تراثنا المجلد 110

هوية الکتاب

المؤلف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

المطبعة: نمونه

الطبعة: 0

الموضوع : مجلّة تراثنا

تاریخ النشر : 1433 ه.ق

الصفحات: 430

ص: 1

اشارة

تراثنا

صاحب

الامتیاز

مؤسّسة

آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

المدير

المسؤول :

السيّد

جواد الشهرستاني

العدد الثالث

والرابع [109 - 110]

السنة

الثامنة والعشرون

محتويات العدد

* كلمة العدد :

* التراثا.

.................................................................... هيئة التحرير 7

* الذكر المحفوظ قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن وما روي في تحريفه (1).

........................................................ السيّد علي الشهرستاني 10

* صفحة مشرقة عن تاريخ السماع والقراءة والإجازة عند الإماميّة.

................................................ السيّد حسن الموسوي البروجردي 76

* موقوفات النبيّ وأهل البيت عليهم السلام.

................................................... السيّد عبد الهادي الشريفي 255

محرّم الحرام

- جمادى الآخرة

1433

ه-

* مع الشريف الرضي في ديوانه (1).

............................................. المرحوم الشيخ محمّد علي اليعقوبي 307

* من ذخائر التراث:

* تحفة الإخوان في حكم شرب الدخان.

........................... للسيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني (المتوفّى سنة 1386ه)

........................................... تحقيق: السيّد محمود المقدّس الغريفي 351

* من أنباء التراث.

................................................................ هيئة التحرير 414

ص: 2

* كلمة العدد :

* التراثا.

.................................................................... هيئة التحرير 7

* الذكر المحفوظ قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن وما روي في تحريفه (1).

........................................................ السيّد علي الشهرستاني 10

* صفحة مشرقة عن تاريخ السماع والقراءة والإجازة عند الإماميّة.

................................................ السيّد حسن الموسوي البروجردي 76

* موقوفات النبيّ وأهل البيت عليهم السلام.

................................................... السيّد عبد الهادي الشريفي 255

محرّم الحرام

- جمادى الآخرة

1433

ه-

* مع الشريف الرضي في ديوانه (1).

............................................. المرحوم الشيخ محمّد علي اليعقوبي 307

* من ذخائر التراث:

* تحفة الإخوان في حكم شرب الدخان.

........................... للسيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني (المتوفّى سنة 1386ه)

........................................... تحقيق: السيّد محمود المقدّس الغريفي 351

* من أنباء التراث.

................................................................ هيئة التحرير 414

* صورة الغلاف: نموذج من مخطوطة (تحفة الإخوان في حكم شرب الدخان) للسيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني (ت 1386ه) والمنشورة في هذا العدد.

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

كلمة العدد : تراثنا

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

منذ بدايات التاريخ أخذ الإنسان على عاتقه تدوين الموروث من حضارته ، ولم تكن أمّتنا بمنئى عن ذلك ، فلو نجيل النظر في بعض المؤلّفات التي تصدّت إلى استقراء المصنّفات والكتب والمؤلّفين مثل كتاب الفهرست للشيخ الطوسي وابن النديم والفهرس للعلاّمة والشيخ منتجب الدينو كشف الظنون لحاجي خليفة وهديّة العارفين للبغدادي ورياض العلماء لعبد الله أفندي والذريعة إلى تصانيف الشيعة لآقا بزرك الطهراني والشيعة وفنون الإسلام للسيّد حسن الصدر ، وكتب الرجال لكبار علمائنا ، وفهارس المكتبات الإسلامية والعالمية نقف على ما يثير الدهشة للشمولية وسعة التأليف عند الشيعة على مدى الألفية الأولى والثانية من تاريخ الإسلام ، حيث شملت تأليفاتهم جميع العلوم ودقائق المعرفة ، وخلّفوا لنا تراثاً جمّاً يكاد يفوق الحصر ، فتلك مدرسة بغداد والنجف والحلّة وإيران وجبل عامل والبحرين وغيرها ملأت كتبها رفوف المكتبات حتّى وصلت إلى

ص: 7

المكتبات العالمية في برلين وليدن واسطنبول وحيدر آباد ، وأمّا المكتبات الخاصّة فهي أكثر من أن تعدّ أو تحصى ، حتّى صدق قول القائل : «ولولا ما أودعت لنا الأوائل في كتبها ، وخلّدت من عجيب حكمتها ، ودوّنت من أنواع سيرها حتّى شاهدنا بها ما غاب عنّا ، وفتحنا بها كلّ مستغلق كان علينا ، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم ، وأدركنا ما لم نكن ندرك إلاّ بهم ، ولخسّ حظّنا من الحكمة ، وضعف سبيلنا إلى المعرفة».

وقد تعرّضت هذه الثروة العلمية إلى العديد من النكبات والكوارث عبر القرون أتت على الآلاف منها بين الحرق والتلف والضياع ، فهجوم المغول على بغداد حيث صنعوا جسراً من كتب مكتباتها على نهر دجلة حتّى أنّه ليقال بأنّ ماء دجلة قد اصطبغ بلون مداد الكتب ، وأمّا صلاح الدين الأيّوبي فلم يكتفي بقتل الآلاف صبراً بل حرق المكتبات وخزائن الكتب عند هجومه على الدولة الفاطمية والحمدانية وقتل علمائها ، ناهيك عن الحروب الصليبية وما ساهمت به من تلف التراث وسرقته ، وأمّا المستشرقون الأوائل فقد عبثوا بالتراث بما يحلو لهم من سطو وتحريف وتزييف ، ويكفيك اليوم إنّنا نرى الكثير من عناوين المؤلّفات والتصانيف بين أسطر كتب تراجم العلماء والأدباء وفي كثير من المعاجم إلاّ أنّنا لا نرى لها معنوناً ونفتقد أثرها على رفوف مكتباتنا ، وبالرغم من كلّ ما نال تراثنا إلاّ أنّ ما بقي منه اليوم ووصل إلينا يكشف لنا عن عظمة ذلك التراث كمّاً ونوعاً ويجدر بنا أن نقف وقفة إجلال وإكبار أمام هذا التراث وصانعيه لا كما يقول البعض في كتابه التراث والتجديد.

إنّ حركة لملمة التراث ساهم بها علماؤنا منذ قرون وتصدّى لها رجال من الرعيل الأوّل بذلوا الغالي والنفيس من أجل الوصول إلى أفضل الأساليب للحفاظ عليه ، فبذلوا جهوداً في مجال التحقيق وألّفوا في مناهجه

ص: 8

وقواعده وأسسه حتّى فاقوا غيرهم في ذلك ، فساهموا في خدمة التراث وحقّقوا آثاره ووضعوا أسس التحقيق العلمي وعالجوا مشكلاته وذلّلوا صعابه وصحّحوا أخطاء النصوص تصحيفاً وتحريفاً وفتحوا مغاليقها وكانوا ولازالوا هم القدوة في هذا المضمار ، واعترافاً بالجميل لابدّ هنا وفي هذه العجالة من ذكر بعض المتأخّرين في هذا المجال كالشيخ آقا بزرگ الطهراني والسيّد عبد العزيز الطباطبائي والسيّد صادق بحر العلوم والسيّد حسن الصدر والأستاذ حسين علي محفوظ وغيرهم من المتقدّمين والمتأخّرين (رحمهم الله) ، وهذا لا يعني أنّنا نغمط حقّ الذين ساهموا في هذا المجال من أمثال زكي باشا وأحمد شاكر وعبد السلام هارون وصلاح المنجد والمستشرقين من أمثال نولدكه وجولدتسيهر وبرجستراسر.

إلاّ أنّ الذي يمعن النظر في واقع التحقيق اليوم يجد أنّ هذه الحركة تعرّضت إلى العديد من النكسات وأهمّها تطفّل بعض أصحاب القلم على هذا الفنّ حيث أقحموا أنفهسم في هذا المجال ، مضافاً إلى غياب النقد والناقدين لتصحيح الأخطاء وتعديل المسار ، والاجترار والتكرار في الكثير من الأعمال التحقيقية ، وعدم الالتفات إلى المناهج العلمية في تحقيق التراث من اقتناء المخطوط وأصوله وأسسه وقواعده وعدم الاطّلاع على هفوات الآخرين والتي تناولتها العديد من الكتب والمجلاّت التي تعنى بهذا المجال نقداً وتحليلا.

هيئة التحرير

ص: 9

الذكر المحفوظ قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن وما روي في تحريفه (1)

السيّد عليّ الشهرستاني

بسم الله الرحمن الرحیم

مرّ تاريخ الذكر الحكيم بعدّة مراحل :

الأولى : التنزيل.

الثانية : الترتيب.

الثالثة : الجمع والتأليف.

الرابعة : توحيد المصاحف.

1 - التنزيل :

اشتهر بين الأعلام أنّ القرآن الكريم نزل على مرحلتين :

المرحلة الأولى : النزول الدفعي جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور ، أو إلى بيت العزّة في سماء الدنيا ، أو على قلب النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) في شهر رمضان في ليلة القدر ، ثمّ نزوله منجَّماً على رسوله

ص: 10

طوال عشرين عاماً أو أكثر - حسب اختلاف العلماء في مدّة إقامته (صلى الله عليه وآله) بمكّة ، هل هي عشر سنوات أو ثَلاث عشرة سنة ، أمّا إقامته بالمدينة فعشر سنين بالاتفاق - قال سبحانه : (إِنَّاأنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (1) ، وقال تعالى : (وَهذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) (2) ، وقال عزَّوجلَّ : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة إِنَّا كُنَّامُنذِرِينَ) (3) ، وقال تعالى : (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبالْحَقِّ نَزَلَ وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلاَّمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (4) ، وقال تعالى شأنه : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ) (5) ، وقال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) (6) ، ونظائرها كثير في القرآن الكريم.

ويمكننا أن نسمّي هذه المرحلة من الإنزال بمرحلة جمع الإنزال الكلّي للقرآن(7) ، وقد يكون هذا الإنزال قد تكرّر مرّتين ، مرّة إلى البيت ن.

ص: 11


1- سورة القدر : 1.
2- سورة الأنعام : 92.
3- سورة الدخان : 3.
4- سورة الإسراء : 105.
5- سورة البقرة : 185.
6- سورة الشعراء : 193 - 194.
7- الجمع يأتي عموماً على أربعة معان : الأوّل : الحفظ ، ومنه قوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ويقال للحفّاظ : (جمّاع القرآن). الثاني : الجمع في مكان واحد ، سواء كان مرتّباً أم غير مرتّب ، وذلك قبل حصره ما بين الدفّتين.

المعمور واُخرى على صدر النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله).

المرحلة الثانية : النزول التدريجي على ما قضت به حكمة البارئ وفْق الحاجة والأحداث والمبرّرات؛ لأنّه جلّ وعلا نزَّله جملة واحدة ثمّ فرّق تنزيله منجَّماً على رسوله (صلى الله عليه وآله) ، سورة سورة ثمّ آية آية.

قال الطيّبي : «أُنزل القرآن أوّلا جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثمّ نزل مفرّقاً على حسب المصالح ، ثمّ أثبت في المصاحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ»(1) فقال سبحانه : (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (2) ، وقال تعالى : (وَإِن مِّن شَيْء إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَر مَعْلُوم) (3) ، وقال تعالى : (وَقُرْآناًفَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْث وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا) (4) ، وقال تعالى : (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيم خَبِير) (5) ، وقال تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا * وَلاَيَأْتُونَكَ بِمَثَل إِلاَّ 1.

ص: 12


1- الاتقان للسيوطي 1 / 171 / 811.
2- سورة القيامة : 16 - 17.
3- سورة الحجر الآية : 21.
4- سورة الإسراء : 106.
5- سورة هود : 1.

جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (1) ، وقال تعالى : (وَلاَتَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (2) ، وقال عزّ من قائل : (إِنَّانَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا) (3) ، ونظائرها كثير في القرآن المجيد.

2 - الترتيب :

اختلف الباحثون في أنّ ترتيب السور هل كان بإرشاد وتوجيه من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أَو أنّه فِعْلٌ فَعَلَهُ الصحابة باجتهاد منهم؟

أمّا ترتيب الآيات فقد أطبق علماء الجمهور على توقيفيّتها من قبل الباري بلا منازع يذكر على القول المشهور ، مستدلّين بأحاديث ، منها : حديث زيد بن ثابت : «كنّا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) نؤلّف القرآن من الرقاع»(4).

وما أخرجه الترمذي وأحمد وأبي داود والنسائي عن ابن عبّاس ، قال : «قلت لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ...»(5).ا.

ص: 13


1- سورة الفرقان : 32.
2- سورة طه : 114.
3- سورة الإنسان : 23.
4- سنن الترمذي 5 / 734 / 3954 ، مسند أحمد5 / 184 / 21647.
5- سنن الترمذي5 / 272 / 3086 ، مسند أحمد1 / 57 / 399 ، 69 / 499 ، من مسند عثمان بن عفّان ، سنن النسائي الكبرى5 / 10 / 8007 ، الباب 30 السورة التي يذكر فيها كذا.

وما رواه مسلم عن أبي الدرداء مرفوعاً : «من حفظ عشر آيات من أوّل سورة الكهف عصم من الدجّال»(1) وغيرها من عشرات الروايات الآتية بعد قليل.

لكن في مطاوي كلمات بعض الأعلام في علوم القرآن إشارة إلى مواضيع اُخرى ، كاختلاف ترتيب النزول عن ترتيب التلاوة مع القول بأنّ كلاهما قرآن.

كما أنّا سنوضّح الهدف من أحاديث العرض ، وأنّها تعني ترتيب القرآن الكريم وفق ما نزل من اللوح المحفوظ ، بمعنى أنّ القرآن بعد نزوله دفعة واحدة قد ينزّل سورة سورة ، لقوله تعالى : (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا) وقوله تعالى : (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذِهِ إِيمَاناً).

وأنّ الناس كانوا يعرفون انتهاء السورة وابتداء سورة اُخرى بنزول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وهذا دليل على النزول سورة سورة بعد نزولها الدفعيّ على صدر النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله).

وقد تنزّل السورة ثمّ تبدأ الأحداث الواقعة فيها ، فيأتي جبريل مرّة اُخرى بالآيات المرتبطة بتلك الوقائع فيقرأها النبيّ (صلى الله عليه وآله) على الناس ، فيظهر لهم أنّهم كانوا قد سمعوها قبل ذلك ، لأنّ الناس عموماً لا يدركون عمق حقائق القرآن ودقائقه ، فكان لابدّ من بيان إعجاز القرآن لهم بصورة يفهمه ي.

ص: 14


1- صحيح مسلم1 / 555 / 809 ، الباب 44 في فضل سورة الكهف وآية الكرسي.

الجميع ؛ لأنّ الإخبار بالمغيّبات دليل على صدوره من عند علاّم الغيوب ، لأنّ الله وحده هو الذي يعلم بما سيكون. فلمّا جاءهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالآيات قبل وقوع الأحداث فهموا بأنّه منزل من قبل الله.

وقد تنزّل آية آية ثمّ يؤلّف منها سورة طبقاً لما نزل من اللوح المحفوظ وذلك بالتنسيق بين جبريل عليه السلام ورسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لقوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَاْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ). وقد التبس الأمر على عمر بأنّ له أن يؤلّف من ثلاث آيات سورة حسبما سيأتي.

وعليه فمن معاني الجمع هو ما يأتي بعد التفريق ، أي أنّ الله سيجمع ما أنزله مفرّقاً ومنجّماً على رسوله ويجعله قرآناً للناس ، فإذا قضى الوحي بقرآنيّته فعلى الرسول اتّباع قرآنه : (فَإِذَا قَرَاْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أو قوله تعالى : (وَلاَتَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) ؛ لأنّه قد ينزّل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آيتان لسورتين مختلفتين في آن واحد فيطلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) تدوينها منفصلتين حتّى يأتي جبريل في كلّ عام فيعيّن مكانها في السور.

وقد تقدّم حادثة ويؤخّر مكانها في السورة ، وقد تؤخّر آية وهي مقدّمة زماناً على سابقتها مثل تأخير آية البلاغ على آية الإكمال في سورة المائدة وهي المتقدّمة زماناً على آية الإكمال وغيرها كثيرٌ في القرآن.

وقد يأتي الناسخ قبل المنسوخ ، والآية المكّية في السورة المدنية و ... كلّها لمصالح ، منها عدم امتداد يد التحريف إلى الكتاب العزيز.

ص: 15

قال الإمام البغوي في شرح السنّة عند كلامه عن جمع القرآن : « ... فإنّ القرآن مكتوب في اللّوح المحفوظ على التّرتيب الّذي هو في مصاحفنا ، أنزله الله تعالى جُملةً واحدة ً في شهر رمضان ليلة القدر إلى السّماء الدّنيا ، ثمّ كان ينزّله مفرّقاً على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مدّة حياته عند الحاجة وحدوث مايشاء الله عزَّوجلَّ ، وترتيب النّزول غير ترتيب التّلاوة ، وكان هذا الاتّفاق من الصّحابة سبباً لبقاء القرآن في الأُمّة رحمة من الله عزَّوجلَّ لعباده وتحقيقاً لوعده في حفظه على ما قال جَلَّ ذكره : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (1)»(2).

وكلام البغوي صريح بأنّ ترتيب النزول غير ترتيب التلاوة ، وأنّ المنزَل من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور غير الذي نُزِّلَ منجَّماً لما قضت به حكمة الله فيما فيه صالح العباد ويسر الدين.

ونقل أبو شامة عن أبي بكر ابن الطَّيِّب ما يشير إلى أنّ ترتيب السور والآيات كانت باجتهاد من الصحابة ، فقال : « ... وأنّه قد يمكن أن يكون الرّسول قد رتّب سُوَره على ما انطوى عليه مُصْحَف عُثمان ، كما رتّب آيات سُوَره ، ويمكن أن يكون قد وكّل ذلك إلى الأُمّة بعده ولم يتولّ ذلك بنفسه ، وأنّ هذا القول الثّاني أقرب وأشبه بأن يكون حقّاً على ما سنبيّنه فيما بعد إن شاء الله تعالى ، وأنّ القرآن لم يثبت آية على تاريخ نزوله ، بل ً.

ص: 16


1- سورة الحجر : 9.
2- شرح السنّة للبغوي 4/522 ، 523 ، وانظر البرهان للزركشي أيضاً.

قدّم ما تأخّر إنزاله ، وأخّر بعض ما تقدّم نزوله على ما قد وقف عليه الرّسول من ذلك»(1).

وقد يكون في كلام ابن حجر الآتي إشارة إلى عدم توقيفية الآيات ، وأنّ ترتيب الآيات والسور كانت باجتهاد من الصحابة ، إذ قال : «وإنّ قول عمر : (لو كانت ثلاث آيات) ، فظاهره أنّهم كانوا يؤلّفون آيات السور باجتهادهم ، وسائر الأخبار تدلّ على أنّهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك إلاّ بتوقيف.

نعم ، ترتيب السور بعض إثر بعض كان يقع بعضه منهم اجتهاداً كما سيأتي في تأليف القرآن»(2).

وعليه ، فالذي يذهب إلى توقيفية ترتيب السور والآيات(3) يستدلّ بأمثال الرواية الآتية :

«روي عن ابن عبّاس ، قال : قلت لعثمان : ما حملكم على أَنْ عَمِدْتُمْ إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المِئِين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم) ووضعتموها في السبع الطوال ، ما حملكم على ذلك؟ ه.

ص: 17


1- المرشد الوجيز إلى علوم القرآن لأبي شامة : 57.
2- فتح الباري 9/12 (جمع القرآن).
3- قال ابن حجر في فتح الباري بعد أن أتى بالخبر الآتي : فهذا يدلّ على أنّ ترتيب الآيات في كلّ سورة كان توقيفيّاً ، ولمّا لم يفصح النبيّ بأمر براءة أضافها عثمان إلى الأنفال اجتهاداً منه.

فقال عثمان : إنّ رسول الله كان ممّا يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب ، فيقول : ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، ولمّا نزلت عليه الآية فيقول : ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزلت بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن ، وكانت قصّتها شبيهة بقصّتها فظننت أنّها منها ، فقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يبيّن لناأنّها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ووضعتها في السبع الطوال»(1).

وهذه الرواية ليس لها ظهور في توقيفية ترتيب السور إلاّ من خلال كلمة(كان) التي جاءت في صدر الرواية والدالّة على الاستمرارية من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكذا قوله (صلى الله عليه وآله) : «ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا»(2).

بل قد ترشدنا جملة : «ما حملكم ... فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» وجملة : «وقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يبيّن لنا أمرها» إلى عدم توقيفيّتها ؛ (3) لأنّها لو كانت توقيفية لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بها ، ات

ص: 18


1- سنن الترمذي 5/272 / ح 3086 ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، مسند أحمد1 /57 / ح 399 ، كنز العمّال 2/245 / ح4770 ، وقال الحاكم في مستدركه 2/360/ ح 3272 : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.
2- سنن أبي داود1 / 208 / 786 ، الباب 26 ، من جهر بها.
3- ذهب الباقلاّني (ت 403 ه) في (الانتصار لنقل القرآن) باب ترتيب الآيات

وإنّ عدم بيانها لعثمان ولا لغيره من الصحابة وسكوته (صلى الله عليه وآله) عن البيان جعل الأمر يلتبس على عثمان ، ولو كان توقيفيّاً لوجب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيانه؛ لأنّ التوقيفية معناها التعبّد والتقيّد بالنصّ ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يترك واجباً ومنزلاًمن قبل الله ؛ إذ لو صحّت دعوى توقيفية جميع السور فكيف يسمح عثمان لنفسه أن يفرّق بين الأنفال وبراءة؟

هذا مع الإشارة إلى أنّ عثمان وإن كان قد اجتهد في عدم الفصل بالبسملة بين الأنفال وبراءة اجتهاداً من عند نفسه كما هو واضح من كلامه ، إذقد ظنّ أنّهما سورة واحدة ، إلاّ أنّه قد ثبت أنّ عدم الفصل بالبسملة هو من الأمر التوقيفي ولم يأت في الإنزال الدفعي ، بل لكون البسملة أمان ورحمة وأنّ سورة براءة نزلت بالسيف.

قال الآلوسي في روح المعاني : «والحقّ أنّهما سورتان إلاّ أنّهم لم يكتبوا البسملة بينهما لِما رواه أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس عن عليٍّ من أنّ البسملة أمان ، وبراءة نزلت بالسيف.

ومثله عن محمّد بن الحنفية وسفيان بن عيينة ، ومرجع ذلك إلى أنّها لم تنزل في هذه السورة كأخواتها لما ذكر»(1). 1.

ص: 19


1- روح المعاني 10/41.

وقال القشيري : «والصحيح أنَّ التسمية لم تكتب؛ لأنّ جبريل ما نزل بها في هذه السورة»(1).

وقد روي عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام : «الأنفال والبراءة واحدة»(2).

وعليه فلا يصحّ ظنّ عثمان بأنّها من الأنفال لتشابه قصّتيهما وقوله : «فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»(3) لأنّ الأمر لا يعود إليه بل يعود إلى الله وإلى رسوله وإلى عدم قراءة المسلمين به في سورة براءة خاصّة ، وفق ما علّمهم رسول الله في القراءة.

وإليك الآن بعض الروايات الدالّة على دور رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجبريل عليه السلام في ترتيب الآيات :

ففي فضائل القرآن لأبي عبيدة وغيره ، عن ابن عبّاس ، عن عثمان ابن عفّان ، قال : «كان رسول الله إذا نزلت عليه آية دعا بعض من يكتب ، فقال : ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا»(4).

كما ورد أنّ جبريل عليه السلام كان يقول : «ضعوا كذا في موضع كذا»(5). 6.

ص: 20


1- تفسير القرطبي 8/61.
2- تفسير نور الثقلين 2/176 ، تفسير جوامع الجامع 2/43 ، الأصفى 1/451.
3- سنن أبي داود 1 / 208 / 786 الباب 26 من جهر بها ، سنن الترمذي 5 / 272 باب ومن سورة التوبة.
4- انظر فضائل القرآن : 286 / باب تأليف القرآن وجمعه.
5- مناهل العرفان 1/172 ، الإتقان 1/169 عن القاضي أبي بكر في الانتصار ، وكذا في البرهان 1/256.

وعن عثمان ابن أبي العاص قال : «كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً إذ شَخَصَ ببصره ثمّ صوّبه حتّى كاد أن يلزقه بالأرض ، قال : ثمّ شَخَصَ ببصره فقال : أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) ، فجعلت في سورة النحل بين آيات الاستشهاد وآيات العهد»(1).

وروى القرطبي بسنده عن ابن عبّاس أنّه قال : «آخر ما نزل من القرآن (وَاتَّقُوْا يَوْمَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) ، فقال جبريل : يا محمّد ضعها في رأس ثمانين ومائتين من البقرة»(2).

وفي آخر : «بين آيتي الربا والدَّين من البقرة»(3).

وقد أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن مسعود البدري أنّه قال : «قال النبيّ : الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كَفَتاهُ»(4).

وأخرج مسلم عن عمر بن الخطّاب ، قال : «ما راجعت رسول الله في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه ، حتّى 1.

ص: 21


1- مسند أحمد 4/218 / ح 17947 ، الإتقان 1/168 / ح 782.
2- تفسير القرطبي 1/61 ، الكشّاف 1/350.
3- الإتقان 1/171 ، أسرار التكرار في القرآن : 23.
4- صحيح البخاري 4/1472 / ح 3786 ، صحيح مسلم 1/554 / ح 807 ، وانظر سنن أبي داود 2/56 / ح 1397 ، سنن الترمذي 5/159 / ح 2881.

طعن بإِصبعه في صدري ، فقال : يا عمر ألا تكفيك آية الصيف(1) التي في آخرسورة النساء؟!»(2).

وأخرج البخاري ، عن ابن الزبير ، قال : «قلت لعثمان بن عفّان : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً)؟ قال : قد نسختها الآية الآخرى فلِمَ تكتبها أو تدعها ، قال : يا ابن أخي لا أغيِّر شيئاً منه من مكانه»(3).

وهذه الروايات كلّها جاءت في سياق إثبات توقيفية الآيات لا السور وبيان دور رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجبريل عليه السلام في ترتيب القرآن.

كما أنّ هناك روايات اُخرى استدلّ بها على التوقيفية ، لكن بطريقة اُخرى ، فمثلاً في الرواية التالية ترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمر زيداً بقوله : «اقرأه ، فأقرأهُ ، فإذا كان فيه سقط أقامه ...» الدالّة على الإشراف التامّ على المدوّنات.

فعن زيد بن ثابت ، قال : «كنت أكتب الوحي لرسول الله ، وكان إذا نزل عليه أَخَذَتْهُ بُرَحاءٌ(4) شديدةٌ ... ، فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف والدواة أوكسرة ، فأَكْتُبُ وهو يملي عليّ ... ، فإذا فرغت ، قال : اقرأه ، فأقرأهُ؛ فإن كان فيه سقط أقامه ، ثمّ أخرج به إلى الناس ...»(5).ي.

ص: 22


1- وقد سمّيت بآية الصيف لنزولها في الصيف بخلاف الآية الأولى من سورة النساء والتي نزلت في الشتاء والمسمّاة بآية الشتاء.
2- صحيح مسلم 1/396/ح 567 ، 3/1236/ ح 1617.
3- صحيح البخاري 4/1646 / ح 4256.
4- البرحاء الحمّى الشديدة والبرحاء : الشدّة ، والأمر العظيم ، والمشقّة.
5- المعجم الكبير 5/145 / ح 48894 ، المعجم الأوسط 2/257 ، مجمع الزوائد 1/152 ، و8/657 عن الطبراني.

وليس في هذه الرواية دلالة على توقيفية السور أو الآيات ، بل لزوم الضبط في الإقراء ، كي لا تكون كلمة ساقطة منها ، أو محبوبية الكتابة ، وأنّ زيد ابن ثابت كان من كتّاب الوحي كما في الرواية الآتية.

وعن البراء ، قال : «لمّا نزلت : (لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُأُولِي الضَّرَرِ وَالْمُ- جَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) قال النبيّ : ادع لي زيداً وليجىءْ باللوح والدواة والكتف - أو الكتف والدواة - ثمّ قال : اكتب (لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ ...)»(1).

وهذه الرواية أيضاً ليس فيها أكثر من أمر النبي (صلى الله عليه وآله) زيداً بأن يأتيه باللوح والدواة وأن يكتب الآية ، ومعناه : أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) كان لا يترك كلام ربّه بدون كتابة وتدوين.

وبالنتيجة ترشدنا تلك النصوص إلى القول بأنّ وضع الآيات كان أمراً توقيفيّاً وبأمر الله سبحانه وتعالى ورسوله ؛ لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعرف انتهاء السورة وابتداء السورة الاُخرى بنزول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، لكن هذا لايمنع من قرآنية الآيات ووجود اختلاف بين ترتيب التنزيل وترتيب التلاوة - أي بين الترتيب التدريجي والترتيب الدفعي - مع الاعتقاد بأنّ كِلَيْهِما قُرْآنٌ.

أو قل لا يمنع من الاختلاف الملحوظ في ترتيب مصاحف الصحابة ، 3.

ص: 23


1- صحيح البخاري 4/1909 / ح 4704 ، تفسير الطبري 5/230 ، مصنّف ابن أبي شيبة 4 /226 / ح 19518 ، عمدة القارئ 20/20 ، وانظر تاريخ دمشق 19/306 ، إعراب القرآن للنحّاس 1/483.

فهي كلّها قرآن.

لكن أمر الصلاة يختلف ، فالذي يجب على الجميع هو القراءة في الصلاة طبقاً لما نزل على صدر النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) بالقراءة المتواترة لا الشاذّة.

وقد عقد ابن أبي داود باباً سمّاه (باب اختلاف مصاحف الصحابة) ذكر فيه أسماءهم وما وقعوا فيه من الاختلاف».

فبعضهم جمع مصحفه طبقاً لتنزيله ، وهو ما فعله الإمام علي عليه السلام.

وبعضهم الآخر جمعه بشكل آخر؛ إذ صرّح ابن حجر في فتح الباري أنّ تأليف مصحف ابن مسعود على غير التأليف العثماني(1) ، وفي صحيح البخاري «تأليف ابن مسعود آخرهنّ الحواميم»(2).

فترتيب السور في مصحف عثمان لا نراها توقيفية؛ لأنّها لو كانت كذلك فبماذا يعلّلون سبب اختلاف ترتيب مصحف عثمان مع مصاحف الآخرين؟!

ألا تلزم التوقيفية - في ترتيب الآيات والسور - أن تكون مصاحف الصحابة كلّها واحدة؟ إذن فما يعني هذا الاختلاف؟!

هل هؤلاء الصحابة - والعياذ بالله - قد خالفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما رتّبه من سور القرآن - إن صحّ كلامهم -؟ أم لكلّ واحد منهم له نصّ عن رسوله في ترتيب مصحفه؟! بل هل يعقل أن يخالف الإمام عليّ عليه السلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) 6.

ص: 24


1- فتح الباري 9 / 42.
2- صحيح البخاري 4 / 1911 / ح 410 ، كتاب فضائل القرآن باب تأليف القرآن 1278 / ح 4996.

في ترتيب مصحفه المفسّر ولا يستشيره في ترتيب مصحفيه؟

بل هناك بعض المُحدّثين من شكّك في توقيفية الآيات في السور بدعوى : أنّ المقدّم من النصوص لا يصلح أن يكون دليلاً ، وأقصى ما فيها دلالتها على تلك المواضع فقط ، واستدلّ على عدم التوقيفية بما أخرجه البخاري :

«حدّثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف : إنّ ابن جريج أخبرهم قال : وأخبرني يوسف بن ماهك ، قال : إنّي عند عائشة أُمّ المؤمنين إذجاءها عراقيٌّ [فسألها عن مسائل منها] : أنّه طلب أن تريه مصحفها قال : يا أمّ المؤمنين أريني مصحفكِ؟ قالت : لِمَ؟ قال : لعلّي أؤلّف القرآن عليه فإنّه يقرأ غير مؤلَّف.

قالت : وما يضرّك آية قرأت قبل؟! ، إنّما نزل أوّل ما نزل منه سورة من المفصّل ، فيها ذكر الجنّة والنّار حتّى إذا ثاب النّاس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أوّل شيء (لا تشربوا الخمر) لقالوا : لا نَدَعُ الخمر أبداً ، ولونزل (لا تزنُوا) لقالوا : لا نَدَعَ الزّنى أبداً ، لقد نزل بمكّة على محمّد وإنّي لجَارِيَةٌ ألعبُ : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) (1) ، وما نزلت سورة البقرَة والنّساء إلاّ وأنا عنده ، قال : فأخرجت له المُصْحَف ، فَأمْلَت عليه آي السُّورة»(2). ن.

ص: 25


1- سورة القمر : 46.
2- صحيح البخاري 4/1910 / ح 4707 ، من باب تأليف القرآن.

فعائشة طبق هذا النصّ تجيز تقديم الآيات وتأخيرها في السورة الواحدة ، لقولها : (وما يضرّك آية قرأت قبل؟!) ثمّ (أملت عليه آي السُّور) لا السور سورة سورة كاملة.

قال ابن حجر في فتح الباري عند شرحه للخبر قوله : (لعلّي أُؤلّف عليه القُرآن ، فإنّه يقرأ غير مؤلّف) : « ... والّذي يظهر لي أنّ هذا العراقيّ كان ممّن يأخذ بقراءة ابن مسعود ، وكان ابن مسعود لمّا حضر مُصْحَف عُثمان إلى الكوفة يوافق على الرّجوع عن قراءته [والأخذ بقراءة مصحف عثمان] ولا [يوافق] على إعدام مُصحَفه - كما سيأتي بيانه بعد الباب الّذي يلي هذا - فكان تأليف مُصْحَفه مغايرًا لتأليف مُصْحَف عُثمان ، ولا شكّ أنّ تأليف المُصْحَف العُثماني أكثر مناسبة من غيره ، فلهذا أطلق العراقي أنّه غير مؤلّف.

وهذا كلّه على أنّ السّؤال إنّما وقع عن ترتيب السُّوَر ، ويدلّ على ذلك قولها له : (وما يضرّك آية قرأت قبل؟) ويحتمل أن يكون أراد تفصيل آيات كلّ سُورة ، لقوله في آخر الحديث : (فأملت عليه آي السُّور) ، أي آيات كلّ سورة كأن تقول له : سورة كذا مثلاً كذا كذا آية ، الأُولى كذا ، الثّانية ... إلخ.

وهذا يرجع إلى اختلاف عدد الآيات ، وفيه اختلاف بين المدنيّ والشّاميّ والبَصْريّ ، وقد اعتنى أئمّة القُرّاء بجمع ذلك وبيان الخلاف فيه ، والأوّل أظهر. ويحتمل أن يكون السّؤال وقع عن الأمرين والله أعلم ...»

ص: 26

إلى أن يقول :

«وقال القاضي عِيَاض في شرح حديث حُذَيْفة : إنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) قرأ في صلاته في اللّيل بسورة النّساء قبل آل عمران ، هو كذلك في مُصْحَف أُبيّ ابن كعب ، وفيه حجّة لمن يقول : إنّ ترتيب السُّوَر اجتهاد وليس بتوقيف من النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو قول جمهور العلماء.

واختاره القاضي الباقِلاّنيّ قال : وترتيب السُّوَر ليس بواجب في التّلاوة ولا في الصّلاة ولا في الدّرس ولا في التعليم ، فلذلك اختلفت المصاحف ، فلمّاكتب مُصْحَف عُثمان رتّبوه على ما هو عليه الآن ، فلذلك اختلف ترتيب مصاحف الصَّحابة. ثمّ ذكر نحو كلام ابن بَطَّال ، ثمّ قال : ولا خلاف أنّ ترتيب آيات كلّ سُورة على ما هي عليه الآن في المُصْحَف توقيف من الله تعالى ، وعلى ذلك نقلته الأُمّة عن نبيّها»(1).

وهذا توجيه من قبل ابن حجر لم يقبله دعاة عدم توقيفية الآيات في السور ، لما عرفوه من اختلاف مصاحف الصحابة في ترتيب السور.

وللتضاد الموجود بين بعض النصوص عن الصحابة والتابعين في ترتيب الآيات فقد قال ابن عبّاس بأنّه لم ينزل بعد آية الإكمال(2) فريضة ، وهو ما قاله السدي والجبائي والبلخي والإمامان الصادق والباقر عليهما السلام بفارق أنّ بعضهم قال : «لم ينزل بعدها حلال ولا حرام» والآخر : «فريضة» في ).

ص: 27


1- فتح الباري 9 / 40.
2- (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً).

حين أنّ آية الإكمال هي الآية رقم 3 من سورة المائدة وآيات الأحكام بعدها كثيرة كآية تحليل الطيّبات والصيد برقم 4 ، وآية طعام أهل الكتاب برقم 5 ، وآية الوضوء برقم 6 ، وآية السارق والسارقة برقم 38 ، وآية الإيمان برقم 89 ، وآية الخمر برقم 90 ، وآية تحريم الصيد برقم 95 ، وآية تحريم ما حلّله المشركون برقم 103 ، وآية الإشهاد في الوصية برقم 107 ، ثمّ تساءل القائل : فما هي المناسبة لإقحام آية الإكمال ضمن آيات تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير(1)؟

ولِما اشتهر عن ترتيب مصحف الإمام عليّ عليه السلام وأنّ المنسوخ فيه قبل الناسخ والمكّي قبل المدني ، ولاعتقادهم بعدم حجّة السياق إلى غيرها ممّا استدلّوا به في عدم توقيفية الآيات في السور.

قال الكردي في تاريخ القرآن وغرائب رسمه : «ففي قول عائشة للعراقيّ : (وما يضرّك أيّة قرأتَ قبل؟!) دليل على أنّ ترتيب السُّور في التّلاوة ليس بواجب(2) ، وهو كذلك في جميع المذاهب ، فإنّه يجوز ترك ترتيبهافي الصّلاة والتّلاوة والدّرس ، لأنّ كلّ سورة مستقلّة بذاتها مستوفية لآياتها ، ويفهم من هذا الحديث أنّ النّاس كانوا يقرأون القرآن ويكتبونه من غير ترتيب لسُوَره ، حتّى جمع عُثمان مُصْحَفه وحمل النّاس عليه. ة.

ص: 28


1- التمهيد في علوم القرآن 1 / 216.
2- قد يقال بأنّ ترتيب الآيات في السورة الواحدة غير واجب أيضاً لإمكان قراءة الإنسان من وسط السورة في التلاوة والدرس ، لكن الشيعة الإمامية لا تجيز هذا الأمر في الصلاة.

فلو كان ترتيب المُصْحَف توقيفيّاً لم يختلف ترتيب السُّور في مصاحف كبار الصَّحابة كعليّ بن أبي طالب وأُبيّ بن كعب وعبدالله بن عبّاس وعبدالله بن مسعود ومُعاذ بن جَبَل وعائشة أُمّ المؤمنين وزيد بن ثابت ، فكلّ واحد من هؤلاء كتب مُصْحَفه على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فمُصْحَف عليّ كان أوّله : اقرأ ثمّ المدّثّر ثمّ ن وهكذا إلى آخر المكّيّ والمدنيّ. ومُصْحف ابن مسعود كان أوّله : البقرة ثمّ النّساء ثمّ آل عمران على اختلاف شديد. وقد ذكر ابن النَّديم في كتابه الفهرست ترتيب سُوَر مصاحف بعض الصَّحابة ، كما ذكره أيضاً السيوطيّ في كتابه : الإتقان ، فراجعهما إن شئت.

فلو كان هناك أمر صريح أو إشارة خفيّة من النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في ترتيب سُوَر المُصْحَف لما عَزَب ذلك على هؤلاء ، وهم من أجلاّء الصَّحابة وأكثرهم اتّصالاً به (عليه الصّلاة والسّلام ...»(1).

وقد نقل القرطبي بعد ذكره (ما جاء في ترتيب سور القرآن وآياته) كلام ابن بطّال : « ... ومن قال بهذا القول - [أي بتوقيفية السور] - لا يقول : إنّ تلاوة القرآن في الصّلاة والدّرس يجب أن تكون مرتّبةً على حسب التّرتيب الموقّف عليه في المُصْحَف ، بل إنّما يجب تأليف سُوَرة في الرَّسم والخطّ خاصّة ، ولا يُعلم أنّ أحداً منهم قال : إنّ ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه ، وأنّه لا يحلّ لأحد أن يتلقّن الكهف قبل 4.

ص: 29


1- تاريخ القرآن وغرائب رسمه كما في نصوص في علوم القرآن 3 / 403 - 404.

البقرة ولا الحجّ قبل الكهف ، ألاترى قول عائشة للّذي سألها : (لا يضرّك أيَّة قرأت قبل) ، وقد كان النّبيّ (صلى الله عليه وآله) يقرأ في الصّلاة السّورة في ركعة ، ثمّ يقرأ في ركعة أُخرى بغير السّورة الّتي تليها»(1).

قال الشيخ معرفة بعد روايته عن الإمام الصادق عليه السلام وابن عبّاس : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يعرف انقضاء سورة بنزول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) : ... كان كتبة الوحي يعرفون بوجوب تسجيل الآيات ضمن السُّورة الّتي نزلت بَسْمَلتها ، حسب ترتيب نزولها واحدة تِلو أُخرى كما تنزل ، من غير حاجة إلى تصريح خاصّ بشأن كلّ آية آية.

هكذا ترتّبت آيات السُّوَر وِفق ترتيب نزولها على عهد الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، وهذا ما نسمّيه (التّرتيب الطّبيعي) وهو العامل الأوّل الأساسيّ للتّرتيب الموجود بين الآيات في الأكثريّة الغالبة» ، إلى أن يقول : « ... وقد نجد تغييراً موضعيّاً في آية أو آيات على خلاف ترتيبها الطّبيعيّ ، في حين عدم نصّ خاصّ بشأن هذا التّغيير. وربّما كانت الآية نزلت فكتبها كاتب ، ثمّ نزلت أُخرى فكتبها كاتب آخر في غيبة الأوّل ، فسجّلها قبل الأُولى من غير أن يعلم بما سجّله ذاك ، فعند الجمع الأخير في حياة الرّسول (صلى الله عليه وآله) أو بعد وفاته حصل ذلك التّغيير الموضعيّ لعدّة قليلة من الآيات.

وهذا احتمال نحتمله بشأن هكذا آيات خرجت عن التّرتيب الطّبيعيّ ، ولم نجد عليها نصّاً خاصّاً. هذا الاحتمال بنفسه كاف في عدم ن.

ص: 30


1- تفسير القرطبي 1 / 61 ، باب ما جاء في ترتيب سور القرآن.

إمكان الاستدلال - لفحوى آية - بسياقها الخاصّ ، اللّهمّ إلاّ إذا كانت المناسبة واضحة أو علمنا بها من خارج.

من ذلك ما نجده في سُورة الممتحنة؛ تبتدئ هذه السُّورة بآيات (1 - 9)نزلت في العام الثّامن بعد الهجرة بشأن حاطب بن أبي بِلْتَعَة؛ كان قد كاتب قُريشاً يخبرهم بتأهُّب النّبيّ (صلى الله عليه وآله) لغزو مكّة ، وكان النّبيّ (صلى الله عليه وآله) يحاول الإخفاء.

وتتعقّب هذه الآيات آيتان نزلتا بشأن سبيعة الأسلميّة العام السّادس من الهجرة كانت قد أتت النّبيّ (صلى الله عليه وآله) مسلمة مهاجرة ، تاركة زوجها الكافر ، فجاء في طلبها ، فاستعصمت بالنّبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وصادف مجيؤه صلح الحُدَيْبيّة ، كان النّبيّ (صلى الله عليه وآله) عاهد قريشاً أن يردّ عليهم كلّ من يأتيه من مكّة. فأخذ الزّوج في محاجّة النّبيّ (صلى الله عليه وآله) قائلاً : أردد عليّ امرأتي على ما شرطت لنا وهذه طينة الكتاب لم تجف ، فتحرّج النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في أمرها فنزلت الآيتان.

وبعد هاتين الآيتين آيات نزلت بشأن مبايعة النّساء عام الفتح وهي السّنة التّاسعة من الهجرة!

وأمّا الآية الأخيرة من السُّورة فإنّها ترتبط مع آيات الصّدر تماماً ، ومِن ثمّ قالوا : إنّ دراسة هذه السُّورة تُعطينا خروجاً على النّظم الطّبيعيّ للآيات ، من غير ما سبب معروف.

ومن ذلك أيضاً ما نجده في سورة البقرة فيما يخصّ آيات الإمتاع والإعداد كان التشريع الأوّل في المرأة المتوفّى عنها زوجها أن تعتدّ حولا

ص: 31

كاملا ولا تخرج من بيت زوجها وكان ميراثها هو الإنفاق عليها ذلك الحول فقطوالآية نزلت بهذا الشأن هي قوله تعالى (وَالّذِيْنَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُوْنَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لاِزْوَاجِهِمْ مَتَاعَاً إلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاج) الآية رقم240 ، ثمّ نسخ هذا التشريع بآية الإعداد أربعة أشهر وعشراً برقم 234 من نفس السورة وبآية المواريث برقم 12 من سورة النساء. إلى أن يقول :

وينتج من هذا البحث - كما سوف يأتي على الإجمال - عدم إمكان الاستناد في تفسير آية أو فهم فحواها إلى موقعيّتها الخاصّة من آيات سابقة أو لاحقة ، إلاّ بعد التأكّد القطعيّ من أصالة التّرتيب الموجود بينها وبين قريناتها في جملة من آيات نزلت دفعةً واحدةً»(1). هذا هو كلام الشيخ معرفة.

قال العلاّمة الطباطبائي في كتابه القرآن في الإسلام :

« ... والآيات والسّور القرآنية لم تنزل قطعاً على الترتيب الذي نقرؤه في القرآن اليوم ، بأن تكون أوّلا سورة الفاتحة ثمّ سورة البقرة ثمّ سورة آل عمران ثمّ سورة النساء وهكذا؛ لأنّه بالإضافة إلى الشواهد التاريخية على ذلك فإنّ مضامين الآيات نفسها تشهد عليه؛ لأنّ بعض السّور والآيات لها مضامين تناسب أوائل زمن البعثة ، وهي واقعة في أواخر القرآن كسورة العلق والنون ، وبعضها تناسب ما بعد الهجرة وأواخر عصر الرسول ، وهي واقعة في أوائل القرآن كسورة البقرة وآل عمران والنساء والأنفال والتوبة.7.

ص: 32


1- التمهيد في علوم القرآن 1 / 214 - 217.

إنّ اختلاف مضامين السور والآيات وارتباطها الكامل بالأحداث والحوادث التي وقعت طيلة أيّام الدّعوة يفرض علينا القول بأنّ القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة عصر الدّعوة النبوية.

فمثلا الآيات التي تدعو المشركين إلى الإسلام ونبذ عبادة الأوثان تناسب مع عصر قبل هجرة الرسول من مكّة؛ حيث ابتلي الرسول بالوثنيّين.

وأمّا آيات القتال وآيات الأحكام فقد نزلت في المدينة المنوّرة؛ حيث أخذ الإسلام ينتشر ، وأصبحت المدينة تشكّل حكومة إسلامية كبرى»(1).

والكلام عن هذا الموضوع طويل قد نعود إليه لاحقاً. وعليه فالنظم البديع القرآني والإعجاز البلاغي فيه دليل على عظمته وأنّه النازل من عند الله جلّ وعلا ؛ لأنّه سبحانه تحدّاهم أن يأتوه (بِسُورَة مِن مِثْلِهِ) (2) أو : (بِعَشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات) (3) رغم نزوله منجّماً - لدواعي وأسباب مختلفة - في مدّة عشرين عاماً أو أكثر ، كلّ ذلك يؤكّد كونه من عند الله (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً).

وأنّ إنزاله دفعة واحدة يؤكّد علم الله بكلّ الوقائع والأحداث التي ستأتي لاحقاً ، وعلمه بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.

وقد يفهم من اعتراض الكفّار على الرسول (صلى الله عليه وآله) في لزوم نزول القرآن جملة واحدة في قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ 3.

ص: 33


1- القرآن في الإسلام : 119 - 123.
2- البقرة : 23 ، يونس : 38.
3- هود : 13.

جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا * وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَل إِلاَّجِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) ، بأنّهم عرفوا نزول الكتب السماوية قبل النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) جملة واحدة ، فلماذا يرون نزول القرآن منجّماً الآن؟

قالوا بذلك لأنّهم كانوا لا يعلمون بإنزالها دفعة واحدة قبل نزولها منجّماً على رسوله ، وأنّ الله سبحانه لم يكذّبهم فيما ادّعوه عن الرسالات السابقة ، بل أجابهم ببيان الحكمة في نزول القرآن مفرّقاً.

ولو كان نزول الكتب السابقة مفرّقاً - كالقرآن - لردّ عليهم سبحانه بالتكذيب ولقال لهم إنّها سنّة الله وسنّة المرسلين من قبله (صلى الله عليه وآله) كما جاء في ردّه عليهم في قوله : (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ) (1) ، جواباً لطعنهم في الرسول وقولهم : (مَالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ) (2).

إذن كانت هناك فائدة عظيمة في نزولها دفعة واحدة مثل نزولها منجّمة ، وهي الحفاظ على النسق ووحدة السبك بين آياته وسوره ، إذ ترى وحدة النسق والتلاحم فيما بين أوائل الآيات وأواخرها مشهوداً حسبما نقله الزركشي عن بعض الأئمّة : (ترتيب وضع السور في المصحف) (3) من برهانه فراجع.

إنّ مسألة عرض القرآن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل جبريل عليه السلام كانت 0.

ص: 34


1- سورة الفرقان : 20.
2- سورة الفرقان : 7.
3- البرهان في علوم القرآن 1 / 260.

فيها فائدة عظيمة أخرى ، وهي تعيين أماكن الآيات من كلّ سورة في قرآن التلاوة بعد نزولها منجّماً في وقائع مختلفة بأمر الله.

وبمعنى آخر : إرجاع القرآن إلى ترتيب النزول الدفعي والنازل من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور أو على صدر محمّد (صلى الله عليه وآله).

وأنّ في كلامه (صلى الله عليه وآله) : (ضعوا الآية الفلانية في المكان الفلاني من السورة الفلانية) ، أو قوله (صلى الله عليه وآله) : (أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية ... في سورة النحل).

أو في قول جبريل عليه السلام : (ضعوا كذا في موضع كذا) ، أو : (يا محمّد ضعهافي رأس ثمانين ومائتين من البقرة) إشارة إلى هذا الأمر أي ضبط أماكن الآيات في السورة الواحدة ، وهو معنى قوله تعالى : (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيم خَبِير) وهذا ممّا يمكن قوله في سرّ إشراف رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ترتيب الكتاب العزيز(1) ، وكذا في سبب عرض جبريل عليه السلام القرآن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ عام ؛ لأنّ الله سبحانه كان قد قال لرسوله (صلى الله عليه وآله) : (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) هو المبلّغ الصادق الأمين ، فما يعني عرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) القرآن على جبريل ، أو عرض جبريل القرآن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ عام؛ إلاّ أن يكون هو الحفاظ على ا.

ص: 35


1- فقوله (صلى الله عليه وآله) الآيتان من آخر سورة البقرة. أو : الآيات الأخيرة من سورة الكهف. أو : كذاوكذا ، يؤكّد على إشراف رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ترتيب المصحف ، لأنّ تأكيده على قراءة الآيات العشر من آخر سورة كذا فيها دلالة على ختم تلك السورة وبدء سورة اُخرى بعدها.

نصّه ولزوم قراءته طبق ما نزل من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور أو إلى سماء الدنيا أو على صدر النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فلا يستبعد أن يكون ترتيب المصحف اليوم هو ما يوافق ما نزل من اللوح المحفوظ؛ لأنّ الله لم يجوّز لرسوله أن يقرأ القرآن قبل أن يقضي به الوحي ، فكيف يرضى للمسلم أن يقرأ آيات القرآن في صلاته قبل إكمال آيات تلك السور وقضى الوحي به؟! لقوله تعالى : (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَاقَرَاْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) وقوله تعالى : (وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْماً).

3 - الجمع والتأليف :

في جمع القرآن عدّة أقوال :

1 - الجمع في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

2 - الجمع بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) مباشرة بواسطة الإمام علي عليه السلام.

3 - الجمع في عهد الشيخين.

4 - الجمع في عهد عثمان بن عفّان.

1 - الجمع في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

أشرنا قبل قليل إلى النزول التدريجي للقرآن ، وأنّ جبريل أمر نبيّه (صلى الله عليه وآله)

ص: 36

في إرجاع تلك الآيات إلى أماكنها من قرآن التلاوة ، والرّسول (صلى الله عليه وآله) أمر كَتَبَة الوحي أن يقوموا بذلك؛ لحرصه على دينه وكتاب ربّه.

وسؤالنا الآن : أين ذهب ذلك المصحف المدوَّن تحت نظر جبريل ورسوله؟ أو قل : أين ذهبت تلك المدوّنات من قبل الصحابة والتي سيأتي ذكرها بعد قليل؟

بل هل يصحّ التشكيك في وجود هكذا مصحف على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدعوى عدم إتمام الوحي وإمكان نسخ بعض آياته ؛ لأنّ الآيات لو جمعت بين الدفّتين في مصحف وجاء النسخ للزم تبديلها وتغييرها على استمرار؟

وهذا الإِشكال غير واقعي بنظرنا؛ لأنّ المسلمين كانوا قطعاً يقرءون بعض السور في صلاتهم بمكّة ، فقد يكون بعض الصحابة جمعوا تلك السور التي تعلّموها في مصاحف لهم - على تفاوت في الجمع - ويقرءون فيها.

كما في جمع : الأنعام ، والأعراف ، ويونس ، وإبراهيم ، وق ، والذاريات ، والطور ، والنجم ، والقمر ، والواقعة.

والآخر جمع : الحجر ، والإسراء ، والكهف ، ومريم ، والروم ، ولقمان ، والسجدة ، والأعلى ، والغاشية ، والفجر ، والملك.

وثالث جمع : طه ، والأنبياء ، والمؤمنون ، والفرقان ، والشعراء ، والنمل ، والقصص ، والعنكبوت ، وسبأ ، وفاطر ، ويس.

ص: 37

ورابع : الصافّات ، وص ، والزمر ، وغافر ، وفصّلت ، والشورى ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ، والأحقاف ، والجنّ ، ونوح.

وقد يكون فيما أخرجه أبي داود وابن ماجة عن أُوس بن حذيفة إِشارة إلى أنّ فكرة تأليف القرآن على أحزاب جاءت من خلال أمثال هذه الرواية ، ... «فقال : كنت في الوفد الذين أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسلموا من ثقيف من بني مالك ، أنزلنا في قبّة له ، فكان يختلف إلينا بين بيوته وبين المسجد ، فإذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلينا ولا نبرح حتّى يحدّثنا ويشتكي قريشاً ويشتكي أهل مكّة ثمّ يقول : لا سواء ، كنّا بمكّة مستذلّين ومستضعفين فلمّا خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب علينا ولنا ، فمكث عنّا ليلة ثمّ لم يأتنا حتّى طال ذلك علينا بعد العشاء ، قال : قلنا : ما أمكثك عنّا يا رسول الله؟ قال : طرأَ عليّ حزب من القرآن ، فأَردت أَن لا أخرج حتّى أَقضيه ، قال : فسألنا أصحاب رسول الله حين أصبحنا؟ قال : قلنا : كيف تحزّبون القرآن؟ قالوا : نحزّبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة سورة وثلاث عشرة سورة»(1).

فكما أنّ السورة أو الآية تسمّى قرآناً في بعض الروايات فلا يستبعد أن يسمّى الحزب مصحفاً أيضاً.

وأنّ رسول الله حينما حبَّذ القراءة في المصاحف كان يعني تلك ي.

ص: 38


1- سنن أبي داود 2 / 55 / 1393 ، الباب 327 ، تحزيب القرآن ، وسنن ابن ماجة 1 / 427 /1345 ، الباب 78 في كم يستحبّ أن يختم القرآن مسند أحمد 4 / 9 / 16211 ، حديث أوس بن أبي أوس الثقفي.

السور المجاز قراءتها في الصلاة ، والتي تجاوزت النسخ وأمضيت من قبل جبريل عليه السلام وثبتت قرآنيّتها عند الله ورسوله.

ويمكن أن يسأل من يعتقد بوجود مصحف على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) مخالفيه بالقول : هل وقفتم على نصّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو أصحابه لرفع الآية المنسوخة الفلانية من مصاحفهم مثل ما أمرهم بوضع الآية الفلانية في المكان الفلاني من القرآن؟

بل هل يمكن لأحد أن يدّعي عدم نسخ آية من القرآن في كلّ تلك الفترة من تاريخ الدعوة؟

فما يعني عدم إرشاده (صلى الله عليه وآله) إلى مكان المنسوخ ودعوته إلى رفعه؟

إنّ ما قالوه يدعونا إلى تسخيف جعل النسخ ذريعة لعدم جمع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

بل كيف يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «ضعوها في مكان كذا من سورة كذا» لو لم يكن ذلك بأمر من الله وقد نزل عليه بواسطة جبريل الأمين؟!.

وأختم كلامي بما علّله الخطّابي وغيره في عدم جمع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ قال :

«يحتمل أن يكون (صلى الله عليه وآله) إنّما لم يجمع القرآن في المُصْحَف لما كان يترقّبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته ، فلمّا انقضى نزوله بوفاته (صلى الله عليه وآله) ألهم الله الخلفاء الرّاشدين ذلك ، وفاء بوعده الصّادِق بضمان

ص: 39

حفظه على هذه الأُمّة ، فكان ابتداء ذلك على يد الصِّديق بمشورة عمر»(1).

ويؤيّده ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن عن عَبْد خَيْر قال : «سمعت عليّاً يقول : أعظم النّاس في المصاحف أجراً أبوبكر ، فإنّه أوّل من جمع بين اللوحين»(2).

فالمقدّمة والذيل باطلتان؛ لأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) كان قد دوّن الآيات ورتّب السور وكلّف عليّاً أنْ يجمعها بين الدفّتين ، فأيّ الاحتمالين أقرب إلى المنطق والعقل ، هل جمع الإمام عليٍّ أم جمع الخلفاء الثلاثة؟

هذا ويمكن للقائلين بوجود مصاحف على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإشارة إلى النصوص الموجودة في الصحاح والسنن.

الأخبار الدالّة على وجود مصحف على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

هناك أخبار كثيرة دالّةٌ على وجود مصحف عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وقد كتب على عهده (صلى الله عليه وآله) لا من بعده ونذكرها دلالةً على المقصود :

1 - روى عثمان بن أبي العاص خبر وفد ثقيف ، فقال عثمان : « ... فدخلت على رسول الله فسألته مصحفاً كان عنده فأعطانيه»(3).

2 - وعن أبي نضرة ، قال : «أتينا عثمان بن أبي العاص يوم جمعة 1.

ص: 40


1- الإتقان في علوم القرآن 1 / 160 / 746 ، النوع الثامن عشر جمعه وترتيبه.
2- المصاحف 1 / 154 ، ح15 - 20.
3- الآحاد والمثاني 3/191 / ح 1528 ، المعجم الكبير 9/61 / ح 8393 وعنه في مجمع الزوائد 9/371.

لنعرض على مصحفه مصحفاً لنا»(1).

3 - وعن ابن عبّاس أنّه قال : «كانت المصاحف لا تباع؛ كان الرجل يأتي بورقه عند النبيّ فيقوم الرجل فيحتسب فيكتب ، ثمّ يقوم آخر فيكتب ، حتّى يفرغ من المصحف»(2).

4 - وفي الكافي عن روح بن عبدالرحيم عن أبي عبدالله [الصادق عليه السلام] ، قال : «سألته عن شراء المصاحف وبيعها؟ [فقال] : إنّما كان يوضع الورق عند المنبر وكان ما بين المنبر والحائط قدر ما تمرّ الشاة أو رجل منحرف(3) ، قال : فكان الرجل يأتي ويكتب من ذلك ، ثمّ إنّهم اشتروا بعد ذلك.

قلت : فما ترى في ذلك؟

قال : أشتري أحبّ إليَّ من أن أبيعه.

قلت : فما ترى إن أُعطي على كتابته أجراً؟

قال : لا بأس ، ولكن هكذا كانوا يصنعون»(4). 4.

ص: 41


1- المعجم الكبير 9/60/ ح 8392 ، تاريخ دمشق 1/197 ، 2/226.
2- السنن الكبرى للبيهقي 6/16/ ح 10848 ، الدرّ المنثور 1/204. وفي المصاحف 2/580 / ح 559 عن علي بن الحسين قال : كانت المصاحف لا تباع ، قال : وكان الرجل : يجيء بورَقِه عِند المنبر ، فيقول : من الرّجل يحتسب فيكتب لي؟ ثمّ يأتي الآخر فيكتب ، حتى يتم المصحف.
3- أي متمايل إلى جانب ما.
4- الكافي 5/122 / ح 3 ، التهذيب 6/366 / ح 174.

5 - ويؤيّده ما رواه مسلم ، عن ابن الأكوع : «أنّه كان يتحرّى موضع مكان المصحف يُسبِّح فيه ، وذكر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتحرّى ذلك المكان ، وكان بين المنبر والقبلة قدر مَمَرِّ الشاة»(1).

6 - وممّا يمكن أن يستدلّ به على أنّ القرآن كان محفوظاً وموجوداً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وممّا يُكتب عند المسلمين هو ما روي عن أبي سَعِيْدالخُدريِّ : «لاتكتبوا عنّي شيئاً سوى القرآن ، من كتب شيئاً سوى القرآن فليمحه»(2).

أو ما رواه أبو هريرة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «أكتاباً غير كتاب الله تريدون؟»(3) الدَّالاّن على وجود كتاب الله بين أيدي الناس.

7 - وكذا قوله (صلى الله عليه وآله) : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(4) أو «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج»(5) وغير ذلك من الأخبار ، خاصّة تلك التي صدرت في آخر عهد النبوّة حيث كان الكتاب كلّه منزلاً ة.

ص: 42


1- صحيح مسلم 1/364 / ح 509 ، الجمع بين الصحيحين 1/572 /ح 950 في المتّفق عليه من مسند سلمة بن الأكوع.
2- مسند أحمد 3/12 / ح 11100 ، 3/21 / ح 11174 ، 3/56 / ح 11553 وانظر صحيح مسلم 4/2298 / ح 3004.
3- تقييد العلم : 33.
4- سنن البيهقي الكبرى 1 / 236 / 355 ، 2 / 63 / 2306 ، 167 / 2758 ، وانظرسنن الترمذي 2 / 25 / 247 ، الباب 48 ما جاء أنّه لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب.
5- صحيح مسلم 1 / 297 / 395 ، باب وجوب قراءة الفاتحة.

مدوّناً على العسب(1) واللخاف(2) والأديم والأكتاف(3) والأقتاب(4) والرقاع(5) والحرير(6) والقراطيس(7) ؛ فلا يبعد أن يكون المقصود هو الكتاب المدوّن الكامل ؛ لأنّ اسم الكتاب لا يصحّ إِطلاقه عرفاً إلاّ بعد كتابته وترتيب أوراقه ومطالبه ، فإذا كانت المطالب متفرّقة وغير مدوّنة ومتشتّتة لا يمكن تسميته كتاباً ؛ لأنّ الكتاب مصدر سُمّي به المكتوب ، فتسمية القرآن بالكتاب قد جاء بعد تدوينه وجمعه في مصاحف وإن لم تكن شاملة لجميع سور القرآن.

وقد تأكّد إطلاق اسم الكتاب على القرآن بعد هجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة ؛ إذ قال سبحانه في أوّل سورة البقرة المدنية : (ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) غير منكرين بأنّ كلمة الكتاب قد وردت في جملة من الآيات والسور المكّية أيضاً كقوله تعالى : (أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ) (8) وقال تعالى : (تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ) (9) وقال تعالى : 2.

ص: 43


1- العُسُبْ : جمع العسيب ، جِرّيدة من النخل كُشِط خوصها.
2- اللِّخاف : جمع اللَّخْفه ، حجارة بيض الرّقاق.
3- الأكتاف : جمع كتف وهو عظم الإبل أو الشاة.
4- الأقتاب : جمع قتب وهو الخشب الذي كانوا يضعونه على ظهر البعير ليركبوا عليه.
5- الرقاع : جمع رقعة ولها معنى واسع يشمل أوراق الأشجار وجلود الحيوانات وكلّ ألوان الورق الأخرى.
6- الحرير : نسيج كانوا يكتبون القرآن أحياناً عليه.
7- القراطيس : جمع قرطاس وهو الورق.
8- سورة العنكبوت : 51.
9- سورة السجدة : 2.

(الرتِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) (1) ، لكن مجيئها في السور المدنية لها دلالتها الخاصّة.

ومعنى هذه الآيات أنّ هذا الكتاب كان قد دوّن وجمع ، فهو موجود قدتحقّق مصداقه من خلال جمع بعض أجزائه أيّام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في العُسُبْ واللِّخاف والورق وأمثالها وإن لم يكن جمعاً كاملاً ، أي أنّه أطلق عليه لفظ الكتاب من باب إطلاق الجزء على الكلّ أو من باب المشارفة ، وأنّه سيكون كتاباً مجموعاً بين الدفّتين بعد وفاة النبيّ لوجود مفرداته ناهيك عن كونه كتاباً محفوظاً في اللوح المحفوظ ، ولا يخفى عليك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشار إلى ذلك الكتاب في حديث الثقلين الآتي أيضاً.

8 - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين : «إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي»(2) ، فإنّ قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقول عمر بن الخطّاب من بعده : «حسبنا كتاب الله»(3) يشعران بوجود آيات وسور مدوّنة تستوجب إطلاق اسم الكتاب عليها.

لأنّ قوله (صلى الله عليه وآله) في صدر خبر رزيّة يوم الخميس : «ائتوني بكتف ودواة كي أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً» ، وتعقيب عمر عليه ب- : «حسبنا 7.

ص: 44


1- سورة يونس : 1.
2- المستدرك على الصحيحين 3/118 / ح 4576 ، قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.
3- صحيح البخاري 4/1612 / ح 4169 ، 5/2146 / ح 2345 ، صحيح مسلم 3/1259 /ح 1637.

كتاب الله» يؤكّدان على وجود كتاب مدوّن بين أيدي المسلمين أحالهم عليه.

ولا يمكن القول بأنّه كان في صدورهم فقط ؛ لأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) قال لهم : «ائتوني بكتف ودواة كي أكتب لكم كتاباً» ثمّ قول عمر : «حسبنا كتاب الله» ؛ لأنّ الكتاب لا يطلق على الألفاظ بل يطلق على المدوّن المكتوب.

قال الإمام الخوئي معقّباً على حديث الثقلين بقوله : «وفي هذا دلالة على أنّه كان مكتوباً مجموعاً ، لأنّه لا يصحّ إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور ، بل ولا على ما كتب في اللِّخاف والعُسُبْ والأكتاف ، إلاّ على نحو المجاز والعناية ، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة ، فإنّ لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي ، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزّءاً غير مجتمع فضلاً عمّا إذا لم يكتب وكان محفوظاً في الصدور فقط»(1).

إذن كتاب الله كان موجوداً في الجملةِ بين أيدي الناس ، لكنّه لم يكن كاملاً ، بل النازل - إلى ذلك الحين - كان كلّه عند كلّهم ، على تفاوت في الجمع بينهم.

9 - وعن زيد بن ثابت قوله : «كنّا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) نؤلّف القرآن من [في] الرقاع»(2). /

ص: 45


1- البيان في تفسير القرآن : 271.
2- سنن الترمذي 5/734 / ح 3954 ، المستدرك 2/249 / ح 2901 ، 2/668 /

وقال صاحب المرقاة بعد أن أورد الحديث : «أي يؤلّفون ما ينزل من الآيات المفرَّقة ويجمعونها في سورها بإشارته»(1) ؛ قاله البيهقي ، ومن ثَمَّ قال الخطّابي : «كتب القرآن كلّه في عهد رسول الله لكنّه كان غير مجموع في موضع واحد ولا مرتَّب السور»(2).

وكلام الخطّابي إن قصد فيه غير مجموع كاملاً فهو صحيح ؛ لأنّ الوحي لم ينتهِ بعد.

أمّا لو عنى بكلامه غير مجموع وحتّى ناقصاً عند الصحابة فقد أخطأ ؛ لأنّ الصحابة كانوا يدوّنون كلّ ما يسمعونه من القرآن فما نقص عند أحدهم أكمله الآخر ، فهم عندما كانوا يعودون من السفر كانوا يسألون عن نزول السور الجديدة فيتعلّمونها حفظاً ويدوّنونها كتابة ، وبذلك يكون القرآن مكتوباً كلّه عند جميعهم ، وهذا هو مانريد قوله : بأنّ للصحابة صحفاً أو مصاحفَ ، فقد يكون مصحف أحدهم أكمل من الآخر ، فكان الصحابي يسمِّي كتابه مصحفاً أو قرآناً من باب تسمية الجزء باسم الكلّ ، فيقال لعشرسور من القرآن قرآن ومصحف من باب التغليب ، وكذا يقال لخمس عشرة سورة من القرآن قرآن ومصحف ، وهكذا. ي.

ص: 46


1- مرقاة المفاتيح 1 / 456 ، 5 / 102.
2- المرقاة 1/456 ، انظر الإتقان : 160 / ح 746 ، فتح الباري 9/12 عن الخطابي.

ويؤيّد هذا ما جاء في سنن النسائي بسند صحيح عن ابن عمرو قال : «جمعت القرآن فقرأت به كلّ ليلة فبلغ النبيّ فقال : إقرأهُ في شهر»(1).

فعبد الله بن عمرو سمّى ما جمعه (قرآناً) وهو يعلم علم اليقين بأنّ القرآن المجموع عنده ليس جميع القرآن ؛ لأنّ نزول الوحي لم ينته بعد.

وهذا هو الذي دعا النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يوصي الإمام عليّ عليه السلام أن يجمع القرآن بعد جمعه (صلى الله عليه وآله) له ، أي أنّه عليه السلام جمع القرآن كلّه في مصحف بين الدفّتين ، إذ ليس غيره يعرف مكان الآيات الأخيرة في القرآن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

10 - وعن عليٍّ عليه السلام قال : «ما كتبنا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ القرآن وما في هذه الصحيفة»(2).

11 - وعن عثمان بن عبدالله بن أوس ، عن جدّه ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «من قرأ القرآن في المصحف كانت له ألفا حسنة ، ومن قرأه في غير المصحف فأظنّه قال : كألف حسنة»(3).

12 - وعن أوس الثقفي ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «قراءة القرآن في غير المصحف ألف درجة ، وقراءته في المصحف تضعف على ذلك 7.

ص: 47


1- السنن الكبرى 5/24 / ح 8064 ، صحيح بن حبّان 3/33 / ح 756.
2- صحيح البخاري 3/1160 / ح 3008 ، سنن أبي داود 2/216 / ح 2034 ولنا تعليق على هذا الخبر لاحقاً.
3- البرهان في علوم القرآن 1/462 عن البيهقي في شعب الإيمان 2/407 / ح 2217.

ألفي درجة»(1).

13 - وعن عائشة : « ... والنظر في المصحف عبادة»(2).

14 - وعن ابن مسعود مرفوعاً : «من سرّه أن يحبّ الله ورسوله فليقرأ في المصحف»(3).

وعنه موقوفاً : «أديموا النظر في المصحف»(4).

15 - وعن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : «أعطوا أعينكم حظَّها من العبادة.

قالوا : وما حظّها من العبادة يا رسول الله؟

قال : النظر في المصحف ، والتفكّر فيه ، والاعتبار عند عجائبه»(5).

16 - وعن ابن عبّاس ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «من أدام النظر في المصحف مُتِّع ببصره ما دام في الدنيا»(6).

17 - وعنه أيضاً أنّه عهد إلى عثمان بن أبي العاص : «لا تَمَسَّ 6.

ص: 48


1- شعب الإيمان 2/407 / ح 2218 ، المعجم الكبير 1/221 / ح 601 ، مجمع الزوائد 7 /165.
2- البرهان في علوم القرآن 1/463 ، أبو داود بسنده عن عائشة مرفوعاً ، وانظر الفردوس بمأثور الخطاب 4/297 / ح 6873.
3- حلية الأولياء 7/209 ، قال غريب ، وشعب الإيمان 2/408 / ح 2219 ، قال منكر.
4- مصنّف عبدالرزّاق 3/362 / ح 5979 ، المعجم الكبير 9/139 / ح 8687.
5- الفردوس 1/105 / ح 352 ، نوادر الأصول 3/255 ، شعب الإيمان 2/408 / ح 2222والمتن من عنده.
6- كنز العمّال 1/269 / ح 2406.

المصحف وأنت غير طاهر»(1).

18 - وعن أنس مرفوعاً : «سبعٌ يجري للعبد أَجْرُهُنَّ من بعد موته وهو في قبره ، وعدّ منهنّ : من وَرَّثَ مصحفاً»(2).

19 - وعن حذيفة ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «من قرأ القرآن ظاهراً أو ناظراً حتّى يختمه غرس الله له به شجرة في الجنّة»(3).

وروي أيضاً عن عبدالله بن الزبير قال : «قال رسول الله : من قرأ القرآن ظاهراً أو نظراً أعطي شجرة في الجنّة»(4).

20 - وعن ابن الزبير ، عنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً : «من ختم القرآن عن ظهر قلبه أونَظَر أعطاه الله شجرة في الجنّة»(5).

هذه مجموعة من الروايات الدالّة على وجود مصحف أو مصاحف على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو صحف تضمّ كلّ آيات القرآن الكريم إلى ذلك الحين ، سواء أكانت هذه الصحف متفرّقة عند آحاد الصحابة أم مجموعة عند مجموعهم.

ووجود ما يطلق عليهم كتّاب الوحي دليل على وجود صحف مكتوبة 4.

ص: 49


1- كنز العمّال 1/309 / ح 2874.
2- حلية الأولياء 2/344 ، شعب الإيمان 3/248 /3449 والمتن منه.
3- كنز العمّال 1/269 / ح 2415. ويعنى كلمة «ظاهر» من قرأها عن ظهر الخاطر و «ناظراً» من قرأها في المصحف.
4- المعجم الأوسط 3/344 / ح 3351 ، مسند البزّار 6/148 / ح 2191 ، مستدرك الحاكم3 /638 / ح6344.
5- كنز العمّال 1/269 / ح 2414.

عندهم.

ومن هذا المنطلق انبلج خطأ ما ذهب إليه بعض أهل السنّة من أنّ المقصود من قولهم : «جمع القرآن على عهد رسول الله : أُبيّ بن كعب وعبدالله بن مسعود ومعاذ بن جبل وسالم مولى حذيفة»(1) ، هو جمعهم في القلوب والصدور لا الجمع في الصحائف والسطور ، فإنّهم لو أرادوا أن يقولوا بهذا الكلام فلا مزيدشرف وفضيلة لهؤلاء على غيرهم من الصحابة ؛ لأنّ كثيراً من الصحابة قد حفظوا ما نزل من القرآن إلى ذلك الحين ولم يختصّ الأمر بأربعة أو ستّة أوعشرة أو أكثر من ذلك أو أقلّ.

قال أبو زهرة في المعجزة الكبرى : «وإنّ النبيّ لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلاّ وقد جمع القرآن في صدر طائفة من الصحابة ، قيل : إنّ عددهم مائة أويزيدون ، ونحن نرى أنّهم كانوا أكثر من ذلك عدداً ؛ فإنّه قتل من القرّاء في إحدى مواقع الردّة عددٌ يزيد على السبعين وقيل على السبعمائة»(2).

وقال الزرقاني : «فإنّ الذين حفظوا القرآن من الصحابة كانوا كثيرين حتّى كان عدد القتلى منهم ببئر معونة ويوم اليمامة أربعين ومائة»(3). 9.

ص: 50


1- انظر : صحيح البخاري 3 / 1386 / 3599 ، الباب 47 مناقب زيد بن ثابت ، و4 / 1913/ 4717 ، الباب 8 القرّاء من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ، ورواه مسلم في صحيحه بطريقين عن أنس 4 / 1914 / 2465 ، الباب 3 فضائل أبيّ بن كعب وجماعة من الأنصار.
2- المعجزة الكبرى : 21.
3- مناهل العرفان 1/169.

قال القرطبي : «قد قتل يوم اليمامة سبعون من القُرّاء ، وقتل في عهد رسول الله ببئر معونة مثل هذا العدد»(1).

قال أبو شامة في المرشد الوجيز : « ... وحفظه في حياته من أصحابه وكلّ قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة ، أقلّهم بالغون حدّ التواتر ، ورخّص لهم قراءته على سبعة أحرف توسعة عليهم ...» إلى أن قال : «قال المازري : وإن لم يكمل القرآن سوى أربعة فقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون ، وما من شرط كونه متواتراً أن يحفظ الكلُ الكلُّ ، بل الشيء الكثير إذا روى كلَّ جزء منه خلق كثير علم ضرورة وحصل متواتراً»(2).

والأعجب من ذلك أنّا نراهم يقولون بهذا وهم يعلمون بأنّ الحفظ ليس فيه مزيد شرف للصحابي ؛ لأنّ العربي الجاهلي كان قد اشتهر بقوّة حفظه ، حتّى أنّه كان يحفظ الأشعار والمعلّقات في أقلّ وقت ممكن ، إذ كان مغرماً بالأدب شعراً ونثراً ، وكان من دأب العرب أن يجتمعوا في أسواق مكّة : ذي المجاز وعكاظ وعرفات وغيرها يستمعون إلى قصائد شعرائهم ويحفظونها عن ظهر قلب.

وبما أنّ السور المكّية مع قصرها كانت أبلغ من قصائد العرب ، فكان المشركون يتسابقون لاستماع تلاوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صلاة الليل ويحفظونها عن ظهر القلب استلذاذاً بقوّة الفصاحة وسموّ البلاغة ورفعة 3.

ص: 51


1- الإتقان للسيوطي 1/193 / ح 979 ، مناهل العرفان 1/169.
2- المرشد الوجيز : 33.

التركيب فقال سبحانه (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً).

وقد اشتهر عن قادة قريش أنّهم كانوا يأتونه في الليل متنكّرين ليسمعون آياته ، وقد رأى أحدُهم الآخر فسأله متعجّباً : أنت هنا؟! وأجابه : وكيف أنت هنا؟! ، فتعاهدا على أن لا يأتياه لكنّهما لم يطيقا فراق سماع آيات الله حتّى جاءاه فعرف أحدهما الآخر ...

نعم كانت هذه هي قوّة القرآن التي لا يمكن للمشركين أن يغضّوا عنها وقد اشتهر كلام الوليد بن المغيرة في القرآن :

«والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإِنس ، وما هو من كلام الجنّ ، وإنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق ، وأنّه ليعلو ولا يعلى عليه ، وما يقول هذا بشر ...»(1).

وقال نحو ذلك عمرو بن سلمة الجرمي : «كنت أتلقّى الركبان - أي المشركين عند عودتهم من الحج - فيقروني ما سمعوه حتّى جمعت قرآناً كثيراً»(2).

فلو كان هذا شأن المشركين من العرب فهل هناك من فضيلة للصحابي إذا حفظ القرآن عن ظهر قلبه ، ألم يكن في هذا استخفاف 7.

ص: 52


1- الجامع لأحكام القرآن 19/72.
2- انظر : مصنّف ابن أبي شيبة 1 / 302 / 3456 ، الباب 16 من قال يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، والمعجم الكبير 7 / 48 / 6349 ، الباب 608 ، المعجم الأوسط 7 / 111 / 7007.

بالصحابة وبالرسول (صلى الله عليه وآله) والرسالة والقرآن؟!.

وبالجملة : فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يترك جمع كتاب ربّه بل كان أحرص عليه من غيره ، فإنّه (صلى الله عليه وآله) مضافاً إلى جمعه في الصدور فقد جمعه في السطور أيضاً.

قال السيّد الخوئي : «وفي الحثّ على القراءة في نفس المصحف نكتة جليلة ينبغي الإلتفات إليها وهو الإلماع إلى كلاءة القرآن عن الإندراس بتكثّر نسخة ، فإنّه لو اكتفى بالقراءة عن ظهر القلب لهجرت نسخ الكتاب ، وأدّى ذلك إلى قلّتها ، ولعلّه يؤدّي أخيراً إلى إنمحاء آثارها.

على أنّ هناك آثاراً جزيلة نصّت عليها الأحاديث لا تحصل إلاّ بالقراءة في المصحف ، منها قوله : (متّع ببصره) وهذه الكلمة من جوامع الكلم ، فيراد منها أنّ القراءة في المصحف سبب لحفظ البصر من العمى والرمد ، أو يراد منها أنّ القراءة في المصحف سبب لتمتّع القارئ بمغازي القرآن الجليلة ونكاته الدقيقة ؛ لأنّ الإنسان عند النظر إلى ما يروقه من المرئيّات تبتهج نفسه ، ويجد انتعاشاً في بصره وبصيرته ، وكذلك قارئ القرآن إذا سرّح بصره في ألفاظه وأطلق فكره في معانيه وتعمّق في معارفه الراقية وتعاليمه الثمينة يجد في نفسه لذّةَ الوقوف عليها ومتعة الطموح إليها ويشاهد هشّه من روحه وتطلّعاً من قبله»(1).

قال القاضي أبو بكر الباقلاّني : «وما على جديد الأرض أجهل ممّن 5.

ص: 53


1- البيان في تفسير القرآن : 35.

يظنّ بالنبيّ أنّه أهمل في القرآن أو ضيّعه ، مع أنّ له كُتّاباً أفاضل معروفين بالانتصاب لذلك من المهاجرين والأنصار ، فممّن كتب له من قريش من المهاجرين : أبوبكر وعمر وعثمان وعليّ وخالد بن سعيد ، وذكر أهل التفسير أنّه كان يملي على خالد بن سعيد ثمّ يأمره بطيّ ما كتب وختمه»(1).

وأنّ قصّة عمر بن الخطّاب مع أخته وصهره على أخته وقراءتهما في صحيفة كانت فيها سورة طه في مكّة(2) لتؤكّد وجود صحف الذكر الحكيم في أوائل الدعوة ، فكيف لا تكون موجودة أيضاً في نهايتها في المدينة المنوّرة مع أن له كتّاباً مخصوصين لذلك يطلق عليهم كتّاب الوحي؟!

