تراثنا المجلد 98

هوية الکتاب

المؤلف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

المطبعة: نمونه

الطبعة: 0

الموضوع : مجلّة تراثنا

تاریخ النشر : 1430 ه.ق

الصفحات: 524

ص: 1

اشارة

تراثنا

صاحب

الامتیاز

مؤسّسة

آل البيت لإحياء التراث

المدير

المسؤول :

السيّد

جواد الشهرستاني

العددان

الأوّل والثني [97 - 98]

السنة

الخامسة والعشرون

محتويات العدد

* كلمة العدد :

* الحِراك الفِكري وعَقْلَنة الصِّراعات.

............................................................... هيئة التحرير 7

* بين الصدوق والقطب الراوندي دراسة في كتابيهما (النبوّة) و (قصص الأنبياء)

........................................... السيّد حسن الموسوي البروجردي 11

* مدوّنات الشيخ المفيد رحمه الله وقراءته الكلامية للتاريخ.

..................................................... الشيخ قاسم خانجاني 87

* النظرية التفسيرية في المدرسة الإمامية (3).

.................................................... السيّد زهير الأعرجي 199

محرّم - جمادى

الآخرة

1430

ه-

* مدرسة الحلّة وتراجم علمائها من النشوء إلى القمّة (4).

............................................. السيّد حيدر وتوت الحسيني 271

* من ذخائر التراث :

* تفسير سورة الدهر لصدر الدين محمّد بن نصير الدين الحسني المتوفّى 1154 ه.

............................................ تحقيق : السيّد حسين الوردي 305

* فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لعيسى بن يزيد بن بكر بن دأب من أعلام القرن الثاني.

............................................ تحقيق : الشيخ محمّد مشكور 405

* من أنباء التراث.

........................................................... هيئة التحرير 509

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (تفسير سورة الدهر) للسيّد صدر الدين محمّد بن نصيرالدين الحسني المتوفّى 1154 ه- والمنشورة في هذا العدد.

ص: 2

* كلمة العدد :

* الحِراك الفِكري وعَقْلَنة الصِّراعات.

............................................................... هيئة التحرير 7

* بين الصدوق والقطب الراوندي دراسة في كتابيهما (النبوّة) و (قصص الأنبياء)

........................................... السيّد حسن الموسوي البروجردي 11

* مدوّنات الشيخ المفيد رحمه الله وقراءته الكلامية للتاريخ.

..................................................... الشيخ قاسم خانجاني 87

* النظرية التفسيرية في المدرسة الإمامية (3).

.................................................... السيّد زهير الأعرجي 199

محرّم - جمادى

الآخرة

1430

ه-

* مدرسة الحلّة وتراجم علمائها من النشوء إلى القمّة (4).

............................................. السيّد حيدر وتوت الحسيني 271

* من ذخائر التراث :

* تفسير سورة الدهر لصدر الدين محمّد بن نصير الدين الحسني المتوفّى 1154 ه.

............................................ تحقيق : السيّد حسين الوردي 305

* فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لعيسى بن يزيد بن بكر بن دأب من أعلام القرن الثاني.

............................................ تحقيق : الشيخ محمّد مشكور 405

* من أنباء التراث.

........................................................... هيئة التحرير 509

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (تفسير سورة الدهر) للسيّد صدر الدين محمّد بن نصيرالدين الحسني المتوفّى 1154 ه- والمنشورة في هذا العدد.

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

كلمة العدد : الحِراك الفكري وعَقْلَنة الصراعات

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحیم

في خضمّ بحر متلاطم من الأفكار ، وأعاصير آراء امتازت بها البشرية منذ أن كتب التاريخ سطوره الأُولى على كهوف حركته ، كان الإنسان يبحث عن ضالّته عسى أن يجدها بين طيّات بنات أفكاره ، فكانت الحكمة تتجاذب أطراف الصراع في الذات الإنسانية ، فظهرت الأفكار والحضارات الأولى ، فكانت مرحلة النشأة والنموّ ثمّ الأوج والأفول متزامنة ومضطردة باضطراد مراحل الفكر لدى أبنائها ، فتهدّمت صروح بانهدام أركان الحكمة فيها ، وبنيت على أطلالها حضارات ما لبثت أن تداعت بانهدام مقوّماتها ، وبقيت السنن هي السنن تستخلف أفكاراً وحضارات يأتي بعضها لينهض بالبعض الآخر ليقوّم ما اعوجّ منها ويُصلح ما فسد ، وبدأت الصراعات الفكرية تتجاذب أطراف الحوار بين أصحاب الرأي والرأي الآخر ، وبدأ الصراع يفسد للودّ قضية ، وانهارت الحضارات ولم يبق منها إلاّ اسمها أو رسمها ، ولم يتّعظ أقطاب الفكر والحكمة البشرية من فادح الخسارة التي ألقت بظلالها على مسيرة حركة التاريخ ، غافلة عن أنّ الصراع الفكري سلاح ذو حدّين ، فكانت أُولى قرابينه الأنبياء عليهم السلام ، ولم يستثن هذا

ص: 7

الصراع مفكّري الحضارات الأولى ، فسقراط الذي جاء بالفكرة في معرفة الذات الإنسانية وسبر غور تصرّفاتها ووضع للأخلاق لُبنتها الأولى وحارب السفسطة فاتّهمه خصومه بالزندقة فتجرّع السمّ في سجنهم ليثأر للكلمة وأخلاقيّاتها ، وإفلاطون في جمهوريّته كان يسعى إلى المدينة الفاضلة فاصطدم بهم.

وإنّ الصراع الفكري الكنسي في العصور الوسطى كان من أكثر المظاهر التي تجلّت فيها مصادرة الكلمة وإقصاء الرأي الآخر ، حتى وصل الأمر إلى إصدار الأحكام الكنسية بإحراق مخالفي الكثلكة أحياءً أمام الملأ ، فتمخّض الصراع عن ولادة الرأي الآخر الذي تمثّل في البروتستانتية التي تبلورت على يد مارتن لوثر الذي قام بحركته الإصلاحية المعروفة في شأن الغفرانيّات ، والأُرثوذوكسية التي انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية فأنشأت لها الكنيسة الشرقية البيزنطية.

وقبل العصور المظلمة بقرون كان الصراع الفكري على أشدّه بين المذاهب الإسلامية ومدارسها ، حيث كانت كلّ مدرسة تسعى للاستحواذ على بلاط السلطان ليكون لها السطوة واليد الطولى لخنق أصوات الرأي الآخر ، ولم يسلم من تلك الدوّامة مذهب ولا مدرسة ، وراح ضحيّة تلك الحقبة أئمة ومفكّرون ، وأهدرت دماء وسجن العديد من أصحاب الرأي ، وأُسكتت أصوات كانت امتداداً لصدى الرفض الأوّل الذي أطلقه جندب بن جنادة الربذي أبو ذرّ الغفاري.

ومرّت قرون طوت معها مراحل تطوّر الوعي الإنساني ، وبدا بصيص من الأمل يلوح في الأفق لينبئ عن عصر جديد ، وكان البحث عن الحقيقة يستنهض رجالا طالما أقضّ مضاجعهم صراعات القرون الأولى ، فنهض

ص: 8

جمال الدين والكواكبي ومحمّد عبده ، واستبشر الفكر والمفكّرون ، وبدأت مرحلة جديدة في توحيد الكلمة تحت ظلال كلمة التوحيد قادها رجال مصلحون كالسيد البروجردي والسيد هبة الدين الشهرستاني وكاشف الغطاء وشرف الدين ورجالات الأزهر ، وبدت تجلّيات تلك الحقبة واضحة في تأثيراتها تاركة بصماتها على مسيرة الحركة الفكرية من خلال احترام الرأي والرأي الآخر ، وبدت معالم العمران الفكري التي أسّست للفكر الإسلامي المعاصر لبنتها الأولى واضحة المعاني.

إلاّ أنّه سرعان ما بدأت في أوربا مرحلة جديدة من العصور المظلمة تجتاح الفكر الأوربي ، وأخذت الفضيلة والقيم الدون كيشيوتية بالانحسار أمام جيوش صموئيل هينتنغتون - الّذين زجّهم في صراع حضاراته - وفوكوياما في نهاية تاريخيه.

فعاد دون كيشوت أدراجه راجلا ينذر البشرية بحروب صليبية من نوع جديد أخذت تلقي بظلالها واضحة على مجتمعاتنا الإسلامية ، وبدا للوهلة الأولى وكأنّ طبول الحرب تقرع بين الشرق والغرب لكنّ صداها كان أقرب من ذلك بكثير ، وإذا بها حرب ضروس بين أبناء كلمة التوحيد ، شحذ فيها أصحاب الكلمة والسيف من أبناء جِلدتنا أقلامهم وسيوفهم ؛ لتمزيق ما تبقّى من أوصال هذه الأمّة ، وتجلّت في أبشع صورها عندما بدأ البعض بمصادرة الرأي وإقصاء الرأي الآخر ، حتّى وصل بنا الأمر إلى التكفير والتهويد ، والذبح على الفكرة والمذهب ، وهدر الدم ، واستباحة الأعراض والأموال لكلّ من يخالف في الكلمة والفكرة ، متناسين أنّ الحوار بين المذاهب لم يغب يوماً عن الحراك الفكري منذ نشأة الدولة الفتية في صدر الإسلام ، فكثيراً ما كانت تعقد مجالس الحوار والمناظرات بين

ص: 9

الصحابة ، وما مسائل ابن الأزرق عند الكعبة وغيرها ، وحوار ومناظرات الأئمّة عليهم السلام مع أئمّة المذاهب الأخرى واختيارهم لأصحابهم للحوار والمناظرات وتوصياتهم لهم بأدب الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن خير شاهد على ذلك.

وبالرغم من أنّ تلك المناظرات كان أكثرها يمتاز بطابع الاحتجاج ومنازعة الخصم ؛ إلاّ أنّها كانت تحمل بين طيّاتها معان عظيمة من احترام الرأي والرأي الآخر ، وحراك الآراء وعقلنة الصراعات ، وأنّ المذهب لم يكن في يوم من الأيّام سبباً في تفريق الأمّة ولا مانعاً من توحيد الكلمة ، بل كان نوعاً من الحراك الفكري الذي ساهم في بناء عمرانها الثقافي والاجتماعي ، وكامن من كوامنها الحيوية.

وأمّا الاستنباط فلم يكن إلاّ نوعاً من أنواع ذلك الحراك الذي أثرى الأمّة ، وجعل المسلمين يمارسون أعظم أنواع الحوار ، والاستماع إلى الرأي الآخر واحترامه ، ونوعاً من أنواع البحث عن الحقيقة ، فالتعددية الفكرية والمذهبية في مجتمعاتنا ليست عبئاً يجب التخلّص منه ، وإنّما هي حقيقة تاريخية ينبغي التعامل معها بحكمة ؛ ليتسنّى لنا أن نجني ثمارها ، وهي ذات جذور تاريخيّة مشرقة في مجتمعاتنا ، فقد ألّف العديد من علماء المسلمين كتباً ورسائل تبيّن أدب الحوار والمجادلة وأسسهما وقواعدهما ومقوّماتهما.

فلنرقى بأدب الحوار إلى ما كان عليه السلف الصّالح ، ولنسمو عسى أن نجد في كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة فصل الخطاب.

ص: 10

بين الصدوق والقطب الراوندي دراسة في كتابيهما (النبوّة) و (قصص الأنبياء)

السيّد حسن الموسوي البروجردي

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أفضل المصلّين

وأشرف الداعين وعلى آله الذين هم أهل الذكر أجمعين ،

واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين

وبعد ..

فيقول العبد الفقير المحتاج إلى رحمة ربّه الغفور السيّد حسن الموسوي البروجردي - بصّره الله عيوب نفسه وجعل يومه خيراً من أمسه - : إنّ منهج المحدّثين وأصحاب المدوّنات والكتب الحديثية عند الشيعة الإماميّة من القرن الرابع - بل ما قبله بيسير - إلى زماننا هذا في أخذ الحديث وروايته وذكر إسناده إنّما هو عن طريق الأخذ والقراءة من كتب وأُصول المتقدّمين عليهم ، وقلّما يوجد نقل الحديث في ذلك الأوان عن طريق

ص: 11

السماع من المشايخ دون كتابته حتّى أنكر البعض ذلك ، خصوصاً في القرنين السادس والسابع ، وهذا أمر مسلّم به لا يمكن النقاش فيه ، ولذا سمّوا المشايخ الواردة في الأسانيد إلى أصحاب الكتب (مشايخ الإجازة) ، واشتهر عندهم من استغناء مشايخ الإجازة عن التوثيق ، ولإثبات هذا أو نفيه مباحث طويلة ليس هنا مقام بيانها.

وبالجملة : نحن نواجه النقولات الواردة في الكتب بالنسبة إلى ذكر أسانيدها ومصادرها على صور مختلفة ، وهي كما يلي :

الأُولى : رواية الأحاديث مسندةً من دون التصريح بأسامي الكتب المأخوذ منها تلك الأحاديث ، وهذه الأسانيد ليست إلاّ طرقاً إلى أصحاب الكتب والأُصول من المتقدّمين الذين عاشوا في عصر أئمّة أهل البيت عليهم السلاموكانت كتبهم محفوظة في أيدي المتأخّرين عنهم وفي خزائن مكتباتهم بأحد طرق التحمّل للحديث ، ونقلوا من تلك الكتب بسرد طرقهم وأسانيدهم إليها ونقلوا بها تراثنا إلى الأجيال التي تليهم بأمانة ، وهذا ديدن المتقدّمين من أصحابنا في أواخر القرن الثالث والقرنين الرابع والخامس(1). ة.

ص: 12


1- من أمثلة هذه الصورة : كتب سعد بن عبد الله الأشعري (المتوفّى 299 أو 300 ه) ومحمّد بن الحسن الصفّار (المتوفّى 290 ه) ومحمّد بن يعقوب الكليني (المتوفّى 329 ه) ومحمّد بن إبراهيم الكاتب النعماني (من أعلام أواسط القرن الرابع) وأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (المتوفّى 460 ه) ، ومن التصريحات الواضحة في هذا المعنى ما ذكره صدوق أصحابنا محمّد بن علي بن بابويه القمّي (المتوفّى 381 ه) في كتاب فقيه من لا يحضره الفقيه ، فإنّه قال في المقدّمة 1 / 3 - 5 : «وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني ، وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي ، وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمّد بن أحمد ابن يحيى بن عمران الأشعري ، وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله ، وجامع شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد (رضي الله عنه) ، ونوادر محمّد بن أبي عمير ، وكتب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي ، ورسالة أبي - (رضي الله عنه) - إلىّ ، وغيرها من الأُصول والمصنّفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي الله عنهم». ولاحظ كتابه الفقيه ومشيخته ، فإنّه رحمه الله صرّح في غير موضع بأسماء الكتب التي نقل عنها وأنّ إسناده طريق إلى رواية هذه الكتب ، منها : كتاب زياد بن مروان القندي 1 / 263 / 110 ، نوادر إبراهيم بن هاشم 1 / 231 / 45 ، كتاب محمّد بن مسعود العيّاشي 1 : 356 / 2 كتاب عبد الله بن المغيرة 1 : 296 / 15 ، كتاب علي ابن جعفر 4 : 5 ، كتاب العلل للفضل : 53 ، كتاب حميد بن المثنّى العجلي : 65 ، كتاب الكافي للكليني : 116 ، مضافاً إلى أنّ جلّ من روى عنهم عليهم السلام كانوا أصحاب أُصول وكتب وترجمهم النجاشي والطوسي وابن شهر آشوب و.. في فهارسهم وذكروا إليهم طرقاً وأسانيد. ومن أمثلة ذلك أيضاً مشيخة التهذيبين لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (المتوفّى 460 ه) ، فإنّه رحمه الله صرّح في مقدّمة مشيخة التهذيب 10 : 4 بتخريجه جميع روايات التهذيب عن كتب الأصحاب وأُصولهم ، قال : «واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنّف الذي أخذنا الخبر من كتابه أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله واستوفينا غاية جهدنا ما يتعلّق بأحاديث أصحابنا رحمهم الله ...» إلى أن قال : «والآن فحيث وفّق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطرق التي يتوصّل بها إلى رواية هذه الأُصول والمصنّفات ، ونذكرها على غاية ما يمكن من الاختصار لتخرج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات». وقال في آخر المشيخة : 88 - بعد ذكر جملة من طرقه إلى الأصحاب - : «قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأُصول ، ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ رحمهم الله من أراده أخذه من هناك إن شاء الله ، وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب فهرست الشيعة ، والحمد للّه ربّ العالمين». وأشار أيضاً في مقدّمة مشيخة الاستبصار 4 : 376 أنّه عمل هذا الكتاب على نفس المنهج الذي سلكه في كتاب التهذيب من الأخذ عن الكتب والأصول لأصحابنا رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وأحال في آخر المشيخة : 426 باقي الطرق إلى فهارس الشيوخ الموضوعة لهذا المعنى. وبالجملة : نحن نرى أسامي جمع من أعاظم الفقهاء والمحدّثين عملوا فهرساً للكتب والأُصول للقدماء من أصحاب الأئمّة عليهم السلام ، وهذه الفهارس ليست كالكتب الرجاليّة الصرفة بل تتصدّى لجمع وتبويب قائمة أسامي المصنّفين وتوثيقهم وأسامي كتبهم وكيفية نسخها وروايتها من حيث الحجّيّة ، وقد كتب هذه الفهارس أمثال حميد بن زياد الدهقان الكوفي (المتوفّى 310 ه) وأبي جعفر محمّد بن جعفر ابن أحمد بن بُطّة المؤدّب القمّي (المتوفّى ق 4 ه) ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (المتوفّى 343 ه) وعلي بن الحسين المسعودىّ (المتوفّى 346 ه) وأبي غالب أحمد بن محمّد الزراري (المتوفّى 368 ه) والشيخ الصدوق محمّد بن بابويه (المتوفّى 381 ه) والحسين بن الحسن بن محمّد بن موسى بن بابويه (المتوفّى ق 4 ه) وأحمد بن عبد الواحد بن عبدون البزّاز (المتوفّى 423 ه) وأبي العبّاس أحمد بن علي النجاشي الكوفي (المتوفّى 450 ه) وشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (المتوفّى 460 ه) وغيرهم من أساطين هذه الطائفة ، ولكلّ ما ذكرناه هنا شواهد وأدلّة كثيرة لا يقتضي المقام إيرادها ، وفيما بيّناه كفاية.

ص: 13

الثانية : تصريح باسم مصادرهم وذكر طرقهم إليها وإلى مؤلّفيها في أوّل كتبهم أو في مطاويها وذلك لشهرة هذه الكتب وكثرة الطرق إلى مؤلّفيها ، ونلاحظ هذه الحالة في جملة من تآليف القرن السادس وما بعده إلى القرن الثامن(1). .

ص: 14


1- من أمثلة هذه الصورة كتاب المناقب لأبي جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (المتوفّى 588 ه) وكتب يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي المعروف بابن البطريق (المتوفّى 600 ه) وكتب السيّد علي بن موسى بن طاوس الحسني الحلّي (المتوفّى 664 ه) ومن ماثلهم ؛ فإنّهم رحمهم الله صرّحوا باسم مصادرهم وذكروا طرقهم إليها إمّا في أوّل كتبهم أو في أثنائها ؛ قال ابن طاوس في مقدّمة فلاح السائل : 52 : «وربّما لا أذكر أوّل طريقي في كلّ حديث من هذا الكتاب لئلاّ يطول ، ويكفي أنّني أذكر طريقي إلى رواية كلّما رواه جدّي السعيد أبو جعفر الطوسي تلقّاه الله جلّ جلاله ببلوغ المأمول ، فإنّه روى في جملة ما رواه عن الشيخ الصدوق هارون بن موسى التلّعكبرىّ - قدّس الله روحه ونوّر ضريحه - كلّما رواه ، وكان ذلك الشيخ الصدوق قد اشتملت روايته على جميع الأُصول والمصنّفات إلى زمانه ...» إلى أن قال : «ثمّ رويت بعدّة طرق عن جدّي أبي جعفر الطوسي كلّ ما رواه محمّد بن يعقوب الكلينىّ وكلّ ما رواه أبو جعفر محمّد بن بابويه وكلّ ما رواه السعيد المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان وكلّ ما رواه السيّد المعظّم المرتضى وغيرهم ممّن تضمّن كتاب الفهرست وكتاب أسماء الرجال وغيرهما رواية جدّي أبي جعفر الطوسي عنهم رضوان الله عليهم وضاعف إحسانه إليهم» انتهى كلامه. وسرد بعد ذلك طريقين من طرقه روايةً عن مشايخه إلى الشيخ الطوسي ثمّ قال تعليقاً على طريقه الأخير : «وهذه روايتي عن أسعد بن عبد القاهر الإصفهاني اشتملت على روايتي عنه للكتب والأُصول والمصنّفات ، وبعيد أن يكون قد خرج عنها شيء من الذي أذكره من الروايات».

الثالثة : لم يسندوا طرقهم إلى مؤلِّف مصادرهم واكتفوا باسم مصدر التخريج استغناءً بشهرة الكتب والأحاديث واعتماداً على كثرة الطرق والأسانيد ، نشاهد هذه الطريقة بين المحدّثين وأصحاب المدوّنات الحديثيّة من القرن الثامن إلى زماننا هذا ، فإنّهم ذكروا طرقهم وأسانيدهم إلى المصنّفات والأُصول القديمة في كتب ورسائل مستقلّة خصّصوها لهذه المهمّة ، وذلك مثل الإجازات الصغيرة والكبيرة والأثبات الموضوعة لهذا المعنى ، فإنّ الأسانيد كانت ولا تزال موضع اهتمام كبير لدى المشتغلين في هذه الطبقة بحيث لا يوجد طالب علم في هذه الطبقات لم يكن عنده طريق أو طرق متعدّدة للاتّصال إلى شيوخنا المؤلّفين ومؤلّفاتهم(1). م.

ص: 15


1- من أمثلة الصورة الثالثة : العلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (المتوفّى 726 ه) والشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (المتوفّى 786 ه) والشيخ علي بن يونس البياضي (المتوفّى 877 ه) والمحقّق الثاني علي بن الحسين الكركي (المتوفّى 940 ه) والشهيد الثاني زين الدين بن أحمد العاملي (المتوفّى 965 ه) والشيخ البهائي محمّد بن الحسين العاملي (المتوفّى 1031 ه) والعلاّمة محمّد باقر المجلسي (المتوفّى 1110 ه) والمحدّث الميرزا حسين النوري (المتوفّى 1320ه) ، وقد يعدّ هؤلاء الأعلام حلقات اتّصال السند إلى قدمائنا رضوان الله عليهم أجمعين ، واتّصلت رواية المتأخرين في سلسلة الأسانيد إلى هؤلاء الأعاظم.

هكذا قطعت أحاديث النبىّ وأهل بيته عليه وعليهم السلام مراحلها الزمنيّة من حيث الإسناد والنقل حتّى وصلت إلينا محلولةً مشاكلها ، معروفةً الصحيح منها من الدخيل ، فعلينا أن نسبر القرائن الموجودة في كلّ واحد من مؤلّفات أصحابنا وأن نستخرج منهجية الأخذ في الكتب الحديثيّة والمصادر التي اعتمدوا عليها ، وإنّه لجدير بالباحثين في علوم الشريعة أن يعطوا مزيداً من العناية لهذا البحث ويعيّنوا من خلال ذلك المصادر المأخوذة منها أخبار كلّ كتاب حتّى يميّزوا قيمته العلميّة ، ولا يخفى علينا ثمرات هذا البحث وأهمّيّته لكي نعالج به قيمة تراثنا العلمي.

الراوندي وقصص الأنبياء وما روى فيه من الأخبار :

وبعد كلّ هذا وذاك فنحن - فيما يلي - نتصدّى للبحث عن مصادر الشيخ الإمام والفقيه الشهير والمحدّث الخبير قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي (المتوفّى 573 ه) في كتابه قصص الأنبياء ، فنقول :

إنّه رحمه الله عاش في الفترة التي ابتدأ فيها التحوّل النقلي من الطبقة الأُولى إلى الطبقة الثانية وهما اللتان مَرّ بيانهما آنفاً - يعني رواية الأحاديث مع ذكر الطرق بدون التصريح بأسماء الكتب ، والرواية مع التصريح وذكر الطرق في أوّل الكتاب أو أثنائه - وذلك أنّه روى الأخبار والأحاديث الواردة في هذا الكتاب مسندةً من دون أن يصرّح بأسماء مصادرها ذاكراً طرقه في أوّل أكثر

ص: 16

فصول الكتاب ، وعليه فإنّه نهج في هذا الكتاب بين هذين المنهجين المذكورين لا على نهج واحد ، ولكنّه يمكننا أن نستعلم مصادره من وجود القرائن المتوفّرة الموجودة ضمن كتابه وخارجه ، وذلك أنّه إن كان المصدر المحتمل موجوداً أمكن إثبات ذلك أو نفيه بالمقايسة إلى ذاك المصدر ومن مقارنة أحاديثه بأحاديث الكتاب ، فقد نثبت ذلك عن طريق اتّحاد المباحث والمطالب أو ترتيبها أو اتّحاد الألفاظ في النقل أو قرائن أُخرى على الأخذ ، أو عدمها على عدمه ، ولم نجد لهذا القسم من مصادر الراوندي في هذا الكتاب إلاّ مصدراً واحداً وهو كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى لأمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (المتوفّى 548 ه) والمعروف كونه من مشايخ القطب(1) ؛ فإنّ القطب نقل غالب الباب العشرين - وهو آخر أبواب القصص - من هذا الكتاب ، وفيه كلام سيأتي إن شاء الله تعالى. ومن اللازم أن نقول : إنّ جميع ما روي من الكتب المذكورة في الباب العشرين - بل جزء يسير من الباب التاسع عشر - فهو بواسطة كتاب إعلام الورى؛ وذلك مثل كتاب تفسير القمّي وكمال الدين للصدوق وصحيحي البخاري ومسلم وغيرها ؛ فلا تظنّ أنّ روايته بدون الواسطة.

أمّا المصادر الأُخرى للقطب فليست موجودةً ، ولذلك أشكل الأمر علينا شيئاً ما ، ولكنّ القرائن تؤكّد لنا بعض احتمالات تسهّل تعيين مصادر القصص بل قد توصلنا إلى الاطمئنان بها ، فلنذكر في ما يلي ما جمعناه من القرائن والأمارات حول مصادر غير موجودة لكتاب القصص ، فنقول :

يستكشف بالملاحظة السريعة لكلّ من راجع هذا الكتاب أنّ القطب ء.

ص: 17


1- خاتمة مستدرك وسائل الشيعة 3 : 83 ، ونقل عنه في الرقم : 148 من كتاب قصص الأنبياء.

أخذ جلّ أخبار كتابه هذا عن بعض كتب الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن موسى بن بابويه رحمه الله (المتوفّى 381 ه) كما قال العلاّمة الأفندي في رياض العلماء بعد البحث في انتساب الكتاب إلى القطب : «وأخباره جلّها مأخوذة من كتب الصدوق»(1) ، وذلك للأدلّة والشواهد التاليّة :

الأوّل : إنّ القطب يروي جميع هذه الأخبار والأحاديث بالسند المتّصل عن طريق مشايخه إلى الأئمّة المعصومين عليهم السلام مروراً بالشيخ الصدوق في أوّل كلّ حديث منها بعبارة : «بالإسناد عن ابن بابويه» «عن ابن بابويه» «بإسناده» «وبهذا الإسناد» يعني الإسناد السابق الذي يبدأ بالصدوق أو يبدأ بأحد مشايخ الصدوق مع العطف بالطرق السابقة ب- (و)(2) ، كما نعلم أنّ الراوندي يروي جميع كتب الصدوق بل جميع كتب قدماء أصحابنا - رضوان الله تعالى عليهم - على ضوء طرقه وأسانيده ممّا تسبّب بأن عدّه علماء الحديث من المشايخ المهمّين لرواية كتب القدماء ومن حلقات وَصْل المتأخّرين إلى المتقدّمين(3).

الثاني : إنّ مجموعةً كبيرةً من تلك الأخبار موجودة في كتب الشيخ الصدوق بنفس السند والمتن(4) أو باختصار في المتن بالسند .

ص: 18


1- رياض العلماء 2 : 428.
2- تورّق كتاب القصص فإنّه مملوء من هذا التعبير.
3- انظر كتاب الإجازات من بحار الأنوار 107 : 48 و 49 (إجازة الشيخ زين الدين علي بن حسان الرهمي لأبي علي الحسين بن خشرم الطائي في سنة 600 ه) ، و 107 : 154 (إجازة السيد محمّد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي البغدادي للسيّد شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي المعالي العلوي) ، و 109 : 34 (إجازة الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني للسيّد نجم الدين الحسيني).
4- انظر نماذج من ذلك في المجلّد الأوّل تحت الأرقام : 2 ، 5 ، 13 ، 14 ، 15 ،20 ، 36 ، 37 ، 38 ، 43 ، 64 ، 67 ، 81 ، 87 ، 88 ، 90 ، 91 ، 92 ، 95 ، 101 ، 104 ، 106 ، 107 ، 108 ، 116 ، 119 ، 120 ، 127 ، 131 ، 132 ، 141 ، 150 ، 155 ، 163 ، 176 ، 197 ، 200 ، 212 ، 224 ، 227 ، 240 ، 271 ، 273 ، 275 ...

الواحد(1) ، كما أنّ قسماً منها نقله العلماء عن الشيخ الصدوق أو عن أحد كتبه(2). ومن اللازم أن يعلم أنّ عدّة من أخبار الكتاب المبدوّة بالصدوق لم ترد في أيّ من كتب الصدوق المطبوعة(3).

هذا ، ومن المحتمل قوياً أنّ يكون الراوندي قد أخذ هذه الأخبار عن أحد كتب الصدوق وفقاً لما كان قد اختصرتها بعض كتب المتقدّمين وزاد فيما بينها بعض الأخبار والآراء الخاصّة به ، وذلك مثل كتابه فقه القرآن من كلام الملك الديّان الملخّص من كتاب التبيان لشيخ الطائفة الطوسي (المتوفّى 460ه)(4) ، واللبّ واللباب المستخرج من كتاب فصول عبد الوهّاب(5) ، وخلاصة التفاسير له أيضاً.

وممّا ذكرنا يقوى احتمالنا من أنّ القطب يروي أخبار كتابه القصص 9.

ص: 19


1- انظر نماذج من ذلك في المجلّد الأوّل تحت الأرقام : 38 ، 41 ، 51 ، 81 ، 160 ، 109 ، 213 ، 242 ...
2- لاحظ استخراجات كتاب القصص.
3- لاحظ استخراجات كتاب القصص.
4- رياض العلماء 2 : 423 و 424 ، الذريعة 1 : 41 / 202 ، 16 : 295 ، والكتاب مطبوع في مكتبة السيّد المرعشي في قم المقدّسة.
5- قال الأفندي في رياض العلماء 2 : 421 : «له تلخيص فصول عبد الوهّاب في تفسير الآيات والروايات مع ضمّ الفوائد والأخبار من طرق الإماميّة». لاحظ : الذريعة 18 : 292 / 159 ، أعيان الشيعة 7 : 240. وتوجد نسخة ناقصة منه في مكتبة آية الله البروجردي في قم المقدّسة برقم : 409 ، وذكرت في فهرسها 2 : 259.

عن بعض كتب شيخنا أبي جعفر الصدوق رحمه الله ، وإذا رجعنا إلى قائمة أسامي كتب الصدوق وجدنا فيما بينها كتابين يناسبان موضوع كتاب قصص الأنبياء : الأنبياء والرسل وأحوالهم وتاريخهم ، والكتابان هما : كتاب النبوّة وكتاب جامع حجج الأنبياء(1).

واستناداً لما ذكرنا لابدّ أن يكون الكتاب المحتمل المروي عنه هو كتاب النبوّة لا كتاب جامع حجج الأنبياء ، وذلك :

أوّلاً : إنّي لم أعثر على من نقل عن كتاب جامع الحجج في الطبقات التالية بعد الصدوق(2).

ثانياً : عدم توافق اسم الكتاب المذكور مع موضوع المرويّات الموجودة عندنا ، وذلك أنّها في القصص والتأريخ وما يظهر من اسم جامع الحجج أنّه في العقائد والبراهين على إثبات نبوّة الأنبياء.

ويؤكّد ما قلناه وجود قرائن متعدّدة توصلنا إلى القول بذلك اطمئناناً :

الأُولى : وجود كتاب النبوّة إلى عصر القطب الراوندي - بل ما بعده - وتداوله بين العلماء ، فقد نقل عنه الشيخ أمين الإسلام الطبرسي (المتوفّى 548 ه) في كتابه مجمع البيان روايات كثيرة(3) ، وكذا ولده أبو نصر .

ص: 20


1- رجال النجاشي : 389 / 1049 ، الذريعة 5 : 48 / 193 و 24 : 40 / 200 ، مكتبة ابن طاوس لاتان كلبرك : 476 / 474.
2- لا يقال : إنّ ابن طاوس (المتوفّى 664 ه) نقل في فرج المهموم : 209 عن كتاب دلائل النبوّة للشيخ الصدوق فلعلّه هو كتاب جامع حجج الأنبياء فتبدّل الاسم بهذا وكلا الاسمين يشيران إلى موضوع واحد وهو الحجج والأدلّة لإثبات النبوّة ، لأنّا نقول : إنّ النصّ المذكور في الفرج موجود في كتاب قصص الأنبياء للراوندي [ص 227 / 270]تفصيلاً.
3- مجمع البيان 1 : 163 و 168 و 375 ، 4 : 281 و 285 ، 5 : 42 و 272 و 281و 364 و 372 و 373 و 420 و 445 و 450 و 456 و 458 و 459 ، 7 : 107. وقد ذكر الطبرسي في مجمع البيان بعض الأخبار من دون الاشارة إلى مصدرها بعد ان كان قد روى عن كتاب النبوة حديثا أو حديثين ، وبما أنها مرتبطة بالأنبياء والرسل عليهم السلام فلعلّها أيضاً مأخوذة من كتاب النبوّة ، كما وقد يوجد بعضها في كتاب قصص الأنبياء.

الحسن بن الفضل (من أعلام القرن السادس) في كتابه مكارم الأخلاق(1) ، وأيضاً حفيده الشيخ أبو الفضل علي بن أبي نصر الحسن بن الفضل (من أعلام القرن السابع) في مشكاة الأنوار(2) ، والشيخ أبو جعفر محمّد بن علي ابن شهر آشوب السروي المازندراني (المتوفّى 588 ه) في كتابه المناقب(3) ، والسيّد علي ابن طاوس (المتوفّى 664 ه) في الإقبال بالأعمال الحسنة وفرج المهموم(4) ، وجمال الدين يوسف بن حاتم الشامي تلميذ المحقّق الحلّي في الدرّ النظيم(5) ، والشيخ علي بن يونس البياضي العاملي (المتوفّى 877 ه) في الصراط المستقيم(6) ، وأخيراً نقل عن كتاب النبوّة السيّد شرف الدين علي الإسترآبادي (من أعلام القرن العاشر) في 6.

ص: 21


1- مكارم الأخلاق : 16 و 17 و 23 و 29.
2- مشكاة الأنوار 2 : 175 / 1517.
3- مناقب آل أبي طالب 1 : 17 و 53 و 59 و 243.
4- إقبال الأعمال 3 : 162 [الطبعة القديمة :623] وفرج المهموم :28 و 209.
5- الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم : 29. أقول : روى الشامي في الدرّ النظيم عدّة أخبار حول جوانب حياة النبىّ مصرّحاً فيها بروايته عن ابن بابويه ، ولعلّه أخذها من هذا الكتاب (لاحظ الدرّ النظيم : 47 و 84 و 85 و 101 و 119 و 220). كما يروي عن كتاب بعنوان «مولد النبي» ولعلّ هذا الكتاب نفس كتاب النبوّة أو جزءٌ منه سمّاه بهذا العنوان ، وحرىّ بالذكر أنّ عند الشامي كتاب مدينة العلم للشيخ الصدوق المفقود حاليّاً ونقل عنه في الدرّ النظيم : 40 و 797.
6- الصراط المستقيم 2 : 256.

كتاب تأويل الآيات الظاهرة(1). كما وقد روى صاحب كتاب دستور المنجمين (المتوفّى حدود 500 ه) وهو من علماء الإسماعيليّة عن كتاب النبوّة بعنوان : كتاب الببوات (النبوّات)(2).

الثانية : وجود كتاب النبوّة عند القطب الراوندي أيضاً ؛ فإنّه رحمه اللهصرّح بوجود الكتاب عنده في كتابه الخرائج والجرائح ونقل عنه في مواضع(3) ، ومضافاً إلى هذا توجد في كتاب الخرائج للراوندي بعض الأحاديث رواها عن الصدوق أو أرسلها عن أحد المعصومين عليهم السلاموتتناسب مع موضوع كتاب النبوّة للصدوق وليست في الكتب الموجودة له كما وتوجد جميعها في كتاب قصص الأنبياء الذي هو مأخوذ من كتاب النبوّة كما سنثبته ، وبما أنّ دأب الراوندي هو عدم ذكر مصدر الحديث فلعلّه أخذ هذه الأخبار من كتاب النبوّة وأدرجها في كتابه(4).

الثالثة : وجود بعض الروايات المستخرجة من كتاب النبوّة في كتب الأصحاب بنصّها وفصّها في كتاب القصص(5)..

ص: 22


1- تأوّل الآيات 2 : 556.
2- دستور المنجّمين / يادداشتهاي محمّد قزويني 8 / 116 وحاشية 1 ، ومجلّة نشر دانش السنة 19 ، الرقم الثالث ، سنة 1381 ه- ، ص : 34.
3- الخرائج والجرائح 2 : 552 و 3 : 1167 ، وجاء المروي في الموضعين في كتاب قصص الأنبياء برقم 170.
4- انظر : الخرائج 1 : 37 / 41 و 41 / 48 و 42 / 49 و 44 / 54 و 60 / 103 و 61 / 106 و 108 / 180 و 115 / 191 و 223 / 68 ، و 2 : 492 / 6 إلى 513 / 24 و 519 / 28 و 550 / 10 و 552 / 12 و 922 إلى 965 و 3 : 980 و 1013 و 1078 / 13 و 1174 / 68.
5- لاحظ هذه المصادر التي روت عن كتاب النبوّة مع وجود نصّ المروي في كتاب القصص : مجمع البيان 5 : 364 = قصص الأنبياء : 129 ، والمجمع 5 : 373 = القصص : 128 ، والمجمع 5 : 458 = القصص : 134 ، والمجمع 5 : 459 = القصص : 135 ، والمجمع 7 : 107 = القصص : 213. وفي مجمع البيان 5 : 42 روى حديثاً عن كتاب النبوّة بسند آخر واختصار في اللفظ مع رواية كتاب القصص : 132 ، والظاهر أنّ الطبرسي أخرج غير ما انتخبه الراوندي من كتاب النبوّة. وفرج المهموم : 209 = قصص الأنبياء : 227 / 270. ومشكاة الأنوار 2 : 175 = قصص الأنبياء : 245 / 288. وروي في مشكاة الأنوار1 : 50 حديث عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام وهذا الحديث موجود - بنصّه وسنده - في قصص الأنبياء : 206 / 268 ، وفي المشكاة أيضاً 1 : 112 / 20 روي حديث آخر عن جابر وموجود في القصص : 244 / 286 ، ولعلّه رحمه الله أخذ هذه الأخبار من كتاب النبوّة ، فتدبّر. وأمثال ذلك كثير ، مثل المرويّات المنقولة في كتاب الخرائج والجرائح المصرّح فيه بنقله من كتاب النبوّة والموجودة في كتاب القصص.

نكتة مهمّة :

استشهد الشيخ الصدوق رحمه الله في عشرة مواضع من بعض كتبه ببعض المقاطع من الأخبار الطويلة الواردة في القصص وأحال تمام الخبر أو التفصيل في الأقوال والأخبار إلى كتابه النبوّة(1) ؛ وقد صرّح في أربعة من هذه المواضع بأنّ تمام الخبر مذكور في كتاب النبوّة وأنّ هذه الرواية هي بعض من الرواية المفصّلة ، وتوجد بعض هذه الأخبار - نصّاً وتفصيلا - في كتاب القصص.

منها : ما أخرجه في كتاب الخصال مسنداً عن عبد الله بن سليمان حيث قال فيه بعد نقل موضع الحاجة : «والحديث طويل أخذنا منه موضع ة.

ص: 23


1- ستأتي نصوص الصدوق في التعريف بكتاب النبوّة.

الحاجة ، وقد أخرجته تامّاً في كتاب النبوّة»(1).

والموضع المشار إليه هو ما جاء في كتاب قصص الأنبياء بتفصيله مرسلاً عن عبد الله بن سليمان(2).

وتوجد هناك مواضع أُخر أحال الصدوق فيها إلى كتاب النبوّة ولكن لم نجد ما رواه في كتاب القصص ، ولعلّ السبب في ذلك :

أوّلاً : إنّ تلك المواضع من المواضع التي لم ينتخبها الراوندي.

ثانياً : إنّ تلك المواضع ترتبط بأحوال النبىّ (صلى الله عليه وآله) وتاريخه واحتجاجاته ، والقطب الراوندي رحمه الله لم ينتخب من هذا الباب إلاّ القليل وأكثر النقل فيه من كتاب إعلام الورى للطبرسي كما مرّ.

ثالثاً : إنّه قلّما ينقل القطب الراوندي روايات الاحتجاجات وإثبات النبوّة في كتاب القصص ، وتلك الأخبار المحال إليها في كتب الصدوق واردة في الاحتجاجات(3). .

ص: 24


1- الخصال : 59 - 60 / 80.
2- قصص الأنبياء : 123 - 125 / 126.
3- انظر التوحيد : 286- 288 / 4 و 316 / 3 ، روى الصدوق في كلا الموضعين قصّة قدوم الجاثليق المدينة ، وقد صرّح في آخر الحديث أنّه أخرج تمام الخبر في آخر أجزاء كتاب النبوّة. والخصال : 280 / ذيل الحديث 25 ، فقد روى فيه خبر الخمسة المستهزئين بالنبىّ (صلى الله عليه وآله) ، وأيضاً صرّح فيه أنّه أخرج تمام الخبر في آخر الجزء الرابع من كتاب النبوّة وهو آخر أجزاء الكتاب على حسب تجزئة المؤلّف. وفي موضع آخر ص : 491 - 492 / 70 ، والحديث يرتبط بعدد نقباء رسول الله (صلى الله عليه وآله). وعلل الشرائع 1 : 43 - 44 / 3 ، والحديث فيه يرتبط بسبب تسمية إسرائيل إسرائيل الله. وعيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 282 / 1 ، أحال فيه إلى أسانيد حديث حلية النبىّ (صلى الله عليه وآله) عن هند بن أبي هالة إلى كتاب النبوّة. وفي ص2 : 189 أحال فيه إلى كتاب النبوّة لتفصيل الأخبار والأقوال في مسألة الذبيح بين إسماعيل وإسحاق عليهما السلام. ومن لا يحضره الفقيه 1 : 272 - 276 / 845 ، والحديث يرتبط بالقبلة والسبب في تحويل القبلة إلى المسجد الحرام. وفي موضع آخر 2 : 230 / 2278 ، والحديث أيضاً يرتبط بالذبيح.

وفي سبب قلّة نقله من باب أحوال النبىّ (صلى الله عليه وآله) كلام سيأتي إن شاء الله تعالى.

بقي هنا أمران :

الأوّل : إنّ القطب الراوندي لم يتخلّف في الرواية عن الشيخ الصدوق في جميع أبواب كتابه القصص إلاّ في الباب الأخير - أعني الباب العشرين - وهو باب في أحوال نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وذكرنا فيما سلف أنّه أخذ أكثر هذا الباب من كتاب إعلام الورى لأُستاذه الطبرسي رحمه الله ، ونقول في علّة هذا الانتخاب :

لعلّ الأخبار المرويّة في شأن أحوال النبىّ (صلى الله عليه وآله) في كتاب النبوّة لم تكن شاملة على جوانب متفرّقة من أوصافه وأحواله (صلى الله عليه وآله) التي أراد الراوندي أن يبيّنها ، ولذا أخذ أخبار الباب الأخير من كتاب أستاذه - يعني : إعلام الورى - ويؤيّده ما جاء في فهرست تأليفات الشيخ أبي جعفر الصدوق رحمه الله التي رواها النجاشي (المتوفّى 450 ه) في فهرست مصنّفي الشيعة وذلك أنّه ذكر في ضمنها عنواناً يتلائم مع هذا القسم من كتاب النبوّة - وهو كتاب أوصاف النبىّ (صلى الله عليه وآله)(1) - فلعلّ شيخنا الصدوق جمع 9.

ص: 25


1- رجال النجاشي : 391 / 1049.

رواياته التي تختصّ بهذا المضمون في هذا الكتاب ولم يذكر في كتابه النبوّة إلاّ ما اشتمل على بعض قصصه وما لابدّ من ذكره كما لا يخفى على كلّ متدبّر ، ثمّ الظاهر أنّ هذا الكتاب لم يصل إلى علماء القرون التالية وبيد أمثال الراوندي وغيره.

الثاني : قد سمعت من بعض خبراء الفنّ - دام ظلّه - احتمال كون كتاب القصص هو جميع كتاب النبوّة ، وأنّ هذا الكتاب المنسوب إلى القطب الراوندي والمصدّر جميع أبوابه بمشايخ القطب الراوندي إلى الشيخ الصدوق هو في الحقيقة نسخة وصلت إلينا من روايته لكتاب النبوّة.

أقول : نستبعد هذا الاحتمال لما مرّ عليك من تخريج بعض الأخبار التي أوردها علماؤنا من كتاب النبوّة ولم تكن عدّةٌ منها في كتاب القصص الموجود بين أيدينا ، وهذا خير دليل على خلاف ما احتمل.

حصيلة التمهيد :

بما أنّ نسخة كتاب النبوّة للصدوق كانت تحت يد القطب الراوندي وأكثر الرواية عنه في كتابه الخرائج والجرائح ويروي في كتابه قصص الأنبياء روايات مسندة مروراً بالشيخ الصدوق في جميعها إلاّ في جزء من بابه الأخير فينتج أنّ القطب الراوندي - في الواقع - انتخب وروى أخبار كتاب النبوّة ، وكتابه قصص الأنبياء يعدّ من النسخ الملخّصة لكتاب النبوّة لشيخنا وصدوق طائفتنا أبي جعفر القمّي - رحمة الله عليهما رحمةً واسعةً - مع إضافات في الفصل الأخير منه من كتاب إعلام الورى.

وبعد الفراغ من هذه المقدّمة لا بدّ لنا أن نبحث عن النقاط التالية

ص: 26

حول كتاب النبوّة :

أ - نسبة الكتاب إلى الصدوق.

ب - موضوع الكتاب.

ج - وصف الكتاب.

د - المصادر المعتمدة فيه.

ه- - أسانيده في كتاب القصص وكيفية تلخيصها.

و - الكتاب في الأسانيد والإجازات.

نِسْبَة الكتاب إِلَى الصَّدُوقِ :

اتّفق مترجموا الشيخ الصدوق على نسبة كتاب النبوّة إليه ، فقد ذكره ونسبه إليه كلّ من :

الشيخ أبي العبّاس النجاشي (المتوفّى 450 ه) ، ذكره في أوّل قائمته لمؤلّفات الصدوق من فهرست مصنّفي الشيعة(1).

الحافظ ابن شهر آشوب المازندراني (المتوفّى 588 ه) ، صرّح به في معالم العلماء وقال : إنّه في «تسعة أجزاء»(2).

المحدّث الحرّ العاملي (المتوفّى 1104 ه) ، أورد اسمه في خاتمة وسائل الشيعة بعنوان الكتب المعتمدة التي نقل منها بالواسطة(3).

العلاّمة الطهراني (المتوفّى 1389 ه) ، عدّه في قائمة تأليفاته في 5.

ص: 27


1- الرجال : 389 / 1049.
2- معالم العلماء : 112 / 764.
3- خاتمة وسائل الشيعة 30 : 163 / 45.

موسوعته الذريعة(1).

وإسماعيل باشا البغدادي (المتوفّى 1339 ه) ، نسبه إليه في إيضاح المكنون وهدية العارفين(2).

وكذلك نسبه إليه كلّ من نقل عنه من القدامى ، وذلك مثل(3) :

1 - الشيخ أمين الإسلام الطبرسي (المتوفّى 548 ه) ، وأيضاً ولده أبو نصر الحسن ، وأيضاً حفيده الشيخ أبو الفضل علي.

2 - قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (المتوفّى 573 ه).

3 - الشيخ أبو جعفر محمّد بن شهر آشوب السروي (المتوفّى 588 ه).

4 - السيّد علي ابن طاوس (المتوفّى 664 ه).

5 - جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي (من أعلام القرن السابع).

6 - الشيخ علي بن يونس البياضي العاملي (المتوفّى 877 ه).

7 - السيّد شرف الدين علي الإسترآبادي (من أعلام القرن العاشر).

إحالات الصدوق إلى كتابه :

وكذلك أحال الصدوق نفسه إلى كتابه هذا في عدّة من كتبه ، وهي كما يلي :

قال في كتاب من لا يحضره الفقيه : «وقد أخرجت الخبر في ذلك ك.

ص: 28


1- الذريعة 24 : 40 / 200.
2- إيضاح المكنون 2 : 342 ، هدية العارفين 2 : 52.
3- قد استخرجنا موارد نقل هؤلاء الأعلام في ما سبق فراجع هناك.

على وجهه في كتاب النبوّة»(1).

وقال أيضاً في موضع آخر من الكتاب المذكور : «لم أحبّ تطويل هذا الكتاب بذكر القصص لأنّ قصدي كان بوضع هذا الكتاب على إيراد النكت وقد ذكرت القصص مشروحةً في كتاب النبوّة»(2).

وقال ؛ أيضاً في موضع آخر منه : «وقد ذكرت إسناد ذلك في كتاب النبوّة متّصلاً بالصادق عليه السلام»(3).

وقال في الخصال : «والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة وقد أخرجته تامّاً في كتاب النبوّة»(4).

وقال أيضاً في الخصال : «والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة وقد أخرجته بتمامه في آخر الجزء الرابع من كتاب النبوّة»(5).

وقال في عيون الأخبار : «وقد أخرجت الخبر مسنداً في كتاب النبوّة»(6).

وقال أيضاً في عيون الأخبار : «وقد رويت هذه الصفة عن مشايخ بأسانيد مختلفة قد أخرجتها في كتاب النبوّة ، وإنّما ذكرت من طرقي إليها ما كان فيها عن الرضا عليه السلام ؛ لأنّ هذا الكتاب مصنّف في عيون أخباره عليه السلام»(7).1.

ص: 29


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 276 / 845.
2- من لا يحضره الفقيه 2 : 231 / 2279.
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 231 / 2279.
4- كتاب الخصال : 60 / ذيل الحديث 80.
5- كتاب الخصال : 280 / ذيل الحديث 25.
6- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 : 191 / ذيل الحديث 1.
7- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 : 285 / ذيل الحديث 1.

وقال في علل الشرائع : «والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة وقد أخرجته بتمامه بطوله في كتاب النبوّة»(1).

وقال أيضاً في موضع آخر من كتاب الخصال : «وقد أخرجت قصّتهم في كتاب النبوّة»(2).

وقال في التوحيد : «والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته بتمامه في آخر أجزاء كتاب النبوّة»(3).

وبعينه قال في موضع آخر من كتاب التوحيد(4).

هذا ، وتوجد في منقولات الأصحاب عن كتب الصدوق أسماء أُخرى يظهر منها اتّحادها مع كتاب النبوّة ، مثل نقل جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي (من أعلام القرن السابع) في كتاب الدرّ النظيم عن كتاب مولد النبىّ للصدوق(5) ، وكذا نقل علي ابن طاوس (المتوفّى 664 ه) في كتاب فرج المهموم عن كتاب دلائل النبوّة للصدوق(6).ل.

ص: 30


1- علل الشرائع : 44 / ذيل الحديث 3.
2- كتاب الخصال : 492 / ذيل الحديث 70.
3- كتاب التوحيد : 288 / ذيل الحديث 4.
4- كتاب التوحيد : 316 / ذيل الحديث 3.
5- الدرّ النظيم : 105 و 220 ، قال في الموضع الأوّل : «وممّا رواه الشيخ أبو جعفر ابن بابويه رحمه الله تعالى في كتابه الموسوم بمولد النبىّ (صلى الله عليه وآله) ...» وفي الموضع الثاني قال : «أورد هذا الخبر أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بن بابويه في كتابه المعروف بمولد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ...» ثمّ نقل عدّة أخبار من هذا الكتاب.
6- فرج المهموم : 209. وأيضاً جاء في ص 29 ما نصّه : «ووجد[ت]في كتاب دلائل النبوّة جمع أبي القاسم الحسين بن محمّد السكوني من نسخة عتيقة عليها سماع تاريخه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ونسخ من أصل كتاب مصنّفه ، فذكر في معرفة بعض اليهود بعلم النجوم حديث بعثة النبىّ محمّد صلوات الله عليه وآله فقال ما هذا لفظه : حدّثني الشريف أبو عبد الله محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن عبد الرحمان ...». وقد مال اتان كلبرگ في مكتبة ابن طاوس : 231 / 102 إلى أنّ هذه «الدلائل» ليست تأليف السكوني بل هي في الواقع رواية السكوني من كتاب الدلائل لابن بابويه بحجّة أنّ العبارة جاءت في البحار 15 : 180 / 3 و 58 : 239 / 20 [هكذا : ووجدت في كتاب دلائل النبوّة جمع أبي القاسم الحسين بن محمّد السكوني روى عن محمّد بن علي بن الحسين ، عن الحسن ... وبما أنّ الاسم الذي جاء في فرج المهموم (ابن عبد الرحمان) مجهول وهو يختلف مع نقل المجلسي ولعلّه وقع تصحيف في الكتاب المطبوع وينصرف نصّ المجلسي إلى ابن بابويه. قال الموسوي : إنّ هذا الكلام في غاية الضعف ، وذلك أوّلاً : إنّه كان من دأب المجلسي أنّه يختصر الأسماء في الأسانيد حين النقل ، وثانياً : إنّ المراد بالشريف أبي عبد الله محمّد بن علي بن الحسين (كذا والصحيح الحسن) بن علي بن عبد الرحمان هو مسند الكوفة ومحدّثها ابن الشجري الزيدي الكوفي صاحب كتاب التعازي وفضل الكوفة والجامع الكافي في فقه الزيديّة وغيرها من الكتب والمتوفّى سنة 445 ه- والمترجم في كثير من كتب التراجم وليس رجلاً مجهولاً كما قال.

مُوضُوعُ الكِتابِ :

ألّفه الشيخ الصدوق لذكر الأخبار المرويّة المسندة بطرقه عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام في حياة الأنبياء والرسل وقصصهم صلوات الله على نبيّنا وعليهم أجمعين.

وأمّا من حيث إنّ هذا الكتاب مقصور على ذكر القصص والأخبار في هذا المعنى لا معنى آخر مثل إثبات النبوّة وعدد الأنبياء والدِّين الذي أرسلهم الله به وكتبهم وغير ذلك من المباحث المطروحة حول أنبياء الله تعالى فهو يظهر ممّا نقل من نصوصه في الكتب المختلفة ، فكلّها ينحصر

ص: 31

بذكر القصص والتواريخ ، وكذلك من تصريح شيخنا المؤلّف حين الإحالة إلى كتابه هذا ، فإنّه قال في بعض كتبه - كما سلف منّا - :

«لم أحبّ تطويل هذا الكتاب بذكر القصص ، لأنّ قصدي كان بوضع هذا الكتاب على إيراد النكت ، وقد ذكرت القصص مشروحة في كتاب النبوّة»(1).

وقال أيضاً : «وقد أخرجت قصّتهم في كتاب النبوّة»(2).

وكذلك قال أمين الإسلام الطبرسي في قصص نبيّ الله نوح على نبيّنا وآله وعليه السلام : «وكان من قصّته ما رواه أبو جعفر بن بابويه بإسناده في كتاب النبوّة»(3).

وبالجملة : إنّ الموضوع بذاته له أهميّة بالغة من الناحيّة العقائديّة والفكريّة ممّا دعا مؤلّفنا إلى التأليف فيه ، والذي تصدّى له شيخنا المؤلّف فيه - كباقي كتبه - يُعدّ من الأمور المهمّة في مجال المعارف الإسلاميّة ، من جهود الأنبياء في إرساء دين الله عزّ وجلّ وصبرهم على الأذى في جنب الله تعالى المنبئة عن سامي مرتبتهم وجليل منزلتهم وإثبات نبوّتهم وغير ذلك من الفوائد الكثيرة التي ليس هنا مقام بيانها.

وعلى كلّ حال فإنّ كتاب النبوّة هذا من أوائل الكتب المؤلّفة في هذا الموضوع ، فهو عريق في القدم من الناحيّة التراثيّة.1.

ص: 32


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 231 / 2279.
2- كتاب الخصال : 492 / ذيل الحديث 70.
3- مجمع البيان 4 : 281.

وَصْفُ الْكِتَابِ :

تتبيّن لنا بعض مواصفات تأليف الأصل من فحوى عبارات المؤلّف وبعض عبارات القدامى ممّن وصل إليهم الكتاب ، وهي كما يلي :

أَجْزَاءُ الْكِتابِ :

يفهم من جملة النصوص المذكورة سابقاً أنّ حجم هذا الكتاب كان

كبيراً ، ولذا جزّأه الصدوق في أربعة أجزاء ، فإنّه روى في كتاب الخصال خبراً في المستهزئين برسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال في آخره : «وقد أخرجته بتمامه في آخر الجزء الرابع من كتاب النبوّة»(1).

وبما أنّ المروي يرتبط بأحوال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا بدّ من ذكره في آخر أجزاء هذا الكتاب على ترتيب الأنبياء ، كما أنّ الراوندي أيضاً ذكره في الباب العشرين وهو آخر أبواب كتابه ، فالكتاب كلّه في تقسيم المؤلّف في أربعة أجزاء.

كما أنّ ابن طاوس يروي خبراً في كتاب إقبال الأعمال حول حمل سيّدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أواخر الجزء الرابع من كتاب النبوّة(2) ، وكذلك ابن حاتم الشامي يروي خبراً حول جيش إبرهة وتكلّم عبدالمطّلب معه من الجزء الرابع منه.

ومع هذا صرّح الحافظ ابن شهر آشوب المازندراني في معالم العلماء2.

ص: 33


1- الخصال : 280 / ذيل الحديث 25.
2- إقبال الأعمال 3 : 162.

أنّ الكتاب في تسعة أجزاء(1) ، وعلى الظاهر فإنّ إخباره هذا عن حسّ حيث إنّه ممّن وصل الكتاب إليه ونقل عنه في كتابه المناقب(2).

وهذا موافق لنقل آخر لابن طاوس ، فإنّه نقل خبراً من الجزء السادس [كذا] من كتاب النبوّة في علائم النجوم قبل ولادة عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام(3).

ولعلّ لهذا الكتاب نسخ وقراءات متفاوتة وعلى حسبها جُزِّئت النسخ وكانت عند ابن طاوس نسختان منه.

هذا ، لكنّ العلاّمة المجلسي رحمه الله الذي كانت عنده نسخة كاملة من كتاب فرج المهموم(4) نقل العبارة المذكورة في موضعين من بحار الأنوار بدون ذكر الأجزاء(5).

مَسْلَكُهُ فِي نَقْلِ الْحَدِيثِ :

إنّ منهج الشيخ الصدوق رحمه الله في نقل الأحاديث وكيفية ذاك وطرقها وأسانيدها في الكتب الحديثيّة الواصلة إلينا واضح لا خفاء فيه على الباحثين ، إنّما يصعب علينا - شيئاً ما - منهجه في هذا الكتاب حيث لم يصل إلينا حتّى جزءٌ منه من المخطوطات الأصليّة ، إلاّ أنّه بإمكاننا أن 8.

ص: 34


1- معالم العلماء : 112 / 764.
2- مناقب آل أبي طالب 1 : 17 و 59 و 53 و 243.
3- فرج المهموم : 28.
4- لا يخفى على الباحث المطّلع بأنّ الفرج المطبوع في النجف الأشرف فيه نقص.
5- بحار الأنوار 14 : 217 - 218 / 22 و 55 : 238.

نستخرج منهجه فيه على ضوء النسخ المنتزعة من أصل الكتاب وهي النقولات الواردة منه في كتب العلماء وروايتهم عنه ؛ وهذا ما أردنا أن نذكره في هذا المقام.

تَعْلِيقَاتٌ عَلَى الْكِتَابِ :

يظهر من بعض القرائن أنّ للمؤلّف بعض التعاليق على أحاديث هذا الكتاب كما سلك هذا المسلك في عدّة من كتبه ، وقد توجد بعض هذه التعاليق في النصوص المنقولة منه ، وذلك مثل ما ذيّله الشيخ الطبرسي في مجمع البيان على حديث نقله عن كتاب النبوّة حول آية (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَت) (1)، حيث قال بعد نقل الحديث : «وقال أبو جعفر بن بابويه رحمه الله : ولقوله : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَت) وجه آخر ، فإنّ الإبتلاء على ضربين ، أحدهما ...». «وقال بعد نقل كلام طويل منه : «انتهى كلام الشيخ أبي جعفر رحمه الله»(2).

وأيضاً في موضع آخر عند رواية قصّة حام ويافث قال : «قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه القمّي رحمه الله : ذكر يافث في هذا الخبر غريب لم أروه إلاّ من هذا الطريق ، وجميع الأخبار التي رويتها في هذا المعنى ...» إلى آخر كلامه(3).

مَرَاسِيلُهُ فِي كِتَابِ النُّبُوَّةِ :

وقع في أثناء الأحاديث والأخبار المنقولة عن كتاب النبوّة المنقولة 3.

ص: 35


1- سورة البقرة 2 : 124.
2- مجمع البيان 1 : 379.
3- مجمع البيان 4 : 283.

في النسخة الملخّصة منه - يعني كتاب قصص الأنبياء للراوندي - أحاديث مرسلة وردت بعبارات مختلفة ، منها :

«وفي رواية»(1) ، «وفي رواية أُخرى»(2) ، «ورُوِي»(3) ، «وفي خبر آخر»(4) ، «وأمّا فلان ...»(5) ، «وقال أبو جعفر أو أحد الأئمّة عليهم السلام»(6) ، «سئل الصادق عليه السلام»(7) ، «سئل عنهم عليهم السلام»(8) ....

وهنا سؤالان وهما :

1 - هل هذه الأحاديث التي رويت مرسلة من أصل كتاب النبوّة أم هي من إضافات الراوندي؟ وعلى فرض كونها من أصل كتاب النبوّة من هو5.

ص: 36


1- قصص الأنبياء : 52 / 19 و 88 و 160 / 170 و 242 و 247 و 269 / 332 و 269 / 344 و 276 / 363 و 300 / 401.
2- قصص الأنبياء : 46/8 ، و 48/11 ، 192/238 و 324/437 ، وانظر أيضاً : من لا يحضره الفقيه 2 : 12/1591 و 248/2324 و 458/2960 و 3 : 54/3317 و 203/3767 و 547/4884 ، التوحيد : 317/6 ، الخصال : 581/6 ، كمال الدين : 152/15.
3- قصص الأنبياء : 75 / 53 و 76 / 57 و 125 / 126 و 276 / 365 ، 432 و 314 / 4327 ، وانظر أيضاً : من لا يحضره الفقيه 1 : 31 / 61 و 33 / 65 و 37 / 75 و 41 / 81 - 82 و 46 / 90 و 48 / 97 ... ، الأمالي : 744 ، التوحيد : 459 ، الخصال : 118 و 265 و 391 و 546 وثواب الأعمال : 49 و 197 ، علل الشرائع 2 : 445 و 546 و 554 وعيون أخبار الرضا عليه السلام1 : 61 و 177 ، فضائل الأشهر الثلاثة : 97 ، كمال الدين : 151 ، معاني الأخبار : 188 / 1.
4- قصص الأنبياء : 220 و 221 / 289 و 253 و 268 / 341 ، وانظر أيضاً : التوحيد : 241 / 2 ، الخصال : 47 / 49 و 280 و 443 و 534 ، علل الشرائع : 43 / 2 و 292 و 513 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 43 ، كمال الدين : 344 و 387 ...
5- قصص الأنبياء : 75 / 56.
6- قصص الأنبياء : 166 / 185 ، وانظر أيضاً : من لا يحضره الفقيه 1 : 142 / 395 ...
7- قصص الأنبياء : 75 / 54.
8- قصص الأنبياء : 156 / 164 و 165.

الذي أرسلها الشيخ الصدوق مؤلّف الأصل أو القطب الراوندي المنتخب من الأصل؟

2 - لماذا كان الصدوق يرسل بعض أخبار كتبه؟

جَوَابُ السُّؤَالِ الأَوَّلِ :

أوّلاً : إنّ إرسال الأخبار لم يكن من مختصّات هذا الكتاب بل يرى ذلك في جميع كتب الصدوق بعين الألفاظ التي مرّ ذكرها وغيرها من الألفاظ ، مثل : «وقال في حديث آخر»(1) ، «في حديث آخر»(2) ، «وقد ورد في الخبر»(3) ...

ثانياً : وجدنا جملةً من هذه المراسيل - الموجودة في كتاب القصص - في باقي كتب الصدوق مسندةً أو مرسلةً ، فإنّ شئت لاحظ الهوامش المثبتة على كتاب القصص في مظانّها.

وثالثاً : جاءت بعض الأخبار المرسلة في كتاب القصص بهذا اللفظ : «بإسناده في رواية أُخرى»(4) يعني بإسناد الصدوق في رواية أُخرى ، وهذا الكلام صريح بأنّ الرواية من كتاب الصدوق. 8.

ص: 37


1- انظر : عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 116 / 20.
2- انظر : من لا يحضره الفقيه 2 : 12 / 1591 و 248 / 2324 و 458 / 2960 و 3 : 54 / 3317 و 203 / 3767 و 547 / 4884 ، التوحيد : 317 / 6 ، الخصال : 581 / 6 ، كمال الدين :152 / 15.
3- انظر : من لا يحضره الفقيه 2 : 12 / 1591 و 248 / 2324 و 458 / 2960 و 3 : 54 / 3317 و 203 / 3767 و 547 / 4884 ، التوحيد : 317 / 6 ، الخصال : 581 / 6 ، كمال الدين :152 / 15.
4- قصص الأنبياء : 192 / 238.

ومن هذه المقدّمات يثبت وجود هذه المراسيل في تأليف الأصل ومن الشيخ الصدوق لا من الراوندي.

نُكَاتٌ هَامَّةٌ :

1 - توجد بعض الأخبار المرسلة يظنّ أنّ الراوندي أرسلها أو هي من إضافاته ، وذلك مثل عبارته في أوّل خبر : «ومن شجون الحديث ...»(1) ، ولعلّ الخبر المروي في هذا الموضع من إضافات الراوندي في كتاب القصص لا من الصدوق ، والدليل على ذلك أنّنا لم نجد هذا الاصطلاح «ومن شجون الحديث» في كتب الصدوق بل نرى الراوندي يعبر به في كتبه(2).

وكذا يستفاد من قوله في بعض المواضع : «وبإسناده(3) أنّه قال ...» و «وبإسناده في رواية أخرى ...» و «وبإسناده قال : قال أبو عبد الله عليه السلام» ، أنّ الراوندي هو المسقط لبعض الأسانيد وهو الذي أرسلها ، اللّهمّ إلاّ على فرض أنّ المرسل هو الصدوق ومراد الراوندي من قوله «بإسناده ...» أنّ هذه المراسيل أيضاً من أحاديث الصدوق وله طريق لتلك الأخبار.

2 - ترى في كتاب قصص الأنبياء أخبار بدون أن يذكر في أوّلها ه.

ص: 38


1- قصص الأنبياء : 51 / 17.
2- انظر : سلوة الحزين (الدعوات) : 29 / 52 ، الخرائج والجرائح 3 : 1082 ، فقه القرآن 1 : 121 و 146 و 399 و 2 : 358.
3- الضمير في قوله : بإسناده راجع إلى الصدوق كما ذُكِر اسمه وطرقه فيما قبله ، فلا يظنّ أنّ الضمير يرجع إلى راوي الطريق السابق كما حكم به بعض في مراسيل الكافي (وسائل الشيعة 30 : 147 ، الرسائل الرجاليّة للكلباسي 4 : 133) ؛ لأنّ في هذه المواضع الحديث السابق روي عن غير المعصوم الذي روى الحديث اللاحق عنه.

عبارة : «بإسناده» أو «بالإسناد» ، ومع إمعان النظر في تلك الأخبار نفهم بأنّها أيضاً كانت من الصدوق ؛ وذلك أنّه يروي في موضع بعبارة : «وعن أبي حمزة عن الأصبغ ...»(1) و «وقال زرارة ...»(2) و «ذكر وهب» أو «قال وهب»(3) و «وعن سعد بن عبدالله عن أحمد بن محمّد ...» و «وعن أحمد ابن محمّد ...»(4) فإنّ هذه الأحاديث لم تكن مرسلة بل ذكر الراوندي طريق الصدوق إلى هؤلاء الرجال فيما قبلها بحديثين أو عدّة أحاديث ، أو أرسلها لكثرة تكرار اسمهم في الأسانيد مثل سعد بن عبدالله وأحمد بن محمّد بن عيسى ووهب بن منبه ، لذا لم يحتج أن يكرّر هذه الكلمة (يعني : بإسناده) ، فلابدّ للباحث المحقّق أن يمعن النظر في الكتاب بكمال الدقّة والنظر حتّى يستخرج طرق الصدوق إلى الرواة.

نعم قد جاء في كتاب القصص بعض الأخبار المرسلة بدون أيّ لفظ من الألفاظ السابقة (يعني : بالإسناد ، بإسناده ، في رواية أُخرى ...) ، وأكثر هذه الأخبار وقعت في أوّل الفصول ، ومن المظنون قويّاً أنّها من إضافات الراوندي حيث لم يسندها إلى الصدوق ، وكذا بعض الأخبار التي ذكرها في ذيل بعض الروايات.

ومع هذا وذاك فقد توجد في كتاب القصص بعض الأخبار لم تسند إلى الصدوق وقد وجدناها بعينها في كتاب المجمع عن كتاب النبوّة. 3.

ص: 39


1- قصص الأنبياء : 211 / 273.
2- قصص الأنبياء : 61 / 33.
3- قصص الأنبياء : 74 / 51 و 52 و 75 / 55 و 145 / 152.
4- قصص الأنبياء : 169 / 192 و 193.

جَوَابُ السُّؤَالِ الثَّانِي :

اعلم أنّ الجواب على هذا السؤال يقتضي مقاماً آخر فإنّ البحث فيه طويل ويتطلّب مقالاً مستقلاًّ واسعاً ، لكن نقول - موجزاً رعايةً للمقام - : إنّ للمتقدّمين من أصحابنا - رضوان الله تعالى عليهم - في قبول الخبر منهجين : وهما ما قد سلكهما كلّ من شيوخ القمّيّين والبغداديّين رحمهم الله ؛ فإنّ كثيراً من مرسلات الأصحاب لعلّ سببها يرجع إلى منهجهم الحديثي والمدرسة التي اتّبعوها ، فالبغداديّون قسّموا الأخبار إلى قسمين :

أخبار الأُصول وأخبار الفقه.

فأمّا في أخبار الفقه فاتّبعوا النصّ مع العمل الرجالي والفهرستي ، وأمّا في أخبار الأُصول فقد اتّبعوا العقل وما أوجبه ، وإذا وجدوا الخبر الموافق للعقل نقلوه بعنوان مؤيّد وإرشاد لدليل العقلي.

ومنهج قبول الخبر عند القمّيّين هو قبول الخبر المروي من الراوي الثقة الإمامي العدل ... بدون فرق بين أخبار الأُصول وأخبار الفقه مع تشدّدهم ومواظبتهم على عدم نقل أخبار الضعاف أو الغلاة في مجتمعهم(1)إلاّ القليل من القمّيّين مثل الشيخ أبي جعفر الصدوق ومن ماثله فإنّهم عملوا كما عمل البغداديّون مع حفظ منهج شيوخهم القمّيّين.

وبالجملة : يمكن على ضوء هذا الاختلاف في المنهج كان الشيخ ف.

ص: 40


1- ولذا ترى أنّ الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني مع كونه من البغداديّين أخذ أكثر من ثمانين بالمائة من أخباره عن القمّيّين ، ولذا قالوا : إنّ بلدة قم في أواخر القرن الثالث والقرن الرابع مجمع الأحاديث لتصفيتها من الغثّ والسمين والقويّ والضعيف.

الصدوق يرسل هذه الأخبار ، وهذا الإرسال يرتبط بمسلكه الحديثي.

وقد يقال : لعلّه أرسل هذه الأخبار بالرغم من عدم قبول مشايخه القمّيّين إلاّ أنّ موافقتهم للنقل المعتبر كوجودها في كتاب مهمّ جعله يرسلها مع عدم اعتماد مشايخه لذلك الكتاب ، أو أنّه أرسلها مع وجودها في الكتب المعتمدة عند مشايخه لعدم مقبوليّة مضمونها عنده .. ودلائل كثيرة لا يقتضي المقام إيرادها ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفّقنا أن نكتب حولها في مجال آخر.

أَهَمُّ مَصَادِرِ الشَّيخِ الصَّدوق فِي كِتَابِ النُّبُوَّةِ :

لا شكّ أنّه كان لشيخنا الصدوق رحمه الله - كأقرانه من القدماء - مصادر من التراث المكتوب لرواية الأخبار في كتبه أجمع ، علماً بأنّه قد كان منهج علمائنا السلف أنّهم لم يكونوا يصرّحون بأسماء مصادرهم في كتبهم(1) ، بل الطرق الواقعة في أوّل الأحاديث المشتملة على بعض الأسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

الأوّل : اسم مؤلّف مصدر الحديث.

الثاني : أسماء رواة ذلك المصدرلصاحب الكتاب.

الثالث : أسماء رواة الحديث لصاحب المصدر.

ونحن عن طريق هذا المنهج المسلّم الواضح نستطيع أن نستخرج بعض تلك المصادر الموجودة عند الشيخ الصدوق في تأليف كتاب النبوّة وما له من رواية الكتب المصنّفة والأصول القديمة لرواة أحاديث أهل البيت ث.

ص: 41


1- مرّت نبذة من هذه البحوث تحت عنوان (تمهيد) في بداية البحث.

عليهم أفضل الصلاة والتحيّات.

فلابدّ لنا قبل البحث عن مصادر الصدوق في كتاب النبوّة أن نذكر الكتب المصنّفة ما قبله في هذا الموضوع - يعني تاريخ الأنبياء - حتّى يسهل لنا كشف مصادره من ضمن تلك الكتب والمصنّفات ؛ فنقول : ما ورد ذكره من الكتب والمصنّفات في كتب الفهارس الموضوعة لهذا الغرض والتي يرتبط اسمها مع موضوع النبوّة والأنبياء وقصصهم وتواريخهم هو ما يلي :

1 - كتاب الأنبياء لأبي جعفر أحمد بن الحسين بن سعيد بن حمّاد ابن سعيد بن مهران الأهوازي الملقّب دندان(1).

2 - كتاب الأنبياء للحسن بن موسى بن الخشاب(2).

3 - كتاب الأنبياء لعلي بن إبراهيم بن هاشم القمّي(3).

4 - كتاب الأنبياء للشريف أبي القاسم علي بن أحمد الكوفي (المتوفّى 352 ه)(4).

5 - كتاب تثبيت نبوّة الأنبياء للشريف أبي القاسم علي بن أحمد الكوفي(5).

6 - كتاب الأنبياء لأبي الحسن علي بن الحسن بن علي بن فضّال(6). 6.

ص: 42


1- ذكره النجاشي في الرجال : 78 / 183 ، والشيخ الطوسي في الفهرست : 55 / 67.
2- ذكره النجاشي في الرجال : 42 / 85.
3- ذكره النجاشي في الرجال : 260 / 680.
4- ذكره النجاشي في الرجال : 265 / 691.
5- ذكره النجاشي في الرجال : 265 / 691.
6- ذكره النجاشي في الرجال : 258 / 676.

7 - كتاب الأنبياء لأبي الحسن علي بن مهزيار الأهوازي(1).

8 - كتاب الأنبياء لمحمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمّي(2).

9 - كتاب الأنبياء والأئمّة لأبي نضر محمّد بن مسعود السلمي السمرقندي العيّاشي(3).

10 - كتاب صفات الأنبياء لأبي الحسن علي بن أبي سهل حاتم بن أبي حاتم القزويني(4).

11 - كتاب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام من آدم إلى المهدي عليه السلام لمحمّد ابن علي ، ذكره السيّد ابن طاوس(5).

12 - كتاب قصص الأنبياء لمحمّد بن خالد البرقي ، ذكره السيّد ابن طاوس(6).

13 - كتاب قصص الأنبياء لوهب بن منبّه وهو أوّل من صنّف فيها ، مات سنة 114 ه- ،

14 - أخبار بني إسرائيل لأبي الحسن علي بن الحسن بن علي بن 3.

ص: 43


1- ذكره النجاشي في فهرسته : 253 / 664 ، والشيخ في فهرسته : 265 / 379 ، وروى عنه الصدوق هذه الأحاديث بأرقام : 171 و 329 و 402 و 409.
2- ذكره الطوسي في فهرسته : 409 / 623.
3- ذكره النجاشي في فهرسته : 352 / 944 ، والطوسي في فهرسته : 397 / 605 ، وابن النديم في فهرسته : 245 / الفنّ الخامس من المقالة الخامسة.
4- ذكره النجاشي في فهرسته : 263 / 688.
5- عنه في بحار الأنوار 46 : 42.
6- فرج المهموم : 143.

فضّال(1).

15 - أخبار ذي القرنين لإبراهيم بن سليمان بن عبيد الله بن خالد النهمي(2).

16 - إرم ذات العماد لإبراهيم بن سليمان بن عبيد الله بن خالد النهمي(3).

17 - كتاب أحكام الأنبياء والرسل من المحاسن لأبي جعفر أحمد ابن محمّد بن خالد البرقي (المتوفّى 274 ه)(4).

18 - كتاب أخبار الأمم لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، (المتوفّى 274 ه)(5).

19 - كتاب الأنبياء والمبتدأ للحسن بن علي التيملي(6).

20 - كتاب في الأدب وذكر الأنبياء وأوّل كلامه في العرب لأبي أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي الأزدي البصري(7).

وهذه غير الكتب المصنّفة حول تأريخ الرسول الأكرم - عليه وعلى آله الصلاة والسّلام - عند أصحابنا ، فإنّ إحصاءَها يتطلّب مقاماً آخر.

وهناك عناوين أُخرى يحتمل وجود بعض أخبار الأنبياء وتواريخهم ه.

ص: 44


1- ذكره الطوسي في الفهرست :122.
2- ذكره النجاشي في الرجال : 18 / 20 ، والشيخ الطوسي في الفهرست : 15 / 8.
3- ذكره النجاشي في الرجال : 18 / 20 ، والشيخ الطوسي في الفهرست : 15 / 8.
4- ذكره النجاشي في الرجال : 77 / 182.
5- ذكره النجاشي في الرجال : 77 / 182.
6- ذكره الطوسي في فهرسته : 124.
7- ذكره النجاشي في فهرسته : 242 / 640. وله كتاب آخر ذكره متّصلاً بهذا الكتاب باسم : كتاب بقية كلامه في العرب وقريش والصحابة والتابعين ومن ذمّه.

على نبيّنا وآله وعليهم السلام فيها ، وذلك مثل كتاب التاريخ لعدّة أشخاص ، منهم : إبراهيم بن محمّد بن سعيد الثقفي ، وأحمد بن محمّد البرقي ، وأحمد بن محمّد بن محمّد سنسن ، وأحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة ، وغيرهم من قدماء الأصحاب.

مُلاحَظَةٌ هامَّةٌ :

يلزم أن نشير إلى أنّ هذه العناوين التي مرّت علينا كلّها نماذج من تآليف أصحابنا في هذا المقام ، وليس مرادنا بذكرها هنا أنّها مصادر الصدوق في كتابه ، بل يروي الصدوق أكثر أخبار هذا الكتاب عن المصادر المعتمدة وهي غير الكتب المذكورة ، ومن المسلّم أنّه أخذ كثيراً من أخباره عن بعض الأُصول وكتب الأحاديث التي رواها ، لاحتوائها على بعض أخبار الأنبياء ولاشتمالها على توضيح أو إثبات حكم أو قضية كما سيأتي عناوينها فيما بعد.

وبالجملة : نستطيع أن نعرف أنّ الشيخ الصدوق استفاد من هذه الكتب أو غيرها كمصادر في تأليف كتابه كتاب النبوّة ؛ وذلك من خلال الأسانيد التي ساقها في كتابه هذا ، وفيه ذكر أسماء أصحاب أمّهات كتب الشيعة ممّن مرّ ذكرهم فيما سبق أو لم يمرّ بضميمة بعض القرائن العامّة لكشف المصدر في كتب الحديث(1). 6.

ص: 45


1- انظر لتفصيل البحث دراسة العلاّمة السيّد محمّد جواد الشبيري الزنجاني حول مصادر الشيخ الطوسي في كتابه التهذيب ومصادر الكاتب النعماني في كتابه الغيبة المطبوعين في مجلّة علوم الحديث برقم : 3 و 6.

وأمّا الطرق التي جاءت في كتاب القصص عن كتاب النبوّة فكلّها معروفة في أسانيد الأخبار وكتب المشيخات والفهارس ، وكثيراً ما روى الشيخ الطوسي والنجاشي (رحمهما الله) كتب الأصحاب عن طريق هذه المشايخ(1) ، وهؤلاء الرواة معروفون باسم مشايخ الإجازة لرواية التراث ، وهذا يعدّ من القرائن المعرّفة لكشف مصدر الحديث عند الصدوق.

ومن القرائن لاستخراج صاحب مصدر الحديث هو تشعّب الطرق بعد راو واحد ؛ بمعنى أنّه يورد عدّة طرق بسند واحد ثمّ تتشعّب الطرق بعد أحد الرواة الواقع في السند حيث يروي عن جماعة كثيرة.

ومن القرائن المهمّة في هذا المقام كثرة الطرق المذكورة إلى راو واحد وتكرّرها في الكتاب ، حيث إنّ من المعمول به أنّ كلّ مؤلّف في تأليفه عادة يأخذ كتاباً ويتفحّص عن المطالب التي يستفيدها في تأليفه فينقلها واحداً بعد واحد ، فإذا تكرّر أسماء عدّة من المشايخ في طريق إلى راو يعلم أنّهم كانوا رواة كتاب إلى الصدوق مثلاً.

ومن القرائن على معرفة صاحب المصدر هو ما إذا واجهنا في الأسانيد ألفاظاً مثل «عمّن ذكره» «عن رجل» «رفعه إلى» «بإسناده» وغيرها من الألفاظ المبهمة في ذكر الراوي ، فنحن نعلم أنّ صاحب المصدر هو قبل هذه الألفاظ ، وهذا أمر واضح لمن تورّق عدّة أوراق من كتب الفهارس والمشيخات ، فإنّهم لم يرفعوا ولم يبهموا طرقهم إلى أصحاب الكتب والأُصول حتّى في موضع واحد. 0.

ص: 46


1- انظر الأسانيد والطرق الواقعة في كتب الصدوق وغيرها من الكتب خصوصاً الكافي للكليني. ولاحظ : فهرست الطوسي : 405 / 618 ، مشيخة من لايحضره الفقيه 4 : 460.

ومن الفوائد المهمّة لهذا البحث أنّ الرواة الذين يكونون في الواسطة فيما بين صاحب الكتاب أو الأصل وبين أمثال الكليني والصدوق وغيرهما يعدّون من مشايخ الإجازة ، واشتهر عند الأصحاب استغناء مشايخ الإجازة عن التوثيق ؛ لأنّ المراد من السند مجرّد اتّصال السند إلى صاحب الكتاب أو الأصل لا تحصيل العلم لنسبته إلى مصنّفه.

نعم شيخ الإجازة إمّا يجيز كتاب نفسه (يعني هو المؤلّف) ، وفيه يشترط ثبوت وثاقته كغيره من رواة الحديث عن المعصوم ، وإمّا يجيز كتاب غيره ، وفيه إمّا أن يكون الكتاب مشهوراً ومقطوع الانتساب إلى صاحبه فكلام الأصحاب فيه وارد ، وإمّا أن يكون الكتاب غير مقطوع في انتسابه فيحتاج إلى توثيق المشايخ ؛ هذا غيض من فيض من تحقيق كلام الأصحاب حول توثيق مشايخ الإجازة والفوائد المذكورة لهذا البحث.

ونحن فيما يلي نبحث عن بعض مصادر الصدوق من تراث أصحابنا القدامى التي كانت تحت يده في تأليف كتاب النبوّة من باب النماذج لكيفيّة

استخراجها ، ونؤيّدها على ضوء هذه القرائن والأمارات المذكورة بضميمة بعض النكات والاعتراضات حول أصحاب الأصول حتّى نصل من هذا إلى حدٍّ من الاطمئنان.

وها هي بعض أسماء الكتب المستفادة بتوسّط الصدوق :

1 - كتاب النوادر لابن أبي عمير.

وهو أبو أحمد محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى الأزدي البغدادي (المتوفّى 217) ، من أوثق الناس عند الخاصّة والعامّة وأنسكهم نسكاً

ص: 47

وأورعهم وأعبدهم ، روى عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، وروى كتب مائة رجل من رجال أبي عبد الله عليه السلام ، وبالجملة : هو في الثقة والرواية بلغ إلى أنّ أصحابنا يسكنون إلى مراسيله(1).

كتاب النوادر :

ذكره أبو غالب الزراري (المتوفّى 368 ه) في فهرست ما رواه وقال : «نوادر ابن أبي عمير ، وهي ستّة أجزاء»(2).

وأيضاً ذكره الشيخ الطوسي في أوّل كتب ابن أبي عمير ووصفه ب- : «كبير حسن»(3).

وأورده النجاشي (المتوفّى 450 ه) فقال : «فأمّا نوادره فهي كثيرة لأنّ الرواة لها كثيرة ، فهي تختلف باختلافهم»(4).

وصرّح الشيخ الصدوق بنقله عنه في عدّة من مواضع كتابه من لا يحضره الفقيه(5) ، وذكر اسمه في جملة الكتب المشهورة والمعوّل عليها والمرجع إليها عند الأصحاب في مقدّمته(6).

نكتة هامّة :

مرّ في كلام النجاشي بأنّ نوادر ابن أبي عمير كثيرة وتختلف باختلاف 4.

ص: 48


1- انظر : الرجال للنجاشي : 326 / 887 والفهرست للطوسي : 404 / 618.
2- فهرست أبي غالب الزراري : 182 / 113.
3- المصدر السابق. وطريق الشيخ إلى ما رواه عن ابن أبي عمير في مشيخته : 10 / 79 أيضاً هو هذا ، فيعلم أنّه أخذ أخباره في التهذيب من النوادر.
4- المصدر السابق 2 : 161 / 2032.
5- من لا يحضره الفقيه 2 : 161 / 2032.
6- من لا يحضره الفقيه 1 : 4.

الرواة ، وكثيراً ما استفاد النجاشي من هذه العبارة في تراجم بعض الرجال(1)وصارت اصطلاحاً له بل لقدماء الأصحاب ، وليس هذا قدحاً للكتاب حتّى يظنّ أنّه خانت في الكتاب يد التحريف وزاد أو نقص فيه ، بل يشمّ منه رائحة المدح بأن اهتمّ كثير من المحدّثين بروايته ، فإنّ مرادهم من هذا الكلام هو مثل ما قاله في كتاب المحاسن للبرقي : «وقد زيد في المحاسن ونقص» ، وذلك من الزيادة والنقصان في أجزاء الكتاب بحسب الرواة ، فإنّ بعضهم لم يرووا جميع الكتاب بل كانوا يروون بعض الأبواب أو الأجزاء على ما احتاجوا إليه.

الطرق إلى رواية كتب ابن أبي عمير :

بتصريح النجاشي فإنّ طرق الأصحاب إلى كتب ابن أبي عمير - خصوصاً النوادر - كثيرة ، ونحن نذكر هنا الطرق الواقعة في كتب الفهارس حتّى نقترب إلى بحثنا هذا فنقول :

طريق أبي غالب الزراري هو هذا : «رويتها عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أيّوب بن نوح ، عن ابن أبي عمير»(2).

وأورد الصدوق (المتوفّى 381 ه) طريقه إلى روايات ابن أبي عمير في المشيخة وهو ما يلي :

«وما كان فيه عن محمّد بن أبي عمير فقد رويته عن أبي ومحمّد بن ق.

ص: 49


1- الرجال للنجاشي : 50 / 107 ترجمة الحسن بن صالح الأحول ، و 50 / 109 ترجمة الحسن بن الجهم ، و 52 / 115 ترجمة الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام أبي عبد الله يلقّب ذا الدمعة ، و 53 / 118 ترجمة الحسين بن أحمد المنقري.
2- المصدر السابق.

الحسن رضي الله عنهما ، عن سعد بن عبد الله والحميري جميعاً ، عن أيّوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ويعقوب بن يزيد ومحمّد بن عبد الجبّار جميعاً ، عن ابن أبي عمير»(1).

وروى الطوسي (المتوفّى 460 ه) كتبه أجمع بهذه الطرق :

«أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد والحميري ، عن إبراهيم بن هاشم ، عنه.

وأخبرنا بها ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن يعقوب ابن يزيد ومحمّد بن الحسين وأيّوب بن نوح وإبراهيم بن هاشم ومحمّد ابن عيسى بن عبيد ، عنه.

ورواها ابن بابويه ، عن أبيه وحمزة بن محمّد العلوي ومحمّد بن علي ماجيلويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عنه».

طريق رواية النوادر خاصّة :

ثمّ روى الطوسي كتاب النوادر بطريق خاصّ مضافاً إلى طرقه العامّة لرواية كتبه ، وهو هذا : «وأخبرنا بالنوادر خاصّة جماعة ، عن أبي المفضّل ، عن حميد ، عن عبيد الله بن أحمد بن نَهِيْك ، عن ابن أبي عمير.

وأيضاً أخبرنا بها جماعة ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد الموسوي ، عن ابن نَهِيْك ، عن ابن أبي عمير».

وذكر النجاشي (المتوفّى 450 ه) طرقاً مختلفة إلى رواية كتب ابن 0.

ص: 50


1- مشيخة من لايحضره الفقيه 4 : 460.

أبي عمير بعضها مثل الطوسي(1) ، ثمّ خصّ النوادر بالذكر ورواه بطريق خاصّ فقال : «فأمّا التي رواها عنه عبيد الله بن أحمد بن نَهِيْك فإنّي سمعتها من القاضي أبي الحسين محمّد بن عثمان بن الحسن يقرأ عليه : حدّثكم الشريف الصالح أبو القاسم جعفر بن محمّد بن إبراهيم قراءةً عليه ، قال : حدّثنا مُعَلِّمنا عبيد الله بن أحمد بن نَهِيْك ، عن ابن أبي عمير بنوادره».

وبالجملة : قد وقع ابن أبي عمير في كثير من طرق الصدوق في كتابه هذا ، وهذه أرقامه : (4 و 6 و 7 و 14 و 15 و 22 و 23 و 34 و 40 و 94 و 95 و 97 و 102 و 103 و 104 و 107 و 109 و 114 و 118 و 134 و 135 و 142 و 149 و 162 و 177 و 181 و 188 و 189 و 198 و 204 و 205 و 211 و 212 و 216 و 241 و 282 و 284 و 285 و 308 و 311 و 340 و 368 و 403 و 404 و 465).

وطرقه إليه في هذه الأرقام هي هذه :

1 - محمّد بن بابويه ، عن أبيه وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ....

2 - محمّد بن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب ابن يزيد وأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ....

4 - محمّد بن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم وأيّوب بن نوح ويعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ....

5 - محمّد بن بابويه ، عن جعفر بن محمّد بن مسرور ، عن الحسين ر.

ص: 51


1- المصدر السابق ، وطريق الشيخ إلى ما رواه عن ابن أبي عمير في مشيخته 10 / 79 أيضاً هو هذا ، فيعلم أنّه أخذ أخباره في التهذيب من النوادر.

ابن محمّد بن عامر ، عن عمّه عبد الله ، عن ابن أبي عمير ....

ثمّ تتشعّب الطرق بعد ابن أبي عمير حيث يروي عن جماعة كثيرة ، مثل :

جميل بن صالح ، ومعاوية بن عمّار ، وهشام بن صالح ، وهشام بن سالم ، وأبان بن عثمان ، وعبد الرحمن بن الحجّاج ، وأبان بن تغلب ، وعلي بن يقطين ، وعلي بن أبي حمزة ، وغياث بن إبراهيم ، وجميل بن صالح ، وأبي علي البصري ، وعلي بن معبد ، وابن بكير ، ومنصور بن يونس.

وهذه أوّل قرينة على أنّ الأسماء الواقعة قبل ابن أبي عمير شأنهم شأن رواة كتابه للصدوق ، وابن أبي عمير هو صاحب مصدر الصدوق للحديث ، والأسماء الواقعة بعده هم رواة الحديث لابن أبي عمير ؛ نعم لعلّ ابن أبي عمير أيضاً أخذ عن كتبهم إن كانوا أصحاب كُتُب.

وأمّا الطرق التي ذكرناه من كتاب القصص فكلّها معروفة في أسانيد الأخبار وكتب المشيخات ، وروى الشيخ الطوسي والنجاشي (رحمهما الله) كتب ابن أبي عمير عن طريق هذه المشايخ(1).

وتوجد في الأسانيد المنتهية إلى ابن أبي عمير في كتاب قصص الأنبياء طريق برقم : (308) وهو هكذا :

«محمّد بن بابويه ، عن الحاكم أبي محمّد جعفر بن محمّد بن شاذان النيسابوري ، عن أبي عبد الله محمّد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان ، عن 0.

ص: 52


1- انظر الأسانيد والطرق الواقعة في كتب الصدوق وغيرها من الكتب خصوصاً الكافي للكليني. ولاحظ : فهرست الطوسي : 405 / 618 ، مشيخة من لايحضره الفقيه 4 : 460.

ابن أبي عمير ...».

أقول :

أوّلاً : الظاهر وقوع تصحيف في السند ، وجاء السند صحيحاً في حديث آخر رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام وهو هكذا :

«حدّثني عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس ، قال : قال أبو الحسن علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ، قال : قال أبو محمّد الفضل بن شاذان ؛

وحدّثنا الحاكم أبو جعفر محمّد بن نعيم بن شاذان النيسابوري رحمه الله ، عن عمّه أبي عبد الله محمّد بن شاذان ، قال : قال الفضل بن شاذان النيسابوري ...»(1).

وأمّا طريق القصص الذي جاء في بحار الأنوار وفيه : «عن أبيه» بدلاً من : «أبي عبد الله محمّد بن شاذان» فهو من إضافة العلاّمة المجلسي ، يُعلم من منهجه الذي اختاره في تأليف البحار وهو تلخيص الأسانيد ، فهكذا فهم رحمه الله العبارة من ظاهر السند المذكور في نسخ كتاب القصص(2).

ثانياً : لا شكّ بأنّ المطلب المذكور في كتاب العيون من كتاب العلل للفضل(3) ، والطريق طريق لرواية كتابه ، بقي هنا أنّ طريق القصص من أىّ مصدر؟ والأسامي الواقعة في السند أيّ منها تعدّ مصدر الصدوق؟ وهل هو لرواية كتاب الفضل أم هو راوي كتاب ابن أبي عمير؟ 6.

ص: 53


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 106 / 1. وانظر : علل الشرائع 1 : 256 / 9.
2- بحار الأنوار 6 : 58 / 1.
3- الرجال للنجاشي : 307 ، الفهرست للطوسي : 361 ، الذريعة 15 : 312 / 1996.

وفي الجواب نقول :

لقد استعرضنا جميع السند في كتاب العيون لكي نبيَّن - للقرّاء الكرام - من الطريق الأوّل الذي هو معروف برواية ابن قتيبة النيسابوري التلميذ الخاصّ للفضل وراوي ميراثه(1) أنّ الحاكم النيسابوري المذكور وعمّه ، هما من رواة ميراث الفضل من كتبه ورواياته لكتب الأصحاب لا غيره.

كما هما غير معروفين وليس لهما كتاب ولا مصنّف ولم يذكرهما الشيخ والنجاشي في فهرستيهما بل عرفا بعنوان رواة ميراث الفضل(2) ، وليس في السند راو آخر صاحب كتاب إلاّ الفضل وابن أبي عمير ، فمن كثرة رواية الصدوق في كتاب النبوّة عن كتاب ابن أبي عمير وتعدّد طرقه إليه - كما مرّ - ، وأيضاً من أنّ الفضل يعدّ من رواة ميراث ابن أبي عمير

وكتبه - كما هو ظاهر لمن تتبّع كتب الأصحاب وهو خبير على الأسانيد - ففي هذا الطريق - يعني طريق الصدوق - شأن الفضل واسطة لرواية كتاب ابن أبي عمير ولا غير.

ونحن نرى العناوين المبهمة مثل : «عمّن ذكره» «عن رجل» «رفعه ».

ص: 54


1- ترجمه النجاشي فقال عنه : 259 / 678 : «علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري - عليه اعتمد أبو عمرو الكشّي في الرجال -. أبو الحسن صاحب الفضل بن شاذان وراوية كتبه».
2- انظر : اختيار معرفة الرجال 1 : 412 و 2 : 458 / 357 و 824 / 1037 و 831 / 1056 و 833 و 855 / 1105. وذكر الشيخ الطوسي في الرجال : 423 / 6096 ذيل ترجمة حيدر بن شعيب بن عيسى الطالقاني ما نصّه : «خاصّي ، نزيل بغداد ، يكنّى أبا القاسم ، روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة ، وقال : روى كتب الفضل بن شاذان عن أبي عبد الله محمّد بن نعيم بن شاذان المعروف بالشاذاني ابن أخ الفضل ، وله منه إجازة».

إلى» «بإسناده» وغيرها وقعت في بعض الأسانيد بعد ابن أبي عمير ، فلابدّ أن يكون صاحب المصدر قبله لا بعده كما مرّ الكلام عنه(1).

وهناك نكتة هامّة :

وهي أنّه قد مرّ أنّ لعلي بن إبراهيم القمّي كتاب الأنبياء ، فلأيّ سبب لم نقل : إنّ الروايات التي وقع في أسانيدها علي بن إبراهيم هي من كتابه الأنبياء؟ والجواب : إنّه من البعيد جدّاً أنّ المصدر المأخوذ منه هو كتاب علي بن إبراهيم ، لأنّه يبعد أن تكون الطرق الواقعة في كتابه الأنبياء كلّها برواية أبيه عن ابن أبي عمير ، وليس له طريق آخر في كتابه غير هذا الطريق كما لا يخفى.

2 - المحاسن (كتاب أحكام الأنبياء والرسل منه) لأحمد بن أبي عبد الله البرقي.

هو أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله محمّد بن خالد بن عبد الرحمن ابن محمّد بن علي البرقي الكوفي المتوفّى 274 ه- أو 280 ه- ، وقد وثّقه علماء الرجال(2) ، ونقل النجاشي عن أحمد بن الحسين رحمه الله من تاريخه قوله : «توفّي أحمد بن أبي عبد الله البرقي في سنة أربع وسبعين ومائتين ، وقال علي بن محمّد ماجيلويه : مات سنة أخرى سنة ثمانين ومائتين»(3).7.

ص: 55


1- انظر : قصص الأنبياء الرقم 203 و 211 و 281.
2- انظر : الرجال للنجاشي : 76 / 182 ، الفهرست للطوسي : 51 / 65 ، خلاصة الأقوال للعلاّمة الحلّي : 14 ، الرعاية لحال البداية في شرح الدراية للشهيد الثاني : 165 ، بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي 1 : 8 ، البلغة للمحقّق البحراني : 330 ، وغيرهم من علماء الفنّ في غيرها من المصادر.
3- الرجال للنجاشي : 77.

كتاب المحاسن :

كتاب معروف كبير وجامع لكتب كثيرة ، وقد نقل النجاشي والطوسي قائمة طويلة ممّا يتضمّنه من كتب وأبواب ، ونقل عنه كلّ من القدماء والمتأخّرين ، واعتمد عليه الصدوق وذكره في الكتب المشهورة والمعوّل عليها والمرجع إليها(1). وقد طبعت بعض كتبه مراراً باسم المحاسن كما هو معروف.

ومن جملة كتب المحاسن هو ما ذكره النجاشي باسم كتاب أحكام الأنبياء والرسل ، ولعلّ ما رواه الصدوق في كتاب النبوّة هو من هذا الجزء.

الطرق إلى رواية المحاسن :

هذا الكتاب في غاية الاشتهار ورواه الأصحاب بطرق متعدّدة ، وما يهمّنا في هذا المقام هو هذه الطرق :

يروي الصدوق كتاب المحاسن كما ذكره في المشيخة هكذا : «وما كان فيه عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي فقد رويته عن أبي ومحمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنهما ، عن علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي»(2).

وأيضاً :

«وما كان فيه عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي فقد رويته عن أبي ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن 8.

ص: 56


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3.
2- مشيخة من لا يحضره الفقيه 4 : 438.

أبي عبد الله البرقي.

ورويته أيضاً عن أبي ومحمّد بن موسى بن المتوكّل رضي الله عنهما ، عن علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي»(1).

وهذه الطرق كلّها متكرّرة في كتابنا هذا كما سيأتي.

ومن طرق الشيخ الطوسي إلى كتاب المحاسن ممّا يقارب الطرق المتقدّمة هي هكذا :

«أخبرنا بهذه الكتب كلّها وبجميع رواياته عدّة من أصحابنا منهم الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد وأبو عبد الله الحسين ابن عبيد الله وأحمد بن عبدون وغيرهم ، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري ، قال : حدّثنا مؤدّبي : علي بن الحسين السعد آبادي أبو الحسن القمّي ، قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله.

وأخبرنا هؤلاء الثلاثة ، عن الحسن بن حمزة العلوي الطبري ، قال : حدّثنا أحمد بن عبد الله ابن بنت البرقي ، قال : حدّثنا جدّي أحمد بن محمّد»(2).

وطريق النجاشي هو هذا :

«أخبرنا بجميع كتبه الحسين بن عبيد الله ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد أبو غالب الزراري ، قال : حدّثنا مؤدّبي علي بن الحسين السعدآبادي أبو الحسن القمّي ، قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله بها»(3). 7.

ص: 57


1- مشيخة من لا يحضره الفقيه 4 : 459.
2- الفهرست للشيخ الطوسي : 64.
3- الرجال للنجاشي : 77.

وقد وقع أحمد بن أبي عبد الله البرقي في طرق روايات كتاب قصص الأنبياء في هذه الأرقام : (16 و 62 و 98 و 112 و 119 و 137 و 151 و 163 و 175 و 176 و 179 و 190 و 192 و 193 و 360 و 361 و 379 و 407 و 469).

وطرقه إليه في هذه الأرقام هي :

1 - عن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ....

2 - عن ابن بابويه ، عن علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن جدّه أحمد بن أبي عبد الله البرقي ....

3 - عن ابن بابويه ، عن محمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي البرقي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ....

4 - عن ابن بابويه ، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عبد الله ابن جعفر ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ....

ثمّ تتشعّب الطرق بعد البرقي ، حيث يروي عن جماعة كثيرة ، وذلك مثل :

الحسن بن عطا الأزدي ، وأبان بن عثمان ، والحسن بن محبوب ، وأبيه محمّد بن خالد ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر ، والحسين بن سيف ابن عميرة ، والحسن بن علي الخزّاز ، وعلي بن النعمان ، و...

وكما ترى فإنّ الرواة عن البرقي تعدّ ممّن رووا كتبه كما في فهرستي الشيخ والنجاشي والأهمّ منهما مشيخة الصدوق ، ومن المحتمل أنّ البرقي أخذ بعض أخبار كتابه عن كتب مشايخه أمثال الحسن بن محبوب ، أو أنّ الصدوق يروي هذه الأخبار بواسطة البرقي من كتب أمثال ابن محبوب ومن ماثله.

ص: 58

3 - كتاب النوادر للحسن بن محبوب.

هو الحسن بن محبوب السرّاد أو الزرّاد ، يكنّى أبا علي ، مولى بجيلة ، كوفي ، ثقة ، من أصحاب الرضا عليه السلام ، وروى عن ستّين رجلاً من أصحاب الصادق عليه السلام ، وكان جليل القدر ، يعدّ من الأركان الأربعة في عصره ، له كتب كثيرة ، وكان ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم(1).

قال الكشّي : «ومات الحسن بن محبوب في آخر سنة أربع وعشرين ومأتين ، وكان من أبناء خمس وسبعين سنة»(2).

كتاب النوادر :

وهذا الكتاب كبير ومعروف بين الأصحاب ، كما ووصفه الطوسي بأنّه في نحو ألف ورقة(3).

الطرق إلى كتابه :

وقد ذكر الصدوق طريقه إلى ابن محبوب في المشيخة وهكذا :

«وما كان فيه عن الحسن بن محبوب فقد رويته عن محمّد بن موسى 8.

ص: 59


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 851 ، الفهرست : 122 / 162 ، خلاصة الأقوال : 97 / 1 ، التحرير الطاوسي : 131 / 97 ، معجم رجال الحديث 6 : 96 / 3079.
2- إختيار معرفة الرجال 2 : 851.
3- الفهرست : 122 / 162 ، الذريعة 24 : 328.

ابن المتوكّل رضي الله عنه ، عن عبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب»(1).

والطريق إليه صحيح.

وطريق الطوسي إلى رواية جميع كتبه هو :

«أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا ، عن أبي جعفر محمّد ابن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن الهيثم بن أبي مسروق ومعاوية بن حكيم وأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب.

وأخبرنا ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ومعاوية بن حكيم والهيثم بن أبي مسروق ، كلّهم عن الحسن بن محبوب.

وأخبرنا أحمد بن محمّد بن موسى بن الصّلت ، عن أحمد بن محمّد ابن سعيد بن عقدة ، عن جعفر بن عبيد الله ، عن الحسن بن محبوب»(2).

ومن العجيب أنّه لم يذكر النجاشي الحسن بن محبوب مع شهرته وشهرة كتبه ، وقد تمثّل بعض مشايخنا - حفظه الله - لهذا بهذا البيت :

يا من هو اختفى لفرط نوره

الظاهر الباطن في ظهوره

وقد وقع ابن محبوب في كثير من طرق كتاب قصص الأنبياء ، وهي :

(13 و 20 و 24 و 41 و 43 و 48 و 58 و 75 و 92 و 93 و 100 و 101 و 110 و 117 و 127 و 128 و 130 و 138 و 153 و 154 و 186 و 190 و 193 و 215 و 219 و 221 و 222 و 223 و 226 و 234 و 251 و 252 و 258 و 270 2.

ص: 60


1- مشيخة من لا يحضره الفقيه 4 : 453.
2- الفهرست : 122 / 162.

و 271 و 272 و 273 و 274 و 275 و 279 و 280 و 312 و 322 و 332 و 335 و 334 و 407 و 478).

وطرقه إليه في هذه الأرقام هي :

1 - ابن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن سعد ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن محبوب ....

2 - ابن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن سعد ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ....

3 - ابن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسن بن محبوب ....

4 - ابن بابويه ، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ...

5 - ابن بابويه ، عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن ابن محبوب ....

6 - عن ابن بابويه ، عن محمّد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمّد ابن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي ، عن الحسن بن محبوب ....

7 - عن ابن بابويه ، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عليّ بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ....

4 - كتب محمّد بن أُورمة.

هو أبو جعفر محمّد بن أُورمة القمّي.

قال النجاشي : «ذكره القمّيّون وغمزوا عليه ورموه بالغلوّ حتّى دسّ

ص: 61

عليه من يفتكّ به فوجدوه يصلّي من أوّل الليل إلى آخره فتوقّفوا عنه ، وحكى جماعة من شيوخ القمّيّين عن ابن الوليد أنّه قال : محمّد بن أُورمة طعن عليه بالغلوّ ، وكلّ ما كان في كتبه ممّا وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فقل به ، وما تفرّد به فلا تعتمده ، وقال بعض أصحابنا : إنّه رأى توقيعاً من أبي الحسن الثالث عليه السلام إلى أهل قم في معنى محمّد بن أورمة وبراءته ممّا قذف به ، وكتبه صحاح إلاّ كتاباً ينسب إليه ترجمته تفسير الباطن ، فإنّه مختلط ...»

ثمّ عدّد كتبه وأورد طريقه إلى كتبه ، وهو ما يلي :

«أخبرنا الحسين بن محمّد بن هدبة ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنا عبد الله بن الفضل بن هلال ، قال : حدّثنا أحمد بن علي بن النّعمان ، قال : حدّثنا محمّد بن أُورمة بكتبه»(1).

ونظيره كلام الشيخ الطوسي في الفهرست باختصار ، وقال : «له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد».

وطريقه إلى كتبه هو : «أخبرنا بجميعها - إلاّ ما كان فيها من تخليط أو غلوّ - ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عنه»(2).

أقول : علّة توقّفهم عن قتله هو أنّ الغلاة لا يصلّون ، ولذا قال : «فوجدوه يصلّي» ، وثانياً أنت خبير أنّ نسبة الغلوّ من جهة القمّيّين إلى بعض الرواة غير ثابتة ؛ كما أنّ ابن الغضائري مع تشدّده في الجرح 1.

ص: 62


1- الرجال للنجاشي : 329 / 891.
2- الفهرست للطوسي : 407 / 621.

والتضعيف لم يقبل هذه النسبة ، حيث قال :

«اتّهمه القمّيّون بالغلوّ ، وحديثه نقيّ لا فساد فيه ، وما رأيت شيئاً ينسب إليه تضطرب فيه النفس إلاّ أوراقاً في تفسير الباطن ، وما يليق بحديثه ، وأظنّها موضوعة عليه.

ورأيت كتاباً خرج من أبي الحسن علي بن محمّد عليهما السلام إلى القمّيّين في براءته ممّا قذف به وحسن عقيدته وقرب منزلته.

وقد حدّثني الحسن بن بندار القمّي رحمه الله ، قال : سمعت مشايخي يقولون : إنّ محمّد بن أُورمة لمّا طعن عليه بالغلوّ اتّفقت الأشاعرة(1) ليقتلوه ، فوجدوه يصلّي الليل من أوّله إلى آخره ليالي عديدة ، فتوقّفوا عن اعتقادهم»(2).

وكما ترى فإنّ مصدرالنجاشي هو ابن الغضائري ؛ ولذا قد حكم بصحّة كتبه كما مرّ وقال : «كتبه صحاح» ، وأدلّ دليل على عدم صحّة نسبته إلى الغلوّ هو ما عدّه النجاشي من ضمن كتبه ؛ وهو كتاب الردّ على الغلاة.

وأيضاً يظهر منهم أنّهم أيضاً توقّفوا في رميه بالغلوّ وفساد عدم اعتماد ابن الوليد عليه.

وقد استخرج السيّد الخوئي عدّة روايات في نفي الغلوّ عنه ، وأيضاً أورد بعض الأخبار عنه تكشف عن قوّة إيمانه وحسن عقيدته ، كما أجاب رحمه الله عن الاعتراضات حوله ثمّ قال : «إذاً فما كان من رواياته ليس فيه تخليط أو غلوّ وقد رواها الشيخ بطريقه المتقدّم لا مانع من العمل به 8.

ص: 63


1- المراد منهم الأشاعرة نسباً من القمّيّين لا الأشاعرة المتكلّمين من العامّة.
2- الرجال لأحمد بن الحسين الغضائري : 93 / 18.

والاعتماد عليه». وحكم بصحّة طريق الشيخ الطوسي(1).

أقول : طريق الشيخ هو الطريق الموجود في كتابنا هذا والذي سيأتي إن شاء الله.

وقد وقع ابن أُورمة في كثير من طرق كتاب قصص الأنبياء ، وهي كما في :

(2 و 32 و 36 و 37 و 38 و 59 و 60 و 65 و 66 و 70 و 71 و 72 و 74 و 84 و 90 و 96 و 106 و 111 و 124 و 136 و 140 و 145 و 156 و 157 و 173 و 187 و 206 و 238 و 253 و 254 و 259 و 268 و 281 و 320 و 323 و 324 و 325 و 326 و 334 و 346 و 353)

وطرق الصدوق في روايات كتاب النبوّة إلى كتب ابن أُورمة تنحصر في هذا الطريق :

ابن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ومحمّد بن موسى بن المتوكّل ومحمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أُورمة.

5 - نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى.

هو أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر الأشعري من بني ذخران ابن عوف بن الجماهر بن الأشعر ، وأوّل من سكن قم من آبائه سعد بن مالك بن الأحوص ، وكان السائب بن مالك وفد إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأسلم ، 4.

ص: 64


1- معجم رجال الحديث 16 : 124 / 10314.

وهاجر إلى الكوفة وأقام بها.

وذكر بعض أصحاب النسب أنّ في أنساب الأشاعرة : أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن هانئ بن عامر بن أبي عامر الأشعري ، واسمه عبيد ، وأبو عامر له صحبة.

وقد روى أنّه لمّا هزم هوازن يوم حنين عقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي عامر الأشعري على خيل ، فقتل ، فدعا له فقال : اللّهمّ أعط عبيدك عبيداً أبا عامر واجعله في الأكبرين يوم القيامة.

وهو رحمه الله شيخ القمّيّين ووجههم وفقيههم غير مدافع ، وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان بها. ولقى الرّضا وأبا جعفر الثاني وأبا الحسن العسكري عليهم السلام.

وصنّف كتباً ، منها : كتاب التوحيد ، كتاب فضل النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، كتاب المتعة ، كتاب النوادر ، - وكان غير مبوّب فبوّبه داود بن كورة - كتاب الناسخ والمنسوخ ، كتاب الأظلّة ، كتاب المسوخ ، كتاب فضائل العرب.

قال ابن نوح : ورأيت له عند الدُبَيْلِيّ كتاباً في الحجّ(1).

الطرق إلى رواية كتبه :

طرق الشيخ الطوسي إلى كتبه هكذا :

«أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا ، منهم الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيد ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أبيه وسعد بن عبد الله ، عنه. 5.

ص: 65


1- الرجال للنجاشي : 82 / 198 ، الفهرست للطوسي : 60 / 75.

وأخبرنا عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه ، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد جميعاً ، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى.

وروى ابن الوليد المبوّبة عن محمّد بن يحيى والحسن بن محمّد بن إسماعيل ، عن أحمد بن محمّد».

وطرق النجاشي :

«أخبرنا بكتبه الشيخ أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله وأبو عبد الله بن شاذان ، قالا : حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى ، قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عنه بها.

وقال لي أبو العبّاس أحمد بن علي بن نوح : أخبرنا بها أبو الحسن ابن داود ، عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ومحمّد بن يحيى وعلي بن موسى بن جعفر وداود بن كورة وأحمد بن إدريس ، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى بكتبه».

وقد وقع ابن عيسى في كثير من طرق كتاب قصص الأنبياء ، وهي كما يلي : (12 و 29 و 44 و 68 و 69 و 85 و 113 و 121 و 123و 129 و 130 و 131 و 133 و 139 و 144 و 147 و 160 و 161 و 167 و 168 و 169 و 174 و 180 و 201 و 208 و 209 و 214 و 235 و 239 و 257 و 260 و 261 و 262 و 266 و 269 و 291 و 292 و 293 و 327 و 337 و 339 و 364 و 376 و 390 و 402).

وطرق الصدوق إليه في روايات كتاب النبوّة تنحصر في هذا الطريق :

عن ابن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن سعد بن عبد الله ومحمّد بن الحسن الصفّار ومحمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى.

ص: 66

كما ظهر لك أنّ هذه الطرق هي نفس طرق الطوسي في فهرسته إلى كتب ابن عيسى.

كما وتتشعّب الطرق بعد ابن عيسى ، ويروي هو عن جماعة كثيرة ، وذلك مثل :

أبيه ، وابن أبي عمير ، والحسين بن سعيد ، ومحمّد بن علي بن مهزيار ، ومحمّد بن سنان ، والحسن بن علي ، والحسن بن محبوب ، وعلي ابن الحكم ، وعلي بن النعمان ، والحسن بن علي بن فضال ، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع ، والحسن بن علي الخزاز ، والحسين بن سيف بن عميرة ، ومحمّد بن خالد البرقي ، وعثمان بن عيسى ، والقاسم بن يحيى ، وعبد الله بن محمّد الحجّال الأسدي.

وتوجد في الطرق بعد ابن عيسى عبارة : «عن جماعة» أو نحوها ، وهذه من القرائن التي مرّت لإثبات صاحب المصدر ، فلاحظ.

الأسانيد في كتاب القصص وكيفية تلخيصها :

أورد الراوندي الأحاديث المرويّة عن الصدوق في كتاب قصص الأنبياء مسندةً متّصلةً مبدوّة بمشايخ الصدوق(1) إلى الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، ولكنّ الأسانيد وردت بأشكال مختلفة مع دقّة وظرافة خاصّة ، ولابدّ أن يمعن النظر فيها بعين التحقيق حتّى لا يشتبه الأمر عند المراجعة إلى بعض الأحاديث بأنّها مرسلة أو مرفوعة من الراوندي أو الصدوق. ي.

ص: 67


1- من اللازم أن نؤكّد هنا أنّ مرادنا من الأحاديث هو الأحاديث القطعية إسنادها إلى الصدوق لا الأخبار غير المسندة إلى أيّ معصوم أو راوي.

وذلك أنّ كيفيّة ذكر الأسانيد في هذا الكتاب على أشكال ، وهي كما يلي :

الشكل الأوّل : مسندة عن مشايخ الراوندي إلى الشيخ الصدوق ومن ثمّ إلى المعصومين عليهم السلام.

الشكل الثاني : بدون ذكر الإسناد من الراوندي إلى الصدوق لكنّها مسندة منه إليهم عليهم السلام.

الشكل الثالث : بدون ذكر الإسناد من الراوندي والصدوق كليهما ، مبتدئاً بمشايخ مشايخ الصدوق عن بعضهم عليهم السلام.

الشكل الرابع : بدون ذكر الإسناد عن بعضهم عليهم السلام على نحو الإرسال.

أمّا الشكل الأوّل :

فلا نقاش فيه ، وقد ذكرنا لك أيّها القارئ الكريم طرق الراوندي إلى الشيخ الصدوق وكتاب النبوّة ، فلابدّ أن نلاحظها لابتناء باقي الأشكال على هذه الطرق.

وأمّا الشكل الثاني :

فلا إشكال فيه أيضاً ؛ لأنّه رحمه الله ذكر طريقه إلى الشيخ الصدوق مكرّراً - كما مرّ - في أوّل كلّ باب أو فصل من الكتاب وابنتى باقي الروايات على هذه الطرق المذكورة ، والطريق من الشيخ الصدوق إلى المعصومعليه السلام مذكور أيضاً.

ص: 68

وأمّا الشكل الثالث :

أمّا من الراوندي إلى الصدوق فكما مرّ في الشكل الثاني ، وإنّما البحث من الصدوق إلى بعض مشايخ مشايخه ، وذلك أنّ بعض الأسانيد في هذا الكتاب ابتدأت بدون مشايخ الصدوق ، يعني شرعت بأمثال : سعد ابن عبد الله الأشعري ومحمّد بن أُورمة وأحمد بن محمّد بن عيسى بل ومن الطبقات السابقة عنهم أمثال : ابن أبي عمير والحسن بن محبوب وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ووهب بن منبه وغيرهم من الرواة الذين روى عنهم الصدوق بواسطة واحدة أو بوسائط.

ومن أجل ذلك نقول : إنّ الراوندي رحمه الله عمل في أسانيد هذا الكتاب عملا ومنهجاً خاصّاً لتلخيص أسانيد الصدوق ، فاختصرها غاية اختصار متحرّزاً عن الإرسال المفضي إلى قلّة الاعتماد ، وذلك أنّه إذا تكرّر الإسناد إلى شخص واحد - والوسائط الذين بينه وبين الصدوق يعدّون من مشايخ الإجازة على تفصيل ذكرناه في ما سبق - فيذكر الإسناد إليه مرّة واحدة أو أكثر مبثوثةً في الفصول والأبواب ويحذف أسانيد باقي الروايات ويحيل فيها إلى الإسناد المذكور أوّلا بقوله : «بالإسناد عن» أو : «بإسناده عن» والمراد منه الإسناد المذكور فيما قبله إلى هؤلاء المشايخ والأصحاب ، كما فعل ذلك في نفس طرقه إلى الشيخ الصدوق.

ونحن فيما يلي نذكر لك أيّها القارىء الكريم الطرق الواقعة إلى الرواة المتقدّمين على الصدوق بطبقتين أو أكثر والذين هم أكثر ذكراً وابتداءً بأسمائهم في أسانيد هذا الكتاب ، وننتخب من طرق الصدوق إليهم ما هو كثير الدوران في كتاب القصص ، وهم :

ص: 69

1 - ابن أبي عمير.

2 - الحسن بن محبوب.

3 - محمّد بن أُورمة.

الطرق إلى ابن أبي عمير :

1 - الصدوق : عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن سعد بن عبدالله الأشعرى ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ...(1).

2 - الصدوق : عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم القمي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ...(2).

3 - الصدوق : عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمّد ابن الحسن الصفّار ، عن أيّوب بن نوح ، عن ابن أبي عمير ...(3).

4 - الصدوق : عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمّد ابن الحسن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ...(4).

والمواضع التي أحال فيها شيخنا الراوندي إلى هذه الطرق المذكورة بقوله : «بإسناده» «بالإسناد» «بالإسناد المتقدّم» أو بواو العطف هي هذه : (6 و 7 و 15 و 22 و 103 و 104 و 107 و 109 و 189 و 205 و 212 و 340). 8.

ص: 70


1- لابدّ أن نقول : إنّ في هذه الأرقام أيضاً موارد كثيرة توجد فيها اختصارات أُخر ، مثلا اختصار عن سعد بن عبدالله أو علي بن إبراهيم ، انظر : قصص الأنبياء ، الرقم : 4 و 34 و 95 و 97 و 142 و 149 و 162 و 181 و 368.
2- قصص الأنبياء ، الرقم : 14 و 40 و 102 و 114 و 118 و 134 و 177 و 188 و 204 و 211 و 216 و 216 و 241 و 282 و 311.
3- قصص الأنبياء الرقم : 135.
4- قصص الأنبياء ، الرقم : 198.

الطرق إلى الحسن بن محبوب :

1 - الصدوق : عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن سعد بن عبدالله الأشعري ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن محبوب ...(1).

2 - الصدوق : عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ...(2).

3 - الصدوق : عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ...(3).

4 - الصدوق : عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن محبوب ...(4).

والمواضع التي أحال فيها شيخنا الراوندي إلى هذه الطرق بقوله : «بإسناده» «بالإسناد» «بالإسناد المتقدّم» أو بواو العطف ، هي هذه : (20 و 24 و 69 و 75 و 93 و 128 و 130 و 154 و 190 و 193 و 219 و 221 و 222 و 223 و 234 و 252 و 270 و 271 و 274 و 275 و 312 و 322 و 343 و 478). 6.

ص: 71


1- قصص الأنبياء ، الرقم : 1.
2- قصص الأنبياء ، الرقم : 13 و 41 و 48 و 92 و 100 و 101 و 110 و 117 و 127 و 138 و 258 و 279 و 317 و 332.
3- قصص الأنبياء ، الرقم : 58 و 251 و 335.
4- قصص الأنبياء ، الرقم : 186.

الطريق إلى محمّد بن أُورمة :

روى الصدوق روايات ابن أُورمة بطريق واحد وهو هذا :

الصدوق : عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمّد بن موسى بن المتوكّل ومحمّد بن علي بن ماجيلويه ، عن محمّد بن يحيى العطار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أُورمة ...(1).

والمواضع التي أحال فيها شيخنا الراوندي إلى هذا الطريق المذكور بقوله : «بإسناده» «بالإسناد» «بالإسناد المتقدّم» أو بواو العطف ، هي هذه : (37 و 38 و 60 و 65 و 66 و 70 و 71 و 72 و 74 و 84 و 90 و 96 و 106 و 124 و 140 و 145 و 157 و 253 و 254 و 259 و 281 و 323 و 324 و 325 و 326 و 334 و 346 و 353).

أما الشكل الرابع :

فكثيراً ما ابتدأ بعض الأسانيد ببعض الرواة بدون الإحالة إلى سند خاصٍّ ، وذلك مثل : وهب بن منبّه وزرارة بن أعين ، وكذلك عن بعض المعصومين عليهم السلام.

وقد نقل الراوندي في عدّة مواطن في كتاب القصص عن وهب بهذه الألفاظ : «ذكر وهب» «قال وهب» «وعن وهب» «سئل وهب»(2). 2.

ص: 72


1- قصص الأنبياء ، الرقم : 2 و 32 و 36 و 59 و 111 و 136 و 156 و 173 و 187 و 206 ، 238 و 268 و 320.
2- قصص الأنبياء الرقم : 51 و 52 و 55 و 82.

والحال أنّه يروي عن وهب في خمسة مواضع مسنداً ، وطريقه إليه هو :

1 - الصدوق : عن أبي عبدالله محمّد بن شاذان بن أحمد بن عثمان البرواذي ، عن أبي علي محمّد بن محمّد بن الحارث بن سفيان الحافظ السمرقندي ، عن صالح بن سعيد الترمذي ، عن عبدالمنعم بن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب بن منبّه اليماني ...(1).

2 - الصدوق : عن محمّد بن هارون الزنجاني ، عن معاذ بن المثنى العنبري ، عن عبدالله بن أسماء ، عن جويرة ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن وهب ...(2).

3 - الصدوق : عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمّد ابن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن علي بن أسباط ، عن أبي إسحاق الخراساني ، عن وهب ...(3).

كما أنّه أحال في عدّة موارد إلى هذه الطرق بقوله : «بالإسناد المتقدّم» «بالإسناد» «بإسناده»(4) ، وكذلك الحال في باقي الأسانيد إن لم يذكر هذه الألفاظ في أوّل الحديث ، فلابدّ أن يلاحظ ما قبله من الأسانيد حتّى يستخرج إسناد الصدوق إلى هؤلاء الرواة.

الكتاب في الأسانيد والإجازات :

أتقن وأحسن الكتب انتساباً إلى مؤلّفيها هي تلك التي وصلت إلينا 5.

ص: 73


1- قصص الأنبياء : 50 و 159 و 321.
2- قصص الأنبياء : 87.
3- قصص الأنبياء : 227.
4- قصص الأنبياء : 61 / 76 و 81 و 151 و 200 و 296 و 297 و 315.

عن إحدى الطرق السبعة المعروفة للتحمّل ، وهي : «السماع» «القراءة» «الإجازة» «المناولة» «الكتابة» «الإعلام» «الوجادة».

وقد حظي هذا الكتاب (كتاب النبوّة) بتوسّط تلخيصه (قصص الأنبياء) للقطب الراوندي ببعض هذه الطرق المذكورة آنفاً(1) ، فقد ذكر لفيف من علمائنا ومشايخ إجازاتنا كتب القطب الراوندي كلّها وكتاب القصص بخصوصه ورووه بطرقهم المتّصلة به ، كما أنّ للقطب طرقاً كثيرة إلى الشيخ الصدوق مذكورة في إجازات العلماء وأثباتهم وأيضاً في مطاوي كتابه القصص ، كما وأنّ لنا أيضاً طرقاً كثيرة إليهم ومنهم القطب الراوندي ومنه إلى الشيخ الصدوق.

فقد أورد طرق روايات جميع مصنّفات القطب الراوندي العلاّمة الحلّي (المتوفّى 726 ه) في الإجازة الكبيرة لبني زهرة ، والشيخ حسن صاحب المعالم ابن الشهيد الثاني (المتوفّى 1011 ه) في إجازته الكبيرة.

كما وروى جميع مجموعات ومسموعات القطب الراوندي أبو علي الحسين بن خشرم الطائي عن الشيخ زين الدين علي بن حسان الرهمي عن الراوندي على ما حكاه العلاّمة المجلسي (المتوفّى 1110 ه) عن مجموعة الشيخ شمس الدين الجبعي (المتوفّى 886 ه) جدّ شيخنا البهائي ، وهو عن 9.

ص: 74


1- لا يخفى أنّ لعلمائنا طرقاً متعدّدة لرواية كتب الشيخ أبي جعفر الصدوق ، ونحن مراعاة لضيق المقام اقتصرنا على ذكر طرق روايات كتاب القصص وطرق الراوندي لروايات كتاب النبوّة. وحريّ بنا أن نذكر أنّ الشيخ المحدّث الحرّ العاملي صرّح في خاتمة الوسائل باسم كتاب النبوّة في ضمن مصادره المعتمدة التي نقل منها مع الواسطة ولم تصل إليه ، ولكن روى منها بواسطة الصدوق والشيخ والمحقّق وابن إدريس والشهيد والعلاّمة وابن طاوس ومن ماثلهم من أصحاب الكتب السابقة ، ثمّ أورد بعد ذلك طرقه لرواية هذه الكتب ، انظر : خاتمة وسائل الشيعة 30 : 160 و 163 و 169.

خطّ الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي (المتوفّى 786 ه)(1).

وكذلك يروي كتب الراوندي الشيخ الأجلّ العالم الفقيه جمال الدين محمّد بن الحسن ابن الشيخ الفقيه محمّد بن المهتدي بحقّ إجازته العامّة في ذي الحجّة سنة 670 ه- عن الشيخ نجم الدين جعفر بن محمّد بن الحلّي على ما جاء في الحكاية المذكورة.

ونخصّ منهم بالذكر الفقيه المحدّث محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (المتوفّى 1104 ه) صاحب وسائل الشيعة الذي ذكر طريقاً خاصّاً به لهذا الكتاب ، وذلك في خاتمة الوسائل وفي بعض إجازاته ، منها : إجازته للمولى الجليل الشيخ محمّد فاضل بن محمّد مهدي المشهدي الصادرة في شعبان المعظّم من سنة 1085 ه- بالمشهد المقدّس الرضوي على مشرّفه السلام ، وأيضاً في إجازته للميرزا محمّد صالح ابن العالم محمّدباقر الرضوي الصادرة في أوائل ذي القعدة سنة 1085 ه- أيضاً ؛ وإليك طريقه إلى رواية كتاب القصص الموجودة في مشيخة خاتمة الوسائل والإجازة المذكورة(2) مع استخراج طريق واحد عنه إلى مشايخ أصحابنا مروراً بالشيخ حسن صاحب المعالم والعلاّمة الحلّي اللذين ذكرا طرقهما في إجازتيهما إلى كتب الراوندي.

قال الموسوي : أنا أروي كتب القطب عن عدد من مشايخنا وعلمائنا الأجلاّء - رحم الله تعالى في الأموات وبارك في الأحياء - بطريق الإجازة بأسانيد متعدّدة فنذكر أعلاها ؛ منها ما أجاز لي : 9.

ص: 75


1- بحار الأنوار 104 : 47 و 49 و 50 / 11.
2- انظر : خاتمة وسائل الشيعة 30 : 184 وبحار الأنوار 107 : 116 ومجلّة علوم الحديث 19 : 229.

آية الورع والتقوى المرجع الديني الحاج السيّد حسن ابن المرجع الديني الكبير آقا حسين الطباطبائي القمّي رحمه الله.

والعلاّمة الورع التقي الشيخ محي الدين ابن الفقيه العلاّمة الشيخ عبد الله المامقاني رحمه الله.

وسماحة المرجع الديني الأعلى آية الله السيّد علي الحسيني السيستاني ، والعلاّمة الكبير والمحقّق الخبير سماحة السيّد محمّد مهدي الموسوي الخرسان.

وسماحة المرجع الديني آية الله الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني.

وغيرهم من فقهائنا العظام وعلمائنا الكرام ، كلّهم عن العلاّمة المتتبّع الشيخ آقا بزرك الطهراني.

عن المحدّث الخبير الميرزا حسين النوري (المتوفّى 1320 ه)

عن الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري (المتوفّى 1281 ه)

عن المولى التقي أحمد النراقي (المتوفّى1245 ه)

عن السيّد الفقيه الورع مهدي بحر العلوم (المتوفّى1212 ه)

عن المولى الوحيد محمّد باقر البهبهاني (المتوفّى1208 ه)

عن والده محمّد أكمل البهبهاني

عن المولى العلاّمة الكبير محمّد باقر المجلسي (المتوفّى1110 ه)

عن الشيخ المحدّث الحرّ العاملي (المتوفّى 1104 ه) بالإجازة المدبّجة بينهما

عن الشيخ زين الدين بن محمّد سبط الشهيد الثاني (المتوفّى 1063 ه)

ص: 76

عن والده الشيخ محمّد بن الحسن بن زين الدين (المتوفّى 1030 ه)

عن والده الشيخ جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (المتوفّى 1011 ه)

عن الشيخ حسين بن عبدالصمد العاملي (المتوفّى 984 ه)

عن الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (المتوفّى 965 ه)

عن الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الميسي (المتوفّى 938 ه)

عن الشيخ شمس الدين محمّد بن داود المؤذّن العاملي الجِزِّيني (المتوفّى 855 ه)

عن الشيخ ضياء الدين علي ابن الشهيد (من أعلام القرن التاسع)

عن الشيخ الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (المتوفّى 786 ه)

عن الشيخ فخر الدين محمّد ولد العلاّمة (المتوفّى 771 ه)

عن والده العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (المتوفّى 726 ه)

عن والده يوسف بن المطهّر (من أعلام القرن السابع)

عن الشيخ مهذّب الدين الحسين بن أبي الفرج ردّة النيلي (من أعلام القرن السابع)

عن القاضي أحمد بن علي بن عبد الجبّار الطبرسي (من أعلام القرن السادس والسابع)

عن الشيخ المصنّف قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (المتوفّى 573 ه) بكتاب قصص الأنبياء.

وزاد الشيخ جمال الدين حسن صاحب المعالم ابن الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة طريقاً ثانياً ، وهو :

ص: 77

بالإسناد :

عن الشهيد الأوّل محمّد بن مكي (المتوفّى 786 ه)

عن السيّد الأجلّ شمس الدين محمّد بن أبي المعالي

عن شمس الدين أبي عبد الله السيّد محمّد بن أحمد بن أبي المعالي ابن جعفر بن علي الحسيني الموسوي (المتوفّى 769 ه)

عن كمال الدين أبي الحسن علي بن الحسين بن حمّاد بن أبي الخير الليثي الواسطي (حيّاً سنة 745 ه)

عن نجم الدين أبي القاسم جعفر ابن الفقيه الكبير محمّد بن جعفر ابن أبي البقاء هبة الله بن نما الرَّبعي الحلّي المعروف - كأبيه - بابن نما (المتوفّى حدود 680 ه)

عن والده نجيب الدين أبي إبراهيم محمّد بن جعفر الربعي الحلّي (المتوفّى 645 ه)

عن الشيخ عماد الدين أبي الفرج علي ابن الشيخ قطب الدين الراوندي (المتوفّى ح 600 ه)

عن الشيخ قطب الدين الراوندي المصنّف (المتوفّى 573 ه) بجميع كتب الراوندي.

طرق الراوندي إلى الشيخ أبي جعفر الصدوق المذكورة في أوّل الفصول والأبواب من كتاب القصص(1) :

الطريق الأوّل : عن أبي منصور أحمد بن عمر بن محمّد بن عبدالله ع.

ص: 78


1- من اللطيف أنّه ذكر تسعة عشر طريقاً إلى الشيخ الصدوق عن تسعة عشر من مشايخه في أوّل بعض الأبواب والفصول ، ولم يكرّر الطرق إلاّ في ثلاثة مواضع.

الغازي الإصفهاني ، عن أبي مسعود محمّد بن محمّد العكبري المعدّل ، عن السيّدين الرضي والمرتضى ، عن الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن أبي جعفر ابن بابويه القمّي ...(1).

الطريق الثاني : عن الشيخ أبي الحسين أحمد بن محمّد بن عليّ بن محمّد الزُّشكي ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد بن أحمد بن العبّاس الدوريستي ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ابن بابويه القمّي ...(2).

الطريق الثالث : عن أبي القاسم بن كميح ، عن الدوريستي ، عن الشيخ المفيد ...(3).

الطريق الرابع : عن الشيخ أبي سعد الحسن بن علي الأرابادي ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(4).

الطريق الخامس : عن الشيخ أبي القاسم الحسن بن محمّد الحديقي ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(5).

الطريق السادس : عن الأديب أبي عبدالله الحسين المؤدّب القمّي ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(6).

الطريق السابع : عن السيّد أبي الصمصام ذي الفقار بن محمّد بن معبد الحسني ، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي ، عن الشيخ المفيد ...(7). 8.

ص: 79


1- قصص الأنبياء : 100 / 89.
2- قصص الأنبياء : 136 / 136.
3- قصص الأنبياء : 109 / 99.
4- قصص الأنبياء : 129 / 127.
5- قصص الأنبياء : 129 / 127.
6- قصص الأنبياء : 123 / 121.
7- قصص الأنبياء : 145 / 153 و 77 / 58.

الطريق الثامن : عن السيّد أبي الحسن علي بن أبي طالب الحسيني السليقي ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(1).

الطريق التاسع : عن الشيخ علي بن علي بن عبدالصمد التميمي النيسابوري ، عن أبيه ، عن السيد أبي البركات علي بن الحسين الجوري ، عن الشيخ أبي جعفر ابن بابويه القمّي ...(2).

الطريق العاشر : عن الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، عن الدوريستي ، عن المفيد ...(3).

الطريق الحادي عشر : عن السيّد أبي حرب المجتبى بن الداعي الحسني ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(4).

الطريق الثاني عشر : عن أبي البركات محمّد بن إسماعيل المشهدي ، عن علي بن عبدالصمد التميمي النيسابوري ، عن السيّد أبي البركات الجوري ...(5).

الطريق الثالث عشر : عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسن الحلبي ، عن أبي جعفر الطوسي ...(6).

الطريق الرابع عشر : عن محمّد بن علي بن عبدالصمد التميمي النيسابوري ، عن أبيه ...(7).6.

ص: 80


1- قصص الأنبياء : 148 / 156.
2- قصص الأنبياء : 38 / 1 و 160 / 151 و 236 / 191.
3- قصص الأنبياء : 132/134.
4- قصص الأنبياء : 68 / 44.
5- قصص الأنبياء : 107 / 95.
6- قصص الأنبياء : 90 / 78.
7- قصص الأنبياء : 51 / 16 و 104 / 92 و 191 / 236.

الطريق الخامس عشر : عن الأُستاذ أبي جعفر محمّد بن المرزبان ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(1).

الطريق السادس عشر : عن الشيخ أبي المحاسن مسعود بن علي بن محمّد الصوابي ، عن علي بن عبدالصمد التميمي ...(2).

الطريق السابع عشر : عن السيّد المرتضى بن الداعي الحسني ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(3).

الطريق الثامن عشر : عن هبة الله بن دعويدار ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(4).

الطريق التاسع عشر : عن السيّد أبي السعادات هبة الله بن علي الشجري ، عن الدوريستي ، عن أبيه ...(5).

والحمد لله أوّلاً وآخراً وباطناً وظاهراً ،

وصلّى الله على سيّدنا محمّد خير الأنبياء والمرسلين ،

وعلى آله الأئمّة الهداة المهديّين الطيّبين الطاهرين.

وافق الفراغ من إتمام هذه الرسالة الموجزة ليلة الجمعة الثامن عشر من شهر محرّم الحرام ، من سنة ثلاثين وأربعمائة بعد الألف من الهجرة النبويّة المباركة ببلدة «قم» المقدّسة ، على يد العبد الفقير المحتاج إلى رحمة ربّه الغفور السيّد حسن الموسوي البروجردي ، حامداً مصليّاً مسلماً. 9.

ص: 81


1- قصص الأنبياء : 120 / 117.
2- قصص الأنبياء : 162 / 174.
3- قصص الأنبياء : 55 / 27 و 142 / 147.
4- قصص الأنبياء : 139 / 143.
5- قصص الأنبياء : 159 / 169.

المصادر

1 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: لشيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، السيّد حسن الخرسان الموسوي، دار صعب ودار التعارف بيروت.

2 - أعيان الشيعة: للسيّد محسن الأمين، حسن الأمين، دار التعارف - بيروت.

3 - إقبال الأعمال: لرضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحلّي، (ت 664 ه)، طبع ونشر مكتب الإعلام الإسلامي في قم المقدّسة.

4 - إيضاح المكنون: لمصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة چلبي (ت 1067 ه)، مؤسّسة التاريخ العربي بيروت.

5 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: للشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي، (ت 1111 ه)، نشر دار الكتب الإسلاميّة، واستفدنا من الطبعة الحجريّة أيضاً.

6 - تأويل الآيات الظاهرة في العترة الطاهرة: للسيّد شرف الدين علي الأسترآبادي النجفي (من أعلام القرن العاشر)، تحقيق ونشر مؤسّسة الإمام المهدي، قم المقدّسة.

7 - التحرير الطاوسي: للحسن بن زين الدين صاحب المعالم (ت 1011 ه)، فاضل الجواهري، مطبعة سيّد الشهداءعليه السلام - قم المقدّسة.

8 - تهذيب الأحكام: لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، (ت 460 ه)،

ص: 82

نشر دار الكتب الإسلاميّة.

9 - خلاصة الأقوال: للحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف بالعلاّمة الحلّي، (ت 726 ه)، نشر من منشورات رضي قم المقدّسة.

10 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة: للعلاّمة الطهراني آقا بزرگ، نشر دار الأضواء، بيروت.

11 - رجال ابن الغضائري: لأحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري الواسطي (من أعلام القرن الخامس)، السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، دار الحديث - قم المقدّسة.

12 - رجال الشيخ: لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، من منشورات رضي قم المقدّسة.

رجال الكشي = اختيار معرفة الرجال: نشر مؤسسة آل البيتعليهم السلام.

13 - رجال النجاشي: لأحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي، (ت 450 ه)، نشر مؤسسة آل البيتعليهم السلام.

14 - الرسائل الرجاليّة: لأبي المعالي محمّد بن محمّد إبراهيم الكلباسي (ت 1315 ه)، محمّد حسين الدرايتي، دار الحديث - قم المقدّسة.

15 - الرعاية لحال البداية في شرح الدراية: لزين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (ت 965 ه)، مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، قم المقدّسة.

16 - رياض العلماء: للميرزا عبدالله أفندي من أعلام القرن الثاني عشر، من منشورات مكتبة السيّد المرعشي النجفي في قم المقدّسة.

17 - سلوة الحزين: لقطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي

ص: 83

(ت 573 ه)، عبد الحليم الحلي، باشراف مكتبة العلاّمة المجلسي، دليل ما ، قم المقدّسة.

18 - الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم: لزين الدين أبو محمّد عليّ بن يونس العاملي النباطي البياضي (ت 877 ه)، محمّد باقر البهبودي، المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة - طهران.

19 - فضائل الأشهر الثلاثة: للشيخ أبي جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، (ت 381 ه)، غلام رضا عرفانيان اليزدي، مطبعة الآداب - النجف الأشرف.

20 - فقه القرآن: لقطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت 573 ه)، السيّد مهدي الرجائي، مكتبة السيّد شهاب الدين المرعشي، قم المقدّسة.

21 - فلاح السائل: لرضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس، (ت 664 ه)، نشر مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي حوزه العلميّة، قم المقدّسة.

22 - الفهرست: لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، جواد القيّومي، مؤسّسة النشر الفقاهة -قم المقدّسة.

23 - قصص الأنبياء: لقطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت 573 ه)، غلام رضا عرفانيان اليزدي، الآستانة المقدّسة الرضويّة مشهد المقدّسة.

قصص الأنبياء = النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين: للسيّد نعمة الله الجزائري، (ت 1112 ه).

24 - الكافي: لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني، (ت 329 ه)،

ص: 84

تحقيق علي أكبر غفّاري، نشر دار الكتب الإسلاميّة.

25 - كمال الدين وتمام النعمة: لمحمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، (ت 381 ه)، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين.

26 - مجلّة نشر دانش: السنة 19، الرقم الثالث، سنة 1381.

27 - مجمع البيان في تفسير القرآن: لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، (ت 560 ه)، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.

28 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: للميرزا حسين النوري الطبرسي (ت 1370 ه)، تحقيق مؤسسة آل البيتعليهم السلام لإحياء التراث.

29 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: لأبي الفضل علي الطبرسي، (المتوفّى في أوائل القرن السابع الهجري)، نشر مؤسسة آل البيتعليهم السلام لإحياء التراث، قم - إيران.

30 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة: للسيّد أبوالقاسم الموسوي الخوئي، (ت 1414 ه)، من منشورات مدينة العلم - قم المقدّسة.

31 - مكارم الأخلاق: لرضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي، من أعلام القرن السادس الهجري، من منشورات الشريف الرضي.

32 - مكتبة ابن طاوس وأحواله وآثاره: لإتان كلبرگ، السيّد علي القرائي ورسول جعفريان، مكتبة السيّد شهاب الدين المرعشي، قم المقدّسة.

33 - مناقب آل أبي طالب: لأبي جعفر رشيد الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني (ت 588 ه)، طبع ونشر في المطبعة الحيدريّة في النجف الأشرف.

34 - من لا يحضره الفقيه: للشيخ أبي جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين

ص: 85

بن بابويه القمّي، (ت 381 ه)، نشر جامعة المدرّسين.

35 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، (ت 1104 ه)، تحقيق: عبدالرحيم الرباني الشيرازي، نشر دار إحياء التراث العربي - بيروت.

36 - هدية العارفين: لإسماعيل باشا البغدادي، مؤسّسة التاريخ العربي بيروت.

ص: 86

مدوّنات الشيخ المفيد رحمه الله وقراءته الكلامية للتاريخ

الشيخ قاسم خانجاني

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :

إنّ معرفة الجوانب المختلفة للتاريخ الإسلامي وبالأخصّ التاريخ الشيعي لعلّه يبدو هيّناً للوهلة الأُولى ، ولكنّه لا يخلو من الصعوبة والتعقيد في واقع الأمر بالرغم من كثرة المدوّنات التاريخية التي تناولت العديد من الوقائع وكثرة من كتب من الأشخاص والرواة في هذا الجانب ، إلاّ أنّ هناك عوامل متعدّدة أدّت إلى قلب الحقائق التاريخية وأظهرتها على غير واقعها وتضافرت بشكل بحيث أصبح من الصعب جدّاً الاعتماد على تلك المدوّنات ، فإنّ هيمنة السلطات الجائرة على المؤلّفين ورواة أحداث التاريخ من جانب ، والاستفادة المغرضة للأعداء من جانب آخر ، والإفراط والتفريط من بعض الموالين من جانب ثالث ، كلّ هذا كان من أهمّ العوامل المؤثّرة في مسار تحريف الوقائع التاريخية.

ففي خضمّ هذه التعقيدات الصعبة لمعرفة التاريخ الصحيح تتجلّى لنا

ص: 87

عظمة مساعي وجهود شخصيّات فذّة عظيمة لا مثيل لها كالشيخ المفيد ، بالأخصّ إذا درسنا تلك الحقبة التاريخيّة التي عاشها الشيخ المفيد واستطعنا أن نتعرّف على تلاطم تلك الأمواج المضطربة للآراء والأفكار الكلامية والعقائدية والنظريّات المذهبية في عصره ، فإنّه سوف تتجلّى لنا أكثر عظمة تلك الجهود.

وإنّ ما يهمّنا في هذه الرسالة هو معرفة أحد أهمّ الجوانب من أبعاد هذه الشخصيّة العملاقة التي قلّ ما نعثر على مثيل لها في التاريخ.

خلفيّات دراسة آثار الشيخ المفيد رحمه الله :

بالرغم من كلّ ما كتب عن شخصيّة الشيخ المفيد المتميّزة وأُلّف عن خصوصياتها وما امتازت به شخصيّته الفذّة عن غيرها ، وكلّ ما تناول شخصيته من مؤلّفات صدرت بعد ارتحاله وحتّى في أيّام حياته الشريفة طوال عشرة قرون على اختلاف مشاربها ، والتي انصبّت على دراسة الجوانب المختلفة لآرائه وأفكاره التي تعدّ أُسس المعارف الشيعيّة المذكورة في العديد من الحوارات والمقالات ، ولكن مع كلِّ ذلك فإنّ عدم الإلمام بجميع الجوانب الفكرية له على مرّ العهود الماضية لهو من المواضيع المسلّمة التي لا يختلف فيها اثنان ، وإنّ جميع الجهود التي حصلت في هذا الشأن - لتناثرها على أقلّ تقدير - ما هي إلاّ قليل من كثير.

إنّ أحد أفضل المؤلّفات التي تطرّقت إلى آراء الشيخ المفيد وحقّقت جانباً منها هو كتاب انديشه هاي كلامي شيخ مفيد (الآراء الكلامية للشيخ المفيد) ، حيث يعدّ من الجهود التي تستحقّ التقدير ، ولكن كما تبيّن من اسمه فإنّه يشير إلى جانب من أفكاره بشمولية ولم يتوجّه إلى الجانب

ص: 88

التاريخي الذي يعدّ أحد أبعاد فكر الشيخ المفيد ، فإنّه إمّا لم يتطرّق إليه أصلا أو ذكره بشكل متناثر عار عن الأهميّة.

إنّ أكمل مجموعة ضمّت جميع كتبه ورسائله الموجودة وجميع المقالات التي كتبت في أبعاد شخصيّته وآثاره هي مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد والرسائل وما يقارب سبعين مقالة نشرت بمناسبة مرور ألف عام على رحيله للمؤتمر العالمي الذي أُقيم لتجليل الشيخ المفيد رحمه الله سنة 1413 ه- في مدينة قم المقدّسة ، ولكن في هذه المجموعة أيضاً قلّما ذكر الجانب التاريخي للشيخ المفيد.

إنّ غاية ما توصّلنا إليه في تحقيقنا أنّه لم يكتب في هذا المجال شيء يذكر ، وانطلاقاً من هذا فقد بذلنا جهدنا وحاولنا أن نجمع في مقالتنا هذه كلّ ما كان حائزاً للأهميّة في فكر الشيخ المفيد ويمكن أن يقع تحت عنوان الوقائع التاريخية أو تحليلا للتاريخ الإسلامي وبالأخصّ تاريخ الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وحاولنا أن نعطي صورة واضحة عن الالتفاتات التاريخية التي أشار إليها ، مستفيدين في كلّ ذلك من آرائه وأفكاره ، علماً بأنّنا نعتقد بأنّ عملنا هذا لم يكن آخر الأعمال ولا أكملها في هذا المضمار.

وبالرغم من أنّ الاطلاع على أحداث تاريخ صدر الإسلام وبالأخصّ تاريخ الأئمّة عليهم السلام ضرورة لابدّ منها في كلّ عصر ، ولكن هذا الأمر يصبح في غاية الأهميّة بعد مضيّ قرون متمادية عن ذلك العهد ، وذلك لأنّا إذا نسينا التحقيقات والتحليلات والمدوّنات التاريخيّة الصحيحة التي ورثناها من أسلافنا المتقدّمين وإذا غفلنا عن الآثار الواصلة إلينا في مجال التاريخ فمن الطبيعي جدّاً أنّنا سوف نعاني من فقر شديد في المعلومات ينعكس علينا بشكل لا نستطيع معه أن ندافع عن مبادئنا وآرائنا.

ص: 89

وبلطف الباري عزّ وجلّ فإنّنا لم نصل إلى هذه المرحلة وإنّ من سبقنا من السلف قد بذل قصارى جهده في هذا المجال ، ولكن يبدو أنّ بلورة الآراء التاريخية للشيخ المفيد بالشكل الذي جاء في هذا التحقيق قلّ ما اعتني به سابقاً ، وإنّ الضرورة وأهميّة الموضوع الملحّة هي التي كانت قد دعتنا إلى أن نقوم بهذا التحقيق وأن نتطرّق إلى الأسس الفكرية للشيخ المفيد في انتخاب وتحليل الحوادث التاريخيّة ، ومن ضمن استعراضنا لتلك الحوادث التي تعرّض لها الشيخ المفيد استطعنا الوصول إلى الصحيح منها ممّا ارتئاه.

إنّ الغرض من هذا التحقيق هو الإجابة عن أسئلة كثيراً ما تتبادر إلى الذهن حيث يمكن الإشارة إلى بعضها هنا ، وهي كالتالي :

هل كان الشيخ المفيد مؤرّخاً؟

ما هو هدف الشيخ المفيد من وراء طرحه للبحوث التاريخيّة؟

كيف كانت طريقة الشيخ المفيد في طرحه للمواضيع التاريخيّة؟

ما هي المواضيع التي كانت تشكّل أساس المباحث التاريخيّة عند الشيخ المفيد؟

إلى أي حدٍّ استطاع الشيخ المفيد أن يصل إلى هدفه في تدوين التاريخ؟

وفي مقام الإجابة عن هذه الأسئلة نستطيع أن نشير إلى الأُمور التالية :

بالرغم من أنّ الشيخ المفيد له مؤلّفات كثيرة في مجال التاريخ إلاّ أنّه لم يكن مؤرّخاً بالمعنى المصطلح.

إنّ الهدف الأساسي للجهود التي قدّمها الشيخ المفيد في آثاره هو

ص: 90

الدفاع عن الإمامة ومنزلة الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وإنّه وجد في الحوادث التاريخية أرضيّة مناسبة للوصول إلى ذلك الهدف.

إنّ طريقة الشيخ المفيد في استفادته من الأدلّة العقليّة والنقليّة هي محاولة منه لإثبات المدوّنات التاريخية الصحيحة والتي استطاع من خلالها رسم صورة واضحة المعالم عن حياة أئمّة المذهب الشيعي عليهم السلام.

إنّ أساس الأبحاث التاريخية للشيخ المفيد تركّزت على عناصر مهمّة ، مثل النصّ على إمامة الأئمّة عليهم السلام وبالأخصّ الإمام علي عليه السلام ، أحقّيّة الأئمّة عليهم السلام ، عدم أهليّة الغاصبين للخلافة ، عصمة الإمام وعلم الإمام ، وكلّ ذلك كان مبتنياً على تعريفه لهذه الموضوعات.

لقد نال الشيخ المفيد نجاحاً كبيراً أثناء تدوينه للتاريخ من خلال وصوله إلى هدفه الذي كان قد رسمه.

ص: 91

الفصل الأوّل

الشيخ المفيد رحمه الله من الولادة إلى الوفاة

ألف : الحياة الشخصية للشيخ المفيد رحمه الله :

اسمه ومولده ونسبه ولقبه وشهرته :

هو محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي العكبري البغدادي الكرخي المعروف ب- (ابن المعلّم)(1) والمشهور ب- (الشيخ المفيد)(2) ، ولد في الحادي عشر من ذي القعدة سنة 336 ه(3) في (سويقة ابن البصري) من نواحي عكبرى ، وهي بلدة تقع على الضفّة الشرقية لنهر دجلة ما بين بغداد والموصل في الطريق المؤدّي إليهما على بعد عشرة فراسخ من بغداد(4).

لقد أرجع الشيخ النجاشي نسب الشيخ المفيد إلى يعرب بن قحطان بثلاث وثلاثين واسطة(5) ، و (قحطان) ترجع إليه أُصول العرب ك.

ص: 92


1- تاريخ بغداد 3 / 231 ، ميزان الاعتدال 4 / 30.
2- العبر في خبر من غبر 2 / 225.
3- رجال النجاشي : 420.
4- (گذري بر حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم 55 ، ص8 نقلاً من معجم البلدان 4 / 142.
5- يبدو أنّ العدد المذكور لوسائط نسب الشيخ المفيد غير صحيح ولابدّ للعدد أن يكون أكثر من ذلك.

القحطانيّين(1) ، أمّا الجدّ الخامس للشيخ المفيد فهو سعيد بن جبير ، ومن هنا قال البعض : إنّه هو نفسه سعيد بن جبير التابعي المشهور والعالم المجاهد الذي قتل على يد الحجّاج بن يوسف الثقفي(2).

إنّ هذا الزعم باطلٌ بالأدلّة التالية : أصالة عروبة الشيخ المفيد خلافاً لسعيد بن جبير التابعي ، اختلاف اسم الجدّ لسعيد بن جبير التابعي مع سعيد بن جبير الواقع في نسب الشيخ المفيد ، عدم وجود ابن لسعيد بن جبير التابعي باسم (النعمان) الواقع في نسب الشيخ المفيد ، وأدلّة أُخرى(3).

أمّا ألقابه فقد ذكروا للشيخ المفيد عدّة ألقاب من جوانب مختلفة وجميعها صحيح ، فقيل : (الحارثي)(4) لوقوع (الحارث بن مالك) و (الحارث بن كعب) في سلسلة نسبه(5). وقيل : (العكبري) لأنّ المكان الذي ولد فيه يسمّى ب- (عكبرى). ودعي ب- (البغدادي)(6) نسبةً إلى محلّ نشأته ومستقرّه في بغداد. وقيل : (الكرخي)(7) لأنّ سكناه في منطقة الكرخ من بغداد ، وهي منطقة كان يقطنها الشيعة(8). 1.

ص: 93


1- الأعلام للزركلي 5 / 190.
2- الطبقات الكبرى 6 / 264.
3- (ناگفته هايي از حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمجمع الشيخ المفيد رقم 55 ، ص 51.
4- معالم العلماء : 112.
5- رجال النجاشي : 399.
6- الفوائد الرضوية : 628.
7- العبر في خبر من غبر 2 / 225 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 2 / 199.
8- تاريخ ابن خلدون 3 / 662 ، نقلاً عن البياني (ندوشن) ، شيرين ، تيسفون وبغداد در گذر تاريخ ، ص 161.

وسمّي ب- (ابن المعلّم) نسبة إلى والده حيث كان مشتغلاً بالتعليم في واسط(1). وأخيراً فإنّ أهمّ وأشهر لقب له هو (المفيد).

وهناك اختلاف في وجهات النظر وقع في من لقّبه ب- (المفيد) ، فالمعروف أنّ هذا اللقب قد جاء من جرّاء حوار دار بين الشيخ المفيد وعليّ بن عيسى الرمّاني فلقّبه به(2) ، وفي خبر آخر أبدل البعض مكان الرمّاني عبدالجبّار المعتزلي عوضاً عنه(3) ، ولكنّ ابن شهرآشوب كان يعتقد بأنّ لقب (المفيد) جاءه من الناحية المقدّسة لسيّدنا ومولانا الحجّة ابن الحسن المهدي عجّل الله فرجه(4) ، ولكنّه لم يقدّم لكلامه هذا سنداً مُعتمداً عليه غير ما صدر من توقيعات الناحية المقدّسة في إعطائه هذا اللقب حيث وصلته باسم (الشيخ المفيد)(5) ، علماً أنّ هذا الكلام يبدو غير صحيح أيضاً ، وذلك لأنّ التوقيعات المذكورة صدرت في السنين الأخيرة لحياة الشيخ المفيد ويظهر أنّه عرف ب- : (المفيد) قبل صدور هذه التوقيعات(6).8.

ص: 94


1- لسان الميزان 5 / 416.
2- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام) 2 / 621 ، السرائر : 161.
3- مجالس المؤمنين : 465.
4- معالم العلماء : 112.
5- لقد صدر توقيعان من الناحية المقدّسة لسيّدنا ومولانا الإمام الحجّة ابن الحسن عليه السلام للشيخ المفيد طيلة حياته ، حيث جاء في أوّل إحدى هاتين الرسالتين العبارة التالية : «للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد ...) ولم يكن لابن شهرآشوب أي دليل آخر سوى هذا الخطاب ، وقد أرجع في كتاب معالم العلماء توضيحه لهذا التوقيع إلى كتابه الآخر مناقب آل أبي طالب ، ولكن لم يرد في المناقب الموجود حاليّاً شيء مما ذكر.
6- (نجوم أمّت ، تاريخ حيات شيخ مفيد) نور علم ، رقم 55 ، ص 68.

أساتذة الشيخ المفيد رحمه الله :

إنّ الشيخ المفيد ابتدأ بطلب العلم وهو في مقتبل العمر ، ولكن لابدّ أن يُعلَم أنّ أوّل درجاته العلمية التي حاز عليها هي إجازة رواية الحديث ، كما ذكروا له عن ابن أبي إلياس - المتوفّى سنة 341 ه- - إجازة رواية الحديث وذلك في الخامسة من عمره(1) ، وقد روى عن ابن السمّاك في حين أنّ ابن السمّاك توفّي ولم يبلغ الشيخ المفيد أكثر من ثمان سنين من عمره(2) ، وكذلك في سنيّ رشده ، فقد سمع ونقل الحديث عن العديد من المحدّثين.

وبما أنّ الشيخ المفيد برع في العديد من المواضيع العلميّة فإنّنا نذكر أساتذته في بعض تلك المواضيع جهد الإمكان :

فمن أهمّ أساتذة الشيخ المفيد في علم الكلام أبو الجيش مظفّر بن محمّد أو غلامه(3) أبو ياسر طاهر ، ويحتمل أن يكون من بعده عبدالله بن وصيف الناشئ الصغير (المتوفّى سنة 366 ه)(4) ، ومحمّد بن أحمد بن جنيد الإسكافي (المتوفّى سنة 381 ه)(5) وهو من متكلّمي الشيعة ، 4.

ص: 95


1- تاريخ بغداد 8 / 449.
2- انظر : تاريخ بغداد 11 / 302.
3- المراد من كلمة (غلام) هنا وفي موارد أخرى مشابهة هو التلميذ لا العبد ، وقد شاع هذا الإصطلاح في علمي الرجال والحديث وله شواهد كثيرة ، انظر رجال الخاقاني : 121.
4- وفيات الأعيان 3 / 371.
5- الذريعة 1 / 299 ، أعلام الزركلي 5 / 312 ، رجال النجاشي : 385 ، الفهرست : 134.

والحسين بن عليّ البصري وعليّ بن عيسى الرمّاني ، وهما من مشايخ المعتزلة(1).

ومن أهمّ أساتذة الشيخ المفيد في الفقه نذكر في مقدّمهم جعفر بن محمّد بن قولويه (المتوفّى سنة 369 ه)(2) ، ومن بعده فقهاء آخرين من بين مشايخه ، مثل الحسن بن حمزة الطبري (المتوفّى سنة 358 ه)(3) ، وقد ذكر من بينهم ابن الجنيد الإسكافي ، وابن داود القمّي (المتوفّى سنة 378 ه)(4) ، والشيخ الصدوق (المتوفّى سنة 381 ه)(5).

هذا ، وإنّ هناك من يعتقد بأنّ هذه الشخصيّات وإن عدّوا من مشايخ الشيخ المفيد إلاّ أنّه لم يعلم تلمّذه عليهم سوى سماعه الحديث عنهم(6). وعلى كلّ التقادير فإنّهم يعدّون من أهمّ مشايخه.

تلامذة الشيخ المفيد رحمه الله :

إنّ الشيخ المفيد كان متبحّراً في علوم شتّى وكان له اهتمام خاصٌّ في 1.

ص: 96


1- (گذري بر حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم 55 ص 11.
2- رجال الطوسي : 458 ، رجال العلاّمة : 31. وانظر رجال النجاشي : 123 فيما استفاده من شيخه.
3- رجال النجاشي : 64 ، وقد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله : 465 باسم «حسن بن محمّد بن حمزة» وفي الفهرست : 52 باسم «حسن بن حمزة» ويبدو أنّ هذا الاسم هو الصحيح.
4- الفهرست : 136 ، أعلام الزركلي 5 / 314.
5- رجال النجاشي : 392 ، رجال الطوسي : 495.
6- (گذري بر حيات شيخ مفيد) من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم 55 ص 11.

نشر وتدريس العلوم وتربية الطلاّب ، ومن ثَمّ فقد تلمّذ عليه الكثير من طلبة العلوم ، فقد نقلوا قصصاً تدلّ على شدّة حرصه في أمر التعليم وتربية الطلاّب ، فإنّ أوضح ما قدّمه في مجال سعيه المستمر هو بحثه عن نوابغ الأطفال في المدارس وورشات الصناعات اليدوية ، حتّى قيل في حقّه : إنّه كان يبذل لأهاليهم الأموال من أجل إشرافه عليهم وتربيتهم وتعليمهم(1) ، ولهذا السبب يمكن أن نعدّ له كثيراً من التلامذة ، حيث تلمّذ على يده الرعيل الأوّل من علماء الشيعة ، وقد كانوا يعدّون من أبرز تلامذة الشيخ المفيد ممّن كان يحضر حلقات درسه ويكتب منه العلم ، نذكرهم بترتيب سنيّ وفياتهم :

السيّد الرضي محمّد بن الحسين بن موسى أبو الحسن (359 - 406 ه)(2) ، وهو جامع نهج البلاغة من خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأخو السيّد المرتضى علم الهدى ، كان شاعراً كبيراً ونقيباً للعلويّين في بغداد ، وقد ألّف كُتباً أيضاً ، منها كتاب خصائص الأئمّة(3).

السيّد المرتضى علم الهدى عليّ بن الحسين بن موسى أبو القاسم (355 - 436 ه)(4) ، من كبار علماء الشيعة ، وله مؤلّفات كثيرة في شتّى المعارف الدينية ، وقد كان مجدّاً في طلب العلوم إلى مرتبة بحيث لم يُرَ في ق.

ص: 97


1- سير أعلام النبلاء 17 / 344.
2- رجال النجاشي : 389 ، تاريخ بغداد 2 / 246 - 247.
3- رجال النجاشي : 270.
4- المصدر السابق.

زمانه أحدٌ مثله ، فإنّه كان شاعراً أديباً ، وكانت له منزلةً عظيمةً في العلم وفي الدين والدنيا ، ولقد نال هو وأخوه السيّد الرضي رعاية وإشراف أُستاذهم الشيخ المفيد وذلك بعد الرؤيا الصادقة التي رآها الشيخ المفيد في حقّهم ، فقد أحضرتهما أمّهما العلوية الجليلة عند الشيخ المفيد لينال تربيتهما وتفقيههما في الدين ، إنّ للسيّد المرتضى آثارٌ قيّمة ، من أهمّها كتاب الشافي في الإمامة وكتاب الأمالي(1).

سلاّر بن عبدالعزيز الديلمي أبو يعلى (المتوفّى سنة 448 ه)(2) ، من أكابر فقهاء الشيعة ، وله عدّة كتب ، منها كتاب المواسم العلوية والأحكام النبوية(3).

النجاشي أحمد بن عليّ أبو العبّاس (372 - 450 ه)(4) ، كبير رجاليي الشيعة ، وله الكتاب المعروف بالرجال ، وله كتب أُخرى ذكرتها بعض المصادر(5).

الشيخ الطوسي محمّد بن حسن أبو جعفر (385 - 460 ه) المعروف بشيخ الطائفة(6) ، وله الكتابان القيّمان تهذيب الأحكام والإستبصار من الكتب الأربعة للشيعة ، وله كتب أُخرى كثيرة في سائر العلوم ، كالفقه 9.

ص: 98


1- لؤلؤة البحرين : 330 ، رياض العلماء 2 / 443.
2- رجال ابن داود : 106 ، رجال العلاّمة : 86 ، الذريعة 1 / 74.
3- رجال العلاّمة : 21 ، الذريعة 10 / 154.
4- المصدر السابق ، روضات الجنّات 1 / 62.
5- رجال ابن داود : 169 - 170 ، الذريعة 4 / 504.
6- رجال ابن داود : 169.

والكلام وتفسير القرآن و...(1).

أبو الفتح الكراجكي محمّد بن عليّ (المتوفّى 449 ه)(2) ، ذكر أنّه رأس الشيعة ومن أصحاب السيّد المرتضى ، كان نحويّاً لغويّاً منجّماً طبيباً ومتكلّماً(3) ، ذكروا له كتباً ، منها كتابه المشهور كنز الفوائد(4).

ولابدّ أن نلفت الأنظار هنا إلى أنّ بعض أصحاب كتب تراجم الرجال - إمّا لأنّهم لم يكونوا مطّلعين أو لأنّهم اعتمدوا نقلا غير مطمأن إليه أو بأيّ دليل آخر - أرادوا أن يعدّوا بعض ملوك آل بويه مثل (عضد الدولة) أيضاً من تلامذة الشيخ المفيد(5) ، ولكن مع التفحّص والبحث في كتب الرجال والتراجم وكتب التاريخ المرتبطة بعهد الشيخ المفيد نستطيع أن نجزم بأنّ ما نسبوه لا أساس له يعتمد عليه وما هو إلاّ محض نقل من الكتب المتأخّرة ، فلا نستطيع أن نعوّل عليه.

وفاة الشيخ المفيد رحمه الله :

توفّي الشيخ المفيد يوم الجمعة الثالث من شهر رمضان سنة 413 ه- بعد عمر من السعي والجهاد والتبليغ في سبيل الله ، وقد أدخل في قلوب 1.

ص: 99


1- رجال النجاشي : 403.
2- مرآة الجنان 3 / 54 ، رياض العلماء 5 / 488.
3- مرآة الجنان 3 / 54.
4- المصدر السابق ، روضات الجنّات 6 / 209.
5- أعيان الشيعة 8 / 431.

المحبّين لوعةً حتّى قالوا في وصف ذلك اليوم الذي توفّي فيه : «وكان يوم وفاته يوماً لم يُرَ أعظم منه من كثرة الناس للصّلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق»(1).

وقد اشترك في تشييع جثمانه الطاهر والصلاة عليه ثمانون ألفاً من الشيعة فقط بحيث إذا أضفنا إليهم غير الشيعة فسيكون العدد هائلاً ، وإذا قسنا هذا الجمع الغفير مع قلّة النفوس آنذاك لتجلّت لنا عظمة وجلالة تلك الحركة التي اعتراها الحزن والأسى في ذلك العهد ، ولعلّ من أجل هذه العظمة تطرّق أكثر من أرّخ لوفاة الشيخ المفيد إلى ذكر ذلك الحشد الكبير المشارك في تشييع جثمانه ، كما ذكروا أيضاً ضيّق مكان المصلّين على جسده الطاهر بالرغم من أنّ تلك المراسم أقيمت في أكبر ساحات بغداد آنذاك وهي المسمّاة بميدان الأشنان.

فإنّ مثل السيّد المرتضى علم الهدى وهو من أبرز تلامذة الشيخ المفيد دوّن مراسم التشييع حيث كان شاهداً من قريب لما جرى في ذلك اليوم ، كما أنّه أمّ الصلاة أيضاً على الجثمان الطاهر للشيخ المفيد ، ودفن في بيته أوّلاً ثمّ نقل بعدها إلى مرقد الإمامين الكاظمين عليهما السلام ، ودفن إلى جوار أُستاذه أبي القاسم جعفر بن قولويه القمّي بالقرب من قدمي الإمام الجواد عليه السلام حتّى صار اليوم مرقده الشريف في رواق الحرم الكاظمي معروفاً ، حيث يقصده الزوّار تبرّكاً به(2) ، وعلى قبره الشريف لوحة كتبت فيها أبيات شعرية نسبت للإمام الحجّة ابن الحسن المهدي عجّل الله فرجه : 0.

ص: 100


1- لسان الميزان 5 / 416.
2- الجمل ، مقدّمة المحقّق : 20.

لا صوّت الناعي بفقدك إنّه

يومٌ على آل الرسول عظيم

إن كنت قد غيّبت في جدث الثرى

فالعدل والتوحيد فيك مقيم

والقائم المهدي يفرح كلّما

تُليت عليك من الدروس علوم(1)

هذا ، وقد أصبح قبر الشيخ المفيد مكاناً معروفاً في الحرم الكاظمي عرف باسمه.

الشيخ المفيد رحمه الله في كلام العلماء :

إنّ شخصيّة الشيخ المفيد الفذّة كان لها الأثر الكبير في ذلك العهد حتّى على من عاداه بتعصّب أعمى إمّا لحقده على التشيّع وإمّا لحقده على الأفكار والتوجيهات المشرقة له وبالرغم من كلّ هذا فإنّهم كانوا يذكرونه بإكبار وإجلال إذ قد بيّنوا دوره الهامّ في تحريك عجلة التشيّع(2).

كلمات علماء الشيعة في شأنه :

قال الشيخ الطوسي : «انتهت إليه رئاسة الإماميّة في وقته ، وكان مقدّماً في العلم وصناعة الكلام ، وكان فقيهاً متقدّماً فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب»(3).

قال الشيخ النجاشي : «فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والفقة والعلم»(4).9.

ص: 101


1- الكنى والألقاب 3 / 199 ، مجالس المؤمنين 1 / 477.
2- تاريخ بغداد 3 / 231.
3- الفهرست : 157.
4- رجال النجاشي : 399.

قال الشريف أبو يعلى الجعفري : «ما كان المفيد ينام من الليل إلاّ هجعة ثمّ يقوم يصلّي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن»(1).

قال العلاّمة الحلّي : «من أجلّ مشايخ الشيعة ورئيسهم وأُستاذهم ، وكلّ من تأخّر عنه استفاد منه ... أوثق أهل زمانه وأعلمهم»(2).

قال السيّد بحر العلوم : «محمّد بن محمّد بن النعمان شيخ المشايخ الجلّة ورئيس رؤساء الملّة ، فاتح أبواب التحقيق بنصب الأدلّة والكاسر بشقائق بيانه الرشيق حجج الفرق المضلّة ، اجتمعت فيه خلال الفضل وانتهت إليه رئاسة الكلّ ... وكلّ من تأخّر عنه استفاد منه»(3).

كلمات علماء السنّة في شأنه :

أبو حيّان التوحيدي : «وأمّا ابن المعلّم فحسن اللسان والجدل ، صبور على الخصم ، كثير الحيلة ، ظنين السرّ ، جميل العلانية»(4).

ابن الجوزي : «شيخ الإمامية وعالمها ، وكان لابن المعلّم مجلس نظر بداره بدرب رباح يحضره كافّة العلماء»(5).

الذهبي : «كان أوحداً في جميع الفنون والعلوم : الأُصولين والفقه والأخبار ومعرفة الرجال والقرآن والتفسير والنحو والشعر ، ساد في ذلك كلّه ، وما ترك كتاباً للمخالفين إلاّ وحفظه وباحث فيه ، وبهذا قدر على حلّ 7.

ص: 102


1- لسان الميزان 5 / 416.
2- خلاصة الأقوال : 248.
3- الفوائد الرجالية 3 / 311.
4- الإمتاع والمؤانسة 1 / 141.
5- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 15 / 157.

شبه القوم»(1).

اليافعي : «البارع في الكلام والجدل والفقه ... وكان كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم خشن اللباس ... وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر»(2).

ابن حجر العسقلاني : «صاحب التصانيف البديعة ... وكان كثير التقشّف والتخشّع والإكباب على العلم ، تخرّج به جماعة ... حتّى كان يقال : له على كلّ إمام منّة»(3).

الأوضاع السياسيّة والإجتماعيّة في عهد الشيخ المفيد رحمه الله :

لا شكّ أنّ القرن الرابع الهجري يعدّ عصراً ذهبيّاً في عهد الحضارة الإسلامية ، لقد تصادف مع تلك الحقبة الزمنية نضوج العديد من أكابر العلماء في سائر الفروع من العلوم الإسلامية والإنسانية والطبيعيّة مثل الفقه والكلام والتفسير والتاريخ والحديث والطبّ والرياضيّات والنجوم و... ولعلّه من أجل هذا أطلق عليه البعض (عهد رنسانس الإسلامي)(4). وإنّ الشخصية الفذّة التي يدور حولها البحث (الشيخ المفيد) قضى أكثر أيّام حياته في تلك الحقبة(5) ، كما طوى أكثرها في بغداد مركز الخلافة. ي.

ص: 103


1- تاريخ الإسلام أحداث سنة 410 - 420 ص 333 ، نقلاً عن ابن أبي طي ؛ تاريخ الشيعة.
2- مرآة الجنان 3 / 22.
3- لسان الميزان 5 / 416.
4- تمدن إسلامي در قرن چهارم هجري 1 / 9.
5- المشهور أنّه ولد سنة 366 وتوفّي سنة 413 ، وبناءً على هذا فإنّ أكثر أيام حياته تقع في القرن الرابع الهجري.

وبالرغم من ذلك فإنّ القرن الرابع الهجري كان يعدّ البداية لتمزّق أكبر امبراطورية إسلامية - أي الخلافة العباسيّة - فإنّ آثار هذا الإنهيار بدت واضحة في العقود الأُولى من هذا القرن بعد أن أعلن (بجكم ترك) أمير أُمراء الكوفة نفيراً عاماً إثر موت الخليفة العباسي (الراضي بالله) سنة 329 ه- ، حيث كتب كتاباً إلى بغداد يأمر فيه العلويّين وقضاة بني العبّاس وأعيان البلاد وأبا القاسم وزير الراضي بالله أن يجتمعوا مع مندوبه الخاصّ ويتشاوروا مصير الخلافة وتعيين الخليفة ، وكانت النتيجة أنْ أجمع الكلّ على خلافة إبراهيم ابن الخليفة المقتدر ، وبايعوه ولقّبوه ب- (المتّقي بالله) ، ولكن لم يكن له من الخلافة إلاّ اسمها وكانت زمام الأُمور جميعها بيد بجكم(1).

وفي هذه الأثناء دبّر (آل بويه) هجوماً على العراق سنة 332 ه(2)بقيادة أبي الحسين أحمد ابن بويه ، حيث كان الخطوة الأُولى للإستيلاء الكامل على الخلافة وتجريدها كاملاً عن معناها الذي كانت عليه فيما قبل ، وبالرغم من أنّ هذا الهجوم باء بالفشل إلاّ أنّنا نستطيع أن نعدّه من أوّل العوامل التي أدّت إلى تضعضع الخلافة العباسية.

هذا ، وإنّ بيعة أحمد مع الخليفة في سنة 334 وارتداءه الخلعة التي أهداها إليه الخليفة العبّاسي وتسميته ب- : (معزّ الدولة) وتسمية أخيه عليّ ب- : (عماد الدولة) وتسمية الحسين أخوه الآخر ب- : (ركن الدولة) وضرب هذه الألقاب على الدينار والدرهم كلّ هذه الأُمور ساعدت على ضعف الخلافة 7.

ص: 104


1- تاريخ آل بويه : 22.
2- المصدر السابق : 27.

العباسيّة حتّى استولى (معزّ الدولة) على جميع شؤون بغداد مع ابن أخيه (عضد الدولة) وسلبا من الخليفة كلّ صلاحيّاته بحيث لم يبق له سوى ذكر اسمه في الخطب(1).

لقد عزّز البويهيّون موقف الشيعة آنذاك ، فكانت الخطوات الأُولى التي خطوها هي تثبيتهم لشعائر الشيعة التي كان أكثرها قد حظر عليها مثل مراسم العزاء في عاشوراء والاحتفال بعيد الغدير ، فقد رفع هذا الحضر من قبل معزّ الدولة سنة 352 ه- وذلك لأنّ آل بويه ينتمون إلى المذهب الشيعي كما قيل في شأنهم ، ومن هنا اعتقد البعض أنّ العهد البويهي كلّه كان عهداً لتبليغ مذهب أهل البيت عليهم السلام(2).

وتوفّي معزّ الدولة سنة 356 ه(3) وولي ابنه (عزّ الدولة) من بعده ، ولكن لانشغاله باللهو واللعب(4) لم يكن حازماً في أيّام ملكه حتى ضعف أمره.

وفي هذا العهد جرت حوادث عظيمة ، مثل هجوم الروم (الروم الشرقية) على بلاد الإسلام(5) بحيث اعتزل الخليفة (المطيع لله) الخلافة طوعاً(6) ، وعمّت البلاد اضطرابات عجز (عزّ الدولة) عن معالجتها ، فاستعان بعمّه (ركن الدولة) فطلب (ركن الدولة) من ابنه (عضد الدولة) أن ينصر ابن 9.

ص: 105


1- المصدر السابق.
2- (تاريخ شيعه) ترجمة السيّد محمّد باقر الحجتي ص 294.
3- تاريخ آل بويه : 33.
4- المصدر السابق : 36.
5- المصدر السابق.
6- المصدر السابق نقلاً عن تاريخ بغداد 11 / 79 و 12 / 379.

عمّه وذلك لضعفه (ركن الدولة) وكبر سنّه ، وحيث إنّ (عضد الدولة) كان يطمع في حكم العراق هذا من جهة وكان مغتاضاً من (عزّ الدولة) من جهة أخرى فأخذ (عضد الدولة) يعدّه ويمنّيه بمساعدته لكنّه لم يلبّ له أمراً حتّى عسر الحال على (عزّ الدولة) فحينها نهض لحمايته ولكن هو الآخر أُجبر على الرجوع إلى بلاد فارس بطلب من أبيه ، وبعدها جرت عدّة حوادث أدّت إلى أن جهّز (عضد الدولة) في سنة 366 ه- جيشاً جرّاراً وتوجّه به إلى العراق ، فانكسر (عزّ الدولة) وانهزم إلى واسط ، ولكن جرت بينه وبين (عضد الدولة) حرب أُخرى سنة 367 ه- أُسّر على إثرها (عزّ الدولة) ثمّ قتل ، وتوفّي أيضاً (عضد الدولة) سنة 372 ه- بعد خمس سنوات من حكمه(1).

وربّما نستطيع أن نقول : إنّ الشيعة كانوا أكثر حرّية خلال هذين العقدين من غيرهما من العهود التي مرّت عليهم ، وبالأخصّ في عهد (عضد الدولة) الذي كان أكثر الحكام البويهيّين اهتماماً بالعلم والعلماء حيث كان يحترم علماء الشيعة خاصّة(2) ، ولعلّ قصّته المعروفة في عيادة الشيخ المفيد وتقديره له أيضاً كان لهذا السبب ، ولكن علينا أن نعلم أنّ هذه الحالة لم تدم وأنّ الشيعة من بعد هذا العهد لاقوا أنواع المحن ثانية وصاروا عرضة للعديد من البلايا والرزايا ، بالطبع ربّما لم يكن عهدهم فيما بعد بأمضّ من العهود السابقة إلاّ أنّه لم يكن بذلك الاستقرار الذي عهدوه خلال تلك العشرين سنة. 4.

ص: 106


1- المصدر السابق : 45.
2- تاريخ شيعة : 294.

ومع مرور الزمن شيئاً فشيئاً أخذت تزداد الضغوطات الناشئة من الآراء التعسّفية لسائر المذاهب ، وإنّ دعمهم من قبل الحكّام الموالين لهم في الرأي أخذ يزيد الخناق على الشيعة ، بحيث ذكر المؤرّخون أن عدّة نزاعات طائفيّة جرت في بغداد بين الشيعة والسنة وبالأخص في منطقة الكرخ ، حتّى أبعدوا الشيخ المفيد مرّتين في سنة 392 ه- وسنة 398 ه(1)بزعمهم الباطل لتهدئة الأوضاع ، فقد كانت مصلحتهم في أن يترك بغداد نظراً إلى مقامه العلمي والاجتماعي في حين أنّ الشيخ المفيد لم يكن له أي دخل في تلك الاضطرابات ، وما زعمهم هذا إلاّ ذريعة لإبعاده(2).

وبالرغم من التلاطم السياسي في العراق آنذاك إلاّ أنّ الشيخ المفيد كان قد بذل جهوداً كبيرةً لنشر المبادىء الشيعية الأصيلة مستفيداً من انتماء بعض حكّام العراق آنذاك إلى المذهب الشيعي ، فبالرغم من أنّ الشيعة فيما سلف وحتّى بعد عهد الشيخ المفيد كانوا في غربة موحشة إلاّ أنّ أفكاره وآراءه جعلتهم يتسلّحون بمنطق رصين وحجّة دامغة ، فبإجابته عن الشبهات التي أثارتها بعض الفئات بشتّى الاعتقادات لتضعيف معتقدات الشيعة فتح طريقاً للشيعة خطّ فيه مسيرتهم ليمضوا على طريقهم ويواصلوه بكلّ شجاعة وبقواعد اعتقاديّة قوية ، ذلك لأنّ بغداد في تلك الحقبة كانت عاصمة الإسلام بمعنى الكلمة ، لأنّها كانت مركزاً للصراعات الفكرية ، وكان لكلّ واحد من المذاهب أنصاره ومؤيّدوه ، وإنّ لأقوى تلك المذاهب ك.

ص: 107


1- تاريخ الإسلام أحداث سنة 390 - 400 ، ص 212.
2- انظر الفصل الأوّل من كتاب السيّد جعفر مرتضى العاملي باللغة الفارسية تحت عنوان (مبارزة براي آزادي بيان وعقيدة در عصر شيخ مفيد) لتزداد اطلاعاً على الظرف الزمني الذي عاشه الشيخ المفيد آنذاك.

وأكثرها تعصّباً عبارة عن المذهبين الحنبلي والشيعي(1) ، وكان دور الشيخ المفيد يبدو أكثر وضوحاً في بيان أُسس اعتقادات الشيعة.

ب - آثار ومؤلّفات الشيخ المفيد رحمه الله :

نظرة سريعة في آثار الشيخ المفيد رحمه الله :

لو غضضنا النظر عن مجالس المناظرات والآثار غير المكتوبة التي تعدّ من جملة الخدمات العلمية القيّمة للشيخ المفيد فهناك آثار مكتوبة قيمة ملفتة للنظر بقيت منه ، على أنّ هذه التأليفات لم تحفظ كلّها إلى زماننا هذا ، بل تلف الكثير منها على مرّ الزمن أو أنّها لم تطبع حتّى الآن(2) ، ولكن مع كلّ هذا فإنّ المقدار الذي وصل إلينا هو أيضاً عبارة عن مجموعة نفيسة وقيمة لا مثيل لها ، حيث ظمّت في طيّاتها العديد من الموادّ العلمية والمعارف الدينيّة التي لازالت وسيلةً تَقُرُّ بها عيون الباحثين وتبعث الأمل لمحقّقي العلوم الإسلاميّة.

وبما أنّ الشيخ المفيد كان وحيد عصره في علم الكلام والفقه والاُصول والرجال والتفسير والنحو والشعر و...(3) فقد كانت له رسائل وتأليفات أيضاً في جميع هذه العلوم ، لقد ذكرت مصادرٌ كثيرة عناوين كتب ومؤلّفات الشيخ المفيد ، ولكن أقدم وأفضل المصادر التي نستطيع أن نستحصل منها على مؤلّفات الشيخ المفيد هي عبارة عن كتابي فهرست 6.

ص: 108


1- (تمدّن اسلامي در قرن چهاردهم هجري) 1 / 85.
2- عثر الاستاذ زماني على مجموعة من رسائل الشيخ المفيد المفقودة استخرجها من بين الكتب ، انظر (آثار مفقود شيخ مفيد) المقالات والرسالات ، رقم 3.
3- سير أعلام النبلاء 17 / 344 ، الوافي بالوفيات 1 / 16.

الشيخ الطوسي ورجال النجاشي ، فإنّ هذين الكتابين من مؤلّفات شخصيتين من أبرز تلامذة الشيخ المفيد ، وفي نفس الوقت يُعدُّ مؤلِّفَيهما من كبار علماء رجال الشيعة ، وبناءً على ذلك فإنّهما قد حازا على منزلة خاصّة فيما نحن فيه.

فقد ذكر الشيخ الطوسي ما نصّه : «وله قريب من مائتي مصنّف كبار وصغار ، وفهرست كتبه معروف»(1).

فإنّه ذكر عناوين عدد من هذه الكتب ثمّ صرّح بأنّه درسها عند أُستاذه الشيخ المفيد(2) ، ولكنّه لم يذكر عناوين جميع كتبه وإنّ الفهرست لم يحتو على جميع آثاره إلاّ أنّ النجاشي في كتاب رجاله ذكر عنوان 174 مؤلّفاً من آثار الشيخ المفيد(3) ، ومن أجل ذلك يعدّ أفضل مصدر لمعرفة آثاره.

وقد أعدّ مارتين مكدرموت أيضاً فهرسةً لآثار الشيخ المفيد ، حيث إنّه يبدو للوهلة الأُولى أكثر تكاملاً من مصادر المتقدّمين ، حيث احتوى على أكثر من مائتي عنوان من آثار الشيخ المفيد ، إلاّ أنّ فيه الكثير من الاشتباهات الحاصلة نتيجة لإضافته لبعض العناوين من مصنّفات الشيخ المفيد وذلك اعتماداً منه على مصادر المتأخّرين ، ونتيجة لرؤيته بعض المخطوطات من مصنّفات الشيخ في مكتبات النجف وقم وطهران وقد نسبها إليه ، ونتيجة لاعتماده في إعداد فهرسته على النسخة المطبوعة من رجال النجاشي والتي كانت تحتوي على كثير من الاشتباهات(4).ست

ص: 109


1- الفهرست : 158.
2- المصدر السابق.
3- رجال النجاشي : 399 - 402.
4- (انديشه هاي كلامي شيخ مفيد) : 36. من أجل الاطلاع على اشتباهات فهرست

وبالإضافة إلى ما ذكرنا من تظلّعه في العلوم المختلفة والمعارف الإسلامية وأنّه ترك فيها أثراً أو آثاراً من المؤلّفات فإنّه كان ملمّاً بالكثير من العلوم الأُخرى ، مثل التاريخ والفلسفة والنجوم وغيرها من سائر العلوم ، بل إنّ له فيها آثاراً وتأليفات إلاّ أنّها لم تصل إلينا.

واعتماداً على ما ذكرناه من المصادر التي احتوت على آثار الشيخ المفيد فلا نرى ضرورة لأن نقدّم فيها فهرسةً حيث قد أغنتنا تلك المصادر عن ذلك ، إلاّ أنّنا نتطرّق هنا إلى ما يرتبط مع موضوعنا من هذه الآثار أي تأليفاته التاريخية والكلامية وخصوصيّاتها فقط ، لكن لابدّ لنا قبل هذا أن نشير في دراستنا لنماذج مختلفة من آثاره إلى النكات التالية بصورة كلّيّة ومختصرة :

1 - إنّ بعض آثار الشيخ المفيد عبارة عن مؤلّفات مستقلّة كتبت في موضوعات مختلفة ، وقد أضيف إلى عناوين البعض منها كلمة (مسألة) أو (مسائل) ذكراً للموضوع المبحوث عنه ، وأمثال ذلك كتاب المسألة الكافئة في إبطال توبة الخاطئة(1) ، وكتاب المسائل العشر في الغيبة(2) الذي أُلّف في غيبة الإمام الثاني عشر عليه السلام وطول عمره الشريف ، ومواضيع أُخرى من هذا القبيل ، وتوجد مجموعة تتألّف من 120 مؤلّفاً من آثار الشيخ المفيد في هذا المجال. 7.

ص: 110


1- (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 56 ، المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد رقم 55 ، ص 140.
2- (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 57.

2 - هناك مجموعة أُخرى من آثار الشيخ المفيد وهي عبارة عن أجوبته على العديد من الأسئلة التي كانت توجّه إليه من سائر البلدان الإسلامية من جهة أشخاص أو أهالي مناطق ، مثل : طبرستان ، الموصل ، مازندران ، گرگان ، نيشابور ، ساري و... التي تصل إليه من شرق البلاد وغربها وكان يجيب عليها أيضاً ، مثل : المسائل الجارودية(1) ، وهي رسالة في أبي الجارود وفرقة من الزيدية كان أبو الجارود مؤسّسها(2) ، أو مثل كتاب المسائل النوبندجانية الواردة عن أبي عبدالله محمّد بن عبدالرحمن الفارسي المقيم بمشهد عثمان بالنوبندجان(3) ، أو مثل المسائل المنثورة التي أشار إليها الشيخ الطوسي وقال : «إنّها تشتمل على حدود مئة مسألة»(4). هذا ، وتوجد مجموعة تتألف من 45 أثراً من آثار الشيخ المفيد من هذا النوع.

3 - وهناك قسم آخر من آثار الشيخ المفيد هي عبارة عن مؤلّفات في ردّ آثار وآراء الآخرين ونقض ما كتبوه ، وفي أكثرها نرى أنّ العناوين أُضيف إليها نفس هاتين الكلمتين وهي (الردّ) و (النقض) أو (نقض) وقد بدت واضحةً على المؤلّفات التي أُعدّت لموضوع الكتاب أو الأشخاص الذين كتب من أجل الردّ عليهم ، مثل : الردّ على أبي عبدالله البصري في تفضيل الملائكة(5) ، وهو كتابٌ موضوعه في تفضيل الأنبياء عليهم السلام على 9.

ص: 111


1- (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 57.
2- فرق الشيعة : 21 ، الملل والنحل 1 / 183 و 184.
3- (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 58.
4- الفهرست : 158.
5- (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 59.

الملائكة عليهم السلام جاء في الردّ على رأي أبي عبدالله البصري الذي كان يعتقد أنّ الملائكة أفضل من الأنبياء ، أو كتاب نقض الخمس عشرة مسألة على البلخي(1) جاء في الردّ على نظريّات أبي القاسم البلخي(2) ، وقد بلغت هذه المؤلّفات إلى ما يقارب من 35 عنواناً من آثار الشيخ المفيد.

4 - إنّ عدداً من آثار الشيخ المفيد عبارة عن تأليفات كتبها بطلب من بعض الأشخاص في أبحاث مختلفة ، وقد اعتاد الشيخ المفيد أن يشير إلى هذا المطلب في أوّلها ويبيّن هدفه من كتابتها ، فإنّ كتابي الجمل والإرشاد في معرفة حجج الله على العباد المهمين وبعض آثار أُخرى منه تعدّ من هذا القبيل(3).

ولابدّ لنا هنا أن نشير إلى أنّ الشيخ المفيد له العديد من الآثار والتأليفات في سائر الموضوعات ، ولكن بمجرّد دراسة هذه الآثار نستطيع أن ندرك بأنّ محور بحوث تأليفاته وآثاره دارت حول الكلام والفقه ، أي لا يوجد من بين آثاره كتاب أو رسالة لا ارتباط لها بهذين العلمين بوجه من الوجوه إلاّ القليل ، وحتّى كتابه المعروف ب- (المزار) الذي ألّفه في الزيارات وآدابها وفي مواضيع من هذا القبيل فإنّه لا يخلو من المطالب الفقهيّة ، وكذلك كتابه الإرشاد الذي ألّفه في معرفة تاريخ حياة الأئمّة المعصومين عليهم السلام فإنّه لا يخلو من المباحث الكلامية. ثمّ إنّ أساس تأليف 4.

ص: 112


1- المصدر السابق.
2- هو أحد معتزلة بغداد وكان الشيخ المفيد مطّلعاً على آرائه ، انظر (انديشه هاى كلامي شيخ مفيد) : 59.
3- ولمزيد من الاطلاع ، انظر الجمل : 47 ، والإرشاد في حجج معرفة الله على العباد 1 / 4.

هذا الكتاب - يعني إثبات إمامة الأئمّة عليهم السلام والدفاع عن إمامتهم - هو بحث كلامي أيضاً.

وكذلك إنّ بعض رسائله الفقهيّة لا تخلو من المباحث الكلامية ، وذلك مثل رسائله الفقهية في (المتعة) ووجوب (المسح على الرجلين) والتي ألّفها للدفاع عن الآراء الخاصّة بالشيعة الإمامية في قبال آراء المذاهب الأُخرى ، ومن هذا التحقيق المختصر نستطيع أن نستنتج أنّ أكثر تأليفات الشيخ المفيد لها صبغة كلامية ، ومن ثمّ يأتي الجانب الفقهي في المرحلة الثانية في الأهميّة في مؤلّفاته(1).

الآثار التاريخية للشيخ المفيد رحمه الله :

بعد هذه التوضيحات التي بيّنّاها في آثار الشيخ المفيد فإنّ أكثر ما يهمّنا في هذه المقدّمة هو البحث في كتاباته ومؤلّفاته التاريخية من بين آثاره المختلفة حيث تعدّ مؤلّفاته التاريخية والكلامية واحدة من تلك الآثار.

ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الشيخ المفيد كلّما خاض تحقيقاً في موضوع من مواضيع التاريخ الإسلامي - كسائر المواضيع الأُخر - نزل إلى عرصات ذلك البحث بأُسلوب متميّز باذلا قصارى جهده في توضيح مختلف زوايا ذلك الموضوع ، لكن ليس من الصحيح أن نعدّ الشيخ المفيد مؤرّخاً ، لأنّه كان فقيهاً ومتكلّماً قبل أن يكون مؤرّخاً. وبعبارة أُخرى فإنّ أفكاره الكلامية والعقائدية هي المهيمنة على آثاره وكانت تلقي بظلالها5.

ص: 113


1- لقد أخذنا بعض مواضيع هذا الفصل من الرسائل المحقّقة للأستاذ السيّد محمّد جواد الشبيري التي طبعت تحت عنوان (آثار الشيخ المفيد) من المقالات الفارسية للمؤتمر العالمي للشيخ المفيد ، رقم 55.

واضحة على تلك الآثار ، ومن هنا نرى أنّ عدداً محدوداً من تأليفاته تطرّقت للمواضيع التاريخية فقط ، وهذا العدد القليل الذي قدّمه قد كان له دور مؤثر ومفيد في عرضه للوقائع التاريخية ، خصوصاً في ما قدّمه من تحليل لتلك الوقائع.

وسوف نتعرّض هنا إلى آثار مؤلّفات الشيخ التاريخية مع تدوين ملاحظاتنا عليها.

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد :

ذكر ابن شهرآشوب هذا الكتاب باسم الإرشاد(1) ، والنجاشي والشيخ الطوسي ذكراه باسم كتاب الإرشاد(2) ، أمّا الشيخ المفيد نفسه في كتاب آخر له وهو المسائل العشر في الغيبة(3) فقد أشار إلى الإسم الكامل ، وقد ذكره الشيخ أقا بزرك الطهراني أيضاً باسم الإرشاد(4).

لقد ذكر الشيخ الطوسي هذا الكتاب من جملة الآثار التي قرأها عليه الشيخ المفيد بنفسه أو قرئت عليه غير مرّة وهو يسمع(5).

أُلّف هذا الكتاب مثل غيره من بعض مؤلّفات الشيخ بطلب من 8.

ص: 114


1- معالم العلماء : 113.
2- رجال النجاشي : 399 ، الفهرست : 158.
3- الاسم الصحيح لهذا الكتاب هو (المسائل العشر في الغيبة) ، وقد ذكرته أكثر المصادر والرسائل التي أُلِّفت في آثار الشيخ المفيد باسم (المسائل العشرة في الغيبة) وهو غير صحيح ، انظر (نقد شصت كتاب درباره أسامي ونسخه هاي خطّي آثار شيخ مفيد) ، آينه پزوهش ، رقم 17 و 18 ص 63.
4- الذريعة 1 / 509.
5- الفهرست : 158.

شخص ، وهو أكمل وأقدم وأهمّ أثر عند الشيعة في سيرة الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، وبما أنّه أُلّف بقلم أمين لعالم شيعيّ ينظر إلى الأُمور بدون أيّ تعصّب فقد استطاع أن يحرز مكانة مهمّة بين سائر الكتب التاريخية ، ولم يكن موضع اهتمام الشيعة فحسب بل قد استفاد منه علماء سائر الفرق وبالأخصّ المنصفين منهم(1).

علماً بأنّ هذا الكتاب كان يحتوي على سيرة الأئمّة الإثني عشر عليهم السلامفقط ، فإنّه لم يذكر شيئاً عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام إلاّ في المناسبات المتفرّقة التي اقتضت ذكرهما أو من أجل ارتباط بعض المواضيع بهما عليهما السلام(2).

إنّ ما يقارب من نصف هذا الكتاب كان يحتوي على سيرة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وأمّا باقي الكتاب فقد بيّن سيرة سائر الأئمّة عليهم السلام ، إنّ المواضيع التي اعتمد عليها في هذا الكتاب وجاءت بصورة مشتركة في جميع الأئمّة عليهم السلام هي عبارة عن : اللّقب ، الكنية ، تاريخ الولادة ، مدّة الإمامة ، النصّ بالإمامة ، الأدلّة والمعجزات ، بعض الفضائل والمناقب ، الوفاة أو الشهادة ، موضع الدفن ، عدد وأسماء الأولاد ، وقسم من كلامهم عليهم السلام.

لقد حاز هذا الكتاب على أهمّية كبيرة بحيث ترجمه وشرحه ولخّصه العديد من العلماء وذلك لأهميّته.).

ص: 115


1- إنّ ما استفاده بعض العلماء مثل الگنجي الشافعي في كفاية الطالب وابن الصبّاغ في الفصول المهمّة لخير دليل على كلامنا هذا.
2- لقد ذكرنا بتفصيل أكثر سبب عدم تناول الشيخ المفيد لهذا الموضوع في فصل (هدف الشيخ المفيد من كتابة التاريخ).

الجمل :

إنّ للشيخ المفيد عدداً من المؤلّفات أعدّها في شأن حرب الجمل والأحداث التي دارت حولها ، وقد ذكرت في المصادر بأربعة عناوين :

ألف - الجمل :

ذكره النجاشي(1) والشيخ أقا بزرگ الطهراني(2) بهذا العنوان.

ب - كتاب في أحكام أهل الجمل :

أشار إلى هذا العنوان كلٌّ من الشيخ الطوسي(3) ، ابن شهرآشوب(4) ، الشيخ أقا بزرگ الطهراني(5). وذكره سزگين بعنوان حرب الجمل(6).

ج - النصرة لسيّد العترة في أحكام البغاة عليه في حرب البصرة :

ذكره كلّ من الشيخ الطوسي(7) والنجاشي(8) بعنوان النصرة ، ولكن ابن شهرآشوب ذكره بالعنوان الكامل(9) ، والشيخ أقا بزرگ الطهراني أيضاً3.

ص: 116


1- رجال النجاشي : 399.
2- الذريعة 5 / 141 - 142.
3- الفهرست : 158.
4- معالم العلماء : 113.
5- الذريعة 1 / 295.
6- تاريخ التراث العربي 3 / 312.
7- الفهرست : 158.
8- رجال النجاشي : 399.
9- معالم العلماء : 113.

ذكره لكن بعنوان النصرة لسيّد العترة في حرب البصرة(1).

د - المسألة الكافية في إبطال توبة الخاطئة :

فالذي يبدو واضحاً أنّها ثلاثة كتب لا أكثر ، واحد منها في البغاة والخارجين على إمام زمانهم ، وقد بحث في هذا الموضوع بحثاً كلاميّاً وفقهيّاً ، فمن هنا أخذ الكتاب طابعاً كلاميّاً ، وهو الكتاب المشار إليه باسم النصرة لسيّد العترة.

والكتاب الثاني في الحوادث والوقائع التي جرت في حرب الجمل وتفاصيل تلك الحوادث ، وهو الكتاب المشار إليه باسم الجمل.

والكتاب الثالث في رد مزاعم الذين ظنّوا أنّ عائشة وأنصارها تابوا بعد حرب الجمل وقد غُفرت ذنوبُهم ، وهو الكتاب المشار إليه باسم المسألة الكافية ، وهذا الكتاب قيد التحقيق والطبع في مكتبة العلاّمة المجلسي رحمه الله

والكتاب الذي طبع باسم الجمل باحتمال قوي هو نفس الكتابين المشار إليهما آنفاً المطبوعين في مجلّد واحد ، فالكتاب الأوّل كلامي والثاني تاريخي والكتاب الثالث هو المسألة الكافية.

فلابدّ لنا أن نقول في ما يخصّ كتاب الجمل : إنّ هذا الكتاب لا مثيل له نظراً إلى موضوعه وأُسلوب تأليفه ، ليس فقط من بين آثار الشيعة بل حتّى من بين جميع الآثار التي أُلّفت في هذا المضمار ، وإنّ الشيخ المفيد بنفسه كان مطّلعاً على خصوصيّة كتابه فقد أكّد ؛ قائلاً : 7.

ص: 117


1- الذريعة 1 / 295 ، 5 / 141 - 142 ، 24 / 177.

«كلّ كتاب صنّف في هذا الفنّ قد تضمّن أخباراً تلتبس معانيها على جمهور الناس ، ولم يأت أحد من المصنّفين بذكر الحرب في هذه الفتنة على الترتيب والنظام بل خلطوا الأخبار فيها خلطاً لم يحصل معه تصوّر الخلل فيما كان بين الجميع منه على الظهور والتبيان للذي جاء ...»(1).

لقد استفاد الشيخ المفيد في هذا الكتاب من الرسائل المتبادلة والمناقشات الدائرة بين الأشخاص بأحسن وجه ممكن ، فقد عرض الأخبار الصحيحة لحرب الجمل بعد تنقيحها ، فصار يحكم من بينها برأي منصف متكامل ، ومن هنا استطاع أن يخلّد أثراً جديداً وبديعاً ، وقد اعتقد البعض أنّ الشيخ المفيد في كتابه هذا اتخذ التاريخ وسيلة لإثبات آراء الشيعة في قبال العثمانيّين والمعتزلة ، وهي من إبداعات الشيخ المفيد في التلفيق بين المدرسة التاريخية وعلم الكلام(2).

إنّ من أهمّ خصائص كتاب الجمل هو كون هذا الأثر جسراً رابطاً بين سائر الآثار القديمة المؤلّفة في هذا الموضوع ، لأنّ حرب الجمل من المواضيع التي سُجِّلت ودوّنت منذ العقود الأولى في صدر الإسلام وقد اهتمّ فيها الرواة والمؤرّخون وقد ألّفت فيه العديد من الكتب والرسائل ، فمن جملتها نستطيع أن نشير إلى مؤلّفات جابر بن يزيد الجعفي (المتوفّى سنة 128 ه)(3) وأبي مخنف الأزدي (المتوفّى سنة 157 ه)(4) وهشام بن محمّد الكلبي (المتوفّى سنة 204 أو 206 ه)(5) وأبي حذيفة إسحاق بن 1.

ص: 118


1- الجمل : 48.
2- (منابع تاريخ اسلام) : 243.
3- رجال النجاشي : 435 ، الذريعة 5 / 141.
4- فهرست ابن النديم : 105 ، رجال النجاشي : 320 ، الفهرست : 129.
5- رجال النجاشي : 435 ، الذريعة 5 / 141.

بشر القرشي (المتوفّى سنة 206 ه)(1) ومحمّد بن عمر الواقدي (المتوفّى سنة 207 ه)(2) وأبي عبيدة معمر بن مثنى (المتوفّى 208 أو 209 أو 210 أو 211 ه)(3) ونصر بن مزاحم المنقري (المتوفّى سنة 212 ه)(4) وأبي الحسن المدائني (المتوفّى سنة 225 ه)(5) وعبدالله بن محمّد بن أبي شيبة (المتوفّى سنة 235 ه)(6) وأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (المتوفّى سنة 274 أو 280 ه)(7) وأبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي (المتوفّى سنة 283 ه)(8) ومحمّد بن زكريّا الغلابي (المتوفّى 298 ه)(9) ، علماً بأنّه لا يوجد اليوم أثر لهذه الكتب والرسائل إلاّ أنّه يمكن الحصول على بعض المقطوعات منها متفرّقة في بطون الكتب ، فمن هنا نستطيع أن نقول : إنّ كتاب الجمل للشيخ المفيد من أقدم وأهمّ المؤلّفات في هذا المجال.

لقد طبع هذا الكتاب في سنة 1368 ه- و 1382 ه- ، بتحقيق المرحوم السيّد المقرّم في النجف الأشرف ثمّ طبع بعد ذلك في قم ، وكان المؤتمر العالمي للشيخ المفيد الذي انعقد في قم قد قام بطبعه في سنة 1413 ه- ، 1.

ص: 119


1- فهرست ابن النديم : 106.
2- فهرست ابن النديم : 111 ، الذريعة 5 / 141.
3- فهرست ابن النديم : 59.
4- فهرست ابن النديم : 106 ، رجال النجاشي : 428 ، الفهرست : 171.
5- فهرست ابن النديم: 115، الذريعة 5 / 141.
6- فهرست ابن النديم : 285 ، الذريعة 5 / 141.
7- فهرست ابن النديم : 277 ، رجال النجاشي : 77 ، الفهرست : 21.
8- رجال النجاشي : 17 ، الذريعة 5 / 141.
9- فهرست ابن النديم : 121 ، رجال النجاشي : 347 ، الذريعة 5 : 141.

وكان هو المجلّد الأوّل من المجموعة الكاملة لآثاره بتصحيح وتحقيق الأُستاذ السيّد عليّ مير شريفي.

أجوبة المسائل العكبرية :

لقد ذكر النجاشي هذا الكتاب تحت عنوان : جوابات أبي الليث الأواني(1) ، أمّا الشيخ أقا بزرگ الطهراني فبالرغم من أنّه أشار إلى هذا العنوان(2) ولكن في مواضع أُخرى من كتابه ذكره بالعناوين التالية : المسائل العكبرية(3) ، المسائل الحاجبية(4) ، الأسئلة الحاجبيّة(5) ، جوابات المسائل الحاجبيّة(6) ، الحاجبيّة(7) والأسئلة العكبرية(8). وقد احتمل أنّ كتاب جوابات الإحدى والخمسين مسألة أيضاً هو نفس هذا الكتاب(9).

وعلى كلٍّ فإنّ أكثر هذه الأسماء منسوبة إلى الأماكن والأشخاص الذين سألوا الشيخ المفيد هذه الأسئلة وبما أنّ المسائل أُرسلت من عكبرى فقد نسبت إليها وسمّيت ب- : (العكبرية) ، أو لأنّها جاءت من ناحية أبي ليث بن سراج الأواني فقد عرفت باسمه : (جوابات أبي ليث الأواني) ، والمهمّ 0.

ص: 120


1- رجال النجاشي : 400.
2- الذريعة 5 / 198.
3- الذريعة 5 / 358.
4- الذريعة 5 / 228.
5- الذريعة 20 / 341.
6- الذريعة 2 / 81.
7- الذريعة 5 / 219.
8- الذريعة 6 / 5.
9- الذريعة 2 / 90.

هنا أنّ التأليف واحد ، والأهمّ هو أنّ المؤلّف هو الشيخ المفيد ، وقد أجاب في مؤلّفه هذا عن واحد وخمسين سؤالا في معاني آيات القرآن وعن بعض الروايات أو المواضيع التاريخية.

علماً بأنّ أكثر هذه الأسئلة مرتبطة بإمامة الإمام وبمواضيع من هذا القبيل ، وأمّا الأسئلة التي كانت تحمل طابعاً تاريخياً فهي عبارة عن الأسئلة التالية : الثاني عشر إلى التاسع عشر ، السؤال العشرون ، الثاني والعشرون ، الثالث والعشرون ، التاسع والعشرون ، السادس والثلاثون ، التاسع والثلاثون ، السابع والأربعون ، الخمسون ، الواحد والخمسون.

طبع هذا الأثر مرّة في مجلّة (المشرق) في بيروت سنة 1412 ه- بعنوان : أجوبة المسائل الحاجبية تحقيق مارتين مكدرموت ، وقد قام بطبعه للمرّة الثانية المؤتمر العالمي للشيخ المفيد في المجلّد السادس من مصنّفات الشيخ المفيد(1) وقد قام بتحقيقها الشيخ علي أكبر إلهي خراساني.

المسائل السروية :

لم تذكر هذه الرسالة في رجال النجاشي ولا في فهرست الشيخ الطوسي ولكن ذكرها ابن شهرآشوب بنفس هذا العنوان(2) ، وذكرها أيضاً الشيخ أقا بزرگ الطهراني تارة باسم الأسئلة السروية(3) وفي مكان آخر من كتابه باسم جوابات المسائل السروية(4) ، وهو إرجاع منه إلى ما أخذه من 2.

ص: 121


1- (حياة الشيخ المفيد ومصنّفاته) ، المقالات والرسالات ، رقم 1 ص 192.
2- معالم العلماء : 113.
3- الذريعة 2 / 383.
4- الذريعة 5 / 222.

عنوان المسائل السروية(1).

إنّ محتوى هذه الرسالة هو الإجابة على أحد عشر سؤالاً أُرسلت إلى الشيخ المفيد من بلدة (ساري) في إيران وكانت الأسئلة قد جاءته من شخص اسمه (شريف فاضل) وهو مجهول لنا ولكنّ الشيخ المفيد ذكره بإكبار(2) ، وهذه الأسئلة أكثرها كلامية والسؤال العاشر فقط له طابع تاريخي حيث طرحت فيه قضيّة زواج ابنة الإمام عليّ عليه السلام - اُم كلثوم - من عمر ، علماً بأنّ هذا السؤال جاء أيضاً مع بعض الرسائل الأُخرى للشيخ المفيد بصورة منفصلة(3).

إنّ أحد خصائص المسائل السروية هو أنّ الشيخ المفيد ذكر فيه أسامي بعض مؤلّفاته.

الإفصاح في الإمامة :

لقد ذكر كلّ من الشيخ الطوسي(4) وابن شهرآشوب(5) هذا الكتاب تحت عنوان : الإفصاح ، أمّا النجاشي(6) والشيخ أقا بزرگ الطهراني(7) فقد ذكراه بعنوان : الإفصاح في الإمامة. ونحن نرى أنّه لو ذكر هذا الكتاب بعنوان : إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، أو : الإفصاح في إثبات إمامة مولانا أمير8.

ص: 122


1- الذريعة 20 / 351.
2- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) ، ص14.
3- المقالات والرسالات ، رقم 47.
4- الفهرست : 158.
5- معالم العلماء : 113.
6- رجال النجاشي : 399.
7- الذريعة 2 / 258.

المؤمنين عليه السلام ، فإنّه تعبير غير صحيح ، لأنّه لا مطابقة له مع النسخة الخطّية القديمة ، ولا يتحد مع الاسم المذكور في رجال النجاشي والذريعة ، وليست له أي موافقة مع محتوى الكتاب ، ذلك لأنّ هدف الشيخ المفيد في هذا الأثر تبيان معنى الإمامة وإبطال خلافة الخلفاء الثلاثة وإن تطرّق في ضمن البحث لإثبات إمامة الإمام عليّ عليه السلام ، وقد صرّح الشيخ المفيد في الخاتمة أيضاً قائلاً :

«وقد أثبت في هذا الكتاب - والله المحمود - جميع ما يتعلّق به أهل الخلاف في إمامة أئمّتهم ... وبيّنت عن وجوه ذلك بواضح البيان وكشفت عن الحقيقة فيه بجليّ البرهان ، وأنا - بمشيّته وعونه تعالى - أفرد فيما تعتمده الشيعة في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ... كتاباً أشبع فيه معاني الكلام ، ليضاف إلى هذا الكتاب وتكتمل به الفوائد في هذه الأبواب ...»(1).

ولعلّ الكتاب الذي وعد بتأليفه هو نفس الإيضاح في الإمامة الذي ذكره كلّ من النجاشي(2) والشيخ الطوسي(3) وابن شهرآشوب(4) بنفس هذا العنوان ، ولكن لا توجد له اليوم أي نسخة معروفة ، ولا يخفى أنّ الشيخ أقا بزرگ الطهراني أخبر عن وجود نسخة منه في الهند ، وليس لنا أيّ اطلاع عن مصيرها ، ويحتمل أن تكون نسخة من الإفصاح لا الإيضاح(5).

لقد جاءت مواضيع كتاب الإفصاح بصورة مسألة مسألة ، وقد ألّف 1.

ص: 123


1- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 43.
2- رجال النجاشي : 399.
3- الفهرست : 158.
4- معالم العلماء : 113.
5- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 41.

بطريقة : (إن سأل سائل قيل له) أو : (فإن قال قيل له) أو : (فإن قالوا قيل لهم).

لقد طبع هذا الكتاب في النجف الأشرف سنة 1368 ه- و 1369 ه- ، ومن ثمّ في قم بالاُوفسيت من تلك النسخة ، وطبع للمرّة الثانية في بيروت سنة 1409 ه- ، ثمّ طبع في قم سنة 1412 ه- بتحقيق مؤسّسة البعثة ، ومن ثمّ قام بطبعه المؤتمر العالمي للشيخ المفيد سنة 1413 ه- وذلك في أوّل المجلّد الثامن من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد.

أقسام مولى في اللسان :

لم يذكر الشيخ الطوسي في فهرسته اسم هذه الرسالة ضمن مؤلّفات الشيخ المفيد ، ولكن ذكرها النجاشي بنفس الصورة المذكورة ، أي : بدون دخول (ال) على كلمة (مولى)(1) ، وقد ذكرها كلٌّ من ابن شهرآشوب(2)والشيخ أقا بزرگ الطهراني(3) مع دخول (ال) على كلمة (مولى).

لقد تطرّق الشيخ المفيد في هذه الرسالة للبحث في الحديث الشريف : «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» الدالّ على الوصاية والخلافة بلا فصل للإمام عليّ عليه السلام ، وقد أثبت أنّ كلمة (مولى) في هذا الحديث هو الأولى بالتصرّف والطاعة ثمّ إنّ المعنى الحقيقي للكلمة هو نفس هذا المعنى ، وإنّه قد ذكر في بدء هذه الرسالة عشر معاني لكلمة (مولى) وقد أثبت باستعانته من شواهد متعدّدة أنّ ما قصده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً نفس 2.

ص: 124


1- رجال النجاشي : 401.
2- معالم العلماء : 114.
3- الذريعة 2 / 272.

المعنى الأوّل(1).

لقد طبعت هذه الرسالة سنة 1370 ه- في النجف الأشرف تحت عنوان : رسالة في تحقيق لفظ المولى ، وطبعت أيضاً في لندن بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً على ذكرى الغدير ، ومن ثمّ قام بطبعه المؤتمر العالمي للشيخ المفيد في قم المقدسة سنة 1413 ه- في المجلّد الثامن من مصنّفات الشيخ المفيد.

معنى المولى :

لم يذكر أحدٌ من النجاشي والشيخ الطوسي وابن شهرآشوب عنواناً لهذه قطّ ، والشيخ أقا بزرك الطهراني أيضاً لم يذكرها بهذا العنوان ولكن ذكر رسالة بعنوان : مناظرة الشيخ المفيد مع الرجل البهشمي(2) ، وهي نفس هذه الرسالة ، وهذه الرسالة أكثر تفصيلاً من رسالة أقسام مولى في اللسان التي بيّنّاها آنفاً وإن اتّحد موضوعهما إذ إنّ هذه الرسالة هي عبارة عن مناظرة للشيخ المفيد مع رجل بهشميّ ، ولا يخفى أنّ الرجل المذكور غير معروف عندنا ، وأمّا البهشميّة فهم أتباع أبي هاشم الجبائي الذي يقال : إنّه من كبار المعتزلة(3).

طبعت هذه الرسالة للمرّة الأُولى في لندن سنة 1410 ه- بمناسبة مضي أربعة عشر قرناً على يوم الغدير وقد قام بتحقيقها محمّد مهدي نجف وقام بطباعتها (دار زيد) ، وقام بطبعها للمرّة الثانية المؤتمر العالمي للشيخ 8.

ص: 125


1- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 49.
2- الذريعة 22 / 302.
3- (حياة الشيخ المفيد ومصنّفاته) المقالات والرسالات ، رقم 1 ، ص 268.

المفيد في قم المقدّسة في المجلّد الثامن من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد.

إيمان أبي طالب :

إن أحد المواضيع المثيرة للجدل في تاريخ الإسلام هو إيمان أبي طالب والد سيّدنا ومولانا الإمام عليّ عليه السلام الذي ألّف فيه العلماء الشيعة وأهل السنة كتباً كثيرة(1) ويبدو أنّ رسالة الشيخ المفيد أقدم أثر شيعي يوجد حالياً في هذا الشأن ، لم يذكر الشيخ الطوسي ضمن مؤلّفات الشيخ المفيد اسماً لهذا الأثر ، ولكن ذكره النجاشي بعنوان : إيمان أبي طالب ، وذكره ابن شهرآشوب بعنوان : إيمان أبي طالب رحمه الله.

لقد استفاد الشيخ المفيد في هذه الرسالة بصورة جيّدة من أشعار أبي طالب وأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شأنه ومن بعض الشواهد التاريخيّة ، وقد أثبت من خلالها بأُسلوب جيّد إيمان أبي طالب بالإسلام وبرسالة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله).

