلِّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين ، فسلَّموا بأجمعهم.

فقال عمر : يا رسول الله ، عن أمر الله ، أو عن أمرك ، وذلك في الحياة ، أو بعد الوفاة؟

فقال(صلى الله عليه وآله) : بل بأمر الله ورسوله ، في حياتي وبعد وفاتي ، وقال : يا عمر ، إنّه من أطاع الرسول فقد أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصَى الله تعالى. انتهى. 7.

ص: 332


1- حديث متواتر مشهور ، ينظر : المعيار والموازنة : 70 ، شرح الأخبار 2 / 204 ح 533 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 164 ، كنز العمّال 11 / 602 ح 32915.
2- اقتباس من قوله تعالى : (إنّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ ألْقى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيْدَ) ق 50 / 37.

14 - ثمّ أتته بعد ذا عَزْمَةٌ

مِن ربّه ليس لها مَدْفَعُ

15 - أبلِغْ وإلاّ لم تكن مُبْلِغاً

واللهُ منهم عاصماً(1)

يَمْنَعُ

إشارة إلى قوله تعالى : (يَا أَيُّها الرَّسُوْلُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(2) إلى آخره.

عَزْمَة - بالعين المهملة والزاء المعجمة - : أي حكم لازم لا رادّ له ، ومنه الحديث : «الزكاة عَزْمَة من عَزمات الله»(3) أي حقّ من حقوقه ، وواجب من واجباته ، وفيه إشارة إلى قوله(صلى الله عليه وآله) : «فأتتني عزيمة [من الله عزّ وجلّ](4) بتلّة(5) أوعدني إن لم اُبلّغ أن يعذّبني»(6).

وقوله : أبلغ بيان لهذه العزمة.

وقوله : عاصماً حال من الضمير في يمنع ، وسوّغ تقديمه كون العامل متصرّفاً ، أي والله يمنعك من الناس عاصماً لك من شرورهم وأذاهم.

وفي بعض النسخ عاصم ، فهو خبر.

روي أنّه لمّا حجّ مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) من أهل المدينة والأطراف سبعون ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى الّذين أخذ عليهم البيعة 1.

ص: 333


1- في الديوان : عاصم.
2- المائدة : 5 / 67.
3- نهاية ابن الأثير 3 / 232 ، لسان العرب 12 / 400 ، مجمع البحرين 3 / 176.
4- من المصادر.
5- أي مقطوعة.
6- الكافي 1 / 290 ح 6 ، تفسير الصافي2 / 52 ، مجمع البحرين 1 / 151.

لهارون ، فنكَثوا ووقفَ(صلى الله عليه وآله) بالموقف أتاه جبرئيل عن الله ، فقال : يا محمّد ، إنّ الله يقرؤك السلام ، ويقول لك : إنّه قد دنا أجلك ومدّتك فاعهد عهدك ، وقدّم وصيّتك ، واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء فسلّمها إلى وصيّك وخليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فأقمه للناس عَلَماً ، وجدّد عهد وميثاقه وبيعته.

فخشي رسول الله(صلى الله عليه وآله) قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرّقوا ويرجعوا جاهليّة لما عرف من عداوتهم ، ولما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ عليه السلام من البغضة ، وسأل جبرئيل أن يسأل ربّه العصمة من الناس ، فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف ، فأتاه جبرئيل فأمره أن يعهد عهده ، ويقيم عليّاً [علماً](1) للناس ، ولم يأته بالعصمة حتّى أتى كراع الغميم(2). فأتاه جبرئيل وأمره بما أتاه به من قبل الله(3) ولم يأته بالعصمة.

فقال : يا جبرئيل : إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني ولا يقبلوا قولي في عليّ عليه السلام.

فلمّا بلغ غدير خمّ أتاه جبرئيل على خمس ساعات من النهار بالزجر والانتهار ، والعصمة من الناس ، فقال : يا محمّد ، إنّ الله يقرؤك السلام ويقول ر.

ص: 334


1- من المصادر.
2- بين مكّة والمدينة.
3- من المصادر.

لك : (يَا أَيُّها الرَّسُوْلُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ ...)(1) إلى آخره(2).

ليك در تصريح مطلب ذو الجلال

كردش اخر امر واجب امتثال

گفت ميگو ورنه پيغمبر نه

حق نگه دار است از هر بى گانه

والمراد بقوله : (وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ) أنّ ثمرة النبوّة هي الولاية ، وصاحبها حافظ للأحكام المبلّغة من الله ، فإذا لم يعيّن الإمام من بعده صارت الأحكام كأنّها لم تبلّغ ، إذ لا يعرفها كما هي سوى الإمام عليه السلام ،وهذا معنى قوله : (اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ)(3).

قال الباقر عليه السلام : «وكان كمال الدين بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال عند ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أمّتي حديثو عهد بالجاهلية ، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل ، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني ، فأتتني عزيمة من الله عزّ وجل [بتلّة](4) أوعدني إن لم أبلّغ أن يعذّبني ، فنزلت : (يَا أَيُّها الرّسُوْلُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن ربّك ...) إلى آخره»(5).

16 - فعندها قام النبي الذي

كان بما يأمره يَصْدَعُ

أي فعند هذه العَزْمة التي أتت قام النبي(صلى الله عليه وآله) الذي كان بما يأمره الله به1.

ص: 335


1- المائدة : 5 / 67.
2- روضة الواعظين : 89 ، بحار الأنوار 37 / 202 ، غاية المرام 1 / 327.
3- المائدة : 5 / 3.
4- من المصادر.
5- الكافي 1 / 290 ح 6 ، تفسير الصافي 2 / 52 ، غاية المرام 3 / 323 ح 1.

يصدع ، أي يفرّق بين الحقّ والباطل ، أو يبين الأمر إبانة لا تنمحي كما لا يلتئم صَدْع الزجاجة ، ففي الكلام استعارة ، والمستعار منه حسّي ، وهو كسر الزجاجة ، والمستعار له عقليّ وهو التبليغ ، والجامع أيضاً عقلي ، وهذا مأخوذ من قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)(1) أي بلّغ تبليغاً مؤثّراً كمال التأثير.

والصَّدْع : هو الشَّقّ.

پس بدان خدمت رسول الله شتافت

آنكه از فرمان حق مو مى شكافت

17 - يخطب مأموراً وفي كفّه

كفّ عليّ ظاهراً(2) يلمعُ

18 - رافعها أكرم بكَفّ الذي

يرفع والكفّ الذي(3)

يُرفَعُ

قوله : يخطب في محلّ الحال من فاعل قام ، أي قام خطيباً. والكفّ مؤنّثة في الاستعمال المشهور لكونها من الأعضاء المزدوجة ، وربّما مذكّر ، فيقال : كفّ مُخَضَّب ، وأوّله بعضهم بالساعد واستعمل في البيت على الوجهين.

نعم ، في بعض النسخ : والكفّ التي تُرفع ، فلم يستعمل مذكّراً ، وكذا لو قيل بإضافة الكفّ إلى الذي من باب الضرورة في إضافة ذي اللام.

وقوله : ظاهراً إمّا حال من المضاف على لغة تذكير الكفّ ، أو من ي.

ص: 336


1- الحجر : 15 / 94.
2- في الديوان : نورها.
3- في الديوان : التي.

المضاف إليه لكون المضاف جزء له.

واللّمعان : الإضاءة ؛ يقال : لمع البرق : أضاء.

وقوله : رافعها حال للمستتر في يخطب ، أو في قام ، أو في مأموراً ، أو للبارز المضاف إليه ، وإضافته إلى الضمير لا يكسبه التعريف لكونه وصفاً مضارعاً للمضارع.

وقوله : أكِرم من قبيل قولهم : أحسِن بزيد ، فهو من صيغتي التعجّب ، كقوله : أسمِع بهم ، أي ما أكرمها!

ويرفع الأوّل مبني للفاعل ، والمراد به النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، والثاني للمفعول ، والمراد به كفّ الوصيّ عليه السلام ، فنعم الرافع والمرفوع ، والناصب والمنصوب.

وقد أحسن من قال : إنّه لمّا نُصب منبر من الرحال ، ورفع عليه خير الرجال ، نصب رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، رجلا ورفع عليه رجلا ، وضمّه إلى صدره ، وفتح فاه بنشر ذكره ، وكسر سَوْرَة(1) أعدائه بإعلائه ، وأخذ بيده ووقفه عند حدّه ، وجرّ على أعدائه ، وَجَلا بل أجَلا ، وجزمهم جزماً وخجلا ، [وجرّهم جرّاً ،](2) فالمنبر منصوب ، وصاحبه مرفوع ، فالمنبر منصوب صورةً ومعنىً ، وصاحبه مرفوع حقيقةً وفحوىً ، وهو مرفوع ، وعدوّه منصوب ، [وهو رافع ، وعدوّه ناصب ، ليت شعري عدوّه ناصب أمّ منصوب ،](3) ناصب اللقب ن.

ص: 337


1- السَّوْرَة : الوَثْبَة لسان العرب 4 / 385 - سور -.
2- من روض الجنان.
3- من روض الجنان.

منصوب المذهب ، فيا عجباً من ناصب هو منصوب!!(1)

خطبه خواند از بهر اين امر جلى

ظاهر اندر دست او دست على

كرد دستش را بدست خود بلند

گشته همدست ان دو مرد ارجمند

وقال الآخر :

خطبه گفتا ودر دستش على

بود تا بان وعيان وبر ملا

بر گرفتش خوش گرامى دستها

رافع ومرفوع در هر دو سرا

وفي البيتين إشارة إلى ما روي من أنّه لما نزلت الآية المشار إليها أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) منادياً ينادي في الناس بالصلاة جامعة ، ويردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر ، فأمر(صلى الله عليه وآله) أن يقمّ ما تحت السَّلَمات(2) ، وينصب له أحجار كهيأة المنبر ليشرف على الناس ، فقام(صلى الله عليه وآله) فوق تلك الأحجار ، ثمّ قال : الحمد لله الذي علا في تَوحّده ، ودَنا في تفرّده ، وجَلّ في سلطانه ، وعَظم في أركانه ، وأحاط بكلّ شيء علماً.

إلى أن قال : أسمع أمره ، وأُطيع وأُبادر إلى كلّما يرضاه ، وأستسلم لقضائه رغبةً في طاعته ، وخوفاً من عقوبته ، لأنّه الله(3) الذي لا يُؤمَن مكره ، ولا يُخاف جوره ، وأقرّ له على نفسي بالعبودية ، وأشهد له بالربوبية ، وأؤدّي ج.

ص: 338


1- تفسير روض الجنان لأبي الفتوح الرازي 4 / 47.
2- السَّلَم : شجر من العِضاه ، واحدتها سلَمة - بفتح اللام ، وورَقها القَرَض الذي يُدبغ به ، وبها سُمّي الرجل سَلَمة ، وتُجمعُ على سَلَمات. نهاية ابن الأثير 2 / 395 - سلم -.
3- لفظ الجلالة من الاحتجاج.

ما أوحي إليّ حذراً من أن لا أفعل فتحلّ بي قارعة لا يدفعها عنّي أحد وإن عظمت حيلته ، لا إله إلاّ هو ، لأنّه قد أعلمني أنّي إن لم أبلّغ ما أنزل إليّ فما بلّغت رسالته ، فقد ضمن لي العصمة ، وهو الله الكافي الكريم ، فأوحى [إليّ](1) (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - في عليّ عليه السلام - وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(2) ، فأخذ(صلى الله عليه وآله) بيد عليّ عليه السلام فرفعه حتّى صارت رجله مع ركبة رسول الله(صلى الله عليه وآله).

وفي رواية أخرى : لمع بياض إبطيهما(3).

19 - يقول والأملاك من حوله

والله فيهم شاهدٌ يسمعُ

20 - من كنت مولاه فهذا له

مولىً فلم يرضوا ولم يقنعوا

الأملاك : جمع المَلَك كالملائكة ، أي قال ذلك والله شاهد على مقالته ، والملائكة حافّون حوله محيطون به ، فسخط المنافقون عليه لذلك.

گفت اين نصّ جلى بى اشتباه

هم ملائك هم خدا بودش گواه

هر كه را من پيشوايم هست او

مقتدا پس جمله گرداندند رو

وفي البيتين إشارة إلى ما روي من أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمّا علا المنبر يوم 3.

ص: 339


1- من الاحتجاج.
2- المائدة : 5 / 67.
3- الاحتجاج 1 / 71 ، روضة الواعظين : 91 ، اليقين : 346 ، بحار الأنوار 37 / 203.

الغدير قال : أيّها الناس ، هل تعلمون مَن وليّكم؟

قالوا : نعم ، الله ورسوله.

قال : ألستم تعلمون أنّي أولى بكم منكم بأنفسكم؟

قالوا : بلى ، [قال :](1) اللّهمّ اشهد ، فأعاد ذلك عليهم ثلاثاً في كلّ ذلك يقول مثل قوله الأوّل ، ويقول الناس كذلك ، ويقول : اللّهمّ اشهد ، ثمّ أخذ بيد عليٍّ عليه السلام فرفعها حتّى بَدا للناس بياض إبْطَيْه ، ثمّ قال : ألا مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهم والِ مَن والاه ، وعادث مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، واخذل مَن خَذله ، وأحبّ من أحبّه ، ثمّ قال : اللّهمّ اشهد عليهم وأنا من الشاهدين(2).

وروي أنّ حسّان بن ثابت الأنصاري استأذن الرسول في أن ينشىء في ذلك أشعاراً ، فقال(صلى الله عليه وآله) : قل يا حسّان باسم ربّك.

فأنشأ يقول :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأسمع بالرّسول مناديا

يقول فمن مولاكم ووليّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التّعاديا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولن تجدن منّا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا علي فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا6.

ص: 340


1- من القمّي.
2- تفسير القمّي 1 / 174 ، بحار الأنوار 37 / 115 ، التفسير الأصفى 1 / 286.

هناك دعا اللهمّ وال وليّه

وكن للّذي عادى عليّاً معاديا(1)

21 - فاتّهموه وحنت فيهم(2)

على خلاف الصادق الأضلع

22 - وظلّ قومٌ غاظهم فعله(3)

كأنّما آنافهم تجدعُ

قوله : فاتّهموه أي لم يطمئنوا بأنّ نصّه على خلافة علي عليه السلام كان من وحي الله وأمره ، بل زعموا أنّه كان من عند نفسه ومقتضى هواه ، ولذا استفهمه عمر ، فقال : يا رسول الله ، هذا من الله أو من رسوله؟

فقال(صلى الله عليه وآله) : نعم ، هذا من الله ورسوله ، إنّه أمير المؤمنين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، ويقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءَه الجنّة ، وأعداءَه النار(4).

وروي أنّه لمّا انقضّ الكوكب من الهواء فسقط في دار عليّ عليه السلام ، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) له : يا عليّ ، والّذي بعثني بالنبوّة ، لقد وجب لك الوصية والخلافة والإمامة بعدي ، فقال المنافقون : لقد ضلّ محمّد(صلى الله عليه وآله) في محبّة ابن عمّه وغوى ، وما ينطق في شأنه إلاّ بالهوى ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ 8.

ص: 341


1- كفاية الطالب : 64 ، مناقب الخوارزمي : 80 و 94 ، فرائد السمطين 1 / 39 و 72 ، شرح العينية للفسوي : 51 ، الروض النضير في معنى حديث الغدير - لنا - : 38 و 39.
2- في الديوان : وانحنت منهم.
3- في الديوان : وضلّ قوم غاظهم قوله.
4- كتاب سليم بن قيس : 148 ، تفسير القمّي 1 / 189 ، الاحتجاج 1 / 108.

هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوْحَى)(1)(2).

فهذا معنى اتّهامهم إيّاه.

ومنه الحديث : «إذا رأيتم العالم محبّاً للدنيا فاتّهموه على دينكم»(3) أي لا تطمئنّوا بقوله في أمر دينكم ؛ ويقال : اتّهمته إذا ظننت فيه ما نسب إليه(4).

قوله : وحَنَت - بالحاء المهملة والنون - من حَنَت المرأة على ولدها تَحْنُوا إذا عطفت وأشفقت.

والأضْلُع كأفْلُس : جمع الضلع : فاعل حَنَت ، أي مالت سرائر المنافقين على مخالفة النبي الصادق(صلى الله عليه وآله) ، وانطوت قلوبهم على نقض عهده وميثاقه.

كرده تكذيبش نگرديده خجل

بر خلاف قول حقّش بسته دل

قوله : غاظهم أي حملهم فعل النبي(صلى الله عليه وآله) على الغيظ والعداوة.

والآناف جمع الأنف.

والجَدْع - بالجيم والدال المهملة - : القَطْع ؛ يقال : أنف مَجْدوع : أي مقطوع.

والمعنى أنّ نصب الرسول لعليّ عليه السلام في هذا المشهد حمل المنافقين على الغيظ ، فكأنّما قُطِعت أنوفهم من ذلك. 1.

ص: 342


1- النجم : 53 / 1 - 4.
2- أمالي الصدوق : 659 ح 4 ، بحار الأنوار 35 / 272 ح 1 ، مدينة المعاجز 2 / 432 ح 657.
3- علل الشرائع 2 / 394 ح 12 ، مشكاة الأنوار : 245 ، منية المريد : 138.
4- نهاية ابن الأثير 1 / 201.

خشمگين گشتند قوم از كار او

شده بريده بينى شان گويا

وروي أنّ أصحابه قالوا : قد قال محمّد في مسجد الخَيْف(1) ما قال ، وقال هاهنا ما قال ، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له ، فاجتمع أربعة عشر نفراً وتآمروا على قتل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وقعدوا له في العقبة لينفّروا ناقة رسول الله(صلى الله عليه وآله).

فلمّا انتهى(صلى الله عليه وآله) إلى رواحلهم قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن أمات الله محمّداً أو قتله أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً(2)؟

وروي أنّه لمّا بلغ للنعمان بن الحارث بن عمرو الفهري أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نصَّب عليّاً للخلافة قدم [على](3) النبي(صلى الله عليه وآله) ، فقال : أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّك رسول الله ، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها ، ثمّ لَم ترض حتّى رفعت رضع ابن عمّك ورفعته وفضّلته علينا ، فقلتَ : من كنت مولاه [فعليّ مولاه](4) ، فهذا شيء منك أم من الله؟

فقال : والله الذي لا إله إلاّ هو ، إنّ هذا من الله ، فولّى النعمان وهو يقول : اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء ، ع.

ص: 343


1- الخَيْف : ما انحدر من غِلَظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء ، ومنه سمّي مسجد الخيف من منىً. معجم البلدان 2 / 412.
2- تفسير القمّي 1 / 174 ، بحار الأنوار 31 / 632 ، و 37 / 115 ، تفسير الصافي 2 / 70.
3- من المجمع.
4- من المجمع.

فرماه الله بحجر على رأسه فقلته ، فنزل : (سَأَلَ سائِلٌ)(1)(2).

23 - حتّى إذا واروه في قبره

وانصرفوا عن(3) دفنه ضيّعوا

24 - ما قال بالأمس وأوصى به

واشتروا الضرّ بما ينفعُ

يقال : واراه إذا ستره وأخفاه ، ومنه قوله تعالى : (يُواري سَوْأَةَ أخِيهِ)(4) أي انطوت سريرة المنافقين على خلاف الرسول(صلى الله عليه وآله) ، ولم يظهروه لنفاقهم حتّى إذا توفّي وقبض ودفن فأهملوا وصيّته ، وتركوا ما أمرهم به ، فبدّلوا ما فيه نفعهم من خلافة علي بن أبي طالب بما فيه ضررهم من استخلافهم أبا بكر.

چونكه كردندش بدان تربت نهان

فارغ از دفنش شدند آن ناكسان

جمله ضايع كرده پند روز پيش

با ضرر تبديل كرده نفع خويش

وفي كلام سلمان الفارسي فيما كتبه إلى عمر لمّا ولاّه المدائن : واعلم أنّ الله لو أراد بهذه الأمّة خيراً ، وأراد بها رشداً ، لولّى عليهم أعلمهم بكتاب الله وأفضلهم ، ولو كانت هذه الأمّة من الله خائفين ، ولقول نبيّه(صلى الله عليه وآله) متّبعين ، وبالحقّ عاملين ، ما سمّوك أمير المؤمنين ، فاقض ما أنت قاض ، إنّما تقضي 1.

ص: 344


1- المعارج : 70 / 1.
2- مجمع البيان 10 / 119 ، تفسير الصافي 2 / 299.
3- في الديوان : من.
4- المائدة : 5 / 31.

هذه الحياة الدنيا(1).

وفي البيتين إشارة إلى الملاحم التي وقعت بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) من اجتماعهم في ظلّة بني ساعدة واختيارهم أبا بكر للخلافة ، وعدم اعتدادهم بما سمعوه من النبي(صلى الله عليه وآله) في حقّ عليٍّ عليه السلام ، وما احتجّت به العصابة الممتنعة من بيعة أبي بكر من الدلائل الواضحة مع علمهم بأنّ علياً عليه السلام أفضل الصحابة وأورعهم وأشجعهم وأقدمهم إسلاماً ، كما قال : والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليّ الطير ، إلى آخره(2).

وروي عن سلمان أنّه قال : إنّ القوم ارتدّوا بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلاّ مَن عصمه الله بآل محمد(صلى الله عليه وآله) ، وإنّ عليّاً بمنزلة هارون من موسى ومن تبعهما .... ، فأمير المؤمنين عليه السلام في سنّة(3) هارون ، وعتيق في سنّة السامريّ ، وسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : «لتركبنّ أمّتي سنّة بني إسرائيل حذو النَّعل بالنَّعل ، والقذّة بالقذّة ، شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، وباعاً بباع ، حتّى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه»(4)(5).2.

ص: 345


1- الاحتجاج 1 / 188 ، اليقين في إمرة أمير المؤمنين عليه السلام : 30 ، بحار الأنوار 22 / 361.
2- نهج البلاغة : 30 خطبة رقم 3 الشقشقية.
3- كذا في الاحتجاج ، وفي (خ) : شبه ، وكذا في الموضع الآتي.
4- حديث متواتر مشهور ، ينظر : كتاب سليم بن قيس : 162 ، سنن ابن ماجة 1 / 30 ، خصائص النسائي : 3 و 4 و 18 و 25 ، حلية الأولياء 4 / 356.
5- الاحتجاج 1 / 113 ، بحار الأنوار 28 / 284 ، اللآليء العبقرية في شرح العينية الحميرية : 497 ، الروض النضير في معنى حديث الغدير - لنا - : 272.

25 - وقطّعوا أرحامه بعده

فسوف يُجزون بما قطّعوا

فيه إشارة إلى طغيان المنافقين بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) على أهل بيته وقراباته من إخراجهم عليّاً عليه السلام من البيت إلى المسجد لبيعة أبي بكر ، وإحراقهم باب داره ، وكسر ضلع فاطمة عليها السلام ، وإخراج وكيلها من فدك ، وغير ذلك من أنواع الظلم.

رشته خويشان او هر كس بريد

پس بپاداش عمل خواهد رسيد

روي أنّه لمّا امتنع عليّ عليه السلام من الخروج أمر عمر أناساً حوله ، فحملوا حطباً ، فجعلوه حول منزله ، وفيه : عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، ثمّ نادى عمر بأعلى صوته : والله لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو لأضرمنّ عليك بيتك ناراً.

فلمّا دخلوا بيته ألقوا في عنقه حبلا أسود ، فجاءت فاطمة لتحول بينهم وبين بعلها عند باب الدار فضربها قنفذ بالسوط على عضدها [فبقي أثره في عضدها](1) من ذلك مثل الدُّمْلُج(2) ، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ : اضربها ، فألجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها قنفذ فكسر ضلعاً من جنبها ، وألقت جنيناً ، فلم تزل مريضة من ذلك إلى أن ماتت شهيدة مغصوبة حقّها ، ممنوعة إرثها ، مظلومة(3).3.

ص: 346


1- من الاحتجاج.
2- الدُّملج : المِعْضَد من الحِليّ. ترتيب كتاب العين 1 / 596 - دملج -.
3- الاحتجاج 1 / 108 ، بحار الأنوار 28 / 283.

وروي أنّ فاطمة عليها السلام لمّا دخلت المسجد وزارت أبيها قالت :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة(1)

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطبُ

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا(2)

إلى أن قالت :

تهجّمتْنا رجال فاستُخفّ بنا

مُذ غِبت عنّا ونحن اليوم نُغتصب(3)

فالمراد بقطع رحم النبي(صلى الله عليه وآله) عدم رعايته في أهل بيته ، وغصب حقوقهم. وفي التفعيل إشارة إلى تكثير ذلك منهم ، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى قتل الحسن والحسين وأعوانهما أيضاً.

26 - وأزمعوا غدراً بمولاهم

تبّاً لِما كانوا به أزمعوا

الإزماع - الزاء المعجمة والعين المهملة - : العَزم. قال :

وإن كنت قد أزمعت صرماً فأجملي(4) :

ص: 347


1- الهنبثة : الأمور الشدائد والاختلاط في القول. نهاية ابن الأثير 5 / 278 - هبنث -.
2- كذا في أمالي المفيد ومناقب ابن شهرآشوب ، وفي (خ) : ولا تغب.
3- اختُلف في هذه الأبيات لفظاً ونسبةً : ففي الأصول الستّة عشر : 95 ، الكافي 8 / 375 ح 564 نسبت إلى هند ابنة أُثاثة. وفي الهداية الكبرى : 406 نسبت إلى رقية بنت صفية. وفي دلائل الإمامة : 117 نسبت إلى صفية بنت عبدالمطلّب. ووردت الأبيات في : شرح الأخبار 3 / 39 ، أمالي المفيد : 40 و 41 ، الاحتجاج 1 / 123 ، مناقب ابن شهر آشوب 2 / 51 عن لسان فاطمة عليها السلام.
4- عجز بيت لامرىء القيس في معلّقته المشهورة ، وصدره :

والغدر - بالغين المعجمة - : ترك الوفاء ، ونقض العهد ، والمراد بمولاهم هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، حيث قال النبي(صلى الله عليه وآله) : مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه.

وقال عمر : بَخ بَخ ، يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة(1).

وقوله : تبّاً أي ألزمهم الله هلاكاً وخسراناً ، من التّباب ، وهو الخسران والهلاك(2) ، ومنه (تَبَّتْ يَدَا أَبي لَهَب)(3) ، وفيه إشارة إلى تحالفهم وتعاهدهم على أن يخذلوا عليّاً عليه السلام ، ويمنعوه من الخلافة ، وقد كتبوا لذلك صحيفة ملعونة مشؤومة في الكعبة(4).لس

ص: 348


1- حديث الغدير متواتر مشهور ، روي بألفاظ وطرق مختلفة. ينظر : المعيار والموازنة : 212 ، أمالي الصدوق : 50 ح 2 ، روضة الواعظين : 350 ، إرشاد المفيد 1 / 176 ، مسارّ الشيعة : 39 ، كنز الفوائد : 232 ، شواهد التنزيل 2 / 390 ح 1040 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 / 237.
2- لسان العرب 1 / 226 - تبب -.
3- المسد : 111 / 1. وقال الفسوي : هو في الحقيقة دعاء عليهم بأن لا ينالوا خيراً وربحاً في معاملتهم ، والكلام من قبيل قوله تعالى : (فَمَا رَبِحَت تِجارَتُهُمْ) - البقرة : 16 -. (شرح العينية : 62).
4- روى الطبري : عن إسماعيل ، عن قيس ، قال : رأيت عمر بن الخطّاب وهو يجلس

ويحتمل أن يشار به إلى ما دبّروه من قتل عليٍّ عليه السلام بيد خالد ...

ويحتمل أن يكون المراد بمولاهم هو النبي(صلى الله عليه وآله). وبالغَدْر ما وقع منهم ليلة العقبة من إلقائهم الدباب لينفّروا ناقة الرسول(صلى الله عليه وآله)(1).9.

ص: 349


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 389 ، الاحتجاج 1 / 65 ، بحار الأنوار 21 / 231 ، و 28 / 99.

ويحتمل أن يراد بالغدر ما انطوى عليه سرائرهم من نقض العهد.