مع العلم بأنّ الدعوة الإسلامية قائمة على الذكر الحكيم والسنّة المطهّرة ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) كان عالماً باختلاف أمّته من بعده وموت الصحابة وقتلهم في سبيل نشر الدعوة الإسلامية في الزمن اللاّحق يفضي إلى الضياع من دون افتراض وجود صحف مدوّنة ، وكلّنا يعلم اختلاف ترتيب الصحابة مصاحف على عهد الخلفاء ، مع أنّ القرآن كلّه كان مدوّناً على العُسُبْ واللِّخاف والأديم فكيف لو لم يكن كذلك؟

فكيف يعقل إهمال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكتابة كتاب ربّه ، وهو المرغِّب بتلاوته ، والمشجِّع على لزوم تعليمه وقراءته آناء الليل وأطراف النهار؟!

والحاصل ؛ فمن شذّ قائلاً : لا يوجد مصحف مكتوب على عهد 1.

ص: 54


1- نكت الانتصار : 100.
2- انظر فضائل أحمد 1/280 ، سيرة ابن هشام 2/188 ، الاكتفاء بما تضمّنه مغازي رسول الله 1 /251.

رسول الله ولو مفرّقاً على العُسُبْ واللِّخاف والأديم فهو مستخفّ بكلّ الحقائق أعلاه ، أجلاها وأوضحها أنّه مستخفّ بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وطريقة حفظه للكتاب العزيز مدوّناً عن طريق كتّاب الوحي وغير ذلك.

وما أشبه هذا بقول القائلين : إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يستخلف أحداً من بعدهوترك الأمّة هَمَلاً بدون راع وخليفة لإبعاد الإمام عليٍّ عن الخلافة.

وهذا ما قالوه في عِدْل العترة - أي القرآن المجيد - فقالوا : إنّه (صلى الله عليه وآله) ترك القرآن دون أن يدوِّنه أحد على عهده.

كما أنّهم قالوا : «إنّه (صلى الله عليه وآله) نهى عن كتابة حديثه»(1).

وقالوا أيضاً : بأنّه (صلى الله عليه وآله) كان لا يعلم بأنّه نبيّ مرسل من قِبَلِ الله حتّى أخبره ورقة بن نوفل بن أسد - ابن عمّ خديجة - (2) ... إلى غيرها من التَّقَوُّلات الباطلة والترّهات التافهة ، وغالبها أمور سلبية تمسّ بكرامة الله ورسوله ليس فيها جانب إيجابي.

والآن تراهم يقولون بعدم جمع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بل الأعظم من ذلك تراهم يستغلّون اسم الإمام عليّ عليه السلام لأهدافهم.

فالمشكلة لم تكن في جمع القرآن ووجود من جَمَعَهُ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو عدمه من الصحابة ، بل المشكلة تبدو في عدم قبولهم مَن جمع القرآن مع تفسيره وتأويله ، محكمه ومتشابهه ، ناسخه ومنسوخه ، 2.

ص: 55


1- لنا دراسة في هذا المجال بعنوان «منع تدوين الحديث».
2- صحيح البخاري 1/2.

فتراهم لايذكرون الإمام عليّاً - عناداً - في ضِمْنِ الجامعين للقرآن الحكيم ، مع أنّه هو عِدْلُ القرآن ، والأَولى بمعرفة ناسخه ومنسوخه من غيره من الصحابة ، وهذا واضح لمن راجع روايات تدوين القرآن وجمعه في كتب الجمهور.

وفي المقابل تراهم يذكرون المتأخّرين صحبةً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمن جامعي القرآن الكريم ، تاركين اسم أوّل القوم إسلاماً.

فلو عدّوا الخلفاء الثلاثة من الجامعين للذكر الحكيم ، فالإمام عليٌّ عليه السلام هوالأَوْلى بأن يكون منهم أيضاً ، مع غضّ النظر عن سابقته في الإسلام وقربه للنبيّ (صلى الله عليه وآله) وجهاده على تنزيل الكتاب وتأويله ، فإنّه كان يسمع رنّة الشيطان حين نزول الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقد سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن تلك الرنّة ، فقال (صلى الله عليه وآله) : هذا الشيطان آيس من عبادتي ، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلاّ أنّك لست بنبي.

كلّ ذلك مع وجود الفارق بين الجَمْعَين.

فالخلفاء الثلاثة آمِرُوْنَ بجمع ما كان مدوّناً مفرّقاً عند الصحابة لا مباشرون له ، بينما كان الإمام عليٌّ عليه السلام مباشراً لتدوينه كلّه وجمعه بنفسه الكريمة.

وللشيخ محمود أبورية كلام مُوَجَّهٌ بهذا الصدد نذكره بتمامه ، قال تحت عنوان (غريبةٌ توجب الحَيْرَة) :

«من أغرب الأمور ، وممّا يدعو إلى الحَيْرَة أنّهم لم يذكروا اسم

ص: 56

عليٍّ عليه السلامفي من عُهِدَ إليهم بجمع القرآن وكتابته ، لا في عهد أبي بكر ولا في عهد عثمان! ويذكرون غيره ممّن هم أقلّ منه درجة في العلم والفقه! فهل كان عليٌّ لا يحسن شيئاً من هذا الأمر؟ أو كان من غير الموثوق بهم؟ أو ممّن لايصحّ استشارتهم أو إشراكهم في هذا الأمر؟

اللهمّ إنّ العقل والمنطق ليقضيان بأن يكون عليٌّ أوّل من يُعْهَد إليه بهذا الأمر ، وأعظم من يشارك فيه ، وذلك بما أتيح له من صفات ومزايا لم تتهيّأ لغيره من بين الصحابة جميعاً ؛ فقد ربّاه النبيّ (صلى الله عليه وآله) على عينه ، وعاش زمناً طويلاً تحت كَنَفِهِ ، وشهد الوحي من أوّل نزوله إلى يوم انقطاعه ، بحيث لم يَنِدَّ عنه آية من آياته!!

فإذا لم يُدْعَ إلى هذا الأمر الخطير فإلى أيّ شيء يدعى؟!

وإذا كانوا قد انتحلوا معاذير ليسوِّغوا بها تخطّيهم إيّاه في أمر خلافة أبي بكر فلَمْ يسألوه عنها ولم يستشيروه فيها ، فبأيّ شيء يعتذرون من عدم دعوته لأمر كتابة القرآن؟ فبماذا نعلّل ذلك؟ وبماذا يحكم القاضي العادل فيه؟ حقّاً إنّ الأمر لعجيب ، وما علينا إلاَّ أن نقول كلمة لا نملك غيرها وهي :

لك الله يا عليّ! ما أنصفوك في شيء!»(1).

فالإمام علي عليه السلام لم يستأ من عمل أولئك ولم يغضب من فعلهم ، بل تعامل معهم ومع ما جمعوه في المصحف تعاملاً حسناً ورضي بالموجود ؛ 9.

ص: 57


1- أضواء على السنّة المحمّدية : 249.

لأنّ المجموع لم يخالف المتواتر بين المسلمين والمقروء عندهم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؛ لأنّ الرسول لم يكن يسمح لأحد أن يُقرِئ الناس إلاّ بعد أن يُقرَأ عليه تلك الآيات ، وهذا ما قاله زيد بن ثابت.

أي أنّه (صلى الله عليه وآله) - وكما قالوا - كان يصحّح القراءات واللهجات الموجودة عند الصحابة آنذاك.

ومن الطبيعي أن تكون القراءة الصحيحة هي المكتوبة والموجودة في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي كتبها الإمام عليّ عليه السلام في حياته (صلى الله عليه وآله) ثمّ جمعها من بعد وفاته بين الدفّتين.

فهم من أجل أن ينكروا على الإمام هذه الفضيلة التي يشهد بها القاصي والداني والموافقة للعقل والمنطق والفطرة السليمة والتاريخ الصحيح ، فتراهم يريدون تخطّي فضيلة عليّ عليه السلام في جمع القرآن ناسبين إليه خلاف ذلك ، وقوله في أبي بكر : رحم الله أبا بكر ، هو أوّل من جمع بين اللّوحين!!.

وبتأمل بسيط يشهد الباحث بأنّ أمير المؤمنين هو الأولى بجمع القرآن من أبي بكر ؛ لأنّه عدا كونه أوّل كتّاب الوحي هو صهر الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وزوج البتول عليها السلام وابن عمّه وهو أوّل القوم إسلاماً ، فهو الحريّ بجمع القرآن لاغيره ؛ لأنّه عدله وأحد الثقلين وأعلم الصحابة بالتنزيل والتأويل وشأن النزول.

وقد صرّح الإمام عليه السلام بأنّه اختصّ بخصائص لم تكن عند غيره من

ص: 58

الصحابة ، منها : أنّه كان يخلو برسول الله (صلى الله عليه وآله) صباحاً ومساءاً ، وكان يسأله عن مسائل الشريعة والدين ، وإذا سكت ابتدره (صلى الله عليه وآله) بالكلام.

كانت هذه هي حالته عليه السلام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى وفاته ، ولأجل هذه الميزة خصّه الرسول (صلى الله عليه وآله) بجمع القرآن من بعده دون غيره ؛ لأنّه أمين الله في الأرض ، والعالم بالتنزيل والتأويل و ...

ولأجل هذا كان يطلب من المسلمين أن يسألوه عن غوامض الأشياء وخصوصاً القرآن منها حتّى يوضّح لهم متشابهاتها ، بعكس عمر بن الخطّاب الذي ضرب صبيغاً(1) وجعله وضيعاً بعد أن كان سيّداً في قومه وذلك لسؤاله عن الذاريات والنازعات.

فقد جاء في تاريخ ابن عساكر : «أنّ الإمام عليه السلام خطب في عامه الذي قتل فيه فقال : أيّها الناس إنّ العلم يقبض قبضاً سريعاً ، وإنّي أُوشك أن تفقدوني فاسألوني ، فلن تسألوني عن آية من كتاب الله إلاّ أنبأتكم بها وفيما أنزلت وأنّكم لن تجدوا أحداً من بعدي يحدّثكم»(2).

وعن أبي الطفيل أيضاً قال : «شهدت عليّاً يخطب وهو يقول : سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما 2.

ص: 59


1- في الخبر : ... فقال عمر : تسأل محدثة؟! فأرسل عمر إلى رطائب من جريدة فضربه بها ، حتّى ترك ظهره دبرة ، ثمّ تركه حتّى برأ ، ثمّ عاد له ، ثمّ تركه حتّى برأ ، فدعا به ليعودله ، قال صبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً ، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت! ...
2- تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام 3/ 2.

في آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل»(1).

فعليّ ابن أبي طالب عليه السلام - وكما قلنا - كان الحريّ بجمع القرآن ؛ لأنّه كاتب الوحي ووصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأمين الله في أرضه ، وآخر الناس عهداً برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، في حين نراهم يؤكّدون على زيد بن ثابت ويعتبرونه الشخص الوحيد الذي شهد العرضة الأخيرة ، والوحيد الذي شارك في جمع القرآن على عهد الثلاثة ، كما أنّهم يقولون عن معاوية أنّه خال المؤمنين وكاتب الوحي!! وقد ردّ الإمام الباقر عليه السلام كلّ هذه المزاعم بقوله : «ما ادّعى أحدمن الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أنُزل إلاّ كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ عليّ بن أبي طالب والأئمّة من بعده عليهم السلام».

وعنه عليه السلام : «ما يستطيع أحد أنّ يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء»(2).

نعم إنّهم لا يعجبهم أن يأتوا باسم الإمام علي عليه السلام ضمن جامعي القرآن ، مع وقوفهم على مكانته وأولويّته فإنّهم لو أرادوا أن يأتوا باسمه ضمن جامعي القرآن لقالوا عنه بأنّه جمع القرآن عن حفظ لا عن تدوين وكتابة.

وما علينا إلاّ أن نقول : لك الله ما أنصفوك في شيء يا عليّ. 8.

ص: 60


1- الاستيعاب 2/ 463 ترجمة الإمام ، تاريخ ابن عساكر 3/ 22 ، الاصابة 4/ 269 ، أنساب الأشراف 2/ 99.
2- أُصول الكافي 1/228.

تضعيف أخبار جمع الإمام عليّ عليه السلام للمصحف ، حقيقة أم وهم؟ :

أجل إنّهم لم يكتفوا بهذا ، بل راحوا يضعّفون(1) روايات جمع الإمام عليه السلامللمصحف ، بل قالوا عن جمعه : بأنّه لم يكن جَمْعَ تدوين وكتابة ، بل هو جمع حفظ في الصدور ، أو جَمْعاً من الصدور.

فقد أخرج السجستاني في المصاحف بسنده عن أشعث ، عن محمّد ابن سيرين ، قال : «لمّا توفّي النبيّ (صلى الله عليه وآله) أقسم عليّ أن لا يرتدي برداء إلاّ لجُمْعَة حتَّى يجمع القرآن في مصحف ، ففعل ، فأرسل إليه أبوبكر بعد أيّام : أَكَرِهْتَ إمارتي يا أبا الحسن؟

قال : لا والله ، إلاّ أنّي أقسمت أن لا أرتدي برداء إلاّ لجمعة ، فبايعه ثمّ رجع.

قال أبوبكر [السجستاني] : لم يذكر المصحف أحد إلاّ أشعث ، وهو ث.

ص: 61


1- قال الآلوسي في روح المعاني 1/22 «وما شاع أن عليّاً كرّم الله وجهه لمّا توفّي رسول الله تخلّف لجمعه ، فبعض طريقه ضعيف ، وبعضها موضوع ، وما صحّ فمحمول كما قيل على الجمع في الصدور ، وقيل : كان جمعاً بصورة أخرى لغرض آخر» انتهى. فالضعيف الذي عناه الآلوسي إن كان يقصد به ما أخرجه أبو داود - في سننه الذي يعتبرمن الصحاح الستّ - من طريق ابن سيرين فله طريق آخر أخرجه ابن الضريس عن ابن سيرين عن عكرمة عن عليّ. وأمّا الموضوع فلا أدري هل عنى به المتواتر المنقول في هذا الأمر كالذي أخرجه الصنعاني في مصنّفه ، وابن سعد في طبقاته ، وابن أبي شيبة في مصنّفه ، وابن ضريس في فضائل القرآن وغيرهم من كبار علماءالعامّة ومحدّثيهم والذين ذكرنا أسماءهم في آخر هذا القسم من البحث.

ليّن الحديث ، وإنّما رووا (حتّى أجمع القرآن) ، يعني أُتِمّ حفظه ، فإنّه يقال للذي يحفظ القرآن : قَدْ جَمَعَ القرآن»(1).

وما قاله السجستاني من كون الأشعث (ليّن الحديث) لا يقبله كثير من الرجاليّين ، ولو راجعت تهذيب الكمال(2) لوقفت على أسماء رجاليّين يوثّقونه أو يحسّنونه أمثال يحيى بن مَعِيْن والعجلي وابن شاهين(3) والبزّار ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ ما قاله السجستاني : (لم يذكر المصحف أحد إلاّ أشعث) غير صحيح ، إذ ورد ذكر (المصحف) في روايات أُخرى ، أي أنّ لخبر الأشعث شاهداً صحيحاً من الأخبار الأُخرى.

وثالثاً : إنّ جملة (حتّى يجمع القرآن في مصحف) أدلّ دليل على كون الجمع هو جمع تدوين لا جمع حفظ ، لجمعه القرآن في مصحف بين الدفّتين.

أمّا ما قالوه عن الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بأنّه جلس في بيته كي يجمع القرآن من صدره فهو باطِلٌ أَيْضاً ؛ لأنّه ليست به حاجة إلى ذلك لاختصاصه بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وخُلُوِّه به في الليل والنهار وكتابة القرآن عنه فضلاً 0.

ص: 62


1- انظر المصاحف للسجستاني 1 : 169/ح 31 ، وقد تابع السجستاني في التشكيك فيورود كلمة المصحف كلّ من ابن كثير في تفسيره 5/585 ، وابن حجر في فتح الباري 9/10كتاب الفضائل باب 3 ، والعيني في عمدة القارئ 20/17 ، تحفة الأحوذي 8/407 ، مرقاة المفاتيح 5/104.
2- تهذيب الكمال 3/269.
3- تاريخ أسماء الثقات : 36 / ت 70.

عن كتابته مع تفسيره وتأويله ، فمن كان هذا حاله فلا داعي لأنْ يجلس في بيته ويجمع القرآن من صدره ثانية.

وسؤالنا هو : لمن يجمع القرآن من صدره ، هل لأمّته وهم يتلون الكتاب ويعرفونه أم لنفسه ولا داعي له؟!.

بل كيف ينسبون إلى الإمام عليّ عليه السلام جمعه عن ظهر قلبه في الزمن المتأخّر وخليفتهم ينهى عن كتابة القرآن عن ظهر القلب؟!

فقد أخرج السجستاني في كتابه المصاحف بسنده عن قيس بن مروان أنّه : «جاء إلى عمر وهو بعرفة ، فقال : يا أميرالمؤمنين جئتك من الكوفة وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه ، قال : فغضب عمر وانتفخ حتّى كاد أن تملأ ما بين شُعْبَتَي الرجل قال : من هو ، ويحك؟ قال : هو عبدالله بن مسعود ...»(1).

فلو كان هذا حال عمر مع من يكتب القرآن عن ظهر قلبه ، فكيف يَرْتَضُوْنه بالنسبة إلى الإمام عليّ عليه السلام مع أنّه فعل كان لا يرتضيه خليفتهم عمر ابن الخطّاب؟!

فلو كان الحفظ بمعنى التدوين والتأليف عند الخلفاء الثلاثة ، فليكن كذلك عند الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أيضاً. فلماذا يقبلون ذلك للخلفاء ولايرتضون هذا لعليّ عليه السلام ويكيلون الأمور بمكيالين؟!

ألم يكن الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام من الحَفَظَة والكَتَبَة والقُرَّاء 2.

ص: 63


1- المصاحف 2/510/ح 412.

والعلماء؟! إنّه تساؤل يبيّن عمق الظلامة لأمير المؤمنين عليه السلام.

أخبار مكذوبة :

بل الأنكى من كلّ ذلك أَنَّك تَراهُمْ ينسبون إلى الإمام عليّ عليه السلام أقوالاً يكذّبها الواقع التاريخي ومجريات الأحداث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقد ذكرنا بعضها قبل قليل دون توضيح أبعادها.

فقد رووا عن سفيان ، عن السدّي ، عن عبد خير ، قوله : «سمعت عليّاً يقول : أعظمُ الناس أجراً في المصاحف أبو بكر ، رحمة الله على أبي بكر هو أوّل من جمع بين اللَّوْحَين»(1).

قالوا ذلك قبالاً لما عُرف عن الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام من أنّه أوّل من جمع المصحف بين الدفّتين ، حيث أنّ المروي عن عبد خير نفسه أيضاً بخلاف ما جاء.

بل حكوا عنه عليه السلام أيضاً قوله في شرعية جمع عثمان للمصاحف : «لو لم يصنعه عثمان لصنعته»(2) ، أو قوله في نصّ آخر : «والله لو ولّيت لفعلت 9.

ص: 64


1- المصاحف 1/154/ح 17 باب جمع أبي بكر الصديق القرآن في المصاحف بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال السيوطي في الإتقان : «ومن غريب ما ورد في أوّل من جمعه ما أخرجه ابن اشته في كتاب المصاحف من طريق كهَمْسَ ، عن ابن بريدة قال : أوّل من جمع القرآن في مُصْحف سالم مولى أبي حذيفة ، أقسم لا يرتدي برداء حتّى يجمعه فجمعه».
2- المصاحف 1/177/ح 39.

مثل الذي فعل»(1).

وصدور هذا الكلام عن الإمام عليّ عليه السلام وإن كان غير صحيح ، ولكن لو أحسنّا به الظنّ لقلنا : إنّ هدف الإمام عليه السلام كان رفع الاختلاف من بين المسلمين ، وهو منتهى هَمِّ الإمام وغمِّه ، لكنّهم بتصوّري ذكروا هذا كي يصحّحوا ما فعله عثمان من حرق المصاحف وليقولوا : بأنّ الإمام عليّاً عليه السلام رضي بعمل عثمان في حرق المصاحف ، كغيره من الصحابة!!

وممّا يؤيّد كلامنا ما حكوه عن المختار الثقفي - والذي أخرجه السجستاني في المصاحف - بسنده عن عقبة بن جرول الحضرمي ، قال : «لمّا خرج المختار كُنّا - هذا الحيّ من حضرموت - أوّل من يسرع إليه ، فأتانا سُوَيْدُبْن غَفَلَةَ الجُعْفِيُّ فقال : إنّ لكم عَلَيَّ حقّاً وإنّ لكم جِواراً وإنَّ لكم قرابةً والله لا أحدّثكم اليوم إلاَّ شيئاً سمعته من المختار ، أقبلت من مكّة فإنّي لأسير إذ غمزني غامز من خلفي فإذا المختار ، فقال لي : يا شيخ ، ما بقي في قلبك من حبِّ ذلك الرجل - يعني عليّاً -؟ قلت : إني أُشْهِدُ الله أنّي أحبّه بسمعيوقلبي وبصري ولساني ، قال : ولكنْ أشهد الله أنّي أبغضه بقلبي وسمعيوبصري ولساني ، قال : قلتُ أَبيتَ واللهِ إلاَّ تثبيطاً(2) عن آل محمّد وترثيثاً(3) في إحراق المصاحف - أو قال : حَراق ، هو أحدها ، يشكّ أبوداود - فقال سويد : والله لا أحدّثكم إلاَّ شيئاً سمعته من عليّ بن أبي ث.

ص: 65


1- تاريخ دمشق 39/245 ، 248 ، تاريخ المدينة 2/118 - 119 / ح 1719.
2- التثبيط : التسويف والتعويق.
3- الترثيث : التضعيف في أمر الشيء. انظر لسان العرب 3/158 مادّة رثث.

طالب ، سمعته يقول : يا أيّها الناس ، لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلاَّ خيراً - أوقولوا له خيراً - في المصاحف ، وإحراق المصاحف ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاَّ عن ملأ مِنّا جميعاً.

فقال : ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أنّ بعضهم يقول : إنّ قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد أن يكون كفراً.

قلنا : فماترى؟

قال : نرى أن يجمع الناس على مصحف واحد ، فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف.

قلنا : فنِعْمَ ما رأيت.

قال : فقيل : أيّ الناس أفصح ، وأي الناس أقرأ؟ قالوا : أفصح الناس سعيدبن العاص ، وأقرؤهم زيد بن ثابت ، فقال : ليكتب أحدهما ، ويملي الآخر ، ففعلا ، وجمع الناس على مصحف. قال : قال عليّ : والله لو وُلِّيتُ لفعلتُ مثل الذي فَعَلَ»(1).

أجلْ إنّ الإمام أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام لا يمانع من وحدة المسلمين وتوحيد المصاحف وأخذهم بأصل واحد - وخصوصاً لو كان الأخذ عن الأصل المكتوب بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) - لكنّه يمانع الحرق وما يستتبعه من تكثّر وجوه القراءة والقول في القرآن بالرأي والتقديم والتأخير في الآيات والنقصان والزيادة فيه و ... فإنّ هذه الأمور يخالفها الإمام عليّ عليه السلام. 7.

ص: 66


1- المصاحف للسجستاني 1/205 - 206/ح 77.

نعم إنّهم ابتدعوا هذه التعاليل وردّوا الروايات الدالّة على جمع الإمام عليّ للقرآن ، كي يثبتوا للنّاس بأنّ الخلفاء الثلاثة هم الذين جمعوا القرآن دون أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السلام.

* * *

بهذا يمكننا أن نصطلح على الجمع المقصود في هذه المرحلة بأنّه جمع ترتيب الآيات من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ جواز تأليفه في مصاحف ؛ وإن كان مصحفاً ناقصاً.

ولا أنكر أن يكون تفسير القرآن السياقي كان سائداً عند الصحابة وأهل البيت ، فكلّ واحد منهم كان يكتب ما يحصل عليه من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في التفسير وتأويل الآيات ، وهي موجود بعضها اليوم في التفاسير المأثورة - مثل الدرّ المنثور للسيوطي وجامع البيان للطبري والبرهان في تفسير القرآن للبحراني وغيرهما - عن أولئك الصحابة وأهل البيت(1).

فسؤالنا هو : لماذا لا يأخذ الخلفاء الثلاثة بمصاحف كبار الصحابة والمجمع عليها وهم من جامعي القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين نراهم يبدءون بكتابة المصحف من جديد وبشاهدين؟

هل جاء أخذهم بالشاهدين للتثبّت حقّاً؟ ).

ص: 67


1- سنناقش تلك الروايات في القسم الثاني من هذه الدراسة : (مناقشة روايات التحريف).

وما يعني التثبّت بعد ثبوت تدوين أولئك الصحابة القرآن بين يدي رسول الله وبأمره ، وهم العدول حسبما يقولون؟.

فلو كان عثمان من جامعي الذكر الحكيم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قيل فلماذا يعيد عمليّة الجمع تارة أخرى أيّام خلافته؟ وماذا يعني هذا الأمر؟

وهل حقّاً أنّ جمعه كان بمعنى توحيدهم على قراءة واحدة؟ أم أنّه جمعها من الصحف وكان مصحف حفصة منها كما صرّحت بذلك النصوص؟أم أنّه فعل كلا الأمرين معاً؟.

بل لماذا اشترط الشيخان أخذ الآيات بشاهِدَين مع إيماننا بتواتر القرآن؟!

أيحتاج القرآن في إثباته إلى شاهدين والصحابة يتلون القرآن آناء الليل وأطراف النهار ، ولهم دويٌّ كدويِّ النحل كما قيل ، ويتدارسونه ويعلّمونه ويتعلّمونه ويتلونه في صلواتهم؟!

فما يعني ما قالوه من نقصان آية أو آيتين منها ، ثمّ وجودها عند فلان وفلان؟ ألا يشكّك هذا في تواتر القرآن؟

فلو تأمّلت أخبار جمع القرآن عند الجمهور لرأيتها تتّفق على أنّ عثمان جمع مصحفه على ضوء مصحف أبي بكر وعمر - والذي كان عند حفصة - فما يعني هذا؟

فلو كان أبوبكر وعمر من جامعي القرآن فسيكون جمع عثمان في

ص: 68

الزمن المتأخّر لغواً أو يكون جمعه سابقاً كذباً.

أمّا لو قلنا بأنّ عثمان هو جامع الذكر الحكيم فهو يخالف ما قيل عن جمع الشيخين للقرآن قبله ، بل كان عليهما أن يُقِرَّا على ما دوّن من قبل عثمان سابقاً.

نعم إنّهم يأوّلون ذلك ويقولون بأنّ جمع عثمان يختلف عن جمع أبي بكر وعمر ؛ لأنّه كان يعني بجمعه توحيدهم على مصحف واحد.

في حين أنّ هذا الكلام غير صحيح أيضاً ؛ لأنّ الصحابة كانت صدورهم أناجيلهم ، وكانوا يتلون القرآن حسبما سمعوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولانرى اختلافاً بينهم في قرآن صلاتهم.

بلى حكى بعض الصحابة اختلافه مع الآخر في قراءة سورة أو آية ومجيئهم إلى رسول الله وتجويزه (صلى الله عليه وآله) لقراءة القرآن على سبعة أحرف ، كلّ ذلك تصحيحاً لرؤيتهم(1).

إنّ دعوى توحيد الأمّة على مصحف واحد لم يكن مختصّاً بعثمان ابن عفّان ، فقد ادّعي لعمر بن الخطّاب ذلك أيضاً ، وهو يضعّف المشهور عندهم.

فسؤالنا هو : لو كان جمع القرآن لابدّ منه ، فلماذا لا يكون جمعهم على ضوء مصحف ابن مسعود وأُبيّ وعليّ بن أبي طالب عليه السلام وغيرهم ممّن عُرفوا بالتدوين والكتابة على عهده (صلى الله عليه وآله)؟! بل لماذا تختصّ روايات جمع ب.

ص: 69


1- سنناقش هذه الروايات في جمع القرآن على عهد عمر بن الخطاب.

القرآن وتدوينه بزيد بن ثابت وابنه خارجة؟!.

بل ماذا يعني وجود كَتَبَة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يكتبون الوحي عنه؟ ألا يعني ذلك بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في عمله هادفاً ، وأنّه أراد أن يصون فكر أمّته من بعده ، وقد جمع تلك الآيات بالفعل تدويناً وكتابة كي تكون دستوراً للأجيال القادمة؟!

وعلى ما ادّعوه من جمع عثمان للمصاحف لاحقاً يكون عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ترتيب الآيات والسور لغواً والعياذ بالله.

من الطبيعي أن لا يقول مسلم - يؤمن بالله ورسوله - بالقول الثاني ؛ لأنّه لا يتّفق مع إسلامه وإيمانه.

وعليه ، فكتابة المصحف كانت موجودة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجاءت مقصودة من قبله (صلى الله عليه وآله) (1).

فلو كان مكتوباً ومدوّناً وموجوداً في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلماذا لا يكلّفون أنفسهم السؤال عن ذلك المصحف المكتوب بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وأين ذهب؟ وبيد مَنْ وقع؟

ولو كان مكتوباً ومدوّناً - وإنّ الجمع لا يعني جمعه في الصدور بل هو الجمع في السطور - فلماذا يطلبون شاهدين على كون الآيات قد كتبت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ويجلسون على باب المسجد مستفسرين الصحابة عن ما حفظوه من الذكر الحكيم؟! ه.

ص: 70


1- ولا يصحّ ما أشاعوه لاحقاً بأنّه (صلى الله عليه وآله) ترك تدوين كتاب ربّه.

وهل حقّاً كان عملهم هذا للتثبّت والاطمئنان بصحّة كلام الصحابي في آيات القرآن أم كان شيئاً آخر؟

فلو كان الصحابي كاذباً ، كان بإمكانه أن يأتي بشاهد آخر يعينه على كذبه؟!

ولو قلنا بالتفسير المتأخّر للشاهدين والذي أتى به ابن حجر ، فيأتي سؤالنا : إذا كان مكتوباً من قبل صحابي مقبول كأُبيّ وابن مسعود والناس يقرؤون بتلك القراءة ، فما يعني تطابق المكتوب مع المحفوظ!

برأيي أنّ الأمر يرجع إلى وجود منهجين في القرآن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

أحدهما : يقول بتواتر آياته وأنّ العلم به كالعلم بالبلدان والحوادث والوقائع العظام وأنّه يجري مجرى ما علم بالضرورة ككتاب سيبويه والمزني ، فلو أدخل شخص باباً في كتاب سيبويه لعرف وميّز وعلم أنّه ليس من أصل الكتاب.

والآخر : يطلب آيات القرآن بالبيّنة والشهود.

فالمنهج الأوّل انتهجه غالب الصحابة وهو منهج الإمام عليّ عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام وعلمائهم.

والمنهج الثاني هو منهج الخلفاء وهؤلاء هم الذين استعانوا بزيد بن ثابت وأمثاله لتدوين القرآن في خلافتهم!!

أجل إنّهم يقولون بأنّ زيد بن ثابت جمع السُّور من (العُسُب)

ص: 71

و (اللِّخاف) و (جريد النخل) بأمر أبي بكر أو عمر أو عثمان ، ولا نرى اسماً لغيره من الصحابة! فما يعني اختصاصهم جمع القرآن ب- : (زيد) دون غيره ؛ في خلافة الثلاثة؟

فمن هو زيد بن ثابت؟ وما دوره في بدء الدعوة ثمّ من بعدها؟ ولماذا هذا الإصرار من قبل الشيخين وعثمان على الأخذ بقراءته وترك قراءة كبار الصحابة أمثال ابن مسعود وأُبَيّ بن كعب وعليّ بن أبي طالب عليه السلام المنصوصِ على لزوم احترامهم والأخذ عنهم ، وخصوصاً في القرآن؟.

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «اقرؤوا بقراءة ابن أُمّ عبد عبدالله بن مسعود»(1) ، كما اشتهر عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه أمر بالقراءة على وِفْقِ ما يقرؤه أُبيّ بن كعب كما في البخاري(2) ، ولقّب أُبي بسيّد القرّاء(3) ، وقال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «أَقْرَؤُكُمْ أُبيّ»(4). 5.

ص: 72


1- الأحاديث المختارة 1/92/ح 13 ، و1/384/ح 268 ، سنن ابن ماجة 1/49 / ح138.
2- في البخاري 4/1897/ح 4677 أنّ النبيّ قال لاُبيّ بن كعب : «إنّ الله أمرني أن أقرئك القرآن ، قال : الله سمّاني لك؟ قال (صلى الله عليه وآله) : نعم ، قال : وقد ذكرت عند ربّ العالمين؟قال : نعم ، فذرفت عيناه». وفي البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك قال : «قال النبيّ لاُبيّ : إنّ الله أمرني أن أقرأعليك (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال : وسمّاني؟ ، قال : نعم ، فبكى» ، انظر صحيح البخاري4 /1896/ح 4676 ، صحيح مسلم 1/550/ح 799 ، و4/1915 ، سنن الترمذي 5/665/ح 3792.
3- سنن بن ماجة 1/512/ح 1606 ، سنن الترمذي 3/375/ح 1061.
4- فتح الباري 2/171 ، تحفة الأحوذي 10/205.

وعُرف عن أهل بيت النبوّة أنّهم كانوا يقرؤون بقراءة أُبيّ(1) ، فما يعني هذا الإجحاف والإهمال لقراءة أمثال هؤلاء الصحابة وفي المقابل ترى ترجيح قراءة أمثال زيد عليهم؟!.

وقد يكون في تأكيد ابن مسعود على يهودية زيد إشارات إلى هذا الأمر؟وقد لا يعني شيئاً من هذا القبيل.

وهل اليهودية كانت ذمّاً للصحابي في صدر الإسلام؟ أم أنّها كانت بيان لحالة رائجة بين المسلمين ، لأنّ ما من مسلم في صدر الإسلام إلاّ وقد كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسيّاً أو مشركاً ، أتركه للقارىء.

روي عن عمرة بنت عبدالرحمن «أنّ أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها ، فقال أبوبكر : ارقيها بكتاب الله»(2).

فما يعني هذا النصّ وهذا الخطاب من ابن مسعود في زيد؟ هل لكونه وصوليّاً وحكوميّاً أم لشيء آخر؟!

ففي مسند أحمد عن أبي سعيد الخدري ، قال : «لمّا توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام خطباء الأنصار فجعل منهم من يقول : يا معشر المهاجرين إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منّا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منّا.

قال : فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك ، قال : فقام زيد بن ثابت ، 4.

ص: 73


1- انظر الكافي 2/634/ح 27 ، وسائل الشيعة 6/163/ح 7633.
2- موطأ مالك 2/943 ، الأم للشافعي 7/241 ، المجموع للنووي 9/64.

فقال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان من المهاجرين ، وإنّما الإمام يكون من المهاجرين ونحن أنصاره ، كما كنّا أنصار رسول الله (صلى الله عليه وآله)!

فقام أبوبكر ، فقال : جزاكم الله خيراً من حيّ يا معشر الأنصار وثبّت قائلكم ، ثمّ قال : والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم»(1).

وفي السيرة النبوية لابن كثير : « ... أنّ زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال : هذا صاحبكم فبايعوه»(2).

فقد تكون هذه الخطبة من قبل زيد في مدح أبي بكر هي التي جعلته كاتباً لدار الخلافة(3) والقاضي عنده ومقسّم مواريث المسلمين(4).

كما أنّها وأمثالها هي التي سبّبت أن يكون قاضياً في عهد عمر بن الخطّاب وممّن يستخلفه عمر على المدينة ، وقد قدّم عمر بن الخطّاب اسم زيد على اسمه ، تعظيماً له.

ففي سير أعلام النبلاء عن يعقوب بن عتبة : «أنّ عمر استخلف زيداً ، وكتب إليه من الشام : إلى زيد بن ثابت ، من عمر(5).

وفي تاريخ المدينة عن نافع : «أنّ عمر استعمل زيداً على القضاء ، وفرض له رزقاً ... 8.

ص: 74


1- مسند أحمد 5/185.
2- السيرة النبوية 4/494.
3- أسد الغابة 1/50.
4- المجموع للنووي 16/68.
5- سير أعلام النبلاء 2/438.

عن خارجة بن زيد ، قال : كان عمر كثيراً ما يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى شيء من الأسفار ، وقلّما رجع من سفر إلاّ أقطع زيداً حديقة من نخل!»(1).

لا أدري هل يقبل الباحث الموضوعي بما قالوه عن زيد وأنّه اختير لهذا العمل دون غيره من الصحابة ؛ لأنّه شابٌّ ، فهو أقدر على العمل منهم ، وهولشبابه أقلّ تعصّباً لرأيه واعتزازاً بعلمه ، بل شبابه يدعوه إلى الاستماع لكبار الصحابة من القرّاء والحفّاظ والأخذ عنهم دون إيثار لما حفظه هو (2).

أترك القارئ لكي يستنبط بنفسه صحّة هذا الكلام وسقمه وعمّن يجب أن يأخذ الإنسان في قراءته ، هل يأخذ عمّن هو أكثر اعتزازاً بعلمه وتعصّباً لرأيه؟ أم يأخذ ممّن يتأثّر برأي غيره ويستسلم لمن يملي عليه؟.

هذه الأمور يجب أن تبحث في تاريخ جمع القرآن ، مؤكّدين بأنّ عملية الجمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تنتهي على عهده وبقيت تحتاج إلى من يستكلمها ، وهو الذي ألزم الإمام علي عليه السلام أن يكملها بوصيّة من الرسول (صلى الله عليه وآله).

للبحث صلة ... ً.

ص: 75


1- تاريخ المدينة 2/693 ، وسير أعلام النبلاء 2/438.
2- هذا ما نقله الدكتور شاهين في تاريخ القرآن : 144 عن الدكتور هيكل وهو منقول عن غيره أيضاً.

صفحة مشرقة عن تاريخ السماع والقراءة والإجازة عند الإماميّة

(نسخة نهج البلاغة برواية السيّد الراوندي أُنموذجاً)

السيّد حسن الموسوي البروجردي

بسم الله الرحمن الرحیم

كان الشريف الرضي محمّد بن الحسين الموسوي البغدادي (406ه) عالماً معروفاً ، وسيّداً شريفاً مبجّلا معظّماً ، ذا هيبة عظيمة ، ضاربَ الجذور في العلم إلى أبعد غاية ، ولا غرابة في ذلك فقد نشأ في ظلال أُسرة الزعامة والعظمة ، ودرج في أحضان الإمامة ، فكان لهذا أثر بليغ في رفعته وشممه ومنهجه وعواطفه وميوله ، حتّى أوجب لنفسه اللياقة لتسنّم أريكة الخلافة ، فقال مخاطباً الخليفة العبّاسي القادر بالله :

عطفا أمير المؤمنين فإنّنا

عن دوحة العلياء لا نتفرّق

ما بيننا يوم الفخار تفاوت

أبداً كلانا في المعالي معرق

ص: 76

إلاّ الخلافة ميّزتك فإنّني

أنا عاطل منها وأنت مطوّق(1)

فلم ينكر عليه الخليفة ولا استظهر بطيب مغرسه ، نعم ردّ عليه بقوله : «على رغم أنف الشريف»(2).

ولأجل ذلك وغيره كان إذا كتَبَ كتاباً أو ألَّفَ مُؤلَّفاً انتشر بعد تأليفه مباشرة ، وملأ الآفاق ، وتكثّرت نسخه في عصره ومن بعده ، وخير دليل على ذلك كتابه المعروف نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

وقد كنتُ متحيّراً حين انتخابي نسخة نفيسة له تفوق على باقي النسخ ببعض الفوائد ؛ وذلك لغرض البحث والدراسة عنها ، فراجعتُ المعاجم والفهارس ، فوقفتُ على المئات من نسخه الخطيّة ، وجلّها يرجع تأريخها إلى قبل القرن التاسع الهجري ، وجملة كثيرة منها بخطوط العلماء والأُدباء مزيّنة بالإجازات والسماعات والقراءات ، وظنّي أنّ كتاب نهج البلاغة هو الكتاب الوحيد الذي حظي بهذا الجانب المهمّ من الاعتناء والانتشار من بين جميع التراث المخطوط الإسلامي بأجمعه بعد كتاب الله (3). به

ص: 77


1- ديوان الشريف الرضي 2/544.
2- شرح النهج لابن أبي الحديد 1/11.
3- وقد جمع العلاّمة السيّد عبد العزيز الطباطبائي اليزدي رحمه الله فهرستاً من مخطوطات كتاب (نهج البلاغة) التي كانت معروفة إلى ذلك الوقت في كتابه القيّم (نهج البلاغة عبر القرون) ، وكذا عمل العلاّمة المتتبّع السيّد محمّد حسين الجلالي فهرستاً منها في كتابه

ولمّا كان مشايخنا - رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين قد أجروا في عروقنا حبّ التراث ومعرفته والمحافظة عليه بمختلف صوره ، ومن منطلق أنّ الخلف الصالح يجري على مسار السَّلف الصالح ، ولأنّ الناقد البصيربمرصد ؛ حاولت أن أنتخب بعين الدقّة نسخةً نفيسةً من كتاب النهج ، فصادفتُ هذه النسخة الكريمة العتيقة ، والتحفة النادرة ، والدرّة الفريدة التي لها شأن من الشأن(1) ، والتي تعدّ من أقدم نسخ الكتاب وأنفسها وأكملها ؛ لشرح يأتي إن شاء الله تعالى.

ولمّا تبيّنت لنا نفاستها وقداستها عزمنا بعون الله تعالى على طبعها في مجموعتنا الفاخرة ، مع ذكر شيء مبسوط يتعلّق بما في هذه النسخة الشريفة من تراجم المشايخ المرتبطة بها من مجيز ومجاز ومَنْ له تأثير في إيصال النسخ الصحيحة للكتاب دون تحريف وتصحيف في القرون الهجرية الثلاثة : الخامس ، والسادس ، والسابع ، مستوعباً في ذلك جوانب البحث ، عسى أن تكون فيه بعض المعلومات المستجدّة ، الخالية من التكرار والاجترار. د.

ص: 78


1- وذلك من بين عشرات صور النسخ الموجودة من كتاب (نهج البلاغة) والتي جمعتُ صورنفائسها في مكتبتي «مكتبة العلاّمة المجلسي رحمه الله» في قم المقدّسة ، وحتّى الآن عندي أكثر من خمسين نسخة ؛ ولله الحمد.

محلّ حفظ النسخة :

هذه النسخة من جملة النسخ الخطّيّة التي لم تمتدّ لها يد الدمار في العراق ، وأهل الفنّ يعرفون ماجرى على مخطوطات هذا البلد الجريح إبّان حكم الطاغيّة ، وهي من ممتلكات مكتبة المتحف العراقي ، وتسلسلها : (3784) ، وهي مذكورة في فهرستها المعنون ب- : (مخطوطات الأدب في المتحف العراقي) ؛ لأُسامة النقشبندي وظمياء عبّاس ، صفحة : 642/1887.

ويجدر بنا قبل كلّ شيء أن نورد نصّ ما ذكره مُفهرِسا هذه المكتبة ؛ فدونكه :

«نهج

البلاغة من كلام أمير المؤمنين (رض)

لأبي القاسم علي بن الحسين بن موسى ،

المعروف بالشريف المرتضى [كذا] المتوفّى سنة 436 ه- / 1044 م.

كتبها بقلم النسخ الجيّد وبالمدادين

الأسود والأحمر محمّد بن الحسن بن محمّد بن العبّاس القمّي سنة 556 ه- / 1160 م ،

وهي ثالث أقدم نسخة في العالم ، وقد قابلها الناسخ على نسخة أُخرى ، قرأها فضل

الله بن علي الحسني سنة 571ه- / 1175 م ، في آخرها فائدة عن أختام الإمام علي بن

أبي طالب ، ووفوائد أُخرى بخطّ علي بن ميثم بن معلّى البحراني سنة 643 ه- /

1245م.

ص: 79

الرقم : 3784.

203 ص. 24 × 17 سم. 25

س.

الذريعة : 24/413 ، معجم المؤلّفين :

7/81 ، طبع معجم : 1124».

هذا كلّ ما وصفا به هذه النسخة ، وقد قصّرا - مع شكر سعيهما في إعطاءالصورة العلميّة الكاملة والتفصيليّة لهذه النسخة النفيسة حسب ما يوردهاالمفهرسون عامّةً في فهارسهم الخطّيّة ؛ فإنّ فيها من الإجازات والأسانيدوالبلاغات ما هو ذو قيمة علميّة عظيمة - كما سيأتي تفصيل ذلك. والملاحظ أنّ أكثر النسخ التي ذكراها إنّما كانت على نحو الفهرسة الإجماليّة ولم تكن فهرسة علميّة دقيقة.

وإنّ إعطاء هذا الأصل حقَّه من الدراسة والبيان يحتاج إلى إفراده في مجلَّد ، لو صَبَر الدارس على قراءة سماعاتها وقراءاتها ومقابلاتها ، ويكفيه من المتعة الروحيّة أن يعايش مجالس أئمّة وجهابذة القرنين الخامس والسادس ، ويتعلّم منهم عزّة العلماء وصبرهم وحرصهم على طلب العلم وتحصيلهم له.

ويرى الدقّة والأمانة في تفرقتهم بين سماع فلان وفلان ، ومن أين سمع هذا الأصل ، وأين انتهى سماعه وقراءته ، دون مجازفة بإثبات القراءة والسماع للأصل كلّه ... إلى أُمور كثيرة يمكن للناظر في هذا الأصل الأصيل الوقوف عليها والشرح لها علميّاً وتربويّاً ، ولو لا ضيق الوقت لأسهبت ، لكن لا بدّ

ص: 80

ممّا ليس منه بدّ ..

نبذة عن المخطوطة :

ونحن في ما يلي نذكر لك أيّها المحقّق الخبير والمطالع الكريم ، فهرستاًدقيقاً وشرحاً موجزاً عمّا ورد في هذه النسخة ، ثمّ نفصّل الكلام

- وإن كان الباحث اللبيب في التراث المخطوط يستغني بموجز الكلام :

1 - استنسخها وصحّحها وقابلها الشيخ محمّد بن الحسن بن محمّد ابن العبّاس نازويه القمّي.

2 - ابتدأ باستنساخها من أوائل شهر رجب وفرغ منها في يوم الأربعاء غرّة شهر شعبان من سنة 556 هجريّة بثغر جنزة.

3 - قابلها مع نسخة الأصل المنتسخ عنها - حين الاستنساخ مع الشيخ أبي الحسن علي بن أبي القاسم زيد البيهقي المعروف بابن فندق (ت 565ه) ، وفرغا من مقابلة الجزء الأوّل - وهو تمام كتاب الخطب وأوامره عليه السلام في 14 شهر رجب المرجّب من سنة 556 هجريّة بثغر جنزة ، وفرغا من مقابلة قسم الكُتُب(1) في 27شعبان من نفس السنة ، ومن تمام النسخة وتصحيحها في 5 شهر شوّال من نفس تلك السنة.

4 - ابتدأ نازويه القمّي بقراءتها على الشيخ قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت573ه) في منتصف شوّال من سنة 568 هجريّة - ظاهراً. م.

ص: 81


1- أي كُتُب أمير المؤمنين عليه السلام.

5 - وقابل نسختها مع نسخة السيّد أبي الرضا فضل الله بن علي الراوندي(ت570ه) ، ونقل حواشيها بأسرها إليها ؛ وذلك في ربيع الأوّل من سنة 571 هجريّة بمدينة قاسان.

6 - ابتدأ بقراءتها على السيّد أبي الرضا فضل الله الراوندي ، في غرّة شهر ربيع الأوّل من نفس السنة.

7 - فرغ من قراءتها على السيّد أبي الرضا فضل الله الراوندي في 22 شهر ربيع الأوّل من نفس السنة.

8 - أجازه السيّد فضل الله الراوندي في شهر ربيع الآخر من نفس السنة.

هذا سرد سريع لمسير النسخة في مدّة 15 سنة بين استنساخ وتصحيح ومقابلة وقراءة وتعليق عليها ، فتابِعنا أيّها الباحث الخبير في علم المخطوطات وتحقيق التراث حتّى نبيّن لك أصالة هذه المخطوطة ونفاستها وقيمتها العلميّة ..

نصوص الفوائد والإجازات والبلاغات :

نورد هنا أهمّ تلك الفوائد والإجازات والبلاغات والأسانيد التي كتبها

الناسخ والسيّد الراوندي بعين الترتيب الذي مرّ آنفاً وبعين ما ورد في المخطوطة من حيث شكل الكتابة وتعداد السطور :

ص: 82

1 و2 - نصّ إنهاء الناسخ في آخر الكتاب (الورقة : 101ب) :

«ووقَع الفَراغ من تحريره يَوم

الأربَعآ غرّة شَهر شعبان

- عظّم الله بركتَه من سنَة ست

وخَمسينَ وخَمس مائَة هجرية ، رحم الله كاتبَه الفقيرَ إلى رَحمة الله مُحَمّد بن

الحسَن بن مُحمّد ابن العَبّاس القمّي بثغر جنزة - حَماهَا الله تَعالى حَامداً

لربّه مصلّياَعلى نبيّه محمّد وآله وحَسْبُنَا الله وحده ، ه».

3 - نصّ الناسخ لمقابلة النسخة مع ابن فندق :

وقع في آخر كتاب الخطب وأوامره عليه السلام ، (الورقة : 64ب) على اليسار من

الصفحة ، قبل بَدْءِ الإضافات على النسخة :

«بلغت المقابلة بثغر جنزة في الرابع

عشر من رجب المبارك سنة ستّ وخمسين وخمسمائة مع الشيخ الأجلّ العفيف علي ابن أبي

القاسم - أدام الله سعادته».

وكتب ثانياً في آخر قسم الكُتُب (الورقة : 84ب) على اليسار من الصفحة أسفل البلاغ على السيّد الراوندي :

«بلغت التصحيح في السابع والعشرين من

شعبان سنة 6 و5 و5».

وكتب ثانياً في آخر صفحة من الكتاب (الورقة : 51ب) خلف

ص: 83

الصفحة على اليسار قبل نصّ المقابلة مع نسخة السيّد الراوندي :

«فرغنا من مقابلته وتصحيحه في الخامس

من شوّال سنة ستّ وخمسين وخمسمائة بجنزة».

4 - نصّ الناسخ لابتداء القراءة على القطب الراوندي :

وقع على ظهر الصفحة الأُولى منها (الورقة : 2أ) ، فوق الصفحة في الوسط :

«

.......................................................................(1) أبي

الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي منتصف شوّال سنة ثمان وستّين وخمسمائة هجريّة

، والله تعالى يسهّل قراءته بمنّه ولطفه».

5 - نصّ الناسخ في مقابلتها مع نسخة السيّد الرواندي :

وقع في آخر صفحة من الكتاب (الورقة : 51ب) خلف الصفحة على اليسار :

«قابلت نسختي هذه بنسخة المولى السيّد

الإمام الأجلّ العالم الزاهد ، ضياء الدين ، تاج الإسلام ، علم الهدى ، حجّة

الحقّ ، سلطان العلماء ، فخر آل رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أبي ص.

ص: 84


1- مع الأسف الشديد لقد ذهب السطر الأوّل من هذه الوثيقة المهمّة بالقص.

الرضا فضل الله بن علي الراوندي - أدام

الله ظلّه ، ونقلت حواشيها بأسرها إليها ، واجتهدت في تصحيحها ، فصحّ الجلّ إن

لم يصحّ الكلّ ؛ كتبه محمّد بن الحسن محمّد بن العبّاس نازويه ، في ربيع الأوّل

سنة إحدى وسبعين وخمسمائة هجريّة بمدينة قاسان حماها الله ، حامداً لله تعالى

ومصلّياً على محمّد وآله».

6 - نصّ الناسخ في ابتداء قراءة النسخة على السيّد الراوندي :

وقع على ظهر الصفحة الأُولى (الورقة : 2أ) ، فوق الصفحة على جهة اليسار :

«ابتدأتُ بقراءته على المولى السيّد ...(1)

الأجلّ ، العالم ، الزاهد ، ضياء الدين

...

علم الهدى ، حجّة الحقّ ، أبي الرضا

فضل الله بن علي ...

الحسني - دام ظلّه في غرّة ربيع الأوّل

سنة إحدى ...(2)

وخمسمائة هجريّة حامداً ومصلّياً ...».).

ص: 85


1- لقد وقع على هذا السطر القصّ أيضاً من هذه الوثيقة المهمّة ؛ لأنّه وقع على نهاية جهة اليسار كما ذكرناه.
2- يظهر في الصفحة حرف (س) من كلمة (سبعين).

7 - نصّ الناسخ لإنهاء قراءته على السيّد الراوندي :

وقع في آخر صفحة من الكتاب (الورقة : 51ب) خلف الصفحة على اليمين :

«فرغتُ من قراءته على المولى السيّد

الإمام ، الأجلّ ، العالم ، الزاهد ، العابد ، ضياء الدين ، تاج الإسلام ، علم

الهدى ، أبي الرضا فضل الله بن علي الحسني - أدام الله ظلّه في الثاني والعشرين

من ربيع الأوّل إحدى وسبعين وخمسمائة هجريّة».

8 - نصّ إجازة السيّد الراوندي للناسخ :

وقع على ظهر الصفحة الأُولى منها (الورقة : 2أ) في وسط الصفحة بخطّ ضخم :

«قرأَ عَلَيّ كتابَ نَهْج البلاغة من

أوّله إلى آخره ، وعارَضه بأصْلي الذي قرأتُ فيه وصحّحْتُهُ ، الشيخ الرئيسُ ،

الأجلّ ، الإمام ، الولد ، فخر الدين ، زين الإسلام ، شرف العلماء ، أبو

جعفرمحمّد بن الحسن بن محمّد ابن العبّاس نازويه وصل الله له سعادة الدنيا

بسعادة الآخرة ، ونقل حواشيه إلى نُسخته وصحَّحه وفتّش عن أسراره بارك الله له

فيه ورويته له عن السيّد السعيد المرتضى بن الداعي الحسني ، عن الشيخ أبي

عبدالله جعفر بن محمّد الدوريستي ، عن السيّد الرضي ذي

ص: 86

الحسَبين أبي الحسَن محمّد بن الحسين

بن موسى - رضي الله عنه. وعن شيخي الإمام أبي الفضل عبد الرحيم بن أحمد بن محمّد

بن الأُخوة البغدادي ، عن محمّد بن يحيى الناتِلي ، عن أبي نصر عبد الكريم بن

محمّد سبط بشر ، عنه - رضي الله عنه ؛ كتبه فضل الله بن علي الحسني أبو الرضا

الراوندي ، في شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وسبعين وخمس مائة ، حامداً لله تعالى

مصلّياً على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين».

وكتب الناسخ مواضع إنهاء مجالس القراءة من كلّ مجلس على السيّد فضل الله الراوندي بعبارات مختلفة نعرض عنها خوفاً من الإطالة ، وسيأتي البحث عن كيفية مجالس السماع والقراءة - إن شاء الله تعالى.

والآن نبحث عن حال كلّ واحد من هؤلاء المشايخ الذين خدموا هذه النسخة الشريفة بشكل موجز ؛ بدءاً من حياتهم ومروراً بعملهم وسعيهم في إيصال هذه المخطوطة إلينا بشكل علميّ دقيق.

ص: 87

صورة

ص: 88

صورة

ص: 89

صورة

ص: 90

صورة

ص: 91

الناسخ نازويه القمىّ :

هو محمّد بن الحسن بن محمّد بن العبّاس ، أبو جعفر ، نازويه ، القمّي(1).

قرأ على السيّد فضل الله والقطب الراونديَّيْنِ ، وأخذ عن الأوّل النهج وكتاب الاستبصار ، وعن الثاني النهج وشرحه.

لقد وصفه أُستاذه الإمام السيّد فضل الله الراوندي بأوصاف تدلّ على كبير مقامه وعظمة علميته وباهر شرفه ، فقد قال عنه : «الشيخ الرئيسُ ، الأجلّ ، الإمام ، الولد ، فخر الدين ، زين الإسلام ، شرف العلماء ، أبو جعفر محمّدبن الحسن بن محمّد بن العبّاس نازويه - وصل الله له سعادة الدنيا بسعادة الآخرة ...».

ومن النشاطات العلميّة المهمّة لشيخنا الناسخ هي كتابةُ وتصحيحُ نسخة كاملة في مجلّدين(2) من كتاب الاستبصار لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (460ه) لنفسه ، حيث فرغ من الجزء الأوّل منها في شهر صفر من سنة 569 هجريّة ، ثمّ قرأها على شيخه الإمام قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي (المتوفّى 573ه) ، في شهر ة.

ص: 92


1- كذا بخطّ أُستاذه المجيز السيّد الراوندي في إجازته ، وبخطّ نفسه في ترقيمة آخر الكتاب وأحد البلاغات بخطّه أيضاً.
2- باستثناء الجزء الثاني منها فإنّها بخطّ حيدر بن أبي الفضل بن الحسن المهيمن القاساني ، وفرغ منها في غرّة رجب المرجّب من سنة 569 هجرية.

5 ذي الحجّة و13 شوّال من سنة 570 هجريّة(1).

وهذه النسخة تعدّ أقدم نسخة من هذا الكتاب في مكتبات العالم(2) والتي شُرِّفت مكتبة العلاّمة الآية السيّد شهاب الدين المرعشي باقتنائها وتملّكها ، وهي محفوظة فيها برقم : 13678 و13679(3).

ومن النكات الطريفة في علاقات الكاتب نازويه القمّي العلميّة أنّه قابل نسخته من النهج مع الأصل المنتسخ منها مع الشيخ الإمام أبي الحسن علي بن أبي القاسم زيد البيهقي المعروف بابن فندق (المتوفّى 565ه) صاحب كتاب معارج نهج البلاغة وتاريخ بيهق المطبوعين ، وسيأتي موجز عن حياة ابن فندق إن شاء الله تعالى. ه.

ص: 93


1- فرغ نازويه من قراءة الجزء الأوّل منها على القطب الراوندي في 13 شوّال من سنة 570 هجريّة. وكتب في آخر نسخته ما هذا نصّه : «بلغت القراءة ولله الحمد ، ووقع الفراغ منه في الخامس من ذي حجّة سنة سبعين وخمسمائة ، قراءةً على الإمام قطب الدين شيخ الإسلام أبي الحسين الراوندي دام علاه ...».
2- كان معروفاً قبل العثور على هذه النسخة أنّ نسخة مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء بالنجف الأشرف هي أقدم نسخة من كتاب الاستبصار ؛ لأنّها استنسخت في 8 ذي القعدة الحرام من سنة 573 هجرية ، وهي بخطّ جعفر بن علي بن جعفر المشهدي (والد ابن المشهدي صاحب المزار الكبير) ، وقوبلت بنسخة الأصل التي بخطّ المؤلّف.
3- فهرست مخطوطات مكتبة السيّد المرعشي 34/583 ، 587. يلزم عليّ أن أتقدّم بجزيل الشكر والامتنان لسماحة حجّة الإسلام الدكتور السيّد محمود المرعشي - حفظه الله لمساعيه في اقتناء هذه الدرّة الفريدة ، وأنا واقف على كيفية تملّكها وشرائها ، وما يتعب فيه سماحته لذلك ؛ فلله درّه وعليه أجره.

عمله العلمي في هذه المخطوطة :

رحل الشيخ أبو جعفر نازويه القمّي - رضوان الله تعالى عليه لتحمّل نسخة مضبوطة من هذا التراث الغالي - كتاب نهج البلاغة إلى جنزة ، وهي معرّبة من غَزْنَة(1) من نواحي خراسان القديمة(2) ، فاستنسخ أوّلا نسخة منه هناك ، وقابلها مع الأصل المنتسخ عنها ثانياً ، وذلك بمساعدة ابن فندق البيهقي علي بن أبي القاسم (565ه) الثاني من شرّاح النهج ، والمطبوع شرحه باسم معارج نهج البلاغة ، والذي ألّف شرحه هذا قبل هذا التاريخ (556ه) بثلاث سنين - يعني في 13جمادى الأُولى من سنة 552ه- (3) ؛ وكانت المقابلة في أثناء عمل الاستنساخ ، حيث فرغ من استنساخ كلّ 0.

ص: 94


1- الصحيح غَزْنِين ؛ وهي مدينة عظيمة وولاية واسعة في طرف خراسان ، وهي الحدّ بين خراسان والهند ، وقد نسب إليها من لا يعدّ ولا يحصى من العلماء ، ومازالت آهلة بأهل الدين ولزوم طريق أهل الشريعة والسلف الصالح ، وهي كانت منزل بني محمود بن سُبُكْتكين إلى أن انقرضوا (قاله ياقوت الحموي في معجم البلدان 4/201). وغزنة الآن من بلاد أفغانستان وتعرف الآن بينهم ب- : (غزني) وهي مركز محافظة غزني ، وساكنيها أكثرها من الشيعة الإماميّة (انظر : فرهنگنامه تطبيقى نام هاى قديم وجديد مكان هاى جغرافيايى ايران ونواحى مجاور لعلي رضا چكنگي : 57).
2- لا يخفى أنّ ابن فندق كان رجلاً رحّالاً إلى أماكن مختلفة وأكثرها كانت من بلاد خراسان القديم ؛ منها : مرو ، وششتمذ ، وسرخس ، ونيسابور ، ونوقان ، وطوس ، والريّ (انظر مقدّمة معارج نهج البلاغة : 70 - 74).
3- معارج نهج البلاغة : 900.

الكتاب في غرّة شهر شعبان من سنة 556 هجرية ، ومن مقابلة الخطب منها مع ابن فندق في 14 شهر رجب من نفس السنة (يعني قبل تاريخ الإتمام ب- : 16يوماً) ، ومن الكتب في 27 شعبان من نفس السنة ، وأكمل المقابلة معه في 5شوّال من نفس السنة أيضاً (يعني بعد إكمال الاستنساخ بشهر وخمسة أيّام) ؛ وهذا نصّ مقابلته مع ابن فندق في آخر الخطب :

«بلغت المقابلة بثغر جنزة في الرابع

عشر من رجب المبارك سنة ستّ وخمسين وخمسمائة مع الشيخ الأجلّ العفيف علي ابن أبي

القاسم - أدام الله سعادته».

ونصّ إنهاء المقابلة في آخر الكتب :

«بلغت التصحيح في السابع والعشرين من

شعبان سنة 6 و5 و5ه».

ونصّ إنهاء المقابلة في آخر الكتاب :

«فرغنا من مقابلته وتصحيحه في الخامس

من شوّال سنة ستّ وخمسين وخمسمائة بجنزة».

ونحن نحتمل قويّاً أنّ نازويه القمّي أخذ نسخته عن نسخة ابن فندق البيهقي أو قابل نسخته مع نسخته ؛ ولذا عقدنا فيما يلي فصلا خاصّاً بحياته

ص: 95

وتكلّمنا فيه عن قيمة نسخة ابن فندق.

هذا ؛ وكأنَّ نازويه القمّي أراد زيادة تصحيح نسخته من النهج ، فأخذ بقراءتها وتصحيحها على الشيخ الإمام قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي(573ه) شارح النهج المطبوع باسم منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة. حيث كتب بخطّه على ظهر الصفحة الأُولى منها تاريخ بداية قراءتها عليه ، ولكنّا ما عثرنا على تواريخ ونصوص أُخر غير هذا تدلّنا على تاريخ نهاية القراءة.

ولا يخفى أنّه ورد في الصفحة الأخيرة من هذه النسخة خطوط ؛ أحدها : وقع بين نصوص القراءات والمقابلات من السيّد الراوندي وابن فندق ، وثانيها : على جهة اليمين من الصفحة ، بخطّ ضخم كبير ، وقد لُصقت عليهما ورقتان ؛ إمّا لتضييع المكتوب أو لترميم النسخة ، ولعلّ أحدهما كان علامة إنهاء القراءة على القطب الراوندي.

وخطّ ثالث كان بعد مرور 15 سنة من كتابة النسخة ، حيث قابلها مع نسخة السيّد فضل الله الراوندي ، وأخيراً قرأها عليه من أوّلها إلى آخرها وأخذشرحها عن السيّد رحمه الله.

هذا تمام ما خدم به نازويه النسخة الشريفة من النهج ، وفي ما يلي موجزعن حياة ابن فندق البيهقي المساعد له في تصحيح ومقابلة النسخة في المرحلة الأُولى.

ص: 96

سطور من حياة ابن فندق البيهقي(1) :

هو أبو الحسن علي بن أبي القاسم زيد ، ينتهي نسبه إلى خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2).

يلقّب ب- : فريد خراسان ، ظهير الدين ، حجّة الدين.

وينسب ب- : الأوسي ، والأنصاري ، والبيهقي.

ويعرف ب- : فريد خراسان ابن فندق البيهقي.

ووالدته حافظة للقرآن وعالمة بوجوه تفاسيره.

ولد حدود سنة 493 هجريّة ، في قرية ششتمذ من قرى سبزوار من ناحية بيهق ، وتوفّي في سنة 565 أو 570 هجريّة.

مشارك في جملة من العلوم ، متضلّعاً بها ، متمكّناً منها ، مصنّفاً فيها ؛ كاللغة العربيّة وآدابها ، وعلوم القرآن ، والفقه ، والأُصول ، والفلسفة ، والكلام ، والفلك والتنجيم ، والتأريخ ، والرياضيات (الحساب) ، والأنساب .. وغيرها. وله في كلّ منها عدّة مؤلّفات.

وأخذ عنه محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (588ه). 5.

ص: 97


1- ترجم نفسه في تاريخ بيهق فيما كتبه عن نفسه وأُسرته ، وترجمه أحمد بهمنيار ومحمّد قزويني في مقدمتيهما لتاريخ بيهق ، والعلاّمة الطهراني في طبقات أعلام الشيعة (الثقات العيون في سادس القرون) 3/189 ، والسيّد المرعشي في مقدّمة لباب الأنساب وسمّاه (كشف الارتياب في ترجمة صاحب لباب الأنساب والأعقاب والألقاب) ، ودانش پژوه في مقدّمة معارج نهج البلاغة ، وأسعد الطيّب في المطبوع من المعارج : 95.
2- انظر تاريخ بيهق له : 2 ، ومعارج نهج البلاغة له أيضاً : 95.

نشاطه العلمي حول نهج البلاغة :

لمّا كان ابن فندق البيهقي مشهوراً بأدبه وبخبرته في اللغة العربيّة وبحفظه الأشعار والأمثال ، ورأى أنّ كتاب نهج البلاغة :

«مملوء من ألفاظ يتهذّب بها المتكلّم ،

ويتدرّب بها المتعلّم ؛ فيه من القول أحسنه ، ومن المعاني أرصنه ؛ كلام أحلى من

نَغَم القِيان ، وأبهى من نعم الجِنان ؛ كلام مَطلعُه كسُنّةِ البدر(1) ،

ومَشْرَعُه مَورِد أهل الفضل والقَدْر ، وكلماتٌ وَشْيُها حِبَر(2) ،

ومعانيها فِقَر(3) ، وخُطَبٌ مقاطعها غُرَر ،

ومبادؤها دُرَر ؛ استعاراتُهاتحكي غمزات الألحاظ المِراض(4) ،

ومواعظها تعبِّر عن زَهرات الرياض ، جمع قائل هذا الكلام بين ترصيع بديع ،

وتجنيس أنيس ، وتطبيق أنيق»(5).6.

ص: 98


1- سنّة الشيء : صورته.
2- الحبر : جمع الحِبَرَة ، وهي البرد اليماني.
3- الفِقْرَة : أجود بيت في القصيدة ، وجمعه الفِقَر.
4- المِراض : جمع المريضة ، وهي صفة للعين التي فيها فتور ، وذلك من جمالها الذي هام بذكره الشعراء.
5- هذا نصّ كلامه في مقدّمة كتابه معارج نهج البلاغة : 96.

اهتمّ بقراءة كتاب نهج البلاغة على شيوخ عصره وحفظه عنهم ، فقرأه في سنة 516 هجرية على الشيخ الإمام الأديب الحسن بن يعقوب بن أحمدالقارئ النيسابوري (المتوفّى سنة 517ه) ؛ ورواه عنه ، وسمعه أيضاً عن والده الإمام أبي القاسم زيد ، وكلاهما رويا كتاب النهج عن الشيخ جعفر بن محمّد الدوريستي (من أعلام القرن الخامس الهجري) ، وكذا سمع بعض الكتاب عن رجال له ؛ وقال - رحمه الله في مقدّمة المعارج ما نصّه :

«قرأتُ كتاب نهج

البلاغة على الإمام الزاهد الحسن بن يعقوب بن أحمد القارئ

... في شهور سنة ست عشرة وخمسمائة ، وخطّه شاهد لي بذلك ، والكتاب سماع له عن

الشيخ جعفرالدوريستي المحدّث الفقيه. والكتاب بأسره سماع لي عن والدي الإمام أبي

القاسم زيد بن محمّد البيهقي ، وله إجازة عن الشيخ جعفر الدوريستي ، وخطّ الشيخ

جعفر شاهدُ عدل بذلك وبعض الكتاب سماع لي عن رجال لي رحمة الله عليهم».

ولم يكتف رحمه الله بذلك بل ألّف شرحاً لغويّاً أدبيّاً ، وأكثر فيه الاستدلال والاستشهاد بالأشعار والأمثال ، وسمّاه ب- : معارج نهج البلاغة ، كما اعتمد فيه على شرح الإمام الوبري أحمد بن محمّد الخوارزمي (من أعلام القرن

ص: 99

السادس) وهو أوّل شارح لكتاب النهج ، ونقل عنه في أكثر من سبعين مورداً ، وجعله جزأين ، فرغ من أوّلهما في التاسع من ربيع الآخر سنة 552 هجرية ، ومن ثانيهما 13 جمادى الأُولى سنة 552 هجرية.

ويعتبر شرحه هذا أوّل شرح موجود بين أيدينا من شروح النهج الكثيرة ، ووصلت إلينا نسخة فريدة منه ، محفوظة في المكتبة الرضويّة - على صاحبها آلاف التحيّة والسلام بمشهد المقدّسة ، وطبع محقّقاً عليها بحمد الله تعالى(1).

قيمة نسخة ابن فندق من النهج :

سلف آنفاً أنّ شيخنا الأديب ابن فندق البيهقي سمع وقرأ وروى م.

ص: 100


1- قال سيّد المحقّقين العلاّمة عبد العزيز الطباطبائي اليزدي رحمه الله : «منه مخطوطة فريدة ... كتبهاالتاج الكرماني وفرغ منها 14 صفر سنة 705 ه- ، كما جاء في نهاية الجزء الأوّل. ولكن المخطوطة فيما يبدو أجد من هذا ، وربّما كتبت في القرن التاسع أو العاشر على نسخة التاج الكرماني ، وهذا التاريخ للمنتسخ منه ، وهي نسخة خالية عن الإعجام ، صعبة القراءة ... طبع حتّى الآن طبعة واحدة سنة 1409ه- من منشورات مكتبة المرعشي في قم ، بتحقيق الأُستاذ محمّد تقي دانش پژوه ، الخبير الماهر في هذا الفنّ ، والله يعلم ما قاسى في قراءته وتصحيحه حتّى بلغ به إلى هذه المرحلة ، ولولاه لم ينشر الكتاب ، فكم أقدموا على تحقيقه وأحجموا ، وقد بقي الكتاب بحاجة إلى جهد مستأنف لتصحيح أخطائه ويكمل تحقيقه ، قيّض الله في العاملين من يقوم به ، إنّه وليّ التوفيق». ثمّ طبع الكتاب مرّة أُخرى بتحقيق أسعد الطيّب في قم المقدّسة ، بطلب من السيّد الطباطبائي عنه وإعطائه النسخة الخطّيّة من هذا الكتاب ومتابعته للعمل فيه ، ولكنّه طبع بعد ماانتقل السيّد إلى رحمة الله تعالى فحشره الله مع مولاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

كتاب نهج البلاغة عن والده أبي القاسم زيد ، والشيخ الأديب الحسن بن يعقوب بن أحمد النيسابوري ، وهما بدَوْرِهما أخذاه وروياه عن الشيخ جعفرالدوريستي وطريقه متّحد مع أحد طرق نسختنا هذه ؛ فحريّ هنا أن نذكر مشايخ ابن فندق في رواية النهج ومقامهم العلمي وقيمة روايتهم وقراءتهم لكتاب النهج.

والده أبو القاسم زيد :

يقول ولده في تاريخ بيهق : «وأمّا والدي الإمام السعيد شمس الإسلام زيد بن محمّد ، فقد كانت ولادته في يوم عيد شوّال سنة 447 ه- ، ووفاته في يوم الخميس 27 جمادى الآخرة سنة 517 ه- ، وقضى أكثر من عشرين سنة في بخارى وتوطّن هناك واختلف إلى العلماء ، وكان له من أنواع العلوم حظّ وافر. ومن أساتذته هناك في تلك الأيّام : الإمام أبو بكر محمّد ابن أحمد بن الفضل الفارسي ، والإمام أبو عبد الله الحسين بن أبي الحسن الكاشغري الملقّب بالفضل ، والإمام الزاهد شمس الأئمّة أبو بكر محمّد بن أبي سهل السرخسي ، والسيّد الإمام أبو بكر محمّد بن علي بن حيدر الجعفري ...»(1).

الأديب الحسن بن يعقوب النيسابوري :

ترجمه تلميذه السمعاني في معجم شيوخه ، وقال عنه : 4.

ص: 101


1- تاريخ بيهق : 104.

«أبو بكر ، الحسن بن يعقوب بن أحمد بن محمّد بن أحمد النيسابوري ، الأديب ، من أهل نيسابور.

كان شيخاً فاضلا ، نظيفاً ، مليح الخطّ ، مقبول الظاهر ، حسن الجملة ، ووالده الأديب صاحب التصانيف الحسنة ، وكان أُستاذ أهل نيسابور في عصره ، وكان غالياً في الاعتزال ، داعياً إلى الشيعة(1).

سمع أباه أبا يوسف يعقوب بن أحمد بن محمّد الأديب ، وأبا نصر عبدالرحمن بن محمّد بن أحمد بن الحسين بن موسى التاجر ، والسيّد أبا الحسن محمّد بن عبيد الله الحسيني المعروف بنو دولت ، وأبا سعيد مسعود ابن ناصر بن أبي زيد السجزي الحافظ ، وجماعة سواهم.

وكان قد كتب الحديث الكثير بخطّه ، رأيتُ كتاب الولاية لأبي سعيد مسعود بن ناصر السجزي وقد جمعه في طرق هذا الحديث : من كنت مولاه فعلي مولاه بخطّه الحسن المليح ، وكتب إليّ الإجازة بجميع مسموعاته ، وخطّه عندي بذلك في جمادى الأُولى سنة 507 ، وكانت وفاته في المحرّم سنة517 ...»(2). 6.

ص: 102


1- وقوله : «غالياً في الاعتزال» لا ينافي كونه : «داعياً في التشيّع» ؛ فانّ المراد بالاعتزال هنا موافقة المعتزلة في بعض الأُصول المعروفة لا موافقتهم في الإمامة وغيرها ، ومن هنا نسبوا جماعة من الشيعة إلى الاعتزال حتّى نسبوا السيّد المرتضى رأس الشيعة إلى ذلك (أعيان الشيعة للسيّد الأمين 5/393).
2- معجم شيوخ السمعاني ، الورقة : 85 ب وعنه في معجم أعلام الشيعة 1/164/196.

ووصفه تلميذه الآخر ابن فندق ، وقال : «هو وأبوه في فلك الأدب قمران ، وفي حدائق الورع ثمران».

وقال عنه ياقوت الحموي (626ه) : «الأديب ابن الأديب ، كان أُستاذ أهل نيسابور في عصره ، كان عالماً في الاعتزال ، داعياً إلى الشيعة ، رأيتُ شيئاً من خطّه وصورة سماع تاريخه سبع عشرة وخمسمائة ، وفيها مات»(1).

وقد أخبرنا ياقوت نفسه عن خطّه وصورة سماعه هذا في غير هذا الموضع ، وذلك يرشدنا إلى مدى اهتمام الأديب النيسابوري بالأدب والكتب الأدبيّة ومدى قيمة سماعته وإسماعاته على النسخ عند مثل ياقوت الحموي ، وأنا سأذكر هذه النصوص فيما يلي إن شاء الله تعالى.

الأديب يعقوب بن أحمد النيسابوري :

أبو يوسف ، يعقوب بن أحمد بن محمّد القارئ النيسابوري والكردي الأصل ؛ ترجمه جمع من أصحاب التراجم وأصحاب كتب الطبقات من الأُدباء ؛ س.

ص: 103


1- معجم الأُدباء 3/1027 بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس.

منهم : أُستاذه الخاصّ به أبو منصور الثعالبي (429ه) ، الذي قال عنه في يتيمة الدهر : «أبو يوسف ، يعقوب بن أحمد بن محمّد - أيّده الله : قد امتزج الأدب بطبعه ، ونطق الزمان بلسان فضله ، ولئن أحوجه الزمان إلى التأديب على كراهيته إيّاه وتبرّمه به لارتفاع محلّه عنه ، إنّ له أُسوة في المؤدّبين الذين بلغوا معالي الأُمور وبَعُدَ صيتهم بعد الخمول : كالحجّاج بن يوسف ، وعبد الحميد بن يحيى ، وأبي عبيد الله الأشعري كاتب المهدي ، وأبي زيد البلخي ، وأبي سعيد الشيبي ، وأبي الفتح البُستي وغيرهم ، وأليق قول البختري بحاله :

مواعدُ للأيّامِ فيه ورغبتي

إلى الله في إنجازِ تلكَ المواعِدِ

وكذلك قول ابن الرومي :

أما ترى المِسكَ بينا هُوْ على حَجَر

يُذِلُّه كُلّ ذلّ فِهْرُ عَطّارِ

إذ بلّغته صُروفُ الدهرِ غايَتَهُ

فحلَّ منزلةً من رأسِ جبّارِ

وله نثر حسن وشعر بارع ... [ثمّ ذكر عدّة من أشعاره]»(1).

وقال الباخرزي : «لا أعرف اليوم من ينوب منابه في أُصول الأدب محفوظاً ومسموعاً ، حتّى كأنّه قرآن أُوحي إليه مفصلا ومجموعاً ، فتأليفاته للقلوب مآلف ، وتصنيفاته في محاسن أوصافها وِصافُ وصائِف ، والكتب 1.

ص: 104


1- يتيمة الدهر 5/201.

المنقّشة بآثار أقلامه تذري بالروض الضاحك غب بكاء رهامه ...»(1).

وكذا ترجمه أبو الحسن الفارسي في المختصر من كتاب السياق لتاريخ نيسابور ، وقال عنه : «الأديب البارع الكردي اللغوي ، أبو يوسف أُستاذالبلد وأُستاذ العربيّة واللغة ، شيخ معروف مشهور ، كثير التصانيف والتلامذة ، مبارك النفس ، جمّ الفوائد والنكت والطرف.

قرأ الأُصول على الحاكم أبي سعد ابن دوست وعلى غيره ، وصحب الأمير أبا الفضل الميكالي ، ورأى العميد أبا بكر القهستاني.

وقرأ الحديث على المشايخ ، وكان متواضعاً ، خفيف المعاشرة ، كثير المخالطة للأُدباء ، سهل النظم والنثر ، له مكاتبات وإخوانيّات نظماً ونثراً.

توفّي في رمضان سنة أربع وسبعين وأربعمائة.

حدّث عن أبي القاسم السرّاج ، وابن فنجويه ، والأُستاذ أبي الحسن الفارسي ، والقاضي أبي بكر الحيري ، وطبقة أصحاب الأصم ؛ فمن أشعاره ...»(2).

وترجمه الفيروزآبادي في البُلْغة ؛ فقال : «شيخ وقته في النحو واللغة والآداب ، كثير التصانيف والتلاميذ»(3).

وقال القاضي ابن شُهْبة الدِّمَشقي (851ه) : «له نظم وتصانيف 0.

ص: 105


1- دمية القصر : 190 ، وحكاه أيضاً المحقّق الطباطبائي في (نهج البلاغة عبر القرون) المطبوع في عدّة حلقات في مجلّة تراثنا ، العدد 34 : 68.
2- كتاب السياق لتاريخ نيسابور : 428/2321 ، وانظر : بغية الوعاة : 418.
3- البلغة في تراجم أئمّة النحو واللغة : 317/410.

وفوائد ونكت وطرف ، نسخ بخطّه الحسن وصحّح الأُصول»(1).

ومن تلامذته شيخ الأفاضل وأعجوبة زمانه وآية أقرانه(2) ، الأديب أبو الحسن علي بن أحمد الفنجكردي (المتوفّى 513ه) وصاحب القصيدة المعروفة في مدح كتاب نهج البلاغة وديوان سلوة الشيعة في أشعار أميرالمؤمنين عليه السلام ، وأبو الفضل أحمد بن محمّد الميداني (المتوفّى 518ه) صاحب كتاب جامع الأمثال والسامي في الأسامي.

وليعقوب بن الحسن مؤلّفات كما في نصوص من ترجمه ، والموجود والمطبوع منها كتاب تتمّة بيان العروض(3) ، والبلغة في اللغة(4) وهو كتاب معروف مشهور.

وله أيضاً كتاب جونة الندّ ؛ وهو مجموع جمع فيه أشعار نفسه وأشعاراً من شعر أهل عصره ومن تقدّمه. ظفر بنسخة الأصل بخطّ المصنّف ياقوت الحموي (626ه) ، وذكر عنها ما كتبه أبو عامر الجرجاني - صاحبن.

ص: 106


1- طبقات ابن قاضي شهبة : 539 ، وكنيته فيه : (أبو سعد) ، وعنه الزِّرِكْلي في الأعلام 8/194.
2- هذا نصّ ياقوت في ترجمة الفنجكردي في معجم الأُدباء 4/1664.
3- طبع بتصحيح وشرح الشيخ قيس بهجت العطّار ، عام 1417 هجريّة.
4- قال عنه حاجي خليفة كشف الظنون 1/253 : البلغة في اللغة لأبي يوسف ... ولمحمّد بن أحمد ابن محمّد أيضاً جعله مجدولا وأورد الألسنة الأربع في مادة العربي والفارسي والتركي والمغولي. وانظر : هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي 2/544. وطبع بتصحيح مجتبى مينوي وفيروز حريرچي عام 1355 شمسيّة في بنياد فرهنگ إيران طهران.

عبدالقاهر الجرجاني النحوي من أشعار يعقوب بن أحمد هذا ، وقرأه عليه وسمع معه ابنه الحسن(1).

نصوص بعض سماعاتهما :

ذكرنا أنّ ياقوت الحموي أخبر برؤية بعض خطوط الحسن بن يعقوب في ترجمته ، وهنا نقول : إنّه أورد نصوصها في موضع آخر ، وحريّ بأن نوردها هنا مع العلم بإطالة الكلام ؛ لأنّها لها علاقة مباشرة بمقدّمتنا هذه ، حيث نستطيع من هذا المنطلق معرفة جلالة قَدْر هذا العالم وأبيه وقيمة روايتهما للنهج.

فمنها : ما يُستدلّ به على إثبات أنّ كتاب صحاح اللغة للجوهري صنّف بتمامه بيد المؤلّف ، حيث ذكر ياقوت إجازةً مشرقةً نفيسةً على نسخة من كتاب الصحاح بخطّ الأديب الحسن بن يعقوب النيسابوري ؛ وهذا نصّ ماذكره ياقوت :

«ووجدتُ على ظهر (كتاب الصحاح) وكانت

مجلّدة واحدة كاملة بخطّ الحسن بن يعقوب بن أحمد النيسابوري اللغوي الأديب ما

صورته :

«قرأ عليَّ هذا الكتابَ من أوّله إلى

آخره ، بما على حواشيه منة.

ص: 107


1- ذكرت هذا في تعليقاتي على الذريعة.

الفوائد ، معارضاً بنسختي مصحّحاً

إيّاها ، صاحبُهُ الفقيهُ الفاضلُ السديدُ الحسين بن مسعود الصرام ، بارك الله

له فيه ، وهو أجازَهُ لي عن الأُستاذ أبي منصور عبد الرحيم بن محمّد البيشكي(1) ،

عن المصنّف ، وكتبه الحسن بن يعقوب بن أحمد في شهر الله الأصم سنة إحدى وسبعين

وأربعمائة»(2).

ومنها : ما ذكره في ترجمة أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي صاحب كتاب ديوان الأدب ، وخال الجوهري صاحب كتاب صحاح اللغة ، حيث حاول أن يردّ ياقوتُ القاضي القفطيَّ في ما كتبه إليه من أنّ هذا الكتاب ديوان الأدب(3) صنّف في زبيد اليمن ولم يُروَ ولم يُسمَع من مؤلّفه الفارابي ، ولذا وصف ياقوت نسخة شاهدها من هذا الكتاب ، عليها سماعات كبار مشايخ الأدب لروايتها ؛ وهذا نصّ ياقوت في ما شاهده(4) بتقديم وتأخير بين العبارات :

[قراءة الجوهري الكتاب على شيوخه] :0.

ص: 108


1- ومن طرائف الإجازات أنّ النيسابوري يروي الصحاح عن البيشكي هذا ، وهو الذي صنَّف الجوهري له هذا الكتاب (انظر ترجمته في المختصر من السياق : 133 ومعجم الأُدباء2 /660).
2- معجم الأُدباء 2/660 - 661.
3- طبع الكتاب في أربعة أجزاء بتحقيق الدكتور أحمد مختار عمر (القاهرة 1974).
4- معجم الأُدباء 2/618 ، 620.

قرأتُ بخطّ الشيخ أبي نصر إسماعيل بن

حمّاد الجوهري الفارابي السوي ، قال :

«قرأته [يعني كتاب ديوان الأدب] على

أبي السري محمّد بن إبراهيم الأصبهاني بأصبهان ، ثمّ عرضتُه على القاضي أبي سعيد

السيرافي ببغداد».

إلى أن يقول :

[قراءة ابن دوست على الجوهري] : (1)

بخطّ الجوهري في آخر الثلث الأخير من

نسخة الحاكم :

«قرأ عليَّ أبو سعد عبد الرحمن بن

محمّد بن محمّد بن عزير هذا الكتاب من أوّله إلى آخره ، وصحّحته له.

وكتبه إسماعيل بن حمّاد الجوهري».

[قراءة يعقوب بن أحمد النيسابوري على

ابن دوست] :

«سمعه منّي بلفظي وصحّحه عرضاً بنسختي

صاحبه أبو يوسف يعقوب بن أحمد ، وفرغ منه في ذي القعدة سنة تسع وعشرين وأربعمائة

، وكتب عبد الرحمن بن محمّد بن دوست بخطّه».

[تصريح آخر بخطّ النيسابوري] : 5.

ص: 109


1- ترجمه أبو الحسن الفارسي في السياق ، انظر في منتخبه : 203/1974 ، وكذا لاحظ : دمية القصر : 360 ، إنباه الرواة 2/167 ، يتيمة الدهر 4/425.

وجدت بخطّ الإمام أبي يوسف يعقوب بن

أحمد النيسابوري اللغوي على كتاب «ديوان الأدب» بخطّه(1) :

«سمعت هذا الكتاب من أوّله إلى آخره عن

الحاكم أبي سعد عبدالرحمن بن محمّد بن دوست بقراءته إيّاه علينا ، وذلك بنيسابور

في شهور سنة تسع وعشرين وأربعمائة ، قال : قرأت على الشيخ أبي نصر إسماعيل بن

علي أبي السري محمّد بن إبراهيم الأصبهاني ، ثمّ عرضته على القاضي أبي سعيد

السيرافي ببغداد وقرأه جماعة كثيرة ورووه».

[قراءة أبناء النيسابوري عليه] :

وعلى النسخة أيضاً في موضع آخر :

«سمعه منّي ولداي علي والحسن من أوّله

إلى آخره بقراءتي إيّاه إلاّ أوراقاً قرأها الحسن بنفسه عليَّ ، وصحّ سماعهما ،

والله تعالى يبارك لهما فيه ويوفّقهما لصالح الأعمال ، وكتب أبوهما يعقوب بن

أحمد غرّة المحرّم سنة خمس وخمسين وأربعمائة».

«ثمّ قرأه عليَّ ولدي الحسن قراءةَ بحث

واستقصاء من أوّله إلى آخره بما على حواشيه من الفوائد وشرح الأبيات في شهورع.

ص: 110


1- الظاهر أنّ ياقوت وجد هذه العبارة على غير هذه النسخة كما نقلها في آخر العبارات ؛ فراجع.

سنة ثلاث وستين وأربعمائة».

[ردّ ياقوت على القفطي] :

«قال مؤلّف الكتاب : فهذا مع وضوحه

وكون هؤلاء المذكورين مشهورين معروفين ومعرفتي بالخطوط الموجودة على النسخة

كمعرفتي بما لا أشكّ فيه ، ويبطل ما كتب إلينا القاضي القفطي ...».

الأديبان النيسابوريّان ونهج البلاغة :

يظهر لي - مما راجعتُ من المعاجم والفهارس وكتب التراجم والإجازات والأثبات أنّ الأديب النيسابوري الوالد يعقوب بن أحمد أوّل من جاء بنسخة من كتاب نهج البلاغه إلى نيسابور وأشاعها ورفع ذكرها فيها ورواها وقرأها على تلامذته ونشرها في المشرق الإسلامي(1).

وكان رحمه الله معاصراً للسيّد الرضي ويعتبر من طبقة تلامذته ، ويستفاد من بعض القرائن أنّ له يداً طويلة في ترويج وتعليم نهج البلاغة في القرن الخامس في هذه المنطقة من الدول الإسلاميّة - أعني خراسان وما حولها من بيهق ونيسابور وسبزوار وخوارزم وهراة وسرخس والتي كانت أعظم مركزعلمي أدبيّ بين المدن الإسلاميّة ، والظاهر أنّ عمله هذا قوبل بالحَسَد من ).

ص: 111


1- انظر : مجلّة ميراث جاويدان ، العدد 25 و26 ، الصفحة 23 ، وكذا لاحظ : مجلّة تراثنا ، العدد34 ، الصفحة 68 (الهامش).

يَرُقْهُ بعض ما في هذا الكتاب العظيم من مضامين عالية سامية ؛ وذلك يظهر بوضوح من قصيدة أنشدها هو في مدح كتاب النهج ؛ يقول فيها :

نَهْجُ البَلاغَةِ نَهْجٌ مَهْيَعٌ جَدَدُ

لِمَنْ يُرِيدُ عُلُوّاً مَا لَه أَمَدُ

يا عادِلا عَنْهُ تَبْغِي بِالْهَوَى رَشَداً

اعْدِلْ إِلَيهِ فَفِيهِ الخَيرُ وَالرَّشَدُ

وَاللهِ وَاللهِ إِنَّ التَّارِكيهِ عَمُوا

عَنْ شَافِياتِ عِظات كُلُّها سَدَدُ

كَأَنَّها العِقْدُ مَنْظُوماً جَواهِرُها

صَلَّى عَلَى ناظِمَيْها رَبُّنا الصَمَدُ

ما حالَهُمْ دُونَها إنْ كُنْتَ تُنْصِفُنِي

إِلاَّ الْعُنُودُ وَإلِاَّ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ(1)

وجرى مجرى أبيه ابنُهُ الحسن بن يعقوب ، حيث اقتدى بوالده رحمه الله ، وكان - كوالده يدرّس نهج البلاغة ويرويه ويقرؤه على طلاّبه ؛ وله أيضاً نظمٌ في مدح النهج أنشده لتلميذه صاحب معارج نهج البلاغة ابن فندق البيهقي ؛ وهذا نصّه :

نَهْجُ الْبَلاغَةِ دُرْجٌ ضِمْنُهُ دُرَرٌ

نَهْجُ الْبَلاغَةِ رَوْضٌ جَادَهُ دِرَرُ

نَهْجُ الْبَلاغَةِ وَشْيٌ حاكَهُ صَنَعُ

مِنْ دُونِ مَوشِيّه الدِّيباج وَالحِبَرُ

أَو جَوْنَةٌ مُلِئَتْ عِطْراً إِذا فُتِحَتْ

خَيْشُومَنا فَغَمَتْ رِيحٌ لَها ذَفَرُ

صَدَقْتُكُمْ سادَتِي وَالصِّدْقُ عادَتُنا

وَإِنَّهُ خَصْلَةٌ ما عَابَهَا بَشَرُ

صَلَّى الإِلهُ عَلَى بَحْر غَوَارِبُهُ

رَمَتْ بِهِ نَحْوَنا ما لألأَ القَمَرُ(2)).

ص: 112


1- مجلّة تراثنا ، العدد 34 ، الصفحة 74 (في رحاب نهج البلاغة : 4).
2- مجلّة تراثنا ، العدد 34 ، الصفحة 68 (في رحاب نهج البلاغة : 4).

وليس غريباً على هذين العلمين الأديببين والخبيرين البارعين في اللغة والشعر والأدب - يعقوب بن أحمد ، وابنه الحسن بن يعقوب النيسابوريّين أن يهتمّوا بكتاب نهج البلاغة ؛ لأنّهما عاشا في هذا الجوّ والمجال الأدبيّ وتخصَّصا فيه ، وكتاب نهج البلاغة هو لإمام الأُدباء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه آلاف التحيّة والسلام).

وقد ترعرع ابن فندق البيهقي تلميذ أُدباء مدرسة نيسابور في هذا الجوّ الأدبي الشيعي ، فاشتغل بالتعليم والتعلّم في هذا الجوّ المعطّر بأريج التشيع والأدب الشيعي ، واقتدى بأُستاذه النيسابوري الابن ، فانتخب أفضل التراث الأدبي الشيعي وأحسنه ألا وهو كتاب نهج البلاغة ، ورواه عن مشايخه وصحّحه وقابله وبعدها شَرَحَهُ ، وعلى إثر ذلك كثرت نسخ النهج وشروحه في المشرق الإسلامي قبل سائر المدن ؛ فشرحه الإمام الوبري الخوارزمي ، وابن فندق البيهقي ، وابن الناصر السرخسي ، وقطب الدين الكيدري البيهقي ، والفخر الرازي .. وغيرهم من علماء نيسابور وما حواليها في القرن السادس والسابع الهجريين.

ولأجل ذلك رحل نازويه القمّي من قم المقدّسة إلى نيسابور لأخذ نسخة من كتاب النهج برواية هؤلاء الجهابذة والأُدباء الكبار.

ومن هذا المنطلق نحن نجد ونقرأ تأثيرات هذه الدراسات والتعليمات الشيعيّة لهذا الجيل الأدبي في نيسابور العظمى على بعض نسخ كتاب نهج البلاغة ؛ فهناك عدّة نسخ خطّيّة استنسخت على نسخ هذه الرقعة

ص: 113

المباركة ؛ فمنها :

(1) نسخة عتيقة قيّمة من كتاب النهج ، وهي في غاية الأهمّيّة ، من مخطوطات القرن الخامس أو السادس الهجري ، سقطت منها أوراقها الأخيرة فأُكملت فيما بعد فذهب تاريخها ، وعلى الورقة الأُولى(1) شهادة بخطّ الحسن بن يعقوب النيسابوري ؛ وهذا نصّها :

«عارضه بنسختي صاحبُهُ الفقيهُ السديد

سهل بن أمير الرقاقي ، وصحّحه بجهد ، والله تعالى يمتعه به وبغيره ، وهذا خطّ

الحسن بن يعقوب بن أحمد في جمادى الآخرة سنة ثلاث).

ص: 114


1- كانت النسخة هذه في أوّل الأمر في مكتبة الخطيب الحجّة السيّد علي آتشي اليزدي - دام ظلّه- في مدينة يزد ، وحصلنا على مصوّرتها في حينها من مكتبة السيّد المرعشي في قم المقدّسة (فهرست مصوّرات مكتبة السيّد المرعشي 2/476 ، 993) ، ثمّ انتقل أصلها إلى مكتبة معهد إحياء التراث الإسلامي في قم ، وهي محفوظة فيه برقم : 508 ، وذكرت في فهرسه2 /127. وأخيراً طُبِعت هذه النسخة على الأُوفسيت (فاكسيميلة) بإشراف مركز البحوث والدراسات للتراث المخطوط في طهران في سنة 1431ه- ، بتقديم : الدكتور محمّد مهدي الجعفري وبمساعدة : الشيخ محمّد بركت ؛ فلله درّهم على ما صنعوا. ويلاحظ أنّ هذا الخطّ جاء على ظهر الصفحة الأُولى من المخطوطة ولكنّه أُلصقت بأعلى هذا الخطّ وأسفله أوراق فلم ندرأهذا نفسه خطّ الحسن بن يعقوب أو أنّه صورته وحكايته؟ ويعتقد مفهرس مكتبة مركز الإحياء سيّدنا الأُستاذ العلاّمة السيّد أحمد الحسيني الإشكوري - دام عزّه أنّ هذا صورة خطّ النيسابوري لا خطّه ؛ فقد قال في فهرس المكتبة وفي التراث العربي المخطوط 13/216 (ومعلوم أنّ هذه العبارة كانت على النسخة التي قوبلت نسختنا عليها).

وثمانين وأربعمائة حامداً لله عزّ اسمه

ومصلّياً على نبيّه محمّد وعترته الطاهرة».

(2) ومنها : نسخة النقيب محمّد بن محمّد بن أحمد السبزواري ؛ فإنّه قد استنسخ نسخة من كتاب نهج البلاغة بخطّه في سنة 544 هجريّة ؛ وجاء في نهايتها :

«صادف الفراغ من كتابته صاحبه محمّد بن

محمّد بن أحمد النقيب بقصبة السانزوار (وهي سبزوار) في صفر سنة أربع وأربعين

وخمسمائة حامداً لله ومصلّياً على نبيّه محمّد وآله الطاهرين الأخيار».

وهي نسخة نفيسة مصحّحة ، عليها علامات البلاغ والتصحيح ، وكتبت على نسخة الأُستاذ يعقوب بن أحمد النيسابوري الوالد وقوبلت عليها ، إذ يقول الكاتب في نهايتها :

«كتب الأُستاذ الإمام أبو يوسف يعقوب

آخر نسخته من هذا الكتاب بخطّه وهو من قيله :

نهج البلاغة

نهج مهيع جدد

لمن يريد علوا ما له أمد»

إلى آخر أبياته.

وهي من مخطوطات مكتبة الآستانة الرضويّة في مشهد المقدّسة

ص: 115

برقم : 13847 ، وعندي منها صورة(1).

(3) وكذا توجد نسخة أُخرى من نهج البلاغة في المكتبة المركزيّة بجامعة طهران(2) ، استنسخها علي بن طاهر بن أبي سعد في 7 صفرمن سنة 608 هجرية ، بخطّ نسخي جيّد مشكول ، وهذه نسخة مستنسخة عن نسخة بخطّ الأستاذ الأديب أبي يوسف يعقوب بن أحمد النيسابوري ، ومصحّحة عليها ، وبهوامشها تصحيحات وتعاليق.

وكما يقال : أنّ الأديب النيسابوري ظاهراً كتب نسخته من النهج عن نسخة الأصل بخطّ الشريف الرضي ؛ وهذا يظهر من بعض القرائن الموجودة في هذه النسخة.

(4) وقد عارض الشيخ الفقيه المحدّث علي بن محمّد بن علي بن عبدالصمد التميمي النيسابوري نسخته من النهج على نسخة الحسن بن يعقوب النيسابوري ، واعتمد عليه في ضبطه ؛ وتوجد نسخة من كتاب نهج البلاغة كتبت ضحوة يوم الخميس 16 شعبان من سنة 718ه- ، وقوبلت 2.

ص: 116


1- هذه المخطوطة كانت في مكتبة فاضل خان الخراساني التوني التي بناها في مدرسته في مشهد الرضا عليه السلامبجوار روضته المقدّسة ، ثمّ هدّمت المدرسة عند توسيع أطراف الروضة الرضويّة المطهّرة في عهد رضا خان ، فنقلت كتبها إلى مدرسة النوّاب ، ثمّ قبل سنوات نقلت مكتبة فاضل خان إلى مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد ، ومنها هذه النسخة (فهرس المكتبة الفاضليّة : 85 ، فهرست دو كتابخانه مشهد : 500 ، وعنها مصوّرة بالميكروفيلم في المكتبة المركزيّة بجامعة طهران برقم : 2134 كما في فهرس مصوراتها 1/396 ، وعندي أيضامصوّرة منها).
2- ذكرت في فهرسها 8/334 - 336 ، برقم : 1782.

على نسخة التميمي هذا (1).

ويعتبر علي بن محمّد التميمي من كبار أعلام الشيعة ومحدّثيهم وأهل الرواية والدراية منهم في أوائل القرن السادس الهجري ، وهو معاصر للحسن بن يعقوب هذا ، ويروي عنه القطب (573ه) والسيّد أبو الرضا (بعد571 ه) الراونديان وابن شهرآشوب (588ه) وغيرهم من كبار علماءالإماميّة.

وجاء في الهامش الأيسر من الصفحة الأخيرة منها :

«عارضت هذه النسخة بأصل بخطّ الشيخ

الإمام أبي الفضائل علي بن محمّد بن علي بن عبد الصمد التميمي ، ونسخته عارضت

بأصل بخطّ الشيخ الهمام الأفضل الحسن بن يعقوب ، ولم آل في تصحيحها وتنقيحها.

وهذا خطّ أضعف عباد الله محمّدبن علي بن أبي علي يحيى المروزي».

وجاءت الزيادات المكتوبة عن نسخة عهد المؤلّف في نهاية باب الخطب مكتوبة بالهامش.

ثمّ كُتِبت أشعار يعقوب بن أحمد وشعر ابنه الحسن بن يعقوب ، ثمّ دالية الفنجكردي وغيرها من الفوائد. 7.

ص: 117


1- هذه المخطوطة موجودة في مكتبة البرلمان الإيراني السابق ، برقم : 5624 ، ومذكورة في فهرسها 17/77.

هذا ؛ ويتبيّن من هذا كلّه ، مدى اهتمام علماء تلك العصور بالوفود على هذا الشيخ الأديب اللغوي ، الذي كان يلقي على تلامذته محاضرات لغويّة وأدبيّة ، كما يتّضح لنا أنّهم قرؤوا عليه كتاب نهج البلاغة ، وصحّحوا نسخهم على نسخته ، وذلك يدلّ أيضا على أنّه كان مدرّساً معروفاً وراوياً مشهوراً لهذا الكتاب العظيم في هذه الحقبة من الزمان والمكان ، وحاملا لنسخة مهمّة برواية صحيحة من هذا الكتاب ، حيث إنّ الولد الحسن بن يعقوب يروي كتاب النهج عن شيخ عصره ومحدّث زمانه عن الشيخ جعفر بن محمّد الدَّوْرْيَسْتي (1) ، عن الجامع الشريف الرضي ، ومن كلّ ذلك نعلم مدى اهتمام الأُدباء بنسختي الولد والوالد النيسابوريّين اللَّذَيْنِ يظهر أنّهما استنسخا نسخة من كتاب النهج وقابلاها على نسخة الشريف الرضي.

وهنا فرغنا ممّا أردنا ذكره من نسخة ابن فندق وأُصول نسخته التي قابل نازويه القمّي نسخته معها ظاهراً.

ونبدأ الآن بذكر موجز عن حياة السيّد الراوندي ثمّ عن نسخته من النهج وقيمتها العلمية وطرقه وإجازاته لرواية كتاب نهج البلاغة. ى.

ص: 118


1- ستأتي ترجمته وبيان علمه وفضله إن شاء الله تعالى.

صورة

ص: 119

صورة

ص: 120

صورة

ص: 121

صورة

ص: 122

صورة

ص: 123

صورة

ص: 124

سطور في حياة المجيز السيّد الراوندي (1)

هو ذو الفخرين والشرفين أباً وأُمّاً ، فنسبه الشريف يصل من الجهتين إلى أئمّة أهل البيت : ومنهم إلى أبيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فهو السيّد فضل الله بن علي بن عبيد الله (الثالث) بن محمّد بن عبيد الله (الثاني) بن محمّد بن أبي الفضل عبيد الله (الأوّل) بن الحسن السليق ابن علي بن محمّد السليق بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثنّى ابن الإمام أبي محمّد الحسن المجتبى السبط ابن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهما السلام.

وأُمّه هي الشريفة العلويّة فاطمة بنت عمّ أبيه العلاّمة السيّد حسين بن محمّد ابن عبيد الله الثالث.

يلقّب قدس سره بضياء الدين وعلم الهدى.

ويكنّى بأبي الرضا.ث.

ص: 125


1- ترجم العلاّمة الآية السيّد شهاب الدين المرعشي رحمه الله السيّد الراوندي في رسالة مستقلّة باسم(لمعة النور والضياء في ترجمة السيّد أبي الرضا) بطلب من الميرزا فخرالدين النصيري الأميني صاحب المكتبة المعروفة المملوءة بنفائس المخطوطات لغرض طبعه في كتاب (مناجاة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام) برواية السيّد الراوندي ، ولكن بما أنّه كتب ترجمة بعد طبع ونشر الكتاب ، صدرت بشكل مستقلّ. وكذا ترجمه العلاّمة المحقّق السيّد عبد العزيز الطباطبائي رحمه الله في كتابه (نهج البلاغة عبرالقرون) ، وقد نشرت هذه الترجمة في الحلقة الخامسة بعنوان (في رحاب نهج البلاغة)في مجلّة تراثنا الفصليّة التي تصدرها مؤسّسة آل البيت : في قم المقدّسة العدد الثاني والثالث.

ولد في أُخريات القرن الخامس الهجري براوند(1) ، وترعرع في بيت العلم والشرف ، وابتدأ بالعلوم الأدبيّة والدينيّة في موطنه ، ثمّ رحل لسماع العلم والحديث إلى بعض البلدان.

كان رحمه الله علاّمة مشاركاً في جملة من العلوم ، أديباً شاعراً ، فقيهاً ، محدّثاً ، رحل في طلب العلم ، ولقي المشايخ الكبار في بغداد وإصفهان وغيرها من البلاد ، وهذه أسماء كبار مشايخ عصره : المفيد الثاني أبو علي الحسن ابن الشيخ الطائفة الطوسي (ح 515ه) ، وأبو جعفر محمّد بن علي ابن المحسّن الحلبي ، وعماد الدين أبو الصمصام ذوالفقار بن محمّد بن معبدالحسيني المروزي ، وأبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني (501ه) ، والسيّد أبو البركات محمّد بن إسماعيل الحسيني المشهدي (541ه) ، وعلي بن أبي طالب الحسني السليقي الآملي ، وأبو عبد الله جعفر بن محمّد الدوْريَسْتي ، والحسين بن محمّد ابن عبد الوهّاب البغدادي ، وعبدالرحيم بن أحمد الشيباني المعروف بابن الأُخوة البغدادي (526ه) ، وعلي ومحمّد ابنا علي بن عبد الصمد التميمي النيسابوري إجازة ، وأبو الوفاء عبد الجبّار بن عبد الله المقرئ الرازي ، وأبو جعفر محمّد بن علي بن الحسن المقرئ النيسابوري ، وعبد الواحد بن حمد بن ر.

ص: 126


1- بفتح الراء والواو بينهما الألف وسكون النون وفي آخرها الدال قرية كبيرة من قرى بلدة قاسان ، وهي غير راوند من قرى بلدة قم والتي يعبّر عنها براونج ، وكذا غير راوند من قرى بلدة الموصل ، ولا راوند من قرى خراسان ، ولا راوند من قرى ماوراء النهر.

محمّد السكري .. وغيرهم كثيرون.

أخذ عنه جماعة كثيرة ؛ منهم : منتجب الدين ابن بابويه الرازي (من أعلام القرن السادس) ، وأبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، وأبو الفضل محمّد بن الحسن الجهرودي والد الخواجه نصير الدين الطوسي ، والسيّد عبد الله بن علي بن عبد الله الجعفري الزينبي القزويني ، ونجم الدين عبد الله بن جعفر بن محمّد الدوريستي ، وناصر الدين راشد بن إبراهيم البحراني (605ه) ، وأبو سعد عبد الكريم بن محمّد السمعاني (562ه) ، وأبو الفرج علي بن قطب الدين الراوندي.

جمل الثناء وحلل الإطراء : هؤلاء أصحاب المعاجم وأرباب التراجم مصفقين على إكباره والثناء عليه ممّن عاصره إلى اليوم من الخاصّة والعامّة ، وإليك نصوص بعضهم :

الأوّل : قال عنه تلميذه منتجب الدين ابن بابويه الرازي (من أعلام القرنين السادس والسابع) : علاّمة زمانه ، جمع مع علوّ النسب ، كمال الفضل والحسب ، وكان أُستاذ أئمّة عصره ، وله تصانيف ... شاهدتُه وقرأتُ بعضها عليه(1).

الثاني : وأطراه معاصره نصير الملّة عبد الجليل القزويني في كتاب «النقض» ، عند كلامه على كاشان ومدارسها العامرة ، فقال ما معرّبه : كيف ومدرّسها السيّد الإمام ضياء الدين أبو الرضا فضل الله بن علي الحسني ، 6.

ص: 127


1- الفهرست لمنتجب الدين : 96.

المنقطع النظير في بلاد العالم في علمه وزهده(1).

الثالث : معاصره عماد الدين صفيّ الدين المعروف بالعماد الكاتب الإصفهاني (597ه) ، حيث ترجمه في «خريدة القصر وجريدة أهل العصر» وقال في حقّه : «الشريف النسب ، المنيف الأدب ، الكريم السلف ، القديم الشرف ، العلم العامل ، المفضّل الفاضل ، قبلة القبول ، وعقلة العقول ، ذوالأُبّهة والجمال ، والبديهة والارتجال ، الرائق اللفظ ، الرائع الوعظ ، متقن علوم الشرع في الأصل والفرع ، الحسن الخطّ والحظّ ، السعيد الجَدّ ، والسديدالجِدّ ، له تصانيف كثيرة في الفنون والعيون ، واعظ قد رُزق قبول الخلق ، وفاضل أُتي سعة في الرزق ، مُقلي الكِتابة ، صابيّ الإصابة ، عميدي الاعتماد في الرسائل ، صاحبيّ العصمة لأهل الفضائل.

حصلنا إبان النكبة بقاشان ... سنة 533 وأنا في حجر الصغر ... وأقمنا سنة نتردّد إلى المدرسة المجديّة(2) إلى المكتب ، وكنتُ أرى هذا السيّد - ها

ص: 128


1- كتاب النقض : 198.
2- المدرسة المجديّة : بناها السيّد الراوندي - رحمه الله - في كاشان وهي مدرسة عظيمة ، ضخمة فخمة ، بذل نفقاتها ، وأنفق على طلاّبها وساكنيها الوجيه الخير مجد الدين أبو القاسم عبيد الله بن الفضل بن محمّد ، فسمّيت المدرسة المجديّة باسمه. قال السيّد علي خان المدني في الدرجات الرفيعة : 506 : له مدرسة عظيمة بكاشان ليس لها نظير على وجه الأرض ، يسكنها من العلماء والفضلاء والزهّاد والحجّاج خلق كثير ، وفيها يقول ارتجالا [على المنبر] : ومدرسة أرضها كالسماء تجلت علينا بآفاقها

أعني أبا الرضا وهو يعظ في المدرسة والناس يقصدونه ويتردّدون إليه ويستفيدون منه ...»(1).

الرابع : أبو سعد السمعاني (562ه) : «القاساني» هذه النسبة إلى قاسانوهي بلدة عند قم ... دخلتُها وأقمتُ بها يومين وأهلها من الشيعة ، وكان بها جماعة من أهل العلم والفضل ... وأدركت بها السيّد الفاضل أبا الرضا فضل الله بن علي العلوي الحسيني القاساني ، وكتبت عنه أحاديث وأقطاعا من شعره ، ولمّا وصلت إلى باب داره قرعت الحلقة ، وقعدت على الدكة أنتظر خروجه ، فنظرت إلى الباب فرأيت مكتوبا فوقه بالجصّ : (إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

أنشدني أبو الرضا العلوي القاساني لنفسه بقاسان ، وكتب بخطّه :

هل لك يا مغرور من زاجرِ

فترعوي عن جهلك الغامرِ

أمس تقضّى وغداً لم يجئ

واليوم يمضي لَمحَة الباصرِ

فذلك العمرُ كذا ينقضي

ما أشبه الماضي بالغابرِ(2).7.

ص: 129


1- خريدة القصر وجريدة أهل العصر ، قسم شعراء إيران.
2- الأنساب للسمعاني 4/427.

وله تصانيف كثيرة ؛ منها : أدعية السرّ ، المناجاة الإلهيات كلاهما عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، وديوان شعره ، وضوء الشهاب في شرح الشهاب ، والنوادر في الحديث ، والموجز الكافي في علمي العروض والكافي ، حواشي على نهج البلاغة ، رمل يبرين ، شرح حماسة أبي تمّام .. وغيرها.

توفّي السيّد أبو الرضا الراوندي رحمه الله في قاسان بعد سنة 571ه- (1) وقبل سنة574 هجرية ، وقبره بها في شمال المسجد الجامع القديم ، وما زالت مقبرته عامرة باسم : (مقبرة أبي الرضا) في شارع بابا أفضل في قلب البلد.

نشاطه العلمي حول نهج البلاغة :

نظراً لما خصّصه السيّد الراوندي لكتاب نهج البلاغة من اهتمام بين الكتب والرسائل في روايته ودراسته ، امتازت حياته العلميّة بالتنوّع والفنون ؛ وأهمّ ما يرى في هذا البحث من حياة هذا العالم العيلم العلميّة يتركّز في ثلاث نقاط ؛ عثرنا عليها من التراث المتبقّي له ، ونحن لا نملك في ذلك إلا بعض الشيء مما سمح به الزمان من عمل هذا الرجل وجهده حول كتاب النهج ، ومن الطبيعي أن ينصب جلّ جهده العلمي في نشاطه الحديثي والأدبي فيما ترك من آثار : ه.

ص: 130


1- أي بعد قراءة نسختنا هذه التي بين يديك في سنة 571 هجرية ؛ لأنّ هذا التاريخ آخر تاريخ وصل إلينا من هذا السيّد الجليل - رضوان الله تعالى عليه. وقبل تاريخ 574 هجرية الذي أجاز فيه ولدُهُ عزّ الدين المرتضى علي الراونديُّ صاعِدَ بنَ محمّد البريدي ، ودعا فيها لوالده بما يدلّ على موته ، وسيأتي نصّه.

النقطة الأُولى :

أصالة نسخته :

من الأعمال المهمّة لهذا السيّد الجليل حول نهج البلاغة ، أنّه رحمه الله عندماكان في طور الصِّبا - وهي الفترة التي كان فيها مواظباً على الدرس والتحصيل وإتقان المصادر وتصحيحها وروايتها عن المشايخ ، بالإضافة إلى رحلته في طلب العلم من كاشان إلى البلدان المختلفة وقف في بغداد على نسخة الأصل من كتاب نهج البلاغة بخطّ مؤلّفها السيّد الرضي رحمه الله ، فنسخ عنها نسخةً لنفسه وصحّحها ورواها مسندةً عن مشايخ بغداد كما يظهر هذا من بعض القرائن التي سنعرضها في البحث عند روايته للنهج ، وفرغ منها في سلخ ربيع الأوّل من سنة 511 هجريّة(1). نة

ص: 131


1- وهذا المطلب ورد في آخر نسخة من كتاب (نهج البلاغة) فرغ منها كاتبها محمّد رضا التستري في غرّة ربيع الآخر سنة 1059ه- ، وهي منقولة عن نسخة من القرن السادس الهجري بخط علي بن محمّد الطبيب القمّي الذي كان من تلامذة السيّد الراوندي ومجازاً عنه ، وهي منقولة عن خطّ أُستاذه السيّد فضل الله الراوندي ؛ والراوندي قد نقلها وكتبها في بغداد سنة 511 هجرية على نسخة الأصل بخطّ الشريف الرضي ، وسيأتي ذكر هذه النسخةومصدرها يعني نسخة الطبيب القمّي. وكذا ذُكِر هذا على نسخة أبي الفتوح أحمد بن أبي عبدالله بلكو بن أبي طالب الآبي تلميذالعلاّمة الحلّي ؛ فإنّه نسخ نسخته من النهج عن نسخة السيّد الراوندي وصرّح بهذا المطلب في آخرها ، واستنسخ عن نسخته محمّد صادق بن محمّد شفيع اليزدي في سنة

وقد بقيت النسخةُ هذه - الأصل عنده كما جاء التصريح بذلك في إجازته للشيخ عبد الجبار بن الحسين الفراهاني ؛ فإنّه كتب نسخة من نهج البلاغة في سنة 553ه- بحضور السيّد الراوندي في قرية جوسقان من قرى راوند عن نسخة بخطّ السيّد الراوندي - رضوان الله تعالى عليهما وسيأتي تفصيلها في البحث عن رواية السيّد للنهج(1) ، ثمّ قابل نازويه القمّي نسخته على هذه النسخة وقرأها عليه - كما مرّ.

النقطة الثانية :

شروحه وتعليقاته :

بعدما ظفر الراوندي بنسخة المؤلّف ، بدأ يقرأُها وتُقرَأ وتُقابل عليه ويروي ويجيزها ، ويعلّق عليها القيود والشروح ، ويفسّر غريبها ، ويوضّح مبهمها ، دائباً على ذلك أكثر من نصف قرن ، حتّى أصبحت التعاليق شرحاً من شروح نهج البلاغة ؛ لذلك عُدَّت تعليقاته هذه من الشروح المذكورة في المعاجم والفهارس(2).ات

ص: 132


1- هذه النسخة محفوظة في مكتبة رضا في رامپور بالهند كما ذكرت في فهرسها 1/631 / رقم1190 ، وصورتها عندي.
2- وقد عدّ الملاّ ذوالفقار الإصفهاني من تلامذة العلاّمة المجلسي (1110ه) هذه التعليقات

وعلى هذا تكون هذه التعليقات أقدم الشروح وأوّلها ، وعليه فالسيّد أبوالرضا الراوندي يكون أوّل الشرّاح للكتاب وقبل الوبري الخوارزمي (أواسط القرن 6) ، وابن فندق البيهقي (565ه) ، والقطب الراوندي (573ه) ، شرّاح نهج البلاغة.

كما أنّ السيّد العلاّمة الطباطبائي قدّم هذا الشرح على باقي الشروح لتقدّم شارحه على باقي الشرّاح زماناً في مقاله الممتّع نهج البلاغة عبر القرون ؛ شروحه حسب التسلسل الزمني(1).

وينقل هذه الشروح والتعاليق بعض الشرّاح ، كما اعتمد عليهاعبد الرحمن ابن محمّد بن إبراهيم العتائقي الغروي (من أعلام القرن الثامن) في شرحه على نهج البلاغة.

وقد حصل على هذه التعليقات والشروح بخطّ السيّد الراوندي ، عدّة من كبار العلماء ، ونقلوها على نسخهم ؛ فمنهم :

الأوّل : جمال الدين أبو نصر علي بن أبي سعد محمّد بن الحسن بن 1.

ص: 133


1- مجلّة تراثنا مؤسسة آل البيت ، العدد 35 ، الصفحة 161.

أبي سعد المتطبّب القمّي(1).

فإنّه رحمه الله روى كتاب نهج البلاغة عن شيخه السيّد فضل الله الراوندي إجازةً ، ثمّ قابل نسخته على نسخته بعد وفاته ، ونقل تعاليقها وشروحها على نسخته ؛ وفرغ من نقلها في سنة 589 هجريّة.

ثمّ قرأها على ولده عزّ الدين المرتضى علي بن فضل الله الراوندي ، وعلى زين الدين محمّد بن أبي نصر بن محمّد بن علي القمّي بحقّ قراءتهما عليه ؛ حيث صرّح بذلك في نهاية نسخته - وسيأتي تفصيلها ؛ وقال عن تلك التعاليق والشروح ، ما نصّه :

«عرضتُ هذه النسخة ... على نسخة السيّد

الإمام الكبير السعيد ضياء الدين - علم الهدى تغمّده الله برحمته وتوّج مفرقه

بتيجان مغفرته ، وصحّحتها غاية التصحيح ووشّحتها نهاية التوشيح بحسب وقوفي على

حقائقها وإحاطتي بدقائقها ، وشنفت آذان حواشيها بالدرر التي وجدتها فيها ... ثمّ

ما اقتصرت على تشنيف آذانها بل سمطتها بالجواهر ، وقلّدتها بالدرر الزواهر التي

استجردتها بالغياصة في بحار مصنّفات العلماء ، واستنبطتها من معادن مؤلّفات

الفضلاء ، وانتزعت0.

ص: 134


1- ترجمه منتجب ابن بابويه في الفهرست : 91/306 ، والحرّ العاملي في أمل الآمل 2/203/614 ، والآقا بزرك الطهراني في الأنوار الساطعة في المائة السابعة من الطبقات 4/110.

أكثرها من منهاج البراعة في شرح نهج

البلاغة من كلام الإمام السعيد قطب الدين الراوندي - بيّض

الله غرّته ونوّر حضرته وكاءدت في تصحيح كلّ ورق إحدى بنات طبق ، ولقيت من توشيح

كلّ سطر نبات برح وأم فرو ...»(1).

ولا يخفى أنّ المراد بقوله : «وشنفت آذان حواشيها بالدرر التي وجدتها فيها» إشارة إلى تعاليق وشروح السيّد فضل الله.

الثاني : أبو جعفر محمّد بن الحسن محمّد بن العبّاس نازويه القمّي.

كاتب نسختنا هذه ؛ فإنّه رحمه الله نقل الحواشي والتعليقات من نسخة أُستاذه السيّد الراوندي بأسرها إلى نسخته ، ونصّ على ذلك في آخر نسخته بخطّه وفرغ من نقلها في ربيع الأوّل من سنة 571 هجريّة بمدينة قاسان ، وقال ما هذا نصّه :

«قابلت نسختي هذه بنسخة المولى السيّد

... أبي الرضا فضل الله بن علي الراوندي - أدام الله ظلّه ، ونقلت حواشيها

بأسرها إليها ، واجتهدت في تصحيحها ، فصحّ الجلّ إن لم يصحّ الكلّ ...».).

ص: 135


1- انظر : مجلّة تراثنا ، العدد 5 ، الصفحة 21 (مقدّمة في مصادر نهج البلاغة).

كما وقد أيّد هذا النقل أُستاذه السيّد وقال في إجازته له :

«قرأ عليّ كتاب نهج

البلاغة من أوّله إلى آخره ، وعارضه بأصلي الذي قرأتُ فيه

وصحّحته ... ونقل حواشيه إلى نسخته».

قال الموسوي - عفي عنه : وتوجد على هوامش نسختنا هذه حواش وشروح كثيرة على المتن كلّها بخطّ ابن نازويه القمّي ، وصرّح في بعضها أنّها للسيّد الراوندي.

الثالث : الشيخ جمال الدين أبو الفتوح أحمد بن أبي عبد الله بلكو ابن أبي طالب علي الآبي.

كان من تلامذة العلاّمة الحلّي(1) (726ه) - والمجاز منه في سنة 705 ه- وابنِهِ فخر المحقّقين ؛ وقد نسخ على نسخة السيّد فضل الله نسخةً لنفسه في سنة723 ه- في إصفهان ، وكتب محمّد صادق بن محمّد شفيع اليزدي ).

ص: 136


1- وصفه العلاّمة الحلّي في إجازته له ب- : «الشيخ الأجلّ ، الأوحد الفقيه ، العلم العالم ، المحقّق المدقّق ، ملك العلماء ، قدوة الفضلاء ، رئيس الأصحاب ، مفخر الأئمّة ، جمال الملّةوالحقّ والدين ، نجم الإسلام والمسلمين أبو الفتوح أحمد ابن الشيخ الأجلّ المغفور السعيد المرحوم أبي عبد الله بلكو بن أبي طالب علي الآوي» (انظر : الحقائق الراهنة في المائة الثامنة من طبقات أعلام الشيعة : 5).

على نسخة ابن بلكو نسخةً لنفسه في 23 ذي الحجّة من سنة 1132ه- ، وهذه النسخة هي الآن في مكتبة السيّد المرعشي العامّة في قم(1).

النقطة الثالثة :

روايته للنهج :

لا ريب أنّ الذين سمعوا كتاب نهج البلاغة ورووه منذ تأليفه إلى حين إنهاء عصر الإنهاءات والبلاغات والقراءات والسماعات والمقابلات هم عددٌ كبيرٌ ، ولا يسع هذا المقام الإفاضة في الحديث عنهم ، كما أنّ تكرار المعلوم لا يجدي ، ونحن هنا سنتحدّث عن العمل الروائي للسيّد قدس سره في هذا الكتاب في أمرين :

الأمر الأوّل : طرقه وتوثيق روايته للنهج.

الأمر الثاني : تلامذته ممّن قرؤوا عليه النهج.

الأمر الأوّل :

طرقه وتوثيق روايته للنهج :

الطرق والأسانيد إلى جامع نهج البلاغة الشريف الرضي كثيرة جدّاً ، ولكنّ الطرق التي انتخبها السيّد الراوندي لروايته هو خمسة طرق ؛ وهي من أنقى الطرق وأوفاها ، وأعلاها سنداً في عصره ؛ وقد ذكرها في إجازاته3.

ص: 137


1- كما في فهرست مخطوطاتها 1/302 ، الرقم : 273.

لتلامذته ، ونحن نرتّبها ونذكر مصدر كلّ طريق منها ، ثمّ نورد موجزاً عن حياة كلّ من هؤلاء المشايخ في الهامش ذاكرين كيفية اتصاله إلى رواية النهج إن كنّا وجدنا نصّاً في ذلك :

الطريق الأوّل

:

عن السيّد المرتضى ابن الداعي الحسني الرازي(1) ؛

عن الشيخ أبي عبد الله جعفر بن محمّد الدوريستي(2) ؛

عن السيّد الرضي أبي الحسن محمّد بناء

ص: 138


1- السيّد الأصيل ، مقدّم السادة ، أبو تراب ، علم الهدى ، المرتضى ابن الداعي ابن القاسم الحسني الرازي ؛ ذكره منتجب الدين ابن بابويه مع أخيه المجتبى ، وقال عنهما : محدّثان ، عالمان ، صالحان شاهدتُهما وقرأتُ عليهما (الفهرست : 163/385) ، يروي عن المفيد عبدالرحمن بن أحمد النيسابوري وأبي عبد الله جعفر بن محمّد الدوريستي ، وله كتاب (تبصرة العوام) المعروف ، واحتمل العلاّمة الطهراني بقاءَه إلى سنة 525 هجرية (رياض العلماء 5/207 ، الثقات العيون في سادس القرون من الطبقات 3/297 ، والذريعة 3/318 ، 320).
2- جعفر بن محمّد بن موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن العبّاس بن الفاخر ، أبو عبد الله ، الدوريستي ، الرازي ، من ولد حذيفة بن اليمان من أكابر الصحابة ، وثّقة الشيخ في من لم يرو عنهم :. وقال عنه الشيخ منتجب الدين : الشيخ الجليل أبو عبد الله جعفر بن محمّد الدوريستي ، ثقة ، عين ، عدل ، قرأ على شيخنا المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن نعمان الحارثي البغدادي المعروف بابن المعلّم ، وعلى الأجلّ المرتضى علم الهدى أبي القاسم قدّس الله أرواحهم ؛ وله تصانيف ؛ منها : كتاب (الكفاية) في العبادات ، وكتاب (عمل يوم وليلة)وكتاب (الاعتقاد). أخبرنا به الشيخ الإمام أبو الفتوح الحسين بن علي الخزاعي ، عن الشيخ المفيد عبد الجبّار المقرئ الرازي عنه رحمهم الله (رجال الشيخ : 459 ، جامع الرواة1 /157 ، الفهرست لمنتجب ابن بابويه : 67 ، رياض العلماء

الحسين رضي الله عنه.

الطريق الثاني : عن أبي الصمصام ذي

الفقار بن محمّد بن معبد الحسيني المروزي(1) ؛

عن الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي(2) ؛

عن السيّد الرضي - رضي الله عنه.

الطريق الثالث

:

الشيخ عبد الرحيم بن أحمد المعروف بابن الأخوة البغدادي (548ه) (3) ؛

عن أبي الفضل محمّد بن يحيىبن

ص: 139


1- السيّد عماد الدين ، أبو الصمصام ، وأبو الوضّاح ، ذو الفقار بن محمّد بن معبد الحسيني المروزي رحمه الله عالم ، ديّن ، يروي عن السيّد المرتضى والشيخ أبي جعفر الطوسي ، قال عنه منتجب الدين : وقد صادفته وكان ابن مائة سنة وخمس عشرة سنة (فهرست منتجب الدين : 73 /157 ، تاريخ مدينة دمشق 17/329 ، رياض العلماء 2/278 ، الثقات العيون في سادس القرون 3/100).
2- محمّد بن الحسن بن علي ، أبو جعفر الطوسي ؛ شيخ الطائفة ، ولد بخراسان في 385ه- ، وقدم العراق في 408 ه- ، وتتلمذ على المفيد (413ه) خمس سنين ، وعلى ابن الغضائري (411ه) ثلاث سنين ، وعاصر السيّد المرتضى (436ه) ، ونصبه الخليفة العبّاسي على كرسي الكلام ببغداد ، وصار زعيم الشيعة بعد السيّد المرتضى حتّى سقوط بغداد بيد الأتراك السلاجقة في سنة 449ه- ، فهاجر الشيخ إلى النجف الأشرف وأسّس جامعة النجف ؛ وله كتب كثيرة منها كتابي (تهذيب الأحكام) و (الاستبصار) وهما أصلان من الأُصول الأربعة ، وتوفّي بمشهد الغري في ليلة الاثنين 22 محرّم من سنة 460 هجرية ودفن في داره فتحوّلت الدار مسجداً وهو اليوم من أشهر مساجد النجف الأشرف. (النابس في القرن الخامس من الطبقات 2/161 ، 162).
3- ابن الأُخوة البغدادي ، الشيخ الإمام ، جمال الدين ، أبو الفضل ، عبد الرحيم بن أحمد بن محمّدابن إبراهيم بن خالد الشيباني البغدادي العطاء نزيل إصفهان. كان شيخاً ، صحيح السماع ، مكثراً ، مسنداً ، سديداً ، قاله تلميذه أبو سعد السمعاني ، ولد حدود سنة 440 هجرية ، وتوفي بشيراز 13 شعبان سنة 548 هجرية بأصبهان ، وهو من علماء أهل السنّة الكبار(الأنساب للسمعاني 2/504 ، أعيان الشيعة للأمين 7/466 ، النابس في القرن الخامس من الطبقات 2/158). لعلّ السيّد الراوندي قرأ كتاب (نهج البلاغة) على ابن الأُخوّة في رحلته إلى كاشان في سنة546 هجرية ؛ لأنّه قرأ عليه الشيخ رشيد الدين أبو الحسن علي بن محمّد بن علي الشعيري كتاب (نهج البلاغة) للسيّد الرضي و (الغرر والدرر) لأخيه المرتضى ، وأجازه ابن الأُخوة في رجب سنة 546 في بلدة كاشان ، كما رأى إجازته له على ظهر النهج الميرزا عبدالله أفندي الإصفهاني (ق12) ، وأخبر عنها في رياض العلماء ، وكذا إجازته على ظهر الغرروالدرر الشيخ آقابزرگ الطهراني (1389ه) في كتب شيخ العراقين الحاجّ الشيخ عبدالحسين الطهراني في كربلاء - العراق (انظر : رياض العلماء 4/229 ؛ الثقاة العيون (طبقات أعلام الشيعة) : 158 - 159 و203 ، وأعيان الشيعة 7/468). وهذا نصّ إجازة أوردها صاحب الرياض على ظهر نهج البلاغة : «قرأ عليّ هذا الكتاب بأسره الشيخ الإمام رشيد الدين أبو الحسن علي بن محمّد بن علي الشعيري - أدام الله سعادته قراءةً صحيحةً ، وقف فيها على معانيه ، وبحث عن أقصى مقصوده وأدانيه ، وسمع بقراءته الشيخ الإمام السعيد السيّد سديد الدين فخر الأئمّة محمّد بن علي بن محمّد الطوسي ، وصحّ لهما ذلك ، ورويته لهما عن الشيخ أبي الفضل محمّد بن يحيى الناتلي ، عن أبي نصر عبدالكريم بن محمّد الهاروني [كذا ، والصحيح : الهروي] الديباجي المعروف بسبط بشر الحافي ، عن مصنّفه رضي الله عنه ، وأجزتُ لهما رواية هذا الكتاب عنّي ، وكذلك رواية جميع ما لي أن أرويه عن شيوخي رحمهم الله من مسموع لي منهم ، ومجازوغير ذلك من معقول ومنقول. وكتب عبدالرحيم بن أحمد بن محمّد بن محمّد بن إبراهيم بن خالد الشيباني أبو الفضل ابن الأُخوة البغدادي ، في شهر جمادى الأُولى من شهور سنة ستّ وأربعين وخمسمائة بقاسان ، ولله الحمد وصلواته على محمّد وآله».

ص: 140

الناتلي(1) ؛

عن أبي نصر عبد الكريم بن محمّد سبط بشر الديباجي(2) ؛

عن السيّد الرضي - رضي الله عنه.

الطريق الرابع : عن الشيخ مكّي بن أحمد

المخلطي(3) ؛ عن أبي.

ص: 141


1- روى عنه ابن الأُخوة البغدادي والشيخ مكّي بن أحمد المخلطي كما في طريق رواية هذه النسخة وفي إجازة رشيد الدين علي بن محمّد بن علي الشعيري في كاشان سنة 546 هجرية .. وغيرها. والظاهر أنّه من العامّة (الثقات العيون في سادس القرون من الطبقات 3/292).
2- أبونصر عبد الكريم بن محمّد الديباجي المعروف بسبط بشر الحافي ؛ كان من مشايخ أصحابنا ومن أحفاد أبي نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمان ، مروزي الأصل ، بغدادي المسكن ، العارف الزاهد المشتهر ، أحد أركان رجال الطريقة (ترجمه المزي في تهذيب الكمال 4/99) ، وعبد الكريم هذا كان من تلامذة الشريف الرضي ومن رواة المشايخ المحدّثين كذا حكاه بعض تلامذة الشيخ علي الكركي في رسالته المعمولة في أسامي مشايخ الشيعة (رياض العلماء 3/182 ، أعيان الشيعة للأمين 8/43 ، الكنى والألقاب للقمّي2 /170 ، النابس في القرن الخامس من الطبقات 2/107).
3- في الأمل : فاضل يروي عنه فضل الله بن علي الراوندي. وفي الرياض : ومنهم - أي من مشايخه - مكّي بن أحمد المخلطي ، عن أبي غانم العصمي الهروي ، عن المرتضى ، على ماوجدته بخطّه الشريف ، والخطّ متوسّط على ظهر كتاب الغرر والدرر في إجازته لتلميذه السيّد ناصر الدين أبي المعالي محمّد. وقال صاحب المعالم : وذكر السيّد غياث الدين في إجازته : أنّه يروي جميع كتب السيّد المرتضى عن الوزير العلاّمة السعيد نصير الدين محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي ، عن والده ، عن السيّد فضل الله الراوندي الحسني ، عن مكّي بن أحمد المخلطي ، عن أبي علي بن أبي غانم العصمي ، عنه (بحارالأنوارللعلاّمة المجلسي 106/45 ، أمل الآمل للحرّ العاملي 2/325/1003 ، رياض العلماء5 /217 ، خاتمة المستدرك للميرزا النوري 3/111).

الفضل محمّد بن يحيى الناتلي ؛ عن أبي

نصر عبد الكريم بن محمّد سبط بشر الديباجي ؛ عن السيّد الرضي - رضي الله عنه.

الطريق الخامس

:

عن الشيخ الإمام أبي جعفر محمّد بن علي ابن الحسن المقري النيسابوري(1) ؛

عن الحسن بن يعقوب الأديب(2) ؛ عمّن سمعه

من الرضي.

تنبيهان :

التنبيه الأوّل :

وردت في طرق رواية نهج البلاغة خاصّة عند السيّد والقطب ظ.

ص: 142


1- قال عنه الشيخ منتجب الدين : الشيخ الإمام قطب الدين أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسن المقرئ النيسابوري ، ثقة ، عين ، أُستاذ السيّد الإمام أبي الرضا والشيخ الإمام أبي الحسين يعني القطب الراوندي له تصانيف منها التعليق ، الحدود ، الموجز في النحو ، أخبرنابها أبو الرضا فضل الله بن علي الحسني ، عنه. وهو يروي عن أبي علي ابن شيخ الطائفة ، ويروي السيّد الراوندي عنه (الندبة لمولانا زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام) ، عن الحاكم أبي القاسم عبد الله بن عبيد الله الحسكاني .. وله كتاب (المجالس) ؛ ينقل عنه ابن شهرآشوب في المناقب ، وله كتاب (البداية) ؛ ذكره في المعالم (فهرست منتجب الدين : 157/363 ، معالم العلماء : 138 / 955 ، بحار الأنوار 107/ 121 ، رياض العلماء 5/118 ، الدرجات الرفيعة : 506 ، خاتمة المستدرك 3/112).
2- ذكرنا تفصيل ترجمته في المتن ؛ فلاحظ.

الراونديّين (1) ، رواية الشيخ الطوسي (460ه) عن السيّد الرضي (406ه) بلاواسطة ، بينما نحن نعرف أنّ الشيخ الطوسي ورد بغداد في سنة 408 هجرية ، يعني بعد وفاة السيّد بسنتين ، فلا شكّ في أنّه لم يلتق بالسيّد الرضي هناك.

واحتمال لقاء الشيخ بالسيّد في أسفارهما واجتماعه بالشيخ الطوسي بعيد ؛ إذ لم يذكره أحد من أرباب التراجم ولا نبّه عليه المؤرّخون ، ونحن نبحث - في الأبحاث الرجاليّة والسنديّة عن الوقوع لا عن الاحتمال ..

ومن العجب أنّ الشيخ الطوسي لم يذكر السيّد الرضي في رجاله ولا في فهرسته مع تعدّد كتب السيّد ، بل عاصر أخاه علم الهدى السيّد المرتضى (436ه) وتتلمذ عنده وذكره في فهرسته ، وبعد أن سمّى قسماً كبيراً من تأليفاته ، يقول عنه : «قرأتُ هذه الكتب أكثرها عليه ، وسمعتُ سائرها تُقرَأ عليه دفعات كثيرة»(2).

والأعجب منه أنّ النجاشي (450ه) معاصر الشيخ الطوسي ، والمولود في بغداد ، قد أدرك السيّد الرضي ، وكتب ترجمته في فهرسته ، وذكر فيها قائمة كتبه ، وذكر فيها كتاب نهج البلاغة ، ولكنّه لم يذكر فيها طريقاً إلى رواية كتبه. 2.

ص: 143


1- ورد هذا في عدّة من الإجازات للسيّد الراوندي وابنه عزّ الدين علي وتلامذته ، وكذا في أوّل كتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة للقطب الراوندي 1/5 ، 6.
2- الفهرست للطوسي : 290/432.

كما أنّ النجاشي نقل في فهرسته قصّة بشأن أبي جعفر ابن قِبَة الرازي المتكلّم المشهور ، سمعها في مجلس الرضي بحضرة الشيخ المفيد عن أبي الحسين ابن المهلوس العلوي الموسوي ، وهذا دليل على أنّ الشيخ النجاشي كان يتردّد على السيّد الرضي في حياته ويحضر مجلسه(1).

وقد تنبّه لهذا شيخنا العلاّمة الآقا بزرك الطهراني ، وقال : والظاهر أنّ رواية الشيخ عن الرضي بالواسطة ؛ لأنّه توفّي الرضي سنة 406 ، وورد الشيخ إلى العراق سنة 408 ، فلم يدرك حياة الشريف الرضي في العراق(2).

وصرّح في موضع آخر : ولم يدرك - يعني الشيخ الشريف الرضي(3).

ولنا أن نحلّ هذا الإشكال بهذه الأجوبة :

الجواب الأوّل : ما ذكرناه آنفاً من أنّ الرواية كانت بالواسطة ، ولم يُصَرَّح بها في هذا الطريق ، وأقوى الاحتمالات هو أنّ هذه الواسطة كانت أخاه السيّد المرتضى الأُستاذ الخاصّ للشيخ الطوسي.

الثاني : أنّ الشيخ روى هذا الكتاب عن السيّد الرضي وتحمّل عنه وجادةً ؛ وهي - وإن كانت من أضعف طرق التحمّل ولكنّ الشيخ حصل على نسخة خطّ السيّد الرضي في بغداد ، وأخذ منها نسخة لنفسه ورواها عنه 1.

ص: 144


1- الفهرست للنجاشي : 376/1023.
2- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 23/158.
3- النابس في القرن الخامس من الطبقات 2/161.

وجادةً - وهو أقوى الأجوبة.

ولا يخفى على الباحث الخبير بعلم التراث أنّ الرواية بالنسخ - وإن كانت غير مألوفة ولكنّ لها شواهد في التراث الإسلامي.

التنبيه الثاني :

مرّ في ذكر طرق السيّد الراوندي في الطريق الخامس رواية الأديب الحسن بن يعقوب النيسابوري عمّن سمعه [أي النهج] من الرضي.

وهذا الشخص الذي سمع كتاب النهج من السيّد الرضي لم يكن إلاّ الشيخ جعفر ابن محمّد الدوريستي كما نصّ على ذلك ابن فندق في مقدّمته في كتاب معارج نهج البلاغة حيث يقول : «قرأتُ كتاب نهج البلاغة على الإمام الزاهد الحسن بن يعقوب بن أحمد القارئ ... في شهور سنة ست عشرة وخمسمائة ، وخطّه شاهد لي بذلك ، والكتاب سماع له عن الشيخ جعفر الدوريستي المحدّث الفقيه ...».

فلا يظنّ ضعف طريقه لهذا الإضمار.

الأمر الثاني :

تلامذته ممّن قرؤوا عليه النهج :

نورد هنا أسماء الرجال الذين رووا كتاب نهج البلاغة عن السيّد الراوندي وكيفية روايتهم عنه ، وهل هي سماعاً أوقراءةً أو إجازةً .. لأنّ هؤلاءهم الذين خدمونا لإيصال نسخ منقّحة إلينا من النهج ، خاليةً عن

ص: 145

التحريف والتصحيف ، كما يتبيّن من خلالهم جهود السيّد الراوندي في هذا المجال في القرن السادس الهجري النبويّ ؛ فللّه درّهم وعليه أجرهم ؛ فدونك الأسماء ونصوص إجازاتهم وطرقهم :

الأوّل : ولده عزّ الدين المرتضى علي بن فضل الله الراوندي.

قال عنه منتجب الدين ابن بابويه : السيّد الإمام عزّ الدين علي ... فقيه ، فاضل ، ثقة(1).

وهو يعرف في عصره بحجّة الإسلام.

وترجمه السيّد علي خان الحسيني المدني في كتابه وقال نقلا عن السمعاني : ابنه [أي ابن السيّد فضل الله] هو شبل ذلك الأسد ، وسالك نهجه الأسد ، والعلم ابن العلم ، ومن يشابه أبه فما ظلم ، كان سيّداً ، عالماً ، فاضلا ، فقيهاً ، ثقةً ، أديباً ، شاعراً ، ألّف وصنّف ، وقرط بفوائده الأسماع وشنف ، ونظم ونثر ...(2).

له : مزيل الحزن ، غمام الغموم ، نثر اللآلي لفخر المعالي ، الحسيب النسيب للحبيب النسيب ، غنية المتغني ومنية المتمنّي ، ورسالة سمّاها ب- : الوسائل إلى المسائل عن الإمام المؤيّد بالعصمة أبي الحسن علي الرضا عليه السلام ، ومجموعة شعريّة ممّا نظمه هو ، رآها ابن الفوطي بخطّه الرائق 1.

ص: 146


1- الفهرست : 87/278.
2- الدرجات الرفيعة : 511.

من شعره الفائق ، وربّما تعدّ ديوان شعره(1) .. وغيرها من الكتب والرسائل(2).

وأخذ عزّ الدين علي بن فضل الله عن والده السيّد فضل الله ، وركن الدين علي بن علي بن عبد الصمد التميمي (في سنة 529ه) ، والسيّد أبي البركات محمّد بن إسماعيل بن الفضل الحسيني (في سنة 532ه) ، والشيخ عبدالرحيم بن أحمد الشيباني المعروف بابن الأخوّة البغدادي(1).

ويروي كتاب نهج البلاغة عن والده السيّد فضل الله الراوندي ، وأجاز تلميذيه الشيخ أبا العلاء صاعد بن محمّد بن صاعد البريدي الآبي وذلك في سنة 574 هجرية ، والشيخ علي بن محمّد المتطبّب القمّي الآتي ذكره في سنة 589 هجرية ، وكتب لهما إجازة على ظهر نسختهما ؛ وإليك نصّ إجازته لهما ؛

إجازة عزّ الدين المرتضى عليُّ الراوندي للبريديِّ روايةَ نهج البلاغة :

«قرأ عليّ طرفاً من كتاب نهج

البلاغة الأجلّ الإمام ، الأوحد ،1.

ص: 147


1- تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب 1/263/340.
2- الثقات العيون في سادس القرون 3/199 - 200 ، كشف الحجب والأستار للسيّد إعجاز حسين : 394/2177 و576/3243 ، الذريعة 7/21/93 و16/60/292.

الولد ، الأعزّ ، الأخصّ مجد الدين ،

بهاء الإسلام ، جمال العلماء ، أبوالعلاء ، صاعد بن محمّد بن صاعد البريدي - حرس

الله مدّته - قراءة بحث وتأمّل ، وأجزتُ له أن يروي جميعه عنّي عن المولى السعيد

حجّة الحقّ ، والدي - رضي الله عنه ؛ ورواه- رضي الله عنه عن السيّد المرتضى ابن

الداعي الحسني ، عن الشيخ أبي عبد الله جعفر بن محمّد الدوريستي ، عن الرضي -

رضي الله عنه ؛ وكتبه علي بن فضل الله بن علي الحسني ، حامداً مصلّياً بقم -

حماه الله تعالى في شهر الله المبارك رمضان سنة أربع وسبعين وخمسمائة» (1).

وللبريدي إجازة قراءة نهج البلاغة من شيخه الحسن بن علي بن أحمدالماهابادي ؛ وذلك في سنة 574ه- ، والماهابادي لم يذكر في إجازته له طريق روايته للنهج ؛ وإليك نصّ الإجازة :

«قرأ عليّ الأجلّ الأوحد ، العالم ،

مجد الدين ، بهاء الإسلام ، جمال العلماء ، أبو العلاء ، صاعد بن محمّد بن صاعد

البريدي7.

ص: 148


1- وجدت هذه الإجازةوالقراءة القيّمة ضمن مجموعة فيها نسخة من كتاب الرواة لمحمّد بن علي الشريف البغدادي (من أعلام القرن العاشر) ونسخة من ذيل رجال ابن داود (من أعلام القرن السابع) ؛ والنسخة من القرن العاشر أو أوائل القرن الحادي عشر ، وهي محفوظة في مكتبة مجلس الشورى في طهران إيران ، برقم : 8867.

أدام الله مجده وحرس نعمته شطراً من

كتاب نهج البلاغة

قراءة كشف بها عن وجوه المعاني وأحاط علماً بما أودع من غوامض الأسرار ، فقد

أجزت له أن يروي عنّي هذا الكتاب من فاتحته ؛ وكتبه الحسن بن علي بن أحمد

الماهابادي بخطّه في العشر الأوّل من شهر الله الأصمّ رجب سنة أربع وسبعين

وخمسمائة».

وأيضاً له إجازة قراءة أُخرى لرواية نهج البلاغة عن الشيخ محمّد ابن أبي نصر القمّي ، ذكرتُ نصّها في الرقم الثاني من تلامذة السيّد الراوندي لرواية النهج ؛ فلاحظ هناك.

وقد ذكر سيّدنا العلاّمة السيّد أحمد الحسيني الإشكوري - دام ظلّه في كتابه تراجم الرجال ، قطعة من سند حديث يروي فيه الحسن بن الحسين بن علي الشيذي ، عن صاعد بن محمّد البريدي ، عن أبي جعفر محمّد بن أبي نصر بن محمّد بقم ، ولعلّ السند كان لرواية نهج البلاغة ؛ وهذا نصّ ما ذكره :

«أخبرني الأجلّ ، الإمام ، العالم ،

الزاهد ، العابد ، الأفضل ، الأكمل ، الأفصح ، مجد الدين ، شرف الإسلام ، أفصح

الأنام ، وأفضل أهل الأيّام ، فخر العلماء ، شمس الأئمّة ، لسان المتكلّمين ،

سيف المناظرين ، أبو العلاء ، صاعد بن الأجل

ص: 149

العالم المحترم عفيف الدين ، مجد

الإسلام ، محمّد بن صاعد ...»(1).

موجز عن البريدي :

قال عنه منتجب الدين ابن بابويه : القاضي أشرف الدين صاعد بنمحمّد بن صاعد البريدي الآبي ؛ فاضل ، متبحّر ، له تصانيف ؛ منها : عين الحقايق والإغراب في الإعراب الحدود والحقايق بيان الشرايع نهج الصواب معيار المعاني كتاب في الإمامة ونقضه ونقض نقضه(2).

وقد مرّ بعض ما أطراه به أساتذته وتلامذته ؛ فلاحظه.

ومن كتبه الباقية حتّى الآن هو كتابه الحدود والحقائق ؛ وهو شرح للألفاظ المستعملة على لسان المتكلّمين من الإماميّة بترتيب حروف الهجاء على سبيل الإيجاز ؛ وتوجد منها نسخة تعود للقرن العاشر في مكتبة ملّي ملك بطهران ، وعنها مصوّرة في كلّيّة الإلهيات بمشهد(3) ، وعندي منها صورة ، وطبع الكتاب في چهار فرهنگ نامه كلامي في مشهد المقدّسة ، وكذا طبع بتحقيق العلاّمة الأُستاذ حسين علي محفوظ الكاظمي ، مرّة في بغداد سنة 1970 م ، وأُخرى في مطبعة السلام بقم ، 1362 شمسيّة.0.

ص: 150


1- تراجم الرجال 1/411/800.
2- الفهرست : 72/202.
3- فهرست مخطوطات مكتبة ملّي ملك 5/233/1099 ، فهرست مخطوطات ومصوّرات مكتبة كلّيّة الإلهيات بمشهد 3/1338/13090.

موجز عن الماهابادي(1) :

هو الشيخ أفضل الدين الحسن بن علي بن أحمد بن علي الماهابادي (من أعلام العلم وأئمّة الأدب في القرن السادس الهجري).

قال عنه تلميذه الشيخ منتجب الدين ابن بابويه : عَلَم في الأدب ، فقيه ، صالح ، ثقة ، متبحّر ، له تصانيف ؛ منها : شرح النهج ، شرح الشهاب ، شرح اللمع ، كتاب في ردّ التنجيم ، كتاب في الإعراب ، ديوان نظمه ، ديوان نثره ، أجازني بجميع تصانيفه ورواياته عنه(2).

ونقل الخوانساري في روضات الجنات عن صاحب تلخيص الآثار في ترجمة ماهاباد ، التي ذكر أنّها قرية كبيرة قرب قاشان ، أهلها شيعة إماميّة : أنّه كان بالغاً في علم الأدب للغاية ، عديم النظير في زمانه ، يقصده الناس من الأطراف(3).9.

ص: 151


1- انتخبنا هذه الترجمة من الترجمة التي كتبها المحقّق السيّد عبد العزيز الطباطبائي رحمه الله في مجلّة تراثنا ، العدد 39 ، ص 298 (نهج البلاغة عبر القرون : 7). وله ترجمة في معجم الأُدباء 3/219 ، الوافي بالوفيات 7/112 ، نكت الهميان : 110 ، بغية الوعاة 1/302 ، معجم المؤلّفين 1/301 ، هدية العارفين 1/81 ، والأعلام للزركلي 1/158 ، وذكر أنّ من كتبه شرح اللمع نسخة كتبت سنة 591ه- في مكتبة الشيخ محمّد بن طاهربن عاشور في تونس ، أمل الآمل 2/20 ، جامع الرواة 1/55 ، رياض العلماء للأفندي1 /221 ، معجم رجال الحديث 2/176 ، أعيان الشيعة 3/48 ، تنقيح المقال 1/73 ، طبقات أعلام الشيعة (القرن الخامس)/21 ، أعلام معجم البلدان : 70.
2- الفهرست : 50/93.
3- روضات الجنات 3/59.

وذكره العلاّمة الطهراني رحمه الله في الذريعة ، وقد عثرت على أبيات من نظمه في مجموعة مخطوطة في مكتبة الدكتور مهدوي في طهران ، رقم 591 ، وفيها : لأفضل الدين الماهابادي :

إلهي أنا العبد الذي قد خلقتني

ولم أك شيئا يا جوادا بلا بُخْلِ

بدأت بنُعْمَى لم أكن أستحقها

فصفحاً جميلاً يختم الفضل بالفضلِ

وإن لم أكن أهلا لذلك سيدي

فإنك غفارٌ لمن ليس بالأهلِ

على أنّني مولى لآل محمّد

هُمُ شفعائي قد وصلتُ بهم حَبلي

معادنُ وحي الله أعلامُ دينِهِ

هُمُ كلماتُ الله في الصِّدقِ والعدلِ

نجومُ الهدى والمُنقِذُونَ من الرَّدى

لُيوثُ الوغى لكنّهم سُحُبُ المَحْلِ

عليهم سلامُ اللهِ غير مُصَرَّد

كفاء لذاك الفضلِ والخلقِ الجَزْلِ(1)

كان الماهابادي من أسرة علميّة أدبيّة ، وهو وأبوه وجدّه من أعلام العلم والفضل والشعر والأدب في القرنين الخامس والسادس ، روى هو عن أبيه ، وروى أبوه عن جدّه.

ترجم الشيخ منتجب الدين جدَّهُ أحمد ، وقال : الشيخ الأفضل أحمد ابن علي الماهابادي ، فاضل ، متبحّر ؛ له : كتاب شرح اللمع ، وكتاب البيان في النحو ، وكتاب التبيان في التصريف ، والمسائل النادرة في الإعراب. أخبرنا بها سبطه الإمام العلاّمة أفضل الدين الحسن بن علي الماهابادي ، عن والده ، عنه(2).1.

ص: 152


1- الذريعة 9/239.
2- الفهرست : 14 - 15/14 ، طرائف المقال للبروجردي 1/121/511.

وسمّاه ياقوت : أحمد بن عبد الله ، فقال في معجم البلدان : مهاباذ : قرية مشهورة بين قم وإصفهان ، ينسب إليها أحمد بن عبد الله المهاباذي ، النحوي ، مصنّف شرح اللمع ، أخذه عن عبد القاهر الجرجاني(1).

إجازة عزّ الدين المرتضى علي الراوندي للمتطبّب القمّي لرواية نهج البلاغة(2) : ).

ص: 153


1- معجم البلدان 5/229. تقع فوق كاشان ، بين نطنز وأردستان قبل أردستان ب- : 23 كيلو متراً ، في غربيها وهي لا زالت عامرة إلى اليوم وبهذا الاسم.
2- قال الموسوي : نقلتُ هذه الإجازة والإجازات والنصوص لكلّ من محمّد بن أبي نصر القمّي وعلي بن محمّد المتطبّب القمّي التي ستأتي بعد هذا عن ثلاثة مصادر : الأوّل : من العلاّمة الشيخ الآقا بزرك الطهراني (1389ه) ، فهو رحمه الله ذكرها في طبقاته تحت تراجم كلّ واحد من هذه المشايخ ، ورأى النصوص على نسخة من نهج البلاغة عند السردار كابلي في كرمانشاه. الثاني : المرحوم السيّد عبد العزيز الطباطبائي (1416ه) ذكرها في مقاله الممتّع بعنوان : (نهج البلاغة عبر القرون) ، وهو رحمه الله رأى النصوص عن نسخة شيخنا حسين علي محفوظ في بغداد ثمّ انتقلت إلى مكتبة المتحف العراقي وهذه النسخة هي نفس نسخة السردار كابلي ، وكانت من كتب الرجالي الكبير آية الله ميرزا محمّد هاشم الجهارسوقي ، وعليها خطّه سنة 1276ه- ، ثمّ وهبها للعلاّمة الميرزا محمّد رضا المنشئ في سنة 1287ه- ، ثمّ ملكها العلاّمة المشارك في العلوم سردار كابلي في سنة 1321ه- وعليها خطّه بذلك ، ثمّ اشتراها الدكتور حسين محفوظ ، ثمّ انتقلت ضمن مجموعته الخطّيّة إلى مكتبة المتحف العراقي في بغداد (انظر : مجلّة تراثنا 29 : 21). كتب هذه النسخة محمّد رضا التستري في غرّة ربيع الآخر من سنة 1059ه- ، عن نسخة أبي نصر المتطبّب هذا (انظر : مخطوطات الأدب في المتحف العراقي : 644/ الرقم 26196 ، وانظر : مجلّة تراثنا 35 : 171/في رحاب نهج البلاغة ، وسيأتي شرحها).الثالث : وأنا نقلتُها من نسخة كتبت عن نسخة بخطّ ابن بابا جان الشيرازي الموجودة في مكتبة السيّد المرعشي برقم : 13301 ، وكانت عند الحجّة السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي - مدّ ظلّه العالي في قم المقدّسة (انظر : المخطوطات القديمة والنفيسة من كتاب نهج البلاغة في مكتبة السيّد المرعشي : 41 - 45 ، مجلّة تراثنا ، العدد 5 ، الصفحة 21 ، مقدّمة في مصادر نهج البلاغة).

«قرأ وسمع عليّ كتاب نهج

البلاغة ، الأجلّ الإمام العالم ، الولد الأخصّ ، الأفضل ،

جمال الدين ، زين الإسلام ، شرف الأئمّة ، علي بن محمّد بن الحسين المتطبب -

أدام الله جماله وبلغه في الدارين آماله - قراءةً وسماعاً يقتضيهما فضله.

وأجزت له أن يرويه عنّي عن المولى

السعيد والدي - سقاه الله صوب الرضوان ، عن أبي معبد الحسني ، عن الإمام أبي

جعفر الطوسي ، عن السيّد الرضي - رضي الله عنه.

ورويته له عن الشيخ الإمام عبد الرحيم

بن الأخوة البغدادي ، عن الشيخ أبي الفضل محمّد بن يحيى الناتلي ، عن أبي نصر

عبدالكريم بن محمّد سبط بشر الديباجي ، عن السيّد الرضي

- رضي الله عنه.

وروى لي السيّد الإمام ضياء الدين علم

الهدى - سقى الله ثراه عن الشيخ مكّي بن أحمد المخلطي ، عن أبي الفضل الناتلي ،

عن أبي نصر ، عن الرضي - رحمهم الله.

ورواه لي أبي - قدّس الله روحه - ، عن

الشيخ الإمام أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسن المقري النيسابوري ، عن الحسن بن

يعقوب الأديب عمّن سمعه من الرضي - رضي الله عنه.

ص: 154

كتبه علي بن فضل الله الحسني حامداً

مصلّياً في رجب سنة تسع وثمانين وخمسمائة».

وهناك نصوص أُخرى عن علي بن محمّد المتطبّب حول روايته عن عزّ الدين علي الراوندي ستأتي في ذكر المتطبّب إن شاء الله تبارك وتعالى.

وللسيّد عزّ الدين علي الراوندي رحمه الله هذا ، علاقة خاصّة ب- : نهج البلاغة ورثها من والده (رحمهما الله) ، إذ أنشد كوالده أبياتاً في مدح نهج البلاغة تدلّ على كمال الإقبال والعناية بكلام أمير البيان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ؛ كتبها تلميذه المتطبّب القمّي على نسخته ؛ وإليك نصّها :

نهج البلاغة

نوره

لذوي البلاغةِ واضحُ

وكلامه لكلام أرباب

الفصاحة فاضحُ

العلم فيه زاخر

والفضل فيه راجحُ

وغوامض التوحيد فيه

جميعها لك لائحُ

ووعيده مع وعده

للناس طُرّاً ناصحُ

تحظى به هذي البَرِيْيَةُ

صالح أو طالحُ

لا كالعريب ومالها

فالمال غاد ورائحُ

هيهات لا يعلو إلى

مرقى ذراه مادحُ

إنّ الرضي الموسوي

لمائه هو مائحُ

لاقت به ويجمعه

عدد القِطار مدائحُ(1)).

ص: 155


1- مجلة تراثنا ، العدد 34 ، ص 66 (ما قيل في (نهج البلاغة) من نظم ونثر ؛ للسيّد عبد العزيز الطباطبائي).

الثاني : زين الدين محمّد بن أبي نصر بن محمّد بن علي المتطبّب القمّي.

ترجمه منتجب الدين ابن بابويه ، وقال في حقّه : الشيخ زين الدين محمّد بن أبي نصر القمّي ؛ أديب ، فاضل ، طبيب(1).

ووصفه تلميذه علي بن محمّد المطبّب الآتي ذكره في شهر ربيع الأوّل سنة 587 هجرية : «مولاي وسيّدي الإمام الكبير ، العالم النحرير ، زين الدين ، جمال الإسلام ، فريد العصر ، محمّد بن أبي نصر - أدام الله ظلّه ، وكثر في أهل الإسلام والفضل مثله ...»(2).

ثمّ أورد ذكره في شهر ربيع الأوّل من سنة 601 هجرية ، وقال عنه :

«العلاّمة النحرير ، زين الدين ، سيّد الأئمة ، فريد العصر ، محمّد بن أبي نصر - سقاه الله شآبيب رضوانه ، وكساه جلابيب غفرانه ...»

ولا يخفى أنّه رحمه الله كان مُتَوَفىًّ في التاريخ الثاني يعني سنة 601 هجرية ؛ ولذلك يُعَدُّ من أعلام القرن السادس الهجري(3).

يروي هو كتاب نهج البلاغة عن أُستاذه السيّد فضل الله الراوندي قراءةً - كما صرّح بذلك في الإجازة التالية ، ثمّ أُستاذه أمين الدين أبي 4.

ص: 156


1- الفهرست : 120 ، وانظر : أمل الآمل للحرّ العاملي 2/235/699 ، الثقات العيون في سادس القرون 3/244.
2- سيأتي نصّ المتطبّب في الرقم الآتي ممّن روى النهج عن السيّد الراوندي وجميع نصوصه التي كتبها على نسخته من النهج.
3- كما ذكره الشيخ الآقا بزرك الطهراني في الثقات العيون في سادس القرون من كتاب طبقات أعلام الشيعة 3/244.

القاسم مرزبان بن الحسين المدعو ابن كميح ، ثمّ خال أبيه وهو الأديب أبو الحسن محمّد بن الأديب أبي محمّد الحسن بن إبراهيم ، وأجاز برواية كتاب النهج تلميذيه الشيخ أبا العلاء صاعد بن محمّد بن صاعد البريدي الآبي ؛ وذلك في سنة 575 هجرية ، والشيخ علي بن محمّد المتطبّب القمّي الآتي ذكره ؛ وذلك في سنة 587 هجرية عن هذه المشايخ ، وكتب لهما إجازة على ظهر نسختهما ؛ وإليك نصّ إجازته لهما ؛

إجازة ابن أبي نصر القمّي للبريدي روايةَ نهج البلاغة :

«سمع الأجلّ ، الأوحد ، العالم ، مجد

الدين ، بهاء الإسلام ، جمال العلماء ، أبو العلاء ، صاعد بن محمّد بن صاعد

البريدي - حرس الله فضله وإفضاله وبلغه ديناً ودنياً آماله كتاب نهج

البلاغة من أوّله إلى آخره بقراءة الولد الأعزّ

عَلِيٍّ - أبقاه الله عَلَيَّ ، وصحّح نسخته هذه عندي غاية التصحيح ، باحثاً عن

دقائقه ، واقفاً على حقائقه.

وأجزتُ له رواية جميعه عنّي عن السيّد

الإمام السعيد ضياء الدين علم الهدى ، حجّة الحقّ ، أبي الرضا فضل الله بن علي

الحسني الراوندي - أعلى الله درجته ، عن الشيخ قطب الدين أبي جعفر محمّد بن علي

بن الحسن المقرئ النيسابوري ، عن الأديب الحسن بن يعقوب بن أحمد ، عمّن سمعه من

الرضي - رضي الله عنه.

وعنّي ، عن الشيخ عبد الرحيم ابن

الأُخوة البغدادي ، عن أبي

ص: 157

القاسم بن المؤمّل الصغاني ، عن أبي

نصر عبد الكريم بن محمّد ، عن الرضي.

وعنّي ، عن خال والدي أبي الحسن ابن

الأديب أبي محمّد الحسن بن إبراهيم بن بندار ، عن الشيخ أبي عبد الله جعفر بن

محمّد الدوريستي ، عن الرضي - رضي الله عنه وعنهم وعنّا. فليروه وأنا بريئ من

التصحيف والتحريف ؛ وكتب محمّد بن أبي نصر بن محمّد بخطّه يوم الخميس سادس عشر

جمادى الآخرة الواقعة في شهور سنة خمس وسبعين وخمسمائة الهجرية حامداً ومصلّياً

ومسلماً»(1).

قال الموسوي - عفي عنه : لعلّ المراد ب- : (علي) في هذه الإجازة الذي قرأ النهج على ابن أبي نصر هو ابنه ، فعلى هذا هو - يعني علي بن محمّد بن أبي نصر القمّي ممّن يروي النهج عن السيّد الراوندي بواسطة والده.

إجازة ابن أبي نصر القمّي للمتطبّب القمّي لرواية نهج البلاغة :

«قرأ عليّ الولد الأعزّ ، الأنجب ،

جمال الدين ، أبو نصر علي7.

ص: 158


1- وجدت هذه الإجازةوالقراءة القيّمة ضمن مجموعة ، فيها نسخة من كتاب (الرواة) لمحمّد بن علي الشريف البغدادي (من أعلام القرن العاشر) ، ونسخة من ذيل رجال ابن داود (من أعلام القرن السابع) ؛ والنسخة من القرن العاشر أو أوائل القرن الحادي عشر ، وهي محفوظة في مكتبة مجلس الشورى في طهران - إيران ، برقم : 8867.

ابن محمّد بن الحسين المتطبّب - أبقاه

الله طويلا وآتاه من فضله جزيلا كتاب نهج

البلاغة نسخته هذه من أوّلها إلى آخرها ، وأجزتُ له روايته

عنّي عن السيّد الإمام العالم العارف ضياء الدين تاج الإسلام علم الهدى أبي

الرضا فضل الله بن علي بن عبدالله الحسني الراوندي - بوّأه الله في جوار جنانه ،

وثقل بالحسنات ميزانه قراءةً عليه عن ابن معبد ، عن أبي جعفر محمّد بن الحسن بن

علي الطوسي ، عن الرضي الموسوي - رضي الله عنه.

وعنّي عن الأُستاذ السعيد أمين الدين

أبي القاسم المرزبان بن الحسين المدعو ابن كميح ، وعن خال أَبَويَّ الأديب أبي

الحسن محمّد بن الأديب أبي محمّد الحسن بن إبراهيم ، عن الشيخ جعفر الدوريستي ،

عن الرضي - رضي الله عنه وعنهم وعنّا جميعاً ؛

وكتب محمّد بن أبي نصر بن محمّد بن علي

سلخ شهر الله المرجّب رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة هجريّة نبويّة حامداً ومصلّياً

ومسلّماً على نبيّه محمّد وعترته أجمعين».

وتوجد في مكتبة البرلمان الإيراني السابق برقم : 8344 نسخة قيّمة من نهج البلاغة بخطّ نسخي جيّد ، والبسملة وبعض العناوين مكتوبة بالخطّ

ص: 159

الكوفي الخشن الجميل ، من العهد السلجوقي ، وسائر العناوين مكتوبة بالشنجرف ، وبهوامش الربع الأوّل منها قيود وتعليقات ، وعلى هوامش بقيتها تصحيحات وتعليقات يسيرة جاء في آخرها : «محرّره العبد ...أبي جعفر محمّد بن محمّد بن أبي نصر بن محمّد بن علي بكرة يوم السبت الرابع من شهر الله المبارك رجب سنة ستين وستمائة ...».

قال عنها المحقّق الطباطبائي رحمه الله : «رأيتُها ... وراجعتُها بدقّة فإذا التاريخ فيها ملعوب به ، والمخطوطة أقدم من هذا التاريخ ، فهي من نسخ القرن السادس ، وفي كلمة (ستمائة) تصرّف وتغيير واضح ، وأظنّها كانت (خمسمائة) فأبدلت بالستمائة لبعض الأهداف ، والله العالم بحقائق الأُمور. وأظنّ أنّ كاتب النسخة هو العلاّمة الأديب زين الدين أبو جعفر محمّد بن أبي نصر بن محمّد بن علي القمّي المكتّب تلميذ السيّد ضياء الدين علم الهدى فضل الله الراوندي»(1).

قال الموسوي - عفي عنه : إنّ الاسم الذي ذكره السيّد المحقّق هو (محمّد بن محمّد بن أبي نصر بن محمّد بن علي) ، بزيادة : (محمّد) بعد اسمه فهو أبوه ، بينما الموجود في النسخة التي رآها كلّ من الشيخ الآقا بزرك الطهراني عند السردار كابلي في كرمانشاه ، والمحقّق الطباطبائي عند حسين علي محفوظ في الكاظميّة وكلاهما واحد(2) ، والشيخ حسن زاده ش.

ص: 160


1- مجلة تراثنا ، العدد 5 ، ص 79 (المتبقّى من مخطوطات نهج البلاغة).
2- وهي النسخة السابقة للسردار كابلي انتقلت بعده إلى مكتبة محفوظ ثمّ صودرت من قبل حزب البعث وانتقلت إلى المتحف العراقي كما ذكرته قبل صفحات بالهامش.

الآملي عند السيّد مهدي اللاجوردي في قم - وهذه غير الأُولى هو (أبي نصر) لا (محمّد) ، فتصوّرتُ أنا أنّه زيد في نسبه كلمة (محمّد) الثانية في الطباعة في مقال السيّد الطباطبائي رحمه الله ، ولذا راجعتُ النسخة نفسها في مكتبة المجلس في طهران ثمّ حصلتُ على صورتها فرأيت أن الاسم الموجود فيها هو كما نقله رحمه الله.

الثالث : الشيخ جمال الدين أبو نصر علي بن أبي سعد محمّد بن الحسن ابن أبي سعد المتطبّب القمّي.

ترجمه منتجب الدين ابن بابويه ، وقال في حقّه : «جمال الدين علي ابن محمّد المتطبّب القمّي ؛ فاضل ، أديب ، طبيب»(1).

وصفه أُستاذه السيّد عزّ الدين المرتضى علي الراوندي في إجازته له ب- : «الأجلّ الإمام العالم ، الولد الأخصّ ، الأفضل ، جمال الدين ، زين الإسلام ، شرف الأئمّة ، علي بن محمّد بن الحسن المتطبب - أدام الله جماله وبلغه في الدارين آماله ...».

وقال أُستاذه محمّد بن أبي نصر في حقّه : «الولد الأعزّ ، الأنجب ، جمال الدين ، أبو نصر علي بن محمّد بن الحسين المتطبّب - أبقاه الله طويلا وآتاه من فضله جزيلا ...». 1.

ص: 161


1- الفهرست : 91/306 ، وانظر : أمل الآمل للحرّ العاملي 2/203/614 ، الأنوار الساطعة في المائة السابعة 4/110 - 111.

وقال عنه المحقّق الطباطبائي : «كان عالماً ، فاضلا ، أديباً ، شاعراً ، ناظماً ، ناثراً ، ممّن يروي بالإجازة عن السيّد فضل الله الراوندي ، وممّن عُنِي بنهج البلاغة قراءةً وروايةً وتصحيحاً وتعليقاً وامتداحاً ...»(1).

وله : الرسالة التاجيّة في القوانين الجماعيّة ، بالفارسيّة ؛ ذكر فيها منافع الجماع ومضارّه وما يتعلّق به ، أوّلها : «الحمد لله على آلائه الجسام ونعمائه العظام ...»(2).

ومن آثاره الباقية إلى يومنا هذا نسخة نفيسة في غاية الأهمّيّة من كتاب بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار (290ه) ، كتبها علي ابن محمّد الطبيب بخطّه النسخي المشكول في غرّة صفر من سنة 591 هجرية ، وهذه الدرّة اليتيمة محفوظة في المكتبة العظمى للسيّد المرعشي في قمّ المقدّسة(3). رة

ص: 162


1- مجلّة تراثنا ، العدد 34 ، ص 63 (في رحاب نهج البلاغة/الهامش).
2- كشف الحجب والأستار للسيّد إعجاز حسين : 224/1161 وعنه في الذريعة للطهراني 11/134/832 ، وفيهما (الحسين) بدلا من (الحسن) ، والظاهر وجود نسخة منها في بلاد الهندلأنّ السيّد إعجاز حسين يخبرنا عن أوّل هذه الرسالة.
3- مذكورة في فهرسها الفارسيّ 4/382/الرقم : 1574 ، ولاقتنائها لهذه المكتبة الشريفة قصّة لطيفة ذكرها لي سماحة حجّة الاسلام السيّد محمود المرعشي - دام توفيقه ولد المرجع الديني الآية السيّد شهاب الدين المرعشي رحمه الله ؛ وهي : أنّه اتّصل رجل من أهل بابل في شمال إيران بسماحة السيّد الوالد أنّ عنده نسخاً خطّيّة من الإرث يريد أن تنتقل إلى المكتبة التي أسّسها السيّد الوالد ، قال : وأنا سريعاً وبأمر السيّد الوالد أخذتُ سيّارةوذهبت إلى بابُل ، وبعد الوصول سألت عن العنوان فوجدتُ أنَّ المكان هو محلّ لبيع الفواكه والخضر ، فتعجّبت واحتملت أنّ النسخ في مكان آخر لابدّ أن نذهب إليه ، فدخلت إلى الدكّان وصاحبه كان رجلا كبيراً ، وبعد السلام سألت عن النسخ ومحلها فقال : إنّ النسخ في الغرفة الداخليّة في مخزن الفواكه ، فدخلتُ وإذا النسخ كلّها في صناديق الفواكه ، وكلّها في حالة سيّئة جدّاً ، فاتفقت مع الرجل وجعلتُ جُعَبَ الكتب في السيّارة حتّى امتلأت ، وجعلت أحدها أمامي عند مكان رجلي ، فجمعتُ رجلي حتّى قُمَّ ، فتحرّكنا وفي الطريق أمطرت السماء مطراً وابلا ، وأنا في كلّ المسير كنتُ خائفاً أن يصيب النسخ الماء والرطوبة ، فوصلنا قم ودخلنا إلى زقاق الوالد ، فرأيت أنّ سماحة الوالد رحمه الله كان ينتظرنا إلى الصباح ومصباح بيته كان مضيئا ، فدخلت البيت وأخذ الوالد النسخ مني وصار إلى الصباح ينظر إليها ويفتّش عن نفاستها ومن جملتها كانت هذه النسخة النفيسة ، ولا يخفى أنها أقدم النسخ من هذا الكتاب.

يروي المتطبّب القمّي كتاب نهج البلاغة بالإجازة عن السيّد فضل الله الراوندي ، حيث يقول في آخر نسخته من النهج :

«يقول العبد الضعيف أبو نصر علي بن أبي

سعد بن الحسن بن أبي سعد الطبيب - أسعده الله في الدارين بحقّ النبيّ سيّد

الثقلين عليه وعلى أهل بيته أفضل الصلوات وأمثل التحيّات : أجاز لي السيّد

الإمام الكبير ضياء الدين علم الهدى رحمه اللهكتاب نهج

البلاغة للسيّد الإمام الرضي ذي الحسبين أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى بن

محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي ابن الحسين بن علي بن

أبي طالب

عليه السلام ، عن السيّد المرتضى بن الداعي

ص: 163

الحسيني ، عن الشيخ أبي عبد الله جعفر

بن محمّد الدوريستي ، عنه(رضي الله عنه).

و «الغريبين» : عن الشيخ زاهر بن طاهر

النيسابوري المستملي ، عن أبي عثمان الصابوني ، عن أبي عبيد الهروي المؤدّب

مصنّفه (رحمه الله).

و «غرر الفوائد ودرر القلائد» : عن

السيّد حمزة بن أبي الأغرّ نقيب مشهد الحسين صلوات الله عليه ، عن ابن قدامة ،

عن علم الهدى رضي الله عنه.

و «غريب الحديث» لأبي عبيد القاسم بن

سَلاّم البغدادي : عن أبي علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد ، عن أبي نُعيم

الحافظ ، عن سليمان الطبراني الشامي ، عن علي بن عبد العزيز البغوي ، عن أبي عبيد

(رحمهم الله).

وكذلك أجاز لي رواية جميع ما له روايته

من منقول أو معقول (أومقول - أصل). وكتب في رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة هجريّة

محمّديّة حامداً لله تعالى مصلّياً على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين وهو حسبي

ونعم الحسيب».

ثمّ قرأه على شيخه محمّد بن أبي نصر القمّي وقابله مع نسخة السيّد الراوندي ، فقال ما هذا لفظه :

ص: 164

«فرغتُ من قراءته على مولاي وسيّدي

الإمام الكبير ، العالم النحرير ، زين الدين ، جمال الإسلام ، فريد العصر ،

محمّد بن أبي نصر - أدام الله ظلّه ، وكثر في أهل الإسلام والفضل مثله ؛ في شهر

ربيع الأوّل من شهور سنة سبع وثمانين وخمسمائة هجريّة.

وبعد القراءة عرضتُ هذه النسخة على

نسخته المقروءة على السيّد الكبير العلاّمة ضياء الدين علم الهدى - قدّس الله

روحه ونوّر ضريحه - ، ونقلتُ إليها ما وجدته فيها من النكت الغريبة والنتف

العجيبة وصحّحتها غاية التصحيح فصحّت إلاّ ما زاغ عن النظر أو تهارب عن إدراك

البصر ، ولله الحمد والمنّة ، وهو حسبي ونعم الحسيب».

وجاء فيها :

«بلغت المقابلة بنسخة السيّد الإمام -

رضي الله عنه والحمد لله على ذلك ، وصلواته على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين».

والمراد بالسيّد الإمام هو السيّد الراوندي.

ولا يخفى أنّ المراد من «النكت الغريبة والنتف العجيبة» هي التصحيحات الموجودة في نسخة السيّد - رضوان الله تعالى عليه.

ثمّ قرأها أخيراً على عزّ الدين المرتضى علي الراوندي ونقل شروح

ص: 165

نسخة والده - السيّد الراوندي وشرح القطب الراوندي على نسخته ، فقال في هذا الصدد ما هذا نصّه :

«يقول العبد الضعيف المسيء إلى نفسه في

يومه وأمسه ، أبو نصرعلي بن أبي سعد محمّد بن الحسن بن أبي سعد الطبيب - أسعده

الله في الدارين بمحمّد سيّد الثقلين وآله مصابيح الملوين عليه وعليهم أفضل

الصلوات وأمثل التحيات :

عرضتُ هذه النسخة بعد القراءة على

الإمام الكبير ، العلاّمة النحرير ، زين الدين ، سيّد الأئمة ، فريد العصر ،

محمّد بن أبي نصر- سقاه الله شآبيب رضوانه ، وكساه جلابيب غفرانه على نسخة

السيّد الإمام الكبير السعيد ضياء الدين علم الهدى - تغمّده الله برحمته وتوّج

مفرقه بتيجان مغفرته ، وصحّحتها غاية التصحيح ووشّحتها نهاية التوشيح بحسب وقوفي

على حقائقها وإحاطتي بدقائقها ، وشنفت آذان حواشيها بالدرر التي وجدتها فيها.

ثمّ بعد ذلك قرأته على ابنه السيّد

الإمام الكبير عزّ الدين المرتضى - رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل الجنّة مأواه

وسمعته عليه قراءة استبحت عن معانيه ، وسماعاً استكشفت عن مبانيه.

ثمّ ما اقتصرت على تشنيف آذانها بل

سمطتها بالجواهر ،

ص: 166

وقلّدتها بالدرر الزواهر التي

استجردتها بالغياصة في بحار مصنّفات العلماء ، واستنبطتها من معادن مؤلّفات

الفضلاء ، وانتزعت أكثرها من منهاج البراعة في شرح نهج

البلاغة من كلام الإمام السعيد قطب الدين الراوندي - بيّض

الله غرّته ونوّر حضرته وكاءدت في تصحيح كلّ ورق إحدى بنات طبق ، ولقيت من توشيح

كلّ سطر بنات برح وأم فرو ، فصحّت إلاّ ما زلّ عن النظر أو تهارب عن إدراك البصر

ولا يعرف ذلك إلاّ من تسنّم قلال شواهق هذه الصناعة بحقّ ، وجرى في ميدانها

أشواطاً على عرق ، وذلك في شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وستّمائة هجريّة ، ولله

الحمد والمنّة وعلى النبيّ الصلاة بقدر المنّة وهو حسبي ونعم الحسيب».

وكتب السيّد عزّ الدين علي الراوندي إجازة للشيخ علي بن محمّد المطبّب هذا وقد سبق نصّ الإجازة فيما سبق في القسم الأوّل.

ثمّ جاءت إجازة الشيخ محمّد بن أبي نصر القمّي للشيخ علي بن محمّد المطبّب التي ذكرنا نصّه فيما سبق في الرقم الثاني.

وقد ذكر لنا ابن باباجان الشيرازي - أحد العلماء الكتّاب شيئاً عن هذه النسخة الشريفة ، وشَرَح كيفية هذه النسخة ، وأخبرنا باهتمامه باستنساخه عنها ومقابلته معها ، حيث يقول :

ص: 167

«كلّ ما هو بالحمرة على حواشي هذا

الكتاب وفي متنه فهو نسخة السيّد الرضي - رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنّة

منقلبه ومثواه.

وبحمد الله وحسن توفيقه وجزيل نعمائه

وشمول عواطفه نقلت ما في المنتسخ منه من الحواشي في نسختي هذه على الهيئة التي

كانت فيه سواد أو حمرة بعد ما كتبت أصلها منه مراعياً لما كتب فيه بالحمرة كذلك

متناً إلا خمسة كراريس أشرت إليها في آخر كلّ كرّاس لما عرضتها عليها كما راعيته

حاشية. وبذلت جهدي في مطابقة نسختي لتلك النسخة متناً وحاشيةً في أثناء كتابتي.

وأنا أقلّ الأقلّين ابن باباجان

الشيرازي - غفر الله له ولوالديه بعلي وحسنيه عليهم السلام.

ثمّ عرضت نسختي هذه متناً عليها وقد

كتب في آخر كلّ كرّاس : عورض وصحّح وقرئ بالحمرة والسواد كما كتبته هنا إشارة

إلى أنّها عرضت ... السيّد بعد تصحيحها بنسخة غيره وقد ... نسختي عليها في

مجالس ... والحمد لله ا ... ظ ... إنتهى».

وانتقلت هذه العلاقة المتميّزة بنهج البلاغة من الأساتذة إلى تلميذهم

ص: 168

الشيخ علي بن محمّد المطبّب رحمه الله فأنشد هو كأساتذته قصيدة في مدح نهج البلاغة ؛ كتبها في نسخته ؛ وهذه هي :

نهج البلاغة

مَشْرَعُ الفصحاءِ

ومعشَّشُ البُلغاءِ والعلماءِ

دُرْجٌ عقودُ رقابِ أربابِ التقى

في دَرْجِهِ من غير ما استثناءِ

في طيّه كلّ العلوم كأنّه ال-

جفرُ المشار إليه في الأنباءِ

من كان يسلك نهجه متشمّراً

أَمِنَ العثار وفازَ بالعلياءِ

غُررٌ من العلمِ الإلهيّ انجلت

منظومةً [فيها] ضياءُ ذُكاءِ

ويفوح منها عبقةٌ نبويّةٌ

لا غَرَو قُدَّا مِن أَدِيمِ سَناءِ

روض من الحِكَمِ الأنيقةِ جادَهُ

جَوْدٌ من الأنوارِ لا الأنواءِ

أنوارُ علمِ خليفةِ الله الذي

هو عصمةُ الأَمواتِ والأحياءِ

وجُذَيْلها وعُذَيْقُها مترجِّبا

ومحكَّكا جدًّا بغيرِ مِراءِ

مشكاةُ نورِ الله خازنُ علمِهِ

مختارُهُ من سُرَّةِ البطحاءِ

وهو ابن بَجْدَتِهِ عليه تهدَّلَت

أغصانُهُ من جُملةِ الأُمَراءِ

ووصيُّ خيرِ الأنبياءِ اختارَهُ

رغما لتيم أَرذلِ الأعداءِ

صلّى الإله عليهما ما ينطوي

بُرْدُ الظَّلام بنشرِ كَفِّ ضياءِ

وعلى سليلهما الرَّضِيِّ محمَّد

قُطْبِ السباقِ جَرَى من الفُصَحاءِ(1)

الرابع : نصير الدين أبو طالب عبد الله بن حمزة بن عبد الله بن جعفر بن حسن بن علي ابن النصير الطوسي الشارحي المشهدي.

قال عنه منتجب الدين : «الشيخ الإمام نصير الدين أبو طالب عبد ).

ص: 169


1- مجلة تراثنا ، العدد 34 ، ص 62 (ما قيل في نهج البلاغة من نظم ونثر).

الله ... الطوسي الشارحي المشهدي ؛ فقيه ، ثقة ، وجه»(1).

وقال عنه الحرّ العاملي في الأمل : «فاضل ، فقيه ، صالح ؛ له مؤلّفات يرويها العلاّمة عن أبيه ، عن الحسين بن رده ، عنه».

وقال عنه في الاثني عشريّة : «ابن حمزة رحمه الله وهو من أجلاء علمائنا»(2).

ويكفيه أنّ المحقّق نصير الدين الطوسي من تلامذته ، وابن حمزة هذا خال أبيه ، وجدّه عبد الله بن حمزة ابن عمّ الشيخ الطوسي شيخ الطائفة(3).

له كتاب الوافي بكلام المثبت والنافي في تحقيق مسألة فلسفيّة ، وكتاب الهادي إلى النجاة بالعربيّة ، إيجاز المطالب في إبراز المذاهب بالفارسيّة ؛ ينقل عنهما المقدّس الأردبيلي في حديقة الشيعة ، وذكر أنّه أبطل في كتابيه هذين الأخيرين جميع المذاهب المخالفة للإماميّة وأبدى فساد عقائد سائر الفرق وأثبت حقّيّة المذهب الجعفري(4) ، وكذا ينقل عنهما في مناهج اليقين إلى كنوز معالم الدين لبعض معاصري المولى 0.

ص: 170


1- الفهرست : 86/272.
2- الإثنا عشرية للحرّ العاملي : 49.
3- تلخيص مجمع الآداب 5/177 ، وانظر :. مجلّة تراثنا ، العدد 39 ، ص 303 (نهج البلاغة عبر القرون 7).
4- خاتمة المستدرك 2/102 ، الذريعة 2/487/1908 وج 25/151/10.

خليل القزويني (ق11) (1).

يروي كتاب نهج البلاغة عن السيّد فضل الله الراوندي ؛ وذلك أنّه لمّا فرغ تلميذه الشيخ قطب الدين محمّد بن الحسين الكيدري البيهقي في سنة 596 هجرية من شرحه على نهج البلاغة الموسوم ب- : حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة ، عرضه على أستاذه ابن حمزة الطوسي هذا ، فاستحسنه وكتب له تقريظاً ، وأجازه فيه أن يروي عنه كتاب نهج البلاغة وما صحّت له روايته من كتب القدامى عن السيّد الراوندي(2) ، وإليك نصّ كلامه :

«هذا الكتاب الموسوم بحدائق الحقائق في

شرح نهج البلاغة

كتاب جامع لبدائع الحكم ، وروائع الكلم ، وزواهر المباني ، وجواهر المعاني ،

فائق ما صنّف في فنّه من الكتب ، حاو في فنون من العلم لباب الألباب ، ونكت

النخب ، ألفاظه رصينة متينة ، ومعانيه واضحة مستبينة ، فبالحري أن يمسي لكلام

أفصح العرب بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شرحاً ، ويقابل بالقبول

والإقبال ، ولا يعرض عنه صفحاً ، وصاحبه الإمام الأجل العالم الزاهد ، المحقّق

المدقّق ، قطب الدين ، تاج الإسلام ، مفخر العلماء ، مرجع الأفاضل ، محمّد7.

ص: 171


1- الذريعة 22/351/7401.
2- نصّ الإجازة موجود على ظهر كتاب إصباح الشيعة بمصباح الشريعة للكيدري ، وهو موجود في مكتبة السيّد المرعشي ومسجّل برقم : 127.

ابن الحسين بن الحسن الكيدري البيهقي -

وفّقه الله لما يتمنّاه في دنياه وعقباه ، قد عب في علوم الدين من كلّ بحر ونهر

، وقلب كلّ فنّ ممّا انطوى عليه الكتاب بطناً لظهر ، ولم يأل جهداً في اقتناء

العلوم والآداب ، وأدأب نفسه في ذلك غاية نهار عمره كلّ الإِدْآب ، حتّى ظفر

بمقصوده ، وعثر على منشوده ، وها هو منذ سنين يقتفي آثاري ويعشو إلى ضوء ناري ،

يغتذي ببقايا زادي ، ويطأ مصاعد جوادي(1).

وقد صحّ له وساغ رواية جميع ما سمعتُه

وجمعتُه من الكتبن.

ص: 172


1- قال القطب الكيدري في كتاب كفاية البرايا في معرفة الأنبياء والأوصياء على ما نقل عنه المحدّث النوري في خاتمة المستدرك 2/462 : حدّثني مولاي وسيّدي الشيخ الأفضل ، العلاّمة ، قطب الملّة والدين ، نصير الإسلام والمسلمين ، مفخر العلماء ، ومرجع الفضلاء ، عمدة الخلق ، ثمال الأفاضل ، عبد الله بن حمزة بن عبد الله بن حمزة الطوسي - أدام الله تعالى ظلّ سموّه وفضله للأنام وأهله ممدوداً ، وشرّع نكته وفوائده لعلماء العصر مشهوداً ، قراءةً عليه بسانزواربهق [الاسم القديمي لسبزوار بيهق] في شهور سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة : عن الشيخ الإمام عفيف الدين محمّد بن الحسين الشوهاني ، عن شيخه الفقيه علي بن محمّد القمّي ، عن شيخه المفيد عبد الجبّار بن عبد الله المقرئ ، عن شيخ الطائفة ... انتهى مانقله النوري. توجد في مكتبة الروضة الفاطميّة المعصوميّة في قم المقدّسة ، برقم : 5954 ، نسخة من كتاب (مجمع البيان في تفسير القرآن) لأمين الإسلام الطبرسي ، استنسخها الكيدري في سنة 586ه- ، وقرأها على ابن حمزة هذا في سنة 594ه- ، وهذا يدلّ على أنّه لازم شيخه هذا طيلة عشرين سنة ، وأفاد منه الكثير كما صرّح ابن حمزة بهذا في نصّ المتن.

الأُصوليّة والفروعيّة والتفاسير

والأخبار والتواريخ وغير ذلك على ما اشتمل عليه فهارس كتب أصحابنا وغيرهم ، من

مشايخي المشهورة لا سيّما الكتاب الذي شرحه هو ، وهو نهج

البلاغة.

وله أن يرويه بأجمعه عنّي ، عن السيّد

الشريف السعيد الأجلّ أبي الرضا فضل الله بن علي الحسين الراوندي ، عن مكّي بن

أحمد المخلطي ، عن أبي الفضل محمّد بن يحيى الناتلي ، عن أبي نصر عبد الكريم بن

محمّد الديباجي ، المعروف بسبط بشر الحافي ، عن السيّد الشريف الرضي - رضي الله

عنه ، وعن غير هؤلاء من مشايخي. وهو حري بأن يؤخذ عنه ، وموثوق بأن يعول عليه ؛

وهذا خطّ العبد المذنب المحتاج إلى

رحمة الله عبد الله بن حمزة بن عبد الله الطوسي في شهر رمضان - عظّم الله بركته

سنة ست وتسعين وخمسمائة(1)».ة.

ص: 173


1- ومن المحتمل أنّ التسعين مصحّفة عن السبعين ، لمقاربتهما كتابةً ، ويبدو أنّ المؤلف لمّافرغ من شرحه عام 576ه- ، عرض شرحه على أُستاذه في هذه السنة وكتب الأُستاذ تقريظاً عليه في نفس السنة ، ومن البعيد أن يقف عليه بعد الفراغ بعشرين عاماً. ثمّ إنّ شيخنا قطب الدين المجاز صرّح بقراءته على أستاذه ابن حمزة في بعض كتبه الذي ألّفه عام 573 هجرية كما مرّ نصّ تاريخ الإجازة في الهامش السابق عن النوري في الخاتمة.

الخامس : رشيد الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني (588ه).

صاحب كتاب «مناقب آل أبي طالب» المطبوع مكرّراً ، وهو أشهر من أن يذكر ويُعَرَّف.

وبالجملة ما وجدنا نصّاً وإجازةً من ابن شهر آشوب نفسه في روايته عن السيّد الراوندي لكتاب نهج البلاغة ، أو إجازة من السيّد الراوندي إليه ؛ نعم هو يروي عن السيّد الراوندي وكان من تلامذته كما يصرّح به في مناقبه ويقول : «أخبرني أبو الرضا الحسيني الراوندي بإسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ...»(1).

هذا ؛ وقد وقع ابن شهر آشوب في الطرق الكثيرة لرواية النهج وذلك في الأثبات والإجازات لمشايخ الشيعة الكبار ، ويروي في بعضها بحقّ روايته عن السيّد الراوندي ، فنذكر لك أيّها القارئ الخبير ، نصوص تلك الإجازات والقراءات :

الإجازة الأُولى :

توجد في مكتبة السيّد الگلبايگاني العامّة في قم(2) مخطوطة من 6.

ص: 174


1- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 3/27.
2- (116) مذكورة في فهرسها 8/4835/الرقم في الفهرست : 15286 ، رقم النسخة في المكتبة65 /36.

كتاب نهج البلاغة ، نفيسة للغاية ، يرجع تاريخ كتابتها إلى أواخر القرن السادس الهجري أو أوائل القرن السابع الهجري ، قابلها وصحّحها النقيب السيّد المرتضى كمال الدين أبو الفتح حيدر بن محمّد بن زيد بن محمّد بن عبدالله الحسيني الموصلي (634ه) ، الذي كان رحمه الله من أجلّة علماء الشيعة ، شاعراً ، فصيحاً ، زاهداً. وروى عن علي ابن شهر آشوب وعلي بن القطب الراوندي وعبد الله بن جعفر بن محمّد الدوريستي ، ويعدّ من مشايخ السيّد علي ابن طاووس الحلّي (664ه) (1) ، ويصفه بالإمام العالم الزاهد العابد.

بدأ النقيب كمال الدين بتصحيح هذه النسخة في شوّال سنة 614 هجرية ، واستمرّ به إلى جمادى الآخرة من سنة 615 هجرية ، وقد ضبط مجالس التصحيح والسماع بعض تلامذته الذي سمعه عنه ، وكتب هذا التلميذ تاريخ مجالس السماع في هوامش النسخة بهذه العبارات :

«بلغ سماعاً على المولى النقيب كمال

الدين أبي الفتوح حيدر ابن محمّد الحسيني - أسبغ الله ظلّه ومعارضة بأصله».

وجاء على ظهر الصفحة الأُولى من المخطوطة طريق رواية النقيب 7.

ص: 175


1- انظر عنه : مجمع الآداب في معجم الألقاب 4/150/3557 ، تاريخ الإسلام للذهبي (سنة 631 - 640 ه) : 170/237 ، أمل الآمل 2/108/303 ، رياض العلماء 2/227 و231 ، أعيان الشيعة 6 /275 ، الأنوار الساطعة في المائة السابعة من الطبقات 3/57.

كمال الدين حيدر بخطّ تلميذه ؛ فدونكها :

«رواية الشيخ الحافظ أبي علي بن أبي

جعفر الطوسي رحمه الله ؛ عنه(1).

رواية الشيخ المفيد أبي الوفاء عبد

الجبّار المقرئ الرازي رحمه الله ؛

عنه.

رواية السيّد أبي الرضا فضل الله بن

علي بن عبيد الله الراوندي رحمه الله ؛

عنه.

رواية رشيد الدين أبي جعفر محمّد بن

علي بن شهر آشوب السروي رحمه الله ؛

عنه.

رواية النقيب الطاهر كمال الدين حيدر

بن محمّد بن زيد الحسيني - أدام الله أيّامه ؛ عنه»(2).

وفي هذا الطريق كلام ليس هنا محلّ ذكره.

الإجازة الثانية :

إجازة قراءة نهج البلاغة عام 730 هجرية من صفي الدين السيّد أ.

ص: 176


1- الضمير يرجع إلى السيّد الرضي رحمه الله ؛ وذكرنا في ما سبق ما يرتبط برواية الشيخ الطوسي عن السيّد الرضي بلاواسطة ؛ فراجع هناك.
2- هناك نصوص أُخرى في الهوامش ، في رواية النسخة عن النقيب كمال الدين عن ابن شهر آشوب ، لم تقرأ.

محمّد بن الحسن بن محمّد ابن أبي الرضا العلوي البغدادي (ق7 و8) للسيّدشمس الدين محمّد ابن جمال الدين أحمد بن أبي المعالي الموسوي (769ه) ، ويروي ابن شهر آشوب عن الراوندي في الطريق الرابع منها.

«لله الحمد قرأ عليّ السيّد الولد

الأعزّ ، الفقيه ، العالم ، الفاضل ، شمس الدين ، جمال الإسلام ، مخفر السادة ،

زين العلماء ، محمّدابن السيّد ، الأجل ، الأوحد ، الكبير ، الحسيب النسيب ،

جمال الدين ، ابن أحمد بن أبي المعالي الموسوي - أدام الله أيّام شرفه ووفّقه

لوطئ آثار سلفه بمنّه ولطفه كتاب نهج

البلاغة من كلام سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي

طالب صلوات الله عليه من أوّله إلى آخره قراءةَ كاشف عن معانيه باحث عن أسرار

مطاويه.

[الطريق الأوّل :] وأجزتُ له روايته

عنّي ، عن الشيخ السعيد نجيب الدين يحيى بن سعيد ، عن السيّد الشريف محيي الدين

ابن محمّد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي ، عن الفقيه رشيد الدين

أبي جعفر محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني ، عن السيّد أبي الصمصام ذي

الفقار بن معبد الحسني المروزي ، عن أبي عبد الله محمّد بن علي الحلواني عن

السيّد الرضي.

[الطريق الثاني :] وعن السيّد المذكور

، عن الفقيه الشريف

ص: 177

قطب الدين أبي الحسين سعيد ابن هبة

الله الراوندي ، عن السيّد بن المرتضى والمجتبى ابني الداعي الحسيني ، عن أبي

جعفر الدوريستي ، عن السيّد الرضي.

[الطريق الثالث :] وأجزت له الرواية

أيضاً عنّي ، عن الشيخ العالم السعيد كمال الدين ميثم بن علي البحراني الأوالي ،

عن الشيخ العالم ، فقيه السلف ، مجد الدين ، أبي الفضل عبد الله ابن أبي الثناء

محمود بن مودود بن محمود بن بلدجي ، عن السيّد العالم كمال الدين حيدر بن محمّد

بن زيد بن محمّد بن محمّد بن عبيد الله الحسيني ، عن شيخه رشيد الدين أبي جعفر

محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي ، عن السيّد المنتهى بن أبي زيد بن كيابكي

الحسيني الجرجاني ، عن أبيه أبي زيد ، عن المؤلّف السيّد الرضي.

[الطريق الرابع :] وبحقّ رواية ابن

شهرآشوب أيضاً عن السيّد أبي الرضا فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني

الراوندي ، عن المفيد أبي الوفاء عبد الجبّار المقرئ الرازي ، عن الشيخ الحافظ

أبي علي بن أبي جعفر الطوسي(1) ، عن المؤلّف.ظر

ص: 178


1- الظاهر زيادة (أبي علي ابن) ، والصحيح : (الشيخ الطوسي) ؛ لأنّ الشيخ أبا الوفاء عبدالجبّارالمقرئ كان من تلامذة الشيخ الطوسي ولم نعهد روايته عن الشيخ أبي علي الطوسي كما مرّ في الإجازة الأُولى روايته لكتاب (نهج البلاغة) عن الشيخ الطوسي (انظر

فليرو ذلك متى شاء موفّقاً نفعه الله.

وكتب محمّد بن الحسن بن محمّد بن أبي

الرضا العلوي في صفرختم بخير لسنة ثلاثين وسبعمائة»(1).

الإجازة الثالثة :

طريق رواية الشهيد الثاني (965ه) لرواية نهج البلاغة في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي (984ه) والد شيخنا البهائي ، المعروفة بالإجازة الكبيرة وهو الطريق الثاني من طرقه للنهج ؛

[الطريق الأوّل :] ح : وبالإسناد

المتقدّم إلى الشيخ رشيد الدين محمّد بن شهرآشوب السروي المازندراني ، عن السيّد

المنتهى ابن أبي زيد كيابكي الحسيني الجرجاني ، عن السيّد الرضي.

[الطريق الثاني :] ح : وعن ابن شهرآشوب

، عن السيّد فضل الله بن علي الراوندي ، عن عبد الجبّار المقرئ ، عن أبي علي ،

عن والده ، عن السيّد الرضي - رحمهم الله تعالى.4.

ص: 179


1- بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي 104/172/14.

[الطريق الثالث :] ح : وعن ابن شهرآشوب

، عن السيّد أبي الصمصام ذي الفقار بن معبد الحسني المروزي ، عن الشيخ أبي عبد

الله محمّد بن علي الحلواني ، عن السيّدين السعيدين البدلين علي ومحمّد المرتضى

والرضي - قدّس الله روحيهما ونوّر ضريحهما(1).

الإجازة الرابعة :

وجدت في آخر نسخة من نهج البلاغة في مكتبة العتبة العبّاسيّة المقدّسة بكربلاء المقدّسة ، - كتبها الشيخ أحمد بن محمّد بن إسماعيل الحدّاد البجلي الحلّي (ق 8) أُستاذ الشهيد الأوّل في سنة 728ه- صورةَ إجازة لرواية النهج سماعاً من السيّد غياث الدّين عبدالكريم بن طاووس الحلّي(693) على الشيخ مجد الدين أبي الفضل عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود بلدجي الحنفي (683ه) وكتب السيّد غياث الدّين شرح تواريخ السماع والطريق ، كما وقد أيّد بلدجي هذا بخطّه ما كتبه السيّد غياث الدين وكلّ هذا منقول عن خط الشيخ شمس الدين محمّد الجبعي العاملي (886 ه) جدّ الشيخ البهائي وهذا نصّهما :

من خطّ الشيخ محمّد الجبعي : قال الشيخ

محمّد بن مكّي : كتبت من خطّ السيّد غياث الدين عبدالكريم بن طاوس رحمه الله4.

ص: 180


1- بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي 105/160/14.

نقلت بالمدينة ... عام سبعين وسبعمائة

: «سمعت نهج البلاغة

على الشيخ مجد الدين عبد الله [بن] محمود بن مودود ابن بلدجي مدرس ... سمعه بحقّ

سماعي على النقيب كمال الدين حيدر بن محمّد بن زيد بن عبدالله الحسيني بالموصل بسماعه

إيّاه على الفقيه رشيد الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني ، عن

السيّد المنتهى بن كياكيي بن أبي زيد الحسيني الجرجاني ، عن الرضي مصنّفه.

وعن ابن شهر آشوب ، عن السيّد فضل الله

[بن] علي الحسيني أبي الرضا الراوندي ، عن عبد الجبّار المقرئ ، عن أبي علي

الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي خالي(1) ، عن الرضي ،

بقراءة مدرّس النظاميّة شمس الدين محمّد بن أحمد الكيشي العدوي في مجالس أربعة

آخرها السبت الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وستين وستمائة والأيّام الآخر

السبت الرابع عشر والأحد الخامس عشر والأربعاء الثامن عشر من الشهر المذكور».

وعليه بخطّ بلدجي :

«جميع ما ذكره وسطّره - أيّده الله من

السماع والقراءة والإسنادك.

ص: 181


1- كذا ، وذكرنا في هوامش هذا المقال ما يرتبط برواية أبي الوفاء عبد الجبّار المقرئ عن أبي علي ، وكذا رواية أبي علي عن الرضي فراجع هناك.

والتاريخ صحيح ؛ كتبه العبد الضعيف

الفقير إلى الله تعالى مجد الدين عبد الله بن محمود ابن مودود».

الإجازة الخامسة :

رأيت في نسخة من كتاب نهج البلاغة في مكتبة مجلس الشورى فيطهران صورة رواية إلى السيّد الرضي ، ويظهر عليها أحد طرق ابن شهر آشوب ؛ وهذا نصّها :

«رواية السيّد المنهاى بن ابي زيد بن

كيابكي الحسيني الجرجاني عن أبيه المذكور عن المؤلّف ؛

رواية الشيخ الإمام رشيد الدين أبي

جعفر محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي عنه ؛

رواية السيّد كمال الدين أبي الفتوح

حيدر بن محمّد بن علي ابن محمّد بن محمّد بن عبيد الله الحسيني عنه ؛

رواية الشيخ مجد الدين أبي الفضائل عبد

الله بن محمود بن مودود بن محمود ابن بلدجي الحنفي عنه ؛

رواية الشيخ جلال الدين ........ محمّد

بن محمّد المدعو بابن الكوفي عنه ؛

رواية سعيد [كذا] محمّد بن مسعود

وأولاده عنه انتهى».

ص: 182

السادس : أبو علي عبد الجبّار بن الحسين بن أبي القاسم الحاجّ الفراهاني.

لعلّه هو الشيخ القاضي زين الدين أبو علي عبد الجبّار بن الحسين بن عبد الجبّار الطوسي ؛ والذي ترعرع في عائلة كبيرة كريمة علميّة وكان فرعاً من فروع شجرة علماء وفقهاء كلّهم من الثقات ونزلاء قاشان ؛ ترجمهم منتجب الدين ابن بابويه ؛ وقال عن الشيخ عبد الجبّار هذا : «فاضل ، فقيه ، واعظ ، ثقة»(1).

ومن هذه العائلة : جدّهم الأعلى أبو علي عبد الجبّار بن عبد الله بن علي بن محمّد بن الحسين الطوسي الرازي(2) ، نزيل كاشان ، والمتوفّى سنة 529ه- ، وقد كان من تلامذة شيخ الطائفة الطوسي (460ه) ، وعمّه القاضي جمال الدين علي بن عبد الجبار بن محمّد الطوسي ، وأخوه القاضي شرف الدين أبو الفضل محمّد ابن الحسين بن عبد الجبار الطوسي ، وابن أخيه خطير الدين محمود بن محمّد بن الحسين بن عبد الجبار الطوسي ، وابن عمّه القاضي ركن الدين عبد الجبّار بن علي ابن عبد الجبّار الطوسي ، وابن عمّه الآخر القاضي تاج الدين محمّد بن علي بن عبد الجبّار م.

ص: 183


1- الفهرست : 120/255. وانظر في ترجمة عائلته : الفهرست : 50/92 ، و119/254 ، و176/435 ، و176/436 ، و135/298 ، 175/431 ، وانظر : بحار الأنوار 106/27 / كما في إجازة الشيخ علي بن هلال الكركي للمولى المحقّق مولانا ملك محمّد ابن سلطان حسين الأصفهاني ، ديوان السيّد فضل الله الراوندي : 193 ، تعليقات الأُرموي على فهرست منتجب الدين : 209. ومن الحري بالذكر أنّهم كلّهم كانوا قضاة قاشان.
2- ومن العجيب أنّ الشيخ منتجب الدين لم يذكر جدّهم الأعلى هذا ، وهو أوّل سلسلة هذه المشايخ الكرام والفقهاء العظام.

الطوسي ، وابن عمّه الآخر القاضي أحمد بن علي بن عبد الجبّار الطوسي ، ومن عائلتهم أيضاً القاضي شهاب الدين أبو الحسن محمّد بن عبد الجبّار الطوسي.

وبالجملة : إنّ الشيخ أبا علي عبد الجبّار بن الحسين الفراهاني كتب نسخة من كتاب نهج البلاغة وخصائص أمير المؤمنين عليه السلام للشريف الرضي على نسخة بخطّ السيّد الإمام الفقيه ضياء الدين أبي الرضا فضل الله الراوندي وانتسخها بحضرته وتحت إشرافه وقابلها مع نسخته ، ثمّ قرئت عليه وهو يسمع ، وأجازه السيّد الراوندي على نسختي النهج والخصائص ، وذلك في سنة 553 هجرية بقرية جوسقان من توابع راوند ، وهو من سكنة قرية خومجان(1).

ومن مِنَنِ الزمان علينا أَنْ أبقى هذه النسخة النفيسة الجليلة سالمة إلى اليوم ، حيث انتقلت من بلاد إيران إلى أن تملّكتها مكتبة رضا في رامپور بالهند ، وعنها مصوّرة في المكتبة المركزيّة لجامعة طهران(2) ، وأخذتُ صورة منها ؛ ولكن - وللأسف الشديد تَشَوَّهَ التصوير بسبب طول الزمان وبقي منها قطعة صغيرة من آخر النهج وتمام كتاب الخصائص ؛ وهذه 6.

ص: 184


1- تراجم الرجال للإشكوري475 /18 : 2 ، قال فيه : ولعلّه [أي الفراهاني] من تلامذه الراوندي. قال الموسوي : نعم هو من تلامذته وممّن قرأ عليه.
2- فهرست مكتبة رضا في رامپور بالهند 1/631/رقم : 1190 ، فهرس مصورات مكتبة جامعة طهران 3/126/5046.

نصوص ما بقي منها :

يقول الفرهاني في نهاية زيادات نسخته من النهج :

«انتهت الزيادة بحمد الله ومنّه

وصلواته على نبيّه محمّد وآله أجمعين ، وفرغ من كتبه العبد المذنب عبد الجبّار

بن الحسين ابن أبي القاسم الحاجّي الفراهاني يوم الأربعاء التاسع عشر منجمادى

الأُولى من سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة في خدمة مولانا الأمير الأجلّ السيّد ضياء

الدين تاج الإسلام أبي الرضا فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني - أدام الله

ظلّه وقد أَوَى إلى قرية جوسقان راوند ، متفرّجاً من نسخته بخطّه حامداً لله

ومصلّياً على النبيّ وآله أجمعين والسلام».

وأخبر عن كيفية سماعها في آخر هذه المخطوطة :

«وقع الفراغ من سماع هذا الكتاب بقراءة

من قرأ على السيّد الأجلّ الإمام ضياء الدين تاج الإسلام - حرس الله ... وقت

الزوال في يوم الخميس من شهر جمادى ... سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، حامداً لله

ومصلّياً على نبيّه محمّد وآله أجمعين».

وكتب في آخر نسخة خصائص الأئمّة للسيّد الرضي ، ما لفظه :

ص: 185

«تمّت كتابة كتاب خصائص الأئمّة : ،

وفرغ من كتبه العبد المذنب الراجي إلى غفران الله وعفوه عبد الجبّار بن الحسين

ابن أبي القاسم الحاجّ الفراهاني ، الساكن بقرية خومجان - عمّرهاالله يوم الأربعاء

الرابع من شوّال سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ؛ غفر الله له ولوالديه ولجميع

المؤمنين والمسلمات ، إنّه هو الغفور الرحيم».

وبهامشها :

«فرغتُ من قراءته في ذي القعدة سنة خمس

وخمسين وخمسمائة حامداً لله ومصلّياً على سيّدنا محمّد ...».

وأجاز السيّد الراوندي على ظهر الصفحة الأُولى من كتاب الخصائص بما لفظه :

«قرأ الخصائص عليّ الشيخ الرئيس ،

الولد ، وجيه الدين ، فخر العلماء أبو علي عبد الجبّار بن الحسين بن أبي القاسم

- دامت نعمتهما ، ورويتها له عن شيخي أبي الفتح إسماعيل ابن الفضل بن أحمد بن

الأخشيد السراج ، عن أبي المظفر عبد الله بن شبيب ، عن أبي الفضل الخزاعي ، عن

الرضي - رضي الله عنه ، وكتبه فضل الله بن علي الحسني أبو الرضا الراوندي

ص: 186

في ذي القعدة من سنة خمس وخمسين

وخمسمائة ، حامداً لله تعالى مصلّياً على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين وأصحابه

الزاهرين».

السابع : الشيخ محمّد بن الحسن بن محمّد بن العبّاس نازويه القمّي.

والمقال الذي بين يديك يتكلّم جلّه عن نسخة نازويه القمّي ونفاستها وقداستها ؛ فانظر ما فعله في هذه النسخة من اهتمام وشرح وسماعها ومقابلاتها فيما سبق.

ص: 187

صورة

ص: 188

صورة

ص: 189

صورة

ص: 190

صورة

ص: 191

صورة

ص: 192

صورة

ص: 193

صورة

ص: 194

صورة

ص: 195

صورة

ص: 196

صورة

ص: 197

صورة

ص: 198

صورة

ص: 199

صورة

ص: 200

صورة

ص: 201

سطور في قطب الدين الراوندي(1)

هو أبو الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن بن عيسى المشهور بقطب الدين الراوندي.

كان أحد أعيان العلماء ومشاهيرهم ، ومن أجلّة فقهاء الإماميّة ، محدّثاً ، مفسّراً ، متكلّماً ، مشاركاً في فنون أُخرى من العلم.

روى عن طائفة من العلماء ؛ منهم : المفسّر الفضل بن الحسن الطبرسي ، وأبو الفضل عبد الرحيم بن أحمد الشيباني المعروف بابن الأُخوة البغدادي ، والسيّدان المرتضى والمجتبى ابنا الداعي الحسني ، والسيّد أبو السعادات هبة الله بن علي الشجري ، وأبو جعفر محمّد بن علي بن المحسّن الحلبي.

وروى عنه : ابن شهر آشوب المازندراني ، ومنتجب الدين علي بن عبيدالله بن بابويه الرازي ، وناصر الدين راشد بن إبراهيم البحراني ، والقاضي أحمد بن علي ابن عبد الجبّار الطوسي .. وآخرون.

وله كتب ؛ منها : فقه القرآن (جزءان) ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (ثلاثة أجزاء) ، الخرائج والجرائح (ثلاثة أجزاء) ، سلوة الحزين 3.

ص: 202


1- معالم العلماء : 55/368 ، فهرست منتجب الدين : 87/186 ، مجمع الآداب للفوطي 3/379/2799 ، لسان الميزان 3/48/180 ، أمل الآمل 2/125 /356 ، رياض العلماء 3/419 ، روضات الجنّات 4/5/314 ، أعيان الشيعة 7/260 ، طبقات أعلام الشيعة (الثقات العيون في سادس القرون) 3/124 ، الأعلام للزركلي 3/104 ، معجم المؤلّفين 4/233.

وتحفة العليل ، المغني في شرح النهاية للطوسي ، الرائع في الشرائع ، تهافت الفلاسفة ، ضياء الشهاب ... وغير ذلك من الكتب.

توفّي رحمه الله في شوّال سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ، وقبره ظاهر مشهوريزار في صحن السيّدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام بمدينة قم المقدّسة.

عمله في هذه المخطوطة :

سبق القولُ منّا - ونكرّره هنا أنّه قد ورد على ظهر الصفحة الأُولى من هذه النسخة ، فوق الصفحة في الوسط ، نصّ بخطّ الناسخ ابن نازويه القمّي ، يدلّ على قراءته هذه النسخة على الشيخ الإمام قطب الدين الراوندي في سنة 568ه- ؛ وذلك تاريخ يبدأ فيه نازويه بقراءة النسخة على القطب الراوندي - ظاهراً ؛ وهي هذه :

« ................................. أبي

الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي منتصف شوّال سنة ثمان وستّين وخمسمائة هجريّة

، والله تعالى يسهّل قراءته بمنه ولطفه».

ومع الأسف الشديد لقد قصّ السطر الأوّل من هذه الوثيقة المهمّة فما عرفنا بأيّ كلمة جرّت (أبي الحسين) وبأي جملّة تتعلّق ، ولكنّه يفهم من

ص: 203

دعاء الناسخ فيما بعدها : «والله تعالى يسهّل قراءته بمنه» هو أنّ الناسخ أراد أن يقرأ النسخة على القطب الراوندي ، ويؤيّده أنّ الناسخ كتب هذه العبارة جنب عبارة تاريخ ابتداء قراءة النسخة على السيّد الراوندي المذكورة في ما سبق ، هذا أوّلاً. وثانياً : أنّ ناسخنا نازويه القمّي كان من تلامذة القطب الراوندي وقد قرأ عليه كتاب الاستبصار كما مرّ ذلك في ترجمة نازويه القمّي ، وهناك تشابه تامّ بين كيفية خطّ نازوية في قراءته على القطب الراوندي لهذه النسخة ونسخة الاستبصار ، فكأنّ القطب ما كان مثل السيّد أبي الرضا الراوندي في دقّة كتابته لتلميذه جميع مواصفات مجالس القراءة وتاريخها وألقابها في هامش صفحات النسخة ، ولذا ترك نازويه حتّى ذكر إتمام أو مجالس القراءة والسماع ، وكان المقصود صحّة النسخة ، أو التلميذ لم يكن مهتمّاً بهذه الأُمور آنذاك.

نسخة من نهج البلاغة بقراءة القطب :

هناك نسخة نفيسة قيّمة من كتاب نهج البلاغة من القرن السادس الهجري ، تعدّ من نفائس مخطوطات الكتاب محفوظة في مكتبة السيّد المرعشي العامّة بقم المقدّسة(1) ، وقد تفضّل علينا بمصوّرتها مشكوراً سماحة حجّة الإسلام السيّد محمود المرعشي - دام توفيقه ، وكان فيها0.

ص: 204


1- التراث العربي في مكتبة آية الله المرعشي 4/378/5690 ، فهرست نسخه هاى خطى كتابخانه آية الله مرعشي 15/87/5690.

نقص عدّةِ أوراق من وسطها وآخرها ، وأُكملت سنة 1042ه- ، والنسخة مقروءة أكثر من مرّة على غير واحد من أعلامنا ومشايخنا ، وعليها إنهاءاتهم وإجازاتهم ورواياتهم للكتاب بخطوطهم ، بأسانيدهم عن مؤلّفه الشريف الرضي (1).

فعليها خطّ القطب الراوندي أبي الحسين سعيد بن هبة الله ، برواية الكتاب بإسناده عن مؤلّفه ما نصّه :

«يقول أبو الحسين الراوندي : أخبرنا

السيّد ابن معبد الحسني ، عن الشيخ أبي عبد الله الحلواني ، عن الرضي ، بهذا

الكتاب.

وأخبرنا ابن الأخوة البغدادي ، عن

الشيخ أبي الفضل محمّد بن يحيى الناتلي ، عن أبي منصور عبد الكريم بن محمّد

الديباجي ، عن الرضي - رضي الله عنهم.

وللشيخ زين الدين هذا أن يروي عنّي

الكتاب كلّه بهذا الإسناد ، فإنّه بحمد [الله] أهل لذلك».

وبخطّه أيضاً :

«قرأ عليّ كتاب نهج

البلاغة من أوّله إلى آخره الشيخ الإمامن.

ص: 205


1- رأى هذه النسخة الميرزا عبد الله الأفندي في القرن الحادي عشر ، ونقل عنها في عدّة مواضع من كتابه (رياض العلماء) [1/267] ما وجده عليها من إجازات وإنهاءات بخطوط العلماء المجيزين.

العالم زين الدين أبو جعفر محمّد بن

عبد الحميد بن محمّد المدعو ...[؟]- أدام الله توفيقه قراءة إتقان. [كتبه] سعيد

بن هبة الله بن الحسن ، حامداً مصلّياً».

ثمّ كتب عليها ابنه ظهير الدين أبو الفضل محمّد بن سعيد بن هبة الله الراوندي إجازة لعلاء الدين علي بن يوسف بن الحسن :

«قرأ عليّ الشيخ الإمام علاء الدين ،

جمال الحاجّ والحرمين ، علي بن يوسف بن الحسن - دام توفيقه ، و [جعل] إلى كلّ [خير]

طريقه ، هذا المجلّد ، قراءة محقّق مدقّق ، وأجزتُ له روايته عنّي ، عن جماعة ،

عن المصنّف - رضي الله عنهم وعنّا وكتب أبوالفضل الراوندي».

وعلى الورقة الأُولى منها أيضاً إجازة قراءة النسخة بخطّ الفقيه شيخ الإماميّة في وقته أبو زكريا نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهُذَلي الحلّي (690 أو 689ه) (1) ، للسيّد عزّ الدين ي.

ص: 206


1- مصنّف (الجامع للشرائع) ، ولد سنة 601 هجرية ، وأخذ عن جماعة من كبار الفقهاء والرواة ؛ منهم : أبوه أحمد ، وابن عمّه جعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق الحلّي ، ومحمّد بن جعفر بن هبة الله ابن نما الحلّي ، والسيّد محمّد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي ، والسيّد فخار ابن معد الموسوي.

الحسن بن علي بن محمّد بن علي ، المعروف بابن الأبْزُر الحسيني ، وذلك في سنة (655 ه) (1) ، وقد وقع القطب الراوندي في أحد طرق نجيب الدين الحلّي هذا لرواية الكتاب. وإليك نصّها :

«الحمد لله وصلواته على محمّد وآله ،

قرأ عليّ كتاب نهج البلاغة من

أوّله إلى آخره السيّد الأجلّ ، الأوحد ، العابد ، الصالح ، العالم ، عزّ الدين

، الحسن بن علي بن محمّد بن علي المعروف بابن الأبْزُرِ الحسيني - أعظم الله

ثوابه وأعاد بركته قراءةً ، صحيحةً ، مهذبةً ، توذن بعلمه وتقضي بفهمه.

وأجزت له روايته عنّي ، عن السيّد محيي

الدين أبي حامد محمّد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي - رحمة الله

عليه ، عن الفقيه محمّد بن علي ابن شهرآشوب المازندراني ، عن أبي الصمصام ، عن

الحلواني ، عن المصنّف.3.

ص: 207


1- وهي مدرجة في ترجمة المجازمن رياض العلماء 1/267 ، وأعيان الشيعة 5/212 ، الذريعة1 /263.

وعن السيّد المذكور ، عن السيّد عزّ

الدين أبي الحارث محمّد ابن الحسن بن علي الحسيني ، عن القطب الراوندي ، عن

السيّدين المرتضى والمجتبى ابني الداعي الحلبي ، عن أبي جعفرالدوريستي ، عن

السيّد مصنّفه - رضي الله عنهم أجمعين.

فليروه متى شاء بشرط تجنّب الغلط

والتصحيف. وكتب يحيى بن أحمد بن يحيى بن سعيد في سابع عشر شعبان سنة خمس وخمسين

وستّمائة هجرية ...(1)».

نسخة أُخرى فيها رواية القطب الراوندي :

توجد نسخة نفيسة مصحّحة قيّمة من نهج البلاغة في مكتبة الآية السيّدالحكيم رحمه الله في النجف الأشرف من العراق(2) ، بخطّ أحد أعلام الطائفة وهو السيّد نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمّد الطبري ).

ص: 208


1- كلمات غير مقروءة ، وقد ضبطها في رياض العلماء : (وصلّى الله على محمّد وآله).
2- كانت هذه النسخة في القرن الحادي عشر في إصفهان حيث رآها العلاّمة الأفندي هناك وذكرها في الرياض ، ثمّ انتقلت إلى النجف الأشرف وتملّكها العلاّمة الأديب الشيخ محمّد السماوي النجفي (1370ه) ، ثمّ بعد وفاته اشتراها العلاّمة الحجّة الشيخ محمّد الرشتي لمكتبة السيّد الحكيم العامّة (نوادر المخطوطات في مكتبة آية الله الحكيم العامّة : 87 / الرقم : 139 ، وانظر : رياض العلماء 2/36 ، نشريه نسخه هاي خطي لدانش پژوه نشرة المكتبة المركزيّة لجامعة طهران ، مجلّة تراثنا العدد : 5 ، الصفحة : 79 - 81).

الجزاء.

وكتب ابن أردشير الطبري هذه النسخة بالحلّة السيفيّة في مقام صاحب الزمان عليه السلام (1) ، ثمّ قرأها على شيخ الإماميّة في وقته أبو زكريا نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهُذَلي الحلّي (690 أو 689 ه). فكتب له الإنهاء في آخرها :

«أنهاه - أحسن الله توفيقه قراءةً

وشرحاً لمشكله وغريبه - نفعه الله وإيّانا به وبمحمد وآله ؛ وكتب يحيى بن أحمد

بن يحيى ابن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي بالحلّة - حماها الله في صفرسنة سبع

وسبعين [وستين] وستمائة».

وكتب له أيضا بأوّل النسخة إجازة برواية الكتاب ، وقد وقع القطب الراوندي في أحد طريقَيه إلى مؤلّفه الشريف الرضي رضي الله عنه ؛ وإليك نصّها :

«قرأ عليّ السيّد الأجلّ ، الأوحد ،

الفقيه ، العالم ، الفاضل ، المرتضى نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن

محمّد الطبري - أصلح الله أعماله وبلغه آماله بمحمّد وآله كلّ هذا الكتاب من

أوّله إلى آخره ، فكمل له الكتاب كلّه ، وشرحتُ له في أثناء قراءته وبحثه مشكله

، وأبرزت له كثيراً من معانيه ،5.

ص: 209


1- انظر تاريخ مقام الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في الحلّة ؛ لزميلنا الأخ الفاضل الأُستاذ أحمد علي مجيد الحلّي : 29 - 35.

وأذنت له في روايته عنّي ، عن السيّد

الفقيه ، العالم المقرئ ، المتكّلم ، محيي الدين أبي حامد محمّد بن عبد الله بن

علي بن زهرة الحسيني الحلبي - رضي الله عنه ، عن الشيح الفقيه رشيد الدين أبي

جعفر محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني ، عن السيّد أبي الصمصام ذي الفقار

ابن معبد الحسني المروزي ، عن أبي عبد الله محمّد بن علي الحلواني ، عن السيّد

الرضي أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى بن محمّد الموسوي.

وعنه ، عن الفقيه عزّ الدين أبي الحارث

محمّد بن الحسن بن علي الحسيني البغدادي ، عن قطب الدين أبي الحسين الراوندي ،

عن السيّدين المرتضى والمجتبى ابني الداعي الحسني ، عن أبي جعفر الدوريستي ، عن

السيّد الرضي ، فليروه[عنّي متى شاء وأحبّ ...] سنة سبع وسبعين وستمائة»(1).

ثمّ انتقلت هذه النسخة من الحلّة إلى النجف الأشرف ، فقرئت على ه.

ص: 210


1- حدث طمس وتلف فذهب بتوقيع المجيز ، لكنّ الظاهر أنّه هو نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي لتشابه خطّ الإجازة والإنهاء ، ولأنّ الشيوخ المذكورين في الإجازة هم من مشايخه رحمهم الله جميعاً (مجلّة تراثنا العدد : 5 ، الصفحة : 79 - 81) كما قرأ جزءاً منه الأفندي في الرياض وأخذ منه السماوي مالك النسخة وأكمل الإجازة بخطّه.

صفي الدين السيّد محمّد بن الحسن بن محمّد بن أبي الرضا العلوي البغدادي(ق7 و8) ، فإمّا قرأها كاتبها أو قرأها غيره وهو الأظهر فكتب له الإنهاء بخطّه :

«أنهاه - أدام الله بقاه قراءة مهذّبةً

؛ وكتب محمّد بن أبي الرضا».

ثم قوبلت النسخة في النجف الأشرف بنسخة صحيحة من نهج البلاغة بالحضرة الغرويّة مشهد أمير المؤمنين عليه السلام ، وسُجِّلَتْ بهوامشها كثير من فوائد شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني ، وكان الفراغ من المقابلة وكتابة الحواشي أواخر شهر رمضان سنة 726 ...

ثمّ رجعت إلى الحلّة ؛ إذ كان على مخطوطتنا هذه - سوى ما تقدّم من الميزات إجازة من الشيخ حسن بن الحسين بن الحسن السرابشنوي بخطّه في ذي الحجة سنة 728 بالحلّة ؛ ولكن أصابها تلف منذ عهد صاحب الرياض ، فلم يسجّل لنا منها إلا أوّل الإجازة وهو :

«قرأ عليّ هذا الكتاب المسمّى بنهج

البلاغة المولى المعظّم ، ملك الصلحاء ، سيّد الزهاد والعبّاد ...».

ص: 211

صورة

ص: 212

صورة

ص: 213

صورة

ص: 214

صورة

ص: 215

صورة

ص: 216

صورة

ص: 217

صورة

ص: 218

وصف المخطوطة :

الف) الخصائص الظاهريّة والجماليّة للمخطوطة :

نسخة تامّة ، لم يختلف خطّها من أوّلها إلى آخرها ، وكلّها بخطّ نازويه القمّي المذكور ، وأوراقها كلّها قديمة ، وهناك ورقة واحدة منها سيأتي ذكرها في بحث ما أصابها من الضرر وترميمها.

1 - حجم المخطوطة : وهو متوسّط من أحجام نسخ القرن السادس الهجري ، وهي 24 × 17 سم.

2 - أوراقها : 108 ، وبعبارة أُخرى 216 صفحة. والأوراق الأصليّة للكتاب في المخطوطة : 101 ورقة.

3 - سطورها : 23 س إن لم يكن للصفحة عنوان. والظاهر أنّ الناسخ كتبها بدون أن يخطّها بالمسطرة.

4 - كتبت بخط نسخي واضح جيّد مضبوطة بالشكل الكامل.

5 - نوع ورقها : من نوع (خانبالغ) حمّصي اللون.

6 - التراقيم : لم يكن عليها ترقيم لا لقديم ولا حديث. وكذا لم يشخّص فيها ترتيب الصفحات بكتابة الكلمة الأُولى من صفحة اليسار في نهاية كلّ صفحة من اليمين ، والتي تسمّى عند المفهرسين ب- : (الركابة) ، ولكنّ صفحاتها مرتّبة غير مشوّشة وكأنّها كانت محفوظة بعناية بيد مالكيها على مرّ الأزمنة.

7 - العناوين : مكتوبة بنفس خطّ المتن ، أخشن منه وبقلم الشنجرف.

ص: 219

8 - العلائم والرموز من الحروف والكلمات الناعمة :

* (خ)

: (نسخة بدل) ، وردت هذه العلامة في جلّ هوامش صفحات المخطوطة ، إن لم تكن في

كلّها بخطّ ناسخها نازويه القمّي ، وكان يكتبها فوق بعض الكلمات المضبوطة في

الهامش لغرض بيان ما هو موجود في نسخ أخرى من ضبط كلمة.

* (نسخة)

: وهي أيضاً رمز لبعض اختلاف النسخ.

والظاهر أنّ الكلمات التي كُتب فوقها

هذان الرمزان مأخوذة من نسخة الأصل التي كتبت هذه النسخة عنها في أوّل الأمر في

زمان استنساخها يعني سنة 556 هجرية في ثغر جنزة [؟] ؛ لقرب شَبَهِ كيفية كتابة

كلمات الهامش وقلمها ، بكتابة وقلم كلمات المتن ، وقلنا في ما سبق أنّ النسخة

الأصليّة لنسخة نازويه هي نسخة ابن فندق البيهقي.

* (صحّ)

: هذا الرمز كتب فوق بعض الكلمات في الهامش لتصحيح ما كتبه الناسخ في المتن وهي

أيضاً بخطّ نازويه.

* (صحّ

خ)

: هذا الرمز كتب فوق بعض الكلمات في الهامش لبيان أنّه يقال إنّ نسخة بدل هي

الصحيحة عند بعض.

* (نسخة

صحّ) : كتبت على بعض الكلمات في الهامش للدلالة على

أنّها صحّحت في بعض النسخ في الهامش. أو المراد أنّ هذه الكلمة كانت في نسخة وهي

الصحيحة.

ص: 220

* (وفي

نسخة الأصل) : المراد منه هو النسخة التي نقل

عنها الناسخ نسخته هذه ، وذكرنا في ما سبق احتمال أنّ نسخة الأصل هي نسخة ابن

فندق البيهقي.

* (وبخطّ

الرضي) و (بخطّ

السيّد على الحاشية) و (خطّ

ض)

: كلّ هذه رموز لنسخة المؤلّف السيّد الرضي - رضي الله عنه ، وقدذكرنا في ما سبق

عند الكلام عن أصالة نسخة السيّد الراوندي أنّ السيّد الراوندي حصل على نسخة

المؤلّف في بغداد في شبابه في سنة 511 هجريّة ، وكتب عنها نسخة ثمّ رواه التلامذته

، فعلى هذا ، تكون التصحيحات التي كتبت عليها هذه الرموز انتقلت على نسختنا في

سنة 571 هجرية - يعني السنة التي قابل فيها نازويه القمّي نسخته مع نسخة

السيّدالراوندي وقرأها عليه.

* (س)

(نسخة س)

(بخطّ س)

: هذه رموز استفاد منها نازويه القمّي كثيراً ، ولا تخلو صفحة منها إلاّ ويوجد

فيها هذا الرمز عدّة مرّات ؛ تبدأ من أوّل صفحات المخطوطة وتنتهي بانتهائها. وأحتمل

فيها ثلاثة احتمالات :

الأوّل :

أنّ المراد بها السيّد الراوندي ؛ وقد أخذ نازويه القمّي رمز(س) من سين السيّد ؛

وهو قويّ حيث إنّ نازويه قابل نسخته مع نسخة السيّد الراوندي بالدقّة والضبط.

كما أنّه كان

ص: 221

للسيّد الراوندي اهتمام خاصٌّ بالقراءة

والضبط ومجالس السماع وكتابة علامات السماع والقراءة كما سنذكره إن شاء الله.

الثاني :

أنّ المراد بها سعيد بن هبة الله ، القطب الراوندي ؛ وقد أُخذهذا الرمز من الحرف

الأوّل لاسمه سعيد ؛ وذكرنا فيما سبق أنّ نازويه قرأ هذه النسخة على القطب

الراوندي ، وهذا القول أيضاً في الدرجة الثانية ؛ حيث نحن لا نعلم كيفية قراءة

نازويه على القطب الراوندي لسقوط السطر الأوّل من نصّ نازويه لها.

الثالث :

أنّ المراد به السيّد الرضي ، والرمز مأخوذ من سين السيّد ؛ وهذا الاحتمال ضعيف

جدّاً ، حيث إنّ نازويه القمّي تبعاً لأُستاذه السيّد الراوندي - ظاهراً جعل

لنسخة السيّد الرضي الرموز التي ذكرناها آنفاً.

الرابع :

أنّ المراد بها ابن السكون النحوي(1) ، والرمز

مأخوذ).

ص: 222


1- هو أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد بن علي بن محمّد بن محمّد بن السكون الحلّي ، النحوي ، (توفّي حدود سنة 600 هجرية) ، كان فاضلا ، عالماً عابداً ، ورعاً ، نحويّاً ، لغويّاً ، شاعراً ، وكان متديّناً ، مصلّيّاً بالليل ، سخيّاً ، ذا مروءة. قرأ النحو على ابن الخشّاب ، وواللغة على ابن العصّار ، وأقام بالمدينة مدّة وصار كاتباً لأميرها ، ثمّ قدم الشام ومدح السلطان صلاح الدين (ترجمه في معجم الأُدباء 15/75/الرقم : 15 ، بغية الوعاة في تراجم النحاة 2/199/1784 ، أمل الآمل 2/203/615 ، رياض العلماء 4/241 ، أعيان الشيعة8 /314).

من سين السكون ؛ وأنا في بادئ الأمر

احتملت هذا قويّاً ؛ حيث يوجد في عدّة من نسخ النهج

هذا الرمز مع التصريح بأنّ المراد به هو ابن السكون(1) ،

كما أنّ نازويه كان من معاصريه ومن طبقته ، ولأجل هذا قابلت الاختلافات التي

عليها هذا الرمزفي نسخة نازويه مع نسخة ابن السكون الموجودة في 7.

ص: 223


1- وجدت حتّى الآن أربع نسخ قوبلت أو كتبت على نسخة علي ابن السكون النحوي ، وعليهارمز «س» ؛ فدونكها : الأُولى : نسخة مكتبة السيّد البروجردي في قم المقدّسة برقم : 61 ، كتبها علي بن أحمدالسديدي في رمضان سنة 647 هجرية عن نسخة الشيخ الحسن بن يحيى بن كرم التي كتبها في سنة 587 هجرية ثمّ قابلها مع نسخة ابن السكون في 26 شوّال من سنة 684 هجرية ، وهذه النسخة مذكورة في فهرس المكتبة 1/44 - 45. وعندي منها صورة. الثانية : نسخة مكتبة السيّد المرعشي في قم المقدّسة برقم : 3741 ، كتبها أحمد بن محمّدبن جعفر بن أحمد المعروف بالربان في 6 رمضان سنة 703 هجرية في جزيرة أوال البحرين عن نسخة شمس الدين محمّد بن خزعل ، وهو استنسخ نسخته عن نسخة ابن السكون النحوي. الثالثة : نسخة رأيتُها في مكتبة العتبة العبّاسيّة المقدّسة في كربلاء المقدّسة ، وهي بخطّ أحمد بن محمّد بن إسماعيل البجلي الحدّاد الحلّي أُستاذ الشهيد الأوّل ، كتبها في ربيع الأوّل من سنة 728 هجرية ، وفهرستُها للجزء الثاني من فهرسة المكتبة - وهي قيد التأليف. وعندي منها صورة. الرابعة : نسخة رآها العلاّمة السيّد عبد العزيز الطباطبائي في المكتبة السليمانيّة في إسلامبول من مخطوطات مكتبة رئيس الكتّاب برقم : 943 بخطّ نسخي جيّد ، جاء في آخرها : «تمّ الكتاب من نسخة كتبها علي بن محمّد بن السكون ، واتّفق الفراغ منها في شوّال ...» ، ذكرها الطباطبائي في (نهج البلاغة عبر القرون) المطبوع في مجلّة تراثنا 5 : 87.

مكتبة السيّد البروجردي ، وعرفت أنّ

المراد من الرمز (س) في نسختنا يختلف مع نسخة ابن السكون ، وإن كان بينهما اشتراك

في مواضع ؛ وفي الصفحة الآتية نذكر لكم قائمة لبعض الاختلافات والاتّفاقات بين

الضبوط برمز «س» في نسختنا وفي نسخة السيّد البروجردي وهي مقابلة مع نسخة ابن

السكون بتصريح الناسخ ؛ فلاحظ.

* (س

صحّ) : إذا عرفنا المراد من رمز (س) في نسخة نازويه ،

فهذا الرمز جُعِل لغرض أنّ الكلمة التي عليها هذا صحيحة عند صاحب الرمز «س».

* (معاً)

: لهذا الرمز طرفان ؛ الطرف الأوّل هو صاحب رمز (س) يقيناً ، وأمّا الطرف الثاني

إمّا نسخة الأصل المنتسخ عنها ، أو نسخة السيّد الراوندي ، أو نسخة القطب

الراوندي أو نسخة السيّد الرضي المذكورات في ما سبق آنفاً.

ص: 224

الرقم

الخطبة

متن

نسخة الراوندى

رموز

«س» في الراوندي

نسخة

ابن السكون

1

خطبة

المؤلّف

فصلّى

الله

وصلّى

الله

وصلّى

الله

2

يذكر

فيها ابتداء الخلق

العادون

بقاه

(س معاً)

العادون

3

عن

مقارنة

عن

مقام ، عن مقارّ

عن

مقام

4

الخطبة

الشقشقيّة

هاتى

هاتين

هاتا

5

فجعلها

فصيّرها

والله

فصيّرها

6

حَلِيَتْ

حُلِّيَتْ

حَلِيَتْ

7

لو

اطردتِ المقالة

لو

اطردت مقالتَك ،

لو

اطردت مقالتَك

لو

اطردت مقالتُك

8

بنا

اهتديتم

سترى

عنكم جلباب الدين

سترك

عنكم علباب الزينة

سترني

عنكم جلباب الدين

9

ألا

وإنّ الشيطان

لأُفْرَطَنَّ

، لأُفْرِطَنَّ

لأُفَرِّطَنَّ

لأُفرطنّ

(بدون الحركة)

10

لمّا

بويع بالمدينة

وَشِمَة

وَسْمَة

وَشِمَة

، وَسْمَة برمز (معاً)

وبدون

رمز سين

11

كَُذبةً

كِذبة

كِذبة

، كَذبة برمز (معاً)

وبدون

رمز سين

12

فإنّ

الغاية أمامكم

انقع

نَطْقَتها

انقع

نُطفَتها

في

المتن : انقعنُطفَتها

/انقع

نَطْقَتها

13

أما

بعد فإنّ الأمر

الأمر

أمري

لم

يشر إليها فيها

14

أيّها

الناس المجتمعة أبدانهم

أقَوْلا

أقوالا

أقَولا

15

عند

مسيره لقتال أهل البصرة

تولّتْ

ولّت

«س صحّ»

تولّت

16

فلأثقبنّ

فلانقبنّ

فلأَنْقُبَنَّ

، فلأُنقَّبنّ

17

في

تخويف أهل النهروان

ضراً

عرّاً

صُراً

، صَراً برمز

(معاً)

وبدون رمز سين

قائمة بعض الاختلافات والاتفاقات بين نسخة نازويه برمز (س)

ونسخة السيّد البروجردي برمز (س)

ص: 225

رسم خطّ الحروف والكلمات :

أمّا خطّ المخطوطة وطريقة كتابتها فهي بخطّ النسخ الجميل ، وكتبت بمنتهى الدقّة والحِذْق ، فمن النادر أن توجد فيها كلمة ملتبسة الحروف أو الحركات ، وهي تحمل خصوصيات خطوط القرنين الخامس والسادس بكلّ ظرافة ؛ وإليك نماذج من تلك الخصوصيات :

1 - الضمائر الظاهرة في أواخر الكلمات والتي في آخرها ألف ، تُرجَع الألف قليلا نحو الأسفل ، مثل : (أبوابها) و (طلاّبها) و (سلّطها).

2 - الهمزة المتطرّفة المسبوقة بألف ممدودة لا تكتب في المخطوطة ، ولعلّ ذلك للتخفيف أو للاعتماد على فهم القارئ ، وذلك في مثل كلمة (الأشياء) ، و (الانتهاء) ؛ فإنّها كتبت في المخطوطة (الأشيا) و (الانتها).

3 - في كثير من الكلمات ترى طريقة الكتابة القرآنيّة ، مثل (الرحمن) و (سبحنه) ، وإن كان الكاتب ربّما كتبها بالألف (سبحانه).

4 - الهمزة المتوسّطة المكتوبة على النبرة والمسبوقة بألف كتبت بصورة ياء ، مثل : (خلايق) و (انتهايها) و (بقرايتها) ، وهي لغة التسهيل التي يميل لها العرب عامّةً والكوفيّون خاصّة ، ولكن أُضيفت إليها الهمزة في زمان متأخّر عن عصر أصل المخطوطة ، وكتبت بكلا الشكلين ؛ أعني الهمز والياء ، فكتبت (خلائق) و (انتهائها) و (بقرائتها).

5 - روعي الأصل الاشتقاقي للكلمات التي فيها ألف مقصورة في

ص: 226

أواخرها ، ف- (عَلَى) كتبت (عَلَي) ، و (السُّفْلَى) كتبت (السُّفْلَي) ، إشارة إلى أصلها اليائي ، ولكنّ الحرف الذي قبلها ضبط بالفتح لكي لا تلتبس قراءتها.

6 - كتب حرف الكاف كأنّه ياء فوقها همزة كبيرة ، وهذه من خصوصيات قَرْن النسخ.

هذا ؛ إضافة إلى خصوصيات كتابيّة أُخرى كثيرة كانت تُعْتَمَدُ في ذلك القرن ، وخصوصاً في نسخ نهج البلاغة ، وهذه الكتابة تدلّ على أصالة النسخ ، وتكشف عن خصوصيات الخطّ ورسم الكلمات في عصورها.

زيادات المخطوطة والإفادات المرقومة :

ضبط مجالس القراءة :

ذكرتُ - في ما سبق نصّ إجازة السيّد الراوندي ، ونصوص بعض البلاغات لنازويه القمّي في قراءته على القطب الراوندي ومقابلته مع ابن فندق البيهقي ، ولذا أعرضنا عن تكرارها هنا ؛ ولا يخفى أنّها تعدّ من الزيادات والإفادات ، ونذكر هنا ما يخصّ مجالس السماع والنصوص المضبوطة في مخطوطتنا هذه ممّا ذكره الناسخ من ضبط المجالس ؛ فنقول :

خلّف لنانازويه القمّي في هذه النسخة نصوصاً تدلّ على دقّته بدراسته وبحثه للقراءة والسماع لكتب الحديث ، وهي أنّه رحمه الله ضبط في هوامش صفحات المخطوطة مقدار كلّ مجلس من مجالس القراءة ممّا قرأه

ص: 227

من كتاب النهج على أُستاذه السيّد الراوندي بدقّة تامّة جدّاً(1) ، ولذا تورّقتُ المخطوطة وعدّدتُ بلاغات المجالس ، فكان العدد 40 مجلساً بهذه النصوص :

«بلغ القراءة على المولى ضياء الدين

علم الهدى - أدام الله ظلّه إلى هاهنا ، ولله الحمد» «بلغ القراءة على المولى

علم الهدى - أدام الله ظلّه إلى هاهنا ، ولله الحمد»

هذا .. ومن جانب آخر ذكرنا أنّ نازويه ابتدأ بقراءة كتاب نهج البلاغة في هذه المخطوطة على شيخه السيّد الراوندي في غرّة ربيع الأوّل من سنة571 هجرية ، وفرغ منها في 22 ربيع الأوّل من نفس السنة ، ممّا يعني أنّه قرأ كتاب النهج على أُستاذه في حدود 20 يوماً. وعلى هذا نستنتج أنّ نازويه كان يحضر في كلّ يوم مرّتين - حدوداً عند أُستاذه السيّد الراوندي لقراءة كتاب النهج.

بكاء السيّد الراوندي حين المقابلة :

من الفوائد اللطيفة التي أثبتها نازويه القمّي في هوامش هذه المخطوطة في عدّة مواطن ، هي بكاء السيّد الراوندي عند خطب الزهد ل.

ص: 228


1- وأنا أظنّ أنّ السيّد الراوندي كان شديد العناية بهذه الجوانب المهمّة من الضبط وتصحيح نسخ الأُصول.

والتذكير بالآخرة ؛ كما ترى ذلك عند الخطبة :

1 - بَعَثَهُ حِينَ لا عَلَمٌ قائِمٌ ، وَلا مَنَارٌ سَاطِعٌ ، وَلا مَنْهَجٌ وَاضِحٌ ، أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ ، وَأُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيا فَإِنَّها دَارَ شُخُوص ... إلى أن قال عليه السلام : فَمَا غَرِقَ مِنْها فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَك ، وَمَا نَجَا مِنْها فَإِلَى مَهْلَك ، عِبَادَ اللهِ ، الآنَ فَاعْمَلُوا وَالأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ ، وَالأَبْدانُ صَحِيحَةٌ ، وَالأَعْضَاءُ لَدْنَةٌ ، وَالْمُنْقَلَبُ فَسِيحٌ ، وَالْمَجَالُ عَرِيضٌ ، قَبْلَ إِرْهاقِ الفَوْتِ ، وَحُلُولِ الْمَوْتِ ، فَحَقِّقُوا عَلَيْكُمْ نُزُولَهُ ، وَلا تَنْتَظِرُوا قُدُومَهُ(1).

هنا كتب نازويه في هامش المخطوطة الورقة 56 ب- : «بكى السيّد الإمام».

2 - بعد تلاوته (أَلْهَاكُمُ التَّكاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) : يَا لَهُ مَرَاماً مَاأَبْعَدَهُ! وَزَوْراً مَا أَغْفَلَهُ ، وَخَطَراً مَا أَفْظَعَهُ ، لَقَدْ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُذَكِّر ، وَتَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَان بَعِيد أَفَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ؟ أَمْ بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكاثَرُونَ؟ ... إلى أن قال عليه السلام : وَإِنَّ لِلْمَوتِ لَغَمَرات هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَة أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى قُلُوبِ أَهْلِ الدُّنْيَا(2).

وهنا كتب نازويه في هذا الموضع من هامش المخطوطة الورقة 62 ب- : «بكى السيّد دام ظلّه وسيّد الحكماء».

3 - يتبرّأ من الظلم : وَاللهِ لأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدانِ مُسَهَّداً ، 0.

ص: 229


1- نهج البلاغة (خطب) : 415/196 ، بتحقيق الشيخ قيس العطار.
2- المصدر : 450 ، 455/220.

وَأُجَرَّفِي الأَغْلالِ مُصَفَّداً ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ القِيامَةِ ظالِماً لِبَعْضِ الْعِبادِ ، وَغاصِباً لِشَيء مِنَ الْحُطامِ. وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْس يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُها ، وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُها ، وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلا ، وَقَدْأَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ، وَرَأَيْتُ صِبْيانَهُ شُعْثَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ ، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَولَ مُرَدِّداً ، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِيْنِي ، وَأَتَّبِعُ قِيادَهُ ، مُفَارِقاً طَرِيقِي ، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ، ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا ، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَف مِنْ أَلَمِهَا ، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيْسَمِهَا. فَقُلْتُ لَهُ : ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَاعَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَة أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعْبِهِ ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَار سَجَّرَهَا جَبَّارَهَالِغَضَبِهِ!أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى وَلا أَئِنُّ مِنْ لَظَى؟! ... إلى قوله عليه السلام : وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُه ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَة فِي فَمِ جَرَادَة تَقْضِمُهَا ، مَا لِعَلِيّ وَلِنَعِيم يَفْنَى وَلَذَّة لا تَبْقَى ... (1).

وهنا كتب نازويه في هذا الموضع من هامش المخطوطة الورقة 63 ب- : «بكى السيّد الإمام وسيّد الحكماء».

وهي تدلّ على أُمور ثلاثة :

الأوّل : مدى بلاغة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وتأثير كلامه على السامعين ، ودقّة وصفه للزهد والخوف من الله جلّ وعزّ ؛ إذ لم تقتصر 4.

ص: 230


1- المصدر : 461 ، 462/224.

بلاغته عليه السلام على دقّة تناوله للأُمور السياسيّة والحربيّة والاجتماعيّة فقط.

الثاني : إنّ إقراء السيّد أبي الرضا الراوندي لتلامذته كان إقراء تدبّر وتامّل وتفكّر في مغازي ومرامي كلمات أمير المؤمنين عليه السلام ؛ إذ لم يكن محض مقابلة وتصحيح للنسخة.

الثالث : إنّ أبا الرضا الراوندي كان غاية في الزهد والعبادة والتقوى كجدّه أمير المؤمنين وكسائر أئمّتنا الطاهرين عليه وعليهم السلام في الشوق إلى الله وخوفه ، وحالاتهم عند تلاوة القران ، والتأمّل في ملكوته وعظمته جلّ وعلا.

التملّكات :

* على ظهر

الصفحة الأُولى هذه التملّكات :

1 - على جهة اليمين من فوق : «من مواهب

[كذا] الإلهيّة على العبدالضعيف عبد الله فناء المولوي في يوم العيد سنة 1257». وتحتها

ختمه المربّع مكتوب فيه اسمه.

2 - وعلى اليمين أيضاً بالذيل : «انتقل

إلى العبد المحتاج إلى ربّه الغني بهاء الدين بن محمّد رضا الطبيب عفي عنهما

وستر

ذنوبهما 1073». ثمّ جاء ختمه المربّع :

«عبده بهاء الدين طبيب1064».

3 - فوق وسط الصفحة : «ملك الجاني عبد

الله بن الحاجي بن

ص: 231

محمّد رضا بن آقا محمّد باقر».

4 - الختم المربّع لبهاء الدين المذكور

، على جهة اليسار : «عبده بهاء الدين طبيب 1064».

5 - خلفه ختم بيضوي ، مكتوب فيه :

«إنّي لكم رسول مبين 1100».

6 - ثمّ تحتها ختم بيضوي آخر : «حسين

منّي وأنا من حسين».

7 - ثمّ كتب صاحب الختم : «من عواري

الزمان عند ... علي ابن محمّد ....».

8 - ثمّ كتب تحته : «من عواري الدهر

عندي بالمبايعة الشرعيّة بثمن ... خمسة وخمسون ....».

9 - وبخطّ النسخ القديم لعلّه من القرن

السابع أو الثامن : «صار بحقّ الشرعي لعلي بن محمّد بن أبي سعد الفوا ... في

أوائل شهرالله رجب الأصمّ عمّت ... سبع ...».

*وفي الصفحات

الأخيرة من الكتاب :

في الصفحة الأخيرة من الكتاب جاءت

ثلاثة أختام :

الأوّل :

بيضوي «شفيع جعفر في الآخرة محمّد والعترة الطاهرة».

الثاني :

أيضاٌ بيضوي «حسين منّي وأنا من حسين».

ص: 232

الثالث : الختم

المربّع لبهاء الدين الطبيب المذكور.

*وفي الصفحات

الملصقة بآخر الكتاب :

1 - تملّكها علي بن ميثم بن معلّى

البحراني في أوائل شعبان سنة 643 هجرية ؛ لأنّه كتب عليها بعض الفوائد بخطّه في

هذه السنة وسنذكره في قسم الإفادات المرقومة عليها.

2 - بخطّ النستعليق المائل لحظ التعليق

وقد خطّ عليه : «في نوبة العبد الراجي مير إسماعيل بن حسين بن عبد الله [؟] الحسيني

عفي عن سيّئاتهم». وختمه مربّع ممسوح.

3 - «انتقل إلى العبد الأقلّ بهاء

الدين طبيب عفي عنه» ثمّ ختمه بالختم المذكور.

*وفي الصفحة

الأخيرة منها جاءت تملّكات كثيرة قديمة ومتأخّرة بين مقروءة وغير مقروءة ؛ ونذكر

لكم ما قرأناه منها :

1 - على ذيل جهة اليمين : «هو الملك

سبحانه ، ممّا ساقته أيدي الأقدار لحيازة منبع المجد والفخار ومعدن الفضل

والوقار ، الأمجد ، السيّد محمّد ابن المرحوم السيّد شرف ابن العلاّمة السيّد

إبراهيم ابن السيّد يحيى الصنديد الحسيني بالبيع

ص: 233

الصحيح الصريح ... بمحضر ... الأحقر

حسين بن محمّد بن يحيى بن عبد الله بن عمران (1) ، محرّم

الحرام سنة 1170».

2 - وفي ذيلها : «بسم الله والحمد لله

، ثمّ صار ملكاً للمفتقر لعفوربّه الغافر مبارك بن علي بن عبد الله بن ناصر بن

حميدان الجارودي عفى الله تعالى عنهم (2) بمنّه سنة

1192».

ملحوظة :

ومن هذا عرفنا أنّ المخطوطة هذه انتقلت في القرن السابع الهجري من قم - بلدة الناسخ إلى بلاد البحرين في سنة 643 هجرية ، وبقيت هناك إلى القرن الحادي عشر ، ثمّ رجعت إلى إيران ، ثمّ انتقلت مرّة ثانية في أوائل القرن الثالث عشر الهجري إلى البحرين وكانت هناك إلى أن انتقلت إلى العراق وتملّكتها مكتبة المتحف العراقي ، ولعلّها قبل ذلك كانت في إحدى مكتبات العلماء والدارسين بالنجف الأشرف. ).

ص: 234


1- هو العالم العامل ، والفقيه الفاضل ، والأديب الكامل الشيخ حسين بن محمّد ابن الشيخ يحيى ابن الشيخ عبد الله بن عمران الخطّي القطيفي ؛ وله حواش كثيرة على جملة من الكتب ، وكان من شعراء أهل البيت وكان خطّه في غاية الجودة والملاحة (منتظم الدرّين في تراجم علماء وأُدباء الأحساء والقطيف والبحرين 1/497 ، 501/ 334).
2- هو العالم العامل ، والفقيه المحدّث ، والمجتهد الكامل ، الورع التقي ، الشيخ مبارك بن علي بن عبد الله بن ناصر بن آل حميدان الأحسائي القطيفي الجارودي مولداً ، من تلامذته الشيخ عبد الجبّار بن أحمد آل عبد الجبّار البحراني ، توفّي 1224 هجرية (أنوار البدرين : 313/16).

الشروح والتعاليق :

هي شروح وتعاليق السيّد الراوندي ، إذ كتبت على هوامش هذه المخطوطة أو ما بين السطور ، وقد نقلها نازويه القمّي عن نسخة شيخه المجاز عنه السيّد الراوندي على نسخته بخطّه النسخي الناعم ؛ وهذه كثيرة جدّاً ، بحيث مُلئت هوامشها بتعليقات السيّد الراوندي بخطّ كاتب النسخة ، ولو استلّت لصارت جزءاً مستقلا على حِدَة ، وكلّها تعاليق لغويّة ، أدبيّة وتوضيحيّة ، ووقائع تاريخية ، وقد شرحنا قصّة هذه التعاليق في ما سبق في شروح وتعاليق السيّد الراوندي فراجع هناك.

والظاهر أنّ نازويه زاد بعض تعاليق أُستاذه السيّد الراوندي رحمه الله حين القراءة عليه ممّا سمعه في مجالس السماع والقراءة ؛ حيث قال عند قوله عليه السلام : «كان لي في ما مضى أخ في الله ...» : قال السيّد الإمام - أدام الله ظلّه وجدتُ هذا الفصل في أدب ابن المقفّع ، ووجدتُ في كتاب آخر هذا الكلام منسوباً إلى الحسن بن علي صلوات الله عليه.

متفرّقات :

الأُولى : مكتوب على ظهر الصفحة الأُولى من المخطوطة بخطّ الناسخ بقلم الشنجرف :

«كتاب نهج البلاغة ، من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، تأليف الرضيّ ذي الحسبين محمّد ابن السيّد ... الحسين الرضوي

ص: 235

[كذا] الموسوي قدّس الله روحه ومرقده».

الثانية : وكتب على يسار هذه العبارة بخطّ النستعليق المائل ، عبارة بالفارسيّة ؛ هذا نصّها :

«اين كتاب از نفائس كتب است ، ونسخه به اين صحّت نادر الوقوع است حقّاً ، زينهار الف زينهار كه اين كتاب شريف را مغتنم دانسته ، در حفظ اوبسيار بسيار بسيار بكوشد ، وتقصير به آن را ندهد».

وهذا ما معرّبه : «هذه النسخة من نفائس النسخ ، وهي تعتبر بحقّ نادرة من جهة صحّتها ، فتنبّه ألف مرّة لأنّ هذه النسخة غنيمة ، وعليك أن تجتهد في حفظها كثيراً كثيراً ، ولا تقصّر فيها».

ولا يخفى الفضل العلمي لصاحب هذا الكلام فإنّ كلامه في محلّه.

الثالثة : ترجمت بعض الكلمات خلال السطور بالفارسية ، والترجمة قديمة أيضاً ؛ وهي بخطّ غير خط الناسخ ومتأخّر عنه بكثير ؛ وهذه الترجمات تبدأ من الصفحة الأُولى منها وتستمرّ إلى أقلّ من نصف المخطوطة ، ثم تنقطع إلى أن يُشرع بها مرّة في الخُمْس الأخير.

الرابعة : وهي فوائد متفرّقة مختلفة ، كتبت في طيّ الزمان على الأوراق الأوّليّة والأخيريّة للمخطوطة ؛ وهي بهذا الشكل :

* لصقت في آخر المخطوطة عدّة أوراق

فيها فوائد مختلفة ؛ ورقة منها لصقت في القرن السابع ، وجاءت فيها فوائد بخطّ

علي بن ميثم بن معلّى البحراني ، كتبها في أوائل شعبان سنة

ص: 236

643 هجرية ؛ فإنّه كتب فيها : نقوش

خواتيم أمير المؤمنين عليه السلام ، وقصيدة

الأُستاذ أبي يوسف يعقوب بن أحمد النيسابوري في مدح «نهج

البلاغة» ، ثمّ خبران عن عمر وعائشة في فضيلة من فضائل

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

* ثمّ لصقت أربع أوراق في القرن الحادي

عشر أو الثاني عشر ، وكَتَب فيها مير إسماعيل بن حسين بن عبد الله [؟] الحسيني

بخطّه النستعليق الحسن ، روايةً في منقبة الإمام الباقر محمّد بن علي عليه السلام ،

وفي الورقة الثانية خبراً عن عمّار ياسر رضي الله عنه

في فضيلة علي بن أبي طالب في حرب صفّين ، ثم في الورقة الثالثة كلامين الأوّل عن

أرسطو في أثولوجيا ، والثاني عن أفلاطون عن النفس والروح ، وفي الورقة الأخيرة

فائدة لغويّة عن المطرّزي ، ونُقِل أيضاً عن الكفعمي بعض ما يتعلّق بالوصيّة. وكلّ

هذا مكتوب على ظهور الأوراق وأمّا الوجوه الأُولى من الصفحات فهي فارغة.

* وهناك صفحة قديمة وقعت في آخر الكتاب

، وأنا أتصوّر أنّها كانت في أوّل المخطوطة وانتقلت في ترميم المخطوطة إلى

آخرها. وفيها فوائد كثيرة وتملّكات وأشعار وأخبار.

ما

أصابها من الضرر :

* المخطوطة تامّة إلاّ أنّها سقطت منها

ورقة واحدة وهي الورقة

ص: 237

99 في أواخر المخطوطة ، «باب المنتزع

من حكم وكلمات أميرالمؤمنين عليه السلام» ؛ بَدْءاً

من الكلمة الأولى من الحكمة385 في طبعة مؤسّسة الرافد بتحقيق زميلنا العلاّمة

الأديب الشيخ قيس بهجت العطار (دام توفيقه) من قوله : «عنّا ، وقال عليه السلام

لعمّار بن ياسر رحمه الله وقد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة

كلاماً ...» إلى أواخر الحكمة 412 : «ومن طلب الآخرة ، طلبته الدنيا حتّى يستوفي

رزقه منها».

ثمّ أُكمل هذا النقص في القرن التاسع

أو مابعده ، فأُلصِق ما بين الصفحات ورقة ، وكتب المتن الساقط فيها. وحيث إنّ

خطّ الناسخ نازويه القمّي كان ناعماً نوعاً ما ، وخطّ المُكمِل لهذا المتن

الساقط في الورقة الملصقة كان ضخماً ، لم يبق للمُكمِل مجالٌ لتكميل المتن

الساقط في الورقة الملصقة ، وبقي منه سطوركتبها فوق الصفحة التي بعدها ، فوق خطّ

نازويه القمّي ؛ فتنبّه.

* وبحمد الله ومنّه ، لم تؤثّر الرطوبة

ولا الأَرَضَة على هذه النسخة ، وبقيت سالمة محفوظة بيد مالكيها ، إلاّ أنّها في

طول الزمان - بسبب كتابة الحواشي إلى نهاية حدود الأوراق ، وترميمِ النسخة إمّا

بقصّ بعض أوراقها ، أو بالصاق أوراق على حواشي المخطوطة ذهب بعض كلمات تعاليق

وحواشي

ص: 238

السيّد الراوندي.

وأمّا قصّ حواشي أوراقها ، فإنّه كان

أقدم من ترميم لصق الأوراق ، ولعلّ الثاني كان من القرن الثالث عشر أو الرابع

عشر.

ب) الخصائص المتنيّة للمخطوط :

ميزة المخطوطة وتصحيحاتها :

قد استقرّ كتاب نهج البلاغة في دائرة العلم والإقراء والاستنساخ والمراجعة أكثر من ألف سنة أي منذ تأليفه ، فاستنسخه وكتبه وحفظه العلماءوالأُدباء والجهابذة ، وبعد شيوع الطباعة الحديثة في الشرق ، أصبحت الطبعة الحروفيّة منه مورد التفات أصحاب دور النشر في لبنان والقاهرة وغيرهما ، وطبع الكتاب طبعات كثيرة ، ولكنْ من الغريب أنّ محقّقيهالم يذكروا النسخ الخطيّة التي استفادوا منها في تصحيحها وتحقيقها ؛ كما أنّ النصوص المُنتقاة لكلّ طبعة منه تختلف مع أُخرى ، مضافاً على هذا- وللأسف الشديد وقعت فيها أغلاط وتصحيفات كثيرة.

وهذه الطبعات كلّها حقّقت وطبعت في بادئ الأمر بيد كبار الأُدباء والعلماء ؛ وهم : الشيخ محمّد عبده المصري ، والشيخ صبحي صالح اللبناني ، ومحمّد أبو الفضل إبراهيم.

والملاحِظ لهذه الطبعات والتحقيقات يرى عياناً أنّ الذين تصدّوا إلى

ص: 239

نشرها وإعادة طبعاتها ، تلاعبوا ببعض الكلمات وأثبتوها حسب رغباتهم وميولهم العقائديّة ، ومشتهياتهم اللفظيّة والخياليّة ... وأدخلوا فيه ما لم يكن في نصوصه الأصليّة وأُصوله الخطيّة (1) ...

وقد طبعت أخيراً نسخة مصحّحة من النهج معتمدةً على أربع نسخ قديمة ؛ وهي : نسخة مكتبة السيّد المرعشي بتاريخ 469 ه- ، ونسخة مكتبة النصيري الخاصّة في طهران تاريخها 496 ه- ، ونسخة مكتبة السيّد الگلبايگاني من القرن السابع ، ونسخة مكتبة الآستانة الرضويّة - على صاحبها آلاف التحيّة والثناء في مشهد المقدّسة تاريخها 544 ه- ، وذلك بتحقيق وتصحيح صديقنا العلاّمة الفاضل والأديب الشاعر الحجّة الشيخ قيس بهجت العطّار دام توفيقه في مدينة مشهد المقدّسة ، فلله درّه وعليه أجره.

ومن خلال بحثنا لمخطوطات نهج البلاغة ودراستها ومقايستها مع نسختنا هذه ، وقفنا على نتائج مهمّة ، توقفنا على أهمّيّة تحقيق وتصحيح كتاب نهج البلاغة على هذه النسخة ومقابلته معها ، ومن جملتها اشتمالها على عمدة وجوه اختلاف نسخ النهج والضبوط المختلفة لنسخه ورواياته (2) ؛ وذلك أنّه لمّا كانت بلاغة كتاب نهج البلاغة فريدةً ، وكان أدبه قه

ص: 240


1- انظر : نهج البلاغة بين عواصف التحريف والنقصان للشيخ محمّد هادي الأميني ، المطبوع ضمن مجلّة ميراث جاويدان ، العدد 25 ، 168.
2- وقد سرد زميلنا المحقّق الحجّة الأديب الشاعر الشيخ قيس بهجت العطار دام توفيقه وجوه اختلاف نسخ (نهج البلاغة) في مقدّمة تصحيحه له من الصفحة 6 إلى 10 ؛ من جملتها : الاختلاف بالتقديم والتأخير ، والاختلاف في حروف العطف وعدمها ، والاختلاف في التذكير والتأنيث في الأفعال المضارعة ، والاختلاف في حروف الجرّ فإنّ بعضها يقوم مقام بعض ، واختلاف الأفعال بالتضعيف وعدمه ، والاختلاف بالبناء للمجهول والمعلوم ، والاختلاف بالماضي والمضارع ، والاختلاف باللزوم والتعدية ، وتعدّي الفعل بنفسه أو بحرف الجرّ ، والاختلاف في الثلاثي المجرّد والمزيد ، والاختلاف في ضبط الكلمات لغويّاً دون تبدّل المعنى ، والاختلاف بالإفراد والجمع ، والاختلاف بالجموع ، والاختلافات الناتجة عن تعدّد وجوه الإعراب واختلاف مدارس النحو ، والاختلاف في ضبط الكلمات لغويّاً مع تبدّل المعنى ، والاختلاف في الكلمات المتقاربات الرسم خصوصاً في النقط ، والاختلاف في الكلمات غير المتقاربة في الرسم ، والاختلاف بزيادة المتن ونقصه.

ذا نسيج عجيب ، وفيه لغات بديعة وتراكيب مبتكرة ، كانَ لكلّ من المحدّثين والأُدباء رأي خاصّ لبيان وجوه الضبط من خلال ما تحتمله الكلمة والجملة والنصّ لغويّاً ونحويّاً وصرفيّاً وكتابةً وبلاغةً ؛ ولذلك دخلت بعض الاختلافات ونسخ البدل ، وهي في الواقع ليست إلاّ أنظاراً وآراءً للأُدباء والعلماء ، ونسختنا هذه تحمل كثيراً من هذه الوجوه والضبوط منأعلام كبار وأدباء بلغاءفي أوائل القرن السادس الهجري ؛ وإليك الاختلافات الموجودة في الخطبة (82) :

1 - وهي من الخطب العجيبة = عجيبة تسمّى الغرّاء.

2 - أَوْهاقَ = الوَهْق ، الوَهَق (معاً).

ص: 241

3 - بِعَقْب ، بِعَقِب = يَعْقُبُ السَّلَفَ (نسخة).

4 - اخْتِراماً = احْتِزاماً.

5 - الجِياد = الخِيار (نسخة س).

6 - وَحَواجِزِ بَلِيَّتِهِ = وَحَواجِزِ عَافِيَّتِهِ.

7 - قُذَّتَهُم = الصواب : قِدَّتَهُم ؛ أي طريقهم ، لقوله تعالى : وطرائق قِدَداً (خ).

8 - مَجَازَكُم عَلَى الصِّراطِ = مَجَازَكُم عَلَى السِّراطِ(نسخةس).

9 - قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً = معْبَرَاً لِعَاجِلَة حَمِيداً ، زَاداً لآجِلِهِ (نسخة).

10 - غُبْرِ جِمَاحِهِ = غُبْرِ (نسخة س) ، عُبِّر (نسخة).

11 - الأوجاع = الأوجاع والأسقام (نسخة).

12 - مُلْهِيَة = مُلْهِثَة (نسخة).

13 - عَثْرَةِ الامْتِحَانِ = عِبْرَةِ الامْتِحَانِ (نسخة).

14 - عَلِّمُوا = عَلِمُوا (نسخة س).

15 - إِنَّا بِاللهِ عائِذُونَ = إِنَّا بِاللهِ عائِذُونَ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ.

16 - فَلَهُوا وَسُلِّمُوا = فَلَهَوا (نسخة س) ، وَسَلِمُوا.

زيادات المتن :

يقول الشريف الرضي في مقدّمة نهج البلاغة : « ... ومُفَضِّلا فيه

ص: 242

أوراقاً ، لتكون لاستدراكِ ما عساهُ أنْ يشذَّ عنِّي عاجلا ، ويَقَعُ إليَّ آجلا ...». وعلى هذا كان للسيّد الرضي رحمه الله من سنة 400 هجرية (سنة إتمام تأليف نهج البلاغة) إلى سنة 406 هجرية (سنة وفاة السيّد) ، فرصةٌ لأن يضيف إلى الكتاب ما يجده ، ويسوّد الأوراق البيضاء التي جعلها في الكتاب لأن يستدرك عليه ما فات عنه حين تأليفه.

وهناك توجد عدّة نسخ من كتاب نهج البلاغة وردت فيها زيادات وإضافات لم ترد في بعض آخر منها ، وجاءت في صدرها عبارة : «زيادةٌ من نسخة كُتِبَتْ على عهد المصنّف»(1) أو «زيادةٌ من نسخة سريّة عراقيّة»(2) أو «زيادةُ نسخة كُتِبَتْ في عهد المصنّف»(3).

وهذه الزيادات أُضيفت في الأبواب الثلاثة ؛ باب خطبه ، وباب كتبه وباب حكمه عليه السلام.

فما أضيف إلى باب خطبه عليه السلام هي خمس خطب ؛ كما تلي :

1 - ومن كلام له عليه السلام قاله لعبد الله بن العبّاس رضي الله عنه.

2 - ومن كلام له عليه السلام يَحُثُّ فيه أصحابه على الجهاد. ة.

ص: 243


1- كما في نسختنا هذه ، وفي نسخة مكتبة السيّد المرعشي في قم المقدّسة برقم : 12452 ؛ والنسخة من القرن السادس الهجري ، وفي نسخة مكتبة سبهسالار في طهران ؛ والنسخة من القرن الخامس أو أوائل القرن السادس الهجري برقم : 3083.
2- كما في نسخة فخر الدين نصيري التي طبع مصوّرتها المرحوم الحجّة الشيخ حسن سعيد(رحمه الله).
3- كما في نسخة مكتبة السيّد الگلبايگاني في قم المقدّسة.

3 - ومن كلام له عليه السلام اقتصّ فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمّ لَحاقَهُ.

4 - ومن خطبة له عليه السلام في المسارعة إلى العمل.

5 - ومن خطبة له عليه السلام في شأن الحكمين وذمّ أهل الشام.

ومن المهمّ أنّ هذه الزيادات في باب خطبه عليه السلام تتغيّر في نسخ النهج بالتقديم والتأخير ، ولكنّها موجودة فيها كلّها ؛ فقد زِيدَ في آخر الباب في بعض منها خمس خطب ، وفي البعض الآخر ثلاث خطب ، والخطبتان الباقيتان تقدّمتا ووقعتا في أثناء الباب ، كما أنّ في البعض الآخر زيدت خطبتان في نهاية الباب وتقدّمت الثلاثة الباقية في أثنائها.

وأمّا نسختنا فقد اشتملت على هذه الزيادات ووردت فيها خطبتان من زيادات الخطب في آخر باب الخطب بخطّ نازويه القمّي ؛ وهما الرقمان

الأوّل والثاني ، والباقية تقدّمت في أثنائه ، وأنّ نازويه كتب الزيادات بعد الفراغ من كتابة أصل المخطوطة ، وحين مقابلتها وقراءتها على السيّد الراوندي ، وكأنّه نقلها من بعد عن نسخة السيّد الراوندي.

ويظهر ذلك أوّلا من نوع قلمهما وخطّهما ؛ وهما يلائمان خطّ وقلم نازويه حينما أضاف على نسخته ما أضاف من نسخة السيّد الراوندي ، وقد ذكرنا في ما سبق أنّ الفاصلة من أوّل كتابته (سنة 556 هجرية) إلى قراءته على السيّد الراوندي (سنة 571 هجرية) هي 15 عاما ، والفرق في القلم والخطّ واضح بين الأوّل والآخِر.

ص: 244

وثانياً وقّع نازويه بعد الزيادات مباشرة : «بلغت القراءة على المولى السيّد الإمام ضياء الدين تاج الإسلام علم الهدى أبي الرضا فضل الله بن علي الحسني إلى هاهنا ؛ ولله الحمد». كما أنّ توقيعه في مقابلته مع ابن فندق الذي احتملنا قويّاً أنّ نازويه كتب نسخته عن نسخته أوّلا وقع قبل هذين الزيادتين في آخر باب الخطب مباشرةً.

من الجدير بالذكر أنّ الزيادات الثلاث الباقية وقعت في نسختنا هذه قبل خطبة واحدة وهي : «خطبة له عليه السلام يذكر فيها آل محمّد :» ، وبخطّ نازويه القمّي ، كتبها حين استنساخ الأصل في سنة 556 هجرية ، ثمّ أنّه كتب في سنة 571 هجرية حين مقابلته وقراءته على السيّد الراوندي ، على هامش الصفحة في ابتداء الزيادات الثلاث ما نصّه : «زيادة من نسخة كتبت على عهد المصنّف وأوّله مكتوب في آخر الباب» ، كما كتب في نهاية الزيادتين في آخر الباب ما نصّه : «تعاد إلى الصفحة الأُخرى تحتها».

وأمّا بالنسبة للزيادات التي في آخر حكمه عليه السلام - وهي 17 من الكلمات القصار فتبدأ من قوله عليه السلام : «الدنيا خلقت لغيرها ، ولم تخلق لنفسها» إلى قوله عليه السلام : «إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه».

كتب نازويه القمّي هذه الزيادات بخطّه حين استنساخ أصل الكتاب (سنة 556 هجرية) بدون الإشارة على أنّ هذه من الزيادات ، ثمّ كتب عبارة : «زيادةٌ من نسخة كُتِبَتْ على عهد المصنّف رحمة الله عليه» بعد سنوات حين مقابلته وقراءته على السيّد الراوندي (سنة 571 هجرية) ، ما

ص: 245

بين السطور وقبل السطر الذي تبدأ به الزيادات يعني قبل قوله عليه السلام : «الدنيا خلقت لغيرها ...» ، ولضيق المجال مدّ التاء من (كتبت) إلى نهاية السطر ممّا يدلّ على أنّ هذه الزيادات كانت جزءاً موجوداً متّصلا بالأصل الذي استنسخ عنه نازويه نسخته أوّلا بدون عبارة تدلّ على انفصالها عن الأصل.

ومن يرجع إلى نسخ الكتاب يجد تفاوتاً واضحاً في إلحاق هذه الزيادات به وقد يتحيّر ، فإنّ بعضها لم ترد فيه هذه الزيادات أصلا ، والبعض الآخر وردت فيه بدون إشارة بمثل قوله : «زيادة من نسخة كتبت على عهد المصنّف» ، والثالث مع الإشارة به.

ختاماً

آمل بصنيعي هذا ، الذي حاولت في دراسة شاملة لنصّ عربيّ خالد أن أكون قد وفّقتُ إلى ما بلغه جهدي ، مع اعترافي بأنّي قصير الباع ، قاصر الذراع ، ولستُ ممّن يقدر على السباق في هذا الميدان ، إلاّ أنّ فيض كرم الوهّاب غير مقطوع ، فلا غرو أن يشرق نور فضله العميم على مرآة من لا يرى نفسه أهلا لهذا التكريم ، فللّه الحمد والمنّة ..

وكتب راجي رحمة ربّه وغفرانه

السيّد حسن الموسوي البروجردي - عفى الله عنه

قم المقدّسة مكتبة العلاّمة المجلسي - رحمه الله

ميلاد السيّدة المعصومة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم

عليهم الصلاة والسلام

ص: 246

المصادر

1 - الإثنا عشريّة في الصلاة اليوميّة : الشيخ البهائي محمّد بن الحسين بن عبد الصمدالحارثي (1030 ه) ، تحقيق : الشيخ محمّد الحسون ، الطبعة الأُولى ، عام 1409ه- ، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم - إيران.

2 - إصباح الشيعة بمصباح الشريعة : قطب الدين البيهقي الكيدري (من أعلام القرن السادس) ، تحقيق : الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الأولى ، عام 1416ه- ، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام ، قم - إيران.

5 - إنباه الرواة على أنباه النحاة : أبي الحسن علي بن يوسف الشيباني ، المعروف بابن القفطي (646 ه) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الأُولى ، عام 1377ه- ، مطبعة دار الكتب ، القاهرة - مصر.

3 - أعيان الشيعة : السيّد محسن الأمين (1371 ه) ، تحقيق : حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت - لبنان.

4 - أمل الآمل : محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1104 ه) ، تحقيق : السيّد أحمد الحسيني ، مطبعة الآداب - النجف الأشرف ومكتبة الأندلس ، بغداد - العراق.

6 - الأنساب : أبي سعد عبد الكريم بن محمّد بن منصور التميمي السمعاني (562 ه) ، تحقيق : عبد الله عمر البارودي ، الطبعة الأُولى ، عام 1408 ه- - 1988 م ، مركز الخدماتوالأبحاث الثقافيّة دار الجنان ، بيروت - لبنان.

ص: 247

8 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار : العلاّمة المولى محمّد باقر بن محمّدتقي المجلسي (1110 ه) ، مؤسسة الوفاء 1403 ه- /1983 م ، بيروت - لبنان.

38 - بعض مثالب النواصب أو كتاب النقض : نصير الدين عبد الجليل الرازي القزويني(من أعلام القرن السادس) ، تحقيق وتعليق : المير السيّد جلال الدين المحدّث الأُرموي ، الطبعة الأولى ، طهران - إيران.

9 - بغية الوعاة في طبقات اللغويّين والنحاة : جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911ه) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الأُولى ، عام 1384 ه- ، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر.

10 - البلغة (في اللغة) : أبو يوسف يعقوب بن أحمد النيسابوري اللغوي (474ه) ، الطبعة الأُولى ، عام 1389 ه- ، بنياد فرهنك ، طهران - إيران.

11 - البلغة (في تراجم أئمّة النحو واللغة) : الشيخ مجد الدين أبي طاهر محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (817 ه) ، تحقيق : محمّد المصري ، الطبعة الأُولى ، عام 1421ه- /2000م ، دار سعد الدين ، دمشق - سوريا.

12 - تاريخ الإسلام : شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748ه) ، تحقيق : عمر عبد السلام تدمري ، الطبعة الأُولى ، عام 1407ه- /1987م ، دار الكتاب العربي ، - بيروت لبنان.

13 - تاريخ بيهق : فريد خراسان علي بن زيد البيهقي (565 ه) ، ترجمة وتحقيق : يوسف الهادي ، الطبعة الأُولى ، عام 1425ه- ، دار اقرأ ، بيروت - لبنان.

14 - تاريخ مقام الإمام المهدي عليه السلام بالحلّة : أحمد علي مجيد الحلّي ، الطبعة الأُولى ، مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام ، النجف الأشرف - العراق.

16 - التراث العربي في خزانة مخطوطات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي : السيّد أحمد الحسيني الإشكوري ، الطبعة الأُولى عام 1414ه- ، مكتبة آية الله المرعشي ، قم - إيران.

ص: 248

15 - تراجم الرجال : السيّد أحمد الحسيني الإشكوري ، الطبعة الأُولى ، عام 1422 ه- ، منشورات دليل ما ، قم - إيران.

17 - تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب : ابن الفوطي ، عبد الرزاق بن أحمد الشيباني الحنبلي (723 ه) ، تحقيق : الدكتور مصطفى جواد ، مطابع وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي ، عام 1967 م ، دمشق - سوريا.

18 - تنقيح المقال في أحوال الرجال : الشيخ عبد الله بن محمّد حسن النجفي المامقاني(1352 ه) ، المطبعة المرتضويّة ، طبعة حجرية ، 1352ه- ، النجف الأشرف - العراق.

19 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد : المولى محمّد ابن علي الأردبيلي الغروي الحائري (1101 ه) ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، عام1403ه- ، قم - إيران.

21 - خريدة القصر وجريدة أهل العصر في ذيل الدمية (قسم شعراء إصفهان) : عمادالكاتب ، محمّد بن أبي الفرج محمّد عماد الدين أبي عبد الله الكاتب الأصبهاني الشافعي (597 ه) ، منشورات ميراث مكتوب ، طهران - إيران.

22 - الدرجات الرفيعة : السيّد صدر الدين علي خان ابن الأمير نظام الدين أحمد المدني الشيرازي ، المعروف بابن معصوم (1120 ه) ، تقديم : السيّد محمّد صادق بحرالعلوم ، المطبعة الحيدريّة 1381ه- /1962م ، النجف الأشرف - العراق.

23 - دمية القصر : علي بن الحسن بن علي الباخرزي (467 ه) ، تحقيق ودراسة : محمّدالتونجي ، الطبعة الأُولى ، عام 1414 ه- /1993م ، دار الجيل ، بيروت - لبنان.

24 - ديوان الشريف الرضي : طبعة وزارة الإرشاد الإسلامي في إيران ومؤسّسة نهج البلاغة في طهران على طبعة دار صادر في بيروت المطبوعة سنة 1976 م.

ص: 249

25 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة : الشيخ محمّد محسن بن محمّد رضا الطهراني ، المعروف بآقا بزرك الطهراني (1389 ه) ، الطبعة الثالثة ، عام 1403ه- ، دارالأضواء ، بيروت - لبنان.

26 - رجال ابن داود : لتقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي (المتوفّى بعد سنة 707ه) ، تحقيق : السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم ، الطبعة الأُولى ، عام 1392 ه- / 1972م ، منشورات المطبعة الحيدريّة ، النجف الأشرف - العراق.

27 - رجال النجاشي : الشيخ الجليل أبو العبّاس أحمد بن علي النجاشي الأسدي الكوفي(450 ه) ، تحقيق : السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الخامسة ، عام 1416ه- ، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، قم - إيران.

28 - روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات : الميرزا محمّد باقر الموسوي الخوانساري الإصبهاني (1313 ه) ، مكتبة إسماعيليان ، عام 1390 ، قم - إيران.

29 - رياض العلماء وحياض الفضلاء : المولى عبد الله الأفندي الأصفهاني ، تحقيق : السيّدأحمد الحسيني ، مكتبة آية الله المرعشي ، 1401 ه- ، قم - إيران.

37 - السياق لتاريخ نيسابور : تقي الدين أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الصيرفني (641 ه) ، تحقيق : خالد حيدر ، دار الفكر ، عام 1414 ه- /1993م ، بيروت - لبنان.

30 - شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد المعتزلي ، عزّ الدين أبي حامد المدائني (656ه) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الثانية ، 1385ه- /1965م ، دار إحياء الكتب العربيّة ، القاهرة - مصر.

7 - طبقات أعلام الشيعة : الشيخ آقا بزرك الطهراني (1389 ه) ، الطبعة الثانية ، مكتبة اسماعيليان ، قم - إيران.

31 - طبقات الشافعية : تقي الدين أبي بكر أحمد بن قاضي شهبة الأسدي الشافعي (851ه) ، تحقيق : عبد العليم خان ، طبعة حيدرآباد ، عام 1398ه.

ص: 250

33 - الفهرست : الشيخ منتجب الدين علي بن عبيد الله ابن بابويه الرازي (من أعلام القرن السادس) ، تحقيق : السيّد عبد العزيز الطباطبائي ، الطبعة الأُولى ، عام 1404 ، مجمع الذخائر الإسلاميّة ، قم - إيران.

32 - فهرست أسماء مصنفي الشيعة : شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي(460 ه) ، تحقيق : السيد عبد العزيز الطباطبائي ، الطبعة الأُولى ، عام 1420ه- ، مكتبة المحقّق الطباطبائي ، قم - إيران.

36 - فهرست نسخه هاي خطي كتابخانه آية الله مرعشي نجفي : عدّة من المفهرسين ، مكتبة آية الله مرعشي نجفي ، قم - إيران.

34 - فهرست نسخه هاي عكسي كتابخانه آية الله مرعشي نجفي : السيّد حسين الحائري وأبو الفضل حافظيان البابلي ، مكتبة آية الله مرعشي نجفي ، قم - إيران.

35 - فهرست نسخهاي عكسي كتابخانه مركزى دانشگاه تهران : محمّد تقي دانش پژوه ، دانشگاه تهران - إيران.

39 - كشف الإرتياب عن أتباع عبد الوهاب : السيد محسن الأمين العاملي (1371 ه) ، دار الكتاب الإسلامي ، عام 1410ه- ، بيروت - لبنان.

40 - كشف الحجب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار : السيّد إعجاز حسين النيسابوري الكنتوري (1240 ه) ، الطبعة الثانية ، عام 1409ه- ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم - إيران.

41 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون : مصطفى بن عبد الله ، الشهير بحاجي خليفة وبكاتب چلبي (1067 ه) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان.

42 - الكنى والألقاب : الشيخ عبّاس القمي (1359 ه) ، تقديم : محمّد هادي الأميني ، مكتبة الصدر ، طهران - إيران.

ص: 251

43 - لسان الميزان : شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852ه) ، الطبعة الثانية ، عام 1390 ه- /1971 م ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت - لبنان.

44 - لمعة النور والضياء في ترجمة السيّد أبي الرضا : آية الله العظمى السيّد شهاب الدين النجفي المرعشي ، طبع بنفقة فخر الدين النصيري بطهران عام 1343ش مع مجموعة نماذج من خطوط العلماء المخزونة في مكتبة فخر الدين المذكور في طهران - إيران.

45 - مجلّة تراثنا الفصليّة : تصدر من مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، في قم - إيران.

46 - مجلّة ميراث جاويدان : تصدر من إدارة الأوقاف والأمور الخيريّة في قم - إيران.

47 - المختصر من كتاب السياق لتاريخ نيسابور : مجد الدين أبو الحسن عبد الغفّار ابن إسماعيل الفارسي (529 ه) ، تحقيق : محمّد كاظم المحمودي ، الطبعة الأُولى ، عام1384 شمسي ، ميراث مكتوب ، طهران - إيران.

20 - مستدرك الوسائل وخاتمته : المحدّث الميرزا حسين الطبرسي النوري (1320 ه) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الأُولى ، عام 1408ه- /1987م ، قم - إيران.

48 - معارج نهج البلاغة : أبي الحسن علي بن زيد البيهقي المعروف بابن فندق (565ه) ، تحقيق : محمّد تقي دانش پژوه ، مكتبة آية الله المرعشي النجفي ، الطبعة الأُولى ، عام 1409 ه- ، قم - إيران. وتحقيق : أسعد الطيّب ، بوستان كتاب ، الطبعة الأُولى ، عام1422ه- ، قم - إيران.

49 - معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنفين منهم قديماً وحديثاً : الحافظ محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (588 ه) ، الطبعة الثانية ، عام1380 ه- /1961 م ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف - العراق.

ص: 252

50 - معجم الأُدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) : ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (626 ه) ، تحقيق : الدكتور إحسان عبّاس ، الطبعة الأُولى ، عام 1993م ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت - لبنان.

52 - معجم أعلام الشيعة : السيّد عبد العزيز الطباطبائي (1416 ه) ، إعداد ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الأُولى ، عام 1417ه- ، قم - إيران.

53 - معجم الشيوخ : أبي سعد عبد الكريم بن محمّد السمعاني (562 ه) ، مخطوط ، استفدنا منه بواسطة بعض كتب العلاّمة السيّد عبد العزيز الطباطبائي.

51 - معجم المؤلّفين تراجم مصنّفي الكتب العربيّة : عمر رضا كحالة ، مكتبة المثنى ودارإحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان.

54 - المناجاة الإلهيّات أو مناجاة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : برواية السيّد فضل الله الراوندي (بعد 571 ه) ، طبع الميرزا فخر الدين النصيري الأميني في طهران على نسختين مخطوطتين قديمتين من هذه المناجاة بشكل أوفست مجرّداً من الشرح والتعليق والتحقيق. مطبعة الحيدري ، طهران إيران.

55 - مناقب آل أبي طالب : أبي جعفر محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني (588 ه) ، دار الأضواء ، عام 1405 ه- /1985 م ، بالأفست على طبعة قم ، بيروت - لبنان.

56 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (573ه) ، تحقيق : السيّد عبد اللطيف الكوهكمري ، مكتبة آية الله المرعشي ، عام 1406ه- ، قم - إيران.

57 - موسوعة طبقات الفقهاء : اللجنة العلميّة في مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، إشراف الشيخ جعفر السبحاني ، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، الطبعة الأُولى ، عام 1419ه- ، قم - إيران.

ص: 253

58 - نكت الهميان في نكت العميان : صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (764ه) ، طبع باعتناء أحمد زكي باشا عام 1329 ه- /1910 م القاهرة - مصر.

59 - نوادر المخطوطات في مكتبة آية الله الحكيم العامّة : محمّد مهدي نجف ، الطبعة الأُولى ، مطبعة الآداب ، عام 1389 ه- /1969 م ، النجف الأشرف - العراق.

60 - نهج البلاغة عبر القرون : السيّد عبد العزيز الطباطبائي (1416 ه) ، وهو سلسلة مقالات طبعت في مجلّة تراثنا التي تصدر من مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، في قم - إيران.

61 - الوافي بالوفيات : خليل بن ايبك بن عبد الله الصفدي (764 ه) ، هلموت ريتر ، جمعية المستشرقين الألمانيّة ، عام 1404 ه.

62 - هديّة العارفين أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين : إسماعيل باشا البغدادي (1339ه) ، طبع بعناية وكالة المعارف في إستانبول ، عام 1951 م ، أعادت طبعه بالأوفست دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان.

63 - يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر : أبي منصور عبد الملك بن محمّد الثعالبي النيسابوري (429 ه) ، تحقيق : مفيد محمّد قميحة ، الطبعة الأولى ، عام 1403 ه- - 1983 م ، دار الكتب العلميّة ، بيروت - لبنان.

ص: 254

موقوفات النبيّ وأهل البيت عليهم السلام

السيّد عبد الهادي الشريفي

بسم الله الرحمن الرحیم

المقدِّمة :

الوقف تشريع إلهي ، وأسلوب إسلامي ، من بديهيّات الفقه ومسلّماته ، وأجلّ المعاملات العبادية في الإسلام.

والوقف في حقيقته ومفهومه ليس إلاّ الإنفاق في البِرّ والخير والإحسان ؛ لتوفير مصدر ثابت مستمرّ سواء للأفراد أو الجهات والعناوين أولعامّة المجتمع ، كتمويل الحاجات العامّة والخاصّة ، ورعاية الطبقات الفقيرة وغير الفقيرة ، ورفد العلماء والطلاّب ، وهو يلبّي كثيراً من احتياجات المجتمع المالية والاقتصادية ، فالوقف أحد الميادين الرئيسية

ص: 255

لسباق الخير والإحسان.

والوقف عند فقهاء المسلمين هو : «عقد يفيد تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة»(1) بمعنى : أنّ أصل المال في الوقف سيكون ثابتاً ومحبوساً ، وتطلق المنافع مستمرّة دائمة وصدقة جارية.

أو هو : «تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة»(2) ، أو هو : «تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة على وجه سبيل البرّ»(3) (4).

وقد جرت عادة الفقهاء على التعبير عن هذا العمل الخيري بهذا العنوان : (الوقف) ، الذي لم يرد التعبير به في الكتاب الكريم أصلا ، ولا في 7.

ص: 256


1- قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام 1 / 388.
2- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 3 / 153.
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 370.
4- واضح الفرق بين التعريف الأوّل للعلاّمة الحلّي قدس سره والتعريفين الآخرين ، حيث يذهب العلاّمة الحلّي إلى أنّ الوقف (عقد) ، بينما يرى ابن إدريس وابن حمزة والطوسي أنّ الوقف ليس ب- : (عقد) فلا يحتاج في تحقّقه إلى وجود طرفين موجب وقابل ، فهو في نظرهما من قبيل الإيقاع ، أو الإسقاط ، أو فكّ الملك (تحرير). كما استبدلا أيضاً كلّمة : (إطلاق) بكلمة (تسبيل) ، جرياً بما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قوله : «حبّس الأصل ، وسبّل المنفعة» وسائل الشيعة ب2 من أبواب الوقوف والصدقات ح1. ومعنى (تحبيس الأصل) : عدم توريثه والتصرّف بالعين الموقوفة بالبيع أو الهبة أوالرهن أو الإجارة وما إلى ذلك ، والمراد من (إطلاق المنفعة أو تسبيلها) هو : صرفهاواستعمالها في الجهة التي يعيّنها الواقف من دون عوض. انظر : الدروس الشرعية 2 / 263 ، ملحقات العروة 2 / 184 ، الفقه على المذاهب الخمسة 2 / 357.

السنّة والحديث إلاّ نادراً ، وإنّما التعبير الشائع في السنّة وأحاديث الأئمّة عليهم السلام هو الصدقة ، والصدقة الجارية(1).

وهذا واضح لمن راجع الأحاديث الشريفة ؛ ففي أوقاف أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهما السلام : «هذا ما تصدّق به عليٌّ وفاطمة»(2).

وقال الفقيه البحراني : «لا يخفى على من له أنس بالأخبار ، ومن جاس خلال الديار ؛ أنّ الوقف في الصدر الأوّل - أعني زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وزمن الأئمّة عليهم السلام - إنّما يعبّر عنه بالصدقة»(3).

وجاء في كثير من الأحاديث ما يؤكّد رجحانه وفضله والترغيب في إيجاده ، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : «إذا مات المؤمن انقطع عمله إلاّ من ثلاثة : ولد صالح يدعو له ، وعلم ينتفع به بعد موته وصدقة جارية»(4).

وقد استفاض هذا المضمون في روايات أهل البيت عليهم السلام وأخبارهم : روى هشام بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام ، أنّه قال : «ليس يتبع الرجل ً.

ص: 257


1- تحرير المجلّة 5 / 138.
2- وسائل الشيعة 13 / 304 ، ب6 من أحكام الوقوف والصدقات ، ح4 ، 6 ، 10 ، الاستبصار4 / 98 والتهذيب 9 / 131 - 132 ، وانظر : ملحقات العروة الوثقى 6 / 184كتاب الوقف.
3- الحدائق الناضرة 33 / 128.
4- وسائل الشيعة ، كتاب الوقوف والصدقات : 19 / 172 - 173 - 175 مع اختلاف يسير ، وانظر : مسند أحمد 2 / 372 ، وصحيح مسلم 3 / 1255 ، كتاب الوصية ، رقم 63 ، وسنن أبي داوود 3 / 117 وغيرها ، وفي شرح أصول الكافي للمازندراني 6 / 137ذكر لفظ (المرء) بدل (المؤمن) وذكر (المسلم) بدل (المؤمن) أيضاً.

بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته وهي تجري بعد موته ، وسنّة هدىً سنّها ، فهي يُعمل بها بعد موته ، وولد صالح يدعو له»(1) ، وروى نحوه الصدوق (ت 381ه) في الخصال 15 / 184.

وفي رواية ثانية عن الإمام الصادق عليه السلام : «ستّة تلحق المؤمن بعد موته ، ولد يستغفر له ، ومصحف يخلّفه ، وغرس يغرسه ، وقليب يحفره ، وصدقة يجريها ، وسنّة يؤخذ بها من بعده»(2).

وغيرها من الأخبار(3) التي دلّت على أنّ المراد من (الصدقة) و (الصدقة الجارية) في لسان الأحاديث والروايات إنّما هو (الوقف) ، ولا شكّ أنّ أوّل من شرّع الوقف وحثّ عليه هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ووقف الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام وسيّدة النساء فاطمة عليها السلام (4) ومن قدر من الصحابة على ذلك(5).

وسوف نستعرض موقوفات رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين عليه السلام والصدّيقة فاطمة عليها السلام وبعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وقبل ذلك نتحدّث 5.

ص: 258


1- وسائل الشيعة 19 / 172 ، كتاب الوقوف والصدقات ، باب 1 استحبابها ، ح2.
2- نفس المصدر ، ح5.
3- نفس المصدر ، ح2 ، 3 ، 4 ، 10.
4- انظر : نفس المصدر2 ونفس الباب ح1 ، 6 ، 10.
5- البحر الزخّار 5/147 - 148 ، قال جابر بن عبدالله الأنصاري : «ما بقي أحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذو مقدرة إلاّ وقف» انظر : المغني ، لابن قدامة المقدسي 8/185.

باختصار عن الجذور التاريخية للوقف فنقول :

هناك رأيان تعرّضا للجذور التاريخية للوقف ، وهما :

الرأي الأوّل : إنّ الوقف - كمصطلح شرعيٍّ - في مفهومه وحقيقته شأن لم يسبق إليه أحد من الأمم قبل الإسلام سواءً كان وقفاً خيريّاً أو ذرّيّاً ، بخاصّة عند العرب في العصر الجاهلي ؛ حيث لم يسجّل التاريخ المكتوب أيّ أثر لوجود وقف عندهم ولو على مستوى الرواية التاريخية الواحدة ، ولذا ذهب الإمام الشافعي (ت204ه) إلى أنّ الوقف من الأمور التي اختصّ بهاالإسلام.

قال في كتابه الأمّ : «لم يحبس أهل الجاهلية - فيما علمتُ - داراً ولا أرضاًتبرّراً بحبسها وإنّما حبس أهل الإسلام»(1) ، فالوقف عنده من خصائص أهل الإسلام.

وقال ابن المرتضى : «ولم يكن في الجاهلية وقف على الوجه المشروع ، بل السائبة ... والبَحيرَة .. والوصيلة .. والحامي ... قال تعالى : (مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَة وَلاَ سَائِبَة وَلاَ وَصِيلَة وَلاَ حَام وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوايَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) وتفسير الكلمات (بحيرة) : الناقة تُشَقُّ أذنها ، ويترك الانتفاع بها إذا ولدت خمسة أبطن آخرهاذكر. ولا (سائبة) : الناقة ينذرونها للآلهة ويتركونها كالبحيرة. 6.

ص: 259


1- الأمّ 3/275. وانظر : حاشية إعانة الطالبين 3/156.

و (الوصيلة) : الشاة تلد ذكراً وأنثى ، وقد كان من عادتهم إذا ولدت ذكراً أن يجعلوه للآلهة ، وإذا ولدت أنثى فهي لهم ، وإذا ولدتهما معاً لم يذبحو الذكر ، ويقولون : وصلت أخاها. و (حام) : الفحل يولد منه عشرة أبطن ؛ فيدَعونه لا يحمل عليه ولا يُركب ، ويقولون : حمى ظهره»(1).

ويقول ابن حزم : «إنّ العرب لم تعرف في جاهليّتها الحبس»(2).

وقال ابن رشد في المقدّمات : «لا يُعرف جاهليّ حبس داره على ولده أوفي وجه من الوجوه المتقرّب بها إلى الله تعالى ، وإنّما فعلت الجاهلية : البَحِيرة والسائبة والوصيلة والحامي»(3).

ولعلّ هؤلاء لم ينفوا الأحباس (الوقف) في الجاهلية قطعاً ، بل نفوا الوقف الذي يكون غرضه البرّ لوجه الله تعالى والقربة إليه ، أو لذات الخير والإحسان ، وإلاّ فالعرب في الجاهلية شأنهم في ذلك شأن سائر الأمم قبلهم.

كما يرى البعض أنّ «الوقف غير موجود أيضاً في شريعة التوراة ولا في المسيحية»(4).

كما أنّ التحقيق التاريخي يثبت أنّ الوقف الخيري لم يكن معروفاً إلاّ ر.

ص: 260


1- البحر الزخّار 2/152 ، والآية في سورة المائدة/ 103 ، وانظر : تفسير الآية الواردة في تفسير مجمع البيان 3/388 - 390 مفصّلا.
2- المحلّى 9/275 ، 216.
3- عن مجلّة الهداية الإسلامية ، الجزء الرابع ، المجلّد التاسع ، ص250 شوّال 1355ه.
4- نفس المصدر.

في مطلع القرن الثالث عشر للميلاد ، ظهر بشكل جزئي ومحدود في ألمانيا بالذات(1).

وأمّا الوقف الذرّي ، فلم يعرفه الغرب إلاّ في النصف الثاني من القرن الفائت.

الرأي الثاني : إنّه نظام قديم عرفته كثير من الأمم والنُظُم.

يقول الإمام الخميني رحمه الله : «أمّا الوقف ليست له حقيقة شرعية ، بل هو أمر عقلائيّ ، رائج بين منتحلي سائر الملل ، بل لعلّه متعارف عند غير منتحلي الأديان أيضاً»(2).

ويقول الشيخ أبو زهرة : «الوقف نظام قديم ، عرفته نظم وشرائع سابقة على الإسلام ، وإن لم يسمَّ بهذا الإسم ، لأنّ المعابد كانت قائمة وما رصد عليها من عقار لينفق من غلاّته على القائمين على هذه المعابد كان قائماً ثابتاً ، ولايمكن تصوّر هذا إلاّ على أنّه في معنى الوقف»(3).

يظهر من ذلك : إنّ الوقف ليس ممّا شرّعه الإسلام ابتداءً بل كان قبل الإسلام متداولاً بين بعض الأمم وأتباع الأديان في الشرق والغرب لإدارة المعابد والصوامع ، ولإدارة معيشة الأساقفة والمؤيّدين والكهّان من منافعه. 7.

ص: 261


1- الوقف وأحكامه : 28.
2- انظر : كتاب البيع ، الإمام الخميني 3/123.
3- انظر : محاضرات في الوقف : 7.

ولكن لايخفى أنّ الوقف وإن كان متداولاً في الأمم السابقة لكنّه لم يحظ بالشرائط والمواصفات التي قرّرها الإسلام ، ووضع ضوابطها في سياق مستقلٍّ بقواعده ومصادره لصيانة العين الموقوفة ، والعمل على استثمارها ، ورعاية حقوق الموقوف عليهم ، والعمل بشروط الواقف حين وقف ماله ، فلم يكن الوقف نظام تجميعي لعادات وأعراف سبقت الإسلام عند بعض الأمم وتابعهم المسلمون فأخذوه عنهم ، والدليل على هذا المدّعى - كما يقولون - وجود التشابه بين الوقف وبين بعض التصرّفات الأخرى لدى الأمم السابقة(1) لوجود وجه شبه بينها وبين الوقف.

أقول : إنّ هذا التشابه قد يقع ، لكنّ التشابه بينهما لايجعل أحدهما مرادفاً للآخر ، وإنّما يظلاّن مفهومين مختلفين ، فالإنفاق على المعابد والكنائس من قبل الناس أو أيّ نوع من التصرّفات المالية وإن شابهت الوقف لايجعلها وقفاً ، وإنّما اصطلح عليها وقفاً أو حبس العين عن التملّك أو التمليك لقلّة العبائر وضيق الخناق كما يقال.

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإنّ الوقف في الأمم السابقة لم يكن له من الشمول والسعة بحيث امتدّت دائرته إلى جميع وجوه البرّ والإحسان كما هو الحال في الدين الإسلامي الذي رعى فيه الوقف : المساجد ، والمدارس ، والمكتبات ، وحفظ المخطوطات وتحقيقها ، وبناء المشاهد المشرّفة والحسينيّات ، والمستشفيات ، ورعاية أبناء السبيل والأيتام 7.

ص: 262


1- تاريخ القانون : 137.

والإنفاق عليهم ... الخ.

إنّ نظام الوقف نظام إسلامي أصيل في مفهومه وحقيقته ، يستمدّ من القرآن في إطاره العامّ ، وقد وضع قواعده وأحكامه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومِن بعده الأئمّة من أهل بيته عليهم السلام ، وجاءوا بتفاصيل أحكامه وطبّقوه فعلاً ، وفعْل رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنّة وكذا فعْل أهل بيته عليهم السلام فتابعهم فيه الصحابة والتابعون حتّى شاع في الأمّة وانتشر في كلّ بلد يتواجد فيها مسلمون.

فالوقف في الإسلام بكلّ أقسامه عمل جليل من أعظم النظم الاجتماعية ، ووسيلة لمساعدة المحتاجين يراد به البرّ ووجه الله تعالى ، «وليس مقصوراً على المعابد والكنائس ، وما أُرصد لها من أموال ينفق من غلالها عليها ، بل إنّه يتجاوز المعابد إلى جميع أنواع الصدقات ، فهو يشمل الوقف على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية»(1).

مضافاً إلى أنّ (الوقف الذرّي) الخاصّ ، والوقف العام من : المدارس والمستشفيات والمساجد لانجد مثيلاً له قبل الإسلام.

أمّا قول الشافعي وابن حزم وابن رشد وغيرهم بنفي الأحباس في الجاهلية ؛ فهؤلاء لم ينفوا الأحباس في العصور القديمة قطعاً ، بل نفوا وجودهاالتي يقصد منها القربة والبرّ آنذاك ، ونفوا أحباس أهل الجاهلية ، والجاهلية إذا أُطلقت فالمراد بها العرب قبل الإسلام ، وليس المراد الأمم التي سبقت الإسلام كلّها ، حيث كان الوقف عندها نوعاً من الهبة الشخصية 8.

ص: 263


1- محاضرات في الوقف : 7 ، 8.

بدافع إنسانيٍّ أو للتنافس على كسب الصيت وهنا وثائق لقدماء المصريّين واليونان والرومان وغيرهم من الأمم وفي العصر الحاضر في بعض الأنظمة الغربية مايشبه الوقف ، وإن لم تكن تسمّى بهذا الاسم ، الأصل عندهم أنّ الوقف لايباع ولايوهب ولاتورث رقبته ، وليس للمستحقّ فيه سوى المنفعة (1). 7.

ص: 264


1- أهمّية الوقف وأهدافه : 47.

الأوقاف النبوية

تعرّض كثير من المؤرّخين والمحدّثين للكلام عن موقوفات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، خاصّة ، ولأمواله بشكل عام(1) ، وحاول الماوردي (ت 450ه) وأبو يعلي الفرّاء (ت 258ه) حصرها بثمانية أنواع ، كما ثبت في روايات كثيرة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ترك أموالاً متنوّعة من عقار وزراعة ، وسنتعرّض لبعض هذه الأموال والموقوفات لأنّها وقع كثير منها مسرحاً للنزاع ، خاصّة بعد رحيل النبيّ (صلى الله عليه وآله). م.

ص: 265


1- منهم الشيخ الكليني في كتابه الكافي باب صدقات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفاطمة عليها السلام ، والشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام ، والشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار ، والحرّ العاملي في وسائل الشيعة باب الوقوف والصدقات ومن الكتب المصنّفة في أموال النبيّ (صلى الله عليه وآله) فهي : كتاب تَرِكَة النبيّ (صلى الله عليه وآله) والسبل التي وجّهها فيها لحمّاد بن إسحاق الجهضمي الأزدي وهو ناقص لم يشمل كلّ تركة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وكتاب أموال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليّ بن محمّد المدائني عن كتاب الفهرست لابن النديم : 148 ، وقد قال الماوردي : إنّ عليّاً بن محمّد في كتابه الأحكام السلطانية والفرّاء الحنبلي في كتابه الأحكام السلطانية ، ذكرا صدقات النبيّ (صلى الله عليه وآله) في كتابيهما ، كما أنّ فقهاء المسلمين قد خصّوا الأوقاف النبوية في كتبهم الفقهية بأبواب مستقلّة ضمن كتبهم.

1 - الوقف الأوّل :

أموال مخيريق :

قال الواقدي : «أوّل صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي مخيريق التي أوصى بها إلى النبيّ فوقفها النبيّ»(1).

قال ابن إسحاق : «وكان ممّن قتل يوم أُحد مخيريق ، وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون ، وهو من أهل الغنى والثروة ، فلمّا كان يوم اُحد قال : يا معشر اليهود ، والله لقد علمتم أنّ نصر محمّد (صلى الله عليه وآله) عليكم لحقّ ، قالوا : إنّ اليوم يوم السبت ، قال : لا سبت لكم ، فأخذ سيفه وعدّته وقال : إن أُصبتُ فمالي لمحمّد يصنع فيه ما شاء ، ثمّ عاد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقاتل معه حتّى قتل ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما بلغنا : مخيريق خير اليهود»(2) قال السهيلي : «فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أموال مخيريق وكان سبع حوائط أوقافاً بالمدينة لله»(3).

قال ابن شبّة (ت262ه) : «وأسماء أموال مخيريق التي صارت للنبيّ (صلى الله عليه وآله) : الدلال ، وبرقة ، والأعواف ، والصافية ، والمثيب ، وحسنى ، 5.

ص: 266


1- أحكام الأوقاف : 40 ، السيرة النبوية لابن إسحاق : 3/164 ، الطبقات الكبرى 1/3 ، 501.
2- ابن إسحاق ، السيرة النبوية 3/164.
3- سيرة ابن هشام 3/51 ، تاريخ الطبري 2/531 ، أنساب الأشراف 1/325 ، المغازي 1/263 ، الإصابة 3/393 ، الدرر : 107 ، الأحكام السلطانية لأبي يعلي : 185.

ومشربة أمّ إبراهيم»(1) ، «قال محمّد بن كعب القرظي : وكانت أوّل وقف بالمدينة»(2).

من هنا ، فإنّ أموال مخيريق وهي سبعة حوائط (بساتين) قد أصبحت للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد أن استشهد مخيريق رحمه الله بمقتضى وصيّته ، ولم يكن لليهود أن يأخذوا منها شيئاً ، حيث إنّه ليس للكافر أن يرث المسلم ، وحيث لم يكن لمخيريق وارث فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يكون وارثه ، وهي أوّل أرض ملكها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقد أوقفها (صلى الله عليه وآله) على فاطمة عليها السلام.

وروى القاضي نعمان المغربي (ت 363 ه) في دعائم الإسلام بإسناده عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام قال : «تصدّق رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأموال جعلها وقفاً ، وكان ينفق منها على أضيافه ، وأوقفها على فاطمة سنة سبع للهجرة ومنها : (العواف ، والبُرقة ، والصافية ، ومشربة أم إبراهيم ، والحُسنى ، والدّلال ، والمنت»(3).

والحوائط السبعة في المدينة كانت صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4) فأوصت بها الزهراء عليها السلام لعليّ عليه السلام ثمّ للحسن عليه السلام ثمّ للحسين عليه السلام ، ثمّ للأكبر من ق.

ص: 267


1- أخبار المدينة 1/173 ، الإصابة 98/152.
2- السيرة النبوية لابن كثير 3/73.
3- دعائم الإسلام 2/341.
4- وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (6/16) عن عائشة : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل سبع حيطان له بالمدينة صدقة على بني المطّلب وبني هاشم ، ولم يذكر أنّها لمخيريق.

ولدها(1).

ويؤيّد ما قلناه ما رواه أبو بصير قال : «قال أبو جعفر عليه السلام : ألا أُحدّثك بوصية فاطمة؟ قلت : بلى ، فأخرج حُقّاً أو سفطاً فأخرج منه كتاباً فقرأه : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أوصت بحوائطها السبعة (بالعواف ، والدلال ، والبُرقة ، والميثب ، والحسنى ، والصافية ، ومال أم إبراهيم) ، وإلى عليّ بن أبي طالب ، فإن مضى عليٌّ عليه السلام فإلى الحسن عليه السلام ، فإن مضى الحسن عليه السلام فإلى الحسين عليه السلام ، فإن مضى الحسين عليه السلام فإلى الأكبر من ولدي ، تشهد الله على ذلك ، والمقداد بن الأسود ، والزبير بن العوّام ، وكتب عليّ بن أبي طالب»(2).

قال الشيخ الصدوق : «روي أنّ هذه الحوائط كانت وقفاً ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يأخذ منها ما ينفقه على أضيافه ومن يمرّ به ، فلمّا قبض جاء العبّاس يخاصم فاطمة فيها فشهد عليّ وغيره أنّها وقف عليها»(3).1.

ص: 268


1- عن الإمام الباقر عليه السلام كما في الكافي 7/48 ، 49 ، ح5 ، 6 ، وانظر : المقرّم ، وفاة الصديقة : 104.
2- الكافي ، باب صدقات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمّة عليهم السلام 7/48 ، 49 ، ح5 ، 6. وانظر : مستدرك الوسائل 14/50 ، 51.
3- التهذيب 9/145 ، ومن لايحضره الفقيه 4/244 ، ح5579 ، الكافي ، باب صدقات النبيّ وفاطمة والأئمّة عليهم السلام ح1.

قال الخصّاف : « ... حدّثني محمّد بن بشر بن حميد عن أبيه قال : سمعت عمر بن عبدالعزيز يقول في خلافته ب- : (خناصرة) : سمعت بالمدينة - والناس بها يومئذ كثير من مشيخة من المهاجرين والأنصار - أنّ حوائط رسول الله (صلى الله عليه وآله) السبعة التي وقف من أموال مخيريق ..... ثمّ دعا لنا بتمر ، فأتي به ، تَمْرٌ في طبق ، فقال : كتب إليّ أبو بكر بن حزم يخبرني أنّ هذا التمر من العذق الذي كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل منه ، فقلت : يا أمير المؤمنين فاقسمه بيننا ، فقسمه بيننا فأصاب كلّ واحد منّا تسع تمرات. قال عمر بن عبدالعزيز : وقد دَخلْتها إذ كنت والياً بالمدينة ، وأكلت من هذه النخلة ، ولم أر مثلها من التمر أطيب ولا أعذب»(1).

2 - الوقف الثاني :

أموال بني النضير :

آلت أموال بني النضير إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) خالصة بعد غزوة بني النضير ، فهي ممّا أفاء الله تعالى على رسوله من المشركين ممّا لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، أي لم يفتحوها عنوة بل افتتحوها على صلح ...(2) ، فكانت أموالهم خالصة للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بمقتضى قوله تعالى : (... مَا أَفَاءَ الله 2.

ص: 269


1- أحكام الأوقاف : 1.
2- مسند أبي عوانة 4/142.

عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ الْقُرَى فَلِلهِ وَلِلرَّسُوْلِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَساكِيْنِ وَابْنِ السَّبِيْل) (1).

وكانت هي أوّل أرض افتتحها رسول الله(2) ، وهي أوّل أرض أفاءها الله تعالى على رسوله ، فأجلاهم عنها وكفّ عن دمائهم وجعل لهم ما حملته الأبل من أموالهم إلاّ الحلقة - وهي السلاح - فخرجوا بما استقلّت إبلهم إلى خيبر والشام ، وخلصت أرضهم كلّها لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

وقد أعطى ناساً من أصحابه ، ووسّع في الناس منها(3) ، وبقي منها صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي كانت في أيدي بني فاطمة(4) ، واصطفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أموال بني النضير وكانت أوّل صافية قسّمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين المهاجرين الأوّلين والأنصار ، وأمر عليّاً فحاز ما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) منها فجعله صدقة ، وكانت في يده مدّة حياته ، ثمّ في يد أمير المؤمنين عليه السلام بعده ، وهو في ولد فاطمة عليها السلام حتّى اليوم(5).

روى البخاري في صحيحه حديثاً طويلا في مخاصمة العبّاس 7.

ص: 270


1- سورة الحشر : 7.
2- فتوح البلدان ، قسم 1 ، ص170.
3- المناقب لابن شهرآشوب 1/197 ، الإرشاد ، للشيخ المفيد : 50 ، سنن أبي داود 23/171 ، برقم (2965).
4- الكافي باب صدقات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمّة عليهم السلام 7/48 - 49 ، ح5 ، 6 ، وانظر : مستدرك الوسائل 14/50 - 51.
5- بحار الأنوار 20/173 ، الإرشاد : 50 ، وابن شهرآشوب ، المناقب 1/197.

وعليّ عليه السلام في ولاية أموال النبيّ (صلى الله عليه وآله) وممّا جاء فيه : «قال عمر : قال جلّ ذكره : (وَمَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُم فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب ... إلى قوله : ... قَدِيْر) (1). فكانت خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ والله ما احتازها دونكم ، ولا استأثرها عليكم ، لقد أعطاكموها وقسّمها فيكم ، حتّى بقي هذا المال منها ، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينفق على أهله سنته من هذا المال ، ثمّ يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ، فعمل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته ....) الحديث(2).

وكان عمر بن الخطّاب يقول : «كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث صفايا(3) ، فكانت بنو النضير حبساً لنوائبه ، وكانت فدك لابن السبيل ...» ثمّ ذكر بقية الصفايا(4) (5).ول

ص: 271


1- سورة الحشر : 6.
2- صحيح البخاري مع شرح فتح الباري : 334 رقم (4033) ، وسنن أبي داود 3/365.
3- الصفايا : الغنائم التي يختارها الرئيس لنفسه.
4- أنساب الأشراف ، قسم حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) : 519 ، أحكام الأوقاف : 4.
5- قيل : «كانت بنو النضير ضيعاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خالصة له ، حبساً لنوائبه ، ولم يخمّسها ، ولم يسهم فيها لأحد ، وقد أعطى ناساً من أصحابه ، انظر : الطبقات الكبرى 2/58 ، تاريخ المدينة 1/176 وغيرهما. ولكنّنا نجد بعضهم يروي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمّسها ، ذهب إلى ذلك الشافعي ، وأعطى منها ما أراد لمن أراد ، ووهب العقار للناس ، وكان يعطي من محصول البعض أهله وعياله نفقة سنة ، ويجعل ما بقي مجعل مال الله ، انظر : تاريخ الخميس 1/462. والجواب : كما عن الصحيح من السيرة للعلاّمة السيّد جعفر العاملي 9/240 ومابعدها. (أ) دعوى تخميسها لايمكن أن تصحّ ، لأنّ الثابت أنّها لم تفتح عنوة ، وأنّها ممّا أفاءه الله على رسوله ، والفيء لايخمّس ، وإنّما تخمّس الغنيمة المأخوذة عنوة في الحرب. ولعلّ دعوى التخميس لها ؛ تهدف إلى إلقاء الشبهة على مطالبة عليّ عليه السلام ، وفاطمة ، والعبّاس بها ، مع أنّ عمر بن الخطّاب نفسه يصرّح في رواية المطالبة بتركة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما انفرد أبو بكر برواية : (نحن معاشر الأنبياء لانورّث ... ،) وفيما سبق بأنّ أموال بني النضير كانت من الفيء. بل قد ورد : أنّ عمر بن الخطّاب قال : يا رسول الله ، ألا تخمّس ما أصبتَ من بني النضيركما خمّست ما أصبت من بدر؟! فقال (صلى الله عليه وآله) : لا أجعل شيئاً جعله الله لي دون المؤمنين بقوله : (مَا أَفَاءَ الله عَلى رَسُوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ...) - سورة الحشر : 6 - كهيئة ما وقع فيه السهمان ، انظر : المغازي 1/377. (ب) التعبير ب- : (صدقات) و (صوافي) : إنّ التعبير عن أموال بني النضير وعن أموال مخيريق ب- : (صدقات رسول الله) أو أنّه (صلى الله عليه وآله) يطعم أهله من أراضي بني النضير وخيبر وحوائط مخيريق قوت سنته ، ثمّ يجعل الباقي في الكراع والسلاح ، نجد هذا التعبير لدى معظم المؤرّخين والمؤلّفين من إخواننا أهل السنّة ، وهو تعبير فنّي مدروس ، قد جاء ليؤكّد اتّجاهاً سياسيّاً فرضه موقف السلطة ممّا حدث ، من أجل تأكيد الحديث الذي انفرد به أبو بكر الذي يقول : (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة) هذا الحديث الذي أنكره الإمام عليّ وفاطمة والعبّاس وغيرهم ، فقد أطلقت السلطة على ما تركه النبيّ (صلى الله عليه وآله) من أموال وعقار اسم(صدقة) أو (صدقات). وقالوا : «كلّ ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) تصدّق به» - انظر : التراتيب الإدارية 1/401 عن السهيلي - ليركّزوا ذلك الأمر الذي انفرد به أبو بكر في أذهان الناس بصورة تلقائية لاشعورية. أمّا بالنسبة لقول عمر : «إنّ بني النضير كانت من صوافي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حبساً لنوائبه» ، فإنّ ذلك بهدف الإيحاء بأنّها لابدّ أن تعود إلى بيت المال أو للخليفة لتكون حبساًلنوائبه أيضاً. وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لايورّث ، وحتّى لو يورّث ، فإنّ تعامله هذا يدلّ على أنّه لم يكن نفسه مالكاً ، فهو يتعامل مع هذه الأراضي كما لو كانت ترجع إلى بيت مال المسلمين ، حتّى يؤكّد صدق الخليفة في دعواه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لايورّث. انظر : الصحيح من السيرة ، للعاملي 9/241 - 243.

ص: 272

3 - الموقوفة الثالثة والرابعة والخامسة :

حصون الكتيبة والوطيح والسلالم :

ثلاثة حصون من خيبر ، وكانت خيبر ثمانية حصون : (ناعم والقموصوشق والنطاة والكتيبة والوطيح والسلالم وحصن الصعب بن معاذ)هذه الحصون فتحت عنوة عدا (الوطيح والسلالم والكتيبة) فإنّها فتحت صلحاً بعد أن حاصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة عشر يوماً(1) ، وسألوه أن يسير بهم ويحقن لهم دماءهم ففعل ذلك ، ومَلَكَ من هذه الحصون 4.

ص: 273


1- مغازي الواقدي 2/670 ، وسيرة ابن هشام 3/347 ؛ فحصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بضع عشرة ليلة. ومصالحة أهل الحصون الثلاثة أشار إليها الحلبي في مناقب آل أبي طالب1/204.

الثمانية ثلاثة حصون : (الكتيبة والوطيح والسلالم).

بعد أن صالح رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة ، وترك الذرّية لهم ، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ، ويخلّون بين رسول الله وبين ما كان لهم من مال وأرض ، وعلى الصفراء والبيضاء ، والكراع والحلقة ، وعلى البزِّ إلاّ ثوباً على ظهر إنسان ... ووجد في ذينيك الحصنين مائة درع ، وأربعمائة سيف ، وألف رمح ، وخمسمائة قوس عربية بجعابها ... الخ وبذلك يكون الوطيح وسلالم فيئاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ؛ إذ لم يحصل قتال في هذين الحصنين(1).

وذكر الماوردي وأبو يعلي الفرّاء : «فصارت هذه الحصون الثلاثة ... خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فتصدّق بها ، وكانت من صدقاته»(2).

ويلاحظ ، أنّنا لم نجد ذلك في الكتب المعتبرة عند الإمامية ، وأنّها من صدقاته أو موقوفاته ، وإن كانت من ممتلكاته (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ استولت عليها السلطة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، تحت ذريعة : «نحن معاشر الأنبياء لانورّث ما تركناه صدقة» ، الذي ردّ الإمام عليّ والصدّيقة فاطمة عليها السلام وكثير غيرهماروايته ، كما مرّ سابقاً. 3.

ص: 274


1- انظر : الصحيح من السيرة 18/170 عن ابن إسحاق ، ونحوه في تاريخ الطبري 2 / 302 ، وتاريخ خليفة ، أبو عمر ، وخليفة بن خياط : 49.
2- الأحكام السلطانية للماوردي : 297 ، الأحكام السلطانية لأبي يعلي : 203.

4 - الموقوفة السادسة :

فدك(1) :

ادّعى الماوردي وأبو يعلي الفرّاء : «لما فتح النبيّ (صلى الله عليه وآله) خيبر جاءه أهل فدك فصالحوه بسفارة (محيصة بن مسعود) على أنّ له نصف أرضهم ونحلهم عليه ، ولهم النصف الآخر ، فصار النصف الآخر خالصاً لهم إلى أن أجلاهم عمر بن الخطّاب .... فصار من صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ونصفها الآخر لكافّة المسلمين»(2).

وقال الواقدي : «فصالحوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن يحقن دماءهم ، وأنّ لهم نصف الأرض بتربتها ، ولرسول الله (صلى الله عليه وآله) نصفها ، فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك وأقرّهم على ذلك»(3).

وأشار ابن إسحاق : « ... فكانت فدك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خالصة ، لأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب»(4).

أقول : إنّ فدك بحوائطها كانت ملكاً خاصّاً خالصاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فنحلها ابنته الصدّيقة فاطمة الزهراء ، وبقيت تحت يديها إلى أن قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله). 2.

ص: 275


1- فدك : بينها وبين المدينة يومان ، كما في معجم البلدان 6/342 ، وتبعد عن المدينة نحو140كم ، وانظر : مراصد الاطلاع 3/102.
2- نفس المصدر السابق.
3- مغازي الواقدي 2/707.
4- سيرة ابن هشام 3/352.

قال الطبرسي : «لمّا فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خيبر ، عقد لواءً ، ثمّ قال : من يقوم إليه فيأخذه بحقّه؟ - وهو يريد أن يبعث به إلى حوائط فدك - فقام الزبير إليه فقال : أنا ، فقال له أمِطْ عنه (إبعد) ، ثمّ قام إليه سعد ، فقال (صلى الله عليه وآله) : أمِط عنه ، ثمّ قال : يا عليّ ، قم إليه فخذه ، فأخذه ، فبعث به إلى فدك فصالحهم على أن يحقن دماءهم ، فكانت حوائط فدك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خاصّاً خالصاً» ، ثمّ قال : «فنزل جبرئيل فقال : إنّ الله - عزّوجلّ - يأمرك أن تؤتي ذا القربى حقّه. فقال : يا جبرئيل ، ومن قرابتي وما حقّه؟ قال : هي فاطمة ، فأعطها مالله ولرسوله في حوائط فدك.

قال : فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة وكتب لها كتاباً ، جاءت به بعد موت أبيها إلى أبي بكر وقالت : هذا كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي ولإبنيّ»(1).

وأشار القمّي إلى هذا المعنى بقوله : «فجعل لها فدكاً ، والمسكين مِن ولدفاطمة ...»(2) ، وروى العيّاشي في تفسيره (2/287) أربعة أخبار في ذلك ، ثلاثة منها عن الامام الصادق عليه السلام ، والخبر الرابع عن عطية العوفي مرسلاً ، وروى الطبرسي في تفسيره(3) خبر عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني النيشابوري ، وبأسانيد وطرق عديدة (1/338 - 341) ، وعن الخدري نقل القاضي عبدالجبّار3.

ص: 276


1- أعلام الورى 1/208.
2- تفسير القمّي 2/18.
3- مجمع البيان 6/633.

المعتزلي في المغني ، وعنه السيّد المرتضى في الشافي ، وعنه ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج (16/268) والسيوطي في الدّر المنثور (4/177).

هذا والآية هي السادسة والعشرون من سورة الإسراء المكّية ، ولعلّ جبرئيل عليه السلام نزل بتطبيق الآية تذكيراً بها ، أمّا الحكم بأنّ ما لم يوجف عليه بخيلولا ركاب فهو لله وللرسول ولذي القربى فقد سبقت به الآيتان (7 ، 8) من سورة الحشر المدنية النازلة قبل هذا بعد حرب بني النضير(1).

أقول : إنّ من المقطوع به أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد أعطى فدكاً لابنته فاطمة عليها السلام ، وبقيت بيد فاطمة عليها السلام وقد استولت عليها سلطة الخلافة بعد بضعة أيّام من وفاته (صلى الله عليه وآله) ولم تكن وقفاً ولا صدقة ، وإنّما ملكتها في حياة أبيها العظيم (صلى الله عليه وآله) ، فهي إرثها من أبيها (صلى الله عليه وآله) ، وقد جرت بين فاطمة عليها السلام صاحبة الأرض وبين أبي بكر مناقشات ومحاورات انتهت بإصرار الخليفة على انتزاع الأرض من مالكها ، فغضبت الزهراء حتّى ماتت مهاجرة له ، ثمّ ردّها ، وفي أيّام عثمان قام فأقطع فدكاً لمروان بن الحكم ، ثمّ تداولها أبناؤه من بعده ، فلمّا ولّي عمر بن عبدالعزيز ردّها كلّها إلى ولد فاطمة ، ثمّ استأثر بهاآل العبّاس من بعده ، ثمّ ردّها المأمون في ولد فاطمة عليهم السلام (2).

قال أبو الفداء في تاريخه (1/168) : «وأقطع - أي عثمان - فدكاً وهي 5.

ص: 277


1- موسوعة التاريخ الإسلامي 3/59.
2- دعائم الإسلام 1/385.

صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي طلبتها فاطمة ميراثاً ، فروى أبو بكر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (نحن معاشر الأنبياء لانورّث ما تركناه صدقة) ولم تزل فدك في يد مروان وبنيه إلى أن تولّى عمر بن عبدالعزيز فانتزعها من أهله وردّها صدقة».

يقول ابن أبي الحديد : «وأقطع عثمان مروان فدكاً ، وقد كانت فاطمة طلبتها بعد وفاة أبيها (صلوات الله عليه) ، تارة بالميراث ، وتارة بالنحلة فدفعت عنها»(1).

يقول السيّد العاملي : «ما معنى هذا الإقطاع من قبل عثمان ، لأنّ فدكاً إن كانت فيئاً للمسلمين كما ادّعى ذلك أبو بكر ، فما وجه تخصيصها بمروان؟وإن كانت ميراثاً لآل الرسول (صلى الله عليه وآله) كما احتجّت له الصديقة فاطمة في خطبتها ، فليس للخليفة أن يتصرّف في ذلك ، وإن كانت نحلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسيّدة النساء ، كما ادّعته وشهد لها أمير المؤمنين والحسنان عليهم السلام وأمّ أيمن(رض) ، فما هي علاقة مروان وغير مروان بذلك؟ وأىّ سلطة لعثمان عليها حتّى يقطعها لأحد من الناس»(2).

وإن كانت فدك صدقة (وقف) ، فهي أوّل اعتداء على الأوقاف في الإسلام ، حصل في أوائل العصر الإسلامي. 9.

ص: 278


1- شرح نهج البلاغة 1/198 - 199 ، خطبة 3.
2- الصحيح من السيرة 18/219.

5 - الموقوفة الثامنة :

موضع سوق بالمدينة ويقال له مهزوز :

تصدّق رسول الله (صلى الله عليه وآله) بموضع سوق بالمدينة يعرف ب- : (مهزوز) على المسلمين.

قال ابن قتيبة في المعارف (ص195) ، وابن عبد ربّه في العقد الفريد (4/103) ، وابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (1/471 ، خطبة 3) : «تصدّق رسول الله (صلى الله عليه وآله) بموضع سوق بالمدينة يعرف ب- : (مهزوز) على المسلمين ، فأقطعه الخليفة عثمان الحارث بن الحكم».

أقول : فما معنى هذا الإقطاع من الخليفة بما تصدّق به رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عامّة المسلمين ، وهل وهب إلاّ ما لا يملك من مال المسلمين؟ومن الأوقاف والصدقات؟!

فهذه ثمان صدقات حكاها المؤرّخون والمحدّثون وأهل السير ، ونقلهاوجوه رواة المغازي(1) ، وقد حدّدنا ما صحّ من صدقاته أو ما كان من منحه وإرثه (صلى الله عليه وآله). 5.

ص: 279


1- الأحكام السلطانية لأبي يعلي : 203 ، الأحكام السلطانية للماوردي : 293 ، 295.

أوقاف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام

وردت في كثير من الروايات في المصادر الحديثية للإمامية(1) أخبار أوقاف الإمام عليه السلام ، علاوة على الروايات المروية في المصادر الحديثية لأهل السنّة(2) ، فقد ذكروا أنّ للإمام عليه السلام أوقافاً كثيرة ، لأنّه كان يمتلك بساتين كثيرة ، وينابيع وفيرة ، على أثر اشتغاله بالزراعة في ضواحي المدينة المنوّرة ، مضافاً إلى حقّه من الغنائم في حروب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولكنّه عليه السلامكان يؤثر المحتاجين والفقراء ، فينفقها في سبيل الله تعالى ، كما خصّص جزءً من أملاكه وقفاً على أبناء فاطمة ، ولذوي أرحامه ، ولحجّاج بيت الله الحرام ، ولذوي الحاجات من المؤمنين. وفيما يلي قائمة بهذه الموقوفات ، وقبل ذلك نذكر بعض وثائق موقوفات الإمام عليه السلام ، وهي : 2.

ص: 280


1- انظر : تهذيب الأحكام ج9 باب الوقف والصدقات ، من لايحضره الفقيه ج4 ، باب الوقف والصدقات ، الكافي ج7 كتاب الوصايا ، باب مايجوز من الوقف والصدقة ، بحارالأنوار 104/195 وغيرها.
2- تاريخ المدينة 1/225 ، وفاء الوفاء 1/127 ، الأحكام السلطانية للماوردي : 296 ، الأحكام السلطانية لأبي يعلي : 202.

1 - عن أيّوب بن عطية قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : قسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الفيء فأصاب عليٌّ أرضاً فاحتفر فيها عيناً فخرج منها ماء يَنْبُع في السماء كهيئة عنق البعير ، فسمّاها عين ينبع(1) ، فجاءه البشير يبشّره ، فقال : بشّر الوارث ، هي صدقة بتّاً بتلاً(2) في حجيج بيت الله وعابر سبيله ، لاتُباع ولاتوهب ولاتورث ، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لايقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، وسمّاها (يَنْبُع) (3).

وكلمة (الصدقة الجارية) فسّرها العلماء بالوقف(4) كما مرّ سابقاً.

2 - ومنها عن الصادق عليه السلام قال : «تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بدار له في المدينة في بني زريق فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدّق به عليّ بن أبي طالب وهو حيٌّ سويٌّ تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع ولا توهب حتّى يرثها الله الذي يرث السموات والأرض ، 2.

ص: 281


1- وينبع بالفتح ثمّ السكون والباء الموحّدة المضمومة وعين مهملة ، وهي حصن به نخيلوماء وزرع ، وبها وقوف لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، يتولاّه ولده ، وهو بين مكّة والمدينة ، راجع معجم البلدان ، مادّة ينبع.
2- راجع لسان العرب 2/6 : صدقة بتّة بتلة ، إذا قطعها المتصدّق بها من ماله فهي بائنة من صاحبها قد انقطعت منه.
3- مستدرك الوسائل 19/186 ، 198 ، 202 ، وتهذيب الأحكام ج9 ح56 وكذا رواه ثقة الاسلام الكليني في فروع الكافي : 35 باب صدقات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمّة عليهم السلام ، ح7 بتفاوت.
4- انظر : سبل السلام 3/137 ، نيل الأوطار : 25 ، جواهر الكلام 28/2.

وأسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهن ، فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين»(1).

3 - عن الكامل للمبرّد عن أبي نيزر : «جاءني عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وأنا أقوم بالضيعتين - (عين أبي نيزر) (والبُغيبغة) - فقال لي : هل عندك من طعام؟ فقلت : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين ؛ قرع من قرع الضيعة ، صنعته بإهالة سَنِخة ، فقال : علىَّ به ، فقام إلى الربيع - وهو جدول - فغسل يديه ، ثمّ أصاب من ذلك شيئاً ، ثمّ رجع إلى الربيع ، فغسّل يديه بالرمل حتّى أنقاهما ، ثمّ ضمّ يديه كلّ واحدة منهما إلى أُختها وشرب بهما حُسىً(2) من الربيع ، ثمّ قال : يا أبا نيزر ، إنّ الأكفّ أنظف الآنية ، ثمّ مسح ندى ذلك الماء على بطنه ، وقال : من أدخله بطنه النار فأبعده الله!. ثمّ أخذ المعول وانحدرفي العين ، فجعل يضرب ، وأبطأ عليه الماء ، فخرج وقد تفضّج(3) جبينه عرقاً ، فانتكف العرق عن جبينه(4) ، ثمّ أخذ المعول وعاد إلى العين ، فأقبل يضرب فيها ، وجعل يهمهم ، فانثالت كأنّها عنق جزور ، فخرج مسرعاً ، فقال : اُشهد الله أنّها صدقة ، علىّ بدواة وصحيفة ، قال : فعجّلتُ بهماإليه ، فكتب : ).

ص: 282


1- روضة المتّقين 11/171 ، وسائل الشيعة 13/304 ، من لايحضره الفقيه : 4/248/ح5588 ، وزاد فيه «ولا تورث» بعد «ولا توهب».
2- الحُسوة : ملء الفم ممّا يحسى ، والجمع : حسىً وحُسوات (المصباح المنير : 136).
3- تَفَضّجَ عَرَقاً : سال (لسان العرب 2/345).
4- انتكف العرَقَ عن جبينه : أي مسحه ونحّاه (لسان العرب 9/340).

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدّق به عبدالله علىّ أمير المؤمنين ، تصدّق بالضيعتين المعروفتين ب- : (عين أبي نيزر والبغيبغة) على فقراءأهل المدينة وابن السبيل ؛ ليقي الله بهما وجهه حرّ النار يوم القيامة ، لاتُباعا ولا توهبا حتّى يرثهما الله وهو خير الوارثين ، إلاّ أن يحتاج إليهما الحسن أو الحسين ، فهما طلق(1) لهما ، وليس لأحد غيرهما»(2).

4 - عن الكافي للشيخ الكليني ... عن عبدالرحمن بن الحجّاج ، قال : «بعث إلىّ أبو الحسن موسى عليه السلام ، بوصية أمير المؤمنين عليه السلام ، وهي :

هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبدُالله عليّ ابتغاءَ وجه الله ، ليولجني به الجنّة ويصرفني به عن النار ويصرف النار عنّي يوم تبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوه ، أنّ ما كان لي من مال بيَنْبُع يُعرف لي فيها وما حولها صدقة ورقيقها غير (رباحاً ، وأبا نَيْزَرَ ، وجُبَيراً) عتقاءٌ ليس لأحد عليهم سبيل ، فهم مواليّ يعملون في المال خمس حِجَج ، وفيه نفقتُهم ورزقُهم وأرزاقُ أهاليهم.

ومع ذلك ما كان لي بوادي القرى كلّه من مال لبني فاطمة ، ورقيقها صدقة.

وما كان لي بدَيْمَة وأهلها صدقة ، غير أنّ زُرَيْقاً له مثلُ ما كتبتُ لأصحابه ، وما كان لي بأذِيْنَة وأهلها صدقة ، والفقيرَين كما قد علمتم صدقة 8.

ص: 283


1- الطِلق : المطلق الذي يتمكّن صاحبه فيه من جميع التصرّفات (المصباح المنير : 377).
2- الكامل للمبرّد 3/1127 ، ربيع الأبرار 4/388.

في سبيل الله.

وإنّ الذي كتبتُ من أموالي هذه صدقة واجبة بَتلة ، حيّاً أنا أو ميتاً ، ينفق في كلّ نفقة يُبتغى بها وجه الله في سبيل الله ووجهه ، وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطّلب والقريب والبعيد.

وإنّه يقوم على ذلك الحسنُ بن عليّ ، يأكل منه بالمعروف ، وينفقه حيث يراه الله عزّوجلّ في حلٍّ محلّل ، لا حرج عليه فيه ، فإن أراد أن يبيع نصيباً من المال فيقضي به الدينَ فليفعل إن شاء ولاحرج عليه ، وإن شاء جعله سرىّ المِلك ، وإن وُلدَ عليّ ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي.

وإن كانت دارُ الحسن بن عليّ غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها إن شاء لاحرج عليه فيه ، وإن شاء باع ، فإنّه يقسّم ثمنها ثلاثة أثلاث ، فيجعل ثلثاً في سبيل الله وثلثاً في بني هاشم وبني المطّلب ويجعل الثالث في آل أبي طالب ، وإنّه يضعه فيهم حيث يراه الله.

وإن حَدَثَ بحسن حَدَث ، وحسين حيّ فإنّه إلى الحسين بن عليّ ، وإنّ حسيناً يفعل فيه مثل الذي أمرتُ به حسناً ، له مثل الذي كتبتُ للحسن ، وعليه مثل الذي على الحسن.

وإنّ لبني فاطمة من صدقة عليٍّ مثل الذي لبني عليٍّ ، وإنّي إنّما جعلتُ الذي جعلت لابنَي فاطمة ابتغاء وجه الله عزّوجلّ وتكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما.

وإن حدث بحسن وحسين حدث ، فإنّ الآخر منهما ينظر في بني

ص: 284

عليٍّ ، فإن وجد فيهم من يرضى بهداه وإسلامه وأمانته فإنّه يجعله إليه إن شاء ، وإن لم ير فيهم بعض الذي يريده فإنّه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به ، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذوو آرائهم فإنّه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم.

وإنّه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله ويُنفق ثمره ، حيث أمرته به من سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطّلب والقريب والبعيد ، لايُباع شيءٌ منه ولايوهب ولايورث.

وإنّ مال محمّد بن عليّ على ناحيته ، وهو إلى ابني فاطمة عليها السلام (1) ، وإنّ رقيقىّ اللذين في صحيفة صغيرة التي كُتبت لي عتقاء.

هذا ما قضى به عليّ بن أبي طالب في أمواله هذا الغد من يوم قدم مُسكن(2) ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، والله المستعان على كلّ حال ، ولايحلّ لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء قضيتُه من مالي ولا يخالف فيه أمري من قريب أو بعيد.

أمّا بعد ، فإنّ ولائدي ... الخ. ر.

ص: 285


1- في تاريخ المدينة 1/176 جاء هكذا : «وإنّ مال محمّد على ناحية ، ومال ابني فاطمة ، ومال فاطمة إلى ابني فاطمة».
2- مسكن : اسم مكان في الكوفة. وقد اشترط الإمام عليه السلام على من يلي هذه الأموال أن يتركها على أصولها ، وينفق من ثمرتها ، أي لايقطع النخل والتمر ويبيعه خشباً وعيداناً ، فيفضي الأمر إلى خراب الضياع وعُطلة العَقار.

هذا ما قضى به علىّ في ماله هذه الغد من يوم قدم مِسْكَن. شهد أبو شمر بن أبرهة ، وصعصعة بن صوحان ، ويزيد بن قيس ، وهياج بن أبي هياج. وكتب عليّ بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جُمادى الأولى سنة سبع وثلاثين»(1).

وهناك - أوقاف لأمير المؤمنين عليه السلام في أماكن متفرّقة في الحجاز تصدّق بها ووقفها على المسلمين ، وإنّ صدقته بلغت أربعين ألف دينار ، فقد روي عنه عليه السلام قوله : لقد رأيتني أربط الحجر على بطني من الجوع في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وإن صدقتي اليوم لأربعون ألف دينار ولم يبق منها شيء حين وفاته عليه السلام (2).

وردت في الكتب الحديثية والتأريخية ، نذكرها مع ذكر موقعها الجغرافي والتاريخي. وهي :

1 - ذكر المؤرّخون والمحدّثون أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وقف على الحجّاج مائة عين استنبطها في ينبع(3). 0.

ص: 286


1- الكافي ، باب 35 باب صدقات النبيّ وفاطمة والأئمّة عليهم السلام ووصاياهم ح6. وفي نهج البلاغة ، الكتاب 24 ، تحت عنوان من وصيّة له فيما يعمل في أمواله ، كتبها بعد منصرفه من صفّين.
2- ترجمة الإمام عليٍّ من تاريخ دمشق 2/450 ، ونحوه في مجمع الزوائد 9/123 ، وأسدالغابة 4/23 ، والسيرة الحلبية 2/473.
3- بحار الأنوار 41/42 ، وسائل الشيعة 12/225 ، مناقب آل أبي طالب 2/123 عن الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 9/300.

2 - عين أبي نيزر ، والبحير ، ونولا : كانت أموال عليّ عليه السلام عيوناً متفرّقة بينبع ، منها عين يقال لها : (عين البحير) وعين يقال لها : (عين أبي نيزر) وعين يقال لها (عين نولا) وهي اليوم تدعى (العدر) ، وهي التي يقال : إنّ عليّاً عمل فيها بيده(1).

3 - البغيبغات(2) :

«وعمل علىّ رضي الله عنه أيضاً بينبع البغيبغات ؛ وهي عيون ، منها عين يقال لها : (خيف الأراك) ، ومنها عين يقال لها : (خيف ليلى) ، ومنها عين يقال لها : (خيف بسطاس) ، فيها خليج من النخل مع العين.

وكانت البغيبغات ممّا عمل علىّ رضي الله عنه وتصدّق به ، فلم تزل في صدقاته حتّى أعطاها حسينُ بن علىّ عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ؛ يأكل ثمرها ، ويستعين بها على دينه ومؤونته».

ولعليّ عليه السلام أيضاً ساقي على عين يقال لها : (عين الحدث) بينبع وأشرك على عين يقال لها : (العصيبة) موات ينبع.

4 - الفَقيرَيْن :

وكان له عليه السلام صدقات بالمدينة تدعى : الفقيرين ، بالعالية(3) ، وبئر ).

ص: 287


1- تاريخ المدينة المنوّرة 1/224 ، وفاء الوفاء بأخبار المصطفى 1/127.
2- تاريخ المدينة المنورة 1/220 ، 222.
3- العَالية : اسم لكلّ ما كان من جهة نجد من المدينة ، من قراها وعمايرها إلى تهامة (معجم البلدان 4/71).

الملك بقناة(1) ، والأدبيّة بالإضم(2) (3).

5 - عين ناقة :

من صدقاته (عين ناقة) تقع بوادي القرى(4) ، ويقال لها : (عين حسن) ، وله أيضاً بوادي القرى (عين موات).

وقد ورد في وصيّته العامّة عليه السلام أنّ له بوادي القرى أملاك قد وقفها ، بعض هذه الأملاك ذكر له اسماً وبعضه من دون اسم ، وقفها على بني فاطمة عليها السلام بعد أن أعتق رقيقها.

6 - الوادي الأحمر(5) ، والبيضاء :

وله عليه السلام ب- : (حرّة الرجلاء) (6) واد يدعى الأحمر ، شطره وقف ، وشطره بأيدي آل منّاع من بني عديّ ، منحة من الإمام عليه السلام لهم ، وكان كلّه بأيديهم.

وله أيضاً ب- : (حرّة الرجلاء) واد يقال له : البيضاء ، فيه مزارع ، وعفا ، ).

ص: 288


1- قَناة : واد بالمدينة ، وهي إحدى أوديتها الثلاثة (معجم البلدان 4/401).
2- الإضم : واد بجبال تهامة ، وهو الوادي الذي فيه المدينة ، ويسمّى من عند المدينة القناة ، ومن أعلى منها عند السدّ يسمّى الشظاة ، ومن عند الشظاة إلى أسفل يسمّى إضماً إلى البحر (معجم البلدان 1/214).
3- عمدة الأخبار في مدينة المختار : 318.
4- وادي القُرى : واد بين المدينة والشام ، من أعمال المدينة ، كثير القرى (معجم البلدان2/246).
5- تاريخ المدينة 1/234.
6- حَرَّة الرّجلاء : في ديار بني القين بين المدينة والشام (معجم البلدان 2/246).

وهو في صدقته.

وله أيضاً ب- : (حرّة الرجلاء) أربع(1) آبر يقال لها : ذات كمات ، وذوات العشراء ، وقعين ، ومعيد ، ورعوان ، فهذه الآبر في صدقته.

7 - وادي رعية والأسحن(2) :

وله بناحية فدك(3) واد بين لابتي حرّة يدعى : رعيّة ، فيه نخل ووشل من ماء ، يجري على سقا بزرنوق(4) ، فذلك في صدقته.

وله أيضاً بناحية فدك واد يقال له : الأسحن ، وبنو فزارة تدّعي فيه ملكاً ومقاماً ، وهو اليوم في أيدي ولاة الصدقة في الصدقة.

8 - القصيبة(5) :

بستان بناحية فدك ، بأعلى حرّة الرجلاء.

9 - دار له بالمدينة في بني زريق :

تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بدار له بالمدينة في بني زريق ، وأسكن فيها خالاته ما عشن وعاش عقبهنّ ، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من1.

ص: 289


1- نفس المصدر.
2- نفس المصدر 1/224.
3- فَدك : قرية بالحجاز ، بينها وبين المدينة يومان ، وقيل : ثلاثة ، أفاءها الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) في سنة سبع صلحاً (معجم البلدان 4/238).
4- زَرنوق : اسم بلد وموضع باليمامة ، فيه المياه والزروع (راجع معجم البلدان 3/139).
5- نفس المصدر 1/221.

المسلمين. عن محمّد بن عاصم عن الأسود بن أبي الأسود الدؤلي عن ربعي بن عبدالله عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : «تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بدار له في المدينة في بني زُريق فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدّق به عليّ بن أبي طالب وهو حيٌّ سويٌّ تصدّق بداره التي في بني زُريق صدقة لاتُباع ولاتُوهب حتّى يرثها الله الذي يرث السماوات والأرض وأسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهنّ فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين»(1).

ورواه الصدوق بإسناده عن ربعي بن عبدالله نحوه.

هذه بعض صدقات أموال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، ويروى أنّها بلغت في السنة أربعين ألف دينار(2) ، وكانت صدقاته هذه كافية لبني هاشم جميعاً(3) ، إن لم نقل أنّها تكفي أمّة كبيرة من الناس من غيرهم. وخرج (صلوات الله عليه) من الدنيا ، ولم يترك سوى سبعمائة درهم أراد أن يشتري بها خادماً لأهله ، وقد أمر بردّ هذه السبع مائة درهم إلى بيت المال بعد وفاته ، كما ذكر ذلك الإمام الحسن عليه السلام في خطبته آنذاك(4).6.

ص: 290


1- وسائل الشيعة 19/187 ، باب6 ، من كتاب الوقوف ، ح4.
2- بحار الأنوار 41/26 ، 43 ، أنساب الأشراف 2/117 ، وترجمة الإمام عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق 2/450 ، منتخب كنز العمّال المطبوع بهامش مسند أحمد 5/560 ، ومسندأحمد 2/159.
3- كشف المحجّة لثمرة المهجة : 124 ، البحار 41/26.
4- شرح نهج البلاغة 15/416 ، الفتوح 4/146.

وهذه الموقوفات لم تسلم من الاعتداء ، من قبل الحكّام(1) ثمّ تداولوها وتوارثوها ، ومنعوا من استمرار إنفاقها في سبيل الله تعالى ومن انتفاع الفقراء والمحتاجين منها(2). 1.

ص: 291


1- أخبار القضاة 1/154.
2- انظر : الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) 9/301.

وقف الصدّيقة فاطمة عليها السلام

روى البيهقي : أنّ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، تصدّقت بمالها على بني هاشم ، وبني المطّلب(1).

أمّا ماروي عن طرق الإمامية فإنّها عليها السلام ، أوقفت الحوائط السبعة التي أوقفها عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأوصت بذلك لعليٍّ عليه السلام ، فإن مضى فإلى الحسن عليه السلام ، فإن مضى فإلى الحسين عليه السلام ، فإن مضى فإلى الأكبر من ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).

ووثيقة هذا الوقف كما رواه كثير من المحدّثين وأنا أرويها عن الإمام الباقر عليه السلام ، وهي :

روى الكليني عن عليّ بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، قال : «قال أبو جعفر عليه السلام : ألا أُقرئك وصية فاطمة؟ قال : قلتُ : بلى ، قال : فأخرج حُقّاً أو سفطاً فأخرج منه كتاباً ، فقرأه عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصت به فاطمة بنت 1.

ص: 292


1- انظر : فتح الباري 5/407 ، والسنن الكبرى 6/161.
2- مستدرك الوسائل 14/50 ، 51.

محمّد ، أوصت بحوائطها(1) السبعة (بالعواف والدلال والبرقة والمبيت والحسنى والصافية ومال أمّ إبراهيم) إلى عليّ بن أبي طالب ، فإن مضى عليّ فإلى الحسن ، فإن مضى فإلى الحسين ، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي ، تشهد الله على ذلك والمقداد ابن الأسود والزبير بن العوّام ، وكتبه عليّ بن أبي طالب(2)». 1.

ص: 293


1- ذكر المجلسي في بحار الأنوار 103/184 - 185 : إنّ كلمة (أوصت) التي وردت في رسالة الزهراء معناها (وقَفَتْ).
2- الكافي ، باب صدقات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمّة عليهم السلام ، ح5 ، مستدرك الوسائل 14/50 ، 51.

أوقاف وصدقات سائر الأئمّة عليهم السلام

1 - وقف الإمام الحسين عليه السلام :

كما في دعائم الإسلام : «عن الحسين بن عليّ عليهما السلام أنّه ورث أرضاً وأشياء فتصدّق بها قبل أن يقبضها»(1) ، وعن السنن الكبرى : «روى مسلم البطين أنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام ورث مواريث ، فتصدّق بها قبل أن تقسّم ، فأجيزت»(2).

2 - وقف الإمام الصادق عليه السلام :

عن مهران بن محمّد قال : «سمعت أبا عبدالله عليه السلام أوصى أن يناح عليه سبعة مواسم ، فأوقف لكلّ موسم مالا ينفق»(3).

ورواه الشيخ الصدوق بإسناده عن العبّاس بن معروف مثله(4). 1.

ص: 294


1- دعائم الإسلام 2/339 ، ح 1271.
2- السنن الكبرى 6/283 ، ح11958.
3- وسائل الشيعة 19/174 ، كتاب الوقف والصدقات ، ب1 ح9.
4- من لا يحضره الفقيه4/180 ، 631.

3 - وقف الإمام موسى بن جعفر عليه السلام (1) :

نصّ وقفية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام :

«عن صفوان بن يحيى وبإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب عن عليّ بن السندي عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : أوصى أبو الحسن عليه السلام بهذه الصدقة : هذا ما تصدّق به موسى بن جعفر ، تصدّق بأرضه في مكان كذا وكذا كلّها ، وحدُّ الأرض كذا وكذا ، تصدّق بها كلّها ونخلها وأرضها وقناتها وماؤها وأرحابها وحقوقها وشربها من الماء ، وكلّ حقّ هو لها في مرفع أو مظهر أو عرض أو طول أو مرفق أو سانحة أو أسقية أو متشعّب أو مسيل أو عامر أو غامر ، تصدّق بجميع حقوقه من ذلك على ولد صلبه من الرجال والنساء يُقسّمُ ، وإليها ما أخرج الله (عزّ وجل) من غلّتها بعد الذي يكفيها في عمارتها ومرافقها ، وبعد ثلاثين عَذقاً تُقسّم في مساكين القرية بين ولد موسى (للذّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) ، فإن تزوّجت امرأة من بنات موسى فلا حقّ لها في هذه الصدقة حتّى ترجع إليها بغير زوج ، فإن رجعت كان لها مثل حظّ التي لم تزوّج من بنات موسى ، وإنّ مَن توفّي من ولد موسى وله ولد فولده على سهم أبيه للذكر مثل حظّ الأنثيين مثل ما شرط موسى بين ولده من صلبه ، وإنّ من توفّي من ولد موسى ولم يترك ولداً ردّ حقّه على أهل الصّدقة ، وإنّه ليس لولد بناتي في 2.

ص: 295


1- فروع الكافي ، كتاب الوصايا ، باب صدقات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفاطمة والأئمّة عليهم السلام ووصاياهم : ح8 ، عيون أخبار الرضا 1/37 ، ح2.

صدقتي هذه حقّ إلاّ أن يكون آباؤهم من وليٍّ ، وليس لأحد في صدقتي مع ولدي وولد ولدي وأعقابهم ما بقي منهم أحد ، فإذا انقرضوا فلم يبق منهم واحد فصدقتي على ولد أبي من أمّي ما بقي منهم أحد على مثل ما شرطت بين ولدي وعقبي ، فإذا انقرض ولد أبي من أمّي فصدقتي على ولد أبي وأعقابهم ما بقي منهم أحد على مثل ما شرطت بين ولدي وعقبي ، فإذا انقرض ولد أبي ولم يبق منهم أحد فصدقتي على الأوّل فالأوّل حتّى يرثها الله الذي رزقها وهو خير الوارثين. تصدّق موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو صحيح ، صدقة حبساً بتّاً بتلا مبتوتة لا رجعة فيها ولا ردَّ ، ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها ولا يبتاعها ويهبها ولا ينحلها ولا يغيّر شيئاً ممّا وصفته عليها حتّى يرث الله الأرض ومن عليها ، وجعل صدقته هذه إلى عليٍّ وإبراهيم ، فإذا انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي ، فإذا انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما ، فإذا انقرض أحدهما دخل العبّاس مع الباقي ، فإذا انقرض أحدهما دخل الأكبر من ولدي مع الباقي ، وإن لم يبق من ولدي إلاّ واحد فهو الذي يليه».

ورواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب ، ورواه في عيون الأخبار عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمّد بن أبي الصهبان عن صفوان ، ورواه الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمّد بن عبدالجبّار وعن محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان وعن محمّد بن

ص: 296

يحيى عن محمّد بن الحسين عن صفوان بن يحيى نحوه(1).

هذا عرض موجز لأهمّ الأوقاف النبوية والأوقاف العلوية والصدّيقة وبعض الأئمّة عليهم السلام التي عثرت عليها من خلال تتبّعي القاصر ، نقلها المحدّثون وحكاها أهل السير ، ونقلها وجوه رواة المغازي ، وقد فصّل بعض المؤرّخين الحديث عن أمكنة هذه الأوقاف النبوية خاصّة منذ عصر التدوين إلى عصرنا الحاضر ، يقول ابن شبّة النميري (ت 262ه) عنها :

«فأمّا الصافية والبرقة والدلال والمثيب ، فمتجاورات بأعلى السورين من خلف قصر (مروان بن الحكم) فيسقيها (مهزوز) ، أمّا (مشربة أمّ إبراهيم) : فإذا خلفت بيت مدارس اليهود ... أمّا (حسنى) : فيسقيها (مهزوز) وهي ناحية (القف) ، أمّا (الأعواف) : فيسقيها (مهزوز) وهي من ناحية (القف)أيضاً»(2).

أمّا في العصر الحاضر ، فإنّ أعيان الأموال النبوية غير معروفة وأمّا الاعتداء على هذه الأوقاف قديماً وحديثاً فقد تحدّث عنها أهل التاريخ ، من ذلك ما ذكره (وكيع) في أخبار القضاة : «إنّ (النعينعة) صدقة عليّ بن أبي طالب عليه السلام ... لم تزل في يد حسين عليه السلام حتّى هلك ، ثمّ وثب عليها (يزيد بن معاوية) فكانت في يده ، ثمّ كانت في يد (ابن الزبير) ، فكانت إذا كانت المدينة في يد (ابن الزبير) وثب عليها آل عليّ عليهم السلام ، وإذا كانت في 3.

ص: 297


1- وسائل الشيعة 19/203 ، باب 10 من كتاب الوقوف ، ح4.
2- تاريخ المدينة 1/173.

يد (يزيد بن معاوية) (فالنعينعة) في يده ، ثمّ دفعها (عبدالملك) إلى آل (معاوية) ، حتّى قام عمر بن عبدالعزيز فردّها إلى آل عليّ عليهم السلام ، فلمّا ملك يزيد بن عبدالملك ردّها إلى آل معاوية»(1).

فهذه الموقوفات والصدقات : لم تسلم من اعتداء الظالمين ، فقد استولى عليها الحكّام ، ومنعوا من استمرارها وإنفاقها ، فما بالك الآن وقد مضى عليها أكثر من خمسة عشر قرناً ، فلا تُعرف أعيانها في عصرنا الحاضر إلاّ من خلال حديث الكتب.

هذا ما يتعلّق بالأوقاف النبوية وأوقاف آل البيت عليهم السلام ، أمّا بالنسبة إلى عموم أوقاف أتباع أهل البيت عليهم السلام ، فقد تعرّضت غالبيّتها - في العراق خاصّة إلى التعدّي والغصب والاستحواذ والاستبدال غير المشروع والمصادرة من دون حقّ شرعيّ ولا قانونيّ ، حتّى تحوّلت إلى أملاك الدولة أو لبعض الولاة أو المسؤولين أو السائرين في ركاب المؤسّسة الحكومية(2).ا.

ص: 298


1- أخبار القضاة 1/154.
2- انظر ذلك مفصّلا في : التعدّي على الأوقاف في العراق ، حسين بركة الشامي 13 وما بعدها.

المصادر

1 - الأحكام السلطانية : للقاضي علي بن محمّد الماوردي (ت 450 ه) ، تعليق خالدعبداللطيف العلمي ، نشر : دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط1 ، 1410ه.

2 - الأحكام السلطانية : للقاضي أبي يعلي محمّد بن الحسين الفرّاء (ت258ه) تحقيق : محمّد حامد الفقّي ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1403ه.

3 - الإرشاد : الشيخ المفيد ، محمّد بن النعمان (ت 413 ه) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم.

4 - الاستبصار : الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) ، تحقيق : السيّد حسن الخرسان ، نشر : دار الكتب الإسلامية ط4 ، 1390 ه.

5 - أسد الغابة في معرفة الصحابة : عزّ الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمّدبن محمّد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري (ت 630ه) ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

6 - الإصابة في تمييز الصحابة : ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط1 ، 1382 ه.

7 - الأم : محمّد بن إدريس الشافعي (ت 204 ه) ، نشر : دار الفكر ، بيروت ، ط2 ، 1403ه.

8 - أحكام الأوقاف : أحمد بن عمرو الخصّاف ، نشر : مكتبة الثقافة مصر ، القاهرة ، ط1 ، 1322.

ص: 299

9 - أخبار القضاة : للإمام محمّد بن خلف المعروف ب- : وكيع ، نشر : عالم الكتب ، بيروت.

10 - أعلام الورى : الطبرسي (ت 548 ه) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، ط1 ، 1417ه.

11 - أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى البلاذري (ت 279 ه) ، نشر : دار الفكر ، ط1 ، 1417.

12 - أهمّية الوقف وأهدافه : عبدالله بن أحمد الزيد ، نشر : دار طيبة ، الرياض ، 1414ه.

13 - بحار الأنوار : المجلسي ، محمّد باقر (ت 1111 ه) ، نشر : مؤسّسة الوفاء ، بيروت ، ط2 ، 1402ه.

14 - البحر الزخّار : أحمد بن يحيى الزيدي (ت 840 ه) ، تحقيق : يحيى عبدالكريم ، نشر : مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ط2 ، 1394ه.

15 - تاريخ الأمم والملوك : الطبري (ت 310 ه) ، تحقيق : عبدالله علي مهنّا ، نشر : مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، ط1 ، 1418ه.

16 - تاريخ خليفة بن خيّاط ، تحقيق : د. مصطفى نجيب فوّاز ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1415 ه.

17 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس : حسين بن محمّد الدياربكري ، نشر : مؤسّسة شعبان ، بيروت.

18 - تاريخ دمشق ، تاريخ مدينة دمشق : علي بن الحسن المعروف بابن عساكر (ت571ه) ، تحقيق : علي شيري ، نشر : دار الفكر ، بيروت ، 1415ه.

19 - تاريخ القانون : شفيق شحاته ، القاهرة.

20 - تاريخ المدينة : عمر بن شبّة النميري (ت 262 ه) ، تحقيق : محمّد شلتوت ، نشر : حبيب محمّد ، ط2.

ص: 300

21 - تحرير المجلّة : الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء (ت 1373 ه) ، قم ، ط 3 ، 1416 ه.

22 - التراتيب الإدارية : محمّد عبدالحيّ الكتّاني ، تحقيق : عبدالله الخالدي ، نشر : دارالأرقم ، بيروت ، لبنان.

23 - ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ دمشق : تحقيق : المحمودي ، نشر : مؤسّسة المحمودي للتحقيق والنشر ، بيروت ، ط1 ، 1400ه.

24 - تركة النبيّ (صلى الله عليه وآله) : للإمام حمّاد بن إسحاق الأزدي ، تحقيق : د. أكرم ضياء العمري ، 1404 ه.

25 - التعدّي على الأوقاف في العراق : حسين بركة الشامي ، إصدار : جامعة الإمام الصادق عليه السلام ، بغداد ، ط1 ، 1427ه.

26 - تفسير القمّي : علي بن إبراهيم القمي (ت 329ه) ، نشر : مؤسّسة دار الكتاب ، ط2 ، 1404 ه.

27 - تفسير مجمع البيان : الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه) ، نشر : دار المعرفة ، بيروت ، ط1 ، 1406ه.

28 - التهذيب : محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) ، تحقيق : السيّد حسن الخرسان ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ط4 ، 1392 ه.

29 - الجواهر ، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام : الشيخ محمّد حسن بن باقرالنجفي (ت1266ه) ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط7 ، 1401ه.

30 - الحدائق الناضرة : الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (ت 1186 ه) ، نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، قم ، 1404ه.

31 - الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة : جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكرالسيوطي (ت 911ه) ، تحقيق : محمّد عبدالقادر أحمد عطا ، نشر : دار الاعتصام ، القاهرة.

ص: 301

32 - الدروس الشرعية : الشهيد الأوّل ، محمّد بن مكّي (ت 786 ه) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، 1414ه.

33 - دعائم الإسلام : النعمان بن محمّد المغربي (ت 363 ه) ، تحقيق : آصف فيضي ، نشر : دار المعارف ، القاهرة ، ط2 ، 1385 ه.

34 - ربيع الأبرار : محمود بن عمر الزمخشري (ت 538ه) ، نشر : مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، ط1 ، 1412ه.

35 - روضة المتّقين : المجلسي ، محمّد تقي ، نشر : بنياد فرهنگي إسلامي ، قم ، ط1 ، قم 1398ه.

36 - سبل السلام : محمّد بن إسماعيل الصنعاني (ت 1182ه) ، تحقيق : محمّد عبدالقادر عطا ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1408ه.

37 - السرائر : ابن إدريس الحلّي (ت 598ه) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، ط2 ، 1410ه.

38 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي : ابن إدريس الحلّي (ت 598 ه) ، نشر : جامعة المدرّسين ، قم ، 1410 ه.

39 - سنن أبي داود : محمّد بن عيسى الترمذي (ت 279 ه) ، تحقيق : أحمد محمّدشاكر ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1357ه.

40 - السنن الكبرى : للإمام أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، تحقيق : د. عبدالفتاح البنداري وسيّد كسروي ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1411ه.

41 - السيرة الحلبية : علي بن إبراهيم الحلبي الشافعي (ت 1044ه) ، نشر : المكتبة الإسلامية ، بيروت.

42 - السيرة النبوية : ابن هشام (ت 218 ه) ، تحقيق : مصطفى السقّا وإبراهيم الأبياري ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط3 ، 1421ه.

ص: 302

43 - السيرة النبوية : أبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774ه) ، تحقيق : مصطفى عبدالواحد ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

44 - السيرة النبوية : محمّد بن إسحاق بن يسار (ت 151ه) ، تحقيق : سهيل زكار ، نشر : إسماعيليان ، قم ، 1410ه.

45 - شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656ه) ، تحقيق : محمّد أبوالفضل ، نشر : دار الجيل ، بيروت ، ط1 ، 1407.

46 - صحيح مسلم : مسلم بن الحجّاج النيسابوري (ت 261 ه) ، تحقيق : محمّد ابن فؤاد ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط2 ، 1392ه.

47 - الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) : السيّد جعفر مرتضى العاملي ، نشر : المركز الإسلامي للدراسات ، بيروت ، ط5 ، 1428ه.

48 - الطبقات الكبرى : أبي عبدالله محمّد بن سعد الزهري (ت 230ه) ، نشر : داربيروت ، بيروت ، 1405ه.

49 - فتح الباري : أحمد بن علي بن حجر (ت 852ه) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبدالباقي ، نشر : المطبعة السلفية.

50 - فتوح البلدان : البلاذري ، أحمد بن يحيى ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1398ه.

51 - عمدة عيون صحاح الأخبار : يحيى بن الحسن الأسدي ابن البطريق ، تحقيق : مالك المحمودي وإبراهيم البهادري ، قم ، 1412ه.

52 - الفقه على المذاهب الخمسة : الشيخ محمّد جواد مغنية (ت 1399 ه) ، تحقيق : سامي الغريري ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، قم ، ط1 ، 1422 ه.

53 - قواعد الأحكام : العلاّمة الحلّي ، الحسن بن يوسف (ت 726 ه) ، نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي قم ، 1413ه.

ص: 303

54 - الكافي : محمّد بن يعقوب الكليني (ت 329 ه) ، تحقيق : علي أكبر غفّاري ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ط3 ، 1388ه.

55 - الكامل في اللغة والأدب : لأبي العبّاس المبرّد نشر : دار النهضة ، القاهرة.

56 - كتاب البيع : الإمام الخميني ، تحقيق : مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني ، العروج ، قم ، ط1 ، 1426.

57 - كشف المحجّة لثمرة المهجة : للسيّد علي بن طاووس (ت 664ه) ، نشر : المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، 1370ه.

58 - لسان العرب : جمال الدين محمّد بن مكرم الأنصاري (ت 771ه) ، تصحيح : محمّد عبدالوهّاب ومحمّد صادق العبيدي ، نشر : دار إحياء التراث ، ومؤسّسة التاريخ العربي ، ط3 ، 1419ه.

59 - مجلّة الهداية الإسلامية : ج4 ، م9 ، شوال 1355ه.

60 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت708ه) ، نشر : دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط3 ، 1402 ه.

61 - محاضرات في الوقف : الشيخ محمّد أبو زهرة ، نشر : دار الفكر العربي ، القاهرة ، ط2 ، 1971م.

62 - المحلّى بالآثار : ابن حزم الأندلسي (ت 456 ه) ، تحقيق : د. عبد الغفّار سليمان ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1408ه.

63 - مستدرك الوسائل : المحدّث النوري (ت 1320 ه) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، ط1 ، 1408ه.

64 - مسند أبي عوانه : أبي عوانة ، يعقوب بن إسحاق الإسفرائني (ت 316ه) ، تحقيق : أيمن بن عارف الدمشقي ، نشر : دار المعرفة بيروت ، 1419 ه.

65 - مسند أحمد : أحمد بن محمّد بن حنبل (ت 241 ه) ، نشر : دار صادر ، بيروت.

ص: 304

66 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : أحمد بن محمّد الفيّومي (ت770ه) ، نشر : دار الفكر ، بيروت.

67 - معجم البلدان : ياقوت بن عبدالله الحموي ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1388ه.

68 - المغازي : محمّد بن عمر الواقدي (ت 207 ه) ، نشر : إسماعيليان ، طهران ، إيران.

69 - المغني : ابن قدّامة المقدسي (ت 620 ه) ، تحقيق : عبدالفتّاح الحلو ، نشر : هجر للطباعة والنشر القاهرة ، 1410 ه.

70 - ملحقات العروة الوثقى : السيّد كاظم اليزدي (ت 1337 ه) ، نشر : مكتبة الداوري ، قم.

71 - مناقب آل أبي طالب : محمّد بن علي بن شهرآشوب (ت 588 ه) ، نشر : المطبعة العلمية ، قم.

72 - من لا يحضره الفقيه : الشيخ الصدوق (ت 1381ه) ، تحقيق : علي أكبر غفّاري ، نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ط3 ، 1414ه.

73 - موسوعة التاريخ الإسلامي : الشيخ محمّد هادي اليوسفي ، نشر : مجمع الفكرالإسلامي ، قم ، 1423 ه.

74 - نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخبار : الشيخ محمّد بن علي الشوكاني (ت1225ه) ، نشر : دار الجيل ، بيروت ، 1973م.

75 - وسائل الشيعة : الحرّ العاملي ، محمّد بن الحسن (ت 1104ه) ، تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم ، ط2 ، 1416ه.

76 - الوسيلة الى نيل الفضيلة : محمّد بن عليّ بن حمزة الطوسي (ت 560 ه) ، تحقيق محمّد الحسّون ، نشر : مكتبة السيّد المرعشي ، قم ، 1408 ه.

ص: 305

77 - وفا الوفا بأخبار دار المصطفى : علي بن أحمد السمهودي ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبدالحميد ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط4 ، 1404ه.

78 - وفاة الصدّيقة : السيّد عبدالرزّاق المقرّم (ت 1391 ه) ، تحقيق : صلاح المنجد ، نشر : دار السعادة ، ط1 ، 1959م.

79 - الوقف وأحكامه : محمّد جعفر شمس الدين ، دار الهادي ، ط1 ، 1426ه.

ص: 306

مع الشريف الرضي في ديوانه (1)

المرحوم الشيخ محمّد عليّ اليعقوبي

بسم الله الرحمن الرحیم

المقدمة :

ليس في نيّتنا كتابة ترجمة حياة والدنا المرحوم الشيخ اليعقوبي ومسيرته الخطابية والعلمية والتاريخية والأدبية ، أو نتحدّث عن صلاته الوثيقة بالعلماء الأعلام الذين أجازوه بالرواية عنهم ، وعن مساجلاته ومطارحاته مع العديد من رجال الفكر والأدب في العالمين العربي والإسلامي ، فقد أغنتنا عن ذلك كتب المعاجم والتراجم الحديثة التي كتبت عنه في حياته وبعد وفاته ، ونوَّهت بقابليّاته في مجالات الخطابة والتاريخ ، وعمق البحث ودقّة التحقيق والتنقيب ، ولا البحث عن مؤلّفاته وآثاره

ص: 307

المطبوعة والمخطوطة ، ولكنّنا سنتحدّث - ولو بإيجاز - عن موضوع (صندوق اليعقوبي) المعروف في الأوساط العلمية والتاريخية والأدبية في داخل العراق وخارجه والحافل بالمخطوطات النفيسة والآثار النادرة ، ليتعرّف عليه الجيل الجديد من الكتّاب والأدباء والباحثين ، كما تعرّف عليه الجيل الذي عاصره.

وتعود قصّة معرفة الأوساط العلمية والأدبية ب- : (صندوق اليعقوبي) إلى عام 1938م ، فقد ذكر الأستاذ الكبير جعفر الخليلي في الجزء الثاني من كتابه هكذا عرفتهم عند حديثه عن معرفته بالشيخ اليعقوبي : أنّ الأستاذ توفيق الفكيكي صاحب كتاب الراعي والرعية قال : عندما كنت حاكماً في كربلاء سمعت كثيراً عن نوادر الخزانة اليعقوبية لصاحبها الأستاذ الكبير والشاعر المطبوع الشيخ محمّد علي اليعقوبي ، وبما في (صندوقه) من النفائس الأدبية ، وأكثرها خطّية قديمة وحديثة ، ودفعني حبّ الإطّلاع أن أنزل عليه ضيفاً ، وبعد التماس كثير أطلعني على ذخائر صندوقه ، فرأيت من الواجب في حينه التنويه عن تلك الآثار النادرة.

وأضاف الأستاذ الخليلي قائلاً :

وكان الفكيكي الصديق الوحيد الذي مكّنه اليعقوبي من الاطلاع بنفسه على ما كان يكتنز ويدّخر من نصوص ووثائق تاريخية وأدبية ودواوين شعرية ، انحصر وجودها عند اليعقوبي ، وكان الفكيكي يحثّه على التفرّغ لإخراج هذه الكنوز ونشرها ولو بمقالات يكتبها في الصحف.

ص: 308

فكلّمني الفكيكي في أن يكتب شيئاً في جريدتي الهاتف عن (صندوق اليعقوبي) ، ويكشف غطاءه ، لعلّ في ذلك شيئاً من الحافز الذي يحمله على إخراج بعض ذخائره ونشرها في مقالات إذا لم يتسنّ له إخراجها في كتب.

وأردف الأستاذ الخليلي قائلاً :

وكثرت التعليقات حول (الصندوق) في الهاتف وحكم الشيخ جعفر النقدي (وكان أديباً وقاضياً في حينه) بوجوب فتح الصندوق ، ونشر مافيه على الملأ ، وقد أفاد قرّاءه الأدباء بنشر تلك المقالات والتعليقات والدعابات ، وكان منها تعليق شعري لليعقوبي نفسه عن الفكيكي ، وعن دعوته لكسر صندوقه فقال :

قالوا أذاع الذي ما زلت تخبؤه

(توفيق) قلت لهم من حسن توفيقي

وجاء يبحث عن (صندوق) مكتبتي

وإن في الصدر عندي ألف صندوق

وقد صدق اليعقوبي - والقول للخليلي - فإنَّ في صدره ألف صندوق ، ومنذ ذلك اليوم انكشف غطاء الصندوق ، وطلع اليعقوبي على قرّاء الهاتف بعدد من المقالات عن بعض الشعراء الذين أغفل ذكرهم التاريخ ، والذين لم يستطع أحد أن يعرفهم لولا اليعقوبي ، الذي انحصرت عنده وحده أخبارهم وآثارهم.

ص: 309

وقد خلّف الشيخ اليعقوبي خلال حياته مجموعة من آثاره ومؤلّفاته التي تشهد بتتبّعه العلمي والأدبي ، وتعمّقه في البحث والتحقيق والتنقيب ، وقدأصدر في حياته العديد من دواوين الشعراء بعد أن بذل جهوداً مضنية في تحقيقها وتنسيقها والتعليق عليها وسرد الحوادث التأريخية فيها ومنها - على سبيل الحصر لا التفصيل - المقصورة العليّة في السيرة العلوية ، عنوان المصائب في مقتل الإمام علي (ع) ، الذخائر ، البابليات ، الجعفريات ، ديوان شعره ، ديوان جهاد المغرب العربي ، ديوان الشيخ عبد الحسين شكر ، ديوان الشيخ عباس الملا علي ، ديوان الشيخ يعقوب الحاج جعفر (والد المؤلف) ديوان الشيخ محمّد حسن أبي المحاسن الكربلائي ، ديوان الشيخ صالح الكوّاز ، ديوان الحاج حسن القيّم ، ونقد كتاب شعراء الحلة وقد أصدرنا عام 2003م كتابه نقد كتاب شعراء الغري بعد تحقيقه والتقديم له.

أمّا آثاره المخطوطة فهي جامع براثا ، مؤخذات وتعليقات على كلّ من : معجم البلدان للحموي ، وفيات الأعيان لابن خلكان ، أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين العاملي ، عبقرية الشريف الرضي للدكتور زكي مبارك ، ديوان مهيار الديلمي ، ديوان سبط بن التعاويذي ، ديوان الصاحب بن عباد ، ديوان دعبل الخزاعي ، ديوان السيّد محمّد سعيد الحبوبي ، ديوان الشيخ كاظم الأزري ، ديوان الشيخ صالح التميمي ، ديوان شعره - الجزء الثاني - مع الشريف الرضي في ديوانه ، وغيرها ممّا لا مجال لحصرها الآن

ص: 310

وقد نظمنا لها فهارس بأسماء مؤلّفيها والقائمين بخطّها وتاريخها ومواضيعها لغرض تسهيل مراجعة الأدباء والباحثين لها والإستفادة منها خدمة للعلم والتأريخ والأدب.

وقد وردت تفاصيل وافية عن هذه الآثار المطبوعة والمخطوطة في العديد من كتب التراجم ومنها كتاب لمحات من حياة الشيخ اليعقوبي الذي أصدرته جمعية الرابطة الأدبية في الذكرى الأربعينية لوفاته.

ومنها كتاب الشيخ محمّد علي اليعقوبي دراسة في تراثه الفكري لمؤلّفه حفيده الأستاذ حمّود محسن اليعقوبي الذي تمكّن من الإطلاع على تلك الآثار واستنساخ بعضها وتصويرها ونشرها في كتابه ، وكتب بدقّة وتفصيل عمّا تضمّنته في شتّى المواضيع.

ومن المستحسن أن نبيّن للقرّاء الكرام بأنّنا لا نريد التحدّث عن حياة السيّد الشريف الرضي وتفاصيلها وتحليلها ، فهو علم من الأعلام وشاعر فذّ معروف في اللغة العربية ويتردّد اسمه حتّى في اللغات الأوربية ، ولم تخل كتب المعاجم والتراجم القديمة والحديثة من ترجمة حياته وسيرته وشاعريته ، وهو أشعر شعراء عصره على الإطلاق ، وطبّقت شهرته الآفاق ، وشاعريّته قائمة بذاتها لا تحتاج إلى دليل ، فهو غنيٌّ عن التعريف ، وهو الذي قال الثعالبي في كتابه يتيمة الدهر فيه وفي أخيه السيّد المرتضى علم الهدى : «المرتضى أعلم أهل زمانه لولا الرضي ، والرضي أشعر أهل زمانه لولاالمرتضى فكلاهما عالمان شاعران».

ص: 311

ونحن نعتقد بأنّ روّاد العلم والثقافة والأدباء والباحثين سيجدون عندقراءتهم ومراجعاتهم بتدبّر ورويّة هذه المقالة (مع الشريف الرضي في ديوانه) بأنّهم ينفذون بمشاعرهم إلى عصر السيّد الشريف ، وكأنّهم حاضرون بأجسادهم وأرواحهم في (مجلس ديوانه) وهم يشاهدون هيبته ووقاره ، ويتمتّعوا بسيرته وشاعريّته الفيّاضة وخاصّة (حسينيّاته وحجازيّاته) ، ويتعرّفون على ما انتحل من قصائده المثبّتة بديوانه ونسبت لغيره وما نسب إليه من القصائد وهي لغيره من الشعراء ومثبّتة في دواوينهم وفي كتب الأدب والتراجم ، وما أخذه السيّد الشريف من المعاني ممّن سبقه من الشعراء ، وما أخذه منه بعض الشعراء المتأخّرين عن عصره.

وهذا - حسب اعتقادنا - وحسبما سيحكم به القرّاء الكرام ، لم يتطرّق إليه أحد قبل الشيخ اليعقوبي من المؤلّفين والنقّاد والباحثين ، الذين كتبوا دراسات مستفيضة عن السيّد الرضي ، وتحدّثوا بإسهاب عن شخصيّته الفذّة من جوانبها المتعدّدة المترامية الأطراف ، ولم يتسنَّ لهم سوى تراجم تفصيلية لحياته ، وذكر نماذج من شعره وتحليله وشرحه والتعليق عليه.

وقد ارتأينا ونحن الآن بصدد نشر هذه المقالة للشيخ اليعقوبي (مع الشريف الرضي في ديوانه) وإخراجها إلى النور ، أن لا نكتب نحن عن قابليّاته الخطابية والتأريخية والأدبية والنقدية ، وإنّما تركنا الحديث عن ذلك ولو بصورة وجيزة ونزر يسير - إلى فطاحل العلماء والأدباء والباحثين الذين أوردوا ما كتبوه عنه في مؤلّفاتهم ومعاجمهم ، أو الذين شاركوا

ص: 312

بقصائدهم ومقالاتهم وأبحاثهم في الاحتفال الأربعيني المهيب الذي انعقد له في (جامع الهندي) بالنجف الأشرف ، وما نشرت لهم ما جادت به قرائحهم أو ما كتبته أقلامهم مجلة الإيمان بعددها الخاصّ بالشيخ اليعقوبي وبعدد صفحاته التي ناهزت الأربعمائة صفحة والصادر عام 1386ه- - 1966م ، وكان صاحبها ومديرها المسؤول نجله المرحوم الخطيب الأديب الشيخ موسى اليعقوبي قد حاول ببذل جهود مضنية لإخراج هذه المقالة وطبعها في حياته في كتاب ، ولكنَّ رحيله إلى جوار ربّه حال دون ما تمنّاه وعاقه عمّا توخّاه.

ونحن نورد الآن - كما ذكرنا آنفاً - النزر اليسير من كتاباتهم وأبحاثهم فيمايخصّ قابليّات الشيخ اليعقوبي - عدى جوانب حياته وسيرته المتعدّدة - في الكشف عن أوثق المصادر النادرة والآثار النفيسة ، ودقّته في كتابة التراجم وضبط تحقيقها ، وتعمّقه في البحث والتنقيب.

فقد قال العلاّمة الإمام المصلح الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء في تصديره للجزء الأوّل من كتاب البابليات للشيخ اليعقوبي عام 1370ه- - 1951م ما نصّه :

«وكم كنت أتمنّى وأودّ أن يبعث الله جلّ شأنه من يتصدّى لنوابغ أدباء الفيحاء ، ومن برز فيها من الشعراء ، فيجمع في مؤلّف واحد شتاتهم وينشر رفاتهم ويحيي مرّة ثانية أمواتهم ، حتّى قيّض الله لهذه المهمّة صاحب الهمّة ، خيرة الخطباء وذخيرة الأدباء ، الأستاذ الألمعي الشيخ محمّد

ص: 313

علي اليعقوبي ، فهو ابن بجدتها وفارس حلبتها وعرابة رايتها(1) ، وفي كتابه هذا قدأتحف المكتبة العربية بتحفة هي خير ما أنتجه هذا العصر من نوعه ، وسيبقى أثراً خالداً تشكره عليه الأجيال الآتية كما شكرته الأجيال الماضية والقرون الخالية».

وقال أيضاً في إجازته له بالرواية : «الخطيب الأديب زين المنابر وعين أولي البصائر وجامع أخبار الأوائل والأواخر الشيخ محمّد علي اليعقوبي».

وجاء في رسالة بعث بها إليه من لبنان العلاّمة الجليل الشيخ محمّد جوادمغنية طالباً منه تزويده ببعض المصادر ليجعلها مادّة لأحد مؤلّفاته عام 1955م ولا زالت الرسالة محفوظة لدينا بخطّه : «ولمّا أعوزتني المصادر ، وأعلم أنّكم المرجع في مثل هذا الأمر ، أكتب إليكم راجياً أن تختاروا لي قسماً صالحاً من شعر الشعراء النجفيّين في هذا الموضوع يكون مادّة له ، وهوسبحانه المسؤول أن يحفظكم للإسلام والمسلمين».

وورد في كتاب معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام مج3 ص 1367 ط2 عام 1413ه- - 1992م للدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني عن الشيخ اليعقوبي قوله : ين

ص: 314


1- عرابة بن أوس الأنصاري من سادات المدينة وأجوادها أسلم صغيراً وتوفّي بالمدينة سنة 60ه- وفيه يقول الشمّاخ المرِّي : إذا ما راية رفعت لمجد تلقّاها عرابة باليمين

«قاموس الأدب ولسان العرب ، وأحد أمراء الشعر والخطابة والتحقيق والتتبع ، وعلاّمة في التأريخ ، نشرت له في الصحف دراسات قيّمة وبحوث تأريخية ومواضيع أدبية ، ولديه خزانة كتب عامرة بالنفائس ، والشيء الكثير من التراث العربي الأدبي ، والدواوين الخطيّة النادرة».

وقال الأستاذ عبد القادر البرّاك ضمن كلمته التي نعى فيها الشيخ اليعقوبي ونشرها في جريدته البلد البغدادية في اليوم الثاني لرحيله إلى جوارربّه :

«وهو في حقول البحث والتنقيب وإحياء آثار السلف ، كان العامل الدائب الذي جمع من المخطوطات في (صندوقه) المعروف كلَّ ما عزّ وندر ، فكان المصدر الذي استقى منه الكتاب والباحثون ما كتبوه وحقّقوه عن آثار فكرية وأدبية غبر عليها الزمن ، وقد توفّرت لديه جملة صالحة من كتب الأدب ودواوين الشعر ، فحقّقها التحقيق الوافي ، وأخرجها مهذّبة منقّحة تعجب الرائين والقارئين».

وقال الأستاذ الكبير جعفر الخليلي في ج2 من كتابه هكذا عرفتهم ص161 - 164 :

«وكما عرف الشيخ محمّد علي اليعقوبي شاعراً أديباً وخطيباً مصقعاً ، فقدعرف مؤرّخاً محقّقاً يتتبّع النصوص الأدبية ويأخذها من مصادرها ، وقد ولدهذا الميل فيه وهو ناشي في الحلّة يتولّى ثقافته أبوه الشيخ يعقوب الحلّي ويوجّهه السيّد محمّد القزويني ، وقد دفعته هذه الملكة بأن يستكتب

ص: 315

الكثير من رجال العلم والأدب ، ويجمع أخبارهم وآثارهم العلمية والأدبية ، وأغلبها مكتوب بخطوطهم ، حتّى انحصرت عنده مصادر ذات قيمة تاريخية كبيرة ، يعود الفضل لجمعها وتحقيقها وشرحها إليه وحده ، وقد كان حريصاً عليها كلَّ الحرص ، فلا يعير منها شيئاً لأحد ، ولا يمكّن الأيدي أن تلعب بها ، ولكنّه كان سخيّاً كلَّ السخاء في مساعدة المتتبّعين والمحقّقين ، فيمكّنهم من التتبّع فيما كان يمليه عليهم مما يستخرجه من دفاتره المخطوطة ، وما يستظهره من محفوظاته.

وكثيرون أولئك الذين استعانوا به من العراق أو الأقطار العربية والإسلامية في مشكلاتهم التأريخية أو أطروحاتهم الإسلامية والأدبية فأفادوا منه.

وهناك مزية أخرى خصّت الشيخ اليعقوبي في تبحّره في اللغة ، وإحاطته التامّة بتاريخ الإسلام وإلمامه الواسع بالأدب العربي ، حتّى لقد كاد أن يستوعب الكامل للمبرّد كلّه عن ظهر قلب وحتّى لقد حفظ مغني اللبيب ذاك في تأريخ الأدب وهذا في قواعد اللغة».

وجاء في كتاب الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره - مع ديوانه المخطوط - ص 25 - 32 الصادر عام 1995م وهو من منشورات (مركز البحوث العربية الإسلامية) في كندا للدكتور السيّد عبد الصاحب الموسوي ما نصّه :

«وإذا كان بعض من أرّخ أحداث أمّتنا الإسلامية والعربية قد خرج

ص: 316

علينا بدراسات سطحية جانبت الدقّة وحسن التمحيص ، أو خضعت لعواطف وميول شخصية على حساب الحقيقة والواقع ، فإنّ شاعرنا الباحث المؤرّخ يعدّ من أولئك القلّة الذين تميَّزوا بعمق البحث وأصالته وبسعة الأفق ، ودقّة الملاحظة».

وبعد أن استعرض بعض النماذج من ملاحظات الشيخ اليعقوبي ومؤاخذاته على قسم من كتب التراجم والمعاجم - نقلاً عن كتابه البابليات - تبياناً لسعة إطلاعه ، وإيضاحاً لدقة بحثه وتمحيصه ، أردف الدكتور الموسوي قائلاً :

«ولا يسع قاري البابليات إلاّ أن يعترف لليعقوبي بالأناة والدقّة في البحث ، فهو محقّق صبور حين يكشف عن هفوات السابقين ، كما هو محقّق متثبّت حين يردّد في كتابته كلمات مثل (شاهدت - سمعت - حدّثني - أطلعني) وفوق ذلك كلّه نراه حريصاً على التنقيب بين الآثار الدارسة ، للتأكّد من ميلاد أو وفاة بعض الذين يعنى بترجمة حياتهم ، وهذا يشير إلى طول باعه وسعة اطلاعه في الأدب وتاريخه ...

والآن وبعد أن أوردنا آنفاً ما كتب وما قيل عن الشيخ اليعقوبي في بعض كتب الأدب والتراجم في حياته وبعد رحيله إلى جوار ربّه - بخصوص تضلّعه في الأدب وتأريخه وتتبّعه في مجالات البحث والتأليف والتحقيق والتنقيب - نستعرض قسماً ممّا نشر في العدد الخاصّ من مجلّة الإيمان الصادر عام 1386ه- - 1966م من المقالات والأبحاث المتعلّقة بهذا

ص: 317

الشأن من قبل أقطاب العلم والتاريخ وأعلام الفكر والأدب.

قال العلاّمة الدكتور السيّد محمّد بحر العلوم ضمن كلمته الإفتتاحية للعدد الخاصّ من مجلّة الإيمان :

«الفقيد الجليل أديب كبير وموسوعيٌّ عامٌّ ، يمكن أن ندّعي بأنّه أحاط بأغلب كتب الأدب وتاريخه - القديمة منها خاصّة - مع تفهّم وإدراك واسعين ، وتتبّع لدواوين العرب وشعرائهم ، مع حفظ وتحقيق لعصورهم وبيئاتهم التي عاشوها ، الأمر الذي ميَّزه عن غيره بميّزات خاصّة أفردته عن سائر الأدباء وأعطته حقّ الأولوية فيهم ، وقد انعكس كلّ هذا على آثاره الأدبية التي أصدرها طيلة حياته ، والتي حملت - بفخر واعتزاز - الكثير من تحقيقاته الواسعة ، وملاحظاته القيّمة ، ممّا زادت من قيمتها وأهمّيتها العلمية والأدبية».

وجاء في كلمة الأستاذ الدكتور عبد الرزّاق محي الدين - نائب رئيس المجمع العلمي العراقي في حينه والتي ألقاها في الاحتفال المهيب المقام لتأبينه بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاته قوله :

«لقد التقت في شخصية العلاّمة اليعقوبي شخصيّات ، كلّ واحدة منها تكفي أن تقيم لصاحبها وجوداً ، وأن تعليه وتضعه في المكان المرموق ، واجتمع له من المواهب ما لو تفرّد بها لأغنته عن سواها حين تذكر مواهب الرجال وحين يصنّف الأعلام البارزون بحسب ما لهم من مواهب وفضائل واختصاص.

ص: 318

وكان نسّابة للآثار الشعرية ، يمسك بالمجموعة الغُفل فينسب القصائد فيها إلى أصحابها من مختلف العصور ، ويأخذ على المؤلّفين والباحثين ما وقعوا فيه من تجاوز في نسبة القصائد إلى غير أصحابها ، والأبيات والمقطعات إلى غير قائليها.

وكذلك أمره في ضبط تواريخ الرجال والحوادث ، ولعلّه في هذه الصفة أيضاً فذاَ متفرّداً بين من عرفت من المعاصرين».

وقال فيه العلاّمة السيّد هادي فيّاض - رئيس جمعية منتدى النشر في عصره - ضمن كلمة له :

«ولم يكن الشيخ اليعقوبي الخطيب المجدّد فحسب ، بل تعدَّى ذلك إلى المحقّق الثبت ، والأديب البارع ، وكانت له في المجالات العلمية والأدبية طاقات فائقة ، كانت مصدر نشاطه في النشر والتأليف والإصلاح والبناء والتطوير.

وكان لتحقيقاته التاريخية وضبطه الأدبي ما يشير إلى أنّ التحقيق فنٌّ لم يكن سهل الإنقياد إلاّ لذوي الاستعداد والمواهب ، ولمن يطفح (صندوقه) بمكتبات ثقافية تتعدّى حدود الأديب إلى مرحلة العالم المحيط المدرك».

وأردف العلاّمة (فيّاض) واصفاً ما شاهده من الشيخ اليعقوبي في إحدى المناسبات :

«وإنّي إن نسيت فلا أنسى له (ره) موقفاً أدبيّاً لا يزال أثره الكبير في

ص: 319

نفسي وصداه العظيم في أذني ، حيث البراعة الأدبية غير المحدودة ، بما فيهامراعاة القاعدة البلاغية المعروفة (ملاحظة مقتضى الحال) فقد اعتاد منتدى النشر أن يقيم احتفالاً تأبينياً لسيد الشهداء عليه السلاميشترك به عدد من العلماء والأدباء ، وصادف أن حضر الحفل (وفد مصريّ) من شخصيّات مرموقة في عالمي العلم والأدب ، فقد فوجىء الشيخ اليعقوبي - بطلب من الجمعية - بأن يختم الحفل بشيء من ذكر واقعة الطفّ ، فاستهلّ كلامه بعدّة أبيات للمرحوم السيّد حيدر الحلّي في رثاء سيّد الشهداء أنشدها بطريقته الخاصّة في إنشاد الشعر ، ثمّ أعقب ذلك بشرح الأبيات وتحليلها ، ثم بالمقارنة بينها وبين ما قاله غيره من القدامى والمتأخّرين في المناسبة نفسها ، مع ملاحظة الوزن والقافية ، ولم يكتف بذلك بل تعدَّى إلى المقارنة بينها وبين ما قاله غيره من جاهليّين ومخضرمين وأمويّين وعباسيّين في شخصيات أخرى لها في نفوس أولئك الشعراء مكانة - تشبه عندهم - ما للحسين عليه السلام من قدسية وتعظيم في نفس السيّد الحلّي وغيره من فحول شعراء الشيعة ، مراعياً في النماذج التي ذكرها نفس الرويِّ والقافية ، ممّا أدهش به الحاضرين من نجفيّين ومصريّين ، حيث تجلَّت له سلامة التعبير وسعة الإطّلاع ، وإحاطة بالتأريخ ، وإمكانية عظيمة في الأدب والإرتجال ، فكان فيما قاله مثلاً أعلى للأدب النجفي والحسيني معاً ، كما كان هو في الحفل مسك الختام».

وقال الأديب الشاعر المجدّد صالح الجعفري أحد أبرز مؤسّسي

ص: 320

(جمعية الرابطة الأدبية) وأستاذ الأدب العربي في مدارس النجف الأشرف :

«يعزّ عليَّ والله أن أقف مقامي هذا الحزين الكئيب لتأبين عميدنا الكبير ، أستاذنا الجليل ، شاعرنا المطبوع ، كاتبنا الملهم ، مؤلّفنا المحقّق ، ومؤرّخنا المدقّق ، وكان يقوِّم المعوجَّ باعتداله ، ويردّ الزائغ عن ضلاله».

وقال الأستاذ الدكتور أحمد حسن الرحيم الأستاذ في كلّية التربية ببغداد :

وقد عمل الفقيد العزيز بجهد دائب ونظر ثاقب ، فجمع تراثاً ثميناً لعددغفير من أدباء النجف والحلّة ، وترجم لهم بدقّة وعناية ، وذكر لهم من أحداث التأريخ وشواهد الشعر والأدب ما يحتاج إليه الدارس والباحث الأدبي والتاريخي ، فظهر بهذه الإلتفاتة العميقة وجمع هذا التراث القيّم ما للفقيدمن حرص على العلم ، ودأب في التحرّي ، ودقّة في الرواية ، ورغبة في خدمة التاريخ والأدب».

وقال العلاّمة الشيخ عبد الواحد الأنصاري - قاضي بغداد في عصره :

«فإذا حدّثك عن التاريخ ووقائع الأيّام وحوادث الزمن حملك إلى أعماق التاريخ إلى حيث وقائعه وحوادثه ، وصيَّرك من أحد شهودها ، ولمسك أتراحها وأفراحها ، عزّها وذلّها ، بؤسها وشقاءها ، وإذا حدّثك عن الأدب والأدباء قادك إلى مجلس أعلامه ونوادي نوابغه ، وأجلسك حيث أنت في أوساطها ، حتّى تخال نفسك بين يدي (المرتضى) أو بحضرة (الرضي)أو في جناب (ابن عبّاد) أو في ديوان (الجاحظ).

ص: 321

وكان يحفظ التأريخ ، ويميّز بين صوابه وخطأه ويعرف صادقه من مكذوبه ، يستخلص من ثناياه وسطوره الصحيح منه ويفضح الكاذب منه والمدسوس فيه ، ويستكشف عن أغراض الكاذبين والدسّاسين».

وقال عنه العلاّمة الجليل السيّد نور الدين شرف الدين - عضو محكمة التمييز العليا في لبنان في حينه :

«كان الشيخ اليعقوبي مفخرة من مفاخر عصرنا في دينه وتقواه ، في علمه الجمّ وأدبه الرفيع ، وخبرته الواسعة في التأريخ وقضاياه ومسيره ، وأخبارالشعراء والأدباء ، ومعرفته بطبقات الرجال وأحوالهم ، ومراتبهم في حياتهم الاجتماعية ، وكان مرجعاً في ذلك كلّه - وقوله الفصل ، وحكمه العدل - فإنّه لا يصدر عنه القول إلاّ عن معرفة وتمحيص ، وتدبّر ورويّة ، وبرهان ساطع ، ودليل قاطع ، ومن كان على شاكلته قمّة شامخة في الأدب والبيان.

وخلاصة القول : إنَّ الفقيد الجليل اليعقوبي الخالد ثروة فكرية ثمينة ، وله سجلٌّ ناصع في تاريخ الرجال المرموقين».

وقال العلاّمة الشيخ محمّد الكرمي - لبنان -.

«وأمّا قلمه في التأليف فمحقّق ثبت ، ينقل عن خبرة ، ولا ينقل شتات الأقوال من مفترقات الطرق كما يفعل المتسرّعون من المؤلّفين ، وقد تميّز بهذه الصفة في كتابه البابليات وفيما كتبه على أعيان الشيعة».

وجاء في البحث الذي كتبه الأستاذ الدكتور محمود المظفّر - عضو

ص: 322

جمعية منتدى النشر - ما نصّه :

«وقد كان شيخنا اليعقوبي من أولئك القلّة الذين تميّزوا بعمق البحث وأصالته ، وبسعة الأفق ودقّة الملاحظة ، حتّى طغى - فيما أرى - هذا الجانب من مميّزاته على جوانبه الأخرى التي ربما اشتهر بها أكثر من سواها كالخطابةوالشاعرية مثلاً.

ومن المفيد بنا هنا أن نتذكّر أنَّ البعض ممّن رأيناهم قد أرخوا أحداث أمّتنا الإسلامية والعربية واستعرضوا بعض أدوارها وأشخاصها قدأرّخوها وأثبتوها بشكل تبرز فيه السطحية ، ومجانبة الدقّة والتمحيص ، مع مايعرف عن بعضهم من الإنقياد لعواطفهم وميولهم على حساب الحقيقةوالواقع.

ولذلك - ومن هنا - فقد أصبحنا اليوم بمسيس الحاجة إلى من يعنى بتمحيص أو تعرية ما دوَّنه هؤلاء المؤرّخون السطحيّون ، ومن يتخطّى هذه المسالك السطحية البعيدة عن العمق والأصالة إلى انتهاج المسالك النافذة القائمة على الدقّة والتحليل.

وقد لمست شخصيّاً في الشيخ اليعقوبي رحمه الله هذا اللون من المسالك النافذة الناقدة التي تعنى فيما يعرض لها بالنقد والتحليل ، وبتمحيص الوقائع وردِّها إلى واقعها الأصيل.

وكم زرته مستفهماً عن بعض المسائل التي تعنّ لي ، فأجد عنده الحلّ الشافي والجواب الصواب ، وقد زاد إعجابي به حين قرأت عليه مرّة

ص: 323

وأنا في زورة له أبياتاً منسوبة لمن كنت قد عنيت بترجمتهم وقد وجدتها في بعض الكتب ، فإذا به يصحّح - بلباقة هذه النسبة ويرجعها إلى قائلها الأصيل ، ثمّ يدعم رأيه - وهذا موضع الإعجاب - بشواهد تأريخية وأدبية متعدّدة استنبطها من الكتاب نفسه الذي نسب تلك الأبيات خطأ إلى غير صاحبها.

ولعلّ من يقرأ للشيخ اليعقوبي مؤلّفاته المطبوعة وخاصّة البابليّات أو يطلّع على مؤلّفاته المخطوطة يلمس فيها موهبة الرويَّة والأناة في تسجيل الوقائع ونسبة النصوص وتمحيصها ، ومبلغ حرصه على التنقيب والبحث والملاحظة ، وذلك لكشفه فيها عن مواطن الغفلة والزلل التي وقع فيها الكثير من الباحثين في مؤلّفاتهم أو مجاميعهم.

ومن أبرز مؤلّفاته التي عنيناها مع الشريف الرضي في ديوانه وتعليقات ومؤاخذات على العديد من المعاجم الأدبية ودواوين الشعراء من المتقدّمين والمتأخّرين.

وإذا قدِّر لهذه المؤلّفات أن تخرج من (صندوق اليعقوبي) الحافل بالعلم والأدب فإنها ستضيف (رصيداً) آخر إلى رصيده في المطبوعات العربية».

وقال عنه الكاتب الكبير الأستاذ عبد الرزّاق الهلالي مؤلّف الكتاب الشهير زكي مبارك في العراق :

«وهو في تآليفه وتصانيفه ، العامل الدائب ، والباحث الذي لا يكلّ ،

ص: 324

والدارس النهم ، لا يكاد يفرغ من تأليف كتاب أو تصنيف ديوان أو تحقيق مخطوط ، أو التعليق على مطبوع ، حتّى ينصرف ثانية في طلب صيد جديد ، يجمع ما يصطاد من صادق الأخبار ونادر الآثار ، في شتّى صنوف المعرفة ليحفظه في (صندوقه) المعروف الذي بات في دنيا التحقيق والتدقيق مثال (الخزانة) الغنية بجواهرها النادرة وحليّها النفيسة».

وقال عنه الأستاذ المحامي توفيق الفكيكي مؤلّف كتاب الراعي والرعية :

«لقد صنّف رحمه الله تعالى أحسن التصانيف ، وألّف خير المؤلّفات ، وحرَّر في أشهر الصحف والمجلاّت ، وبحث ونقّب ، وحقّق الكثير من المخطوطات المنسية ، ولطالما أفاد الباحثين وأنار الطالبين ، بلا كلل ولا ضجر ، فكان رضوان الله عليه - كما وصفته - مكتبة سيّارة وموسوعة جامعية نادرة في الأدب والتأريخ والنقد العلمي ، فهو مدرسة وحده».

ومن الطريف أن أورد هنا مضمون موقف شاهدته بين الشيخ الوالد وبين شاعر الجيل الأستاذ الكبير محمّد مهدي الجواهري في أوائل عقد الستّينات من القرن الماضي في بغداد ، وكان الشيخ الوالد إذا دعي لإلقاء بعض المحاضرات فيها ليلاً فلا يفوته التنقّل صباحاً بين مكتبات شارع المتنبّي ومكتبة المتحف العراقي وكان يتواجد فيها بين الفينة والفينة صديقه العلاّمة الكبير الشيخ محمّد رضا الشبيبي وغيره من كبار الأدباء والباحثين ،

ص: 325

وفي صباح أحد الأيام وبينما كان يتجوّل كعادته في الشارع المذكور إذ أقبل متّجهاً إليه من الرصيف المقابل الأستاذ الجواهري وعانقه عناقاً أخويّاً حارّاً - بعد فراق طويل - فبادره الشيخ الوالد بقوله : أهلاً ومرحباً ب- : (أبي فرات) ووضع كفّه على رأسه متسائلاً : أرى الشيب قد علاك قبل أوانه وأنت أصغر منّي سناً ، فأجابه الجواهري : أنت تعلم بأنّ الحوادث والوقائع والمصاعب التي تعرّضنا لها أثناء الغربة عن الوطن وهي التي عجّلت بمشيبنا قبل الأوان ، وقد نظمت هذا المعنى في قصيدتي العينية ، ولا أعتقد بأنّ أحداً من الشعراء قد سبقني إليه وتلا هذا البيت :

ومستنكر شيباً قبيل أوانه

أقول له هذا غبار الوقائع

فبادره قائلاً : أحسنت يا (أبا فرات) إنّه جميل ورصين ، ولكنّ هذا المعنى قد نظمه العديد من الشعراء المتقدّمين ، ألم تطَّلع على ديوان الشريف الرضي وعبد الله بن المعتزّ ، فقال : بلى ، ولعلَّني لم أطّلع على هذا المعنى من خلال قراءتي لهما ، فبدأ الشيخ الوالد بقراءة بيت السيّد الرضي :

وما شبتُ من طول السنين وإنّما

غبار حروب الدهر غطّى سواديا

واستطرد قائلاً : وقد أخذ السيّد الشريف معناه من قول عبد الله بن المعتز :

قالت كبرت وشبت قلتُ لها

هذا غبار وقائع الدهرِ

وأضاف الشيخ الوالد قائلاً : يا (أبا فرات) والأصل في هذا المعنى وردفي بيت لشاعر سبقهما في عصره وهو أبو الطفيل عامر بن وائلة من

ص: 326

أبيات له :

وما شاب رأسي من سنين تتابعت

عليَّ ولكن شيّبتني الوقائع

فما كان من الأستاذ الجواهري إلاّ أن بادره بقوله : بارك الله فيك على هذه الحافظة وسعة اطلاعك على دواوين الشعراء ، وهذا لا يتسنّى إلاّ لأمثالك ممّن منحهم الله هذه الموهبة.

وختاماً وبعد أن استعرضنا آنفاً ما كتب عنه العلماء الأعلام وفطاحل الكتَّاب والأدباء والباحثين فيما يخصّ قابليّاته التأريخية والأدبية والنقدية بغضّ النظر عن ترجمة حياته وسيرته المتعدّدة الجوانب ، فإنّ آمالنا وطيدة ورغبتنا أكيدة بأن يمنَّ الله جلَّ شأنه علينا بعنايته ورعايته لإخراج بعض ما يكتنزه (صندوقه) من مخطوطات نفيسة وآثار نادرة ، بعد تنسيقها وتحقيقها ، وهو المسدّد والمؤيّد.

صادق محمّد علي اليعقوبي

ص: 327

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الأوّل

في الشعر المنحول من ديوان الشريف الرضي

- 1 -

ومن ذلك ما اتّفق لتقيّ الدين علي بن حجّة الحموي في شرحه على بديعيّته المسمّى خزانة الأدب (ص410) في باب (حسن الاتّباع) فإنّه ذكرأبياتاً لأبن الرومي وهي :

تخذتكمُ درعاً حصيناً لتدفعوا

نبال العدا عنكم فكنتم نصالها

فإن كنتمُ لا تحفظون مودَّتي

زماناً فكونوا لا عليها ولا لها

قفوا وقفة المعذور عنِّي بمعزل

وخلُّوا نبالي للعدا ونبالها

ثمّ قال : فأحسن ابن سنان الخفاجي اتّباعه بقوله :

أعددتكم لدفاع كلِّ ملمَّة

عوناً فكنتم عون كلِّ ملمَّةِ

وتخذتكم لي جنَّةً فكأنّما

نظر العدوُّ مقاتلي من جُنَّتي

فلأنفضنَّ يديَّ يأساً منكم

نفض الأنامل من تراب الميِّت

وقرأت في الجزء الرابع من معاهد التنصيص (ص30) للشيخ عبد الرحيم العبّاسي المتوفّى (963ه) في شواهد (حسن الاتباع) أيضاً أبيات ابن

ص: 328

الرومي المتقدّمة وقال بعدها فأحسن ابن سناء الملك اتّباعه بقوله : أعددتكم لدفاع كلِّ ملمّة ... إلى آخر الأبيات الثلاثة.

والعجب من هذين الأديبين اللذين لم تزل مؤلّفاتهما من أهمّ المصادر والمآخذ في الأدب والمعاني والبيان كيف وقعا في مثل هذا الخطأ ، فنسب الأوّل الأبيات التائية الثلاثة للخفاجي ، والثاني نسبها لابن سناء الملك ، وهي لا لهذا ولا لذاك وإنّما هي من قصيدة تناهز ال- (25)

بيتاًللشريف الرضي مثبتة في حرف التاء من ديوانه قالها عند خروجه إلى واسط لتلقِّي والده وقد عاد من فارس عام (395ه) أوّلها :

قد قلت للنفس الشعاع أضمُّها

كم ذا القراع لكلِّ باب مُصمتِ

ومنها :

قل للذين بلوتهم فوجدتهم

آلا وغير الآل ينقع غُلّتي

تأبى الثمار بأن تكون كريمة

وفروع دوحتها لئام المنبتِ

فلأرحلنَّ رحيل لا متلهّف

لفراقكم أبداً ولا متلفّت

يا ضيعة الأمل الذي وجّهته

طمعاً إلى الأقوام بل يا ضيعتي

وإنّ ابن سنان إبراهيم الخفاجي ولد في الأندلس عام (450ه) بعد وفاة الرضي ببضع وأربعين سنة وتوفّي عام (533ه) ، وكذلك ابن سناء الملك هبة الله السعدي مصريّ المولد والوفاة ، فقد ولد عام (550ه) وتوفّي عام(608ه) أي بعد وفاة الرضي ب- : (204) سنين ، فكيف تصحّ نسبة الأبيات لواحد منهما وهي مثبتة بديوان الشريف الرضي الذي دوِّن في

ص: 329

حياته في أخريات القرن الرابع.

ومن المتأخّرين صاحب كتاب نفحة اليمن فإنّه اعتمد على الأوّل منهما فنسبها للخفاجي (ص 102) من كتابه المذكور.

- 2 -

وفي كشكول الشيخ البهائي رحمه الله (ص 200) أورد هذين البيتين بعنوان : (للسيّد المرتضى رضي الله عنه) :

من أجل هذا الناس أبعدت المدى

ورضيت أن أبقى ومالي صاحب (1)

إن كان فقر فالقريب مباعدٌ

أو كان مال فالبعيد مقارب

والبيتان من قصيدة طويلة تناهز ال- (70) بيتاً لأخيه الشريف الرضي يمدح فيها والده الطاهر وهي مثبّتة في حرف الباء من ديوانه ومطلعها :

مثواي أمّا صهوة أو غارب

ومناي أمّا راعف أو قاضب

- 3 -

وفي مقدّمة القسم الأوّل من ديوان الشريف المرتضى بقلم الدكتور ى.

ص: 330


1- وفي ديوان الرضي (الهوى) بدل المدى.

البحاثة الجليل مصطفى جواد الذي طبع حديثاً في مصر عام (1958م) بتحقيق المحامي الأستاذ رشيد الصفّار (ص 22) وقد نقل الدكتور نصّ ما ترجمه فيه كمال الدين عبد الرزّاق بن الفوطي في كتابه تلخيص معجم الألقاب إلى أن قال : ومن شعره - أي المرتضى -

وحزناً عتيقاً وهو غاية فخركم

بمولد بنت القاسم بن محمّد

فجدٌ نبيٌّ ثم جدٌّ خليفة

فمن مثل جدَّينا عتيق وأحمد

والعجب من ابن الفوطي كيف وقع في مثل هذا الخطأ مع التحريف الوارد في البيت الثاني ، فإن البيتين للشريف الرضي لا للمرتضى من مقطوعة مثبّتة في حرف الدال من ديوانه تحت عنوان : وقال وقد بلغه عن بعض قريش افتخار على ولد أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (ع) بمن لا نسب بينه وبين الصحابة) :

يفاخرنا قوم بمن لم يلدهمُ

كتيم إذا عدَّ السوابق أو عَدي

وينسون من لو قدَّموه لقدَّموا

عذار جواد في الجياد مقلّد

فتى هاشم بعد النبىِّ وباعها

لمرمى علا أو نيل مجد وسؤدد

ص: 331

ولولا عليٌّ ما علوا سرواتها

ولا جعجعوا منها بمرعى ومورد (1)

أخذنا عليهم بالنبىِّ وفاطم

طلاع المساعي من مقيم ومقعد (2)

وطلنا بسبطي أحمد ووصيِّه

رقاب الورى من متهمين ومنجد

وحزناً عتيقاً وهو غاية فخركم

بمولد بنت القاسم بن محمّد

فجدٌّ نبىٌّ ثم جدٌ خليفة

فما بعد جدَّينا عليٍّ وأحمد

وما افتخرت بعد النبيّ بغيره

يدٌ صفّقت يوم البياع على يد

وفي بيت الشريف الرضي إشارة إلى زوجة الإمام محمّد الباقر أم الإمام جعفر الصادق عليه السلام وهي أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر ابن أبي قحافة وأمُّها بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، ولذلك كان الإمام الصادق يقول : ولدني أبو بكر مرّتين ، وكان أبو بكر يسمّى في الجاهلية (عتيقاً) فسمَّاه النبيّ (صلى الله عليه وآله) عبد الله ، والعجب أيضاً من الدكتور الجواد كيف ه.

ص: 332


1- جمع سراة وهو الظهر.
2- طلاع الشي ملؤه.

نقل قول ابن الفوطي ومرَّ به مرَّ الكرام ولم يعلِّق على خطأه بأدنى إشارة.

- 4 -

وفي المجلّد السابع من دائرة المعارف لفريد وجدي (ص320) عند ذكر الدولة الفاطمية وخلفائها ، وذكر منهم الآمر بأحكام الله الذي قتله الباطنية عام (524ه) إلى أن قال : وكان له شعر ومن قوله :

أصبحت لا أرجو ولا اتّقي

سوى إلهي وله الفضلُ

جدِّي نبيٌّ وإمامي أبي

ومذهبي التوحيد والعدل

والبيتان محرّفان وهما من شعر الشريف الرضي المتوفّى قبل الفاطمي المذكور بمائة وعشرين سنة وهما بديوانه المطبوع إلاّ أنّ الأوّل فيه تحريف عمّا ورد في الديوان فأصله هكذا :

أصبحت لا أرجوا ولا أبتغي

فضلاً ولي فضل هو الفضل

والثاني لا تحريف فيه ، ومن المحتمل أن يكون الفاطمي كان ينشدهمامتمثّلاً فظنّ الكاتب أنّهما من نظمه (1). د.

ص: 333


1- وكم لفريد من أخطاء فريدة في بابها في دائرة معارفه لو جمعت لكانت مجلّداً ضخماًمنها قوله في الجزء الثامن ص 231 عند ذكر الكوفة - وفيها جامع معروف بمشهدعليٍّ وولده الحسين وإليه تحجّ الشيعة ، ومنه يعرف القاري تضلّع هذا الكاتب بالآثار والجغرافية والمشاهد.

- 5 -

وقرأت في كتاب الكشكول للشيخ بهاء الدين العاملي (ص42) ط مصر هذه الأبيات وقد نسبها لأبي نصر الفارابي :

ما إن تقاعد جسمي عن لقائكم

إلاّ وقلبي إليكم شيِّقٌ عجل

وكيف يقعد مشتاقٌ يحرِّكه

إليكم الباعثان الشوق والأمل

فإن نهضت فمالي غيركم وطرٌ

فكيف ذاك ومالي عندكم بدل

وكم تعرَّض لي الأقوام بعدكمُ

يستأذنون على قلبي فما وصلوا

ثم أعادها بتمامها في نفس الكتاب (ص203) للمعلّم الثاني أبي نصر الفارابي ، ومن الغريب أن يقع شيخنا الجليل البهائي في مثل هذا الوهم على طول باعه وسعة اطّلاعه فإنّه خرِّيت صناعتي العلم والأدب فينسب هذه الأبيات للفارابي وهي من أشهر مقاطيع الشريف الرضي ومثبّتة في جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة من ديوانه ، وإليكها بتمامها لتعرف ما طرأ عليها من النقص والتحريف نقلاً عن الديوان (ص391) :

وما تلوَّم جسمي عن لقائكم

إلاَّ وقلبي إليكم شيِّقٌ عجل

وكيف يقعد مشتاقٌ يحرِّكه

إليكم الحافزان الشوق والأمل

فإن نهضت فمالي غيركم وطرٌ

وإن قعدت فمالي غيركم شغل

لو كان لي بدلٌ ما اخترت غيركم

فكيف ذاك ومالي منكم بدل

وكم تعرَّض لي الأقوام قبلكم

يستأذنون على قلبي فما وصلوا

ص: 334

ولم يرد للفارابي من الشعر سوى أبيات شكّ ابن خلّكان في صحّة نسبتها إليه في ترجمته ونسبها لغيره منها :

محيط السماوات أولى بنا

فماذا التزاحم في المركز

- 6 -

وفي كتاب المنتخب للشيخ فخر الدين الطريحي (ط النجف ج1 ص110) أورد أحد عشر بيتاً في الرثاء أوّلها :

شغل الدموع عن الديار بكاؤها

لبكاء فاطمة على أولادها

وذكر أنّها للسيّد المرتضى رحمه الله ، وهي ليست له وإنّما هي من قصيدة مشهورة للشريف الرضي وعددها (57) بيتاً وقد أثبتها السيّد بديوانه وأرّخ عام نظمها بعنوان : (قال يرثي الحسين بن علي عليه السلام في يوم عاشوراء من سنة إحدى وتسعين وثلثمائة للهجرة) :

هذي المنازل بالغميم فنادها

واحبس سخيَّ الدمع غير جمادها

وبعد أن ذكر الطلول وربوع الأحباب تخلَّص إلى الرثاء بقوله :

شغل الدموع عن الديار بكاؤها

لبكاء فاطمة على أولادِها

- 7 -

وفي كتاب منن الرحمن للفاضل الأديب الشيخ جعفر النقدي

ص: 335

(ص58) نسب هذه الأبيات للشريف المرتضى وأوّلها :

خذي نفسي يا ريح من جانب الحمى

ولاقي بها ليلاً نسيم ربى نجد

ولولا تداوي القلب من ألم الجوى

بذكر تلاقينا قضيت من الوجد

فإنّ بذاك النجد حيّاً عهدته

وبالرغم منّي أن يطول به عهدي

وهي من مقطوعة للشريف الرضي - لا للمرتضى - تبلغ (12) بيتاً يقول في آخرها :

شممت بنجد شيحةً حاجرية

فأمطرتها دمعي وأفرشتها خدِّي

ذكرت بهاريّا الحبيب على النوى

وهيهات ذا يا بعد بينهما عندي

وإنّي لمجلوبٌ لي الشوق كلَّما

تنفَّس شاك أو تألّم ذو وجد

وما شرب العشّاق إلاّ بقيّتي

ولا وردوا في الحبّ إلاّ على وِردي

- 8 -

وفي التذكرة لأبي المظفّر يوسف المعروف بسبط بن الجوزي المتوفّى عام (654ه) (ص281) ط النجف عام (1369ه) بعنوان : (ممّن رثى الحسين عليه السلام) وقال آخر من أبيات وقد مرَّ بكربلاء :

ص: 336

كربلا لا زلت كرباً وبلا

ما لقي عندك آل المصطفى

ولم يسمِّ قائلها وأورد منها (11) بيتاً وهي المقصورة المشهورة للشريف الرضي المثبّتة بديوانه وفي كثير من كتب المراثي الحسينية.

- 9 -

في الجزء التاسع من الجامع المختصر لعلي بن أنجب المعروف بابن الساعي ط بغداد (1353ه) بتحقيق الدكتور الأستاذ مصطفى جواد وقد استهلّ الصفحة الأولى منه بهذا البيت ولم ينسبه لأحد :

قد كنت أرجوك لنيل المنى

فاليوم لا أطلب غير الرضا

إلى أن قال : «وكانت مدّة بقاء الشيخ ب- : (واسط) خمس سنين فكان بها يفيد الناس ويقرأ تصانيفه ويسمع الحديث ، وذكر أبياتاً أخرى كان ينشدها ، بيدأنّنا لم نعرف من هو الشيخ المترجم الذي نسب له الشعر لأن الكتاب طبع (ناقص الأوّل) كما وجد ، سوى أنّه ممّن توفّي سنة (595ه) وهي السنة التي بدأ ابن الساعي فيها حوادث كتابه».

أقول : والبيت المذكور أوّل الكتاب هو من قصيدة للشريف الرضي تناهزالثلاثين بيتاً كتب بها إلى بهاء الدولة البويهي عام (397ه) يعتذر فيها عن واقعة ذكرها في الديوان أوّل حرف الضاد ، وها أنا مورد شطراً منها لأنّي لم أقف على أرقّ منها في الاعتذار والاستعطاف :

قل لبهاء الملك إن جئته

سوَّد دهري بك ما بيَّضا

ص: 337

أيا غياث الخلق إن أجدبوا

ويا قوام الدين إن قوَّضا

ويا ضياء إن نأى نوره

لم نر يوماً بعده أبيضا

قد قلق الجنب وطار الكرى

وأظلم الجوّ وضاق الفضا

لا تُعطش الزهر الذي نبته

بصوب إنعامك قد روّضا

إن كان لي ذنبٌ ولا ذنب لي

فاستأنف العفو وهب ما مضى

لا تبر عوداً أنت ريشته

حاشا لباني المجد أن ينقضا

وارع لغرس أنت أنهضته

لولاك ما قارب أن ينهضا

لو عوّض الدنيا على عزِّها

منك لما سُرَّ بما عوّضا

يا رامياً لا درع من سهمه

أقصدني من قبل أن ينبضا

وكيف لا أبكي لإعراض من

يعرض عني الدهر إن أعرضا

قد كنت أرجوه لنيل المنى

واليوم لا أطلب غير الرضا

- 10 -

وفي كتاب المدهش لأبي الفرج شيخ الإسلام عبد الرحمن بن الجوزي المتوفّى (597ه) في الفصل السابع والخمسين (ط بغداد) - ووقف على تصحيحه البحاثة الشيخ محمّد السماوي - نسب هذه الأبيات لأبن المعتزّ :

اسقني فاليوم نشوان

والربى صاد وريَّان

وندامى كالنجوم سطوا

بالمنى والدهر جذلان

ص: 338

خطروا والسكر ينفضهم

وذيول القوم أردان

وهي ليست لابن المعتزّ وإنّما هي للشريف الرضي من قصيدة مثبّتة بديوانه تناهز (24) بياتاً ، ولا توجد بديوان ابن المعتزّ سوى قصيدة على رويِّهادون وزنها (من الهزج) أوّلها :

شجاك الحيُّ إذ بانوا

فدمع العين هتّان

وقصيدة الشريف أوردها بتمامها العلاّمة الأديب السيّد علي خان في كتابه أنوار الربيع في باب الاستعارة وقال عنها : «إنَّ السيّد لم يكن ينظم في باب الخمريّات شيئاً نزاهة منه وإجلالاً لقدره الشريف عن ذلك ، فسأله بعض من يعزّ عليه القول في ذلك ليشتمل ديوانه من الشعر على فنونه كما اشتمل على محاسنه وعيونه ... اه».

وقد أوردها أيضاً بكمالها الدكتور زكي مبارك في كتابه عبقرية الشريف الرضي (ج2) وقال في آخرها وهي قصيدة تظهر فيها الرشاقة وخفّة الروح ولكن أين هي من خمريّات الفاجر أبي نؤاس.

- 11 -

وفي وفيات الأعيان لابن خلّكان (ج1 ص 81) ترجم لأميّة بن أبي الصلت الأندلسي المتوفّى (546ه) وقال في آخر ترجمته : «وله من أبيات :

كيف لا تبلى غلائله

وهو بدرٌ وهي كتّان

وإنّما قال هذا لأنّ الكتّان إذا تركوه في ضوء القمر بلي ... اه».

ص: 339

وهذه من الأوهام التي وقع فيها ابن خلّكان فإن هذا البيت للشريف الرضي المتوفّى (406ه) قبل الأندلسي بأكثر من مائة وأربعين سنة وهو من القصيدة التي أشرنا إليها آنفاً ، ويستبعد جدّاً أن يكون ابن خلّكان لم يقف على ديوان الشريف الرضي بعد قوله عنه في ترجمته : «وديوان شعره كبير يدخل في أربع مجلّدات وهو كثير الوجود فلا حاجة إلى الإكثار من شعره».

قلت : وقد نظر الشريف في معنى بيته إلى قول أبي الحسن بن طباطبا العلوي :

لا تعجبوا من بلى غلالته

قد زرَّ أزراره على القمر

وهو من الشواهد ذكر في المطوَّل وغيره ، وقد ظرف العلاّمة الأديب السيّد رضا الهندي حيث قال في أحد البخلاء متضمّناً :

وكيف ترجو (القران) من رجل

قد زرَّ أزراره على (القمري)

والقران والقمري نوعان من مسكوكات العملة الإيرانية الفضّية والأوّل يساوي نصف الدرهم والثاني ربعه تقريباً.

- 12 -

وفي كتاب شعراء الحلّة لجامعه علي الخاقاني (ج5 ص342) ترجم للسيّد مهدي بن السيّد داود عمّ السيّد حيدر الحلّي وممّا قال عنه : «ولقدوفّيت الموضوع عنه وعن غيره ممّن سايره في كتابي» ثمّ نسب له هذه الأبيات :

ص: 340

أفوّق نبل القوس بيني وبينه

فيؤلمني من نزعها وبها عرضي

وأرجع لم أولغ لساني من دمي

ولم أدم أعضائي بنهش ولا عضِّ

إذا اضطرمت ما بين جنبي غضبة

وكاد فمي يمضي من القول ما يمضي

والأبيات ليست للسيّد الحلّي وإنّما هي من قصيدة طويلة للشريف الرضي تنيف على أربعين بيتاً عاتب بها أخاه السيّد المرتضى كما جاءفي الديوان ، وقد جاء البيت الأوّل محرّفاً وصوابه :

أفوِّق نبل القول بيني وبينه

فيؤلمني من قبل نزعي بها عرضي

وهي من قصائده العامرة التي اختارها الدكتور زكي مبارك وأودعها كتابه عبقرية الشريف الرضي.

- 13 -

وفي الجزء العاشر من أعيان الشيعة (ص248) قال سيّدنا العلاّمة الأمين في ترجمة أحمد بن منير الطرابلسي : «وله شعر كثير في الأئمّة عليهم السلام لم يحضرنا منه شيء ، وأورد صاحب النجوم الزاهرة من شعره قوله :

جنى وتجنّى والفؤاد يطيعه

فلا ذاق من يجنى عليه كما يجني

فإن لم يكن عندي كعيني ومسمعي

فلا نظرت عيني ولا سمعت أذني».

ص: 341

ومن الخطأ والوهم نسبة البيتين لابن منير فإنّهما للشريف الرضي ومثبتان في ديوانه من جملة أبيات له ، وإنّ ولادة ابن منير سنة (473ه) ووفاة الشريف الرضي سنة (406ه) قبل ولادة ابن منير بما يقرب من سبعين عاماً ، وقد أورد الباخرزي أبيات السيّد في دمية القصر (ص74) في ترجمة الشريف الرضي وكأنّها ممّا اختاره من مقاطيعه ، وإليك نصّ الأبيات بكمالها كما في الديوان والدمية :

جنى وتجنّى والفؤاد يطيعه

فيأمن أن يجنى عليه كما يجني

إلى كم تسيء الظنّ بي متجرِّماً

وأنسب سوء الظنّ منك إلى الضنِّ

ووالله لا أحببت غيرك واحداً

إليّة برٍّ لا يخاف ويستثني

فإن لم تكن عندي كعيني ومسمعي

فلا نظرت عيني ولا سمعت أذني

وإنّك أحلى في الجفون من الكرى

وأعذب طعماً في فؤادي من الأمن

ومن الغريب أن يعتمد سيّدنا الأمين على صاحب النجوم الزاهرة بنسبة الأبيات لابن منير ، ولا أحسب أنَّ السيّد لم يرها في ديوان الرضي

ص: 342

والدمية ، والعصمة لله وحده والإنسان معرَّض للنسيان.

- 14 -

وفي كتاب الأعلام للباحث الكبير المحقّق خير الدين الزركلي (ج7 ص36) ترجم للشاعر محمّد الصبحي (المعَّاز) وذكر أنّه تولّى وظائف في الحجاز والمكلاّ واليمن وتخرّج عليه كثير من معلّمي المدارس بحضر موت واستقرّ في عدن مديراً لمدرسة فيها فأدركته منيّته عام (1354ه) إلى أن قال : «قرأت له أبياتاً تدلّ على شاعرية قوية منها في حسن الإغضاء :

دع المرء مطويّاً على ما ذممته

ولا تنبش الداء العضال فتندما

إذا العضو لم يؤلمك إلاّ قطعته

على مضض لم تبق لحماً ولا دما

نقلاً عن جريدة البلاغ المصرية عام (1355ه) وقد جاءت في البيت الأوّل جملة (ولا تنبش) محرَّفة وصوابها (ولا تنشر) وأراد بها الشاعرمقابلة الطي من قوله (دع المرء مطوياً) وهو من أنواع البديع».

وممّا يؤسف له غفلة الأستاذ الزركلي عمّا جاء في جريدة البلاغ التي نقل عنها من الخطأ والغلط ، فأنّى لشعراء حضرموت والمكلاّ بهذا النمط والأسلوب من الشعر الرصين الذي تنبثق منه الحكمة وتطغى عليه الروعة ، وكيف لا يكون كذلك وهو من نظم أشعر الطالبيّين الشريف الرضي ، فإنّ البيتين من مقطوعة له مثبتة بديوانه المتداول بأيدي الناس قبل المعّاز وصاحب البلاغ بنحو ألف عام عددها (14) بيتاً أوّلها :

ص: 343

وكم صاحب كالرمح راغت كعوبه

أبى بعد طول الغمز أن يتقوّما

تقبّلت منه ظاهراً متبلّجاً

وأدمج دوني باطناً متجّهما

ولو أنّني كشّفته عن ضميره

أقمت على ما بيننا اليوم مأتما

فلا باسط بالسوء إن ساءني يداً

ولا فاغر بالذمِّ أن رابني فما

حملتك حمل العين لجَّ بها القذى

فلا تنجلي يوماً ولا تبلغ العمى

(دع المرء مطويّاً) إلى آخر البيتين وختامها قوله :

ومن لم يوطِّن للصغير من الأذى

تعرَّض أن يلقى أجلَّ وأعظما

- 15 -

وفي الجزء الأوّل من كتاب آداب اللغة العربية (ص117) لجورجي زيدان في ترجمة عنترة بن شدّاد العبسي قال : «ومن أقواله قصيدة يهدّد بها عمارة والربيع بن زياد العبسي مطلعها :

لغير العلا منِّي القلا والتجنّب

ولولا العلا ما كنت للعيش أرغب»

ولاشكّ أنّه نقلها من ديوان عنترة (ص11) ط بيروت عام (1891م)وأورد له نماذج أخرى من ديوانه ، وهي من عيون قصائد الشريف الرضي تنيف على (70) بيتاً ومثبّتة بديوانه ، ولقد كفانا عن الإشارة إلى هذا الخطأ الفظيع ما صرَّح به شيخنا العلاّمة كاشف الغطاء في كتابه المراجعات والمطالعات المطبوع في صيدا عام (1331ه) عند نقده لكتاب زيدان المذكور (ج2 ص 51) حيث قال رحمه الله :

ص: 344

«أمّا المطلع فلا شكّ أنّه للشريف الرضي وهو موجود في نسخة ديوانه القلمية والمطبوعة بتغيير لفظ العيش بالحبّ لا غير ، ويبعد أن يعمد هذا السيّد الأبي الشهم العظيم القدر إلى بيت مشهور لذلك الشاعر المشهور فينتزعه ويجعله طليعة قصيدة من غرر قصائده ، كما يبعد أن يكون من قبيل توارد الخاطر ، ومن راجع القصيدتين عرف أنّهما بمسلك السيّد أشبه ، وإلى أسلوبه أقرب ، على أنّ الديوان المنسوب لعنترة - لعدم ورود رواية وثيقة به - أكثره أو الكثير منه مستعار على الظنّ من السيّد الرضي ونظرائه الذين بلغ الشعر في أعصارهم إلى أرقى معارجه وأنقى مناهجه ، وما أبعد ما بين شعر عصر عنترة من الشعر الذي ينسب إليه ، وهذا شيء يعرفه أهله والله أعلم بالحقيقة ... أه».

وقد تأثّر زيدان في غلطة السيّد أحمد الهاشمي صاحب كتاب جواهر الأدب حيث قال (ص625) من كتابه المذكور في عنوان القصيدة المذكورة : «أنّها للشريف الرضي ، وقيل لعنترة العبسي» وأثبت منها (18) بيتاً وذكر في تعليقته على ترجمة الشريف أنّه توفّي عام (463ه) وهو خطأ لا يغتفر فإنّ وفاة الشريف عام (406ه) فلينتبه من يراجع جواهر الأدب.

وإليك ما قاله بعض الباحثين عن ديوان عنترة ، ففي كتاب الوسيط للإسكندري وعناني (ص74) : «وأكثر ما في سيرته الموضوعة في زمن الفاطميّين وما في الديوان المنسوب إليه المستخرج من هذه السيرة منحول لايعتدّ به ...».

ص: 345

وفي كتاب الأعلام للبحّاثة الكبير الزركلي في ترجمة عنترة : «وينسب إليه ديوان شعر مط أكثر ما فيه مصنوع».

وهذا شاعر مصر الكبير وأديبها الشهير محمود سامي البارودي قد أثبت من حماسة هذه القصيدة ما يناهز ال- (23) بيتاً ولم يخامره شكّ في نسبتها للشريف الرضي - راجع مختارات البارودي (ج2 ص221) -

وختمهابقوله :

ملكت بحلمي فرصة ما استرقّها

من الدهر مفتول الذراعين أغلب

أعدُّ لفخري في المقام محمّداً

وأدعو عليّاً للعلا حين أركب

- 16 -

ديوان عنترة العبسي مشهور ومتداول في المكتبات الخاصّة والعامّة وسائر المدارس وطبع غير مرّة وشرحه كثيرون من أقطاب اللغة والبيان لتسهيل الإستفادة منه على الناشئين والمتأدّبين - كما يقولون - ، وقد وقف على تصحيح إحدى طبعاته الأخيرة أمين سعيد صاحب مجلّة الشرق الأدنى.

وأكثر ما فيه منحول أو مصنوع كما قال الزركلي وغيره (1) ، ولم يتصدّ ).

ص: 346


1- وأورد له قصيدة في مدح كسرى أنو شروان مطلعها : فؤاد لا يسلِّيه المدام وجسم لا يفارقه السقام وصدر البيت كله للمتنبّي ، وتمامه : (وعمر مثل ما يهب اللئام).

أحد من أولئك الأساتذة إلى نقده وإلى ما فيه من الشعر المنحول والمسروق ، وقد أشرنا آنفاً إلى القصيدة البائية المنحولة من ديوان الشريف الرضي ، ولم يكتف السارقون من غزو ديوان الرضي بسرقة قصيدة واحدة بل أعادوا الكرَّة على قصيدة أخرى داليّة تنيف على (51) بيتاً من قصائد الشريف ومثبّتة بديوانه المطبوع في بيروت (ص258) فاقتطعوا منها (21) بيتاًونسبوها لعنترة بديوانه وأوّلها :

لأىَّ حبيب يحسن الرأي والودُّ

وأكثر هذا الناس ليس له عهد

وجاء بعض أبياتها محرَّفاً ومشوَّهاً مثل قوله :

ويصحبني إلى آل عبس عصابة

لها شرف بين القبائل يعتدُّ

ومنها كما في ديوان الشريف :

ولا مال إلاّ ما كسبت بنيله

ثناء ولا مال لمن لا له مجد

إذا عربيٌّ لم يكن مثل سيفه

مضاء على الأعداء أنكره الحدُّ

إذا قلَّ مال المرء قلَّ صديقه

وفارقه ذاك التحنّن والودُّ

- 17 -

ديوان مجنون ليلى الذي رتّبه وشرح ألفاظه اللغوية الكاتب الاجتماعي محمود كامل فريد ولا يكاد يصدّق بجميع ما ورد فيه من القصص الموضوعة والأشعار المنحولة ، ومن ذلك ما جاء في (ص162) : «قيل إنّه ذات يوم - أي المجنون - قيس بن الملوّح في روضة غنّاء قد

ص: 347

أينعت عقب يوم ماطر وبقربه قطيع من الغزلان والوعول وهو ينظر إلى ظبية منها فلمّا ملأ عينه من محاسنها أنشد :

نظرت ببطن مكة أمَّ خشف

تبغَّم وهي ناشدة طلاها

فأعجبني ملامح منك فيها

فقلت أخا الغريب أما تراها

ولولا أنّني رجل حرامٌ

ضممت قرونها ولثمت فاها».

والأبيات ليست للمجنون وإنّما هي للشريف الرضي من قطعة رائعة يذكر فيها أيّامه ب- : (منى) مثبّتة بديوانه (ص962) ط بيروت وأوّلها :

أحبّك ما أقام منىً وجمع

وما أرسى بمكّة أخشباها

ولم يك غير موقفنا فطارت

بكلِّ قبيلة منّا نواها

فواهاً كيف تجمعنا الليالي

وآهاً من تفرِّقنا وآها

لأنت النفس خالصة فإن لم

تكونيها فأنت إذاً مناها

إلى أن يقول : (نظرت ببطن مكّة أمَّ خشف) إلى آخر الأبيات الثلاثة ، وورد البيت الثاني هكذا :

فأعجبني ملامح منك فيها

فقلت أخا القرينة أم تراها

وهي إحدى حجازيّات الشريف الرضي التي اختارها الدكتور زكي مبارك وأثبتها في كتابه عبقرية الشريف الرضي.

- 18 -

وفي محاضرات الراغب الأصبهاني (ج2 ص132) في باب : (ما قيل

ص: 348

في العرج) نسب هذين البيتين للغسّاني وهما :

إذا ما تعدَّت بي وسارت محفة

لها أرجل يسعى بها رجلان

وما كنت من فرسانها غير أنّها

وفت لي لمّا خانت القدمان

والبيتان لأبي إسحاق الصابي - لا للغسّاني - من قصيدة تنيف على (44) بيتاً أرسلها للشريف الرضي وقد أوردها الثعالبي في اليتيمة بتمامها في ترجمة الصابي ، والبيت الأوّل منها أثبته الشريف الرضي بديوانه معنوناً بقوله : وكتب إليه أبو إسحاق الصابي قصيدة يشكو فيها زمانة لحقته حتّى صار يحمل في محفّة ، أوّلها :

إذا ما تعدَّت بي وسارت محفّة

لها أرجل يسعى بها رجلان

فقال - أي الرضي - يجيبه عنها وذلك سنة (384ه) :

ظماي إلى من لو أراد سقاني

وديني على من لو يشاء قضاني

وقد جاراه فيها وزناً وقافية وعدداً ، ونحن إنّما تعرّضنا لتصويب ما أخطأبه الراغب لعلاقته بديوان الشريف الرضي ، ولأنّ مطلع القصيدة مذكور فيه ومنسوب لصاحبه مع جواب الشريف عنها.

- 19 -

واتّفق لي - من سبق القلم - مثل ذلك السهو في بيت واحد في كتابنا البابليّات (ج2 ص 164) في ترجمة السيّد حيدر الحلّي ، فقد أوردت قوله :

وله الطرف حيث سار أنيس

وله السيف حيث بات ضجيع

ص: 349

وذكرت أنّه أخذه من مهيار الديلمي حيث قال :

إذا راق صبح فالحصان مصاحب

وإن جنَّ ليل فالحسام ضجيع

وليس البيت لمهيار وإنّما هو للشريف الرضي من قصيدة طويلة مطلعها :

خصيم من الأيّام لي وشفيع

كذا الدهر يعصي مرة ويطيع

وهي مثبّتة بديوان السيّد الرضي لهذا اقتضى التنويه.

وللموضوع صلة ...

ص: 350

من ذخائر التراث

ص: 351

ص: 352

صورة

ص: 353

ص: 354

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحیم

والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين أبي القاسم محمّد ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، وعلى أصحابهم الغرّ المنتجبين ، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين ، وبعد :

منذ أن ظهر شرب التتن والدخان في مطلع القرن الحادي عشر الهجري وشاع في البلاد الإسلامية ، افترقت مواقف الناس فيه بين مدّ وجزر ، واختلفت آراءُ الفقهاء إلى ثلاثة آراء ؛ فمنهم من رأى حرمته وأنكر أشدّ الإنكار على شاربه ، ومنهم من رأى إباحة شربه وحلّله وتجاهر بشربه ، والرأي الثالث توسّط الرأيين بتجنّبه كراهة له ؛ ولأنّه- في رأيهِ- عادة قبيحة.

وقد صنّفت رسائل كثيرة في بيان حكم شرب التتن ، وموقف الشريعة الإسلامية منه منذ انتشاره وحتّى يومنا هذا ، وبإلقاءِ نظرة فاحصة على بعض معاجم فهارس الكتب ككتاب هدية العارفين أسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين ، وكتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، وكتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة وغيرها ، تجد مدى اهتمام فقهاء المسلمين

ص: 355

بهذا الموضوع ، إثباتاً أو نفياً ، تحليلاً أو تحريماً.

والمصنّف السيّد الشهرستاني قدس سره ليس بِدْعاً في الخوض بهذا الموضوع ، فهو الكاتب الموسوعي الذي جالَ قلمه وفكره في الكثير من العلوم والمعارف ، وسطّر العديد من المصنّفات والرسائل التي بلغت العشرات على ما رُقم في صفحات مَنْ ترجم سيرته العطرة.

ومن تصانيفه المعروفة هذه الرسالة الدخانية الموسومة تحفة الإخوان في حكم شرب الدخان والذي دفعه إلى تصنيفها وحثّه على تأليفها وجوب نصح المؤمن لأخيه لمّا رأى من شياع شرب الدخان وانتشاره بين سائر طلاّب الكمال فضلاً عن عامّة الناس.

وقَدَّر الله تعالى لِي قبل عقد من الزمن أن أُسطّر بحثاً فقهياً عن حكم الدخان في نهار شهر رمضان ومن خلال تتبّعي للرسائل المرسومة في هذا الباب علمت أنّ للسيّد الشهرستاني رسالة في الدخان ، ولكن لم أوفّق لمشاهدتها والاطّلاع على مضمونها في تلك الظروف العصيبة.

واليوم حيث تقيم جامعة الكوفة مؤتمرها التكريمي للسيّد هبة الدين الشهرستاني قدس سره (1) مع جمع تراثه وتحقيق ما يمكن إخراجه إلى النور ممّا رشح من يراعه الكريم وفاضَ بهِ ذهنهُ المتوقّد ، ولحسن ظنّهم بي التمسوا ن.

ص: 356


1- تحت شعار (السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني مسيرة اجتهاد وسيرة جهاد) للمدّة من (31 آذار إلى 1 نيسان / 2010م) برعاية جامعة الكوفة/ مركز دراسات الكوفة ، والجامعة العالمية للعلوم الإسلامية- لندن.

منّي تحقيق هذه الرسالة والتعليق عليها بما يوضّح مطالبها ، ويؤهّلها إعدادا للطبع والنشر ، إذ كان لنا سابقة بهذا الموضوع.

وبالفعل أرسلت لي صورة المخطوط على قرص مدمج ، وبعد اطّلاعي عليها تردّدت في العمل بها لأسباب ، منها : إنّ المخطوطة ناقصة الأوراق من الأخير ، فلا وجه لتحقيقها بعد القطع بعدم وجود نسخة أخرى غير نسختنا ، ومن خلال سؤالي وتتبّعي واستفساري من أحفاد المصنّف وغيرهم ؛ للمطابقة والتصحيح ، ولكي يخرج العمل أكثر دقّة وأقلّ خطأ في ضِمنِ منهج علميٍّ صحيح ، إضافة إلى أنّه لم يبق لإقامة المؤتمر سوى اثني عشر يوماً فقط ، وحيث التمسني من لا يمكنني ردّ رجائه ، وحثّني من لا يسعني التوقّف في رأيه ، فاستجبت لذلك ، وتوكّلت على الله تعالى خالق كلّ شيء ، وهو حسبي (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَان مُّبِين) (1) (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إلاّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْب سَلِيم) (2) ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

السيّد محمود المقدّس الغريفيّ

8 شهر ربيع الآخِر 1430ه-

الموافق 25/3/2010م

النجف الأشرف9.

ص: 357


1- سورة الدخان : 10.
2- سورة الشعراء : 88 - 89.

المُصنّف

السيّد هبة الدين الشهرستاني

في واقع الأمر وحقيقته أنّ تسليط الضوء على شخصية المصلح الكبير والعَلمِ المجاهد السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني قدس سره يَحتاجُ إلى كتاب مستقلّ وذلك لمسيرته الحافلة بالعطاء والبناء ، والجهاد والتجديد ، والتصنيف والتأليف ، وما إلى ذلك من المواقف السياسية والاجتماعية والفكرية في خدمة الإنسانية ، على الرغم من صعوبة الأدوار التي مرَّ بها في حياته فتراه شامخاً لم ينثن.

ومن فضل الله وحمده أنّه قد نهض بأعباء دراسة سيرة هذا الرجل الكبير المعطاء بعض أهل الفضل والعلم ممّن أفرغوا وسعهم وجهدهم في تدوين ما تعلّق بسيرته وشخصيته ، ونظم مسيرة حياته في فصول ثرية وأبواب زاهرة في كُتب مستقلّة ، قد تغنينا والباحثين بالاكتفاء بما حوتها من معالم سيرته عن ترجمته في هذه الرسالة وغيرها.

ومن هذه الكتب ، كتاب العلاّمة الأديب والمحقّق الأريب السيّد عبد الستّار الحسني حفظه الله تعالى الموسوم السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني حياته ونشاطه العلمي والاجتماعي ، وكتاب السيّد محمّد مهدي العلوي رحمه الله الموسوم هبة الدين الشهرستاني أو نابغة العراق ، وكتاب

ص: 358

الدكتور محمّد باقر الشيخ أحمد البهادلي الموسوم السيّد هبة الدين الحسيني آثاره الفكرية ومواقفه السياسية ، وغيرها.

وحيث أحلنا الرجوع إلى الكتب للتفصيل والتوسّع في سيرة حياته لابدّ أن نذكر قبساً منها وقطفاً من ثمراتها ؛ ليتعرّف القارئ الكريم على هذا العَلَم الكبير ولو بصورة مختصرة ، فاخترنا ما ذكره السيّد محسن الأمين من ترجمته في كتابه أعيان الشيعة (1) مع بعض التصرّف والإضافة بما يغني الترجمة ويعزّزها ، فهو :

السيّد محمّد علي ابن السيّد حسين ابن السيّد محسن ابن السيّد مرتضى من آل الأمير السيّد علي الكبير الحسيني ، المعروف والمشهور بالسيدهبة الدين الشهرستاني ، ولقب (الشهرستاني) لَحِقَ بهِ من جهة الخؤولة.

ولد المصنّف في سامرّاء في 24 رجب سنة 1301ه- ، ونشأ في كربلاء المقدّسة حيث قرأ فيها العلوم العربية وشطرا من الفقه والأصول ، ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف فبقي فيها ست عشرة سنة ، قرأ فيها على الشيخ ملاّكاظم الخراساني الآخوند وشيخ الشريعة الشيخ فتح الله الأصفهاني ، وخرج منها في 14 شهر رمضان سنة 1330ه- ، فساح في السواحل العربية وبلادالهند نحو سنتين ، وحجّ بيت الله الحرام وعاد إلى النجف الأشرف في رجب سنة 1332ه- ، ثمّ عاد إلى كربلاء. 1.

ص: 359


1- أعيان الشيعة 10/261.

وكان قدس سره قبل رحلته قد أصدر مجلّة العلم في النجف الأشرف وهي أوّل مجلّة عربية ظهرت فيها ، وقد نحا فيها مَنْحىً إصلاحيّاً لم يألفه الناس من قبل ، وهاجم بعض التقاليد الطارئة على أذهان المتديّنين ، وككلّ مصلح يتصدّى لنشر آرائه فقد لاقى مقاومة وعنتاً شديدين.

واتّصلت بعض أفكاره بالأقطار الإسلامية خارج العراق فكان لها نفس الصدى.

وثارت بينه وبين السيّد عبد الحسين شرف الدين معركة قلمية عنيفة على صفحات مجلّة العرفان.

وكان من أقطاب الحركة الدستورية في العراق وإيران منذ عام 1324- 1330ه- ، وبعد عودته من رحلته كانت طلائع الحرب العالمية الأولى قد أطلّت ، ولمّا هاجم الإنكليز العراق كان ممّن خرج لقتالهم مع من خرج من العلماء فكان في جبهة الشعيبة ، وقد دوّن ذكرياته عن تلك الحوادث في رسالة سمّاها الخيبة في الشعيبة.

ثمّ انتقل إلى سكن مدينة الكاظمية المقدّسة ، وبعد الاحتلال الانكليزي للعراق كان أحد رجال الثورة العراقية الكبرى التي اندلعت عليهم عام 1920م. فاعتقل وَحُكِمَ عليهِ بالإعدام ، ثمّ شمله العفو العام.

ولمّا قام الحكم الملكي في العراق - إثر تولية فيصل بن الحسين مَلِكاً على العراق - اختير وزيراً للمعارف العراقية في أوّل وزارة ألّفت في عهده ، ثمّ استقال منها فاستقالت الوزارة كلّها ، وعاد إلى كربلاء.

ص: 360

وبعد سنة اختير رئيساً لمحكمة التمييز الشيعية عند تشكيل المحاكم الشرعية ، وهي المحكمة التي عرفت باسم مجلس التمييز الجعفري منذ تشكيله سنة 1923م إلى سنة 1934م ، وانتخب نائباً في البرلمان عن لواء بغدادسنة 1935م.

فقد المصنّف بصره سنة 1927ه- إثر عملية جراحية لم تكلّل بالنجاح - وقيل إنّ ذلك أمر دبّر بليل من بعض عملاء الانكليز - فأدّى ذلك إلى تركه العمل الحكومي.

ومن مآثره في هذه الحِقبةِ إنشاؤه (مكتبة الجوادين العامّة) التي جعل نواتها مكتبته الكبيرة ، واتّخذ لها قاعة في إحدى حُجرات الصحن الكاظمي المطهّر.

وكان نصير كلّ دعوة إصلاحية وداعية خير ومحبّة وأُلفة.

وقد خلّف العديد من المصنّفات والرسائل منها : نهضة الحسين ، والهيئةوالإسلام ، ثقات الرواة ، أصفى المشارب في حكم حلق اللحية وتطويل الشارب ، والدلائل والمسائل ، ومواهب المشاهد في أصول العقائد (منظومة) ، وتوحيد أهل التوحيد ، والتنبّه في تحريم التشبّه بين الرجال والنساء ، وتوحيد الكلمة بكلمة التوحيد ، ورواشح الفيوض في العروض ، وصدف اللآلي في نسب جدّه الأعلى أبي المعالي محمّد بن أحمد نقيب البصرة وأنساب أقربائه ، وجداول الرواية ، ومشجّر يحتوي على أسماء شيوخه وشيوخهم ، والساعة الزوالية ، وما هو نهج البلاغة ، الأثر الحميد في

ص: 361

تاريخ زيد الشهيد ، ومنها رسالتنا : تحفة الأخوان في حكم شرب الدخان ، وغيرذلك.

توفّي في بغداد يوم الإثنين 25 شوّال من سنة 1386ه- الموافق لليوم السادس من شباط عام 1967م عن عمر ناهز الخامسة والثمانين سنة ، ودفن في وسط مكتبته (مكتبة الجوادين العامّة) في الصحن الكاظمي المطهّر ، بعد أن شيّع تشييعاً مهيباً حضره العلماء والوزراء والوجهاء وعامّة الناس ، وقد رثاه جماعة من الشعراء منهم الشيخ د. محمّد حسين الصغير ، وقد ألقى قصيدته في المجلس التأبيني الذي أقيم في ذكرى أربعينية الفقيد في مسجد براثا في 27 ذي الحجّة سنة 1386ه- الموافق لليوم السابع من نيسان عام 1967م ، قال فيها :

ألِمثل مجدك يستطيل رِثاءُ

وعلى يديك من الجهاد لِواءُ

ورسالة بنت الخلود كريمة

وعقيدة رأد الضحى غرّاء

وصحائف سكر الزمان بخمرها

أرأيت كيف تجانس الندماء

ومواقف شعّت بكلّ ملمّة

لتنير داجية بها الأضواء

هي من تراثك شعلة وهّاجة

لا الليل يحجبها ولا الظلماء

غمرت بها هدي الصباح وأشرقت

فيها الرباع وماجت الأرجاء

وكذاك مجد الخالدين مواقف

خلاّقة وصحائف بيضاء

تستلهم المثل الصحاح ويبتني

الشرف الصراح كيانها البنّاء

فإذا فقدت فمثلما طوت ألسنا

سحب لتهطل بعدها الأنواء

ص: 362

وإذا ثويت على الصعيد معفّرا

فلربّ ثاو دونه الجوزاء

شيخ على التسعين أربى عمره

عن متنه ما زلّت الأعباء

تلك السنون الحافلات بوعيه

دوّى لها صوت ورنّ نداء

طوراً تتوّج بالجهاد جبينه

ألقاً وطوراً بالكتاب تضاء

وعلى كلا الحالين قد نهضت به

قِيَمٌ وقامت همة شماء

لم ينحرف خطواً ولم تقصر به

سبل ولم تعصف به نكباء

مترسماً سنن الطريق وحوله

العقبات والصدمات والأقذاء

يا قائد الفكر الوهوب إلى العلى

بالعزم فكرك واهب معطاء

ما كان بالأمر اليسير إمامة

روحية وقيادة عصماء

ألقت على كفّيك عبئاً فادحاً

فنهضت لا برم ولا إعياء

لله درّك ألمعيّاً ثاقباً

قفزت به قدسية وإباء

وموجّها خصب الشعور وناقداً

عفّ العواطف يرتئي ويشاء

ومجرّباً خبر الأمور دراسة

حتّى تشعشع رأيه الوضّاء

جمع القديم إلى الحديث بحكمة

قطفت ثمار نتاجها الحكماء

فَكَأَنَّ رسطاليس خدن حديثه

وكَأَنَّ سقراطاً به حَدّاءُ

ويلوح للكنديّ مرهف فكره

ومن ابن سينا تشحذ الآراء

وترى إلى جنب الرضيّ المرتضى

وعن المبرّد يصدر السفراء

هذا سبيل الواهبين وهكذا

تبني الخلود القادة الأمناء

وقد أرّخ وفاته العلاّمة المحقّق السيّد عبد الستّار الحسني البغدادي

ص: 363

بقصيدة ، منها :

وغال الردى من كان ل- (الدين) (هيبة)

وَمَنْ هو فَرعٌ و (المعالي) له أَصلُ

وقد كان طود المكرمات بشخصه

منيفاً فلا شيء على سمكه يعلو

ومذ هُدَّ رأس الطود (1)

قلت مؤرّخاً :

(بهيبته دين الهدى راعه الثكل)

سنة1386ه- ل.

ص: 364


1- فيه تورية بحذف (9) من مادّة التاريخ ، الذي يقابله حرف(الطاء) في حساب الجُمل.

حول الرسالة :

بما أنّ هذه الرسالة كانت على قرص مُدمج ، فلم نعرف حجمها ولا قياساتها وأبعادها ، سوى أنّ عدد صفحات ما وصلنا 17 صفحة ، والصفحة الواحدة تحتوي على معدّل 12 سطر ، أي مجموع سطورها ما يقارب 200 سطر ، على وتيرة ونسق واحد ، وخطّها جيّد وواضح ، مع بعض الهوامش التوضيحية حولها.

كما أنّه لم يذكر اسم الناسخ لهذه المخطوطة وتاريخ النسخ ، ويظهر من صورتها وتسلسل أرقامها أنّها تقع بين دفّتي مجموع فيه جملة من رسائل المصنّف ومؤلّفاته ، أي أنّها لم تكن مستقلّة ؛ وذلك من خلال الترقيم في أعلى صفحاتها ، والذي يبدأ من رقم(481) إلى رقم(499) ، وأمّا الترقيم الخاصّ بالرسالة فَيَبدأُ من رقم (2) إلى رقم (18).

وحيث إنّ المخطوطة ناقصة الأوراق من الأخير ، توقّفت في تحقيقها أوّل الأمر - كما قلنا- ، وبعد القطع بعدم وجود نسخة أخرى غير نسختنا هذه في خزانة المصنّف وغيره ؛ للمطابقة والتصحيح ، لكي يخرج عملنا متكاملاً نافعاً في فهم مراد المصنّف ورؤيته ودليله ، عزمت على تحقيق ما هو موجود من أوراق هذه الرسالة وإعدادها للمؤتمر التكريمي على ضيق الوقت وكثرة الالتزام.

وكانت الرسالة تحتوي على مقدّمة وفصلين ، الفصل الأوّل : في إباحة

ص: 365

شرب الدخان ، وفيه ما يؤيّد القول بالإباحة أمور :

أحدها : إجماع الأمّة على إباحته وإجماعهم حجّة.

الثاني : إنّ إباحة الشرب مشهورة والشهرة حجّة.

الثالث : إنّ سيرة العلماء مستمرّة على شربه وكلّما استمرّت عليه فهو جائز.

الرابع : تنصيص الأئمّة عليهم السلام (على إباحته وجوازه في أطياف رأوها الثقاة الصالحون.

الخامس : التفؤّلات القرآنية المشعرة بجواز شربه.

والفصل الثاني في : حجج المحرّمين ، ويذكر :

الحجّة الأولى : إنّ الدخان يضرّ بالأبدان وكلّما كان كذلك فهو حرام.

وتنقطع المخطوطة بعد الكلام في الحجّة الأولى.

والضرر أهمّ دليل وأقوى ما يمكن الاعتماد عليه عند المثبتين لحرمة شرب الدخان المتعارف ، ووجود هذا الدليل هو الذي خفّف من إعراضي عن تحقيق هذه الرسالة : لأنّه بإثبات هذا الدليل على الحرمة يمكن الكلام والتعويل على باقي ما يطرح ممّا يسمّى دليلاً أو مؤيّداً ، وهي في الأعمّ الغالب استحسانات واستقباحات ، لا ترقى إلى الحرمة بمكان كالإسراف والتبذير ، وأنّه مسكر ، وأنّه من الخبائث ، وأنّه قبيح ، وأنّه من المُحدثات وغير ذلك.

ص: 366

بل حتّى الضرر من شرب الدخان ناقش الكثير في ثبوت حرمته ، وهو مبنى مشهور الفقهاء من بداية شيوعه وانتشاره وحتّى يومنا هذا ، بناء على أنّ ضرره يَسيرٌ وغير معتد به ، وأنّه لا يرقى إلى قتل النفس أو يؤدّي إلى ذلك ، أو إلى إتلاف عضو من الأعضاء ، فحاله حال شرب الماء البارد للمزكوم ، أو أكل الحامض للمصدور ، أو السهر الطويل الذي يسبّب الصداع ، ونحو ذلك من الأطعمة والأشربة والحوادث المرتبطة بتصرّفات الإنسان الحياتية ، فإنّ السيرة جارية على ذلك ولا تعتدّ بهكذا ضرر ، ما لم يقرّرالطبيب المختص أنّ شرب الدخان يؤثّر تأثيراً سلبياً مباشراً في صحّة شخص ما أو عضو من أعضائه ، فيتجنّبه بالخصوص.

ولمّا مرّ عليك ، ولعدم ورود نصّ خاصّ في حرمة شرب الدخان ، وأنّ ضرره لا يؤدّي إلى تلف النفس أو عضو منها ، فإنّ أصالة البراءة من الحرمة ، وأصالة الإباحة في جواز شربه ، جاريتان فيه ، والظاهر من هنا رأى المصنّف كراهة شرب الدخان لا حرمته على ما يُفهم من قوله : «ونحن ندّعي قيام الدليل على كراهة ما نحن فيه ، كما أنّه يدّعي المحرّمون قيام الدليل على حرمته» (1) إذ لم نقف على تمام رأيه صريحاً في هذه الرسالة من جهة عدم تمامها ونقص أوراقها من الأخير.

على أنّي احتفظ بِرَأيي الخاصّ في الرسالة لمقام آخر ، كما عدلت عن الخوض في تفاصيل أدلّتها ، واقتصرت فقط على تعريف ذلك حتّى لا ن.

ص: 367


1- تحفة الإخوان في حكم شرب الدخان.

أُضيّع فرصة القارئ في الاستمتاع بقراءتها ، والوقوف على فحوى مضامينها ، وتأمّلها دون سابق تأثير.

وتبقى هذه الرسالة مرهونة بأوراقها المفقودة ، عسى أن نعثر عليها في مستقبل الأيّام أو على نسخة أخرى تكون مفتاحاً لهذه النسخة التي بأيدينا.

عملنا في التحقيق :

بعد أن نسخت هذه المخطوطة وأعدت كتابتها ، قمت بتصحيح بعض الأخطاء الواردة فيها ، وقد أشرنا لبعضها في الهامش وأعرضنا عن غيرها حيث لا فائدة من ذكرها ، وأغلب الظنّ أنّها من سهو قلم الناسخ ، مع تحويل كثير من مفرداتها المرسومة بالخطّ القديم إلى ما هو معمول عليه الآن بالخطّ الحديث ونحو ذلك.

ثمّ قمت بتخريج الآيات القرآنية وسورها ، وإخراج الأحاديث الشريفة ومصادرها ، وأرجعت النصوص الواردة إلى كتب مصنّفيها ، ومن أين اقتبست.

ثمّ قمت بتعريف وترجمة من ورد اسمه من الأعلام في الرسالة ، وتوضيح بعض ما يحتاج إلى إشارة وبيان لبعض الكلمات والمصطلحات المذكورة فيها.

وأثبّت في الهامش جميع الفقرات التي أضافها المصنّف في هامش

ص: 368

المخطوطة ، وختمتها بكلمة (منه) بين قوسين للتمييز.

ثمّ شرحت بصورة مختصرة بعض الفقرات إذا ما احتاج المطلب لبيان وإيضاح وتعليق ، حتّى يعرف القارئ المثقّف والبعيد عن ذوي الاختصاص إلى ماذا يشير المصنّف في كلامه ، وما هو المراد من قصده.

هذا وأرجو من الله تعالى أن يكون عملي هذا متقبّلاً في ميزان الحسنات ، وأن يكون وجوده خيراً من عدمه ، إنّه نعم المولى ونعم النصير.

ص: 369

صورة

ص: 370

صورة

ص: 371

بسم الله الرحمن الرحیم

تحفة الإخوان في حكم شرب الدخان

الحمد لله الذي فضّلنا على كثير من خلقه بترك الشبهات ، فضلاً عن المحرّمات ، ووفّقنا بالاحتياط الذي هو سبيل النجاة (1) ، وأعاننا على سلطان الهوى بالارتداع عن الشهوات ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد المحيي للسنن والماحي للبدع والمحدثات ، وعلى آله المعصومين ما دامت الأرضين والسماوات ، وبعد :

فيقول العبد الجاني والرقّ الفاني هبة الدين محمّد علي بن حسين الشهرستاني أحسن الله حاله وسدّد مقاله : إنّي لمّا رأيت شرب الدخان قد شاع في هذا الزمان ، حتّى اعتكفت عليه نفوس الأفاضل والأعيان ، فضلاً عن النساء والصبيان ، إلا المتسلّط على هواه ، الحافظ لدينه ودنياه ، فأسرفوا في ثمنه الأموال واتلفوا في الابتلاء آية النفوس والأحوال ، وصرفوا في الاشتغال به نفائس الفرص والأعمار ، فألهاهم عن ذكر ربّهم في آناء الليل وأطراف النهار.

هذا وكم شاهدت في الناس من المحتاطين ، بل ومن سائر طلاّب ه.

ص: 372


1- في الأصل النجات والصحيح ما أثبتناه.

الكمال والمتخلّقين ، مَنْ يجتنب ما هو أقلّ ضرراً وفساداً ، ويترك من العادات ما هو أشدّ منه ألفة واعتياداً ، وليس تقاعده عن ترك هذا البلاء إلاّ من الغفلة عن معايبه ، والتعامي عن مفاسد عواقبه ، فحثّني وجوب نصح المؤمن لأخيه (1) ، على إظهار ما فيه ، وإشاعة شناعته ومساويه ، وبعثني داعي الحقّ إلى استفراغ الطاقة وبذل الجهد الشديد ، فرسمت ما ارتسم في الخاطر من الرأي السديد (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (2).

ووسمت ما رسمت ب- : تحفة الأخوان في حكم شرب الدخان راجياً من الله أن يجعلها خالصة لوجهه الباقي ، نافعة لِي حين بلوغ روحي التراقي ، وملتمساً من الناظرين أن يروها بعين الإنصاف ، عسى أن يحفظ الله بها أموالهم وأحوالهم من التلف والإتلاف. 7.

ص: 373


1- أنظر كتاب الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 208 ما رواه عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عمر بن أبان عن عيسى ابن أبي منصور ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه.
2- سورة ق : 37.

المقدِّمة :

اعلم أنّ موضوع المسألة هو شرب الدخان من أيّ شيء كان ، لا خصوص فرد منه أو مصداق ، كشرب (التتن أو التنباك) (1) أو (الحشيشة) (2) أو (الترياق) (3) ، فإنّ بعضها بسبب بعض الخصوصيّات محرّم بالاتّفاق(4) ، وليس ذلك أيضاً موضوعنا(5) على الإطلاق ، بل ما وقع منه على نحو التعوّد عليه ، من غير ضرورة تلجي إليه ، إذ لا خلاف أيضاً ه.

ص: 374


1- التتن أو التنباك أو التبغ : وهو نبات معروف ، تحرق أوراقه ويستنشق دخانها بأيّ وسيلة من وسائل التدخين المعروفة ، ويرجع اكتشافه إلى اكتشاف القارّة الأمريكية ، وقداختلف في أصل تسميته ، فالعرب قديماً تسمّيه الطباق ، والترك التتن ، والفرس بالتنباك.
2- الحشيشة أو قِنب الهند : نبات سنويّ زراعيّ ، يستخرج مسحوق من ساق النبتة الذكر ، له فوائد طبّية ، ويرغب فيه المدمنون على المخدّرات ، لأنّ فيه نسبة عالية من الموادالمخدّرة والمُسكرة. ينظر المنجد مادة(حش).
3- الترياق : وهو عصارة لبنية تستخرج من نبات الخشخاش تحتوي على مواد مخدّرة. معجم ألفاظ الفقه الجعفري ص 108.
4- كالحشيشة لحرمتها ، لقياس منصوص العلة مع الخمر في علة الاسكار ، تبعا للنص الصحيح المعلل بذلك. أو شرب الدخان الذي يسبب ضررا فعليا مباشرا في استعماله على شخص ما لعلة موجودة أو غير ذلك. على ما يفهم من كلام المصنف ، والله اعلم.
5- في الأصل موضوعاً والوجه ما أثبتناه.

في جواز شربه بل وجوبه لمن اعتاده(1) ، بشرط أن يخاف من تركه الضرر والفساد ، وكذا لمن به داء ، وهذا البلاء له دواء.

فشرب الدخان المقيّد بما مرّ(2) ، اختلف الأصحاب في حلّيّته وحرمته وكراهته كما سيذكر ، فتدبّر. ا.

ص: 375


1- ومن هنا يرى سيّدنا المصنّف جواز شرب التتن لمن اعتاده وخاف من ضرر تركه ، أو كان في شرب الدخان دواء له من داء ، وأمّا مَن لم يبتلِ به أصلاً ولم يَعتَدّهُ فهو محرّم عليه ابتداءً ، إن لم يكن مكروهاً ، كما يرى المصنف ذلك ظاهراً.
2- الذي لا يكون ممّن اعتاده الإنسان وخاف الضرر والفساد بتركه ، أو كان في شرب الدخان دواء له من داء ما.

فصل

في إباحة شرب الدخان

في إثبات إباحته : ذهب المشهور إلى الإباحة ، ولا مستند لهم سوى أصالة الإباحة(1) ، والبراءة عن الحرمة(2) ، بتقريب أنّ الأشياء قبل العلم بحرمتها على الإباحة بالأدلّة الأربعة(3) ، ولم يقم دليل على حرمة شرب الدخان ، فيكون مباحاً.

أقول : نعم الأمر عندنا (4) كما يقولون من أنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، لكن ما لم يقم دليل على خلافها(5) ، ونحن ندّعي قيام الدليل على ي.

ص: 376


1- أصالة الإباحة : وهي قاعدة أفادها الفقهاء من النصوص الشرعية تفيد أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نهي من الشارع عنها. ينظر معجم ألفاظ الفقه الجعفري ص55.
2- أصالة البراءة : قاعدة فقهية (أصولية) مفادها أن المرء برئ من أي ذنب حتّى يشغله تكليف شرعي. ينظر معجم ألفاظ الفقه الجعفري ص55.
3- وهي الكتاب العزيز والسنة الشريفة والإجماع والعقل.
4- أي عند الفقهاء الأصوليين من أصحابنا.
5- المصنف يعبر عن شرب الدخان هنا بالكراهة ، وليس بدليل الحرمة ، والأول اخف مؤنة بكثير من الثاني.

كراهة ما نحن فيه.

كما أنّه يدّعي المحرّمون قيام الدليل على حرمته(1) ، لا أنّ مجرّد فَقدُ الدليل على جواز حرمة الشيء يقتضي حرمته ، كما يقول به بعض الأخباريّين(2).

ولا خلاف في أنّ الأصل دليل عند عدم الدليل كما لا يخفى ، فلا تجري أصالة البراءة ولا الإباحة في المقام(3).

كما وقد أشار بعض السادة الأعلام إلى ما ذكرناه في تعليقته على رسائل شيخ المتأخّرين آية الله الأنصاري قدس سره (4) فقال : «وفي تمثيلهم ئد

ص: 377


1- وبهذه القرينة وما سبق من الهامش نستفيد منها أنّ المصنّف لا يرى حرمة شرب الدخان إنّما يرى كراهيته ، حيث نسب لنفسه قيام الدليل لديه على كراهية شرب الدخان ، وأمّا المحرّمون ادّعوا قيام الدليل على حرمته ، وهو ليس منهم ظاهراً.
2- حيث يرى الأخباريّون أنّ الأصل في الأشياء الحظر لا الإباحة ...
3- وعدم جريان (أصل البراءة والإباحة) في المقام ، من حيث وجود دليل الكراهة كما ادّعى المصنّف ، ووجود دليل الحرمة كما ادّعى المحرّمون لشرب الدخان ، فافهم.
4- الشيخ مرتضى ابن المولى محمّد أمين الدزفولي التستري المعروف بالأنصاري ، الشيخ الأعظم ، فقيه أصولي ، ورع تقي ، واضع أسس علم الأصول الحديث ، ولد في دزفول سنة 1214 ه- ، وقرأ فيها بعض الدروس ، ثمّ انتقل إلى العراق وحضر دروس علمائها في عتباتها العاليات ، وتنقّل بين حواضر العلم الأخرى ، ثمّ عاد إلى النجف أيّام صاحب الجواهر ، فاستقلّ بالبحث والدرس ، له جملة مصنّفات قيّمة منها : كتاب المكاسب ، كتاب الطهارة ، كتاب الصّوم والزكاة والخمس ، فرائد

لمجرى البراءة بشرب التتن ، أنّ هذا المثال ممّا لا ينطبق على الممثّل له ، إلاّ أن يكون المراد كونه مشكوك الاندراج تحت المُضرّ ونحوه انتهى»(1).

وسيأتي إدراجه تحت العناوين المحرّمة أو المكروهة.

وأمّا أصالة الإباحة ، ففيها - بعد ما مرّ - أنّ مضامين أخبارها مشحونة باشتراط الانتفاع من ذلك الشيء منفعة يعتد بها عند العقلاء ، ولايحضر خاطري الآن من أخبارها المفصّلة إلاّ ما في الفقه الرضوي ، قال : «إنّ الله لم يبح أكلاً ولا شرباً إلاّ لما فيه المنفعة والصلاح ، ولم يحرّم إلاّ ما فيه الضرر والتلف والفساد ، فكلّ نافع مقوٍّ للجسم فيه قوّة للبدن فهو حلال ، وكلّ مضرّ يذهب بالقوّة أو قاتل فحرام ... الخ»(2).

ومثل ذلك متكرّر في مط- اوي خبر تحف العقول(3)اء

ص: 378


1- وسيلة الوسائل في شرح الرسائل- السيّد محمّد باقر اليزدي ص203 ، وجاء فيه : لايخفى أنّ هذا المثال ممّا لا ينطبق على الممثّل له إلاّ أن يكون المراد كونه مشكوك الاندراج تحت المُسكر أو المُضرّ أو غيرهما ممّا يكون مورد الحرمة.
2- فقه الرضا- عليّ بن بابويه - ص254.
3- تحف العقول- ابن شعبة الحرّاني- ص331 ف 332. سأله سائل (أي لأبي عبد الله الصادق عليه السلام) ، فقال : كم جهات معائش العباد التي فيها الاكتساب والتعامل بينهمووجوه النفقات؟ فقال عليه السلام : جميع المعايش كلّها من وجوه المعاملات فيما بينهم ممّا يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات من المعاملات. فقال له : أكلّ هؤلاء

وغيره(1) (2).

هذا كلّه إذا لم نفرّق في مجرى الأصول بين مشكوك الحكم والمجهول(3).

أمّا على التفريق باختصاص الأوّل بالاحتياط ، والثاني بالبراءة(4) ، ين

ص: 379


1- انظر رسالة المحكم والمتشابه- السيّد المرتضى ص57 - 61.
2- وسيأتي في دليل الضرر من أدلّة المحرمين إثبات ضرر شرب الدخان ، ونفي النفع المتخيّل فيه.(منه صح)
3- اختلف الأصوليّون في أنّه إذا شككنا في حكم ما هل نجري عليه أصالة البراءة كما اتفقواعلى جريانها في الحكم المجهول ، أو جريان الاحتياط؟ وكما قال المصنّف : ليس هاهنا مقام التفصيل.
4- وقد يستظهر ذلك من المحقّق الأنصاري حيث قال في فاتحة خاتمة (رسائله) : إنّه لاتعارض بين الأصول والأدلّة الاجتهادية لأنّ موضوع الحكم في الأصول الشيء بوصف كونه مجهول الحكم انتهى وفيه ما لا يخفى.(منه) أقول : ورد في فرائد الأصول (رسائل الأنصاري) 4/11- 12 : أنّه لا تعارض بين

فالأمر أمر(1) ، وليس هاهنا مقام التفصيل ، فتدبّر.

ثمّ إنّه قد يؤيّد القول بالإباحة بأمور واهية ، وما أدراك ما هي؟ ولابأس بالتعرّض إليها على الإجمال ، وإن عُدّ ذلك لغواً أو عبثاً من المقال.

أحدها : إجماع الأمّة على إباحته ، وإجماعهم حجّة :

وفيه : أوّلا : منع الإجماع لمخالفة كثير من الفقهاء ، كالشيخ الجليل فخرالدين الطريحي(2) - مؤلّف مجمع البحرين - رحمه الله ، والشيخ الأجلّ ا.

ص: 380


1- ربّما إشارة إلى قول الإمام رحمه الله في حديث الفقه الرضوي وتحف العقول بأنّه كلّ مضرّ لانفع فيه للبدن فهو حرام. فالأمر بالاحتياط أمر بالتجنّب ، أو أنّ قوله عليه السلام بالحرمة أمر لابدّمن الالتزام به. هذا على تمامية الرواية ، ودلالتها على المطلوب.
2- الشيخ فخر الدين بن محمّد عليّ بن أحمد النجفي الطريحي الأسدي ، الفقيه الأصولي اللغوي المحدّث ولد بالنجف سنة 979ه- وتوفّي بالرماحية سنة 1085ه- ، له مصنّفات كثيرة منها : مجمع البحرين ومطلع النيّرين ، مشارق النور للكتاب المشهورفي التفسير ، اللمعة الوافية في الأصول ويسمّى(فرائد الأصول) ، جواهر المطالب في فضائل الإمام عليّ ابن أبي طالب ، الضياء اللامع في شرح مختصر الشرائع ، وتحفة الوارد وعقال الشارد في اللغة ، جامع المقال فيما يتعلّق بأحوال الدراية والرجال ، وله رسالة في حرمة شرب التتن ، وغيرها.

محمّد بن الحسن الحرّ العاملي(1) - صاحب الوسائل - رحمه الله ، والشيخ المحقّق المولى خليل القزويني(2) رحمه الله - شارح الكافي - ، والشيخ المتكلّم المولى علي نقي الشيرازي(3) (4) ، والسيّد الجليل نصر الله الحائري(5) رحمه الله ، والشيخ رس

ص: 381


1- الشيخ محمّد بن الحسن بن علي المشغري العاملي ، المعروف بالحرّ العاملي ، شيخ المحدّثين ، الفقيه العالم. ولد في قرية (مشغر) ليلة الجمعة ثامن رجب سنة 1033ه- من قرى جبل عامل بلبنان ، وانتقل إلى (جبع) ومنها إلى العراق ، وانتهى إلى خراسان فأقام فيها وأعطي منصب قاضي القضاة وشيخوخة الإسلام ، وتوفّي سنة 1104ه- ودفن في المشهد الرضوي. له جملة مصنّفات منها : تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ويسمّى (وسائل الشيعة) اختصارا ، وأمل الآمل في ذكر علماء جبل عامل ، وتذكرة المتبحّرين في ترجمة سائر العلماء المتأخّرين ، والجواهر السنية في الأحاديث القدسية ، والفصول المهمّة في أصول الأئمّة ، وله رسالة في حرمة شرب التتن ، وغيرها.
2- المولى الجليل الخليل بن الغازي القزويني ، فاضل عالم ، وحكيم متكلّم ، وفقيه محدّث ، له جملة مصنّفات منها : شرح الكافي (فارسي) ، وشرح (عربي) ، وشرح العدّة في الأصول ، ورسالة الجمعة ، وحاشية مجمع البيان ، والرسالة النجفية ، والرسالة القمّية ، والمجمل في النحو ، ورموز التفاسير الواقعة في الكافي والروضة وغير ذلك ، توفّي في سنة 1089 ه.
3- المولى علي نقي الشيرازي ، عالم فاضل ، فقيه متكلّم ، من معاصري الحرّ العاملي ، وقدوُلي قضاء شيراز ، ويُعدّ من رجال القرن الثاني عشر للهجرة ، له كتب ومصنّفات منها : كتاب مناسك الحاج ، وكتاب جواب مفتي الروم في الإمامة كبير ، وله رسالة في تحريم التتن ، وغير ذلك.
4- قال السيّد نعمة الله الجزائري : له كتاب كبير في حرمة شرب التتن أرانيه ولده. (منه) أقول : كما في الأنوار النعمانية 4/55 ، وعنه روضات الجنّات 4/372.
5- أبو الفتح السيّد نصر الله بن الحسين بن علي الحائري الموسوي الفائزي المدرس

زين الدين عليّ بن سليمان البحراني(1) - الملقّب ب- : (أمّ الحديث) رحمه الله ، والمولى عبد الله السمناني(2) من تلامذة السيّد من

ص: 382


1- زين الدين الشيخ علي بن سليمان بن درويش بن حاتم البحراني القدمي ، المشتهر في ديار العجم ب- : (أمّ الحديث) لشدّة ملازمته وممارسته للحديث ، وهو أوّل من نشر علم الحديث في بلاد البحرين وصار رئيساً فيها حيث انتهت إليه رئاسة الإمامية في البحرين وما والاها ، وهو كثير العلم ، عابد زاهد ، له جملة مصنّفات منها : رسالة في الصلاة ، ورسالة الجمعة ، ورسالة المناسك ، ورسالة في جواز التقليد ، وحواشي النافع ، وله رسالة في حرمة شرب التتن ، وغير ذلك ، توفّي سنة 1064ه.
2- المولى عبد الله ابن الحاج حسين بابا السمناني ، العالم الطبيب ، من تلاميذ السيّدالداماد ، وقد ترجمه صاحب الرياض مفصّلاً ، له جملة مصنّفات ، منها : تحفة العابدين ، تقوية الباه أو أسرار النكاح ، وله رسالة في منافع التتن وأولوية تركه ، كتبها بأمر السيّد عليّ بن حسن بن شدقم المدني في المدينة المكرّمة في سنة 1020 ه- ، وهومعرّب وشرح لرسالة الطبيب حسام الدين الماچيني ، ردّ عليه وعلى الحكيم محمّدمقيم بن محمّد حسين السمناني ، الذي نسب إليه انتحالها من حسام الدين ، فيما ذكراه من فضله ومنافعه ، وقد قرأه عليه السيّد خلف الحويزي ، ولم يقتصر السمناني على مجرد الترجمة إلى العربية بل زاد عليه فوائد أيضاً وشرحها ، منها ما زاده في أوّله من الفوائد الطبّية المتعلّقة بالستّة الضرورية كما ذكره في الرياض ، وأيضاً على ظهرهافوائد بخطّ المعرب في بيان أدلّة المنع من

الداماد(1) قدس سره ، ولأكثرهم رسائل في هذا المضمار(2) ، كما يظهر من الروضات والأنوار(3).

وحكي ذلك عن صاحب الحدائق(4) ، وكثير من الأخباريّين والأصوليّين ، وعن المولى الكلباسي(5) قدس سره صاحب النخبة مّ

ص: 383


1- السيّد محمّد باقر بن محمّد الحسيني الأسترآبادي المعروف بالمير الداماد ، عالم حكيم ، ومتكلّم قدير ، محقّق مدقّق ، وكان شاعراً بالفارسية ومجيداً في العربية ، توفّي سنة1041 ه- ودفن في النجف الأشرف ، له جملة من المصنّفات منها : من مصنّفاته في الحكمة القبسات ، والصراط المستقيم ، والحبل المتين ، وفي الفقه شارع النجاة ، كتاب الرواشح السماوية ، وله حواش على الكافي ، والفقيه ، والصحيفة الكاملة ، كتاب شرح الاستبصار ، ورسالة في النهي عن تسمية المهدي رحمه الله ، كتاب ضوابط الرضاع ، كتاب الأفق المبين ، والأشعار وغير ذلك.
2- وقد أشرنا إلى رسائلهم في هذا الموضوع في ضِمنِ تراجمهم ، فراجع.
3- روضات الجنات للخونساري 4/367- 372 ، الأنوار النعمانية للجزائري4/55 - 60.
4- الحدائق الناضرة - البحراني 18 / 70 ف 71 وجاء فيه : ومنه يستنبط جملة من الأحكام التي وقع فيها الإشكال بين جملة من علمائنا الأعلام ، مثل الاستيجار على الصلاة ، كما توقّف فيه بعض محدّثي متأخّري المتأخّرين ، ومثل التتن والقهوة ونحوذلك.
5- الشيخ محمّد إبراهيم بن محمّد حسن الخراساني الأصفهاني الكلباسي(الكرباسي) ، كان عالماً فقيهاً متورّعاً شديد الاحتياط ، ولد سنة 1180 ه- قرأ في أصفهان ثمّ

كما سيأتي(1) (2) ، وعن غيرهم أيضا.

وقد أفتى جماعة من الشافعية على ما حكى عنهم بعضهم بحرمة شرب التتن وبطلان بيعه ؛ لأنّه لا ينتفع به نفعاً شرعيّاً معتدّاً به.

فإن قلت : هؤلاء كلّهم محدّثون وليسوا بفقهاء حتّى تقدح ».

ص: 384


1- لم نجد شيئاً لقول الكلباسي على ما بأيدينا من هذه الرسالة ، ربّما ورد ذكره في الأوراق الساقطة من المخطوط.
2- وبمراجعة رسالة الكلباسي (حرمة الغليان في شهر رمضان) مخطوط ص13- 14 ، رأيناأنَّ كلامه حول إثبات حرمة دخان التتن في شهر رمضان ، وذكر آراء جملة من الأعلام على مفطرية الغبار ، وبناء على وحدة ملاك الدخان مع الغبار للأجزاء المتكوّنة فيهما ، ثمّ قال : «فإنّ كلّ من اطّلع على حال أهل الإسلام في الصوم يعلم التزامهم كافّة على تركه ، في بلادهم ومجالسهم ، من العامّة والخاصّة ، والعرب والعجم ، والروم بأصنافهم ، من السلاطين والأمراء ، والتجّار والكسبة ، وكلّ من كان داخلاًفيهم وبين ظهرانيهم ، وبلغ صيت الإسلام إليهم وأحكامه ، حتّى أهل القرىوالبوادي والمزارع ، حتّى المميّز منهم قديماً وحديثاً ، بل لم يسمع من أحد في عصر من الأعصارأو صقع من الأصقاع ارتكابه ، مدّعياً أنّه غير مفسد من المجتهدين ولا من الأخباريّين ولاممّن تبعهما ، وإن غفل عنهما من غفل ، والظاهر أنّ السيرة من الحجج القوية القطعية بلا شكّ وارتياب ، وفوق الإجماع ؛ لاختصاصه بمن حصل العلم منهم من العلماءالأبرار ، بخلافها فإنّها تعمّهم وغيرهم. انتهى. فتأمّل».

مخالفتهم.

قلت : ليس كلٌّ ، فإنّ شهرة أكثرهم بالفقاهة والفتوى أظهر من أن تخفى.

هذا الطريحي أخفاهم ذكراً في الفقه مع أنّ له مصنّفات جمّة فيه وفي الأصول ك- : فوائد الأصول ، وشرح مبادىء العلاّمة رحمه الله ، ورسالة في تقليد الميت وغيرها(1) ، وكذا غيره.

ولو سُلِّم ، فانعقاد الإجماع مع مخالفتهم ممنوع قطعاً ؛ لدخولهم في زمرة العلماء وأهل الحلّ والعقد جزماً(2) ؛ ولعدم ما يدلّ على اختصاص إجماع الأصوليّين خاصّة(3) بالحجّية.

وإن كنت في ريب ممّا تلوناه ، فانظر إلى ما قاله المحقّق القمّي(4) في زا

ص: 385


1- كالفخرية الكبرى الجامعة لفتاوى الطهارة والصلاة ، وشرح المختصر النافع ، وحاشية على معتبر المحقّق ، وشرح رسالة لصاحب المعالم ، واثني عشرية الأصول ، وغيرها أيضاً. (منه)
2- إذا قلنا دخولهم في زمرة العلماء فبها ونعمت ، حيث يمكن دخول ذلك في سيرة المتشرّعة ، أمّا دخولهم في زمرة أهل الحلّ والعقد بالعموم والشمول فلا وجه له ، فضلاً عن تأثير أثره ، إلاّ بناء على العطف البياني على العلماء فينضوون في سيرة المتشرّعة ، فتأمّل.
3- إنّ الكلام في ثبوت أصل الإجماع وحجّيته فضلاً عن ثبوت حجّيته بالنسبة للمتأخّرين ، حتّى نفصل في عدم الدليل على اختصاص ثبوت حجّية الإجماع للأصوليّين دون الأخباريّين.
4- المولى أبو القاسم ابن المولى محمّد حسن الجيلاني القمّي المعروف بالميرزا

قوانينه (1) حيث قال : «والقول بإخراج الأخباريّين عن زمرة العلماء أيضا شطط من الكلام ، فهل تجد من نفسك الرخصة في أن تقول مثل الشيخ الفاضل المتبحّر الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ليس حقيقاً لأنّ يقلّد ، ولايجوز الاستفتاء عنه ، ولا يجوز له(2) العمل برأيه ؛ لأنّه أخباريّ الخ»(3).

وقال أيضا : «ومرادنا من المجتهد المطلق من يقابل المقلّد والعامّي ، لا المجتهد المصطلح أي العامل بالظنّ الذي هو مقابل للأخباري ، فإنّ العالم الأخباري أيضاً مجتهد بهذا المعنى. انتهى»(4).

أمّا ثانياً : فإنّ الإجماع على أنواع : دخولي ، ولطفي ، وحدسي(5).لم

ص: 386


1- لم يذكر الميرزا القمّي هذا القول والذي يليه في كتابه (قوانين الأصول) ، وإنّما نقله عنه الميرزا الخُوانساري في روضات الجنّات 7/98- 99 ، ولم يشر إلى مصدره ، وربّما نقله من أحد كتبه الأخرى.
2- من المصدر.
3- روضات الجنّات 7/98- 99.
4- روضات الجنّات 7/98. وورد فيه : ومرادنا من المجتهد هنا مقابل المقلّد والعامّي لا المجتهد المصطلح الذي هو مقابل الأخباري ، فإنّ العالم الأخباري أيضاً مجتهد بهذاالمعنى.
5- الإجماع الدخولي : هو اتّفاق الفقهاء على رأي معيّن في حكم شرعيٍّ ، ونعلم

فإن كان المدّعى بعد تسليمه من الأوّل فذلك كذب صريح ؛ لأنّه لا يوجد قطعاً. وإن كان من الثاني فحجّيته ممنوعة ؛ كما بيّنوه في الأصول. وإن كان من الثالث فهو إنّما يكون حجّة لأجل كشفه عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره ؛ وذلك غير متصوّر في المسألة ؛ لأنّ موضوع المسألة مستحدث بالاتّفاق(1) ، ولم يكن معهوداً في عصر المعصوم حتّى يتعلّق به ما

ص: 387


1- يرجع أَمْرُ معرفة التبغ (التتن والتنباك) واكتشافه إلى ما يقرب من نحو 500 عام ، وذلك عند اكتشاف (كريستوف كولومبس) وزملائه الأسبان القارّة الأمريكية ، فعندما

قوله أو فعله أو تقريره ، فلا يعقل فيه إلا اللطف ، وهو غير مسلّم(1). ما

ص: 388


1- بناءً على أنّ من لطف الله تعالى على عبده بمقتضى عدالته إرشاده إلى كلّ ما

وستعثر على أمور تزيد وهناً لهذا الإجماع وأمثاله.

الثاني : إنّ إباحة الشرب مشهورة والشهرة حجّة :

وجوابه : إنّ الشهرة لو كانت مطلقاً حجّة لما كانت حجّةً ؛ لأنّ المشهور عدم حجّية المشهور ؛ وذلك أمر واضح عند أهله ، ومتّضح في محلّه(1). لم

ص: 389


1- الشهرة عند الفقهاء هي أن يكثر عدد القائلين في حكم مسألة فقهية ما واشتهارها بينهم ، ما لم يبلغ درجة الإجماع ، أو اشتهار رواية في الكتب الحديثية وإن لم

ولو قرع سمعك اعتناء الأصحاب بها ، فإنّ ذلك في الرواية لا الفتوى(1) كما لا يخفى ، فالشهرة المرجّحة غير هذه ، وهذه غير المرجّحة.

لطيفة : قال بعض الظرفاء : إنّ السبب في فتوى المشهور به هو ابتلاء المفتين بشربه ، فهم ينظرون برؤية غير سليمة ، ورؤية غير مستقيمة(2). ؟.

ص: 390


1- الشهرة الروائية وهي اشتهار نقل الرواية في المجاميع الروائية وبين أرباب الحديث من المتقدّمين لا المتأخّرين عنهم ، سواء عملوا بها أم لا ؛ لعلّة ما فيها أو لرواية أرجح منها ، وهذه الشهرة هي التي جعلها الفقهاء من المرجّحات في باب التعارض بين الخبرين المتعارضين ، فما اشتهر منهما أخذ به لمرجّحيّتها ، وحملوا قول الإمام عليه السلام : خذبما اشتهر بين أصحابك عليها. أمّا الشهرة الفتوائية وهي عبارة عن اشتهار الفتوى بحكم من الأحكام في مسألة ما ، مع عدم اعتماد المفتين على مدرك ما ، أو رواية معيّنة ولو كانت ضعيفة ، بل وإن وجد مدرك لها مع القطع بعدم اعتمادهم عليه ، وقد اختلفوا في حجّيتها ، وبعض قد فصّل في ثبوت حجّيتها للواقعة بين المتقدّمين وأصحاب الأئمّة عليهم السلام دون الشهرة الفتوائية الواقعة بين المتأخّرين.
2- أقول أن اللطيفة غير لطيفة ، لأنّ مفادها تعريض بالفقهاء ، وطعن بعدالة ونزاهة أهل الفتوى ؛ بأنّهم يتّبعون أهواءَهُم ويرضون شهواتهم في إصدار الفتوى خصوصاً في حكم شرب الدخان ؛ نتيجة لابتلائهم بشربه ، ممّا يحرّف ذهنهم عن النهج السليم ويحرفهم عن الطريق المستقيم!!؟.

الثالث : إنّ سيرة العلماء مستمرّة على شربه وكلّما استمرّت عليه فهو جائز :

وجوابه : إنّ السيرة إجماع عملي يعمّها من النزاع ما عمّ الإجماع ، مع أنّها حجّة بشروط ثلاثة كلّها مفقودة في المقام :

أوّلها : حصول الاتّفاق من الكلّ في العمل في زمان ، وذلك بعد مخالفة من ذكرناه كيف يحصل؟ مع أنّك لو سرت مشرق الأرض ومغربها لوجدت الكثرة فيمن لا يشربها(1).

ثانيها : استمرار ذلك العمل إلى زمان المعصوم عليه السلام بحيث تكون كاشفة عن قوله أو فعله أو تقريره ، وذلك في المقام ممنوع قطعاً ؛ فإنّ موضوع المسألة مستحدث كما مرّ وسيأتي.

وثالثها : ظهور وجه العمل ، إذ ليس بأقوى من نفس عمل الحجّة ، وهو مالم يظهر وجهه ليس بحجّة ، وكيف نستظهر وجهها مع احتمال اضطرار العلماء إلى شربه ولو بعد الاعتياد به ، ويؤيّد ذلك أنّا نراهم كلّما م.

ص: 391


1- الظاهر بناء على دعوى المصنّف في الإجماع من دخول أهل الحلّ والعقد ، وأنّ الأمّة لاتجتمع على ضلال ، وإلاّ فما قيمة عمل عامّة الناس أو تركهم ، مع ما ترى من تسامحهم وتهاونهم في الكثير من الأحكام الشرعية ، وعليه نرى كثيراً من المباحات بل ربّما المستحبّات يعافها الناس ويتجنّبُونَها لأذواقهم النفسية أو الاجتماعية ، وهل نرفع حكم الاستحباب عنه لإعراض أكثر الناس عنه ككحل العينين للرجال والتعمّم وغيرذلك ، فتأمّل وافهم.

تمكّنوا من تركه تركوه ، ولو رأوا من تركه استحسنوه.

الرابع : تنصيص الأئمّة عليهم السلام على إباحته وجوازه في أطياف(1) رأوها الثِقات الصالحون :

مثلما نقله الفقيه الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء(2) قدس سره في الحقّ المبين ، عن شيخه الفتوني(3) رحمه الله : أنّه رأى الصاحب عجّل الله فرجه لم

ص: 392


1- الطيف وهو خيال الشيء المترائي وصورته الذي يلمّ بالنائم في المنام أو في اليقظة ، وقيل : أي عرض له عارض منهم.
2- الشيخ جعفر ابن الشيخ خضر المالكي الجناجي النجفي ، الشيخ الأكبر المعروف بكاشف الغطاء نسبة إلى اسم كتابه الفقهي القيّم كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء ، وصارهذا الاسم لقباً لأسرته من بعده ، من أعاظم فقهاء الشيعة وزعماء الإماميةومراجعها ، له مواقف جهادية وإصلاحية جليلة ، ولد في النجف الأشرف سنة1154ه- ونشأ ودرس فيها حتّى انتهت إليه الرئاسة العامّة في الدين والدنيا ، له جملة من المصنّفات منها : كشف الغطاء ، وشرح القواعد للعلامة الحلّي ، والحقّ المبين في الردّ على الأخباريّين ، التحقيق والتنقير فيما يتعلّق بالمقادير ، منهج الرشاد لمن أرادالسداد ، العقائد الجعفرية في أصول الدين ، غاية المأمول في علم الأصول ، وبغية الطالب في معرفة المفروض والواجب ، وغيرها. توفّي في النجف الأشرف سنة1228ه- ودفن فيها في مقبرته الخاصّة قرب داره في محلّة العمارة.
3- الشيخ أبو صالح محمّد مهدي بن بهاء الدين محمّد الملقّب بالصالح الأفتوني(الفتوني)العاملي الغروي ، وهو ابن عمّ المولى أبو الحسن الشريف العاملي الفتوني الغروي ، عالم كامل ، وفقيه محدّث ، كان من كبار علماء جبل عامل ، ولكن لمّا كثر الظلم فيها وجار الجائرون بأهلها وكثرة الفتن بينهم ، عُطّل سوق العلم

الشريف) في مجلس وبيده (قليان) (1) على نحو ما عند العجم يشرب به ، فانتزعه من فمه الشريف وسلّمه إلى الشيخ.

وأيضا نقل قدس سره فيه عن الشيخ حسين الخمايسي(2) أنّه رأى نفسه في المنام داخل الروضة الحسينية ، قال : «فبينما أنا واقف إذ رأيت سيّد الشهداء عليه السلام قد خرج من الضريح ، فأوّل ما خطر ببالي أن أسأله عن شربدخان (التنباك) هل هو حرام أو حلال؟ فقال عليه السلام في الجواب : حلال لكنّا لانشربه»(3).

أقول : وفيه ما لا يخفى على النبيه فضلاً عن الفقيه.

أمّا أوّلاً : فَلأَنَّ المنام ليس بحجّة ، وإن رُئِيَ فيه الحجّة عليه السلام ، كما قال 6.

ص: 393


1- القليان أو الغليان : وهي آلة يشرب بها التتن والدخان في بلاد فارس والترك ، وتعرف في بلادنا ب- : (النركيلة).
2- الشيخ حسين ابن الشيخ عبد علي الخمايسي النجفي ، عالم فاضل ومحقّق زاهد ، من مشايخ الشيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري النجفي صاحب كتاب آيات الأحكام إجازة وقراءة ، وهو من أهل المائة الثانية بعد الألف ، كما ذكر السيّد الأمين في أعيان الشيعة(6 /66).
3- الحقّ المبين ص75 - 76.

شيخ الفقهاء كاشف الغطاء : «إنّ الأحلام لا تكون شواهد الأحكام»(1).

وقد ورد عنهم عليهم السلام : «إنّ دين الله [عزّ وجلّ] أعزّ من أن يرى في النوم»(2).

ومن قال بحجّية الرؤيا الصادقة وإن شذّ فقد خصّها بالرائي دون غيره ، فافهم.

وأمّا ثانياً : فبأنّ هذين المنامين متناقضان فإنّ رؤيا (الفتوني) تدلّ على أنّ الحجّة كان يشرب ، ومنام (الخمايسي) دالّ على أنّ أهل البيت لا يشربون ، فهذا يكذّب تلك كما لا يخفى ، مع أنّ الرأي السليم والعقل المستقيم يقطعان بأنّ الإمام أجلّ شأناً من ذلك.

وأمّا ثالثاً : فبالنقض بمنامات دلّت على نهي الأئمّة عليهم السلام عن ذلك ، ولوقستها إلى أطياف الإباحة ، في الكثرة والصراحة ؛ لكانت كالنجمة والبدر ، والقطرة والبحر ، ذكر شيئاً منها السيّد الجزائري(3) في في

ص: 394


1- الحقّ المبين ص75. قال : إنّ الأحلام لا تكون شواهد للأحكام باتّفاق علماء أهل الإسلام.
2- الكافي - الشيخ الكليني - ج3 - ص482.
3- السيّد نعمة الله بن عبد الله بن محمّد الحسيني الموسوي الجزائري ، عالم فاضل ، من أعيان المحدّثين ، ولد في قرية (الصبّاغية) من قرى الجزائر في البصرة سنة 1050ه- ، وتوفي سنة 1112ه- في قرية (جايدر) من أعمال (الفيلية) وبها دفن ، وقبره الآن مزار معروف يقصده العامّة. له جملة كثيرة من المصنّفات والرسائل منها : الأنوار النعمانية في معرفة النشأة الإنسانية ، وزهر الربيع ، وغاية المرام في

أنواره (1) ، وشيئاً منها الشيخ المشار إليه(2) في الحقّ المبين(3) ، وغيرهما في غيرهما.

وقد نقل لي بعض طلبة أصفهان عن بعض علمائها أنّه رأى في المنام كأنّه في مجلس تعزية والناس في غفلة عنه معرضون ، منهم من يشرب (الشطب) (4) ، ومنهم من يشرب (السيغار) (5) ، ومنهم من يشرب دة

ص: 395


1- الأنوار النعمانية 4/55 ، قال فيه : ومن ثمّ ترى الأطياف والأحلام قد اختلفت في الحشيشة التي يسمّونها الناس بالتتن ، فبعضهم نقل أنّه رأى الإمام عليه السلام فنهاه عن شربهاواستعمالها ، وبعضهم نقل أنّه رأى الإمام عليه السلام وقد أمره باستعمالها ، وذلك أنّ حكمها يختلف باختلاف الطبائع والأمزجة ، فربّما وافقت طبيعة وأضرّت بأخرى كبعض الأدوية والعقاقير ، فكلا الطيفين حقّ.
2- قال قدس سره [أي الشيخ جعفر الكبير] : ومنها الاستناد إلى الأطياف التي رآها جماعة من الأتقياء ، ونقلوا أنّهم رأوا الأئمّة الأمناء في المنام فمنعوهم عن شربه ، وبعضها مقرون بالمعجز كما نقل أنّه رأى شخص في حرم الحسين عليه السلام قد قلب وجهه عن محلّه ودار إلى غير مقرّه ، فسئل عن ذلك؟ فقال : رأيت الإمام عليه السلام فقال لي : لم تشرب التنباك؟ فضربني بكفّه وهذا أثر ضربته. (منه)
3- الحق المبين ص75.
4- الشطُب : وهي أنبوبة طويلة مجوّفة كالقصبة يوضع في نهايتها التتن أو السيكارة ويسحب من خلالها الدخان ، وربما يكون له رأس مجوّف يوضع فيه التتن ويحرق ويشرب.
5- السيغار أو السيجار : وهي أوراق التبغ منزوع العرق الأوسط تلفّ بأشكال متعدّدة

(القليان) ، إذ دخل الحسين عليه السلام ورقى المنبر وأطرق مليّاً ، ثمّ نظر إلى الناس مغضباً فحرّك رأسه الشريف وقال : (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) (1) ، ثمّ تأوّه ونزل وخرج.

ومن ذلك ما حكاه لي السيّد الثقة الجليل الأوحد الأمير سيّد حسين النجفي التبريزي دام بقاه سنة 1322ه- ، قال : رأيت في هذا الباب مناماً لا أنساه أبداً وذلك قبل هذا العام بثلاثين سنة(2) ، ومجملها أنّي اغتسلت في حوض مدرسة (القوام) (3) غسل الجمعة وكان قصدي أن أشرب (الشاهي) (4)ثمّ أمضي إلى حضرة الأمير لزيارته ، فبينما أنا أشرب (السِبيل) (5) إذغفوت غفوة ، فرأيت كأنّي أمشي إلى حرم عليّ عليه السلام وأنا أشرب (السِبيل) ، فلمّا 3.

ص: 396


1- سورة الأنبياء : 52.
2- السيّد التبريزي نقل هذه الحكاية للسيّد المصنّف في سنة 1322ه- ، وقال إنّه رأى الرؤياقبل ثلاثين عاماً في مدرسة القوام أي في نحو سنة 1292ه- ، مع أنّ المدرسة قد أسّست سنة 1300ه- ، فالظاهر أنّ في النقل اشتباهاً ، أو أنّه نقلها على نحو التقريب.
3- مدرسة القوام : تقع في محلّة المشراق خلف جامع الشيخ الطوسي ومجاورة للمدرسة المهدية ، وتعرف أيضاً بالمدرسة (الفتحية) نسبة إلى مؤسّسها فتح علي خان الشيرازي المشهور بقوام الملك وذلك في سنة 1300ه.
4- الشاهي : هو الشاي المعروف.
5- أنبوبة من خزف معطوفة ، لها رأس يوضع فيه التبغ ويشرب بها الدخان وهي أشبه بمايقال (پيپ) في كلام الأعاجم. ينظر الآلة والأداة ص143.

وصلت إلى الضفّة المشرفة فرّغت ما فيه ، ودخلت ووقفت أستأذن للدخول ، فبينما أنا أستأذن إذ خرج سيّد جليل ذو شيبة وهيبة ، فقال : هكذا تزورون أميركم؟ قلت : وكيف يا سيّدي؟ فقال : تشرب التتنوتعفّن الفم وتكلّم أمير المؤمنين عليه السلام؟! قال : فانتبهت فزعاً وحدّثت بهاالعالم الفاضل الآخوند ملاّ لطف الله المازندراني(1) المتوفّى سنة [1311ه] (2) له شرح على الشرائع ، وحواشي على القوانين وغيره. فقال : إنّ مواليك أحبّوك حيث نبّهوك على تركه ، قال : فتركت شرب الدخان مدّة مديدة حتّى سوّلت لي نفسي وزيّنت لي سوء عملي وغرّني الشيطان فرجعت إليه وأنا الآن ندمان.

ونظير ذلك ما نقلوه عن الشيخ المشهور بالشيخ مفيد(3) أحد علماء شيراز أنّه لمّا سافر إلى العتبات العاليات هجر شرب (التنباك) من خروجه ..

ص: 397


1- المولى لطف الله اللاريجاني المازندراني النجفي ، عالم فقيه أصوليّ ، هاجر إلى النجف الأشرف وتوفّي فيها سنة 1311 ه- ، ودفن في الصحن الحيدري في المكان الذي كان يؤمّ الناس فيه ، له جملة من المصنّفات منها : شرح على قواعد الأحكام ، الفرائدالغروية في الأصول الفقهية ، حاشية على حجّية الظنّ ، وحاشية على القوانين وغيرها.
2- في الأصل بياض.
3- الظاهر أنّه الشيخ مفيد بن محمّد كاظم ابن الشيخ عبد النبي الشريف الشيرازي البحراني إمام الجمعة بشيراز ابن الشيخ محمّد بن مفيد ابن الشيخ حسين الشيرازيّين ، وله عدّة آلاف بيت من الشعر العربي والفارسي ، وكان يتخلّص في شعره العربي باسمه(مفيد) وفى شعره الفارسي ب- (داور) ، له تصانيف عديدة منها : ضياء القلوب مقتل فارسي ، ديوانه كعبة الباكين(دوازده بند) ، وكتاب گنج گوهر ، توفّي سنة 1325ه- ..

من (بوشهر) ولم يشرب حتّى عاد من الزيارة ، فسألوه عن ذلك فقال : رأيت الحجّة عليه السلام في المنام ، قال لي : طيّب فمك لزيارة مواليك بترك شرب الدخان.

ومثل ذلك ما نقل عن بعض الأتقياء أنّه نهى بعض الناس عن زيارة العسكريّين في ليلة يأكل فيها الثوم لعفونة فمه ، وقوله (صلى الله عليه وآله) : «من أكل من هذه الخبيثة فلا يقربنّ مسجدنا(1) ؛ فرأى العسكريَّ عليه السلام ليلة في المنام وهو مغضب عليه ، فسئل عن السبب فقال عليه السلام : تنهون موالينا عن زيارتنا لأكلهم الثوم ثمّ تشربون التتن وتأتوننا مع أنّ أفواهكم أنتن من أفواههم.

إلى غير ذلك ممّا لا تسع هذه الرسالة منه معشاراً ، مع أنّ ذلك كلّه غيرمفيد للفقيه ، فمثله كمثل احتكار الثلج لا يورث صاحبه إلا خساراً.

الخامس : التفألات القرآنية(2) المشعرة بجواز شربه ، كقوله م.

ص: 398


1- رسائل المرتضى - الشريف المرتضى - 3 / 125 ، مسند أحمد - الإمام أحمد بن حنبل - 2 / 429.
2- الفأل مهموز يطلق على ما يسرّ ويسوء قولاً أو فعلاً ، أمّا الطيرة فلا تكون إلاّ فيما يسوء. وروي أنّه قيل : يا رسول الله وما الفأل؟ قال : الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم. وقيل : هو شيء يلقيه الله في قلب المتفائل عند سماع الفأل فيلقيه على لسانه فيوافق ما قدّره الله تعالى له ، كما إذا خرج للسفر أو عيادة مريض ولم يقصد سماع الفأل فسمع يا غانم أويا سالم.وقد روي عن رسول الله قوله : إنّ الفأل حقّ. وأنّه كان يحبّ الفأل الحسن ، وروي عنه عليه السلام : يعجبني الفأل وهو الكلمة الحسنة والكلمة الطيّبة. وأنّه (صلى الله عليه وآله) (كان يتفأل ولا يتطيّر. وروي أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام تفأّل بالقرآن لتعيين اسم زيد الشهيد. وقد روى الكليني في كتاب الكافي عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال : لا تتفأل بالقرآن. وقد علّق المحدّث الفيض الكاشاني في كتاب (الوافي) المجلّد 9/ص1784 على ذلك بقوله : لا ينافي هذا ما اشتهر اليوم بين الناس من الاستخارة بالقرآن على النحو المتعارف بينهم ، لأنّ التفأل غير الاستخارة ... وفي (المجلّد 9/ص1417) قال : فإنّ التفأل إنّما يكون فيما سيقع ويتبيّن الأمر فيه كشفاء مريض أو موته ، ووجدان الضالّة أوعدمه ، ومآله إلى تعجيل تعرّف علم الغيب. وقد ورد النهي عنه وعن الحكم فيه بتّة لغير أهله وكره التطيّر في مثله ، بخلاف الاستخارة فإنّه طلب لمعرفة الرشد في الأمر الذي أريدفعله أو تركه وتفويض الأمر إلى الله سبحانه في التعيين واستشارة إيّاه عزّوجلّ ... وبين الأمرين فرق واضح ، وإنّما منع من التفأل بالقرآن وإن جاز بغيره إذا لم يحكم بوقوع الأمر على البت ؛ لأنّه إذا تفأل بغير القرآن ثمّ تبيّن خلافه فلا بأس ، بخلاف ما إذا تفأل بالقرآن ثمّ تبيّن خلافه ، فإنّه يُفضي إلى إساءة الظنّ بالقرآن ، ولا يتأتّى ذلك في الاستخارة به ؛ لبقاء الإبهام فيه بعد ، وإن ظهر السوء ، لأنّ العبد لا يعرف خيره من شرّه في شيء ، قال الله تعالى : (عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). وقال المولى المازندراني في(شرح أصول الكافي 11/74) : والفأل بالقرآن متصوّربوجوه ، الأوّل : أنّ يقصد مطلباً ويسمع مقارناً له آية يستنبطه منها الخير والشرّ أومن أوّل حرف منها كما يفعله أصحاب الحروف الناظرون إلى خواصّها ، الثاني : أن يفتح المصحف ويستنبط الخير والشرّ من الآية الأولى في الصفحة اليمنى أو من أوّل حرف منها ، الثالث : أن يفتحه ويعدّ اسم الله في الصفحة اليمنى ويعدّ بعدده أوراقاً من اليسرى وبعدده سطوراً من اليسرى وينظر إلى آية بعد تلك السطور أو إلى أوّل حرف منها. ولعلّ النهي عنه محمول على الكراهية جميعاً بينه وبين ما دلّ على الجواز ، مع أنّ الخلف والسلف عملوا به ولم ينكر عليهم من يعتدّ به ، وقد صرّح بذلك جماعة من المفسّرين منهم صاحب الكشّاف في آية الإستقسام بالأزلام ، ومن المعاصرين من حمل النهي على التحريم وخصّه بذكر الأمور الغيبية وبيان الأشياء الخفية ، هذا حال التفأل بالقرآن ، وأمّا التفأل بديوان الشعراء كما هو المتعارف عند العوام فالظاهر أنّه حرام وأنّه من الأزلام ، والله أعلم.

ص: 399

تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) (1) ونحوها :

وهذا من الوهن والركاكة بحيث يستقبح التعرض إليه ؛ لكنّه لتمسّك كثيرمن العوامّ والمتقدّسين به لا بأس بذكره والاعتراض عليه دفعاً لبعض الأوهام وحفظاً للعوام.

وجوابه : أوّلاً : بمنع حجّية الاستخارة فضلاً عن التفأل في الموضوعات ، فضلاً عن الأحكام ، (وإن كنتم في ريب ممّا تلوناه) (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (2).

وهما غير القرعة (3) كما لا يخفى.

ولو سلّم كونهما (4) منها فلا خلاف في أنّ القرعة مرجع في ه.

ص: 400


1- سورة الأعراف : آية31.
2- سورة النحل : آية43.
3- القرعة هي السهم أو النصيب ، وتجرى القرعة لاختيار واحد من بين مجموعة ، وذلك برمي أسمائهم أو سهامهم في قرعة وأيّهم خرج اسمه أو سهمه هو صاحب النصيب التي من أجله أجريت القرعة. ينظر معجم ألفاظ الفقه الجعفري ص332.
4- في الأصل (كونها) ، والوجه ما أثبتناه.

الموضوعات فقط ، لا في الأحكام ، ولا أظنّ أحداً يرجع إلى مثل ذلك ، حتّى القائل بحجّية الظنّ المطلق مع أنّه ليس بحجّة ولا يغني عن الحقّ.

وثانيا : إنّ تلك الآية(1) لا تدلّ على المطلوب أصلاً ، بل فيها إشعار بخلافه كما لا يخفى(2) ، ومن استدلّ بأمثال هذه الآيات على أمثال هذه المقالات فقد فسّر القرآن برأيه ، فليتبوّأ مقعده من النار(3).

وثالثا : إنّ أمثال هذه الأمور مستندة إلى الاتّفاق(4) ، ولذلك تراه يقع للكلّ في الكلّ ، بل لا يبعد أن يكون خلاف ذلك أكثر وأظهر كما هو الأشهر.

فقد نقل أنّه تفأل بعضهم للشرب فجاء قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (5).

وتفأل آخر ، فجاء قوله تعالى : (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوإِلَى الْجَنَّةِ) (6).

وتفأل بعض الأحبّة لشربه ، فجاء قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ 2.

ص: 401


1- قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا).
2- وذلك لعدم صدق الأكل والشرب لغة وعرفاً واصطلاحاً على شرب الدخان ، وإطلاق لفظ الشرب عليه من باب المسامحة أو المشابهة مع شرب الماء.
3- أشار إلى ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار. انظر عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي 4 /104.
4- أي المصادفة.
5- سورة البقرة : آية35.
6- سورة البقرة : آية22.

أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) (1).

وتفألت يوماً فيه : فجاء قوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَد مِنَ الْعَالَمِينَ) (2).

وقد نقل لي في هذا الباب مالا يتحمّله الكتاب ، والله أعلم بالصواب. 0.

ص: 402


1- سورة المؤمنون : آية96.
2- سورة الأعراف : آية80.

فصل

في حجج المحرّمين

وهم جمع سمّيناهم عند ردّ الإجماع ، ولعمري أنّ أدلّتهم لا تفي بمقصودهم ؛ لأنّها كلاًّ أو جلاًّ ممنوعة الصغرى أو الكبرى كما سيتلى ، إلاّ في بعض أفراد شرب الدخان ك- : (البنج) (1) و (البوظة) (2) و (الترياق) ونحوها.

ونحن نذكر ما استدلّوا به أو يمكن لهم الاستدلال ، ونشرحها على ما قيل أو ينبغي أن يقال ، ثمّ نتعرّض لما فيها من المنع والإشكال. ..

ص: 403


1- البنج : نبات سام من فصيلة الباذنجانيّات ، أوراقه كبيرة لزجة ، أزهاره بيضاء أو صفراء أومنمّقة بالبنفسجي ، منبته بين الزروع أو الخرائب ، يستعمل في الطبّ للتخدير ، وقيل البنج معرب بنگ (بالگاف الفارسية) نبت مسبت مذهب للحسّ. ينظر المنجد ، أقرب الموارد ، مادّة (بنج).
2- البوظة (البوزة) : نوع من أنواع الخمور أو ما يسمّى (البيرة) ، فيها نسبة معيّنة من الإسكار ، وقد صنّف في حرمتها ابن طولون الدمشقي كتاب(الأقوال المنكرة لشرب البوزة المسكرة) ...

الحجّة الأولى : إنّ الدخان يضرّ بالأبدان وكلّما كان كذلك فهو حرام :

أمّا أنّه مضرّ بالأبدان(1) فنرى منه بالوجدان ما يغني عن البرهان ؛ فإنّه يبلد الأذهان ، ويسوّد الأسنان ، وينحّل الأبدان ، ويفسد الصدر ، ويضعّف القلب ، ويصفر اللون ، ويضيّق النفس ، ويفسد شهوة الطعام ، ويقلّل المنام ، ويجلب الخيالات والأوهام ، ويضرّ بالقوى ، وينقص الحرارة الغريزية ، ويورث في الشبّان أخلاطاً صفراوية ، وفي الشيوخ أخلاطاً سوداوية ، ويحرّك الآه ، ويسكّن ألباه ، ويكسر سورة الدم ، ويعفّن الفم ، ويخفّف صافي البلغم ، ويضعّف شهوة الجماع ، ويورث لغير المتعوّد به الدوار ة.

ص: 404


1- قال البهائي في ص306 من كشكوله : ليس فيما ينفع البدن إسراف إنّما الإسراف فيماأتلف المال وأضرّ البدن. وقال بعض الحكماء : لا سرف في الخير كما لا خير في السرف. (منه) أقول : إنّ ما نقله المصنّف عن الشيخ البهائي كان استشهاداً بالرواية الشريفة في الكافي(6/499) عن إسحاق ابن عبد العزيز قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن التدلّك بالدقيق بعد النورة ، فقال : لا بأس ، قلت : يزعمون أنّه إسراف ، فقال : ليس فيما أصلح البدن إسراف ، إنّي ربّما أمرت بالنقي (أي لباب الدقيق) فيلتّ لي بالزيت فأتدلّك به ، إنّماالإسراف فيما أتلف المال وأضرّ بالبدن. والظاهر أنّ المصنّف ذكر هذا المعنى في هامش المخطوطة ربّما أشار إلى دعوى من ادّعى أنَّ في شرب الدخان إسرافاً ، وقد نهي عنه في الكتاب العزيز والسنّة الشريفة ، ولا نعلم هل المصنّف أيّد هذه الدعوى أم توقّف فيها ؛ وذلك بالإشارة إليها فقط في الهامش حيث لا تنهض لإثبات دليلية الحرمة ، لأنّا لم نقف على تمام المخطوطة.

والصداع ، إلى غير ذلك من المفاسد والمضارّ ، التي يراها أُلو التجربة والاختبار(1) ، وقد عقدنا مقامَةً(2) فيه ، تخبرك عن مفاسده ومساويه(3).

ونقل عن بعض المهرة(4) من حكماء أصفهان أنّه عدّ له نيفاً وسبعين مضرّة.

وعن شهاب الدين القليوبي(5) قال : سمعت عن مهرة الحكماء أنّ شرب الدخان يظلم البصر وينفي شهوة الجماع(6). ب.

ص: 405


1- هذه أمور لا تنفكّ منها كثير من الأطعمة والأشربة والأعمال ، مفردة أو مجتمعة ، فتأمّل.
2- المقامة مفرد المقامات ، وهي حكاية قصيرة موضوعة على لسان رجل خيالي ، تنتهي بعبرة أو موعظة أو نكتة ، أوّل من ابتدعها بديع الزمان الهمداني المتوفّى سنة398ه.
3- وهي رسالته الموسومة(أضرار التدخين ، أو شرب الدخان في نظر الطبّ والدين) وقدطبعت في بغداد سنة 1343ه.
4- وهو الآميرزا أبو الحسن الطبيب ، كما نقله الشيخ علي الأصفهاني الكتابفروش النجفي.(منه)
5- شهاب الدين الشيخ أبو العبّاس أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي ، فقيه متأدّب ، من أهل (قليوب) في مصر ، كانت وفاته سنة 1069 ه- ، وله حواش وشروح ورسائل منها : تحفة الراغب في تراجم أهل البيت ، وتذكرة القليوبي في الطبّ ، ورسالة في فضائل مكّة والمدينة وبيت المقدس وشيء من تاريخها ، وأوراق لطيفة علّق بها على الجامع الصغير ، والهداية من الضلالة في معرفة الوقت والقبلة من غير آلة ، وغيرها. ينظر الأعلام للزركلي 1/92.
6- لم أعثر على هذا القول في كتاب تذكرة القليوبي في الطب.

وحكى لي بعض أطبّاء طهران(1) أنّ سيّداً محكماً في هذا الزمان الآميرزا أبو الحسن المتألّه المشهور ب- : (الجلوة) (2) كان إذا ذكر عنده التتنوالشاهي قال : (إنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) (3).

وسمعت بعض الأجلّة من أطبّاء الحائر ، قال : إنّ شرب الدخان يجذب الرطوبات الصافية ويولّد رطوبات رديّة.

ولنذكر تحقيقاً لبعض الأعلام يناسب ذكره المقام :

قال المولى عبد الله السمناني- من تلامذة السيّد الداماد رحمه الله في رسالته المعمولة في مفاسد شرب الدخان ، وهي ترجمة لرسالة كتبها الحكيم 4.

ص: 406


1- مؤيّد الأطبّاء. (منه) أقول : الظاهر أنّه الميرزا محمّد علي مؤيّد الأطبّاء وهو طبيب معروف من سكنة كربلاء وفضلائها ، كان قد نسخ كتاب تفسير التبيان للشيخ الطوسي بمجلّدين حيث رأى الشيخ الطهراني الجزء الثاني منهما ، كما استنسخ أيضا كتاب(مختصر التبيان) لابن إدريس الحلّي. ينظر الذريعة للطهراني 3/330 ، 20/184.
2- الميرزا أبو الحسن ابن المير محمّد الطباطبائي الطبيب الزواري الأصفهاني ، الفيلسوف العارف ، والملقّب والمتخلّص في شعره ب- : (جلوه) ، ولد في مدينة أحمد آبادگجرات في سنة 1238 ه- ، وانتقل إلى أصفهان فاشتغل في المعقول هناك ، ثمّ نزل بمدرسة (دار الشفاء) بطهران مشتغلاً فيها بالتدريس إلى أن توفّي بها سنة 1314 ه- ، ودفن في مزاره المعروف الآن بجوار الشيخ الصدوق ابن بابويه في جنوبي طهران ، وله حاشية على الأسفار ، وحاشية على شرح القونوي على فصوص الحكم ، ديوان شعر فارسي. ينظر الذريعة للطهراني 6/19- 20.
3- سورة الكهف : آية94.

حسام الدين الماچيني(1) ، بأمر السيّد علي بن الحسن بن شدقم المدني(2) في حدود سنة 1020ه- قريباً من اختراع شرب الدخان في آلَتَيْهِ(الشطب) و (القليان) (3) - قال المولى : «اعلم أنّ الروح جسم لطيف بخاري ه.

ص: 407


1- المولى حسام الدين الماچيني (الماشيني) ، من أشهر أطباء الفرس ، وقيل إنّه أفلاطون الزمان ، يُعدّ من رجال أوائل المائة الحادية عشرة للهجرة ، له رسالة فارسية في بيان منافع شرب التنباك ومضارّه ، ألّفها قرب زمان اختراع الغليان ، حيث كان شيوع شرب التنباك بالغليان في سنة 1012 ه- ، وقد عرّبها المولى عبد الله بن حسين باباالسمناني تلميذ محمّد باقر الداماد بأمر السيّد عليّ بن الحسن بن شدقم الحسيني المدني في المدينة المكرّمة في سنة 1020 ه- ، ونسب إلى الحكيم محمّد مقيم بن محمّد حسين السمناني أنّه انتحلها ، والله العالم. ينظر الذريعة للطهراني4/436- 437 ، أعيان الشيعة للأمين 4/621.
2- السيّد زين الدين عليّ بن الحسن بن شدقم الحسيني المدنيّ. عالم فاضل محقّق أديب شاعر ، من أعيان القرن الحادي عشر الهجري ، له كتاب الأسئلة الشدقمية التي سأل بها الشيخ البهائي. ينظر أمل الآمل للحرّ العاملي2/ 178 ، الذريعة للطهراني 2/87- 88.
3- قال الشيخ جعفر الكبير في الحقّ المبين ص72 : والمعروف ... على خصوص الشرب بالآلتين المخصوصتين المعدّتين له ، المسمّاة إحداهما في اللغة العربية المحرّفة(غرشة) أو (شربة) أو (كدرة) ، والأخرى (غليوناً) أو (شطباً) ، وفي اللغة الفارسية الجديدة ب- : (غليان) ، وجميع ما أشبهها ممّا يكون له رأس يوضع فيه التنباكويوضع عليه النار ، متّصل بمجوّف من عَصَاً أو ظرف آخر متّصل طرفه بفم الشارب ، يجذب الدخان من ذلك الرأس ممّا يكون له رأس يوضع فيه التنباك ويوضع عليه النار ، متّصل بمجوّف من عصى أو ظرف آخر متّصل طرفه بفم الشارب يجذب الدخان من ذلك الرأس بفمه فيدخل إلى جوفه.

صاف(1)شفّاف ، ويتكوّن من بخار الدم اللطيف ، وتخالفه(2) الأجسام الغليظة الكدرة ، خصوصاً الأجسام التي [كانت] فيها أدنى ظلمة ودخانية [تخالفه] وتضادّه جدّاً.

و (الطابقة) (3) يعني التتن في نفسها جسم كثيف يابس ، والدخان الذي يحصل منها لا يخلوا من الأجزاء(4) اليابسة الكثيفة ، كما تظهر في أنبوبته التي تحيل النار إلى دخانها(5) ، وإذا كان مجاريها تسدّ من تردّد الدخان في مدّة يوم أو يومين بحيث لا ينفذ منها الدخان وتحتاج إلى التنقية فكيفء.

ص: 408


1- صاف : لا توجد في الروضات.
2- وتخالفه : لا توجد في الروضات.
3- الطابقة في عرف الأطبّاء اسم للتنباك ، وقد ذكر في روضات الجنات في ترجمة المولى علي نقي الكمرئي أنّ المولى عبد الله السمناني حكى عن أستاذه الداماد رحمه الله نقله عن كتاب منهاج الأدوية مثلما ذكرناه ، وقد قال الحكيم حسام الدين في متن الترجمة أنّ الأطبّاء يسمّون هذا النبات ب- : (الطابق) ، وأهل الحجاز ب- : (الطابة أو الطابقة) ، وأهل الفارس ب- : (التنباك) ، وقيل هو معرّب (تن باك) ، وأهل الترك والروم ب- : (التتن). (منه عفي عنه) أقول : وهو كما في روضات الجنات 4/371 ، إلاّ قوله في الروضات : (على ما حكاه هو في متن تلك الترجمة) وورد هنا : (وقد قال الحكيم حسام الدين في متن الترجمة).
4- لا تخلو عن أجزاء كثيفة يابسة : كذا في المخطوط.
5- في روضات الجنات : (في أنبوب التي تحيل النار إلى دخان فهي تجذب الدخان المذكور إذا انسدّ مجراها في مدّة يوم ....) والظاهر أنّ المصنّف نقل النصّ بتصرّف بعض الشيء.

حال مجاري الأرواح والرطوبات التي أضيق منها كثيراً ، ومن له أدنى معرفة في هذا الفنّ يظهر له المخالفة والمتضادّة التامّة بينهما.

وإذا ثبت ذلك فالأولى أن لا يستعمله أحد ، وإن كان له نفع ما في تحليل الرطوبات الباردة الرقيقة ، لكن ضرره من حيث اضمحلال الروح والقوى فيما تحت هذا الدخان كثير جدّاً ...

إلى أن قال : فإن قيل إنّ التجربة تشهد بعدم إضراره.

قلت : لا نسلّم ، ولو سلّم ، فإنّ التجربة لا تحصل في بدن واحد أو اثنين أوأكثر.

ولو سلّم ، فلا نسلّم مقاومتها للبراهين العقلية اليقينية ، فتدبّر(1). انتهى»(2).

وهذا الرجل من المهرة وأهل الخبرة وكلامه حجّة مع أنّ التجربة تعاضده.

ولو رجع المُنصف إلى المتولّعين بشربه لوجدهم يشكون من أضراره ، وينادون بإنكاره ، وكلامهم أولى بالقبول من كلام الحكماء الفحول ، وتراهم يضجّون من ألمه ، بل يلعنون من عوّدهم به ، إلاّ أنّ العادة وضعف نفوسهم وقلّة مبالاتهم حبستهم عن الترك ، وهم غالباً ينهون عنه من لم يتعوّد به عند النصح والشفقة وذلك أقوى شاهد.

على أنّ عامّة(3) ... ة.

ص: 409


1- روضات الجنّات 4/370- 371 ، حيث قال مصنّفه : ثمّ إنّي وجدت بخطّ هذا المترجم (أي السمناني) فائدة أخرى على ظهر تلك الترجمة وهي أنّه قال : ...
2- وأضاف الخونساري في روضات الجنّات 4/371 : قال في الرياض بعد نقله لكلام هذا الفاضل : إلى هنا تمّ الاستدلال على بطلان ما ذكره طبّاً وشرعاً وعقلاً.
3- إلى هنا انتهت مصوّرة المخطوطة التي تحت يَدِنا بتعقيبة (أنّ عامّة) ، وقد سألنا أحفاده فجاء الجواب إنّ هذه تمام الأوراق الموجودة من المخطوطة.

المصادر والمراجع

1 - القران الكريم كلام ربّ العالمين.

1 - الإجماع التشرّفي دلالته حقيقته حجّيته : السيّد محمود المقدّس الغريفي ، الطبعة الأولى/ 1430ه- - 2009م ، النجف الأشرف.

2 - الأعلام : خير الدين الزركلي ، الطبعة الخامسة / 1980م ، دار العلم للملايين - بيروت - لبنان.

3 - أعيان الشيعة : السيّد محسن الأمين ، تحقيق وتخريج : حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات- بيروت - لبنان.

4 - أقرب الموارد : سعيد الخوري ، طبع 1894م.

5 - الآلة والأداة : معروف الرصافي ، تحقيق وتعليق : عبد الحميد الرشودي ، 1980م ، دار الرشيد للنشر- بغداد.

6 - أمل الآمل : الحرّ العاملي ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، مطبعة الآداب- النجف الأشرف ، نشر : مكتبة الأندلس - بغداد.

7 - الأنوار النعمانية : السيّد نعمة الله الجزائري ، مطبعة شركة چاپ ، تبريز- إيران.

8 - إيضاح المكنون : إسماعيل باشا البغدادي ، تصحيح : محمّد شرف الدين يالتقايا ، رفعت بيلگه الكليسي ، دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

ص: 410

9 - تحف العقول : ابن شعبة الحرّاني ، تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري ، الطبعة الثانية/ 1404 - 1363ش ، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة.

10 - التدخين والصيام (حكم الدخان في نهار شهر رمضان) : السيّد محمود المقدّس الغريفي ، الطبعة الأولى 1424ه- - 2003م ، النجف الأشرف.

11 - تكملة أمل الآمل : السيّد حسن الصدر ، تحقيق : السيّد أحمد الحسيني ، 1406ه- مطبعة خيّام- قم ، الناشر : مكتبة آية الله المرعشي- قم.

12 - حرمة الغليان في شهر رمضان : الشيخ محمّد إبراهيم الكلباسي(الكرباسي) ، مخطوط ، عن نسخة مصوّرة في البرنامج الكومبيوتري لمؤسّسة كاشف الغطاء العامّة في النجف الأشرف ، قرص مدمج رقم 10.

13 - الحقّ المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الأخباريّين : الشيخ جعفرالجناجي المعروف بكاشف الغطاء ، الذخائر 1420ه- - 1999م.

14 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة : آقا بزرگ الطهراني ، الطبعة : الثالثة / 1403 - 1983م ، دار الأضواء - بيروت - لبنان.

15 - رسائل المرتضى : الشريف المرتضى ، إعداد : السيّد مهدي الرجائي ، 1405ه- ، مطبعة سيد الشهداء - قم ، الناشر : دار القرآن الكريم - قم.

16 - روضات الجنّات : الميرزا محمّد باقر الخونساري ، الطبعة الأولى 1411ه- - 1991م ، الدار الإسلامية - بيروت.

17 - السيّد هبة الدين الحسيني آثاره الفكرية ومواقفه السياسية : محمّد باقرالبهادلي ، الطبعة الأولى 1422ه- - 2001م ، مطبعة الحسام للطباعة الفنّية المحدودة.

ص: 411

18 - السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني حياته ونشاطه العلمي والاجتماعي : السيّد عبد الستّار الحسني ، الطبعة الأولى 1429ه- ، مؤسّسة تراث الشيعة ، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي - قم.

19 - شرح أصول الكافي : مولى محمّد صالح المازندراني ، مع تعليقات الميرزا أبوالحسن الشعراني / ضبط وتصحيح : السيّد علي عاشور ، الطبعة الأولى/ 1421 - 2000م ، طباعة ونشر : دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

20 - عوالي اللئالي : ابن أبي جمهور الأحسائي ، تحقيق : الحاج آقا مجتبى العراقي ، الطبعة الأولى / 1403 - 1983م مطبعة سيّد الشهداء - قم.

21 - فرائد الأصول : الشيخ الأنصاري ، الطبعة الأولى / 1419ه- ، مطبعة باقري- قم ، نشر : مجمع الفكر الإسلامي قم.

22 - فقه الرضا : علي بن بابويه ، الطبعة الأولى / شوّال 1406 ه- ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام - مشهد المقدّسة.

23 - قوانين الأصول : الميرزا القمّي ، طبعة حجرية قديمة.

24 - الكافي : الشيخ الكليني ، تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري ، الطبعة الخامسة /1363ش ، مطبعة حيدري ، نشر : دار الكتب الإسلامية - طهران.

25 - كشف الظنون : حاجي خليفة ، الناشر دار إحياء التراث العربي- بيروت - لبنان

26 - الكنى والألقاب : الشيخ عبّاس القمّي ، تقديم : محمّد هادي الأميني ، مكتبة الصدر- طهران.

27 - المحكم والمتشابه : الشريف المرتضى علي بن الحسين ، طبع حجري سنة1312ه.

ص: 412

28 - مختصر تذكرة السويدي في الطبّ : للشعراني ، وبهامشه تذكرة الشيخ أحمد القليوبي في الطبّ ، 1331ه- ، مطبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر.

29 - المدارس الدينية في النجف الأشرف تاريخ وتطوّر : حسين جهاد الحساني. مركز الأمير لإحياء التراث الإسلامي - النجف الأشرف.

30 - مسند أحمد : الإمام احمد بن حنبل ، دار صادر- بيروت - لبنان.

31 - مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف : كاظم عبّود الفتلاوي ، الطبعة الأولى 1427ه- - 2006م ، منشورات الاجتهاد - قم ، مكتبة الروضة الحيدرية النجف الأشرف.

32 - المعجم الأصولي : محمّد صنقور ، الطبعة الأولى/1421م ، مطبعة عترت- قم.

33 - معجم ألفاظ الفقه الجعفري : الدكتور أحمد فتح الله ، الطبعة الأولى/ 1415ه- - 1995م ، مطبعة مطابع المدوخل - الدمام.

34 - المنجد في اللغة والأدب والعلوم : لويس معلوف ، الطبعة 19 ، المطبعة الكاثوليكية - بيروت.

35 - الموسوعة الفقهية الميسّرة : الشيخ محمّد علي الأنصاري ، الطبعة الأولى/ 1415 ه- ، مطبعة باقري ، نشر : مجمع الفكر الإسلامي - قم.

36 - هدية العارفين : إسماعيل باشا البغدادي ، طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية إستانبول سنة 1951م / أعادت طبعه بالأوفست دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

37 - الوافي : المولى محمّد محسن المعروف بالفيض الكاشاني ، تحقيق وتصحيح وتعليق : ضياء الدين العلاّمة ، الطبعة الأولى/1406ه- ، مكتبة الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام بأصفهان.

38 - وسيلة الوسائل في شرح الرسائل : السيّد محمّد باقر اليزدي النجفي ، طبعة حجرية سنة 1291ه.

ص: 413

من أنباء التراث

هيئة التحرير كتب صدرت محقّقة

*رسالة

في آداب البحث والمناظرة وشرحها.

تأليف : طاش كبرى زاده (ت968ه).

رسالة في فنّ وآداب البحث والمناظرة من تصنيف عصام

الدين أبو الخير أحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبرى زاده تبيّن مدى تضلّع العلماء

في مباحثاتهم ومساجلاتهم بسائر العلوم ومدى التزامهم بآداب البحث والمناظرة

لإلزام الخصم وإفحامه.

اشتمل الكتاب على : نسبة رسالة آداب البحث إلى طاش

كبرى زاده ، ترجمة أحوال طاش كبرى ، من أقوال العلماءفيه ، مؤلّفاته ، الحديث حول

النسخ المخطوطة للرسالة ، العمل في تحقيق الرسالة ،

نبذة عن علم آداب البحث والمناظرة ، صور عن نسخ الكتاب ، رسالة آداب البحث

والمناظرة ، شرح رسالة طاش كبرى ، تعريف المناظرة ، وظيفة السائل ، بيان المراد

من المعارضة ، وظيفة المعلّل ، بيان ماتؤول إليه ، آداب المناظرة ، منظومة طاش

كبرى زاده في آداب البحث والمناظرة ، فهرس مصادر التحقيق.

تحقيق : حسين جودي كاظم الجبوري.

الحجم : رقعي.

عدد الصفحات : 80.

نشر : مركز الأمير لإحياء التراث الإسلامي

وإنتشارات الاعتصام - قم - إيران/1429 ه.

ص: 414

*الحقيبة.

تأليف : السيّد مصطفى مرتضى العاملي رحمه الله.

تناول الكتاب مجموعة من محاضرات ومجالس المؤلّف

التي دارت فيها حوارات ومناظرات في مجالات شتّى تخصّ العقيدة الموالية لأهل بيت

الرسالة

عليهم السلام والتي جاء بها على شكل سؤال وجواب بين

المتحاورين ، ليكون الحوار أكثر منطقية وأوقع في النفس ، وقدجاءت هذه الطبعة

محقّقة ومنقّحة ومزوّدة بالتخريجات.

وقد اشتمل الكتاب على مقدّمة التحقيق وعشرين فصلا

في : شهادة الأربعين مؤمناً ، تلقين الميّت حساب القبر ، الحشر ، الإمامة من

أصول الدين ، إقامة عزاء الحسين عليه السلام ، لِمَ لم

يقاتل أمير المؤمنين عليه السلامفي عهد

الخلفاء ، المؤمن مبتلى والكافر موسّع عليه ، الفاتحة إلى الميّت ، الجمع بين

الصلاتين ، المعراج ، إبليس ، خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام ، عليّ عليه السلام

أفضل من الأنبياء ، خلق الله عيسى عليه السلام من غير أب ،

أين توجد

الجنّة والنار وما هي الأرضون السبع ، ما الدليل

على أنّ الأرضين سبع ، من قلّة العقل القول بالتثليث ، معنى النبيّ والصلاة

والزكاة ، الأخذ من الشاربين ، ما وجه تفضيل بني إسرائيل على العالمين ، من أفضل

مريم أم فاطمة عليها السلام؟

تحقيق : السيّد محمّد مرتضى العاملي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 512.

نشر : منشورات رشيد - قم - إيران/ 1431ه.

*فرحة

الغري.

تأليف : أبي المظفّر ابن طاووس العلوي الحسني (ت

693ه).

تناول المصنّف رحمه الله تاريخ مرقد

مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلامدراسة

وبحثاً ليستدلّ على إثبات مدفن سيّدالموحّدين عليه السلام

في هذه البقعة المباركة أي النجف الأشرف ، فقد استدلّ بالآثار المروية عن أهل

البيت

عليهم السلام وبشواهد تاريخية تدلّ على وجود قبره

ص: 415

الشريف في ظهر الكوفة ، منها اكتشاف هارون الرشيد

لقبره

عليه السلام وزيارة بعض الخلفاء العباسيّين لمرقده الشريف ،

وقد تصدّى المؤلّف لإبطال ما أثير من أقاويل تنفي وجود قبره الطاهر عليه السلام

بأرض الغريّ.

اعتمد في تحقيق الكتاب على عدّة نسخ ذكرت في مقدّمة

التحقيق.

تحقيق : محمّد مهدي نجف.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 398.

نشر : العتبة العلوية المقدّسة - النجف الأشرف -

العراق/1431 ه.

*الفوائد

الرجالية من تنقيح المقال في علم الرجال ج(1 - 2).

تأليف : الشيخ عبدالله المامقاني رحمه الله (ت1351

ه).

هو من الكتب الرجالية المعتمدة في دراسة علم الرجال

، يبحث عن أحوال رجال السند ، وهي من البحوث المهمّة والدّراسات المعوّل عليها

لمعرفة وثاقة سند الحديث ، ومن الآليّات التي تمكّن

المجتهدين وذوي الاختصاص لمعرفة الثقاة ، استلّ هذا

الكتاب من كتاب تنقيح المقال ، وحقّق وطبع بشكل مستقلّ لما احتواه من فوائد

رجالية تربو على ثلاثين فائدة ذكرت في مقدّمة التحقيق ، كما زوّد الكتاب

بمصوّرات لخطّ يد المصنّف رحمه الله.

تحقيق : الشيخ محمّد رضا المامقاني.

عدد الصفحات : 528 ، 560.

نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء

التراث - قم - إيران/1431 ه.

*نهاية

الوصول إلى علم الأصول ج (1- 2).

تأليف : الحسن بن يوسف بن المطهّر العلاّمة الحلّي

(ت729ه).

يعدّ هذا الكتاب من الكتب العلمية في أصول الفقه

المقارن للعلاّمة الحلّي رحمه اللهالذي التزمت

تحقيقه مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث

، حيث أثرى المكتبة الأصولية الشيعية التي امتازت دراستها في الأصول

بالاستقلالية أخذاً

ص: 416

وعطاءً من الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ،

وقد استعرض العلاّمة في كتابه هذا الآراء والأقوال بروح علمية رفيعة خالية من

عناصر التعصّب والتحيّز ، حيث ساهم في بناء هذا الصرح وتطوّر مدرسة الأصول

الشيعية والترابط الوثيق بين حلقات تكامله ، وقد جاء هذا الكتاب إجابة لطلب ولده

فخر المحقّقين في إنشاء كتاب جامع لما ذكر المتقدّمون حاو لما حصّله المتأخّرون

، مع زيادة نفيسة لم يسبقه إليها الأوّلون ، فصرف الهمّة إلى وضع هذا الكتاب

القيّم.

احتوى الكتاب على ثلاثة عشر مقصداً وقد اعتمد في

تحقيقه على ستّ نسخ مخطوطة ذكرت في المقدّمة صدر منه إلى الآن جزءان ولا زالت

بقيّة أجزائه قيد التحقيق.

وقد اشتمل هذان الجزءان على خمس مقاصد في المقدّمات

، اللغات ، كيفية الاستعمال ، الأمر والنهي ، العموم والخصوص.

تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياءالتراث.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 433 ، 447.

نشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء

التراث - قم - إيران/1431 ه.

*معالم

العلماء ج(1 - 2).

تأليف : محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني

السروي (ت 588 ه).

يعدّ هذا الكتاب من الفهارس الرجالية التي اعتنى

مصنّفها بتدوين كتب الشيعة وأسماء مصنّفيها قديماً وحديثاً ، وهو من الكتب التي

أثرت المكتبة الرجالية فصار محلّ اعتماد العلماء بعد فهرست الشيخ الطوسي ، حيث

عدّه المصنّف في مقدّمة الكتاب تتمّة له إذ قال : «وإن كان قد جمع شيخنا أبو

جعفر الطوسي قدس سره في ذلك العصر ما لا نظير له إلاّ أنّ

هذا المختصرفيه زوائد وفوائد فيكون إذاً تتمّة له ، وقد زدت فيه نحواً من ستمائة

مصنّف وأشرت إلى المحذوف من كتابه وإن كانت الكتب لا تعدّ ولا تحدّ».

هذا وقد اهتمّت مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء

التراث بتحقيق هذا

ص: 417

السِّفر فصدر منه هذان الجزءان ولازالت سائر أجزائه

الأخرى قيد التحقيق ، وقد اعتمد في تحقيقه خمسة نسخ ذكرت في مقدّمة التحقيق ،

وقد اشتمل الجزءان على أسماء الرجال ابتداءً من حرف الألف حتّى حرف العين.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 608 ، 674.

نشر وتحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء

التراث - مشهد - إيران/ 1431 ه.

*الرسالة

الحائرية في المسألة السفرية.

تأليف : الشيخ إبراهيم سليمان القطيفي(ت بعد 945ه).

تعتبر هذه الرسالة أهمّ مصدر يذكر فيه الاختلافات

بين الكركي والقطيفي ، وماجرى بينهما من مطارحات علمية عندما اجتمعا أواخر سنة

913 ه- وهما في طريقهما لزيارة العتبات المقدّسة في العراق ، وكذلك عندما اجتمعا

في مرقد الإمام الرضا عليه السلام في مدينة

مشهد المقدّسة.

وقد ذكر القطيفي في رسالته هذه بعض المسائل العلمية

التي جرت بينهما ، وهي : إنّ العشرة القاطعة لكثرة السفر هل يشترط فيها التتالي

أم لا ، إنّ من لم يجد ساتراً إلاّ جلد الكلب وعليه في نزعه تقيّة هل يسقط فرض

أداء الصلاة عنه أم لا ، هل يستحبّ الوضوء المجدّد على من اغتسل غسل الجنابة أم

لا ، حكم قبول جوائز الحكّام.

وتحتوي هذه الرسالة على تمهيد ، ومقدّمة ، وفصلين ،

وخاتمة.

تحقيق : الشيخ محمّد الحسّون.

الحجم : رقعي.

عدد الصفحات : 86.

نشر : الرافد للمطبوعات - قم - إيران/1431 ه.

كتب

صدرت حديثاً

*أسئلة

وأجوبة حول الإمام الحسين وشعائره المقدّسة.

تأليف : الشهيد الشيخ هشام الصيمري.

ص: 418

تناول الكتاب نهضة سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام

وبيّنها على شكل أسئلةوأجوبة ، موضّحاً بعض معالم تلك النهضة المباركة وآثارها

في توعية الأمّة وإحياء دين الله ، وقد ردّ المؤلّف رحمه الله فيه على

الاعتراضات والشكوك التي تثار حول شعائر الإمام الحسين عليه السلام

وما يمارسه الشيعة إحياءً لذكرى مصاب الإمام الحسين عليه السلام ،

وجاءت هذه الأسئلة وأجوبتها موجزة لئلاّ يملّها القارىء الكريم.

الحجم : رقعي.

عدد الصفحات : 128.

نشر : بوستان كتاب التابع لمكتب الإعلام الإسلامي -

قم - إيران/ 1430 ه.

*التشيّع

في العراق وصلاته بالمرجعية وإيران.

تأليف : رسول جعفريان.

بحث المؤلّف في كتابه عن نشأة التشيّع في العراق

بحثاً تاريخيّاً ، وكيفية تأثّرالقبائل والبلدان المجاورة للعراق بالفكرالشيعي

الإمامي لا سيّما إيران ،

كما بيّن التطوّرات التي أدّت إلى وجود المرجعية في

العالم الشيعي والالتفاف حولها في خضمّ الأحداث والمجريات التيواجهتها ، كما

تطرّق إلى الترابط التاريخي الوثيق في عالم التشيّع بين المرجعية وإيران خاصّة

في العقود الأخيرة.

اشتمل الكتاب على خسمة فصول في : نشأة التشيّع في

العراق ، الجغرافية البشرية والسياسية للشيعة في العراق ، تنامي حضور

الإيرانيّين في العراق مطلع القرن العشرين ، المرجعية الشيعية في العراق وإيران

، المرجعية في العراق وتحدّيات العصر.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 184.

نشر : دار الحبيب - قم - إيران/ 1429ه.

*تاريخ

حرم أئمّة البقيع وآثار أخرى في المدينة المنوّرة.

تأليف : الشيخ محمّد صادق النجمي.

ص: 419

تناول المؤلّف في كتابه دراسة تاريخية وعقائدية أدان

بها هدم قبور أئمّة البقيع ومحو سائر الآثار التاريخية الإسلامية ، مؤكّداً على

أنّها مخالفة لسيرة الأنبياء وأنّ المسلمين ومنذ عهد الخلفاء الراشدين والفتوحات

الإسلامية كانت تقدّس وتحترم قبور الأنبياء والأولياء والآثار التاريخية الدالّة

على المسار الديني لرسالة السماء.

اشتمل الكتاب على مقدّمتين للمترجم والمؤلّف ،

وتمهيد لأبحاث عقائدية ، وعشرة فصول في : تاريخ حرم أئمّة البقيع عليهم السلام ،

بيت الأحزان ، حرم إبراهيم ابن النبيّ ، مرقد عثمان بن مضعون ، حرم نساء رسول

الله (صلى الله عليه وآله) وبناته ، مرقد عقيل بن أبي طالب عليه السلام ،

مرقد حليمة السعدية ، مراقد أئمّة أهل السنّة في البقيع ، مرقد إسماعيل بن

الإمام الصادق عليه السلام ، حرم حمزة.

ترجم الكتاب من الفارسية إلى العربية السيّد محمّد

رضا المهري.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 376.

نشر : مؤسّسة المعارف الإسلامية - قم - إيران

/1429ه.

*ديوان

السيّد رضا الهندي وأبنائه.

إعداد : هادي حسين الموسوي.

احتوى الكتاب على أشعار السيّد رضا الهندي وأبنائه.

وقد عرف السيّد رضا الهندي بقوّة شعره وجزالته

ورقّة بيانه وعذوبته ، أطراعليه العلماء وأصحاب التراجم وشهدوا له بنبوغه العلمي

واجتهاده بالفقه والأصول ، عُرف شعره وأدبه في الأوساط ، وله مدائح لأهل بيت

النبوّة مثل قصيدته المعروفة بالكوثرية التي امتدح بها رسول الله (صلى الله عليه

وآله) وأمير المؤمنين عليه السلام ، وله

أيضاًمراثي في الإمام الحسين عليه السلام وواقعة الطفّ

المؤلمة ، فشعره ساطع الولاء يشهد له بالإطراء والثناء ، هذا وقد ذكرت لكلّ من

السيّد الهندي وأبنائه تراجم عن حياتهم العلمية والأدبية.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 383.

ص: 420

نشر : انتشارات المكتبة الحيدرية - قم - إيران

/1430ه.

*الحيرة

جذوة الحضارة وأصالة التراث.

تأليف : السيّد حسن عيسى الحكيم.

تناول الكتاب دراسة منطقة الحيرة تاريخيّاً ،

فتناول ماضيها وحاضرها بحثاً عن حضارتها وأهميّتها الجغرافية والسياسية والاجتماعية

، حيث تشكّل جغرافيّتها المثلّث الحضاري مع منطقتي الكوفة والنجف الأشرف ، وقد

جاء هذا الكتاب مكمّلا لكتابيه : المفصّل

في تاريخ النجف الأشرف والكوفة بين العمق التاريخي والتطوّر العلمي.

وقد اشتمل الكتاب عل الفصول التالية : الحيرة

والخطط التاريخية لمنطقة الظهر ، صلة الحيرة بالأنبار وبلاد الشام ، الحيرة من

مؤتمر الخورنق إلى موقعه بالقادسية ، موقع القادسية من الحركات العسكرية لتحرير

العراق ، الأديرة وأماكن العبادة في مدينة الحيرة ومنطقة الظهر ، الجبّانات

والمقابر في ظهري الحيرة

والكوفة ، القصور والقلاع في الحيرة ومنطقة الظهر ،

بحر النجف والعيونوالينابيع في المثلّث الحضاري ، درب زبيدة أو طريق الحاج ،

الصناعة والفكر الهندسي في المثلّث الحضاري ، المثلّث الحضاري في رحلة ابن

بطّوطة.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 478.

نشر : منشورات المكتبة الحيدرية - قم - إيران

/1431ه.

*الإمام

الصادق كما عرّفه علماء الغرب.

الكتاب عبارة عن دراسة لحياة الإمام الصادق عليه السلام

ونظريّاته العلمية ، وقد ألّف الكتاب باللغة الفرنسية وترجم منها إلى الفارسية

والعربية ، وهو عبارة عن مجموعة أبحاث علمية أعدّها مركز الدراسات العليا

المتخصّصة في تاريخ الأديان بجامعة استراسبورغ الفرنسية بمشاركة نخبة من العلماء

المستشرقين وأساتذة الجامعات الأوربية والأمريكية وعدد من العلماء المتخصّصين من

ص: 421

جامعات الدول الإسلامية ، وقد وقّف هذا المركز

دورته التي انعقدت سنة 1968م على دراسة الشيعة الإمامية وتاريخها العلمي

والحضاري.

هذا وقد قام بترجمته من الفرنسية إلى العربية

الدكتور نور الدين آل علي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 416.

نشر

: دار القارىء - بيروت - لبنان/1428ه.

*توضيح

القواعد الفقهية.

تأليف : الشيخ محمّد صنقور علي البحراني.

تناول المؤلّف عدداً من القواعد الفقهية المتعاهدة

بين الفقهاء في مباحثهم وشرحها وبيّن موارد تطبيقاتها ، حيث اعتمد في شرح

القاعدة على بيان المراد منها أوّلا وقد قرنها بالتمثيل والتطبيق ثمّ بحث عن

مدرك القاعدة بعرض الأدلّة وبيان تقريب الاستدلال بها على حجّيتها ، كما شرح

ألفاظ القاعدة وذلك تيسيراً لفهم القواعد الفقهية.

اشتمل الجزء الأوّل على المقدّمة ، تمهيد ، قاعدة

حجّية الظنّ في الصلاة ، قاعدة لا شكّ لكثير الشكّ ، قاعدة لا تعاد ، قاعدة

الصحّة ، قاعدة الإلزام ، قاعدة الفراش ، قاعدة البيّنة على المدّعي واليمين على

من أنكر ، قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، قاعدة عدم تداخل الأسباب

والمسبّبات.

واشتمل الجزء الثاني على قاعدة اليد ، قاعدة من ملك

شيئاً ملك الإقرار به ، قاعدة الإتلاف ، قاعدة الغرور ، قاعدة ما يضمن بصحيحه

يضمن بفاسده ، قاعدة الإحسان ، قاعدة الجبّ (الإسلام يجبّ ما قبله) ، قاعدة

الحدود تدرأ بالشبهات.

الحجم : وزيري.

عدد الصحات : 437 و406.

نشر : منشورات رشيد - قم - إيران/1430ه.

*العتبات

المقدّسة في الكوفة.

تأليف : محمّد سعيد الطريحي.

أعدّ المؤلّف دراسة عن تراث الكوفة

ص: 422

تشييداً لحضارتها وتمجيداً لتاريخها ودفاعاً عنها

وصوناً لعراقتها حيث صارت غرضاً لسهام طائشة تنمّ عن أحقاد دفينة قصدت طمر تراث

أهل البيت

عليهم السلام ، فتناول أهمّ معالم الكوفة من مشاهد

ومساجد وآثار تاريخية ، وقد زوّد الكتاب بصور ملوّنة وغير ملوّنة تحكي تاريخ

مدينة الكوفة ، وهذا الكتاب جزءٌ آخرمن موسوعة الكوفة التي صدرت على شكل كتب

مستقلّة ، وجاء موضوعه مؤتلفاً لما احتواه كتاب فضل

الكوفة وفضل أهلها ومساجدها.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 296.

نشر : أكاديمية الكوفة - العراق/1431ه.

*الإمام

الحسن العسكري عليه السلام وحدة الهدف وتعدّد

الأساليب.

تأليف : محمّد حسين علي الصغير.

تناول الكتاب حياة الإمام أبي محمّد الحسن بن علي

العسكري

عليه السلام الإمام الحادي عشر من أئمّة الهدى من آل بيت

الرسول (صلى الله عليه وآله) ، بيّن من خلالها

سيرته الذاتية وأخلاقه والنصّ على إمامته ، كما قدّم دراسة في أهمّية أساليب

الإمام عليه السلام في

تمهيد الأمور لإمامة ولده الإمام الحجّة بن الحسن(عج) والإبقاء على منهج ولاية

أهل البيت

عليهم السلام في حال تطويقه ورصده عليه السلام

من قبل أجهزة البلاط العبّاسي.

اشتمل الكتاب على ستّة فصول في : شذرات ثمينة من

السيرة العطرة ، ظواهر عصر الإمام العسكري ، الإمام العسكري وملوك البلاط

العبّاسي ، الإمام العسكري يمهّد لولده الإمام المنتظر ، صفحات مشرقة من تراث الإمام

، استشهاد الإمام الحسن العسكري ، وقد ألحق المؤلّف مجموعة من قصائده في الإمام

العسكري

عليه السلام ونبذة عن سامرّاء في ظلّ الإمامين العسكريّين عليهما السلام

وجولة في آثار سامرّاء.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 300.

نشر : مؤسّسة البلاغ - بيروت - لبنان/1430 ه.

ص: 423

*دور

الشيعة في الحديث والرجال نشأةً وتطوّراً.

تأليف : الشيخ جعفر سبحاني.

كان للشيعة دور كبير في دراسة الحديث متناً وسنداً

إحياءً لتراثهم الثرّوتخليداً لمجد أئمّتهم الأطهار عليهم السلام في

تربية حملة الحديث وذلك لما مني به العالم الإسلامي من منع روايته بعد فقد

الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، وقد أظهرت هذه الدراسة أنّ مدرسة رواية

الحديث عند الشيعة قد بدأت منذ القرن الرابع والخامس الهجري ، وقد جاءهذا الكتاب

للذبّ عنهم في ردّالشبهات القائلة بعدم اهتمام الشيعة بدارسة الحديث ، فقدّم

دراسة في تاريخ نقل الحديث ودراسته وذكر رواته لكلّ حقبة زمنية حتّى القرن

الخامس عشر الهجري.

اشتمل الكتاب على مقدّمة ومقامين ، الأوّل : دور

الشيعة في تدوين الحديث في القرون الثلاثة ، وفيه مقدّمة وفصول هي : أئمّة أهل

البيت

عليهم السلام وتدوين الحديث ، نبذة مختصرة عن حياة الأئمّة

المعصومين عليهم السلام ،

الشيعة والحديث في عصر الصحابة والتابعين ، الشيعة والحديث في القرن الثاني حتّى

القرن الثالث ، خصوصيّات رواة الشيعة ، المراكزالحديثية للشيعة ، الجوامع

الحديثية الثانوية.

والمقام الثاني : رجال الجرح والتعديل من الشيعة

إلى القرن الخامس عشر.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 502.

نشر : مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام -

قم - إيران /1431ه.

*أضواء

وآراء ج(1 - 3).

تأليف : السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي.

كتاب أصوليّ علّق فيه المؤلّف على كتاب بحوث

في علم الأصول الذي هو تقريرلأبحاث أستاذه الشهيد

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر قدس سره وذلك خلال

اشتغال المؤلّف بتدريسها وإلقائها على الطلاّب الأفاضل ضمن دورتين أصوليّتين في

ص: 424

الحوزة العلمية بقم المقدّسة.

اشتمل الكتاب على عشرة بحوث في : الأوامر ، النواهي

، الحجج والأمارات ، الأصول العملية ، أصالة الاحتياط ، الاستصحاب ، تعارض

الأدلّة ، المحتويات وقد اشتملت على ثلاث تعليقات من الأجزاء الخامس والسادس

والسابع في أصالة الاحتياط ، والاستصحاب ، وتعارض الأدلّة.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 694 و455 ، 502.

نشر : مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلامي - قم -

إيران/1431ه.

*القواعد

الفقهية في فقه الإمامية ج(31).

تأليف : الشيخ عبّاس السبزواري.

موسوعة فقهية تناولت أكثر من أربعمائة قاعدة فقهية

في مختلف أبواب الفقه بين القواعد الخاصّة والقواعد العامّة ، وقد بحث المؤلّف

فيها عن مفادّهاومدركها وتطبيقاتها واستثناءاتها على نحو مستقلٍّ تسهيلا لروّاد

العلم

وسالكي طريق الفقاهة وطالبي ملكة الاجتهاد.

اشتمل الجزء الأوّل على : مقدّمة وتمهيد وتسعة فصول

في : القواعد المختصّة بباب الطهارة ، القواعد المختصّة بباب الصلاة ، القواعد

المختصّة بباب الصوم ، ما يختصّ بباب الاعتكاف ، القواعد المختصّة بباب الزكاة ،

القواعد المختصّة بباب الخمس ، القواعد المختصّة بباب الحجّ ، القواعد المختصّة

بباب الجهاد ، القواعد الجارية في باب البيع.

واشتمل الجزء الثاني على : الفصل العاشر حتّى الفصل

الرابع عشر وذلك في : القواعد المختصّة بباب الدَّين والقرض ، القواعد المختصّة

بباب الرهن ، القواعد المختصّة بباب الحجر ، القواعد المختصّة بباب الوكالة ،

القواعد المختصّة بباب الضمان.

وقد اشتمل الجزء الثالث على : الفصل الخامس عشر

حتّى الفصل السابع والعشرين وذلك كما يلي : فيما يختصّ بباب الصلح ، في القواعد

المختصّة بباب

ص: 425

الشركة ، فيما يختصّ بالمضاربة ، في القواعد

المختصّة بباب المزارعة ، في القواعد المختصّة بباب المساقاة ، في القواعد

المختصّة بباب الوديعة ، في ما يختصّ بباب العارية ، في القواعد المختصّة بباب

الإجارة ، في القواعد المختصّة بباب الجعالة ، في القواعد المختصّة بباب الوقف ،

فيما يختصّ بباب الهبة ، فيما يختصّ بباب السبق والرماية ، فيما يختصّ بباب

الوصيّة.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 453 ، 441 ، 453.

نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة

المدرّسين - قم - إيران/1430ه.

*السيّدة

فاطمة المعصومة.

تأليف : عبدالهادي چيوان.

الكتاب هو قبسات من حياة السيّدة فاطمة المعصومة

كريمة أهل البيت عليها وعليهم السلام ، قدّم فيه المؤلّف عرضاً روائيّاً

وتاريخيّاً عن ولادتها ونشأتها وفضيلة زيارتها وما روي عنها عليها

السلام ، كما ذكر فضيلة بلدة قم المقدّسة عشّ آل

محمّد صلوات الله عليهم أجمعين ؛ هذا وقد زوّد الكتاب بصور عن مدينة قم وتطوّر

عمران المرقد الشريف.

الحجم : رقعي.

عدد الصفحات : 138.

نشر : انتشارات طوباي محبّت - قم - إيران/1432ه.

*ديوان

القرن الثالث عشر ج(1 - 2).

تأليف : الشيخ محمّد صادق محمّد الكرباسي.

الكتاب هو جزءٌ من دائرة المعارف الحسينية ، وقد

اعتنى المؤلّف فيه بالجانب الأدبي للشعر الحسيني الذي واكب نهضة أبي الأحرار أبي

عبدالله الحسين عليه السلام منذ وقعة كربلاء وحتّى اليوم على مرّ

العصور ، حيث تناول في هذا الجزء عرض القصائد التي نظمت في القرن الثالث عشر الهجري.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 514 ، 514.

ص: 426

نشر : المركز الحسيني للدراسات ، لندن/1432ه.

*تاريخ

المراقد.

تأليف : الشيخ محمّد صادق الكرباسي.

الكتاب هو جزء من دائرة المعارف الحسينية ، وقد

اهتمّ المؤلّف فيه بتاريخ مراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره عليهم السلام ،

حيث استأنف البحث عن مقامات رأس الحسين عليه السلام

الشريف ومحطّاته مع ركب السبايا من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام مزوّداً دراسته

وتنقيبه عنها بالصور قديماً وحديثاً كما شبّعها بالمنابع التاريخية والقصص

المرتبطة بها والأحداث التي دارت حولها وما نسب إليها من أشعار.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 466.

نشر : المركز الحسيني للدراسات ، لندن/1432 ه.

*معجم

أنصار الحسين عليه السلام.

تأليف : الشيخ محمّد صادق

الكرباسي.

الكتاب جزء من دائرة المعارف الحسينية ، تناول فيه

المؤلّف أنصار الإمام الحسين عليه السلام من النساء

وترجم لهنّ وفق ما عثر عليه من كتب التواريخ وغيرها من كتب المقاتل ، وهو الجزء

الثاني في هذا المجال ، أردف فيه أسماءهنّ بدءاً من حرف الألف وحتّى حرف الفاء ؛

وقد ذكر في مقدّمة الكتاب المنهج العملي والعلمي في استدراكه لما فاته من حقائق

تاريخية وكيفية تحقيقها.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 388.

نشر : المركز الحسيني للدراسات ، لندن/1431ه.

*موسوعة

كلمات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج(1 - 14).

إعداد : مركز أبحاث باقر العلوم.

اهتماماً بجمع أحاديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه

وآله) أعدّ مركز أبحاث باقر العلوم موسوعة حديثية جمع فيها ما ورد من أحاديث

نبيّ الرحمة محمّد (صلى الله عليه وآله) التي

ص: 427

اعتنت بها مجامع وكتب الحديث الشيعية مجتنبين في

ذلك تقطيع الأحاديث ، كما اجتنبت فيها الأحاديث المتضمّنة لكلمة أوكلمتين ولا

دلالة خاصّة فيها ، كما اجتنبت الأحاديث المروية في النوم والرؤيا ، واستخرجت

الأحاديث المدوّنة في المصادر الشيعية فقط ، كما اعتمدت الأحاديث التي اعتمدها

الشيعة الإمامية من مصادر أهل السنّة.

وقد تمّت هذه الموسوعة في أربعة عشر جزءاً ، اشتمل

الجزء الأوّل والثاني منها على ما يرتبط بالقرآن الكريم ، والثالث إلى السابع في

الرسول الأعظم وأهل البيت عليهم السلام ، والجزء

الثامن في الأدعية ، والتاسع في الخطب والغزوات والأحاديث القدسية ، والعاشر في

المحاورات التي جرت لغرض معرفة رأيه الشريف (صلى الله عليه وآله) ، والثاني عشر

في الأحكام الفقهية والوصايا ، والثالث عشر والرابع عشر في الكلمات القصار وكلّ

ما لم يندرج تحت الموارد الآنفة الذكر.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 300 و500 إلى أكثر

من 800 صفحة.

نشر : أمير كبير - قم - إيران/1431ه.

*البعد

الفكري والتربوي لنهج البلاغة.

تأليف : الشيخ عبدالرسول الغفاري.

اهتماماً بتدريس اللغة العربية وآدابها تناول

المؤلّف دراسة هادفة لنصوص من كلام سيّد البلغاء من الوجهة الأدبية والفكرية

وشرحها بأسلوب مبسّط ، وقد تمّ اختيار بعض الخطب والنصوص وفق منهج مدروس لما

فيها من مواعظ ومفاهيم وأصول لا يمكن إغفالها بل يحتاجها الطالب الجامعي والأستاذ

والحوزوي بل سائر الناس في حياتهم ، فهي نصوص أخلاقية وأدبية تستحقّ الاهتمام

لما فيها من منهج ثقافي وتربوي ، فقد تناول المؤلّف الخطبة ثمّ أشار إلى مصادرها

التي جاءت قبل وبعد الشريف الرضي ثمّ أتبعها بشرح المفردات وتبيان معانيها وذكر

الأوجه البلاغية ثمّ شرحها ، وختم البحث بذكر بعض حكم أمير المؤمنين عليه السلام.

ص: 428

اشتمل الكتاب على مقدّمة وسبعة فصول في الخطب

التالية : يصف فيها عظمة الله وجلالة قدرته أوّلها : (كلّ شيء خاضع له) ، يصف

فيها حال العرب قبل الإسلام قوله : (بنا اهتديتم في الظلماء) ، يصف فيها المتّقين

، يصف فيها المنافقين ، عند دفن سيّدة النساء

فاطمة عليه السلام ،

الخطبة الشقشقية ، شذرات من غرر الحكم لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 200.

نشر : مؤسّسة أنصاريان - قم - إيران/ 1431ه.

*النسخ

بين المفسّرين والأصوليّين.

تأليف : الشيخ عبد الرسول الغفاري.

تناول المؤلّف في هذا الكتاب دراسة في مباحث النسخ

بكلّ أبعاده وفصوله وذلك من خلال مدرستي التفسير والأصول ، كما تناول فيه الفرق

بين النسخ والبداء وما أثير في ذلك من كلام

عند طائفة من الكتّاب والباحثين ، وتناول الكتاب ما

ثبت فيه النسخ من القرآن على سبيل الجزم وأنّه في موارد قليلة جدّاً ضمن مسلك

المفسّرين دون الأصوليّين ؛ لأنّ المعوّل عليه في القواعد الأصوليّة أن نلتزم في

مجال العمل فيما لوكان الناسخ قطعيّاً ، أمّا لو كان ظنّيّاً فلاحجّة فيه ولا

يصحّ الأخذ به كما هو المعروف من أنّ الإجماع الحاكم هو أنّ النسخ لا يؤخذ به

إلاّ بدليل قطعيٍّ. وقد أدلى المؤلّف بآرائه في دراسة المدرستين ردّاً على منهج

الإفراط الذي ينكر النسخ جملةً وتفصيلا ، كما روى على منهج التفريط القائل

بالنسخ كلمّا تعارضت الآيات في القرآن.

وقد اشتمل الكتاب على أبحاث منها : أهمّية النسخ في

التفسير ، النسخ عند الصحابة والأصوليّين والفقهاء اصطلاحاً ، الاستدلال بالقرآن

جوار وقوع النسخ ، أدلّة إثبات النسخ ، روايات النسخ في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ،

رأي بعض المتأخّرين في إمكان النسخ ، علم النسخ عند من ، حكمة النسخ ، سبب

ص: 429

الاختلاف في النسخ ، اهتمام المسلمين في علم الناسخ

والمنسوخ ، بين النسخ والبداء ، ما نسب إلى الشيعة ، علم الله سبحانه ، نسخ

الحكم والتلاوة ، موارد نسخ الحكم والتلاوة على وجه الإجمال ، نسخ التلاوة دون

الحكم ، في ما نسخ حكمه وبقي تلاوته ، أقسام النسخ في الحكم ، أقسام السور التي

دخلها ناسخ أو منسوخ ، شروط النسخ ، تعقيب لابدّ منه ، الموازنة بين الناسخ

والمنسوخ ، ما خرج عن حدّ النسخ.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 360.

نشر : مركز المصطفى العالمي - قم - إيران/1431ه.

*المحكم

والمتشابه.

تأليف : الشيخ عبد الرسول الغفاري.

تناول المؤلّف موضوع المحكم والمتشابه وهو من بحوث

علوم القرآن الكريم ، وقد صنّفت فيه مصنّفات

عديدة ، وقد بلغ من الأهمية إذ كان محلّ نزاع بين

فِرَق المسلمين من أشاعرة ومعتزلة إذ ذهبت كلّ فرقة في تأويل الآيات المتشابهة

بما ينسجم مع عقائدها وتصوّراتها ممّا أدّى إلى احتدام فكريٍّ شديد بين الفرقتين

ونشوب صراعات وفتن ، هذا وقد عقد الكتاب في خمسة فصول استعرض فيها المؤلّف آراء

كبار المفسّرين في شأن تحديد مفهوم المحكم ومفهوم المتشابه ، ثمّ يتناول الكتاب

موضوعين مهمّين الأوّل منهما : أنّ علم المتشابه عند من ، ومن هم الراسخون في

العلم ، والموضوع الثاني : تسليط الضوء على بعض الآيات المتشابهة وتقريب معناها

إلى الذهن ، وقد تناول الكتاب آراء المفسّرين في المحكم والمتشابه.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 200.

نشر : مركز المصطفى - قم - إيران/ 1431 ه.

ص: 430

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.