لقد طبعت هذه الرسالة سنة 1372 و 1382 ه- في العراق ، كما طبعت في قم سنة 1412 ه- ضمن عدّة رسائل ، وقد قام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد في الجلد العاشر من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد.

هذا ، وقد أورد الشيخ المفيد في كتاب الفصول المختارة أيضاً بعض المواضيع فيما يتعلّق بإيمان أبي طالب(2).2.

ص: 126


1- الذريعة 2 / 510 - 514 ، و 26 / 78.
2- الفصول المختارة : 228 - 232.

تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام :

لقد ذكر النجاشي هذه الرسالة بعنوان : كتاب في تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على سائر أصحابه(1) ، وقد ذكرها الشيخ أقا بزرگ الطهراني في موضع من كتابه بنفس هذا العنوان(2) ، وفي موضع آخر بعنوان : مسألة في أفضليّة عليّ عليه السلام على كافة البشر سوى رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3).

لقد تطرّق الشيخ المفيد في رسالته هذه للبحث في موضوعين : أحدهما : أفضليّة الإمام عليّ عليه السلام على سائر أصحابه ، والثاني : في أفضليّته عليه السلام على جميع الأنبياء سوى الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) ، فقام بنقل أقوال مختلف الفئات وأقام الأدلّة العديدة لإثبات ما يرمي إليه.

لقد طبعت هذه الرسالة سنة 1370 ه- في النجف الأشرف ، وفي قم ضمن مجموعة من الرسائل ، وقام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد سنة 1413 ه- في المجلّد السابع من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد وقد قام بتحقيقها عليّ موسى الكعبي.

رسالة حول خبر مارية :

لقد ذكر كلٌّ من النجاشي(4) والشيخ أقا بزرگ الطهراني(5) هذه الرسالة المختصرة بعنوان : مسألة في خبر مارية ، وقد احتوت الرسالة على القصّة 6.

ص: 127


1- رجال النجاشي : 401.
2- الذريعة 4 / 358.
3- الذريعة 20 / 383.
4- رجال النجاشي : 410.
5- الذريعة 20 / 386.

التي نقلها المؤرّخون والمفسّرون في مارية زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وذلك أنّ أعداء الإسلام أثاروا فتنة رموا بها مارية ، وعلى إثرها أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً عليه السلام وقال له : «خذ ياعليّ سيفك وامض إلى بيت مارية ، فإن وجدت القبطي فاضرب عنقه»(1).

لقد أجاب الشيخ المفيد في هذه الرسالة على بعض الأسئلة التي دارت حول هذه القصّة.

وقد طبعت هذه الرسالة في النجف الأشرف سنة 1370 ه- ، وفي قم ضمن مجموعة من الرسائل ، وقد قام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد سنة 1413 ه- في المجلّد الثالث من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد ، وقد قام بتحقيقها محمّد مهدي صباحي.

شرح المنام :

إنّ كلاًّ من النجاشي والشيخ الطوسي وابن شهرآشوب والشيخ أقا بزرگ الطهراني لم يذكروا لهذه الرسالة عنواناً قطّ ، ولكن ذكرها أبو الفتح الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد في كتابه كنز الفوائد المجلّد الثاني صفحة 48 إلى 51.

لقد احتوت هذه الرسالة على قصّة المنام العجيب والرؤيا الصادقة التي رآها الشيخ المفيد في شأن آية الغار(2) ومناظرته مع عمر بن الخطّاب ، ّة

ص: 128


1- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 73.
2- سورة التوبة 9 : 40 ، لقد نزلت هذه الآية متزامنة مع هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكّة إلى المدينة وذلك لمّا دخل غار ثور الواقع في جبل ثور بالقرب من مكّة

حيث أثبت أنّ الآية المذكورة ليست لها أي دلالة على فضل أبي بكر.

قال المحقّق الجليل القدر حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ رضا المختاري في شأن هذه الرؤيا : «إنّ هذه الرؤيا ليست من المنامات المتعارفة والعادية لأنّ الشيخ المفيد أثبت فيها ما يرمي إليه بأحسن شكل ، وردّ أدلّة الخصم بأُسلوب استدلاليٍّ قويّ ، وإذا أراد الشيخ المفيد أو أي عالم آخر أن يشحذ قلمه في هذا الموضوع لما استطاع أن يأتي بأحسن من هذا»(1).

لقد طبعت هذه الرسالة - غير الموضع الذي ذكرناه آنفاً - في المجلّد الثامن من مصنّفات الشيخ المفيد من قبل المؤتمر العالمي للشيخ المفيد ، وقد قام بتحقيقها الشيخ محمّد مهدي نجف.

الغيبة :

لقد ذكر النجاشي هذه الرسالة تحت عنوان : الجوابات في خروج الإمام المهدي عجّل الله فرجه(2) ، وذكرها الشيخ أقا بزرگ الطهراني بعنوان : مسائل الغيبة(3).1.

ص: 129


1- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 77.
2- رجال النجاشي : 401.
3- الذريعة 20 / 381.

ثمّ إنّ النجاشي ذكر خمس رسائل أُخرى للشيخ المفيد غير هذه الرسالة في موضوع غيبة الإمام الحجّة عليه السلام ، أحدها المسائل العشر في الغيبة(1) المعروف بالفصول العشرة في الغيبة(2) وأربع رسائل أُخر ، أمّا الفصول العشرة في الغيبة فسنتكلّم حولها على حدة ، أمّا الرسائل الأربعة القصيرة الأُخر الموجودة حالياً فإنّها غير معلومة المطابقة مع تلك الرسائل التي ذكرها النجاشي والشيخ أقا بزرگ الطهراني(3).

الرسالة الأُولى : إنّ موضوع هذه الرسالة هو الحديث المعروف «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» وأنّه لابدّ من وجود إمام معصوم في كلِّ زمان ، والإمام في هذا الزمان هو سيّدنا ومولانا الإمام الحجّة ابن الحسن عجّل الله فرجه ، فقد أجاب الشيخ عن الأسئلة الموجّهة إليه في هذا المجال ببيان واضح(4).

الرسالة الثانية : هذه الرسالة في الجواب على الأسئلة الموجّهة إليه من قبل أحد أبناء السنّة ، حيث سأل : ما هو سبب غيبة الإمام؟ وما الفرق بينه وبين آبائه حيث لم يغيّبوا؟ وقد أجاب الشيخ المفيد عن هذا التّساؤل بصورة متكاملة(5) ، وقد ذكر الشيخ أقا بزرگ الطهراني هذه الرسالة تحت عنوان : مسألة في سبب استتار الحجّة عجّل الله فرجه(6).8.

ص: 130


1- رجال النجاشي: 399.
2- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 91.
3- الذريعة 16 / 81.
4- مصنّفات الشيخ المفيد أواخر المجلّد السابع.
5- مصنّفات الشيخ المفيد أواخر المجلّد السابع.
6- الذريعة 20 / 388.

الرسالة الثالثة : هذه الرسالة هي جواب على سؤال السائل عن مضمون الرواية التي وردت عن الإمام الصادق عليه السلام والتي مضمونها أنّ الإمام الحجّة يخرج إذا اجتمع له أنصار بعدد أصحاب بدر : 313 نفر ، فيسأل السائل من الشيخ المفيد : ألم يكن عدد الشيعة اليوم أضعاف أصحاب بدر إذن كيف يبقى الإمام عليه السلام مغيّباً؟ فيجيب الشيخ فيها عن هذا السؤال(1).

الرسالة الرابعة : في هذه الرسالة أجاب الشيخ عن السؤال التالي : ما الدليل لدينا على وجود الإمام الحجّة عليه السلام؟ على أنّ الناس مختلفون في وجوده عليه السلام ، فقد اعتمد الشيخ المفيد في جوابه على النقل المتواتر عند الشيعة عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، وأجاب عن بعض الشبهات المثارة في هذا الشأن(2).

الفصول العشرة في الغيبة :

لقد ذكر النجاشي هذه الرسالة بعنوان : كتاب المسائل العشرة في الغيبة(3) ، وذكرها ابن شهرآشوب بعنوان : الأجوبة عن المسائل العشر(4) ، والشيخ آقا بزرگ الطهراني ذكرها في مكان بعنوان : المسائل العشر في الغيبة(5) ، وفي مكان آخر ذكرها بعنوان : جوابات المسائل العشر(6). 8.

ص: 131


1- مصنّفات الشيخ المفيد أواخر المجلّد السابع.
2- المصدر السابق.
3- رجال النجاشي : 400.
4- معالم العلماء : 113.
5- الذريعة 20 / 358.
6- الذريعة 5 / 228.

جاءت هذه الرسالة في الجواب على عشر أسئلة في موضوع الإمام الحجّة عليه السلام ، وقد تكوّنت من عشر فصول كلّ فصل منها جاء على حدة ، وإنّ أكثر فصول هذه الرسالة ضمّت في طيّاتها عدّة فصول أُخر فرعيّة ، ولم يتم معرفة السائل فيها بوضوح تام ، ولكن طبقاً لما جاء في المجموعة رقم 243 ورقم 78 من مكتبة آية الله المرعشي النجفي رحمه الله فإنّ السائل هو الرئيس أبو العلاء بن تاج الملك(1).

وبما أنّ هذه الرسالة لها أهمّيّة بالغة فقد ترجمها في طهران محمّد باقر الخالصي إلى الفارسية وطبعت سنة 1400 ه- تحت عنوان (انتقاد وپاسخ) ، وترجمها أيضاً إلى الأُردو الشيخ سعادة حسين الهندي وطبعت تحت عنوان (غيبت) ، وقد طبع أصل النصّ العربي لهذه الرسالة في النجف الأشرف سنة 1370 ه- ، وطبعت بعد ذلك ضمن عدّة رسائل في قم ، ومن ثمّ قام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد بتحقيق فارس حسّون في المجلّد الثالث من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد.

المسائل الجارودية :

هذه الرسالة لم يذكرها الشيخ الطوسي ضمن مؤلّفات الشيخ المفيد ، ولكن ذكر النجاشي رسالتين في هذا الموضوع جعلهما في عداد تأليفات الشيخ المفيد ، إحداهما : المسألة على الزيدية(2) ، والثانية : المسائل الزيدية(3) ، حيث يبدو أنّ إحدى هاتين الرسالتين هي الرسالة المعنية في 1.

ص: 132


1- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 105.
2- رجال النجاشي : 400.
3- رجال النجاشي : 401.

بحثنا هذا ، على أنّه لا نستبعد احتمال اتحادهما أيضاً(1).

هذا ، وإنّ الشيخ أقا بزرگ الطهراني على أنّه ذكرها بعنوان : المسائل الزيدية ، ولكن كتب فيها ما نصّه : «والحقيق بها التعبير بالمسائل الجارودية لا مطلق الزيدية ، حيث إنّ السؤالات مقتصرٌ عليهم والبحث معهم خاصّة»(2).

وتعدّ الجارودية من الفرق الزيدية من أتباع أبي الجارود زياد بن منذر الهمداني الكوفي(3) ، حيث يعتقدون أنّ الإمامة بعد الإمام عليّ عليه السلاموالإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام تكون في ولد الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام(4) ، خلافاً للشيعة الإماميّة حيث يعتقدون أنّ الإمامة في ولد الإمام الحسين عليه السلام خاصّة(5).

لقد ألّف الشيخ المفيد هذه الرسالة في الردّ على الجارودية - حيث يظهر أنّها الفرقة الوحيدة من الزيدية المتبقّية في زماننا هذا - ورتّبها في ستّة عشر سؤالا جاءت بالعنوان التالي : قالت الجارودية ، وجعل عنوان أجوبته عليها هي العبارة التالية : قالت الإمامية(6).

طبعت هذه الرسالة في النجف الأشرف سنة 1370 ه- ، وفي قم ضمن عدّة رسائل ، وقام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد سنة 1413 3.

ص: 133


1- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 113.
2- الذريعة 20 / 351.
3- الملل والنحل 1 / 183 ، تهذيب التهذيب 3 / 332 - 333.
4- فرق الشيعة : 22 ، المسائل الجارودية : 28.
5- الهداية : 30 ، المسائل الجارودية : 28 ، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : 397.
6- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 113.

ه- بتحقيق محمّد كاظم مدير شانه چي في المجلّد السابع من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد.

مسارّ الشيعة :

هذا الكتاب لم يذكره الشيخ الطوسي في الفهرست ولكن ذكره النجاشي بعنوان : كتاب تاريخ الشريعة(1) ، وقد ذكره ابن شهرآشوب بعنوان : التواريخ الشرعية(2) ، وذكره السيّد ابن طاووس أيضاً بنفس هذا الإسم في عدّة مواضع(3) ، أمّا الشيخ أقا بزرگ الطهراني فإنّه ذكر الكتاب في موضع بعنوان : مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة(4) ، ولكن في موضع آخر نسب للشيخ المفيد مؤلّفاً بعنوان : التواريخ الشرعيّة ، ثمّ صرّح أنّ اسمه : مسارّ الشيعة في مختصر تاريخ الشريعة(5).

احتوت هذه الرسالة على : الأعياد ، وفيات الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) ، وبعض الوقائع التي وقعت قبل الإسلام ، حيث ذكرها بترتيب الأيّام لكلّ شهر. وحقيقاً علينا أن نقول : إنّه تقويم للتاريخ الشيعي بحقّ. وقد جعل الشيخ المفيد شهر رمضان أوّل شهر في السنة معلّلاً بأنّه شهر مبارك ، وذكر العديد من التعليلات الأُخرى القريبة من هذا المعنى.

إنّ انتخاب عنوان مسارّ الشيعة لم يكن من قبل الشيخ المفيد - وليس 5.

ص: 134


1- رجال النجاشي : 401.
2- معالم العلماء : 113.
3- إقبال الأعمال : 130 ، 141 ، 558 ، 559 ، 592 ، 603 ، 673 ، 677.
4- الذريعة 20 / 375.
5- الذريعة 4 / 475.

من الواضح أيّ عنوان كان قد انتخبه لهذا الكتاب - بل إنّ هذا العنوان قد تمّ اختياره من قبل المتأخّرين ، وذلك يكشف عن قصورهم في فهم محتوى الكتاب ، لأنّ موضوع هذا الكتاب لم يتوقّف على المناسبات المسرّة كالمواليد والأعياد فقط بل ضمّ إليه الوقائع المؤلمة ووفيات الأئمّة المعصومين عليهم السلام أيضاً ، كما أنّه لم يتوقّف على ذكر التواريخ فحسب بل ذكر ما يناسبها من المجريات أيضاً في كثير من المواضع ، وبذلك لا يمكن لعنوان مسارّ الشيعة أن يكون حاكياً عن محتوى هذا الكتاب بشكل كامل.

لقد طبعت هذه الرسالة في القاهرة سنة 1313 ه- ، وفي نفس هذه السنة طبعت في تبريز طباعة حجرية ، ثمّ طبعت في طهران وقم في سنة 1393 ه- و 1396 ه- ضمن كتاب يحمل عنوان (مجموعة نفيسة) ثمّ طبع في لندن سنة 1412 ه- ، وأخيراً في سنة 1413 ه- قام بطبعه المؤتمر العالمي للشيخ المفيد في المجلّد السابع من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد.

مسألة في ميراث النبيّ (صلى الله عليه وآله) :

لقد ذكر النجاشي هذه الرسالة بنفس هذا العنوان(1) ، ولكن الشيخ الطوسي وابن شهرآشوب لم يذكرا عنواناً لهذه الرسالة. هذا ، وإنّ الشيخ أقا بزرگ الطهراني ذكر عنواناً(2) آخر أيضاً غير هذا العنوان ، وهو : مسألة في معنى «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث»(3) ، ومحتوى الرسالة حول حديث4.

ص: 135


1- رجال النجاشي : 402.
2- الذريعة 20 / 396.
3- الذريعة 20 / 394.

نسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قد اتخذه أبو بكر ذريعة ليستشهد به على غصب الخلافة وغصب فدك التي كانت ملكاً للزهراء عليها السلام ، وباستناده إلى هذا الحديث الموضوع استطاع أن يبرّر غصبه لفدك وعدم ردّها إلى سيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام.

إنّ الشيخ المفيد بالرغم من أنّه رفض مبدئيّاً صدور مثل هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستدلاًّ على ذلك بأدلّة عديدة ، ولكن على سبيل فرض صدوره من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد ردّ الشيخ دلالة الحديث على ما ادّعاه أبو بكر وأتباع أهل السنّة(1).

لقد طبعت هذه الرسالة في النجف الأشرف سنة 1370 ه- تحت عنوان : رسالة في تحقيق الخبر المنسوب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» ، وطبعت في قم ضمن مجموعة رسائل مطبوعة تحت عنوان : عدّة رسائل ، وفي سنة 1413 ه- قام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد بعنوان : رسالة حول حديث «نحن الأنبياء» بتحقيق الشيخ مالك محمودي في المجلّد العاشر من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد.

النصّ على عليٍّ عليه السلام :

لقد ذكر النجاشي هذه الرسالة بعنوان : مسألة في النصّ الجلي(2) ، وفي موضع آخر من كتابه ذكرها بعنوان : المقنعة في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام(3) ، لكن وبما أنّ للشيخ المفيد رسالتين في هذا الموضوع 1.

ص: 136


1- رجال النجاشي : 401.
2- رجال النجاشي : 401.
3- رجال النجاشي : 401.

فربّما قد يكون النجاشي قصد إحداهما أو أنّه قصد كليهما ، وقد ذكر ابن شهرآشوب أيضاً رسالة بعنوان : المسألة المقنعة في إثبات النصّ(1) ، ولم يتّضح لنا هل كان قصده نفس هذه الرسالة أو رسالة أُخرى(2) ، أمّا الشيخ أقا بزرگ الطهراني فقد ذكرها بعنوان : جواب الباقلاّني(3) ، ذلك لأنّ الرسالة الأُولى كان قد صرّح أنّها جاءت للجواب على أسئلة الباقلاّني(4) ، وقد عنون الرسالة الثانية بعنوان : النصّ على عليّ عليه السلام(5) ، علماً بأنّ الشيخ أقا بزرگ في موضع آخر من كتابه ذكر رسالة بعنوان : المقنعة في الإمامة(6) ، إلاّ أنّه لم يعلم أي رسالة أراد من هذه الرسائل.

إنّ هاتين الرسالتين جاءتا في جواب الأسئلة التي تدور حول إمامة الإمام عليّ عليه السلام وكونه إماماً منصوصاً عليه ، أمّا الرسالة الأُولى فقد أجابت على أسئلة مثل : هل كان عدد رواة النصّ على إمامة عليّ عليه السلام كثيراً أم قليلاً؟ فإذا كانوا قلّة فيكون احتمال تبانيهم وتوافقهم على الكذب ممكناً ، وإن كانوا كثرةً فلم لم ينهض عليّ عليه السلام بهم لمحاربة أعدائه؟ وأي مصلحة تكمن في عدم قيامه؟ و... أسئلة أُخرى من هذا القبيل.

وأمّا الرسالة الثانية فقد أجابت على أسئلة احتوت على مضامين ، مثل : إذا كان باعتقاد الشيعة أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) نصّب عليّاً خليفة من بعده فلم 5.

ص: 137


1- معالم العلماء : 114.
2- (فهرست آثار خطّي شيخ مفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي) : 141.
3- المراد منه هو القاضي أبو بكر محمّد بن طيّب المتوفّى سنة 403 ه- وهو صاحب كتاب التمهيد.
4- الذريعة 5 / 177.
5- الذريعة 24 / 172.
6- الذريعة 22 / 125.

لم يقم عليّ عليه السلام لإحقاق حقّه؟ فإن قلتم : إنّ عدم قيامه كان اختياراً منه فقد نسبتم إليه إضاعة أمر الله ورسوله ، وإن قلتم : إنّه لم يقم اضطراراً فقد نسبتم إليه الخوف والضعف. ولماذا كان يتقبّل عليه السلام عطايا الخلفاء وصلّى خلفهم وجلس في مجالسهم ونكح السبايا من أُسراء حروبهم؟ أو لم تكن كلّ هذه الأُمور تدلّ على عدم وجود النصِّ عليه فقد أجاب الشيخ المفيد عليها بأحسن وجه.

طبعت الرسالة الأُولى في بغداد سنة 1955 م في دورة كتاب نفائس المخطوطات تحت عنوان : مسألة في النصّ ، وطبعت الرسالة الثانية في النجف الأشرف ، ومن ثمّ طبعت في قم ضمن رسائل تحت عنوان : عدّة رسائل ، ومن ثمّ قام بطبعها في قم المؤتمر العلمي للشيخ المفيد بتحقيق الشيخ محمّد رضا الأنصاري القمّي سنة 1413 ه- في المجلّد الثالث من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد.

الفصول المختارة من المجالس والعيون والمحاسن :

لم يكن هذا الكتاب في الأصل تأليف الشيخ المفيد ، بل هو عبارة عن مجموعة آرائه جمعها ودوّنها أبرز تلامذته (السيّد المرتضى علم الهدى) ، وكما ذكر السيّد المرتضى في مقدّمة كتابه فإنّه قد جمع مواضيع هذا الكتاب من كتابي المجالس والعيون والمحاسن للشيخ المفيد(1).

والكتاب المذكور مفقود اليوم ، ولذلك فقد حاز كتاب الفصول المختارة أهمّية خاصّة. هذا ، وقد ذكر كلٌّ من النجاشي(2) وابن 9.

ص: 138


1- الفصول المختارة : 17.
2- رجال النجاشي : 399.

شهرآشوب(1) كتاباً تحت عنوان : الفصول من العيون والمحاسن ، فلا بدّ أن يكون هو نفس الكتاب المشار إليه آنفاً ، ولكن الشيخ أقا بزرگ الطهراني ذكره بنفس العنوان الكامل ، وهو : الفصول المختارة من العيون والمحاسن(2) ، إلاّ أنّه ذكر الكتاب في موضعين من الذريعة وعدّهما كتابين مستقلّين(3).

طبع هذا الكتاب سنة 1365 ه- و 1382 ه- في النجف الأشرف ، وسنة 1396 ه- في قم المقدّسة ، وسنة 1405 ه- في بيروت ، ومن ثمّ في سنة 1413 ه- طبعه المؤتمر العالمي للشيخ المفيد وقد كان عبارة عن المجلّد الثاني من المجموعة الكاملة لآثاره.

عدم سهو النبي (صلى الله عليه وآله) :

لم يذكر كلّ من الشيخ الطوسي والنجاشي لهذه الرسالة عنواناً قطّ ولكن ذكرها ابن شهرآشوب في معالم العلماء تحت عنوان : الردّ على ابن بابويه(4) ، وذكرها الشيخ أقا بزرگ الطهراني بعنوانين ، أحدهما : الردّ في نفي سهو النبيّ (صلى الله عليه وآله)(5) ، والآخر : جواب أهل الحجاز(6) ، ولكنّه تردّد في مؤلّفهما هل هو الشيخ المفيد أو السيّد المرتضى ، إلاّ أنّه قوّى نسبتهما 5.

ص: 139


1- معالم العلماء : 114.
2- الذريعة 16 / 244.
3- الذريعة 16 / 245.
4- معالم العلماء : 114.
5- الذريعة 11 / 200.
6- الذريعة 5 / 175.

للشيخ المفيد ، ولكنّه في موضع آخر من كتابه نسب هذه الرسالة إليه خاصّة وباطمئنان أكبر ، حيث قال : «كتبها الشيخ المفيد»(1).

أوردها الشيخ علي العاملي في كتابه الدرّ المنثور في الجزء الأوّل من صفحة 111 إلى 120 ، وقام بطبعها المؤتمر العالمي للشيخ المفيد بتحقيق الشيخ محمّد مهدي نجف ضمن المجلّد العاشر من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد.

مواضيع هذه الرسالة جاءت في الردّ على من اعتقد أنّ النبيّ سها في صلاته ، ومن هنا أجازوا السهو على النبيّ (صلى الله عليه وآله) والإمام عليه السلام.

الأمالي :

لم يذكر الشيخ الطوسي هذا العنوان ضمن مؤلّفات الشيخ المفيد إلاّ أنّ النجاشي ذكر له كتابين أحدهما بعنوان : المجالس المحفوظة في فنون الكلام(2) ، والآخر بعنوان : الأمالي المتفرّقات(3) ، إلاّ أنّ مجرّد الالتفات إلى العنوان الأوّل يوحي كونه لكتاب كلاميٍّ بينما الأمالي يعدّ كتاباً حديثيّاً ، إذن هما عنوانان لكتابين مستقلّين ولا يمكن أن يكون قد قصد الأمالي من المجالس وإنّ العنوان الثاني يمكن أن يكون هو أمالي الشيخ المفيد إلاّ أنّه من المحتمل أن يكون رسالة أُخرى قد قصدها غير الأمالي ، وقد ذكر الشيخ أقا بزرگ الطهراني في كتابه عنوانين وهما الأمالي(4) ومجالس المفيد(5) 7.

ص: 140


1- الذريعة 12 / 267.
2- رجال النجاشي : 400.
3- رجال النجاشي : 400.
4- الذريعة 2 / 315.
5- الذريعة 19/367.

وأشار هناك أنّ ما ذكره النجاشي تحت عنوان الأمالي المتفرّقات هو نفس هذا الأمالي المقصود في البحث ولعلّ ذكره (المتفرّقات) هو من أجل التشتّت الذي كان آنذاك في مجالس الإملاء(1).

وفي الجملة فإنّ هذا الكتاب يعدّ من أهمّ الكتب الحديثيّة القيّمة وقد رُتِّب في اثنين وأربعين مجلساً ، وقد أملى فيه الشيخ المفيد ثلاثمائة وثمان وسبعين حديثاً ، واشتملت أكثر مجالس الكتاب على مواضيع الإمامة والأخلاق ، وقد ارتبطت مع بعضها البعض ما عدا المجلس الثالث والعشرين ، فقد اختلف مع سائر المجالس ، بحيث تردّد البعض في أن يكون هذا المجلس من إملاء الشيخ المفيد(2) ، ففي سائر المجالس انسجمت مطالب الكتاب مع موضوع الإمام والإمامة والخلافة وأبحاث أُخرى من هذا القبيل.

لقد طبع هذا الكتاب سنة 1351 و 1367 و 1381 ه- في النجف الأشرف ، وصدرت الطبعة المحقّقة في قم المقدّسة سنة 1403 ه- مع المقدّمة والفهرس ، وفي سنة 1406 ه- صدر مع الترجمة الفارسية في أسفل الصفحات في مشهد ، ومن ثمّ قام بطبعه المؤتمر العالمي للشيخ المفيد في المجلّد الثالث عشر من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد.

المؤلّفات التاريخية المفقودة للشيخ المفيد رحمه الله :

كانت للشيخ المفيد عدّة كتب ورسائل في علم الكلام وتاريخ 1.

ص: 141


1- الذريعة 2 / 315.
2- (آثار شيخ مفيد) ، من المقالات الفارسية لمؤتمر الشيخ المفيد ، رقم 55 ، ص 151.

الإسلام ، وإن ما ذكرناه هو المؤلّفات الموجودة التي وصلت إلينا وقد طبعت ، أمّا سائر مؤلّفاته فإمّا فقدت أو لم تصل إلينا ، ونحن نشير إلى مجموعة منها ، وهي عبارة عن :

1 - مولد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومواليد الأوصياء : ذكره السيّد ابن طاووس في كتاب إقبال الأعمال(1) ، ونقل شطراً منه أيضاً في كتاب الملهوف(2).

2 - كتاب في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام : ذكره النجاشي بهذا العنوان(3) ، ويبدو من عنوانه أنّ موضوعه في إمامة الإمام عليّ عليه السلام.

3 - النصوص : لم تذكر أيّ من كتب التراجم والرجال هذا الكتاب في عداد مؤلّفات الشيخ المفيد ، وقد جاء ذكر هذا الكتاب لأوّل مرّة في بحار الأنوار(4) ، ويظهر من اسمه أنّه تطرّق إلى موضوع الإمامة.

4 - تزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر : ربّما تناول موضوعاً غير الذي جاء بنفس هذا العنوان في المسائل السروية ، وقد سبق الحديث فيه آنفاً(5).

5 - الإيضاح : ذكر هذا الكتاب كلٌّ من النجاشي(6) والشيخ الطوسي(7)وابن شهرآشوب(8) ، وفي بعض الأحيان وقع الاشتباه بينه وبين كتاب 4.

ص: 142


1- إقبال الأعمال : 598.
2- الملهوف : 41.
3- رجال النجاشي : 402.
4- بحار الأنوار 1 / 7.
5- راجع ص : 122 من هذه الرسالة.
6- رجال النجاشي : 399.
7- الفهرست: 158.
8- معالم العلماء : 114.

الإفصاح ، لأنّ موضوع كلا الكتابين الإمامة والخلافة إلاّ أنّ كلاًّ منهما كتاب مستقلّ بذاته ، فإنّ الإفصاح موجود ومطبوع ولكن الإيضاح لم يصل إلينا(1). 0.

ص: 143


1- (آثار مفقود شيخ مفيد در كتب قدماء) المقالات والرسالات : رقم 3 ، ص70.

الفصل الثاني

الشيخ المفيد رحمه الله وكتابة التاريخ الإسلامي

ألف - هدف الشيخ المفيد رحمه الله من تدوينه للتأريخ :

قبل أن نبدأ البحث عن هدف الشيخ المفيد من تدوين التاريخ لابدّ من الإشارة إلى أنّ الشيخ - وكما يتّضح لنا من آثاره - لم يجنح إلى قلمه كمؤرّخ هدفه عرض الأحداث أو القيام بتحليل الوقائع التاريخية ، بل إنّ الأمر الذي جعله ينحى هذا المنحى عبارة عن :

أوّلا : شعوره بالمسؤولية تجاه الدفاع عن حريم الإمامة وحقوق الأئمّة وولاؤه الشديد لهم عليهم السلام.

ثانياً : إجابته على الأسئلة الموجّهة إليه من قبل المؤمنين والشيعة وكلّ الذين مدّوا إليه يد الحاجة وأرادوا منه الجواب على شتّى الأسئلة المحيّرة المرتبطة بالمعارف الإسلامية ، ومن هنا نجد أنّ قسماً كبيراً من آثاره - سواء كانت في مجال الكلام أو الفقه وغيرهما أو كانت في مجال التاريخ - هي عبارة عن أجوبة على أسئلة الآخرين ، وخير شاهد على ذلك العبارات التي اعتاد أن يأتي بها في مقدّمة كتبه ورسائله ويبيّن فيها هدفه من ذلك التأليف ، حيث جاءت بعض هذه العبارات كالتالي :

«فإنّي مثبت - بتوفيق الله ومعونته - ما سألت أيّدك الله إثباته من أسماء

ص: 144

أئمّة الهدى عليهم السلام وتاريخ أعمارهم وذكر مشاهدهم وأسماء أولادهم و...»(1).

حيث يبيّن ما يرمي إليه من تأليف كتاب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد.

وفي موضع آخر يقول :

«وبعد ، سألت وفقك الله تعالى أن أثبت لك ما كنت سمعته منّي في مذاكرة أخينا الوارد من نيسابور بالمسائل المنسوبة إلى العويص في الفقه ...»(2).

حيث بيّن هنا هدفه من تأليف كتاب مسائل العويص.

وكتب في مقدّمة تأليف آخر له العبارة التالية :

«أمّا بعد فقد وقفت أيّدك الله تعالى على ما ذكرت من الحاجة إلى مختصر في تاريخ أيّام مسارّ الشيعة وأعمالها من القرب في الشريعة ... وأنا بمشيئة الله وعونه مثبت في هذا الكتاب أبواباً تحتوي على ما سلف ممّا ذكرناه ...»(3).

حيث تبيّن لنا من هذه العبارة ما يرمي إليه من تأليف كتاب مسارّ الشيعة.

بناءً على هذا فإنّنا إذا التفتنا إلى الأُمور المذكورة آنفاً نستطيع أن نفهم أنّ ما يرمي إليه من مؤلّفاته التاريخيّة - مثل الكثير من التآليف الأُخر - ما هو إلاّ دفاع عن المواقف والحقوق وأُصول الاعتقادات وأحكام الدين ومذهب 7.

ص: 145


1- الارشاد 1 / 4.
2- مسائل العويص : 21.
3- مسارّ الشيعة : 17.

الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، تلك الأُمور التي طالما تعرّضت لهجمات وسيعة من قبل أعداء الشيعة - خاصّة في القرن الرابع الهجري - ومن هنا فإنّ مبنى الشيخ المفيد في تدوينه للتأريخ لم يقتصر على ذلك فحسب بل حتّى عندما يتطرّق إلى المسائل التاريخية فإنّه ينظر إليها من منظار الأبحاث العقائدية والكلامية في أغلب الأحيان.

ولإثبات أنّ الشيخ حينما أقدم على كتابة التاريخ لم يكن هدفه التدوين بالذات نبيّن بعض الأدلّة على ذلك :

أوّلاً : إنّ الشيخ المفيد لم يتعرّض إلى الحقبة الزمنية التي عاشها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تأليفاته إلاّ في بعض المواضع وبصورة متفرّقة غير مستقلة وهي أهمّ فترة زمنية في تاريخ الإسلام - لا يخفى أنّ قسماً ملفتاً للنظر من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاصّة فترة ما بعد عهد الرسالة قد جاء ذكرها في كتاب الإرشاد ضمن حياة أمير المؤمنين عليه السلام ولكن هذا الموضوع لا يمكن أن يكون دليلاً لأن يغضّ الشيخ المفيد نظره عن تدوين حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصورة مستقلّة وعلى حدة ، وهذا بحدّ ذاته دليلٌ على ما نقول - إلاّ أن يُقال : إنّ دليل إعراضه عن تدوين حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو لتوافق عامّة المسلمين على ذلك وهذا دليل آخر على ما نحن فيه.

وكذلك لم يتطرّق إلى حياة سيّدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام إلاّ في بعض تأليفاته ضمن أبحاث أُخرى.

ثانياً : إنّ الشيخ المفيد قد ألّف في سيرة الأئمّة الأطهار عليهم السلام كتاباً مستقلاًّ ، إلاّ أنّه يتبيّن لنا بوضوح من خلال محور المواضيع والأبحاث التي انتخبت أنّه لم يكن قاصداً تدوين نفس التاريخ ، ذلك لأنّ في نفس كتاب الإرشاد إذا ما تخطّينا حياة الإمام عليّ عليه السلام وحياة الإمام الحسن عليه السلام - لأنّه

ص: 146

تطرّق إلى الكثير من المواضيع من حياتهما عليهما السلام - نرى أنّه بالنسبة إلى حياة سائر الأئمّة عليهم السلام رتّب الأبحاث بناءً على المواضيع التالية : ذكر اسم وصفات الإمام ، النصّ على إمامته ، معجزاته والأدلّة على إمامته ، وفاته أو شهادته ، بالإضافة إلى مواضيع من هذا القبيل. وكذلك ذكره لولاية عهد الإمام الرضا عليه السلام فإنّه لم يتطرّق لذكر تفاصيل الأحداث والوقائع ولم يتعرّض للأحداث السياسية التي كانت قد حدثت في ذلك العهد ، ولم يتعرّض إلى سيرة الخلفاء والولاة مع الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، ولا إلى دور الأئمّة عليهم السلام في أُمور الحكومة والسياسة ، ولم يشر إلى الانتفاضات الشيعية والعلوية ، حيث إنّه إمّا لم يتكلّم عن كلّ ذلك أبداً أو تكلّم عنه بصورة مقتضبة.

ثالثاً : إنّ كيفية انتقاء الأحداث وانتخاب المواضيع التاريخية من قبل الشيخ المفيد هو خير شاهد على ما قلناه ، فإنّه رحمه الله لمّا رأى هجوم الأفكار المغرضة التي تكاتفت في تبرئة ساحة الذين شاركوا في حرب الجمل أخذ قلمه ليكتب المسألة الكافية في إبطال توبة الخاطئة(1) ليجعل عليهم إلى الأبد ذلك العار الذي ارتكبته أياديهم الأثيمة ، ولمّا أدرك أن الحاقدين النواصب أجمعوا على أن يطعنوا في إيمان أبي طالب وهو والد يعسوب الدين الإمام علي عليه السلام ليجعلوا نقطة سوداء في السيرة المشرقة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حمل يراعه للذود عن الحقيقة فكتب رسالة إيمان أبي طالب(2) في الوقت الذي كان قد تطرّق لهذا الموضوع في ة.

ص: 147


1- تكلّمنا عن هذا الأثر في ص : 117 من هذه الرسالة.
2- تكلّمنا عن هذا الأثر في ص : 126 من هذه الرسالة.

موضع آخر من مؤلّفاته(1) ، وهكذا في بقية المواضيع الحسّاسة فإنّه رحمه الله كلّما شعر أنّ صفحة ناصعة من صفحات التاريخ الشيعي قد تعرّضت لهجوم من قبل المغرضين نهض للدفاع عنها ، رحمة الله ورضوانه عليه.

وممّا يؤيّد ما قلناه من أنّ الشيخ المفيد لم يكن هدفه كتابة التاريخ هو انتخابه لبعض العناوين لرسائله أو كتبه ، مثل عنوان : النصرة لسيّد العترة في حرب البصرة ، حيث بيّن في كتابه هذا الحكم الشرعي للخارجين على الإمام المفترض الطاعة - الإمام عليّ عليه السلام - ودافع عنه ونصره ، فجعل اسم كتابه «النصرة ...» مبتعداً كلّ البعد عن سرد وتدوين أحداث هذه الواقعة ، بل تعرّض إلى نوايا وآمال من أشعل نار الحرب ، وأثبت ذلك من خلال الرسائل الكثيرة التي تعدّ من أهمّ الوثائق التي أرّخت لتلك الحرب وحاول من خلالها الدفاع عن المواقف التي اتخذها أمير المؤمنين عليه السلام في مواجهتم.

ب - مدرسة تدوين التاريخ عند الشيخ المفيد رحمه الله :

إذا أردنا أن نعرّف مدرسة الشيخ المفيد طبقاً للتعاريف الواردة للمدارس التاريخية يبدو أنّه من الصعب أن نخوض في هذا الموضوع ، وذلك لأنّ منهج مدرسة المدينة - كما قال البعض - كان أساسه تدوين سيرة ومغازي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحيث أصبحت مدرسة المدينة تعرف باسم مدرسة المغازي والسيرة(2) ، في حين أنّ الشيخ المفيد لم يتطرّق إلى هذا 0.

ص: 148


1- الفصول المختارة : 282 - 286.
2- (تاريخ نگاري در اسلام) : 53 و 65 ؛ (علم تاريخ در گستره تمدن اسلامي) 1/460.

الموضوع بصورة مستقلّة في أيّ من آثاره سوى ما تطرّق إليه في طيِّ الأبحاث المرتبطة بحياة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقد أورد فيها قسماً مهمّاً من غزوات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولكن هذه الطريقة من التدوين لا تمتُّ بصلة إلى مدرسة المدينة المعروفة باختصاصها بما ذكر(1).

وإذا أردنا أن نقارن مدرسة الشيخ المفيد في تدوين التاريخ مع مدرسة العراق نراها لا تنسجم مع ما عرفت به هذه المدرسة ، ولكن لا يخفى وجود بعض الخصائص المشتركة بين المدرستين نستطيع من خلالها أن نعدّ مدرسة الشيخ المفيد فرعاً من هذه المدرسة ، وليس ذلك لوجود الشيخ المفيد في العراق ، بل لأنّ المنهجيّة التي اتخذها في التدوين جاءت مطابقةً لمنهجيّة التدوين في مدرسة العراق في أكثر ما عرفت به هذه المدرسة وما امتازت به من خصائص في تدوين التاريخ ، وذلك لأنّ المنهج الأساسي لهذه المدرسة كان يدور حول محاور ، منها التعاطف مع الثورات والانتفاضات التي قامت ضدّ الأمويّين ، ومنها الترديد في أحقّيّة وأصلحيّة قريش ، ومنها الاستفادة من الأسناد والوثائق الرسمية في تدوين التاريخ و... ، ومؤلّفات الشيخ المفيد أقرب إلى هذه المواضيع(2).

ولعلّ من الأفضل أن لا نقارن بين مدرسة الشيخ المفيد وبين سائر المدارس الأُخرى التي قامت بتدوين التاريخ ، بل علينا أن نبحث في أسس النظرية التي تبنّاها الشيخ المفيد في تدوين التاريخ ، ذلك لأنّ أكثر مؤلّفاته التاريخيّة تعكس لنا وجهة نظره وآراءه المبتنية على اُسس دينية عميقة ومن 4.

ص: 149


1- (تاريخ نگاري در اسلام) : 54.
2- (تاريخ نگاري در اسلام) : 54.

رؤية شيعية أصيلة.

وكم كان يبدو صعباً علينا تعريف مدرسة الشيخ المفيد التاريخية ، وعلى العكس من ذلك فيما يرتبط بتحديد معالم آرائه التاريخية ، فإنّه أمر في غاية السهولة ، وذلك لأنّ أفكاره الكلامية قد تركت بصماتها واضحة على كتاباته التاريخية بحيث لم يكن معها حاجة إلى تعريف مدرسته ولم يكن هناك ضرورة لذلك ، فبمجرّد دراسة سريعة لمؤلّفاته نستيطع أن نحدّد وبكلّ سهولة الأمر الذي كانت تتمحور حوله بنات أفكاره وبكلّ وضوح ، ألا وهو إثبات خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وإثبات عدم صلاحية من تربّع على سدّة الخلافة من جهة ، وتبيين حقّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام وأفضليّتهم وصلاحيّتهم لإمامة الأُمّة وإرشاد الناس من جهة أُخرى ، وهذا البحث من أهمّ المواضيع التي نراها كثيراً ما يتردّد ذكرها في مؤلّفات الشيخ المفيد.

إنّ الكثير من كتبه ورسائله والأسئلة والأجوبة وحتّى مجالس المناظرات التي وصلتنا على قلّتها نراها ترتبط بصورة أو بأخرى بموضوع الإمامة وخلافة الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وهكذا المدوّنات التاريخية للشيخ المفيد أيضاً - مثل الكثير من مؤلّفاته - قد أخذت طابعاً كلاميّاً واعتقاديّاً ، وإنّ العثور على تأليف تاريخي محض في آثاره يعدّ أمراً صعباً للغاية ، ومن هنا يمكن القول : بأنّ مقارنة مدرسته مع المدارس التاريخية الأُخرى أمر صعب ، وكذلك تعريف مدرسته بالتعاريف السائدة للمدارس الأُخرى هو كذلك في غاية الصعوبة. ولكن تبقى مدرسته لتدوين التاريخ أقرب ما تكون إلى مدرسة العراق من سائر المدارس الأُخرى.

ص: 150

ج - منهجية الشيخ المفيد رحمه الله وأسلوبه في تدوين التاريخ :

قبل أن نبيّن منهجية واُسلوب تدوين التاريخ عند الشيخ المفيد لابدّ من الإشارة هنا إلى أنّه بالرغم من أن كلمتي المنهج والاُسلوب تبدوان للوهلة الأُولى مشتركتين في المعنى ولكن إذا تأمّلنا قليلاً يتبيّن لنا - في هذه الرسالة على أقلّ تقدير - أنّهما لا يشتركان كذلك ، فالمنهج يطلق على المعاني التالية : كيفية تنظيم وتدوين التاريخ ، الإسناد وعدم الإسناد ، مدخلية العقل وعدمه والذي يطلق عليه اصطلاحاً التحليل أو عدم التحليل للحوادث والوقائع ؛ وأمّا الأسلوب فيطلق على : الموضوع ومادّة تدوين التاريخ.

وبعبارة أُخرى فالمعنى الأوّل يراد منه كيفيّة نقل الوقائع وصدق وعدم صدق الراوي وكيفية انتقال المدّونات التاريخيّة وأمثال ذلك ، والمعنى الثاني يراد منه الموضوع المعني في البحث والمكان والأفراد والشخصيّات والقبائل والأنبياء عليهم السلام والولاة ، وهي الاُمور المعنية عند المؤرّخ عادة. وبهذا التوضيح المختصر نشير فيما يلي إلى المعنيين في تدوين التاريخ عند الشيخ المفيد.

1 - منهج كتابة التاريخ عند الشيخ المفيد رحمه الله :

لقد اتخذ كلّ مؤرّخ منهجاً خاصّاً في تدوين أحداث ووقائع التاريخ وتارة في تحليلها ودراستها ، وإنّ أهمّ المناهج التي اتّسمت بها أكثر المدوّنات التاريخيّة - خاصّة في القرون الأولى من التأريخ الإسلامي - هي عبارة عن المناهج الروائية والتركيبية والتحليليّة(1). 7.

ص: 151


1- (تاريخ نگاري در اسلام) : 37 - 47.

ونظراً إلى التعريف المطروح للمنهج التحليلي يبدو أنّ منهج الشيخ المفيد في تدوين التاريخ أقرب ما يكون إلى هذا التعريف ، ذلك لأنّ المؤرّخ في هذا المنهج مضافاً إلى نقله للروايات التي غالباً ما تكون تركيبية فإنّه يسعى إلى تحليلها وتبيينها ودراسة عللها ونتائجها(1) ، وكذا الشيخ المفيد فإنّه ينتقي الروايات المعنية ثمّ بعد حذف أسانيدها في أغلب المواضع يقوم بترتيبها وتنسيقها - وهذا ما لابدّ منه في المنهج التركيبي - ثمّ يرسم لنا تاريخاً جديداً لحياة الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، كما يسعى أيضاً ضمن إطار بنيانه الفكري في أكثر المواضع على الحصول على العلل والعوامل المحيطة بالوقائع التاريخيّة ومن ثمّ يقوم بدراستها وتبيينها ، وهذه الخصائص نستطيع أن نراها في المنهج التحليلي أكثر مما نراها في سائر المناهج الأُخرى.

2 - أُسلوب كتابة التاريخ عند الشيخ المفيد رحمه الله :

إنّ أُسلوب تدوين التاريخ الذي أشرنا إلى تعريفه في أوّل هذا الفصل يرى بعض المحقّقين أنّه ينطبق على عناوين أُخر أيضاً ، حيث إنّ روزنتال انتخب لهذا الفصل عنوان (محتويات كتب التاريخ) في الوقت الذي جاءت عناوين مباحثه منسجمة مع أساليب تدوين التاريخ ، وكذا محتويات مواضيعه جاءت متطابقة مع محتويات أساليب تدوين التاريخ ، وعلى سبيل المثال فإنّه قد تكلّم هناك عن تدوين التاريخ المبتني على معرفة الأنساب والتراجم ، وهنا أيضاً تكلّم على هذا الأساس. 5.

ص: 152


1- (تاريخ نگاري در اسلام) : 45.

بناءً على هذا فإنّ المهمّ هنا هو محتويات الأبحاث التاريخية وإن عرضت بأساليب مختلفة وليس المهمّ أنّ هذه الأبحاث جاءت تحت أي من العناوين في كتب التاريخ ، حيث توجد في العديد من الكتب نفس المحتويات التاريخية بتبويبات أُخرى وبعناوين أُخر(1).

وعلى كلّ حال فإنّ المدوّنات والمواضيع التاريخية المطروحة من قبل الشيخ المفيد مهما كان الإسم الذي نطلقه عليها فهي لا تخرج عن إطار البحث في الأنساب والتراجم من خلال بعدها الكلامي ، وذلك لأنّ أكثر أبحاثه ومواضيعه تدور حول معرفة آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وإنّ أكثر ما جاء في تأليفاته كان على شكل ترجمة لهم واستعراضاً لسيرتهم عليهم السلام.

لكن إذا نظرنا إلى ذكر التراجم وشرح أحوال الرجال والسّير مجرّدة عن بعدها الزمني في تسلسل الأحداث فهذا ليس هو التاريخ بالمعنى المصطلح ولكنّه من جهة أُخرى يعدّ من أهمّ مصادر التاريخ(2) ، ولذلك قال فيه البعض : «يبدو أنّ ذكر السّير يعدّ من أكثر وأفضل الطرق دواماً في عرض الوقائع والأحداث التاريخية ، ويؤيّد ذلك الآثار الخطّية التي وصلت إلينا من الإمبراطوريّات التي حكمت في الشرق الأوسط في العصور القديمة ، حيث نرى أنّ عرض السّير له الصدارة من بين بقية الأساليب المتّبعة في عرض الوقائع والأحداث ، ولذلك نرى أنّ أهمّ التأليفات التاريخيّة تميل إلى استعراض الوقائع التاريخية من خلال عرض السير»(3).

د - مصادر الشيخ المفيد رحمه الله في تأليفاته التاريخية :

إنّ الحقبة الزمنية التي عاشها الشيخ المفيد - والتي كانت تعدّ العصر ل.

ص: 153


1- (منابع تاريخ اسلام) : 27 - 43.
2- (منابع تاريخ اسلام) : 29.
3- (تاريخ نگاري در اسلام) : 121 ، الفصل الأوّل.

الذهبي لارتقاء وتكامل العلوم الإسلامية - من جهة ووجود الكثير من المصادر الإسلامية القديمة - التي فقدت في العهود المتأخّرة - من جهة أُخرى كلّ ذلك صار سبباً لتمكين الشيخ المفيد من الاستفادة من هذه الفرصة للوصول بمؤلّفاته إلى ما وصل إليه من عمق الفكرة وقوّة الطرح ، فمن هنا أخذ البعض يعدّ مؤلّفاته من جملة مصادر التاريخ الإسلامي لاحتوائها على محتويات كتب مفقودة(1).

إذا أردنا أن نعرف المصادر التي استفاد منها الشيخ المفيد في أبحاثه التاريخية فعلينا أن نقوم بتبويب لذلك ، لأنّه لم يعتمد في نقل الأحداث التاريخية على مصدر واحد أو مصادر محدّدة ولم يأخذ من طريق أو منهجيّة معيّنة ، فمن هنا لابدّ لنا أن نقسّم المصادر التي استفاد منها إلى عدّة مجموعات :

المجموعة الأُولى : الكتب أو الروايات التي ذكرها ولكن لم يتبيّن نوعية الاستفادة منها أو حتّى لم يتبيّن أحياناً المقدار الذي استفاده منها ، وهذه المجموعة من المصادر على قلّتها إلاّ أنّها تعدّ خير دليل لمعرفة بعض من آرائه في تدوين التاريخ ، ولابدّ لنا أن نشير إلى أنّ المصادر المذكورة لم تكن كلّها تاريخية بل إنّ البعض منها كان أدبيّاً أو مرتبطاً بعلوم أُخرى ، وهذه المجموعة عبارة عن :

1 - البيان والتبيين : تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر بن محبوب المعروف ب- (الجاحظ) (المتوفّى 255 ه)(2) ، وقد عدّه البعض من أحد الثلاثة الذين كانوا يحرصون على طلب العلم بحيث كان يقرأ كلّ كتاب يعثر 0.

ص: 154


1- الجمل : 24.
2- الفهرست لابن النديم : 208 ، تاريخ بغداد 12 / 220.

عليه من أوّله إلى آخره(1) ، وعرّفه آخرون بصاحب المؤلّفات البديعة(2) ، وعدّوا له كتباً كثيرةً منها البيان والتبيين(3).

ولم يكن موضوع هذا الكتاب تاريخيّاً ، بل اشتمل على مواضيع مثل : الألبسة وأنواعها ، العصا وخصائصها ، الأدب ، الشعر ، طبقات الشعراء ، البلاغة ، معرفة بعض البلغاء ، الفصاحة ، أنواع الخطب ، الخطب المنتخبة ، ومواضيع من هذا القبيل.

وفي موضع واحد من كتاب الجمل استعان الشيخ المفيد بهذا الكتاب ليبيّن من خلاله بعض خطب الإمام عليّ عليه السلام(4).

2 - الجمل : تأليف أبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي (المتوفّى 157 ه) ، قيل : إنّ جدّه مخنف صاحب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام(5). ولا شكّ في أنّ أبا مخنف كان شيعيّاً ولكن لا دليل لنا على إماميّته(6) ، وقد عدّه أصحاب التراجم من كبار المؤرّخين في الكوفة وذكروا له مؤلّفات كثيرة(7) ، وقد جاءت أكثر مواضيع آثاره وأخباره في الفتوحات والحروب وأمثالها(8).

وقد استفاد الشيخ المفيد من آثار أبي مخنف في مواضع عديدة من 1.

ص: 155


1- الفهرست لابن النديم : 208.
2- تاريخ بغداد 12 / 213.
3- الفهرست لابن النديم : 210 ، معجم الأدباء 8 : 16 / 106.
4- الجمل : 210.
5- الفهرست لابن النديم : 105 ، رجال النجاشي : 320 ، فوات الوفيات 3 / 225 ، معجم الأدباء 9 : 17 / 41.
6- وقعة الطف : 20.
7- رجال النجاشي : 320 ، الفهرست : 129.
8- معجم الأدباء 9 : 17 / 41.

مؤلّفاته بشكل مباشر وغير مباشر ، منها كتاب الجمل(1) ، وقد نقل عنه مواضيع في عدّة أماكن مباشرةً ، وعندما ذكره أشار إليه بالعبارات التالية : «كتابه المصنّف في حرب البصرة» أو : «كتابه الذي صنّفه في حرب البصرة» في الصفحات 95 ، 128 ، 167.

ولا يخفى أنّ كتاب الجمل لأبي مخنف لم يصلنا ، ولعلّه فقد في العهود الماضية.

وقد استفاد الشيخ المفيد أيضاً من تأليفات أبي مخنف في أماكن أُخرى من كتابيه الجمل والإرشاد ، وذكر فيها اسمه وإن لم يذكر كتابه(2).

هذا ، وإنّ استفادة الشيخ المفيد من آثار أبي مخنف لا تقتصر على المواضع المذكورة فحسب ، فإذا طابقنا واقعة كربلاء من كتاب الإرشاد مع مدوّنات أبي مخنف نرى بوضوح أنّ الأخبار المذكورة في هذا الباب مأخوذة من كتاب مقتل الحسين لأبي مخنف ، ولا يخفى أنّ هذا الكتاب يعدّ من جملة الآثار المفقودة لأبي مخنف ، ولكن نقل بعض المؤرّخين قسماً كبيراً منه ، مثل محمّد بن جرير الطبري (المتوفّى 310 ه)(3).

هذا ، وقد استخرج أخيراً الأستاذ يوسفي الغروي الأخبار المذكورة آنفاً من تاريخ الطبري وطبعها تحت عنوان : وقعة الطفّ ، وإن كان هذا العنوان مغايراً لكتاب أبي مخنف(4) ولكنّ مواضيعه جاءت مطابقة للأخبار التي نقلها أبو مخنف. م.

ص: 156


1- رجال النجاشي : 320 ، معجم الأدباء 9 : 17 / 42.
2- انظر : الجمل : 118 ، 257 ، 416 ، 420 و 422 ، والإرشاد 1 / 17 و 2 / 7.
3- الأنساب 4 / 25 ، وفيات الأعيان 4 / 192.
4- لم يذكر أيّ من أصحاب التراجم والرجال لأبي مخنف أثراً تحت عنوان : وقعة الطف ، وإنّ الكتاب المنسوب إليه في واقعة الطف هو مقتل الحسين عليه السلام.

لقد صرّح الشيخ المفيد في أوّل أخباره عن واقعة كربلاء أنّه نقلها عن الكلبي(1) والمدائني(2)(3) ، ولايستبعد وجود كتاب أبي مخنف الذي روى عنه الكلبي عند الشيخ المفيد ، أو أنّه استفاد من كتاب مقتل الحسين(4) للكلبي حيث نقل هو الآخر أخبار واقعة كربلاء عن أبي مخنف وعوانة بن الحكم(5).

لعلّ هناك من يريد أن يجعل تاريخ الطبري من المصادر التي اعتمدها الشيخ المفيد ، ولكن إذا طابقنا بين مواضيع الإرشاد وتاريخ الطبري وأمعنّا فيها النظر نرى اختلافات عديدة بحيث نستبعد أن يكون الشيخ المفيد قد استفاد من تاريخ الطبري ، ويمكن ملاحظة ذلك واضحاً في بعض الأمثلة التي جاءت في الإرشاد ولم ترد في تاريخ الطبري ، وأيضاً بعض الروايات الواردة في الإرشاد وقد اختلفت مع ما ورد في تاريخ الطبري.

إذن لابدّ للشيخ المفيد إمّا أن يكون قد اعتمد أصل روايات أبي مخنف في الموارد التي أشرنا إليها ، أو أنّه اعتمد مصادر أُخرى مثل أخبار المدائني التي كان قد أشار إليها الشيخ أيضاً في كتابه(6). 2.

ص: 157


1- هو هشام بن محمّد الكلبي النسّابة المعروف وصاحب كتاب جمهرة النسب المتوفّى سنة 204 أو 206 ه- ، انظر : رجال النجاشي : 435 ، تاريخ بغداد 14 / 45 ، وفيات الأعيان 6 / 82.
2- هو علي بن محمّد أبو الحسن المدائني المؤرّخ الكبير المتوفّى سنة 225 ه- ، انظر تاريخ بغداد 12 / 54 ، الفهرست لابن النديم : 113.
3- الإرشاد 2 / 32.
4- الفهرست لابن النديم : 114.
5- وقعة الطف 2 / 32.
6- الإرشاد 2 / 32.

وعلى أيّة حال فإنّ بعضاً من الأخبار المذكورة نستطيع أن نراها في مواضع متعدّدة من كتاب الإرشاد(1).

ولا بأس أن نشير هنا إلى أنّ طريقة الشيخ المفيد في نقل أخبار واقعة كربلاء بشكل كلّي عبارة عن انتقاء النصوص من عدّة مصادر وخاصّة من تاريخ الطبري ومن أخبار أبي مخنف ، إلاّ أنّه استطاع أن يعرض نصّاً منسّقاً ومنسجماً مع حذف الأسانيد ، لأنّ هدفه من نقل هذه الأخبار هو تبيين وقائع كربلاء فلم يذكر الأخبار التي لم ترتبط بواقعة كربلاء ارتباطاً وثيقاً ، أو لم يكن لها دور ملحوظ على الأقلّ في الواقعة ، أو أنّه ذكرها ملخّصاً(2).

3 - كتاب الجمل : تأليف أبي عبدالله محمّد بن عمر بن واقد الواقدي المدني (المتوفّى 207 ه)(3) ، ذكر ابن النديم أنّه كان عالماً بالمغازي والسير وأخبار العرب و... وعرّفه بكثرة التصانيف ، وقال : «وكان له غلامان مملوكان يكتبان له الليل والنهار ، وقد خلّف من بعده كتباً كثيرة»(4) ، وله الكتاب المعروف بالمغازي ، وقد فقد الكثير من مؤلّفاته ، إنّ أحد كتبه الذي كان يحمل عنوان (كتاب الجمل)(5) أو (كتاب يوم الجمل)(6)لم يصلنا أيضاً ، ولكن استفاد منه الشيخ المفيد في بعض مؤلّفاته وذكره بالعبارة التالية : «كتابه الذي صنّفه في حرب البصرة» ، وفي صفحة 1392.

ص: 158


1- انظر : الإرشاد 1 : 34 ، 40 ، 41 ، 45 ، 46 ، 48 ، 50 ، 67 ، 69 ، 76 ، 99 ، 106 ، 124 و 2 : 33 ، 38 ، 39 ، 41 ، 44 ، 45 ، 46 ، 47 ، 49 ، 53.
2- الإرشاد 2 : 32 ، 33 و 34.
3- الفهرست لابن النديم : 111 ، تاريخ بغداد 3 / 20.
4- الفهرست لابن النديم : 111.
5- الفهرست لابن النديم : 111.
6- معجم الأدباء 9 : 18/282.

ذكره بعنوان «كتاب الجمل»(1).

هذا ، وقد استفاد الشيخ المفيد من أخبار الواقدي في بعض المواضع من غير أن يذكر عنواناً لكتابه ، ولا نستبعد أن يكون قد نقلها كلّها أو كثيراً منها من نفس كتاب جمل الواقدي. وعلى أيّة حال فإنّه نقل من ثلاثين صفحة تقريباً من كتاب الجمل للواقدي ، أي قرابة العشرة بالمئة من كتابه.

وقد نقل الشيخ المفيد أيضاً من الواقدي في موضعين من كتاب الإرشاد ، إلاّ أنّه لم يُشر إلى اسم كتابه ، فلو أمعنّا النظر ولاحضنا التناسب الموجود بين المواضيع المذكورة في الموضع الأوّل من الإرشاد وطابقناها مع مغازي الواقدي نجزم بأنّ الشيخ قد استفاد من هذا الكتاب ، وأمّا ما يرتبط بالموضع الثاني فمع الالتفات إلى مضمونه يمكننا القول : إنّ الشيخ قد استفاد من كتاب مقتل الحسين عليه السلام أو كتاب مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين عليه السلام(2) تأليف الواقدي الذي لم يصلنا اليوم.

وفي غير المواضع التي ذكرناها فإنّنا إذا طابقنا مواضيع الإرشاد مع المغازي فسنعثر أيضاً على مواضع أُخرى يقوى فيها احتمال استفادة الشيخ المفيد من المغازي(3).ي.

ص: 159


1- انظر : كتاب الجمل : 111 ، 113 ، 231 ، 232 ، 257 ، 273 ، 290 ، 297 ، 299 ، 302 ، 309 ، 355 ، 356 ، 357 ، 361 ، 373 ، 375 ، 376 ، 377 ، 378 ، 381 ، 402 ، 413 ، 420.
2- الفهرست لابن النديم: 112.
3- انظر الإرشاد 1 / 74 و 76 فهو مطابق مع المغازي صفحة 68 و 91 ، وصفحة 81 من الإرشاد مطابق مع صفحة 226 من المغازي وصفحة 88 من الإرشاد ومطابق مع صفحة 279 من المغازي.

4 - فضيلة المعتزلة : تأليف (الجاحظ)(1) ، وقد سبق ذكره(2).

استفاد الشيخ المفيد من هذا الكتاب وذكر اسمه في صفحة 62 من كتاب الجمل ، ولا يخفى أنّ هذا الكتاب قد فقد ولم يصل إلينا ، وفي موضع آخر ذكر الشيخ المفيد رأي الجاحظ في شأن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام(3) ، إلاّ أنّه لم يعلم من أين قد حصل على رأيه هذا ، علماً بأنّ محقّق كتاب الجمل للشيخ المفيد في هامش هذا الموضوع كان قد استفاد من رسائل الجاحظ غير هذا الرأي(4).

5 - مقتل عثمان : تأليف أبي حذيفة إسحاق بن بشر القرشي البخاري (المتوفّى 206 ه)(5) ، ولد في بلخ وأقام في بخارى وتوفّي بها ، ومن هنا فقد نسب إلى بخارى(6). ذكر أصحاب التراجم له مؤلّفات ولكن لم يذكروا لكتابه هذا عنواناً قط(7) ، ولعلّ الكتاب فقد مبكّراً ، وقد ذكره الشيخ المفيد في صفحة 137 من كتابه الجمل بالعبارة التالية : «كتابه الذي صنّفه في مقتل عثمان» ، ولا يخفى أنّه نقل من أبي حذيفة روايات أُخرى في مواضع عديدة ولكنّه لم يشر إلى ذلك(8).

6 - المنبئ : تأليف أبي الحسن عليّ بن الحسن بن فضّال الكوفي 8.

ص: 160


1- الفهرست لابن النديم : 210.
2- راجع صفحة : 154 من هذه الرسالة.
3- الجمل : 205.
4- الجمل : 205 الهامش.
5- تاريخ بغداد 6 / 328.
6- تاريخ بغداد 6 / 326 ، لسان الميزان 1 / 393 ، العبر 1 / 273.
7- تاريخ بغداد 6 / 326 ، الفهرست لابن النديم : 106.
8- انظر الجمل : 143 ، 146 ، 148 ، 185 ، 186 ، 207 ، 208.

(المتوفّى 290 ه)(1) ، وقد أثنوا عليه لسعة علمه وحسن تصانيفه(2) ، ووصفه النجاشي ب- : «فقيه أصحابنا الشيعة بالكوفة» وذكر عدداً من كتبه ولكن لم يذكر هذا الكتاب في عدادها(3) ، وقد استفاد الشيخ المفيد من هذا الكتاب في الصفحة 426 من كتاب الجمل وذكره بعنوان (الكتاب المعروف له).

7 - مقاتل الطالبيّين : تأليف أبي الفرج عليّ بن الحسين الإصفهاني (المتوفّى 356 ه)(4) ، وهو أصبهاني الأصل بغدادي المنشأ(5) وقد توفّي بها(6) ، وكان متبحّراً في كثير من العلوم والفنون ، وقد أثنوا عليه كثيراً(7) ، وقيل : «لم ير مثله في حفظ الأخبار والحديث والنسب و...»(8) ، له الكتاب المعروف بالأغاني ، ويبدو أنّه ألّفه في خمسين سنة(9) ، ونسبوا إليه كتباً كثيرة ، منها مقاتل الطالبيّين الذي ذكره ابن النديم بعنوان : مقاتل آل أبي طالب(10) ، وهو واحد من أفضل الكتب القديمة التي احتوت على ذكر من قتل من آل أبي طالب. 8.

ص: 161


1- الأعلام للزركلي 4 / 272.
2- رجال النجاشي : 257 ، رجال الطوسي : 92 ، الذريعة 1 / 63.
3- رجال النجاشي : 257.
4- وفيات الأعيان 3 / 307 ، معجم الأدباء 7 : 13 / 95.
5- وفيات الأعيان 3 / 307.
6- تاريخ بغداد 11 / 400.
7- الفهرست لابن النديم : 127 و 128 ، تاريخ بغداد 11 / 398 و 399 ، وفيات الأعيان 3 / 307.
8- تاريخ بغداد 11 / 399 ، وفيات الأعيان 3 / 307.
9- وفيات الأعيان 3 / 307 ، معجم الأدباء 7 : 13 / 98.
10- الفهرست لابن النديم : 128.

لقد استفاد الشيخ المفيد من هذا الكتاب في مؤلّفاته كما أكّد على ذلك في المجلّد الثاني من كتاب الإرشاد صفحة 19.

ولا يخفى أنّ استفادة الشيخ المفيد من آثار أبي الفرج الإصفهاني لم تكن لتقتصر على هذا الموضع فقط ، لأنّه ذكر أبا الفرج الإصفهاني أيضاً في المجلّد الثاني من كتاب الإرشاد صفحة 193 بلا إشارة منه إلى أيّ كتاب من كتبه ، إلاّ أنّنا إذا قسنا مواضيع مقاتل الطالبيّين مع مواضيع الإرشاد لتوصّلنا إلى أنّ بعضاً من أخبار الإرشاد تشبه إلى حدّ كبير لما جاء في مقاتل الطالبيّين ، ويبدو أنّها أُخذت من هذا الكتاب.

وبالإضافة إلى تلك المصادر الآنفة الذكر فهناك مصدر آخر نقل الشيخ المفيد منه مرةً واحدةً في المجلّد الأوّل من كتاب الإرشاد صفحة 37 لأبي جعفر محمّد بن عبّاس الرازي ولكن هذا الشخص وكذلك الكتاب غير معروفين ، خصوصاً وأنّ الشيخ لم يذكر اسم الكتاب الذي نقل عنه ، وعليه فإنّ معرفته باتت أمراً عسيراً.

المجموعة الثانية من المصادر التي اعتمدها الشيخ المفيد هي عبارة عن بعض مشايخه والرواة الذين أخذ منهم بعض المواضيع والمدوّنات التاريخيّة ، ونحن نشير هنا إلى أسامي هؤلاء الرواة والمواضع التي استفاد منها الشيخ المفيد :

1 - أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه (المتوفّى 369 ه)(1).

عدّه النجاشي من أجلاّء الأصحاب في الفقه والحديث ومن ثقاتهم ، 1.

ص: 162


1- رجال الطوسي : 458 ، رجال العلاّمة : 31.

وقد عرّفه بخصوصيّات متميّزة عن الخصوصيّات التي عرّفه بها الآخرون(1) ، وتلمّذ عنده الشيخ المفيد وأخذ منه علم الفقه(2) ، وذكروا له كتباً ومؤلّفات(3).

وقد نقل الشيخ المفيد منه روايات في مواضع متعدّدة من كتاب الإرشاد ، منها في المجلّد الأوّل صفحة 45 ، والمجلّد الثاني صفحة 194 - 199 (حياة الإمام الصادق عليه السلام) والصفحات 221 و 223 (حياة الإمام الكاظم عليه السلام) ، ومنها ما يرتبط بحياة الإمام الرضا عليه السلام إلى آخر الكتاب ، وقد نقل ابن قولويه هو الآخر أيضاً عن الشيخ الكليني(4). ثمّ إنّ الشيخ المفيد على أنّه لم يذكر اسماً لكتاب الكافي ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّ كتاب الكافي يعدّ من أهمّ المصادر للفصول الأخيرة من كتاب الإرشاد ، لأنّنا إذا طابقنا الروايات والمدوّنات التاريخية المنقولة من طريق الكليني نستطيع أن نتوصّل إلى أنّ هذه الأخبار جاءت مطابقة لروايات الكافي بحيث أنّها متّحدة حتّى من جهة السند.

إنّ استفادة الشيخ المفيد من روايات الكافي ابتدأت من الفصل المشتمل على حياة الإمام الصادق عليه السلام وكلّما اقتربنا من نهاية الكتاب كلّما ازدادت الروايات المستفادة من الكافي ونحن نتحرّز هنا عن ذكر الصفحات لكثرة الروايات المأخوذة من الكافي. 5.

ص: 163


1- رجال النجاشي : 123.
2- رجال العلاّمة : 31.
3- رجال الطوسي : 458 ، الفهرست : 42 ، رجال النجاشي : 123.
4- هو محمّد بن يعقوب الكليني المتوفّى سنة 229 ه- وصاحب كتاب الكافي أحد الكتب الأربعة المعتمد عليها عند الشيعة الإمامية ، انظر رجال النجاشي : 377 ، رجال الطوسي : 495.

زيادة على المواضع التي ذكرت فإنّ مواضيع الفصول الواردة قبل حياة الإمام الصادق عليه السلام جاءت مطابقة أيضاً لروايات الكافي مضموناً على أقلّ تقدير وكذلك متطابقة في بعض العبائر ولكن لا نستطيع الجزم بأنّ الشيخ المفيد قد استفاد من الكافي في نقلها.

2 - أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى العلوي (المتوفّى 358 ه)(1) المعروف ب- : (ابن أخي طاهر)(2) ، نقل الشيخ المفيد عنه روايات ، ويحتمل أنّه نقلها من جدّه يحيى بن الحسن العلوي(3) ، وجدّه هذا هو صاحب كتاب نسب آل أبي طالب(4) أو أنساب آل آبي طالب(5) ، وقد ذكر البعض أنّ ابن أخي طاهر هو صاحب كتاب النسب(6) ، لكن يبدو أنّ ذلك غير صحيح ، لأنّ النجاشي لم يذكر هذا الكتاب في عداد كتبه.

وعلى أيّ حال فقد ذكر الشيخ المفيد روايات أخذها منه(7) ، وربّما نقلها هو نفسه من كتاب جدّه نسب آل أبي طالب.

3 - أبو الحسن عليّ بن بلال المهلّبي ، ذكره النجاشي بعنوان «شيخ أصحابنا بالبصرة» ، وبعد تأييد وثاقته ذكر عدداً من كتبه ، منها كتاب البيان عن خيرة الرحمن في إيمان أبي طالب وآباء النبيّ (صلى الله عليه وآله)(8) ، وقد ذكر الشيخ 5.

ص: 164


1- رجال النجاشي: 64، تاريخ بغداد 7 / 421، ميزان الاعتدال 1 / 521.
2- رجال النجاشي : 64 ، تاريخ بغداد 7 / 421.
3- رجال النجاشي 64 / 442.
4- رجال النجاشي : 442 ، الفهرست : 179 ، الذريعة 24 / 135.
5- الذريعة 2 / 378.
6- رجال الطوسي : 465 ، تاريخ بغداد 7 / 421 ، رجال ابن داود : 239.
7- انظر الإرشاد 2 : 140 ، 141 ، 143 ، 144 ، 145 ، 146 ، 148 ، 149 ، 150 ، 151 ، 160 ، 161 ، 162 ، 163 ، 166 ، 171 ، 232 ، 233 ، 245 ، 260.
8- رجال النجاشي : 265.

الطوسي له كتاب الغدير أيضاً(1).

وفي المجلّد الثاني صفحة 370 من كتاب الإرشاد ذكرت له روايات يرجع سندها إلى الفضل بن شاذان وحيث إنّ الفضل له كتاب القائم عليه السلام وكتاب الملاحم(2) فمن الممكن أن تكون روايات هذا الفصل إلى آخر الكتاب - فيما نقل عن الفضل - قد أخذت من هذين الكتابين ، ولا يخفى أنّ الشيخ المفيد قد أتى بمواضيع أُخرى من المهلّبي أيضاً في كتابه الفصول المختارة(3).

4 - أبو حفص عمر بن محمّد الصيرفي : نقلت منه روايات في المجلّد الأوّل من كتاب الإرشاد صفحة 30 و 31.

5 - أبو الحسن محمّد بن جعفر التميمي النحوي (المتوفّى 402 ه)(4) المعروف ب- : (ابن النجّار)(5) ، وقد عدّوه عالماً بأنساب العرب ومعرفة الحديث(6) ، ويظهر أنّه كان عالماً بالتاريخ أيضاً(7) ، وعدّوا له كتباً(8) ، ونقل الشيخ المفيد عنه رواية في المجلّد الأوّل من كتاب الإرشاد صفحة 33.

6 - أبو نصر محمّد بن الحسين المقري البصير السيرواني ، نقل عنه 4.

ص: 165


1- الفهرست : 96.
2- رجال النجاشي : 307.
3- الفصول المختارة : 167 - 182.
4- تاريخ بغداد 2 / 159، المنتظم 15 / 88.
5- تاريخ بغداد 2 / 158 ، المنتظم 15 / 88 ، معجم الأدباء 9 : 18 / 103.
6- رجال النجاشي : 394 ، الأعلام للزركلي 6 / 71.
7- رجال النجاشي : 394.
8- رجال النجاشي : 394 ، معجم الأدباء 9 : 18 / 104.

الشيخ المفيد رواية في المجلّد الأوّل من كتاب الإرشاد صفحة 31.

7 - أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي (المتوفّى 355 ه) ، ذكروه بعنوان (القاضي) و (الحافظ) وعدّوه من كبار أهل العلم ، وذكروا أنّه شيعيّ المذهب(1) ، وكانت له تأليفات كثيرة. والظاهر أنّه أوصى آخر أيّام عمره بإحراق جميع كتبه(2) ، ولكن مع هذا فقد ذكروا له كتباً ، منها كتاب من روى حديث غدير خم(3).

وقد نقل الشيخ المفيد في المجلّد الأوّل من الإرشاد صفحة 33 و 39 عنه روايات وبما أنّه له كتباً في التاريخ بعنوان أخبار آل أبي طالب وكتاب أخبار عليّ بن الحسين عليهما السلام(4) فيحتمل أن تكون مصدراً لبعض تلك الروايات.

8 - أبو عبيدالله محمّد بن عمران المرزباني (المتوفّى 384 ه)(5) ، ذكروه بأنّه راو صادق اللهجة واسع المعرفة بالروايات كثير السماع(6) ، وقد عدّوا له كتباً كثيرة(7) ، منها كتاب الفرج(8) ، وذكروا أنّ طريقته في تأليف آثاره أحسن من الجاحظ(9).5.

ص: 166


1- تاريخ بغداد 3 / 26 و 30 و 31 ، ميزان الاعتدال 3 / 670 و 671 ، رجال النجاشي : 394.
2- تاريخ بغداد 3 / 31 ، ميزان الاعتدال 3 / 670 و 671.
3- رجال النجاشي : 395 ، الفهرست : 151.
4- رجال النجاشي : 395.
5- الفهرست لابن النديم : 146 ، تاريخ بغداد 3 / 136 ، ميزان الاعتدال 3 : 673.
6- الفهرست لابن النديم : 146 ، معجم الأدباء 9 : 18 / 268.
7- تاريخ بغداد 3 / 135 ، ميزان الاعتدال 3 / 673.
8- الفهرست لابن النديم : 148 ، معجم الأدباء 9 : 18 / 270.
9- معجم الأدباء 9 : 18 / 270 ، تاريخ بغداد 3 / 135.

وقد نقل الشيخ المفيد منه روايات في المجلّد الأوّل من الإرشاد في الصفحات 32 ، 40 ، 41 و 43.

9 - أبو الحسين محمّد بن مظفّر البزّاز (المتوفّى 379 ه)(1) ، ذكروه بعنوان محدّث العراق في عصره ، أصله من سامرّاء ومولده ووفاته في بغداد ، وله بعض المؤلّفات(2).

ونقل الشيخ المفيد منه روايات في أوّل الإرشاد في الصفحات 34 ، 36 و 40.

10 - أبو الجيش محمّد بن مظفّر البلخي (المتوفّى 367 ه)(3) ، متكلّم ، وباحث ومناظر(4) ، وإنّ الكتاب الذي نسبوه له بعنوان (مجالسه مع المخالفين في معان مختلفة)(5) لابدّ وأن يكون مشتملا على مناظراته. ومن مؤلّفاته الأُخرى : كتاب فدك والنكت والأغراض في الإمامة(6).

وقد نقل الشيخ المفيد منه روايات(7) لعلّه أخذها من كتاب النكت والأغراض(8).

ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الصفحات المذكورة والأخبار التي نقل د.

ص: 167


1- تاريخ بغداد 3 / 262 ، لسان الميزان 5 / 434 ، الأعلام للزركلي 7 / 104.
2- الأعلام للزركلي 7 / 104.
3- رجال النجاشي : 422 ، الأعلام للزركلي 7 / 257.
4- الأعلام للزركلي 7 / 257.
5- رجال النجاشي : 422.
6- رجال النجاشي : 422.
7- انظر الإرشاد 1 : 29 ، 43 ، 44 ، 45 ، 47.
8- لقد أُعدّت بعض مواضيع هذا الفصل بالاستفادة من كتابات المحقّق السيّد محمّد جواد الشبيري والتي لم تنشر بعد.

منها الشيخ المفيد من الآخرين كان قد تمّ في بعضها نقل روايتين أو أكثر لراو واحد ، ونحن اكتفينا بالإشارة إلى صفحاتها فقط.

المجموعة الثالثة من مصادر الشيخ المفيد هي عبارة عن مواضع أسند فيها الشيخ الروايات والمباحث التاريخية بشكل عام وكلّي إلى عدد من الرواة والمؤرّخين وأصحاب السير ، وهذا يعني أنّه حتّى لو صرّح بأسمائهم في موضع من المواضع فإنّنا لا نستطيع من خلال ذلك تحديد المصدر الذي اعتمده فيه ، لأنّ مجرّد ذكر اسماء الأشخاص لا يمكن من خلاله تحديد الكتاب الذي اعتمده لذلك الشخص ، مضافاً إلى أنّه قد يكون استفاد من كتب الآخرين الذين نقلوا بدورهم عن ذلك الشخص ، ومثال ذلك ما ذكره في كتاب الإرشاد حيث قال : «ما رواه جماعة من أهل السير منهم أبو مخنف لوط بن يحيى وإسماعيل بن راشد وأبو هشام الرفاعي وأبو عمر الثقفي وغيرهم ...»(1).

هذا ، ولكن لا يخفى أنّنا إذا طابقنا الروايات والمدوّنات التاريخية للشيخ المفيد في بعض المواضع مع المصادر القديمة نستطيع أن نتوصّل إلى حدٍّ ما إلى معرفة المصادر التي اعتمدها الشيخ المفيد ، وذلك مثل أخبار بعض غزوات رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي لها شبه كبير بمغازي الواقدي أو نحوه من المصادر مثل تاريخ الطبري ، وهنا أيضاً فإنّنا لا نحصل إلاّ على الظنّ والاحتمال وإن اختلف الظن والاحتمال قوّة وضعفاً من موضع إلى آخر إلاّ أنّه لا يمكن التعويل عليه ، وحتّى إذا كان الشيخ المفيد قد أشار إلى بعض 7.

ص: 168


1- الإرشاد 1 / 17.

المصادر في أوّل أبحاثه فإنّنا نستطيع أن نصل إلى حدٍّ ما من الاطمئنان ليس أكثر ، كما في الوقائع المرتبطة بكربلاء ، فإنّ الشيخ المفيد قال في أوّل ذلك الفصل : «فمن مختصر الأخبار ... ما رواه الكلبي والمدائني ...»(1).

فبهذه العبارة يتّضح لنا أنّ الشيخ المفيد نقل الأخبار في هذا الفصل من الكلبي والمدائني ، ثمّ إنّ الكلبي هو الآخر أيضاً نقل أخباره في هذا الفصل خاصّة من أبي مخنف وعوانة بن الحكم(2) ، ولكنّ المهمّ هنا هو أنّ الإشارات الصادرة من الشيخ المفيد في آثاره لم تكن كثيرة جدّاً بحيث نستطيع أن نتوصّل من خلالها إلى المصادر التي اعتمدها ، فمن هنا يصعب علينا معرفة المصدر الذي استفاده الشيخ في الفصول التي لم يرد فيها ذكر لأيّ مصدر لرواياته. 9.

ص: 169


1- الإرشاد 2 / 32.
2- وقعة الطف : 9.

الفصل الثالث

الخصوصيّات التي امتاز بها الشيخ المفيد رحمه الله

في كتابته للتاريخ :

ألف - أمانة الشيخ المفيد رحمه الله في نقل الأحداث والأخبار التاريخية :

إنّ من أبرز ما امتاز به الشيخ المفيد في مؤلّفاته هو الأمانة في نقل الأقوال والأخبار التاريخيّة ، فإنّه بالرغم من احترامه البالغ وتقديسه للأئمّة المعصومين عليهم السلام إلاّ أنّه عندما ينقل من أقوال الأشخاص في المواضع التي يأتي بها شاهداً لما يدّعيه أو استدلالا على شيء فإنّه يسعى لأن يبيّن تلك الأقوال بنفس العبارة التي صدرت منهم حتّى إذا كان ذلك القول لا يليق بشأن الأئمّة عليهم السلام ، ومثال ذلك خطبة عبدالله بن الزبير في ابتداء حرب الجمل ، فإنّه من أجل أن يحرّض الناس على حرب الإمام عليّ عليه السلام خطب فيهم خطبة كلّها تهم وتطاول على شخصية الإمام علي عليه السلام ، ولكن الشيخ المفيد نقل تلك الخطبة كما هي حفظاً للأمانة(1).

وفي موضع آخر ذكر رأي الجاحظ في عليّ عليه السلام وارتباطه بمقتل عثمان وكان كلامه يحمل العديد من العبارات النابية في شأن الإمام عليه السلام 6.

ص: 170


1- الجمل : 326.

ولكن الشيخ نقل ذلك الكلام بكلّ دقة وأمانة(1).

وفي موضع آخر نقل خطبة عبيدالله بن زياد التي ألقاها على أهل الكوفة ووجّه من خلالها كلمات نابية وخارجة عن نطاق الأدب لمسلم بن عقيل عليه السلام ، نقلها برمّتها وبدون أي تغيير فيها(2).

علماً بأنّه هناك الكثير من هذا القبيل في آثار الشيخ المفيد ، ولكن مراعاة للاختصار اقتصرنا على ذكر البعض منها كإنموذج.

ب - مراعاته للاعتدال والإنصاف في نقل الأحداث :

إذا كان التحيّز والتعصّب الأعمى - وخاصّة مع الإفراط فيه - يعدّ عيباً ونقصاً للمؤلّفين والعلماء - كما عدّه ابن خلدون أحد أسباب انحراف المؤرخين(3) - فلا شكّ أنّ ما يقابله من المحافظة على الاعتدال والإنصاف يكون فضيلة ، وهذه الخصوصيّة نراها واضحة في النشاطات العلمية والاجتماعية للشيخ المفيد - وخاصّة في رسائله ومؤلّفاته - حيث كان مقيّداً بذلك. وبالرغم من أنّ نشاطات الشيخ المفيد كانت تدور حول إثبات إمامة الأئمّة المعصومين عليهم السلام وأحقّيتهم إلاّ أنّه لم يقع أبداً في شراك التعصّب المفرط في إبراز محبّته لأئمّة آل البيت عليهم السلام ، حتّى أنّه كثيراً ما كان ينتقد ويخالف من أفرط في هذا المجال ممّن تجاوز الحدّ في إبراز محبّته للأئمّة عليهم السلام فأثبت لهم مقامات ودرجات فيها نوع من الغلوّ وهم من ينطبق عليهم اصطلاحاً اسم الغلاة(4) ولعلّ هذا هو أيضاً أحد الأسباب التي جعلت 7.

ص: 171


1- الجمل : 205.
2- الإرشاد 2 : 56.
3- (انديشه واقع گراي ابن خلدون) : 107.
4- تصحيح الاعتقاد : 131 ، أوائل المقالات : 67.

الشيخ المفيد يخصّص قسماً من تأليفاته في موضوع الغلوّ والغلاة وآرائهم(1).

وربّما يريد البعض أن يتّهم الشيخ المفيد بالغلوّ من أجل بعض آرائه ، مثل تفضيل الأئمّة عليهم السلام(2) على الأنبياء سوى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، أو ما ذكره من أنّ الأئمّة عليهم السلام قائمون مقام الأنبياء في تعليم الناس وتأديبهم(3) ، أو غير ذلك من آراء أُخرى ، إلاّ أنّه اتهام واه نظراً لما أبداه من الأدلّة القاطعة في إثبات آرائه ، مضافاً إلى ذلك فإنّا نراه في مواضع أُخرى يفرّ من الغلوّ والمبالغة في شأن الأئمّة المعصومين عليهم السلام بشكل حتّى أنّه ذكر الغلاة بعنوان الجهلة والكفرة(4) ، كما ذكر أنّهم لا بصر لهم بمعاني الأشياء ولا بحقيقة الكلام ، ذلك لما يعتقدونه من وجود ذوات الأئمّة المعصومين عليهم السلام قبل خلق آدم عليه السلام وما شابه ذلك من الاعتقادات(5).

من جهة أُخرى فإنّ رسائله تعدّ خير شاهد على عدم صحّة هذا الاتهام ، لأنّ آراءه في بعض الأحيان تكون مغايرة حتّى لبعض علماء الشيعة من ذلك ما ارتآه في مسألة استشهاد الأئمّة عليهم السلام أو موضوع علم الإمام عليه السلام.

إنّ مراعاة الإنصاف عند الشيخ المفيد كانت محلّ اهتمامه ، ونراها واضحة في جميع رسائله وتأليفاته ، وقد أكّد على مراعاة الإنصاف في عدّة 8.

ص: 172


1- تصحيح الاعتقاد : 131 - 136.
2- أوائل المقالات : 70.
3- أوائل المقالات : 65.
4- تصحيح الاعتقاد : 131.
5- المسائل العكبرية : 28.

مواضع ، وبإمكاننا أن نشير إلى بعضها :

فقد تطرّق الشيخ إلى ذكر أسباب وقوع حرب الجمل ومساعي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام لدرء وقوع هذه الحرب ، وبعدما نقل الأحداث التي أدّت إلى حرب الجمل قال :

«وهذا باب لا يحسن مكالمة الخصوم فيه إلاّ مع الإنصاف والإطلاع على ما جاءت به الأخبار ...»(1).

ولمّا ذكر الأسباب التي ألّبت الناس على عثمان استفاد من روايات أهل السنّة مؤكّداً على أنّه نقلها من راو ينتسب إلى أهل السنّة ومخالف للشيعة(2).

ولمّا استفاد من الأخبار التاريخية في نقض طلحة والزبير بيعتهما ومراوغتهما في خروجهما إلى مكّة بذريعة أنّهما يقصدان العمرة أكّد أثناء إثباته لهذا الموضوع على أنّ من نظر إلى الأخبار التاريخية بإنصاف وإمعان فإنّه سيصل إلى نفس النتائج التي توصّل إليها(3).

وإنّ أفضل دليل على مراعاته للانصاف هو انتخابه للروايات ، فإنّه استفاد من روايات أهل السنة لإثبات آرائه في العديد من المواضع مع التفاته لأهمّيّة هذا الموضوع ، ولذلك نراه قد أكّد في بعض المواضع قائلا : «فهذه الأخبار جملة مختصرة صحيحة في مقتل طلحة بن عبدالله طريقها من العامّة من أوضح طريق وسندها أصحّ الأسانيد ...»(4).6.

ص: 173


1- الجمل : 136.
2- الجمل : 137.
3- الجمل : 168.
4- الجمل : 386.

وكذلك بعد ما أتمّ الأبحاث الأصلية لكتاب الجمل قال : «فهذه جملة من أخبار البصرة وسبب فتنتها ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها قد أوردناها على سبيل الاختصار وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامّة دون الخاصّة ولم نثبت في ذلك ما روته الشيعة في إنكاره ...»(1).

وبالرغم من تصريح الشيخ المفيد على أنّه قد أخذ الروايات من أهل السنّة في بعض المواضع ولكنّ الذي يظهر من نقله هو أنّ أكثر مدوّنات هذا الكتاب معتمدة على روايات أهل السنّة وليس البعض منها.

ج - المنهج العقلي في آثار الشيخ المفيد رحمه الله :

لقد عرّف العقل بعنوان الدليل والحجّة الباطنية للإنسان ، ولكنّنا إذا درسنا الآثار العلمية للعلماء الإسلاميّين فسوف نستنتج أنّ العقل لم يحظ على مكانة محدّدة ومعيّنة في نظر الجميع وخاصّة في نظر علماء الدين ، ونظراً إلى ذلك فإنّ الاستفادة من العقل وتأثيره في حلّ الأمور وتحليل الأحداث أيضاً لم يكن على مستوىً واحد ، وإنّ هذا الاختلاف في مقدار الاستفادة من العقل نراه مشهوداً ليس فقط بين علماء جيل وجيل بل يختلف بين علماء الجيل الواحد كذلك ، أو حتّى بين تلميذين لأستاذ واحد ، بل بين تلميذ وأُستاذه.

وعلى سبيل المثال فإنّ الشيخ الصدوق - أحد أساتذة الشيخ المفيد - كان مقيّداً بالأخبار والآثار ولا يعير للعقل أهمّية في الاستفادة من هذه الآثار ، ولكنّ الشيخ المفيد كان يرى للعقل دوراً كبيراً في معرفة الإنسان 3.

ص: 174


1- الجمل : 423.

وفي ما يمكن أن يستخلصه من هذه الآثار والأخبار ، وإنّ هذا التوجّه منه لدور العقل لا نراه في آثاره الكلامية فحسب بل حتّى في الكثير من رسائله الأُخرى وبشكل واضح ، فإنّ الكثير من آرائه مبتن أساساً على قاعدة قبول العقل وعدمه ، ومن ثمّ فقد أدان الشيخ بشدّة أهل الحديث لعدم تعقّلهم وتدبّرهم في الروايات ، وحتّى أنّه انتقد أُستاذه الشيخ الصدوق من أجل اتّباعه لهذه الطريقة ، ولذلك نراه قد رفض الكثير من المعتقدات لأنّها غير معقولة ، مثل القول باللوح والقلم أنّهما ملكان(1) ، والنزول الدفعي للقرآن(2) ، وموضوع تحابط الأعمال(3) وهذا ما تعتقده الحشوية(4) ، وموضوع اتّحاد الأقانيم عند المسيحيّين(5) ، وغير ذلك من المعتقدات الأُخرى.

لكن لا يخفى أنّ الشيخ المفيد كثيراً ما كان يتعرّض إلى الأُمور غير العقلية كما في الأسانيد والرجال عند تناوله للأخبار والأحاديث ، إلاّ أنّ جلّ اهتمامه نراه منصبّاً على الجانب العقلي في دراسته لهما ، إذ إنّه بمجرّد تأكّده من كون تلك الأحاديث منسجمة مع الأُصول العقلية يتناولها من الجهات 3.

ص: 175


1- تصحيح الاعتقاد : 102.
2- تصحيح الاعتقاد : 102.
3- تصحيح الاعتقاد : 93.
4- الحشوية لقب أطلقه بعض علماء الكلام كالمعتزلة على أصحاب الحديث. وفيه نوع من التحقير لهم لأنّهم غالباً ما كانوا يعتقدون بالتجسيم والتشبيه لذات الله تبارك وتعالى كما غلب عليهم هذا اللقب أيضاً لأنّهم كانوا يحشّون كلامهم بأحاديث لا أصل لها نسبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم القائلون بالجبر والتشبيه ، انظر : فرهنگ فرق إسلامي : ص 159.
5- تصحيح الاعتقاد : 93.

الأُخرى ، ولذلك نراه قد صرّح قاطعاً بقوله : «إن وجدنا حديثاً يخالف أحكام العقول أطرحناه لقضية العقل بفساده»(1).

إنّ ممّا يلفت النظر هو أنّ الشيخ المفيد يرى أنّ اُسس نظريّاته وآرائه من الاُصول التي لا جدال فيها ومن الاُمور المسلّم بها ، فقد بُرّر تركه للعمل ببعض الروايات مستنداً إلى حَكميّة القرآن وإجماع الأئمّة عليهم السلام(2) ، وقد اعتمد على حَكميّة العقل بشكل حتّى عدّه إلى جانب القرآن ميزاناً لتعيين الصحيح وغير الصحيح من الأحاديث(3).

وإنّ من المدهش حقّاً أنّ البعض - وبالرغم من وضوح أهمّية دور العقل عند الشيخ المفيد - نراهم يحاولون ومن خلال الاستفادة من بعض النصوص من كلام الشيخ تضييق نطاق حدود دائرة الاستفادة من العقل عنده ويحاولون إيهام الآخرين بأنّ الشيخ لا يبدي أهمّية للعقل وأنّه يعتقد بأنّ العقل لا مدخلية له إلاّ في فهم النصوص الشرعية ولا يمكن اعتباره دليلاً إلى جانب القرآن والسنّة(4)! في حين أنّ عبارات الشيخ تؤكّد على أنّ للعقل دوراً متميّزاً على خلاف ما ادّعوه ، حيث إنّنا نراه في باب الخاصّ والعامّ - في أدلّة استنباط الأحكام الشرعية - يقول : «كما أنّ القرآن مخصّص للعمومات كذلك العقل فإنّه مخصّص للعمومات إلى جانب القرآن»(5).

ولا يخفى أنّ للشيخ دليلاً على ما منحه للعقل من دور واسع ، فإنّ 3.

ص: 176


1- تصحيح الاعتقاد : 149.
2- تصحيح الاعتقاد : 149.
3- تصحيح الاعتقاد : 146.
4- مبادي فقه وأصول : 43.
5- كنز الفوائد 2 / 23.

سبب قبوله لدليل العقل على هذا النحو هو أنّه يلزم منه العلم والعمل ، كما أنّ عدم قبوله لحجّيّة خبر الواحد لأنّه في رأي الشيخ لا يلزم منه العلم والعمل(1) ، ولأجل ذلك فإنّه لا يعدّ خبر الواحد حجّةً إلاّ إذا أيّد بأحد هذه العوامل الثلاثة ، وهي : الدليل العقلي ، العرف ، الإجماع بلا مخالف(2) ، وإنّ من الملفت للنظر هو أنّ الشيخ المفيد وبالرغم من كلّ ما أبداه من مخالفته لحجّية خبر الواحد حتّى وصل به الأمر إلى انتقاد استاذه الشيخ الصدوق فيها إلاّ أنّه كان يقبل خبر الواحد إذا كان مؤيّداً بالعقل(3).

لقد مضى الشيخ المفيد في استفادته من العقل إلى حدٍّ بحيث كان يرى أنّ حكم العقل هو المرجع الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في غيبة الإمام الحجّة عليه السلام وعدم توفّر النصّ الشرعي لعدم تمكّن الشيعة من الوصول إلى الإمام المعصوم(4) ، كما كان يعدّ العقل حكماً مؤثراً أيضاً في اختلافات أصحاب الدعاوى(5) ، كما أنّه كان يرى العقل دليلاً أيضاً في أصل الإمامة(6).

وبناءً على هذا فإنّ الشيخ تمسّك بدليل العقل في إثبات الكثير من آرائه كما في المواضيع التالية : ثواب الأعمال وعقابها ، اختصاص الخلود في النار بالكفّار(7) ، بطلان حبط عمل الإنسان(8) ، من المواضيع الأُخرى6.

ص: 177


1- كنز الفوائد 2 / 23.
2- كنز الفوائد 2 / 29.
3- كنز الفوائد 2 / 29.
4- الرسالة الأولى في الغيبة : 14.
5- الرسالة الأولى في الغيبة : 14.
6- الفصول العشرة في الغيبة : 42.
7- تصحيح الاعتقاد : 97.
8- المسائل السروية : 216.

المتعدّدة بحيث إذا أردنا أن نذكرها يمكن أن تكون بنفسها كتاباً(1).

إنّ لدور العقل أهمّيّة بالغةً في رأي الشيخ المفيد بحيث لم يكتف بذكر إشاراته في العقل التي أوردها بشكل متناثر في رسائله حتّى ألّف كتاباً مستقلاًّ في ذلك تحت عنوان : قضيّة العقل على الأفعال(2).

د - تأثير الأُصول العقائدية على كتابة التاريخ عند الشيخ المفيد رحمه الله :

من الأُمور الشائعة بين المفكّرين وطلاّب العلوم وخاصّة أصحاب القلم هو أنّ الآثار العلمية للعلماء وخصوصاً المؤلّفين منهم ناشئة من الاعتقادات والأهداف والعوامل التي تحدّد نوع الارتباط القائم بين المؤلّفين ومؤلّفاتهم لأنّها تترك بصماتها واضحة على تلك المؤلّفات ، وهذا النوع من الارتباط هو الذي يساعدنا في التوصّل من خلال المؤلّفات إلى الاعتقادات والأهداف الواضحة والخفية لكثير من المؤلّفين حتّى لو لم يشر المؤلّف إلى هذه الاعتقادات ، ومن الطبيعي أنّ أحد العوامل المؤثّرة على فكر وقلم المؤلّف هو تضلّعه في مختلف العلوم والفنون ، وخاصّة تضلّعه وتبحّره في زوايا وخفايا تلك العلوم ، ولا نستثني الشيخ المفيد أيضاً من هذا القانون بصفته مفكّرو مطّلع وعالم ومتبحّر ، ونظراً إلى مهارته وتخصّصه في الكثير من العلوم فيبدو من الطبيعي جدّاً أن تتأثّر أقواله وتأليفاته بهذا العلم أو ذاك.

ومن هذا فإنّنا إذا طالعنا وحقّقنا آثار الشيخ المفيد فإنّنا نستطيع أن 5.

ص: 178


1- انظر الإرشاد 1 : 61 ، 64 ، 66 ، 149 ، 155 ، 158 ؛ الجمل : 142.
2- رجال النجاشي : 401 ، الذريعة 17 / 155.

نتوصّل بسهولة إلى أنّه رحمه الله كان متخصّصاً في علوم شتّى ، مثل الكلام والفقه والأُصول والرجال والأدب و... ، ولكنّ علم الكلام كان له السهم الأوفر في تعيين مسار آرائه ونظريّاته.

إنّ أكثر نشاطاته العلمية في الواقع تدور حول المواضيع الكلامية وبالأخصّ الاعتقادات الشيعية ، ومن هنا فإنّه حتّى في انتخابه وبيانه لبعض الموضوعات الفقهيّة نراه لم يغفل عن الجانب الاعتقادي فيها ، فعلى سبيل المثال نراه قد كتب في المواضيع الفقهية التي هي موضع للخلاف بين الشيعة وغيرهم من المذاهب كموضوع المتعة أو وجوب المسح على الرجلين.

وأمّا المؤلّفات التاريخية للشيخ المفيد فقد تأثّرت بعلم الكلام أكثر من غيرها من التأليفات ، ونستطيع أن نقول جازمين : إنّ جُلَّ مؤلّفاته التاريخيّة لها طابع كلامي حتّى لو لم يظهر ذلك بصورة واضحة إذ نستطيع أن نقول : إنّ هدفه الأساسي من انتخاب وعرض الأخبار التاريخية هو إثبات الاعتقادات الشيعية أو الدفاع عنها وخاصّة في مجال الأبحاث المرتبطة بالإمامة وحقّ الأئمّة عليهم السلام وذلك بأُسلوب منطقيٍّ واستدلاليٍّ متقن ، ومن الملفت أنّه لم يستدلّ بأحاديث الشيعة فحسب من أجل إثبات آرائه - وخاصّة في مجال المواضيع المذكورة - بل استند إلى روايات أهل السنّة أيضاً إن كان بما يرتبط بتلك المواضيع أو بما يرتبط بالكثير من غيرها.

وعلاوة على ذلك فإنّنا نستطيع أن نلمس بوضوح تأثير علم الكلام على المدوّنات التاريخيّة للشيخ المفيد وذلك من خلال انتخابه للمواضيع أو لأسامي بعض المؤلّفات ، حيث يمكن الإشارة هنا إلى المواضيع التالية :

ص: 179

إيمان أبي طالب(1) ، النصرة لسيّد العترة في حرب البصرة(2) ، رسالة في معنى المولى(3) ، إذ تبحث هذه الرسالة الأخيرة في حديث غدير خمّ الشريف حيث قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ...».

ونادراً ما يوجد للشيخ المفيد بحث مرتبط بموضوع تاريخي يكون خارجاً عن دائرة تأثير علم الكلام ، مثل كتابه مسارّ الشيعة(4) وكتاب المزار(5) ، حيث يعود عدم تأثير علم الكلام فيهما إلى عدم تأثّر مواضيع هذه الكتب بالعلوم الأُخرى ، فمثلاً موضوع مسارّ الشيعة في الواقع يشتمل على تقويم للتاريخ ، لأنّه اقتصر على ذكر تاريخ الأحداث - وفي بعض الأحيان يقوم بمطابقة بعض التواريخ مع بعضها الآخر ، فمن الطبيعي جدّاً أنّه ليس فقط علم الكلام هو الوحيد الذي لم يكن له تأثير على مثل هذه المواضيع بل حتّى سائر العلوم الأُخرى أيضاً لم يكن لها أي تأثير عليها ، لأنّ زمان تاريخ وقوع الحوادث لا يتأثّر بأيِّ علم أو أيِّ غاية إذ لا يمكن تغييره أو محوه من التقويم ، ففي الواقع إنّ العلوم والغايات والعوامل الأُخرى لا تأثير لها على زمان وقوع الحوادث بعد وقوعها ؛ وكذا الكلام في كتاب المزار فإنّه لم يتأثّر بشيء من العلوم. 5.

ص: 180


1- مصنّفات الشيخ المفيد : 1.
2- مصنّفات الشيخ المفيد : 8.
3- مصنّفات الشيخ المفيد : 10.
4- مصنّفات الشيخ المفيد : 7.
5- ذكر هذا الكتاب آداب الزيارة وكثيراً من الزيارات الواردة في رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين عليهم السلام ، انظر مصنّفات الشيخ المفيد : 5.

ولا يخفى أنّنا لم نتطرّق هنا إلى أسباب التحريف في التاريخ أصلا ، إذ إنّه بحث مستقلّ وعلى حِدَة.

ه- - التّقية وكتابة التأريخ عند الشيخ المفيد رحمه الله :

إنّ من المواضيع التي لابدّ أن تبحث عند دراسة كتابة التاريخ عند الشيخ المفيد هو موضوع التّقية ، حيث يمكن تناول هذا الموضوع من جهتين :

الأُولى : لابدّ أن نرى في بادئ الأمر ما هو رأي الشيخ المفيد إبتداءً في التقية؟ وأيّ منزلة نزّلها في أبحاثه؟ وما هي الطريقة والأسلوب الذي اتّبعه في طرحه لها؟

الثانية : لابدّ أن نرى من خلال قرائتنا لنشاطات الشيخ المفيد العلمية والاجتماعية كيف كان يتعامل مع موضوع التقية؟ وإلى أيّ حدٍّ كان ملتزماً في مراعاته للعمل بالتقية؟.

الذي يبدو لنا في ما يخصّ الجهة الاُولى هو أنّ الشيخ المفيد وإن لم يخصّص في مؤلّفاته حيّزاً كبيراً لهذا الموضوع ، ولكنّ هذا المقدار في كتاباته يعطينا صورة واضحة عن هذا الموضوع ، فإنّه خلافاً لبعض العلماء الذين اقتصروا على بعض المصاديق وتطرّقوا إلى ذكر بعض من أحكام التقية مثل الشيخ الصدوق(1) ، فقد عرض الشيخ المفيد في بادئ الأمر تعريفاً كاملاً عن التقيّة(2) ، بحيث نستطيع أن نقول إنّ تعريفه أكمل بنحو ما 7.

ص: 181


1- الاعتقادات : 107 و 108.
2- تصحيح الاعتقادات : 137.

من التعاريف التي قدّمها سائر العلماء من بعده(1) ، وبعد ذلك تناول الأحكام الخمسة للتقية وهي : الوجوب ، الحرمة ، الإباحة ، الاستحباب ، الكراهة(2) - كما فعل ذلك بعض العلماء أيضاً - ففي الوقت نفسه لم يجوّز التقية فيما إذا كانت تؤدّي إلى قتل المؤمن أو يعلم أو يحتمل أنّها ستكون سبباً لتمهيد الفساد في الدين(3) ، ولا يخفى أنّ عدم الجواز هذا نراه واضحاً في كثير من الروايات(4).

بناءً على هذا فإنّ التقية في رأي الشيخ المفيد هي عبارة عن تدبير مناسب لدفع الضرر الديني والدنيوي وحركة مهمّة لابدّ منها.

ولا يخفى أنّ الشيخ المفيد كسائر الفقهاء أعدّ للتقيّة مجالات متعدّدة فقهية وسياسية واجتماعية وتقسيمات عرفت بها التقية بالتقية المداراتية وأمثالها(5) ، كلّ ذلك من أجل تحقيق وتبيين معنى التقية ، وقد اكتفينا بهذا المقدار لأنّا لسنا بصدد شرح هذا الموضوع الواسع في رسالتنا هذه ، ولذا نوكل من أحبّ أن يطّلع على هذا الموضوع إلى الكتب المؤلّفة في هذا المجال(6).

أمّا الجهة الثانية - مراعاة الشيخ المفيد للتقية - فلابدّ لنا أن نقول : إنّه ة.

ص: 182


1- رسالة التقية : 128. نشرت هذه الرسالة في المجلّد الثالث والعشرين من مجموعة كتبه التي طبعت من قبل مؤتمر الشيخ الأنصاري في قم.
2- أوائل المقالات : 127.
3- أوائل المقالات : 127.
4- من أجل الاطلاع انظر : وسائل الشيعة الباب 31 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5- أوائل المقالات : 118.
6- من أجل الاطلاع أكثر انظر : رسالة التقية.

كان مقيّداً بمراعاة التقية دائماً سواء في نشاطاته العلمية والاجتماعية التي حصل أكثرها عن طريق انعقاد مجالس البحث والمناظرة أو في كتابة رسائله ومؤلّفاته.

وبالرغم من أنّ الشيخ المفيد لم يقصّر في تبيين الحقائق أبداً - حيث طرح أُصول عقائد الشيعة بأحسن وجه بعد أن كانت مبهمة وغير واضحة آنذاك عند الناس وخاصّة في بغداد - ولكن تبيين هذه العقائد لم يكن بطريقة يستطيع من خلالها المخالفون أن يتّخذونها ذريعةً لهم في النيل من عقائد الشيعة.

ومن هنا فقد كانوا ينتهزون الفرصة لضرب الشيعة في بغداد المضطربة آنذاك وهو عهدٌ كان يعدّ الفرح فيه بيوم عيد الغدير - وهو أكبر عيد عند الشيعة - ذنباً لا يغتفر ، وكانوا يعدّون البكاء وإقامة مراسم العزاء على سيّد الشهداء وأهل بيته الأطهار بدعةً(1) ، وهو زمن كانوا يتذرّعون فيه بأوهى الحجج للهجوم على الشيعة(2).

في حين نجد أنّ الشيخ المفيد وهو أكبر مدافع للشيعة آنذاك لم يكن ليتحرز عن تبيين أي حقيقة في الدفاع عن الإمامة في الوقت الذي لم يعط أي عذر في أيدي المخالفين ، إنّ هذا الأمر لا يمكن تحقّقه إلاّ بالتدبير الفائق الذي كان يتخذه الشيخ ، حيث كان مسلّحاً بسلاح التقية وحاذقاً في انتخاب الزمان والمكان الذي يدلي فيه برأيه. 9.

ص: 183


1- من أجل الاطلاع على منع الشيعة من إقامة شعائرهم وما آلت إليه عاقبة من أقام هذه المجالس اُنظر : مرآة الجنان 2 / 261 ، الكامل في التاريخ 5 / حوادث سنة 352.
2- الكامل في التاريخ 5 / 628 ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 3 / 39.

وهذا لا يعني أنّه لم يكن يطرح في الأوساط اُسس عقائد الشيعة ، أو أنّه كان يبيّن المواضيع بكيفية يقتصر بها على اقناع ذهن السائل ، أو يمهّد الأسباب لتأليف رسائله ، بل إنّ في كتاباته أموراً مثيرةً للجدل.

وأحد أفضل النماذج في مراعاة الشيخ المفيد للتقية هو انتخابه وتنظيمه لأبحاث كتاب الأمالي ، حيث اشتمل على اثنين وأربعين مجلساً ، وهو حاصل ما عقده الشيخ المفيد من مجالس في أزمنة مختلفة. فإنّه بما كان يمتلكه من فراسة وذكاء خاصّ فقد عقد المجالس الأُولى من كتابه هذا في دار بعض الشيعة ، لأنّه كان يريد التطرّق إلى بيان مواضيع خاصّة بالتشيّع ، مثل : عدم أهلية الخلفاء الثلاثة ، إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام المباشرة ، امتناع أبي بكر من إرجاع فدك لسيّدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام ، عزل أبي بكر من تبليغ سورة براءة وإعطاؤها إلى الإمام عليّ عليه السلام ، حادثة يوم الخميس وهو آخر يوم من عمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)حيث أراد (صلى الله عليه وآله) أن يكتب كتاباً يعيّن به مصير الخلافة من بعده فمنعه عمر من ذلك بقوله : «حسبنا كتاب الله» ، إحراق عمر بيت فاطمة الزهراء عليها السلام ، وذكر بعض مثالب عثمان ، كما خصّ الكتاب بمواضيع أُخرى من هذا القبيل.

ولكن لمّا انتقلت هذه المجالس من البيت إلى المسجد وهو مكان عام فإنّه مع مراعاته لأصل التقية وبما تقتضيه مصلحة تلك الأيّام فقد اختار مواضيع أُخرى ، مثل : اعتراض أبي قحافة والد أبي بكر على خلافة ابنه ، شكوى سيّدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام من ولاة الأمر ، المنازعة بين عائشة وعثمان على ميراث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، دور عائشة في منع سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام من إرث أبيها (صلى الله عليه وآله) ، تأليب عائشة الناس على قتل

ص: 184

عثمان ، تبعيد أبي ذر من قبل عثمان ، هذا في حين جاءت المجالس الأخيرة لهذا الكتاب بعيدة كلّ البعد عن طرح مثل هكذا اُمور(1).

وبناءً على هذا نستطيع أن ندرك كم كان الشيخ المفيد يولي أهمّية لمسألة الزمان والمكان حيث كان لهما الأثر الكبير في انتخاب المواضيع ، فليس هناك مجلس من هذه المجالس نراه تخلّى عن موضوع الخلافة والإمامة - إلاّ المجلس الثالث والعشرين - ولكنّ كيفية انتخابه وتبيينه للمواضيع كان قد حظي باهتمام خاصّ منه ، بحيث أنّ كتاباته لم تؤدِّ إلى التوتّر والاضطراب بين السنّة والشيعة في بغداد.

ولا يخفى أنّه دارت بعض الاشتباكات بين الشيعة والسنة في ذلك الزمان كما أشرنا إلى ذلك سابقاً حتّى أنّهم أبعدوا الشيخ المفيد من بغداد مرّتين على إثرها ، لكنّ هذا الأمر لا علاقة له بنشاطات الشيخ العلمية والإجتماعية بل أنّ الأمر تعدّى إلى أكثر من ذلك فهي كانت معلولة للوضع المتوتّر القائم آنذاك والمواجهات التي كانت تقع بين الحين والآخر ثمّ إنّ المؤلّفين حتّى المتشدّدين منهم الذين صوّروا لنا أحداث ذاك العهد نزّهوا الشيخ المفيد من التدخّل في هذه الاضطرابات ، لكن بما أنّه كان متصدّياً لزعامة الشيعة آنذاك(2) فمن الطبيعي أن تتوجّه إليه الكثير من الاتهامات والهجمات من قبل الأعداء حتّى أنّهم أبعدوه من بغداد بهذا العنوان(3). إنّه ليس من الصحيح أن يقال : إنّ ما طرحه الشيخ المفيد بنحو خاصّ من مسائل ومواضيع تاريخية كانت منشأ لنشوب الفتن أو ذريعة للهجوم على 2.

ص: 185


1- انظر (مقالات فارسي كنگره شيخ مفيد) ، رقم 55.
2- الفهرست لابن النديم : 226.
3- المنتظم 15 / 33 ، دول الإسلام : 212.

الشيعة ، لأنّ الهجوم على الشيعة في بغداد أو مناطق أُخرى قد كان سائداً قبل الشيخ المفيد أيضاً بأمرّ وأدهى ممّا كان عليه في زمنه(1) واستمرّ من بعده أيضاً ، فإذا كان الشيخ منشأ لهذه الاضطرابات إذن لابدّ لها أن تهدأ من بعده والحال أنّها لم تهدأ بعده.

و - الفرق بين كتابة التاريخ من قبل الشيخ المفيد رحمه الله وكتابته من قبل غيره من المؤلّفين :

إذا ألقينا نظرةً سريعة وشاملة على كتابة التاريخ من قبل الشيخ المفيد وكتابته من قبل غيره وقارنّا الفرق بينهما فسنرى أنّ الفرق في كتابات الشيخ المفيد مع غيره إنّما هو نابع من اهتمام الشيخ ودقّته في مسألة الإمامة والأبحاث المرتبطة بها.

وعلى سبيل المثال فأنّنا نرى فرقاً كبيراً بين كتاب الإرشاد الذي ألّف في شأن الأئمّة المعصومين عليهم السلام وبين غيره من الكتب التي ألّفت في هذا المجال.

فإنّنا نرى الشيخ في كتاب الإرشاد - خلافاً لبعض المؤرّخين الذين تناولوا عهد الإمام عليّ عليه السلام وسائر الأئمّة عليهم السلام وعرضوا أخبارهم التاريخيّة بصورة عابرة - سعى إلى استعراض الأُمور الدقيقة والمنعطفات التاريخية الهامّة في حياة الأئمّة عليهم السلام التي تعكس لنا امتيازاتهم ومرموقيّتهم في 1.

ص: 186


1- إنّ منع الشيعة من إقامة شعائر مذهبهم والاشتباكات التي دارت بين الشيعة والسنّة قبل الشيخ المفيد أمرٌ تطرّق إليه الكثير من المؤرّخين وإنَّ إقامة مراسم العزاء لسيّد الشهداء عليه السلاممن سنة 352 ه- بشكل علني لخير شاهد على هذا الكلام ، انظر : مرآة الجنان 2 / 261.

مجتمعاتهم وخاصّة عهد الإمام عليّ عليه السلام ، ومن هنا فإنّه لم يشر في الفصل المخصّص بالإمام عليّ عليه السلام إلى نشاطاته أو دوره السياسي أو ارتباطه مع سائر الخلفاء.

أمّا في ما يتعلّق بحرب صفين فإنّه قد تناول ذلك بشكل مختصر خلافاً لبعض المؤرّخين ومختلفاً حتّى مع طريقته التي تعرّض فيها إلى حرب الجمل - فقد ألّف كتاباً على حِدة تطرّق فيه بدقة متناهية إلى تحليل هذه الواقعة وأسبابها وعواملها وقد اهتمّ في هذا المجال اهتماماً بالغاً حيث كان كتابه لا مثيل له من بين مؤلّفات الشيعة - علماً بأنّ كتاب الإرشاد كان قد احتوى على مواضيع عديدة تناولت حرب الجمل أكثر بكثير من المواضيع التي تناولت حرب صفّين وكذلك خلافاً للآخرين الذين تطرّقوا إلى حرب النهروان فإنّه أشار إلى كلام مختصر دار بين الإمام عليّ عليه السلام وبعض الخوارج(1) ولم يذكر موضوعاً آخر سواه ، وكذلك أيضاً وبالرغم من أنّ الإمام عليه السلام ابتلي في عهد خلافته بما اقترفه معاوية وأتباعه من أعمال مشينة وغارات ولكنّ الشيخ المفيد لم يشر إلى هذه الأحداث إلاّ ما قلّ وندر وذلك في إطار كلام الإمام عليّ عليه السلام ولم يأت بها منفصلة ، كما أنّ في كلام الإمام عليه السلام أيضاً لم نرَ ذكراً لتلك الأعمال بالتفصيل إلاّ في موضع واحد ذكر فيه الإمام غارة لقائد من قوّاد جيش معاوية - هو سفيان بن عوف بن مغفل الغامدي - عبّر عنه الإمام ب- (أخا غامد) حيث صوّر لنا الإمام عليه السلام هجومه بشكل مؤلم(2).2.

ص: 187


1- الإرشاد 1 / 271.
2- الإرشاد 1 / 282.

في الواقع إنّ عرض الأخبار التاريخية لحياة الإمام عليّ عليه السلام في كتابات الشيخ المفيد أكثرها مرتكزة على الأحداث التي تحكي بنحو ما الدور البارز للإمام عليه السلام الذي تجلّى بفضائله عليه السلام ، ولعلّ من هنا نرى أنّ الشيخ المفيد في أغلب الفصول المرتبطة بالإمام عليه السلام وخاصّة في نهاية أخبار بعض غزوات النبيّ (صلى الله عليه وآله) حيث كان للإمام عليّ عليه السلام فيها دورٌ فعّال وأساسي ذكر دوره المتميّز فيها مع ذكر فصل مختصر في ذلك وقد أكّد بعبارات على هذا الجانب من حياته عليه السلام(1).6.

ص: 188


1- الإرشاد 1 / 136 ، 154 ، 157 ، 161 ، 166.

المصادر

1 - القرآن الكريم.

2 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 ه) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الأولى ، قم ، المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد ، 1413 ه.

3 - الإعتقادات ، للشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه القمي ، (ت 381 ه) ، تحقيق عصام عبد السيّد ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

4 - الأعلام ، لخير الدين الزركلي ، (ت 1396 ه) ، الطبعة العاشرة ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1992م.

5 - أعيان الشيعة ، للسيّد محسن بن عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي (ت 1371 ه) ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، دار التعارف للمطبوعات ، 1403 ه.

6 - الإفصاح في الإمامة ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 ه) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

7 - إقبال الأعمال ، لرضي الدين علي بن موسى بن طاووس الحلّي ، (ت 664 ه) ، الطبعة الثانية ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ه.

8 - الأنساب ، لعبدالكريم بن محمّد السمعاني ، (ت 562 ه) ، تعليق محمّد عبد القادر عطا ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1419 ه.

9 - انديشه هاي كلامي شيخ المفيد ، لمارتين ، مكدرموت ، ترجمة أحمد آرام ، الطبعة الأولى ، طهران ، مؤسّسة انتشارات وچاپ دانشگاه طهران ، 1372 ش.

ص: 189

10 - انديشه واقع گراي ابن خلدون ، لنصّار ناصف ، ترجمة يوسف رحيم لو ، الطبعة الأولى ، طهران ، مركز نشر دانشگاهي ، 1366 ش.

11 - أوائل المقالات في المذاهب والمختارات ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 ه) ، تحقيق إبراهيم الأنصاري الزنجاني الخوئيني ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

12 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الأطهار ، للعلاّمة محمّد باقر ابن محمّد تقي المجلسي ، (ت 1110 ه) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، مؤسّسة الوفاء ، 1403 ه.

13 - تاريخ آل بويه ، لعلي أصغر الفقيهي ، الطبعة الأولى ، طهران ، سازمان مطالعه وتدوين كتب علوم إنساني دانشگاهها ، 1378 ش.

14 - تاريخ ابن خلدون ، لعبدالرحمن بن محمّد ابن خلدون ، (ت 808 ه) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الفكر ، 1408 ه.

15 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، لشمس الدين محمّد بن محمّد الذهبي ، (ت 748 ه) ، تحقيق عمر عبد السلام التدمري ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1409 ه.

16 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام ، لأحمد بن علي الخطيب البغدادي ، (ت 463 ه) ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

17 - تاريخ تاريخنگاري در إسلام ، لفرانتس ، روزنتال ، ترجمة أسدالله آزاد ، الطبعة الأولى ، مشهد ، مؤسّسة چاپ وانتشارات آستان قدس رضوي ، 1368 ش.

18 - تاريخنگارى در إسلام ، للسيّد صادق سجّادي وهادي عالم زاده ، الطبعة الأولى ، طهران ، سازمان مطالعه وتدوين كتب علوم إنساني دانشگاهها ، 1375 ش.

ص: 190

19 - تاريخ التراث العربي ، لفؤاد ، سزگين ، ترجمة محمود فهمي حجازي ، قم المقدّسة ، مكتبة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي ، 1405 ه.

20 - تاريخ الشيعة ، لمحمّد بن حسين المظفّر ، (ت 1381 ه) ، ترجمة محمّد باقر حجّتي ، الطبعة الأولى ، طهران ، دفتر نشر فرهنگ إسلامي ، 1368 ش.

21 - تصحيح الإعتقاد ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (م ، 413 ه) ، تحقيق حسين درگاهي ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

22 - تمدّن إسلامي در قرن چهارم هجري ، لآدم ، مِتز ، ترجمه عليرضا ذكاوتي قراگزلو ، الطبعة الأولى ، طهران ، مؤسّسة انتشارات أمير كبير ، 1362 ش.

23 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) ، لورّام بن أبي فرّاس ، (ت 605 ه) ، الطبعة الثانية ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1368 ش.

24 - تهذيب التهذيب ، لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، (ت 852 ه) ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الفكر ، 1404 ه.

25 - تيسفون وبغداد در گذر تاريخ ، لشيرين بياني ، الطبعة الأولى ، طهران ، انتشارات جامي ، 1377 ش.

26 - الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة ، للشيخ المفيد محمّد ابن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 ه) ، تحقيق سيّد علي مير شريفي ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

27 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، لجمال الدين الحسن بن يوسف الحلّي ، (ت 726 ه) ، تحقيق جواد قيّومي إصفهاني ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ه.

28 - دول الإسلام ، لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي ، (ت 748 ه) ،

ص: 191

بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1405 ه.

29 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، لمحمد محسن آقا بزرگ الطهراني ، (ت 1389 ه) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الأضواء ، 1406 ه.

30 - رجال ابن داود ، لتقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي ، (ت 707 ه) ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1392 ه.

31 - رجال الخاقاني ، لعلي الخاقاني ، تحقيق السيّد محمّد صادق بحرالعلوم ، الطبعة الثانية ، قم المقدّسة ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1404 ه.

32 - رجال الطوسي ، لمحمّد بن الحسن الطوسي ، (ت 460 ه) ، تحقيق محمّد صادق آل بحر العلوم ، الطبعة الأولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1381 ه.

33 - رجال العلاّمة ، لجمال الدين الحسن بن يوسف الحلّي ، (ت 726 ه) ، قم المقدّسة ، منشورات الرضي ، 1402 ه.

34 - رجال (الفوائد الرجالية) ، للسيّد محمّد مهدي بحرالعلوم ، (ت 1212 ه) ، الطبعة الأولى ، تحقيق وتعليق محمّد صادق بحرالعلوم وحسين بحرالعلوم ، طهران ، منشورات مكتبة الصادق ، 1363 ش.

35 - رجال النجاشي ، لأحمد بن علي النجاشي ، (ت 450 ه) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ه.

36 - الرسالة الأولى في الغيبة ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 ه) ، تحقيق علاء آل جعفر ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

37 - رسالة التقيّة ، لمرتضى بن محمّد أمين الأنصاري ، (ت 1281 ه) ، الطبعة

ص: 192

الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري ، 1414 ه.

38 - روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات ، لمحمّد باقر الخوانساري ، (ت 1313 ه) ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، انتشارات إسماعيليان.

39 - رياض العلماء وحياض الفضلاء ، للميرزا عبدالله الأفندي الإصفهاني ، (ت حدود 1130 ه) ، قم المقدّسة ، مكتبة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي ، 1401 ه.

40 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، لمحمّد بن منصور بن إدريس الحلّي ، (ت 598 ه) ، الطبعة الرابعة ، قم المقدّسة ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1417 ه.

41 - سير أعلام النبلاء ، لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي ، (ت 748 ه) ، الطبعة السابعة ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، 1410 ه.

42 - السيرة النبوية ، لعبدالملك بن هشام الحميري ، (ت 218 ه) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

43 - السيرة النبوية وأخبار الخلفاء ، لمحمّد بن حبّان البستي ، (ت 354 ه) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، مؤسّسة الكتب الثقافية ، 1411 ه.

44 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، لشهاب الدين عبد الحسن بن أحمد بن عماد الحنبلي ، (ت 1089 ه) ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

45 - الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، لجعفر مرتضى العاملي ، الطبعة الرابعة ، بيروت ، دارالسيرة ، 1995 م.

46 - الطبقات الكبرى ، لمحمّد بن سعد ، (ت 230 ه) ، بيروت ، دار صادر.

47 - العبر في خبر من غبر ، لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي ، (ت 748 ه) ، تحقيق محمّد السعيد بن بسيوني زغلول ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 193

48 - فرق الشيعة ، للحسن بن موسى النوبختي ، (ت 310 ه) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الأضواء ، 1404 ه.

49 - فرهنگ فرق إسلامي ، لمحمّد جواد المشكور ، الطبعة الثانية ، مشهد المقدّسة ، بنياد پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي ، 1372 ش.

50 - الفصول العشرة في الغيبة ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 ه) ، تحقيق فارس حسّون ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

51 - الفصول المختارة من العيون والمحاسن ، للسيّد علي بن حسين الموسوي المرتضى ، (ت 436 ه) ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

52 - الفهرست ، لمحمّد بن إسحاق ابن النديم ، (ت 385 ه) ، تحقيق رضا تجدّد.

53 - فهرست آثار خطّي شيخ المفيد در كتابخانه آية الله مرعشي نجفي ، لرضا المختاري وحسين شفيعي ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، مكتبة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي ، 1413 ه.

54 - فوائد الرضوية در أحوال علماء مذهب جعفريه ، للشيخ عبّاس بن محمّد رضا القمّي ، (ت 1359 ه).

55 - فوات الوفيات ، لمحمّد بن شاكر الكتبي ، (ت 764 ه) ، تحقيق إحسان عبّاس ، بيروت ، دارصادر.

56 - الكامل في التاريخ ، لعلي بن محمّد بن الأثير الجزري ، (ت 630 ه) ، بيروت ، دار صادر ودار بيروت ، 1385 ه.

57 - كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد ، لجمال الدين الحسن بن يوسف

ص: 194

الحلّي ، (ت 726 ه) ؛ تصحيح حسن حسن زاده آملي ، قم المقدّسة ، جامعة المدرسين قم.

58 - الكنى والألقاب ، للشيخ عبّاس بن محمّد رضا القمّي ، (ت 1359 ه) ، قم المقدّسة ، انتشارات بيدار.

59 - كنز الفوائد ، لمحمّد بن علي الكراجكي ، (ت 449 ه) ، ساعد على طبعه عبدالله نعمة ، بيروت ، دار الأضواء ، 1405 ه.

60 - لسان الميزان ، لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، (ت 852 ه) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي ، 1406 ه.

61 - لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث ، ليوسف بن أحمد البحراني ، (ت 1186 ه) ، تحقيق وتعليق السيّد محمّد صادق بحرالعلوم ، الطبعة الثانية ، قم المقدّسة ، مؤسّسة آل البيت.

62 - مبادي فقه وأصول ، لعلي رضا فيض ، الطبعة السادسة ، طهران ، انتشارات دانشگاه طهران ، 1372 ش.

63 - مبارزه براي آزادي بيان وعقيده در عصر شيخ مفيد ، للسيّد جعفر مرتضى العاملي ، ترجمة محمّد سپهري ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، انتشارات دفتر تبليغات إسلامي حوزه علميه قم المقدّسة ، 1372 ش.

64 - مجالس المؤمنين ، لنور الله بن شريف الدين المرعشي الشوشتري ، (ت 1019 ه) ، طهران ، كتابفروشي إسلامية ، 1354 ش.

65 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان ، لعبدالله بن أسعد اليافعي المالكي ، (ت 768 ه) ، الطبعة الثانية ، مصر ، دار الكتاب الإسلامي ، 1413 ه.

66 - المسائل الجارودية ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري

ص: 195

البغدادي ، (ت 413 ه) ، تحقيق محمّد كاظم مدير شانه چي ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

67 - المسائل السروية ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (م 413 ه) ، تحقيق صائب عبد الحميد ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

68 - المسائل العكبرية ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 ه) ، تحقيق علي أكبر إلهي خراساني ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

69 - مسائل العويص ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 ه) ، محسن أحمدي ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

70 - مسارّ الشيعة ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، (ت 413 ه) ، تحقيق مهدي نجف ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ه.

71 - معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنّفين منهم قديماً وحديثاً ، لمحمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، (ت 588 ه) ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1380 ه.

72 - معجم الأدباء ، لشهاب الدين بن عبد الله ياقوت الحموي ، (ت 626 ه) ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ه.

73 - المغازي ، لمحمّد بن عمر الواقدي ، (ت 207 ه) ، تحقيق مارسدن جونس ، الطبعة الثالثة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1409 ه.

74 - مقتل الحسين المسمّى باللّهوف في قتلى الطفوف ، لرضي الدين علي بن

ص: 196

موسى بن طاووس الحلّي ، (ت 664 ه) ، الطبعة الأولى ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، 1414 ه.

75 - مقتل الحسين عليه السلام (وقعة الطف) ، للوط بن يحيى أبي مخنف الأزدي ، (ت 157 ه) ، تحقيق محمّد هادي اليوسفي الغروي ، الطبعة الثالثة ، قم المقدّسة ، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم ، 1417 ه.

76 - الملل والنحل ، لمحمّد بن عبد الكريم الشهرستاني ، (ت 548 ه) ، تحقيق أمير علي المهنّا وعلي حسن فاعور ، الطبعة الرابعة ، بيروت ، دار المعرفة ، 1415 ه.

77 - منابع تاريخ إسلام ، لرسول جعفريان ، الطبعة الأولى ، قم المقدّسة ، انتشارات أنصاريان ، 1376 ش.

78 - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي ، (ت 597 ه) ، تحقيق محمّد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1412 ه.

79 - ميزان الإعتدال في نقد الرجال ، لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي ، (ت 748 ه) ، تحقيق علي محمّد البجّاوي ، بيروت ، دارالفكر.

80 - الهداية ، لمحمّد بن علي بن بابويه الصدوق ، (ت 381 ه) ، الطبعة الأولى ، قم ، مؤسّسة الإمام المهدي عليه السلام ، 1418 ه.

81 - الوافي بالوفيات ، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي ، (ت 764 ه) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار صادر ، 1411 ه.

82 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، لأحمد بن محمّد بن خلّكان ، (ت 681 ه) ، تحقيق إحسان عبّاس ، بيروت ، دار صادر ، 1414 ه.

المجلات والمقالات

83 - مجلّة آينه پژوهش ، السنة الثالثة ، العدد 18 - 17.

ص: 197

84 - مجلّة نور علم ، الدورة الرابعة ، العدد 9 (رقم التسلسل 45).

85 - المقالات الفارسية ، المؤتمر العالمي ، لألفية الشيخ المفيد ، رقم 3 و 55.

86 - المقالات والرسائل العربية ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ؛ الأرقام 1 و 3 و 47.

ص: 198

النظرية التفسيرية في المدرسة الإمامية (3)

السيّد زهير الأعرجي

لقد تعرضنا في القسم الأوّل من هذا البحث إلى النظرية التفسيرية في المدرسة الإمامية ودور الإمام علي عليه السلام وأئمّة أهل البيت عليهم السلام في جمع القرآن وتفسيره وتبيين علومه ، وتناول البحث كذلك النظرية التفسيرية في المدرسة الإمامية منذ القرن الأوّل وحتّى القرن الثالث الهجري ، وتناول القسم الثاني مدرسة القرن الرابع حتى القرن الثاني عشر الهجري ونواصل البحث هنا ...

12 - مدرسة القرن الثاني عشر الهجري :

تميّزت هذه الفترة بظهور التفاسير الروائية المستندة على تفسير القرآن الكريم بالأخبار المأثورة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمّة أهل البيت عليهم السلام مرّة أُخرى بسبب رواج الفكرة الإخبارية ، ك- : تفسير البرهان ، ونور الثقلين ، وكنز الدقائق.

إلاّ أنّ الفكرة الإخبارية ذاتها دحضت نفسها بالإعتماد على الأخبار الصحيحة والضعيفة معاً. وإذا كان الإعتماد على الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام هو الأصل في فهم القرآن والشريعة كان الأولى الإعتماد على

ص: 199

الأخبار الصحيحة وطرح الأخبار الضعيفة ، إلاّ أنّ تمييز الأخبار الصحيحة عن السقيمة لا يتمّ إلاّعن طريق الاجتهاد في الأصول والفقه والرجال. والإدّعاء بأنّ جميع الأخبار المروية في الكتب الأربعة صحيحة ادّعاء يفتقد إلى رؤية سليمة للتأريخ(1). وهكذا لم تنجح الفكرة الأخبارية في إصدار تفسير دقيق للقرآن الكريم.

السيّد هاشم البحراني وتفسير البرهان :

ومن مفسّري هذا القرن السيّد هاشم بن سليمان الحسيني البحراني (ت 1107 ه) وكتابه البرهان في تفسير القرآن. وهذا التفسير يعبّر عن عقيدة المؤلّف الإخبارية ، فقام بجمع الأخبار والفتاوى دون ترجيح لرواية على رواية أو تمحيص في السند أو تصحيح أو تسقيم أو جرح أو تعديل. وكان مرجعه في ذلك ثلاثة كتب تفسيرية إخبارية غير متّفق على نسبتها أو صحّة ما ورد فيها من روايات أو قد حذفت أسانيدها ، وهي : التفسير المنسوب إلى عليّ بن إبراهيم القمّي ، والتفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري ، وكتاب تفسير العيّاشي ، مع كتب أُخرى خاصّة بالأخبار والروايات.

وكان منهج المصنّف منصبّاً على عرض الأخبار المروية في حقّ أهل البيت عليهم السلام والمروية في عظمة القرآن وعلوّ شأنه ومنزلته ووضوح برهانه. يقول في مقدّمة تفسيره : «فقد رأيت عكوف أهل الزمان على تفسير من لم يرووه عن أهل العصمة سلام الله عليهم الذي نزل التنزيل والتأويل في ة.

ص: 200


1- راجع النظرية الأصولية في المدرسة الإمامية المنشور في الأعداد السابقة من هذه الدورية التراثية الشريفة.

بيوتهم وأوتوا من العلم ما لم يؤته غيرهم ، بل كان يجب التوقّف حتّى يأتي تأويله عنهم ، لأنّ علم التنزيل والتأويل في أيديهم بما جاء عنهم عليهم السلام ، فهو النور والهدى وما جاء عن غيرهم فهو الظلمة والعمى ... وقد كنتُ أوّلاً قد جمعتُ في كتاب الهادي كثيراً من تفسير أهل البيت عليهم السلام قبل عثوري على تفسير الشيخ الثقة محمّد بن مسعود العيّاشي وتفسير الشيخ الثقة محمّد بن العبّاس بن ماهيار المعروف بابن الحجّام ... وغيرهما من الكتب الآتي ذكرها ...

وكتابي هذا يطلعك على كثير من أسرار علم القرآن ويرشدك إلى ما جهله متعاطي التفسير من أهل الزمان ، ويوضّح لك عن ما ذكره من العلوم الشرعية والقصص والأخبار النورانية وفضائل أهل البيت الإمامية»(1).

وقد تعرّض هذا التفسير للنقد من قبل علمائنا الأعلام بسبب احتوائه على طائفة من الروايات الضعيفة والموضوعة ، خصوصاً وقد اعتمد في تفسيره على مصادر متهمة بالوضع ، مثل التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام ، وكتاب الشيخ رجب البرسي المتّهم بالغلوّ عند علمائنا ، وكتاب جامع الأخبار الذي لم يعرف مؤلّفه ولا صحّة أسانيد رواياته.

الشيخ العروسي وتفسير نور الثقلين :

نور الثقلين ، للشيخ عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي (ت 1112 ه) ، في خمسة مجلّدات. والشيخ الحويزي عاصر جملة من علماء الشيعة على المبنى الأخباري ، كالحرّ العاملي (ت 1104 ه) صاحب وسائل 4.

ص: 201


1- البرهان في تفسير القرآن 1 / 4.

الشيعة ، والبحراني (ت 1107 ه) صاحب تفسير البرهان. وربّما استفاد المصنّف من التوجّه الأخباري فبنى تفسيره على هذا الأساس.

والكتاب هو تفسير روائيّ اعتمد فيه المصنّف على المأثور من الروايات الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته عليه السلام ، ولم يتكلّم في تفسير ألفاظ الآيات وإعرابها. مدحه السيّد محمّد حسين الطباطبائي (ت 1402 ه) صاحب تفسير الميزان ، وقال : «إنّه الكتاب القيّم الذي جمع فيه مؤلّفه شتات الأخبار الواردة في تفسير آيات الكتاب العزيز ، وأودع عامّة الحديث المأثور عن أهل العصمة والطهارة عليهم السلام إلاّ ما شذّ منها ، ولقد أجاد في ضبطها وترتيبها والإشارة إلى مصادرها والجوامع المنقولة هي عنها ، وبذل جهداً في تهذيبها وتنقيحها ، جزاه الله عن العلم وأهله خيراً وهدانا بنور الثقلين»(1).

إلاّ أنّ هذا التفسير اعتمد تماماً على الروايات الواردة في تفسير آي القرآن الكريم صحيحها وضعيفها دون التدقيق في سندها ، وكأنّ الهدف من التصنيف كان مجرّد الجمع العشوائي للأحاديث بحيث اشتملت على أخبار في الغلوّ والوهن وأخبار موضوعة أو مكذوبة على أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

ومنهج الكتاب هو إيراد الروايات الواردة في كلّ سورة ، لكنّه لم يتناول الآيات بكاملها بل أخذ في تفسير الآيات التي وجد لها روايات تفسّرها. وصفه الشيخ آغا بزرك الطهراني : «[بأنّه] لم يتكلّم في تفسير ألفاظ الآية وإعرابها وقرائتها ، على عكس تفسير كنز الدقائق»(2).

وقال أيضاً : «فسّر فيه القرآن على ما صدر من الروايات عن أهل 6.

ص: 202


1- نور الثقلين 1 / 2.
2- الذريعة 24 / 366.

البيت عليهم السلام الذين هم أدرى به ، جمعها من الكتب المعتبرة ، ك- : الكافي للكليني ، وتفسير عليّ بن إبراهيم القمّي ، والإحتجاج للطبرسي ، وعيون الأخبار وعلل الشرائع وإكمال الدين والتوحيد والخصال ومن لا يحضره الفقيه ومعاني الأخبار والأمالي وثواب الأعمال كلّها للصدوق ، ومجمع البيان للطبرسي ، والتهذيب للطوسي ، وتفسير العيّاشي ، والمناقب لابن شهرآشوب ، ونهج البلاغة ، والصحيفة السجّادية ، والإهليلجة ، والمحاسن للبرقي ، والمصباح للكفعمي ، وغير ذلك. لكنّه أسقط أسانيد الروايات وترك ذكر الآيات ، ولذلك يصعب معرفة الأخبار المتعلّقة بكلّ آية»(1).

وقد التفت المصنّف إلى ذلك ، فقال في المقدّمة : «أمّا ما نقلت - ممّا ظاهره يخالف لإجماع الطائفة المحقّة - فلم أقصد به بيان اعتقاد ولا عمل ، وإنّما أوردته ليعلم الناظر المطّلع كيف نُقل وعمّن نقل ، ليطلب له من التوجيه ما يخرجه من ذلك»(2).

وبالجملة فإنّ تفسير نور الثقلين مثار نقاش بين علماء الإمامية.

الميرزا المشهدي وتفسير كنز الدقائق :

تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب ، للميرزا محمّد المشهدي (ت 1125 ه) في عشرة مجلّدات. هو تفسير شامل لجميع آيات القرآن الكريم ، مزج في تفسيره بين النقل والعقل ، فجاء بالمنقول من أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، واختار في بعض الموارد كلام البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل وأسرار التأويل. قال في مقدّمته : «وقد كنت فيما مضى قد رقمت2.

ص: 203


1- الذريعة 24 / 365.
2- تفسير نور الثقلين 1 / 2.

تعليقات على التفسير المشهور للعلاّمة الزمخشري وأجلت النظر فيه ، ثمّ على الحاشية للعلاّمة النحرير والفاضل المهرير الشيخ الكاملي بهاء الدين العاملي ، ثمّ سنح لي أن أؤلّف تفسيراً يحتوي على دقائق أسرار التنزيل ونكات أبكار التأويل ، مع نقل ما روي في التفسير والتأويل عن الأئمّة الأطهار والهداة الأبرار ، إلاّ أنّ قصور بضاعتي يمنعني عن الإقدام ويثبّطني عن الانتصاب في هذا المقام ، حتّى وفّقني ربّي للشروع فيما قصدته والإتيان بما أردته»(1).

أطراه العلاّمة المجلسي (ت 1111 ه) ، وقال : «مؤلّف هذا التفسير لا يزال مؤيّداً بتأييدات الربّ القدير ، فلقد أحسن وأتقن وأفاد وأجاد ، فسّر الآيات البيّنات بالآثار المروية عن الأئمّة الأطياب فامتاز من القشر اللباب وجمع بين السُنّة والكتاب ، وبذل جهده في استخراج ما تعلّق بذلك من الأخبار وضمّ إليها لطائف المعاني والأسرار»(2).

و «هذا التفسير مقصورٌ على ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام ، نظير تفسير نور الثقلين ، لكنّه أحسن منه بجهات ، لذكره الأسانيد وبيان ربط الآيات وذكر الإعراب ، وكأنّه مقتبسٌ منه لكنّه بزيادات ، فصار أكبر حجماً وإن كان كلّ منهما في أربع مجلّدات ، ويذكر تمام القرآن أوّلاً مع الشرح المزجي ثمّ يشرع في نقل الأخبار ، وقد يتكلّم بما هو مخالف لما في نور الثقلين ، كما ذكره في الروضات»(3).

ومنهجه في التفسير هو بيان السورة وفضيلتها وثواب قراءتها ، وإيراد 1.

ص: 204


1- تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب 1 / 21.
2- كنز الدقائق 1 / 12.
3- الذريعة وبحر الغرائب 18 / 151.

ما يتعلّق بمعاني الآيات من بيان وإعراب من كتاب أنوار التنزيل والروايات عن طريق أهل البيت عليهم السلام ، ويناقش الأمور العقائدية على ضوء مذهب أهل البيت عليهم السلام.

مثلاً يذكر في تفسير آية (لاَتُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ)(1) معنى الإدراك واستحالة الرؤية رواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام : «قال عليه السلام : إحاطة الوهم ، ألا ترى إلى قوله : (قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبِّكُمْ)(2) ، ليس يعني بصر العيون (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ)(3) ، ليس يعني من أبصر بعينه (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهِا)(4) ، لم يعنِ عمى العيون إنّما عنى إحاطة الوهم ، كما يقال : فلان بصير بالشعر ، وفلان بصير بالفقه ، وفلان بصير بالدراهم ، وفلان بصير بالثياب ، الله أعظم من أن يرى بالعين»(5).

أمّا الأحكام الفقهية الخاصّة بالآيات فإنّ منهجه لا يختلف عن منهج فقهاء الإمامية في عرض آيات الأحكام ، حيث يستدلّون بالمأثورات عن طريق أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

تفاسير أُخرى :

وهناك تفاسير أُخرى صدرت في هذه الفترة ، منها :

1 - مختصر نهج البيان عن كشف معاني القرآن ، لم يعلم اسم 5.

ص: 205


1- سورة الأنعام 6 : 103.
2- سورة الأنعام 6 : 104.
3- سورة الأنعام 6 : 104.
4- سورة الأنعام 6 : 104.
5- تفسير كنز الدقائق وبحر الدقائق 3 / 355.

المصنّف لكنّه كان حيّاً لحدّ سنة 1101 ه. كما ذكر ناسخ الكتاب إبراهيم ابن عليّ بن يونس العاملي الذي وقّعه بتأريخ 21 محرّم سنة 1101 ه- ، والكتاب هو تفسير روائي وجيز يلخّص كتاب نهج البيان عن كشف معاني القرآن المنسوب إلى محمّد بن الحسن الشيباني (من أعلام القرن السابع الهجري). قال المصنّف في مقدّمة الكتاب : إنّه يذكر ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام ، ولا يتعرّض فيه لوجوه الإعراب واختلاف القراءات ، ويذكر الناسخ والمنسوخ(1).

2 - مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ، لأبي الحسن بن محمّد طاهر الفتوني العاملي (ت 1138 ه). والكتاب يحتوي على مقدّمات في التأويل وبالخصوص التجوّز العقلي وما يُبتنى على المجاز اللغوي. وقد سعى المصنّف إلى إثبات بعض التأويلات عن الأخبار المرويّة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل البيت عليهم السلام. قال في المقدّمة : «فشرعتُ في جمع تلك الروايات بطريق الإيجاز والاختصار مع ذكر لبّ المقصود من الآيات والأخبار ... ولهذا طويت عن ذكر تمام تلك الأخبار بعباراتها وأسانيدها - بل كلّ الكتب المأخوذة منها - كشحاً»(2).

وقد انتقد هذا الكتاب في أكثر من مناسبة لأنّ المصنّف اعتمد على التأويل الذي خالف ظاهر القرآن الكريم ، موهِماً بأنّه كان يغالي في الاعتقادات.

3 - تحصيل الاطمئنان : شرح زبدة البيان في تفسير آيات أحكام القرآن ، للأمير إبراهيم القزويني (ت 1149 ه). 3.

ص: 206


1- الذريعة 24 / 415.
2- تفسير البرهان - قبل الابتداء بالمجلد الأول : 3.

4 - قلائد الدرر في بيان آيات الأحكام بالأثر ، لأحمد بن إسماعيل ابن عبد النبيّ الجزائري النجفي (ت 1150 ه). وهو كتاب تفسيريّ في آيات الأحكام مرتّب ترتيباً موضوعيّاً على أُسلوب الكتب الفقهية. اعتمد فيه المصنّف على الأخبار الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في تفسير آيات الأحكام ، وتعرّض فيه إلى العموم والخصوص والإطلاق والتقييد الوارد في الروايات.

13 - مدرسة القرن الثالث عشر الهجري :

لم نلحظ غزارة الإنتاج في هذا العصر كما لاحظناه في القرون السابقة. وأهمّ مفسّري هذا القرن هو السيّد عبد الله شبّر (ت 1242 ه) وتفسيره الجوهر الثمين ، والشيخ الإحسائي (ت 1241 ه) وتفاسيره القصيرة التي تناولت قصار السور أو الآيات المفردة.

السيّد عبد الله شبّر والجوهر الثمين :

السيّد عبد الله شبّر (ت 1242 ه) ، وتفسيره الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين في ستّة مجلّدات. وهو تفسير شامل لجميع آيات القرآن الكريم بصورة موجزة يشرح فيه المؤلّف الألفاظ اللغوية وإعراب الآيات ، ويشتمل على جملة من الأخبار والآثار المرويّة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الأطهار عليهم السلام ، ويعرض آراء المفسّرين من المدرسة الإمامية ويستشهد بأقوالهم. أوّله : «الحمد لله منزل القرآن الكريم والفرقان العظيم والذكر الحكيم ، ومرسل النبيّ القويم ذي الفيض العميم والفضل الجسيم».

ص: 207

يقوم منهج المصنّف ببيان طبيعة السور من مكّية أو مدنية ومعناها وفضلها وفضل قراءتها ، ثمّ يسترسل في تفسير الآيات لغةً ومعنىً ويربطها بروايات أهل البيت عليهم السلام.

يقول في تفسير قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(1) : «... قوله تعالى : (وَهُمْ رَاكِعُونَ) حال من فاعل يؤتون ، أي يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصاً على الإحسان ومسارعةً إليه. وقد أطبق المفسّرون وتواترت الأخبار من الخاصّة على نزول الآية في عليٍّ عليه السلام حين سُئِلَ وهو راكع في صلاته فأومى إليه بخنصره فأخذ خاتمه ، ورواه الجمهور مستفيضاً. والآية نصٌّ في إمامته ونفىُ إمامة من تقدّمه ، لحصر الولاية في الله ورسوله ومن وصف ، ولم يتّصف بذلك أحد سواه إجماعاً ، وعبّر عنه بالجمع تعظيماً ...»(2).

وفي تفسير سورة الماعون يقول : «(بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَرَأَيْتَ)(3) هل عرفت (الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ)(4) بالجزاء والإسلام ، (فَذالِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)(5) يدفعه عن حقّه بعنف ، نزلت في الوليد أو أبي جهل أو أبي سفيان أو عامّ في كلِّ مكذِّب ، (وَلاَ يَحُضُّ)(6) لا يحثُّ 3.

ص: 208


1- سورة المائدة 5 : 55.
2- الجوهر الثمين 1 / 189.
3- سورة الماعون 107 : 1.
4- سورة الماعون 107 : 1.
5- سورة الماعون 107 : 2.
6- سورة الماعون 107 : 3.

نفسه ولا غيره (عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)(1) أي إطعامه لتكذيبه بالجزاء ، (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ)(2) غافلون يؤخّرونها عن وقتها ، وعنهم عليهم السلام وهو الترك لها والتواني عنها أو التضييع لها ، والفاء للسببية ، أي فويل لهم ، فوضع المصلّين موضع ضميرهم إيذانا بتقصيرهم مع الخالق أو المخلوق ، (الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ)(3) النّاس في أعمالهم ، (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)(4) عنهم عليهم السلام هو الزكاة المفروضة ، وفي آخر هو القرض يقرضه والمعروف يضعه ومتاع البيت يعيره»(5).

وفي تفسير سورة الكوثر يقول : «(بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)(6) الخير الكثير وهو يعمّ جميع ما فسّر به من العلم أو النبوّة والقرآن والشفاعة وشرف الدارين ، أو نهر في الجنّة وهو حوضه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو ذريّته - رداً على من زعم أنّه أبتر - أي يعطيك نسلاً في غاية الكثرة لا ينقطع إلى يوم القيامة ، والتعبير بالماضي لتحقّقه ، وقد وقع كلّ ذلك كما أخبر وكثر نسله من فاطمة عليها السلام حتّى ملأ أقطار العالم ، (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)(7) البدن ، أو استقبل القبلة بنحرك في الصلاة ، أو ارفع يديك إلى نحرك في تكبيرها ، (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ)(8) المنقطع 3.

ص: 209


1- سورة الماعون 107 : 3.
2- سورة الماعون 107 : 4 و 5.
3- سورة الماعون 107 : 6.
4- سورة الماعون 107 : 7.
5- الكافي 3 / 499 ح 9.
6- سورة الكَوثَر 108 : 1.
7- سورة الكَوثَر 108 : 2.
8- سورة الكوثر 108 : 3.

النسل والذكر لا أنت لبقاء عقبك وحسن ذكرك إلى يوم القيامة»(1).

وللمصنّف ثلاثة عناوين في التفسير :

أ - التفسير الوجيز المعروف ب- : تفسير شبّر ، مختصر من تفسير الجوهر الثمين.

ب - الجوهر الثمين (تفسير وسط).

ج - صفوة التفاسير (تفسير كبير).

تفاسير أُخرى :

وهناك تفاسير أُخرى صدرت في هذه الفترة ، ومنها :

1 - تفسير آية (وَاسْتَشْهِدُوا شَاهِدَيْنِ مِن رِجَالِكُمْ)(2) ، للسيِّد مرتضى الطباطبائي ، فرغ منه سنة 1240 ه(3).

2 - تفسير سورة التوحيد ، للشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي (ت 1241 ه) ، وهي رسالة مختصرة في تفسير تلك السورة المباركة. قال : «ثمّ اعلم أنّ البسملة اسم الله الأعظم. وفي الدعاء : أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم. وإنّما قال الرضا عليه السلام : إنّ بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى الإسم الأعظم من سواد العين إلى بياضها لأنّ لفظ البسملة الأسم اللفظي الذي هو سواد العين أقرب إلى الإسم المعنوي الذي هو بياض العين ، والتمثيل مأخوذ من ظاهر الظاهر ، فإنّ البياض عبارة عن البساطة والسواد عن التركيب ، ولو أخذ من الباطن لعكس لأنّ النور في السواد 4.

ص: 210


1- تفسير عبدالله شبّر : 567.
2- سورة البقرة 2 : 282.
3- الذريعة 4 / 324.

لا في البياض»(1).

3 - تفسير آية (إِيِّاكَ نَعْبُدُ) ، للشيخ أحمد الإحسائي (ت 1241 ه)(2).

4 - تفسير آية (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر)(3) ، للشيخ أحمد الإحسائي (ت 1241 ه)(4).

5 - تفسير القاربوزآبادي ، للمولى علي القزويني القاربوزآبادي (ت 1290 ه). قرأ عليه العلاّمة ميرزا حبيب الله الرشتي في أوائل عمره في قزوين. وتفسيره في مجلّدين من سورة يس إلى آخر القرآن كما ذكره ولده الشيخ محمّد صادق في آخر معدن الأسرار له المطبوع سنة 1333 ه(5).

14 - مدرسة القرن الرابع عشر :

وأفضل تفاسير هذه الفترة هو آلاء الرحمن في تفسير القرآن للشيخ البلاغي (ت 1352 ه). ثمّ تأتي بعده تفاسير أُخرى ، مثل : نفحات الرحمن للشيخ النهاوندي (ت 1371 ه) ، وآيات الأحكام للسيِّد الطباطبائي اليزدي (ت 1386 ه) ، ومقتنيات الدرر للسيِّد الحائري (ت 1340 ه).

الشيخ البلاغي وآلاء الرحمن :

آلاء الرحمن في تفسير القرآن ، للشيخ محمّد جواد بن حسن 1.

ص: 211


1- تفسير سورة التوحيد - للشيخ الاحسائي - : 14.
2- الذريعة 4 / 325.
3- سورة لقمان 31 : 27.
4- الذريعة 4 / 325.
5- الذريعة 4 / 301.

البلاغي (ت 1352 ه) ، وهو تفسير مختصر من بداية القرآن ولحدّ الآية 57 من سورة النساء ، وافاه الأجل المحتوم قبل أن يكمل تفسيره. تحوي مقدّمة الكتاب على مواضيع رائعة في التفسير والإعجاز والقراءات هي خلاصة آرائه في علوم القرآن. اعتمد المصنّف على مصادر من كتب الفريقين ، وكتب تفسير آيات الأحكام ، وجوامع الحديث ، وكتب في الفقه واللغة والنحو والرجال ، وأسفار العهد القديم والعهد الجديد.

وكان منهج المصنّف الاختصار وبيان المهمّ من الآراء والمعاني مع تحليل مقارن ونقد علمي بنّاء ونقل أمين ، ومن ذلك أنّه لم يعتدّ بأقوال بعض المفسّرين ، فقال في ذلك : «إنّ الرجوع في التفسير وأسباب النزول إلى أمثال عكرمة ومجاهد وعطاء والضحّاك - كما ملئت كتب التفسير بأقوالهم المرسلة - فهو ممّا لا يعذر فيه المسلم في أمر دينه فيما بينه وبين الله ولا تقوم به الحجّة ، لأنّ تلك الأقوال إن كانت روايات فهي مراسيل مقطوعة ، ولا يكون حجّة من المسانيد إلاّ ما ابتنى على قواعد العلم الديني الرصينة ، ولو لم يكن من الصوارف عنهم إلاّ ما ذكر في كتب الرجال لأهل السنّة لكفى ، وإنّ الجرح مقدّم على التعديل إذا تعارضا.

أمّا عكرمة فقد كثر فيه الطعن بأنّه كذّاب غير ثقة ويرى رأي الخوارج وغير ذلك(1).

وقيل للأعمش : ما بال تفسير مجاهد مخالف أو شيء نحوه؟ قال : أخذه من أهل الكتاب.

وممّا جاء عن مجاهد من المنكرات في قوله تعالى : (عَسَى أَن3.

ص: 212


1- ميزان الاعتدال 3 / 93.

يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحمُوداً)(1) ، قال : يجلسه معه على العرش(2).

وأمّا عطاء : فقد قال أحمد : ليس في المراسيل أضعف من مراسيل الحسن وعطاء كانا يأخذان عن كلِّ أحد.

وقال يحيى بن القطّان : مرسلات مجاهد أحبّ إلىّ من مرسلات عطاء بكثير ، كان عطاء يأخذ من كلِّ ضرب ، وروي أنّه تركه ابن جريج وقيس بن سعد(3).

وأمّا الحسن البصري فقد قيل : إنّه يدلّس(4). وسمعت كلام أحمد فيه وفي عطاء.

وأمّا الضحّاك بن مزاحم المفسّر فعن يحيى بن سعيد قوله : الضحّاك ضعيف عندنا ، وكان يروي عن ابن عبّاس ، وأنكر ملاقاته له حتّى قيل : إنّه ما رآه قطّ(5).

وأمّا قتادة فقد ذكروا أنّه مدلّس(6).

وأمّا مقاتل بن سليمان فقد قال فيه وكيع : كان كذّاباً. وقال النسائي : كان مقاتل يكذب. وعن يحيى قال : حديثه ليس بشيء. وقال ابن حيّان : كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم(7).

وأمّا مقاتل بن حيّان فعن وكيع : إنّه ينسب إلى الكذب. وعن ابن 3.

ص: 213


1- سورة الاسراء 17 : 79.
2- ميزان الاعتدال 3 / 439.
3- ميزان الأعتدال 3 / 70.
4- ميزان الأعتدال 1 / 527.
5- ميزان الأعتدال 3 / 325.
6- ميزان الأعتدال 3 / 385.
7- ميزان الأعتدال 4 / 173.

معين : ضعيف. وعن أحمد بن حنبل : لا يعبأ بمقاتل بن حيّان ولا بابن سليمان(1).

فانظر إلى ميزان الذهبي من كتب الرجال أقلاًّ ودع عنك أنّ أصول العلم عندنا تأبى من الركون إلى روايتهم فضلاً عن أقوالهم إلاّ في مقام الجدل أو التأييد أو حصول الاستفاضة والتوافق في الحديث»(2).

وعلى ضوء ذلك أخذ المصنِّف في توضيح معاني القرآن الكريم بالدليل وافق آراء المفسّرين أو خالفهم ، ومن ذلك تفسيره لقوله تعالى : (وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِالله وَالْيَوْمِ الاْخِرِ)(3). قال : «يعني أنَّ من كانت تؤمن بالله واليوم الآخر لا تجترىء على كتمان ما خلق الله في رحمها ، وهذا الزجر الشديد يناسب أن يكون على كتمان الحمل ، إمّا لأن تخرج من العدّة في ظاهر الحال عاجلاً ، أو لأن تكتمه لكراهية انتسابه لأبيه ، أو لغير ذلك من أسباب الكتمان.

وأمّا كتمان الحيض في أيّام العدّة وبعد آخرها لأجل الإزدياد من مدّة العدّة لتأكل النفقة وتأمل الرجعة بعد انقضاء العدّة الواقعية فهو بعيد ، لاستلزامه أن تكون صلة الموصول وهي (خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنَّ) واردة باعتبار ما مضى عن زمان الكتمان كما سيأتي في الجمع بين المعنيين.

إذن فالمناسب لأسلوب اللفظ وظاهره وذلك الزجر الشديد هو كتمان الحمل ، ويؤيّده رواية البرهان والوسائل عن العيّاشي عن أبي بصير عن 8.

ص: 214


1- ميزان الأعتدال 4 / 172.
2- آلاء الرحمن 1 / 45 - 46.
3- سورة البقرة 2 : 228.

الصادق (ع) في الآية : ولا يحلّ لها أن تكتم الحمل إذا طلّقت وهي حبلى والزوج لا يعلم(1). ولا يمكن الجمع بين المعنيين من هذا اللفظ - كما ذكر في الدرّ المنثور روايته عن ابن عمر ومجاهد(2) - وذلك لأنّ كتمان ما خلق الله في أرحامهنّ من الحيض إنّما هو باعتبار خروجه من الرحم ، ويكون المراد من خلقه في أرحامهن إنّما هو باعتبار ما مضى ، فالكلام على هذا بمعنى أن يقال : ولا يكتمن ما خرج من أرحامهنّ ممّا خلق فيها قبل ذلك ، وكتمان الحمل إنّما هو باعتبار استقراره في الرحم. واللفظ الواحد لا يصلح للجمع بين هذين اللحاظين والاعتبارين.

وفي تفسير القمّي في الآية ، قال : لا يحلّ للمرأة أن تكتم حملها أو حيضها أو طهرها ، وقد فوّض الله تعالى إلى النساء ثلاثة أشياء : الطهر والحيض والحمل(3) ، انتهى.

ولا يظهر من المقام كونها رواية واردة من إمام في بيان المراد بما خلق الله في أرحامهنّ إن لم يظهر خلاف ذلك ، فضلاً عمّا بيّنّاه من أنّه لا يمكن الجمع بين الأمرين في اللفظ الواحد.

وفي مجمع البيان(4) نسب ما ذكره من تفسير القمّي إلى الرواية عن الصادق عليه السلام ، ولم نجد لها أثراً ، ولعلّه اعتمد على تفسير القمّي»(5).

واتخذ المصنِّف موقفاً مشابهاً تجاه أهل اللغة ، فرفض الركون إلى آحاد اللغويّين أو التعبّد بكلامهم. ومن شواهد ذلك تفسيره معنى التوفّي ، 4.

ص: 215


1- تفسير البرهان 1 / 220 حديث 14. وسائل الشيعة 15 / 420 ح 11.
2- الدر المنثور 1 / 660.
3- تفسير القمّي 1 / 74.
4- مجمع البيان 2 / 574.
5- آلاء الرحمن 1 / 203- 204.

فقال : «الإضطراب في معنى «التوفّي» وما استعمل في لفظه المتكرّر في القرآن الكريم ، فاللغويّون جعلوا «الإماتة» في معنى «التوفّي»(1). والكثير من المفسّرين في تفسير قوله تعالى في سورة آل عمران : (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)(2) قالوا : أي مميتك(3) ، وقال بعض : مميتك حتفَ أنفك(4) ، وقال بعض : مميتك في وقتك بعد النزول من السماء(5).

وكأنّهم لم يمعنوا الإلتفات إلى مادّة (التوفّي) واشتقاقه ، ومحاورات القرآن الكريم ، والقدر الجامع بينها ، وإلى استقامة التفسير لهذه الآية الكريمة ، واعتقاد المسلمين بأنّ عيسى لم يمت ولم يقتل قبل الرفع إلى السماء كما صرّح به القرآن ، وإلى أنّ القرآن يذكر فيما مضى قبل نزوله أنّ المسيح قال لله : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي)(6).

ومن كلّ ذلك لم يفطنوا أنّ معنى (التوفّي) والقدر الجامع المستقيم في محاورة القرآن فيه وفي مشتقّاته إنّما هو الأخذ والإستيفاء ، وهو يتحقّق بالإماتة وبالنوم وبالأخذ من الأرض وعالم البشر إلى عالم السماء.

وإنّ محاورة القرآن الكريم بنفسها كافية في بيان ذلك ، كما في قوله تعالى في سورة الزمر : (الله يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَل 7.

ص: 216


1- الصحاح 6 / 2526 ، والقاموس المحيط 4 / 403.
2- سورة آل عمران 3 : 55.
3- تفسير الطبري 3 / 203 ، وتفسير الرازي 8 / 67 ، وتفسير القرطبي 4 / 100.
4- تفسير الكشاف 1 / 366 ، وتفسير المنار 3 / 316.
5- تفسير أبي السعود 2 / 43.
6- سورة المائدة 5 : 117.

مُسَمّىً)(1). ألا ترى أنّه لا يستقيم الكلام إذا قيل : الله يميت الأنفس حين موتها ، وكيف يصحّ أنّ التي لم تمّت يميتها في منامها؟!

وكما في قوله تعالى في سورة الأنعام : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمَّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ)(2) ، فإنّ توفّي الناس بالليل إنّما يكون بأخذهم بالنوم ، ثمّ يبعثهم الله باليقظة في النهار ليقضوا بذلك آجالهم المسمّاة ، ثمّ إلى الله مرجعهم بالموت والمعاد.

وكما في قوله تعالى في سورة النساء : (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ)(3) ، فإنّه يستقيم الكلام إذا قيل : يميتهنّ الموت.

وحاصل الكلام أنّ معنى "التوفّي" في موارد استعماله في القرآن وغيره إنّما هو أخذ الشيء وافياً أي تامّاً ، كما يقال : درهم واف»(4).

تفاسير أُخرى :

هناك تفاسير أُخرى صدرت في تلك الفترة ، ومنها :

1 - نفحات الرحمن في تفسير القرآن ، للشيخ محمّد بن عبد الرحيم النهاوندي الطهراني (ت 1371 ه) في أربعة مجلّدات طبعة حجرية. وهو تفسير مزجي (ملمّع) فارسي وعربي شامل لجميع الآيات ، وطريقته في التفسير إيراد موجز بياني باللغة العربية يعقبه بيان باللغة الفارسية ، وهذا 4.

ص: 217


1- سورة الزمر 39 : 42.
2- سورة الأنعام 6 : 60.
3- سورة النساء 4 : 15.
4- آلاء الرحمن 1 / 33 - 34.

الكتاب موجّه للناطقين باللغتين العربية والفارسية ، وهو أُسلوب جديد في التفسير. ومنهج الكتاب تناول السور القرآنية وذكر فضائلها وما روي منها عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت عليهم السلام ، ثمّ يدخل ببيان الآيات آية آية ويذكر أسباب النزول والأحكام الفقهية والمسائل الكلامية.

2 - السيّد محمّد حسين الطباطبائي اليزدي (ت 1386 ه) وكتابه تفسير آيات الأحكام ، حيث عرض فيه الأحكام المستفادة من الآية وما ورد فيها ، ولم يخرج في تفسيره عن ظواهر الكتاب ومحكماته وما ثبت بالتواتر أو بطرق مأثورة عن أهل البيت عليهم السلام. صدر منه مجلّد واحد وهو تفسير سورة البقرة.

3 - تفسير مُقتنيات الدُرَر ومُلتقطات الثمر ، للسيّد مير سيّد علي الحائري الطهراني (ت 1340 ه) في اثني عشر مجلّداً. وهو تفسير شامل لجميع آيات القرآن الكريم. اعتمد في تفسيره على روايات أهل البيت عليهم السلام واستشهد بأقوال الصحابة والتابعين. ولكن هذا التفسير تعرّض للنقد لأنّه جاء بالأخبار الضعيفة السقيمة مع الأخبار الصحيحة ، ولم يرجّح الصحيحة على الضعيفة بل قال رحمه الله : «ولعلّ اختلاف الأقوال من المرموزات ، والذي خوطب بالقرآن أعرف به»(1).

والقاعدة عند الإمامية أنّ الروايات ينبغي أن تطبق على القواعد الشرعية والعقلية ويرجّح الصحيح منها. وعلى أيّة حال ، فإنّ المبنى العقائدي والكلامي للتفسير سليم عموماً ، وبالخصوص فيما يتعلّق بالإمامة والعصمة وعدم الرؤية وأفعال العباد ونحوها. 6.

ص: 218


1- مقتنيات الدرر وملتقطات الثمر 1 / 256.

يقول في تفسير قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...)(1) بعدما ذكر الأخبار الواردة فيها : «ولفظ الوليّ في هذه الآية لا يجوز أن يكون معنى الناصر ، لأنّ الولاية المذكورة في الآية غير عامّة في كلّ المؤمنين ، بدليل أنّه تعالى ذكر بكلمة (إنّما) وكلمة إنّما للحصر لقوله : (إِنَّمَا الله إِلهٌ وَاحِدٌ)(2) ، والولاية بمعنى النصرة عامّة لقوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَولِياءُ بَعْض)(3) ، وهذا يوجب القطع بأنّ الولاية المذكورة في هذه الآية ليست بمعنى النصرة وكانت بمعنى التصرّف في الأمور. فصار معنى الآية : إنّما المتصرّف في أموركم أيّها المؤمنون هو الله ورسوله والمؤمنون الموصوفون بالصفة الفلانية ، ويجب أن يكون الموصوف بهذه الصفة إمام الأمّة ومتصرّفاً في كلّ أموركم ، فثبت بهذه الآية إمامة شخص موصوف بهذه الصفة ، وقد تظافرت الرواية على أنّ الآية نزلت في عليٍّ عليه السلام ، فكانت الآية مخصوصة به ودالّة على إمامته»(4).

15 - مدرسة القرن الخامس عشر :

يتميّز فجر هذا القرن بظهور التفاسير الشاملة لجميع آيات القرآن الكريم ونضوجها ، ك- : الميزان للسيِّد الطباطبائي (ت 1402 ه) ، والكاشف للشيخ مغنية (ت 1400 ه) ، ومواهب الرحمن للسبزواري (ت 1414 ه) ، والفرقان للروحاني النجف آبادي (ت 1415 ه) ، والفرقان للطهراني ، 1.

ص: 219


1- سورة المائدة 5 : 55.
2- سورة النساء 4 : 171.
3- سورة التوبة 9 : 71.
4- مقتنيات الدرر 4 / 41.

والأمثل للشيخ مكارم شيرازي. وأفضلها الميزان في تفسير القرآن للسيّد الطباطبائي قدس سره.

السيّد الطباطبائي والميزان :

الميزان في تفسير القرآن ، للسيّد محمّد حسين الطباطبائي (ت 1402 ه) ، في عشرين مجلّداً. وهو تفسير شامل لجميع آيات القرآن الكريم ويعدُّ من أهمّ التفاسير الشيعية الإمامية بعد مجمع البيان للطبرسي ، ومنهجه يعتمد على قاعدة إمكانية تفسير القرآن بعضه بعضاً ، فهو (هُدىً لِلْعَالَمِينَ)(1) و (نُوراً مُبِيناً)(2) و (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء)(3).

ويحتوي التفسير على أبحاث دقيقة ومطالب عميقة اعتمد فيها على كتب التفسير والحديث والسير والتأريخ واللغة. ونظرية المصنّف تتلخّص بأنّ القرآن الكريم كلام عربيٌّ مبين يفهمه كلّ من عرف اللغة وأساليب العربية ، والإختلاف يكمن في المصداق الذي تنطبق عليه المفاهيم ، والطريق الوحيد لمعرفة معاني الآيات هو أن نفسّر القرآن بالقرآن ، ثمّ نرجع في تشخيص المفاهيم إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته وأهل بيته عليهم السلام الذين أقامهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المقام وأشار إليهم في حديث الثقلين.

ومنهج الكتاب في تفسير السورة هو بيان غرضها وأهدافها ، ثمّ يدخل في شرح الآيات مجتمعة أو منفصلة حسب المقتضى الشرعي ، ثمّ يذكر الإعراب والصور البلاغية ، ويذكر أقوال المفسّرين ، ثمّ ينظر إلى الآية 9.

ص: 220


1- سورة آل عمران 3 : 96.
2- سورة النساء 4 : 174.
3- سورة النحل 16 : 89.

على أساس سياقها في السورة. ويعتبر المصنّف (السياق) أحد القرائن الحالية في فهم الكلام ويعتمده أساساً للكشف عن المعاني الإجمالية.

ويستخدم المصنّف قدس سره المنهج العقلي الذي اعتمده على القواعد الشرعية واللغوية والبراهين العلمية في إبراز مواقف الإمامية في التوحيد والعدل الإلهي وعصمة الأنبياء والإمامة ونحوها.

ويعرض المصنِّف الآيات التي يجمعها سياق واحد أو تعالج غرضاً من أغراض السورة ثمّ يبدأ بتفسيرها. مثلاً في بداية تفسير سورة المائدة يبيّن الغرض الجامع للسورة وهو الدعوة إلى الوفاء بالعهود وحفظ المواثيق والتحذير من نقضها وعدم الاعتناء بأمرها ، ثمّ يشرح أحكام الحدود والقصاص وقصّة المائدة وسؤال السيِّد المسيح عليه السلام وقصّة ابني آدم ومظالم بني اسرائيل ونحوها.

ويبيّن المصنِّف المعاني اللغوية إذا اقتضى الأمر من أجل بيان المعنى وكشف المقصود ، معتمداً في ذلك على الكتب اللغوية. ففي تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأنسَانَ مِن صَلْصَال مِّنْ حَمَإ مَّسْنُون * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ)(1) استند على كتاب مفردات القرآن للراغب الأصفهاني حيث قال : «إنَّ أصل الصلصال تردّد الصوت من الشيء اليابس ، ومنه قيل : صلّ المسمار ، وسُمّي الطين الجافّ صلصالاً. والسموم : الريح الحارّة تؤثّر تأثير السمّ»(2).

وفي معنى (الزُمر) في قوله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ 1.

ص: 221


1- سورة الحِجرِ 15 : 26 - 27.
2- تفسير الميزان 12 / 151.

زُمَراً)(1) استند إلى شرح الصحاح فقال : «إنّها الجماعة من الناس»(2).

وفي تفسير قوله تعالى : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع)(3) قال المصنِّف : «إنّ السؤال هنا بمعنى الطلب والدعاء ، ولذا عُدِّيَ بالباء كما في قوله تعالى : (يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَة آمِنِينَ)(4) ، وقيل : الفعل متضمّن معنى الاهتمام والاعتناء ولذا عُدِّيَ بالباء ، وقيل : الباء زائدة للتأكيد. ومآل الوجوه واحد وهو طلب العذاب من الله كفراً وعتوّاً. وليس الباء بمعنى (عن) لأنّ سياق الآيات التالية لا يلائم كون السؤال بمعنى الاستفسار والاستخبار»(5).

ويحاول المصنِّف رحمه الله استخدام الاستدلال العقلي في عرض بعض المفاهيم ، كمفهوم توبة آدم عليه السلام والدفاع عن عصمته فيقول : «فإن قلتَ : فما معنى التوبة حينئذ وقولهما : (وَإِن لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(6)؟ قلتُ : التوبة هي الرجوع ، والرجوع يختلف بحسب اختلاف موارده ، فكما يجوز للعبد المتمرّد على أمر سيّده وإرادته أن يتوب إليه فيردّ إليه مقامه الزائل من القرب عنده كذلك يجوز للمريض الذي نهاه الطبيب نهياً إرشادياً عن أكل شيء معيّن من الفاكهة والمأكولات - وإنّما كان ذلك منه مراعاة لجانب سلامته وعافيته - فلم ينتهِ المريض عن نهيه فاقترفه فتضرّر فأشرف على الهلاك ، فيجوز أن يتوب إلى الطبيب ليشير إليه بدواء 3.

ص: 222


1- سورة الزمر 39 : 71.
2- تفسير الميزان 17 / 297.
3- سورة المعارج 70 : 1.
4- سورة الدخان 44 : 55.
5- تفسير الميزان 20 / 6.
6- سورة الأعراف 7 : 23.

يعيده إلى سابق حاله وعافيته ، فيذكر له أنّ ذلك محتاج إلى تحمّل التعب والمشقّة والعناء والرياضة خلال مدّة يعود إلى سلامة المزاج الأوّلية بل إلى أشرف منها وأحسن»(1).

تفاسير أُخرى :

وهناك تفاسير أُخرى صدرت في هذه الفترة ، ومنها :

1 - تفسير الكاشف ، للشيخ محمّد جواد مغنية (ت 1400 ه) في سبعة مجلّدات. وهو تفسير موجز شامل لجميع آيات القرآن الكريم. استند في تفسيره على الروايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام عن طريق محدّثي الشيعة. قال في المقدّمة : «... فإنّي لا أعرف مهمّة أشقّ وأصعب من مهمّة المفسّر لكلمات الله ... إنّه يتصدّى للكشف عن إرادته جلّت كلمته ، وليس هذا بالشيء اليسير ... والذي يهوّن الخطب أنّ المفسّر يعبّر عن فهمه وتصوّره لمعاني القرآن ومقاصده كما هي في ذهنه لا كما هي في واقعها ، تماماً كالفقيه المجتهد الذي يؤجر إن أصاب ويُعذر إن أخطأ ، بل ويؤجر أيضاً على نيّته واجتهاده وعدم تقصيره»(2).

ومنهجه في التفسير هو تفسير الآيات الشريفة وبيان معانيها وشرح لغتها وإعرابها ولكن مع عدم التأكيد على أسرار إعجاز الكلمات والمعاني البليغة ، وتجاهلَ أغلب الروايات الخاصّة بأسباب النزول مستدلاًّ على أنّ الفقهاء لم يمحّصوا أسانيدها ويميّزوا بين صحيحها وضعيفها كما فعلوا بالروايات الخاصّة بآيات الأحكام. 0.

ص: 223


1- تفسير الميزان 1 / 138.
2- التفسير الكاشف 1 / 10.

2 - مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، للسيّد عبد الأعلى الموسوي السبزواري (ت 1414 ه) ، في ثلاثين مجّلداً. وهو تفسير شامل لجميع آيات القرآن الكريم ، حوى على مباحث أدبية ولغوية وبلاغية وفقهية وكلامية على مبنى الفقهاء ، حيث قال : «وقد بذلتُ جهدي في عدم التفسير بالرأي مهما أمكنني ... وقد ذكرتُ ما يمكن أن يستظهر من الآيات المباركة بقرائن معتبرة ، فإنّ هذا الحديث الشريف لا يشمله ، إذ التفسير بالرأي غير الإستظهار من الآيات المباركة بالقرائن ، وتركتُ التعرّض للتفاسير النادرة والآراء المزيّفة والفروض التي تتغيّر بمرور الزمان»(1).

وفي بيان منهجه في التفسير كتبَ المصنّف : «لم أتعرّض لبيان النظم في الآيات ، وذلك لأنّ الجامع القريب في جميعها موجود وهو تكميل النفس أو الهداية ، ومع وجوده لا وجه لذكر النظم بين الآيات ، لأنّ الغرض القريب بنفسه هو الجامع والرابط بين الآيات ، كما إنّي لم أهتمّ بذكر شأن النزول غالباً ، لأنّ الآيات المباركة كلّيات تنطبق على مصاديقها في جميع الأزمنة ، فلا وجه لتخصيصها بزمان النزول أو بفرد دون آخر ، وكذلك جميع الروايات الواردة عن الأئمّة الهداة في بيان بعض المصاديق لها ، فهو ليس من باب التخصيص بل من باب التطبيق الكلّي على الفرد»(2).

ويعرض المصنّف في تفسيره جانباً من المباحث العرفانية ، فيقول بعد تفسير قوله عزّوجلّ : (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى)(3) : «بحثٌ دلالي : يمكن أن يكون تظليل الغمام إشارة إلى مقام 7.

ص: 224


1- مواهب الرحمن 1 / 7.
2- مواهب الرحمن 1 / 7.
3- سورة البقرة 2 : 57.

تجلّي صفاته المقدّسة - جلّت عظمته - لخُلّص عباده ، وإنزال المنّ والسلوى إشارة إلى المقامات الحاصلة لهم من التخلّي عن الرذائل والتحلّي بالفضائل. و (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)(1) إشارة إلى قول نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) : لله في أيّام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها. وفي قوله تعالى : (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)(2) إشارة إلى قوله [في الحديث القدسي] : من دنى إلىَّ شبراً دنوتُ إليه ذراعاً ، ومن دنى إلىَّ ذراعاً دنوتُ منه باعاً ، ومن دنى إلىَّ باعاً دنوتُ إليه هرولةً ...»(3).

3 - الفرقان في تفسير القرآن ، للشيخ علي الروحاني النجف آبادي (ت 1415 ه) ، في 22 مجلّداً. وهو تفسير مختصر اعتنى مصنّفه بذكر الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في تفسير الآية. وإليك نموذجاً ممّا ذكره في مسألة عدم خلود مرتكب الكبيرة في النار في تفسير قوله تعالى : (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(4) : «قيل : دلالة الآية وظاهرها يمنع من أن يكون مرتكب الكبيرة مخلّداً في النّار ، لأنّه إذا كان مؤمناً مستحقّاً للثواب الدائم فلا يجوز أن يستحق مع ذلك عقاباً دائماً ، لأنّ ذلك خلاف ما أجمع عليه المسلمون.

ومبنى الكلام هو [هل] أن الإحباط باطل أم لا؟ هذا وإذا كان مع مرتكب الجرائم شيء من الطاعات لكان ذلك الشخص مستحقّاً للثواب فلا تكون السيئة محبطة له فلا يكون خالداً في النار أبداً ، ومعلوم أنّ قلّة الثواب عندنا تثبت مع كثرة العقاب ، وقد ذُكِرَ في محلّه بطلان التحابط بأدلّة العقل. 1.

ص: 225


1- سورة البقرة 2 : 57.
2- سورة البقرة 2 : 58.
3- مواهب الرحمن 1 / 301.
4- سورة البقرة 2 : 81.

والأقوى أن نقول : بأنّ الآية تدلّ على أنّ المراد بالسيّئة الشرك ، والدليل على ذلك أنّ سيّئة واحدة لا تحبط جميع الأعمال عند أكثر الخصوم فلا يمكن إذاً إجراء الآية على العموم ، فيجب أن تحمل الآية على أكبر السيّئات وأعظم الخطيئات وهو الشرك بالله ليمكن الجمع بين الآيتين»(1).

4 - الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة ، للشيخ محمّد صادقي الطهراني في ثلاثة مجلّدات. وهو تفسير شامل للقرآن الكريم ، حاول المصنّف فيه أن يفسّر القرآن بالقرآن وإضافة الحديث الموافق للقرآن وكان منهجه في ذلك أنّه لا سبيل إلى الحديث إلاّ موافقته للقرآن. قال في بيان منهجه : «وأُسلوبي في التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن ، فكما الله غنيٌّ في ذاته عمّن سواه كذلك كلامه في ذاته غنيٌّ عمّا سواه ، فهو المفسّر لغيره ولا عكس ، فإنّه نور وبرهان وبيان ، فما بال نور الأنوار يستنير بأنوار أُخرى ...»(2).

وخالف المصنّف من قال بتطبيق القرآن على العلوم العصرية ، فقال : «ومن ذلك كثير عند المتفرنجين من المفسّرين الذين غرقوا في العلوم والنظريّات الجديدة ونسوا أنّ القرآن هو علم الله فلن يتبدّل ، والعلم دوماً في تبدّل وتحوّل من خطأ إلى صواب ومن صواب إلى أصوب ، فتفسير القرآن بفرضية العلم أو رأيه أو رأي العقل غير الضروري منك أو من سواك من مفسّرين أو علماء آخرين أو أحاديث غير ثابتة ولا ملائمة للآيات أو أيّاً كان من تفسير للقرآن لغير قرآن كلّ ذلك تفسير له بالرأي دون علم أو أثارة 8.

ص: 226


1- الفرقان في تفسير القرآن 1 / 212.
2- الفرقان 1 / 18.

من علم أو كتاب منير»(1).

5 - الأمثل في تفسير كتاب الله المُنزل ، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ، في عشرين مجلّداً. وهذا التفسير ثمرة عمل جماعي قام به مع المصنّف جمعٌ من الأفاضل من الحوزة العلمية في قم المشرّفة. ومنهج التفسير هو ذكر السورة وخصائصها وما يرتبط بها من أهداف عامّة والإشارة إلى مضمون آياتها بياناً وتحليلاً ، خصوصاً المسائل الإجتماعية.

تناول التفسير معاني الكلمات وأسباب النزول ، وعالج الشبهات المطروحة حول أصول الإسلام وفروعه ، كتعدّد الزوجات ، ونقصان إرث المرأة عن إرث الرجل ، ونسخ الأحكام ، والغزوات الإسلامية ، والإسراء والمعراج ، ونحوها. ومبناه هو الركون إلى سلاسة العبارة وعدم التفسير بالرأي والإستناد على قاعدة أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً.

خاتمة الفصل :

عرضنا فيما سبق لأهمّ التفاسير العربية في المدرسة الإمامية منذ القرن الأوّل الهجري ولحدّ بدايات القرن الخامس عشر. وقد تمّت مراعاة الجانب العلمي في العرض والنقد ، وتمّ التركيز على تطوّر مباني الفكر القرآني أكثر من التركيز على تراجم المفسّرين. وفي الحقيقة ، فإنّنا نعترف بحاجتنا إلى دراسات إضافية أوفى وأشمل لتلك النهضة العلمية الشيعية الخاصّة بتفسير كتاب الله المجيد. 1.

ص: 227


1- الفرقان 1 / 31.

الفصل الثالث

التفاسير المعتمدة في المدرسة الإمامية

هناك مجموعة تفاسير اهتمّ بها علماء الشيعة وأولوها عناية فائقة ، ومن تلك الكتب التفسيرية :

1 - التبيان الجامع لعلوم القرآن للشيخ الطوسي (ت 460 ه). ذكرنا منهج الشيخ الطوسي سابقاً ، وما نعرضه الآن هو اعتماد علماء الطائفة على تفسير التبيان ، فنذكر أراءهم في هذا الصدد.

كان ابن ادريس الحلّي (ت 598 ه) صاحب كتاب السرائر يكنُّ إجلالاً لهذا الكتاب ويذكر مؤلّفه بالثناء الجميل. وابن ادريس هو أوّل من خالف من الناحية الإجتهادية أقوال الشيخ الطوسي إلاّ أنّه يقف عند كتابه التبيان ويعترف له بعظم الشأن واستحكام البنيان ، وقد بلغ إعجابه أن لخّصه وسمّاه مختصر التبيان(1).

قال الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه) : «...إلاّ أنّ أصحابنا - رضوان الله عليهم - لم يدوّنوا في ذلك - تفسير القرآن - غير مختصرات نقلوا فيها ما وصل إليهم في ذلك من الأخبار ، ولم يعنوا ببسط المعاني وكشف الأسرار إلاّ ما جمعه الشيخ الأجلّ السعيد أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (قدّس الله روحه) من كتاب التبيان ، فإنّه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحقّ ويلوح عليه رواء الصدق ، قد تضمّن من المعاني الأسرار البديعة واحتضن من الألفاظ اللغة الوسيعة ، ولم يقنع ي.

ص: 228


1- مقدّمة التبيان 1 / 24 - نقلاً عن الشيخ آغا بزرك الطهراني.

بتدوينها دون تبيينها ولا بتنميقها دون تحقيقها ، وهو القدوة أستضيء بأنواره وأطأ مواقع آثاره ...»(1).

وقال المحدّث القمّي (ت 1359 ه) متحدّثاً عن الشيخ الطوسي : «أمّا التفسير فله كتاب التبيان الجامع لعلوم القرآن ، وهو كتاب جليل كبير عديم النظير في التفاسير»(2).

ووصفه صاحب الروضات (ت 1371 ه) : «أقول : والكتاب المذكور - التبيان - هو فوق ما يقول وتقول ، وحسب الدلالة على اشتماله لجميل كلّ مدلول واحتوائه لجليل كلّ مشمول مع ندور ما يوجد فيه من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ...»(3).

وبالجملة ، فإنّ تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن للشيخ الطوسي قدس سره من التفاسير المعتبرة في المدرسة الإمامية ، من خلال تفسيره القرآن بالقرآن ، وتفسير القرآن بالسنّة النبوية وأحاديث أهل البيت عليهم السلام ، واستخدام السياق القرآني لفهم الآيات ، وعرض معاني القرآن من زاوية حجّية ظواهر الكتاب. ومن ميزات الكتاب أُسلوبه في طرح البحوث الكلامية ضمن بيانه لدلالات الآيات بحيث ردّ على أكثر من عشرة فرق مستنداً على الآيات الشريفة. ومن ميزاته أيضاً أُسلوبه الكلامي في الإستدلال على التوحيد في تفسير الآيات التي تتناول الظواهر الطبيعية.

2 - مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه). مدحه علماء الإمامية وأطروه. ففي كتاب 0.

ص: 229


1- مجمع البيان 1 / - المقدّمة.
2- الفوائد الرضوية : 470.
3- روضات الجنات 6 / 220.

نقد الرجال للسيّد الأجل الأمير مصطفى التفريشي وفي تعليقة العلامة الآغا محمّد باقر البهبهاني على رجال ميرزا محمّد الكبير : ثقة ، فاضل ، دين ، عين ، من أجلاء هذه الطائفة.

وعن نظام الأقوال للمولى نظام الدين القرشي تلميذ الشيخ البهائي : ثقة ، فاضل ، ديّن ، عين.

وعن فهرست الشيخ منتجب الدين علي بن عبيد الله بن بابويه بعد وصفه بالإمام : ثقة ، فاضل ، ديّن ، عين.

وفي الوجيزة للعلاّمة المجلسي : ثقة ، جليل.

وفي مستدركات الوسائل : فخر العلماء الأعلام وأمين الملّة والإسلام ، المفسّر الفقيه ، الجليل الكامل النبيل صاحب تفسير مجمع البيان الذي عكف عليه المفسّرون وغيره من المؤلّفات الرائقة الشائع جملة منها.

وعن رياض العلماء للشيخ الحافظ المتبحّر ملاّ عبد الله الأصفهاني المعروف بالأفندي أنّه وصفه بالشيخ الشهيد الإمام وأنّه قال : رأيت نسخة من مجمع البيان بخطّ الشيخ قطب الدين الكيدري ...

وعن صاحب رياض العلماء أيضاً أنّه قال بعد مدحه له بعبارات عالية : كان قدس سره وولده رضي الدين أبو نصر حسن بن الفضل صاحب كتاب مكارم الأخلاق وسبطه أبو الفضل عليّ بن الحسن صاحب مشكاة الأنوار وسائر سلسلته وأقربائه من أكابر العلماء ، انتهى.

وفي الروضات : الشيخ الشهيد السعيد والحبر الفقيه ، الفريد الفاضل ، العالم المفسّر ، الفقيه المحدِّث ، الجليل الثقة ، الكامل النبيل. ثمّ حكى عن صاحب رياض العلماء أنّه ترجمه بنحو ذلك.

وفي المقابيس لرئيس المحقّقين الشيخ أسد الله التستري عند ذكر

ص: 230

ألقاب العلماء : ومنها أمين الإسلام للشيخ الأجل الأوحد الأكمل الأسعد ، قدوة المفسّرين وعمدة الفضلاء المتبحّرين ، أمين الدين أبي عليّ ... قدّس الله نفسه الزكية وأفاض على تربته المراحم السرمدية.

وعن مجالس المؤمنين ما ترجمته : إنّ عمدة المفسّرين أمين الدين ثقة الإسلام أبا عليّ الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي كان من نحارير علماء التفسير ، وتفسيره الكبير الموسوم ب- : مجمع البيان بيان كاف ودليل واف لجامعيّته لفنون الفضل والكمال ، انتهى ...

«وبالجملة ، ففضل الرجل وجلالته وتبحّره في العلوم ووثاقته أمر غنيٌّ عن البيان ، وأعدل شاهد على ذلك كتابه مجمع البيان كما أشار إليه صاحب مجالس المؤمنين بما جمعه من أنواع العلوم وأحاط به من الأقوال المشتّتة في التفسير مع الإشارة في كلّ مقام إلى ما روي عن أهل البيت عليهم السلام في تفسير الآيات بالوجوه البيّنة المقبولة مع الاعتدال وحسن الاختيار في الأقوال والتأدّب وحفظ اللسان مع من يخالفه في الرأي بحيث لا يوجد في كلامه شيء ينفر الخصم أو يشتمل على التهجين والتقبيح»(1).

و «مجمع البيان لعلوم القرآن فسّر به القرآن الكريم في عشر مجلّدات المستمدّ من التبيان لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي كما ألمح إلى ذلك في مقدّمة مجمع البيان والفائق عليه في الترتيب والتهذيب والتحقيق والتنميق واختصار الفروع الفقهية التي أكثر الشيخ من ذكرها ، وهو من أحسن التفاسير وأجمعها لفنون العلم وأحسنها ترتيباً ، فرغ من تأليفه منتصف ذي القعدة سنة ستّ وثلاثين وخمسمائة»(2).3.

ص: 231


1- مجمع البيان : 52 - ترجمة المؤلف.
2- مجمع البيان : 53.

3 - الميزان في تفسير القرآن للسيّد محمّد حسين الطباطبائي (ت 1402 ه). وهو من التفاسير المعاصرة التي اكتسبت شهرة عظيمة ، فالمفسّر علمٌ من أعلام الشيعة المجتهدين ، وله إجازة الاجتهاد والرواية عن أُستاذه المرجع الميرزا محمّد حسين النائيني رضي الله عنه.

استعان المصنِّف ببيان الشيخ الطبرسي (ت 548 ه) في مجمع البيان في معاني الآيات لكنّه كان ينقد الآراء ويمحّصها وينتقي ما يراه الأقرب إلى مراد القرآن ، واستعان أيضاً بتفاسير أُخرى من المذاهب الأربعة ، ك- : الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (ت 911 ه) ، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي (ت 691 ه) ، والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (ت 502 ه) ، ومفاتيح الغيب (التفسير الكبير) للفخر الرازي (ت 606 ه) ، والكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري (ت 538 ه) ، وجامع البيان في تفسير القرآن للطبري (ت 310 ه) ، وغيرها.

أمّا تفاسير الشيعة فقد استفاد من الروايات المنقولة فيها ، ومنها :

1 - تفسير العيّاشي (من علماء القرن الثالث). 2 - تفسير ابن إبراهيم ابن فرات الكوفي (من اواسط المائة الثالثة). 3 - تفسير القمّي. 4 - تفسير النعماني. 5 - جوامع الجامع للطبرسي (ت 538 ه). 6 - آيات الأحكام للراوندي (ت بعد 562 ه). 7 - سعد السعود لابن طاووس (ت664 ه). 8 - الصافي للفيض الكاشاني (ت 1091 ه). 9 - تفسير البرهان للبحراني (ت 1107 ه). 10 - تفسير نور الثقلين للعروسي الحويزي (ت 1112 ه).

ص: 232

الفصل الرابع

تفاسير المدرسة الإمامية باللغة الفارسية

لم تقتصر تفاسير الشيعة الإمامية على اللغة العربية فحسب ، بل دخلت تفاسير القرآن الكريم باللغات الأُخرى الباب الأوسع لتعرِّف كتاب الله المجيد إلى الأمّة الإسلامية على اختلاف ثقافاتها ولغاتها. وكانت اللغة المتميّزة في تفسير القرآن الكريم بعد العربية هي اللغة الفارسية ، فصدرت تفاسير عديدة نذكر منها نماذج ، وهي :

1 - روضُ الجِنان ورَوحُ الجَنان - لأبي الفتوح الحسين بن عليّ الخزاعي الرازي النيشابوري (المتوفّى أوائل القرن السادس الهجري) ، في عشرين مجلّداً ، طبع في مشهد سنة 1408 ه- ، وهو أحد أقدم التفاسير الخمسة التي كتبت باللغة الفارسية ، وهي :

أ - ترجمة تفسير الطبري.

ب - كشف الأسرار وعُدّة الأبرار ، لأبي الفضل رشيد الدين المبيدي.

ج - منهج الصادقين في إلزام المخالفين ، للشيخ فتح الله الكاشاني.

د - تفسير سورآبادي.

ه- - روضُ الجِنان ورَوحُ الجَنان ، للشيخ أبي الفتوح الرازي.

وهذا التفسير «في وثاقة التحرير وعذوبة التقرير ودقّة النظر من غير نظير ، وإنّما اقتبس من آثاره الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير وبنى عليه بنيانه ، وإن أضاف إليه بعض تشكيكاته»(1).

ولهذا الكتاب تأثيرٌ واضح على أبي المحاسن الحسين بن الحسن 8.

ص: 233


1- روضات الجنات 2 / 308.

الجرجاني في تفسيره جلاء الأذهان وجلاء الأحزان ، وعلى ملاّ فتح الله الكاشاني في تفسيره منهاج الصادقين.

ابتدأ تفسيره في عرض مقدّمة حول شرائط التفسير ، ثمّ بحث في معاني القرآن ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والعامّ والخاص ، وأسماء القرآن ومعانيه ، ومعنى السورة والآية وكلماتها وحروفها ، وفضل قراءة القرآن ، وفضل علم القرآن ، ومعنى التفسير والتأويل والاستعاذة. نقل روايات أهل البيت عليهم السلام في تفسير القرآن ، وتعرّض للأحكام الفقهية كالوضوء والطلاق والعدالة ونحوها ، ونقل أيضاً أقوال الصحابة والتابعين في التفسير.

2 - منهج الصادقين في إلزام المخالفين ، للملاّ فتح الله الكاشاني (ت 988 ه) ، في عشرة مجلّدات. طبع في طهران سنة 1386 ه. وهو تفسير عامّ شامل لجميع آيات القرآن الكريم ، ذكر فيه المعاني اللغوية والإعراب والصرف والنحو ، واستشهد بأشعار العرب وأمثالهم ، وتعرّض للأحكام الفقهية دون توسّع.

3 - أنوار من القرآن ، للسيّد محمود بن أبي الحسن الطالقاني (ت 1399 ه) ، طبع في طهران سنة 1383 - 1389 ه- في ستّ مجلّدات. لم يتوفّق المصنّف لإكماله وصدر منه تفسير سورة الحمد إلى سورة النساء الآية 28 والجزء الثلاثين من القرآن الكريم. منهجه في التفسير هو ذكر الجوّ العامّ للآيات ثمّ ذكر الخلفية التأريخية لنزولها والحقائق المستفادة منها وأهدافها.

4 - حجّة التفاسير وبلاغ الإكسير ويعنون أيضاً ب- : من لا يحضره المفسّر والتفسير ، للسيّد عبد الحُجّة البلاغي (ت 1399 ه) ، في عشرة مجلّدات. طبع في قم المشرّفة سنة 1386 ه. وهو تفسير موجز شامل

ص: 234

لجميع آيات القرآن الكريم ، يستشهد فيه بالشعر والأمثال المستعملة في كلام العرب ويذكر القصص والشواهد التأريخية وبيان أقوال الفرق والمذاهب.

5 - مخزن العرفان في علوم القرآن ، للسيّدة نصرت بنت محمّد علي أمين المشهورة ب- (بانوي إصفهاني) (ت 1403 ه) ، في خمسة عشر مجلّداً. طبع في إصفهان. والمصنّفة من عالمات الشيعة الإمامية حيث انصرفت لعلوم الشريعة حتّى بلغت الإجتهاد. وهذا الكتاب تفسير موجز شامل لجميع آيات القرآن ، اعتمدت فيه على تفاسير علماء أهل البيت عليهم السلام والمرويات عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، وأكّدت على لزوم الأخذ من الراسخين في العلم في فهم معنى الكتاب المجيد وعلى منع التفسير بالرأي ، ومن منهجها عدم نسبة أيّ مدلول إلى كلام الله عزّوجلّ ، فكانت تشير مراراً إلى قولها : ولعلّ هذا هو المقصود من الآية. وهذا التفسير من التفاسير العرفانية والفلسفية التي بحثت فيه قضايا مهمّة ، كخلق القرآن وصفات الله وأفعال العباد والإمامة ونحوها.

6 - أطيب البيان في تفسير القرآن ، للسيّد عبد الحسين الطيّب (ت 1411 ه). طبع في طهران سنة 1393 ه- في أربعة عشر مجلّداً. وهو تفسير شامل لجميع القرآن مع عناية بعرض الأخبار عن طريق أئمّة أهل البيت عليهم السلام وتفسير القرآن بالقرآن ، ويبحث أيضاً في مباحث الجبر والاختيار والإمامة ومعنى العرش والكرسيّ وأحكام التقية.

7 - الأنوار الساطعة في تفسير القرآن ، للسيّد محمّد الحسيني الهمداني. طبع في طهران سنة 1380 ه- في ثمانية مجلّداً. تفسير أدبي عرفاني شامل لجميع آيات القرآن الكريم. اعتنى المؤلّف بذكر الآثار الواردة عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام وتفسير القرآن بالقرآن لغة ومدلولاً.

ص: 235

الفصل الخامس

منهج التفسير في النظرية الإمامية

لا شكّ أنّ لتفسير القرآن الكريم في المدرسة الإمامية منهجاً خاصّاً يستند عليه الفقهاء المفسّرون ، فهم يستندون على تفسير القرآن بالقرآن ، والقرآن بالسنّة المطهّرة التي تشمل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ، واستخدام السياق لفهم معاني القرآن ، والإيمان بمبدأ الإجمال في القرآن والتفصيل في السنّة ، والاهتمام بتفسير آيات الأحكام باعتبارها وسيلة من وسائل فهم الأحكام الشرعية ، ومعرفة المتشابه في القرآن عن طريق الدليل الشرعيّ.

1 - تفسير القرآن بالقرآن :

إنّ الطريق الصحيح لتفسير القرآن الكريم هو التماس المعنى من آيات قرآنية اُخر ، فالقرآن يفسّر بعضه بعضاً ، وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى أنّ القرآن ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض(1). وإن عجز المفسّر عن ذلك التمس سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ، فإنّها تشرح القرآن وتبيّن معانيه. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض القرآن على الناس فيفهمون ظاهره على الأغلب وكانوا يسألونه فيما لا يفهمون ، ولكن بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) استجدّت أمور كان لابدّ أن يكون فيها رأي للإسلام ، ومن ذلك روايتان :

الأولى : «أتي عمر بامرأة قد ولدت لستّة أشهر فهمّ أن يرجمها ، فبلغ 7.

ص: 236


1- شرح نهج البلاغة - لمحمد عبده - 2 / 17.

عليّاً عليه السلام فقال : ليس عليها رجم. فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه يسأله. فقال عليّ عليه السلام : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ...)(1) ، وقال : (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً)(2) ، فستّة أشهر حمله وحولين تمام الرضاعة لا حدَّ عليها. قال : فخلّى سبيلها»(3).

وهذه الرواية تدلّ على أنّ القرآن يكمّل بعضه بعضاً.

الثانية : «إنّ الخليفة الثالث أمر من يصطاد يعاقيب (طيوراً) وهو مُحرِمٌ ، فطبخهنّ من كان بخدمته ثمّ قدّمهنّ إليه ، فقال عثمان لمن حوله : كلوا. فقال بعضهم : حتّى يجيء عليّ بن أبي طالب. فلمّا جاء فرأى ما بين أيديهم قال عليّ عليه السلام : إنّا لن نأكل منه. فقال عثمان : ما لكَ لا تأكل؟ فقال عليه السلام : هو صيدٌ ولا يحلّ أكله وأنا محرم. فقال عثمان : بيّن لنا. فقال عليّ عليه السلام : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)(4). فقال عثمان : أو نحن قتلناه؟ فقرأ عليه السلام عليه : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعَاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً)(5)»(6).

وهذه الرواية كسابقتها تدلُّ على أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً.

وعلى نفس المنوال يمكن أن نفسّر قوله تعالى : (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)(7) بأنّها النار التي تغشى وجوه أهل النار على ضوء قوله تعالى : 1.

ص: 237


1- سورة البقرة 2 : 233.
2- سورة الأحقاف 46 : 15.
3- مناقب الخوارزمي : 50.
4- سورة المائدة 5 : 95.
5- سورة المائدة 5 : 96.
6- جامع البيان عن تأويل آي القرآن 7 / 70.
7- سورة الغاشية 88 : 1.

(تَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ)(1).

وقد استخدم هذا الأُسلوب القرآني في تفسير كلمات الله المجيد الشيخ الطوسي (ت 460 ه) في كتابه التبيان في تفسير القرآن ، وابن شهرآشوب (ت 588 ه) في متشابه القرآن ، والراوندي (ت 573 ه) في فقه القرآن ، والمقدّس الأردبيلي (ت 993 ه) في زبدة البيان ، والشيخ البلاغي (ت 1352 ه) في آلاء الرحمن ، والسيّد الطباطبائي (ت 1402 ه) في الميزان.

فسّر الشيخ الطوسي المصطلحات القرآنية عبر ربط الآيات القرآنية بمعنى مشترك ، حيث كان يستعين بآيات قرآنية من أجل إظهار معنى آيات اُخر. ولنأخذ على ذلك أمثلة في معاني : الإعصار ، والختم ، والاستواء.

أ - فعند تفسيره لمصطلح (الإعصار) في قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِن نَخِيل وَأَعْنَاب تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الَّثمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ)(2).

«فالعصر هو عصر الثوب ونحوه من كلّ شيء رطب ، عصرته عصراً فهو معصور.

والعصر : الدهر ، وفي التنزيل (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الأنسَانَ لَفِي خُسْر)(3). والعصر : العشيّ ، ومنه صلاة العصر ، لأنّها تعصر أي تؤخّر كما يؤخّر الشيء بالتعصّر فيه. 2.

ص: 238


1- سورة ابراهيم 14 : 50.
2- سورة البقرة 2 : 266.
3- سورة العصر 103 : 1 - 2.

والعصر : النجاة من الجدب ، ومنه قوله تعالى : (فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)(1) ، لأنّه كعصر الثوب في الخروج من حال إلى حال.

والإعصار غبار يلتفّ بين السماء والأرض كالتفاف الثوب في العصر. والمعصرات : السحب ، ومنه قوله تعالى : (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً)(2)»(3).

ب - وفي تفسيره للختم في قوله تعالى : (خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(4) قال الشيخ الطوسي : «و (خَتَمَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ) أي شهد عليها بأنّها لا تقبل الحقّ ، يقول القائل : أراك تختم على كلّ ما يقول فلان ، أي تشهد به وتصدّقه. وقيل : المعنى في ذلك أنّه ذمّهم بأنّها كالمختوم عليها في أنّها لا يداخلها الإيمان ولا يخرج منها الكفر.

والختم : آخر الشيء ، ومنه قوله تعالى : (خِتَامُهُ مِسْكٌ)(5) ، ومنه (خَاتَمَ النَّبِيِّينَ)(6) ، أي آخرهم»(7).

ج - وفي معنى الاستواء يقول في تفسيره كلمة (استوى) في قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات)(8) : «... وقال قوم : معنى (استوى) أي استولى على السماء بالقهر كما قال : (لِتَسْتَوُوا 9.

ص: 239


1- سورة يوسف 12 : 49.
2- سورة النبأ 78 : 14.
3- تفسير التبيان 2 / 342.
4- سورة البقرة 2 : 7.
5- سورة المطففين 83 : 26.
6- سورة الأحزاب 33 : 40.
7- تفسير التبيان 1 / 63.
8- سورة البقرة 2 : 29.

عَلَى ظُهُورِهِ)(1) ، أي تقهروه ، ومنه قوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى)(2) ، أي تمكّن من أمره وقهر هواه بعقله ، فقال : (اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ)(3) في تفرّده بملكها ولم يجعلها كالأرض ملكاً لخلقه»(4).

استظهار المعاني :

وفي منهجيّته الفريدة يحاول الشيخ الطوسي إثارة بعض الإشكالات الذهنية من أجل الوصول إلى المعاني التي يستظهرها ، ومن ذلك قوله تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)(5) ، يقول الشيخ : «فإن قيل : كيف يجمع بين قوله : (ولاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)(6) وقوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ)(7)؟

قلنا : فيه قولان :

أحدهما : إنّه نفى أن يسألهم سؤال استرشاد واستعلام وإنّما يسألهم سؤال توبيخ وتبكيت ، والثاني : تنقطع المساءلة عند حصولهم على العقوبة ، كما قال : (فَيَوْمَئِذ لاَ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ)(8) وقال في موضع آخر : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ)(9) ، والوجه ما قلناه : إنّه يسألهم 4.

ص: 240


1- سورة الزخرف 43 : 13.
2- سورة القصص 28 : 14.
3- سورة البقرة 2 : 29.
4- تفسير التبيان 1 / 126.
5- سورة الأعراف 7 : 6.
6- سورة القصص 28 : 78.
7- سورة الأعراف 7 : 6.
8- سورة الرحمن 55 : 39.
9- سورة الصافات 37 : 24.

سؤال توبيخ قبل دخولهم في النار ، فإذا دخلوها انقطع سؤالهم»(1).

«وقوله : (وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)(2) المراد به لا يسألون سؤال استعلام واستخبار ليعلم ذلك من قولهم ، لأنّه تعالى عالم بأعمالهم قبل خلقهم ، وأمّا قوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)(3) وقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(4) فهو مساءلة توبيخ وتقريع كقوله : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ...)(5) ، وسؤاله للمرسلين ليس للتوبيخ ولا للتقريع لكنّه توبيخ للكفّار وتقريع لهم أيضاً ، وأمّا قوله : (فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذ وَلاَ يَتَساءَلُونَ)(6) فمعناه سؤال تعاطي واستخبار عن الحال التي جهلها بعضهم لتشاغلهم عن ذلك ، وقوله : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ)(7) فهو سؤال توبيخ وتقريع وتلاوم كما قال : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض يَتَلاَوَمُونَ)(8)»(9).

2 - تفسير القرآن بالسنّة :

السنّة هي قول المعصوم عليه السلام وفعله وتقريره. والمعصومون عليهم السلام هم أربعة عشر : النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفاطمة ،عليها السلام ، والأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام. 0.

ص: 241


1- تفسير التبيان 4 / 349.
2- سورة القصص 28 : 78.
3- سورة الأعراف 7 : 6.
4- سورة الحجر 15 : 92 - 93.
5- سورة يس 36 : 60.
6- سورة المؤمنون 23 : 101.
7- سورة الصافات 37 : 27.
8- سورة القلم 68 : 30.
9- تفسير التبيان 4 / 350.

والعصمة ملكة تمنع صاحبها من الخطأ والنسيان والسهو والعصيان. ولأنّ الأئمّة عليهم السلام حفظة الشرع والقوّامون عليه فلابدّ أن يتّصفوا بكلّ الصفات التي تمنعهم من جميع الرذائل والفواحش. وحديث الثقلين المتواتر أعظم دليل على عصمة أهل البيت عليهم السلام. ولذلك فإنّ الأخذ بروايات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت عليهم السلام حجّة في فهم القرآن بشرط موافقة تلك الروايات للقرآن. وقد جاء في الحديث الشريف : «إذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فاقبلوه ، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط»(1).

وبموجب تلك القاعدة قال الشيخ الطوسي في مقدّمة التبيان : «واعلم أنّ الرواية ظاهرة في أخبار أصحابنا بأنّ تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الأئمّة عليهم السلام الذين قولهم حجّة كقول النبيّ صلّى الله عليه وآله»(2).

وعلى أساس تلك القاعدة فقد قُسّمت معاني القرآن الكريم إلى أربعة أقسام :

القسم الأوّل : ما اختصّ الله تعالى بالعلم به ، فلا يجوز لأحد تكلّف القول فيه ولا تعاطي معرفته ، وذلك كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ)(3) ، ومثل قوله تعالى : (إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)(4). 4.

ص: 242


1- نقله الشيخ الطوسي في تفسير التبيان 1 / 5.
2- تفسير التبيان 1 / 4.
3- سورة الأعراف 7 : 187.
4- سورة لقمان 31 : 34.

الثاني : ما كان ظاهره مطابقاً لمعناه ، فكلّ من عرف اللغة التي خوطب بها عرف معناه ، مثل قوله تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ)(1) ، ومثل قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)(2) ، وغير ذلك.

الثالث : ما هو مجمل لا ينبىء ظاهره عن المراد به مفصّلاً ، مثل قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)(3) ، وقوله : (وَلله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(4) ، وقوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)(5) ، وقوله : (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ)(6) ، وما أشبه ذلك.

فإنّ تفصيل أعداد الصلاة وعدد ركعاتها وتفصيل مناسك الحجّ وشروطه ومقادير النصاب في الزكاة لايمكن استخراجه إلاّ ببيان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي من جهة الله تعالى.

الرابع : ما كان اللفظ مشتركاً بين معنيين فما زاد عنهما ويمكن أن يكون كلّ واحد منهما مراداً ، فلا ينبغي أن يقدّم أحدٌ به فيقول : إنّ مراد الله فيه بعض ما يحتمل - إلاّ بقول نبيٍّ أو إمام معصوم - بل ينبغي أن يقول : إنّ الظاهر يحتمل لأمور ، وكلّ واحد يجوز أن يكون مراداً على التفصيل. ومتى كان اللفظ بين شيئين أو ما زاد عليهما ودلّ الدليل على أنّه لا يجوز أن يريد إلاّ وجهاً واحداً جاز أن يقال : إنّه هو المراد»(7).9.

ص: 243


1- سورة الأنعام 6 : 151.
2- سورة الاخلاص 112 : 1.
3- سورة النور 24 : 56.
4- سورة آل عمران 3 : 97.
5- سورة الأنعام 6 : 141.
6- سورة المعارج 70 : 24.
7- تفسير التبيان 1 / 5 - 9.

وقد تحدّثنا بإسهاب عن شروط صحّة الخبر في بحث (النظرية الرجالية في المدرسة الإمامية).

مصاديق الرجوع إلى السنّة الشريفة :

مثلاً نقرأ في كتاب الله كلمة (السُحت) في وصف بعض أعمال اليهود : (سَماعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ...)(1) ، وعندما نرجع إلى السنّة نفهم أنّه الحرام. فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «السحت : الرشوة في الحكم» وروي عن الإمام عليٍّ عليه السلام : «السحت : الرشوة في الحكم ، ومهر البغي ، وعسب الفحل ، وكسب الحجّام ، وثمن الكلب ، وثمن الخمر ، وثمن الميتة ، وحلوان الكاهن ، والاستعجال في المعصية»(2).

ونقرأ في كتاب الله كلمة (الأنفال) في قوله تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ)(3) ، وعندما نرجع إلى السنّة نفهم أنّ الفيء هو ما أخذ بغير قتال. روي عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام أنّ الأنفال كلّ ما أخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى عنها أهلها - ويسمّيه الفقهاء فيئاً - وميراث منلا وارث له وقطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب ، أو الآجام وبطون الأودية والموات كما في الروايات(4).

ونقرأ في كتاب الله كلمة (انحر) في قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)(5) ، وعندما نرجع إلى السنّة نفهم أنّ للنحر معنيين : الأوّل هو رفع 2.

ص: 244


1- سورة المائدة 5 : 42.
2- التبيان 3 / 528 ، عوالي اللآلي 25 / 109 ح 298 و 299.
3- سورة الأنفال 8 : 1.
4- تفسير التبيان 5 / 72.
5- سورة الكوثر 108 : 2.

اليدين إلى النحر في الصلاة ، كما قال الراوندي في فقه القرآن(1). الثاني هو نحر البُدن والأضاحي ، ففي الرواية عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام أنّ معناه وانحر البُدن والأضاحي ، أي : انحر البُدن متقرّباً إلى الله لنحرها خلافاً لنحرها للأوثان ، كما في التبيان(2) للشيخ الطوسي. ولا تعارض في حمل اللفظ على المعنيين.

3 - مبدأ السياق القرآني :

مبدأ السياق في القرآن الكريم مهمٌّ في فهم معاني الآيات ، فإذا قُطّعت الآية إلى أجزاء فقد يتبدّل المعنى تماماً ، أو إذا قرئت الآية اللاحقة دون ملاحظة ارتباطها بالآية السابقة فقد يتغيّر المعنى أيضاً ، فإذا تلى القارئ (لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ)(3) وسكت فإنّها تعني عدم وجوب تأدية تلك الفريضة ، ولكن لو قُرئت بصورتها الصحيحة : (لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى)(4) عرفنا ببطلان صلاة المخمور. وعلى عكس المبدأ فهم المجبرة قوله تعالى : (وَالله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)(5) بأنّه دالٌّ على أنّ الله خلق أفعال العباد ، وهو افتراء على الله تعالى ، لأنّ الآية جاءت في سياق حكاية لقول إبراهيم عليه السلام لقومه واستنكاره لعبادتهم الأصنام والتي هي أجسام والله تعالى المحدث لها(6).0.

ص: 245


1- فقه القرآن 1 / 107 - 108.
2- تفسير التبيان 10 / 418.
3- سورة النساء 4 : 43.
4- سورة النساء 4 : 43.
5- سورة الصافات 37 : 96.
6- تفسير التبيان 8 / 470.

ومن أجل توضيح هذا المبدأ في التفسير نعرض ثلاثة أمثلة على استخدام السياق القرآني في فهم الآيات الكريمة :

1 - قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لاََقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ)(1).

إنّ «وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنّ الله تعالى أراد أن يبيّن أنّ حال اليهود في الظلم ونقض العهد وارتكاب الفواحش من الأمور كحال ابن آدم قابيل في قتله أخاه هابيل وما عاد عليه من الوبال بتعدّيه ، فأمر نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتلو عليهم اخبارهما ، وفيه تسلية للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لما ناله من جهلهم بالتكذيب في جحوده وتبكيت اليهود»(2).

2 - قوله تعالى : (لاَ يَتَّخِدِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِيْ شَيْء إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ)(3).

«ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنّه تعالى لمّا بيّن عظيم آياته بما في قدرته ممّا لا يقدر عليه سواه دلّ على أنّه ينبغي أن تكون الرغبة فيما عنده وعند أوليائه من المؤمنين دون أعدائه الكافرين ، فنهى عن اتخاذهم أولياء دون أهل التقوى الذين سلكوا طريق الهدى»(4).

3 - قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَيَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ 4.

ص: 246


1- سورة المائدة 5 : 27.
2- تفسير التبيان 3 / 491.
3- سورة آل عمران 3 : 28.
4- تفسير التبيان 2 / 434.

وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ)(1).

«هذا عطف على الآية الأولى ، فكأنّه قال : قل : وليّي الله القادر على نصرتي عليكم وعلى من أراد بي ضرّاً ، والذين تتّخذونهم أنتم آلهة لا يقدرون على أن ينصروكم ولا أن يدفعوا عنكم ضرراً ، ولا يقدرون أن ينصروا أنفسهم أيضاً لو أنّ إنساناً أراد بهم سوءً من كسر أو غيره.

وإنّما كرّر هذا المعنى لأنّه ذكره في الآية التي قبلها على وجه التقريع وذكره ههنا على وجه الفرق بين صفة من تجوز له العبادة ممّن لا تجوز ، كأنّه قال : إنّ ناصري الله ولا ناصر لكم ممّن تعبدون»(2).

4 - مبدأ الإجمال في القرآن والتفصيل في السنّة :

أي إنّ القرآن يعطي الأحكام الإجمالية للتشريع وإنّ السنّة النبوية الشريفة تفصّل تلك الأحكام. وسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قولاً وعملاً وتقريراً كانت بياناً وتفسيراً لمجملات القرآن الكريم. لقد بيّن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمّته معاني القرآن إمّا بياناً بالنصّ أو ببيان تفاصيل الشريعة ، ولذلك فقد امتثل لكلام المولى عزّوجلّ : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(3).

ونعرض هنا جملة من المبادئ المتعلّقة بالإجمال والتفصيل :

أوّلاً : جاءت الأحكام الشرعية في القرآن إجمالية بصورة عامّة ، كما في قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)(4) ، وجاءت السنّة النبوية6.

ص: 247


1- سورة الأعراف 7 : 197.
2- تفسير التبيان 5 / 61.
3- سورة النحل 16 : 44.
4- سورة النور 24 : 56.

لتوضّح أحكام الصلاة وشروطها ومقدّماتها.

قال تعالى : (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(1) ، بينما أحيل معرفة الوقت المحدد للصلاة إلى السنّة. وقال تعالى : (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ)(2) ، وفصّلت السنّة تلك الأوقات الخمسة للصّلاة.

وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : «إنّ الله أنزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصلاة ولم يسمّ لهم ثلاثاً ولا أربعاً»(3). وبخصوص الزكاة : «نزلت عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) الزكاة فلم يسمّ الله من كلّ أربعين درهماً درهماً حتّى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي فسّر ذلك لهم»(4).

وأنزل الله تعالى : (وَلله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(5) ، إلاّ أنّ أحكام الحجّ الواجب قد فصّلتها السنّة الشريفة ، وعندما سُئل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الإستطاعة قال : «الزاد والراحلة»(6).

وأنزل الله تعالى : (وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)(7) ، وأحكام البيع الحلال فصّلتها السنّة الشريفة. وهكذا.

ثانياً : بيان الناسخ والمنسوخ عن طريق السنّة الشريفة ، فعندما نفتح كتاب الله المجيد نقرأ أحكاماً أوّليّة منسوخة وأحكاماً أُخرى ناسخة لها ، ولا 5.

ص: 248


1- سورة النساء 4 : 103.
2- سورة الاسراء 17 : 78.
3- الكافي 1 / 286.
4- الكافي 1 / 286.
5- سورة آل عمران 3 : 97.
6- الإتقان للسيوطي 4 / 218.
7- سورة البقرة 2 : 275.

يستطيع المكلّف أن يميّز الناسخ عن المنسوخ دون الرجوع إلى السنّة الشريفة. وفي الأثر عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سأل قاض مرّ عليه بالكوفة : «أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال : لا. فقال عليه السلام : إذن هلكتَ وأهلكت»(1).

ولنأخذ مثلاً على الناسخ والمنسوخ في قضية وفاة الزوج ، ففي قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لاَِزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاج)(2). نلحظ أنّ هذه الآية منسوخة ، وهي تتحدّث عن أنّ المرأة المتوفّى عنها زوجها لا ميراث لها سوى الإمتاع من التركة حولاً كاملاً ، وكانت عدّتها حولاً كاملاً أيضاً. أمّا الآية الناسخة فهي آية المواريث وهي : (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَم يَكُن لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْن وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ...)(3) ، وبآية التربّص أربعة أشهر وعشراً : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَعَشْراً ...)(4).

ثالثاً : آيات عامّة ولكن لها تخصيص أو تقييد في السنّة الشريفة ، فهنا نوعان :

أ - الآيات ذات العموم التي تخصّصها السنّة الشريفة ، فالآية عامّة ولكن المراد هو الخاصّ الوارد بعد ذلك ، مثل قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقَاتُ 4.

ص: 249


1- تفسير العيّاشي 1 / 12 رقم 9. والإتقان للسيوطي 2 / 20.
2- سورة البقرة 2 : 240.
3- سورة النساء 4 : 12.
4- سورة البقرة 2 : 234.

يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوء)(1). وهذه الآية عامّة لمطلق المطلّقات ، ولكن السنّة خصّصت هذا الحكم في حالة تحقّق الدخول فقط ، أمّا إذا لم يتحقّق الدخول فلا عدّة لهنّ. وكذلك قوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)(2) ، فالعامّ هو مطلق الطلاق ، والخصوص هو حالة الطلاق الرجعي فقط.

ب - الآيات العامّة التي تقيّدها السنّة الشريفة ، ومنه قوله تعالى : (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)(3). فالآية عامّة لكلّ من قتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم ، والقيد هو التوبة. والمعنى أنّ إطلاق الآية مقيّد بما إذا لم يتُب ، والقتل تمّ بسبب إيمان المقتول. وفي ذلك رواية عن الإمام الصادق عليه السلام(4).

رابعاً : إنّ قصد القرآن الكريم لم يكن في بعض الموارد استقصاء الموضوعات التكليفية بل بيان أصل التشريع ، مثل قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة)(5). فالآية لم تصرّح برجم المحصن وإنّما فصّلته السنّة الشريفة.

وينطبق الأمر نفسه على ترتيب الأثر في القتل ، فالسنّة فصّلت في قتل الخطأ وفيه الديّة على العاقلة وشبه العمد وفيه الديّة على القاتل والعمد المحض وفيه القصاص إلاّ إذا رضي أولياء الدم بالديّة أو العفو ، بينما أجمل 2.

ص: 250


1- سورة البقرة 2 : 228.
2- سورة البقرة 2 : 228.
3- سورة النساء 4 : 93.
4- بحار الأنوار 93 / 6. وتفسير الصافي 1 / 204.
5- سورة النور 24 : 2.

القرآن الكريم ذلك.

5 - آيات الأحكام :

خطّ فقهاء الإمامية منهجاً فريداً في تفسير آيات الكتاب المجيد الخاصّة بالأحكام الشرعية ، وهذا المنهج يتكفّل باستيعاب المعنى الفقهي للحكم من خلال استقراء الآيات الدالّة عليه في جميع سور القرآن الكريم ابتداءً من مواضيع الطهارة وانتهاءً بمواضيع القصاص والديّات.

كتب السيّد المرعشي النجفي (ت 1411 ه) : «إنّ من أجلّ العلوم القرآنية والشؤون المتعلّقة بكتاب الله العزيز هو العلم بآيات الأحكام المستفاد منها الحلال والحرام ، ومن ثمّ توجّهت إليه همم فطاحل الإسلام ورجالات الفضل والدين ، ركبوا مطايا المشاقّ وألقوا العزم قدّامهم في هذا الموضوع ، لم يألوا الجهود وبذلوا ما كان لهم من المساعي ، ألّفوا وصنّفوا في خير موضوع ... فلله درّهم وعليه تعالى أجرهم ، لقد أجادوا فيما أفادوا

وأتوا هنالك بما فوق ما كان يؤمّل ويراد»(1).

وقال القطب الراوندي في فقه القرآن : «اعلم أنّ الأدلّة كلّها أربعة : حجّة العقل ، والكتاب ، والسنّة ، والإجماع. أمّا الكتاب - وهو غرضنا ههنا - فهو القرآن في دلالته على الأحكام الشرعية. والمستدلّ بالكتاب على ما ذكرناه يحتاج إلى أن يعرف من علومه خمسة أصناف : العامّ والخاصّ ، والمحكم والمتشابه ، والمجمل والمفسّر ، والمطلق والمقيّد ، والناسخ والمنسوخ.4.

ص: 251


1- مقدّمة السيّد المرعشي لكتاب مسالك الأفهام في آيات الأحكام للفاضل الجواد الكاظمي : 4.

أمّا العموم والخصوص قليلاً ما يتعلّق بعموم قد دخله التخصيص ، كقوله تعالى : (وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)(1) وهذا عامّ في كلّ مشركة حرّة كانت أو أمة ، وقوله : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ)(2) خاصّ في الحرائر فقط ، فلو تمسّك بالعموم غلط.

وكذلك قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(3) عامّ ، وقوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ)(4) خاصّ في أهل الكتاب.

وأمّا المحكم والمتشابه فليقضى بالمحكم ويفتى به دون المتشابه [ومن المتشابه مثلاً قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوء)(5)]. وأمّا المجمل والمفسَّر ، فليعمل بالمفسَّر ، كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الْصَّلاَةَ)(6) ، وهذا غير مفسَّر ، وقوله : (فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ... وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ)(7) مفسَّر بإجماع المفسّرين ، لأنّه فسّر الصلوات الخمس ، لأنّ قوله (حِينَ تُمْسُونَ) يعني المغرب والعشاء الآخرة ، و (حِينَ تُصْبِحُونَ) يعني الصبح ، و (عَشِيّاً) يعني العصر ، و (حِينَ تُظْهِرُونَ) الظهر.

وأمّا المطلق والمقيّد ، فليبنى المطلق على المقيّد إذا كانا في حكم 8.

ص: 252


1- سورة البقرة 2 : 221.
2- سورة المائدة 5 : 5.
3- سورة التوبة 9 : 5.
4- سورة التوبة 9 : 29.
5- سورة البقرة 2 : 228.
6- سورة النور 24 : 56.
7- سورة الروم 30 : 17 - 18.

واحد ، كقوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِجَالِكُمْ)(1) ، فهذا مطلق في العدل والفاسق ، وقوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِنكُمْ)(2) مقيّد بالعدالة ، فيبنى المطلق عليه.

وأمّا الناسخ والمنسوخ ، فليقضى بالناسخ دون المنسوخ ، كآية العدّة بالحول ، والآية التي تضمّنت العدّة بالأشهر»(3).

أقسام آيات الأحكام :

وآيات الأحكام على قسمين :

الأوّل : الآيات الصريحة الواردة في الأحكام الشرعية ، منها :

1 - أن يرد التصريح بالحكم الشرعي بلفظ ظاهره مطابق لمعناه ، وهنا يفهم الناطق باللغة العربية مراد ذلك اللفظ ، مثل قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الأخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّلاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)(4).

2 - أن يكون التصريح بالحكم قد ورد بالإجمال مثل إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأداء الحجّ ، وصيام شهر رمضان. وهنا لابدّ من الرجوع إلى السنّة المطهّرة لكشف التفصيل.

3 - أن يكون التصريح بالحكم قد ورد بلفظ مشترك بين معنيين ، مثل قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوء)(5). ومعنى القرء 8.

ص: 253


1- سورة البقرة 2 : 282.
2- سورة الطلاق 65 : 2.
3- فقه القرآن - للقطب الراوندي - 1 / 6.
4- سورة النساء 4 : 23.
5- سورة البقرة 2 : 228.

مشترك بين الحيض والطهر. وينبغي هنا الرجوع إلى السنّة أيضاً لمعرفة التفصيل.

4 - التصريح بالحكم قد ورد بلفظ عامّ ، فلابدّ من البحث عن المخصّص ، مثل قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ)(1) «وهو خطاب متوجّه إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو نهي لجميع المكلّفين»(2).

الثاني : الآيات التي لم تصرّح بالحكم الشرعي بل كانت على نحو الإشارة أو التلميح ، وعندها ينبغي استنباط الحكم عن طريق الاجتهاد الشرعي. ومنها :

1 - ما يستفاد منه الحكم الشرعي من غير ضمّ آية إلى آية أُخرى ، ومنها قوله تعالى في حكم مسح الرجلين : (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ)(3) ، ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام : «... فقال : (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ) فعرفنا حين قال : (بِرُؤُوسِكُمْ) إنّ المسح ببعض الرأس ، لمكان الباء. ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه ، فقال : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فعرفنا حين وصلها بالرأس أنّ المسح على بعضها ...»(4).

2 - ما يستفاد منه الحكم الشرعي من طريق ضمّ آية إلى آية أُخرى ، ومنها : ما روي عن الإمام عليّ عليه السلام حينما جمع آيتين ليستدلّ على أنّ أقلّ ة.

ص: 254


1- سورة المائدة 5 : 6.
2- فروع الكافي 3 / 30 ح 4 باب 19 من كتاب الطهارة.
3- سورة الضحى 93 : 9 - 10.
4- متشابه القرآن 2 / 6.

الحمل ستّة أشهر(1). وهما : (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً)(2) ، (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)(3).

6 - المتشابه في تفسير القرآن :

قال تعالى في محكم كتابه المجيد : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرَ مُتَشَابِهاتٌ)(4). والمحكم هو ما كان ظاهره دالاًّ على معناه ، والمتشابه هو ما لا يعلم مراده بظاهره حتّى يقترن به ما يدلّ عليه. وقد طرح موضوع التشابه في القرآن بأشكال وصور متعدّدة. والأصل أنّ الآيات المتشابهة تقسّم إلى أقسام خمسة :

1 - ما اختلف الناس فيه من أمور الدين ، نحو قوله تعالى : (وَأَضَلَّهُ الله عَلَى عِلْم)(5) ، وقوله تعالى : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ)(6).

2 - ما يحتمل معنيين أو ثلاثاً أو أكثر فيحمل على الأصوب ، مثل قوله تعالى : (يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)(7) ، وقوله تعالى : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)(8).4.

ص: 255


1- الارشاد - للشيخ المفيد - 1 / 206.
2- سورة الأحقاف 46 : 15.
3- سورة البقرة 2 : 233.
4- سورة آل عمران 3 : 7.
5- سورة الجاثية 45 : 23.
6- سورة طه 20 : 85.
7- سورة المائدة 5 : 64.
8- سورة القمر 54 : 14.

3 - ما يزعم فيه من مناقضة ، نحو قوله تعالى : (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَات فِي يَوْمَيْنِ)(1) ، وقوله : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّام)(2) ، وقوله : (فِي سِتَّةِ أَيَّام)(3).

4 - ما هو محكم في غرضه ، مثل قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(4)[ومعناه تنزيه الخالق عن التشبيه والتمثيل. والتشابه هنا من جهة اللفظ : أي ليس مثل مثله شيء].

5 - «ما يتبع ذلك من الغوامض التي يحتاج إلى بيانها ويستخلص منها إمّا بموضوع اللغة أو بمقتضى العقل أو بموجب الشرع»(5).

الأسباب التي تؤدّي إلى التشابه :

والتشابه هي قضية لفظية بالدرجة الأولى. فهناك أسباب تؤدّي إلى التشابه ، منها :

1 - دلالة اللفظ الواحد على معان متعدّدة :

أ - ففي بعض الأحيان لا يراد من اللفظ المعنى الظاهر ، بل يؤوّل إلى معنى مجازي يحتاج إلى بيان أو قرينة. مثل قوله تعالى : (وَالله شَكُورٌ حَلِيمٌ)(6) ، «والشكور في صفات الله تعالى مجاز ، لأنّه في الأصل هو المظهِر للإنعام عليه ، والله تعالى لا تلحقه المنافع والمضارّ ، فيكون معناه أنّه 7.

ص: 256


1- سورة فصلت 41 : 12.
2- سورة فصّلت 41 : 10.
3- سورة الأعراف 7 : 54.
4- سورة الشورى 42 : 11.
5- متشابه القرآن 1 / 2.
6- سورة التغابن 64 : 17.

يعامل المطيع في حسن الجزاء معاملة الشاكر»(1).

وفي قوله تعالى : (الله نُورُ السَّماوَاتِ وَالأرْضِ)(2) ، «لم يقل : الله نور ، ولو كانَ نوراً في الحقيقة لم يكن للإضافة معنىً ، لأنّ ما كان نوراً في الحقيقة فهو نور لأىّ شيء كان. ولو أراد على معنى الضياء لوجب أن لا يكون في شيء من السموات والأرض ظلمة بحال ، لأنّه دائم لا يزول ، وأوجب أن تكون الاستضاءة به دون الشمس ، وبيّن تعالى أنّه خالق النور ، فقال : (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)(3) ، فكيف يكون نوراً مع كون النور مخلوقاً؟! وقال في آخرها : (يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ)(4) فلو أراد بذلك الضياء لما كان لها معنى. ولو كان نوراً لوجب أن يكون ذا أجزاء كثيرة ، لأنّ النور هو المضيء ، والمضيء لا يكون إلاّ بأن ينفصل منه أجزاء ليضيء غيره بتلك الأجزاء. ولو كان نوراً لم يخلُ من أن تحجبه الظلمة والحجاب أو لا يحجبه شيء ، فإن لم يحجبه شيء وجب أن تكون السموات والأرض في جميع الأوقات مضيئة ، وإن حجبه حجاب أو منعه مانع كان كسائر الأنوار. ثمّ إنّ ذلك تحقيق قول الثنوية في زعمهم بالأصلين : النور والظلمة.

قال ابن عبّاس والزجّاج : (الله نُورُ السَّماوَاتِ وَالأرْضِ)(5) مدبّر أمورهما.

وقال السدّي : بنوره أضاءت السموات والأرض. 5.

ص: 257


1- متشابه القرآن 1 / 85.
2- سورة النور 24 : 35.
3- سورة الأنعام 6 : 1.
4- سورة النور 24 : 35.
5- سورة النور 24 : 35.

وقال الضحّاك : به تكوّنت الأشياء.

ويقال : الله واحد في سمائه وأرضه ، ويسمّى الفرد نوراً. قال الإمام الرضا عليه السلام : هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض»(1).

ب - في بعض الأحيان يحتاج اللفظ إلى من يصرفه إلى معناه الصحيح. مثلاً : قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(2) ، (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)(3) ، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)(4) ، (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ...)(5) وغيرها.

فالمعنى الأوّلي المنصرف أنّ العرش معناه الكرسيّ ، والعين معناها الجارحة ، والنظر معناه الرؤية ، واليد معناها الجارحة أيضاً. وهذا يخالف صريح الآيات المحكمة التي دلّت على تنزيه المولى عزّ وجلّ عن التشبيه والتجسيم ، فليس كمثله شيء ، ولا تدركه الأبصار. وفهم هذا التشابه هو صرف اللفظ إلى معناه الصحيح الذي يوافق الآيات المحكمة في تنزيه الخالق عزّ وجلّ عن التشبيه والتجسيم.

2 - وجوه القلب (أو التقديم والتأخير) : يكون التشابه أحياناً بالتقديم والتأخير.

«والقلب على وجوه ، منها تقديم المؤخّر وتأخير المقدّم ، تقول : أكرمني وأكرمته زيدٌ ، أي : أكرمني زيد وأكرمته ... قال تعالى : (ءَاتُونِي 4.

ص: 258


1- متشابه القرآن 1 / 92.
2- سورة طه 20 : 5.
3- سورة القمر 54 : 14.
4- سورة القيامة 75 : 22 - 23.
5- سورة المائدة 3 : 64.

أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(1) تقديره : آتوني قطراً أفرغه عليه ... وتقديم الخبر على الإسم ، قال تعالى : (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(2). وتقديم المفعول على الفاعل ، مثل : زيداً ضربه عمرو ، وقوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ)(3) ...»(4).

وفي قوله تعالى : (الْحَمْدُ لله الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجا * قَيِّماً)(5) معناه : «أنزل على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً ، والقيم نعت الكتاب. وقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)(6) معناه : وإنّه لقسم عظيم لو تعلمون ، فالعظيم نعتُ القسم»(7).

3 - الحذف على تقدير : ومن أوجه التشابه وجود المحذوف الذي لا يعرف وجهه إلا بتقديره.

«وعادة العرب النقصان في موضع الكفاية حتّى تغني الإشارة ، فيسمّى إيجازاً وحذفاً واقتصاراً وقصراً وإضماراً ، وإنّما جاز ذلك إذا كانت دلالة فيما أبقوا على ما ألقوا ، نحو : البُرّ الكرّ بستّين ، أي بستّين ديناراً ، أو بأن يستحيل إجراء الكلام على الظاهر فلا يصحّ دون المحذوف ، نحو قوله تعالى : (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)(8) أي أهلها ، وقوله : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ2.

ص: 259


1- سورة الكهف 18 : 96.
2- سورة الروم 30 : 47.
3- سورة يس 36 : 39.
4- متشابه القرآن 2 / 270.
5- سورة الكهف 18 : 1- 2.
6- سورة الواقعة 56 : 76.
7- متشابه القرآن 2 / 242.
8- سورة يوسف 12 : 82.

مَعْلُومَاتٌ)(1) أي وقته ، وقوله : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ)(2) أي حبّه(3) ، وقوله تعالى : (وَجَاءَ رَبُّكَ)(4) أي جاء أمر ربّك ، حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، والحذف في أمثاله جائز إذا كان هناك مانعٌ عن الجري على الظاهر»(5). 4 - العموم والخصوص : يكون اللفظ أحياناً عامّاً ولكن يراد منه بعض أفراده ، وهذا من التشابه. مثلاً قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(6) ، «فألفاظ الآية عامّة والمزكّي في الركوع كان عليّاً عليه السلام. وقوله : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ)(7) والقائل نعيم بن مسعود. وقوله تعالى : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْء)(8) وإنّما دمّرت قوم عاد. وقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)(9) ولا يجوز قطع كلّ سارق ، نحو سارق حبّة من حرز أو سارق دينار من غير حرز»(10).

وفي قوله تعالى : (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)(11) : «يجب تخصيص هذا الظاهر على نجاستهم ، فتحمّل الآية 5.

ص: 260


1- سورة البقرة 2 : 197.
2- سورة البقرة 2 : 93.
3- متشابه القرآن 2 / 266.
4- سورة الفجر 89 : 22.
5- متشابه القرآن 1 / 82.
6- سورة المائدة 5 : 55.
7- سورة آل عمران 3 : 173.
8- سورة الأحقاف 46 : 25.
9- سورة المائدة 5 : 38.
10- متشابه القرآن 2 / 277.
11- سورة المائدة 5 : 5.

على غير الذبائح والمائعات ، على أنّ في طعام أهل الكتاب ما فيه خمر ولحم خنزير ، فلابدّ من إخراجه من هذا الظاهر. وقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(1) يدلّ على أنّ كلّ طعام عالجه الكفّار فهو حرام ، ولفظ الطعام إذا اُطلق انصرف إلى الحنطة»(2).

ملحوظة :

إنّنا في الوقت الذي انتقدنا فيه بعض المباني التفسيرية لبعض المفسّرين الأجّلاء كإيرادهم الروايات الضعيفة ، أو عدم البحث عن الأسانيد ، أو إقحام المباني الإشراقية في تقريب المعاني ، إلاّ أنّنا نكنّ أشد الإحترام والتجليل لعلمائنا الأعلام الذين بذلوا مهجهم من أجل الاقتراب من معاني الكتاب المجيد وإيصال مفاهيمه العظيمة إلى الأجيال اللاحقة ، ولذا نرجو أن يُفهم النقد الموضوعي بروح علمية تصبّ في مصلحة العلم والدين بالدرجة الأولى ، والله تعالى وحده الموفّق للصواب وحسن الخطاب.

اللهمّ تغمّد أرواح علمائنا الأعلام برحمتك الواسعة ، واحشرهم واحشرنا مع نبيّك محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ، والحمد لله ربّ العالمين. 8.

ص: 261


1- سورة التوبة 9 : 28.
2- متشابه القرآن 2 / 208.

المصادر

1 - القرآن الكريم.

2 - آلاء الرحمن في تفسير القرآن ، للشيخ محمّد جواد بن حسن البلاغي (ت 1352 ه).

3 - آيات الأحكام ، لمحمّد بن علي بن إبراهيم الأسترآبادي (ت 1028 ه) ، مجلّد واحد ، الطبعة الأولى ، مكتبة المعراجي ، طهران ، إيران 1394 ه.

4 - الإتقان في علوم القرآن ، لجلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن السيوطي الشافعي (ت 911 ه) ، مطبعة البابي الحلبي ، مصر.

5 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، لأبي عبد الله محمّد بن محمّد ابن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، إيران 1413 ه.

6 - الاستيعاب ، لأبي عبد البّر يوسف بن أحمد بن عبد الله القرطبي (ت 363 ه) ، دار الجيل ، بيروت 1412 ه.

7 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار ، لمحمّد باقر المجلسي (ت 1111 ه). الطبعة القديمة. إيران على الحجر.

8 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار ، لمحمّد بن باقر الشيخ محمّد تقي بن ملاّ مقصود علي المجلسي الأصبهاني (ت 1111 ه) ، الطبعة الثانية ، مؤسّسة الوفاء ، بيروت ، لبنان 1403 ه.

9 - البرهان في تفسير القرآن ، لهاشم بن سليمان الحسيني البحراني (ت 1107 ه) ، تصحيح وتعليق مؤسّسة البعثة قسم الدراسات الإسلامية ، تقديم محمّد مهدي الآصفي ، قم 1414 ه.

ص: 262

10 - البيان في تفسير القرآن ، للسيّد أبو القاسم الخوئي (ت 1413 ه) ، دار الزهراء عليها السلام ، بيروت.

11 - تاريخ القرآن ، لأبي عبد الله الزنجاني ، منظّمة الإعلام الإسلامي ، طهران 1404 ه.

12 - تاريخ اليعقوبي ، لأحمد بن أبي يعقوب (ت 284 ه) ، دار صادر ، بيروت.

13 - تفسير آيات الأحكام ، لمحمّد حسين الطباطبائي اليزدي (ت 1386 ه) ، مجلّد واحد ، الطبعة الأولى ، مطبعة النجف الأشرف ، 1385 ه.

14 - تفسير الأصفى ، للفيض الكاشاني (ت 1091 ه) ، طبعة حجرية ، قم 1350 ه.

15 - تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن ، لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن علّي المعروف بالشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، مطبعة النعمان ، النجف 1376 ه.

16 - تفسير الشيخ المفيد المستخرج من تراثه ، لمحمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه) ، مكتب الإعلام الإسلامي ، قم 1415 ه.

17 - تفسير الصافي ، للفيض الكاشاني (ت 1091 ه) ، مؤسّسة الهادي ، قم 1416 ه.

18 - تفسير الطبري ، لمحمّد بن جرير الطبري (ت 310 ه) ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1412 ه.

19 - تفسير العيّاشي ، لمحمّد بن مسعود التميمي الكوفي السمرقندي (ت 320 ه) ، المكتبة العلمية ، طهران بدون تاريخ.

20 - تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) ، لمحمّد بن عمر فخر الدين الرازي (ت 606 ه) ، تحقيق : خليل محيي الدين ، دار الفكر ، بيروت 1414 ه.

ص: 263

21 - تفسير القرآن الكريم ، لمحمّد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي المعروف ب- : صدر المتألّهين (ت 1050 ه) ، تصحيح محمّد خواجوي ، تقديم فخيم مبسوط ، ترجمة المؤلّف لمحسن بيدارفر ، انتشارات بيدار ، قم 1408 ه.

22 - تفسير القرطبي ، لمحمّد بن أحمد الخزرجي القرطبي (ت 671 ه) ، دار الكتب العلمية بيروت 1417 ه.

23 - تفسير القمّي ، لعليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي (ت بعد سنة 307 ه) ، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر ، قم 1409 ه.

24 - تفسير المنار ، لمحمّد رشيد رضا ، مطبعة المنار ، القاهرة 1345 ه.

25 - تفسير جوامع الجامع ، لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه) ، دار الأضواء ، بيروت 1405 ه.

26 - تفسير سورة التوحيد ، للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (ت 1241 ه) ، تحقيق وتقديم السيّد طالب الرفاعي ، مطبوعة بدون ذكر اسم أو تاريخ النشر.

27 - تفسير سورة الحمد (العروة الوثقى) ، للشيخ البهائي (ت 1031 ه) ، تحقيق : أكبر إيراني قمّي ، دار القرآن الكريم ، قم 1412 ه.

28 - تفسير فرات الكوفي ، لفرات الكوفي (ت 352 ه) ، وزارة الإرشاد ، طهران 1410 ه.

29 - تفسير نور الثقلين ، للشيخ عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي (ت 1112 ه) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مطبعة الحكمة ، قم 1383 ه.

30 - تنقيح المقال في علم الرجال ، للشيخ عبد الله المامقاني (ت 1351 ه) ، تحقيق : محيي الدين المامقاني ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم 1423 ه.

ص: 264

31 - توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل ، لشهاب الدين أحمد بن جلال الدين عبدالله الإيجي (من أعلام القرن التاسع). مخطوطة. دار الكتب الوطنية بشيراز رقم 543.

32 - تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للمفيد ، لأبي جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، دار التعارف ، بيروت 1401 ه.

33 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت 310 ه) ، بيروت بدون تاريخ.

34 - الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين ، للسيّد عبد الله شبّر (ت 1242 ه). مكتبة الألفين ، الكويت 1407 ه.

35 - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ، لجلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي الشافعي (ت 911 ه) ، المطبعة الميمنية ، مصر 1314 ه.

36 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، لمحمّد محسن الشهير بآغا بزرك الطهراني (ت ه) ، مؤسّسة إسماعيليان ، الطبعة الثالثة ، قم 1408 ه.

37 - رجال ابن داود ، لتقيّ الدين الحسن بن عليّ بن داود (ت 707 ه) ، جامعة طهران ، طهران 1383 ه. ش.

38 - رجال النجاشي ، لأبي العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي (ت 450 ه) ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم 1416.

39 - روضات الجنّات في أحوال العلماء السادات ، لمحمّد باقر بن السيّد زين العابدين الخونساري (ت 1313 ه) ، الطبعة الثانية ، طبع في ثمانية أجزاء في إيران.

40 - زبدة البيان في أحكام القرآن ، لأحمد بن محمّد المشهور بالمقدّس الأردبيلي (ت 993 ه) ، مجلّد واحد ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، طهران.

ص: 265

41 - سعد السعود ، لعليّ بن موسى بن طاووس (ت 664 ه) ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف 1369 ه.

42 - سنن ابن ماجة ، لمحمّد بن يزيد القزويني (ت 275 ه) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

43 - سنن الترمذي ، لأبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة (ت 279 ه) ، تحقيق : أحمد محمّد شاكر ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

44 - سنن الدارمي ، لأبي محمّد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت 255 ه) ، تحقيق : مصطفى ديب البغا ، دار القلم 1412 ه.

45 - شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، عزّ الدين عبد الحميد (ت 656 ه) ، دار إحياء التراث ، بيروت 1387 ه.

46 - الشيعة وفنون الإسلام ، للسيّد حسن الصدر (ت 1354 ه) ، مؤسّسة النعمان ، بيروت 1991 م.

47 - الصحاح : تاج اللغة وصحاح العربية ، لإسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت 393 ه) ، تحقيق : أحمد عبد الغفور عطّار ، دار العلم للملايين ، بيروت 1979 م.

48 - صحيح مسلم ، لمسلم بن الحجّاج القشيري (ت 261 ه) ، دار الفكر ، بيروت ، لبنان.

49 - الصّدّيق الأكبر ، للسيّد زهير الأعرجي ، قم المشرّفة.

50 - صيانة القرآن من التحريف ، لمحمّد هادي معرفة ، دار القرآن الكريم ، قم ، إيران 1410 ه.

51 - العقد الفريد ، لأبي عمر أحمد بن عبد ربّه الأندلسي (ت 328 ه) ، دار الأندلس ، بيروت 1408 ه.

ص: 266

52 - الفرقان في تفسير القرآن ، للشيخ علي الروحاني النجف آبادي (ت 1415 ه) ، طبع المجلّد الأوّل في مطبعة الآداب ، النجف الأشرف : 1972 م ، والثاني في قم بدون تاريخ ، وبقية المجلّدات غير مطبوعة.

53 - الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة ، للشيخ محمّد صادقي الطهراني ، مؤسّسة الوفاء ، بيروت 1405 ه.

54 - الفوائد الرضوية ، للشيخ عبّاس القمّي (ت 1359 ه) ، المكتبة المركزية 1327 ه.

55 - الفهرس ، لأبي الفرج محمّد بن إسحاق النديم الكاتب الورّاق البغدادي (ت 385 ه) ، مطبعة جامعة طهران ، طهران 1391 ه.

56 - الفهرس ، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) ، النشر الإسلامي ، قم 1417 ه.

57 - القاموس المحيط ، لمحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817 ه). دار الفكر ، بيروت 1403 ه.

58 - الكاشف ، للشيخ محمّد جواد مغنية (ت 1400 ه) ، دار العلم للملايين ، بيروت 1981 م.

59 - الكافي في الفروع والأصول ، لمحمّد بن يعقوب الكليني (ت 329 ه) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران.

60 - كتاب سليم بن قيس ، لسليم بن قيس الهلالي العامري (ت حوالي 90 ه) ، تحقيق : محمّد باقر الأنصاري ، مطبعة الهادي ، قم ، إيران 1415 ه.

61 - كنز الدقائق وبحر الغرائب ، للميرزا محمّد المشهدي (ت 1125 ه) ، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، قم 1407 ه.

ص: 267

62 - كنز العرفان في فقه القرآن ، لجمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري (ت 826 ه) ، مجلّدان ، الطبعة الأولى ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، طهران سنة 1384 ه.

63 - كنز العمّال من سنن الأقوال والأفعال ، لعلاء الدين المتّقي الهندي (ت 975 ه) ، جمعية دائرة المعارف العثمانية ، حيدرآباد 1369 ه.

64 - لسان العرب ، لجمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (ت 711 ه) ، منشورات أدب الحوزة ، قم 1405 ه.

65 - لسان الميزان ، لابن حجر العسقلاني (ت 852 ه). دار الفكر ، بيروت 1987 م.

66 - المبسوط ، لمحمّد بن أحمد السرخسي (ت 483 ه). دار المعرفة ، بيروت.

67 - متشابه القرآن ، لابن شهرآشوب (ت 588 ه) ، دار بيدار للنشر قم 1369 ه.

68 - مجلّة تراثنا ، مجلّة فصلية تصدر عن مؤسسة آل البيت عليهم السلام في قم المشرفة.

69 - مجمع البحرين ، للشيخ الطريحي (ت 1085 ه) ، مكتب نشر الثقافة الإسلامية ، طهران.

70 - مجمع البيان في تفسير القرآن ، لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه). دار إحياء التراث الإسلامي ، بيروت.

71 - مسالك الأفهام في آيات الأحكام ، لفاضل الجواد الكاظمي (المتوفّى في القرن الحادي عشر) ، أربع مجلّدات ، الطبعة الثانية ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، طهران 1407 ه.

ص: 268

72 - المستدرك ، للحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405 ه) ، دار المعرفة ، بيروت بدون تاريخ.

73 - معاني الأخبار ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، تحقيق : علي أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، إيران 1361 ه. ش.

74 - معجم رجال الحديث ، للسيّد أبو القاسم الخوئي (ت 1411 ه) ، مركز نشر الثقافة الإسلامية ، قم 1992 م.

75 - مفاتيح الغيب ، لصدر الدين الشيرازي (ت 1050 ه) ، تصحيح وتقديم محمّد خواجري ، مؤسّسة مطالعات وتحقيقات فرهنكي ، طهران 1363 ه. ش.

76 - مقتنيات الدرر وملتقطات الثمر ، لمير سيّد علي الحائري الطهراني (ت 1340 ه) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران 1377 - 1381 ه.

77 - مناقب آل أبي طالب ، لمحمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني (ت 588 ه). المطبعة العلمية ، قم بدون تاريخ.

78 - المناقب ، للموفّق بن أحمد بن محمّد المكّي الخوارزمي (ت 568 ه) ، النشر الإسلامي ، قم 1414 ه.

79 - مواهب الرحمن في تفسير القرآن ، للسيّد عبد الأعلى الموسوي السبزواري (ت 1414 ه) ، مطبعة الآداب ، النجف ، عراق 1404 ه.

80 - ميزان الاعتدال ، لمحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه). دار المعرفة ، بيروت 1382 ه.

81 - الميزان في تفسير القرآن ، للسيّد محمّد حسين الطباطبائي (ت 1402 ه) ، الأعلمي ، بيروت 1973 م.

ص: 269

82 - مؤلّفوا الشيعة في صدر الإسلام ، للسيِّد عبد الحسين شرف الدين (ت 1377 ه) ، مكتبة النجاح ، طهران.

83 - نهج البلاغة ، جمع الشريف الرضي (ت 406 ه). ضبط : صبحي الصالح ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت 1411 ه.

84 - نهج البلاغة ، شرح محمّد عبده ، طبعة بيروت.

85 - نهج الحق وكشف الصدق ، لجمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726 ه). دار الهجرة ، قم 1407 ه.

86 - وسائل الشيعة ، لمحمّد بن الحسن الحّر العاملي (ت 1104 ه) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1403 ه.

87 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، لأحمد بن محمّد بن أبي بكر بن خلّكان الشافعي (ت 681 ه) ، طهران : نسخة خطّية في مكتبة سبهسالار رقم 8190.

88 - ينابيع المودّة ، لسليمان بن إبراهيم القندوزي (ت 1294 ه) ، دار الأُسوة قم 1416 ه.

ص: 270

مدرسة الحلّة وتراجم علمائها من النشوء إلى القمّة (4)

السيّد حيدر وتوت الحسيني

لقد تعرضنا في الأعداد السابقة إلى تأريخ تأسيس مدينة الحلّة ، والنهضة العلمية والأسر والبيوت العلمية فيها ، وتأثير مدرسة الحلّة بالمدارس في المدن الإسلامية الأخرى ، وتطرقنا إلى العلوم الإسلامية التي كانت محل اهتمام مدرسة الحلّة ، واستعرضنا الحركة العلمية ، وعلماء الحلّة منذ تأسيس المدينة في القرن السادس الهجري ، ونستأنف البحث هنا في مدرسة الحلّة في القرن السابع الهجري ...

66 - السيّد نجم الدين أيّوب الأعرجي :

جاء في تكملة أمل الآمل(1) : «السيّد نجم الدين بن الأعرج الحسيني الأطراوي العاملي الكركي ، من الأشراف العلماء الأجلّة وكبراء الدين والملّة ، والد السيّد حسن بن نجم الدين المتقدّم ذكره ، كان معاصراً للعلاّمة الحلّي ومن في طبقته ، له أولاد وأحفاد علماء أجلاّء والكلّ نسبتهم إليه ، قال السيّد حسن الصدر : وظهر لي من بعض إجازات أولاده وتراجمهم أنّ اسمه الأصلي أيّوب بن الأعرج واشتهر بلقبه ، ويظهر من رياض العلماء في

ص: 271


1- تكملة أمل الآمل 1 / 414.

ترجمة ابنه الحسن أنّه ابن عمّ السيّد ضياء الدين وعميد الدين ولدي السيّد مجد الدين أبي الفوارس محمد بن علي بن الأعرج الحسيني الحلّي أو نسبة سببية بينهما ، وهو وهم جاءه من النسبة إلى ابن الأعرج ، وإنّما الأعرج عبد الله بن الحسين بن علي السجّاد زين العابدين ، والأعرجيّون طوائف وذيول ، منهم في عاملة وهم الهراويّون ، ومنهم في الحلّة وهم آل أبي الفوارس المذكور ، ومنهم بالموصل وبغداد ، ومنهم طوائف منتشرون يطول الكلام بذكرهم ، وصاحب الترجمة العاملي وبني أبي الفوارس في الحلّة ...».

67 - الشيخ أحمد بن أبي القاسم الحلّي :

جاء في شعراء الحلّة(1) للخاقاني قوله في المترجم له :

«لا أعرف عنه شيئاً غير أنّ الحلبي ذكره في كتابه نفحة الريحانة ورشحة طلى الحانة وقد تعرَّف عليه في منى - وكان قد حجّ - فقال : هو أحمد بن أبي القاسم الحلّي - وفي نسخة : الخلي - المكّي ، كان من أولى الناس للمجد تفضيلا واحفَّهم للترجيح تكميلاً وتفصيلاً ، لم ترفع عن أحسن محاسنه التعب ولم تتشرّف بأفضل من مآثره الحقب ، ولقد منيت به في إحدى ثلاثة منى وحصلت منه على ما كنت أتوقّعه من أمنية ومنى ، في هنيئة أقصر من رجعة الطرف وأخصر من كتابة حرف ، فرأيت فاضلاً ألقى دلوه في بحر الأدب فترفه ومدّ يده إلى غصنه الفينان فقطفه. وإليك من شعره قوله من قصيدة :

حيّا الحيا مراتعاً بنجد

قد طاب فيها صدري ووردي4.

ص: 272


1- شعراء الحلّة 1 / 34.

وقوله من قصيدة نبويّة مطلعها :

من لصبٍّ في الحبّ أفنى زمانه

وهو ألف استكانه وزمانه

قد يراه الهوى فصار خيالاً

لو أتى عائداً لضلَّ مكانه

لذَّ ذُلّ الهوى له وهو مُرُّ

فهوى يهوى الهوى ويهوى هوانه

كلّما هبَّت الصبا هام شوقاً

لزرود وهيَّجت أشجانه ..»

68 - الشيخ أحمد بن الحسين الشامي :

جاء في فقهاء الفيحاء(1) : «هو العلاّمة الورع الجليل جمال الدين أبو شهاب أحمد بن الحسين بن جعفر الشامي محتداً والحلّي مولداً ومنشأً ، كان رحمه الله من فقهاء الشيعة ومتبصّريهم وذوي المكانة العالية والرأي المسموع ، عشق العلم فأفنى زهرة شبابه وأطيب أيّامه ، وأحبّ الأدب فلم يفتأ يمارسه حتّى ملك ناصيته ، وتولَّهَ بالفلسفة فملك زمامها ، وجال أشواطاً في مضامير الفقه والأصول فكان من أبطالهما وقد عرف أسرارهما وحلّ عويص مسائلهما ووفِّق لاكتشاف كنوزهما الثمينة الدفينة ، وقد وصفه صاحب كتاب رياض العلماء بالشيخ الفقيه العالم العامل ، رحمه الله تعالى».

69 - الشيخ أحمد بن معقل المهلبي :

هو العالم النحوي الفاضل والأديب الألمعي الشاعر الشيخ أبو العبّاس عزّ الدين أحمد بن علي بن معقل الأزدي المهلّبي الحلّي.

ذكره السيّد حسن في الشيعة وفنون الإسلام(2) قائلاً :

«... ومنهم أحمد بن علي بن معقل أبو العبّاس المقرئ الأديب الأزدي المهلّبي الحمصي ، أحد أفراد الدهر في الأدب والعربية ، قال 2.

ص: 273


1- فقهاء الفيحاء 1 / 100.
2- الشيعة وفنون الإسلام : 142.

السيوطي : قال الذهبي : ولد سنة سبع وستين وخمسمائة ، ورحل إلى العراق وأخذ الرفض عن جماعة بالحلّة والنحو ببغداد عن أبي البقاء العكبري والوجيه الواسطي وبدمشق من أبي اليُمن الكندي ، وبرع في العربية والعروض وصنّف فيهما ، وقال الشعر الرائق ، ونظم الإيضاح والتكملة للفارسي فأجاد ، واتصل بالملك الأمجد فحظي عنده ، وعاش به رافضة تلك الناحية ، وكان وافر العقل غالياً في التشيّع ديّناً متزهّداً ، مات في الخامس والعشرين من ربيع الأوّل سنة (644 ه)».

وفي شعراء الحلّة(1) قال الخاقاني : «هو أبو العبّاس أحمد بن علي بن معقل الأزدي المهلّبي الحمصي البغدادي الملقّب عزّ الدين ، عالم جليل وشاعر مجيد ، أقام في العراق طويلاً ، ذكره الصفدي في الوافي فقال : رحل إلى العراق وسكن الحلّة وأخذ الرفض فيها عن جماعة ، والنحو ببغداد عن أبي البقاء العكبري والوجه الواسطي وبدمشق عن الكندي حتّى برع في العربية والعروض وصنّف فيهما ، وقال الشعر الموفّق ، ونظم الإيضاح والتكملة فأجاد ، وحكم له الكندي بأنّ كتابه أعلق بالقلوب وأثبت بالأفكار من كلام الفارسي ، ولمّا قدم المعظّم عيسى أجازه ثلاثين ديناراً ، واتّصل بالأمجد ونفق عليه وقرَّر له جاميكة ، وانتفع به رافضة تلك الناحية ، وله ديوان في مدح آل البيت ، وكان أحولاً قصيراً ، وافر العقل غالي التشيّع ديّناً

متزهّداً ، ولد سنة (567) وتوفّي في دمشق سنة (644 ه). ومن شعره :

أما والعيون النجل حلفة صادق

لقد بيَّض التفريق سود المفارق

وجرّعني كأساً من الموت أحمراً

غداة غدت بالبيض حمر الأيانق 2.

ص: 274


1- شعراء الحلّة : 2.

حملن بدوراً في الظلام ذوائب حواست جمع كن

تضلّ ولا يهدى بها قلب عاشق حواست جمع كن

أشرن لتوديعي حذار مراقب حواست جمع كن

بقضبان دُرٍّ نُمِّقت بعقائق»حواست جمع كن

أقول :

إنّ وصف الصفدي للمترجم له ب- : الأحول القصير لا يقدح بصفاته الفاضلة من ورع وتقوىً وزهد ، ولا يقدح أيضاً بكفاءته العلمية والأدبية ، ومتى ارتبط شكل الإنسان بعطائه أو فضله! وما هي علاقة شكل الإنسان إن كان قصيراً أو طويلاً أعمى أو بصيراً بمكانته العلمية ومنزلته الأدبية! ولكن هي شنشنة أعرفها من أخزم ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

70 - السيّد أحمد بن محمد السورائي :

جاء في شعراء الحلّة(1) : «هو كمال الدين أحمد بن محمد بن علي ابن أبي الفضل العلوي السوراوي النقيب ، ذكره ابن الفوطي في المجمع فقال : كان نقيب الحلّة وسورا ، وبيت أبي الفضل معدن العلم والفضل ومنهم الأدباء البلغاء والنجباء ، وكان خفيف الوطأة على رعيّته ، وله أخلاق جميلة ، أنشد :

وما الحبّ إلاّ فرحة بعد ترحة

وما الصبُّ إلاّ سالم مثل هالك»

71 - الشيخ أحمد بن الخطاب الحلّي :

جاء في فقهاء الفيحاء(2) : «هو أبو شهاب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء ابن الخطّاب بن الزهير الأديب شرف الدين أبو الطيّب الحلاوي ، كان 1.

ص: 275


1- شعراء الحلّة 1 / 151.
2- فقهاء الفيحاء 1 / 101.

من مشاهير شعراء عصره ومن العلماء النابهين ، أتقن العلوم اللسانية وبرع بالأدب ودرس طرفاً من علم الفقه ولكنّه كبا جواده في هذا المضمار ومن ثمّ كان صيته في الشعر أبعد مدىً ... إلى قوله : وكان صاحب هذه الترجمة من بين أعضاء الوفد الحلّي الذي اجتمع ب- : هولاكو خان التتري بصحبة بدر الدين لؤلؤ للمداولة بشأن أخذ الأمان منه إلى الحلّة برئاسة سديد الدين والد العلاّمة أعلى الله مقامه ، توفّي ابن الخطّاب سنة (656 ه) عن عمر قارب ال- (53 عاماً)».

أقول :

أي أنّ ولادته كانت حدود عام (603 ه).

من شعره :

أقرّ له من كلّ حسن جليله

ووافقه من كلّ معنىً دقيقهُ

بديع التثنّي راح قلبي أسيره

على أنّ دمعي في الغرام طليقهُ

72 - الشيخ أحمد بن الحدّاد الحلّي :

هو الفقيه والأديب الشاعر الشيخ أبو العبّاس جمال الدين أحمد بن محمد بن الحدّاد الحلّي. ذكره صاحب أمل الآمل(1) قائلاً :

«الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن الحدّاد ، عالم ، فقيه ، من مشايخ ابن مُعَيَّة».

وذكره السيّد تاج الدين ابن مُعَيَّة في إجازته الكبيرة عند تعداد من يروي عنه(2) قائلاً : 7.

ص: 276


1- أمل الآمل 2 / 24.
2- أُنظر روضات الجنّات 6 / 327.

«وروى عنّي السيّد الجليل الفقيه العالم عزّ الدين الحسن بن أبي الفتح ابن الدهّان الحسيني ، والشيخ السعيد المرحوم جمال الدين أحمد بن محمد بن الحدّاد ...».

وقال السيّد هادي كمال الدين في فقهاء الفيحاء(1) :

«الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد الحدّاد الحلّي من تلامذة العلاّمة الحلّي ، عاش في وسط تيّار عنيف من الحركة الثقافية في عصر كان من أزهى العصور وأزهرها ... إلى قوله : فابن الحدّاد جمع بين فضيلتي العلم والأدب ، فهو عالم فقيه في مضمار العلم ، وهو شاعر لامع في ميدان الأدب ، وكاتب بليغ عشق الثقافة وطلبها ونال منها كلّ مناه ...».

وذكره الشيخ القمّي في الكنى والألقاب(2) قائلاً :

«... وقد يطلق على الشيخ الإمام جمال الدين أبي العبّاس أحمد بن محمد الحدّاد الحلّي الشيعي الذي يروي العلويّات السبع عن ناظمها ابن أبي الحديد ، ويروي فخر المحقّقين عن والده العلاّمة عن جدّه سديد الدين يوسف عنه ، رضي الله عنهم أجمعين».

73 - الشيخ أحمد بن مسعود الحلّي :

جاء في أمل الآمل(3) : «الشيخ سديد الدين أبو العبّاس أحمد بن مسعود الأسدي الحلّي ، فاضل ، فقيه ، يروي العلاّمة عن أبيه عنه».

74 - الشيخ نظام الدين أحمد بن نما :

هو العالم الفاضل الجليل الشيخ نظام الدين أحمد ابن نجيب الدين ).

ص: 277


1- فقهاء الفيحاء : 3.
2- الكنى والألقاب 1 / 264.
3- أمل الآمل 2 / 29 الترجمة رقم (78).

محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلّي. وذكره صاحب أمل الآمل(1) قائلاً :

«أحمد بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلّي ، كان فاضلاً صالحاً ، يروي عن أبيه عن جدّه».

وقال الخونساري في روضات الجنّات(2) ضمن ترجمة الشيخ جعفر ابن محمد بن نما :

«ثمّ ليعلم أنّ من جملة أولاد الشيخ نجيب الدين المذكور وإخوان صاحب العنوان هو الشيخ الفاضل الجليل المدعو بنظام الدين أحمد ، وهو والد الفقيه الصالح - بنصّ الشهيد الثاني - جلال الدين أبي محمد حسن ابن نما الحلّي الذي يروي عنه الشهيد وهو عن يحيى بن سعيد ، وكذا عن آبائه الأربعة على الترتيب».

وفي طرائف المقال(3) : «الشيخ أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد ابن نما الحلّي ، كان فاضلاً صالحاً ، يروي عن أبيه عن جدّه ، وله ولد فاضل».

أقول :

هو كما علمت من أنّ جدّ المترجم له هو الشيخ جعفر بن هبة الله بن نما وليس جعفر بن محمد بن نما كما ذكره صاحب طرائف المقال ، فلاحظ. 0.

ص: 278


1- أمل الآمل 2 / 24.
2- روضات الجنّات 2 / 180.
3- طرائف المقال 1 / 100.

75 - الشيخ أحمد بن منيع الحلّي :

جاء في شعراء الحلّة(1) : «هو الشيخ جمال الدين أحمد بن منيع الحلّي من رجال القرن السابع الهجري ، كان حيّاً عام (650 ه) ، لم نقف له على سيرة مبسّطة تكشف لنا جوانب حياته وصوراً من شعره ، غير أنّ مجموعاً مخطوطاً بحوزتي أُثبتت فيه الأبيات الآتية التي تضمّنت معنى قول الإمام الباقر عليه السلام حين سئل عن الحديث الذي يُرسل ولا يسند فقال الإمام : إذا حدثتُ ولم أُسند فسندي فيه : عن أبي عن جدّي عن أبيه عن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فنظم ذلك :

قل لمن حجّنا بقول سوانا

حيث فيه لم يأتنا بدليل

إن دعاك الهوى إلى نقل ما لم

يك عند الثقات بالمقبول

نحن نروي إذا روينا حديثاً

بعد آيات محكم التنزيل

عن أبينا عن جدّنا ذي المعالي

سيّد المرسلين عن جبرئيل

وكذا جبرئيل يروي عن الله

بلا شبهة ولا تأويل

فتراه بأيّ شيء علينا

ينتمي غيرنا إلى التفضيل

... إلى قوله (أي الخاقاني) : ومن شعره مقرّضاً به كتاب كشف الغمّة لعلي بن عيسى الإربلي - وقد أخذناه من كتاب سمير الحاضر وأنيس المسافر لصاحب الحصون - قوله :

ألا قُلْ لجامع هذا الكتاب

يميناً لقد نقلت أقصى المراد

وأظهرت من فضل آل الرسول

بتأليفه ما يسوء الأعادي

جروا وجريت بيوم الجدال

وما للبراذين جري الجواد 2.

ص: 279


1- شعراء الحلّة 1 / 152.

فأخمدت بالسبق نيرانهم

فقد صار نفخهم في رماد

ألا ابشر بفوزك يوم المعاد

وطوبى لمن فاز يوم المعاد ..».

76 - السيّد أبو الفضائل أحمد بن طاووس :

هو سيّد الفقهاء الأعلام وملاذ المجتهدين الكرام فقيه أهل البيت عليهم السلام العالم العابد الزاهد والأديب البليغ الشاعر ، ذكره العديد من أصحاب التراجم وأرباب المعاجم وأثنوا عليه ثناءً بليغأ - وهو جدير به وله مستحقّ - ومنهم تلميذه ابن داود في رجاله(1) قائلاً :

«أحمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن محمد الطاووس العلوي الحسني سيّدنا الطاهر الإمام المعظّم فقيه أهل البيت جمال الدين أبو الفضائل ، مات سنة ثلاث وسبعين وستمائة ، مصنّف ، مجتهد ، كان أورع فضلاء زمانه ، قرأت عليه أكثر البشرى والملاذ وغير ذلك من تصانيفه ، وأجاز لي تصانيفه ورواياته ، وكان شاعراً مصقعاً بليغاً منشياً مجيداً ، من تصانيفه كتاب بشرى المحقّقين في الفقه ست مجلّدات ، كتاب الملاذ في الفقه أربع مجلّدات ... إلى قوله : وله غير ذلك تمام اثنين وثمانين مجلّداً من أحسن التصانيف وأحقّها ، وحقّق الرجال والرواية والتفسير تحقيقاً لا مزيد عليه ، ربّاني وعلّمني وأحسن إليّ وأكثر فوائد هذا الكتاب ونكته من إشاراته وتحقيقاته جزاه الله عنّي أفضل جزاء المحسنين».

وجاء في كتاب أمل الآمل(2) : «السيّد جمال الدين أحمد بن موسى ابن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد 9.

ص: 280


1- رجال ابن داود : 45.
2- أمل الآمل 2 / 29.

ابن طاووس العلوي الحسني. كان عالماً فاضلاً صالحاً زاهداً عابداً ورعاً فقيهاً محدّثاً مدقّقاً ثقةً شاعراً جليل القدر عظيم الشأن ، من مشايخ العلاّمة وابن داود ... إلى قوله : وذكر الشهيد الثاني في إجازته للشيخ حسين بعض المؤلّفات السابقة ، وذكر له أيضاً كتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال ، قال : وهو عندنا. وقال السيّد غياث الدين عبد الكريم ولده في إجازته للشيخ كمال الدين علي بن الحسين بن حمّاد ما هذا لفظه : وليرو عنّي ما أجازه لي والدي وعمّي رضي الدين علي بن موسى بن طاووس - رضي الله عنهما - من مرويّاتهما ومصنّفاتهما - فإنّ مصنفاتهما كثيرة - ، وديوان شعر والدي ، انتهى». ونقل ذلك الشيخ حسن في إجازته.

وفي روضات الجنّات(1) قال الخونساري :

«السيّد الجليل الفاضل الكامل جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسى بن طاووس الفاطمي الحسني الحلّي أخو السيّد رضي الدين علي من أبيه وأمّه التي هي بنت الورّام(2) من ابنة الشيخ [الطوسي] المجازة منه مع أختها - التي هي أمّ ابن إدريس - جميع مصنّفات الأصحاب كما استفيد من تضاعيف الأبواب ، هو كما ذكر تلميذه الحسن بن داود الحلّي وغيره كان مجتهداً واسع العلم إماماً في الفقه والأُصول والأدب والرجال ومن أورع فضلاء أهل زمانه وأتقنهم وأثبتهم وأجلّهم حقّق الرجال والرواية والتفسير تحقيقاً لا مزيد عليه ، وصنّف تمام اثنين وثمانين كتاباً في فنون العلم ، واخترع تنويع الأخبار إلى أقسامها الأربعة المشهورة بعد ما كان المدار عندهم في الصحّة والضعف على القرائن الخارجة والداخلة لا غير ، ثمّ ع.

ص: 281


1- روضات الجنّات 1 / 66.
2- أقول : قد اشرنا وبوضح إلى خطأ هذا القول عند ترجمة ابن إدريس ، فراجع.

اقتفى أثره في ذلك تلميذه العلاّمة وسائر من تأخّر عنه من المجتهدين إلى أن زيد عليهما في زمن المجلسيّين أقسام أخر ، وقد بالغ في الثناء عليه العلاّمة والشهيدان في كتبهم وإجازاتهم ، ويروي هو عن الشيخ نجيب الدين ابن نما والسيّد الجليل فخار بن معد الموسوي وغيرهما من المشايخ الأجلاء ...».

أقول :

ذكر الخونساري - وكما مرّ آنفاً - رابطة النسب بين السيّد أحمد بن طاووس والشيخ أبي جعفر الطوسي قدس سره من دون التوقّف فيها ، وقد ذكرنا ضمن ترجمة الشيخ ابن إدريس الحلّي هذه المسألة ورأي العلماء وأصحاب التحقيق فيها وأنّه من غير المعقول أن يكون الشيخ الطوسي الجدّ المباشر لابن إدريس وللسيّد ابن طاووس وبدون واسطة لبعد المسافة الزمنية بينهما ، ولا حاجة لنا لإعادة تفصيلها هنا ، فراجع.

وقال السيّد حسن الصدر في كتابه الشيعة وفنون الإسلام(1) :

«... وصنّف بعد أبي عبد الله الحاكم في علم دراية الحديث جماعة من شيوخ علم الحديث من الشيعة ، كالسيّد جمال الدين أحمد بن طاووس ، أبو الفضائل ، وهو واضع الإصطلاح الجديد للإمامية في تقسيم أصل الحديث إلى الأقسام الأربعة : الصحيح والحسن والموثّق والضعيف ...».

وفي مجمع البحرين(2) قال الطريحي : «وابن طاووس تارة يراد به 6.

ص: 282


1- الشيعة وفنون الإسلام : 40.
2- مجمع البحرين : 316.

علي بن موسى ، وتارة أحمد بن موسى ، وولده عبد الكريم».

وذكره القمّي أيضاً في الكنى والألقاب(1) قائلاً :

«وقد يطلق ابن طاووس على أخيه أبي الفضائل جمال الدين أحمد ابن موسى بن جعفر العالم الفاضل الفقيه الورع المحدّث صاحب التصانيف الكثيرة المتوفّى سنة (673 ه) والمدفون بالحلّة. قال شيخنا في المستدرك في ذكر مشايخ آية الله العلاّمة الحلّي رحمه الله : السابع من مشائخ العلاّمة جمال الدين أبو الفضائل والمناقب والمكارم السيّد الجليل أحمد ابن السيّد الزاهد سعد الدين أبي إبراهيم موسى بن جعفر - الذي هو صهر الشيخ الطوسي على ابنته - بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله محمد الملقّب بالطاووس لحسن وجهه وجماله ...».

أقول :

قد ذكرنا أيضاً ترجمة مفصّلة للسيّد أحمد بن طاووس في كتابنا المزارات ومراقد العلماء في الحلّة الفيحاء عند ذكر مرقده رضوان الله عليه ، فراجع.

شيوخه ومن يروي عنهم :

1 - السيّد شمس الدين فخار بن معد الموسوي.

2 - الشيخ نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما.

3 - الشيخ نجيب الدين محمد السوراوي.

4 - السيّد صفي الدين محمد بن معد الموسوي. 9.

ص: 283


1- الكنى والألقاب 1 / 329.

تلامذته ومن يروي عنه :

1 - جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر المعروف ب- : العلاّمة الحلّي قدس سره.

2 - تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي صاحب كتاب الرجال.

3 - ولده السيّد غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن طاووس.

4 - الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح السيبي القُسِّيني.

مؤلّفاته :

1 - كتاب بشرى المحقّقين ، في الفقه ، ستّ مجلّدات.

2 - كتاب الملاذ ، في الفقه أربع مجلّدات.

3 - كتاب الكُرّ ، مجلّد واحد.

4 - كتاب السهم السريع ، في تحليل المبايعة مع القرض ، مجلّد واحد.

5 - كتاب الفوائد العدّة ، في أصول الفقه ، مجلّد واحد.

6 - كتاب الثاقب المسخّر على نقض المشجّر ، في أُصول الدين.

7 - كتاب الروح ، نقضاً عن ابن أبي الحديد.

8 - كتاب شواهد القرآن ، مجلّدان.

9 - كتاب بناء المقالة العلوية في نقض الرسالة العثمانية.

10 - كتاب المسائل ، في أصول الدين ، مجلّد واحد.

11 - كتاب عين العبرة في غبن العترة ، وهو مطبوع.

ص: 284

12 - كتاب زهرة الرياض ، في المواعظ ، مجلّد واحد.

13 - كتاب الاختيار في أدعية الليل والنهار ، مجلّد واحد.

14 - كتاب الأزهار في شرح لامية مهيار ، مجلّدان.

15 - كتاب عمل اليوم والليلة ، مجلّد.

هذا ما ذكره له ابن داود في رجاله. وإضافة إلى ما سبق فله أيضاً :

16 - كتاب حلّ الإشكال(1).

17 - ديوان شعر(2).

وغيرها من المؤلّفات المهمّة الحسنة التي قاربت ال- (82) مؤلّفاً كما ذكر ذلك تلميذه ابن داود الرجالي.

نماذج من شعره :

حكى الشيخ يوسف كركوش في تاريخ الحلّة(3) عن ابن الفوطي قوله : «إنّ من شعر المترجم له قوله :

عدتك أمير المؤمنين نقائص

وجزت المدى تنحطّ عنك الكوامل

غلا فيك غال وانزوى عنك ساقط

فسمتهما عن منهج الحقّ مائل

عجبت لغال سار في تيه غيّه

وقال رمته بالضلال المجاهل

ويغنيك مدح الآي عن كلّ مدحة

مناقب يتلوها خبير وجاهل»

ولادته ووفاته :

توفّي السيّد أبو الفضائل أحمد بن طاووس قدس سره وكما عليه أكثر 8.

ص: 285


1- روضات الجنّات 1 / 66.
2- أعيان الشيعة : 10 / 281.
3- تاريخ الحلّة 2 / 28.

أصحاب المعاجم الرجالية حدود عام (673 ه).

جاء في الحوادث الجامعة(1) أحداث سنة (673 ه) :

«وفيها توفّي السيّد النقيب جمال الدين محمد بن طاووس بالحلّة ودفن عند جدّه أمير المؤمين علي بن أبي طالب عليه السلام».

وفي روضات الجنّات(2) قال الخونساري :

«ودفن بالحلّة البهية ، وقبره بها معروف مشهور يقصده الموافق والمخالف بالهدايا والنذور».

أمّا بالنسبة لتاريخ ولادته فلم أعثر على ما يبيّن ذلك ، إلاّ أنّه يمكن تحديدها تقريباً من خلال معرفة وفاة أحد مشايخه الذين تلمّذ عليهم ، وهو السيّد فخار بن معد الموسوي المتوفّى عام (630 ه) ، وعلى فرض أنّ تلمّذه على يد هذ العالم الكبير وعلى أقلّ تقدير كان بعمر ال- (15) عاماً أو ال- (16) عاماً فيكون تاريخ ولادته على هذا الأساس حدود عام (614 ه) تقريباً ، والله سبحانه العالم.

77 - الشيخ جمال الدين أحمد المزيدي :

جاء في تاريخ الحلّة(3) : «هو الشيخ جمال الدين أحمد بن يحيى المزيدي ، كان فقيهاً ، يروي عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد ، ويروي عنه ولده الشيخ رضي الدين علي المزيدي».

وقال صاحب أعيان الشيعة(4) : «إنّ المترجم له وصف في الإجازات 3.

ص: 286


1- الحوادث الجامعة : 184.
2- روضات الجنّات 1 / 68.
3- تاريخ الحلّة 2 / 12.
4- أعيان الشيعة 3 / 203.

بالشيخ السعيد جمال الدين أحمد ، وليس هو من مشايخ الإجازات ولكن ولده رضي الدين أبو الحسن علي من مشايخ الشهيد ...».

78 - الشيخ إسماعيل بن نصر الزاهد :

جاء في شعراء الحلّة(1) للخاقاني : «هو أبو الفضل إسماعيل بن إبراهيم بن نصر الحلّي الكاتب الأديب الملقّب مجد الدين والمعروف بابن الزاهد المتولّد عام (622 ه). ذكره ابن الفوطي في مجمع الآداب في معجم الألقاب فقال : كان شابّاً فاضلاً كيّساً دمث الأخلاق تامّ الذكاء حسن الملتقى متودّداً جميل المعاشرة شهي المحاضرة ، قدم بغداد مع أخيه الصاحب عفيف الدين ، واشتغل وحصّل ودأب وتأدّب ، كتب لي أوراقاً من نظمه الرايق بخطّه الفائق ، فممّا أنشدني لنفسه :

ما اسم زهر من النبات أنيق

نشره فاق كلَّ طيب وعطر

هو نبت وبعضه حيوان

فتعجّب لما به من سرّ

إن تصحفه فهو في كلّ عام

قادم لا يخل طول الدهر

وسألته عن مولده فذكر أنّه ولد بالحلّة سنة (622 ه). وتوفّي شابّاً ...».

79 - إسماعيل بن الحسن الحلّي :

جاء في شعراء الحلّة(2) : «هو أبو محمد إسماعيل بن الحسن بن غني الحلّي الماسح الحاسب الملقّب علم الدين ، كان حيّاً عام (681 ه). ذكره السيّد الأمين في أعيانه(3) نقلاً عن مجمع الأدب فقال : من بيت 2.

ص: 287


1- شعراء الحلّة 1 / 162.
2- شعراء الحلّة 1 / 170.
3- أعيان الشيعة 13 / 92.

معروف بالكتابة والمساحة والحساب ، رأيته بالحلّة السيفية لمّا وردتها في صحبة الأمير فخر الدين بن قشتمر سنة (681 ه) ، وأنشدني وكتب لي بخطّه :

إنّ الشمول هي التي

جمعت لأهل الفضل شملاً

شبّهتها وحبابها

بشقائق يحملن طلاًّ ...».

وفي تاريخ الحلّة(1) : «هو علم الدين أبو محمد إسماعيل بن الحسن ابن علي الحاسب الماسح ، قال فيه ابن الفوطي في معجم الأدب : هو من بيت معروف بالكتابة والمساحة والحساب ، رأيته بالحلّة السيفية ...».

80 - الشيخ جعفر بن الحسن (المحقّق الحلّي) :

هو شيخ الفقهاء ورئيس العلماء أفقه أهل عصره الأفضل الأكمل الشيخ الأفخر الأفخم نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي الملقّب ب- : المحقّق الحلّي الذي لا يكاد يخلو كتاب من كتب التراجم والمعاجم إلاّ وله فيه أحسن ذكر وأعلى قدر لما كان يتمتّع به من فقه وعلم وتحقيق وتدقيق لعلوم الإسلام المختلفة خدمة للدين والعقيدة.

ذكره تلميذ النبيه الفاضل الشيخ الحسن بن داود الحلّي في رجاله(2)قائلاً :

«جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي شيخنا نجم الدين أبو القاسم المحقّق المدقّق الإمام العلاّمة واحد عصره ، كان ألسن أهل زمانه وأقومهم بالحجّة وأسرعهم استحضاراً ، قرأت عليه وربّاني صغيراً وكان له 2.

ص: 288


1- تاريخ الحلّة : 3.
2- رجال ابن داود: 62.

عليّ إحسان عظيم والتفات ، وأجازني جميع ما صنّفه وقرأه ورواه وكلّ ما تصحّ روايته عنه ، توفّي في شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وستمائة ، له تصانيف حسنة محقّقة محرّرة عذبة ، فمنها كتاب شرائع الإسلام مجلّدان ، كتاب النافع في مختصره مجلّد ...».

وقال الشيخ بهاء الدين العاملي في خاتمة كتابه الحبل المتين(1) عند ذكر السند ورجال الحديث :

«... ولنا إلى رواية هذه الأصول الأربعة عن مؤلّفيها المشايخ الثلاثة ... إلى قوله : عن الشيخ المدقّق فخر الدين أبي طالب محمد ، عن والده العلاّمة آية الله في العالمين جمال الملّة والحقّ والدين الحسن بن المطهّر الحلّي ، عن شخيه الكامل رئيس المحقّقين نجم الملّة والدين أبي القسم جعفر بن الحسن بن سعيد ، عن السيّد الجليل أبي علي فخار بن معد الموسوي ...». وفي كتاب أمل الآمل(2) :

«نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الحلّي ، حاله في الفضل والعلم والثقة والجلالة والتحقيق والتدقيق والفصاحة والشعر والأدب والإنشاء وجمع العلوم والفضائل والمحاسن أشهر من أن يذكر ، وكان عظيم الشأن جليل القدر رفيع المنزلة لا نظير له في زمانه ، له كتب ، منها : كتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ، وكتاب النافع مختصر الشرائع ... إلى قوله : وله شعر جيّد وإنشاء حسن بليغ من تلامذته العلاّمة وابن داود. ونقل أنّ المحقّق الطوسي : نصير الدين حضر مجلس درسه وأمرهم بإكمال الدرس ، فجرى البحث في مسألة8.

ص: 289


1- الحبل المتين : 2.
2- أمل الآمل 2 / 48.

استحباب التياسر ، فقال المحقّق الطوسي : لا وجه للاستحباب لأنّ التياسر إن كان من القبلة إلى غيرها فهو حرام وان كان من غيرها إليها فواجب ، فقال المحقّق في الحال : بل منها إليها ، فسكت المحقّق الطوسي ، ثمّ ألّف المحقّق في ذلك رسالة لطيفة أوردها الشيخ أحمد بن فهد في المهذّب بتمامها وأرسلها إلى المحقّق الطوسي فاستحسنها.

قال الحرّ العاملي : قال الشيخ حسن في إجازته : لو ترك التقييد بأهل زمانه كان أصوب ، إذا لا أرى في فقهائنا مثله ...».

وفي منتهى المقال(1) :

«... وقال العلاّمة طيّب الله ثراه في إجازته الكبيرة عند ذكره : كان أفضل أهل زمانه في الفقه ، وقال المحقّق الشيخ حسن : لو ترك التقييد بأهل زمانه كان أصوب. قال الحائري معقّباً : قلت : ولو ترك التخصيص بالفقه كان أصوب ...».

وفي لؤلؤة البحرين(2) قال البحراني :

«... الشيخ نجم الدين أبو القاسم ، كان محقّق الفقهاء ومدقّق العلماء ، وحاله في الفضل والنبالة والعلم والفقه والجلالة والفصاحة والشعر والأدب والإنشاء أشهر من أن يذكر وأظهر من أن يسطر ، وكان أبوه الحسن من الفضلاء المذكورين وجدّه يحيى من العلماء الأجلاّء المشهورين ...».

وفي روضات الجنّات(3) :

«الشيخ الأجلّ الأفقه الأفضل الأفخر نجم الملّة والحقّ والدين أبو 2.

ص: 290


1- منتهى المقال : 77.
2- لؤلؤة البحرين : 227.
3- روضات الجنّات 2 / 182.

القاسم جعفر بن الحسن بن أبي زكريّا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي ، الملقّب بالمحقّق على الإطلاق والمسلّم في كلّ ما بهر من العلم والفهم والفضيلة في الآفاق ، يُغني اشتهار مقاماته العالية بين الطوائف عن الإظهار ويكفي انتشار إفاداته المالئة درج الصحائف مؤونة التكرار ، فإذاً الأولى اختصار الكلمة في نعت كماله والاقتصار على ما ذكره ابن أُخته العلاّمة في شأن خاله في وصف حاله عند عدّه في إجازته الكبيرة لبني زهرة العلويّين من كبار مشايخه الحلّيّين ، وهو أنّه كان أفضل أهل عصره في الفقه ...».

وفي كتاب الأعلام(1) لخير الدين الزركلي :

«المحقّق الحلّي جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسين بن سعيد الهذلي الحلّي نجم الدين أبو القاسم ، فقيه ، إمامي ، مقدّم ، من أهل الحلّة في العراق ، كان مرجع الشيعة الإمامية في عصره ، له علم بالأدب وشعر جيّد ، من تصانيفه : شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ، والنافع مختصر الشرائع ، والمعتبر في شرح المختصر ، وأُصول الدين ، ونكت النهاية فقه ، وغير ذلك. توفّي في الحلّة».

وذكره الشيخ عبّاس القمّي في الكنى والألقاب(2) :

«الشيخ الأجلّ الأعظم شيخ الفقهاء بغير جاحد وواحد هذه الفرقة وأي واحد أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي ، حاله في الفضل والعلم والثقة والجلالة والتحقيق والتدقيق والفصاحة والبلاغة والشعر والأدب والإنشاء وجميع الفضائل والمحاسن 3.

ص: 291


1- الأعلام للزركلي 2 / 117.
2- الكنى والألقاب 3 / 133.

أشهر من أن يذكر ، كان عظيم الشأن جليل القدر رفيع المنزلة لا نظير له في زمانه ، له شعر جيّد وإنشاء حسن ، قال تلميذه ابن داود ...».

شيوخه :

1 - السيّد شمس الدين فخّار بن معد الموسوي.

2 - والده الشيخ حسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي.

3 - الشيخ نجيب الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء الله بن نما.

4 - الشيخ الصالح تاج الدين الحسن بن علي الدربي.

5 - الشيخ الفقيه العالم سديد الدين سالم بن محفوظ بن عزيزة بن وشاح السوراوي الحلّي.

تلامذته :

1 - السيّد غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن طاووس.

2 - السيّد جلال الدين محمد بن علي بن موسى بن طاووس.

3 - الشيخ الجليل شمس الدين محمد بن محمد الكوفي الحارثي.

4 - الشيخ الفقيه عزّ الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي.

5 - الشيخ الشاعر صفي الدين عبد العزيز بن السرايا الحلّي.

6 - الوزير الشيخ شرف الدين أبو القاسم علي بن مؤيّد الدين العلقمي.

7 - الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد الأسدي الحلّي الذي كانت تربطه بأُستاذه المحقّق علاقة حميمة.

8 - الشيخ المحدّث الفقيه جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي.

ص: 292

9 - الشيخ الأعظم الأفخم جمال الملّة والدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي الملقّب ب- : العلاّمة الحلّي.

10 - الشيخ الجليل رضي الدين علي بن يوسف بن المطهّر الحلّي أخو العلاّمة الحلّي.

11 - الشيخ الفقيه الأفضل فخر الدين محمد ابن العلاّمة الحسن بن المطهّر الحلّي.

12 - الشيخ العلاّمة صفي الدين محمد بن نجيب الدين يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي ابن ابن عمّ المحقّق الحلّي.

13 - الشيخ الفاضل شمس الدين محمد بن صالح السيبي القُسِّيني.

14 - الشيخ الجليل جمال الدين محمد بن علي القاشي الحلّي.

14 - الشيخ الفقيه مفيد الدين محمد بن علي بن الجهم الأسدي.

وغيرهم من الأعلام.

مؤلّفاته :

1 - كتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام.

2 - كتاب النافع ، مختصر الشرائع.

3 - كتاب المعتبر ، في شرح المختصر.

4 - كتاب نكت النهاية.

5 - كتاب المسائل الغرية.

6 - كتاب المسائل المصرية.

7 - كتاب المسلك في أصول الدين.

8 - كتاب المعارج ، في أصول الفقه.

ص: 293

9 - كتاب الكهنة ، في المنطق.

10 - رسالة التياسر في القبلة.

وله شعر جيّد وانشاء في غاية الفصاحة والبلاغة.

نماذج من شعره :

قال البحراني في لؤلؤة البحرين(1) : «وكان - قدس سره - شعره في غاية الجودة ، ومنه قوله وقد كتبه إلى أبيه :

ليهنك أنّي كلّ يوم إلى العلى

أقدّم رجلاً لا تزلّ بها نعل

وغير بعيد أن تراني مقدّما

على الناس حتّى قيل ليس له مثل

تطاوعني بكر المعاني وعونها

وتنقاد لي حتّى كأنّي لها بعل

ويشهد لي بالفضل كلّ مبرّز

ولا فاضل إلاّ ولي فوقه فضل

قال : فكتب أبوه فوق هذه الأبيات : لئن أحسنت في شعرك لقد أسأت في حقّ نفسك ، أما علمت أنّ الشعر صناعة من خلع العفّة ولبس الحرفة والشاعر ملعون وإن أصاب ومنقوص وإن أتى بالشيء العجاب ، وكأنّي بك وقد أوهمك الشعر بفضيلة فجعلت تنفق ما تنفق بين جماعة لا يرون لك فضلاً غيره فسمّوك به ، ولقد كان ذلك وصمة عليك إلى آخر الدهر ، أما تسمع : (ولست أرضى أن يقال شاعر).

قال : فوقف عند ذلك خاطري حتّى كأنّي لم أقرع له باباً ولم أرفع له حجاباً. 2.

ص: 294


1- لؤلؤة البحرين : 232.

ومن شعره أيضاً قوله قدس سره :

هجرت صوغ قوافي الشعر مذ زمن

هيهات يرضى وإن أغضبته زمنا

وعدت أوقظ أفكاري وقد هجعت

عنفاً وأزعجت عزمي بعدما سكنا

إنّ الخواطر كالآبار إن نزحت

طابت وإن يبق فيها ماؤها أجنا

ومنه قوله :

يا راقداً والمنايا غير راقدة

وغافلاً وسهام الموت ترميه

بِمَ اغترارك والأيّام مرصدة

والدهر قد ملأ الأسماع داعيه

أما أرتك الليالي قبح دخلتها

وغدرها بالذي كانت تصافيه

رفقاً بنفسك يا مغرور أنّ لها

يوماً تشيب النواصي من دواهيه».

أقول :

وقد ذكر صاحب أمل الآمل(1) للمحقّق قدس سره شعراً جميلاً وإنشاءً فصيحاً بليغاً يخاطب به تلميذه وصديقه الحميم الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح الحلّي الذي أرسل له أبياتاً من الشعر في مدحه ، وسنذكر تفاصيل هذا الموضوع في ترجمة الشيخ محفوظ بن وشاح الحلّي إن شاء الله تعالى. 9.

ص: 295


1- أمل الآمل 2 / 229.

ولادته ووفاته :

ذكر أصحاب التراجم(1) أنّ ولادته قدس سره كانت عام (602 ه) ووفاته كانت في ثالث شهر ربيع الآخر سنة (676 ه) ، حيث سقط من أعلى درجة في داره فخرّ ميّتاً لوقته من غير نطق ولا حركة ، وتفجّع الناس لوفاته ، واجتمع لجنازته خلق كثير ، رضوان الله تعالى عليه.

81 - السيّد تاج الدين جعفر بن مُعَيَّة :

هو السيّد الجليل الأديب الشاعر نقيب العلويّين تاج الدين جعفر بن محمد بن أبي منصور الحسن الزكي الثالث الحسني. ذكره ابن عِنَبة في عمدة الطالب(2) قائلاً :

«.. أمّا محمد ابن الزكي الثالث فأعقب من ولده النقيب تاج الدين جعفر الشاعر الفصيح لسان بني حسن بالعراق. حدّثني الشيخ تاج الدين محمد قال : حدّثني أبي عن خاله النقيب تاج الدين جعفر المذكور أنّه حدّثه قائلاً : لهجت بقول الشعر وأنا صبي ، فسمع والدي بذلك فاستدعاني وقال : يا جعفر قد سمعت أنّك تهذي بالشعر فقل في هذه الشجرة حتّى أسمع ، فقلت ارتجالاً :

ودوحة تدهش الأبصار ناضرة

تريك في كلّ غصن جذوة النار 5.

ص: 296


1- انظر : لؤلؤة البحرين : 231.
2- عمدة الطالب : 165.

كأنّما فصّلت بالتبر في حلل

خضر تميس بها قامات أبكار

فاستدناني وقبّل ما بين عيني ، وأمر لي بفرس وثياب نفيسة ودراهم - أمر بإحضارها في الحال - ووهب لي ضيعة من خاصّة ضياعه وقال : يا بني استكثر من هذا فإنّا نقصد دار الخلافة ومعنا من الخيل وغيرها وأنواع التكلّفات وممّا لا يتمكّن منه ويجيء ابن عامر بدواته وقلمه فتقضى حوائجه قبلنا ويرجع إلى الكوفة ونحن مقيمون بدار الخلافة لم يقض لنا بعد حاجة.

وكان للنقيب تاج الدين جعفر وظائف على ديوان بغداد تحمل إليه في كلّ سنة ، وكان قد اضرّ وبنى موضعاً سمّاه الزوية واعتكف فيه دائماً ، فأرسلوا إليه بعض السنين - وحاكم بغداد يومئذ الصاحب علاء الدين عطاء الملك الجويني - بفرس كبير السنّ أعور ، فكتب إلى صاحب الديوان بهذين البيتين :

أهديتم الجنس إلى جنسه

بزرك كور لبزرك وكور

وما لكم في ذاك من حيلة

سبحان من قدّر هذي الأمور

فركب صاحب الديوان إليه وقاد إليه فرساً آخر واعتذر منه ...».

وجاء في غاية الاختصار(1) عند ذكر بني مُعَيَّة :

«منهم نقيب الحلّة السيّد تاج الدين ، كان أديباً شاعراً ، أمّه علوية زيدية من بني كتيلة ، كان يسكن الحلّة المزيدية ، وله وجاهة وتقديم 0.

ص: 297


1- غاية الاختصار : 50.

ورئاسة وصيت ، أضرَّ في آخر عمره فانقطع بداره ، وتردّد الناس إليه ، وكاتب الناس بالأشعار وكان علي ممّن كتب بين يديه رقاعه ، وكتبه مسجّعة مطبوعة وأشعاره حسنة ، فمنها وقد جاء إلى بعض الأكابر فحجب فكتب إليه :

الحجّ لمّا ردّ من لينة

تأثّر العالم للردّ

والعبد قد ردّ بلا لينة

وكان محسوباً من الرفد ..».

وذكره الحرّ العاملي في أمل الآمل(1) قائلاً :

«السيّد تاج الدين أبو عبد الله جعفر بن محمد بن مُعَيَّة الحسيني ، عالم ، جليل ، يروي عنه ابن أُخته القاسم بن مُعَيَّة».

أقول :

هو حسني النسب وليس حسينياً ، ولعلّه من الأغلاط الكتابية.

وقال السيّد عبد الرزاق كمّونة في موارد الاتحاف(2) :

«تاج الدين جعفر بن محمد بن أبي منصور الحسن الزكي ابن أبي طالب محمد بن أبي منصور الحسن ظهير الدولة الحسني ، تقدّم باقي نسبه في ترجمة جدّه ظهير الدين أبي منصور الحسن ، توفّي في حدود سنة (668 ه) ، وكان سيّداً جليل القدر عظيم المنزلة من أهل الفضل والأدب ، 6.

ص: 298


1- أمل الآمل 2 / 55.
2- موارد الاتحاف 1 / 176.

وكان من شعراء زمانه ، ولي نقابة البلاد الفراتية والحلّة ، وقد أضرَّ في آخر عمره ...».

من شعره :

قدّمت سبعين وأتبعتها

عاماً فكم أطمع في المكث

وهبك عمري قد بقى ثلثه

أليس نكس العمر في الثلث

82 - الشيخ نجم الدين جعفر بن نما :

هو العالم الفاضل الجليل الأديب الشاعر الشيخ نجم الدين جعفر ابن نجيب الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الربعي الحلّي ، ذكره صاحب أمل الآمل(1) قائلاً :

«الشيخ نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلّي ، عالم ، جليل ، يروي عنه الشيخ كمال الدين علي بن الحسين بن حمّاد وغيره من الفضلاء».

وفي لؤلؤة البحرين(2) قال البحراني بعد ذكر والده الشيخ نجيب الدين محمد بن نما :

«وكان لهذا الشيخ ولد فاضل يسمّى الشيخ جعفر له مقتل الحسين عليه السلام جيّد الوضع ذكره صاحب أمل الآمل ...». 3.

ص: 299


1- أمل الآمل 2 / 54.
2- لؤلؤة البحرين : 273.

وجاء في روضات الجنّات(1) :

«الشيخ نجم الملّة والدين جعفر ابن نجيب الدين محمد بن جعفر ابن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلّي الربعي ، كان من الفضلاء الأجّلة وكبراء الدين والملّة ومن مشايخ العلاّمة المرحوم كما في إجازة ولده الشيخ فخر الدين للشيخ شمس الدين محمد بن صدقة ، يروي عن أبيه عن جدّه عن جدّ جدّه عن إلياس بن هشام الحائري عن ابن الشيخ ، وكذا عن والده عن ابن إدريس عن الحسين بن رطبة عنه ، وعن كمال الدين علي بن الحسين ابن حمّاد الليثي الواسطي الفاضل الفقيه وغيره من الفضلاء ، كما في أمل الآمل ...».

مؤلّفاته :

1 - كتاب مثير الأحزان ، وهو في مقتل الحسين عليه السلام.

2 - كتاب أخذ الثار في أحوال المختار.

وله أيضاً بعض القصائد الشعرية ، منها ما ذكره صاحب بحار الأنوار(2)وقد كتبه لبعض حاسديه :

«أنا ابن نما أمّا نطقت فمنطقي

فصيح إذا ما مصقع القوم أعجما

وان قبضت كفّ امرئ عن فضيلة

بسطت لها كفّاً طويلاً ومعصما 0.

ص: 300


1- روضات الجنّات 2 / 179.
2- بحار الأنوار 104/29 - 30.

بنى والدي نهجاً إلى ذلك العلى

وأفعاله كانت إلى المجد سلّما

كبنيان جدّي جعفر خير ماجد

فقد كان بالإحسان والفضل مغرما

وجدُّ أبي الحبر الفقيه أبي البقا

فما زال في نقل العلوم مقدّما

يودُّ أُناس هدم ماشيَّد العلى

وهيهات للمعروف أن يتهدّما

يروم حسودي نيل شأوي سفاهة

فمن أين في الأجداد مثل التقي نما

وله أيضاً في مدح أهل البيت عليهم السلام :

إن كنت في آل الرسول مشكّكاً

فاقرأ هداك الله في القرآن

فهو الدليل على علوّ محلّهم

وعظيم فضلهم وعظم الشأن

وهم الودائع للرسول محمد

بوصية نزلت من الرحمن

وله في مدح الإمام علي عليه السلام :

جاد بالقرص والطوى ملء جنبيه

وعاف الطعام وهو سغوب

فأعاد القرص المنير عليه

القرص والمقرص الكريم كسوب».

ولادته ووفاته :

توفّي عام (680 ه) ، أمّا تاريخ ولادته فلم أعثر عليها ، نوّر الله رمسه.

ص: 301

83 - الشيخ جعفر بن مليك الحلّي :

ذكره الشهيد الأوّل في إجازته لابن الخازن الحائري عند تعداد مشايخه ومن يروي عنهم والمثبتة في كتاب بحار الأنوار(1) للمجلسي قائلاً :

«... وبهذا الإسناد مصنّفات ومرويّات الشيخ العالم نجم الدين جعفر ابن مليك الحلّي ، عن جماعة من مشايخ الإمام جمال الدين ، عنه ...».

84 - الشيخ جلال الدين الحسن بن نما :

هو العلاّمة الفقيه العابد الزاهد الشيخ أبو محمد جلال الدين الحسن ابن نظام الدين أحمد ابن نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الربعي الحلّي. ذكره صاحب أمل الآمل(2) قائلاً :

«الشيخ جلال الدين أبو محمد الحسن ابن نظام الدين أحمد ابن نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلّي ، كان فاضلاً عالماً ، يروي الشهيد عنه عن يحيى بن سعيد ، ويروي هو عن آبائه الأربعة بالترتيب : أب عن أب».

وفي روضات الجنّات(3) قال الخونساري عند ذكره لوالد المترجم له الشيخ نظام الدين أحمد بن نما :

«... وهو والد الفقيه الصالح - بنصّ الشهيد الثاني - جلال الدين أبي 0.

ص: 302


1- بحار الأنوار 104 / 189.
2- أمل الآمل 2 / 62.
3- روضات الجنّات 2 / 180.

محمد حسن بن نما الحلّي الذي يروي عنه الشهيد وهو عن يحيى بن سعيد وكذا عن آبائه الأربعة على الترتيب».

وفي مستدرك الوسائل(1) قال النوري عند ذكر الشيخ علي بن أحمد المطار آبادي ومن يروي عنهم :

«... رابعهم الشيخ الأجلّ الأكمل جلال الدين أبو محمد الحسن ابن الشيخ نظام الدين أحمد ابن الشيخ نجيب الدين أبي إبراهيم أو عبد الله محمد بن نما العالم الفاضل الفقيه الكامل أحد الفقهاء المعروفين بابن نما ، قال الشهيد في الأربعين : الحديث الثالث : ما أخبرني به الشيخ الفقيه العالم الصالح الدَيِّن جلال الدين أبو محمد الحسن بن أحمد ابن الشيخ السعيد شيخ الشيعة ورئيسهم في زمانه نجيب الدين أبي عبد الله محمد بن نما الحلّي الربعي في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بالحلّة ... إلى قوله : وهذا الشيخ يروي عن المزيدي وقد تقدّم ، وعن نجيب الدين يحيى بن سعيد ابن عمّ المحقّق ويأتي ، وعن والده نظام الدين أحمد عن والده نجيب الدين أبي عبد الله محمد بن نما الآتي ذكره في مشيخة المحقّق ، وعن أخيه نجم الملّة والدين جعفر بن محمد العالم الفاضل صاحب كتاب مثير الأحزان في مصائب يوم الطف ...».

وفي طرائف المقال(2) : «الشيخ جلال الدين أبو محمد الحسن ابن نظام الدين أحمد بن جعفر ابن نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله 0.

ص: 303


1- مستدرك الوسائل 3 / 443.
2- طرائف المقال 1 / 100.

ابن نما الحلّي ، كان فاضلاً عالماً يروي الشهيد عنه عن يحيى بن سعيد ، وهو يروي عن آبائه : أب عن أب».

أقول :

لم يذكر لنا أصحاب التراجم تاريخ ولادته أو وفاته إلاّ أنّه كان حيّاً عام (752 ه) رضوان الله عليه.

للموضوع صلة ...

ص: 304

من ذخائر الترّاث

ص: 305

ص: 306

صورة

ص: 307

ص: 308

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الناشر في الخلق فضله ، والباسط فيهم بالجود يده ، نحمَدُه في جميع أُموره ، ونستعينه على رعاية حقوقه.

وصلّى الله على محمّد وآله عبده ورسوله ، أرسله بأمره صادعاً ، وبذكره ناطقاً ، فأدّى أميناً ، ومضى رشيداً ، وخلّف فينا راية الحقّ : من تقدّمها مَرَق ، ومن تخلّف عنها زهق ، ومن لزمها لحق.

أزمّة الحقّ ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق. أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي. فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن. آل محمد (صلى الله عليه وآله) كمثل نجوم السماء :

إذا خوى نجم طلع نجم.

لا يُقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذه الأُمّة أحد.

وترك لنا : قرآناً عظيماً ، وذكراً حكيماً ، وحبلا ممدوداً ، وعهداً معهوداً ، وظلاًّ عميماً ، وصراطاً مستقيماً.

فيه : معجزات باهرة ، وآيات ظاهرة ، وحجج صادقة ، ودلالات ناطقة.

مبيّناً فيه : حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ،

ص: 309

ورخصه وعزائمه ، وخاصّه وعامّه ، وعبره وأمثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه.

فالقرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام صنوان لا يفترقان ، وأحدهما يهدي إلى الآخر.

وعلوم القرآن جمّة وغزيرة ، يقصر عنها القول وإن كان بالغاً ، ويتقلّص عنها ذيله وإن كان سابغاً.

لكن ما يمكن الإشارة إليه في هذا الشأن هو علم التفسير ، الذي نشأ منه علم أسباب نزول القرآن ، ولنا أن نشير إلى نبذة مختصرة عن علم أسباب النزول ، الذي يعتبر أحد أنواع العلوم التي بحثت في مباحث علوم القرآن الكريم ، وأُلّف فيه كتب كثيرة تبيّن أسباب نزول الآيات.

تعريف سبب النزول :

هو ما نزلت الآية أو الآيات متحدّثة عنه أو مبيّنة لحكم أيّام وقوعه(1).

أنواعه :

من المعروف أنّ نزول القرآن ينقسم إلى قسمين :

الأوّل : ما نزل ابتداءً غير متعلّق بحادثة أو سؤال ، وهو أكثر القرآن من آيات العقائد والخلق وغيرها.

الثاني : ما نزل عقيب واقعة أو سؤال. 1.

ص: 310


1- مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 1 : 81.

وهو بدوره ينقسم إلى قسمين :

أ - أن تقع حادثة أو تحصل واقعة في المجتمع المسلم ، فيرتبط بها سبب نزول مبيّناً حكم الله في ذلك ، أو توجيه المسلمين لما يفعلون حيالها.

ب - أن يُسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أمر فينزل الملك بشيء من القرآن جواباً على ذلك السؤال.

أهمّيته :

لهذا النوع من العلوم أهمّية كبيرة ؛ لأنّه يُعين على تفسير الآية ، ولهذا نجد ابن دقيق العيد يقول : بيان سبب النزول طريق قويّ في فهم معاني القرآن(1).

وقال ابن تيمية : معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ، فإنّ العلم بالسبب يورث العلم بالمسبّب(2).

وقال الواحدي : لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصّتها وبيان نزولها(3).

فوائده :

1 - المساعدة على استكشاف حكمة الله تعالى في تشريعه.

2 - الاستعانة على فهم الآية ودفع الإشكال عنها. 6.

ص: 311


1- حكاه عنه السيوطي في الإتقان في علوم القرآن 1 / 29.
2- مجموعة الفتاوى 13 : 339.
3- أسباب النزول للواحدي : 96.

ومثاله : إنّه أشكل على مروان بن الحكم قوله تعالى : (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا)(1).

فقال : لئن كان كلّ امرئ فرح بما أتى ، وأحبّ أن يُحمَد بما لم يفعل معذّباً ، لنعذبنّ أجمعين!

فأرسل إلى ابن عبّاس ، فأخبره ابن عبّاس أنّها نزلت في اليهود لمّا سألهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن شيء فكتموه إيّاه ، وأخبروه بغيره ، وأظهروا له أنّهم أخبروه سؤاله ، واستحمدوا إليه بذلك ، وفرحوا بكتمانهم ما عرفوا(2).

3 - ومنها دفع توهّم الحصر عمّا يفيد بظاهره الحصر.

مثاله : قوله تعالى : (قُل لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِير فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ)(3).

رأى الشافعي أنّ الحصر في هذه الآية غير مراد ، فقال :

إنّ الكفّار لمّا حرّموا ما أحلّ الله ، وأحلّوا ما حرّم الله ، وكانوا على المضادّة والمحادّة ، جاءت الآية مناقضة لغرضهم ، فكأنّه قال : لا حلال إلاّ ما حرّمتموه ، ولا حرام إلاّ ما أحللتموه ، والغرض المضادّة ، لا النفي والإثبات على الحقيقة ، فكأنّه قال : لا حرام إلاّ ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به ، ولم يقصر حلّ ما وراءه ، إذ القصّة 5.

ص: 312


1- سورة آل عمران 3 : 188.
2- أسباب النزول للواحدي : 268 / 157.
3- سورة الأنعام 6 : 145.

إثبات التحريم لا إثبات الحلّ(1).

4 - تخصيص الحكم بالسبب عند من يرى أنّ العبرة بخصوص السبب ، لا بعموم اللفظ.

5 - معرفة من نزلت فيه الآية على التعيين حتّى لا يُشتبه بغيره.

بين يدي الرسالة :

وهذه الرسالة - التي بين أيدينا - تتناول تفسير إحدى السور القرآنية المباركة ، الموسومة بسورة «الدهر» أو «الإنسان» ، هذان الإسمان مقتبسان من الآية المتصدّرة لهذه السورة.

حاول فيها المؤلّف تسليط الضوء على أقوال العلماء والمفسّرين ، مشيراً إلى الراجح منها ، ومبيّناً رأيه في ذلك.

ناسباً بعض هذه الأقوال إلى مصادرها ، وذلك بإعطائها رمزاً خاصّاً ، فمثلا : لتفسير مجمع البيان أعطى الرمز «ن» ، وتفسير الكشّاف «ف» ، وكنز الدقائق «الكنز» ، وتفسير الوسيط للنيسابوري «ري» ، وزبدة الأحكام للأردبيلي «ي» ، وكافي الكليني «في» ، والقاموس المحيط للفيروزآبادي «ق».

والسورة تذكر خلق الإنسان بعد ما لم يكن شيئاً مذكوراً ، ثمّ هدايته السبيل ، إمّا شاكراً وإمّا كفوراً ، وأنّ الله سبحانه اعتدّ للكافرين أنواع العذاب ، وللأبرار ألوان النعم ، وقد فصّلت القول في وصف نعيمهم في ثمان عشرة آية ، وهو الدليل على أنّه المقصود بالبيان. 3.

ص: 313


1- البرهان في علوم القرآن 1 / 23.

سياق هذه الآيات سياق الاقتصاص ، تذكر قوماً من المؤمنين تسمّيهم الأبرار ، وتكشف عن بعض أعمالهم ، وهو الإيفاء بالنذر ، وإطعام مسكين ، ويتيم ، وأسير ، وتمدحهم وتعدهم الوعد الجميل.

وليس سياقها سياق فرض موضوع وذكر آثاره الجميلة ، ثمّ الوعد الجميل عليه.

ذكرُها للأسير فيمن أطعمه هؤلاء الأبرار نعم الشاهد على كون الآيات مدنيّة ، فإنّ الأسر إنّما كان بعد هجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وظهور الإسلام على الكفر والشرك ، لا قبلها.

والملاحظ أنّ الله تعالى لم يذكر فيما ذكر من نعيم الجنّة نساء الجنّة من الحور العين وهي من أهمّ ما يذكره عند وصف نعم الجنّة في سائر كلامه.

قال الآلوسي في روح المعاني : ومن اللطائف على القول بنزول السورة فيهم [يعني أهل البيت عليهم السلام] أنّه لم يذكر فيها الحور العين ، وإنّما صرّح عزّ وجلّ بولدان مخلّدين رعاية ؛ لحرمة البتول وقرّة عين الرسول(1).

خلاصة :

1 - إنّ عدداً من آيات هذه السورة نازلة بعد حادثة إطعام أهل البيت عليهم السلام مسكيناً ويتيماً وأسيراً (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً).8.

ص: 314


1- تفسير روح المعاني للآلوسي 29 / 158.

2 - إنّ هذا العمل «الإطعام» كان خالصاً لوجه الله تعالى : (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله) فليس كلّ عمل مقبول ، مهما كبر حجم العمل ، إلاّ ما انطوى على نيّة خالصة (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ).

ومن عمل لله ولم يرجُ جزاء عبد وشكره (لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) ؛ فجزاؤه وشكره عليه سبحانه (إِنَّ هذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَشْكُوراً).

3 - إنّ جزاء العمل بمقدار الإخلاص فيه والصبر عليه (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) و (نِعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً).

4 - إنّ السورة واحدة من بين السور التي تضمّنت بيان فضيلة لم تُعهد لأحد من غير أهل هذا البيت الرفيع.

والتأكيد من لدن القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة على حقيقة فضلهم في مناسبات متعدّدة يكشف عن المنزلة الخاصّة لأهل بيت العصمة والطهارة ، ويوجّه الأمّة إلى اتّباعهم والتمسّك بحبلهم ، فالسورة تبيّن النموذج العملي وتدعو إليه.

وهذه جملة من الحقائق المستفادة من هذه السورة الشريفة.

السيّد حسين الوردي

ص: 315

ترجمة المؤلّف

هو السيّد صدر الدين محمد الحسني الطباطبائي ، المعروف ب- «ميرزا صدرا الكبير» و «المدرّس» ، ابن السيّد نصير الدين محمد بن ميرزا محمد صالح الحسني الطباطبائي الأردكاني الزواري ، جدّ السادات المدرّسيين.

يعدّ من علماء الدين البارزين في مدينة يزد في القرن الثاني عشر الهجري.

أبوه وجدّه من علماء الدين والمدرّسين المعروفين في يزد.

ولد وترعرع في مدينة يزد ، درس المقدّمات في يزد ، ثمّ سافر إلى أصفهان وأتمّ دراسته العالية هناك على يد مجموعة من كبار العلماء ، كالعلاّمة محمد بن حسن الشيرواني المعروف بالمدقّق الشيرواني المتوفّى سنة 1099 ه- ، وجمال الدين الخوانساري المتوّفى سنة 1125 ه- ، وتتلمذ في علم الكلام على يد الأُستاذ الكبير في الحكمة والكلام أبي إسحاق.

وبعد أن أكمل السيّد صدر الدين الطباطبائي دروسه العالية في أصفهان ، أقفل راجعاً إلى موطنه يزد ، واشتغل بتدريس العلوم الإسلامية في البقعة الإسحاقية في مدرسة المصلّى ، ومن هنا عُرف ب- «المدرّس».

كان السيّد صدر الدين محمد فقيهاً كبيراً ، ومتكلّماً بارزاً ، ومحقّقاً فاضلا ، وله مكانة معنوية خاصّة في عائلة السادة من بيت المدرّس وفي يزد بشكل عام.

خلّف ولدان أحدهما السيّد محمد الإخباري ، والسيّد نصير الدين ، وكلاهما من علماء الدين المعروفين ، وله بنت كانت أُستاذة في الطبّ وشاعرة معروفة.

ص: 316

ويُنقل أنّ ولده السيّد محمد الإخباري قد أتلف بعض مؤلّفات والده الفلسفية لأنّها كانت تخالف مشرب الإبن الإخباري.

ومن ذرّيّتة سماحة آية الله السيّد عبّاس المدرّسي اليزدي أطال الله عمره ، وهو من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدّسة.

وفاته :

توفّي السيّد صدر الدين في سنة 1154 ه- ، ودُفن في جوار مقبرة الآخوند الكرباسي في منطقة «جوي هرهر».

مؤلّفاته :

ترك السيّد آثاراً علمية في الفقه والمنطق والتفسير والدعاء ، منها :

1 - سلسبيل المسلسل بالدليل (في الفقه).

2 - لئالي الليالي في تهجّد الليالي (فارسي).

3 - مرصّع الحواشي (في المنطق).

4 - حاشية على شرح اللمعة.

5 - شرح الصحيفة السجّادية.

6 - حاشية على مسالك الأفهام.

7 - حاشية على مدارك الأحكام.

8 - الحاشية العرفانية على تفسير البيضاوي.

9 - عين الحقيقة (تفسير سورة التوحيد).

10 - لسان الصدق في تحقيق الحقّ (تفسير سورة الحمد).

11 - جواهر الكلام في علم الكلام.

ص: 317

12 - حاشية على نهج البلاغة.

13 - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي.

14 - شرح دعاء الندبة (باللّغتين العربية والفارسية).

15 - حاشية على تفسير الصافي.

16 - حواشي على آيات الأحاكم.

17 - حاشية على مجمع البيان.

18 - رسالة كبيرة في حلّ المشكلات.

19 - تفسير سورة الدهر(1) ، وهي هذه الرسالة.

التحقيق :

اعتمدنا في تحقيق هذه الرسالة على نسخة واحدة ، طبعت أوّلا ؛ لنتمكّن من قراءتها بوضوح ولتسهيل العمل.

قابلنا ما طُبع على النسخة الأصلية لتلافي الأخطاء المحتملة.

بدأنا بتخريج الآيات والروايات وأقوال المفسّرين والعلماء ؛ ليسهل على القارئ الرجوع إلى مضانّ هذه الرسالة.

قمنا بتقويم النصّ من حيث الإعراب والإملاء والوقف والابتداء ، حتّى خرجت الرسالة بهذا الشكل الذي هي عليه.

نسأل الله لكلّ العاملين في إحياء تراث أهل البيت عليهم السلام التوفيق لما يحبّ ويرضى. 1.

ص: 318


1- طبقات أعلام الشيعة 6 : 337 ، اعيان الشيعة 7 : 385 ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 5 : 277 ، 6 : 42 و 45 و 198 ، 18 : 262 ، 20 : 310 ، طبقات مفسّران شيعة 3 : 229 ، 5 : 439 ، آيينة دانشوران : 271.

صورة

ص: 319

صورة

ص: 320

تفسير سورة الدهر

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

أمّا بَعدَ حمدِ الله تعالى كثيراً كما هو أهلُه ، والصلاة على من نُزِّل عليه القرآن وثقله محمّد وآله أشرف الثقلين ، النازل عليهم نزلة الفائز من إليهم توسّله.

فيقول ابن نصير الحسني الحسيني صدر الدين محمد غفر ذنوبهما وستر عيوبهما :

إنّي لمّا فسّرت سورة التوحيد ، وجاء بحمد الله كاسمه عين الحقيقة ؛ استحسنه من أصحابي في الطريقة ، من ماء العلم يشربون ، أُمّةً يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، فالتَمَسوا أن اُلحق بها تفسير السورتين الكريمتين «الدهر والقدر» ، مُلحّين احتجاجاً ، ومحتجّين إلحاحاً ، أنّهما في نسبة الرسول والأئمّة عليهم السلام ، كما أنّها في نسبة الربّ سبحانه ، مع ما يقرأ الثانية والاُولى كلّ اثنين من الأُسبوع على الاستحباب : (وَإنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنُ مَآب)(1).

فأجبت مسؤولهم ، سائلاً أن يعصمني زلله ويجعله خالصاً له.

فقلت وبالله التوفيق :

روى الصدوق عليه الرحمة في الأمالي بإسناده عن ابن عبّاس ، 5.

ص: 321


1- سورة ص 38 : 25.

وبإسناده عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام ، في قوله عزّ وجلّ : (يُوفُونَ بالنَّذرِ)(1) ، قال : «مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيّان صغيران ، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه رجلان ، فقال أحدهما : يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله عافاهما!

فقال : أصوم ثلاثة أيّام. وكذلك قالت جاريتهم فضّة.

فألبسهم الله عافية ، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام ، فانطلق عليّ عليه السلام إلى جار له من اليهود يُقال له (شمعون) يعالج الصوف ، فقال : «هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك ابنة محمد (صلى الله عليه وآله) بثلاثة أصوع من شعير؟

فقال : نعم.

فأعطاه ، فجاء بالصوف والشعير وأخبر فاطمة عليها السلام ، فقبلت وأطاعت ، ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصوف ، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص ، لكلّ واحد قرصاً.

وصلّى عليّ عليه السلام مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) المغرب ، ثمّ أتى منزله ، فوُضع الخوان وجلسوا خمستهم ، فأوّل لقمة كسرها عليّ عليه السلام ، إذا مسكين قد وقف بالباب ، فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني ممّا تأكلون ، أطعمكم الله على موائد الجنّة!

فوضع اللقمة من يده ، ثمّ قال :

فاطمُ ذات المجد واليقين

يا بِنْتَ خَير الناسِ أجمَعين

أما تَريْنَ البائِسَ المِسكِين

جاءَ إلى البابِ لَهُ حَنِين 7.

ص: 322


1- سورة الدهر 76 : 7.

يشكو إلى الله ويستكين

يشكو إلينا جائِعاً حَزين

كلُّ امِرِئ بِكسْبِهِ رهين

من يَفْعَلِ الخير يَقِف سَمِين

مَوْعِدُهُ في جَنّة الرحيم

حَرَّمَها اللهُ على الضَّنين

وَصاحِب البُخْلِ يَقِف حَزِين

تَهوي بهِ النارُ إلى سِجِّين

شَرابُها الحَمِيمُ والغِسْلين

فأقبلت فاطمة عليها السلام :

أمرك سمع يابن عمّ وطاعة

مابي من لؤم ولا وضاعة

غُذّيت باللّب وبالبراعة

أرجو إذا أشبعت من مَجاعَة

أن ألحِقَ الأخيارَ والجماعة

وَأدخل الجَنّة في شَفَاعَة

وعمدوا إلى ما كان على الخوان ، فأعطوه وباتوا جياعاً ، وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح ...

ثمّ عمدت إلى الثلث الباقي من الصوف إلى قوله : فغزلت الثلث الباقي» ... إلى آخر الحديث بمثل الأوّل.

ولا تغفل من الزجر في الثلاثة فإنّهم عليهم السلام في الجهاد الأكبر ، ولا من ظهور كثير من أحكام الإجارة منه.

وبعد تمامه قال شعيب في حديثه - فهو من الرواة عن ابن عبّاس - : وأقبل عليّ بالحسن والحسين عليهما السلام نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وهما يرتعشان كالفرخ من شدّة الجوع ، فلمّا بصر بهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : «يا أبا الحسن شَدَّ ما يسوؤني ما أرى بكم ، انطلق إلى ابنتي فاطمة!».

فانطلقوا إليها وهي في محرابها ، قد لصق بطنها بظهرها من شدّة

ص: 323

الجوع وغارت عيناها ، فلمّا رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمّها إليه وقال : «وا غوثاه بالله ، أنتم منذ ثلاث فيما أرى!».

فهبط جبرئيل عليه السلام فقال : «يا محمد ، خذ ما هَيّأ الله(1) لك في أهل بيتك».

قال : «وما آخُذُ يا جبرائيل؟».

قال : (هَلْ أَتَى عَلَى الأنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَذْكُوراً) حتى إذا بلغ (إنّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوْرَاً)(2)»(3).

وفي الوسيط ذكر الواحدي النيسابوري(4) ، والزمخشري(5) ، وفي ن(6) ، وكذا الإمامية أطبقوا على أنّ السورة نزلت في أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله)(7) ، ولا سيّما هذه الآية يعني : (إنّ الأبرار) إلى قوله تعالى : (وكان سَعيكُم مشكوراً).

وفي الطرائف لعبد المحمود بن داود : ومن ذلك ما ذكره الثعلبي في تفسيره ، ورواه من عدّة طرق في تفسير سورة (هل أتى على الإنسان) 2.

ص: 324


1- في بعض المصادر : هنّأك الله.
2- سورة الدهر 76 : 1 - 22.
3- أمالي الصدوق : 332 / 390 ، بزيادة.
4- تفسير الوسيط للنيسابوري 4 / 401.
5- الكشّاف للزمخشري 6 / 278.
6- مجمع البيان للطبرسي 10 / 232.
7- اُنظر تفسير فرات الكوفي : 519 - 528 / 676 - 679 ، وتفسير القمّي 2 / 398 ، والتبيان للطوسي 10 / 211 ، ومجمع البيان للطبرسي 10 / 232.

بأسانيدها ، ومن ذلك بإسناده إلى ابن عبّاس ، قال : مرض الحسن والحسين(1) .... وذكر الحديث ... إلى قوله : وزاد محمد بن عليّ الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة : إنّهم عليهم السلام نزلت عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيّام ... إلى قوله : وقد روى حديث المائدة المسمّى صدر الأئمّة أخطب خطباء خوارزم موفّق بن أحمد المكّي(2).

وروى الواحدي - وهو من أعيان المذاهب الأربعة - في كتاب أسباب النزول : إنّ سبب نزول الآية إيثار عليّ عليه السلام المسكين واليتيم والأسير(3)(4).

فهذا العمل لهم اعترف به مرّتين من كتابين.

ومنه يتّضح : إنّ الأمر في الوضوح بمرتبة لا يمكنهم إنكاره أو إسراره.

وفي : ف و ر ي و ي : مكّية(5) ، مع اعترافهم جميعاً بحقيقة الأمر(6).

وفي ن : إنّ بعض أهل العصبيّة قد طعن بأنّها مكّية ، فكيف يتعلّق بها ما كان بالمدينة(7)؟ وزيّنه بما روى فيه عن ابن عبّاس طريقين ، وعن 6.

ص: 325


1- اُنظر تفسير الكشف والبيان للثعلبي 10 / 99.
2- اُنظر المناقب للخوارزمي : 267 - 272 / 250 - 252.
3- أسباب نزول القرآن للواحدي 470 / 844.
4- اُنظر الطرائف لابن طاووس : 107 - 109 / 160.
5- كذا في النسخة ، وما في المصادر : (مدنيّة) بدل (مكيّة).
6- ف : الكشّاف للزمخشري 4 / 274 ، ري : تفسير الوسيط للنيسابوري 4 / 398 ، ي : زبدة البيان للأردبيلي : 422.
7- مجمع البيان للطبرسي 10 / 236.

عكرمة والحسن البصري ، وعن مجاهد وقتادة ، وعن أبي حمزة الثمالي ، عن الحسن بن الحسن بن عليّ : إنّها مدنيّة ، إحدى وثلاثون آية بالإجماع(1).

(بسم الله الرحمن الرحيم)

عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث في شأن فاتحة الكتاب : «وإنّ الله تعالى خصّ محمداً وشرّفه بها ، ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ، ما خلا سليمان عليه السلام فإنّه أعطاه منها (بسم الله الرحمن الرحيم)»(2).

(هل) : في الأصل بمعنى «قد» ، وإنّما تفيد الاستفهام بتقدير الهمزة ، قال :

أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكَمِ

ولذلك قلّما تدخل على اسميّة خبرها فعل ؛ إذ بها تتذكّر عهدها فتحِنّ إليه.

وقيل : إنّها بمنزلة إنّ ، وكفى بها رابطة الجواب القسم ، فإذا دخلت الفعل أمكن أن يقصد بها معناها الأصلي ولو مع الطارئ ، فلعلّه لذا اتّفقوا على أنّها هنا وفي الغاشية بمعنى «قد» فهي للتقرير بالتحقيق.

وفي ن : للتقرير(3). وقيل : للتحقيق ، وقيل : للتوقّع ، وبعض المتأخّرين من المفسّرين ، وكذا من أهل العربية : على أنّها بمعناها المتبادر ، وإنّما يفيد التحقيق التقريب ، ونزّلوا الشعر على أنّها أصلها ، أو على الجمع 6.

ص: 326


1- اُنظر مجمع البيان للطبرسي10 / 229 - 236.
2- أورده بتفصيل الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 270 ح 60 ، والأمالي : 241 / 255.
3- مجمع البيان للطبرسي 10 / 236.

بين الحرفين بمعنى واحد على التوكيد كقوله :

فأصبح لا يسألنه عن يمامة

وسعد في علوّ الهوا أم تصوّباً

وعلّلوا عدم دخولها على الاسميّة بأنّ تقديم الاسم يشعر بحصول التصديق بنفس النسبة وأنّها لطلب التصديق الإيجابي دون المتصوّر ، ولا يخلو من وجه(1).

والاحتمالات خمسة عشر ، أي : أيّها المنكر للصانع أو البعث - كما قيل - أليس قد أتى على الإنسان؟

جاء في الغاشية(2) ، وفي قوله عزّ من قائل : (إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْب سَلِيم)(3) متعدّياً بنفسه ، ويوافقه اللّغة ، فلعلّه على نغمين مثل معنى المرور أو التقدّم.

وفي الثاني بُعد ، وأبعد منه جعله : من أتى عليه الدهر ، أي : أهلكه ، وإن تأتّى النّظم معه ، بضمّ ما ثبت قدمه ، امتنع عدمه.

و (الإنسان) : فعلان من الإنس ، وأناسي جمع إنسي بالإعلال كأناسيّة ، أو أفعلان من النّسيان كما يدلّ عليه أُنَيْسيان ، مع ما فيه من أنّ المصغّر بما يكثر من حيث إنّه لا يكثر كرويجل.

وما نقل عن ابن عبّاس وجهاً للتسمية : عُهِدَ إليه فنسي(4).

وما في معاني الأخبار للصدوق عليه الرحمة : ومعنى الإنسان : إنّه ينسى(5) ، الهيكل المخصوص بالروح ، كما يتنفّس عنه النفخ فيه أو الروح1.

ص: 327


1- اُنظر مغني اللبيب لابن هشام 2 / 351 - 354 ، والكشّاف للزمخشري 6 / 274.
2- سورة الغاشية (88).
3- سورة الشعراء 26 : 89.
4- اُنظر تفسير الطبري 16 / 160.
5- معاني الأخبار للصدوق : 48 ضمن الحديث1.

وحدها ، مع ما فيه على الخلاف في وجود الكلّي الطبيعي ، فليتأمّل. وهو بعيد عن الآية.

واللام للاستغراق أو للجنس ، والثاني أزيد موافقة للثاني.

وعن ابن عبّاس ، وقتادة ، والجبائي ، ومن وافقهم : إنّه آدم عليه السلام(1).

وعلى هذا فللعهد. وأنّه بعيد إلاّ على الأبعد ، ولا يخفى أنّه حين أتى لم يكن إنساناً ، ففي الكلام تجوّز ، إمّا في لفظ الفعل ، أو الإنسان ، أو في الحذف ، أو في النسبة ، وهو الأجود.

ويمكن أن يقال للورود على مادّة الشيء : ورود عليه حقيقة ، وهنالك محتمل فيه غنية عن التجوّز والتضمين المذكورين ، أن يحمل الإتيان على الإطلاق وعلى القلب.

(حين من الدهر) : مدّة أو وقت محدود من الزمان الممدود ، أو طائفة من الأبد الغير المحدود.

فالأوّل : على الأوّل ، وهي الواردة على هذا الهيكل نطفة في أصلاب الآباء وأرحام الاُمّهات.

والثاني : على الثالث ، على ما قيل : إنّه أتى عليه السلام مائة وعشرون سنة طيناً وَحَمأً مسنوناً وصلصالاً أثلاثاً(2) ، وقيل : أربعون(3).).

ص: 328


1- اُنظر تفسير مجمع البيان للطبرسي 10 / 236 ، وجامع البيان للطبري 29 / 125 ، والوسيط للنيسابوري 4 / 498.
2- اُنظر مجمع البيان 10 / 237 (عن ابن عبّاس) ، وسعد السعود لابن طاووس : 66 (عن صحائف إدريس) ، وتفسير النكت والعيون للماوردي 6 / 162 (عن ابن عبّاس).
3- اُنظر مجمع البيان 10 / 236 ، وتفسير النكت والعيون للماوردي 6 / 163 (عن ابن عبّاس).

وعلى الأوّل ، على ما في بعض الأخبار : من أنّ الله عزّ وجلّ قبض قبضةً من تراب التربة التي خلق منها آدم عليه السلام ، وصبّت عليه ماء العذب الفرات ، ثمّ تركها أربعين صباحاً ، فلمّا اختمرت الطينة ، أخذها فعركها عركاً شديداً ، فخرجوا كالذرّ عن يمينه وشماله(1).

والثالث : على الثاني ، والقول بتقدّم الأرواح على الأبدان بألفي عام(2) ، أو على تضمين التقدّم ، والقول يُشعر به قوله تعالى : (ثمّ أنشأناه خلقاً آخر)(3).

ويصرّح بروايتين في من : أحداهما حسنة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام : «لم يكن الإنسان فيه»(4).

والجملة وصف لحين ، وقد كانت مضافاً إليها له في الأصل ظرفاً ، فلمّا اُسند إليه الفعل قُطع ورُفع وحملت عليه بالعائد من مقولة العيد يوم صمت فيه في يوم صمت ، ويحتمل الحالية عن الإنسان من غير حذف ، بل الوصفيّة للحين كذلك على معناه الثالث.

(شيئاً) : في الأصل مصدر بمعنى المفعول ، أي ما تعلّقت به مشيئة الله تعالى ، فالشيئية تساوي الوجود ؛ لأنّ المشيئة محدثة كما في الخبر(5). 1.

ص: 329


1- أورده بتفصيل الكليني في الكافي 2 / 5 ح2 ، والعيّاشي في تفسيره 2 / 39 ح109.
2- اُنظر بصائر الدرجات للصفار : 107 - 109 / 1 - 8 وتفسير العيّاشي 2 / 249 ضمن الحديث 32 ، والكافي للكليني 1 / 363 ضمن الحديث 1 ، والاختصاص للمفيد : 302.
3- سورة المؤمنون 23 : 15.
4- اُنظر محاسن البرقي : 243 / 234 ، والكافي للكليني 1/114 ح 5.
5- اُنظر محاسن البرقي : 245 / 241 ، والكافي للكليني 1 / 86 ح 7 ، وتوحيد الصدوق : 147 / 18 و 336 / 1.

وما شاء الله كان أو ما صحّ أن يتعلّق به المشيئة ، كما يتراءاى من قوله تعالى : (إنّ الله على كلّ شيء قدير)(1) ، ولعلّه على الفرض.

ولا أظنّك غافلاً عن نكتة التنكير وتنوين التحقير ، بعد تعريف «الإنسان والدهر» الدالّ على التعظيم ، ولا عن التأكيدات ب- «إنّ» ، والتعظيمات بصيغ المتكلّم مع الغير ، فيما سيأتي من الآيات ؛ فلذا طويت عنها وعن مثلها.

(مذكوراً) : بين الخليقة ، أوّلنا أوّله الآن والأوسط على أنّ المشيئة هي الذكر الأوّل ، فيكون وصفاً كاشفاً ، ويحتمل البدلية : إمّا على الأوّل - وهو الظاهر - فالذكر بمعناه الظاهر ، وكذا على الأخير.

وحقّ الكلام أن يقال : الذكر يجامع عدم الشيء ، وهو فرع وجوده ، ولو فرضنا فبالاعتبار الأوّل القيد تعميم له ، أي ما يجري على اللسان أو القلب ، فكيف بالوجود العيني بل عدماً صرفاً.

وبالحيثيّة الثانية مختصّ ، أي مذكوراً في الألسنة والقلوب بالإنسانيّة ، بل تراباً وماءً ، أو مثبتاً في الكتاب المبين ، وهو اللوح المحفوظ ، بل إنّما كان في علم الله تعالى وما يتذكّره القلب ، بل منسيّاً ، أو ما يُعتنى بشأنه ، بل حمأ ونطفة من باب (ورفعنا لك ذكرك)(2) من مقولة ولقولك ، وكأنه خيال من قال أنّه العلماء ، أو مكوّناً إنساناً كناية عن الوجود بالحيثيّة ، وهذا الذي يظهر ممّا في عن مالك الجهني قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (أَوَلاَ يَذْكُرُ الأنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) ، 4.

ص: 330


1- سورة البقرة 2 : 20.
2- سورة الشرح 94 : 4.

قال : فقال : «لا مقدّراً ولا مكوّناً». قال : وسألته عن قوله تعالى : (هَلْ أَتَى عَلَى الأنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَذْكُوراً) ، قال : فقال : «كان مقدّراً غير مذكور»(1).

وفي ن : وعن بعضهم أنّها تُليت عنده فقال : ليتها تمّت. أراد ليت تلك الحالة تمّت ، وهي كونه شيئاً غير مذكور ، ولم يُخلق ولم يُكلّف(2).

وفي ري : مرويّ إنّ الصدّيق لمّا سمع هذه الآية ، قال : ليتها تمّت! وفسّره(3). وهذا من مقولة إقالته.

وفي ن : إنّه سمع عمر بن الخطّاب رجلاً يقرأ هذه الآية ، فقال : ليت ذلك(4)!

فاعتبر رحمك الله ، كيف صارا قبل الآجلة مصداق (ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا)(5) ، ثمّ فاضلهم كيف دسّ الأمر؟

أمّا نظم الآية مع اللاحقة : لمّا تقرّر المُقَرّ به الإتيان على الإنسان ، فلابدّ له من محدث يصيّره شيئاً مذكوراً ، فبيّنه سبحانه بقوله : (إنّا خَلَقْنَا الإنسَانَ) أوجدناه ، والإظهار ليتمكّن عند السامع بتصوّر مستأنف ، فإنّ العائد إعادة للسابق ، ولينصرح المحكوم عليه ، ولئلاّ يُغفل عنه ، ولئلاّ يتوقّف التصديق بما حكم به عليه على تؤدّه وإعمال ، وللإيماء إلى أنّ هذا 0.

ص: 331


1- الكافي للكليني 1 / 114 ح 5.
2- اُنظر مجمع البيان للطبرسي 10 / 237.
3- تفسير الوسيط للنيسابوري 4 / 398.
4- مجمع البيان 10 / 237.
5- سورة النبأ 78 : 40.

شأن مصداق هذا العنوان ، وكأنّه من لوازمه ، ولأن يشعر بعلّيّة هذا العنوان ؛ لاضطراره إلى الخالق ، كقوله تعالى : (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ)(1) الآية.

وعلى الثاني والثالث : فالمراد خلق جسمه أو بينه ، على أنّ في قاعدة كون المذكور من المعرّف باللام عين الأوّل كلاماً لبعض منهم ، منهم السيّد

المرتضى(2). فأمّا أمر البيان فيتّضح على أيّ حال بملاحظة أنّه يدلّ على الاختيار ، وأثر المختار حادث بل مطلق ، كما هو المختار ، أمّا أنّ الروح أثر فلاعترافه الجبلّي به ، ولأنّه لو استغنى في وجوده لاستغنى في فعله.

(مِنْ نُطْفَة) : ماء صاف كسائر الأحياء ، ولقوله تعالى : (مِنْ مَاء دَافِق)(3) ، ولقوله تعالى : (مِنْ مَاء مَهِيْن)(4) ، ولقوله تعالى : (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى)(5) على ما هي له في الأصل ، وللوصف مدخل في الاضطرار إلى من تصوّر في الأرحام كيف يشاء :

كه كرده است بر آب صورت گري

وهذا وإن قال به البعض لكنّه بلا دليل ثمّ ما قاله الكثير ، أو ماء الرجل كما صار حقيقة فيه ، أو مائهما معاً ، كما فسّر به المعظم(6) ، أو 6.

ص: 332


1- سورة البقرة 2 : 38.
2- اُنظر الانتصار للمرتضى : 464.
3- سورة الطارق 86 : 6.
4- سورة السجدة 32 : 8.
5- سورة القيامة 75 : 37.
6- اُنظر التبيان للطوسي 10 / 206 ، ومجمع البيان للطبرسي 10 / 237 ، والتفسير الكبير للرازي 30 / 236.

مطلقاً أي : منيّ.

(أمشاج) : أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة في الرحم ، أو من الطبائع الأربع كما قيل(1) ، جمع قلّة لمشيج ، أو مشج كخلط ، أو خليط في حكم الآحاد ، فجاز وصف المفرد به ، من مقولة : بُرمَةُ أعشار ، وثَوبُ أسمال.

أو مفرد ، كما قاله جمع ، منهم سيبويه ، مستشهداً بقوله تعالى : (مَا فِي بُطُونِهِ) ، والضمير للأنعام ، ولعلّ منظورهم أنّه جاء مفرداً ، إذ لا ريب في مجيئه جمعاً مطلقاً ، وفي خصوص الاستشهاد ففي موضع آخر (ممّا في بطونه) ، أو هو مفرد من الجموع في الأحكام ، فيؤول إلى الأوّل(2) ، فتأمّل. فلعلّ مبنى الأوّل على أنّه يُجمع كالمفرد على أفاعيل ونحوه.

التحقيق : إنّه ليس يجمع ، فإنّ الجمع هو تكرير الواحد ذوات متعدّدة ، وأعشار مثلاً إنّما قصد به الذات الوحدانيّة المتقطّعة قطعاً ، ثمّ البدليّة احتمال واضح ، وهو في عداد الأسماء ، كما يدلّ عليه إيراده مع مفردته في المهذّب ، وكذا الحمل اشتقاقاً بتأويل ذات ، وهو الذي يلائم تفسيرها بأطوار نطفة فعلقة فمضغة ، كما عن قتادة ، وبعروق عن ابن مسعود ، وبألوان أبيض وأصفر ثمّ أخضر ، وقيل : أبيض وأحمر وأخضر وأحمر(3). 7.

ص: 333


1- اُنظر التبيان للطوسي 9 / 433 ، ومجمع البيان للطبرسي 10 / 237.
2- منهم العكبري في إملاء ما منّ به الرحمن 2 / 275 ، وسيبويه في كتابه 3 / 230.
3- اُنظر تفسير جامع البيان للطبري 29 / 127 ، والتبيان للطوسي 10 / 206 ، ومجمع البيان للطبرسي 10 / 237.

نعم ، هنالك إشكال آخر ، هو أنّه لابدّ في تحقّق مصداق هذا اللفظ وصدق مفهومه مع قطع النظر عن التركيب مفرداً أو جمعاً من الثلاثة ، وليس على الأوّل ، فإمّا أن يكتفى في مثله بما فوق الواحد ، كما في الجمع الطريق الأولى ، أو ينزل اشتمال فرديه على الأوصاف المختلفة ، كالرقّة والقوام والاستعدادات المختلفة ؛ لاختلاف الأعضاء أو الطبائع أو على العناصر منزلة اشتماله عليها ، من قبيل قوله تعالى : (اقتلوا) ، أو قوله سبحانه : (طائعين).

وفي ن : وقيل : نطفة مشجت بدم الحيض ، عن الحسن(1).

وفي الصحاح : ويقال : نطفة أمشاج ، لماء الرجل يختلط بماء المرأة ودمها(2). ومثله في ق(3) ، وتوافقهما عبارة الكنز(4).

ثمّ الخلق من نطفة أمشاج متضمّن خلقاً من بعد خلق ، تكويناً وتقديراً ، نطفة أربعين يوماً ، ثمّ علقة أربعين ، ثمّ مضغة أربعين. ومنها المخلّقة أي التامّة الخلق ، فعظماً ، ثمّ لحماً ، ثمّ خلقاً آخر هو الروح ، كما في الآيات(5) والأخبار(6).

ويلوح منهما أنّ ولوجها بعد تمام الخلقة ، كما ينادي به كلام الفقهاء 1.

ص: 334


1- مجمع البيان للطبرسي 10 / 237.
2- الصحاح للجوهري 1 / 341 «مشج».
3- القاموس المحيط للفيروز آبادي 1 / 284 «مشج».
4- كنز الدقائق للمشهدي 11 / 114.
5- سورة المؤمنون 23 : 13 - 15.
6- اُنظر قرب الإسناد للحميري : 353 ح1262، والكافي للكليني 6/13 ح3 و 7/342 ح1.

في ديّة الجنين(1) ، مع ظهوره في أنّ التّمام بعد الأربعة ، لكن يظهر من كلامهم في التغسيل أنّ السقط إذا لم تلجه الروح ، وفسّروه بقصور سنّه عن أربعة أشهر لم يجب تغسيله ولوجها بالأربعة ، فتأمّل ولا تغفل من دلالة مثله على عموم القدرة إن لاحظته حقّ اللّحاظ ، فتبيّن لك الأمر.

قال الله تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)(2).

وفي الحديث في قول الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(3) : «فمرّ بهم نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له : حزقيل ، فلمّا رآى تلك العظام بكى واستعبر وقال : ياربّ ، لو شئت لأحييتهم جميعاً الساعة» ... إلى قوله عليه السلام : «فلمّا قال حزقيل ذلك الكلام ، - يعني الاسم الأعظم - نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض ، فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض ، يسبّحون الله عزّ وجلّ ويكبّرونه ويهلّلونه ، فقال حزقيل عند ذلك : أشهد أنّ الله على كلّ شيء قدير» قال عمر بن يزيد : فقال أبو عبد الله عليه السلام : «فيهم نزلت هذه الآية»(4). 7.

ص: 335


1- اُنظر النهاية للطوسي : 778 ، وقواعد الأحكام للحلّي 3 / 694 ، ومفتاح الكرامة للعاملي 21 / 405.
2- سورة البقرة 2 : 259.
3- سورة البقرة 2 : 243.
4- أورده مفصّلا الكليني في الكافي 8 / 199 ح 237.

ويظهر منه أنّ المأمور بالنظر غير المأمور بقوله تعالى : (وانظر إلى حمارك)(1) ، على خلاف ظاهر الترتيب على ما هو الآن ، فلعلّه في أصل النزول عليه كما أومأ عليه السلام إليه ، ففي الاستشهاد تأمّل ، فتأمّل.

وبالجملة هي من قضايا قياساتها معها ، فإنّ النطفة هذه لا يتصوّر أن تصير بطبعها ذات قوى منها العقلية التي هي مناط التكليف.

(نبتليه) : تكويناً في تنقّلاته نطفة ، فعلقة ، ثمّ شباباً ، ثمّ شيباً ، ولقد عدّت الأسامي التي يركبها طبقاً عن طبق(2) ، مع قطع النظر عن النوم والسهر والمرض من الأسباب الخارجة ، مبتدأ من النطفة سبعة وثلاثين ، فإذا تمّ استعداده لتجدّد حالته كيّفناه ، وتكليفاً في تطوّراته وكياساته (حتّى إذا بلغ أشدّه)(3).

سُمّي ابتلاء استعارة ، بل هو أمر واحد يعتوره حسبما اقتضته ذاته على اختلاف جهاته دائماً ؛ فلذا تغيّر الاُسلوب.

والابتلاء : افتعال ، من البلاء للتصرّف في الاجتهاد والمبالغة والفلاح ، 5.

ص: 336


1- سورة البقرة 2 : 259.
2- وفي ن في تفسير قوله تعالى : (لتركبنّ طبقاً عن طبق) ، وقيل : حالاً بعد حال : نطفة ، ثمّ علقة ، ثمّ مضغة ، ثم عظماً ، ثم خلقاً آخر ، ثمّ جنيناً ، ثمّ وليداً ، ثمّ رضيعاً ، ثمّ فطيماً ، ثمّ يافعاً ، ثمّ ناشئاً ثمّ مترعرعاً ، ثمّ حزورا ثمّ مراهقاً ، ثمّ محتلماً ، ثمّ بالغاً ، ثمّ أمرداً ، ثمّ طاراً ، ثمّ باقلا ، ثمّ مسيطراً ، ثمّ مطرخماً ، ثمّ مختطاً ، ثمّ حاملاً ، ثمّ ملتحياً ، ثمّ مستوياً ، ثمّ مصعداً ، ثمّ مجتمعاً ، والشاب يجمع ذلك كلّه ، ثمّ ملهوزاً ، ثمّ كهلاً ، ثمّ أشمط ، ثمّ شيخاً ، ثمّ أشيب ، ثمّ حوقلاً ، ثمّ صفتاً ، ثمّ هما ، ثمّ هرماً ، ثمّ ميتاً. انتهى (منه). [مجمع البيان 10 / 236]
3- سورة الأحقاف 46 : 15.

قال الله تعالى : (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)(1) ، وفيه التنبيه على استقلاله في المعصية ، بخلاف الطاعة ، وهو يلائم ما قد يقال : إنّ الثواب بمحض التفضّل(2) ، بمعنى الاختيار ، وهو الشرّ صبراً أعظم منه بالخير شكراً ، قال الله تعالى : (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)(3) فقدّم الشرّ ، ولذا في الشرّ اشتهر ، وعلى أيّ حال فليس إلاّ خيراً.

إمّا تكويني فالله تعالى كالطبيب الحاذق ، والمشبّه في هذا الباب أقوى.

وإمّا التكليفي فلمضمون قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة)(4).

وفي دعاء عرفة المنسوب إلى سيّد الشهداء عليه السلام : «إلهي علمت باختلاف الآثار وتنقّلات الأطوار أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليَّ في كلّ شيء حتّى لا أجهلك في شيء»(5) بيان للخلق من النطفة الموصوفة أو حال محقّقة ، أن أريد خصوص التكويني.

وعن ابن عبّاس : نصرّفه في بطن أُمّه(6). ة.

ص: 337


1- سورة البقرة 2 : 286.
2- اُنظر التبيان للطوسي 5 / 366 ، ومجمع البيان للطبرسي 5 / 195 ، وبحار الأنوار للمجلسي 71 / 200.
3- سورة الأنبياء 21 : 35.
4- سورة الأنفال 8 : 42.
5- أورده المجلسي بحار الأنوار 98 : 225.
6- حكاه عنه الزمخشري في الكشّاف 6 : 275 ، وابن حيّان الأندلسي في البحر المحيط 10 : 359 ، وأبو السعود في تفسيره 9 : 70 ، وفيها : نصرّفه في بطن أُمّه نطفة ثمّ علقة.

وفي الصحيفة الكاملة : «تصرّفني حالاً عن حال ، حتّى انتهيت بي إلى تمام الصورة»(1).

أو مطلقاً كما مرَّ.

وتكليفه المقارنة في الجملة ، كما إذا وقع ماضياً ، أو نظر إلى أن علّة الحدوث علّة البقاء ولا تنقطع عنه حوائج المحتاجين ، أو تدرّج خلقه بعد حدوثه. قال الله تعالى : (وَقَدْ خَلَقَكُم أَطْواراً)(2).

وللنابغة من السبعة المعلِّقين للمعلّقات ، ولقد أبطله القرآن :

...................

والمرء يخلق طوراً بعد أطوار(3).

أو مقدّرة إن كان تكليفي ، وعليه جعله القرآن في تقدير التأخير أي :

لنبتليه.

(فَجَعَلْنَاهُ سَمِيْعَاً بَصِيْرَاً) : في اختيار لفظ الصفة تنبيه على ثبوت حاله في استعداده.

والمراد إمّا الحاسّتان ، فإنّ من فقد حسّاً فقد فقد علماً ، وإمّا الطاعة والمعرفة اللّتان هما مناط الابتلاء التكليفي على منع الخلق ، أو ظهراً وبطناً ترتّب على الخلق بالابتلاء ، ولو في ضمن أحد نوعيه ، ترتّب اللازم على الملزوم ، بل أحد المتلازمين على الآخر ، فإنّ إرادة الابتلاء علّة للجعل ، والجعل علّة له عيناً ، كما هو شأن المعلول والعلّة الغائيّة ، وإيراد الجعل في مقام الامتنان بأصول النِّعم بعد الخلق ، بعطفه عليه بالفاء الدالّة على التعقيب رِ

ص: 338


1- الصحيفة الكاملة السجّادية للإمام زين العابدين عليه السلام : 171 / 25.
2- سورة نوح 71 : 14.
3- ديوان النابغة للذبياني : 34 ، وفيه : فإن أفاق ، لقد طالت عمايته والمرءُ يُخلقُ طوراً بعد أطوارِ

يدلّ على أنّ لا نعمة بعد الوجود أعظم من قوّتي التمييز والقبول.

فالآية مشتملة على العلل الأربع للخلق : الفاعل ، والمادّة ، والغاية ، والصورة. وتدلّ - سيّما على ما قاله الفرّاء(1) - على أنّ أفعال الله تعالى معلّلة بالأغراض ، كما تقتضيه الحكمة ، وذلك لا يستدعي وصول النفع إلى الفاعل ، بل كلّما كان أكمل قصداً أفاض الغير ، على ما ترى في الوجود وتعرف من الشهود.

فأمّا التقوّل : بأنّ العالي لا ينقل للسافل ، فمقال خيالي بل اختيالي.

ولمّا كان الإنسان - مع سلب القوّتين - قاصراً عن بلوغ مراتب الكمالات العلميّة والعمليّة بنفسه ، وإنّما له شأن المعرفة والقبول ، بحيث إذا هُدي اهتدى ، ويأتي منه العمل بمقتضاه ، نبّه سبحانه على أنّه لم يكتف في شأنه بهذا القدر ، بل أتممنا عليه النعمة ، فقال :

(إنّا هَدَيْناهُ) : أرينا وعرّفنا هذا الجنس ، ويحتمل أوصلنا وبلّغنا أي من بلغ ، أو من يسمع ويبصر منهم.

(السبيل) : سبيل الحقّ ، واللاّم للعهد الذهني ، أو عوض من المضاف إليه إن جوّزناه.

وعن قتادة : طريق الخير والشرّ(2) ، تنظيراً له بقوله تعالى : (وهديناه النجدين).

(إمّا شاكراً) : لهذه النعمة فيسلكه.

(وإمّا كفوراً) : لها فينتكب عنه. 8.

ص: 339


1- معاني القرآن للفرّاء 3 / 214.
2- حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 238.

وعن الصادق : «إمّا آخذ فهو شاكر ، وإمّا تارك فهو كافر»(1).

وعنه عليه السلام : «عرّفناه إمّا آخذاً وإمّا تاركاً»(2).

فهما حالان مقدّرتان عن المفعول الأوّل والثاني ، بل يحتملان النعت عن البدل منه محذوفاً تجوّزاً في الإسناد ، وعلى الاحتمال لنعتي السمع والبصر صارفاً لهما في مصارفهما اللائقة ، ناظراً في الخلق طالباً له ، بل للتكوين السابق مطلقاً ، وعلى هذا فمحقّقتان.

والشكر الاصطلاحي : صرف العبد ما أنعم الله به عليه فيما أنعم لأجله ، أي العمل بمقتضى النعم ، وهذا حقيقة التعظيم الذي هو معناه اللّغوي.

وفي الصحيفة الكاملة : «تحمدك نفسي ولساني وعقلي حمداً يبلغ الوفاء وحقيقة الشكر»(3).

وعن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : هل للشكر حدٌّ ، إذا فعله العبد كان شاكراً؟

قال : «نعم».

قلت : ما هو؟

قال : «يحمد الله على كلّ نعمة عليه في أهل ومال ، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حقّ أدّاه»(4). 2.

ص: 340


1- أورده الكليني في الكافي 2 / 283 ح 4.
2- أورده الصدوق في التوحيد : 411 ح 4.
3- الصحيفة السجّادية : 377.
4- أورده الكليني في الكافي 2 / 78 صدر الحديث 12.

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند عائشة ليلتها ، فقالت : لِمَ تُتعِبُ نفسك وقد غفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وماتأخّر؟

فقال : يا عائشة ، ألا أكون عبداً شكوراً؟»(1).

وإنّما اختير الكفور دون الكافر كما في بيان حالهم ؛ لأنّه صريح في معنى الكفران ، وليدلّ على المبالغة ، فإنّه مقابل الشاكر أي ما اتّصف بالشكر في الجملة ، كما هو مدلول هيئته ، بخلاف الشكور فإنّه للكثرة ، ولذا يوصف بالقلّة ، كما في الآية(2) ، ولذا لم يختر ، ولتطابق الفواصل ، وليُشعر بأنّ الإنسان لا يخلو عن كفران غالباً ، وإنّما المأخوذ به التوغّل فيه ، وبأنّه كان ينبغي أن يكون شكوراً نظير ما يقال في قوله تعالى : (وَلاَ تَكُوْنُوا أَوَّلَ كَافِر بِهِ)(3) ، وإن كان الأظهر فيه الإسناد إلى الظرف ، والحصر يدلّ على بطلان المرتبة بين المرتبتين ، كما تقوله المعتزلة(4).

فأمّا المستضعف فخارج عن مورد الهداية كمن لا عقل له ، بتقريب أنّ المراد من يصحّ عنه الاهتداء بل الجنس كما عرفت.

نعم ، بقي الإشكال في أصحاب الأعراف ، أي من عنده لا من عليه عليهم السلام : «قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم فقصرت بهم الأعمال»(5). 2.

ص: 341


1- أورده الكليني في الكافي 2 / 77 صدر الحديث 6.
2- في النسخة : لعلّ المراد بالآية قوله تعالى : (وقليل من عبادي الشكور) ، «سيد أحمد مدرس» من أحفاد المصنّف.
3- سورة البقرة 2 : 41.
4- اُنظر أوائل المقالات للمفيد : 37 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 / 208 ، ومسالك الأفهام للشهيد الثاني 5 / 338.
5- أورده الكليني في الكافي 2 / 296 ضمن الحديث 2.

وفي المرجئين لأمر الله : قوم كانوا مشركين ، فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ، ثمّ إنّهم دخلوا في الإسلام فوحّدوا الله وتركوا الشرك ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم ونحوهما ، فتأمّل تعرف.

ولمّا كان يتوهّم من الترديد التسوية وسهولة الخطب أيّهما وقع ، ردع ذلك بقوله سبحانه :

(إنّا اَعتَدنَا) : العتاد العُدّة بالضمّ : ما أعددته لحوادث الدهر ، وقد جوّز الأزهري أن يكون أصله ، ثمّ استصوب الأصل(1).

(لِلكافِرينَ) : الذين لم يشكروا فصاروا به كفرة ، أو الكفرة.

(سَلاَسِلَ) : في أرجلهم.

(وَأغلاَلاً) : في أيديهم كما هو المعهود من الملوك قبل الساسة ؛ كي لا يتمكّنوا من الفرار أو التشبّث بشيء.

(وَسَعيراً) : سعّرت النار والحرب : هيّجتها وألهبتها ، قال الله تعالى : (وَإذا الجَحيمُ سُعِّرَت)(2) ، والتشديد - كما قُرِئ به - للمبالغة وللتكثير شيئاً بعد شيء بمعنى المفعول ، ناراً موقدة يلقون فيها بعدهما ، أو سلاسل بها يقادون إليها وأغلالاً بها يقيّدون فيها يسلكون - أي في الجحيم - لقوله تعالى : (ثُمّ في سِلْسِلَة ...)(3) الآية ، فتدبّر.

وممّا مهّدنا ظهر وجه عدم التوجّه لذكر الشاكرين قبل ، بل مطلقاً ، بناءً على أنّ قوله تعالى : (إنّ الأبرَارَ) ابتداء كلام منه سبحانه في ذكر السابقين المقرّبين ، بل أُمّة خاصّة منهم ، كما يشعر به الاُسلوب من 2.

ص: 342


1- اُنظر تهذيب اللّغة للأزهري 2 / 194 - «عتد».
2- سورة التكوير 81 : 12.
3- سورة الحاقّة 69 : 32.

وجهين ، ولأنّ الشاكر مؤمن لا محالة ، بخلاف الكافر ، فإنّ في كونه كافراً نظراً بادئ الرأي ، فأراد سُبحانه التنبيه عليه بناءً على الأخير ، ولأنّ السورة مسبوقة أوّلاً لاتمام الحجّة تهديداً فلا يناسب ذكر الشاكرين ، ولأنّ في ذكر الأبرار غنية عن ذكر متابعيهم ، على أنّه يمكن أن يقال الأولى في خصوص المؤمنين منقسماً إلى الصنفين قبل الهداية ، وقد أومأنا إليه.

هذا كلّه مع أنّ تأخير ذكر المؤمنين غير نكير في القرآن كما في سورة الدخان(1) ، وفيه نكات من المعاني والبيان.

قرأ أبو عمرو بن عامر وحفص : سلاسل وقواريراً ، إلاّ أنّهم يقفون على سلاسلاً وقواريرا الأولى بالألف ألف الإطلاق ، كما في قوله تعالى : (الظنونا) ، و : (السبيلا) و : (الرسولا).

وأبو جعفر من العشر ، ونافع ، وأبو بكر ، والكسائي بالتنوين في الثلاثة ، ويقفون بالألف على الجميع ، وابن كثير ، وخلف من العشر : سلاسل بغير تنوين وقواريراً الأُولى بالتنوين ، والثانية لغيره بغير ألف وقفاً ، فإذا لم يصرف غير المنصرف وفصل سلاسل وقف على قوارير الأُولى ؛ نظراً إلى أنّه تمام الآية ، وافق قراءة أبي عمرو ، وابن عامر ، وحفص ، وابن كثير ، وخلف ، إذ نوّن بدلاً من حرف الإطلاق بعد إجراء الوصل مجرى الوقف أوّلتا به هذه الجموع الآحاد لمثل قولهم : صواحبات ، أو يصرف ما لا ينصرف مطلقاً ، كما جرت عليه ألسنة قوم من الشعراء ، أو للتناسب تناسب غير المنصرف وأواخر الآي(2) ، فالأنسب أن لا يقف على سي

ص: 343


1- سورة الدخان 44 : 43 - 57.
2- اُنظر مجمع البيان للطبرسي 10 / 230 ، والحجّة للقرّاء السبعة لأبي علي الفارسي

الأُولى نظراً إلى بدليّة الثانية.

والآية تدلّ على أنّ النار مخلوقة ، وكذا الجنّة ، قضية للتقابل ، وعدم القائل بالفصل.

وفي الحديث عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : «من أنكر خلق الجنّة والنار فقد كذّب النبيّ (صلى الله عليه وآله) وكذّبنا وليس من ولايتنا على شيء ، ويخلّد في نار جهنّم ، قال الله تعالى : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيم آن)(1) ، وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : لمّا عرج بي إلى السماء ، أخذ بيدي جبرئيل عليه السلام فأدخلني الجنّة وناولني من رطبها ، فأكلته فتحوّل ذلك نطفة في صلبي ، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام ، ففاطمة حوراء إنسيّة فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام»(2) ، تدلّ على عصمتها عليها السلام ، بعد آية

التطهير وإجماع الشيعة ، كقوله (صلى الله عليه وآله) : «فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة»(3) ، فإنّ فيها مريم الصدّيقة المعصومة ، لقوله تعالى : (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ 9.

ص: 344


1- سورة الرحمن 55 : 43 - 44.
2- أورده الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 106 ذيل الحديث 3 ، والأمالي : 546 ذيل الحديث 728 ، والتوحيد : 118 ذيل الحديث 21.
3- أورده الصدوق في الأمالي : 187 ضمن الحديث 196 ، والخصال : 573 ضمن الحديث 1 ، والمفيد في الأمالي : 23 ضمن الحديث 4 ، والاختصاص : 183 ، والطوسي في الأمالي : 85 ضمن الحديث 128 ، والفتّال النيسابوري في روضة الواعظين : 149.

وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُول حَسَن)(1) ، ولقوله تعالى : (إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)(2).

رواه البخاري في أواخر الجزء الثاني من صحيحه ، ذكره في باب مناقب قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ كرّره بعد عدّة أوراق في باب مناقب فاطمة عليها السلام(3) ، وهكذا هذا الحديث :

حدّثنا أبو الوليد ، حدّثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسوّر بن مخرمة : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : «فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني»(4).

ثمّ لا شكّ إنّ عمر أغضبها في أمر فدك ، وحين أمر قنفذ فضرب على بطنها الشريفة الباب فأسقط جنينها محسناً.

وممّا يدلّ على بطلان مذهبهم : اعتقادهم بمعاوية وعائشة بحيث يسمّونهما بخال المؤمنين وأُمّ المؤمنين(5) ، مع معاداتهما في صفّين والجمل لأمير المؤمنين عليه السلام بالتّواتر ، فجمعوا بين الاعتقاد بهما وبه عليه السلام في الجملة ، وهل هذا - مع قطع النظر عن بطلانهما بثبوت حقّيته عليه السلام - إلاّ تناقض؟!

وفي وجودهما لطف في السوق إلى الحسن والزجر عن القبيح ، وبهذا الاعتبار تشتمل الآية على ظاهر الامتنان كالسوابق ، مع ما فيها من 7.

ص: 345


1- سورة آل عمران 3 : 36 - 37.
2- سورة آل عمران 3 : 42.
3- اُنظر صحيح البخاري 5 / 55 ح 126 و 5 / 91 و 5 / 92 ح 209.
4- اُنظر صحيح البخاري 5 / 55 ح 126 و 5 / 91 و 5 / 92 ح 209.
5- اُنظر رسائل المرتضى 4 / 65 ، وتفسير ابن كثير 3 / 477.

تسلية المؤمنين.

ولمّا ذكر الشاكر والكافر ، وهدّد الكافر ، استأنف سبحانه ذكر الشاكر ، بذكر أكمل أصنافه أجمل الذكر وأحسنه فقال :

(إنّ الأبرار) : جمع برّ كأرباب ، أو بارّ كأشهاد ، واللاّم للاستغراق كما في قوله تعالى : (يوفونَ بالنّذرِ) ، لكن ينافرهما قوله تعالى : (ويطعمون الطعام ...) الآية ، وجعله بمعنى أنّ شأنهم ذلك بعيد ، فالظاهر أنّها للعهد القريب.

وعلى أيّ حال مصداقها هم أهل البيت عليّ عليه السلام وفاطمة عليها السلاموالحسن عليه السلام والحسين عليه السلام بما أسلفناه ، وبدلالة اللّفظية القطعيّة ، فإنّ القولين بيان لحال الأبرار ، ولم يتّفق منطوقهما عن غيرهم ، ولا نَزَلا فيه ، وإلاّ لنُقل ، لتوفّر الدواعي عليه ، والعادة قاضية بأنّ مثله ممّا لا يخفى ، مع وفاق الخصم على نفيها كما على الإثبات.

وممّا يجعلك مطمئنّاً أنّ الزمخشري - مع شدّة تعصّبه - إنّما نقل في الباب عن عائشة أنّها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل البيت ، ثمّ تسأل الرسول ما قالوا ، فإذا ذكر دعاء دعت لهم بمثله ؛ ليبقى ثواب الصدقة لها خالصاً عند الله(1).

ولعلّه كان يمكنها الدعاء لأجل ذلك من غير سؤال ، ففيه ما فيه.

وأمّا فضّة ، فهي وإن تابعت مواليها في النذر والصوم ، لكن لعلّ الإطعام لصاحب الطعام.

وفي رواية ابن عبّاس كما في ي(2) وف(3) موافقاً للأمالي : «فنزل 9.

ص: 346


1- تفسير الكشّاف للزمخشري 6 / 277.
2- زبدة البيان للأردبيلي : 422.
3- تفسير الكشّاف للزمخشري 6 / 279.

جبرئيل عليه السلام بهذه السورة ، فقال : خذها يا محمد (صلى الله عليه وآله) ، هنّاك الله في أهل بيتك»(1).

وليست منها بدلالة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لمّا جَلّل عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام بالكساء وقال : «اللّهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» ؛ فنزلت الآية ، وكان ذلك في بيت أُمّ سلمة رحمة الله عليها ، فقالت : ألست من أهل بيتك؟ فقال لها : «إنّك على خير»(2).

فأهل البيت ليس معناه من سكن ظلّ سقفه ، بل المقصود من استأهل ظلّ رسالته ، فالبيت بيت الرسالة والعصمة ، وهذه المنزلة وبهذا الاعتبار تشمل جميع الأئمّة عليهم السلام.

(يشربون من كأس) : أخبر عن حالهم بما يفيد لفظه التحقيق تحقيقاً وتسجيلاً على وقوعه لا محالة - فأمّا لفظ الاعتاد فللتهديد - من الشَّرب بالفتح على قول أبي عبيدة(3) ، وبالضمّ على قول أبي علي(4) ، وقد جاء التشراب ، والشرب يتعدّى بنفسه ، قال :

شربت الإثم حتّى زلّ عقلي

كذلك الإثمّ يذهب بالعقول(5)

أراد بالأوّل : الخمر وبكلمة من قال الله تعالى : (إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم بِنَهَر ة.

ص: 347


1- أمالي الصدوق : 332 ضمن الحديث 390.
2- اُنظر الكافي للكليني 1 / 227 ضمن الحديث 1 ، وأمالي الطوسي : 264 ح 482 و 368 ح 783 ، وكفاية الأثر للقمّي : 66.
3- حكاه ابن منظور في لسان العرب 1 / 487.
4- اُنظر الحجّة للقرّاء السبعة لأبي علي الفارسي 6 / 260.
5- حكاه الخصيبي في الهداية الكبرى : 110 عن امرىء القيس ، والطبرسي في مجمع البيان 4/272 عن الأخفش ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 3/60 بلا نسبة.

فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي)(1) ، وبالباء كقوله سبحانه : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) ، وفي المذهّبة لعنترة من السبعة :

شربت بماء الدحرضين فأصبحت

زوراء تنفر عن حياض الديلم(2)

وفي ف في الآية : فإن قلت لِمَ وُصل فعل الشرب بحرف الابتداء أولاً وبحرف الإلصاق آخراً؟

قلت : لأنّ الكأس مبدأ شربهم وأوّل غايته ، وأمّا العين فبها يمزجون شرابهم ، كما تقول : شربت الماء بالعسل(3).

والظاهر منه حذف المفعول في كلا الاستعمالين استغناءً عنه بذكر المبتدأ منه والممتزج به ، وهذا في الاستعمال الأوّل في محلّه يتضمّن النهر الماء ، والكأس الشراب.

قال ابن الأعرابي : لا تُسمّى الكأس كأساً إلاّ فيها الشراب(4).

وقال عمرو بن كلثوم وهو من السبعة على ما قيل :

صَبَبْتِ الكأسَ عنّا أُمّ عمرو

وكان الكأس مجراها اليمينا(5)

وأمّا الثاني : فليس بذاك ، بل يحتمل التبعيض كما في (امسحوا برؤوسِكم)(6) وأن يكون بمعنى من والزيادة.

وعن الفرّاء : شربها وبها سواء في المعنى(7). 5.

ص: 348


1- سورة البقرة 2 : 249.
2- شرح ديوان عنترة بن شداد : 121.
3- تفسير الكشّاف للزمخشري 6 / 276.
4- حكاه عنه الجوهري في الصحاح 3 / 969 «كأس».
5- ديوان عمرو بن كلثوم : 65.
6- سورة المائدة 5 : 6.
7- معاني القرآن للفرّاء 3 / 215.

(كانَ مِزاجُها كافُوراً) : كان : زائدة ، أو مقيّدة بمحض الرابطة ، أو بالدلالة على المضي ، وفيه فوائد ، أو من قوله تعالى : (كن فيكون)(1) أي : بتكوين الله تعالى.

والمزاج : بمعنى ما يفعل به كالقوام.

وعن قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك(2).

وعن مجاهد : يمازجها رائحة الكافور(3) وبياضه وبرده.

وعليه فيحتمل المزاج ما ركّب عليه المركّب ، أي : الكيفيّة المتوسّطة.

والظاهر ما عن عطاء ، والكلبي : اسم عين في الجنّة(4).

ولعلّ اختيار الفرّاء له بقوله تعالى : (عَيْناً)(5) فهو كالتسنيم في قوله

تعالى : (ومزاجه من تسنيم عيناً) ، فالنصب على التفسير والبدليّة ، أو على الاختصاص ، ويحتمل البدليّة من محلّ (من كأس) على تقدير مضاف ، أي ماء عين أو (من كأس) بحذف الجار وإيصال الفعل ، فأمّا على الإضمار بالتفسير ، ففيه : إنّه تصير الجملة لا محلّ لها يرتبط به بالساق 5.

ص: 349


1- سورة البقرة 2 : 117 وآل عمران 3 : 47 و 59 والأنعام 6 : 72.
2- حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 239 ، والقرطبي في جامع الأحكام 19 / 125 ، والثعالبي في تفسيره 5 / 528.
3- حكاه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 239 ، وبلا نسبة الزمخشري في الكشّاف 6 / 276 ، والقرطبي في جامع الأحكام 19 / 125 ، والبغوي في معالم التنزيل 5 / 497.
4- حكاه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 239 ، والواحدي النيسابوري في الوسيط 4 / 400 ، والبغوي في معالم التنزيل 5 / 497 عن عطاء والكلبي ، وفيها : اسم عين ماء في الجنّة.
5- اُنظر معاني القرآن للفرّاء 3 / 215.

الأعلى تكلّف ، كما أنّ قوله :

(يَشْرَبُ بها عِبادُ الله) : بمنزلة قوله : (يشرب بها المقربون) أي الذين لا ينتسبون إلى الغير ولا يتقرّبون إليه ولا به.

وعن ابن عبّاس : أولياء الله(1) ، ويحتمل الوضع موضع المضمر.

(يُفَجّرِونها تَفْجِيراً) : يجرونها حيث شاؤوا إجراءً سهلا بغير تعب.

وعن مجاهد : أنهار الجنّة تجري بغير اُخدود ، فإذا أراد المؤمن أن يجري نهراً خطّ خطّاً ، فينبع الماء من ذلك الموضع ويجري(2) ، أي تجري إلى ما تجري إليه منهم ، إمّا خبر ثان أو صفة ثانية أو حال ، وعلى الأخيرين فالفاعل إمّا عباد الله أو الأبرار كما في الأوّل ، وعلى الأوّل يحتمل الأبرار كما سبق.

(يُوفون بالنذرِ) : مستأنفة للبيان ، والإيفاء مزيد الوفاء ، والمضارع ليدلّ على أنّ ذلك عن ملكة مستقرّة في نفوسهم ، وكذا سيأتي فيما بعد.

وفي ف : والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفّر على أداءالواجبات ؛ لأنّ من وفى بما أوجبه هو على نفسه كان بما أوجبه الله عليه أوفى(3). 7.

ص: 350


1- حكاه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 239 ، والواحدي النيسابوري في الوسيط 4 / 400عن ابن عبّاس.
2- حكى الطبرسي في مجمع البيان 10 / 239 مثله ، وباختلاف الماوردي في النكت والعيون 6 / 165 ، والطبري في جامع البيان 29 / 128 - 129 ، والقرطبي في جامع الأحكام19 / 136 عن مجاهد.
3- الكشّاف للزمخشري 6 / 277.

ومثله في ي(1).

وفيه اعتراف بعصمتهم في الجملة.

وفي الحديث : عن أبي الحسن عليه السلام : «الذي اُخذ عليهم من ولايتنا»(2) ، ولعلّه من بطونه.

(وَيَخافُونَ يَوْماً) : بيان آخر على وجه يتّضح منه كمال الأوّل ، أي إنّ الإيفاء عن الإخلاص ، فلذا اختير على الرجاء ، وفيه مجانسة لفظية ، والخوف أهمّ من الرجاء ؛ لأنّه ينهى النّفس عن الهوى كما يلوح من العطف في الآية ، ولقد قال سبحانه : (ولمن خاف مقام ربّه جنّتان)(3).

وعن الصادق عليه السلام : «إنّ من العبادة شدّة الخوف من الله عزّ وجلّ»(4).

بل ربّما يكون الرجاء كاذباً إذا لم يصدّقه الخوف والعمل.

وعن الصادق عليه السلام : «كان أبي عليه السلام يقول : إنّه ليس من عبد مؤمن إلاّ في قلبه نوران : نور خيفة ونور رجاء ، لو وزن هذا لم يزد على هذا ، ولو وزن هذا لم يزدعلى هذا»(5) ، ومساواتهما لاينافي حسن الظنّ ، وفي الحديث : «وإلى حسن الظنّ بي فَليطمئنّوا»(6).8.

ص: 351


1- زبدة البيان في أحكام القرآن للأردبيلي : 424.
2- أورده الكليني في الكافي 1 / 342 ح5 ، والصفّار في بصائر الدرجات : 110 ح2 وفيه : الذي اُخذ عليهم الميثاق من ولايتنا.
3- سورة الرحمن 55 : 46.
4- أورده الكليني في الكافي 2 / 56 صدر الحديث 7.
5- أورده الكليني في الكافي 2 / 55 ح1 و 57 ح13 ، وابن شعبة في تحف العقول : 375.
6- أورده الكليني في الكافي 2 / 50 ضمن الحديث 4 ، والإسكافي في التمحيص : 57 ضمن الحديث 115 ، والطوسي في الأمالي : 212 ضمن الحديث 368.

وقال الرضا عليه السلام : «أحْسِن الظنّ بالله ، فإنّ الله تعالى يقول : أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي ، إن خيراً فخيراً ، وإن شرّاً فشرّاً»(1) ، فإنّ الظنّ كيفية أُخرى من نوع الإدراك ومقابلة الوهم ، كما في العزم على الفعل - مع الظنّ بعدم أسبابه في النفوس السويّة - بمحض الاحتمال ، وعكسه في الضعفاء بالإهمال.

ومنه يظهر بعض أحكام القصر وفرقان ما بين الخوف والخشية ، فإنّها نحو حياء من العظمة ينبعث من العلم ، قال الله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(2) ، وقال تعالى : (وأهديك إلى ربّك فتخشى)(3).

وفي الصحيفة : «أخشى خلقك لك أعلمهم بك»(4) ، وفيها : «الخشية لك والخوف منك»(5).

وفي الدعاء : «اللّهم اجعلني أخشاك إلى يوم ألقاك حتّى كأنّني أراك»(6).

واليوم : قطعة من الزمان ، لا خصوص الحادث من الشمس كالنهار ، ).

ص: 352


1- أورده الكليني في الكافي 2 / 58 ح3.
2- سورة فاطر 35 : 28.
3- سورة النازعات 79 : 19.
4- الصحيفة السجّادية : 383.
5- الصحيفة السجّادية : 124.
6- أورده الكليني في الكافي 2 / 420 صدر الحديث 1 عن أبي عبدالله عليه السلام ، والطوسي في مصباح المتهجّد : 270 ، والطبراني في كتاب الدعاء : 421 ح1424 عن النبيّ(صلى الله عليه وآله).

ولذايصدق مع عدمها السابق ، كقوله تعالى : (في ستّة أيّام)(1).

والأحقّ يوم القيامة.

(كانَ شَرُّهُ) : قيل : شدائده وأهواله(2).

وقيل : عذابه(3).

والأولى إبقاؤه على إطلاقه ، وأصله الظهور ، فهو ظهور الضرّ ، ومنه الشرّ. وقال عليه السلام في يوم صفّين :

فما برحوا حتّى رأى الله صبرهم

وحتّى أشرّت بالأكفّ المصاحف(4)

(مُسْتَطِيراً) : من الطيران ، ومنه الفجر المستطير ، فاشياً منتشراً ذاهباً في الجهات بالغاً أقصى المبالغ.

في في : بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : أخبرني الروح الأمين : إذا وقف الخلائق ، وجمع الأوّلين والآخرين ، أُتي بجهنّم ، تقاد بألف زمام ، لكلّ زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد ، ولها هدّة وتحطّم وزفيروشهيق ، إنّها لتزفر الزفرة فلولا أنّ الله تعالى أخّرها إلى الحساب لأهلكت الجميع ، ثمّ يخرج منها عنق يحيط بالخلائق ، البرّ منهم والفاجر ، فما خلق الله عبداً من عباده ، ملك ولا نبيّ ، إلاّ ينادي : يارب 5.

ص: 353


1- سورة الأعراف 7 : 54 ، سورة يونس 10 : 3 ، سورة هود 11 : 7.
2- قاله الطبري في جامع البيان 29 / 130 ، وحكاه الطوسي في التبيان 10 / 210 ، والطبرسي في مجمع البيان 10 / 240.
3- قاله الطبرسي في مجمع البيان 10 / 240.
4- حكاه المنقري في وقعة صفّين : 299 و 361 عن كعب بن جعيل التغلبي ، وهو شاعر أهل الشام ، بعد رفع المصاحف ، يذكّر أيّام صفّين ، ويحرّض معاوية. وفيه : ... وحتى اُتيحت بالأكفّ المصاحف. وكذا ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 37 / 75.

نفسي نفسي. وأنت تقول : ياربّ أُمّتي أُمّتي. ثمّ وضع عليها صراط أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف ، عليه ثلاث قناطر : الأُولى عليها الأمانة والرحمة ، والثانية عليها الصلاة ، والثالثة عليها ربّ العالمين لا إله غيره ، فيُكلّفون الممرّ عليها ، فيحبسهم الرحمة والأمانة ، فإن نجو منها كان المنتهى إلى ربّ العالمين جلّ ذكره ، وهو قوله تعالى : (إنّ ربّكَ لَبالمرصاد)(1) جلّ ذكره ، والناس على الصراط ، فمتعلّق تزلّ قدمه وتثبت قدمه ، والملائكة حولها ينادون : يا حليم يا كريم اعفُ واصفح وعد بفضلك وسلّم. والناس يتهافتون فيها كالفراش ، فإذا نجا ناج برحمة الله نظر إليها فقال : الحمد لله الذي نجّاني منك بعد يأس ، بفضله ومنّه إنّ ربّنا لغفورشكور»(2).

(وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ) : فعال بمعنى المفعول كالشراب والسحاب ، بيان ثالث لجعل جزائهم الشراب ، بعد بيانه بإيفائهم النذر الذي مصداقه الصوم ، الذي هو كفّ عن الطعام والشراب ، فلا تغفل من ارتباطات أفعال الكريم وأقواله ، فيمكن أن يجعل حالاً ، وقد يذكر مثله مع الواو ، ولكنّه بعيد.

(عَلَى حُبِّهِ) : مع شهوتهم من حيث جسمانيّتهم ، كقوله تعالى : (وَآتَى الْمَال عَلَى حُبِّهِ)(3) ، فهم الأبرار الذين نالوا حقيقة البرّ وبلغوا درجة الإيثار من قوله تعالى : (لَنْ تَنَالُوا البِّرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا 7.

ص: 354


1- سورة الفجر 89 : 14.
2- أورده باختلاف يسير الكليني في الكافي 8 / 312 ح486.
3- سوة البقرة 2 / 177.

تُحِبُّونَ)(1) ، بل ما تحبّون على ما قال الصادق عليه السلام : «هكذا فاقرأها»(2) ، وقوله سبحانه : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)(3).

ويحتمل لحبّ الله ، لمضيّه معنى ، وفي إضماره نكتة.

أو لحبّ الإطعام كسائر الخيرات في وصيّة رسول الله أمير المؤمنين عليه السلام : «يا عليّ أُوصيك بوصيّة فاحفظها ، وقال : اللّهم أعنه ... وأمّا الصدقة فجهدك ، حتّى تقول : قد اسرفت. ولم تسرف»(4).

(مِسْكيناً) : مفعيل من السكون ، أسوء حالاً من الفقير ، من لم يملك

نفقة سنته ، كما يظهر من قوله تعالى : (أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَة)(5) وغيره ، ومنه هذا.

(وَيَتيماً) : من لا والد له ، ولا يُتم بعد إدراك.

(وَأَسْيراً) : في الرواية التي أسلفناها : «إذا أسير من أُسراء المشركين قدوقف بالباب».

وفي ف : عن قتادة كان أسيرهم يومئذ المشرك ، وأخوك المسلم أحقّ أن تطعمه(6).

لعلّ منظوره الحثّ على الإطعام بأنّ الأسير مع شركه أطعموه يومئذ ، 7.

ص: 355


1- سورة آل عمران 3 : 92.
2- أورده العيّاشي في تفسيره 1 / 184 ح84.
3- سورة الحشر 59 : 9.
4- أورده الكليني في الكافي 8 / 79 ضمن الحديث 33 ، والصدوق في من لا يحضره الفقيه4 / 189 ضمن الحديث 5432 ، والطوسي في تهذيب الأحكام 9 / 175 ضمن الحديث 713.
5- سورة البلد 90 : 16.
6- تفسير الكشّاف للزمخشري 6 / 277.

فأخوك المسلم في هذا اليوم أحقّ.

وبالجملة في ف : عن الحسن : «كان رسول الله يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين ، فيقول : «أحسن إليه» فيكون عنده اليومين والثلاثة فيؤثره على نفسه(1).

وعند عامّة العلماء يجوز الإحسان إلى الكفّار في دار الإسلام ، ولا يصرف إليهم الواجبات(2).

وأمّا فقهاؤنا رضوان الله عليهم ؛ فلعلّ من صرّح منهم بالمنع مطلقاً ، أرادالتصدّق ؛ إذ المستحبّ في نفسه بأسبابه لا يؤتى الحربي أو استثنى السابل أوالأسير كما هو الظاهر ، وقوله تعالى : (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ ...)(3) الآية لا يدلّ على أزيد من المنع على وجه الموادّة ، لا على الاتّقاء من شحّ النفوس والإحسان والبرّ ، قال

الله تعالى : (لاَ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ)(4).

وقال عليه السلام : «على كلّ كبد حرّى أجر»(5) ، هذا كلّه.

وعن سعيد بن جبير : هو المحبوس من أهل القبلة(6). 3.

ص: 356


1- تفسير الكشّاف للزمخشري 6 / 277.
2- اُنظر الدروس للشهيد الأوّل 1 / 255 ، ومسالك الأفهام للشهيد الثاني 5 / 412 ، وجواهرالكلام للنجفي 28 / 131.
3- سورة المجادلة 58 : 22.
4- سورة الممتحنة 60 : 8.
5- أورده باختلاف يسير ابن ماجة في السنن 2 / 1215 ح3686 ، وأبو يعلى في مسنده3 / 137 ضمن الحديث 1568 ، والقضاعي في مسند الشهاب 1 / 100 ح114.
6- أورده الطبرسي في مجمع البيان 10 / 240 ، ومحبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى : 103.

وعن أبي سعيد الخدري : هو المملوك المسجون(1).

وقيل : المرأة(2) ، ويحتمله اللفظ ، وربّما يطلق على الغريم مع احتمال أن يكون من المؤلّفة.

وفي النيشابوري : ويروى : إنّ السائل في الليالي جبرئيل ، أراد بذلك ابتلاءهم بإذن الله(3).

(إنّما نُطْعِمَكُم) : إنّما : تفيد الحصر بتكرّر التأكيد.

وقيل : «إنّ» للثبوت و «ما» للنفي(4).

ويبعد جعل «ما» في الآية مصدريّة حاليّة بيّن بها إخلاصهم في الإطعام كما تبيّن إخلاصهم في الإيفاء قائلين ولو بالإرادة ولو بلسان الحال.

وقيل : إنّهم لم يتكلّموا بذلك ، ولكن علم الله ما في قلوبهم فأثنى به عليهم ؛ ليرغب في ذلك الرّاغب. عن سعيد بن جبير ، ومجاهد(5).

(لِوجهِ اللهِ) : لتوجّه ، أو رضاه ، أو وجوده ، أو ذاته ، أو مقحم ، أي لله.

وفي الصحاح : ويقال هذا وجه الرأي ، أي هو الرأي نفسه(6).».

ص: 357


1- أورده أبو نعيم الإصبهاني في ذكر أخبار إصبهان 2 / 120.
2- حكاه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 19 / 129 عن أبي حمزة الثمالي والطبرسي في مجمع البيان 10 / 240 بلا نسبة.
3- نظام الدين النيسابوري في تفسير غرائب القرآن 6 / 412.
4- حكاه ابن هشام في مغني اللبيب 1 / 308 عن جماعة من الأصوليّين والبيانيّين.
5- في جامع البيان للطبري 29 / 130 ، ومجمع البيان للطبرسي 10 / 240 عن سعيد بن جبير ومجاهد. وفي تفسير الصنعاني 3 / 375 ح3428 ، ومناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي 1 / 185ح 105 عن مجاهد.
6- الصحاح للجوهري 6 / 2255 «وجه».

وفي القاموس : الوجه معروف ومستقبل كلّ شيء ونفس الشيء(1).

وفي نهج البلاغة : «فاتقوا الله عباد الله جهة ما خلقكم له»(2).

والوجه : في وجه أنبيائه ورسله وحججه الذين بهم يتوجّه إلى الله وإلى دينه ومعرفته.

كما في الحديث : عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، موافقاً لجملة من الأخبار(3).

(لاَ نُرِيْدُ مِنْكُمْ جَزَاءً) : مكافأة.

(وَلاَ شُكُوْرَاً) : ثناء ، مصدر كالشكر بمعناه اللّغوي ، ولقد أبعد الجوهري حيث احتمله جمعاً كبرود(4) ، حالية مترادفة للسابقة ، أو هما متداخلان كما يحتمل أن يكون بياناً للأُولى ، نفى بها ما يشوب العمل ويختلّ به بنوعيه جميعاً عن عملهم ، وعرّف الناس بذلك.

وعن أبي جعفر عليه السلام : «ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع ، هذا ».

ص: 358


1- القاموس المحيط للفيروزآبادي 4 / 312 «وجه».
2- نهج البلاغة من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام 1 / 135.
3- كما ورد في عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 / 106 ضمن الحديث 3 ، وفيه : قال : فقلت له : يا بن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فما معنى الخبر الذي رووه : إنّ ثواب لا إله إلاّ الله النظر إلى وجه الله تعالى؟ فقال عليه السلام : «يا أبا الصلت ، من وصف الله تعالى بوجه كالوجوه فقد كفر ، ولكن وجه الله تعالى أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم ، هم الذين بهم يتوجّه إلى الله عزّ وجلوإلى دينه ومعرفته ...». وكذا في أمالي الصدوق : 545 ضمن الحديث 728 ، واُنظر التوحيد للصدوق : 149 - 152 ح903 باب 12 تفسير قول الله عزّ وجل : (كلّ شيء هالك إلاّ وجهه).
4- الصحاح للجوهري 2 / 702 «شكر».

في أوّلها وهذا في آخرها ، بأسرع فيها من حبّ المال ، والشرف في دين المؤمن»(1).

(إنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يوماً عَبُوْساً قَمْطَرِيراً) : بيانيّة أو حاليّة كالمؤكّدة قبلها ، والظرف متعلّق بالفعل ، أو حال قدّمت على صاحبها نكرة ، وقدكانت صفة له فاُريد إسناد العامل إلى موصوفها كائناً عليها فحوّلت ، وهومقابل لمثله في السابقة ، وابتداؤه منه تعالى بوجوده أو صفته أي بتغلّظ به علينا عموم محتمل ، تأمّل.

العبس والعبوس والظاهر أنّ عبوساً فعول بمعنى الفاعل ، ويحتمل يعبس فيه أي الوجوه ، كالنقوع ما ينقع في الماء من الليل.

وأقمطرّ اليوم : اشتدّ ، واقمطرّت العقرب : إذا عطفت ذنبها وجمعت نفسها.

وعن الزجّاج : في أقمطرّت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها(2).

وكأنّه جعل الميم زائدة مع أنّه الرباعي ، إلاّ أن يكون من قبيل التمثيل.

(فَوَقاهُم اللهُ شَرَّ ذلكَ اليوم) : بأن عصمهم في الدنيا ممّا يوجبه مطلقاً ، وفيه كمال عظم شأنهم عليهم السلام ، مع ملاحظة قوله تعالى : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ)(3).

(وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورَاً) : التلقية ، قال الله تعالى : (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا2.

ص: 359


1- أورده الكليني في الكافي 2 / 238 ح3.
2- معاني القرآن للزجاج 5 / 259.
3- سورة الأحزاب 33 : 32.

تَحِيَّةًوَسَلاَماً)(1).

ووقع ماضياً حكاية عمّا وقع في نفس الأمر بالتقدير لهم ، أو على التقدير ، أو مبالغة في تحقّق وقوعه في المستقبل ، وكذلك الأفعال الآتية.

والنضرة : الحسن والرونق ، يُقال : بنت ناضِر ، ونضير ونضر ، ومنه قولهم : أخضر ناضر ، كقولهم : أصفر فاقع(2).

والسرور : لذّة في السرّ مع الشكر والذكر ، بخلاف الفرح فإنّه مع الغفلة ، قال الله تعالى : (إنّ اللهَ لا يُحبُّ الفَرِحينَ)(3).

أعطاهم بدل عبوس الكفّار وحزنهم نضرة في الوجوه وسروراً في القلوب.

(وَجَزاهُم بِما صَبَروا) : على طاعته واجتناب معصيته ، أو على ما يكرهون وعمّا يحبّون. و «ما» : مصدريّة تفيد تعظيمه.

وتفسيره بالصوم ، كما في قوله تعالى : (واستعينوا بالصبر والصلاة)(4) محتمل ، ملائم لشأن نزوله.

في نهج البلاغة : «أُوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلاً : لا يرجوَنّ أحد منكم إلاّ ربّه ، ولا يخافنّ إلاّ نفسه ، ولا يستحيينّ أحداً إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول : لا أعلم ، ولا يستحيينّ أحداً إذا لم يعلم الشيء أن يتعلّمه ، وعليكم بالصبر ، فإنّ الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا خير في إيمان لا 5.

ص: 360


1- سورة الفرقان 25 : 75.
2- اُنظر الصحاح للجوهري 2 / 830 «نضر».
3- سورة القصص 28 : 76.
4- سورة البقرة 2 : 45.

صبر معه»(1).

وعن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : سمعت أمير المؤمنين مرّةً بعد مرّةوهو يقول ، وشبّك أصابعه بعضها في بعض ، ثمّ قال : «تفرجي تضيقي ، وتضيقي تفرجي» ، ثمّ قال : «هلكت المحاضير ونجا المقرّبون ، وثبت الحصى على أوتادهم ، اُقسم بالله حقّاً إنّ بعد الغمّ فتحاً عجباً»(2).

الأوّل أمرٌ ، والثاني جوابه ، ويحتمل أن يكونا مصدرين.

والمحضير : الفرس الكثير العدو ، والمراد المستعجلون.

(جَنَّةً) : منها يستظلّون ويأكلون.

(وَحَريراً) : يفرشون ويلبسون.

وفي حديث الجنان المرويّة في روضة الكافي عن أبي جعفر عليه السلام ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إذا أُدخل المؤمن إلى منازله في الجنّة ، ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة ، أُلبس حُلل الذهب والفضة والياقوت والدرّ المنظوم في الإكليل تحت التاج ، قال : وأُلبس سبعين حلّة حرير بألوان مختلفة وضروب مختلفة ، منسوجة بالذهب والفضّة واللؤلؤ والياقوت الأحمر ، فذلك قوله عزّ وجلّ : (يُحَلّوْنَ فِيْهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيْهَا حَرِيْرٌ)»(3).

(مُتَّكِئِيْنَ فِيْهَا عَلَى الأَرَائِكِ)(4) : الأريكة : سرير منجّد مزيّن في قبّة أوبيت. 9.

ص: 361


1- نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام 3 / 168 / 82 باختلاف يسير.
2- أورده الكليني في الكافي 8 / 294 ح450.
3- سورة الحج 22 : 23 ، وسورة فاطر 35 : 33.
4- الكافي للكليني 8 / 97 ضمن الحديث 69.

وعن الزجّاج : كلّما يُتّكاء عليه(1).

وعن أبي مسلم : الفرش فوق السرير(2).

وفي حديث الجنان في روضة الكافي : «إذا جلس المؤمن على سريره اهتزّ سريره فرحاً ، فإذا استقرّ بوليّ الله عزّ وجلّ منازله في الجنان ، استأذن عليه الملك الموكّل بجنانه ليهنّئه بكرامة الله عزّ وجلّ إيّاه ، فيقول له خدّام المؤمن من الوصفاء والوصائف : مكانك ، فإنّ وليّ الله قد اتّكأ على أريكته وزوجته الحوراء تهيّأ له فاصبر لوليّ الله»(3).

حال عن المفعول الأوّل لا صفة للثاني ، كما جوّزا في ف(4) ون(5) ، وإلاّلا يفصل الفاعل ؛ لكونه مسنداً إليه صفة جرت على غير من هي له.

(لا يَرَوْنَ فيها شَمْساً ولا زَمْهَريراً) : لا ينالون في الجنّة حرارة يتأذّون بها ولا شدّة برد.

وفي الحديث : «واليأس من روح الله أبرد من الزمهرير»(6).

وعن ثعلب : إنّ الزمهرير في لغة طي : القمر من الزهر ، وأنشد :

وليلة ظلامها قد اعتكر

قطعتها والزمهرير ما زهر(7)8.

ص: 362


1- معاني القرآن للزجاج 5 / 259.
2- حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 246.
3- الكافي للكليني 8 / 97 ضمن الحديث 69.
4- الكشّاف للزمخشري 6 / 280.
5- اُنظر مجمع البيان للطبرسي 10 / 242 - 243.
6- أورده الصدوق في الخصال : 348 ضمن الحديث 21 ، ومعاني الأخبار : 177 ضمن الحديث1 ، والأمالي : 317 ضمن الحديث 369 وفيها : ... أشدّ برداً من الزمهرير.
7- حكاه عنه الرازي في مختار الصحاح : 275 ، وابن الجوزي في زاد المسير 8 / 435 ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 19 / 138.

أي هوائها مضيء بذاته.

وفي حديث الجنان : «في ظلّ ممدود وفي مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وأطيب من ذلك»(1) ، وقد وسّعه بالقرينة ، بعلاقة ما ورد أنّ القمر أبرد من الشمس حال من المستكنّ في الأُولى أو مترادفة لها.

(وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا) : عطف على المفعول الثاني بإقامة الصفة مقام الموصوف أو تقديره ، موافقاً لقوله تعالى : (وَلِمَنْ خَافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنّتان)(2).

وعن أبي جعفر عليه السلام : «وإنّ المؤمن ليكون له من الجنان ما أحبّ واشتهى ، يتنعّم فيهنّ كيف يشاء»(3).

أو على أحد الحالين والواو لإفادة اجتماع الحالين ، وقُرِئ بالرفع على الخبرية من ظلالها على الحالية.

(وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً) : من الذِّل بالكسر الليّن ، لا من الذلّ ضد العزّ ، يقال : دابّة ذلول ، ومنه قولهم : بعض الذلّ أبقى للأهل والمال(4).

والقطوف : جمع القطف بالكسر ، أي : سُوّيت عناقيدها ودلّيت من السعف.

وقيل : أُدنيت منهم(5) ، من قولهم : حائط ذليل إذا كان قصيراً(6). ».

ص: 363


1- أورده الكليني في الكافي 8 / 99 ضمن الحديث 69.
2- سورة الرحمن 55 : 46.
3- أورده الكليني في الكافي 8 / 100 ضمن الحديث 69.
4- حكاه - عن ابن الزبير - ابن الأثير في النهاية 2 : 154 «ذلل».
5- حكاه ابن أبي شيبة في المصنّف 18 / 467 ح35219 عن البراء.
6- اُنظر تفسير جامع الأحكام للقرطبي 19 / 140 ، ولسان العرب 11 / 259 «ذلل».

وفي ف : وتذليل القطوف أن يجعل ذللاً لاتمتنع عن قطّافيها(1).

وعن مجاهد : أي وسخّرت وسهّلت أخذ ثمارها تسخيراً ، إذا قام ارتفعت بقدره ، وإن قعد تدلّت عليه حتّى ينالها ، وإن اضطجع تدلّت عليه حتّى تنالها يده(2).

وفي حديث الجنان في الروضة : «والثمار دانية منهم ، وهو في قوله عزّوجلّ : (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً) من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه وهو متكّئ ، وإنّ الأنواع من الفاكهة ليقُلن لوليّ الله : يا وليّ الله ، كُلْني قبل أن تأكل هذا قبلي.

قال : وليس من مؤمن في الجنّة إلاّ وله جنان كثيرة ، معروشات وغير معروشات»(3).

حال عن دانية ، أو عطف عليها وفي محلّها ، فإنّها مع عملها جملة كالفعل.

ويحتمل على عليهم ظلالها إن جعلت جملة اسميّة أو فعليّة باستتار الضمير في دانية راجعاً إلى موصوفها المقدّر ، كما يحتمل الاعتراض والعطف على دنت لفهم معناه.

(وَيُطَافُ عليهم بآنِيَة من فضّة وَأَكْواب) : اعتراضيّة أو حاليّة ، ويحتمل العطف.

والكوبُ بالضمّ : إناء الشراب من غير عروة. 9.

ص: 364


1- الكشّاف للزمخشري 6 / 280.
2- أورده الطبري في جامع البيان 29 / 133 ، والماوردي في تفسير النكت والعيون 6 / 169 ، والطبري في مجمع البيان 10 / 246.
3- أورده الكليني في الكافي 8 / 99 ضمن الحديث 69.

وعن مجاهد : القدح(1).

(كانت) : بأحد الوجوه التي مضت ، والجملة صفة للنكرة قبلها.

(قواريرا قواريرَ من فضّة) : القارورة من الزجّاج.

وفي ق : من زجاج في بياض الفضّة(2).

وهو الذي يظهر من أبي عليّ ، قال : إنّ الشيء إذا قارنه الشيء واشتدّت ملابسته له قيل : إنّه من كذا ، وإن لم يكن منه في الحقيقة ... إلى قوله : ويجوز تقدير المضاف أي من صفاء فضّة(3).

وفي ف : هي مع بياض الفضّة وحسنها في صفاء القوارير(4).

وعن ابن عبّاس : القوارير : كلّ أرض من تربتها ، وأرض الجنّة فضّة(5).

وعن الصادق عليه السلام : «ينفذ البصر في فضّة الجنّة كما ينفذ في الزجّاج»(6).

والمعنى : إنّ أصلها من فضّة ، فاجتمع لها بياض الفضّة وصفاء القوارير ، فيرى من خارجها ما في داخلها.

(قَدَّرُوْهَا تَقْدِيْرَاً) : صفة أُخرى مادحة للقوارير ، فلهما الضمير على 6.

ص: 365


1- أورده الطبري في تفسير جامع البيان 29 / 133 ، والطوسي في تفسير التبيان 10 / 214 ، والطبرسي في مجمع البيان 10 / 246.
2- القاموس المحيط للفيروزآبادي 2 / 200 «القرّ».
3- أبو علي الفارسي في الحجّة للقرّاء السبعة 6 / 351 - 353.
4- الكشّاف للزمخشري 6 / 280.
5- أورده الطبرسي في مجمع البيان 10 / 247 ، والماوردي في تفسير النكت والعيون 6 / 170.
6- أورده الطبرسي في مجمع البيان 10 / 246.

الظاهر ، ويحتمل وصفاً لفضّة فالضمير لهما لا محالة ، أي قدّر صنّاعها تقديراً ، فهو كناية عن حسن صنيعها ، فإنّ الصنائع إذا قُدّرت قبل صنعها جاءت أحسن ، ولذا كمل فعل المختار وبعض الإيجاب ، ويقال في المحاورات : إنّ هذا الأمر ممّا قدّره فلان ، كناية عن إحكامه ، والضمير للطائفين أي : للخزّان ، والملائكة المدلول بقوله تعالى : (وَيُطافُ عليهم) ، أي : قدّروها بإذن الله تعالى لهم ، أو : لهم ، أي : قدّرت أنفسهم بحسناتهم وأعمالهم الصالحة ، أو : باستعداداتهم الذاتية ، أو : في أنفسهم ورغباتهم مطلقاً ، أو : قبل مجيئها تقديراً محكماً تامّاً على ما ينبغي ويليق ، أو : على قدر زيّهم لا يزيد ولا ينقص.

وقيل : على قدر ملء الكفّ لم يعظم فيثقل الكفّ(1).

وعن مجاهد : لاينقص ولايفيض(2) ، أو حسناً صالحاً أو على ما يشتهون.

وقرأ الشعبي ، وعبيد بن عمير مبنيّاً للمفعول(3).

قال أبو عليّ : قُدّروا عليها فحذف الجار ووصل الفعل ، والمعنى : قُدّرت عليهم ، أي : على ربّهم ، فَقُلِبَ(4). 3.

ص: 366


1- حكاه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 247 عن الربيع والقرظي ، وانظر جامع البيان للطبري 29 / 134 ، والوسيط للنيسابوري 4 / 403 ، وأورد صدر القول الماوردي في النكت والعيون 6 / 170 عن الضحّاك.
2- حكاه هود بن محكم في تفسير الكتاب العزيز 4 / 449 ، والطبري في جامع البيان 29 / 134 ، والماوردي في تفسير النكت والعيون 6 / 170 عن مجاهد. وفي بعض المصادر : لا تفيض ولا تغيض.
3- حكاه الطبري في جامع البيان 29 / 134 عن الشعبي ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 19 / 141 عن الشعبي وعبيد بن عمير.
4- الحجّة للقرّاء السبعة لأبي علي الفارسي 6 / 353.

وفي ف : إنّه بمعنى جُعلوا قادرين لها(1).

ويحتمل أن يكون الأصل قدّروا لهم فحذف الجار وأوصل ، ثمّ بني للمفعول الثاني أو بني أوّلاً للمفعول الثاني ، وأسند إليهم بحذف الجار منها ، على أنّهم الأصل المقصود فيه ، أو يمكن أن يكون المعنى : قدّروا ، أي : خلقواأوّلا لها لهذه النعيم ، فحذف ووصل.

(وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً) :

في ن : قال مقاتل : لا يشبه زنجبيل الدنيا(2).

وقال ابن عبّاس : كلّ ما ذكر الله في القرآن ممّا في الجنّة وسمّاه ليس له مثل في الدنيا ، ولكن سمّاه الله بالاسم الذي نعرف. والزنجبيل ممّا كانت العرب تستطيبه فلذلك ذكره الله في القرآن ووعدهم أنّهم يسقون في الجنّة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنّة(3).

(عيناً تُسمّى سلسبيلاً) : مدح أو بدل من الزنجبيل بحذف «من» في المبدل منه ، أو للكأس بحذف «من» في البدل ، والأظهر الأوّل.

وقال ابن الأعرابي : لم أسمع السلسبيل إلاّ في القرآن(4). ففيه دلالة على أنّ الواضع هو الله ، كقوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ) ، يقال : ماء سلسلوسلسال ، أي سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه ، زيدت الباء حتّى صارت خماسيّة دلالة على تضاعيف سلاستها. 0.

ص: 367


1- تفسير الكشّاف للزمخشري 6 / 280.
2- مجمع البيان للطبرسي 10 / 247.
3- أورده الواحدي النيسابوري في تفسير الوسيط 4 / 403 ، والطبرسي في مجمع البيان10 / 247 عن ابن عبّاس.
4- حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 247 ، والزبيدي في تاج العروس 7 / 380.

وعن الزجّاج : هو صفة لما كان في غاية السلاسة(1).

أي : أنّها في طعم الزنجبيل لا في مساغها فهو فعلليل.

وقال الفرّاء : فعفليل بزيادة السين والباء جميعاً ، وذلك لتجويزه تكرير حرف أصلي مع توّسط أصلي بينهما(2).

وقيل : سمّيت سلسبيل ؛ لأنّها تسيل عليهم في الطريق ، وفي منازلهم تنبت من أصل العرش ، من جنّة عدن إلى أهل الجنان. عن أبي العالية ، ومقاتل(3).

ويلوح منه تركّبه من : «سل» و «سبيل».

وفي ف : عن أمير المؤمنين عليه السلام : «سلّ سبيلاً إليها»(4).

فإنّ صحّت الرواية ، فالوجه أن يُقال : المعنى : يسمّى ما يقال في شأنه ذلك ، من قبيل :

جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط

وما ينشد للشنفرى صاحب لاميّة العرب :

فلا يدفنوني إنّ دفني محرّم

عليكم ولكن خامر أُمّ عامر(5)

أي : بل دعوني تأكلني التي يقال لها : خامر أُمّ عامر ، وهي الضبع.

أو المفعول محذوف ، أي : عيناً تسمّى زنجبيلاً مفعولاً في حقّه ذلك رِ

ص: 368


1- معاني القرآن للزجاج 5 / 261.
2- حكاه عنه الأسترآبادي في شرح شافية ابن الحاجب 2 / 351.
3- حكاه عنهما البغوي في معالم التنزيل 5 / 500 ، والطبرسي في مجمع البيان 10 / 247 - 248 ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 19 / 143.
4- تفسير الكشّاف للزمخشري 6 / 281.
5- ديوان الشنفرى : 48 / 1 وفيه : لا تقبروني إنّ قبري مُحَرّمٌ عليكم ولكِنْ أبْشِرِي أُمَّ عامِرِ

حالاً أو وصفاً أو مدحاً أو الفعل منزّل منزلة اللازم ، كما يلوح من مغني اللبيب : إنّ بعضهم يقول بالوقف هنا ، أي : عيناً مسمّاة معروفة(1).

وعليه ، فهي معترضة ، كما يحتمله السابق ، كما في ما سيأتي من قوله تعالى : (وإذا رأيت ...) الآية ، وعلى هذه يستقيم الرواية على ظاهرها.

ولم يفهم الزمخشري فقال ما قال ... إلى أن قال : إلاّ أن يراد أنّ جملة قول القائل : سل سبيلا ، جُعلت علماً ، كما قيل : تأبّط شرّاً(2). وهو في محلّه.

وهنالك احتمال آخر به يندفع بعض الإشكالات في وجه تسمية آدم عليه السلام وغيره من الأسماء العجمية سمّيت ؛ إذ يصحّ في شأنها أن يُقال : سلسبيلاً إليها ، أي : لأنّ لهذا اللفظ قرب اشتقاق من هذا الكلام ، فإنّ للألفاظ تناسباًمع المعاني بالذّات ، مع قطع النظر عن الأوضاع واللهجات ، ثمّ على العلمية ، أمّا الباء العين.

وفيه بُعد من حيث لفظ الآية ، وأمّا لها ففيها التأنيث المعنوي بشرط تحتّمه ، فكان ينبغي أن لا يُصرف ، إلاّ أن يقال : تركيبه الأصلي يوجب حكايته ، كما إذا جعل تأبّط شرّاً علماً مؤنثاً ، لكن يبقى الإشكال على بساطته ، إلاّأن يؤوّل التسمية بالوصف ، وقد مضى وجه آخر.

وفي ف : وقُرِئ على منع الصرف(3).

وفي الصحاح : عن الأخفش : هي معرفة ، ولكن لمّا كان رأس آية مفتوحاً زِيد فيه الألف(4). وله وجه. ».

ص: 369


1- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام 2 / 554.
2- تفسير الكشّاف للزمخشري6 : 281.
3- تفسير الكشّاف للزمخشري 6 / 281.
4- حكاه عن الأخفش الجوهري في الصحاح 5 / 1724 «سبل».

ومنها يظهر ما في هذا الكلام من المعنى أنّه يبعد أن يقال : صرف للتناسب ؛ لاتّفاقهم على صرفه.

(وَيَطُوفُ عليهم ولْدانٌ) : جمع وليد ، كصبيان جمع للصبيّ والعبد ، ويحتمل أن يعمّ الجارية ولو اتّساعاً.

وفي ن : أي : وصفاء وغلمان للخدمة(1).

وفي حديث الجنان : «والمؤمن ليغشاه شعاع نور وهو على أريكته ، ويقول لخدّامه : ما هذا الشعاع اللاّمع ، لعلّ الجبّار لحظني؟!

فيقول له خدّامه : قدّوس قدّوس جلّ جلال الله ، بل هذه حوراء من نسائك ممّن لم تدخل بها ، قد أشرفت عليك من خيمتها شوقاً إليك ، وقد تعرّضت لك وأحبّت لقاءك ، فلمّا أن رأتك متّكأً على سريرك ، تبسّمت نحوك شوقاً إليك ، فالشعاع الذي رأيت ، والنور الذي غشيك ، هو من بياض ثغرها وصفائه وبقائه ورقّته.

قال : فيقول وليّ الله : ائذنوا لها ، فتنزل إليَّ ، فيبتدر إليها ألف وألف وصيفة يبشّرونها بذلك ، فتنزل إليه من خيمتها وعليها سبعون حلّة طولها سبعون ذراعاً ، وعرض ما بين منكبيها عشرة أذرع ، فإذا دنت من وليّ الله ، أقبل الخدّام بصحاف الذهب والفضّة فيها الدرّ والياقوت والزبرجد فينثرونها عليها ، ثمّ يعانقها وتعانقه ، فلا يملّ ولا تملّ»(2).

(مُخَلّدون) : أي : باقون لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيّرون. عن مجاهد(3). 3.

ص: 370


1- مجمع البيان للطبرسي 9 / 403.
2- أورده الكليني في الكافي 8 / 99 ضمن الحديث 69.
3- حكاه عنه الطبري في جامع البيان 27 / 100 ، والطبرسي في مجمع البيان 9 / 403.

وقيل : مقرّطون ، والخلد القرط ، لعلّ خلّد جاريته إذا حلاّها القرط. عن سعيد بن جبير(1) ، والفرّاء(2).

واختلف في هذه الولدان ، فقيل : إنّهم أولاد أهل الدنيا ، لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ، ولا سيّئات فيعاقبوا عليها ، فأُنزلوا هذه المنزلة. عن عليّ عليه السلام والحسن.

وقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه سئل عن أطفال المشركين ، فقال : «هم خدّام أهل الجنّة».

وقيل : بل هم من خدم الجنّة على صورة الولدان خُلِقوا لخدمة أهل الجنّة ، كذا في ن(3).

والأظهر الأخير.

وفي الفقيه : روى أبو زكريّا ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبدالله عليه السلام «إذامات طفل من أطفال المؤمنين ، نادى مناد في ملكوت السماوات والأرض : ألا إنّ فلان بن فلان قد مات ، فإن كان مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دُفِع إليه يغذيه وإلاّ دُفِعَ إلى فاطمة عليها السلام تغذوه حتّى يقدِم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته فتدفعه إليه»(4).

وفي رواية حسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إنّ الله تبارك وتعالى يدفع إلى إبراهيم وسارة أطفال 1.

ص: 371


1- حكاه عنه البغوي في معالم التنزيل 5 / 289 ، والطبرسي في مجمع البيان 9 / 403.
2- اُنظر معاني القرآن للفرّاء 3 / 218.
3- مجمع البيان للطبرسي 9 / 403.
4- من لا يحضره الفقيه للصدوق 3 / 490 ح4731.

المؤمنين حتّى يغذونهم بشجرة في الجنّة لها أخلاف كأخلاف البقر في قصرمن درّة ، فإذا كان يوم القيامة أُلبسوا وطيّبو وأهدوا إلى آبائهم ، فهم ملوك في الجنّة مع آبائهم ، وهو قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(1)»(2).

وفي رواية أبي بكر الحضرمي قال : قال أبو عبدالله عليه السلام في قول الله عزّوجلّ : (والذين آمنوا ...)(3) قال : «قصرت الأبناء عن أعمال الآباء فأُلحق الأبناء بالآباء لتقرّ بذلك أعينهم»(4).

وفي حديث المعراج في الآباء : «فمرّ على شيخ قاعد تحت شجرة مثمرةوحوله أطفال ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من هذا الشيخ يا جبرئيل؟

قال : هذا أبوك إبراهيم.

قال : فما هؤلاء الأطفال حوله؟

قال : هؤلاء أطفال المؤمنين حوله يغذوهم»(5).

فأمّا حال أطفال المشركين فالروايات مختلفة فيها ، فمنها ما مرّ(6).

وفي الفقيه : وروى جعفر بن بشر ، عن عبدالله بن سنان ، قال : قال : ر.

ص: 372


1- سورة الطّور52 : 21.
2- من لا يحضره الفقيه للصدوق 3 / 490 ح4732.
3- سورة الطور 52 : 21.
4- أورده الصدوق في من لا يحضره الفقيه 3 / 490 ح4733 ، والتوحيد : 394 ح7 ، والكليني في الكافي 3 / 249 ح5.
5- أورده الصدوق في الأمالي : 536 ضمن الحديث 720 ، والفتّال النيسابوري في روضة الواعظين : 58.
6- اُنظر من لا يحضره الفقيه للصدوق 3 / 491 باب حال من يموت من أطفال المشركين والكفّار.

سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث؟ قال : «كفّار ، والله أعلم ما كانوا عاملين ، يدخلون مداخل آبائهم»(1).

وقال عليه السلام : «تؤجّج لهم نار فيقال لهم : ادخلوها ، فإن دخلوها كانت عليهم برداً وسلاماً ، وإن أبو قال الله عزّ وجلّ لهم : هو ذا أنا قد أمرتكم فعصيتموني ، فيأمر الله عزّ وجلّ بهم إلى النار»(2).

وفي التوحيد بهذا المضمون روايات كثيرة(3).

(إذا رأيتهم حَسِبتهم لؤلؤاً منثوراً) : من الصفاء وحسن المنظر والكثرة ، وقيل : إنّما شبّهوا بالمنثور ؛ لانتثارهم في الخدمة ، فلو كانوا صفّاً لشبّهوا بالمنظوم(4).

وله وجه من حيث إثبات الطوف لهم ، والجملة صلة ما أُخرى.

(وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ) : اسم إشارة لمكان الجنّة ، فهو ظرف للمعنى.

قال الفرّاء : مفعوله - وهو الموصول - منضمر ، تقديره : ما ثمّ ، كقوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنكُم)(5)(6).

وأنكر عليه معنى حذف ؛ ليعمّ كلّ مرئيٍّ ، والأكثر على أنّه منزّل منزلة اللازم ، أي : أحدثت الرؤية أو وقعت منك الرؤية في هذا المكان أينما وقعت. 8.

ص: 373


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق 3 / 491 ح4740.
2- المصدر السابق 3 / 492 ح4741.
3- اُنظر التوحيد للصدوق : 390 باب - 61 - الأطفال وعدل الله عزّ وجلّ فيهم.
4- حكاه البغوي في معالم التنزيل 5 / 500 ، والنيسابوري في الوسيط 4 / 404 عن أهل المعاني ، وبلا نسبة الطبرسي في مجمع البيان 10 / 248 ، وابن الجوزي في زاد المسير8 / 439.
5- سورة الأنعام 6 : 94.
6- اُنظر معاني القرآن للفرّاء 3 / 218.

ويحتمل أن ينزل الظرف منزلة المفعول به فيُعدّى إليه ، كما في : دخلت الدار ، وعليه فيعمّ الالتفات إليها في الدنيا ، كما سيجيء تقريبه ، والمخاطب من يصحّ أن يخاطب ، ف- «إذا» بمعنى : إن ، أو بمعنى تفاؤلاً ورجاء(1). فليتأمّل.

ويحتمل أن يكون النبيّ (صلى الله عليه وآله)(2).

(رَأَيْتَ نَعِيْماً) اسم لما أنعم به عليك ، والتنوين للتعظيم.

(وَمُلْكَاً كَبِيْرَاً) كيفاً وكمّاً.

وعن الصادق عليه السلام : «لايزول ولا يفنى»(3).

وقيل : واسعاً(4). يعني أنّ نعيم الجنّة لا يوصف كثرة وإنّما يوصف بعضها(5).

وقيل : هو استئذان الملائكة عليهم وتحيّتهم السلام(6).

وقيل : هو لا يريدون شيئاً إلاّ قدروا عليه(7) ، كما قال الله تعالى :كت

ص: 374


1- اُنظر معاني القرآن وإعرابه للزجّاج 5 / 261 ، وإعراب القرآن للنحّاس 5 / 102 ، والبيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري 2 / 483.
2- اُنظر جامع البيان للطبري 29 / 136.
3- أورده الطوسي في مجمع البيان 10 / 248.
4- حكاه ابن الجوزي في زاد المسير 8 / 439 ، والماوردي في تفسير النكت والعيون 6 / 172 ، والزمخشري في الكشّاف 6 / 282.
5- حكاه بلا نسبة الطبرسي في مجمع البيان 10 / 248.
6- حكاه الطبري في جامع البيان 29 / 136 عن مجاهد وسفيان ، والطوسي في التبيان 10 / 215 عن سفيان ، وكذا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 19 / 145 ، والسمعاني في تفسيره 6 / 120 عن سفيان ، ومقاتل ، والكلبي.
7- حكاه بلا نسبة الطبرسي في مجمع البيان 10 / 248 ، والماوردي في النكت

(ولَكُمْ فِيْهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُم)(1).

وقيل : «إنّ أدناهم منزلة ينظر في ملكه من مسيرة ألف عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه»(2).

وفي اعتقادات الصدوق ابن بابويه عليه الرحمة : وأقلّ المؤمنين منزلة في الجنّة من له فيها مثل تلك الدنيا عشر مرّات(3).

وفي الكافي : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن عليّ بن الحكم ، عن سعدان قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : «إنّ الله عزّ وجلّ يلتفت يوم القيامة إلى فقراء المؤمنين شبيهاً بالمعتذر إليهم ، فيقول : وعزّتي وجلالي ما أفقرتكم في الدنيا من هوان بكم عَلَيَّ ، ولَتروُنّ ما أصنع بكم اليوم ، فمن زوّد أحداً منكم في دار الدنيا معروفاً فخذوا بيده فأدخلوه الجنّة ، قال : فيقول رجل منهم : يا ربّ إنّ أهل الدنيا تنافسوا في دنياهم ، فنكحوا النساء ، ولبسوا الثياب اللّينة ، وأكلوا الطعام ، وسكنوا الدور ، وركبوا المشهور من الدواب ، فأعطني مثل ما أعطيتهم ، فيقول تبارك وتعالى : لك ولكلّ عبد منكم مثل ما أعطيته أهل الدنيا منذ كانت الدنيا سبعون ضعفاً»(4).

وقيل : هو الملك الدائم الأبدي في نفاذ الأمر وحصول الأماني(5).ة.

ص: 375


1- سورة فصّلت 41 : 31.
2- أورده ابن أبي شيبة في مصنّفه 18 / 433 صدر الحديث 35134 عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وكذاأحمد في مسنده 2 / 81 صدر الحديث 4609 ، والحاكم في المستدرك 2 / 509 ، وابن كثير في تفسيره 4 / 480.
3- اعتقادات الصدوق : 80 ضمن مصنّفات الشيخ المفيد.
4- الكافي للكليني 2 / 202 ح9 باختلاف يسير.
5- حكاه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 248 بلا نسبة.

ويحتمل أن يكون مضمون : (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفُيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُن)(1) ، أو : (سَلاَمٌ قَوْلاً مِنْ رَّبٍّ رَحِيْم)(2) ، أو : (رِضوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ)(3).

وفي نهج البلاغة : «فلو رميت ببصرك نحو ما يوصف لك منها لعزفت نفسك عن بدائع ما أخرج إلى الدنيا من شهواتها ولذّاتها وزخارف مناظرها ، ولذهلت بالفكر في اصطفاق أشجار غُيّبت عروقها في كثبان المسك على سواحل أنهارها ، وفي تعليق كبائس اللؤلؤ الرطب في عساليجها وأفنانها ، وطلوع تلك الثمار المختلفة في غلف أكمامها ، تحنى من غير تكلّف فتأتي على منية مجتنيها ، ويطاف على نُزّالها في أفنية قصورها بالأعسال المصفّقة والخمور المروّقة ، قوم لم تزل الكرام تتمادى بهم حتّى حلّوا دار القرار وأمنوانقلة الأسفار ، فلو شغلت قلبك أيّها المستمع بالوصول إلى ما يهجم عليك من تلك المناظر المونقة ؛ لزهقت نفسك شوقاً إليها ، ولتحمّلت من مجلسي هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالاً بها ، جعلنا الله وإيّاكم ممّن تنقله إلى منازل الأبرار رحمته»(4).

وفي حديث الجنان : «فيؤذن للملائكة فيدخلون على وليّ الله وهو في الغرفة ولها ألف باب ، وعلى كلّ باب من أبوابها ملك موكّل بها ، فإذا أُذن للملائكة بالدخول على وليّ الله فتح كلّ ملك بابه الموكّل به ، قال : فيدخل القيّم كلّ ملك من باب من أبواب الغرفة ، قال : فيبلّغونه رسالة ة.

ص: 376


1- سورة السجدة 32 : 17.
2- سورة يس 36 : 58.
3- سورة التوبة 9 : 72.
4- نهج البلاغة من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام 2 / 93 - 94 في وصف الجنّة.

الجبّار جلّ وعزّ ، وذلك قوله تعالى : (وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَاب)(1) من أبواب الغرفة (سَلاَمٌ عَلَيْكُم)(2) إلى آخر الآية.

قال : وذلك قوله جلّ وعزّ : (وإذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيْمَاً وَمُلْكَاً كَبِيْرَاً)(3) يعني بذلك وليّ الله وما هو فيه من الكرام والنعيم والملك العظيم الكبير ، إنّ الملائكة من رسل الله عزّ اسمه يستأذنون في الدخول عليه ، فلا يدخلون عليه إلاّ بإذنه ، فذلك الملك العظيم الكبير»(4) ... تمام الحديث.

هذا كلّه ، مع إنّ كلّ شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، وكلّ شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه.

(عَالِيهم) : أبو جعفر ، ونافع ، وحمزة : ساكنة الياء(5). مبتدأ بإرادة الجنس ، أي ما يعلوهم لقوله تعالى : (ثِيابُ سُنْدُس خُضْرٌ وَاسْتَبْرَقٌ).

ويحتمل الخبرية له بتأويله للجمع ، كما في قوله تعالى : (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا)(6).

فأمّا على المشهور ، قال : عاملها (جزاهم) بتقريب عطف (حلّو) و (سقاهم) عليه ، أو (يطوف عليهم).

وأمّا (حَسِبْتَهُم) كما احتُمل في ف وضى ورى ففي غاية البعد ، 6.

ص: 377


1- سورة الرعد 13 : 23 - 24.
2- سورة الرعد 13 : 23 - 24.
3- سورة الإنسان 76 : 20.
4- أورده الكليني في الكافي 8 / 98 ضمن الحديث 69.
5- اُنظر إعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه 2 / 422 ح3 ، والموضح في وجوه القراءات وعللها لابن أبي مريم 3 / 1322 ، ومجمع البيان للطبرسي 10 / 241.
6- سورة الأنعام 6 : 46.

وفاقاً لمجمع البيان ، نقله عن البصير النحوي الملقّب بجامع العلوم(1).

ثمّ زيّفه قال : ألم ينظر في خاتمة هذه إلى قوله سبحانه : (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً) ، ثمّ قوله عقيب ذلك : (إِنَّ هذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً) ، فيعرف أنّ الضمير في (عاليهم) هو بعينه في (وسقاهم) ، وهو ضمير المخاطبين في (لكم) ، وهذا الضمير لا يمكن أن يعود إلاّ إلى الأبرار المثابين المجازين ، دون الولدان المخلّدين الذين هم من جملة ثوابهم وجزائهم ، ثمّ أحمد الله على تأييده وتسديده(2).

نعم ، يحتمل أن يكون العامل (متكئين) ، أو (رأيت) بحذف المضاف أو الظرف ، أي : أهل نعيم أو سكانها ، أو ظرف جزاء ، أي : فوقهم ، والجملة حال ، أو بيان للملك بعض البيان ، إلاّ أنّ ما رُوي عن الصادق عليه السلام : «يعلوهم الثياب فيلبسونها»(3) ، يدلّ على الأوّل.

وعن ابن عبّاس : أما رأيت الرجل عليه ثياب والذي يعلوها أفضلها(4)؟

وفي عدّة الداعي : عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «لو أنّ ثوباً من ثياب أهل الجنّة أُلقي إلى أهل الدنيا لم تحمله أبصارهم ، ولماتوا من شهوة النظر إليه»(5).4.

ص: 378


1- اُنظر الكشّاف للزمخشري 6 / 282 ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 19 / 146 ، ومجمع البيان للطبرسي 10 / 243 ، والنيسابوري في تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان6 / 416.
2- حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 244.
3- أورده الطبرسي في مجمع البيان 10 / 248.
4- أورده الطبرسي في مجمع البيان 10 / 248.
5- أورده ابن فهد الحلّي في عدّة الداعي : 134.

ويحتمل أن يكون المعنى مركبهم ، إمّا بنزع الخافض أو مبالغةً نصباً ورفعاً.

ففي ق : وعلى به وعلاه : جعله عالياً(1).

وفي حديث الجنان : «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سُئل عن قول الله تعالى : (يَوْمَ نحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) (2)؟

فقال : يا عليّ ، إنّ الوفد لا يكونون إلاّ ركباناً ، اُولئك رجال اتّقوا الله فأحبّهم الله عزّ وجلّ واختصّهم ورضي أعمالهم فسمّاهم المتّقين. ثمّ قال له : ياعليّ ، أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّهم ليخرجون من قبورهم ، وإنّ الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العزّ ، عليها رحائل الذهب ، مكلّلة بالدرّ والياقوت ، وجلائلها الاستبرق والسندس ، وخطمها جدل الأرجوان ، تطير بهم إلى المحشر ، مع كلّ رجل منهم ألف ملك ، من قدّامه وعن يمينه وعن شماله ، يزفّونهم زفّاً ، حتّى ينتهوا بهم إلى باب الجنّة الأعظم»(3).

والسندس : الديباج الرقيق ، معرّب بلا خلاف ، كما في ق(4).

والاستبرق : الديباج الغليظ معرّب استبره ، على الخلاف كما سيظهر ، وفُسّر بما في ن : بما رقّ من الثياب وما غلظ منها ، قال : ولا يراد به الغلظ في السلك ، بل الثخانة في النسج(5).

وعن الزجّاج : إنّما قيل (استبرق) ؛ لشدّة بريقه(6).3.

ص: 379


1- القاموس المحيط للفيروزآبادي 4 / 412 «علو».
2- سورة مريم 19 : 85.
3- أورده الكليني في الكافي 8 / 95 ح69.
4- القاموس المحيط 2 / 350 «السندس».
5- مجمع البيان للطبرسي 10 / 248.
6- اُنظر معاني القرآن وإعرابه للزجّاج 5 / 263.

قرأ أهل البصرة ، وأبو جعفر وابن عامر : (خضر) بالرفع و : (استبرق) بالجرّ.

وابن كثير ، وأبو بكر على العكس.

ونافع وحفص بالرفع فيهما.

وحمزة والكسائي بالجرّ فيهما.

واستوجه أبو علي الأوّل لجمعية الأوّل فيناسبه الوصفية ، وجنسيّة الثاني فيناسبه الإضافة ، كسندس.

ومن رفعه فعطفه على ثياب سندس بحذف المضاف ، وقُرِئ فتحاً على منع الصرف لعُجْمته ، وعليه بالوصل على أنّه استفعل من البريق.

ويدفعهما جميعاً عدم ثبوت علميّته ، بل هو اسم جنس ، والثاني تصغيره على إبريق(1).

(وَحُلّو أساورَ مِنْ فِضَّة) : من الحُلية ، كقوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فيها من أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَب)(2) ، فهي على الجمع ، أو على التعاقب ، أو على أفضليّة الفضّة.

وفي التبيان : هي الشفّافة التي يُرى ماورائها كما تُرى البلّورة ، وهي أفضل من الدرّ والياقوت ، وهما أفضل من الذهب(3).

وقد سلف من حديث الجنان ما يرتبط به. 8.

ص: 380


1- اُنظر الكشف عن وجوه القراءات السبع للقيسي : 355 ، وحجّة القراءات لأبي زرعة : 740 ، والسبعة في القراءات لابن مجاهد : 664 ، والحجّة للقُرّاء السبعة لأبي علي الفارسي6 / 357.
2- سورة الكهف 18 : 31.
3- تفسير التبيان للطوسي 10 / 218.

والأساور : جمع أسورة في جمع سِوار بالكسر ويُضمّ ، وقيل : واحدها إسوار بالكسر(1).

وفي ق : بالضمّ(2).

ولحوق التاء فيها تعويض عن الياء في مثله كأعاصير ، عطف على (جزاهم) أو (يطاف عليهم) أو ما قبله جملة أو مفرداً ، ولو بتأويله بالمضارع أو دلالته على الماضي.

(وَسَقَاهُمْ رَبُّهُم) : أسنده إلى نفسه أي بيده ، ما أعلاه درجة ، ختم وأتمّ به ارتقاءهم إلى مدارج السعادات ومعالي الدرجات.

(شراباً طهوراً) : من الأقذار والأقذاء ، ولم تدنّسه الأيدي ولم تدسّه الأرجل كخمر الدنيا.

وقيل : لا يصير بولاً ، ولكن رشحاً كريح المسك(3).

وبهذا الاعتبار يطهر بطنه ممّا أكل ، لكن لا داعي إلى اعتبار معنى التطهيرفيه ؛ لأنّه طارئ عليه ، مع أنّ في حديث الجنان : «وعلى باب الجنّة شجرة ، إنّ الورقة منها ليستظلّ تحتها ألف رجل من الناس ، وعن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكّية ، فيُسقون منها شربة ، فيطهّر الله بها قلوبهم من الحسد ، ويسقط عن أبشارهم الشعر ، وذلك قول الله عزّ وجلّ : (وَسَقَاهُم رَبُّهُم شَرَابَاً طَهُوْرَاً) من تلك العين المطهّرة».

قال : «ثمّ ينصرفون إلى عين أُخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون 9.

ص: 381


1- حكاه عن أبي عمرو بن العلاء الجوهري في الصحاح 2 / 690 «سور».
2- القاموس المحيط للفيروزآبادي 2 / 118 «سورة».
3- حكاه الطبري في جامع البيان 29 / 137 عن قتادة ، والبغوي في معالم التنزيل 5 / 501عن أبي قلابة وإبراهيم ، وبلا نسبة الطبرسي في مجمع البيان 10 / 249.

فيها ، وهي عين الحيوان ، فلا يموتون أبداً»(1).

(إنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوْرَاً) : على إضمار القول ، أو الالتفات إليهم عليهم السلام ، والخطاب للرسول (صلى الله عليه وآله) ومن ينتسب إليه أبنائه ونسائه وأنفسه عليهم السلام.

اعلم - يا أخي رحمك الله وإيّانا - أنّ بهذه الآيات تثبت أفضليّتهم عليهم السلام ؛ إذلم تنزل في القرآن آيات كذلك بهذه الكيفيّة والكمّية في شأن أحد من الاُمّة غيرهم ، وكذلك عصمتهم من قوله تعالى : (يوفون بالنذر) ، كما اعترف به الخصم ، وممّا أومأنا إليه من أنّ ما نُسب إليهم ملكة مستقرّة فيه ، ومنه قوله تعالى : (هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً) ، إذ لو صدر منهم عصيان لم يكن هذا لهم جزاء عفواً وفضلاً ، بل مع قطع النظر عن هذا القول ثبوت هذه الفضائل لهم ، مع عدم ذكر لفظ دالّ على الفضل والعفو والرحمة والمغفرة والإحسان وما يجري مجراها في طيّ ذكرها أصلاً ، دالّ على أنّ هذه بعملهم ليس إلاّ.

ومن قوله تعالى : (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوْرَاً) ؛ لأنّ السعي المشتمل على العصيان ليس مشكوراً ، لقوله تعالى : (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَاُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوْرَاً)(2) ، ومن عصى في الجملة لم يندرج فيمن أراد الآخرة وسعى السعي اللائق بها.

ومن قوله تعالى : (فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ) ؛ لترتّبه على أفعالهم وأقوالهم وملكاتهم المذكورة قبل هذا القول ، فلو استصحبت أو استعقبت معصية لم يترتّب عليها وحدها ، أما ترى كيف وقع في شأن 9.

ص: 382


1- أورده الكليني في الكافي 8 / 96 ضمن الحديث 69 ، والقمّي في تفسيره 2 / 54.
2- سورة الإسراء 17 : 19.

المتّقين (ووقاهم عذاب الجحيم)(1) فضلاً من ربّك ؛ ولأنّ الوقاية في الدنيا لتقدّمه على قوله : (وَلَقّاهُم) ، ومضمونه استقبالهم بالنظرة في الوصول إلى الآخرة ، ثمّ على (وجزاهم) ، والجزاء هو المكافأة في الآخرة ؛ فالوقاية قبل الاستقبال والجزاء ، مع قطع النظر عن الفاء ، ثمّ ورودها على (شرّ ذلك اليوم) دالّ على أنّ لا سيّئة لهم ، وإلاّ لعلّق عليها كما في وقاهم السيّئات(2) ، فوقاهم الله سيّئات ما كسبوا.

وكتب العلاّمة الشيرواني قدس سره : إنّها دالّة على أنّ الله تعالى وقاهم من عقاب ذلك اليوم جميعاً ؛ لأنّ كلّ عقاب شرّ لا محالة ، وقد أنزل الله تعالى تلك الآية لتُتلى عليهم ، فقد أعلمهم الله بأنّهم محفوظون من العقاب آمنون يوم القيامة ، وهو غير جائز إلاّ مع عصمتهم من الذنوب ، ولا يحذروا المعاصي ؛ لأنّ من علم أنّ العذاب لا يصيبه فهو غير حاذر بل آمن ، ولا يحذر لوخالف الأمر وعصى ، وقد قال الله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(3) والمقصود من ذلك تحذير المخالفين وتهديدهم ، وإذا لم يكن العالم بالوقاية الآمن بالعذاب غير حاذر ، فهو خارج عن عموم اسم الموصول مخصّص عنه ، والتخصيص خلاف الأصل ، بخلاف ما لو قلنا أنّه معصوم من الذنوب ، فإنّه غيرداخل في عموم اسم الموصول حتّى يخرج ويلزم التخصيص ، فيجب القول بالعصمة حذراً عنه.

ثمّ قال : ووجه آخر ، وهو إنّ الإعلام بأنّ العقاب مرتفع لمن يتأتّى 3.

ص: 383


1- سورة الدخان 44 : 56.
2- اُنظر سورة غافر 40 : 45.
3- سورة النور 24 : 63.

منه المعصية إغراء له بها وبعث له عليها ، وهو قبيح عقلاً ، فلا يجوز عند المعتزلة وغيرهم من القائلين بالحسن والقبح العقليّين.

وأمّا الأشاعرة فنقول لهم : يدلّ على ذلك ما روي من فعل عمر بن الخطّاب لأبي هريرة ، حين قال له النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «أن أخبر الناس بأنّ من قال لاإله إلاّالله دخل الجنّة» ، وأعطاه علامة على صدقه على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، حيث دفعه عمر بن الخطّاب حتّى وقع على استه واستخفّ به ، ثمّ دخل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومنعه من ذلك ، فرجع النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى قوله(1) ، وذلك من جملة ما أخطأ النبيّ (صلى الله عليه وآله) فيه بعد ما اجتهد عندهم ، ومثل ذلك لا يتأتّى في الآية.

ويدلّ على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له بعد قتل أهل النهروان : «وإنّي لو لم أكُ فيكم ما قوتل أصحاب الجمل والنهروان ، وأيم الله لولاأن تتّكلوا فتدعوا العمل ، لحدّثتكم بما قضى الله عزّ وجلّ على لسان نبيّكم لمن قاتلهم مبصراً بضلالتهم ، عارفاً للهدى الذي نحن فيه»(2) ، انتهى كلامه رفع مقامه. 0.

ص: 384


1- اُنظر مناقب أهل البيت عليهم السلام للشيرواني : 385 ، وصحيح ابن حبّان 1 / 363 ح151 (باب فضل الإيمان) وفيه : عن جابر بن عبدالله ، قال : بعثني رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فقال : «نادِ في الناس ، من قال : لا إله إلاّ الله دخل الجنّة» فخرج ، فلقيه عمر في الطريق ، فقال : أين تريد؟قلت : بعثني رسول الله(صلى الله عليه وآله) بكذا وكذا ، قال : ارْجِعْ. فَأبَيْتُ ، فلهزني لهزة في صدري أَلَمُها ، فرجعت ، ولم أَجِدْ بُدّاً. قال : يا رسول الله ، بعثتَ هذا بكذا وكذا؟ قال : «نعم» ، قال : يارسول الله ، إنّ الناس قد طَمِعُوا وَخَشُوا. فقال(صلى الله عليه وآله) : «اُقْعُدْ».
2- أورده باختلاف يسير الثقفي في الغارات 1 / 7 و 16 ، والقاضي النعمان في شرح الأخبار2 / 39 ح410.

والأفضليّة والعصمة كلّ منهما مستقلّ في إثبات الإمامة.

أمّا الأفضليّة : فلأنّ الإمامة فضيلة ، وتفضيل المفضول قبح ، والمنازع مكابر مقتضى عقله.

وأمّا العصمة : فلأنّ من الأُمّة والرعيّة من كان يعتقد إمامتهم ، ويظهر ذلك عندهم ويعمل على مقتضاه ، فلو لم يكن حقّاً لوجب عليهم أعلامهم بذلك ، ولأنّهم عليهم السلام أظهروا ذلك ، وأمر الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السلام غير خفيّ ، والمعصوم لا يدّعي ما ليس له ، فالعصمة تدلّ على الإمامة من قبيل اللمّ كالعكس.

(إنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيْلاً) : استئناف تمهيدية ، لتسلّيه عليه السلامعن عدم قبولهم الحقّ ، ومنه ولاية أهل البيت عليهم السلام ، ولعلّه المقصودالأصلي كما يدلّ عليه نظم الآيات ، فتدبّر.

وفي ف : تكرير الضمير بعد إيقاعه اسماً تأكيد على تأكيد ، بمعنى اختصاص الله بالتنزيل ، ليتقرّر في نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه إذا كان هو المنزّل لم يكن على أيّ وجه نزل إلاّ حكمة وصواباً(1) انتهى.

والتنزيل بمعنى الإنزال أو الترتيب ، والأخير حسن.

وعن ابن عبّاس : فصّلناه في الإنزال آية بعد آية(2).

أي : إنّا لم ننزّل القرآن مع كونه حقّاً محضاً دفعة ، بل تدريجاً لحكمة وتدبير ، فتأخير نصرك بعض التأخير غير نكير.

(فَاصْبِر لِحُكْمِ رَبِّكَ) : قضائه أو دينه وشريعته مطلقاً ، أو خصوص ولايتهم عليهم السلام. 1.

ص: 385


1- تفسير الكشّاف للزمخشري 6 / 283.
2- أورده الطبرسي في مجمع البيان 10 / 251.

واللام بمعنى على ، أو للانتفاء ، أو الغاية ، أو الصلة ، أي : إجعل نفسك محبوساً له.

والأخير أظهر فيهما.

والتفريع لما مرّ ، أو باعتبار أنّه كما أنّ الصبر في الأوّل أنتج الفلج كذلك ، وفتحه كذلك في الثاني ، أو لأصل الإنعام والتوجّه.

ويُشعر بعض الإشعار بارتباط القرآن والولاية كما في حديث الثقلين ، والأظهر أن يكون الحكم بمعناه الظاهر ، واللام صلة للصبر بتضمين معنى الترقّب والانتظار ، أي : اصبر منتظراً لحكم ربّك بينك وبينهم وقد اعترفوا به.

(وَلاَ تُطِعْ مِنْهُم) : أي أحداً منهم ، لما لا يخلو كلّ أحد منهم أن يكون آثماً أو كفوراً ، ف- (أو) للإبهام والترديد.

ويحتمل التقسيم والإباحة ، أي : إباحة المنفي ، كما في : جالس الحسن أوابن سيرين.

والظرف في الأصل وصف لهما ، قدّم حالاً كما تقدّم.

وعن الفرّاء : ولا تطع واحداً منهما سواء كان آثماً أو كفوراً(1).

وفي ن : (آثماً) : يعني عتبة بن ربيعة.

(أو كفوراً) : يعني الوليد بن المغيرة ، فإنّهما قالا له : إرجع عن هذا الأمرونحن نرضيك بالمال والتزويج. عن مقاتل.

وقيل الكفور : أبو جهل ، نهى النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن الصلاة ، وقال : لإن رأيت محمداً (صلى الله عليه وآله) يصلّي لأطأنّ عنقه فنزلت الآية. عن قتادة. 0.

ص: 386


1- معاني القرآن للفراء 3 / 219 - 220.

وقيل : إنّ ذلك عامّ في كلّ عاص فاسق وكافر منهم ، أي من الناس ، أي : لا تُطع من يدعوك إلى إثم أو كفر ، وهذا أولى(1). انتهى.

وعن الصادق عليه السلام : «وقوله تعالى : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيْمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوْبِكُم)(2) يعني أمير المؤمنين عليه السلام ، (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوْقَ وَالْعِصْيانَ) الأوّل والثاني والثالث»(3) فعلى هذا يحتمل أن يتأوّل بهم ، بتقريب أنّ السورة نزلت في أهل البيت عليهم السلام.

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) : لمّا كان ذكر الشيء خطوره في القلب مع نحو من الخشوع له ، وتقدّس الله تعالى أن يخطر أو يُحاط به ، وهو المحيط ولاحدّله ، أقحم الإسم والمعنى أعمّ من الصفة.

(بُكْرَةً وَأَصِيْلاً) : لعلّه إشارة إلى صلاة الفجر والعصر ، بل يشمل الظهرمن باب التعبير عن الشيء بحدّيه ، أو بتنزيل الأصيل على ما يشمله ولواتّساعاً ، فإنّه الوقت بعد العصر إلى المغرب ، كما في الصحاح(4) ، وكأنّه من الأصل كأفْوَقَ ناصل ، أي : استوصل وقطع أصله.

فالذكر هو الصلاة ، قال الله تعالى : (إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ)(5) ، وقال سبحانه : (أَقِمِ الْصَلاَةَ لِذِكْرِي)(6).

وفي ن : أقبل على شأنك ، من ذكر الله والدعاء إليه وتبليغ الرسالة 4.

ص: 387


1- مجمع البيان للطبرسي 10 / 251.
2- سورة الحجرات 49 : 7.
3- أورده الكليني في الكافي 1 / 353 ذيل الحديث 71 ، وابن شهر آشوب في المناقب3 / 113.
4- الصحاح للجوهري 4 / 1623 «أصل».
5- سورة العنكبوت 29 : 45.
6- سورة طه 20 : 14.

صباحاً ومساءً أي : دائماً ، فإنّ الله ناصرك ومعينك(1).

وتفسير الذكر ههنا بالصلاة ملائم لقوله تعالى : (وَاسْتَعِيْنُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ)(2).

وقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) إشارة إلى العشائين ، و (مِنَ) للتبعيض.

(وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيْلاً) : إشارة إلى التهجّد ، فإنّه كان واجباً عليه وعلى أُمّته كما يظهر من بعض الأصحاب ، ثمّ نسخ الوجوب عن الأُمّة بقوله : (إنَّ رَبَّكَ ...)(3) الآية(4) ، مع بقائه عليه للإجماع ، ولقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ)(5) أي عطيّة وكرامة لك بالخصوص.

وفي التحرير : من واجبات خصائص النبيّ (صلى الله عليه وآله) قيام الليل ، ثمّ نسخ بقوله تعالى : (وِمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ)(6).

فجعل النافلة مقابل الفريضة ، كما هو معناها الطارئ ، فإن كان الخطاب للرسول فالأمر على حقيقته من الوجوب ، وإن عمّ فيجوز الأمران ، وعلى هذا فقوله تعالى : (ليلاً) ظرف للتسبيح ، ويحتمل أن يكون بياناً للّيل والظرف متعلّق بالأمرين ، فيكونان معاً إشارة إلى العشائين وصلاة الليل.7.

ص: 388


1- مجمع البيان للطبرسي 10 / 251.
2- سورة البقرة 2 : 45.
3- سورة المزمّل 73 : 20.
4- اُنظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 19 / 54 - 55.
5- سورة الإسراء 92 : 79.
6- تحرير الأحكام للعلاّمة الحلّي 3 / 417.

(إِنَّ هَؤُلاَءِ) : المنقسمين إلى الإثم والكفور ، ويندرج فيهم أتباعهم.

(يُحِبُّوْنَ الْعَاجِلَةَ) : اللذّات والمنافع أو الدار أو الأيّام ، بقرينة المتقابلة ، وقد أوردها والآجلة اسمين للدنيا والآخرة ، وعليه لم يفتقر إلى تقدير موصوف إلاّ باعتبار أصلهما التي تعجل ولو توسّعاً ، أو يعجل فيها فهي بمعنى المفعول ، كما في قوله سبحانه : (فِي عِيْشَة رَاضِيَة)(1) ، أو الإسنادمجازي ، ويحتمل النسبة ، فالتاء للمبالغة ، كما يحتمل النقل على الأوّل.

(وَيَذَرُوْنَ وَرَاءَهُم) : يتركون خلف ظهورهم ، فهو متعلّق بما قبله ، ويحتمل بما بعده.

(يَوْمَاً ثَقِيْلاً) : مستقرّاً أمامهم ، والآية بيان إطاعتهم أو معصيتهم.

(نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُم) : أَسَرَ قَتَبَهُ يَأْسِرُهُ أَسْراً : شَدَّهُ بالإسار ، وهو القِدُّ. ومنه سمّي الأسيرُ ، وكانوا يَشدّونه به فسُمّيَ كلُّ أخيذ أسيراً. والقِدّ بالكسر : سَيْرٌ يُقَدّ من جلد غير مدبوغ.

أي مفاصلهم. عن الربيع(2).

وقيل : أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب. عن الحسن(3).

وفي ي : وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب(4). 5.

ص: 389


1- سورة الحاقّة 69 : 21 والقارعة 101 : 7.
2- حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 252 ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن19 / 151.
3- حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان 10 / 252 ، والنيسابوري في الوسيط 4 / 406 ، والبغوي في معالم التنزيل 5 / 502 ، وابن الجوزي في زاد المسير 8 / 441.
4- تفسير الصافي للفيض الكاشاني 5 / 265.

والجملة خبر ثان لإنّا ، فهي تسلية أُخرى ، ويحتمل استئنافاً رادعاً عن لوهيم غلبتهم بالتمرّد والعصيان فإنّهم في قبضتنا تكويناً ، وعدم عملهم بمرادناتكليفاً يعود وباله إليه كمناله.

(وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيْلاً) : المثل ، والمثل كالشبه ، والشبه لفظاً ومعنى ، وقد يكون بالتحريك بمعنى الصفة ، كما في قوله تعالى : (وَللهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى)(1) ، وقوله تعالى : (مَثَلُ الْحَيَاةِ)(2) الآية.

والتبديل يقتضي مفعولين يتعدّى إليهما بنفسه ، أو كأحدهما بمن ، أو بالأوّل منهما بالباء ، ويبعد حذف الجار والمجرور ، نعم الحذف والإيصال قاعدة مطّردة.

وقد يكون بمعنى التغيير وإن لم يأت ببدل ، وعليه فلا مثال مقحم تنبيهاًعلى عدم الاختصاص ، كما يحتمل ذلك الأوّل إن قدّر الثاني أي ما نشاء ، فأمّا إن قدّر الأوّل فالمعنى بدّلناهم أمثالهم أوصافهم ، أو أشباههم أشكالهم ، أو أشخاصهم أو أبدانهم في الدنيا خلقاً ، أو خلقاً ولو أنفسهم ، فيحتمل صيرورة الشقيّ سعيداً ، أو في النفخة الثانية ، أو في جهنّم ، قال الله تعالى : (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا)(3) ، أو مطلق مهملة ، أو عام كلّية ، أو التبديل كناية عن إعدامهم ، أي أهلكناهم ، تنبيهاً على أنّ بقاءهم إنّما هو لابقائنا إيّاهم إتماماً للحجّة عليهم ، لا من عند أنفسهم ولا منّاإكراماً لهم.

(إنّ هذه) : السورة وهذه الآيات القرآنية ، أو الرسالة المبلّغة. 6.

ص: 390


1- سورة النحل 16 : 60.
2- سورة يونس 10 : 24 والكهف 18 : 45.
3- سورة النساء 4 : 56.

(تذكرة) : للحقّ بإطلاقه ، أو لمنزلة أهل البيت عليهم السلام ودرجاتهم الرفيعة ، التي لا تتجلّى إلاّ بالإمامة لهم إلى يوم القيامة ، حملت مبالغة أو بمعنى اسم الفاعل.

(فمن شاء اتّخذ) موصِلاً (إلى ربّه سبيلاً) : بالعمل بطاعته ، والاجتناب عن معصيته ، بعد الاعتراف بالمعارف الحقّة أو لولايتهم عليهم السلام ، بأنّهم السبيل القويم والصراط المستقيم ، كما هو المرويّ عنهم عليهم السلام(1).

وفي الاحتجاج مرفوعاً : عن أبي حمزة الثمالي ، قال : دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على عليّ بن الحسين ، فقال له : جعلني الله فداك ، أخبرنا عن قول الله عزّ وجلّ : (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ)(2)؟

قال له : «ما يقول الناس فيها من قبلكم بالعراق؟».

قال : يقولون : إنّها مكّة.

فقال : «وهل رأيت السرق في موضع أكثر منه بمكّة؟».

قال : فما هو؟

قال : «إنّما عنى الرجل».

قال : وأين ذلك في كتاب الله؟

قال : «أوما تسمع الى قوله تعالى : (وَكَأَيِّن مِن قَرْيَة عَتَتْ عَنْ أَمْرِ 8.

ص: 391


1- اُنظر معاني الأخبار للصدوق : 32 - 37 ح1 - 9 ، وأمالي الصدوق : 363 ح447 ، وبصائرالدرجات للصفار : 98 ح5 ، والكافي للكليني 1 / 345 ح24 ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام 2 / 9 ح13 ، ومشارق أنوار اليقين للحافظ البرسي : 96.
2- سورة سبأ 34 : 18.

رَبِّهَاوَرُسُلِهِ)(1) ، قال : (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)(2) ، وقال : (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيْهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيْهَا)(3) ، أفيسأل القرية ، أو الرجل أو العير؟»

قال : وتلا عليه آيات في هذا المعنى.

قال : جعلت فداك ، فمن هم؟

قال : «نحن هم» ، قال : «أوما تسمع إلى قوله تعالى : (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) من الزيغ(4)؟».

إن الرجال فيها تلميح إلى قوله تعالى : (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله)(5) ، ويحتمل إلى قوله تعالى : (وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ)(6) ، وبمضمونه مع تفاوت ما في الروضة عن أبي جعفر عليه السلام(7). فتدبّر.

(وَمَا تَشَاؤُوْنَ) : إخبار بالغيب ، وفيه فوائد منها : تطييب نفس الرسول (صلى الله عليه وآله) أن تكدّر بعدم منفعة التذكرة ، ويلائمه قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ، وابن عامر بالياء(8). وهو الظاهر ممّا بعده بياناً له. 5.

ص: 392


1- سورة الطلاق 65 : 8.
2- سورة الكهف 18 : 59.
3- سورة يوسف 12 : 82.
4- الاحتجاج للطبرسي 2 : 139 ح178.
5- سورة النور 24 : 37.
6- سورة الأعراف 7 : 46.
7- اُنظر الكافي للكليني 6 / 256 ح1 و 1 / 141 ح9.
8- أورده أبو علي الفارسي في الحجّة للقرّاء السبعة 6 / 361 ، وأبو زرعة في حجّة القراءات : 741 ، وابن أبي مريم في الموضح في وجوه القراءات 3 / 1325.

(إَلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ) : قسراً وإلجاء ، كقوله تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لاَمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَميعاً)(1) ، ولا يشاء كذلك منافاته التكليف أو الاستثناء ، من قبيل الاستثناء بالشيئيّة ، أي على هذا الفرض والتقدير ، أو بتسبيب الأسباب الإذن والتقدير ، فليس لكم أن تتّخذوا السبيل مع إنكار الدليل ، وعلى هذين فيمكن تقييد النفي بالاختيار.

(إنَّ اللهَ كَانَ عَلِيْمَاً) : بما كان وما يكون وما هو كائن من غير تفاوت ، فيعلم أنّكم ما تشاؤون ، أو عليماً بمواقع الأُمور ، فهو أعلم حيث يجعل رسالته ، أو عليماً بعباده فلا يوفّق من يبغض أولياءه أو لم يعرف إمام زمانه.

(حكيماً) : متقناً للأُمور لا سفه ، ولا يلجئه في إجرائها مصلحة فيكذب.

(يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ) : أي إدخاله في العارفين المعترفين بمنزلتهم عليهم السلام ، ومثل هذه العبارة تستعمل في مقام إظهار الاستقلال.

فالمراد : أن لا مانع له سبحانه من إثابة المؤمن ، ولا يلجئ له إلى إثابة الكافر ، بل يتمكّن من إيتاء كلّ ذي حقّ حقّه ، وليس المعنى أنّه يرحم من يرحم بمحض الشيئيّة جزافاً ، فإنّ الحكيم لا يصدر منه أمر في غير موقعه ، فمشيئته ناشئة عن سبب واستحقاق في الواقع ليس إلاّ.

نعم ، السبب ربّما يخفى ويظهر غيره ، ومنه البداء ، ومن الأسباب التضرّع والدعاء بعد المعرفة والاعتراف ، فإنّه الذي ذلّت لقدرته الصعاب ، وتسبّبت بلطفه الأسباب. 9.

ص: 393


1- سورة يونس 10 : 99.

وفي رسالة الصادق عليه السلام المرويّة في الروضة : «وأنّه مُصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة عملاً يزيدهم به في الجنّة»(1).

ويحتمل أن يكون الفاعل عائداً إلى (مَنْ) ، والمفعول : (أن يتّخذ).

(فِي رَحْمَتِهِ) : ثوابه ، ويجزي الظالمين الكافرين والمشركين ، فإنّ الشرك لظلم عظيم ، فهو منتصب بفعل يفسّره ولو باللزوم ما بعده.

(أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابَاً أَلِيْمَاً) : والجملتان في موقع خبر (أن) ، أو في موقعهما مع خبرها ، أو هو فذلكة. ث.

ص: 394


1- الروضة من الكافي للكليني 8 / 7 قطعة من حديث.

المصادر

1 - القرآن الكريم.

2 - آيينة دانشوران ، لعلي رضا ريحان يزدي ، الناشر مكتبة السيّد المرعشي النجفي ، قم 1372 ه. ش.

3 - الإتقان في علوم القرآن ، لجلال الدين عبدالرحمن السيوطي (911 ه) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، منشورات الرضي ، قم 1363 ه- ، الطبعة الثانية.

4 - الاحتجاج ، لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ق6 ه) ، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمد هادي به ، انتشارات أُسوة ، قم 1413 ه.

5 - الاختصاص ، لمحمّد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (413 ه) ، الناشر المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد ، قم 1413 ه- ، الطبعة الأُولى.

6 - أسباب نزول القرآن ، لعلي بن محمد بن علي الواحدي (468 ه) ، تحقيق ماهر ياسين الفحل ، الناشر دار الميمان ، الرياض 1426 ه.

7 - الاعتقادات ، لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق (381 ه) ، تحقيق عصام عبدالسيّد ، الناشر المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد ، قم 1413 ه- ، الطبعة الأُولى.

8 - إعراب القرآن ، لأحمد بن محمد بن إسماعيل النحّاس (338 ه) ، تحقيق زهير غازي زاهد ، الناشر عالم الكتب 1405 ه- ، الطبعة الثانية.

9 - إعراب القراءات السبع وعللها ، للحسين بن أحمد بن خالويه (370 ه) ، تحقيق عبدالرحمن بن سليمان العثيمين ، الناشر مكتبة الخانجي ، القاهرة 1413 ه- ، الطبعة الأُولى.

10 - أعيان الشيعة ، لمحسن الأمين (1372 ه) ، تحقيق حسن الأمين ، الناشردار التعارف ، بيروت 1406 ه.

11 - الأمالي ، لمحمّد بن الحسن الطوسي (460 ه) ، تحقيق قسم الدراسات

ص: 395

الإسلامية ، الناشر دار الثقافة ، قم 1414 ه- ، الطبعة الأُولى.

12 - الأمالي ، لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (381 ه) ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، الناشر مؤسّسة البعثة 1417 ه- ، الطبعة الأُولى.

13 - الأمالي ، لمحمّد بن محمد بن النعامان العكبري البغدادي (413 ه) ، الناشر المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد ، قم 1413 ه- ، الطبعة الأُولى.

14 - إملاء مامنّ به الرحمن ، لعبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري (616 ه) ، تحقيق إبراهيم عطوة عوض ، الناشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر 1389 ه- ، الطبعة الثانية.

15 - الإنتصار ، لعليّ بن الحسين الشريف المرتضى (436 ه) ، تحقيق ونشرمؤسّسة النشر الإسلامي ، قم 1415 ه.

16 - أوائل المقالات ، لمحمّد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (413 ه) ، الناشر المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، قم 1413 ه.

17 - بحار الأنوار ، لمحمّد باقر المجلسي (1110 ه) ، الناشر مؤسّسة الوفاء ، بيروت 1403 ه- ، الطبعة الثانية.

18 - البرهان في علوم القرآن ، لمحمّد بن عبدالله الزركشي (794 ه) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، الناشر دار المعرفة ، بيروت 1391 ه- ، الطبعة الثانية.

19 - بصائر الدرجات ، لمحمّد بن الحسن الصفّار (290 ه) ، الناشر مؤسّسة الأعلمي ، طهران 1404 ه.

20 - البيان في غريب إعراب القرآن ، لأبي البركات بن الأنباري (577 ه) ، تحقيق طه عبدالحميد طه ، الناشر انتشارات الهجرة ، قم 1403 ه.

21 - تاج العروس ، لمحمّد مرتضى الزبيدي (1205 ه) ، الناشر المطبعة الخيرية ، مصر 1306 ه.

22 - تاريخ مدينة دمشق ، لعليّ بن الحسين بن هبة الله الشافعي (571 ه) ، تحقيق علي شيري ، الناشر دار الفكر ، بيروت 1415 ه.

23 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإماميّة ، للحسن بن يوسف المطهّرالحلّي (726 ه) ، تحقيق إبراهيم البهادري ، الناشر مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ،

ص: 396

قم 1420 ه.

24 - تحف العقول ، للحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (381 ه) ، الناشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم 1404 ه- ، الطبعة الثانية.

25 - التذكرة في القراءات ، لطاهر بن عبدالمنعم بن غلبون (399 ه) ، تحقيق سعيد صالح زعيمة ، الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1422 ه- ، الطبعة الأُولى.

26 - تفسير البحر المحيط ، لأبي حيّان الأندلسي (759 ه) ، الناشر دار الفكر ، بيروت 1420 ه.

27 - تفسير التبيان ، لمحمّد بن الحسن الطوسي (460 ه) ، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي ، الناشر دار إحياء التراث العربي.

28 - تفسير الثعالبي ، لعبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي (875 ه) ، تحقيق علي محمد معوّض وعادل بن أحمد عبدالموجود ، الناشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1418 ه- ، الطبعة الأُولى.

29 - تفسير أبي السعود ، لمحمّد بن محمد العمادي (951 ه) ، الناشر دارإحياء التراث ، بيروت.

30 - تفسير الصافي ، لمحمّد محسن بن مرتضى بن محمود الكاشاني (1091 ه) ، منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت 1399 ه- ، الطبعة الأُولى.

31 - تفسير الصنعاني ، لعبد الرزّاق بن همّام الصنعاني (211 ه) ، تحقيق محمود محمد عبده ، الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1419 ه.

32 - تفسير العيّاشي ، لمحمّد بن مسعود بن عيّاش السلمي السمرقندي (ق3 ه) ، الناشر المكتبة العلمية الإسلامية ، طهران.

33 - تفسير غرائب القرآن ، للحسن بن محمد بن حسين القمّي النيسابوري(728 ه) ، الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1416 ه- ، الطبعة الأُولى.

34 - تفسير فرات الكوفي ، لفرات بن إبراهيم الكوفي (ق3 ه) ، الناشر مكتبة الداوري ، قم 1410 ه- ، الطبعة الأُولى.

35 - تفسير القرآن ، لمنصور بن محمد بن عبدالجبّار السمعاني (489 ه) ، تحقيق ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عبّاس بن غنيم ، الناشر دار الوطن ، الرياض

ص: 397

1418 ه- ، الطبعة الأُولى.

36 - تفسير القمّي ، لعلي بن إبراهيم القمّي (ق3 - 4 ه) ، الناشر مكتبة الهدى ، النجف الأشرف 1386 ه.

37 - تفسير الكتاب العزيز ، لهود بن محكّم الهوّاري (ق30) ، تحقيق بالحاج بن سعيد شريفي ، الناشر دار الغرب الإسلامي 1990 م ، الطبعة الأُولى.

38 - تفسير بن كثير ، لإسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (774 ه) ، الناشردار المعرفة ، بيروت 1406 ه.

39 - تفسير الكشّاف ، لجارالله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (538 ه) ، تحقيق وتعليق ودراسة عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد معوّض ، الناشر مكتبة العبيكان ، الرياض 1418 ه.

40 - تفسير كنز الدقائق ، لمحمّد المشهدي القمّي (1125 ه) ، تحقيق ونشرمؤسّسة النشر الإسلامي ، قم 1410 ه- ، الطبعة الأُولى.

41 - تفسير الوسيط ، لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (468 ه) ، تحقيق وتعليق عادل أحمد عبدالموجود ، علي محمد معوض ، أحمد محمد صيرة ، أحمد عبدالغني الجمل وعبدالرحمن عويس ، الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1415 ه- ، الطبعة الأُولى.

42 - التمحيص ، لمحمّد بن همّام الأسكافي (336 ه) ، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم 1404 ه.

43 - تهذيب الأحكام ، لمحمّد بن الحسن الطوسي (460 ه) ، تحقيق حسن الموسوي الخراساني ، الناشر دار الكتب الإسلامية ، طهران 1390 ه.

44 - تهذيب اللغة ، لمحمّد بن أحمد الأزهري (370 ه) ، تحقيق عبدالسلام محمد هارون ، الناشر المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والأنباء 1384 ه.

45 - الجامع لأحاكم القرآن ، لمحمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (671 ه) ، الناشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

46 - جامع البيان في تفسير القرآن (تفسير القرطبي) ، لمحمّد بن جرير الطبري (310 ه) ، الناشر دار المعرفة ، بيروت 1403 ه.

ص: 398

47 - حجّة القراءات ، لأبي زرعة عبدالرحمن بن محمد بن زنجلة (ق4 ه) ، تحقيق سعيد الأفغاني ، الناشر مؤسّسة الرسالة ، بيروت 1404 ه- ، الطبعة الرابعة.

48 - الحجّة للقرّاء السبعة ، لأبي الحسن بن أحمد بن عبدالغفّار الفارسي (377 ه) ، تحقيق بدر الدين قهوچي وبشير جويجاني ، نشر دار المأمون للتراث ، دمشق1404 ه- ، الطبعة الأُولى.

49 - الخصال ، لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (381 ه) ، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ، قم 1403 ه.

50 - الدروس ، لمحمّد بن مكّي العاملي (786 ه) ، تحقيق ونشر مؤسّسة النشرالإسلامي ، قم.

51 - ديوان الشنفرى ، لعمر بن مالك (70ق. ه) ، تحقيق إميل بديع يعقوب ، الناشر دار الكتاب العربي ، بيروت 1411 ه- ، الطبعة الأُولى.

52 - ديوان عمرو بن كلثوم ، لعمر بن كلثوم بن مالك (40ق. ه) ، تحقيق إميل بديع يعقوب ، الناشر دار الكتاب العربي ، بيروت 1411 ه.

53 - ديوان النابغة الذبياني ، (17ق. ه) ، تحقيق فوزي عطوي ، الناشر دار صعب ، بيروت 1400 ه.

54 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، لأحمد بن محمد الطبري المكّي(694 ه) ، تحقيق أكرم البوشي ، الناشر مكتبة الصحابة ، جدّة 1415 ه- ، الطبعة الأُولى.

55 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، لآقا بزرگ الطهراني (1388 ه) ، الناشر دارالأضواء ، بيروت 1403 ه- ، الطبعة الثالثة.

56 - ذكر أخبار أصبهان ، لأبي نعيم أحمد بن عبدالله الإصبهاني (430 ه) ، انتشارات جهان ، طهران.

57 - رسائل الشريف المرتضى ، لعلي بن الحسين المرتضى (436 ه) ، الناشردار القرآن الكريم ، قم 1405 ه-

58 - روضة الواعظين ، للفتّال النيسابوري (508 ه) ، منشورات الرضي ، قم.

59 - زاد المسير ، لعبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (597 ه) ، الناشر

ص: 399

المكتب الإسلامي ، بيروت 1407 ه.

60 - زبدة البيان في أحكام القرآن ، لأحمد بن محمد الأردبيلي (993 ه) ، تحقيق محمد باقر البهبودي ، الناشر المكتبة المرتضوية ، طهران.

61 - السبعة في القراءات ، لأحمد بن موسى بن العبّاس ، ابن مجاهد (324 ه) ، تحقيق شوقي ضيف ، الناشر دار المعارف ، القاهرة 1400 ه- ، الطبعة الثانية.

62 - سنن ابن ماجة ، لمحمّد بن يزيد القزويني (275 ه) ، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي ، الناشر دار الفكر.

63 - شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار ، للنعمان بن محمد التميمي المغربي (363 ه) ، تحقيق محمد الحسيني الجلالي ، الناشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم 1409 ه.

64 - شرح ديوان عنترة بن شدّاد ، لعنترة بن شدّاد بن قُراد العبسي (615 م) ، الناشر دار صادر ، بيروت.

65 - شرح شافية ابن الحاجب ، لمحمّد بن الحسن الاسترابادي النحوي (686 ه) ، تحقيق محمد نور الحسن ومحمد الزفزاف ومحيي الدين عبدالمجيد ، الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1395 ه.

66 - شرح نهج البلاغة ، لعبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد (656 ه) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، الناشر مكتبة السيّد المرعشي النجفي ، قم 1404 ه.

67 - الصحاح ، لإسماعيل بن حمّاد الجوهري (393 ه) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الناشر دار العلم للملايين ، بيروت 1404 ه- ، الطبعة الثالثة.

68 - صحيح البخاري ، لمحمّد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (256 ه) ، الناشر عالم الكتب ، بيروت 1406 ه- ، الطبعة الخامسة.

69 - صحيح ابن حبّان ، لعلي بن بلبان الفارسي (739 ه) ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، الناشر مؤسّسة الرسالة ، بيروت 1418 ه- ، الطبعة الثالثة.

70 - الصحيفة السجّادية الجامعة ، للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، تحقيق ونشر مؤسّسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم 1418 ه- ، الطبعة الرابعة.

ص: 400

71 - طبقات أعلام الشيعة ، لآغا بزرگ الطهراني (1388 ه) ، تحقيق علي نقي منزوي ، الناشر مؤسّسة اسماعيليان ، قم.

72 - طبقات مفسّران شيعة ، لعقيقي بخشايشي ، الناشر دفتر نشر نويد إسلام ، قم 1373 ه. ش.

73 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، لعلي بن موسى بن طاوس الحسني(664 ه) ، الناشر مطبعة الخيام ، قم 1400 ه.

74 - عدّة الداعي ونجاح الساعي ، لأحمد بن محمد بن فهد الحلّي (841 ه) ، تحقيق ونشر مؤسّسة المعارف الإسلامية ، قم 1420 ه- ، الطبعة الأُولى.

75 - عيون أخبار الرضا عليه السلام ، لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (381 ه) ، الناشر مؤسّسة الأعلمي ، بيروت 1404 ه.

76 - الغارات ، لإبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي (283 ه) ، تحقيق جلال الدين المحدّث ، انتشارات انجمن آثار ملّي ، طهران 1395 ه.

77 - القاموس المحيط ، لمحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (817 ه) ، الناشر دارالكتب العلمية ، بيروت 1415 ه- ، الطبعة الأُولى.

78 - قرب الإسناد ، لعبدالله بن جعفر الحميري (ق3 ه) ، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، لإحياء التراث ، قم 1413 ه- ، الطبعة الأُولى.

79 - قواعد الأحكام ، للحسن بن يوسف بن مطهّر الحلّي (726 ه) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم 1419 ه- ، الطبعة الأُولى.

80 - الكافي ، لمحمّد بن يعقوب الكليني (329 ه) ، الناشر المكتبة الإسلامية ، طهران ، 1388 ه.

81 - كتاب الدعاء ، لسليمان بن أحمد الطبراني (360 ه) ، تحقيق مصطفى عبدالقادر عطا ، الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1413 ه- ، الطبعة الأُولى.

82 - كتاب سيبويه ، لعمرو بن عثمان بن قنبر (180 ه) ، تحقيق عبدالسلام محمد هارون ، الناشر عالم الكتاب ، بيروت.

83 - الكشف والبيان ، لأبي إسحاق أحمد الثعلبي (427 ه) ، تحقيق محمد بن عاشور ، الناشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1422 ه- ، الطبعة الأُولى.

ص: 401

84 - الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها ، لمكّي بن أبي طالب القيسي (437 ه) ، تحقيق محيي الدين رمضان ، الناشر مؤسّسة الرسالة ، بيروت1407 ه- ، الطبعة الرابعة.

85 - كفاية الأثر ، لعلي بن محمد بن علي الخزّاز القمّي (ق4 ه) ، تحقيق عبداللطيف الحسيني الكوه كمري ، انتشارات بيدار ، قم 1401 ه.

86 - لسان العرب ، لجمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي (711 ه) ، الناشر أدب الحوزة ، قم 1405 ه.

87 - مجمع البيان ، لأبي الفضل بن الحسن الطبرسي (548 ه) ، الناشر رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية ، طهران 1417 ه.

88 - مجموعة الفتاوى ، لأحمد بن تيمية (728 ه) ، الناشر الرئاسة العامّة لشؤون الحرمين الشريفين.

89 - المحاسن ، لأحمد بن محمد البرقي (280 ه) ، الناشر دار الكتاب الإسلامية ، قم.

90 - مختار الصحاح ، لمحمّد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي (666 ه) ، الناشر دار الكتاب العربي ، بيروت.

91 - مسالك الأفهام ، لزين الدين بن علي العاملي (965 ه) ، تحقيق ونشر مؤسّسة المعارف الإسلامية ، قم 1413 ه- ، الطبعة الأُولى.

92 - المستدرك على الصحيحين ، لمحمّد بن عبدالله النيسابوري (405 ه) ، الناشر دار الفكر ، بيروت 1398 ه.

93 - مشارق أنوار اليقين ، لرجب بن محمد بن رجب البرسي الحلّي (813 ه) ، تحقيق جمال عبدالغفّار أشرف المازندراني ، انتشارات الشريف الرضي ، قم1422 ه- ، الطبعة الأُولى.

94 - مصباح المتهجّد ، لمحمّد بن الحسن الطوسي (460 ه) ، الناشر مؤسّسة فقه الشيعة ، بيروت ، 1411 ه- ، الطبعة الأُولى.

95 - المصنّف ، لعبدالله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي (235 ه) ، تحقيق محمد عوّامة ، الناشر دار قرطبة ، بيروت 1427 ه- ، الطبعة الأُولى.

ص: 402

96 - معالم التنزيل ، للحسين بن مسعود الفرّاء البغوي (516 ه) ، الناشر دارالفكر ، بيروت 1405 ه.

97 - معاني الأخبار ، لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق (381 ه) ، الناشر انتشارات اسلامي 1413 ه- ، قم.

98 - معاني القرآن ، لأبي إسحاق إبراهيم السري (311 ه) ، تحقيق عبدالجليل عبده شلبي ، الناشر عالم الكتاب ، بيروت 1408 ه.

99 - معاني القرآن ، لأبي زكريّا يحيى بن زياد الفرّاء (207 ه) ، تحقيق أحمديوسف نجاتي ومحمد علي النجّار ، انتشارات ناصر خسرو ، طهران.

100 - معاني القرآن ، ليحيى بن زياد الفرّاء (207 ه) ، تحقيق عبدالفتاح إسماعيل شبلي ، الناشر انتشارات ناصر خسرو ، طهران.

101 - مغني اللبيب عن كتاب الأعاريب ، لعبدالله بن يوسف بن هشام الأنصاري(761 ه) ، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد ، الناشر مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده ، القاهرة.

102 - مفتاح الكرامة ، لمحمّد جواد الحسيني العاملي (1226 ه) ، تحقيق علي أصغر مرواريد ، الناشر دار التراث ، بيروت 1418 ه.

103 - المناقب ، لموفّق أحمد بن محمد الخوارزمي (568 ه) ، تحقيق الشيخ مالك المحمودي ، الناشر مؤسّسة النشر الإسلامي 1411 ه.

104 - مناقب آل أبي طالب ، لمحمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (588 ه) ، تحقيق يوسف البقاعي ، الناشر دار الأضواء ، بيروت 1412 ه- ، الطبعة الثانية.

105 - مناقب أمير المؤمنين ، لمحمّد بن سليمان الكوفي (ق3) ، تحقيق محمدباقر المحمودي ، الناشر مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ، قم 1412 ه.

106 - مناقب أهل البيت عليهم السلام ، لحيدر علي بن محمد الشرواني (ق12 ه) ، تحقيق محمد الحسّون ، الناشر مطبعة المنشورات الإسلامية ، قم 1414 ه.

107 - مناهل العرفان في علوم القرآن ، لمحمّد عبدالعظيم الزرقاني (1948 م) ، الناشر دار احياء التراث العربي ، بيروت.

ص: 403

108 - من لا يحضره الفقيه ، لمحمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (381 ه) ، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ، قم الطبعة الثانية.

109 - الموضح في وجوه القراءات وعللها ، لنصر بن علي بن محمد الشيرازي(565 ه) ، تحقيق عمر حمدان الكبيسي ، الناشر الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم ، جدّة 1414 ه- ، الطبعة الأُولى.

110 - النكت والعيون ، لعلي بن محمد بن حبيب الماوردي (450 ه) ، الناشردار الكتب العلمية ، بيروت.

111 - النهاية ، لمحمّد بن الحسن بن علي الطوسي (460 ه) ، الناشر دار الكتاب العربي ، بيروت 1390 ه- ، الطبعة الأُولى.

112 - النهاية في غريب الحديث والأثر ، لمجد الدين المبارك بن محمد ابن الأثير الجزري (606 ه) ، الناشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1423 ه.

113 - نهج البلاغة ، من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، شرح محمدعبده ، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد ، الناشر المكتبة التجارية الكبرى ، مصر.

114 - الهداية الكبرى ، للحسين بن حمدان الخُصيبي (334 ه) ، الناشر مؤسّسة البلاغ ، بيروت 1423 ه- ، الطبعة الأُولى.

115 - وقعة صفّين ، لنصر بن مزاحم المنقري (212 ه) ، تحقيق عبدالسلام محمد هارون ، منشورات مكتبة السيّد المرعشي النجفي ، قم 1403 ه.

ص: 404

من ذخائر التراث

ص: 405

ص: 406

فضائل أمير المؤمنين عليه السلام

تأليف

عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب

من أعلام القرن الثاني

ويليه

جمل الآداب في نظم كتاب عيسى بن دأب

للشيخ محمّد طاهر السماوي النجفي

تحقيق

الشيخ محمّد مشكور

ص: 407

ص: 408

مقدّمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير المرسلين الرسول الأمجد ، الذي سمّي في السماء بأحمد ، وفي الأرض بأبي القاسم محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

قال الله في محكم كتابه الكريم : (وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْنَاً وَيَتِيْمَاً وَأَسِيْرَاً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيْدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوْرَاً)(1).

اتّفقت الرواة من الفريقين - الخاصّة والعامّة - على أنّ هذه الآية ، بل السورة كلّها نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وزوجته فاطمة ، وولديه الحسن والحسين عليهم السلام حين آثروا المسكين واليتيم والأسير ثلاث ليال على إفطارهم ، وطووا عليهم السلام ولم يفطروا على شيء من الطعام ، فأثنى الله عليهم هذا الثناء الحسن ، وأنزل فيهم هذه السورة ، وكفاك بذلك فضيلة جزيلة تتلى إلى يوم القيامة. 9.

ص: 409


1- سورة الإنسان 76 : 8 - 9.

والقصّة - في نزول السورة - هي : مرض الحسن والحسين عليهما السلام ، فعادهماجدّهما النبي (صلى الله عليه وآله) ووجوه العرب ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لونذرت على ولديك نذراً ، فنذر صوم ثلاثة أيّام إن شفاهما الله سبحانه وتعالى ، ونذرت أُمّهما فاطمة عليها السلام كذلك ، وكذلك فضّة ، فبرئا وليس عندهم شيءٌ ، فاستقرض عليٌّ عليه السلام ثلاثة أصوع شعير من يهوديّ ، على أن يغزل له صوفاً ، وجاء به إلى فاطمة عليها السلام فطحنت صاعاً فأخبزته ، وصلّت المغرب وقرّبته إليهم ، فأتاهم مسكين يدعو لهم وسألهم فأعطوه ، ولم يذوقوا إلاّ الماء ، فلمّا كان اليوم الثاني أخذت صاعاً فطحنته وخبزته وقدّمته إلى الإمام عليّ عليه السلام ، فإذايتيم في الباب يستطعم فأعطوه ، ولم يذوقوا إلاّ الماء ، فلمّا كان اليوم الثالث عمدت إلى الباقي فطحنته وأخبزته وقدّمته إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فإذا أسير بالباب يستطعم فأعطوه ، ولم يذوقوا إلاّ الماء ، فلمّا كان اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم ، أتى عليّ عليه السلام ومعه الحسن والحسين عليهما السلامإلى النبي (صلى الله عليه وآله) وبهما ضعف ، فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، حتّى نزل جبرئيل عليه السلام بهذه السورة(1).

وقد ذكرت قصّة أُخرى في شأن نزول هذه الآية ، وهي التي يرويها ابن عبّاس : إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام أجَّر نفسه ؛ ليسقي نخلا بشيء من شعيرليلة حتّى أصبح ، فلمّا أصبح وقبض الشعير ، طحن ثلثه فجعل منه شيئاً ليأكلوه ، يقال له : الحريرة ، فلمّا تمّ إنضاجه أتى مسكين فأجروا إليه الطعام ، ثمّ عمل الثلث الثاني ، فلمّا تمّ إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل فأطعموه ، وطووا يومهم كذلك(2). 3.

ص: 410


1- مجمع البيان 10 / 233.
2- أسباب النزول للواحدي : 296 ، ذخائر العقبى : 103.

هذا وقد ذكر الثعلبي في تفسيره لهذه القصّة أشعاراً هي :

ما أورده عند ذكره المسكين ، فقال الإمام عليّ عليه السلام :

فاطم ذات المجد واليقين

يا ابنة خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

قد قام بالباب له حنين

يشكو إلى الله ويستكين

يشكو إلينا جائع حزين

كلّ امرء بكسبه رهين

وفاعل الخيرات يستبين

موعدنا جنّة عليين

حرّمها الله على الضنين

وللبخيل موقف مهين

تهوى به النار إلى سجين

شرابه الحميم والغسلين

من يفعل الخير يقم سمين

ويدخل الجنّة أيّ حين

فأجابته فاطمة عليها السلام :

أمرك عندي يا ابن عمّ طاعة

ما بي من لؤم ولا وضاعة

غذّيت من خبز له صناعة

أطعمه ولا أبالي الساعة

أرجو إذ أشبعت ذا المجاعة

أن ألحق الأخيار والجماعة

وأدخل الخلد ولي شفاعة

وما ذكره في يوم اليتيم ، فأنشأ الإمام علي عليه السلام يقول :

فاطم بنت السيّد الكريم

بنت نبيٍّ ليس بالزنيم

لقد أتى الله بذي اليتيم

من يرحم اليوم يكن رحيم

موعده في جنّة النعيم

قد حرّم الخلد على اللئيم

ألا يجوز الصراط المستقيم

يزلّ في النار إلى الجحيم

فأنشأت فاطمة عليها السلام :

أطعمه اليوم ولا أبالي

وأوثر الله على عيالي

ص: 411

أمسوا جياعاً وهم أشبالي

أصغرهم يقتل في القتال

بكربلا يقتل باغتيال

للقاتل الويل مع الوبال

تهوى به النار إلى سفال

وفي يديه الغلّ والأغلال

كبوله زادت على الأكبال

أمّا في يوم الأسير ، قال : فأنشأ عليه السلام يقول :

فاطم يا بنة النبيّ أحمد

بنت نبيّ سيّد مسوّد

هذا أسير للنبيّ المهتد

مكبّلٌ في غلّه مقيّد

يشكو إلينا الجوع قد تمدّد

من يطعم اليوم يجده من غد

عند العليّ الواحد الموحّد

ما يزرع الزارع سوف يحصد

فأنشأت فاطمة عليها السلام تقول :

لم يبق ممّا جاء غير صاع

قد ذهبت كفّي مع الذراع

ابناي والله من الجياع

يا ربّ تتركهما ضياع

أبوهما للخير ذو اصطناع

يصطنع المعروف بابتداع

عبل الذراعين طويل الباع

وما على رأسي من قناع

إلاّ قناعاً نسجه إنساع(1)

وقد ذكر الشيخ الصدوق في كتابه عيون أخبار الرضا عليه السلام ، عند ذكر هذه الآية :

قال إسحاق بن حمّاد بن زيد ثمّ قال لي : - أي الإمام الرضا عليه السلام - اقرأ : (هَلْ أَتَى عَلَى الاِْنْسَانِ حِيْنٌ مِنَ الدَّهْرِ) فقرأت حتّى بلغت : (وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْنَاً وَيَتِيْمَاً وَأَسِيْرَاً) إلى قوله : (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوْرَاً) ، فقال : «فيمن نزلت هذه الآية؟». 1.

ص: 412


1- تفسير الثعلبي 10 / 99 - 101.

فقلت : في عليّ عليه السلام.

قال : «فهل بلغك أنّ عليّاً عليه السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير : (إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيْدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوْرَاً) على ماوصف الله عزّوجل في كتابه»؟ فقلت : لا.

قال : «فإنّ الله تعالى عرّف سريرة علي عليه السلام ونيّته فأظهر ذلك في كتابه تعريفاً لخلقه أمره ، فهل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنّة ما في هذه السورة : (قَوَارِيْرَ مِنْ فِضَّة)» قلت : لا. قال : «فهذه فضيلة أخرى».

إلى نهاية الحديث الذي عن الإمام عليه السلام يذكر فضيلة بعد أخرى(1).

قال القاضي النعمان في احتجاج الإمام علي عليه السلام في الشورى : قال : «فأناشدكم بالله الذي لا إله إلاّ هو ، أيّها النفر الخمسة ، أفيكم من أنزل الله عزّ وجلّ فيه : (وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْنَاً وَيَتِيْمَاً وَأَسِيْرَاً) إلى قوله : (إنّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكَوْرَاً) غيري»؟

قالوا : اللّهمّ ، لا؟

قال : «فحسبي بما أقررتم به من مناقبي وفضائلي ، ولو شئت أن أذكر غير ذلك كثيراً لذكرته ، فاصنعوا بعد ذلك ما أنتم صانعون ، فالله الشاهد على ماتفعلون»(2).

قال الكوفي في مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : قال ابن عبّاس : بينا أهل الجنّة في الجنّة إذ رأوا عين الشمس قد 3.

ص: 413


1- عيون الأخبار 2 : 206.
2- شرح الأخبار 2 : 193.

أشرقت لها الجنان فيقول أهل الجنّة : يا ربّ! إنّك قلت في كتابك : (لاَ يَرَوْنَ فِيْهَاشَمْسَاً) فيرسل الله عزّوجلّ جبرئيل عليه السلام إليهم فيقول : ليست هذه شمساً ولكن فاطمة وعليّ ضحكا فأشرقت الجنّة من نور ضحكهما ، ونزلت : (هَلْ أَتَى) إلى قوله : (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوْرَاً)(1).

وفي الختام أذكر ما قاله الشيخ جعفر النقدي في قصيدة يمدح بها الإمام عليّ عليه السلام :

نبأ عظيم ، والعظيم معظّم

خلق قديم ، والقديم مصوّر

علاّم علم ما عدا خير الورى

كلّ الورى عن درك ذلك تقصر

صحف الأنام قد انطوت أخبارها

ولذكره صحف الفضائل تنشر

سل عن علاه الذكر فهو مخبّر

عنه وهل بعد الكتاب مخبّر

وسل الأحاديث التي في فضله

أمست لها أيدي العدوّ تحرّر

أفهل نسوا ما أحمد قد قاله

بغدير خمٍّ أم عتوا واستكبروا

يومٌ به جبريلُ جاء مخبّراً

عن ربّه وهو السميع المبصر

يا أيّها المختار بلّغ في الفتى ال-

-كرّار ما قد كنت قبلا تستر

والله يدفع كلّ كيد خفته

من معشر قد خالفوا وتكبّروا

فأقام في حرّ الظهيرة ما له

غير الحدائج ما هنالك منبر

فرقى وكفّ المرتضى في كفّه

وغدا ينادي والبريّة حضّر

من كنت مولاه فهذا حيدر

مولاه والله المهيمن يأمر

فهو المطاع لكم وخير رجالكم

فدعوا جميعاً بالقبول وكبّروا(2)4.

ص: 414


1- سورة الإنسان 76 : الآية 1 - 22.
2- الكوكب الدرّيّ : 134.

ترجمة المؤلّف

اختلفت المصادر في ترجمته ، لكن هذا ما وجدته جامعاً لترجمته حسب ما ذكره الشيخ عبّاس القمّي رحمه الله :

هو : عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب ، أبو الوليد.

كان من أهل الحجاز - من كنانة - معاصراً لموسى الهادي العبّاسي ، وكان من أكثر عصره أدباً وعلماً ومعرفة بأخبار الناس وأيّامهم ، وكان موسى الهادي يدعو له متّكئاً ، ولم يكن غيره يطمع منه في ذلك ، وكان يقول : يا عيسى ، مااستطلت بك يوماً ولاليلة ، ولاغبت عنّي إلاّ ظننت أنّي لاأرى غيرك.

ذكر المسعودي في مروج الذهب بعض أخباره مع الهادي ، ثمّ قال : ولابن دأب مع الهادي أخبار حسّان يطول ذكرها ، ويتّسع علينا شرحها ، ولا يتأتّى لنا إيراد ذلك في هذا الكتاب ؛ لاشتراطنا فيه على أنفسناالاختصار والإيجاز.

قلت : ويظهر من رواية نقلها صاحب الاختصاص عنه في الخصال الشريفة التي جمعت في أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم تجتمع في أحد غيره تشيّعه - وهي هذه الرسالة التي بين يديك - والرواية طويلة أوردها العلاّمة المجلسي في البحار ، لا يسع المقام ذكرها(1).

قال ابن قتيبة : ولابن دأب عقب بالبصرة ، وأخوه يحيى بن يزيد ، وكان أبوهما يزيد أيضاً عالماً بأخبار العرب وأشعارها وكان شاعراً أيضاً ، والأغلب على آل دأب الأخبار(2).7.

ص: 415


1- الكنى والألقاب 1 / 332 ، البحار 40 / 101.
2- المعارف : 537.

منهجية العمل :

إنّ كتاب ابن دأب ذكره الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه الاختصاص ، ولم يُذكربشكل كتاب منفرد ، حتّى أتمكّن من العمل عليه ، وعليه قمت بالبحث عن نسخ الاختصاص ، ومن ثمّ إخراج هذه الرسالة منها ، وكانت خطوات عملي كما يلي :

1 - المخطوطات :

أ - نسخة خطّية في مكتبة سپهسالار بخطّ بعض علماء البحرين ، لكتاب الاختصاص من الصفحة 64 إلى الصفحة 72 من المخطوط ، وقد رمزت لها بحرف : (س).

ب - نسخة من مكتبة السيّد الحكيم العامّة في النجف الأشرف - وهي نسخة كاملة لكتاب الاختصاص - عليها خطوط وتملّك الشيخ الحرّ العاملي قدس سره من الصفحة 89 إلى الصفحة 100 من المخطوط ، وقد رمزت لها بحرف : (ح).

ج - نسخة خطّية أُخرى في مكتبة السيّد الحكيم العامّة في النجف الأشرف ، وبخطّ الشيخ محمّد السماوي رحمه الله وعليها تاريخ انتهائه من نسخها وهي سنة 1359 من الهجرة النبوية ، وهي شاملة :

أوّلا : فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن دأب.

ثانياً : جمل الآداب في نظم كتاب ابن آداب ، وقد نظم الشيخ محمّد السماويقدس سره كتاب ابن دأب إلى مأتي بيت ، وقد أوردتها بعد الانتهاء من الكتاب ، وقد رمزت لها بحرف : (م).

ص: 416

2 - المقابلة :

ضبط الاختلافات بين النسخ الخطّية والمطبوع ونسخة بحار الأنوار ، وتثبيت ما هو الصحيح.

3 - تخريج :

ما كان باستطاعتي أن أخرّجه من الأحاديث والروايات والآيات القرآنية من المصادر.

ويجدر بنا أن نذكر هنا أنّ مصبّ العمل كان على نسخة الاختصاص المطبوعة ، ونشر جماعة المدرّسين في مدينة قم المقدّسة سنة 1414 الطبعة الثانية(1).

4 - تقطيع النصّ وتقويمه.

وختاماً نقول إنّ الكمال لله وحده ، من قبل ومن بعد ، راجياً التسامح والتجاوز ، لما قد يكون من الزلل والخطأ ، وبذل النصح والإعانة ؛ لتلافي ما يمكن تلافيه في أعمالنا القادمة.

كما أتقدّم بجزيل الشكر والامتنان لإدارة مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياءالتراث ومكتبتها العامرة ؛ لإتاحتها الفرصة لنا - وللكثير من المحقّقين والباحثين غيرنا - بمراجعة الكتب والمصادر المتوفّرة في المكتبة ، وفّقهم الله لكلّ خير.

كما لا أنسى أن أتقدّم بالشكر الجزيل لأخي السيّد حسن الموسوي البروجردي الذي ساعدني في الحصول على النسخ الخطّية ، وفّقه الله لكلّ خير. 4.

ص: 417


1- وقد ذكرت في الاختصاص / 144.

اللّهم وفّقنا لما يرضيك ، وجنّبنا عمّا يعصيك ، ويسّر أمرنا ، واحشرنا مع الصالحين ، أمين يا ربّ العالمين.

والحمد لله أوّلا وآخراً.

محمّد مشكور

ذو القعدة 1429.

ص: 418

صورة

ص: 419

صورة

ص: 420

صورة

ص: 421

صورة

ص: 422

صورة

ص: 423

ص: 424

بسم الله الرحمن الرحيم

حدّثنا عبدالله(1) رحمه الله ، قال : حدّثنا أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان ، قال : روى لنا : أبو الحسين محمّد بن عليّ بن الفضل بن عامر الكوفيّ ، قال : أخبرنا أبو عبدالله الحسين محمّد بن الفرزدق الفزاريّ البزّاز - قراءةً عليه - قال : حدّثنا أبو عيسى محمّد بن عليّ بن عمرويه الطحّان(2) - وهوالورَّاق - قال : حدّثنا أبو محمّد الحسين بن موسى ، قال : حدّثنا عليّ بن أسباط ، عن غير واحد من أصحاب ابن دأب ، قال : لقيت النّاس يتحدّثون أنَّ العرب كانت تقول : إن يبعث الله فينا نبيّاً يكون في بعض أصحابه سبعون خصلة من مكارم الدُّنيا والآخرة.

فنظروا وفتّشوا هل تجتمع عشر خصال في واحد فضلاً عن سبعين؟! فلم يجدوا خصالاً مجتمعة للدّين والدُّنيا ، ووجدوا عشر خصال مجتمعة في الدُّنيا وليس في الدّين منها شيء ، ووجدوا زهير بن حُباب الكلبيّ(3) ووجدوه :

[1] شاعراً.

[2] طبيباً.

[3] فارساً.2.

ص: 425


1- في نسخة (ح) والبحار : عبيدالله.
2- في نسختي (ح وس) : الطحّاب.
3- زهير بن حُباب - جناب - الكلبي من بني كنانة من بكر ، خطيب قضاعة وسيّدها وشاعرها وبطلها ووافدها إلى الملوك في الجاهلية ، توفّي نحو سنة 60 من الهجرة. لمزيد من ترجمته انظر : أمالي السيّد المرتضى 1 / 172 ، الأعلام للزركلي 3 / 51 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير 1 / 502.

[4] منجّماً.

[5] شريفاً.

[6] أيِّداً(1).

[7] كاهناً.

[8] قائفاً(2).

[9] عائفاً(3).

[10] راجزاً(4).

وذكروا أنّه عاش ثلاث مائة سنين ، وأبلى أربعة لحم.

قال ابن دأب(5) : ثمَّ نظروا وفتّشوا في العرب - وكان الناظر في ذلك أهل النظر - فلم يجتمع في أحد خصال مجموعة للدّين والدُّنيا بالاضطرار على ما أحبّوا وكرهوا(6) إلاّ في عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فحسدوه عليها حسداًأنغل(7) القلوب ، وأحبط الأعمال ، وكان أحقُّ الناس وأولاهم بذلك ، إذهدم الله عزَّوجلَّ به بيوت المشركين ، ونصر به الرسول (صلى الله عليه وآله) ، واعتزَّ به الدّين(8) في قتله من قتل من المشركين في مغازي النبيّ (صلى الله عليه وآله).ا.

ص: 426


1- الأيِّد : أيّدته تأييداً ، أي : قوّيته. الصحاح 2 / 443 (أيد).
2- القائف : الذي يعرف النسب بفراسته ، ونظره الحسن أعضاء المولود. النهاية في غريب الحديث 4 / 121.
3- العائف : المتكّهن بالطير وغيرها. غريب الحديث لابن قتيبة 2 / 202.
4- الراجز : الذي يقول الشعر ، من الزجر. الصحاح 3 / 26 (رجز).
5- هكذا وجدته في الاختصاص ، والنسخ الخطّية ، والظاهر أنّه يبدو من كلام الشيخ المفيد رحمه الله ، وكذلك في جميع الموارد التالية.
6- في نسخة (م) زيادة : رجل واحد وهو.
7- أنغل : أي أفسد. الصحاح 5 / 126 (نغل).
8- في نسخة (س) : الدنيا.

قال ابن دأب : فقلنا لهم : وما هذه الخصال؟

قالوا :

1 - المواساة للرَّسول (صلى الله عليه وآله).

2 - وبذل نفسه دونه.

3 - والحفيظة.

4 - ودفع الضيم عنه.

5 - والتصديق للرَّسول (صلى الله عليه وآله) بالوعد.

6 - والزهد.

7 - وترك الأمل.

8 - والحياء.

9 - والكرم.

10 - والبلاغة في الخطب.

11 - والرّئاسة.

12 - والحلم.

13 - والعلم.

14 - والقضاء بالفصل.

15 - والشجاعة.

16 - وترك الفرح عند الظفر.

17 - وترك إظهار المرح.

18 - وترك الخديعة والمكر والغدر.

19 - وترك المثلة ، وهو يقدر عليها.

20 - والرغبة الخالصة إلى الله تعالى.

ص: 427

21 - وإطعام الطعام على حبّه.

22 - وهوان ما ظفر به من الدّنيا عليه.

23 - وتركه أن يفضّل نفسه وولده على أحد من رعيّته.

24 - وطعامه أدنى ما تأكل الرَّعيّة.

25 - ولباسه أدنى ما يلبس أحد من المسلمين.

26 - وقسمه بالسويّة.

27 - وعدله في الرَّعيّة.

28 - والصرامة(1) في حربه ، وقد خذله الناس.

29 - فكان في خذلان(2) الناس وذهابهم عنه بمنزلة اجتماعهم عليه طاعة الله وانتهاء إلى أمره.

30 - والحفظ ، وهو الذي تسمّيه العرب : العقل ، حتّى سمّي : أُذناً واعية(3).

31 - والسماحة.

32 - وبثّ الحكمة.

33 - واستخراج الكلمة.

34 - والإبلاغ في الموعظة. ».

ص: 428


1- الصرامة : الشجاعة. لسان العرب 12 / 335 (صرم).
2- في نسخة (ح ، م) : خذل.
3- قال الشيخ الطوسي في مجمع البيان 10 / 107 عند تفسير سورة الحاقة : (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وتَعِيَهَا أُذنٌ وَاعيَةٌ) أي : أُذن حافظة ، فمعنى واعية : ممسكة ما يحصل فيها. قيل : لمّا نزلت هذه الآية قال النبي (صلى الله عليه وآله) : «اللهم اجعلها أُذن عليّ عليه السلام» ، ثمّ قال عليّ عليه السلام : «فما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً فنسيته».

35 - وحاجة النّاس إليه إذا حضر ، حتّى لا يؤخذ إلاّ بقوله.

36 - وانغلاق كلّ ما في الأرض(1) على الناس حتّى يستخرجه.

37 - والدَّفع عن المظلوم.

38 - وإغاثة الملهوف.

39 - والمروءة.

40 - وعفّة البطن والفرج.

41 - وإصلاح المال بيده ؛ ليستغني به عن مال غيره.

42 - وترك الوهن والاستكانة.

43 - وترك الشكاية في موضع ألم الجراحة.

44 - وكتمان ما وجد في جسده من الجراحات من قرنه إلى قدمه ، وكانت ألف جراحة في سبيل الله.

45 - والأمر بالمعروف.

46 - والنهي عن المنكر.

47 - وإقامة الحدود ولو على نفسه.

48 - وترك الكتمان فيما لله فيه الرّضا على ولده.

49 - وإقرار النّاس بما نزل القرآن من فضائله.

50 - وما يحدّث النّاس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مناقبه.

51 - واجتماعهم على أنّه لم يردَّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلمة قطُّ.

52 - ولم ترتعد فرائصه في موضع بعثه فيه قطُّ.

53 - وشهادة الذين كانوا في أيّامه أنّه وفّر فيأهم(2).م.

ص: 429


1- في نسخة (س) والبحار : وانفلاق ما في الأرض.
2- في نسخة (م) والبحار : وترفيهم.

54 - وطلّق(1) نفسه عن دنياهم.

55 - ولم يرتش(2) في أحكامهم.

56 - وزكاء القلب(3).

57 - سعة(4) الصدر ، عند ما حكمت الخوارج عليه ، وهرب كلّ من كان في المسجد وبقي على المنبر وحده ، وما يحدّث النّاس أنَّ الطير بكت عليه.

58 - وما روي عن ابن شهاب الزّهري(5) : إنَّ حجارة أرض بيت المقدس قلبت عند قتله فوجد تحتها دم عبيط.

59 - والأمر العظيم حتّى تكلّمت به الرّهبان وقالوا فيه.

60 - ودعاؤه الناس إلى أن يسألوه(6) عن كلّ فتنة تضلُّ مائة أو تهدي مائة. ه.

ص: 430


1- في المطبوع والبحار : ظلف ، وما أثبته من النسخ الخطّية.
2- في نسخة «ح» والبحار : ولم يرز شيئاً ، وفي «س» : يؤثر ، وفي «م» : ولم ير شبيهاً والصحيح ما في المتن ، وأثبته من المطبوع.
3- زكاء الرجل : إذا تنعّم ، والزكاء كلّ شيء : ازداد ونما ، فهو يزكو زكاء ، ورجلٌ زكيٌّ : أي تقيٌّ. الصحاح 6 / 2368 ، والعين 5 / 394 (زكو).
4- في المطبوع والبحار : قوّة ، وفي نسختي «س وح» : حرّه ، وما أثبتّه من نسخة «م».
5- محمّد بن شهاب الزهري : من علماء العامّة ، إلاّ أنّ الظاهر من الرواية الذي يرويها ابن شهرآشوب وذكرها السيّد الخوئي : إنّ الزهري كان يحبّ عليّ بن الحسين عليهما السلامويعظّمه ، ثمّ ذكر السيّد رحمه الله أنّ نسبة العداوة إليه على ما ذكر الشيخ الصدوق لم تثبت ، بل الظاهر عدم صحّتها ، ثمّ يذكره في مكان آخر بقوله : إنّه! تابعيٌّ. لاحظ معجم رجال الحديث 17 / 190 - 193 / ت10987 و 18 / 271 / ت 11814 ، بتصرّف.
6- في نسخة (ح) والبحار : يسألونه.

61 - وما روى النّاس من عجائبه في إخباره عن الخوارج وقتلهم.

62 - وتركه مع هذا أن يظهر منه استطالة أو صلف (1) ، بل كان الغالب عليه إذا كان ذلك غلب البكاء عليه.

63 - والاستكانة لله ، حتّى يقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «ما هذا البكاء يا عليّ؟».

فيقول : «أبكي لرضاء رسول الله عنّي».

قال : فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إنّ الله وملائكته ورسوله عنك راضون».

64 - وذهاب البرد عنه في أيّام البرد.

65 - وذهاب الحرّ عنه في أيّام الحرّ ، فكان لا يجد حرّاً ولا برداً.

66 - والتأييد بضرب السيّف في سبيل الله.

67 - والجَمال ، قال : «أشرف يوماً على رسول الله (صلى الله عليه وآله)».

فقال : «ما ظننت إلاّ أنّه أشرف عليّ القمر ليلة البدر».

68 - ومباينته للناس في أحكام خلقه ، قال : «وكان له سنام كسنام الثور».

69 - بعيد ما بين المنكبين.

70 - وإنَّ ساعديه لا يستبينان من عضديه من إدماجهما من إحكام الخلق ، لم يأخذ بيده أحداً قطّ إلاّ حبس نفسه ، فإن زاد قليلاً قتله.

قال ابن دأب : فقلنا : أيّ شيء معنى أوّل خصاله بالمواساة؟

قالوا : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) له : «إنَّ قريشاً قد أجمعوا على قتلي فنمْ ).

ص: 431


1- الصلف : الادّعاء ما فوق القدر إعجاباً وتكبراً ، ومجاوزة قدر الظرف. العين 7 / 125 ، والصحاح 4 / 100 (صلف).

على فراشي».

فقال : «بأبي أنت وأُمّي ، السمع والطّاعة لله ولرسوله» ، فنام على فراشه ، ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لوجهه ، وأصبح عليٌّ وقريش تحرسه ، فأخذوه فقالوا : أنت الذي غررتنا(1) منذ اللّيلة؟ فقطعوا له قضبان الشجر ، فضرب حتّى كادوا يأتون على نفسه ، ثمَّ أفلت من أيديهم وأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)وهو في الغار : «أن اكتر ثلاثة أباعر ، واحداً لي وواحداً لأبي بكر وواحداً للدّليل ، واحمل أنت بناتي إلى أن تلحق بي». ففعل(2).

قال : فما الحفيظة والكرم؟

قالوا : مشي على رجليه ، وحمل بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الظهر ، وكمن النّهار وسار بهنّ اللّيل ماشياً على رجليه ، فقدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقدتعلّقت قدماه دماً ومدة ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «هل تدري(3) ما نزل فيك»؟ فأعلمه بما لا عوض له لو بقي في الدُّنيا ما كانت الدُّنيا باقية.

قال : «يا عليُّ ، نزل فيك : (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِل مِنكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنثَى) فالذكر : أنت ، والأناث : بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، يقول الله تبارك وتعالى : (فَالّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لاَُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهمْ وَلاَُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارَ ثَوَابَاً مِنْ عِندِ اللهِ واللهُ عِندَهُ ي.

ص: 432


1- في نسختي «ح ، م» : غدرتنا ، وما أثبتّه من «س».
2- الخرائج 1 / 143 / 231 ، العمدة : 239 / ح367 ، البحار 40 / 100 ، شواهد التنزيل للحسكاني : 129 / ح139 ، البداية والنهاية لابن كثير 3 / 244 ، فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة الكوفي : 179 ، السيرة النبوية لابن كثير 2 / 244.
3- في نسخة «س» : أتدري.

حُسْنُ الثَّوَابِ)(1)(2).

قال : فما دفع الضيم؟

قالوا : حيث حُصِرَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الشعب ، حتّى أنفق أبو طالب ماله ، ومنعه في بضع عشرة قبيلة من قريش ، وقال أبو طالب في ذلك لعليّ عليه السلام ، وهو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أُموره ، وخدمته وموازرته ومحاماته(3).

قال : فما التصديق بالوعد؟

قالوا : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره ، بالثواب والذُّخر ، وجزيل المآب لمن جاهد محسناً بماله ونفسه (ونيّته ، فلم يتعجّل شيئاً من ثواب الدُّنيا عوضاًمن ثواب الآخرة ، ولم يفضّل نفسه)(4) على أحد للّذي كان عنده ، وترك ثوابه ؛ ليأخذه مجتمعاً كاملاً يوم القيامة ، وعاهد الله أن لا ينال من الدُّنيا إلاّبقدر البلغة ، ولا يفضل له شيء ممّا أتعب فيه بدنه ، ورشح فيه جبينه ، إلاّقدَّمه قبله فأنزل الله : (وَمَا تُقَدِّمُوا لاَِنْفُسِكُم مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِندَاللهِ)(5)(6).8.

ص: 433


1- آل عمران 3 / 195.
2- إعلام الورى 1 / 375 ، فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة : 180 ، المناقب لابن شهرآشوب2 : 329 ، مناقب أمير المؤمنين لابن سليمان الكوفي 1 / 365 ، تاريخ دمشق42 / 69 ، أُسد الغابة 4 / 19.
3- روضة الواعظين : 53 ، إيمان أبي طالب للمفيد : 3 ، الخرائج للراوندي 1 / 85 / ح141 ، حلية الأبرار : 72 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 366 ، سرّ السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري : 82.
4- ما بين القوسين لم يرد في «ح».
5- سورة البقرة 2 : 110.
6- تفسير المنسوب للإمام العسكري : 520 / 318 ، التبيان 1 / 408 ، مجمع البيان 1 / 368.

قال : فقيل لهم : فما الزّهد في الدُّنيا؟

قالوا : لبس الكرابيس ، وقطع ما جاوز أنامله ، وقصّر طول كمّه ، وضيّق أسفله ، كان طول الكمّ ثلاثة أشبار ، (وأسفله إثني عشر شبراً ، وطول البدن ستّة أشبار)(1)(2).

قال : قلنا : فما ترك الأمل؟

قالوا : قيل له : هذا قد قطعت ما خلف أناملك ، فما لك لا تلفُّ كمّك؟

قال : الأمر أسرع من ذلك ، فاجتمعت إليه بنو هاشم قاطبةً وسألوه وطلبواإليه لما وهب لهم لباسه ولبس لباس النّاس؟ وانتقل عمّا هو عليه من ذلك ، فكان جوابه لهم البكاء والشهيق(3) ، وقال - بأبي وأُمّي - : «من لم يشبع من خبز البرّ حتّى لقى الله» ، وقال لهم : «هذا لباس هدىً ، يقنع به الفقير ، ويستربه المؤمن»(4).

قال : فما الحياء؟

قالوا : لم يهجم على أحد قطّ أراد قتله فأبدا عورته ، إلاّ انكفأ عنه حياءً منه(5).7.

ص: 434


1- ما بين القوسين لم يرد في «س».
2- دعائم الإسلام 2 / 157 ، الكافي 6 / 457ح / 9 ، مكارم الأخلاق 1 / 245 ح / 727.
3- الشهيق : تردّد البكاء في الصدر. لسان العرب 4 / 531 (شهق).
4- الكافي 8 / 129 / ح100 ، أمالي الطوسي : 692 / ح1470 ، الثاقب في المناقب : 335 / ح278 ، حلية الأبرار 1 / 219.
5- مناقب ابن شهرآشوب 2 / 360 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 148 و 8 / 60 ، المسترشد للطبري : 391 ، المناقب للخوارزمي : 236 ، الفتوح لابن أعثم الكوفي2 / 427 ، وقعة صفّين : 407.

قال : فما الكرم؟

قالوا : قال له سعد بن معاذ - وكان نازلاً عليه في الغرّاب في أوّل الهجرة - : ما منعك أن تخطب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنته؟

فقال عليه السلام : «أنا أجتري أن أخطب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ والله لو كانت أمة له ما اجترأت عليه» فحكى سعد مقالته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «قلْ له يفعل ؛ فإنّي سأفعل».

قال : فبكى حيث قال له سعد ، قال : ثمَّ قال : «لقد سعدت إذاً أن جمع الله لي صهره مع قرابته».

فالذي يعرف من الكرم(1) هو التواضع(2) لنفسه ، وترك الشرف على غيره ، وشرف أبي طالب عليه السلام ما قد علمه النّاس ، وهو ابن أبي طالب عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأخو عبدالله لأبيه وأُمّه(3) ، وأُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم التي خاطبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في لحدها ، وكفّنها في قميصه ، ولفّها في ردائه ، وضمن لها على الله أن لا تبلى أكفانها ، وأن لا تبدي لها عورة ، ولا يسلّط عليها ملكي القبر ، وأثنى عليها عند موتها ، وذكر حسن صنيعها به وتربيتها له ، وهي عند عمّه أبي طالب ، وقال : «ما نفعني نفعها أحد»(4). 3.

ص: 435


1- في نسختي «ح ، س» : الكرام ، وما أثبتّه من المطبوع ونسخة «م».
2- في المطبوع : الوضع ، وفي نسختي «ح ، س» : الواضع ، وما أثبتّه من نسخة «م».
3- قوله : «وهو ابن أبي طالب عمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وأخو عبدالله لأبيه وأُمّه» ، أثبته من نسخة : «م» ، والمطبوع ، ونسختي «ح وس» ، والبحار : وهو ابن عمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأبيه وأُمّه ، أبو طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم.
4- شرح الأخبار 2 / 359 ، كشف الغمّة 1 / 374 ، اعلام الورى 1 / 160 ، الذريّة الطاهرة النبوية : 93 ، ذخائر العقبى : 29 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 235 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 8 / 19 - 23.

ثمّ البلاغة ، قام(1) النّاس إليه حيث نزل من المنبر ، فقالوا : ما سمعنا يا أميرالمؤمنين أحداً قطّ أبلغ منك ولا أفصح! فتبسّم ، وقال : «وما يمنعني ، وأنا مولدٌ مكيٌّ» ولم يزدهم على هاتين الكلمتين(2).

ثمّ الخطب ، فهل سمع السامعون من الأوّلين والآخرين بمثل خطبه وكلامه؟ وزعم أهل الدّواوين : لولا كلام عليّ بن أبي طالب عليه السلام وخطبه وبلاغته في منطقه ؛ ما أحسن أحدٌ أن يكتب إلى أمير جند ولا إلى رعيّة(3).

ثمّ الرئاسة ، فجميع من قاتله ونابذه على الجهالة والعمى والضلالة ، فقالوا : نطلب دم عثمان ، ولم يكن في أنفسهم ولا قدروا من قلوبهم أن يدّعوارئاسة معه ، وقال هو : «أنا أدعوكم إلى الله وإلى رسوله بالعمل بما أقررتملله ولرسوله من فرض الطاعة» ، وإجابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الإقرار بالكتاب والسنّة.

ثمّ الحلم ، قالت له صفية بنت عبدالله بن خلف الخزاعيّ : أيّم (4) الله نساءك منك كما أيّمت نساءنا ، وأيتم الله بنيك منك كما أيتمت أبناءنا من آبائهم ، فوثب النّاس عليها ، فقال : «كفّوا عن المرأة» فكفّوا عنها ، فقالت لأهلها : ويلكم! الذين قالوا هذا سمعوا كلامه قطُّ عجباً من حلمه عنها(5). 3.

ص: 436


1- في المطبوع : مال ، وما أثبتّه من «ح ، س ، م» ، والبحار.
2- البحار 40 / 101.
3- البحار 40 / 101.
4- الأيامى : الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء. الصحاح 5 / 1868 (أيم).
5- دعائم الاسلام 1 / 394 ، الخرائج 2 / 749 / ح66 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 / 98 ، الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام : 165 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 15 / 105 ، تفسير فرات الكوفي : 111 ، الفتوح 2 / 483 ، الفتنة ووقعة الجمل : 179 ، تاريخ الطبري 3 / 543.

ثمّ العِلْمُ ، فكم من قول قد قاله عمر : لولا عليٌّ لهلك عمر(1).

ثمّ المشورة في كلّ أمر جرى بينهم حتّى يجيبهم بالمخرج.

ثمّ القضاء ، لم يتقدّم إليه أحدٌ قطّ فقال له : «عد غداً أو دفعه ، إنّما يفصل القضاء مكانه» ، ثمّ لو جاءه بعد لم يكن إلاّ ما بدر منه أوّلاً.

ثمّ الشّجاعة ، كان منها على أمر لم يسبقه الأوّلون ، ولم يدركه الآخرون من النجدة والبأس ، ومباركة الأخماس على أمر لم يرمثله ، لم يولّ دبراً قطّ ، ولم يبرز إليه أحدٌ قطُّ إلاّ قتله ، ولم يكعَّ(2) عن أحد قطٌّ دعاه إلى مبارزته ، ولم يضرب أحداً قطّ في الطول إلاّ قدّه ، ولم يضربه في العرض إلاّ قطعه بنصفين ، وذكروا أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حمله على فرش ، فقال : «بأبي أنت وأُمّي ، أناما لي وللخيل ، أنا لا أتّبع أحداً ولا أفرّ من أحد ، وإذا ارتديت سيفي لم أضعه إلاّ للّذي أرتدي له»(3).

ثمّ ترك الفرح وترك المرح ، أتت البشرى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تترى بقتل من قتل يوم أحد من أصحاب الألوية ، فلم يفرح ولم يختل ، وقد اختال أبودجانة ومشى بين الصفّين مختالاً ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إنّها لمشية يبغضها الله إلاّ في هذا الموضع»(4). 1.

ص: 437


1- الكافي 7 / 424 / ح6 ، دعائم الإسلام 1 / 86 ، الفقيه 4 / 36 / ح5025 ، خصائص الأئمّة : 85 ، تهذيب الأحكام 6 / 306 / ح849 ، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة : 152 ، نظم درر السمطين : 130 ، مناقب الخوارزمي : 81.
2- كعّ يكعّ : إذا تلكّأ وجبن. العين 1 / 66 ، معجم مقاييس اللّغة 5 / 129 (كع).
3- البحار 40 / 104.
4- الكافي 5 / 8 / ح13 ، تحف العقول : 344 ، النوادر للراوندي : 139 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14 / 258 ، مجمع البيان 2 / 404 ، تفسير الثعلبي 3 : 175 ، الثقات لابن حبّان 1 / 225 ، أُسد الغابة 5 / 184 ، تاريخ الطبري 2 / 195 ، تاريخ الإسلام 2 / 171.

ثمّ لمّا صنع بخيبر ما (صنع من قتل مرحب)(1) ، وفرار من فرَّ بها ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «لأَعطيَنّ الرّاية رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار».

فإخباره أنّه ليس بفرّار معرضاً عن القوم الذين فرّوا قبله ، فافتتحها وقتل مرحباً ، وحمل بابها وحده ، فلم يطقه دون أربعين رجلاً ، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنهض مسروراً ، فلمّا بلغه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أقبل إليه انكفأ(2)إليه.

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «بلغني بلاؤك ، فأنا عنك راض» ، فبكى عليٌّ عليه السلامعند ذلك ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «أمسك ، ما يبكيك؟!».

فقال : «وما لي لا أبكي ورسول الله عنّي راض؟».

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «إنَّ الله وملائكته ورسوله عنك راضون».

وقال له : «لولا أن يقول فيك الطوائف من أُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمرّ بملأ من المسلمين قلّوا أو كثروا ، إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك يطلبون بذلك البركة»(3).

ثمّ ترك الخديعة والمكر والغدر ، اجتمع النّاس عليه جمعياً ، فقالوا له : اكتب يا أمير المؤمنين إلى من خالفك بولايته ثمَّ اعزله(4) ، فقال : ن.

ص: 438


1- ما بين القوسين لم يرد في نسخة «س».
2- انكفأ : أي مال إليه. تاج العروس 1 / 235 (كفأ).
3- الكافي 8 / 57 / ح8 ، الخصال : 575 ، مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي 1 / 249 ، شرح الأخبار 2 / 411 / 757 ، الإرشاد 1 / 117 ، الروضة في فضائل أمير المؤمنين لابن شاذان : 75 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5 / 4 ، تفسير فرات الكوفي : 406 / 543 ، التبيان للشيخ الطوسي 9 / 209 ، الأربعين للشيرازي : 455 ، المعجم الكبير للطبراني 1 / 32 / ح951 ، المناقب للخوارزمي : 311.
4- يعنون به : معاوية بن أبي سفيان.

«المكر ، والخديعة ، والغدر في النّار»(1).

ثمّ ترك المثلة ، قال لابنه الحسن عليه السلام : «يا بنيّ ، اقتل قاتلي ، وإيّاك والمثلة؛فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرهها ولو بالكلب العقور»(2).

ثمّ الرَّغبة بالقربة إلى الله بالصّدقة ، قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «يا عليّ ، ما عملت في ليلتك؟».

قال : «ولم يا رسول الله؟».

قال : «نزلت فيك أربعة معالي».

قال : «بأبي أنت وأُمّي ، كانت معي أربعة دراهم فتصدّقت بدرهم ليلاً ، وبدرهم نهاراً ، وبدرهم سرَّاً ، وبدرهم علانية».

قال : «فإنّ الله أنزل فيك : (الّذيِنَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللّيلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)(3)».

ثمَّ قال له : «فهل عملت شيئاً غير هذا؟! فإنّ الله قد أنزل عليَّ سبعة عشرآية يتلو بعضها بعضاً من قوله : (إنَّ الأبّرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأَس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً) - إلى قوله : (إنّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَشْكُوراً)»(4). قوله : (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مَسْكِيناً وَيَتِمَاً 2.

ص: 439


1- الكافي 2 / 337 / ح1 ، ثواب الأعمال : 270 ، تحف العقول : 154 ، مسند الإمام الرضا عليه السلام : 94 / 12 ، شرح نهج البلاغة 2 / 316 ، الجامع الصغير للسيوطي 2 / 671 / ح9233.
2- نهج البلاغة 3 / 78 ، روضة الواعظين : 137 ، ذخائر العقبى : 116 ، المعجم الكبير 1 / 100 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17 / 6 ، تاريخ الطبري 4 / 114 ، الكامل في التاريخ 3 / 391 ، مناقب الخوارزمي : 386.
3- سورة البقرة 2 : 274.
4- سورة الإنسان 76 : 5 - 22.

وَأسِيراً)(1).

قال : فقال العالم عليه السلام : «أما إنّ عليّاً لم يقل في موضع : (إنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُريِدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً)(2) ، ولكنّ الله علم من قلبه أنّما أطعم لله ، فأخبره بما يعلم من قلبه من غير أن ينطق به».

ثمَّ هوان ما ظفر به من الدُّنيا عليه ، أنّه جمع الأموال ثمَّ دخل إليها فيقال(3) :

هذا جَنَايَ وخِيَارُه(4)

فيه

إذْ كُلّ جان(5) يدُه إلى فيه(6)

إبيضّي واصفرّي وغرِّي غيري ، أهل الشّام غداً إذا ظهروا عليك»(7).

وقال : «أنا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة»(8).

ثمَّ ترك التّفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الإسلام ، دخلت ).

ص: 440


1- سورة الإنسان 76 : 8.
2- سورة الإنسان 76 : 9.
3- هذا البيت لعمرو بن عديّ بن نصر اللخمي. قال المرزباني في معجمه : وتمثّل عليٌّ بن أبي طالب عليه السلام بهذا البيت عند قسمته ما كان في بيت المال. وعمرو هو شاعر جاهلي ، وأوّل ملوك الحيرة ، ملك بعد خاله جذيمة الأبرش. للمزيد انظر معجم الشعراء للمرزباني : 10.
4- خيار الشيء : أفضله. انظر تاج العروس 10 / 445 (خير).
5- الجني : ما يجني من الثمرة. تاج العروس 19 / 294 (جني).
6- في نسخة «ح» : وكلّ شأن يده إلى فيه.
7- أمالي الصدوق : 357 / ح440 ، روضة الواعظين : 117 ، الغارات للثقفي 1 / 49 ، مناقب أمير المؤمنين للكوفي 2 / 34 ، شرح الأخبار 2 / 261 ، مناقب ابن شهرآشوب 1 / 365 ، الأربعين للشيرازي : 412 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 621 / ح1.
8- الخصال : 633 ، معاني الأخبار : 314 ، شرح الأخبار 2 / 478 ، الإرشاد 1 / 32 ، الاحتجاج1 / 207 ، شرح نهج البلاغة 1 / 12 ، الجمل : 154. واليعسوب : الرئيس الكبير. غريب الحديث لابن سلاّم 3 / 439 (عسب).

عليه أُخته أُمّ هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهماً ، فسألت أمُّ هاني مولاتها العجميّة ، فقالت : كم دفع إليك أمير المؤمنين عليه السلام؟

فقالت : عشرين درهماً ، فانصرفت مسخطة ، فقال لها : «انصرفي رحمك الله ما وجدنا في كتاب الله فضلاً لإسماعيل على إسحاق».

وبعث إليه من خراسان بنات كسرى فقال لهنَّ : «أُزوّجكنّ؟»

فقلن له : لا حاجة لنا في التزويج ؛ فإنّه لا أكفاء لنا إلاّ بنوك ، فإن زوَّجتنامنهم رضينا ، فكره أن يؤثر ولده بما لا يعمّ به المسلمين(1).

وبعث إليه من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدرى ما قيمتها ، فقالت له ابنته أُمّ كلثوم : يا أمير المؤمين ، أتجمّل به ويكون في عنقي؟

فقال : «يا أبا رافع ، أدخله إلى بيت المال ، ليس إلى ذلك سبيل ، حتّى لا تبقى امرأة من المسلمين إلاّ ولها مثل ذلك».

وقام خطيباً بالمدينة حين ولي ، فقال : «يا معشر المهاجرين والأنصار ، يامعشر قريش ، اعلموا والله أنّي لا أرزوكم(2) من فيئكم(3) شيئاً ما قام لي عذقٌ(4) بيثرب ، أفتروني مانعاً ونفسي وولدي ومعطيكم ، ولاُسوِّينَّ بين الأسودوالأحمر؟» ، فقال إليه عقيل بن أبي طالب ، فقال : لتجعلني وأسوداً من سودان المدينة واحداً؟!

فقال له : «اجلس رحمك الله تعالى ، أما كان ههنا من يتكلّم غيرك؟ ومافضلك عليهم إلاّ بسابقة أو تقوى»(5). 4.

ص: 441


1- وقعة صفين : 12.
2- يقال : ما رزأته ماله ، أي : ما نقصته. الصحاح 1 / 53 (رزأ).
3- الفيء : الغنيمة والخراج. العين 8 : 407.
4- العذق - بالكسر - : كل غصن له شعب. معجم مقاييس اللّغة 4 / 257 (عذق).
5- الكافي 8 / 182 / ح204.

ثمّ اللّباس ، استعدى(1) زياد بن شدّاد الحارثي صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)على أخيه عبيدالله بن شدّاد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ذهب أخي في العبادة ، وامتنع أن يساكنني في داري ، ولبس أدنى ما يكون من اللّباس.

قال : يا أمير المؤمنين ، تزيّنت بزينتك ، ولبست لباسك.

قال : «ليس لك ذلك ، إنّ إمام المسلمين إذا ولي أُمورهم لبس لباس أدنى فقيرهم ؛ لئلاّ يتبيّغ(2) بالفقير فقره فيقتله ، فلأعلمنَّ ما لبست إلاّ من أحسن زيّ قومك (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث)(3) ، فالعمل بالنّعمة أحبُّ إليّ من الحديث بها»(4).

ثمّ القسم بالسويّة والعدل في الرعيّة ، ولّى بيت مال المدينة عمّار بن ياسر ، وأبا الهيثم بن التيّهان فكتب : «العربيُّ ، والقرشيّ ، والأنصاريّ ، والعجميّ ، وكلُّ من كان في الإسلام من قبائل العرب وأجناس العجم سواء»(5).

فأتاه سهل بن حنيف بمولى له أسود ، فقال : كم تعطي هذا؟

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «كم أخذت أنت؟».

قال : ثلاثة دنانير ، وكذلك أخذ الناس.

قال : «فأعطوا مولاه مثل ما أخذ ثلاثة دنانير». ع.

ص: 442


1- استعدى الرجل : استعان به واستنصره. لسان العرب 15 / 29 (عدى).
2- التبيغ : الهيجان والغلبة. غريب الحديث لابن سلاّم 1 / 160.
3- سورة الضحى 93 : 11.
4- نهج البلاغة 2 / 187 ، والكافي 1 / 410 / ح3 ، شرح نهج البلاغة 11 / 22 ، الخرائج 1 : 187 / ح21.
5- (سواء) لم ترد في «ح ، س ، م» ، وما أثبتّه من المطبوع.

فلمّا عرف النّاس أنّه لا فضل لبعضهم على بعض إلاّ بالتقوى عند الله ، أتى طلحة والزبير عمّار بن ياسر وأبا الهيثم بن التيّهان ، فقالا : يا أبا اليقظان ، استأذن لنا على صاحبك.

قال : وعلى صاحبي إذن؟!

قد أخذ بيد أجيره وأخذ مكتله ومسحاته وذهب يعمل في نخلة في بئرالملك(1) ، وكانت بئر ينبع سمّيت بئر الملك ، فاستخرجها عليٌّ بن أبي طالب عليه السلام وغرس عليها النخل ، فهذا من عدله في الرّعيّة وقسّمه بالسويّة(2).

قال ابن دأب : فقلنا : فما أدنى طعام الرّعيّة؟

فقال : يحدّث الناس أنّه كان يطعم الخبز واللّحم ، ويأكل الشعير والزَّيت ، ويختم طعامه مخافة أن يزاد فيه ، وسمع مقلى في بيته ، فنهض وهو يقول : «في ذمّة عليّ بن أبي طالب مقلى الكراكر» ، قال : ففزع عياله وقالوا : يا أميرالمؤمنين ، إنّها امرأتك فلانة نحرت جزوراً في حيّها فأخذ لها نصيب منهافأهدى أهلها إليها ، قال : «فكلوا هنيئاً مريئاً» ، قال : فيقال : إنّه لم يشتك ألماًإلاّ شكوى الموت ، وإنّما خاف أن يكون هديّة من بعض الرّعيّة ، وقبول الهديّة لوالي المسلمين خيانة للمسلمين.

قال : قيل : فما الصرامة(3)؟

قال : انصرف من حربه فعسكر في النخيلة ، وانصرف الناس إلى منازلهم واستأذنوه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، كلّت سيوفنا ، ونصلت أسنّة ة.

ص: 443


1- بئر الملك : بالمدينة منسوبة إلى تبع. معجم البلدان 1 / 302.
2- الخرائج 1 / 187 / ح21 ، شرح الأخبار 1 / 374 ، حلية الأبرار 2 / 257 / ح10.
3- في المطبوع ونسخة «ح» : فالصرامة.

رماحنا ، فأذن لنا ننصرف فنعيد بأحسن من عدّتنا ، وأقام هو بالنخيلة.

وقال : «إنَّ صاحب الحرب الأرق الذي لا يتوجّد من سهر ليله وظمأ نهاره ، ولا فقد نسائه وأولاده ؛ فلا الذي انصرف فعاد فرجع إليه ، ولا الّذي أقام فثبت معه في عسكره أقام» ، فلمّا رأى ذلك دخل الكوفة فصعد المنبر ، فقال : «لله أنتم! ما أنتم إلاّ أُسد الشرى في الدَّعة(1) ، وثعالب روَّاغة(2) ، ما أنتم بركن يصال به ، ولا زوافر(3) يفتقر إليها(4) ، أيّها المجتمعة أبدانهم ، والمختلفة أهواؤهم ، ما عزَّت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم(5) ، مع أيّ إمام بعدي تقاتلون؟! وأيّ دار بعد داركم تمنعون؟! فكان في آخر حربه أشدُّ أسفاً وغيظاً وقد خذله الناس(6).

قال : فما الحفظ؟

قال : هو الذي تسمّيه العرب : العقل ، لم يخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشيء قطّ إلاّ حفظه ، ولا نزل عليه شيء قطّ إلاّ وعي به ، ولا نزل من أعاجيب السماءشيء قطّ إلى الأرض إلاّ سأل عنه حتّى نزل فيه : (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(7). 2.

ص: 444


1- الدَّعة : خفض العيش. معجم مقاييس اللّغة 6 / 96 (دعع).
2- الرَّوَّاغ : الثعلب. وهو كثير الخداع والمكر. العين 4 / 445 (روغ).
3- الزَّوافر : جمع زافرة ، وهي من البناء ركنه ، ومن الرجل عشيرته وأنصاره وخاصّته.
4- في المطبوع : ولا زوافر عزّ يفتقر إليها ، وما في المتن أثبتّه من النسخ.
5- في البحار : ما شاكم.
6- نهج البلاغة 1 / 75 خطبة 29 ، دعائم الإسلام 1 / 391 ، المسترشد للطبري : 672 / ح342 ، الإرشاد 1 / 273 ، البيان والتبيين 2 / 26 ، العقد الفريد 4 / 161 ، نثر الدرر1 / 272 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 / 107 ، الإمامة والسياسة 1 / 130.
7- سورة الحاقّة 69 : 12.

وأتى يوماً باب النبي (صلى الله عليه وآله) وملائكته يسلّمون عليه ، وهو واقف حتّى فرغوا ، ثمّ دخل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال له : «يا رسول الله ، سلّم عليك أربع مائة ملك

ونيّف.

قال : وما يدريك؟

قال : حفظت لغاتهم».

فلم يسلّم عليه ملك إلاّ بلغة غير لغة صاحبه.

قال السيّد(1) :

فظلّ يعقد بالكفّين مستمعاً

كأنّه حاسبٌ من أهل دارينا

أدّت إليه بنوع من مفادتها

سفائن الهنديعلقن(2)الرّبابينا(3)

قال ابن دأب : وأهل دارينا : قرية من قرى أهل الشام ، وأهل جزيرة أهلهاأحسب قوم(4).

ثمّ الفصاحة ، وثب الناس إليه فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ما سمعنا أحداً قطّ أفصح منك ولا أعرب كلاماً منك ، قال : «وما يمنعني وأنا مولدي بمكّة».

قال ابن دأب : فأدركت الناس وهم يعتبون(5) كلّ من استعان بغير الكلام الذي يشبه الكلام الذي هو فيه ، ويتبعون الرّجل الذي يتكلّم ويضرب بيده على بعض جسده ، أو على الأرض ، أو يدخل في كلامه ما ي.

ص: 445


1- الظاهر أنّه السيّد الحميري ؛ لذكره في آخر الكتاب عبارة السيّد مع الشعر ، ووجدناه في ديوان السيّد الحميري ، ولم أعثر عليه في ديوانه المطبوع.
2- في المطبوع : يحملن.
3- الربابين : جمع الرُبّان رئيس الملاّحين. لسان العرب 1 / 404 (ربن).
4- تفسير أبي حمزة الثمالي : 339 ، التبيان 10 / 98 ، مجمع البيان 10 / 107.
5- في المطبوع : يعيبون ، وكذلك المورد التالي.

يستعين به ، فأدركت الاُولى وهم يقولون : كان عليه السلام يقوم فيتكلّم بالكلام منذ ضحوة(1) إلى أن تزول الشمس ، لا يدخل في كلامه غير الذي تكلّم به ، ولقدسمعوه يوماً وهو يقول : «والله ما أتيتكم اختياراً ، ولكن أتيتُكُم سوقاً ، أما والله لتصيرنَّ بعدي سبايا(2) ، يعيرونكم ويتعاير بكم(3) ، أما والله إنّ من ورائكم الأدبر ، لا تبقي ولا تذر ، والنهّاس الفرّاس القتّال الجموح ، يتوارثكم منهم عشرة يستخرجون كنوزكم من حجالكم ، ليس الآخر بأرأف بكم من الأوّل ، ثمّ يهلك بينكم دينكم ودنياكم ، والله لقد بلغني أنّكم تقولون : إنّي أكذب ، فعلى من أكذب ، أعلى الله؟! فأنا أوّل من آمن بالله ، أم على رسوله؟! فأناأوّل من صدَّق به ، كلاّ والله أيّها اللّهجة ، عمتكم شمسها ، ولم تكونوا من أهلها ، وويل لاُمّه ، كيلاً بغير ثمن ، لو أنّ له وعاء ولتعلمنّ نبأه بعد حين ، إنّي لوحملتكم على المكروه الذي جعل الله عاقبته خيراً إذا كان فيه وله ، فإن استقمتم هديتم ، وإن تعوّجتم أقمتكم ، وإن أبيتم بدأت بكم ، لكانت الوثقى التي لا تعلى ، ولكن بمن؟ وإلى من؟ أُداويكم بكم ، وأُعاتبكم بكم ، كناقش الشوكة بالشوكة أنّ يقطعها بها ، يا ليت لي من بعد قومي قوماً ، وليت أن أسبق يومي.

هنا لك لو دعوت أتاك منهم

رجال مثل أرمية الحميم(4)(5)

اللّهمَّ إنَّ الفرات ودجلة نهران أعجمان أصمّان أعميان أبكمان ، اللّهمَّ ر.

ص: 446


1- الضحوة : ارتفاع النهار بعد طلوع الشمس. تاج العروس 19 : 614.
2- في المطبوع زيادة : سبايا.
3- في المطبوع : يغيرونكم ويتغايربكم ، وما أثبته من نسخة «ح ، س ، م».
4- في نسخة «ح ، س» : الحمير.
5- ينسب هذا البيت لأبي بكير الهذلي ، ولم أعثر عليه في ديوانه ، وقد تمثّل به الإمام عليه السلام ، وجدته في تهذيب اللغة 4 : 15 ، منسوباً إلى أبي كبير.

سلّط عليهما بحرك ، وانزع منهما نصرك ، لا النزعة بأشطان(1) الرَّكيّ (أين القوم الذين)(2) دعوا إلى الإسلام فقبّلوه ، وقرؤوا القرآن فأحكموه؟! وهيّجوا إلى الجهاد فولهوا اللّقاح أولادها ، وسلبوا السيوف أغمادها ، وأخذوا بأطراف الرّماح زحفاً زحفاً ، وصفّاً صفّاً ، صفٌّ هلك ، وصفٌّ نجا ، لا يبشّرون(3) بالنجاة ، ولا يقرّون عن الفناء.

أُولئك إخواني الذَّاهبون ،

فحقُّ الثناء لهم(4)

أن يطيبا

ثمَّ رأيناه وعيناه تذرفان وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

إلى عيشة بمثل بطن الحيّة ، متى؟ لا متى لك منهم ، لامتى»(5).

قال ابن دأب : هذا ما حفظت الرّواة الكلمة ، وما سقط من كلامه أكثر وأطول ، ممّا لا يفهم عنه.

ثمَّ الحكمة واستخراج الكلمة بالفطنة التي لم يسمعوها من أحد قطّ بالبلاغة في الموعظة ، فكان ممّا حفظ من حكمته وصف رجلاً أن قال : «ينهى ولا ينتهي ، ويأمر الناس بما لا يأتي ، ويبتغي الازدياد فيما بقي ، ويضيع ماأُوتي ، يحبُّ الصالحين ولا يعمل بأعمالهم ، ويبغض المسيئين وهو منهم ، يبادر من الدُّنيا ما يفنى ، ويذر من الآخرة ما يبقى ، يكره الموت لذنوبه ، ولا يترك الذّنوب في حياته»(6).لي

ص: 447


1- في نسختي «ح ، س» : بأسكان ، وما أثبتّه من المطبوع ونسخة «م» والمصادر.
2- ما بين القوسين لم يرد في نسخة «ح».
3- في نسخة «ح» : لا يسرون ، وفي نسخة «س» : لا يتيسّرون ، وما في المتن أثبته من المطبوع.
4- في المطبوع : يظمأ إليهم ، وما أثبتّه من نسخة «س» والمصادر.
5- نهج البلاغة 1 / 119 ، العقد الفريد 4 / 72 - 73.
6- نهج البلاغة 4 / 38 ، تحف العقول : 157 ، خصائص الأئمّة : 109 ، أمالي

قال ابن دأب : فهل فكّر الخلق إلى ما هم عليه من الوجود بصفته إلى ما قال غيره.

ثمّ حاجة الناس إليه وغناه عنهم ، إنّه لم ينزل بالناس ظلماء عمياء كان لهاموضعاً غيره مثل مجيئ اليهود يسألونه ويتعنّتونه ، ويخبر بما في التوراة ومايجدون عندهم ، فكم من يهوديّ قد أسلم وكان سبب إسلامه هو؟!

وأمّا غناه عن الناس : فإنّه لم يوجد على باب أحد قطّ يسأله عن كلمة ولايستفيد منه حرفاً.

ثمّ الدّفع عن المظلوم وإغاثة الملهوف.

قال : ذكر الكوفيّون أنَّ سعيد بن قيس الهمداني رآه يوماً - في شدّة الحرّ - في فناء حائط ، فقال : يا أمير المؤمنين ، بهذا الساعة؟!

قال : «ما خرجت إلاّ لاُعين مظلوماً ، أو أُغيث ملهوفاً»(1).

فبينا هو كذلك إذ أتته امرأة قد خلع قلبُها ، لا تدري أين تأخذ من الدُّنياحتّى وقفت عليه ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، ظلمني زوجي وتعدّى عليّ وحلف ليضربني ، فاذهب معي إليه ، فطأطأ رأسه ، ثمَّ رفعه وهو يقول : «لاوالله حتّى يؤخذ للمظلوم حقّه غير متعتع(2) ، وأين منزلك؟».

قالت : في موضع كذا وكذا ، فانطلق معها حتّى انتهت إلى منزلها ، فقالت : هذا منزلي. ).

ص: 448


1- نهج البلاغة 3 / 114.
2- تعتعه : حركة بعنف وقلقلة ، وفي الكلام : تردّد فيه. لسان العرب 8 / 40 (عتت).

قال : فسلّم فخرج شابٌّ عليه إزار ملوّنة فقال : «اتّق الله ، فقد أخفت زوجتك».

فقال : وما أنت وذاك؟ والله لاُحرقنّها بالنّار لكلامك؟

قال : وكان إذا ذهب إلى مكان أخذ الدرّة بيده ، والسيف معلّق تحت يده ، فمن حلَّ عليه حكم بالدرَّة ضربه ، ومن حلّ عليه حكم بالسيف عاجله ، فلم يعلم الشابُ إلاّ وقد أصلت السيف ، وقال له : «آمرك بالمعروف ، وأنهاك عن المنكر ، وتردّ المعروف ، تب وإلاّ قتلتك».

قال : وأقبل النّاس من السكك يسألون عن أمير المؤمنين عليه السلام حتّى وقفواعليه قال : فاُسقِط في يد الشابّ.

وقال : يا أمير المؤمنين ، اعفُ عنّي عفا الله عنك ، والله لأكوننَّ أرضاً تطأني ، فأمرها بالدُّخول إلى منزلها وانكفأ ، وهو يقول : «(لاَ خَيْرَ فِي كَثير مِنْ نَجْوَاهُمْ إلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أوْ مَعْرُوف أوْ إصْلاَح بَيْنَ النّاسِ) ، الحمد لله الذي أصلح بي بين مرأة وزوجها»(1).

يقول الله تبارك وتعالى : (لاَ خَيْرَ فِي كَثِير مِنْ نَجْواهُمْ إلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أوْ مَعْرُوف أوْ إصْلاَح بيَنَ النّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيْهِ أَجْراً عَظِيماً)(2).

ثمّ المروءة ، وعفّة البطن والفرج ، وإصلاح المال ، فهل رأيتم أحداً ضرب الجبال بالمعاول فخرج منها مثل أعناق الجزر؟! كلّما خرجت عنق قال : «بشّر الوارث»(3) ثمّ يبدو له فيجعلها صدقة 0.

ص: 449


1- مناقب ابن شهرآشوب 1 / 374.
2- سورة النساء 4 : 114.
3- الكافي 7 / 55 / ح9 ، دعائم الإسلام 2 / 341 ، تهذيب الأحكام 9 / 148 / ح609 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 160 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 / 110.

بتلّة(1) إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ؛ لِيصرف النّار عن وجهه ، ويصرف وجهه عن النّار ، ليس لأحد من أهل الأرض أن يأخذوا من نبات نخلةواحدة حتّى يطبق كلّما ساح عليه ماؤه.

قال ابن دأب : فكان يحمل الوسق فيه ثلاث مائة ألف نواة ، فيقال له : ماهذا؟

فيقول : «ثلاثمائة ألف نخلة إن شاء الله» ، فيغرس النوى كلّها فلا تذهب منه نواة ينبع وأعاجيبها.

ثمَّ ترك الوهن والاستكانة ، أنّه انصرف من أُحد وبه ثمانون جراحة يدخل الفتائل من موضع ويخرج من موضع ، فدخل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عائداًوهو مثل المضغة(2) على نطع ، فلمّا رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكى ، فقال له : «إنّ رجلاً يصيبه هذا في الله ، لحقٌّ على الله أن يفعل به ويفعل».

فقال مجيباً له وبكى : «بأبي أنت وأُمّي ، الحمد لله الذي لم يرنِ ولّيت عنك ، ولا فررت ، بأبي أنت وأُمّي كيف حرمت الشهادة؟

قال : إنّها من ورائك إن شاء الله.

قال : فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّ أبا سفيان قد أرسل موعدة بيننا وبينكم حمراء الأسد.

فقال : بأبي أنت وأُمّي ، والله لو حملت على أيدي الرّجال ما تخلّفت عنك».

قال : فنزل القرآن : (وَكَأَيّنَ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ ربِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا 0.

ص: 450


1- أي قطعية ، بحيث لا خيار ولا عور فيها. معجم مقاييس اللّغة 1 / 195.
2- المضغة : قطعة لحم. العين 4 / 370.

لِماأَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحبُّ الصَّابِريِنَ)(1). ونزلَت الآية فيه قبلها : (وَمَا كَانَ لِنفَس أنٌ تُمُوتَ إلاّ بِإذْنِ اللهِ كِتَابَاً مُؤجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرُةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنْجْزِي الشّاكِرِينَ)(2)»(3).

ثمّ ترك الشكاية في ألم الجراحة ، شكت المرأتان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مايلقى ، وقالتا : يا رسول الله ، قد خشينا عليه ممّا تدخل الفتائل في موضع الجراحات من موضع إلى موضع ، وكتمانه ما يجد من الألم.

قال : فعُدَّ ما به من أثر الجراحات عند خروجه من الدُّنيا فكانت ألف جراحة من قرنه إلى قدمه صلوات الله عليه.

ثمّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : خطب النّاس وقال : «أيها الناس ، مروا بالمعروف وانهو عن المنكر ، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرّب أجلاً ، ولا يؤخّر رزقاً»(4).

وذكروا أنّه توضّأ مع الناس في ميضأة(5) المسجد فزحمه رجل فرمى به فأخذ الدرّة فضربه ، ثمَّ قال له : «ليس هذا لما صنعت بي ، ولكن يجيئ من هوأضعف منّي فتفعل به مثل هذا فتضمن».

قال : واستظلّ يوماً في حانوت من المطر ، فنحّاه صاحب 5.

ص: 451


1- سورة آل عمران 3 : 146.
2- سورة آل عمران 3 : 145.
3- تفسير سعد السعود : 112.
4- الكافي 5 / 57 / ح6 ، تفسير القمي 2 / 36.
5- الميضأة : موضع يتوضأ منه. لسان العرب 1 / 195.

الحانوت(6).

ثمّ إقامة الحدود لو على نفسه وولده ، أحجم(1) الناس عن غير واحد من أهل الشرف والنباهة ، وأقدم هو عليهم بإقامة الحدود ، فهل سمع أحدٌ أنّ شريفاً أقام عليه أحد حدّاً غيره؟

منهم : عبيدالله بن عمر بن الخطّاب.

ومنهم : قدامة بن مظعون.

ومنهم : الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، شربوا الخمر ، فأحجم الناس عنهم وانصرفوا وضربهم بيده ؛ حيث خشي أن تعطّل الحدود.

ثمَّ ترك الكتمان على ابنته أُمّ كلثوم ، أهدى لها بعض الاُمراء عنبراً ، فصعدالمنبر فقال : «أيّها الناس ، إنَّ أُمّ كلثوم بنت عليّ خانتكم عنبراً ، وأيم الله ، لو كانت سرقته لقطعتها من حيث أقطع نساءكم».

ثمّ القرآن وما يوجد فيه من مغازي النبيّ (صلى الله عليه وآله) ممّا نزل من القرآن وفضائله وما يحدِّث الناس ممّا قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مناقبه التي لا تحصى.

ثمَّ أجمعوا أنّه لم يردَّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلمة قطّ ، ولم يَكعَّ عن موضع بعثه ، وكان يخدمه في أسفاره ، ويملأ رواياه وقِرَبِه ، ويضرب خباءه ، ويقوم على رأسه بالسيف حتّى يأمره بالقعود والانصراف ، ولقد بعث غير واحدفي استعذاب ماء من الجحفة وغلظ عليه الماء فانصرفوا ولم يأتوا بشيء ، ثمَّ توجّه هو بالراوية ، فأتاه بماء مثل الزلال ، واستقبله أرواح ، فأعلم بذاك النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فقال : «ذلك جبرائيل في ألف ، وميكائيل 5.

ص: 452


1- مكارم الأخلاق 1 / 224 / ح7.

في ألف ، ويتلوه إسرافيل في ألف»(1).

فقال السيّد الشاعر(2) :

ذاك الذي سلّم في ليلة

عليه ميكال وجبريل

جبريل في ألف وميكال في(3)

ألف ويتلوهم سرافيل

ثمّ دخل الناس عليه قبل أن يستشهد بيوم ، فشهدوا جميعاً أنّه قد وفّر فيأهم ، وظلف عن دنياهم ، ولم يرتش في أحكامهم(4) ، ولم يتناول من بيت مال المسلمين ما يساوي عقالاً ، ولم يأكل من مال نفسه إلاّ قدر البلغة ، وشهدواجميعاً أنَّ أبعد الناس منهم بمنزلة أقربهم منه.

آخر كتاب ابن دأب

والحمد لله والمنّة ، وصلّى الله على محمّد وآله. خ.

ص: 453


1- قرب الإسناد : 111 / ح387 ، الاحتجاج 1 / 47.
2- ديوان السيّد الحميري : 132.
3- في المطبوع : ميكال في ألف وجبريل ، وما أثبتّه من النسخ.
4- في المطبوع : في إجراء احكامهم ، وما أثبتّه من النسخ.

ص: 454

صورة

ص: 455

ص: 456

بسم الله الرحمن الرحیم

حياة الشيخ محمّد بن طاهر السماويّ النجفي

اسمه ونسبه :

هو : الشيخ محمّد بن الشيخ طاهر بن حبيب بن الحسين بن الحسن بن تركي الفضلي السماوي.

يلاحظ في أسماء أجداد المترجَم له : تركي ، وعليه زعم البعض إلى أنّ أصله من تركيا.

قال في شعراء الغري : وسمعت ذلك أيضاً من سيّدنا المجتهد الكبير السيّد هبة الدين الشهرستانيقدس سره ، لكن الذي استظهره بعض المحقّقين أنّ هذاالزعم لا صحّة له ، وإنّما جاء هذا الاشتباه من كون اسم جدّه الرابع تركيّاً ، فقيل لرهطه : آل تركي ، وهو استظهار وجيه ، وكيف كان فالمرء بفضيلته لابفضله(1).

والسماوي : نسبه إلى مدينة السماوة (المثنى) ، وهي مدينة من منطقة الفرات الأوسط ، تقع بين مدينة القادسية (الديوانية) ومدينة ذي قار (الناصرية) وتسمّى اليوم بمدينة المثنّى.

ولادته :

ولد الشيخ في مدينة السماوة في السابع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام عام 1292 من الهجرة النبويّة. 5.

ص: 457


1- شعراء الغري 10 / 475.

هكذا وجدته في :

1 - ترجمته المكتوبة في حياته في كتابه : الكواكب السماوية.

2 - أدب الطف.

3 - شعراء الغري.

4 - معجم رجال الفكر والأدب في النجف.

5 - الذريعة.

هاجر مع أبيه عام 1303 إلى النجف الأشرف ؛ للترقّي ولدراسة العلوم الدينيّة ، فدرس العلوم الحوزوية من مبادئ الدراسة هناك.

أساتذته :

1 - الشيخ شكر بن أحمد البغدادي.

2 - الشيخ عبدالله بن معتوق القطيفي.

3 - السيّد عليّ الأمين العاملي.

4 - الشيخ عبدالهادي البغدادي.

5 - الشيخ أحمد السماوي.

6 - الشيخ عليّ بن الشيخ باقر آل صاحب الجواهر.

7 - الشيخ حسن بن الشيخ محمّد حسن آل صاحب الجواهر.

8 - آقا رضا الهمداني.

9 - السيّد محمّد بن هاشم الهندي.

10 - الشيخ محمّد طه نجف.

11 - الفاضل الشرابياني.

ص: 458

12 - الشيخ محمّد حسن المامقاني.

13 - شيخ الشريعة الأصفهاني.

نشأته :

تقدّم الكلام أنّ الشيخ رحمه الله هاجر إلى النجف عام 1304 ه- ، حتّى سكن بها إلى عام 1312 بصحبة والده الذي كان من أهل العلم أيضاً.

والده الشيخ طاهر السماوي الذي كان عالماً فاضلا ، يثنى فضله ، كان يحضر أبحاث الأساتذة في النجف إلى أن توفّي في سنة 1320 ، وعند وفاة والده لم يبرح النجف ، بل بقي فيها حتّى عام 1322 ه.

وقد يتخلّلها بعض الوقت إلى زيارة مسقط رأسه السماوة.

ثمّ في سنة 1322 هاجر إلى السماوة ، فبقي فيها إلى عام 1330 ه.

ثمّ عُيّن عضواً في مجلس الولاية الخاصّ في بغداد لمدّة خمس سنوات.

في أيّام الحرب العامّة رحل إلى النجف الأشرف في زمن الاحتلال البريطاني ومكث فيها ، حتّى عُيّن في هذه الأيّام قاضياً لمدّة سنتين ، ثمّ عيّن في إحدى أقضية كربلاء وبقي فيها سنتين ، ومن بعدها نُقِل إلى بغداد بين عمله القضائي والتمييز الشرعي ، وبقي مدّة عشرة سنوات ، ومن بعد هذا العمل الجاد في القضاء والتمييز - الذي بقى فيه مدّة تقريباً أحد وعشرين سنة - استقال رحمه الله عن العمل ؛ وسبب استقالته هي صدور ذيل قانون تنسيق الموظّفين غير المرغوب بقائهم آنذالك.

وبعد استقالته انصرف إلى الكتابة والتصنيف والنسخ ، مع أنّه كان في أيّام قضائه والتمييز غير منقطع الأسباب بتقييد الشوارد وصيد الأوابد ، وكأنّه لم يخلق إلاّ لهذا المجال!

ص: 459

ذكر الأُستاذ الخاقاني : وقد اشتغل السماوي في الصحافة في أواخر العهدالتركي كمحرّر في جريدة الزوراء الرسمية ، التي كانت تصدر باللغتين التركية والعربية ، فبقي بها سنتان(1).

إجازاته :

لشيخنا المترجَم إجازات في الرواية من علماء ، هم :

1 - الشيخ عليّ بن الشيخ باقر آل صاحب الجواهر.

2 - السيّد محمّد بن هاشم الهندي.

3 - السيّد حسن الصدر الكاظمي ، وغيرهم.

المجازون منه بالرواية :

1 - محمّد صادق آل بحر العلوم ، المتوفّى سنة 1399 ه.

2 - الشيخ محمّد رضا الطبسي ، المتوفّى سنة 1405 ه.

3 - الدكتور حسين عليّ آل محفوظ ، المتوفّى سنة 1430 ه.

هذا حسب ما توفّقت من الوصول إليهم.

ما قيل في حقّه :

1 - قال في شعراء الغريّ - نقلا عن الروض النضير للنقدي الناقد - : فاضل ، بسقت دوحة فنونه في رياض الفضائل ، وجرت جداول عيونه في غضون الكمالات ، ينبئك عن جليل قدره وسموّ مكانه قول أستاذه السيّد إبراهيم الطباطبائي ، وكانت له علقة به(2).8.

ص: 460


1- شعراء الغريّ 10 / 476.
2- شعراء الغريّ 10 / 478.

2 - قال السيّد محمّد صادق بحر العلوم :

عالم ضليع ، وأديب بارع ، تاريخيٌّ ، لُغَوِيّ ، بحّاثة طويل ، بارع في فنون العلم ، شاعر مفلّق ، متفنّن محيط بأخبار السلف(1).

3 - قال آقا بزرگ الطهراني :

الشيخ الفاضل ، الأديب الماهر ... ، وهو دامت بركاته لا يدع الاشتغال ليلاونهاراً ، وله إلمام تامٌّ في جمع الكتب ونشرها وتكثيرها بأيّ نحو كان ، حتّى أنّه استنسخ لنفسه بخطّ يده ما يربو على مائة نسخة نفيسة عزيزة ، مع ابتلائه بمنصب القضاء ، ودخوله في الدوائر من سنين(2).

4 - قال الخطيب الكبير السيّد جواد شبّر :

كتب عشرات الكتب ، وكان شديد الشغف بالاستنساخ والتأليف ، كنت أسأله وأستفيد منه ، ودخلت عليه مرّة فرأيته يكتب تفسير القرآن استنساخاً ، فقال لي : إنّي كتبت وجمعت لشعراء لم يجمع شعرهم ما يربو على الخمسين شاعراً ، أمّا من التفاسير فهذا التفسير السادس الذي أكتبه بخطّي.

ثمّ يقول السيّد : ومن ذكرياتي أنّه لمّا أصدر كتبه الثلاثة : عنوان الشرف ، ظرافة الأحلام ، الكواكب السماوية ، قرّظتها بقطعة شعرية(3).2.

ص: 461


1- الكواكب السماوية : المقدّمة.
2- نقباء البشر (مخطوط) ، نقلاً عن مجلة علوم الحديث.
3- أدب الطف 10 / 22.

5 - قال في شعراء الغريّ :

والسماوي شخصيّته علمية أدبيّة فذّة ، جمعت كثيراً من أُصول الفضائل ، وطمحت إلى أسمى الأهداف ، وقد حقّق الكثير ، فقد شارك في كثيرمن الفنون والعلوم وتنوّع في معارفه ، وأشهر ما عرف به جمعه للكتب ، فقدتمّت فيه هذه الروح منذ أوّل عهد الشباب ، ورغّبه على ذلك الشيخ أحمدبن الشيخ آل عبدالرسول ؛ لأنّه جدّه الأعلى المتوفّى سنة 1331 ه- ، حيث جمع مكتبة نادرة عبثت بها يد جاهلية ، ولا تزال بقيّة باقية منها مبعثرة عندأنجاله وأحفاده ، واستمرّ الشيخ السماوي يجمع الكتب وأكثرها ممّا يكتبه بخطّه.

ثمّ يقول : واستمرّ يتتبّع النوادر من المخطوطات ، ولمّا حسنت حاله أخذيجمع أُمّهات الكتب المطبوعة والمراجع والموسوعات ، حتّى نالت شهرةواسعة عبرت بها المشرق وكتب عنها المعنيّون بالآثار ، أمثال : جرجي زيدان في كتابه تاريخ آداب اللّغة العربية(1).

6 - قال الأُستاذ عبدالكريم الدجيلي - كما نقله عنه في شعراء الغريّ :

كان السماوي خير من يمثّل العالم في المدرسة القديمة بأسلوب كلامه ، وطريقة حواره ، وهيئة بزّته واتّزانه وتعقّله ، إذا حضر مجلساً يأسر قلوب الحاضرين بسرعته البادرة ، وحضور النكتة ، وقوّة الحافظة ، وسعة الخيال ، فهو ينتقل بك من الشعر العاميّ المتسامي إلى طرف من التاريخ والأدب ، ثمّ إلى نوادر من الحديث والتفسير ، وهو إلى جانب ذلك يسند 6.

ص: 462


1- شعراء الغريّ 10 / 476.

حديثه بإحكام ودقّة تعبير ، فيدلّك على الكتاب الذي يضمّ هذه النادرة ، أو تلك النكتة ، وعلى الصحائف التي تحتويها ، وعلى السنّة التي طبع فيها هذا الكتاب إن كان مطبوعاً ، وإلى عدد طبعاته إن كانت متعدّدة ، وحتّى التحريف والتشويه بين الطبعات ، وأنت إذ تستمع إليه فكأنّك تصغي إلى عالم من علماءالعهد الأُمويّ ، أو العبّاسي في طريقة حواره ، وأُسلوب حديثه ، وانتقاله من فنٍّ إلى فنّ ، ومن علم إلى علم ، فهو يعيد لك عهد علم الهدى في مجالسه ، والإمام القالي في أماليه ، والمبرّد في كامله ، والجاحظ في بيانه وتبيينه ، ولا تفارقه تلك الابتسامة التي تقرأ منها عمق التفكير ، وجلال العلم ، وغبار السنين (1).

7 - قال الخليلي :

لم يعرف التاريخ عالماً في العصور المتأخّرة - أحاط بالكتب القديمة وتواريخها ، ومواضعها ، وقيمة الكتب الأثرية ونفاستها - كالشيخ محمّد السماوي ، خصوصاً في ما يتعلّق بالشعر والشعراء ودواوينهم ، فهو في عصورنا المتأخّرة كمحمّد بن إسحاق صاحب الفهرست في عصره(2).

8 - قال الشيخ الأميني :

عالم فاضل ، جليل مؤرّخ متتبّع ، متضلّع في الأدب والتاريخ واللّغة والشعر ، عارف بالرجال والكتب ، مؤلّف مكثر(3). 6.

ص: 463


1- نقلا عن جريدة اليقظة في شعراء الغريّ 10 / 479.
2- موسوعة العتبات المقدّسة 2 / 292.
3- معجم رجال الفكر والأدب 2 / 686.

9 - قال الزركلي :

شاعر أديب ، من القضاة ، من أعضاء المجمع العلمي العراقي ... ، ثمّ يذكرولادته ونشأته وتعريف السماوة ، ثمّ يقول : أكثر في شبابه من نظم الغزل والإخوانيّات ، وانقطع في كهولته إلى المدائح النبويّة ، وما يتّصل بها من مدح الحسين السبط ، وعليّ السجاد ، ومحمّد المهدي بن الحسن ، وآخرين من المتقدّمين(1).

مكتبته :

كانت مكتبته من المكتبات القيّمة ، والتي كانت تحوي الآثار الجليلة ، والنوادر النفيسة ، والمخطوطات النادرة ، وأكثر محتوياتها ممّا استنسخه بخطّه.

1 - قال الشيخ جعفر آل محبوبة في وصف مكتبته :

خزانة جليلة فيها من النفائس المخطوطة والمطبوعة طائفة حسنة ، وفيهاكثير من الكتب المؤلّفة في علم الفلك ، والرياضيّات.

ومنها : نسخة للمجسطي ، منقولة عن نسخة المصنّف.

وشرح التذكرة ، للسيّد الشريف الجرجاني صاحب كتاب التعريفات.

والتحفة الشاهية.

والمدخل لكوشيار ، وقد كتب سنة 800 ه.

وشرح الجغميني ، لجمال الدين التركماني ، وقد خطّ في نحو سنة ثمانمائة هجرية. 3.

ص: 464


1- الأعلام 6 / 173.

وكتاب التفهيم ، للبيروني.

وفيها كثير من الدواوين الشعرية ، لمشاهير الشعراء المتأخّرين ، كديوان السيّد علي خان صاحب السُّلافة.

وديوان السيّد المرتضى ، في أربعة أجزاء.

وديوان عبدالمحسن الصوري.

وديوان صرّ در ، وقد طبع اليوم.

وديوان الأبله البغدادي.

وديوان الغزي.

وديوان السري الرفاء ، وغيرها.

وفيها : كتاب الأمكنة ، للغدة صاحب الأصمعي.

وكتاب نشوة السلافة ، وهو ذيل على سلافة العصر للشيخ محمّد علي آل بشارة النجفي ، والنسخة من مختصّات هذه المكتبة.

وفيها : تفسير نهج البيان ، لمحمّد بن الحسن الشيباني ، صنّفه للمستظهرالعبّاسي.

ومن كتب اللّغة :

ذيل الفصيح : لابن فارس.

وكثير من مكتبته منسوخ بخطّ يده.

كان فيها : كتاب العين : للخليل بن أحمد.

والمحيط في اللّغة : للصاحب بن عبّاد.

ومجمل اللّغة : لابن فارس.

وديوان حسّان بن ثابت : بقلم قديم.

ص: 465

وقد باعها في أُخريات أيّامه على مديرية الآثار العراقية والمعارف في شهر رجب سنة 1368.

2 - قال في موسوعة العتبات المقدّسة في ذكر هذه المكتبة - بعد ما قال في حقّه - :

فقد كان السماوي مرجعاً فذّاً في تثمين الكتب القديمة ، ومظانّ وجودها ، بل كان فهرس يحتاجه المؤلّفون ؛ لمعرفة بحوثهم ومواضيعها حين يريدون الإحاطة التامّة بما يبحثون عنه ، وقد جاءته هذه الملكة من إفناء عمره الطويل في جمع الكتب ، والمخطوطات بصورة خاصّة ، وللكتاب في نفسه منزلة ما حاكاها شيء معزّة وحبّاً وتقديساً.

ولقد روى الراوون عنه على سبيل الفكاهة قوله : إنّه عمل قاضياً أكثر من ثلاثين سنة ، وكان يجنّب نفسه الاتّصال بغير أصدقائه الخلّص المنتقين ، وكان يرفض قبول أيّة هدية من أيّ شخص ، حتّى وإن لم تكن له حاجة في المحكمة ، حذراً من أن تشوب حكمه شائبة من العواطف.

لقد قال : لقد حاول الكثير إغرائي بشتّى الطرق فلم يفلحوا ؛ لأنّهم لم يكتشفوا نقطة الضعف في نفسي ، ولو عرفوا قيمة الكتب عندي ، ومنزلتها في نفسي ، لأفسدوا لي برشوة الكتب كلّ أحكامي ..!!

وقد ضمّت مكتبة السماوي أندر النسخ من الكتب القديمة الثمينة.

ومنها : المخطوطة بخطوط أصحابها ، وحين اشترى في شارع آل الشكري - بمحلّة العمارة - داره ، خصّ الطابق الثاني بهذه الكتب ، ووفّر لنفسه مكاناً فسيحاً للمراجعة والعمل ، وقد استخدم عدداً غير قليل من الخطّاطين في استنساخ بعض الكتب التي لم يستطع أن يظفر بها شراء ؛ لتكون في مكتبته نسخة منها ، كما استعان بعدد من الذين يثق بهم ؛

ص: 466

لمعاونته في استخراج ما كان يريد من المواضيع ، من بين هذه الخزانة.

أمّا الكتب النادرة المنحصرة بمكتبته والأثيرة عنده ، فقد كان ينقلها بخطّه ، ولشدّة خوفه على تلك الكتب الفريدة وحرصه عليها تعلّم التجليد ، واشترى الأدوات اللازمة ، وراح يجلّدها بيديه تجليداً ، لا نظنّ أنّه كان يقلّ جودة عن تجليد المجلّدين.

أمّا المطبوعات ، فقد كان يملك منها أعزّ الكتب المطبوعة في خارج العراق ، بليدن أو غيرها. وكلّ مطبوعات بولاق على وجه التقريب ، وقد رأينا مكتبته هذه وأفدنا منها ، والذي لم يرها يستطيع أن يتبّين قيمتها ممّا ترك السماوي من مؤلّفات يحتاج كلّ واحد إلى مئات المراجع والمصادر.

ثمّ يذكر مؤلّفاته - وسوف تأتي - ثمّ يقول :

وبلغت مكتبة السماوي من سمعة انفرادها بالنفائس حتّى صارت مقصدالزائرين من جميع الجهات ، وقد عدّها جرجي زيدان في ضمن مكتبات السماوة سهواً ، وقال عنها : إنّها تجمع طائفة حسنة من المخطوطات ، وأكثرها في علم الفلك والرياضيّات.

ومن أهمّ ما احتوت عليه مكتبة السماوي من المخطوطات :

ثمّ يذكر أسماء الكتب التي كانت عنده ، وقد تقدّم ذكرها.

أمّا تأسيس المكتبة فقد كان في طليعة القرن الرابع عشر ، وحين توفّي السماوي انحصرت الوراثة بابنته فعرضت المكتبة للبيع ، فتزاحم وتنافس على شراء كتبها عدد من الأفاضل وأرباب الخزانات الخاصّة ، وقد ابتاعت مكتبة الإمام الحكيم منها نحو 450 كتاباً من المخطوطات ، ومئات من الكتب المطبوعة ، وكان عدد كتب مكتبة السماوي نحو 6000 كتاب.

ص: 467

أمّا الدواوين الشعرية ، فإنّ أغلبها قد انتقلت شراء إلى مكتبة الشيخ محمّدعلي اليعقوبي ، والشيخ محمّد رضا فرج الله ، والمحامي صادق كمّونة ، وصالح الجعفري ، وهكذا انتهت حياة هذه المكتبة ، كما قد انتهت وتنتهي حياة المكتبات العامّة والخاصّة في النجف(1).

3 - قال جرجي زيدان فيها :

فيها من المخطوطات طائفة حسنة ، أكثرها في علم الفلك والرياضيّات.

ومن كتبها :

1 - المجسطي ، وهي منقولة عن نسخة المؤلّف.

2 - شرح التذكرة ، للسيّد الشريف ، صاحب كتاب التعريفات.

3 - التحفة الشاهية.

4 - المدخل ، لكوشيار ، وقد كتب نحو سنة 800.

5 - كتاب التفهيم ، للبيروني.

6 - ديوان السيّد علي خان ، صاحب السلافة.

7 - ديوان الوأواء الدمشقي.

8 - ديوان ابن الخيّاط ، وغيرها(2).

مؤلّفاته :

1 - إبصار العين في أحوال أنصار الحسين عليه السلام :

ذكر المؤلّف رحمه الله في هذا الكتاب أسماء مائة وعشرين من أنصار 1.

ص: 468


1- موسوعة العتبات المقدّسة 7 / 293.
2- تاريخ آداب اللّغة العربية 4 / 491.

الإمام الحسين بن علي عليه السلام ، سواء الذين استشهدوا بين يديه عليه السلام في يوم الطفّ ، أو الذين جرحوا ولم يستشهدوا ، كالحسن المثنّى ، أو الذين استشهدوافي نصرته ، كسليمان بن رزين الذي استشهد قبل الطفّ ، وبعد الطفّ ، كقيس بن مسهر الصيداوي ، ومسلم بن عقيل ، وهاني بن عروة ، وغيرهم ، وهو كتاب مطبوع.

2 - اجتماع الشمل بعلم الرمل :

مذكور في ترجمته في الكواكب السماوية.

3 - الانثلاج في الاختلاج :

وهي أرجوزة في أسباب الاختلاجات التي تحدث في أعضاء الإنسان.

4 - البلغة في البلاغة.

5 - بلوغ الأُمّة في تاريخ النبيّ والأئمّة :

6 - تخميس السبع العلويّات :

وهو تخميس لقصيدة ابن أبي الحديد.

7 - تخميس الكرّارية :

والكرّارية قصيدة من نظم محمّد الشريف بن فلاح الكاظمي في 430 بيتاً ، وقد قرّظها ثمانية عشر رجلا من أعاظم علماء عصره وأدبائه.

8 - تخميس قصيدة الأشباه :

وهي قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام ، لأبي عبدالله محمّد بن أحمدالمفجّع البصري الشاعر ، الذي شبّه فيها أمير المؤمنين عليه السلام بأنبياء أولي العزم ، كما شبّه النبي (صلى الله عليه وآله) بهم ، مستنداً بأحاديث أوردها بعنوان الشرح.

ص: 469

9 - التذكرة في تكملة المخبرة.

10 - الترصيف في علم التصريف.

وهي أرجوزة جامعة لمسائل الصرف ، وهي ثلاثمائة بيت.

11 - تسديد المتحيّرة في تخميس المحبّرة :

وهو الألفية التي نظمها أحمد بن علوية الأصفهاني ، قد جمعها الشيخ السماوي رحمه الله من مواضع متعدّدة من كتاب المناقب لابن شهر آشوب ، فبلغ مجموعها إلى مائتين وعشرين بيتاً ، ثمّ خمّس المجموع.

12 - ثمرة الشجرة في مديح العترة المطهّرة.

13 - جداول في معرفة التاريخ العربي والرومي.

14 - جذوة السلام :

وهي نظم مسائل الأربعينة الشهيدية في علم الكلام.

15 - جمل الآداب :

وهو نظم لكتاب عيسى بن دأب في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ، وذكر مناقبه السبعين الذي تقارب 400 بيت ، وهو هذا الكتاب الذي بين يديك.

16 - الجيّد السري من شعر السيّد الحميري :

وهو تجميع لشعر السيّد الحميري ، الذي جمعها الشيخ رحمه الله من كتب متفرّقة ، ورتّبه على الحروف.

17 - الديوان :

وهو ديوان يقع على أكثر من أربعة ألف بيت في عدّة مجاميع.

18 - رسالة في حياة السيّد سليمان الحلّي.

ص: 470

19- روض الأريض :

وهو ديوان مراسلات.

20 - روضة الأمان في مدح صاحب الزمان عليه السلام.

21 - الروضة العبقرية في مدح الحضرة الحيدرية :

وهو ديوان قصائد في مدح الأمير عليه السلام في جميع القوافي ، يحتوي على تسع وعشرين قصيدة بعدد الحروف في قوافيها ؛ ولذا سمّي ب- : الروضة.

22 - روضة الهدى في مدح سيّد الشهداء.

23 - رياض الأزهار :

يقرب من خمسة عشر ألف بيت ، وفيه روضات للنبيّ وكلّ واحد من الأئمّة عليهم السلام.

24 - سنا الآفاق في الأوفاق.

25 - شجرة الرياض في مدح النبيّ الفيّاض.

26 - صدى الفؤاد في تاريخ بلد الكاظم والجواد :

منظومة في 1120 بيت في تاريخ مدينة الكاظمية.

27 - الطليعة من شعراء الشيعة.

28 - ظرافة الأحلام في من نظم شعراً في المنام ، أو ظرافة الأحلام في انتظام المتلوّ بين أهل البيت الحرام في المنام في ما أنشد به النبيّ أو الأئمّة عليهم السلام في الأحلام :

وهو مرتّب على ثمانية أبواب.

29 - عنوان الشرف في وشي النجف :

أو عنوان الشرف في تاريخ النجف : منظومة في 1500 بيت.

ص: 471

30 - غنية الطّلاب في الاسطرلاب.

أُرجوزة في 150 بيت.

31 - فرائد الأسلاك في هيأة الأفلاك :

أُرجوزة في 200 بيت.

32 - قرط السمع في الربع المجيب :

وهي أُرجوزة في 150 بيت.

33 - كشف اللثام عن قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصّيامَ) في نقض رسالة المفتي في ردّ بعض الشيعة.

34 - الكواكب السماوية في شرح قصيدة الفرزدق العلوية :

قال الشيخ الطهراني : فيه فنون عن العلم ، وله تخميسة الميميّة أيضاً.

وأساس شرحه التعرّض على عشرة أُمور :

أ - اللّغة.

ب - النحو.

ج - الصرف.

د - المعاني.

ه- - البيان.

و - البديع.

ز - العروض.

ح - القوافي.

ط - المعنى.

ثمّ يذكر لكلّ بيت خمسة تخميسات وهي لكلّ من - :

ألف - لنفسه.

ص: 472

ب - للسيّد نصر الله المدرّس الحائري.

ت - للسيّد راضي بن السيّد صالح القزويني ، المتوفّى سنة 1287.

ث - لمحمّد بن إسماعيل بن خلفه الحلّي ، المتوفّى سنة1342 بالطاعون.

ج - لمصطفى بن جواد الخالصي.

35 - مجالي اللطف في أرض الطفّ :

وهو أُرجوزة في تاريخ كربلاء في 1250 بيت.

36 - مشارق الشمسين في الطبيعي والإلهي.

37 - ملتقطات الصحو في مستنبطات النحو :

وهو أرجوزة في 200 بيت.

38 - ملحّة الأُمّة إلى لمحة الأئمّة في تواريخهم :

وهي أُرجوزة في تاريخ المعصومين عليهم السلام.

39 - الملمّة في تواريخ الأئمّة.

40 - مناهج الوصول إلى علم الأُصول :

أُرجوزة في الأصول على نحو 150 بيت.

41 - موجز تواريخ أهل البيت عليهم السلام ووفياتهم :

منظومة في الأيّام التي يصحّ أو لا يصحّ فيها المنام.

42 - نظم السمط في علم الخطّ.

43 - نقض المحنة الآلوسية في ردّ الشيعة الإثني عشرية.

44 - النيلي الوفر :

في الجفر.

45 - وشائح السرّاء في شأن سامراء :

منظومة في تاريخ سامراء في 700 بيت.

ص: 473

نموذج من موشّحاته وشعره :

تقدّم الكلام - في مؤلفاته - للشيخ رحمه الله ديوان شعر ، وهو يقع في أكثر من أربعة آلاف بيت ، اقتصر فيه على النواحي الدينية.

وله كذلك في نظم الوشائح متأثّراً بالصناعة اللفظية.

وإليك نماذج منها :

الشعر

يمدح النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) :

أخجلت جيد الريم بالالتفات

وفقت سلّ السيف بالانصلات

بسمت زهواً بشتيت اللمى

فأيّ شمل لم تدعه شتات

تقوّل الناس بتحقيقه

والله قد أنبت ذاك النبات

ثغر إذا لحن ثناياه لي

عجبت للّؤلؤ وسط الفرات

جلا علينا فمه خمرة

فهاك يا ساقي كأسي وهات

حتّى يصل ويقول :

لله ما جاء به أحمد

وللمعاني الغرّ بالمعجزات

ما زلّنا ميلاده عن هدى

أمات أحياءً وأحيا موات

نار خبت فيه وماء جرى

وكوكب أهوى وداع أصات

وانشقّ أيوان فأبراجه

تطايحت بعد ثبات ثبات

هل بعد هذا معجر معجز

للمتحدّي من جميع العتاة

يبقى حياة الدهر إعجازه

ومعجز الرسل لحين الممات

وله يمدح النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وقد التزم فيها بالحروف المهملة :

أهواه سمح الوعود أمرد

أعطى مرام الورود أم ردّ

ص: 474

هلال سعد ودعص رمل

حلاهما عوده المأودّ

أطال صدّاً وحال عهداً

وملّ ودّاً وواصل العدّ

سطا وعود الأراك رمح

عدله والسهام سدّد

حتّى يصل ويقول :

وأسلموا والسلام أمر

على أودائه وأسعد

له السماح الأعمّ ورد

حلا إلى أرود وورّد

سلسلة للورى عطاء

مصرّح الورد لا مصرّد

أسأل صمّ الصلاد ماء

وأطعم السائل المردّد

وسلّم الدوح طوع أمر

وعاد روح ومح أرمد

ما للحصى والكلام لولا

أمر إله السما الموحّد

سمعاً صراط الإله مدحاً

أسداه مملوكك المحسّد

لا صحّ درّ الكلام ما لم

أحمد طول الدهور أحمد

وله يرثي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :

تذكّر بالرمل جلاّسه

فهاج التذكّر وسواسه

وأفرده الوجد حتّى انثنى

يعاقر من حزن كاسه

فصار إذا رمقته العيون

يطأطأ من ذلّة راسه

وليل دجوجي بردّ الصبا

تولّت همومي إلباسه

أقام فخيّم في أعيني

وشدّ بقلبي أمراسه

تململت فيه أناجي الجوى

وأدرس يا ربع أدراسه

أيا وحشة ما وعاها امرىء

وآنس في الدهر إيناسه

تمثّل ليلة غال الشقيّ

بها علم القسط قسطاسه

وأرصده في ظلام الدجى

بحيث العدى آمنت باسه

ص: 475

أتاه وقد اشغلته الصلاة

وأهدأت النفس أنفاسه

على حين قد عرجت روحه

ولم تودع الجسم حرّاسه

فلو أنّه داس ذاك العرين

بحيث يرى الليث من داسه

لفرّ إلى الموت من نظرة

وألقى الحسام وأتراسه

ولكنّه جاءه ساجداً

وقد وهب الله إحساسه

فقوّى عزيمته واجترى

فشقّ بصارمه راسه

وهدّ من الدين أركانه

وجذّ من العدل أغراسه

وغيّض للعلم تيّاره

وأطفأ للحقّ نبراسه

فيا طالب العلم خب فالكتاب

قد مزّق الكفر قرطاسه

ويا وافد العرد عد بالسحاب

غبٌّ وغيّب رجّاسه

ويا رخم الطير سد فالعقاب

قد مهّد الموت أرماسه

فمن للعلوم يرى فكره

ومن للحروب يرى باسه

ومن لليتيم ومن للعديم

يبدّل عن ذا وذا ياسه

قضى المرتضى بعد ما قد قضى

ذمام القضا بالذي ساسه

قضى حيدر العلم فالعالمون

أضاعوا الصواب بمن قاسه

قضى سيّد الناس بعد الرسول

وغادر في حيرة ناسه

أعنّي على النوح يا صاحبي

فقد جاوز الحزن مقياسه

وقد أنشب الوجد أظفاره

بقلبي ومكّن أضراسه

ألسنا فقدنا إمام الهدى

وبدر الفخار ومقباسه

أتبكي الأوزّة في وجهه

وأسكت أن فلقوا راسه

ويصرخ جبريل بين الملا

بصوت يولّد حسّاسه

وأُبقي عيوني وما جادها

وأترك قلبي وما جاسه

ص: 476

سأبكيك حتّى أُذيب الفؤاد

ولم أبق للنزع أقواسه

وإنّ من الحزن أن أنظم ال-

-رثا وأُؤلِّف أجناسه

وأركبه سلساً طيّعاً

وقد كنت عرّيت أفراسه

فإن يكن الشعر من جوهر

فإن رثاك غدا باسه

وله يمدح الإمام الحجّة بن الحسن العسكري عجّل الله تعالى فرجه الشريف :

أروضة العارضين طرّزها

ورد العذارين حين طرّزها

بدت لنا من خدوده فتن

فزادها عارضا وعزّزها

تبارك الله خطّ دائرة

من عارضيه والخال مركزها

ثنى ثنايا عن شارب فغدا

منعطفاً فوقها لينهزها

جالت على الغصن منه أوشحة

صدرها والكثيب عجّزها

حبيب قلبي لا تقذفنّ به

هوّة وجد أبعدت حيّزها

حتّى يصل ويقول :

ما قصدته الورى فخيّبها

ولا نحت نيلة فأعوزها

منحت قلبي مدحاً لمعشره

ولم أدع قوّة لأكنزها

وجئت فيها له موشيها

بزئبر منتقى مطرزها

هدية ترتقي لمنزله

فليتقبّل منها تجوّزها

يقلّ مني إن أهد مطنبها

فكيف أهدي إليه موجزها

يمدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :

أطلع بدراً على أراك

وماس منه على حنين

* * *

غزال غزا فهيّأ

له عدّة الحروب

ص: 477

محياه إذ تلالأ

سبى أوثق القلوب

بفرع إذ تكفّأ

رمى الشمس بالغروب

ومعطف ناضر يحاكي

بمتنه الذابل الرديني

* * *

حتّى يصل ويقول :

تعاليت بالعلوّ

وخلّفت كلّ غاية

فمن قال بالغلوّ

له من سناك آية

ومن له على الدنوّ

أحيك بالنهاية

فإنّ هذا هو امتلاك

لا ذاهب التبر واللجين

* * *

وفاته :

توفّي رحمه الله في النجف الأشرف يوم الأحد الثاني من شهر محرّم الحرام من سنة 1370 من الهجرة النبوية ، ودفن في الصحن الحيدري الشريف ، في الحجرة التي دفن فيها العلاّمة الشيخ محمّد جواد البلاغي رحمه الله.

ص: 478

صورة

ص: 479

صورة

ص: 480

بسم الله الرحمن الرحيم

[الصّلاة والسّلام على صاحب السكينة ، السّلام على المدفون بالمدينة ، السّلام على المنصور المؤيّد ، السّلام على أبي القاسم محمّد بن عبدالله ، ورحمة الله وبركاته.

والسّلام على أخيه وصنوه أمير المؤمنين ، وقبلة العارفين ، وعلم المهتدين ، وثاني الخمسة الميامين ، الذين فخر بهم الروح الأمين ، وباهل بهم المباهلين.

واللعنة على أعدائهم أجمعين ، آمّين ربّ العالمين.

أمّا بعد ، هذا ما نظمه الشيخ محمّد مهدي السماوي رحمه الله لكتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن دأب - وهو هذا الكتاب الذي بين يديك والمسمّى ب- : جمل الآداب في نظم كتاب ابن دأب - الذي ذكر فيه سبعين منقبة لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام ، من بعدها أورد شرحها كما أوردها المؤلّف ، وقد تقدّم الإشارة إلى المصادر التي ذكرت هذه المناقب ، ولا حاجة لتكرارها ؛ مخافة الإطالة](1).

الحمد لله العليّ البادي

والصّلَواتُ في مدى الآباد

على النبيّ خيرة العباد

وآله الأئمّة العبّادِ

* * *

وبعد فاسمع جمل الآداب

نظم كتاب الجهبذ(2) ابن داب).

ص: 481


1- الإضافة من المحقّق.
2- الجهبذ - بالكسر - : النقّاد الكبير. القاموس المحيط 1 / 352 (جبذ).

بفضل من وداده حدا بي

لنظمه وكان ذاك دابي

* * *

أعني أمير المؤمنين وابن عمّ

خير النبيّين الموافي بالنعم

ومن يجيب الهاتفين بِنَعَم

من أين خصّ سؤله وأين عمّ

* * *

نظّمته ممهّداً للرّاغب

بالحجّة الوثقى على المشاغب(1)

فإنّه راحة كلّ لاغب(2)

وريّ ظام(3) وطعام ساغب(4)

* * *

جاء بما أجاد فيه صنعاً

منوّفاً مثل برود صنعا

لم يجد الزاري(5) عليه منعا

بلى يرى دفعاً له ومنعا

* * *

مناقباً تحكّ كلّ كوكب

في أوجه بمنكب فمنكب

تمني لأصل في العليّ مركب

من فعمة النور التي لم تسكب

* * *

اختارها عيسى اختيار موسى

سبعين يستجلي بها الناموسا

فاطّلع النظم بها شموسا

مئتين لم تستطلع القاموسا

* * *

قال ابن دأب قد لقينا في الصبا

من الشيوخ البالغين منصبا).

ص: 482


1- المشاغب : المهيّج للشرّ. الصحاح 1 / 157(شغب).
2- لاغب : اللغوب : التعب. الصحاح1 / 220 (لغب).
3- ظام : العطشان. لسان العرب 1 / 116 (ظأم).
4- ساغب : الجائع. الصحاح 1 / 147 (سغب).
5- الزاري : قد أزريت به : إذا قصرت به. ترتيب إصلاح المنطق : 27 (أزرى).

يحدّثون في النوادي العصبا

عمّن شأى فضلاً وحاز القصبا

* * *

قالوا عددنا غرر الخصال

فكنّ سبعين بلا انفصال

يقودها الدين للاستحصال

فتبع الدنيا بالاتصال

* * *

ثمّ نظرنا رجلاً فرجلا

يدعى الأغرّ في الورى المحجّلا

فما وجدنا من بسُبعها انجلى

فكان فيها الأفضل المبجّلا

* * *

نعم وجدنا رجلاً ذا لبّ

من سرّة العرب الكرام الغلب

وهو زهير بن جناب الكلبي

فإنّه كان قويّ الصلب

* * *

وكان فارساً شريفاً عائفا

وكاهناً(1) وزاجراً(2)

وقائفا(3)

وكان شاعراً طبيباً نائفا

بالنجم فيهم شاتياً وصائفا

* * *

لكن وجدناه بهذي العشر

يريد دنيا دون يوم الحشر

حاز لبابها لطيب النشر

وماله في دينه من قشر

* * *

بلى وجدنا حيدراً قد جمعا

سبعين واختصّ بهنّ أجمعاف.

ص: 483


1- الكاهن : هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان. مجمع البحرين 4 / 79(كهن).
2- زاجراً : أي شاعراً. تاج العروس 6 / 456 (زجر).
3- القائف : الذي يتتبّع الآثار ويعرفها ، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه. لسان العرب 9 / 293 قوف.

قد ساقه الدين إليها طمعا

بالأجر فاستاقت له الدنيا معا

* * *

فطلّق الدنيا بغير رجعة

وانتجع(1) الاُخرى

فكانت نجعة

وقام عمره بغير هجعة

فقصّرت عمّا حواه السجعة

* * *

قلنا فعدّدوا لنا السبعينا

وأردفوها شاهداً معينا

لكي ترى العيون حوراً عينا

تسقي الظماء بارداً معينا

* * *

1

قالوا هي العلم وهذا حيدر

قال سلوني قبل أن لا تقدروا

إنّي في طرق السماء أجدر

منّي بطرق الأرض فيما يصدر

* * *

وقال لو تثني لي الوساد

لقلت ما لم تطق الآساد

عمّن يسودون الورى أو سادوا

وممّن الصلاح والفساد

* * *

وقال في صدري علم جمُّ

ليس له نهاية وحجم

وما به من الظنون رجم

خيل لها عدم الرجال لجم

* * *

2

والحلم وهو بالمحلّ الأعلى

له الرقيب وله المعلّى).

ص: 484


1- الانتجاع والنجعة : طلب الكلاء ومساقط الغيث. لسان العرب 8 / 347 (نجع).

فكم عفا عمّن أساء فعلا

وأنهل العفو كما أعلاّ

* * *

3

والجود وهو بحره الخضمّ

وغيثه الفيهق لا يضمّ

جاد وقد عضّ الطوى والهضم

واختلّ منه منزع وعضمُ(1)

* * *

4

والمجد وهو في الرعيل الأوّل

مقبّل الجبهة في التجوّل

فلا تقس ممجّداً في الدول

ثبابت المجد المعمّ المخول

* * *

5

والشرف الوضّاح فهو ذو الشرف

وحائز القلاد منه والطرف

حلّ وسيطاً منه في أعلى الغرف

وترك الناس جميعاً في طرف

* * *

6

والأمن وهو ربّه الموفّيه

وقوله يوم العطاء يكفيه

هذا جناي وخياره فيه

وكلّ جان يده إلى فيه

* * *

7

والزهد وهو في حضور المير

أزهد من رهبان كلّ ديرس.

ص: 485


1- في حاشية نسخة «س» : العظم - بالضاد - : ما قابل المنزع من القوس.

يقول يا صفراء غرّي غيري

وانكفئي عنّي بنحس طير

* * *

8

والأمر بالمعروف فهو ديدنه

تعرفه كوفته وعدنه

وطيبة الزهراء إذ تمدّنه

ومكّة العلياء وهي معدنه

* * *

9

والنهي عمّا يحتمي وينكر

فهو له ينمي وعنه يذكر

ينهى الأُولى ينهى ولا يفكّر

أَهُم طغاة أم طغام(1)

حكّر

* * *

10

وخصلة الشجاعة المخصّلة

فإنّها لشخصه مفصّلة

تعرف بدر وحنين منصله

والناكثون والأُولى لهم صلة

* * *

11

واللسن فهو ابن جلا أبو الحسن

ومدره العرب العريق في اللسن

يجري به طلق العنان والرسن

كأنّه قد شرع اللسن وسن

* * *

12

والخطب التي إذا ما صدعا

بهنّ أبدى ما رأى وأبدعا).

ص: 486


1- الطغام : أوغاد الناس. العين 4 / 389 (طغم).

فارتدّ شانيه بها وارتدعا

وعاد بعدها بأنف أجدعا

* * *

13

والحكم اللاتي إذا تنتثر

يبدو بها مزمّل مدثّر

ويستطيل أثر فأثر

ليس يني فيها وليس يعثر

* * *

14

والكلم المحكمة القصار

كأنّها في سمطها تقصار

دان المهاجرون والأنصار

لها ولم تختلف الأعصار

* * *

15

واللفظ فهو اللؤلؤ المرفضّ

يذهب في القلب ولا يفضّ

ليس به سكن وليس خفض

كالقطر إذ ينفض أو ينفضّ

* * *

16

والوعظ وهو فيه قد تقدّما

وفاق حاش الطهر ولد آدما

فهو إذا احتذّ به واحتدما

أبكى دماً منه وأبقى ندما

* * *

17

والحفظ فهو حافظ ما بلغه

بحيث لم يبلغ أريب مبلغه

أصغى إلى الملائك المبلّغة

فعدّ الأفراد بتعداد اللغة(1)

* * * ط.

ص: 487


1- هكذا ورد في المخطوط.

18

والنصح وهو صاحب النصايح

يمحضها بالكلم الفصايح

إلى المناجي مخبتاً والصايح

في هدن الحرب وفي المصابح

* * *

19

والفصح التي ابتداها واجتلى

منها على منبره مهما اعتلى

تشبه قرآناً إذا نال تلا

فيبتلي بها الأُولى وتبتلى

* * *

20

وخصلة البلاغة المنتجزّة

فإنّها بين الأنام معجزة

قد حفظ الرواة منها الموجزة

وغادروا بلاغة منحجزة

* * *

21

والضرب بالسيف الذي ما خان قطّ

إذا اعتلى قدّ وإن قابل قط

فهو الذي يكتب فيه ما التقط

فالجثث الأسطر والهام نقط

* * *

22

والصفح للحيا بكشف السرّ

فقد عفا عن عمرو أو عن بسر

إذ كشفا العورة عند العسر

فلاقيا صفحاً له في يسر

* * *

ص: 488

23

وغالب الحباء قال سعدُ

له ألا تخطب فهي سعدُ(1)

فقال لو إماؤه تعدّ

لما اجترأت وهي لي تعدُّ

* * *

24

ومشية الخضوع حين اختالا

أبو دجانة بمن تتالى

وهو إذا ما أحسن القتالا

سار خضوعاً ومشى انبتالا

* * *

25

وعدم الآمال فهو في الأمل

لا ناقة له به ولا جمل

قيل خطّ الكُمّ لتوفير العمل

فقال ما الوقت بأملى وأمل

* * *

26

والعدل في الناس فما أن جارا

فيهم بعيداً عنهم أو جارا

ولم يجار كالذي قد جارا

ففرّق الضعاف والتجّارا

* * *

27

والفصل في القضا فإنّه ملك

فتياه في إنس وجنّ وملك

ناهيك فيه قول من معه سلك

مسالكاً لولا عليّ لهلك

* * * د.

ص: 489


1- في حاشية (س) : سعد الأول : ابن معاذ ، والثاني ظاهر ، وتعد الاُولى من العدد ، والثانية من الأعداد.

28

والقسم بالسواء بين الناس

في الذاكر القسم له والناسي

والعبد والمولى من الأجناس

فهو يساويهم على إيناس

* * *

29

وحسن الاستنباط من مثاره

فإنّ هذا الفنّ من آثاره

قد حفظ الجنين في دثاره

وقد أقام الشيخ من عثاره

* * *

30

وخصلة العبرة في الذي لحق

بما مضى من سابقاته وحق

فإنّه أحيى فتى بمات حق

زمان داود ونال ما استحق

* * *

31

وعدم الشرك بربّه الأحد

إذ كان لم يشرك بربّه أحد

ثنّى النبيّ المصطفى حين اتّحد

على الصلاة وهو لا يبلغ حد

* * *

32

وخالص العبادة التي انتضى

لها فقام بالذي لها اقتضى

قفا رسول الله فيها واستضا

بنوره فكان فيها المرتضى

* * *

33

وبذله النفس فداء الهادي

إذ بات في الفراش وهو الهادي

ص: 490

ومدّ عنه للفداء الهادي

والهادي في الغار من الوهاد(1)

* * *

34

وغاية الحفّاظ حين استأجرا

ظهراً لأهل المصطفى وهاجرا

يمشي الدجى ويكمن المهجّرا

فلا تسل عن قدميه ما جرى

* * *

35

وخدمة الهادي غداة يخصف

نعاله حتّى حكى من ينصف(2)

وجاء بالما والرياح تعصف

بها من الأملاك ما لا يوصف

* * *

36

والابتهاج إذ على النبيّ مرّ

فقال ما ظننته إلاّ قمر

أشرف في تمامه على سمر

ما كان أحلى ما حكى وما أمر

* * *

37

وصهره المأمور في إمهاجه

من بعد كسح الناس عن منهاجه

فوازر(3) الممدوح

بابتهاجه

ونابذ المكسوح أو منهاجه

* * * ).

ص: 491


1- الوهاد : الوهدة : السكان المطمئن ، والجمع وهد ووهاد. الصحاح 2 / 554 (وهد).
2- في حاشية «س» : النصيف : الخادم ، كالناصف والمنصف ، وقد نصف.
3- الفارز : وهو المنفرج الواسع. معجم مقاييس اللغة 4 / 502 (فرز).

38

والحبّ من خالقه الجليل

بشاهد الطير له المليل

من دعوة للمصطفى الخليل

وجيئة منه على تعليل

* * *

39

والاختصاص منه في براءة

إذا سار سار فمضى وراءه

فابتزّه عن ربّه شراءه

وامتاز بالآذان والقراءة

* * *

40

وخصلة التقوى فتلك تقوى

ليست تخونه وليست تقوى(1)

يخاف وهو ماسك بالأقوى

فهل ترى تقوى كهذي التقوى

* * *

41

وتركه بين الأنام الغدرا

قيل له أبق الولاة صدرا

واعزلهم قال وكان أدرى

لست بغدر عن مقامي أدرا

* * *

42

وتركه المكر لدى الاُمور

من آمر فيهم ومن مأمور

فيكشف الصراح للمغمور

وليس يرضى بالرياح المور

* * * ء.

ص: 492


1- في حاشية نسخة «س» : تقوى : الأولى من القوّة ، والثانية : من الضعف والعناء.

43

وتركه الخدعة حيث كانا

فهو أجلّ في العلى مكانا

قد شاد من صراحه الأركانا

للدين ما استعلى ولا استكانا

* * *

44

وتركه الشكوى من الجراحة

ولم يجد في يوم أُحد راحة

فقال للنبيّ في صراحة

لم أتخلّف عنك قيد راحة

* * *

45

وتركه ذكر جراحات الجسد

وكنّ ألفاً رابها القتل وسد

مناقب ما نال بعضها أسد

إلاّ رأى الذكر من الترك أسد

* * *

46

وتركه مطائب المطاعم

فاقتات بالجريش(1) دون الناعم

ودعم الجراب بالمداعم

مخافة الخلط برغم الزاعم

* * *

47

وتركه ألبسة الملوك

ولبسه الأشبه بالمملوك

ردعاً لهم عن سيّئ السلوك

وبطر الغنيّ بالصعلوك(2)

* * * ).

ص: 493


1- فاقتات بالجريش : أي المكتفيات بالباب القمح. العين 6 / 35 والصحاح 1 / 261. بتصرّف.
2- الصعلوك : الفقير. الصحاح 4 / 1595 (صعلك).

48

وتركه الكتمان فيما يرضى

به الإله سنّة أو فرضا

فقال إنّ ابني خان عرضا

لضيفه وكان ذاك قرضا

* * *

49

وتركه الراحة والبسوقا

فهو يجيء في الهجير السوقا

منادياً لا حلف لا فسوقا

حتّى تروا بيعكم منسوقا

* * *

50

وخصله الترك لقتل العجم

والعرب بالمثلة عند الرجم

فشدّد الوصاة في ابن ملجم

وأحجموا وبعضهم لم يحجم

* * *

51

وما أتى من آية الولاية

وحصرها بإنّما للغاية

فإنّه يحمل منها راية

كالنور فوق الطور بالهداية

* * *

52

وآية التطهير فهو الثاني

لأحمد في واضح المثاني

لم يثنه من الطهور ثان

إذ لم يدن في العمر للأوثان

* * *

53

وآية الإطعام للمسكين

والصاحبين العادمي تمكين

ص: 494

فهي على مكانه المكين

كزينة النصاب للسكين

* * *

54

وآية النجوى لدى التناجي

بصدقات الراغب المناجي

فقد شأى الناجح فيها الناجي

وعاد غيره بلا عناج(1)

* * *

55

وآية الإيتاء للزكاة

حال الركوع أبدت النكات

ورمت الشانئ بالإسكات

فما له شكّ سوى الشكات

* * *

56

وآية الصالح في الإيمان

أوفت به الغاية في الأماني

فالندّ والروح على الإيمان

وخلفه ملائك الرحمن

* * *

57

وآية الإنفاق بالنهار

والليل في الإسرار والإجهار

خصّ بها وسارت المهاري(2)

تحدو له وكلّ جرف هار(3)

* * * ).

ص: 495


1- العناج : خيط أو سير يشدّ في أسفل الدلو ، ثمّ يشدّ في عروته ، فإذا انقطع الحبل أمسك العناج الدلو من أن يقع في البئر ، وكلّ شيء يجعل له ذلك فهو عناج. العين1 / 230 (عنج).
2- المهارة : الحذق في كلّ شيء. الصحاح 2 / 821 (مهر).
3- هار الجرف : إذا انصدع من خلفه وهو ثابت بعد مكانه فإذا سقط فقد انهار. العين 4 / 82(هور).

58

وآية الكون مع الصادق في

نصّ الكتاب فيه لم توقّف

فنقّب الفكر بها ونقّف

يجئك بالمهذّب المثقّف

* * *

59

وآية النفس من المباهلة

قضت بفضله كمن شابه له

ولم تدع لجاهل مجاهلة

فمن ترى من بعد لن يواهله

* * *

60

وخصلة التبليغ والأمر به

من الإله للرسول الأنبه

فإنّه نصّ من الآي بهي

مصرّح وليس بالمشتبه

* * *

61

وما تحدّث الرواة وانتشر

فيه من الحديث عن خير البشر

كخبر البشرى ومن إحدى البشر

له جنان قد خلت من كلّ شر

* * *

62

وخبر الحوض وسقيا الكوثر

من جاء وهو من وداده ثري

وإنّه يمشي بلا تعثّر

على الصراط للجنان الكثّر

* * *

ص: 496

63

وخبر الحمل هناك للعلم

فقد شأى ناراً على رأس علم

وسار في سناه ركّاب الظلم

جرى له اللوح بذاك والقلم

* * *

64

وخبر الهادي الذي قد أسمعه

للصحب وهي عنده مجتمعه

بأنّما الحقّ وذا في مجمعه

فهو مع الحقّ كما الحقّ معه

* * *

65

وخبر التعليم للعلوم

ألفاً بألف لذوي الحلوم

ففاض من آذيّها المعلوم

ما يرفع اللوم عن الملوم

* * *

66

وخبر الباب مع المدينة

أضحت له كلّ الورى مدينة

فكلّهم يحتاج منه دينه

إذ ليس باب غيره خدينة

* * *

67

وخبر الأقصى عليّ في الخبر

أربى به على الأنام وأبر

إذ جمع العلم إليه واعتبر

بأنّه الأورع منهم والأبر

* * *

ص: 497

68

وخبر الدوحة في الغدير

فإنّه نصّ من القدير

والمصطفى المعلن في الهدير(1)

بأنّما الولاء للجدير

* * *

69

وخبر الهادي بأنّه الثقل

أضاء في القلوب من بعد المَقل(2)

فهو هداية لكلّ من عقل

وحجّة بالغة لمن نقل

* * *

70

وخصلة الوصيّة السبعونا

فقد رواها الناس أجمعونا

وأخبر البله بها الواعونا

لو أنّ قومنا لها راعونا

* * *

قلنا فإن تكن ولا تراث(3)

ولم يكن من آله ورّاث

فما وصيّة له تراث

وممّ ذاك البذر والحرّاث

* * *

وإن تكن نفس العلوم التركة

ولم تكن له الأنام مدركة

وهو وحيد العلم دون الشركة

فكيف قام غيره في الدركة

* * * ة.

ص: 498


1- الهدير : الصوت المتواتر. مجمع البحرين 4 / 413 (هدر).
2- المقل - بالفتح - : النظر. الصحاح 5 / 182 (مقل).
3- في حاشية نسخة (س) : تراث الاول : بمعنى الميراث ، والثانية : من الريث وهو الابطاءإلى ما بعد الثلاثة.

وممّن قال للورى أقيلوا

وهو لها مأوى به تقيل

فيا له قولاً وراه قيل

محمله على النهى ثقيل

* * *

وكيف غادر الورى الوصيّا

مبعّداً عن قولهم قصيّا

ألم يكن أعلمها الحصيّا

ولم يكن لربّه عصيّا

* * *

قد انتهى كلامه في المعنى

وفي اختصار اللفظ حيث يعنى

لم نأل ترتيباً لما سمعنا

ولم نزد فيه خصالاً معنا

* * *

كنحو آيات أنارت مجده

وكلّلته بالهدى والنجدة

ولم تزن علاه بابن بجدة

بل وحّدت جهاده وجدّه

* * *

من قوله لا يستوي من فسقا

وقوله الشاهد أروى فسقى

وقول أخرجنا وعيداً أغسقا

وقول يعرفون كلاًّ نسقا

* * *

وبيعة النفس بذلك الشرا

وكونه قسورة من الشرى

وإنّه الهادي يذلّ المعشرا

ومثل هذي عشراً فعشرا

* * *

وكالأحاديث التي تكاثر

في فضله وهي له مآثر

مثل النجوم الزهر إذ تناثر

لم يحصهن شاعر أو ناثر

* * *

ص: 499

كشرف السلام إذ تسوّرا

وعدل ضربة بأعمال الورى

وصوت لا فتى أمام وورا

وجمعه من الكتاب السورا

* * *

وردّه الشمس تناصي المجرى

وقلعه باب اليهود زجرا

وفجره الصخر بماء فجرا

والملحمات وهلمّ جرّا

* * *

وقد تناهى القول فيما يغرم

عليه فليجزم ونحن نجزم

فإنّ معجزاته لا تخزم

وهذه لزوم ما لا يلزم

* * *

تم على يد فاضله ذي المساوي ، محمّد بن الشيخ طاهر السماوي ،

في منتصف شهر رمضان في النجف سنة 1359 ، حامداً مصلّي

ص: 500

المصادر

1 - القرآن الكريم ، تنزيل من ربّ العالمين.

2 - الاحتجاج : للشيخ الطبرسي (ت 548 ه) ، تعليقات السيّد محمّد باقر الخرسان ، طبع النعمان ، النجف الأشرف ، عام 1386 ه.

3 - الإرشاد : للشيخ المفيد (ت 413 ه) ، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلاملإحياء التراث ، سنة 1414 ه- ، الطبعة الأولى.

4 - إصلاح المنطق : لابن السكّيت (ت 244 ه) ، تحقيق الشيخ محمّد حسن بكائي ، نشر مجمع البحوث الإسلامية مشهد عام 1412 ه- ، الطبعة الأولى.

5 - إعلام الورى : للشيخ الطبرسي (ت 548 ه) ، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، 1417 ه- ، الطبعة الأولى.

6 - الإمامة والسياسة : لابن قتيبة الدينوري (ت 276 ه) ، تحقيق محمّد طه الزيني ، نشر مؤسّسة الحلبي وشركاه.

7 - إيمان أبي طالب : للشيخ المفيد (ت 413 ه) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، نشردار المفيد ، سنة 1414 ه- ، الطبعة الثانية.

8 - أدب الطّف : لجواد شبّر ، نشر دار المرتضى ، بيروت عام 1988 م ، الطبعة الأولى.

9 - الأربعين : للشيرازي محمّد طاهر (ت 1098 ه) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، نشر المحقّق سنة 1418 ، الطبعة الأولى.

10 - أسباب النزول : لعليّ بن أحمد الواحدي (ت 468 ه) ، نشر دار الكتب العلمية عام 1402 ه- ، الطبعة الأولى.

11 - أسد الغابة : لابن الأثير ، (ت 630 ه) ، نشر انتشارات إسماعيليان.

12 - الأعلام : للزركلي (ت 1410 ه) ، نشر دار العلم للملايين ، عام 1980 م ، الطبعة الخامسة.

13 - الأمالي : للسيّد المرتضى (ت 436 ه) ، تحقيق السيّد محمّد بدرالدين

ص: 501

النعساني الحلبي ، نشر مكتبة السيّد المرعشيقدس سره عام 1325 ه- ، الطبعة الأُولى.

14 - الأمالي : للشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية في مؤسّسة البعثة ، قم 147 ه- ، الطبعة الأولى.

15 - الأمالي : للشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية في مؤسّسة البعثة ، نشر دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع ، قم ، 1414 ه- ، الطبعة الأولى.

16 - الأمالي : للشيخ المفيد (ت 413 ه) ، تحقيق حسين أستاذ ولي وعلي أكبرالغفّاري ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر ، بيروت ، عام 1414 ، الطبعة الثانية.

17 - البداية والنهاية : لابن كثير (ت 774 ه) ، تحقيق علي شيري ، نشر دار إحياءالتراث العربي ، سنة 1408 ه- الطبعة الأولى.

18 - البيان والتبيين : للجاحظ (ت 255 ه) ، تحقيق علي أبو ملحم ، نشر دارومكتبة الهلال بيروت 1408 ه- ، الطبعة الأولى.

19 - تاج العروس : للزبيدي (ت 1205 ه) ، تحقيق علي شيري ، نشر دار الفكرللطباعة والنشر ، 1414 ه.

20 - تاريخ آداب اللغة العربية : لجرجي زيدان ، نشر مكتبة الحياة ، بيروت 1983 م.

21 - تاريخ الإسلام : للذهبي (ت 747 ه) هجري ، تحقيق د. عمر عبدالسلام تدمري ، نشر دار الكتاب العربي ، 1407 ، الطبعة الأولى.

22 - تاريخ الطبري : للطبري ، (ت 310 ه) ، تحقيق نخبة من العلماء ، نشر مؤسّسة الأعلمي بيروت ، 1403 ، الطبعة الرابعة.

23 - تاريخ مدينة دمشق : لابن عساكر (ت 571 ه) ، تحقيق علي شيري ، نشردار الفكر ، 1415 ه.

24 - تأويل مختلف الحديث : لابن قتية (ت 276 ه) ، نشر دار الكتب العلمية.

25 - التبيان : للشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي ، نشر مكتب الإعلام الإسلامي ، 1409 ه- ، الطبعة الأولى.

ص: 502

26 - تحف العقول : لابن شعبة البحراني (ت ق 4) ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم / 1404 ، الطبعة الثانية.

27 - تفسير الثعلبي : للثعلبي ، (ت 427 ه) ، تحقيق أبي محمّد بن عاشور ، نشردار إحياء التراث العربي ، عام 1422 ، الطبعة الأولى.

28 - تفسير القمّي : لعليّ بن إبراهيم القمّي ، (ت 329 ه) ، تحقيق السيّد طيّب الموسوي ، نشر مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ه- الطبعة الثالثة.

29 - التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام : تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي ، 1409 ، الطبعة الأولى.

30 - تفسير أبي حمزة الثمالي : لجمع محمّد حسين حرزالدين ، نشر الهادي ، 1420 ، الطبعة الأولى.

31 - تفسير سعد السعود : للسيّد ابن طاووس ، (ت 664 ه) ، نشر منشورات الرضي ، 1363 شمسي.

32 - تفسير فرات الكوفي : لفرات بن إبراهيم الكوفي ، (ت 352 ه) تحقيق محمّد الكاظم ، نشر مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة 1410 ه- ، الطبعة الأولى.

33 - تهذيب الأحكام : للشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، تحقيق السيّد حسن الخرسان ، نشر دار الكتب الإسلامية ، 1364 شمسي ، الطبعة الثالثة.

34 - تهذيب اللغة : لمحمّد بن أحمد الأزهري (ت 270 ه) ، تحقيق عبدالسلام محمّد هارون ، نشر الدار المصرية للتأليف ، 1384 ه.

35 - الثاقب في المناقب : لابن حمزة الطوسي ، (ت 560 ه) ، تحقيق نبيل رضاعلوان ، نشر مؤسّسة أنصاريان ، 1412 ه- ، الطبعة الثانية.

36 - الثقات : لابن حبّان (ت 354 ه) ، نشر مؤسّسة الكتب الثقافية ، 1393 ه- ، الطبعة الأولى.

37 - ثواب الأعمال : للشيخ الصدوق (ت 388 ه) ، تحقيق السيّد محمّد مهدي الخرسان ، نشر الشريف الرضي ، قم 1368 شمسي ، الطبعة الثانية.

ص: 503

38 - الجامع الصغير : للسيوطي (ت 911 ه) ، نشر دار الفكر ، بيروت 1401 ه- ، الطبعة الأولى.

39 - الجمل : للشيخ المفيد (ت 413 ه) ، نشر مكتبة الداوري قم.

40 - حلية الأبرار : للسيّد هاشم البحراني (ت 1107 ه) ، تحقيق السيّد غلام رضا مولانا البروجردي ، نشر مؤسّسة المعارف ، قم عام 1411 ه- ، الطبعة الأولى.

41 - الخرائج : للراوندي (ت 573 ه) ، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي ، قم1409 ه- ، الطبعة الأولى.

42 - خصائص الأئمّة : للشريف الرضي (ت 406 ه) ، تحقيق محمّد هادي الأميني ، نشر مجمع البحوث الإسلامي مشهد ، 1406 هجري.

43 - الخصال : للشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، نشرجماعة المدرسين قم 1403 ه- ،

44 - دعائم الإسلام : للقاضي النعمان المغربي (ت 363 ه) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

45 - الديوان : للسيّد الحميري (ت 173 ه) ، نشر دار صادر ، بيروت ، 1999م.

46 - ذخائر العقبى : لأحمد بن عبدالله الطبري (ت 694 ه) ، نشر مكتبة القدسي 1356.

47 - الذرّية الطاهرة النبوية : لمحمّد بن أحمد الدولابي (ت 310 ه) ، تحقيق سعد المبارك الحسن ، نشر دار السلفية الكويت ، 1407 ، الطبعة الأولى.

48 - روضة الواعظين : للفتّال النيسابوري (ت 508 ه) ، تحقيق السيّد محمّدمهدي الخرسان ، نشر منشورات الرضي ، قم.

49 - الروضة في فضائل أمير المؤمنين : لشاذان بن جبريل القمّي (ت 660ه) ، تحقيق علي الشكرچي ، 1423 ، الطبعة الأولى.

50 - سرّ السلسلة العلوية : لأبي نصر البخاري (ت 341 ه) ، تحقيق السيّد محمّدصادق بحر العلوم ، انتشارات الشريف الرضي ، قم 1413 ه- ، الطبعة الأولى.

51 - السنن الكبرى : للبيهقي (ت 458 ه) ، نشر دار الفكر بيروت.

52 - السيرة النبوية : لابن كثير (ت 774 ه) ، تحقيق مصطفى عبدالواحد ، نشر

ص: 504

دار المعرفة ، بيروت 1396 ه.

53 - شرح الأخبار : للقاضي النعمان المغربي (ت 363 ه) ، تحقيق السيّد محمّدالحسيني الجلالي ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم 1414 ه- ، الطبعة الثانية.

54 - شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد (ت 656 ه) ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، نشر دار إحياء الكتب العلمية بيروت 1378 ه- ، الطبعة الأولى.

55 - شعراء الغريّ : لعلي الخاقاني ، نشر المكتبة المرعشية ، 1408 ه.

56 - شواهد التنزيل : للحاكم الحسكاني (ت القرن 5) ، تحقيق الشيخ محمّد باقرالمحمودي ، نشر مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة ، 1411 ه- ، الطبعة الأولى.

57 - الصحاح : للجوهري (ت 393 ه) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطا ، نشر دارالعلم للملايين ، بيروت 1407 ه- ، الطبعة الرابعة.

58 - الطبقات الكبرى : لابن سعد (ت 230 ه) ، نشر دار صادر بيروت.

59 - العقد الفريد : لأحمد بن محمّد بن عبدربّه الأندلسي (ت 328 ه) ، تحقيق مفيد محمّد ، وعبدالمجيد الترحيني ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1404 ه.

60 - العمدة : لابن بطريق (ت 600 ه) ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم 1407 ه.

61 - العين : للخليل الفراهيدي (ت 170 ه) ، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي ، نشر مؤسّسة الهجرة ، قم 1409 ، الطبعة الثانية.

62 - عيون الحكم والمواعظ : للواسطي (ت القرن 6) ، تحقيق الشيخ حسين الحسيني البيرجندي ، نشر دار الحديث ، قم الطبعة الأولى.

63 - الغارات : للثقفي (ت 283 ه) ، تحقيق السيّد جلال الدين الأرموي.

64 - غرب الحديث : لابن قتيبة (ت 276 ه) ، تحقيق الدكتور عبدالله الجبوري ، نشر دار الكتب العلمية ، قم 1408 ه- ، الطبعة الأولى.

65 - غريب الحديث : لابن سلام (ت 224 ه) ، تحقيق محمّد عبدالمعيد خان ، نشر دار الكتاب العربي بيروت ، 1384 ، الطبعة الأولى.

66 - الفتنة ووقعة الجمل : لسيف بن عمر الضبّي ، (ت 200 ه) ، تحقيق أحمد

ص: 505

راتب عرموش ، نشر دار النفائس ، بيروت 1391 ، الطبعة الأولى.

67 - الفتوح : لأحمد بن أعظم الكوفي (ت 314 ه) ، تحقيق علي شيري ، نشردار الأضواء 1411 ه- ، الطبعة الأولى.

68 - فضائل أمير المؤمنين : لابن عقدة الكوفي (ت 333 ه) ، تحقيق وتجميع عبد الرزاق محمّد حسين فيض الدين.

69 - الفقيه : للشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الثانية.

70 - قرب الإسناد : للحميري (ت 300 ه) ، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث قم 1413 ، الطبعة الأولى.

71 - الكافي : لمحمّد بن يعقوب الكليني (ت 329 ه) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، نشر دار الكتب الإسلامي طهران ، 1363 شمسي ، الطبعة الخامسة.

72 - الكامل في التاريخ : لابن الأثير (ت 630 ه) ، نشر دار صادر ، بيروت 1386.

73 - كشف الغمّة : لابن أبي الفتح الإربلي (ت 693 ه) ، نشر دار الأضواء ، بيروت 1405 ، الطبعة الثانية.

74 - الكنى والألقاب : للشيخ عبّاس القمّي (ت 1359 ه) ، تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلامي قم ، 1425 ه- ، الطبعة الأولى.

75 - الكوكب الدرّي : لعبد الرحيم بن الحسن الآسنوي (ت 772 ه) ، تحقيق محمّد حسن عوّاد ، نشر دار عمّار ، عمّان 1405 ه- ، الطبعة الأولى.

76 - لسان العرب : لابن منظور (ت 711 ه) ، نشر أدب الحوزة ، قم ، 1405 ه.

77 - ماضي النجف وحاضرها : لجعفر باقر آل محبوبة (ت 1377 ه) ، نشر دارالأضواء ، 1406 ه- ، الطبعة الثانية.

78 - مجمع البيان : للشيخ الطبرسي (ت 548 ه) ، تحقيق لجنة من العلماء ، نشرمؤسسة الأعلمي بيروت ، 1415 ه- ، الطبعة الأولى.

79 - المسترشد : لمحمّد بن جرير الطبري (ت القرن 4) ، تحقيق الشيخ أحمدالحموي ، نشر مؤسّسة الثقافة لكوشانپور ، 1415 ه- ، الطبعة الأولى.

ص: 506

80 - المصباح المنير : لأحمد بن محمّد الفيّومي (ت 770 ه) ، نشر المكتبة المصرية ، بيروت 1418 ه- ، الطبعة الأولى.

81 - المصنّف : لابن أبي شيبة (ت 235 ه) ، تحقيق سعيد اللحّام ، نشر دار الفكربيروت 1409 ه- ، الطبعة الأولى.

82 - المعارف : لعبدالله بن مسلم الدينوري (ت 276 ه) ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1407 ه- ، الطبعة الأولى.

83 - معاني الأخبار : للشيخ الصدوق (ت 388 ه) ، تحقيق الشيخ علي أكبر الغفّاري ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي ، قم 1379.

84 - معجم البلدان : لياقوت الحموي (ت 626 ه) ، نشر دار إحياء التراث العربي 1399.

85 - المعجم الكبير : للطبراني (ت 360 ه) ، تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي ، نشر دار إحياء التراث العربي بيروت الطبعة الثانية.

86 - معجم رجال الحديث : للسيّد الخوئي (ت 1411 ه) ، نشر عام 1413 ه.

87 - معجم رجال الفكر والأدب في النجف : لمحمّد هادي الأميني النجفي ، نشر عام 1413 ه.

88 - معجم مقاييس اللّغة : لأبي الحسين أحمد بن فارس زكريّا (ت 395 ه) ، تحقيق عبدالسلام محمّد هارون ، نشر مكتب الإعلام الإسلامي ، 1404.

89 - مكارم الأخلاق : للشيخ الطبرسي (ت 548 ه) ، نشر منشورات الرضي ، 1392 ، الطبعة السادسة.

90 - مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب (ت 588 ه) ، تحقيق لجنة من الأساتذة ، نشر المكتبة الحيدرية النجف ، 1376 ه.

91 - المناقب : للخوارزمي (ت 568 ه) ، تحقيق الشيخ مالك المحمودي ، نشرمؤسّسة النشر الإسلامي قم ، 1414 ، الطبعة الثانية.

92 - موسوعة العتبات المقدّسة : لجعفر الخليلي ، نشر مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، 1407 ه- ، الطبعة الثانية.

93 - نثر الدر : لمنصور بن الحسين الآبي (ت 421 ه) ، تحقيق محمّد علي قرنة ،

ص: 507

نشر الهيئة المصرية العامّة ، القاهرة.

94 - نظم درر السمطين : للزرندي الحنفي (ت 750 ه) ، الطبعة الأولى ، 1377 ه.

95 - نقباء البشر : لآقا بزرگ الطهراني ، نشر دار المرتضى مشهد ، 1404 ه- ، الطبعة الثانية.

96 - النوادر : للراوندي (ت 571 ه) ، تحقيق سعيد رضا علي عسكري ، نشرمؤسّسة دار الحديث قم ، الطبعة الأولى.

97 - نهج البلاغة : للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، نشر دار الذخائر 1412 ه- ، الطبعة الأولى.

98 - وقعة صفّين : لابن مزاحم المنقري (ت 212 ه) ، تحقيق عبدالسلام محمّدهارون ، نشر مكتبة السيّد المرعشيقدس سره 1403.

ص: 508

من أنباء التراث

هيئة التحرير كتب صدرت محقّقة

*الجمل

والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة.

تأليف : الشيخ المفيد (ت 413 ه).

يعدّ هذا الكتاب من المدوّنات التاريخية للشيخ

المفيد رحمة الله عليه ، لم يقتصر فيه الشيخ على سرد الأحداث والوقائع التاريخية

فحسب بل عمد إلى المهمّ والأهمّ منها ، وسبكها ضمن أبحاث ومناظرات صاغها بأسلوب

عقلي وعلمي ، تكلّم فيه عن آراء المتكلّمين حول هذا الموضوع ، واستعرض آراء

علماءالشيعة الإمامية في أحقّية الطائفة المحقّة ، كما استعرض في خاتمة الكتاب

الأسباب والعوامل التي أدّت إلى محاربة أمير

المؤمنين عليه السلام

وبغضه ، وقد ألّف الشيخ المفيد هذا الكتاب إجابة لطلب من سأله ذلك مشيراً إليه

في أوّل الكتاب بقوله : «سألتني - أيّدك الله بتوفيقه - أن أورد لك ذِكرَ

الاختلاف بين أهل القبلة في حديث الفتنة بالبصرة».

اشتمل الكتاب على مقدّمة التحقيق وفصول ومواضيع

منها : القول في اختلاف الأمّة في فتنة الجمل وأحكام القتال فيها ، آراء أهل

الفرق في المتحاربين في حرب الجمل ، عصمة أميرالمؤمنين عليه السلام ،

الدليل في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان مصيباً

في حروبه كلّها ، الاعتراض بأنّ الدليل من أخبار الآحادوالجواب عنه ، إنكار

الخوارج

ص: 509

والأموية والعثمانية فضل أمير المؤمنين

عليه السلام.

تحقيق : السيّد علي ميرشريفي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 423

نشر : مؤسّسة بوستان كتاب - قم - إيران / 1429 ه.

*أضبط

المقال في ضبط أسماء الرجال.

تأليف : الشيخ حسن زادة الآملي.

يعدّ هذا الكتاب من الكتب التي أُلّفت في مضمار علم

الدراية ، وهو عبارة عن رسالة وجيزة في ضبط طائفة من أسماء الرجال والأنساب

والكنى والألقاب ممّا يوجد في أسانيد جوامع الفريقين ويشتبه على القارئ شكلها

فيصحِّف في قراءتها ، وقد رتّبها المصنّف على ثمانية وعشرين باباً على ترتيب

حروف الهجاء ، وقد اقتصر فيها المؤلّف على سرد أسماء الرواة وضبطها فقط محترزاً

عن ذكر أحوالهم ، وهي الطبعة الثانية لهذا الكتاب محقّقة ومنقّحة ، اشتملت على

ثلاث

مقدّمات أحدها فارسية لمركز العلوم والثقافة

الإسلامية ومقدِّمة التحقيق ومقدِّمة المؤلّف.

تحقيق : محمّد كاظم مدرّسي ، فاضل عرفان ، محمّد

كاظم محمودي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 200 صفحة.

نشر : بوستان كتاب - قم - إيران / 1428 ه.

*مجمع

البحرين ج (1 - 4).

تأليف : الشيخ فخر الدين الطريحي (ت1085 ه).

يعدّ هذا الكتاب من كتب اللغة وغريب القرآن وغريب

الحديث في وقتواحد ، وذلك لجمعه الموادّ اللغوية المهمّة إلى جانب الألفاظ

الغريبة المستعملة في الكتاب والسنة الطاهرة المروية من طريق أهل البيت عليهم السلام ،

كما ويعدّ دائرة معارف صغيرة تعين الطالب على معرفة الكثير من المواضيع المرتبطة

بالشيعة الإمامية ، وقد ألمّ بأسماء بعض الأنبياء والمحدّثين والعلماء والملوك

ص: 510

والشخصيّات التاريخية الكبيرة ، والمواد غير

اللغوية ، والتفسير ، وشرح الحديث ، والعقائد.

أعيد إعداد الكتاب وتصحيحه وتحقيقه وتنسيقه على

الحرف الأوّل من الكلمة بترتيب حروف الهجاء بعد ما كان مرتّباً على الحرف الأخير

من الكلمة ، وهو أربعة أجزاء في مجلّدين.

إعداد وتحقيق : محمّد عادل وسيّد أحمد حسيني.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 650 و 618.

نشر : دفتر نشر فرهنگ إسلامي - قم - إيران / 1428

ه.

*الموضّح

عن جهة إعجاز القرآن (الصّرفة).

تأليف : الشريف المرتضى علم الهدى (ت 436 ه).

جاء هذا الكتاب في إثبات أنّ القرآن معجزٌ في حدّ

ذاته ، وقد ردّ آراء ومذاهب المتكلّمين القائلين بأنّ الله تبارك وتعالى منع

العرب بالقوّة القهرية على أن

يأتوا بمثله على الرغم من وفرة قدراتهم البيانية وبراعتهم

في القول ، وقدنشأت هذه الفكرة في بيئة المتكلّمين في أواخر القرن الثاني وأوائل

القرن الثالث تحت عنوان (الصّرفة) ، التي تعني أنّ إعجاز القرآن إرادة خارجية

تحوطه بالعناية وتقطع السبيل على المعارضين ، فقد استطاع الشريف المرتضى بما كان

يعتقده من مزايا النظم والفصاحة القرآنية العالية أن يوضح : أنّ (الصّرفة) هي

العجز عن تعاطي محاكاته ، وعدم القدرة العلمية والنفسية والبيانية على هذه

المحاكاة كلّما قصدوا إليها وهمّوا بها ، فانصرفوا عن محاولة الإتيان بمثل

القرآن - وهو موضوع التحدّي - المعبّر عنه (بالصّرفة).

احتوى الكتاب على مقدّمتين في معرفة الكتاب وكيفية

العثور عليه وأُسلوب العمل فيه ، وقد اشتمل على مواضيع في : بيان مذهب (الصّرفة)

، صرف الله تعالى العرب عن المعارضة ، مذهب جماعة المعتزلة ، مذهب القائلين إنّ

إعجاز القرآن كونه قديماً ، كما اشتمل الكتاب على ستّة فصول في : بيان ما

ص: 511

يلزم مخالفي (الصّرفة) ، بليغ ما ذكره صاحب كتاب

المغني ممّا يتعلّق (بالصّرفة) ، الدلالة على وقوع التحدّي بالقرآن أنّ القرآن

لم يعارض ، أنّ معارضة القرآن لم تقع لتعذّرها ، أنّ تعذّر المعارضة كان مخالفاً

للعادة.

تحقيق : محمّد رضا الأنصاري.

الحجمّ : وزيري.

عدد الصفحات : 344.

نشر : مجمع البحوث الإسلامية - مشهد- إيران / 1429

ه.

*أيّام

الحسين عليه السلام.

تأليف : أحمد بن الحسن الحرّ العاملي(ت بعد 1120

ه).

هو جزءٌ مستلّ من كتاب الدرّ

المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والملوك ،

اقتصر فيه المؤلّف على تاريخ سيّدالشهداء الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السلام ،

وبيان الأحداث وتطوّراتها منذ وفاة معاوية بن أبي سفيان ، معتمداً على ذكر

النصوص التاريخية وسردالقصص والمجريات وعرضها تاريخيّاً ، كما احتوى الكتاب على

مقدّمة التحقيق

تناول فيها المحقّق منزلة أهل بيت النبوّة ومظلومية

الحسين عليه السلام ،

وتعريف بالمؤلّف ، ودراسة للكتاب ونسخه الخطّية وقد أُلحقت صورة بالنسخة الخطّية.

اشتمل الكتاب على مواضيع منها : أيّام الحسين عليه السلام ،

إخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله)بشهادته ، إخبار أمير المؤمنين عليه السلامبشهادته

، خبر وفاة معاوية وموقف الحسين عليه السلام ، توجّه

الحسين عليه السلام

إلى مكّة ، أحداث الكوفة ، خروج الحسين عليه السلام

من مكّة ، النزول في كربلاء ، لمّا أصبح يوم عاشوراء ، مبارزة سيّد الشهداء ،

المصيبة العظيمة ، مابعد الشهادة ، دخول السبايا إلى الكوفة ، تسيير السبايا إلى

الشام ، ما جرى على أهل البيت عليهم السلام في الشام ،

من الشام إلى كربلاء ، رجوع أهل البيت عليهم السلام

إلى المدينة.

تحقيق : سيّد علي جمال أشرف.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 176.

نشر : دار الأنصار - قم - إيران /

ص: 512

1429 ه.

*مهيّج

الأحزان ومثير الأشجان.

تأليف : السيّد عبدالله شبّر (ت 1242 ه).

احتوى الكتاب على مجالس في المعصومين الأربعة عشر

عليهم أفضل الصلاة والسلام ، تناول فيها المؤلّف رحمه الله ذكر فضائلهم ومناقبهم

ومنزلتهم عند الله عزّ وجلّ ، وقد اعتمد في ذلك كلّه على بيان أشجانهم وأحزانهم

وما جرت عليهم من مصائب ومحن ، يحثّ المؤمنين في البكاء عليهم والتوسّل بهم

والتمسّك بحبل ولائهم.

اشتمل الكتاب على سبعة وعشرين مجلساً ، اختصّت

المجالس العشر الأول في بيان مصائب سيّد الشهداء عليه السلام وتناولت

سائر المجالس الأخرى ذكر المعصومين عليهم السلام

بالترتيب بدءاً برسول الله (صلى الله عليه وآله) وانتهاءً في بيان نبذة عن أحوال

الإمام المنتظر عليه السلام ، كما احتوى على كلمة الناشر وبيان

أسرة المؤلّف ومنزلتهم العلمية ، وكيفية العمل في هذا الكتاب.

تحقيق : كريم عبدالرّضا.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 304.

نشر : مكتبة فدك لإحياء التراث - قم - إيران / 1428

ه.

*تاريخ

العقيدة الشيعية وفرقها.

تأليف : الميرزا فضل الله بن الميرزا نصرالله

المعروف بشيخ الإسلام الزنجاني (ت 1373 ه).

قدّم الكتاب دراسة في تاريخ العقيدة الشيعية

ونشوئها وآرائها وأفكارها ، ومن شذّعن رأيها في القول بالإمامة من فرقها وعلل

نشوئها ، وقد عرض مقالاتهم وأقوالهم التي نسبوها إلى الشيعة الإمامية أوأسندوها

إلى جماعة منهم ، كماأشار إلى أصولهم الاعتقادية ، وطريقتهم في العمل بالأحكام

الشرعية ، وكيفية أخذهم الفرعيّات منها ، وقد بيّن جانباً من التاريخ السياسي

للشيعة الإمامية ، وما عانته من الاضطهاد والتنكيل من مخالفيها ومعارضيها ، كما

أشارإلى تاريخها العلمي والأدبي وآثارها الخالدة.

ص: 513

احتوى الكتاب على مقدِّمة للمحقّق في سبعة فصول هي

: حالة العرب بين الجاهلية والإسلام ، أعداء الدين في الصدر الأوّل ، موقف

المسلمين من الكتاب والسنّة ، أصول الفرق الإسلامية في الصدر الأوّل ، المسائل

الخلافيّات ونشوء علم الكلام ، تاريخ الشيعة نشأةً وفكرة وحركةً علمية ، مولّف

الكتاب. وقد اشتمل الكتاب نفسه على أربعة أبواب في : الشيعة وفرقها ، الغلاة ،

عقائدالشيعة ، الشيعة وفروع الدين ؛ وقدعقدلكلِّ باب فصولا بعناوينها ومواضيعها.

تحقيق : غلام علي غلام علي پور اليعقوبي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 299.

نشر : مجمع البحوث الإسلامية - مشهد- إيران / 1428

ه.

*رسالة

المحكم والمتشابه.

تأليف : السيّد الشريف المرتضى علم الهدى (ت / 436

ه).

وهي من التفاسير الروائية التي رويت عن مولانا أمير

المؤمنين عليه السلام

برواية الإمام الصادق عليه السلام ، وهي قطعة

من تفسيرالنعماني أبي عبدالله محمّد بن إبراهيم بن جعفر من أعلام القرن الرابع

الهجري - صاحب الغيبة - والمفقود الأثر ، ولم يصل إلينا منه سوى ما نقله السيّد المرتضى

في رسالته ، وهذه الرسالة وإن كانت تسمّى (رسالة المحكم والمتشابه) إلاّ أنّ هذا

من باب إطلاق الجزءعلى الكلّ ، لأنّ في هذه الرسالة فنوناًكثيرة في علوم القرآن

: كالناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والتنزيل والتأويل ، وما كان موضوعه

عامّاًوالمراد به الخاصّ ، وما كان موضوعه خاصّاً والمراد به العامّ ، وغير ذلك

، مضافاً إلى جملة من الردود على الزنادقة واليهود والنصارى ، وجملة من

الاحتجاجات ، وإبطال الرأي والقياس.

تحقيق : السيّد عبدالحسين الغريفي البهبهاني.

الحجم

: وزيري.

عدد الصفحات : 243.

ص: 514

نشر : مجمع البحوث الإسلامي / مشهد / 1428 ه.

*حياة

الإمام زين العابدين عليه السلام.

تأليف : باقر شريف القرشي.

كتاب يتناول بدراسة تحليلية سيرة الإمام زين

العابدين عليه السلام ،

حيث تناول الحوادث والوقائع المهمّة في سيرته المباركة ، اعتماداً على كتب

التاريخ والحديث والرجال.

وقد صدر الكتاب في جزأين ، تعرّض في الجزء الأوّل

منه لأحوال السيّدة شاه زنان أمّ الإمام عليه السلام ،

وصفاتها ، وزمن اقترانهابالإمام الحسين عليه السلام ،

وعناية الإمام الحسين بها ، وغيرها من البحوث والوقائع المتعلّقة بها.

وذكر أيضاً أحوال ولادة الإمام عليه السلام ومكانها

وزمانها ، وكنى الإمام عليه السلام وألقابه ،

ونشأته وسلوكه وصفاته ، وإمامته ، وانطباعات عن شخصيّته ، وآراء معاصريه

والمؤرّخين فيه ، والإمام مع رزايا كربلاء قبل الواقعة وبعدها ، وتعرّض أيضاً

لعبادة الإمام عليه السلام ،

ولعلومه في الحديث والتفسير والفقه والكلام ، وختم الجزء الأوّل بمواعظ الإمام

وحكمه وما نقل عنه من سنن وحكم الأنبياء.

وتعرّض في الجزء الثاني إلى آثاره الكريمة مثل

الصحيفة السجّادية : سندها ، ومميّزاتها ، والاهتمام بها ، وشروحها وملحقاتها

وذكر نماذج رائعة منها ، والمناجات الخمس عشر ، ورسالة الحقوق ، وكتاب علي بن

الحسين ، وديوان شعر منسوب إليه ، وأصحابه ورواة حديثه ، وملوك عصره ، وعصر

الإمام السياسي والاقتصادي والعلمي والأدبي ، والثورات الداخلية ، وختم

الجزءالثاني باغتيال الإمام عليه السلام وتجهيزه

وتشييعه ونصّه على إمامة الباقر عليه السلام.

تحقيق : مهدي باقر القرشي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : ج1 : 472 ، ج2 : 430.

نشر : مكتبة الإمام الحسن عليه السلام ،

العامّة ، النجف الأشرف ، العراق / 1429 ه.

ص: 515

*مفرّحة

الأنام في تأسيس بيت الله الحرام.

تأليف : السيّد زين العابدين بن نورالدين الحسيني

الكاشاني (من أعلام القرن الحادي عشر).

رسالة أعدّها المصنّف في موضوع بناءالكعبة المعظّمة

بعد السيل الذي أضرّبها سنة 1039 ه- ، حيث كان هو رحمه الله أحد مشيّدي هذا

الصرح العظيم ، وقد حوت على تفاصيل حادث السيل الذي غمر المسجد الحرام والكعبة

المشرّفة وأعمال البناء فيها بعد إزالة الأجزاءالمتضرّرة من الكعبة ، وهي

يوميّات أرّخها المؤلّف من خلال عمله ومشاهداته مع تحديد المدّة التي أنجز

فيهاالعمل ، وقد قام بوصف دقيق لمواضع مختلفة في الكعبة المشرّفة والمسجد الحرام

وما جاورها من أبنية.

احتوت الرسالة على ترجمة المؤلّف ، التعريف

بالرسالة وأهمّيّتها ، النسخ المعتمدة في التحقيق ، منهجيّة التحقيق ، صور

المخطوطات ، كما اشتملت على مقدِّمة المصنّف وثلاثة

فصول في : سبب سقوط الكعبة وكيفية بنائها ، في علّة

بناء الكعبة المشرّفة ، ذكر صفة المسجد الحرام وأبوابه ؛ والخاتمة في ذكر صفة

الأماكن الشريفة.

تحقيق : عمّار عبّودي نصّار ، حيدر لفتة مال الله.

الحجم : رقعي.

عدد الصفحات : 133.

نشر : دار مشعر - طهران - إيران / 1428 ه.

*العقل

الأوّل في شأن الأنوار الأربعة عشر.

تأليف : الشيخ محمّد الفاضل القائيني النجفي (ت

1405 ه).

كتاب عقائدي في بيان فضل النبي (صلى الله عليه

وآله)وعلي وفاطمة عليهما السلام ، يبدأ في

توحيد الله والأدلّة على ذلك ، ومباحث تتعلّق بكيفية خلق العالم على طريقة

المتكلّمين ، وذكر دلائل من الآيات والروايات على ذلك ، ودلائل نبوّة نبيّنا

(صلى الله عليه وآله) من كتب الأنبياء ، ثمّ يبحث في أنّ النبي وآله هم السبب

لخلق هذا

ص: 516

العالم ، وأنّ المراد من العقل هو نور نبيّنا وآل

بيته الأنوارالطاهرة.

احتوى الكتاب على مقدّمة في حياة المؤلّف وتحقيق

الكتاب وتأليفه ، إثني عشر فصلا في : التوحيد ، فضل النبيّ والأئمّة ، تفسير

آيات في شأن أهل البيت عليهم السلام ، آيات

الرجعة وذكر القائم ، الكلام في العقل في الجنّة والنار ، نقل روايات تفسير

العيّاشي ، بيان فوائد ، الكلمات القصار للنبيّ ، النوّاب الخاصّة والعامّة ،

ترجمة لعدّة من العلماء ، بيان مسائل فقهيّة.

تحقيق : علي الفاضل القائيني النجفي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 331.

نشر : انتشارات آل فاضل - قم - إيران / 1429 ه.

*المجالس

الحسينية.

تأليف : الشيخ محمّدالحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373

ه).

كتاب في المقتل الحسيني ، وهو

مجموعة من المجالس الحسينية التي اختارها الإمام

الراحل المجاهد الشيخ محمّدالحسين آل كاشف الغطاء رحمه الله من بين عشرات

الكتب التي دوّنت فاجعة الطف قديماً وحديثاً ، اعتماداً على كتب التاريخ والسير

، حيث أخذ منها أصحّ الروايات فيما كتب في مقتله عليه السلام.

تحقيق : أحمد علي مجيد الحلّي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 192.

نشر : قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة

العبّاسية المقّدسة - كربلاء - العراق / 1429 ه.

*البروج

في أسماء أمير المؤمنين عليه السلام.

تأليف : السيّد الهادي بن إبراهيم بن علي الوزير (ت

822 ه).

كتاب في فضائل سيّدنا مولانا أمير المؤمنين عليّ بن

أبي طالب عليه السلام ،

جمع فيه المصنّف - وهو من علماء الزيدية في القرن الثامن الهجري - أسماء وصفات

الإمام عليّ عليه السلام يسندها بالأحاديث

ص: 517

والآيات القرآنية والحقائق التاريخية ، رتّبها

بترتيب خاصّ ارتآه مخالفاً للترتيب الأبتثيوالأبجدي ، وقد بيّن ذلك في عنوان :

(سامي الأسامي) في حرف السين بقوله : «قد ذكرنا أنّ أسامي أمير المؤمنين عليه السلام

على أنواع : منها ما نصّ عليهاالقرآن الكريم ، ومنها ما ورد به الخبرعن النبيّ

(صلى الله عليه وآله) ، ومنها ما هو مشتقّ من أفعاله الحميدة وصفاته الكريمة».

اشتمل الكتاب على مقدِّمة في حياة المؤلّف ومقدِّمة

التحقيق والنسخ المعتمدة وثمانية وعشرين فصلا.

تحقيق : الشيخ محمّد الإسلامي اليزدي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 320.

نشر : منشورات جامعة الأديان والمذاهب - قم - إيران

/ 1429 ه.

*مناهج

اليقين في أصول الدين.

تأليف : العلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر

(ت 726 ه).

صرّح العلاّمة الحلّي في كتابه غاية

الوصول بأنّ كتاب مناهج

اليقين في أصول الدين أوّل ما أُلِّفَ من كتبه الكلامية ،

وقد أودعه أمّهات القضايا والمباحث في هذا العلم ممّا انتهى إليه أقطاب العلماء

السابقين ، مضمّناً إيّاه ما له من نظر أو رأي في هذه المباحث ، ومن هنا يوصف

كتاب المناهج

بأنّه أجمع مؤلّفاته في علم الكلام بعد كتابه نهاية

المرام في علم الكلام وكان يذكره بعدئذ في عدد من مصنّفاته

الكلامية.

احتوى الكتاب على مقدّمة في حياة العلاّمة الحلّي ،

ومنهجية التحقيق ، والنّسخ المعتمد عليها ، كما اشتمل على إثني عشر منهجاً في :

تقسيم المعلومات ، تقسيم الموجودات ، أحكام الموجودات ، إثبات واجب الوجود تعالى

وبيان صفاته ، فيما يستحيل عليه تعالى ، العدل ، النبوّة ، الإمامة ، المعاد ،

الوعد والوعيد ، الأسماءوالأحكام ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

تحقيق : علي أصغر شكوهي ، عين الله يداللّهى ، غلام

علي يعقوبي ، محمّد

ص: 518

زارعي أمين ، محمّد قائمي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 524.

نشر : مجمع البحوث الإسلامية - مشهد- إيران / 1429

ه.

*الإيقاظ

من الهجعة بالبرهان على الرجعة.

تأليف : الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت

1104 ه).

اختصّ مذهب الشيعة الإثني عشرية بمسألة الرجعة

القائلة برجوع الأئمّة الأطهاروبعض الأولياء والصالحين إلى الحياة الدنيا بإذن

الله وذلك بعد مماتهم ، وقد وردت في هذا الشأن روايات عديدة تدلّ على ذلك معضودة

بآيات من كتاب الله الكريم ، وقد ألّفت في هذا الشأن رسائل وكتباً كثيرة.

اشتمل الكتاب على مقدّمة في حياة المؤلّف ، ومنهجية

التحقيق ، وإثني عشر باباً في : المقدّمات ، الاستدلال على صحّة الرجعة وإمكانها

ووقوعها ، الآيات القرآنية الدالّة على صحّة الرجعة ، إثبات

أنّ ما وقع في الأمم السابقة يقع مثله في هذه

الأمّة ، إثبات أنّ الرجعة وقعت في الأمم السابقة ؛ إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في

الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، إثبات أنّ

الرجعة قد وقعت في هذه الأمّة في الجملة ، إثبات أنّ الرجعة قد وقعت للأنبياء والأئمّة

عليهم السلامفي

هذه الأمّة ، جملة من الأحاديث المعتمدة الواردة في الإخباربوقوع الرجعة لجماعة

من الشيعة وغيرهم من الرعية ، جملة من الأخبار المعتمدة الواردة في الأخبار

بالرجعة لجماعة من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ،

في أنّه هل بعد دولة المهدي عليه السلام دولة أم لا؟

ذكرشبهة منكر الرجعة والجواب عليها.

تحقيق : مشتاق المظفّر.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 512.

نشر : دليل ما - قم - إيران / 1428 ه.

كتب

صدرت حديثاً

*الاقتصاد

الإسلامي.

تأليف : الشيخ محمّد علي التسخيري.

ص: 519

كتاب في الاقتصاد الإسلامي ، احتوى جزءين ، عرض

المؤلّف في الجزء الأوّل منه أفكار أستاذة الشهيد السيّد محمّدباقر الصدر بشكل

دروس تناولت نقداً للمذهبين الاشتراكي والرأسمالي أوّلا ، ثمّ محاولة لاكتشاف

المذهب الاقتصادي الإسلامي من خلال الأحكام والمفاهيم وسلوك القادة.

وفي الجزء الثاني حاول المؤّلف إعطاءصوراً أكثر

تفصيلا للحياة الاقتصادية في ظلّ الإسلام ، وقد ألقى الضوء على بعض الأحكام

الاقتصادية والمسائل المستحدثة وأدلّتها الفقهية ، في حين ركّز في الخاتمة على

بعض الأمور المرتبطة بالأطروحة الإسلامية للبنوك الإسلامية بما يتناسب مع أحكام

الشريعة ويحقّق التسهيلات والخدمات التي تقدّمها البنوك.

اشتمل الكتاب بجزءيه على إثنين وسبعين درساً منها :

الإيمان بالواقعيةومبدأ العلّية ، المادّية الفلسفية لاتحتّم المادّية التاريخية

، قوانين الديالكتيك تحكم على المادّية التاريخية ، الدليل

الفلسفي ، الدليل السيكولوجي ، الدليل العلمي ،

التطبيق يكذّب الماركسية ، فشل الماركسية في تفسير تطوّر وسائل الانتاج ، تطوّر

الكفر الديني.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 752.

نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب

الإسلامية - قم - إيران / 1427 ه.

*الأجوبة

النجفية عن الفتاوى الوهّابية.

تأليف : الشيخ هادي كاشف الغطاء (ت1361 ه).

طالما تعرّض شيعة أهل البيت عليهم السلام لهجمات

الوهابية ممّا يمسّ اعتقاداتهم وطقوسهم في زيارة قبور أئمّتهم عليهم السلاموالاهتمام

بها ، فقد جاء هذا الكتاب للردّ على الوهّابية بعد الاعتداء الأثيم الذي شهده

المؤلّف من هدم قبور أئمّة البقيع عليهم السلام

والأولياء الصالحين والمساجد والمقامات ، وإصدارهم الفتاوى الضالّة المضلّة ،

وقد اعتمدت أبحاثه على

ص: 520

المنهج الموضوعي ، والاستدلال بالأدلّة التي يعتقد

بها الخصم ، مع نقل أقوال علماءأهل السنّة في ذلك.

اشتمل الكتاب على أربعة أجوبة ، الأولى في :

التوحيد ، البناء على القبور وهدمها ، الصلاة عند القبور واتخاذها مساجد ، إيقاد

السرج على القبور ، زيارة النساء للقبور ، وأمثالها من الإشكالات.

الثانية : وهي مجموعة من الأسئلة التي وجّهها الشيخ

إلى رئيس القضاة بمكّة المكرّمة طالباً منهم الأدلّة التي اعتمدوها في إصدار

فتاويهم.

الثالثة : بحث فيها الشيخ مسألة البرق والتلغراف ،

وهدم المساجد والقبور ، ومسألة القوانين والأنظمة ، ومسألة دخول الحاج بالسلاح و...

مسائل أخر.

الرابعة : ذكر فيها الشيخ مسألة نقل متعلّقات

المساجد ، وبناء القبور ، والإمامة.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 200.

نشر : بوستان كتاب - قم -

إيران / 1429 ه.

*علم

الإمامة.

تأليف : السيّد كمال الحيدري.

احتوى الكتاب على بحوث في حقيقة ومراتب علم الأئمّة

المعصومين عليهم السلام ،

وهي محاضرات ألقاها سماحته في تعريف مقام الإمامة وأنّها مختصّة بالعلم اللدنّي

والفيوضات الإلهية ، وهي تأثير تكويني في هداية البشر ، إضافةً على

جانبهاالتشريعي ، وقد اعتمد في استدلاله على النصوص القرآنية وروايات الفريقين

كما أرجع إلى بعض البحوث الفلسفية والكلامية في الموارد التي تحتاج تغطيتها في

الاستدلال والبرهنة إلى ذلك ، وقد استشهد بأقوال علماء الفريقين.

اشتمل الكتاب على مقدّمة وعشرة فصول في : سعة وحدود

علم الإمام ، النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته أعلم من جميع الأنبياء

والمرسلين ، حقيقة وماهية علم الإمام ، وسائل تحقّق علم الإمام ، علم أئمّة أهل

البيت بالغيب ، ازدياد علم أهل البيت عليهم السلام ،

علم أهل البيت بالتأويل ، علم أهل

ص: 521

البيت بالفعل أو بالقوّة؟ ، بيان معنى أنّ في

أحاديث أهل البيت صعب مستصعب ، الغلوّ حقيقته وأقسامه.

إعداد : الشيخ علي حمّود العبادي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 632.

نشر : دار فراقد - قم - إيران / 1429 ه.

*جنّة

الآمال.

تأليف : محمّد حسين اليوسفي.

كتاب مترجم من الفارسية ، قدّم دراسة مختصرة

ومبسّطة في تزكية النفس وطهارتها من درن الذنوب ، ونجاتهامن ذلّ معصية الله إلى

عزِّ طاعته عزّوجلّ ، وحلاوة التوبة والإنابة إلى الله تبارك وتعالى بالاستغفار

والابتهال لوجهه الكريم ، ومدى تأثيره على حياة الإنسان وتوفيقه وحسن عاقبته.

اشتمل الكتاب على المواضيع التالية : حلاوة الندامة

، الهدف من هذا التأليف ، الاستغفار تجربة جميلة ، الذنب

علامة الكفر وبداية فقدان النعمة ، التوبة

والاستغفار الوحيدان المنجيان من عقوبة الذنوب ، الاستغفار أفضل دعاء ،

ماهوالاستغفار الواقعي؟ ، شرائط الاستغفار ، الولاية أهمّ شرط لقبول التوبة

والاستغفار ، سائر شرائط التوبة والاستغفار ، أنواع الاستغفار وبركاته ،

الاستغفار المجرّب لأمير المؤمنين عليه السلام ،

النبي والأئمّة عليهم السلام يرون أعمال الشيعة ، استغفار إمام

العصر والزمان عليه السلام للشيعة ، طلب الاستغفار من الإمام

صاحب الزمان عليه السلام كيف نعتذر من الإمام صاحب الزمان عليه السلام.

ترجمة : حامد الطائي.

الحجم : رقعي.

عدد الصفحات : 88.

نشر : منشورات ذوي القربي - قم - إيران / 1429 ه.

*

الشهادة الثالثة الهوية المطاردة.

تأليف : السيّد محمّد علي الحلو.

كتاب يتناول الأدلّة التاريخية لإثبات الشهادة

الثالثة (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله)

ص: 522

بعدالشهادتين ، والتأكيد على شرعيّتها استحباباً في

الأذان والإقامة ووجوباً لإحقاق شعائر الله ، مشيراً في ذلك كلّه إلى قراءة

التاريخ ومراجعة شواهده في أوّل الكتاب ، واعتراف بعض كتب أهل العامّة بذلك ،

إضافة إلى إجماع علماء الشيعة الإمامية على شرعيّتها وعدم المساس بها ودفاعهم

عنها.

وقد اشتمل الكتاب على مواضيع منها : حيّ على خير

العمل شاهد على إرادة الشهادة الثالثة ، جواز الشهادة الثالثة عند أهل السنّة

بحسب القواعد الأوّلية ، إطباق جميع علماء الإمامية على استحباب الشهادة الثالثة

، المؤذّنون ورغبة السلطات الحاكمة ، الشهادة الثالثة شعار من شعائر التشيّع ،

الحمدانيّون أعادوا ماحذفته السياسة ، الشهادة الثالثة عربية المنشأ وليس

للصفويّين مدخل في ذلك.

الحجم : رقعي.

عدد الصفحات : 96.

نشر : مكتبة الإمام الصادق عليه السلام -

النجف الأشرف - العراق / 1429 ه.

*أسماء

وألقاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

تأليف : علي أصغر شكوهي قوچاني.

تناول المؤلّف في كتابه ذكر أوصاف أمير المؤمنين

عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقداستفادها

من كتاب الله وأحاديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وما ورد في الروايات

الواردة عن المعصومين عليهم السلام استناداً إلى

كتب الفريقين ، فشكّلت هذه المجموعة كمّاً من فضائل ومناقب سيّد الأوصياء الإمام

علي عليه السلام

لمن أراد أن يتعرّف أو يزداد معرفة وحبّاً لمن أحبّه الله ورسوله (صلى الله عليه

وآله) ، وقد رتّب المؤلّف هذه الأوصاف والألقاب والأسماء المباركة بترتيب حروف

الهجاء كما ذكرها في الفهرست بدءاً من (آصف هذه الأمّة) وختاماً في (يوشع هذه

الأمّة).

الحجم : رقعي.

عدد الصفحات : 392.

نشر : مجمع البحوث الإسلامية - مشهد- إيران / 1428

ه.

ص: 523

*القانون

الدولي في الإسلام.

تأليف : الشيخ عبّاس علي العميد الزنجاني.

كتاب في الحقوق مترجم من الفارسية ، قدّم فيه

المؤلّف دراسة في تعريف القانون الدولي وكيفية تأسيسه ، والأسس التي قام عليها

من بعد الحرب العالمية الثانية ، ثمّ عرض دراسته على القانون الإسلامي مقارناً

بينهما ، وهي إحدى الدراسات المقارنة في الموضوعات المرتبطة بالنظام الدولي

لإعادة النظر في تركيبة منظّمة الأمم المتّحدة على حدّ تعبير المؤلّف في مقدّمته

داعياً أولي الرأي في الفقه والنظام الحقوقي الإسلامي أن ينهضوا

بوعي وشجاعة ويؤدّوا رسالتهم الإسلامية منسجمة مع

الظروف التي يمليها الزمان.

اشتمل الكتاب على مقدّمة وخمسة أقسام هي : نظرات في

القانون الدولي ، أساس القانون الدولي في الإسلام ، موضوع القانون الدولي في

الإسلام ، السلم أسسه والتعايش ، النزاعات المسلّحة(الجهاد) ؛ هذا وقد احتوى كلّ

قسم من هذه الأقسام على عدّة فصول.

ترجمة : الدكتور علي هاشم الأسدي.

الحجم : وزيري.

عدد الصفحات : 531.

نشر : مجمع البحوث الإسلامية - مشهد- إيران / 1429

ه.

ص: 524

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.