27 - لا هُم عليه يردوا حوضه

غداً ولا هو فيهم يشفع

كلمة لا هنا عاملة عمل ليس ، ودخولها على المعارف - كما في البيت - قليل ، بل أنكره جماعة ، واستدلّ المجوّز(1) بقوله :

وحلّت سواد القلب لا أنا باغِياً

سِواها ولا في حُبّها مُتراخياً(2)

وقوله :

إذا الجود لم يُرزق خلاصاً من الأذى

فلا الحمد مكسوباً ولا المال باقيا(3)

فتقدير الكلام ليس المنافقون الذين نقضوا عهد النبي(صلى الله عليه وآله) بواردين يوم القيامة حوضه(صلى الله عليه وآله) ، وليس النبي(صلى الله عليه وآله) بشافع لهم حينئذ.

ويحتمل أن تكون لا نافية داخلة على الفعل ، والضمير البارز تأكيداً للضمير المستتر فيه ، ولكنّه قدّم للضرورة ، فالتقدير : لا يردّون هم عليه حوضه ، ولا يشفع هو فيهم. وحذف النون من يردوا مع عدم المقتضي له(4) م.

ص: 350


1- أجاز في شرح التسهيل 1 / 377 كابن جنّي إعمالها في المعارف. (النهجة المرضية في شرح الألفية : 127 ، وفي مغني اللبيب 1 / 316 أنّ ابن جنّي وابن الشجري أجازا عملها في المعارف.
2- سواد القلب: سويداؤه. باغياً: طالباً. متراخياً: متهاوناً فيه. والبيت للنابغة الجعدي في شرح شواهد المغني 2 / 613، ديوانه: 171. وينظر شرح ابن عقيل 1 / 315، وفيه: عن حبِّها.
3- البيت للمتنبّي في ديوانه 2 / 511 ، مغني اللبيب 1 / 316.
4- أي المقتضي له من ناصب أو جازم.

إمّا لضرورة(1) ، أو لِما قُرّر في محلّه من أنّ الشيء ربّما يعطي حكم ما أشبهه في معناه ، أو في لفظه ، أو فيهما ، ولذا يؤكّد المضارع بالنون بعد لا النافية حملا لها في اللفظ على لا الناهية ، كما في قوله : (لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ)(2).

وقوله : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصَّةً)(3) على أحد الوجهين.

والكلام محتمل للإخبار بأنّهم لا يردون الحوض ، وأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لا يشفع لهم ، وللإنشاء بأن يكون دعا عليهم ، كما في قولهم : لا غَفر الله لَكَ ، فيحتمل أن يكون حذف النون حينئذ لكون لا ناهية في مقام الدعاء ، كما في الأمر ، فتدبّر.

وبالجملة ففي البيت إشارة إلى ما ورد كثيراً من أنّ الظالمين لآل محمّد(صلى الله عليه وآله) لا يردون حوض النبي(صلى الله عليه وآله) ، ولا يشفع لهم يوم القيامة.

نه بكوثر افتدايشانرا نگاه

نه شفيع روز محشر داد خواه

فقد روى أبو سعيد الخدري أنّه قال : سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول على المنبر : ما بال أقوام يقولون : إنّ رحم رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا تنفع يوم القيامة؟ بلى5.

ص: 351


1- ومثله قول الشاعر : أبِيتُ اُسْرِي وتَبيتي تَدْلُكي وجهك بالعنبر والمسك الذّكي
2- النمل : 27 / 18.
3- الأنفال : 8 / 25.

والله إنّ رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة. وإنّي - أيّها الناس - فرطكم يوم القيامة على الحوض ، فإذا جئتم قال الرجل : يا رسول الله ، أنا فلان بن فلان ، فأقول : أمّا النسب فقد عرفته ، لكنّكم أخذتم بعدي ذات الشمال ، وارتددتم على أعقابكم القهقري(1).

وروى جابر ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال لعليّ عليه السلام : إنك غداً على الحوض خليفتي ، وإنّك أوّل من يرد عليّ الحوض ، وإنّك أوّل من يُكسى ، وإنك أوّل داخل الجنّة من أمّتي ، وشيعتك على منابر من نور مبيضّة وجوههم ، أشفع لهم ، ويكونون غداً في الجنّة [جيراني](2) ، وإنّه لن يرد عليَّ الحوض مبغضٌ لك ، ولن يغيب عنه محبٌّ لك [حتّى يرد](3) الحوض معك(4).

وروى ابن عبّاس ، عنه(صلى الله عليه وآله) قال : أيّها الناس ، الزموا مودّتنا أهل البيت ، فإنّه من لقي الله بودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، فوالّذي نفس محمّد(صلى الله عليه وآله) بيده ما 5.

ص: 352


1- الإفصاح : 51 ، أمالي المفيد : 326 ، المستدرك على الصحيحين 4 / 74 ، أمالي الطوسي : 94 ح 53 ، كنز العمّال 14 / 434 ح 39186.
2- من المصادر.
3- من المصادر.
4- شرح الأخبار 2 / 381 ح 740 ، أمالي الصدوق : 156 ح 1 ، كنز الفوائد : 280 ، المحتضر : 173 ح 199 ، بشارة المصطفى : 246 ح 35.

ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفتنا وولايتنا(1).

ثمّ لا يخفى أنّ ممّا يجب الاعتقاد به الشفاعة والحوض ؛ فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا يناله(2) الله شفاعتي ، وإنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل(3).

اللهمّ ارزقنا شفاعته صلّى الله عليه وآله وسلم.

28 - حوض له ما بين صنعا إلى

أيلة والعرضُ به أوسعُ(4)

أي للنبيّ(صلى الله عليه وآله) حوض طوله مثل المسافة التي ما بين صنعاء اليمن إلى أيلة ، ومسوّغ الابتداء بالنكرة هو الوصف.

ويحتمل أن يكون حوض خبراً لمبتدأ محذوف ، والضمير في له عائداً إليه ، أي هو حوض له من الطول كذا.ُ.

ص: 353


1- المحاسن 1 / 61 ح 105 ، شرح الأخبار 1 / 445 ح 120 ، أمالي المفيد : 13 ح 1 ، أمالي الطوسي : 187 ح 16 ، فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن عقدة : 169 ، بشارة المصطفى : 162 ح 125 ، وفيها عن الحسين بن علي عليه السلام. وفي المعجم الأوسط 2 / 360 ح 2230 عن الحسن بن علي عليه السلام.
2- في المصادر : أناله.
3- أمالي الصدوق : 56 ح 4 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 / 125 ح 35 ، روضة الواعظين : 500 ، كشف الغمّة 3 / 79 ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ 2 / 1000.
4- في الديوان : أيلة أرض الشام أو أوسعُ.

وفي بعض النسخ : أيلة أرض الشام أو أوسع ، فليس فيه تحديد لخصوص عرضه أو طوله ، ولكن ربّما يستفاد منه أنّ طوله وعرضه كطول المسافة المذكورة وعرضها.

صاحب حوض است آن خير الأنام

طول وعرضش از يمن تا ملك شام

وقال الآخر :

حوض او باشد ز صنعاى يمن

تا زمين شام بل افزون فضاء

وصَنعاء بالقصر والمدّ وهو الأكثر : بلد باليمن ؛ قيل : إنّه أول بلد بُني بعد الطوفان.

وأيْلَة بفتح الهمزة وسكون الياء المثنّاة من تحت : بلد بين ينبع ومصر ، وقد اختلف أهل الإسلام في هذا الحوض بعد اتّفاقهم على ثبوته ووجوب الاعتقاد به في الجملة ؛ قال بعضهم :

قد أوتي المصطفى حوض له عِظَم

من خير ما قد أتاه الله للرسلِ

لا شكّ فيه كما صحّ الحديث به

عن صدق وعْد فيُسقى كُلّ ذي عملِ

أصفى بياضاً من الألبان أجمعها

من أعْذب الماء بل أحلى من العسلِ

يذاد عنه أُناسٌ لا خلاق لهم

قد قابلوا الدين بالتغيير والبَدَلِ(1)

فعن المعتزلة أنّ المراد به هو اتّباع سنّة الرسول(صلى الله عليه وآله).

وقال جماعة : إنّه حوض ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن ، وأحلى من ء.

ص: 354


1- وردت الأبيات في شرح إحقاق الحقّ : 1 / 7 قائلا : لبعض العلماء.

العسل ، يصبّ فيه ميزابان من الكوثر ، وعليه من الأواني عدد نجوم السماء ، ورائحته المسك ، وحصباؤه اللؤلؤ ، لا يظمأ من شرب منه أبداً(1).

قيل : من أراد أن يسمع صوت الميزابين اللذين يصبّان من الكوثر في الحوض فليجعل إصبعيه في أذنيه ، فإنّ ما يسمع عند ذلك هو صوت الميزابين.

واعترضوا على المعتزلة بأنّه لو كان المراد بالحوض هو اتّباع السنّة ، فلا معنى للذود عنه في الآخرة ، لا لتحديده بالمسافة ، ولا لصبّ الميزابين.

وقد اختلفوا في أنّ هذا الحوض هل هو قبل الصراط أو بعده ، أو الحوض حوضان : أحدهما قبل الصراط ، والآخر بعده ، وهل هو مخصوص بنبيّنا(صلى الله عليه وآله) ، أو لكلّ نبيٍّ حوض؟ لا مجال لبسط الكلام ، وتحقيق الحقّ في هذا المختصر.

فالأولى أن نورد في المقام طرفاً من الأخبار الواردة من أئمّة الأنام يكشف عن حقيقة بعض ما أشرنا إليه من الكلام ، فنقول :

روى أبو أيّوب الأنصاري أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) سئل عن الحوض ، فقال : أمّا إذا سألتموني عنه فسأخبركم أنّ الحوض أكرمني الله به ، وفضّلني على مَن كان قبلي من الأنبياء ، وهو ما بين أيلة وصنعاء ، فيه من الآنية عدد نجوم 3.

ص: 355


1- ينظر : الكشّاف 4 / 291 ، تفسير البيضاوي 5 / 532 ، تخريج الأحاديث والآثار 4 / 303.

السماء ، [يسيل](1) فيه خليجان من الماء ، ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، حصاه الزمرّد والياقوت ، بطحاؤه مسك أذفر ، شرط مشروط من ربّي لا يرده أحد من أمّتي إلاّ النقيّة قلوبهم ، الصحيحة نيّاتهم ، المسلّمون للوصيّ من بعدي ، الذين يعطون ما عليهم في يسر ، ولا يأخذون ما عليهم في عسر ، يذود عنه يوم القيامة من ليس من شيعته كما يذود الرجل البعير الأجرب من إبله ، من شرب منه لم يظمأ أبداً(2). انتهى.

ويستفاد منه أنّ الحوض مخصوص بنبيّنا(صلى الله عليه وآله).

وروى حذيفة بن أُسيد ، قال : سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول على منبره : معاشر الناس ، إنّي فرطكم ، وإنّكم واردون عليَّ الحوض ؛ حوضاً عرضه ما بين بصرى وصنعاء ، فيه قدحان(3) عدد النجوم ، وإني سائلكم حين تردون عَلَيَّ الحوض عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما : الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله ، وطرفه بيدكم ، فاستمسكوا به لن تضلّو ولا تبدّلوا في عترتي أهل بيتي ، فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير ، أنّهما لن يفترقا حتّى يرِدا عليَّ الحوض.

معاشر الناس ، كأنّي على الحوض أنتظر مَن يرد عَلَيَّ منكم وسوف ة.

ص: 356


1- من المصادر.
2- أمالي الشيخ الطوسي : 228 ح 50 ، بشارة المصطفى؟ 278 ح 150 ، أعلام الدين : 270 ، بحار الأنوار 8 / 21 ح 14 ، غاية المرام 7 / 44 ح 8.
3- في المصادر : قدحان من فضّة.

يتأخّر أُناس من دوني فأقول : يا ربّ ، منّي ومن أمّتي ، فيقال : يا محمّد ، هل شعرتَ بما عملوا؟ إنّهم رجعوا على أعقابهم(1). انتهى.

ويستفاد منه تحديده عرضاً.

وقريب منه ما رواه عمر ، عنه(صلى الله عليه وآله)(2).

وروى في مجمع البيان : أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) سئل عن الكوثر حين نزلت سورة (إنّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ) ، فقال : نهر وعدنيه ربّي عليه خير كثير ، هو حوضي ، ترد عليه أمّتي يوم القيامة ، آنيته عدد نجوم السماء ، فيختلج القرن(3) منهم ، فأقول : يا ربّ ، إنّهم من أمّتي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك(4). انتهى.

ويستفاد منه اتّحاد الكوثر مع الحوض ، ولكنّ الظاهر من جملة من الأخبار تغايرهما.

وروي أنّ عليّاً عليه السلام سأل رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن الكوثر ، فقال(صلى الله عليه وآله) : الكوثر نهري يجري تحت عرش الله عزّ وجل ، ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، حصاؤه الزبرجد والياقوت والمرجان ، حشيشه 2.

ص: 357


1- كفاية الأثر : 128 ، بحار الأنوار 36 / 317 ح 165 ، الصوارم المهرقة : 180 ، مجمع الزوائد 10 / 363. وصدره في كنز العمّال 14 / 428 ح 39169 ه- ص 435 ح 39192.
2- كفاية الأثر : 91.
3- يختلج : يجتذب وينتزع. والقرن : الجماعة والأمّة.
4- مجمع البيان 10 / 459 ، كنز العمال 14 / 418 ح 39127 وص 420 ح 39138 وص 9 ح 39172.

الزعفران ، ترابه المسك الأذفر ، قواعده تحت عرش الله عزّ وجل. ثمّ ضربّ (صلى الله عليه وآله) على جنب عليٍّ عليه السلام ، فقال : هذا النّهرُ لي [ولك](1) ولمحبّيك من بعدك(2). انتهى.

وفسّر الكوثر بوجوه كثيرة مبيّنة في الكتب المبسوطة ، وسنشير إلى جملة منها.

ولا يخفى أنّ ما فسّرنا به البيت من التحديد هو ظاهره بقرينة ، والعرض به أوسع ، ولكنّ المصرّح به في بعض الأخبار أنّ ذلك تحديد لعرضه ، وعليه فيمكن أن يراد بقوله به بما بين صنعاء إلى أيلة ، أي تحديد العرض بذلك أوسع من كلّ تحديد ، فتأمّل.

29 - يُنصب فيهم علمٌ للهدى

والحوض من ماء له مُترعُ

يقال : نصبه أي أقامه ، ويُنصب عل صيغة المبنيّ للمفعول ، أي : يقام فيهم ، أي في أهل المحشر.

علم للهدى : أي علامة لهدايتهم إلى الجنّة ، والمراد به إمّا لواء الحمد الآتي بيانه ، أو عليّ بن أبي طالب ، فإنّه علم الهدى ، وقسيم الجنّة والنار ، أي يقام فيهم بأمر الله عليّ عليه السلام ليهدي محبّيه إلى هذا الماء. 2.

ص: 358


1- من المصادر.
2- أمالي المفيد 294 ح 5 ، أمالي الطوسي : 69 ح 11 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 / 12 ، بشارة المصطفى : 24 ح 5 ، تأويل الآيات 2 / 858 ح 5 ، بحار الأنوار 8 / 18 ح 2.

وفي بعض النسخ : ينصب فيه علم ، أي : في هذا الحوض علم يهتدون به إليه. وفي بعضها : ينصب فيه علماً ، أي : ينصب هذا الحوض في يوم القيامة حال كونه علماً للهداية ، فمن شرب منه علم أنّه ممّن هداه الله في الدنيا إلى معرفة آل محمّد ، ويهديه في الآخرة إلى الجنّة ، ويحشره معهم.

والمترع - بالراء المهلمة - : المملوّ ؛ يقال : حوض تَرَعٌ ، أي ممتلىء ، وتَرِعَ الإناء : امتلأ ، وأترعته ، أي ملأته ، وهو خبر للحوض ، وبه يتعلّق قوله : «من ماء» ، والضمير في له عائد إلى الحوض ، أو إلى الله بقرينة المقام ، أي إلى علم الهدى ، إذا أُريد به أمير المؤمنين عليه السلام ، أو إلى الرسول(صلى الله عليه وآله).

رايتى بر پا بود بهر نجات

حوض او گردد پر از آب حيات

وقال الآخر :

در ميانشان ايستد بر پا علىّ

حوض كوثر پر از آب با صفا

وفي بعض النسخ : من ماء به ، أي من ماء فيه ، أي في هذا الحوض ، وهذا أوضح.

30 - يفيض من رحمته كوثر

أبيضُ كالفِضّة أو أنصع

يقال : فاض الماء يفيض ، إذا سال وجرى ، أي يجري هذا الماء من رحمة الله الواسعة ، وهو الكوثر ، فكوثر بدل ، أو عطف بيان لرحمته.

ص: 359

روي أنّه نهر في الجنّة أعطاه الله نبيّه(صلى الله عليه وآله) عوضاً عن ابنه(1). وفسّره بعضهم بالعلم والعمل ، وبعضهم بالنبوّة والكتاب(2) ، وبعضهم بالذريّة الطيّبة(3).

وفي البيت إشارة إلى ما تقدّم من أنّ هذا الحوض يصبّ فيه ميزابان من الكوثر.

وعن عليّ عليه السلام قال : أنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) معي عترتي على الحوض ، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا ، وليعمل عملنا ، فإنّ لكلّ أهل [بيت](4) نجيباً ، ولنا شفاعة ، ولأهل مودّتنا شفاعه ، فتنافسوا في لقائنا على الحوض ، فإنّا نذود عنه أعداءنا ، ونسقي منه أحبّاءنا وأولياءنا ، من شرب منه شربةً لم يظمأ بعدها أبداً ، حوضنا [مترع](5) فيه مَثْعبان(6) ينصبّان من الجنّة : أحدهما من تسنيم ، والآخر من معين ، على حافّتيه الزعفران ، وحصاه اللؤلؤ [والياقوت](7) ، وهو الكوثر(8).3.

ص: 360


1- أعطاه إيّاه عوضاً عن ابنه إبراهيم. تفسير القمّي 2 / 445 ، مجمع البحرين 4 / 20.
2- كما ورد ذلك عن عكرمة. زبدة التفاسير 7 / 532.
3- ذريّته(صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة عليها السلام. زبدة التفاسير 7 / 533.
4- من المصادر.
5- من المصادر.
6- المثعب : مسيل المياه.
7- من المصادر.
8- الخصال : 624 ، تفسير فرات الكوفي : 367 ح 10 ، بحار الأنوار 8 / 19 ح 9 ، و 65 / 61 ح 113.

ويحتمل أن يكون كوثر فاعلا ليفيض ، أي يجري الكوثر من رحمة الله.

وأبيض خبر لمحذوف ، أي ماء هذا الحوض أبيض كالفضّة. ويحتمل أن يكون وصفاً لكوثر.

قوله : أو أنصع - بالنون والصاد المهملة - : أي أصفى من الفضّة. والناصع : الخالص من كلّ شيء ؛ ويقال : أبيض ناصع ، أي : لا يخالطه لون آخر.

آنكه لبريز زلال كوثر است

كز صفا از نقر آبش بهتر است

وقال الآخر :

آب آن لبريز فيض رحمت است

صاف چون نقره سفيد وپر ضيا

31 - حصباه(1) ياقوت

ومرجانة

ولؤلؤ لم تجنه إصبعُ

32 - بطحاؤه مسك وحافاته

يهتزّ منها مونقُ مُربعُ(2)

33 - أخضر ما دون الورى(3) ناضر

وفاقع أصفر أو أنصعُ(4)

الحصباء - بالحاء والصاد المهملتين والباء الموحّدة : - : الحصى كما في ُ.

ص: 361


1- في الديوان : حصاهُ.
2- في الديوان : مُونِعُ.
3- في الديوان : الجني.
4- في الديوان : أصفر ما يطلعُ.

أكثر النسخ ، وهو الأوضح ، وإن شاع قصر الممدود في الشعر.

قوله : لؤلؤ لم تجنه من جنيت الثمرة - بالجيم والنون - ، أي لؤلؤ مكنون لم تمسّه الأيدي ، وهذا مبالغة في صفائه ولطافته.

بطحاؤه : أي أرضه ، والأبطح والبطحاء : مسيل واسع فيه دِقاق الحصى.

وحافاته - بتخفيف الفاء - : أي جوانبه ، من الحَوْف ؛ يقال : حافتا الوادي لجانبيه.

والاهتزاز - بالزاء المعجمة - : التحرّك ؛ يقال : هزّت الريح الشجرة إذا حرّكتها.

والمونق : الحسن المعجب ؛ يقال : آنقني الشيء ، أي : أعجبني ، والمراد به ما ينبت حول الحافات من الأشجار وأنواع الخضر.

والمُربع كمُكرم : ما ينبت في الربيع.

قوله : أخضر وصف ثالث للمُونق ، أي أشدّ خضرة ممّا عنه الناس من الخضر ، وبناء أفعل التفضيل من الألوان شاذّ ، وإنّما القياس ما ذكرناه.

والناضِر - بالنون والضاد المعجمة - : ذو النَّضرة ، وهي الحُسن والرونق.

ويقال : أصفر فاقع ، أي شديد الصفرة ، ومنه (صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَونُها)(1).9.

ص: 362


1- البقرة : 2 / 69.

ومحصّل المعنى : أنّ حَصَى هذا الحوض ياقوت ومرجان ولؤلؤ ، وأرضه مسك ، ونبت في جوانبه أنواع النبات بألوان مختلفة.

لعل وياقوتش بو ريگ روان

گوهرش چون دُر معنى بى نشان

درته واطراف او مشك ختن

موج سبزه زينت افزاى چمن

سبزه اش خرم تر از خط عذار

زغفرانش چون طلاى خوش عيار

وقال الآخر :

ريگش از ياقوت واز مرجان ودُر

گوهرى كانوا نچيد انگشتها

خاك آن مشك وكنار آن نهر

سبزهاى تازه لرزان از صبا

سبز وخرّم در نظرها آن كنار

با گل رنگين وورد با صفا

34 - فيه أباريق وقِدحانه

يذبّ عنه الرجل(1) الأصلعُ

الأباريق : جمع الإبريق ، فارسي معرّب.

والقدحان : جمع القَدَح ، وهو الإناء الواسع.

والذبّ - بالذال المعجمة - : الدَّفع والمنع كالذّود.

والأصلع - بالصاد المهملة - : الذي انحسر الشعر من مقدّم رأسه ، والمراد به عليّ عليه السلام ، لأنّه كان كذلك على ما ورد فى شمائله(2). تّ

ص: 363


1- في الديوان : الأنزع. ورقم البيت فيه 37.
2- روى الصدوق أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : إذا أراد الله بعبد خيراً رماه بالصلع فتحاتّ

ساغرش پر از مى شايسته است

ساقيش مرد گشاده جبهه است

وقال الآخر :

كوزها وجامها بر دور آن

مرد اصلع دور سازد خلق را

35 - يَذبّ عنه ابن أبي طالب

ذبّاً كجُربى(1) إبل شُرّع

الجَرَب - بالجيم والراء المهملة والباء الموحّدة - : داء معروف ؛ يقال : ناقة جَرباء ، وإبل جُرْب - بالضمّ -.

قوله : كجرباء إبل من قبيل إضافته الصفة إلى الموصوف.

وشُرّع كرُكّع ، خبر لمحذوف ، أي إبل هي شُرُعُ ، ويحتمل كونه وصفاً لإبل من شرَعت الدابّة الماء إذا دخلته ووردته.

وفي بعض النسخ : (عنها) بدل (عنه) ، أي عن الأباريق والقِدحان.

والمحصّل : أنّ على هذا الحوض ذائداً يدفع عنه جماعه ، وهو عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ، فيدفعهم عنه كما يدفع الإبل الجُرب عن الماء إذا أرادت 8.

ص: 364


1- في الديوان : ذبّك جُربى. ورقم البيت فيه : 38.

الورود عليه ، لئلاّ يسري داؤها إلى سائر الأُبال.

غير را محروم سازد بو تراب

چون كنى دور اشتر گر را ز آب

وإلى هذا يشير كثير من الأخبار الواردة في هذا المقام ، وقد تقدّم بعضها.

ومنها : ما رواه ابن عبّاس ، عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال : أنا سيّد الأنبياء والمرسلين(1) ، وذريّتي أفضل ذريّات النبيّين والمرسلين(2) ، وابنتي فاطمة سيّدة نساء العالمين ، والطاهرات من أزواجي أمّهات المؤمنين ، وأمّتي خير أمّة أخرجت للناس ، وأنا أكثر النبيّين تبعاً يوم القيامة ، ولي حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء ، فيه من الأباريق عدد نجوم السماء ، وخليفتي على الحوض يومئذ خليفتي في الدنيا.

فقيل : ومن ذاك ، يا رسول الله؟

قال : إمام المسلمين ، وأمير المؤمنين ، ومولاهم بعدي عليّ بن أبي طالب ، يسقي منه أولياءه ، ويذود عنه أعداءه ، كما يذود أحدكم الغريبة من الإبل عن الماء.

ثمّ قال : ومن أحبّ عليّاً وأطاعه في دار الدنيا ورد عليَّ حوضي غداً ، ن.

ص: 365


1- في المصادر زيادة : وأفضل من الملائكة المقرّبين ، وأوصيائي سادة أوصياء النبيّين والمرسلين.
2- في المصادر زيادة : وأصحابي الذين سلكوا منهاجي أفضل أصحاب النبيّين والمرسلين.

وكان معي في درجتي في الجنّة ، ومَن أبغض عليّاً في دار الدنيا وعصاه لم أره ولم يرني يوم القيامة ، واختلج دوني ، وأخذ به ذات الشمال إلى النار(1).

ومنها : ما رواه عليّ عليه السلام ، قال : سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : يا عليّ ، أنت صاحب الحوض لا يملكه غيرك ، وسيأتيك قوم فيستقون(2) ، فتقول : لا ولا مثل ذرّة ، فينصرفون مسودّة وجوههم ، وسترد عليك شيعتي وشيعتك فتقول : ردّوا(3) رواء مرويّين ، فيردّون(4) مبيضّة وجوههم(5).

ومنها : ما رواه صاحب الفائق : أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال لعليٍّ : أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه الرجال كما يُذاد البعير الصائد - أي الذي به الصّيد ، وهو داء يلوي العنق - (6).

ولا ينافي هذه الأخبار ما ورد من أنّ الذائد هو رسول الله(صلى الله عليه وآله)(7) ، لأنّ عليّاً عليه السلام يذود أعداء الدين عن هذا الحوض بإذنه وأمره. 6.

ص: 366


1- أمالي الصدوق : 374 ح 12 ، التحصين : 561 ، بشارة المصطفى : 65 ح 52 ، بحار الأنوار 8 / 22 ح 15 ، و 93 / 218 ح 5.
2- في الخصال : فيستسقونك.
3- في الخصال : رووا.
4- في الخصال : فيروون.
5- الخصال : 575 باب السبعين.
6- الفائق في غريب الحديث 2 / 270 ، نهاية ابن الأثير 3 / 65 - صيد - ، بحار الأنوار 39 / 212 ح 4.
7- المسند الجامع 3 / 343 ح 2062 ، مجمع الزوائد 10 / 366.

36 - والعِطر والرّيحان أنواعه

ذاك وقد(1) هبّت به

زعزعُ

37 - ريح من الجنّة مأمورة

ذاهبة ليس لها مرجعُ(2)

قوله : والعِطر إمّا عطف على قوله : (أباريق) أي : وفيه العطر ، أو مستأنف وذاك خبره ، وأنواعه : أي أصنافه وفنونه بدل من الريحان ، أي : العطر وأنواع الريحان موجود مشاهَد في هذا الحوض.

وريح زعزع - بالزاءين المعجمتين والعينين - كذلك ، أي : تُزعزِع الأشياء وتحرّكها ، من الزعزعة ، وهي التحريك.

وريح : بدل من زعزع.

مأمورة : أي أمرها الله بالهبوب على هذا العطر والريحان(3).

ومحصّل المعنى : أنّه يهبّ على ذلك ريح من الجنّة لا ينقطع هبوبها فيذهب ولا يرجع ، فتتجدّد ريح أخرى من الجنّة ، وهكذا إلى غير نهاية.

عطر وريحانش زهر سو دلگشا

ميوزد گاهى نسيمى دلفزا

در وزيدن كرده از جنّت شروع

نيست چون باد پريشانش رجوع

وقال الآخر :

بوى خوش ريحان زهر نوعيش هست

ميوزد بروى نسيمى خوش هوا3.

ص: 367


1- في الديوان : تسطع إنْ.
2- في الديوان : دائمة ليس لها منزعُ. ورقم البيتين فيه : 34 و 35.
3- وهو ما أيّده الحديث الشريف : «لا تلعن الريح فإنّها مأمورة. صحيح ابن حبّان 13 / 56 ، موارد الظمآن 6 / 287 ، عوالي اللآلي 1 / 172 ح 203.

