المؤلف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم
الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم
المطبعة: نمونه
الطبعة: 0
الموضوع : مجلّة تراثنا
تاریخ النشر : 1417 ه.ق
الصفحات: 502
ص: 1
* التشيع والوسطية الإسلامية
د. محمد عمارة من الاعتزال إلى السلفية ومن المعارضة إلى التطبيع
......................................................... أكرم عبد الكريم ذياب 7
* تشييد المراجعات وتنفيد المكابرات (7).
................................................... السيّد علي الحسيني الميلاني 69
* تاريخ الحديث وعلومه.
........................................... السيّد ثامر هاشم حبيب العميدي 194
* إقناع الرافض لجواز عطف الظاهر على الضمير المخفوض من دون إعادة الخافض.
.................................... السيّد حسن الحسيني آل المجدّد الشيرازي 268
* مصطلحات نحوية (6).
..................................................... السيّد علي حسن مطر 307
ص: 2
* من ذخائر التراث :
* نهاية الإقدام في وجوب المسح على الأقدام - للشهيد الثالث.
....................................... تحقيق : هدى جاسم محمد أبو طبرة 339
* من أنباء التراث.
............................................................... هيئة التحرير 481
* * *
* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة نهاية الإقدام في وجوب المسح على الاقدام للشهيد الثالث (956 - 1019 ه) المنشورة في هذا العدد ، ص 339 - 48.
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
د. محمد عمارة من الاعتزال إلى السلفية
ومن المعارضة إلى التطبيع
أكرم عبد الكريم ذياب
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد :
فقد طالعتنا مجلة «الوطن العربي» في عددها المرقم 1028 ، الصادر في 15 / 11 / 1996 ص 22 - 23 ، بحوار تحت عنوان : رأي «الوسطية الإسلامية» في الفكر الشيعي ، للدكتور محمد عمارة ، الذي - ولأول وهلة - يحسب القارئ له أنه يحمل في طياته فكرا جديدا من شأنه المساعدة في تحقيق مفهوم الوحدة الإسلامية التي يرمي إليها العالم الإسلامي المعاصر.
ولكن للأسف! وجدنا الدكتور المذكور يحول الوسطية الإسلامية المدعاة من قبله إلى انتقادات لاذعة ، وافتراءات لا أساس لها في الواقع سوى أنها جاءت كالسهام تطال جسد الأمة الإسلامية التي كانت ولا تزال تعاني من التشرذم.
ص: 7
وإذا به بدلا من السعي لترميم واقعها تراه يصف الشيعة بالغلو لفكرة أو عقيدة اعتقدوا بها وأسسوا لها أبحاثا قد لا يكون الدكتور تفحص في محتوياتها ، أو تفحص فيها بلا عمق ودقة ، جاعلا الوسطية عنوانا لطريقة اختارها في ذم الشيعة والقدح في اجتهاداتهم.
ولا نظن أن توحيد الصف و «صيانة الوحدة وتماسك النسيج» يمر عبر نعت الشيعة بأنهم «يخلخلون وحدة المذهب ويصنعون القلق الطائفي» تحت حجة أن الشيعة لم يلتزموا الوسطية.
ثم نراه يتعرض لطرح الإشكاليات والانتقادات المردودة ، مع ما للشيعة من أقلام تدافع عن الوحدة الإسلامية إلا أنها لا تقبل بتاتا المس بمقدساتها والطعن في اجتهاداتها بلا مبررات موضوعية لها ، وليس ذلك سوى جهلا أو تجاهلا للحقيقة.
وإننا أمام تلك الشبهات المطروحة نجد أنفسنا مضطرين للدفاع عن تلك المعتقدات ، منتقدين وجهة النظر التي صبت الشيعة في خانة المتطرفين والمزعزعين لوحدة الصف التي ينظر من خلالها أمثال الدكتور إلى التشيع نظرة سلبية ومحدودة ، ولكن هذه المرة تحت عناوين براقة : كالوسطية والوحدة وغيرهما ...
والحق أن الحوار لا يخلو من التناقضات الواضحة إذ إنه تارة يطالعنا بقوله : «علينا أن نحاور بالفكر» وأخرى يقول لنا : «من حق التشيع أن يحتفظ بفكره» و «تعصب الشيعة لأئمتهم جعلهم يشقون صف الأمة» ..إلى آخره من الاتهامات المدفوعة والحجج الموهومة التي لا واقع لها ، خصوصا لمن استقرأ التشيع وعرفه حقا.
وأمام هذه الهجمة الشرسة على الشيعة ، التي لا تخدم سوى أعداء
ص: 8
الإسلام ، نتناول بعضا مما ذكره الدكتور ، مفندين تلك المزاعم ، ومستهلين البحث بما استهل به حديثه فنقول ، وبالله نستعين - كما قال هو - :
«عندما نتحدث عن قضية الفكر الشيعي يحسن أن نضبط هذه القضية سواء في واقعها التاريخي أو في واقعها المعاصر ..».
والحق أن المتحدث راح يتخبط في حواره خبط عشواء ، فلم يستطع ضبط حقيقة هذه القضية كما ادعى من جهة ، ولا أنه أحسن في ضبط رأيه تجاهها من جهة أخرى ..
وليس كلامنا - عزيزي القارئ - جناية عليه ، وإنما من دقق وتمعن في محتوى ما ذكره الدكتور في مستهل حديثه ، وقارنه بما استأنف به كلامه حول القضايا المختلفة ، يستنتج - بلا شك أو ريب - ما استنتجناه.
وللوقوف على تلك الحقيقة يحسن استعراض بعضها إجمالا ليتبين لك الحق من الباطل :
أولا : تناقض في الحوار :
إن في كلام الدكتور تناقضا واضحا ، إذ إنه في بداية الحوار ذكر «أن فرقا من الغلاة الشيعة وهؤلاء أغلبهم قد انقرض ...».
وقال : «أن التيار الشيعي الذي وقف بين بين ، أي ليس غلوا وليس زيديا في اقترابه من الفكر السني يمثل الآن أغلب الشيعة المعاصرين».
ثم ينعطف فيقول : «لكن المصريين تعاطفوا ... دون أن يتحول هذا التعاطف إلى الغلو الذي يجعلهم معصومين أو الذي يجعلهم يحتكرون الإمامة والخلافة والسلطة دون الأمة»!
ولا شك - عزيزي القارئ - أن هذا هو التهافت بعينه ، إذ كيف يدعي
ص: 9
تارة أن الشيعة المعاصرين ليسوا غلاة ويعود فيتهمهم بالغلو لتمسكهم بالعصمة وإمامة الأئمة (عليهم السلام) ، مع العلم أن هذا هو مذهب أغلب المعاصرين من الشيعة إذا صح التعبير.
ثانيا : غياب المصطلح :
لعله غاب عن ذهن الدكتور معنى الغلو ، المصطلح عليه في علم الكلام وفي الملل والنحل ، حتى راح ينسبه للشيعة دون أدنى معرفة منه بعقائدهم ، معتقدا بأن العصمة للأئمة غلوا ، وهذا باطل كما سيتبين.
ثالثا : زور وبهتان :
لا يخفى أن عد الغلاة من الشيعة زور وبهتان وإن قالوا - أي الغلاة - بألوهية الأئمة (عليهم السلام) ، إذ كيف يصح نسبة تلك الفرق إلى الشيعة وهم ليسوا بمسلمين؟!
وهل يؤخذ البرئ بجرم المعتدي؟!
ناهيك عن الموقف الواضح لأئمتنا من الغلاة إذ إنهم لعنوهم وطردوهم وحذروا شيعتهم منهم ، فكانوا يقولون : «لعنهم الله (الغلاة) إنا لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، أو عاجز الرأي ، كفانا الله مؤنة كل كذاب ، وأذاقهم الله حر الحديد».
كما أخرج الكشي عن أبي بصير ، قال : قال لي أبو عبد الله : «يا أبا محمد! إبرأ ممن يزعم أنا أرباب».
قلت : «برئ الله منه».
فقال : «إبرأ ممن يزعم أنا أنبياء».
ص: 10
قلت : «برئ الله منه» (1).
هذا ، ولدينا أدلة على أن هذه الفرق بمعظمها - إن لم نقل كلها - من افتعال السلطات الجائرة وأعداء أهل البيت (عليهم السلام).
رابعا : قلة الدراية بعقائد الفرق :
قال : «لأن الزيديين لا يكادون يختلفون عن الفكر السني ، وهم في الأصول قريبون من المعتزلة ...».
والصحيح أن الزيدية في الأصول هم أقرب إلى الاثني عشرية من أهل السنة وإن اختلفوا في التفصيل والتفريع.
وللتحقيق نذكر ما يلي :
أ - مفارقة واضحة :
إن ما صنفه الدكتور احتكارا للسلطة وغلوا في الشيعة - كما مر بك - يعتقد به الزيدية ، وليس عليك إلا مراجعة كتبهم الدالة على ذلك ومنها العقد الثمين في معرفة رب العالمين تأليف : الأمير الحسين بن بدر الدين محمد (582 - 662 ه) في فصل «الإمامة بعد الحسنين» قال :
«فإن قيل : لمن الإمامة بعدهما؟
فقل : هي محصورة في السبطين ومحظورة على ما عدا السبطين ... وقد انعقد إجماع المسلمين على جوازها في أولاد فاطمة (عليها السلام) ولا دليل على جوازها في غيرهم ، فيبقى من عداهم لا يصلح». 0.
ص: 11
ب - عقائد الزيدية :
قال : «الزيدية شيعة لكنهم لم يجعلوا الإمامة أصلا من أصول الاعتقاد ..».
والواقع أن هذا ليس صحيحا ، لأن من راجع كتبهم ومصادرهم يتبين له الحق كما في المصدر المذكور سابقا ، حيث عقد المؤلف لها بحثا منفردا في فصول متعددة جاعلا منها أصلا من الأصول الخمسة التي تقول بها الإمامية ، مبتدئا بقوله :
«فإن قيل : من أول الأئمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأولى الأمة بالخلافة بعده بلا فصل؟
فقل : ذلك أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب.
فإن قيل : هذه دعوى ، فما برهانك؟
فقل : الكتاب ، والسنة ، وإجماع العترة».
وفي كتاب الأحكام للإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم (245 - 298 ه) ، قال :
«فإذا فهم ذلك ، ولاية أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه واجبة على جميع المسلمين فرض من الله رب العالمين ، ولا ينجو أحد من عذاب الرحمن ، ولا يتم اسم الإيمان حتى يعتقد بذلك بأيقن الإيقان ، لأن الله سبحانه يقول : (إنما وليكم ...)» (1).
كما يمكن للدكتور عمارة مراجعة كتاب الأساس لعقائد الأكياس في 6.
ص: 12
معرفة رب العالمين وعدله في المخلوقين للإمام المنصور بالله القاسم بن يحيى بن علي الزيدي (ت 1029 ه) ، منشورات دار التراث الإسلامي صعدة اليمن ، 1994 ، ص 150 - 151.
* * *
القضايا التي يختلف فيها الشيعة عن السنة
ابتداء نتعرض لقضية ادعى الدكتور فيها أن «الفتوى التي صدرت من المرحوم الإمام الأكبر الشيخ شلتوت عن أن المذهب الشيعي مذهب إسلامي ... كانت خاصة بالمذهب الجعفري ، وليست خاصة بنظرية الإمامة عند الشيعة ، ولكن بعض الناس خلطوا هذين الأمرين ...».
والمفهوم من كلامه أمران :
الأول : أن الإقرار بأن المذهب الشيعي مذهب إسلامي لا يتعدى الجانب الفقهي ، وبمعنى آخر أن الفتوى لا تبيح الجانب الاعتقادي للشيعة ، وأن نظرية الإمامة ليست مذهبا إسلاميا يتعبد به.
والحاصل عند الدكتور - اعتمادا على رأيه الذي سنوافيك به - تكفير الشيعة بلا محالة بحسب الأصول الفقهية ، لأن الإمامة تصبح بنظره بدعة وغلوا ، لأنه إدخال في الدين ما ليس منه وإن صرح خلافه.
الثاني : أنه يرى إمكانية الفصل بين «الفقه» و «العقيدة» فيما لو أريد الاتباع.
ونجيب على حاصل المفهوم فنقول :
ص: 13
أولا : إن هذا يتنافى مع قناعته التي تفضل بها عندما قال : «أنا لا
أميل إلى استخدام أساليب التكفير في داخل الأمة الإسلامية» وصرح بما يفيد أن الشيعة جزء من الأمة الإسلامية.
ثانيا : لا أدري من أين له أن يفصل في المذاهب بين «الفقه» و «العقيدة» وكأنه نسي حينها بأن الأول نعني به «الفروع» والثانية نعني بها «الأصول» ، وإنما الفروع تابعة للأصول.
ويشهد بهذا ما حكم به هو - حسب اعتقاده - من القول بتكفير الشيعة لأهل السنة - وإن لم يصرحوا - إذ لا بد من إجراء أحكام الكفر على منكر الإمامة فقها كما قال ، مثيل من أنكر التوحيد أو النبوة أو المعاد ، وهذا يعني في الحقيقة عدم إمكانية فصل «الأصول» عن «الفروع» في المذاهب ، لأن كثيرا من أحكام الأخيرة تتوقف على الاعتقاد بالأولى كما بينا.
هذا كله فيما لو صح كلام الدكتور بأن فتوى الشيخ شلتوت إنما كانت خاصة بالمذهب الجعفري ، وليست خاصة بنظرية الإمامة ، ومن عاد إلى الوراء قليلا - وبالتحديد إلى زمن صدور الفتوى في7 / 7 / 1959 - لعرف الحقيقة الدامغة التي تدحض كل ما جاء به الدكتور ، من تلبيسات وأوهام بشأنها ...
وللتوضيح أنقل - مقتطفا - بعضا مما جاء فيها باختصار ، قال شيخ الأزهر السابق :
«أولا : ... ولا عبرة بما يكتب في بعض الكتب عن انحصار المذاهب التي يجوز تقليدها في الأربعة المشهورة ، ولا بما يقال من أن : من قلد مذهبا فليس له أن ينتقل منه إلى غيره.
وفي ذلك يقول الشيخ عز الدين بن عبد السلام : لم يزل الناس يسألون
ص: 14
من اتفق من العلماء من غير تقيد بمذهب ، ولا إنكار على أحد من السائلين ، إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين ، فإن أحدهم يتبع إمامه مع بعد مذهبه عن الأدلة مقلد له في ما قال ، كأنه نبي مرسل ، وهذا نأي عن الحق وبعد عن الصواب لا يرضى به أحد من ذوي الألباب.
ثانيا : ...
ثالثا : إن هناك فرقا تنتسب إلى علي ، وهم شيعته المهتدون ، ومن هؤلاء الشيعة الصالحين الطائفة المعروفة ب «الجعفرية» أو ب «الإمامية الاثني عشرية».
رابعا : لهذه الطائفة المعروفة أصولها المستمدة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله المروية عن أئمتهم في العقيدة والشريعة.
وليس الخلاف بينهم وبين مذاهب السنة ، أعظم من الخلاف بين مذاهب السنة بعضها مع البعض ، فهم يدينون بأصول الدين ، كما وردت في القرآن الكريم والسنة المتواترة ، كما يؤمنون بكل ما يجب الإيمان به ويبطل الإسلام بالخروج عنه من الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة ...
خامسا : ...». انتهى.
والمنصف الذي يطالع الفتوى ، يعلم بأن الشيخ شلتوت إنما قدم هذه النقاط الخمس حتى يتضح جليا مراده ، وهذا ما صرح به هو بعد تلك النقاط ، قائلا في نفس نص الفتوى : ومن هذا البيان يتضح جليا ، فذيل الفتوى - على مقتضى الاستفتاء - بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية «الاثني عشرية» بلا فرق بين العبادات والمعاملات ، مدركا بأن التعبد بالمذهب فقها إنما يتوقف على بيان صحة أصول الدين التي يعتقدون بها ، وهو ما ثبته في المقدمة المذكورة آنفا ، فلا مجال لدعوى الفصل بين
ص: 15
المذهب الشيعي ك «فقه» وبين المذهب الشيعي ك «أصول للدين» حسب رأي شيخ الأزهر.
(ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) (1).
قضية آل البيت :
قال : «وأنا أقول إن هذه ليست قضية خاصة بالشيعة ، لأن كل السنة يحبون آل البيت ، وأئمة آل البيت هم من أئمة المسلمين الذين يتعاطف معهم المسلمون ... لكن المصريين تعاطفوا معهم لأنهم اضطهدوا ، لكن دون أن يتحول هذا التعاطف إلى الغلو الذي يجعلهم معصومين ، أو الذي يجعلهم يحتكرون الإمامة والخلافة والسلطة دون الأمة».
والكلام عن تلك المقالة يقع في نقطتين :
الأولى : في السلوك العملي المخالف :
دعنا من الذي تميز به الشعب المصري عن غيره من حب لأهل البيت (عليهم السلام) ، إلا أن القول بأن كل السنة يحبون أهل البيت (عليهم السلام) فيه نظر ، لأن هذا أمر لم تترجمه السيرة العملية ، ولا شهده شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في السلوك العملي لكثير من اتباع مذاهب أهل السنة.
وهذا نجده جليا في تدوين الصحاح والمسانيد للحديث إذ إن بعضهم أعرض عن الرواية لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، والبعض الآخر تعرض لما يوافق مذهبه لا غير ، فالبخاري مثلا أعرض عن أحاديث الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، وأخرج منها لمن يكن العداء والحقد للإمام علي (عليه السلام) 2.
ص: 16
كعمران بن حطان الذي مدح قاتل الإمام (عليه السلام) عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله بقوله :
يا ضربة من تقي ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
والحال أن الإمام الصادق (عليه السلام) عرف بسعة علمه وكثرة الذين نهلوا
من يديه العلم الوفير حتى بلغوا أربعة آلاف ، ومنهم بعض أئمة المذاهب ، أمثال أبي حنيفة النعمان ومالك بن أنس.
فقد اشتهر عن الأول قوله : «لولا السنتان لهلك النعمان» وكان يعني السنتين اللتين تتلمذ فيهما على يدي الإمام الصادق (عليه السلام).
واشتهر عن الثاني قوله : «ما رأت عين أفضل من جعفر بن محمد».
ويقول عنه الجاحظ : «جعفر بن محمد ، الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ، ويقال : إن أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري ، وحسبك بهما في هذا الباب» (1).
وذكره ابن خلكان في وفياته قائلا : «كان من سادات آل البيت ، ولقب بالصادق لصدقه ، وفضله أشهر من أن يذكر» (2).
والعجب أن البخاري ، وهو ممن عاصره ، لم يدرك فضله وقد أدركه أئمة المذاهب ...
وهكذا الحال في المسانيد والصحاح التي نقلت من الرواية والحديث عن الإمام علي (عليه السلام) ما لا يتجاوز ال 500 حديث! بينما نقلت عن أبي هريرة 6 آلاف حديث! والأخير لم يمض سوى سنتين وأشهر مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!1.
ص: 17
أما الإمام علي (عليه السلام) فقد ربي في حجر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يتجاوز عمره بضع سنوات.
وسيرة الخلفاء والحكام لأكبر شاهد على الممارسات الشنيعة بحق أهل البيت (عليه السلام) وأتباعهم ، من القتل والتشريد والسب ، لمجرد أن ذنبهم الوحيد هو اتباع علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأولاده لا غير.
والدكتور نفسه قد أيقن بمظلوميتهم عبر التاريخ ، ولذا فسر حب المصريين لهم بسبب الاضطهاد ...
وهذا الوضع من السلوك وإن تغير قليلا في الوقت الحاضر ، إلا أنه لا يزال يمارس في مختلف الدول ، حيث إن بعضها جرد الشيعة من حقوقهم المدنية - كما في ماليزيا - والبعض الآخر جعل يكيل التهم إليهم فيعتقل الواحد تلو الآخر خوفا على الحكم من التشيع والفكر الشيعي الذي لا يقبل المساومة على الحقوق المسلوبة.
الثانية : في الحب المزدوج :
قبل كل شئ لا بد من الإشارة إلى أننا نكن خالص الاحترام والحب للشعب المصري ، خصوصا لتميزه عن الشعوب الأخرى بحب أهل البيت (عليهم السلام) ...
ولكن ، أليس من واجب الدكتور - ومن باب الأمانة العلمية - تعريف الآخرين بالمضطهد حتى لا يختلط الأمر عليهم فيحب الواحد منهم المضطهد والمضطهد معا؟!
وهل يعقل هذا النوع من الحب المزدوج؟!!
* * *
ص: 18
قضية الإمامة :
لما كانت الإمامة - كما قال بأنها - «تمثل نقطة الخلاف الوحيدة بين السنة والشيعة» ، ارتأينا أن نوضح للدكتور بعض الحقائق التي عزف عن ذكرها ، متناولين في القضية نقاطا عديدة :
النقطة الأولى : في النص :
قال : «إذن القضية أنهم جعلوا الإمامة بالتعيين ، وقالوا بروايات انفردوا بها : أن الإمام والوصي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الإمام علي ..».
أقول : نعم ، فالشيعة قائلون بالنص في مقابل غيرهم الذين اضطربوا تارة فقالوا بالنص على أبي بكر ، وتذبذبوا أخرى فادعوا الإجماع عليه ، وثالثة جعلوا الشورى هي الأساس في الإمامة والخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن المناسب في المقام التعرض إلى أمور ، منها :
أ - تعريف الإمامة في كتب الفريقين :
يقول السعد التفتازاني في تعريفها أن : «الإمامة رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)» (1).
وأما علامتنا الحلي فيقول : «الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)» (2).2.
ص: 19
ومن الواضح أن الفريقين من حيث المبدأ اتفقوا على تعريف الإمامة من حيث المفهوم ، ولكنهم اختلفوا في من له الإمامة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة ، وأنها هل هي منصب عادي أم أنها منصب رباني من جهة أخرى (1).
ب - الخلافة عند أهل السنة :
قال : «أهل السنة يعتبرون أن الإمامة بمعنى الخلافة جزء من الشورى ، وأنها جزء من سلطة الأمة ، وأن الإمامة ب (البيعة) و (الاختيار) و (الشورى) ، بينما الشيعة يعتبرون الإمامة ب (النص) و (التعيين من السماء) لهؤلاء الأئمة ، وأن الأمة لا شأن لها في اختيار الإمام ، والشورى لا دخل لها في اختيار الإمام ، والبيعة لا دخل لها في اختيار الإمام».
وقال أيضا : «الميادين الحقيقية للاجتهاد يتميز بها الفكر السني كفكر عقلاني في النظر إلى الأمور وإلى الشورى وإلى سلطان الأمة ، أين هو التميز بين مذهبين؟! أحدهما يقول : إن الأمة لا شأن لها بالدولة والسياسة والإمامة ، ومذهب يقول : إن الأمة هي المعصومة (لا تجتمع أمتي على ضلال) ، وفيه العصمة للأمة .. والشورى للأمة .. والسلطان للأمة».
والحق أن المتتبع لما قيل عن الخلافة في كتب أهل السنة يستخلص - كما أشرنا - أن القول بصحتها لأبي بكر يرجع إلى ثلاثة آراء :
الأول : في النص عليه : 4.
ص: 20
وهذا لم يذكره الدكتور نفسه لوضوح أنهم لا يقولون بالنص ، إذ لا محصل له ولا دليل عليه سوى ما ادعاه بعض أهل السنة أمثال البكرية ، وهو قول شاذ لم يلتزم به أحد من أكابرهم لضعف الأدلة عليه ، ولم يصل إلينا أن أبا بكر احتج على أحد بالنص عليه من قبل النبي ، وإلا لما حصل في سقيفة بني ساعدة ما حصل!!
الثاني : في الإجماع عليه :
ودليلهم ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا تجتمع أمتي على ضلال» أو : «على خطأ» كما في بعض النصوص ، ونحن لو سلمنا بها وبصدورها منه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنها لا تنفع في مقام الاستدلال على خلافته ، لأنها خارجة تخصصا ، إذ كيف يدعى إجماع الأمة على صحة خلافة أبي بكر وفيها من الصحابة الكبار الذين كانوا يعارضونها ، أبرزهم الإمام علي (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب والفضل ابن عباس وخالد بن سعيد والمقداد بن الأسود الكندي وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب ، وغيرهم ، خصوصا من بني هاشم.
وهذا اليعقوبي يصرح في تخلف علي (عليه السلام) وبعض الصحابة عن بيعة أبي بكر.
وذاك البلاذري في أنسابه (1) وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (2) ينقلان أن أبا بكر بعث عمر إلى علي (عليه السلام) حين رفض البيعة له وقال : «ائتني به بأعنف العنف» فلما أتاه جرى بينهما كلام ، فقال (عليه السلام) : «احلب حلبا لك شطره ، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك 1.
ص: 21
غدا» ..
ويبقى أن نسأل أين هو هذا الإجماع للأمة؟!
الثالث : في الشورى :
في الواقع يتساءل الإنسان عن تلك الشورى التي كانت محور الخلافة عند أهل السنة ، حتى جعل الدكتور يميز بين المذهبين معتبرا أن الشيعة عندما يقولون بالعصمة للأئمة بالنص عليهم يسلبون الأمة حقها ..
وهذا في الحقيقة جهل من الدكتور لحقيقة التشيع ، وسنوافيه بالحق عند البحث في العصمة ، إلا أن القول بأن الشورى هي التي تعصم الأمة من الخطأ ، وأن الخلافة هي جزء من الشورى يستلزم بطلان خلافة الأول والثاني!
وتوضيح ذلك في ما يلي :
1 - الشورى والسقيفة :
إن من سبر أغوار السيرة وتتبع مجرى الأحداث في سقيفة بني ساعدة ، يتضح له أن ما جرى لم يكن في الحقيقة شورى ، وإنما نزاع ومشاحنة حادة على السلطة.
وأين هي تلك الشورى التي ليست لها ضوابط محددة ، حتى الإنسانية منها ، ووصلت إلى حد السباب والهم بالقتل؟!
وحتى لا نكون من أصحاب الشعارات البراقة .. لا بأس بالعودة إلى الوراء قليلا وإلقاء نظرة سريعة من نافذة سقيفة بني ساعدة ، حتى يعلم الخبر كما في كتب أهل السنة.
نقل الطبري في تاريخه أن الحباب بن منذر ، الصحابي البدري ،
ص: 22
عندما ارتفعت الأصوات رد على عمر قائلا : «يا معشر الأنصار! أملكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فاجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم الأمور ...
فقال عمر : إذا يقتلك الله!
قال الحباب : بل إياك يقتل!» (1).
وهذا الطبري من نفس الجزء ، وأحمد في مسنده ينقلان قول بعضهم : «اقتلوا سعدا قتله الله ، إنه منافق أو صاحب فتنة» وقد قام عمر على رأسه ويقول : «لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك أو تندر عيونك» (2).
وقد نقل الطبري أيضا وفي نفس المصدر ، وكذا في السيرة الحلبية أن قيس بن ساعدة أخذ بلحية عمر ، فقال له الأخير : «والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة! أو : لخفضت منه شعرة ما رجعت وفي فيك جارحة» (3) ..
وقد ذكر الطبري في المصدر السابق عن أحدهم قوله : «إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم».
وهذا ابن هشام في السيرة النبوية ينقل عن عمر قوله : «كثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف» (4) ... 0.
ص: 23
وهل مثل هذا الاجتماع العنيف يسمى شورى؟!!
وهل إن مثل هذه البيعة هي التي ترتضيها الأمة؟!
الجواب هو ما تلفظ به عمر نفسه عندما قال :
«كانت بيعة أبي بكر فلتة كفلتة الجاهلية وقى الله المسلمين شرها».
وبلفظ آخر : «كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت ، وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها ، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين ، فإنه لا بيعة له» (1).
2 - الشورى وخلافة الثاني :
لو صح ما قاله الدكتور بأن الشورى هي المقوم للخلافة ، فأين هي وأين هو سلطان الأمة في خلافة الثاني؟!
لأنك لو ألقيت نظرة سريعة في صفحات التاريخ لعلمت أنها - أي خلافة عمر - لم تكن سوى استخلافا ، يقول ابن قتيبة : «دعا أبو بكر عثمان فقال : أكتب عهدي. فكتب عثمان وأملى عليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده بالدنيا نازحا عنها ، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها ، إني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ...» (2)
وزاد ابن الأثير في الكامل في التاريخ أن أبا بكر غشي عليه فأكمل عثمان وكتب فيه استخلاف عمر فأفاق أبو بكر وقال : «إقرأ علي. فقرأ عليه ، فكبر أبو بكر وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في 8.
ص: 24
غشيتي» (1).
ومن الثابت أيضا قول عمر كما نقل الطبري ، وفي تاريخ الخلفاء : «لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا استخلفته ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته» (2).
3 - الشورى في الميزان :
ولنا الحق أن نقول : ترى هل أدرك أبو بكر أن الاستخلاف هو أفضل السبل لإبعاد الأمة عن الفتنة ، وأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يدرك هذا السبيل؟!
نقول أيضا : أترى أن عمر أدرك بنفسه أهمية أن يعين هو أسماء الذين سيشكلون الشورى من بعده ، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خفي عليه هذا الأمر؟!
وكيف يعقل أن يبين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) صغائر الأمور وأحكامها حتى
التخلي وينسى أن يبين للناس أحكام تلك الشورى المزعومة ووظائفها ، التي إليها يرجع مصير الأمة ، فلا يعين أفرادها ولا يبين أحكامها؟!
كلها أسئلة ليس لها من جواب!
غير أن الشورى لم تكن مفهوما مرتكزا بين الصحابة حتى عند أبي بكر وعمر ، ولا كانت أساسا تبني عليه الأمة صلاحها.
والذي يثبت - حقا - أن الشورى ليست هي الجزء المقوم للخلافة ، وما ادعي من دلالة بعض الآيات عليها ليس واضحا ، وهو خارج عن محل 7.
ص: 25
البحث بالإضافة إلى أنها منقدحة بترك الخلفاء لها ، ومجملة لم يبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحكامها لو صح الاستدلال بها ... فيبقى أن نعود إلى النص لنرى مدى صحة ما اعتقد به الشيعة في النص على علي (عليه السلام).
ج - أدلة الشيعة على إمامة علي (عليه السلام) :
قال : «قالوا بروايات انفردوا بها ...».
لا أدري كيف توصل الدكتور إلى هذه النتيجة؟! مع العلم بأن كتب الشيعة تزخر بالإثباتات والأدلة التي ذكرت في كتب الفريقين ، وقد حققت في محلها ، إلا أننا تفنيدا لما ادعي نبحث في بعضها اختصارا ، معتمدين على شواهد من القرآن والسنة يؤيدها حكم العقل ، مع ذكر أهم المصادر لأهل السنة.
1 - فاتحة الكلام :
وهي في مقدمة عقلية مفادها أن الإمامة «كالنبوة ، لطف من الله تعالى ، فلا بد أن يكون في كل عصر إمام هاد يخلف النبي في وظائفه ، من هداية البشر ، وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين ، وله ما للنبي من الولاية العامة على الناس لتدبير شؤونهم ومصالحهم وإقامة العدل بينهم ورفع الظلم والعدوان من بينهم.
وعلى هذا ، فالإمامة استمرار للنبوة ، والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو نفسه يوجب أيضا نصب الإمام بعد الرسول ، فلذلك نقول : إن الإمامة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان النبي
ص: 26
أو على لسان الإمام الذي قبله» (1).
إذن فالقضية هي أن الإمامة مقتضى لطف الله عزوجل بعباده ، وكماله المطلق ، حتى يعرف الناس طريق سعادتهم وصلاحهم.
2 - من أدلة الشيعة في القرآن :
نكتفي منها بآية الولاية ، وهي قوله تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله والذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2) وهي آية مباركة نزلت في حق علي (عليه السلام) وروايات الخاصة والعامة متضافرة على نزولها في حقه (عليه السلام) وقد نقل العلامة الأميني في الغدير (3) 66 مصدرا من مصادر أهل السنة ، نذكر منها :
ذخائر العقبى - لمحب الدين الطبري - : 102 ، وتفسير ابن كثير2 / 14 ، والنسائي في صحيحه ، وابن جرير الطبري في تفسيره 6 / 289 ، والحافظ الطبراني في معجمه الأوسط ، والزمخشري في الكشاف 1 / 347 ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3 / 275 ، والقاضي البيضاوي في تفسيره 1 / 345 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 / 293 ...
ولفظ الحديث ، أنه روي : «عن أنس بن مالك أن سائلا أتى المسجد وهو يقول : من يقرض الملي الوفي ، وعلي (عليه السلام) راكع يقول بيده خلفه للسائل ، أي : اخلع الخاتم من يدي. م.
ص: 27
قال رسول الله : يا عمر! وجبت.
قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما وجبت؟!
قال : وجبت له الجنة ، وما خلعه من يده حتى خلعه الله من كل ذنب ومن كل خطيئة.
قال : فما خرج أحد من المسجد حتى نزل جبرئيل بقوله عزوجل : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فأنشأ حسان بن ثابت يقول :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي
وكل بطئ في الهدى ومسارع
أيذهب مدحي والمحبين ضائعا؟!
وما المدح في ذات الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع
فدتك نفوس القوم يا خير راكع
بخاتمك الميمون يا خير سيد
ويا خير شار ثم يا خير بائع
فأنزل الله فيك خير ولاية
وبينها في محكمات الشرائع
ولفظ «الولي» في الآية دال على الإمامة لمن أنصف وترك التعصب ، وتفسيرها بالمحب والناصر خلط للمتعلق بالمفهوم ، على أنه أول ما يتبادر للذهن معنى «الولي» بمعنى المتصرف ، ولذا لا يشك أحد في أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في مسند أحمد : «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» على أن المراد منه التصرف لا الحب والنصرة ..
والحاصل أن الروايات التي فسرت الآية لم ننفرد بها ، وهو القدر المتيقن في المقام ، فلا يصح ما قاله الدكتور من أننا انفردنا بالروايات الدالة على إمامة علي (عليه السلام) ، وسنشير إلى آيات أخرى من هذا القبيل عند البحث في العصمة.
ص: 28
3 - من السنة النبوية :
وهي كثيرة جدا ، وإنما نكتفي بما يناسب البحث :
* حديث الدار في يوم الإنذار :
وهو من الأحاديث التي لا شك في صحتها ، وقد ذكرته كتب الفريقين في الصحاح وغيرها ...
منها : ما أخرجه أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان عن البراء بن عازب قال : «لما نزلت هذه الآية : (وأنذر عشيرتك الأقربين) جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا ... ثم أنذرهم رسول الله فقال : يا بني عبد المطلب! إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير ، فأسلموا ، وأطيعوني تهتدوا.
ثم قال : من يؤاخيني ويؤازرني ، ويكون وليي ووصيي بعدي ، وخليفتي في أهلي ، يقضي ديني؟!
فسكت القوم ، فأعادها ثلاثا ، كل ذلك يسكت القوم ويقول علي : أنا.
فقال في المرة الثالثة : أنت.
فقام وهم يقولون لأبي طالب : أطع ابنك ، فقد أمر عليك! هذا ، وقد أخرج الحديث بطرق متعددة ، وفي صور مختلفة ، منها ما ذكره أحمد بن حنبل في مسنده 1 / 111 ، وتاريخ الطبري 2 / 62 ، والكامل في التاريخ 2 / 40 ، والنسائي في الخصائص : 18 ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3 / 200 ، والسيوطي في جمع الجوامع 6 / 408 ، والحلبي
ص: 29
في سيرته 1 / 304.
وفي الحديث دلالة واضحة على الوصاية والخلافة من بعده وإن عز على بعضهم الإقرار بها! كما فعل الطبري في تفسيره 19 / 74 عند قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ «مستبدلا» الكلمتين الأخيرتين ب «كذا وكذا»!!.
وهكذا فعل ابن كثير في تفسيره أيضا 3 / 351!!
ولا أعتقد أن لهذا مبررا سوى إنه تحريف للكلم عن مواضعه.
* حديث المنزلة :
وهو حديث متواتر متفق على صدوره من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد رواه جمع المحدثين بما فيهم أصحاب الصحاح ، كالبخاري في صحيحه 5 / 24 ، ومسلم في صحيحه 6 / 120 - 121 ، والترمذي في جامع الصحيحين 13 / 175 ، والنسائي في الخصائص : 14 ، وابن كثير في البداية والنهاية 7 / 340 ، وابن الأثير في أسد الغابة 4 / 26 ، وأحمد بن حنبل في المسند 2 / 74.
ونص الحديث - كما في البخاري - أنه لما أراد الرسول الخروج إلى غزوة تبوك خرج الناس معه ، فقال علي : «أخرج معك؟».
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا».
فبكى علي ، فقال له رسول الله : «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي».
ص: 30
* حديث الغدير :
كأن الدكتور قد غاب عن ذهنه أن عمدة الأدلة عند الشيعة الدالة على النص هو حديث الغدير ، الذي نص على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد تحقق عند الجميع بأنه قد روي ، وثبت عند الفريقين.
وقد ورى ابن عساكر في تاريخ دمشق2 / 45 ، قال : «أخبرنا ... عن حذيفة بن أسيد ، قال : لما قفل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حجة الوداع نهى الصحابة عن شجرات البطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن ، ثم بعث (1) إليهن فصلى تحتهن.
ثم قام فقال : أيها الناس! قد نبأني اللطيف الخبير ، أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي يليه من قبله ، وإني لأظن أنه يوشك أن أدعى فأجيب ...
ثم قال : أيها الناس! إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وإني أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه.
ثم قال : أيها الناس! إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض ... وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما! الثقل الأكبر : كتاب الله سبب طرفه بيد الله عزوجل ، وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا ، والثقل الأصغر : عترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض». ن.
ص: 31
وقد ذكر الشيخ أبو طالب تجليل التبريزي في كتابه شبهات حول الشيعة (1) عددا من الأسانيد المنتهية إلى صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتب أهل السنة وصلت إلى 245 طريقا ذكرت في :
مسند أحمد بن حنبل 1 / 84 و 88 و 118 و 152 و 331 ، وج 4 / 281 و 370 و 372 ، وج 5 / 358 و 366 و 370 ، الخصائص - للنسائي - : 4 و 21 و 24 و 26 و 40 ، صحيح الترمذي 13 / 165 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 109 و 116 ، تفسير ابن كثير 2 / 14 ، سنن ابن ماجة 1 / 55 - 58 ، تاريخ دمشق : ذكر في ما يقارب 29 موضعا في الجزء الثاني منه ، منها في ص 18 و 19 و 28 و 30 و 53 ، تاريخ بغداد 2 / 13 و 12 / 343 و 14 / 236 ، مجمع الزوائد ، كفاية الطالب ، الإصابة ، الكنى والأسماء ، مناقب ابن المغازلي ، أسد الغابة ، المعجم الكبير ، البداية والنهاية ، ميزان الاعتدال ، فرائد السمطين ، الكنى للبخاري ، الجرح والتعديل ، وغيرها من المصادر التي يطول البحث فيها ولا تدع مجالا للشك في صدر الحديث.
كما يمكن الرجوع إلى الجزء الأول من كتاب الغدير للعلامة الأميني ، لتعرف أن النص لم ينفرد به الشيعة ، بل رواه 12 صحابيا ، و 84 تابعيا ، و 360 من أئمة الحديث وحفاظه.
نعم ، يبقى النقاش في الدلالة ، وهي واضحة لمن جرد ذاته عن العصبية ، إذ لا معنى لأن يجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس قبل ارتحاله إلى العلي القدير بشهرين وعدة أيام ليحث الناس على نصرة علي دون استخلافه ، إذ إن نصرته تحصيل حاصل يعرفها جميع المسلمين آنذاك ، ه.
ص: 32
فلا بد أن يكون المعنى هو تنصيب علي (عليه السلام) خليفة لا غير ، وإلا فما معنى أن يعقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مجالس تهنئة وتبريك ، ويأمر أصحابه بالتهنئة لعلي (عليه السلام) ومنهم عمر بن الخطاب الذي هنأ عليا بقوله : «بخ بخ لك يا علي ، أصبحت مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة» وقد نقل العلامة الأميني في كتابه المذكور لحديث التهنئة ، ستين مصدرا من مصادر أهل السنة (1).
* حديث الثقلين :
وهو حديث مشهور متفق عليه بين المسلمين ، وقد رواه من العامة الترمذي في جامع الصحيح 5 / 621 ، الطبراني في المعجم الكبير : 127 و 157 ، الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3 / 109 ، الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 163 ، المتقي في كنز العمال 1 / 340 ، ابن الأثير في جامع الأصول 10 / 470 ، ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 5 / 662 ، السيوطي في الدر المنثور 2 / 60 ، مسلم في الصحيح 4 / 1873 ، ابن كثير في البداية والنهاية 7 / 348 ، وغيرهم ...
ولفظ الحديث - كما في كنز العمال - عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «إني تركت ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
والمفهوم من الحديث أن ضلال الأمة وهديها مرهون باتباع تلك العترة الطاهرة والتمسك بها ، لأنهم - أي أهل البيت - يدورون مدار القرآن 3.
ص: 33
العزيز ، وهذا دليل على أنهم العالمون بتأويله وتفسيره ، وأنهم السبيل الوحيد للنجاة ، فكيف لا يكون هذا نصا على ولايتهم ، وأنهم الأوصياء على الناس من بعده وإليهم يرجع في مختلف شؤون الحياة؟!
النقطة الثانية : في العصمة :
تميزت الإمامية الاثنا عشرية بالقول بوجوب عصمة الإمام دون الفرق الأخرى ... ولتوضيح هذه المسألة لا بد من تناول نقاط عديدة :
أ - في معنى العصمة وحدها :
يقول الشيخ المفيد في كتابه النكت الاعتقادية : «العصمة لطف يفعله الله تعالى بالمكلف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليها» (1).
وبمعنى آخر فإن العصمة هي أعلى درجات التقوى والابتعاد عن الشهوات ... فأين هو الغلو بهذا المعنى؟!
ب - في أدلة الشيعة على العصمة :
قال : «وهم بدلا أن يقيسوا منصب الإمامة كما صنع أهل السنة على الولاية ، قاسوا منصب الإمامة على النبوة والرسالة ، فجعلوا الأئمة معصومين كما أن الرسل معصومون ، وجعلوهم المرجع للشريعة دون الأمة ، وجعلوهم هم الحجة دون الأمة».
نعم ، نحن نقيس الإمامة بالنبوة والرسالة بخلاف أهل السنة الذين قاسوا هذا المنصب على الولاية والولاة كما ذكر الدكتور ، ولكن نقول له : ي.
ص: 34
إن هذا أمر منصوص عليه من الشارع ، وبرهانه القرآن الكريم ، وتحديدا في آيات هي دالة نقلا وعقلا على إمامة الأئمة من جهة ، وعصمتهم من جهة أخرى ، منها :
1 - آية الطاعة :
وهي قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ...) (1).
وأما نقلا ، فقد روى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1 / 149 أنها نزلت في علي بن أبي طالب ، وكذا رواها كل من أبي حيان الأندلسي في تفسير البحر المحيط 3 / 278 ، ومحمد صالح الترمذي في المناقب المرتضوية : 56 ، والقندوزي في ينابيع المودة : 116 ، والآمر تسري في أرجح المطالب : 85 ..
هذا من حيث المناسبة على أن «أولي الأمر» مقصود بها علي ، فتكون طاعته واجبة كما هي طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأما عقلا ، فالآية تثبت العصمة لعلي (عليه السلام) خصوصا ، ولأولي الأمر عموما ، إذ إن الله قرن طاعة الرسول بالطاعة لأولي الأمر ، فلو قلنا بجواز أن يأمر الله بالطاعة لغير المعصوم ، فإن لازمه جواز الأمر بالطاعة لمن يمكن في حقه فعل المعصية ، ويستحيل أن يأمر الله تعالى ويرخص في اتباع من يجوز في حقه العصيان ، لأنه قبيح بحكم العقل ، كما هو الحال في حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الاتفاق على عصمته ، حذرا من انقداح الوثاقة في 9.
ص: 35
نقله (صلى الله عليه وآله وسلم) للأحكام الإلهية «فلو جاز الخطأ عليه لم يبق وثوق بما تعبدنا الله تعالى به وما كلفناه ، وذلك يناقض الغرض من التكليف وهو الانقياد إلى مراد الله تعالى» (1).
من هنا لا بد أن تكون الطاعة المشار إليها في الآية مختصة بمن هو معصوم ، إذ لولا عصمة أولي الأمر لما أمرنا الله تعالى بطاعتهم ، وللعلة ذاتها ولنفس الملاك الذي في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من ضرورة العصمة عقلا.
وهذا الإمام الرازي في تفسير الآية (2) يذعن لتلك الحقيقة ، ويصرح
بدلالتها على العصمة.
2 - آية التطهير :
وهي قوله تعالى : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (3).
وقد وصلت الروايات التي دلت على نزولها في حق أصحاب الكساء : رسول الله ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين صلوات الله وسلامه عليهم ، إلى حد التواتر ، ومن علماء أهل السنة الذين رووا نزولها في حقهم (عليهم السلام) الطبري في جامع البيان 22 / 6 ، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم 3 / 458 ، والبلاذري في أنساب الأشراف 2 / 104 ، والسيوطي في الدر المنثور 5 / 198 ، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين 2 / 416 ، وابن عساكر في تاريخ دمشق 1 / 250 ، وغيرهم ... حتى وصلت 33
ص: 36
ما يقارب أربعين طريقا.
وأما الدلالة فواضحة : إذ إن المراد من الرجس في الآية : القذارة ، التي هي أعم من المادية والمعنوية.
يقول ابن منظور في لسان العرب إن «الرجس : القذر ، وكل قذر رجس ، وفي الحديث : أعوذ بك من الرجس النجس. وقد يعبر به عن الحرام والفعل القبيح والعذاب واللعن والكفر» (1).
وقال الزجاج : «الرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل» (2).
وقال ابن الكلبي : «رجس من عمل الشيطان أي مأثم».
والملاحظ أن القرآن قد استعملها عشر مرات في الأمور المادية والمعنوية ، فوصف بالرجس الذين لا يعقلون ، في قلوبهم مرض ، لا يفقهون ، لا يتوبون ، لا يذكرون ، كفروا ، كذبوا ، نافقوا .. إلى آخره ، ولا شك أن المنفي مطلق الرجس ، وأن الآية دالة على عصمة أهل البيت بنفي مطلق الرجس عنهم واختصاصهم بها.
ولفظ الحديث عن واثلة بن الأصقع ، قال : «جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في منزل أم سلمة ، قد جاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى وقبله ، وجاء الحسين (عليه السلام) فأجلسه على فخذه اليسرى فقبله ، ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه ، ثم دعا بعلي (عليه السلام) فجاء ، فأردف عليهم خيبريا ، كأني أنظر إليه ، ثم قال : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)».3.
ص: 37
3 - آية الإمامة :
وهي قوله تعالى : (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) (1).
ومن الواضح أن إبراهيم (عليه السلام) عندما سأل الإمامة لذريته أجابه عز
وجل بأن هذا المقام لا يناله ظالم ، ولا شك أن من أذنب ذنبا في حياته ظالم في حق نفسه ، وظالم لها وإن عاد عن ظلمه وارتفع العقاب عنه ، والآية مطلقة تشير إلى كل من ظلم نفسه سابقا وحالا فكيف لو كان الظلم هو الشرك فإنه ظلم عظيم بنص القرآن الكريم؟!
والنتيجة : إن الإمامة لا تصلح إلا لمن خلت نفسه عن الذنب ، وبمعنى آخر فإن شرط الإمامة العصمة ، ومن دونها لا تصح.
النقطة الثالثة : في مسائل متفرقة بين الإمامة والعصمة :
لقد تعرض لمسائل متعددة في قضية الإمامة لا بأس أن نشير إلى بعضها ونترك الأخرى إلى محلها ، وهي كما يلي :
أ - احتكار أو اصطفاء للإمامة؟!
قال : «لكن المصريين تعاطفوا معهم ... دون أن يتحول هذا التعاطف إلى الغلو الذي يجعلهم معصومين ، أو الذي يجعلهم يحتكرون الإمامة والخلافة والسلطة دون الأمة».4.
ص: 38
إن العصمة وانتخاب أفراد معينين من ذرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمامة لا ينافي مصلحة الأمة ، وليس هذا احتكارا ، وإلا لكان اختيار الله عزوجل لآدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين كذلك ، وقد قال الله تعالى : (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (1).
وقال عزوجل : (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم) (2).
وقال عزوجل : (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ...) (3).
لذا ، نحن نسأل الدكتور هل إن القول بجعل النبوة والكتاب في خصوص ذرية إبراهيم ونوح احتكارا لهما؟!
ولا أعتقد أن أحدا من المسلمين يتجرأ بنسبة ذلك إلى الله تعالى ، والسبب جلي.
ب - بين النبوة والإمامة :
إن قلت : إن العصمة والإمامة لا يتعدى بهما إلى من هم دون مستوى النبوة.
نقول لك : إن علماء المسلمين ومحدثيهم اتفقوا على النصوص التي استدل بها الشيعة على إمامة الأئمة ، والتي لها دلالة قاطعة على أن الإمامة 6.
ص: 39
هي امتداد للولاية التي كانت قبلهم ، وليس الالتزام بهذا موجبا لمناقضة عقلية إذا أنيطت العصمة لهم على فرض طاعتهم وولايتهم كما فرضت طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وولايته على الناس.
فلا مانع عندئذ أن يخص الله بعض ذرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلم الكتاب والعصمة لطفا منه كما جعلها في ذرية إبراهيم دون النبوة ، للاتفاق والإجماع على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو خاتم الأنبياء.
ومن هنا يعلم معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي» إذ إن الأصل يقتضي - بعد انتفاء النبوة بالتسالم
والتصريح - بقاء علم الكتاب في ذرية إبراهيم ، وبالتالي في ذرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ لا تصريح على خلافه ، بل إن الحديث المتقدم بالإضافة إلى بعض الروايات التي تشير لهذا المعنى ، والآيات الأخرى من قبيل (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) - وقد مر البحث في دلالتها - يؤكد ما ندعيه.
* دفع توهم :
إن قيل : إن إبراهيم قد سألها لذريته ولم يجبه الله تعالى.
نقول : إن هذا صحيح بمعنى عدم شمولية الإمامية لجميع ذرية إبراهيم (عليه السلام) بل إنها مختصة ببعضهم دون بعضهم الآخر ، ويشهد بذلك بقاء النبوة في ذريته : إسماعيل ، إسحاق ، يعقوب (عليهم السلام) ...
ج - بين الإمامة والأصول :
قال : «إذن هم - شاءوا أم لم يشاءوا - صرحوا أو لم يصرحوا ، فمن الناحية العلمية وطالما أنهم وضعوا الإمامة أصلا من أصول العقائد فلا بد أن يكفروا خصومهم ، وأنا رأيي أن هذا هو سر الانقسام الذي
ص: 40
نجده في الكتب العلمية التي تكون علماء الدين».
1 - نحن نسأل الدكتور عن «شاءوا أم لم يشاءوا ، صرحوا أو لم يصرحوا» هل هي عبارة توحي بالحوار الفكري أم إنها تعبر عن تعصب ما في الآراء؟!
2 - يقول السيد محسن الخرازي في كتابه بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية : «ثم إن الإمامة إذا كانت أصلا من أصول الدين يلزم من فقدها اختلال الدين ، ولكن مقتضى الأدلة التعبدية هو كفاية الشهادتين في إجراء الأحكام الإسلامية في المجتمع الإسلامي في ظاهر الحال ، فلا منافاة بينهما ، فلا تغفل.
ولما ذكر يظهر وجه تسمية (الإمامة والعدل) بأصول المذهب ، فإن معناه - بعد ما عرفت من كفاية الشهادتين تعبدا في ترتب أحكام الإسلام - أن إنكارها يوجب الخروج عن مذهب الإمامية ، لا عن إجراء الأحكام الإسلامية» (1).
ومن هنا يعلم أيضا أن إفراد «العدل» من الصفات - مع أنه يرجع إلى التوحيد الصفاتي - هو لأجل أن يكون مائزا بين الأشاعرة الذين أنكروا التحسين والتقبيح العقليين ، وبين الإمامية والمعتزلة الذين أثبتوهما ، ولذا يقول السيد محمد كاظم الطباطبائي في رسالته الفقهية «العروة الوثقى» : «المراد بالكافر من كان منكرا للألوهية أو التوحيد أو الرسالة [النبوة] ، أو ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات إلى كونه ضروريا» (2) ولم يذكر 4.
ص: 41
الإمامة.
نعم ، زاد بعض الفقهاء «المعاد» لا غير ، والعجيب في المسألة أن الدكتور لم يقل بضرورة تكفير المعتزلة للأشاعرة لأنهم وضعوا «العدل» في أصول الدين والاعتقاد!!
د - حلول فاشلة :
قال في حل مشكلة إقحام الإمامة في الأصول الاعتقادية : «إذا شئنا
حلا لهذه المشكلة فعلى الاثني عشرية أن يصنعوا ما صنع الزيدية ... الزيدية شيعة لكنهم لم يجعلوا الإمامة أصلا من أصول الاعتقاد».
وكان قد قال : «الزيديين لا يكادون يختلفون عن الفكر السني ، وهم في الأصول قريبون من المعتزلة».
أيها الدكتور! القول بأن الإمامة أصل من أصول الاعتقاد ليس اعتباطا منا ، وإنما تشهد بذلك النصوص وتؤيده الآيات الداعمة وحكم العقل بضرورة نصب الإمام.
لذا ، عليك - أولا - أن تبرهن بالأدلة أن الإمامة ليست أمرا سماويا ، ومن ثم تطلب منا نزع هذا الاعتقاد لو تمت ، وإلا فهو اجتهاد مقابل النص الصريح عندنا ، ولا نقبل به ، ومثاله فيما لو توقف إسلام عدد من الناس على حلية الخمر ، والخمر منهي عنه ، فلا يمكن الحكم بحليته ، لأنه تصرف مخالف للأمر المولوي وإن كان عاملا مساعدا في نشر الإسلام ، ومع ذلك فقد حللنا مشكلتك في ما سبق ، فلا داعي لمثل تلك الحلول.
ه - مغلطة دكتور :
قال : «إن أصول الإسلام ليست خمسة [عند الشيعة] ، إنما هي ستة ، والسادس هو الولاية ، وجعلوا هذا الأصل (الإمامة) أهم أصل من
ص: 42
أصول ...».
لا أدري من أين حصل الدكتور على هذه المعلومات! ولكن أصول العقائد عند الشيعة خمسة ولا سادس لها.
خلاصة الكلام حول الإمامة :
والحق أن الإمامة لا شك في أنها من الأمور التي يتوقف عليها إكمال الإيمان ، وكما بينا فإن لنا عليها الأدلة العقلية والنقلية. في الحديث : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (1) دلالة واضحة وغنى وكفاية على مدعانا ، مضافا إلى أن بعض علماء أهل السنة كالقاضي البيضاوي يقول بأن الإمامة من الأصول ، وبعضهم الآخر كالتفتازاني لا يجزم بكونها من الفروع وإنما يقول : «هي بالفروع أليق» (2) ، فلا يصح ما قاله بأن «أهل السنة جميعا متفقون على أن الإمامة والسياسة ليستا من أمهات العقائد ، وليستا من أصول العقائد».
قضايا أخرى
لا بأس أولا ، وقبل الخوض في تلك القضايا الأخرى التي بحثها الدكتور ، أن نتعرض لمسألة تناولها الدكتور بشئ من المغالطة عندما قال : «تكتب إحدى المجلات ، مجلة (تراثنا) التي تصدر في قم ب (إيران) سلسلة مقالات عن أعداء السنة النبوية ، فيكون أول مقال عن العدو الأكبر أبي بكر ، والمقال الثاني عن العدو الثاني عمر ...»
وفيه :2.
ص: 43
أولا : إنه ليس في المجلة مثل هذا الكلام ، ولا أن فيها مقالا عن «العدو الأكبر أبي بكر» ولا عن «العدو الثاني عمر» وإنما هي افتراءات لا أساس لها ، وعناوين اختراعية لم ترد مطلقا في المجلة وليراجع عددها الأول [22] السنة السادسة / 1411 ه.
ثانيا : غاية ما هناك أن الباحث ذكر فيها بالأدلة والشواهد المتقنة من المصادر السنية أنهما كانا يمنعان من نشر السنة النبوية بواسطة الصحابة وكذا من تدوينها ، حتى أن الأول قد أحرق قسما مكتوبا منها ، واشترك مع الثاني بمنع الصحابة الرواة للسنة من الخروج من المدينة المنورة والالتقاء بسائر المسلمين ..
هذا هو الذي قاله الباحث ، فإن كان ما صدر منهما عداء للسنة النبوية فما ذنبه؟! وما ذنب أصحاب المجلة؟!
كما أنه لا بأس الإشارة هنا إلى أن منهج المجلة في دراساتها بعيد كل البعد عن النعرات الطائفية والبلبلة المذهبية ، وهدفها حفظ التراث الإسلامي ، والعمل على توحيد كلمة المسلمين تحت راية واحدة ، ومن جال بنظره على أعدادها الصادرة حتى الآن وراقبها عن كثب ، يدرك تلك الحقيقة الجلية ، وأن أبحاثها إنما تتميز بالدقة في التحليل والموضوعية في العرض للأفكار والمعلومات المستندة إلى مصادر يمكن الرجوع إليها لكل من أراد الوقوف عليها.
بعدها نعود إلى صدر البحث شاكرين أولا اعتبار الشيعة كجزء من الأمة الإسلامية وهذا منه تكرم وتفضل عليهم!
ثانيا : مستغربين قضية التكفير تلك التي طرحها مشعرا بأن الشيعة إنما يقولون بتكفير الصحابة ، ولذا فإننا سنفرد لذلك بحثا خاصا في هذه القضية.
ص: 44
قضية الصحابة :
قال خلال حواره في قضية الإمامة : «وتعصب الشيعة لأئمتهم جعلهم يشقون صف الأمة ، ويبدأون رفض الصحابة باستثناء ثلاثة أو أربعة من الذين أيدوا الإمام علي : المقداد وسلمان وأبو ذر».
أولا : مصادرة واضحة :
أ - على أي أساس يقال : إن تعلق الشيعة بأئمتهم يشق صف الأمة؟!
ألا يمكن أن يقال : إن تعصب أهل السنة للصحابة يشق صف الأمة أيضا!
إن في كلام الدكتور مصادرة واضحة ، لا بل إن مثل هذه الاتهامات هي التي تشق وحدة المسلمين وتبعدهم عن العقلانية والمنطق في التحاور.
لذا ، كان الأجدر به أن يحاور وفق أسس بناءة ، لأن ما يراه الشيعة في الأئمة ليس تعصبا بقدر ما هو التزام بالشريعة واحتكام للمنطق والعقل.
لا بل إن الشيعة حافظوا على عرى الوحدة ومنعوا من انفصامها ، وليس عليه إلا أن يراجع التاريخ ليعرف كيف أن مؤيدي أمير المؤمنين (عليه السلام) من الصحابة وغيرهم إنما منعوا من المواجهة حقنا لدماء المسلمين وحفظا للإسلام.
ثانيا : بين العدالة والتكفير :
نعود إلى مشكلة لا زال الدكتور يبحث فيها ما يشاء من أفكاره ، التي لا نرى سوى إنها تدخل في إطار زج الإسلام والمسلمين في فتنة لا يعلم عقباها إلا الله تعالى!
ونقول له : أيها الدكتور! إن الشيعة عندما ترفض القول بعدالة بعض
ص: 45
الصحابة لا جميعهم ، إنما لأجل فسقهم ولخلل في الإيمان ، والشواهد القرآنية والتاريخية دالة على ما نقول ، منها :
1 - إجماع المفسرين على أن آية (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (1) نزلت في الوليد بن عقبة ، وهو من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، هذا خلال حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
2 - وأما بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد روى أصحاب التواريخ أن الوليد بن عقبة شرب الخمر أيام ولايته وصلى الفجر أربع ركعات! (3)
3 - طليحة بن خويلد ارتد عن الإسلام وادعى النبوة ، وكذلك مسيلمة والعنسي ، وهما أشهر من أن يعرفا.
إلى عديد من الشواهد الأخرى من الآيات والأحاديث الدالة على مدعانا ، وهي أن الخروج عن العدالة حقيقة لا ريب فيها ، فأما القول «باستثناء ثلاثة أو أربعة» فهو مستند إلى ما جاءت به الروايات والآثار المذكورة بتراجمهم من كتب معرفة الصحابة وغيرها ، من كونهم من أهل الجنة وأنها تشتاق إليهم ، ومن حب النبي وأهل بيته لهم ، ولا شك في أن لهؤلاء مواقف مشكورة في سبيل حفظ الدين وجهود رسول رب العالمين (4). في
ص: 46
ثالثا : شاهد على الصحابة :
ما نقله الدكتور في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عمر بقوله : «المنافقون في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ارتدوا على الإسلام وكانوا كفرة ، والنفاق أشد من الكفر ، ومع ذلك كانوا جزءا من الأمة ، ولما كانت تظهر على أحدهم أمارات وعلامات النفاق ويأتي عمر بن الخطاب ويقول : يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق ، يقول له : كلا! حتى لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه».
وفيه :
1 - إن الحديث من حيث الدلالة يعني أن الصحابة ليسوا جميعا عدولا ، وبالتالي ما المانع من رفض بعضهم حتى يؤاخذه علينا؟!
2 - إن كان المراد منه عدم التعرض للصحابة وإن كانوا منافقين حفاظا على الوحدة ، فيكون الخليفة الثاني نفسه قد فرط في الحفاظ عليها ، لأنهم ذكروا أنه أقام الحد على قدامة بن مظعون ، وهو صحابي بدري ، يعد من السابقين الأولين ، ومن المهاجرين الهجرتين ، لشربه الخمر (1)! وبالتالي يكون قد خالف حكم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا لا يقول به أهل السنة.
نعم ، الطريق الصحيح لتقويم مسار التحقيق هو الحوار البناء والعلمي الدقيق ، الذي ينظر للآخرين نظرة احترام لأفكارهم ومعتقداتهم ، وبعدها يناقش صحة ما ندعيه ، ونناقش صحة ما يدعيه ، وليكن حوارا تسود فيه أجواء المحبة والإخلاص للأمة ، لا رمي الآخرين بالاتهامات دون براهين وإثباتات تذكر! 9.
ص: 47
رابعا : سلامة الموقف الشيعي :
إن سمة التشيع : النظر للأمور بواقعية تامة ، والحكم في إطار العدل والمساواة بناء على الأدلة والشواهد.
ومن هنا ، فإن الشيعة إنما ينظرون إلى الصحابة نظرة علمية منطقية ..
وهذه الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) يدعو فيها للصحابة فيقول :
«اللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ... فلا تنس اللهم ما تركوا لك وفيك ، وارضهم من رضوانك ، وبما حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك دعاة لك ...» (1).
يقول السيد مهدي الحسيني الروحاني في كتابه بحوث مع أهل السنة والسلفية : «... وغير خفي : أن هذه الدعوات بما فيها من الإعظام والإكبار ، شاملة لمعظم الصحابة رضي الله عنهم ، وأما آحادهم تفصيلا فينظر في تراجمهم وتواريخهم ويحاكمون بمقتضى العدل ، والقول الفصل ، وحكم القرآن ، وكلام نبي الإسلام ... وعليه فمن ناقش في علم بعض آحاد الصحابة ، أو خطأهم في بعض أفعالهم وأقوالهم ، حسب ما تقتضيه المقاييس الدينية ، فإن ذلك لا يخرجه من الإيمان إلى الكفر ، ولا من السنة إلى البدعة ، إذ ليس آحاد الصحابة وأشخاصهم محور الدين ، والكفر ، والسنة والبدعة» (2). 7.
ص: 48
خامسا : بين العدالة والعصمة :
ولا ينقضي العجب من الدكتور وأمثاله الذين يتهمون الشيعة بالغلو لأنهم قالوا بعصمة الأئمة الاثني عشر من جهة ، ويرون أن كل الصحابة عدول من جهة أخرى!!
والعدالة - كما يقال - بأنها ملكة اكتسابية تمنع الصحابي عن الوقوع في الخطأ ، وأما العصمة - كما عرفت - فإنها ملكة نفسانية أو لطف إلهي تمنع المعصوم عن الخطأ.
وبالنظر إلى حقيقة العدالة والعصمة نعرف أن الفرق إنما يكمن لا في النتيجة ، بل في الطريقة ...
ومعه ، فلو صح أن يكون اعتقاد الشيعة بعصمة الأئمة الاثني عشر غلوا لكان الاعتقاد بعدالة جميع الصحابة أشد غلوا منهم!
قضية التشيع والوحدة :
قال : «يقلقني أن يأتي الشيعة ليبشرونا بمذهبهم ويزرعونه في قلب المجتمعات السنية ، بنفس القدر الذي يقلقني أن يأتي نفر من أهل السنة ليزرع مذهب أهل السنة في المجتمعات الشيعية ... فإنما يأتي الشيعة يزرعون مذهب (الإمامة والتشيع) داخل مجتمعات سنية أنعم الله عليها بالوحدة المذهبية ، فهم يخلخلون وحدة المذهب ، ويصنعون القلق الطائفي داخل مجتمعات برئت من هذه الخلخلة المذهبية والطائفية».
وفيه :
ص: 49
أولا : إن هذا إقفال لباب الحوار ، وقطع للطريق أمامه ، لأن المقتضي له طرح المشاكل العالقة بين الفريقين لتحل حلا جذريا يتفق عليه الطرفان ، ولا يتناقض هذا والحوار مع غير المسلمين ، فكيف إذا كان فيما بينهم؟!
ثانيا : إن المانع وهو الخلخلة في المجتمعات الإسلامية - إذا صح - أمر مطرد في غيرها ، ولكن الصحيح أن الحوار البناء المبني على قواعد سليمة وأسس متينة لا يولد مثل هذه الخلخلة كما قد يدعى ، وإنما انسجام ووحدة في الحقيقة إذا ما خلص لنتيجة معينة ، وطبعا بشرط أن لا تسود هذه المجتمعات مثل تلك الحوارات التي تولد تعصبا في التفكير ، وتطرح المغالطات ، لأنها هي التي تصنع القلق الطائفي.
ثالثا : نحن نسأل الدكتور لماذا الخوف من تشيع بعضهم إذا كان ذلك مقنعا لهم وثبت بالبراهين والأدلة الشرعية والعقلية ، التي عبر عنها هو بأنها «ممارسات رعناء هدفها خداع الشباب» ، طالما أنهم بقوا في حومة المسلمين ، وأن وحدة الأمة كما قال : «تسع المذاهب والتيارات المختلفة وتسع (الألسنة - اللغات) والأقاليم المختلفة ، بما في ذلك أن تكون هناك ملل ونحل مختلفة في داخل الأمة»؟!
وهل التشيع إلا مذهب من تلك المذاهب المختلفة؟! أم إن هذا باعتقاده خروجا عنهم؟!!
كما إنه يجب ألا يقلقه أن يأتي أهل السنة ليبشرونا! لأننا - أولا - لسنا معقدين من فتح باب الحوار عن العقيدة ، لا بل نطلبه.
وثانيا : لأنا نعلم أن ثقافتنا الشيعية تمتلك المؤهلات الكافية للثبات ومواجهة الأفكار الأخرى ، لأن ركيزتها ليست مبنية على التعصب الفكري ، بل على القواعد العلمية والفكرية الدقيقة.
ص: 50
ولعمري إن هذا الكلام الصادر من الدكتور أدل دليل على قوة الفكر الشيعي.
وأما التعدد الطائفي فهو ليس خللا - كما يتصور - بل عنصر من عناصر الحيوية في المجتمعات ، لأنها تحرك باتجاه بناء عقائد صحيحة من خلال التعرف على عقائد الآخرين ودفع شبهاتهم ، وليست تلك نظرة قصيرة المدى - كما عبر هو - إذا ما تم تصحيح الاعتقادات ، لعدم الخفاء بأن هذا أهم ما في الإسلام ، وهو أن يكون المسلم على بينة منها ، لا بل إن التقوقع في قالب معين من الاعتقادات دون النظر إلى صحتها وسقمها ، هي نظرة قصيرة المدى ، لأنها لا تنظر إلى الآخرة بعين الحقيقة ، ولا أعتقد أن هنالك هدف أسمى من الآخرة للوصول إلى شاطئ النعيم ، ولذا قال تعالى : (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) (1) والآية مطلقة ، والعجب أن الدكتور اعتبره خداعا!!
* ملاحظة : قال : «وفي المقاومة الشعبية لظلم الحكام الفاطميين تدهش عندما تعلم أن المظاهرات كانت تهتف لتغيير الحاكم الفاطمي».
وهذه دعوى لم يقم الدكتور عليها دليلا! بل إن الدليل على خلافه كما يظهر من نصوص تلك الأيام وفي تلك الحقبة ، والتي تشير إلى أن أهل السنة كانوا في تقية ، خلال ذلك العهد!
قضية الثورية في الفكر الشيعي :
قال : «يزعمون - خاصة بعد الثورة الإيرانية - أن الفكر الشيعي فكر 8.
ص: 51
ثوري ، وأنه تصدى لنظم الجور والطغيان على مر التاريخ ، وأقول : إن هذا وهم ، وهذه أكذوبة ، الشيعة منذ جعفر الصادق امتنعوا عن الثورة وعن العمل السياسي ، وعن الدخول في كل قضايا السياسة ورضوا بكل النظم الحاكمة بصرف النظر عن جورها وعن عدلها ، والذي كان يعارض ويناقش و.. و.. إلخ كان من علماء السنة .. إذن الفكر الذي كان يقوم بالثورات - دعنا من الخوارج - وكان له دور في المعارضة والانتقاد والسياسة والعمل السياسي كان هو الفكر السني ... إلى أن جاءت سنة 1920. وأول فتوى تصدر عن الشيعة بالعمل السياسي ... إذن على طوال تاريخنا كان الفكر الشيعي وبالذات فكر الاثني عشرية بعيدا عن الاشتغال بالسياسة ... فأين هي الثورية التي يخدعون بها بعض الشباب كي يرجحوا كفة المذهب الشيعي على المذهب السني؟».
أقول : نحن نجيبك يا دكتور على سؤالك المطروح أخيرا في نقاط :
الأولى : ثورية الفكر الشيعي :
إن كون الفكر الشيعي فكرا ثوريا أمر لا يجادل فيه اثنان ، وليست تلك أكذوبة أو وهم كما تدعي ، لا بل إن روح التشيع هي الثورية والتصدي لنظم الجور والطغيان عبر التاريخ ، ولذا قلت أنت يا دكتور! إن «المصريين تعاطفوا معهم لأنهم اضطهدوا»!
أوليس ذلك سببه الرفض لتلك الأنظمة الجائرة والعمل على إسقاطها أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر؟
وقد صرحت أيضا في حوارك المتقدم أنه «كان الشيعة الفاطميون يحزنون في عاشوراء».
وبالتالي نحن نسألك أيها الدكتور ، أليست عاشوراء هي ثورة الإمام
ص: 52
أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام)؟! أم إنك نسيت ذلك؟! وكأنك تعلم بأن الشيعة إنما يجددون كل سنة تلك الثورة من خلال إقامة المجالس والتذكير بمظلومية هذا الإمام العظيم ووقوفه أمام الجور والطغيان ويرددون كل سنة قوله : «إني ما خرجت أشرا ولا بطرا ، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله» حتى قيل عندنا : «إن الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء».
وهذا إنما يعني أن التشيع روحه ثورة الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وبقاءه مرهون ببقائها في الأذهان ، وكفانا أن نعيد تلك الذكرى كل سنة عشرة أيام حتى تتجدد في نفوسنا عزيمة الثورة لمقاومة أنظمة الاستكبار والجور والطغيان ولو تطلب ذلك الاستشهاد في سبيل الله ، ومن هنا تفهم عبارة الإمام الخميني (قدس سره) : «إن كل ما لدينا هو من بركة كربلاء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)».
ونظرة واحدة في تراجم أئمتهم ، وحركات رجالاتهم ، وانتفاضات الشيعة ، تكفي للبرهنة على ثورية الفكر الشيعي ، ولعل هذا من الأمور الواضحة للمسلمين التي لا يشكك فيها إلا ...
الثانية : رجالات الشيعة والسياسة :
إنا لا نعلم من أين للدكتور تلك الدعوى من أن الشيعة لم يشتغلوا بالسياسة منذ عصر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حتى عام 1920 م؟!
إن هذا لدليل واضح على عدم اطلاعه على التاريخ الشيعي على الأقل ، وإلا لعلم أن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) قضى أيام حياته الأخيرة في
سجن بغداد واستشهد مسموما.
وأن ولاية العهد التي أوصى بها المأمون للإمام الرضا (عليه السلام) أشهر من
ص: 53
أن تذكر واستشهد مسموما أيضا.
وأن المعتصم خاف من اجتماع الناس حول الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ، فاستقدمه إلى بغداد ودس إليه السم فاستشهد.
وأن الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) وضعا تحت الإقامة الجبرية ، وجعلوا عليهم جواسيس يراقبون منزلهما.
وأنه بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بعث إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها وختم على جميع ما فيها (1).
إضافة لما حصل للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وهو بحث خلافي يترك إلى محله ... وكله قبل الغيبة!
أما بعد الغيبة ، فلقد كان للشيعة دور كبير في السياسة خفي على الدكتور ظاهرا ، ولو ذكرنا الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي ، والشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي لكفانا افتخارا بما قدمنا ، لا من الشهداء فحسب ، بل من الشهداء العلماء الذين خافت السلطة منهم ، فكان جزاء الأول القتل والصلب والرجم والحرق! وكان جزاء الثاني أن بعث رأسه إلى السلطان حفاظا على الخلافة من الضياع إذا استمر أمثال هؤلاء في جهادهم ضد الباطل ، وإفتاء الناس بما لا يوافق السلطات الحاكمة آنذاك!
ولو أردنا أن نعد من الشيعة من اشتغل بالسياسة لاحتجنا أن نفرد كتابا خاصا فيهم ، ولكن نذكر منهم من بعد الغيبة وقبل 1920 م ، على سبيل المثال : ص.
ص: 54
1 - أبو الفضل محمد بن الحسين بن العيد ، وزير ركن الدولة ، والد عضد الدولة.
2 - أحمد بن إبراهيم الضبي ، وزير فخر الدولة.
3 - عميد الجيوش ، أبو علي الحسن بن أستاد هرمز ، وزير بهاء الدولة.
4 - أبو القاسم الحسين بن علي ، الوزير المغربي.
5 - الخواجة نظام الملك الطوسي.
6 - الحسن بن هارون ، وزير معز الدولة.
7 - الصاحب بن عباد ، وزير مؤيد الدولة وفخر الدولة ..
وقد عد منهم صاحب (الأعيان) ما جاوز الأربعين شخصا ممن كانت لهم المناصب الرفيعة من وزارة أو إمارة ناهيك عن القضاة والنقباء (1).
وبهذا يتبين فساد الدعوى التي تقول بأن الشيعة لم يشتغلوا بالسياسة حتى عام 1920.
الثالثة : الفكر السني المهادن :
ولا يخفى عزيزي القارئ أن من مذهب أهل السنة البخوع والخضوع للسلطة وللنظام القائم حتى لو كان على رأسه فاجر فاسق! ونكتفي بذكر أقوال بعض أئمة علماء أهل السنة :
أ - قال النووي في شرح صحيح مسلم : «وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين» ...
وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين : لا 3.
ص: 55
ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ، ولا يخلع ، ولا يجوز الخروج عليه بذلك» (1)!!
ب - قال الإمام الأشعري : «ويرون (أهل الحديث والسنة) العيد والجمعة والجماعة خلف كل بر وفاجر ... ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح ، وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتن» (2).
ج - قال أحمد بن حنبل : «السمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين ، البر والفاجر ... وإقامة الحدود إلى الأئمة ، وليس لأحد أن يطعن عليهم وينازعهم ، ودفع الصدقات إليهم جائز ، من دفعها إليهم أجزأت عنهم ، برا كان أو فاجرا ، وصلاة الجمعة خلفه وخلف كل ولي ، جائزة إقامته ، ومن أعادها فهو مبتدع ، تارك للآثار ، مخالف للسنة» (3)!!
د - قال الإمام أبو اليسر البزودي : «الإمام إذا جار أو فسق لا ينعزل عند أصحاب أبي حنيفة بأجمعهم وهو المذهب المرضي»!! ثم قال : «وجه قول عامة أهل السنة والجماعة إجماع الأمة ، فإنهم رأوا الفساق أئمة ، فإن أكثر الصحابة كانوا يرون بني أمية وهم بنو مروان حتى كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلفهم ويرون قضاياهم نافذة. وكذا الصحابة والتابعون ، وكذا من بعدهم يرون خلافة بني عباس وأكثرهم فساق» (4)!!
كما لا يخفى أيضا أن الصحاح قد نقلت روايات وأحاديث - نراها 2.
ص: 56
مفتعلة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنها مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) -.
فقد روى مسلم ، عن حذيفة بن اليمان ، قلت : «يا رسول الله ... إلى أن قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم رجال ، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس.
قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟
قال : تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ، فاسمع وأطع» (1)!!
هذا غيض من فيض ما جاءت به كتب أهل السنة ... فاقض ما أنت قاض.
قضية الاجتهاد :
قال : «ثم قضية أن المذهب الشيعي فيه باب الاجتهاد مفتوح على عكس مذهب السنة ، أقول : إن هذا وهم واسمح لي أن أكون صريحا في هذا الموضوع ، فنحن نتكلم كعلماء ، الفكر الشيعي صحيح لم يقل بإغلاق باب الاجتهاد .. لكن أين هو الاجتهاد؟
إذا كنت أمام عقل يقول : إن الإمام قد غاب ، وإنه حي ، وإنه ما زال منتظرا وإننا ننتظره ، فأين هو العقل والعقلانية ، وأين هو الاجتهاد؟
إذا كنت تقول : إن الأمة غير مؤتمنة على الشريعة ، وإن فردا هو المؤتمن على الشريعة ، وإن الإمامة والدولة والخلافة والسياسة لا علاقة للأمة بها ، ولا علاقة للشورى بها ، وإن الأمة في هذا كله منزوع سلطانها ، ن.
ص: 57
فأين هو الاجتهاد ، وأين هي العقلانية في هذا الموضوع؟!
أقول : الاجتهاد عند فقهاء الشيعة وقف عند أن هناك مرجعا له كتاب فقهي وله مقلدون ، وهل الاجتهاد في فروع الفقه هو الاجتهاد؟
أقول بصراحة : إنها أكثر من اللازم. يعني اجتهادات لدرجة التخيل في فروع الفقه ، إنما القضية التي فيها الاجتهاد هي الاجتهاد في المعاملات وفي الأمور العامة وفي شؤون الدولة.
هذا هو الذي تعطل فيه الاجتهاد ، والشيعة ليس لهم في هذا الميدان اجتهاد ... إذن في الميدان الذي أغلق فيه باب الاجتهاد عند السنة ، الشيعة صفر في هذا الميدان ، لأنهم يعلقون الفكر فيه على الإمام الغائب.
أما في فروع الفقه فأين هي الاجتهادات المتميزة في المذهب الجعفري التي ليس لها نظائر في مذاهب السنة الأربعة؟».
أولا : الإمام المهدي بين الاعتقاد والاجتهاد :
إن عدم تحري الدقة سمة هذا الحوار مع الدكتور ، وبيانه في هذه القضية يقع في نقطتين :
أ - في دفع شبهة :
إذ إن الاعتقاد بغيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ليس اجتهادا ، لأن «الاجتهاد : هو النظر في الأدلة الشرعية ، لتحصيل معرفة الأحكام الفرعية التي جاء بها سيد المرسلين» (1) والأمور الاعتقادية ليست من الأحكام الفرعية كما لا يخفى!
بالإضافة إلى أن الاعتقاد بالغيبة أمر متسالم به عندنا ، فلا يحتاج للنظر 6.
ص: 58
إلا في إطار وجوب معرفة إمام زماننا ، لأنه «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» وهو حديث مستفيض ذكر بألفاظ مختلفة (1).
ب - الاعتقاد بالإمام المهدي في الإمكان العقلي :
أعتقد أن العقل الذي قبل غيبة الإمام المهدي وأنه حي ، هو نفس العقل الذي لم يستبعد قوله تعالى : (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) (2).
وقوله عزوجل : (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) (3).
وقد أخرج البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة ، أنه قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم» (4).
وفي صحيح مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله ، قال : «سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) قال : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال : فينزل عيسى ابن مريم (عليه السلام) فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة» (5) ...
وبهذا يظهر أن الذي حفظ نوحا 950 سنة للتبليغ في قومه ، وحفظ 4.
ص: 59
عيسى إلى آخر الزمان ، ألا يستطيع أن يحفظ الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف؟!
أو إن العقلانية ترفض تلك الآيات والأحاديث أيضا؟!!
بالإضافة إلى أن العقل لا يرفض قدرة الله عزوجل بالتحكم في عمر الإنسان بأن يطيله أو يقصره وفقا للمصلحة المقتضية له ، إذ إنه ليس في دائرة المستحيلات العقلية ، لا بل إنها من الأمور الملموسة في حياتنا العملية ك (شعر الحاجبين).
ثانيا : الاجتهاد الشيعي :
ونتناول في المقام مسألتين :
أ - اجتهاد الشيعة في المعاملات :
ولا ينقضي العجب من قول الدكتور أن «الشيعة صفر في هذا الميدان [الاجتهاد في المعاملات] لأنهم يعلقون الفكر فيه على الإمام الغائب»!
إذ إن ما كتبه الشيعة في هذا الميدان أكثر من أن يعد أو يحصى ، لا بل إنك لا تجد كتابا فقهيا إلا وهو على قسمين «كتاب العبادات» و «كتاب المعاملات».
وفي الأخير يبحث الفقهاء عن : التجارة ، الشفعة ، الإجارة ، المزارعة والمساقاة ، السبق والرماية ، الشركة ، المضاربة ، الوديعة ، العارية ، اللقطة ، الغصب ، إحياء الموات ، الدين ، الرهن ، الحجر ، الضمان ، الصلح ، الإقرار ، الوكالة ، الهبة ، الوصية ، الوقف ، النكاح ، الطلاق ، الظهار ، الحدود ، القصاص ، الإيلاء ، اللعان ، الأيمان ، الصيد والذباحة ، الأطعمة والأشربة ، الميراث ، والقضاء.
ص: 60
بالإضافة إلى المسائل المستحدثة ، التي بحثها الفقهاء المعاصرون من قبيل : أحكام البنوك ، أطفال الأنابيب ، الخلو ، ويانصيب الحظ ، والتأمين ، وغيرها.
وهل الدولة قائمة إلا على هذه الشؤون من المعاملات؟!
وأما إذا كان مراد الدكتور الشؤون العسكرية ، فقد عقد الفقهاء بحثا خاصا لها يسمى ب «كتاب الجهاد» تناولوا فيه الأحكام الأولية له ، وأما الأحكام الاستثنائية والطارئة فإنما تعهد إلى ولي الأمر العادل الذي تتوفر فيه الشروط المعينة ، من قبيل : الاجتهاد ، ومعرفة أحوال أهل زمانه ، وغيرها ...
ولكن يبقى أن نسأل الدكتور أين تعطل الاجتهاد عند الشيعة؟!!
ب - الاجتهاد والإمامة :
أولا : نقول : بأن الإمامة ليست اجتهادا عندنا ، لأنها ليست من الأحكام الفرعية ، بل هي من الأصول.
ثانيا : إذا علم أننا نعد الإمامة منصبا إلهيا ، وأنها تختص بأفراد معينين عصمهم الله تعالى من الخطأ ، فلا جرم أن يكون هؤلاء مؤتمنين على الشريعة كما كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤتمنا عليها ، والقرار الأخير هو الصادر منه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلا تشاركه الأمة في اتخاذه (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (1).
ولا تنافيه المشورة ، إلا أن تشخيص المصلحة آخر الأمر يعود له وحده ، ولا خطأ في أفعاله وقراراته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلا مانع من انتقال تلك6.
ص: 61
الصلاحيات كما هي للإمام المنصوب ، الذي هو أيضا لا يخطئ.
ج - الاجتهاد الشيعي المتميز :
لعل الدكتور يقصد في قوله «اجتهادات لدرجة التخيل» تلك
الأحكام التي تتعلق بفروض نادرة أو يتوقع حدوثها ، وهذه في الحقيقة شهادة متميزة للفقه الشيعي ، الذي يتكيف مع مختلف العصور ، ومع الوقائع الحادثة حتى النادرة منها ، والتي قد يتفق أن تقع في الحال أو المستقبل ، وهو دليل واضح على أن الفقه الشيعي لديه الأجوبة الشافية والسريعة دائما ، خصوصا في المواقف الحرجة ، ومثاله الصلاة على القمر وإن كانت متخيلة منذ مائة سنة إلا أنها أصبحت واقعا ملموسا وممكنا ، لذا فإن التخيل المذكور يعد غناء في الفقه الشيعي والاجتهادي.
ثالثا : اجتهاد ابن تيمية :
قال : «أقول هذا لشبابنا ليرى أن الفكر السني على مر تاريخه هو الذي كان يشتغل بذلك .. ابن تيمية كان يحمل السيف ويجاهد ويكتب في السياسة والشرعية ويموت في سجن المماليك ، من الذي يقول : إن هذا غير مجتهد ، وإن هذا لا يشتغل بالسياسة ، وإن هذا غير ثوري ، الذي يجاهد التتار ، بينما كان هناك (ولا نريد أن نفتح الأبواب) ...».
أ - اجتهاد ابن تيمية المخالف :
آخر ما كنت أتوقع هو أن يأتي الدكتور بشخصية جهادية في الفكر السني تكون نموذجا للثورية - تحمل السيف وتجاهد ، وتكتب في السياسة والشرعية ، وتموت في السجن - كشخصية ابن تيمية ، ليضعه في خانة الثوريين والأبطال في الفكر السني!!
والظاهر أن في الأمر سرا خفي علينا نحن لا نعلمه ..
ص: 62
ولعل الدكتور غاب عن ذهنه مراجعة سيرة هذا الرجل فجعل يصفه بتلك الأوصاف المخلدة لذكراه ، وكأنه لم يعرف سبب جعل ابن تيمية في السجن ، وأنه حبس لا لأجل جهاده العريق ، وإنما بسبب اعتقاداته الفاسدة التي لا تجتمع مع جمهور المسلمين!
يقول ابن كثير - وهو تلميذه - : «وفي ليلة عيد الفطر من تلك السنة [706 ه] أحضر الأمير سيف الدين سلار ، نائب مصر ، القضاة الثلاثة وجماعة من الفقهاء ، فالقضاة : الشافعي والمالكي والحنفي ، والفقهاء : الباجي والجزري والنمواري ، وتكلموا في إخراج الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الحبس ، فاستشرط بعض الحاضرين عليه شروطا في ذلك ، منها أنه يلتزم بالرجوع عن بعض عقائده» ..
وفي سنة 709 ه نفي إلى الإسكندرية ، ومنها عاد إلى القاهرة ، ثم إلى الشام.
وفي سنة 720 ه صدرت منه فتاوى شاذة ، فعقد له مجلس حضره القضاة والمعنيون من المذاهب الأربعة ، وحبس خمسة أشهر.
حتى جاءت سنة 726 ه حين سجن مرة أخرى ، ومات في قلعة دمشق للعلة ذاتها!!
هذا هو من قال عنه الدكتور أنه حبس من أجل جهاده في سجن المماليك ... وقد تبين أنه كان يجاهد مذاهب جمهور المسلمين وحبس بفتياهم - فتيا فقهاء المذاهب الأربعة - لانحرافه العقائدي (1).0.
ص: 63
ب - اجتهاد ابن تيمية في ميزان ابن حجر :
ب - وأما اجتهاده! فإني اقتصر على ما نقله العلامة الأميني عن الحافظ ابن حجر في كتابه الفتاوى الحديثة ص 86 ، قال : «ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمه وأذله ، وبذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله ، وكذب أقواله ، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد ، المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد ، ابن الحسن السبكي ، وولده التاج ، والشيخ الإمام العز بن جماعة ، وأهل عصرهم ، وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية.
ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية ، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب (رضي الله عنهما)!.
والحاصل : أن لا يقام لكلامه وزن ، بل يرمى في كل وعر وحزن ، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال مضل غال ، عامله الله بعلمه ، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله ، آمين ...» ... لا تعليق!
الوسطية في اجتهاد ابن تيمية :
إن هذا النموذج الذي أعطاه الدكتور للشباب يهدم كل ما بناه في حواره ، لأن عقائد ابن تيمية تخالف نظريته حول الوسطية الإسلامية ، إذ إنها لن تبقي من حب أهل البيت شئ لدرجة الإطاحة بكل «المزارات والمقامات والمساجد لرموز من آل البيت» المقامة في مصر ، التي يباهي بها معتبرا أن وجودها مصداق لوسطية الشعب المصري ، لأنها بنظر ابن تيمية شرك وبدعة! كما هي الحال الآن في مزارات البقيع! وعندها سلام على الوسطية يوم ولدت ويوم ماتت!! ..
ص: 64
قضية ولاية الفقيه :
قال : «أنا أتصور أن الناس في إيران سواء كانوا من أهل الحوزات العلمية أو من أهل السياسة لا يمكن أن يتصوروا أن النموذج الإيراني في ولاية الفقيه صالح للتعميم في العالم السني ، وإلا نكون أمام موقف ساذج ، فما نرفضه في النموذج الإيراني وهو قضية ولاية الفقيه قد يكون سر قوة هذا النموذج داخل إيران ، لكن لا يمكن أن يكون مقبولا خارج الإطار الإيراني ، لأن هذا بعد مذهبي».
أقول : بغض النظر عن أن هذا النموذج صالح للتعميم أو لا ، لأن الإجابة تحتاج لدراسة مطولة تعرض فيها تلك النظرية ليرى إمكانية ذلك .. إلا أن الدكتور - جزاه الله خيرا - قد ساهم مساهمة فعالة في الإجابة عن أسئلة هو طرحها عندما قال :
1 - «أين هي الاجتهادات المتميزة في المذهب الجعفري التي ليس لها نظائر في مذاهب السنة الأربعة».
والجواب : إن نظام ولاية الفقيه - الذي هو سر قوة هذا النموذج - من الاجتهادات الشيعية المتميزة عن المذاهب الأربعة بشهادتك حين قلت أيها الدكتور : «لأن هذا بعد مذهبي».
2 - «وأن فردا هو المؤتمن على الشريعة ... فأين الاجتهاد ... وأين هي العقلانية في هذا الموضوع؟».
والجواب : إن نظام ولاية الفقيه - الذي هو سر قوة هذا النموذج - يكون الفرد فيه - المتمثل بقائد الثورة الإسلامية - هو المؤتمن على الشريعة
ص: 65
والدولة ، وهو الذي يدير دفة البلاد من شرقها إلى غربها مع أنه ليس بمعصوم عندنا ، فكيف هي الشريعة أو الدولة إذا أنيطت بالمعصوم؟!
3 - «أقول : الاجتهاد عند فقه الشيعة وقف عند أن هناك مرجعا له كتاب فقهي وله مقلدون».
والجواب : إن نظام ولاية الفقيه - الذي هو سر قوة هذا النموذج - أنيطت السلطة المطلقة فيه للفقيه المجتهد العادل ، الجامع للشرائط ، والعارف بأمور زمانه ، بما فيها شؤون الدولة والسياسة والمجتمع وغير ذلك ، فلا يقتصر على كتاب فقهي ومقلدون.
خاتمة في وسطية عادلة :
ما نبغيه هو أن تتحلى الأمة الإسلامية بدرجة من الوعي في إطار تنسجم فيه جميع الأطراف مع بعضها الآخر ، فالوحدة الإسلامية مطلوبة بلا شك ، إلا أن لها أسسا ومبادئ تقوم على الانفتاح الفكري والعقائدي بين جميع الفئات المختلفة ... ولكن في الطريق مررت بكتاب تحت عنوان «شيعة ... لكن لمن؟» لسمير الهضيبي - تفضل باطلاعي عليه أحد سادتنا العلماء ، عندما عرف بأني في صدد الكتابة حول ما جاء في حوار الدكتور عمارة - والمفاجأة أن الغلاف كان يحمل ثناء وإطراء من الدكتور المذكور للكاتب وقد جاء فيه :
«فلقد سعدت بقراءة إبداعك الجديد (شيعة ... لكن لمن؟) ويسعدني أن أضع بين يديك - بعد التهنئة على هذا العمل المتميز - هذه الانطباعات والملاحظات :
- لقد نجحت في تحويل تاريخ ظهور الإسلام ... والصراعات التي
ص: 66
دارت حول الخلافة ومناهج الحكم في الحقبة الراشدة إلى خريطة حية يتذوقها جمهور من القراء أوسع من جمهور قراء التاريخ ..
- ونجحت في الحفاظ على دقة الحدث التاريخي ..
- وإذا كانت المشاهد الفنية - الروائية - والتي شدتني وأمتعتني - كقارئ متذوق - قد جاءت قليلة بالقياس إلى تدفق أحداث التاريخ ونصوص حوارات أبطاله ... فلقد قام (إحياء) التاريخ مقام (الخيال) فكان أدبا من لون جديد ... الكلاسيكيات التي ينهض فيها الصدق التاريخي ليحل محل الروائيين! ..
- كذلك نجحت في العرض المتوازن والوافي ... التي مثلت مذاهب ومدارس التأريخ لهذه الحقبة ... وكان جميلا أن يظهر الإسلام في مكانه الإلهي ... وأن تظهر بشرية الجيل الرائد الذي أقام هذا الدين ... لقد نجحت نجاحا عظيما في التمييز بين (المعصوم) و (غير المعصوم) على النحو الذي نرجو أن يسهم في حل مشكلات (القداسة) أو (الافتراء) على هذا التاريخ! .. تلك هي الانطباعات ... التوقيع د. محمد عمارة».
ترى ، ماذا في الكتاب حتى راح الدكتور يثني عليه بهذه الطريقة مكررا نجاحه؟!
هل هو الحفاظ على دقة الحدث التاريخي وأن الشيعة من تأسيس عبد الله بن سبأ اليهودي؟!
أم إنه الأدب الجديد الذي يصور أصحاب أمير المؤمنين كميل بن زياد ومالك الأشتر بأبشع الصور الاستغلالية؟!
أو لا ، هو ذلك التمييز بين «المعصوم» و «غير المعصوم» وأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان مولعا بالنساء؟!
ص: 67
أهكذا كان الكاتب يحل مشكلات «القداسة» أو «الافتراء» بنظر الدكتور «المتذوق»؟!!
إنها مجموعة افتراءات لا يوجد فيها مصدر واحد يعتمد عليه سماها الدكتور صدقا تاريخيا يحل محل خيال الروائيين!!
وهل هي تلك الوسطية التي أتحفنا الدكتور بها؟!
أرى أن القاضي هو المدعي في هذه القضية ، والحال أنه لا بد أن يكون طرفا محايدا ...
مفكر إسلامي شدته وأمتعته قصص سمير الهضيبي الخرافية!!
وهل تنسجم مثل تلك الافتراءات مع الوحدة الإسلامية؟!
أين «تماسك النسيج»؟!!
(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) (1).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوحد صفوف المسلمين على العقائد الصحيحة ، ويكشف عنهم الكرب والغم ، راجين منه عزوجل أن يحرر أرضهم من أيدي المستكبرين ، ولا سيما الصهاينة منهم ، إنه علي قدير.
والحمد لله رب العالمين.
* * * 9.
ص: 68
السيد علي الحسيني الميلاني
آية المباهلة
قال السيد طاب ثراه :
«وهل هبط بآية المباهلة بسواهم جبرئيل؟!».
فقال في الهامش :
«كلا ، وإنما هبط بآية المباهلة بهم خاصة ، فقال عز من قائل : (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية».
فقيل :
«هذه الآية مما يتمسك به الشيعة على أنه دليل على الإمامة ، وعلى أن آل البيت هم بمرتبة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فإن الآية لم تفرق بينهم وبينه ، بل ساوتهم به إذ جمعت أنفسهم مع نفسه ، فقال تعالى : (وأنفسنا وأنفسكم).
ص: 69
وهذا اللفظ لا يقتضي المساواة ، فقد قال تعالى : (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) (النور : 12) ، ولا يدل هذا
على أن المؤمنين والمؤمنات متساوون ، ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم) (البقرة : 85) ، فهذا اللفظ يدل على المجانسة والمشابهة في أمور.
فقوله تعالى : (وأنفسنا وأنفسكم) أي : ورجالنا ورجالكم ، أي : «الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب ، والمراد : التجانس مع الإيمان». انتهى.
أقول :
وهذا أيضا خلاصة ما جاء به ابن تيمية ، في الجواب عن الاستدلال بالآية الكريمة ، وليس لهذا القائل منه شئ ولا كلمة!!
ونحن ذاكرون سبب نزول الآية المباركة ، ووجه الاستدلال بها ، والجواب عما قيل في ذلك ، فها هنا فصول ، وبالله التوفيق :
ص: 70
الفصل الأول
في نزول الآية في أهل البيت عليهم السلام
قال الله عزوجل : (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين * إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين) (1).
هذه هي الآية المعروفة بآية المباهلة ، وسنورد قصتها في أول الفصل الآتي.
وقد خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المباهلة بعلي وفاطمة
والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام.
ذكر من رواه من الصحابة والتابعين :
وروي هذا الخبر عن جماعة من أعلام الصحابة والتابعين ، نذكر هنا من جاءت الرواية عنه في كتب غير الإمامية ، منهم :
1 - أمير المؤمنين علي عليه السلام.
2 - عبد الله بن العباس. 3.
ص: 71
3 - جابر بن عبد الله الأنصاري.
4 - سعد بن أبي وقاص.
5 - عثمان بن عفان.
6 - سعيد بن زيد.
7 - طلحة بن عبيد الله.
8 - الزبير بن العوام.
9 - عبد الرحمن بن عوف.
10 - البراء بن عازب.
11 - حذيفة بن اليمان.
12 - أبو سعيد الخدري.
13 - أبو الطفيل الليثي.
14 - جد سلمة بن عبد يشوع.
15 - أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله.
16 - زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام.
17 - علباء بن أحمر اليشكري.
18 - الشعبي.
19 - الحسن البصري.
20 - مقاتل.
21 - الكلبي.
22 - السدي.
23 - قتادة.
24 - مجاهد.
ص: 72
أما أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ناشد القوم في الشورى بنزول الآية فيه ... وسيأتي الخبر قريبا.
وأما عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعيد بن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، فقد أقروا لعلي عليه السلام في ذلك.
كما روى سعد الخبر ، وكان مما به اعتذر عن سب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في صحيح الأثر ... وسيأتي نصه.
وأما أبو الطفيل فهو راوي خبر المناشدة.
وأما الآخرون ... فستأتي نصوص الأخبار في روايتهم.
ومن رواته من كبار الأئمة في الحديث والتفسير :
وقد اتفقت كتب الحديث والتفسير والكلام على رواية حديث المباهلة ، إما بالأسانيد ، وإما بإرساله إرسال المسلمات ، من أشهرهم :
1 - سعيد بن منصور ، المتوفى سنة 227.
2 - أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة ، المتوفى سنة 235.
3 - أحمد بن حنبل ، المتوفى سنة 241.
4 - عبد بن حميد ، المتوفى سنة 249.
5 - مسلم بن الحجاج ، المتوفى سنة 261.
6 - أبو زيد عمر بن شبة البصري ، المتوفى سنة 262.
7 - محمد بن عيسى الترمذي ، المتوفى سنة 279.
8 - أحمد بن شعيب النسائي ، المتوفى سنة 303.
9 - محمد بن جرير الطبري ، المتوفى سنة 310.
10 - أبو بكر ابن المنذر النيسابوري ، المتوفى سنة 318.
ص: 73
11 - أبو بكر الجصاص ، المتوفى سنة 370.
12 - أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، المتوفى سنة 405.
13 - أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني ، المتوفى سنة 410.
14 - أبو إسحاق الثعلبي ، المتوفى سنة 427.
15 - أبو نعيم الأصفهاني ، المتوفى سنة 430.
16 - أبو بكر البيهقي ، المتوفى سنة 458.
17 - علي بن أحمد الواحدي ، المتوفى سنة 468.
18 - محيي السنة البغوي ، المتوفى سنة 516.
19 - جار الله الزمخشري ، المتوفى سنة 538.
20 - القاضي عياض اليحصبي ، المتوفى سنة 544.
21 - أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي ، المتوفى سنة 571.
22 - أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، المتوفى سنة 579.
23 - أبو السعادات ابن الأثير الجزري ، المتوفى سنة 606.
24 - الفخر الرازي ، المتوفى سنة 606.
25 - عز الدين أبو الحسن ابن الأثير الجزري ، المتوفى سنة 630.
26 - محمد بن طلحة الشافعي ، المتوفى سنة 652.
27 - شمس الدين سبط ابن الجوزي ، المتوفى سنة 654.
28 - أبو عبد الله القرطبي الأنصاري ، المتوفى سنة 656.
29 - القاضي البيضاوي ، المتوفى سنة 685.
30 - محب الدين الطبري ، المتوفى سنة 694.
31 - نظام الدين الأعرج النيسابوري ، المتوفى سنة.
32 - أبو البركات النسفي ، المتوفى سنة 710.
ص: 74
33 - صدر الدين أبو المجامع إبراهيم الحموئي ، المتوفى سنة 722.
34 - أبو القاسم ابن الجزي الكلبي ، المتوفى سنة 741.
35 - علاء الدين الخازن ، المتوفى سنة 741.
36 - أبو حيان الأندلسي ، المتوفى سنة 745.
37 - شمس الدين الذهبي ، المتوفى سنة 748.
38 - ابن كثير الدمشقي ، المتوفى سنة 774.
39 - ولي الدين الخطيب التبريزي ، المتوفى سنة.
40 - ابن حجر العسقلاني ، المتوفى سنة 852.
41 - نور الدين ابن الصباغ المالكي ، المتوفى سنة 855.
42 - جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911.
43 - أبو السعود العمادي ، المتوفى سنة 951.
44 - الخطيب الشربيني ، المتوفى سنة 968.
45 - ابن حجر الهيتمي المكي ، المتوفى سنة 973.
46 - علي بن سلطان القاري ، المتوفى سنة 1013.
47 - نور الدين الحلبي ، المتوفى سنة 1033.
48 - شهاب الدين الخفاجي ، المتوفى سنة 1069.
49 - الزرقاني المالكي ، المتوفى سنة 1122.
50 - عبد الله الشبراوي ، المتوفى سنة 1162.
51 - قاضي القضاة الشوكاني ، المتوفى سنة 1250.
52 - شهاب الدين الآلوسي ، المتوفى سنة 1270.
وغيرهم من أعلام الحديث والتفسير والكلام والتاريخ في مختلف القرون.
ص: 75
من نصوص الحديث في الكتب المعتبرة :
وهذه ألفاظ من الأخبار الواردة في نزول الآية المباركة في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كما رواها الحفاظ بأسانيدهم ، في الكتب المعتبرة :
* أخرج ابن عساكر بسنده ، وابن حجر من طريق الدارقطني ، عن أبي الطفيل : إن أمير المؤمنين عليه السلام ناشد أصحاب الشورى واحتج عليهم بجملة من فضائله ومناقبه ، ومن ذلك أن قال لهم :
«نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في الرحم ، ومن جعله رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم نفسه ، وابناه أبناءه ، ونساءه نساءه غيري؟!
قالوا : اللهم لا» (1).
أقول :
ومناشدة أمير المؤمنين في الشورى رواها عدد كبير من علماء الفريقين ، بأسانيدهم عن : أبي ذر وأبي الطفيل ، وممن أخرجها من حفاظ الجمهور : الدارقطني ، وابن مردويه ، وابن عبد البر ، والحاكم ، والسيوطي ، وابن حجر المكي ، والمتقي الهندي.
وسيأتي تفصيل ذلك حيث يتعرض لها السيد رحمه الله إن شاء الله تعالى.1.
ص: 76
* وفي «المسند» : «حدثنا عبد الله ، قال أبي : ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول له ، وخلفه في بعض مغازيه ، فقال علي رضي الله عنه : أتخلفني مع النساء والصبيان؟!
قال : يا علي! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي؟!
وسمعته يقول - يوم خيبر - : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليا رضي الله عنه فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية (ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضوان الله عليهم أجمعين ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي» (1).
* وأخرج مسلم قائلا : «حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد - وتقاربا في اللفظ - قالا : حدثنا حاتم - وهو ابن إسماعيل - عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا ، فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟!
فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فلن أسبه ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم :
سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول له [وقد] خلفه 5.
ص: 77
في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان!
فقال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله.
قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية : (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي» (1).
* وأخرجه الترمذي بالسند واللفظ ، فقال :
«هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه» (2).
* وأخرج النسائي : «أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي وهشام بن عمار الدمشقي ، قالا : حدثنا حاتم ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال : أمر معاوية سعدا فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟!
فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فلن أسبه ، لأن يكون لي واحدة منها أحب إلي من حمر النعم :
سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول له ، وخلفه في ي.
ص: 78
بعض مغازيه فقال له علي : يا رسول الله! أتخلفني مع النساء والصبيان؟!
فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله.
فتطاولنا إليها فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه.
ولما نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي» (1).
* وأخرج الحاكم فقال : «أخبرني جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، ثنا موسى بن هارون ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : لما نزلت هذه الآية (ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم فقال : اللهم هؤلاء أهلي.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» (2).
* ووافقه الذهبي في (تلخيصه).
* وستأتي رواية الحاكم عن جابر. 0.
ص: 79
* وأخرجه عن ابن عباس ، قال : «ذكر النوع السابع عشر من علوم الحديث : هذا النوع من هذا العلم معرفة أولاد الصحابة ، فإن من جهل هذا النوع اشتبه عليه كثير من الروايات.
أول ما يلزم الحديثي معرفته من ذلك : أولاد سيد البشر محمد المصطفى صلى الله عليه [وآله] وسلم ومن صحت الرواية عنه منهم :
حدثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة ، قال : حدثنا الحسين بن الحكم الحبري ، قال : ثنا الحسن بن الحسين العرني ، قال : ثنا حبان بن علي العنزي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله عزوجل : (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم - إلى قوله : - الكاذبين) نزلت على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وعلي نفسه ، (ونساءنا ونساءكم) : فاطمة ، (وأبناءنا وأبناءكم) : حسن وحسين ، والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسيد وعبد المسيح وأصحابهم» (1).
* وقال ابن حجر العسقلاني بشرح حديث المنزلة : «ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي ، قال : قال معاوية لسعد : ما منعك أن تسب أبا تراب؟!
قال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فلن أسبه ....
فذكر هذا الحديث ، وقوله : لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله ... وقوله : لما نزلت (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا عليا وفاطمة 0.
ص: 80
والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي» (1).
تنبيه :
الملاحظ أنهم يروون كلام سعد في جواب معاوية بأشكال مختلفة مع أن السند واحد ، والقضية واحدة!!
بل يرويه المحدث الواحد في الكتاب الواحد بأشكال ، فاللفظ الذي ذكرناه عن النسائي هو أحد ألفاظه.
وبينما رواه بلفظ آخر عن بكير بن مسمار ، قال : سمعت عامر بن سعد يقول : قال معاوية لسعد بن أبي وقاص : ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب؟!
قال : لا أسبه ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، لا أسبه ما ذكرت حين نزل الوحي عليه ، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة ، فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال : رب هؤلاء أهل بيتي - أو : أهلي - ...» (2).
ورواه بلفظ ثالث : إن معاوية ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال سعد بن أبي وقاص : والله لئن لي واحدة من خلال ثلاث أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.
لأن يكون قال لي ما قال له حين رده من تبوك : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، أحب إلي من أن يكون 1.
ص: 81
لي ما طلعت عليه الشمس.
ولأن يكون قال لي ما قاله له يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.
ولأن يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس» (1).
ورواه بلفظ رابع عن سعد ، قال : «كنت جالسا فتنقصوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقلت : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول في علي خصالا ثلاث ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم.
سمعته يقول : إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
وسمعته يقول : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
وسمعته يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه» (2).
وهو عند ابن ماجة باللفظ الآتي : «قدم معاوية في بعض حجاته ، فدخل عليه سعد ، فذكروا عليا ، فنال منه ، فغضب سعد وقال : تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه.
وسمعته يقول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي 0.
ص: 82
بعدي.
وسمعته يقول : لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله» (1).
أقول :
إنه إن أمكن حمل اختلاف ألفاظ الروايات في الخصال الثلاث على وجه صحيح ، ولا يكون هناك تحريف - ومن هنا كان الأمر بالتأمل في بحثنا حول آية التطهير - فلا ريب في تحريف القوم للفظ في ناحية أخرى ، وهي قضية سب أمير المؤمنين عليه السلام والنيل منه ، خاصة مع السند الواحد!
فإن أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن عساكر (2) كلهم اشتركوا في الرواية بسند واحد ، فجاء عند غير أحمد : «أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟! فقال : أما ما ذكرت ثلاثا ... سمعت ...».
لكن أحمد حذف ذلك كله وبدأ الحديث من «سمعت ...» وكأنه لم تكن هناك أية مناسبة لكلام سعد هذا!!
أما الحاكم فيروي الخبر بنفس السند ويحذف المناسبة وخصلتين من الخصال الثلاث!!
والنسائي يحذف المناسبة في لفظ ، ويقول : «إن معاوية ذكر علي بن أبي طالب ، فقال سعد ...»!!
وفي آخر يحذفها ويضع بدلها كلمة «كنت جالسا فتنقصوا علي بن 1.
ص: 83
أبي طالب ...»!!
وابن ماجة ، قال : «قدم معاوية في بعض حجاته ، فدخل عليه سعد ، فذكروا عليا ، فنال منه ، فغضب سعد وقال ...».
فجاء ابن كثير وحذف منه «فنال منه ، فغضب سعد» (1).
وفي (الفضائل) لأحمد : «ذكر علي عند رجل وعنده سعد بن أبي وقاص ، فقال له سعد : أتذكر عليا؟!» (2).
وأبو نعيم وبعضهم حذف القصة من أصلها ، فقال : «عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قال رسول الله : في علي ثلاث خلال ...» (3).
هذا ، والسبب في ذلك كله معلوم! إنهم يحاولون التغطية على مساوئ سادتهم ولو بالكذب والتزوير! ولقد أفصح عن ذلك بعضهم ، كالنووي ، حيث قال : «قال العلماء : الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها ، قالوا : ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله ، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه ، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب ، كأنه يقول : هل امتنعت تورعا أو خوفا أو غير ذلك؟! فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب فأنت مصيب محسن ، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر.
ولعل سعدا قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم ، وعجز عن الإنكار ، وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال.
قالوا : ويحتمل تأويلا آخرا ، أن معناه : ما منعك أن تخطئه في رأيه 6.
ص: 84
واجتهاده ، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ؟». انتهى (1).
ونقله المباركفوري بشرح الحديث (2).
أقول :
وهل ترتضي - أيها القارئ - هذا الكلام في مثل هذا المقام؟!
أولا : إن كان هناك مجال لحمل كلام المتكلم على الصحة وتأويله على وجه مقبول ، فهذا لا يختص بكلام الصحابي دون غيره.
وثانيا : إذا كانت هذه قاعدة يجب اتباعها بالنسبة إلى أقوال الصحابة ، فلماذا لا يطبقونها بالنسبة لكل الصحابة؟!
وثالثا : إذا كانت هذه القاعدة للأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي! فلماذا يطبقونها في الأحاديث الواردة في فضل أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم يأخذوا بظواهرها ، بل أعرضوا عن النصوص منها؟! ومنها حديث المباهلة ، حيث لا تأويل فحسب ، بل التعتيم والتحريف ، كما سنرى في الفصل الآتي.
ورابعا : إن التأويل والحمل على الصحة إنما يكون حيث يمكن ، وقولهم : «ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه ، وإنما سأله» كذب ، فقد تقدم في بعض النصوص التصريح ب «الأمر» و «النيل» و «التنقيص» وهذا كله مع تهذيب العبارة ، كما لا يخفى.
بل ذكر ابن تيمية : أن معاوية أمر بسب علي (3). 2.
ص: 85
بل جاءت الرواية عن مسلم والترمذي على واقعها ، ففي رواية القندوزي الحنفي عنهما ، قال : «وعن سهل بن سعد ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا أن يسب أبا التراب ، قال : أما ما ذكرت ثلاثا .... أخرجه مسلم والترمذي» (1).
وخامسا : قولهم : «كأنه يقول ... فإن كان تورعا ... فأنت مصيب محسن» يكذبه ما جاء التصريح به في بعض ألفاظ الخبر من أن سعدا خرج من مجلس معاوية غضبان وحلف ألا يعود إليه!!
وعلى كل حال ... فهذا نموذج من تلاعبهم بمساوئ أسيادهم ، لإخفائها ، وسترى - في الفصل اللاحق - نموذج تلاعبهم بفضائل علي عليه السلام ، لإخفائها ، وهذا دين القوم وديدنهم ، حشرهم الله مع الذين يدافعون عنهم ويودونهم!!
* وروى ابن شبة ، المتوفى سنة 262 ، قال : «حدثنا الحزامي ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن من حدثه ، قال : جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يعرض عليهما الإسلام ... قال : فدعاهما النبي إلى المباهلة وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ، فقال أحدهما للآخر : قد أنصفك الرجل.
فقالا : لا نباهلك.
وأقرا بالجزية وكرها الإسلام» (2). 3.
ص: 86
* وروى الحسين بن الحكم الحبري (1) ، المتوفى سنة 286 ، قال :
«حدثني إسماعيل بن أبان ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : لما نزلت هذه الآية (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم
بعلي وفاطمة والحسن والحسين» (2).
* وأخرج الطبري : «حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن زيد بن علي ، في قوله : (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية ، قال : كان النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين».
«حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم) الآية ، فأخذ - يعني النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم - بيد الحسن والحسين وفاطمة ، وقال لعلي : اتبعنا ، فخرج معهم ، فلم يخرج يومئذ النصارى وقالوا : إنا نخاف ...».
«حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من د.
ص: 87
العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) قال : بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خرج ليلا عن أهل نجران ، فلما رأوه خرج هابوا وفرقوا فرجعوا.
قال معمر : قال قتادة : لما أراد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين ، وقال لفاطمة : اتبعينا ، فلما رأى ذلك أعداء الله رجعوا».
«حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا ابن زيد ، قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : لو لاعنت القوم ، بمن كنت تأتي حين قلت (أبناءنا وأبناءكم)؟
قال : حسن وحسين».
«حدثني محمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا المنذر ابن ثعلبة ، قال : ثنا علباء بن أحمر اليشكري ، قال : لما نزلت هذه الآية : (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم) الآية ، أرسل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ...» (1).
* وقال السيوطي : «أخرج البيهقي في (الدلائل) من طريق سلمة بن عبد يشوع ، عن أبيه ، عن جده : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كتب إلى أهل نجران ... فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر ، أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي خلف ظهره ، للملاعنة ، وله يومئذ عدة نسوة ...». 3.
ص: 88
«وأخرج الحاكم - وصححه - وابن مردويه ، وأبو نعيم في (الدلائل) عن جابر ، قال : ... فغدا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ...
قال جابر : فيهم نزلت : (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية.
قال جابر : (أنفسنا وأنفسكم) : رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وعلي. (وأبناءنا) : الحسن والحسين. (ونساءنا) : فاطمة».
«وأخرج أبو نعيم في (الدلائل) من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : ... وقد كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خرج ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : إن أنا دعوت فأمنوا أنتم. فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية».
«وأخرج ابن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو نعيم ، عن الشعبي ... فغدا النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة ...».
«وأخرج مسلم ، والترمذي ، وابن المنذر ، والحاكم ، والبيهقي في سننه ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : لما نزلت هذه الآية : (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عليا
وفاطمة وحسنا وحسينا ، وقال : اللهم هؤلاء أهلي» (1).
* وقال الزمخشري : «وروي أنهم لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر ، فلما تخالوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - : يا عبد المسيح! 9.
ص: 89
ما ترى؟
فقال : والله لقد عرفتم - يا معشر النصارى - أن محمدا نبي مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لنهلكن ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها ، وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمنوا.
فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى! إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا : يا أبا القاسم! رأينا أن لا نباهلك ، وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا.
قال : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم. فأبوا.
قال : فإني أناجزكم.
قالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا ، على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة ، ألف في صفر وألف في رجب ، وثلاثين درعا عادية من حديد.
فصالحهم على ذلك ، وقال : والذي نفسي بيده ، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم عليهم
ص: 90
الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا.
وعن عائشة رضي الله عنها : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خرج وعليه مرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثم جاء الحسين فأدخله ، ثم فاطمة ، ثم علي ، ثم قال : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت).
فإن قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا لتبيين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه ، فما معنى ضم الأبناء والنساء؟
قلت : ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له ، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة.
وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب ، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ، ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ، ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الظعائن.
وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها.
وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام.
وفيه برهان واضح على نبوة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، لأنه
ص: 91
لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك» (1).
* وروى ابن الأثير حديث سعد في الخصال الثلاثة ، بإسناده عن الترمذي (2).
وأرسله في تاريخه إرسال المسلم ، قال : «وأما نصارى نجران فإنهم أرسلوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وأرادوا مباهلته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ، فلما رأوهم قالوا : هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، ولم يباهلوه ، وصالحوه على ألفي حلة ، ثمن كل حلة أربعون درهما ، وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله. وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده ألا يفتنوا عن دينهم ولا يعشروا ، وشرط عليهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به» (3).
* وروى الحاكم الحسكاني بإسناده : «عن أبي إسحاق السبيعي ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : جاء العاقب والسيد - أسقفا نجران - يدعوان النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى الملاعنة ، فقال العاقب للسيد : إن لاعن بأصحابه فليس بنبي ، وإن لاعن بأهل بيته فهو نبي.
فقام رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فدعا عليا فأقامه عن يمينه ، ثم دعا الحسن فأقامه على يساره ، ثم دعا الحسين فأقامه عن يمين علي ، ثم دعا فاطمة فأقامها خلفه.
فقال العاقب للسيد : لا تلاعنه ، إنك إن لاعنته لا نفلح نحن ولا أعقابنا 3.
ص: 92
فقال رسول الله : لو لاعنوني ما بقيت بنجران عين تطرف» (1).
أقول :
وهذا نفس السند عند البخاري عن حذيفة ، لكنه حذف من الخبر ما يتعلق ب «أهل البيت» ووضع مكانه فضيلة ل «أبي عبيدة» وسيأتي في الفصل اللاحق فانتظر!!
* وقال ابن كثير : «وقال أبو بكر ابن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن داود المكي ، حدثنا بشر بن مهران ، حدثنا محمد ابن دينار ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن جابر ، قال : ... فغدا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ... قال جابر : وفيهم نزلت ...
وهكذا رواه الحاكم في مستدركه ... ثم قال : صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه هكذا.
قال : وقد رواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن المغيرة ، عن الشعبي ، مرسلا. وهذا أصح.
وقد روي عن ابن عباس والبراء نحو ذلك» (2).
ولكنه - في (التاريخ) - ذكر أولا حديث البخاري المبتور! ثم روى القصة عن البيهقي ، عن الحاكم بإسناده عن سلمة بن عبد يشوع ، عن أبيه ، عن جده ، وليس فيه ذكر لعلي عليه السلام ، كما سيأتي. 9.
ص: 93
* وقال القاري بشرح الحديث : «عن سعد بن أبي وقاص ، قال : لما نزلت هذه الآية - أي المسماة بآية المباهلة - (ندع أبناءنا وأبناءكم) أولها (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عليا ، فنزله منزلة نفسه لما بينهما من القرابة والأخوة ، وفاطمة ، أي لأنها أخص النساء من أقاربه ، وحسنا وحسينا ، فنزلهما منزلة ابنيه صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، أي : أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. رواه مسلم» (1).
كلمات حول السند :
ولنورد نصوص عبارات لبعض أئمة القوم في قطعية هذا الخبر :
قال الحاكم : «وقد تواترت الأخبار في التفاسير ، عن عبد الله بن عباس وغيره ، أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين ، وجعلوا فاطمة وراءهم ، ثم قال : هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا ، فهلموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين» (2).
وقال الجصاص : «إن رواة السير ونقلة الأثر لم يختلفوا في أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي الله عنهم ، ودعا النصارى الذين حاجوه إلى المباهلة ...» (3).6.
ص: 94
وقال ابن العربي المالكي : «روى المفسرون أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ناظر أهل نجران حتى ظهر عليهم بالدليل والحجة ، فأبوا الانقياد والإسلام ، فأنزل الله هذه الآية ، فدعا حينئذ عليا وفاطمة والحسن والحسين ، ثم دعا النصارى إلى المباهلة» (1).
وقال ابن طلحة الشافعي : «أما آية المباهلة ، فقد نقل الرواة الثقات والنقلة الأثبات نزولها في حق علي وفاطمة والحسن والحسين» (2).
واعترف القاضي الأيجي والشريف الجرجاني بدلالة الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة عند أهل النقل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليا وفاطمة وابنيهما فقط ، وستأتي عبارتهما كاملة في فصل الدلالة.
* * * 7.
ص: 95
الفصل الثاني
في قصة المباهلة
إنه لما كان الغرض الأهم للعلماء ، من متكلمين ومفسرين ومحدثين ، هو بيان سبب نزول الآية المباركة وذكر الحديث الوارد فيها ، وما في ذلك من دلالات ... فإنهم لم يتعرضوا لشرح الواقعة ورواية جزئياتها ، ومن تعرض منهم لها - كالزمخشري مثلا - فقد اكتفى بنقل القدر المحتاج إليه في نظره!!
إلا أنا رأينا من المناسب إيراد القصة بشئ من التفصيل ، لما فيها من الفوائد المهمة ، ثم نعقب ذلك بما وقع عليه الصلح ، وببعض المسنونات المروية عن أئمة أهل البيت عليهم أفضل الصلوات والتسليمات ، في يوم المباهلة.
ولعل ما يرويه السيد الجليل ، الجامع بين العلم والعمل ، العلامة السيد ابن طاووس الحلي هو أجمع الروايات لخبر القصة ، وهذا نصه مع بعض التلخيص بلفظه ، قال رحمه الله :
«الباب السادس : في ما يتعلق بمباهلة سيد أهل الوجود لذوي الجحود ، الذي لا يساوى ولا يجازى ، وظهور حجته على النصارى والحيارى ، وإن في يوم مثله تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم ، ونذكر ما نعمل من المراسم ، وفيه فصول :
فصل : في ما نذكره من إنفاذ النبي صلوات الله عليه وآله وسلم
ص: 96
لرسله إلى نصارى نجران ومناظرتهم فيما بينهم وظهور تصديقه في ما ادعاه ، روينا ذلك بالأسانيد الصحيحة والروايات الصريحة إلى أبي المفضل محمد بن عبد المطلب الشيباني رحمه الله من كتاب (المباهلة) ، ومن أصل كتاب الحسن بن إسماعيل بن أشناس من كتاب عمل ذي الحجة ، في ما رويناه بالطرق الواضحة ، عن ذوي الهمم الصالحة ، لا حاجة إلى ذكر أسمائهم ، لأن المقصود ذكر كلامهم ، قالوا :
لما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة وانقادت له العرب ، وأرسل
رسله ودعاته إلى الأمم ، وكاتب الملكين كسرى وقيصر يدعوهما إلى الإسلام وإلا أقرا بالجزية والصغار ، وإلا أذنا بالحرب العوان ، أكبر شأنه نصارى نجران وخلطاؤهم ، من بني عبد المدان وجميع بني الحرث بن كعب ومن ضوي إليهم ونزل بهم من دهماء الناس - على اختلافهم هناك في دين النصرانية من الأروسية ، والنالوسية ، وأصحاب دين الملك ، والمارونية ، والعباد ، والنسطورية - وأملأت قلوبهم - على تفاوت منازلهم - رهبة منه ورعبا.
فإنهم كذلك من شأنهم ، إذ وردت عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وآله بكتابه ، وهم : عتبة بن غزوان ، وعبد الله بن أبي أمية ، والهدير بن عبد الله أخو تيم بن مرة ، وصهيب بن سنان أخو النمر بن قاسط ، يدعوهم إلى الإسلام ، فإن أجابوا فإخوان ، وإن أبوا واستكبروا فإلى الخطة المخوفة إلى أداء الجزية عن يد ، فإن راغبوا عما دعاهم إليه من أحد المنزلتين وعندوا فقد آذنهم على سواء ، وكان في كتابه صلى الله عليه وآله : (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا
ص: 97
اشهدوا بأنا مسلمون) (1).
قالوا : وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقاتل قوما حتى يدعوهم.
فازداد القوم لورود رسل نبي الله صلى الله عليه وآله وكتابه نفورا وامتراجا ، ففزعوا لذلك إلى بيعتهم العظمى ، وأمروا ففرش أرضها وألبس جدرها بالحرير والديباج ، ورفعوا الصليب العظيم ، وكان من ذهب مرصع أنفذه إليهم القيصر الأكبر ، وحضر ذلك بني الحرث بن الكعب ، وكانوا ليوث الحرب وفرسان الناس ، قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم أيامهم وفي الجاهلية ، فاجتمع القوم جميعا للمشورة والنظر في أمورهم ، وأسرعت إليهم القبائل من مذحج وعك وحمير وأنمار ، ومن دنا منهم نسبا ودارا من قبائل سبأ ، وكلهم قد ورم أنفه غضبا من لقومهم ، ونكص من تكلم منهم بالإسلام ارتدادا ، فخاضوا وأفاضوا في ركز المسير بنفسهم وجمعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، والنزول به بيثرب لمناجزته.
فلما رأى أبو حارثة حصين بن علقمة - أسقفهم الأول وصاحب مدارسهم وعلامهم ، وكان رجلا من بني بكر بن وائل - ما أزمع القوم عليه من إطلاق الحرب ، دعا بعصابة فرفع بها حاجبيه عن عينيه - وقد بلغ يومئذ عشرين ومائة سنة - ثم قام فيهم خطيبا معتمدا على عصا - وكانت فيه بقية ، وله رأي وروية ، وكان موحدا يؤمن بالمسيح عليه السلام وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويكتم إيمانه ذلك من كفرة قومه وأصحابه - فقال : 4.
ص: 98
مهلا بني عبد المدان مهلا ، استديموا العافية والسعادة ، فإنهما مطويان في الهوادة ، دبوا إلى قوم في هذا الأمر دبيب الذر ، وإياكم والسورة العجلي ، فإن البديهة بها لا ينجب ، إنكم - والله - على فعل ما لم تفعلوا أقدر منكم على رد ما فعلتم ، ألا إن النجاة مقرونة بالأناة ، ألا رب إحجام أفضل من إقدام ، وكائن من قول أبلغ من صول ، ثم أمسك.
فأقبل عليه كرز بن سبرة الحارثي - وكان يومئذ زعيم بني الحارث بن كعب وفي بيت شرفهم والمعصب فيهم ، وأمير حروبهم - فقال : لقد انتفخ سحرك واستطير قلبك أبا حارثة ، فظلت كالمسبوع النزاعة المهلوع ، تضرب لنا الأمثال ، وتخوفنا النزال ، لقد علمت - وحق المنان - بفضيلة الحفاظ بالنوء بالعبء وهو عظيم ، وتلقح الحرب وهو عقيم ، تثقف إود الملك الجبار ، ولنحن أركان الرائش وذوو المنار ، الذين شددنا ملكهما ، وأمرنا مليكهما ، فأي أيامنا ينكر؟! أم لأيها - ويك - تلمز؟! فما أتى على آخر كلامه حتى انتظم نصل نبلة كانت في يده بكفه غيظا وهو لا يشعر.
فلما أمسك كرز بن سبرة ، أقبل عليه العاقب - واسمه عبد المسيح بن شرحبيل ، وهو يومئذ عميد القوم ، وأمير رأيهم ، وصاحب مشورتهم ، الذي لا يصدرون جميعا إلا عن قوله - فقال له :
أفلح وجهك ، وآنس ربعك ، وعز جارك ، وامتنع ذمارك ، ذكرت - وحق مغبرة الجباه - حسبا صميما ، وعيصا كريما ، وعزا قديما ، ولكن - أبا سبرة - لكل مقام مقال ، ولكل عصر رجال ، والمرء بيومه أشبه منه بأمسه ، وهي الأيام تهلك جيلا وتديل قبيلا ، والعافية أفضل جلباب ، وللآفات أسباب ، فمن أوكد أسبابها التعرض لأبوابها. ثم صمت العاقب مطرقا.
ص: 99
فأقبل عليه السيد - واسمه أهتم بن النعمان ، وهو يومئذ أسقف نجران ، وكان نظير العاقب في علو المنزلة ، وهو رجل من عاملة ، وعداده في لخم - فقال له : سعد جدك ، وسما جدك أبا وائلة ، إن لكل لامعة ضياء ، وعلى كل صواب نورا ، ولكن لا يدركه - وحق واهب العقل - إلا من كان بصيرا ، إنك أفضيت وهذان فيما تصرف بكما الكلم إلى سبيلي حزن وسهل ، ولكل على تفاوتكم حظ من الرأي الربيق والأمر الوثيق إذا أصيب به مواضعه.
ثم إن أخا قريش قد نجدكم لخطب عظيم وأمر جسيم ، فما عندكم فيه قولوا وانجزوا ، أبخوع وإقرار؟ أم نزوع؟!
قال عتبة والهدير والنفر من أهل نجران : فعاد كرز بن سبرة لكلامه - وكان كميا أبيا - فقال :
أنحن نفارق دينا رسخت عليه عروقنا ، ومضى عليه آباؤنا ، وعرف ملوك الناس ثم العرب ذلك منا؟! أنتهالك إلى ذلك أم نقر بالجزية وهي الخزية حقا؟! لا والله حتى نجرد البواتر من أغمادها ، وتذهل الحلائل عن أولادها ، أو نشرق نحن ومحمد بدمائنا ، ثم يديل الله عزوجل بنصره من يشاء.
قال له السيد : أربع على نفسك وعلينا أبا سبرة ، فإن سل السيف يسل السيوف ، وإن محمدا قد بخعت له العرب وأعطته طاعتها ، وملك رجالها وأعنتها ، وجرت أحكامه في أهل الوبر منهم والمدر ، ورمقه الملكان العظيمان كسرى وقيصر ، فلا أراكم - والروح - لو نهد لكم إلا وقد تصدع عنكم من خف معكم من هذه القبائل ، فصرتم جفاء كأمس الذاهب ، أو كلحم على وضم.
ص: 100
وكان فيهم رجل يقال له : جهير بن سراقة البارقي - من زنادقة نصارى العرب ، وكان له منزلة من ملوك النصرانية ، وكان مثواه بنجران - فقال له : أبا سعد قل في أمرنا وأنجدنا برأيك ، فهذا مجلس له ما بعده.
فقال : فإني أرى لكم أن تقاربوا محمدا وتعطوه في بعض ملتمسه عندكم ، ولينطلق وفودكم إلى ملوك أهل ملتكم ، إلى الملك الأكبر بالروم قيصر ، وإلى ملوك هذه الجلدة السوداء الخمسة - يعني ملوك السودان : ملك النوبة ، وملك الحبشة ، وملك علوه ، وملك الرعا ، وملك الواحات ، ومريس ، والقبط ، وكل هؤلاء كانوا نصارى -.
قال : وكذلك من ضوي إلى الشام وحل بها من ملوك غسان ، ولخم ، وجذام ، وقضاعة ، وغيرهم من ذوي يمنكم ، فهم لكم عشيرة وموالي ومآل ، وفي الدين إخوان - يعني أنهم نصارى - وكذلك نصارى الحيرة من العباد وغيرهم ، فقد صبت إلى دينهم قبائل تغلب نبت وائل وغيرهم من ربيعة بن نزار.
لتسير وفودكم ، ثم لتخرق إليهم البلاد آغذاذا فيستصرخونهم لدينكم ، فيستنجدكم الروم ، وتسير إليكم الأساودة مسير أصحاب الفيل ، وتقبل إليكم نصارى العرب من ربيعة اليمن.
فإذا وصلت الأمداد واردة سرتم أنتم في قبائلكم وسائر من ظافركم وبذل نصره ومؤازرته لكم ، حتى تضاهئون من أنجدكم وأصرخكم من الأجناس والقبائل الواردة عليكم ، فأموا محمدا حتى تبيتوا جميعا ، فسيعتق إليكم وافدا لكم من صبا إليه مغلوبا مقهورا ، وينعتق به من كان منهم في مدرته مكثورا ، فيوشك أن تصطلموا حوزته ، وتطفئوا جمرته ، ويكون لكم بذلك الوجه والمكان في الناس ، فلا تتمالك العرب حينئذ حتى تتهافت
ص: 101
دخولا في دينكم ، ثم لتعظمن بيعتكم هذه ، ولتشرفن حتى تصير كالكعبة المحجوجة بتهامة.
هذا الرأي فانتهزوه ، فلا رأي لكم بعده.
فأعجب القوم كلام جهير بن سراقة ، ووقع منهم كل موقع ، فكاد أن يتفرقوا على العمل به ، وكان فيهم رجل من ربيعة بن نزار من بني قيس بن ثعلبة ، يدعى حارثة بن أثاك ، على دين المسيح عليه السلام ، فقام حارثة على قدميه وأقبل على جهير ، وقال متمثلا :
متى ما تقد بالباطل الحق بابه
وإن قدرت بالحق الرواسي ينقد
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه
ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتد
ثم استقبل السيد والعاقب والقسيسين والرهبان وكافة نصارى نجران بوجهه ، لم يخلط معهم غيرهم ، فقال : سمعا سمعا يا أبناء الحكمة ، وبقايا حملة الحجة ، إن السعيد والله من نفعته الموعظة ، ولم يعش عن التذكرة ، ألا وإني أنذركم وأذكركم قول مسيح الله عزوجل.
ثم شرح وصيته ونصه على وصيه شمعون بن يوحنا ، وما يحدث على أمته من الافتراق ، ثم ذكر عيسى عليه السلام ، وقال : إن الله جل جلاله
أوحى إليه :
فخذ يا بن أمتي كتابي بقوة ، ثم فسره لأهل سوريا بلسانهم ، وأخبرهم إني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم ، البديع الدائم ، الذي لا أحول ولا أزول ، وإني بعثت رسلي وأنزلت كتبي رحمة ونورا وعصمة لخلقي ، ثم إني باعث بذلك نجيب رسالتي ، أحمد ، صفوتي من بريتي ، الفارقليطا عبدي ، أرسله في خلو من الزمان ، أبتعثه بمولده فاران ، من مقام أبيه إبراهيم عليه السلام ، أنزل عليه توراة حديثة ، أفتح بها أعينا عميا ، وآذانا
ص: 102
صما ، وقلوبا غلفا ، طوبى لمن شهد أيامه ، وسمع كلامه ، فآمن به واتبع النور الذي جاء به.
فإذا ذكرت يا عيسى ذلك النبي فصل عليه فإني وملائكتي نصلي عليه.
قال : فما أتى حارثة بن أثاك على قوله هذا حتى اظلم بالسيد والعاقب مكانهما ، وكرها ما قام به في الناس معربا ومخبرا عن المسيح عليه السلام بما أخبر وأقدم من ذكر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنهما كانا قد أصابا بموضعهما من دينهما شرفا بنجران ، ووجها عند ملوك النصرانية جميعا ، وكذا عند سوقتهم وعربهم في البلاد ، فأشفقا أن يكون ذلك سببا لانصراف قومهما عن طاعتهما لدينهما ، وفسخا لمنزلتهما في الناس.
فأقبل العاقب على حارثة فقال : أمسك عليك يا حار ، فإن راد هذا الكلام عليك أكثر من قابله ، ورب قول يكون بلية على قائله ، وللقلوب نفرات عند الإصداع بمظنون الحكمة ، فاتق نفورها ، فلكل نبأ أهل ، ولكل خطب محل ، وإنما الدرك ما أخذ لك بمواضي النجاة وألبسك جنة السلامة ، فلا تعدلن بهما حظا ، فإني لم آلك - لا أبا لك - نصحا. ثم أرم يعني أمسك.
فأوجب السيد أن يشرك العاقب في كلامه ، فأقبل على حارثة ، فقال :
إني لم أزل أتعرف لك فضلا تميل إليه الألباب ، فإياك أن تقعد مطية اللجاج ، وأن ترجف إلى السراب ، فمن عذر بذلك فلست فيه أيها المرء بمعذور ، وقد أغفلك أبو واثلة وهو ولي أمرنا وسيد حضرنا عتابا ، فأوله
ص: 103
اعتبارا. ثم تعلم أن ناجم قريش - يعني رسول الله صلى الله عليه وآله - يكون رزؤه قليلا ثم ينقطع ويخلو.
إن بعد ذلك قرنا يبعث في آخره النبي المبعوث بالحكمة والبيان ، والسيف والسلطان ، ويملك ملكا مؤجلا تطبق فيه أمته المشارق والمغارب ، ومن ذريته الأمير الظاهر ، يظهر على جميع الملكات والأديان ، ويبلغ ملكه ما طلع عليه الليل والنهار ، وذلك - يا حار - أمل من ورائه أمد ومن دونه أجل ، فتمسك من دينك بما تعلم وتمنع - لله أبوك - من أنس متصرم بالزمان أو لعارض من الحدثان ، فإنما نحن ليومنا ولغد أهله.
فأجابه حارثة بن أثاك ، فقال : إيها عليك أبا قرة! فإنه لاحظ في يومه لمن لا درك له في غدوه ، اتق الله تجد الله جل وتعالى بحيث لا مفزع إلا إليه ، وعرضت مشيدا بذكر أبي واثلة ، فهو العزيز المطاع ، الرحب الباع ، وإليكما معا يلقى الرحل ، فلو أضربت التذكرة عن أحد لتبزيز فضل لكنتماه ، لكنها أبكار الكلام تهدى لأربابها ، ونصيحة كنتما أحق من أصغى لها ، إنكما مليكا ثمرات قلوبنا ، ووليا طاعتنا في ديننا فالكيس الكيس - يا أيها المعظمان - عليكما به ، أرمقا ما يدهكما نواحيه وأهجرا التسويف في ما أنتما بعرضه ، آثرا الله في ما كان يؤثركما بالمزيد من فضله ، ولا تخلدا في ما أظلكما إلى الونية ، فإنه من أطال عنان الأمر أهلكته الغرة ، ومن اقتعد مطية الحذر كان بسبيل آمن من المتالف ، ومن استنصح عقله كانت العبرة له لا به ، ومن نصح لله عزوجل آنسه الله جل وتعالى بعز الحياة وسعادة المنقلب.
ثم أقبل على العاقب معاتبا فقال :
وزعمت - أبا واثلة - أن راد ما قلت أكثر من قائله ، وأنت لعمر الله
ص: 104
حري ألا يؤثر هذا عنك ، فقد علمت وعلمنا أمة الإنجيل معا بسيرة ما قام به المسيح عليه السلام في حواريه ومن آمن له من قومه ، وهذه منك فهة لا يرحضها إلا التوبة والإقرار بما سبق به الإنكار.
فلما أتى على هذا الكلام صرف إلى السيد وجهه ، فقال : لا سيف إلا ذو نبوة ولا عليم إلا ذو هفوة ، فمن نزع عن وهلة وأقلع فهو السعيد الرشيد ، وإنما الآفة في الإصرار ، وأعرضت بذكر نبيين يخلقان بعد ابن البتول ، فأين يذهب بك عما خلا في الصحف من ذكرى ذلك؟! ألم تعلم ما أنبأ به المسيح عليه السلام في بني إسرائيل؟! وقوله لهم : كيف بكم إذا ذهب بي إلى أبي وأبيكم وخلف بعد إعصار يخلو من بعدي وبعدكم صادق وكاذب؟!
قالوا : ومن هما يا مسيح الله؟
قال : نبي من ذرية إسماعيل عليهما السلام صادق ، ومتنبئ من بني إسرائيل كاذب ، فالصادق منبعث منهما برحمة وملحمة ، يكون له الملك والسلطان ما دامت الدنيا ، وأما الكاذب فله بند يذكر به المسيح الدجال يملك فواقا ثم يقتله الله بيدي إذا رجع بي.
قال حارثة : وأحذركم يا قوم أن يكون من قبلكم من اليهود أسوة لكم ، إنهم أنذروا بمسيحين ، مسيح رحمة وهدى ، ومسيح ضلالة ، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة ، فجحدوا مسيح الهدى وكذبوا به ، وآمنوا بمسيح الضلالة الدجال ، وأقبلوا على انتظاره وأضربوا في الفتنة وركبوا نصحها ، ومن قبل ما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وقتلوا أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده ، فحجب الله عزوجل عنهم البصيرة بعد التبصرة بما كسبت أيديهم ، ونزع ملكهم منهم ببغيهم وألزمهم الذلة
ص: 105
والصغار ، وجعل منقلبهم إلى النار.
قال العاقب : فما أشعرك - يا حار - أن يكون هذا النبي المذكور في الكتب هو قاطن يثرب ، ولعله ابن عمك صاحب اليمامة ، فإنه يذكر من النبوة ما يذكر منها أخو قريش ، وكلاهما من ذرية إسماعيل ، ولجميعهما أتباع وأصحاب يشهدون بنبوته ، ويقرون له برسالته ، فهل تجد بينهما في ذلك من فاصلة فتذكرها؟
قال حارثة : أجل والله أجدها والله أكبر ، وأبعد مما بين السحاب والتراب ، وهي الأسباب التي بها وبمثلها تثبت حجة الله في قلوب المعتبرين من عباده لرسله وأنبيائه.
وأما صاحب اليمامة فيكفيك فيه ما أخبركم به سفهاؤكم وغيركم ، والمنتجعة منكم أرضه ، ومن قدم من أهل اليمامة عليكم ، ألم يخبركم جميعا عن رواد مسيلمة وسماعيه ، ومن أوفده صاحبهم إلى أحمد بيثرب فعادوا إليه جميعا بما تعرفوا هناك في بني قيلة وتبينوا به؟!
قالوا : قدم علينا أحمد يثرب وبيارنا ثماد ، ومياهنا ملحة ، وكنا من قبله لا نستطيب ولا نستعذب ، فبصق في بعضها ومج في بعض ، فعادت عذابا محلولية ، وجاش منها ما كان ماؤها ثمادا فحار بحرا.
قالوا : وتفل محمد في عيون رجال ذوي رمد ، وعلى كلوم رجال ذوي جراح ، فبرئت لوقته عيونهم فما اشتكوها واندملت جراحهم فما ألموها ، في كثير مما أدوا ونبؤوا عن محمد صلى الله عليه وآله من دلالة وآية.
وأرادوا صاحبهم مسيلمة على بعض ذلك ، فأنعم لهم كارها ، وأقبل بهم إلى بعض بيارهم فمج فيها وكانت الركى معذوذبة فحارت ملحا لا
ص: 106
يستطاع شرابه ، وبصق في بئر كان ماؤها وشلا فعادت فلم تبض بقطرة من ماء ، وتفل في عين رجل كان بها رمد فعميت ، وعلى جراح - أو قالوا : جراح آخر - فاكتسى جلده برصا.
فقالوا لمسيلمة في ما أبصروا في ذلك منه ، واستبرؤوه.
فقال : ويحكم بئس الأمة أنتم لنبيكم والعشيرة لابن عمكم أن كنتم تحيفوني يا هؤلاء من قبل أن يوحى إلي في شئ مما سألتم ، والآن فقد أذن لي في أجسادكم وأشعاركم دون بياركم ومياهكم ، هذا لمن كان منكم بي مؤمنا ، وأما من كان مرتابا فإنه لا يزيده تفلتي عليه إلا بلاء ، فمن شاء الآن منكم فليأت لأتفل في عينه وعلى جلده.
قالوا : ما فينا - وأبيك - أحد يشاء ذلك ، إنا نخاف أن يشمت بك أهل يثرب ، وأضربوا عنه حمية لنسبه فيهم وتذمما لمكانه منهم.
فضحك السيد والعاقب حتى فحصا الأرض بأرجلهما ، وقالا : ما النور والظلام والحق والباطل بأشد بيانا وتفاوتا مما بين هذين الرجلين صدقا وكذبا.
قالوا : وكان العاقب أحب - مع ما تبين من ذلك - أن يشيد ما فرط من تقريظه مسيلمة ويوثل منزلته ليجعل لرسول الله صلى الله عليه وآله كفؤا ، استظهارا بذلك في بقاء عزه وما طار له من السمو في أهل ملته ، فقال : ولئن فخر أخو بني حنيفة في زعمه أن الله عزوجل أرسله ، وقال من ذلك ما ليس له بحق ، فلقد بر في أن نقل قومه من عبادة الأوثان إلى الإيمان بالرحمن.
قال حارثة : أنشدك بالله الذي دحاها ، وأشرق باسمه قمراها ، هل تجد في ما أنزل الله عزوجل في الكتب السابقة : يقول الله عزوجل : أنا الله
ص: 107
لا إله إلا أنا ديان يوم الدين ، أنزلت كتبي وأرسلت رسلي لأستنقذ بهم عبادي من حبائل الشيطان ، وجعلتهم في بريتي وأرضي كالنجوم الدراري في سمائي ، يهدون بوحيي وأمري ، من أطاعهم أطاعني ، ومن عصاهم فقد عصاني ، وإني لعنت وملائكتي في سمائي وأرضي واللاعنون من خلقي من جحد ربوبيتي ، أو عدل بي شيئا من بريتي ، أو كذب بأحد من أنبيائي ورسلي ، أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شئ ، أو غمص سلطاني ، أو تقمصه متبرئا ، وأكمه عبادي وأضلهم عني ، ألا وإنما يعبدني من عرف ما أريد في عبادتي وطاعتي من خلقي ، فمن لم يقصد إلي من السبيل التي نهجتها برسلي لم يزدد في عبادته مني إلا بعدا.
قال العاقب : رويدك ، فأشهد لقد نبأت حقا.
قال حارثة : فما دون الحق من مقنع ، وما بعده لامرئ مفزع ، ولذلك قلت الذي قلت.
فاعترضه السيد - وكان ذا مجال وجدال شديد - فقال : ما أحرى وما أرى أخا قريش مرسلا إلا إلى قومه بني إسماعيل دينه ، وهو مع ذلك يزعم أن الله عزوجل أرسله إلى الناس جميعا.
قال حارثة : أفتعلم أنت يا أبا قرة أن محمدا مرسل من ربه إلى قومه خاصة؟!
قال : أجل.
قال : أتشهد له بذلك؟!
قال : ويحك ، وهل يستطاع دفع الشواهد؟! نعم ، أشهد غير مرتاب بذلك ، وبذلك شهدت له الصحف الدارسة والأنباء الخالية.
فأطرق حارثة ضاحكا ينكت الأرض بسبابته.
ص: 108
قال السيد : ما يضحكك يا ابن أثاك.
قال : عجبت فضحكت.
قال : أو عجب ما تسمع؟!
قال : نعم ، العجب أجمع ، أليس - بالإله - بعجيب من رجل أوتي أثرة من علم وحكمة يزعم أن الله عزوجل اصطفى لنبوته ، واختص برسالته ، وأيد بروحه وحكمته ، رجلا خراصا يكذب عليه ويقول : أوحى إلي ولم يوح إليه ، فيخلط كالكاهن كذبا بصدق ، وباطلا بحق!
فارتدع السيد وعلم أنه قد وهل فأمسك محجوجا.
قالوا : وكان حارثة بنجران حثيثا - يعني غريبا - فأقبل عليه العاقب وقد قطعه ما فرط إلى السيد من قوله ، فقال له : عليك أخا بني قيس بن ثعلبة ، واحبس عليك ذلق لسانك وما لم تزل تستخم لنا من مثابة سفهك ، فرب كلمة ترفع صاحبها رأسا قد ألقته في قعر مظلمة ، ورب كلمة لامت ورابت قلوبا نغلة ، فدع عنك ما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك ما ليس لنا اعتذاره.
ثم قال : وذكرت أخا قريش وما جاء به من الآيات والنذر ، فأطلت وأعرضت ، ولقد برزت ، فنحن بمحمد عالمون ، وبه جدا موقنون ، شهدت لقد انتظمت له الآيات والبينات ، سالفها وآنفها إلا آية هي أسعاها وأشرفها ، وإنما مثلها في ما جاء به كمثل الرأس للجسد ، فما حال جسد لا رأس له؟! فامهل رويدا نتجسس الأخبار ونعتبر الآثار ، ولنستشف ما ألفينا مما أفضى إلينا ، فإن آنسنا الآية الجامعة الخاتمة لديه فنحن إليه أسرع وله أطوع ، وإلا فأعلم ما نذكر به النبوة والسفارة عن الرب الذي لا تفاوت في أمره ، ولا تغاير في حكمه.
ص: 109
قال له حارثة : قد ناديت فأسمعت ، وفزعت فصدعت ، وسمعت وأطعت ، فما هذه الآية التي أوحش بعد الأنسة فقدها ، وأعقب الشك بعد البينة عدمها؟
قال له العاقب : قد أثلجك أبو قرة بها فذهبت عنها في غير مذهب ، وجاورتها فأطلت في غير ما طائل وحاورتنا.
قال حارثة : وإلى ذلك فحلها الآن لي فداك أبي وأمي.
قال العاقب : أفلح من سلم للحق وصدع به ، ولم يرغب عنه وقد أحاط به علما ، فقد علمنا وعلمت من أنباء الكتب المستودعة علم القرون ، وما كان وما يكون ، فإنها استهلت بلسان كل أمة منهم معربة مبشرة ومنذرة بأحمد النبي العاقب ، الذي تطبق أمته المشارق والمغارب.
قالوا : وكان هذا مجلسا ثالثا في يوم ثالث من اجتماعهم للنظر في أمرهم ، فقال السيد : يا حارثة! ألم ينبئك أبو واثلة بأفصح لفظ اخترق أذنا ، ودعا ذلك بمثله مخبرا ، فألقاك مع غرمائك بموارده حجرا ، وها أنا ذا أؤكد عليك التذكرة بذلك من معدن ثالث.
فأنشدك الله وما أنزل إلى كلمته من كلماته ، هل تجد في الزاجرة المنقولة من لسان أهل سوريا إلى لسان العرب - يعني صحيفة شمعون بن حمون الصفا التي توارثها عنه أهل النجران -؟
قال السيد : ألم يقل بعد بند طويل من كلام : فإذا طبقت وقطعت الأرحام ، وعفت الأعلام ، بعث الله عبده الفارقليطا بالرحمة والمعدلة.
قالوا : وما الفارقليطا يا روح الله؟
قال : أحمد النبي الخاتم الوارث ذلك الذي يصلى عليه حيا ويصلى عليه بعدما يقبضه إليه ، بابنه الطاهر الخائر ، ينشره الله في آخر الزمان بعدما
ص: 110
انقضت عرى الدين ، وخبت مصابيح الناموس ، فأفلت نجومه ، فلا يلبث ذلك العبد الصالح إلا أمما حتى يعود الدين به كما بدأ ، ويقر الله عزوجل سلطانه في عبده ثم في الصالحين من عقبه ، وينشر منه حتى يبلغ ملكه منقطع التراب.
قال حارثة : كل ما قد أنشدتما حق ، لا وحشة مع الحق ، ولا أنس في غيره ، فمه؟
قال السيد : فإن من الحق أن لاحظ في هذه الأكرومة للأبتر.
قال حارثة : إنه لكذلك ، أليس بمحمد؟!
قال السيد : إنك ما عملت إلا لدا ، ألم يخبرنا سفرنا وأصحابنا في ما تجسسنا من خبره أن ولديه الذكرين القرشية والقبطية بادا - يعني هلكا - وغودر محمد كقرن الأعضب موف على ضريحه ، فلو كان له بقية لكان لك بذلك مقالا إذا ولت أنباؤه الذي يذكر.
قال حارثة : العبر - لعمرو الله - كثيرة والاعتبار بها قليل ، والدليل موف على سنن السبيل إن لم يعش عنه ناظر ، وكما أن أبصار الرمدة لا تستطيع النظر في قرص الشمس لسقمها ، فكذلك البصائر القصيرة لا تتعلق بنور الحكمة لعجزها ، ألا ومن كان كذلك فلستماه - وأشار إلى السيد والعاقب -.
إنكما - ويمين الله - لمحجوجين بما آتاكما الله عزوجل من ميراث الحكمة واستودعكما من بقايا الحجة ، ثم بما أوجب لكما من الشرف والمنزلة في الناس ، فقد جعل الله عزوجل من آتاه سلطانا ملوكا على الناس وأربابا ، وجعلكما حكما وقواما على ملوك ملتنا وذادة لهم ، يفزعون إليكما في دينهم ولا تفزعان إليهم ، وتأمرانهم فيأتمرون لكما وحق لكل
ص: 111
ملك أو موطأ الأكتاف أن يتواضع لله عزوجل إذ رفعه ، وأن ينصح لله عز وجل في عباده ولا يدهن في أمره ، وذكرتما محمدا بما حكمت له الشهادات الصادقة ، وبينته فيه الأسفار المستحفظة ، ورأيتماه مع ذلك مرسلا إلى قومه لا إلى الناس جميعا وأنه ليس بالخاتم الحاشر ، ولا الوارث العاقب ، لأنكما زعمتماه أبترا ، أليس كذلك؟
قالا : نعم.
قال : أريتكما لو كان له بقية وعقب ، هل كنتما تمتريان لما تجدان وبما تكذبان من الوراثة والظهور على النواميس أنه النبي الخاتم والمرسل إلى كافة البشر؟
قالا : لا.
قال : أفليس هذا القيل - هذه الحال مع طول اللوائم والخصائم - عندكما مستقرا.
قالا : أجل.
قال : الله أكبر.
قالا : كبرت كبيرا ، فما دعاك إلى ذلك.
قال حارثة : الحق أبلج ، والباطل لجلج ، ولنقل ماء البحر ولشق الصخر أهون من إماتة ما أحياه الله عزوجل وإحياء ما أماته ، الآن فاعلما أن
محمدا غير أبتر ، وأنه الخاتم الوارث والعاقب الحاشر حقا فلا نبي بعده وعلى أمته تقوم الساعة ويرث الله الأرض ومن عليها وأن من ذريته الأمير الصالح الذي بينتما ونبأتما أنه يملك مشارق الأرض ومغاربها ويظهره الله عزوجل بالحنفية الإبراهيمية على النواميس كلها.
قالا : أولى لك يا حارثة ، لقد أغفلناك وتأبى إلا مراوغة كالثعالبة ، فما
ص: 112
تسأم المنازعة ولا تمل من المراجعة ، ولقد زعمت مع ذلك عظيما ، فما برهانك به؟
قال : أما - وجدكما - لأنبئكما ببرهان يجير من الشبهة ويشفي به جوى الصدور.
ثم أقبل على أبي حارثة حصين بن علقمة ، شيخهم وأسقفهم الأول فقال : إن رأيت أيها الأب الأثير أن تؤنس قلوبنا وتثلج صدورنا بإحضار الجامعة والزاجرة.
قالوا : وكان هذا المجلس الرابع من اليوم الرابع ، وذلك لما خلقت الأرض وركدت ، وفي زمن قيظ شديد ، فأقبلا على حارثة فقالا : أرج هذا إلى غد فقد بلغت القلوب منا الصدور. فتفرقوا على إحضار الزاجرة والجامعة من غد للنظر فيهما والعمل بما يتراءان منهما.
فلما كان من الغد صار أهل نجران إلى بيعتهم لاعتبار ما أجمع صاحباهم مع حارثة على اقتباسه وتبينه من الجامعة ، ولما رأى السيد والعاقب اجتماع الناس لذلك قطع بهما لعلمهما بصواب قول حارثة ، واعترضاه ليصدانه عن تصفح الصحف على أعين الناس ، وكانا من شياطين الإنس ، فقال السيد : إنك قد أكثرت وأمللت قض الحديث لنا مع قضه ودعنا من تبيانه.
فقال حارثة : وهل هذا إلا منك وصاحبك! فمن الآن فقولا ما شئتما ، فقال العاقب : ما من مقال إلا قلناه ، وسنعود فنخبر بعض ذلك لك تخبيرا غير كاتمين لله عزوجل من حجة ، ولا جاحدين له آية ، ولا مفترين مع ذلك على الله عزوجل لعبد أنه مرسل منه وليس برسوله ، فنحن نعترف
- يا هذا - بمحمد صلى الله عليه وآله أنه رسول من الله عزوجل إلى قومه
ص: 113
من بني إسماعيل عليه السلام في غير أن نجب له بذلك على غيرهم من عرب الناس ولا أعاجمهم ، تباعة ولا طاعة ، بخروج له عن ملة ، ولا دخول معه في ملة ، إلا الإقرار له بالنبوة والرسالة إلى أعيان قومه ودينه.
قال حارثة : وبم شهدتما بما شهدتما له بالنبوة والأمر؟
قالا : حيث جاءتنا فيه البينة من تباشير الأناجيل والكتب الخالية.
فقال : منذ وجب هذا لمحمد - صلى الله عليه وآله - عليكما في طويل الكلام وقصيره ، وبدئه وعوده ، فمن أين زعمتما أنه ليس بالوارث الحاشر ، ولا المرسل إلى كافة البشر؟
قالا : لقد علمت وعلمنا ، فما نمتري بأن حجة الله عزوجل لم ينته أمرها ، وأنها كلمة الله جارية في الأعقاب ما اعتقب الليل والنهار ، وما بقي من الناس شخصان ، وقد ظننا من قبل أن محمدا ربها ، وأنه القائد بزمامها ، فلما أعقمه الله عزوجل بمهلك الذكورة من ولده علمنا أنه ليس به ، لأن
محمدا أبتر ، وحجة الله عزوجل الباقية ، ونبيه الخاتم بشهادة كتب الله عز
وجل المنزلة ليس بأبتر ، فإذن هو نبي يأتي ويخلد بعد محمد ، اشتق اسمه من اسم محمد وهو أحمد الذي نبأ المسيح باسمه وبنبوته ورسالته الخاتمة ، ويملك ابنه القاهر الجامعة للناس جميعا على ناموس الله عز وجل الأعظم ، ليس بمظهرة دينه ، ولكنه من ذريته وعقبه ، يملك قرى الأرض وما بينهما ، من لوب وسهل وصخر وبحر ، ملكا مورثا موطأ ، وهذا نبأ أحاطت سفرة الأناجيل به علما ، وقد أوسعناك بهذا القيل سمعا وعدنا لك به آنفة بعد سالفة ، فما أربك إلى تكراره؟!
قال حارثة : قد أعلم أنا وإياكما في رجع من القول منذ ثلاث وما ذاك إلا ليذكر ناس ، ويرجع فارط ، وتظهر لنا الكلم ، وذكرتما نبيين يبعثان
ص: 114
يعتقبان بين مسيح الله عزوجل والساعة ، قلتما وكلاهما من بني إسماعيل ، أولهم : محمد بيثرب ، وثانيهما : أحمد العاقب.
فتنادى الناس في كل ناحية وقالوا : الجامعة يا أبا حارثة الجامعة!
وذلك لما مسهم في طول تحاور الثلاثة من السآمة والملل ، وظن القوم مع ذلك أن الفلج لصاحبيهما بما كانا يدعيان في تلك المجالس من ذلك.
فأقبل أبو حارثة إلى علج واقف منه فقال : امض يا غلام فأت بها.
فجاء بالجامعة يحملها على رأسه وهو لا يكاد يتماسك بها لثقلها ، قال : فحدثني رجل صدق من النجرانية ممن كان يلزم السيد والعاقب ويخف لهما في بعض أمورهما ويطلع على كثير من شأنهما ، قال : لما حضرت الجامعة بلغ ذلك من السيد والعاقب كل مبلغ ، لعلمهما بما يهجمان عليه في تصفحهما من دلائل رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته ، وذكر أهل بيته وأزواجه وذريته ، وما يحدث في أمته وأصحابه من بوائق الأمور من بعده إلى فناء الدنيا وانقطاعها.
فأقبل أحدهما على صاحبه ، فقال : هذا يوم ما بورك لنا في طلوع شمسه ، لقد شهدته أجسامنا وغابت عنه آراؤنا بحضور طغاتنا وسفلتنا ولعل ما شهد سفهاء قوم مجمعة إلا كانت لهم الغلبة.
قال الآخر : فهم شر غالب لمن غلب ، إن أحدهم ليفيق بأدنى كلمة ويفسد في بعض ساعة ما لا يستطيع الآسي الحليم له رتقا ، ولا الخولي النفيس إصلاحا له في حول محرم ، ذلك لأن السفيه هادم والحليم بان ، وشتان البناء والهدم.
قال : فانتهز حارثة الفرصة فأرسل في خفية وسر إلى النفر من
ص: 115
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فاستحضرهم استظهارا بمشهدهم ، فحضروا ، فلم يستطع الرجلان فض ذلك المجلس ولا إرجاؤه ، وذلك لما بينا من تطلع عامتهما من نصارى نجران إلى معرفة ما تضمنت الجامعة من صفة رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك ، وتأليب حارثة عليهما فيه وصفو أبي حارثة شيخهم إليه.
قال : قال لي ذلك الرجل النجراني : فكان الرأي عندهما أن ينقادا لما يدهمهما من هذا الخطب ، ولا يظهران شماسا منه ولا نفورا ، حذار أن يطرقا الظنة فيه إليهما ، وأن يكونا أيضا أول معتبر للجامعة ومستحث لها ، لئلا يفتات في شئ من ذلك المقام والمنزلة عليهما ، ثم يستبينان الصواب في الحال ويستنجدانه ليأخذان بموجبه ، فتقدما لما تقدم في أنفسهما من ذلك إلى الجامعة وهي بين يدي أبي حارثة ، وحاذاهما حارثة بن أثاك ، وتطاولت إليهما فيه الأعناق وحفت رسل رسول الله صلى الله عليه وآله بهم.
فأمر أبو حارثة بالجامعة ، ففتح طرفها واستخرج منها صحيفة آدم الكبرى ، المستودعة علم ملكوت الله عزوجل جلاله وما ذرأ وما برأ في أرضه وسمائه وما وصلهما جل جلاله من ذكر عالميه ، وهي الصحيفة التي ورثها شيث من أبيه آدم عليه السلام عما دعا من الذكر المحفوظ ، فقرأ القوم السيد والعاقب وحارثة في الصحيفة تطلبا لما تنازعوا فيه من نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته ، ومن حضرهم يومئذ من الناس إليهم يصغون مرتقبون لما يستدرك من ذكرى ذلك ، فألفوا في المفتاح الثاني من فواصلها :
بسم الله الرحمن الرحيم ، أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم ، معقب
ص: 116
الدهور وفاصل الأمور ، سبقت بمشيتي الأسباب ، وذللت بقدرتي الصعاب ، فأنا العزيز الحكيم ، الرحمن الرحيم ، ارحم ترحم ، سبقت رحمتي غضبي ، وعفوي عقوبتي ، خلقت عبادي لعبادتي ، وألزمتهم حجتي ، ألا إني باعث فيهم رسلي ومنزل عليهم كتبي ، أبرم ذلك من لدن أول مذكور من بشر إلى أحمد نبيي وخاتم رسلي ، ذاك الذي أجعل عليه صلواتي وأسلك في قلبه بركاتي ، وبه أكمل أنبيائي ونذري.
قال آدم عليه السلام : إلهي! من هؤلاء الرسل؟ ومن أحمد هذا الذي رفعت وشرفت؟
قال : كل من ذريتك وأحمد عاقبهم.
قال : رب! بما أنت باعثهم ومرسلهم؟
قال : بتوحيدي ، ثم أقفي ذلك بثلاثمائة وثلاثين شريعة أنظمها وأكملها لأحمد جميعا ، فأذنت لمن جاءني بشريعة منها مع الإيمان بي وبرسلي أن أدخله الجنة.
ثم ذكر ما جملته : أن الله تعالى عرض على آدم عليه السلام معرفة الأنبياء عليهم السلام وذريتهم ، ونظرهم آدم عليه السلام.
ثم قال ما هذا لفظه : ثم نظر آدم عليه السلام إلى نور قد لمع فسد الجو المنخرق فأخذ بالمطالع من المشارق ، ثم سرى كذلك حتى طبق المغارب ، ثم سما حتى بلغ ملكوت السماء ، فنظر فإذا هو نور محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا الأكناف به قد تضوعت طيبا ، وإذا أنوار أربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله ومن خلفه وأمامه ، أشبه شئ به أرجا ونورا ويتلوها أنوار من بعدها تستمد منها ، وإذا هي شبيه بها في ضيائها وعظمها ونشرها ، ثم دنت منها فتكللت عليها وحفت بها ، ونظر فإذا أنوار
ص: 117
من بعد ذلك في مثل عدد الكواكب ودون منازل الأوائل جدا جدا ، وبعض هذه أضوء من بعض وهي في ذلك متفاوتون جدا.
ثم طلع عليه سواد كالليل وكالسيل ينسلون من كل وجهة وأوب فأقبلوا كذلك حتى ملؤوا القاع والأكم فإذا هم أقبح شئ صورا وهيئة ، وأنتنه ريحا.
فبهر آدم عليه السلام ما رأى من ذلك ، وقال : يا عالم الغيوب وغافر الذنوب ، ويا ذا القدرة الباهرة والمشيئة الغالبة ، من هذا الخلق السعيد الذي كرمت ورفعت على العالمين؟ ومن هذه الأنوار المنيفة المكتنفة له؟
فأوحى الله عزوجل إليه :
يا آدم هذا وهؤلاء وسيلتك ووسيلة من أسعدت من خلقي ، هؤلاء السابقون المقربون ، والشافعون المشفعون ، وهذا أحمد سيدهم وسيد بريتي ، اخترته بعلمي واشتققت اسمه من اسمي ، فأنا المحمود وهو محمد ، وهذا صنوه ووصيه ، آزرته به ، وجعلت بركاتي وتطهيري في عقبه ، وهذه سيدة إمائي والبقية في علمي من أحمد نبيي ، وهذان السبطان والخلفان لهم ، وهذه الأعيان المضاوع نورها أنوارهم ، بقية منهم ، ألا إن كلا اصطفيت وطهرت ، وعلى كل باركت وترحمت ، فكلا بعلمي جعلت قدوة عبادي ونور بلادي.
ونظر فإذا شيخ في آخرهم يزهر في ذلك الصفيح كما يزهر كوكب الصبح لأهل الدنيا ، فقال الله تبارك وتعالى : وبعبدي هذا السعيد أفك عن عبادي الأغلال وأضع عنهم الآصار ، وأملأ أرضي به حنانا ورأفة وعدلا ، كما ملئت من قبله قسوة وقشعرية وجورا.
قال آدم عليه السلام : رب إن الكريم من كرمت ، وإن الشريف من
ص: 118
شرفت ، وحق يا إلهي لمن رفعت وأعليت أن يكون كذلك.
فيا ذا النعم التي لا تنقطع ، والإحسان الذي لا يجازى ولا ينفد ، بم بلغ عبادك هؤلاء العالون هذه المنزلة من شرف عطائك وعظيم فضلك وحبائك ، وكذلك من كرمت من عبادك المرسلين؟
قال الله تبارك وتعالى : إني أنا الله لا إله إلا أنا الرحمن الرحيم ، العزيز الحكيم ، عالم الغيوب ومضمرات القلوب ، أعلم ما لم يكن مما يكون كيف يكون ، وما لا يكون كيف لو كان يكون ، وإني اطلعت يا عبدي في علمي على قلوب عبادي ، فلم أر فيهم أطوع لي ولا أنصح لخلقي من أنبيائي ورسلي ، فجعلت لذلك فيهم روحي وكلمتي ، وألزمتهم عبء حجتي ، واصطفيتهم على البرايا برسالتي ووحيي ، ثم ألقيت بمكاناتهم تلك في منازلهم حوامهم وأوصيائهم من بعدهم ، ودائع حجتي والسادة في بريتي ، لأجبر بهم كسر عبادي ، وأقيم بهم أودهم ، ذلك أني بهم وبقلوبهم لطيف خبير.
ثم اطلعت على قلوب المصطفين من رسلي فلم أجد فيهم أطوع ولا أنصح لخلقي من محمد خيرتي وخالصتي ، فاخترته على علم ورفعت ذكره إلى ذكري ، ثم وجدت قلوب حامته اللاتي من بعده على صبغة قلبه ، فألحقتهم به وجعلتهم ورثة كتابي ووحيي وأوكار حكمتي ونوري ، وآليت بي ألا أعذب بناري من لقيني معتصما بتوحيدي وحبل مودتهم أبدا.
ثم أمرهم أبو حارثة أن يصيروا إلى صحيفة شيث الكبرى التي انتهى ميراثها إلى إدريس النبي عليه السلام ، قال : وكان كتابتها بالقلم السرياني
القديم ، وهو الذي كتب من بعد نوح عليه السلام من ملوك الهياطلة ، وهم النماردة ، قال : فاقتص القوم الصحيفة وأفضوا منها إلى هذا الرسم ، قال :
ص: 119
اجتمع إلى إدريس عليه السلام قومه وصحابته - وهو يومئذ في بيت عبادته من أرض كوفان - فخبرهم فيما اقتص عليهم ، قال : إن بني أبيكم آدم عليه السلام الصلبية وبني بنيه وذريته اختصموا فيما بينهم ، وقالوا : أي الخلق عندكم أكرم على الله عزوجل وأرفع لديه مكانة وأقرب منه منزلة؟
فقال بعضهم : أبوكم آدم عليه السلام ، خلقه الله عزوجل بيده ، وأسجد له ملائكته ، وجعله الخليفة في أرضه ، وسخر له جميع خلقه.
وقال آخرون : بل الملائكة الذين لم يعصوا الله عزوجل.
وقال بعضهم : لا ، بل رؤساء الملائكة الثلاثة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام.
وقال بعضهم : لا ، بل أمين الله جبرئيل عليه السلام.
فانطلقوا إلى آدم فذكروا الذي قالوا واختلفوا فيه ، فقال : يا بني أنا أخبركم بأكرم الخلائق جميعا على الله عزوجل.
إنه والله لما أن نفخ في الروح حتى استويت جالسا ، فبرق لي العرش العظيم فنظرت فيه ، فإذا فيه : لا إله إلا الله محمد رسول الله فلان أمين الله فلان خيرة الله عزوجل - فذكر عدة أسماء مقرونة بمحمد صلى الله عليه
وآله - ثم لم أر في السماء موضع أديم - أو قال : صفيح - منها إلا وفيه مكتوب : لا إله إلا الله ، وما من موضع فيه مكتوب لا إله إلا الله إلا وفيه مكتوب ، خلقا لا خطا : محمد رسول الله ، وما من موضع مكتوب فيه محمد رسول الله ، إلا ومكتوب : فلان خيرة الله ، فلان صفوة الله ، فلان أمين الله عزوجل - فذكر عدة أسماء تنتظم حساب المعدود -.
قال آدم عليه السلام : فمحمد صلى الله عليه وآله - يا بني - ومن خط من تلك الأسماء معه أكرم الخلائق على الله جميعا.
ص: 120
ثم ذكر أن أبا حارثة سأل السيد والعاقب أن يقفا على صلوات إبراهيم عليه السلام الذي جاء بها الأملاك من عند الله عزوجل ، فقنعوا بما وقفوا عليه في الجامعة ، قال أبو حارثة : لا ، بل شارفوها بأجمعها واسبروها ، فإنه أصرم للعذور ، وأرفع لحكة الصدور ، وأجدر ألا ترتابوا في الأمر من بعد.
فلم يجدا من المصير إلى قوله من بد ، فعمد القوم إلى تابوت إبراهيم عليه السلام ، قال : وفيه : وكان الله عزوجل - بفضله على من يشاء من خلقه - قد اصطفى إبراهيم عليه بخلته ، وشرفه بصلواته وبركاته ، وجعله قبلة وإماما لمن يأتي من بعده ، وجعل النبوة والإمامة والكتاب في ذريته ، يتلقاها آخر عن أول ، وورثه تابوت آدم عليه السلام المتضمن للحكمة والعلم الذي فضله الله عزوجل به على الملائكة طرا.
فنظر إبراهيم عليه السلام في ذلك التابوت ، فأبصر فيه بيوتا بعدد ذوي العزم من الأنبياء المرسلين وأوصيائهم من بعدهم ، ونظرهم فإذا بيت محمد صلى الله عليه وآله آخر الأنبياء ، عن يمينه علي بن أبي طالب آخذ
بحجرته ، فإذا شكل عظيم يتلألأ نورا فيه هذا صنوه ووصيه المؤيد بالنصر.
فقال إبراهيم عليه السلام : إلهي وسيدي! من هذا الخلق الشريف؟
فأوحى الله عزوجل : هذا عبدي وصفوتي ، الفاتح الخاتم ، وهذا وصيه الوارث.
قال : رب ما الفاتح الخاتم؟
قال : هذا محمد خيرتي ، وبكر فطرتي ، وحجتي الكبرى في بريتي ، نبأته واجتبيته إذ آدم بين الطين والجسد ، ثم إني باعثه عند انقطاع الزمان لتكملة ديني ، وخاتم به رسالاتي ونذري ، وهذا علي أخوه وصديقه الأكبر ،
ص: 121
آخيت بينهما واخترتهما وصليت وباركت عليهما ، وطهرتهما وأخلصتهما ، والأبرار منهما وذريتهما قبل أن أخلق سمائي وأرضي وما فيهما من خلقي ، وذلك لعلمي بهم وبقلوبهم ، إني بعبادي عليم خبير.
قال : ونظر إبراهيم عليه السلام فإذا اثنا عشر عظيما تكاد تلألأ أشكالهم لحسنها نورا ، فسأل ربه جل وتعالى فقال : رب نبئني بأسماء هذه الصور المقرونة بصورة محمد ووصيه ، وذلك لما رأى من رفيع درجاتهم والتحاقهم بشكلي محمد ووصيه عليهم السلام ، فأوحى الله عزوجل إليه :
هذه أمتي والبقية من نبيي ، فاطمة الصديقة الزهراء ، وجعلتها مع خليلها عصبة لذرية نبي هؤلاء ، وهذان الحسنان ، وهذا فلان ، وهذا فلان ، وهذا كلمتي التي أنشر به رحمتي في بلادي ، وبه أنتاش ديني وعبادي ذلك بعد إياس منهم وقنوط منهم من غياثي ، فإذا ذكرت محمدا نبيي لصلواتك فصل عليهم معه يا إبراهيم.
قال : فعندها صلى عليهم إبراهيم صلى الله عليه وآله ، فقال : رب صل على محمد وآل محمد كما اجتبيتهم وأخلصتهم إخلاصا.
فأوحى الله عزوجل : لتهنك كرامتي وفضلي عليك ، فإني صائر بسلالة محمد صلى الله عليه وآله ومن اصطفيت معه منهم إلى قناة صلبك ومخرجهم منك ثم من بكرك إسماعيل ، فأبشر يا إبراهيم فإني واصل صلواتك بصلواتهم ومتبع ذلك بركاتي وترحمي عليك وعليهم ، وجاعل حسناتي وحجتي إلى الأمد المعدود واليوم الموعود ، الذي أرث فيه سمائي وأرضي وأبعث له خلقي لفصل قضائي وإفاضة رحمتي وعدلي.
قال : فلما سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ما أفضى إليه القوم من تلاوة ما تضمنت الجامعة والصحف الدارسة من نعت رسول الله
ص: 122
صلى الله عليه وصفة أهل بيته المذكورين معه بما هم به منه ، وبما شاهدوا من مكانتهم عنده ، ازداد القوم بذلك يقينا وإيمانا واستطيروا له فرحا.
قال : ثم صار القوم إلى ما نزل على موسى عليه السلام فألفوا في السفر الثاني من التوراة : إني باعث في الأميين من ولد إسماعيل رسولا ، أنزل عليه كتابي وأبعثه بالشريعة القيمة إلى جميع خلقي ، أوتيته حكمتي وأيدته بملائكتي وجنودي ، تكون ذريته من ابنة له مباركة ، باركتها ، ثم من شبلين لهما كإسماعيل وإسحاق ، أصلين لشعبتين عظيمتين ، أكثرهم جدا جدا ، يكون منهم اثنا عشر في ما أكمل بمحمد صلى الله عليه وآله وبما أرسله به من بلاغ وحكمة ديني ، وأختم به أنبيائي ورسلي ، فعلى محمد صلى الله عليه وآله وأمته تقوم الساعة.
فقال حارثة : الآن أسفر الصبح لذي عينين ، ووضح الحق لمن رضي به دينا ، فهل في أنفسكما من مرض تستشفيان به؟!
فلم يرجعا إليه قولا ، فقال أبو حارثة : اعتبروا الأمارة الخاتمة من قول سيدكم المسيح عليه السلام.
فصار إلى الكتب والأناجيل التي جاء بها عيسى عليه السلام فألفوا في المفتاح الرابع من الوحي إلى المسيح عليه السلام :
يا عيسى يا بن الطاهرة البتول ، اسمع قولي وجد في أمري ، أني خلقتك من غير فحل ، وجعلتك آية للعالمين ، فإياي فاعبد وعلي فتوكل ، وخذ الكتاب بقوة ثم فسره لأهل سوريا ، وأخبرهم أني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم ، الذي لا أحول ولا أزول ، فآمنوا بي وبرسولي النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان ، نبي الرحمة والملحمة ، الأول والآخر.
قال : أول النبيين خلقا وآخرهم مبعثا ، ذلك العاقب الحاشر ، فبشر به
ص: 123
بني إسرائيل.
قال عيسى عليه السلام : يا مالك الدهور وعلام الغيوب ، من هذا العبد الصالح الذي قد أحبه قلبي ولم تره عيني؟
قال : ذلك خالصتي ورسولي ، المجاهد بيده في سبيلي ، يوافق قوله فعله وسريرته علانيته ، أنزل عليه توراة حديثة أفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ، فيها ينابيع العلم وفهم الحكمة وربيع القلوب ، وطوباه طوبى أمته.
قال : رب ما اسمه وعلامته؟ وما أكل أمته - يقول ملك أمته -؟ وهل له من بقية - يعني ذرية -؟
قال : سأنبئك بما سألت ، اسمه أحمد صلى الله عليه وآله ، منتخب من ذرية إبراهيم ، ومصطفى من سلالة إسماعيل عليه السلام ، ذو الوجه الأقمر ، والجبين الأزهر ، راكب الجمل ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، يبعثه الله في أمة أمية ما بقي الليل والنهار ، مولده في بلد أبيه إسماعيل - يعني مكة - ، كثير الأزواج قليل الأولاد ، نسله من مباركة صديقة ، يكون له منها ابنة لها فرخان سيدان يستشهدان ، أجعل نسل أحمد منهما ، فطوباهما ولمن أحبهما وشهد أيامهما فنصرهما.
قال عيسى عليه السلام : إلهي! وما طوبى؟
قال : شجرة في الجنة ساقها وأغصانها من ذهب ، وورقها حلل ، وحملها كثدي الأبكار ، أحلى من العسل وألين من الزبد ، وماؤها من تسنيم ، لو أن غرابا طار وهو فرخ لأدركه الهرم من قبل أن يقطعها ، وليس منزل من منازل أهل الجنة إلا وظلاله فنن من تلك الشجرة.
قال : فلما أتى القوم على دراسة ما أوحى الله عزوجل إلى المسيح
ص: 124
عليه السلام من نعت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصفته ، وملك أمته ، وذكر ذريته وأهل بيته ، أمسك الرجلان مخصومين ، وانقطع التحاور بينهم في ذلك.
قال : فلما فلج حارثة على السيد والعاقب بالجامعة وما بينوه في الصحف القديمة ولم يتم لهما ما قدروا من تحريفها ، ولم يمكنهما أن يلبسا على الناس في التأويل ، أمسكا عن المنازعة من هذا الوجه ، وعلما أنهما قد أخطئا سبيل الصواب ، فصارا إلى بيعتهم آسفين لينظرا ويرتئيا ، وفزع إليهما نصارى نجران ، فسألوهما عن رأيهما وما يعملان في دينهما ، فقالا ما معناه : تمسكوا بدينكم حتى يكشف دين محمد ، وسنسير إلى نبي قريش إلى يثرب ، وننظر إلى ما جاء به وإلى ما يدعو إليه.
قال : فلما تجهز السيد والعاقب للمسير إلى رسول الله بالمدينة ، انتدب معهما أربعة عشر راكبا من نصارى نجران ، هم من أكابرهم فضلا وعلما في أنفسهم ، وسبعون رجلا من أشراف بني الحرث بن كعب وسادتهم.
قال : وكان قيس بن الحصين ذو العصة ويزيد بن عبد المدان ببلاد حضرموت ، فقدما نجران على بقية مسير قومهم فشخصا معهم فاغترز القوم في أطوار مطاياهم وجنبوا خيلهم وأقبلوا لوجوههم حتى وردوا المدينة.
قال : ولما استراث رسول الله صلى الله عليه وآله خبر أصحابه أنفذ إليهم خالد بن الوليد في خيل سرجها معه لمشارفة أمرهم ، فألفوهم وهم عامدون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال : ولما دنوا إلى المدينة أحب السيد والعاقب أن يباهيا المسلمين
ص: 125
وأهل المدينة بأصحابهما وبمن حف من بني الحرث معهما ، فاعترضاهم
فقالا : لو كففتم صدور ركابكم ومسستم الأرض فألقيتم عنكم تفثكم وثياب سفركم وشنيتم عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل ، فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا من شعثهم وألقوا عنهم ثياب بذلتهم ولبسوا ثياب صونهم من الأنجميات والحرير والحبر وذروا المسك في لممهم ومفارقهم ، ثم ركبوا الخيل ، واعترضوا بالرماح على مناسج خيلهم ، وأقبلوا يسيرون رزدقا واحدا ، وكانوا من أجمل العرب صورا وأتمهم أجساما وخلقا ، فلما تشرفهم الناس أقبلوا نحوهم وقالوا : ما رأينا وفدا أجمل من هؤلاء.
فأقبل القوم حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده ، وحانت صلواتهم فقاموا يصلون إلى المشرق ، فأراد الناس أن ينهوهم عن ذلك فكفهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم أمهلهم وأمهلوه ثلاثا ، فلم يدعهم ولم يسألوه لينظروا إلى هداه ويعتبروا ما يشاهدون منه مما يجدون من صفته.
فلما كان بعد ثلاثة دعاهم صلى الله عليه وآله إلى الإسلام.
فقالوا : يا أبا القاسم! ما أخبرتنا كتب الله عزوجل بشئ من صفة النبي المبعوث بعد الروح عيسى عليه السلام إلا وقد تعرفناه فيك ، إلا خلة هي أعظم الخلال آية ومنزلة ، وأجلاها أمارة ودلالة.
قال صلى الله عليه وآله : وما هي؟
قالوا : إنا نجد في الإنجيل من صفة النبي الغابر من بعد المسيح أنه يصدق به ويؤمن به ، وأنت تسبه وتكذب به وتزعم أنه عبد.
قال : فلم تكن خصومتهم ولا منازعتهم للنبي صلوات الله عليه وآله إلا في عيسى عليه السلام.
ص: 126
فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا بل أصدقه وأصدق به وأؤمن به وأشهد أنه النبي المرسل من ربه عزوجل ، وأقول : إنه عبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
قالوا : وهل يستطيع العبد أن يفعل ما كان يفعل؟ وهل جاءت الأنبياء بما جاء به من القدرة القاهرة؟! ألم يكن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص وينبئهم بما يكنون في صدورهم وما يدخرون في بيوتهم؟ فهل يستطيع هذا إلا الله عزوجل أو ابن الله؟! وقالوا في الغلو فيه وأكثروا ،
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فقال صلى الله عليه وآله : قد كان عيسى - أخي - كما قلتم يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخبر قومه بما في نفوسهم ، وما يدخرون في بيوتهم ، وكل ذلك بإذن الله عزوجل ، وهو لله عزوجل عبد ، وذلك عليه غير عار ، وهو منه غير مستنكف ، فقد كان لحما ودما وشعرا وعظما وعصبا وأمشاجا ، يأكل الطعام ويظمأ وينصب باديه ، وربه الأحد الحق الذي ليس كمثله شئ وليس له ند.
قالوا : فأرنا مثله من جاء من غير فحل ولا أب؟!
قال : هذا آدم عليه السلام أعجب منه خلقا ، جاء من غير أب ولا أم ، وليس شئ من الخلق بأهون على الله عزوجل في قدرته من شئ ولا أصعب ، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، وتلا عليهم (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون).
قالا : فما نزداد منك في أمر صاحبنا إلا تباينا ، وهذا الأمر الذي لا نقر لك ، فهلم فلنلاعنك أينا أولى بالحق ، فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، فإنها مثلة وآية معجلة.
ص: 127
فأنزل الله عزوجل آية المباهلة على رسول الله صلى الله عليه وآله (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل عليه في ذلك من القرآن ، فقال صلى الله عليه وآله : إن الله قد أمرني [أن] أصير إلى ملتمسكم ، وأمرني بمباهلتكم إن أقمتم وأصررتهم على قولكم.
قالا : وذلك آية ما بيننا وبينك ، إذا كان غدا باهلناك.
ثم قاما وأصحابهما من النصارى معهما ، فلما أبعدا - وقد كانوا أنزلوا بالحرة - أقبل بعضهم على بعض فقالوا : قد جاءكم هذا بالفصل من أمره وأمركم ، فانظروا أولا بمن يباهلكم ، أبكافة أتباعه ، أم بأهل الكتابة من أصحابه ، أو بذوي التخشع والتمسكن والصفوة دينا وهم القليل منهم عددا؟ فإن جاءكم بالكثرة وذوي الشدة منهم ، فإنما جاءكم مباهيا كما يصنع الملوك ، فالفلج إذن لكم دونه ، وإن أتاكم بنفر قليل ذوي تخشع فهؤلاء سجية الأنبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم ، فإياكم والإقدام إذن على مباهلتهم ، فهذه لكم أمارة ، وانظروا حينئذ ما تصنعون ما بينكم وبينه ، فقد أعذر من أنذر.
فأمر صلى الله عليه وآله بشجرتين فقصدتا وكسح ما بينهما ، وأمهل حتى إذا كان من الغد أمر بكساء أسود رقيق فنشر على الشجرتين ، فلما أبصر السيد والعاقب ذلك خرجا بولديهما صبغة المحسن وعبد المنعم وسارة ومريم ، وخرج معهما نصارى نجران ، وركب فرسان بني الحرث بن الكعب في أحسن هيئة ، وأقبل الناس من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار وغيرهم من الناس في قبائلهم وشعارهم من راياتهم وألويتهم
ص: 128
وأحسن شارتهم وهيئتهم ، لينظروا ما يكون من الأمر ، ولبث رسول الله صلى الله عليه وآله في حجرته حتى متع النهار.
ثم خرج آخذا بيد علي والحسن والحسين أمامه وفاطمة عليها السلام من خلفهم ، فأقبل بهم حتى أتى الشجرتين ، فوقف من بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة التي خرج بها من حجرته ، فأرسل إليهما يدعوهما إلى ما دعواه إليه من المباهلة.
فأقبلا إليه فقالا : بمن تباهلنا يا أبا القاسم؟
قال : بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله عزوجل ، وأشار لهما إلى علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم.
قالا : فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولا من الكثر ولا أهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك واتبعك! وما نرى ها هنا معك إلا هذا الشاب والمرأة والصبيين! أفبهؤلاء تباهلنا؟!
قال صلى الله عليه وآله : نعم ، أو لم أخبركم بذلك آنفا ، نعم بهؤلاء أمرت والذي بعثني بالحق أن أباهلكم.
فاصفارت حينئذ ألوانهما وحوكرا ، وعادا إلى أصحابهما وموقفهما ، فلما رأى أصحابهما ما بهما وما دخلهما ، قالوا : ما خطبكما؟! فتماسكا وقالا : ما كان ثمة من خطب فنخبركم.
وأقبل عليهم شاب كان من خيارهم قد أوتي فيهم علما ، فقال : ويحكم! لا تفعلوا ، واذكروا ما عثرتم عليه في الجامعة من صفاته ، فوالله إنكم لتعلمون حق العلم إنه لصادق ، وإنما عهدكم بإخوانكم حديث قد مسخوا قردة وخنازير.
فعلموا أنه قد نصح لهم فأمسكوا.
ص: 129
قال : وكان للمنذر بن علقمة أخي أسقفهم أبي حارثة حظ من العلم فيهم يعرفونه له ، وكان نازحا عن نجران في وقت تنازعهم ، فقدم وقد اجتمع القوم على الرحلة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فشخص معهم ، فلما رأى المنذر انتشار القوم يومئذ وترددهم في رأيهم ، أخذ بيد السيد والعاقب على أصحابه ، فقال : اخلوني وهذين ، فاعتزل بهما ، ثم أقبل عليهما فقال : إن الرائد لا يكذب أهله ، وأنا لكما جد شفيق ، فإن نظرتما لأنفسكما نجيتما ، وإن تركتما ذلك هلكتما وأهلكتما.
قالا : أنت الناصح حبيبا ، المأمون عيبا ، فهات.
قال : أتعلمان أنه ما باهل قوم نبيا قط إلا كان مهلكهم كلمح البصر ، وقد علمتما وكل ذي إرب من ورثة الكتب معكما أن محمدا أبا القاسم هذا هو الرسول الذي بشرت به الأنبياء عليهم السلام وأفصحت ببيعتهم وأهل بيتهم الأمناء.
وأخرى أنذركما بها فلا تعشوا عنها!
قالا : وما هي يا أبا المثنى؟
قال : انظرا إلى النجم قد استطلع إلى الأرض ، وإلى خشوع الشجر وتساقط الطير بإزائكما لوجوههما ، قد نشرت على الأرض أجنحتها ، وفات ما في حواصلها ، وما عليها لله عزوجل من تبعة ، ليس ذلك إلا ما قد أظل من العذاب.
وانظرا إلى اقشعرار الجبال ، وإلى الدخان المنتشر وفزع السحاب!
هذا ، ونحن في حمارة القيظ وأيان الهجير.
وانظروا إلى محمد صلى الله عليه وآله رافعا يده والأربعة من أهله معه إنما ينتظر ما تجيبان به.
ص: 130
ثم اعلموا أنه إن نطق فوه بكلمة من بهلة لم نتدارك هلاكا ، ولم نرجع إلى أهل ولا مال.
فنظرا فأبصرا أمرا عظيما فأيقنا أنه الحق من الله تعالى فزلزلت أقدامهما ، وكادت أن تطيش عقولهما ، واستشعرا أن العذاب واقع بهما.
فلما أبصر المنذر بن علقمة ما قد لقيا من الخيفة والرهبة قال لهما : إنكما إن أسلمتما له سلمتما في عاجله وآجله ، وإن آثرتما دينكما وغضارة أيكتكما وشمختما بمنزلتكما من الشرف في قومكما فلست أحجر عليكما الضنين بما نلتما من ذلك ، ولكنكما بدهتما محمدا صلى الله عليه وآله بتطالب المباهلة ، وجعلتماها حجازا وآية بينكما وبينه ، وشخصتما من نجران وذلك من تألككما ، فأسرع محمد صلى الله عليه وآله إلى ما بغيتما منه ، والأنبياء إذا أظهرت بأمر لم ترجع إلا بقضائه وفعله ، فإذا نكلتما عن ذلك وأذهلتكما مخافة ما تريان ، فالحظ في النكول لكما.
فالوحا يا إخوتي الوحا ، صالحا محمدا صلى الله عليه وآله وأرضياه ، ولا ترجيا ذلك ، فإنكما وأنا معكما بمنزلة قوم يونس لما غشيهم العذاب.
قالا : فكن أنت الذي تلقى محمدا صلى الله عليه وآله بكفالة ما يبتغيه لدينا ، والتمس لنا إليه ابن عمه هذا ليكون هو الذي يبرم الأمر بيننا وبينه ، فإنه ذو الوجه والزعيم عنده ، ولا تبطئن به ما ترجع إلينا به.
وانطلق المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، أشهد أن لا إله إلا الله الذي ابتعثك ، وأنك وعيسى عبدان لله عزوجل مرسلان.
فأسلم وبلغه ما جاء له ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام لمصالحة القوم ، فقال علي عليه السلام : بأبي أنت ، على ما
ص: 131
أصالحهم؟
فقال له : رأيك يا أبا الحسن فيما تبرم معهم رأيي.
فصار إليهم فصالحاه على ألف حلة وألف دينار خرجا في كل عام ، يؤديان شطر ذلك في المحرم وشطرا في رجب.
فصار علي عليه السلام بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ذليلين صاغرين ، وأخبره بما صالحهما عليه وأقرا له بالخرج والصغار.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : قد قبلت ذلك منكم ، أما إنكم لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم الله عليكم الوادي نارا تأجج ، ثم لساقها الله عزوجل إلى من ورائكم في أسرع من طرف العين فحرقهم
تأججا.
فلما رجع النبي صلى الله عليه وآله بأهل بيته وصار إلى مسجده هبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد! إن الله عزوجل يقرؤك السلام ويقول : إن عبدي موسى عليه السلام باهل عدوه قارون بأخيه هارون وبنيه ، فخسفت بقارون وأهله وما له وبمن آزره من قومه ، وبعزتي أقسم وبجلالي - يا أحمد - لو باهلت بك وبمن تحت الكساء من أهلك أهل الأرض والخلائق جميعا لتقطعت السماء كسفا والجبال زبرا ، ولساخت الأرض فلم تستقر أبدا إلا أن أشاء ذلك.
فسجد النبي صلى الله عليه وآله ووضع على الأرض وجهه ، ثم رفع يديه حتى تبين للناس عفرة إبطيه فقال : شكرا للمنعم - قالها ثلاثا -.
فسئل النبي صلى الله عليه وآله عن سجدته وعما رأى من تباشير السرور في وجهه ، فقال : شكرا لله عزوجل لما أبلاني من الكرامة في أهل
ص: 132
بيتي ، ثم حدثهم بما جاء به جبرئيل عليه السلام» (1).
كتاب الصلح :
وجاء في غير واحد من الكتب أن عليا عليه السلام كتب لهم كتابا بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) وذكر ابن شبة والبلاذري وغيرهما نص الكتاب ، ويظهر منه أن القوم كانوا يحتفظون به ، قال البلاذري : «وقال يحيى بن آدم : وقد رأيت كتابا في أيدي النجرانيين كانت نسخته شبيهة بهذه النسخة وفي أسفله : وكتب علي بن أبي طالب» (3).
القربات يوم المباهلة :
وبما أن يوم المباهلة يوم أظهر الله فيه حقية نبوة رسوله على النصارى ، وأبان فيه مقام علي وأهل البيت للعالمين ، فهو من أعظم الأعياد الإسلامية ، وأشرف أيام سرور المؤمنين ، وكان من واجب كل فرد أن يقوم بشكر هذه النعمة بما أمكنه من مظاهر الشكر ...
ومن هنا فقد ذكر هذا اليوم من مسار الشيعة ، وهو اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة (4).
ووردت فيه أعمال وقربات ، من الغسل ، والصوم ، والصلاة ، والدعاء ... كما لا يخفى على من يراجع كتب هذا الشأن (5).5.
ص: 133
الفصل الثالث
محاولات يائسة وأكاذيب مدهشة
ولما كانت قضية المباهلة ، ونزول الآية المباركة في أهل البيت دون غيرهم ، من أسمى مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الدالة على إمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد حاول بعض المتكلمين من مدرسة الخلفاء الإجابة عن ذلك ، كما سنرى بالتفصيل.
لكن هناك محاولات بالنسبة إلى أصل الخبر ومتنه ، الأمر الذي يدل على إذعان القوم بدلالة الحديث وبخوعهم بعدم الجدوى فيما يحاولونه من المناقشة فيها ...
وتلك المحاولات هي :
1 - الإخفاء والتعتيم على أصل الخبر :
فمن القوم من لا يذكر الخبر من أصله!! مع ما فيه من الأدلة على النبوة وظهور الدين الإسلامي على سائر الأديان ... أذكر منهم ابن هشام (1)
وتبعه ابن سيد الناس (2) ، والذهبي (3) وهذه عبارة الثاني في ذكر الوفود ، وهي ملخص عبارة الأول :
«ثم بعث رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خالد بن الوليد في 5.
ص: 134
شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر ، إلى بني الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ، ثلاثا ، فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم.
فخرج خالد حتى قدم عليهم ، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام ، ويقولون : أيها الناس أسلموا تسلموا ، فأسلم الناس ودخلوا في ما دعوا إليه ، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام ، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بذلك.
فكتب له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يقبل ويقبل معه وفدهم ، فأقبل وأقبل معه وفدهم ، منهم قيس بن الحصين ذي الغصة ... وأمر عليهم قيس بن الحصين.
فرجعوا إلى قومهم في بقية من شوال أو في ذي القعدة ، فلم يمكثوا إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم».
2 - الإخفاء والتعتيم على حديث المباهلة :
وهذا ما حاوله آخرون ، منهم :
* البخاري - تحت عنوان : قصة أهل نجران ، من كتاب المغازي - :
«حدثني عباس بن الحسين ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : جاء العاقب والسيد - صاحبا نجران - إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، يريدان أن يلاعناه. قال : فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل ، فوالله لئن كان نبيا فلاعنا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا : إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا ، فقال : لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين.
ص: 135
فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فقال : قم يا أبا عبيدة بن الجراح ، فلما قام ، قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : هذا أمين هذه الأمة.
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت أبا إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : جاء أهل نجران إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقالوا : ابعث لنا رجلا أمينا. فقال : لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين ، فاستشرف له الناس ، فبعث أبا عبيدة بن الجراح» (1).
أقول :
قد تقدم حديث حذيفة بن اليمان ، رواه القاضي الحسكاني بنفس السند ... لكن البخاري لم يذكر سبب الملاعنة! ولا نزول الآية المباركة! ولا خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام!
ولا يخفى التحريف في روايته ، وعبارته مشوشة جدا ، يقول : «جاء ... يريدان أن يلاعناه فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل» فقد جاءا «يريدان أن يلاعناه» فلا بد وأن حدث شئ؟ «فقال أحدهما لصاحبه ...» فما الذي حدث؟!!
لقد أشار الحافظ ابن حجر في شرحه إلى نزول الآية وخروج النبي للملاعنة بأهل البيت عليهم السلام ، لكنها إشارة مقتضبة جدا!! ت.
ص: 136
ثم قال : «قالا : إنا نعطيك ما سألتنا» والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسأل شيئا ، وإنما دعاهما إلى الإسلام وما جاء به القرآن ، فأبيا ، فآذنهم بالحرب ، فطلبا منه الصلح وإعطاء الجزية ، فكتب لهما بذلك وكان الكاتب عليا عليه السلام.
ثم إن البخاري - بعد أن حذف حديث المباهلة وأراد إخفاء فضل أهل الكساء - وضع فضيلة لأبي عبيدة ، بأنهما قالا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : «ابعث معنا رجلا أمينا» فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ...
لكن في غير واحد من الكتب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إليهم عليا عليه السلام ، وهذا ما نبه عليه الحافظ وأراد رفع
التعارض ، فقال : «وقد ذكر ابن إسحاق أن النبي بعث عليا إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم ، وهذه القصة غير قصة أبي عبيدة ، لأن أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال الصلح ورجع ، وعلي أرسله النبي بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية ويأخذ ممن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة. والله أعلم» (1).
قلت :
ولم أجد في روايات القصة إلا أنهما «أقرا بالجزية» التزما بدفع ما تضمنه الكتاب الذي كتبه صلى الله عليه وآله وسلم لهم ، ومن ذلك : ألفا حلة «في كل رجب ألف ، وفي كل صفر ألف» وهذه هي الجزية ، وعليها جرى أبو بكر وعمر ، حتى جاء عثمان فوضع عنهم بعض ذلك! وكان مما 7.
ص: 137
كتب : «إني قد وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حلة لوجه الله»! (1).
ثم إن رجوعهما إلى قومهما كان في بقية من شوال أو ذي القعدة (2)
فأين رجب؟! وأين صفر؟!
فما ذكره الحافظ رفعا للتعارض ساقط.
ولعله من هنا لم تأت هذه الجملة في رواية مسلم ، فقد روى الخبر عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : «جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقالوا : يا رسول الله! ابعث إلينا رجلا أمينا ، فقال : لأبعثن إليكم رجلا أمينا ...» (3).
ثم إنه قد تعددت أحاديث القوم في «أمانة أبي عبيدة» حتى أنهم رووا بلفظ «أمين هذه الأمة أبو عبيدة» ، وقد تكلمنا على هذه الأحاديث من الناحيتين - السند والدلالة - في كتابنا الكبير بالتفصيل (4).
* ابن سعد ، فإنه ذكر تحت عنوان «وفد نجران» : كتب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى أهل نجران ، فخرج إليه وفدهم ، أربعة عشر رجلا من أشرافهم نصارى ، فيهم العاقب وهو عبد المسيح ... ودعاهم إلى الإسلام ، فأبوا ، وكثر الكلام والحجاج بينهم ، وتلا عليهم القرآن ، وقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : إن أنكرتم ما أقول لكم فهلم أباهلكم ، فانصرفوا على ذلك.
فغدا عبد المسيح ورجلان من ذوي رأيهم على رسول الله صلى الله 8.
ص: 138
عليه [وآله] وسلم ، فقال : قد بدا لنا أن لا نباهلك ، فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك ، فصالحهم على ...
وأشهد على ذلك شهودا ، منهم : أبو سفيان بن حرب ، والأقرع بن حابس ، والمغيرة بن شعبة.
فرجعوا إلى بلادهم ، فلم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فأسلما ، وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري.
وأقام أهل نجران على ما كتب لهم به النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم حتى قبضه الله ...» (1).
* وقال الطبري - في ذكر الوفود في السنة العاشرة - : «وفيها قدم وفد العاقب والسيد من نجران ، فكتب لهما رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كتاب الصلح» (2).
ثم قال في خروج الأمراء والعمال على الصدقات : «وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم» (3).
* وقال ابن الجوزي : «وفي سنة عشر من الهجرة أيضا قدم العاقب والسيد من نجران ، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كتاب صلح» (4).
* وقال ابن خلدون : «وفيها قدم وفد نجران النصارى ، في سبعين 3.
ص: 139
راكبا ، يقدمهم أميرهم العاقب عبد المسيح من كندة ، وأسقفهم أبو حارثة من بكر بن وائل والسيد الأيهم ، وجادلوا عن دينهم ، فنزل صدر سورة آل عمران ، وآية المباهلة ، فأبوا منها ، وفرقوا وسألوا الصلح ، وكتب لهم به على ألف حلة في صفر وألف في رجب ، وعلى دروع ورماح وخيل وحمل ثلاثين من كل صنف ، وطلبوا أن يبعث معهم واليا يحكم بينهم ، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح ، ثم جاء العاقب والسيد وأسلما» (1).
3 - الإخفاء والتعتيم على اسم علي!!
وحاول آخرون منهم أن يكتموا اسم علي عليه السلام :
* فحذفوا اسمه من الحديث ، كما في الرواية عن جد سلمة بن عبد يشوع المتقدمة.
* بل تصرف بعضهم في حديث مسلم وأسقط منه اسم «علي» كما سيأتي عن «البحر المحيط»!!
* والبلاذري عنون في كتابه «صلح نجران» وذكر القصة ، فقال :
«فأنزل الله تعالى : (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم * إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون - إلى قوله : - الكاذبين) فقرأها رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عليهما ، ثم دعاهما إلى المباهلة ، وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين ، فقال أحدهما لصاحبه : اصعد الجبل ولا تباهله ، فإنك إن باهلته بؤت باللعنة. قال : فما ترى؟ قال : أرى أن نعطيه الخراج ولا نباهله ...» (2).6.
ص: 140
* وابن القيم اقتصر على رواية جد سلمة ، ولم يورد اللفظ الموجود عند مسلم وغيره ، قال : «وروينا عن أبي عبد الله الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير ، عن سلمة بن عبد يوشع ، عن أبيه ، عن جده ، قال يونس - وكان نصرانيا فأسلم - : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كتب إلى أهل نجران ...» فحكى القصة إلى أن قال :
«فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر ، أقبل مشتملا على الحسن والحسين رضي الله عنهما في خميل له وفاطمة رضي الله عنها تمشي عند ظهره للمباهلة ، وله يومئذ عدة نسوة ...» (1).
* وكذا فعل ابن كثير في تاريخه ... (2).
* واختلف النقل عن الشعبي على أشكال :
أحدها : روايته عن جابر بن عبد الله ، وفيها نزول الآية في علي وفاطمة والحسنين.
والثاني : روايته الخبر مع حذف اسم علي!! رواه عنه جماعة ، وعنهم السيوطي ، وقد تقدم.
وجاء عند الطبري بعد الخبر عن ابن حميد ، عن جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، وليس فيه ذكر علي : «حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، قال : فقلت للمغيرة : إن الناس يروون في حديث أهل نجران أن عليا كان معهم!
فقال : أما الشعبي فلم يذكره ، فلا أدري لسوء رأي بني أمية في علي ، 3.
ص: 141
أو لم يكن في الحديث» (1).
والثالث : روايته الخبر مع حذف اسم علي! وإضافة «وناس من أصحابه»!! وهو ما نذكره :
4 - حذف اسم علي وزيادة «وناس من أصحابه» :
وهذا الخبر لم أجده إلا عند ابن شبة ، عن الشعبي ، حيث قال :
«حدثنا أبو الوليد أحمد بن عبد الرحمن القرشي ، قال : حدثنا الوليد ابن مسلم ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبي ، قال : قدم وفد نجران ، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : أخبرنا عن عيسى ... قال : فأصبح رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وغدا حسن وحسين وفاطمة وناس من أصحابه ، وغدوا إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقالوا : ما للملاعنة جئناك ، ولكن جئناك لتفرض علينا شيئا نؤديه إليك ...» (2).
فإذا كان المراد من «وغدا حسن ...» أنهم خرجوا مع رسول الله ليباهل بهم ، فقد أخرج صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل بيته «ناسا من الصحابة»!!
وإذا كان قد خرج مع النبي «ناس من أصحابه» فلماذا لم يجعل الراوي عليا منهم في الأقل!!
لكن الشعبي - إن كانت هذه التحريفات منه لا من الرواة عنه - معروف بنزعته الأموية ، ولعل في أحد الروايات التي نقلناها سابقا عن تفسير الطبري - إشارة إلى ذلك ... وقد كان الشعبي أمين آل مروان ، 2.
ص: 142
وقاضي الكوفة في زمانهم ، وكان نديما لعبد الملك بن مروان مقربا إليه ، وكل ذلك وغيره مذكور بترجمته في الكتب ، فلتراجع.
5 - التحريف بزيادة «عائشة وحفصة» :
وهذا اللفظ وجدته عند الحلبي ، قال : «وفي لفظ : أنهم وادعوه على الغد ، فلما أصبح صلى الله عليه [وآله] وسلم أقبل ومعه حسن وحسين وفاطمة وعلي رضي الله عنهم وقال : اللهم هؤلاء أهلي ...
وعن عمر رضي الله عنه ، أنه قال للنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : لو لاعنتهم يا رسول الله بيد من كنت تأخذ؟ قال صلى الله عليه [وآله] وسلم : آخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة.
وهذا - أي زيادة عائشة وحفصة - دل عليه قوله تعالى : (ونساءنا ونساءكم) وصالحوه ...» (1).
6 - التحريف بحذف «فاطمة» وزيادة : «أبي بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده» :
وهذا لم أجده إلا عند ابن عساكر ، وبترجمة عثمان بالذات!! من تاريخه ، قال :
«أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم ، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي ، أنبأ أبو الحسن العتيقي ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، نا أبو الحسين أحمد بن قاج ، نا محمد بن جرير الطبري - إملاء علينا - نا سعيد بن عنبسة الرازي ، نا الهيثم بن عدي ، قال : سمعت جعفر بن محمد ، عن أبيه في هذه الآية (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم). 6.
ص: 143
قال : فجاء بأبي بكر وولده ، وبعمر وولده ، وبعثمان وولده ، وبعلي وولده» (1).
ورواه عنه : السيوطي (2) والشوكاني (3) والآلوسي (4) والمراغي (5)
ساكتين عنه!! نعم قال الآلوسي : «وهذا خلاف ما رواه الجمهور».
أقول :
كانت تلك محاولات القوم في قبال حديث المباهلة ، وتلاعباتهم في لفظه ... بغض النظر عن تعابير بعضهم عن الحديث ب «قيل» و «روي» ونحو ذلك مما يقصد منه الاستهانة به عادة.
هذا ، والأليق بنا ترك التكلم على هذه التحريفات - زيادة ونقيصة - لوضوح كونها من أيد أموية ، تحاول كتم المناقب العلوية ، لعلمهم بدلالتها على مزايا تقتضي الأفضلية ، كما حاولت في (حديث الغدير) و (حديث المنزلة) ونحوهما.
وفي (حديث المباهلة) أرادوا كتم هذه المزية ، ولو بترك ذكر أصل القضية! أو بحذف اسم علي أو فاطمة الزكية ، ...
ولولا دلالة الحديث على الأفضلية - كما سيأتي - لما زاد بعضهم «عائشة وحفصة» إلى جنب فاطمة!! 5.
ص: 144
بل أراد بعضهم إخراج الحديث عن الدلالة بانحصار هذه المزية في أهل البيت عليهم السلام ، فوضع على لسان أحدهم - وهو الإمام الباقر ، يرويه عنه الإمام الصادق - ما يدل على كون المشايخ الثلاثة في مرتبة علي ، وأن ولدهم في مرتبة ولده!!
وضعوه على لسان الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ليروج على البسطاء من الناس!!
وكم فعلوا من هذا القبيل على لسان أئمة أهل البيت عليهم السلام وأولادهم ، في الأبواب المختلفة من التفسير والفقه والفضائل (1)!
إن ما رواه ابن عساكر لم يخرجه أحد من أرباب الصحاح والمسانيد والمعاجم ، ولا يقاوم - بحسب قواعد القوم - ما أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم ، ونص الحاكم على تواتره ، وغيره على ثبوته.
بل إن هذا الحديث لم يعبأ به حتى مثل ابن تيمية المتشبث بكل حشيش!
إن هذا الحديث كذب محض ، باطل سندا ومتنا ... ولنتكلم على اثنين من رجاله :
1 - سعيد بن عنبسة الرازي :
ليس من رجال الصحاح والسنن ونحوها ، وهو كذاب ، ذكره ابن أبي حاتم فقال : «سعيد بن عنبسة ، أبو عثمان الخزاز الرازي ... سمع منه أبي ولم يحدث عنه ، وقال : فيه نظر.
حدثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت علي بن الحسين ، قال : سمعت ق.
ص: 145
يحيى بن معين - وسئل عن سعيد بن عنبسة الرازي - فقال : لا أعرفه.
فقيل : إنه حدث عن أبي عبيدة الحداد حديث (والآن)؟ فقال : هذا كذاب.
حدثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت علي بن الحسين يقول : سعيد بن عنبسة كذاب.
سمعت أبي يقول : كان لا يصدق» (1).
2 - الهيثم بن عدي :
وقد اتفقوا على أنه كذاب.
قال ابن أبي حاتم : «سئل يحيى بن معين عن الهيثم بن عدي ، فقال : كوفي وليس بثقة ، كذاب.
سألت أبي عنه ، فقال : متروك الحديث» (2).
وأورده ابن حجر الحافظ في (لسانه) فذكر الكلمات فيه :
البخاري : ليس بثقة ، كان يكذب.
يحيى بن معين : ليس بثقة ، كان يكذب.
أبو داود : كذاب.
النسائي وغيره : متروك الحديث.
ابن المديني : لا أرضاه في شئ.
أبو زرعة : ليس بشئ.
العجلي : كذاب.
الساجي : كان يكذب. 5.
ص: 146
أحمد : صاحب أخبار وتدليس.
الحاكم والنقاش : حدث عن الثقات بأحاديث منكرة.
محمود بن غيلان : أسقطه أحمد ويحيى وأبو خيثمة.
ذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء.
كذب الحديث - لكون الهيثم فيه - جماعة كالطحاوي في «مشكل الحديث» والبيهقي في «السنن» والنقاش والجوزجاني في ما صنفا من الموضوعات (1).
أقول :
هب أن ابن عساكر روى هذا الخبر الموضوع في كتابه «تاريخ دمشق» فإن هذا الكتاب فيه موضوعات كثيرة ، كما نص عليه ابن تيمية (2)
وغيره ، فما بال السيوطي ومن تبعه يذكرونه بتفسير القرآن الكريم وبيان المراد من آية من كلام الله الحكيم؟!!
* * * 0.
ص: 147
الفصل الرابع
في دلالة آية المباهلة على الإمامة
«إعلم أن يوم مباهلة النبي صلوات الله عليه وآله لنصارى نجران كان يوما عظيم الشأن ، اشتمل على عدة آيات وكرامات.
فمن آياته : إنه كان أول مقام فتح الله جل جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة في هذه الملة الفاضلة عند جحود حججه وبيناته.
ومن آياته : إنه أول يوم ظهرت لله جل جلاله ولرسوله صلوات الله عليه وآله العزة بإلزام أهل الكتاب من النصارى الذلة والجزية ، ودخولهم عند حكم نبوته ومراداته.
ومن آياته : إنه كان أول يوم أحاطت فيه سرادقات القوة الإلهية والقدرة النبوية بمن كان يحتج عليه بالمعقول والمنقول والمنكرين لمعجزاته.
ومن آياته : إنه أول يوم أشرقت شموسه بنور التصديق لمحمد صلوات الله عليه من جانب الله جل جلاله بالتفريق بين أعدائه وأهل ثقاته.
ومن آياته : إنه يوم أظهر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله تخصيص أهل بيته بعلو مقاماتهم.
ومن آياته : إنه يوم كشف الله جل جلاله لعباده أن الحسن والحسين عليهما أفضل السلام ، - مع ما كانا عليه من صغر السن - أحق بالمباهلة من صحابة رسول الله صلوات الله عليه والمجاهدين في رسالاته.
ومن آياته : إنه يوم أظهر الله جل جلاله فيه أن ابنته المعظمة فاطمة
ص: 148
صلوات الله عليها أرجح في مقام المباهلة من أتباعه وذوي الصلاح من رجاله وأهل عناياته.
ومن آياته : إنه يوم أظهر الله جل جلاله فيه أن مولانا علي بن أبي طالب نفس رسول الله صلوات الله عليهما ، وإنه من معدن ذاته وصفاته ، وأن مراده من مراداته ، وإن افترقت الصورة فالمعنى واحد في الفضل من سائر جهاته.
ومن آياته : إنه يوم وسم كل من تأخر عن مقام المباهلة بوسم يقتضي أنه دون من قدم عليه في الاحتجاج لله عزوجل ونشر علاماته.
ومن آياته : إنه يوم لم يجر مثله قبل الإسلام في ما عرفنا من صحيح النقل ورواياته.
ومن آياته : إنه يوم أخرس ألسنة الدعوى ، وعرس في مجلس منطق الفتوى بأن أهل المباهلة أكرم على الله جل جلاله من كل من لم يصلح لما صلحوا له من المتقربين بطاعاته وعباداته.
ومن آياته : إن يوم المباهلة يوم بيان برهان الصادقين الذين أمر الله جل جلاله باتباعهم في مقدس قرآنه وآياته.
ومن آياته : إن يوم المباهلة يوم شهد الله جل جلاله لكل واحد من أهل المباهلة بعصمته مدة حياته.
ومن آياته : إن يوم المباهلة أقرب في تصديق صاحب النبوة والرسالة من التحدي بالقرآن ، وأظهر في الدلالة ، الذين تحداهم صلوات الله عليه بالقرآن قالوا : (لو نشاء لقلنا مثل هذا) (1) ، وإن كان قولهم في مقام 1.
ص: 149
البهتان. ويوم المباهلة ما أقدموا على دعوى الجحود للعجز عن مباهلته لظهور حجته وعلاماته.
ومن آياته : إنه يوم أطفأ الله به نار الحرب ، وصان وجوه المسلمين من الجهاد والكرب ، وخلصهم من هيجان المخاطرة بالنفوس والرؤوس ، وعتقها من رق الغزو والبؤس لشرف أهل المباهلة الموصوفين فيها بصفاته.
ومن آياته : إن البيان واللسان والجنان اعترفوا بالعجز عن كمال كراماته» (1).
واستدل علماء الإمامية بآية المباهلة ، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا إليها الإمام عليا وفاطمة والحسن والحسين فقط ... على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.
* استدلال الإمام الرضا عليه السلام :
وأما وجه دلالة الآية على الإمامة ، فإن الإمامية أخذت ذلك من الإمام أبي الحسن علي الرضا عليه السلام ، فقد قال الشريف المرتضى الموسوي
طاب ثراه :
«حدثني الشيخ - أدام الله عزه - أيضا ، قال : قال المأمون يوما للرضا عليه السلام :
أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام يدل عليها القرآن.
قال : فقال له الرضا عليه السلام : فضيلته في المباهلة ، قال الله جل
جلاله : (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل 4.
ص: 150
لعنة الله على الكاذبين).
فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة فكانت - في هذا الموضع - نساءه ، ودعا أمير المؤمنين فكان نفسه بحكم الله عزوجل.
وقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأفضل ، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحكم الله عزوجل.
قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع ، وإنما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنيه خاصة ، وذكر النساء بلفظ الجمع ، وإنما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته وحدها. فلم لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره ، فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السلام ما ذكرت من الفضل؟!
قال : فقال له الرضا عليه السلام : ليس بصحيح ما ذكرت - يا أمير المؤمنين - وذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره ، كما يكون الآمر آمرا لغيره ، ولا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة ، كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله.
قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال» (1).
* وقال الشيخ المفيد - بعد أن ذكر القصة - : «وفي قصة أهل نجران 8.
ص: 151
بيان عن فضل أمير المؤمنين عليه السلام ، مع ما فيه من الآية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والمعجز الدال على نبوته.
ألا ترى إلى اعتراف النصارى له بالنبوة ، وقطعه عليه السلام على امتناعهم من المباهلة ، وعلمهم بأنهم لو باهلوه لحل بهم العذاب ، وثقته عليه وآله السلام بالظفر بهم والفلج بالحجة عليهم ، وأن الله تعالى حكم في آية المباهلة لأمير المؤمنين عليه السلام بأنه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كاشفا بذلك عن بلوغه نهاية الفضل ، ومساواته للنبي عليه وآله السلام في الكمال والعصمة من الآثام ، وأن الله جل ذكره جعله وزوجته وولديه - مع تقارب سنهما - حجة لنبيه عليه وآله السلام وبرهانا على دينه ، ونص على الحكم بأن الحسن والحسين أبناؤه ، وأن فاطمة عليها السلام نساؤه المتوجه إليهن الذكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج؟!
وهذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأمة ، ولا قاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه ، وهو لاحق بما تقدم من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الخاصة به ، على ما ذكرناه» (1).
* وهكذا استدل الشريف المرتضى ، حيث قال : «لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دعي إليها وجعل حضوره حجة على المخالفين ، واقتضائها تقدمه على غيره ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجة فيه إلا من هو في غاية الفضل وعلو المنزلة.
وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة ، وأن النبي صلى الله عليه وآله 9.
ص: 152
وسلم دعا إليها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وأجمع أهل النقل وأهل التفسير على ذلك ...
ونحن نعلم أن قوله (وأنفسنا وأنفسكم) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه هو الداعي ، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه ، وإنما يصح أن يدعو غيره ، كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها ، وإذا كان قوله تعالى : (وأنفسنا وأنفسكم) لا بد أن يكون إشارة إلى غير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وجب أن يكون إشارة إلى أمير
المؤمنين عليه السلام ، لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه عليه السلام في المباهلة (1).
* وقال الشيخ الطوسي : (أحد ما يستدل به على فضله عليه السلام ، قوله تعالى (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل ...) إلى آخر الآية.
ووجه الدلالة فيها : أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلى المباهلة ، وأجمع أهل النقل والتفسير على ذلك ، ولا يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجة إلا من هو في غاية الفضل وعلو المنزلة ، ونحن نعلم أن قوله : (وأنفسنا وأنفسكم) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لأنه هو الداعي ، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه ، وإنما يصح أن يدعو غيره كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها.
وإذا كان قوله تعالى : (وأنفسنا وأنفسكم لا بد أن يكون إشارة إلى 4.
ص: 153
غير الرسول ، وجب أن يكون إشارة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه عليهم السلام في المباهلة ...» (1).
وقال التفسير الآية : (واستدل أصحابنا بهذه الآية على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان أفضل الصحابة من وجهين :
أحدهما : إن موضوع المباهلة ليتميز المحق من المبطل ، وذلك لا يصح أن يفعل إلا بمن هو مأمون الباطن ، مقطوعا على صحة عقيدته ، أفضل الناس عند الله.
والثاني : إنه صلى الله عليه وآله وسلم جعله مثل نفسه بقوله : (وأنفسنا وأنفسكم ...) (2).
* وقال الإربلي : (ففي هذه القضية بيان لفضل علي عليه السلام ، وظهور معجز النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن النصارى علموا أنهم متى باهلوه حل بهم العذاب ، فقبلوا الصلح ودخلوا تحت الهدنة ، وإن الله تعالى أبان أن عليا هو نفس رسول الله كاشفا بذلك عن بلوغه نهاية الفضل ، ومساواته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكمال والعصمة من الأيام ، وإن الله جعله وزوجته وولديه - مع تقارب سنهما - حجة لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وبرهانا على دينه ، ونص على الحكم بأن الحسن والحسين أبناؤه ، وأن فاطمة عليها السلام نساؤه المتوجه إليهن الذكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج ، وهذا فضل لم يشاركهم فيه أحد من الأمة 5.
ص: 154
ولا قاربهم (1).
* وقال البياضي : ولأنه مساو للنبي الذي هو أفضل ، في قوله (وأنفسنا وأنفسكم) والمراد : المماثلة ، لامتناع الاتحاد (2).
* وقال المحقق نصير الدين الطوسي في أن عليا أفضل الصحابة -. ولقوله تعالى : (وأنفسنا).
فقال العلامة الحلي بشرحه هذا هو الوجه الثالث الدال على أنه عليه السلام أفضل من غيره وهو قوله تعالى (قل تعالوا ...) واتفق المفسرون كافة إن الأبناء إشارة إلى الحسن والحسين عليهما السلام والنساء إشارة إلى فاطمة عليها السلام ، والأنفس إشارة إلى علي عليه السلام.
ولا يمكن أن يقال : إن نفسهما واحدة فلم يبق المراد من دلك إلا المساوي ، ولا شك في أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الناس ، فمساويه كذلك أيضا (3).
* وقال العلامة الحلي : أجمع المفسرون على أن (أبناءنا) إشارة إلى الحسن والحسين ، و (أنفسنا) إشارة إلى علي عليه السلام. فجعله الله نفس محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والمراد المساواة ، ومساوي الأكمل الأولى بالتصرف أكمل وأولى بالتصرف ، وهذه الآية أدل دليل على علو رتبة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لأنه تعالى حكم بالمساواة لنفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه تعالى عينه في استعانة النبي 4.
ص: 155
صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء. وأي فضيلة أعظم من أن يأمر الله نبيه بأن يستعين به على الدعاء إليه والتوسل به؟! ولمن حصلت هذه المرتبة؟! (1).
أقول :
وعلى هذا الغرار كلمات غير هم من علمائنا الكبار في مختلف الأعصار ... فإنهم استدلوا على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بطائفتين من الأدلة ، الأولى هي النصوص ، والثانية هي الدالة على الأفضلية ، والأفضلية مستلزمة للإمامة ، وهو المطلوب.
وخلاصة الاستدلال بالآية هو :
1 - إن الآية المباركة نص في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنها تدل على المساواة بين النبي وبينه عليه السلام ، ومساوي الأكمل الأولى بالتصرف ، أكمل وأولى بالتصرف.
2 - إن قضية المباهلة وما كان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قولا وفعلا - تدل على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام ، وذلك لوجوه منها :
أولا : إن هذه القضية تدل على أن عليا وفاطمة والحسنين عليهم السلام ، أحب الناس إلى رسول الله ، والأحبية تستلزم الأفضلية.
وقد اعترف المحققون من أهل السنة بالدلالة هنا على الأحبية.
قال البيضاوي : أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله وألصقهم بقلبه إلى المباهلة ... (2) 2.
ص: 156
فقال الشهاب الخفاجي في حاشيته : ألصقهم بقلبه ، أي : أحبهم وأقربهم إليه.
وقال : قوله : وإنما قدمهم ... ، يعني : أنهم أعز من نفسه ، ولذا يجعلها فداء لهم ، فلذا قدم ذكر هم اهتماما به. وأما فضل آل الله والرسول فالنهار لا يحتاج إلى دليل (1).
وكذا ، قال الخطيب الشربيني (2) ، والشيخ سليمان الجمل (3) ، وغير هما.
وقال القاري : فنزله منزلة نفسه لما بينهما من القرابة والأخوة (4)
وثانيا : دلالة فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ باهل خصومه بعلي وفاطمة وحسن حسين فقط ، ولم يدع واحدة من أزواجه ، ولا واحدا من بني هاشم ، ولا امرأة من أقرابائه ... فضلا عن أصحابه وقومه ... فإنه يدل على عظمة الموقف ، وجلالة شأن هؤلاء عند الله دون غير هم ، إذ لو كان لأحدهم في المسلمين مطلقا نظير ، لم يكن لتخصيصهم بذلك وجه.
وثالثا : دلالة قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل البيت ، لما أخرجهم للمباهلة : إذا أنا دعوت فأمنوا.
فقال أسقفهم : أني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من جباله لأزاله ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى 9.
ص: 157
يوم القيامة (1).
فإن ذلك يدل على دخل لهم في ثبوت نبوته وصدق كلامه ، وفي إذلال الخصوم وهلاكهم لو باهلوا ... ، فكان لهم الأثر الكبير والسهم الجزيل في نصرة الدين ورسول رب العالمين. ولا ريب أن من كان له هذا الشأن في مباهلة الأنبياء كان أفضل ممن ليس له ذلك.
قال القاساني : إن لمباهلة الأنبياء تأثيرا عظيما سببه اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد الله إياهم به ، وهو المؤثر بإذن الله في العالم العنصري ، فيكون انفعال العالم العنصري منه كانفعال بدننا من روحنا في الهيئات الواردة عليه ، كالغضب ، والحزن ، والفكر في أحوال المعشوق ، وغير ذلك من تحرك الأعضاء عند حدوث الإرادات والعزائم ، وانفعال النفوس البشرية منه كانفعال حواسنا وسائر قوانا من هيئات أرواحنا ، فإذا اتصل نفس قدسي به كان تأثيرها في العالم عند التوجه الاتصالي تأثير ما يتصل به ، فتنفعل أجرام العناصر والنفوس الناقصة الإنسانية منه بما أراد.
ألم تر كيف انفعلت نفوس النصارى من نفسه عليه السلام بالخوف ، وأحجمت عن المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية؟ (2).
أقول : فكان أهل البيت عليهم السلام شركاء مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا التأثير العظيم ، وهذه مرتبة لم يبلغ عشر معشارها غير هم من الأقرباء والأصحاب.
وعلى الجملة ، فإن المباهلة تدل على أفضلية أمير المؤمنين 57
ص: 158
عليه السلام بعد رسول الله صلى عليه وآله وسلم ، والأفضل هو المتعين للإمامة بالاتفاق من المسلمين ، كما اعترف به حتى مثل ابن تيمية (1).
ونتيجة الاستدلال بالآية المباركة وما فعله النبي وقاله ، هو أن الله عز وجل أمر رسوله بأن يسمي عليا نفسه كي يبين للناس أن عليا هو الذي يتلوه ويقوم مقامه في الإمامة الكبرى والولاية العامة لأن غير الواجد لهذه المناصب لا يأمر الله رسوله بأن يسميه نفسه.
هذا ، وفي الآية دلالة على أن الحسنين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا ما نص عليه غير واحد من أكابر القوم (2).
وقد جاء في الكتب أن عليا عليه السلام كان الكاتب لكتاب الصلح (3)
وأنه توجه بعد ذلك إلى نجران بأمر النبي لجمع الصدقات ممن أسلم منهم وأخذ الجزية ممن بقي منهم على دينه (4).
ثم إن أصحابنا يعضدون دلالة الآية الكريمة على المساواة بعدة من الروايات :
كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لبريدة بن الحصيب عندما شكا عليا عليه السلام : يا بريدة! لا تبغض عليا فإنه مني وأنا منه ولعموم المسلمين في تلك القصة : علي مني وأنا من علي ، وهو وليكم من بعدي (5).
وقوله وقد سئل عن بعض أصحابه ، فقيل : فعلي؟! قال : إنما ع.
ص: 159
سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي (1).
وقوله : خلقت أنا وعلي من نور واحد.
وقوله : خلقت أنا وعلي من شجرة واحدة (2).
وقوله - في جواب قول جبرئيل في أحد : يا محمد! إن هذه لهي المواساة - : يا جبرئيل ، إنه مني وأنا منه. فقال جبرئيل : وأنا منكما (3).
أقول : وستأتي أحاديث أخر فيما بعد ، إن شاء الله.
ومما يستدل به أيضا : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : فاطمة بضعة مني ... حيث استدل به غير واحد من أئمة القوم بأفضلية فاطمة من أبي بكر وعمر ، لكونها بضعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو أفضل منهما بالإجماع (4) ، فإن عليا عليه السلام أفضل منها بالإجماع كذلك.
ثم إن غير واحد من أعلام أهل السنة اعترف بدلالة القصة على فضيلة فائقة لأهل البيت عليهم السلام :
قال الزمخشري : وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام (5). 70
ص: 160
وقال ابن روزبهان : لأمير المؤمنين علي عليه السلام في هذه الآية فضيلة عظيمة وهي مسلمة ، ولكن لا تصير دالة على النص بإمامته (1).
أقول : فلا أقل من الدلالة على الأفضلية لأن هذه الفضيلة غير حاصلة لغيره ، فهو أفضل الصحابة ، والأفضلية تستلزم الإمامة.
ومن هنا نرى الفخر الرازي لا يقدح في دلالة الآية على أفضلية علي على سائر الصحابة ، وإنما يناقش الشيخ الحمصي في استدلاله بها على أفضليته على سائر الأنبياء ، وسيأتي كلامه في الفصل الخامس.
وتبعه النيسابوري وهذه عبارته : أي : يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ويأت هو بنفسه وبمن هو كنفسه إلى المباهلة ، وإنما يعلم إتيانه بنفسه من قرينة ذكر النفس ومن إحضار من هم أعز من النفس ، ويعلم إتيان من هو بمنزلة النفس من قرينة أن الإنسان لا يدعو نفسه. (ثم نبتهل) : ثم نتباهل ...
وفي الآية دلالة على أن الحسن والحسين - وهما ابنا البنت - يصح أن يقال : إنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، لأنه صلى الله عليه (وآله) وسلم وعد أن يدعو أبناءه ثم جاء بهما.
وقد تمسك الشيعة قديما وحديثا بها في أن عليا أفضل من سائر الصحابة لأنها دلت على أن نفس علي مثل نفس محمد إلا في ما خصه الدليل.
وكان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي - وكان 3.
ص: 161
متكلم الاثني عشرية - يزعم أن عليا أفضل من سائر الأنبياء سوى محمد. قال : وذلك أنه ليس المراد بقوله : (وأنفسنا) نفس محمد ، لأن الإنسان لا يدعو نفسه ، فالمراد غيره ، وأجمعوا على أن الغير كان علي بن أبي طالب ...
وأجيب بأنه كما انعقد الاجماع بين المسلمين على أن محمدا أفضل من سائر الأنبياء فكذا انعقد الاجماع بينهم - قبل ظهور هذا الإنسان - على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي. وأجمعوا على أن عليا عليه السلام ما كان نبيا ...
وأما فضل أصحاب الكساء فلا شك في دلالة الآية على ذلك ، ولهذا ضمهم إلى نفسه ، بل قدمهم في الذكر ... (1).
* * * 5.
ص: 162
الفصل الخامس
في دفع شبهات المخالفين
وتلخص الكلام في الفصل السابق في أن الآية المباركة دالة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، إن لم يكن بالنص فبالدلالة على العصمة على الأفضلية للأحبية والأقربية وغير هما من الوجوه ... ولم يكن هناك أي مجال للطعن في سند الحديث أو التلاعب بمتنه ...
فلننظر في كلمات المخالفين في مرحلة الدلالة :
* أما إمام المعتزلة ، فقد قال :
دليل آخر لهم : وربما تعلقوا بآية المباهلة وأنها لما نزلت جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأن ذلك يدل على أنه الأفضل ، وذلك يقتضي أنه بالإمامة أحق ، ولا بد من أن يكون هو المراد بقوله : (وأنفسنا وأنفسكم) الآية. لأنه عليه السلام لا يدخل تحت قوله تعالى : (ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم) فيجب أن يكون داخلا تحت قوله : (وأنفسنا وأنفسكم) ، ولا يجوز أن يجعله من نفسه إلا وهو يتلوه في الفضل.
وهذا مثل الأول في أنه كلام في التفضيل ، ونحن نبين أن الإمامة قد تكون في من ليس بأفضل.
وفي شيوخنا من ذكر عن أصحاب الآثار أن عليا عليه السلام لم يكن
ص: 163
في المباهلة.
قال شيخنا أبو هاشم : إنما خصص صلى الله عليه وآله وسلم من تقرب منه في النسب ولم يقصد الإبانة عن الفضل ، ودل على ذلك بأنه عليه السلام أدخل فيها الحسن والحسين عليهما السلام مع صغر هما لما اختصا به من قرب النسب. وقوله : (وأنفسنا وأنفسكم) يدل على هذا المعنى ، لأنه أراد قرب القرابة ، كما يقال في الرجل يقرب في النسب من القوم : أنه من أنفسهم.
ولا ينكر أن يدل ذلك على لطف محله من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشدة محبته له وفضله ، وإنما أنكرنا أن يدل ذلك على أنه الأفضل أو على الإمامة ... (1).
أقول :
ويتلخص هذا الكلام في أمور :
الأول : إن الإمامة قد تكون في من ليس بأفضل.
وهذا - في الواقع - تسليم باستدلال الإمامية بالآية على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام ، وكون الإمامة في من ليس بأفضل لم يرتضه حتى مثل ابن تيمية!
والثاني : إن عليا لم يكن في المباهلة.
وهذا أيضا دليل على تمامية استدلال الإمامية ، وإلا لم يلتجؤا إلى هذه 2.
ص: 164
الدعوى ، كما التجأ بعضهم - كالفخر الرازي - في الجواب عن حديث الغدير ، بأن عليا لم يكن في حجة الوداع!
والثالث : إنه لم يكن القصد إلى الإبانة عن الفضل ، بل أراد قرب القرابة.
وهذا باطل ، لأنه لو أراد ذلك فقط ، لأخرج غيرهم من أقربائه كالعباس ، وهذا ما تنبه إليه ابن تيمية فأجاب بأن العباس لم يكن من السابقين الأولين ، فاعترف - من حيث يدري أو لا يدري - بالحق.
هذا ، ولا يخفى أن معتمد الأشاعرة في المناقشة هو هذا الوجه الأخير ، وبهذا يظهر أن القوم عيال على المعتزلة ، وكم له من نظير!!
* وقال ابن تيمية (1) :
أما أخذه عليا وفاطمة والحسن والحسين في المباهلة ، فحديث صحيح ، رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص. قال في حديث طويل : لما نزلت هذه الآية : (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) دعا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عليا
وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي.
ولكن لا دلالة في ذلك على الإمامة ولا على الأفضلية.
وقوله : (قد جعل الله نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والاتحاد محال ، فبقي المساواة له ، وله الولاية العامة ، فكذا لمساويه).
قلنا : لا نسلم أنه لم يبق إلا المساواة ، ولا دليل على ذلك ، بل حمله ث!
ص: 165
على ذلك ممتنع لأن أحدا لا يساوي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، لا عليا ولا غيره.
وهذا اللفظ في لغة العرب لا يقتضي المساواة ، قال تعالى في قصة الإفك : (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) وقد قال في قصة بني إسرائيل : (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم) أي : يقتل بعضكم بعضا ، ولم يوجب ذلك أن يكونوا متساوين ، ولا أن يكون من عبد العجل مساويا لمن لم يعبده.
وكذلك قد قيل في قوله : (ولا تقتلوا أنفسكم) أي : لا يقتل بعضكم بعضا ، وإن كانوا غير متساويين.
وقال تعالى : (ولا تلمزوا أنفسكم) أي : لا يلمز بعضكم بعضا فيطعن عليه ويعيبه ، وهذا نهي لجميع المؤمنين أن لا يفعل بعضهم ببعض هذا الطعن ، مع أنهم غير متساوين لا في الأحكام ولا في الفضيلة ، ولا الظالم كالمظلوم ، ولا الإمام كالمأموم.
ومن هذا الباب قوله تعالى : (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم) أي : يقتل بعضكم بعضا.
وإذا كان اللفظ في قوله : (وأنفسنا وأنفسكم) كاللفظ في قوله : (ولا تلمزوا أنفسكم) .. (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات
بأنفسهم خيرا) ونحو ذلك ، مع أن التساوي هنا ليس بواجب ، بل ممتنع ، فكذلك هناك وأشد.
بل هذا اللفظ يدل على المجانسة والمشابهة ، والتجانس والمشابهة يكون بالاشتراك في بعض الأمور ، كالاشتراك في الإيمان ، فالمؤمنون إخوة
ص: 166
في الإيمان ، وهو المراد بقوله : (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) وقوله : (ولا تلمزوا أنفسكم)
وقد يكون بالاشتراك في الدين ، وإن كان فيهم المنافق ، كاشتراك المسلمين في الإسلام الظاهر ، إن كان مع ذلك الاشتراك في النسب فهو أوكد ، وقوم موسى كانوا (أنفسنا) بهذا الاعتبار.
قوله تعالى : (تعلوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) أي : رجالنا ورجالكم ، أي : الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب ، والرجال الذين هم من جنسكم ، والمراد التجانس في القرابة فقط لأنه قال : (أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم) فذكر الأولاد وذكر النساء والرجال ، فعلم أنه أراد الأقربين إلينا من الذكور والإناث من الأولاد والعصبة ولهذا دعا الحسن والحسين من الأبناء ودعا فاطمة من النساء ، ودعا عليا من رجاله ، ولم يكن عنده أحد أقرب إليه نسبا من هؤلاء ، وهم الذين أدار عليهم الكساء.
والمباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه ، وإلا فلو باهل بالأبعدين في النسب وإن كانوا أفضل عند الله كم يحصل المقصود ، فإن المراد أنهم يدعون الأقربين كما يدعو هو الأقرب إليه.
والنفوس تحنو على أقاربها ما لا تحنو على غير هم ، وكانوا يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ، ويعلمون أنهم إن باهلوه نزلت البهلة عليهم وعلى أقاربهم ، واجتمع خوفهم على أنفسهم وعلى أقاربهم ، فكان ذلك أبلغ في امتناعهم وإلا فالإنسان قد يختار أن يهلك ويحيا ابنه ، والشيخ الكبير قد يختار الموت إذا بقي أقاربه في نعمة ومال ، وهذا موجود كثير ، فطلب منهم المباهلة بالأبناء والنساء والرجال والأقربين من الجانبين ،
ص: 167
فلهذا دعا هؤلاء.
وآية المباهلة نزلت سنة عشر ، لما قدم وفد نجران ، ولم يكن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قد بقي من أعمامه إلا العباس ، والعباس لم يكن من السابقين الأولين ، ولا كان له به اختصاص كعلي.
وأما بنو عمه فلم يكن فيهم مثل علي ، وكان جعفر قد قتل قبل ذلك ، فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر ، وجعفر قتل بمؤتة سنة ثمان ، فتعين علي رضي الله عنه.
وكونه تعين للمباهلة إذ ليس في الأقارب من يقوم مقامه ، لا يوجب أن يكون مساويا للنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم في شئ من الأشياء ، بل ولا أن يكون أفضل من سائر الصحابة مطلقا ، بل له بالمباهلة نوع فضيلة ، وهي مشتركة بينه وبين فاطمة وحسن وحسين ، ليست من خصائص الإمامة ، فإن خصائص الإمامة لا تثبت للنساء ، ولا يقتضي أن يكون من باهل به أفضل من جميع الصحابة ، كما لم يوجب أن تكون فاطمة وحسن وحسين أفضل من جميع الصحابة.
وأما قول الرافضي : لو كان غير هؤلاء مساويا لهم أو أفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم معه لأنه في موضع الحاجة.
فيقابل في الجواب : لم يكن المقصود إجابة الدعاء ، فإن دعاء النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وحده كاف ، ولو كان المراد بمن يدعوه معه أن يستجاب دعاؤه لدعا المؤمنين كلهم ودعا بهم ، كما كان يستسقي بهم وكما كان يستفتح بصعاليك المهاجرين ، وكان يقول : وهل تنصرون أو ترزقون إلا بضعفائكم؟! بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم!
ومن المعلوم أن هؤلاء وإن كانوا مجابين ، فكثرة الدعاء أبلغ في
ص: 168
الإجابة ، لكن لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة دعائه ، بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل!
ونحن نعلم بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم لو دعا أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ابن مقود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وغير هم للمباهلة ، لكانوا أعظم الناس استجابة لأمره ، وكان دعاء هؤلاء وغير هم أبلغ في إجابة الدعاء ، لكن لم يأمره الله سبحانه بأخذهم معه ، لأن ذلك لا يحصل به القصود.
فإن المقصود أن أولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعا ، كأبنائهم ونسائهم ورجالهم الذين هم أقرب الناس إليهم ، فلو دعا النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قوما أجانب لأتى أولئك بأجانب ، ولم يكن يشتد عليه نزول البهلة بأولئك الأجانب ، كما يشتد عليهم نزولها بالأقربين إليهم ، فإن طبع البشر يخاف على أقربيه ما لا يخاف على الأجانب ، فأمر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أن يدعو قرابته وأن يدعو أولئك قرابتهم.
والناس عند المقابلة تقول كل طائفة للأخرى : ارهنوا عندنا أبناءكم ونساءكم ، فلو رهنت إحدى الطائفتين أجنبيا لم يرض أولئك ، كما أنه لو دعا النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم الأجانب لم يرض أولئك المقابلون له ، ولا يلزم أن يكون أهل الرجل أفضل عند الله إذا قابل بهم لمن يقابله بأهله.
فقد تبين أن الآية لا دلالة فيها أصلا على مطلوب الرافضي.
لكنه - وأمثاله ممن في قلبه زيغ - كالنصارى الذين يتعلقون بالألفاظ المجملة ويدعون النصوص الصريحة ، ثم قدحه في خيار الأمة بزعمه الكاذب ، حيث زعم أن المراد بالأنفس المساوون ، وهو خلاف المستعمل
ص: 169
في لغة العرب.
ومما يبين ذلك أن قوله : (نساءنا) لا يختص بفاطمة ، بل من دعاه
من بناته كانت بمنزلتها في ذلك ، لكن لم يكن عنده إذ ذاك إلا فاطمة ، فإن رقية وأم كلثوم وزينب كن قد توفين قبل ذلك.
فكذلك (أنفسنا) ليس مختصا بعلي ، بل هذه صيغة جمع ، كما أن (نساءنا) صيغة جمع ، وكذلك (أبناءنا) صيغة جمع ، وإنما دعا حسنا
وحسينا لأنه لم يكن ممن ينسب إليه بالبنوة سواهما ، فإن إبراهيم إن كان موجودا إذ ذاك فهو طفل لا يدعى ، فإن إبراهيم هو ابن مارية القبطية التي أهداها له المقوقس صاحب مصر ، وأهدى له البغلة مارية وسيرين ، فأعطى سيرين لحسان بن ثابت ، وتسرى مارية فولدت له إبراهيم ، وعاش بضعة عشر شهرا ومات ، فقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم : إن له مرضعا في الجنة تتم رضاعته ، وكان إهداء المقوقس بعد الحديبية بل بعد حنين (1).
أقول :
كان هذا نص كلام ابن تيمية في مسألة المباهلة ، وقد جاء فيه :
1 - الاعتراف بصحة الحديث.
وفيه رد على المشككين في صحته وثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2 - الاعتراف باختصاص القضية بالأربعة الأطهار. 0.
ص: 170
وفيه رد على المنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام ، المحرفين للحديث بنقص علي منهم أو زيادة غير هم عليهم!!
3 - الاعتراف بأنهم هم الذين أدار عليهم الكساء.
وفيه رد على من زعم دخول غير هم في آية التطهير ، بل فيه دلالة على تناقض ابن تيمية ، لزعمه - في موضع من منهاجه - دخول الأزواج أخذا بالسياق ، كما تقدم في مبحث تلك الآية.
4 - الاعتراف بأن في المباهلة نوع فضيلة لعلي.
وفيه رد على من يحاول إنكار ذلك.
ثم إن ابن تيمية ينكر دلالة الحديث على الإمامة مطلقا ، بكلام مضطرب مشتمل على التهافت ، وعلى جواب - قال الدهلوي عنه : - هو من كلام النواصب!!
* فأول شئ قاله هو : إن أحدا لا يساوي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم.
ونحن أيضا نقول : إن أحدا لا يساويه لولا الآية والأحاديث القطعية الواردة عنه ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : علي مني وأنا من علي ، وهو وليكم بعدي (1) وقوله - في قصة سورة البراءة - : لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني (2). ،
ص: 171
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم - لو فد ثقيف - لتسلمن أو لأبعثن
عليكم رجلا مني - أو قال : مثل نفسي - ليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم ، وليأخذن أموالكم قال عمر : فوالله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ ، فجعلت أنضب صدري رجاء أن يقول : هو هذا. فالتفت إلى علي فأخذ بيده وقال : هو هذا ، هو هذا (1).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم منزلا إياه منزلة نفسه : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرف له أبو بكر وعمر وغير هما ، كل يقول : أنا هو؟ قال : لا ثم قال : ولكن خاصف النعل وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها (2).
إلى غير ذلك من الأحاديث ، وقد سبق ذكر بعضها أيضا.
فإذا كان هذا قول الله وكلام الرسول ، فماذا نفعل نحن؟! * ثم إنه أنكر دلالة لفظ «الأنفس» على «المساواة» في لغة العرب ، فقال بأن المراد منه في الآية هو من يتصل بالقرابة ، واستشهد لذلك بآيات من القرآن.
لكن ماذا يقول ابن تيمية في الآيات التي وقع فيه المقابلة بين النفس والأقرباء كما في قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) (3) وقوله : (الذين خسروا أنفسهم 6.
ص: 172
وأهليهم) (1) فكذلك آية المباهلة.
غير أن النفس في الآيتين المذكورتين مستعملة في نفس الإنسان على وجه الحقيقة ، أما في آية المباهلة فهي مستعملة - لتعذر الحقيقة - على وجه المجاز لمن نزل بمنزلة النفس ، وهو علي عليه السلام ، للحديث القطعي الوارد في القضية.
* ثم إنه أكد كون أخذ الأربعة الأطهار عليهم السلام لمجرد القرابة ، بإنكار الاستعانة بهم في ادعاء ، فقال : لم يكن المقصود إجابة الدعاء ، فإن دعاء النبي وحده كاف!
لكنه اجتهاد في مقابلة النص ، فقد روى القوم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم : إذا أنا دعوت فأمنوا (2) ، وأنه قد عرف أسقف نجران
ذلك حيث قال : إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها أو : لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها (3).
* ثم قال ابن تيمية : لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة دعائه ، بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل ... فإن المقصود أن أولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعا كأبنائهم ونسائهم ورجالهم ....
وهذا كلام النواصب ... كما نص عليه الدهلوي في عبارته الآتية.
وحاصل كلامه : أنه إنما دعاهم لكونهم أقرباءه فقط ، على ما كان عليه المتعارف في المباهلة ، فلا مزية لمن دعاه أبدا ، فلا دلالة في الآية على مطلوب الشيعة أصلا ، لكنهم كالنصارى ...!! ة.
ص: 173
لكنه يعلم بوجود الكثيرين من أقربائه - من الرجال والنساء - وعلى رأسهم عمه العباس ، فلو كان التعبير بالنفس لمجرد القرابة لدعا العباس وأولاده وغير هم من بني هاشم!
فيناقض نفسه ويرجع إلى الاعتراف بمزية لمن دعاهم ، وأن المقام ليس مقام مجرد القرابة ...!! انظر إلى كلامه :
«ولم يكن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قد بقي من أعمامه إلا العباس ، والعباس لم يكن من السابقين الأولين ، ولا كان له به اختصاص كعلي ، وأما بنو عمه فلم يكن فيهم مثل علي ... فتعين علي رضي الله عنه. وكونه تعين للمباهلة إذ ليس في الأقارب من يقوم مقامه لا يوجب ... بل له بالمباهلة نوع فضيلة ....
إذن!! لا بد في المباهلة من أن يكون المباهل به صاحب مقام يمتاز به عن غيره ، ويقدمه على من سواه ، وقد ثبت ذلك لعلي عليه السلام بحيث ناسب أن يأمر الله رسوله بأن يعبر عنه لأجله بأنه نفسه ، وهذا هو المقصود من الاستدلال بالآية المباركة ، وبه يثبت المطلوب.
فانظر كيف اضطربت كلمات الرجل وناقض نفسه!!
* غير أنه بعد الاعتراف بالفضيلة تأبى نفسه السكوت عليها ، وإذ لا يمكنه دعوى مشاركة زيد وعمر وبكر ...!! معه فيها كما زعم ذلك في غير موضع من كتابه فيقول :
«وهي مشتركة بينه وبين فاطمة وحسن وحسين ....
وهكذا قال - في موضع من كتابه - حول آية التطهير لما لم يجد بدا من الاعتراف باختصاصها بأهل البيت ...
لكنه غفل أو تغافل أن هذه المشاركة لا تضر باستدلال الشيعة بل
ص: 174
تنفع ، إذ تكون الآية من جملة الدلائل القطعية بضعة النبي
فاطمة وولديه الحسنين عليهم السلام من سائر الصحابة عدا أمير المؤمنين عليه السلام - كما دل على ذلك حديث : فاطمة بضعة مني ... وقد بينا ذلك سابقا - فعلي هو الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم بالآية المباركة والحديث القطعي الوارد في شأن نزولها.
* وقال أبو حيان :
(ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم).
أي : يدع كل مني ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة. وظاهر هذا أن الدعاء والمباهلة بين المخاطب ب (قل) وبين من حاجه. وفسر على هذا الوجه (الأبناء) بالحسن والحسين ، وبنسائه فاطمة ، والأنفس بعلي.
قاله الشعبي. ويدل على أن ذلك مختص بالنبي مع من حاجه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص ، قال : لما نزلت هذه الآية (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي.
وقال قوم : المباهلة كانت عليه وعلى المسلمين ، بدليل ظهر قوله (ندع أبناءنا وأبناءكم) على الجمع ، ولما دعاهم دعا بأهله الذين في حوزته ، ولو عزم نصارى نجران على المباهلة وجاؤا لها لأمر النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم المسلمين أن يخرجوا بأهاليهم لمباهلته.
وقيل : المراد ب (أنفسنا) الإخوان. قاله ابن قتيبة. قال تعالى : (ولا تلمزوا أنفسكم) أي : إخوانكم.
وقيل : أهل دينه. قاله أبو سليمان الدمشقي.
ص: 175
وقيل : الأزواج.
وقيل : أراد القربة القريبة. ذكرهما علي بن أحمد النيسابوري.
... قال أبو بكر الرازي : وفي الآية دليل على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم.
وقال أبو أحمد ابن علان : كانا إذ ذاك مكلفين ، لأن المباهلة عنده لا تصح إلا من مكلف.
وقد طول المفسرون بما رووا في قصة المباهلة ، ومضمنها : أنه دعاهم إلى المباهلة وخرج بالحسن والحسين وفاطمة وعلي إلى الميعاد ، وأنهم كفوا عن ذلك ورضوا بالإقامة على دينهم ، وأن يؤدوا الجزية ، وأخبرهم أحبارهم أنهم إن باهلوا عذبوا وأخبر هو صلى الله عليه [وآله] وسلم أنهم إن باهلوا عذبوا ، وفي ترك النصارى الملاعنة لعلمهم بنبوته شاهد عظيم على صحة نبوته.
قال الزمخشري : فإن قلت ... (1).
أقول :
لعل تقديمه حديث مسلم عن سعد في أن المراد من (أنفسنا) هو علي عليه السلام ... يدل على ارتضائه لهذا المعنى ... لكن الحديث جاء في الكتاب محرفا بحذف علي!!
وليته لم يذكر الأقاويل الأخرى ، فإنها كلها هواجس نفسانية وإلقاءات شيطانه ، لا يجوز إيرادها بتفسير الآيات القرآنية. 0.
ص: 176
لكن يظهر منه الاعتماد على هذه الأقوال!! حين ينفي بها الاجماع على أن المراد من (أنفسنا) هو علي عليه السلام ، ليبطل استدلال الشيخ الحمصي بالآية على أفضلية الإمام على سائر الأنبياء ، كما سيأتي.
* وقال القاضي الإيجي وشارحه الجرجاني :
ولهم - أي للشيعة ومن وافقهم - فيه أي - في بيان أفضلية علي - مسلكان :
الأول : ما يدل عليه - أي على كونه أفضل - إجمالا ، وهو وجوه : الأول : آية المباهلة ، وهي قوله تعالى : (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم). وجه الاحتجاج : إن قوله تعالى : (وأنفسنا) لم يرد به نفس النبي ، لأن الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به علي ، دلت عليه الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة عند أهل النقل إنه عليه السلام دعا عليا إلى ذلك المقام ، وليس نفس علي نفس محمد حقيقة ، فالمراد المساواة في الفضل والكمال ، فترك العمل به في فضيلة النبوة وبقي حجة في الباقي ، فيساوي النبي في كل فضيلة سوى النبوة ، فيكون أفضل من الأمة.
وقد يمنع : إن المراد ب (أنفسنا) علي وحده ، بل جميع قراباته
وخدمه النازلون عرفان منزلة نفسه عليه السلام داخلون فيه ، تدل عليه صيغة
الجمع (1). 7.
ص: 177
أقول :
لا يخفى اعترافهما بدلالة الآية على الأفضلية ، وبكون علي في المباهلة ، «دلت عليه الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة عند أهل النقل» وبدلالة (أنفسنا) على «المساواة».
غير أنهما زعما دخول غيره معه في ذلك ، لكنهما قالا وقد يمنع وكأنهما ملتفتان إلى بطلان ما زعماه ، خصوصا كون المراد خدمه بالإضافة إلى جميع قراباته ، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخرج معه حتى عمه ، فكيف يكون المراد جميع قراباته وخدمه؟!!
* وقال ابن روزبهان :
كان عادة أرباب المباهلة أن يجمعوا أهل بيتهم وقراباتهم لتشمل البهلة سائر أصحابهم ، فجمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أولاده ونساءه ، والمراد بالأنفس هاهنا : الرجال ، كأنه أمر بأن يجمع نساءه وأولاده ورجال أهل بيته ، فكان النساء فاطمة والأولاد الحسن والحسين والرجال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وعلي.
وأما دعوى المساواة التي ذكرها فهي باطلة قطعا ، وبطلانها من ضروريات الدين ، لأن غير النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم من الأمة لا يساوي النبي أصلا ، ومن ادعى هذا فهو خارج عن الدين ، وكيف يمكن المساواة والنبي نبي مرسل خاتم الأنبياء أفضل أولي العزم ، وهذه الصفات كلها مفقودة في علي. نعم ، لأمير المؤمنين علي في هذه الآية
ص: 178
فضيلة عظيمة وهي مسلمة ، ولكن لا تصير دالة على النص بإمامته (1).
أقول :
وفي كلامه مطالب ثلاثة :
الأول : إن ما صنعه النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم إنما كان جريا على عادة أرباب المباهلة ...
وهذا كلام النواصب في الجواب عن هذه الآية ، كما نص عليه صاحب التحفة الاثنا عشرية ويرد عليه ما تقدم من أنه لو كان كذلك فلماذا لم يخرج العباس وبنيه وأمثالهم من الأقرباء؟ لكن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل على أن للمقام خصوصية ولمن دعاهم مراتب عند الله تعالى ، وليس جريا على عادة العرب في مباهلة البعض مع البعض.
والثاني : إن غير النبي من الأمة لا يساوي النبي أصلا.
وقد تقدم الجواب عنه عند الكلام مع ابن تيمية.
والثالث : إن لأمير المؤمنين في هذه الآية فضيلة عظيمة ، وهي مسلمة.
قلت : هي للأربعة كلهم لكن عليا أفضلهم ، فهو الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله : لكن لا تصير دالة على النص بإمامته.
قلت : إن الآية تدل على المساواة بينه وبين النبي في الكمالات الذاتية ، ولا أقل من كونها دالة على فضيلة عظيمة - باعترافه - غير حاصلة 2.
ص: 179
لخصومه ، فهو الأفضل ، فهو الإمام دون غيره بعد رسول الله.
* وقال عبد العزيز الدهلوي ما تعريبه :
ومنها آية المباهلة ، وطريق تمسك الشيعة بهذه الآية هو أنه لما نزلت (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم .. إلى آخرها) خرج رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم من
بيته ومعه علي وفاطمة وحسن وحسين ، فالمراد من (أبناءنا) الحسن والحسين ، ومن (أنفسنا) الأمير ، وإذا صار نفس الرسول - وظاهر أن المعنى الحقيقي لكونه نفسه محال - فالمراد هو المساوي ، ومن كان مساويا لنبي عصره كان بالضرورة أفضل وأولى بالتصرف من غيره لأن المساوي للأفضل الأولى بالتصرف أفضل وأولى بالتصرف ، فيكون إماما ، إذ لا معنى للإمام إلا الأفضل الأولى بالتصرف.
هذا بيان وجه الاستدلال ، ولا يخفى أنه بهذا التقريب غير موجود في كلام أكثر علماء الشيعة ، فلهذه الرسالة الحق عليهم من جهة تقريرها وتهذيبها لأكثر أدلتهم ، ومن شك في ذلك فلينظر إلى كتبهم ليجد كلماتهم متشتتة مضطربة قاصرة عن إفادة مقصدهم.
وهذه الآية في الأصل من جملة دلائل أهل السنة في مقابله النواصب ، وذلك لأن أخذ النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم الأمير وأولئك الأجلة معه ، وتخصيصهم بذلك دون غيرهم يحتاج إلى مرجح ، وهو لا يخلو عن أمرين :
فإما لكونهم أعزة عليه ، وحينئذ يكون إخراجهم للمباهلة - وفيهما بحسب الظاهر خطر المهلكة ، موجبا لقوة وثوق المخالفين بصدق نبوته
ص: 180
وصحة ما يخبر به عن عيسى وخلقته ، إذ العاقل ما لم يكن جازما بصدق دعواه لا يعرض أعزته إلى الهلاك والاستئصال.
وهذا الوجه مختار أكثر أهل السنة والشيعة ، وهو الذي ارتضاه عبد الله المشهدي في إظهار الحق ، فدلت الآية على كون هؤلاء الأشخاص أعزة على رسول الله ، والأنبياء مبرأون عن الحب والبغض النفسانيين ، فليس ذلك إلا لدينهم وتقواهم وصلاحهم ، فبطل مذهب النواصب القائلين بخلاف ذلك.
وإما لكي يشاركونه في الدعاء على كفار نجران ، ويعينونه بالتأمين على دعائه عليهم فيستجاب بسرعة ، كما يقول أكثر الشيعة وذكره عبد الله المشهدي أيضا ، فتدل الآية - بناء عليه كذلك - على علو مرتبتهم في الدين وثبوت استجابة دعائهم عند الله.
وفي هذا أيضا رد على النواصب.
وقد قدح النواصب في كلا الوجهين وقالوا بأن إخراجهم لم يكن لشئ منهما ، وإنما كان لإلزام الخصم بما هو مسلم الثبوت عنده ، إذ كان مسلما عند المخالفين - وهم الكفار - أن البهلة لا تعتبر إلا بحضور الأولاد والختن والحلف على هلاكهم ، فلذا أخرج النبي أولاده وصهره معه ليلزمهم بذلك.
وظاهر أن الأقارب والأولاد - كيفما كانوا - يكونون أعزة على الإنسان في اعتقاد الناس وإن لم يكونوا كذلك عند الإنسان نفسه ، على ذلك أنه لو كان هذا النوع من المباهلة حقا عنده صلى الله عليه (وآله) وسلم لكان سائغا في الشريعة ، والحال أنه ممنوع فيها. فظهر أن ما صنعه إنما كان إسكاتا للخصم.
ص: 181
وعلى هذا القياس يسقط الوجه الثاني أيضا ، فإن هلاك وفد نجران لم يكن من أهم المهمات ، فقد مرت عليه حوادث كانت أشد وأشق عليه من هذه القضية ولم يستعن في شئ منها في الدعاء بهؤلاء ، على أن من المتفق عليه استجابة دعاء النبي فسي مقابلته مع الكفار ، وإلا يلزم تكذيبه ونقض الغرض من بعثته.
فهذا كلام النواصب ، وقد أبطله - بفضل الله تعالى - أهل السنة بما لا مزيد عليه كما هو مقرر في محله ولا نتعرض له خوفا من الإطالة.
وعلى الجملة فإن آية المباهلة هي في الأصل رد على النواصب ، لكن الشيعة يتمسكون بها في مقابلة أهل السنة ، وفي تمسكهم بها وجوه من الإشكال :
أما أولا : فلأنا لا نسلم أن المراد (بأنفسنا) هو الأمير ، بل المراد نفسه الشريفة ، وقول علمائهم في إبطال هذا الاحتمال بأن الشخص لا يدعو نفسه غير مسموع ، إذ قد شاع وذاع في القديم والحديث دعته نفسه إلى كذا ودعوت نفسي إلى كذا (فطوعت له نفسه قتل أخيه) وأمرت نفسي شاورت نفسي إلى غير ذلك من الاستعمالات الصحيحة الواقعة في كلام البلغاء. فيكون حاصل (ندع أنفسنا) : نحضر أنفسنا.
وأيضا : فلو قررنا الأمير من قبل النبي مصداقا لقوله (أنفسنا) فمن نقرره من قبل الكفار مع أنهم مشتركون في صيغة (ندع). إذ لا معنى لدعوة النبي إياهم وأبناءهم بعد قوله : (تعالوا).
فظهر أن الأمير داخل في (أبناءنا) - كما أن الحسنين غير داخلين
في الأبناء حقيقة وكان دخولهما حكما - لأن العرف يعد الختن ابنا ، من غير ريبة في ذلك.
ص: 182
وأيضا : فقد جاء لفظ النفس بمعنى القريب والشريك في الدين والملة ومن ذلك قوله تعالى : (يخرجون أنفسهم من ديارهم) أي : أهل دينهم .. (ولا تلمزوا أنفسكم) .. (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون المؤمنات بأنفسهم خيرا) فلما كان للأمير اتصال بالنبي صلى الله عليه
(وآله) وسلم في النسب والقرابة والمصاهرة واتحاد في الدين والملة ، وقد كثرت معاشرته والألفة معه حتى قال : علي مني وأنا من علي كان التعبير عنه بالنفس غير بعيد ، فلا تلزم المساواة كما لا تلزم في الآيات المذكورة.
وأما ثانيا : فلو كان المراد مساواته في جميع الصفات ، يلزم الاشتراك في النبوءة والخاتمية والبعثة إلى كافة الخلق ، والاختصاص بزيادة النكاح فوق الأربع ، والدرجة الرفيعة في القيامة ، والشفاعة الكبرى والمقام المحمود ، ونزول الوحي ، وغير ذلك من الأحكام المختصة بالنبي ، وهو باطل بالإجماع.
ولو كان المراد المساواة في البعض ، لم يحصل الغرض ، لأن المساواة في بعض صفات الأفضل والأولى بالتصرف لا تجعل صاحبها أفضل وأولى بالتصرف ، وهو ظاهرا جدا.
وأيضا : فإن الآية لو دلت على إمامة الأمير لزم كونه إماما في زمن النبي وهو باطل بالاتفاق ، فإن قيد بوقت دون وقت - مع أنه لا دليل عليه في اللفظ - لم يكن مفيدا للمدعى ، لأن أهل السنة أيضا يثبتون إمامته في وقت من الأوقات (1). ة.
ص: 183
أقول :
وفي كلامه مطالب :
1 - دعوى أن التقريب الذي ذكره للاستدلال بالآية غير وارد في أكثر كتب الشيعة ، قال : وكذلك الأدلة الأخرى غالبا ، ....
وأنت ترى كذب هذه الدعوى بمراجعتك لوجه الاستدلال في بحثنا هذا ، إذ تجد العبارة مذكورة في كتب أصحابنا إما باللفظ وإما بما يؤدي معناه فلا نطيل.
2 - نسبة المناقشة في دلالة الآية المباركة. بما ذكره إلى النواصب ، وأن أهل السنة يدافعون عن أهل البيت في قبال أولئك ...
وقد وجدنا ما عزاه إلى النواصب في كلام ابن تيمية وابن روزبهان ، في ردهما على العلامة الحلي ، فالحمد لله الذي كشف عن حقيقة حالهم بما أجراه على لسانهم ...
3 - عدم التسليم بأن المراد من (أنفسنا) هو علي بل المعنى : نحصر أنفسنا واستشهد - في الرد على قول الإمامية بأن الشخص لا يدعو نفسه - بعبارات سائغة في كلام العرب في القديم والحديث كما قال.
ونحن لا نناقشه في المعاني المجازية لتلك العبارات ، ونكتفي بالقول - مضافا إلى اعتراف غير واحد من أئمة القوم بأن الإنسان الداعي إنما يدعو غيره لا نفسه (1) - بأن الأحاديث القطعية عند الفريقين دلت على أن المراد من (أنفسنا) هو علي عليه السلام ، فما كره يرجع في الحقيقة إلى عدم 4.
ص: 184
التسليم بتلك الأحاديث وتكذيب رواتها ومخرجيها ، وهذا ما لا يمكنه الالتزام به.
4 - إدخال علي عليه السلام في (أبناءنا) ..!!
وفيه : أنه مخالف للنصوص
ولا يخفى أنه محاولة لإخراج الآية عن الدلالة على كون علي نفس النبي ، لعلمه بالدلالة حينئذ على المساواة ، وإلا فإدخاله في (أبناءنا) أيضا اعتراف بأفضليته!!
واستشهاده بالآيات مردود بما عرفت في الكلام مع ابن تيمية.
على أنه اعترف بحديث علي مني وأنا من علي وهو مما لا يعترف به ابن تيمية وسائر النواصب.
5 - رده على المساواة بأنه : إن كان المراد المساواة في جميع الصفات ، يلزم المساواة بين علي والنبي في النبوة والرسالة والخاتمية والبعثة إلى الخلق كافة ونزول الوحي ... وإن كان المراد المساواة في بعض الصفات فلا يفيد المدعى ...
قلنا : المراد هو الأول ، إلا النبوة ، والأمور التي ذكرها من الخاتمية والبعثة ... كلها من شؤون النبوة ...
فالآية دالة على حصول جميع الكمالات الموجودة في النبي في شخص علي ، عدا النبوة ، وقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي : يا علي! ما سألت الله شيئا إلا سألت لك مثله ، ولا سألت الله شيئا إلا أعطانيه ، غير إنه قيل لي : أنه لا نبي بعدك (1).7.
ص: 185
6 - وبذلك يظهر أنه عليه السلام كان واجدا لحقيقة الإمامة - وهو وجوب الطاعة المطلقة ، والأولوية التامة بالنسبة للأمة - في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إلا أنه كان تابعا للنبي مطيعا له إطاعة وانقيادا لم يحدثنا التاريخ به عن غيره على الاطلاق.
فسقط قوله أخيرا : فإن الآية لو دلت على إمامة الأمير ...
* والآلوسي :
انتحل كلام الدهلوي ، بلا زيادة أو نقصان ، كبعض الموارد الأخرى ، وجوابه جوابه ، فلا نكرر.
* وقال الشيخ محمد عبده :
إن الروايات متفقة على أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم اختار للمباهلة عليا وفاطمة وولديها ، ويحملون كلمة (نساءنا) على فاطمة ، وكلمة (أنفسنا) على علي فقط.
ومصادر هذه الروايات الشيعة ، ومقصدهم منها معروف ، وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتى راجت على كثير من أهل السنة ، ولكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية ، فإن كلمة (نساءنا) لا يقولها العربي ويريد بها بنته ، لا سيما إذا كان له أزواج ، ولا يفهم هذا من لغتهم وأبعد من ذلك أن يراد ب (أنفسنا) علي - عليه الرضوان -.
ثم إن وفد نجران الذين قالوا إن الآية نزلت فيهم لم يكن معهم
ص: 186
نساؤهم وأولادهم (1).
أقول :
وفي هذا الكلام إقرار ، وادعاء ، مناقشة عن عناد.
أما الاقرار ، فقوله : إن الروايات متفقة ... فالحمد لله على أن بلغت الروايات في القضية من الكثرة والقوة حدا لا يجد مثل هذا الرجل بدا من أن يعترف بالواقع والحقيقة.
لكنه لما رأى أن هذا الاقرار يستلزم الالتزام بنتيجة الآية المباركة والروايات الواردة فيها وهذا ما لا تطيقه نفسه!! عاد فزعم أمرا لا يرتضيه عاقل فضلا عن فاضل!
أما الادعاء ، فقال : مصادر هذه الروايات الشيعة ... وقد اجتهدوا في ترويجها ...
لكنه يعلم - كغيره - بكذب هذه الدعوى ، فمصادر هذه الروايات القطعية - وقد عرفت بعضها - ليست شيعية. ولما كانت دلالتها واضحة والمقصد منها معروف ، عمد إلى المناقشة بحسب اللغة ، وزعم أن العربي لا يتكلم هكذا.
وما قاله محض استبعاد ولا وجه له إلا العناد! لأنا لا نحتمل أن يكون هذا الرجل جاهلا بأن لفظ النساء يطلق على غير الأزواج كما في القرآن الكريم وغيره ، أو يكون جاهلا بأن أحدا لم يدع استعمال اللفظ المذكور 2.
ص: 187
في خصوص فاطمة وأن أحدا لم يدع استعمال (أنفسنا) في علي عليه السلام.
إن هذا الرجل يعلم بأن الروايات صحيحة وواردة من طرق القوم أنفسهم ، والاستدلال قائم على أساسها ، إذ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل عليا فقط المصداق ل (أنفسنا) وفاطمة فقط المصداق ل- (نساءنا) وقد كان له أقرباء كثيرون وأصحاب لا يحصون ... كما كان له أزواج عدة ، والنساء في عشيرته وقومه كثرة.
فلا بد أن يكون ذلك مقتضيا لتفضيل علي عليه السلام على غيره من أفراد الأمة ، وهذا هو المقصود.
تكميل :
وأما تفضيله - بالآية - على سائر الأنبياء عليهم السلام - كما عن الشيخ محمود بن الحسن الحمصي - فهذا هو الذي انتقده الفخر الرازي ، وتبعه النيسابوري ، وأبو حيان الأندلسي :
* قال الرازي - بعد أن ذكر موجز القصة ، ودلالة الآية علمي أن الحسنين ابنا رسول الله - :
«كان في الري رجل يقال له : محمود بن الحسن الحمصي ، وكان معلم الاثني عشرية (1) وكان يزعم أن عليا رضي الله عنه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد عليه السلام ، قال : والذي يدل عليه قوله تعالى : م.
ص: 188
(وأنفسنا وأنفسكم) وليس المراد بقوله (وأنفسنا) نفس محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم ، لأن الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به غيره ، وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه فدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد ، ولا يمكن أن يكون المراد منه أن هذه النفس هي عين تلك النفس ، فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس ، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه ، ترك العمل بهذا العموم في حق النبوة وفي حق الفضل ، لقيام الدلائل على أن محمدا عليه السلام كان نبيا
وما كان علي كذلك ، ولانعقاد الاجماع على أن محمدا عليه السلام كان أفضل من علي ، فيبقى فيما وراءه معمولا به.
ثم الاجماع دل على أن محمدا عليه السلام كان أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام ، فيلزم أن يكون علي أفضل من سائر الأنبياء.
فهذا وجه الاستدلال بظاهر هذه الآية.
ثم قال : ويؤيد الاستدلال بهذه الآية : الحديث المقبول عند الموافق. والمخالف وهو قوله عليه السلام : من أراد أن يرى آدم في علمه ، ونوحا في طاعته ، وإبراهيم في خلته ، وموسى في هيبته ، وعيسى في صفوته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.
فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم ، وذلك يدل على أن عليا رضي الله عنه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم.
وأما سائر الشيعة فقد كانوا - قديما وحديثا - يستدلون بهذه الآية على أن عليا رضي الله عنه مثل نفس محمد عليه السلام إلا في ما خصه الدليل ،
ص: 189
وكان نفس محمد أفضل من الصحابة ، فوجب أن يكون نفس علي أفضل من سائر الصحابة.
هذا تقرير كلام الشيعة.
والجواب : إنه كما انعقد الاجماع بين المسلمين على أن محمدا عليه السلام أفضل من علي ، فكذلك انعقد الاجماع بينهم - قبل ظهور هذا الإنسان - على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي ، وأجمعوا على أن عليا ما كان نبيا ، فلزم القطع بأن ظاهر الآية كما أنه مخصوص في حق محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم ، فكذلك مخصوص في حق سائر الأنبياء عليهم السلام. انتهى (1).
* وكذا قال النيسابوري ، وهو ملخص كلام الرازي ، على عادته ، وقد تقدم نص ما قال.
* وقال أبو حيان ، بعد أن ذكر كلام الزمخشري في الآية المباركة : ومن أغرب الاستدلال ما استدل به محمد (2) بن علي الحمصي ... فذكر الاستدلال ، ثم قال : وأجاب الرازي : بأن الاجماع منعقد على أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم أفضل ممن ليس بنبي ، وعلي لم يكن نبيا ، فلزم القطع بأنه مخصوص في حق جميع الأنبياء.
قال : وقال الرازي : استدلال الحمصي فاسد من وجوه :
منها قوله : (إن الإنسان لا يدعو نفسه) بل يجوز للإنسان أن يدعو نفسه ، تقول العرب : دعوت نفسي إلى كذا فلم تجبني ، وهذا يسميه أبو علي بالتجريد. د.
ص: 190
ومنها قوله : (وأجمعوا على أن الذي هو غيره هو علي) ليس بصحيح ، بدليل الأقوال التي سيقت في المعني بقوله : (وأنفسنا).
ومنها قوله : (فيكون نفسه مثل نفسه) ولا يلزم المماثلة أن تكون في جميع الأشياء ، بل تكفي المماثلة في شئ ما ، هذا الذي عليه أهل اللغة ، لا الذي يقوله المتكلمون من أن المماثلة تكون في جميع صفات النفس ، هذا اصطلاح منهم لا لغة ، فعلى هذا تكفي المماثلة في صفة واحدة ، وهي كونه من بني هاشم ، والعرب تقول : هذا من أنفسنا ، أي : من قبيلتنا.
وأما الحديث الذي استدل به فموضوع لا أصل له (1).
أقول :
ويبدو أن الرازي هنا وكذا النيسابوري أكثر إنصافا للحق من أبي حيان لأنهما لم يناقشا أصلا في دلالة الآية المباركة والحديث القطعي على أفضلية علي عليه السلام على سائر الصحابة.
أما في الاستدلال بها على أفضليته على سائر الأنبياء فلم يناقشا بشئ من مقدماته إلا أنهما أجابا بدعوى الاجماع من جميع المسلمين - قبل ظهور الشيخ الحمصي - على أن الأنبياء أفضل من غيرهم.
وحينئذ يكفي في ردهما نفي هذا الاجماع ، فإن الإمامية - قبل الشيخ الحمصي وبعده - قائلون بأفضلية علي والأئمة من ولده ، على جميع الأنبياء عدا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، ويستدلون لذلك بوجوه من الكتاب 0.
ص: 191
والسنة ، أما من الكتاب فالآية المباركة ، وأما من السنة فالحديث الذي ذكره الحمصي ...
وقد عرفت أن الرازي والنيسابوري لم يناقشا فيهما.
ومن متقدمي الإمامية القائلين بأفضلية أمير المؤمنين على سائر الأنبياء هو : الشيخ المفيد ، المتوفى سنة 413 ، وله في ذلك رسالة ، استدل فيها بآية المباهلة ، واستهل كلامه بقوله : فاستدل به من حكم لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بأنه أفضل من سالف الأنبياء عليهم السلام وكافة الناس سوى نبي الهدى محمد عليه وآله السلام بأن قال ... وهو صريح في أن هذا قول المتقدمين عليه (1).
فظهر سقوط جواب الرازي ومن تبعه.
لكن أبا حيان نسب إلى الرازي القول بفساد استدلال الحمصي من وجوه - ولعله نقل هذا من بعض مصنفات الرازي غير التفسير - فذكر ثلاثة وجوه :
أما الأول : فبطلانه ظاهر من غضون بحثنا ، على أن الرازي قرره ولم يشكل عليه ، فإن كان ما ذكره أبو حيان من الرازي حقا فقد ناقض نفسه.
وأما الثاني : فكذلك ، لأنها أقوال لا يعبأ بها ، إذ الموجود في صحيح مسلم ، وجامع الترمذي ، وخصائص النسائي ، ومسند أحمد ، ومستدرك الحاكم ... وغيرها ... أن الذي هو غيره هو علي لا سواه ... وهذا هو القول المتفق عليه بين العامة والخاصة ، وهم قد ادعوا الاجماع - من السلف والخلف - على أن صحيحي البخاري ومسلم أصح الكتب بعد القرآن ، د.
ص: 192
ومنهم من ذهب إلى أن صحيح مسلم هو الأصح منهما.
وأما الثالث : فيكفي في الرد عليه ما ذكره الرازي في تقرير كلام الشيعة في الاستدلال بالآية المباركة ، حيث قال : وذلك يقتضي الاستواء من جميع الوجوه ... فإن كان ما ذكره أبو حيان من الرازي حقا فقد ناقض نفسه.
على أنه إذا كان تكفي المماثلة في صفة واحدة ، وهي كونه من بني هاشم فلماذا التخصيص بعلي منهم دون غيره؟!
بقي حكمه بوضع الحديث الذي استدل به الحمصي ، وهذا حكم لا يصدر إلا من جاهل بالأحاديث والآثار ، أو من معاند متعصب لأنه حديث متفق عليه بين المسلمين ، ومن رواته من أهل السنة : عبد الرزاق بن همام ، وأحمد بن حنبل ، وأبو حاتم الرازي ، والحاكم النيسابوري ، وابن مردويه ، والبيهقي ، وأبو نعيم ، والمحب الطبري ، وابن الصباغ المالك ي ، وابن المغازلي الشافعي ... (1).
هذا تمام الكلام على آية المباهلة. وبالله التوفيق.
للبحث صلة ... ى.
ص: 193
السيد ثامر هاشم حبيب العميدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
تمهيد :
إن السنة النبوية - قولا ، وفعلا ، وتقريرا - هي صنو القرآن الكريم وتالية له ، فالقرآن الكريم يشرع الأصول والقوانين ، ويؤسس القواعد الكلية للأحكام والأخلاق والآداب ، بل لكل ما يتصل بعلوم الدين ومعارفه ومناهجه التربوية والاجتماعية ، والسنة المطهرة تتناول تلك الأصول والقواعد فتفصلها ، وتوضح مبهماتها ، وتحل متشابهاتها ، وتبين مجملاتها ، مع ما تفرعه عليها ، بحيث لم تدع ملحظا كليا أو جزئيا له صلة بالفرد أو المجتمع إلا وقد بينت حكمه وأرشدت إليه بكل دقة وتفصيل ، وبشكل يستحيل معه رفع اليد عن السنة النبوية في فهم القرآن الكريم.
ص: 194
وعليه ، فمحاولة فصل السنة عن القرآن الكريم : هي بمثابة الإعراض عن كتاب الله عزوجل ، والتعبير عن اللا مبالاة بتعاليمه الآمرة بالأخذ بمدلول السنة الشريفة : (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (1).
وعلى الرغم من وضوح هذه الحقيقة إلا أن محاولات فصل السنة عن القرآن الكريم قد وجدت لها الأعذار من الشريعة نفسها ، واختلقت لها المبررات التي سنقف عندها لنرى مدى صدقها وانطباقها مع أسباب ودوافع منع تدوين الحديث الشريف ، الذي ظهر بعيد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم اتخذ المنع عن كتابة الحديث منهجا سياسيا طيلة قرن من الزمان ، بعدما كان تعاطي الحديث ونشره من قبل الصحابة أمرا طبيعيا جدا في العهد النبوي ، بل تقتضيه طبيعة رسالة الإسلام في كل حين ، لعالميتها (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (2).
نعم ، لم يمنع أحد من كتابة الحديث الشريف في العهد النبوي الشريف ، كما تدل عليه جميع الدراسات الموضوعية الخاصة بدراسة تاريخ السنة المطهرة ومراحل تدوين الحديث ، فقد جمعت تلك الدراسات أسماء المدونين والمدونات الحديثية في العهد النبوي ، وبشكل ملفت للنظر ، لكثرتها في ذلك العصر المتقدم من عمر الإسلام ، بخلاف ما قد يظن من ندرتها تبعا لظروف التدوين وندرة وسائله حينذاك ، مع استقراء الروايات الدالة على إباحة التدوين.
وأما الروايات المخالفة لذلك ، بنسبة المنع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهي 7.
ص: 195
مكذوبة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا أصل لها في واقع التشريع ، ويكذبها القرآن الكريم ، وتشن السنة المطهرة - نفسها - حربا شعواء على تلك الروايات وتدفعها ، لمخالفتها الصريحة لتطلعات دين الإسلام نحو الكتابة والتعلم والسعي في طلبه ، وبيان فضله حتى ورد في الخبر : «عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد» (1) و «لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج» (2) ، فضلا عن مخالفتها لمقتضيات العقل السليم ، وطبيعة الحضارات في كل زمان ومكان.
غاية ما في الأمر .. أنه - وبعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) - مر حديثه الشريف بأزمة خانقة ، ومواقف سلبية أدت إلى الحظر عليه رواية ، ومنعه تدوينا ، حتى اتسمت تلك المواقف بتصرفات شاذة ، كحرقهم صحائف الحديث الشريف ، ودفنهم كتبه ، وحبس الصحابة في مركز الخلافة خوفا من تفشي الحديث خارج المدينة المنورة ، مع النهي العام عن تعاطي الحديث رواية وتدوينا!!
لقد تركت تلك المواقف آثارها السيئة على واقع الحديث ، إذ غيرت السنة ، ومحقت الشريعة ، وذلك بتمهيد السبل أمام الأيدي الآثمة من الزنادقة ، وأهل الأهواء ، لأن تعبث بالحديث الشريف ، فتضع ما شاء لها الهوى لا سيما من تقرب إلى بلاط الأمويين باختلاق الروايات التي تؤيد عروشهم ، وتنال من خصومهم السياسيين ، كما تشهد عليه الكتب المؤلفة في الموضوعات والوضاعين.
وبدلا من أن تجتمع الكلمة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على صيانة م.
ص: 196
حديثه الشريف من عبث العابثين ، حدث العكس تماما! كما سنرى في المواقف الحكومية الأولى من تدوين الحديث الشريف وهو المبحث الأول.
* * *
ص: 197
المواقف الحكومية الأولى
من تدوين الحديث الشريف
في تاريخ الحديث الشريف موقفان متعارضان ، تميز أحدهما بالتزام تدوين الحديث الشريف والحفاظ عليه ، ويمثله أهل البيت (عليهم السلام) ، وشيعتهم كما سيتضح في ما بعد.
وتميز الآخر - وهو الخط الحاكم الذي برز بعد أحداث السقيفة وامتد إلى زمان عمر بن عبد العزيز الأموي (ت 101 ه) - بمواقف سلبية متطرفة جدا ، حتى منع الحديث رواية وتدوينا ، واتخذ المنع صفته الرسمية طيلة تلك الفترة ، وسنبتدئ بدراستها وتقييمها على النحو الآتي :
موقف أبي بكر من الحديث الشريف :
عن عائشة ، قالت : جمع أبي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت خمسمائة حديث ، فبات ليلته يتقلب ... فلما أصبح قال : أي بنية ، هلمي الأحاديث التي عندك. قالت : فجئته بها ، فدعا بنار فحرقها! فقلت : لم أحرقتها؟!
قال : خشيت أن أموت وهي عندي ، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت [به] ، ولم يكن كما حدثني ، فأكون قد نقلت ذلك (1)!!ر.
ص: 198
ويلاحظ هنا :
إن تصرف أبي بكر بجمع خمسمائة حديث شاهد على عدم وجود النهي السابق بشأن تدوين الحديث ، وإلا لكان ذلك الجمع مخالفا للنهي عنه.
كما إن تعليله إحراق الأحاديث بالنار لم يستند على نهي سابق عن التدوين ، بل كان لأجل خشيته من عدم مطابقة تلك الأحاديث للواقع ، وخوفه من المشاركة في حمل أوزارها.
وهذا مما لا يمكن قبوله للأسباب التالية :
1 - إن من كان مثل أبي بكر لا يحتاج إلى مثل هذه الطريقة في جمع الأحاديث قطعا ، إذ بإمكانه - وهو الخليفة المطاع أمره - أن يوعز إلى كبار الصحابة وأجلائهم وحفاظهم بذلك ، ويوكل لهم أمر التحري عن صدق ما يتناقله الناس من الحديث في عصره ، ويوكل إليهم مهمة الجمع على غرار ما يروى من أنه جمع المصحف الشريف ، ودون بإشرافه.
2 - لو تنزلنا عن ذلك ، فإنه لا يحتاج إلى الواسطة في رواية خمسمائة حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بالقياس إلى فترة إسلامه المبكر ، ومن غير المعقول أن لا تكون لأبي بكر مسموعات بلا واسطة من ضمن المقدار الذي جمعه ، إذ من البعيد جدا أن يترك ما سمعه بنفسه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقتصر على ما سمعه بالواسطة!
فظاهر الحال أنه أحرق مسموعاته ومسموعات غيره ، ولا أجد - مع هذا الفرض المقبول - تعليلا في تكذيب الرجل نفسه ، ليسوغ له إحراق ما
ص: 199
سمعه بأذنه.
3 - إنه صرح بوثاقة الناقل وأمانته في تأدية الحديث ، وعليه فلا معنى للشك في صدقه أو التأمل في وثاقته ، ولا يبرر هذا الشك حرق الأحاديث ، على أنه يمكن له التأكد من سلامتها بعرضها على مجموع الصحابة ، فإن شهدوا بكذبها جميعا فعليه التشهير بناقلها وتأديبه كما يقتضيه واجبه الشرعي ، وإن قالوا بصحتها فيمضي ما جمعه بلا إحراق ، ليكون سنة حسنة تقتفى من بعده.
كل هذا يدل على أن وراء حرق الأحاديث سبب غير معلن ، لعدم قبول الأسباب المعلنة عقلا.
وفي «تذكرة الحفاظ» في ترجمة أبي بكر ، إنه جمع الناس بعد وفاة نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال لهم : «إنكم تحدثون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه» (1).
وفيه :
إنه عبر عن رغبته في عدم انتشار الحديث ، فنهى عنه بذريعة الاختلاف! ويرد عليه ما أوردناه سابقا من إمكانية إزالة أسباب الاختلاف الحاصل في الأحاديث بيسر وسهولة قبل أن تتفاقم بعده ، أما تركها على ما هي عليه من الاختلاف ، والاكتفاء بمجرد النهي ، فليس هو الحل الإسلامي الذي ينبغي أن يصار إليه. 1.
ص: 200
ومن ثم فإن نهيه عن التحديث المعلل بوقوع الاختلاف ، لو تم لزم منه أن يطرد النهي لاطراد العلة ، حتى يشمل النهي القراءات المختلفة للقرآن الكريم التي كانت معروفة في عصره ، وهي لا تقل خطرا عن اختلاف الحديث.
ثم كيف نجد التكييف الشرعي لهذا التصرف مع قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فحفظها ، فبلغها عني»؟! وقوله الكريم بعد كثير من إرشاداته وتبليغاته : «فليبلغ الشاهد الغائب»؟!
على أن هذا الموقف العجيب من السنة المطهرة ، قد نهى عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، منبها على كونه وشيك الوقوع ، أي : قريبه ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله عزوجل ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه!! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله» (1).
وقد علمت من أقدم على حرق الأحاديث ، وقال مخاطبا أهلها : «بيننا وبينكم كتاب الله»!
موقف عمر من تدوين الحديث الشريف :
لقد استمر المنع من الحديث رواية وتدوينا في عهد أبي بكر ، ولما ن.
ص: 201
استخلف عمر بعهد الخلافة إليه ، جرى عمر على سيرته حذو النعل بالنعل ، وفاقه في تعميم المنع الصريح من الحديث رواية وتدوينا على جميع الأمصار الإسلامية.
فعن عروة بن الزبير قال : «إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأشاروا عليه أن يكتبها ، فطفق عمر يستخير الله شهرا ، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له ، فقال : إني كنت أردت أن أكتب السنن ، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها ، فتركوا كتاب الله تعالى ، وإني - والله - لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا» (1).
ثم كتب - عمر على أثر ذلك - إلى المسلمين في جميع الأمصار الإسلامية : «من كان عنده منها - أي : السنن - شئ فليمحه» (2).
كما إنه علم بوجود بعض المدونات الحديثية في أيدي الصحابة ، فأمر أن يأتوه بها ، فجاءوا بها إليه وظنوا أنه يقومها من الاختلاف ثم يدونها في كتاب واحد ، لكنه أحرقها بالنار ثم قال : «أمنية كأمنية أهل الكتاب» (3).
الاقتداء بسنة عمر :
سار عثمان ومن والاه على طريقة عمر ، ورأينا في عهدهما جملة من الصحابة كانوا يميثون صحائف الحديث المدونة بالماء ، ويدفنون كتب الحديث المدونة تحت التراب! بلا حجة ولا مبرر معقول سوى أمر السلطة 3.
ص: 202
واجتهادها في إبادة حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولقد تعجب ابن الجوزي - وحقه أن يتعجب - من هذا الصنيع الشاذ ، فوصفه بأنه عناد عظيم للشريعة فقال : «فما عوندت الشريعة بمثل هذا» (1) ، وأما عن دفن الكتب ، فقد قال أحمد بن حنبل : «لا أعلم لدفن الكتب معنى» (2).
ثم استمر منع الحديث كما يقول أبو زهو : «وقد تتابع الخلفاء على سنة عمر .. فلم يشأ أحد منهم أن يدون السنن ، ولا أن يأمر الناس بذلك حتى جاء عمر بن عبد العزيز» (3).
أقول :
إن جميع من تعرض لدراسة تاريخ السنة ومراحل تدوين الحديث الشريف فصل موقف عثمان الموافق لمن سبقه بشأن الحديث وموقف معاوية المتشدد إزاء كل حديث يروى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) أو في أهل البيت (عليهم السلام) وتابعه ملوك الأمويين إلى زمان عمر بن عبد العزيز الأموي.
وقد ارتأينا عدم الخوض في مواقف السلطة في تلك الحقبة الزمنية والاكتفاء بموقف من ذكرنا إزاء الحديث رواية وتدوينا اختصارا للكلام ومراعاة لحجم البحث ، مع فسح المجال لحديث أهم في صفحاته اللاحقة.
غير إنه لا بد من التذكير بتعرض بعض الصحابة بعد وفاة الرسول إلى 6.
ص: 203
الاستدعاء الرسمي من قبل المانعين الأوائل لكي يعلموا جيدا اتجاه السلطة ورغبتها في أن لا يشيع الحديث بين الناس ، وقد استجابوا للسلطة على ذلك ، كأبي هريرة ، وأبي مسعود ، وابن مسعود ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي بن كعب ، وأبي الدرداء ، بل وقد تعرض بعضهم إلى الإهانة من قبل السلطة مع تهديدها المباشر لهم إن لم يكفوا عن إشاعة الحديث الشريف (1)!!
حجج المانعين عن التدوين :
لم تكن لدى المانعين حجة شرعية يستندون إليها في مقام منع تدوين الحديث ، ولكن اختلقت لهم بعض الحجج في ذلك بنسبة المنع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مع أن أحدا من المانعين لم ينسب المنع قط إلى الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مع كونهم أقرب الناس إلى عصر التشريع ، وفي ذلك دليل على اختلاق تلك الروايات وافتعالها لصيانة الواقع التاريخي الذي ساد ، وحفظ كرامة السلف الماضين.
ومن تلك الروايات ، ما رووه عن أبي سعيد الخدري أنه قال : «قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن ، فمن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه» (2).
وهذا الحديث باطل من وجوه :
أما من حيث السند ، فقد حكم الحفاظ بأنه من الموقوفات على أبي د.
ص: 204
سعيد الخدري ، وليس من المرفوعات حتى يصح الاحتجاج به.
وأما من حيث الدلالة ، فلم يتفق لأحد من علماء الحديث عند العامة أن فهم منه المنع العام عن تدوين الحديث ، بل حمل على المنع عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة ، خوف اختلاطهما على غير العارف في صدر الإسلام.
ويكفي أن مسلما - صاحب «الصحيح» - أورده في باب التثبت في الحديث ، وعنوان الباب صريح بأن مسلما فهم منه مجرد المحافظة على الحديث.
كما قيل بشذوذ الحديث أيضا (1).
ومنها أيضا ، ما رووه عن أبي سعيد كذلك من أنه استأذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتابة الحديث فلم يأذن له (2).
وأول ما في هذه الرواية هو أن المنع خاص بأبي سعيد ، فكيف يستفاد منها - على فرض صحتها - المنع العام عن كتابة الحديث؟! على أن راويها سفيان بن عيينة وهو متهم بالتدليس.
إلى غير ذلك من الروايات الأخرى التي أشبعها السيد الجلالي في «تدوين السنة الشريفة» بحثا وتمحيصا وانتهى إلى نتائج باهرة ، بحيث يسر لغيره الوقوف على حقيقة تلك الروايات ومعرفة قيمتها العلمية سندا ودلالة (3). 5.
ص: 205
معارضة المنع لأحاديث الإذن بالكتابة وإباحتها :
إن أحاديث منع التدوين المرفوعة والموقوفة معارضة لما ورد في الصحيح الثابت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشأن تدوين الحديث الشريف.
من قبيل ما رواه رافع بن خديج قال : «قلت : يا رسول الله ، إنا نسمع منك أشياء ، أفنكتبها؟ قال : اكتبوا ولا حرج» (1).
وكذلك أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تكتب خطبته الشريفة عند فتح مكة ، حين
طلب أبو شاه - رجل من أهل اليمن - أن يكتبوا له الخطبة ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «اكتبوا لأبي شاه» (2).
ومنها ، قول عبد الله بن عمرو بن العاص : «يا رسول الله ، إنا نسمع منك أشياء لا نحفظها ، أفنكتبها؟ قال : بلى ، فاكتبوها» (3).
وعن عبد الله بن عمرو ، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : «قيدوا العلم بالكتاب» (4).
وعنه أيضا ، قال : «كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأريد حفظه ، فنهتني قريش ، وقالوا : تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشر يتكلم في الرضا والغضب!!؟
قال : أمسكت ، فذكرت ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : أكتب ، فوالذي ».
ص: 206
نفسي بيده ما خرج منه إلا حق ، وأشار (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده إلى فيه» (1).
ومنها : حديث أبي هريرة : «ما كان أحد أكثر حديثا مني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب ولم أكن أكتب» (2).
ومن ذلك أيضا ما رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة ، قال : كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحديث ، فيعجبه ولا يحفظه ، فشكا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال : يا رسول الله ، إني لأسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «استعن بيمينك» وأشار بيده إلى الخط (3).
معارضة المنع لأمور أخرى :
كما إن أحاديث منع التدوين بالرغم من معارضتها إلى هذه الروايات وكثير غيرها ، معارضة أيضا لإجماع أهل البيت (عليهم السلام) على إباحة التدوين ، ومعارضة أيضا لما قام الدليل القاطع عليه ، أعني وجود المدونين في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد عرفوا بأسمائهم وأفردوا بدراسات خاصة عند الفريقين ، هذا فضلا عن وجود الخط الآخر الملتزم بتدوين الحديث ونشره بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة ، مع عدم الرضوخ لأوامر المنع ومقاومتها بكل قوة كما سننبه عليه في محله. 6.
ص: 207
ولأجل هذه الأمور مجتمعة وجد مؤيدو سياسة المانعين أنفسهم في أمس الحاجة إلى البحث عن مبررات معقولة ومقبولة تسوغ ذلك التصرف المريب إزاء الحديث الشريف رواية وتدوينا ، فالتمسوها من أقوال المانعين أنفسهم! ولا بأس هنا من التطرق إليها ، لمعرفة قيمتها العلمية ، مراعين بذلك الاختصار (1).
* * * ع.
ص: 208
مبررات منع تدوين الحديث
«مناقشة وتقييم»
المبرر الأول ومناقشته :
إن المنع عن كتابة الحديث كان لأجل الحفاظ على القرآن الكريم ، بمعنى الخشية من أن تؤدي عملية تدوين الحديث إلى اختلاط الحديث بالقرآن ، بحيث لا يميز أحدهما عن الآخر ، ولهذا كان المنع عن تدوينه موفقا ، وفي محله!
وفيه :
إن تصور المراد بالتدوين الذي يخشى من مغبة اختلاطه بالقرآن الكريم ، يمكن حصره بالتدوين الذي يكون في الصحائف التي دون فيها القرآن الكريم ، بحيث يكون الحديث بين الآية وأختها من غير إشارة إلى أن هذا حديث ، وهذا قرآن ، ففي مثل هذه الحالة يتوجه ما ذكروه من تبرير - بحق غير العارف - لو كان أمر التدوين محصورا بها.
أما لو كان تدوين الحديث على حواشي وهوامش الصحائف القرآنية ، متصدرا - مثلا - بقول المدون : قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كذا ، قبيل كل حديث ، فلا معنى لاحتمال اختلاطه - مع هذا الفرض - بالقرآن الكريم.
ص: 209
وقد جرى بعض الصحابة على تحشية مصاحفهم بأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خصوصا فيما يتصل من الأحاديث بالناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، ونحو ذلك ، كمصحف ابن عباس ، ومصحف ابن مسعود ، ومصحف أبي بن كعب ، بل الثابت عند كثير من الأعلام ، أن مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام) كان مليئا بالأحاديث الشريفة التي دونها (عليه السلام) بيده الشريفة على حواشي مصحفه.
وأما لو أريد به التدوين المستقل استقلالا تاما عن صحائف القرآن ، بحيث يكتب في صحائف أخرى ثم يعطى لها عنوان جامع مثل : «أحاديث الرسول» أو «السنن» ونحو هذا ... فإن بعد اختلاطها بالقرآن مسلم لا ريب فيه ، وهل سمعت أو رأيت أحدا يقول بضرورة حرق كتب الحديث مثلا إذ يخشى منها أن تختلط بالقرآن؟!
ثم أين ذهب الإعجاز القرآني الخالد الذي أبهر المشركين وحير عقولهم ، لما سمعوا بعض آياته؟!
وهل يعقل أن لا يميز كتاب الله العزيز عن كلام المخلوق وإن كان نبيا كنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
إن بلاغة الحديث وإن بلغت الذروة ، إلا أنها دون بلاغة القرآن الكريم بلا ريب ، ولا معنى لدعوى الاختلاط تلك إلا المساس بمعجزة الإسلام الخالدة ، بعد إنزال كلام الخالق منزلة كلام المخلوق! وبالتالي ليكون قابلا للتحدي المنفي بالأصل في مواطن كثيرة من الذكر الحكيم.
المبرر الثاني ومناقشته :
إن المنع عن كتابة الحديث جاء للتحرز من إهمال المسلمين للقرآن
ص: 210
الكريم ، وانشغالهم بالحديث الشريف دونه!
وفيه :
1 - قد تقدم في أول الكلام أن السنة المطهرة شارحة وموضحة ومفصلة للقرآن الكريم ، وأنه إذا تركت ، جهلت أصول الإسلام وقوانينه وأنظمته وآدابه وأخلاقه وتعاليمه.
وعليه ، فالاشتغال بالسنة هو عين الاشتغال بالقرآن ، وأن فهمه والوقوف على مراد الله تعالى فيه لا يتم دون الرجوع إلى السنة المطهرة بالاتفاق.
2 - إن معنى ذلك - لو تم - هو أن القرآن الكريم لم يتغلغل في نفوس الصحابة ، وهو اتهام صريح لهم بأنهم لم يعرفوا قدر الكتاب العزيز!
هذا ، مع أنهم سمعوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في مواطن شتى يحثهم على تلاوة كتاب الله وتدبر آياته والنظر فيه ، حتى عد النظر إلى المصحف عبادة ، وكان فيهم الكثير من حفاظه ، فكيف يتعقل اتفاقهم على إهماله بسبب تدوين الحديث الشريف؟!
3 - إن قول الصحابة - عند العامة - حجة ، ولو فرض أن الاشتغال بالحديث ليس هو عين الاشتغال بالقرآن الكريم ، فكيف يكون قول من لا يعي قدر القرآن فيهمل آياته ويشتغل بغيرها حجة؟!
وعليه ، فلا بد لهم من رفع اليد عن أحد الأمرين ، وإن كان في الواقع عن كليهما.
ص: 211
المبرر الثالث ومناقشته :
إن المنع عن تدوين الحديث جاء للحفاظ على ملكة الحفظ عند الصحابة ، لأن تدوين الحديث الشريف يؤدي إلى ضعف الحافظة عندهم.
وفيه :
1 - إن ملكة الحفظ ليست شرعا منزلا يجب على الخليفة صيانته مقابل التفريط بالسنة المطهرة ، والعكس هو الصحيح.
2 - إن بقاء ملكة الحفظ قوية لدى الحفاظ غير مسلم ، فهي تضعف تدريجيا مع تقدم العمر ، وبالتالي يفقد الحافظ الكثير من محفوظاته ، فلو كان إلى جنب حفظه ديوان للحديث الشريف لاستعان به عند ضعف الحافظة ، ولوقف على ما نساه ، فالتدوين إذن يقوي الحافظة ولا يضعفها ، وقد جاء في الخبر : «إن القلب يتكل على الكتابة» (1).
3 - ليس كل الصحابة من الحفاظ كما مر في أحاديث إباحة التدوين. وإذا كان الحافظ في غنى عن النظر إلى الكتاب ، فماذا يصنع غير الحافظ الذي لا يجد من يسأله ، وهو مكلف بأمور عليه معرفتها؟!
4 - إن صيانة أي علم من العلوم والاحتفاظ به وتقديمه للأجيال كما هو عليه من أدنى اختلاف أو زيادة - ولو في المعنى - لا يكون إلا عن طريق الكتابة ، ولو كان الحفظ مقدما على الكتابة في ذلك ، لاستعيض بالحفظ عن التدوين بالنسبة إلى القرآن الكريم ، بينما نجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد 8.
ص: 212
ركز اهتمامه على كتابة الآيات أولا بأول ولم يتكل على الحفظ في بقاء القرآن سالما من الزيادة والنقصان.
هذا ، وقد يبرر بعضهم فعل أبي بكر وعمر ، بعدم معرفة المحدثين من الصحابة للكتابة ، كما اختاره ابن حجر (1).
ولا يخفى ما فيه ، لأن النهي عن الكتابة لا يتوجه إلى الأميين ، لأنه تكليف بمتعذر ، فالرجل الأمي لا يقال له : لا تكتب ، فلا بد من افتراض وجود العارف بالكتابة في مرحلة سابقة على ورود النهي.
ثم ، كيف لا يوجد في الصحابة من يحسن الكتابة ، وقد تعلموها ، وكتبوا المصحف في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! بل كانت لبعضهم مصاحف معروفة ، تعرض لها السجستاني بكتابه «المصاحف».
هذا ، فضلا عن كون التدوين كان معروفا عند عرب الحيرة والقرشيين قبل الإسلام (2).
هذه هي أهم المبررات التي تذرع بها المانعون في منطق أنصارهم ، وهي كما تقدم لا تصح جميعا في منطق الشرع والعقل لأن تكون سببا في إهمال السنة النبوية.
الأسباب الواقعية لمنع تدوين الحديث الشريف :
إن الأسباب الواقعية ، والدوافع الحقيقة وراء المنع المذكور ، هي أسباب ودوافع سياسية اقتضتها مصلحة السلطة ، وخلاصتها محاولة التعتيم 6.
ص: 213
على منزلة أهل البيت (عليهم السلام) ، والتقليل من شأنهم ، وإبعادهم عن الحكم ، وإخفاء حقهم وأولويتهم في خلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
لأن الناس إذا ما عرفوا - من خلال تدوين الأحاديث الشريفة - أنها تنص صراحة بالخلافة على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وتقديم أهل البيت (عليهم السلام) على سائر الناس ، تأكد لهم أن أحداث السقيفة التي مني بها الإسلام والمسلمون فيما بعد ، لم تكن أحداثا عادية ، وإنما أحداثا خطيرة جدا في تاريخ الإسلام السياسي إذ غيرت مجرى الأحداث ، وأقصت أهل البيت (عليهم السلام) عن حقهم الشرعي في الخلافة.
وهذا ما يشكل خطرا حقيقيا على السلطة الحاكمة ، وإدانة لها ، بأنها مغتصبة ، ويجب شرعا إزاحتها وإعادة الحق إلى أهله ، ومن هنا ابتليت السنة المطهرة بالمواقف السابقة.
ويمكن أن يضاف إلى ذلك سبب آخر ، وهو أن الخلفاء الثلاثة منحوا أنفسهم صلاحية واسعة في ميادين الاجتهاد في مقابل نصوص الشريعة الإسلامية ، مع تعرضهم المستمر في بداية الأمر إلى انتقادات الصحابة وإثبات أن تلك الاجتهادات مخالفة لما هو ثابت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) ، وكان التراجع عما اجتهدوا به حليفهم ، وباستمرار الحالة ، فإنها أخذت تشكل خطا بيانيا متصاعدا في الاستياء من تلك الاجتهادات المخالفة لروح الشريعة نصا ومضمونا ، مما حملهم على اتخاذ الإجراءات الحاسمة لوقف حالة الاعتراض والتذمر عند رؤوس الصحابة وذلك بحسم مادتها ، وهو الحديث!ص.
ص: 214
نعم ، كان من المناسب جدا لبقاء السلطة أن تقوم بفعل كهذا وتبرره على أساس حفظ القرآن الكريم تارة ، وعدم إهماله أخرى ، ومراعاة الحفظ ثالثة ، لأن التراجع عن الرأي كلما بان خطأه ، يشكل إدانة قوية لهم في احتلال مواقع غيرهم.
فلا محيص إذن من القول بمنع تدوين الحديث ، لكي لا يكون بيد الصحابة أدنى سلاح حديثي يلوح به في وجه السلطة اعتراضا على نمط سياستها ولون فقهها (1).
* * * ة.
ص: 215
تاريخ تدوين الحديث الشريف وعلومه
أولا : تاريخ تدوين الحديث الشريف وعلومه عند العامة :
اختلف المؤرخون لحركة تدوين الأحاديث عند العامة اختلافا واسعا في تعيين زمان التدوين الفعلي ، بعد اتفاقهم جميعا على أن بذور التدوين الأولى قد غرست بيد عمر بن عبد العزيز الأموي (ت 101 ه) ، ثم نمت تدريجيا وأينعت في القرن الثالث الهجري ، حين برزت عندهم المدونات الحديثية المتداولة اليوم من المسانيد والصحاح وغيرها.
فعمر بن عبد العزيز هو أول حاكم أموي نبه - بعد فوات الأوان - على الخطر الحقيقي الذي أحدق بالحديث الشريف نتيجة الحظر المضروب عليه من لدن أسلافه اقتداء منهم بسنة الشيخين! ولهذا فقد أصدر أمرا بتدوينه ، ولكن بعد مضي قرن من الزمان على إهماله!
ويبدو أنه انتدب لهذه المهمة أكثر من واحد ، ففي قول الخطيب البغدادي : أنه أرسل رسالة إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي ، قاضي المدينة (ت 120 ه) يقول فيها : انظر ما كان من حديث رسول الله فاكتبه ، فإني قد خشيت دروس العلم وذهاب العلماء (1). 6.
ص: 216
وفي قول ابن سعد : أنه كتب إلى مرة بن كثير يأمره بذلك (1).
وفي قول القرطبي (ت 124 ه) : أنه أمر ابن شهاب الزهري بتدوين الحديث (2). كما قيل : أنه أمر أهل المدينة بذلك.
ويرى البعض منهم تأخر تدوين الأحاديث إلى ما بعد وفاة عمر بن عبد العزيز ، فقد صرح ابن حجر في مقدمة «فتح الباري» بأن أول من جمع الحديث ودونه بمكة هو ابن جريح (ت 150 ه).
ثم ذكر جماعة من مدوني الحديث الأوائل بحسب الأمصار الإسلامية التي نشط بها التدوين يومذاك ، فكان أول من دونه منهم بالمدينة المنورة : ابن إسحاق (ت 151 ه) ، وبالبصرة حماد بن سلمة (ت 157 ه) ، وبواسط هشيم بن بشير السلمي (ت 183 ه) ، وباليمن معمر (ت 153 ه) ، وبالري جرير بن عبد الحميد الضبي (ت 188 ه) ، وبخراسان عبد الله بن المبارك (ت 181 ه).
وهذه هي المرحلة الأولى من مراحل التدوين الرسمي للحديث الشريف ، وقد اتسمت تلك المرحلة بتدوين الأحاديث المنسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مع أقوال الصحابة وفتاواهم جنبا إلى جنب دونما تنسيق أو تبويب.
ثم جاء دور المرحلة الثانية من التدوين : وفيها أفردت الأحاديث المنسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أقوال الصحابة وفتاواهم ، وذلك عن طريق جمع المسانيد وترتيبها ، وقد ابتدأت تلك المرحلة من أواخر القرن الثاني 7.
ص: 217
وامتدت إلى الربع الأول من القرن الثالث الهجري ، ومن أعلام المدونين فيها عبد الله بن موسى الكوفي ، وأسد بن موسى البصري ، وأحمد بن حنبل (ت 240 ه) ، وغيرهم.
أما المرحلة الثالثة من تدوين الأحاديث عند العامة ، فقد ابتدأت بعد انتهاء دور المرحلة الثانية ، وانتهت في أوائل القرن الرابع الهجري ، وقد اتسمت تلك المرحلة بجمع الأحاديث وتصنيفها على الأبواب ، بحيث جعل لكل صنف من الأحاديث التي تدور حول محور واحد باب خاص به ، كما امتاز التصنيف فيها بجودة الترتيب بالقياس إلى المرحلتين السابقتين ، هذا مع اختيار المحدث ما يراه مناسبا للتدوين ، كل بما يمليه عليه علمه واجتهاده ومنهجه.
ومن أهم كتب هذه المرحلة هي :
صحيح البخاري (ت 256 ه) ، وصحيح مسلم (ت 261 ه) ، وسنن ابن ماجة (ت 273 ه) ، وسنن أبي داود السجستاني (ت 275 ه) ، وسنن الترمذي (ت 279 ه) ، ومجتبى النسائي (ت 303 ه) ، وتسمى هذه الكتب - عند العامة - بالصحاح الستة ، ويلحقها - في الرتبة والزمان - صحيح ابن خزيمة (ت 311 ه) ، وصحيح أبي عوانة (ت 316 ه) وغيرهما.
ومع أن تحري الصحيح دون غيره من مستلزمات مدوني الحديث لا سيما في هذه المرحلة التي تعد من أهم مراحل التدوين عند العامة ، وكتبها من أصح كتب الحديث عندهم ، إلا أنها لم تسلم كغيرها من الأحاديث الموضوعة ، والضعيفة ، بسبب الحظر المضروب على الحديث كما مر ، ولكون أصحاب هذه الكتب اعتمدوا بشكل مباشر على مسموعات
ص: 218
ومدونات المرحلتين السابقتين التي اختلط فيها الغث بالسمين نتيجة انفصالهما عن العصر النبوي الشريف فترة طويلة سخر فيها معاوية وحزبه جملة من الصحابة لوضع الأحاديث الجمة في فضائل الثلاثة وتكريس آرائهم ، مع النيل من خصومه السياسيين بكل ما استطاع إليه سبيلا ، ولو بالكذب والبهتان.
ولهذا ، فقد أدرك علماؤهم ضرورة البحث الرجالي ، فألفوا كتبا في الرجال ، وذلك بعد سنة (260 ه) ، لأن أول من تكلم منهم في الرجال هو شعبة - المتوفى في سنة (260 ه) - كما نص على ذلك السيوطي في كتابه «الأوائل» (1) ، ثم توالى التأليف الرجالي عندهم بعد هذا التاريخ ، كما أدركوا حاجتهم إلى علوم الدراية فظهر أول كتاب لهم وهو «المحدث الفاصل» للقاضي أبي محمد الرامهرمزي (ت 360 ه) ، ولم يكن كتابه جامعا لعلوم الدراية ، ثم جاء بعده الحاكم (ت 405 ه) في «مصطلح الحديث» ، ثم أبو نعيم الأصبهاني (ت 430 ه) ، ثم الخطيب البغدادي (ت 463 ه) في كتابه «الكفاية» ، إلى أن جاء ابن الصلاح الشهرزوري (ت 643 ه) فكتب مقدمته الشهيرة في علوم الحديث حتى عد الخاتمة في هذا الباب (2).
هذا هو مجمل نشاط العامة في تاريخ تدوين الحديث وما يتصل به من الدراية والرجال بعد رفع الحظر عن تدوينه ، بعيدا عن الإطناب الممل ، ة.
ص: 219
والإيجاز المخل.
ثانيا : تاريخ تدوين الحديث وعلومه عند أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم :
يرجع تاريخ تدوين الحديث الشريف عند الشيعة الإمامية إلى وقت مبكر جدا من عصر صدر الإسلام ، إذ كان موقفهم صريحا من الحظر المفروض على تدوين الحديث الشريف ، فرفضوه رفضا باتا جملة وتفصيلا ، ولم يلزموا أنفسهم به وقاوموه أشد المقاومة ، وسارعوا إلى نقضه ، ولم تثن طلائعهم عن المضي قدما في تدوين السنة تلك الأزمة الخانقة التي عاشها غيرهم مدة قرن من الزمان أو أكثر ، ولم توقف عملية التدوين عندهم تلك العواصف الكثيفة التي حاولت بمكرها ودهائها أن تميت السنة المطهرة في مهدها ، وتحجب أنوارها عن المسلمين ، بل زاد إيمانهم بأن أهداف الحظر لم تكن لأجل الحفاظ على سلامة القرآن الكريم ، وإنما كانت لصرف الناس عن أهل بيت نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما يستتبع ذلك من طمس معالم الدين وتعاليمه ، وضياع الحق ، وفقدان الجزء الأعظم من الشريعة ، ومن ثم إلباسها لباسا جديدا من البدع التي لا تمت بصلة إلى الواقع ، فضلا عن التسامح في الشرع بإضفاء القدسية على تصرفات ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد ترسم رواد التشيع في منهجهم هذا المنهج القرآني السليم ، والسنة الكريمة الآمرة بالتدوين ، مع اقتفاء خطى أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك ، فهو الرجل الأول في الإسلام الذي حرص غاية الحرص على الأحاديث ودونها في حياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتابين تواتر النقل
ص: 220
عنهما ، وهما :
1 - الصحيفة الجامعة : إن الثابت عن علي (عليه السلام) هو أنه أول من دون الأحاديث الشريفة في كتاب ، وهو كتاب : (الجامعة) وقد يسمى ب : الصحيفة ، أو : الصحيفة الجامعة ، أو : كتاب علي (عليه السلام) ، وهو من إملاء النبي (عليه السلام) وخط علي (عليه السلام) بيده.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) : «إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس ، وإن الناس ليحتاجون إلينا ، وإن عندنا كتابا إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وخط علي (عليه السلام) ، صحيفة فيها كل حلال وحرام» (1).
وقد سميت هذه الصحيفة بالجامعة كما في روايات «الكافي» «وبصائر الدرجات» ، من ذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام) : «وإن عندنا الجامعة ، وما يدريهم ما الجامعة؟! صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإملائه من فلق فيه ، وخط علي بيمينه» (2).
وورد ذكر صحيفة الإمام علي (عليه السلام) في صحيح البخاري ، في باب كتابة العلم ، وباب إثم من تبرأ من مواليه (3).
وقد اعتمد على كتاب علي (عليه السلام) أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في مواطن كثيرة ، فقد روى عنه كل من :
الإمام زين العابدين (عليه السلام) ، كما في الكافي ، والفقيه ، والتهذيب (4).
الإمام الباقر (عليه السلام) ، كما في الكافي ، والخصال ، والتهذيب (5).2.
ص: 221
الإمام الصادق (عليه السلام) ، كما في الكافي ، والفقيه ، وعلل الشرائع ، والتهذيب ، والاستبصار ، والوسائل ، والبحار (1).
كما صرح أصحاب الأئمة (عليهم السلام) برؤية الصحيفة الجامعة عند الأئمة (عليهم السلام) ، فقد شهد بذلك أبو بصير بأنه رأى الصحيفة الجامعة عند الإمام الباقر (عليه السلام) ، وسأله عنها ، فقال له : «هذه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط علي (عليه السلام)» (2).
ونظير هذه الشهادة شهادة عبد الملك بن أعين (3) ، ومحمد بن مسلم في مواضع متعددة من كتبنا الأربعة (4).
كما رأى الحكم بن عيينة - أو : عتيبة - أبو محمد الكندي الكوفي الزيدي البتري (ت 114 ه أو 115 ه) كتاب علي (عليه السلام) عند الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، روى ذلك النجاشي في ترجمة محمد بن عذافر (5).
وتوجد قطعة من هذا الكتاب - الذي هو من إملاء الرسول ، وخط علي صلوات الله عليهما في أمالي الشيخ الصدوق ، أوردها في المجلس السادس والستين (6).
كما توجد نسخة من صحيفة الإمام علي (عليه السلام) - وهي كتاب في 6.
ص: 222
الديات - عند السيد حسن الصدر ، إذ صرح بذلك فقال : «وعندي منه
نسخة» (1).
والظاهر أن هذه الصحيفة الأخيرة هي التي روى عنها البخاري كما تقدم وليست هي الصحيفة الجامعة التي فيها كل حلال وحرام حتى أرش الخدش ، فهي غيرها وإن اشتبه بها الكثيرون.
2 - كتاب الجفر : وإلى جانب ذلك ، يوجد كتاب آخر لعلي (عليه السلام) باسم كتاب «الجفر» ، والجفر لغة : من أولاد الشاء إذا عظم واستكرش ، قال أبو عبيد : إذا بلغ ولد المعزى أربعة أشهر وجفر جنباه ، وفصل عن أمه ، وأخذ في الرعي فهو جفر (2).
والمراد منه في الحديث على حذف مضاف ، أي : جلد الجفر ، ولعله صار كالعلم على جلد مخصوص لثور أو شاة ، لكثرة الاستعمال (3) ، وحقيقة الجفر : هو كتاب كتب على جلد الجفر أي : جلد ثور أو شاة ، ولذا سمي بكتاب الجفر ، وهو أيضا من إملاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخط الوصي (عليه السلام) ، وعلى ذلك تضافرت الروايات عند الشيعة.
واعترف بهذا الكتاب بعض علماء العامة أيضا :
قال الشريف الجرجاني (ت 816 ه) في «شرح المواقف» لعضد الدين الإيجي (ت 756 ه) عن كتاب الجفر والجامعة : «وهما كتابان لعلي رضي الله عنه - إلى أن قال : - وفي كتاب قبول العهد الذي كتبه علي 4.
ص: 223
بن موسى الرضا رضي الله عنهما إلى المأمون : إنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك ، فقبلت منك عهدك ، إلا أن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم» (1).
كما اعترف به صاحب «كشف الظنون» ، وقال عن العلم المودع في الجفر بعد كلام له : «وهذا علم توارثه أهل البيت ، ومن ينتمي إليهم .. وكانوا يكتمونه عن غيرهم كل الكتمان ، وقيل : لا يقف [لا يفقه] في هذا الكتاب حقيقة إلا المهدي المنتظر خروجه في آخر الزمان» ثم نقل قصة الإمام الرضا (عليه السلام) مع المأمون وقوله (عليه السلام) : إلا أن الجفر والجامعة يدلان على أن هذا الأمر لا يتم.
فعقب عليه بقوله : «وكان كما قال ، لأن المأمون استشعر فتنة من بني هاشم فسمه ، كذا في مفتاح السعادة.
ثم قال : قال ابن طلحة : الجفر والجامعة كتابان جليلان ، أحدهما ذكره الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو يخطب بالكوفة على المنبر ، والآخر أسره [إليه] رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأمره بتدوينه.
إلى أن قال : ومن الكتب المصنفة فيه ، الجفر الجامع والنور اللامع للشيخ كمال الدين أبي سالم محمد بن طلحة النصيبي الشافعي ، المتوفى سنة 652 اثنتين وخمسين وستمائة» (2).
كما اعترف بكتاب الجفر ابن خلدون الأموي (ت 808 ه) في تاريخه ، مشيرا إلى ما كان من تحذير الإمام الصادق (عليه السلام) لبني الحسن ».
ص: 224
وإخبارهم بمصارعهم استنادا إلى آثار النبوة (1).
ولأبي العلاء المعري أبيات شعرية يرد فيها على من ينكر حقيقة العلم الموجود في كتاب الجفر ، يقول فيها :
لقد عجبوا لأهل البيت لما
أروهم علمهم في مسك جفر
ومرآة المنجم وهي صغرى
أرته كل عامرة وقفر (2)
وأما عن أحاديث الجفر في كتب الشيعة فلا شك في تواترها عن أهل البيت (عليهم السلام) ، ففي «بصائر الدرجات» وحده أكثر من عشرين طريقا متصلا بأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ، في خصوص كتاب الجفر (3) ، هذا فضلا عما في غيره (4).
وبالجملة ، فإن لأهل البيت (عليهم السلام) اهتماما بالغا في صيانة حديث المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وخير ما يدلك على هذا ما رواه محمد بن جرير الطبري الآملي في «دلائل الإمامة» مسندا إلى ابن مسعود أنه قال : «جاء رجل إلى فاطمة (عليها السلام) ، فقال : يا ابنة رسول الله ، هل ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندك شيئا تطرفينيه؟ فقالت (عليها السلام) : يا جارية ، هات تلك الجريدة ، فطلبتها فلم تجدها ، فقالت (عليها السلام) : ويحك اطلبيها ، فإنها تعدل عندي حسنا وحسينا ، ا.
ص: 225
فطلبتها ، فإذا هي قد قممتها في قمامتها ، فإذا فيها :
قال محمد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يسكت ، إن الله يحب الخير الحليم المتعفف ، ويبغض الفاحش البذاء السائل الملحف ، إن الحياء من الإيمان والإيمان من الجنة ، وإن الفحش من البذاء والبذاء في النار " (1).
ومن الجدير بالإشارة ، هو أن الكتب التي وصلت إلى آخر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهو الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، لم تكن محصورة بما ذكرناه من الجفر والجامعة ، بل وصلت إليهم (عليهم السلام) كتب وصحف كثيرة ورثوها كابرا عن كابر.
ومما يؤيد هذا في كتب العامة ، هو ما أخرجه القندوزي الحنفي (ت 1270 ه) عن «فرائد السمطين» للجويني الشافعي (ت 730 ه) بسنده عن الإمام الباقر ، عن أبيه ، عن جده أمير المؤمنين (عليهم السلام) ، أنه قال :
«قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي! أكتب ما أملي عليك.
قلت : يا رسول الله ، أتخاف علي النسيان؟
قال : لا ، وقد دعوت الله عزوجل أن يحفظك ولا ينسيك ، ولكن أكتب لشركائك.
قلت : ومن شركائي يا نبي الله؟
قال : الأئمة من ولدك ...» (2). 8
ص: 226
ومما يؤيده في أحاديث الشيعة ، ما أخرجه الصفار (ت 290 ه) بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في وصف ما عنده من الصحائف
والكتب التي ورثها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث جاء فيه : «أيم الله ، لو أنشط ، ويؤذن لي لحدثتكم حتى يحول الحول لا أعيد حرفا.
وأيم الله ، عندي لصحف كثيرة ، قطائع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (1).
وهناك عشرات الأحاديث الصحيحة في كتب الشيعة الروائية المعتبرة ، كالبصائر ، والكافي ، والإرشاد ، وغيرها تعكس - وبصورة واضحة - اهتمام كل إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بتلك الكتب والصحائف اهتماما
منقطع النظير بحيث يجعلها في مقدمة وصاياه إلى من سيخلفه من ولده ، وقد جمع العلامة المجلسي تلك الأحاديث ، وأوردها في بحار الأنوار ، فراجع.
مراحل تدوين الحديث عند الشيعة :
مر تدوين الحديث الشريف عند الشيعة بمراحل متعددة قبل تدوين كتبهم الحديثية الأربعة ، ابتداء من العصر النبوي الشريف ، وانتهاء بحلول الغيبة الصغرى سنة 260 ه.
وهذا يعني امتياز الشيعة عن غيرها من الاتجاهات الفكرية والسياسية والعقائدية بميزتين أساسيتين ، وهما :
1 - النشأة ، ويدل عليها ما جاء في كتاب «الزينة» لأبي حاتم سهل 9.
ص: 227
بن محمد السجستاني (ت 250 ه) من أن أول اسم ظهر على عهد
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو اسم الشيعة ، قال : وكان هذا لقب أربعة من الصحابة ، وهم : أبو ذر ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر (1).
2 - النشاط العلمي ، ويدل عليه ، أن السبق الزمني إلى ميادين التدوين كان حليف الشيعة منذ نشأتها.
فقد عرف عن أبي ذر الغفاري جندب بن جنادة (ت 32 ه) ، وسلمان الفارسي (ت 36 ه) بأنهما أول من صنف في الآثار ، إذ صنف أبو ذر (رحمه الله) كتابا عرف باسم «الخطبة» ذكر فيه ما جرى من أمور بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
كما صنف سلمان (رحمه الله) كتابا بعنوان «حديث الجاثليق» ، ذكرهما الشيخ
الطوسي (ت 460 ه) في ترجمتهما في كتابه «الفهرست».
وأما فيما يتصل بدورهم ونشاطهم الحديثي ، فإنه مما لا شك فيه أن تاريخ تدوين الحديث عندهم لم يمر بفترة انقطاع بخلاف ما عرفناه عند غيرهم.
وقد مر أن أول من دون الحديث في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سماعا عنه وإملاء من فلق فيه الشريف ، هو سيد الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ومن هنا برز دور الشيعة في تدوين الحديث ، لاقتدائهم بهدي القرآن الكريم الذي أمر بآياته ، كآية النفر ، وبسوره كسورة القلم ، وغيرها بالتعلم والتعليم ، واهتداء بالسنة المطهرة الآمرة بالتدوين ، وبفعل 0.
ص: 228
أمير المؤمنين (عليه السلام).
فقد صنف مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحب أمير المؤمنين (عليه السلام) وخازنه على بيت أموال المسلمين بالكوفة ، الصحابي الجليل أسلم أبو رافع ، كتابا بعنوان «كتاب السنن والأحكام والقضايا» ، واشتمل هذا الكتاب المبوب على أبواب الصلاة والصيام ، والحج ، والزكاة ، والقضايا ، على الأحاديث الشريفة المصنفة على تلك الأبواب.
مات أبو رافع (رضي الله عنه) بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة 40 ه ، وقيل في أول خلافته (عليه السلام) ، أي : في سنة 35 ه.
ومنه يعلم أنه أول من دون الحديث مبوبا بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهو من شيعته بلا خلاف بين سائر أرباب الرجال والتراجم.
وبهذا تكون المرحلة الأولى من مراحل تدوين الأحاديث عند الشيعة قد ابتدأت وانتهت في عصر صدر الإسلام.
ثم جاءت المرحلة الثانية ، ويمثلها خلص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) من الذين لم يدركوا العصر النبوي ، بل كانوا من رؤوس التابعين ، فخلفوا لمن جاء بعدهم كتبا كثيرة في الحديث الشريف ، وقد برز منهم : الأصبغ بن نباتة ، والحرث بن عبد الله ، وربيعة بن سميع ، وسليم بن قيس الهلالي ، وعبيد الله بن الحر ، وعبيد الله بن أبي رافع ، وأخوه علي بن أبي رافع - وكانا كاتبين لعلي (عليه السلام) - ومحمد بن قيس البجلي ، وميثم التمار (ت 60 ه) ويعلى بن مرة ، وغيرهم.
وقد انحصر التدوين في هذه المرحلة في النصف الثاني من القرن الأول الهجري ، بعد اشغال النصف الأول منه بمدونات الأوائل من الصحابة الشيعة ، إذ كان عمر التدوين في هاتين المرحلتين ممتدا على طول زمان
ص: 229
الحظر الرسمي عليه من لدن السلطة ، إذ مر أن أول من رفع الحظر المضروب على الحديث هو عمر بن عبد العزيز الأموي (ت 101 ه).
وبعد انقضاء المرحلة الثانية ، تلتها المرحلة الثالثة في تدوين الأحاديث عند الشيعة ، وكان طلائع تلك المرحلة قد عاشوا زمان الانفتاح على التدوين عند العامة ، وبعبارة أدق ، أنهم عاشوا في الفترة الممتدة من عصر الإمام السجاد زين العابدين (عليه السلام) (ت 95 ه) إلى سنة 150 ه ، بحيث أدركوا زمان الإمام السجاد (عليه السلام) ورووا عنه.
ومن أعلام المدونين في هذه المرحلة للأحاديث الشريفة : زيد الشهيد سنة 122 ه (رحمه الله) ، وجابر الجعفي (ت 127 ه) ، والحسين بن ثور ، وأبان بن تغلب (ت 141 ه) وكان من أشهر المحدثين والفقهاء من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) في ذلك العهد ، وزياد بن المنذر المعروف
بأبي الجارود (ت 150 ه) ، وغيرهم.
وبعد هذه المراحل الثلاث جاء دور تلاميذ الإمامين الباقر (ت 114 ه) والصادق (ت 148 ه) (عليهما السلام) ، ليشكلوا مرحلة رابعة في تاريخ تدوين
الحديث عند الشيعة ، وهم كثيرون جدا ، إلا أن أشهرهم : زرارة بن أعين (ت 150 ه) ، ومحمد بن مسلم (ت 150 ه) ، وعبد المؤمن بن القاسم الأنصاري (ت 147 ه) ، ويحيى بن القاسم ، يكنى أبا بصير ، وبسام الصيرفي ، وزكريا بن عبد الله ، وجحدر بن المغيرة ، وحجر بن زائد ، وعبد الله بن ميمون القداح ، ومعاوية بن عمار (ت 175 ه) ، وغيرهم الكثير من الذين تركوا كتبا في الحديث لا زالت أسماؤها محفوظة ، والطرق إليها معلومة.
ثم توالى التدوين بعد ذلك بشكل منقطع النظير لا سيما في عصر
ص: 230
الإمام الصادق (عليه السلام) كما سنشير إليه في محله.
لقد بينت فهارس الكتب الشيعية - كفهرست النجاشي ، وفهرست الشيخ الطوسي - أسماء المدونين في تلك المراحل الأربع وما بعدها ، مع أسماء مدوناتهم بكل دقة وتفصيل.
كما فصل السيد حسن الصدر في «تأسيس الشيعة» مؤلفات الشيعة المتقدمة في ذلك العهد من عمر التدوين ، مع ترتيبها بحسب المراحل التاريخية.
وبالجملة ، فإن المدونات الشيعية لأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) ابتداء من عصر صدر الإسلام وانتهاء بسنة 260 ه ، بلغت أكثر من ستة آلاف وستمائة كتاب ، فيما أحصاه المحدث الشهير والفقيه المتتبع الشيخ الحر العاملي (رحمه الله) في آخر الفائدة الرابعة من خاتمة «وسائل الشيعة» (1).
وفي «نهاية الدراية» للسيد حسن الصدر ما يؤيد هذا العدد حيث سمى المؤلف من الرواة ، وعدد ما ألفه من الأصول ، أو الكتب ، أو المجاميع ، أو المسانيد ، ونحوها كما قاله هو نفسه (رحمه الله) في «تأسيس الشيعة» (2).
وقد نص ابن النديم على بعض ما اشتهر منها في كتابه «الفهرست» (3). ل.
ص: 231
ومما لا شك فيه أن عددا وافرا من مجموع الإحصاء الذي ذكره الشيخ الحر (رحمه الله) قد ألف في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) ، إذ بلغ النشاط العلمي للشيعة الإمامية في عهده (عليه السلام) - وعلى يده - الذروة والقمة ، خصوصا وقد وجد الإمام العظيم متنفسا بخلاف ما كان عليه آباؤه الكرام الذين أحاطت بهم عيون السلطة الحاكمة من كل جانب!
وكدليل على ذلك النشاط ، هو ما قاله الشيخ المفيد (ت 413 ه) : «إن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعة آلاف رجل» (1).
وقد تصدى ابن عقدة الحافظ (ت 333 ه) إلى جمع أسماء الرجال الذين رووا عنه (عليه السلام) ، في كتابه المعروف ب «أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق (عليه السلام)» فبلغوا أربعة آلاف رجل ، وقد ذكر فيه لكل واحد فيهم الحديث الذي رواه (2).
وقال المحقق الحلي في كتاب «المعتبر» واصفا دور الإمام الصادق (عليه السلام) في نشر العلم والمعرفة على أوسع نطاق ، وما خرجته مدرسته العلمية من الفضلاء والفقهاء والعلماء بشتى فنون الشريعة :
«فإنه انتشر عنه من العلوم الجمة ما بهر به العقول ، حتى غلا فيه جماعة وأخرجوه إلى حد الألوهية ، وروى عنه من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل ، وبرز بتعليمه من الفقهاء جم غفير ، كزرارة بن أعين ، وأخويه : بكير وحمران ، وجميل بن دراج ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، ي.
ص: 232
والهشامين (هشام بن سالم ، وهشام بن الحكم) ، وأبي بصير ، وعبيد الله ومحمد الحلبيين ، وعبد الله بن سنان ، وأبي الصباح الكناني ، وغيرهم من أعيان الفضلاء. كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف ، سموها : أصولا» (1).
وفي ترجمة الحسن بن علي بن زياد الوشاء ، الثقة الجليل ، ما يدل على كثرة من تخرج من المحدثين على يد الإمام الصادق (عليه السلام) ، فقد شهد على نفسه بأنه أدرك في مسجد الكوفة تسعمائة شيخ ، كل يقول : حدثني جعفر ابن محمد (عليهما السلام) (2).
ولا يبعد أن يكون معظم أصحاب الأصول الأربعمائة من جملة المشايخ الذين أدركهم الوشاء ، وسمع عنهم في مسجد الكوفة.
الأصول الأربعمائة :
إن من المسلم به عند علماء الشيعة هو اشتهار أربعمائة مصنف - من بين تراثهم الحديثي المدون في عصور الأئمة (عليهم السلام) - لأربعمائة مصنف من أصحاب الإمامين الباقر (ت 114 ه) والصادق (ت 148 ه) (عليهما السلام).
أو من أصحاب سائر الأئمة الأطهار (عليهم السلام) على رأي آخر ، والأول هو
الأشهر.
ولا يخفى أن (الأصل) مأخوذ فيه لغة معنى الاعتماد ، كما عرفه الأصوليون بأنه : ما يبتنى عليه غيره ، فيكون بمثابة الأساس لذلك الغير. 0.
ص: 233
وعلى هذا تكون الأصول الأربعمائة هي المعول عليها والمرجع والمعتمد لدى أصحاب المجاميع الحديثية المتأخرة عنها ، كالكتب الأربعة وغيرها.
وقد جاء في «زاد المجتهدين» : «إنك لا ترى بالاستقراء أحدا من أهل الأصول قد رمي بالضعف أصلا ، إلا شاذا شديد الشذوذ كالحسن بن صالح بن حي ، ولعله ممن اتفقت له حالتان كما في كثير منهم ، وبأن أكثر هذه الأصول مروية عن ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، والحسن بن محبوب ونظرائهم» (1).
إذن ، ما يميز الأصول الأربعمائة عن غيرها من المؤلفات الأخرى - في ذلك الحين - ، هو وثاقة جل مؤلفيها حتى اختار بعضهم القول بحسن من له «أصل» وإن لم يرد فيه توثيق ، وقال آخرون بوثاقته ، هذا مع شدة اعتماد العلماء عليها وتقديمها على غيرها.
والمهم في الأصول الأربعمائة هو الإجماع على عدها حاكية لكلام المعصوم (عليه السلام) ، بصورة مباشرة ، وبلا واسطة في السماع غالبا ، مع صحة نسبتها - عند علماء الشيعة الإمامية - إلى مؤلفيها ، بل تواترها عنهم على ما صرح به كثير من الأعلام.
وقد اختصت الأصول الأربعمائة بتدوين الأحاديث الشريفة دون سيرة المعصوم (عليه السلام) أو آثاره الأخرى ، بخلاف المؤلفات الأخرى التي تجمع مع الحديث آثار الإمام وسيرته (عليه السلام).
وربما تكون - على ما قيل - مختصة بمطلق آثار الإمام المعصوم (عليه السلام) ولكن من غير تبويب ، بخلاف الكتب التي تكون عادة مبوبة ومفصلة على 4.
ص: 234
أبواب الفقه وفصوله.
وهذا لا يمنع من أن تكون للأصول طريقة خاصة في الترتيب ، كما يظهر من كلام الشيخ الطوسي في ترجمة أحمد بن محمد بن نوح ، قال : «وله كتب - في الفقه - على ترتيب الأصول» (1).
ومن مميزات الأصول أيضا أنها خالية من آراء المؤلف وترجيحاته بخلاف كتب الحديث التي لا تكاد تخلو من آراء مصنفيها ، أو ترجيحاتهم ، أو بياناتهم لبعض المطالب الغامضة ، كشرح عبارة في حديث ، ونحو ذلك (2).
أما متى سميت تلك المؤلفات بالأصول الأربعمائة؟
فالظاهر أنها لم تكن معروفة بهذا الاسم في زمان مؤلفيها بل عرفت به فيما بعد.
وأقدم نص - وقفت عليه - يصرح بلفظ الأصل ، هو ما ذكره الشيخ النعماني محمد بن إبراهيم ، من أعلام القرن الرابع الهجري ، ومن تلاميذ ثقة الإسلام الكليني ، قال في تقريظ كتاب سليم بن قيس الهلالي : «وليس بين جميع الشيعة - ممن حمل العلم ورواه عن الأئمة (عليهم السلام) - خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأصول التي رواها أهل 2.
ص: 235
العلم من حملة حديث أهل البيت (عليهم السلام) ، وأقدمها ، لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنما هو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأمير المؤمنين (عليه السلام).
وهو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها ، وتعول عليها ... " (1).
ويظهر من هذا الكلام ، أن الأصول كانت معروفة قبل زمان الشيخ النعماني (رحمه الله) ، وأنها كانت مميزة عن غيرها عند أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ، ولكن لا يعلم من ومتى أطلق عليها اسم (الأصول الأربعمائة)؟
نعم ، يحتمل أن تكون تسميتها بذلك قد صدرت من محققي التراث الشيعي الذين عاشوا في أواخر عصر الأئمة (عليهم السلام) ، وبعضهم في فترة الغيبة
الصغرى (260 ه - 329 ه) من أمثال أحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن الحسن الصفار ، والحميري ، وابن قولويه ، وسعد بن عبد الله بن أبي خلف ، وعلي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، ومجدد المذهب على رأس المائة الثالثة ثقة الإسلام الكليني ، ونظرائهم من أقطاب التشيع في ذلك الحين في المدينة المنورة ، والكوفة ، وبغداد ، وقم ، والري ، وغيرها.
وقد تكون تلك التسمية راجعة إلى مشايخ الشيعة من القميين دون غيرهم ، نظرا لما اشتهروا به من كونهم أشد الناس حرصا على محاكمة الآثار وتقييمها.
ومهما يكن ، فإن الأصول الأربعمائة كانت معروفة متداولة في زمان المحمدين الثلاثة أصحاب الكتب الأربعة وهم :
الكليني (ت 329 ه) ، والصدوق (ت 381 ه) والطوسي (ت 460 ه) رحمهم الله تعالى. ع.
ص: 236
التدوين المبكر عند الشيعة في علمي الرجال والدراية :
لقد حرص علماء الشيعة أشد الحرص على تحقيق الغاية من تدوين الأحاديث الشريفة وصيانتها ، وذلك لأجل الوصول إلى الحكم الشرعي ومعرفته ، ولهذا تتبعوا أحوال الرواة واحدا بعد آخر ، وبالغوا في ذلك أشد المبالغة ، ولم يكفهم التصريح بكذب الكاذب ، ولعن الغلاة ، والبراءة منهم على رؤوس الأشهاد ، والتحذير منهم ومن مروياتهم ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بكثير لا سيما في مدينة قم حاضرة الشيعة في أواخر عصر النص.
فقد تميزت قم عن غيرها بكونها من حصون التشيع المنيعة ، مع ملاحقة مشايخها لكل من يتهم في حديثه ، ولهم في ذلك مواقف عجيبة من المنحرفين تعدت حدود إهانتهم أمام الناس وضربهم ، وطردهم من قم كلها ، كما حصل ذلك مع الحلاج الكذاب على يد فقيه القميين وشيخهم علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (1) ، حتى وصلت إلى درجة ترصد أخبار من يشك بكذبهم وغلوهم ، فإذا ما ثبت لهم العكس تركوه (2) ، وإلا تربصوا به الدوائر (3) ، لكفره بالكذب على الله ورسوله وأهل بيته مع الخروج بهم (عليهم السلام) إلى حد الألوهية عن كونهم (عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) (4).
ويكفي في ذلك ، أنهم أخرجوا من قم بعض مشايخها الأجلاء 7.
ص: 237
لمجرد شبهة الغلو فيهم ، كما حصل لهم مع الثقة الجليل أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 274 أو 280 ه) ثم أعادوه إليها مكرما مبجلا بعد أن تحروا أخباره ومحصوا آثاره.
كما سعى القميون وغيرهم من علماء الشيعة إلى التصنيف الرجالي المبكر ، فقد أدركوا بوضوح حاجتهم إلى هذا النوع من التأليف ، لا سيما بعد نمو واتساع حركة الاجتهاد عندهم بعد انتهاء عصر النص.
علما أن العناية بهذا العلم كانت في عصور الأئمة (عليهم السلام) ، فقد صنف علي بن الحسن بن فضال كتابا في الرجال ، وهو ممن أدرك زمان الإمام الرضا (عليه السلام) (ت 203 ه).
وصنف أبو محمد عبد الله بن جبلة بن أبجر بن الكناني كتابا في الرجال ، وهو أسبق كتاب رجالي صنف في الإسلام ، إذ كانت وفاة مصنفه (رحمه الله) سنة 219 ه ، وكان فقيها ثقة مشهورا أدرك عصر الإمام الكاظم (عليه السلام).
كما صنف شيخ الشيعة وعالمهم ، وكبير القميين في وقته وفقيههم ، الشيخ محمد بن أحمد بن داود بن علي كتاب «الممدوحين والمذمومين» ، وللشيخ الجليل البرقي (ت 274 ه) كتاب في الرجال ، ولثقة الإسلام الكليني (ت 329 ه) كتاب في الرجال ، وللعياشي (ت 320 ه) كتاب «معيار الأخبار» ، إلى غيرها من الكتب الكثيرة التي نصت عليها فهارس كتب الشيعة.
ولهذا نجد الشيخ الطوسي يصرح باهتمام علماء الشيعة الأوائل بهذا العلم ، قال : «إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ، فوثقت الثقات منهم ، وضعفت الضعفاء ، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه
ص: 238
وروايته ، ومن لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم ، وذموا المذموم ، وقالوا : فلان متهم في حديثه ، وفلان كذاب ، وفلان مخلط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي ، أو غير ذلك من الطعون التي ذكروها ، وصنفوا في ذلك الكتب» (1).
وهنا لا بد من الإشارة السريعة إلى رجوع الفضل في معرفة أقسام الحديث وأصناف الرواة إلى أهل البيت (عليهم السلام) لا سيما أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ولا زالت كتب الشيعة الإمامية تحتفظ له (عليه السلام) إلى اليوم بأقدم وثيقة درائية
ورجالية في الإسلام.
ففي «نهج البلاغة» من كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد سأله سائل عن أحاديث البدع ، وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر ، فقال (عليه السلام) :
«إن في أيدي الناس حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، عاما وخاصا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، ولقد كذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على عهده ، حتى قام خطيبا فقال : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس :
رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام ، لا يتأثم ولا يتحرج ، يكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمدا ، فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ، ولم يصدقوا قوله ، ولكنهم قالوا : صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى وسمع منه ولقف عنه! فيأخذون بقوله.
وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ، ووصفهم بما وصفهم به لك. أ.
ص: 239
ثم بقوا بعده عليه وآله السلام فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والبهتان ، فولوهم الأعمال وجعلوهم حكاما على رقاب الناس ، أكلوا بهم الدنيا ، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهو أحد الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحفظه على وجهه ، فوهم فيه ، ولم يتعمد كذبا ، فهو في يديه ، ويرويه ، ويعمل به ، ويقول : أنا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوا منه ، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا يأمر به ثم نهى عنه ، وهو لا يعلم. أو سمعه ينهى عن شئ ، ثم أمر به وهو لا يعلم. فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ.
فلو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله ، مبغض للكذب ، خوفا من الله وتعظيما لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يهم (1) بل حفظ ما سمع على وجهه ، جاء به على سمعه لم يزد فيه ، ولم ينقص منه. فحفظ الناسخ فعمل به ، وحفظ المنسوخ فجنب عنه ، وعرف الخاص والعام. فوضع كل شئ موضعه ، وعرف المتشابه ومحكمه.
وقد كان يكون من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكلام له وجهان : فكلامع.
ص: 240
خاص ، وكلام عام. فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ، ولا ما عنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه ، وما قصد به ، وما خرج من أجله.
وليس كل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كان يسأله ويستفهمه ، حتى أن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ فيسأله (عليه السلام) حتى يسمعوا. وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألت عنه ، وحفظته.
فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم» (1).
وإلى جانب هذا النص الذي يعد كقاعدة ينطلق منها الرجاليون في تقييمهم للرواة مع ما اشتمل عليه من مفردات علم دراية الحديث ، توجد نصوص أخرى تمثل النواة الأولى لعلوم الحديث دراية ورواية ، وكلها مروية بالإسناد عن أهل البيت (عليهم السلام).
وفيما يأتي بعض المطالب العلمية المبحوثة في كتب الدراية الشيعية ، وكان لها أصل في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) المدونة في المصادر المعتمدة ، وهي :
أهمية علم الدراية :
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل» (2).).
ص: 241
الحث على ذكر الإسناد عند التحديث :
عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إذا حدثتم بحديث فاسندوه إلى الذي حدثكم ، فإن كان حقا فلكم ، وإن كان كذبا فعليه» (1).
وهذا الحديث يشعر بضرورة تجنب الارسال في الأحاديث.
ضبط الحديث والأمانة في روايته :
سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى : (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (2).
فقال (عليه السلام) : «هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمعه ، لا يزيد فيه ولا ينقص منه» (3).
طلب الإسناد العالي :
قال الإمام الصادق (عليه السلام) لجميل بن دراج : «ما سمعت مني فاروه عن أبي» (4).
وهذا القول يدل على أمور كثيرة :
منها : أن كلامهم (عليهم السلام) واحد. 4.
ص: 242
ومنها : التقية ، لأن ذلك أبعد من الشهرة التي تؤدي إلى المؤاخذة.
ومنها : أن علو الإسناد وقربه من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مما له رجحان عند الناس في قبول الرواية ، خصوصا عند اختلافها مع غيرها من الروايات.
ومنها : التحرز عن إيهام الكذب فيما إذا سمع من الأب شئ ، ثم سمع بخصوصه من الابن من غير نسبة إلى أبيه (عليهما السلام).
والمعنى : أن المسموع من أبي أحب إلي من روايته عني ، للوجوه المذكورة (1).
بيان الإمام الصادق (عليه السلام) سند أحاديثه :
عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيرهما ، قالوا : سمعنا أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول : «حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (عليهم السلام) ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحديث رسول الله قول الله عزوجل» (2).
التحذير من التدليس في الحديث :
عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، قال : «إياكم والكذب المفترع ، قيل له : وما الكذب المفترع؟ قال (عليه السلام) : أن يحدثك الرجل بالحديث فتتركه وترويه عن الذي حدثك به» (3) ، أي : عن الشيخ الذي حدثك الرجل بحديثه.
قال العلامة المجلسي : «قيل : يريد ، أن يرفع حديثه بإسقاط 2.
ص: 243
الواسطة ، أو المراد به الكذب الذي يزيل عن الراوي ما يوجب قبول روايته» (1).
الأمر يترك شواذ الأخبار والأخذ بالمشهور :
في مقبولة عمر بن حنظلة ، عن الصادق (عليه السلام) : «... ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه ...» (2).
جواز نقل الرواية بالمعنى :
سأل محمد بن مسلم الإمام الصادق (عليه السلام) قائلا : «أسمع الحديث منك
فأزيد وأنقص؟ قال : إن كنت تريد معانيه فلا بأس» (3).
وعن داود بن فرقد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إني أسمع منك ، فأريد أن أرويه كما سمعته منك فلا يجئ؟ قال : فتعمد الكذب؟ قلت : لا. فقال : تريد المعاني؟ قلت : نعم. قال : فلا بأس» (4).
وهذان الحديثان وغيرهما دالان على جواز نقل الحديث بالمعنى بالنسبة للعالم بحقائق الألفاظ ومجازاتها ، ومنطوقها ومفهومها ، ومقاصدها ، ومع هذا فإنه لا يجوز لمن يتعمد ترك النص في نقل معناه. 3.
ص: 244
طرق تحمل الحديث الشريف :
* السماع والإجازة : عن عبد الله بن سنان قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : يجيئني القوم فيستمعون مني حديثكم فأضجر ولا أقوى ، قال : فاقرأ عليهم من أوله حديثا ، ومن وسطه حديثا ، ومن آخره حديثا» (1).
وهذا الحديث يدل على جواز الإجازة في الحديث ، التي هي من طرق التحمل وأعلاها السماع من المحدث بلا خلاف.
* المناولة : عن أحمد بن عمر الحلال ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) : الرجل - من أصحابنا - يعطيني الكتاب ، ولا يقول : إروه عني ، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال : فقال : إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه» (2).
الوجادة : سأل محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة الإمام الجواد (عليه السلام) ، قائلا : «جعلت فداك ، إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) ، وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم ، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا؟ فقال (عليه السلام) : حدثوا بها فإنها حق» (3).
وهذا الخبر يدل على صحة تحمل الحديث ونقله بالوجادة ، وفيه إشارة إلى جواز العمل بأخبار الآحاد.
ونظيره ، الخبر المروي عن الإمام العسكري (عليه السلام) ، فقد سئل عن كتب 5.
ص: 245
بني فضال وهم من الفطحية الثقات ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم ، وبيوتنا منها ملاء؟ فقال (عليه السلام) : «خذوا بما رووا ، وذروا ما رأوا» (1).
ومما تقدم يعلم أن أهل البيت (عليهم السلام) قد أرشدوا أصحابهم من حملة أحاديثهم إلى الكثير من مفردات دراية الحديث :
كمعرفة مختلف الحديث ، وتمييز الخبر الصحيح عن غيره من جهة التعرف على درجة وثاقة رواته.
وبيان المرجحات عند تعارض الخبرين ، وهي ما تسمى عند أهل الدراية بالمرجحات المنصوصة.
والتأكيد على ضرورة الإسناد بذكره في كل حديث.
ونبذ تعمد الإرسال.
والتحذير من الكذب في نقل الحديث.
وتوضيح معنى التدليس.
وجواز نقل الرواية بالمعنى بالنسبة إلى العالم بالألفاظ ومداليلها ، ونحو ذلك.
وبيان طرق تحمل الحديث وآداب نقله عن طريق السماع والإجازة والمناولة والوجادة عند معرفة صاحب الكتاب.
وبالجملة ، فإن جميع مفردات علوم الحديث داخلة تحت قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : «اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل».
هذا ، في الوقت الذي لم تكن حاجة الشيعة فيه إلى معرفة تلكم 0.
ص: 246
الأمور كحاجة غيرهم إلى معرفتها ، وذلك لاستمرار عصر النص عند الشيعة الإمامية أكثر من ثلاثة قرون ، وإن انحصر بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في سنة 260 ه بالتوقيعات الخارجة من الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف على أيدي سفرائه الأربعة رضي الله عنهم طيلة فترة
الغيبة الصغرى التي انتهت في سنة 329 ه.
وهذا يعني إمكان رجوع الشيعة الإمامية إلى مصدر النص نفسه لحل ما يشكل عليهم في بعض النصوص ، بينما لا نجد ذلك عند غيرهم من العامة لانتهاء عصر النص عندهم بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في السنة الحادية عشرة من الهجرة المشرفة ، زيادة على طول مدة الحظر الرسمي على تدوين الحديث عندهم ، مع تفشي الوضع وكثرة الكذب بين الرواة على عهد معاوية وبتشجيع منه.
ومن هنا برزت الحاجة مع تدوين الحديث - عند رفع الحظر عنه - إلى التصنيف في علومه ، من رجال ودراية عند العامة.
ومع هذا فقد تقدم الشيعة الإمامية عليهم في التصنيف الرجالي كما مر ، وكذلك التصنيف في مسائل علم دراية الحديث.
فقد صنف أبان بن تغلب كتاب «من الأصول في الرواية على مذهب الشيعة» (1) ، وأبان من متقدمي الشيعة وأجلائهم ، مات سنة 141 ه.
وقد يكون في كتاب «اختلاف الحديث» لابن أبي عمير (ت 217 ه) ، وكتاب «معيار الأخبار» للفقيه العياشي (ت 320 ه) بعض المباحث في دراية الحديث أيضا. ة.
ص: 247
على أن الشيخ المفيد (ت 413 ه) قد تعرض في كتابه «التذكرة في أصول الفقه» إلى بعض الأمور الدرائية ، وقد أكثر منها الشيخ الطوسي (ت 460 ه) في «عدة الأصول» ، ومثله المحقق الحلي (ت 676 ه) في «معارج الأصول».
ثم تطور علم الدراية عند الشيعة الإمامية على يد الفقيه المحدث السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس الحسني (ت 673 ه) ، فكان أول من وضع الاصطلاح الجديد في أقسام الحديث المعروفة ، وتابعه العلامة الحلي (ت 726 ه) في مصنفاته الأصولية والرجالية على هذا التقسيم ، وبعضهم من نسب التصنيف الجديد إلى العلامة نفسه (رحمه الله).
ثم جاء بعد العلامة الحلي تلميذه السيد علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي ، من أعلام القرن الثامن الهجري ، فصنف «شرح أصول دراية الحديث» ، وبعده الشهيد الثاني (ت 966 ه) الذي صنف كتاب «الدراية في علم الرواية» ، ثم تعاقب على التأليف بعد ذلك جملة من علماء الدراية وصولا إلى عصرنا الحاضر.
ومن هنا يعلم أن بذور التصنيف الأولى في علم دراية الحديث قد ظهرت على أيدي الشيعة الإمامية قبل أن يستوعب الحاكم النيسابوري (ت 405 ه) مسائل هذا العلم في كتابه «معرفة علوم الحديث» ، على أن الحاكم نفسه متنازع فيه بين الشيعة والعامة ، إذ لم يثبت - بنحو القطع ، على كثرة ما قيل حوله - انتماؤه إلى أحد الفريقين ، وإن كان ظاهر مستدركه عدم الاعتقاد بالتشيع.
* * *
ص: 248
أقسام الخبر عند الشيعة الإمامية
بعد أن تعرفنا على نبذة مختصرة من تاريخ الحديث الشريف وعلومه ، وانتهى بنا الكلام إلى مؤلفات الشيعة في رواية الحديث وتطور مصطلحه عندهم ، فلا بأس إذن من الوقوف على أقسام الخبر عندهم ، لكي يتضح أن معنى الصحيح عند القدماء - الذي كان يخضع لاعتبارات علمية متعددة وقرائن كثيرة - لا يستلزم منه أن يكون صحيحا بحسب الاصطلاح الجديد للخبر ، فنقول :
الخبر ، والحديث ، والأثر ، وإن اختلفت تعريفا وتمييزا عند بعضهم إلا أنها تلتقي على معنى واحد وهو نقل مضمون السنة الشريفة أو نصها ، وعلى هذا تكون من الألفاظ المترادفة في الحكاية عن السنة.
ولتحصيل السنة طرق متعددة ، قطعية وظنية ، وما يعنينا منها هو ما يدخل في تقسيماتهم للخبر ، كالمتواتر ، والمحفوف بالقرائن ، وخبر الآحاد.
وهنا يجب التنبيه على أن معظم التقسيمات والتفريعات المبحوثة في كتب الدراية الشيعية وغيرها إنما هي في خصوص خبر الآحاد دون غيره لكثرة الابتلاء به أكثر بكثير من غيره.
ولهذا سيكون التركيز على أهم أقسام خبر الآحاد من بين هذه الأقسام الثلاثة الآتية :
أما المتواتر : فهو ما بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة
ص: 249
اتفاقهم على الكذب ، بحيث تتحقق تلك الكثرة في جميع طبقات السند وصولا إلى المعصوم (عليه السلام) ، ولا تنحصر الكثرة بعدد خاص (1).
ومن شروط تحققه : أن يكون ضروريا لا مظنونا ، ومستندا إلى محسوس ، وأن لا يسبق سامعه بشئ من شبهة أو تقليد ، إذ قد يدعى تواتر أخبار لا أصل لها في الواقع ، كما يزعم مثلا في تواتر أخبار المسح على الخفين في الوضوء ، مع أن الخف لا يسمى رجلا ، والمأمور به هو مسح الرجلين.
وتواتر الخبر يكون على نحوين :
أحدهما : التواتر اللفظي : ويراد به اتحاد ألفاظ المخبرين في خبرهم عن المعصوم (عليه السلام).
والآخر : التواتر المعنوي : ويراد به اشتراك ألفاظ المخبرين في معنى واحد مشترك بين تلك الألفاظ الدالة عليه بالتضمن أو الالتزام (2).
وأما الخبر المحفوف بالقرائن القطعية ، فهو على نحوين تبعا لاختلاف القرائن المحتفة به ، إذ تارة تكون القرائن قطعية دالة على القطع بصدور الخبر عن المعصوم ، فيكون الخبر صحيحا في نفسه ، كما لو أخبر أحدهم مثلا بأن الإمام الصادق (عليه السلام) قال له : يا فلان! إني سأقيم مأتما على جدي الحسين (عليه السلام) صبيحة يوم غد ، فادع ثقات أصحابي إلى الحضور.
ثم شوهد في صبيحة اليوم التالي توجه مثل زرارة ومحمد بن مسلم 6.
ص: 250
إلى بيت الإمام (عليه السلام) ، وسمع بعض المارة بكاء ونحيبا في بيت الإمام (عليه السلام) مع وجود بعض الأمارات الدالة على الحزن وإقامة المأتم ، كتعليق السواد على باب الدار مثلا.
وتارة تكون القرائن قطعية دالة على صحة مضمون الخبر ، كموافقته للكتاب العزيز ، أو السنة المقطوع بها ، أو الإجماع ، أو الدليل العقلي ومقتضاه.
والفرق بينهما : هو أن الخبر في الأولى نجزم بصدوره عن المعصوم (عليه السلام) ، بينما لا نجزم به في الحالة الثانية ، بل يحكم بصحة مضمونه وإن فرض عدم صدوره.
كما أن القرائن الأولى أغلبها غير موجود اليوم لانحصار معظمها في عصور الأئمة (عليهم السلام) ، بخلاف القرائن الثانية ، فهي موجودة في كل عصر وجيل.
وأما خبر الآحاد : فهو ما لا ينتهي إلى حد المتواتر من الخبر سواء كان الراوي واحدا أو أكثر (1).
وخبر الآحاد على قسمين :
أحدهما : ما ذكر فيه السند بتمامه واتصل بالمعصوم (عليه السلام) ، ويسمى المسند.
والآخر : ما لم يذكر فيه السند بتمامه ، أو لم يذكر فيه السند أصلا ، وله أسماء مختلفة تختلف باختلاف عدد الساقط من الرواة واختلاف طبقاتهم في السند ، وسوف نشير إلى أهمها في أقسام خبر الآحاد غير 5.
ص: 251
المسند.
فخبر الآحاد إذن سواء كان مسندا أو غير مسند له أقسام متعددة باعتبارات مختلفة ، وهي :
أقسام خبر الآحاد المسند
أولا : باعتبار حال رواته :
ذكر علماء الدراية أقساما أربعة لخبر الواحد المسند باعتبار ما يتصف به رواته من العدالة والوثاقة والضبط وغيرها ، وهذه الأقسام هي التي أدخلها السيد ابن طاووس (قدس سره) في دراية الحديث عند الشيعة الإمامية ، وقد نسبها بعضهم للعلامة الحلي (قدس سره) ، وهي :
الخبر الصحيح : وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل الإمامي العدل عن مثله في جميع الطبقات. وقد يطلق على سليم الطريق بما ينافي الاتصال بالعدل الإمامي وإن اعتراه إرسال أو قطع ، كقولهم : في صحيحة ابن أبي عمير كذا ، مع أنك قد تجد الرواية مرسلة (1).
وهذا التعريف لا ينطبق على متعارف المتقدمين على السيد ابن طاووس في إطلاق الصحيح كما أشار إليه جملة من علماء الشيعة.
فهم يطلقون الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه ، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه ، أو بما يورث العلم 2.
ص: 252
بمضمونه ، نحو :
1 - وجوده في أكثر الأصول الأربعمائة.
2 - تكرره في أصل أو أصلين.
3 - وجوده في أصل معروف الانتساب إلى واحد ممن أجمعت الشيعة على تصديقهم وتصحيح ما يصح عنهم ، والإقرار لهم بالفقه والعلم ، لكونهم من أشهر فقهاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ، كزرارة ومحمد بن مسلم وأمثالهما.
4 - وجوده في أحد الكتب المعروضة على الأئمة (عليهم السلام) فأثنوا على مؤلفيها ، ككتاب عبد الله الحلبي المعروض على الإمام الصادق (عليه السلام) ، وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الإمام العسكري (عليه السلام).
5 - أو كون الخبر مأخوذا من أحد الكتب التي شاع اعتمادها بين قدماء فقهاء الشيعة وأعلامهم ، سواء كانت من كتب الشيعة الإمامية ككتاب «الصلاة» لحريز بن عبد الله السجستاني ، وكتب ابني سعيد الأهوازيين ، أو من كتب غيرهم ، ككتاب الحسين بن عبد الله السعدي ، وكتاب «القبلة» لعلي بن الحسن الطاطري ، وكتاب حفص بن غياث القاضي العامي (1).
6 - أن يكون الخبر شائعا بينهم بنقل الثقات.
هذا وقد مر أن في بعض القرائن التي تحتف بالخبر ما يفيد صحة مضمونه.3.
ص: 253
الخبر الحسن : وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم (عليه السلام) بإمامي ممدوح مدحا معتدا ، به من غير نص على عدالته ، مع تحقق ذلك في جميع مراتب السند ، أو في بعض مراتبه ولو في واحد ، مع كون باقي رجال السند من رجال الصحيح (1).
وقد يطلق عند بعض المتأخرين اصطلاح : حسن كالصحيح ، ويراد به : أن يكون أوائل رجال السند من الإمامية المنصوص عليهم بالتوثيق وأواخرهم من الممدوحين بمدح غير بالغ درجة الوثاقة ، مع كونهم واقعين بعد أحد الجماعة المجمع على تصحيح ما يصح عنهم (2) ، وهم الفقهاء الذين ذكرهم الكشي في رجاله من أصحاب الأئمة (عليهم السلام).
الموثق ويقال له : القوي - : وهو ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته - كثقات الواقفية ، والناووسية ، والفطحية ونحوهم ، ولم يشتمل باقي السند على ضعيف (3).
وقد يميز بين القوي والموثق ، بإطلاق القوي على مروي الإمامي الذي لم يمدح ولم يذم بكتب الرجال ، فيكون القوي أعم من الموثق.
الضعيف : وهو ما لم تجتمع فيه شروط الصحيح ، أو الحسن ، أو الموثق ، بأن يشتمل طريقه على مجروح ، مجهول الحال ، وما دون ذلك كالوضاع (4). 0.
ص: 254
والضعيف أعم من كونه مسندا أو غير مسند ، وأدرجناه في أقسام خبر الآحاد المسند بهذا الاعتبار.
ثانيا : باعتبار عدد رواته :
يقسم الخبر الواحد المسند بهذا الاعتبار الناظر إلى عدد الرواة في كل طبقة من طبقات السند إلى الأقسام التالية :
الخبر المستفيض : وهو ما زادت رواته على ثلاثة أو اثنين في كل مرتبة من مراتب السند من أوله إلى منتهاه (1) ، وإذا اتحد لفظ المخبرين في الخبر سمي بالمستفيض اللفظي ، وإن اختلفت ألفاظ الخبر مع اتحادها في معنى واحد فهو المستفيض المعنوي ، ويسمى المشهور أيضا ، وقد يغاير بينهما على أساس تحقق الوصف المذكور في المستفيض دون المشهور لأنه أعم من ذلك ، كحديث «إنما الأعمال بالنيات» فهو مشهور غير مستفيض ، للانفراد في نقله ابتداء ، وطروء الشهرة عليه بعد ذلك ، ولك أن تقول : إن كل مستفيض مشهور ، وليس كل مشهور مستفيض.
الخبر الغريب : وهو ما انفرد بروايته الثقة في أي مرتبة كان من مراتب السند ، فإن كان رجال السند رجال الصحيح ، عد الخبر من الصحيح الغريب ، وإن كانوا من رجال الحسن ، سمي بالحسن الغريب ، وهكذا الحال في الموثق الغريب ، أو الضعيف الغريب (2).
الخبر العزيز : وهو ما يرويه اثنان من الرواة ، عن اثنين ، عن اثنين ، وهكذا وصولا إلى المعصوم (عليه السلام) ، وأما لو رواه عن المرتبة الثانية أو 6.
ص: 255
الثالثة في السند أكثر من ذلك ، فهو العزيز المشهور (1).
ثالثا : باعتبار اشتراكه مع غيره :
توجد أقسام أخرى من الخبر تشترك مع غيرها من الأقسام الأربعة المتقدمة ، ولا تختص بالضعيف منها ، وسوف نقتصر بالذكر على أهمها ، وهي :
المعنعن : وهو ما يقال في سنده : فلان عن فلان ... إلى آخر السند ، من غير بيان متعلق الجار من رواية أو تحديث أو إخبار أو سماع. وحكمه حكم المتصل ، وقيل : إنه بحكم المرسل حتى يتبين اتصاله بغيره ، وما عليه الأكثر هو الأول.
المدرج : وهو على أقسام أربعة ، وقع الأول منها في كتبنا الأربعة ، ويسمى في الاصطلاح مندرج المتن ، ويراد به ما أدرج في متن الحديث من كلام بعض الرواة ، سواء في أول المتن أو آخره أو في وسطه ، كتفسير كلمة من المتن بأخرى ، مما يتوهم البعض أن الكل من متن الحديث وهو ليس كذلك.
العالي ، والنازل : ويراد بالأول اصطلاحا ما كان قليل الواسطة من المحدث إلى المعصوم ، والثاني بخلافه ، ويطلق على الأول «قرب الإسناد» أو «علو الإسناد» والقرب أخص باعتبار النسبية في العلو - وطلبه من قبل المحدث سنة مؤكدة حتى قال بعضهم : «قرب الإسناد قربة إلى الله تعالى» (2).ه.
ص: 256
المسلسل : وهو ما تتابع رجال إسناده على نقل صفة واحدة أو حال معينة إما للرواية أو للرواة (1).
المشترك : وهو ما كان أحد الرواة فيه مشتركا بين الثقة وغيره تارة ، وبين الثقات فقط تارة أخرى ، وفي الأول لا بد من التمييز ، بخلاف الثاني (2).
رابعا : باعتبار ذكر اسم من أسند إليه :
للخبر قسمان بهذا الاعتبار (3) وهما :
المصرح : وهو ما ذكر في نهاية سنده اسم المعصوم (عليه السلام) الذي أسند له الخبر.
المضمر : وهو ما أخفي فيه المسؤول أو صاحب الحديث إماما كان أو غيره ، بأن يعبر عنه تارة بالضمير البارز ، كقول زرارة : قال : «قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء» ، وأخرى بالضمير المستتر ، مثل حديث سماعة ، قال : «قال : إذا سها الرجل في الركعتين» (4).
والإضمار في الحديث لا وجود له في أحاديث العامة ، بل هو مختص بأخبارنا ، ومن أوجه أسبابه ، التقية ، وتقطيع الأخبار.
هذا تمام الكلام في ما يعنينا من أقسام خبر الآحاد المسند ، وأما غير 5.
ص: 257
المسند فهو على أقسام :
أقسام خبر الآحاد غير المسند
وهو على أقسام كثيرة نذكر منها ما يأتي :
المعلق : وهو ما حذف من أول إسناده واحد أو أكثر على التوالي.
وشرط اندراجه ضمن أقسام خبر الآحاد غير المسند هو عدم معرفة اسم المحذوف من السند ، وأما مع معرفته فإنه يكون من المسند قطعا.
الموقوف : وهو على نحوين : مطلق ، ومقيد.
أما الأول : فهو ما رواه أحد أصحاب المعصوم (عليه السلام) من دون أن يتصل السند به ، ويسمى الموقوف المطلق.
وأما الثاني : فهو ما روي عن غير صاحب المعصوم (عليه السلام) مع الوقوف عليه ، ويسمى المقطوع (1).
المعضل : وهو ما حذف من سنده اثنان أو أكثر (2) ، فلو كان المحذوف أقل من اثنين في أول السند فهو المعلق ، وفي آخره فهو المرسل.
المرسل : وهو بمعناه العام : كل حديث حذفت رواته أجمع ، أو بعضها ، واحد أو أكثر ، وكذا لو ذكر في السند أحد الرواة بلفظ مبهم ، مثل : عن رجل أو شيخ ونحوه. 5.
ص: 258
وبناء على هذا التعريف فالمرسل يشمل ما ذكرناه من أقسام الخبر غير المسند جميعها.
وعرفه بعضهم : بما رواه عن المعصوم (عليه السلام) من لم يدركه.
وأما المرسل - بالمعنى الخاص - : فهو كل حديث أسنده التابعي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من غير ذكر الواسطة ، ولكن الشائع عندهم هو استعمال المرسل في معناه العام (1).
وبهذا نكون قد أعطينا صورة واضحة عن تاريخ الحديث الشريف وعلومه ، وتطور مصطلحه عند الشيعة الإمامية ، مع تفانيهم في الحرص عليه ، ورعايته ، وبثه في الآفاق وسبقهم إلى تدوينه في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعهد الوصي (عليه السلام) ، مع استمرار نشاطهم الحديثي في سائر عصور الأئمة (عليهم السلام) ، مما سهل لأقطابهم - فيما بعد - جمعه وإفراده في موسوعاتهم الحديثية الكبرى المعروفة لدى سائر المسلمين.
والحمد لله أولا وآخرا
والصلاة والسلام على حبيبنا محمد المصطفى ،
وعلى بضعته سيدة النسا ، وخلفائه المعصومين أهل الوفا. 8.
ص: 259
صورة
ص: 260
فهرس المصادر والمراجع
1 - القرآن الكريم.
2 - نهج البلاغة / شرح ابن أبي الحديد المعتزلي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، وشرح محمد عبده ، المطبعة الرحمانية ، مصر.
3 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد / الشيخ المفيد (ت 413 ه) ، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ، قم.
4 - الإستبصار / الشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران.
5 - أصول الحديث / الأستاذ الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي ، الطبعة الثانية ، مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر ، 1416 ه.
6 - إعلام الورى / الطبرسي ، دار الكتب الإسلامية ، طهران.
7 - أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين العاملي (ت 1373 ه) ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت.
8 - الأمالي / الشيخ الطوسي (ت 460 ه) مكتبة الداوري ، قم.
9 - بحار الأنوار / المجلسي (ت 1110 ه) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
10 - بصائر الدرجات / الصفار (ت 290 ه) ، نشر مؤسسة الأعلمي ، طهران.
11 - تاريخ ابن خلدون / ابن خلدون (ت 808 ه) ، دار الكتاب
ص: 261
اللبناني ، والدار الإفريقية العربية.
12 - تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام / السيد حسن الصدر (ت 1354 ه) ، شركة النشر والطباعة العراقية المحدودة ، 1370 ه.
13 - تدوين السنة الشريفة / السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الأولى ، مركز النشر ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1413 ه ، قم. (وقد اقتبست منه ما يرجع إلى المصادر الآتية بالأرقام : 15 و 17 و 61 فهو الواسطة إليها لعدم وقوعها بيدي أثناء البحث ، والبيانات المثبتة إزائها هي بيانات المصدر المذكور باختصار).
14 - تذكرة الحفاظ / الذهبي (ت 748 ه) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
15 - تقييد العلم / الخطيب البغدادي (ت 463 ه) ، دار إحياء السنة النبوية. (راجع التسلسل 13).
16 - تهذيب الأحكام / الشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، دار الكتب الإسلامية ، طهران.
17 - جامع بيان العلم وفضله / ابن عبد البر (ت 463 ه) ، المطبعة المنيرية ، مصر. (راجع التسلسل 13).
18 - جامع المقال في ما يتعلق بأحوال الرجال / الطريحي (ت 1085 ه) ، تحقيق محمد كاظم الطريحي ، مطبعة الحيدري ، طهران.
19 - الحديث والمحدثون / أبو زهو ، دار الكتاب العربي ، بيروت.
20 - خاتمة مستدرك الوسائل / الميرزا حسين النوري (ت 1320 ه) ، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر ، قم.
21 - الخصال / الشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، جماعة المدرسين في
ص: 262
الحوزة العلمية ، قم.
22 - دراسات في الحديث والمحدثين / السيد هاشم معروف الحسني ، دار التعارف ، بيروت.
23 - الدراية في علم مصطلح الحديث / الشهيد الثاني (ت 966 ه) ، مطبعة النعمان ، النجف الأشرف.
24 - دلائل الإمامة / الطبري ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف.
25 - رجال الخاقاني / الشيخ علي الخاقاني (ت 1334 ه) ، مطبعة الآداب ، النجف الأشرف.
26 - رجال العلامة الحلي / العلامة الحلي (ت 726 ه) ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف.
27 - رجال النجاشي / النجاشي (ت 450 ه) ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم.
28 - الرواشح السماوية في شرح الأحاديث الإمامية / المحقق الداماد (ت 1041 ه) ، منشورات المكتبة المرعشية ، قم 1405 ه.
29 - زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدثين / الشيخ أحمد البحراني القطيفي (ت 1315 ه) ، تحقيق ونشر ضياء بدر آل سنبل ، ط 1 ، قم 1414 ه.
30 - سنن الترمذي / الترمذي (ت 279 ه) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
31 - سنن أبي داود / أبو داود (ت 275 ه) ، تعليق محمد محي الدين عبد الحميد ، دار إحياء السنة النبوية.
32 - سنن ابن ماجة / ابن ماجة القزويني (ت 273 ه أو 275 ه) ،
ص: 263
دار إحياء الكتب العربية ، مصر.
33 - شرح المواقف (لعضد الدين الإيجي) / الجرجاني (ت 816 ه) مطبعة أمير ، قم ، مصورة عن الطبعة الأولى بمطبعة السعادة ، مصر.
34 - صحيح البخاري / البخاري (ت 256 ه) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
35 - صحيح مسلم / مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه) ، دار الفكر ، بيروت.
36 - الطبقات الكبرى / ابن سعد (ت 230 ه) ، دار صادر ، بيروت.
37 - عدة الأصول / الشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، مصورة نسخة مخطوطة محفوظة في خزانة مخطوطات مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث برقم 4575 / 54 / 353 / 17.
38 - عدة الرجال / السيد محسن الأعرجي الكاظمي (ت 1227 ه) ، مؤسسة الهداية ، قم.
39 - علل الشرائع / الشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف.
40 - كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، مطبعة بهمن ، قم.
41 - كتاب الغيبة / الشيخ النعماني ، من أعلام القرن الرابع الهجري ، مكتبة الصدوق ، طهران.
42 - فرائد السمطين / الجويني الشافعي (ت 730 ه) ، مؤسسة المحمودي ، بيروت.
43 - الفوائد المدنية / المولى محمد أمين الأسترآبادي (ت 1036 ه) ، مطبعة أمير ، قم ، 1405 ه ، أوفسيت على الطبعة الحجرية.
ص: 264
44 - الفهرست / الشيخ الطوسي (ت 460 ه) ، منشورات الشريف الرضي ، قم.
45 - الفهرست / ابن النديم (ت 385 ه) ، المطبعة الرحمانية ، مصر.
46 - قاموس الرجال / التستري (ت 1416 ه) مؤسسة النشر الإسلامي ، قم.
47 - قواعد الحديث / السيد محي الدين الموسوي الغريفي ، ط 1 ، مطبعة الآداب ، النجف الأشرف.
48 - الكافي / ثقة الإسلام الكليني (ت 329 ه) ، دار الأضواء ، بيروت.
49 - كشف الظنون / حاجي خليفة (ت 1061 ه) ، دار الفكر ، بيروت.
50 - كمال الدين / الشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم.
51 - لزوم ما لا يلزم / أبو العلاء المعري (ت 449 ه) شرح نديم عدي ، ط 2 ، دمشق ، 1988 م.
52 - مرآة العقول / المجلسي (ت 1110 ه) ، مطبعة خورشيد حيدري ، طهران.
53 - المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري (ت 405 ه) ، دار الفكر ، بيروت.
54 - مستدرك الوسائل / العلامة النوري (ت 1320 ه) تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ، قم.
55 - المسند / لأحمد بن حنبل (ت 240 ه) ، دار الفكر ، بيروت.
ص: 265
56 - المعتبر / المحقق الحلي (ت 676 ه) ، ط 1 ، إيران ، 1317 ه.
57 - معراج أهل الكمال / المحقق البحراني الماحوزي (ت 1121 ه) ، مطبعة سيد الشهداء (عليه السلام) ، قم.
58 - مقباس الهداية / المامقاني (ت 1351 ه) ، نشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ، قم.
59 - المناقب / ابن شهرآشوب (ت 588 ه) ، طهران.
60 - منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان / الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني (ت 1011 ه) ، ط 1 ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم ، 1404 ه.
61 - نقد العلم والعلماء (تلبيس إبليس) / ابن الجوزي (ت 597 ه) ، المطبعة المنيرية ، مصر. (راجع التسلسل 13).
62 - نهاية الدراية (شرح الوجيزة للشيخ البهائي) / السيد حسن الصدر (ت 1354 ه) ، تحقيق الشيخ ماجد الغرباوي ، نشر المشعر ، مطبعة اعتماد ، قم.
63 - هداية المحدثين (مشتركات الكاظمي) / محمد أمين بن محمد علي الكاظمي ، من أعلام القرن الحادي عشر ، نشر المكتبة المرعشية ، قم.
64 - هدي الساري / ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) ، مصر ، 1383 ه.
65 - الوافي / الفيض الكاشاني (ت 1091 ه) ، منشورات المكتبة المرعشية ، قم ، 1404 ه ، مع الطبعة الأولى ، أصفهان ، 1406 ه.
ص: 266
66 - وسائل الشيعة / الشيخ الحر العاملي (ت 1104 ه) ، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ، قم.
67 - وصول الأخيار إلى أصول الأخبار / الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي (ت 984 ه) ، تحقيق السيد عبد اللطيف الكوهكمري ، نشر مجمع الذخائر الإسلامية ، مطبعة الخيام ، قم 1401 ه.
68 - ينابيع المودة / القندوزي الحنفي (ت 1270 ه) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، والطبعة المحققة ، قم 1416 ه.
* * *
ص: 267
السيد حسن الحسيني
آل المجدد الشيرازي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الخافض الرافع ، الضار النافع ، الجواد الواسع ، وصلى الله على رسوله ومصطفاه سيدنا محمد النبي الشافع ، وعلى آله ، وخلص صحبه ، وخيار شيعته وحزبه ، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد :
فإن كثيرا ممن أعمى الله بصائرهم ، وختم على قلوبهم ، فلا يكادون يفقهون حديثا ، ما زالوا مذ وقوع الفتنة ، وحدوث المحنة في هذه الأمة ، بعد لحوق نبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيق الأعلى ، يتربصون بأهل الحق الدوائر (عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا) (1) ويلتمسون لهم الزلات والعثرات في كل مضمار ، وحيثما ظنوا أنه من تلك الموارد أقدموا - بزعمهم - على كشف العوار ،
ص: 268
وإشهار العار والبوار.
وقد سرى بغيهم وإرجافهم بأهل الإيمان إلى علم العربية ، الذي تنزه منهله عن تلك النعرات المذهبية ، وصفا مورده من كدر التناحرات والتشاجرات الطائفية.
فمما أنكروه على شيعة آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعلوه آية التباين بين مذهب الشيعة ومذهب أهل السنة والجماعة ، قولهم - في التصلية على النبي عليه وآله الصلاة والسلام - : «صلى الله عليه وآله وسلم» بعطف الظاهر على الضمير المخفوض من دون إعادة الخافض.
وزعموا أن الشيعة تعمدوا ذلك واستندوا إلى حديث وضعوه ، وهو ما عزوه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : لا تفصلوا بيني وبين آلي بعلى - كما قاله الشيخ ياسين بن زين الدين العليمي الحمصي في حاشية «التصريح» (1)
للأزهري -.
وقد سبقه إلى ذلك بعض المرجفين من المخالفين (2) ، وقانا الله من شرورهم ، ورد كيدهم إلى نحورهم ، آمين.
قال العلامة الشريف الجزائري (رحمه الله) في حاشيته على «الفوائد الضيائية» : قال الفاضل المحشي : منع الشيعة إدخال «على» على الآل عند ن.
ص: 269
التصلية ، ونقلوا في ذلك حديثا ، والتزم أهل السنة ذكرها ردا عليهم ، فإنها موجودة في الأحاديث الصحيحة ، والظاهر أن ما نقلوه يكون موضوعا. انتهى.
وتعقبه الجزائري (رحمه الله) بقوله : أما الحديث الذي أشار إليه هو قوله : «من فصل بيني وبين آلي بعلى فقد جفاني». وأما نسبته إلى الشيعة ، فإن أراد به الإمامية ، فهو كذب عليهم ، لعدم وروده في أخبارهم ، وورد عن أئمتهم (عليهم السلام) الفصل ب «على». وإن أراد غيرهم من الفرق فالحال على ما قال ، لأنا روينا بطريقنا إلى شيخنا البهائي (رحمه الله) أنه رآه في كتب الإسماعيلية. انتهى.
وقال الشيخ العلامة أبو طالب (رحمه الله) في حاشيته على «البهجة المرضية»
- عند قول الشارح جلال الدين السيوطي : (و) على (آله) أي أقاربه المؤمنين ... إلى آخره - ما لفظه : تقدير لفظ (على) على الآل للرد على الخاصة ، فإن هذا من دأب العامة رغما لأنف الخاصة ، زعما منهم استقباح ذلك عند الخاصة لحديث مشهور معتبر عندهم - بزعم العامة - وهو ما أسند إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من فصل بيني وبين آلي بعلى لم ينل شفاعتي».
قال (رحمه الله) : ولم يعلموا أن هذا الحديث مصنوع عند الخاصة ، ودخول (على) على الآل كثير في الأدعية المروية عن أئمتنا (عليهم السلام). انتهى.
وسئل الشيخ الإمام فخر الدين ابن المطهر (رحمه الله) عن هذا الحديث والوجه المبني عليه.
فأجاب : أنه لا وجه لهذا القول ، بل القول ما قاله النحاة.
قال (رحمه الله) : ولولا اتباع النقل ما جاز إلا بإعادة الحرف الخافض ، على
ص: 270
أنه قد ورد في كثير من الأدعية عنهم عليهم السلام (1). انتهى.
قلت :
ينبغي أن يحمل قوله «ما جاز إلا بإعادة الحرف الخافض» على ضرب من المبالغة ، لكثرة الاستعمال كذلك وشيوعه في كلامهم ، لا أن غيره لا يجوز ، كيف؟! وستعرف إن شاء الله أن عطف الظاهر على المخفوض من دون تكرار الخافض مذهب الكوفيين وجماعة من المحققين ، مضافا إلى ورود النقل به.
نعم ، يظهر من كلام شيخ الإسلام المجلسي (رحمه الله) مرجوحية الفصل ب «على» ، فقد حكي عنه أنه قال في «شرح الأربعين» : اشتهر بين الناس عدم جواز الفصل بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله بعلى مستدلين بالخبر المشهور بينهم ، ولم يثبت عندنا هذا الخبر ، ولا هو موجود في كتبنا ، ويروى عن شيخنا البهائي (رحمه الله) أن هذا من أخبار الإسماعيلية.
قال (رحمه الله) : لكن لم نجد في الدعوات المأثورة عن أرباب العصمة (عليهم السلام) الفصل بها إلا شاذا ، وتركه أولى وأحوط. انتهى.
وتعقبه صاحب «مصابيح الأنوار» (رحمه الله) بأن الفصل بها موجود في كثير من الأدعية والأذكار سيما الصحيفة السجادية (2).
قلت : والأمر كما قال ، وقد مر نحو ذلك عن أبي طالب (رحمه الله).
وأما ما اشتهر بين الناس فلا حجة فيه ما لم ينهض عليه دليل صالح معتبر ، فرب مشهور لا أصل له ، وقد عرفت حال مستندهم في ذلك. 9.
ص: 271
وأما عدم وجدانه (رحمه الله) الفصل - إلا شاذا - فلا يدل على عدم وجوده
كثيرا ، على أنني أرى أن كلامه هذا إلى طغيان القلم أقرب منه إلى زلة القدم ، والمعصوم من عصمه الله تعالى ، فإن الأدعية المأثورة والأحاديث المشهورة قد تضمنت الفصل ، وحسبك من ذلك قول زين العابدين وسيد الساجدين عليه الصلاة والسلام في الصحيفة المباركة - زبور آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - : «فصل عليهم وعلى الملائكة الذين من دونهم»
وقوله (عليه السلام) : «فصل عليهم وعلى الروحانيين من ملائكتك» وقوله (عليه السلام) : «وصلى الله عليه وعلى آله» وغير ذلك مما يقف عليه المتتبع في مطاوي الأدعية الشريفة.
فظهر أن الاحتياط المذكور لا محل له في المقام ، وأنه لا وجه لأولوية الترك ، إذ لم يقم دليل على ذلك سوى حديث منكر ، آثار الوضع تلوح عليه بوضوح ، وريح الاختلاق منه تفوح ، مضافا إلى استعمال العرب العرباء ومعاشر النحاة والأدباء لكلا الوجهين - كما سنبينه إن شاء الله تعالى -.
هذا ، وقد اجتهد بعضهم (1) في الاعتماد على ذلك الحديث المنحول
مستندا إلى قاعدة التسامح في أدلة السنن والكراهة ، وأن وجوده في كتب الإسماعيلية غير قادح فيها ، لأنها ليست بأقل اعتبارا من كتب الواقفية - بني فضال - ونظائرهم الذين ورد عنهم (عليهم السلام) في حق كتبهم «خذوا ما رووا
ودعوا ما رأوا».
وفيه : أن العلماء رحمهم الله تعالى إنما بنوا الأمر على التسامح في ف.
ص: 272
أدلة السنن والكراهة في الحديث الضعيف - وإن اشتد ضعفه - ما لم يبلغ حد الوضع ، ولا ريب أن هذا الحديث موضوع مختلق - كما مر آنفا - وركاكة معناه شاهد صدق على ذلك.
وأما كتب بني فضال فقد ثبت النص الصريح باعتبارها والعمل بمضمونها - وإن كان مذهبهم باطلا - وما ذلك إلا لصدق لهجتهم ، فتقبل مروياتهم بشرط أن تكون عن ثقة.
وبالجملة : فروايات بني فضال إنما أمرنا بقبولها بعد الفراغ عن حال الرواة قبلهم وبعدهم ، وأما هم فرواياتهم من جملة روايات الثقات.
وليس مثل هذا الاعتبار موجودا في كتب الإسماعيلية ، مع أن الموضوع موضوع سواء كان في كتب الإسماعيلية أم في كتب بني فضال أم في كتب غيرهم ، فليس طرح الحديث المذكور لوجوده في كتب الإسماعيلية ، كيف؟! وقد اعتمد فقهاء أصحابنا الإمامية - أدام الله بركاتهم - في الفقه على جملة وافرة من أحاديث كتاب «دعائم الإسلام» للقاضي أبي حنيفة النعمان التميمي - وكان من فقهاء الإسماعيلية وقضاتهم - بل لما اطلعت عليه من وضعه واختلاقه ، والله تعالى أعلم.
إذا عرفت ذلك فلا بد من تحرير محل النزاع أولا ، ثم الخوض في النقض والإبرام ، وتحقيق الحق في المقام ، فنقول - وعلى الله التوكل وبه الاعتصام - :
اختلفوا في جواز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور من دون إعادة الجار ، حرفا كان أم اسما ، فجمهور البصريين على المنع في السعة والاختيار ، وذهب الكوفيون ويونس والأخفش وقطرب والزجاج إلى
ص: 273
جوازه (1) ، ووافقهم عليه ثلة من الجهابذة المحققين كأبي علي الشلوبين وأبي حيان ، وجرى عليه ابن هشام في بعض كتبه ، لثبوت ذلك في فصيح الكلام - كما في «الحدائق الندية» (2) -.
وحكى الخلاف في ذلك الإمام أبو عبد الله جمال الدين محمد بن مالك في (الخلاصة) ، حيث قال :
وعود خافض لدى عطف على
ضمير خفض لازما قد جعلا
وليس عندي لازما إذ قد أتى
في النظم والنثر الصحيح مثبتا
انتهى.
أما النثر الصحيح - والمراد به الكتاب العزيز - :
1 - فمنه : قوله تعالى : (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) (3) بخفض الأرحام عطفا على الهاء المجرورة بالباء في قراءة حمزة بن حبيب الزيات - من السبعة - وهي أيضا قراءة ابن عباس (رضي الله عنه) وابن مسعود والحسن البصري والقاسم ومجاهد وقتادة وإبراهيم النخعي والأعمش ويحيى بن وثاب الكوفي وطلحة بن مصرف وأبي رزين ، ورواية الأصبهاني والحلبي عن عبد الوارث.
قال شيخنا (رحمه الله) في «شرح البهجة المرضية» (4) - في رد الاستشهاد 3.
ص: 274
بهذه القراءة - : إن الاستدلال بالقراءة المرجوحة لإثبات القواعد مرجوح - لو لم تكن القراءة ضعيفة - وإن قيل : إن القراءة سنة متبعة ، لأنه لا يدل على كونها فصيحة. انتهى.
والجواب : أنها قراءة بعض الصحابة والتابعين ، مضافا إلى أنها قراءة حمزة - وهي من السبع المتواترة - فهي حجة وصحيحة ، وقد ذكر الإمام أمين الدين الطبرسي (رحمه الله) في مقدمة «مجمع البيان» (1) أن حمزة قرأ على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما الصلاة والسلام ، وقرأ على حمران ابن أعين أيضا ، وهو قرأ على أبي الأسود الدؤلي ، وهو قرأ على علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فأين مشرع الفصاحة إن لم يكن ها هنا؟!
وأما قوله (رحمه الله) : «إن الاستدلال بالقراءة المرجوحة لإثبات القواعد مرجوح».
ففيه : أنا لو سلمنا - جدلا - مرجوحية قراءة حمزة - مع ما قد عرفت من مأخذها - فهو لا يكاد يصح أيضا ، بل هو مخالف لما تقرر في أصول النحو من أن كل ما ورد أنه قرئ به جاز الاحتجاج به في العربية سواء كان متواترا - كالقراءات السبع المشهورة - أم آحادا - كقراءة الثلاثة الذين هم تمام العشرة - أم شاذا ، وهي ما وراء العشرة (2).
قال السيوطي في «الاقتراح» (3) : وقد أطبق الناس على الاحتجاج
بالقراءات الشاذة في العربية إذا لم تخالف قياسا معروفا ، بل ولو خالفته يحتج بها في مثل ذلك الحرف بعينه ، وإن لم يجز القياس عليه. 8.
ص: 275
قال : وما ذكرته من الاحتجاج بالقراءة الشاذة لا أعلم فيه خلافا بين النحاة.
وقال في «الاقتراح» (1) أيضا : كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم وحمزة وابن عامر قراءات بعيدة في العربية ، وينسبونهم إلى اللحن ، وهم مخطئون في ذلك ، فإن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي لا مطعن فيها.
قال : وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية ، وقد رد المتأخرون
- منهم ابن مالك - على من عاب عليهم ذلك بأبلغ رد ، واختار هو جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار.
انتهى كلام السيوطي.
وحكى الشيخ العلامة أبو الفضل الكازروني في حاشيته على «أنوار التنزيل» (2) عن الجزري في كتاب «النشر» أنه قال : كم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم ، بل أجمع الأئمة المقتدى بهم من السلف على قبولها كخفض (والأرحام). انتهى.
وقال نظام الدين النيسابوري في تفسيره (3) : من قرأ بالجر فلأجل العطف على الضمير المجرور في (به) وهذا وإن كان مستنكرا عند النحاة بدون إعادة الخافض إلا أن قراءة حمزة مما ثبت بالتواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يجوز الطعن فيها لقياسات نحوية واهية كبيت العنكبوت. انتهى. 9.
ص: 276
وقال القرطبي في تفسيره (1) : قال الإمام أبو نصر عبد الرحيم بن
عبد الكريم القشيري - واختار العطف - : ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين ، لأن القراءات التي قرأ بها القراء ثبتت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تواترا يعرفه أهل الصنعة ، وإذا ثبت شئ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن رد ذلك فقد رد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واستقبح ما قرأ به ، وهذا مقام محذور ، ولا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو ، فإن العربية تتلقى من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا يشك أحد في فصاحته. انتهى.
وحكى الثعالبي في «الجواهر الحسان» (2) عن الصفاقسي أنه قال : إن
الصحيح جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار - كمذهب الكوفيين - ولا ترد القراءة المتواترة بمثل مذهب الكوفيين.
واستحسن الثعالبي كلامه.
وقال الإمام فخر الدين الرازي في «مفاتح الغيب» (3) - بعد ما حكى كلام جماعة في فساد قراءة حمزة - : واعلم أن هذه الوجوه ليست وجوها قوية في دفع الروايات ، وذلك لأن حمزة أحد القراء السبعة ، والظاهر أنه لم يأت بهذه القراءة من عند نفسه ، بل رواها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذلك يوجب القطع بصحة هذه اللغة ، والقياس يتضاءل عند السماع لا سيما بمثل هذه الأقيسة التي هي أوهن من بيت العنكبوت. انتهى.
وقال ابن يعيش في «شرح المفصل» (4) - بعد ما ذكر أن أبا العباس8.
ص: 277
محمد بن يزيد المبرد قد رد هذه القراءة ، وأنه قال : لا تحل القراءة بها - : وهذا القول غير مرضي من أبي العباس ، لأنه قد رواها إمام ثقة ، ولا سبيل إلى رد نقل الثقة ، ثم ذكر بعض من قرأ بها وقال : وإذا صحت الرواية لم يكن سبيل إلى ردها. انتهى.
وبالغ أبو حيان الأندلسي في الرد على ابن عطية إذ رد قراءة حمزة (1) وقال في «البحر المحيط» (2) : لسنا متعبدين بقول نحاة البصرة ولا غيرهم ممن خالفهم ، فكم حكم ثبت بنقل الكوفيين من كلام العرب لم ينقله البصريون! وكم حكم ثبت بنقل البصريين لم ينقله الكوفيون!
قال : وإنما يعرف ذلك من له استبحار في علم العربية لا أصحاب الكنانيس ، المشتغلون بضروب من مبادئ العلوم ، الآخذون عن الصحف دون الشيوخ. انتهى.
وبالجملة : فكلامهم في هذا المعنى يدل على اتفاقهم على قبول قراءة حمزة ورد ما يعارضها من الأقيسة ، وقد وردت من الشواهد المصححة لتلك القراءة ما لا يبقى معها ريب في جواز العطف على النحو المذكور ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما قول الإمام الرضي (رضي الله عنه) (3) : إن الظاهر أن حمزة جوز ذلك بناء على مذهب الكوفيين - لأنه كوفي - ولا نسلم تواتر القراءات ، فعندي غير مرضي ، لأنا نمنع أن يكون حمزة قد قرأ بذلك متابعة لمذهب الكوفيين ، فإن القراءة سنة متبعة - كما هو مشهور - لا يتصرف فيها بقواعد العربية 0.
ص: 278
المختلفة ، وقد مر عليك آنفا أنه قرأ على أبي عبد الله (عليه السلام) وكذا على حمران بن أعين ، فالقول في حمزة بمثل ذلك مما لا ينبغي.
ولو فتح هذا الباب لجاز أن يتصرف كل قارئ بما يقتضيه مذهبه ، وأن يقرأ كل من شاء كيفما شاء ، فحينئذ لا يجوز الاعتماد على قراءة السبعة فضلا عن غيرهم ، فما استظهره (رحمه الله) غير ظاهر ، بل الظاهر خلافه ، على أنه ينبغي أن ينزل النحو على القرآن وأن يكون مستقيما به لا العكس ، فتنبه.
وأما عدم تسليمه تواتر القراءات ، فإن جماعة من أصحابنا ادعوا تواترها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - كما في «مفتاح الكرامة» (1) - فضلا عن تواترها إلى أربابها ، والله تعالى أعلم.
تنبيه
ذكر بعض من منع العطف من دون إعادة الخافض أن الواو في (والأرحام) للقسم لا للعطف فلا يتم الاستشهاد على المطلوب.
وأجيب : بأنه عدول عن الظاهر ، مع أنه لو كان قسم الطلب في قوله : (واتقوا الله) ورد عليه أن قسم السؤال إنما يكون بالباء - كما قاله الرضي وغيره (2) - وإن كان قسم خبر محذوف تقديره : والأرحام إنه لمطلع على ما تفعلون - كما قيل - كان زيادة في التكلف ، كذا في حاشية الصبان على شرح الأشموني (3). 5.
ص: 279
2 - ومنه : قوله تبارك اسمه : (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) (1) وقد جعل الزمخشري في «الكشاف» (2)
(أشد) معطوفا على الكاف والميم من (فاذكروا الله كذكركم آباءكم)
ولم يجز عطفه على الذكر.
قال الإمام جمال الدين ابن مالك في «شواهد والتوضيح والتصحيح لحل مشكلات الجامع الصحيح» (3) : والذي ذهب إليه هو الصحيح ، لأنه لو عطف على (الذكر) لكان (أشد) صفة ل : (ذكر) ، وامتنع نصب (الذكر) بعده ، لأنك لا تقول : وذكرك أشد ذكرا ، وإنما تقول : ذكرك أشد ذكر ، وتقول : أنت أشد ذكرا ، ولا تقول : أنت أشد ذكر ، لأن الذي يلي أفعل التفضيل من النكرات إن جر فهو كل لأفعل ، وأفعل بعض له ، وإن نصب فهو فاعل في المعنى للفعل الذي صيغ منه أفعل ، ولذلك تقول : أنت أكبر رجل ، وأكثر مالا ، و (أكثر) بعض ما جر به ، وأكثر بمنزلة أفعل وما انتصب به بمنزلة الفاعل ، كأنك قلت : كثر مالك أو فاق مالك غيره كثرة. انتهى.
3 - ومنه : قوله عز من قائل : (قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام) (4) الآية. فجر (المسجد) - بالعطف على الهاء المجرورة بالباء ، لا بالعطف على سبيل - خلافا لما اختاره الزمخشري في «الكشاف» (5) - لاستلزامه الفصل بأجنبي بين جزأي الصلة ، وهو ممنوع بإجماع ، فإن عطف على الهاء خلص من ذلك ، فحكم 1.
ص: 280
برجحانه لتبين برهانه.
وجعل ابن مالك في «الشواهد» (1) الآية من مؤيدات الجواز ، وتبعه أبو حيان في تفسيره (2) ، فاختار أن (المسجد) معطوف على ضمير (به) وإن لم يعد الجار.
قال : والذي نختاره أنه يجوز في الكلام مطلقا ، لأن السماع يعضده ، والقياس يقويه ، ولسنا متعبدين باتباع مذهب جمهور البصريين ، بل نتبع الدليل. انتهى.
وسبقهما الفراء إلى ذلك - كما في حكاية القرطبي وأبي حيان (3) عنه حيث قال : و (المسجد) عطف على الهاء في (به) فيكون الكلام نسقا متصلا غير منقطع.
لكن حكي عنه أنه قال (4) : (والمسجد الحرام) عطف بالواو على (الشهر الحرام) كأنه قال : يسألونك عن القتال في الشهر الحرام والمسجد الحرام ، فيكون أجنبيا عما نحن فيه ، وإن كان الفراء ممن ذهب إلى جواز العطف من دون إعادة الجار - كما في «شرح الألفية» لابن الناظم - (5).
تنبيه
قيل : خفض (المسجد) بباء محذوفة لدلالة ما قبلها عليها لا 2.
ص: 281
بالعطف ، فيكون مجموع الجار والمجرور معطوفا على (به) وصوبه ابن
هشام في (المغني).
والجواب : أن حذف الجار وبقاء عمله شاذ ، إلا في مواضع ليس هذا منها (1).
4 - ومنه : قوله جل وعلا : (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب) - الآية (2).
قال الزجاج والفراء في قوله (وما يتلى) : جاز أن يكون موضع (ما) خفضا بالعطف على المضمر المجرور في (فيهن) ، بيد أن الزجاج ضعفه ، ونقل أيضا عن محمد بن أبي موسى.
وقول الطبرسي والزمخشري (3) : إن هذا بعيد ، لأن الظاهر لا يحسن
عطفه على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ، ليس بشئ لما تقدم ويأتي من جواز ذلك ، بل الوجه في المنع ما فيه من الاختلال المعنوي الذي لا يكاد يندفع ، والله أعلم.
5 - ومنه : قوله سبحانه : (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك من قبلك والمقيمين الصلاة) - الآية (4).
قال الكسائي : موضع (المقيمين) جر ، وهو معطوف على (ما) من قوله (بما أنزل إليك) أي : وبالمقيمين الصلاة. 2.
ص: 282
وقال قوم : إنه معطوف على الهاء والميم من قوله (منهم) على معنى : لكن الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين الصلاة.
وقال آخرون : إنه معطوف على الكاف من (قبلك) أي : بما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين الصلاة.
وقيل : إنه معطوف على الكاف في (إليك) أو الكاف في (قبلك).
وحكي عن سيبويه والبصريين (1) أن (المقيمين) نصب على المدح على تقدير : أعني المقيمين الصلاة ، واختاره الزمخشري (2).
لكنك خبير بأنه لا وجه لهذا التقدير إلا على مذهب من لم يجوز العطف إلا مع إعادة الخافض ، وسيتبين لك بطلانه ، مضافا إلى أن سياق الآية لا يساعد عليه ، فقد ذكر أهل التفسير أن المراد ب (المقيمين الصلاة) الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أي : ويؤمنون بالأنبياء المقيمين للصلاة ، وقيل : المراد بهم الملائكة ، وإقامتهم الصلاة تسبيحهم ربهم واستغفارهم لمن في الأرض ، أي : وبالملائكة ، واختاره الطبري.
6 - ومنه : قوله عزوجل : (وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين) (3) كما ذكره السيوطي في «همع الهوامع».
وقال الفراء (4) : يجوز أن يكون (من) في موضع جر عطفا على 3.
ص: 283
الكاف والميم في (لكم) ، وصححه أبو حيان وقال في «البحر» (1) : الظاهر أن (من) في موضع جر عطفا على الضمير المجرور في (لكم) ، وهو مذهب الكوفيين ويونس والأخفش. انتهى.
هذا ، وأما النظم ، فالشواهد منه كثيرة :
1 - منها : ما أنشده سيبويه في كتابه :
فاليوم قربت (2) تهجونا
وتشتمنا
فاذهب فما بك والأيام من عجب (3)
فعطف «الأيام» على الضمير المجرور في «بك» من غير إعادة الجار.
قال العيني في «شرح الشواهد» (4) : وهذا جائز عند الكوفية ويونس
والأخفش وقطرب والشلوبين وابن مالك ، وأجاز البصرية أن مثل هذا محمول على الشذوذ ، وفيه نظر لا يخفى. انتهى.
ولما كان شيخنا (رحمه الله) قد كتب شرحه على «البهجة المرضية» على نسخة سقيمة منها ، وفيها : «وأنشأ سيبويه : فاذهب فما بك والأيام من عجب» حسب أن قائله سيبويه ، ومن ثم أورد عليه : بأن ما قاله سيبويه لا تثبت به القواعد اللغوية المبتنية على كلام العرب الموثوق بعربيتهم.
ثم قال (رحمه الله) : نعم ، لو كان قائله عربيا فصيحا وكان هو ناقله لقبلناه. انتهى كلامه.5.
ص: 284
قلت :
إن شيخنا - سقى الله ثراه سجال الرحمة والرضوان ، وأسكنه أعلى غرف فراديس الجنان - قد ذهل - والعصمة لأهلها - عن أن سيبويه إنما أنشد هذا البيت ولم ينشئه - كما صرح به أهل هذا الشأن - بل في سائر نسخ «البهجة المرضية» التي بأيدينا أن ذلك من إنشاد سيبويه لا من إنشائه ، فإذا ثبت أن قائله من فصحاء العرب - وإن اختلف فيه - وأن سيبويه ناقل له ، لا جرم كان شيخنا (رحمه الله) مذعنا بصحة الاستشهاد بهذا البيت.
ومنه يظهر عدم صحة ما أخذه على سيبويه بما نقله عن بعض أدباء أهل العصر ، فراجع كلامه إن شئت.
2 - ومنها : قول مسكين الدارمي :
نعلّق في مثل السوراي سيوفنا
وما بينها والكعب غوط نفانف (1)
أنشده الفراء شاهدا على الجواز حيث رد «الكعب» على الهاء في «بينها» من دون إعادة الجار.
وقال ابن يعيش في «شرح المفصل» (2) : المراد : وما بينها وبين
الكعب ، إلا أنه حذف الظرف - لتقدم ذكره - وبقي عمله ، إلا أن حذف المضاف أسهل أمرا وأقرب متناولا ، لأن حرف الجر ينزل منزلة الجزء مما جره ، ولا يجوز الفصل بينهما بظرف ولا غيره ، ويحكم عليهما بإعراب واحد ، وليس كذلك المضاف والمضاف إليه. انتهى. 9.
ص: 285
قلت :
إن الجار لا ينحصر في العوامل المعهودة بل يشمل المضاف أيضا ، لأنهم ذكروا أن الجر ضربان : ضرب بالحروف ، وآخر بالإضافة أو المضاف
- على الخلاف - و «بين» من الألفاظ التي لازمت الإضافة.
وقد نص أئمة العربية على أن الخافض إذا كان اسما لا يعاد على المعطوف على ضمير مجرور ، لا سيما مع الالتباس ، نحو : «جاءني غلامك وغلام زيد» وأنت تريد غلاما واحدا مشتركا بينهما فلا يجوز حينئذ.
نعم ، يعاد إذا لم يشك أن الغرض من العطف الإشعار بالوحدة لا غير نحو : «بينك وبين زيد» إذ لا يمكن أن يكون هناك بينان.
وأما شبهة عدم جواز الفصل بين الجار والمجرور بشئ ، وأن الجار بمنزلة الجزء مما جره فسيأتي تفنيدها إن شاء الله تعالى.
3 - ومنها : قول بعضهم :
هلا سألت بذي الجماجم عنهم
وأبي نعيم ذي اللواء المحرق (1)
فرد قوله : «أبي نعيم» على الضمير المجرور في «عنهم» من دون إعادة الخافض.
4 - ومنها : قول القائل :
وقد رام آفاق السماء فلم يجد
له مصعدا فيها ولا الأرض مقعداة.
ص: 286
حيث عطف «الأرض» على الهاء في «فيها».
5 - ومنها : قول العباس بن مرداس :
أكر على الكتيبة لست أدري
أحتفي كان فيها أم سواها؟
ف «سواها» في موضع جر عطفا على الضمير في «فيها».
وقيل : منصوب على الظرف ، لا مجرور بالعطف.
قلت :
الجر بالعطف هو الأرجح لمكان «أم» العاطفة وإلا لزم تعطيلها عن العمل ، ولأن العطف أوفق بمعنى البيت من الظرف ، فتأمل.
6 - ومنها : قول آخر :
ما إن بها والأمور من تلف
ما حم من أمر غيبه وقعا
أي : وبالأمور ، عطفا على الضمير المخفوض في «بها».
7 - ومنها : ما أنشده سيبويه وابن الدهان عن بعضهم قوله :
آبك أيه بي أو مصدر
من حمر الجلة جأب حشور (1).
بعطف «مصدر» على المضمر المخفوض أعني «بي».
8 - ومنها : قول الشاعر :
إذا كانت الهيجاء واشتقت العصا (2)
فحسبك والضحاك سيف مهند
بعطف «الضحاك» على كاف الخطاب في «حسبك». ».
ص: 287
9 - ومنها : قوله :
إذا أوقدوا نارا لحرب عدوهم
فقد خاب من يصلى بها وسعيرها
حيث عطف قوله : «سعيرها» على الهاء المخفوضة في «بها».
10 - ومنها : قول بعضهم :
بنا أبدا لا غيرنا يدرك المنى
وتكشف غماء الخطوب الفوادح
بجر «لا غيرنا» عطفا على المضمر المخفوض في «بنا».
11 - ومنها : قول رجل من طئ :
إذا بنابل أنيسان (1) اتقت
فئة
ظلت مؤمنة ممن تعاديها
بعطف «أنيسان» على الضمير المجرور في «بنا».
12 - ومنها : قول آخر :
لو كان لي وزهير ثالث وردت
من الحمام عدانا شر مورود
بخفض «زهير» المعطوف على ضمير المتكلم المخفوض في «لي».
13 - ومنها : قول من قال :
به اعتضدن أو مثله تك ظافرا
فما ذاك معتزا به من يظاهره
بجر «مثله» عطفا على الضمير المجرور في «به».
قال أبو حيان في «البحر المحيط» (2) : فأنت ترى هذا السماع وكثرته ، وتصرف العرب في حرف العطف ، فتارة عطفت بالواو ، وتارة بأو ، وتارة ببل ، وتارة بأم ، وتارة بلا ، وكل هذا التصرف يدل على الجواز ، وإن كان 8.
ص: 288
الأكثر أن يعاد الجار كقوله تعالى : (وعليها وعلى الفلك تحملون) .. (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها) .. (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب). انتهى كلامه.
قلت :
وهذا الذي أوردناه هنا من الشواهد يسير من كثير مما يقف عليه المتتبع لكلام أهل الضاد - نظما ونثرا - ، فقول الإمام الرضي (رحمه الله) في «شرح الكافية» (1) : إن الكوفيين أجازوا ترك الإعادة في حال السعة مستدلين بالأشعار ، ولا دليل فيها ، إذ الضرورة حاملة عليها ولا خلاف معها ، لا يخفى ما فيه ، إذ لو كان الشاهد من الشعر على ما نحن فيه بيتا أو بيتين لساغ القول بالضرورة ، ولكنها أبيات كثيرة لا يتأتى حمل جميعها على الضرورة - كما لا يخفى -.
وقال أبو حيان (2) : قد ورد من ذلك في أشعار العرب كثير يخرج عن أن يجعل ذلك ضرورة.
وقال الشريف الجزائري : إن حمل الأشعار على الضرورة ليس له ضرورة. انتهى.
بل قال الأشموني (3) - بعد ما احتج لمذهب الكوفيين وابن مالك ببعض الأبيات - : وهو كثير في الشعر. 5.
ص: 289
تنبيه
ليس من شواهد المسألة قول نمر بن تولب :
وإن الله يعلمني ووهبا
وإنا سوف نلقاه سوانا
لكن الشيخ الإمام أبا جعفر الطوسي (رحمه الله) عد ذلك من شواهد المجوزين لعطف الاسم الظاهر على المضمر المخفوض من دون إعادة الخافض ، وأورد عليه : أن مثل ذلك لا يجوز في القرآن والكلام انتهى (1).
لكنك خبير بأنه لا يصلح شاهدا في المقام ، وذلك من وجهين :
الأول : أن «وهبا» منصوب على أنه مفعول معه ، والكلام في الظاهر المجرور بالعطف على الضمير المجرور.
والثاني : أن الواو هنا للمعية دون العطف - وإن كان أصلها واو العطف التي فيها معنى الجمع - نحو : «كفاك وزيدا درهم» و «اقتلني ومالكا».
وأما قوله (رحمه الله) : «إن مثل ذلك لا يجوز في القرآن والكلام» فقد تبين لك أن مثله واقع في كلام العرب كثيرا ، وكذا في التنزيل الجليل.
ولو تنزلنا فغاية ما قد يقال : إن ذلك ضعيف ، وليس ذا بضائر بعد ما صرحوا بوقوع الشاذ في الكتاب المجيد ، مع اتفاقهم على أنه في أعلى مراتب الفصاحة والإعجاز.
فوقوع الضعيف - على تقدير تسليمه - أهون أمرا ، وأسهل خطبا. 8.
ص: 290
حكى العلامة التفتازاني في (شرح تصريف الزنجاني) (1) أنهم قالوا : الشاذ على ثلاثة أقسام :
قسم مخالف للقياس دون الاستعمال ، وقسم مخالف للاستعمال دون القياس ، وكلاهما مقبولان ، وقسم مخالف للقياس والاستعمال ، وهو مردود. انتهى.
ونحو ذلك ما استشهد به ابن الأنباري في «البيان» (2) من قول أبي داود الإيادي :
أكل امرئ تحسبين امرأ
ونار توقد بالليل نارا
وهو من عطف الظاهر على الظاهر ، وليس في شئ مما نحن فيه ، فتنبه.
ومما يحتج به لجواز العطف ، ما روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما الصلاة والسلام ، أنه قال : «ما خرج ولا يخرج منا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلما ، أو ينعش حقا ، إلا اصطلمته البلية ، وكان قيامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا» (3).
قال العلامة ابن معصوم المدني (رحمه الله) في «رياض السالكين» (4) : قوله (عليه السلام) : «وشيعتنا» بالخفض عطف على ضمير المتكلم مع غيره المخفوض بالإضافة في «مكروهنا». 8.
ص: 291
قال (رحمه الله) : وفيه شاهد على جواز العطف على الضمير المخفوض من دون إعادة الخافض ، وهو مذهب الكوفيين قاطبة ويونس والأخفش من البصريين - خلافا لسائرهم - وصححه ابن مالك وأبو حيان لثبوته في فصيح الكلام. انتهى كلامه (رحمه الله).
وأخرج البخاري في صحيحه (1) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «إنما مثلكم واليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا» الحديث.
قال الإمام ابن مالك في «شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح» (2) : تضمن هذا الحديث العطف على ضمير الجر بغير إعادة الجار ، وهو ممنوع عند البصريين إلا يونس وقطربا والأخفش ، والجواز أصح من المنع ، لضعف احتجاج المانعين ، وصحة استعماله نظما ونثرا.
ومما اعتلوا به لجواز عطف الظاهر على المضمر المخفوض من دون إعادة الخافض حكاية محمد بن المستنير النحوي ، المشتهر بقطرب عن بعضهم قوله : «ما فيها غيره وفرسه» لكن صرح شيخنا (رحمه الله) في «شرح البهجة المرضية» (3) بأن الحكاية كالقراءة - أي كقراءة حمزة في مرجوحيتها كما تقدم عنه - لو لم تكن مردودة.
والحق أنه لا وجه لهذا القول ، فإنه دعوى بلا بينة ، على أن هذه الحكاية قد اشتهرت عن قطرب وهو من أهل العربية بلا نكير ، وله فيها 3.
ص: 292
آراء وأقوال ، مع أنهم قرروا في أصول النحو أن اللغات - على اختلافها - كلها حجة ، بل صرحوا : أنه إذا قلت إحدى اللغتين جدا وكثرت الأخرى جدا ، وإن كان الواجب في مثل ذلك استعمال ما هو أقوى قياسا وأشيع رواية ، إلا أنه - مع ذلك - لو استعمله إنسان لم يكن مخطئا لكلام العرب ، فإن الناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ ، لكنه يكون مخطئا لأجود اللغتين ، فإن احتاج لذلك في شعر أو سجع فإنه غير ملوم ولا منكر - كما قال ابن جني في «الخصائص» (1) -.
وحكى السيوطي في «الاقتراح» (2) عن أبي حيان في «شرح التسهيل»
أنه قال : كل ما كان لغة لقبيلة قيس عليه. انتهى.
والظن بقطرب أنه لم يحك ذلك إلا عن فصيح ، فلا ينبغي رد حكايته ، مع أن الأعرابي إذا قويت فصاحته وسمت طبيعته تصرف وارتجل ما لم يسبق إليه ، فقد حكي عن رؤبة وأبيه أنهما كانا يرتجلان ألفاظا لم يسمعاها ولا سبقا إليها ، والله أعلم.
وممن اختار جواز العطف على الوجه المقرر آنفا الشيخ الإمام جمال الدين ابن هشام الأنصاري في «أوضح المسالك» (3) حيث قال : لا يكثر العطف على المخفوض إلا بإعادة الخافض ، حرفا كان أو اسما ، وليس
- يعني عود الخافض - بلازم ، وفاقا ليونس والأخفش والكوفيين. انتهى.
وظاهره صحة العطف مع عدم إعادة الخافض وإن كان مع الإعادة أكثر ، كما تقدم في كلام أبي حيان ، وقد جرى عليه في بعض كتبه. 1.
ص: 293
ويؤخذ من كلام الأزهري في «التصريح» (1) أنه إذا لم يطل الفصل بين
المتعاطفين - كما في قولنا «صلى الله عليه وآله وسلم» - لا يلزم إعادة الخافض ، ولذا علل إعادة الخافض في قول ابن هشام في خطبة «أوضح المسالك» : «وعلى آله وأصحابه» بطول الفصل ، فتدبر.
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن الأخضري : العطف على ضمير الخفض من غير إعادة حرف الجر ممنوع عند البصريين ، وأجازه الكوفيون والشلوبين والأخفش ، وهو الصحيح عند المحققين كابن مالك ، وحمل على ذلك قوله في «خطبة السلم» (2) : «وآله وصحبه ذوي الهدى».
وقال السيوطي في (جمع الجوامع) (3) ولا يجب عود الجار على ضميره خلافا لجمهور البصرية.
وقال العلامة الشريف الجزائري (رحمه الله) في حاشيته على «الفوائد الضيائية» : الأصح جواز العطف على الضمير المخفوض من دون إعادة الخافض ، لوقوعه في القرآن وفي الأشعار وفي بعض نسخ الأدعية المأثورة المكتوبة في زمن أهل البيت (عليهم السلام) ، بل عرضت عليهم وتقريرهم حجة كنطقهم. انتهى.
قلت : قد وقع كثير من ذلك في الصحيفة السجادية الميمونة ، منه قوله (عليه السلام) : «وصلى الله عليه وآله بعد الرضا» وقوله (عليه السلام) : «صلواتك عليه وآله» وقوله (عليه السلام) : «وصل عليه وآله» وقوله (عليه السلام) : «رب صل عليه وآله» وقوله (عليه السلام) : «صلواتك اللهم عليه وآله». 9.
ص: 294
وأما التصلية بلفظ : «صلى الله عليه وآله» فقد وردت في مواطن لا تعد ، ومحال لا تحد من الخطب المشهورة ، والأدعية الشريفة المأثورة ، والله الموفق والمستعان.
وإذ فرغنا بحمد الله تعالى من تقرير أدلة المجوزين ، فلنعرج على ذكر ما تشبث به المانعون ، وما قيل أو يمكن أن يقال في دفعه ودحضه فنقول ، وبالله التوفيق :
احتج الحاضرون لما صاروا إليه من منع عطف الظاهر على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض بوجوه :
الأول : إن المضمر المجرور بمنزلة التنوين ، والتنوين لا يعطف عليه فكذا هذا ، وهو محكي عن سيبويه وأبي علي الفارسي ، واعتمده ابن الناظم في «شرح الألفية» (1).
والجواب : أنه لا وقع لهذه الإيرادات ، ولا التفات إلى تلكم الإشكالات بعد قيام الحجة من الكتاب العزيز وكلام العرب على ما نحن فيه ، ومع ذلك يقال : إن شبه الضمير بالتنوين ضعيف ، فلا يترتب عليه إيجاب ولا منع ، ولو منع من العطف عليه لمنع من توكيده ومن الإبدال منه ، لأن التنوين لا يؤكد ولا يبدل منه ، وضمير الجر يؤكد ويبدل منه بإجماع ، فللعطف عليه أسوة بهما (2).
واعترضه شارح «الكافية» (3) بوجود الفارق ، وذلك أن التأكيد عين
المؤكد ، والبدل في الأغلب إما كل المتبوع أو بعضه أو متعلقه ، والغلط قليل 1.
ص: 295
نادر ، فهما ليسا بأجنبيين لمتبوعهما ، ولا منفصلين عنه ، لعدم تخلل فاصل بينهما وبين متبوعهما ، فلا حاجة في ربطهما إلى متبوعهما إلى تحصيل مناسبة زائدة ، بخلاف العطف ، فإن المعطوف يغاير المعطوف عليه ويتخلل بينهما العاطف ، فلا بد فيه من تحصيل مناسبة بينهما بتأكيد المتصل بالمنفصل في المرفوع ، وبإعادة الجار في المجرور المتصل ليخرج المتصل عن صرافة الاتصال ويناسب المعطوف عليه بتأكيده بالمنفصل ، وقوي مناسبة المجرور بانضمام الجار إليه كما في المعطوف عليه. انتهى.
وقد سبقه إلى ذلك بدر الدين ابن مالك في «شرح الخلاصة» (1).
والجواب : إن وقوع المشابهة بين شيئين من بعض الوجوه لا يستلزم المشابهة بينهما من جميع الوجوه ، كما أن الاشتراك في بعض الأحكام لا يقتضي تحققه في جميعها ، فجاز أن يختص الضمير بحكم لا يجري في التنوين وبالعكس - كما هو كذلك في نفس الأمر -.
وأما أنه لا بد لحصول المناسبة بين المتعاطفين من إعادة الخافض ، ففيه : أن المناسبة حاصلة بالعطف نفسه ، والمتعاطفان متغايران ذاتا - إذ الشئ لا يعطف على نفسه - ومشتركان حكما ، ولا يضر تخلل العاطف بينهما ، إذ ليس هو إلا كالآلة تربط أحد الطرفين بالآخر فحسب.
الثاني : إن من حق المعطوف والمعطوف عليه أن يصلحا لحلول كل واحد منهما محل الآخر ، فكما لا يجوز «مررت بزيد وك» فكذلك لا يجوز «مررت بك وزيد» لأن ضمير الجر لا يصلح لذلك ، فامتنع إلا مع إعادة الجار...
ص: 296
وهذا التعليل حكاه الزجاج عن المازني ، واعترضه أبو حيان في «البحر» (1) بأنه يجوز أن تقول : «رأيتك وزيدا» ولا يجوز «رأيت زيدا وك» فكان القياس «رأيتك وزيدا» أن لا يجوز.
وأجاب ابن مالك عن شبهة المازني - كما حكاه عنه السيوطي في (الهمع) (2) ساكتا عليه - : بأن الحلول لو كان شرطا في صحة العطف لم يجز «رب رجل وأخيه» ولا «كل شاة وسخلتها بدرهم» ولا «الواهب المائة الهجان وعبدها» (3) ولا «أي فتى هيجاء أنت وجارها» ولا «كم ناقة لك وفصيلها» ولا «زيد وأخوه منطلقان».
وأمثال ذلك مما لا يصلح فيه الحلول من المعطوفات الممتنع تقدمها وتأخر ما عطفت عليه وهي كثيرة.
قال ابن مالك : وكما لم يمتنع فيها العطف لا يمتنع في «مررت بك وزيد» ونحوه ولا في «إن مثلكم واليهود والنصارى».
الثالث : أن اتصال المضمر المجرور بجاره أشد من اتصال الفاعل المتصل ، لأن الفاعل إن لم يكن ضميرا متصلا جاز انفصاله ، والمجرور لا ينفصل من جاره ، فكره العطف عليه ، إذ يكون كالعطف على بعض حروف الكلمة (4). 9.
ص: 297
ولا يذهب عليك أن تعليل الكراهة بعدم انفصال المجرور من جاره عليل ، إذ قد ثبت الانفصال في أفصح الكلام ، كلام الملك العلام ، كما في قوله عز من قائل : (فبما رحمة من الله لنت لهم) (1) وقوله تبارك وتعالى : (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم) (2) وقول أبي نؤاس الحسن بن هانئ :
أخذت غرته والسكر يوهمه
أن قد نجا وهو مني غير ما ناج (3)
وقوله أيضا :
أوعدتني بالقتل من غير ما
جرم وقلبي رهن كفيكا (4)
وقول القائل :
جياء بني أبي بكر تسامى
على كان المسومة العراب
وقول أبي القاسم بن الحسن الكاتبي :
إن كنت أزمعت على هجرنا
من غير ما جرم فصبر جميل (5)
فظهر لك مما مر أن نفي ابن الناظم (6) استبعاد عدم جواز هذا العطف
في القياس ، في غير محله ، وكذا دعواه أن ما ورد منه من السماع على شذوذ إضمار الجار.
لأنا نمنع أن يكون ذلك غير جائز في القياس ، وهب أنه غير جار 3.
ص: 298
على القياس لكن قال ابن جني في «الخصائص» (1) : إنه إذا أداك القياس إلى شئ ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشئ آخر على قياس غيره ، فدع ما كنت عليه إلى ما هم عليه. انتهى.
وليس كل ما يطرد في الاستعمال يوافق القياس ، بل قد يكون المسموع مطردا في الاستعمال شاذا في القياس ، نحو قولهم : استحوذ ، واستنوق الجمل ، واستصوب الأمر ، وأبى يأبى ، والقياس الإعلال في الثلاثة وكسر عين الأخير - كما في «الاقتراح» (2) - فليكن ما نحن فيه - على الأقل - من هذا القبيل.
وأما حمله ما ورد من السماع على شذوذ إضمار الجار.
ففيه : أن الأصل عدم الإضمار حتى شاع وذاع أن عدم التقدير أولى من التقدير ، لأن الإضمار يحتاج إلى دليل ولا دليل هنا ، وإنما يحسن ارتكابه عند عدم المندوحة عنه وانسداد الطرق إلا إليه ، وأنت خبير بعدم إمكان الالتزام بما التزم به من الإضمار في جميع ما ورد في السماع ، لأنه قد ورد في أشعارهم من ذلك كثير يخرج عن أن يجعل ذلك ضرورة ، وقد تقدم عن العلامة العيني : أن حمل البصرية ما ورد من السماع على الشذوذ فيه نظر لا يخفى.
هذا ، وإن كثيرا من شراح «الألفية» وغيرها لم يتعرضوا لرد كلام ابن مالك ، بل أقروه على ما اختاره في المسألة من جواز العطف من دون إعادة الخافض ، وفيهم أجلة المحققين وعمدة النحويين ودأب كثير منهم أن لا يغادروا له صغيرة ولا كبيرة إلا آخذوه بها ، فكان ذلك تقريرا منهم لصحة ما 9.
ص: 299
ذهب إليه ، والله أعلم.
وبعد وقوفك على ما مر ، وإحاطتك بما تقرر لا إخالك ترتاب في تعين القول بجواز العطف المزبور ، لعدم نهوض دليل يصلح للمنع ويعتمد عليه في الحظر ، بل دريت أن الصحيح ثبوت هذا الضرب من العطف في النثر والنظم ، فلا ينكر الجواز بعد ذلك إلا مكابر عنيد ، أو جاهل بليد ، ومنه يظهر بحمد الله تعالى ومنه أن لا غضاضة على الشيعة ولا حرج عليهم إذا لم يعيدوا الخافض لدى العطف على الضمير المخفوض في قولهم : «صلى الله عليه وآله وسلم» فإن كتاب الله ظهيرهم ، وكلام أهل الضاد نصيرهم ، بل هو فصيح عند الأئمة المحققين والجهابذة المدققين الذين عليهم المعول في علم العربية ، كالعطف مع الإعادة.
قال الشيخ ياسين بن زين الدين العليمي الحمصي في «حاشية التوضيح» (1) : والحق أنه يكفي الفصاحة موافقتها وجها نحويا لم يشتد ضعفه. انتهى.
قلت :
فيدان هذا المخذول بكلامه ، ويرمى في نحره بسهامه ، ويرد عليه بذلك ما عابه على الشيعة وشنع به عليهم واستفظعه منهم ، من تعمدهم عدم إعادة الخافض في التصلية - كما حكيناه عنه في صدر الرسالة -.
وكم من عائب قولا صحيحا
وآفته من الفهم السقيم
وكان حقيقا بالرجل ومن على شاكلته من أهل نحلته أن يدعو الصلاة البتراء المنهي عنها بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تصلوا علي الصلاة البتراء ، قال : تقولون 1.
ص: 300
(اللهم صل على محمد) بل قولوا : (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد).
رواه ابن حجر المكي في «الصواعق» (1).
لكنهم أبوا إلا المخالفة واللجاج ، والتمادي في العناد والاعوجاج (2)
فلا يطيبون نفسا بذكر الآل ، وإزاحة هذه البدعة الشنيعة وأضرابها جدير بالعناية والاهتمام ، لا الخوض في إعادة خافض وعدمه وما ضارع ذلك من سفاسف الأمور التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
نسأل الله السلامة من الخذلان ، ونعوذ به من الظلم والعدوان ، وإليه نلتجئ وبه نعتصم من تسويل الشيطان.
ومما قررنا ظهر لك ما في قول الشيخ الإمام قطب الدين الراوندي (رحمه الله) في «ضياء الشهاب» :
إذا قيل : «صلى الله عليه» فالأولى أن يقال : «وعلى آله» لأن الضمير المجرور مع الجار بمنزلة شئ واحد ، فلو لم يعد الجار لكان بمنزلة العطف على بعض الكلمة.
وإذا قيل : «صلى الله على محمد» أن يقال : «وآل محمد» ولا يعاد *
ص: 301
الجار ليكون الكلام جملة واحدة. انتهى.
وسبقه إلى ذلك الإمام ضياء الدين الراوندي (رحمه الله) في «ضوء الشهاب» ، وتعقبه الشيخ تقي الدين الكفعمي (رحمه الله) في «حاشية المصباح» : بأنا إذا أردنا أن يكون الكلام في الصورة الأولى أيضا جملة واحدة فإنا نقول : (وآله) بالنصب على أن تكون الواو بمعنى «مع» كما قالوه في «ما لك وزيدا».
قلت :
لا وجه لهذا التجشم والوقوع في كلفة الاعتذار عن ذلك ، بعد ما تبين الحق وظهر الأمر بآيات بينة وشواهد متقنة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على نبيه محمد أشرف الكائنات ، وعلى آله ذوي الحجج والكرامات ، وسلم تسليما كثيرا ما دامت الأرضون والسماوات.
* * *
ص: 302
المصادر
1 - أجوبة المسائل المهنائية ، للعلامة الحلي وولده فخر المحققين (رحمهما الله) - طبعة مطبعة الخيام بقم - سنة 1401 ه.
2 - الاقتراح في علم أصول النحو ، لجلال الدين السيوطي - تحقيق أحمد محمد قاسم.
3 - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، لابن هشام الأنصاري - مطبوع مع شرح الأزهري - أوفسيت مكتبة ناصر خسرو - طهران.
4 - البحر المحيط في تفسير القرآن ، لمحمد بن يوسف أبي حيان الأندلسي - طبعة مطبعة السعادة - القاهرة ، سنة 328 ه.
5 - البيان في غريب إعراب القرآن ، لأبي البركات الأنباري.
6 - التبيان في تفسير القرآن ، للإمام أبي جعفر الطوسي (رحمه الله) - طبعة النجف الأشرف - بتحقيق أحمد قصير العاملي.
7 - التفسير الكبير ، لفخر الدين الرازي.
8 - الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي.
9 - جمع الجوامع في النحو ، للسيوطي ، مطبوع مع شرحه (همع الهوامع) بتصحيح محمد بدر الدين النعساني - أوفسيت دار المعرفة ، بيروت.
10 - الجواهر الحسان (تفسير الثعالبي) ، للثعالبي.
11 - حاشية أنوار التنزيل ، لأبي الفضل الكازروني - أوفسيت مؤسسة شعبان - بيروت.
12 - حاشية شرح الأشموني على ألفية ابن مالك ، لمحمد بن علي
ص: 303
الصبان - طبعة دار إحياء الكتب العربية - مصر.
13 - الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية ، لابن معصوم المدني - طبعة حجرية سنة 1297 ه.
14 - الخصائص النحوية ، لابن جني - تحقيق محمد علي النجار.
15 - ديوان أبي نