تراثنا المجلد 84

هوية الکتاب

المؤلف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

المطبعة: نمونه

الطبعة: 0

الموضوع : مجلّة تراثنا

تاریخ النشر : 1426 ه.ق

الصفحات: 462

ص: 1

محتويات العدد

* شذرات من كتب مفقودة لمحمّد بن بحر الرُّهني الكرماني

...................................................... الشيخ رسول جعفريان 7

* ضروريات الدين والمذهب.

.............................................. الشيخ محمّد هادي آل راضي 93

* النظرية الأُصولية ... نشوؤها وتطوّرها (2).

.................................................... السيّد زهير الأعرجي 184

* القوافي اللّامعة في الزيارة الجامعة.

................................................ السيد محمّد علي الحكيم 259

* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة / النجف الأشرف (19).

............................................. السيّد عبد العزيز الطباطبائي 308

الرجب - ذوالحجّة

1426

ه-

* من المخطوطات العربية في مكتبة المتحف البريطاني / لندن (1).

................................................ الشيخ محمّد مهدي نجف 338

* مصطلحات نحوية (28).

.................................................. السيّد علي حسن مطر 364

* من ذخائر التراث

فكرة عن جمع القرآن - للفقيه المرجع السيّد أبو القاسم الخوئي.

........................................ تحقيق : علي جلال باقر الداقوقي 377

* من أنباء التراث

........................................................... هيئة التحرير 442

ص: 2

محتويات العدد

* شذرات من كتب مفقودة لمحمّد بن بحر الرُّهني الكرماني

...................................................... الشيخ رسول جعفريان 7

* ضروريات الدين والمذهب.

.............................................. الشيخ محمّد هادي آل راضي 93

* النظرية الأُصولية ... نشوؤها وتطوّرها (2).

.................................................... السيّد زهير الأعرجي 184

* القوافي اللّامعة في الزيارة الجامعة.

................................................ السيد محمّد علي الحكيم 259

* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة / النجف الأشرف (19).

............................................. السيّد عبد العزيز الطباطبائي 308

الرجب - ذوالحجّة

1426

ه-

* من المخطوطات العربية في مكتبة المتحف البريطاني / لندن (1).

................................................ الشيخ محمّد مهدي نجف 338

* مصطلحات نحوية (28).

.................................................. السيّد علي حسن مطر 364

* من ذخائر التراث

فكرة عن جمع القرآن - للفقيه المرجع السيّد أبو القاسم الخوئي.

........................................ تحقيق : علي جلال باقر الداقوقي 377

* من أنباء التراث

........................................................... هيئة التحرير 442

*صورة الغلاف : من مخطوطة (القوانين المحكمة في الأصول) للميرزا أبو القاسم بن محمّد حسن الجيلاني القمّي ، المولود بين 1150 - 1153 ه- ، والمتوفّى بين 1231 - 1233 ه- ، تقوم مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث بتحقيقه.

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

شذرات من كتب مفقودة

لمحمّد بن بحر الرُّهني الكرماني

(العالم الشيعي في القرن الرابع الهجري)

الشيخ رسول جعفريان

بسم الله الرحمن الرحيم

نسبه :

هو أبو الحسين محمّد بن بحر بن سهل الشيباني الرُّهني السجستاني الكرماني ، العالم الشيعي المؤرّخ ، والجغرافي الفقيه المتكلّم ، ساكن رُهْنة من نواحي نرماشير ، وهي من نواحي كرمان ، وكرمان جزء من سجستان في القرون الأولى الهجرية.

والمؤلّف عربي من قبيلة بني شيبان ، وهم كسائر المهاجرين جاءوا بعد الفتوحات إلى النواحي المفتوحة وسكنوها. وقد ألّف كتاباً في سكنى القبائل العربية في النواحي المفتوحة بعنوان : «نحل العرب» ، سنتعرّض إليه.

أقوال علماء الرجال فيه :

نذكرها حسب الترتيب الزمني :

ص: 7

قال الكشّي : محمد بن بحر الكرماني الدهني (كذا) النرماشيري (1).

قال الطوسي : محمد بن بحر الرُّهني من أهل سجستان (2).

قال النجاشي : أبو الحسين الشيباني ساكن نرماشير من أرض كرمان (3).

قال ياقوت : محمد بن بحر الرُّهني أبو الحسين الشيباني ، والرُّهني بالراء المهملة والنون ، منسوب إلى رهنة ، قرية من قرى كرمان ، وكان يسكن نرماسير من أرض كرمان ، وهو يكنّى أبا الحسين ، شيباني الأصل (4).

وقال في البلدان ذيل «رهنة» : «محمد بن بحر يكنّى أبا حسن (كذا) الرُّهني».

قال العلاّمة : «محمد بن بحر - بالباء المنقوطة تحتها نقطة - الرُّهني - بالراء المضمومة والهاء الساكنة والنون - ، أبو الحسين الشيباني ، ساكن ترماشير (كذا) من أرض كرمان» (5).

قال الصَفَدي : «أبو الحسين الرُّهني محمد بن بحر أبو الحسين الرُّهني بالراء والنون ، نسبة إلى رهنة قرية من قرى كرمان ، وهو شيباني معروف بالفضل والفقه» (6).

قال ابن حجر (عن تاريخ الري لمنتجب الدين وغيرها) : محمد بن 4.

ص: 8


1- رجال الكشي : 147.
2- الفهرست للطوسي : 132.
3- رجال النجاشي : 384 رقم 1044.
4- معجم الأدباء 18 / 31.
5- إيضاح الاشتباه : 290.
6- الوافي بالوفيات 2 / 244.

بحر السيستاني السجستاني (1).

والظاهر أنّ الأكثر على أنّ كنيته أبو الحسين ولا يصحّ أبو الحسن. وأنّ بلده نرماشير أو نرماسير لا ترماسير أو ترماشير ؛ وتأكيد الحلّي على صحّة «ترماسير» في الإيضاح (2) غير مقبول. كما أنّ لقبه الرُّهني ؛ لأنّه منسوب إلى رُهْنة من قرى كرمان كما صرّح به ياقوت ، و «الدهني» تصحيف وغلط.

مشايخه :

أحمد بن محمد بن كيسان النحوي. قال محمد بن بحر : سمعت أحمد بن محمد بن كيسان النحوي وأنا أقرأ عليه كتاب سيبويه (3).

ابن سهيل بن عبد الله بن مطر. قال ابن حجر : «وكان سمع ابن سهيل بن عبد الله بن مطر» (4).

وروى أيضاً عن بشر بن سليمان النخّاس في سنة 286 خبراً رواه الصدوق والشيخ.

وروى عن أحمد بن مسرور كما في خبر الصدوق الآتي الذكر في كمال الدين.

وروى أيضاً عن أحمد بن حارث روايتين. 6.

ص: 9


1- لسان الميزان 5 / 736.
2- إيضاح الاشتباه : 290.
3- معجم الأدباء 18 / 32.
4- لسان الميزان 5 / 736.

وروى عن عبد الرحمن بن أحمد الذهلي رواية ذكرها الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه.

وروى أيضاً عن ثعلب عن ابن الأعرابي في معنى العترة.

أبو العباس الجزري كما في سند رواية ذكرها الصدوق في العيون (1).

الرواة عنه :

روى عنه أبو العبّاس أحمد بن علي بن العبّاس بن نوح. ذكره النجاشي ، وقال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن علي بن العبّاس بن نوح ، حدّثنا محمد بن بحر بسائر كتبه ورواياته (2). وذكره أيضاً في ترجمة حسين بن سعيد الأهوازي وفيه : إنّ الحسين بن علي بن سفيان البزوفري كتب إليه في سنة 352 فهو - أي أبو العبّاس أحمد بن علي - في هذه السنة كان بالغاً عالماً. ومات قبل سنة 423 كما نبّه عليه العلاّمة الطهراني (3) ، فراجع بشأنه مشيخة النجاشي (4).

وروى عنه الخطابي المعروف ، قال ابن حجر : «روى عنه الخطّابي في غرائب الحديث» (5).

وروى عنه في شأنه : أيضاً أحمد بن طاهر القمّي كما في رواية ذكرها الصدوق. 6.

ص: 10


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 88.
2- رجال النجاشي : 384.
3- النابس : 20.
4- مشيخة النجاشي : 106.
5- لسان الميزان 5 / 736.

وروى عنه أيضاً أبو مفضّل الشيباني أحاديث.

وروى عنه أبو شجاع فارس بن سليمان (1).

طبقته :

قال الطهراني - بعد نقل رواية أحمد بن علي بن عبّاس عنه - : «إنّه كان في طبقة الشيخ الصدوق المتوفّى سنة 381» (2).

ولكن هذا مخالف لما قاله ابن حجر من أنّه مات قبل الثلاثين والثلاثمائة (3) ، ومخالف لما قاله الطهراني في موضع آخر من أنّ محمد بن بحر توفّي سنة 340 (4) ، ومخالف لما قاله الرُّهني : «وردت كربلاء سنة ستّ وثمانين ومئتين (5). والصدوق ينقل عن آثاره ولا يروي عنه نفسه ، كما أنّ المؤلّف نفسه لم يرو عن الأئمّة عليهم السلام ، ممّا يدلّ على أنّه كان يعيش في فترة الغيبة الصغرى ، وهو معاصر للشيخ الجليل الكليني رحمه الله (ت 328 أو 329 ه).

وكتب أبو القاسم أحمد بن علي الكوفي (ت 352 ه- ؛ صاحب كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة) كتاباً في الردّ على الرُّهني بعنوان : الردّ على محمد بن بحر الرُّهني (6). وهذا يعني أنّه كان قبل ذلك عالماً مشهوراً. 1.

ص: 11


1- معجم رجال الحديث 16 / 132.
2- الذريعة 1 / 80.
3- لسان الميزان 5 / 736.
4- الذريعة 5 / 44.
5- كمال الدين 2 / 214.
6- رجال النجاشي : 266 رقم 691.

فضله وعلمه :

ذكر الطوسي وغيره أنّ الرُّهني ألّف أكثر من خمسمائة مصنَّف أو رسالة ، وهذا يدلّ على فضله وسعة علمه ، وآثاره كانت موجودة في بلاد خراسان قبل غزو المغول ، ولكن من المؤسف جدّاً هو أنّنا لم نعثر على شيء من مؤلّفاته غير كتابه القلائد الذي كان موجوداً في خراسان عند السيّد صفي الدين محمد بن معد الموسوي ، وكتب خبره إلى العلاّمة الحلّي ؛ وكتاب القلائد أيضاً في زماننا مفقود.

كانت له مؤلّفات في الأدب والتاريخ والأنساب والجغرافياء والتفسير والكلام ، ووصفه الشيخ بأنّه كان عالماً متكلّماً ، كما أنّ ياقوت استفاد كثيراً من بعض مؤلّفاته.

قال ياقوت : محمد بن بحر الرُّهني أبو الحسين الشيباني ... معروف بالفضل والفقه. قال شيخنا رشيد الدين (1) : كان لِقناً (2) حافظاً يذاكر بثمانية آلاف حديث ، غير أنّه كثر حفظه وتتبّع الغرائب فعمّر ، ومن طلب غرائب الحديث كذب.

قال : ووقفت على كتابه البدع فما أنكرت فيه شيئاً وعند الله علمه ، وكان عالماً بالأنساب وأخبار الناس ، شيعي المذهب غالياً فيه ، له تصانيف م.

ص: 12


1- «رشيد الدين» مجهول ، ويفهم من سياق العبارات أنّ الصفحة التي وردت في شرح حاله موجودة في معجم الأدباء نقلاً عن «النحاس في كتابة» ، ويفهم منها أيضاً أنّ رشيد الدين إمّا من مشايخه أو هو من نقل عنه النحّاس ما يختصّ بالرُّهني. وإنّ «رشيد الدين» ينصرف إطلاقه إلى ابن شهر آشوب.
2- سريع الفهم.

في أخبار الشيعة (1).

وقال ياقوت أيضاً : محمد بن بحر يكنّى أبا حسن (كذا) الرُّهني ، أحد الأدباء العلماء ، قرأ على ابن كيسان كتاب سيبويه ، وروى كثيراً من أحاديث الشيعة ، وله في مقالاتهم تصانيف (2).

قال العلاّمة : وجدت بخطّ السيّد السعيد صفي الدين محمد بن معد : هذا الكتاب - أي القلائد - عندي ، وقع إليّ من خراسان ، وهو كتاب جيّد مفيد (3) وفيه غرائب ، ورأيت مجلّداً فيه كتاب النكاح ، حسن بالغ في معناه ، ورأيت أجزاء مقطّعة وعليها خطّه إجازةً لبعض من قرأ الكتاب عليه يتضمّن الفقه والخلاف والوفاق (4).

وقال ابن حجر : ذكره ابن بابويه منتجب الدين صاحب الفهرست ت ح 600 في تاريخ الريّ وقال : شيخٌ من شيوخ السنّة يكنّى أبا الحسين ، وكان من علمائهم ، وله تصانيف بخراسان ، وكان مليناً؟ عندهم ، وسكن بعض قرى كرمان. وقال ابن بابويه : وقيل كان في مذهبه غلوّ وارتفاع ؛ وكان قويّاً في الأدب واللغة روى عنه الخطّابي في غريب الحديث ، وكان سمع ابن سُهَيل بن عبد الله بن مطر ، ومات قبل الثلاثين والثلاث مائة (5).

يبدو أنّ ابن حجر نقل نصّ عبارة منتجب الدين ، وعلى كلّ حال فتعبيره : «من شيوخ السنة» لا يعني أنّه من أهل السنّة ، ومن المسلم به فإنّ ً.

ص: 13


1- معجم الأدباء 6 / 2435 (طبع إحسان عباس).
2- معجم البلدان ، ذيل عنوان رهنة.
3- في ف 2 : وقع إليّ من كتبه كتاب مقدّمات القرآن وهو كتاب جيد.
4- إيضاح الاشتباه : 290.
5- لسان الميزان 5 / 736 تاريخ الري لمنتجب الدين كان قد حصل عليه ابن حجر ونقل عنه كثيراً.

منتجب الدين كان على اطلاع بأحواله ونسبة الغلوّ إليه تؤكّد على أنّ اسمه قد ورد في المصادر الرجاليّة الشيعيّة.

محمد بن بحر والغلوّ :

والرجل مع علمه وفضله ، متّهم بالغلوّ من قِبَلِ ابن الغضائري.

قال الكشّي : «حدّثني أبو الحسن (كذا) محمد بن بحر الكرماني الدهني (كذا) النرماشيري ، قال : وكان من الغلاة الحنقين (1). وقال أيضاً : محمد بن بحر هذا غال ، وفضالة ليس من رجال يعقوب وهذا الحديث مزاد فيه مغيّر عن وجهه» (2).

وهذا بعد نقل رواية عنه في ذمّ زرارة ، والرواية منكرة جدّاً ، ومع ذلك فإنّ النجاشي قال : «قال بعض أصحابنا : إنّه كان في مذهبه ارتفاع ، وحديثه قريب من السلامة ، ولا أدري من أين قيل ذلك» (3).

وهذا يعني أنّه لم يقبل غلوّ الرُّهني.

وقد أشار ياقوت إلى هذه العبارة حيث قال : «قال ابن النحّاس في كتابه : قال بعض أصحابنا : إنّه كان في مذهبه ارتفاع ، وحديثه قريب من السلامة ، وما أدري من أين قيل» (4). فكلام ابن النحّاس مأخوذ من النجاشي كما هو ظاهر.

قال الطوسي : «محمد بن بحر الرُّهني من أهل سجستان ، كان متكلّماً 1.

ص: 14


1- الحنق بالفتح والكسر شدّة الاغتياظ ، والحَنِقُ : المغتاظ.
2- رجال الكشي : 147 - 148 رقم 235.
3- رجال النجاشي : 384.
4- معجم الأُدباء 18 / 31.

عالماً بالأخبار فقيهاً إلاّ أنّه متّهم بالغلوّ» (1).

وقال أيضاً : «محمد بن بحر الرُّهني يُرمى بالتفويض» (2).

قال العلاّمة : «وقال ابن الغضائري : إنّه ضعيف ، في مذهبه ارتفاع ، والذي أراه التوقّف في حديثه» (3).

قال ابن شهرآشوب : «أبو الحسين بن بحر الرُّهني السجستاني المتكلّم ، يتّهم بالغلوّ» (4).

وقال منتجب الدين في تاريخ الريّ : قيل : وكان في مذهبه غلوّ وارتفاع ، وكان قويّاً في الأدب واللغة (5).

فعلى هذا فإنّ اتّهامه بالغلوّ كان مشهوراً عند الرجاليّين ، وإن كان الأصل في ذلك يرجع إلى ابن الغضائري ، وعند التدقيق فيما بقي من مصنّفاته يتبيّن - باحتمال - أنّ الاتّهام ناشئ عمّا نقل عنه الصدوق في تفضيله الأنبياء والأئمّة على الملائكة ، وهذا كاف عند بعض الشيعة المعتدلة للغلوّ ، ولكنّ القول بالاتّحاد والحلول لم يُذكر عنه أصلا ، والمهمّ أنّ النجاشي أظهر الترديد في هذا الاتّهام ، فراجع عبارته في الرجل.

مؤلّفاته :

محمد بن بحر الرُّهني : أحد كتّاب الاماميّة في أواسط القرن الرابع الهجري ، كان كثير التأليف. وإنّ آثاره العلميّة خير شاهد على أنّه كان عالماً 9.

ص: 15


1- الفهرست للطوسي : 208 رقم 598.
2- رجال الطوسي : 447 رقم 6356.
3- رجال العلاّمة : 252.
4- معالم العلماء : 96.
5- لسان الميزان 5 / 89.

دينياً محدّثاً ومتكلّماً من جانب ، ومن جانب آخر يعدّ أديباً وعالماً لامعاً في الجغرافياء ، وتواجده في منطقة «رهنة» التابعة لكرمان تدلّ على أنّ جذور التشيّع كانت قويّة في هذه البلدة.

قال الطوسي : «له نحو من خمسمائة مصنّف ورسالة ، وكتبه موجودة ، أكثرها بخراسان ، فمن كتبه : الفرق بين الآل والأُمّة ، وكتاب القلائد» (1).

وقال ابن شهرآشوب : «له نحو من خمسمائة مصنّف ورسالة ، وكتبه بخراسان» (2).

وبعد الاستقصاء الدقيق والاستقراء العميق وقفنا على جملة من مؤلّفاته ، والتي منها :

1 - القلائد.

قال النجاشي : «كتاب القلائد ، فيه كلام على مسائل الخلاف بيننا وبين المخالفين» (3).

وقال السيّد السعيد صفي الدين محمد بن معد : «هذا الكتاب عندي ، وقع إليّ من خراسان ، وهو كتاب جيّد مفيد (4) وفيه غرائب ، ورأيت مجلّداً فيه كتاب النكاح ، حسن بالغ في معناه ، ورأيت أجزاء مقطّعة وعليها خطّه إجازة لبعض من قرأ الكتاب عليه يتضمّن الفقه والخلاف والوفاق ، وظاهر د.

ص: 16


1- الفهرست للطوسي : 132.
2- معالم العلماء : 96 وقد ذكر له في الصفحة نفسها كتبه المدرجة في المتن بتسلسل : 10 ، 12 - 23.
3- رجال النجاشي : 384 رقم 1044 ، الفهرست للطوسي : 132 ، إيضاح الاشتباه : 290 ، الذريعة 17 / 160 ، كشف الأستار : 416.
4- في ف 2 : وقع إليّ من كتبه كتاب مقدّمات القرآن وهو كتاب جيّد.

الحال أنّ المجلّد الذي يتضمّن النكاح يكون أحد كتب هذا الكتاب الذي الأجزاء المذكورة منه ، ورأيت خطّ المذكور وهو خطّ جيّد مليح» (1).

2 - كتاب البدع (2).

قال ياقوت : قال شيخنا رشيد الدين : ... ووقفت على كتابه البدع فما أنكرت فيه شيئاً وعند الله علمه (3).

3 - كتاب البقاع (4).

4 - كتاب التقوى (5).

5 - كتاب الاتباع وترك المراء في القرآن (6).

6 - كتاب البرهان (7).

7 - كتاب الأوّل والعشرة (8).

8 - كتاب المتعة (9).

9 - الفرق بين الآل والأُمّة (10).

10 - البرهان السديد من عون المديد.

11 - الطلاق. 2.

ص: 17


1- إيضاح الاشتباه : 290.
2- رجال النجاشي : 384 رقم 1044 ، الوافي بالوفيات 2 / 244 ، الذريعة 3 / 70.
3- معجم الأدباء 6 / 2435.
4- رجال النجاشي : 384 رقم 1044 ، الذريعة 3 / 138.
5- رجال النجاشي : 384 رقم 1044 ، الذريعة 4 / 393.
6- رجال النجاشي : 384 رقم 1044 ، الذريعة 1 / 80.
7- رجال النجاشي : 384 رقم 1044 ، الذريعة 3 / 91.
8- رجال النجاشي : 384 رقم 1044 ، الذريعة 2 / 481 كتاب الآل والعترة.
9- رجال النجاشي : 384 رقم 1044 ، الذريعة 19 / 66.
10- الفهرست للطوسي : 132.

12 - المبسوط في الصلاة.

13 - التكليف والتوظيف (1).

14 - إثبات الإمامة.

15 - الردّ على من أنكر الاثني عشر ومعجزاتهم.

16 - كتاب الحجّة في إبطاء القائم عليه السلام (2).

17 - مجلس الرُّهني.

18 - المساواة والمقابلة.

19 - التلخيص في التفسير (3).

20 - المثل والسير والخراج.

21 - القواعد.

22 - مرج البهاء وروض الضياء.

23 - المناسك.

24 - نحل العرب (4).

قال ياقوت : «له تصانيف في أخبار الشيعة منها : كتاب سمّاه كتاب نحل العرب يذكر فيه تفرّق العرب في البلاد في الإسلام ، منهم من كان شيعيّاً ومنهم من كان خارجيّاً أو سنّياً ، فيحسن قوله في الشيعة ويقع فيمن 3.

ص: 18


1- معالم العلماء تصحيح عباس إقبال : 86.
2- في طبعة إقبال : 86 لم يذكر هذا الكتاب بعنوان مستقلّ بل بعنوان جزء من كتاب : الرّد على من أنكر ...
3- الذريعة 4 / 419.
4- معجم الأدباء 6 / 2435 ، الوافي بالوفيات 2 / 244 ، الذريعة 24 / 83.

عداهم ، وقفت على جزء من هذا الكتاب ذكر فيه نحل أهل المشرق خاصّة من كرمان وسجستان وخراسان وطبرستان» (1).

25 - الدلائل على نحل القبائل.

قال ياقوت : «وذكر فيه (2) أنّ له تصنيفاً آخر سمّاه كتاب الدلائل على نحل القبائل» (3).

26 - مقدّمات القرآن.

قال السيّد صفيّ الدين محمد بن معد : وقع إليّ من كتبه كتاب مقدّمات القرآن وهو كتاب جيّد (4) ، ونقل عنه ابن طاووس في سعد السعود : 227 - 229.

27 - الفروق بين الأباطيل والحقوق (5).

قال الصدوق : «قد ذكر محمد بن بحر الشيباني رضي الله عنه في كتابه المعروف بكتاب الفروق بين الأباطيل والحقوق في معنى موادعة الحسن بن علي بن أبي طالب لمعاوية ، فذكر سؤال سائل عن تفسير حديث يوسف ابن مازن الراسبي في هذا المعنى والجواب عنه ، وهو الذي رواه أبو بكر محمد بن الحسن بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ، قال : حدّثنا أبو طالب زيد بن أحزم ...». ه.

ص: 19


1- معجم الأدباء 6 / 2435.
2- أي في كتاب نحل العرب.
3- معجم الأدباء 6 / 2435 ، الوافي بالوفيات 2 / 244 ، الذريعة 8 / 238 و 10 / 143.
4- إيضاح الاشتباه : 290. وقد وردت هذه العبارة في هامش نسخة أُخرى من الإيضاح.
5- معالم العلماء ص 116 ، علل الشرائع 1 / 200 ، بحار الأنوار 11 / 2 عنه.

الموارد المنقولة من كتب محمد بن بحر:

ومن المؤسف أن نذكر أنّه لم يبق حتّى واحد من مصنّفات آثار الرُّهني مع كونها - كما قال الطوسي - قد قاربت الخمسمائة مصنّف أو رسالة ، ولكن هناك مقطوعات منها ، منقولة في كتب الصدوق والطوسي وياقوت.

ولإحياء هذا الرجل الشيعي والعالم البليغ والمحدّث والجغرافي المؤرّخ ، نذكر هذه المقطوعات ؛ لنعكس جانباً وضّاءً من التراث الشيعي اللامع ، ولبيان الدور الذي اضطلع به هذا العَلَم الهُمام ، لا سيّما وأنّه كان من متكلّمي الشيعة في القرنين الثالث والرابع الهجريّين ، ومن رواتهم في بعض المسائل الحسّاسة والمهمّة التي تتعلّق بالمهدي المنتظر (عجّل الله فرجه).

1 - ما أورده ياقوت في معجم الأُدباء حول الكتاب والمؤلّف.

ذكر ياقوت في معجم الأدباء أنّه رأى مجلّد من كتاب نحل العرب لمحمد بن بحر ، ذكر فيه نحل أهل المشرق خاصّة من كرمان وسجستان وخراسان وطبرستان ، ونقل عن الكتاب حكايتين.

ونقل أيضاً عن محمد بن بحر في معجم البلدان ذيل عناوين بعض بلاد سجستان وخراسان ، من دون أن يذكر اسم المصدر الذي نقل منه.

وإليك النصوص المنقولة عن كتاب أو كتب محمد بن بحر :

قال ياقوت في معجم الأُدباء 6 / 2435 : ذكر فيه - أعني كتاب النحل - : أخبرني ابن المحتسب ببغداد في درب عبْدة بالحربية ، قال : أخبرنا أحمد

ص: 20

ابن الحارث الخزّاز ، قال : أخبرني المدائني علي بن محمد بن أبي سيف ، عن سلمة بن سليمان المغنّي وغيره ، فذكر قصّة الملبَّد بن يزيد بن عون بن حرملة بن بسطام بن قيس بن حارثة بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان الخارج في أيّام المنصور شارياً بالجزيرة حتّى قتل.

وقال في موضع آخر : حدّثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف ، قال : حدّثني أبو هاشم الجعفري ، وقال فيه : حدّثني النوفلي علي بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن أبيه ، وقال فيه : سمعت أحمد ابن محمد بن كيسان النحوي وأنا أقرأ عليه كتاب سيبويه ، يقول : لم يجىء على فَعَّلَ إلاّ أربعة أسماء : البَقَّمُ : هي الخشبة التي يصبغ بها وهي معروفة ، وشَلَّمُ : اسم بيت المقدس بالنبطية ، وبَذَّرُ : وهو اسم ماء من مياه العرب. قال كُثيِّر :

سقى الله أمواتاً عرفت مكانها

جُراباً وملوكاً وبَذَّرَ والغمرا

وخَصَّمُ : اسم للعنبر بن عمرو بن تميم (1).

2 - ما أورده في معجم البلدان من كتاب «نحل العرب».

الأبارق : قال ياقوت : غيرَ مضاف ، عَلَم لموضع بكرمان ، عن محمد بن بحر الرُّهني الكرماني (2).

بَبْق: قال الرُّهني وذكر خبيصا من بلاد كرمان، ثمّ قال: وبناحيتها خبق وببق ولا أدري ما هما (3).3.

ص: 21


1- معجم الأدباء 6 / 2435.
2- معجم البلدان 1 / 59.
3- معجم البلدان 1/333.

بردسير : بكسر السين وياء ساكنة وراء ، أعظم مدينة بكرمان ممّا يلي المفازة التي بين كرمان وخراسان ؛ وقال الرُّهني الكرماني : يقال : إنَّها من بناء اردشير بابكان (1).

جيرفت : وقال الرُّهني : وبجيرفت ناس من الأزد ثمّ من المهالبة ، منهم محمد بن هارون النسّابة ؛ أعلم خلق الله تعالى بأنساب الناس وأيامهم ، قال : ورأيته شيخاً هِمّاً طاعناً في السنّ ، وكان أعلم من رأيت بنسب نزار واليمن ، وكان مفرطاً في التشيّع ، وكان له ابنان : عبد الله وعبد العزيز ، فنظر عبد العزيز في الطبّ فحسن عمله فيه ، وألطف النظر من غير تقليد ، وألّف فيه تآليف (2).

الخبيص : قال الرُّهني : ويكتنف جانبي كرمان عرضان : القُفْص من جانب البحر ، وخبيص من جانب البرّ. وخبيص طرف بلاد فهلو ، قد مسخ الله لسانهم وغيّر بلادهم ، وبناحيتها خبْق وببْق (3).

دار رزين : قال ياقوت : من نواحي سجستان ، وقال الرُّهني : من نواحي كرمان (4).

سجستان : قال محمد بن بحر الرُّهني : سجستان إحدى بلدان المشرق ، ولم تزل لَقاحاً على الضيم ممتنعة من الهضم منفردة بمحاسن متوحّدة بمآثر لم تعرف لغيرها من البلدان ، ما في الدنيا سوقة أصحّ منهم معاملة ولا أقلّ منهم مخاتلة ، ومن شأن سوقة البلدان أنّهم إذا باعهم أو 1.

ص: 22


1- معجم البلدان 1 / 377.
2- معجم البلدان 2 / 198.
3- معجم البلدان 2 / 345 - 346.
4- معجم البلدان 2 / 421.

اشترى منهم العبد أو الأجير أو الصبي كان أحبّ إليهم من أن يشتري منهم الصاحب المحتاط والبالغ العارف ، وهم بخلاف هذه الصفة ، ثمّ مسارعتهم إلى إغاثة الملهوف ومداركة الضعيف ، ثمّ أمرهم بالمعروف ولو كان فيه جدع الأنف ، منها جرير بن عبد الله صاحب أبي عبد الله جعفر بن محمد الباقر رضي الله عنه ، ومنها خليدة السجستاني صاحب (تاريخ آل محمد) ؛ قال الرُّهني : وأجلّ من هذا كلّه أنّه لُعِن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغرب ، ولم يُلعن على منبرها إلاّ مرّة ، وامتنعوا على بني أُميّة حتّى زادوا في عهدهم أن لا يُلعنَ على منبرهم أحد ، ولا يصطاد في بلدهم قنفذاً ولا سلحفاة ، وأيُّ شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، على منبرهم وهو يُلعن على منابر الحَرَمين مكة والمدينة (1)!.

سيرجان : قال الرُّهني : منها حرب بن إسماعيل ، لقي أحمد بن حنبل وصحبه ، وله مؤلّفات في الفقه ، منها كتاب السنّة والجماعة ، قال : شتم فيه فِرَقُ أهل الصلاة ، وقد نقضه عليه أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي (2). والعبارة تدلّ على تشيّعه الأصيل.

القفس : قال الرُّهني : القفس جبل من جبال كرمان ممّا يلي البحر ، وسكّانه من اليمانية من الأزد بن الغوث ثمّ من ولد سليمة بن مالك بن فهم ، وولده لم يكونوا في جزيرة العرب على دين العرب ، للاعتراف بالمعاد والإقرار بالبعث ولا كانوا مع ذلك على دينهم في عبادة طواغيتهم التي كانوا يعبدونها من الأوثان والأصنام ، ثمّ انتقلوا إلى عبادة النيران فلم 6.

ص: 23


1- معجم البلدان 3 / 190 - 191.
2- معجم البلدان 3 / 296.

يعبدوها أيضاً عندهم وفي قدرتهم ..

ثمّ فتحت كرمان على عهد عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، فلم يظهر لأحد منهم من ذلك الزمان إلى هذا الزمان ما يوجب لهم اسم نحلة وعقد ولا اسم ذمّة وعهد ، ولم يكن في جبالهم التي هي مأواهم بيت نار ولا فهر يهود ولا بيعة نصارى ولا مصلّى مسلم إلاّ ما عساه بناه في جبالهم الغزاة لهم ، وأخبرني مخبر أنّه أخرج من جبالهم الأصنام ولم أتحقّقه.

قال الرُّهني : وإنّي وجدت الرحمة في الإنسان وإن تفاوت أهلها فيها فليس أحد منهم يعرى من شيء منها ، فكأنّها خارجة من الحدود التي يميّز بها الإنسان من جميع الحيوان كالعقل والنطق اللذين جعلا سبباً للأمر والزجر ولأنّ الرحمة وإن كانت من نتائج قلب ذي الرحمة ولذلك في هذه الخلّة التي كأنّها في الإنسان صفة لازمة كالضحك ، فلم أجد في القفس منها قليلاً ولا كثيراً ، فلو أخرجناهم بذلك عن حدّ من حدود الإنسان لكان جائزاً ..

ولو جعلناهم من جنس ما يُصاد ويُرمى لا من جنس ما يُغزى ويُدعى ويؤمر ويُنهى إذا ما كان على ما بان لنا وظهر وانكشف وشهر أنّه لم يصلح إلى سياسة سائس ولا دعوة داع وهداية هاد ولم يعلق بقلوبهم ما يعلق بقلوب من هو مختار للخير والشر والإيمان والكفر كأنّ السبع الذي يقتل في الحرم والحلّ وفي السرق والأمن ولا يستبقى للاستصلاح والاستحياء للإصلاح أشبه منه بالإنسان الّذي يرجى منه الارعواء عن الجهالة والانتقال من حالة إلى حالة.

قال : وولد مالك بن فهم ثمانية : فراهيد والخمام والهناءة ونوى والحارث ومعن وسليمة وجذيمة الأبرش بنو مالك بن فهم بن غنم بن

ص: 24

دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد.

قال : والمتمرّد من ولد عمرو بن عامر بوادي سبا هو جدّ القفس ، وذلك أنّ سليمة بن مالك هو قاتل أبيه مالك بن فهم ، وهو الفار من إخوته بولده وأهله من ساحل العرب إلى ساحل العجم ممّا يلي المكران والقاطن بعد في تلك الجبال.

قال الرُّهني : وأردنا بذكر هذه الأمور التي بيّناها من الفقس لندلّ على أنّهم لم يكن لهم قطّ في جاهليّة ولا إسلام ديانة يعتمدونها ، وليعلم الناس أنّهم مع هذه الأحوال يعظّمون من بين جميع الناس عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، لا لعقد ديانة ولكن لأمر غلب على فطرتهم من تعظيم قدره واستبشارهم عند وصفه (1).

قوهستان : قال الرُّهني : أوّل بلاد قوهستان جوسف وآخرها إسبيذرستاق وهي الجنابذ ومايليها ، وأهل الجنابذ يدّعون أنّ أرضهم من حدود الجنبذ لأنّها بين قائن التي هي قصبة قوهستان ، ويدّعي أهل قائن أنّ إسبيذرستاق من أرض قوهستان إلاّ أنّها من عمل قوهستان. قال الرُّهني : وعرضها ما بين كرين إلى زوزن وهي مفاوز ليس فيها شيء ، وإنّما عمران قوهستان ما بين النخيرجان ومسينان إلى إسبيذرستاق ، وهذه المدن والقرى التي بقوهستان متباعدة في أعراضها مفاوز ، وليست العمارة بقوهستان مشتبكة مثل اشتباكها بسائر نواحي خراسان ، وفي أضعاف مُدُنها مَفاوز يسكنها أكراد وأصحاب السوائم من الإبل والغنم ؛ وليس بقوهستان فيما 1.

ص: 25


1- معجم البلدان 1 / 380 - 381.

علمته نهر جار ، إنّما هي القَنى والآبار (1).

لاز : بالزّاي من نواحي خواف من أعمال نيسابور. وقال الرُّهني : لاز من ناحية زوزن ، نسب إليها أبو الحسن بن أبي سهل بن أبي الحسن اللازي ، شاعر فاضل ، ومن شعره :

يشم الأنوف الشمّ عرصة داره

وأعجب بأنف راغم فاز بالفخر

ومن قدماء أهل لاز أحمد بن أسد العامري وأبناه أبو الحارث أسد وأبو محمد جعفر ، وكانوا علماء شعراء لا يشقّ غبارهم (2).

نسا : قال الرُّهني : نسا من رساتيق بمّ بكرمان ؛ ونسا مدينة بهمذان (3).

هراة : قال الرُّهني : إنّ مدينتها بُنيت للإسكندر وذلك أنّه لمّا دخل الشرق ومرّ بها إلى الصين وكان من عادته أن يكلّف أهل كلّ بلد ببناء مدينة تحصنهم من الأعداء فيقدّرها ويهندسها لهم ، وأنّه أُعلِمَ أنّ في أهل هراة شِماساً وقلّة قبول ، فاحتال عليهم وأمرهم أن يبنوا مدينة ويحكموا أساسها ، ثمّ خطّ لهم طولها وعرضها وسمك حيطانها وعدد أبراجها وأبوابها ، واشترط لهم أن يوفّيهم أجورهم وغراماتهم عند عوده من ناحية الصين ، فلمّا رجع من الصين ونظر إلى ما بنوه ، عابه وأظهر كراهيّته وقال : ما أمرتكم أن تبنوا هكذا ، فردّ بناءهم عليهم بالعيب ولم يعطهم شيئاً (4).

يبدو أنّ هناك معلومات كثيرة جدّاً نقلها ياقوت الحموي في معجم البلدان عن الرُّهني ولكنّه لم يذكره بالاسم ويمكن أن تكون هذه المعلومات 6.

ص: 26


1- معجم البلدان 4 / 416.
2- معجم البلدان 5 / 7.
3- معجم البلدان 5 / 282.
4- معجم البلدان 5 / 396.

غالباً عن مدن وقرى خراسان وكرمان وسيستان.

موردان من كتاب «الفرق بين الآل والأُمّة» :

ألف - كتبت عدّة كتب بهذا العنوان ، أحدها من الريّان بن الصلت الأشعري القمّي ، قال النجاشي : «إنّ له كتاباً جمع فيه كلام الرضا عليه السلام في الفرق بين الآل والأُمّة» (1) ، والآخر من عيسى بن مهران المستعطف تحت عنوان كتاب الفرق بين الآل والأُمّة (2) ، وآخر أيضاً من الميرزا محمد بن بحر الرُّهني وقد ذكره الشيخ الطوسي في فهرسته واسمه : كتاب الفرق بين الآل والأُمّة (3).

ونذكر أدناه نصّاً ذكره الكفعمي وقد أتى في آخره ما نصّه : «ذكر ذلك محمد بن بحر الشيباني في كتابه عن ثعلب عن ابن الأعرابي» ، ونظراً إلى محتوى ما نقل فالمحرز لدينا أنّه لا بدّ وأن يكون من كتاب الفرق بين الآل والأُمّة للرهني حيث قال الكفعمي (4) رحمه الله : «العترة» ولد الرجل وذرّيته من صلبه ، ولذلك سمّيت ذرّية النبيّ (صلى الله عليه وآله) من فاطمة وعليّ عليه السلام عترة محمد (صلى الله عليه وآله).

والعترة : البلدة والبيضة ، فهم عليهم السلام بلدة الإسلام وبيضته وأُصوله.

والعترة : صخرة عظيمة يتّخذ الضبّ جحره عندها ؛ يهتدي بها لئلاّ يضلَّ عنه ، وهم عليهم السلام الهداة للخلق على معنى الصخرة. 1.

ص: 27


1- رجال النجاشي ، 165 رقم 437.
2- رجال النجاشي ، 297 رقم 807.
3- الفهرست ، 208 رقم 598 ؛ معالم العلماء ، 131 رقم 662.
4- في حاشية المصباح الطبعة القديمة : 811.

والعترة : أصل الشجرة المقطوعة التي تنبت من أُصولها ، وهم عليهم السلام أصل الشجرة المقطوعة ؛ لأنّهم وتِروا وقُطعوا وظُلموا فنبتوا من أُصولهم لم يضرّهم قطع من قطعهم.

والعترة : شجرة صغيرة كثيرة اللبن بتهامة ، وهم عليهم السلام ينابيع العلم على معنى كثرة اللبن.

والعترة : شجرة تنبت على باب وجار الضبع ، وهم عليهم السلام الشجرة التي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أصلها ، وعليّ فرعها ، والأئمّة عليهم السلام أغصانها ، وشيعتهم ورقها.

والعترة : قطع المسك الكبار في النافجة ، وهم عليهم السلام من بين بني هاشم ومن أبي طالب كقطع المسك الكبار في النافجة.

والعترة : العين النابعة العذبة ، وعلومهم لا شيء أعذب منها عند أهل الحكمة والعقل.

والعترة : الذكور من الأولاد ، وهم عليهم السلام ذكور غير إناث.

والعترة : الريح ، وهم جند الله تعالى وحزبه كما أنّ الريح جند الله.

والعترة : نبت ينبت متفرّقاً مثل المرزنجوش ، وهم عليهم السلام أصحاب المشاهد المتفرّقة وبركاتهم منبثّة في المشرق والمغرب.

والعترة : قلائد تعجن بالمسك والأفاوية ، وهم عليهم السلام أولياء الله المتّقون وعباده المخلصون (1).

والعترة : الرَّهط ، وهم عليهم السلام رهط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ورهط الرجل اف

ص: 28


1- وزاد في المصباح : 118 في الهامش : قال : فَهُمُ ذوو النسب القصير وطفلهم باد على الكبراء والأشراف والخمر إن قيل ابنة العنب اكتفت بأب من الألقاب والأوصاف

قومه وقبيلته.

إذا عرفت ذلك ، فجميع ما قلناه من الألفاظ في معنى العترة التي اختلف العلماء فيها ، فهي كناية عنهم عليهم السلام. ذكر ذلك محمد بن بحر الشيباني في كتابه عن ثعلب عن ابن الأعرابي (1).

باء - في كمال الدين (2) : وحكى محمد بن بحر الشيباني ، عن محمد بن عبد الجبّار صاحب أبي العبّاس ثعلب في كتابه الذي سمّاه كتاب الياقوتة ، قال :

حدّثني أبو العبّاس ثعلب (3) قال : حدّثني ابن الأعرابي قال : العترة : قطاع المسك الكبار في النافجة وتصغيرها عتيرة. والعترة : الريقة العذبة وتصغيرها عتيرة. والعترة : شجرة تنبت على باب وجار الضبّ ، وأحسبه أراد وجار الضبع ؛ لأنّ الذي يكون هو للضبّ مكنٌ (4) وللضبع وجار ثمّ قال : وإذا خرجت الضبُّ من وجارها تمرّغت على تلك الشجرة فهي لذلك لا تنمو ولا تكبر ، والعرب تضرب مثلا للذليل والذلّة فتقول : أذلُّ من عترة الضبّ قال : وتصغيرها عتيرة والعترة : ولد الرجل وذرّيته من صلبه ، ولذلك سمّيت ذرّية محمد (صلى الله عليه وآله) من عليّ وفاطمة عليهم السلام عترة محمد (صلى الله عليه وآله).

قال ثعلب : فقلت لابن الأعرابي : فما معنى قول أبي بكر في السقيفة : «نحن عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال : أراد بلدته وبيضته. وعترة محمد (صلى الله عليه وآله)لا محالة ولد فاطمة عليهم السلام ، والدليل على ذلك ردّ أبي بكر وإنفاذ عليّ عليه السلامف.

ص: 29


1- البحار (عن الكفعمي) 87 / 261.
2- كمال الدين وتمام النعمة - للصدوق رحمه الله - 1 / 245.
3- بالثاء المثلّثة والعين المهملة أحمد بن يحيى المتوفّى 291 ه.
4- بفتح الميم وسكون الكاف ، وفي بعض النسخ «مسكن» ولعلّه تحريف.

بسورة براءة ، وقوله (صلى الله عليه وآله) : «أُمرت أن لا يبلّغها عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي» ، فأخذها منه ودفعها إلى من كان منه دونه. فلو كان أبو بكر من العترة نسباً دون تفسير ابن الأعرابي أنّه أراد البلدة ، لكان محالا أخذ سورة براءة منه ودفعها إلى عليّ عليه السلام».

موارد من كتاب «كتاب الحجّة في إبطاء القائم (عج)»:

أ - في كمال الدين (1) : حدّثنا محمد بن علي بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي ، قال : حدّثنا أحمد بن طاهر القمّي ، قال : حدّثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني ، قال : أخبرنا عليّ بن الحارث عن سعيد بن منصور الجواشني ، قال : أخبرنا أحمد بن علي البديلي ، قال : أخبرنا أبي عن سدير الصيرفي قال : ...

وفي الغيبة للطوسي (2) : أخبرني جماعة ، عن أبي المفضّل محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن المطلب رحمه الله ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمد بن بحر بن سهل الشيباني الرُّهني ، قال : أخبرنا علي بن الحارث ، عن سعد (3) بن المنصور الجواشني ، قال : أخبرنا أحمد بن علي البديلي ، قال : أخبرني أبي عن سدير الصيرفي ، قال : دخلت أنا والمفضّل بن عمر وداود بن كثير الرقّي وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا الصادق عليه السلام ، ة.

ص: 30


1- كمال الدين وتمام النعمة 2 / 352 - 357.
2- الغيبة : 167 - 173 ، والمتن المطبوع هنا منقول من نصّ الغيبة طبعة مؤسّسة المعارف الإسلامية.
3- في كمال الدين : سعيد بن المنصور قال الكشي : إنّه كان من رؤساء الزيدية.

فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح (1) خيبريّ مطرّف بلا جيب ، مقصّر الكُمَّين ، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرّى ، قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيّر في عارضيه ، وأبلى الدمع محجريه ، وهو يقول :

«سيّدي غيبتك نفت رقادي وضيّقت عليّ مهادي وابتزّت منّي راحة فؤادي ، سيّدي غيبتك أوصلت مصائبي بفجائع الأبد ، وفقد (2) الواحد بعد الواحد بفناء الجمع والعدد ، فما أُحسُّ بدمعة ترقأ من عيني وأنين يفشا (3) من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلاّ مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها ، وبواقي أشدّها وأنكرها ، ونوائب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك (4)».

قال سدير فاستطارت عقولنا ولهاً وتصدّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل (5) ، فظننّا أنّه سَمَتَ (6) لمكروهة قارعة ، أو حلّت به من الدهر بائقة ، فقلنا :

لا أبكى الله عينيك يا ابن خير الورى ، من أيّة حادثة تستذرف (7)دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟ ه.

ص: 31


1- المِسح - بكسر الميم - الكساء من الشعر (حاشية البحار).
2- قال في البحار : قوله عليه السلام «وفقد» لعلّه معطوف على الفجائع أو على الأبد ، أي أوصلت مصابي بما أصابني قبل ذلك من فقد واحد بعد واحد بسبب فناء الجمع والعدد ، وفي بعض النسخ «يفنى» فالجملة معترضة أو حاليّة.
3- في البحار : يفشأ على البناء للمفعول أي ينتشر.
4- «ما بين المعقوفتين لم يرد في غير كمال الدين».
5- الغائل : المهلك ، والغوائل : الدواهي كما في البحار.
6- سمت لهم أي هيّأ لهم وجه الكلام والرأي (من حاشية كمال الدين).
7- في الكمال والبحار : تستنزف وهو بمعنى استخراج الدم كلّه.

قال : فزفر (1) الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه ، اشتدّ منها خوفه فقال :

«ويكم (2)! إنّي نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا ، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، الذي خصّ الله تقدّس اسمه به محمداً والأئمّة من بعده عليهم السلام ، وتأمّلت فيه مولد قائمنا عليه السلام وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين (من) بعده في ذلك الزمان ، وتولّد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينه ، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله عزّ وجلّ : (وَكُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) (3) ، يعني الولاية ، فأخذتني الرقّة واستولت عليّ الأحزان».

فقلنا : يا ابن رسول الله! كرِّمنا وفضِّلنا بإشراكك إيّانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك.

قال : «إنّ الله - تعالى ذكره - أدار في القائم منّا ثلاثة أدراها لثلاثة من الرسل قدَّر مولده تقدير مولد موسى عليه السلام ، وقدّر غيبته تقدير غيبة عيسى عليه السلام ، وقدّر إبطاءه تقدير إبطاء نوح عليه السلام ، وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح - أعني الخضر عليه السلام - دليلا على عمره».

فقلنا : اكشف لنا يا ابن رسول الله عن وجوه هذه المعاني.

قال : «أمّا مولد موسى عليه السلام فإنّ فرعون لمّا وقف على أنّ زوال ملكه 3.

ص: 32


1- الزفرة : التنفّس (لسان العرب).
2- ويكم : مخفّف (ويحكم) وهو زجر للمشرف على الهلكة (من هامش نسخة الأصل من الغيبة).
3- سورة الإسراء 17 : 13.

على يده أمر بإحضار الكهنة ، فدلّوا على نسبه وأنّه يكون من بني إسرائيل ، فلم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتّى قتل في طلبه نيّفاً وعشرين (1) ألف مولود ، وتعذّر عليه الوصول إلى قتل موسى عليه السلام بحفظ الله تعالى إيّاه.

كذلك بنو أُميّة وبنو العبّاس لمّا وقفوا على أنّ به زوال مَملكة (2)الأمراء والجبابرة منهم على يدي القائم منّا ، ناصبونا العداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإبادة نسله ؛ طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم عليه السلام ، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.

وأمّا غيبة عيسى عليه السلام ، فإنّ اليهود والنصارى اتّفقت على أنّه قتل ، فكذّبهم الله عزّ وجلّ بقوله : (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلكِن شُبِّهَ لَهُمْ) (3).

كذلك غيبة القائم ، فإنّ الأُمّة ستنكرها لطولها ، فمن قائل يقول : إنّه لم يولد ، وقائل يفتري بقوله : إنّه ولد ومات ، وقائل يكفر بقوله : إنّ حادي عشرنا كان عقيماً ، وقائل يمرق بقوله : إنّه يتعدّى إلى ثالث عشر فصاعداً ، وقائل يعصي الله بدعواه : إنّ روح القائم عليه السلام ينطق في هيكل غيره.

وأمّا إبطاء نوح عليه السلام فإنّه لمّا استنزل العقوبة (من السماء) بعث الله إليه جبرئيل عليه السلام معه سبع نويات ، فقال : يا نبيّ الله! إنّ الله جلّ اسمه يقول لك : إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلاّ بعد 7.

ص: 33


1- جاء في كتاب الغيبة للطوسي رحمه الله طبعة مكتبة نينوا الحديثة بطهران : «نيّف وعشرون».
2- في الكمال : زوال ملكهم وملك الأمراء ، وفي البحار : زوال ملكهم والأمراء.
3- سورة النساء 4 : 157.

تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة ، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإنّي مثيبك عليه ، واغرس هذا النوى ؛ فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص ، وبشّر بذلك من تبعك من المؤمنين.

فلمّا نبتت الأشجار وتأزّرت وتسوّقت وأغصنت ، وزها الثمر عليها (1)بعد زمان طويل استنجز من الله العِدَة ، فأمره الله تعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ، ويعاود الصبر والاجتهاد ، ويؤكّد الحجّة على قومه ، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتدّ منهم ثلاثمئة رجل وقالوا : لو كان ما يدّعيه نوح حقّاً لما وقع في عدّته خلف.

ثمّ إنّ الله تعالى لم يزل يأمره عند إدراكها كلّ مرّة أن يغرس تارة بعد أُخرى إلى أن غرسها سبع مرّات ، وما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتدّ منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عادوا إلى نيّف وسبعين رجلا ، فأوحى الله عزّ وجلّ عند ذلك إليه وقال : الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرّح الحقّ عن محضه ، وصفا الأمر للإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة.

فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من ارتدّ من الطوائف التي كانت آمنت بك ، لما كنت صدّقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا لي التوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوّتك ، بأن استخلفهم في الأرض ، وأُمكّن لهم دينهم ، وأُبدّل خوفهم بالأمن ؛ لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشكّ من قلوبهم.

وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم ، ا.

ص: 34


1- أي تقوّت الشجرة وتوقّى ساقها وكثرت أغصانها (من حاشية الكمال) وزهو الثمرة : إحمرارها واصفرارها ، وفي البحار : وزهى الثمر عليها.

مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدّوا وخبث طينتهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوخ (1) الضلالة؟ فلو أنّهم تنسّموا (2) من الملك الذي أُوتي المؤمنون وقت الاستخلاف إذا هلكت (3) أعداؤهم ، (لنشقوا) روائح صفاته ، ولاستحكم (سرائر) نفاقهم ، وتأبّد خبال ضلالة قلوبهم ، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة ، وحاربوهم على طلب الرئاسة ، والتفرّد بالأمر والنهي عليهم ، وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب! كلاّ (فاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) (4).

قال الصادق عليه السلام : وكذلك القائم عليه السلام ، فإنّه تمتدّ غيبته ليصرّح الحقّ عن محضه ، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عليه السلام».

قال المفضّل : فقلت : يا ابن رسول الله! فإنّ النواصب تزعم (أنّ) (5) هذه الآية أنزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ ، فقال :

«لا أهدى الله قلوب الناصبة! متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكّناً بانتشار الأمن في الأُمّة وذهاب الخوف من قلوبها وارتفاع الشكّ من صدورها ، في عهد واحد من هؤلاء أو في عهد عليّ عليه السلام ، مع 5.

ص: 35


1- السنوخ : الرسوخ ، وفي البحار والكمال : سنوح ومعناه : العروض.
2- أي تشمّموا ، وفي الكمال والبحار : تسنّموا : أي ركبوا.
3- في الكمال والبحار : أهلكت.
4- اقتباس من الآية من سورة هود هي : (واصنع).
5- المراد من الآية قوله تعالى : (وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ ..) النور 24 : 55.

ارتداد المسلمين والفتن التي كانت تثور في أيّامهم والحروب والفتن التي كانت تشبّ بين الكفّار وبينهم؟ ثمّ تلا الصادق عليه السلام هذه الآية مثلا لإبطاء القائم عليه السلام : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا) (1) الآية.

وأمّا العبد الصالح - أعني الخضر عليه السلام - فإنّ الله تعالى ما طوّل عمره لنبوّة قرّرها له ، ولا لكتاب نزل عليه ، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء عليهم السلام ، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها ، ولا لطاعة يفرضها ، بلى إنّ الله تعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم عليه السلام في أيّام غيبته ما يقدّره (2) ، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول ، طوّل عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلاّ لعلّة الاستدلال به على عمر القائم عليه السلام ؛ ليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلاّ يكون للناس على الله حجّة (3). ً.

ص: 36


1- سورة يوسف 12 : 110.
2- في البحار والكمال : يقدّر.
3- عنه البحار : 51 / 219 ح 9 ، وعن كمال الدين : 352 ح 50 ، وقطعة منه في إثبات الهداة 3 / 475 ح 162 عنهما. وذيله في الإيقاظ من الهجعة : 105 ح 13 عنهما ، وعن إعلام الورى : 406 - نقلا عن ابن بابويه - وكشف الغمّة ولكن لم نجده فيه. وأخرجه في البرهان 3 / 147 ح 8 ، وغاية المرام : 377 ح 7 ، ومنتخب الأنوار المضيئة : 179 - 186 عن ابن بابويه ، وقطعة منه في نور الثقلين : 2 / 211 ح 119 عن كتابنا هذا وعن الكمال ، وفي الصراط المستقيم 2 / 227 عن ابن بابويه. وذيله في حلية الأبرار 2 / 689 ، وغاية المرام : 710 ح 27 عن ابن بابويه ، وفي نور الثقلين 3 / 617 ح 219 عن الكمال ، وفي البحار 13 / 47 ح 15 عن الكمال مختصراً. وأورده في ينابيع المودّة : 454 مختصراً.

ب - في كمال الدين (1) : حدّثنا محمد بن عليّ بن محمد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني ، قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي ، قال : حدّثنا أحمد بن طاهر القمّي ، قال : حدّثنا محمد ابن بحر بن سهل الشيباني ، قال : حدّثنا أحمد بن مسرور (2) عن سعد بن عبد الله القمّي ، قال : كنت امرأً لهجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كلفاً باستظهار ما يصحّ لي من حقائقها ، مغرماً (3) بحفظ مشتبهها ومستغلقها ، شحيحاً على ما أظفر به من معضلاتها (4) ومشكلاتها ، متعصّباً لمذهب الإماميّه ، راغباً عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدّي إلى التباغض والتشاتم ، معيباً لفِرق ذوي الخلاف ، كاشفاً عن مثالب أئمّتهم ، هتّاكاً لحجب قادتهم ، إلى أن بليت بأشدّ النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة ، وأكثرهم جدلا ، وأشنعهم سؤالا وأثبتهم على الباطل قدماً.

فقال ذات يوم - وأنا أُناظره - : تَبّاً لك ولأصحابك يا سعد! إنّكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما ، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما ، هذا الصدّيق الذي فاق جميع ا.

ص: 37


1- كمال الدين وتمام النعمة 2 / 454.
2- رجال السند بعضهم مجهول الحال وبعضهم مهمل ، والمتن متضمّن لغرائب بعيد صدورها عن المعصوم عليه السلام ويشتمل على أحكام تخالف ما صحّ عنهم عليهم السلام. مضافاً إلى أنّ الواسطة بين الصدوق وسعد بن عبد الله في جميع كتبه واحدة ، أبوه أو محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد كما هو المحقّق عند من تتبّع كتبه ومشيخته ، وهنا بين المؤلّف وسعد خمس وسائط. وقد رواه الطبري في الدلائل بثلاث وسائط هم غير ما هنا.
3- لهجاً : أي حريصاً. كلفاً : أي مولعاً. مغرماً : أي محبّاً مشتاقاً.
4- في بعض النسخ : معاضلها.

الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أنّ رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلاّ علماً منه أنّ الخلافة له من بعده ، وأنّه هو المقلّد لأمر التأويل ، والملقى إليه أزمّة الأُمّة ، وعليه المعوّل في شعب الصدع ولمّ الشعث وسدّ الخلل وإقامة الحدود وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك (1) ، كما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه ، ولمّا رأينا النبيّ متوجّهاً إلى الانجحار ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد ، استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار ؛ للعلّة التي شرحناها.

وإنّما أبات عليّاً على فراشه لمّا لم يكن يكترث به ولم يحفل به لاستثقاله (2) ، ولعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.

قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتّى ، فما زال يعقّب (3) كلّ واحد منها بالنقص والردّ عليّ ، ثمّ قال : يا سعد! ودونكها أُخرى بمثلها تخطم أنوف الروافض (4) ، ألستم تزعمون أنّ الصدّيق المبرّأ من دنس الشكوك والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسرّان النفاق؟ واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصدّيق والفاروق ، أسلما طوعاً أو كرهاً؟

قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي خوفاً من الإلزام ، وحذراً من أنّي إن أقررت له بطوعهما (5) للإسلام احتجّ بأنّ بدء النفاق ونشأه في ).

ص: 38


1- تسريب الجيوش : بعثها قطعة قطعة.
2- أكترث له : أي ما أُبالي .. وما حفله وما حفل به : أي ما أُبالي به ولا أهتمّ له.
3- في بعض النسخ : يقصد.
4- خطمه : أي ضرب أنفه.
5- في بعض النسخ : (بطواعيتهما).

القلب لا يكون إلاّ عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه ، نحو قول الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِين * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) (1) وإن قلت : أسلما كرهاً كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن ثمّة سيوف منتضاة (2) كانت تريهما البأس.

قال سعد : فصدرت عنه مزورّاً (3) قد انتفخت أحشائي من الغضب ، وتقطّع كبدي من الكرب ، وكنت قد اتّخذت طوماراً وأثبتّ فيه نيّفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً ، على أن أسال عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد عليه السلام.

فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسرّ من رأى ، فلحقته في بعض المنازل ، فلمّا تصافحنا قال : بخير لحاقك بي. قلت : الشوق ثمّ العادة في الأسولة. قال : قد تكافينا على هذه الخطّة الواحدة ، فقد برّح بي القرم (4) إلى لقاء مولانا أبي محمد عليهم السلام وأنا أُريد أن أسأله عن معاض في التأويل ومشاكل في التنزيل ، فدونكها الصحبة المباركة فإنّها تقف بك على ضفّة بحر (5) لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه ، وهو إمامنا. ).

ص: 39


1- سورة المؤمن 40 : 84 - 85.
2- انتضى السيف : سلّه.
3- الازورار عن الشيء : العدول عنه.
4- الخطّة - بالضم - شبه القصّة والأمر والجهل ؛ يعني تساوينا على هذه الحالة أي العادة في الأسولة في القصّة الواحدة في الأمر الواحد. وبرّح به الأمر تبريحاً ، وتباريح الشوق : توهّجه ، والقرم - محرّكة - : شدّة شهوة اللحم ، وكثر استعمالها حتّى قيل في الشوق إلى الحبيب والمراد هنا شدّة الشوق. وفي بعض النسخ : (برّح بي الشوق).
5- ضفّة البحر : ساحله ، وفي بعض النسخ : (ثقف بك).

فوردنا سرّ من رأى فانتهينا منها إلى باب سيّدنا فاستأذنّا فخرج علينا الآذن بالدخول عليه ، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبري فيه مئة وستّون صرّة من الدنانير والدراهم ، على كلّ صرّة منها ختم صاحبها.

قال سعد : فما شبّهت وجه مولانا أبي محمد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلاّ ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلامٌ يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، على رأسه فرق بين وفرتين كأنّه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلمٌ إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئاً قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا يدحرج الرمّانة بين يديه ويشغله بردّها كيلا يصدّه عن كتابة ما أراد (1) فسلّمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس.

فلمّا فرغ من كتبه البياض الذي كان بيده ، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر ة.

ص: 40


1- قال في هامش البحار الطبع الحروفي كذا : «فيه غرابة من حيث قبض الغلام عليه السلام على أصابع أبيه أبي محمد عليه السلام. وهكذا وجود رمّانة من ذهب يلعب بها لئلاّ يصدّه عن الكتابة ، وقد روي في الكافي 1 / 311 عن صفوان الجمّال قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صاحب هذا الأمر؟ فقال : إنّ صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب. وأقبل أبو الحسن موسى وهو صغير ومعه عناق مكّية وهو يقول لها : اسجدي لربّك ، فأخذه أبو عبد الله عليه السلام وضمّه إليه ، وقال : بأبي وأمّي من لا يلهو ولا يلعب» ، انتهى. أقول : في طريق هذه الرواية معلّى بن محمد البصري قال العلاّمة رحمه الله في حقّه : مضطرب الحديث والمذاهب ، وكذا النجاشي ، وقال ابن الغضائري : نعرف حديثه وننكره ، يروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرّج شاهداً. راجع جامع الرواة.

الهادي عليه السلام (1) إلى الغلام وقال له :

«يا بني فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك».

فقال : يا مولاي أيجوز أن أمدّ يداً طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟».

فقال مولاي : «يا ابن إسحاق! استخرج ما في الجراب ليميّز ما بين الحلال والحرام منها».

فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام :

«هذه لفلان بن فلان ، من محلّة كذا بقمّ ، تشتمل على اثنين وستّين ديناراً ، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها وكانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً ، وفيها من أُجرة الحوانيت ثلاثة دنانير».

فقال مولانا : «صدقت يا بني ، دُلّ الرجل على الحرام منها».

فقال عليه السلام : «فتّش عن دينار رازي السكّة ، تاريخه سنة كذا ، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه ، وقراضه آمليّة وزنها ربع دينار ، والعلّة في تحريمها أنّ صاحب هذه الصرّة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّاً وربع منّ ، فأتت على ذلك مدّة ، وفي انتهائها قيّض لذلك الغزل سارق ، فأخبر به الحائك صاحبه فكذّبه واستردّ منه بدل ذلك منّاً ونصف منّ غزلا أدقّ ممّا كان دفعه إليه ، واتّخذ من ذلك ثوباً ، كان هذه الدنانير مع القراضة ثمنه».

فلمّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر ».

ص: 41


1- كذا ، ولعلّه مصحف «عن مولاي عليه السلام».

عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.

ثمّ أخرج صرّة أُخرى فقال الغلام :

«هذه لفلان بن فلان من محلّة كذا بقم ، تشتمل على خمسين ديناراً لا يحلّ لنا لمسها».

قال : «وكيف ذاك؟» قال :

«لأنّها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكّاره في المقاسمة ، وذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل واف وكان ما حصّ الأكّار بكيل بخس».

فقال مولانا : «صدقت يا بني».

ثمّ قال : «يا أحمد بن إسحاق : احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها على أربابها ؛ فلا حاجة لنا في شيء منها وائتنا بثوب العجوز».

قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته (1).

فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب ، نظر إليّ مولانا أبو محمد عليه السلام فقال : «ما جاء بك يا سعد؟».

فقلت : شوّقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا.

قال : «والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟».

قلت : على حالها يا مولاي.

قال : «فسل قرّة عيني» وأومأ إلى الغلام ، فقال لي الغلام : «سل عمّا بدا لك منها». ة.

ص: 42


1- الحقيبة : ما يجعل في مؤخّرة القتب أو السرج من الخرج ويقال له بالفارسية : الهكبة.

فقلت له : مولانا وابن مولانا إنّا روينا عنكم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة : «إنّك قد أرهجت على الإسلام (1) وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فإن كففت عنّي غربك (2) وإلاّ طلّقتك» ، ونساء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان طلاقهنّ وفاته.

قال : «ما الطلاق؟»

قلت : تخلية السبيل.

قال : «فاذا كان طلاقهنّ وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد خلّيت لهنّ السبيل فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج؟».

قلت : لأنّ الله تبارك وتعالى حرّم الأزواج عليهنّ.

قال : «كيف! وقد خلّى الموت سبيلهنّ؟».

قلت : فاخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوّض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

قال : «إنّ الله تقدّس اسمه عظّم شأن نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) فخصّهنّ بشرف الأُمّهات ، فقال رسول الله : يا أبا الحسن إنّ هذا الشرف باق لهنّ ما دمن لله على الطاعة ، فأيّتهنّ عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج ، وأسقطها من شرف أُمومة المؤمنين» (3).

قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبيّنة التي إذا أتت المرأة بها في عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها من بيته. ».

ص: 43


1- الإرهاج : إثارة الغبار.
2- الغرب - بتقديم الغين المعجمة على الراء - : الحدّة.
3- في بعض النسخ : «من شرف أُمّهات المؤمنين».

قال : «الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزنا (1) فإنّ المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحدّ ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوّج بها لأجل الحدّ ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقرّبه».

قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله لنبّيه موسى عليه السلام : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (2)) فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون أنّها كانت من إهاب الميتة.

فقال عليه السلام : «من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوّته ؛ لأنّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين إمّا تكون صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة ، فإن كانت صلاته جائزة ، جاز له لبسهما في تلك البقعة ، وإن كانت مقدّسة مطهّرة فليس بأقدس وأطهر من الصلاة ، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما ، فقد أوجب على موسى أنّه لم يعرف الحلال من الحرام ، وما علم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز ، وهذا كفر» (3). مد

ص: 44


1- كذا ، ولم يعمل به أحد من الفقهاء ، بل فسّروا الفاحشة بما يوجب الحدّ أو إيذاءها أهل الرجل بلسانها أو بفعلها فتخرج لإقامة الحدّ ثمّ تردّ إلى مسكنها عاجلا. وفي الثاني تخرج إلى مسكن آخر يناسب حالها ، ثمّ ما فيه أنّ السحق يوجب الرجم أيضاً ، خلاف ما أجمعت الإمامية عليه من أنّه كالزنا في الحدّ بل دون الزنا بإيجابه الجلد ولو كان من محصنة ، وقد روى المؤلّف في فقيهه عن هشام وحفص البختري: «أنّه دخل نسوة على أبي عبد الله عليه السلام فسألته امرأة عن السحق ، فقال : خذها حدّ الزاني - الخبر» ..
2- طه 20 : 12.
3- غريب جدّاً ، فإنّ المصنّف رحمه الله روى في العلل عن محمد بن الحسن بن أحمد

قلت : فاخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما.

قال : «إنّ موسى ناجى ربّه بالواد المقدّس فقال : يا ربّ إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي ، وغسلت قلبي عمّن سواك - وكان شديد الحبّ لأهله - فقال الله تعالى : (اخلع نعليك) أي انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولا».

قلت : فاخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل (كهيعص).

قال : «هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زكريّا ، ثمّ قصّها على محمد (صلى الله عليه وآله) وذلك أنّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها ، فكان زكريّا إذا ذكر محمداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين سُرِّيَ عنه همّه ، وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ، ووقعت عليه البهرة (1).

فقال ذات يوم : يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصّته ، وقال : (كهيعص) فالكاف اسم كربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد ، وهو ظالم الحسين عليه السلام ، والعين عطشه ، والصاد صبره (2). م.

ص: 45


1- البهر : تتابع النفس وانقطاعه كما يحصل بعد الإعياء والعدوّ الشديد.
2- وفسّر بغير ذلك ، راجع معاني الأخبار : 22 ، وتفسير علي بن إبراهيم سورة مريم.

فلمّا سمع ذلك زكريّا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ، وكانت ندبته : «إلهي أتفجّع خير خلقك بولده! إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه! إلهي أتلبس عليّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة! إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما!» ثمّ كان يقول : «اللّهمّ ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله وارثاً وصيّاً ، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ، ثمّ فجّعني به كما تفجّع محمداً حبيبك بولده» فرزقه الله يحيى وفجّعه به. وكان حمل يحيى ستّة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك ، وله قصّة طويلة».

قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم.

قال : «مصلحٌ أو مفسدٌ؟».

قلت : مصلحٌ.

قال : «فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحدٌ ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟».

قلت : بلى.

قال : «فهي العلّة ، وأُوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك (1) : أخبرني عن الرّسل الذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيّدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأُمم (2) وأهدى إلى الاختيار ، منهم مثل موسى وعيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنّه مؤمن؟». م.

ص: 46


1- في بعض النسخ : (يثق بعقلك).
2- كذا ، والظاهر : أعلم الأمم.

قلت : لا.

فقال : «هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا ممّن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله تعالى : (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا - إلى قوله - لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم) (1) فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوّة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن لا اختيار إلاّ لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكنّ الضمائر وتتصرّف عليه السرائر ، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصلاح.

ثمّ قال مولانا : «يا سعد! وحين ادّعى خصمك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأُمّة إلى الغار إلاّ علماً منه أنّ الخلافة له من بعده ، وأنّه هو المقلّد أُمور التأويل ، والملقى إليه أزمّة الأُمّة ، وعليه المعوّل في لمّ الشعث وسدّ الخلل وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته ، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه ، وإنّما أبات عليّاً على فراشه لمّا لم يكن يكترث له ، ولم يحفل به لاستثقاله إيّاه ، وعلمه أنّه إن قُتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.

فهلاّ نقضت عليه دعواه بقولك : أليس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الخلافة 5.

ص: 47


1- الاعراف 7 : 155.

بعدي ثلاثون سنة ، فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم.

فكان لا يجد بدّاً من قوله لك : بلى.

قلت : فكيف تقول حينئذ : أليس كما علم رسول الله أنّ الخلافة من بعده لأبي بكر علم أنّها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعليّ؟

فكان أيضاً لا يجد بُدّاً من قوله لك : نعم.

ثمّ كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يخرجهم جميعاً على الترتيب إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ، ولا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم.

ولمّا قال : أخبرني عن الصدّيق والفاروق ...

قال سعد : ثمّ قام مولانا الحسن بن عليّ الهادي عليه السلام للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما ، وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً ، فقلت : ما أبطأك وأبكاك؟ قال : قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره. قلت : لا عليك فأخبره ، فدخل عليه مسرعاً وانصرف من عنده متبسّماً وهو يصلّي على محمد وآل محمد ، فقلت : ما الخبر؟ قال : وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا يصلّي عليه.

قال سعد : فحمدنا الله تعالى على ، ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا أيّاماً ، فلا نرى الغلام بين يديه. فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل

ص: 48

بلدنا (1) ، وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً وقال :

يا ابن رسول الله! قد دنت الرحلة ، واشتدّ المحنة (2) ، فنحن نسأل الله تعالى أن يصلّي على المصطفى جدّك ، وعلى المرتضى أبيك ، وعلى سيّدة النساء أُمّك ، وعلى سيّدَيْ شباب أهل الجنّة عمّك وأبيك ، وعلى الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك ، ونرغب إلى الله أن يعلي كعبك ويكبت عدوّك ، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.

قال : فلمّا قال هذه الكلمات ، استعبر مولانا حتّى استهلّت دموعه وتقاطرت عبراته ، ثمّ قال :

«يا ابن إسحاق! لا تكلّف في دعائك شططاً ، فإنّك ملاق الله تعالى في صَدرك هذا».

فخرّ أحمد مغشيّاً عليه ، فلمّا أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدّك إلاّ شرّفتني بخرقة أجعلها كفناً.

فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً فقال :

«خذها ولا تنفق على نفسك غيرها ، فإنّك لن تعدم ما سألت ، وأنّ الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملا».

قال سعد : فلمّا انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حُلوان على ثلاثة فراسخ ، حُمَّ أحمد بن إسحاق وثارت به علّة صعبة أيس من حياته فيها ، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطناً بها (3) ، ثمّ قال : تفرّقوا عنّي هذه الليلة ن.

ص: 49


1- في بعض النسخ : (من أهل أرضنا).
2- في بعض النسخ : (واستد الراحلة).
3- أي مقيماً بحلوان.

واتركوني وحدي ، فانصرفنا عنه ورجع كلّ واحد منّا إلى مرقده.

قال سعد : فلمّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح ، أصابتني فكرة (1) ، ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم (خادم مولانا أبي محمد عليه السلام) وهو يقول :

أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيّتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه ، فقوموا لدفنه ؛ فإنّه من أكرمكم محلاًّ عند سيّدكم.

ثمّ غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتّى قضينا حقّه ، وفرغنا من أمره (2) رحمه الله.

ج - في كمال الدين (3) : حدّثنا محمد بن عليّ بن حاتم النوفلي ، 14

ص: 50


1- في بعض النسخ (وكزة) والوكز كالوعد : الدفع والطعن والضرب بجمع الكفّ. كمال الدين : 29.
2- اعلم أنّ ما تضمّنه الخبر من وفاة أحمد بن إسحاق القمّي في حياة أبي محمد العسكري عليه السلام مخالف لمّا أجمعت عليه الرجاليون من بقائه بعده عليه السلام ، قال الشيخ في كتاب الغيبة : (وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات يرد عليهم التوقيعات من قبل المنصورين للسفارة من الأصل ... ثمّ ساق الكلام إلى أن قال : ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة يخرجون التوقيع في مدحهم ، روى أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي محمد الرازي ، قال : كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر ، فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال : أحمد بن إسحاق الأشعري وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات جميعاً. وفي ربيع الشيعة - لابن طاووس - : (إنّه من السفراء والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الشيعة القائلون بإمامة الحسن بن علي عليهما السلامفيهم). راجع منهج المقال ص 32.
3- كمال الدين 2 / 417 - 423. والحديث في كتاب الغيبة للطوسي : 208 - 214

قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي ، قال : حدّثنا أحمد ابن طاهر القمّي ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمد بن بحر الشيباني ، قال : وردت كربلاء سنة ستٍّ وثمانين ومئتين ، قال : وزرت قبر غريب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ انكفأت إلى مدينة السلام متوجّهاً إلى مقابر قريش في وقت قد تضرّمت الهواجر وتوقّدت السمائم ، فلمّا وصلت منها إلى مشهد الكاظم عليه السلام واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران ، أكببت عليها بعبرات متقاطرة ، وزفرات متتابعة ، وقد حجب الدمع طرفيّ عن النظر. فلمّا رقأت العبرة وانقطع النحيب ، فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه ، وتقوّس منكباه ، وثقنت جبهته وراحتاه ، وهو يقول لآخر معه عند القبر : يا ابن أخي! لقد نال عمّك شرفاً بما حمّله السيّدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم ، التي لم يحمل مثلها إلاّ سلمان ، وقد أشرف عمّك على استكمال المدّة وانقضاء العمر ، وليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسرّه.

قلت : «يا نفس! لا يزال العناء والمشقّة ينالان منكِ بإتعابي الخفّ والحافر (1) في طلب العلم ، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدلّ على عِلم جسيم وأثر عظيم ، فقلت :

أيّها الشيخ! ومن السيّدان؟

قال : النجمان المغيّبان في الثرى بسرّ من رأى.

فقلت : إنّي أقسم بالموالاة وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة س.

ص: 51


1- كناية عن البعير والفرس.

والوراثة ، إنّي خاطب علمهما ، وطالبٌ آثارهما ، وباذلٌ من نفسي الأيمان المؤكّدة على حفظ أسرارهما.

قال : إن كنت صادقاً فيما تقول فاحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم.

فلمّا فتّش الكتب وتصفّح الروايات منها قال : صدقت ، أنا بشر بن سليمان النخّاس (1) ، من ولد أبي أيّوب الأنصاري ، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام ، وجارهما بسرّ من رأى.

قلت : فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.

قال : كان مولانا أبو الحسن عليّ بن محمد العسكري عليهما السلام فقّهني في أمر الرقيق ، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلاّ بإذنه ، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات ، حتّى كملت معرفتي فيه ، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام.

فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى وقد مضى هويّ (2) من الليل إذ قرع الباب قارع ، فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم ، رسول مولانا أبي الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام ؛ يدعوني إليه.

فلبست ثيابي ودخلت عليه ، فرأيته يحدّث ابنه أبا محمد واخته حكيمة من وراء الستر ، فلمّا جلست قال :

«يا بشر! إنّك من ولد الأنصار ، وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلفٌ عن سلف ، فأنتم ثقاتنا أهل البيت ، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة ل.

ص: 52


1- مهمل.
2- يعني زماناً غير قليل.

تسبق بها شأو الشيعة (1) في الموالاة بها : بسرٍّ أطلعك عليه وأنفذك في ابتياع أمة» (2).

فكتب كتاباً ملصقاً (3) بخطّ روميّ ولغة روميّه ، وطبع عليه بخاتمه ، وأخرج شستقة (4) صفراء فيها مئتان وعشرون ديناراً فقال :

«خذها وتوجّه بها إلى بغداد ، واحضر معبر الفرات ضحوة كذا ، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها ، فستحدّق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس ، وشراذم من فتيان العراق ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البُعد على المسمّى (عمر بن يزيد النخّاس) عامّة نهارك إلى أن يُبرِزَ للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لابسة حريرتين صفيقتين ، تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق ، فيضربها النخّاس فتصرخ صرخة روميّة ، فاعلم أنّها تقول : (واهتك ستراه) ، فيقول بعض المبتاعين :

عليّ بثلاثمائة دينار ؛ فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول بالعربيّة :

لو برزتَ في زيِّ سليمان ، وعلى مثل سرير ملكه ، ما بدت لي فيك رغبة ، فاشفق على مالك. ر.

ص: 53


1- في بعض النسخ : (سائر الشيعة) ، والشأو مصدر الأمد والغاية ، يقال : فلان بعيد الشأو ، أي عالي الهمّة.
2- في بعض النسخ : (في تتبّع أمره) ، مكان : (في ابتياع أمة).
3- في بعض النسخ : (مطلقاً) وفي بعضها : (ملفقاً).
4- كذا في أكثر النسخ ، وفي بعض النسخ : (الشنسقة) ، والظاهر الصواب : (الشنتقة) معرب (چنته) ، وفي البحار : (الشقة) وهي بالكسر والضم السبيبة المقطوعة من الثياب المستطيلة. وعلى أيٍّ ، فالمراد الصرّة التي تجعل فيها الدنانير.

فيقول النخّاس : فما الحيلة ولا بدّ من بيعك.

فتقول الجارية : وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته؟!.

فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له :

إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف ، كتبه بلغة روميّة وخطّ روميّ ، ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه ، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك».

قال بشر بن سليمان النخّاس : فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية ، فلمّا نظَرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً ، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس :

بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرّجة المغلّظة (1) إنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فما زلت أُشاحّه في ثمنها حتّى أستقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء ، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولاها عليه السلام من جيبها وهي تلثمه (2) وتضعه على خدّها ، وتطبقه على جفنها ، وتمسحه على بدنها.

فقلت تعجباً منها : أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟ ه.

ص: 54


1- المحرّجة : اليمين التي تضيق المجال على الحالف ولا تبقي له مندوحة عن البرّ بقسمه ، والمغلظة : المؤكّدة.
2- أي تُقبّله.

قالت : «أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك ، وفرّغ لي قلبك ، أنا مليكة بنت يشوعا (1) بن قيصر ملك الروم ، وأُمّي من ولد الحواريّين ، تُنسب إلى وصيّ المسيح شمعون ، أُنبئك العجب العجيب :

إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة ، فجمع في قصره من نسل الحواريّين ومن القسّيسين والرهبان ثلاثمئة رجل ، ومن ذوي الأخطار سبعمئة رجل ، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مسوّغاً (2) من أصناف الجواهر إلى صحن القصر ، فرفعه فوق أربعين مرقاة ، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عُكّفاً ، ونشرت أسفار الإنجيل ، تسافلت الصلبان (3) من الأعالي فلصقت بالأرض ، وتقوّضت الأعمدة (4) فانهارت إلى القرار ، وخرّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه ، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدّي : أيّها الملك! أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدّين المسيحي والمذهب الملكاني (5).

فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً ، وقال للأساقفة : أقيموا هذه ).

ص: 55


1- في بعض النسخ : (يوشعا).
2- في بعض النسخ : (وأبرز هو من ملكه عرشاً مصنوعاً). والبهو : البيت المقدّم أمام البيوت. وفي بعض النسخ : (مصنوعاً) مكان (مسوغاً).
3- في بعض النسخ : (تساقطت الصلبان).
4- في بعض النسخ : (تفرّقت الأعمدة) ، وفي بعضها : (تقرّضت).
5- الملكانية أصحاب ملكا الذي ظهر بالروم واستولى عليها ، ومعظم الروم ملكانية قالوا : إنّ الكلمة اتّحدت بجسد المسيح (الملل والنحل).

الأعمدة ، وارفعوا الصلبان ، واحضروا أخا هذا المدبّر العاثر (1) المنكوس جدّه ؛ لأزوّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل ، وتفرّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّاً ودخل قصره وأُرخيت الستور.

فأُريت في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علوّاً (2) وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه ، فدخل عليهم محمد (صلى الله عليه وآله) مع فتية وعدّة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه ، فيقول : أي محمد (صلى الله عليه وآله) :

يا روح الله! إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا ، وأومأ بيده إلى أبي محمد صاحب هذا الكتاب.

فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف ، فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال : قد فعلت. فصعد ذلك المنبر ، وخطب محمد (صلى الله عليه وآله) زوّجني ، وشهد المسيح عليه السلام وشهد بنو محمد (صلى الله عليه وآله) والحواريّون.

فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي ؛ مخافة القتل ، فكنت أُسِرّها في نفسي ولا أبديها لهم ، وضُرِبَ صدري بمحبّة أبي محمد حتّى امتنعت من الطعام والشراب ، وضعفت نفسي ، ودقّ شخصي ، ومرضت مرضاً شديداً ، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي ، فلمّا برّح به اليأس (3) قال :ه.

ص: 56


1- في بعض النسخ : (العابر) ، وفي البحار نقلا عن غيبة الشيخ : (العاهر).
2- يباري السماء : أي يعارضها.
3- برّح به الأمر تبريحاً : جهده وأضرّ به.

يا قرّة عيني! فهل تخطر ببالك شهوة فأُزوّدكها في هذه الدنيا؟

فقلت : يا جدّي! أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة ، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال ، وتصدّقت عليهم ومننتهم بالخلاص ، لرجوت أن يهب المسيح وأُمّه لي عافية وشفاءً.

فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحّة في بدني ، وتناولت يسيراً من الطعام ، فسرّ بذلك جدّي وأقبل على إكرام الأُسارى وإعزازهم ، فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأنّ سيّدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان ، فتقول لي مريم : هذه سيّدة النساء أُمّ زوجك أبي محمد عليه السلام ، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي ، فقالت لي سيّدة النساء عليها السلام :

إنّ ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى (1) وهذه أُختي مريم تبرأ إلى الله تعالى من دينك ، فإن ملت إلى رضا الله عزّ وجلّ ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمد إيّاك فتقولي : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ - أبي - محمداً رسول الله.

فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيّدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي ، وقالت : الآن توقّعي زيارة أبي محمد إيّاك ، فإنّي منفذته إليك ، فانتبهت وأنا أقول : وا شوقاه إلى لقاء أبي محمد!

فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد عليه السلام في منامي ، فرأيته كأنّي أقول له :

جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك. قال : ما كان ).

ص: 57


1- كذا في البحار ، وفي جميع النسخ : (على دين مذهب النصارى).

تأخيري عنك إلاّ لشركك ، وإذ قد أسلمتِ فإنّي زائرك في كلّ ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان ، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية».

قال بشر : فقلت لها : وكيف وقعت في الأسر (1)؟ فقالت : أخبرني أبو محمد ليلة من الليالي أنّ جدّك سيسرب (2) جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا ، ثمّ يتبعهم ، فعليك باللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا ، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت ، وما شعر أحدٌ بي بأنّي ابنة ملك الرّوم إلى هذه الغاية سواك ، وذلك باطلاعي إيّأك عليه ، ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته ، وقلت : نرجس ، فقال : اسم الجواري.

فقلت (3) : إنّك روميّة ولسانك عربي؟

قالت : بلغ من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز (4)إلى امرأه ترجمان له في الاختلاف إليّ ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربيّة حتّى استمرّ عليها لساني واستقام.

قال بشر : فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى (5) دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام ، فقال لها :

«كيف أراكِ الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانيّة ، وشرف أهل بيت ت.

ص: 58


1- في بعض النسخ : (وكيف صرت في الأسارى).
2- أي سيرسل ، وفي البحار عن الغيبة : (سيسر).
3- القول هنا لبشر.
4- أوعز إليه في كذا : تقدّم إليه ، أشار إليه.
5- انكفأت : أي رجعت.

محمد (صلى الله عليه وآله)؟».

قالت : كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي؟

قال : «فإنّي أُريد (1) أن أُكرمك ، فأيّما أحبُّ إليك ، عشرة آلاف درهم ، أم بشرى لك فيها شرف الأبد؟».

قالت : بل البشرى (2).

قال عليه السلام : «فابشري بولد يملك الدّنيا شرقاً وغرباً ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلا كما مُلئت ظلماً وجوراً».

قالت : ممّن؟

قال عليه السلام : «ممّن خطبك رسول الله (صلى الله عليه وآله) له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالروميّة».

قالت : مِن المسيح ووصيّه؟

قال : «فممّن زوّجك المسيح ووصيّه؟».

قالت : من ابنك أبي محمد.

قال : «فهل تعرفينه؟».

قالت : وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيّدة النساء أُمّه؟

فقال أبو الحسن عليه السلام : «يا كافور! أُدع لي أُختي حكيمة» ، فلمّا دخلت عليه قال عليه السلام لها : «ها هيه ، فاعتنقتها طويلا وسُرّت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : «يا بنت رسول الله! أخرجيها إلى منزلك ، وعلّميها الفرائض والسنن ؛ فإنّها زوجة أبي محمد وأمّ القائم عليه السلام». ف.

ص: 59


1- في بعض النسخ : (أحب).
2- في بعض النسخ : قالت : بل الشرف.

موردان من كتاب : «مقدّمات من علم القرآن» :

في سعد السعود (1) : فصل فيما نذكره من الجزء الأوّل من مقدّمات علم القرآن تصنيف محمد بن بحر الرُّهني. ذكر في أوّل كرّاس منه ما وجده من اختلاف القراءة ، وما معناه أنّ كلّ واحد منهم قبل أن يتحدّد القارئ الذي بعده كانوا لا يجيزون إلاّ قراءته.

ثمّ لمّا جاء القارئ الثاني انتقلوا من ذلك المنع إلى جواز قراءة الثاني ، وكذا في قراءات السبعة ، فاشتمل كلّ واحد منهم على إنكار قراءته ، ثمّ عادوا إلى خلاف ما أنكروه.

ثمّ اقتصروا على هؤلاء السبعة مع أنّه قد حصل في علماء المسلمين والقائلين بالقرآن أرجح منهم ، ومع أنّ زمان الصحابة ما كان هؤلاء السبعة ولا عدد معلوم للصحابة من الناس يأخذون القرآن عنهم.

ثمّ ذكر محمد بن بحر الرُّهني (2) أنّه وقف على كتاب سهل بن محمد السنجري وقد حمل الهجاء على جميع أهل الكوفة ، والذي ردّ عليهم وعتب دينهم.

قال الرُّهني : وسمعت أبا حاتم يطري نحو أهل البصرة ويهجو نحو أهل الكوفة.

وقال الرُّهني ما هذا لفظه : قلت : ولم يدّع أبو حاتم مع ما قاله وهجائه الكوفة وأهلها ؛ ذكر تأليف علي بن أبي طالب للقرآن ، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) عهد إليه عند وفاته ألاّ يرتدي برده إلاّ لجمعة حتّى يجمع ي.

ص: 60


1- سعد السعود : 227.
2- في المطبوع : الرهبي.

القرآن ، فجمعه». ثمّ حكي عن الشعبي على أثر ما ذكره أنّه قال : كان أعلم الناس بما بين اللوحين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

قال محمد بن بحر الرُّهني : حدّثني القرباني قال : حدّثنا إسحاق بن راهويه ، عن عيسى بن يونس ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن عطيّة بن أبي سعيد الكوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله :

«إنّي تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

قال محمد بن بحر الرُّهني : وما حدّثنا به المطهّر ، قال : حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، عن عبد الله بن موسى ، عن الركين بن الربيع ، عن القسم بن حيّان ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

«إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

قال الرُّهني في الوجهة الأُولى من القائمة الخامسة ما معناه : كيف يقبل العقل والنقل أنّ النبيّ يجعل القرآن وأهل بيته عوضه وخليفتين من بعده في أُمّته ، ولا يكون فيهما كفاية وعوض عن غيرهما ممّا حدث في الأُّمة وفي القرآن من الاختلاف؟

جاء في سعد السعود (1) :

فصل فيما نذكره عن محمد بن بحر الرُّهني من الجزء الثاني من مقدّمات علم القرآن من التفاوت في المصاحف التي بعث بها عثمان إلى و.

ص: 61


1- سعد السعود : 279 ونقلناه كما هو.

الأمصار ، من ثالث كرّاس منه من الوجهة الأُولى منها في أوّل قائمة من آخر سطر بلفظه :

اتّخذ عثمان سبع نسخ ، فحبس منها مصحفاً بالمدينة ، وبعث إلى أهل مكّة مصحفاً ، وإلى أهل الشام مصحفاً ، وإلى أهل الكوفة مصحفاً ، وإلى أهل البصرة مصحفاً ، وإلى أهل اليمن مصحفاً ، وإلى أهل البحرين مصحفاً. فالخلاف بين مصحف المدينة ومصحف البصرة أربعة عشر حرفاً ، وقيل : بل أحد وعشرون حرفاً :

منها : في البقرة 132 : (وأوصى بها إبراهيم) بزيادة ألف.

وفي آل عمران 132 - 133 : (لعلّكم ترحمون سارعوا) بغير واو.

وفي المائدة 52 - 53 : (في أنفسهم نادمين يقول) بغير واو ، وقوله 54 : (من يرتدّ منكم عن دينه) بزيادة دالّ.

وفي براءة 106 - 107 : (عليم حكيم * الذين اتّخذوا) بغير واو.

وفي الكهف 36 لعلّه : (لأجدنّ خيراً منهما منقلباً) بزيادة ميم.

وفي المؤمنين 85 : (سيقولون لله لله لله) ثلاثهنّ.

وفي الشعراء 217 : (فتوكّل على العزيز الرحيم) بالفاء ، وفي مصحف البصريّين بالواو.

وفي مصحف المدينة : (أن يبدّل دينكم وأن يظهر) غافر 26 بحذف الألف.

وفي عسق 30 : (من مصيبة بما كسبت) بغير فاء.

وفي الزخرف 71 : (وما تشتهيه الأنفس) بزيادة هاء.

وفي الحديد 24 : (فإنّ الله هو الغنيّ الحميد) بنقصان هو.

ص: 62

وفي الشمس 15 : (فلا يخاف عقباها) بالفاء ، وهو عند البصريّين بالواو.

فهذه أربعة عشر حرفاً.

وزعم آخرون : أنّ في مصحف أهل المدينة في يوسف 50 : (وقال الملك ائتوني به).

وفي بني إسرائيل 93 : (قال سبحان ربّي).

وفي الكهف 95 : (ما مكّنني فيه) بنونين ، وعند البصريّين بنون واحدة.

وفي الملائكة (فاطر) 33 : (من ذهب ولؤلؤاً) بزيادة ألف.

وفي الزخرف 68 : (يا عبادي لا خوف عليكم).

وفي هل أتى (الإنسان) 15 - 16 : (قواريرا * قواريرا) بزيادة ألف في الثانية.

وفي قل أُوحي (الجنّ) 20 : (إنّما أنا أدعو ربّي) بنقصان ألف ، وعند البصريّين قال : (إنّما أدعو ربّي).

وهو تمام أحد وعشرون حرفاً.

ثمّ ما بين مصحف أهل مكّة والبصرة حرفان ، ويقال خمسة عند أهل مكّة.

في آخر النساء 136 : (فآمنوا بالله ورسوله) ، وعند البصريّين : (ورسله).

وفي براءة 72 : (تجري من تحتها الأنهار) ، وعندهم : (تجري تحتها الأنهار) بغير من.

وفي الكهف 95 : (وما مكّنني ربّي خيراً) بغير «في».

ص: 63

وفي النمل 21 : (أو ليأتينني بسلطان مبين) بزيادة نون.

وفيه غافر 26 : (وأن يظهر في الأرض الفساد) بغير ألف.

ثمّ ما بين مصحف أهل الكوفة والبصرة عشرة أحرف ، ويقال أحد عشر حرفاً.

في مصحف أهل الكوفة في يس 35 : (وما عملته أيديهم) بغير هاء.

وفي الأحقاف 15 : (ووصّينا الإنسان بوالديه إحساناً).

وفي الأنعام 63 : (لئن أنجانا من هذه) بالألف ، وعند البصريّين : (لئن أنجيتنا).

وفي بني إسرائيل 93 : (نقرؤه قال) بالألف.

وفي الأنبياء 4 : (قال ربّي يعلم القول في السماء) ، وفي آخرها (قال ربّ احكم) 112 ، وهي ثلاثهُنّ عند البصريّين : قل قل قل.

وفي المؤمنون 85 : (سيقولون لله) الثانية والثالثة فحذف ألفين.

وفي الملائكة (فاطر) 33 : (ولؤلؤا) بالألف.

وفي سورة الإنسان 15 - 16 : (قواريرا * قواريرا) بزيادة ألف في الثانية.

ثمّ جاء في مصحف أهل حمص الذي بعث به عثمان إلى أهل الشام ، وما خالف المصاحف تسعة عشر حرفاً ، ويقال أحد وعشرون حرفاً في مصحفهم.

في البقرة 115 - 116 : (واسع عليم * قالوا اتّخذ) بنقصان الواو.

وفي آل عمران 183 : (بالبيّنات) بزيادة باء.

وفي النساء 66 : (ما فعلوه إلاّ قليلا).

ص: 64

وفي الأنعام 32 : (ولدار الآخرة) بلام واحدة ، وفي مصحف البصريّين : (وللدار الآخرة). وفي الأنعام 137 : (زيّن مضمومة لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) وهذا غير جائز في الكلام ، وجائز منه في الضرورات الشعرية.

وفي الأعراف في أوّلها 3 : (قليلا ما تتذكّرون) بتائين ، وفيها 43 : (تجري من تحتها الأنهار) مكان تحتهم ، وفيها 43 : (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي) بغير واو ، وفيها 141 : (وإذا نجّاكم من آل فرعون) بالألف ، وفيها 195 : (ثمّ كيدوني) بإثبات الياء.

وفي الأنفال 67 : (والله مع الصابرين ما كان للنبيّ) بلامين.

وفي يونس 22 : (هو الذي ينشركم في البرّ والبحر) ، وفيها 68 : (وقال اتّخذوا لله) بالواو.

وفي الكهف 77 : (ولو شئت لاتّخذت) بلامين.

وفي النمل 67 : (وآباؤنا انّنا) بنونين منقلبين.

وفي الروم 9 : (كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشدُّ منكم) بالكاف.

وفي الرحمن 12 : (والحبّ ذا العصف) بنصب الألف.

وفي آخر الرحمن 78 : (تبارك اسم ربّك ذو الجلال والإكرام) بالواو مرفوع مثل الأوّل في صدر السورة.

وفي الحديد 10 : (وكلّ وعد الله الحسنى) بغير ألف مرفوع.

وفي المدثّر 33 : (والليل إذا أدبر) بألفين.

وفي الزمر 64 : (أفغير الله تأمرونني) بزيادة نون.

وأهل مصر يقرأون بمثل قراءة أهل الشام : (وكلٌّ وعد الله

ص: 65

الحسنى) (1) بالرفع ، (وهو الذي ينشركم في البرّ والبحر) (2) في سورة ، وقيل : إنّ في قبلة مسجد مصر مكتوب : (وكلّ وعد الله الحسنى) بغير ألف.

أقول : فهذا ما حكاه محمد بن بحر الرُّهني ، نقلناه بلفظه.

مورد من كتاب : «الفروق بين الأباطيل والحقوق» :

قال محمد بن علي مصنّف هذا الكتاب (3) : قد ذكر محمد بن بحر الشيباني رضي الله عنه في كتابه المعروف بكتاب : الفروق بين الأباطيل والحقوق في معنى موادعة الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام لمعاوية ، فذكر سؤال سائل عن تفسير حديث يوسف بن مازن الراشي في هذا المعنى والجواب عنه ، وهو الذي رواه أبو بكر محمد بن الحسن بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ، قال :

حدّثنا أبو طالب زيد بن أحزم ، قال : حدّثنا أبو داود ، قال : حدّثنا القاسم بن الفضل ، قال : حدّثنا يوسف بن مازن الراشي ، قال : بايع الحسن ابن علي صلوات الله عليه معاوية على أن لا يسمّيه أمير المؤمنين ، ولا يقيم عنده شهادة ، وعلى أن لا يتعقّب على شيعة عليّ شيئاً ، وعلى أن يفرّق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وأولاد من قتل مع أبيه بصفّين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك من خراج دار ابجرد. قال ما ألطف حيلة الحسن صلوات الله عليه هذه في إسقاطه إيّاه عن إمرة المؤمنين. 0.

ص: 66


1- (وَكُلاًّ وَعَدَ الله الْحُسْنَى) سورة النساء 4 : 95.
2- (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) سورة يونس 10 : 22.
3- علل الشرائع : 211 - 220.

قال يوسف : فسمعت القاسم بن محيمة يقول : ما وفى معاوية للحسن بن عليّ صلوات الله عليه بشيء عاهده عليه ، وإنّي قرأت كتاب الحسن عليه السلام إلى معاوية يَعُدُّ عليه ذنوبه إليه وإلى شيعة عليّ عليه السلام فبدأ بذكر عبد الله بن يحيى الحضرمي ومن قتلهم معه.

فنقول : رحمك الله! إنّ ما قال يوسف بن مازن من أمر الحسن عليه السلام ومعاوية عند أهل التمييز والتحصيل تسمّى المهادنة والمعاهدة ، ألا ترى كيف يقول : ما وفى معاوية للحسن بن علي عليه السلام بشيء عاهده عليه وهادنه ، ولم يقل بشيء بايعه عليه ، والمبايعة على ما يدّعيه المدّعون على الشرائط التي ذكرناها ، ثمّ لم يف بها لم يلزم الحسن عليه السلام ، وأشدّ ما ها هنا من الحجّة على الخصوم معاهدته إيّاه أن لا يسمّيه أمير المؤمنين ، والحسن عليه السلام عند نفسه لا محالة مؤمن فعاهده أن لا يكون عليه أميراً ؛ إذ الأمير هو الذي يأمر فيؤتمر له.

فاحتال الحسن صلوات الله عليه لإسقاط الإئتمار لمعاوية إذا أمره أمراً على نفسه ، والأمير هو الذي أمّره مأمور من فوقه فدلّ على أنّ الله عزّ وجلّ لم يؤمّره عليه ، ولا رسوله (صلى الله عليه وآله) أمّره عليه ؛ فقد قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يلينّ مفاء على مفيىء ، يريد أنّ من حكمه هو حكم هوازن الذين صاروا فيئاً للمهاجرين والأنصار ، فهؤلاء طلقاء المهاجرين والأنصار بحكم إسعافهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) فيئهم لموضع رضاعه ، وحكم قريش وأهل مكّة حكم هوازن لمن أمّره رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهم ، فهو التأمير من الله جلّ جلاله ورسوله (صلى الله عليه وآله) أو من الناس.

كما قالوا في غير معاوية إنّ الأُمّة اجتمعت فأمّرت فلاناً وفلاناً وفلاناً على أنفسهم فهو أيضاً تأمير ، غير أنّه من الناس لا من الله ولا من رسوله ،

ص: 67

وهو إن لم يكن تأميراً من الله ومن رسوله ولا تأميراً من المؤمنين فيكون أميرهم بتأميرهم ، فهو تأمير منه بنفسه.

والحسن صلوات الله عليه مؤمن من المؤمنين فلم يؤمّر معاوية على نفسه بشرط عليه أن لا يسمّيه أمير المؤمنين ، فلم يلزمه ذلك الائتمار له في شيء أمره به ، وفرغ صلوات الله عليه إذ خلص نفسه من الإيجاب عليها الائتمار له عن أن يتّخذ على المؤمنين الذين هم على الحقيقة مؤمنون ، وهم الذين كتب في قلوبهم الإيمان ، ولأنّ هذه الطبقة لم يعتقدوا إمارته ووجوب طاعته على أنفسهم ، ولأنّ الحسن عليه السلام أمير البررة وقاتل الفجرة كما قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليّ عليه السلام أمير المؤمنين : «عليّ أمير البررة وقاتل الفجرة» ، فأوجب (صلى الله عليه وآله) أنّه ليس لبرّ من الأبرار أن يتأمّر عليه ، وأنّ التأمير على أمير الأبرار ليس ببرّ ، هكذا يقتضي مراد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولو لم يشترط الحسن بن علي عليه السلام على معاوية هذه الشروط وسمّاه أمير المؤمنين وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) : قريش أئمّة الناس أبرارها لأبرارها وفجّارها لفجّارها ، وكلّ من اعتقد من قريش أنّ معاوية إمامه بحقيقة الإمامة من الله عزّ وجلّ اعتقد الائتمار له وجوباً عليه ؛ فقد اعتقد وجوب اتّخاذ مال الله دولاً وعباده خولاً ودينه دخلاً ، وترك أمر الله إيّاه إن كان مؤمناً ؛ فقد أمر الله عزّ وجلّ المؤمنين بالتعاون على البرّ والتقوى ، فقال : (وَتَعَاوَنُو عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الأثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (1).

فإن كان اتّخاذ مال الله دولاً وعباده خولاً ودين الله دخلاً من البرّ والتقوى ؛ جاز على تأويلك من اتّخذه إماماً وأمّره على نفسه ، كما ترون 2.

ص: 68


1- سورة المائدة 5 : 2.

التأمير على العباد ، ومن اعتقد أنّ قهر مال الله على ما يقهر عليه ، وقهر دين الله على ما يسام ، وأهل دين الله على ما يسامون هو بقهر من اتّخذهم خولاً ، وأنّ لله من قبله مديلاً في تخليص المال من الدول ، والدين من الدغل ، والعباد من الخول علم وسلم ، وآمن واتقى ، إنّ البرّ مقهور في يد الفاجر ، والأبرار مقهورون في إيدي الفجّار بتعاونهم مع الفاجر على الإثم والعدوان المزجور عنه ، المأمور بضدّه وخلافه ومنافيه.

وقد سُئل سفيان الثوري عن العدوان ما هو؟ فقال : هو أن ينقل صدقة (بانقيا) إلى الحيرة فتفرّق في أهل السهام بالحيرة وببانقيا أهل السهام ، وأنا أُقسم بالله قسماً بارّاً أنّ حراسة سفيان ومعاوية بن مرّة ومالك ابن معول وخيثمة بن عبد الرحمن خشبة زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب عليه السلام بكناس الكوفة بأمر هشام بن عبد الملك ؛ من العدوان الذي زجر الله عزّ وجلّ عنه ، وأنّ حراسة من سمّيتهم بخشبة زيد رضوان الله عليه الداعية ، شبيه بنقل صدقة بانقيا إلى الحيرة.

فإن عذر عاذر من سمّيتهم بالعجز عن نصر البرّ الذي هو الإمام من قبل الله عزّ وجلّ الذي فرض طاعته على العباد ، على الفاجر الذي تأمّر بإعانة الفجرة إيّاه ؛ قلنا : لعمري أنّ العاجز معذور فيما عجز عنه ، ولكن ليس الجاهل بمعذور في ترك الطلب في ما فرض الله عزّ وجلّ عليه ، وإيجابه على نفسه فرض طاعته وطاعة رسوله وطاعة أُولي الأمر ، وبأنّه لا يجوز أن يكون سريرة ولاة الأمر بخلاف علانيتهم ، كما لم يجز أن يكون سريرة النبيّ الذي هو أصل ولاة الأمر وهم فرعه بخلاف علانيته ، وأنّ الله تعالى العالم بالسرائر والضمائر ، والمطّلع على ما في صدور العباد ، لم يكل علم ما لم يعلمه العباد إلى العباد ، جلّ وعزّ عن تكليف العباد ما ليس في

ص: 69

وسعهم وطوقهم ، إذ ذاك ظلم من المكلّف وعبث منه ، وأنّه لا يجوز أن يجعل - جلّ وتقدّس - اختيار من يستوي سريرته بعلانيته ومن لا يجوز ارتكاب الكبائر الموبقة والغصب والظلم منه ، إلى من لا يعلم السرائر والضمائر ، فلا يسع أحداً جهل هذه الأشياء.

وإن وسع العاجز بعجزه ترك ما يعجز عنه ، فإنّه لا يسعه الجهل بالإمام البرّ الذي هو إمام الأبرار ، والعاجز بعجزه معذور والجاهل غير معذور ، فلا يجوز أن لا يكون للأبرار إمام ، وإن كان مقهوراً في قهر الفاجر والفجّار ، فمتى لم يكن للبرّ إمام برّ قاهر أو مقهور ، مات ميتة جاهلية إذا مات وليس يعرف إمامه.

فإن قلت : فما تأويل عهد الحسن عليه السلام وشرطه على معاوية بأن لا يقيم عنده شهادة ، لإيجاب الله عزّ وجلّ عليه إقامة شهادة بما علمه قبل شرطه على معاوية؟

قيل : إنّ لإقامة الشهادة من الشاهد شرائط ، وهي : حدودها التي لا يجوز تعدّيها ، لأنّ من تعدّى حدود الله عزّ وجلّ فقد ظلم نفسه ، وأوكد شرائطها إقامتها عند قاض فصل وحَكَمِ عدل ، ثمّ الثقة من الشاهد أن يقيمها عند من تجد شهادته حقّاً ويميت بها أثَرَةً ويزيل بها ظلماً ، فإذا لم يكن من يشهد عنده ، سقط عنه فرض إقامة الشهادة ، ولم يكن معاوية عند الحسن عليه السلام أميراً أقامه الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) ، أو حاكماً من ولاة الحكم ، فلو كان حاكماً من قبل الله وقبل رسوله ثمّ علم الحسن عليه السلام أنّ الحَكَمَ هو الأمير ، والأمير هو الحكم وقد شرط عليه الحسن عليه السلام أن لا يؤمر حين شرط ألاّ يسمّيه أمير المؤمنين ، فكيف يقيم الشهادة عند من أزال عنه الإمرة بشرط أن لا يسمّيه أمير المؤمنين؟ وإذا أزال ذلك بالشرط ؛ أزال عنه

ص: 70

الحكم ؛ لأنّ الأمير هو الحاكم ، وهو المقيم للحاكم ، ومن ليس له تأمير ولا تحاكم يحكم فحكمه هذر ، ولا تقام الشهادة عند من حكمه هذر.

فإن قلت : فما تأويل عهد الحسن عليه السلام على معاوية وشرطه عليه ألاّ يتعقّب على شيعة عليّ عليه السلام شيئاً؟

قيل : إنّ الحسن عليه السلام علم أنّ القوم جوّزوا لأنفسهم التأويل ، وسوّغوا في تأويلهم إراقة ما أرادوا إراقته من الدماء ، وإن كان الله تعالى حقنه وحقن ما أرادوا حقنه ، وإن كان الله تعالى أراقه في حكمه ، فأراد الحسن عليه السلام أن يبيّن أنّ تأويل معاوية على شيعة عليّ عليه السلام بتعقّبه عليهم ما يتعقّبه ، زائل مضمحل فاسد.

كما أن أزال إمرته عنه وعن المؤمنين بشرطه أن لا يسمّيه أمير المؤمنين ، وأنّ إمرته زالت عنه وعنهم ، وأفسد حكمه عليه وعليهم.

ثمّ سوّغ الحسن عليه السلام ، بشرطه عليه أن لا يقيم عنده شهادة ، للمؤمنين القدوة منهم به في أن لا يقيموا عنده شهادة فتكون حينئذ داره دائرة ، وقدرته قائمة لغير الحسن ولغير المؤمنين ، وتكون داره كدار بخت نصر وهو بمنزلة دانيال فيها ، وكدار العزيز وهو كيوسف فيها.

فإن قال : دانيال ويوسف عليهما السلام كانا يحكمان لبخت نصر والعزيز.

قلنا : لو أراد بخت نصر دانيال والعزيز يوسف ، أن يريقا بشهادة عمّار بن الوليد وعقبة بن أبي معيط ، وشهادة أبي برده بن أبي موسى ، وشهادة عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس ، دم حجر بن عدي بن الأدبر وأصحابه - رحمة الله عليهم - وأن يحكما له بأنّ زياداً أخوه ، وأنّ دم حجر وأصحابه مراقة بشهادة من ذكرت ، لما جاز أن يحكما لبخت نصر والعزيز ، والحكم بالعدل يرمى الحاكم به في قدرة عدل أو جائر ، ومؤمن أو كافر ، لا

ص: 71

سيّما إذا كان الحاكم مضطرّاً إلى أن يدين قدر الجائر الكافر ، والمبطل والمحقّ بحكمه.

فإن قال : ولم خصّ الحسن عليه السلام عدا الذنوب إليه وإلى شيعة عليّ عليه السلام وقدّم أمامها قتله عبد الله بن يحيى الحضرمي وأصحابه وقد قتل حجر وأصحابه وغيرهم؟

قلنا : لو قدّم الحسن عليه السلام في عدّه على معاوية ذنوب حجر وأصحابه على عبد الله بن يحيى الحضرمي وأصحابه ، لكان سؤالك قائماً فتقول : لِمَ قدّم حجراً على عبد الله بن يحيى وأصحابه أهل الأخيار والزهد في الدنيا والإعراض عنها ، فأخبر معاوية بما كان عليه ابن يحيى وأصحابه من الحزق على أمير المؤمنين عليه السلام وشدّة حبّهم إيّاه وإفاضتهم في ذكره وفضله ، فجاءهم فضرب أعناقهم صبراً ، ومن أنزل راهباً من صومعته فقتله بلا جناية منه إلى قاتله ، أعجب ممّن يخرج قسّاً من ديره فيقتله ؛ لأنّ صاحب الدير أقرب إلى بسط اليد لتناول ما معه على التشريط من صاحب الصومعة الذي هو بين السماء والأرض.

فتقديم الحسن عليه السلام العبّاد على العبّاد ، والزهّاد على الزهّاد ، ومصابيح البلاد على مصابيح البلاد ، لا يتعجّب منه ، بل يتعجّب لو قدّم في الذكر مقصّراً على مخبت ، ومقتصداً على مجتهد.

فإن قال : ما تأويل اختيار مال دار ابجرد على سائر الأموال لما اشترط أن يجعله لأولاد من قتل مع أبيه صلوات الله عليهم يوم الجمل وبصفّين؟

قيل : لدار ابجرد خطب في شأن الحسن بخلاف جميع فارس.

وقلنا : إنّ المال مالان :

الفيء الذي ادّعوا أنّه موقوف على المصالح الداعية إلى قوام الملّة

ص: 72

وعمارتها من تجييش الجيوش للدفع عن البيضة ، ولأرزاق الأسارى.

ومال الصدقة الذي خصّ به أهل السهام.

وقد جرى في فتوح الأرضين بفارس والأهواز وغيرهما من البلدان ممّا فتح منها صلحاً وما فتح منها عنوةً وما أسلم أهلها عليها هنّات وهنّات ، وأسباب وأسباب ، بإيجاب الشرائط الدالّة لها ، وقد كتب ابن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن زيد بن الخطّاب وهو عامله على العراق :

أيّدك الله! هاش في السواد ما يركبون فيه البراذين ويتختّمون بالذهب ويلبسون الطيالسة ، وخذ فضل ذلك فضعه في بيت المال.

وكتب ابن الزبير إلى عامله : جنّبوا بيت مال المسلمين ما يؤخذ على المناظر والقناطر ؛ فإنّه سحت.

فقصر المال عمّا كان ، فكتب إليهم : ما للمال قد قصر؟

فكتبوا إليه : أنّ أمير المؤمنين نهانا عمّا يؤخذ على المناظر والقناطر فلذلك قصر المال. فكتب إليهم : عودوا إلى ما كنتم عليه. هذا بعد قوله : إنّه سحت.

ولا بدّ أن يكون أولاد من قتل من أصحاب عليّ صلوات الله عليه بالجمل وبصفّين من أهل الفيء ، ومال المصلحة ومن أهل الصدقة والسهام ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصدقة :

«أُمرت أن آخذها من أغنيائكم وأردّها في فقرائكم» بالكاف والميم ضمير من وجبت عليهم في أموالهم الصدقة ومن وجبت لهم الصدقة ، فخاف الحسن عليه السلام أنّ كثيراً منهم لا يرى لنفسه أخذ الصدقة من كثير منهم ، ولا أكل صدقة كثير منهم ؛ إذ كانت غسالة ذنوبهم ، ولم يكن للحسن عليه السلام في مال الصدقة سهم.

ص: 73

روى ابن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري ، عن أبيه ، عن جدّه : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال :

«في كلّ أربعين من الإبل ابنة لبون ، ولا تفرّق إبل عن حسابها ، من أتانا بها مؤتجراً فله أجرها ، ومن منعناها أخذناها منه وشطر إبله عزمة من عزمات ربّنا ، ليس لمحمد وآل محمد فيها شيء ، وفي كلّ غنيمة خمس أهل الخمس بكتاب الله عزّ وجلّ وإن منعوا».

فخصّ الحسن عليه السلام ما لعلّه كان عنده أعفّ وأنظف من مال أرْدَشِير خُرَّه ؛ لأنّها حوصرت سبع سنين حتّى اتّخذ المحاصرون لها في مدّة حصارهم إيّاها مصانع وعمارات ، ثمّ ميّزوها من جملة ما فتحوها بنوع من الحكم ، وبين الاصطخر الأوّل والاصطخر الثاني هنّات علمها الربّاني الذي هو الحسن عليه السلام ، فاختار لهم أنظف ما عرف.

فقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال في تفسير قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ) (1) : «إنّه لا يجاوز قدما عبد حتّى يُسئل عن أربع : عن شبابه فيما أبلاه ، وعن عمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت».

وكان الحسن والحسين عليهما السلام ابنا عليّ عليه السلام يأخذان من معاوية الأموال فلا ينفقان من ذلك على أنفسهما وعلى عيالهما ما تحمله الدابة بفيئها.

قال شيبة بن نعّامة : كان عليّ بن الحسين عليه السلام ينحل ، فلمّا مات نظروا فإذا هو يقول في المدينة أربعمئة بيت من حيث لم يقف الناس عليه. 4.

ص: 74


1- سورة الصافات 37 : 24.

فإن قال : فإنّ هذا محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري قال : حدّثنا أبو بشر الواسطي قال : حدّثنا خالد بن داود ، عن عامر ، قال : بايع الحسن بن عليّ عليه السلام معاوية على أن يسالم من سالم ويحارب من حارب ، ولم يبايعه على أنّه أمير المؤمنين.

قلنا : هذا حديث ينقض آخره أوّله ، وإنّه لم يؤمّره ، وإذا لم يؤمّره لم يلزمه الائتمار له إذا أمره ، وقد رويناه من غير وجه ما ينقض قوله : يسالم من سالم ويحارب من حارب ، فلم نعلم فرقة من الأُمّة أشدّ من معاوية من الخوارج ، وخرج على معاوية بالكوفة جويرية بن ذراع أو ابن وداع أو غيره من الخوارج ، فقال معاوية للحسن : أُخرج إليهم وقاتلهم.

فقال : «يأبى الله لي ذلك».

قال : فَلِمَ؟ أليس هم أعداءَك وأعدائي؟

قال : «نعم يا معاوية ، ولكن ليس من طلب الحقّ فأخطأه ، كمن طلب الباطل فوجده».

فسكت معاوية ، ولو كان ما رواه أنّه بايع على أن يسالم من سالم ويحارب من حارب لكان معاوية لا يسكت على ما حجّه به الحسن عليه السلام ، ولأنّه يقول له : قد بايعتني على أن تحارب من حاربت كائناً من كان ، وتسالم من سالمت كائناً من كان ، وإذا قال عامر في حديثه : ولم يبايعه على أنّه أمير المؤمنين قد ناقض ؛ لأنّ الأمير هو الآمر والزاجر ، والمأمور هو المؤتمر والمنزجر ، فأبى تصرّف الأمر فقد أزال الحسن عليه السلام في موادعة معاوية الائتمار له ، فقد خرج من تحت أمره حين شرط أن لا يسمّيه أمير المؤمنين ولو تنبّه معاوية لحيلة الحسن عليه السلام بما احتال عليه لقال له :

يا أبا محمد! أنت مؤمن وأنا أمير ، فإذا لم أكن أميرك لم أكن

ص: 75

للمؤمنين أيضاً أميراً ، وهذا حيلة منك ، تزيل أمري عنك ، وتدفع حكمي لك وعليك ، فلو كان قوله : يحارب من حارب مطلقاً ولم يكن شرطه إنْ قاتلك من هو شرّ منك قاتلته ، وإن قاتلك من هو خير منك في الشرّ وأنت أقرب منه إليه لم أقاتله ، ولأنّ شرط الله على الحسن عليه السلام وعلى جميع عباده التعاون على البرّ والتقوى ، وترك التعاون على الإثم والعدوان ، وأنّ قتال من طلب الحقّ فأخطأه مع من طلب الباطل فوجده تعاون على الإثم والعدوان ، والمبايِع غير المبايَع والمؤازِر غير المؤازَر.

فإن قال : هذا حديث أنس بن سيرين يرويه محمد بن إسحاق بن خزيمة قال : حدّثنا بشّار ، قال : حدّثنا ابن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن أنس بن سيرين قال : حدّثنا الحسن بن عليّ عليه السلام يوم كلّم فقال :

«ما بين جابرسا وجابلقا رجل جدّه نبيّ غيري وغير أخي ، وإنّي رأيت أن أُصلِح بين أُمّة محمد وكنت أحقّهم بذلك ، فإنّا بايعنا معاوية ولعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين».

قلنا : ألا ترى إلى قول أنس كيف يقول يوم كلّم الحسن ، ولم يقل يوم بايع ، إذ لم يكن عنده بيعة حقيقة ، وإنّما كانت مهادنة كما يكون بين أولياء الله وأعدائه ، لا مبايعة تكون بين أوليائه وأوليائه ، فرأى الحسن عليه السلام رفع السيف مع العجز بينه وبين معاوية ، كما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رفع السيف بينه وبين أبي سفيان وسهيل بن عمرو ، ولو لم يكن رسول الله مضطرّاً إلى تلك المصالحة والموادعة لما فعل.

فإن قال : قد ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينه وبين سهيل وأبي سفيان مدّة ، ولم يجعل الحسن بينه وبين معاوية مدّة.

قلنا : بل ضرب الحسن عليه السلام أيضاً بينه وبين معاوية مدّة وإن جهلناها

ص: 76

ولم نعلمها ، وهي ارتفاع الفتنة وانتهاء مدّتها وهو متاع إلى حين.

فإن قال : فإنّ الحسن قال لجبير بن نفير حين قال له : إنّ الناس يقولون إنّك تريد الخلافة ، فقال : «قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت ، تركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أُمّة محمد ، ثمّ أثيرها يا تيّاس أهل الحجاز؟

قلنا : إنّ جبيراً كان دسيساً إلى الحسن عليه السلام ، دسّه معاوية إليه يختبره هل في نفسه الإثارة؟ وكان جبير يعلم أنّ الموادعة التي وادع معاوية غير مانعة من الإثارة التي اتّهمه بها ، ولو لم يجز للحسن عليه السلام مع المهادنة التي هادن أن يطلب الخلافة لكان جبير يعلم ذلك فلا يسأله ؛ لأنّه يعلم أنّ الحسن عليه السلام لا يطلب ما ليس له طلبه ، فلمّا اتّهمه بطلب ماله طلبه دسّ إليه دسيسةً هذا ليستبرئ برأيه ، وعلم أنّه الصادق وابن الصادق ، وأنّه إذا أعطاه بلسانه أنّه لا يثيرها بعد تسكينه إيّاها فإنّه وفيّ بوعده صادق في عهده ، فلمّا مقته قول جبير قال له : «يا تيّاس أهل الحجاز» ، والتيّاس بيّاع عسب الفحل الذي هو حرام.

وأمّا قوله : «بيدي جماجم العرب» فقد صدق عليه السلام ، ولكن كان من تلك الجماجم الأشعث بن قيس في عشرين ألفاً ويزيدونهم ، قال الأشعث : يوم رفع المصاحف وقع تلك المكيدة : إن لم تجب إلى ما دعيت إليه لم يرم معك غداً يمانيّان بسهم ، ولم يطعن يمانيّان برمح ، ولا يضرب يمانيّان بسيف ، وأومى بقوله إلى أصحابه أبناء الطمع.

وكان في تلك الجماجم شبث بن ربعي تابع كلّ ناعق ومثير كلّ فتنة ، وعمرو بن حريث الذي ظهر على عليّ صلوات الله عليه وبايع ضبّة احتوشها مع الأشعث ، والمنذر بن الجارود الطاغي الباغي. وصدق الحسن

ص: 77

صلوات الله عليه أنّه كان بيده هذه الجماجم يحاربون من حارب ولكن محاربة منهم للطمع ، ويسالمون من سالم لذلك ، وكان من حارب لله تعالى وابتغى القربة إليه والحظوة منه قليلا ليس فيهم عدد يتكافى أهل الحرب لله ، والنزاع لأولياء الله ، واستمداد كلّ مدد وكلّ عدد وكلّ شدّة على حجج الله تعالى!

مورد آخر مناظرة مفضّلوا الانبياء على الملائكة مع مخالفيهم :

في علل الشرائع (1) : ما ذكره محمد بن بحر الشيباني المعروف بالرُّهني رحمه الله ، في كتابه من قول مفضّلي الأنبياء والرسل والأئمّة والحجج صلوات عليهم أجمعين على الملائكة.

قال مفضّلوا الأنبياء والرسل والحجج والأئمّة على الملائكة : إنّا نظرنا إلى جميع ما خلق الله عزّ وجلّ من شيء علا علوّاً طبعاً واختياراً ، أو عُلي به قسراً واضطراراً ، أو سفل طبعاً واختياراً ، أو سفل به قهراً واضطراراً ؛ فإذا هي ثلاثة أشياء بالإجماع : حيوان ، ونام ، وجماد وأفلاك سائرة ، وبالطبع الذي طبعها عليه صانعها دائرة ، وفيما دونها عن إرادة خالقها مؤثّرة.

وإنّهم نظروا في الأنواع الثلاثة وفي الأشياء التي هي أجناس منقسمة إلى جنس الأجناس الذي هو شيء ، إذ يعطي كلّ شيء اسمه ، قالوا : ونظرنا أيَّ الثلاثة وهو نوع لما فوقه وجنس لما تحته أنفع وأرفع ، وأيّها أدون وأوضع ؛ فوجدنا أرفع الثلاثة الحيوان ، وذلك بحقّ الحياة التي بان بها 7.

ص: 78


1- علل الشرائع 1 / 19 - 27.

عن النامي والجماد.

وإنمّا رفعة الحيوان عندنا في حكمة الصانع ، وترتيبها أنّ الله تقدّست أسماؤه جعل النامي له غذاء ، وجعل له عند كلّ داء دواءً ، وفيما قدّر له صحّة وشفاء ، فسبحانه ما أحسن ما دبّره في ترتيب حكمته إذ الحيوان الرفيع فما دونه يغذو ، ومنه لوقاية الحرّ والبرد يكسو ، وعليه أيّام حياته ينشو.

وجعل الجماد له مركزاً ومكديا فامتهنه له امتهاناً ، وجعل له مسرحاً وأكناناً ومجامع وبلداناً ومصانع وأوطاناً ، وجعل له حَزَناً محتاجاً إليه وسهلا محتاجاً إليه ، وعلوّاً ينتفع بعلوّه وسفلا ينتفع به وبمكاسبه برّاً وبحراً.

فالحيوان مستمتع فيستمتع بما جعل له فيه من وجوه المنفعة والزيادة والذبول عند الذبول ، ويتّخذ المركز عند التجسيم والتأليف من الجسم المؤلّف تبارك الله ربّ العالمين.

قالوا : ثمّ نظرنا فإذا الله عزّ وجلّ قد جعل المتّخذ بالروح والنمو والجسم ، أعلى وأرفع ممّا يتّخذ بالنموّ والجسم والتأليف والتصريف ، ثمّ جعل الحيّ الذي هو حيّ بالحياة التي هي غيره نوعين : ناطقاً وأعجم ، ثمّ أبان الناطق من الأعجم بالنطق والبيان اللذين جعلهما له ، فجعله أعلى منه ؛ لفضيلة النطق والبيان.

ثمّ جعل الناطق نوعين : حجّة ومحجوجاً ، فجعل الحجّة أعلى من المحجوج ؛ لإبانة الله عزّ وجلّ الحجّة ، واختصاصه إيّاه بعلم علويّ خصّه به دون المحجوجين ، فجعله معلّماً من جهته باختصاصه إيّاه وعلماً بأمره إيّاه أن يعلم بأنّ الله عزّ وجلّ معلّم الحجّة دون أن يكله إلى أحد من خلقه ، فهو متعال به ، وبعضهم يتعالى على بعض بعلم يصل إلى المحجوجين من

ص: 79

جهة الحجّة.

قالوا : ثمّ رأينا أصل الشيء الذي هو آدم عليه السلام ، فوجدناه قد جعله على كلّ روحاني خلقه قبله ، وجسماني ذرأه وبرأه منه ، فعلّمه علماً خصّه به لم يعلّمهم قبلُ ولا بعدُ ، وفهّمه فهماً لم يفهّمهم قبلُ ولا بعدُ ، ثمّ جعل ذلك العلم الذي علّمه ميراثاً فيه لإقامة الحجج من نسله على نسله.

ثمّ جعل آدم عليه السلام لرفعة قدره وعلوّ أمره للملائكة الروحانيين قبلةً ، وأقامه لهم حجّة ، فابتلاهم بالسجود له ، فجعل لا محالة من سجد له أعلى وأفضل ممّن أسجدهم ؛ لأنّ من جعل بلوى وحجّة أفضل ممّن حجّهم به ، ولأنّ إسجاده جلّ وعزّ إيّاهم للخضوع ألزمهم الاتّضاع منهم له ، والمأمورين بالاتّضاع بالخضوع والخشوع والاستكانة دون من أمرهم بالخضوع له.

ألا ترى إلى من أبى الائتمار لذلك الخضوع ولتلك الاستكانة فأبى واستكبر ولم يخضع لمن أمره له بالخضوع ؛ كيف لُعِنَ وطُرِدَ عن الولاية ، وأُدخل في العداواة فلا يرجى له من كبوته الإقالة (إلى) آخر الأبد.

فرأينا السبب الذي أوجب الله عزّ وجلّ لآدم عليه السلام عليهم فضلا فإذا هو العلم الذي خصّه الله عزّ وجل به دونهم ، فعلّمه الأسماء ، وبيّن له الأشياء ، فعلا بعلمه على من لا يعلم ، ثمّ أمره جلّ وعزّ أن يسألهم سؤال تنبيه لا سؤال تكليف عمّا عَلِمَهُ بتعليم الله عزّ وجلّ إيّاه ممّا لم يكن علّمهم ليريهم جلّ وعزّ علوّ منزلة العلم ورفعة قدره ، كيف خصّ العلم محلاًّ وموضعاً اختاره له وأبان ذلك المحلّ عنهم بالرفعة والفضل.

ثمّ علمنا أنّ سؤال آدم عليه السلام إيّاهم عمّا سألهم عنه ممّا ليس في وسعهم وطاقتهم الجواب عنه ، سؤال تنبيه لا سؤال تكليف ؛ لأنّه جلّ وعزّ لا يكلّف ما ليس في وسع المكلّف القيام به ، فلمّا لم يطيقوا الجواب عمّا

ص: 80

سُئلوا علمنا أنّ السؤال كان كالتقرير منه ولهم ، يقرّر به انصياعهم بالجهالة عمّا علّمه إيّاه ، وعلوّ خطره باختصاصه إيّاه بعلم لم يخصّهم به ، فالتزموا الجواب بأن قالوا : سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا.

ثمّ جعل الله عزّ وجلّ آدم عليه السلام معلّم الملائكة بقوله : (أَنْبِئْهُمْ) ؛ لأنّ الإنباء من النبأ تعليم ، والأمر بالإنباء من الأمر تكليف يقتضي طاعةً وعصياناً ، والإصغاء من الملائكة عليهم السلام للتعليم والتوقيف والتفهيم والتعريف تكليف يقتضي طاعةً وعصياناً.

فمن ذهب منكم إلى فضل المتعلّم على المعلِّم ، والمُوقَف على المُوقِفِ ، والمعرَّفَ على المعرِّفِ ، كان في تفضيله عكس لحكمة الله عزّ وجلّ ، وقلب لترتيبها التي رتّبها الله عزّ وجلّ ؛ فإنّه على قياس مذهبه أن تكون الأرض التي هي المركز أعلى من النامي الذي هو عليها الذي فضّله الله عزّ وجلّ بالنموّ ، والنامي أفضل وأعلى من الحيوان الذي فضّله الله جلّ جلاله بالحياة والنموّ والروح. والحيوان الأعجم الخارج عن التكليف والأمر والزجر أعلى وأفضل من الحيوان الناطق المكلّف للأمر والزجر ، والحيوان الذي هو محجوج أعلى من الحجّة التي هي حجّة الله عزّ وجلّ فيها ، والمعلَّم أعلى من المعلِّم وقد جعل الله عزّ وجلّ آدم حجّة على كلّ من خلق من روحاني وجسماني إلاّ من جعل له أوّلية الحجّة.

فقد روي لنا عن حبيب بن مظاهر الأسدي بيّض الله وجهه أنّه قال للحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام : أيّ شيء كنتم قبل أن يخلق الله عزّ وجلّ آدم عليه السلام؟ قال : «كنّا أشباح نور ندور حول عرش الرحمن فنعلِّمُ الملائكة التسبيح والتهليل والتحميد» ، ولهذا تأويل دقيق ليس هذا مكان شرحه ، وقد بيّنّاه في غيره.

ص: 81

قال مفضّلو الملائكة : إنّ مدار الخلق - روحانياً كان أو جسمانياً - على الدنوّ من الله عزّ وجلّ والرفعة والعلوّ والزلفة والسموّ ، وقد وصف الله جلّت عظمته الملائكة من ذلك بما لم يصف به غيرهم ، ثمّ وصفهم بالطاعة التي عليها موضع الأمر والزجر والثواب والعقاب ، فقال جلّ وعزّ : (لاَ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (1) ، ثمّ جعل محلّهم الملكوت الأعلى ، فبراهينهم على توحيده أكثر ، وأدلّتهم عليه أوفر ، وإذا كان ذلك كذلك كان حظّهم من الزلفة أجلّ ، ومن المعرفة بالصانع أفضل.

قالوا : ثمّ رأينا الذنوب والعيوب الموردة النار ودار البوار كلّها من الجنس الذي فضّلتموه على من قال الله عزّ وجلّ في نعتهم لمّا نعتهم ووصفهم بالطاعة لمّا وصفهم : (لاَ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).

قالوا : كيف يجوز فضل جنس فيهم كلّ عيب ولهم كلّ ذنب على من لا عيب فيهم ولا ذنب منهم صغائر ولا كبائر؟

والجواب : إنّ مفضّلي الأنبياء والحجج صلوات الله عليهم قالوا : إنّا لا نفضّل ها هنا الجنس على الجنس ، ولكنّا فضّلنا النوع على النوع من الجنس. كما أنّ الملائكة كلّهم ليسوا كإبليس وهاروت وماروت ؛ لم يكن البشر كلّهم كفرعون الفراعنة وكشياطين الإنس المرتكبين المحارم والمقدّمين على المآثم.

وأمّا قولكم في الزلفة والقربة : فإنّكم إن أردتم زلفة المسافات وقربة المداناة ، فالله عزّ وجلّ أجلّ وممّا توهّمتموه أنزه ، وفي الأنبياء والحجج من 6.

ص: 82


1- سورة التحريم 66 : 6.

هو أقرب إلى قربه بالصالحات والقربات الحسنات ، وبالنيّات الطاهرات من كلّ خلق خلقهم ، والقرب والبعد من الله عزّ وجلّ بالمسافة والمدى تشبيه له بخلقه ، وهو من ذلك نزيه.

وأمّا قولهم في الذنوب والعيوب ، فإنّ الله جلّت أسماؤه جعل الأمر والزجر أسباباً وعللاً ، والذنوب والمعاصي وجوهاً ، فأنبأ جلّ جلاله وجعل الذي هو قاعدة الذنوب من جميع المذنبين من الأوّلين والآخرين إبليس ، وهو من حزب الملائكة وممّن كان في صفوفهم ، وهو رأس الأبالسة ، وهو الداعي إلى عصيان الصانع ، والموسوس والمزيّن لكلّ من تبعه - وقبل منه وركن إليه - الطغيان ، وقد أُمهل الملعون لبلوى أهل البلوى في دار الابتلاء ، فكم من ذرّية نبية وفي طاعة الله عزّ وجلّ وجيه وعن معصيته بعيدة ، قد أقمأ إبليس وأقصاه وزجره ونفاه ، فلم يلو له على أمر إذا أمر ، ولا انتهى عن زجر إذا زجر ، له لمّات في قلوب الخلق مكافى من المعاصي ، فلمّات الرحمن دافعة للمّاته ووسوسته وخطراته ، ولو كانت المحنة بالملعون واقعة بالملائكة ، والابتلاء به قائماً كما قام في البشر ، ودائماً كما دام ، لكثرت من الملائكة المعاصي ، وقلّت فيهم الطاعات إذا تمّت فيهم الآلات ، فقد رأينا المبتلى من صنوف الملائكة بالأمر والزجر مع آلات الشهوات كيف انخدع بحيث دنا من طاعته ، وكيف بَعُدَ ممّا لم يبعد منه الأنبياء والحجج الذين اختارهم الله على علم على العالمين ، إذ ليست هفوات البشر كهفوة إبليس في الاستكبار ، وفعل هاروت وماروت في ارتكاب المزجور.

قال مفضّلو الملائكة عليهم السلام : إنّ الله جلّ جلاله وضع الخضوع والخشوع والتضرّع والخنوع حلية ، فجعل مداها وغايتها آدم عليه السلام فقارب الملائكة في هذه الحلية ، وأخذ منها بنصيب الفضل والسبق ، فجعل للطاعة

ص: 83

فأطاعوا الله فيه ، ولو كان هناك بنو آدم لما أطاعوه فيما أمر وزجر ، كما لم يطعه قابيل فصار إمام كلّ قاتل.

الجواب : مفضّلو الأنبياء والحجج عليهم الصلوات والسلام قالوا : إنّ الابتلاء الذي ابتلى به الله عزّ وجلّ الملائكة من الخشوع والخضوع لآدم عليه السلام عن غير شيطان مُغو عدوّ مطغي ، فأضلّ بغوايته بين الطائعين والعاصين والمقيمين على الاستقامة عن الميل ، وعن غير آلات المعاصي التي هي الشهوات المركبات في عبادة المبتلين ، وقد ابتلي من الملائكة من ابتلي ، فلم يعتصم بعصمة الله الوثقى ، بل استرسل للخشوع الذي كان أضعف منها.

وقد روينا عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : إنّ في الملائكة من باقة بقل خير منه ، والأنبياء والحجج يعلمون ذلك لهم وفيهم ما جهلناه ، وقد أقرّ مفضّلو الملائكة بالتفاضل بينهم ، كما أقِرّ بالتفاضل بين ذوي الفضل من البشر ، ومن قال : إنّ الملائكة جنس من خلق الله عزّ وجلّ فقلّ فيهم العصاة ، كهاروت وماروت ، وكإبليس اللعين إذ الابتلاء فيهم قليل ، فليس ذلك بموجب أن يكون فاضلهم أفضل من فاضل البشر الذين جعل الله عزّ وجلّ الملائكة خدمهم إذا صاروا إلى دار المقامة التي ليس فيها حَزَنٌ ولا همٌّ ولا نَصَبٌ ، ولا سقم ولا فقر.

قال مفضّلو الملائكة عليهم السلام : إنّ الحسن البصري يقول : إنّ هاروت وماروت علجان من أهل بابل ، وأنكر أن يكونا ملكين من الملائكة ، فلم تعترضوا علينا بالحجّة بهما وبإبليس فتحتجّون علينا بِجِنيّ فيه.

الجواب : قال مفضّلوا الأنبياء والحجج عليهم السلام : ليس شذوذ

ص: 84

قول الحسن عن جميع المفسّرين من الأُمّة بموجب أن يكون ما يقول كما يقول : وأنتم تعلمون أنّ الشيء لا يستثنى إلاّ من جنسه ، وتعلمون أنّ الجنّ سُمّوا جنّاً لاجتنانهم عن الرؤية ، إلاّ إذا أرادوا الترائي بما جعل الله عزّ وجلّ فيهم من القدرة على ذلك ، وأنّ إبليس من صفوف الملائكة ، وغير جائز في كلام العرب أن يقول قائل جاءت الإبل كلّها إلاّ حماراً ، ووردت البقر كلّها إلاّ فرساً ، فإبليس من جنس ما استثني.

وقول الحسن : في هاروت وماروت ، بأنّهما علجان من أهل بابل شذوذ شذّ به عن جميع أهل التفسير ، وقول الله عزّ وجلّ يُكذّبه إذ قال : (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بفتح اللام بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) (1) ، فليس في قولكم عن قول الحسن فرج لكم ، فدعوا ما لا فائدة فيه من علّة ، ولا عائدة من حجّة.

قال مفضّلو الملائكة عليهم السلام : قد علمتم ما للملائكة في كتاب الله تعالى من المدح والثناء ممّا بانوا به عن خلق الله جلّ وعلا ، إذ لو لم يكن فيه إلاّ قوله : (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (2) لكفى.

قال مفضّلوا الأنبياء والحجج عليهم السلام : إنّا لو استقصينا آي القرآن في تفضيل الأنبياء والحجج صلوات الله عليهم أجمعين ، لاحتجنا في ذلك إلى التطويل والإكثار وترك الإيجاز والاختصار ، وفيما جئنا به من الحجج النظريّة التي تزيح العلل من الجميع مقنع ؛ إذ ذكرنا ترتيب الله عزّ وجلّ خلقه ، فجعل الأرض دون النامي ، والنامي أعلى وأفضل من الأرض ، 7.

ص: 85


1- سورة البقرة 2 : 102.
2- سورة الأنبياء 21 : 26 - 27.

وجعل النامي دون الحيوان ، والحيوان أعلى وأرفع من النامي ، وجعل الحيوان الأعجم دون الحيوان الناطق ، وجعل الحيوان الناطق أفضل من الحيوان الأعجم ، وجعل الحيوان الجاهل الناطق دون الحيوان العالم الناطق ، وجعل الحيوان العالم الناطق المحجوج دون الحيوان العالم الحجّة ..

ويجب على هذا الترتيب أنّ المعرب المبين أفضل من الأعجم غير الفصيح ، ويكون المأمور المزجور مع تمام الشهوات وما فيهم من طباع حبّ اللذات ومنع النفس من الطلبات والبغيات ، ومع البلوى بعد ، ويمهل ويمتحن بمعصيته إيّاه هو يزينها له محسّناً بوسوسته في قلبه وعينه ، أفضل من المأمور المزجور مع فقد آلة الشهوات ، وعدم معاداة هذا المتوصّل له بتزيين المعاصي والوسوسة إليه.

ثمّ هذا الجنس نوعان : حجّة ومحجوج ، والحجّة أفضل من المحجوج ، ولم يحجّج آدم الذي هو أصل البشر بواحد من الملائكة ، تفضيلا من الله عزّ وجلّ إيّاه عليهم ، وحجّج جماهير الملائكة بآدم عليه السلام فجعله العالم بما لم يعلموا ، وخصّه بالتعليم ليبيّن لهم أنّ المخصوص بما خصّه به ، ممّا لم يخصّهم أفضل من غير المخصوص ، بما لم يخصّه به. وهذا الترتيب حكمة الله عزّ وجلّ ، فمن ذهب يروم إفسادها ظهر منه عناد من مذهبه وإلحاد في طلبه.

فانتهى الفضل إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لأنّه ورث آدم وجميع الأنبياء عليهم السلام ؛ ولأنّه اصطفاه الذي ذكره الله عزّ وجلّ فقال : (إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (1) ، 3.

ص: 86


1- سورة آل عمران 3 : 33.

فمحمد الصفوة والخالص نجيب النجباء من آل إبراهيم ، فصار خير آل إبراهيم بقوله : (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض) (1) ، واصطفى الله جلّ جلاله آدم ممّن اصطفاه عليهم من روحاني وجسماني ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمد وآله وحسبنا الله ونعم الوكيل.

قال مصنّف هذا الكتاب الشيخ الصدّوق رحمه الله : إنّما أردت أن تكون هذه الحكاية في هذا الكتاب ، وليس قولي في إبليس إنّه كان من الملائكة ، بل كان من الجنّ ، إلاّ أنّه كان يعبد الله بين الملائكة ، وهاروت وماروت مَلَكان ، وليس قولي فيهما قول أهل الحشو ، بل كانا عندي معصومين ، ومعنى هذه الآية : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيَمانَ) (2) إنّما هو ، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ، وعلى ما أنزل على المَلَكَين ببابل هاروت وماروت ، وقد أخرجت في ذلك خبراً مسنداً في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.

موردان آخران:

ألف : وفي رواية محمد بن بحر الشيبانيّ ، عن أحمد بن الحرث قال : حدّثنا أبو أيّوب الكوفي قال : حدّثنا إسحاق بن وهب العلاّف ، قال : حدّثنا أبو عاصم النبّال عن ابن جريج ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس ، قال :

«خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من منزل عائشة فاستقبله أعرابيّ ومعه ناقة فقال : يا محمد! تشتري هذه الناقة؟ فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «نعم ، بكم تبيعها 2.

ص: 87


1- سورة آل عمران 3 : 34.
2- سورة البقرة 2 : 102.

يا أعرابيّ؟». فقال : بمئتي درهم. فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «بل ناقتك خير من هذا» ، قال : فما زال النبيّ (صلى الله عليه وآله) يزيد حتّى اشترى الناقة بأربع مئة درهم.

قال : فلمّا دفع النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى الأعرابي الدراهم ضرب الأعرابي يده إلى زمام الناقة فقال : الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ، فإن كان لمحمد شيء فليقم البيّنة. قال : فأقبل رجل فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «أترضى بالشيخ المقبل؟» ، قال : نعم يا محمد ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «تقضي فيما بيني وبين هذا الأعرابي؟» ، فقال : تكلّم يا رسول الله. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «الناقة ناقتي والدراهم دراهم الأعرابي» ، فقال الأعرابيّ : بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ، إن كان لمحمد شيء فليقم البيّنة ، فقال الرجل : القضيّة فيها واضحة يا رسول الله ، وذلك أنّ الأعرابي طلب البيّنة.

فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «اجلس» فجلس ، ثمّ أقبل رجل آخر فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «أترضى يا أعرابيّ بالشيخ المقبل؟» ، قال : نعم يا محمد ، فلمّا دنا قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «اقض فيما بيني وبين الأعرابيّ» ، قال : تكلّم يا رسول الله ، فقال النبىّ (صلى الله عليه وآله) : «الناقة ناقتي والدراهم دراهم الأعرابي» ، فقال الأعرابي : بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ، إن كان لمحمد شيء فليقم البيّنة. فقال الرجل : القضية فيها واضحة يا رسول الله ؛ لأنّ الأعرابي طلب البيّنة.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : «اجلس حتّى يأتي الله بمن يقضي بيني وبين الأعرابيّ بالحقّ».

فأقبل عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «أترضى بالشابّ المقبل؟» ، قال : نعم. فلمّا دنا قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «يا أبا الحسن! اقض فيما بيني وبين الأعرابي».

ص: 88

فقال تكلّم يا رسول الله. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : «الناقة ناقتي والدراهم دراهم الأعرابيّ» ، فقال الأعرابي : لا ، بل الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ، إن كان لمحمد شيء فليقم البيّنة.

فقال عليّ عليه السلام : «خلّ بين الناقة وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله)». فقال الأعرابي : ما كنت بالذي أفعل أو يقيم البيّنة (1).

قال : فدخل عليّ عليه السلام منزله فاشتمل على قائم سيفه (2) ثمّ أتى فقال :

«خلّ بين الناقة وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله)» ، قال : ما كنت بالذي أفعل أو يقيم البيّنة.

قال : فضربه عليّ عليه السلام ضربة فاجتمع أهل الحجاز على أنّه رمى برأسه ، وقال بعض أهل العراق بل قطع منه عضواً ، قال :

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : «ما حملك على هذا يا عليّ؟» ،

فقال : يا رسول الله! نصدّقك على الوحي من السّماء ولا نصدّقك على أربعمئة درهم!».

باء : وروى محمد بن بحر الشيباني ، عن عبد الرحمن بن أحمد الذهلي ، قال : حدّثنا محمد بن يحيى النيسابوري ، قال : حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع الحمصيّ ، قال : حدّثنا شعيب ، عن الزهريّ ، عن عبد الله ابن أحمد الذهلي قال (3) : حدّثني عمارة بن خزيمة بن ثابت : أنّ عمّه حدّثه ة.

ص: 89


1- أو يقيم : بمعنى إلى أن يقيم.
2- قائم السيف وقائمته : مقبضه. (المصباح).
3- السند عامي ، وروى نحوه الكليني 7 : 401 من الكافي في الموثّق كالصحيح عن معاوية بن وهب مقطوعاً ، وذكر القضية جماعة من العامّة وأشار إليه ابن قتيبة في المعارف وابن الأثير في أُسد الغابة.

وهو من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ابتاع فرساً من أعرابيّ فأسرع النبيّ (صلى الله عليه وآله) المشي ليقبضه ثمن فرسه ، فأبطأ الأعرابيّ ، فطفق رجال يعترضون الأعرابيّ فيساومونه بالفرس (1) ، وهم لا يشعرون أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)ابتاعه ، حتّى زاد بعضهم الأعرابيّ في السوم على الثمن ، فنادى الأعرابي فقال : إن كنت مبتاعاً لهذا الفرس فابتعه وإلاّ بعته.

فقام النبيّ (صلى الله عليه وآله) حين سمع الأعرابي فقال : «أو ليس قد ابتعته منك؟».

فطفق الناس يلوذون بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وبالأعرابي وهما يتشاجران ، فقال الأعرابي : هلمّ شهيداً يشهد أنّي قد بايعتك ، ومن جاء من المسلمين قال للأعرابي : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يكن ليقول إلاّ حقّاً ، حتّى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع لمراجعة النبي (صلى الله عليه وآله) والأعرابي فقال خزيمة : إنّي أنا أشهد أنّك قد بايعته.

فأقبل النبي (صلى الله عليه وآله) على خزيمة فقال : «بم تَشهد؟».

قال : بتصديقك يا رسول الله.

فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) شهادة خزيمة بن ثابت شهادتين ، وسمّاه ذا الشهادتين» (2).).

ص: 90


1- المساومة : المقاولة في البيع والشراء والمجاذبة بين البائع والمشتري على السلعة وفضل ثمنها.
2- كتاب من لا يحضره الفقيه 3 : 106 - 109. والرواية الأولى رواها السيد المرتضى في الانتصار : 489 من دون ذكر السند ، بل قال : وروت الشيعة أيضاً عن ابن جريح عن الضحاك عن ابن عباس قال ... (وعند العلاّمة في المختلف : 8 / 385).

مصادر البحث

1 - القرآن الكريم.

2 - إعلام الورى ، أبوعلي فضل بن حسن الطبرسي ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ه. ق.

3 - إكمال الدين وإتمام النعمة ، الشيخ الصدوق ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1359 ه. ش.

4 - إيضاح الاشتباه ، العلاّمة الحلّي ، مؤسّسة النشر الإسلامى ، قم ، 1319.

5 - تفسير القمّي ، علي بن إبراهيم ، قم ، دار الكتاب الإسلامى - - ، 1410.

6 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، الشيخ آقا بزرگ الطهراني ، بيروت ، دار الأضواء.

7 - رجال الطوسي ، الشيخ الطوسي ، نجف ، المطبعة الحيدرية ، 1380 ه. ق.

8 - رجال العلاّمة الحلّي ، قم ، منشورات الرضي ، 1402.

9 - رجال الكشي ، (اختيار معرفة الرجال) محمّد بن الحسن الشيخ الطوسي ، تصحيح مصطفوي ، مشهد ، جامعة مشهد.

10 - رجال النجاشي ، أبو العبّاس النجاشي ، تصحيح موسى الشبيري الزنجاني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

11 - الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم ، زين العابدين علي بن يونس العاملي ، تحقيق محمّد باقر البهبودي ، طهران ، مرتضوية ، 1384 ه. ق.

12 - علل الشرائع ، الشيخ الصدوق ، نجف ، مطبعة الحيدرية ، 1385 ه. ق.

13 - عيون أخبار الرضا عليه السلام ، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه الشيخ الصدوق ، طهران ، منشورات الأعلمي.

14 - الغيبة ، أبوجعفر محمّد بن حسن الشيخ الطوسي ، طهران ، مكتبة نينوى ، (وتحقيق ونشر: بنياد معارف إسلامي ، قم).

15 - فهرست كتب الشيعة وأصولهم ، الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي ، تصحيح السيد عبد العزيز الطباطبائي ، قم ، مكتبة المحقّق الطباطبائي ، 1420.

ص: 91

16 - كشف الغمّة في معرفة الائمّة ، علي بن عيسى الأربلي ، تحقيق: سيّد هاشم رسولي ، تبريز ، 1381.

17 - لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني ، تصحيح المرعشلي ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

18 - مشيخة النجاشي ، محمود درياب النجفي ، قم ، 1413.

19 - معالم العلماء ، ابن شهر آشوب ، نجف ، المطبعة الحيدرية ، 1380 ه. ق.

20 - معالم العلماء ، ابن شهر آشوب ، تصحيح عبّاس إقبال ، طهران ، 1353 ه. ق.

21 - معاني الأخبار ، الشيخ الصدوق ، قم ، انتشارات اسلامي التابعة إلى جامعة المدرسين.

22 - معجم الأدباء ، ياقوت الحموي ، بيروت ، دار الفكر (طبع إحسان عباس ، دار الغرب الاسلامي ، 1393 ه. ق.).

23 - معجم البلدان ، ياقوت الحموي ، بيروت ، دار صادر.

24 - معجم رجال الحديث ، أبو القاسم الخوئي ، قم ، مؤسّسة الثقافة الإسلامية ، 1413.

25 - النابس (طبقات أعلام الشيعة في القرن الخامس) آقابزرگ الطهراني ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

26 - الوافي بالوفيات ، صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي ، اهتمّ بطبعه هلموت ريتر ، بيروت ، 1381 ه. ق.

ص: 92

ضروريّات الدين والمذهب

الشيخ محمّد هادي آل راضي

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة :

لا إشكال عند جميع المسلمين في أنَّ من أنكر أصلاً من أصول الدين التي بها قوام الإسلام كالإلوهية والتوحيد والرسالة يعدُّ كافراً وذلك لأنّ الإسلام عبارة عن الإقرار بهذه الأصول فإذا أنكرها - أو بعضها - خرج بذلك عن الإسلام وكان كافراً ، وإنّما الإشكال والخلاف في غير ذلك من المسائل الاعتقادية وغيرها والتي تسمّى بالضروريّات.

وحاصل الخلاف :

إنّ إنكار هذه المسائل هل يوجب الكفر مطلقاً أو إنّه لا يوجب الكفر إلاّ مع العلم والالتفات إلى ثبوت ذلك الشيء في الدين المستلزم لتكذيب الرسالة. وأمّا مع الجهل بثبوت ما أنكره في الدين - سواء كان جهلاً مركّباً أم

ص: 93

بسيطاً - فلا يوجب الكفر.

ومنه يتضح :

إنّ محلّ الخلاف والنزاع هو منكر الضروري مع عدم التفاته إلى كون إنكاره مستلزماً لإنكار الرسالة ونحوها من أصول الدين ، وأمّا مع الالتفات والعلم فلا خلاف في كونه كافراً.

ويكتسب هذا البحث أهمّيةً خاصةً لعدّة أمور :

أوّلاً : إنّ إنكار هذه الضروريّات وقع موضوعاً لعدد غير قليل من الأحكام الشرعية المهمّة في كلمات الفقهاء والتي ترتبط بالدماء والأعراض والأموال مثل الحكم بالكفر والارتداد وما يترتّب على ذلك من آثار تظهر في باب النكاح والميراث وغيرها ، هذا في إنكار ضروريّات الدين وأمّا إنكار ضروريّات المذهب فهو أيضا مما تترتّب عليه الخروج عن المذهب وما يستلزمه ذلك من أحكام شرعية مثل عدم جواز النيابة في العبادات وعدم صحّة صرف الزكاة ونحو ذلك.

ومن الواضح أنّ هذا البحث يتكفّل تحديد وتنقيح موضوع هذه الأحكام على ضوء أدلّتها.

ثانياً : إنّ هذا البحث لم يذكر في كلمات الفقهاء إلا بشكل متفرّق ومتناثر في أبواب مختلفة فقد تعرّض له الفقهاء في كتاب الطهارة بحث النجاسات وكتاب الحدود بحث ما يتحقّق به الارتداد وهكذا ، بل أهمل كثير من الفقهاء هذا البحث حتّى في تلك الموارد فلم يتعرّضوا له أصلاً كما

ص: 94

هو الملاحظ في معظم كتب المتقدّمين من فقهائنا (قدس) ، نعم بعضهم ذكر الكافر في مقام تعداد النجاسات إلا أنّه لم يتعرّض إلى تحديد المراد به ، وهل يشمل منكر الضروريّات. وهكذا في كتاب الحدود فقد أهملوا البحث في أنّ إنكار الضروري هل يتحقّق به الارتداد أو لا؟

ويمكن توجيه عدم تعرّضهم لهذا البحث باكتفائهم بذكر الكفر في هذه الموارد لوضوح دخول إنكار الضروري فيه ولو في الجملة ، إلا أنّه بالرغم من ذلك تبقى بعض الثغرات التي لا تتضح بمجرّد ذلك مثل أنّ إنكار الضروري هل هو سبب مستقلّ للكفر أو باعتبار استلزامه لإنكار الرسالة أو تكذيب القرآن ونحو ذلك وتترتّب على ذلك ثمرات مهمّة - كما سيأتي -.

ثالثاً : شيوع ظاهرة إنكار بعض الأمور التي قد تعتبر من ضروريّات الدين أو المذهب ممّا يستلزم استئناف هذا البحث وخصوصاً الجانب التطبيقي منه لغرض التمييز بين ما يعتبر من الضروريّات وما لا يعتبر بل التمييز بين ضروريّات الدين وضروريّات المذهب فكثيراً ما يقع الخلط والاشتباه بين هذه الأمور ، فلا بدّ من وضع ضوابط معيّنة مستفادة من الأدلّة لعدِّ الشيء من الضروريّات في الدين أو المذهب مع بيان الفرق بينه وبين عناوين أخرى قد تتداخل معه مثل المجمع عليه والمعلوم ثبوته في الشريعة وغير ذلك.

رابعاً : حالة عدم الوضوح والاشتباه في هذه المسألة فهناك إفراط من جانب حيث عدّت بعض الأمور المعلومة - أو المجمع عليها - من

ص: 95

ضروريّات الدين أو المذهب وكأنّه يكفي في كون الشيء ضروريّاً ثبوته بالأدلّة أو الاتفاق عليه مع أنّ الميزان في كون الشيء ضروريّاً لا ينطبق على ذلك - كما سيأتي - وفي المقابل يوجد تفريط في جانب آخر من جهة إنكار ضرورة بعض الأمور التي لا ينبغي الشكّ في كونها كذلك.

الإسلام والإيمان في النصوص الشرعية

هناك عنوانين متداولين في النصوص الشرعية وفي كلمات الفقهاء لا بدّ من توضيحهما وبيان الفرق بينهما حتّى لا تختلط الأمور في هذا البحث وهما الإسلام والإيمان.

أمّا الإسلام فهو يطلق ويراد به أحد معنيين :

المعنى الأوّل :

الإقرار الظاهري بالشهادتين فقط وإن لم يقترن بالتصديق والإذعان القلبي ، وهو المراد ظاهراً بقوله تعالى : (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (1) وهو المعبّر عنه في بعض الكلمات بالإسلام الظاهري ، وتترتّب عليه جملة من الآثار الدنيوية مثل حقن الدم والمال وجواز النكاح واستحقاق الميراث وغيرها من الأحكام المترتّبة في أدلّتها على مجرّد النطق بالشهادتين من دون لزوم التفتيش عن الباطن وأنّه هل يعتقد ويؤمن واقعاً بما قاله وأقرَّ به أو لا ، بل تترتّب هذه الآثار حتّى مع فرض عدم الاعتقاد كما إذا علمنا أنّه اقرَّ بالشهادتين خوفاً من القتل. 4.

ص: 96


1- سورة الحجرات 49 : 14.

نعم يعتبر في الإسلام بهذا المعنى في مرحلة البقاء أن لا يصدر منه ما ينافي الإقرار بالشهادتين وما يعدُّ بمثابة الإنكار لهما وإلاّ كان خارجاً عن الإسلام.

وما يوجب الخروج عن الإسلام بعد الإقرار به أمور منها :

الإنكار الصريح لأحد الأصلين (التوحيد ، النبوّة) أو لكليهما.

الإنكار الثابت بالملازمة لذلك كما إذا أنكر ما يعلم أنّه من الدين وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جاء به.

الإنكار الفعلي كسبِّ الله سبحانه أو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذا إلقاء المصحف في القاذورات ونحو ذلك مما يعدُّ استخفافاً واستهانةً بالأصلين.

وهل يعدُّ منها إنكار ضروري من ضروريات الدين وإن لم يكن عالماً بأنّه من الدين كما إذا كان جاهلاً أو صاحب شبهة؟ وهذا هو موضوع هذا البحث.

ومنه يتّضح :

إنّ ما يضادّ الإسلام بهذا المعنى هو الكفر بالمعنى المعروف له أي عدم الإسلام الثابت للمشركين ولأصحاب الديانات الأخرى وللمرتدّ من المسلمين.

وهذا المعنى هو المراد غالباً من الإسلام في الروايات مثل صحيحة فضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام : «الإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء» (1). 3.

ص: 97


1- الكافي 2 / 26 ح 3.

ومثل صحيحة حمران عن أبي جعفر عليه السلام حيث ورد فيها : «والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح ...» (1) وغير ذلك من الروايات.

ومنه يظهر أنّ الإسلام بهذا المعنى يدخل فيه كلّ الفرق الإسلامية ممّن يُظهِر الشهادتين إذا لم يصدر منه ما ينافي الإقرار بهما ، وكذا يدخل فيه المنافقون وهم الذين يظهرون الإقرار بالشهادتين ويخفون الكفر.

المعنى الثاني :

الإسلام الواقعي وهو التصديق والإيمان القلبي بالأصول الأساسية للإسلام بما فيها الإمامة والولاية مع إظهار ذلك ، ولعلّه المراد بقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ) (2) ، ويترتّب على ذلك جميع الآثار الدنيوية للإسلام بالمعنى الأوّل مضافاً إلى آثار أُخرويَة مثل صحّة الأعمال واستحقاق الثواب عليها وعدم الخلود في النار ونحو ذلك.

فالمعتبر في الإسلام الواقعي - مضافاً إلى الإقرار بالشهادتين - أمران :

1 - التصديق والإذعان القلبي فلا يكفي مجرّد الإقرار باللسان.

2 - الاعتقاد بالأصول الأساسية للإسلام كالإمامة والعدل فلا يكفي الاعتقاد بالتوحيد والنبوّة فقط.9.

ص: 98


1- الكافي 2 / 26 ح 5.
2- سورة آل عمران 3 : 19.

ومنه يظهر :

إنّ الأصول الخمسة المعروفة كلّها أصول دين وأصول للإسلام الواقعي ويطلب من كلّ مكلّف الاعتقاد بها جميعاً وأنّ الاعتقاد ببعضها فقط لا يصيّر المكلّف مسلماً واقعياً.

نعم يجري على الألسنة التفريق بين الأصول الخمسة بجعل بعضها أصول دين كالتوحيد والنبوّة وبعضها أصول مذهب كالإمامة والعدل إلاّ أنّ هذا ناظر إلى الإسلام بالمعنى الأوّل حيث لا يعتبر فيه أزيد من الإقرار بالتوحيد والنبوّة - كما تقدّم - فيصحّ أن يقال إنّ أصول الإسلام الظاهري - الذي تترتّب عليه الآثار الدنيوية السابقة - هي عبارة عن التوحيد والنبوة دون الإمامة والعدل.

إلاّ أنّ هذا بلحاظ مرحلة الظاهر وكيفية التعامل الدنيوي مع الآخرين ؛ وأمّا الإسلام الواقعي ، الإسلام الذي يريد الله سبحانه وتعالى من عباده التديّن به ، الإسلام الذي بشَّر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - وبلّغه إلى الناس - فهو شيء آخر وليست أصوله وركائزه التوحيد والنبوّة فقط بل الإمامة والعدل وسائر ما يطلب منّا الإيمان والاعتقاد به فهي كلّها أصول لهذا الدين.

وقد عرفت سابقاً أن الإسلام الظاهري لا يعتبر فيه الإذعان والتصديق القلبي بل يكفي فيه مجرّد الإقرار بالشهادتين لساناً ، ومن الواضح أنّ هذا لا يمكن أن يكون هو الدين الذي جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من عند الله سبحانه وتعالى وليس هو الإسلام في قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ) (1).9.

ص: 99


1- سورة آل عمران 3 : 19.

وأمّا الإيمان فهو يطلق على معان عديدة مذكورة في الكتب ذات الاختصاص إلاّ أنّ المهمّ منها معنيان :

الأوّل :

التصديق والإذعان القلبي الجوانحي في قبال التصديق الظاهري والإقرار اللساني ، ولعلّه المراد بقوله تعالى : (وَلكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (1) وقد عرفت أنّ الإيمان بهذا المعنى ليس شرطاً في الإسلام الظاهري نعم هو شرط في الإسلام الواقعي.

الثاني :

التصديق القلبي بالأصول الأساسية مع الإقرار اللساني ، وهو بهذا المعنى يرادف الإسلام الواقعي.

وقد أطلق الإيمان وأريد به هذا المعنى في كثير من الروايات مثل ما دلّ على أنّ الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان كموثّقة سماعة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان؟

فقال : إنّ الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان.

فقلت : فصفهما لي.

فقال : الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس. 4.

ص: 100


1- الحجرات 49 : 14.

والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به.

والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ، إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن وإن اجتمعا في القول والصفة» (1).

وعن فضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان» (2).

وعن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «سمعته يقول : الإيمان ما استقرّ في القلب وأفضى به إلى الله عزّ وجلّ ، وصدّقه العمل بالطاعة لله ، والتسليم لأمره.

والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ ، فخرجوا بذلك من الكفر وأُضيفوا إلى الإيمان.

والإسلام لا يشرك الإيمان والإيمان يشرك الإسلام وهما في القول والفعل يجتمعان ، كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان.

وقد قال الله عزّ وجلّ : (قَالَتِ الاَْعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ) ؛ فقول الله عزّ وجلّ أصدق القول. 5.

ص: 101


1- الكافي 2 / 25.
2- الكافي 2 / 25.

قلت : فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟

فقال : لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما وما يتقرّبان به إلى الله عزّ وجلّ.

قلت : أليس الله عزّ وجلّ يقول : (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (1) وزعمت أنّهم مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ مع المؤمن؟!

قال : أليس قد قال الله عزّ وجلّ : (فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً) (2)؟! فالمؤمنون هم الّذين يضاعف الله عزّ وجلّ لهم حسناتهم لكلّ حسنة سبعون ضعفاً ؛ فهذا فضل المؤمن ، ويزيده الله في حسناته على قدر صحّة إيمانه أضعافاً كثيرةً ، ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير.

قلت : أرأيت من دخل في الإسلام أليس هو داخلاً في الإيمان؟!

فقال : لا ، ولكنّه قد أُضيف إلى الإيمان وخرج من الكفر وسأضرب لك مثلاً تعقل به فضل الإيمان على الإسلام : أرأيت لو بصرت رجلاً في المسجد أكنت تشهد أنّك رأيته في الكعبة؟

قلت : لا يجوز لي ذلك.

قال : فلو بصرت رجلاً في الكعبة أكنت شاهداً أنّه قد دخل المسجد الحرام؟

قلت : نعم.

قال : وكيف ذلك؟ 5.

ص: 102


1- سورة الانعام 6 : 160.
2- سورة البقرة 2 : 245.

قلت : إنّه لا يصل إلى دخول الكعبة حتّى يدخل المسجد.

فقال : قد أصبت وأحسنت.

ثمّ قال : كذلك الإيمان والإسلام» (1).

وعن فضيل بن يسار ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إنّ الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلام ، إنّ الإيمان ما وقر في القلوب والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء والإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان» (2).

وعن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : من شهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مؤمناً؟ قال : فأين فرائض الله؟

قال : وسمعته يقول : كان علي عليه السلام يقول : لو كان الإيمان كلاماً لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام.

قال : وقلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ عندنا قوماً يقولون : إذا شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو مؤمن.

قال : فلمَ يضربون الحدود ، ولمَ تقطع أيديهم؟! وما خلق الله عزّ وجلّ خلقا أكرم على الله عزّ وجلّ من المؤمن ، لأنّ الملائكة خدّام المؤمنين ، وأنّ جوار الله للمؤمنين وأنّ الجنّة للمؤمنين ، وأنّ الحور العين للمؤمنين. ثمّ قال : فمابال من جحد الفرائض كان كافراً؟» (3).

وغيرها مما ظاهره أن النسبة هي العموم المطلق وأنَّ الإيمان هو 3.

ص: 103


1- الكافي 2 / 26.
2- الكافي 2 / 25.
3- الكافي 2 / 33.

الإسلام مع زيادة الاعتقاد والتصديق القلبي.

ومثل ما دلَّ على أنّ الثواب على الإيمان لا على الإسلام كمعتبرة القاسم الصيرفي قال : «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : الاسلام يحقن به الدم ، وتؤدّى به الأمانة ، وتستحلّ به الفروج ، والثواب على الايمان» (1) لوضوح أنَّ الثواب لا يترتّب على مجرّد التصديق الباطني من دون الإقرار الظاهري ولعلّ قوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) (2) إشارة إلى ذلك.

ثمّ إنّه يظهر من جميع ما تقدّم أنّ الكفر في النصوص قد يطلق ويراد به عدم الإسلام بالمعنى الأوّل فيشمل أصحاب الديانات الأخرى والمشركين والمرتدّين عن الإسلام.

وقد يطلق ويراد به عدم الإسلام بالمعنى الثاني فيشمل كلّ من لم يعتقد بالعقائد الحقّة والأصول الخمسة وإن كان معدوداً من الفرق الإسلامية ، وقد استعمل في كلا المعنيين في النصوص الشرعية كثيراً.

والمعنى الأول للكفر هو المراد في هذا البحث فيقع الكلام في أنّ منكر ضروري الدين هل يحكم بكفره وخروجه عن الإسلام أو لا؟

ثم إنّ هذا البحث يقع في فصول : 4.

ص: 104


1- الكافي 2 / 24 ح 1.
2- سورة النمل 27 : 14.

الفصل الأوّل

معنى الضروري في كلمات فقهائنا

لا يخفى أنّ هذا العنوان لم يرد في شيء من الأدلّة - كما سيظهر من خلال البحث - ، كما أنّه لم يرد في كلمات المتقدّمين من الفقهاء.

نعم ورد في كلمات المتأخّرين منهم كالمحقّق والعلاّمة (1) والشهيدين (2) ومن تأخّر عنهم (3).

قال المحقّق العاملي في مفتاح الكرامة : «ويدخل في الكافر كلّ من أنكر ضروريّاً من ضروريّات الدين قال في التحرير : الكافر كلّ من جحد ما يعلم من الدين ضرورة سواء كانوا حربيّين أو أهل كتاب أو مرتدّين وكذا النواصب والغلاة والخوارج ومثله في الشرايع ونهاية الأحكام والإرشاد والذكرى والتذكرة والروض والروضة والحاشية الميسية وغيرها» (4). ومنه يظهر صحة ما تقدّم من عدم ذكر هذه المسألة في كلمات الفقهاء المتقدّمين وإلاّ لتعرّض لذلك في مفتاح الكرامة كما جرت عادته في كتابه من استقصاء كلمات وآراء جميع الفقهاء الذين يمكن معرفة آرائهم. مضافاً إلى أنّنا راجعنا ما أمكن مراجعته من كتب فقهائنا القدماء فلم نجد لهذه المسألة ذكراً فيها.

وقال المحقّق في الشرايع : «الكافر وضابطه من خرج عن الإسلام أو 5.

ص: 105


1- تحرير الأحكام 1/158.
2- ذكرى الشيعة 1 / 115 ، شرح اللمعة 1 / 49.
3- جامع المقاصد 1 / 364 و 404 ، مجمع الفائدة والبرهان 7 / 524.
4- مفتاح الكرامة 1 / 245.

من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة كالخوراج والغلاة» (1).

والكلام يقع تارةً في تحديد معنى الضروري بلحاظ كلمات الفقهاء المتعرّضين لذلك وأخرى بلحاظ الروايات الواردة في المقام.

أمّا كلمات الفقهاء فالذي يظهر من مجموعها أمور :

الأمر الأوّل :

إنّ المراد بالضروري ما يكون ثبوته ضروريّاً بحيث لا يحتاج إلى إقامة دليل وبرهان عليه ، فالشيء إنّما يكون ضروريّاً إذا كان ثبوته في الدين واضحاً وبيّناً على نحو لا يشعر الإنسان أنّه بحاجة إلى إقامة دليل لإثباته مثل أصل وجوب الصلاة والصيام.

الأمر الثاني :

أنّ وصول الشيء إلى حدّ الضرورة بهذا المعنى لا يكون دفعة واحدة فإنّ كل ما ينسب إلى الدين لا بدّ في البداية أن يدلَّ دليل على ثبوته ، ولولا ذلك الدليل لما امكننا معرفة ثبوت ذلك بشيء في الدين ، وفي هذه المرحلة (مرحلة أصل الثبوت) لا يتميّز الضروري عن غيره بمعنى أنّ الجميع يحتاج ثبوته في الدين إلى دليل وبرهان ، وإنّما يفترق الضروري عن غيره في المراحل اللاحقة فتكتسب بعض الأمور الدينية صفة الضرورة لأسباب عديدة منها :3.

ص: 106


1- شرايع الإسلام 1 / 53.

اهتمام الشارع به اهتماماً كبيراً يظهر من خلال التأكيد عليه.

قيام الأدلّة الواضحة عليه (القرآن ، السنّة) من جهة السند والدلالة.

دلالة الأدلّة على كون الشيء من ركائز الدين وشعائره وأنّ المسلم لا يكون مسلماً إلا إذا اعترف به وأقرَّ به.

اتفاق الأدلّة وعدم وجود المعارض.

اتفاق آراء العلماء وعدم وجود مخالف.

اتساع دائرة نشر المعارف الدينية والترويج لها بمختلف الوسائل وشيوعها بين المسلمين .... الخ.

وهذه الأمور كلاًّ أو بعضاً توجب ارتكاز الثبوت في أذهان المسلمين بحيث يصير الشيء ضروري الثبوت عندهم ولا يحتاج إثبات كونه من الدين إلى أي برهان ودليل وإن لم يكن كذلك سابقاً.

وهذا ما يفسّر لنا ظاهرة أنّ بعض الأمور الضرورية في زمان الأئمة عليهم السلام لم تكن كذلك في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّ زمانه زمان بيان هذه المعارف وتعليمها للمسلمين ومن هذه المرحلة لا تصل هذه المعارف غالباً إلى حدّ الضرورة.

نعم بمرور الزمان وتقادم العهد تترسّخ بعض هذه المعارف في أذهان المتشرّعة لأسباب عديدة حتى تصل إلى ذلك الحدّ ، وهذا يكون عادة في زمان الأئمة عليهم السلام ، بل يمكن فرض أنّ بعض الضروريّات في هذا الزمان قد لا تكون كذلك في زمان الأئمة عليهم السلام ، فضلاً عن زمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك إذا لاحظنا أمرين :

1 - كون بيان الأحكام تدريجيّاً.

ص: 107

2 - التقيّة والخوف من بيان بعض المعارف ونشرها.

ثمّ إنّه يظهر مما تقدّم أنّ عكس الأسباب السابقة يمكن أن يكون مؤشّراً على عدم الضرورة فإجمال الأدلّة وإبهامها وتضارب النصوص والأقوال قد تكون علامة على عدم كون الشيء ضروريّاً ومن هذا القبيل مسألة الجبر ومسألة التجسيم وغيرها.

ويتضّح ممّا تقدم :

إنّه يمكن فرض التأثير معكوساً بمعنى أنّ مضىّ الزمان وتقادم الوقت كما يمكن أن يؤثّر في بعض الأمور الدينيّة ويجعلها من الضروريّات فيما إذا اقترن ببعض العوامل السابقة كذلك يمكن فرض أنّ مضيّ الزمان قد يؤثّر في سلب صفة الضرورة عن بعض الأمور الدينية التي عدّت من الضروريّات وهذا يتّبع الظروف السياسية والاجتماعية وغيرها التي تحدث في ذلك الزمان ممّا يؤثّر في انحسار الترويج والتبليغ لتلك المعارف الدينية بل قد يوجب الظرف الخاصّ إنكار بعض المعارف أو إهمالها وعدم ذكرها في الكتب والمحافل وهذا يؤثّر بطبيعة الحال في أصل ضرورة الشيء وبداهته فيصبح الأمر الضروري محتاجاً إلى إثبات وبرهان بل قد يؤدّي في بعض الأحيان إلى التشكيك في أصل ثبوته وإنكاره ، وهذا الأمر طبيعي جدّاً فإنّه في ظلّ تلك الظروف التي يمنع فيها من نشر المعارف الإسلامية إلاّ بالمقدار الذي تسمح به السلطة الحاكمة - وهي لا تسمح عادة إلا بما ينسجم مع أفكارها وعقائدها ويصبّ في تحقيق أغراضها الخاصّة - في ظلّ ذلك ينشأ جيل من المسلمين يتلقّى معلوماته الدينية من السلطة ولا يتحرّك إلاّ في دائرة المسموح به من قبلها ممّا يلقي ظلالاً من الغموض وعدم

ص: 108

الوضوح بالنسبة إلى كثير من الأمور الدينية ويحقّق بالتالي جميع أو بعض ما قلناه.

ولذا ذكر الشيخ الأنصاري قدس سره : «إمكان منع أنّ الولاية من ضروريّات الدين مطلقاً إذ لا يستفاد ذلك من تلك الأخبار الدالّة على أنّه بني الإسلام على خمس (1) ولا يلزم من أهمّيتها في نظر الشارع صيرورتها ضرورية فربّما يتحقّق في الأهمّ من دواعي الاستتار وموانع الانتشار ما لا يتحقّق في غيره» (2) فوصول الشيء إلى حدّ الضرورة لا يرتبط بأهمّيته عند الشارع ولا بقيام الدليل عليه بل بوصوله إلى درجة من وضوح ثبوته في الشريعة بنظر عامّة المسلمين بحيث يشعرون أنّهم ليسوا بحاجة إلى الاستدلال على إثباته وكونه من الدين.

الأمر الثالث :

إنّ ضروريّات الدين أو المذهب ليست على مستوى واحد من البداهة والوضوح وضرورة الثبوت بل هي تختلف في ذلك فإنّ بعض المصاديق قد يكون على درجة عالية من البداهة والضرورة مثل أصل وجوب الصلاة وحرمة شرب الخمر في حين أنّ بعضاً آخر منها لا يكون كذلك وإن كان ضروريّاً مثل المعراج ونفي الحيّز والحدّ عنه سبحانه وتعالى ونحو ذلك ، وهذا الأمر ممّا ينبغي الالتفات إليه عندما يراد إثبات صفة الضرورة لشيء أو سلبها عنه فلا ينبغي المسارعة إلى إنكار ضرورة شيء 3.

ص: 109


1- إشارة إلى الروايات التي تعدّ الولاية من الخمس التي بني عليها الإسلام بل من أهمّها الكافي 2 / 18 باب دعائم الإسلام.
2- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري قدس سره : 353.

لمجرّد مقايسته إلى بعض الضروريّات الواضحة ورؤية عدم كونه في نفس المستوى من البداهة.

الأمر الرابع :

إنّ مفهوم (الضروري) لا يساوق مفهوم (المعلوم) ولا (المجمع عليه) فإنّ المعلوم والمجمع عليه قد لا يكون ضروريّاً مثلاً حرمة الغيبة وحرمة الزواج بالمرأة في العدة ووجوب الوفاء بالشرط في العقود - ونحو ذلك - قد تكون معلومة بل مورد اتفاق العلماء إلاّ أنّها لا تكون ضروريةً بمجرّد ذلك بل تبقى بحاجة إلى إثبات واستدلال.

إلاّ أنّ الكلام يقع في أنّ النسبة بينهما هل هي العموم المطلق أم من وجه؟ وبعبارة أخرى هل يمكن افتراض الضروري غير معلوم ولو عند البعض ولا مجمعاً عليه؟ فإن أمكن ذلك كانت النسبة عموماً من وجه وإلاّ كانت عموماً مطلقاً.

والصحيح :

إنّه لابدّ من تحديد معنى الضروري حتى يمكن الجواب عن السؤال. وفي المقام احتمالات :

1 - إنّ المراد به : ضروري الثبوت عند الجميع.

2 - إنّ المراد به : ضروري الثبوت عند المعظم وعامّة المسلمين.

3 - إنّ المراد به : ضروري الثبوت عند طائفة خاصّة من المسلمين.

ومن الواضح أنّ الضروري على الاحتمال الأوّل يلازم المعلوم والمجمع عليه إذ لا يمكن اِفتراض أن يكون الشيء ضروريّاً بهذا المعنى

ص: 110

ولا يكون معلوماً أو متّفقاً عليه ، بخلافه على الاحتمالين الآخرين حيث يمكن فرض الانفكاك فإنّ كونه ضروري الثبوت عند المعظم أو عند طائفة خاصّة لا ينافي عدم كونه معلوماً عند بعض الناس لشبهة أو نحوها.

والظاهر :

إنّ أصحّ الاحتمالات هو الثاني وذلك لأنَّ العلماء اتفقوا على إمكان إنكار الضروري لعدم العلم به بل لاعتقاد عدم الثبوت لشبهة ونحوها مع بقائه على صفة الضرورة ، واختلفوا في أنّ هذا الإنكار مع عدم العلم هل يوجب الكفر أم لا ، بل ستعرف أنّ هذا هو عمدة البحث في المقام.

وكذا افترضوا الجهل به نتيجة البعد عن مراكز المعرفة والعلم أو لكونه حديث العهد بالإسلام بل يمكن فرض ذلك في بعض المكلّفين أوائل بلوغهم وهكذا وكلّ ذلك يدلّ بوضوح أنّ الضروري عند العلماء لا يساوق المعلوم عند الجميع وأنّه قد لا يكون معلوماً لدى بعض الناس من دون أن يؤثّر ذلك في ضروريّته.

وهذا وإن كان لا يثبت إلا عدم إرادة الاحتمال الأوّل ويبقى الأمر مردّداً بين الاحتمالين الثاني والثالث إلا أنّ الاتفاق على عدم كفر منكر الضروري بالمعنى الثالث يوجب بطلان هذا الاحتمال ولذا لا يحكم بكفر منكر ضروريّات المذهب مع أنّها واصلة إلى حدّ الضرورة في ذلك المذهب.

وبعبارة أخرى :

إنَّ كون الشيء ضروريّاً ليس من الصفات الواقعية الثابتة للشيء في

ص: 111

حدّ نفسه وبقطع النظر عن أي شيء آخر وإنّما هي صفة تنشأ من وضوح ثبوت ذلك الشيء في الشريعة وعدم شعور الإنسان بالحاجة إلى الاستدلال على ثبوته بأدّلة ، ومن الواضح أنّ هذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنظرة الناس إلى ذلك الشيء ووضوحه وشيوع ثبوته شرعاً عندهم فكلّ ما يكون كذلك يكون ضروريّاً واقعاً وإن كان المنكر لا يراه ضروريّاً بل قد ينكر أصل ثبوته في الشريعة ؛ إذاً لا معنى لتوصيف حكم من الأحكام بأنّه ضروري إلا إذا فرض كونه بنظر الناس واصلاً إلى حدّ من الوضوح والشيوع بحيث لا يحتاج إلى إقامة أدلّة على ثبوته ولذا لا معنى لتقسيم الأحكام - بقطع النظر عن وضوح الحكم عند الناس وعدم الاحتياج لإثباته إلى الاستدلال - إلى أحكام ضرورية وغير ضرورية وإنّما يصحّ هذا التقسيم بلحاظ ما ذكرناه من كيفيّة ثبوتها عندهم فبعض الأحكام تصل إلى حدّ الضرورة حسب نظر الناس وبعضها لا يصل إلى هذا الحدّ.

وبناءً على هذا نطرح هذا السؤال : هل يكفي في كون الشيء ضروريّاً كونه كذلك بنظر طائفة خاصّة من المسلمين أو لابدّ أن يكون كذلك بنظر عامّة المسلمين؟

ويكتسب هذا الأمر أهميّةً إذا لاحظنا الواقع الخارجي لطوائف المسلمين حيث ترى بعض الطوائف ثبوت أمور معيّنة ووصولها إلى حدّ الضرورة في حين أنّ باقي الطوائف تخالفها في أصل ثبوت تلك الأمور أو في ضرورتها ، وحينئذ إذا أنكر الإنسان ذلك الأمر مع علمه بكونه ضروريّاً عند تلك الطائفة فهل يحكم عليه بالكفر؟

من الواضح أنّه بناءً على الأوّل - أي أنّ كون الشيء ضروريّاً يكفي فيه أن يكون كذلك بنظر طائفة خاصّة وإن لم يكن كذلك بنظر - عامّة

ص: 112

المسلمين - يتعيّن الحكم بكفر هذا المنكر وخروجه عن الإسلام لأنّه أنكر أمراً ضروريّاً مع علمه بذلك بخلافه على الثاني.

ولا يخفى عدم إمكان الالتزام بالأول لوضوح بطلان لازمه وهو تكفير سائر طوائف المسلمين الّذين ينكرون بعض ما هو ضروري الثبوت عند طائفة خاصة ، ولذا اتفقت كلمات علمائنا رضي الله عنه (1) على أنّ إنكار بعض ضروريّات المذهب لا يوجب الخروج عن الإسلام مع أنّه بناءً على الأوّل ينبغي الحكم بكفر المنكر لذلك.

وهذا دليل واضح على صحّة الفرض الثاني وأنّ الضروري الذي يكون إنكاره موجباً للكفر هو ما يكون كذلك عند عامّة المسلمين لا عند طائفة منهم.

وعليه فالظاهر من كلمات الفقهاء أنّ النسبة بينهما عموم من وجه.

ومنه يظهرُ :

إنّه لا بدّ من إضافة قيد إلى التعريف السابق للضروري فيقال هو : (ما يكون ضروري الثبوت عند عامّة الناس) بحيث يعرف ذلك - في الظروف الاعتيادية - كلّ من عايش الدين وتلبّس به وإن لم يكن من أهل الاختصاص في علوم الشريعة.

وأمّا إذا كان ضروري الثبوت عند طائفة خاصّة فلا يعدُّ من ضروريّات الدين بل من ضروريّات المذهب إذا كان ضروريّاً عند عامّة أهل ذلك المذهب. ولعلَّ منه وجوب الخمس في فاضل المؤنة وإباحة الزواج 6.

ص: 113


1- بُلغة الفقيه 4 / 196 ، كتاب الطهارة للسيّد الخوئي 2 / 86.

المنقطع ونحو ذلك فإنّها وإنْ كانت ضرورية الثبوت بمعنى عدم الحاجة إلى إقامة دليل عليها إلاّ أنّها ليست من ضروريّات الدين التي تترتّب عليها الأحكام الآتية.

والحاصل :

إنّ الضروريّات هي الأمور الواضحة الثبوت في الدين أو المذهب عند عامّة أهل ذلك الدين أو المذهب بحيث يعرف ذلك الإنسان العادي المنتمي إلى ذلك الدين أو المذهب فضلاً عن المتخصّص في علوم الشريعة فالضروريّات متقوّمة بأمرين :

1 - أن تكون ضرورية الثبوت بالمعنى المتقدّم.

2 - أن تكون كذلك عند عامّة الناس لا عند طبقة خاصّة منهم.

الأمر الخامس :

الظاهر عدم الفرق في الضروريّات بين الأحكام الفرعية وبين الأمور الاعتقادية فإنّ كلاًّ منهما إذا وصل إلى حدّ الضرورة بالمعنى المتقدّم دخل في محلّ البحث.

نعم بعض المسائل الاعتقادية معتبرة في الإسلام بحيث يكون عدم الإقرار بها مطلقاً موجباً للكفر مثل التوحيد والرسالة وهي خارجة عن محلّ الكلام إذ لا إشكال في كون منكرها كافراً سواء كان عالماً أم جاهلاً وسواء أنكرها لشبهة أم لا. وهكذا مسألة المعاد بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الإقرار به معتبر في الإسلام وأنّها من المسائل التي يجب تحصيل الاعتقاد والإذعان بها وجوباً مطلقاً لا معلّقاً على حصول العلم والمعرفة.

ص: 114

نعم بناءً على الرأي الآخر - الذي يرى أنّها ليست معتبرة في حقيقة الإسلام - يدخل المعاد في الضروريات ويشمله البحث الآتي.

ويظهر من جميع ما تقدّم :

إنّ الضروري له معنى واحد سواء أريد به ضروري الدين أو ضروري المذهب وان كانا يختلفان في دائرة الثبوت فالأوّل دائرته الدين ويراد به الأمور الدينية الثابتة عند عامة المسلمين ، في حين أنّ الثاني دائرته المذهب ويراد به الأمور التي تعتبر من مختصاته مثل حلّية المتعة ووجوب الخمس في فاضل المؤونة ونحو ذلك.

كما أنّهما يختلفان بلحاظ الآثار الشرعية المترتّبة على إنكار الضروري كما سيأتي.

معنى الضروري بلحاظ الروايات :

قد عرفت أنّ عنوان (الضروري) لم يرد فيها أصلاً ، نعم ورد عنوان (الفرائض) و (الكبائر) وأن من جحدها كان كافراً ، وتعرّضت بعض الروايات إلى ذكر بعض المصاديق مثل الصوم والحجّ وسيأتي مفصّلاً استعراض هذه الروايات.

والظاهر :

إنّ ما يستفاد من هذه الروايات في مقام تحديد معنى (الضروري) - الذي يحكم بكفر منكره- لا يختلف عمّا استفيد سابقاً من كلمات الفقهاء إذ لا يبعد أنّ ذكر (الفرائض) و (الكبائر) في تلك الروايات إنّما هو باعتبارها

ص: 115

من مصاديق مفهوم (الضروري) لأنّ المراد بالفرائض الواجبات الإلهية العبادية التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده مثل الحجّ والصلاة والصوم والزكاة ونحو ذلك ومن الواضح أنّ نظر الروايات إلى أصل ثبوت هذه الفرائض في مقام الحكم بكفر منكرها ولا شكّ أنّ أصل ثبوتها - وبقطع النظر عن تفاصيلها - من الأمور الضرورية التي لا تحتاج إلى إقامة دليل.

وهكذا الحال في الكبائر فإنّها عبارة عن المحرّمات التي نصّ وتوعّد عليها في الكتاب الكريم أو السّنة القطعية ولا يبعد أنّ ذلك يستوجب وصولها إلى حدّ الضرورة في الغالب بحيث يكون إنكار أصل حرمتها إنكاراً لضروري من ضروريات الدّين مثل حرمة شرب الخمر والزنا وقتل المسلم ونحو ذلك.

نعم بعض هذه الأخبار مطلقة بمعنى أنّها تدلّ على كفر الجاحد لكلّ ما ثبت في الدين وإن لم يكن من الضروريّات مثل رواية عبد الرحيم القصير حيث ورد فيها : «ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال أن يقول للحلال : هذا حرام ، وللحرام : هذا حلال ودان بذلك ...» (1) فإنّ مقتضى إطلاقها أنّ إنكار حلّية كلّ حلال وحرمة كلّ حرام يوجب الكفر وإن لم يكن ضرورياً وسيأتي التعرّض إلى هذه الرواية في الفصل الثالث وسيظهر لك عدم صحة الرواية سنداً ودلالة. 1.

ص: 116


1- الكافي 27 / 2 ح 1.

الفصل الثاني

أقسام منكر الضروري

ويمكن تقسيمه إلى أقسام رئيسية :

الأوّل : منكر الضروري مع علمه بثبوته في الدّين أو المذهب.

الثاني : منكر الضروري مع جهله بذلك جهلاً بسيطاً.

الثالث : منكر الضروري مع اعتقاده أنّه ليس من الدّين لشبهة ونحوها (الجاهل المركّب).

الرابع : منكر الضروري مع اشتباه حاله عندنا من حيث أنّه عالم بثبوت ما أنكره في الدّين أو جاهل بذلك.

أمّا القسم الأوّل فهو خارج عن محلّ النزاع والبحث جزماً للاتفاق على كفره لرجوع إنكاره - مع فرض علمه بثبوت ما أنكره في الدّين - إلى إنكار الرسالة وتكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يوجب الكفر بلا خلاف.

وأمّا القسم الثاني والثالث فهو داخل في محلّ النزاع فهل يحكم بكفر المنكر في هذين القسمين أو لا يحكم بكفره أو يفصّل فيحكم بكفر المنكر في القسم الثالث دون المنكر في القسم الثاني؟ وسيتّضح الجواب عن ذلك من خلال البحث.

وأمّا القسم الرابع فلا بحث فيه إذا قلنا بكفر المنكر في القسمين الثاني والثالث فضلاً عن الأوّل لأنّه لا يخرج عن أحد هذه الأقسام.

وأمّا إذا قلنا بعدم كفر المنكر في القسمين الثاني والثالث أو قلنا بالتفصيل بينهما فيقع البحث في هذا القسم في أنّه هل يمكن فرض الجهل في حقه أو لا؟ فإن أمكن ذلك فلا موجب للحكم بكفره إذ لم يثبت ما

ص: 117

يوجب كفره وهو الإنكار مع العلم أو مع الجهل الموجب للكفر والمفروض أنّه يتشهّد الشهادتين ويقرُّ بالأصول الأساسية للدّين ، ومثاله الواضح حديث العهد بالإسلام ومن يعيش بعيداً عن بلاد الإسلام.

وإن لم يمكن ذلك في حقّه بحيث يحصل لنا الاطمئنان بحسب العادة بكونه عالماً فلا يبعد الحكم بكفره حينئذ ،ومثاله المسلم الذي نشأ من صغره في بيئة إسلامية فإنّ العادة قاضية في مثله بعدم خفاء أساسيّات الدين وضرورياته عليه ، فإنكاره - مع فرض عدم الشبهة - يكون لا محالة إنكاراً مع العلم ، مستلزماً لتكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومثله من ينكر بعض ضروريّات المذهب إذا كان من أهل المذهب ويعيش معهم فإنَّ إنكاره - مع عدم الشبهة - يستلزم التكذيب وبالتالي الكفر لظهور حاله في علمه بأنّ ما أنكره ممّا ثبت من الدين وهو يوجب الكفر لا محالة.

ص: 118

الفصل الثالث

الأقوال في المسألة

القول الأوّل :

ما نسب إلى المشهور من الحكم بكفر منكر ضروري الدّين وإن كان جاهلاً بثبوته في الدّين بل وإن كان معتقداً عدم ثبوته لشبهة ونحوها.

ومعنى هذا القول :

إنّ إنكار الضروري سبب مستقلّ للكفر كإنكار التوحيد والنبوّة من أصول الدّين حيث أنّ إنكارهما يوجب الكفر مطلقاً ولا يختصّ بصورة العلم.

ومن الواضح :

إنّ كونه سبباً مستقلاًّ لا يصحّ إلاّ بافتراض أخذه قيداً في حقيقة الإسلام حتّى يكون إنكاره مطلقاً إنكاراً للإسلام وكفراً به كما هو الحال في التوحيد والنبوّة.

نعم يفترق عنهما في أنّ اعتبارهما في الإسلام ممّا لا شكّ فيه بل حقيقة الإسلام عبارة عن الإقرار والاعتراف بهما بخلاف الضروري فإنّ اعتباره في حقيقة الإسلام يحتاج إلى دليل وتعبّد من الشارع ، ومن هنا يحتاج هذا القول إلى إقامة أدلّة وبراهين عليه.

قال في مفتاح الكرامة : «وهنا كلام في أنّ جحود الضروري كفر في

ص: 119

نفسه أو يكشف عن إنكار النبوّة مثلاً؟ ظاهرهم الأوّل» (1) والاستظهار المذكور ينشأ من أمور :

1 - إطلاق كلامهم في كفر منكر الضروري الشامل لصورة عدم العلم والاطلاع.

2 - ذكرهم منكر الضروري معطوفاً على من خرج عن الإسلام قال في الشرايع : «الكافر وضابطه من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدّين ضرورة» (2) وظاهره المغايرة وأنَّ إنكار الضروري سبب مستقلّ للكفر وليس لرجوعه إلى إنكار الرسالة وإلاّ لدخل في عنوان من خرج عن الإسلام ، ونحو ذلك عبارات التحرير ونهاية الأحكام والإرشاد والذكرى والروضة والبيان وغيرها.

3 - تمثيلهم له بالخوارج - كما في الشرايع وغيرها - مع أنّهم لا يعلمون بأنّ ما أنكروه من الدّين بل الظاهر أنّ أكثرهم يعتقد أنّه ليس من الدّين.

ثمّ إنّ هذا القول يمكن أن يفسّر بتفسيرين :

التفسير الأوّل : إنّ إنكار الأمور الضرورية في حدّ نفسه يوجب الكفر مطلقاً أي وإن كان المنكر لا يعلم كونها كذلك عند أهل الدّين كما إذا كان حديث العهد بالإسلام.

وهذا التعميم بالإضافة إلى التعميم السابق لحالة العلم بثبوت ذلك الشيء في الشريعة وحالة الجهل بذلك - جهلاً بسيطاً أو مركّباً - يعني أنّ 3.

ص: 120


1- مفتاح الكرامة 1 / 246.
2- شرايع الإسلام 1 / 53.

إنكار الضروري كإنكار التوحيد والرسالة حيث لا إشكال في خروج المنكر لهما عن حدّ الإسلام سواء كان عالماً بثبوتها أم كان جاهلاً جهلاً بسيطاً أو معتقداً بخلافهما وسواء كان عالماً بكونها من الأمور الواضحة عند المسلمين أم لا.

وبعبارة أخرى :

إنّ منكر الرسالة مثلاً يحكم بخروجه عن الإسلام من دون أن ينظر إلى حاله من حيث كونه عالماً أم جاهلاً أنكر لشبهة أم لا ... الخ. وهكذا الحال في منكر الضروري بناء على هذا التفسير ، وهذا القول بهذا التفسير نسميه بالسببية المطلقة لان انكر الضروري يكون - بناء عليه - سبباً للكفر مطلقاً.

التفسير الثاني : إنّ إنكار الأمور الضرورية في حدّ نفسه يوجب الكفر في حالات العلم بثبوتها والجهل البسيط والجهل المركب لكن مع تقييد ذلك بما إذا كان المنكر يعلم بكونها ضرورية عند أهل الدّين وعامّة المسلمين ونسمي هذا التفسير بالسببية المقيدة ، وبهذا القيد يختلف المقام عن أصل التوحيد والرسالة.

ويظهر الفرق العملي بين التفسيرين في حديث العهد بالإسلام وفي المسلم الذي يعيش في بلاد بعيدة عن العالم الإسلامي فإنّ مثل هذا إذا أنكر بعض الضروريّات يكون إنكاره عادةً مقروناً بعدم إطلاعه على كون ذلك الشيء ضرورياً عند المسلمين وحينئذ على التفسير الأول يحكم بكفره بخلافه على الثاني.

ص: 121

والظاهر :

إنّ ما ذهب إليه المشهور هو التفسير الثاني لا الأوّل وذلك لقرائن منها :

إنّ المعروف بين المحقّقين عدم كفر المنكر للضروري إذا كان حديث العهد بالإسلام ، أو كان بعيداً عن دار الإسلام (1).

عدم وجود أي دليل يصحّ الاستدلال به على هذا الرأي ، كما سيتّضح من خلال استعراض أدّلة هذا القول.

ظهور كلمات بعض الفقهاء في هذا التفسير مثل العلاّمة في القواعد حيث قال في كتاب الحدود : «وهو - الارتداد - يحصل إمّا بالفعل ... وإمّا بالقول كاللفظ الدال بصريحه على جحد ما علم ثبوته من دين الإسلام ضرورة أو على اعتقاد ما يحرم اعتقاده بالضرورة من دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)سواء كان القول عناداً أو اعتقاداً أو استهزاءً» (2) فإنّ الجمع بين كون الارتداد هو القول الدال على جحد ما علم ثبوته من دين الإسلام ضرورة مع تعميمه - كما في ذيل العبارة - لما إذا كان ذلك القول اعتقاداً ، لا يمكن إلا بإرادة هذا التفسير في صورة الاعتقاد فيراد من قوله : (جحد ما علم ثبوته) ما علم في الجملة ومن قبل الغير لا ما علم من قبل نفس الجاحد لأنّه مع علمه بثبوت ما جحده في الدّين يستحيل أن يعتقد عدم ثبوته.

ومثل الفاضل الهندي في كشف اللثام فإنَّه قال : «.. والمجسّمة وكلّ 5.

ص: 122


1- مصباح الفقيه 7 / 275 ، جواهر الكلام 6 / 46.
2- القواعد 23 / 435.

من أنكر ضروريّاً من ضروريّات الدين مع علمه بأنّه من ضروريّاته ...» (1) فإنّ هذا التعبير قد يفهم منه التفسير الثاني أي أنّ إنكار الضروري إنّما يوجب الكفر مع علم المنكر بأنّه ضروري عند عامّة المسلمين وإن لم يكن كذلك عنده في قبال ما إذا أنكر ما يكون كذلك مع عدم علمه بأنَّه من ضروريّات الدين.

واحتمال أن يكون إشارة إلى القول الثالث - الآتي - فهو بعيد جدّاً إذ لا يشترط في الحكم بالكفر بناء عليه أن يعلم بأنّ ما أنكره من ضروريّات الدين بل يكفي علمه بأنّه من الدين وإن كان عالماً بعدم كونه ضروريّاً عند المسلمين.

والحاصل :

إنّ ظاهر هذه العبارات ونحوها من عبارات الفقهاء هو أنّ كلّ أمر يعلم جماعة المسلمين ثبوته في الدّين - بحيث يصبح ثبوته في الدّين معلوماً لديهم - فإنكاره يعتبر كفراً وارتداداً مع علم المنكر بذلك وإن كان يعتقد عدم ثبوته لشبهة ونحوها.

ويؤيّد ذلك قراءة الفعل (يعلم) في قولهم : «وجحد ما يعلم من الدّين ضرورة» - كما في الشرايع وغيرها - مبنيّاً للمجهول حيث يشير ذلك إلى كون المناط في الحكم بالكفر هو معلومية كون الشيء من ضروريّات الدين سواء كان كذلك عند المنكر أم لا كما إذا كان شاكّاً أو معتقداً بالعدم. 8.

ص: 123


1- كشف اللثام 1 / 48.

ويتلخّص من جميع ما تقدّم :

إنّ المشهور يرى أنّ إنكار ما هو ضروري عند عامّة المسلمين يوجب الكفر والخروج من الإسلام إمّا مطلقاً وهو التفسير الأوّل لقول المشهور الذي عبّرنا عنه بالسببيّة المطلقة وإمّا مقيّداً بالعلم والاطلاع على كونه ضروريّاً عندهم وهو التفسير الثاني الذي عبّرنا عنه بالسببيّة المقيّدة.

ولا فرق في الحكم بالكفر على كلا التفسيرين بين حالة علم المنكر بثبوت ذلك في الدين وبين حالة جهله بذلك جهلاً بسيطاً وبين حالة جهله بذلك جهلاً مركّباً كأصحاب الشبهة والمعتقدين بالخلاف.

وقد أشار الشيخ صاحب الجواهر إلى ذلك حين فسّر قول المشهور بما ذكر في التفسير الثاني فإنّه قال بعد كلام له : «فالحاصل أنّه متى كان الحكم المنكَر في حدّ ذاته ضرورياً من ضروريّات الدّين ثبت الكفر بإنكاره ممّن اطّلع على ضرورته عند أهل الدّين» (30).

ثمّ إنّ الأمور الثلاثة المتقدّمة التي استظهر منها ذهاب المشهور إلى القول الأوّل تنسجم مع التفسير الثاني أيضاً بل هو الظاهر منها.

أمّا الأوّل :

فلأنّ إطلاق كلامهم محمول على المنكر الذي يعيش الإسلام ويتلبّس به ويعاشر المسلمين ومن الواضح إنّه يفترض في مثله الإطلاع على أساسيّات الدين وضروريّاته عند المسلمين فإذا أنكر ذلك كان كافراً 9.

ص: 124

لتحقّق المناط السابق فيه وإن لم يعتقد بكونه كذلك. والحكم بكفر مثل هذا المنكر لا يعني السببية المطلقه وذهاب المشهور إلى القول الأوّل.

وأمّا الثاني :

فلأنّ المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه محفوظة على فرض إرادة السببية المقيدة أيضاً - التفسير الثاني - لأنّ إنكار الضروري - مع الاطلاع على كونه ضروريّاً عند أهل الدين - سبب مستقلّ للكفر وليس راجعاً إلى إنكار الرسالة حتى لا يظهر فرق بينهما.

وأمّا الثالث :

فلأنّ التمثيل بالخوارج ينسجم مع افتراض السببية المقيّدة أيضاً لإمكان افتراض أنّهم يعلمون أنّ ما أنكروه يعدّ عند المسلمين من ضروريّات الدّين وإن كانوا لا يرونه كذلك.

نعم هو لا ينسجم مع الأمارية (القول الثالث الآتي) كما لا يخفى.

أدلّة القول الأوّل :

هذا وقد استدلّ للقول المشهور بأمور :

الدليل الأوّل :

إنّ الحكم بكفر منكر الضروري لو لم يكن على نحو السببيّة لزم إلغاء خصوصيّة العنوان (الضروري) إذ لا فرق حينئذ بينه وبين كلّ ما كان من الدين وإن لم يكن ضروريّاً فإنّ إنكاره مع العلم يوجب الكفر أيضاً

ص: 125

لاستلزامه إنكار الرسالة ، بل يجري ذلك حتّى في الموضوعات الخارجية التي أخبر بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كقوله : «استرضعت من بني سعد» مثلاً فإنّه مع العلم بذلك يكون المنكر كافراً لرجوعه إلى تكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه فلا خصوصيّة للضروري بناء على الأمارية والطريقيّة.

وفيه :

أوّلاً : ما عرفت من أنّ عنوان الضروري لم يرد في شيء من الأدلّة وإنّما ورد في كلمات الفقهاء المتأخّرين ومن المحتمل أنّ خصوصية العنوان باعتبار ملازمته للعلم بأنّه من الدين ولو بحكم العادة والغلبة فإنّ أساسيّات الدين وركائزه تكون معلومة الثبوت عادةً بحيث يكون افتراض الجهل وعدم الإطلاع فيها نادراً جدّاً كما في حديث العهد بالإسلام أو البعيد عن البلاد الإسلامية وقد استثناها الفقهاء ولم يحكموا بكفر المنكر في هذه الموارد.

ثانياً : إنّ ما ذكر وحده لا يكفي لإثبات القول المشهور بالتفسير الأوّل لإمكان الالتزام بالسببيّة المقيّدة بالمعنى السابق مع المحافظة على خصوصيّة العنوان فيحكم بكفر منكر الضروري فقط مع افتراض إطلاعه على كونه ضروريّاً عند عامّة المسلمين ، فيختصّ الحكم بالكفر بإنكار الضروري ولو مع عدم العلم ولا يشمل إنكار سائر ما ثبت في الدين إلا مع العلم.

الدليل الثاني :

إنّ هذا القول هو مقتضى التمثيل لمنكر الضروري بالخوارج والنواصب وأمثالهم حيث أنّ الحكم بكفرهم لا يمكن أن يكون لأجل كشفه

ص: 126

عن تكذيب الرسالة لأنّا نعلم أنّ هؤلاء يؤمنون بالرسول والرسالة فلابدّ أن يكون الحكم بكفرهم مبنيّاً على القول الأوّل.

وفيه :

إنّ التمثيل المذكور لم يرد في الروايات أصلاً وإنّما ورد في كلمات بعض الفقهاء ، ومن الواضح أنّ ذلك لا يكون حجّة في مقام الاستدلال لأنّه لا يزيد على ذهاب بعض الفقهاء إلى السببيّة المطلقة وهو ليس حجّة كما لا يخفى.

نعم ورد في بعض الروايات ما يشير إلى الحكم بكفرهم مثل معتبرة الفضيل قال : «دخلت على أبي جعفر عليه السلام وعنده رجل فلمّا قعدت قام الرجل فخرج فقال لي : يا فضيل ما هذا عندك؟ قلت : وما هو؟ قال : حرورىّ قلت : كافر؟ قال : إي والله مشرك» (1). ونحوها غيرها ، إلا أن ذلك لا يصلح دليلاً على التفسير الأوّل إذ يمكن أن يفسّر على أساس السببيّة المقيّدة باعتبار إنكارهم ما هو ضروري عند عامّة المسلمين من لزوم ولاية أهل البيت عليهم السلام بالمعنى الأعم من دون أن يرجع ذلك إلى تكذيب الرسالة وسيأتي مزيد توضيح لذلك.

الدليل الثالث :

الروايات وهي على طوائف : 4.

ص: 127


1- الكافي 2 / 387 ح 14.

الطائفة الأولى من الروايات :

ما دلَّ على أنّ إنكار مطلق الشيء الثابت - ولو كان أمراً تكوينيّاً - يوجب الكفر مع اتخاذه ديناً مثل صحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام قال : «سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركاً قال : «فقال : من قال للنواة : إنّها حصاة ، وللحصاة : إنّها نواة ، ثمّ دان به» (1) ومفادها أنّ التديّن بغير الواقع والالتزام به شرك.

وفيه :

أوّلاً : إنّها مطلقة تشمل الضروري وغيره بل موردها غير الضروري ولا يمكن الالتزام بذلك.

ثانياً : إنّ الظاهر منها حرمة التشريع أي التديّن بشيء مع عدم العلم بثبوته في الدين ، أو مع العلم بعدم ثبوته ، ولا شكّ في حرمة ذلك إلاّ أنّه لا يوجب الكفر والشرك وعليه فلابدّ من حملها على التوسعة في معنى الشرك وأنّه ذو مراتب وأنّ التشريع هو أدنى مراتبه نضير ما ورد في المرائي من أنّه مشرك. وبعبارة أخرى أنّ إطلاق الشرك في المقام باعتبار أنّه أشرك مع الله غيره في مقام ينفرد به سبحانه وتعالى وهو مقام التشريع فلا يراد به الشرك الموجب للكفر.

الطائفة الثانية من الروايات :

ما دلّ على كفر من جحد الفرائض أو مطلق الحكم الشرعي مثل : 1.

ص: 128


1- الكافي 2 / 397 ح 1.

صحيحة الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : من شهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مؤمناً؟ قال : فأين فرائض الله؟ قال : وسمعته يقول : كان علي عليه السلام يقول : لو كان الإيمان كلاماً لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام. قال : وقلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ عندنا قوماً يقولون : إذا شهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول الله فهو مؤمن ، قال : فلم يُضربون الحدود ولم تقطع أيديهم؟ ..... : ثم قال : فما بال من جحد الفرائض كان كافراً؟» (1).

وهي ظاهرة في كفر من جحد الفرائض الإلهيّة وأنّ الالتزام والتديّن بها أُخذ في الإيمان الذي يراد به الإسلام في هذه الرواية بقرينة الحكم بكفر من جحد الفرائض في ذيلها ، بل ظاهر الذيل أنّ كفر جاحد الفرائض أمر مسلّم ومفروغ عنه.

والفرائض في الرواية يراد بها ما كان مثل الصلاة والصوم والحجّ ممّا يساوق افتراض كونها من الضروريّات لأنّها أضيفت إلى الله أي ما فرضها الله سبحانه في كتابه في مقابل ما فرضه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يذكر في الكتاب كما هو ظاهر رواية داود الرقي الآتية ، ومن الواضح أنّ هذا يساوق كونه ضروريّاً ومقتضى الإطلاق أنّه كذلك سواء كان عالماً أم جاهلاً أم مشتبهاً وهذا يلازم القول بالسببيّة.

كما أنّه قد يدّعى الظاهر صحّة الرواية سنداً وإن كان فيها (محمد بن الفضيل) لأنّه ثقة سواء أريد به محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة - كما احتمله صاحب جامع الرواة - أو أريد به محمد بن الفضيل الأزدي 2.

ص: 129


1- الكافي 2 / 33 ح 2.

الصيرفي الموثّق برواية صفوان بن يحيى والبزنطي عنه بسند صحيح (1) وكذا عدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام الّذين يؤخذ منهم الحلال والحرام ولا يطعن عليهم بشيء ... إلى آخر ما ذكره (2).

ومثل رواية عبد الرحيم القصير حيث ورد فيها قوله عليه السلام : «فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي - أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عزّ وجلّ عنها - كان خارجاً من الإيمان ساقطاً منه اسم الإيمان وثابتاً عليه اسم الإسلام ، فإن تاب واستغفر عاد إلى دار الإيمان ، ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال أن يقول للحلال : هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك ، فعندها يكون خارجاً من الإسلام والإيمان داخلاً في الكفر» (3).

وهي صريحة في كفر من يجحد الحلال أو الحرام ويدين به فتشمل محل الكلام بالإطلاق بل هو القدر المتيقّن منها.

نعم الظاهر عدم تماميّة الرواية سنداً - وإن عبّر بعضهم عنها بالصحيحة - وذلك لأنّ عبد الرحيم القصير مشترك بين شخصين أحدهما عبد الرحيم بن روح القصير الأسدي والآخر عبد الرحيم بن عتيك القصير ، والثاني لم تثبت وثاقته والأوّل يمكن توثيقه باعتبار رواية ابن أبي عمير عنه بطريق صحيح فقد ورد ذلك في تفسير علي بن إبراهيم القمّي في تفسير قوله تعالى : (ن والقلم) ، وهو وإن ورد بعنوان (عبد الرحيم القصير) (4) ئر

ص: 130


1- الفقيه 3 / 31 ح 29 ، الكافي ج 1 باب العرش والكرسي ح 6.
2- الرسالة العددية(الرد على أهل العدد والرؤية) : 25 - 31.
3- الكافي 2 / 27 ح 1.
4- الموجود في التفسير المطبوع(عبدالرحمن القصير) والظاهر أنّه اشتباه بقرينة سائر

إلا أنّ الظاهر أنّ المراد به الأوّل لانصراف الإطلاق إليه لكونه المعروف في كتب الرجال وفي الروايات دون الثاني.

فإن قلت : إذا كان الأمر كذلك فليحمل في روايتنا على عبد الرحيم ابن روح الثقة لأنّه ورد فيها بهذا العنوان أيضاً (عبد الرحيم القصير).

قلت : توجد في خصوص هذه الرواية قرينة تمنع من ذلك وهي أنّ نفس الشيخ الكليني - الذي روى هذه الرواية بسنده عن عبد الرحيم القصير - روى رواية أخرى في باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى بنفس السند السابق (1) مع التصريح بأنّ عبد الرحيم فيها هو ابن عتيك القصير ، وكلّ من الروايتين مكاتبة عن طريق عبد الملك بن أعين ، ولذا من القريب جدّاً أن تكونا رواية واحدة ورد فيها سؤالان أو أكثر ثمّ قطعت وأدرج كلّ منهما في بابه المختصّ به.

وهذه القرينة إن لم نستظهر منها كون المراد بعبد الرحيم في روايتنا هذه ابن عتيك فلا أقلّ من الإجمال على نحو يمنع من حمله على عبد الرحيم بن روح الموثّق.

هذا مضافاً إلى أنّ ظاهر الرواية النظر إلى التشريع المحرّم وذلك بقرينة قوله : «إلا الجحود والاستحلال» وقوله : «ودان بذلك» فإنّ هذه التعابير ظاهرة في اتخاذ الشيء ديناً مثلاً الحرام شرعاً إذا أنكر حرمته وقال : 1.

ص: 131


1- إنّ السند في كلّ من الروايتين :(علي بن إبراهيم عن العبّاس بن معروف عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن حمّاد بن عثمان عن عبد الرحيم القصير) وصرّح في سند الثانية بأنّه ابن عتيك ، الكافي 1 / 100 ح 1.

إنّه حلال واتخذ حلّيته ديناً حينئذ يكون كافراً ، ومن الواضح أنّ هذا غير محلّ الكلام الذي هو إنكار الضروري من دون فرض التديّن بذلك.

ولا يبعد أنّ الرواية ناظرة إلى صورة العلم بثبوت الحرام أو الحلال شرعاً ومعه يكون إنكاره مع التديّن بضدّه موجباً للكفر بلا كلام.

ومثل رواية داود بن كثير الرقّي قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : سُنن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفرائض الله عزّ وجلّ فقال : إنّ الله عزّ وجلّ فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً ...» (1).

والاستدلال بها هو نفس ما تقدّم في صحيحة الكناني لاتحادهما في المضمون.

نعم هناك كلام في صحّة الرواية سنداً للاختلاف في وثاقة داود بن كثير حيث ضعّفه النجاشي وابن الغضائري في حين وثّقه الشيخان المفيد والطوسي وغيرهما ، والأصحّ قبول روايته وعليه فالرواية معتبرة.

هذه عمدة روايات الطائفة الثانية وقد عرفت تماميّة بعضها سنداً فلا مجال للمناقشة فيها من هذه الجهة.

نعم نوقش في دلالتها بأنّ موضوع الحكم بالكفر فيها هو الجحود وهو عبارة عن الإنكار مع العلم بالحال ، ولا كلام في الحكم بالكفر حينئذ لأنّ إنكار أىَّ حكم شرعي مع العلم بثبوته في الشريعة يستلزم تكذيب الرسالة والرسول وهو موجب للكفر جزماً إلا أنّه خارج عن محلّ الكلام إذ عرفت أنّ الكلام في كفر منكر الضروري مع فرض عدم العلم بثبوته شرعاً. 1.

ص: 132


1- الكافي 2 / 383 ح 1.

ويدلّ على اختصاص الجحود بصورة العلم بالحال أمور :

الأمر الأوّل : كلّمات أهل اللغة :

قال ابن فارس : «ومن هذا الباب الجحود وهو ضدّ الإقرار ولا يكون إلا مع علم الجاحد به أنّه صحيح» (1).

وقال في الصحاح : «الجحود الإنكار مع العلم» (2).

وقال في القاموس : «جحده حقّه وبحقّه - كمنعه - جحداً وجحوداً أنكره مع علمه» (3).

وقال الراغب : «الجحود نفي ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه» (4).

الأمر الثاني : قوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ) (5)حيث تدلّ على أنّ الجحود يكون مع اليقين والعلم.

ونظيره قوله تعالى : (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (6).9.

ص: 133


1- معجم مقاييس اللغة 1 / 426.
2- الصحاح 2 / 451.
3- القاموس 1 / 398.
4- معجم مفردات الفاظ القرآن : 86.
5- النمل 27: 14.
6- البقرة 2 : 89.

الأمر الثالث : بعض الروايات مثل رواية أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له : «أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عزّ وجلّ؟ قال : الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه ... - إلى أن قال - وأمّا الوجه الآخر من الجحود على معرفة وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حقّ قد استقرَّ عنده ...» (1).

أقول : الظاهر عدم اختصاص الجحود بصورة العلم بالحال ، وما استدلّ به لذلك غير تامّ :

أمّا الأمر الأوّل :

فلأنّ بعضاً آخر من اللغويّين فسّر الجحود بمطلق الإنكار قال في تاج العروس (2) ، وقال في لسان العرب : «الجحود نقيض الإقرار كالإنكار والمعرفة» (3) ثمّ نقل عن الجوهري في الصحاح ما تقدّم.

ومنه يظهر أنّ هناك خلافاً في معنى الجحود.

وقال في كتاب العين : «الجحود ضدّ الإقرار كالإنكار والمعرفة» (4).

ويفهم من ذلك أنّ الجحود كالإنكار ، ومن الواضح أنّ الإنكار لا يختصّ بصورة العلم بثبوت ما ينكره ولذا يقال :

فلان أنكر الدَيْن سواء كان عالماً به أم لا. 2.

ص: 134


1- الكافي 2 / 389 ح 1.
2- تاج العروس 2 / 312.
3- لسان العرب 3 / 106.
4- كتاب العين 3 / 72.

وعليه فلا يمكن الركون إلى ما تقدّم نقله عن بعض اللغويّين.

وأمّا الأمر الثاني :

فلأنّ الآية الشريفة ليس فيها دلالة على الاختصاص غاية الأمر أنّها تدلّ على استعمال الجحود في موارد العلم بالحال ، وهو لا يعني عدم صحّة استعماله في غيرها ، ولذا استدلّ بها المتكلّمون وغيرهم على إمكان اجتماع الجحود والإنكار مع العلم واليقين ممّا يفهم منه عدم الملازمة بينهما وإنّ اجتماعهما يحتاج إلى دليل وهو الآية الشريفة.

والحاصل :

إنّ مفاد الآية الشريفة هو الحكاية عن قوم فرعون بأنّهم جحدوا بالآيات مع كونهم على يقين منها وليس في ذلك أي دلالة أو إشارة إلى الاختصاص المذكور وهكذا الحال في الآية الثانية.

وأمّا الأمر الثالث ففيه :

أولاً : ضعف سند الرواية.

ثانياً : إنّها على عكس المقصود أدلَّ ؛ لأنّ الجحود قُسِّمَ في الرواية إلى قسمين أشير إلى الأوّل منهما بقوله : «فأمّا كفر الجحود فهو الجحود بالربوبيّة وهو قول من يقول : لا ربَّ ولا جنّة ولا نار» وهو ظاهر في عدم الاختصاص للإطلاق مضافاً إلى أنّ كفر المنكر للربوبيّة لا يشترط فيه العلم كما هو واضح.

والحاصل أنّ الأدلّة المذكورة لا تدلّ على الاختصاص ، بل قد يستدلّ على عدم الاختصاص ببعض الروايات :

مثل صحيحة محمد بن مسلم قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام

ص: 135

جالساً على يساره وزرارة عن يمينه فدخل عليه أبو بصير فقال : يا أبا عبد الله ما تقول فيمن شكّ في الله؟ فقال : كافر يا أبا محمد قال : فشكّ في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : كافر ، قال : ثمّ التفت إلى زرارة فقال : إنّما يكفر إذا جحد» (1) فإنّها ظاهرة في إطلاق الجاحد على المنكر مع كونه شاكّاً وليس على يقين.

ونحوها رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا» (2).

فإنّ المراد بالجهل فيها - ظاهراً - هو الجهل البسيط أي الشكّ ولذا افترض فيها إمكان التوقّف وعدم الإنكار وهو غير متحقّق مع الجهل المركّب ، ومفاد الرواية حينئذ هو أنّ الشاكّ إنمّا يكفر إذا جحد ، وهو نفس مفادّ الرواية السابقة حيث أطلق فيها الجحود على الإنكار مع فرض الشكّ وعدم العلم.

نعم ما ذكرناه من عدم الاختصاص لا يعني تماميّة الاستدلال بهذه الطائفة من الأخبار على القول المشهور وذلك لأنّ مفادها هو كفر من جحد الفرائض وضروريّات الدين ، وعرفت أنّ الجحود لا يختصّ بصورة العلم بالحال بل يشمل غيره.

إلا أنّ الكلام يقع في ذلك الغير الذي يشمله عنوان الجحود فهل هو عبارة الشكّ والجهل البسيط أو يشمل صورة وجود الشبهة والجهل المركّب؟

وصحّة الاستدلال المذكور مبنيّة على الشمول للجهل المركّب حيث 9.

ص: 136


1- الكافي 2 / 399 ح 3.
2- الكافي 2 / 388 ح 19.

يثبت بهذه الطائفة من الأخبار كفر كلّ منكر لضروريّات الدين سواء كان عالماً أم جاهلاً جهلاً بسيطاً أم مشتبهاً ومعتقداً بالعدم ممّا يستلزم السببيّة المنسوبة إلى المشهور.

وأمّا إذا قلنا بعدم الشمول لحالة الجهل المركّب واختصاص استعمال الجحود بصورتي العلم والشكّ البسيط فلا دلالة للأخبار المذكور على السببيّة بالمعنى الذي يقول به المشهور إذ لا تدلّ حينئذ على كفر المنكر إذا كان صاحب شبهة ومعتقداً عدم ثبوت ما أنكره في الشريعة.

نعم تدلّ على كفر المنكر إذا كان عالماً أو شاكّاً ، ومن الواضح أنّ هذا لا يلازم قول المشهور القائل بسببيّة إنكار الضروري للكفر مطلقاً ، بل الظاهر أنّ صورة الإنكار مع الشبهة هي من الصور المهمّة التي وقع فيها الخلاف والتي التزم المشهور فيها بالكفر أيضاً.

قد يقال بالثاني - عدم الشمول - فإنّ بعض اللغويّين وإن فسَّر الجحود بمطلق الإنكار إلا أنّه معارض بكلمات آخرين منهم ، وهي ظاهرة في التقييد بصورة العلم - كما تقدّم - وعليه فلا يمكن الاستناد إلى كلماتهم لإثبات الشمول والإطلاق.

كما أنّ الروايات لا تدلّ على ذلك فإنّ بعضها وإن كان يدلّ على عدم الاختصاص بصورة العلم مثل صحيحة محمد بن مسلم ورواية زرارة المتقدّمتين إلا أنّ غاية ما تدلاّن عليه هو إطلاق الجحود على الإنكار في صورة الشكّ والجهل البسيط دون الجهل المركّب - كما تقدّم -.

وعليه فلم يثبت إطلاق الجحود على مطلق الإنكار حتّى يستدلّ بروايات هذه الطائفة على القول المنسوب إلى المشهور.

ص: 137

إلا أنّه - اي عدم الشمول - غير تامّ وذلك لتفسير الجحود في كلمات غير واحد من اللغويّين بالإنكار - كما تقدّم - وهو يشمل صورة وجود الشبهة.

وأمّا دعوى معارضة ذلك بكلمات جماعة آخرين منهم - ودعواهم الاختصاص بصورة العلم - فيرد عليها أنّ هذه الدعوى الثانية قد ثبت عدم صحّتها بصحيحة محمد بن مسلم ورواية زرارة المتقدّمتين حيث أطلق الجحود فيهما على الإنكار مع الشكّ وعدم العلم ، وهذا يثبت عدم الاختصاص إمّا بلحاظ المعنى اللغوي أو على الأقلّ بلحاظ الاستعمالات الواردة في كلمات أهل البيت عليهم السلام والروايات ، وإذا ثبت عدم الاختصاص أمكن الرجوع إلى كلمات من فسّر الجحود بالإنكار من اللغويّين ولا معارض له كما عرفت.

وأمّا الروايات فغاية ما تدلّ عليه هو إطلاق الجحود على الإنكار مع الجهل البسيط والشكّ وليس فيها دلالة على الاختصاص بذلك كما هو واضح.

بل قد يقال : إن قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم : «إنّما يكفر إذا جحد» ظاهرة في الشمول لصورة الإنكار مع وجود الشبهة (الجهل المركّب) وذلك لأنّ المستفاد منها أنّ الشكّ النفسي إذا لم يصاحب الإنكار والجحود ، لا يترتّب عليه الكفر وإنّما يترتّب عليه إذا قارنه الجحود ، ومن الواضح أنّ الموجب للكفر في أصلي التوحيد والنبوّة - وهما موضوع الصحيحة - هو مطلق الإنكار والجحود ولو كان مع الجهل المركّب واعتقاد العدم لشبهة ونحوها وهذا يستلزم أن يراد بالجحود في الرواية هو مطلق الإنكار ولو كان عن شبهة.

ص: 138

والحاصل :

إنّ الجحود يدور أمره بين الاختصاص ، بصورة العلم وبين عدم الاختصاص وعلى الثاني فلا موجب لإخراج صورة وجود الشبهة منه إذ لا دليل على ذلك لا من كلمات اللغويّين ولا من الروايات ، وقد عرفت أنّ المتعيّن هو الثاني للروايات الدالّة على عدم الاختصاص.

نعم سيأتي عدم صحّة الاستدلال بهذه الروايات على القول الأوّل وصحّة الاستدلال بها على القول الثاني الآتي وهو التفسير الثاني لقول المشهور :

الطائفة الثالثة من الروايات :

ما دلّ على كفر من ارتكب الكبيرة بزعم أنّها حلال مثل : صحيحة عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام؟ وإن عُذّب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدّة وانقطاع؟ فقال : من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال أخرجه ذلك من الإسلام وعذّب أشدّ العذاب ، وإن كان معترفاً أنّه أذنب ومات عليه أخرجه ذلك من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأوّل» (1).

وهي تدلّ على أنّ مرتكب الكبيرة إذا ادّعى أنّها حلال وأنكر حرمتها 3.

ص: 139


1- الكافي 2 / 285 ح 23.

يكون خارجاً عن الإسلام ، ومقتضى إطلاقها أنّه يكون كافراً سواء كان عالماً بالحرمة أم جاهلاً بها جهلاً بسيطاً (شاكّاً) أم جاهلاً به جهلاً مركّباً. وهذا يلازم القول الأوّل.

ومثلها رواية مسعدة بن صدقة قال : «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : الكبائر ... فقيل له : أرأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها أتخرجه من الإيمان؟ وإن عُذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين أو له انقطاع؟ قال : يخرج من الإسلام إذا زعم أنّها حلال ولذلك يعذّب أشدّ العذاب» (1).

اعترض على الاستدلال بها بعدّة اعتراضات :

الاعتراض الأوّل :

ما يفهم من كلام المحقّق الهمداني قدس سره وحاصله : إنّ موضوع الحكم بالكفر من هذه الروايات هو الكبيرة وهي أعمّ من الضروري ومقتضى ذلك الحكم بكفر كلّ من ارتكب كبيرة وزعم أنّها حلال سواء كانت من الضروريّات أم لا ، فتشمل الجاهل القاصر كحديث العهد بالإسلام والمجتهدين المخطئين ومقلّديهم ، فإنّهم قد يرون حلّية ما هو حرام واقعاً اشتباهاً وخطأً ، ومن الواضح عدم إمكان الالتزام بكفر هؤلاء.

وعليه فلا بدّ من تقييد هذه الروايات بالعلم بحرمة الشيء شرعاً حتّى يرجع إلى إنكار الرسالة المستلزم للكفر جزماً (2). 9.

ص: 140


1- الكافي 2 / 280 ح 10.
2- مصباح الفقيه 7 / 279.

ويلاحظ عليه :

أوّلاً : إنّ عنوان الكبيرة يراد به ما توعّد الله سبحانه وتعالى عليه بالنّار في الكتاب أو السنّة القطعيّة مثل قتل النفس المحترمة وعقوق الوالدين وأكل الربا والفرار من الزحف وقذف المحصنة ونحو ذلك كما ذكر في الروايات ، والظاهر أنّ أصل حرمة هذه الأمور يعتبر من ضروريّات الدين لأنّها معلومة من الدين بالضرورة ، وموضوع الحكم بالكفر في هذه الطائفة هو إنكار أصل حرمة الكبائر لا إنكار تفاصيلها مع الاعتراف بأصل الحرمة حتّى يقال بأنّها أعمّ من الضروريّات.

ثانياً : أنّ مقتضى إطلاق هذه الروايات هو الحكم بكفر كلّ من استحلَّ حراماً. ولابدّ من الأخذ بهذا الإطلاق إلا في الموارد التي نقطع فيها بعدم كفر المستحلّ فنرفع اليد عن الإطلاق بهذا المقدار لا أكثر ، ومورد القطع هو المستحلّ من دون فرض ضرورة ولا علم ولا تقصير أي الجاهل القاصر إذا استحلّ حراماً عاديّاً لا يدخل في الضروريّات ، وأمّا ما عداه فيبقى مشمولاً للروايات الدالّة على كفره ومنه منكر الضروري.

الاعتراض الثاني :

ما ذكره المحقّق الخوئي قدس سره وحاصله : إنّ المراد بالكفر في هذه الروايات ليس هو المقابل للإسلام والذي تترتّب عليه الآثار الشرعيّة المعروفة ، بل المراد به العصيان في مقابل الطاعة كما أُشير إلى ذلك في صحيحة حمران بن أعين قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) قال : إمّا آخذٌ فهو

ص: 141

شاكر وإمّا تارك فهو كافر» (1) فإنّه أطلق الكافر فيها على التارك والعاصي ، وعليه فلا تدلّ الروايات على كفر المستحل حتى يستدلّ بها في المقام (2).

ويلاحظ عليه :

أوّلاً : إنّ الموجود في الروايات المتقدّمة هو عنوان الخروج عن الإسلام لا عنوان الكفر ، ومن الواضح أنّ هذا العنوان لا يقبل الحمل على ما ذكره خصوصاً مع تصريح الروايات بأنّه يعذب أشدّ العذاب ، وهو ظاهر في كونه كعذاب المشركين حتى يحصل به الجواب عن السؤال المتعلّق بالعذاب.

ثانياً : إنّنا وإن سلّمنا استعمال الكفر بمعنى العصيان والتمرّد إلا أنّ ذلك يحتاج إلى القرينة ، ومع عدمها فالظاهر من عنوان الكفر هو معناه المعروف المقابل للإسلام.

ويؤيّد ذلك حكم نفس الروايات بالخروج عن الإيمان على مرتكب الكبيرة مع اعترافه بها وأنّه مذنب وجعلته مقابلاً للأوّل وهو ظاهر في أنّ الحكم على الأوّل ليس بمجرّد العصيان والتمرّد ، فلاحظ.

الاعتراض الثالث :

ما ذكره استاذنا السيّد الشهيد قدس سره وحاصله : إنّ الروايات مختصّة بالمستحلّ الذي تنجّزت عليه الحرمة بالعلم أو غيره من المنجزات ، وذلك 8.

ص: 142


1- الكافي 2 / 384 ح 4.
2- التنقيح 3 / 58.

بقرينة العقاب ولفظة الارتكاب الذي لا يصحّ مع عدم التنجيز فلا تشمل الروايات من أنكر الضروري لشبهة أوجبت غفلته عنه مع إيمانه بالرسالة ، وعليه لا يصحّ الاستدلال بها على القول المشهور (1).

ويؤيدّ ذلك قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان : «وان كان معترفاً أنّه أذنب ...» المختصّ بصورة العلم بأنّ ما ارتكبه كبيرة ، فإن جعل هذا في مقابل قوله عليه السلام : «من ارتكب كبيرة فزعم أنّها حلال ...» قد يجعل قرينة على أنّ المقسم لكلّ من القسمين هو ارتكاب الكبيرة مع العلم بكونها كذلك ، ويفترق القسمان في زعم أنّها حلال وعدمه.

الاعتراض الرابع :

دعوى منافاة هذه الروايات لما دلّ على كفاية الشهادتين في الحكم بالإسلام ظاهراً مع ترتّب جميع آثاره من حرمة النفس والمال وجواز المناكحة وغير ذلك (2) ، وجه المنافاة أنّ تلك الروايات تدلّ على اعتبار شيء آخر في الإسلام غير الشهادتين وهو الإقرار بالفرائض أو الضروريّات وأنّ منكر ذلك كمنكر إحدى الشهادتين يحكم بكفره مطلقاً في حين أنّ هذه الأدلّة تدلّ على عدم اعتبار ذلك وكفاية الشهادتين في الإسلام.

وأجيب عن ذلك - كما عن الشيخ الأنصاري - بما مفاده : إنّ الأدلّة الدالّة على كفاية الشهادتين ناظرة الى مرحلة حدوث الإسلام بمعنى أنّ من ينكر الشهادتين إذا أراد الدخول في الإسلام تكفيه الشهادتان ولا يعتبر أزيد ا.

ص: 143


1- بحوث في شرح العروة الوثقى 3 / 295.
2- الكافي 2 / 26 ح 3 و 5 وغيرهما.

من ذلك ، وأمّا هذه الروايات فهي ناظرة إلى مرحلة البقاء والخروج عن الإسلام بمعنى أنّ المسلم إذا أنكر ضروريّاً من ضروريّات الدين يكون بذلك خارجاً عن الإسلام ، ولا منافاة بينهما وذلك باعتبار أنّ الشهادتين بالنسبة إلى الداخل في الإسلام تعتبر شهادة إجماليّة بتصديق الرسول والالتزام بجميع ما جاء به في الشريعة وإن لم يعرف تفاصيل ذلك ، وحينئذ يكون الشخص مسلماً ، وهذا لا ينافي ما تدلّ عليه هذه الروايات من أنَّ إنكار بعض ما في الشريعة يوجب الخروج عن الإسلام على أساس أنّ ذلك يعتبر نقضاً للشهادة الإجمالية ومنافياً لتصديق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بجميع ما جاء به إجمالاً» (1).

وقد يقال :

إنَّ هذا الكلام إن كان مرجعه إلى اعتبار الإقرار بالضروريّات وعدم إنكارها في الإسلام في مرحلة البقاء دون الحدوث فهو تحكّم لا دليل عليه ، فإنّ الخروج عن الإسلام لابدّ أن يرجع إلى الإخلال بشيء ممّا يعتبر فيه وإلاّ فلا يعدّ خروجاً عنه.

وبعبارة أخرى :

إنّ الإسلام يقابل الكفر تقابل الملكة والعدم ، ومعناه أنّ الكفر هو عدم تلك الملكة أي الإسلام لا عدم شيء آخر لا يعتبر في الملكة أساساً.

وإن كان مرجعه إلى كفاية الإيمان الإجمالي بالرسالة في تحقّق ).

ص: 144


1- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري قدس سره : 355 ،(حجرية).

الإسلام ، فهو وإن كان يوجب خروج المنكر للضروري عن الإسلام إلا أنّ ذلك مخصوص بصورة العلم بكون ما أنكره ثابتاً في الشريعة أو احتمال ذلك ، فإنّ الإنكار في هذه الحالة ينافي الإيمان الإجمالي المذكور وبالتالي يوجب الكفر والخروج عن الإسلام بل لا يختصّ ذلك بالضروري فإنّ إنكار أي حكم من أحكام الشريعة في هذه الحالة يوجب الكفر.

وأمّا مع فرض كون الإنكار ناشئاً من الشبهة الموجبة للغفلة فهو لا يوجب الكفر لعدم منافاته مع الإيمان الإجمالي بالرسالة.

وهذا معناه أنّ كفر منكر الضروري إنّما هو من حيث إنكار الرسالة والتصديق الإجمالي بها والمفروض أنّ المشهور لا يقول بذلك.

إلا أنّ الظاهر أنّ مراد الشيخ الأنصاري كفاية الإيمان الإجمالي بالرسالة في تحقّق الإسلام وأنَّ كلّ ما ينافي ذلك يعدُّ خروجاً عن الإسلام ، ولا شكّ أنّ إنكار الضروري أو غيره مع العلم بثبوته في الشريعة - بل مع احتمال ذلك - ينافي الإيمان الإجمالي ، إلاّ أنّ هذه المنافاة لا تختصّ بذلك بمعنى أنّه إذا دلّت الأدلة على كفر منكر الضروري مطلقاً حتّى مع الشبهة - وهو المفروض في المقام - كان معنى ذلك أنّ هذا الإنكار ينافي الإيمان الإجمالي ويوجب زواله نضير ما إذا فرض دلالة الأدلّة على كفر منكر المعاد مطلقاً فإنّ الالتزام بكفره إنّما هو باعتبار كشفه عن زوال ذلك الإيمان الإجمالي بالرسالة الذي اكتفينا به في الإسلام.

نعم إذا دلّت الأدلة على كفره في صورة العلم فقط كان الإنكار - لشبهة ونحوها - غير مناف للإيمان الإجمالي فلا يوجب الخروج عن الإسلام.

ص: 145

والحاصل :

إنّ الأمر تابع لكيفيّة دلالة الأدلّة والمفروض أنّها تدلّ على كفره مطلقاً أي تدلّ على أنّ إنكار الضروري حتّى لشبهة ينافي الإيمان الإجمالي وهذا بخلاف غير الضروري ممّا ثبت في الشريعة حيث لم يدلّ دليل على كفر منكره مطلقاً.

ثمّ إنّ هذا الاعتراض لا يختصّ بهذه الطائفة بل يجري في الطائفة الثانية أيضاً والجواب هو الجواب.

الاعتراض الخامس :

إنّ الروايات ظاهرة في دخل الارتكاب الفعلي للحرام في الحكم بالكفر فإنّ موضوع الحكم فيها «من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال» فلا يمكن الاستدلال بها على كفر منكر حرمة الكبيرة من دون ارتكابها الذي هو داخل في محلّ الكلام قطعاً بل هو المتيقّن منه.

وفيه :

إنّ المستفاد من الروايات هو أنّ مناط الحكم بالكفر هو زعم كون الحرام حلالاً وأنّ ارتكاب الكبيرة مع عدم الزعم المذكور يوجب الخروج من الإيمان كما ذكرته الروايات نفسها.

وأمّا الخروج عن الإسلام فالظاهر من الروايات أنّه يترتّب على ما زاد على الارتكاب الموجب للخروج من الإيمان وهو الزعم المذكور.

هذا وقد تبيّن ممّا تقدّم عدم صحّة الاستدلال بهذه الطائفة أيضاً على

ص: 146

القول المنسوب إلى المشهور وذلك لتماميّة الاعتراض الثالث على الأقلّ.

الطائفة الرابعة من الروايات :

ما دلّ على كفر منكر بعض الأحكام الضرورية بالخصوص.

مثل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال : «إنّ الله عزّ وجلّ فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام وذلك قوله عزّ وجلّ : (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) قال : قلت فمن لم يحجّ منّا فقد كفر؟ قال : لا ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر» (1).

ومثل صحيحة بريد العجلي قال : «سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر في شهر رمضان ثلاثة أيام؟ قال : يسأل هل عليك في إفطارك إثم ، فإن قال لا ، فإنَّ على الإمام أن يقتله وإن قال نعم فإنّ على الإمام أن ينهكه ضرباً» (2).

وهي ظاهرة في كفر منكر وجوب الحج والصوم مطلقاً.

وفيه :

إنّ الموجود في هذه الروايات ليس هو الحكم بكفر منكر الضروريّات حتّى يؤخذ بإطلاقه ، بل الموجود الحكم بكفر منكر خصوص 4.

ص: 147


1- وسائل الشيعة 11 / 16 ح 14128.
2- وسائل الشيعة 10 / 248 ح 13334.

فريضة الحجّ والصوم وما يشبههما في الوضوح والاشتهار ، ومن البعيد جدّاً افتراض عدم العلم بأصل وجوبهما في حقّ المسلم الذي يعيش في البلاد الإسلامية - كما هو مورد الرواية - وهذا معناه أنّ الإنكار اقترن بالعلم بثبوت ما أنكره في الشريعة وهو يستلزم الكفر بلا خلاف كما تقدّم.

هذا مضافاً إلى أنّه لو سلّمنا عدم الاختصاص بصورة العلم فالروايات المذكورة لا يثبت بها السببيّة المطلقة المنسوبة إلى المشهور وذلك لاحتمال السببيّة المقيدّة أي أنّ الحكم بالكفر من جهة إنكار ما يعلم أنّه ضروري عند عامّة المسلمين - كما هو الحال في الحجّ والصوم - وإن لم يكن كذلك عند المنكر لشبهة ونحوها.

ويظهر ممّا تقدّم أنّ كلّ الروايات التي استدلّ بها على القول الأوّل أي السببيّة المستقلّة المطلقة ليست تامّة.

القول الثاني في المسألة :

وهو التفسير الثاني المتقدّم للقول الأوّل وحاصله أنّ منكر الضروري يعدُّ كافراً - وإن كان جاهلاً بثبوت ما أنكره في الدين - لكن يشترط في ذلك أن يكون عالماً بكونه من ضروريّات الدين عند عامّة المسلمين وإن لم يكن كذلك عنده.

وقد تقدّمت الإشارة إلى هذا القول في تضاعيف الحديث عن القول الأوّل وعرفت احتمال أن المشهور - الذي نسب إليه القول الأوّل - يريد هذا القول بل تقدّم أنّه ظاهر كلام بعض الفقهاء مثل العلاّمة وصاحب كشف اللثام ، هذا ويمكن الاستدلال عليه بأمور :

ص: 148

الدليل الأوّل :

الروايات الدالّة على كفر بعض الطوائف كالخوارج والنواصب بتقريب أنّ الحكم بكفر هؤلاء ليس على أساس رجوع اعتقادهم إلى إنكار الرسالة وتكذيب الرسول قطعاً وذلك لوضوح أنّهم يعتقدون بهما ولم يدخلهم شكّ فيهما ، كما أنّه ليس لأجل إنكار ما هو ضروري عند طائفة من المسلمين وذلك لأنّ هذا المناط موجود في كثير من طوائف المسلمين فإنّهم ينكرون بعض الضروريّات الثابتة عند الإماميّة مثلاً من دون أن يخرجهم ذلك عن الإسلام ، فيتعيّن أن يكون الحكم بكفرهم لأجل إنكار ما هو ضروري عند عامّة المسلمين مع فرض علمهم بكونه كذلك ، والأمر الضروري هنا هو استحلال قتل أمير المؤمنين عليه السلام ومن معه من المسلمين وحكمهم بكفرهم ، حيث يرى عامّة المسلمين أنّ حرمة قتلهم وعدم كفرهم من الأمور المسلّمة التي لا تحتاج إلى إقامة برهان ودليل.

وهذا ما ينكره الخوارج والنواصب بل الظاهر أنّ المسلمين يرون ضرورة ما هو أكثر من ذلك كولايته بالمعنى الأعمّ ومحبّته ممّا يتنافى مع استحلال قتله والحكم بكفره.

وهذا الدليل يتوقّف على وجود روايات تامّة سنداً ودلالةً تدلّ على كفر هذه الطوائف ، وما يمكن ذكره في المقام هو :

1 - رواية الفضيل قال : «دخلت على أبي جعفر عليه السلام وعنده رجل فلمّا قعدت قام الرجل فخرج فقال لي : يا فضيل ما هذا عندك؟ قلت : وما هو؟ قال : حرورىّ ، قلت : كافر قال : إي والله

ص: 149

مشرك» (1).

وهي تامّة سنداً فإنّ الضمير في (عنه) المصدّر به السند يعود إلى ابن أبي عمير الموجود في سند الرواية قبلها ومعناه أنّ الشيخ الكليني يرويها عن ، علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الخطّاب بن مسلمة وأبان ، عن الفضيل والظاهر أنّ كلّ رجال السند ثقات ، والمراد بأبان في السند أبان بن عثمان ؛ لأنّ أبان عند الإطلاق يراد به ابن عثمان هذا أو ابن تغلب ، والمتعيّن هو الأول ؛ لأنّ أبان بن تغلب لا يروي عن الفضيل عادة بل الذي يروي عنه هو أبان بن عثمان كما يظهر من ملاحظة الروايات ، وبناء عليه يكون المراد بالفضيل هو ابن يسار الثقة ؛ لأنّ أبان بن عثمان يروي عنه بهذا العنوان كثيراً ، بل لا يبعد انصراف الفضيل في هذه الطبقة إلى ابن يسار ؛ لأنّه المعروف وصاحب كتاب رواه عنه جماعة وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العددية من فقهاء الإسلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام (2).

وعليه فالظاهر اعتبار الرواية سنداً.

وأمّا دلالتها على كفر الخوارج فباعتبار أنّ الحروريّة فرقة من الخوارج تنسب إلى حروراء قرية قرب الكوفة كان أوّل اجتماعهم بها. وظاهر الرواية أنّ قول الإمام عليه السلام : «إي والله مشرك» تقرير لقول الفضيل : «كافر» فإنّ الفضيل بعد أن عرف مذهب الرجل وأنّه خارجي حكم عليه بالكفر والإمام عليه السلام أقرّه على ذلك وأضاف أنّه مشرك أي أنّ كفره مجامع للشرك. ويؤيّد ذلك ما ذكره العلامة المجلسي في مرآة العقول من أنّ الموجود في 5.

ص: 150


1- الكافي 2 / 387 ح 14.
2- الرسالة العددية(أو الردّ على أهل العدد والرؤية) : 9 / 25.

بعض النسخ «ومشرك» بالواو وقال إنّه الأظهر (1).

2 - معتبرة أبي مسروق قال : «سألني أبو عبد الله عليه السلام عن أهل البصرة فقال لي : ما هم؟ قلت : مرجئة وقدرية وحروريّة فقال : لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شيء» (2).

3 - الروايات الدالة على كفر من أنكر عليّاً عليه السلام مثل معتبرة الفضيل ابن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ الله عزّ وجلّ نصب عليّاً عليه السلام علماً بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن جهله كان ضالاًّ ...» (3).

ونحوها معتبرة موسى بن بكر ورواية إبراهيم بن أبي بكر ورواية أبي حمزة وغيرها (4).

4 - الروايات الدالّة على كفر المفوّضة الّذين يدّعون أنّ الله سبحانه وتعالى فوّض أمر الخلق والرزق والإحياء والإماتة - ونحو ذلك - إلى أحد من عباده ، فعن الرضا عليه السلام - في حديث - قال : «من زعم أنّ الله يفعل أفعالنا ثمّ يعذّبنا عليها ، فقد قال بالجبر ، ومن زعم أنّ الله فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه ، فقد قال بالتفويض ، والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك» (5).

فإنّ الحكم بكفر هؤلاء إنّما هو لأجل إنكارهم ما هو من ضروريات الدين بنظر عامّة المسلمين وهو اختصاص هذه الأمور بالله سبحانه وتعالى 0.

ص: 151


1- مرآة العقول 11 / 121.
2- الكافي 2 / 287 ح 13.
3- الكافي 2 / 388 ح 20.
4- الكافي 2 / 388 وما بعدها ح 16 - ح 18 - ح 21.
5- وسائل الشيعة 28 / 340.

وإلا فهم يعترفون بالأصول الأساسية للدين من التوحيد والنبوّة والمعاد وغيرها.

كما أنّه لا مانع من شمول هذه الروايات لصورة وجود الشبهة لأنّها في المقام ليست حالة نادرة فلاحظ.

5 - الروايات الواردة بمضمون أنّ حبّهم إيمان وبغضهم كفر وهي مستفيضة جمع قسماً منها العلاّمة المجلسي في البحار تحت عنوان (ذمّ مبغضهم وأنّه كافر حلال الدم ...) (1).

والظاهر أنّ المراد بالكفر في هذه الروايات ما يقابل الإسلام لا ما يقابل الإيمان وذلك :

أوّلاً : لوضوح خروج المبغض لهم عن الإيمان فإنّ كون الإيمان متقوّم بحبهم وولائهم من الواضحات.

ثانياً : إنّ نفس التعبير عن حبّهم بأنّه إيمان يستلزم انتفاء الإيمان بمجرّد انتفاء هذا الحبّ وإن لم يكن هناك بغض لهم وهذا يناسب أن يكون الثابت مع البغض شيئاً آخر غير ما ثبت بمجرّد انتفاء الحبّ وهو الكفر.

ثالثاً : التعبير بالكفر فإنّه ظاهر في إرادة ما يقابل الإسلام.

وعليه فتدلّ الروايات المذكورة على اشتراط عدم بغضهم في الإسلام.

6 - الأحاديث الواردة في الخوارج وأنّهم يمرقون من الدين كمروق السهم (2) فإنّ الظاهر من الدين الإسلام ، وإرادة المروق عن الطاعة بعيد جداً. 0.

ص: 152


1- البحار 27 / 218.
2- سفينة البحار 8 / 60.

نعم السند غير تامّ ظاهراً.

7 - ما دلَّ من الروايات على نجاسة بعض هذه الفرق مثل النواصب فيستكشف من ذلك كفرهم لأنَّ المسلم ليس نجساً بالاتفاق.

وفيه :

إنّ صحّة هذا الاستدلال - إذا تمّت هذه الروايات سنداً ودلالةً - موقوف على ثبوت الملازمة بين انتحال الإسلام وبين الطهارة ، بمعنى أنّ كلّ مسلم طاهر حتى يتمسّك بذلك لإثبات انتفاء الإسلام عند قيام دليل على انتفاء الطهارة ، والظاهر عدم وجود دليل يدلّ على هذه الملازمة.

هذا مضافاً إلى أنّ خروج الناصبي مثلاً عن هذه الكبرى كما يحتمل أن يكون من باب التخصّص والخروج الموضوعي كذلك يحتمل أن يكون من باب التخصيص والخروج من الحكم ولا معين للأوّل.

الدليل الثاني :

روايات الطائفة الثانية المتقدّمة وخصوصاً صحيحة الكناني فإنّ قوله عليه السلام فيها : «فما بال من جحد الفرائض كان كافراً» (1). ظاهر من المفروغية عن كفر جاحد الفرائض ، والظاهر من الفرائض ما كان مثل الصوم والصلاة والحجّ والزكاة ممّا فرضه الله سبحانه وتعالى بشكل واضح في الكتاب الكريم - كما تقدّم - ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين العالم والجاهل والبسيط والمركّب فكلّ من أنكر فريضة من فرائض الله فهو كافر 2.

ص: 153


1- الكافي 2 / 33 ح 2.

حتّى إذا كان ذلك لشبهة.

وحينئذ يقال إنّ هذه الروايات لم يرد فيها عنوان الضروري وإنّما الوارد فيها عنوان الفرائض ، ومن الواضح أنّ هذا العنوان أخصّ مطلقاً من عنوان الضروري.

وعليه :

فالروايات إنّما تدلّ على كفر منكر الضروري إذا كان من قبيل الفرائض ولا دلالة فيها على كفر منكر الضروري ولو لم يكن من هذا القبيل ، وهذا معناه أنّ هذه الروايات تكون دليلاً على هذا التفسير للقول الأوّل لأنّ الفرائض بالتفسير السابق ممّا يعلم كلّ أحد أنّها ضرورية عند عامّة المسلمين ، ولا يمكن فرض شخص ينكر الصلاة أو الحجّ مثلاً مع عدم علمه بكونه ضرورياً عند المسلمين ، وحينئذ هذا الإنكار يكون موجباً للكفر مطلقاً. وأمّا إنكار ما هو ضروري مع عدم الإطلاع على كونه كذلك عند عامّة المسلمين فهذه الروايات لا تدلّ على كفره.

نعم هذا الاستدلال يتوقّف على :

1 - عدم اختصاص الروايات بصورة العلم وإلا لكانت دليلاً على القول الثاني وهو أنّ الحكم بكفر منكر الضروري إنّما هو فيما إذا علم بثبوته في الدين لا مطلقاً.

2 - شمول الروايات لحالة وجود الشبهة أي الجهل المركّب حتّى تكون دليلاً على كفر منكر الضروري مطلقاً أي حتّى مع الشبهة إذا كان عالماً بكونه ضروريّاً عند عامّة المسلمين وهو عبارة عن التفسير الثاني للقول الأوّل.

ص: 154

أقول :

أمّا الأمر الأول فقد تقدّم الكلام فيه وعرفت عدم الاختصاص فراجع.

وأمّا الأمر الثاني فهو مقتضى الإطلاق في هذه الروايات ، فكلّ من جحد فريضة من فرائض الله يكون كافراً وإن كان ذلك منه لشبهة ونحوها ، وقد عرفت أنّ التعبير بالجحود لا يصلح قرينة على عدم الإطلاق فراجع.

الدليل الثالث :

روايات الطائفة الرابعة المتقدّمة الدالّة على كفر منكر وجوب الحجّ والصوم ، وقد يقال باختصاصها بصورة العلم بثبوت هذه الأمور في الشريعة ولذا تخرج عن صلاحيّة الاستدلال بها في المقام إذ الكلام ليس في كفر المنكر مع العلم للاتفاق على كفره بل في المنكر مع الشكّ والشبهة. وجه الاختصاص استبعاد افتراض عدم العلم بوجوب الحجّ والصوم في حقّ المسلم الذي يعيش في البلاد الإسلامية - كما هو مورد الرواية - فالروايات تتحدّث عن مسلم ينكر وجوب الحجّ والصوم مع علمه بثبوته في الشريعة وهو يوجب الكفر بالاتفاق.

وفيه :

إنّ ما ذكر وإن كان تاماً إلا أنّه لا يوجب الاختصاص المذكور إذ يمكن فرض وجود من ينكر وجوب الحجّ والصوم لشبهة - وإن كان نادراً -.

نعم لو كانت الروايات ناظرة إلى أصل تشريع وجوبهما لصحّ ما ذكر

ص: 155

لصعوبة افتراض عدم العلم بذلك بالنسبة للإنسان المسلم إلا أنّه لا موجب لذلك بل الروايات تشمل صورة الاعتراف بأصل التشريع مع إنكار وجوبهما بعد ذلك - لشبهة ونحوها - بلحاظ مقطع زماني معيّن أو بلحاظ طائفة معيّنة فإنّه يصدق في مثل هذه الحالة قوله (ليس هذا هكذا) وكذا انكار ترتّب الإثم على تركهما.

وإذا تمّ الإطلاق في هذه الروايات ودلّت على كفر كلّ من ينكر وجوب الحجّ أو الصوم - حتّى مع عدم العلم بالوجوب - أمكن الاستدلال بها في المقام لوضوح أنّ التارك لهما وإن فرض كونه منكراً لوجوبهما إلا أنّه لا إشكال في اطلاعه على كون وجوبهما من الضروريّات عند عامّة المسلمين ، وهذا معناه أنّ هذه الروايات تدلّ على الكفر في هذه الحالة لا أكثر.

ثم إنَّه قد يقال إنَّ الروايات المستفيضة دلّت على أن الولاية من الأركان وإنَّها ممّا بني عليها الإسلام فتدخل في الضروريّات التي أخذ عدم إنكارها في الإسلام فلماذا لا تحكمون على منكرها بالكفر؟

والجواب :

أوّلاً : إنّ الضروري الذي يكون إنكاره موجباً للكفر - بناء على القول الثاني - هو ما يكون كذلك عند عامّة المسلمين والولاية ليست كذلك وإنّما هي ضرورية عند طائفة معيّنة فهي من ضروريّات المذهب.

ثانياً : لا ملازمة بين أهمّية شيء شرعاً وبين صيرورته ضروريّاً كما تقدّم توضيح ذلك سابقاً.

ثالثاً : إنّه توجد في مقابل هذه الروايات ما يدلّ على الاكتفاء

ص: 156

بالشهادتين في الحكم بالإسلام (1) ممّا يعني أنّ إنكار الولاية لا يوجب الكفر وقد جمع المشهور بينهما بحمل هذه الأخبار على الإسلام الظاهري وحمل تلك المستفيضة على الإسلام الواقعي.

هذه هي أهمّ الأدلّة التي يستدلّ بها على صحّة هذا القول وقد عرفت أنّ الشيخ صاحب الجواهر قدس سره فسَّر كلام المشهور بهذا التفسير ونفى إرادتهم القول الأوّل وعرفت الاستدلال على ذلك وسيأتي ما له صلة بذلك.

القول الثالث في المسألة :

وهو الذي اختاره جماعة من المتأخّرين منهم المقدّس الأردبيلي وصاحب الذخيرة وكاشف اللثام والمحقّق الخونساري والمحقّق القمّي وغيرهم - على ما نسب إليهم - وهو المشهور بين الأعلام المعاصرين.

وحاصله :

إنَّ إنكار الضروري لا يوجب الكفر إلاّ مع العلم بثبوته شرعاً وأنَّه إنما يوجب الكفر على أساس استلزام ذلك الإنكار مع العلم لإنكار الرسالة وتكذيب الرسول لأنّ من يعلم ثبوت شيء في الدين وإنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بلّغه فإنكاره له والحال هذه يستلزم إنكار الرسالة إذ لا يمكن الجمع بين التصديق بالرسالة وبين الإنكار المذكور. ولا شكّ في أنّ إنكار الرسالة وتكذيب الرسول يستلزم الكفر بالاتفاق.

والحاصل أنّ إنكار الضروري ليس له أي خصوصية وإنّما هو مجرّد 5.

ص: 157


1- الكافي 2 / 26 ح 3 و 5.

طريق وأمارة على إنكار الأصل الثاني من أصول الدين ، وهو إنَّما يكون كذلك فيما إذا كان مقروناً بالعلم بثبوت ما أنكره في الدين.

وأمّا إذا لم يكن مقروناً بالعلم كما في حالات الجهل البسيط أو المركّب فإنكار ما هو ضروري لا يوجب الكفر لأنّه لا يستلزم إنكار الرسالة وتكذيب الرسول في هذه الحالات إذ يمكن افتراض الجمع بين التصديق بالرسالة والرسول مع إنكار ما هو ضروري من ضروريات الدين في حالات الجهل بثبوت ذلك في الدين أو الاعتقاد - لشبهة ونحوها - بعدم ثبوته فيه.

ومنه يظهر أنّ لازم هذا القول عدم الحكم بالكفر في هاتين الحالتين :

1 - إنكار الضروري مع الجهل البسيط بثبوته في الدين كما في حديث العهد بالإسلام أو من يعيش في بلاد بعيدة عن بلاد الإسلام أو بعض المكلّفين في أوائل بلوغهم.

2 - إنكار الضروري مع الجهل المركّب أي مع اعتقاد عدم ثبوته في الدين كما في أصحاب الشبهة.

وفي هاتين الحالتين لا يحكم بالكفر من دون فرق بين علم المنكر بكون ما أنكره من ضروريّات الدين عند عامّة المسلمين وبين عدم علمه بذلك ، فمن ينكر وجوب الصوم مثلاً لشبهة لا يحكم بكفره حتّى مع علمه أنّه من ضروريّات الدين عند عامّة المسلمين وهذه نقطة خلاف رئيسية بحسب النتيجة بين هذا القول وبين القول الثاني حيث يحكم بالكفر في هذه الحالة بناء على القول الثاني.

بل الظاهر أنّ هذه الحالة - الإنكار لشبهة مع العلم بكونه ضروريّاً - هي الحالة الوحيدة التي يظهر فيها الخلاف بين القولين وذلك للاتفاق على

ص: 158

عدم الكفر فيما عداها مثل حالة الإنكار لشبهة مع عدم العلم بكونه ضروريّاً عند عامّة المسلمين وكذا حالات الإنكار مع الجهل البسيط فإنّ مقتضى الالتزام بمضمون القول الثاني هو عدم الحكم بالكفر في هذه الحالات لعدم العلم بكون ما أنكره من ضروريّات الدين ، وهو - عدم العلم - متحقّق في حالة الإنكار لشبهة بالفرض وفي حالة الجهل البسيط باعتبار أنّ الجهل البسيط بثبوت ذلك الشيء في الدين يستلزم الجهل بكونه ضروريّاً عند أصحاب ذلك الدين عادة كما هو واضح في حديث العهد بالإسلام والبعيد عن دار الإسلام.

هذا وقد استدل لهذا القول ب- :

الدليل الأوّل :

إنَّه يكفي لثبوت هذا القول عدم وجود ما يدلّ على السببية في المقام بمعنى أنّ الالتزام بهذا القول لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه لأنّه يرجع إلى إنكار الرسالة وتكذيب الرسول ولا شكّ في ثبوت الكفر حينئذ.

نعم لا بدّ من إبطال الأدلّة التي استدلّ بها على القول الأوّل - السببية - وقد تقدّمت الإشارة إلى المناقشة في تلك الأدلّة وقد تبيّن عدم نهوضها لإثبات القول الأوّل وأنّها تنسجم مع افتراض صحّة هذا القول - الأمارية -.

أقول :

ظهر ممّا تقدّم أنّ ما ذكر يتمّ في الدليلين الأوّل والثاني حيث لا يمكن الاستدلال بهما على القول الأوّل.

ص: 159

وأمّا الدليل الثالث - الروايات - فقد عرفت أنها عبارة عن أربع طوائف وأنّ الطائفة الأولى والثالثة منها غير تامّة دلالةً.

وأمّا الطائفتان الثانية والرابعة فيمكن الاستدلال بهما على القول الثاني وإن كان لا يصحّ الاستدلال بهما على القول الأوّل.

وحينئذ :

إن كان المقصود عدم تمامية هذه الروايات لإثبات القول الأوّل فهو صحيح وتامّ ، وإن كان المقصود عدم تماميّتها لإثبات القول الثاني فهو غير صحيح ، ومن الواضح أنّ إثبات هذا القول - الأمارية - بالدليل الأوّل المذكور يتوقّف على إبطال ما يدلّ على القول الأوّل والقول الثاني وإلاّ فسوف يثبت بذلك الدليل القول الثاني وهو ينافي الأمارية.

الدليل الثاني :

النصوص الكثيرة الدالّة على كفاية الشهادتين في الدخول في الإسلام (1) ممّا يعني أنَّ الإسلام وعدم الكفر لا يتوقّف على أكثر من الإقرار بالتوحيد والنبوّة وأنَّ الخروج عن الإسلام لا يكون إلا بإنكار أحد هذين الأصلين أو كليهما ، وحينئذ فإنكار الضروري إن كان راجعاً إلى إنكار ذلك فهو يوجب الكفر كما في حالة العلم بثبوت ما أنكره في الدين وإلاّ فهو لا يوجب الكفر لما عرفت من دلالة هذه النصوص على كفاية الإقرار 5.

ص: 160


1- الكافي 2 / 25.

بالشهادتين في الإسلام.

أقول :

تقدّم سابقاً الإشارة إلى هذا الدليل وإلى مناقشته وحاصل ما يمكن أن يقال في ردّه هو أنّ هذه النصوص تشير إلى كفاية الإيمان الإجمالي بالتوحيد والرسالة في تحقّق الإسلام وأنَّ كلّ ما ينافي ذلك يعدُّ خروجاً عن الإسلام ، ولا شكّ أنَّ إنكار الضروري مع العلم بكونه من الدين ينافي الإيمان الإجمالي بالرسالة ولا يجتمع مع التصديق بها ولذا فهو يوجب الكفر.

وهذه المنافاة واضحة وليست بحاجة إلى دليل.

إلا أنّ هذا لا يعني اختصاص المنافاة بذلك وإنّما هو تابع للدليل فلو فرض قيام الدليل على أنّ إنكار الضروري يوجب الكفر مطلقاً - أي حتّى مع الشبهة وعدم العلم - فلا بدّ حينئذ من الالتزام بعدم الاختصاص وأنَّ الإنكار في هذه الحالة أيضاً ينافي الإيمان الإجمالي المعتبر في الإسلام المستفاد من هذه النصوص ويوجب زواله ولو كان ذلك من باب التوسعة والتعبّد الشرعي ، وهذا نضير ما يلتزم به في مسألة المعاد من أنّ إنكاره يوجب الكفر حتّى مع كونه ناشئاً من وجود الشبهة لقيام الدليل على ذلك مع أنَّ الإنكار المذكور مع الشبهة لا ينافي الإيمان الإجمالي بالتوحيد والنبوّة بل يجتمع معه ظاهراً ، فكما لم يعتبر الالتزام بالكفر في هذه - الحالة مع قيام الدليل عليه - منافياً لنصوص كفاية الإقرار بالشهادتين في الإسلام فكذلك في المقام مع فرض قيام الدليل على كفر منكر الضروري حتّى مع

ص: 161

الشبهة.

والحاصل :

إنَّ تمامية هذا الدليل منوطة بابطال الأدلّة التي يستدلّ بها على القولين الأوّل والثاني - كما هو الحال في الدليل الأوّل - وأمّا مع تمامية تلك الأدلّة كلاًّ أو بعضاً فلا بدّ من الجمع بينها وبين النصوص المتقدّمة بافتراض أنَّ إنكار الضروري لشبهة مطلقاً أو مع العلم بكونه ضروريّاً - حسب اختلاف الأدلّة - ينافي الإيمان الإجمالي بالرسالة ويوجب زواله كما هو الحال مع إنكار المعاد لشبهة.

هذا وقد عرفت سابقاً تمامية بعض الأدلّة على القول الثاني فراجع.

بل يمكن أن يُقال أنَّ غاية ما يثبت بفرض وجود الشبهة هو أنّ المنكر يعتقد حقيقةً بالنبوّة لأنّه يرى أنّ ما أنكره ليس من الدين لأجل الشبهة فإنكاره والحال هذه لا يرجع إلى إنكار النبوّة بل هو معترف بها حقيقة وواقعاً ، إلاّ أنّ الظاهر من الأدلّة وكلمات الأصحاب أنّ الكفر ليس منوطاً بعدم الاعتقاد بالدين واقعاً حتّى يقال إنّ المنكر مع الشبهة يعتقد به واقعاً بل منوط بإظهار عدم الاعتقاد فعلاً أو قولاً فكلّ من أظهر ذلك حكم بكفره وإن كان معتقداً واقعاً ، ويدلّ على ذلك حكمهم بالكفر في جملة من الموارد مثل :

1 - من أظهر إنكار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عناداً وكان معتقداً بنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) في جنانه ومثّلوا له بفرعون (1). 8.

ص: 162


1- جواهر الكلام 6 / 48.

2 - من هتك حرمة الإسلام بفعل كإلقاء المصحف في القاذورات ونحو ذلك ممّا يدلّ على الاستخفاف والاستهزاء صريحاً. فإنَّ ظاهرهم الحكم بكفره وإن صدر منه ذلك عناداً (1) وغير ذلك من الموارد. وعليه فلا غرابة من الحكم بالكفر في المقام وإن أحرزنا اعتقاده واقعاً بالنبوّة ونفس الكلام يقال في الحكم بالإسلام على شخص فإنّه يدور مدار الإقرار الظاهري بالشهادتين ولا يفتّش عن باطنه وأنّه هل يعتقد بما أقرَّ به حقيقة أو لا.

بل يحكم بإسلامه حتّى مع قيام القرائن على أنّ إسلامه لمجرّد حقن دمه ودفع القتل عنه وليس نابعاً عن اعتقاد وإيمان (2).

إذاً كلّ من الحكم بالإسلام والحكم بالكفر يناط بالظاهر المعلن عنه لا بالواقع ونفس الأمر وعليه فإذا دلّت الأدلّة على أنّ منكر الضروري يحكم بكفره التزمنا بذلك حتّى مع كون إنكاره عن شبهة.

الدليل الثالث :

إنّ الفقهاء لا يحكمون بكفر المنكر للضروري إذا كان حديث العهد بالإسلام أو كان يعيش في بلاد بعيدة عن دار الإسلام ، وهذا لا يتمّ إلاّ على أساس القول الثالث - الأمارية - لعدم كون الإنكار المذكور مستلزماً لإنكار الرسالة وتكذيب الرسول ولذا لا يكون موجباً للكفر ، وأمّا على القول الأوّل فلا بدّ من الحكم بكفره لإنكاره الضروري من الدين. 3.

ص: 163


1- كشف الغطاء 4 / 183.
2- مباني تكملة المنهاج : 1 / 333.

وهذا دليل على صحّة هذا القول وبطلان القول الأوّل.

وفيه :

إنّ ما يثبت بهذا الدليل هو بطلان القول الأوّل ، وأمّا بطلان القول الثاني فلا ، بل من يلتزم بهذا القول يلتزم أيضاً بعدم كفر المنكر للضروري في الحالات المذكورة من دون منافاة بينهما وذلك باعتبار عدم العلم بكونه ضروريّاً المفترض في هذه الحالات فإنّ حديث العهد بالإسلام وكذا بعيد الدار كما لا يعلم بثبوت ما أنكره في الدين ويجهل به جهلاً بسيطاً كذلك لا يعلم بكونه ضروريّاً عند عامّة المسلمين عادة ولأجل ذلك لا يحكم بكفره.

والحاصل :

إنّ الحكم بعدم كفر هؤلاء وإن كان مسلّماً ومتّفقاً عليه بينهم ظاهراً إلاّ أنّه ينسجم مع القول الثاني كما ينسجم مع الأمارية فلا يصحّ جعله دليلاً عليها.

نعم لو كان الأمر المتّفق عليه والمسلَّم به هو عدم الحكم بكفر منكر الضروري في صورة وجود الشبهة - الجهل المركّب - حتّى مع العلم بكونه ضروريّاً ، لصحّ ما ذكر من كونه دليلاً على بطلان القول الأوّل والثاني وعلى صحّة القول الثالث لأنّ مقتضى الالتزام بالقول الأوّل أو الثاني الحكم بالكفر في هذه الحالة لا عدم الكفر.

إلا أنّ الظاهر عدم كون ذلك أمراً متّفقاً عليه حيث ذهب جماعة من المحقّقين إلى الحكم بالكفر في هذه الحالة.

ص: 164

نعم نسب (1) إلى الأكثر استثناء صورة وجود الشبهة من الحكم بالكفر في المقام ، لكن لم يتّضح لنا صحّة هذه النسبة مع احتمال أن تكون الصورة المستثناة هي صورة وجود الشبهة مع عدم العلم بكون الشيء ضروريّاً لا مطلقاً فلاحظ.

الدليل الرابع :

دعوى أنّ سيرة الأئمّة عليهم السلام وأصحابهم والشيعة قديماً وحديثاً على مخالطة أتباع الفرق الإسلامية الذين هم ما بين مشبّهة ومجسّمة ومفوّضة ومجبّرة وقائل بإمكان رؤية الله تعالى في الآخرة أو في الدنيا أيضاً وغير ذلك ممّا ثبت عندنا بطريق الضرورة من الدين انتفاؤها فيه تعالى عن ذلك.

وفيه :

ما تقدّم في الدليل الثالث من أنّ ما يثبت به هو بطلان القول الأوّل دون الثاني وذلك لأنّ انتفاء هذه الأمور عن الله سبحانه وتعالى لم تصل إلى حدّ الضرورة بنظر معظم المسلمين بل التزم كثير منهم بثبوت هذه الأمور كلاًّ أو بعضاً له سبحانه وتعالى.

نعم قد تكون هذه الأمور واصلة إلى حدّ الضرورة عند بعض المسلمين إلاّ أنّ هذا لا يكفي للحكم بالكفر على القول الثاني كما تقدّم.

وهذا هو الذي يفسّر لنا ذهاب الأصحاب إلى طهارة هذه الفرق 5.

ص: 165


1- إيضاح الفرائد في شرح الرسائل : 625.

كالمفوّضة والمجسّمة والمجبّرة مع أنّهم لا يقولون بالقول الثالث ممّا يعني ويؤيّد ما تقدّم من أنّ الأصحاب وإنْ نُسبَ إليهم القول الأوّل إلاّ أنّ الصحيح هو أنّهم يقولون بالقول الثاني وإلاّ فمن الصعب جدّاً الجمع بين القول الأوّل وبين الالتزام بطهارة هؤلاء وأمثالهم ممّن يصدق عليه أنّه منكر لما هو من ضروريّات الدين.

هذه هي عمدة أدلّة القول الثالث ، وقد تبيّن عدم تماميّتها ، بل يمكن أن يقال أنّه توجد في هذا القول ثغرات وإشكالات لا بدّ من حلّها والجواب عليها حتّى يُدّعى صحّة هذا القول ، يمكن أن نذكر منها :

أوّلاً : إنَّ هذا القول يستلزم إلغاء خصوصية عنوان الضروري بالمرّة إذ لا فرق حينئذ بينه وبين أي أمر آخر من أمور الدين في أنّ إنكاره مع العلم بكونه من الدين يستلزم إنكار الرسالة وتكذيب الرسول وبالتالي يوجب الكفر. إذاً فلماذا هذا الإصرار من قبل الفقهاء على ذكر هذا العنوان؟ ولماذا ذكروا منكر الضروري معطوفاً على من خرج عن الإسلام كما في عبارات المحقّق والعلاّمة وغيرهم مع أنّه على القول بالأمارية يدخل منكر الضروري في المعطوف عليه؟

هذا ويستفاد من كلمات المحقّق الأشتياني (1) إنّ الوجه في إفراد الضروري بالذكر في كلمات الفقهاء هو كونه طريقاً لإحراز علم المنكر بثبوته في الدين باعتبار التلازم العادي بين كون الشيء ضروريّاً وبين العلم 4.

ص: 166


1- بحر الفوائد 1 / 284.

بثبوته في الدين ، وهذا بخلاف غير الضروري فإنّ الحكم بكفر منكره لا بدّ فيه من إحراز علم المنكر بكونه من الدين من القرائن الخارجية التي لا نحتاج إليها في الحكم بكفر منكر الضروري لأنّ نفس افتراض الضرورة يستلزم افتراض العلم المذكور.

وفيه :

إنّ هذا وإن كان ممكناً إلا أنّ حمل كلمات الفقهاء عليه لا يخلو من صعوبة وذلك لأنّ اللازم حينئذ استثناء صورة الشبهة لوضوح عدم الملازمة فيها في حين لا يوجد هذا الاستثناء في كلمات كثير منهم.

ثانياً : كيف يمكن تفسير الحكم بكفر بعض الفرق المنسوبة إلى الإسلام مثل الخوارج والنواصب وغيرهم مع أنّه من الواضح جدّاً عدم إمكان إرجاع إنكارهم - لما أنكروه - إلى إنكار الرسالة وتكذيب الرسول بل هم يقرّون بالرسالة كما يقرّون بالتوحيد ومع ذلك يحكم بكفرهم؟

والحاصل :

إنَّه بعد فرض الحكم بكفر هؤلاء وخروجهم عن الإسلام وبعد وضوح إقرارهم بالشهادتين وعدم إنكارهم للرسالة ، يقع السؤال التالي :

ما هو الشيء الذي أنكروه أو اعتقدوا به الذي أوجب خروجهم عن الإسلام؟

ص: 167

طبعاً ليس هو إلاّ بغض الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وتكفيره ونحو ذلك لأنّ هذا هو الشيء الوحيد الذي يميّزهم عن سائر المسلمين.

وحينئذِ نسأل هل حكم بكفرهم لأجل أن عقيدتهم هذه تلازم إنكار الرسالة وتكذيب الرسول؟ وهل يمكن إرجاع إنكارهم لحقّ أمير المؤمنين عليه السلام إلى إنكار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكذيبه؟

ويتعيّن الجواب بالنفي لوضوح عدم إنكارهم الرسالة وإقرارهم بالشهادتين وعليه فلا بدّ من الالتزام - في مقام تعليل الحكم بكفرهم - بإرجاعه إلى إنكار ما هو ضروري عند المسلمين وهو لزوم محبّة أمير المؤمنين عليه السلام وولايته بالمعنى الأعمّ ، ومن الواضح أنّ هذا ينافي القول بالأمارية لأنّه يعني أنَّ إنكار الضروري سبب مستقل للحكم بالكفر من دون إرجاعه إلى إنكار النبوّة وتكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهذا هو الذي فهمه العلماء الأعلام حيث ذكروا أنّ الخوارج والنواصب كمثالين لمن يكفر بإنكار ما هو ضروري من ضروريّات الدين بل صرّح بعضهم بذلك مثل العلاّمة فإنّه قال : «وكذا الخوارج لإنكارهم ما علم ثبوته من الدين ضرورة» (1) وكذا المحقّق السبزواري حيث قال : «واعلم أنّ الطريق إلى إثبات نجاسة الخوارج والغلاة أنّهم كفّار لإنكار الخوارج ما هو من ضروريّات الدين» (2).

ويتلخّص من جميع ما تقدّم عدم تمامية القول الثالث لضعف أدلّته مع ورود بعض الإشكالات عليه. 2.

ص: 168


1- تذكرة الفقهاء 1 / 68.
2- ذخيرة المعاد : 152.

القول الرابع في المسألة :

وهو ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري قدس سره قال في كتاب الطهارة بعد كلام له في المسألة : «فالأقوى التفصيل بين القاصر وغيره في الأحكام العملية الضرورية دون العقائد تمسّكاً في عدم كفر منكر الحكم العملي الضروري بعدم الدليل على سببيّته للكفر مع فرض عدم التكليف بالتديّن بذلك الحكم ولا بالعمل بمقتضاه لأنّه المفروض ويبعد أن لا يحرم على الشخص شرب الخمر ويكفر بترك التديّن بحرمته ... وأمّا الحكم بكفر منكر العقائد الضرورية فلعلّه الأقوى للإطلاقات المتقدّمة» ثمّ قال بعد ذلك : «... وأمّا لو قلنا بالثاني وهو كون الإنكار للضرورة قولاً أو عملاً سبباً مستقلاًّ فهل يستثنى صورة الشبهة؟ وجهان ممّا تقدّم من إطلاق كلماتهم من كفر منكر الضروري وخصوص الخوارج والنواصب وكذا النصوص المتقدّمة ومن أنّ القاصر غير مكلّف بالتديّن بذلك المجهول فالتديّن بالنسبة إليه ما عدا ذلك» (1).

والمستفاد من هذا الكلام هو التفصيل بين القاصر والمقصِّر في خصوص ما إذا كان المنكر (بالفتح) من الأحكام العملية الضرورية كحرمة شرب الخمر أو وجوب الصلاة ونحو ذلك فيلتزم بكفر المنكر المقصّر فيها دون القاصر وأمّا إذا كان المنكر (بالفتح) من المسائل الاعتقادية الضرورية مثل المعاد وكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء ونحو ذلك ممّا يطلب فيه الاعتقاد - دون العمل - فيلتزم فيها بكفر المنكر حتّى لو كان قاصراً. 7.

ص: 169


1- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري قدس سره : 356 - 357.

والذي يظهر من مجموع كلامه الاعتراف بإطلاق الأدلّة والفتاوى وإنّ مقتضى الإطلاق هو الالتزام بكفر المنكر للضروري مطلقاً (القول الأوّل) من دون فرق بين القاصر والمقصّر.

نعم إذا كان المنكر (بالفتح) من الأحكام العملية فالالتزام بكفر المنكر القاصر فيها يواجه إشكالاً حاصله أنّه كيف يمكن الحكم بكفره والحال أنّه لقصوره ليس مكلّفاً فيها بالتديّن ولا بالعمل بمقتضاه.

أمّا الأوّل فلأنّ التديّن إنّما يطلب شرعاً في المسائل الاعتقادية دون العملية التي يطلب فيها العلم أوّلاً وبالذات.

وأمّا الثاني فلأنّ المفروض جهل المكلّف بذلك الحكم من غير تقصير ومن الواضح أنّ الحكم مع الجهل به ليس له محرّكية ولا باعثية.

والحاصل :

إنّ الجاهل بحرمة شرب الخمر مثلاً عن قصور كيف يحكم بكفره إذا أنكر هذا الحكم والحال أنّه غير مكلّف بالتديّن به ولا بالعمل على طبقه؟

ومنه يظهر الفرق بينه وبين المقصّر فإنّه لمكان تقصيره يكون مكلّفاً بالعمل بمقتضى الحكم ويعاقب على تركه فلا مانع من الحكم بكفره إذا أنكر هذا الحكم الضروري عملاً بإطلاق الأدلّة.

ونلاحظ على هذا القول :

إنّ ربط الحكم بكفر المنكر بما إذا كان مكلّفاً بالتديّن بما أنكره - أو

ص: 170

بالعمل على طبقه - غير واضح ولم يستدلّ عليه بدليل ، والذي يفهم من الادلّة هو ربط الحكم بالكفر بإنكار مسلّمات الشريعة الإسلامية سواء كانت من العقائد أو من الأحكام العملية مع علمه بكونها كذلك سواء كان مكلّفاً بالتديّن بها أو العمل على طبقها - كما إذا كان عالماً بثبوتها - أم لم يكن كذلك كما إذا كان جاهلاً قاصراً حسب ما ذكره.

والحاصل :

إنّه بعد الاعتراف بوجود أدلّة تدلّ على سببية إنكار الضروري للكفر مطلقاً فلا موجب لرفع اليد عن هذا الإطلاق إلاّ بدليل واضح يكون مُقَيِّداً لذلك الإطلاق ، ولم يذكر صاحب هذا القول أي دليل يصلح للتقييد سوى استبعاد الحكم بكفر المنكر للضروري مع عدم كونه مكلّفاً بالتديّن به ولا بالعمل على طبقه. ومن الواضح أنّ هذا مجرّد استبعاد لا يصحّ لأجله رفع اليد عن الإطلاق المذكور بعد الاعتراف به. ولعلّه لذلك اعترف صاحب هذا القول في نهاية كلامه بأنَّ المسألة مشكلة.

ونلاحظ أيضاً أنّ الشيخ الأنصاري - صاحب هذا القول - اختار في رسائله القول الثالث صريحاً حيث قال في تنبيهات الانسداد في بحث اعتبار الظنّ في أصول الدين : «وأمّا التديّن بسائر الضروريّات ففي اشتراطه أو كفاية عدم إنكارها أو عدم اشتراطه أيضاً فلا يضرّ إنكارها إلاّ مع العلم بكونها من الدين وجوه أقواها الأخير ثمّ الأوسط» (1).

هذا مع أنّه يمكن النقض عليه بالقاصر المنكر لبعض أصول الدين 0.

ص: 171


1- فرائد الأصول 1 / 280.

كالنبوّة مثلاً حيث لا إشكال في الحكم عليه بالكفر مع عدم كونه مكلّفاً بشيء لفرض جهله وقد اعترف بذلك في كلامه حيث ذكر : «إنّ القاصر المنكر للنبوّة لا إشكال في كفره ونجاسته وإن فرضناه قاصراً إذ لا منافاة بين الكفر والنجاسة وبين عدم المؤاخذة» (1) ومن الواضح أنّ عدم المؤاخذة يلازم عدم التكليف الفعلي كما هو الحال في الأحكام الفرعية الشرعية.

وكان اللازم بناء على هذا أن يفصل بين القاصر والمقصّر فيما إذا كان المنكر (بالفتح) من العقائد أيضاً.

نتائج القول المختار :

تبيّن ممّا تقدّم أنَّ أقرب الأقوال الى الصحّة هو القول الثاني ويترتّب على ذلك عدة أمور :

1 - إنّ منكر الضروري لشبهة (الجاهل المركّب) يحكم عليه بالكفر إذا كان عالماً بكون ما أنكره أمراً ضروريّاً عند عامّة المسلمين ، وبهذا يختلف عن القول الثالث حيث لا يحكم عليه بالكفر.

2 - إنّ منكر الضروري لشبهة لا يحكم عليه بالكفر إذا لم يكن عالماً بكون ما أنكره ضروريّاً عند عامّة المسلمين ، وبهذا يفترق عن القول الأوّل حيث يحكم عليه بالكفر.

3 - إنّ منكر الضروري إذا كان جاهلاً بثبوت ما أنكره في الدين جهلاً بسيطاً كحديث العهد بالإسلام ومن يعيش في بلاد بعيدة عن دار الإسلام وبعض المكلّفين - أوائل بلوغهم - لا يحكم بكفره لعدم علمه عادة بكون ما 6.

ص: 172


1- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري قدس سره : 356.

أنكره أمراً ضروريّاً عند المسلمين.

نعم لو فرض ولو فرضاً بعيداً أنّه كان يعلم بضرورة ما أنكره عند المسلمين فلا يبعد الحكم بكفره حينئذ.

بل لعلّ الحكم بكفره أولى من الحكم بكفر صاحب الشبهة في الفرض الأوّل ، وذلك لأنّ صاحب الشبهة لا يحتمل ثبوت ما أنكره في الدين بخلاف الجاهل البسيط فإنّه يحتمل ذلك.

وبهذا يفترق هذا القول عن القول الأوّل حيث إنّ لازمه هو الحكم بكفر المنكر في هذا الفرض.

هذه هي النتائج المترتّبة على اختيار القول الثاني ، ويظهر منها :

إنّ الخروج عن الإسلام لا يدور مدار إنكار الضروي فقط ولذا لا يحكم بالكفر في الفرضين الثاني والثالث ، بل هناك أمر آخر لا بدّ من فرضه حتّى يحكم بكفر المنكر للضروري وهو إطلاع المنكر على أنّ ما أنكره ضروري من ضروريّات الدين عند عامّة المسلمين فمتى ما علم المنكر ذلك حكم عليه بالكفر سواء كان عالماً بثبوت ذلك في الدين أم كان جاهلاً بذلك أم معقتداً عدم ثبوته ، ومتى لم يعلم المنكر بذلك لا يحكم بكفره سواء كان إنكاره عن جهل بإنّه من الدين أم عن شبهة واعتقاد بعدم الثبوت.

نعم إذا كان عالماً بثبوته فلا شكّ في أنَّ إنكاره له يوجب الكفر لاستلزام ذلك تكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنكار الرسالة كما تقدّم.

نعم الحكم عليه بالكفر متوقّف على إثبات علمه بأنَّ ما أنكره يعدُّ من ضروريّات الدين عند المسلمين ، ويمكن إثبات ذلك بما يلي :

1 - إقراره بذلك.

ص: 173

2 - القرائن الواضحة الدالّة على ذلك ومنها كون المنكر يعيش بين المسلمين بحيث يمتنع عادة أن لا يعلم بكون ما أنكره من ضروريّات الدين.

والحاصل :

إنَّ كلّ شيء يراه المسلمون ثابتاً في الدين بشكل واضح بحيث لا يحتاج إلى إثبات بحسب نظرهم - سواء كان من الأمور الاعتقادية أو من الأحكام الشرعية - فإنكاره مع العلم بكونه كذلك عند المسلمين يوجب الكفر وإن كان المنكر لا يعتقد بثبوته في الدين ، ولا بوصوله إلى حدّ الضرورة ، ولعلّ السرّ في ذلك مراعاة أمرين :

أحدهما : إنّ الدين خارجاً هو عبارة عن مجموعة الأمور الثابتة في ذلك الدين ثبوتاً ضروريّاً ، والإنتماء إلى الدين يناط بالاعتقاد بهذه الأمور أو عدم إنكارها على الأقل ، ومع عدم ذلك يعتبر الشخص أجنبيَّاً عن ذلك الدين لأنّ إنكاره هذا يستلزم إنكار ذلك الدين في الحقيقة ، قال صاحب الجواهر : «فدعوى أنَّ إنكار الضروري يثبت الكفر إنْ استلزم إنكار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثلاً فمتى علم أنّ ذلك كان لشبهة - وإلا فاعتقاده بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثلاً ثابت - لم يحكم بكفره لا شاهد عليها بل هي مخالفة لظاهر الأصحاب وكأنّ منشأها عدم وضوح دليل الكفر بدونها على مدّعيها ، وقد عرفت أنّ ذلك الإنكار المستلزم في نفسه لإنكار ذلك الدين وإن لم يكن كذلك عند المنكر بدليل تسالم الأصحاب

ص: 174

على ثبوت الكفر به» (1).

وقال قبل ذلك في مقام تعليل الحكم بكفر المنكر للضروري حتى إذا كان لشبهة «لإنّ إنكاره ذلك الضروري بمنزلة قوله : إنَّ هذا الدين ليس بحقّ فلا يجدي اعتقاده حقيقة» (2).

ثانيهما : احترام عقائد المسلمين والأمور المسلّمة عندهم وعدم التعرّض لها بالإنكار وإلزام كل من ينتمي إلى الإسلام بذلك وإن كان غير مؤمن بها ممّا يترتّب عليه بقاء هذه المسلّمات مصونة عن التلاعب والتشويش ممّا يحفظ لها قدسيتها في نفوس المسلمين. 8.

ص: 175


1- جواهر الكلام 6 / 48.
2- جواهر الكلام 6 / 48.

ضروريّات المذهب

ما تقدّم كلّه كان في منكر ضروريّات الدين وأمَّا منكر ضروري من ضروريّات المذهب فهل هو كمنكر ضروريّات الدين؟

لا إشكال ولا خلاف في عدم الفرق بينهما من حيث ترتّب الكفر على هذا الإنكار فيما إذا فرض كون المنكر عالماً بثبوت ما أنكره في الدين وذلك لرجوع إنكاره مع العلم إلى إنكار الرسالة وتكذيب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل حتّى غير الضروري بكون إنكاره مع العلم موجباً للكفر لنفس ما تقدّم ، ومن هنا قلنا سابقاً إنّ القول الثالث الذي لا يحكم بكفر منكر الضروري - إلا إذا رجع إلى إنكار النبوّة - يستلزم إلغاء خصوصية عنوان الضروري فالإنكار مع العلم يوجب الكفر ومع عدمه لا يوجب الكفر من دون فرق بين ضروري الدين والمذهب وبين غير الضروري.

وأمَّا في موارد الشبهة فالظاهر وجود فرق بين الأمرين لأنّ الأدلّة المتقدّمة لا تدلّ إلاّ على كفر منكر ضروري الدين فقط ، بل عرفت أنّ عنوان الضروري لم يرد في شي من الأدلّة وإنَّما الوارد فيها عنوان (الفرائض) وعنوان (الكبائر) وبعض العناوين الجزئية مثل (الصلاة) و (العدم) فالأدلّة تدلّ على أنَّ إنكار هذه الأمور يوجب الخروج عن الإسلام ولا تدلّ على أزيد من ذلك ، ومن الواضح أنَّ هذه الأمور من ضروريات الدين لا من ضروريّات المذهب.

والحاصل :

إنّه لا دليل على كفر منكر ضروري من ضروريّات المذهب إذا كان

ص: 176

إنكاره عن شبهة بل مع عدم العلم مطلقاً.

وهل يحكم عليه بالخروج عن المذهب؟ أمّا مع العلم فلا إشكال في خروجه عن الدين كما تقدّم.

وأمَّا مع عدم العلم قد يقال إنَّ هذا يختلف باختلاف ما ينكره من ضروريّات المذهب ، فإن كان ما ينكره الإمامة ونحوها فلا يبعد الحكم عليه بذلك.

وأمَّا إذا كان مثل وجوب الخمس في فاضل المؤنة أو إباحة المتعة ونحو ذلك فلا دليل على أنَّ الإنكار حينئذ يوجب الخروج عن المذهب.

وقد يستدلّ لذلك بأنّ المستفاد من الأدلّة أنَّ الإمامة والولاية هي من أصول المذهب المعبّر عنه بالإيمان في بعض الروايات فيخرج الإنسان عن الإيمان بإنكاره هذا الأصل بل بعدم الاعتقاد به وإن كان قاصراً. ويكون حال الولاية بالنسبة إلى المذهب حال التوحيد والنبوة بالنسبة إلى الإسلام فكما لا يكون الإنسان مسلماً إلاّ إذا اعتقد بهذين الأصلين كذلك لا يكون مؤمناً بالمعنى الأخصّ أي إماميّاً إثنا عشريّاً إلاّ إذا اعتقد بولاية الأئمّة عليهم السلام وإمامتهم.

ويمكن الاستدلال على ذلك ب- :

1 - رواية سفيان بن السمط قال : «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه ثمّ سأله فلم يجبه ثمّ التقيا في الطريق وقد أزف من الرجل الرحيل ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : كأنّه قد أزف منك رحيل قال : نعم قال : فالقني في البيت فلقيه فسأله عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما؟ فقال : الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس :

ص: 177

شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنَّ محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام وقال : الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقرَّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً وكان ضالاًّ» (1).

وهي ظاهرة في أنّه يخرج عن الإيمان بعدم معرفة الإمامة فضلاً عن إنكارها وأنّه يكون مسلماً لا مؤمناً.

2 - معتبرة عمرو بن حريث وفيها أنّه عرض على الإمام الصادق عليه السلام دينه قائلاً : «أدين الله بشهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله ... والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والولاية للحسن والحسين والولاية لعلي بن الحسين والولاية لمحمد بن علي ولك من بعده ... فقال له الإمام عليه السلام : يا عمرو هذا والله دين الله ودين آبائي الذي أدين الله به في السرّ والعلانية» (2).

3 - الروايات الدالّة على أنّ الولاية ممّا بُني عليه الإسلام وأركانه وأنَّها من حدود الإيمان وهي روايات كثيرة ومعظمها صحيح السند وقد ذكر جملة منها الشيخ الكليني في الكافي تحت عنوان (باب دعائم الإسلام) والمراد بالإسلام في هذه النصوص هو المعنى الثاني أي الواقعي منه وهو المراد بالإيمان بالمعنى الأخصّ والذي نعبّر عنه بالمذهب.

4 - حديث «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليةً» وقد 4.

ص: 178


1- الكافي 2 / 24 ح 4 والظاهر صحّة الحديث فإنّ سفيان بن السمط وإن لم يوثّق في كلماتهم إلاّ أنّ ابن أبي عُمير روى عنه بسند صحيح.
2- الكافي 2 / 23 ح 14.

رواه الفريقان بطرقهم وفيه دلالة على أنّ لكلّ زمان إماماً لا بدّ من معرفته ومتابعته وإنْ مَنْ لم يعرف إمام زمانه مات على الكفر والضلال لا على الإسلام.

5 - رواية ابن أُذينة عن أحدهما (عليهما السلام) أنَّه قال : «لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله ورسوله والأئمّة كلّهم وإمام زمانه ويردُّ إليه ويسلّم له» (1).

6 - رواية أبي سلمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «سمعته يقول : نحن الذين فرض الله طاعتنا ، لا يسع الناس إلا معرفتنا ولا يُعْذَر الناس بجهالتنا من عرفنا كان مؤمناً ومن أنكرنا كان كافراً ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاًّ حتّى يرجع إلى الهدى ...» (2).

7 - ما دلَّ على أنَّ حبّهم إيمان وبغضهم كفر وهو روايات عديدة واردة بهذا المضمون وقد ذكر العلاّمة المجلسي في مرآة العقول أنّ المراد بحبّهم اعتقاد إمامتهم وببغضهم إنكارها وذكر أنَّ هذا المعنى للحبّ والبغض هو المستعمل في الأخبار كثيراً (3).

والحاصل :

إنَّ المستفاد من هذه الروايات وغيرها هو أنَّ الإمامة من أصول الإيمان بالمعنى الأخصّ فيعتبر الإعتقاد بها وكلّ من أنكرها أو لم يعتقد بها 3.

ص: 179


1- الكافي 1 / 180 ح 2.
2- الكافي 1 / 187 ح 11.
3- مرآة العقول 2 / 333.

لا يكون مؤمناً.

وأمَّا ضروريّات المذهب الأخرى فلا يكون إنكارها موجباً للخروج عن المذهب لأنّ كونها كذلك يتوقّف على أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ :

أحدهما : أنْ تكون من أصول المذهب بمعنى أنَّها تعتبر في الإيمان بالمعنى الأخصّ فيكون الاعتقاد بها شرطاً في صيرورة الإنسان مؤمناً وإماميّاً.

ثانيهما : أن تكون من الأمور التي اعتبر إنكارها خروجاً عن المذهب وإن لم تكن من أصوله كما هو الحال في ضروريّات الدين كما تقدم.

وكلّ من الأمرين غير تامّ أمّا الأوّل فلوضوح أنّ مثل إباحة المتعة ونحوها ليست من أصول المذهب وأمّا الثاني فلعدم الدليل عليه.

ص: 180

مصادر البحث

1 - القرآن الكريم.

2 - إيضاح الفرائد في شرح الرسائل ، السيّد محمد الحسيني التنكابني.

3 - بحر الفوائد ، المحقّق الأشتياني ، منشورات آية الله المرعشي النجفي ، قم ، الطبعة حجرية.

4 - بحوث في شرح العروة الوثقى ، السيد الشهيد محمد باقر الصدر ، مجتمع الشهيد الصدر العلمي ، قم ، الطبعة الثانية.

5 - بلغة الفقيه ، السيّد محمد بحر العلوم ، طبعة مكتبة الصادق عليه السلام ، طهران ، الطبعة الرابعة.

6 - تاج العروس ، محب الدين أبي الفيض السيّد محمد مرتضى الحسيني الحنفي ، مكتبة الحياة ، بيروت.

7 - تحرير الأحكام ، العلاّمة الحلي ، الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي ، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام ، قم ، الطبعة الأولى.

8 - تذكرة الفقهاء ، العلاّمة الحلّي ، الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الطبعة الأولى.

9 - التنقيح في شرح العروة الوثقى ، للسيّد الخوئي ، مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي ، قم.

10 - جامع المقاصد ، المحقّق الكركي ، علي بن الحسن ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الطبعة الأولى.

11 - جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام ، محمد حسن النجفي ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة السابعة.

12 - ذخيرة المعاد ، ملاّ محمد باقر السبزواري ، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الطبعة حجرية.

13 - ذكرى الشيعة ، الشهيد الأوّل ، محمد بن جمال الدين مكي العاملي ،

ص: 181

طبع وتحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، الطبعة الأولى.

14 - الرسالة العددية ، الشيخ المفيد ، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري ، المؤتمر العالمي في ذكرى ألفية الشيخ المفيد ، قم ، الطبعة الأولى.

15 - الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ، الشهيد الثاني ، زين الدين الجبعي العاملي ، دار العالم الاسلامي ، بيروت.

16 - سفينة البحار ، الشيخ عباس القمّي ، طبعة دار الأُسوة للطباعة والنشر ، قم ، الطبعة الأولى.

17 - شرايع الإسلام ، المحقّق الحلّي ، نجم الدين جعفر بن الحسن ، طبعة النجف الأشرف.

18 - الصحاح ، إسماعيل بن حماد الجوهري ، دار العلم للملايين ، بيروت (الطبعة الثالثة).

19 - العين ، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي ، منشورات دار الهجرة ، قم ، الطبعة الأولى.

20 - فرائد الأُصول ، الشيخ الأنصاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

21 - القاموس المحيط ، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي.

22 - قواعد الأحكام ، العلاّمة الحلّي ، الحسن بن يوسف بن المطهر ، المطبوع ضمن سلسلة الينابيع الفقهية.

23 - الكافي ، الشيخ الكليني ، أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، الطبعة الثالثة.

24 - كتاب الطهارة ، للشيخ الأنصاري قدس سره ، حجري ، طبعة مؤسّسة آل البيت عليهم السلام.

25 - كتاب الطهارة ، للسيد الخوئي ، طبعة صدر ، قم ، الطبعة الثالثة.

26 - كشف الغطاء ، الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، الطبعة الأولى.

27 - كشف اللثام عن قواعد الأحكام ، فاضل الهندي بهاء الدين محمد بن

ص: 182

الحسن الاصفهاني ، مكتبة آية الله المرعشي النجفي ، قم ، حجرية.

28 - لسان العرب ، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الأولى.

29 - مباني تكملة المنهاج ، السيّد الخوئي ، طبعة دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت.

30 - مجمع الفائدة والبرهان ، المحقّق الاردبيلي ، أحمد الاردبيلي ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة الأولى.

31 - مصباح الفقيه ، آقا رضا الهمداني ، المؤسّسة الجعفرية ، قم ، الطبعة الأولى.

32 - مرآة العقول ، العلاّمة المجلسي ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، الطبعة الثانية.

33 - معجم رجال الحديث ، للسيّد الخوئي ، مركز نشر الثقافة الإسلامية ، قم ، الطبعة الخامسة.

34 - معجم مقاييس اللغة ، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ، مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، تحقيق عبد السلام محمد هارون.

35 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة ، السيّد محمد جواد الحسيني العاملي ، الطبعة الحديثة.

36 - المفردات في غريب القرآن ، أبو القاسم بن محمد الراغب الاصفهاني.

37 - من لا يحضره الفقيه ، الشيخ الصدوق ، محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه ، دار صعب ودار التعارف للمطبوعات ، بيروت.

38 - وسائل الشيعة ، محمد بن الحسين الحرّ العاملي ، طبعة مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الطبعة الأولى.

ص: 183

النظرية الأُصولية ... نشوؤها وتطوّرها (2)

تاريخ

علم الأُصول

وتطور

الأفكار الأُصولية

(2)

السيّد زهير الأعرجي

تعرضنا إلى تاريخ علم الأُصول ، وتطور الافكار الأُصولية ، مروراً بالمدارس الأُصولية في التاريخ الامامي ، وعوداً على بدء نستأنف البحث ...

الشيخ الطوسي : عصر تطبيق النظرية الأُصولية :

ارتبط عصر التأسيس العلمي لأُصول الفقه بانتقال الشيخ الطوسي (ت 460 ه) إلى النجف سنة 448 ه- واستقراره فيها وفتح باب التدريس لمصنّفاته الشهيرة : المبسوط وعُدّة الأُصول وتهذيب الأحكام والاستبصار والتبيان والفهرست في أسماء المصنّفين من الشيعة.

النجف وتأسيس الحوزة :

فالنجف ، كمدينة مقدّسة ، بدأ تاريخها منذ اكتشاف قبر الإمام علي عليه السلام سنة 170 ه- بعد أن كان مجهولاً للناس عدا القلّة المنتخَبة من الأصحاب ، أمّا تاريخها العلمي ، فإنّه بدأ - حسب المشهور - بهجرة الشيخ الطوسي إليها سنة 448 ه- وتأسيس المؤسّسة العلمية الشريفة التي عُرفت في ما بعد ب- (الحوزة العلمية) ...

ص: 184

ولكنّ ابن طاووس ذكر في كتابه فرحة الغري أنّ : «عضد الدولة البويهي (فناخسرو) زار النجف الأشرف سنة 371 ه- ، وقام أثناء زيارته هذه بتوزيع المال على الفقهاء» (1). وهذا النصّ - فيما لو ثبت سنده - يدلّ على ظهور الحركة العلمية الشيعية قبل أقلّ من قرن من الزمان من المشهور عن زمن تأسيس الحوزة العلمية ، ويؤيّده أنّ اختيار الشيخ الطوسي للتوجّه نحو النجف لتنشيط الحوزة العلمية لم يكن قراراً منفرداً ، بل كانت له حيثيّاته الموضوعية والتاريخية التي شجّعته على التوجّه إلى تلك المدينة المشرّفة مباشرة دون غيرها من مدن الطائفة ، ولو أُضيف إلى ذلك الإلهام الذي يستمدّه الفقيه بمجاورته مرقد باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لازدادت قناعتنا بأنّ تلك المدينة العريقة كانت أهلاً لاحتضان علوم الشريعة بأرقى مستوياتها ، وما ميّز النجف في عصر الشيخ الطوسي عن غيره من العصور أنّ علمي الفقه والأُصول انتقلا إلى طراز متطوّر في عمرهما المديد.

موارد بناء علم الأُصول :

ولا شكّ أنّنا لا نستطيع استيعاب فكرة النظريات الأُصولية التي طرحها الشيخ الطوسي في حوزة النجف العلمية في منتصف القرن الخامس الهجري ما لم ندرس بإسهاب أربعة موارد أصولية مهمّة للغاية في بناء علم الأُصول وتطوّره لاحقاً على أيدي فقهائنا الأعلام ، وهي :

أ - تطبيق النظريات الأُصولية في الفقه. ء.

ص: 185


1- فرحة الغري : الباب الرابع عشر : فيما ورد عن جماعة أعيان من العلماء والفضلاء.

ب - التمييز بين الأدلّة الإجمالية والأدلّة التفصيلية.

ج - حجّية خبر الواحد.

د - حجّية الإجماع.

أ - تطبيق النظريات الأُصولية في الفقه :

لقد كان الشيخ الطوسي يطمح إلى تطوير شامل في علمي الفقه والأُصول خصوصاً بعد أن أحسّ بالحاجة إلى منهجة الفقه الإمامي منهجة علمية استدلالية بعيدة عن العرض المجرّد للنصوص ، وقد كان كتاب عدّة الأُصول مرآة لذلك التطوير النوعي ، وكان كتاب المبسوط في الفقه تعبيراً واضحاً عن التطوّر الملحوظ الذي وصلت إليه البحوث الفقهية ، وكتاب تهذيب الأحكام كان محاولة استدلالية رائعة لتطبيق النظريّات الأُصولية التي آمن بها على المفردات الفقهية الخاصّة ، وقد عبّرت مقدّمة كتاب التهذيب عن ذلك ؛ فقال في خطبة الكتاب : «... وأن أترجم كلّ باب على حسب ما ترجمه [يعني أستاذه الشيخ المفيد في كتاب المقنعة] ، وأذكر مسألة مسألة ، فأستدلّ عليها :

* إمّا من ظاهر القرآن ، أو من صريحه ، أو فحواه ، أو دليله ، أو معناه.

* وإمّا السنّة المقطوع بها من الأخبار المتواترة أو الأخبار التي تقترن إليها القرائن التي تدلّ على صحّتها.

* وإمّا من إجماع المسلمين إن كان فيها ، أو إجماع الفرقة المحقّة.

* ثمّ أذكر بعد ذلك من أحاديث أصحابنا المشهورة في ذلك.

* وأنظر في ما ورد - بعد ذلك - ممّا ينافيها ويضادّها ، وأبيّن الوجه فيها : إمّا بتأويل أجمع بينها وبينها ، أو أذكر وجه الفساد فيها ، إمّا من ضعف

ص: 186

إسنادها ، أو عمل العصابة بخلاف متضمّنها.

* فإذا اتّفق الخبران على وجه لا ترجيح لأحدها على الآخر ، بينتُ أنّ العمل يجب أن يكون بما يوافق دلالة الأصل وترك العمل بما يخالفه.

* وكذلك إن كان الحكم مما لا نصّ فيه على التعيين حملته على ما يقتضي الأصل.

* ومهما تمكّنتُ من تأويل بعض الأحاديث من غير أن أطعن في إسنادها ، فإنّي لا أتعدّاه. وأجتهد أن أروي في معنى ما أتأوّل الحديث عليه حديثاً آخر يتضمّن ذلك المعنى ، إمّا من صريحه ، أو فحواه ، حتّى أكون على الفتيا والتأويل بالأثر ، وإنّ هذا ممّا لا يجب علينا ، لكنّه ممّا يؤنس بالتمسّك بالأحاديث.

وأجري على عادتي هذه إلى آخر الكتاب ، وأوضّح إيضاحاً لا يلتبس الوجه على أحد ممّن نظر فيه» (1).

أمّا في كتاب المبسوط في فقه الإمامية فقد كسر الشيخ الطوسي حاجز الاستعراض الروائي ودخل بقدرة فائقة إلى رحاب الاستدلال الشرعي والعقلي للمسائل الفقهية ، وكان ذلك يتمّ عبر تسليط الضوء على الجوانب الاستدلالية للمفردات الفقهية في التحليل والتعليل والتأصيل والتفريع والنقد والتجريح ، وكان تطبيق القواعد الأُصولية إلى جانب استنطاق النصوص من أهمّ ميّزات الاستدلال في كتاب المبسوط في فقه الإمامية ؛ فقد ذكر في شرح منهجية بحثه الاستدلالي نحواً من القواعد منها :

* ... وإذا كانت المسألة أو الفرع ظاهراً أقنع فيه بمجرّد الفتيا. ة.

ص: 187


1- تهذيب الأحكام : المقدّمة.

* وإذا كانت المسألة أو الفرع غريباً أو مشكلاً أومئ إلى تعليلها ووجه دليلها ليكون الناظر فيها غير مقلّد ولا متحيّر.

* وإذا كانت المسألة أو الفرع ممّا فيه أقوال العلماء ذكرتها وبيّنت عللها والصحيح منها والأقوى ، وأنبّه على جهة دليلها ، لا على وجه القياس ، وإذا شبّهتُ شيئاً بشيء فعلى جهة المثال ، لا على وجه حمل إحداهما على الأخرى أو على وجه الحكاية عن المخالفين دون الاعتبار الصحيح (1).

ب - التمييز بين الأدلّة الإجمالية والأدلّة التفصيلية :

وقد حاول الشيخ الطوسي التمييز بين الأدلّة الإجمالية والأدلّة التفصيلية ، وكان يقصد بالأدلّة الإجمالية القواعد المشتركة في علم الأُصول ، ويقصد بالأدلّة التفصيلية الأدلّة الفقهية الخاصّة بمواردها الموضوعية ؛ فيقول في الفصل الأوّل من عدّة الأُصول في معرض حديثه عن ماهية أصول الفقه وانقسامها وكيفية ترتيب أبوابها : (أصول الفقه هي أدلّة الفقه ، فإذا تكلّمنا في هذه الأدلّة فقد نتكلّم في ما تقتضيه من إيجاب وندب وإباحة وغير ذلك من الأقسام على طريق الجملة. وليس يلزم عليها أن تكون الأدلّة الموصلة إلى فروع الفقه الكلام على ما في أصول الفقه ؛ لأنّ هذه الأدلّة أدلّة على تعيين المسائل ، والكلام في الجملة غير الكلام في التفصيل) (2).

ولا شكّ أنّ التمييز بين الأدلّة الإجمالية والأدلّة التفصيلية لم يكن نتيجة مجرّدة من نتائج عدم الاقتصار على استعراض نصوص الكتاب 3.

ص: 188


1- المبسوط في فقه الإمامية 1 / 3.
2- عُدّة الأُصول 1 / 3.

المجيد وما يصحّ من السنّة المطهّرة فحسب ، بل إنّ ذلك التمييز نشأ لمعالجة الإشكاليّات المنبثقة عن استخدام القواعد الفقهية أو الأُصولية في عملية الاستنباط الشرعي أكثر من مرّة.

وقد لمحنا أوّل مرّة في كتب الشيخ الطوسي الفقهية طبيعة الصناعة الأُصولية التي لها أصولها وقواعدها المتميّزة ، ومع أنّ كتاب عُدّة الأُصول لم يتجاوز على الأغلب مباحث الألفاظ من الأوامر والنواهي ، ودلالات هيئات الألفاظ وموادّها ، إلاّ أنّ القيام بدراسة المسائل الأُصولية وتنقيح مواردها بشكل منفصل عن الفقه بصورة موضوعية يشعرنا بإدراك الشيخ الطوسي لأهميّة التمييز بين الأدلّة الإجمالية والأدلّة التفصيلية. وهو ما توضّحت أهميّته الموضوعية لاحقاً في تشخيص بعض الموارد على صعيد مبادئ علم الاستنباط.

ج - حجّية خبر الواحد :

وكان التشابك بين علم الأُصول وعلم الكلام (أي علم أصول الدين) قد أدّى إلى إنكار حجّية خبر الواحد في تلك الفترة التأسيسية لعلم الأُصول ، فقد آمن بعض الفقهاء ، ومنهم السيّد المرتضى ، بأنّ خبر الواحد - وهو الرواية الظنّية التي لا نعلم صدقها بشكل قطعي - لا يمكن الاستدلال به على النطاق الفقهي ، لأنّ الدليل الأُصولي ينبغي أن يكون قطعياً ؛ فقالوا بعدم جواز التعبّد بخبر الواحد شرعاً وجعلوه بمنزلة القياس في كون ترك العمل به معروفاً عند الشيعة ، وإن كان العقل يحكم بجواز التعبّد به ؛ ولذلك فإنّهم وجدوا أنفسهم في غنىً عن مناقشة مسائل التعارض والتراجيح والتخيير وطبيعة المراسيل.

فقد قال السيّد المرتضى في الذريعة : «اعلم إنّا إذا كنّا قد دلّلنا على

ص: 189

أنّ خبر الواحد غير مقبول في الأحكام الشرعية فلا وجه لكلامنا في فروع هذا الأصل الذي دلّلنا على بطلانه ؛ لأنّ الفرع تابع لأصله ، فلا حاجة بنا إلى الكلام على أنّ المراسيل مقبولة أو مردودة ، ولا على وجه ترجيح بعض الأخبار على بعض ، وفي ما يردّ له الخبر أو لا يردّ في تعارض الأخبار ، فذلك كلّه شغل قد سقط عنّا بإبطالنا ما هو أصل لهذه الفروع ، وإنّما يتكلّف الكلام على هذه الفروع من ذهب إلى صحّة أصلها ، وهو العمل بخبر الواحد ...) (1).

وذكر الشيخ ابن إدريس في مقدمة كتاب السرائر نقلاً عن السيّد المرتضى في الموصليّات قوله : «لابدّ في الأحكام الشرعية من طريق يوصل إلى العلم ... ولذلك أبطلنا في الشريعة العمل بأخبار الآحاد ، لأنّها لا توجب علماً ولا عملاً ، وأوجبنا أن يكون العمل تابعاً للعلم ، لأنّ خبر الواحد إذا كان عدلاً فغاية ما يقتضيه الظنّ بصدقه ومن ظننت صدقه يجوز أن يكون كاذباً» (2).

ولكنّ الشيخ الطوسي خالف أُستاذه السيّد المرتضى وأعلن إيمانه بحجّية خبر الواحد ؛ فقد رأى بخبر الواحد دليلاً قاطعاً يجوز التعبد به ، وإلى ذلك أشار شيخ الطائفة في عُدّة الأُصول : «من عمل بخبر الواحد فإنّما يعمل به إذا دلّ دليل على وجوب العمل به إمّا من الكتاب أو السنّة أو الإجماع ، فلا يكون قد عمل بغير علم» (3). وقال في مكان آخر : «فأمّا ما اخترته من المذهب فهو إنّ خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا 4.

ص: 190


1- الذريعة 2 / 554 - 555.
2- السرائر : المقدّمة ، طبعة حجرية.
3- عدة الأُصول 1 / 44.

القائلين بالإمامة وكان ذلك مرويّاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو عن واحد من الأئمّة عليهم السلام ، وكان ممّن لا يطعن في روايته ويكون سديداً في نقله ولم يكن هناك قرينة تدلّ على صحّة ما تضمّنه الخبر - لأنّه إن كان هناك قرينة تدلّ على صحّة ذلك كان الاعتبار بالقرينة وكان ذلك موجباً للعلم ، ونحن نذكر القرائن فيما بعد - جاز العمل به» (1).

وقد كانت نظرية (حجّية خبر الواحد) للشيخ الطوسي موفّقة إلى أبعد الحدود ؛ فقد بقي الفقهاء يناقشونها منذ عصر الشيخ الطوسي حتّى عصر الشيخ الأنصاري ، وقد انقسم أصحاب الرأي فيها - منذ عهد الشيخ الطوسي حتى عهد المحقّق الحلّي وما بعده - إلى معسكرين.

الأوّل : المعسكر المنكِر لحجّية العمل بخبر الواحد.

الثاني : المعسكر المؤيّد لحجّية العمل بخبر الواحد.

ولا شكّ أنّ المعسكر الثاني كان قد انتصر في معركته الفكرية منذ عهد المحقّق الحلّي ، وفي هذا الحيّز من الفكر الأُصولي ؛ فإنّ من المهمّ ملاحظة الأدلّة التي قُدّمت لاحقاً من قبل الفقهاء على مدى القرون العشرة اللاحقة على انتهاء عصر الشيخ الطوسي ؛ فإنّنا بذلك اللحاظ سوف ندرك قوّة تفكير الشيخ رضوان الله عليه.

أدلّة المنكرين للعمل بخبر الواحد :

وقد استدلّ هذا المذهب القائل بعدم حجّية خبر الواحد على نظريته بثلاثة وجوه : 1.

ص: 191


1- عدة الأُصول 1 / 51.

الأوّل : دعوى الإجماع على عدم حجّية خبر الواحد ، وقد أُشكل على هذا الدليل بأنّ الإجماع المنقول هو من أفراد خبر الواحد ، ولا شكّ أنّ عدم حجّية خبر الواحد تُثبِت بالضرورة عدم حجّية الإجماع المنقول ، ولذلك فإنّنا لا نستطيع نفي حجّية خبر الواحد عن طريق الإجماع المنقول ...

يضاف إلى ذلك أنّ المشهور بين الفقهاء هو حجّية خبر الواحد ، عدا خمسة فقهاء هم : السيّد المرتضى والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس الذين آمنوا جميعاً بعدم حجّيته ، ولكن هؤلاء الفقهاء بمجموع آرائهم وفتاويهم لا يمكن أن يشكّلوا إجماعاً منقولاً.

الثاني : الروايات الناهية عن العمل بالخبر المخالف للكتاب والسنّة وكذلك الروايات الناهية عن العمل بالخبر الذي لا يكون عليه شاهد أو شاهدان من كتاب الله أو سنّة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد رُدّ على هذا الإشكال بالقول : بأنّ المراد من المخالفة في هذه الأخبار هي تلك المخالفة التي تقع بحيث لا يكون بين الخبر وكتاب الله جمع عرفي ، كما في حالتي كون الخبر مخالفاً للقرآن بنحو التباين أو العموم من وجه ، وفي هاتين الحالتين لا يكون الخبر حجّة بكل تأكيد ، وهو بحث خارج عن نقاشنا هنا ، أمّا الأخبار المخالفة للقرآن بنحو التخصيص أو التقييد فلا تندرج تحت هذا اللون من الروايات ، لأنّنا نعلم بصدور المخصّص لعمومات القرآن المجيد والمقيد لإطلاقاته عن أئمّتنا عليهم السلام.

وفي حالة الأخبار الدالة على المنع عن العمل بخبر الواحد عندما لا يكون عليه شاهد أو شاهدان من كتاب أو سنّة ، فقد ورد : أن هناك أخباراً متعارضة يُعلم بصدورها ولا شاهد لها من الكتاب والسنّة ؛ فلابدّ من حمل

ص: 192

هذه الأخبار على صورة التعارض ، كما نوقش في محلّه في علم الأُصول.

الثالث : الآيات الناهية عن العمل بغير العلم ، كقوله تعالى : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (1) ، وقوله تعالى : (اَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ...) (2) وقد رُدّ على هذا الدليل بالقول بأنّ تلك الآيات الشريفة لا دلالة لها على عدم حجّية خبر الواحد أصلاً ، بل إنّ مفادها هو حكم إرشادي وهو إرشاد المكلّف إلى حكم العقل بوجوب تحصيل العلم كمؤمِّن له من العقاب ، وعدم جواز الاكتفاء بالظنّ به بملاك وجوب دفع الضرر المحتمل.

أدلّة المجوّزين للعمل بخبر الواحد :

وقد استدلّ هذا المذهب الذي يرى جواز حجّية خبر الواحد على نظريّته بالأدلّة الأربعة ، وهي :

الأوّل : الكتاب المجيد ومنها : آية النبأ وهي قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (3). وقد استدلّ على هذه الآية بتقريبات ثلاثة وهي :

التقريب الأوّل : إنّ خبر الفاسق له جهتان ، الأولى : ذاتية ، وهو كونه خبر واحد ، والثانية : عرضية ، وهي كونه خبر فاسق ، حيث إنّ الفسق ليس ذاتيّاً للإنسان الفاسق ، ومقتضى التحقيق هو الجهة الثانية ، أي الجهة 6.

ص: 193


1- سورة الإسراء 17 : 36.
2- سورة يونس 10 : 36.
3- سورة الحجرات 49 : 6.

العرضية ..

كما قال الشيخ الأنصاري في رسائله (1) :

«فوجوب التبيّن في خبر الفاسق إنّما كان من أجل فسقه ، إذ لو كانت العلّة في وجوب التبيّن هي الجهة الذاتية ، لكان العدول عن الذاتي إلى العرضي قبيحاً». أي وبمعنى آخر لكان العدول عن خبر الواحد إلى خبر الفاسق خارجاً عن طريق المحاورة العرفية.

التقريب الثاني : وهو الاستدلال بمفهوم الشرط ، فقد عُلّق وجوب التبيّن في خبر الواحد على كون الآتي به فاسقاً ؛ فينتفي المشروط - وهو وجوب التبيّن - عند انتفاء الشرط ، كما هو متّفق عليه في القضايا الشرطية ، أمّا إذا كان حامل الخبر غير فاسق ، بل ولنفترض أنّه كان عادلاً ، فلا يجب التبيّن حينئذ.

التقريب الثالث : وهو الاستدلال بمفهوم الوصف ؛ فقد أوجب المولى عزّ وجلّ التبيّن عن خبر الفاسق ، ولكنّ التبيّن - ذاته - ليس من الواجبات النفسية أو الذاتية ، بل إنّ وجوب التبيّن في خبر الفاسق هو من أجل ترتيب الأثر عليه ، فيكون - عندئذ - مقتضى التعليق على الوصف أنّ العمل بخبر غير الفاسق لا يوجب التبيّن ، وإلاّ لكان التعليق بخبر الفاسق لغواً.

وقد استدلّ بآيات أخر مفصّلة يمكن مراجعتها من مظانّها.

الثاني : الروايات التي استدل بها على حجّية خبر الواحد :

ومنها : الأخبار العلاجية الواردة في الخبرين المتعارضين من الأخذ 6.

ص: 194


1- فرائد الأُصول 1 / 116.

بالأعدل والأصدق والمشهور ، والتخيير عند التساوي ، مثل مقبولة عمر بن حنظلة ، حيث يقول : «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث» (1) ، ورواية غوالي اللئالي المروية عن العلاّمة والمرفوعة إلى زرارة : «قال : يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما نأخذ؟ قال : خُذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر ، قلت : فإنّهما معاً مشهوران ، قال : خُذ بأعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك» (2) ، ودلالة هذه الروايات ونحوها على اعتبار الخبر غير المقطوع الصدور واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من البيان.

ومنها : الأخبار الآمرة بالرجوع إلى رواة معيّنين بأسمائهم ، مثل إرجاعه عليه السلام إلى زرارة بقوله عليه السلام إلى أحد السائلين : «إذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس مشيراً إلى زرارة» (3).

ومنها : الأخبار الآمرة بالرجوع إلى الثقات كقوله عليه السلام لعلي بن المسيّب بعد السؤال عمّن يأخذ عنه معالم الدين : «عليك بزكريّا بن آدم المأمون على الدين والدنيا» (4) ، وظاهر هذه الرواية أنّ قبول قول الثقة كان من الأمور المفروغ منها عند الراوي ؛ فسأل عن وثاقة من يأخذ عنه معالم الدين حتّى يُرتّب عليها أخذ القضايا الشرعية منه.

وبكلمة ، فإنّ المتيقّن من حجّية العمل بخبر الثقة هو خبر الثقة الذي يضعف فيه احتمال الكذب على وجه لا يعتني به العقلاء بل يقبّحون 5.

ص: 195


1- الكافي 1 / 68.
2- غوالي اللئالي 4 / 133.
3- بحار الانوار 2 / 246 ، رجال الكشي : 136.
4- بحار الأنوار 2 / 251 ، رجال الكشي : 595.

التوقّف فيه لأجل ذلك الاحتمال ، كما آمن بذلك فقهاؤنا العظام رضوان الله عليهم جميعاً.

الثالث : الإجماع ، وقد استدلّ لحجّية خبر الواحد بالإجماع ، وهو تتبّع أقوال العلماء خلال العصور المتعاقبة ، فيحصل من ذلك القطع بالاتفاق الكاشف عن رضا الإمام عليه السلام بالحكم أو وجود نصّ معتبر في المسألة ، ولم يحضَ رأي السيّد المرتضى وأتباعه المخالِف للمشهور بعناية ما ، كما أشار الشيخ الطوسي إلى ذلك في (عدّة الأُصول) ، وقد أجمع علماء الشيعة بعد الشيخ الطوسي على حجّية خبر الواحد ، ما عدا ابن زهرة وابن إدريس كما ألمحنا إلى ذلك سابقاً.

الرابع : العقل ، وقد استدلّ به في إثبات حجّية خبر الواحد ؛ فممّا يطمئننا بعد أكثر من ألف عام على انقضاء عصر النصّ أنّ أكثر الأخبار بل جُلّها ، إلاّ ما شذّ وندر ، قد صدرت يقيناً عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ووصلتنا كما هي دون زيادة أو نقصان ، ويؤيّد ذلك اعتناء رواة الشيعة الأجلاّء من أصحاب الأئمّة وفقهائهم بنقل الأحاديث ؛ فقد روي عن حمدويه ، عن أيوب بن نوح : «إنّه دفع إليه دفتراً فيه أحاديث محمد بن سنان ، فقال : إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا ، فإنّي كتبتُ عن محمد بن سنان ، ولكن لا أروي لكم عنه شيئاً ، فأنّه قال قبل موته : كلّ ما حدّثتكم به فليس بسماع ولا برواية ، وإنّما وجدته» (1) ..

فهذا الاحتياط في الرواية عمّن لم يسمع من الثقات دليل قوي على شدّة عناية الأصحاب بالروايات المنقولة إلينا وصحّتها. ولكن ، ومع كلّ 7.

ص: 196


1- رجال الكشي : 507.

ذلك ، لابدّ من البحث عن الرواة الثقات بحثاً علميّاً دقيقاً ، وهذا ما سنتناوله في كتاب آخر عند مناقشتنا النظرية الرجالية ؛ فنحن نعلمُ إجمالاً بقطعية صدور الكثير مما بأيدينا من الأخبار عن أئمّة الهدى عليهم السلام ، ولعلّ الداعي إلى شدّة الاهتمام بالروايات يكمن في أنّ في نقلها بصدق : أساس الدين وقوام الشريعة ؛ فليس غريباً أن نلمس آثار قول الإمام عليه السلام في شأن جماعة من الرواة الثقات : «لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست» (1).

د - حجّية الإجماع :

ولا شكّ أنّ توسّع البحوث الفقهية وتغيّر الحياة الاجتماعية وبعدها عن عصر النصوص الشرعية ، دفع الفقهاء إلى التفتيش عن أدلّة جديدة للاستنباط خصوصاً في حالات عدم وجود نصّ معيّن أو في حالات عدم اقتناعهم بسلامة ذلك النصّ من حيث السند أو الدلالة.

وقد أثمر ذلك التفتيش العلمي الدقيق فكرة مفادها : إنّ إجماع فقهاء الطائفة في عصر واحد على حكم شرعي يعدّ دليلاً على وجود نصّ من الشارع يجوّز الاعتماد عليه ، إذ يستحيل عقلاً أن يجمع فقهاء الأمّة على حكم ما من دون أن يحصل منهم من ينشقّ عليهم ويصيب الواقع.

الإجماع أداة كشف :

فالإجماع - في واقعه - ليس دليلاً بذاته ، بل أداة من أدوات الكشف المشروطة عن السنّة ، أي أنّ الإجماع لا يكون دليلاً ما لم يؤيّده دليل قاطع 3.

ص: 197


1- الوسائل 18 / 103.

من الكتاب والسنّة ، وبموجب هذا الفهم ، فإنّ مصادر التشريع تبقى محصورة في الكتاب والسنّة ، وهذا التقريب قد يفسّر لنا تحفّظ السيّد المرتضى على إدراج مسألة الإجماع في الأدلّة الأربعة ، فقال في جوابات المسائل الموصليّات الثالثة جواباً عن سؤال كان قد ورده عن (حكم المسألة الشرعية التي لا دليل عليها من الكتاب والسنّة) : «هذا الذي فرضتموه قد أمنّا وقوعه ، لأنّا قد علمنا أنّ الله تعالى لا يخلي المكلّف من حجّة وطريق إلى العلم بما كلّف ، وهذه الحادثة التي ذكرتموها ، وإن كان لله تعالى فيها حكم شرعي ، واختلفت الإمامية في وقتنا هذا فيها ، فلم يمكن الاعتماد على إجماعهم الذي نتيقّن بأنّ الحجّة فيه لأجل وجود الإمام في جملتهم ؛ فلابدّ من أن يكون على هذه المسألة دليل قاطع من كتاب أو سنّة مقطوع بها ، حتّى لا يفوّت المكلّف طريق العلم الذي يصل به إلى تكليفه ...) (1).

ولكن برزت حجّية الإجماع بقوّة على الصعيد العلمي على يد الشيخ الطوسي بشكل خاصّ ، فهو بعد أن عقد باباً خاصّاً عن (الكلام في الإجماع) فإنّه فصّل فيه القول ، فذكر أوجهاً لدليلية الإجماع فقال : «والذي نذهب إليه أنّ الأمّة لا يجوز أن تجتمع على خطأ وأنّ ما يجمع عليه لا يكون إلاّ صواباً وحجّة ، لأنّ عندنا أنّه لا يخلو عصر من الأعصار من إمام معصوم حافظ للشرع يكون قوله حجّة يجب الرجوع إليه كما يجب الرجوع إلى قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد دلّلنا على ذلك في كتابنا (تلخيص الشافي) واستوفينا كلّ ما يُسأل عن ذلك من الأسئلة ...» (2) .. 2.

ص: 198


1- رسائل الشريف المرتضى 1 / 210.
2- عدّة الأُصول 2 / 232.

وفي موضع آخر يتعرّض بشكل أدقّ لنظريّته في حجّية الإجماع ، فيقول : «فالذي نقوله : إنّهم إذا أجمعوا [أي الفقهاء] على العمل بمخبر خبر وكان الخبر من أخبار الآحاد - لأنّه إذا كان من باب المتواتر فهو يوجب العلم فلا يحتاج إلى الإجماع - فيكون قرينة في صحّته فإنّه يحتاج أن ينظر في ذلك : فإن أجمعوا على أنّهم قالوا ما قالوه لأجل ذلك الخبر قطعنا بذلك على أنّ الخبر صحيح صدق ، وإن لم يظهر لنا من أين قالوه ولم ينصّوا لنا على ذلك فإنّا نعلم بإجماعهم أن ما تضمّنه الخبر صحيح ، ولا يعلم بذلك صحّة الخبر لأنّه لا يمتنع أن يكونوا [قد] قالوا بما وافق مخبر الخبر بدليل آخر أو خبر آخر أقوى منه في باب العلم أو سمعوه من الإمام المعصوم عليه السلام فأجمعوا عليه ولم ينقلوا ما لأجله أجمعوا اتكالا على الإجماع».

ويتبيّن من هذا النصّ أنّ الاستدلال بحجّية الإجماع - باعتباره كاشفاً مستقلاًّ عن الخبر - طريقة من الطرق العقلية أو الشرعية في إصابة الواقع ، عند الشيخ الطوسي ، وهذا الاستدلال ألغى تحفّظ السيّد المرتضى بشأن اشتراط وجود دليل قاطع بأيدينا من كتاب أو سنّة ؛ فلربّما توفّر ذلك الدليل القاطع من كتاب أو سنّة عند المجمعين السابقين لا عندنا ، وهذا الدليل قدّم سنداً قوياً لعملية الاستنباط ، فبفضله أصبحت العملية الاجتهادية الشرعية تقوم على أربعة عناصر بدل ثلاثة كما كان معروفاً في السابق ، وهي : الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وعندها أصبح التعبّد بخبر الواحد والإجماع من أدوات الاجتهاد ، بحيث يمكن الاستدلال بهما على النطاق الفقهي في عملية الاستنباط.

ص: 199

الفصل الثالث

العقبات التاريخية التي حاولت تقويض

المباني الأُصولية

مقدّمة :

لا شكّ أنّ أهمّ العقبات التي وقفت بوجه علم الأُصول ، كانت قد تمثّلت في الاتجاهات الفلسفية والدينية التي وقفت ضدّ العقل والإدراك العقلي كحجّة معتبرة متطابقة مع الحجج الشرعية ، وبطبيعة الحال فإنّ علم الأُصول لم يتناول يوماً ما الإدراكات العقلية مجرّدة فحسب ، بل تناول أيضاً البيانات الشرعية في الكتاب المجيد والسنّة المطهّرة من قول المعصوم أو فعله أو تقريره.

إلاّ أنّ تلك العقبات على ضخامتها وتحدّيها الصارخ لدور العقل والدليل العقلي في احتلال موقعه الطبيعي في ساحة الكشف عن الأحكام الشرعية ، لم تستطع تحطيم الأساس الفكري الذي بُني عليه علم الأُصول ؛ فقد وقف علم الأُصول - على لسان الفقهاء المؤمنين بدوره الحساس في عملية استنباط الأحكام الشرعية - فوق كلّ تلك التحدّيات الفكرية التي لبست إطاراً شرعيّاً وتاريخيّاً مقنّعاً بظاهر الدليل ، بل إنّ تلك العقبات التي صُمّمت بالأصل لتحطيم علم الأُصول وضعت في أحشائه - من دون قصد - بذور النمو والتطوّر نحو مراحل عليا في الإدراك والفهم الإنساني للوظيفة الشرعية ، في ما يخصّ التكليف الإلهي ، وسوف نناقش بعض تلك العقبات ، ومنها : الفلسفة الأخبارية والمذهب الحسّي والنزعة الصوفية.

ص: 200

أ - المدرسة الأخبارية :

قامت المدرسة الأخبارية التي قادها محمد أمين الاسترآبادي (ت 1033 ه) بمحاولة إلغاء دور المباني الأُصولية في عملية الاستنباط ، فقد هاجمت تلك المدرسة - على لسان زعيمها الاسترآبادي - فقهاء الطائفة ومؤسّسي علم الأُصول كابن أبي عقيل وابن الجنيد والشيخ الطوسي بحجّة أنّهم اقتبسوا مباني علم أصول الفقه من أهل السنّة ، وبذلك فإنّهم ساهموا ، حسب زعمها ، في فقدان أهمّية النصوص الشرعية للمذهب الإمامي ، وسخّرت تلك المدرسة من فقهاء الإمامية من (القديمين) (1) وحتّى (الشهيدين) (2) ، وتساءلت : لو كان الفقه يتطلّب حقّاً استعمال القواعد الأُصولية لكان ذلك يعني أنّ بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام لم يكونوا فقهاء ، لأنّهم لم يمارسوا استعمال تلك القواعد ، فكيف تظهر القواعد المشتركة بعد الغيبة ولم يلتفت إليها الأصحاب؟

مباني المدرسة الأخبارية :

وقد اعتمدت المدرسة الأخبارية على ثلاثة مباني لتبرير حججها وهي :

1 - عدم حجّية ظواهر الكتاب والسنّة ؛ فقد اعتقدت تلك المدرسة ).

ص: 201


1- القديمين : يقصد بهما ابن أبي عقيل العماني المعاصر للشيخ الكليني في طليعة القرن الرابع الهجري ولم نعثر على تاريخ وفاته ، وابن الجنيد الاسكافي(ت 381 ه).
2- الشهيدين : يقصد بهما الشهيد الأوّل (ت 786 ه) ، والشهيد الثاني(ت 965 ه).

بحرمة استنباط الأحكام النظرية الشرعية من ظواهر الكتاب المجيد والسنّة الشريفة ، بخلاف الأصوليين الذين قالوا بحجّية ظواهر الكتاب والسنّة ، ويمكن استفادة ذلك من أقوال زعيمها ..

فقد ذكر الأسترآبادي في كتابه (الفوائد المدنية) : «إنّ القرآن في الأكثر ورد على وجه التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعية وكذلك كثير من السنن النبوية ، وأنّه لا سبيل لنا في ما لا يعلمه من الأحكام النظرية الشرعية - أصلية كانت أو فرعية - إلاّ السماع من الصادقين ، وأنّه لا يجوز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر كتاب الله ولا من ظواهر السنّة النبوية ما لم يعلم أحوالها من جهة أهل الذكر عليهم السلام بل يجب التوقّف والاحتياط فيها» (1).

2 - دعوى قطعية أحاديث الكتب الأربعة. وقد بُني على هذا الأصل انتفاء البحث عن حال الراوي من حيث الوثاقة أو عدمها ، ولكن هذا الادّعاء لم يستند على حجّة أو بيّنة ؛ لأنّ مؤلّفي الكتب الحديثية الأربعة أنفسهم لم يدّعوا ذلك ، بل أنّ أقصى ما يمكن نسبته إليهم هو أنّهم ادّعوا صحّة الأخبار المودعة فيها بقرائن تفيد الاطمئنان بصدورها عن الأئمّة عليهم السلام ، ولكن خبر العدل لا ينهض إلى مستوى الحجّية إلاّ أن يكون ناتجاً عن قضية حسّية لا حدسية ، وقد كان نقل الأخبار بأسانيدها يدفعنا للأيمان دائماً بأنّ المشايخ الثلاثة (الكليني والصدوق والطوسي) كانوا يشعرون بالإحساس بضرورة البحث عن أحوال الرواة من حيث الوثاقة أو عدمها خصوصاً في الأجيال التي ستلحقهم ، ولذلك فإنّهم قد تحمّلوا عبء 7.

ص: 202


1- الفوائد المدنية : 47.

كتابة الأسانيد بطولها الرتيب المملّ من أجل إنجاز ذلك الهدف.

3 - إنكار الدليل العقلي على نطاق الاستنباط ، فقد مالت هذه المدرسة بشكل خطير نحو المذهب الحسّي في نظرية المعرفة ، وهاجمت حجّية العقل في نطاق الاستنباط باعتباره مجرّد اعتماد غير علمي على (الدليل الظنّي في أحكامه تعالى) (1) ، وكان ذلك الاستنتاج منتزعاً من فهم معيّن للعلوم النظرية ..

فقد قال الاسترآبادي بأنّ «العلوم النظرية قسمان : قسم ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس ومن هذا القسم علم الهندسة والحساب وأكثر أبواب المنطق ، وهذا القسم لا يقع فيه الاختلاف بين العلماء ... وقسم ينتهي إلى مادّة بعيدة عن الإحساس ، ومن هذا القسم : الحكمة الإلهية والطبيعية وعلم الكلام وعلم أصول الفقه والمسائل النظرية الفقهية وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق ... ومن ثمّ وقع الاختلاف بين الفلاسفة في (الحكمة الإلهية والطبيعية) وبين علماء الإسلام في (أصول الفقه والمسائل الفقهية) وعلم الكلام وغير ذلك من غير فيصل ، والسبب في ذلك هو أنّ القواعد المنطقية إنّما هي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادّة ... وليست في المنطق قاعدة بها نعلم أنّ كلّ مادّة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من أقسام موادّ الأقيسة ، بل من المعلوم عند أولي الألباب امتناع وضع قاعدة تتكفّل بذلك) (2).

وهذه المقدّمة ، وإن كانت صحيحة بطبيعتها الفلسفية ، لأنّها ترى انحصار الدليل الحسّي في غير الضروريات في السماع عن الشريعة ، إلاّ أنّ ف.

ص: 203


1- الفوائد المدنية : 129.
2- الفوائد المدنية : 129 - 130 بتصرّف.

تطبيقها على القضايا الشرعية لا يمكن أن يكون مثمراً ، لأن الشريعة - ببساطة - لا يمكن قياسها بالحسيّات ، وهذا الخطأ الذي وقع فيه الأمين الاسترآبادي كلّفه الكثير فيما يخصّ الانحراف عن المنهج العلمي المتّفق عليه بين فقهاء الطائفة ، فقد اتفق فقهاء المذهب حتّى تلك الفترة - وعلى نطاق أوّلي مبسّط - على أنَّ الملازمة بين حكم العقل بحسن شيء وحكم الشرع بوجوبه تتطابق مع توجّهات أئمّة أهل بيت النبوّة عليهم السلام ، خصوصاً وأنّ الروايات الدّالة على ممارسة الاستدلال الفقهي - بشكله الأوّلي - بين الأصحاب في عصر النصّ تؤيّد ذلك ، إلاّ أنّ الإخباريّين لم يلتفتوا إلى ذلك وأصرّوا على موقفهم الرافض لاستخدام الدليل العقلي في عملية الاستنباط.

مناقشة مباني المدرسة الأخبارية :

ويمكننا مناقشة آراء المدرسة الأخبارية عبر ترتيب النقاط التالية :

1 - إنّ امتناع دخول بعض القواعد المنطقية في جميع موارد الأقيسة لا يعني - بالضرورة - إلغاء جميع الأدلّة العقلية ، بل لا ضير أصلاً في إهمال تلك القواعد المنطقية السلبية الاستثنائية ، فهي لا تتعدّى كونها إدراكات عقلية ناقصة لا تصلح كوسائل إثبات في الاستنباطات الشرعية ، ولكنّنا لا نستطيع مثلاً إنكار قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) العقلية التي تؤدّي إلى نتيجة شرعية وهي عدم لزوم الاحتياط ، ولا نستطيع إنكار إيماننا بقاعدة (الاشتغال) العقلية التي تستلزم البراءة اليقينية التي تؤدّي إلى نتيجة أو وظيفة شرعية وهي الاحتياط في مجال العلم الإجمالي ، ولا نستطيع إنكار الملازمات العقلية كالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته أو حرمة ضدّه ، بدعوى عدم وجود قاعدة منطقية كلّية تنطبق على جميع الأقيسة!

ص: 204

2 - إنّ الإيمان بالاتجاه الحسّي ، على افتراض صحّة مقدّماته عند الأمين الاسترآبادي ، لا يؤدّي إلى إنكار حجّية القطع فيما إذا كان واقعاً بمقدّمات عقلية ، وهذا ما تنبّه إليه المحقق الخراساني في كفاية الأُصول فقال : (إنّما تتّجه كلماتهم (أي الإخباريّين) إلى منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شيء وحكم الشرع بوجوبه) (1) فقط ، وليس إنكار حجّية القطع بالمقدّمات العقلية ، وهذه ثغرة مهمّة في الفكر الإخباري استفاد منها الوحيد البهبهاني في نقده لهم ، كما يستفاد ذلك من فوائده الحائرية.

3 - إنّ الادّعاء (بلزوم توسط الأوصياء سلام الله عليهم في التبليغ ، فكلّ حكم لم يكن فيه وساطتهم فهو لا يكون واصلاً إلى مرتبة الفعلية والباعثية وإن كان ذلك الحكم واصلاً إلى المكلّف بطريق آخر) (2) تكون نتيجته أنّه لا يمكن الاعتماد على العقل في الحكم والاجتهاد ، وقد وقف الإخباريّون عن العمل بايآت الأحكام لطروّ مخصّصات من السنّة ومقيّدات على عمومه ومطلقاته ، وهو ما عطّل عملية الاجتهاد بشكل تام ، وبذلك فإنّهم خسروا معالجة الشريعة للواقع الاجتماعي المتبدّل بتبدّل الزمان والمكان ، وقد أحسّ بعظم الخسارة الفادحة المحقّق البحراني صاحب الحدائق الناضرة عندما وجد أنّ فلسفته الأخبارية لا تنهض إلى مستوى كشف الوظيفة الشرعية للمكلّف في عصر غياب النص.

4 - إنّ أصل الاستناد على الحجّة في استنباط الحكم الشرعي قوّض أهمّ مباني العقيدة الأخبارية ، فإنّ العقل يحكم بحسن عقاب العبد على تقدير مخالفته للحجّة ، كما يحكم بقبح عقابه على تقدير موافقته للحجّة ، 0.

ص: 205


1- كفاية الأُصول 2 / 32 - 33.
2- أجود التقريرات 2 / 40.

بغضّ النظر عن أصابته الواقع أم عدم اصابته ؛ فالحجّة ذاتية كانت كالعلم مثلاً ، أو مجعولة تحتاج في حجّيتها إلى سند قطعي شرعي أو عقلي كالطرق والأمارات ؛ هذه الحجّة هي التي تحدّد معالم المدرسة الأُصولية في مقابل المدرسة الأخبارية ، و (العقل السليم أيضاً حجّة من الحجج ، فالحكم المنكشف به حكم بلّغه الرسول الباطني الذي هو شرع من داخل ، كما أنّ الشرع عقل من خارج) (1).

وقد استفاضت آيات الذكر الحكيم بالاستدلال على حجّية العقل ، فقال عزّ من قائل : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِّقَوْم يَعْقِلُونَ) (2) ، و (... لاَيَات لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ) (3) ، و (... لآيَات لاُِّوْلِي الألْبَابِ) (4) ، وذمّت الذين لا يعملون بمقتضى حجّية العقل : (... أَفَلاَ يَعْقِلُونَ) (5) ، وحدّدت أيضاً طبيعة الدليل العقلي وطبيعة الظنون والآراء التي تتخلّف عن العقل : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (6) ، (إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (7) ، (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (8).

ولم يكن نشاط الحركة الأخبارية - على تخلخل مبانيها العلمية - سلبيّاً بصورته الكلّية ، بل أدّى بشكل غير مباشر إلى الاهتمام بالأخبار 9.

ص: 206


1- فرائد الأُصول المحشى بحاشية رحمة الله : 11.
2- سورة الرعد 13 : 4.
3- سورة الرعد 13 : 3.
4- سورة آل عمران 3 : 190.
5- سورة يس 36 : 68.
6- سورة الإسراء 17 : 36.
7- سورة يونس 10 : 36.
8- سورة يونس 10 : 59.

والروايات ، فتضافر بعض الفقهاء على جمع المتون الحديثية في موسوعات أغنت المكتبة الفقهية الاستدلالية في ما بعد ، ومن تلك الموسوعات نذكر ثلاثاً في غاية الأهمية للفقه الشيعي :

1 - كتاب الوافي للمولى محسن الفيض الكاشاني (ت 1091 ه) في ثلاثة مجلّدات من الطبعة الحجرية الكبيرة (الرحلية).

2 - كتاب وسائل الشيعة للشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ه) في ثلاثين مجلّداً في الطبعة الحديثة.

3 - كتاب بحار الأنوار للمولى محمد باقر المجلسي (ت 1110 ه) في (110) مجلّدات في الطبعة الحديثة.

ب - المذهب الحسّي :

و (المذهب الحسّي) عنوان أعطي لمجموعة من المعتقدات المتعلّقة بطبيعة العالم بحيث أنّ (المادّة) تأتي في الدرجة الأولى في التحليل ، و (العقل) في الدرجة الثانية ، وقد ذهب المادّيّون المتطرّفون إلى أنّ العالم الحقيقي لا يحتوي إلاّ على أشياء مادّية ذات علاقات وأوضاع متباينة ؛ ولذلك فإنّ القضايا المادّية ، حسب زعمهم ، مكوّنة من صفات طبيعية ملموسة في الخارج وليست لها صفات أخرى نجهلها أو ربّما ليست لدينا القدرة على رؤيتها ، فالصفات الطبيعية لها ثبوت في زمان ومكان معيّنين كالشكل والحجم والمسافة الزمنية والكتلة والسرعة والطاقة والدوران والحرارة والصلابة والخشونة ونحوها.

ولكن المذهب الحسّي أنكر الصفات غير الحسّية كالرغبة والضمير والهدفية والقابلية على الرؤية العقلية ، وأنكر أيضاً العقائد الدينية المتعلّقة

ص: 207

بالخالق عزّ وجلّ والروح والملائكة والجنّ والنفس اللوامة عند الإنسان ، وبكلمة ؛ فقد قدّم هذا المذهب للبشرية نظريته الأساسية القائلة : إِنَّ كلّ شيء في الكون يمكن تفسيره بموجب قواعد القانون الحاكم على الظروف الطبيعية المادّية في العالم الخارجي.

وقد نما المذهب الحسّي في القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا بعد فترة سبات استمرّت أكثر من ثمانية عشر قرناً ؛ فقد كان آخر من كتب في النظرية المادّية الفيلسوف الروماني (لوكيرتس) في القرن الأوّل قبل الميلاد ، وأهمّ من كتب في النظرية المادّية في القرن السابع عشر هو : (بيريه كاسندي) (ت 1655 م) ، و (توماس هوبس) (ت 1679 م) اللذان بلورا الحركة الطبيعية (الشكّية) وهو المذهب الذي آمن بأنّ المعرفة الحقيقية غير مؤكّدة بل أنّها تدفع الإنسان نحو النزوع للشكّ ، بما فيه الشكّ في مبادئ الدين كالخلود في الآخرة والوحي والعقل.

ومع أنّ هناك التقاء فكريّاً ملحوظاً بين الحركة الأخبارية والمذهب الحسّي الأوروبي حيث هاجمت كلاهما العقل وألغتا قيمة استدلالاته وحججه المنطقية ، إلاّ إنّنا لا نستطيع الجزم بأنّ هناك رابطة اقتباس من نوع ما بين الفكرتين ، خصوصاً وإنّ وسائل الترجمة ونقل المعلومات بين أوروبا والعالم الإسلامي كانت في غاية الضعف في القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين.

ومهما يكن من أمر فإنّ الحركة الأخبارية كانت تخشى ، بجهل مفرط ، أن يتحوّل الاستغراق في اعتماد العنصر العقلي في الاجتهاد إلى ابتعاد عن موارد النصوص الشرعية تدريجياً ، وهو خلل أثبتت السنون المتعاقبة عدم استناده على أىّ مبرّر شرعي أو عقلائي.

ص: 208

ج - النزعة الصوفية :

وهي النزعة التي تنشأ عادةً من اليأس من تغيير الواقع أو إصلاحه على أقلّ تقدير ؛ فقد شهد القرن الحادي عشر الهجري (القرن السادس عشر الميلادي) ظهور نزعة صوفية قوية ساعدتها السلطة الصفوية في إيران - وهي نفس السلطة التي قامت على أساس الدعوة إلى التصوّف - وبقيت تؤيّدها وتمدّها سرّاً ، وقد استغلّت مباحث الفيلسوف العظيم صدر الدّين الشيرازي (ت 1050 ه) في الفلسفة الإشراقية الإسلامية من خلال تطعيمها ببعض عناصر الغلوّ ، لتكون باباً لذلك التصوّف المزعوم ، ولا شكّ أنّ التصوّف يدعو بشكل مباشر أو غير مباشر إلى إهمال العقل وتنشيط الروح ، والالتجاء إلى التعبّد بمعناه المجرّد عن واقعية الحياة الاجتماعية للإنسان ، وقد أدّى ذلك التوجّه إلى الاقتصار على الإيمان بالأخبار الواردة في الكتب الموثوق بها والجمود على نصوصها بشكل مطلق.

والتصوّف بمعناه الفلسفي يعني البحث عن الوسائل التي تجعل الإنسان في وحدة أو اندماج مع الواحد عزّ وجلّ ، وهو اقتباس ملحوظ من الأفكار البوذية التي انتشرت في تركمنستان في ذلك العصر ، فقد آمنت تلك الفلسفة بحقيقة مفادّها أنّ الدخول في جوهر الذات الإنسانية هو في واقع الأمر هروب من مشاقّ الحياة الخارجية التي تعكّر صفو ذلك الاندماج.

فإذا كان المولى عزّ وجلّ هو جوهر الجمال المطلق فلا بدّ - من أجل الاقتراب من ذلك الجمال المطلق - من التحلّي بصفات جمالية وراء العالم الظاهري وهي صفات الفقر وإذلال النفس والتهذيب والتقشّف والثبات ،

ص: 209

وهذه الصفات لا يكتسبها الإنسان إلاّ عبر فحص الذات ومحاسبة النفس والانسحاب من الحياة الاجتماعية تدريجياً والصمت والتفكير في الله دوماً وترك كلّ ما يعكّر ذلك التفكير من رغبات جسدية أو نقاشات عقلية.

ولا شكّ أنّ زعماء الصوفية الأوائل ك- (أبو يزيد) الملقّب ب- (بايازيد البستامي) ، و (الحسين بن منصور الحلاّج) في القرن الخامس الهجري اللذين ادّعيا ارتباطهما كأجزاء في الحقيقة النهائية ، مهّدا الطريق نحو فلسفة الجمال الروحي والاندماج بخالق الوجود. فكان (أبو حامد الغزالي) ، و (فريد الدين العطّار) ، و (ابن العربي) ، و (جلال الدين الرومي) من أهمّ الوجوه الصوفية التي نادت برجوع الطيور إلى قائدها ، وهو تلميح إلى اندماج المتصوّفة (الطيور) بخالق الوجود (القائد).

لقد أهملت الفلسفة الصوفية إطار العقل وجعلت الشعر المعبّر عن حبّ المخلوق للخالق المحور الأساسي في أفكارها ، وليس غريباً أن نجد معاني الحبّ الصوفي في أشعار الشاعر الإيراني (حافظ) ، وإلى حدّ أقلّ في أشعار (عمر الخيام) في مدلولات العنب وما ينتجه من خمر ولذّة تشابه لذّة المتصوّفة عند اندماجهم بواجب الوجود.

وتلك العقبات الفكرية أو العقائدية لم تستطع ثني علم الأُصول عن الوصول إلى أهدافه في الإدراك العقلي ، ولم تستطع الوقوف بوجه جعل العقل حجّة معتبرة متطابقة مع الحجج الشرعية ، بل إنّ تلك العقبات في الواقع حفّزت علماء الشيعة الإمامية على البحث والتفتيش عن الأدلّة العقلية بعمق لم يسبق له مثيل في التاريخ الإسلامي.

ص: 210

الفصل الرابع

عصر البناء العلمي

طبيعة الملازمة بين الحكمين العقلي والشرعي

مقدمة

وقد حصل تطوّر على درجة كبيرة من الأهمّية في بحث (الدليل) خلال القرون الثلاثة التي ابتدأت بالقرن الحادي عشر وانتهت في القرن الثالث عشر الهجريين ، وكان ذلك التطوّر ثمرة من ثمرات جهود فقهاء على مستوى عال من الفطنة والاستيعاب لدور (أصول الفقه) في عملية استنباط الحكم الشرعي أمثال :

الفاضل التوني (ت 1071 ه) وكتابه الوافية في أصول الفقه.

والوحيد البهبهاني (ت 1206 ه) في كتاب الفوائد الحائرية.

والسيّد محسن الأعرجي (ت 1227 ه) وكتابه المحصول في علم الأُصول.

والمحقّق القمّي (ت 1231 ه) وكتابه القوانين المحكمة.

والشيخ محمد تقي بن محمد رحيم الأصفهاني (ت 1248 ه) وكتابه هداية المسترشدين في التعليق على كتاب معالم الدين.

وقد كان الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 ه) من أعظم فقهاء تلك الفترة وخصوصاً خلال ازدهار الحوزة النجفية في القرن الثالث عشر الهجري ، إلاّ أنّنا أفردنا لمناقشة أفكاره قسماً خاصاً في هذا الفصل أسميناه بعصر الحجج والأدلّة الشرعية والعقلية ، وقد كان موضوع إثبات الملازمة

ص: 211

بين الحكمين العقلي والشرعي من أهمّ محاور ذلك التطوّر الأُصولي الذي نحن بصدده.

العقل العملي والعقل النظري :

فقد كان من ثمرات الصراع المرير بين الحركة الأخبارية والمدرسة الأُصولية هو التعمّق في بحوث (الدليل العقلي) وتوسيع دائرته ، وبمعنى آخر ، إنّ السؤال الذي كان يُطرح بإلحاح في تلك الفترة هو : كيف يمكننا تفسير طبيعة الملازمة بين الحكمين العقلي والشرعي؟

في معرض الإجابة عن هذا السؤال كان الرأي السائد يميل إلى أنّ العقل النظري لا يدرك الحكم الشرعي مباشرة عن أىّ طريق غير الطريق السمعي ، وهو البيان الصادر من الله سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفائه من بعده عليهم السلام ، فالعقل النظري لا يستطيع إدراك ذلك الحكم الشرعي ، ولكن من شأن العقل العملي إدراك حُسن الأفعال وقُبحها كحُسن العدل وقُبح الظلم ، وحُسن التكسّب المشروع وقُبح السرقة ، وهذا الإدراك من شؤون العقل العملي.

وفي هذا الصدد كان الفاضل التوني رائداً في نقاش الملازمة بين الحكمين العقلي والشرعي ، فقد قسّم الأدلّة العقلية إلى سبعة أقسام هي : المستقلاّت العقلية واستصحاب حال العقل واصالة النفي (البراءة العقلية) والأخذ بالأقلّ عند فقدان الدليل على الأكثر والتمسك بعدم الدليل واستصحاب حال الشرع والتلازم بين الحكمين.

ومن اللافت للنظر أنّه أدرج مباحث (مقدّمة الواجب والضدّ والمنطوق غير الصريح والمفاهيم والقياس) في باب الأدلّة العقلية ، بينما

ص: 212

أدرجها أقرانه من الفقهاء المعاصرين في المباحث اللفظية ، قال بخصوص ما يستقلّ بحكمه العقل كوجوب قضاء الدين ، وردّ الوديعة ، وحرمة الظلم ، واستحباب الإحسان :

(وحجّية هذه الطريقة : مبنية على الحُسن والقُبح العقليّين ، والحقّ ثبوتهما ، لقضاء الضرورة بهما في الجملة ، ولكن في إثبات الحكم الشرعي - كالوجوب والحرمة الشرعيّين - بهما ، نظر وتأمّل.

والواجب العقلي : ما يستحقّ فاعله المدح ، وتاركه الذمّ.

والشرعي : ما يستحقّ فاعله الثواب ، وتاركه العقاب.

وعكسه : الحرام فيهما.

ووجه النظر أمور :

الأوّل : إنّ قوله تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (1) ظاهرٌ في أنّ العقاب لا يكون إلاّ بعد بعثة الرسول ؛ فلا وجوب ولا تحريم إلاّ وهو مستفاد من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فإن قلتَ : يجوز أن يستحقّ العقاب ، ولكن لا يعاقبه الله تعالى إلاّ بعد بيان الرسول أيضاً ليتعاضد العقل والنقل ، لطفاً منه تعالى.

قلتُ : ظاهرٌ أنّ الواجب شرعاً مثلاً ما يجوّز المكلِّف العقاب على تركه ، فلا يُتصوَّر وجوب شرعي مثلاً عند الجزم - بسبب إخبار الله تعالى - بعدم العقاب ، بل لا يكون حينئذ إلاّ الوجوب العقلي.

الثاني : ما ورد من الأخبار : كما رواه الكليني عن : (عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علىّ بن الحكم ، عن أبان 5.

ص: 213


1- سورة الإسراء 17 : 15.

الأحمر ، عن حمزة بن الطيّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال لي : اكتب ، فأملى علىَّ : إنّ من قولنا أن الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرّفهم ، ثمَّ أرسل إليهم رسولاً ، وأنزل عليهم الكتاب ، فأمر فيه ونهى ، أمر فيه بالصلاة والصيام ...) (1) الحديث والتطبيق كما مر (2).

وهنا يعلن الفاضل التوني أنّ الملازمة بين الحكمين الشرعي والعقلي ثابتة ؛ فالعقلاء إذا تطابقت آراؤهم بما هم عقلاء على حُسن شيء ، فلا بدّ للشارع أن يحكم بحكمهم ، لأنّه سيّد العقلاء ، بمعنى أنّ الالتزام بالتحسين والتقبيح العقليّين هو نفس الالتزام بتحسين الشارع وتقبيحه ، وفقاً لحكم العقلاء لأنّه سيّدهم ، وهذا الفهم ينسجم مع تركيبتنا العقلية ونظرتها إلى الأشياء.

وإلى ذلك أشار الوحيد البهبهاني في فوائده الحائرية : (...إنّ العقل لا منافرة له (3) بالنسبة إلى مثل ترك الصلاة والحجّ مما هو قُبحه شرعىّ من بديهيّات الدين ، ولا تدرك عقولنا جهة قُبحه ، على أنّ البديهة حاكمة بالفرق بين ما ذُكر من الفحشاء والقبائح وبين أضدادها من المحاسن ، وكذا بين الصدق النافع والكذب الضارّ ، فكيف تكون المنافرة من جهة الشرع؟ وكذا لا منافرة له بالنسبة إلى ما خالف العرف إذا كان ملائماً للعقل ، وكذا ما خالف العادة إذا كان ملائماً للعقل والغرض ، ولا شبهة في هذا أيضاً) (4) ..

وفي موضع آخر : (...إنّ العقل يحسِّن ويقبِّح ، ولا شكّ في أنّه 6.

ص: 214


1- الكافي 1 / 164 ح 4.
2- الوافية : 171 - 172.
3- المنافرة تعني المحاكمة كما في الصحاح للجوهري 2 / 834.
4- الفوائد الحائرية الجديدة : 366.

يقبِّح عصيان المولى ، كما أنّه يقبِّح عصيان كلّ عبد لما أمر به مولاه ونهاه عنه ؛ فأمر المولى ونهيه ليس حُسناً وقُبحاً ، بل علّة لتحقّق الحُسن في الإطاعة ، والقُبح في المعصية) (1).

ولا شكّ أنّ إثبات وجود حكم عقلي خاص بالعقل العملي في الحُسن والقُبح لطائفة من الأفعال سيوصّلنا إلى نتيجة مهمّة وهي : ثبوت العقل النظري في إدراك الملازمة بين حكم العقل العملي وحكم الشرع ، وهذه النتيجة تطابق نتيجة أخرى مستوحاة من حكم العقل النظري بالملازمة بين وجوب الشي ووجوب مقدّمته ، ومستوحاة أيضاً من حكم العقل النظري بتقديم الأهمّ من المتزاحمين على المهمّ ، ومستوحاة أيضاً من حكم العقل النظري في الأجزاء ونحوها من الموارد التي يكون فيها للعقل النظري حكم قطعي واضح المعالم.

موقف الفقهاء اتجاه العقل :

إنّ الشعور بالتخوّف من الاستغراق في اعتماد العنصر العقلي في الاجتهاد والابتعاد عن النصّ الشرعي بالتدريج ، والتخوّف أيضاً من الابتعاد عن خطّ الاحتياط في الدين كان قد أدّى إلى مواقف سلبية تجاه العقل والملازمات العقلية والتشكيك في حجّية الأحكام العقلية ، ولكن ظهور عصر البناء العلمي بقيادة فقهاء أجلاّء مثل : الفاضل التوني ، والوحيد البهبهاني ، والمحقّق القمّي ، والمقدّس الكاظمي ، والشيخ محمد تقي الأصفهاني قلب الموقف العلمي لصالح نظرية (الملازمة بين الحكمين ة.

ص: 215


1- الفوائد الحائرية الجديدة.

العقلي والشرعي) ، ومن تلك الزاوية نرى دور هذا العصر العلمي في التمهيد لعصر آخر أكثر أهمّية وهو عصر نضوج الحجج والأدلّة الشرعية والعقلية الذي قاده الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري.

ويمكننا القول بأنّ أهمّ الثمار العملية التي لمسناها من خلال مناقشة (الملازمة بين الحكمين العقلي والشرعي) هو البحث في قاعدة (نفي الضرر) من قبل المحقّق القمّي (ت 1231 ه) في قوانينه ، فهذه القاعدة العظيمة ربّما تعكس واحدة من أهمّ ملازمات الحكمين العقلي والشرعي ، فإنّها وضعت منارات لمناقشة قضايا الحقوق والواجبات في المجتمع الإسلامي زمن الغيبة.

وبطبيعة الحال فإنّ تطبيق (الدليل العقلي) أو حكم العقل على موارد الشكّ في التكليف كانت من أعظم استنباطات الوحيد البهبهاني ، فقد استنبط من ذلك الحكم العقلي قاعدة (قُبح العقاب بلا بيان) ، واستدلّ بتلك القاعدة في كلّ مورد من موارد الشكّ في التكليف ، أما في مورد الشكّ في المكلّف به فقد استنبط لها من حكم العقل قاعدة (الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني) ، وقد كان هذا الاستنباط أساساً للتمييز بين موارد البراءة العقلية والاحتياط العقلي ..

وقد كان من رأي الوحيد البهبهاني أنّ وظيفة المكلّف عند الشك في التكليف هو الأخذ بالبراءة ولكن على أساس الشرع والعقل ، لا على أساس الشرع فقط ، ف- (البراءة العقلية) المقابلة ل- (البراءة الشرعية) متلازمتان في نفس الموارد ، وبمعنى آخر أنّ البراءة التي تجري بحكم العقل عند الشكّ في التكليف هي نفس البراءة التي تجري بموجب الأدلّة الشرعية التي تحكم بالبراءة عند الشكّ في التكليف.

ص: 216

إنّ اتساع دائرة الدليل ، في هذه المرحلة من عمر (علم الأُصول) ، لم يزعزع القيمة القطعية للدليل ، بل أنّ الذي حصل هو العكس تماماً ، فقد ازدادت البحوث المتعلّقة بحجّية القطع ، فما لم يكن الدليل حجّة قطعاً لا يمكن الاستناد عليه أو التمسّك به بأىّ حال من الأحوال ، وهذا الانفتاح العلمي عبّد الطريق لفقيه كبير من فقهاء الإمامية المتأخّرين ، ألا وهو الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 ه) للتمييز بين الحجّتين : الحجّية الذاتية ، والحجّية بالعرض ، والحجّية بالعرض هو عنوان جديد لمباحث الظنّ التي لا يمكن اعتبار حجّيتها إلاّ بدليل قطعي من الشارع ، فالطرق والأمارات كالإجماع وخبر الثقة أصبحت بموجب الفهم الجديد حججاً مجعولة من قبل الشارع ثبّتت حجّيتها بالعرض ، في مقابل الأدلّة القطعية التي ثبّتت حجّيتها - ذاتياً - بالقطع.

عصر الحجج والأدلّة الشرعية والعقلية :

كان مبدأ (الاستناد إلى الدليل) في استنباط الحكم الشرعي في جميع عصور تطوّر (علم الأُصول) المحور الذي كانت تدار من حوله رحى البحث والنقاش ، وكان الرأي السائد ولا يزال أنّ الدليل ما لم يبلغ حدّ القطع والعلم لا يمكن اعتباره حجّة شرعية أو عقلية ولا يجوز الاستدلال به في عملية الاستنباط ، فإذا شُك في حجّية شيء ، فإنّ ذلك مساوقٌ لعدم حجّيته ، وعندها لا يمكن الالتزام به بأىّ شكل من الأشكال.

وكان هذا المقدار من العلم قد تناوله فقهاؤنا بعمق ووضوح ، ولكن كان قد حصل انقلاب جذري في المدرسة الأُصولية الإمامية في الربع الأخير من القرن الثالث عشر الهجري في ما يخصّ الرؤية الموضوعية

ص: 217

للحجج الشرعية أو العقلية.

فقد كان التقسيم السائد للأدلّة ، التي كان يُستند عليها في استنباط الحكم الشرعي ، هو تصنيفها إلى : أدلّة عقلية ؛ وأدلّة غير عقلية. فالأدلّة العقلية تشمل البراءة والاستصحاب ، والأدلّة غير العقلية تشمل الكتاب والسنّة والإجماع.

الاستدلال على البراءة :

فاستدلّ على البراءة بتحليلين عقليّين :

الأوّل : (البراءة الأصلية) ، بتقريب أنّ الذمّة لمّا كانت غير مشغولة بذلك الحكم في الزمن السابق أو الحالة الأولى ، فهي لا تشتغل به في الزمن اللاحق أو الحالة الثانية ، فالتكليف بالشيء مع عدم الإعلام به تكليف بما لا يطاق.

الثاني : إنّ عدم الدليل على الحكم الشرعي هو بمثابة دليل على عدم وجود أو تحقّق الإلزام الشرعي للمكلّف.

الاستدلال على الاستصحاب :

واستُدلّ على الاستصحاب بتحليلين عقليّين :

الأوّل : استصحاب حال العقل ، وهو استصحاب عدم اشتغال الذمّة الثابت بالقطع قبل التكليف ، أو بمعنى آخر هو استصحاب عدم التشريع الثابت بالقطع.

الثاني : استصحاب حال الشرع ، وهو الحكم الشرعي الثابت من

ص: 218

ناحية الشرع في وقت سابق في ظروف حصول الشكّ في بقاء ذلك الحكم ، فالاستصحاب في الدليل - إذن - لا يخلو من أحد هذين الاستصحابين.

بوادر اتساع مباحث الدليل :

وكان يرافق هذا التقسيم للأدلّة ضبابية من نوع آخر تمثّلت في عدم التفريق بين الأمارات والأُصول ، وعدم التفريق بين الحكم الشرعي (وهو مفاد الأمارات) وبين الوظيفة الشرعية والعقلية (وهي مفاد الأُصول العملية) ، وعدم التفريق بين الحجج الذاتية (التي ثبتت حجّيتها بالقطع) والحجج المجعولة (التي ثبتت حجّيتها بالعرض كالإجماع وخبر الثقة).

وكان الجوّ العلمي في الحوزة الإمامية مهيّئاً لظهور شخصية علمية قادرة على النهوض بمستوى هذا العلم الجليل إلى أعلى مصاف التفكير العقلي الذي يكون فيه الإنسان قادراً على استيعابه وإدراكه ، فكان القرن الثالث عشر الهجري عصر بوادر بناء الحجج العقلية والشرعية وتلازمها ، وكان عصر ولادة مدرسة الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري الفقهية والأُصولية.

فقد أضاف هذا الشيخ الجليل لعلم الأُصول ما لم يضفه أي عالم شيعىّ آخر بذلك الحجم وذلك العمق والمنهجية والاستدلال ، فعلى يديه الشريفتين انتظم المنهج العلمىّ للأُصول واتّسعت دائرة الحجّة والدليل.

وحتّى ندرك عمق ما وصل إليه علم الأُصول في المذهب الإمامي على يد الشيخ قدس سره لابدّ من استعراض أهمّ المباني الجديدة التي صاغها في البحث عن الدليل ، ولا شكّ أنّ شدّة اهتمام الشيخ الأنصاري بمباحث

ص: 219

الحجج والأدلّة الشرعية والعقلية منعته من مناقشة مباحث الألفاظ ، وأوكل لتلامذته الرجوع إلى كتاب هداية المسترشدين في شرح معالم الدين للشيخ محمد تقي الأصفهاني (ت 1248 ه) ، لأنّه كان يؤمن بأنّ الشيخ الأصفهاني قد ناقش مباحث الألفاظ بقدر عال من العمق والدقّة العلمية ، وليس هناك من داع لإعادة صياغتها من جديد.

المباني الجديدة في الدليل الشرعي :

وسوف نتحدّث باختصار عن حجّية القطع ، والظنّ ، والشكّ ، والتفكيك بين الأمارات والأُصول ، ومفاد الدليل ، وتعارض الأدلّة ، فإنّ هذه المواضيع الأُصولية كانت قد أحدثت نقلة نوعية في عملية الاستنباط للأحكام الشرعيّة.

1 - حجّية القطع :

إنّ القطع ، لمّا كان بطبيعته التعبير عن انكشاف الواقع انكشافاً تامّاً ، فإنّ حجّيته ذاتية ، بحيث لا يمكن جعل الحجّية له ولا نفي الحجّية عنه ، فكما أنّنا لا نستطيع أن نفكّك بين النار والحرارة المنبعثة منها والنور والضياء الساطع منه ، كذلك لا نستطيع أن نفكّك بين القطع وحجّيته الذاتية ، فالقطع (بنفسه طريقٌ إلى الواقع ، وليس طريقيته قابلةٌ لجعل الشارع إثباتاً أو نفياً) (1).

ولكن الحجّية ليست على نمط واحد ، فإنّ هناك (حجّية مجعولة) ن.

ص: 220


1- الرسائل 1 / 4 طبعة قم : جامعة المدرسين.

من قبل الشارع بالإضافة إلى ما ذكرناه من الحجّية الذاتية ، كما لو أنّ المولى عزّ وجلّ أمرنا بإتّباع الظنّ في مورد البيّنة واليمين ؛ فهو قد جعل الحجّية لليمين وللبيّنة ، مع أنّ اليمين أو البيّنة بحدّ ذاتهما لا توجبان القطع ولا تمنعان من احتمال الخلاف ، ولكنّ الشارع ألغى احتمال الخلاف وتمّم الكشف الناقص على الطريقة التعبّدية ، فأنشأ الحجّية المجعولة ، كما في موارد الطرق والأمارات. ولا شكّ أنّ كلّ حجّية مجعولة لابدّ أن تنتهي بالضرورة إلى الحجّية الذاتية بموجب القاعدة العقلية : (كلّ ما بالعرض لابدّ أن ينتهي إلى ما بالذات).

لوازم حجّية القطع :

إنّ ثبوت حجّية القطع عند المكلّف تترتّب عليه آثار إلزامية ولزومية تسمّى ب- (اللوازم العقلية للحجّية) ، ذاتية كانت تلك الحجّية كالقطع ، أو مجعولة كالطرق والأمارات ، وهذه الآثار يمكن حصرها عقلياً بثلاث مفردات :

أ - التنجّز عند مصادفة الحجّة للواقع ، وهذا من اللوازم العقلية للحجّية. فيستحق المكلّف على مخالفة ما قامت عليه الحجّة الذمّ والعقوبة ؛ لأنّها مخالفة لحكم شرعي مقطوع جاء ، فليس هناك من شكّ في استحقاق العقوبة على تلك المخالفة القطعية.

ب - التعذير عند مخالفة الحجّة للواقع ، فالعقل - هنا - يحكم بقبول عذر المكلّف لمخالفته حكماً إلزامياً واقعياً للشارع ، وعندها يحكم العقل بعدم استحقاقه للعقوبة ؛ فإذا اعتمد المكلّف دليلاً شرعيّاً قطع بحجّيته ، لكنّه كان مخالفاً للحكم الشرعي الواقعي ، فالمكلّف لا يستحقّ العقوبة على

ص: 221

تلك المخالفة.

ج - لزوم العمل بموجب الحكم الثابت بالقطع بملاك وجوب دفع الضرر الذي ينتج عادةً من تنجّز التكليف على المكلّف ، والعقل يحكم بوجوب دفع الأضرار التي تتركها العقوبة على الإنسان.

القطع الطريقي والقطع الموضوعي :

القطع الطريقي اصطلاح جديد أريد به القطع الذي يكون طريقاً للمكلّف إلى الحكم الشرعي أو إلى موضوع الحكم الشرعي ، فقد يكون طريقاً إلى الحكم التكليفي كوجوب الصوم ، أو طريقاً إلى الحكم الوضعي كالملكية ، أو طريقاً إلى كشف أحد هذين الحكمين (أي إمّا الحكم التكليفي أو الحكم الوضعي) ، كما لو قطع بخمرية السائل الذي أمامه ، فإنّ الخمر موضوع لحكم تكليفي وهو وجوب اجتنابه وحرمة شربه ، وموضوع لحكم وضعي وهو نجاسته ، يقول الشيخ الأنصاري في الرسائل : (... إنّ إطلاق الحجّة على القطع ليس كإطلاق الحجّة على الأمارات المعتبرة شرعاً ، لأنّ الحجّة عبارة عن الوسط الذي يُحتجّ به على ثبوت الأكبر للأصغر ... وهذا بخلاف القطع ، لأنّه إذا قطع بوجوب شي ، فيقال : هذا واجبٌ ، وكلّ واجب يحرم ضدّه أو يجب مقدّمته ، وكذلك العلم بالموضوعات ؛ فإذا قطع بخمرية شيء ، فيقال : هذا خمر ، وكلّ خمر يجب الاجتناب عنه ، ولا يقال : إنّ هذا معلوم الخمرية ، وكلّ معلوم الخمرية حكمه كذا ، لأنّ أحكام الخمر إنما تثبتُ للخمر ، لا لما عُلِمَ أنّه خمر) (1). 4.

ص: 222


1- الرسائل 1 / 4.

بمعنى أنّ القطع الطريقي لا يكون حجّة بالمعنى المتعارف عليه في المنطق ، وهو الوسط الذي يكون سبباً لثبوت الأكبر للأصغر ، ولا يكون وسطاً لإثبات الحكم الشرعي ، فلا نقول : هذا معلوم الخمرية ، وكلّ ما عُلم أنّه خمر وجب اجتنابه ، بل إنّما نقول : هذا خمر ، وكلّ خمر يجب الاجتناب عنه. فيحمل الحكم بوجوب الاجتناب على الخمر الواقعي دون ما يكون معلوم الخمرية ، وبمعنى آخر أنّ القطع حجّة سواء صادف الواقع أم لم يصادفه.

أمّا في مقام الطرق والأمارات ، فإنّها تكون حجّة بالمعنى المتعارف عليه في المنطق ، حيث تقع وسطاً لإثبات الحكم الشرعي ، فنقول : هذا السائل الذي أمامنا قد قامت البيّنة على نجاسته (صغرى) ، وكلّ ما قامت البيّنة على نجاسته من سوائل يجب الاجتناب عنه (كبرى) ، ف- (النتيجة) هي أنّ هذا السائل ممّا يجب الاجتناب عنه.

وأمّا القطع الموضوعي ، فهو ما يقع موضوعاً لحكم شرعي آخر غير متعلّقه ، لأنّ القطع أخذ موضوعاً كاملاً بما هو في نفسه ، لا بما هو كاشف عن الواقع كي يسأل المكلّف عنه ، ويُمثَّل للقطع الموضوعي ، بترتّب وجوب الطاعة عقلاً على واجب معلوم ، كمن إذا عصى وشرب سائلاً قاطعاً بأنّه خمر فقد استحقّ اللوم والعقاب حتى لو تبيّن بعد ذلك أنّ ما شربه كان خلاًّ لا خمراً.

العلم التفصيلي والعلم الإجمالي :

قد حصل في تلك الفترة تطوّر في طبيعة فهم العلم الطريقي وحجّيته

ص: 223

الذاتية ، فقُسّم العلم الطريقي إلى قسمين :

علم تفصيلي ، كما إذا علم المكلّف (في الأحكام) بوجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة ، أو إذا علم المكلّف (في الموضوعات) نجاسة سائل في إناء ماء.

وعلم إجمالي ، كما إذا علم المكلّف (في الأحكام) بوجوب إحدى الصلاتين - أي الظهر أو الجمعة يوم الجمعة - أو إذا علم المكلّف (في الموضوعات) بنجاسة أحد الإناءين.

وكان السؤال المطروح هو : هل تجري أحكام العلم التفصيلي في موارد العلم الإجمالي من حيث حرمة المخالفة القطعية بشرب الإناءين معاً أو بترك الصلاتين معاً في مثالنا ، ووجوب الموافقة القطعية باجتناب الإناءين معاً أو بأداء الصلاتين معاً أم لا؟

لا شكّ أنّ تنجّز التكليف يثبت على عهدة المكلّف بالعلم الإجمالي ، فالعلم الإجمالي كالعلم التفصيلي من حيث وضوح الأمر وانكشاف الواقع ، ولكنّ متعلّق العلم مردّد بين فردين أو أكثر ، ونحن نعلم يقيناً أنّ الترديد في المتعلّق لا يزعزع قطع العالِم وعلمه بالمعلوم الذي حصل الإجمال في متعلّقه.

إنّ الملاك في الحكم بتنجيز العلم الإجمالي في موردي حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية هنا ، هو جريان الأُصول المؤمّنة العقلية والشرعية أو عدم جريانها ، فكلّما كانت الأُصول المؤمّنة والنافية للتكليف ك- (قبح العقاب بلا بيان) و (أصل البراءة الشرعية) تجري في أطراف العلم الإجمالي بحيث لا يكون ذلك العلم الإجمالي منجّزاً في

ص: 224

مورده ، جاز الترخيص فيه ، وكلّما امتنع جريان الأُصول المؤمّنة العقلية والشرعية في مورد كان العلم الإجمالي منجّزاً في ذلك المورد ، لم يجز الترخيص فيه.

وقد لخّص السيد الخوئي قدس سره فكرة الشيخ الأنصاري قدس سره بشكل دقيق قائلاً : (إنّ العلم الإجمالي إذا تعلّق بحكم إلزامي فلا تجري الأُصول النافية للتكليف في شيء من أطرافه ، أمّا عدم جريانها في تمام الأطراف فللمانع الثبوتي ، وهو قبح الترخيص في مخالفة التكليف الواصل ، وأمّا عدم جريانها في بعضها فلقبح الترجيح بلا مرجّح ... وأمّا إذا تعلّق العلم الإجمالي بحكم غير إلزامي ، فلا مانع من جريان الأُصول المثبتة في جميع أطرافه بحسب مقام الثبوت ، كما أنّه لا مانع من شمول أدلّتها لها في مقام الإثبات) (1).

2 - حجّية الظنّ :

الظنّ (الذي جوّز استخدامه الشرع) هو الاحتمال الراجح على نقيضه من دون أن يلغيه. بمعنى أنّ الظنّ ما هو إلاّ إيماء من نوع ما نحو الواقع ؛ ومثاله حجّية خبر الواحد ، والسؤال المهم الذي واجهه الفقهاء ، وحاول الشيخ الأنصاري الإجابة عنه هو : هل أنّ إلزام الشارع باتّباع ما يوجب الظنّ في أحكامه كخبر الواحد يولّد مفسدة وإدغالاً في الدين أم لا؟

ومن أجل تقديم نظرية علمية شرعية حول الظنّ ، فقد ناقش الشيخ الأنصاري المواقف السلبية والإيجابية لحجّية الظنّ عند الفقهاء ، 6.

ص: 225


1- مصباح الأُصول 2 / 355 - 356.

وعرض مبدأه في حجّية الظنّ ، ودرس الظنون التي ثبتت حجّيتها بالدليل القطعي.

نظرية نفي حجّية الظنّ :

فعلى صعيد السلب والإيجاب أو قل الرفض والقبول لحجّية الظنّ ، فقد استند الفقهاء القائلون بنفي حجّية الظنّ على محذورين : الأوّل : المحذور الملاكي ، والثاني : المحذور الخطابي.

فإذا تعبّد المكلف بالعمل بدليل ظنّي فإنّه قد يفوّت عليه مصلحة ما كانت ستترتب لو طبّق الحكم الواقعي بدل الحكم الظنّي ؛ فالدليل قد يُخطئ الواقع ، فيفوّت على المكلف المصلحة المترتبة على الحكم الواقعي الذي أخطأه الدليل ، وهذا هو المحذور الملاكي.

أمّا المحذور الخطابي ، فإنّه يحصل كنتيجة لتعبّد المكلّف بالعمل بدليل ظنّي أخطأ الحكم الواقعي ، فيلزم اجتماع الضدّين أو النقيضين ، بمعنى أنّ الحكم المعمول به بدليل ظنّي قد يكون له حكمان متضادّان أو متناقضان في وقت واحد من الوجوب وعدمه أو الحرمة وعدمها ، فيكون الأوّل حكماً واقعياً ثابتاً ، والثاني حكماً ظاهرياً تعبّدياً بموجب اعتبار الدليل الظنّي من قبل الشارع.

ومن أجل دفع المحذور الملاكي فقد عرض الشيخ الأنصاري نظريته في (المصلحة السلوكية) ، فافترض أنّ الأمارة تكون سبباً في إحداث مصلحة في سلوك الأمارة بقدر ما فات المكلّف من المصلحة في عدم تأديتها ، فإذا صلّى المكلّف بموجب الأمارة صلاة الجمعة يوم الجمعة ثمّ

ص: 226

اكتشف بعد ذلك خطأ الأمارة بعد انقضاء الوقت لا يعوّضه سلوك الأمارة عن شيء من المصلحة بل عليه أن يأتي بصلاة الظهر قضاءً ، فهنا كان سلوك الأمارة (في الحالة الأولى) سبباً في تفويت مصلحة الوقت عليه فقط ولكنّ سلوك الأمارة (في الحالة الثانية) عوّضه عن مصلحة ذلك الوقت دون أصل العمل ، ولذلك كان عليه القضاء.

ومن أجل دفع المحذور الخطابي عرض الشيخ الأنصاري نظريته القائلة ب- (اختلاف الرتبة بين الحكمين) الظاهري والواقعي ، فإنّ رتبة الحكم الظاهري (وهو الأمارة أو الدليل الظنّي المعتبر) متأخّرة عن رتبة الحكم الواقعي بمرتبتين ، لأنّ موضوع الحكم الظاهري هو الشكّ في الحكم الواقعي وهو متأخّر عنه برتبة لتأخّر العارض عن معروضه بمرتبة ، وكذلك فإنّ موضوع الحكم الظاهري متأخّر عن موضوع الحكم الواقعي بمرتبتين أيضاً ، ولا شك أنّ اختلاف المرتبة يرفع غائلة التضادّ والتناقض في الخطاب الشرعي.

نظرية ثبوت حجّية مطلق الظنّ :

استند الفقهاء القائلون بحجّية مطلق الظنّ ب- (دليل الانسداد) ، وهو الاستناد على حجّية انسداد باب العلم في الأحكام الشرعية ، وعرضوا أربع مقدّمات في انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية ، وهي :

1 - إنّ باب العلم بمعظم المسائل الفقهية مسدود. بمعنى أنّ ما بأيدينا من الأدلّة القطعية والظنّية المعتبرة لا يكفي للوصول إلى كلّ المسائل الفقهية.

2 - لا يجوز لنا إهمال الأحكام الشرعية التي لا نصل إليها بالعلم أو بالظنّ المعتبر ، بل لا بدّ من الخروج من عهدتها بأىّ طريق ممكن.

ص: 227

3 - إنّ الاحتياط المتكرّر في كلّ الأحكام عسر وحرج بل يخلّ بالحياة الشخصية والاجتماعية للأفراد ، ولا شكّ أنّ المولى سبحانه وتعالى لا يكلّف نفساً إلاّ وسعها ، وإنّ إعمال أصل البراءة في كلّ حكم مجهول مَحق للدين وتلاعب بأحكام الله عزّ وجلّ.

4 - مع إمكان الأخذ بالظنّ - عند تعذّر العلم والأصل والاحتياط - لا يجوز الأخذ بالشكّ والوهم ، لأنّ ذلك من ترجيح المرجوح على الراجح وهو باطل شرعاً ، فلا بدّ من الأخذ بالظنّ دون الشكّ والوهم.

ولمّا كان الأصل والأهمّ في هذه المقدّمات الأربع المقدّمة الأولى القائلة بانسداد باب العلم - وهي التي اُخذ منها اسم دليل الانسداد - فإنّ الشيخ الأنصاري وبقية الفقهاء اقتصروا على مناقشتها ، فقال الشيخ الأنصاري : إنّ انغلاق باب الظنون الخاصّة المعتبرة أيضاً ، كالقول بحجّية خبر الواحد والتعبّد به من الناحية الشرعية يحلّ مشكلة (الانسداد) ، بل يوفّر لنا الوسائل العلمية الموجبة للقطع وخبر الواحد والظنون المعتبرة الأخرى كظواهر حجّية الكتاب والسنّة للوصول إلى معظم الأحكام الشرعية ، وعندها ينحلّ العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بأكثر الأحكام ، وتجري الأُصول والقواعد في بقية الأحكام بلا محذور.

حجّية الظنّ عند الشيخ الأنصاري :

وعلى صعيد حجّية الظنّ التي آمن بها الشيخ الأنصاري وجعلها أصلاً في الاستنباط ، فقد عرض في البداية أصلين في علم الأُصول هما :

أ - إمكانية اعتبار الظنّ والتعبّد به من ناحية الشارع.

ب - ما لم يحصل لنا العلم اليقيني بأنّ الشارع قد اعتمد سبيلاً من السبل الظنّية واعتبره وأمرنا بالتعبّد به ، فلا يجوز لنا التمسّك به وإسناد مفاده

ص: 228

إلى المولى عزّ وجلّ.

وقد اُستدلّ على هذين الأصلين بالأدلّة الأربعة وهي : القرآن المجيد ، كما في قوله تعالى : (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) (1) ، وقوله أيضاً : (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (2) ، ومن السنّة الشريفة ما رواه الحرّ العاملي في الوسائل في قوله عليه السلام : «رجل قضى بالحقِّ وهو لا يعلم» (3) ، ومن الإجماع ما ادّعاه الوحيد البهبهاني من أنّ حرمة العمل بما لا يعلم من البديهيّات عند العوامّ فضلاً عن الخواصّ ، ومن الدليل العقلي اتفاق العقلاء على تقبيح الافتراء على المولى عزّ وجلّ.

وخلاصة نظريّته أنّ الظنّ ليس حجّة بذاته ولا يمكن الاعتماد عليه ، بل يكون حجّة شرعاً عندما يقوم دليل علمي من ناحية الشارع على حجّيته ؛ فيكون الظنّ - عندها - حجّة من ناحية الدليل الذي أقرّه الشرع فحسب وليس بذاته.

وبموجب هذا الفهم فقد صُنّفت الظنون الخاصة التي ثبتت حجّيتها بالدليل القطعي إلى طائفتين :

الأولى : الطرق والأمارات ، وهي الأدلّة والحجج الشرعية على الحكم الشرعي ، كالأخبار غير المتواترة والإجماع والشهرة.

والثانية : المنهج العلمي المستخدم في اكتشاف الحكم الشرعي كحجّية الظهور مثلاً ، التي هي طريقة من طرق العرف العقلائي في الأخذ بظواهر الأمور في العلاقات والمعاملات ؛ فالدليل أحياناً قد يفتقد إلى 6.

ص: 229


1- سورة الأنعام 6 : 116 ، وسورة يونس 10 : 66.
2- سورة يونس 10 : 59.
3- وسائل الشيعة 18 / 11 ح 6.

التنصيص والتصريح ، وإذا إفترضنا - جدلاً - أنّنا توقّفنا عن الأخذ بظهور الأدلّة اللفظية بسبب ذلك ، فنكون قد ألغينا طائفة واسعة من الروايات الظاهرة في معانيها غير الصريحة ، ونكون قد ارتكبنا أفدح الأخطاء على نطاق الاستدلال الشرعي.

3 - الشكّ :

ويُقصد بالشكّ مطلق الجهل بالحكم ، سواء كان طرفا الترديد متساويين أو مختلفين ؛ فعندما يخفى الحكم الشرعي أو موضوعه على المكلّف - عن طريق الجهل به أو عن طريق افتقاد الأمارة المعتبرة شرعاً - يكون الشكّ عندئذ مجرى لأحد الأُصول العقلية : كالبراءة والاحتياط ، أو الشرعية : كالاستصحاب والبراءة الشرعية.

أمّا إذا كان الشكّ في الموضوع الخارجي (أي في الشبهة الموضوعية الخارجية) وليس في الحكم الشرعي ، فإنّ القواعد الأُصولية الفرعية هي التي يتمّ تطبيقها - عندئذ - كقاعدة الفراغ والتجاوز ، وقاعدة أصالة صحّة فعل المسلم ونحوها.

وأمّا إذا كان الشكّ في الشبهات الموضوعية والحكمية ، فإنّ الأُصول الأربعة وهي : البراءة والتخيير والاحتياط والاستصحاب تكون - عندها - وظيفة الجاهل بالواقع من حيث جهله به ويأسه من الكشف عنه بالعلم أو الظنّ المعتبر.

ولا شكّ أنّ الشيخ الأنصاري كان قد فكّك بين الأمارات الظنّية والأُصول الأربعة ، فالأمارات كخبر الواحد مثلاً تستطيع بطبيعتها الكشف عن درجة من درجات الحكم الواقعي ، وقد تمّمها الشارع بالاعتبار الشرعي ،

ص: 230

ولكن الأُصول الشرعية والعقلية التي تجري في مورد الشكّ تفتقد بطبيعتها تلك الدرجة من الكشف عن الحكم الواقعي ، ودورها مجرّد تقرير الوظيفة العملية للمكلّف وقت الشكّ ..

وفي ضوء ذلك التفكيك دخلت الأدلّة الاجتهادية كخبر الواحد والإجماع والسيرة والشهرة في مبحث الظنّ ، لأنّها من الظنون الخاصّة التي رفعها الشارع إلى مستوى القطع ، بينما دخلت الأدلّة الفقاهتية ، وهي الأُصول العملية الأربعة ، في مبحث الشكّ ؛ فقال في الرسائل : «فاعلم أنّ المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي فإمّا أن يحصل له الشكّ فيه أو القطع أو الظنّ ، فإن حصل له الشكّ فالمرجع فيه هي القواعد الشرعية الثابتة للشّاكّ في مقام العمل ، وتسمّى بالأُصول العملية ، وهي منحصرة في الأربعة ...» (1).

وهذا التفكيك بين الأمارات الظنّية والأُصول العملية ، والتفريق بين الأدلّة الفقاهتية والاجتهادية جعل دائرة الأدلّة الشرعية والعقلية متناسقة وغير متقاطعة في أىّ مرحلة من المراحل بل مترتّبة طوليّاً ، لكنّها تتقدّم أو تتأخّر عن بعضها من خلال ما اُصطلح عليه ب- (الحكومة) أو (الورود) اللذين سنتعرّض لهما لاحقاً.

4 - مفاد الدليل ومدلوله :

وقد آمن الشيخ الأنصاري بأنّ مفاد الدليل دائماً هو الجعل وليس المجعول (2) ؛ ف- (الجعل) يتمّ إنشاؤه من قبل المشرّع تحقّق موضوعه في 3.

ص: 231


1- الرسائل 1 / 2.
2- الرسائل 1 / 395 - 403.

الخارج أم لم يتحقّق ، و (المجعول) يتوقّف ثبوته على حصول موضوعه في الخارج ، فالدليل في قوله تعالى : (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) (1) ، لا يتعهّد بغير بيان أصل جعل وجوب ضريبة الخمس على الغنيمة ، ولكن دخول هذا الوجوب في عهدة المكلّف لا يحصل الاّ بعد وصوله إلى مرحلة الفعلية ، بتحقّق موضوعه خارجاً بجميع قيوده وليس له أىّ علاقة بالدليل.

فمفاد الدليل قد يكون جعل الحكم الشرعي ، وقد يكون جعل الوظيفة الشرعية ، وقد يكون جعل الوظيفة العقلية في ظروف الجهل بالحكم الشرعي ..

وبمعنى آخر أن الأدلّة الفقاهتية ، بموجب هذا الفهم يمكن أن تقسّم إلى ثلاث مجاميع :

الأولى : الأُصول المؤمّنة كالبراءة العقلية والشرعية ، وهذه الأُصول لا تنفي الحكم الشرعي ، بل تجعل المكلّف يقطع ببراءة ذمّته من التكليف المشكوك في ظروف الجهل به.

الثانية : الأُصول المنجّزة والمثبتة للتكليف كأصل الاشتغال والاستصحاب. فهذان الأصلان لا يثبتان وجود الحكم الشرعي الذي كان يجهله المكلّف ، بل يثبتان الوظيفة الشرعية للمكلّف بالاحتياط في مورد الاشتغال ، وباستصحاب الحالة السابقة في مورد الاستصحاب.

الثالثة : التخيير العقلي ، وهي ما تفيد التخيير في مورد تردّد التكليف بين المحذورين وترفع مهمّة التعيين عن عهدة المكلَّف ؛ فالتخيير لا يعكس 1.

ص: 232


1- سورة الأنفال 8 : 41.

طبيعة الحكم الشرعي الواقعي ، ولكنّه وظيفة المكلّف في ظروف تردّده بين المحذورين (الوجوب أو الحرمة) ، وهو يعلم قطعاً بثبوت أحدهما على النحو الإجمالي.

5 - تعارض الأدلّة وتزاحمها :

والتعارض ، في اصطلاح الشيخ الأعظم رضي الله عنه هو تنافي الدليلين الظنيّين أو تضادّهما بحيث أنّ الدليل الأوّل ينافي الدليل الثاني ويكذّبه كما لو دلّ دليل على وجوب زكاة مال التجارة ودلّ دليل آخر على عدم وجوبها ، أو دلّ دليل على وجوب أمر ما ودلّ آخر على حرمته.

أمّا التزاحم ، فهو يعبّر عن تدافع بين حكمين شرعيّين في مقام الامتثال والتنفيذ ، ويمثّلون له بإقامة الصلاة في آخر الوقت وتطهير المسجد من النجاسة في نفس ذلك الوقت المضيّق ؛ فهنا لا يتمكّن المكلّف في ظرف زمني واحد من الامتثال لكلا الحكمين ، فلا بدّ له من اختيار أحدهما بالتعيين أو التخيير.

ومعرفة الفرق بين التعارض والتزاحم له قدر من الأهمّية في عمليّات الاستنباط ، ففي باب التزاحم لا نجد تكاذباً بين الدليلين في مقام الجعل والتشريع ، بينما نجد في باب التعارض استحالة صدور الدليلين من الشارع بالقطع ، وإلاّ لم يقع التعارض ، فلابدّ هنا - في باب التعارض - من ترجيح أحدهما على الآخر بالوسائل المرجّحة كقوّة السند من وثاقة الراوي والشهرة ، أو ترجيح ما ليس له بديل على الدليل الذي له بديل ، أو ترجيح الأهمّ على المهمّ.

ص: 233

العلاقة بين الأدلّة الاجتهادية والفقاهتية :

وقد عرض الشيخ الأنصاري لوناً جديداً من العلاقة بين الأدلّة الاجتهادية والفقاهتية ، في حالات التعارض بين الأدلّة ، وأسند هذا اللون من العلاقة إلى أربع حالات هي : التخصّص ، والتخصيص ، والورود ، والحكومة ، ولا شكّ أنّ تطبيق هذه الحالات الأربع على الأدلّة سوف يرفع التعارض بينها.

التخصّص :

فعلى صعيد (التخصّص) ، وهو خروج موضوع أحد الدليلين عن موضوع الدليل الآخر ، فإنّ موضوعي الدليلين مختلفان تماماً ، كما إذا قال الشارع : أكرم العلماء (وهو الدليل الأوّل) ، وقال : لا تكرم الجهّال (وهو الدليل الثاني) ، فيكون موضوع الدليل الثاني وهو (الجاهل) خارجاً عن موضوع الدليل الأوّل وهو (العالم) ، فينتفي التعارض بين الدليلين.

التخصيص :

وعلى صعيد (التخصيص) ، وهو إيراد قرينة متّصلة أو منفصلة لتوضيح مراد المتكلّم من الاستعمال ، فإنّ المخصِّص يكشف عن أنّ المتكلّم لم يكن يقصد المعنى الظاهر من العامّ في استعمال الخاصّ ؛ فلو قال الشارع : أكرم الفقراء ، ثمّ قال أيضاً : لا تكرم الفقراء الفسّاق ، فإنّ النهي الثاني يلحظ قرينةً على أنّ المتكلّم لم يكن قاصداً عموم الفقراء في استعماله الأوّل ، بل كان يقصد عدول الفقراء ، وتقييد المطلق وتخصيص

ص: 234

العامّ في هذا الاستعمال لا يعتبر تعارضاً في الأدلّة.

الورود :

وعلى صعيد (الورود) ، وهو تقدّم الأمارات والطرق (الأدلّة الاجتهادية) على الأُصول العقلية من البراءة والاحتياط والتخيير العقلي (الأدلّة الفقاهتية) ، فقد حُدّد بصيغة مفادها أنّ الدليل الوارد ينفي موضوع الدليل (المورود) نفياً تكوينياً ، على المستوى التعبّدي ، بمعنى أنّه لو وردنا خبر الثقة الواحد على حكم شرعي فإنّ ذلك الخبر سوف يرفع موضوع البراءة العقلية التي عبّرنا عنه سابقاً بعدم البيان في قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) ..

ومن جهة أخرى ، يتقدّم خبر الثقة على أصالة الاحتياط العقلية ، لأنّ موضوع أصالة الاحتياط هو احتمال ترتّب العقوبة على ترك الوجوب ؛ بينما أمّن خبر الثقة من وقوع العقوبة ..

ومن جهة ثالثة يتقدّم خبر الثقة على أصالة التخيير العقلية ؛ لأنّ موضوع التخيير إنّما ثبت لعدم وجود مرجّح لأحد الطرفين على الآخر ، بينما كان خبر الثقة صالحاً للرجحان على الطرف الآخر ، وهذه الأدلّة مترتّبة طوليّاً ولا تتقاطع في أيّة نقطة ، وهذا هو معنى عدم التعارض بين الأدلّة.

الحكومة :

وعلى صعيد (الحكومة) ، وهو تقدّم الأمارات والطرق (الأدلّة الاجتهادية) على الأُصول العقلية من البراءة والاحتياط والتخيير العقلي (الأدلّة الفقاهتية) تقدّماً تشريعياً ، فإنّ العلاقة الدلالية تتبلور عندما يكون

ص: 235

فيها أحد الدليلين ناظراً إلى مفاد الدليل الآخر ، فخبر الثقة يرفع جهل المكلّف بالحكم الواقعي تعبّداً وإن لم يرفعه تكويناً ، ولكن الشارع أتمّ الكشف الذاتي الناقص الموجود في هذه الأمارة ، فهنا يثبت الدليل الاجتهادي ويتقدّم على الدليل الفقاهتي ، ولا تعارض بين الدليلين (أي الاجتهادي والفقاهتي) المترتّبتين طوليّاً.

ولا شكّ أنّ نظريّة الشيخ الأنصاري قدس سره ونظريّات الفقهاء الذين سبقوه تدفعنا نحو التفتيش عن منهجية (علم الأُصول) ، فكيف استطاع (علم أصول الفقه) الوصول إلى تلك الدقّة العقلية من دون الانجرار كلّياً إلى خنادق علم الفلسفة أو علوم اللغة أو علم الكلام؟ وكيف استطاعت اتجاهات المنهج العلمي الأُصولي في التاريخ ، الخروج بصيغة متوافقة للمباحث الأُصولية؟ وكيف استطاع علم الأُصول التمييز بين (الأصل العملي) وبين بقية القوانين الحاكمة على التفكير الإنساني؟ سنحاول الإجابة عن كلّ ذلك في بحوث الفصل الخامس حول تشخيص المنهج العلمي للأُصول.

ص: 236

الفصل الخامس

تشخيص المنهج العلمي للأُصول

مقدمة:

إنّ أهمّ ما ميّز النشاط العلمي الديني في الحوزة العلمية الإمامية هو اهتمامها المتميّز بتنمية الفكر الأُصولي إلى مرحلة متطوّرة باعتبار أنّ مدار الاجتهاد هو قابلية الفقيه على التمكّن من إرجاع الفروع إلى الأُصول ، وهي ما تدور عليه مباني علم الأُصول.

ولا شكّ أنّ علم أصول الفقه لم يكن ليتطوّر بهذا الشكل الرائع عند فقهاء الشيعة خلال القرون الماضية ما لم يتسلّح أولئك العلماء بمنهج علمي واضح المعالم حدّد لهم أهدافهم في الاستنباط الشرعي للأحكام ؛ فالمنهج العلمي يشير إلى نوعية الخطوات التي تُتّخذ - عبر نظام ذي ضوابط - للوصول إلى هدف استنباط الأحكام الشرعية - تكليفية كانت أو وضعية - من أدلّتها المقرّرة.

ولا شكّ أنّ طبيعة الخطوات المُتّخذة والتفاصيل المتعلّقة بها تعتمد على تلك الغاية وعلى الطرق المُستخدمة في الوصول إليها ، فالتحليل النقدي الذي صاحب عملية تطوّر علم الأُصول أدّى مع مرور الزمن إلى تغيير في التركيبة العامّة للنظرية الأُصولية ، حيث نرى الشيخ الطوسي (ت 460 ه) يسرد في كتابه الأُصولي (عُدّة الأُصول) تصوّراً ابتدائياً عن علم أصول الفقه ، فيقول في مقدّمة كتابه : «سألتم أيّدكم الله إملاء مختصر في أصول الفقه يحيط بجميع أبوابه على سبيل الإيجاز والاختصار على ما

ص: 237

تقتضيه مذاهبنا وتوجبه أصولنا ، فإنّ من صنّف في هذا الباب سلك كلّ قوم منهم المسلك الذي اقتضاه أصولهم ولم يعهد من أصحابنا لأحد في هذا المعنى إلاّ ما ذكره شيخنا أبو عبد الله رحمه الله في المختصر الذي له في أصول الفقه ولم يستقصه وشذّ منه أشياء يحتاج إلى استدراكها وتحريرات غير ما حرّرها ، وإنّ سيّدنا الأجلّ المرتضى - أدام علوّه - وإن أكثر في أماليه وما يقرأ عليه شرح ذلك ، فلم يصنّف في هذا المعنى شيئاً يُرجع إليه ويجعل ظهراً يستند إليه ، وقلتم : إنّ هذا فنّ من العلم لا بدّ من شدّة الاهتمام به ، لأنّ الشريعة كلّها مبنيّة عليه ولا يتمّ العلم بشي منها دون إحكام أصولها ، ومن لم يُحكم أصولها فإنّما يكون حاكياً ومعتاداً ولا يكون عالماً» (1) ..

وبعد تسعة قرون من وفاة الشيخ الطوسي رضي الله عنه تبلورت التركيبة العامّة للنظرية الأُصولية بأوضح صورها ، فيأتي الشيخ محمد كاظم الخراساني (ت 1329 ه) ليحدّد معالم النظرية الأُصولية وأهدافها ، فأصبحت أصول الفقه (صناعة يُعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام ، أو التي ينتهي إليها [الفقيه] في مقام العمل) (2) ، وهذا الهدف الواضح للنظرية الأُصولية الحديثة جاء ثمرة من ثمرات الجهد المتّصل على مدى تلك القرون الماضية في البحث عن منهج علمي متكامل لنظرية القواعد المشتركة في استنباط الحكم الشرعي.

الطريقة التحليلية في علم الأُصول :

فذلك المنهج العلمي يتبع الطريقة التحليلية لا الوصفية ، فهو لا 3.

ص: 238


1- عُدّة الأُصول 1 / 2.
2- كفاية الأُصول 1 / 23.

يقتبس من الفلسفة اللغوية أو علم المنطق أو علم الكلام بقدر ما يهذّب تلك العلوم ويحلّلها ويخضّعها لحاجاته في التحليل الذهني وربط المعاني بعضها ببعض ، ونستشفّ ذلك بوضوح من كتب الطائفة التي تطوّرت مع تطوّر الفكر الأُصولي ، أمثال : كتاب كنز الفوائد لأبي الفتح محمد بن علي الكراجكي (ت 449 ه) ، وعُدّة الأُصول للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) ، والقواعد والفوائد في الفقه والأُصول والعربية للشهيد الأوّل محمد بن مكّي (ت 786 ه) ، وقوانين الأُصول للميرزا أبي القاسم القمّي (ت 1231 ه) ، ومفاتيح الأُصول للسيّد محمد الطباطبائي (ت 1242 ه) ، وهداية المسترشدين في شرح معالم الدين للشيخ محمد تقي الاصفهاني (ت 1248 ه) ، وقوامع الفضول عن وجوه حقائق أصول علم الأُصول للشيخ محمود بن جعفر بن الباقر المسمّى بالعراقي (ت 1308 ه) ، وفرائد الأُصول للشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1280 ه) ، ومطارح الأنظار - من تقريرات الشيخ الأنصاري - للشيخ أبي القاسم كلانتري (ت 1292 ه) ، وبحر الفوائد في شرح الفرائد للشيخ ميرزا محمد الاشتياني (ت 1299 ه) ، وكفاية الأُصول للشيخ محمد كاظم الخراساني (ت 1329 ه) ، والفصول في الأُصول للشيخ محمد حسين الاصفهاني (ت 1361 ه) ، وبدائع الأفكار للشيخ ميرزا حبيب الله الرشتي (ت 1362 ه) ، ونهاية الأفكار للشيخ محمد تقي البروجردي ، ومقالات الأُصول للشيخ ضياء الدين العراقي (ت 1361 ه) ، ومباني الاستنباط للكواكبي تقريراً لأُستاذه السيّد أبي القاسم الخوئي (ت 1413 ه) وغيرها من كتب الطائفة في علم الأُصول.

فقد أصبحت - بفضل ذلك المنهج العلمي - تلك الأفكار المبعثرة

ص: 239

المنتشرة هنا وهناك أصولاً بحسب المباني العقلية والشرعية ، ففي حالة الشكّ مثلاً ثبّت الأصوليّون ما سُمّي بالأُصول الأربعة ، وهي : الاستصحاب والبراءة والاحتياط والتخيير ، وتلك الأُصول الأربعة عامّة تجري في الشبهات الحكمية والموضوعية ، ولذلك اهتمّ بها علم الأُصول أشدّ الاهتمام ؛ فالمدرسة الأُصولية الإمامية بكافّة فقهائها وعلى فترة زمنية مديدة ، أشبعت تلك الأُصول الأربعة بحثاً ونقداً ، بحيث وصلت تلك المباحث الأُصولية اليوم إلى درجة من الدقّة والعمق ، فمثلاً عندما يُراد التفريق بين الأصل والدليل ، فإنّ النظرية الأُصولية الحديثة تقول : (إنّ الأصل خارج عن الدليل موضوعاً وتخصّصاً لا حكماً وتخصيصاً) ، بمعنى أنّه لا يوجد هناك أىّ تعارض ولا تخصيص بين الأصل والدليل ، فالدليل متقدّمٌ ذاتاً على الأصل ، والأصل متأخّر رتبة عن الدليل ، ولذلك فإنّهما لا يجتمعان في موضوع واحد ، والنتيجة أنّ الأصل العملي لا تقرّ بأخذه (النظرية الأُصولية) إلاّ بعد اليأس من وجود الدليل ، كما فصّلنا ذلك في الفصل الرابع.

اتجاهات المنهج العلمي في الأُصول :

ومن خلال دراسة متأنّية لتاريخ علم الأُصول نستطيع أن نشخّص ثلاثة اتّجاهات مهمّة في المنهج العلمي للمدارس الأُصولية.

الأوّل : هو الاتّجاه الذي حاول تنظيم علم الأُصول اعتباره علماً مستقلاًّ عن المدارس السنّية ، فهاجم القياس والاستحسان والمصالح المرسلة ونحوها وأخرجها من علم الأُصول ، وكان من روّاده الشيخ المفيد

ص: 240

والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي وابن إدريس ؛ فيشير شيخ الطائفة في عُدّة الأُصول إلى ذلك ويقول : «أمّا القياس والاجتهاد فعندنا أنّهما ليسا بدليلين ، بل محظور في الشريعة استعمالهما» (1) ، بينما يصرّح ابن إدريس بالقول «إنّنا أبطلنا أن يكون القياس في الشريعة - الذي هو ما ذهب مخالفونا إليه - طريقاً إلى الأحكام الشرعية» (2). وفي موضع آخر : إنّ «القياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا» (3) ، ويُقصد بالاجتهاد في هذين النصّين اجتهاد الرأي.

الثاني : وهو الاتجاه الذي اتّخذ موقف الدفاع أمام المدرسة بزعامة الاسترآبادي (ت 1023 ه) التي زعمت أن الاستنباط يقتصر على البيان الشرعي فقط دون الحاجة إلى الرجوع للدليل العقلي ، إلاّ أنّ المدرسة الإخبارية واجهت حملة عنيفة من قبل المدرسة الأُصولية ، كما بحثنا ذلك سابقاً ..

ويُمثّل ما كتبه السيّد محسن المعروف ب- (المقدّس الكاظمي) (ت 1227 ه) في كتابه وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة نموذجاً من نماذج هذا الاتجاه الأُصولي ، فيقول متحدّثاً عن الحاجة لعلم الأُصول : «... ثمّ لمّا كانت الخطابات الشرعية مشتملة على ما وقع فيه النزاع ممّا يبتنى عليه معظم الفقه كالأوامر والنواهي والمشتقّات والحروف ، والتقييدات وما صار حقيقة في معان لم تكن معروفة من قبل وما يحتمل أمرين أو أكثر من ة.

ص: 241


1- عدة الأُصول 2 / 253.
2- السرائر : 3 ، في مسألة بيان الأدلة الشرعية.
3- السرائر : 3 ، في مسألة بيان الأدلة الشرعية.

الأمور الخمسة المشهورة التي يدخل الخلل باعتوارها ، احتجنا إلى مباحث الأمر والنهي والمشتق والحروف والمفاهيم والحقيقة الشرعية ومسائل الدوران وحيث وقع فيها أيضاً ما يوجب اختلال الفهم من التخصيص والتقييد والتجوّز والإجمال والتشابه والنسخ والوهم وجب بذل الجهد في معالجة ذلك ...» (1) ..

ونراه في نفس المصدر يتحدّث عن الاختلاف بين القرب والبعد الزماني عن النص فيقول : «... فسدت اللغات وتغيّرت الاصطلاحات وذهبت قرائن الأحوال وكثرت الأكاذيب وعظمت التقية واشتدّ التعارض بين الأدلّة حتّى لا تكاد تعثر على حكم يسلم منه ، مع ما اشتملت عليه من دواعي الاختلال ، وليس هناك أحد يُرجع إليه بسؤال ، وكفاك مائزاً بين الفريقين قرائن الأحوال وما يشاهد في المشافهة من الانبساط والانقباض ... وهذا بخلاف من لم يصب إلاّ أخباراً مختلفة وأحاديث متعارضة يحتاج فيها إلى العرض على الكتاب والسنّة المعلومة ... فإنّه لابدّ له من الإعداد والاستعداد والتدرّب في ذلك كي لا يزلّ» (2).

الثالث : وهو الاتجاه الذي ثبّت المدرسة الأُصولية بشكلها الحالي في مراحل متباينة ، ومن روّاد هذا الاتجاه الملاّ عبد الله التوني (ت 1071 ه) في كتابه الوافية في الأُصول ، والسيد حسين الخونساري (ت 1098 ه) في كتابه مشارق الشموس في شرح الدروس ، والعالم الجليل محمد باقر 4.

ص: 242


1- وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة : 3.
2- وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة : 4.

البهبهاني (ت 1206 ه) في كتابه الفوائد الحائرية ، والميرزا أبو القاسم القمّي (ت 1227 ه) في كتابه قوانين الأُصول ، والشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 ه) في كتابه فرائد الأُصول ، والشيخ محمد كاظم الخراساني (ت 1329 ه) في كتابه كفاية الأُصول.

وقد أدّت دراسة تلك الاتجاهات مجتمعةً إلى الخروج بصيغة متوافقة للمباحث الأُصولية ؛ فقد عبّرت عن النشاط العلمي غير المنقطع الذي بذله علماؤنا الأعلام على مرّ السنين الطويلة من أجل تنظيم هذا اللون من العلوم الاكتسابية وتسخيرها لخدمة الدين واستنباط الأحكام الشرعية.

الاصطلاحات الجديدة :

ولم يتوقّف المنهج العلمي لأُصول الفقه - في ما يتعلّق باستثمار علمي المنطق والفلسفة - عند تنظيم البحث العلمي في الاستنباط فحسب ، بل تعدّى إلى استحداث مصطلحات ولغة أصولية جديدة أضافت للّغة العلمية أبعاداً متميّزة ، فإصطلاحات مثل : القطع الطريقي والموضوعي ، والحكم الظاهري والواقعي ، والدليل والأصل والأمارة ، والشبهة التحريمية والشبهة الوجوبية ، والاحتياط والوجوب التخييري ، والحكم التكليفي والحكم الوضعي وغيرها أدّت إلى اجتياز مرحلة الوصف والتشبيه إلى مرحلة الدقّة والعمق والتحليل ، ولم يتخلّ علم الأُصول - في جميع مراحله - عن الإيمان ب- (نظرية المعرفة) وطريقتها المنطقية في ربط الحقائق بالأحكام ؛ فقد اُعتبر العقل والتحليل الذهني الإسلامي حجّة رئيسية في الإثبات إلى جانب البيان الشرعي ؛ وجُعل الأصل العملي الملجأ الوحيد للفقيه في استنباط الحكم الشرعي بعد غياب الدليل ، إلاّ أنّ أهمّ ما ميّز هذا

ص: 243

المنهج العلمي عن غيره من المناهج هو تطوّر الفرضيّات الأُصولية إلى نظريّات شرعية عقلائية تتطابق مع (نظرية المعرفة) بمعناها الشامل ، وتنسجم مع النظرة الشرعية في الالتزام والتكليف للفرد والجماعة.

تطوّر الفرضية الأُصولية :

ولنضرب مثالاً على تطوّر الفرضية الأُصولية إلى نظرية ، ففي مبحث (الصحيح والأعمّ) في العبادات فرضيّتان :

الفرضية الأولى : إنّ أسماء العبادات وُضعت للصحيح واُستدلّ على ذلك بالتبادر ، وصحّة السلب ، وما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» (1) ، و «الصلاة معراج المؤمن وعمود الدين» (2).

الفرضية الثانية : إنّ أسماء العبادات وضعت للأعمّ (وهو الصحيح والفاسد) ، واُستدلّ على ذلك بالتبادر ، وعدم صحّة السلب ، وصحّة التقسيم إلى الصحيحة والفاسدة ، وقوله عليه السلام : «دعي الصلاة أيّام إقرائك» (3) فأطلق الإمام المعصوم عليه السلام على الفاسدة اسم الصلاة ، وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة : «بُني الإسلامُ على خمس : الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم ينادِ أحدٌ بشيء كما نودي بالولاية فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه ، فلو أن أحداً صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية ، لا يقبل له صوم ولا صلاة» (4) فإنّه عليه السلام أطلق أسماء العبادات على الفاسدة بناءً على فساد العبادة 5.

ص: 244


1- مستدرك الوسائل 4 / 158 ح 5.
2- اعتقادات المجلسي : 29 وثواب الأعمال : 44 ح 60.
3- غوالي اللئالي 2 / 207 ح 124.
4- الكافي 2 / 18 ح 5.

بلا ولاية.

وأمام هاتين الفرضيّتين يأخذ الفقيه - بقوّة الاستدلال الشرعي - بأحدهما ، ويبني عليها نظريته ، فلنفترض أنّنا أخذنا بالافتراض الأوّل وهو أنّ أسماء العبادات وُضعت للصحيح ، بتقريب أنّ ماهيّات العبادات لم تكن معلومة للافراد قبل التشريع ، بل اخترعها الشارع ووضع حقيقتها ؛ ولذلك لا بدّ أن يكون استعماله لها في الصحيح دون الفاسد ، لأنّ الاستعمال كان ابتداءً بعنوان التكليف الشرعي.

ومن أجل أن نبني نظريّتنا الأُصولية في (الصحيح) لا بدّ لنا من دحض استدلال القائلين بالأعمّ ؛ فنحن لا نسلّم بأدلّة التبادر وعدم صحّة السلب عقلاً. ومن حقّنا أن نرفض تلك المسلّمات المزعومة ، وأمّا التقسيم إلى الصحيحة والفاسدة فهو إنّما يتمّ بالعناية والمشابهة مجازاً ، وأمّا قوله عليه السلام : «دعي الصلاة أيّام إقرائك» فإنّ المعصوم عليه السلام استعملها في الصحيحة ، إلاّ أنّها صارت فاسدة بعد ورود هذا النهي ، ولا يمكن أن يُريد الإمام عليه السلام منها الصلاة الفاسدة ابتداءً ، وأما رواية (بُني الإسلام على خمس ...) فظاهرها عدم قبول عبادات أولئك الأفراد إذا كانت جامعة لجميع الشرائط ومانعة لشرط الولاية ، ولا ينافي ذلك صحّتها ، فالقبول غير الصحّة ، وحتّى لو زُعم أن الرواية قصدت الصحّة لا القبول ، فإنّنا نقول : إنّ الإمام عليه السلام إنّما استعملها إمّا بحسب اعتقادهم صحّتها ، وإمّا مجازاً.

وهكذا أصبحت نظرية (الصحيح) عند الفقيه الذي آمن بها عن طريق الاستدلال ، قانوناً مسلّماً - بعد أن كانت فرضاً - يستخدمه في أبحاثه الآتية في الرجوع إلى البراءة أو الاحتياط فيما إذا شكّ في جزئية شيء أو شرطيّته بناءً على الصحيح.

ص: 245

نتائج المنهج العلمي :

وقد أدّى هذا الأسلوب العلمي في النقاش والاستنتاج والاستنباط إلى استخلاص أربع نتائج مهمّة على الصعيد الاجتهادي :

الأولى : تكثيف نشاط الفقهاء في البحث عن الحقائق الشرعية مهما كانت صغيرة ومبهمة ، فأخذ النقاش يطال حتّى المسلّمات العقلية في بعض الأحيان ، وهذا المنحى العلمي حدّده النقاش والإفحام المتزايد بين أصحاب الافتراضات ومناوئيهم ، ولا شكّ أنّ هذا الجوّ العلمي خلق مناخاً عظيماً للإبداع والابتكار الفكري ضمن الحدود الشرعية.

الثانية : التعريف الدقيق المعمّق لكلّ المصطلحات الحُكمية ، بملاحظة خصائصها الشرعية واللغوية والفلسفية ، ولا شكّ أنّ أهمّ أركان العلوم الإنسانية أو التجريبية هو حجم المصطلحات التي تستخدمها تلك العلوم ودقّتها ، فالطبّ له مصطلحاته الخاصّة ، والفلسفة لها مصطلحاتها الخاصّة ، والكيمياء لها مصطلحاتها الخاصّة ، وكذلك علم الأُصول ، فعن طريق إثراء هذا العلم بالمصطلحات الدقيقة أصبحت عملية نموّه النوعي عملية سريعة تزدادُ عمقاً وشمولاً يوماً بعد يوم.

الثالثة : إن عملية الاستقراء المنطقي للمفردات الفقهية تحت رعاية مبادئ ومسلّمات علم الأُصول قد تؤدّي بالمجتهدين لاحقاً إلى استنباط (النظرية الاجتماعية الفقهية) ، وهي النظرية التي لا بدّ أن تُصاغ من أجل بناء النظام الاجتماعي في ضوء الإسلام وتهيئة المجتمع القادر على نصرة الإمام المهدي عليه السلام عند ظهوره المرتقب.

ص: 246

الرابعة : قدرة العالِم الأُصولي الفقيه على منازلة جميع النظريّات والافتراضات الأخرى الخارجة عن دائرة الإسلام والإيمان ، فعن طريق علم الأُصول تسلّح الفقيه بالأُصول والقواعد العقلية والشرعية التي يستطيع بها أن يعرض رأيه بقوّة ويستدلّ له ويدافع عنه بالطرق الشرعية والعقلية والمنطقية.

التحليل الفلسفي للأصل العملي :

والحديث عن المنهج العلمي لابدّ أن يقودنا نحو تحليل (الأصل العملي) تحليلاً فلسفياً ، وهنا يبرز سؤالان مهمّان هما :

الأوّل : ما هي الصيغة العقلية للأصل العملي؟

الثاني : ما هو الفرق بين الأصل العملي وبين بقية القوانين المنطقية الحاكمة على التفكير الإنساني؟

مقدّمة حول القانون :

وقبل الجواب على ذلك نحتاج إلى تقديم مقدّمة ممهِّدة ، وهي : إنّ العلوم بكافّة ألوانها وأطيافها تحتوي بيانات متباينة في التعقيد تسمّى بالقوانين ، ولكن علماء الطبيعة أو الفلسفة في نزاع دائم مع بعضهم البعض حول شرعية تلك القوانين العلمية أو الفلسفية ودستوريّتها ، ومحور النزاع يدور حول التساؤل التالي : هل هناك براهين كافية لتبرير إنزال البيانات العلمية أو الفلسفية منزلة القوانين؟ ليس هناك من جواب شاف لهذا السؤال ، إلاّ أنّ المتيقّن أنّ اختلاف الآراء والمباني بين علماء الطبيعة

ص: 247

والفلسفة هو الذي يؤدّي إلى ذلك النزاع الناشئ حول شرعية تلك القوانين ودستوريّتها.

ولا يقف النزاع عند هذا الحدّ ، بل يتطوّر ذلك النزاع إلى جدل حول طبيعة المصطلح نفسه ، فبعض العلماء لا يوافقون على إطلاق لفظ (القانون) على ذلك البيان العلمي ، بل يفضّلون استبداله بألفاظ أخرى مثل (مبدأ) ، أو (نظرية) ، أو (أصل) ونحوها من الألفاظ العلمية.

والأمر المتفق عليه بالإجماع بين علماء الطبيعة والفلسفة هو أنّ لفظة (القانون) أو ما رادفها من ألفاظ يجب أن تشير - بصورة من الصور - إلى الحقيقة العلمية ؛ فالرجم بالغيب مثلاً لا يمكن أن يكون قانوناً علمياً ولا نظريةً ولا مبدأً لأنّه لا يشير - من قريب أو من بعيد - إلى الحقائق الواقعية العلمية.

الأصل العملي والمنطق :

نرجع الآن بعد تلك المقدّمة المختصرة إلى صلب الجواب عن السؤالين اللذين طرحناهما آنفاً ، ونقول : إنّ الصيغة المنطقية للأصل العملي يمكن تحديدها ضمن إطار فكرتين هما : الضرورة الشرعية ، والانتظام الفلسفي.

فالضرورة الشرعية تجعلنا نفهم الأصل العملي من زاوية قوّته المنطقية أو العقلية وارتباطه مباشرة بالتشريع ، فالاستصحاب مثلاً أصلٌ من الأُصول العملية يتعامل مع اليقين والشكّ ومتعلّقيهما ، وملاك قاعدة الاستصحاب هو اتحاد متعلّق اليقين والشكّ ذاتاً ، لكن مع اختلاف زمان

ص: 248

المتعلّق سواء اختلف زمان حدوث نفس اليقين والشكّ أم اتفق ، وقد اُستدلّ على حجّية الاستصحاب باستقرار سيرة العقلاء على الأخذ بالحالة السابقة ما لم يثبت خلافها ..

واُستدلّ أيضاً بالأخبار الواردة في المقام وهي العمدة ومنها : صحيحة زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام : «... فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً» (1) ..

والتفسير العقلي لأصل الاستصحاب يمكن أن يوضّح بالطريقة التالية : إنّنا لو أنكرنا حجّية الاستصحاب لكان ذلك ترجيحاً لأحد طرفي القضية الممكنة (النجاسة أو الطهارة مثلاً) من غير مرجّح ، وهذا يناقض الفكرة الشرعية أيضاً ، ومن هنا باتت الضرورة الشرعية تدفعنا للإيمان بأصل الاستصحاب عند فقدان الدليل ؛ ولا شكّ إنّ اعتبار الاستصحاب اعتبار تعبّدي محض لا يترتّب عليه أي أثر في الواقع العملي.

أمّا ما يخصّ الانتظام الفلسفي ، فإنّ الأُصول العملية محدّدة تحديداً نظامياً ترتُّبيّاً بحيث لا يتقدّم أصل على أصل إلاّ لسبب شرعي أو عقلي ، فعلى سبيل المثال تُقدّم أصالة (صحّة فعل المسلم) على أصالة (الاستصحاب) في مباني علم الأُصول ، فلو تيقّنا بنجاسة شيء ثمّ شكّكنا في تطهيره استصحبنا نجاسته ، ولكن لو تصدّى فرد مسلم لتطهيره فلا خيار لنا إلاّ أن نحمل ذلك على الصحّة فتثبت - عندئذ - طهارته ، وقد اُستدلّ على ذلك ببعض الأخبار ، منها ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : «ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يقلبك عنه ولا تظنّن بكلمة خرجت 8.

ص: 249


1- تهذيب الأحكام 1 / 421 ح 8.

من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير سبيلاً» ، والمروي عن الإمام الصادق عليه السلام : «إنّ المؤمن لا يتّهم أخاه» ، و «كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسّامة أنّه قال ، وقال : لم اقل ، فصدّقه وكذّبهم» ، ونحوها من الأخبار.

إلاّ أنّ هذه الأخبار أخصّ من الدعوى ، فهي لا تدلّ إلاّ على التزام حمل الإنسان أخيه المؤمن على الخير لا على الشر ، وهي من المؤيّدات فقط ، لكنّها لا تدلّ على لزوم حمل كلّ ما يصدر منه على الصحّة ، ولعلّ أصالة صحّة فعل المسلم تستند على السيرة العقلائية المستمرّة من زمن الشارع حتّى اليوم أكثر من استنادها على تلك الأخبار.

ومهما اختلف الدليل ، فإنّ تقديم أصل على أصل يعكس - بصدق - الانتظام الفلسفي للأُصول العملية في علم الأُصول ، وقد ذكرنا سابقاً تقدّم الأمارات والطرق (الأدلّة الاجتهادية) على الأُصول العقلية من البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب (الأدلّة الفقاهتية).

ومن تلك الأمثلة نفهم أنّه عن طريقي (الضرورة الشرعية) ، و (الانتظام الفلسفي) تتبلور لنا صورة الصيغة العقليّة للأصل العملي وموضعها في التفكير الشرعي.

البُعد العقلي في النظرية الأُصولية :

وبطبيعة الحال ، فإنّ تكامل المنهج العلمي للمدرسة الأُصولية يستمدّ قوّته ومتانته من بُعدين عقليّين مهميّن هما : البُعد التحليلي ، والبُعد الإلزامي. وهذان البُعدان هما اللذان يميّزان أصول الفقه عن أصول بقية العلوم.

ص: 250

فعلى صعيد البُعد التحليلي ، فإنّ قانون الفكر في علم الأُصول إنّما يؤسّس في ضوء مبادئ ذلك العلم بلحاظ الأخذ بالنقاط الثلاث الآتية :

الأولى : الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة الحجج العقلية والشرعية في الأُصول الأربعة (البراءة ، والاحتياط ، والتخيير ، والاستصحاب) ، والأمارات ، وطبيعة القطع والظن والشك ، والأوامر والنواهي كما هي ، أي بطبيعتها الأُصولية الإلزامية لا بجوهرها اللغوي أو المنطقي.

الثانية : إنّ المواضيع الأُصولية لا تتناقض بكينونتها مع بقية العلوم ، فعلم الأُصول لا يعارض المباحث الكلامية أو الأُصول اللغوية ؛ وبنفس المنطوق لا تتعارض المبادئ والنظريات المنطقية والفلسفية مع المباحث الأُصولية.

الثالثة : إنّ النظريات الأُصولية تلحظ قوانين الشرع والعقل وقواعد التفكير الذهني السليم.

فالقطع - على سبيل المثال - صورة من صور البُعد التحليلي ، فالقاطع - الذي انكشف له الواقع ووصل إلى ساحته - إذا وافق قطعه وعمل على طبق تكليفه المقطوع فقد أدّى الواجب ، أمّا إذا خالف قطعه ، فإن كان ما قطع به موافقاً للواقع فهو بلا شكّ يستحقّ الذمّ والعقاب ، وإن كان مخالفاً للواقع فقيل : إنّه يستحقّ وقيل : إنّه لا يستحقّ ، ودلالة استحقاقه العقاب تتمّ بتقريب أنّ تَلَبُّس القاطع بالفعل يفرض على المكلّف حكماً عقلياً أمضاه الشارع وهو وجوب طاعة المولى عزّ وجلّ ، فإنّ ما حكم به العقل فقد حكم به الشرع أي أمضاه وأجازه ، وهذا البُعد التحليلي للقطع يعكس متانة المنهج العلمي الذي شرحناه للمدرسة الأُصولية.

وعلى صعيد البُعد الإلزامي ، فإنّ الدليل الشرعي والأمارة والأصل - في

ص: 251

الواقع - تقوم مقام القانون الأخلاقي والنظرية الإلزامية ، فهي ، مع كونها لا تُكره الفرد على التنفيذ ، إلاّ أنّها تلزمه إلزاماً شرعياً وأخلاقياً بالامتثال ، فالأمر - على سبيل المثال - صورة من صور البُعد الإلزامي ، وإذا قال الآمر : افعل مثلاً ، فقد أراد إيقاع الفعل وصدوره ، فالوجوب هنا يتبادر بدون قرينة لأنّه أشدّ الأقسام طلباً وحثّاً ، على عكس الاستحباب أو الندب فهو أقلّ المراتب وأخفّها في الحثِّ ، ولذلك فقد يحتاج إلى قرينة حتى ينطبق لفظ الأمر المستحبّ على معناه ، فيكون الإلزام الأخلاقي هنا دائراً بين قطبي الوجوب والاستحباب ، ولا شكّ أنّ هناك دلالة عقلية مفادها أنّ لصيغة الأمر مهمّة فورية عرفية ، بتقريب أنّ المولى إذا قال للعبد : افعل الفعل الفلاني ، فلم يفعل زماناً كان للمولى أن يقول له : لِمَ لمْ تفعل ما أمرتك به؟ وهذا هو مقصودنا بالبُعد الإلزامي الفوري ، فهو إلزام وأمر بصيغة من صيغ الطلب التي يحبّ الخالق عزّ وجلّ من عبده المخلوق تنفيذها في صيغة زمنية محدّدة.

الانجازات المنتظَرة في علم الأُصول :

وبعد ان شخّصنا المنهج العلمي لعلم الأُصول ، نستطيع القول الآن : إنّ الانجازات التي حقّقها فقهاؤنا الأعلام (قدّس الله أسرارهم) على صعيد البناء التحتي والمنهجي لعلم الأُصول تنتظر انجازات أخر على صعيد تطبيق نظريّات (القطع) و (الأمارات) و (الأُصول العملية) على الجزئيات الفقهية ؛ فإنّ حجّية الدليل الشرعي والعقلي ينبغي ان تدفعنا للقول ، تلميحاً أو تصريحاً ، بضرورة بناء النظرية الاجتماعية الفقهية التي نأمل ان تقدّم حلولاً لمشاكل العالَم المعاصر بما فيه من تعقيدات نفسية وفكرية وفنّية ، ونلمس من توجّهات فقهائنا المعاصرين الأعلام بوادر اختمار فكرة صياغة النظرية

ص: 252

الاجتماعية الفقهية التي نأمل من خلالها أن يقود (الإسلام) البشرية المعاصرة إلى شاطئ الأمان والسلام والعدالة الاجتماعية (1).

وما نريد تأكيده وإعادته مرّة أخرى هو أنّ التطوّر الذي حصل في البُنية الشرعية والفلسفية لعلم الأُصول خلال الأعوام الألف الماضية من عمر التشيّع لأهل البيت عليهم السلام ، فتح آفاقاً واسعة لاستثمار ذلك المخزون العلمي الخام ، فكان العمل من أجل بلورة النظرية الفقهية أهمّ ثمار المرحلة التي أفرزها التكامل الموضوعي لأُصول الفقه ، وبعد أكثر من قرن على وفاة الشيخ الأنصاري رضي الله عنه ، فإنّ المنهج العلمي الشامخ الذي وضعه كان لا يزال قمّة في الفهم العقلي والشرعي لوظيفة القواعد المشتركة في عملية الاستنباط.

وهذا الفهم المتطوّر دفع نخبة من فقهاء الحوزة العلمية الإمامية المتأخّرين إلى تحسّس ضرورة تطبيق تلك القواعد الأُصولية على المشاكل الاجتماعية التي يعيشها المسلم المعاصر ، وبتعبير آخر ، استثمار عملية الاجتهاد الشرعي من أجل بناء الحياة الاجتماعية للمسلمين ..

ذلك أنّ الاستمرار في بناء وترميم الهيكل الأُصولي المتكامل مدّة غير محدودة من الزمن ، ودون الالتفات إلى طبيعة التغير الاجتماعي الذي تعيشه المجتمعات المعاصرة قد يضرُّ بعملية الوظيفة الشرعية للمكلّف التي اهتمّ بها علم الأُصول من البداية ..

ولذلك ، فإنّ المرحلة الزمنية التي نعيشها تقتضي بذل جهود استثنائية من أجل الاهتمام بالفقه الاجتماعي في ممارسة عملية الاجتهاد ، واستثمار 9.

ص: 253


1- ناقشنا ارتباط علم الأُصول بالنظرية الاجتماعية الفقهية في كتاب مباني النظرية الاجتماعية في الإسلام : 179 - 189.

القواعد المشتركة في استنباط الأحكام الشرعية التي تهمّ المكلّف ، بصفته الفردية والجماعية ، في مواطن الابتلاءات المتغيرة مع تغيّر الزمن.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 254

المصادر

1 - القرآن الكريم.

2 - أجود التقريرات - السيّد أبو القاسم الخوئي (ت 1412 ه). طبعة صيدا - لبنان.

3 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار - محمد باقر المجلسي (ت 1110 ه). بيروت : مؤسّسة الوفاء ، 1983 م.

4 - تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد - الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه). طهران : دار الكتب الإسلامية ، 1390 ه. الطبعة الثالثة.

5 - ثواب الأعمال - الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (المعروف بالشيخ الصدوق) (ت 381 ه). أردبيل : مكتبة الصدوق ، بدون تاريخ.

6 - الخلاصة - الحسن بن يوسف المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 72 ه). النجف الأشرف 1381 ه. الطبعة الثانية.

7 - دروس في علم الأُصول - السيّد الشهيد محمد باقر الصدر (ت 1400 ه). بيروت : دار التعارف ، 1400 ه- ...

8 - الذريعة إلى أصول الشريعة - السيّد المرتضى (ت 436 ه). طبعة حجرية.

9 - رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال). أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه). تحقيق : حسن المصطفوي. إيران : جامعة مشهد 1348 ه. ش.

10 - رسائل الشريف المرتضى - السيد المرتضى (ت 436 ه). قم : الرضي ، 1404 ه.

11 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي - ابن إدريس الحلّي (ت 598 ه). قم المشرّفة : جماعة المدرّسين ، 1410 ه.

ص: 255

12 - الصحاح. تاج اللغة وصحاح العربية - إسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت 400 ه). بيروت : دار العلم للملايين ، 1979 م.

13 - عدّة الأُصول - الشيخ أبو جعفر الطوسي (ت 460 ه). طبعة حجرية. بومبي : مطبعة دت برساد ، 1312 - 1318 ه.

14 - غُنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع ، ويطلق عليه أيضاً : (الغُنية أصولها وفروعها) - ابن زهرة حمزة بن علي الحسيني الحلبي (ت 585 ه). مطبوع بالطبعة الحجرية ضمن كتاب (الجوامع الفقهية) ، قم المشرفة : آية الله المرعشي 1404 ه.

15 - الغوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية - ابن أبي جمهور محمد بن علي الإحسائي (ت 901 ه). قم المشرّفة : سيد الشهداء ، 1983 م.

16 - فرائد الأُصول (الرسائل) - الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 ه). طبعة حجرية. قم المشرفة : مطبعة وجداني ، بدون تاريخ.

17 - فرائد الأُصول المحشّى بحاشية رحمة الله - الشيخ الأنصاري (ت 1281 ه). طبعة حجرية.

18 - فرحة الغري - أبو القاسم علي بن موسى الحلّي المعروف بابن طاووس (ت 664 ه). طبعة حجرية.

19 - الفصول الغروية في الأُصول الفقهية - محمد حسين الاصفهاني الغروي (ت 1250 ه). طهران : طبعة حجرية 1286 ه.

20 - فوائد الأُصول - الشيخ محمد علي الكاظمي (ت 1365 ه) تقريراً للمحقّق محمد حسين النائيني (ت 1355 ه). قم المشرفة : جماعة المدرّسين ، 1404 ه.

21 - الفوائد الحائرية - محمد أكمل المشتهر بالوحيد البهبهاني (ت 1206 ه). قم المشرّفة : مجمع الفكر الإسلامي ، 1995 م.

22 - الفوائد الحائرية مع تعاليق الفريد الكلبايكاني - الوحيد البهبهاني (ت 1206 ه). قم المشرّفة : مكتبة الصدر ، بدون تاريخ.

23 - الفوائد الحائرية الجديدة - الوحيد البهبهاني (ت 1206 ه). قم

ص: 256

المشرّفة : مجمع الفكر الإسلامي ، 1415 ه.

24 - الفوائد المدنية - محمد أمين الاسترآبادي (ت 1033 ه). طبعة حجرية ، بدون تاريخ.

25 - القواعد والفوائد في الفقة والأُصول والعربية - الشهيد الأوّل محمد ابن مكي (ت 786 ه). طبعة حجرية.

26 - الكافي في الفروع والأُصول - الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ت 329 ه). طهران : مكتبة الصدوق ، 1380 ه.

27 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون - مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة ، طهران : المكتبة الإسلامية ، 1947 ، الطبعة الثالثة عن طبعة برلين المانيا.

28 - كفاية الأُصول - المحقّق محمد كاظم الخراساني (ت 1329 ه). قم المشرّفة : جامعة المدرّسين ، 1415 ه.

29 - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ محمد بن علي الصدوق (ت 381 ه). تحقيق : علي أكبر غفّاري. قم المشرّفة : النشر الإسلامي ، 1405 ه.

30 - كنز الفوائد - الكراجكي (ت 449 ه). (رسالة في أصول الفقه عن كتاب الشيخ المفيد). قم المشرّفة : مكتبة آية الله المرعشي النجفي ، بدون تاريخ. طبعة حجرية.

31 - ماضي النجف وحاضرها - جعفر الشيخ باقر آل محبوبة ، بيروت : دار الأضواء ، 1986 م. الطبعة الثانية.

32 - المبسوط في فقه الإمامية - الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه). طهران : المرتضوية ، بدون تاريخ.

33 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل - الميزا حسين النوري (ت 1320 ه). تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم السلام 1408 ه. قم المشرّفة.

34 - مصباح الأُصول - السيّد أبو القاسم الخوئي (ت 1413 ه). النجف الأشرف : مطبعة النجف ، 1386 ه.

35 - مصباح الفقيه - رضا الهمداني (ت 1322 ه). طبعة حجرية ، قم :

ص: 257

بدون مكان ولا تاريخ الطبع.

36 - معارج الأُصول - المحقّق الحلّي (ت 676 ه). قم : آل البيت عليهم السلام ، بدون تاريخ.

37 - معالم الدين وملاذ المجتهدين - الشيخ الحسن بن زين الدين (ابن الشهيد الثاني) (ت 1011 ه). طبعة حجرية.

38 - مفاتيح الأُصول - السيد محمد المجاهد الطباطبائي (ت 1242 ه). طبعة حجرية.

39 - مقالات الأُصول - آقا ضياء العراقي (ت 1361 ه). النجف الأشرف : العلمية ، 1358 ه.

40 - نزهة الغري - الشيخ محمد الغروي الحائري. مخطوطة خاصّة.

41 - نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية - جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري الحلّي (ت 826 ه). قم المشرّفة : آية الله المرعشي ، 1403 ه.

42 - نهاية الدراية في شرح الكفاية - المحقّق محمد حسين الأصفهاني (ت 1361 ه). قم : الطباطبائي ، بدون تاريخ.

43 - الوافية في الأُصول - الفاضل عبد الله التوني (ت 1071 ه). قم المشرّفة : مجمع الفكر الإسلامي ، 1412 ه.

44 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة - الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ه). بيروت : دار إحياء التراث العربي ، بدون تاريخ.

45 - وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة - المقدّس الكاظمي (ت 1227 ه). طبعة قم 1406 ه.

ص: 258

القوافي اللّامعة في الزيارة الجامعة

السيّد محمّد علي الحكيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين وخاتم الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين المصطفى المبعوث سيِّدنا ومولانا أبي القاسم محمّد وَعلى آله المنتجبين الأبرار الأخيار الأطهار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

أمّا بعد ..

فكم آية نمرُّ بها في كتاب الله العزيز وهي تؤكِّد لنا على كرامة أهل بيت الرسالة (1) بل على فضيلتهم وأفضليّتهم (2) ، وتدلّنا على نزاهة أهل بيت

ص: 259


1- سورة «هل أتى» نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين. انظر : فضائل الخمسة 1 / 301 - 305.
2- «آية المباهلة» هي الآية 61 من سورة آل عمران ، وقد نزلت في حقّ عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام عندما باهل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بهم نصارى أهل نجران. انظر : فضائل الخمسة 1 / 290 - 296.

النبوّة (1) ، وتعرّفنا على قرب منزلتهم عند الله تبارك وتعالى ، حتّى أخذت هذه الآيات تصرّح في حبِّهم جهاراً ، وتجعل هذا الحبّ والولاءَ فرضاً لازماً على الأُمّةِ بأسرها ، وذلك في قوله تبارك وتعالى مخاطباً نبيّه المبعوث بالحقِّ محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (قُل لاَ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (2).

وكم من موقف كريم لهم عليهم الصلاة والسلام نزل به الوحي حاملاً رسالة ربِّه فيهم لتكون آيةً تتلى آناء الليل وأطراف النهار ، فيتقرّب المؤمنون بتلاوتها إلى الله زلفى ، إذ جعلهم الوسيلة إليه من بين خلقه وحججاً على عبادِهِ.

وكم مرة وقف نبيّ الرحمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشيِّدُ بذكرهم ويدلُّ الأُمّة عليهم ، فيجعلهم والقرآن سواءً ، وأنّهما حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض ، وأنّ نجاة هذه الأُمّة بالتمسّك بهما ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) سائلهم يوم القيامة عنهما كيف خلّفوه فيهما من بعده (3)؟

وكم أشار القرآن الكريم في طيِّ آياته البيِّنة على أنّ الله تبارك وتعالى جعل شرف رسالة السماء في بيوت الأنبياء وأبناء الأنبياء وسلالتهم الطيِّبة الطاهرة في حملها بعد النبي وتبليغها ، وتبيين معارفها وأحكامها ، ونشر قيمها ومناهجها الإلهيّة الحقّةِ بين الناس (4).0.

ص: 260


1- «آية التطهير» سورة الأحزاب 33 : 33. وقد نزلت في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. انظر : فضائل الخمسة 1 / 270.
2- سورة الشورى 42 : 23. وإن آية المودّة نزلت في قربى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام انظر : فضائل الخمسة 1 / 306 - 311.
3- انظر : فضائل الخمسة 2 / 52 - 63.
4- انظر سور : البقرة 2 : 124 و 132 ، مريم 19 : 5 و 6 ، والأنعام 6 : 83 - 90.

ولكن أين أصبحت معاني ومصاديق هذه الآيات في أُمّة الهادي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! وكيف أخذوا بها وعملوا بها من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

وأين أصبحت مواقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلماته القيّمة في عترته الطيّبة الطاهرة؟!

وأين أصبحت مواقفهم المشرّفة عليهم السلام التي نزلت بها آيات الكتاب الكريم والتي اعترف بها المخالف والمؤالف لهم؟!

وأين أصبحت مودّتهم في أُمّة نبيِّهم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ومناقبهم الكريمة التي فضّلهم الله بها على سائر خلقه ، والتي ملأت بطون الكتب في شتّى مذاهبها ومشاربها ، والتي لا زالت مندرسةً قد نام عليها الغبار ، لا يعتنى بها ، مهجورةً ، ممنوعةً في كثير من بلادنا الاسلاميّة؟!

وعندما نقرأ التاريخ الاسلاميّ نراه مفعماً بالحوادث والاضطرابات التي عمّت البلاد ومزّقت أمة الاسلام شرّ ممزّق ، ولم تبالي بالقتل الذريع ، وهتك الحرمات ، وإشاعة الفساد ، وتغيير أحكام الله والقيم التي جاءت بها السماء لتخرجنا من الظلمات إلى النّور ..

أو ليس النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيٌّ رحمة للعالمين؟!

أو ليس دينه نعمةً من الله منَّ بها على عباده ، فأنقذهم من شفا جرف الهلكات؟!

أو ليس الله تبارك وتعالى وضّح لنا معالم ديننا ، وأمر نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبيّن ذلك للأُمّة في جميع شؤونها وكلّ ما يهمّها من دينها ودنياها ، وذلك في العديد من آياته المباركة الجلية؟!

ولماذا يفاجئنا التاريخ بأخبار تُذهلُ العقولَ دهشةً؟!

وذلك لمّا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حولَه من الصحابة ، في مرضه

ص: 261

الذي انتقل به إلى الرفيق الأعلى ، أن يأتوه بلوح ودواة ، ليكتب لهم كتاباً ويوصيهم بوصيّة لن يضلّوا بعدها أبدا ، فاختلف الصحابة فيما بينهم حتّى قال قائلهم - وقيل إنّه عمر - وفي بعض المصادر - قال رجل - (حسبنا كتاب الله) و (إنّ الرجلَ ليهجر) (1) فكيف اجترأ ذاك القائل على الله ورسوله ، وذلك في حضرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

والله ورسوله أعلم بمن قال هذه المقالة التي لا زالت الأقلام تغيّر في ألفاظها ومعانيها وتبرّر لها!

ولماذا تركوا تجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذهبوا مسارعين إلى سقيفة بني ساعدة (2)؟!

ولماذا اعتُدي على أهل بيت النبوّة ، فهجموا على دار الزهراء عليها السلام وأحرقوا الباب بالنار (3) ، و... جرت أمورٌ يتصدّع لها قلب كلِّ مؤمن توقّد قلبه بحب نبيِّه وآله الأطهار ، وعرف منزلتهم ومكانتهم من الله عزّ وجلّ؟!

ولماذا قتل الحسين بن علي عليهما السلام مع أنصاره من أهل بيته وأصحابه 0.

ص: 262


1- صحيح مسلم 3 / 1257 - 1259 ح 20 ، 21 و 22. مسند أحمد 1 / 336. المصنّف 5 / 438 ح 9757.
2- انظر : العقد الفريد 4 / 258 ; وجاء فيه : «فبايع الناس أبا بكر ، وأتو به المسجد يبايعونه ، فسمع العبّاس وعليٌّ التكبير في المسجد ، ولم يفرغوا من غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال عليٌّ : ما هذا؟ قال العبّاس : ما رُئي مثل هذا قطّ ، أما قلت لك! وانظر : كتاب السقيفة والخلافة : 200. للكاتب المصري عبد الفتاح مقصود ، حيث قال : «ودع آل محمد من هذا التقسيم. فلقد غفلوا تماماً عن حركة أبي بكر ، ثمّ تعفّفوا أيضاً عن المشاركة في معركة الاستخلاف ، تسامياً بأنفسهم عن منازعة الناس سلطان محمد وهو بعد جسد مسجّى لم يجهّزوه لمثواه ...».
3- العقد الفريد 4 / 259 و 260.

في كربلاء (1) ، ذلك القتل الذي يكشف وينبئ عن أحقاد وأضغان أمويّة ، مكنونة في صدور بني أميّة وأنصارهم من المنافقين الذين أرادوا دحر رسالة السماء والانتقام من رسول الاسلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

هذا والحسين عليه السلام سبط الرسول ومن ترعرع في حجرِه وغذي من لعابه الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم) (2)؟!

وكيف تحوّل ذاك الحبُّ وتلك المودّة التي أمر الله بها نبيّه ان يبلَّغها الناس إلى بغضهم وعداوتهم وقتلهم ومنع ذكر فضائلهم ومحاربة كلِّ من يتودّد إليهم حتّى صار من لا معرفة له بهم من الناس يتقرّب إلى الله بسبِّهم والبراءة منهم عليهم السلام؟!

وكيف صار الصحابة عظماءُ الاسلام وصار أهل بيت النبوّةِ ومن نزل الوحي في بيتهم لا ترعى لهم حرمة في أُمّة أبيهم وجدِّهم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وصار أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يسبّ على منابر بني أُميَّة طيلة ثمانين عاماً ولم تأخذهم فيما فعلوا لومة لائم (3)؟!

أو ليس علي عليه السلام أوّل القوم إسلاماً وإيماناً بالله ورسوله (4)؟!

أو ليس علي أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصهره على ابنته فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين وأبا السبطين الحسن والحسين عليهم السلام (5)؟! ).

ص: 263


1- فضائل الخمسة 3 / 336 ، باب أنّ جبرئيل عليه السلام أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتل الحسين عليه السلام.
2- فضائل الخمسة 3 / 317 - 325.
3- الكامل في التاريخ 4 / 98.
4- فضائل الخمسة 1 / 226 ، باب في أنّ عليّاً أوّل من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). و 2 / 147 ، تزويج علي من فاطمة عليهما السلام.
5- فضائل الخمسة 1 / 265 ، باب في أنّ عليّاً عليه السلام أخو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

أو ليس عليّ عليه السلام فدّى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلة المبيت (1)؟!

أو ليس عليّ عليه السلام كانت أكثر قتلا المشركين في بدر على يديه؟! وما قام الاسلام إلاّ بسيفه (2).

أو ليس علي عليه السلام نادى به جبرئيل الأمين بين السماء والأرض يوم أحد لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ (3)؟!

أو ليس عليٌّ عليه السلام ضربته يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين (4)؟!

أو ليس عليٌّ عليه السلام قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا علي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» (5)؟!

أو ليس عليٌّ عليه السلام باب مدينة علم الرسول (6)؟!

أو ليس عليّ عليه السلام كان هو الهادي في قوله تعالى : (إنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد) (7)؟!

أو ليس عليٌّ هو أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر الذين أشار إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد روته العامّة والخاصة (8)؟!).

ص: 264


1- انظر : فضائل الخمسة 2 / 345 ، باب في مبيت علي عليه السلام على فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
2- انظر : فضائل الخمسة 2 / 351 - 364.
3- انظر : فضائل الخمسة 3 / 353 - 354 ، الروايات الواردة تذكر في بدر وفي أُحد.
4- انظر : فضائل الخمسة 2 / 357 ، باب في مبارزة علي عليه السلام يوم الخندق وأنّها أفضل ... إلى آخره.
5- انظر : فضائل الخمسة 1 / 347 ، باب في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا دار الحكمة وعلي عليه السلام بابها.
6- انظر : فضائل الخمسة 2 / 279 ، باب في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا دار الحكمة وعلي عليه السلام بابها. وص 281 باب في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا مدينة العلم وعلي عليه السلامبابها.
7- سورة الرعد 13 : 7. انظر : فضائل الخمسة 1 / 313 - 314.
8- انظر : فضائل الخمسة 2 / 30 - 32 ، باب في قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

بل حتّى صرّح بأسمائهم عليهم السلام ؛ ففي رواية للخوارزمي بإسناده عن أبي سلمى راعي إبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول : «ليلة أسري بي إلى السماء ، قال لي الجليل جلّ وعلا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ) قلت : والمؤمنون. قال : صدقت. يا محمد من خلّفت في أمّتك؟ قلت : خيرها. قال : علي بن أبي طالب؟ قلت : نعم يا ربّ. قال : يا محمد! إنّي اطّلعت إلى الأرض اطلاعةً فاخترتك منها ، فشققت لك اسماً من اسمائي فلا أذكَر في موضع إلاّ ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمد ..

ثمَّ اطّلعت الثانية فاخترت عليّاً وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو عليّ.

يا محمد! إنّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.

يا محمد! لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشِّنِّ البالي ، ثمَّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.

يا محمد! أتحبّ أن تراهم؟ قلت : نعم يا ربّ.

فقال لي : التفت عن يمين العرش ، فالتفتّ ، فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعليِّ بن موسى ومحمد بن علي وعليِّ بن محمد والحسن بن عليِّ والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلّون وهو في وسطهم «يعني المهدي» كأنّه كوكبٌ درِّيٌ ، وهو الثائر من عترتك ، وعزّتي

ص: 265

وجلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي» (1).

وذكر هذا الحديث الجويني في فرائد السمطين (2) ، والقندوزي في ينابيع المودَّة (3) ..

فهل تطابق هذه الأسماء المباركة أسماء طغاة بني أُمّية وبني العباس؟

وهل كان عددهم عدد الخلفاء الاثني عشر الذين ذكرهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)في أحاديث نقلها العامّة والخاصّة؟

وهل كانت خلافتهم شرعيّةً في كتاب الله وسنّة رسوله؟

فلماذا (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) (4)؟

ولماذا تقهقرت الخلافة الاسلامية واضمحلّت وتمزّقت شرّ ممزّق ، إذا كانت هي حبل الله الذي لا بدّ للمسلمين ان يعتصموا به؟! ولم تفرّقوا عنه؟! ولماذا آل الأمرُ إلى أُمّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أن يتلاعب بها الشرق والغرب في عصرنا الحاضر كما تتلاعب الصبيان بالكرة؟

أم هل أقام هؤلاء الخلفاء بمجونهم وبفسقهم وفجورهم للدين عماداً؟!

وإلى هذا أشار أبو فراس الحمداني رحمه الله في قصيدته الشافية التي يقول في مطلعها :

الدين مخترم والحق مهتضمٌ

وفيء آلِ رسول الله مقتسمُ8.

ص: 266


1- مقتل الحسين للخوارزمي : 95 - 96.
2- فرائد السمطين 2 / 320 ح 571 ، و 321 ح 572 ، وفيه حديث آخر يذكر اسماء والأئمّة الاثني عشر عليهم السلام.
3- ينابيع المودّة 3 / 380 - 381.
4- سورة الأعراف 7 : 38.

بعد أن قام بمقارنة في الفخار بين خلفاء بني العباس وبين أئمّة أهل بيت النبوّة حيث قال :

خلّوا الفخار لعلاّمين إن سئلوا

يوم السؤال وعمّالين إذ علموا

لا يغضبون لغير الله إن غضبوا

ولا يضيعون حكم الله إن حكموا

تبدو التلاوة من أبياتهم أبداً

ومن بيوتهم الأوتارُ والنّغَمُ

يا باعة الخمر خلّوا عن مفاخرة

لمعشر بيعهم يوم الفخار دَمُ

منكم عليّةُ أم منهم وكان لكم

شيخ المغنّينَ إبراهيم أم لَهمُ

أم من تشاد له الألحان سائرة

عليّهم ذو المعالي أم عليّكمُ

إذا تلو سورةً غنّى خطيبهم

قف بالديار التي لم يعفها القدمُ

ما في منازلهم للخمر معتصرٌ

ولا بيوتهم للشرّ مُعْتصمُ

ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم

ولا يرى لهم قردٌ له حشمُ

الركن والبيت والاستار منزلهم

وزمزم والصفا والحجر والحرمُ

ص: 267

صلّى الإله عليهم كلّما سجعت

ورق فهم للورى ذخرٌ ومعتصمُ (1)

فقد كان لأئمّة أهل بيت الرسالة دورُهم المهمّ والخطير في حمل رسالة السماء وتبليغ حقائقها وتبيين أحكامها وحكمها الأصيلة بين أُمّة أضلَّتها يد النفاق في تلك العصور المظلمة لخلفاء الجور.

فمن مواقفهم الشريفة التي تجلّت وأشرقت ، وكان لها الدور المهم في بناء شخصيّة الانسان ، وفي معرفة القيم الإلهية ، وحقيقة الإمامة ، هي (الأدعية والزيارات) التي صدرت منهم ورويت عنهم ، وتناقلت نسلا بعد نسل ، وربيت عليها الأجيال جيل بعد جيل.

فمثلاً الصحيفة السّجاديّة نقلت إلينا الكثير من المعارف والقيم والخلق والكرامة والإباء و... من تربية النفس وتزكيتها والسير في معرفة الباري والوصول إليه ، وما إلى ذلك من معرفة الدين وحدوده ، وقد جاءت كلُّ هذه الأُمور على صيغة الدعاء والتوجّه والانقطاع إلى الله تبارك وتعالى.

وهكذا في سائر الأدعية الواردة عنهم عليهم السلام وهذه الزيارات بين أيدينا نتصفّحُها ونقرأها فنراها تدلّنا على حقّ الإمامة لأئمّة بيت النبوّة ، فتارة تضعُ الحدّ بين الحقِّ والباطل في معرفة أولياء الدين من اعدائه ، والتولّي لأوليائه والتبرّي من أعدائه ، والتشفّي في الانتقام منهم تحت راية إمام مهديٍّ منصور من نسل آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ورد في زيارة عاشوراء وتارةً تنقل لنا صوراً مفجعةً ممّا جرى على خامس أصحاب الكساء ، وما جرى على حرائر الرسالة من بعده عليه السلام ، وتبيّن لنا مصائباً جرت عليهم تذهل لها العقول 2.

ص: 268


1- اعيان الشيعة 4 / 342.

وتأبى النفوس الصالحة أن يجري في أُمّة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كمثل هذه الفجائع والأشجان على خير بيت وأشرف البريّة أجمعين ، وهم بيت الوحي والنبوّة والرسالة ، كما وردت ذكر هذه الأُمور في زيارة الناحية المقدّسة.

وتارةً تبيّن لنا الزيارة أنّ الإمامة هي وراثة إلهيّة تختصّ بالأنبياء وأوصياء الأنبياء كما ورد في زيارة وارث.

أمّا الزيارة الجامعة الكبيرة فهي بين يدي القرّاء الكرام ، وهي محلّ القصد من مقدّمتي هذه.

فإذا قرأتم هذه الزيارة المباركة رأيتم فيها العبارات الكافية الوافية في معنى الإمامة ، بل رأيتم متانة الألفاظ وسلاسة كلماتها التي تنقل للقارئ الكريم المعاني والمضامين العالية في مفهوم الامامة.

والزيارة الجامعة الكبيرة هي أسمى وأرقى زيارة في معرفة المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام ، وفي بيان مقامهم وقرب منزلتهم من الله تبارك وتعالى ..

رواها الشيخ الصدوق في الفقيه والشيخ الطوسي في التهذيب عنه. قال محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن علي بن أحمد بن موسى والحسين بن إبراهيم بن أحمد الكاتب عن محمد بن عبد الله الكوفي عن محمد بن اسماعيل البرمكي عن موسى بن عبد الله النخعي قال قلت لعلي ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام علّمني يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم ... إلى آخره (1).7.

ص: 269


1- الفقيه 2 / 609 ح 3213 ، التهذيب 6 / 95 ح 177.

فكما يظهر لنا بوضوح من السنَد أنّها صدرت عن عاشر أئمّة الهدى الإمام عليّ بن محمد الهادي عليه وعلى آبائه آلاف التحيّة والسلام.

ولست بصدد البحث عن سندها ولكن أقول :

كلّ من بحث في سند الزيارة الجامعة أقرّ أخيراً بأنّها مقبولة عند الشيعة بلا منازع فيهم ، هذا وإنّ فصاحتها وبلاغتها وعظمة مضامينها ومفاهيمها تحمل في طيّاتها نفس الإمامة.

وإليك بعض ما قاله علماء المذهب الحقّ والفرقة الناجية في الزيارة : قال العلاّمة الشيخ محمد باقر المجلسي رحمه الله : أقول : أوردت في هذا الكتاب من الجوامع بعدد المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، لكن أفضلها وأوثقها الثانية (أي : الزيارة الجامعة الكبيرة) ، ثمَّ الأُولى (أي : الزيارة الجامعة الصغيرة) والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة ، ثمَّ العاشرة والثالثة. (إشارةً منه إلى سائر الزيارات التي أوردها). وقال : ورأيت في بعض الكتب زيارات جامعة أخرى تركتها إمّا لعدم الوثوقّ بها أو لتكرّر مضامينها مع ما نقلناه ... إلى آخره (1).

وقال رحمه الله في شرحها : أقول إنّما بسطت الكلام في شرح تلك الزيارة قليلاً وإن لم استوف حقّها حذراً من الإطالة ، لأنّها أصحّ الزيارات سنداً ، وأعمّها مورداً ، وأفصحها لفظاً وأبلغها معنىً ، وأعلاها شأناً (2).

وذكر الشيخ محمّد تقي المجلسي رؤيا وصفها بالحقّة رأى فيها تقرير الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه له وتحسينه عليه (3). 1.

ص: 270


1- بحار الأنوار 99 / 209.
2- بحار الأنوار 99 / 144.
3- روضة المتقين 5 / 451.

وذكر أيضاً في هذا المجال مكاشفة حصلت له لمّا وفّقه الله لزيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - يطول المقام بذكرها - ورأى كرامات عجيبة ومعجزات غريبة ببركة الزيارة الجامعة ثمّ يستند على ما رأى ويحتج به قائلاً : فالحاصل إنّه لا شكّ لي إنّ هذه الزيارة من أبي الحسن الهادي سلام الله عليه بتقرير الصاحب عليه السلام وإنّها أكمل الزيارات وأحسنها ... إلى آخره (1).

وقال الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي رحمه الله في مقدَّمته لشرح الزيارة الجامعة الكبيرة : فأقول : وبالله المستعان إنّ هذه الزيارة الجامعة اشتهرت بين الشيعة حتّى استغنت باشتهارها عن ذكر إثباتها وبيان سندها فكانت متلقّاة عند جميع الشيعة بالقبول من غير معارض فيها ولا راد لها مع ما كانت مشتملة عليه من المعاني الغريبة والأَسرار المتصعّبة العجيبة ... إلى آخره (2).

وقال السيّد عبد الله شبّر : لا يخفى على أُولي البصائر النقّادة ، وأرباب الأذهان الوقّادة ، وذوي العقول السليمة ، وأصحاب الأفهام المستقيمة ، أنّ الزيارة الجامعة الكبيرة أعظم الزيارات شأناً وأعلاها مكانة ومكاناً ، وأنّ فصاحة ألفاظها وفقراتها ، وبلاغة مضامينها وعباراتها ، تنادي بصدورها من عين صافية ، نبعت عن ينابيع الوحي والإلهام ، وتدعوا إلى أنّها خرجت من ألسنة نواميس الدين ومعاقل الأنام ، فإنّها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق الملك العلاّم ... إلى آخره (3). 7.

ص: 271


1- روضة المتقين 5 / 452.
2- شرح الزيارة الجامعة الكبيرة 1 / 2.
3- الأنوار اللامعة : 27.

وصرّح أيضاً قائلاً : اعلم أنّ هذه الزيارة قد رواها جملة من أساطين الدين ، وحملة علوم الأئمّة الطاهرين ، وقد اشتهرت بين الشيعة الأبرار اشتهار الشمس في رابعة النهار ، وجواهر مبانيها وأنوار معانيها دلائل حقّ وشواهد صدق على صدورها عن حملة العلوم الربّانية ، وأرباب الأسرار الفرقانيّة المخلوقين من الأنوار الالهيّة ، فهي كسائر كلامهم الذي يغني فصاحة مضمونه وبلاغة مشحونه عن ملاحظة سنده كنهج البلاغة والصحيفة السجّادية وأكثر الدعوات والمناجاة (1).

وكرّر هذا المعنى في فقرة أخرى قائلاً : واعلم أنّ هذه الزيارة الشريفة لا تحتاج إلى ملاحظة سند ، فإنّ فصاحة مشحونها وبلاغة مضمونها تغني عن ذلك ، فهي كالصحيفة السجّادية ونهج البلاغة (2).

أكتفي بهذا المقدار ممّا ذكره علماء الفرقة الاثني عشرية الناجية في حقِّ الزيارة الجامعة الكبيرة في كتبهم وشروحهم.

وقد وردت شروح عديدةٌ في الزيارة الجامعة ، ذكرها الشيخ آقا بزرگ الطهراني (3) في كتابه الموسوم بالذريعة.

وهذه الزيارة الجامعة الكبيرة قد نظمتها برمّتها في نظم تظميني على شكل أرجوزة تتكوّن من (454) بيتاً احتوت الزيارة الجامعة الكبيرة بأسرها بجميع عباراتها وكلماتها المتناسقة المتتالية واحدةً تلو الأخرى بدون تقديم وتأخير فيها ، وقد اعتمدت في الكلمات التي تعسَّر نظمُها على التفكيك أي : تفكيك الكلمة ، ومواردها في هذه الأُرجوزة معدودةٌ ملحوظة.6.

ص: 272


1- الأنوار اللامعة : 29.
2- الأنوار اللامعة : 30.
3- الذريعة 3 / 305 - 306.

وقد قصدت نظم الزيارة مراعياً فيها الإختصار على نظم جملها المباركة من دون شرح وإطناب فيها ، وإنّي اعتبر أُرجوزتي هذه ما هي إلاّ هديّةٌ من سيدي ومولاي ثامن الحجج الإمام السلطان أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام.

وذلك لمّا قصدت زيارته واغرورقت عيناي بالدموع عند ضريحه الشريف وسألته أن يمنحني من لدنه موهبةً كريمة فما أن رجعت إلى الصحن الشريف وجلست مع من صحبني من أهلي واحبّتي وكان بيدي كتاب مفاتيح الجنان أتصفّحُه وأنظر إلى ما يحتويه من الأدعية والزيارات حتّى وقعت عيني على الزيارة الجامعة الكبيرة فبينما أنا أطالعها وأنظر إليها وقد أعجبتني رقّة كلماتها ودقَّةُ تعبيرها ومتانة جملاتها وحسن أُسلوبها فإذا خطر ببالي الفاتر أن أقصدها محاولاً نظمها وبدأت بالفور بهذه العمليّة المباركة فكان أوّل ما قلته في تلك الليلة من الأبيات هي :

قل السلام سادتي عليكم

وأصله وفرعه إليكم

رمز التقى والودّ والأُخوّة

يا أهل بيت العلم والنبوّة

ولا يخفى أنّه من الصعب تضمين النثر في إطار النظم ، وذلك بهذه الصورة أن تراعى فيها على نسق الجملات من دون تقديم وتأخير في كلماتها ، وحتّى مراعاة الإعراب فيها فقد وفّقني الله تبارك وتعالى لذلك ، فحركات الكلمات في النظم من رفع ونصب وجرٍّ جاء موافقاً - ما أمكنني - لحركات الكلمات في زيارة الجامعة الكبيرة.

وعمدت إلى مطالعتها كراراً ومراراً ، فعثرت فيها على ثغرات في أداء الجمل والوزن الشعري تمكّنت من إصلاحها ، وقد وافقني على مطالعتها ومراجعتها سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيّد محمد علي القزويني

ص: 273

حفظه الله تعالى فكان لسماحته أيّده الله السهم الأوفر في توجيهي على دقّة الألفاظ وانسجام معنى النظم مع معنى الزيارة ، فشكر الله له سعيه على إرشاده إياي فيما أفاده لي ، وله جزيل الشكر.

وأفادني الدكتور في آداب اللغة العربية في النجف الأشرف السيّد حسن الفيّاض بتوجيهاته الأدبية من ضبط الوزن الشعري ، وملاحظة التعبير الأدبي للأُرجوزة لتكون على نمط الزيارة ، ووجّهني في مطابقة حركات الكلمات فيها مع ما ورد في الزيارة لئلاّ تخرج عن أُسلوبها في كونها زيارة ، وقد قمت بإرسالها إليه بواسطة الخطيب الشيخ أحمد الجباري في زيارته إلى قم المقدّسة ، فشكر الله سعيهما وجزاهما خير الجزاء.

ولا يخفى أنّ جميع الكلمات والحروف المطبوعة بخطّ مميّز فهي من نصّ الزيارة الجامعة الكبيرة في هذه الأُرجوزة المباركة ، وقد ألحقت مع هذه الفقرات المنظومة نفس الزيارة الجامعة الكبيرة مع السند وذكر الآداب المذكورة قبل الزيارة في التشرّف بزيارة كلّ إمام من أئمّة أهل البيت عليهم السلام راجياً من العلي القدير أن يتقبّل منّي هذا القليل بأحسن القبول.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السيد

محمد علي الحكيم

نجل

خادم العترة الطاهرة الحاج

السيد

راضي الحكيم

قم

المقدّسة - 6 محرّم الحرام 1427 ه-

ص: 274

المصادر

1 - القرآن الكريم.

2 - أعيان الشيعة ، للسيّد محسن الأمين (1371 ه) ، نشر دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان 1406 ه.

3 - الأنوار اللاّمعة ، للسيّد عبد الله شبَّر (1242 ه) ، نشر مؤسّسة البعثة ، مشهد ، ايران 1407 ه.

4 - بحار الأنوار ، للشيخ محمد باقر المجلسي (1110 ه) ، نشر مؤسّسة الوفاء ، بيروت ، لبنان 1403 ه.

5 - تهذيب الأحكام ، للشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (460 ه) ، نشر دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ايران 1364 ه.

6 - روضة المتّقين ، للشيخ محمد تقي المجلسي (1070 ه) ، (بنياد فرهنگ اسلامي) ، قم ، ايران 1393 ه.

7 - السقيفة والخلافة ، لعبد الفتّاح مقصود ، نشر دار غريب للطباعة القاهرة ، مصر.

8 - شرح الزيارة الجامعة الكبيرة ، للشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي (1241 ه) ، نشر دار المفيد ، بيروت ، لبنان 1424 ه.

9 - صحيح مسلم ، لمسلم بن الحجّاج القشيري النيشابوري (261 ه) ، نشر دار الفكر ، بيروت ، لبنان 1398 ه.

10 - العقد الفريد ، لأحمد بن محمد بن عبد ربّه الأندلسي (328 ه) ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان 1402 ه.

11 - فرائد السمطين ، لابن المؤيّد الجويني (730 ه) ، نشر مؤسّسة المحمودي ، بيروت ، لبنان 1398 ه.

12 - فضائل الخمسة من الصحاح الستّة ، للسيّد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي ، منشورات الأعلمي ، بيروت ، لبنان 1402 ه.

13 - الكامل في التاريخ ، لابن الأثير (630 ه) ، تحقيق الدكتور عمر

ص: 275

عبدالسلام تدمري ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان 1422 ه.

14 - مسند أحمد ، لأحمد بن حنبل (241 ه) ، نشر دار الفكر ، بيروت ، لبنان 1405 ه.

15 - مقتل الحسين ، لأبي المؤيّد الخوارزمي (568 ه) ، منشورات مكتبة المفيد ، قم ، ايران.

16 - من لا يحضره الفقيه ، للشيخ الصدوق (381 ه) ، منشورات جماعة المدرّسين ، قم ، ايران 1404 ه.

17 - ينابيع المودّة ، لسليمان بن ابراهيم القندوزي (1294 ه) ، نشر دار الأُسوة ، قم ، ايران 1416 ه.

ص: 276

زيارة جامعة لجميع الأئمّة عليهم السلام

الحَمْدُ للهِ على الهدايَة

وَفقَني حَقَّاً بُلوغَ الغايَة

لمّا بَدَأتُ قاصِداً مَنظومَة

لهَا مَعان كُلُّها مَعلومَة

أرجوزَةٌ ذاتَ قَواف لامِعَة

حَوَتْ زيارَةً تُسَمّى الجامِعَة

نَظمتُها نَظمَ اللآلِي والدُّرَرْ

مُمْتَدِحَاً أئمَّتي الاثنَي عَشَرْ

جَدُّهُمُ سَيِّدُ الانبياءِ

أمُّهُمُ سَيِّدَةُ النِّساءِ

أوَّلهُم لِلمُصطَفى وَصِيُّ

وهْوَ الإمامُ المرتَضى عَلِيُّ

ثانيهِمُ أعني الإمامَ المؤتَمَنْ

سِبْطُ رَسولِ الله سَيِّدي الحَسَنْ

ثالِثُهُمْ خامِسُ أصحابِ العَبا

ذاك الحُسَين الطُّهرُ سَيِّدُ الإبا

رابِعُهُمْ يُوصَفُ بِالسَّجّادِ

وهْوَ عليٌّ زينَةُ العِبادِ

خامِسُهُمْ وهْوَ الإمامُ الباقِرْ

والسّادِسُ الصّادِقُ ذو المَآثِرْ

ص: 277

سابِعُهُمْ موسى هُوَ ابنُ جَعْفَرْ

مِنْ نَسْلِ أحْمَد سَليلُ حَيْدَرْ

ثامِنُهُمْ ذاكَ عَلِيٌّ الرِّضا

اختارَهُ الله ولِلدِّينِ ارتَضى

تاسِعُهُمْ إمامُنا مُحَمَّدْ

هُوَ الجَوادُ بِالهُدى تَأيَّدْ

عاشِرُهُمْ ذاكَ عَلِيُّ الهادي

سُلالَةُ الأخْيارِ والأمجادِ

يَتلُوهُ بِالحَقِّ إمامُنا الحَسَنْ

وَهْوَ الإمامُ العّسكَرِيُّ المُمْتَحَنْ

وبَعْدَهُ إمامُنا الثّاني عَشَرْ

مَهْدِيُّنا المَوْعُودُ وَهْوَ المُنْتَظَرْ

كَتَبْتُها مُصَلِّياً على الحُجَجْ

مُحَمَّد وآلِهِ نُورُ المُهَجْ

روى محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا موسى بن عبد الله النخعي ، قال : قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام : علّمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم ، فقال : إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين وأنت على غسل ، فإذا دخلت ورأيت القبرَ فقف وقل : «الله أكبر الله أكبر» ثلاثين مرّة ، ثُمّ امشِ قليلا ، وعليك السكينة والوقار ، وقارب بين خطاك ، ثمّ قف وكبّر الله عزّ وجلّ ثلاثين مرّة ، ثُمَّ ادنُ

ص: 278

من القبر وكبّر الله أربعين مرّة ، تمام مائة تكبيرة ، ثمّ قل (1) :

فَإنْ قَصَدْتَ بَعْدُ في الزِيارَة

أحَدَهُمْ فَسَمِّهِ أمارَة

وخُصهُمْ مِنْ بَعْدُ بِالتَّحِية

يا زائِراً وامْضِ بِحُسْنِ نِية

وامشِ إلَيهمُ وقارِبِ الخُطا

مُعترِفاً لَديهِمُ على الخَطا

مُفتَتِحاً بِمائة تَكبِيرا

مُغتَسِلاً مُطَهراً تَطهيرا

واذكُرْهُمُ بِخالِصِ الكلامِ

تَأدُّبَاً تَبْدَأ بِالسَلامِ3.

ص: 279


1- الفقيه 2 / 609 ح 3213.

السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ ومَوضِعَ الرِّسالَةِ ومُخْتَلَفَ المَلائِكَةِ ومَهْبِطَ الوَحيِ ومَعْدِنَ الرَّحمَةِ وخُزّانَ العِلْمِ ومُنْتَهى الحِلْمِ وأصولَ الكَرَمِ وقادَةَ الأمَمِ وأولِياءَ النِّعَمِ وعَناصِرَ الأبْرارِ ودَعائِمَ الأخْيارِ وساسَةَ العِبادِ وأركانَ البِلادِ وأبْوابَ الإيمانِ وأُمَناءَ الرَّحمنِ وسُلالَةَ النبيِّين وصَفْوَةَ المُرسَلينَ

قُل السَّلامُ

سادَتي علَيْكُمْ

وأصْلُهُ وفَرْعُهُ إلَيْكُمْ

رَمْزُ التُّقى والوِدِّ والأخُوَّة

يا أهلَ

بَيْتِ العِلْمِ والنُّبُوَّة

ومَوضِعَ

الآياتِ والرِّسالَة

والعِزِّ والإباءِ والنبالَة

وقُلْ أيا مُخْتَلَفَ المَلائِكَة

ومَهْبِطَ الوَحي إنْ

أتى مَسالِكَه

ومَعْدِنَ

الرَّحمَةِ ثُمَّ المَغْفِرَة

يا مالِكينَ العَفْوَ عِنْدَ المَقدِرَة

وقُلْ أيا خُزّانَ

سِرِّهِ الَخَفِي

والعِلْمِ مَنْ

يَطلُبُهُ بِكُمْ كُفِي

ومُنْتَهى

الِحلْمِ أيا كُماةُ

والذّادَةُ الأئِمةُ السُّراةُ

وقُلْ أيا أصولَ

أغصانِ الكَرَمْ

وقادَةَ

الدِّينِ لَدى هذي الأُمَمْ

وأولِياءَ

النِّعَمِ الَجليلَة

ذوي أياد في العَطا طَويلَة

وسادتي عَناصِرَ

الأبْرارِ

وقادتي دَعائِمَ

الأخيارِ

وساسةَ

الأمورِ في العِبادِ

حَقَّاً وأركانَ هُدى

البِلادِ

وقُلْ أيا أبوابَ

آياتِ السَّما

ومَنْهَلَ الإيمان يا

دارَ الحِمى

وأمناءَ

المَلِكِ الديّانِ

وأصفيِاءَ الرّاحِمِ الرّحمنِ

ويا سُلالةَ

النبيِّينَ الغُرَرْ

بِنُورِكُم نُورُ هُدى الله ظَهَرْ

وقُلْ مُخاطِباً أصَفْوَةَ

الرُّسُلْ

في المُرسَلينَ

نَهجُكُمْ خَيْرُ السُّبُلْ

ص: 280

وعِترَةَ خِيَرَةِ رَبِّ العالَمينَ ورَحْمَةُ الله وبَركاتُه السَّلامُ على أئِمَّةِ الهُدى ومَصابِيحِ الدُّجى وأعلامِ التُّقى وذَوي النُّهى وأُولي الحِجى وكَهفِ الوَرى ووَرَثةِ الأنبياءِ والمَثَلِ الأعلى والدَّعوةِ الحُسنى وحُجَجِ الله على أهلِ الدُّنيا والآخِرَةِ والأُولى ورَحمَةُ الله وبَركاتُه .. السَّلامُ على مَحالِّ

وعِترَةَ

المُرسَلِ أحْمَدَ النَّبيّ

الهاشِمِيِّ القُرَشِيِّ العَرَبي

خِيَرَةِ

المَبعوثِ مِنْ رَبِّ البَشَرْ

والعالمَينَ

وهْوَ مالِكُ الأثَرْ

ورَحمَةُ

اللهِ على وَجهِ الثَّرى

وبَركاتُهُ على

هذا الوَرى

يا زائِراً قِفْ وقُل السَّلامُ

على أئمَّةِ

الهُدى يُقامُ

وقُلْ على نُورِ مَصابِيحِ

الدُّجى

حَقَّاً وأعلامِ

التُّقى والمُرتَجى

وقُلْ على ذَوي

النُّهى والنُّجَبا

أُولي الحِجى

الهُداةِ من آلِ العَبا

ومعقلي كَهْفِ

الوَرى ذوي الحجى

معوَّلي هدايةً ومرتجى

وسِرْ إلى حَيِّهُمُ مُؤَمِّلا

معَبِّراً عَنْ حُبِّهِمْ أهْلِ الوِلا

وَرَثَةِ

الدِّينِ والانبِياءِ

بخِيْرِ قَولِ المَدْحِ والثَّناءِ

والمَثَلِ

الأعلى بِكُلِّ آيَة

تَدعُوا الوَرى طُرّاً إلى الِهدايَة

والدَّعوَةِ

الحُسنى لِدينِ الله

لِكُلِّ قَلْب عَنْ هُداهْ ساهِ

وحُجَجِ الله

على أهْلِ القُرى

سَناؤُهُمْ في هذهِ الدُّنيا سَرى

هذا وفي العُقبى ودارِ الآخِرَة

شفاعَةُ النّاسِ لَهُمْ والمَغفِرَة

ويَومَ أنْ ذَراهُمُ في الأُولى

كانَ رِضا اللهِ بِهِمْ مَأمُولا

ورَحْمَةُ الله

عَلَيْهِمْ نازِلَة

وبَركاتُهُ

إلَيْهِمْ واصِلَة

كَذا قُل السَّلامُ

حِينَها على

مَحالِّ

دِينِهِ مَناهِلِ الوِلا

ص: 281

مَعرِفَةِ الله ومَساكِنِ بَركَةِ الله ومَعادِنِ حِكمَةِ الله وحَفَظَةِ سِرِّ الله وحَمَلَةِ كِتابِ الله وأوصِياءِ نَبيّ الله وذُرّيَّةِ رَسُولِ الله صَلّى الله عَلَيهِ وآلِهِ ورَحمَةُ الله وبَركاتُه السَّلامُ على الدُّعاةِ إلى اللهِ والأدِلاّءِ على مَرضاةِ اللهِ والمُستَقرّينَ في أمرِ اللهِ

أبوابِ عِلمِهِ كُنوزُ مَعرِفَة

أنوارُكُمْ فى اللهِ قُلْ

مُؤتَلِفَة

وإنَّما لَدى مَساكِنِ

النَّدى

بَرَكَةِ الله

يُبَلَّغُ الهُدى

هذا وقل لدى معادنِ

الحجى

مِنْ حِكمَةِ الله

الهُداةُ تُرتَجى

وقل إلى حفظَةِ

الكِتابِ

تَحِيَّتي من خالِصِ الخِطابِ

وقُلْ بسِرِّ اللهِ

لِلهِدايَة

لُذتُ فَحُبُّهُمْ لَنا وِقايَة

وقل إلى حَمَلَةِ

الشَّريعَة

معنى كِتابِ

الله

والطليعة

سرت بهم معتمداً مسلِّما

لهم أُموري في الورى مُستَسلِما

وقل كذا بِأوصِياءِ

أحْمَدْ

نَبِيِّ دينِ

اللهِ ذا مُحَمَّدْ

معتقدي ثُمَّ بهم حياتي

فَهُمْ وسيلَتي وهُمْ نَجاتي

وقُلْ إلى ذُرِّيَّةِ

النَّبِيِّ

ذُرِّيَّةِ الزَّهراءِ والوَصِيِّ

وصيُّ أحمَد علِيُّ المُرتَضى

حَيثُ رَسُولِ

اللهِ أوصى وقَضى

مُحَمدُ النَّبِيِّ صَلّى

الله

علَيهِ

بِالحَقِّ وقَدْ حَباهُ

بِآلِهِ

ورَحْمَةُ اللهِ

أبَدْ

وبَركاتُهُ

عَلَيهِمُ تُمَدْ

محبَّتي مودَّتي ثُمَّ الولا

أرسلها مرتجياً مؤمِّلا

ثُمَّ السَّلامُ قُلْ

على الدُّعاةِ

حُبَّاً إلى الله

فَهُمْ هُداتِي

وهكَذا على الأدِلاّءِ على

مَرضاةِ

بِرِّ الله جَلَّ وعَلا

والمُستَقِرّينَ على

نَهْجِ الوِلا

وذاكَ في

أمْر

مِنَ اللهِ انجَلى

ص: 282

والتّامّينَ في مَحَبَّةِ اللهِ والمُخلِصينَ في تَوحيدِ اللهِ والمُظهِرينَ لأِمرِ اللهِ ونَهيِهِ وعِبادِهِ المُكرَمينَ الَّذينَ لا يَسبِقونَهُ بِالقَولِ وهُمْ بِأمرِهِ يَعمَلونَ ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُه .. السَّلامُ على الأئِمةِ الدُّعاةِ والقادَةِ الهُداةِ والسادةِ الولاةِ والذّادَةِ الحُماةِ وأهلِ الذِكرِ وأُولي الأمرِ وبَقِيَّةِ الله وخِيَرَتِهِ وحِزبِهِ

والتّامّين في

الهُدى قَبْلُ على

مَحَبَّةِ

اللهِ بِكُلِّ ما ابْتَلى

والمُخلِصينَ في

المَقالِ والعَمَلْ

وذاكَ في

تَوحِيدِهِ عَزَّ وَجَلْ

في الله أخلَصُوا الهُدى جَمِيعا

فَكانَ نَهْجُهُمْ بِهِ مَنِيعا

والمُظهِرينَ في

الوَرى شَرْعَ السَّما

حَيْثُ لأمْرِ

اللهِ حُكمُهُ انتَمى

ونَهْيِهِ

وكُلِّ أمْر مُفْتَرَضْ

وتِلكَ حِكمَةٌ إلى مَن اتَّعَضْ

وإنّما على عِبادِهِ

الثَّنا

على الهُداةِ المُكْرَمينَ

الأُمَنا

أولئِكَ الَّذينَ

يَعبُدونَهْ

لا

يَسْبِقُونَهُ ويَتَّقونَهْ

بِالقَولِ

والحُكْمِ وَهُمْ

جَماعَة

بِأمرِهِ هم يَعمَلُونَ

طاعَة

ورَحْمَةُ الله

بِآلِ المُصطَفى

وبَركاتُهُ

عَلَيْهِمْ وكَفى

يا زائِراً قِفْ وقُلِ السَّلامُ

على أئمَّةِ الهُدى يُرامُ

على الأئمَّةِ

الدُّعاةِ في القُرى

والقادَةِ

الهُداةِ في هذا الوَرى

والسادَةِ

التُّقاةِ والوِلاةِ

والذّادَةِ

الكُماةِ والحُماةِ

وقُلْ على أهلِ

التُّقى والذِكرِ

وهكَذا أُولي

الهُدى والأمرِ

تَحِيَّتي ومِدحَتي ثُّمَّ الوِلا

أرسِلُها إلَيكُمُ مُؤَمِّلا

وإنّما تُهْدى إلى بَقِيَّة

كانَتْ مِنَ اللهِ لَنا عَطِيَّة

وقُلْ على خِيَرَتِهِ

الأُباةُ

وحِزْبِهِ

الأئِمَّةُ الهُداةُ

ص: 283

وعَيْبَةِ عِلْمِهِ وحُجَّتِهِ وصراطهِ ونُورِهِ وبُرْهانِهِ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُه وأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وحْدَهُ لا شَريكَ لَه كَما شَهِدَ الله لِنَفْسِهِ وشَهِدَتْ لَهُ مَلائِكَتُهُ وأُولُوا العِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ لا إلهَ إلاّ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ وأشْهَدُ أنَّ مُحَمداً عَبْدُهُ المُنْتَجَب ورَسُولُهُ المرتَضى أرْسَلَهُ بِالهُدى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِينِ

وقُلْ على عَيْبَةِ عِلمِهِ

الغُرَرْ

عِبْقُ مَوَدَّتي ومِدحَتي انتَشَرْ

واهدِ إلى حُجَّتِهِ

البَقِيَّة

ومُرتَجى صِراطِهِ

هَدِيَّة

وقُلْ إلى نُورِهِ

أرسِلُ الثَّنا

بِكُمْ مُقِرّاً سادَتي ومُؤمِنا

وابعَثْ إلى بُرهانِهِ

الجَلِيِّ

تَحِيَّةً مِنْ قَلْبِكَ النَّقِيِّ

وقُلْ لَهُمْ عَلَيْكُمُ السَّلامُ

ورَحْمَةُ

الله

بَكُمْ تُدامُ

وبَركاتُهُ

لَكُمْ مَجَلَّلَة

وهيَ عَلَيْكُمْ سادَتي مُنَزَّلَة

وقُلْ ألا أشْهَدُ

بَعْدُ أن لا

إلهَ إلاّ

اللهُ ربِّي الأعلى

وَحْدَهُ

سُبْحانَهُ لا شَريكَ لَه

فَالعِزَّةُ والقُدرَةُ والمُلْكُ لَه

ذاكَ كَما قَدْ

شَهِدَ الله الأجَلْ

لِنَفْسِهِ

شَهادَةً بِها استَقَلْ

وهكَذا قَدْ شَهِدَتْ

لَهُ مَلا

ئِكَتُهُ

الغرُّ لدى السَّبْعِ العُلا

وهكَذا أولُوا

الحِجى والعِلْمِ

مِنْ خَلْقِهِ ذَوو

التُّقى والحِلْمِ

ولا إلهَ

قادِرٌ عَليمُ

إلاّ هُوَ العَزيزُ والحَكيمُ

وقُلْ كَذا أشْهَدُ

أنَّ

المُنْتَخَبْ

مُحَمداً

عَبْدُهُ وهْوَ المُنْتَجَبْ

وأنَّه رَسولُهُ بِما

قَضى

والمُصطَفى مِنْ عِنْدِهِ والمُرْتَضى

أرسَلَهُ لَنا

بَشِيراً بِالهُدى

وهْوَ لِدينِ

الحَقِّ فينا مُقْتَدى

سُبْحانَهُ أرْسَلَهُ لِيُظْهِرَه

حَقَّاً على

الدِينِ هُدَىً ويَنْصُرَه

ص: 284

كُلِّهِ ولَو كَرِه المُشْرِكونَ وأشْهَدُ أنَّكُمُ الأئِمَّةُ الراشِدونَ المَهْدِيُّونَ المَعصُومُونَ المُكَرَّمُونَ المُقَرَّبُونَ المُتَّقُونَ الصّادِقُونَ المُصْطَفَونَ المُطِيعُونَ للهِ القَوّامُونَ بِأمْرِهِ العامِلُونَ بِإرادَتِهِ الفائِزونَ بِكَرامَتِهِ اصْطَفاكُمُ بِعِلْمِهِ وارْتَضاكُمُ لِغَيْبِهِ واخْتارَكُمْ لِسِرِّهِ واجْتَباكُمُ بِقُدْرَتِهِ وأعَزَّكُمْ بِهُداهُ وخَصَّكُمْ بِبُرْهانِهِ

بِدينِهِ كُلِّهِ في

هذا الأثَرْ

ولَوْ أبى

أو كَرِهَ

الَّذي كَفَرْ

فَالمُشْرِكونَ عَنْ

هُداهُ في غَرَضْ

فَالكُلُّ كانَ في قُلوبِهِمْ مَرَضْ

وقُلْ لَهُمْ أشْهَدُ يا

تُقاةُ

أنَّكُمُ

الأئِمَّةُ الولاةُ

والرّاشِدونَ

العالِمُونَ والمَهْ-

-دِيُّونَ في

هذا الوَرى والأنْزَه

وأنتُمُ التُّقاةُ بَعْدُ والمَعْ-

-صُومُونَ في

نَهْجِ السَّماءِ أجْمَعْ

إنَّكُمُ المُكَرَّمُونَ

النُّجَبا

وأنتُمُ المُقَرَّبونَ

النُّقَبا

والمُتَّقُونَ

الصّادِقُونَ في العَمَلْ

أيَّدَكُمْ ربُّكُمُ المَولى الأجَلْ

والمُصْطَفَونَ

والمُطِيعُونَ بِحَقْ

للهِ

والمُرشِدونَ مَنْ بِكُمْ عَلَقْ

والصّابِرونَ الثّابِتُونَ القَوّا

مُونَ

بِأمْرِهِ هُدَىً وتَقْوى

والعامِلُونَ

بَعْدُ في إطاعته

بِحكمه جَلَّ وفي إرادَتِه

والفائِزونَ

بَعْدُ في عِبادَتِه

بِما حَباكُمْ قَبْلُ مِنْ كَرامَتِه

ثُمَّ اصْطَفاكُمُ

بِعِلْمِهِ الجَلي

وهو الَّذي ارتَضاكُمُ لِما

يَلي

لِغَيْبِهِ

واخْتارَكُمْ لِسِرِّه

وأمرِهِ ونَهْيِهِ وبِرِّه

وبَعْدَها اجْتَباكُمُ

بِقُدْرَتِه

أيَّدَكُمْ سُبْحانَهُ بِنُصْرَتِه

وقَدْ أعَزَّكُمْ

بِما حَباهُ

مِنْ دِينِهِ كَذا ومِنْ هُداهُ

وخَصَّكُمْ

حُبَّاً بِهذي الآيَة

بِنُورِ بُرْهانِهِ

لِلهِدايَة

ص: 285

وانْتَجَبَكُمْ لِنُورِهِ وأيدَكُمْ بِروحِهِ ورَضِيَكُمْ خُلَفاءَ في أرْضِهِ وحُجَجاً على بَرِيَّتِهِ وأنْصاراً لِدِينِهِ وحَفَظَةً لِسِرِّه وخَزنَةً لِعِلْمِهِ ومُسْتَودَعاً لِحِكْمَتِهِ وتَراجِمَةً لِوَحْيِهِ وأرْكاناً لِتَوحيدِهِ وشُهَداءَ على خَلْقِهِ وأعلاماً لِعِبادِهِ ومَناراً في بِلادِهِ وأدِلاّءَ على صِراطِهِ عَصَمَكُمُ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ

كَذاكَ وانْتَجَبَكُمْ

بِفَضْلِه

لِنُورِهِ مِنْ

حُكْمِهِ وعَدْلِه

وحِينَها أيَّدَكُمْ

سَريعا

بِرُوحِهِ

قَدَّسَكُمْ جَميعا

وبَعْدَها رَضِيَكُمْ

للدِّينِ

لِنَهجِهِ وشَرعِهِ المُبينِ

نَصَّبَكُمْ على المَلا بِفَرْضِه

قُلْ خُلَفاءَ في

رُبوعِ أرْضِه

وحُجَجاً كذا على

بَرِيَّتِه

لِيَسْتَنيرَ النّاسُ مِنْ بَقِيَّتِه

كَذا وأنصاراً

لِدينِهِ الجَلي

وهُوَ ناصِرٌ لَكُمْ نعم الوَلي

واختارَكُمْ حَفَظَةً لَسِرِّه

لِنَهْجِهِ ودِينِهِ وذِكرِه

وهكَذا خَزنَةً لِعِلْمِه

وقَدْ كَساكُمُ رِداءَ حِلْمِه

وقَدْ ذَراكُمُ بِنُورِ عِصْمَتِه

سَوّاكُمُ مُسْتَوْدَعاً

لَحِكْمَتِه

وبَعْدَها أنْشَأكُمْ تَراجِمَة

لِوَحْيِهِ

لِتُظْهِرُوا مَعالِمَه

وإنّما ثَبَّتَكُمْ أرْكانا

حِصْناً لِتَوحيدِهِ كَي

يُصانا

وشُهَداءَ

بَعْدُ في هذي القُرى

على

فِعالِ خَلْقِهِ وما

جَرى

ولِلوَرى نَصَّبَكُمْ أعلاما

ولِعِبادِهِ

هُدَىً كِراما

ولِلعُلا شَيَّدَكُمْ مَنارا

وفي بِلادِهِ

اجْتَبى أنْصارا

واخْتارَكُمْ بَعْدُ أدِلاّءَ على

صِراطِهِ في

يَوْمِ يُحْشَرُ المَلا

عَصَمَكُمْ

سُبْحانَهُ اللهُ

الأجَلْ

بِعِصْمَة مِنَ

الضَلالِ والزَّلَلْ

ص: 286

وآمَنَكُمْ مِنَ الفِتَنْ وطَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ وأذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وطَهَّرَكُمْ تَطهيرا فعَظَّمْتُمْ جَلالَهُ وأكبَرتُمْ شَأنَهُ ومَجَّدتُمْ كَرَمَهُ وأدَمْتُمْ ذِكرَهُ ووكَّدتُمْ مِيثاقَهُ وأحكَمْتُمْ عَقدَ طاعَتِهِ ونَصَحتُمْ لَهُ في السِرِّ والعَلانِيَةِ ودَعَوتُمْ إلى سَبِيلِهِ بِالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وبَذَلْتُمُ أنفُسَكُمْ في مَرضاتِه وصَبَرتُمْ على ما أصابَكُمْ

وبعدها آمَنَكُمْ

مِنَ الفِتَنْ

فَكُنْتُمُ نُوراً لَدى كُلِّ المِحَنْ

وهْوَ الَّذي طَهَّرَكُمْ

مِنَ الدَّنسْ

مَن اهْتَدى مِنْ نُورِكُمْ قَد اقْتَبَسْ

وأذهَبَ الرَّحمنُ عَنْكُمُ

الدَّرَنْ

والرِّجْسَ في

كُلِّ البَلايا والفِتَنْ

وبَعدَها طَهَّرَكُمْ تَطهيرا

بَجَّلَكُمْ قَدَّرَكُمْ تَقديرا

فحينَها عَظَّمْتُمُ جَلالَه

ذو اللُّبِّ فيكُمُ رَأى كَمالَه

وهكَذا أكبَرْتُمُ شَأنَهُ ما

خَصَّكُمُ مِن لُطفِهِ وألهَما

هذا ومَجَّدتُمْ

كَذاكُمْ كَرَمَه

بِما حَباكُمْ ربُّكُمْ وأنْعَمَه

وقد أدَمْتُمْ ذِكرَهُ

تَجْليلا

وكانَ مَنْكُمُ لَهُ تَبْجيلا

هذا ووَكَّدتُمْ

بِكُلِّ ما عَهَدْ

مِيثاقَهُ

فزادَكُمْ مِنْهُ مَدَدْ

كَذا وأحكَمْتُمُ عَقدَ ما

أمَرْ

وذاكَ مِنْ طاعَتِه على

البَشَرْ

وقَد نَصَحتُمُ

بِدار فانِيَة

لَهُ الوَرى في

السِّرِّ والعَلانِيَة

وقَد دَعَوتُمُ إلى

الحَيِّ الأحَدْ

إلى سَبيلِهِ

بِإخلاصِ العَهَدْ

بِالحِكمَةِ

الَّتي بَدَتْ والمَوعِظَة

في شِرعَة مِنْ رَبِّكُمْ مُفْتَرَضَة

بِدَعوَة تَهدي لِنَيْلِ الحَسَنَةِ

ورَغبَة بِالسيرَةِ المُسَنَّنَة

وقَد بَذَلْتُمُ إلى

آياتِه

أنفُسَكُمْ

بَالحَقِّ في مَرضاتِه

وقَد صَبَرتُمُ على

كُلِّ الأذى

وما أصابَكُمْ كَذا

مِنَ القَذى

ص: 287

في جَنْبِهِ وأقَمْتُمُ الصَّلاةَ وآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وأمَرتُمْ بِالمَعْروفِ ونَهَيْتُمْ عَنِ المُنْكَرِ وجَاهَدتُمْ في اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّى أعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ وبَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ وأقَمْتُمْ حُدودَهُ ونَشَرتُمْ شَرائِعَ أحكامِهِ وسَنَنْتُمْ سُنَّتَهُ وصِرتُمْ في ذلك مِنْهُ إلى الرِضا وسَلَّمْتُمْ لَهُ القَضاءَ وصَدَّقتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضى فالرّاغِبُ عَنْكُمْ مارِقٌ واللازِمُ لَكُمْ لاحِقٌ والمُقَصِّرُ في حَقِّكُمْ زاهِقٌ

في جَنبِهِ وقَد

أقَمْتُمُ

الهُدى

والدِينَ والصَّلاةَ

فالخَلْقُ اهتَدى

وعِنْدَها آتَيْتُمُ الزَّكاةَ حَقْ

وقَد أمَرتُمُ على

هذا النَّسَقْ

بِالبِرِّ والمَعْروفِ

والإحسانِ

بِلا أذِيَّة ولا امتِنانِ

وقَد نَهَيْتُمُ

بَكُلِّ مَعْشَرْ

عَنِ الهَوى

أو ارتِكابِ المُنْكَرْ

وإنّما جاهَدتُمُ في اللهِ

حَقَّ جِهادِهِ بِلا

تَناهِ

حَتّى إذا أعلَنْتُمُ

الرِّسالَة

دَعْوَتَهُ

أقَمْتُمُ العَدالَة

وحِينَها بَيَّنْتُمُ فَرائِضَه

ما كانَ رَبُّ النّاسِ حَقَّاً فارِضَه

وبِالتُّقى أقَمْتُمُ حُدودَه

والجَهْلَ قَد حَطَّمْتُمُ قُيودَه

وقَد نَشَرتُمُ شَرائِعَ

الحِجا

بِنورِ أحكامِهِ

ينجلي الدُّجى

وقَد سَنَنْتُمُ

عَلَيْها سُنَّتَه

قَبِلْتُمُ دَعْوتَهُ ومَنَّتَه

وصِرتُمُ في ذلِكَ

الَّذى قَضى

بِمَنْزِل مِنْهُ

إلى

نَيْلِ الرِضا

وإنّما سَلَّمْتُمُ

بِطاعَة

لَهُ القَضاءَ

وقِيامَ السّاعَة

ورَغبَةً صَدَّقتُمُ مِنْ رُسُلِه

بِالحَقِّ مَنْ

مَضى

بِنُورِ سُبُلِه

فإنّما الرّاغِبُ عَنْكُمْ مارِقْ

واللازمُ اليَومَ

لَكُمْ فلاحِقْ

وهكَذا المُقَصِّرُ

الشَّقيُّ

في حَقِّكُمْ فزاهِقٌ

غَوِيُّ

ص: 288

والحَقُّ مَعَكُمْ وفيكُم ومِنْكُمْ وإلَيْكُمْ وأنتُمْ أهْلُهُ ومَعْدِنُهُ ومِيراثُ النُّبُوَّةِ عِنْدَكُمْ وإيابُ الخَلْقِ إلَيْكُمْ وحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ وفَصْلُ الخِطابِ عِنْدَكُمْ وآياتُ اللهِ لَدَيْكُمْ وعَزائِمُهُ فيكُمْ ونُورُهُ وبُرهانُهُ عِنْدَكُمْ وأمْرُهُ إلَيْكُمْ مَنْ والاكُمْ فَقَدْ والى اللهَ ومَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادى اللهَ ومَنْ أحَبَّكُمْ فَقَدْ أحَبَّ اللهَ ومَنْ أبغَضَكُمْ فَقَدْ أبغَضَ اللهَ ومَنْ اعتَصَمَ بِكُمْ فَقَد اعتَصَمَ بِاللهِ

والحَقُّ

حَقّاً مَعَكُمْ حَيثُ

سَرى

وفيكُمُ ومِنْكُمُ كَما

يُرى

وهْوَ إلَيكُمُ وأنتُمْ أهْلُه

وأنتُمُ مَعْدِنُهُ

وأصْلُه

ألا ومِيراثُ النُّبُوَّةِ

اسْتَقرْ

عِندَكُمُ

فَمَنْ أتاكُمُ ظَفَرْ

وقُلْ إيابُ الخَلْقِ ذا إلَيْكُمْ

وهكَذا حِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ

وفصلُ بابِ

العِلْمِ والخِطابِ

عِنْدَكُمُ

يَفْتَحُ ألفَ بابِ

كذا وآياتٌ مِنَ

اللهِ غَدَتْ

لَدَيْكُمُ

نُوراً بِهِ النّاسُ اهْتَدَتْ

هذا ولَمّا أنْ بَدَتْ عَزائِمُه

فيكُمْ

فَأنْتُمْ في الوَرى دَعائِمُه

ونُورُهُ

فيكُمْ وبُرهانُهُ قُلْ

عِنْدَكُمُ أيا

مَصابِيحَ السُّبُلْ

وأمْرُهُ الذي

إلَيْكُمُ

هَبطْ

ربُّ السَّما خَصَّكُمُ بِهِ فَقَطْ

ألا ومَنْ

والاكُمُ فَقَدْ هُدِي

حَقَّاً ووالى اللهَ

فَهْوَ المُهْتَدي

هذا ومَنْ

عاداكُمُ فَقَدْ كَفَرْ

بُغْضَاً وعادى اللهَ

جَهْلاً وبَطَرْ

ومَنْ أحَبَّكُمْ

فَقَدْ نالَ الرِضا

ذاكَ أحَبَّ اللهَ فيما

قَدْ قَضى

ألا ومَنْ أبغَضَكُمْ فَقَدْ

أضَلْ

وأبغَضَ اللهَ

وتاهَ في العَمَلْ

ومَنْ

بنُورِكُمْ هُدي أو اعتَصَمْ

بِكُمْ فَقَد فازَ

على كُلِّ الأممْ

اعتَصَمَ

اليَوْمَ بِحَبْلِكُمْ هُدى

بِاللهِ

يَرجُوهُ غِياثاً مَدَدا

ص: 289

أنْتُمُ الصِراطُ الأقْوَمُ وشُهَداءُ دارِ الفَناءِ وشُفَعاءُ دارِ البَقاءِ والرَحْمَةُ المَوصُولَةُ والآيَةُ المَخْزونَةُ والأمانَةُ المَحْفُوظَةُ والبابُ المُبْتَلى بِهِ الناسُ مَنْ أتاكُمُ نَجا ومَنْ لَمْ يَأتِكُمْ هَلَكَ إلى اللهِ تَدْعُونَ وعَلَيْهِ تَدُلّونَ وبِهِ تُؤمِنونَ ولَهُ تُسَلِّمونَ وبِأمْرِهِ تَعْمَلونَ وإلى سَبيلِهِ تُرشِدونَ وبِقَولِهِ تَحْكُمونَ سَعَدَ مَنْ والاكُمْ وهَلَكَ مَنْ عاداكُمْ وخابَ مَنْ جَحَدَكُمْ وضَلَّ مَنْ فارَقَكُمْ

وأنْتُمُ

الصِّراطُ الأقوَمُ الّذي

فيهِ يُمَيَّزُ التَّقِيُّ والبَذي

وأنتُمُ قُلْ شُهَداءُ في

القُرى

حَقَّاً لدى دارِ الفَناءِ في

الوَرى

وشُفَعاءُ

اللهِ في يَومِ المَفَرْ

حَقَّاً وفي دارِ البَقاءِ

والمَقَرْ

والرَّحمَةُ المَوصُولَةُ

الوَسيعَة

والآيةُ الَمخْزونَةُ

الرَّفيعَة

وأنْتُمُ الأمانَةُ المَحفوظَة

شيعَتُكُمْ بَحُبِّكُمْ مَحظوظَة

وأنْتُمُ البابُ

الأصيلُ المُبْتَلى

بِهِ الورى والنّاسُ قُلْ

أو المَلا

فَمَنْ أتاكُمُ نَجا ومَنْ

َسَلكْ

دَرْبَاً ولَمْ يَأتِكُمُ

فَقَدْ هَلَكْ

إلى سَبيلِ اللهِ تَدْعُونَ

الأمَمْ

وقُلْ عَلَيْهِ قَدْ

تَدُلُّونَ

الهِمَمْ

والحَقُّ أنَّكُمْ بِهِ

عَلِقْتُمْ

وتُؤمِنُونَ قَبْلُ

إذْ خُلِقْتُمْ

وأنْتُمُ لَهُ لدى

كُلِّ المِحَنْ

تُسَلِّمُونَ أمْرَكُمْ

إذا امْتَحَنْ

وإنَّما بِأمْرِهِ

عَزِّ وَجَلْ

فتَعْمَلونَ

رَغْبَةً دونَ مَلَلْ

وفي الهُدى إلى

سَبيلِهِ الجَلي

فتُرشِدونَ

كُلَّ مُؤمِن وَلي

وحِكْمَةً بِقَولِهِ إذا

صَدَرْ

فتَحْكُمُونَ

في

مَقادِيرِ البَشَرْ

قَدْ سَعَدَ

الّذي إلَيْكُمُ التَجا

فَإنَّ مَنْ

والاكُمُ فَقَدْ نَجا

وهَلَكَ

الَّذي لِغَيْرِكُمْ مَضى

فإنَّ مَنْ

عاداكُمُ لَهُ اللَّظى

وخابَ مَنْ

جَحَدَكُمْ بُغْضَاً وضَلْ

في النّاسِ مَنْ

فارَقَكُمْ جَهلاً وزَلْ

ص: 290

وفازَ مَنْ تَمَسكَ بِكُمْ وأمِنَ مَنْ لَجَأ إلَيْكُمْ وسَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ وهُدِيَ مَنْ اعْتَصَمَ بِكُمْ مَن اتَّبَعَكُمْ فَالجَنَّةُ مَأواهُ ومَنْ خالَفَكُمْ فَالنارُ مَثْواهُ ومَنْ جَحَدَكُمْ كافِرٌ ومَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ ومَنْ رَدَّ عَلَيْكُمْ في أسْفَلِ دَرَك مِنَ الجَحيمِ أشْهَدُ أنَّ هذا سابِقٌ لَكُمْ في ما مَضى وجار لَكُمْ في ما بَقِي وإنَّ أرواحَكُمْ ونُورَكُمْ وطِينَتَكُمْ واحِدَةٌ

وفازَ مَنْ تَمَسَّكَ

اليَوْمَ بِحَقْ

بِكُمْ وقد

سار على هذا النَسَقْ

وأمِنَ

الّذي أتى بِطاعَة

ونالَ في حُبِّكُمُ الشَفاعَة

مَنْ لَجَأ

اليَومَ هُدَىً إلَيْكُمْ

قَدْ قُبِلَتْ أعمالُهُ لَدَيْكُمْ

وهكذا قَدْ سَلِمَ

الَّذي اقتَدى

بِكُمْ فَمَنْ صَدَّقَكُمْ قَد

اهتَدى

وهُدِي

اليَومَ فَمَنْ هُوَ

اعْتَصَمْ

بِكُمْ

فذاكَ دينُهُ قَد اسْتَتَمْ

وقُلْ مَن اتَّبَعَكُمْ

سَديدُ

وإنَّ حُبَّهُ لَكُمْ شَديدُ

هذا فَمَنْ رَأى بَكُمْ هُداهُ

فإنَّما

الجَنَّةُ قُلْ

مَأواه

وإنَّ مَنْ خالَفَكُمْ فَالنّارُ

مَثْواهُ فيها

يَخْلُدُ الكُفّارُ

وإنَّ مَنْ جَحَدَكُمْ لَكافِرْ

لأنَّهُ عَنِ الهُداةِ نافِرْ

كذا ومَنْ حارَبَكُمْ

فَحُكْمُه

في الدِينِ مُشْرِكٌ

عَلَيْهِ إثْمُه

ألا ومَنْ رَدَّ عَلَيْكُمْ

انْحَدَرْ

في أسْفَلِ

المَقامِ مِنْ حَرِّ سَقَرْ

في دَرَك مِنَ الجَحيمِ

الحامِيَة

وأُمُّهُ في الحَشْرِ كانَتْ هاوِيَة

أشْهَدُ أنَّ

الأمْرَ هذا في

القَضى

بِالحَقِّ سابِقٌ لَكُمْ في ما مَضى

حَقَّاً وجار

لَكُمُ في ما بَقِي

مَنْ أمْسَكَ اليَوْمَ بِكُمْ فَمُتَّقي

وإنَّ

أرواحَكُمُ الزَّكِية

ونُورَكُمْ يا

سادَةَ البَرِيَّة

وهكذا طينَتَكُمْ

لَواحِدَة

خَصكُمُ اللهُ بِكُلِّ فائِدَة

ص: 291

طابَتْ وطَهُرَتْ بَعْضُها مِن بَعْض خَلَقَكُمُ اللهُ أنْواراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقينَ حَتّى مَنَّ عَلَيْنا بِكُمْ فَجَعَلَكُمْ في بُيُوت أذِنَ اللهُ أنْ تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُهُ وجَعَلَ صَلَواتَنا عَلَيْكُمْ وما خَصَّنا بِهِ مِنْ ولايِتِكُمْ طِيباً لخُلْقِنا وطَهارَةً لأنْفُسِنا وتَزكِيَةً لَنا وكَفّارَةً لِذُنوبِنا فَكُنّا عِنْدَهُ مُسَلِّمينَ بِفَضْلِكُمْ ومَعْروفينَ بِتَصْدِيقِنا إيّاكُمْ

طابَتْ

شَذاً وطَهُرَتْ مِنَ

الدَّنَسْ

وبَعْضُها مِن بَعْض

النُّورَ اقتَبَسْ

خَلَقَكُمُ ربُّ

السما مُتَمِّما

خَلْقَكُمُ ثُمَّ حَواكُم حِكَما

فاللهُ قد

أنشأكُم أنْوارا

فعِنْدَها

جَعَلَكُمْ

أقْمارا

بِعَرْشِهِ

مُسَبِّحينَ ذِكْرا

مُحَلِّقينَ مُحْدِقينَ

دَهْرا

حَتّى إذا مَنَّ

هُدَىً عَلَيْنا

بِكُمْ

بِنِعْمَة أتَتْ إلَيْنا

فَحينَها جَعَلَكُمْ

رَمْزَ التُّقى

بِالحَقِّ في بُيُوتِ

ذِكْر ارتَقى

قَد أذِنَ

اللهُ بِأنْ تُشَيَّدْ

أنْ تُرفَعَ

الأركانُ أو تُسَدَّدْ

ويُذكَرَنْ

فيها اسمُهُ الكَريمُ

سُبحانَهُ الرَّحمنُ والرَّحيمُ

وإنَّما قَدْ جَعَلَ

التَّحيَّة

وصَلَواتَنا

عَلَيْكُمْ حَيَّة

وما

بِلُطْف خَصَّنا بِهِ

وصَحْ

مِنْ شَأنِكُمْ لَنا وبانَ واتَّضَحْ

ومِنْ

ولايَتِكُمُ البِشارَة

طِيباً لِخُلْقِنا وقُلْ

طَهارَة

وهْيَ لأنفُس

بِنا عَليلَة

شافِيَةٌ ولِلعَنا مُزيلَة

وقَدْ غَدَتْ تَزكِيَةً

لَنا

مَدَدْ

وهكَذا كَفّارَةً

بَعْدُ تُعَدْ

لِكُلِّ مِنْ ذُنُوبِنا

الرَّديئَة

حَيْثُ بَدَتْ مِنْ عِنْدِنا خَطيئَة

هذا فكُنّا

عِنْدَهُ في ظِلِّكُمْ

مُسَلِّمينَ

أمْرَنا بِفَضْلِكُمْ

حَقَّاً ومَعْروفينَ في

هُداكُمْ

بِكُمْ

وفي تَصْدِيقِنا إيّاكُمْ

ص: 292

فَبَلَغَ اللهُ بِكُمْ أشْرَفَ مَحَلِّ المُكْرَّمينَ وأعلى مَنازِلِ المُقَرَّبينَ وأرفَعَ دَرَجاتِ المُرسَلينَ حَيْثُ لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ ولا يَفُوقُهُ فائِقٌ ولا يسبقه سابق ولا يَطْمَعُ في إدراكِهِ طامِعٌ حَتّى لا يَبْقى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبِيٌّ مُرسَلٌ ولا صِدِّيقٌ ولا شَهيدٌ ولا عالِمٌ ولا جاهِلٌ ولا دَنيٌّ ولا فاضِلٌ ولا مُؤمِنٌ صالِحٌ ولا فاجِرٌ طالِحٌ ولا جَبّارٌ عَنيدٌ ولا شيطانٌ مريدٌ ولا خَلْقٌ

فَبَلَغَ

اللهُ بِكُمْ مِنَ العُلا

أشْرَفَ

مَنْزِل على كُلِّ المَلا

أنتُمُ في مَحَلِّ

أحسَنَ القُرَبْ

مِنَ المُكَرَّمينَ مَنْ

لَه اقتَرَبْ

وذلِكُمْ أعلى

مَنازِلِ الشَّرَفْ

مِنَ المُقَرَّبينَ في

تِلْكَ الغُرَفْ

وأرْفَعَ المَقامِ

عِزَّاً وإبا

مِنْ دَرَجاتِ المُرسَلينَ

النُّقَبا

بِحَيْثُ لا

يَلْحَقُهُ قَطُّ أحَدْ

حقّاً ولا يَرقاهُ لاحِقٌ

أبَدْ

ولا يَفُوقُهُ

كَذاكَ فائِقْ

يَوماً ولا يَسْبِقُهُ قُلْ

سابِقْ

هذا ولا

يَطمَعُ في إدراكِه

مِنْ بَعْدُ طامِعٌ على

اشتِراكِه

حَتّى ولا يَبْقى

هُنالِكُمْ مَلَكْ

مُقَرَّبٌ للهِ

فيما قَدْ سَلَكْ

ولا نَبِيٌّ

مُرسَلٌ مِنَ الرُّسُلْ

يَفُوقُكُمْ قَطُّ بِتِلْكُمُ السُّبُلْ

ولا

عَلَيْكُمْ يَرتَقي صِدّيقُ

ولا شَهيدٌ

بَعْدُ أو صَديقُ

هذا ولا

يَبْلُغُ عالِمٌ

أبَدْ

مَنْزِلَكُمْ مَهْما أعَدَّ مِنْ عُدَدْ

ولا

يَكُونُ جاهِلٌ ولا دَني

ولا

جَليلٌ فاضِلٌ ولا

غَني

ولا

تَقِيٌّ مُؤمِنٌ وصالِحْ

ولا

شَقِيٌّ فاجِرٌ وطالِحْ

ولا

يِكُونُ بَعْدَ ذا جَبّارُ

وهْوَ عَنيدٌ في

الوَرى خَتّارُ

ولا

يَكُونُ بَعْدُ شَيْطانٌ

مُضِلْ

وهْوَ مَريِدٌ في

سَبيلِكُمْ مُخِلْ

كَذا ولا

يَكُونُ خَلْقٌ قَدْ

خَلَقْ

مِمَّنْ حَباهُ اللهُ عَقْلاً ونَطَقْ

ص: 293

في ما بَيْنَ ذلِكَ شَهيدٌ إلاّ عَرَّفَهُمْ جَلالَةَ أمْرِكُمْ وعِظَمَ خَطَرِكُمْ وكِبَرَ شَأنِكُمْ وتمَامَ نُورِكُمْ وصِدْقَ مَقاعِدِكُمْ وثَباتَ مَقامِكُمْ وشَرَفَ مَحَلِّكُمْ ومَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ وكَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ وخاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ وقُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ مِنْهُ بأبي أنْتُمْ وأُمّي وأهْلي ومالي وأُسْرَتي أُشْهِدُ الله وأشْهِدُكُمْ أنّي مُؤمِنٌ بِكُمْ وبِما آمَنْتُمْ بِهِ كافِرٌ بِعَدُوِّكُمْ

في ما يُرى مِنْ بَينِ ذلِكَ

الوَرى

شَهيدٌ إلاّ

نُورُكُمْ لَهُ سَرى

عَرَّفَهُمْ جَلالَةً مِنْ

أمْرِكُمْ

وعِظَمَ المَقامِ مِنْ خَطَرِكُمْ

وكِبَرَ

القَدْرِ لِشَأنِكُمْ

أعَدْ

وقُلْ تمَامَ نُورِكُمْ لنا

أمَدْ

وصِدْقَ ما

نَصَّبَكُمْ لَدى مَقا

عِدِكُمُ

الَّتي بِها الدِّينُ ارتَقى

وقُلْ

أرى ثَباتَ

تِلْكَ المَنْزِلَة

عِنْدَ مَقامِكُمْ

بَدَتْ مُكتَمِلَة

وشَرَفَ

الإيمانِ حَقَّاً انجَلى

فالعَبْدُ في مَحَلِّكُمْ نالَ

العُلى

وشَأنَ مَنزِلَتِكُمْ

أصيلَة

وعِنْدَهُ

سُبحانَهُ جَليلَة

وقُلْ مُخاطِباً لَهُمْ إنَّ كرا

مَتَكُمْ

اليوم عَلَيْهِ في

الذُّرى

وإنَّ خاصَّتُكُمُ

المُجَلَّلَة

لَديْهِ قَدْ

حُفَّتْ بِقُرْبِ المَنزِلَة

وقُرْبَ مَنزِلَتِكُمْ

أبداها

مِنْهُ

وللخَلْقِ فَقَدْ جَلاّها

قُلْ بِأبِي أنْتُمْ وأُمّي يا

غُرَرْ

كَذا وأهْلِي وبِمالي في

الأثَرْ

وأُسْرَتي

أفْديكُمُ بَينَ الوَرى

ونَهْجَكُمْ أسْلُكُ في هذي القُرى

وأُشْهِدُ اللهَ على

هذا النَّسَقْ

أنَّ وِلائي بِكُمُ قَدْ التَحَقْ

وهكَذا

أُشْهِدُكُمْ

جَميعا

فَدينُكُمْ حِصْنٌ بَدا مَنيعا

أنّي مُؤمِنٌ

بِكُمْ طُولَ المَدى

قُلْ وبِما آمَنْتُمُ بِهِ هُدى

وكافِرٌ

بِمَنْ لِحَقِّكُمْ غَدَرْ

أي بِعَدِوِّكُمْ فَإنَّهُ

كَفَرْ

ص: 294

وبِما كَفَرْتُمْ بِهِ مُسْتَبْصِرٌ بِشَأنِكُمْ وبِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكُمْ مُوال لَكُمْ ولأوْلِيائِكُمْ مُبْغِضٌ لأعدائِكُمْ ومُعاد لَهُمْ سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ مُحَقِّقٌ لِما حَقَّقْتُمْ مُبْطِلٌ لِما أبْطَلْتُمْ مُطيعٌ لَكُمْ عارِفٌ بِحَقِّكُمْ مُقِرٌّ بِفَضْلِكُمْ مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُمْ مُحْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُمْ مُعْتَرِفٌ بِكُمْ مُؤمِنٌ بِإيابِكُمْ مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ مُنْتَظِرٌ لأمْرِكُمْ

وكافِرٌ

حَقَّاً بِما كَفَرْتُمْ

بِهِ

وصابِرٌ لِما صَبَرْتُمْ

مُسْتَبْصِرٌ

بِشَأنِكُمْ بَيْتَ الوِلا

مُفْتَخِرٌ بِهِ عَلى كُلِّ المَلا

وبِضلالَةِ الّذي

بِكُمْ جَحَدْ

فَعالِمٌ ولَسْتُ أبْغِيهِ مَدَدْ

فَإنَّ مَنْ

خالَفَكُمْ عَدُوُّ

حَتّى وإنْ كانَ بِهِ غُلُوُّ

إنّي مُوال

لَكُمُ سَلِيمُ

وقُلْ لأوْلِيائِكُمْ

حَميمُ

ومُبْغِضٌ لِغَيْرِكُمْ

ورادِعْ

حَقَّاً لأعْدائِكُمُ

فصادعْ

وها أنا بَيْنَ الوَرى مُعادِ

لَهُمْ

بِكُلِّ قَريَة ووادي

سِلْمٌ لِمَنْ

سالَمَكُمْ على العَهَدْ

مُؤَيِّدٌ لَهُ وناصِرٌ سَنَدْ

وإنَّني حَربٌ

لِمَنْ

يُناجِزْ

يَعني لِمَنْ حارَبَكُمْ

مُبارِزْ

مُحَقِّقٌ

لِما لَهُ حَقَّقْتُمْ

ومُبْطِلٌ كذا لِما أبْطَلْتُمْ

إنّي مُطيعٌ

لَكُمُ مُبِرُّ

وعارِفٌ بِحَقِّكُمْ مُقِرُّ

بِفَضْلِكُمْ

مُحْتَمِلٌ عِنْدَ العَمَلْ

لِعِلْمِكُمْ

مُبَلِّغَاً بَيْنَ المِلَلْ

مُحْتَجِبٌ

بِكُمْ

وفي ذِمَّتِكُمْ

مُعْتَرِفٌ بِكُمْ

ومِنْ مِلَّتِكُمْ

ومُؤمِنٌ

بَعْدُ بِكُلِّ آيَة

تُثْبِتُ في إيابِكُمْ

هدايَة

مُصَدِّقٌ بِأمْرِكُمْ

لَدَيْنا

وذاكَ في رَجْعَتِكُمْ

إلَيْنا

مُنْتَظِرٌ لأمْرِكُمْ

مُحْتَسِبُ

مُسْتَمْسِكٌ بِحَبْلِكُمْ مُنْتَدِبُ

ص: 295

مُرتَقِبٌ لِدَولَتِكُمْ آخِذٌ بِقَولِكُمْ وعامِلٌ بِأمرِكُمْ مُسْتَجيرٌ بِكُمْ زائِرٌ لَكُمْ لائِذٌ عائِذٌ بِقُبُورِكُمْ مُسْتَشفِعٌ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ بِكُمْ ومُتَقَرِّبٌ بِكُمْ إلَيْهِ ومُقَدِّمُكُمْ أمامَ طَلِبَتي وحَوائِجي وإرادَتي في كُلِّ أحوالي وأُمُوري مُؤمِنٌ بِسِرِّكُمْ وعَلانِيَتِكُمْ وشاهِدِكُمْ وغائِبِكُمْ وأوَّلِكُمْ وآخِرِكُمْ ومُفَوِّضٌ في ذلِكَ كُلِّهِ إلَيْكُمْ ومُسَلِّمٌ فِيهِ مَعَكُمْ

مُرتَقِبٌ لِدَولَة

كَريمَة

لَكُمْ

تَكُونُ

في الوَرى عَميمَة

وآخِذٌ بِقَولِكُمْ أيا

غُرَرْ

وعامِلٌ بأمرِكُمْ إذا

صَدَرْ

ومُستَجيرٌ بِكُمُ

ومُلتَجي

وزائِرٌ لَكُمْ أتَيتُ أرتَجي

ولائِذٌ وعائِذٌ

بِنُورِكُمْ

غَوثَاً بِمَثواكُمُ

أو قُبورِكُمْ

مُستَشفِعٌ

ثَمَّ على الذَّنبِ الجَلَلْ

زُلفَىً إلى اللهِ رَقى

عَزَّ وجَلْ

بِكُمْ

لِرَبِّي أرتَجي اليَوْمَ مُنى

شَفاعَةً تُبْلِغُني دارَ الهَنا

وها أنا مُنتَصِلٌ لَدَيْهِ

ومُتَقَرِّبٌ بِكُمْ إلَيْهِ

وإنَّما

مُقَدِّمٌ لَدى

الرَّجا

لَكُمْ

أمامَ رَغْبَتي أهْلَ الحِجى

مُؤَمِّلاً أنْ تَمنَحوا ما أرتَجي

طَلِبَتي وهكَذا

حَوائِجي

وهذِهِ

إرادَتي

طُرّاً غَدَتْ

في كُلِّ

أحوالي إلَيكُمُ اهتَدَتْ

وذي أمُوري

اليَومَ في هُداكُمْ

تَعَلَّقَتْ بِالحَقِّ في عُراكُمْ

ومُؤمِنٌ

بِسِرِّكُمْ على

الحِكَمْ

وبِعَلانِيَتِكُمْ

بَيْنَ

الأُمَمْ

وقُلْ

على شاهِدِكُمْ

مُعْتَمِدُ

حَقّاً وفي غائِبِكُمْ

مُعْتَقِدُ

كَذا وفي أوَّلِكُمْ

أدِينُ

ولي على آخِرِكُمْ

يَقِينُ

وإنَّما

مُفَوِّضٌ في ذلِكْ

كُلِّهِ بِالحَقِّ

إلَيْكُمْ سالِكْ

وها مُسَلِّمٌ

رِضاي فيهِ

ذا مَعَكُمْ

يا

سادَتي آويهِ

ص: 296

وقَلْبي لَكُمْ مُسَلِّمٌ ورَأيي لَكُمْ تَبَعٌ ونُصْرَتي لَكُم مُعَدَّةٌ حَتّى يُحْيِيَ اللهُ تعالى دينَهُ بِكُمْ ويَرُدَّكُمْ في أيّامِهِ ويُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ ويُمَكِّنَكُمْ في أرْضِهِ فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ غَيْرِكُمْ آمَنْتُ بِكُمْ وتَوَلَّيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ أوَّلَكُمْ وبَرِئْتُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ مِنْ أعْدائِكُمْ ومِنَ الْجِبْتِ والطّاغوتِ والشَّياطينِ وحِزْبِهِمْ الظّالِمينَ لَكُمْ

وإنَّما قَلْبي لَكُمْ مُسَلِّمْ

لأنَّ دِينَكُمْ تُقَىً يعلِّمْ

وإنَّ رَأيي

لَكُمُ اليَومَ تَبَعْ

ولي إلى نَيْلِ رِضاكُمُ طَمَعْ

ونُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ

أبَدْ

مُنتَظِراً ظُهُورَ أمرِكُمْ لِغَدْ

وذاكَ حَتّى يُحْيِيَ اللهُ

الهُدى

جَلَّ تَعالى

ثُمَّ يَقْمَعَ العِدا

فَإنَّ دِينَهُ بِكُمْ

مَجيدُ

وإنَّهُ يَفْعَلُ ما يُريدُ

وأن يَرُدَّكُمْ إلى

أحكامِه

أيّانَ بانَ الدِّينُ في

أيّامِه

حَقّاً وأن يُظهِرَكُمْ لِعَدلِه

ونَهْجِهِ مِنْ فَرعِهِ وأصلِه

وأن يُمَكِّنَكُمُ

اليَومَ عَلَنْ

في أرضِهِ

فَتَقمَعُوا كُلَّ الْفِتَنْ

فَمَعَكُمْ قُلْ

مَعَكُمْ على

التُّقى

لا مَعَ

غَيْرِكُمْ فُؤادِيَ التَقى

آمَنْتُ

واللهِ بِكُمْ

هِدايَة

وقَد تَولَّيْتُ

بِتِلْكَ الغايَة

آخِرَكُمْ بِما تَولَّيْتُ بِهِ

أوَّلكُمْ

لأهْتَدي لِدَرْبِهِ

وقد بَرِئْتُ مِنْ

مَسالِكِ الفَشَلْ

ماض إلى

الله

هُدىً عَزَّ وجَلْ

ومِنْ جَفا أعْدائِكُمْ

أُولي الشَّرَرْ

ومَنْ بِكُمْ يا سادَتي جَهْراً غَدَرْ

ومِنْ

ضَلالِ الجِبْتِ

والكُفّارِ

والرِّجْزِ والطّاغوتِ

أهْلِ النّارِ

كَذا ومِنْ كُلِّ الشَياطينِ بَري

مِنْ كُلِّ فاسِق وكُلِّ مُمْتَري

كَذا ومِنْ حِزْبِهِمُ

الطّغاةِ

والظّالِمينَ

لَكُمُ الْجُناةِ

ص: 297

الْجاحِدينَ لِحَقِّكُمْ والْمارِقينَ مِنْ وِلايَتِكُمْ والْغاصِبِينَ لإرْثِكُمْ الشاكّينَ فيكُمُ الْمُنْحَرِفينَ عَنْكُمْ ومِنْ كُلِّ وَليجَة دونَكُمْ وَكُلِّ مُطاع سِواكُمْ ومِنَ الأئِمَّةِ الَّذينَ يَدْعونَ إلى النّارِ فَثَبَّتَني اللهُ أبَداً ما حَييتُ على مُوالاتِكُمْ ومَحَبَّتِكُمْ ودينِكُمْ ووَفَّقَني لِطاعَتِكُمْ ورَزَقَني شَفاعَتَكُمْ وجَعَلَني مِنْ خِيارِ مَواليكُمْ

والجاحِدينَ بَعْدَ

ذاكَ عَنْ غَرَضْ

لِحَقِّكُمْ إذْ

في قُلوبِهِمْ مَرَضْ

والمارِقينَ بَعْدَ

حِقْد مِنْ وِلا

يَتِكُمْ الّتي

بِها الْحَقُّ انْجَلى

والغاصِبينَ بَعْدَ

فَقْدِ أحْمَدْ

لإرْثِكُمْ ومَنْ

هَوىً تَمَرَّدْ

والشّاكّينَ

فيكُمْ مِنَ الْمِلَلْ

فَإنَّ قَلْبي ضَجَّ منْهُمْ ومَلْ

كَذا مِنَ الْمُنْحَرِفينَ

في

الْوَرى

عَنْكُمْ أبْرَأُ

ومِمَّنْ اجْتَرا

هذا ومِنْ

كُلِّ وَليجَة بَدَتْ

دونَكُمْ غَيْضاً

على الْحَقِّ اعْتَدَتْ

كَذا ومِنْ

كُلِّ مُطاع في الْمَلا

سِواكُمُ بِحُبِّ

دُنْياهُ ابْتَلى

وأبْرَأ الْيَومَ مِنَ

الأَئِمَّةِ

مَنْ اعْتَدى مِنْهُمْ بِهذي الأُمّةِ

أُولئِكَ الَّذينَ

يَدْعُونَ الْبَشَرْ

إلى عَذابِ

النّارِ مِنْ

حَرِّ سَقَرْ

فَقَدْ

رَجَوتُ أنَّ في دَرْبِ الْهُدى

ثَبتَني

اللهُ ثَباتاً أبَدا

وذاكَ ما

حَييتُ في هذا الوَرى

على

مُوالاتِكُمُ مُنْتَصِرا

ولِمَحَبَّتِكُمُ

الهَنِيَّة

ودينِكُمْ مِلْتُ

بِخَيْرَ نِية

وأنَّهُ

وَفَّقَني

اللهُ لِما

أرْغَبُ مِنْ طاعَتِكُمْ

مُسَلِّما

وأنَّهُ

رَزَقَني

الأُمنيّة

أعني شَفاعَتَكُمُ

السنيّة

وأنَّهُ

جَعَلَني على

التُّقى

بِالَحقِّ مِنْ

خِيارِ مَنْ بِكُمْ رَقى

ومِنْ مَواليكُمُ

أرجوهُ بِأنْ

يَمْنَحُ كُلَّ ما طَلَبْتُ مِنْ مِنَنْ

ص: 298

التابِعينَ لِما دَعَوتُمْ إلَيْهِ وجَعَلَني مِمَّنْ يَقتَصُّ آثارَكُمُ ويَسْلُكُ سَبيلَكُمْ ويهتدي بهداكم ويُحْشَرُ في زُمْرَتِكُمْ ويَكِرُّ في رَجْعَتِكُمْ ويُمَلَّكُ في دَوْلَتِكُمْ ويُشَرَّفُ في عافِيَتِكُمْ ويُمَكَّنُ في أيّامِكُمْ وتَقِرُّ عَيْنُهُ غداً بِرُؤيَتِكُمْ بِأبي أنْتُمْ وأُمّي ونَفْسي وأهْلي ومالي مَنْ أرادَ اللهَ بَدَأ بِكُمْ ومَنْ وَحدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ ومَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ مَواليَّ لا أُحْصي ثَناءَكُمْ

والتّابِعينَ

أمْرَكُمْ كَما صَدَرْ

لِما دَعَوتُمُ إلَيْهِ في

الأثَرْ

وأنَّهُ جَعَلَني

مِمَّنْ مَشى

يَقتَصُّ آثارَكُمُ

حَيْثُ يَشا

ويَسْلُكُ

اليَومَ سَبيلَكُمْ رِضا

مُسَلِّماً للهِ فيهِ ما ارتَضى

ويَهْتَدي

بِدينِ مَنْ بَراكُمْ

ويَقْتَدي بِالحَقِّ

مِنْ هُداكُمْ

ومنّةً يُحْشَرُ في

القيامَة

بِالحَقِّ في زُمْرَتِكُمْ

كَرامَة

ورغبةً يَكِرُّ مِنْ

بَعْدِ أمَدْ

يَكُونُ في رَجْعَتِكُمْ مِنَ

العُدَدْ

وحُبوةً يُمَلَّكُ

الخَيْرَ وما

يُمْنَحُ في دَولَتِكُمْ

مُكَرَّما

وعزّةً يُشَرَّفُ

المُؤمِنُ في

عافية مِنْكُمْ بِهِ

حَقَّاً تَفي

وحينها يُمَكَّنُ

العَبْدُ

الولي

بِالَحقِّ في

أيّامِكُمْ دِيناً جَلي

وبعدها تَقِرُّ

عَيْنُهُ غَدا

بِكُمْ وفي رُؤيَتِكُمْ

مُؤَيَّدا

قُلْ بأبي

أنْتُمْ وأُمّي أفْتَدي

يا خَيْرَ مَنْ ِبهِمْ لِرَبّي أهْتَدي

وقُلْ بِنَفْسي وبِأهْلي في

الأثرْ

حَقَّاً ومالي أفدي

أسْيادَ البَشَرْ

فَمَنْ أرادَ اللهَ لِلْهِدايَة

قَدْ بَدَأ

اليَومَ بِكُمْ

لِلغايَة

ألا ومَنْ

وَحَّدَهُ فَقَدْ قَبِلْ

عَنْكُمْ رِضا

اللهِ هُدَىً غَيْرَ مُمِلْ

هذا ومَنْ

مُحَقِّقاً

قَدْ قَصَدَه

تَوَجَّهَ

الأمْرَ بِكُمْ إذْ

عَبَدَه

كَيْفَ مَواليَّ

أعِدُّها عَدَدْ

واللهِ لا

أُحْصي ثَناءَكُمْ أبَدْ

ص: 299

ولا أبْلُغُ مِنَ المَدْحِ كُنْهَكُمْ ومِنَ الوَصْفِ قَدْرَكُمْ وأنْتُمْ نُورُ الأخْيارِ وهُداةُ الأبْرارِ وحُجَجُ الجَبّارِ بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وبِكُمْ يَخْتِمُ وبِكُمْ يُنَزِّلُ الغَيْثَ وبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ أنْ تَقَعَ على الأرْضِ إلاّ بِإذْنِهِ وبِكُم يُنَفِّسُ الْهَمَّ ويَكْشِفُ الْضُّرَّ وعِنْدَكُمْ ما نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ وهَبَطَتْ بِه مَلائِكَتُهُ وإلى جَدِّكُمْ (وإذا قصدت زيارة أمير المؤمنين عليه السَّلام فقل : وإلى أخيكَ) بُعِثَ الْرُّوحُ الأمينْ

كَذا ولا

أبْلُغُ مِنْ هذا الثَّنا

في المَدْحِ كُنْهَكُمْ

فَأنْتُمُ السَّنا

وهكَذا

قَطُّ مِنَ الوَصْفِ فَلا

أبْلُغُ قَدْرَكُمْ وإنْ

نِلْتُ العُلا

فَدُورُكُمْ مَنازِلُ الأبْرارِ

وأنْتُمُ نُورٌ إلى الأخْيارِ

وأنْتُمُ

هُداةُ الابْرارِ

الغُرَرْ

وحُجَجُ الجَبّارِ في

هذا الأثَرْ

بِكُمْ لَنا

قَدْ فَتَحَ اللهُ

مَدَدْ

وقُلْ بِكُم

رَبِّيَ يَخْتِمُ

الأمَدْ

وهْوَ بِكُمْ يُنَزِّلُ الغَيْثَ قَدَرْ

فَتَرْعُدُ السُّحْبُ ويَهْطِلُ المَطَرْ

وهْوَ بِكُمْ

قَدْ

يُمْسِكُ السَّماءا

لأنَّهُ شَيَّدَها بِناءا

يُمْسِكُها أنْ

تَقَعَ السَّبْعُ على

مَرابِعِ الأرْضِ

فَيَهلك الملا

إلاّ

بِإذْنِهِ هو الْمَجيدُ

وهو الذي يَفْعَلُ ما يُريدُ

وقُلْ بِكَمْ

يُنَفِّسُ الْهمَّ الجَلَلْ

ويَكْشِفُ

الضُّرَّ ويَبْسِطَ الأمَلْ

وعِنْدَكُمْ

ما نَزَلَتْ بِهِ عَلَنْ

رُسُلُهُ التي

بِغابِرِ الزّمَنْ

وهَبَطَتْ

بِهِ على الْحَقِّ مَلا

ئِكَتُهُ

الّتي بها الوحيُ انجلا

هذا وإنْ زُرْتَ أئِمَّةَ الْهُدى

قُلْ وإلى

جَدِّكُمْ صارَ النِّدى

ألا وإنْ قَصَدْتَ زائِراً عَلي

قُلْ وإلى

أخيكَ يا خَيْرَ وَلي

قَدْ بُعِثَ

الرُّوحُ الأمينُ في الأثَرْ

مُبَلِّغاً أحْمَدَ سَيِّدَ البَشَرْ

ص: 300

آتاكُمُ اللهُ ما لَمْ يُؤتِ أحَداً مِنْ الْعالَمينْ طَأطَأ كُلُّ شَريف لِشَرَفِكُمْ وبَخَعَ كُلُّ مُتَكَبِّر لِطاعَتِكُمْ وخَضَعَ كُلُّ جَبّار لِفَضْلِكُمْ وذَلَّ كُلُّ شَيء لَكُمْ وأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنورِكُمْ وفازَ الفائِزونَ بِوِلايَتِكُمْ بِكُمْ يُسْلَكُ إلى الرِّضْوانِ وعَلى مَنْ جَحَدَ وِلايِتَكُمْ غَضَبُ الرَّحْمنِ بِأبي أنْتُمْ وأُمّي ونَفْسي وأهْلي ومالي ذِكْركُمْ في الذاكِرينَ

آتاكُمُ اللهُ

عُلوماً في الْهُدى

وذاك ما

لَمْ يُؤْتِ قَبْلُ أحَدا

مِنَ

الوَرى والعالَمينَ مِنْ

حِكَمْ

ثُمَّ بِكُمْ قَدْ خَتَمْ الدِّينَ وتَمْ

طَأطَأ

بَعْدَما أتى إلَيْكُمْ

كُلُّ شَريف

رَأسَهُ لَدَيْكُمْ

لِشَرَف

مِنْكُمْ بَدا عَظيما

وخُلُق رأى لَكُمْ كَريما

هذا ومَنْ طَغى أمامَكْمْ بَخَعْ

كُلُّ

شَقيٍّ مُتَكَبِّر

قَبَعْ

حَقّاً لِطاعَتِكُمُ

الْعَظيمَة

ومَجْدِ آياتِكُمُ الْكَريمَة

وخَضَعَ

الْيَومَ لِتِلْكَ الدّارِ

كُلُّ

عَتِيّ آثِم جَبّارِ

لِفَضْلِكُمْ

وذَلَّ كُلُّ مَنْ كَفَرْ

بَلْ كُلُّ

شَيء لَكُمُ ذُلاًّ أقَرْ

وحينَها أشْرَقَتْ

الأرْضُ عَلَنْ

بِنورِكُمْ يا

سادَتي مَرَّ الزَّمنْ

حَقّاً وفازَ

الفائِزونَ بِوِلا

يَتِكُمُ

الْمُثْلى عَلى كُلِّ الْمَلا

يا سادَتي بِكُمْ هُدى

الرَّحْمنِ

يُسْلَكُ

بِالْحَقِّ إلى الرِّضْوانِ

وقُلْ عَلى مَنْ جَحَدَ

الوَسيلَة

يَعْني وِلايَتَكُمُ

الْجَليلَة

لَعْنَةُ رَبّي ثُمَّ يَتْلوها غَضَبْ

حَقّاً مِنَ الْرّحْمنِ

وَجْهَهُ ضَرَبْ

قُلْ بأبي أنْتُمْ وأُمّي في

الوَرى

أفْدي خِيارَ مَنْ وَطى وَجْهَ الثَّرى

كذا ونَفْسي وبِأهْلي في

الأثَرْ

وقُلْ

بِمالي أفدي سادَةَ

البَشَرْ

ذِكْركُمُ في الذاكِرينَ قَدْ

خَلَدْ

رايَتُكُمْ تُرفَعُ في كُلِّ بَلَدْ

ص: 301

وأسْماؤُكُمْ في الأسْماءِ وأجْسادُكُمْ في الأجْسادِ وأرْواحُكُمْ في الأرْواحِ وأنْفُسُكُمْ في النُّفوسِ وآثارُكُمْ في الآثارِ وقُبُورُكُمْ في القُبورِ فَما أحْلى أسْماءَكُمْ وأكْرَمَ أنْفُسَكُمْ وأعْظَمَ شَأنَكُمْ وأجَلَّ خَطَرَكُمْ وأوفى عَهْدَكُمْ وأصْدَقَ وعْدَكُمْ كلامُكُمْ نُورٌ وأمْرُكُمْ رُشْدٌ ووَصِيَّتُكُمُ التَّقْوى وفِعْلُكُمُ الخَيْرُ وعادَتُكُمُ الإحْسانُ وسَجِيَّتُكُمُ الكَرَمُ

هذا وأسْماؤُكُمُ

الكَريمَة

في

خَيْرِ الأسماءِ

غَدَتْ مُقيمَة

ألا وأجْسادُكُمُ

المُطَهَّرَة

في

رَوْحِ الاجْسادِ

بَدَتْ مُعَطَّرَة

كَذا وأرْواحُكُمُ

الجَليلَة

في

جَمْعِ الأرْواحِ هِيَ

النَّبيلَة

هذا وأنْفُسُكُمُ

الزَّكِيَّة

في هذه النُّفوسِ قُلْ

نَقِيَّة

ألا وآثارُكُمُ

المَجيدَة

في

كُلِّ الآثارِ

بَدَتْ مُفيدَة

وقَدْ غَدَتْ قُبُورُكُمْ

مَساجِدْ

وتِلْكَ في القُبورِ

خَيْرُ شاهِدْ

ألا فَما أحْلى لَدى

المَشاعِرْ

أسْماءَكُمْ

فَهْيَ لَنا مَفاخِرْ

وأكْرَمَ

النُّفوسِ في البَرِيَّة

أنْفُسَكُمْ

فَإنَّها أبِيَّة

كذا وما أعْظَمَ شَأنَكُمْ بَدا

فإنَّ نُورَكُمْ بِهِ النّاسُ اهْتَدى

يا سادَتي وما أجَلَّ في

الوَرى

خَطَرَكُمْ

فَحُكْمُهُ فينا جَرَى

حَقَّاً وأوفى

عَهْدَكُمْ وأصْدَقْ

وعْدَكُمُ

فَأمْرُهُ مُحَقَّقْ

كلامُكُمْ نُورٌ

جَلِيٌّ وحِكَمْ

وأمْرُكُمْ رُشْدٌ إلى

كُلِّ الأُمَمْ

وقُلْ وصِيَّتُكُمُ

المخلَّدة

وتِلْكُمُ التَّقْوى هي

المُمَجَّدَة

وفِعْلُكُمْ يا

سادَتي الصَّلاحُ

والخَيْرُ

والعَطاءُ والفَلاحُ

كذا وعادَتُكُمُ الإحْسانُ

والبِرُّ والإيثارُ والإيمانُ

وقُلْ سَجِيَّتُكُمُ

العَطاءُ

والكَرَمُ

الجَزيلُ والوَفاءُ

ص: 302

وشَأنُكُمُ الحَقُّ والصِّدْقُ والرِّفْقُ وقَوْلُكُمْ حُكْمٌ وحَتْمٌ ورَأيُكُمْ عِلْمٌ وحِلْمٌ وحَزْمٌ إنْ ذُكِرَ الخَيْرُ كُنْتُمْ أوَّلَهُ وأصْلَهُ وفَرْعَهُ ومَعْدِنَهُ ومَأواهُ ومُنْتَهاهُ بأبي أنْتُمْ وأُمّي ونَفْسي كَيْفَ أصِفُ حُسْنَ ثَنائِكُمْ وأُحْصي جَميلَ بَلائِكُمْ وبِكُمْ أخْرَجَنا اللهُ مِنَ الذُّلِّ وفَرَّجَ عَنّا غَمَراتِ الكروب وأنْقَذَنا مِنْ شَفا جُرْفِ الهَلَكاتِ ومِنَ النّارِ بأبي أنْتُمْ وأُمّي ونَفْسي بِمُوالاتِكُمْ عَلَّمَنا اللهُ مَعالِمَ

وشَأنُكُمْ فالحَقُّ والصِّدْقُ

الجَلي

والرِّفْقُ في

النّاسِ وفي كُلِّ وَلي

وقَولُكُمْ حُكْمٌ وحَتْمٌ بادِ

وهْوَ شِعارُ العَدْلِ في العِبادِ

ورَأيُكُمْ عِلْمٌ وحِلْمٌ

ووَرَعْ

وذلِكُمْ حَزْمٌ بِهِ

الحَقُّ لَمَعْ

إنْ ذُكِرَ

الخَيْرُ فَكُنْتُمْ شَرْعَه

أوَّلَهُ

وأصْلَهُ وفَرْعَه

وكُنْتُمُ مَعْدِنَهُ

الأصيلا

وكُنْتُمُ مأواهُ

والدَّليلا

ومُنْتَهاهُ في

مَسالِكِ السُّبُلْ

إلى لِواكُمُ انْتَمى هذا النُّبُلْ

قُلْ بأبي أنْتُمْ وأُمّي

أفْتَدي

حَقَّاً ونَفْسي مَنْ

إلَيْهِمْ أهْتَدي

كَيْفَ

مَوالِيَّ وسادَتي أصِفْ

حُسْنَ ثَنائِكُمْ

وكَيْفَ أغْتَرِفْ

عَذْبَ رِوائِكُمْ وأُحْصي في

الأثَرْ

جَميلَ ما

عِنْدَ بَلائِكُمْ

ظَهَرْ

وها بِكُمْ أخْرَجَنا

اللهُ قِدَمْ

مِنْ

غَبَرِ الذُّلِّ وفَرَّجَ

الغُمَمْ

عَنّا

مُخَلِّصَاً لَدى الخُطوبِ

مِنْ غَمَراتِ

الظُّلْمِ والكُروبِ

وإنَّهُ أنْقَذَنا مِنَ

الرَّدى

ومِنْ شَفا

جُرْفِ مَهاويَ العِدا

والهَلَكاتِ مِنْ

رَدى الفُجّارِ

غَوْثَاً ومِنْ

حَرِّ وَقودِ النّارِ

قُلْ بأبي

أنْتُمْ وأُمّي في الإبا

أفْدي ونَفْسي

سادَتي أهْلَ العَبا

قُلْ بِمُوالاتِكُمُ أيا

حُجَجْ

عَلَّمَنا

اللهُ مَعالِمَ النَّهَجْ

ص: 303

دينِنا وأصْلَحَ ما كانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيانا وبِمُوالاتِكُمْ تَمَّتْ الكَلِمَةُ وعَظُمَتْ النِّعْمَةُ وائتَلَفَتْ الفُرْقَةُ وبِمُوالاتِكُمْ تُقْبَلُ الطّاعَةُ المُفْتَرَضَةُ ولَكُمُ المَوَدَّةُ الواجِبَةُ والدَّرَجاتُ الرَّفيعَةُ والمَقامُ المَحْمودُ والمَكانُ المَعْلومُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ والجاهُ العَظيمُ والشَّأنُ الكَبيرُ والشَّفاعَةُ المَقْبُولَةُ ربَّنا آمَنّا بِما أنْزَلْتَ واتَّبَعْنا الرَّسولَ

مِنْ دِينِنا

وأصْلَحَ اللهُ مَدَدْ

ما كانَ مِنْ

سُلوكِنا قَبْلُ فَسَدْ

مِنْ دِينِنا كَذا ومِنْ

دُنيانا

ثُمَّ بِكُمْ أبْلَغَنا الأمانا

وبِمُوالاتِكُمُ

السَّديدَة

تَمَّتْ لَنا

الكَلِمَةُ

المَجيدَة

وإنَّما قَدْ عَظُمَتْ

عَلَيْنا

النِّعْمَةُ التي

بِها اهْتَدَيْنا

وائتَلَفَتْ فينا

بِنِعْمَةِ الوِلا

الفُرْقَةُ التي

تُمَزِّقُ المَلا

وبِمُوالاتِكُمُ المُؤَهَّلَة

تُقْبَلُ

مِنّا الطّاعَةُ

المُجَلَّلَة

والشِّرْعَةُ العَظيمَةُ المُفْتَرَضَة

نَسْلُكُها في اللهِ دَرْبَاً عَرَضَه

ولَكُمُ المَوَدَّةُ

السَّليمَة

فإنَّها الواجِبَةُ

العَظيمَة

والدَّرَجاتُ

سادَتي الرَّفيعَة

لَدَيْكُمُ والعِزَّةُ المَنيعَة

وذلك المَقامُ في

هذا الأثَرْ

لَكُمْ هُوَ المَحْمودُ

سادَةَ البَشَرْ

وذلك المَكانُ

قُرْبُ الجاهِ

حَقَّاً هُوَ المَعْلومُ عِنْدَ اللهِ

عَزَّ وجَلَّ

المَلِكُ القَديمُ

والواحِدُ المُهَيْمِنُ العَليمُ

وإنَّما الجاهُ العَظيمُ والمَقَرْ

وهكَذا الشَّأنُ الكَبيرُ

والفَخَرْ

والعِزُّ والشَّفاعَةُ المَقْبُولَة

يا أولِيائي لَكُمُ مَجْبُولَة

يا رَبَّنا فَنَحْنُ آمَنّا بِما

أنْزَلْتَ

بِالحَقِّ مِنَ آفاقِ السَّما

وحِينَها قَدِ اتَّبَعْنا في

السُّبُلْ

مُحَمَّدَ الرَّسولَ

سَيِّدَ الرُّسُلْ

ص: 304

فاكتُبْنا مَعَ الشاهدينَ ربنا لا تُزِغْ قُلوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِنْ لَدُنكَ رَحْمَةً إنَّكَ أنْتَ الوَهّابُ سُبْحانَ رَبِّنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعولا يا وَليَّ اللهِ إنَّ بَيْني وبَيْنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ذُنوباً لا يَأتي عَلَيْها إلاّ رِضاكُمْ فَبِحَقِّ مَنْ ائتَمَنَكُمْ على سِرِّهِ واسْتَرْعاكُمْ أمْرَ خَلْقِهِ وقَرَنَ طاعَتَكُمْ بِطاعَتِهِ لَمّا اسْتَوهَبْتُمْ ذُنوبي

رَبّاهُ فَاكْتُبْنا

وحَقِّقِ الأمَلْ

مَعَ

العِبادِ الشاهِدينَ في

المِلَلْ

يا رَبَّنا ولا

تُزِغْ بَعْدَ الهُدى

قُلوبَنا

رَبِّي وزِدْنا مَدَدا

ذا بَعْد

إذْ هَدَيْتَنا الكَرامَة

وهَبْ لَنا يا

سَيِّدى السَّلامَة

وتِلْكَ مِنْ

لَدُنْكَ سَيِّدي هِبَة

تُبْلِغَنا فيها عُلُوَّ المَرْتَبَة

ورَحْمَةً يا

بَرُّ يا تَوّابُ

إنَّكَ أنْتَ

المَلِكُ الوَهّابُ

سُبْحانَ رَبِّنا هُوَ

الحَميدُ

إنْ كانَ

وَعْدُ رَبِّنا الوَدودُ

بِنا لَمَفْعُولاً

فَنَبْلُغَ المُنى

كَذا ونَرجُو مِنْهُ جَنّاتِ الهَنا

فَيا وَليَّ اللهِ

نُورَ عَيْني

أتَيْتُكَ اليَومَ وإنَّ بَيْني

بَدا وبَيْنَ اللهِ في

نَهْجِ العَمَلْ

مآثِماً قد عَدَّها عَزَّ وجَلْ

كانَت ذُنوباً

سَيّدي ثُمَّ دَرَنْ

قد أثْقَلَتْ ظَهْري مدى مرِّ الزَّمَنْ

مَولايَ لا يَأتي عَلَيْها إلاّ

رِضاكُمُ

سَيِّدي إنْ تَجَلّى

فَسَيّدي بِحَقِّ

مَنْ

حُكْماً قَضى

لَكُمْ على الخَلْقِ هُدَىً قَدْ ارتَضى

وإنَّهُ ائتَمَنَكُمْ

بِأمْرِه

يا سادَتي على

جَميعِ سِرِّه

وإنَّما اسْتَرعاكُمُ

اللهُ الوَرى

بَلْ أمْرَ خَلْقِهِ

وكُلَّ ما بَرى

وقَرَنَ

اللهُ على البَرِيَّة

طاعَتَكُمْ بِطاعَتِهْ

سَوِيَّة

عَلَيْكُمُ أُقْسِمُ في الخُطوبِ

لَمّا أنْ اسْتَوهَبْتُمُ

ذُنوبي

ص: 305

وكُنْتُمْ شُفَعائي فَإنّي لَكُمْ مُطيعٌ مَنْ أطاعَكُمْ فَقَدْ أطاعَ اللهَ ومَنْ عصاكُمْ فَقَدْ عَصى اللهَ ومَنْ أحَبَّكُمْ فَقَدْ أحَبَّ اللهَ ومَن أبْغَضَكُمْ فَقَدْ أبَغَضَ اللهَ اللّهُمَّ إنّي لَو وَجَدْتُ شُفَعاءَ أقْرَبَ إلَيْكَ مِنْ مُحَمد وأهْلِ بَيْتِهِ الأخْيارِ الأئِمَّةِ الأبْرارِ لَجَعَلْتَهُمْ شُفَعائي فَبِحَقِّهِمْ الَّذي أوجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ أسْألُكَ أنْ تُدْخِلَني في جُمْلَةِ العارِفينَ بِهِمْ وبِحَقِّهِمْ وفي زُمْرَةِ المَرْحومِينَ

وكُنْتُمُ يومَ

غد نَجاتي

وشُفَعائي

بَعدُ يا هُداتي

ألا فَإنّي

لَكُمُ مُطيعُ

ومَنْ أطاعَكُمْ فلا

يَضيعُ

فَقَدْ أطاعَ

اللهَ في هذا المَلا

ومَنْ عَصاكُم

بَعْدُ ساءَ عَمَلا

فَقَدْ عَصى

اللهَ وفي العُقْبى نَدَمْ

ومَنْ أحَبَّكُمْ فَدينُهُ

اسْتَتَمْ

فَقَدْ أحَبَّ

اللهَ حَقَّاً وفَلَحْ

وفازَ في الدُّنيا وفي العُقْبى نَجحْ

هذا ومَنْ أبْغَضَكُمْ فَما

ظَفَرْ

قَدْ أبْغَضَ

اللهَ جُحُوداً وكَفَرْ

ثُمَّ قُلْ اللّهُمَّ إنّي لو

أرى

ولو وَجَدْتُ

شُفَعاءَ في الوَرى

أقْرَبَ بِالشَّأنِ

إلَيْكَ في الأثَرْ

مِنْ سَيّدي مُحَمد

خَيْرِ البَشَرْ

وأهْلِ بَيْتِهِ تُقى

الأخْيارِ

والسّادَةِ الأئِمَّةِ

الأبْرارِ

فَلَجَعَلْتَهُمْ لَدى

المِيزانِ

هُمْ شُفعائي

بَعْدُ لِلرَّحمنِ

فَقُلْ بِحَقِّهِمْ إلهي

البادي

وهْوَ الّذي أوجَبْتَ في

العِبادِ

لَهُمْ عَلَيْكَ

اليَومَ في هذا الوَرى

أسْألُكَ

اللّهُمَّ في هذي القُرى

بِالحَقِّ أنْ تُدْخِلَني مَعَ

الحُجَجْ

وذاكَ في جُمْلَةِ مَنْ

قَدْ انْتَهَجْ

والعارِفينَ بِهِمُ

اليَوْمَ هُدى

ومُؤمِناً بِحَقِّهِمْ كَما

بَدا

كَذاكَ يا ربِّي وأدْخِلْني رَجا

في زُمْرَةِ

العِبادِ مَنْ بِهِمْ نَجا

في العابِدينَ المُتَّقينَ والمَرْ

حومِينَ

حَقّاً بِهِمُ في الَمْحْشَرْ

ص: 306

بِشفاعَتِهِمْ إنَّكَ أرْحَمُ الراحِمينَ وصَلّى اللهُ على مُحَمد وآلِهِ الطّاهِرينَ وسَلَّمَ كَثيراً وحَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكيلُ.

أي بِشَفاعَتِهِمُ

العَظيمَة

غَوثَاً ومِنْ أيْدِيهِمُ الكَريمَة

إنَّكَ يا

مَولاي رَبّي أرْحَمْ

في الراحِمينَ

سَيِّدي وأكرَمْ

هذا وصَلّى اللهُ في

هذا الأثَرْ

على مُحَمد

وآلِهِ الغُرَرْ

الطاهِرينَ

حِينَها وسَلَّمْ

جَلَّ كَثيراً

وثَنا وكَرَّمْ

وحَسْبُنا

اللهُ ونِعْمَ الوالي

هُوَ الوَكيلُ

والكَبيرُ العالي

تَمَّتْ بِحَمْدِ اللهِ وعَونِهِ

يَومَ الجُمْعَةِ في 27 ذي الحِجَّةِ

سَنَةِ 1424 هِجْرِيَّة

ص: 307

فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة / النجف الأشرف (19)

السيّد عبد العزيز الطباطبائي قدس سره

(1129)

الشفاء

كتاب الشفاء في الفلسفة والحكمة تصنيف الشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن سينا ، المتوفّى سنة 427.

وهذا أبسط وأكبر مصنّفاته الفلسفية وأشهرها وأعظمها ، يشتمل على جميع فنون الفلسفة من منطق وطبيعيّات ورياضيّات وآلهيّات ، كلّ فنٍّ في مجلّد ، الجملة الأُولى منه في علم المنطق.

نسخة تشتمل على مجلّد الفنّ الخامس ، وهو كتاب البرهان ، وقد طبع أخيراً في مصر.

نسخة قسم الطبيعيّات خاصّة من أوّل الفنّ الأوّل إلى نهاية الفنّ الخامس ، كتابة القرن الحادي عشر ، في 257 ورقة ، تسلسل 1097.

مجلّد يحتوي كتاب المنطق بكامله ، ثمّ قسم الإلهيّات أي من أوّل الكتاب إلى نهاية الفنّ التاسع الذي هو في المنطق ، ثمّ من الفنّ الثالث عشر الذي هو بدء قسم الإلهيات إلى نهاية هذا القسم وينقصه قسم الطبيعيات

ص: 308

وقسم التعليميّات أي الرياضيّات نسخة قيّمة بخطّ عبدالحي بن عبدالرزاق الرضوي مؤلّف حديقة الشيعة ، فرغ منها في رجب سنة 1091 ، كتبها بنسخ جيّد على نسخة مكتوبة في بغداد ، تاريخها جمادى الآخرة سنة 503 ، ثمّ صححه وراجعه وعلّق عليه في خلال سنين متطاولة إلى أن انتهى سنة 1136 ، ورمز تعليقاته : «ع ح س» أو «ع ح ق» وعليه تعليقات بنص «وم ح ق» وهي كثيرة وتعليقات حبيب وحواشي : «ع ب ق» كلّ ذلك قسم الإلهيات.

وبآخر قسم المنطق فوائد ملحقة وبآخر الكتاب رسالة الدواني في الجبر والاختيار وتعريب رسالة الشريف الجرجاني في الوجود والمجموع 291 ورقة بقطع كبير ، رقم 1096.

نسخة بخطّ علي بن كمال الدين الكرماني ، فرغ منها في شهر جمادى الآخرة سنة 1035 ، بخطّ نستعليق جيّد ، تقع في 245 ورقة ، مقاسها 10 × 4 / 18 ، تسلسل 1178.

(1130)

الشكّ والسهو

رسالة مختصرة في أحكام الشكّ والسهو ، ألّفها الشيخ حسين بن الشيخ علي البلادي البحراني المعاصر ، فرغ منها عاشر ربيع الأوّل 1357.

نسخة بخطّ المؤلّف ضمن مجموعة من رسائله كلّها بخطّه من الورقة 26 ب إلى 33 ب ، رقم 793.

(1131)

الشكّ والسهو

للمحقّق المحدّث الفيض الكاشاني محمد محسن بن مرتضى ،

ص: 309

المتوفّى سنة 1091.

أوّله : (الحمد لله على جزيل نواله والصلاة على محمد وآله ، أمّا بعد فيقول محمد بن مرتضى المدعو ب- : محسن عفى عنه لمّا كان الشكّ والسهو ...).

نسخة بخطّ عبدالله بن محمد كاظم الأصبهاني ضمن مجموعة كلّها بخطّه ، تاريخها سنة 1136 ، رقم 156.

(1132)

الشكوك في الصلاة

فارسي.

أقسامها وأحكامها ، للعلاّمة الفقيه السيّد محمد باقر المشتهر بحجّة الإسلام الشفتي ، زعيم اصفهان ، المتوفّى سنة 1260 ، ذكرها شيخنا دام ظلّه في الذريعة ، ج 14 ص 218.

نسخة ضمن مجموعة من تأليفاته هي أوّلها ، رقم 822.

(1133)

شكيّات

فارسي.

رسالة في أحكام الشكّ والسهو في الصلاة ، لشيخ الإسلام العلاّمة المحدّث المجلسي محمد باقر بن محمد تقي الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1111.

ص: 310

أوّله : (الحمد لله الذي أزاح ظلمات الشبهات والشكوك والأوهام من مناهج المسائل والأحكام بشريعة سيّد الأنام ...) ، فرغ منه عاشر ذي القعدة سنة 1085.

نسخة مكتوبة في حياة المؤلّف بخطّ فارسي جميل ، والعناوين مكتوبة بالشنجرف ، في 30 ورقة ، رقم 1779.

(1134)

شمائل النبي

كتب عليه (هذه صفات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

أوّله : قال علي عليه السلام سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول يا علي من كتب صفاتي هذه ووصفها في بيته ...).

نسخة ضمن المجموعة رقم 2183.

(1135)

شمع اليقين

في معرفة الحقّ واليقين

فارسي.

في أصول الدين للميرزا حسن ابن الحكيم المتألّه فيّاض المولى عبد الرزّاق اللاهيجي ، توفّي سنة 1121 ، وفرغ من كتابه هذا في الثلاثاء 15 شوّال سنة 1092.

ص: 311

نسخة بخطّ نستعليق جميل للغاية ، فرغ من كتابتها في السبت تاسع رجب سنة 1222 ، وعليه تملّك رئيس ديوان الوزارة الخارجية الإيرانية يسمّى محمد بن عبد الله ، اشتراها ثامن رجب سنة 1289 بعشرة توامين وعليها خطّه وختمه ، في 212 ورقة ، 7 / 16 × 28 ، تسلسل 1622.

(1136)

شموس عكوس

للسيّد جعفر بن أبي إسحاق الدارابي الكشفي البروجردي.

أوّله : بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله وآله آل الله إلى يوم لقاء الله وبعد ... هذه عكوس ملكيّة وشموس فلكيّة يتضوّء منها نهار تنزيه الإمام عليه السلام عن أكل الحرام جواباً لسؤال صالح ...

نسخة ضمن مجموعة مكتوبة بخطّ فارسي جميل خشن تاريخ المجموعة سنة 1272 ، ورقمها 97.

(1137)

شهاب ثاقب

في الردّ على الناصب

فارسي.

أوّله : (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْم لاَ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ حمد وسپاس وستايش وثنا مالك الملكى را سزاست كه مؤنس چرخ كبود ...).

ص: 312

رتّبه على فصلين وخاتمة الفصل الأوّل في الردّ على ما لفّقه الناصب.

الفصل الثاني في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وبيان الأدلّة لإثبات خلافة علي عليه السلام والخاتمة في مطاعن من تقدّمه.

وأوّل ما ينقل من كلام الناصب يرد عليه حول حديث لا نورّث ، أظنّه من مؤلّفات الهنديّين ينقل فيه عن الجامي.

نسخة بخطّ فارسي جيّد كتابة القرن الثاني عشر ناقص من آخره قليلاً ومن أواسطه من الفصل الثاني منه ، رقم 2205.

(1138)

الشهاب الثاقب

في الردّ على ما لفّقه الناصب

منظومة استدلالية مبسوطة في الإمامة وإثبات وجود الإمام الغائب عجّل الله تعالى فرجه الشريف أجاب بها عن سؤال منظوم حول الإمام الغائب بعث به شكري الآلوسي من بغداد إلى النجف الأشرف أوّله : يا علماء العصر يا من لهم خبر.

فأجابه جماعة من أعلام العصر.

ومنهم ناظم هذه المنظومة وهو العلاّمة الحجّة السيّد محمد باقر بن ميرزا أبي القاسم الملقّب بالحجّة الطباطبائي ، المتوفّى 11 رجب سنة 1321.

وهي أُرجوزة لطيفة بديعة قرّظها أعلام العصر نظماً ونثراً طبعت في حياة الناظم عام 1318 بآخر الهائية الأزدية في العهد العثماني ، ولهذا حذف منها بمقدار النصف وغيّر بعض مواضعها وجعلها باسم غيره لظروف اقتضت ذلك ، ثمّ طبع مستقلاًّ كما حدّثني بذلك حفيده.

ص: 313

والمطبوع عام 1318 هو 224 بيتاً ، وطبع معها بعض التقاريظ منظوماً ومنثوراً.

وتشطيره أيضاً يسمّى الشهاب الثاقب.

والأصل الموجود منه في المكتبة 559 بيتاً أوّلها في المطبوع هكذا :

قال الشريف الفاطمي أحمد

أبدأ بسم الله ثمّ أحمد

وأوّلها في المخطوطة هكذا :

أحمد من أنطقني بحمده

وألهم الجنان شكر رفده

....................

...................

وبعد فالشريف أُمّاً وأباً

الفاطميّ من بني طباطبا

نسخة بخطّ نسخ جيّد ، مكتوبة في حياة الناظم ، تشتمل على رائية للسيّد إبراهيم الطباطبائي بحر العلوم في تقريظها لم تطبع مع الأُرجوزة ولا في ديوانه وتبدأ من ورقة 99 ب إلى 125 ، بآخر مجموعة رقم 414.

(1139)

الشهاب المبين

في أفناء الجاحدين والمارقين

فارسي.

في إعجاز القرآن والردّ على الشبهات وغير ذلك للعلاّمة الجليل الشيخ ميرزا أبو القاسم ابن محمد تقي الغروي الأردوبادي ، المتوفّى 5 شعبان سنة 1333.

أوّله : (الحمد لله الأوّل قبل وجود الأوّلين بارئ الخلائق أجمعين ...) وبعد برّ أصحاب عقول مخفى ومستور نيست.

ص: 314

ذكر شيخنا دام ظلّه في الذريعة أنّه طبع في تبريز.

فرغ منه المؤلّف 15 ذي الحجّة 1319 في النجف الأشرف.

ألّفه لمّا بلغه أنّ التيّار الإلحادي في قفقاز تبثّ الشبهات حول القرآن فكتب في الردّ عليها وإثبات إعجاز القرآن هذا الكتاب.

نسخة الأصل بخطّ المؤلّف 160 ورقة ، رقم 1887.

(1140)

الشهاب الوامض

للعلاّمة الجليل السيّد معزّ الدين مهدي بن الحسن القزويني الحلّي ، المتوفّى سنة 1300.

أوّله : (الحمد لله وارث الأرض ذات الطول والعرض باعث من في القبور يوم العرض ...).

ومن العجيب أنّ شيخنا دام ظلّه ذكر الكتاب في الذريعة باسم الشهاب الرامض بالراء ، فراجع.

فرغ منه ظهيرة يوم الخميس سابع عشر رجب سنة 1279.

نسخة ضمن مجموعة من رسائل المؤلّف مكتوبة في حياته ، رقم 1706.

(1141)

الشهب الثواقب لحسم غيلان النواصب

قصيدة نونية في الإمامة من نظم العلاّمة السيّد ضياء الدين عبد الله بن أبي تراب بن عبد الفتاح الحسيني الطباطبائي.

مؤلّف تجريد البلاغة ويتلقّب في شعره بضيائي.

ص: 315

نسخة ضمن مجموعة من مصنّفاته أوّلها ديوانه ان لم تكن بخطّه فهي مكتوبة في حياته وعليها تعليقات بخطّه ، رقم 953.

(1142)

شوارق الإلهام

في شرح تجريد الكلام

المتن لسلطان المحقّقين نصير الملّة والدين الخواجه نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة 673 عليه شروح كثيرة من العامّة والخاصّة والشرح للحكيم المتألّه المتكلّم المولى عبد الرزّاق بن علي بن الحسين اللاهيجي القمّي ، المتوفّى سنة 1051 تلميذ المولى صدر الشيرازي وصهره وله شرح آخر سمّاه مشارق الإلهام.

نسخة بخطّ أحد الخطّاطين مؤطّرة بالذهب والشنجرف ، كتبها بخطّ فارسي جميل كتب وبالهوامش تعليقات المؤلّف منه رحمه الله ، وكتب بعض التعليقات لنجل المؤلّف الشيخ حسن مؤلّف شمع اليقين وغيره الذي توفّي سنة 1121 ، ورمزها : «ح س سلّمه الله» فيظهر أنّها مكتوبة على عهد نجله هذا فيكون تاريخ النسخة قبل هذا التاريخ وبأوّله لوحة مذهّبة مزوّقة رائعة ، وتقع في 210 أوراق ، تسلسل 1138.

نسخة من الجزء الأوّل في الأُمور العامّة ، بخطّ الشيخ علي محمد بن ملاّ حيدر علي ، فرغ منها في ذي الحجّة سنة 1209 ، عليها خطّ الحكيم الشهير ميرزا أبو الحسن جلوه الطباطبائي الأصفهاني ، نزيل طهران ، المتوفّى سنة 1314 ، توقيعه : «أبو الحسن الحسني الحسيني» ، تقع في 219 ورقة ، مقاسها 13 × 20 ، تسلسل 122.

ص: 316

نسخة تنتهي إلى المسألة العاشرة من مسائل القسم الأوّل في الأُمور العامّة ، وتنقص من أوّلها شيئاً من الخطبة ، ضمن مجموعة أوّلها شرح الهداية للمولى صدرا ، رقم 1710.

(1143)

شواهد الإسلام

للمحدّث الجليل المولى رفيع بن فرج الجيلاني الشهير بملاّ رفيعا ، المتوفّى في عشر الستين بعد المائة والألف ، وقد عمّر نحواً من مائة سنة يروي بالإجازة عن العلاّمة المجلسي وقد تلمّذ عليه ويروي عنه المحدّث البحراني صاحب الحدائق وهو أعلى أسانيده ، وقد ترجم له في اللؤلؤة كما ترجم له العلاّمة النوري في الفيض القدسي ، خرج منه كتاب العقل والعلم والتوحيد والحجّة كما ذكره شيخنا دام ظلّه في الذريعة ج 14 ص 242 ، وراجع الذريعة ج 14 ص 28.

نسخة من أوّله إلى الباب الرابع عشر من كتاب الحجّة باب أن الأئمّة هم أركان الأرض لم يذكر فيها الكاتب ولا تاريخ الكتابة إذ هي ناقصة الآخر إلاّ أنّ الكتاب من نسخ القرن الثاني عشر ، وهو قرن المؤلّف ، عليها تملّك العلاّمة والد شيخنا الأميني - دام ظلّه - بخطّه وختمه ، في 210 أوراق ، مقاسها 5 / 12 × 3 / 19 ، تسلسل 843.

نسخة من غير خطبة بالخطّ الفارسي الجيّد ، كتابة القرن الثاني عشر 131 ورقة ، رقم 1920.

نسخة كتبت سنة 1167 في 161 ورقة ، وعليها حواشي الحكيم المولى علي النوري الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1246 ، وله حاشية

ص: 317

على الأسفار وهذه الحواشي بخطّ يده ، رمزها : «110 عفى عنه» ، ونسخة من حواشيه في جامعة طهران ، رقم 1114.

(1144)

شواهد الربوبية

للمولى الحكيم صدر الحكماء والمتألّهين المولى صدر الدين محمد إبراهيم بن محمد بن يحيى الشهير بالمولى صدرا الشيرازي ، المتوفّى سنة 1050 طبع سنة 1286 ، وعليه تعليقات الحكيم السبزواري.

نسخة قيّمة بخطّ أحد خطّاطي العهد القاجاري مجدولة مزوّقة ؛ لعلّه كتبها لبعض الأُمراء والأعيان ، وفرغ منها ظهر يوم الخميس سلخ جمادى الآخرة سنة 1262 ، بخطّ نسخ بديع وبعض عناوينه بالشنجرف وأبدع بأوّلها تصوير المؤلّف تمثالاً بديعاً لبعض مهرة المصوّرين وبأوّله لوحة مزوّقة جميلة فنّانة فتّانة ، في 143 ورقة ، مقاسها 13 × 4/19 ، تسلسل 1100.

(1145)

شير وشكر

فارسي.

منظومة أخلاقية عرفانية من نظم شيخ الإسلام بهاء الدين العاملي.

أوّلها :

يا ربّ يا ربّ بكريمي تو

بصفات كمال ورحيمي تو

نسخة بخطّ شرف جهان الخزاعي عبد الرشيد بن عبد الفتّاح النطنزي ، فرغ منها 6 جمادى الأُولى سنة 1033 ، وفي آخرها شعر فارسي للمؤلّف ،

ص: 318

وآخر لبابا طاهر ، وهي في المجموعة رقم 4/1754 وهي رابع ما فيها.

(1146)

شيمى

فارسي.

كتاب كبير في الكيمياء تأليف صنيع الدولة.

نسخة بخطّ فارسي جيّد ، ولم يتمّ ، ولعلّه بخطّ مؤلّفه ، في 236 ورقة رقم 1584.

(1147)

الصافي (في تفسير القرآن)

[للمولى المحقّق المحدّث الفيض محمد بن مرتضى المدعوّ ب- : محسن الكاشاني ، المتوفّى سنة 1091.

يقرب من سبعين ألف بيت. فرغ منه سنة 1075 ، وصدّره باثني عشرة فائدة في : فضل القرآن ووجوهه ، والمنع عن تفسيره بالرأي ، وتحريفه إلى غير ذلك من مقدّمات التفسير. الذريعة 15 / 5 رقم 19.]

نسخة تتضمّن التفسير كلّه من أوّله إلى آخره ، في مجلّد كتبه أحد أهل العلم من اليزديّين المشتغلين في بلدة «يزد» ، من رجال القرن الثالث عشر ، وكتب في آخره اسمه : ابن محمد رفيع ، ثمّ بأسفله ختم : «قاسم علي» ، كما أنّ بأوّله أيضاً ختم : «قاسم علي» ، ويحتمل أن يكون الكاتب هو : قاسم علي بن محمد رفيع ؛ كما هو الأظهر ، ويحتمل أن يكون الكاتب : رفيع بن محمد ، فكتب : «ابن محمد ، رفيع» ، فرغ منه

ص: 319

عصر يوم الجمعة عاشر شهر رجب المرجّب سنة 1236 ، بخطّه النسخ الجميل الفاخر ، وبخطّه النستعليق الجميل علّق حواش ملتقطة من كتب التفسير واللغة والأدب ، وحواشي المصنّف : «منه رحمه الله» ، ثمّ قرأ الكتاب على مشايخ عصره ، وصحّحه وكتب البلاغات بخطّه في الهوامش ، في 303 أوراق ، مقاسها 20 × 30 ، تسلسل 319.

نسخة تبدأ بسورة «سبأ» إلى نهاية القرآن الكريم ، كتبها محمد أمين ابن سلطان محمود الطبسي ، وفرغ منها سنة 1110 ، وعليها ختم : «الواثق بالله الصمد ، عبده رضى بن محمد» ، 176 ورقة ، رقم 1817.

المجلّد الأوّل ، بقلم أحد الخطّاطين المجيدين في القرن الثاني عشر ، من أوّل الكتاب إلى آخر سورة «الأعراف» ، ثمّ تملّكه الشيخ محمد ابن عبد الله بن أحمد بن جعفر التربوري البحراني ، وكان قد نقص من آخر الكتاب ثلاثة أوراق فتمّمها بخطّه وكتب بعض التعليقات على الكتاب ، وعلى الكتاب حواش منه ، وعلى الكتاب تملّك الشيخ محمد بن حسين ابن أحمد بن عبد الجبّار وختمه ؛ ويلوح منه تاريخ 1110 ، وختم الشيخ عبد الله بن محمد علي العبد الجبّار ، تاريخه 1246 ، وعليه تملّك الشيخ حسين ولد المرحوم الشيخ محمد علي ، ويقع في 181 ورقة ، مقاسها 5 / 18 × 6 / 28 ، تسلسل 1761.

المجلّد الأوّل ، نسخة بخطّ نسخ جيّد ، فرغ منها في غرّة شهر رمضان سنة 1116 ، 228 ورقة ، رقم 1970.

المجلّد الأوّل ، نسخة قيّمة من أوّل الكتاب إلى أوائل سورة «النحل» ، كتبه أحد خطّاطي القرن الثاني عشر الماهرين المتأنّقين ، فكتبه بخطّه النسخ الجميل ، وكتب الآيات بالأحمر وكتب العناوين بالشنجرف ،

ص: 320

حتّى البسملات وأوائل الأحاديث وغير ذلك من العناوين كلّها بالشنجرف كتابة خشنة ، ممّا أضاف إلى حسن الكتاب وجماله ؛ ويظهر من ذلك أنّها مكتوبة لبعض الأُمراء ، يقع في 267 ورقة ، 18 × 29 ، تسلسل 6.

المجلّد الأوّل ، كتبه بالنسخ الجميل الخطّاط السيّد أبو القاسم بن الحسين الرضوي الموسوي الخوانساري ، وفرغ منه يوم الخميس 7 شعبان سنة 1239 ، وهو إلى آخر سورة «بني إسرائيل» ، وكتب أيضاً بخطّه مجلّده الثاني ، يقع في 197 ورقة ، مقاسها 19 × 29 ، تسلسل 976.

المجلّد الأوّل ، ينتهي بانتهاء سورة «بني إسرائيل» ، كتابة القرن الثالث عشر ، عليه ختم مبشّر السلطنة ، مُهدي الكتاب إلى المكتبة ، ويقع في 279 ورقة ، مقاسها 21 × 30 ، تسلسل 209.

المجلّد الثاني ، من أوّل سورة الكهف إلى آخر الكتاب ، نسخة قيّمة ثمينة مكتوبة في حياة المصنّف وعليها حواشيه ، في بعضها : «منه سلّمه الله» ، وفي بعضها : «منه دام ظلّه» ، وفي بعضها : «منه دام فيضه» ، والنسخة مصحّحة عليها تصحيحات ، وبآخرها تاريخ فراغ الكاتب في ربيع الأوّل سنة 1083 ، وبآخرها رباعية فارسية لعلّها للمؤلّف ، يقع في 274 ورقة ، مقاسها 5 / 18 × 29 ، تسلسل 7.

المجلّد الثاني ، من سورة الكهف ، بخطّ الخطّاط السيّد أبي القاسم ابن الحسين الرضوي الموسوي الخوانساري ، فرغ من هذا المجلّد يوم الأربعاء 28 رجب سنة 1241 ، وكتب في آخره : «إنّي قد بلغت مجهودي وجهدت في تصحيحه» ، وعليه غير التصحيحات بعض الحواشي أيضاً ، وبعضها : «لمحرّره عفى عنه» ، ويظهر أنّه كان من العلماء ، يقع في 157 ورقة ، مقاسها 19 × 29 ، تسلسل 975.

ص: 321

(1148)

الصافي شرح الكافي

فارسي.

شرح الكافي للمولى خليل القزويني.

شرح مبسوط على كتاب الكافي لأبي جعفر الكليني ، والشرح للمحدّث الجليل المولى خليل بن الغازي القزويني ، المتوفّى 3 شهر رمضان سنة 1089 ، شرع فيه سنة 1064 ، واستمرّ فيه إلى سنة 1084 ، طبع في لكهنو في سبع مجلّدات سنة 1323.

المجلّد الأوّل ، يبدأ من أوّل شرح أُصول الكافي إلى نهاية شرح كتاب التوحيد فهذا المجلّد يحتوي شرح كتابين من أوّل أُصول الكافي كتاب العقل والجهل ، وفرغ منه المصنّف الشارح كما بهامشه يوم الأربعاء الثامن والعشرين من محرّم سنة 1065 ، وفراغه من شرح كتاب التوحيد بعد سنة كاملة أي يوم الأربعاء 24 محرّم سنة 1066 كما بآخر هذا المجلّد ، وهذه النسخة قيّمة جدّاً مكتوبة في حياة المؤلّف مصحّحة على الأصل فيه شطوب كثيرة وإلحاقات بالهامش حتّى ظنّ أنّه المسودّة الأصلية بخطّ المصنّف إلاّ أنه ليس خطّ المصنّف إذ عليه بلاغات.

وكتب بالهامش فراغ الشارح من التأليف كتبه غيره فهذا ممّا يبعد كونه خطّ المصنّف إلاّ أنّه نسخة مصحّحة قديمة فاخرة ، بيان عدد أحاديث الكافي 16199 ومقدار الصحيح والحسن والموثّق والقوي والضعيف وعليه تملّك الشيخ علي النوري بخطّه وختمه يا علي الأعلى وتاريخ خطّه 1286. وعليه مقطوعة في مدح الكافي ، وعليه مستخرجات الشيخ البهالي كلّ

ص: 322

حميد حميد الخ ، وعليه رموز الشيوخ والعلماء ط للطوسي ، ض للمرتضى وأمثال ذلك ، وعليه : قوله تعالى : (فَلْيَنظُرِ الأنسَانُ مِمَّ خُلِقَ) دليل على وجوب النظر في الحكمة والطلب وبآخره كتابة توقيعها فاضل هندي وبنفس هذا الخطّ فائدة في بيان نسبة الكفعمي وأنّه كفّ بمعنى قرية وعيماء اسم لقريته ، راجع تفصيله في فهرس الخطوط خطّ الفاضل الهندي ، تقع في 314 ورقة ، مقاسها 15 × 27 ، تسلسل 28.

مجلّد شرح كتاب الصلاة تبدأ النسخة بشرح الحديث الرابع من الباب الثاني من كتاب الصلاة إلى آخر شرح كتاب الصلاة ، وفرغ منه مؤلّفه يوم الخميس عاشر جمادي الآخرة سنة 1071 ، في 289 ورقة ، مقاسها 19 × 5 / 24 ، تسلسل 528.

مجلّد شرح كتاب المعيشة من أوائله إلى آخره ، فرغ منه المؤلّف يوم الاثنين 17 ذي القعدة سنة 1075 ، وفرغ الناسخ يوم الخميس 5 محرّم 1076 ، بخطّ محمد زمان القزويني ، كتبه في حياة المصنّف وعلى نسخة الأصل والفاصل بين فراغ المؤلّف من التأليف والكاتب من الاستنساخ 48 يوماً كتبه للأخ الصالح جامع المعقول والمنقول حاج أفضل خان ، ولعلّ كليهما من تلامذة المؤلّف ، ولعلّ أفضل خان هذا والد الشيخ حسين بن أفضل بيك تلميذ الشارح الذي كتب الشافي في شرح أُصول الكافي للشارح أيضاً وقرأه عليه وتوجد نسخة في المكتبة وعليه خطّه تسلسل 33 يقع في 245 ورقة ، مقاسها 13 × 6 / 24 ، تسلسل 705.

مجلّد قيّم يحتوي شرح كتاب الدعاء من أُصول الكافي من أوّله إلى آخره مكتوب عليه أنّه معروض على المصنّف ونظر فيه وكتب عليه بخطّه وأنا لم أميّز خطّه الشريف ، نعم على الورقة الأُولى كتابة ممحية وختم

ص: 323

ممحي لا جزى الله ماحيه خيراً وبهوامش الكتاب تصحيحات وإيضاحات تعتبر من المتن إلاّ أنّه بغير خطّ المتن فالحواش بخطّ نستعليق لعلّها خطوط المصنّف وهي المقصودة من أنّه كتب عليها بخطّه كما أنّ داخل المتن شطوب وعلى كلّ فالنسخة نفيسة قيّمة كتبت في حياة الشارح المصنّف وعرضت عليه ونظر فيها وتعتبر كالنسخة المسودّة لما في متنها من شطوب وما في هوامشها من إضافات ، في 205 ورقة ، 5/16 × 5/29 ، تسلسل 30.

مجلّد يحتوي شرح كتاب الإيمان والكفر من أوّله إلى آخره ، في 326 ورقة ، بدأ فيه المؤلّف في جمادى الأُولى سنة 1067 ، مقاسها 25 × 7 / 36 ، تسلسل 509.

مجلّد يحتوي شرح كتاب الدعاء وكتاب فضل القرآن هما آخر كتب الأُصول من الكافي كتبه عبد المطّلب وأظنّه من تلاميذ المصنّف ، وفرغ من كتابة شرح كتاب الدعاء أواخر رجب سنة 1098 ، ثمّ بدأ بكتابة شرح كتاب فضل القرآن يوم السبت رابع شعبان سنة 1098 ، وفرغ منه أواسط شهر رمضان تلك السنة كتبه في شهر ونصف ، وفيه فراغ المصنّف من شرح فضل القرآن أي من شرح أُصول الكافي يوم السبت 22 جمادى الأُوّلى سنة 1069 ، ويقع المجلّد في 167 ورقة مقاسها 7 / 19 × 29 ، تسلسل 29.

وبظهر الورقة الأُولى تاريخ وفاة الشاه سليمان الصفوي في الساعة الخامسة من نهار الخميس خامس ذي الحجّة سنة 1105 ، وتاريخ جلوس الشاه سلطان حسين في الساعة الخامسة ودقيقتين من ليلة السبت 14 ذي الحجّة سنة 1105 ، إن شاء الله مبارك باد.

مجلّد يحتوي شرح كتاب العقيقة من أوّله إلى آخره ، ينقص من أوّله صفحة ، ومن آخره ورقتين قبل الورق الأخير الموجود.

ص: 324

نسخة عتيقة ترجع إلى عهد الشارح ، يقع في 94 ورقة ، مقاسها 15 × 25 ، تسلسل 32.

مجلّد شرح كتاب الصلاة ينقص من أوّله شرح حديث واحد وينتهي بانتهاء كتاب الصلاة نسخة قديمة بخطّ نستعليق جيّد ، عليها كتابة تاريخها سنة 1182 في 423 ورقة ، مقاسها 16 × 8 / 23 ، تسلسل 31.

(1149)

صحاح اللغة

نسخة مشكولة مضبوطة مجدولة بالذهب واللازورد ، كتابة القرن العاشر سوى أوراق من أوّلها فإنّها حديثة والعناوين واللغلات مكتوبة بالشنجرف ، وتقع في 378 ورقة ، رقم 1157.

المجلّد الأوّل بخطّ محمد بن محفوظ بن معتوق بن البروري ، كتبها بنفسه عن نسخة بخطّ أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي ، المتوفّى 401 مؤلّف كتاب الغريبين ، وفرغ منه في ربيع الأوّل سنة 713 ، وهو من أوّله إلى آخر فصل الحاء من باب الراء (حير) نسخة قيّمة مشكولة بخطّ نسخ واضح والعناوين والأبواب مكتوبة بالشنجرف 282 ورقة ، رقم 949 بالمعرفي.

(1150)

صحّة عبادة الجاهل

للأُستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني محمد باقر بن محمد أكمل الأصفهاني الحائري ، المتوفّى سنة 1206.

ص: 325

نسخة بآخر مجموعة من رسائل المؤلّف الأُصولية بخطّ خليل بن الشيخ إبراهيم النجفي ، فرغ منها سنة 1225 ، رقم المجموعة 393.

نسخة بخطّ فارسي جيّد ضمن مجموعة أُصولية أكثرها للمؤلّف ، تاريخ بعضها سنة 1222 ، رقم المجموعة 951.

(1151)

الصحّة والفساد في العبادات

للأُستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني محمد باقر بن محمد أكمل ، المتوفّى سنة 1206.

نسخة بخطّ الشيخ محمد بن صدر الدين محمد الفيض من أحفاد الفيض الكاشاني ، ضمن مجموعة كلّها بخطّه ، فرغ منها سنة 1227 ، رقم 1714.

(1152)

الصحّة والفساد في المعاملات

للأُستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني محمد باقر بن محمد أكمل ، المتوفّى سنة 1206.

نسخة بخطّ الشيخ محمد بن صدر الدين محمد الفيض ، حفيد الفيض الكاشاني ، ضمن مجموعة ، فرغ منها سنة 1227 ، رقم 1714.

نسخة ضمن مجموعة من رسائل المؤلّف الأُصولية بخطّ خليل بن الشيخ إبراهيم زاهد النجفي ، رقم المجموعة 393.

ص: 326

(1153)

صحّت ومرض

فارسي.

لفضولي البغدادي.

أوّله : (حمد بى حدّ احدى را سزاست كه رياض بدن را بآب روان پر ورده ...).

نسخة بخطّ السيّد شمس الدين الأوقاتي ، كتبها بخطّه الفارسي الجميل المنتهى في الروعة ضمن مجموعة أخلاقية عرفانية كلّها بخطّه ، وفرغ منها في جمادى الآخرة سنة 1271 ، وهي من الورقة 25 أ - 46 أ ، رقم 1335.

(1154)

الصحف الإدريسية

أوّله : (الحمد لله على نعمه والصلاة على محمد وعترته ، قال أحمد ابن الحسين بن محمد المعروف بابن متويه : وجدت هذه الصحف بسورية ممّا أنزلت على إدريس النبي أخنوخ ، وكانت ممزّقة ومندرسة فتحرّيت الأجر في نقلها إلى العربية ...)

وأوردها العلاّمة المجلسي رحمه الله في كتاب الدعاء من أجزاء بحار الأنوار ص 317 ، وهي تسع وعشرون صحيفة كما في نسختنا هذه ، ولكن ذكر شيخنا دام ظلّه في الذريعة أنّها ثلاثون.

ص: 327

نسخة ضمن مجموعة كتابتها سنة 1086 ، رقم المجموعة 1543.

نسخة بخطّ نسخ جيّد جميل مصحّحة وعليها بلاغات وتصحيحات ضمن مجموعة أخلاقية ، كتابة القرن الثالث عشر ، وهي 29 صحيفة في هذه النسخة أيضاً ، رقم 708.

(1155)

الصحيح والأعمّ

رسالة وجيزة في مبحث الصحيح والأعمّ من مباحث علم أُصول الفقه للشيخ عبد الصمد الهمداني.

أوّلها : (الحمد لمن له الحمد ...).

نسخة بخطّ الشيخ أسد الله الخوئي ملحقة بالفوائد الحارثية (الحائرية؟؟) العتيقة كتبها بخطّ نسخ سنة 1219 ، رقم 390.

(1156)

الصحيح والأعمّ

رسالة في مبحث الصحيح والأعمّ من تقرير بحث شيخ المحقّقين أُستاذ المطبوع والمجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري الدزفولي ، المتوفّى سنة 1281 ، كتبه بخطّ تلميذه العلاّمة ميرزا أبو القاسم الكلانتري وهو أوّل مباحث مطارح الأنظار المطبوع ، وفرغ منه في حياة أُستاذه في محرّم سنة 1277 ، منضّمة إلى بشر الوصول للعلاّمة المامقاني ، تسلسل 407.

ص: 328

(1157)

صحيح البخاري

نسخة : بخطّ نسخ جميل والعناوين والأبواب وكلمة حدّثنا أو ثنا وما شاكل ذلك مكتوب أمّا بالذهب أو بالشنجرف أو باللازورد والورقة الأخيرة كانت ساقطة لحقت بخطّ رديء سنة 1189 ، 450 ورقة ، رقم 2085.

(1158)

صحيفة الرضا

نسخة بخطّ العلاّمة جلال الدين محمد بن مراد المازندراني ، كتبها بخطّه ، ضمن مجموعة أوّلها مفتاح الفلاح لأُستاذه الشيخ البهائي ، فرغ منه 17 شوال سنة 1036 ، والمجموعة 200 ورقة ، والصحيفة ناقصة الآخر ، مقاسها 9 × 17 ، تسلسل 345.

نسخة قيّمة نفيسة بخطّ نسخ جميل للغاية ، مؤطّرة بالذهب واللازورد والشنجرف ورؤس الأسناد مكتوبة بالذهب وبأوّلها لوحة من خطوط القرن العاشر أو قبله مصحّحة مقابلة وعليها بلاغات ، وتقع في 58 ورقة ، رقم 594.

(1159)

الصحيفة السجادية

نسخة بخطّ أحد خطّاطي القرن الثاني عشر الماهرين المجيدين ، كتبها بخطّ نسخ رائع ناقصة من آخر ملحقاتها أدعية وترجمتها بالفارسية ،

ص: 329

مكتوبة بالشنجرف خلال الأسطر بخطّ فارسي.

نسخة كتبت في القرن الثاني عشر ناقصة من كلّ من طرفيها ورقة عليها نعمان الآلوسي سنة 1276 وتملّك العلاّمة الشيخ أحمد أمين الشرع والد شيخنا الأمين المؤسّس دام ظلّه ، رقم 2169.

(1160)

صحيفة شاهي

فارسي.

في تعليم الإنشاء وتعيين الألقاب وما يكتب لمختلف الطبقات من الألقاب وما يكتب في شتّى الأغراض من فنون التعابير كتاب لطيف مجدول ألّفه المولى حسين بن علي الواعظ الكاشفي للسلطان حسين بايقرا بعد ما عرض عليه تأليفه مخزن الإنشاء استدعى منه السلطان أن يؤلّف كتاباً في هذا الموضوع وبهذا التصميم فألّف هذا الكتاب ، وتوفّي المؤلّف سنة 910.

نسخة خزائنية منه في المكتبة المركزية في جامعة طهران.

رتّبه على عنوان وثلاثة صحائف وخاتمة.

نسخة بخطّ فارسي جميل كتبها أحد خطّاطي القرن الحادي عشر ناقصة من أوّلها ورقة وأوّل الموجود بيت

شهريار جهان أبو الغازى

ظل حق آفتاب ملك آراى

تقع في 117 ورقة ، رقم 1461.

ص: 330

(1161)

الصحيفة العلوية

والتحفة المرتضوية

للشيخ المحدّث الصالح الشيخ عبدالله بن صالح البحراني السماهيجي الماحوزي ، المتوفّى ليلة الأربعاء 9 ج 2 سنة 1135 ، ذكر شيخنا دام ظلّه أنّه فرغ مؤلّفها يوم الأربعاء آخر شوّال سنة 1129 ، وفي نسختنا هذه تاريخ فراغ المؤلّف 9 شهر رمضان سنة 1118 ، وهي 156 دعاء.

نسخة بخطّ نسخ جميل والعناوين مكتوبة بالشنجرف وعليها تصحيحات كتابة القرن الثاني عشر ، أوراقها 153 ، والورقة الأُولى ساقطة ، رقم 1041.

(1162)

الصحيفة الكاملة

نسخة بخطّ نسخ جميل مؤطّرة بالذهب ورؤوس الأدعية مكتوبة بالذهب وبأوّلها فهرس ، فرغ منها الكاتب في رجب سنة 1078 ، ناقصة من أوّلها وريقات وجلدها فاخر ممتاز ، أوراقها 89 ، رقم 866.

نسخة بخطّ الخطّاط الماهر محمد أمين النائيني ، كتبها بخطّ نسخ جميل رائع للغاية ، وفرغ منها في محرّم سنة 1081 ، وكتب ترجمتها الفارسية بالشنجرف بخطّ فارسي جميل خلال الأسطر والنسخة مزوّقة مجدولة بالذهب وكان بأوّلها لوحة فمزّقت وبهوامش الصفحتين الأُولى والثانية أوراد ذهبية وعناوين الأدعية مكتوبة بالذهب ، 210 ورقة ، رقم 326.

ص: 331

نسخة بخطّ نسخ جميل كتبها الخطّاط عبد الخالق بن محمد شفيع القائني ، وفرغ منها في شهر رمضان سنة 1086 مؤطّرة بالذهب واللازورد ومصحّحه وبأوّلها لوحة وعناوين الأدعية مكتوبة بالشنجرف ، وبآخرها شرح الزيارة الرجبية للمولى محمد بن محمد رضا المشهدي القمّي وبعده عمل أمّ داود ، رقم 170.

نسخة بخطّ الخطّاط المجيد إسماعيل الكاتب الحميري النجفي كتبها بخطّ نسخ جميل ، وفرغ منها 5 ربيع الثاني سنة 1097 ، وبآخرها : بلغ قبالاً والنسخة مؤطّرة مجدولة بالذهب ، وبأوّلها لوحة وبهوامش الصفحتين الأوّليتين نقوش وأوراد رائعة بالذهب والشنجرف وأسطرهما مخلّلة بالذهب وجلدها فاخر ممتاز ، أوراقها 110 ، رقمها 1717.

نسخة بخطّ السيّد محمّد هادي بن رفيع الدين الحسيني ، فرغ منها 18 جمادى الاخرة سنة 1106 ، مصحّحة تصحيحاً دقيقاً ، رقم 1954.

نسخة بخطّ نسخ جميل كتبها الخطّاط محمد نصير بن ملاّ محمد شريف الطالقاني ، وفرغ منها جمادى الأُولى سنة 1116 ، مؤطّرة بالذهب بأوّلها لوحة وترجمتها الفارسية مكتوبة بالشنجرف خلال الأسطر بالخطّ الفارسي الجميل وعناوين الأدعية مكتوبة بالذهب وأُلْحق بآخرها عدّة أدعية منها دعاء العديلة ، 173 ورقة ، رقم 540.

نسخة بخطّ نسخ جميل وعناوين الأدعية كلّها بالذهب بأوّلها لوحة رائعة والنسخة مجدولة بالذهب ، كتبها أحد خطّاطي القرن الثاني عشر ، وجلدها ممتاز ، 86 ورقة ، رقم 4.

نسخة بخطّ نسخ جيّد كتبها حسين بن محمد شريف عام 1136 مؤطّرة مجدولة بأوّلها لوحة ومقابلة ومصحّحة وعليها تعليقات كثيرة فارسية

ص: 332

وخلال أسطرها ترجمتها بالفارسية مكتوبة بالشنجرف بخطّ فارسي جميل ، وعناوين الأدعية مكتوبة بالذهب ، أوراقها 161 ، رقمها 1692.

نسخة بخطّ نسخ جميل ، كتابة القرن الحادي عشر والورقة الأخيرة كانت ساقطة فتمّمت سنة 1192 بأوّلها لوحة جميلة مؤطّرة بالذهب ورؤوس الأدعية مكتوبة بالذهب ومن بعد الورقة الأُولى سقطت ورقة والنسخة مصحّحة وبأوّلها فهرس ، أوراقها 174 ، رقمها 3.

(1163)

صد كلمة

فارسي.

في أُصول الدين وإثبات المعارف الخمسة بأدلّة بسيطة تأليف المولى إسماعيل الخواتون آبادي الحسين الأصفهاني ، ألّفه بايعاز من السلطان حسين الصفوي.

أوّله : (خير الكلام كلمة حمد الله المفيض للخيرات والكلمات التامّات وأتمّ الكلمات الصلاة على محمد خير البريّات وعلى آله ... وبعد پس بر خاطر دريا مقاطر ارباب دانش.)

واسم الكتاب والمؤلّف مذكوران في الخطبة.

والكلمة الأُولى إبراهيمية والثانية يوسفية وهكذا والموجود إلى الكلمة السابعة وهي سليمانية ، وهي بعد ناقصة وأظنّه بلغ إلى هنا ولم يكمل تأليفه.

نسخة بخطّ نسخ جيّد ، كتابة القرن الحادي عشر ناقص الآخر بلغ إلى الكلمة السابعة ، 12 ورقة ، رقم 1514.

ص: 333

(1164)

صد مقالة (خطابه) كمال الدولة

فارسي.

كتب عليه أنّ هذه مائة خطابة بعث بها الشاهزاده كمال الدولة من دهلي الهند إلى زميله الشاهزاده جلال الدولة بيّن فيها الحالة السيئة في إيران هذا ما كتب بأعلى الصفحة الأُولى.

وكتب على ظهر الصفحة الأُولى بخطّ حشمة السلطنة وختمه أنّ هذه من منشآت ميرزا آقا خان الكرماني عبد الحسين بن عبد الرحيم البردسيري المقتول في تبريز سنة 1323 ، وكتب أيضاً نقلاً عن ما كتبه جدّي وهو تخلّص أخي الشيخ أحمد الروحي الكرماني أنّ ميرزا آقا خان كتب أربعين خطابة منها ، ثمّ عهد في تتميم بقيّتها إلى.

نسخة تحتوي 43 خطابة منها ، وكتب حشمة السلطنة بآخرها أنّ هذا آخر ما وجدناه من خطابات ميرزا آقا خان الكرماني وهي مائة خطابة ، وقد استكتبها فلو حصل شيء منها فيما بعد لابدّ أن يلحق بها ، وفرغ من مطالعتها 14 ذي الحجّة سنة 1323.

وهذا الموجود 127 ورقة ، رقم 1293.

(1165)

صراح اللغة

فارسي.

في ترجمة صحاح اللغة للجوهري إلى الفارسية بحذف شواهده.

ص: 334

تأليف أبي الفضل جمال الدين محمد بن عمر بن خالد القرشي نسبة إلى قرش من بلاد ما وراء النهر ، فرغ من تأليفه 16 صفر سنة 681 ، قيل وفيها توفّي ، وقيل توفّي سنة 696 ، طبع في الهند وإيران مرّات متعدّدة ، راجع مقدّمة دهخدا ص 306.

نسخة بخطّ عبد العلي بن صالح بن محمد فصيح كتبها بخطّ فارسي جيّد واللغات والعناوين مكتوبة بالشنجرف ، وفرغ منها 3 ذي القعدة سنة 1243 ، بآخرها الحاق في ضبط الأعلام الأعجمية والمعرّبة ، في 225 ورقة ، رقم 1641.

نسخة قيّمة قديمة كتابة القرن التاسع أو قبله وعليها بلاغات وتصحيحات وتعليقات ناقصة من أوّلها صفحة واحدة وتقع في 343 ورقة ، بقطع كبير ، رقم 1795.

(1166)

صراط الزاهدين

فارسي.

السيّد عبد الحسيب محمد بن أحمد بن زين العابدين العلوي الفاطمي الحسيني العاملي من أعلام القرن الحادي عشر والده صهر المحقّق الداماد ومجاز منه ومن الشيخ بهاء الدين العاملي سنة 1018 فهو سبط المحقّق الداماد له تأليفات كثيرة ومنها في المكتبة كتاب تبصرة المجتهدين في صلاة الجمعة مبسوطة وهذا الكتاب فارسي في الأدعية.

نسخة بخطّ نسخ جيّد فرغ منها الكاتب غرّة شهر رمضان سنة 1083 ، ولعلّ المؤلّف كان حيّاً في هذا التاريخ في 481 ورقة ، رقم 1218.

ص: 335

(1167)

الصراط المستقيم

في تفسير القرآن الكريم

للسيّد حسين بن رضا الحسيني الفاطمي العلوي البروجردي.

أوّله : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) وجعل في سماء الولاية بروجاً ...).

الجزء الأوّل في علم القرآن ومقدّمات علم التفسير وفضل القرآن والحديث على الكلام النفسي ، وما إلى ذلك بخطّ الخطيب البارع الشيخ جواد العراقي ، كتبها على نسخة الأصل بخطّ المؤلّف في بروجرد وذكر في آخره أن المصنّف بلغ في تفسيره هذا إلى نحو ثلثي سورة البقرة ، ثمّ اخترمته المنية وهو ابن احدى وثلاثين سنة رحمه الله تعالى ولم ينسخ شيخنا العراقي كلّ الذي صدر من قلم المؤلّف لعوائق عاقته عن ذلك ، والنسخة ملحقة بكتاب طراز اللغة للسيّد علي خان ، رقم 102.

(1168)

صراط النجاة

للعلاّمة المحدّث المجلسي محمد باقر بن محمد تقي الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1111.

نسخة مكتوبة في حياة المؤلّف بخطّ نسخ جيّد كتبها شرف الدين محمد النائني ، وفرغ منها 14 شهر رمضان سنة 1103 ، بأوّل المجموعة 1330 من الورقة 1 - 23 ب.

ص: 336

نسخة ضمن مجموعة مكتوبة في حياة المؤلّف بخطّ أبي جعفر بن بهاء الدين بن إبراهيم الأسدي المظاهري نزيل بار فروش ، فرغ منها في أواخر محرّم سنة 1106 ، رقم المجموعة 836.

نسخة بخطّ نسخ جيّد ، كتابة القرن الثالث عشر بأوّل مجموعة رقم 1708.

نسخة ملحقة بكتاب حديقة المتّقين تأليف والد المؤلّف ، مكتوبة سنة 1105 في حياة المؤلّف بخطّ نسخ جيّد ، رقم 263.

(1169)

صفوة الزبد

في الفقه الشافعي

أوّله :

الحمد للإله ذي الجلال

وشارع الحرام والحلال

وبعد هذي زبد نظمتها

أبياتها ألف بما قد زدتها

لشهاب الدين أحمد بن الحسين بن حسن بن أرسلان الرملي الشافعي ، المتوفّى سنة 844 ، طبع بمصر سنة 1347 وذكر في فهرس الأزهر حرف الزاي من فقه الشافعي باسم الزبد ، ونحن تبعنا كشف الظنون في تسمية صفوة الزبد وذكر أنّ الناظم شرحها شرحين ، وشرحه محمد بن إبراهيم الصفدي وسمّاه : فتح الصمد.

نسخة بخطّ محمد السجين كتبها بخطّ نسخ خشن جميل ، وفرغ منها خامس ربيع الأوّل سنة 1084 ، في المتبوليه ، 46 ورقة ، رقم 1831.

للموضوع صلة ...

ص: 337

من المخطوطات العربية في مكتبة المتحف البريطاني / لندن (1)

الشيخ محمّد مهدي نجف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف البريّة محمد ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

وبعد : منذ ربع قرن ، كنت أُحدّث نفسي بالسفر إلى أُوربا - حينما كنت رئيساً لقسم المخطوطات في مكتبة الإمام الحكيم العامّة في النجف الأشرف (العراق) - للاطلاع على معالمها الآثارية ، وما احتوته متاحفها ومكتباتها العامّة الشهيرة من نفائس الذخائر الإسلامية ، والمخطوطات العربية.

لكن شاءت الظروف أن أُحقّق بعض هذه الأُمنية في صيف عام 1990 ميلادية ، عندما دُعيتُ للحضور والمشاركة في ملتقى إسلامي عالمي كبير ، أُقيم في مدينة لندن ، باسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، حضره جمع من العلماء والشخصيّات العلمية من مختلف المذاهب الإسلامية ، إحياءً لذكرى الغدير ، وبمناسبة مرور أربعة عشر قرناً

ص: 338

على هذه الواقعة العظيمة ، فكان لي شرف الحضور والمشاركة فيه.

وبعد انقضاء أيّام المهرجان ، ابتدأت بزيارة المتحف البريطاني ، ثمّ قسم المخطوطات فيه ، فكان حُسن خُلُق العاملين داعياً ومشجّعاً للاستمرار في البحث والتدقيق في آثارها ونفائسها الخطّية ، ولكن فوجئت بفقر المكتبة إلى فهرس يضمّ تعريف هذه الآثار منذ عام 1920 وحتّى الآن باللاتينية ، فضلاً عن اللغة العربية.

فقد تمّ تنظيم ثلاثة فهارس باللغة الانجليزية ، وطبعت على شكل متعاقب وهي :

1 - فهرس تحت عنوان :

Catalogus

Codicum Manuscriptorum Orientalium

Qul

In Museo Britannico Asservantur

1846

في أربع مجلّدات ، يحتوي على 881 صفحة ، طبع سنة 1871 م. تمّ التعريف فيه لجميع الكتب العربية التي دخلت المكتبة لغاية سنة 1846 م.

2 - فهرس تحت عنوان :

Supplement

to the

Catalogue of the Arabic Manuscripts

in

The British museum

ص: 339

حBy

Charles Rieu, PH.D.

في مجلّدين ، يحتوي على تعريف 1303 رقماً للمخطوطات العربية ، تمّ طبعه عام 1894.

3 - فهرس تحت عنوان.

A Descriptive List

Arabic Manuscripts Acquired

By The Trustees Of The British Museum Since

1894

by

A.G.Ellis, M.a.

and

Edward Edwards, M.A.

يمكن تعريفه بقائمة لعناوين الكتب التي تبدأ بالرقم Or ..4945. -.7350 ، وهي التي حازتها المكتبة بعد عام 1894 ، مقسّمة على عدّة موضوعات ، في 74 صفحة ، تليه مجموعة فهارس ، تمّ طبعه عام 1912 م.

وللمكتبة سجلّ عامّ كتب بخطوط مختلفة ، ضمّ ذكر جميع المخطوطات ، بمختلف لغاتها وموضوعاتها ، والتي دخلت المكتبة منذ عام 1867 - 1989 ميلادية ، والبالغة 14665 مخطوط مسجّل ، وبقيت مجموعة كبيرة من المخطوطات تنتظر نصيبها من الفهرسة ، لعلّ الله يمنحها بذلك نور الظهور ، علماً بأنّ هذا السجلّ تحت متناول الباحثين ، تحت عنوان :

ص: 340

List Of Orintal Manuscripts

ومع كلّ ما تقدّم من الفهارس والسجلاّت كان من الصعب للباحث العربي معرفة المخطوطات العربية بشكل كامل وصحيح فسنحت لي فرصة قصيرة لتخطّي هذه الصعاب ، ومراجعة الأصول منها ، وتصحيح ما وقعوا فيه من أخطاء فنيّة وعلمية عند التعريف ببعضها وها أنا ذا أُقدّم للباحث الكريم هذا المجهود المتواضع ليكون عوناً له في الوصول إلى غايته ، آملاً أن أعود لإكماله إن شاء الله ، وهو الموفّق والمعين.

20 / 10 / 1990

محمد مهدي نجف

ص: 341

(1)

الاحتجاج على

أهل اللّجاج

Or. 8393

تأليف : أبي منصور ، أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ، من أعلام القرن السادس الهجري.

يتضمّن الكتاب احتجاجات النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وبعض الصحابة ، والعلماء ، والذرّية الطاهرة عليهم السلام.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله المتعالي عن صفات المخلوقين ، المنزّه عن نعوت الناعتين ، المبرّأ ممّا لا يليق بوحدانيّته ... ثمّ إنّ الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب ، عدول جماعة من الأصحاب عن طريق الحجاج جُداً ، وعن سبيل الجدال وإن كان حقّاً ... ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده ، إمّا لوجود الإجماع عليه ، أو موافقته لما دلّت العقول عليه ، أو لاشتهاره في السير والكتب من المخالف والمؤالف ، إلاّ ما أوردته عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام ، فإنّه ليس في الاشتهار على حدّ ما سواه ...

نسخة حديثة الخطّ ، من خطوط القرن الثالث عشر الهجري ، ناقصة الأوّل والآخر ، أكملت مؤخّراً بخطّ آخر.

في 289 ورقة ، 5 / 25 × 14 سم. في كلّ صفحة 18 سطراً × 5 / 9 سم.

* الذريعة 1 : 281 ، روضات الجنّات 1 : 64 ، طبقات أعلام الشيعة ق/ 6 : 11 ، معجم المؤلّفين 2 : 10 ، إيضاح المكنون

ص: 342

1 : 31 ، هديّة العارفين 1 : 91 ، الأعلام 1 : 173.

Brokelmann: s, I:709.

(2)

إحقاق الحقّ

وإزهاق الباطل

Or.8397

تأليف : القاضي ضياء الدين ، نور الله بن عبد الله بن نور الله بن محمد شريف الحسيني المرعشي التستري (الشوشتري) ، المولود سنة 956 ، والمستشهد سنة 1019 هجرية ببلاد الهند ، بسبب تأليفه هذا الكتاب.

وهو أجلّ كتاب في بابه ، تعرّض فيه لردّ كلمات القاضي فضل بن روزبهان في كتابه إبطال نهج الباطل ، الذي كتبه في الردّ على نهج الحقّ للعلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله الذي جعل مقام شيعة الحقّ عليّاً ، وصيّرهم مع نبيّه إبراهيم في ذلك الإسم سميّاً ، ورقاهم إلى طور الطاعة بخفض جناح الإطاعة ... وسمّيت ما جهّزته لنصرة جند الحقّ من الجيوش الهواطل ... بإحقاق الحقّ وإزهاق الباطل ...

آخره : وقد اتّفق نظم هذه اللآلي ، التي وشحت بها عوالي المعالي ، في سبعة أشهر من غير الليالي ... وكان آخرها آخر ربيع الأوّل ، المنتظم في سلك شهور سنة ألف وأربع عشر ، في بلدة آكره ، أكره بلاد اتّخذها الكفر ...

نسخة نفيسة ، لعلّها بخطّ مؤلّفها ، في 649 ورقة ، 30 × 19 سم في كلّ صفحة 23 سطراً × 11 سم.

ص: 343

* الذريعة 1 : 290 ، مصفّى المقال : 485 ، الفوائد الرضوية : 696 ، روضات الجنّات 4 : 223 ، الأعلام 9 : 30 ، هدية العارفين 2 : 498 ، إيضاح المكنون 1 : 34 ، معجم المؤلّفين 13 : 122.

Brockelmann: s, II :576.

(3)

اختيار معرفة

الرجال

Or. 3548

تأليف : شيخ الطائفة ، أبي جعفر ، محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، المولود سنة 385 ، والمتوفّى سنة 460 هجرية.

هو اختيار واختصار من الأخبار الواردة في كتاب الرجال ، لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي. وكان ابتداء ذلك في يوم الثلاثاء ، السادس والعشرين من شهر صفر ، سنة ستّ وخمسين وأربعمائة ، في المشهد الشريف الغروي. جاء توضيح ذلك في كتاب فرج المهموم للسيد ابن طاووس ، ص 130 من الطّبعة النجفيّة.

ناقص الأوّل والآخر ، أوّله من ترجمة عمّار بن ياسر ، وهو الحديث (57) من طبعة جامعة مشهد : ... قال عمّار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقد ألقته قريش في النار : «يا نار كوني برداً وسلاماً على عمّار ، كما كانت برداً وسلاماً على إبراهيم» فلم يصله منها مكروه ...

آخره : في يونس بن عبد الرحمن ، أبي محمد صاحب آل يقطين : ... فقال : أخبرني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام ، أنّه كان مع النبي (صلى الله عليه وآله) ، ثم قال : «هل تعرف يا علي هذه النقط السود في جناح هذه

ص: 344

الجرادة»؟ قال ، قلت : الله ورسوله أعلم ، فقال : «مكتوب في جناحها : أنا الله ربّ العالمين ، خلقت الجراد جنداً من جندي ، أصيب به من أشاء من عبادي» ... فقال محمد : وأولدهم الأمر ولدي ... فبعث إليهما وهما.

نسخة نفيسة ، من خطوط القرن السادس الهجري ، مجهولة الناسخ والتاريخ ، في 188 ورقة ، 5 / 21 × 12 سم. في كلّ صفحة 24 سطراً × 5 / 8 سم.

* الذريعة 1 : 365 ، هدية العارفين 2 : 72 ، رجال النجاشي 2 : 332 ، معجم المؤلفين 9 : 202 ، الأعلام 6 : 84.

Brockelmann: g, I: 405, s, I:706 - 707.

Supplement p.p. 422 ,No. 633.

(4)

الأربعون

حديثاً

Add, 7245

تأليف : بهاء الدين ، محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي ، الحارثي ، الجباعي ، المولود سنة 953 ، والمتوفّى سنة 1031 هجرية.

أوّله بعد البسملة : إنّ أحسن حديث تحلّى اللّسان بجواهر حقائقه ، وخير خبر تجلّى الإنسان في زواهر حدايقه ، حمداً لله سبحانه على نعمه ... هذا أربعون حديثاً من طرق أهل بيت النبوة والولاية ، ومنبع الفتوة والهداية ، جمعتها من أماكن عديدة ، ومواطن شريدة ... وأردفت كلّ حديث يحتاج إلى بيان بما يوقف الطالبين على سواء سبيله ... طاوياً في الأغلب عن تحقيق رجال السند كشحاً ، ضارباً عن بيان حال المستند صفحاً ، لكون أكثرها مقصوراً على السنن والآداب.

ص: 345

آخره : وهاهنا أقطع الكلام شاكراً لله على توفيقه للإتمام ... ممّا قلته في تاريخه : «لقد تمّ تاريخ هذا الكتاب ، وتمّ الأحاديث تاريخه».

قد فرغت من تسويد هذه النسخة الشريفة الموسومة بالأربعين ، في يوم الجمعة الرابع عشر من شهر ربيع الثاني ، من شهور سنة 1118 هجرية ، على يد أقلّ الطلاّب ، محمد جعفر ابن المرحوم سيّد ملاّ محمد صادق ...

في 161 ورقة ، 2 / 19 × 14 سم. في كلّ صفحة 16 سطراً × 5 / 7 سم.

* الذريعة 1 : 425 ، خلاصة الأثر 3 : 440 ، سلافة العصر : 289 ، تنقيح المقال 3 : 107 ، مصفّى المقال : 404 ، معجم المؤلّفين 9 : 243 ، الفوائد الرضوية : 502.

Brockelmann :g, II: 414 - 415, s, II: 595 - 597.

(5)

نسخة أُخرى

Or. 8537

ناقصة الأوّل بمقدار ورقة واحدة ، أوّلها : راجياً بذلك عظيم الثواب ، وجزيل الأجر يوم يقوم الحساب ...

مجهولة الناسخ والتاريخ ، من خطوط القرن الحادي عشر الهجري ، في 226 ورقة ، 16 × 9 سم. في كلّ صفحة 14 سطراً × 5 سم.

(6)

إرشاد الأذهان

إلى أحكام الإيمان

Or. 8336

تأليف : أبي منصور ، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة. المولود سنة 648 ، والمتوفّى سنة 726 هجرية.

ص: 346

أوّله بعد البسملة : الحمد لله المتفرّد بالقدم والدوام ، المتنزّه عن مشابهة الأعراض والأجسام ، المتفضّل بسوابغ الإنعام ، المتطوّل بالفواضل الجسام ... لمّا كثر طلب الولد العزيز محمد أصلح الله أمر داريه ... لتصنيف كتاب يحوي النكت البديعة في مسائل الشريعة ... صنّفت هذا الكتاب الموسوم بإرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان ...

جاء في آخره : فهذا خلاصة ما أفدناه في هذا الكتاب ، ومن أراد التطويل بذكر الفروع والأدلّة وذكر الخلاف ، فعليه بكتابنا المسمّى بمنتهى المطلب ... وقد ابتدأت هذا الإرشاد الأذهان ، في تاسع عشر شهر شعبان المعظّم سنة 1080 ، وفرغت من تحريرها بخمس ساعة ، يوم الخميس سادس شهر شوّال المكرّم ، سنة 1080 ، في المشهد المقدّس ... رفيع بن محمد قاسم بابا كرك إصفهاني.

على ظهر الورقة الأُولى والأخير عدّة تملّكات.

في 114 ورقة ، 5 / 25 × 19 سم. في كلّ صفحة 21 سطراً.

* الذريعة 1 : 510 ، أعيان الشيعة 5 : 396 ، الدرر الكامنة 2 : 71 ، ايضاح المكنون 1 : 58 ، مرآة الجنان 4 : 276 ، تنقيح المقال 1 : 314 ، معجم المؤلفين 3 : 303.

Brockelmann :g, II: 164, s, II: 206 - 209.

(7)

نسخة أُخرى

Or. 8335

ناقصة الأوّل والآخر ، أُكملت بخطّ حديث مؤخّراً.

مجهولة الناسخ والتاريخ ، من خطوط القرن الثالث عشر الهجري ،

ص: 347

جاء في آخرها : أكمل بعض نواقص الكتاب «أكبر».

في 300 ورقة ، 5 / 24 × 5 / 14 سم. في كل صفحة 15 سطراً × 7 سم.

Brockelmann :g, II: 164, s, II: 206 - 209.

(8)

أسباب النزول

Or. 9407

تأليف : أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري الشافعي المتوفّى عام 468 هجرية.

أوّله بعد البسملة : قال الشيخ الإمام الأوحد ، أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي رحمة الله عليه : الحمد لله الكريم الوهّاب ...

جاء على ظهر الورقة الأولى تحت العنوان المذكور ما لفظه :

رواية أبي العباس عمر بن عبد الله.

رواية رضي الدين أبي الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف القزويني الطالقاني.

سماع منه لإبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك.

ويرويه الشيخ أيضاً بالإجازة عن أبي نصر محمد بن عبد الله ... عن المصنّف.

آخره : أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن جعفر ... رواه البخاري عن عبيد بن إسماعيل عن أبي اُسامة ولهذا الحديث طريق في الصحيحين والله أعلم. آخر أسباب النزولات والحمد لله ربّ العالمين ... فرغ من نسخه لنفسه الفقير إلى رحمة ربّه ، إبراهيم بن علي بن محمد بن

ص: 348

المبارك بن أحمد بن محمد بن بكروس القارئ ... وذلك في يوم الأربعاء حادي عشر شهر شعبان ، من سنة تسع وسبعين وخمس ماية (579) ...

في هامش الصفحة سماع في الثامن عشر من صفر ، سنة ثلاث وأربعين وست مئة (634) ، يليه سماعات وقراءات كثيرة ، منها سماع في شعبان سنة تسع وسبعين وخمساية (579) ، وقراءة في شعبان أيضاً في سنة (579) أيضاً وغيرها. عليها آثار رطوبة ، أتلفت بعض أسطر الكتاب.

نسخة نفيسة ، في 137 ورقة ، 24 × 16 سم. في كلّ صفحة 23 سطراً.

* كشف الظنون 1 : 76 ، وفيات الأعيان 1 : 419 ، طبقات الشافعية الكبرى 3 : 289 ، شذرات الذهب 3 : 330 ، معجم المؤلّفين 7 : 26 ، هدية العارفين 1 : 692.

Brockelmann :g, I: 411 - 412, s, I: 730 - 731.

(9)

الاستبصار

فيما أُختلف من الأخبار

Or. 8337

تأليف : شيخ الطائفة ، أبي جعفر ، محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، المولود سنة 385 ، والمتوفّى سنة 460 هجرية.

وهو إحدى الكتب الأربعة والمجاميع الحديثيّة المعتمدة عند العلماء والفقهاء التي عليها مدار استنباطهم للأحكام الشرعية.

أوّله بعد البسملة : قد أجبتكم أيّدكم الله إلى ما سألتم من تجريد الأخبار المختلفة ... وأنا أبتدأ الآن بذكر الأسانيد حسب ما وعدت إن شاء الله ...

ص: 349

آخره : قد تمّ كتاب الاستبصار ... وفرغ من نساخته ضاحي نهار الخميس ، سابع والعشرون من شهر محرّم ، من سنين سبع وثمانين وتسعماية ، بقلم العبد الفقير إلى الله صالح بن محمد بن عبد الله بن محمود السلامي ... في 304 ورقة ، 30 × 21 سم.

* الذريعة 2 : 14 ، فهرست الطوسي : 159 ، هدية العارفين 2 : 72 ، معجم المؤلّفين 9 : 202 ، مصفّى المقال : 402 ، الوافي 2 : 349.

Brockelmann :g, I:405, s, I: 706 - 707.

(10)

نسخة أُخرى

Or. 8338

جاء في آخرها : تمّ الكتاب في شهر محرّم الحرام ، سنة سبع وتسعين بعد الألف (1097) ، على يد عبد الواحد بن محمد أمين الشيرازي.

وجاء على ظهر الورقة الأولى منه صورة وقف للكتاب سنة 1108 هجرية ، بقلم واقفه الحاج أبو طالب بن حاج قطب الدين الشيرازي.

(11)

الاعتقادات

Add. 19623

تأليف : أبي جعفر ، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق. المولود بعد سنة 305 ، والمتوفّى سنة 381 هجرية.

ص: 350

أملاه في نيسابور ، في مجلس يوم الجمعة ، ثاني عشر شعبان سنة 368 هجرية ، لمّا سأله المشايخ الحاضرون أن يُملي عليهم وصف دين الإمامية على وجه الإيجاز ، ولذا سمّاه الشيخ الطوسي في الفهرس «بدين الإماميّة». ذكر فيه جميع اعتقادات الفرقة الإماميّة الإثنا عشرية.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على رسوله محمد وآله الطاهرين. اعلم اعتقادات الاماميّة في التوحيد.

حدّثني أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد [الهشيم العجين الحجّار] (1) قال : حدّثنا محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي الفقيه.

وحدّثني أبو عبد الله الحسين بن علي بن موسى بن بابويه الفقيه ، عن أخيه أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه مصنّف هذا الكتاب ، قال : ...

آخره : ... قد أخرجت الخبر في ذلك مسنداً بشرحه في كتاب التوحيد ، وسأُحرّر كتاباً في ذلك بمشيئة الله وعونه إن شاء الله تعالى ، والحمد لله ربّ العالمين.

مجهول الناسخ والتاريخ ، من خطوط القرن الرابع عشر الهجري.

في 32 ورقة ، 2 / 21 × 7 / 14 سم. في كلّ صفحة 15 سطراً.

* الذريعة 2 : 226 طبقات أعلام الشيعة ق/4 : 287 ، رجال النجاشي 2 : 311 ، فهرست الطوسي : 156 ، تنقيح ».

ص: 351


1- كذا حرره الناسخ وصوابه «الهيثم العجلي المجاور».

المقال 3 : 154 ، معجم المؤلّفين 11 : 3 هدية العارفين 2 : 52 - 53.

Brockelmann :s, 321 - 322.

(12)

أقراباذين

مدينة السلام بغداد

Or. 8228

تأليف : أمين الدولة ، أبي الحسن هبة الله بن صاعد بن هبة الله بن إبراهيم بن علي البغدادي النصراني المعروف بابن التلميذ. المولود سنة 466 والمتوفّى سنة 560 هجرية.

أوّله بعد البسملة : قال الحكيم الفيلسوف ، هبة الله بن صاعد بن إبراهيم ، المعروف بابن التلميذ : الباب الأوّل في الأقراص ...

آخره : بدل الهيوفاريقون بزر الشبث. تمّ الكتاب بحمد الله ...

جاء في ذيل الورقة الثانية وتحت العنوان ما لفظه : فرغ من نسخه الفقير إلى رحمة الله تعالى علي بن أبي طالب بن علي بن علي بن علي بن الحسين الحلبي حامداً الله ... سنة 625 هجرية.

نسخة نفيسة ، في 170 ورقة ، 20 × 7 / 14 سم. في كلّ صفحة 11 سطراً ، كتب عناوين الكتاب بالحُمرة.

* عيون الأنباء 1 : 259 ، وفيات الأعيان 2 : 252 ، المختصر في أخبار البشر 3 : 45 ، شذرات الذهب 4 : 190 ، معجم المؤلّفين 13 : 138.

Brockelmann :g, I:487, s, I: 891.

ص: 352

(13)

الأمان من

أخطار الأسفار والأزمان

Or.11314

تأليف : رضي الدين ، أبي القاسم ، علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن طاووس العلوي ، الحسني ، المولود سنة 589 ، والمتوفّى سنة 664 هجرية.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله الذي استجارت به الأرواح بلسان الحال في إخراجها من العدم ، فأجازها ... فإنّني وجدت الإنسان مسافراً ، قد خرج من العدم إلى الوجود ، في ظهور الآباء والجدود ...

رَتّب المؤلّف الكتاب في أربعة عشر باباً ، في آداب السفر ، وأدعيته ، والأحراز اللازمة فيه ، وما يصحب المسافر من الكتب في سفره ، ومن يصحبه في الطريق ، وكيفيّة المعاشرة مع الرفقة وغير ذلك.

آخره : واليقين برَبِّ العالمين ، وتصديق سيّد المرسلين ... قد وقع تنميقه على يد العبد الأقلّ ... محمد جعفر ابن حاجي سلطانعلي الأهري ... وكان ذلك يوم الجمعة ، ثامن عشر من شهر ذي الحجّة الحرام سنة 1092 هجرية.

وبلغت مقابلته ... سنة ثلاث وتسعين وألف.

في 138 ورقة 5 / 16 × 5 / 9 سم. في كلّ صفحة 15 سطراً × 5 سم.

* الذريعة 2 : 343 ، طبقات أعلام الشيعة ق/7 : 116 ، كشف الظنون 1 : 166 ، هدية العارفين 1 : 710 ، الفوائد الرضوية : 330 ، معجم المؤلّفين 7 : 248.

Brockelmann: s, I: 911 - 913.

ص: 353

(14)

نسخة أُخرى

Or. 8518

ناقصة الأوّل بمقدار ورقة واحدة فقط.

مجهولة الناسخ والتاريخ ، من خطوط القرن الحادي عشر الهجري ، جاء في هامش الصفحة الأخيرة ما نصّه : أنهاه مقابلة تاريخها 17 شوّال سنة 1081 هجرية.

في 41 ورقة ، 5 / 18 × 12 سم. في كلّ صفحة 22 سطراً.

(15)

أنوار العقول

من أشعار وصيّ الرسول

Or. 3902

تأليف : قطب الدين ، أبي الحسن ، محمد بن الحسين بن الحسن الكيدري البيهقي النيشابوري ، المتوفّى سنة 576 هجرية.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله الذي ذلّت لعزّته الجبابرة ، وتضعضع دون مشيئته الأكاسرة ... ورأيت بأن أُسمّي هذا المجموع بأنوار العقول من أشعار وصيّ الرسول ...

قال مؤلّف الكتاب في كتابه الآخر (حدائق الحقائق) والمطبوع في الهند ج 1 : 372 ، بعد ذكر البيت المنسوب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام.

سبقتكم إلى الإسلام طرّاً

على ما كان من فهمي وعلمي

قال : في أبيات معه قد أوردتها بتمامها ونظامها في الكتاب الموسوم بأنوار العقول من أشعار وصيّ الرسول ، وأوردت فيه كلّ شعر نسب إليه صلوات الله عليه وسلّم ، وذلك ممّا لم أُسبق إلى جمعه وترتيبه بعون الله

ص: 354

وحسن توفيقه.

آخره : وكان الفراغ من تحريره نهار الجمعة وقت الظهيرة ، التاسع عشر من شهر شوال سنة (1113) بخطّ ... الحسن بن علي بن محمد بن أحمد ابن أمير المؤمنين ...

ضمن مجموع ، من الورقة 9 - 53 ، 32 × 20 سم. في كل صفحة 31 سطراً × 5 / 10 سم.

* الذريعة 2 : 431 ، إيضاح المكنون 1 : 144 ، فهرس مكتبة مجلس سنا 2 : 81 ، معجم المؤلفين 9 : 237 ، الفوائد الرضوية : 493.

Supplement, p.p. 782, No. 1085.

(16)

الإيناس بعلم

الأنساب

Or. 3620

تأليف : أبي القاسم ، الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد ابن المرزبان ، المعروف بالوزير المغربي ، المتوفّى سنة 418 أو 428 هجرية.

وصف الكتاب هذا ابن خلّكان في وفياته بقوله : وكتاب الإيناس ، وهو مع صغر حجمه ، كثير الفائدة ، ويَدلّ على كثرة اطّلاعه.

أوّله بعد البسملة : نكتب إن شاء الله في هذا الكتاب ما يحضرنا ذكره من الأسماء التي تشاكلت بعض التشاكل وبقي بينها من الفرق ما يرتفع اللبس بإيضاحنا إيّاه مثل : فهم وقهم ، ومن الاسماء التي ألفاظها ...

جاء على ظهر الورقة الأولى منه بعض الفوائد منها : (إنّ هذا الكتاب

ص: 355

في معنى المؤتلف والمختلف لمحمد بن حبيب). وجاء تحت العنوان ما صورته : (جمع الحسين بن علي بن الحسين المغربي الكاتب لدرس علي ابن الحسن بن علي بن خلف الكندي ، نقل من دستوره بخطّه ، وعليه علامة التصحيح والمقابلة بخطّه).

آخره : إلياس بن مضر ، وإلياس هو غيلان بن مضر. آخر ما وجد في أصل أبي القاسم ابن المغربي رحمه الله ، ومنه نُقل ، والحمد لله وصلواته على محمد نبيّه وآله وسلّم تسليماً ، وحسبنا الله وحده.

نسخة نفيسة ، مجهولة الناسخ والتأريخ ، من خطوط القرن الخامس الهجري.

في 101 ورقة × 27 سم. في كلّ صفحة 10 إلى 15 سطراً.

* الذريعة : 2 : 516 ، وفيات الأعيان 2 : 172 ، رجال النجاشي 2 : 191 ، شذرات الذهب 3 : 210 ، معجم الأدباء 9 : 79 ، معجم المؤلّفين 4 : 30 ، كشف الظنون 1 : 216.

Brockelmann: g, I:353 - 354.

Supplement p.p. 385, No. 594.

(17)

بحر الحقايق

في معرفة الرموز والدقايق

Or. 7821

تأليف : محمد إبراهيم بن الحسين الحسيني الحسني.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله الذي فجّر لنا ينابيع بحر الحقايق ، بمسالك مدارك شرايع الدين ... أمّا بعد ، فيقول ... محمد إبراهيم بن الحسين الحسيني الحسني ... إنّي بعد ما صرفت شطراً من عُمري ...

ص: 356

شرعت في استخراج المسائل الفقهيّة ، ودلائلها العقلية والنقلية ، بكتاب فائق ...

جاء في آخر الجزء الأوّل ، في الورقة 186 ما لفظه : تمّ الفراغ من الجزء الأوّل ، من كتاب بحر الحقايق ، بعون الملك الحكيم ، ويتلوه الجزء الثاني في بيان الغسل ، راجياً لتوفيقه على الإتمام بالخير والإحسان ، والحمد لله ربّ العالمين.

يظهر من آخره أنّ الناسخ لم يكمل الكتاب ، بل آخر ما وصل إليه : قوله في الأغسال ، لأنّ الاستباحة إذا لم يستلزم الرفع ، فبطلانها بالحدث يوجب تعلّق حكم الحدث الأوّل. وأقول إنّ هذا التوجيه لا يناسب. ما نقل عنه دليلاً عليه كما نقلناه أيضاً ، والله العالم.

مجهول الناسخ والتاريخ ، من خطوط القرن الثالث عشر الهجري ، في 438 ورقة 30 × 20 سم. في كلّ صفحة 30 سطراً × 12 سم.

* مستدرك الذريعة : 85.

(18)

تأويلات

القرآن (حقائق التأويل)

Or. 12387

تأليف : كمال الدين ، أبي الغنائم ، عبد الرزاق بن جمال الدين الكاشاني السمرقندي ، المتوفّى سنة 730 أو 735 هجرية.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله الذي جعل مناظم كلامه مظاهر حسن صفاته ... فرأيت أن أُعلّقها بعض ما يسنح لي في الأوقات من حقائق البطون ... بسم الله الرحمن الرحيم ربّ أعن ، اسم الشيء ما يعرف به ...

آخره : ... فلا يتمّ أيضاً الاستعاذة منه إلاّ بالله ، والله العاصم. تمّ

ص: 357

بحمد الله ...

مجهول الناسخ والتاريخ ، من خطوط القرن الثالث عشر الهجري.

في 214 ورقة ، 5 / 33 × 23 سم. في كلّ صفحة 30 سطراً × 5 / 13 سم.

الكتاب كلّه مجدول ، وقد زُيّنت أوائل السور بماء الذهب.

* الذريعة 3 : 303 ، فهرس المكتبة الرضوية 11 : 538 ، كشف الظنون 1 : 336 ، معجم المؤلفين 5 : 215.

Brockelmann :g, II :203, 204, s, II: 280, 281.

(19)

التبيان في

تفسير القرآن

Or. 8245

تأليف : شيخ الطائفة ، أبي جعفر ، محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، المولود سنة 385 ، والمتوفّى سنة 460 هجرية.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله اعترافاً بتوحيده ، واخلاصاً لربوبيّته واقراراً بجزيل نعمه ... فإنّ الذي حملني على الشروع في عمل هذا الكتاب ، أنّي لم أجد في أصحابنا من عمل كتاباً يحتوي على تفسير جميع القرآن ويشتمل على فنون معانية ... إلى آخره.

والنسخة التي بين أيدينا ناقصة الأوّل والآخر. تبدأ بقوله تعالى من سورة الأحزاب : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً) [آية/70]. وتنتهي بقوله تعالى في آخر سورة الفتح : (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً).

جاء في آخره : تمّ المجلّد الثامن من التفسير ، والحمد لله حقّ حمده ،

ص: 358

وصلواته على محمد وعترته ، ووقع الفراغ من كتبه ، ضحوة نهار يوم السبت ، رابع عشر ذي الحجّة ، سنة إحدى وثمانين وخمسمئة ، عبد العظيم ابن عبد الله بن علي الجعفري القزويني ... يتلوه في المجلّد التاسع أوّل سورة الحجرات.

والكتاب على ما يبدو أنّه كُتب بخطّين متحدين في الزمان ، ينتهي الأوّل منه في الورقه ، (150) ، وما تقدّم من اسم الناسخ والتاريخ هو للقسم الثاني ، وفي هوامش صفحات الكتاب بلاغ قراءة.

نسخة نفيسة ، في 201 ورقة ، 5 / 25 × 5 / 16 سم. في كل صفحة ، 23 سطراً × 13 سم.

* الذريعة 3 : 328 ، إيضاح المكنون 1 : 223 ، الفهرست للطوسي : 161 ، رجال النجاشي 2 : 332 ، هدية العارفين 2 : 72 ، الأعلام 6 : 84.

Brockelmann: g, I: 405, s, I :706 - 707.

(20)

التبيان في

إعراب القرآن

Or. 8451

تأليف : أبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين العكبري الرازي الحنبلي المتوفّى سنة 616 هجرية.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله الذي وفّقنا لحفظ كتابه ...

آخره : هذا ما تيسّر من إملاء كتاب التبيان في إعراب القرآن ، اتفق الفراغ من هذا الكتاب في شهر محرّم الحرام ، سنة ستّ وعشرين وماية بعد الألف ، بيد العبد العاصي الراجي إلى رحمة الله عبد الله الأصفهاني.

ص: 359

في 305 ورقة ، 23 × 5 / 12 سم. في كلّ صفحة 20 سطراً × 5 / 8 سم.

* كشف الظنون 1 : 341 ، وفيات الأعيان 1 : 334 ، الكامل في التاريخ 11 : 137 ، شذرات الذهب 5 : 76 ، هدية العارفين 1 : 459 ، معجم المؤلّفين 6 : 46.

Brockelmann: g, I: 282.

(21)

تثبيت الإمامة

Or. 3727

تأليف : يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن الحسني الزيدي ، الهادي إلى الحقّ ، المولود سنة 220 والمتوفّى سنة 298 هجرية.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ، وجعل الظلمات والنور ...

آخره : فيالله ، ما أكثر العما والتخليط ، وأبيّن فضيحة القوم عند من عرف وفهم وأنصف. نسأل الله التوفيق واليقين ، أنّه على كلّ شيء قدير. تمّت أوان العصر ، في يوم الاثنين ، ثالث شهر رجب الأصب ، سنة سبع ومأة وألف ... أحمد بن هاشم بن علي بن محمد بن هاشم بن علي بن محمد بن يوسف ...

ضمن مجموع من الورقة 163 - 166 ، 2 / 29 × 20 سم. في كلّ صفحة 47 سطراً × 18 سم.

* الذريعة 3 : 345 ، الفهرست لابن النديم 1 : 194 ،

ص: 360

الأعلام 9 : 171 ، هدية العارفين 2 : 517 ، معجم المؤلّفين 13 : 191.

Brockelmann g, I: 186, s, I: 315 - 316.

Supplement p.p. 136, No. 213.

(22)

نسخة أُخرى

Or. 3798

مجهولة الناسخ ، تمّ الفراغ من المجموع بكامله ، ضحوة يوم الاثنين ، ثامن عشر شهر شعبان ... عام اثنتين وسبعين وماية وألف (1172) من الهجرة.

ضمن مجموع من الورقة 169/ ب - 174/ ب ، 30 × 5 / 21 سم. في كلّ صفحة 27 سطراً × 5 / 12 سم.

Supplement p.p. 127, No. 256.

(23)

تحرير الأحكام

الشرعية

Or. 8329

تأليف : أبي منصور ، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المولود سنة 648 ، والمتوفّى سنة 726 هجرية.

اقتصر فيه على مجرّد الفتوى وترك الاستدلال ، لكنّه استوعب الفروع والجزئيات حتّى أنّه أُحصيت مسائله فبلغت أربعين ألف مسألة ، رتّبها على ترتيب كتب الفقه ، في أربع قواعد للعبادات ، والمعاملات ، والإيقاعات ، والأحكام. بادياً بمقدّمة ذات مباحث في معنى الفقه وفضله وآدابه ومعرفته

ص: 361

وعدم كتمانه.

يبدأ هذا المجلّد بكتاب الفراق وتوابعه إلى آخر كتاب الديّات.

أوّله بعد البسملة : القاعدة الثالثة في الإيقاعات ، وفيها كتب ، كتاب الفراق وفيه مقاصد ، المقصد الأوّل في الطلاق ، وفيه فصول ...

نسخة نفيسة ، لعلّها بخطّ مؤلّفها ، جاء في آخر الورقة (84) ما صورته : تمّ الجزء الثالث من كتاب تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الاماميّة والحمد لله ... وذلك في يوم الجمعة ، خامس عشر من شهر الله الأصب رجب المبارك ، من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة الهلاليّة ، ويتلوه في الجزء الرابع كتاب الميراث بحمد الله ...

ينقص من الكتاب الصفحة الأخيرة فقط ، وقد أكملت مؤخّراً بخطّ حديث.

نسخة نفيسة ، في 178 ورقة ، 3 / 24 × 16 سم. في كلّ صفحة 25 سطراً × 5 / 13 سم.

* الذريعة 3 : 378 ، إيضاح المكنون 1 : 231 ، البداية والنهاية 14 : 125 ، النجوم الزاهرة 9 : 267 ، معجم المؤلّفين 3 : 303.

Brockelmann: g, I: 164, s, II: 206 - 209.

(24)

نسخة منه

Add. 6533

تبدأ بكتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديّات.

أوّله بعد البسملة : الحمد لله المتقدّس بكماله عن مشابهة

ص: 362

المخلوقات ، المتنزّه بعلوّه عن مشاركة الممكنات ، القادر على إيجاد الموجودات ... أمّا بعد ، فإنّ هذا الكتاب الموسوم بتحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية ، قد جمعنا فيه معظم المسائل الفقهيّة ، وأوردنا فيه أكثر المطالب التكليفيّة ...

آخرها : فهذا آخر ما أفدناه في هذا الكتاب ... ومن أراد الغاية ، وقصد النهاية ، فعليه بكتابنا الموسوم بمنتهى المطلب في تحقيق المذهب ، والله الموفّق للصواب.

مجهولة الناسخ ، تمّ الفراغ من نسخها سنة 1101 هجرية ، جاء ذلك في الصفحة الأخيرة منه بلفظ : قد وقع الفراغ من نسخه من نسخة صحيحة ومقابلة منها ، في شهر جمادى الآخرة من شهور سنة (1101) إحدى ومائة بعد الألف من الهجرة.

في 452 ورقة ، 26 × 5 / 17 سم. في كلّ صفحة 27 سطراً × 12 سم.

للموضوع صلة ...

ص: 363

مصطلحات نحوية (28)

السيّد علي حسن مطر

أربعة وخمسون : مصطلح الإلغاء

لغة :

للإلغاء في اللغة معنيان ، هما : الإبطالُ ، والإلقاءُ أو الإسقاط ؛ يقال : «ألغى الشيءَ : أبطلَه ، وألغاهُ من العَدَدِ : ألقاه منه» (1) ..

وقال في اللسان : «ألغيتُ الشيءَ : أبطلتُه ، وكان ابن عباس رضي الله عنهيُلغي طلاقَ المكرَه ، أي : يُبطلهُ» (2).

والمعنى الأوّل هو الأوفق بالمعنى الاصطلاحي النحوي ، كما سيتّضح.

اصطلاحاً :

وقد استعمل النحاة كلمة «الإلغاء» بمعناها الاصطلاحي في وقت

ص: 364


1- مختار الصحاح ، محمد بن أبي بكر الرازي ، مادّة «لغا».
2- لسان العرب ، ابن منظور ، مادّة «لغا».

مبكّر ، وخصّوها بجواز إبطال عمل الأفعال القلبية المتصرّفة الداخلة على المبتدأ والخبر والناصبة لكلّ منهما ..

قال سيبويه (ت 180 ه) : «هذا باب الأفعال التي تُستعمل وتُلغى ، فهي : ظننتُ ، وحسبتُ ، وخلتُ ، وأُريتُ ، ورأيتُ ، وزَعمتُ ، وما يتصرّف من أفعالهنّ ، فإذا جاءت مستعمَلة فهي بمنزلة : رأيتُ وضربت وأعطيتُ في الإعمال ؛ تقول : أظنُّ زيداً منطلقاً ، وزيداً أظنّ أخاك. فإذا ألغيتَ قلتَ : عبدُ الله أظنُّ ذاهبٌ. وكلّما أردت الإلغاء فالتأخير أقوى ، وكلٌّ عربي جيّد» (1) ..

ومرادهُ : التأخير في قبال توسّطها بين معموليها ، لا في قبال تقدّمها عليهما ، ذلك أن جمهور النحاة البصريين لا يجيزون إلغاءها متقدّمةً على معموليها.

قال المبرّد (ت 285 ه) : «فالذي تلغيه لا يكون متقدّماً ، إنّما يكون في أضعاف الكلام ، ألا ترى أنّك لا تقول : ظننتُ زيد منطلقٌ» (2).

وقال ابن السّراج (ت 316 ه) : «ويجوز لك أن تلغي الظنَّ إذا توسّط الكلام أو تأخّر ، وإن شئت أعملته ... ولا يحسن أن تلغيه إذا تقدّم» (3).

ونجدُ مثلَ هذا المضمون لدى كلّ من الزجّاجي (ت 327 ه) (4) ، 3.

ص: 365


1- الكتاب ، سيبويه ، تحقيق عبد السلام هارون 1 / 118 - 119.
2- المقتضب ، محمد بن يزيد المبرّد ، تحقيق عبد الخالق عضيمة 2 / 11.
3- الأُصول في النحو ، ابن السّراج ، تحقيق عبد الحسين الفتلي 1 / 180.
4- الجُمل ، أبو القاسم الزجّاجي ، تحقيق ابن أبي شنب : 43.

وأبي عليّ الفارسي (ت 377 ه) (1).

وأمّا ابن جنّي (392 ه) فقد رجّح إلغاءَ هذه الأفعال متأخّرةً على إعمالها (2) ، وممّن تابعه على ذلك ابن الخشّاب (ت 567 ه) ؛ فقد ذكر أنّه في حال تأخّر الفعل عن المبتدأ والخبر «تكون أيضاً مخيّراً بين الإلغاء والإعمال ، والإلغاء أجود ؛ لتراخي الفعل عن أقوى أماكنه ، وهو الصدر ، وضعفه لوقوعه آخراً» (3).

وذهب كلّ من : ابن بابشاذ (ت 469 ه) ، وابن معطي (ت 628 ه) إلى ترجيح إعمالها على إلغائها حال توسّطها بين المعمولين ..

قال ابن بابشاذ : «وإن وقعت وسطاً بين الاسمين ، جاز وجهان ... والإعمال أجود ... وإن وقعت أخيراً جاز أيضاً وجهان ، أجودهما الإلغاء» (4).

وقال ابن معطي : «ولا يخلو [العامل] من أن يتقدّم على المفعولين ، فيعمل ، أو يتوسط بينهما ، فيجوز الإعمال والإلغاء ، والإعمالُ أحسن ، أو يتأخر ، فيكون الإلغاءُ أحسن» (5).

وقال الزمخشري (ت 538 ه) : «إنّها إذا تقدّمت أُعملت ، ويجوز فيها الإعمال والإلغاء متوسّطة ومتأخرة» (6). 1.

ص: 366


1- المقتصد في شرح الإيضاح ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق كاظم بحر المرجان 1 / 494 - 495.
2- اللمع في العربية ، ابن جنّي ، تحقيق فائز فارس : 54 - 55.
3- المرتجل ، ابن الخشّاب ، تحقيق علي حيدر : 154.
4- شرح المقدّمة المحسبة ، ابن بابشاذ ، تحقيق خالد عبد الكريم 2 / 355.
5- الفصول الخمسون ، ابن معطي ، تحقيق محمود الطناحي : 175.
6- المفصّل في علم العربية ، جار الله الزمخشري : 261.

ويلاحظ :

إنّ ما ذكروه من ترجيح الإعمال أو الإلغاء ، تبعاً لتوسّط هذه الأفعال أو تأخّرها ، هو من آراء النحاة واجتهاداتهم الشخصية ، وتعليلهم له بقوّة العامل وضعفه لا يمكن المساعدة عليه ، ذلك أنّنا نصوغ القواعد من استقراء كلام العرب كما هو ، وهم كانوا يتكلّمون على سجيّهم ، ولم ينقل عنهم أنّهم كانوا يأخذون بنظر الاعتبار قوّة الفعل وضعفه تبعاً لوقوعه متوسّطاً أو متأخّراً ، بل لعلّ ذلك لم يدُر في خلَدهم أصلاً.

وإلى هنا وجدنا جميع النحاة يوجبون إعمال «ظنَّ وأخواتها» من أفعال القلوب إذا تقدّمت على المبتدأ والخبر ، ولا يجيزون إلغاءَها في هذه الحال.

إلاّ أنَّ ابن الحاجب (ت 646 ه) ذكر في شرحه لمفصّل الزمخشري أنّ إعمالها يقوى حال التقدّم ، لا أنّه يلزم ويجب ؛ قال : «إذا تقدّمت فالوجه الإعمال ، وهو الثابت كثيراً ، وقد نقل جواز الإلغاء ، ولا بُعْدَ فيه ؛ لأنّ المعنى في صحّة الإلغاءِ قائم ، تقدّمت أو تأخرت ، وهو : أنّ متعلّقها له إعراب مستقلّ قبل دخولها ، فجُعل بعد دخولها على أصله ، وجُعلت هي تفيد معناها خاصة (1) ، وهذا حاصل تقدّمت أو تأخرت ...

فحصل من ذلك : أنّها إذا تقدّمت قوي الإعمال أو التزم على قول ، وإذا توسّطت كان الإلغاءُ أقوى منه إذا تقدّمت ، وإذا تأخرت كان الإلغاءُ ٌ.

ص: 367


1- ومعناها هو : اليقين بثبوت الخبر للمبتدأ في نحو : علمتُ زيدٌ قائمٌ ، والشكّ في ثبوته له في نحو : ظننتُ زيدٌ قائمٌ.

أقوى منه إذا توسّطت» (1).

وقال الجامي (ت 898 ه) : «وقد نقل الإلغاء عند التقديم أيضاً ، نحو : (ظننتُ زيدٌ قائمٌ) لكنّ الجمهور على أنّه لا يجوز» (2) ، يريد جمهور نحاة البصرة.

وقال ابن مالك (ت 627 ه) : «إنّ الأفعال القلبيّة (ظنَّ واخواتها) تختصّ متصرفاتها بقبح الإلغاء في نحو : ظننتُ زيد قائم ، وبجوازه بلا قبح ولا ضعف في نحو : زيدٌ قائمٌ ظننتُ ، وزيد ظننتُ قائم ، وتقدير ضمير الشأن أو اللام المعلِّقة في نحو : ظننتُ زيدٌ قائم ، أوْلى من الإلغاء» (3).

فعلى تقدير ضمير الشأن بعدها يكون هو المفعول الأوّل والجملة بعده في محلّ نصب مفعولاً ثانياً ، وعلى تقدير اللام (ظننتُ لزيدٌ قائِم) تدخل المسألة في باب تعليق عمل الفعل القلبي في المبتدأ والخبر للفصل بينه وبينهما بلام الابتداء.

ولعلّ أوّل من عرّف الإلغاءَ اصطلاحاً هو : أبو علي الشلوبين (ت 645 ه) ؛ إذ قال : «الإلغاءُ : أن لا يُعمل العاملُ بشرط أن لا يكون هناك ما يمنعه [من العمل] ، نحو : زيدٌ ظننتُ منطلقٌ ، وزيدٌ منطلقٌ ظننتُ» (4).

أي : أنّ الإلغاء أمر اختياري تابع لقصد المتكلّم وإرادته ، وليس هناك ما يوجبه كوجود مانع من إعمال الفعل .. 9.

ص: 368


1- الإيضاح في شرح المفصّل ، ابن الحاجب ، تحقيق إبراهيم محمد عبد الله 2 / 62 - 63.
2- الفوائد الضيائية ، عبد الرحمن الجامي ، تحقيق أُسامة الرفاعي 2 / 279.
3- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، تحقيق محمد كامل بركات : 71 - 72.
4- شرح المقدّمة الجزولية ، أبو علي الشلوبين ، تحقيق تركي العتيبي 2 / 699.

وتابعه على هذا التعريف : ابن عصفور الإشبيلي (ت 669 ه) ؛ إذ قال : «الإلغاءُ وهو : ترك العمل لغير مانع من ذلك» (1).

وعرّفه ابن الناظم (ت 686 ه) بأنّه : «تركُ إعمال الفعل ؛ لضعفه بالتأخّر عن المفعولين أو التوسّط بينهما» (2).

ولا بُدّ من عدم اعتبار قوله : (لضعفه ... إلى آخره) تكملة للحدّ ؛ ذلك أنّه - على فرض صحّته - ليس ذاتياً للمعرّف ، مع أنّه ليس صحيحاً - كما ذكرنا - لأنّ الإعمال والإلغاء ليس مربوطاً به ، وإنّما هو راجع إلى إرادة المكلّف.

وعرّفه ابن هشام (ت 761 ه) بقوله : «الإلغاءُ : إبطال العمل لفظاً ومحلاًّ ، لضعف العامل بتوسّطه أو تأخّره» (3).

وميزة هذا التعريف ما تضمّنه من أنّ إبطال العمل يشمل اللفظ والمحلّ معاً ، الأمر الذي يبيّن حقيقة الإلغاء بدقّة ، ويوضّح الفارق بينه وبين التعليق ، الذي هو من خصائص «ظنّ وأخواتها» أيضاً ، ولكنّه مبطل لعملها في اللفظ دون المحلّ.

وعرّفه ابن عقيل (ت 769 ه) بأنّه : «ترك العمل لفظاً ومعنىً لا لمانع» (4) ..

وتابعه عليه السيوطي (ت 911 ه) ؛ إذ قال : هو «ترك العمل لغير 3.

ص: 369


1- شرح جمل الزجّاجي ، ابن عصفور الإشبيلي ، تحقيق أنيس بديوي 1 / 147.
2- شرح ألفيّة ابن مالك ، بدر الدين ابن الناظم : 76.
3- أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك ، ابن هشام الأنصاري ، تحقيق محي الدين عبد الحميد 1 / 313 - 314.
4- شرح ألفيّة ابن مالك ، ابن عقيل ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد 1 / 433.

مانع لفظاً ومحلاًّ» (1).

ويلاحظ أنّ (عدم المانع) وإن كانت له مدخلية في تحقّق الإلغاء ، إلاّ أنّه ليس ذاتيّاً لمفهوم الإلغاء ولا دخيلاً في حقيقته ، فيجب أن لا يدخل في صلب التعريف ، وهذا ما فعله الأُشموني (ت 900 ه) ؛ إذ قال : «الإلغاءُ : هو إبطاله (2) لفظاً ومحلاًّ» (3).3.

ص: 370


1- همع الهوامع شرح جمع الجوامع ، جلال الدين السيوطي ، تحقيق عبد العال سالم مكرم 2 / 227.
2- أي : إبطال عمل «ظنّ وأخواتها» في نصب المبتدأ والخبر.
3- شرح ألفيّة ابن مالك ، الأُشموني ، تحقيق حسن حمد 1 / 433.

خمسة وخمسون : مصطلح التعليق

لغة :

«التعليق» في اللغة : مصدر الفعل علَّقَ ؛ قال ابن فارس : «علق : العين واللام والقاف : أصل كبير صحيح يرجع إلى معنىً واحد ، وهو : أن يُناط الشيءُ بالشيءِ العالي ، ثم يُتّسعُ فيه ... تقول : علَّقتُ الشيءَ أُعلِّقُهُ تعليقاً» (1).

اصطلاحاً :

و «التعليق» من المصطلحات النحوية المبكّرة ، وقد جعله النحاة عنواناً للزوم إبطال عمل الأفعال القلبيّة (2) المتصرّفة لفظاً لا محلاًّ ، بسبب الفصل بينها وبين معموليها (المبتدأ والخبر) ب- : لام الابتداء ، أو همزة الاستفهام ، أو النفي.

قال ابن هشام في بيان المناسبة المصحّحة لاستعمال لفظ التعليق بمعناه الاصطلاحي النحوي : «وإنّما سُمّي هذا الإهمال تعليقاً ، لأنّ العامل في نحو قولك : (علمتُ ما زيدٌ قائمٌ) عامل في المحلّ وليس عاملاً في اللفظ ؛ فهو عامل لا عامل ، فشُبّهَ بالمرأة المعلّقة التي لا هي مزوّجة ولا مطلّقة ... والدليل على أنّ الفعل عامل أنّه يجوز العطف على محلّر.

ص: 371


1- مقاييس اللغة ، ابن فارس ، مادّة «علق».
2- أي : «ظنّ وأخواتها» ، الناصبة للمبتدأ والخبر.

الجملة بالنصب» (1).

قد وردت كلمة «التعليق» في كتاب سيبويه (ت 180 ه) في قوله : «قولك : (قد علمت إنّه لخيرٌ منك) ف- (إنَّ) هنا مبتدأة ، و (علمتُ) ها هنا بمنزلتها في قولك : (لقد علمتُ أيُّهم أفضلُ) معلّقة في الموضعين جميعاً» (2).

وعبّر المبرّد (ت 285 ه) عن «التعليق» ب- «الإلغاء» ؛ قال : «ألا ترى أنّه لا يدخلُ على الاستفهام من الأفعال إلاّ ما يجوز أن يُلغى ؛ لأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، وهذه الأفعال هي التي يجوز أن لا تعمل خاصّة ، وهي ما كان من العلم والشكّ ، فعلى هذا ... (ولَقَدْ عَلِموا لَمَنِ اشْتَرَاهُ) (3) ؛ لأنّ هذه الأفعال تفصلُ ما بعدها ممّا قبلها ، تقول : علمتُ لزيدٌ خيرٌ منك» (4).

وقال ابن السرّاج (ت 316 ه) : «وإذا ولي (الظنّ) حروف الاستفهام وجوابات القَسَم ، بطلَ في اللفظِ عملُه ، وعمل في الموضع» (5) ..

وقد بيّن بهذه العبارة حقيقة «التعليق» دون أن يستعمل لفظه.

وقال عبد القاهر الجرجاني (ت 471 ه) : «ويُبطل عملَها لامُ الابتداء والاستفهام ، كقولك : علمتُ لزيدٌ منطلقٌ ، و : علمتُ أيُهم أخوكَ ، ويُسمّى 2.

ص: 372


1- شرح قطر الندى وبلّ الصدى ، ابن هشام ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد : 178.
2- الكتاب ، سيبويه ، تحقيق عبد السلام هارون 3 / 147.
3- سورة البقرة 2 : 102.
4- المقتضب ، محمد بن يزيد المبرّد ، تحقيق عبد الخالق عضيمة 3 / 297.
5- الأُصول في النحو ، ابن السرّاج ، تحقيق عبد الحسين الفتلي 1 / 182.

هذا تعليقاً» (1).

وقال الزمخشري (ت 538 ه) : «ومن أصناف الفعل : أفعال القلوب ، وهي سبعة : ظننتُ ، وحسِبتُ ، وخِلتُ ، وزعمتُ ، وعلمتُ) ورأيتُ ، ووَجَدْتُ ... ومن خصائصها : ... أنّها تُعلَّق ، وذلك عند حروف الابتداء والاستفهام والنفي ، كقولك : علمتُ لزيدٌ منطلقِ ... ولا يكون التعليق في غيرها» (2).

وقال ابن الخشّاب (ت 567 ه) : إنَّ هذه الأفعال «لا تخلو أن تتصدّر على مفعوليها ، فيلزم إعمالها فيهما ، كقولك : علمتُ زيداً قائماً ... اللّهم إلاّ أن يعترض بينها وبين مفعوليها حرف له صدر الكلام ، ك- : (لامِ) الابتداء ، وهمزة الاستفهام ؛ فإنّ الحرفَ حينئذ يُعلِّقُها. وتعليقها : أن يكفَّها عن العمل في اللفظ ، فتعمل في موضع الجملة» (3).

ويفهم منه أنّه يعرّف التعليق بأنّه : كفّ العامل «ظنّ وأخواتها» عن العمل في اللفظ دون الموضع ..

وهذا ما اتّفق عليه جميع النحاة في بيانهم لحقيقة «التعليق» ، إلاّ أنّ بعضهم قيّد التعريف بوجود المانع من إعمال الفعل ، كما سيتّضح من استعراض التعاريف التالية.

وقال ابن يعيش (ت 643 ه) : «إنّ التعليق ضربٌ من الإلغاء ، والفرق بينهما : أنّ الإلغاء إبطال عمل العامل لفظاً وتقديراً ، والتعليق : إبطال 2.

ص: 373


1- الجُمل ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق علي حيدر : 15.
2- المفصّل في علم العربية ، جار الله الزمخشري : 259 - 262.
3- المرتجل ، ابن الخشّاب ، تحقيق علي حيدر : 152.

عمله لفظاً لا تقديراً ، فكلّ تعليق إلغاءٌ ، وليس كلُّ إلغاء تعليقاً ، ولمّا كان التعليق نوعاً من الإلغاء ، لم يجز أن يُعلَّق من الأفعال إلاّ ما جاز إلغاؤه ، وهي أفعال القلب ... وإنّما تُعلَّق إذا وليها حروف الابتداء ... فيبطل عملها في اللفظ وتعمل في الموضع» (1).

وقال ابن الحاجب (ت 646 ه) : «الفرق بين التعليق والإلغاء : إنّ الإلغاء عبارة عن : قطعها عن العمل مع جواز الإعمال ببقائها على أصلها ، والتعليق : قطعها عن العمل المانع من إعمالها ، وذلك عند دخول حرف الابتداء والاستفهام والنفي ؛ لأنّك لو أعملتها لجعلت ما بَعدَ لام الابتداء وحرف الاستفهام والنفي معمولاً لما قبله ، فيخرج عن أن يكون له صدور الكلام ، وهو موضوع في صدر الكلام ، فلا يعمل ما قبله في ما بعده ، فوجب الإلغاء (2) لذلك» (3) ..

ويستفاد منه : إنّ التعليق إبطالٌ لازم لعمل الفعل القلبي عند تحقّق سببه ، بخلاف إبطال العمل في الإلغاء ؛ فإنّه جائز وليس واجباً ، وهذا فرق آخر غير ما يرجع إلى موضع إبطال عمل كلّ منهما ، وأنّه اللفظ والمحلِّ معاً في الإلغاء ، واللفظ دون المحلِّ في التعليق.

وقال أبو علي الشلوبين (ت 645 ه) : التعليق : «أن لا يعمل العامل ؛ لوجود مانع في اللفظ أو في التقدير لعمله» (4) .. 9.

ص: 374


1- شرح المفصّل ، ابن يعيش ، تحقيق إميل بديع يعقوب 2 / 63.
2- يريد بالإلغاء : التعليق.
3- الإيضاح في شرح المفصّل ، ابن الحاجب ، تحقيق إبراهيم محمد عبد الله 2 / 63.
4- شرح المقدّمة الجزولية ، أبو علي الشلوبين ، تحقيق تركي العتيبي 2 / 699.

ومثله قول ابن عصفور (ت 669 ه) : التعليق : «ترك العمل لمانع» (1)، أو : «ترك العمل لموجب يمنع من ذلك» (2).

ويلاحظ عليهما : إنّهما لم يذكرا أنّ عدم العمل مختصّ باللفظ دون المحلّ.

ولا ترد هذه الملاحظة على التعاريف التالية :

أوّلاً : قول ابن الناظم (ت 686 ه) : «التعليق : ترك إعمال الفعل لفظاً لا معنىً ؛ لفصل ما له صدر الكلام بينه وبين معموله» (3).

ثانياً : قول ابن هشام (ت 761 ه) : التعليق : «إبطال عملها لفظاً لا محلاًّ ؛ لاعتراض ما له صدر الكلام بينها وبين معموليها» (4).

ثالثاً : قول ابن عقيل (ت 765 ه) : «فالتعليق هو : ترك العمل لفظاً دون معنىً ؛ لمانع» (5).

وبمضمون هذه التعريفات ، مع اختلاف يسير في الألفاظ ، ما ذكره كلّ من : الجامي (ت 898 ه) (6) ، والسيوطي (ت 911 ه) (7) ، وابن طولون 3.

ص: 375


1- المقرِّب ، ابن عصفور ، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوَّض : 183.
2- شرح جُمل الزجّاجي ، ابن عصفور ، تحقيق أنيس بديوي 1 / 151.
3- شرح ألفيّة ابن مالك ، بدر الدين ابن الناظم : 76.
4- شرح قطر الندى وبلّ الصدى ، ابن هشام الأنصاري ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد : 176.
5- شرح ألفيّة ابن مالك ، ابن عقيل ، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد 1 / 432 - 433.
6- الفوائد الضيائية ، عبد الرحمن الجامي ، تحقيق أُسامة الرفاعي 2 / 280.
7- همع الهوامع شرح جمع الجوامع ، جلال الدين السيوطي ، تحقيق عبد العال سالم مكرم 2 / 233.

(ت 953 ه) (1).

ويلاحظ على هذه التعريفات :

إنّ ذكر «عدم المانع» فيها لا بأس به بوصفه بياناً زائداً ، ولكن لا ينبغي أن يتوهّم أنّه جزء من التعريف ؛ لأنّه ليس من ذاتيات المعرَّف الداخلة في حقيقته ؛ ولأجل الاحتراز من هذا التوهّم اقتصر ابن مالك (ت 672 ه) والرضي الاسترآبادي (ت 686 ه) ، والأُشموني (ت 900 ه) على تعريف «التعليق» بأنّه : «إبطال العمل لفظاً لا محلاًّ» (2).9.

ص: 376


1- شرح ألفيّة ابن مالك ، ابن طولون ، تحقيق عبد الحميد الكبيسي 1 / 290.
2- أ : شرح عمدة الحافظ وعدّة اللافظ ، ابن مالك ، تحقيق عدنان عبد الرحمن الراوي : 161. ب : شرح الكافية : الرضي الاسترآبادي ، تحقيق يوسف حسن عمر 4 / 159. ج : شرح ألفيّة ابن مالك ، الأُشموني ، تحقيق حسن حمد 4 / 159.

من ذخائر التراث

ص: 377

ص: 378

صورة

ص: 379

ص: 380

مقدّمة التحقيق ..

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على الرسول الأُمّي ، صاحب المعجزة البليغة ، الذي تحدّى بها بلغاء الكفّار ، وفصحاء المشركين ، من الإنس والجنّ أجمعين ، على الإتيان ولو بسورة من مثله إن كانوا صادقين ، وعلى أخيه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب القرآن الناطق ، وعلى المعصومين من آله الطيّبين الطاهرين حجج الله على الخلق أجمعين.

أمّا بعد ..

طال النقاش وكثر الجدل - بين أفراد هذه الأُمّة التي بدأت تتكالب عليها الأُمم من كلّ حدب وصوب بسبب جعلهم القرآن هذا الكتاب العظيم وراء ظهورهم (1) حتّى أصبحوا يقرؤونه لا يجاوز تراقيهم (2) - حول من جمع قرآن؟ وهل كان القرآن مجموعاً في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أم أنّه كان مبعثراً على العسب ، والرقاع ، واللخاف ، وفي صدور الناس - كما جاء في بعض الروايات - ، وجاء من جاء بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتصدّى لجمعه 6.

ص: 381


1- قال تعالى في محكم كتابه العزيز : (ولمّا جاءهُم رسولٌ من عند الله مصدّقٌ لما معهم نبذَ فريقٌ من الّذين أُوتوا الكتابَ كتابَ الله وراءَ ظُهورِهم كأنّهم لا يعلمُون). سورة البقرة 2 : 101.
2- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يكون آخر الزمان قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّمِية». مسند أحمد 1 / 156.

وترتيبه؟! وكأنّهم أشدّ حرصاً مِمَّنْ نزل عليه كلمة بعد كلمة ، وآية بعد آية ، وسورة بعد سورة ، أشدّ حرصاً مِمَّنْ كان يلهج ويأنس بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار!!

وراح كلّ فريق ينسب فضل جمع القرآن لصاحبه ، ويضع الأحاديث والروايات من أجل تثبيت ذلك ، دون أن يمعن النظر في ما يقول وفي ما يروي ، حتّى أصبحت هذه الأقوال والروايات تتضارب في ما بينها ، وتناقض بعضها بعضاً.

فكانت هذه الرسالة التي بين يديك ، مختصرةً متينة ، علميةً رصينة ، توضّح لك عزيزي القارئ - وبشكل منصف من دون أن تؤثّر فيها الأهواء أو الميول الشخصية لصاحبها قدس سره - التناقضات الواقعة في هذه الروايات ، وكأنها معادلة رياضية تضع لك الأبعاد والمقاييس التي توصلك إلى الحقيقة ، التي حاولوا من خلال هذه الروايات والأحاديث المنسوبة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحجبوها عن الناس.

لذا ترى أنّها تعرض لك مجموعة من هذه الروايات ، ثمّ تبدأ بطرح بعض التساؤلات حولها والإجابة عنها بشكل حيادي وعلمي بحت ، من أجل الوصول إلى الحقيقة التي حاول بعضهم إخفاءها عن الناس من خلال هذه الروايات المضلّلة والموهمة لغير المتخصّصين في علوم الحديث والدراية ، بل إنّنا على يقين بأنّها غير خافية حتّى على غير المتخصّصين في ذلك المجال من ذوي العقول النيّرة والألباب المتفتّحة.

ومن هنا كانت الغاية من عملنا على هذه الرسالة هي ..

أوّلا : من أجل إبرازها بحلّة جديدة ، بعد إضافة بعض اللمسات التي رأيناها مفيدة ؛ لتزيدها جمالا على جمالها ، ورصانةً إلى رصانتها.

ص: 382

وثانياً : من أجل إحياء أثر من آثار هذا العالم الربّاني الجليل الذي أغنى المكتبة الإسلامية بما كتب من مؤلّفات رائعة.

وثالثاً : لكي نوفّر على الباحثين في هذا الموضوع جهد وعناء البحث في بطون الكتب والمصادر القديمة.

فكانت الرسالة بهذه الصورة التي بين يديك ، وما توفيقي إلاّ بالله العلي العظيم.

ص: 383

من هو الإمام الخوئي؟

* يقول الدكتور محمد حسين الصغير :

«الإمام الخوئي إحدى عجائب الدهر ومحاسن الدنيا ، زعيم الحوزات العلمية في العالم ، ومجدّد علم الأُصول في القرن العشرين ، وأُستاذ الفقهاء والمجتهدين في النجف الأشرف.

وهو ظاهرة لن تتكرّر - ولله خرق العادات - ، فقد استقلّ بالبحث الخارج العالي طيلة ستّين عاماً متواصلة ، وقد وهبه الله عمراً مديداً ما فرّط بيوم واحد منه ، حتى ما رآه أحد إلاّ مدرّساً ، أو دارساً ، أو مطالعاً ، أو محرّراً أو مفكراً ، وهذا سرّ عظمته كما هو الأمر الواقع» (1).

* ومن الأقوال الخالدة التي قيلت في حقّ الإمام الخوئي قدس سره ، التي إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على عظيم مكانته وجليل قدره وهو في مقتبل عمره ، هو ما قاله أُستاذه العلاّمة الكبير الشيخ محمد جواد البلاغي قدس سرهفي معرض تعريفه بكتاب «نفحات الإعجاز» (2) ؛ فقد قال ما نصه :

«للعالم الكبير ، والمتحلّي في شبابه بفضيلة المشايخ ، سيّدنا السيّد أبي القاسم الخوئي النجفي ، دام فضله» (3). 1.

ص: 384


1- أساطين المرجعية العليا : 202 - 203.
2- سيأتي ذِكره في الصفحة 11 ، ضمن مؤلّفات السيّد الخوئي قدس سره.
3- الرحلة المدرسية 2 / 207 ه- 1.

سيرته الذاتية (1) :

هو : أبو القاسم بن علي أكبر بن هاشم الموسوي الخوئي ، وُلد في بلدة (خوي) من بلاد أذربيجان ، في 15 رجب 1317 ه- ، ونشأ بها مع والده وإخوته.

أتقن القراءة والكتابة وبعض المبادئ ، حتّى حدث الاختلاف الشديد بين الأُمّة لأجلّ حادثة المشروطة ، فهاجر والده بسببها إلى النجف الأشرف سنة 1328 ه- ، ثمّ التحق بوالده في سنة 1330 ه- برفقة أخيه الأكبر السيّد عبد الله الخوئي ، وبقية أفراد عائلته.

درس قدس سره العلوم الأدبية والمنطق ، ثمّ الكتب الدارسية الأُصولية والفقهية في النجف الأشرف على يد كثير من أعلام النجف ، منهم والده العلاّمة السيّد علي أكبر الخوئي رحمه الله ، ثمّ حضر الدروس العليا «بحث الخارج» على أكابر المدرّسين في سنة 1338 ه- ، منهم خمسة أساتذة كبار ، وهم :

1 - آية الله الشيخ فتح الله ، المعروف بشيخ الشريعة الأصفهاني.

2 - آية الله الشيخ مهدي المازندراني.

3 - آية الله الشيخ ضياء الدين العراقي.

4 - آية الله الشيخ محمد حسين الأصفهاني.

5 - آية الله الشيخ محمد حسين النائيني. 7.

ص: 385


1- انظر : معجم رجال الحديث 23 / 20 رقم 14727.

وهذان الأخيران هو أكثر من تتلمذ عليهما فقهاً وأُصولا ، فقد حضر على كلّ منهما دورة كاملة في الأُصول ، وعدّة كتب في الفقه حفنة من السنين ، وقرّر بحث كلّ منهما على جمع من الحاضرين في البحث ، وفيهم غير واحد من الأفاضل ، وكان المرحوم النائيني آخر أُستاذ لازمه.

وله في الرواية مشايخ أجازوه أن يروي عنهم كتب الإمامية وغيرهم ، ولذا يروي بعدّة طرق الكتب الأربعة (الكافي - الفقيه - التهذيب - الاستبصار) والجوامع الأخيرة (الوسائل - البحار - الوافي) وغيرها من كتب أصحابنا (قدّس الله سرّهم) ، فمن تلك الطرق ما يرويه عن شيخه النائيني عن شيخه النوري بطرقه المحرّرة في خاتمة كتابه «مستدرك الوسائل» المعروفة ب- (مواقع النجوم) المنتهية إلى أهل بيت العصمة والطهارة.

تدريسه :

قد أكثر من التدريس ، وألقى محاضرات كثيرة في الفقه والأُصول ، والتفسير ، وربّى جمّاً غفيراً من أفاضل الطلاّب في حوزة النجف الأشرف ، وألقى محاضرات في الفقه (البحث الخارج) دورتين كاملتين لمكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري (قدّست نفسه).

كما درّس جملة من الكتب الأُخرى ، ودورتين كاملتين لكتاب الصلاة ، وشرع في 27 ربيع الأوّل سنة 1377 ه- في تدريس فروع «العروة الوثقى» لفقيه الطائفة السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ، مبتدئاً بكتاب (الطهارة) ، إذ كان قد درّس (الاجتهاد والتقليد) قبل ذلك ، وقطع شوطاً بعيداً فيها حتى وصل إلى كتاب (الإجارة) فشرع فيه في يوم 26 ربيع الأوّل سنة 1400 ه- ، وقد أشرف على إنجازه في شهر صفر سنة 1401 ه.

ص: 386

وألقى محاضرات في الأُصول (البحث الخارج) ستّ دورات كاملات ، أمّا السابعة فقد حال تراكم أشغال المرجعيّة دون إتمامها ، فتخلّى عنها في مبحث الضدّ.

وكان قد شرع في تدريس تفسير القرآن الكريم برهة من الزمن إلى أن حالت ظروف قاسية دون ما كان يرغب فيه من إتمامه ، وكم كان يودّ نشر هذا الدرس وتطويره ، ولم يتوقّف عن التدريس إلاّ في الضرورات كالمرض والسفر.

تشرّف بحجّ بيت الله الحرام عام 1353 ه- ، وتشرّف بزيارة الإمام الرضا عليه السلام عامَي 1350 و 1368 ه.

وقد قرّر مجموعة كبيرة من أفاضل تلامذته ما ألقاه عليهم من دروس في الفقه ، والأُصول ، والتفسير ، وقد طبع جملة منها ، وفي ما يلي قائمة بالمطبوع فحسب.

اسم الكتاب

عدد الأجزاء

الموضوع

1 - تنقيح العروة الوثقى

6

فقه

2 - دروس في فقه الشيعة

4

فقه

3 - مستند العروة

2 والثالث تحت الطبع

فقه

4 - فقه العترة

1 والثاني تحت الطبع

فقه

وهذه الأربعة مشتملة على عدّة أجزاء لم تطبع إلى الآن

5 - تحرير العروة

1

فقه

6 - مصباح الفقاهة

3

فقه

7 - محاضرات في الفقه الجعفري

2

فقه

ص: 387

8 - الدرر الغوالي في فروع العلم الإجمالي

1

فقه

9 - محاضرات في أُصول الفقه وهي دورة طبع

منها

5

أُصول

10 - مصباح الأُصول

2

أُصول

11 - مباني الاستنباط

2

أُصول

12 - دراسات في الأُصول العملية

1

أُصول

13 - مصابيح الأُصول

1

أُصول

14 - جواهر الأُصول

1

أُصول

15 - الأمر بين الأمرين

1

أُصول

16 - الرأي السديد في الاجتهاد والتقليد

1

أُصول

17 - رسالة في تحقيق الكرّ

1

فقه

18 - رسالة في حكم أواني الذهب

1

فقه

وقد سجّل جميع الدورة السادسة من درس الأُصول في أشرطة خاصّة محفوظة ، وكذلك الكثير من أبحاثه الفقهية.

مؤلفاته :

وقد ألّف في التفسير ، والفقه ، والأُصول ، والرجال مجموعة من الكتب ، طبع بعضها ، ولا يزال بعضها الآخر مخطوطاً ، وإليك قائمة بالمطبوعات :

اسم الكتاب عدد الأجزاء الموضوع

اسم الكتاب

عدد الأجزاء

الموضوع

1 - البيان في تفسير القرآن

1

تفسير

2 - أجود التقريرات

2

أُصول

ص: 388

3 - تكملة منهاج الصالحين

1

فقه

4 - مباني تكملة منهاج الصالحين

2

فقه

5 - تهذيب وتتميم منهاج الصالحين

2

فقه

6 - المسائل المنتخبة

1

فقه

7 - مستحدثات المسائل

1

فقه

8 - تعليقة على العروة الوثقى

1

فقه

9 - رسالة في اللباس المشكوك

1

فقه

10 - نفحات الإعجاز

1

الدفاع عن كرامة القرآن

11 - منتخب الرسائل

1

فقه

12 - تعليقة على المسائل الفقهية

1

فقه

13 - منتخب توضيح المسائل

1

فقه

14 - تعليقة على توضيح المسائل

طبعت مستقلّة ثمّ أُدرجت في المتن

1

فقه

15 - تلخيص المنتخب

1

فقه

16 - مناسك الحجّ (عربي)

1

فقه

17 - مناسح الحجّ (فارسي)

1

فقه

18 - تعليقة المنهج لأحكام الحجّ

1

فقه

19 - معجم رجال الحديث

24

رجال

وفاته :

يقول الدكتور محمد حسين الصغير : «توفّي بالكوفة الغرّاء بتاريخ

ص: 389

8 صفر 1413 ه- = 8 آب 1992 م.

ودفن في مقبرته الخاصّة جوار مرقد أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف ، في الغرفة الملاصقة لمسجد الخضراء ، والمطلّة على الصحن الحيدري الشريف ، ما بينه وبين أمير المؤمنين سوى عشرين متراً بالضبط.

وقد أشرت إلى هذا حينما أرّخت عام وفاته ، وقد رُقّشَتْ بالقاشاني ما بين الشبّاكين المطلّين على ضريحه المقدّس منتصفاً حرم مسجد الخضراء ، وكان هذا التأريخ الذي وفّقت إلى نظمه ، هو المختار من بين أكثر من مئة تأريخ ، فوقع نظر الحوزة العلمية وولده حجّة الإسلام والمسلمين المرحوم السيّد محمّد تقي الخوئي (ت 1994 م) عليه ، وهو :

لمّا اصطفينا للهدى مضجعا

وأصبح (الخوئي) فيه دفينْ

ومن (عليّ) قد دنا موقعا

وهكذا عاقبة المحسنينْ

نُودي فاهتزّ لها مسمعا

إنّا فتحنا لك فتحاً مبينْ

وأنشد التأريخ (لمّا دعا

أُزلفت الجنّة للمتّقينْ)

1413 ه» (1). 2.

ص: 390


1- أساطين المرجعية العليا : 201 - 202.

منهجية التحقيق

اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على الفصل الذي استللته من كتاب «البيان في تفسير القرآن» ، الطبعة الثامنة ، 1401 ه- - 1981 م ، من منشورات مكتبة أنوار الهدى في قم بإيران.

وقد اقتصرتُ في عملي على الخطوات التالية :

1 - ضبط النصّ ، من حيث التقطيع والتصحيح.

2 - تخريج الآيات القرآنية.

3 - تخريج الأحاديث النبوية الشريفة ، وإرجاعها إلى مصادرها الأصلية ، وقد اقتصرت فيها على ذِكرِ بعضِ أهمّ المصادر المخرِّجة لها.

4 - توضيح المطالب المهمة ، بشرحها والتعليق عليها ، أو إحالتها على مصادرها الأصلية.

5 - شرح معاني بعض الكلمات الغامضة والغريبة.

6 - أبقيتُ على الهوامش والتخريجات التي أثبتها السيّد الخوئي قدس سره ، وألحقت بها جملة «منه قدس سره» ، محافظةً منّي على الأصل ، وأضفتُ إلى تخريجات السيّد قدس سره تخريجات جديدة وفق طبعات المصادر التي اعتمدتها في التحقيق ، وجعلت ذلك بين العضادتين [].

7 - جعلتُ العناوين التي كانت مجموعة في بداية الفصل بين العضادتين [] ووضعتها في بداية كلّ مطلب ؛ لتتناسب مع كونها رسالة مستقلّة.

ص: 391

وفي الختام :

لا يسعني إلاّ أن أُقدّم شكري وتقديري للأخوين الكريمين السيّد محمد علي الحكيم (أبو حسن) والأُستاذ جواد حسين الورد (أبو غسق) لِما قدّماه لي من ملحوظات علمية وفنّية قيّمة.

كما أُهدي هذا الجهد البسيط إلى التي أتظلل فَيْءَ قبّتها الشريفة منذ عام 1999 م ، سيّدتي ومولاتي أُمّ المصائب زينب الكبرى سلام الله عليها ، راجياً منها القبول والشفاعة يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.

وآخر دعوانا أنِ :

«اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن ، صلواتك عليه وعلى آبائه ، في هذه الساعة ، وفي كلّ ساعة ، وليّاً وحافظاً ، وقائداً وناصراً ، ودليلا وعيناً ، حتّى تسكنه أرضك طوعاً ، وتمتّعه فيها طويلا».

والحمد لله أوّلا وآخراً ، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجبين ، وسلّم تسليماً كثيراً.

ذكرى

مولد أمير المؤمنين

الإمام

عليّ بن أبي طالب عليه السلام

13

رجب 1427

علي

جلال باقر الداقوقي

ص: 392

[كيفية جمع القرآن]

إنّ موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي يتذرّع بها القائلون بالتحريف إلى إثبات أنّ في القرآن تحريفاً وتغييراً ، وأنّ كيفية جمعه مستلزمة - في العادة - لوقوع هذا التحريف والتغيير فيه.

فكان من الضروري أن يعقد هذا البحث إكمالا لصيانة القرآن من التحريف ، وتنزيهه عن [أيّ] (1) نقص أو أيّ تغيير.

إنّ مصدر هذه الشبهة هو زعمهم بأنّ جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر بعد أن قُتِل سبعون رجلا من القرّاء في بئر معونة (2) ، وأربعمئة نفر اً

ص: 393


1- أضفناها لتوحيد النسق.
2- بئر مَعُونة - بالنون - ؛ قال ابن إسحاق : بئر معونة بين أرض بني عامر وحَرَّة بني سُلَيم ، وقال : كِلا البلدين منها قريب ، إلاّ أنّها إلى حرّة بني سُليم أقرب ، وقيل : بئر معونة بين جبال يقال لها : أُبلى ، في طريق المُصعِد من المدينة إلى مكّة ، وهي لبني سُليم. انظر : معجم البلدان 1 / 358 - 359 رقم 1235. ومجمل القصّة كما رواها ابن إسحاق ، بأنّه قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر مُلاعب الأسنّة - وكان سيد بني عامر بن صعصعة - على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)المدينة ، وأهدى له هدية ، فقال له : «يا أبا براء! لا أقبل هدية مشرك» ، فقال : لو بعثت رجلا إلى أهل نجد لأجابوك ؛ قال : «أخشى عليهم» ، قال : أنا لهم جار ، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك ؛ فبعث المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة في سبعين رجلا من خيار المسلمين ، وكان كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع حزام بن ملحان خرج به إلى عامر بن الطفيل فلم ينظر عامر إليه ، فقال حزام : يا أهل بئر معونة! إنّي رسول رسول الله إليكم ، وإنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً

في حرب اليمامة (1) ، فخيف ضياع القرآن وذهابه من الناس ، فتصدّى عمر ي.

ص: 394


1- إشارة إلى ما وقع من معارك طاحنة بين المسلمين من جهة وبين أنصار المرتدّ ومدّعي النبوّة مسليمة الكذّاب ، والتي بدأت رحاها تدور في أواخر العام الحادي عشر من الهجرة ، وانتهت في ربيع الأوّل من العام الثاني عشر بقتل مسيلمة ، وقد قُتل خلالها عدد كبير من المسلمين. واليمامة : منقول عن اسم طائر يقال له : اليمام ، واحدته : يمامة ، واختُلف فيه ، فقال الكسائي : اليمام من الحمام التي تكون في البيوت ، والحمام البرّي ، وقال الأصمعي : اليمام ضرب من الحمام البرّي.

وزيد بن ثابت لجمع القرآن من العُسُب (1) ، والرِّقاع (2) ، واللِخاف (3) ، ومن صدور الناس بشرط أن يشهد شاهدان على أنه من القرآن.

وقد صُرّح بجميع ذلك في عدّة من الروايات ..

والعادة تقضي بفوات شيء منه على المتصدّي لذلك إذا كان غير معصوم ، كما هو مشاهد في مَن يتصدّى لجمع شعر شاعر واحد أو أكثر ، إذا كان هذا الشعر متفرّقاً.

وهذا الحكم قطعي بمقتضى العادة ، ولا أقلّ من احتمال وقوع التحريف ، فإنّ من المحتمل عدم إمكان إقامة شاهدين على بعض ما سُمع ».

ص: 395


1- العَسِيب : جريدة النخل ، إذا نُحِّيَ عنه خوصه ، والعَسيبُ من السَّعفِ : فُوَيْقَ الكَرَب ، لم ينبت عليه الخوص ، وما نبت عليه الخوص فهو السعف. انظر : لسان العرب 9 / 197 - 198 مادّة «عسب».
2- الرِّقاع : جمع الرُّقعة التي تُكتب ، وفي الحديث : يجيء أحدُكم يوم القيامة على رقبته رقاع تخفِق ؛ أراد بالرِّقاع ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع ؛ والرُّقعة : الخرقة. انظر : لسان العرب 5 / 285 مادّة «رقع».
3- اللخاف : حجارة بيض عريضة رقاق ، واحدتها : لَخْفة. انظر : لسان العرب 12 / 261 مادّة «لخف».

من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلا يبقى وثوق بعدم النقيصة.

والجواب :

إنّ هذه الشبهة مبتنية على صحّة الروايات الواردة في كيفيّة جمع القرآن ، والأَوْلى أن نذكر هذه الروايات ، ثمّ نعقّبها بما يَرِدُ عليها.

ص: 396

[عرض الروايات في جمع القرآن]

أحاديث جمع القرآن :

1 - روى زيد بن ثابت ، قال :

«أرسل إليَّ أبو بكر ، مقتل أهل يمامة ، فإذا عمر بن الخطّاب عنده ؛ قال أبو بكر : إنّ عمر أتاني فقال : إنّ القتل قد استحرّ (1) يوم اليمامة بقرّاء القرآن ، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن.

قلت لعمر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟!

قال عمر : هذا والله خير.

فلم يزل عمر يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.

قال زيد : قال أبو بكر : إنّك رجل شابُّ عاقل لا نتّهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فتتبّع القرآن فاجمعه.

فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علَيَّ ممّا أمرني من جمع القرآن ، قلت : كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

قال : هو والله خير.

فلم يزل أبو بكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح له ».

ص: 397


1- استحرّ القتل وحَرَّ بمعنى اشتدَّ. انظر : لسان العرب 3 / 116 مادّة «حرر».

صدر أبي بكر وعمر ، فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب ، واللخاف ، وصدور الرجال ، حتّى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري ، لم أجدها مع أحد غيره : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم * فإن تولّوا فقل حسبي الله لا إله إلاّ هو عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم) (1) حتّى خاتمة براءة.

فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفاه الله ، ثمّ عند عمر حياته ، ثمّ عند حفصة بنت عمر» (2).

2 - وروى ابن شهاب ، أنّ أنس بن مالك حدّثه :

«إنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأُمّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.

فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثمّ نردّها إليك. 1.

ص: 398


1- سورة التوبة 9 : 128 و 129.
2- صحيح البخاري ، باب جمع القرآن ج 6 ص 98 [6 / 314 ح 8]. منه قدس سره. وانظر : صحيح البخاري 6 / 136 ح 199 وج 8 / 134 ح 51 ، مسند أحمد 1 / 13 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 2 / 41 ، مسند أبي داود الطيالسي : 3 ، جزء أشيب - للأشيب البغدادي - : 70 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 7 ح 7995 ، مسند أبي يعلى 1 / 72 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 7 / 18 ح 4489 ، المصاحف - للسجستاني - : 12 - 15. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 43 - 44 ، كنز العمّال 2 / 571 ح 4751.

فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيّين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنّما نزل بلسانهم.

ففعلوا ، حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ، فأرسل إلى كلّ أُفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق» (1).

قال ابن شهاب :

«وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت ، سمع زيد بن ثابت ، قال : فقدتُ آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف ، قد كنت أسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري (2) : (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله مع

ص: 399


1- أقول : أمن المعقول والمنطقي أنّ دولةً إسلاميةً كبيرةً هزّت عروش إمبراطوريات عظيمة ، ووصلت إلى ما وصلت إليه من الامتداد والتوسّع في رقعتها ، حتّى بلغت أرمينيا وأذربيجان في زمن عثمان بن عفّان لا تملك صحفاً من القرآن إلاّ نسخةً واحدة عند حفصة لكي يستعين بها عثمان في نسخها في المصاحف ثمّ إرسالها إلى كلّ أُفق كما هو المفهوم من هذه الرواية والرواية الأُولى؟!
2- هو : أبو عُمارة خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخَطْمي الأوسي الأنصاري ، ولقّب بذي الشهادتين ؛ لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل شهادته بشهادة رجلين في حادثة مشهورة يأتي ذِكرها. شهد بدراً وما بعدها من المشاهد ، وكان ورجل آخر يكسّران أصنام بني خَطْمة ، وكانت راية بني خَطْمة بيده يوم الفتح ، وشهد حربَي الجمل وصِفّين مع

عليه) (1).

فألحقناها في سورتها في المصحف» (2).

3 - وروى ابن أبي شيبة (3) بإسناده عن عليّ ، قال :

«أعظم الناس في المصاحف أجراً أبو بكر ، إنّ أبا بكر أوّل من جمع ما بين اللوحين» (4).46

ص: 400


1- سورة الأحزاب 33 : 23.
2- صحيح البخاري ج 6 ص 99 [6 / 315 ح 9] ، وهاتان الروايتان وما بعدهما إلى الرواية الحادية والعشرين ، مذكورة في منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد ج 2 ص 43 - 52. منه قدس سره. وانظر : مسند أبي يعلى 1 / 92 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 7 / 18 ذ ح 4489 ، تفسير الطبري 1 / 49 ، المصاحف - للسجستاني - : 26 ، الإحكام في أُصول الأحكام - لابن حزم - 1 / 568. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 49 ، كنز العمّال 2 / 581 ح 4775.
3- أقول : لم أجد الحديث بهذا اللفظ والسند في مصنّف ابن أبي شيبة. والظاهر أنّ السيّد قدس سره سبق نظره إلى الحرف (ش) - الذي يرمز لاسم ابن أبي شيبة في منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 44 - الوارد قبل هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وبعد حديث صعصعة : «أوّل من جمع القرآن وورّث الكلالة أبو بكر» الذي رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه 7 / 197 ب 53 ح 3.
4- انظر : معرفة الصحابة - لأبي نُعيم - 1 / 32 ح 107 ، المصاحف - للسجستاني - : 11 ، كنز العمّال 2 / 572 ح 4753. وورد مضمونه - كذلك - في : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 3 / 144 رقم 46

4 - وروى ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله وخارجة :

«إنّ أبا بكر الصدّيق كان جمع القرآن في قراطيس (1) ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى ، حتّى استعان عليه بعمر ، ففعل ، فكانت الكتب عند أبي بكر حتّى توفّي ، ثمّ عند عمر حتّى توفّي ، ثمّ كانت عند حفصة زوج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأرسل إليها عثمان ، فأبت أن تدفعها ، حتّى عاهدها ليردّنّها إليها ، فبعثت بها إليه ، فنسخ عثمان هذه المصاحف ، ثمّ ردّها إليها ، فلم تزل عندها ...» (2).

5 - وروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال :

«لمّا قُتل أهل اليمامة ، أمر أبو بكر عمرَ بن الخطّاب ، وزيدَ بن ثابت ، فقال : اجلسا على باب المسجد ، فلا يأتينكما أحد بشيء من القرآن تنكرانه يشهد عليه رجلان إلاّ أثبتُّماه ؛ وذلك لأنّه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جمعوا القرآن» (3). 6.

ص: 401


1- القرطاس : معروف يُتَّخذ من بَرْدِيّ يكون بمصر ، والقِرْطاس : ضَرْبٌ من برود مصر ، والقِرْطاس : أديم يُنْصَب للنِّضال ، ويسمّى الغَرَضُ قِرْطاساً ، وكلّ أديم ينصَب للنِّضال فاسمُه قِرطاس ، فإذا أصابه الرامي قيل : قَرْطَس ، أي أصاب القرطاس ، والرِّمْيَةُ التي تُصيب مُقَرْطِسة ، والقِرْطاسُ والقُرطاس والقِرْطَس والقَرْطاس ، كلّه : الصحيفة الثابتة التي يُكتب فيها. انظر : لسان العرب 11 / 116 مادّة «قرطس».
2- المصاحف - للسجستاني - : 15 - 16. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 44 - 45 ، كنز العمّال 2 / 573 ح 4755.
3- تاريخ دمشق 44 / 376.

6 - وروى محمد بن سيرين ، قال :

«قُتل عمر ولم يجمع القرآن» (1).

7 - وروى الحسن :

«إنّ عمر بن الخطّاب سأل عن آية من كتاب الله ، فقيل : كانت مع فلان فقُتِل يوم اليمامة.

فقال : إنا لله ؛ وأمر بالقرآن فجُمع ، فكان أوّل من جمعه في المصحف» (2).

8 - وروى يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، قال :

«أراد عمر بن الخطّاب أن يجمع القرآن ، فقام في الناس ، فقال : من كان تَلقّى من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً من القرآن فليأتنا به!

وكانوا كتبوا ذلك في الصحف ، والألواح ، والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتّى يشهد شهيدان ، فَقُتِلَ وهو يجمع ذلك إليه.

فقام عثمان ، فقال : من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به!

وكان لا يقبل من ذلك شيئاً حتّى يشهد عليه شهيدان ، فجاءه خزيمة بن ثابت ، فقال : إنّي قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما! 8.

ص: 402


1- الطبقات الكبرى - لابن سعد - 3 / 224 رقم 56 ، تاريخ دمشق 44 / 376. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 45 ، كنز العمّال 2 / 574 ح 4757.
2- المصاحف - للسجستاني - : 16. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 45 ، كنز العمّال 2 / 574 ح 4758.

قالوا : ما هما؟

قال : تلقّيت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم ...) (1) إلى آخر السورة.

فقال عثمان : وأنا أشهد أنّهما من عند الله ، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن.

فخُتمت بهما براءة» (2).

9 - وروى عبيد بن عمير ، قال :

«كان عمر لا يثبت آية في المصحف حتّى يشهد رجلان ، فجاءه رجل من الأنصار بهاتين الآيتين : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم ...) إلى آخرها.

فقال عمر : لا أسألك عليها بيّنة أبداً ، كذلك كان رسول الله» (3).

10 - وروى سليمان بن أرقم ، عن الحسن ، وابن سيرين ، وابن شهاب الزهري ، قالوا :

«لمّا أسرع القتل في قرّاء القرآن يوم اليمامة قُتل منهم يومئذ 2.

ص: 403


1- سورة التوبة 9 : 128.
2- انظر : المصاحف - للسجستاني - : 17 ، الدرّ المنثور 4 / 332 ، تاريخ دمشق 16 / 365 ، تاريخ المدينة - لابن شبّة - 3 / 999. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 45 ، كنز العمّال 2 / 574 ح 4759.
3- الروايات التي نقلناها عن المنتخب مذكورة في كنز العمّال «جمع القرآن» الطبعة الثانية ج 2 ص 361 [2 / 571] عدا هذه الرواية ، ولكن بمضمونها رواية عن يحيى بن جعدة [2 / 578 ح 4766]. منه قدس سره. وانظر : تفسير الطبري 6 / 524 ، الدرّ المنثور 4 / 332.

أربعمئة رجل ، لقي زيدُ بن ثابت عمرَ بن الخطّاب ، فقال له : إنّ هذا القرآن هو الجامع لديننا ، فإن ذهب القرآن ذهب ديننا ، وقد عزمت على أن أجمع القرآن في كتاب.

فقال له : انتظر حتّى أسأل أبا بكر!

فمضيا إلى أبي بكر فأخبراه بذلك ، فقال : لا تعجل حتّى أُشاور المسلمين!

ثمّ قام خطيباً في الناس فأخبرهم بذلك ، فقالوا : أصبت! فجمعوا القرآن.

فأمر أبو بكر منادياً فنادى في الناس : من كان عنده شيء من القرآن فليجئ به ...» (1).

11 - وروى خزيمة بن ثابت ، قال :

«جئت بهذه الآية : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم ...) إلى عمر بن الخطّاب وإلى زيد بن ثابت ، فقال زيد : من يشهد معك؟

قلت : لا والله ما أدري.

فقال عمر : أنا أشهد معه على ذلك» (2).

12 - وروى أبو إسحاق ، عن بعض أصحابه ، قال :

«لمّا جمع عمر بن الخطّاب المصحف سأل : من أعرب الناس؟

قيل : سعيد بن العاص. 4.

ص: 404


1- الدرّ المنثور 1 / 722. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 46 ، كنز العمّال 2 / 575 ح 4762.
2- منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 46 ، كنز العمّال 2 / 576 ح 4764.

فقال : من أكتب الناس؟

فقيل : زيد بن ثابت.

قال : فليملِ سعيد وليكتبْ زيد!

فكتبوا مصاحف أربعة ، فأنفذ مصحفاً منها إلى الكوفة ، ومصحفاً إلى البصرة ، ومصحفاً إلى الشام ، ومصحفاً إلى الحجاز» (1).

13 - وروى عبد الله بن فضالة ، قال :

«لمّا أراد عمر أن يكتب الإمامَ (2) ، أقعد له نفراً من أصحابه ، وقال : إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر ، فإنّ القرآن نزل على رجل من مضر» (3).

14 - وروى أبو قلابة ، قال :

«لمّا كان في خلافة عثمان جعل المعلّم يعلّم قراءة الرجل ، والمعلّم يعلّم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يلتقون ويختلفون ، حتّى ارتفع ذلك إلى المعلّمين ، حتّى كفر بعضهم بقراءة بعض ، فبلغ ذلك عثمان فقام خطيباً ، فقال : أنتم عندي تختلفون وتلحنون ، فمن نأى عنّي من الأمصار أشدّ اختلافاً ، وأشدّ لحناً ، فاجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إماماً!

قال أبو قلابة : فحدّثني مالك بن أنس - قال أبو بكر بن أبي داود : 0.

ص: 405


1- منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 47 ، كنز العمّال 2 / 578 ح 4767.
2- الإمام : ما ائتُمَّ به من رئيس وغيره ، وإمامُ كلّ شيء : قَيِّمُهُ والمصلح له. انظر : لسان العرب 1 / 214 مادّة «أمم». وهو هنا كناية عن القرآن الكريم ، ولم أجده في ما أُطلق على القرآن من أسام.
3- المصاحف - للسجستاني - : 17. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 46 ، كنز العمّال 2 / 575 ح 4760.

هذا مالك بن أنس جدّ مالك بن أنس - قال : كنت في من أُملي عليهم ، فربّما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقّاها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولعلّه أن يكون غائباً أو في بعض البوادي ، فيكتبون ما قبلها وما بعدها ، ويدعون موضعها ، حتّى يجيء أو يُرسل إليه ، فلمّا فرغ من المصحف ، كتب إلى أهل الأمصار : إنّي قد صنعت كذا وصنعت كذا ، ومحوت ما عندي ، فامحوا ما عندكم» (1).

15 - وروى مصعب بن سعد ، قال :

«قام عثمان يخطب الناس ، فقال : أيّها الناس! عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن ، تقولون : قراءة أُبَيّ ، وقراءة عبد الله ، يقول الرجل : والله ما تقيم قراءتك ؛ فأعزم على كلّ رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لمّا جاء به!

فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن ، حتّى جمع من ذلك كثرة.

ثمّ دخل عثمان ودعاهم رجلا رجلا ، فناشدهم : لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أمله عليك؟ فيقول : نعم.

فلمّا فرغ من ذلك عثمان ، قال : مَن أكتب الناس؟

قالوا : كاتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زيد بن ثابت.

قال : فأيّ الناس أعرب؟

قالوا : سعيد بن العاص. 6.

ص: 406


1- تفسير الطبري 1 / 49 - 50 ، المصحاف - للسجستاني - : 28 - 29. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 49 - 50 ، كنز العمّال 2 / 582 ح 4776.

قال عثمان : فليملِ سعيد ، وليكتب زيد!

فكتب زيد ، وكتب مصاحف ففرّقها في الناس ، فسمعت بعض أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : قد أحسن» (1).

16 - وروى أبو المليح ، قال :

«قال عثمان بن عفّان حين أراد أن يكتب المصحف : تملي هذيل ، وتكتب ثقيف» (2).

17 - وروى عبد الأعلى بن عبد الله بن عبد الله بن عامر القرشي ، قال :

«لمّا فُرِغَ من المصحف أُتيَ به عثمان فنظر فيه ، فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئاً من لحن ستُقِيمُه العربُ بألسنتها» (3).

18 - وروى عكرمة ، قال :

«لمّا أُتيَ عثمان بالمصحف رأى فيه شيئاً من لحن ، فقال : لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا» (4). 2.

ص: 407


1- انظر : المصاحف - للسجستاني - : 31 ، تاريخ دمشق 39 / 243 ، تاريخ المدينة - لابن شبّة - 3 / 994. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 50 - 51 ، كنز العمّال 2 / 584 ح 4779.
2- انظر : المصاحف - للسجستاني - 34. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 51 ، كنز العمّال 2 / 586 ح 4783.
3- المصاحف - للسجستاني - : 41 ، الدرّ المنثور 2 / 745. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 51 ، كنز العمّال 2 / 586 ح 4784.
4- المصاحف - للسجستاني - : 42.

19 - وروى عطاء :

«إنّ عثمان بن عفّان لمّا نسخ القرآن في المصاحف ، أرسل إلى أُبَيّ ابن كعب فكان يملي على زيد بن ثابت ، وزيد يكتب ، ومعه سعيد بن العاص يعربه ، فهذا المصحف على قراءة أُبَيّ وزيد» (1).

20 - وروى مجاهد :

«إنّ عثمان أمر أُبَيّ بن كعب يملي ، ويكتب زيد بن ثابت ، ويعربه سعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث» (2).

21 - وروى زيد بن ثابت :

«لمّا كتبنا المصاحف فقدتُ آية كنتُ أسمعها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فوجدّتها عند خزيمة بن ثابت : (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ...) إلى (تبديلا) (3) ، وكان خزيمة يُدعى ذا الشهادتين ، أجاز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهادته بشهادة رجلين» (4). 6.

ص: 408


1- منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 51 - 52 ، كنز العمّال 2 / 587 ح 4789.
2- تاريخ دمشق 34 / 276. وراجع : منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد 2 / 52 ، كنز العمّال 2 / 587 ح 4790.
3- سورة الأحزاب 33 : 23.
4- مصنّف عبد الرزّاق 8 / 367 ح 15568 وج 11 / 235 ح 20416 ، المنتخب من مسند عبد بن حميد : 109 ح 246 ، المعجم الكبير - للطبراني - 4 / 82 ح 3712 وج 5 / 129 ح 4841 ، المصاحف - للسجستاني - : 37 ، تاريخ دمشق 16 / 364 ، سير أعلام النبلاء 2 / 486.

22 - وقد أخرج ابن أشته ، عن الليث بن سعد ، قال :

«أوّل من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد ابن ثابت ، فكان لا يكتب آية إلاّ بشهادة عدلين ، وإنّ آخر سورة براءة لم توجد إلاّ مع أبي خزيمة بن ثابت ، فقال : اكتبوها فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)جعل شهادته بشهادة رجلين ، فكتب.

وإنّ عمر أتى ب- «آية الرجم» فلم نكتبها ؛ لأنه كان وحده» (1).ف.

ص: 409


1- الإتقان ، النوع 18 ج 1 ص 101 [1 / 166 - 167]. منه قدس سره. وانظر : عون المعبود في شرح سنن أبي داود 10 / 27 وفيه : «ابن أبي شيبة في (المصاحف)» بدل «ابن أشتة» ، وهو تصحيف.

[تناقضها وتضاربها]

هذه أهمّ الروايات التي وردت في كيفية جمع القرآن ، وهي - مع أنها أخبار آحاد لا تفيدنا علماً - مخدوشة من جهات شتّى :

1 - تناقض أحاديث جمع القرآن :

إنّها متناقضة في أنفسها ، فلا يمكن الاعتماد على شيء منها ، ومن الجدير بنا أن نشير إلى جملة من مناقضاتها ، في ضمن أسئلة وأجوبة :

* متى جُمع القرآن في المصحف؟

ظاهر الرواية الثانية : إنّ الجمع كان في زمن عثمان ..

وصريح الروايات : الأُولى ، والثالثة ، والرابعة ، وظاهر البعض الآخر : إنه كان في زمان أبي بكر ..

وصريح الروايتين : السابعة ، والثانية عشرة : إنه كان في زمان عمر.

* مَنْ تصدّى لجمع القرآن زمن أبي بكر؟

تقول الروايتان الأُولى ، والثانية والعشرون : إنّ المتصدّي لذلك هو زيد بن ثابت ..

وتقول الرواية الرابعة : إنه أبو بكر نفسه ، وإنّما طلب من زيد أن ينظر في ما جمعه من الكتب ..

وتقول الرواية الخامسة - ويظهر من غيرها أيضاً - : إنّ المتصدّي هو زيد وعمر.

ص: 410

* هل فُوّض لزيد جمع القرآن؟

يظهر من الرواية الأُولى : إنّ أبا بكر قد فوّض إليه ذلك ، بل هو صريحها ، فإنّ قوله لزيد : «إنّك رجل شابٌّ عاقل لا نتّهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فتتبّع القرآن واجمعه» صريح في ذلك ..

وتقول الرواية الخامسة وغيرها : إنّ الكتابة إنّما كانت بشهادة شاهدين ، حتّى إنّ عمر جاء بآية الرجم فلم تقبل منه.

* هل بقي من الآيات ما لم يدوّن إلى زمان عثمان؟

ظاهر كثير من الروايات ، بل صريحها : إنه لم يبق شيء من ذلك ..

وصريح الرواية الثانية : بقاء شيء من الآيات لم يدوّن إلى زمان عثمان.

* هل نقّص عثمان شيئاً ممّا كان مدوّناً قبله؟

ظاهر كثير من الروايات ، بل صريحها أيضاً : إنّ عثمان لم ينقّص ممّا كان مدوّناً قبله ..

وصريح الرواية الرابعة عشرة : إنه محا شيئاً ممّا دوّن قبله ، وأمر المسلمين بمحو ما محاه.

* مِن أيّ مصدر جمع عثمان المصحف؟

صريح الروايتين الثانية والرابعة : إنّ الذي اعتمد عليه في جمعه هي الصحف التي جمعها أبو بكر ..

وصريح الروايات : الثامنة ، والرابعة عشرة ، والخامسة عشرة : إنّ عثمان جمعه بشهادة شاهدين ، وبأخبار من سمع الآية من

ص: 411

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

* مَن الذي طلب من أبي بكر جمع القرآن؟

تقول الرواية الأُولى : إنّ الذي طلب ذلك منه هو عمر ، وإنّ أبا بكر إنّما أجابه بعد الامتناع ، فأرسل إلى زيد وطلب منه ذلك ، فأجابه بعد الامتناع ..

وتقول الرواية العاشرة : إنّ زيداً وعمر طلبا ذلك من أبي بكر ، فأجابهما بعد مشاورة المسلمين.

* مَن جمع المصحفَ الإمامَ وأرسل منه نسخاً إلى البلاد؟

صريح الرواية الثانية : إنه كان عثمان ..

وصريح الرواية الثانية عشرة : إنه كان عمر.

* متى أُلْحِقَت الآيتان بآخر سورة براءة؟

صريح الروايات : الأُولى ، والحادية عشرة ، والثانية والعشرين : إنّ إلحاقهما كان في زمان أبي بكر ..

وصريح الرواية الثامنة ، وظاهر غيرها : إنه كان في عهد عمر.

* مَن أتى بهاتين الآيتين؟

صريح الروايتين : الأُولى ، والثانية والعشرين : إنه كان أبا خزيمة ..

وصريح الروايتين : الثامنة ، والحادية عشرة : إنه كان خزيمة بن ثابت ..

وهما رجلان ليس بينهما نسبة أصلا ، على ما ذكره ابن عبد البرّ (1).ل!

ص: 412


1- تفسير القرطبي ج 1 ص 56 [1 / 41 [. منه قدس سره. وأبو خزيمة : هو ابن أوس بن زيد بن أصرم بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجّار الأنصاري الخزرجي ، وقيل : أبو خزامة ، ذكره ابن إسحاق في مَن شهد بدراً. وهو غير أبي خزيمة الحارث بن خزيمة الأنصاري ، الذي آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بينه وبين أياس بن أبي البكير ، فهذا أوسيّ وذاك خزرجيّ. والذي قيل : إنّه وجدت معه آخر آيتين من سورة التوبة ، هو : أبو خزيمة بن أوس ، وهو غير معروف باسم صحيح ، وليس أبو خزيمة الحارث بن خزيمة. انظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 3 / 341 رقم 99 وص 373 رقم 159 ، الاستيعاب 1 / 287 رقم 401 وص 288 رقم 402 وج 4 / 1640 رقم 2930 ، أُسد الغابة 1 / 389 رقم 874 وص 390 رقم 875 وج 5 / 89 رقم 5843 وص 90 رقم 5844 ، الإصابة 1 / 571 رقم 1401 وج 7 / 106 رقم 9828. هذا ، وقد تقدّمت ترجمة خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، في الصفحة 21 ه- 2 والصفحة 30 ه- 4 ؛ فراجع. أقول : وفراراً من تناقض الروايات واضطرابها في تعيين مَن جاء بالآيتين ، ودفعاً لِما يثار من تساؤل أنه كيف قُبل قول أبي خزيمة هنا ولم يُقبل قول عمر بآية الرجم ، وهو من الخلفاء الراشدين ، ومن العشرة المبشّرة بالجنّة عندهم؟! كلّ ذلك حدا ببعض علماء القوم - كابن الأثير ، كما في أُسد الغابة 1 / 390 رقم 875 - إلى تثبيت وتصحيح أنّ مَن وُجدت معه الآيتان هو خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وليس أبا خزيمة ؛ لتبرير قبول قوله ؛ فتأمل!

* بماذا ثبت أنّهما من القرآن؟

بشهادة الواحد ، على ما هو ظاهر الرواية الأُولى ، وصريح الروايتين : التاسعة ، والثانية والعشرين ..

وبشهادة عثمان معه ، على ما هو صريح الرواية الثامنة ..

وبشهادة عمر معه ، على ما هو صريح الرواية الحادية عشرة.

* مَن عيّنه عثمان لكتابة القرآن وإملائه؟

صريح الرواية الثانية : إنّ عثمان عيّن للكتابة زيداً ، وابن الزبير ، وسعيداً ، وعبد الرحمن ..

ص: 413

وصريح الرواية الخامسة عشرة : إنّه عيّن زيداً للكتابة ، وسعيداً للإملاء ..

وصريح الرواية السادسة عشرة : إنه عيّن ثقيفاً للكتابة ، وهذيلا للإملاء ..

وصريح الرواية الثامنة عشرة : إنّ الكاتب لم يكن من ثقيف ، وأنّ المملي لم يكن من هذيل ..

وصريح الرواية التاسعة عشرة : إنّ المملي كان أُبَيّ بن كعب ، وأنّ سعيداً كان يعرب ما كتبه زيد ..

وهذا أيضاً صريح الرواية العشرين بزيادة عبد الرحمن بن الحارث للإعراب.

ص: 414

[معارضتها لِما دلّ على أنّ القرآن

جُمع على عهد الرسول]

2 - تعارض روايات الجمع :

إنّ هذه الروايات معارضة بما دلّ على أنّ القرآن كان قد جمع ، وكتب على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

* فقد روى جماعة ، منهم : ابن أبي شيبة ، وأحمد بن حنبل ، والترمذي ، والنسائي ، وابن حبّان ، والحاكم ، والبيهقي ، والضياء المقدسي ، عن ابن عباس ، قال :

«قلت لعثمان بن عفّان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال ، وهي من المثاني ، وإلى براءة ، وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر : (بسم الله الرحمن الرحيم) ، ووضعتموهما في السبع الطوال (1) ، ما حملكم على ذلك؟! 4.

ص: 415


1- شاع في الخبر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال : أُعطيت مكان التوراة السبع الطوال ، ومكان الإنجيل المثاني ، ومكان الزبور المئين ، وفُضّلت بالمفصل. وفي رواية واثلة بن الأسقع : وأُعطيت مكان الإنجيل المئين ، ومكان الزبور المثاني ، وأُعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة من تحت العرش لم يعطها نبيٌّ قبلي ، وأعطاني ربّي المفصل نافلة. فالسبع الطُّوَل : البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال مع التوبة ؛ لأنّهما يدعيان القرينتين ، ولذلك لم يفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقيل : إنّ السابعة سورة يونس. والطُّوَلُ جمع : الطُّولى ، تأنيث : الأطول ، وإنّما سمّيت هذه السور الطوال لأنّها أطول سور القرآن. وأمّا المثاني : فهي السور التالية للسبع الطُّوَلِ ، وأوّلها سورة يونس ، وآخرها النحل ، وإنّما سمّيت مثاني لأنّها ثنّت الطُّوَل ، أي تلتها ، وكأنّ الطُّوَل هي المبادي ، والمثاني لها ثواني ، وواحدها مثنى ، مثل المعنى والمعاني. وقال الفرّاء : واحدها المثناة. وقيل : المثاني سور القرآن كلّها ، طوالها وقصارها ، من قوله تعالى : (كتاباً متشابهاً مثاني) وهو قول ابن عباس ، وإنّما سمّيت مثاني لأنّه سبحانه ثنّى فيها الأمثال والحدود والفرائض. وقيل : إنّ المثاني في قوله : (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني) آيات سورة الحمد ، وهو المرويّ عن أئمتنا عليهم السلام ، وبه قال الحسن البصري. وأمّا المئون : فهي كلّ سورة تكون نحواً من مئة آية أو فويق ذلك أو دوينه ، وهي سبع ، أوّلها سورة بني إسرائيل وآخرها المؤمنون. وقيل : إنّ المئين ما ولي السبع الطُّوَل ، ثمّ المثاني بعدها ، وهي التي تقصر عن المئين وتزيد على المفصل ، وسمّيت المثاني لأنّ المئين مباد لها. وأمّا المفصل فما بعد الحواميم من قصار السور إلى آخر القرآن ، سمّيت مفصلا لكثرة الفصول بين سورها ببسم الله الرحمن الرحيم. انظر : مجمع البيان 1 / 14.

فقال عثمان : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ممّا يأتي عليه الزمان ينزل عليه السورة ذات العدد ، وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده ، فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ؛ وتنزل عليه الآيات فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا.

وكانت الأنفال من أوّل ما أُنزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصّتها شبيهة بقصّتها ، فظننت أنّها منها ، وقُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يبيّن لنا أنّها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر : (بسم الله الرحمن الرحيم) ووضعتهما في

ص: 416

السبع الطوال» (1).

* وروى الطبراني ، وابن عساكر ، عن الشعبي ، قال :

«جمع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستّة من الأنصار : أُبَيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد ، وكان مجمع بن جارية قد أخذه إلاّ سورتين أو ثلاث» (2).

* وروى قتادة ، قال :

«سألت أنس بن مالك : مَن جمع القرآن على عهد النبيّ؟

قال : أربعة ، كلّهم من الأنصار : أُبَيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد ابن ثابت ، وأبو زيد» (3).

* وروى مسروق : ذكر عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ، فقال :

«لا أزال أُحبّه ، سمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : خذوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود ، وسالم ، ومعاذ ، وأُبَيّ بن كعب» (4).

* وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر ، قال : ه.

ص: 417


1- منتخب كنز العمّال ج 2 ص 48. منه قدس سره. وانظر : مسند أحمد 1 / 9 ، سنن الترمذي 5 / 254 ح 3086 ، سنن النسائي 5 / 10 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 1 / 125 ح 43 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 360 ح 3272 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 2 / 42 ، الأحاديث المختارة - للضياء المقدسي - 1 / 494 ح 365.
2- نفس المصدر ج 2 ص 52. منه قدس سره. وانظر : المعجم الكبير 2 / 261 ح 2092 ، تاريخ دمشق 19 / 309.
3- صحيح البخاري ، باب القرّاء من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ج 6 ص 202 [6 / 321 ح 24]. منه قدس سره.
4- المصدر السابق [صحيح البخاري 6 / 320 ح 20]. منه قدس سره.

«جمعتُ القرآن فقرأت به كلّ ليلة ، فبلغ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : اقرأه في شهر ...» (1).

وستجيء رواية ابن سعد في جمع أُمّ ورقة القرآن.

ولعلّ قائلا يقول : وإنّ المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور لا التدوين (2)؟

وهذا القول دعوى لا شاهد عليها ، أضف إلى ذلك أنّك ستعرف أنّ حفّاظ القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا أكثر من أن تحصى أسماؤهم ، فكيف يمكن حصرهم في أربعة أو ستّة؟!!

وإنّ المتصفّح لأحوال الصحابة ، وأحوال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يحصل له العلم اليقين بأنّ القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّ عدد الجامعين له لا يستهان به.

وأمّا ما رواه البخاري بإسناده عن أنس ، قال : «مات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد» (3) ..

فهو مردود مطروح ؛ لأنه معارِض للروايات المتقدّمة ، حتّى لِما رواه البخاري بنفسه!

ويضاف إلى ذلك أنّه غير قابل للتصديق به!

وكيف يمكن أن يحيط الراوي بجميع أفراد المسلمين حين وفاة 5.

ص: 418


1- الإتقان ، النوع 20 ج 1 ص 124 [1 / 187]. منه قدس سره. وانظر : السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 24 ح 8064.
2- انظر : البرهان في علوم القرآن 1 / 241 ، مناهل العرفان في علوم القرآن 1 / 240.
3- صحيح البخاري 6 / 321 ح 25.

النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) - على كثرتهم ، وتفرّقهم في البلاد - ، ويستعلم أحوالهم ؛ ليمكنه أن يحصر الجامعين للقرآن في أربعة؟!

وهذه الدعوى تخرّصٌ بالغيب ، وقولٌ بغير علم.

وصفوة القول : إنّه مع هذه الروايات كيف يمكن أن يصدّق أنّ أبا بكر كان أوّل من جمع القرآن بعد خلافته؟!

وإذا سلّمنا ذلك ، فلماذا أمر زيداً وعمر بجمعه من اللخاف ، والعسب ، وصدور الرجال ، ولم يأخذه من عبد الله ومعاذ وأُبَيّ ، وقد كانوا عند الجمع أحياء ، وقد أُمروا بأخذ القرآن منهم ، ومن سالم؟!

نعم ، إنّ سالماً قد قُتل في حرب اليمامة ، فلم يمكن الأخذ منه ، على أنّ زيداً نفسه كان أحد الجامعين للقرآن على ما يظهر من هذه الرواية ، فلا حاجة إلى التفحّص والسؤال من غيره ، بعد أن كان شاباً عاقلا غير متّهم ، كما يقول أبو بكر!

أضف إلى جميع ذلك ، أنّ أخبار الثِّقْلَين المتضافرة تدلّنا على أنّ القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، على ما سنشير إليه.

ص: 419

[معارضتها للكتاب]

3 - تعارض أحاديث الجمع مع الكتاب :

إنّ هذه الروايات معارضة بالكتاب ، فإنّ كثيراً من آيات الكتاب الكريمة دالّة على أنّ سور القرآن كانت متميّزة في الخارج بعضها عن بعض ، وإنّ السور كانت منتشرة بين الناس ، حتّى المشركين وأهل الكتاب ، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تحدّى الكفّار والمشركين على الإتيان بمثل القرآن (1) ، وبعشر سور مثله مفتريات (2) ، وبسورة من مثله (3).

ومعنى هذا : إنّ سور القرآن كانت في متناول أيديهم ، وقد أُطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة ، وفي قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّي تارك فيكم الثِّقْلَين : كتاب الله ، وعترتي» (4) ، وفي هذا دلالة 1.

ص: 420


1- إشارة إلى قوله تعالى : (قل لئن اجتمعت الإنس والجنُّ على أن يأتوا بمثلِ هذا القرآنِ لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) سورة الإسراء 17 : 88.
2- إشارة إلى قوله تعالى : (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) سورة هود 11 : 13.
3- إشارة إلى قوله تعالى : (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) سورة يونس 10 : 38.
4- انظر : مسند أحمد 3 / 14 و 17 و 26 و 59 وج 4 / 367 و 371 ، فضائل الصحابة - لأحمد - 1 / 211 ح 170 وج 2 / 708 ح 968 وص 723 ح 990 وص 747 ح 1032 وص 978 ح 1382 و 1383 وص 988 ح 1403 ، الجمع بين الصحيحين - للحميدي - 1 / 515 ح 841 ، سنن الترمذي 5 / 621 - 622 ح 3786 و 3788 ، السنن الكبرى - للنسائي - 5 / 45 ح 8148 وص 130 ح 8464 ، سنن الدارمي 2 / 292 ح 3311 ، مسند البزّار 3 / 89 ح 864 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 ح 1021 وص 303 ح 1027 وص 376 ح 1140 ، المعجم الكبير 3 / 65 - 67 ح 2678 - 2683 وج 5 / 166 - 167 ح 4969 - 4971 وص 169 - 170 ح 4980 - 4982 ، المعجم الأوسط 4 / 81 ح 3439 وص 155 ح 3542 ، المعجم الصغير 1 / 131 و 135 ، مصنّف ابن أبي شيبة 7 / 418 ح 41 ، مسند عبد بن حميد : 114 ح 265 ، الطبقات الكبرى - لابن سعد - 2 / 150 ، المنمق : 25 ، السُنّة - لابن أبي عاصم - : 337 ح 753 وص 629 - 631 ح 1548 - 1558 ، صحيح ابن خزيمة 4 / 62 - 63 ح 2357 ، أنساب الأشراف 2 / 357 ، الجعديات 2 / 302 ح 2722 ، نوادر الأُصول 1 / 163 ، الذرّيّة الطاهرة : 168 ح 228 ، جواهر العقدين : 238 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4576 و 4577 وص 160 - 161 ح 4711 ، حلية الأولياء 1 / 355 رقم 57 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 2 / 148 وج 7 / 30 وج 10 / 114 ، الاعتقاد على مذهب السلف - للبيهقي - : 185 ، تاريخ بغداد 8 / 442 رقم 4551 واقتصر فيه على ذِكر الثِّقْل الأوّل وأسقط الثِّقْل الثاني فلم يذكره!! ، مناقب الإمام عليّ عليه السلام - لابن المغازلي - : 214 - 215 ح 281 - 284 ، فردوس الأخبار 1 / 53 - 54 ح 197 ، مصابيح السُنّة 4 / 185 ح 4800 وص 189 ح 4815 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 47 ، تاريخ دمشق 42 / 219 - 220 ، كنز العمّال 1 / 185 - 187 ح 943 - 953 وج 13 / 104 ح 36340 و 36341.

على أنه كان مكتوباً مجموعاً ؛ لأنه لا يصحّ إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور ، بل ولا على ما كُتب في اللخاف ، والعسب ، والأكتاف ، إلاّ على نحو المجاز والكناية ، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة ، فإنّ لفظ الكتاب ظاهر في ما كان له وجود واحد جمعي ، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزّأً غير مجتمع ، فضلا عمّا إذا لم يكتب ، وكان محفوظاً في الصدور فقط.

ص: 421

[معارضتها للعقل]

4 - مخالفة أحاديث الجمع مع حكم العقل :

إنّ هذه الروايات مخالفة لحكم العقل ، فإنّ عظمة القرآن في نفسه ، واهتمام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بحفظه وقراءته ، واهتمام المسلمين بما يهتمّ به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما يستوجبه ذلك من الثواب ، كلّ ذلك ينافي جمع القرآن على النحو المذكور في تلك الروايات ، فإنّ في القرآن جهات عديدة ، كلّ واحدة منها تكفي لأن يكون القرآن موضعاً لعناية المسلمين ، وسبباً لاشتهاره ، حتّى بين الأطفال والنساء منهم ، فضلا عن الرجال ، وهذه الجهات هي :

1 - بلاغة القرآن : فقد كانت العرب تهتمّ بحفظ الكلام البليغ ، ولذلك فهم يحفظون أشعار الجاهلية وخطبها ، فكيف بالقرآن الذي تحدّى ببلاغته كلّ بليغ ، وأخرس بفصاحته كلّ خطيب لسن؟! وقد كانت العرب بأجمعهم متوجّهين إليه ، سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم ، فالمؤمن يحفظه لإيمانه ، والكافر يحتفظ به ؛ لأنه يتمنّى معارضته ، وإبطال حجّته.

2 - إظهار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) رغبته بحفظ القرآن ، والاحتفاظ به ، وكانت السيطرة والسلطة له خاصة ، والعادة تقضي بأنّ الزعيم إذا أظهر رغبته بحفظ كتاب أو بقراءته ، فإنّ ذلك الكتاب يكون رائجاً بين جميع الرعية ، الّذين يطلبون رضاه لدين أو دنيا.

3 - إنّ حفظ القرآن سبب لارتفاع شأن الحافظ بين الناس وتعظيمه عندهم ، فقد علم كلّ مطّلع على التاريخ ما للقرّاء والحفّاظ من

ص: 422

المنزلة الكبيرة والمقام الرفيع بين الناس ، وهذا أقوى سبب لاهتمام الناس بحفظ القرآن جملة ، أو بحفظ القدر الميسور منه.

4 - الأجر والثواب الذي يستحقّه القارئ والحافظ بقراءة القرآن وحفظه.

هذه أهمّ العوامل التي تبعث على حفظ القرآن والاحتفاظ به ، وقد كان المسلمون يهتمّون بشأن القرآن ، ويحتفظون به أكثر من اهتمامهم بأنفسهم ، وبما يهمّهم من مال وأولاد (1).ن.

ص: 423


1- أقول : لقد ورد في فضل قراءة القرآن وحفظه وتعاهده والتدبّر فيه روايات وآثار كثيرة تفيد مدى عناية النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن وحرصه على أن يحفظه الناس ويحافظوا عليه. ومن الطبيعي أنّ هذه العناية الكبيرة والحرص الشديد منه (صلى الله عليه وآله وسلم) على القرآن الكريم يدعوانه إلى الأمر بتأليف سور القرآن وجمعها في كتاب واحد ، وذلك خوفاً من تبعثر سوره وآياته باختلاف وفُرقة الأُمّة ، وليكون مرجعاً لها في مختلف شؤونها الحياتية ، من عبادات ومعاملات ، مع علمه الحتمي بأنّ الله سبحانه وتعالى يحفظه من التحريف والزيادة والنقصان. * فمن ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من قرأ القرآن ثمّ رأى أنّ أحداً أُوتي أفضلَ ممّا أُوتي فقد استصغر ما عظّمه الله». انظر : التاريخ الكبير - للبخاري - 3 / 311 ح 1058 ، الكافي 2 / 604 باب فضل حامل القرآن ، شرح نهج البلاغة 10 / 23 و 143 ، فيض القدير 6 / 97 ح 8481 ، تفسير الصافي 3 / 121. * وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من كان القرآن حديثه ، والمسجد بيته ، بنى الله له بيتاً في الجنة». انظر : الأمالي - للصدوق - : 591 ح 819 ، تهذيب الأحكام 3 / 255 ح 707. * وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوصي أبا ذرّ : «عليك بتلاوة القرآن ، وذِكر الله كثيراً ، فإنّه ذِكر لك في السماء ، ونورٌ لك في الأرض». انظر : الخصال : 525 ، معاني الأخبار : 334 ، الأمالي - للطوسي - : 541 ،تاريخ دمشق 23 / 276 ، تفسير ابن كثير 1 / 556 ، كنز العمّال 15 / 871 ح 43565 وج 15 / 927 ح 43593. * وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أفضل عبادة أُمّتي قراءة القرآن». انظر : شرح نهج البلاغة 10 / 143 ، تفسير القرطبي 1 / 23 ، كنز العمّال 1 / 511 ح 2264 و 2265. * وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد» ، قيل : فما جلاؤها؟ قال : «تلاوة القرآن ، وذِكر الموت». انظر : تاريخ بغداد 11 / 85 ح 5766 ، شرح نهج البلاغة 10 / 23 و 144 ، كنز العمّال 2 / 341 ح 3924. * وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ الله سبحانه لأشدّ أَذَناً إلى قارئ القرآن من صاحب القينة إلى قينته». انظر : مسند أحمد 6 / 19 ، سنن ابن ماجة 1 / 425 ح 1340 ، التاريخ الكبير - للبخاري - 7 / 124 ح 5566. * وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار». انظر : مسند أحمد 4 / 155 ، مجمع البيان 1 / 16 ، شرح نهج البلاغة 10 / 143. * وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا حسد إلاّ في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار». انظر : صحيح مسلم 2 / 201 ، الخصال - للصدوق - 1 / 76 باب الاثنين ح 119. * وروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه زوّج رجلا من امرأة على ما معه من القرآن بعد أن علم أنه لا يملك شيئاً سوى ما يحفظ على ظهر قلبه من سور القرآن. انظر : صحيح البخاري 7 / 34 ح 81 ، صحيح مسلم 4 / 143 و 144 ، السنن الكبرى - للنسائي - 3 / 312 ح 5505. إلى غير ذلك من الأحاديث والروايات التي ملأت بطون الكتب لدى مختلف فرق المسلمين.

وقد ورد أن بعض النساء جمعت جميع القرآن.

أخرج ابن سعد في «الطبقات» : «أنبأنا الفضل بن دكين ، حدّثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ، قال : حدّثتني جدّتي عن أُمّ ورقة بنت

ص: 424

عبد الله بن الحارث (1) ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يزورها ، ويسمّيها الشهيدة ، وكانت قد جمعت القرآن ، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين غزا بدراً ، قالت له : أتأذن لي فأخرج معك أُداوي جرحاكم وأُمرّض مرضاكم لعلّ الله يهدي لي شهادة؟

قال : إنّ الله مهد لكِ شهادة ...» (2).

وإذا كان هذا حال النساء في جمع القرآن فكيف يكون حال الرجال ، وقد عُدّ من حفّاظ القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمٌّ غفير؟!

قال القرطبي : «قد قُتل يوم اليمامة سبعون من القرّاء ، وقُتل في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ببئر معونة مثل هذا العدد» (3).

وقد تقدّم في الرواية العاشرة ، أنه قتل من القراء يوم اليمامة ه.

ص: 425


1- هي : أُمّ ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن عويمر الأنصاري ، وقيل : أُمّ ورقة بنت نوفل ، وهي مشهورة بكنيتها ، وكانت قد قرأت القرآن ، فاستأذنت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)في أن تتّخذ في دارها مؤذّناً فأذنَ لها ، فكانت تؤمّ أهل دارها حتّى غمّها غلام لها وجارية كانت دبّرتهما ، فقتلاها في خلافة عمر بن الخطّاب ، فبلغ ذلك عمر ، فقام عمر في الناس ، فقال : إنّ أُمّ ورقة غمّها غلامها وجاريتها فقتلاها ، وإنّهما هربا ؛ وأمر بطلبهما فأُدركا ، فأُتي بهما فصُلبا ، فكانا أوّل مصلوبين بالمدينة. انظر : الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4 / 1965 رقم 4224 ، أُسد الغابة في معرفة الصحابة 6 / 408 رقم 7618 ، الإصابة في تمييز الصحابة 8 / 321 رقم 12294.
2- الإتقان ، النوع 20 ج 1 ص 125 [1 / 204]. منه قدس سره. وانظر : الطبقات الكبرى - لابن سعد - 8 / 334 رقم 4624 ، مسند أحمد 6 / 405 ، مسند ابن راهويه 5 / 235 ، صحيح ابن خزيمة 3 / 89 ، المعجم الكبير 25 / 135 ، السنن الكبرى - للبيهقي - 3 / 130.
3- الإتقان ، النوع 20 ج 1 ص 122 [1 / 199] وقال القرطبي في تفسيره ج 1 ص 50 [1 / 37] : «وقُتل منهم (القرّاء) في ذلك اليوم (يوم اليمامة) في ما قيل : سبعمئة». منه قدس سره.

أربعمئة رجل.

على أنّ شدّة اهتمام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن ، وقد كان له كتّاب عديدون ، ولا سيّما أنّ القرآن نزل نجوماً في مدّة ثلاث وعشرين سنة ، كلّ هذا يورث لنا القطع بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد أمر بكتابة القرآن على عهده.

روى زيد بن ثابت ، قال : «كنّا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نؤلّف القرآن من الرِّقاع» (1).

قال الحاكم : «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه ، وفيه الدليل الواضح أنّ القرآن إنّما جُمع على عهد رسول الله» (2).

وأمّا حفظ بعض سور القرآن ، أو بعض السورة ، فقد كان منتشراً جدّاً ، وشذّ أن يخلو من ذلك رجل أو امرأة من المسلمين.

روى عبادة بن الصامت ، قال : «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُشغَل ، فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دفعه إلى رجل منّا يعلّمه القرآن» (3).

وروى كليب ، قال : «كنت مع عليّ عليه السلام فسمع ضجّتهم في 5.

ص: 426


1- سنن الترمذي 5 / 690 ح 3954 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 249 ح 2900 وص 668 ح 4217 ، مصنّف ابن أبي شيبة 4 / 582 - 583 ح 144 وج 7 / 556 ب 61 ح 7 ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 1 / 163 ح 114 ، المعجم الكبير 5 / 158 ح 4933.
2- المستدرك ج 2 ص 611 [2 / 668 ذ ح 4217]. منه قدس سره.
3- مسند أحمد ج 5 ص 324. منه قدس سره. وانظر : مسند الشاميّين 3 / 270 ح 2237 ، تاريخ دمشق 10 / 237 ، تهذيب الكمال 3 / 85 رقم 685.

المسجد يقرأون القرآن ، فقال : طوبى لهؤلاء ...» (1).

وعن عبادة بن الصامت أيضاً : «كان الرجل إذا هاجر دفعه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رجل منا يعلّمه القرآن ، وكان يُسمع لمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضجّة بتلاوة القرآن ، حتّى أمرهم رسول الله أن يخفضوا أصواتهم لئلاّ يتغالطوا» (2).

نعم ، إنّ حفظ القرآن - ولو ببعضه - كان رائجاً بين الرجال والنساء من المسلمين ، حتّى إنّ المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر (3).

ومع هذا الاهتمام كلّه كيف يمكن أن يقال : إنّ جمع القرآن قد تأخّر إلى زمان خلافة أبي بكر ، وإنّ أبا بكر احتاج في جمع القرآن إلى شاهدين يشهدان أنّهما سمعا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! 6.

ص: 427


1- كنز العمّال ، فضائل القرآن ، الطبعة الثانية ج 2 ص 185 [2 / 288 ح 4025]. منه قدس سره. وانظر : المعجم الأوسط 7 / 260 ح 7308 ، التبيان في آداب حملة القرآن - لأبي زكريا النووي - : 96 ، مجمع الزوائد 7 / 166.
2- مناهل العرفان ص 324 [1 / 241]. منه قدس سره.
3- رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي. التاج ، ج 2 ص 332 [2 / 298]. منه قدس سره. انظر : صحيح البخاري 7 / 34 ح 81 ، صحيح مسلم 4 / 143 و 144 ، سنن أبي داود 2 / 242 - 243 ح 2111 و 2112 ، سنن الترمذي 3 / 421 ح 1114 ، السنن الكبرى - للنسائي - 3 / 312 ح 5505 وص 313 ح 5506.

[مخالفتها لإجماع المسلمين

على أنّ القرآن لا يثبت إلاّ بالتواتر]

5 - مخالفة أحاديث الجمع للإجماع :

إنّ هذه الروايات مخالفة لِما أجمع عليه المسلمون قاطبة من أنّ القرآن لا طريق لإثباته إلاّ التواتر (1). نه

ص: 428


1- أقول : لقد جمع الأُستاذ جواد الورد ، في كتابه «شبهات السلفية» أقوال جملة من علماء الشيعة - على سبيل الأُنموذج - التي تنصّ على تواتر القرآن وصيانته من التحريف ، وتتميماً للفائدة نورد نصّ ما جاء في الكتاب .. قال : «وهذه نصوص بعض أعلامنا : * قال الشريف المرتضى : إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام ، وقد نُقل عن ابن حزم قوله فيه : إنّه كان يكفّر من زعم أنّ القرآن بُدّل أو زيد فيه أو نقص منه ، كما عن الذهبي وابن حجر. * وقال العلاّمة الحلّي : الحقّ أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يُعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنّه يوجب التطرّق إلى معجزة الرسول عليه وآله السلام المنقولة بالتواتر. * وقال ابن ميثم البحراني : أمّا الصغرى فادّعاء النبوّة منه معلومٌ بالتواتر ، وأمّا ظهور المعجز على يده موافقاً لدعواه فمن وجوه : (أحدها) : إنّه ظهر عليه القرآن كذلك ، والقرآن معجز ، أمّا ظهور القرآن عليه فبالتواتر ، وأمّا أنّ القرآن معجز ؛ فلأنّه تحدّى به العرب الذين هم أصل الفصاحة والبلاغة فعجزوا عن الإتيان بمثله ، فكان معجزاً. * وقال الشيخ زين الدين البياضي : عُلم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله. * وقال الحرّ العاملي : إنّ من تتبّع الأخبار وتفحّص التواريخ والآثار علم - علماً قطعياً - بأنّ القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر ، وإنّ آلاف الصحابة كانوا يحفظونه

فإنّها تقول : إنّ إثبات آيات القرآن حين الجمع كان منحصراً بشهادة شاهدين ، أو بشهادة رجل واحد إذا كانت تعدل شهادتين.

وعلى هذا ، فاللازم أن يثبت القرآن بالخبر الواحد أيضاً ، وهل يمكن لمسلم أن يلتزم بذلك؟!

ولست أدري كيف يجتمع القول بصحة هذه الروايات التي تدلّ على ثبوت القرآن بالبيّنة ، مع القول بأنّ القرآن لا يثبت إلاّ بالتواتر؟!

أفلا يكون القطع بلزوم كون القرآن متواتراً سبباً للقطع بكذب هذه الروايات أجمع؟!

ومن الغريب أنّ بعضهم - كابن حجر - فسّر الشاهدين في الروايات

ويتلونه ، وإنّه كان على عهد رسول الله مجموعاً مؤلّفاً.

* وقال السيّد العاملي : والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من أجزائه وألفاظه وحركاته وسكناته ووضعه في محلّه ، لتوفّر الدواعي على نقله من المقرّ ، لكونه أصلا لجميع الأحكام والمنكر لإبطاله لكونه معجزاً ، فلا يُعبأ بخلاف من خالف أو شكّ في المقام.

* وقال السيّد محمد الطباطبائي : لا خلاف أنّ كلّ ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه.

* وقال الشيخ البلاغي : ومن أجل تواتر القرآن الكريم بين عامّة المسلمين جيلا بعد جيل ، استمرّت مادّته وصورته وقراءته المتداولة على نحو واحد ، فلم يؤثّر شيئاً على مادّته وصورته ما يروى عن بعض الناس من الخلاف في قراءته من القرّاء السبعة المعروفين وغيرهم.

* وقال السيّد شرف الدين : والقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنّما هو ما بين الدفتين ، وهو ما في أيدي الناس لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً ، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ولا لحرف بحرف ، وكلّ حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل تواتراً قطعياً إلى عهد الوحي والنبوّة ، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس ، مؤلّفاً على ما هو عليه الآن.

انظر : شبهات السلفية : 275 - 277.

ص: 429

بالكتابة والحفظ (1).

وفي ظنّي ، أنّ الذي حمله على ارتكاب هذا التفسير ، هو ما ذكرناه من لزوم التواتر في القرآن.

وعلى كلّ حال ، فهذا التفسير واضح الفساد من جهات :

أمّا أوّلا : فلمخالفته صريح تلك الروايات في جمع القرآن ، وقد سمعتها.

وأمّا ثانياً : فلأنّ هذا التفسير يلزمه أنّهم لم يكتبوا ما ثبت أنّه من القرآن بالتواتر إذا لم يكن مكتوباً عند أحد ، ومعنى ذلك أنّهم أسقطوا من القرآن ما ثبت بالتواتر أنه من القرآن.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ الكتابة والحفظ لا يحتاج إليهما إذا كان ما تُراد كتابته متواتراً ، وهما لا يثبتان كونه من القرآن ، إذا لم يكن متواتراً.

وعلى كلّ حال ، فلا فائدة في جعلهما شرطاً في جمع القرآن.

وعلى الجملة ، لا بُدّ من طرح هذه الروايات ؛ لأنّها تدلّ على ثبوت القرآن بغير التواتر ، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين. 2.

ص: 430


1- الإتقان ، النوع 18 ج 1 ص 100 [1 / 166]. منه قدس سره. وانظر : فتح الباري 9 / 17 ح 4988 ، مناهل العرفان في علوم القرآن 1 / 252.

[الاستدلال بهذه الروايات يستلزم التحريف بالزيادة

المتسالم على بطلانه]

6 - أحاديث الجمع والتحريف بالزيادة :

إنّ هذه الروايات لو صحّت ، وأمكن الاستدلال بها على التحريف من جهة النقص ، لكان اللازم على المستدلّ أن يقول بالتحريف من جهة الزيادة في القرآن أيضاً ؛ لأنّ كيفيّة الجمع المذكورة تستلزم ذلك ، ولا يمكن له أن يعتذر عن ذلك بأنّ حدّ الإعجاز في بلاغة القرآن يمنع من الزيادة عليه ، فلا تقاس الزيادة على النقيصة ؛ وذلك لأنّ الإعجاز في بلاغة القرآن وإن كان يمنع عن الإتيان بمثل سورة من سوره ، ولكنّه لا يمنع من الزيادة عليه بكلمة أو بكلمتين ، بل ولا بآية كاملة ، ولا سيّما إذا كانت قصيرة ، ولولا هذا الاحتمال لم تكن حاجة إلى شهادة شاهدين ، كما في روايات الجمع المتقدّمة ، فإنّ الآية التي يأتي بها الرجل تثبت نفسها أنّها من القرآن أو من غيره.

وإذاً فلا مناص للقائل بالتحريف من القول بالزيادة أيضاً ، وهو خلاف إجماع المسلمين.

وخلاصة ما تقدّم : إنّ إسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم ، مخالف للكتاب ، والسُنّة ، والإجماع ، والعقل ، فلا يمكن القائل بالتحريف أن يستدلّ به على دعواه.

ولو سلّمنا أنّ جامع القرآن هو أبو بكر في أيّام خلافته ، فلا ينبغي الشكّ في أنّ كيفيّة الجمع المذكورة في الروايات المتقدّمة مكذوبة ، وأنّ

ص: 431

جمع القرآن كان مستنداً إلى التواتر بين المسلمين ، غاية الأمر أنّ الجامع قد دوّن في المصحف ما كان محفوظاً في الصدور على نحو التواتر.

نعم ، لا شكّ أنّ عثمان قد جمع القرآن في زمانه ، لا بمعنى أنّه جمع الآيات والسور في مصحف ، بل بمعنى أنّه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد ، وأحرق المصاحف الأُخرى التي تخالف ذلك المصحف ، وكتب إلى البلدان أن يحرقوا ما عندهم منها ، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة ، وقد صرّح بهذا كثير من أعلام أهل السُنّة.

قال الحارث المحاسبي : «المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان ، وليس كذلك ، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد ، على اختيار وقع بينه وبين مَن شهده مِن المهاجرين والأنصار ، لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات ، فأمّا قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أُنزل بها القرآن ...» (1).

أقول :

أمّا أنّ عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة ، وهي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين ، والتي تلقّوها بالتواتر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّه منع عن القراءات الأُخرى المبتنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة 8.

ص: 432


1- الإتقان ، النوع 18 ج 1 ص 103 [1 / 170]. منه قدس سره. وانظر : دلائل النبوّة - للبيهقي - 7 / 152 ، البرهان في علوم القرآن 1 / 235 ، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 9 / 26 ح 4988.

أحرف ، التي تقدّم توضيح بطلانها (1) ، أمّا هذا العمل من عثمان فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين ؛ وذلك لأنّ الاختلاف في القراءة كان يؤدّي إلى الاختلاف بين المسلمين ، وتمزيق صفوفهم ، وتفريق وحدتهم ، بل كان يؤدّي إلى تكفير بعضهم بعضاً ، وقد مرّ - في ما تقدّم - بعض الروايات الدالّة على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) منع عن الاختلاف في القرآن (2).

ولكنّ الأمر الذي انتُقد عليه هو إحراقه لبقيّة المصاحف ، وأمره أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف ، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين ، حتّى سمّوه بحرّاق المصاحف (3).

النتيجة :

وممّا ذكرناه : قد تبيّن للقارئ أنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلاّ من ضعف عقله ، أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل ، أو من ألجأه إليه حبّ القول به ، والحبّ يعمي ويصمّ ، وأمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته (4).ه.

ص: 433


1- راجع : البيان في تفسير القرآن : 178 - 193.
2- راجع : البيان في تفسير القرآن : 171 - 176.
3- انظر : تفسير القرطبي 1 / 40 ، تاريخ المدينة - لابن شبّة النميري - 3 / 995 - 996.
4- ولمزيد التفصيل في حقيقة مسألة تحريف القرآن ، وما أُثير فيها من شبهات وافتراءات ، والردود العلمية الواردة عليها ، العقلية منها والنقلية ، وما ورد فيها من روايات ، ودراستها سنداً ودلالة ؛ يجدر مراجعة كتاب «التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف» للسيّد عليّ الحسيني الميلاني ، حفظه الله ورعاه.

ثبت مصادر ومراجع التحقيق

1 - القرآن الكريم.

2 - الإتقان في علوم القرآن ، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911) ، تحقيق محمّد شريف سكّر ومصطفى قصّاص ، نشر دار إحياء العلوم ، بيروت 1414.

وطبعة أُخرى بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، نشر فخر دين ، قم 1380.

3 - الأحاديث المختارة ، للضياء المقدسي.

4 - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ، لعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت 739) ، تحقيق كمال يوسف الحوت ، نشر دار الفكر ، بيروت 1407.

5 - الإحكام في أُصول الأحكام ، لعلي بن أبي علي الآمدي (ت 631) ، تحقيق إبراهيم العجوز ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت.

6 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، ليوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البَرّ (ت 463) ، تحقيق علي محمد البجاوي ، نشر دار الجيل ، بيروت 1412.

7 - أُسد الغابة ، لعزّ الدين ابن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري (ت 630) ، تحقيق ونشر دار الفكر ، بيروت 1409.

8 - أساطين المرجعية العليا ، لمحمّد حسين الصغير.

9 - الإصابة ، لابن حجر أحمد بن علي العسقلاني (ت 852) ، تحقيق علي محمد البجاوي ، نشر دار الجيل ، بيروت 1412.

10 - الاعتقاد على مذهب السلف ، لأحمد بن الحسين البيهقي (ت 458) ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1406.

11 - إعلام الورى بأعلام الهدى ، للفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548) ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم 1417.

12 - الأمالي ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي الصدوق (ت 381) ، تحقيق ونشر مؤسسة البعثة ، طهران 1417.

ص: 434

13 - الأمالي ، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460) ، تحقيق مركز الدراسات الإسلامية ، نشر مؤسسة البعثة ، قم 1414.

14 - أنساب الأشراف ، لأحمد بن يحيى البلاذري (ت 279) ، تحقيق سهيل زكّار ورياض زركلي ، نشر دار الفكر ، بيروت 1417.

15 - البرهان في علوم القرآن ، لمحمّد بن عبد الله الزركشي (ت 794) ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، نشر دار الجيل ، بيروت 1408.

16 - البيان في تفسير القرآن ، لأبي القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413) ، نشر منشورات أنوار الهدى ، قم 1401.

17 - التاج الجامع للأُصول ، لمنصور علي ناصيف ، نشر دار الفكر ، بيروت 1412.

18 - تاريخ الأُمم والملوك (تاريخ الطبري) ، لمحمد بن جرير الطبري (ت 310) ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت.

19 - تاريخ البخاري ، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري (ت 256) ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت.

20 - تاريخ بغداد ، لأحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463) ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت.

21 - تاريخ دمشق ، لابن عساكر أبي القاسم علي بن الحسن (ت 571) ، تحقيق أبي سعيد عمر بن غرامة العَمري ، نشر دار الفكر ، بيروت 1415.

22 - تاريخ المدينة المنوّرة ، لعمر بن شبّة النميري البصري (ت 262) ، تحقيق فهيم محمد شلتوت.

23 - التبيان في آداب حملة القرآن ، ليحيى بن شرف الدين النووي الدمشقي (ت 676) ، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط ، نشر دار العروبة ، الكويت 1409.

24 - التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف ، لعلي الحسيني الميلاني ، نشر منشورات الشريف الرضي ، قم 1417.

25 - تفسير ابن كثير ، لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774) ، نشر دار الجيل ، بيروت.

ص: 435

26 - تفسير الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911) ، نشر دار الفكر ، بيروت 1414.

27 - تفسير الصافي ، لمحمّد بن المرتضى المشهور بالفيض الكاشاني (ت 1091) ، نشر مكتبة الصدر ، طهران 1416.

28 - تفسير الطبري ، لمحمد بن جرير الطبري (ت 310) ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1412.

29 - تفسير القرطبي ، لمحمد بن أحمد الخزرجي القرطبي (ت 671) ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1417.

30 - تهذيب الأحكام ، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460) ، تحقيق حسن الموسوي الخرسان ، نشر دار الكتب الإسلامية ، طهران 1365.

31 - تهذيب الكمال ، ليوسف بن عبد الرحمن المزّي (ت 742) ، تحقيق أحمد علي عبيد وحسن أحمد آغا ، نشر دار الفكر ، بيروت 1414.

32 - الجعديات ، لعبد الله بن محمّد البغوي (ت 317) ، تحقيق رفعت فوزي ، نشر مكتبة الخانجي ، القاهرة 1415.

33 - الجمع بين الصحيحين ، لمحمّد بن فتوح الحميدي (ت) ، تحقيق علي حسين البوّاب ، نشر دار ابن حزم ، بيروت 1419.

34 - جواهر العقدين ، لنور الدين علي بن عبد الله السمهودي (ت 911) ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1415.

35 - الخصال ، لأبي جعفر محمد بن علي بن بابويه الصدوق (ت 381) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي ، قم 1416.

36 - دلائل النبوّة ، لأحمد بن حسين البيهقي (ت 458) ، تحقيق عبد المعطي قلعجي ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1405.

37 - الذرّية الطاهرة ، لمحمّد بن أحمد الأنصاري الرازي (ت 310) ، تحقيق محمّد جواد الجلالي ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي ، قم 1407.

38 - الرحلة المدرسية ، لمحمّد جواد البلاغي (ت 1352) ، نشر دار المرتضى ، بيروت 1993.

ص: 436

39 - السُنّة ، لابن أبي عاصم الشيباني (ت 287) ، تحقيق محمّد ناصر الدين الألباني ، نشر المكتب الإسلامي ، بيروت 1413.

40 - السنن الكبرى ، لأحمد بن الحسين البيهقي (ت 458) ، نشر دار الفكر.

41 - سنن ابن ماجة ، لابن ماجة محمد بن يزيد القزويني (ت 273) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت.

42 - سنن أبي داود ، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت 275) ، نشر دار الجيل ، بيروت 1412.

43 - سنن الترمذي ، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 279) ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، نشر دار الكتب العلمية.

44 - سنن الدارمي ، لعبد الله بن بهرام الدارمي (ت 255) ، نشر دار الفكر ، بيروت 1414.

45 - السنن الكبرى ، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303) ، تحقيق عبد الغفّار سليمان وسيّد كسروي حسن ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1411.

46 - سنن النسائي ، لأحمد بن شعيب النسائي (ت 303) ، نشر دار الجيل ، بيروت.

47 - سير أعلام النبلاء ، لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748) ، تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين ، نشر مؤسسة الرسالة ، بيروت 1414.

48 - السيرة النبوية ، لمحمّد بن حبّان التميمي البستي (ت 354) ، تحقيق عزيز بك ، نشر مؤسسة الكتب العلمية ، بيروت 1407.

49 - السيرة النبوية ، لعبد الملك بن هشام الحميري البصري (ت 213) ، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد ، نشر دار الجيل ، بيروت.

50 - شبهات السلفية ، لجواد حسين الدليمي ، نشر دار المحجّة البيضاء ، بيروت 1425.

51 - شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي عزّ الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني (ت 656) ، نشر دار الجيل ، بيروت 1416.

ص: 437

52 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، للقاضي عياض أبي الفضل بن موسى اليحصبي (ت 544) ، نشر دار الفكر ، بيروت 1409.

53 - صحيح البخاري ، لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت 256) ، نشر المكتبة الثقافية ، بيروت.

54 - صحيح ابن خزيمة ، لأبي بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311) ، تحقيق محمّد مصطفى الأعظمي ، نشر المكتب الإسلامي ، بيروت 1412.

55 - صحيح مسلم ، لمسلم بن الحجّاج القشيري (ت 261) ، نشر دار الجيل ، بيروت.

56 - الطبقات الكبرى ، لمحمد بن سعد الهاشمي (ت 230) ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ، نشر دار الكتب العلميّة ، بيروت 1410.

57 - عون المعبود لشرح سنن أبي داود ، لمحمّد شمس الحق العظيم آبادي (ت 463) ، تحقيق عبد الرحمن محمّد عثمان ، نشر دار الفكر ، بيروت.

58 - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، لابن حجر العسقلاني (ت 852) ، تحقيق عبد العزيز بن باز ومحمد فؤاد ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1410.

59 - فردوس الأخبار ، لشيرويه بن شهردار بن شرويه الديلمي (ت 509) ، تحقيق ونشر دار الفكر ، بيروت 1418.

60 - فضائل الصحابة ، لأحمد بن حنبل (ت 241) ، تحقيق وصي الله بن محمد عبّاس ، نشر دار ابن الجوزي ، الرياض 1420.

61 - فيض القدير لشرح الجامع الصغير ، لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي (ت 1031) ، تحقيق أحمد عبد السلام ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1415.

62 - الكافي ، للكليني محمد بن يعقوب الرازي (ت 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، نشر دار الكتب الإسلامية ، طهران 1367.

63 - كنز العمّال ، لعلاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري (ت 975) ، تحقيق بكر حيّاني وصفوة السقّا ، نشر مؤسسة الرسالة ، بيروت 1413.

ص: 438

64 - لسان العرب ، لابن منظور محمد بن مكرم (ت 711) ، تحقيق علي شيري ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1408.

65 - مجمع البيان في تفسير القرآن ، لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548) ، نشر دار الفكر ، بيروت 1414.

66 - المستدرك على الصحيحين ، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405) ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1411.

67 - المسند ، لأبي داود الطيالسي سليم بن داود (ت 204) ، نشر دار المعرفة ، بيروت.

68 - المسند ، لأحمد بن حنبل (ت 241) ، نشر دار صادر ، بيروت.

69 - مسند أبي يعلى ، لأحمد بن علي بن المثنّى التميمي الموصلي (ت 307) ، تحقيق حسين سليم أسد ، نشر دار المأمون ، دمشق 1410.

70 - مسند البزّار ، لأبي بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي البزّار (ت 292 ه) ، تحقيق محفوظ الرحمن زين الله ، نشر مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنوّرة 1409.

71 - مسند الشامين ، لسليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني (ت 360) ، تحقيق حمدي عبد المجيد ، نشر مؤسسة الرسالة ، بيروت 1416.

72 - مصابيح السُنّة ، للحسين بن مسعود الفرّاء البغوي (ت 516) ، تحقيق يوسف عبد الرحمن ومحمّد سليم إبراهيم وجمال حمدي الذهبي ، نشر دار المعرفة 1407.

73 - المصاحِف ، لأبي بكر السجستاني (ت 330) ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1405.

74 - المصنّف ، لعبد الرزّاق بن همّام الصنعاني (ت 211) ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، نشر المكتب الإسلامي ، بيروت 1404.

75 - المصنّف في الأحاديث ، لمحمد بن أبي شيبة الكوفي (ت 235) ، تحقيق سعيد اللحّام ، نشر دار الفكر ، بيروت 1409.

ص: 439

76 - معاني الأخبار ، لأبي جعفر محمد بن علي الصدوق (ت 381) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي ، قم 1361 ه- ش.

77 - المعجم الأوسط ، لسليمان بن أحمد الطبراني (ت 360) ، تحقيق أيمن صالح شعبان وسيّد أحمد إسماعيل ، نشر دار الحديث ، القاهرة 1417.

78 - معجم البلدان ، لياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت 626) ، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت.

79 - معجم رجال الحديث ، لأبي القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413) ، الطبعة الخامسة ، 1413.

80 - المعجم الصغير ، لسليمان بن أحمد الطبراني (ت 360) ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1403.

81 - المعجم الكبير ، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360) ، تحقيق حمدي عبد المجيد ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1417.

82 - معرفة الصحابة ، لأبي نُعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت 430) ، تحقيق عادل بن يوسف العزازي ، نشر دار الوطن ، الرياض 1419.

83 - المغازي ، لمحمّد بن عمر بن واقد الواقدي (ت 207) ، تحقيق مارسدن جونس ، نشر مؤسسة الأعلمي ، بيروت 1409.

84 - مناقب آل أبي طالب ، لمحمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت 588) ، تحقيق يوسف البقاعي ، نشر دار الأضواء ، بيروت 1412.

85 - مناقب الإمام عليّ عليه السلام ، لابن المغازلي علي بن محمد الشافعي (ت 483) ، تحقيق جعفر هادي الدجيلي ، نشر دار الأضواء ، بيروت 1412.

86 - مناهل العرفان في علوم القرآن ، لمحمّد عبد العظيم الزرقاني (ت 923) ، نشر دار الفكر ، بيروت 1408.

87 - منتخب كنز العمّال (مرفق مع مسند أحمد) ، لعلي المتّقي بن حسام الدين الهندي (ت 975) ، نشر دار صادر ، بيروت.

88 - المنتخب من مسند عبد بن حُميد ، لأبي محمّد عبد بن حُميد (ت 249) ، تحقيق صبحي البدري السامرّائي ومحمود محمد خليل الصعيدي ، نشر عالم الكتب ، بيروت 1408.

ص: 440

89 - المنمّق في أخبار قريش ، لمحمّد بن حبيب البغدادي (ت 245) ، تحقيق خورشيد أحمد فارق ، نشر عالم الكتب.

90 - نوادر الأُصول في معرفة أحاديث الرسول ، للحكيم الترمذي (ت 320) ، تحقيق مصطفى عبد القادر ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت 1413.

ص: 441

من أنباء التراث

هيئة التحرير

كتب

صدرت محقّقة

* مختصر كفاية

المهتدي لمعرفة المهدي.

تأليف : السيد محمد ميرلوحي الأصفهاني.

هذا الكتاب عبارة عن مجموعة من الأحاديث الخاصّة

حول الإمام المهدي عليه السلام ، برواية

الفضل بن شاذان المعاصر للإمام العسكري عليه السلام ، والتي يمكن

اعتبارها مصدراً مهمّاً من المصادر التي اعتمد عليها الأوائل في إثبات الكثير من

الخصوصيّات حول الحجّة بن الحسن عليهما السلام.

اشتمل على عدّة مواضيع منها : ما دلّ على كون

الأئمّة إثنا عشر ، والأئمّة الإثنا عشر هم أولوا الأمر ، وأنّ المهدي عليه السلام

التاسع من ولد الإمام الحسين عليه السلام ،

وبشارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للزهراء عليها السلام بالإمام

المهدي

عليه السلام

،

وأنّ خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هم الأئمّة الاثنى عشر عليهم السلام.

ترجمة وتحقيق : السيد ياسين الموسوي.

نشر : منشورات بقية العترة - النجف الأشرف - العراق

/ 1427 ه.

* لأكون مع

الصادقين.

تأليف : محمد التيجاني السماوي.

كتاب تناول تحليلاً للأحداث التي وقعت إبّان وفاة

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكذلك تحليلاً عقلانيّاً لعقائد الشيعة

الإماميّة التي كانت تبدو غريبة على أهل السنّة والجماعة بالخصوص منهم المعاصرين

ص: 442

الذين دأبوا على انتقاد الشيعة في كلّ معتقداتهم ،

وإذا بهم يُفاجأون بأنّ كل ما يعتقده الشيعة الإماميّة إنّما هو حقيقةٌ ثابتةٌ

في كتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والأغرب من ذلك أنّ كلّ

ما يقول به الشيعة له وجودٌ ثابتٌ في صحاح أهل السنّة والجماعة ، أو أنّ أحد

أئمة المذاهب الأربعة السنّية قد قاله أو عمل به.

تحقيق : مركز الأبحاث العقائدية - قم - إيران /

1427 ه.

* كشف الغمّة

في معرفة الأئمّة.

تأليف : أبي الحسين علي بن عيسى ابن أبي الفتح

الأربلي (ت 692 ه).

ذكر سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)

وسيرة الأئمّة الاثني عشر الأطهار عليهم السلام جمع فيها

مواليدهم ووفياتهم ومناقبهم وكلامهم ومواقفهم التاريخية ومعجزاتهم و... ، وقد

أضاف إلى سيرهم

عليهم السلام

ترجمتين

إحداهما لأمّ المؤمنين خديجة عليها السلام والأخرى

لسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام ذكرهما

طرداً للباب وإكمالاً لدوحة النبوّة ، وقد اعتمد في جمعه لمناقبهم على كتب

الجمهور ليكون أدعى إلى تلقّيه بالقبول وألزم للخصم اذا أعطى النصف من نفسه ،

كما وذكر من كتب

الأصحاب ما لم يتعرّض له الجمهور ، سالكاً المسلك

الروائي في بيان منزلتهم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحقّانيّتهم بحمل

أعباء الرسالة وسلسلة مراتبهم حتّى الإمام الثاني عشر المهدي الموعود المنتظر

(عج) كما ذكر قصائد في مدحهم في كلّ سيرة من سيرهم عليهم السلام.

حقّق وطبع في أربعة مجلّدات ، اعتمد في تحقيقه على

مخطوطتين ، من بين العديد من المخطوطات ذكرت في مقدّمة التحقيق ، واشتملت

المقدّمة على فصلين أحدهما في ترجمة المؤلّف والآخر في كشف الغمّة ،

وقد ذكر المحقّق في هامشه اختلاف النسخ وتخريج النصوص من مصادرها المعتمد عليها

في التأليف ومقابلتها مع مصادرها ، كما شرح فيه غريب الحديث وضبط الكلمات

والأسماء التي تحتاج إلى ذلك.

تحقيق : علي آل كوثر وعلي الفاضلي.

نشر : المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام - قم

- إيران / 1426 ه.

* الامامة.

تأليف : الشيخ عباس كاشف الغطاء ، (ت 1323 ه).

يتناول هذا الكتاب موضوع الإمامة

ص: 443

إثباتها ودفع الشبهات عنها ، فيناقش أصلاً من أصول

الدين الذي هو من أكثر الموضوعات التي وقع فيها الخلاف بين المسلمين ، اتّبع

المؤلّف الدليل العقلي في إثبات الإمامة ولم يكتف بالدليل النقلي ، وقد عمد إلى

دعم دليله العقلي بالدليل النقلي ، استند في إثبات الإمامة على مصادر مخالفيها ،

كي تكون حججه دامغة وأدلّته أكثر إقناعاً.

اشتمل الكتاب على خمس مقدّمات وبابين في عرض

المواضيع وإقامة الادلّة والحجج ، كما قدّمت مقدّمة للتحقيق احتوت على ترجمة

المؤلّف.

نشر وتحقيق : مؤسّسة كاشف الغطاء العامّة - النجف

الأشرف - العراق / 1426 ه.

* كتاب

الولاية.

تأليف : أبي العبّاس أحمد بن محمد ابن سعيد ابن

عقدة الكوفي (ت 332 ه).

تعرّض فيه المؤلّف إلى جمٍّ غفير من الصحابة ممّن

رووا واقعة يوم الغدير بأسانيدها المختلفة وبمواطن ومواقف عديدة تنصّ عليها كتب

التاريخ مع مقدّمة التحقيق التي تضمّنت دراسة في حياة بن

عقدة الشخصية والعلميّة ثمّ تطرّق إلى كتاب الولاية

فذكر الأدلّة على وجوده ، وتسمية الصحابة رواة حديث الغدير في كتاب الولاية.

تحقيق : عبد الرزّاق محمد حسين حرزالدين.

نشر : منشورات (دليل ما) - قم - إيران / 1424 ه.

* تفسير

الإمام العسكري عليه السلام

.

كتاب من تراث أهل البيت عليهم السلام ،

نُسب للإمام الحادي عشر من الأئمّة الحسن بن علي العسكري عليه السلام ،

واحتوى على حكم ومواعظ وعلوم اعتمد فيه الإمام عليه السلام في

تفسير كتاب الله تعالى على ما أخذه عن آبائه الكرام عليهم السلام ، وما

ورد عن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، داعماً له بالأحاديث

والروايات ، مع عرض مجمل للوقائع والحوادث التي تزامنت مع نزول الآية ، وكذلك

ذكر أسباب النزول ، يبدأ هذا تفسير من بداية سورة الفاتحة وحتّى الآية (207) من

سورة البقرة.

اشتمل الكتاب على صفحات من القرآن الكريم تتوسّط

متن الكتاب ؛ ويحتوي على مقدّمة أو رسالة حول هذا التفسير من النفي والإثبات

ونقل الآراء

ص: 444

ونقدها وإيراد الصحيح والمعتمد منها ، ثمّ إنّه وضع

رقماً تسلسلياً لجميع الروايات الواردة فيه.

تحقيق : محمد الصالحي الأنديمشكي.

نشر : منشورات ذوي القربى - قم - إيران / 1426 ه.

* الشافي في

العقائد والأخلاق والأحكام ، ج (1 - 2).

تأليف : الشيخ محمد حسن الفيض الكاشاني (1007 -

1091 ه).

كتاب منتخب من كتابه الوافي ، جمع فيه الكتب

الأربعة ، حيث استخرج من الوافي ما هو بمنزلة الاُصول والأركان ، بحذف المعارضات

والمكرّرات وأسانيد الرواة ، فاقتصر فيه على أحاديث العقائد والشرايع والأحكام

والأخلاق ، على ما هو الأهمّ والأحكم ، وكذا حذف المتشابه في ألفاظه ، واشتمل

هذا الكتاب على مقدّمة في الحديث وتدوينه وما يتعلّق به وجُزءين : جزء وضع فيه

أحاديث العقائد والأخلاق ، وجزء وضع فيه كلّ ما يتعلّق بالشرائع والأحكام.

اعُتمِد في تحقيق هذا الكتاب على مخطوطتين ونسخة

حجرية ، وجعل لكلّ

الأحاديث في الباب رقماً وتسلسلاً خاصّاً به ورقماً

عامّاً يشمل جميع أحاديث الكتاب.

تحقيق : مهدي الأنصاري القمّي.

نشر : دار نشر اللوح المحفوظ - قم - إيران / 1425

ه.

* كتاب الزكاة

، ج (1 - 2).

تأليف : الميرزا محمد حسن الآشتياني (1248 - 1319

ه).

وهو كتاب فقهي يتناول بحث الزكاة بدراسة ومناقشة

لأحكامه ، وهو عبارة عن تقريرات لأبحاث أُستاذه الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره.

اعتمد في تحقيق هذا الكتاب على نسخة فريدة ، وقد

انتقيت عناوينه من متن الشرايع.

تحقيق : علي أكبر زماني نژاد ، سيد علي غضنفري.

نشر : منشورات زهير ، مؤتمر العلاّمة الآشتياني -

قم - إيران / 1426 ه.

* الدرر

النجفيّة من الملتقطات اليوسفيّة ، ج (1 - 4).

تأليف : الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (ت 1186 ه).

ص: 445

كتاب علمي يتناول مواضيع متنوّعةً لعلوم شتّى ،

كالتفسير والفقه والأصول والتاريخ والأخلاق والرجال بصورة موجزة بعيدة عن

الإسهاب المملّ والاختصار المخلّ ، اشتمل على : مقدّمة للتحقيق وترجمة وافية

للمؤلّف ومنهجّيته في الجمع بين الحدائق والدرر وذكر المخطوطات المعتمد عليها في

التحقيق ومقدّمة المؤلّف ، وقد نضّدت مواضيعه متسلسلة لكلّ درّة رقمها وما

اشتملت عليه من فوائد وآراء ومناقشات.

تحقيق ونشر : دار المصطفى لإحياء التراث - بيروت -

لبنان / 1423 ه.

* تفسير

البيان في الموافقة بين الحديث والقرآن ، ج (1 - 6).

تأليف : السيّد محمد حسين الطباطبائي.

يعدّ هذا الكتاب هو الكتاب الثاني في تفسير القرآن

الكريم من تأليفات العلاّمة الطباطبائي ، جاء بعد كتابه الميزان

في تفسيرالقرآن ، يتكوّن من 6 أجزاء ، ابتداءً من سورة

الحمد وتوقّفاً في أواسط سورة يوسف ، وقد قام المؤلّف رحمه الله بمنهجية

جديدة من عملية الجمع والتوفيق بين الآيات والروايات ليستنتج منها رأياً

موحّداً ، كما اشتمل الجزء الأوّل على صور للكتاب

بخطّ المؤلّف وفهرسة ومقدّمة للتحقيق.

تحقيق : أصغر إرادتي.

نشر : مكتب تنظيم ونشر آثار العلاّمة الطباطبائي -

قم - إيران / 1425 ه.

* فلسفة

الميثاق والولاية.

تأليف : السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي (ت

1377 ه).

يدور البحث في هذا الكتاب حول دلالة آية الميثاق

من سورة الأعراف - 7 :172 - على نبوّة نبيّنا محمد (صلى الله عليه وآله

وسلم)وإمامة الأئمّة عليهم السلام وذلك في

مقامين ، أجاب بها المؤلف على سؤال الشيخ عبّاس قلي الواعظ التبريزي الجرندابي

في هذا المجال ، حيث تضمّن المقام الأوّل : البحث في معنى آية الميثاق ، والثاني

: في الاستشهاد بالآية الكريمة على الإمامة والولاية كما اشتمل الكتاب على

مقدّمة التحقيق ، وترجمة المؤلّف ، ومنهجية التحقيق ، وثبت المصادر مع فهرسة

لمحتويات الكتاب.

تحقيق : علي جلال باقر الداقوقي.

نشر : دار الجوادين - بيروت - لبنان / 1427 ه.

ص: 446

* تاريخ أهل

البيت عليهم السلام

.

يبحث هذا الكتاب عن تاريخ أهل البيت عليهم السلام كما

رواه المحدّث نصر بن علي الجهضمي بدءاً بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله

وسلم) ثمّ ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام ثمّ

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثمّ سائر

الأئمّة الأحد عشر عليهم السلام حتّى الإمام

المنتظر (عج) فيتناول ولاداتهم ووفيّاتهم ، وقد اُختلف في وجه تسمية الكتاب

بعدّة عناوين فاختار المحقّق من بينها العنوان المذكور وحقّق الكتاب بمنهجية

علمية فقدّم له فوائد تغني القارئ عن مقابلة النسخ وتوثيق الكتاب وذكر الأسانيد

المنتهية إليه.

تحقيق : السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي.

نشر : منشورات (دليل ما) - قم - إيران / 1426 ه.

* تراث الشيعة

القرآني.

كتابٌ جمع عدداً من الرسائل المحقّقة الخاصّة

بموضوع علوم القرآن الكريم وتفسيره ، مع مقدّمة تضمّنت دراسةً في أهمّية تعاليم

القرآن الكريم وإرشاداته في هداية البشر وتوعيتهم ، رسائل الأوّل هي :

بيان المعاني

القرآن ، منسوبة لعلي بن

عبدالله بن عباس ، تحقيق : فتح الله نجارزادگان.

دليلٌ على أنّ

القرآن معجز ، لذي الكفل بن فتح الله ، تحقيق :

مهدي الكرباسي.

السرّ في عظمة

سورة الفاتحة ، لنظام الدين أحمد الجيلاني ، تحقيق

: محمد جواد المحمودي.

إيناس سلطان

المؤمنين باقتباس علوم الدين من النبارس المعجز المبين ،

للسيّد محمد بن علي الحسيني العاملي المكّي ، وإثبات

عصمة الأئمّة الطاهرين عليهم السلام ؛ لمحمد

رفيع بن فرج الجيلاني الرشتي.

ثلاث رسائل في إثبات

عصمة الأئمّة الطّاهرين عليهم السلام ،

وتحقيق أنّ إبليس كان من الجنّ أو الملائكة ، ودفع إشكال ضلال أحد الشاهدين ؛

للسيّد محمد بن عبدالكريم البروجردي جدّ العلامة بحر العلوم ، تحقيق : حسين

تقي زاده.

تفسير آية

الكرسي ، لسليمان الجرجي ،تحقيق : مهدي الكرباسي.

النفحة

القدسية في الأجوبة الحيدرية ، للسيّد حيدر الكاظمي ، تحقيق

: محمدرضا الفاضلي.

رسالتا مطلع

البدر في تفسير سورة

ص: 447

القدر وهداية

الشهادة ، للميرزا محمد بن سليمان التنكابني ، تحقيق :

محمد الكاظم.

قبسات الطور

في تفسير آية النور ، لمؤلّف مجهول من أعلام القرن السابع

الهجري ، تحقيق : علي الفاضلي.

دفع شبهة

المخالفين في دلالة آية الولاية على إمامة أمير المؤمنين ،

لعلي ابن عبدالله الستري البحراني ، تحقيق : مهدي الكرباسي.

والثاني اشتمل على مقدّمة تضمّنت دراسة في التفسير

وتاريخه وتطوّره ، ورسائله هي :

إنارة الحالك

في قراءة ملك ومالك ، للشيخ فتح الله النمازي الشيرازي ،

تحقيق : الشيخ ضياء الدين المحمودي.

خمس رسائل لابن سينا ، كلٌّ منها في تفسير سورة من

قصار السور ، تحقيق : محسن بيدارفر.

الجمع بين

كلام النبي والوصي وبين آيتين ، للعلاّمة الحلّي ، تحقيق :

محمد جواد المحمودي.

تفسير الآية

158 من سورة الأنعام ، للسيّد معين الدين محمد الحسيني ،

تحقيق : محمدرضا الفاضلي.

رسالتا كشف

العوار في تفسير آية

الغار ومونس

الوحيد في تفسير آية العدل والتوحيد ، للسيّد

نورالله المرعشي الشوشتري ، وتفسير سورة

الإخلاص ، لنصير الدين محمد اللاهيجي الجيلاني ، تحقيق :

محمد جواد المحمودي.

صدر الجزء الأوّل سنة 1426 ه- والثاني سنة 1427 ه.

نشر : مكتبة التفسير وعلوم القرآن المختصّة - قم -

إيران.

* العقائد

الحقّة.

تأليف : السيّد أحمد الخونساري ، (ت 1405 ه).

كتاب عقائدي يبحث فيه المصنّف بأُسلوب علمي أهمَّ

المسائل الاعتقادية في علم الكلام عند الشيعة الاثني عشرية ابتداءً بإثبات

الصانع وإثبات النبوّة العامّة ونبوّة خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله

وسلم) ووجه الحاجة إلى المعجزة ثمّ تطرّق إلى مبحث الإمامة ومن ثمّ ذكر النصوص

على إمامة الأئمّة عليهم السلام وستة فصول في

الإمام الحجّة المنتظر (عج) واستدركها بإخبار الأئمّة المعصومين عليهم السلام عن

غيبة القائم

عليه السلام

ثمّ

تناول إثبات المعاد وختم الكتاب بذكر الشبهات والجواب عنها.

تحقيق : ناصر الباقري البيدهندي.

ص: 448

نشر : منشورات الدليل - قم - إيران.

* ديوان الشيخ

محسن أبو الحبّ.

يحتوي هذا الديوان على مجموعة من القصائد للشاعر في

الأدب الحسيني وواقعه الطفّ جسّد فيها موقف سيّد الأحرار أبي عبدالله الحسين عليه السلام وما

جرى عليه وعلى أهل بيته من المصائب والفجائع المؤلمة طالما ردّدها روّاد المنبر

الحسيني للشاعر كما قدّمت في المقدّمة عدة كلمات في تعريف الشاعر الشيخ محسن أبو

الحبّ وأدبه وشعره.

تحقيق : جليل كريم أبو الحبّ.

نشر : انتشارات المكتبة الحيدرية - قم - إيران / 1427

ه.

* تذكرة

الخواصّ من الأُمّة بذكر خصائص الأئمّة.

تأليف : يوسف بن قزغلي البغدادي سبط بن الجوزي (ت

654 ه).

من كتب الجمهور التي أُلِّفت في أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، جمع

فيه فضائلهم ، وأسماؤهم ، وأنسابهم ، وآثارهم ، ومنتهى أعمارهم ، ووقعاتهم ،

وعباراتهم ، في اثني عشر باب ، بدءاً بذكر نسب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى

ذكر أزواجه

وأولاده في سبعة أبواب ، وذكر بابين للحسن والحسين عليهما السلام وألحق

بهم الباب العاشر في ذكر محمد بن الحنفيّة والحادي عشر في ذكر أمّ المؤمنين

السيّدة خديجة

عليها السلام وابنتها

فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين عليها السلام والباب

الثاني عشر في تراجم سائر الأئمّة من الامام علي بن الحسين عليه السلام حتّى

الامام المنتظر (عج).

تمّ تحقيق الكتاب في مجلّدين يشمل مقدّمة التحقيق

في ثلاثة فصول حيث تناولت فيها حياة المؤلّف واسم الكتاب وموضوعه وترتيبه

ومصادره ونسخه الخطّية ، حيث اعتمد في تحقيقه على تسع نسخ مخطوطة ، وأُسلوب

التحقيق في تقويم النصّ ومراجعة مصادر الكتاب ومناقشات المواضيع مع ذكر الأعلام

والأسماء وشرح المفردات الغريبة وإعداد فهارس متنوّعة للكتاب تيسيراً للمراجع.

تحقيق : حسين تقي زاده.

نشر : المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام - قم

- إيران / 1426 ه.

ص: 449

طبعات

جديدة

لمطبوعات سابقة

* حديث

الولاية .. ومَن روى غدير خمّ من الصحابة.

تأليف : الحافظ أبي العباس أحمد بن محمد بن

سعيد الكوفي ، المعروف ب- : «ابن عُقدة» ، (ت 333 ه).

جمعٌ لما رواه الحافظ ابن عقدة في كتابه - المفقود

- الذي أفرده لجمع طرق خبر الغدير وحديث الولاية : «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ،

اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه» ، والذي روى فيه نصّ النبيّ الأكرم

(صلى الله عليه وآله وسلم) على أمير المؤمنين عليه السلام بالولاية

من 105 طرق ، وذكر فيه 98 من أسماء الصحابة ممّن روى هذا الحديث.

حوى الكتاب 142 رواية ل- 49 صحابياً وصحابية ،

وإضافة 4 روايات كمستدركات ؛ جُمعت بعد استقصاء وتتبّع في مصنّفات الكثير من

الحفّاظ والأعلام ممّن رووا الحديث بأسانيدهم إلى ابن عقدة ، أو مباشرة من

كتابه.

وقد ضمّ الكتاب بين دفّتيه أيضاً ثلاث رسائل لثلاثة

من معاصري المصنّف ، ممّن روى حديث الغدير بطرق كثيرة ، استلّت

رواياتهم من مصنّفاتهم ، وجمعت فيها :

الأُولى : للحافظ أحمد بن شُعيب النسائي (ت 303 ه)

، حوت 20 رواية عن 9 من الصحابة ، جُمعت من كتبه : السُنن

الكبرى ، خصائص

أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ،

وفضائل الصحابة.

والثانية : للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360

ه) ، حوت 45 رواية عن 18 من الصحابة ، جُمعت من كتبه : المعجم

الكبير ، المعجم الأوسط ، المعجم الصغير ، ومسند الشاميين.

والثالثة : لأبي بكر محمد بن الحسين ابن عبدالله

الآجري (ت 360 ه) ، حوت 20 رواية عن 14 من الصحابة ، جُمعت من كتابه : الشريعة.

سبق أن صدر في قم سنة 1422 ه- بتحقيق أمير تقدّمي

معصومي وأعادت طبعه منشورات (دليل ما) في قم - إيران سنة 1427 ه.

* هاشم

المرقال.

تأليف : السيّد محمد رضا الحكيم.

تناول الكتاب شخصية الصحابي الجليل هاشم المرقال رضي الله عنه

بدراسة موضوعية ، يحوم حولها الكاتب بمنهج أدبي تاريخي ليعرّف للأمّة شخصيةً

فذّةً

ص: 450

من شخصيّات الشيعة كاد أن يتناساها التاريخ ، أسلمت

في فتح مكّة واستشهدت في صفّين بين يدي وصيّ الرسول (صلى الله عليه وآله

وسلم)أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

اشتمل الكتاب على : ذكر نسبه ، وحياته في العصر

الجاهلي والإسلامي ، وقبوله دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ودراسة في

الغدير وحديثه ، والمرقال في مسيرته إلى الشام وشجاعته ، وموقف هاشم المرقال من

الخليفة عثمان ومع الإمام عليه السلام ، وإيمان هاشم

وولاؤه.

نشر : المكتبة الحيدرية قم - إيران / 1427 ه.

* دراسات في

منهاج السنّة.

تأليف : السيّد علي الحسيني الميلاني.

احتوى هذا الكتاب على دراسات للتعرّف على شخصيّة

ابن تيميّة ، وقد اتّخذ من كتابه منهاج

السنّة مدخلاً للتعرّف عليه ، حيث يعرّفنا عقائده ، وفقهه

، ومنهجه في التعامل مع مصادر التشريع الإسلامي ومع التاريخ الإسلامي ووقائعه ،

ولمّا كان كتاب ابن تيميّة قد جاء للردّ على كتاب منهاج

الكرامة للعلاّمة الحلّي ، فقد جمع ابن تيميّة كلّ أفكاره

وآراءه في كتابه هذا للردّ على آراء وأفكار

الإماميّة.

اشتملت هذه الدراسات على عشرة أبواب ، وقد تقدّمتها

دراسة في حياة العلاّمة الحلّي وكتابه منهاج

الكرامة.

سبق أن نشرته دار الهدى في قم وأعاد طبعه مركز

العلاّمة الحلّي الثقافي - الحلّة - العراق / 1427 ه.

كتب

صدرت حديثاً

* الرسول

المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقولة الرأي.

تأليف : باسم الحلّي.

يبحث في الصراع الدائر بين منطق الوحي والسماء وبين

الفكر البشري القائل بالاستقلاليّة ، يتناول هذا البحث بمنهجيّة ودراسة تاريخية

يعرض فيها إرادة الوحي ومقاصد الشريعة الإسلامية في أربعة فصول ، يوضّح بها ما

جرى في أُمّة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) من صراع فكري بين مقولتي

الرأي والنصّ ، ويتناول أهمّ أدلّة القائلين بالرأي وأدلّة القائلين بحرمة

التعاطي بالرأي كواسطة في التعبير عن إرادة الوحي ، ويعالجه بأُسلوب تحقيقي

بحثاً عن رسالة السماء ، معتمداً أهمّ المصادر للمسلمين.

ص: 451

نشر : دار الأثر - بيروت - لبنان / 1423 ه.

* معرفة الله.

تأليف : الشيخ علي الكوراني.

أوّل كتاب من السلسلة الثقافية المسماة بمكتبة

الطالب التي تشمل معالم الإسلام ومبادئه وأُصوله ، احتوى على بحوث عامّة في حياة

الإنسان وفي أصحاب الديانات السماوية خاصّة ، ومن ثمَّ على حياة الإنسان المسلم

في معرفة الخالق بالمباني العقلية التي حثّ عليها الدين في معرفة نظام الكون

وأنّه سبحانه وتعالى هو المدبّر له.

يشتمل على ثلاثة فصول في معرفة الله والإيمان به

والأدلّة القائمة في إثبات الوجود ، وفي معرفة توحيده وأسمائه وصفاته ، ومعرفة

عبادته ، والتكامل بطاعته بالعرفان الحقيقي ، ونقد التصوّف.

نشر : دار الهدى - قم - إيران / 1427 ه.

* سيرة سيّد

الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

تأليف : رسول جعفريان.

عمد المؤلّف إلى كتابة التاريخ

الإسلامي من خلال دراسة سيرة الرسول الأعظم (صلى

الله عليه وآله وسلم) بدراسة تحليليّة ، وحاول ذكر المرحلة التاريخية لحركة

الإسلام النامية معرضاً عن أحداث ما قبل الإسلام خصوصاً ما يتعلّق بالنبيّ (صلى الله

عليه وآله وسلم).

وقد اشتمل على عرض وتوطئة وسبعة فصول تناولها فيها

: كتابة التاريخ عند المسلمين ، العصر الجاهلي ، صدر الإسلام ، الإسلام أمام

ضغوط قريش ، الإسلام في المدينة ، غزوات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حتّى

السنة الخامسة للهجرة ، والنصر في الحجاز.

نشر : مجمع البحوث الإسلامية - مشهد - إيران / 1427

ه.

* من عنده علم

الكتاب.

تأليف : محمد كوزل الآمدي.

تناول الكتاب آية : 43 من سورة الرعد ليبحث عن

مصداقها المتمثِّل بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن

أجل بيان هذه الحقيقة ذكر الروايات الواردة من طريق الشيعة والسنّة حول الآية

الكريمة ، ثمّ بيّن العلل الموجودة في بعض الروايات وميّز صحيحها من سقيمها ،

ومن ثمّ تعرّض لذكر الإشكالات المثارة حول المسألة والأجوبة.

ص: 452

نشر : منشورات (دليل ما) - قم - إيران / 1426 ه.

* حبُّ عليٍّ عليه السلام

صراط النجاة.

تأليف : السيِّد فرحان النور.

كتاب يبحث في معنى كلمة الحبّ التي أشار لها كتاب

الله في اتّباع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى صار أجره من الله

المودّة في القربى التي تجلّت بحبّ علي عليه السلام ، فبحبِّ علي عليه السلام دارت

رحى الإسلام وبحبِّ عليٍّ عليه السلام قامت دعائم

الدين وبِحُبِّ عليٍّ عليه السلام شيِّدت راية

الرسالة خفّاقةً.

يستدلّ بآيات الكتاب الحكيم النازلة في حبِّ عليٍّ عليه السلام خاصّة

وبالأحاديث النبويّة الشريفة الواردة في حبّ علي عليه السلام معتمداً

على كتب الفريقين.

نشر : المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام - قم

- إيران / 1427 ه.

* الإمامية

الاثنا عشريّة.

تأليف : عبدالكريم آل نجف.

بدأ هذا الكتاب بتحديد مفهوم التشيّع ليتمّ الوصول

من خلاله إلى تحديد لمعنى الإمامية ، ومن ثمَّ كانت النتيجة في تعريف الشيعة

الإمامية ؛ بعد أن قام بتحليل

التعريفات الواردة من قبل المؤرّخين ومناقشتها

ليستخلص منها العقيدة الإمامية المترسّخة في روح التشيّع ، على أنّها تأسيس

نبويٌّ ، قائلٌ بوجوب الإمامة وعصمتها.

نشر : المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام - قم

- إيران / 1426 ه.

* مُسند

الإمام الصادق عليه السلام ج

(1 - 22).

تأليف : الشيخ عزيز الله العطاردي.

هو الكتاب السابع من موسوعة المؤلّف الكبيرة

المسمّاة ب- «مسانيد أهل البيت عليهم السلام» ، اعتمدَ في

نقل الأحاديث الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام فيه على ذكر

أسماء رجال السند في مقدّمة مسند الإمام

أمير المؤمنين عليه السلام ، وأُخذت

رواياته وأحاديثه عن المصادر المشهورة والكتب المعروفة عند الفريقين ، مرتّبة

حسب الموضوع.

تمّ ترتيب المسند على ثلاثة فصول : حياته عليه السلام وأولاده

وأصحابه ؛ والأحاديث والأخبار المروية عنه عليه السلام في

التوحيد والنبوّة والإمامة والأحكام والسنن ؛ ثمّ ذكر معجماً للرواة عنه عليه السلام ومن

حدّث عنه مرتّبة على حروف المعجم مع ذكر

ص: 453

مختصر عن أحوالهم وما قيل فيهم من المدح والجرح.

نشر : منشورات عطارد - طهران - إيران / 1426 ه.

* زيد الشهيد.

تأليف : السيد عبدالرزاق الموسوي المقرّم.

احتوى هذا الكتاب على رسالتين تضمّنت الأولى منها (زيد

الشهيد) : سيرة الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام ،

وبعض فضائله ، وذكر ما جاء في حقِّه عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام من

الثناء والإطراء ، وتحليلاً لشخصيّته ، والأحوال والملابسات التي كوّنت ذلك

المشهد التاريخي الإسلامي.

اشتملت على : ولادته ، لقبه ، كنيته ، صفاته ،

نشأته ، مؤلّفاته ، مدرسته وتلاميذه ، زهده وعبادته ، أدبه ، براءته من دعوى

الإمامة ، أسباب النهضة ، موقف زيد مع هشام.

والرسالة الثانية (تنزيه المختار) : تضمّنت دراسة

تاريخية لشخصية المختار ابن أبي عبيد الثقفي وموالاته لأهل البيت عليهم السلام ،

اشتملت على : تعريف المختار ، نشأته ، انقطاعه إلى بني هاشم ،

المختار في نظر أهل البيت عليهم السلام ،

نسبة الفرقة الكيسانية إليه ، و...

نشر : المكتبة الحيدرية - قم - إيران / 1427 ه.

* الفرقة

الناجية.

تأليف : صباح علي البياتي.

يعالج هذا الكتاب صراع الأمّة وفرقتها بعد الرسول

الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مستنداً إلى آيات الكتاب المبين والسنّة

النبويّة الشريفة ، يبحث من خلالهما عن الفرقة الناجية التي طالما أشير إليها في

كتب الفريقين بأسانيد مختلفة.

اشتمل على مقدّمة وسبعة فصول في : معنى الافتراق

والفرقة الناجية ، الأحاديث الواردة فيهما ، آراء العلماء والمحدّثين ، أحاديث

معارضة ، هوية الفرقة الناجية في كتب أهل السنّة ، ومستند الشيعة في تعيين

الفرقة الناجية.

نشر : المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام - قم

- إيران / 1427 ه.

* الإيقاظ من

الهجعة.

تأليف : الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي.

تناول الكتاب بحثاً عقائدياً في إثبات

ص: 454

الرجعة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمّة

الأطهار

عليهم السلام

التي

تفرّدت به الفرقة الامامية الإثنا عشرية بدراسة للآيات القرآنية والروايات

المتواترة في هذا الشأن ؛ وقد رُتّب على إثني عشر باباً : في المقدّمات ، وفي

الاستدلال على الرجعة وإمكانها ووقوعها ، وفي الآيات القرآنية الدالّة على ذلك

مع الأحاديث في تفسيرها ، وفي إثبات ما وقع في الأُمم السابقة يقع مثله في هذه

الامّة ، وإنّها وقعت في الأنبياء والأوصياء السابقين ، وإنّها وقعت في هذه

الأُمّة في الجملة ليزول الاستبعاد عن الرجعة الموعود بها في آخر الزمان.

وقد ذكرت ترجمة حياة المؤلّف ومقدّمة للمترجم

باللغة الفارسية كما ذكرت ترجمة كاملة لمتن الكتاب باللغة الفارسية في الهامش.

صدر في قم سنة 1426 ه.

* التنبيه

بالمعلوم.

تأليف : الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي.

يحتوي الكتاب على رسالة في بيان نفي السهو عن

المعصومين

عليهم السلام

،

وذكر بعض ما يدلّ على ذلك من الادلّة العقلية والنقلية وآراء العلماء في هذاالشأن

، كما

تناولت الرسالة ردّ شبهة من جوّز السهو عليهم

وتأويل الأحاديث التي تدلّ على ذلك بظاهرها.

وقد اشتملت الرسالة على اثني عشر فصلاً في : عبارات

العلماء المصرّحين بنفي السهو عن المعصومين عليهم السلام في

الأحكام وغيرها ، وفي من جوّز السهو على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

والامام

عليه السلام

في

غير التبليغ ، وفي ما يدلّ على نفي السهو عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

والأئمّة

عليهم السلام

مطلقاً

من الآيات القرآنية والأحاديث المعتمدة والأدلة العقلية ، وفي المفاسد المترتبة

على تجويز السهو.

صدر في قم سنة 1426 ه.

* التفسير

الأثري الجامع ، ج (1).

تأليف : الشيخ محمد هادي معرفت.

يحتوي هذا الكتاب على دراسة لمعرفة الصحيح والضعيف

من الأخبار الخاصّة في باب تفسير القرآن الكريم ، في ضوء محكمات الكتاب والسنّة

الشريفة.

يشتمل هذا الجزء على مقدّمة تضمّ أحاديث وروايات في

فضل القرآن وأسمائه ، وبيان التفسير والتأويل والظهر والبطن وما يتعلّق بها ،

وبيان حجّية ظواهر القرآن وصيانته من التحريف ، ومراحل

ص: 455

التفسير منذ زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

وحتّى القرون التي بعده ، وآفات التفسير والحروف المقطّعة ونقد الآثار وتمحيصها

، ثمّ يبدأ في تفسير سورة الحمد وبيان فضلها ونظمها وذكر كلمة «آمين» بعدها في

الصلاة.

نشر : منشورات ذوي القربى - قم - إيران / 1425 ه.

* الصلاة على

الرسول المصطفى وآله.

تأليف : باسم الحلّي.

يتناول هذا الكتاب بحثاً موضوعيّاً يدور حول

الأذكار الواردة في تعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء التي تزيد القلوب حبّاً

وارتباطاً ومعرفةً بالله تبارك وتعالى إرشاداً وتعليماً من الرسول الأعظم (صلى

الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومين من آله عليهم السلام ، حيث سلّط الضوء

فيه من خلال الأذكار الإِسلامية على صيغة ذكر «اللّهمّ صلّ على مُحَمد وآلِ

محمد» بأنّها هي : الشعار والتراث والهويّة ، وذلك في سبعة فصول تناولت :

الصلاة على محمد وآله بين الهويّة والتراث ، والصلاة ونظرية الحسّ الديني ،

وأدلّة منع الصلاة البتراء في روايات الشيعة ، والسنة ، وهوية

آل محمد بين الوحي والتراث الرأيوي ، وبحوث لغوية

وفقهية في الصلاة ، وفضائل الصلاة خصائصها وثوابها.

نشر : منشورات (ژرف) - طهران - إيران / 1425 ه.

* تساؤلات حول

النهضة الحسينية.

تأليف : الشيخ محمد صنقور.

يُعدُّ هذا الكتاب عبارة عن مقالات ملخّصة عالج

فيها المصنِّف بعض الإِشكالات والتساؤلات المثارة حول نهضة الإمام الحسين عليه السلام ، وقد

أجاب عنها بإجابات مختصرة ومن تلك التساؤلات : لماذا استجاب الإمام الحسين عليه السلام لدعوات

أهل الكوفة؟ ولماذا لم يستجب الإمام الصادق عليه السلام للرسائل

التي دعته للثورة؟ ولماذا لم يقبل الامام الحسين عليه السلام باقتراح

البعض عليه بالهجرة إلى اليمن ؛ وغيرها من التساؤلات.

نشر : دار العصمة - سنابس - البحرين / 1426 ه.

* تقرير

المصير.

تأليف : الشيخ محمد حسين الفقيه.

تناول هذا الكتاب أصل الإمامة رابع أصول الدين عند

الشيعة الاثني عشرية

ص: 456

وأهمّ بحث بين المذاهب الإسلامية حيث عدّ محلّ

الخلاف بينهم وسبب تشتُّتِ كلمتهم فدعا القارئ إلى مطالعة الكتاب ودراسته

بموضوعيّة ، فمن رشد العقل تبعيّة البرهان وتغيير العقيدة على أساسها ، اشتمل

الكتاب على مقدّمة وجيزة وفهرسة للمحتويات ومن أهمّها : تساؤلات حول المبرّرات

الشرعية لخلافة السقيفة ، وحديث الثقلين وتمديد من هم أهل البيت؟ وحديث الغدير

وتهنئة أبي بكر وعمر بالولاية وموضوعات حول الإمام المهدي (عج).

نشر : المكتبة الحيدريّة - قم - ايران / 1426 ه.

* الأخلاق.

تأليف : السيّد عبدالله شبّر.

دراسة اعتمدت أركانها على أقوال المعصومين الأربعة

عشر

عليهم السلام

،

فتناولت من بين معارف الدين علم الأخلاق المرتكز على تربية النفس وتزكيتها في

التزامها بطاعة خالقها وسلوك عبادته وحسن السيرة والتعامل مع الناس ، احتوى

رسالة لحياة المؤلّف ، ومقدّمة ، وأربعة أركان لكلّ ركن أبوابه وفصوله ، منها :

أسرار العبادات وفيها أبواب ، وجملة من

الحقوق التي تلزم الإنسان في آداب المعيشة

والمجالسة ، والمهلكات من الأخلاق الردية والمنجيات.

نشر : المكتبة الحيدرية - قم - إيران / 1427 ه.

* الهجرة إلى

الثقلين.

تأليف : محمد كوزل الآمدي.

تساءل هذا الكتاب عن حقيقة آل الرسول عليهم السلام ليميط

عن القلوب والأفكار هواجس الحيرة والشكّ والترديد بتساؤلات : فلعلّها هي الهجرة

الثالثة بعد الهجرتين اللتين أثّرتا في السير الفكري للمؤلّف؟ ولعلّها هي السبب

المتصل بين السماء والأرض؟ ولعلّها هي الدوحة المباركة التي تحكي أوراقها عن لمّ

شعث المسلمين؟ ولعلّها هي الحبل الممدود من الله فمن استمسك به نجا؟

صاغه المؤلّف على مرحلتين ، فالمرحلة الاُولى يبحث

فيها عن أُمور كان يظنّها حقائق قطعيّة ومسلّمات تاريخية فتبيّن له خلافها بعد

هجرته.

والمرحلة الثانية ، قام بها المؤلِّف ببيان الحقيقة

التي سترت عن الناس لأسباب تاريخية أليمة ، يسندها بالكتاب الكريم والسنّة

النبويّة الشريفة.

ص: 457

نشر : منشورات (دليل ما) - قم -

إيران / 1426 ه.

* الجذور

التاريخية والنفسية للغلوّ والغلاة.

تأليف : سامي الغريري.

تناول هذا الكتاب البحث عن معنى الغلوّ لغةً

واصطلاحاً ، ومفهومه في مختلف الثقافات ، وجذوره التاريخية والنفسيّة ، وكيفية

دخوله في الإسلام ، وخطورة التكفير باسم الغلوّ ؛ وجاءت هذه الدراسة إثر

الاضطرابات الفكرية التي يعاني منها المسلمون في عصرنا الحاضر ، فبيّن الكتاب

أصناف الغلاة والفرق الغالية من الخوارج والمعتزلة ، وبيان عقائدها ومناهجها

الفكرية ، كما بيّن الكتاب موقف الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)

والإمام علي

عليه السلام

وسائر

الأئمّة الأطهار

عليهم السلام

من

الغلوّ والغلاة ، وقد احتوى على فهرس للمواضيع تتلوه المقدّمة ، كما أُلحقت به عدّة

فهارس متنوّعة.

نشر : منشورات (دليل ما) - قم - إيران / 1424 ه.

* يوسف

الصدّيق.

الكتاب عبارة عن تقريرات لدروس

السيّد كمال الحيدري جمعها ودوّنها الشيخ محمود

نعمة الجيّاشي تناولت بحوثاً في النبوّة الخاصّة ، عبر رؤية قرآنية ، تجسّد لنا

قصّة النبي يوسف الصدّيق التي تحدّثنا عن مقام الانبياء ، وعن عبر ودروس في

التكامل الإنساني نحو التوحيد الحقيقي.

وقد اشتملت موضوعات الكتاب على : التمهيد حيث احتوى

على بحثين في أحسن القصص وأدب النبوّة ، والقسم الأوّل : يوسف الصديق ورحاب

الولاية. والقسم الثاني : نقل الأقوال في قوله تعالى (وَلَقَدْ

هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَن رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ) وردّ

الشبهات المثارة حول هذا النصّ القرآني ؛ وخاتمة تكفّلت بحث الرؤيا من الناحيتين

القرآنية والفلسفية.

نشر : دار فراقد للطباعة والنشر - قم - إيران /

1426 ه.

* قصص الاسم

الأعظم.

جمع واعداد : سعيد أبو معاش.

تطرّق الكتاب إلى سرد القصص المتضافرة في كتب

الإمامية حول الاسم الأعظم ، وقصص الاسم الأعظم في القرآن وتفسير آياتها وما

تحمل في طيّاتها من معان وأسرار ، كما تناول شطراً من الروايات الدالّة على

فوائد بعض الأذكار ،

ص: 458

وأنّها من مواريث الأنبياء وعلومهم وقد ورثها أهل

بيت النبوّة

عليهم السلام.

نشر : دار المجتبى - قم - إيران / 1426 ه.

* حقيقة

البرزخ ومستقرّ الأرواح.

تأليف : السيّد عبدالله السيد سعيد الزيني.

أعدّ الكتاب بحثاً وتحقيقاً عن رحلة الإنسان من

عالم المادّة إلى عالم الروح ، وما يصاحبها من أهوال في ضوء الكتاب والسنة

والعقل.

اشتمل على خمسة فصول هي : مقدّمة في الطريق إلى

الله ، ومقدّمة عن سكرة الموت وساعة الاحتضار ، وحياة القبر في عالم البرزخ ،

وزيارة أهل القبور والأحاديث الواردة فيها ، وحكايات وعبر ، وخاتمة.

صدر في كربلاء المقدّسة سنة 1424 ه.

* في الأخلاق

النظريّة.

تأليف : السيّد هادي الشريفي.

احتوى الكتاب على دروس أخلاقية تربوية انسانية

وإسلامية لمحاضرات كان قد ألقاها المؤلف على طلبة العلوم

الدينية ، ثمّ لخّصها وانتقى الأهمّ منها في بحوث

استهدفت علم الأخلاق في الدين الإسلامي الحنيف ، وتعرّض إلى منكري عالم الغيب

ومدخليته في تربية الإنسان أخلاقياً واجتماعياً.

اشتمل على ستة أبواب في : علم الأخلاق ، والحسن

والقبح ومقاييسها ، ولمحة من تاريخ البحث الأخلاقي ، والأخلاق والإسلام ،

والأخلاق في الفكر الأُوربّي الحديث.

نشر : منشورات المركز العالمي للدراسات الإسلامية -

قم - إيران / 1425 ه.

* زواج أم

كلثوم.

تأليف : السيّد علي الشهرستاني.

تناول الكتاب مسألة زواج عمر من أمّ كلثوم بنت

الإمام علي

عليه السلام

التي

طالما يحتجّ بها الخصم في تبرئة ساحة الخلفاء ؛ وأنّه لا خلاف بينهم وبين أهل

بيت النبوّة

عليهم السلام

،

فعالجها بدراسة بيّن من خلالها الأقوال التي ذكرها أتباع أهل البيت عليهم السلام وأتباع

الخلفاء في هذه المسألة ، كما تناول بحوثاً طرحها بأسلوب جديد منها : عمر ودعوى

القرابة ، وبحث تزوّجه من النساء ، وقضية المغيرة بن شعبة

ص: 459

وربطها بالموضوع ، ودور البعض في تطبيع الزواج

المفترض ، وكيفية دخول الروايات في المصادر الشيعية.

واشتمل الكتاب على نصوص وبحوث تاريخية وفقهية

وعقائدية عديدة.

نشر : مركز الأبحاث العقائدية - قم - إيران / 1425

ه.

* الإمام علي عليه السلام رحمة

وذكرى.

تأليف : الدكتور عبدالرسول الغفاري.

كتاب تاريخي ، عقائدي ، حديثي ، يسلّط الأضواء على

سيرة أوّل رجل في الإسلام ، ويبيِّن منزلته ومناقبه نقلاً عن الأحاديث القدسية ،

وما قاله في حقّه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو نفس كتاب خبر

اليقين أُضيفت إليه بعض المواضيع.

اشتمل على مقدّمة وثمانية فصول تناولت : لمحة

تاريخية عن حياة أمير المؤمنين عليه السلام وقضائه ، ما

نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام من الآيات

القرآنية الشريفة ، الإمام علي عليه السلام والآيات

المحكمات ، شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام وجهاده ، بين

حواري أمير المؤمنين علي عليه السلام ومعاوية ، من

أقوال أمير المؤمنين عليه السلام وفضائله

الساطعة ، من خصائص أمير المؤمنين علي عليه السلام برواية

الزمخشري.

نشر : دار القارئ - بيروت - لبنان / 1426 ه.

* بحوث في

أصول الدين.

تأليف : السيّد محمّد باقر الصدر.

كتاب يهتمّ بأُصول الدين والعقيدة في الإسلام

وخاصّة المذهب الشيعي الاثنا عشري.

وهذا الكتاب هو مجموعة من رسائل كتبها المؤلف تحت

العناوين التالية : المرسل الرسول

الرسالة ، بحث حول الولاية ، بحث حول المهدي (عج).

اشتملت الأولى على : بحث تحت عنوان «موجز في أُصول

الدين» ضمَّ ثلاثة مواضيع : بيان التوحيد والاستدلال على وجود الصانع ، وبيان

النبوّة والعوامل والمؤثّرات ودورها في المقام ، وبيان أهمّ خصائص الرسالة

الإسلامية.

واشتملت الثانية على : كيفية ولادة التشيّع

والأُمور المتعلّقة بها ، وكيفية وجود الشيعة مع تناول الجانب الروحي والسياسي

في أُطروحة التشيّع.

وضمّت الثالثة : بعض الأسئلة التي تناولت فكرة

المهدي وجذورها في التاريخ وكيفية وجوده (عج) مع الإجابة عليها.

ص: 460

نشر : مجمع الثقلين العلمي - قم - إيران / 1427 ه.

*

تعدّد القراءات.

تأليف : الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي.

يعالج الكتاب نظريّة تعدّد القراءات ، ضمن مباحث

قدّمها المؤلّف لبيان هذا الموضوع وتوضيح زواياه ، وطرح ملاحظات قيّمة في هذا

المجال ، وذلك من خلال محاضراته التي ألقاها في مختلف المحافل العلمية والثقافية.

اشتمل على ثلاثة فصول في عدة مواضيع من بينها :

بيان الادّعاء ومقوّمات الظهور ، والذرائع في تميّز الآيات القرآنية بأنّ لها

باطناً ، ووجود المتشابهات في القرآن ، والاختلافات الطائفية وتعدّد الفتاوى ،

ووجود تاريخ لأحكام الإسلام ، ورمزية لغة الدين ، وبيان الرأي المختار.

نشر : مؤسّسة الإمام الخميني رحمه الله - قم

- إيران / 1425 ه.

*

شبهات السلفية.

تأليف : جواد حسين الدليمي.

تطرّق هذا الكتاب لردّ شبهات السلفية في تكفير

المسلمين ورميهم وطعنهم

بأنواع التهم وإباحة قتلهم ، واستعرض فتاوى العلماء

من شتّى المذاهب الإسلامية في تحريمها ، كما تعرض إلى تاريخ المذهب السلفي (الوهابي).

اشتمل على ثلاثة مباحث في : التقية ، وعدالة

الصحابة ، وشبهة التحريف حيث درس من خلالها ما عاناه أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام سابقاً

ولاحقاً ، وذكر قول علماء الشيعة بعدم التحريف ، وشهادة بعض علماء السنّة بعدم

قول الشيعة بالتحريف.

نشر : دار المحجّة البيضاء - بيروت - لبنان / 1425

ه.

* مفتاح مجمع

البيان في تفسير القرآن.

تأليف : مركز باقر العلوم للأبحاث.

أعدّ الكتاب مجموعة من الفهارس لكتاب مجمع

البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي رحمه الله ، تمّ

تنظيمها حسب الحروف الأبجدية ، وقد نظّمت عناوينها الرئيسية وفق حروف مادة

الكلمة ، كما اندرجت مشتقّاتها تحت العنوان الرئيسي لهيئة الكلمة ، على الترتيب

الأبجدي لهيئتها ، وأمّا الألفاظ الجامدة فقد أُدرجت تحت نظامها الأبجدي.

تمّ إعداد الفهارس طبقاً لنسخة المطبعة

ص: 461

الإسلامية ونسخة انتشارات أُسوة ، وقد اشتمل على :

فهرس مواضيع تفسير مجمع البيان ، وفهرس الآيات الناسخة والمنسوخة ، وفهرس نظم

الآيات والسور ، وفهرس أسباب النزول.

نشر : انتشارات (أُسوه) - طهران - إيران / 1425 ه.

* في رحاب

زيارة عاشوراء.

تأليف : السيد صدر الدين القبانجي.

احتوى الكتاب على مجموعة محاضرات في شرح كامل

لزيارة عاشوراء ، ألقاها المؤلف في عشرة محرّم الحرام في

النجف الأشرف ، وقد تناول فيها موضوعات هامّة أشارت

إليها فقرات الزيارة ، كموضوع منزلة أهل البيت عليهم السلام ومرتبتهم

، وأساس الانحراف في الأمّة عن الخط الرسالي ، وأنّ الولاية شرط لقبول الأعمال ،

وموضوع الاقتداء والتأسّي بأهل البيت عليهم السلام في مجالي

القول والعمل ، وأنّ وسيلة التقرب إلى الله في موالاتهم والبراءة من أعدائهم ،

وأنّ حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية عامّة ، كما ناقش موضوع

السلم والحرب أهل البيت عليهم السلام.

نشر : دليلنا - النجف الأشرف - العراق / 1425 ه.

ص: 462

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.