زامر حقّ آيد نسيمش از بهشت

متّصل بى بازگشتن از فضا

38 - إذا دنوا منه لكي يشربوا

قيل لهم تبّاً لكم فارجعوا

39 - دونكم فالتمسوا منهلا

يُرويكم أو مطعماً يُشبع(1)

الدنوّ : القُرب ؛ يقال : دنوت منه ، أي قربت ، واللام في لكي يشربوا تعليلية ، وكم بمنزلة أن المصدرية معنى وعملا ، كما في قوله : (لِكَيْلا تَأسَوْا) وقد يقال : إنّ كي تعليلية بمنزلة اللام مؤكّدة لها ، كما في قوله :

......................

ولا لِلما بهم أبداً دواء(2).

وهذا تكلّف ، والمشهور أنّ كي التعليلة تختصّ بالدخول على ما الاستفهامية ، وتبّاً : أي هَلاكاً وخُسراناً ، وهو مفعول مطلق لمحذوف يجب حذفه لنيابة المصدر عنه ، كما في سُقْياً ورعْياً.

وفي بعض الأخبار : أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) يقول لهم : سُحقاً سحقاً(3) ، أي بعداً بعداً ، وهو في معنى اللعن عليهم ، فإنّه هو البعد عن الرحمة. 6.

ص: 368


1- رقم البيتين في الديوان : 39 و 40.
2- عجز بيت لمسلم بن معبد الوالبي ، وصدره : فلا والله لا يُلفى لما بي. ينظر : مغني اللبب 1 / 181 رقم 299 - وفي ط : 1 / 240 رقم 328 - ، شرح الرضي على الكافية 1 / 386 رقم 130 ، الأعلام للزركلي 7 / 223.
3- غيبة النعماني - بتحقيقنا - : 54 ، الرسالة السعدية للعلاّمة الحلّي : 14 ، الموطّأ 1 / 50 ، سنن ابن ماجة 2 / 580 ، الطرائف : 376.

ودونكم إما بمعنى وراءكم ، كما في قوله عليه السلام : ليس دون الله منتهى(1) ، فيتعلّق بقوله : فارجعوا : أي ارجعوا وراءكم وانصرفوا من حيث أتيتم ، أو بمعنى عندكم ، أي : انصرفوا من عندنا إلى ما عندكم من الخسران والتَّباب.

والكاف على الوجهين اسم ، أو بمعنى خذ ، فيكون من أسماء الأفعال ، كعليك وإليك ، والكاف حرف الخطاب ، كما في ذاك ، فلا تعلّق له بما قبله ، أي : خذوا مشرباً غير هذا الحوض ، أو سبيلا غير هذا السبيل.

فالتمِسوا : أي اطلبوا.

والمنهل : عين ماء تردها الإبل في المراعي ، من نَهَل البعير إذا شرب الشرب الأوّل حتّى يروى.

وروى الرجل : ضدّ عطش. ويُروى من أروى متعدّياً بالهمز.

والمَطعم : الطعام أو محلّه.

والشِّبع : ضدّ الجوع.

ومحصّل المعنى : أنّ هؤلاء إذا غلب عليهم العطش فدنوا من الحوض ليشربوا منه ردّوا عنه ، فيقال لهم : لا حظّ لكم من هذا الماء ، فارجعوا وراءكم فاطلبوا منهلا آخر ، ولا منهل ومطعماً آخر ولا مطعم إلى أن تردوا الجحيم فتشربوا من الحميم ، وتطعموا من الزقّوم.

چون مخالف را شود انجا ورود

بشنود دشنام برگردند زود4.

ص: 369


1- روي بلفظ : ليس وراء الله منتهى. ينظر : الفرج بعد الشدّة 1 / 45 ، دعوات الراوندي : 201 ح 553 ، طبّ الأئمّة لابن بسطام : 112 ، إقبال الأعمال 2 / 47 ، و 3 / 34.

راه خود گيريد ونهرى بطلبيد

يا طعامى بهر سيرى زين دوتا

حوض ديگر چو كه سيرابت كند

يا علاج جوع بى تابت كند

وقال الآخر :

نزد قرب وشرب آن گويندشان

زآب برگرديد خسران بر شما

وروي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال : اذكروا وقوفكم بين يدي الله فإنّه الحكم العدل واستعدِّوا لجوابه إذا سألكم ، فإنّه لابدّ سائلكم عمّا عملتم بالثقلين من بعدي ؛ كتاب الله ، وعترتي ، فانظروا ألاّ تقولوا : أمّا الكتاب فغيّرنا وحرّفنا ، وأمّا العترة ففارقنا وقتلنا ، فعند ذلك لا يكون جزاؤكم إلاّ النار.

فمن أراد منكم أن يتخلّص من هول ذلك اليوم فليتولّ وليّي ، وليتّبع وصيّي ، وخليفتي من بعدي عليّ بن أبي طالب ، فإنّه صاحب حوضي ، يذود عنه أعداءه ، ويسقي أولياءه ، فمن لم يسق معه لم يزل عطشان ولم يرو أبداً [ومن سقي منه شربة لم يشق ، ولم يظمأ أبداً](1) ، وإنّ عليّ بن أبي طالب لصاحب لوائي في الآخرة ، كما كان صاحب لوائي في الدنيا ، وإنّه أوّل من يدخل الجنّة ، لأنّه يقدمني وبيده لوائي ، تحته آدم ومَن دونه من الأنبياء(2).

40 - هذا لمن والَى بَني أحمد

ولم يكن غيرهم يتْبَعُ1.

ص: 370


1- من المصادر.
2- أمالي الصدوق : 354 ح 9 ، بحار الأنوار 38 / 99 ح 18 ، غاية المرام 2 / 199 ح 31.

41 - فالفوز للشّارب من حوضه

والويل والذل لمن يُمنَعُ(1)

هذا أيضاً تتمّة المقول للمذودين عن الحوض ، أي : يقال لهم أيضاً :

إنّ هذا الحوض مخصوص بالذين يحبّون آل محمّد ويتّبعونهم فيفوز من شرب منه ، ولا يفوز إلاّ شيعة عليّ وعترته ، ويخيب ويخسر من يحرم منه ، ولا ييأس من روح الله إلاّ الضالّون ، وهم أعداء آل محمّد الذين اشتروا الضلالة بالهدى (وَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ)(2).

هست اين از شيعه آل رسول

آنكه غيرى را نمى دارد قبول

هر كه آشاميد زان مرحوم شد

واى بر آنكس كزان محروم شد

وقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال : من أحبّ عليّاً وأطاعه في دار الدنيا ورد عليَّ حوضي غداً ، وكان معي في درجتي في الجنّة ، إلى آخره(3).

وقال(صلى الله عليه وآله) لعليّ عليه السلام : إنّه لن يرد عليَّ الحوض مبغضٌ لك ، ولن يغيب عنه محبٌّ لك(4).

وقال(صلى الله عليه وآله) : لم يحبّك - يا عليّ - من أصحابي إلاّ مؤمن تقيّ ، ولا م.

ص: 371


1- رقم البيتين في الديوان : 41 و 42.
2- التوبة : 69.
3- التحصين : 561 ، بشارة المصطفى : 65 ح 52 ، غاية المرام 1 / 85 ح 3 ، و 2 / 199 ح 33 ، بحار الأنوار 8 / 22 ح 15.
4- شرح الأخبار 1 / 161 ح 112 ، و 2 / 382 ح 740 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمّد ابن سليمان الكوفي 1 / 494 ح 402 ، أمالي الصدوق : 157 ح 1 ، روضة الواعظين : 113 ، بشارة المصطفى : 246 ح 35 ، غاية المرام.

يبغضك إلاّ منافق شقيّ. وأنت - يا عليّ - وشيعتك الفائزون يوم القيامة. إنّ شيعتك يردون عليَّ الحوض بيض وجوههم [وشيعة عدوّك من أمّتي يردون عليَّ الحوض سود الوجوه](1) ، فتسقي أنت شيعتك ، وتمنع عدوّك ، فأنزل الله : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوْهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوْهٌ) بموالاة عليّ ومعاداة عليّ (فَأَمَّا الَّذِيْنَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيْمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُم تَكْفُرُونَ وَأمّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فيها خالِدُوْنَ)(2)(3).

وقال(صلى الله عليه وآله) له أيضاً : ألم تسمع قول الله : (إنّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَريَّةِ) أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جَثت الأمم [للحساب](4) تدعون غرّاً محجّلين شباعاً مرويّين(5).

وقال (صلى الله عليه وآله) له أيضاً : أنت أوّل من يرد حوضي تسقي منه أولياءك ، وتذود عنه أعداءك(6). 6.

ص: 372


1- من المصادر.
2- آل عمران : 106 و 107.
3- الكشكول للسيّد حيدر الآملي : 183 ، مدينة المعاجز 2 / 271.
4- من المصادر.
5- شواهد التنزيل 2 / 459 ح 1125 ، مجمع البيان 10 / 415 ، الدرّ المنثور 6 / 379 ، بحار الأنوار 23 / 389 ح 99 ، و 35 / 344 ح 17.
6- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 / 272 ح 63 ، بشارة المصطفى : 201 ح 24 ، بحار الأنوار 38 / 140 ح 101 ، و 39 / 212 ح 2 ، غاية المرام 3 / 101 ح 6.

وقال(صلى الله عليه وآله) : إنّك غداً على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين ، وأنت أوّل من يرد عليَّ الحوض ، وأنت أوّل داخل في الجنّة من أمّتي ، وإنّ شيعتك على منابر من نور ، رواء مسرورين(1) ، مبيضّة وجوههم حولي ، أشفع لهم ، فيكونون غداً في الجنّة جيراني ، وإنّ أعداءك غداً ظماء مظمئين ، مسودّة وجوههم ، مقمحون مقمعون يضربون بالمقامع ، وهي سياط من نار(2).

وقال عليّ عليه السلام : للحارث الهمداني(3) :

وأنت عند الصّراط تعرفني

فلا تخف عثرةً ولا زلَلا

أُسقيك من بارد على ظماء

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين تعرضُ لِلْ-

-عرض دعيه لا تقبلي الرجلا

دعيه لا تقربيه إنّ له

حبلا بحبل الوصيّ متّصلا(4)2.

ص: 373


1- في المصادر : مرويّين.
2- مناقب الخوارزمي : 128 ح 143 ، غاية المرام 2 / 42 ح 60 ، و 5 / 189 ح 2 ، و 6 / 58 ح 41 ، و 7 / 49 ح 2 ، ينابيع المودّة 1 / 200 ح 2.
3- من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. تنظر ترجمته في : رجال الكشّي : 88 رقم 142 وص : 100 رقم 159 ، رجال الشيخ الطوسي : 60 رقم 4 و 8 وص : 61 رقم 20 وص : 94 رقم 3 ، خلاصة الأقوال : 54 رقم 7 - 9 ، رجال ابن داود : 67 رقم 357 وص : 68 رقم 366 ، نقد الرجال 1 / 381 رقم 3 وص : 388 رقم 37 وص : 393 رقم 50.
4- أمالي المفيد : 7 ح 3 ، أمالي الطوسي : 627 ح 5 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 / 34 ، المحتضر : 65 ح 80 ، بحار الأنوار 6 / 180 ح 7 ، مدينة المعاجز 3 / 119 ح 782.

42 - والناس يوم الحشر راياتهم(1)

خمسٌ فمنها(2) هالك أربعُ

هذا تمهيد لبيان فضيلة أخرى لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام.

والناس مبتدأ أوّل. وراياتهم مبتدأ ثان. وخمس خبره ، والجملة خبر للناس ، والرابط هو الضمير المضاف إليه.

وأربع عطف بيان لهالك ، أو خبر لمحذوف.

والمحصّل : إنّ الرايات القادمة يوم القيامة خمس : أربع منها رايات الضلالة ، وواحدة منها راية الهداية.

پنج رايت چون قيامت شد بپاست

چار رايت زاهل خسران دغاست

وفي البيت إشارة إلى ما رواه أبو ذرّ رحمه الله قال : لمّا نزلت هذه الآية : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوْهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوْهٌ)(3) ، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ترد عليّ أمّتي يوم القيامة على خمس رايات ؛ فراية مع عجل هذه الأمّة ، فأسألهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فحرقناه ونبذناه وراء ظهرونا. وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه.

فأقول : ردّوا إلى النار ظماء مظمئين ، مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ رايةٌ مع فرعون هذه الأمّة ، فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فحرقناه ومزّقناه وخالفناه. وأما الأصغر 6.

ص: 374


1- في الديوان : فالناس يوم الحشر وآياتهم.
2- في الديوان : فمنهم. ورقم البيت فيه : 43.
3- آل عمران : 106.

فعاديناه وقاتلناه.

فأقول : ردّوا إلى النار ظماء مظمئين ، مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ رايةٌ مع سامريّ هذه الأمّة ، فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فعصيناه وتركناه. وأمّا الأصغر فخذلناه وضيّعناه [، وصنعنا به كلّ قبيح](1).

فأقول : ردّوا إلى النار ظماء مظمئين ، مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ رايةُ ذي الثدية مع أوّل الخوارج وآخرهم ، فأسألهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فمزّقناه وبرئنا منه. وأمّا الأصغر فقاتلناه وقتلناه.

فأقول : ردّوا إلى النار ظماء مظمئين ، مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ رايةٌ مع إمام المتّقين ، وسيّد المسلمين(2) ، وقائد الغرّ المحجّلين ، ووصيّ رسول ربّ العالمين ، فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون : أمّا الأكبر فاتّبعناه وأطعناه.

وأمّا الأصغر فأجبناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتّى أُهريقت فيه دماؤنا.

فأقول : ردّوا إلى الجنّة رواء مرويّين ، مبيضّة وجوهكم.

ثمّ تلا رسول الله(صلى الله عليه وآله) : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوْهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوْهٌ) إلى ن.

ص: 375


1- من القمّي.
2- في القمّي : الوصيّين.

آخره(1).

ومثله رواية أخرى طويلة نذكرها لك بعد ذلك إن شاء الله.

43 - فراية(2) ...........

........... المشْنَعُ(3)

44 - وراية يقدمها أبكم

عبد لئيم لكع أوكع(4)

45 - وراية يقدمها حبتر

للزُّور والبهتان قد أبدعوا(5)

والمشنّع من الشّناعة وهي القباحة والفضاعة ، والأبكم الأخرس. وفي بعض النسخ : أدلم - بالدال المهملة - وهو من الرجال والحمير الأسود.

واللكع : اللئيم أو الذليل ، وبمعناه الأوكع - بالواو - ؛ يقال : عبد أوكَع : أي لئيم. وأمَة وكعاء ، أي : حمقاء.

والحبتر - بالحاء المهملة والباء الموحّدة والراء المهملة - : القصير.

قد أبدعوا : أي أبدع هو وأتباعه للزور والبهتان والكذب والطغيان. ن.

ص: 376


1- تفسير القمّي 1 / 109 ، كنز الدقائق 2 / 96 ، تأويل الآيات 1 / 119 ح 35 ، التفسير الصافي 1 / 369 ، بحار الأنوار 30 / 203 ح 67 ، غاية المرام 2 / 346 ح 38 ، اللآليء العبقرية : 519 ، نور الثقلين 1 / 381 ح 324.
2- في الديوان : قائدها.
3- في الديوان : المفظعُ. ورقم البيت فيه : 44.
4- البيت في الديوان رقمه : 45 وبهذا اللفظ : ومارقٌ من دينه مخدج أسود عبد لكع أوكعُ
5- البيت ليس في الديوان.

46 - وراية يقدمها ...

لا برَّد الله له مضجع(1)

وقوله : لا برّد الله ، إلى آخره : هو نقيض قولهم : سقى الله ثراه.

والمراد بالمضجع : القبر. والقياس مضجعاً ، ولكنّه رفع للضرورة ، ويحتمل أن يكون خبراً لمحذوف ، أي : لا برّد الله له قبراً هو مضجعٌ له.

يك علم در پيش آن شيخ يهود

گرم زآتش خوابگاهش دائما

47 - أربعة في سقر أودعوا

ليس له من قعرها مطلعُ(2)

48 - وراية يقدمها حيدر

ووجهه كالشّمس إذ تطلعُ(3)

أي أهل هذه الرايات الأربعة أهل النار لا يخرجون منها أبداً ، ولا مخرج لهم من عذاب الله لأنّهم حادوا الله ورسوله ووليّه.

وأمّا الراية الخامسة فراية أمير المؤمنين عليه السلام يقدمها ، والحال أنّ وجهه يزهر ويشعشع كالشمس المنيرة ، فطوبى لمن والاه واتّبعه.

رايت پنجم زشير حق على است

كز فروغش صبح روشن منجلى است

49 - غداً يلاقي المصطفى حيدرا(4)

وراية الحمد له تُرفَعُ7.

ص: 377


1- البيت ليس في الديوان.
2- البيت ليس في الديوان.
3- لفظ البيت في الديوان هكذا : وراية قائدها وجهه كأنّه كالشمس إذا تطلعُ
4- في الديوان : حيدر ، ورقم البيت فيه : 47.

أي يلاقي المصطفى(صلى الله عليه وآله) عليّا عليه السلام يوم القيامة ويرى كلّ منهما الآخر. والحال أنّ لواء الحمد يرفع لعليّ عليه السلام أو يرفع لمحمّد وهو بيد عليٍّ عليه السلام وهذا ممّا يجب الاعتقاد به لورود أخبار متواترة بأنّ علّياً عليه السلام صاحب لواء النبي(صلى الله عليه وآله) يوم القيامة.

ففي بعضها : أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن أربعة.

فقام إليه رجل من الأنصار ، فقال : فداك أبي وأمّي ، ومن هم؟

قال : أنا على دابّة الله البراق ، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرت ، وعمّي حمزة على ناقتي العَضْباء(1) ، وأخي عليّ عليه السلام على ناقة من نوق الجنّة وبيده لواء الحمد ، ينادي : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فيقول : الآدميّون : ما هذا إلاّ ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو حامل عرش ، فيجيبهم ملك من تحت بطنان العرش : يا معشر الآدميّين ، ليس هذا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا حامل عرش ، هذا الصدّيق الأكبر عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2).

وفي بعضها : إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور أبيض ، ونادى مناد : 8.

ص: 378


1- العضباء : مشقوقة الأذن ، وقيل : لم تكن ناقته(صلى الله عليه وآله) مشقوقة الأذن ، وقال بعضهم : إنّها كانت مشقوقة الأذن. وقال الزمخشري : منقول من قولهم : ناقة عضباء ، وهي القصيرة اليد. نهاية ابن الأثير 3 / 251 - عضب -.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 52 ح 189 ، كفاية الأثر : 100 ، أمالي الطوسي : 345 ح 51 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 / 30 ، مناقب الخوارزمي : 295 ح 286 ، كشف الغمّة 1 / 88 ، كنز العمّال 13 / 153 ح 36478.

ليقم سيّد المؤمنين ، فيقوم عليّ بن أبي طالب ، فيعطي الله اللواء من النور الأبيض بيده ، تحته جميع السابقين من المهاجرين والأنصار لا يخالطهم غيرهم حتّى يجلس على منبر من نور ربّ العزّة(1).

وفي بعضها : إذا كان يوم القيامة يكسى أبوكِ حلّتين ، وعليّ حلّتين ، ولواء الحمد بيدي ، فأناوله عليّاً عليه السلام لكرامته على الله عزّ وجلّ(2).

وفي بعضها : أنّه(صلى الله عليه وآله) قال لعليّ : أنت أوّل من يدخل الجنّة :

قال : فقلت : يا رسول الله ، أدخلها قبلك؟

قال : نعم ، إنّك صاحب لوائي [في الآخرة كما أنّك صاحب لوائي](3) في الدنيا ، وحامل اللواء هو المقدّم.

يا عليّ ، كأنّي بك ، وقد دخلت الجنّة وبيدك لوائي وهو لواء الحمد ، تحته آدم فمن دونه(4).

وفي بعضها : أنت أوّل من يدخل الجنّة وبيدك لوائي وهو لواء الحمد ، 1.

ص: 379


1- شواهد التنزيل 2 / 252 ح 887 ، أمالي الشيخ الطوسي : 378 ح 61 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 / 27 ، التحصين : 556 باب 16 ، كشف اليقين : 418 ، تأويل الآيات 2 / 600 ح 14 ، بحار الأنوار 8 / 4 ح 6 ، و 23 / 387 ح 95.
2- أمالي الصدوق : 524 ، روضة الواعظين : 123 ، بشارة المصطفى : 269 ، بحار الأنوار 37 / 92 ، مدينة المعاجز 3 / 284 ، غاية المرام 2 / 206 ح 42 ، و 6 / 304.
3- من العلل.
4- علل الشرائع 1 / 173 ح 1 ، الفصول المهمّة للحرّ العاملي 3 / 410 ح 1.

وهو سبعون شقّة ؛ الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر(1).

وفي بعضها : يا عليّ ، إنّ أوّل من يدعى به يوم القيامة أنت لقرابتك منّي ومنزلتك عندي ، فيدفع إليك لوائي ، وهو لواء الحمد ، فتسير به بين السماطين ، وإنّ آدم وجميع من خلق الله يستظلّون بظلّ لوائي يوم القيامة ، وطوله مسيرة ألف سنة ، سنانه يا قوتة حمراء ، قصبته فضّة بيضاء ، زجّة درّة خضراء ، له ثلاث ذوائب من نور ؛ ذؤابة في المشرق ، وذؤابة في المغرب ، وذؤابة في وسط الدنيا مكتوب عليها ثلاثة أسطر :

السطر الأوّل : بسم الله الرحمن الرحيم.

والآخر : الحمد لله ربّ العالمين.

والثالث : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، طول كلّ سطر مسيرة ألف سنة ، وعرضه مسيرة ألف سنة ، فتسير باللواء والحسن عن يمينك ، والحسين عن يسارك ، حتّى تقف بيني وبين إبراهيم في ظلّ العرش ، فتُكسى حلّة خضراء من حلل الجنّة ، ينادي مناد من عند العرش : نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك عليّ عليه السلام (2). ،

ص: 380


1- أمالي الشيخ الصدوق : 756 ، الخصال : 582 ح 7 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 / 272 ح 63 ، روضة الواعظين : 109 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 / 27 ، المحتضر : 224 ح 289 ، بحار الأنوار 8 / 2 ح 2.
2- أمالي الشيخ الصدوق : 402 ح 14 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمّد بن سليمان الكوفي 1 / 302 ح 221 ، العمدة : 230 ح 358 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 54 ،

وفي بعضها : أنّه(صلى الله عليه وآله) قال لأبي دجانة : أما علمت أنّ لله لواءً من نور ، وعموداً من نور ، خلقهما الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، مكتوب على ذلك اللواء : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله خير البريّة آل محمّد ، صاحب اللواء عليّ عليه السلام ، وهو إمام القوم(1).

وفي بعضها : إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقّة ، الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ، وأنا على كرسيٍّ من كراسي الرضوان ، فوق منبر من منابر القدس ، فآخذه وأدفعه إلى عليّ بن أبي طالب.

فوثب عمر بن الخطّاب ، فقال : يا رسول الله ، وكيف يطيق عليّ عليه السلام حمل اللواء وقد ذكرت أنّه سبعون شقّة ، الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر؟!

فقال(صلى الله عليه وآله) : إذا كان يوم القيامة أعطى الله عليّاً عليه السلام من القوّة مثل قوّة جبرئيل ، ومن النور مثل نور آدم ، ومن الحلم مثل حلم رضوان ، ومن الجمال مثل جمال يوسف ، ومن الصوت ما يداني صوت داود ، ولولا أنّ داود 2.

ص: 381


1- تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي : 456 ح 2 و 3 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لابن مردويه : 326 ح 546 ، الفضائل لشاذان : 123 ، الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لشاذان : 97 ح 84 ، كشف اليقين : 384 ، كشف الغمّة 1 / 328 ، بحار الأنوار 36 / 64 ح 3 ، غاية المرام 4 / 239 ح 2.

خطيب الجنان لأعطي مثل صوته(1). انتهى.

وإنّما سمّي هذا اللواء لواء الحمد لأنّه كتب عليه : الحمد لله ربّ العالمين ، أو لأنّ صاحبه محمود عند الله وله المقام المحمود.

50 - مولى له الجنّة مأمورة

والنار من إجلاله تفزع(2)

أي عليّ عليه السلام هو السيّد الجليل الذي أمر الله الجنّة بإطاعته ، والجحيم تهيبه وتفزع من تعظيمه وإجلاله ، وفيه إشارة إلى ما ورد متواتراً من أنّه عليه السلام قسيم الجنّة والنار ، فيدخل شيعته الجنّة ، وأعداءه النار.

فقد روى أبو سعيد الخدري ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسلّم أنّه قال : يقول الله يوم القيامة لي ولعليّ بن أبي طالب : أدخلا الجنة من أحبّكما ، وأدخلا النار مَن أبغضكما ، وذلك قوله تعالى : (ألْقِيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّار عَنِيد)(3)(4).

وروي أنّ عليّاً عليه السلام كان كثيراً يقول : أنا قسيم الله بين الجنّة والنار ، وأنا 7.

ص: 382


1- الخصال : 583 ح 7 ، روضة الواعظين : 109 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 / 27 ، المحتضر : 224 ح 289 ، بحار الأنوار 8 / 3 ح 3 ، و 39 / 214 ، اللآليء العبقريّة : 536.
2- البيت رقمه في الديوان : 48.
3- ق : 24.
4- شواهد التنزيل 2 / 262 ح 896 ، أمالي الطوسي : 290 ح 10 ، الطرائف : 82 ح 115 ، العقد النضيد : 132 ح 94 ، المحتضر : 170 ح 188 ، الصراط المستقيم 1 / 247 ، بحار الأنوار 7 / 338 ح 27.

الفاروق(1).

وسأل المفضّل الصادق عليه السلام قال : لِم صار أمير المؤمنين عليه السلام قسيم الجنّة والنار؟

قال : لأنّ حبّه إيمان وبغضه كفر ، وإنّما خلقت الجنّة لأهل الإيمان ، والنار لأهل الكفر(2).

وفي بعض الأخبار : فيقبل عليّ عليه السلام ومعه مفاتيح الجنّة ومقاليد النار حتّى يقف على عجزة جهنّم وقد تطاير شررها ، وعلا زفيرها ، واشتدّ حرّها ، وعليّ عليه السلام آخذ بزمامها ، فتقول له جهنّم : جزني - يا عليّ - فقد أطفأ نورك لهبي. فيقول [لها : قرّي جهنّم](3) : خذي هذا واتركي هذا ، خذي هذا عدوّي ، واتركي هذا وليّي ، فلَجهنّم [يومئذ](4) أشدّ مطاوعة لعليّ عليه السلام من غلام أحدكم لصاحبه ، فإن شاء يذهبها يمنة ، وإن شاء يذهبها يسرة ، ولَجَهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة لعليّ عليه السلام فيما يأمرها به من جميع الخلائق(5). /

ص: 383


1- بصائر الدرجات : 221 ح 3 و : 435 ح 3 ، الكافي 1 / 196 ح 1 ، علل الشرائع 1 / 164 ح 2 و 3 ، أمالي الشيخ الطوسي : 206 ح 2 ، مختصر بصائر الدرجات : 204 ، المحتضر : 278 ح 371 ، شرح أصول الكافي 5 / 183 ح 1.
2- علل الشرائع 1 / 162 ح 1 ، مختصر بصائر الدرجات : 216 ، تأويل الآيات 2 / 790 ح 10 ، بحار الأنوار 39 / 194 ح 5 ، غاية المرام 5 / 65 ح 1 و : 88 ح 7 ، سو 7 / 61 ح 7 ، اللآلىء العبقرية : 545.
3- من المصادر.
4- من المصادر.
5- بصائر الدرجات : 438 ح 11 ، أمالي الشيخ الصدوق : 179 ح 4 ، علل الشرائع 1 /

وفي بعضها : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال لعليّ عليه السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : أين سيّد الأنبياء؟ فأقوم. ثمّ ينادي : أين سيّد الأوصياء؟ فتقوم ، فيأتيني رضوان بمفاتيح الجنّة ، ويأتيني مالك بمقاليد النار ، فيقولان : إنّ الله جلّ جلاله أمرنا أن ندفعها إليك ويأمرك أن تدفعها إلى عليّ ابن أبي طالب ، فتكون - يا عليّ - قسيم الجنّة والنار(1).

خلد در فرمان آن عالى جناب

آتش از بيم جلالش گشته آب

51 - إمام صدق وله شيعة

يُرووا من الحوض ولم يُمنعوا

52 - بذاك جاء الوحي من ربّنا

يا شيعة الحقّ فلا تجزعوا(2)

أي هو عليه السلام إمام الهدى بالصدق ، ثبتت إمامته من الله ، وإضافته إلى الصدق من قبيل لسان الصدق ، وسلطان الجور ، ورجل سوء ، ونحو ذلك ، وله شيعة ، أي : وله مَن يشايعه ويتابعه في أقواله وأفعاله ، كسلمان وأمثاله.

وقد وردت أخبار في بيان صفات الشيعة ، والنهي عن ادّعاء هذا المقام بدون هذه الصفات ، ولكن يحتمل أن يراد بهم مطلق المحبّين الموالين له المتديّنين بطريقته. 0.

ص: 384


1- الخصال : 580 ، بحار الأنوار 31 / 446 ح 2.
2- إلى هنا تنتهي القصيدة في شرح الشيخ محمّد صالح البرغاني الحائري. ورقم البيتين في الديوان : 49 و 50.

يُرووا أي : يروون ، حذفت النون للضرورة ، أي يُسقون من حوض النبي(صلى الله عليه وآله) بيد مولاهم عليّ عليه السلام ، ولم يذادوا منه كما يذاد أعداؤه.

وقد تقدّم من الأخبار ما يدلّ على أنّه يسقي شيعته ومواليه ، ويمنع أعداءه ومخالفيه.

اوست بر حقّ پيشواى خاص وعام

شيعه اش ساغر كش كوثر مدام

بذاك أي : بما ذكر من أنّ عليّاً عليه السلام إمام بالحقّ ، وأنّ شيعته هم الفائزون يوم القيامة ، جاء الوحي السماويّ من الله إلى رسوله ، كما يستفاد من التفاسير الواردة من أهل البيت عليهم السلام لكثير من الآيات القرآنية(1).

فلا تجزعوا من الجزع ، وهو نقيض الصبر ، أي : فلا تجزعوا من المعاصي ، ولا تيأسوا بها من روح الله ، فإنّ لكم البشارة العظمى والشفاعة الكبرى ، والملائكة يستغفرون لكم في الليل والنهار.

وروي عن الباقر عليه السلام أنّه قال في قوله تعالى : (إنّ الّذينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمّ اسْتَقامُوا) يقول : استكملوا طاعة الله ورسوله ، وولاية آل محمّد(صلى الله عليه وآله) ، ثمّ استقاموا عليها (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ) يوم القيامة (ألاّ تَخافوا وَلا تَحْزَنُوا وَأبْشِروا بالجَنّةِ الّتي كُنتُم تُوعَدُونَ)(2) فأولئك هم الذين إذا فزعوا 0.

ص: 385


1- أمالي الصدوق : 66 ح 8 ، الخصال : 496 ح 5 ، شرح الأخبار 3 / 454 ح 1331 ، تفسير فرات الكوفي : 585 ح 754 ، مجمع البيان 6 / 103 ، روضة الواعظين : 123 ، الدرّ المنثور 6 / 379 ، التفسير الصافي 5 / 355 ، ينابيع المودّة 1 / 197 ح 27.
2- فصّلت : 30.

يوم القيامة حين [يبعثون](1) تتلقّاهم الملائكة ويقولون لهم : لا تخافوا ولا تحزنوا نحن الّذين كنّا معكم في الحياة الدنيا ، لا نفارقكم حتّى تدخلوا الجنّة ، وأبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون(2). انتهى.

وعن الصادق عليه السلام أنّه قال في الآية المشار إليها : هم الأئمّة عليهم السلام ، وتجري فيمن استقام من شيعتنا ، وسلّم لأمرنا ، وكتم حديثنا عند عَدوِّنا(3).

وقال عليه السلام لأبي بصير : يا أبا محمّد ، إنّ لله ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما تسقط الريح الورق في أوان سقوطه ، وذلك قوله تعالى : (يُسَبِّحُوْنَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُوْنَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُوْنَ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا)(4) والله ما أراد [بهذا](5) غيركم(6).

والروايات من هذا القبيل أكثر من أن تحصى.

53 - الحميري مادِحكم لم يزل

ولو يقطّع إصبع إصبعُ3.

ص: 386


1- من المصادر.
2- تأويل الآيات 2 / 536 ح 8 ، بحار الأنوار 24 / 26 ح 1.
3- بصائر الدرجات : 114 ح 19 و : 543 ح 22 ، مختصر بصائر الدرجات : 96 و 289 ، بحار الأنوار 2 / 202 ح 76 ، و 25 / 365 ح 5 ، و 26 / 357 ح 20.
4- غافر : 7.
5- من المصادر.
6- الكافي 8 / 34 ح 6 و : 304 ح 470 ، شرح أصول الكافي 11 / 308 ح 6 ، و 12 / 427 ح 470 ، بحار الأنوار 56 / 196 ح 61 ، و 65 / 49 ح 93 ، التفسير الأصفى 2 / 1095 ، التفسير الصافي 4 / 335 ، و 6 / 293.

أي الحميريّ لم يزل يمدحكم ولو قطّع إصبعاً إصبعاً لكمال ثباته في موالاتكم ، ورسوخ محبّتكم في قلبه.

وحمير - بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح الياء المثنّاة التحتانية - أبو قبيلة من اليمن كان منهم الملوك في الزمن القديم ، والنسبة إليه حميري ، والمراد به هو السيّد إسماعيل منشىء هذه القصيدة.

حكي أنّ داخلا دخل عليه في غرفة له ، فقال رحمه الله : لقد لعن أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الغرفة كذا وكذا سنة ، وكان والديَّ يلعنانه في كلّ يوم وليلة كذا وكذا مرة ، لكن الرحمة غاصت عليّ غوصاً فاستنقذتني(1).

قوله : ولو يقطّع الجزم بلو للضرورة ، كما في قوله :

لو يشأ طار به ذو مَيعة(2)

لاحق الآطال نَهْدٌ ذو خُصَل(3)

وقوله :

تامَتْ فؤادك لو لم يُحزنك ما صنعتْ

إحدى نساء بني ذُهلِ بن شيبانا(4)9.

ص: 387


1- رسائل المرتضى 4 / 62 ، مجمع البحرين 1 / 584.
2- مَيعة : جَرْية.
3- احتجّ ابن الشجري بهذا البيت ، كما في مغني اللبيب 1 / 271 رقم 436 ، خزانة الأدب 11 / 318. وفي هامش شرح ابن عقيل 1 / 527 رقم 158 أنّ لامرأة من بني الحارث بن كعب ، اختاره أبو تمّام في ديوان الحماسة. ينظر شرح التبريزي 3 / 121. ورد البيت في اللآلىء العبقرية : 570.
4- البيت للقيط بن زرارة. ينظر : ديوانه : 64 ، الصحاح 5 / 1879 ، مغني اللبيب 1 / 271 رقم 437 ، تاج العروس 16 / 83 ، مقاييس اللغة 1 / 361 ، خزانة الأدب 11 / 319.

وقد يقال : إنّ الجزم بها مطّرد في بعض اللغات حملا لها على إنّ الشرطية ، ولا سيّما إذا كانت بمعناها ، كما إذا كان الشرط مستقبلا محتملا ولم يكن المقصود فرضه الآن ، ودخولها على الفعل المستقبل أيضاً قليل ، كما في قوله : (لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ)(1)

وقول الشاعر : ... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل(2)

ورفع إصبع للضرورة ، فإنّه حال ، كما في قوله :

ولو قطّعتني في الحبّ إرْباً فإرْباً

لَما حَنّ الفؤاد إلى سواكا(3)

ولا يمنع الجمود من الحالية للتأويل إلى المشتقّ ، كما في قولهم : ادخلوا رجلا رجلا ، وتعلّمت الحساب باباً باباً.

وفي بعض النسخ : ولو تقطّع - بالتاء - أي : ولو قطّعت أصابعه ، فإصبع فاعل.

حميرى گويد زجان مدح شما

گركنندش بند از بندش جدا8.

ص: 388


1- الأعراف : 100.
2- عجز بيت لكعب بن زهير ، وصدره : لقد أقوم مقاماً لو يقوم به. ينظر : السيرة النبوية لابن هشام 4 / 941 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 581 ، تاريخ الإسلام 2 / 621 ، مغني اللبيب 1 / 264 رقم 420.
3- نسب البيت في تاريخ مدينة دمشق 6 / 306 لإبراهيم بن أدهم ، وبهذا اللفظ : ولو قطّعتني في الحبّ إرباً لَما حنّ الفؤاد إلى سواكا والبيت المشهور عن الإمام الحسين بن علي عليه السلام ، مثله ، وفيه : (مال) بدل (حنّ). ينظر ليلة عاشوراء في الحديث والأدب : 116 ، من أخلاق الإمام الحسين عليه السلام : 258.

وفيه إشارة إلى ما ورد من أنّ لأهل البيت عليهم السلام محبّين لو قطّعوا إرباً إرباً لما نقص من محبّتهم شيء ، وأنّ لهم أعداءً لو لعقوهم عسلا لما أحبّوهم ، ويرشد إلى ذلك مكالمات خواصّ الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء.

ويدلّ على ذلك أيضاً ما رواه ابن بابويه : بإسناده عن أبي إسحاق الليثي ، قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام : يا ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، أخبرني عن المؤمن المستبصر إذا بلغ في المعرفة وكمل هل يزني؟

قال : اللّهمّ لا.

قلت : فيلوط؟

قال : اللهمّ لا.

قلت : فيسرق؟

قال : لا.

قلت : فيشرب الخمر؟

قال : لا.

فقلت : فيأتي بكبيرة من هذه الكبائر ، أو فاحشة من هذه الفواحش؟

قال : لا.

قلت : فيذنب ذنباً؟

قال : نعم ، هو مؤمن مذنب ملمّ.

قلت : ما معنى ملمّ؟

قال : الملمّ بالذنب لا يلزمه ولا يصير عليه.

ص: 389

قال : فقلت : سبحان الله! ما أعجب هذا لا يزني ، ولا يلوط ، ولا يسرق ، ولا يشرب الخمر ، ولا يأتي كبيرةً من الكبائر ، ولا فاحشةً!؟

فقال : لا عجب من أمر الله ، إنّ الله يفعل ما يشاء ولا يسأل عمّا يفعل من أمر الله ، إن الله يفعل ما يشاء ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. فممّ عجبت يا إبراهيم؟ سل ولا تستنكف ، سل ولا تستحي ، فإنّ هذا العلم لا يتعلّمه مستنكف ولا مستحي.

قلت : يا ابن رسول الله ، إنّي أجد من شيعتكم من يشرب الخمر ، ويقطع الطريق ، ويحيف السبيل ، ويلوط ويزني ، ويأكل الربا ، ويركب الفواحش ، ويتهاون بالصلاة والصيام والزكاة ، ويقطع الرحم ، ويأتي الكبائر ، فكيف هذا؟ ولِم ذاك؟

فقال : يا إبراهيم ، هل يختلج في صدرك شيء غير هذا؟

قلت : نعم ، يا ابن رسول الله ، أخرى أعظم من ذلك!

فقال : وما هو ، يا أبا إسحاق؟

قلت : يا ابن رسول الله ، وأجد من أعدائكم ، ومن ناصبيكم من يكثر من الصلاة ومن الصيام ، ويخرج الزكاة ، ويتابع بين الحجّ والعمرة ، ويحرّض على الجهاد ، ويأمر على البرّ ، وعلى صلة الأرحام ، ويقضي حقوق إخوانه ، ويواسيهم من ماله ، ويجتنب شرب الخمر والزنا واللواط وسائر الفواحش ، فممّ ذلك؟ ولِم ذلك فسِّره لي يا ابن رسول الله ، وبرهنه ، فقد - والله - أكثر فكري ، وأسهر ليلي ، وضاق ذرعي؟

ص: 390

فتبسّم عليه السلام ، ثمّ قال : يا إبراهيم ، خذ إليك بياناً شافياً فيما سألت ، وعلماً مكنوناً من خزائن علم الله وسرّه ، أخبرني - يا إبراهيم - كيف تجد اعتقادهما؟

قلت : يا ابن رسول الله ، أجد محبّيكم وشيعتكم على ما هم فيه ممّا وصفته من أفعالهم لو أعطي أحدهم ممّا بين المشرق والمغرب ذهباً وفضّة أن يزول عن ولايتكم ومحبّتكم إلى موالاة غيركم ومحبّتهم ما زال ولو ضربت خياشيمه بالسيوف فيكم ، ولو قتل فيكم ما ارتدع ، ولا رجع عن محبّتكم وولايتكم ، وأرى الناصب على ما هو عليه ممّا وصفته من أفعالهم لو أعطي أحدهم ممّا بين المشرق والمغرب ذهباً أو فضّة أن يزول عن محبّة الطواغيت وموالاتهم إلى موالاتكم ما فعل ولا زال ولو ضربت خياشيمه بالسيوف فيهم ، ولو قيل فيهم ما ارتدع ، ولا رجع ، وإذا سمع أحدهم منقبةً لكم وفضلا اشمأزّ من ذلك وتغيّر لونه ، ورؤي كراهية ذلك في وجهه بغضاً لكم ومحبّة لهم.

فتبسّم الباقر عليه السلام ، ثمّ قال : هاهنا هلكت العاملة الناصبة (تَصْلَى نَارَاً حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيَة)(1) ، ومن أجل ذلك قال الله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعْلَناهُ هَبَاءً مَنْثُوْراً)(2) ويحك يا إبراهيم ، أتدري ما السبب والقصّة في ذلك ، وما الذي قد خفي على الناس منه؟

قلت : فبيِّنه لي واشرحه وبرهنه.

قال : يا إبراهيم ، إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل عارفاً قديماً خلق الأشياء 3.

ص: 391


1- الغاشية : 4 و 5.
2- الفرقان : 23.

لا من شيء - إلى أن قال : - خلق الله تعالى أرضاً طيّبة ، ثمّ فجرّ منها ماءً عذباً زلالا فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فقبلتها ، فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيّام ، ثمّ أخذ من صفوة ذلك الطين طيناً فجعله طين الأئمّة عليهم السلام ، ثمّ أخذ ثُفْل(1) ذلك الطين فخلق منه شيعتنا ، ولو ترك طينتكم لكنتم ونحن شيئاً واحداً.

قلت : يا ابن رسول الله ، فما فعل بطينتنا؟

قال : أخبرك - يا إبراهيم - خلق الله تعالى بعد ذلك أرضاً سبخةً خبيثةً منتنةً ، ثمّ فجّر منها ماءً أجاجاً أسناً مالحاً فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فلم تقبلها ، فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيّام حتّى طبّقها ، ثمّ نضب ذلك الماء عنها ، ثمّ أخذ من ذلك الطين فخلق منه الطغاة وأئمّتهم ، ثمّ مزجه بثفل طينتكم ، ولو ترك بطينتهم على حالها ولم يمزج بطينتكم لم يشهدوا الشهادتين ، ولا صلّوا ، ولا صاموا ، ولا زكّوا ، ولا حجّوا ، ولا أدّوا أمانةً ، ولا أشبهوكم في الصور ، وليس شيء أكبر على المؤمن من أن يرى صورة عدوّه مثل صورته.

قلت : يا ابن رسول الله ، فما صنع بالطينتين؟

قال : مزج بينهما بالماء الأوّل والماء الثاني ، ثمّ عركهما عرك الأديم ، ثمّ أخذ من ذلك قبضة ، فقال : هذه إلى الجنّة ولا أبالي ، وأخذ قبضة أخرى ، ).

ص: 392


1- الثُّفْل : ما رَسَب خثارته وعلا صفوه من الأشياء كلّها ... والثُّفل : ما سفل من كلّ شيء. (لسان العرب 11 / 84 - ثفل -).

وقال : هذه إلى النار ولا أبالي ، ثمّ خلط بينهما ، فوقع من سنخ المؤمن وطينته على سنخ الكافر وطينته ، فما رأيته من شيعتنا من زنا ولواط ، وترك صلاة ، أو صيام ، أو حجّ ، أو جهاد ، أو جناية(1) ، أو كبيرة من هذه الكبائر فهو من طينة الناصب وعنصره الذي قد مزج فيه ، لأنّ من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر ، وما رأيت من الناصب من مواظبته على الصلاة والصيام والزكاة والحجّ والجهاد وأبواب البرّ فهو من طينة المؤمن ، الحديث ، وهو طويل(2).

54 - وبعد صلّوا على المصطفى

وصنوه حيدرة الأصلعُ

أي بعد ما تقدّم من المقال فصلّوا على النبيّ والآل.

والصنوان - بكسر الصاد المهملة ، وسكون النون - : نخلتان وثلث من أصل واحد ، وكلّ واحدة صنو ، ويستعمل في المثل أيضاً ، فعليّ عليه السلام صنو الرسول لكونهما من أصل واحد ، كما قال(صلى الله عليه وآله) له عليه السلام : أنا وأنت من شجرة واحدة والناس من أشجار شتّى(3). 6.

ص: 393


1- في المصادر : خيانة.
2- علل الشرائع 2 / 606 ح 81 ، بحار الأنوار 5 / 228.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 68 ح 267 ، كفاية الأثر : 158 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمّد بن سليمان الكوفي 1 / 460 ح 362 ، و 2 / 230 ح 694 ، شرح الأخبار 2 / 578 ح 733 ، أمالي الطوسي : 610 ح 9 ، الاحتجاج 1 / 208 ، الأربعون حديثاً لمنتجب الدين : 34 ح 12 ، العمدة : 285 ، المزار الكبير : 576 ، إقبال الأعمال 1 / 506.

أو لكونه مثله في الكمالات ومحامد الصفات ما عدا النبوّة ، ويرشد إليه قوله عليه السلام : أنا محمّد ، ومحمّد أنا(1).

وقوله عليه السلام : كلّنا محمّد(2).

والأخبار الواردة في مماثلة عليّ عليه السلام للنبيّ(صلى الله عليه وآله) مستفيضة ، وهي لما دلّ على أفضلية النبيّ(صلى الله عليه وآله) غير منافية ، كما لا يخفى على من له فطنة. والقول بالمماثلة في جميع المراتب دفع للضرورة كالقول بأفضلية عليّ عليه السلام ، ولتفصيل ذلك محلّ آخر.

والحيدرة : من أسماء الأسد ، سمّي به علي عليه السلام ، كما قال :

أنا الذي سمّتني أمّي حيدرة(3).

لكونه أسد الله.

وقد يقال : إنّه كان مسمّى بهذا الاسم في الكتب القديمة. وقيل : إنّ أمّه 7.

ص: 394


1- بحار الأنوار 26 / 6 ، إلزام الناصب 1 / 35.
2- وصول الأخيار : 4 ، بحار الأنوار 26 / 6 ، إلزام الناصب 1 / 35.
3- صدر بيت له عليه السلام ، واختلفت الروايات في عجزه : ففي مقاتل الطالبيّين : 14 : كليث غاب في العَرين قسورة. وفي مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمّد بن سليمان الكوفي 2 / 500 : كليثِ غاب كريه المنظره. وفي العمدة : 148 : كليثِ غابات كريه المنظره. وفي روضة الواعظين : 130 : عبل الذراعين شديد القصره. وفي شرح الأخبار 1 / 149 : أكيلكم بالسيف كيل السندره. والبيت في ديوانه عليه السلام : 77.

فاطمة بنت أسد سمّته باسم أبيها ، فلمّا حضر أبو طالب سمّاه عليّاً(1).

وقيل : إنّ الحيدرة هو الممتلىء لحماً العظيم البطن ، وعليّ عليه السلام كان كذلك لما روي من أنّه كان أنزعاً بطيناً(2).

والأنزع : هو الأصلع.

وقال بعض الشافعية : إنّ عليّاً عليه السلام لمّا نزعت نفسه عن ارتكاب السيّئات فاجتهد في اجتنابها ، ونزعت إلى اجتناب الشهوات فجدّ في قطع أسبابها ، ونزعت إلى اكتساب الطاعات فسعى في اقترافها واقتناء ثوابها ، سمّي بالأنزع(3).

ولمّا [كان عليه السلام قد](4) امتلأ علماً وحكمة ، وتضلّع من أنواع العلوم وأقسام الحكمة ، ما صار غذاء له مملوّاً به ، وصف باعتبار ذلك بكونه بطيناً من العلم والحكمة ، كمن تضلّع من الأغذية الجسمانية ما عظم به بطنه فصار باعتباره بطيناً. انتهى كلامه ملخّصاً(5).

ورفع الأصلع للمطابقة في السجع ، وإلاّ فهو وصف لحيدرة ، وهو بدل ، أو عطف بيان للصنو المعطوف على المجرور ب- (على) ، ولكن يحتمل 6.

ص: 395


1- لسان العرب 4 / 174 ، - حدر - ، ذخائر العقبى : 57 ، بحار الأنوار 39 / 14.
2- مجمع البحرين 1 / 474.
3- ذكر نحو هذا الإربلي في كشف الغمّة 1 / 74.
4- من مطالب السؤول.
5- مطالب السؤول : 75 و 76.

أن يقرأ بالرفع لتكون الجملة حالية ، وهو ضعيف غايته(1).

فليكن هذا آخر ما أردناه من شرح القصيدة.

والحمد لله أوّلا وآخراً.

وقد فرغ من تسويده في شهر محرّم الحرام سنة 1299 ه. عُ

ص: 396


1- أورد الفسوي في شرحه : 106 بيتين آخرين كما يأتي : وبعدها تترى على سادة لولاهم الأعمال لم تُرفعُ أعني عليّاً ثمّ أولاده هم عدد الأشهر يا سامعُ

فهرس المصادر

1 - القرآن الكريم.

2 - إتقان المقال في أحوال الرجال : للشيخ محمّد طه نجف ، النجف 1340ه.

3 - الاحتجاج : لأحمد بن عليّ الطبرسيّ ، المرتضى ، مشهد 1403ه.

4 - أخبار السيّد الحميريّ : لمحمّد بن عمران المرزبانيّ ، النعمان ، النجف 1385ه.

5 - أخبار شعراء الشيعة : للمرزبانيّ ، الحيدريّة ، النجف 1968م.

6 - الأربعون حديثاً : لمنتجب الدين عليّ بن عبيد الله الرازيّ ، مؤسّسة الإمام المهديّ (عج) ، قم 1408ه.

7 - الإرشاد : للشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات ، بيروت 1399ه.

8 - الأُصول الستّة عشر : لنخبة من الرواة ، دار الشبستريّ للمطبوعات ، قم 1405ه.

9 - الأعلام : لخير الدين الزركليّ ، دار العلم للملايين ، بيروت 1984م.

10 - أعلام الدين : للحسن بن أبي الحسن الديلميّ ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم.

ص: 397

11 - أعيان الشيعة : للسيّد محسن الأمين العامليّ ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت 1403ه.

12 - الأغاني : لأبي الفرج الأصفهانيّ ، دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت 1383ه.

13 - الإفصاح : للشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد ، مؤسّسة البعثة ، قم 1412ه.

14 - إقبال الأعمال : للسيّد رضيّ الدين عليّ بن طاووس ، مكتب الإعلام الإسلاميّ ، قم 1414ه.

15 - إكمال الكمال : لابن ماكولا ، دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت.

16 - إلزام الناصب : للشيخ عليّ اليزديّ الحائريّ ، تحقيق علي عاشور.

17 - الأمالي : للشيخ محمّد بن الحسن الطوسيّ ، المكتبة الأهليّة ، النجف 1384ه.

18 - الأمالي : للشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق ، مؤسّسة البعثة ، قم 1417ه.

19 - الأمالي : للشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم 1403ه.

20 - إمتاع الأسماع : لأحمد بن عليّ المقريزيّ ، دار الكتب العلميّة ، بيروت 1420 ه.

21 - بحار الأنوار : للشيخ محمّد باقر المجلسيّ ، مؤسّسة الوفاء ، بيروت 1403ه.

22 - البداية والنهاية : لأبي الفداء ابن كثير ، دار الفكر ، بيروت 1402ه.

23 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : لمحمّد بن أبي القاسم الطبريّ ، المكتبة الحيدريّة ، النجف 1383ه.

ص: 398

24 - بصائر الدرجات : لمحمّد بن الحسن الصفّار ، مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ ، قم 1404ه.

25 - تاج العروس : للسيّد محمّد مرتضى الزبيديّ ، دار الفكر ، بيروت 1414ه.

26 - تاريخ ابن خلدون الحضرميّ : مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات ، بيروت 1391ه.

27 - تاريخ الإسلام : لشمس الدين محمّد الذهبيّ ، دار الكتاب العربيّ ، بيروت 1410ه.

28 - تاريخ الأُمم والملوك : لمحمّد بن جرير الطبريّ ، دار سويدان ، بيروت 1387ه.

29 - تاريخ بغداد : لأبي بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغداديّ ، دار الباز ، مكّة المكرّمة.

30 - تاريخ مدينة دمشق : لأبي القاسم عليّ بن عساكر ، دار الفكر ، بيروت 1415ه.

31 - تأويل الآيات : للسيّد شرف الدين عليّ الحسينيّ الإسترآباديّ ، مؤسّسة الإمام المهديّ عليه السلام ، قم 1407ه.

32 - التحرير الطاووسي : للسيّد أحمد بن موسى بن طاووس ، مكتبة آية الله العظمى المرعشيّ النجفيّ ، قم 1411ه.

33 - التحصين : للسيّد رضيّ الدين عليّ بن طاووس ، مؤسّسة دار الكتاب ، قم 1413ه.

34 - تخريج الأحاديث والآثار : لجمال الدين الزيلعيّ ، دار ابن خزيمة ، الرياض 1414ه.

ص: 399

35 - التراث العربيّ في خزانة مخطوطات مكتبة السيّد المرعشيّ : للسيّد أحمد الحسينيّ ، مكتبة المرعشيّ النجفيّ ، قم 1414ه.

36 - تراجم الرجال : للسيّد أحمد الحسينيّ ، مجمع الذخائر الإسلاميّة ، قم 1404ه.

37 - ترتيب كتاب العين : للخليل بن أحمد الفراهيديّ ، تحقيق الدكتور مهدي المخزوميّ والدكتور إبراهيم السامرّائيّ ، تصحيح الأُستاذ أسعد الطيّب ، دار أُسوة ، قم 1414ه.

38 - التفسير الأصفى : للفيض الكاشانيّ ، مكتب الإعلام الإسلاميّ ، قم 1420ه.

39 - تفسير البحر المحيط : لمحمّد بن يوسف الأندلسيّ ، دار الفكر للطباعة والنشر ، بيروت 1403ه.

40 - التفسير الصافي : للفيض الكاشانيّ ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات ، بيروت.

41 - تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ ، طهران 1410ه.

42 - تفسير القمّيّ عليّ بن إبراهيم : مكتبة الهدى ، النجف 1387ه.

43 - تفسير كنز الدقائق : للميرزا محمّد المشهديّ ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم 1407ه.

44 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ عليه السلام : مؤسّسة الإمام المهديّ(عج) ، قم 1409ه.

45 - تفسير نور الثقلين : للشيخ عبد عليّ العروسيّ الحويزيّ ، مؤسّسة إسماعيليان ، قم

ص: 400

46 - تلامذة العلاّمة المجلسيّ : للسيّد أحمد الحسينيّ ، مكتبة آية الله المرعشيّ العامّة ، قم 1410ه.

47 - ثواب الأعمال : للشيخ الصدوق محمّد بن بابويه القمّيّ ، مكتبة الصدوق ، طهران 1391ه.

48 - جامع الرواة : لمحمّد بن عليّ الأردبيليّ ، دار الأضواء ، بيروت 1403ه.

49 - جمهرة أنساب العرب : لعليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسيّ ، دار الكتب العلميّة ، بيروت 1403ه.

50 - حلية الأولياء : لأبي نعيم الإصبهانيّ ، دار الكتاب العربيّ ، بيروت 1387ه.

51 - حياة الحيوان الكبرى : لكمال الدين محمّد الدميريّ ، ناصر خسرو ، طهران 1364ه.

52 - خزانة الأدب : لعبد القادر البغداديّ ، دار الكتب العلميّة ، بيروت 1998م.

53 - خصائص الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب : لأبي عبد الرحمن أحمد ابن شعيب النسائيّ ، بيروت 1403ه.

54 - الخصال : للشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ المعروف بالشيخ الصدوق ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم 1403ه.

55 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ((رجال العلاّمة الحلّيّ)) : للحسن بن يوسف ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، قم 1417ه.

56 - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور : لجلال الدين السيوطيّ ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت.

57 - الدرّ النظيم : ليوسف بن حاتم الشاميّ ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم.

ص: 401

58 - الدرّة الفاخرة : للملاّ حبيب الله الكاشانيّ ، تحقيق السيّد محمّد تقي الحسينيّ.

59 - الدعوات : لقطب الدين الراونديّ ، مؤسّسة الإمام المهديّ(عج) ، قم 1407ه.

60 - دلائل الإمامة : لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبريّ ، مؤسّسة البعثة ، قم 1413 ه.

61 - ديوان الإمام عليّ : جمع وضبط وشرح الأُستاذ نعيم زرزور ، دار الكتب العلميّة ، بيروت 1421ه.

62 - ديوان جميل بثينة : جمع وتحقيق وشرح إميل يعقوب ، دار الكتاب العربيّ ، بيروت 1992م.

63 - ديوان السيّد الحميريّ : جمع وتحقيق وشرح شاكرهادي شاكر ، منشورات مكتبة الحياة ، بيروت.

64 - ديوان كثير عزّة : تحقيق إحسان عبّاس ، دار الثقافة ، بيروت 1971م.

65 - ديوان المتنبّيّ : وضع عبد الرحمن البرقوقيّ ، دار الكتاب العربيّ ، بيروت 1980م. وشرح وضبط عليّ العسيليّ ، مؤسّسة النور للمطبوعات ، بيروت 1997م.

66 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : لمحبّ الدين أحمد الطبريّ ، مكتبة القدسيّ ، القاهرة 1356ه.

67 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة : للشيخ آغا بزرك الطهرانيّ ، دار الأضواء ، بيروت 1403ه.

68 - ذريعة الاستغناء : للملاّ حبيب الله الكاشانيّ ، مركز إحياء آثار الشريف الكاشانيّ ، قم 1417ه.

69 - ربيع الأبرار : لمحمود بن عمر الزمخشريّ ، الشريف الرضيّ ، قم 1410ه.

ص: 402

70 - رجال ابن داود الحلّيّ : جامعة طهران.

71 - رجال الطوسيّ : لمحمّد بن الحسن ، الشريف الرضيّ ، قم 1380ه.

72 - رجال الكشّيّ : للشيخ محمّد بن الحسن الطوسيّ ، جامعة مشهد.

73 - رسائل الشريف المرتضى علم الهدى : دار القرآن الكريم ، قم 1405ه.

74 - الرسالة السعديّة : للعلاّمة الحلّيّ الحسن بن يوسف ، مكتبة المرعشيّ النجفيّ ، قم 1410ه.

75 - الروض النضير في معنى حديث الغدير : لفارس حسّون كريم ، مؤسّسة أمير المؤمنين عليه السلام ، قم 1419ه.

76 - روضات الجنّات : للميرزا محمّد باقر الخوانساريّ ، مكتبة إسماعيليان ، قم 1390ه.

77 - روضة الطالبين : ليحيى بن شرف النوويّ ، دار الكتب العلميّة ، بيروت.

78 - الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام : لشاذان بن جبرئيل ، تحقيق عليّ الشكرجيّ ، قم 1423ه.

79 - روضة الواعظين : للشيخ محمّد بن الفتّال النيسابوريّ ، منشورات الرضيّ ، قم.

80 - ريحانة الأدب في تراجم المعروفين بالكنية أو اللقب : لمحمّد بن عليّ التبريزيّ المعروف بالمدرّس ، مطبعة شركة طبع الكتاب 1335ه. ش.

81 - زبدة التفاسير : للملاّ فتح الله الكاشانيّ ، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة ، قم 1423ه.

82 - سنن ابن ماجة : لأبي عبد الله محمّد القزوينيّ ، دار الفكر ، بيروت.

83 - سنن الدارميّ : لأبي محمّد عبد الله ، مطبعة الاعتدال ، دمشق 1349ه.

ص: 403

84 - سير أعلام النبلاء : لشمس الدين محمّد الذهبيّ ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت 1413ه.

85 - السيرة النبويّة : لابن هشام الحميريّ ، مكتبة محمّد عليّ صبيح وأولاده بميدان الأزهر ، القاهرة 1383ه.

86 - شرح ابن عقيل : لعبد الله بن عقيل الهمدانيّ ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، المكتبة التجاريّة الكبرى ، مصر 1384ه.

87 - شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار : للقاضي أبي حنيفة النعمان ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم 1414ه.

88 - شرح أُصول الكافي : لمحمّد صالح المازندرانيّ ، دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت 1421ه.

89 - شرح الرضيّ على الكافية : لرضيّ الدين الإسترآباديّ ، مؤسّسة الصادق ، طهران 1395ه.

90 - شرح شواهد المغني : لجلال الدين عبد الرحمن السيوطيّ ، أدب الحوزة ، قم.

91 - شرح العينيّة : لكمال الدين محمّد الفسويّ ، الهادي ، قم 1420ه.

92 - شرح المعلّقات السبع : للحسين الزوزنيّ ، دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت 1426ه.

93 - شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد المعتزليّ ، دار إحياء الكتب العربيّة ، بيروت 1378ه.

94 - شواهد التنزيل : للحاكم الحسكانيّ ، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ ، طهران 1411ه.

ص: 404

95 - الصحاح : لإسماعيل بن حمّاد الجوهريّ ، دار العلم للملايين ، بيروت 1404ه.

96 - صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان : مؤسّسة الرسالة ، بيروت 1414ه.

97 - صحيح مسلم بن الحجّاج القشيريّ : دار الفكر ، بيروت.

98 - صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : مؤسّسة الإمام المهديّ (عج) ، قم 1408ه.

99 - الصراط المستقيم : للشيخ زين الدين النباطيّ العامليّ ، المكتبة الرضويّة ، طهران 1384ه.

100 - صفات الشيعة : للشيخ الصدوق محمّد بن بابويه القمّيّ ، انتشارات عابدي ، طهران.

101 - الصوارم المهرقة : للسيّد القاضي نور الله التستريّ ، مطبعة النهضة ، طهران 1367ه.

102 - طبّ الأئمّة عليهم السلام : لعبد الله بن سابور والحسين ابني بسطام النيسابوريّين ، المكتبة الحيدريّة ، النجف 1385ه.

103 - طبقات أعلام الشيعة : للشيخ آغا بزرك الطهرانيّ ، دار الكتاب العربيّ ، بيروت 1391ه.

104 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : لرضيّ الدين عليّ بن موسى بن طاووس ، مطبعة الخيّام ، قم 1399ه.

105 - العقد الفريد : لأحمد بن عبد ربّه الأندلسيّ ، دار الكتاب العربيّ ، بيروت 1406ه.

106 - العقد المنير : للسيّد موسى المازندرانيّ ، مكتبة الصدوق ، طهران 1382ه.

ص: 405

107 - العقد النضيد والدرّ الفريد : لمحمّد بن الحسن القمّيّ ، دار الحديث ، قم 1422ه.

108 - علل الشرائع : للشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ الصدوق ، المكتبة الحيدريّة ، النجف 1385ه.

109 - العمدة : لابن البطريق يحيى بن الحسن الأسديّ ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم 1407ه.

110 - عمدة القاري : للعينيّ ، دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت.

111 - عوالي اللئالي العزيزيّة : للشيخ ابن أبي جمهور الأحسائيّ ، مطبعة سيّد الشهداء ، قم 1403ه.

112 - عيون أخبار الرضا عليه السلام : للشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ الصدوق ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات ، بيروت 1404ه.

113 - غاية المرام في حجّة الخصام : للسيّدهاشم البحرانيّ ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات ، بيروت.

114 - الغدير في الكتاب والسنّة والأدب : للشيخ عبد الحسين الأمينيّ ، دار الكتاب العربيّ ، بيروت 1397ه.

115 - الفائق في غريب الحديث : لمحمود بن عمر الزمخشريّ ، دار الكتب العلميّة ، بيروت 1417ه.

116 - فتح الباري : لابن حجر العسقلانيّ ، دار المعرفة ، بيروت.

117 - فرائد السمطين : للشيخ إبراهيم بن محمّد الجوينيّ الخراسانيّ ، مؤسّسة المخموديّ ، بيروت 1398ه.

ص: 406

118 - الفرج بعد الشدّة : للقاضي التنوخيّ ، الشريف الرضيّ ، قم 1364ه. ش.

119 - الفصول المختارة من العيون والمحاسن : للشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد ، دار المفيد ، بيروت 1414ه.

120 - الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة : للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ ، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة للإمام الرضا عليه السلام ، قم 1418ه.

121 - الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة : للشيخ عليّ بن محمّد الشهير بابن الصبّاغ المالكيّ ، دار الحديث ، قم 1422ه.

122 - الفضائل : لشاذان بن جبرئيل القمّيّ ، المطبعة الحيدريّة ، النجف 1381ه.

123 - فضائل أمير المؤمنين عليه السلام : لابن عقدة الكوفيّ ، جمع وتحقيق عبد الرزّاق محمّد حسين حرز الدين.

124 - فهرس المخطوطات العربيّة في مركز إحياء التراث الإسلاميّ : للسيّد أحمد الحسينيّ ، مركز إحياء التراث الإسلاميّ ، قم 1424ه.

125 - فهرس مخطوطات مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ : للسيّد أحمد الحسينيّ ، مكتبة المرعشيّ النجفيّ ، قم.

126 - فهرس مكتبة مجلس الشورى الإسلاميّ : طهران.

127 - الفهرست : للشيخ محمّد بن الحسن الطوسيّ ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، قم 1417ه.

128 - فوات الوفيات : لمحمّد بن شاكر الكتبيّ ، دار صادر ، بيروت.

129 - قاموس الرجال : للشيخ محمّد تقي التستريّ ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم 1419ه.

ص: 407

130 - قصص الأنبياء : للشيخ نعمة الله الجزائريّ ، الشريف الرضيّ ، قم.

131 - الكافي : للشيخ محمّد بن يعقوب الكلينيّ ، دار الكتب الإسلاميّة ، طهران 1388ه.

132 - الكامل : لمحمّد بن يزيد المبرِّد ، مكتبة المعارف ، بيروت.

133 - كامل الزيارات : للشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، قم 1417ه.

134 - كتاب سليم بن قيس الهلاليّ : دليل ما ، قم 1424ه.

135 - كتاب العين : للخليل بن أحمد الفراهيديّ ، دار الهجرة ، قم 1409ه.

136 - الكشّاف عن حقائق التنزيل : لمحمود بن عمر الزمخشريّ ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابيّ الحلبيّ وأولاده ، مصر 1385ه.

137 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة : لعليّ بن عيسى الإربليّ ، دار الأضواء ، بيروت 1405ه.

138 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام : للعلاّمة الحسن بن يوسف الحلّيّ ، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة ، قم 1413ه.

139 - الكشكول : للسيّد حيدر الحلّيّ ، الشريف الرضيّ ، قم 1372ه.

140 - كفاية الأثر : لعليّ بن محمّد الخزّاز القمّيّ ، مكتبة بيدار ، قم 1401ه.

141 - كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام : للكنجيّ الشافعيّ ، دار إحياء تراث أهل البيت عليهم السلام ، طهران 1404ه.

142 - الكنى والألقاب : للشيخ عبّاس القمّيّ ، ، مكتبة الصدر ، طهران.

ص: 408

143 - كنز العمّال : لعلاء الدين عليّ المتّقيّ الهنديّ ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت 1405ه.

144 - كنز الفوائد : للشيخ محمّد بن عليّ الكراجكيّ ، دار الأضواء ، بيروت 1405ه.

145 - اللآلئ العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة : لبهاء الدين الفاضل الهنديّ ، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام قم 1421ه.

146 - لباب الألقاب في ألقاب الأطياب : للملاّ حبيب الله الكاشانيّ ، مطبعة المصطفويّ ، إيران 1378ه.

147 - لسان العرب : لابن منظور الإفريقيّ المصريّ ، دار الكتب العلميّة ، بيروت 1426ه.

148 - لسان الميزان : لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات ، بيروت 1390ه.

149 - ليلة عاشوراء في الحديث والأدب : للشيخ عبد الله الحسن ، المؤلّف ، قم 1418ه.

150 - مثير الأحزان : للشيخ ابن نما الحلّيّ ، المطبعة الحيدريّة ، النجف 1369ه.

151 - المجدي في أنساب الطالبيّين : للسيّد عليّ بن محمّد العلويّ العمريّ ، مكتبة آية الله العظمى المرعشيّ النجفيّ العامّة ، قم 1409ه.

152 - مجلّة تراثنا العدد (18) : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم 1410ه.

ص: 409

153 - مجمع البحرين : لفخر الدين الطريحيّ ، المكتبة الرضويّة ، طهران 1395ه.

154 - مجمع البيان في تفسير القرآن : للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسيّ ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات ، بيروت 1415ه.

155 - مجمع الزوائد : لعليّ بن أبي بكر الهيثميّ ، دار الكتب العلميّة ، بيروت 1408 ه.

156 - المحاسن : لأحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ ، دار الكتب الإسلاميّة ، طهران 1370ه.

157 - محاضرات الأُدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء : لأبي القاسم حسين بن محمّد الراغب الإصبهانيّ ، بيروت 1961م.

158 - المحتضر : للشيخ حسن بن سليمان الحلّيّ ، المطبعة الحيدريّة ، النجف 1370ه.

159 - المحصول في علم أُصول الفقه : لفخر الدين محمّد الرازيّ ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت 1412ه.

160 - مختصر بصائر الدرجات : للشيخ حسن بن سليمان الحلّيّ ، المطبعة الحيدريّة ، النجف 1370ه.

161 - مدينة المعاجز : للسيّدهاشم البحرانيّ ، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة ، قم 1414ه.

162 - مراصد الاطّلاع : لصفيّ الدين عبد المؤمن البغداديّ ، دار المعرفة ، بيروت 1374ه.

ص: 410

163 - المزار الكبير : للشيخ محمّد بن جعفر المشهديّ ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم 1419ه.

164 - مسارّ الشيعة : للشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد ، دار المفيد ، بيروت 1414ه.

165 - المستدرك على الصحيحين : لأبي عبد الله الحاكم النيسابوريّ ، دار المعرفة ، بيروت.

166 - مستدركات أعيان الشيعة : للسيّد حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت 1418ه.

167 - المسند : لأحمد بن حنبل ، دار صادر ، بيروت.

168 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار : لأبي الفضل عليّ الطبرسيّ ، دار الحديث ، قم 1418ه.

169 - مصفّى المقال : للشيخ آغا بزرك الطهرانيّ ، المطبعة الحكوميّة ، إيران 1378ه.

170 - مطالب السؤول : لكمال الدين ابن طلحة الشافعيّ ، تحقيق ماجد بن أحمد العطيّة ، قم.

171 - معالم العلماء : لمحمّد بن عليّ بن شهرآشوب ، المطبعة الحيدريّة ، النجف 1380ه.

172 - معاني الأخبار : للشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ الصدوق ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم 1379ه.

ص: 411

173 - المعتبر في شرح المختصر : لجعفر بن الحسن المحقّق الحلّيّ ، مؤسّسة سيّد الشهداء ، قم 1364ه. ش.

174 - المعجم الأوسط : لسليمان بن أحمد الطبرانيّ ، دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع ، 1415ه.

175 - معجم البلدان : لياقوت بن عبد الله الحمويّ ، دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت 1399ه.

176 - معجم رجال الحديث : للسيّد أبو القاسم الخوئيّ ، مدينة العلم ، قم 1403ه.

177 - معجم المؤلّفين : لعمر رضا كحّالة ، دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت.

178 - معجم مقاييس اللغة : لأحمد بن فارس ، مكتب الإعلام الإسلاميّ ، قم 1404 ه.

179 - المعجم الوسيط : لمجموعة من المؤلّفين ، ناصر خسرو ، طهران.

180 - المعيار والموازنة : لأبي جعفر محمّد بن عبد الله الإسكافيّ ، تحقيق الشيخ محمّد باقر المحموديّ ، قم 1402ه.

181 - مغني اللبيب : لعبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاريّ ، مكتبة آية الله العظمى المرعشيّ النجفيّ ، قم 1404ه.

182 - مقاتل الطالبيّين : لأبي الفرج الأصفهانيّ ، مؤسّسة دار الكتاب ، قم 1385ه.

183 - المقالات والفرق : لسعد بن عبد الله الأشعريّ ، المركز العلميّ والثقافيّ ، طهران.

ص: 412

184 - مكارم الأخلاق : للشيخ الحسن بن الفضل الطبرسيّ ، الشريف الرضيّ ، قم 1392ه.

185 - ملحقات إحقاق الحقّ : للسيّد المرعشيّ النجفيّ ، مكتبة المرعشيّ النجفيّ ، قم.

186 - من أخلاق الإمام الحسين عليه السلام : لعبد العظيم المهتدي البحرانيّ ، الشريف الرضيّ ، قم 1421ه.

187 - مَن لا يحضره الفقيه : للشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ الصدوق ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم.

188 - المناقب : للموفّق بن أحمد الخوارزميّ ، مكتبة نينوى ، طهران.

189 - مناقب آل أبي طالب : لمحمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندرانيّ ، المكتبة الحيدريّة ، النجف 1376ه.

190 - مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : لمحمّد بن سليمان الكوفيّ ، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة ، قم 1412ه.

191 - مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام : لأحمد بن موسى بن مردويه الأصفهانيّ ، جمع وترتيب وتقديم عبد الرزّاق محمّد حسين حرز الدين ، دار الحديث ، قم 1424ه.

192 - مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام : لعليّ بن محمّد الشافعيّ ابن المغازليّ ، المكتبة الإسلاميّة ، طهران 1394ه.

193 - المنتخب : للشيخ فخر الدين الطريحيّ ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات ، بيروت.

194 - المنتظم : لأبي الفرج ابن الجوزيّ ، دار الكتب العلميّة ، بيروت 1412ه.

ص: 413

195 - منية المريد : للشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ الشهيد الثاني ، مكتب الإعلام الإسلاميّ ، قم 1409ه.

196 - موارد الظمآن : لنور الدين عليّ الهيثميّ ، دار الثقافة العربيّة ، بيروت 1411ه.

197 - موسوعة مؤلّفي الإماميّة : لمجمع الفكر الإسلاميّ ، قم 1420ه.

198 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة : ليوسف بن تغرى بردى ، دار الكتب المصريّة ، القاهرة 1355ه.

199 - نزهة النظر في غريب النهج والأثر : لعادل عبد الرحمن البدريّ ، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة ، قم 1421ه.

200 - نفس الرحمن في فضائل سلمان : للميرزا حسين النوريّ الطبرسيّ ، مؤسّسة الآفاق ، طهران 1411ه.

201 - نقد الرجال : للسيّد مصطفى بن الحسين التفرشيّ ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم 1418ه.

202 - النهاية في غريب الحديث والأثر : لابن الأثير الجزريّ ، تحقيق طاهر أحمد الزاويّ ومحمود محمّد الطناحيّ ، دار التفسير ، قم 1426ه.

203 - نهج البلاغة : للسيّد الشريف الرضيّ ، شرح محمّد عبدة ، دار المعرفة ، بيروت 1412ه.

204 - النهجة المرضيّة في شرح الألفيّة : لجلال الدين السيوطيّ ، مكتب الإعلام الإسلاميّ ، قم 1424ه.

205 - الهداية الكبرى : للحسين بن حمدان الخصيبيّ ، مؤسّسة البلاغ ، بيروت 1411ه.

ص: 414

206 - هديّة العارفين : لإسماعيل باشا البغداديّ ، دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت.

207 - وسائل الشيعة : للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم 1414ه.

208 - وصول الأخيار إلى أُصول الأخبار : للشيخ حسين عبد الصمد العامليّ والد البهائيّ ، مجمع الذخائر الإسلاميّة ، قم 1401ه.

209 - وفيات الأعيان : لأحمد بن محمّد بن خلّكان ، دار صادر ، بيروت 1398ه.

210 - اليقين باختصاص مولانا عليّ عليه السلام بإمرة المؤمنين : لعليّ بن موسى بن طاووس ، مؤسّسة الثقلين لإحياء التراث الإسلاميّ ، قم 1413ه.

211 - ينابيع المودّة : لسليمان بن إبراهيم القندوزيّ ، دار الأُسوة ، قم 1416ه.

ص: 415

ص: 416

من ذخائر التراث

ص: 417

ص: 418

كتاب صغير

رواية أبي الفتح محمّد بن محمّد العلوي الحسيني

المعروف بابن جعفر الحائري

كان حيّاً سنة 573 هجريّة

تحقيق

الشيخ عبد الحليم عوض الحلّي

ص: 419

ص: 420

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّد الرسل محمّد المصطفى وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

أمّا بعد :

خلّف رسول الله المصطفى وأئمّة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين تراثاً عظيماً يهدي العالمين إلى سواء السبيل.

لكن مع الأسف ظلم الظالمين وجور الجائرين وتسلّط المستبدّين أدّى إلى ضياع تلك الكنوز الثمينة بين الإحراق والإلقاء في النهر وبين التشتت في أقطار الأرض ، والمتتبّع لفهارس المكتبات العالميّة يرى الكثير من أُصولنا وكتبنا محفوظة عندهم.

نعم بقي مقدار من ذلك التراث محفوظاً في مكتبات البلدان الإسلاميّة ، وبين يدي القارئ الكريم واحد من المخطوطات القديمة الثمينة ، وهي وإن كانت صغيرة في حجمها ، لكن قدمتها وانفرادها ببعض الأحاديث يضفي

ص: 421

عليها قيمة اُخرى ، وهذه المخطوطة محفوظة في مكتبة الأستانة الرضويّة ، على مشرفها آلاف التحيّة والسلام ، في مدينة مشهد المقدّسة ، وقد أشار إليها المحدّث النوري صاحب مستدرك الوسائل بقوله :

كتاب صغير وجدناه في الخزانة الرضويّة ، فيه أخبار طريفة ، يوجد متون أغلبها في الكتب المشهورة ، أوّله هكذا : أخبرنا الشريف الأجل ، [الفقيه] العالم ضياء الدين أبو الفتح محمّد بن محمّد العلوي الحسيني ، المعروف بابن جعفر الحائري - بحلّة(1) في شهر جمادى الآخر من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة إلى آخر ما نقله(2).

هذا وقد نقل من هذا الكتاب الصغير مورداً واحداً ، وهو الحديث رقم 21 في مستدرك الوسائل عن القاضي أبي عبدالله ، عن سعاد بن سليمان ، إلى آخر ما قال(3).

وسترى أنّ بعض أخبار هذا الكتاب الصغير لم نعثر له على مصدر ، بل لم نعثر على ما يماثله ويعاضده ، فيكون من منفردات هذا الكتاب.

راوي هذه المجموعة :

راوي هذه المجموعة من الأحاديث - كما جاء في أوّلها - الشريف 1.

ص: 422


1- أي مدينة الحلّة السيفيّة.
2- خاتمة مستدرك الوسائل 19 / 388.
3- مستدرك الوسائل 1 / 357 ح 841.

الأجلّ الفقيه العالم ضياء الدين أبو الفتح محمّد بن محمّد العلوي الحسيني ، المعروف بابن جعفر الحائري سنة 573 هجريّة ، ولكنّنا لم نعثر له على ترجمة رغم الإطراء والمديح الذي وصفه به الراوي عنه.

نعم إنّ ابن المشهدي صاحب المزار المتوفّى سنة 610 هجريّة ينقل زيارة الشهداء رضوان الله عليهم في يوم عاشوراء بقوله : أخبرني الشريف أبو الفتح محمّد بن محمّد بن الجعفريّة أدام الله عزّه ، قال : أخبرني ..(1)

كما أنّ هذا الاسم جاء في كتاب الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب رضوان الله عليه ، حيث قال : أخبرني الشيخ أبو الفضل بن الحسين الحلّي الأحدب رحمه الله قراءة عليه سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ، قال : أخبرني الشريف أبو الفتح محمّد بن محمّد بن الجعفريّة العلوي الحسيني الحائري سنة 571 هجريّة ، قال : أخبرني .. إلى آخره(2).

فمن المحتمل أن يكون صاحب هذه الروايات المعروف بابن جعفر الحائري هو ابن الجعفريّة أحد مشايخ محمّد بن المشهدي صاحب المزار.

وأمّا تسمية هذه المجموعة ب- : «كتاب صغير» فقد جاءت من قبل الشيخ النوري صاحب مستدرك الوسائل ، فقد تقدّم قوله : كتاب صغير وجدناه في الخزانة الرضويّة .. إلى آخر قوله(3).8.

ص: 423


1- المزار : 485.
2- الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : 50.
3- خاتمة مستدرك الوسائل 19 / 388.

وصف المخطوطة:

سبق وأن قلنا : اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على مخطوطة واحدة أخذنا مصورتها من المكتبة الرضويّة ، مؤلّفه من 16 صفحة ، وكلّ صفحة من 12 سطر بخطّ ردئ لا يكاد يعرف بعض كلماته.

وبعد صفّ الحروف بالآلة الكاتبة قمنا بتخريج الآيات القرآنيّة والروايات ، واعتمدنا ذكر المصادر الأقدم فالأقدم ، وإن لم نكن عثرنا على المصدر فقد أشرنا إلى ما يتوافق مع مضمونه ، ومع كلّ الجهود المبذولة فقد بقيت بعض الأحاديث بغير مصدر وبغير مشابه أو عضيد ، فتكون من منفردات هذا الكتاب.

وفي الختام أتقدّم بجزيل الشكر والامتنان لكلّ من أعاننا على إخراج هذا الكتاب الصغير بهذه الكيفيّة الجميلة ، وأخصّ بالذكر الأستاذ السيّد أحمد رضا معين شهيدي مدير مركز الدراسات والبحوث الإسلاميّة التابع لمؤسّسة الإمام الهادي عليه الصلاة والسلام.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

عبد

الحليم عوض الحلّي

مشهد

المقدّسة

20

جمادي الثاني 1432

ص: 424

صورة

ص: 425

صورة

ص: 426

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ربّ يسّر وأعِن

[17] أخبرنا الشريف الأجل ، الفقيه العالم ضياء الدين أبو الفتح ، محمّد بن محمّد العلوي الحسيني ، المعروف بابن جعفر الحايري ، بحلّة(1) ، في شهر جمادى الآخر ، من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة. قال : حدّثنا الشيخ العالم أبو المكارم ابن كتيلة(2) العلوي ، بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله وسلامه في جمادى الاُولى سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ، قال : حدّثنا أبو عبد الله ، قال : حدّثنا إخباراً وإجازة قال : حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن شهريار الخازن(3) ، قال : حدّثنا أبوالفرج محمّد بن أحمد بن علاّن العدل(4) ، قال : حدّثنا القاضي 3.

ص: 427


1- أي الحلّة السيفيّة.
2- كتيلة تصغير كتلة.
3- ذكره الشيخ منتجب الدين في الفهرست : 112 / 420 وقال عنه : فقيه ، صالح ، بمشهد الغري على ساكنه السلام ، وفي قاموس الرجال 9 / 63 / 6369 أنّه واقع في سند الصحيفة السجاديّة ، روى عنه محمّد بن الحسن الحسيني سنة 516 هجريّة عن أبي منصور محمّد بن محمّد العكبري.
4- ورد ذكره في سند روايات كتاب بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله) لشيعة المرتضى عليه السلام للطبري كما في ص 173.

أبو عبد الله ، قال : حدّثنا أبو محمّد صالح بن وصين النكاني(1) ، قال : حدّثنا معاذ ابن المسي ، قال : حدّثنا سويد بن سعيد ، قال : حدّثني مبارك بن سحيم(2) ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال لأصحابه : ما من صدقة أفضل من سقي الماء(3).

[18] وعنه(4) قال : أخبرنا القاضي أبو عبد الله الجعفي ، قال : حدّثنا صالح بن وصين ، قال : حدّثنا معاذ بن المسي ، قال : حدّثنا هارون بن عبد الله ، قال : حدّثنا دينار ، عن الحسن ، قال : المؤمن كيّس عاقل ، والأحمق فاجر جاهل(5).

[19] عن الصادق عليه السلام ، قال : أكيس الكيّس التقي(6) ، وأحمق الحمق ).

ص: 428


1- جاء في سند حديث في دلائل التوحيد للهروي ص74 (الكناني) بدل من : (النكاني).
2- في المخطوط : (شحيمة) وقد ورد ذكره في كتب التراجم والرواية هكذا : مبارك بن سحيم ، ومبارك أبو سحيم. قال البخاري في الضعفاء الصغير ص116 / 364 مبارك بن سحيم أبو سحيم مولى عبدالعزيز بن صهيب البناني ، منكر الحديث.
3- جاء هذا الحديث في الكامل لعبد الله بن عدي 6 / 322 بسند آخر عن أنس : حدّثنا ابن ناجية وإسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قالا : حدّثنا سويد بن سعيد ، حدّثنا مبارك أبو سحيم ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : ما من صدقة أفضل من سقي الماء. ونقل المجلسي في «بحار الأنوار 71 / 369» قريباً من هذا المضمون : «أفضل الصدقة سقي الماء» عن الغايات ، ومثله في مستدرك الوسائل 7 / 250.
4- ظاهراً عن : أبو الفرج محمّد بن أحمد بن علاّن.
5- جاء في عيون الحكم والمواعظ للواسطي : 30 : المؤمن كيّس عاقل.
6- في المخطوط : (النقي).

الفَجور(1).

[20] عن عبدالله بن طاووس(2) ، قال : قال لي أبي : يا بنيّ ، صاحِب العقلاء تُنسب إليهم [وإن لم تكن منهم] ، ولا تصاحب الجهّال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم ، واعلم أنّ لكلّ شيء غاية ، وغايته(3) حسن عقله(4).

[21] عن الحارث ، عن داود ، عن صالح بن أبي درداء ، إنّ رجلاً قال : يا رسول الله، رأيت الرجل يقوم الليل ويصوم النهار، ويحجّ ويعتمر ويتصدّق، ويغزو في سبيل الله، ويعود المريض ، ويصل الرحم ، ويتبع الجنايز ، ويقرئ الضيف ، حتّى عدّ عشر خصال ، فما منزلته عند الله يوم القيامة؟

قال : إنّما ثوابه في كلّ ما كان منه في ذلك على قدر عقله(5).».

ص: 429


1- كشف الغمّة 2 / 189 وص193 وعنه في بحار الأنوار 44 / 30 وص65. عن الإمام الحسن عليه السلام ، المستدرك للحاكم 3 / 175 خطبة الحسن عليه السلام بعد مصالحة معاوية ، وفي الكافي 8 / 81 ضمن ح 39 عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، الأمالي للصدوق : 576 ح 788 ضمن المجلس الرابع والسبعين ، كتاب الزهد للحسين بن سعيد الكوفي : 14 ح 28.
2- هو عبد الله بن طاووس اليماني بن كيسان ، أصله من اليمن ، روى عن أبيه وعن عكرمة بن خالد، وقد وثّقه الرازي في كتاب الجرح والتعديل 5 / 88 الترجمة : 405.
3- أي وغاية المرء ، كما في تهذيب الكمال.
4- وفيات الأعيان 2 / 511 ، البداية والنهاية 9 / 264 ، تهذيب الكمال للمزّي 13 / 368 وفيه زيادة : «وإن لم تكن منهم» بعد قوله : «تنسب إليهم» وفيه أيضاً : «وغاية المرء حسن عقله» بدل من : «غايته حسن عقله».
5- جاء في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث لابن أبي أُسامة : 258 بهذا السند : حدّثنا داود بن المحبر ، حدّثنا جسر ، عن أبي صالح ، عن أبي الدرداء ، ولكن نقل عن المعصوم عليه السلام في الكافي 1 / 12 وأمالي الصدوق : 504 «إنّ الثواب على قدر العقل».

[22] وبالإسناد يرفع إلى زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر ، إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : ما اكتسب أحدٌ مُكتسباً مثل فضل العقل ، يهدي صاحبه إلى هدى ، ويردّه عن ردى ، ولا ختم(1) إيمان عبد ولا استقام دينه حتّى يكمل عقله عن عبادة وسلامة(2).

[23] عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس ، قال : أُسّس الدين على العقل ، وما عُبِد [الله] إلاّ بالعقل ، ألم تروا إلى قول الله عزّ وجلّ وما أخبر عن إبراهيم عليه السلام قال : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هذَا رَبِّي) حتّى بلغ إلى قوله : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً)(3).

قال : عُذّبَ بعقله الذي أراه الله ، إنّ الذي رأى مدبّراً ، وإنّها إنّما تجري بأمره ، فأخلص العبادة له ، فبذلك اتّخذه الله خليلاً ، والعاقل عبد ربّه أقرب العباد إلى ربّه زُلفى ، وأرفعهم عنده درجة من جميع المجتهدين 9.

ص: 430


1- في المخطوط : (خاتم) والمثبت هو المناسب.
2- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث : 255 : حدّثنا داود بن المحبر ، حدّثنا عباد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : ما اكتسب رجل ما اكتسب مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويردّه عن ردى ، وما تمّ إيمان عبد ولا استقام دينه حتّى يكمل عقله. وفي المعجم الأوسط للطبراني 5 / 79 «فضل العلم» بدل من : «فضل العقل».
3- الأنعام : 76 - 79.

بغير عقل ، ولمثقال(1) ذرّة من عمل العاقل أفضل من اجتهاد الجاهل عمر الدنيا(2).

[24] وبالإسناد يرفع به إلى عبد الله بن عمر قال : كنت جالساً عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يطلع من هذا الفجّ رجلٌ يموت على غير ملّتي أو سنّتي ؛ فطلع معاوية(3).

[25] عن أبان بن تغلب ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بدر في ثلاث عشرة خلت من شهر رمضان ، ورجع في أربع وعشرين ، فلمّا انتهى إلى كراع الغميم(4) أبصر قوماً تذهب بهم رواحلهم لا يملكونها ، فقال : ما هؤلاء؟ ).

ص: 431


1- في المخطوط : (والمثقال).
2- في روضة الواعظين : 4 ، وعنه في بحار الأنوار 1 / 94 ح 18 ، تفسير الثعلبي 3 / 334 ، ومتن الحديث كما في روضة الواعظين : عن ابن عبّاس أنّه قال : أساس الدين بني على العقل ، وفرضت الفرائض على العقل ، وربنا يعرف بالعقل ويتوسّل إليه بالعقل ، والعاقل أقرب إلى ربّه من جميع المجتهدين بغير عقل ، ولمثقال ذرّة من بر العاقل أفضل من جهاد الجاهل ألف عام.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 15 / 176 ، تاريخ الطبري 8 / 186 ، بحار الأنوار 33 / 209 «يطلع من هذا الفجّ رجل من أُمّتي يحشر على غير ملّتي ، فطلع معاوية».
4- كراع الغميم بالغين المعجمة وزان كريم واد بينه وبين المدينة نحو من مائة وسبعين ميلاً ، وبينه وبين مكّة نحو ثلاثين ميلاً ، ومن عسفان إليه ثلاثة أميال (مجمع البحرين 4 / 33).

قالوا : يا رسول الله ، أجهدهم الصوم ، فدعا بقعب(1) من ماء فشرب ، ثمّ نادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإفطار ، فأفطر أقوام ، وأقام أقوام على صومهم ، فسُمّوا أُولئك العُصاة(2).

[26] عن أبي الطيب يرفعه إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : الخلق عباد الله ، فأحبّ خلقه إليه أحبّهم صنيعاً إلى عياله(3).

[27] عن عبادة ، قال : أخبرنا عليّ ، عن عبد الجبّار ، عن عمّار الذهبي ، قال : مرّ عليّ عليه السلام على ابن الأشعث، فقال : يقتل رجل من ولدي هذا في عصابة، لا يجفّ عرق خيولهم حتّى يردوا على محمّد. قال : فمرّ عليه الحسن عليه السلام ، فقالوا : هذا؟ فقال : لا ، فمرّ الحسين عليه السلام فقالوا : هذا؟ قال : نعم(4).».

ص: 432


1- القعب : القدح الغليظ ، ويجمع على قعاب كما في العين 1 / 182 ، وفي الصحاح 1 204 / القعب قدح من خشب مقعّر ، وانظر لسان العرب 1 / 683.
2- ورد مضمونه في الكافي 4 / 127 ح 5 ، من لا يحضره الفقيه 2 / 141 ح 1977 ، وسائل الشيعة 10 / 176 ح 7 والسند في الكافي : أبو علي الأشعري ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن صفوان بن يحيى عن عيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام.
3- مسند أبي يعلى 6 / 194 ، الكامل لابن عدي 7 / 153 ، تاريخ مدينة دمشق 33 / 277 ، الرسالة السعديّة للعلاّمة الحلّي : 160 وفيها : «الخلق كلّهم عيال الله ، فأحبّ خلقه إليه أنفعهم لعياله».
4- تاريخ مدينة دمشق 14 / 199 وشرح الأخبار للقاضي نعمان المغربي 3 / 137 والملاحم والفتن لابن طاووس : 334 ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد : 50 ، ولكن جاء : «كعب» بدل من «ابن الأشعث».

[28] وبالإسناد عن سعيد بن خثيم(1) ، عن محمّد بن خالد الضبّي ، عن إبراهيم ، قال : لو أنّي كنت في من قاتل الحسين عليه السلام ، ثمّ أُتيت بالمغفرة من ربّي فأُدخلتُ الجنّة لاستحييت من محمّد (صلى الله عليه وآله) أن أمرّ عليه فيراني(2).

[29] وبالإسناد يرفعه إلى عبادة ، عن داود بن أبي عوف وسالم الأعور ، عن إبراهيم النجايعي(3) قال : لولا إنّ البراءة والشهادة [بدعة] لبرئت من عدوّ عليّ عليه السلام ، وكفى بالبغض براءة(4).

[30] وعن عبادة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي جحيفة ، قال : قال عليّ عليه السلام : لأنفق على عشرة في الله أحبّ إليّ من عمرة(5).

[31] وعنه عليه السلام قال : أكثروا تلاوة القرآن في بيوتكم ، فإنّ البيت الذي يُتلى فيه القرآن يتّسع على أهله ، ويكثر خيره ، وتحضره الملائكة ، وتزجر عنه الشياطين ، وإنّ البيت الذي لا يُتلى فيه القرآن ، يضيق على أهله ، ويقلّ ك.

ص: 433


1- في المخطوط : (حيتم) والمثبت موافق لسند حديث ورد في كتاب سليم بن قيس : 480 والمعجم الأوسط للطبراني 6 / 11، والمعجم الكبير 3 / 112 ح 2829.
2- تهذيب الكمال للمزّي 25 / 154 بتفاوت يسير ، وهكذا في الإصابة لابن حجر 2 / 71.
3- كذا في المخطوط ، والظاهر أنّه إبراهيم النخعي ، ابن مالك الأشتر.
4- جاء في مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمحمّد بن سليمان الكوفي 2 / 471 ح 967 حدّثنا خضر قال : حدّثنا الحماني قال : حدّثنا جرير بن عبدالحميد عن الساسي ، قال : قال إبراهيم : لولا أنّ الشهادة بدعة لبرئنا ممّن يبغض عليّاً ، وكفانا بالبغض براءة.
5- اُنظر الكافي 4 / 42 باب الإنفاق ، وسائل الشيعة 21 / 547 باب استحباب الإنفاق وكراهة الإمساك.

خيره ، ولا تحضره الملائكة ، ولا تزجر عنه الشياطين(1).

[32] عن عبادة قال : نوّروا بيوتكم بذكر الله ، واجعلوا لبيوتكم نصيباً من صلاتكم ، ولا تتّخذوها قبوراً كما اتّخذ(2) اليهود والنصارى بيوتهم قبوراً ، فإنّ البيت الذي يذكر الله فيه يُضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض(3).

[33] وعنه ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جنازة رجل من الأنصار ، فسمعته يقول : اللهمّ صلّ عليه ، واغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله ومنقلبه ، وأغسله بماء ثلج وبَرَد ، ونقّه من الخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله بداره داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله ، وقِه فتنة القبر وعذاب النار.

قال عوف : فلقد رأيتني أتمنّى في مقامي أن أكون أنا الميّت مكان(4) ذلك الأنصاري لما رأيت من صلاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ودعائه له(5).3.

ص: 434


1- نقله عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف 3 / 369 عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتفاوت يسير ، وجاء في عمدة القاري للعيني مرفوعاً 4 / 187.
2- في المخطوط : (اتخذوا) والمثبت موافق لقواعد العربيّة.
3- ورد ذيله في عمدة القاري 4 : 187.
4- في المخطوط : (وكان) والمثبت موافق للمصادر.
5- مسند أحمد بن حنبل 6 : 23 ، سنن ابن ماجة 1 / 481 مع تفاوت يسير ، مسند أبي داود الطيالسي : 134 ، صحيح مسلم 3 / 60 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 268 ، تهذيب الكمال للمزّي 20 / 63.

[34] عبادة، عن الواسطي، عن سفيان(1) بن حسين قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسٌ وعنده جبريل ، فأقبل أبو ذرّ فقال له جبريل : يا رسول الله ، هذا أبو ذر قد أقبل. قال : يا جبريل ، وهل تعرفه؟

قال : هو في السماء أعرف منه في الأرض(2).

[35] عن المحاربي ، عن جرير ، عن الضحّاك في قوله : (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)(3) قال : هم في أسواقهم يبيعون ويشترون ، فإذا جاء وقت الصلاة لم يلههم(4) بيع ولا شري عن الصلاة ، (فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(5) (6). عن

ص: 435


1- في المخطوط : (سفير) وقد تقرأ : (سفين).
2- ورد هذا الحديث من طرقنا عن أبي عبدالله عليه السلام إلاّ أنّ فيه السؤال من جبرئيل عليه السلام لا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولفظه كما في روضة الواعظين : 284 قال الصادق عليه السلام : دخل أبو ذرّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه جبرئيل ، فقال جبرئيل عليه السلام : من هذا يا رسول الله؟ قال : أبو ذر ، قال : أما أنّه في السماء أعرف منه في الأرض. بحار الأنوار 22 / 407 ح 23. وذكره مسنداً عن أبي خديجة الجمال عن أبي عبدالله عليه السلام في اختيار معرفة الرجال 1 / 107 ح 49.
3- النور : 37.
4- في المخطوط : (يلهيهم) والمثبت موافق لقواعد العربيّة.
5- النور : 36.
6- تفسير ابن أبي حاتم الرازي 8 / 2607. وجاء في الكافي 5 / 154 عن الحسين بن بشّار ، عن رجل رفعه في قول الله عزّ وجلّ : (رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ ...) قال : هم التجّار الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن

[36] عبادة ، عن جعفر بن برقان ، عن زياد بن الجرّاح ، عن عمر بن ميمون ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجل وهو يعظه : اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحّتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك(1).

[37] عن القاضي أبي(2) عبدالله ، عن سعاد بن سليمان ، عن أبي وايل ، عن سلمان ، قال : إذا توضّأ الرجل المسلم اجتمعت الخطايا فوق رأسه ، فإذا قام إلى الصلاة تحاتت(3) عنه كتحات ورق الشجر(4).

[38] وبالإسناد عن أبي هريرة ، قال : لقد أدركت سبعين من أهل الصُفّة(5)، ما منهم رجل له ثوبان ، ما هو إلاّ ثوب ثوب ، إنّ الرجل منهم له

ص: 436


1- نقله الشيخ الطوسي ضمن الحديث المعروف بوصايا النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر في أماليه : 526 ، وسائل الشيعة (آل البيت) 1 / 114 ، المستدرك للحاكم النيسابوري 4 / 306 ، المصنّف لعبد الرزّاق 8 / 127.
2- في المخطوط : (أبو) والمثبت أنسب مع قواعد العربيّة.
3- تحات الشيء أي تناثر وتساقط ، كما في لسان العرب 1 / 22.
4- عن هذا الكتاب في مستدرك الوسائل 1 / 357 ح 841.
5- قال ابن الأثير في النهاية 3 / 37 أهل الصفّة هم فقراء المهاجرين ومن لم يكن له

ليسجد فيضمّ عليه ثوبه من خلفه مخافة أن تبدو عورته(1).

[39] وبالإسناد عن الحسن بن جعفر بن مدار ، عن إسماعيل بن أبان ، عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد ، عن ابن عبّاس قال : لقد كانت لعليّ عليه السلام ثمانيةعشر منقبة ، أو (2) كانت له ثلاثة عشر مقاماً ما هي لأحد من هذه الأُمّة(3).

[40] قال : أخبرنا إسماعيل بن عبادة ، عن بدر بن محمود بن أبي جسرة الأنصاري ، عن داود بن حصين ، عن أبي رافع مولى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من لم يعرف حقّ عترتي من الأنصار والعرب فهو لأحد ثلاث : إمّا منافق ، وإمّا الزنية ، وإمّا امرء حملت به أُمّه على غير طهر(4). -

ص: 437


1- نقل عبد الرزّاق في المصنّف 1 / 348 : عن أبي هريرة قال : رأيت سبعين من أهل الصُفّة في ثوب ثوب ، فمنهم من يبلغ ركبته ، ومنهم من هو أسفل من ذلك ، فإذا ركع قبض عليه مخافة أن تبدو عورته ، ونقل أيضاً في صحيح البخاري 1 / 114 والمعجم الأوسط للطبراني 3 / 316 مع تفاوت يسير.
2- في المخطوط : (لو).
3- نقل في مناقب ابن شهرآشوب 1 / 288 عن ابن عبّاس : كان لعليّ ثمانية عشر منقبة ما كان لأحد في هذه الأُمّة مثلها. وفي المعجم الأوسط للطبراني 8 / 212 وشواهد التنزيل 1 / 22 عن ابن عبّاس قال : كانت لعليّ بن أبي طالب ثمانية عشر منقبة لو لم يكن له إلاّ واحدة منها لنجا بها ، ولقد كانت له ثلاثة عشر منقبة ما كانت لأحد من هذه الأُمّة.
4- نقله القاضي نعمان المغربي في شرح الأخبار 2 / 501 هكذا : عن أبي رافع -

[41] وعنه(1) بالإسناد عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ثلاث من كنّ فيه فليس منّي ولست أنا منه : من يبغض عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ونصب حرب أهل بيتي ، ومن قال : الإيمان كلام(2).

[42] وعنه بالإسناد عن الحسن بن عليّ عليه السلام قال : قال : ما دمعت عين عبد فينا دمعة ، ولا قطرت عين عبد فينا قطرة إلاّ بوّأه الله بها في الجنّة أحقاباً(3).

[43] وعنه عليه السلام (4) بالإسناد عن إسحاق الزبيدي قال : قلتُ لأبي سعيد الخدري(5) كنتَ شهدتَ بدراً؟ قال : نعم.

فقلت له : حدّثني ببعض ما سمعت من النبيّ (صلى الله عليه وآله)؟ ).

ص: 438


1- الظاهر أنّه عن أبي رافع.
2- مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 2 / 472، وعنه في بحار الأنوار 27 / 227 و 29 642 ، / وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42 / 284 مع تفاوت يسير.
3- نقله المفيد في أماليه : 341 مع تفاوت يسير ، كامل الزيارات لابن قولويه : 202 عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال : من قطرت عيناه فينا قطرة ودمعت عيناه فينا دمعة بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً. وسائل الشيعة (آل البيت) 14 / 508.
4- كذا في المخطوط.
5- في المخطوطة زيادة : (قال).

فقال : أُحدّثك أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) مرض مرضةً ، فدخلتْ عليه ابنته فاطمة عليها السلام وأنا جالس عن يمينه وحذيفة بن اليمان جالسٌ بين يديه ، فلمّا رأت ضعف النبيّ (صلى الله عليه وآله) استعبرت.

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا بنيّة ، ما يبكيك؟ فقالت : مخافة الضيعة بعدك.

فقال لها : يا بنيّة ، أما علمت أنّ الله اطّلع إلى أهل الأرض - ولم يغيبوا عنه طرفة عين قطّ - فاختار منها أباك ، فاصطفاه رسولاً رحمةً على خلقه وأمّرني ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار منها(1) بعلك ، فاصطفاه واتّخذه حجّة على خلقه وأمرني فزوّجتك إيّاه ، واتّخذه وصيّاً قائماً بأمري من بعدي.

ثمّ قال : يا بنيّة ، أوما علمتِ أنّ من كرامتك على الله أنّ زوّجَكِ أعظمَهم حلماً ، وأكثرهم علماً ، وأقدمهم سلماً.

يا بنيّة ، إنّ لبعلك مناقبٌ أخصّه الله بها : إيمانه باللّه ورسوله ، وعلمه ، وحكمته ، وزوجته ، وسبطاه الحسن والحسين ، وأمره بالمعروف ، ونهيه عن المنكر ، وقضاءه بما أنزل الله.

يا بنيّة ، إنّا أُعطينا أهل البيت سبعاً لم يُعطَها أحدٌ قبلنا : إنّ نبيّنا خير الأنبياء ، وهو أبوكِ ، ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلكِ ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك ، ومنّا مَن له جناحان(2) خضيبان(3) يطير في الجنّة ، وهو ابن 7.

ص: 439


1- في المخطوط : (منهم).
2- في المخطوط : (جناحين) والمثبت موافق للقواعد.
3- خضبه : غيّر لونه بحمرة أو صفرة أو غيرهما كما في لسان العرب 1 / 357.

عمّك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، ومنّا مهديّ هذه الأُمّة الذي يُصلّي خلفه عيسى بن مريم من ولد ابنك الحسين عليه السلام (1).

[44] وبالإسناد عن الشيخ الأجلّ أبي(2) عبد الله الحسين بن الطحّال المقدادي رحمة الله عليه(3) يرفعه قال : سُئل الشيخ رضي الله عنه عن قوله تعالى : (يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) قال : يعني ... (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) فقال : السبيل أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً) [يعني] ... (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلاِْنسَانِ خَذُولاً)(4) (5).

[45] وفي قوله سبحانه وتعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) الآية(6) ، روي عن 5.

ص: 440


1- فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة الكوفي : 25 ، كشف الغمّة 1 / 152 ، بحار الأنوار 38 / 11 ، ونقله الطوسي في الغيبة : 191 مختصراً ، ونقله الصدوق في الخصال : 412 ، ومحمّد بن سليمان الكوفي في مناقبه : 255 والقاضي نعمان في شرح الأخبار 1 / 123 و 2 / 510 عن أبي أيّوب الأنصاري.
2- في المخطوط : (أبو).
3- قال الشيخ منتجب الدين في الفهرست : 48 / 80 الشيخ أبو عبدالله الحسين بن أحمد ابن طحال المقدادي فقيه ، صالح ، قرأ على الشيخ أبي علي الطوسي (ولد الشيخ الطوسي أبي جعفر).
4- الفرقان : 27 - 29.
5- تفسير القمّي 2 / 113 ، وعنه في بحار الأنوار 30 / 149 مع تفاوت يسير.
6- النور : 35.

الصادق عليه السلام أنّه قال : المشكاة عبدالله بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مناف ، والمصباح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والمصباح فاطمة عليها السلام ، ثمّ نعتها الله فقال : (كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) وكذلك سمّيت الزهراء(1) عليها السلام.

قال : (يُوقَدُ مِن شَجَرَة) الشجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله). ثمّ نعته فقال تعالى : (مُبَارَكَة زَيْتُونَة) فشبّه ما يظهر من العلم بالزيت الذي يخرج من الزيتونة.

ثمّ قال : (لاَ شَرْقِيِّة) يريد به ليس بنصرانيّ (وَلاَ غَرْبِيَّة) يريد به ليس بيهوديّ ، يصلّي إلى المغرب.

ثمّ قال : (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) يكاد علمه يضطرّ النفوس إلى ثبوته (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) يريد به وإن لم يفصح عن نفسه. ثمّ قال عزّ وجلّ : (نُورٌ عَلَى نُور) يريد به فضلاً على فضل ، وبيان على بيان ، وبرهان يعضد برهاناً(2). (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) يريد به يهدي الله إلى ولاية رسوله وأهل بيته من يشاء (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ)(3) يريد به أنّ ما ذكره من هذه القضيّة مثل ما نبّه به على فضل آل محمّد : ولم يعن شجرةً نابتة كما يظنّ الجاهل(4).

[46] وروى الشيخ رضي الله عنه في قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) «حبّ عليّ حسنة لا يضرّ ف.

ص: 441


1- في المخطوط : (الزهرى).
2- في المخطوط : (برهان) والمثبت موافق للقواعد.
3- النور : 35.
4- الكافي 1 / 195 ح 5 باب أنّ الأئمّة : نوّر الله عزّ وجلّ ، تفسير القمي 2 / 103 مع اختلاف.

معها سيّئة ، وبغض عليّ سيّئة لا ينفع معها حسنة»(1) فقال في هذا الخبر : والقول في وجهه خمسة أوجه :

أحدها : أنّ من أحبّ عليّاً عليه السلام وتولاّه ثمّ اقترف الآثام لغلبة شهوته وميل طباع ، فإنّه لا يخرج من الدنيا إلاّ على أحد الوجهين : إمّا أن يوفّقه الله سبحانه وتعالى لتوبة يكفّر عنه سيّئاته التي اقترفها جزاءً له على ولايته لأمير المؤمنين عليه السلام ، فيكون خاتمته خاتمة خير وصلاح ، ولا يضرّ ما أسلفه من القبيح لما ختم به الجميل.

و [من] تعاظم ذنوبه ولا يوفّق للتوبة فيمتحنه الله سبحانه ببلاء في نفسه ، يجعله كفّارة لذنبه ، فإن عافاه من ذلك وأعفاه منه بلاه ببلاء في أهله ، فإن لم يكن له أهل أو أعفاه من ذلك بلاه ببلاء في ماله ، فإن أعفاه من ذلك أخافه وغمّه وحَزَنَه ، ليكون ذلك كفّارة لذنبه ، فإن أعفاه من ذلك عسر عليه نزعه وصعّبه عليه حتّى يخرج من دار الدنيا ولا ذنب عليه ؛ بهذا جاء الأثر عن الصادقين(2) وتوفيقاً ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : (وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير)(3).0.

ص: 442


1- وجدناه في المناقب لابن شهرآشوب 3 / 2 ، بحار الأنوار 39 / 248 ، كشف الغمّة 1 / 92 ، ينابيع المودّة للقندوزي 1 / 375 و 2 / 75 و 250 و 292 ، وفي التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري عليه السلام : 305 ، «ولاية عليّ ...» بدل من : «حبّ عليّ».
2- كتاب المؤمن : 23 ح 31 باب شدّة ابتلاء المؤمن. وانظر الفصول المهمّة 3 / 294 باب 26 المرض كفّارة لذنوب المؤمن.
3- الشورى : 30.

والجواب الآخر [وهو] الثاني : أنّ الله سبحانه وتعالى آلى على نفسه ألاّ يُطعم النار لحم رجل أحبّ عليّاً عليه السلام ، فإن ارتكب الذنوب الموبقات وأراد الله أن يعذّبه عليها كان ذلك في البرزخ ، وهو القبر ومدّته حتّى إذا ورد [على] الله يوم القيامة وردها وهو سالم آمن من عذاب الله عزّ وجلّ ، فصارت معاصيه لاتضرّه طروراً. ولا تدخله النار ، وبهذا جاء الأثر عن آل محمّد عليهم السلام.

والجواب الآخر ، وهو الثالث : أنّ محبّة أمير المؤمنين عليه السلام أكبر الطاعات بعد المعرفة باللّه عزّ وجلّ وبرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ومن أتى بها مجتنباً لكبائر الآثام ، وإذا قارف ذنباً من صغار الذنوب كان مكفّراً بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، فيكون المراد بقوله «لا يضرّ معها سيّئة» الصغائر دون الكبائر الموبقات ، قال الله تعالى : (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُم وَنُدْخِلْكُم مُدْخَلاً كَرِيماً)(1).

والجواب الرابع ، وهو أصعبها وأشدّها في التأويل : إنّ من أحبّ عليّاً عليه السلام بشرائط محبّته حضرت(2) عليه مقاربة الذنوب ، فلم يوقع سيّئة تضرّه ، ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام للذين اتبعوه بالكوفة ، وهو متوجّه إلى النجف في الليلة الظلماء : ما أنتم؟ فقالوا : نحن شيعتك يا أمير المؤمنين. فقال لهم : لا أرى عليكم سيماء الشيعة. ت.

ص: 443


1- النساء : 31.
2- أي منعت.

فقالوا : وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين؟

فقال : صفر الوجوه من السهر ، خَمص البطون(1) من الصيام ، ذُبل الشفاه من الدعاء ، عمش العيون(2) من البكاء ، حدب الظهور من القيام ، عليهم غبرة الخاشعين(3) ، قال الله تعالى في مصداق هذا الجواب : (قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)(4) فجعل محبّته اتّباع أمره والانتهاء عمّا نهاه عنه.

الجواب الخامس : روي عن الباقر عليه السلام إنّه قال وقد سُئل عن هذا الخبر ، فقال : من أحبّ عليّاً عليه السلام وعمل الطاعات قبلها الله منه ، فإن قارف ذنباً لم يكن الذنب محيطاً لطاعته ، وكان ثواب طاعته له مذخوراً وعقاب معصيته موقوفاً معلّقاً بالسيّئة. ومن أبغض عليّاً عليه السلام لم يثبت له مع بغضه حسنة ، وكان ما يأتيه من جميل يخبطه قبيح ما هو عليه من بغضه(5) لوليّ الله عزّ وجلّ ، فولي الله مقبولة حسناته لا يضرّ بها في ثبوتها سيّئاتٌ ، وعدوّ الله لا حسنة ).

ص: 444


1- الخميص : ضامر البطن. (مجمع البحرين 4 / 170).
2- العمش بالتحريك ضعف الرؤية مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها ، والرجل أعمش والمرأة عمشاء. (مجمع البحرين 4 / 143).
3- صفات الشيعة للصدوق : 11 وص 17 ، الإرشاد للمفيد 1 / 237 ، الأمالي للطوسي : 216 ، وسائل الشيعة (آل البيت) 1 / 92 ، المعيار والموازنة للإسكافي : 241 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42 / 491 ، كنز العمّال للهندي 11 / 325.
4- آل عمران : 31.
5- في المخطوط : (يغظه).

معه لعظيم جرمه ببغضه أميرالمؤمنين أوشكّه فيه ، والله الموفّق للصواب تمّت المسألة.

[47] وعن الشيخ إنّه قال : لا يمين عند آل محمّد : إلاّ باللّه عزّ وجلّ ، ولا يمين بطلاق ، ولا عتاق ، ولا قطيعة رحم ، فإن حلف بذلك فيمينه باطلة ، ولا حنث فيها ، أستغفر الله وحده(1).

[48] وبالإسناد يرفع إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : يلتقي الخضر وإلياس عليهما السلام في كلّ عام بالموسم(2) بمنى ، فيحلق كلّ واحد منهما رأس صاحبه ويقرأ هذه الكلمات : «بسم الله ، ما شاء الله ، لا يسوق الخير إلاّ الله ، بسم الله ما شاء الله ، لا يصرف السوء إلاّ الله ، بسم الله ما شاء الله ، ما كان من نعمة فمن الله ، بسم الله ما شاء الله ، لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه».

قال : وقال ابن عبّاس : من قالهنّ حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرّات آمنه الله من الغرق والحرق والشرق(3) ، ومن الشيطان والسلطان ومن الحيّة والعقرب(4).ر.

ص: 445


1- وجدناه في المقنعة للمفيد : 554.
2- أي في الحج.
3- أي الغصّة ومنه : «الشرق شهادة» وهو الذي يشرق بالماء ، ومنه الحديث : أنا ضامن لمن يريد السفر معتماً تحت حنكه ثلاثاً لا يصيبه الشرق والغرق والحرق ، وفي بعض النسخ بالسين المهملة وهي السرق. (مجمع البحرين 5 / 192).
4- تاريخ مدينة دمشق 6 / 427 و 9 / 211 ، الكامل لابن عدي 2 / 328 مع تفاوت يسير.

[49] وبالإسناد عن أبي(1) الحسن محمّد بن أحمد بن مخزوم ، ببغداد في الجامع سنة ثلاثين وثلاثمائة ، قال : أتى رجل معاوية فسأله عن مسألة ، فقال له : سل عنها عليّ بن أبي طالب فهو أعلم. قال : قولك فيها - يا أمير المؤمنين - أحبّ إليّ.

قال : بئسَ ما قلتَ ، ولؤم(2) ما جئتَ(3) به ، لقد كرهتَ رجلاً كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعزّه بالعلم عزّاً ، ولقد قال : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي(4).

[50] وبالإسناد عن جابر بن الطفيل ، قال : كان عليّ عليه السلام يقول : إنّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤا به ، ثمّ يتلو هذه الآية : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ)(5) يعني محمّد (صلى الله عليه وآله) والذين اتّبعوه ، ولا تغيّروا ، فإنّما وليّ محمّد (صلى الله عليه وآله) من أطاع أمره ، وعدوّ محمّد من عصى الله وإن قربت قرابته(6).ر.

ص: 446


1- في المخطوط : (أبو).
2- أي خبث.
3- في المخطوط : (جبت) والمثبت عن المصدر.
4- تاريخ مدينة دمشق 59 / 74 - إلاّ أنّه نقل «يغرّه بالعلم غرّاً» بدل من : «يعزّه بالعلم عزّاً» ، وما في شرح إحقاق الحقّ 21 / 170 عن تاريخ مدينة دمشق المخطوط يوافق ما في المتن.
5- آل عمران : 68.
6- نهج البلاغة 4 / 22 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18 / 252 ، وسائل الشيعة (آل البيت) 15 / 238 مع تفاوت يسير.

[51] وبالإسناد عن جابر بن سمرة ، قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلّى الفجر لم يزل من مجلسه حتّى تطلع الشمس(1).

[52] وبالإسناد عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر الغفاري قال : دخلت المسجد ، فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاعداً(2) ، فذكر حديثاً طويلاً ، فقلت : يا رسول الله صلّى الله عليك ، أُوصِ(3). قال : عليك بتلاوة القرآن ، فإنّه ذكرك في السماء ، ونورك في الأرض(4).

[53] وبالإسناد عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب ، قال : بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) خالد بن الوليد إلى(5) اليمن يدعوهم إلى الإسلام ، فكنت ممّن سار معه ، فأقام عليهم ستّة أشهر لا يجيبوه إلى شيء ، فبعث النبيّ (صلى الله عليه وآله) عليّ ابن أبي طالب في أثره وأمره أن يقفل(6) خالد بن الوليد ومن معه ، فإن أراد أحد ممّن كان مع خالد أن يعقب معك فاتركه.

قال البراء : فكنت ممّن عقب مع عليّ عليه السلام ، فلمّا انتهينا إلى أوائل أهل ).

ص: 447


1- مسند أحمد بن حنبل 5 / 91 ، صحيح مسلم 2 / 132 ، سنن الترمذي 2 / 49 ، سنن النسائي 3 / 80 ، وفيها : «قعد في مصلاه» بدل من : «لم يزل من مجلسه».
2- قد يكون منصوباً على الحالية ، وإلاّ فالرفع أولى.
3- في المخطوط : (أوصي).
4- الخصال للصدوق : 525 ومعاني الأخبار له : 334 ضمن حديث طويل ، المعجم الكبير للطبراني 2 / 157 وفيها وَرَدَ : «وذكر الله» بعد «عليك بتلاوة القرآن».
5- في المخطوط : (في) بدل من : (إلى) والمثبت موافق للمصدر.
6- القفول : الرجوع من السفر كما في الصحاح 5 / 1803 مادّة (قفل).

اليمن بلغ القوم الخبر ، فجمعوا له فصلّى بنا عليّ عليه السلام الفجر ، فلمّا فرغ صفّنا صفّاً واحداً ثمّ تقدّم بين أيدينا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قرأ عليهم كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فأسلمت همدان(1) كلّها في يوم واحد ، فكتب بذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلمّا قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكتاب خرّ ساجداً ثمّ جلس ، فقال : السلام على همدان(2) - ثلاث مرّات - ثمّ بايع أهل اليمن على الإسلام(3).

[54] وبالإسناد عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبدالله ، قال : كان لأهل بدر مجالس يجلسونها لايشركهم فيها أحد ، وكان أوّلهم دخولاً وآخرهم خروجاً عليّ بن أبي طالب عليه السلام (4).

[55] وعنهم ، عن عبد الله بن الحرث ، عن عليّ عليه السلام قال : وجعت وجعاً شديداً فأتيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) فأنامني في مكانه وغطّاني بطرف ثوبه وقام يصلّي ، وصلّى ما شاء الله ثمّ أتاني فقال لي : يا ابن أبي طالب ، قد برأت لا بأس عليك، ما سألت ربّي عزّ وجلّ شيئاً إلاّ سألت لك مثله ، ولا سألت ربّي شيئاً إلاّ أعطانيه ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي(5). 0.

ص: 448


1- في المخطوط : (مهدان) أو (مهران) والمثبت عن المصدر. وهمدان قبيلة عربيّة.
2- المصدر السابق.
3- الإرشاد للمفيد : 61 ، المناقب لابن شهرآشوب 1 / 394 ، وعنه في بحار الأنوار 21 / 360 و 363 و 38 / 71 ، تاريخ الطبري 2 / 389 ، الاستيعاب لابن عبد البرّ 3 / 1120.
4- تاريخ مدينة دمشق 44 / 420 بسند آخر وتفاوت يسير.
5- العقد النضيد والدرّ الفريد : 79 ، كتاب السنّة لابن أبي عاصم : 582 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 151 ، المعجم الأوسط للطبراني 8 / 47 ، مجمع الزوائد 9 / 110.

تمّ تحقيق هذه الرساله ومراجعتها في مدينة ثامن حجج آل البيت : (مشهد المقدّسة) على يد العبد الفقير إلى الله تعالى وإلى شفاعة أوليائه الأبرار : عبد الحليم بن الحاج عليوي عوض الحلّي في 20 من جمادي الثانية من سنة 1432 هجريّة.

أسأله سبحانه وتعالى أن يديم النعم على عباده الصالحين ، وأن يزرع الأمن والأمان في بلاد المسلمين ، وأن يوفّقنا ويوفّق الأخوة المحقّقين ويزيد في همّتهم لإظهار كنوز آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ص: 449

فهرس المصادر

1 - الإرشاد : للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي ، المتوفّى سنة 413ه- ، نشر دار المفيد في بيروت.

2 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب : لابن عبد البر ، المتوفّى سنة 463ه- ، طبع ونشر دار الجيل في بيروت.

3 - الإصابة في تمييز الصحابة : لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، المتوفّى سنة 852ه- ، نشر دار الكتب العلميّة في بيروت.

4 - الأمالي : لمحمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد ، المتوفّى سنة 413ه- ، نشر دار المفيد في بيروت.

5 - الأمالي : لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة 460ه- ، نشر دار الثقافة في قم.

6 - الأمالي : للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) ، المتوفّى سنة 381ه- ، نشر مؤسسة البعثة في قم.

7 - بحار الأنوار : للعلاّمة الشيخ محمّد باقر المجلسي ، المتوفّى سنة 1111ه- ، نشر مؤسسة الوفاء في بيروت.

8 - البداية والنهاية : لإسماعيل بن كثير الدمشقي ، المتوفّى سنة 774ه- ، نشر دار إحياء التراث العربي في بيروت.

ص: 450

9 - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث : لحارث بن محمّد بن أبي اُسامة ، المتوفّى سنة 282ه- ، نشر دار الطلائع للنشر والتوزيع والتصدير في القاهره.

10 - تاريخ مدينة دمشق : لعلي بن الحسن بن هبة الله بن عبدالله الشافعي المعروف بابن عساكر ، المتوفّى سنة 571ه- ، طبع ونشر دار الفكر في بيروت.

11 - تاريخ الطبري : لمحمّد بن جرير الطبري ، المتوفّى سنة 310ه- ، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات في بيروت.

12 - تفسير ابن أبي حاتم : لابن أبي حاتم الرازي ، المتوفّى سنة 327ه- ، نشر المكتبة العصريّة.

13 - تهذيب الكمال : ليوسف المزي ، المتوفّى سنة 742ه- ، نشر مؤسسة الرسالة في بيروت.

14 - تفسير القمي : لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي ، المتوفّى سنة 329ه- ، نشر مؤسسة دار الكتاب في قم.

15 - تفسير الإمام العسكري عليه السلام : المنسوب للإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام ، الشهيد سنة 260ه- ، نشر مدرسة الإمام المهدي عليه السلام في قم.

16 - الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : لفخّار بن معد ، المتوفّى سنة 630 هجريّة نشر مكتبة سيّد الشهداء في قم.

17 - خاتمة مستدرك الوسائل : للميرزا الشيخ حسين النوري ، المتوفّى سنة 1320ه- ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث في قم.

18 - الخصال : للشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381ه- ، نشر جماعة المدرّسين في قم.

19 - الرسالة السعديّة : للعلاّمة الحلّي ، المتوفّى سنة 726ه- ، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي في قم.

ص: 451

20 - سنن ابن ماجة : لمحمّد بن يزيد القزويني ، المتوفّى سنة 273ه- ، نشر دار الفكر في بيروت.

21 - سنن الترمذي : لمحمّد بن عيسى بن سورة الترمذي ، المتوفّى سنة 279ه- ، نشر دار الفكر في بيروت.

22 - سنن النسائي : لأحمد بن شعيب النسائي ، المتوفّى سنة 303ه- ، نشر دار الكتب العلميّة في بيروت.

23 - شرح إحقاق الحق : للسيّد نورالله الحسيني المرعشي التستري ، الشهيد في بلاد الهند سنة 1019ه- ، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي في قم.

24 - شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار : للقاضي النعمان المغربي ، المتوفّى سنة 363ه- ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي في قم.

25 - شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد المعتزلي ، المتوفّى سنة 656ه- ، نشر دار إحياء الكتب العربيّة في بيروت.

26 - شواهد التنزيل : لعبيدالله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني ، من أعلام القرن الخامس الهجري ، نشر مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة التابع لوزارة الإرشاد الإسلامي.

27 - صفات الشيعة : للشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381ه- ، طبع ونشر كانون انتشارات عابدي في طهران.

28 - الطبقات الكبرى : لمحمّد بن سعد ، المتوفّى سنة 230ه- ، طبع ونشر دار صادر في بيروت.

29 - صحيح مسلم : لمسلم بن الحجاج النيشابوري ، المتوفّى سنة 261ه- ، نشر دار الفكر في بيروت.

30 - العقد النضيد والدر الفريد : لمحمّد بن الحسن القمي ، من أعلام القرن السابع الهجري ، طبع ونشر دار الحديث في قم.

ص: 452

31 - عمدة القاري في شرح صحيح البخاري : للعيني ، المتوفّى سنة 855ه- ، نشر دار إحياء التراث العربي.

32 - عيون الحكم والمواعظ : لعلي بن محمّد الليثي الواسطي ، من أعلام القرن السادس الهجري ، نشر دار الحديث في قم.

33 - الغيبة : لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة 460ه- ، نشر مؤسسة المعارف الإسلاميّة.

34 - فضائل أمير المؤمنين عليه السلام : لابن عقدة الكوفي ، المتوفّى سنة 333ه.

35 - وسائل الشيعة : للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ، المتوفّى سنة 1104ه- ، نشر مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث في قم.

36 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : لابن خلّكان ، المتوفّى سنة 681ه- ، نشر دار الثقافة في لبنان.

37 - الكافي : لأبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي ، المتوفّى سنة 329ه- ، نشر دار الكتب الإسلاميّة في طهران.

38 - الكامل : لعبدالله بن عدي ، المتوفّى سنة 365ه- ، طبع ونشر دار الفكر في بيروت.

39 - كامل الزيارات : لجعفر بن محمّد بن قولويه القمي ، المتوفّى سنة 368ه- ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي في قم.

40 - كتاب السنة : لعمرو بن أبي عاصم ، المتوفّى سنة 287ه- ، نشر المكتب الإسلامي في بيروت.

41 - كشف الغمّة : لأبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي ، المتوفّى سنة 693ه- ، نشر دار الأضواء في بيروت.

42 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال : لعلي المتقي بن حسام الدين الهندي ، المتوفّى سنة 975ه- ، نشر مؤسسة الرسالة في بيروت.

ص: 453

43 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : لعلي بن أبي بكر الهيثمي ، المتوفّى سنة 807ه- ، نشر دار الكتب العلميّة في بيروت.

44 - المزار : لمحمّد بن المشهدي ، المتوفّى سنة 610 هجريّة ، نشر القيّوم ، قم.

45 - مسند أبي يعلى : لأحمد بن علي بن المثنى التميمي المعروف بأبي يعلى الموصلي ، المتوفّى سنة 307ه- ، نشر مؤسسة دار المأمون للتراث.

46 - مسند أحمد : لأحمد بن حنبل ، المتوفّى سنة 241ه- ، نشر دار صادر في بيروت.

47 - المستدرك على الصحيحين : للحاكم النيسابوري ، المتوفّى سنة 405ه- ، نشر دار المعرفة في بيروت.

48 - مستدرك الوسائل : للميرزا الشيخ حسين النوري ، المتوفّى سنة 1320ه- ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث في قم.

49 - المصنّف : لعبد الرزاق بن همام الصنعاني ، المتوفّى سنة 211ه.

50 - معاني الأخبار : للشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381ه- ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم.

51 - المعجم الأوسط : لسليمان بن أحمد الطبراني المتوفّى سنة 360ه- ، نشر دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع.

52 - المعجم الكبير : لسليمان بن أحمد الطبراني ، المتوفّى 360ه- ، نشر دار إحياء التراث العربي.

53 - المقنعة : للشيخ المفيد ، المتوفّى سنة 413ه- ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم.

54 - الملاحم والفتن : لعلي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى سنة 664ه- ، نشر مؤسسة صاحب الأمر عليه السلام في إصفهان.

ص: 454

55 - مناقب آل أبي طالب : لمحمّد بن علي بن شهرآشوب ، المتوفّى سنة 588ه- ، طبع ونشر المكتبة الحيدريّة في النجف.

56 - مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : لمحمّد بن سليمان الكوفي ، من أعلام القرن الثالث الهجري ، نشر مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة.

57 - من لا يحضره الفقيه : لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى سنة 381ه- ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي في قم.

58 - نهج البلاغة : خطب الإمام عليّ عليه السلام ، الشهيد سنة 40ه- ، نشر دار الذخائر في قم.

59 - ينابيع المودّة لذوي القربى : للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي ، المتوفّى سنة 1294ه- ، طبع ونشر دار الاُسوة.

ص: 455

من أنباء التراث

هيئة التحرير

كتب

صدرت محقّقة

*

الرسالة الإثنا عشرية في الردّ على الصوفية.

تأليف : العلاّمة محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت1104ه).

نهض المصنّف رحمه الله بكتابه هذا

في الردّ على الصوفية المبتدعة من مظاهر الدين ما يخالف الشريعة السمحاء وذلك

حين رأى تأثّر مجتمعه من ضعفاء الشيعة بأفكارهم السقيمة وطريقتهم العقيمة وربّما

كانت تلك

الأفكار سارية إلى زماننا هذا من تأثّر البعض بترك

واجبات الدين وعدم سعيهم في طلب الرزق والمعاش وما إلى ذلك من خرافات تسبّب

تعطيل سنن الشريعة السمحاء ونظام المجتمع ، وقد تمّ الردّ في إثني عشر باباً وما

يناسبها من مقاصد في إثني عشر فصلا تيمّناً بالأئمّة الإثني عشر عليهم السلام.

تحقيق : عبّاس الجلالي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 343.

نشر : مؤسّسة أنصاريان للطباعة والنشر - قم - إيران

/ 1432ه.

ص: 456

*

غاية الوصول وإيضاح السبل ج(1 - 2).

تأليف : العلاّمة الحلّي (ت 726ه).

كتاب أصوليّ ، وهو شرح لكتاب مختصر منتهى السّؤل والأمل

لابن الحاجب ، يعدّ هذا الكتاب في مضمار ما اشترك بين الفريقين من ألفة علمية في

شتّى المجالات الأدبية والأصولية والفقهية التي استمرّ ميراثها ودام تراثها

الثرّ أخذاً من السلف الصالح للفريقين من دون حميّة أو عصبيّة بل بحثاً وتنقيباً

علمياً للوصول إلى حقائق الشرع وصيانة لرسالة السماء ، حيث درّس الكتاب في

الأوساط العلمية الشيعية وقد قدّم له وأشرف عليه سماحة آية الله الشيخ جعفر

السبحاني.

تحقيق : الشيخ آ. مرداني بور.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 574 ، 624.

نشر : مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام -

قم - إيران / 1430ه.

*

إجازات الحديث.

تأليف : السيّد محمّد مهدي بحر العلوم قدس سره (ت

1212ه).

يعدّ هذا الكتاب من مجموعة كتب آية الله السيّد

محمّد مهدي بحر العلوم قدس سره والتي التزم

بتحقيقها مركز تراث السيّد بحر العلوم ، وهو من الكتب الاختصاصية التي يعتمدها

ذوو الفنّ والخبرة في معرفة طرق الرواة ودراسة السند صحّةً وسقماً ، وقد احتوى

هذا السّفر على مقدّمة وترجمة لحياة السيّد ومن ثمّ ذكر إجازاته التي حصل عليها

من مشايخه الكرام والإجازات التي كتبها لتلامذته الأجلاّء آنذاك.

تحقيق : السيّد جعفر الحسيني الأشكوري.

الحجم : وزيري.

ص: 457

عدد الصفحات : 416.

نشر : مؤسّسة الرافد - قم - إيران / 1431ه.

*

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم ج(1 - 2).

تأليف : السيّد جعفر بحر العلوم (ت 1377ه).

قد دأب علماؤنا الأعلام - من خلال مواكبتهم للعلم -

على الانكباب على بعض الكتب الدراسية وغيرها ، بين درس وتدريس ، وشرح وتعليق ،

وحاشية وفهرسة وتبويب ، إلى ما يطول سرده ، والشواهد على ذلك كثيرة بالرواية

والدراية في الزمن الغابر والحاضر.

والكتاب هو عبارة عن شرح لمقدّمة أحد الكتب

الدراسية المعروفة ، فمعالم الأصول كتاب تناوله طلاّب العلم بالاهتمام الذي قلّ

نظيره ، فكان له

الحظّ الوافر من بين تلك الكتب ، شرحاً له وتعليقاً.

وهو في جزءين أوّلهما في شرح نفس الخطبة وفيه ذكر

تواريخ المعصومين عليهم السلام من الولادة

إلى الوفاة ، وذكر مشاهدهم وقبورهم ، وتواريخ المشاهد وما طرأ عليها من العمارة

والخراب وساكنيها وغير ذلك ، وذكر أولادهم وتواريخ أحوالهم.

والجزء الثاني في شرح الأحاديث المصدّر بها كتاب

المعالم بعد الخطبة ، وهي تسعة وثلاثون حديثاً في فضل العلم والعلماء ، تكلّم

أوّلا في أحوال

كلّ واحد من رجال السند جرحاً وتعديلا ، ثمّ بحث في

دلالة متنه وما يستفاد منه ، فهو كتاب علمي تاريخي رجالي.

تحقيق : أحمد علي مجيد الحلّي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 675 ، 502.

ص: 458

نشر : الأعلمي - بيروت - لبنان - كربلاء - العراق

1433ه.

*

اختيار مصباح المتهجّد (في الأدعية).

تأليف : السيّد علي بن الحسين بن حسّان بن باقي

القرشي.

كتاب من سلسلة مصادر بحار الأنوار ، اعتنى به

المصنّف بجمع ما اختاره من مصباح المتهجّد من الأدعية المأثورة عن المعصومين عليهم السلام ،

حيث يعدّ الدعاء من المناهج التربوية الخالدة من تراث أهل البيت عليهم السلام ،

وقد اعتمد في تحقيق الكتاب على ثلاث نسخ ، كما تقدّم الكتاب ترجمة المصنّف

ومنهجية تحقيق الكتاب.

تحقيق : السيّد عبّاس بني هاشم بيدگلي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 865.

نشر : دليل ما - قم - إيران / 1432ه-

*

أبحاث فقهية.

تأليف : السيّد علاء الدين آل بحر العلوم (ت 1991م).

مجموعة من التقريرات العلمية التي تركها الشهيد أثراً

من بعده والتي دوّن فيها بحوث أساتذته الأعلام والآيات العظام السيّد محسن

الطباطبائي الحكيم والشيخ حسين الحلّي والسيّد أبو القاسم الخوئي ، وقد ضمّ هذا

الكتاب بين دفّتيه أبحاثاً فقهية في طواف النساء ، متعة الحجّ ، متعة النساء ،

ميراث الزوجة ويليها رسالة في الإرادة.

تحقيق : السيّد حامد المؤمن.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 182.

نشر : مؤسّسة الرافد - قم - إيران / 1432ه.

ص: 459

*

النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر.

تأليف : المقداد السيوري رحمه الله(ت

826 ه).

يعدّ هذا الكتاب من الكتب الكلامية التي اعتنى بها

العلاّمة ابن مطهّر الحلّي في معرفة أصول الدين عقلا وشرحها المقداد السيوري

شرحاً مبسوطاً وافياً ، حيث أصبح الكتاب من الكتب الدراسية المعتمد عليها لروّاد

العلم ابتداءً في معرفة مباحث علم الكلام.

اشتملت هذه الطبعة على ترجمة حياة العلاّمة الحلّي

ودراسة لحياته العلمية ، وترجمة للشارح المقداد السيوري ، كما اشتملت مختصراً عن

أهميّة الكتاب والشروح التي كتبت له ، وذكر بعض المنظومات التي احتوت مظمون

الكتاب ، ومنهجية العمل في تحقيق الكتاب ومقابلته على النسخ الخطّية له.

تحقيق : الشيخ مشتاق الزيدي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 446.

نشر : المحقّق - النجف الأشرف - العراق / 1431 ه.

*

جواهر الفرائض

تأليف : الشيخ أبي جعفر نصير الدين الطوسي (ت

672ه).

كتاب فقهي أطلق عليه أيضاً إسم (الفرائض النصيرية)

، وهي رسالة مختصرة جامعة في أصول علم الفرائض والمواريث ، وهو الكتاب الفقهي

الوحيد للمحقّق الطوسي - على حدّ تعبير محقّق الكتاب - احتوى الكتاب على دراسة

للحياة العلمية للشيخ نصير الدين الطوسي ، ومن ثمّ اشتمل على قسمين : الأوّل في

فقه المواريث والثاني في كيفية التخصيص ، حيث اشتمل كلّ من القسمين على

ص: 460

أبواب وفصول.

تحقيق : مؤسّسة الثقلين.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 192.

نشر : منشورات فقه الثقلين - قم - إيران / 1433ه.

*

تحفة المتكلّمين في الردّ على الفلاسفة.

تأليف : ركن الدين بن الملاحي الخوارزمي (ت 536ه).

يدخل الكتاب في حيّز الكتب التي صنّفت للرّدِّ على

الفلاسفة ، وقد تمّ تصنيفه بعد نصف قرن من تأليف كتاب (تهافت الفلاسفة للغزالي)

، ينتقد فيه المصنّف طريقة الفارابي وابن سينا في تخريج الدين على طرائق

الفلاسفة المتقدّمين ، وهو خروج عن حقيقة الإسلام وعن دين الأنبياء ، محذّراً من

أنّها طريقة رؤساء النصارى

من تخريجهم دين المسيح على طريق فلاسفة اليونان

ووقوعهم فيما وقعوا فيه من الأقاليم الثلاثة.

تحقيق : حسن الأنصاري وويلفردمادلونگ.

الحجم : رحلي.

عدد الصفحات : 227.

نشر : مؤسّسة پژوهشي حكمت وفلسفه - طهران - إيران /

1387ه- ش.

*

مصابيح الأحكام ج (1 - 4).

تأليف : السيّد محمّد مهدي بحر العلوم قدس سره (ت

1212ه).

كتاب فقهيّ استدلالي ، يتناول المسائل الشرعيّة في

العبادات والمعاملات ، ويتعرّض إلى الأقوال والآراء في المسألة مع استعراض

أدلّتها ، وتثبيت الرأي المختار بإيراد الأدلّة المؤيّدة له.

يعتبر هذا الكتاب أحد مصادر الفقه

ص: 461

المعروفة ، فقد ذكره الكثير من علمائنا المتأخّرين

، وقد تناول الكتاب الأبواب الفقهية المعهودة في كتب الفقه من باب الطهارة حتّى

كتاب الشهادات.

اعتمد في تحقيق هذا الجزء على أربعة نسخ خطّية ، مع

كتابة مقدّمة للكتاب تناولت حياة المؤلّف.

تحقيق : السيّد مهدي الطباطبائي وفخر الدين الصانعي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 400 لكلّ جزء تقريباً.

نشر : منشورات فقه الثقلين - قم - إيران / 1433 ه.

*

جنّة المأوى.

تأليف : آية الله الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء

(ت 1373ه).

طالما أثيرت الشبهات على الإسلام بشكل عام وعلى

أتباع مذهب أهل

البيت عليهم السلام فطالت

تاريخهم ومعتقداتهم ، وجاء هذا الكتاب في مضمار الكتب التي اُلّفت في الردّ على

تلك الإثارات والشبهات ، وكان ذلك بيد مؤلّفها الغدير والعالم النحرير ، وقد

أغناها بالمباحث العلمية والبيان الأديب المقنع مبتدأً بالمولد النبوي الشريف ،

كما تقدّمت الكتاب صفحات عن حياة المؤلّف.

تحقيق : الشيخ مهدي الأنصاري القمّي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 366.

نشر : دليل ما - قم - إيران / 1429ه.

*

عقود حياتي.

تأليف : آية الله الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء قدس سره (ت

1373ه).

هكذا يترجم المصنّف رحمه الله لنفسه وهو من

كبار مراجع التقليد وذوي

ص: 462

الزعامة للطائفة الشيعية الإمامية ، رتّب الكتاب

على عدد عقود حياته من العقد الأوّل إلى العقد الثامن ليكرّس فيها تاريخ حياته

وذكرياته التي تحكي عن نبوغه العلمي وطول باعه في العلوم والفنون ، فهو الفقيه

والأصولي والفيلسوف والأديب - في الأدب العربي والفارسي - والشاعر الأريب ، حيث

ترك في كتابه هذا آثار بصماته العلمية والأدبية وذكرياته التاريخية من رحلات

ومراسلات مع كبار العلماء والشخصيّات والملوك وما قدّمه من خلالها لإحياء

الشريعة وتبليغ الدين الحنيف ، فهو الشخصية العلمية الفذّة والرحّالة المتبصّر

الذي يتعايش بتواضعه وخلقه مع جميع الظروف والطبقات الاجتماعية.

تحقيق : أمير شريف محمّد الحسين كاشف الغطاء.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : أكثر من 400 صفحة.

نشر : مكتبة الإمام كاشف الغطاء العامّة - النجف

الأشرف - العراق / 1433ه.

كتب

صدرت حديثاً

*

ولاية علي عليه السلام في القرآن من كتب

السنّة (1 - 10).

تأليف : نجاح الطائي.

اعتمد المؤلّف في إثبات ولاية أمير المؤمنين علي بن

أبي طالب عليه السلام وذكر

فضائله ومناقبه على القرآن الكريم ابتداءً من سورة الفاتحة ، حيث أورد ما في كتب

الفريقين من روايات وأقوال أخذها من كتب التفسير ومجامع الحديث وكتب التاريخ

والمناقب ، وكان جلّ اعتماده على مصادر أهل العامّة ، وقد صدر الكتاب

ص: 463

بأجزائه العشرة في خمس مجلّدات مع تثبيت الإرجاعات

لمصادرها.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 500 لكلّ مجلّد.

نشر : دار الهدى لإحياء التراث - بيروت - لبنان /

1431ه.

*

أصول فقه الشيعة ج(1).

تأليف : السيّد محمّد مهدي الموسوي الخلخالي.

كتاب أصولي عمد فيه المؤلّف إلى جمع تقريراته

للمحاضرات الأصولية التي ألقاها استاذه سماحة آية الله العظمى السيّد الخوئي رحمه الله لسنة

(1370ه) وحتّى سنة 1375ه- حيث بدأ الدورة الخامسة لمحاضراته ، وقد رتّبها

المؤلّف على ترتيب كفاية الأصول للمحقّق الخراساني أعلى الله مقامه في مقدّمة

ومقاصد وخاتمة.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 366.

نشر : دار البشير - قم - إيران / 1433 ه.

*

شعر أبي المجد النجفي الأصفهاني.

تأليف : إسراء محمّد رضا العكراوي.

كتاب أدبي أماطت المؤلّفة فيه الستار عن وجه لامع

من وجوه العلم والأدب ، فاحتوى على دراستين موضوعية وفنية ، اشتملت الدراسة

الموضوعية فيه على شاعرية أبي المجد على قلّة أشعاره في فصل ذي ثلاث مباحث ،

الأوّل : الأخوانيّات ، الثاني : المدح والغزل والرثاء ، الثالث : موضوعات

متفرّقة ، كما اشتملت الدراسة الفنية على أربعة فصول ، الأوّل : في البناء

الفنّي ، الثاني : لغة الشاعر ، الثالث : الصورة الفنية ،

ص: 464

الرابع : الموسيقى ، وقد تقدّم الكتاب ترجمة لحياة

أبي المجد ، كما أتبعت الدراسة بخاتمة احتوت على أهمّ نتائج البحث وثبت لمصادره.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 320.

نشر : العتبة العلوية المقدّسة -

النجف الأشرف - العراق / 1433ه.

*

الإمامان موسى الكاظم ومحمّد الجواد عليهما السلام.

تأليف : الشيخ محمّد حسن آل ياسين (ت 1427ه).

تناول المؤلّف حياة الإمامين الهمامين موسى الكاظم

ومحمّد الجواد عليهما السلام ، يبيّن ما تناقلته الروايات من

سيرتهما وتاريخهما ومظلوميّتهما وما ورد فيهما من النصّ على إمامتهما ، وقد عقد

لكلّ منهما

عليهما السلام باباً يحتوي على ثلاثة فصول هي : الإمام بين

ولادته وإمامته ، وتاريخ الإمام بين إمامته ونشأته

، وتراث الإمامة. وقد تقدّم الكتاب ترجمة لحياة المؤلّف ونشاطاته العلمية.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 206.

نشر : العتبة الكاظمية المقدّسة - الكاظمية -

العراق / 1430ه.

*

مختصر الصلاة البتراء.

تأليف : السيّد محمّد هاشم المدني.

اختلف المسلمون في العديد من مفرداتهم الدينية

كالصلاة على محمّد وآله الطاهرين ، حيث اقتصرت بعض المذاهب على ذكر الرسول دون

الآل ، فجاء الكتاب لينقّب عن حقيقة احترام ساحتهم المقدّسة بدراسة عقائدية

تأريخية روائية وفقهية مقارنة جمعاً للآراء وإثراءً للبحث.

ص: 465

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 351.

نشر : المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام - قم

- إيران / 1432ه.

*

لآلي البحار في اختصار سفينة البحار ج(1 - 4).

تأليف : السيّد محمّد شبّر الحسيني.

لمّا كان كتاب بحار الأنوار أكبر موسوعة أعدّها

العلاّمة المجلسي رحمه الله احتوت

على علوم ومعارف أهل البيت عليهم السلام كانت بحاجة

إلى فهرسة لمواضيعها تسهيلا للمحقّقين والباحثين ، فقد جاء هذا الكتاب

اختصاراً لسفينة البحار للشيخ عباس القمّي رحمه الله فيما أمكن

اختصاره وإضافة ما يحتاج إلى بيانه من توضيح وتعليق.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 600 إلى 700 تقريباً لكلّ مجلّد.

نشر : محبّان الحسين - قم - إيران / 1431 ه.

*

وقعة الحَرَّة.

تأليف : السيّد حيدر السيّد موسى وتوت الحسيني.

تناول المؤلّف وقعة الحَرَّة التي تعدّ من أفجع

الأحداث المؤلمة في التاريخ الإسلامي من بعد مقتل الإمام الحسين ابن علي عليه السلام ، حيث

تعدّ تلك الحقبة الزمنية من أعسر وأشدّ الحقب التي شهدها العالم الإسلامي آنذاك

، وذلك إبّان حكم يزيد بن معاوية ، حيث طال المدينة المنوّرة واستهدف قتل

الصحابة واستئصال شأفة أهل الدين.

اعتمد المؤلّف النصوص والأخبار التاريخية متتبّعاً

فيها الحقائق بحثاً وتنقيباً عن الأسباب التي أدّت إلى وقعة الحرّة.

الحجم : وزيري.

ص: 466

عدد الصفحات : 190.

نشر : اعتصام - النجف الأشرف - العراق / 1430 ه.

*

مجمع التفاسير.

تأليف : الشيخ خالد الكنعاني.

هو تصنيف أقوال المفسّرين في آيات سورة الطارق ،

حاول فيه جمع آراء المدارس المختلفة من إمامية وزيدية وسنّية والاُباضية ،

ابتداءً بوضع فضل السورة وما جاء من روايات فيها ، ثمّ يليه النصّ العام عن

السورة لدى المفسّرين ، كما بحث المؤلّف الجانب اللغوي لمفردات السورة لتساعد

القارىء على استنباط المعنى المحتمل للآية ، كما استخرج الروايات ، وذكر الأبيات

الشعرية المستشهد بها ، كما ضبط إعراب الآيات إلى جانب البحث اللغوي تسهيلا

للباحث.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 792.

نشر : المؤلّف : - قم - إيران / 1433ه.

*

الأوزان الشعرية (العروض والقافية).

تأليف : الشيخ محمّد صادق الكرباسي.

تطرّق المؤلّف إلى عرض دراسة موسّعة في باب من

أبواب علوم وفنون اللغة والأدب العربي وذاك ما يخصّ فنّ معرفة أوزان الشعر

والقافية ، حيث كان هو الميزان في معرفة الموسيقى والإيقاع الشعري وكيفية

التفنّن والتبحّر به ، وقد ذكرت في المقدّمة منهجية التأليف وأبواب هذا الفن

وعناوينه.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 719.

نشر : بيت العلم للنابهين - بيروت -

ص: 467

لبنان / 1432ه.

*

موسوعة أدب الولاء في مدح ورثاء السادة النجباء ج (أ ، ب ، ر).

إعداد : الشيخ محمّد البرهاني.

موسوعة تضمّ بين دفّتيها ما أمكن جمعه من أشعار في

مدح ورثاء النبيّ(صلى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار عليهم السلام ،

وقد صنّفت القصائد فيها حسب القوافي كلّ قافية في مجلّد أو أكثر حسب ما تقتضيه

الضرورة ، وهذه هي الأجزاء الثلاثة من هذه الموسوعة وكلّ مجلّد معلّم بقافيته

فالأوّل في قافية (الألف) والثاني في قافية (الباء) والثالث في قافية (الراء)

دلالة على ما يحتويه الجزء من أشعار بقافيته ، وقد ذكرت فيها القصائد برمّتها

دون حذف منها ، وقد عنيت الأشعار بشرح غرائب مفرداتها ، وتحريك الكلمات ، وترجمة

الشعراء ، وقد زوّدت بفهرسة

موضوعية.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 549.

نشر : دار البرهان - بغداد - العراق / 1430ه.

*

معجم المخطوطات النجفية ج(1).

إعداد : محمّد محمود زوين ، مشكور العوّادي ، حسين

عبد العال ، هاشم حسين المحنّك.

أعدّ مركز دراسات جامعة الكوفة معجماً للمخطوطات

التي أثْرت مكتبات النجف الأشرف اهتماماً بالتراث الحافل بأصناف العلوم ، حيث

يستفيد الباحثين والمحقّقين من العلماء وذوي الخبرة لانتقاء وانتخاب المخطوطات

أو العثور على ضالّتهم منها خدمة للتحقيق العلمي ، وقد شرع هذا الجزء بحرف الألف.

ص: 468

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 353.

نشر : مركز دراسات جامعة الكوفة - النجف الأشرف -

العراق / 1432 ه.

*

القواعد الفقهية في مدرسة السيّد السبزواري.

تأليف : الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري رحمه الله.

سبق وأن عرّفنا للمؤلّف موسوعة فقهية اشتملت على

أكثر من أربعمائة قاعدة فقهية في شتّى المجالات بيّنها المؤلّف تسهيلا لروّاد

العلم ، وعلى هذا الغرار ألّف كتاباً جمع فيه واحداً وثمانين قاعدة فقهية

اعتمدها آية الله السيّد عبد الأعلى السبزواري رحمه الله بالبحث تارةً

وبالاستناد تارة أخرى ، وقد قسّم المؤلّف كتابه هذا عليهما بعنوانين : المرحلة

الأولى : القواعد الفقهية المبحوث عنها مستقلاًّ ، وقد

اشتملت على ثلاث وأربعين قاعدة ، والمرحلة الثانية

: قواعد أخر استند بها السيّد السبزواري ، وقد اشتملت على ثمان وثلاثين قاعدة.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 292.

نشر : كارآفرينان فرهنگ وهنر - طهران - إيران /

1431ه.

*

الإسلام في الأرجنتين.

تأليف : الشيخ محمّد صادق الكرباسي.

كتيّب تناول المؤلّف فيه المسلمين في الأرجنتين

وذكر تاريخها واستقلالها وبداية تاريخ الإسلام فيها ، وعدد المسلمين القاطنين

أرضها وجنسيّاتهم وأسباب هجرتهم إليها وتأثيرهم وبصماتهم الواضحة في تلك الدولة

، كما قدّم إحصائية لعدد المساجد والمراكز الإسلامية هناك ونشاط

ص: 469

المسلمين فيها ممّا أدّى إلى اعتناق الكثير من

الأرجنتينيّين الدين الإسلامي الحنيف ، وقد استلّ هذا الكتاب من الموسوعة

الحسينية وقدّم له وعلّق عليه ابن الأرجنتين الشيخ عبد الكريم باز.

الحجم : رقعي.

عدد الصفحات : 61.

نشر : بيت العلم للنابهين - بيروت - لبنان / 1430ه.

*

القنوت.

تأليف : الشيخ عبد الرسول الغفاري.

تناول المؤلّف جانباً من بحث الصلاة ، وبعض السنن

التي كان يتّبعها النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار ، فكان بحثاً

فقهيّاً مقارناً بين مدرسة أهل البيت عليهم السلام ومدرسة

الخلفاء ، حيث اعتمد في دراسته المنابع المعتمدة

عند الفريقين منذ أن شرّعت الصلاة وحتّى العهد

الأموي ، كما تطرّق إلى جانب من بحث النسخ حيث كانت سيرة الخليفة الثاني قراءة

سورتي الحفد والخلع في قنوته ثمّ ادّعى نسخهما ، وهذا ممّا يفضي إلى القول بنقص

القرآن وتحريفه وقد بيّن المؤلّف إصرار الخليفة الثاني على هذه النقيصة من خلال

عشرات الروايات في الكتب المعتبرة عند أهل السنّة.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 111.

نشر : دليل ما - قم - إيران / 1431ه.

*

نشوء القراءات.

تأليف : الشيخ عبد الرسول الغفاري.

عرض المؤلّف دراسة في نشوء القراءات وأسباب

الاختلاف في

ص: 470

قراءات القرآن الكريم ومتى بدأ ذلك الاختلاف ، وذلك

من خلال المدرستين أي مدرسة الصحابة والتابعين ومدرسة أهل البيت عليهم السلام

المأخوذة من قراءة أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السلام عن النبيّ الأكرم

المعروفة اليوم بقراءة حفص ، هذا وقد استعرض الخلاف في أتباع مدرسة الصحابة

والتابعين ممّا أدّى إلى تكفير بعضهم الآخر وإبطال العديد من القراءات ، وقد

زوّد الكتاب بنسخ خطّية مصوّرة تكشف عن سبب الاختلافات في القرآن الكريم.

اشتمل الكتاب على مقدّمة وأربعة عشر فصلا في :

أسباب الاختلاف في القراءات ، عدم تنقيط المصاحف ، خلوّ المصاحف من التشكيل ،

اللحن في مصحف عثمان ، اختلاف مصاحف الصحابة والتابعين ، اختلاف لهجات العرب

وتدوين القرآن بلغة قريش ، زيادات في بعض مصاحف القرّاء ،

إسقاط الألف من بعض الكلمات القرآنية ، اختلاف

اللفظ في بعض الحروف ، الصوامت ، تعدّد الألوان في رسم العلامات والحروف في

المصحف الواحد ، طبقات القرّاء ، تراجح القرّاء ، موقف الإمامية من القراءات ،

القراءات الشاذّة.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 431.

نشر : دليل ما - قم - إيران / 1431ه.

*

الشيخ الصدوق ج(1).

تأليف : السيّد علي الشعلة.

تناول المؤلّف حياة علماً من أبرز أعلام الشيعة في

عصر الغيبة محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ

الصدوق ، دراسة في المنهج التاريخي بعد أن سبر في جمع جلّ المصادر التي تناولت

ص: 471

ترجمته وكتبت عنه ليستخلص من خلالها كتاباً

مستقلاًّ لهذه الشخصية الفذّة ، وقد انقسم هذا الجزء إلى قسمين : الأوّل في

ولادته ونشأته وأسرته العلمية وكراماته ومناظراته وقوّة استدلالاته وما قيل في

وثاقته وعدالته وأهمّ مميّزاته على أقرانه ، ودراسة عن تأثير الشيخ الصدوق على

الدولة البويهية ، والقسم الثاني زوّد بصور لضريحه ، مشايخه ومن روى عنهم ،

تلامذته ومن روى عنه ، وترجمة للشيخ المفيد والسيّد المرتضى ، مؤلّفاته ،

آراؤه الفقهية ، رحلاته ، مناقشته بعض الآراء الشاذّة ، وفاته.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 448.

نشر : انتشارات دار البشير - قم - إيران / 1432 ه.

*

إجماعات فقهاء الإمامية ج (1 - 7).

تأليف : السيّد أحمد الموسوي

الروضاتي.

كتاب يهتمّ بجمع وعنونة وتبويب جميع المسائل التي

استدلّ عليها فقهاء الإمامية المتقدّمين من الشيخ المفيد حتّى ابن إدريس الحلّي

في مصادرهم الفقهية بالإجماع أو الشهرة ، وجميع المسائل التي نسبوها إلى المذهب

بلفظ دالّ على القطع والعموم ، وقد توخّى المؤلّف فيه إعداد مصدر يضمّ بين

دفّتيه إجماعات فقهاء الإمامية كمادّة أوّلية تضاف لمكتبة مصادر التشريع محترزاً

عن إصدار الأحكام الشخصية أو نقل نظريّات العلماء فيها التزاماً باستقلالية

حيادية المادّة.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : تترواح بين 400 إلى 900 صفحة.

نشر : منشورات شركة الأعلمي للمطبوعات - بيروت -

لبنان / 1432ه.

*

الفوائد.

تأليف : الشيخ علي بن أحمد آل

ص: 472

عبد الجبّار القطيفي.

يعدّ هذا الكتاب في مضمار الكتب التي عرفت ب- :

(الكشكول) في الأوساط العلمية لطلاّب الحوزة ، والتي احتوت في طيّاتها على

مذكّرات متنوّعة علمية وتاريخية وأدبية وغيرها من اعتقادات وحديث وتفسير ممّا

تزوّد الطالب بمعلومات مقتطفة من هنا وهناك ، وربّما زوّدت بالفكاهات والذكريات

والحكايات تفرّحاً للقلب وتفرّجاً للكرب.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 393.

نشر : شركة دار المصطفى لإحياء التراث - بيروت -

لبنان / 1431ه.

*

شرح الدرّة اليتيمة.

تأليف : الشيخ عبد الحميد الشيخ منصور آل مرهون.

كتاب أدبيّ في علم النحو انتحى

فيه المؤلّف منحى القدماء في شرح الأراجيز العلمية

كشرح ألفية ابن مالك للسيوطي وابن عقيل ، فقد تناول هو الآخر أرجوزة في النحو

لأحد مشايخه وهو الشيخ فرج ابن حسن بن أحمد ابن حسين آل عمران ، وقد استوفى

شرحها وجعلها على فصول.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 283.

نشر : شركة دار المصطفى لإحياء التراث - بيروت -

لبنان / 1431ه.

*

الشافي في شرح أصول الكافي ج (1 - 9).

تأليف : الشيخ عبد الحسين بن عبد الله المظفّر (ت

1416ه).

يعدّ هذا الكتاب من الكتب التي اعتنت بشرح كتاب

الكافي للشيخ الكليني رحمه الله وهو من الكتب

المعتمدة في دراسة علم الحديث رواية ودراية

ص: 473

ومن المصادر المعوّل عليها لدى الفقهاء ، تصدّر

الكتاب بترجمة لحياة الشارح ومعرفة الكتاب والنسخ المعتمد عليها ، كما بيّن

جانباً من معرفة علوم الحديث وترجمة للشيخ الكليني ومختصراً لشروح كتابه الكافي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 148 ، 151، 363 ، 293 ، 726 ، 300 ،

618 ، 173، 290.

نشر : مؤسّسة التاريخ العربي - بيروت - لبنان /

1432ه.

*

المعجم التطبيقي للقواعد الأصولية في فقه الإمامية ج (1 - 5).

إعداد : محمّد حسن الرّبّاني البيرجندي.

يتضمّن هذا المعجم الواسع مدى وكيفية تطبيق أسس

وقواعد أصول

الفقه في المسائل الفقهية في أمّهات الكتب الفقهية

لكبار فقهاء الطائفة في الفترة الممتدّة ما بين العلاّمة الحلّي وانتهاءً بصاحب

الجواهر ، متبنّياً طريقة الجداول والرسوم البيانية ، وهذا الجهد حصيلة أكثر من

أربع عشرة سنة من العمل الجماعي لجمع من الباحثين.

هذا المعجم يمكّن الباحثين من الوقوف على مدى

استناد الفقهاء - في الفترة موضوع الدراسة - على القواعد الأصولية ويستعرض

نظريّاتهم الأصولية ومراحل تطوّر علم الأصول وازدهاره أو ركوده وفتوره ومدى

الارتباط بين الفقه وأصوله وتحديد المنهج الفقهي لعدّة من الفقهاء في الفترة

ذاتها.

وقد ساعد في إعداد هذا المعجم محمّد تقي باقر زاده

مشكيباف وقد أشرف عليه علميّاً علي علمي الأردبيلي.

ص: 474

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 613 ، 604 ، 522 ، 464 ، 472.

نشر : بوستان كتاب - قم - إيران/1430ه.

*

دائرة معارف العالم الإسلامي ج (1 - 14).

الإشراف العام : سيّد مصطفى مير سليم وغلام علي

حدّاد عادل.

إنّ دائرة معارف العالم الإسلامي هي مَعْلَمَة

وموسوعة تدور أبحاثها حول الشريعة الإسلامية المقدّسة ، وتاريخ الشعوب الإسلامية

وحضارتها وثقافتها منذ ظهور الإسلام وحتّى العصر الحاضر.

في هذه الموسوعة تغطّي المقالات المنظّمة ألفبائيّاً

مساحةً واسعة من العلوم والمعارف : مصطلحات علوم القرآن والحديث والفقه والكلام

والعرفان والفلسفة والأدب والفنّ ، وسِيَر الأنبياء

والأئمّة عليهم السلام

والأولياء ، وآراء المفسّرين والمحدّثين والفقهاء والمتكلّمين والفلاسفة

والحكماء والعلماء والعرفاء والمؤرّخين والشعراء والفنّانين المبدعين في العالم

الإسلامي وأحوالهم ؛ التاريخ السياسي للمسلمين وأحوال الخلفاء والسلاطين

والوزراء والسلالات الحاكمة ؛ جغرافية الدول الإسلامية ؛ وصف الأبنية والآثار

التاريخية والدينية ؛ الأعياد والأيّام الدينية ، والآلات والوسائل ، والألبسة

والأطعمة والنباتات والأدوية الخاصّة بالعالم الإسلامي.

هذا وقد أمر بتأسيسها وإنشائها سماحة آية الله قائد

الثورة الإِسلامية السيّد علي الخامنئي.

الحجم : رحلي.

عدد

الصفحات : 700 لكلّ جزء تقريباً.

ص: 475

نشر : مؤسّسة دائرة معارف العالم الإسلامي - بيروت

- لبنان / 2009م.

*

موسوعة حديث الثقلين ج (1 - 4).

تأليف : مركز الأبحاث العقائدية.

اعتنى مركز الأبحاث العقائدية بدراسة نصّ حديث

الثقلين المتواتر اعتماداً وأخذاً من مصادرها منذ القرن الأوّل وحتّى القرن

العاشر الهجري وفقاً للأدلّة الخاصّة في موضوع الإمامة عقلا ونقلا ، كما ذكرت

ترجمة لمصنّفي تلك المصادر وما قيل في توثيقهم ونزاهتهم عند أصحاب التراجم

والسير ، وقد تمّ إثبات نسبة الكتاب لمؤلفه وقيمته العلمية ومقبوليّته عند

العلماء.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 620 ، 527 ، 689 ، 264.

نشر : مركز الأبحاث العقائدية - قم - إيران /

1431ه.

*

المعجم الموضوعي لأدعية المعصومين ج (1 - 9).

اعداد : علي محمّد البروجردي.

يعدّ هذا المعجم في مضمار كتب الأدعية التي لا زالت

مدرسة أهل البيت عليهم السلام تعنى بتراثها الثرّ في هذا المجال ،

سبر المؤلّف في جمع جلّ ما ورد عن المعصومين عليهم السلام من أدعية

وأذكار ، حيث ذكر الدعاء وصدّره باسم المعصوم المأثور عنه ، كما قدّم مقدّمة عن

أهميّة الدعاء في تربية وبناء شخصية الإنسان ، كما تطرّق إلى منشأ تدوين متون

أدعية الأئمّة الأطهار ومراحل تدوينها ، وقد جعل في كلّ جزء فهرسة لأبوابها.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : يتراوح من 250

ص: 476

إلى 913 تقريباً.

نشر : عطر عترت - قم - إيران / 1432ه.

*

موسوعة الشهيد الأوّل ج (1 - 20).

إعداد : مركز إحياء التراث الإسلامي.

تناولت الموسوعة حياة وآثار الشهيد الأوّل أبو عبد

الله شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي دراسة وتنقيباً اعتماداً على أمّهات كتب

التراجم كما قدّمت عرضاً تاريخياً للفترة العصيبة التي عاشها الشهيد الأوّل

رضوان الله تعالى عليه ، وقد بيّنت الموسوعة مقامه العلمي الشامخ وأساتذته ومن

تلمّذ على يديه ، كما احتوت على آثاره العلمية من فقه وأصول وعقائد لمعرفة آرائه

الفقهية ومساجلاته ومطارحاته العقائدية ، وقد اشتملت

هذه الموسوعة على المدخل وحياته وآثاره وعشرين

جزءاً لمصنّفاته كالتالي :

الجزء الأوّل - الجزء الرابع : غاية المراد في شرح

نكت الإرشاد.

الجزء الخامس - الجزء الثامن : ذكرى الشيعة في

أحكام الشريعة.

الجزء التاسع - الجزء الحادي عشر : الدروس الشرعية

في فقه الإمامية.

الجزء الثاني عشر : البيان.

الجزء الثالث عشر : اللمعة الدمشقية.

الجزء الرابع عشر : حاشية القواعد (الحاشية

النجارية).

الجزء الخامس عشر : القواعد والفوائد.

الجزء السادس والسابع عشر : جامع البين من فوائد

الشرحين.

الجزء

الثامن عشر : الرسائل

ص: 477

الكلامية والفقهية.

الجزء التاسع عشر : المزار والرسائل المتفرّقة.

الجزء العشرون : الفهارس.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : يتراوح من 350 - 470 تقريباً لكلّ

جزء.

نشر : مركز العلوم والثقافة الإسلامية - قم - إيران

/ 1430ه.

طبعات

جديدة

لمطبوعات

سابقة

*

نهضة كربلاء والعزّة الحسينيّة.

تأليف : الشيخ عدنان فرحان.

قام المؤلّف بدراسة تاريخية لنهضة سيّد الشهداء أبي

عبدالله الحسين عليه السلام ، وقف فيها

عند بعض المواقف والكلمات والخطب ، حيث بيّن عبرها

خلوص كلمته المقدّسة عليه السلام ، ومدى

تعايشها مع حياة الكرامة الإنسانية التي تأبى الضيم وتبحث عن الحقِّ والعدالة.

اشتمل الكتاب على : مقدّمة وستّة أبواب في : سياسة

معاوية في إذلال المسلمين ، سياسة يزيد بن معاوية وولاته في إذلال الأُمّة

الإسلامية ، مع الحسين عليه السلام في رفضه لبيعة

يزيد بن معاوية ، أحداث الكوفة واستشهاد مسلم ابن عقيل ، مع الحسين في طريقه إلى

كربلاء ، مع الحسين في كربلاء.

وفي آخره ملحق أدبي ضمّ مجموعة أشعار أُنشدت في

العزّة والكرامة الحسينية.

حجم : وزيري.

عدد الصفحات : 607.

نشر : منشورات المكتبة الحيدرية - قم - إيران /

1428ه.

ص: 478

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.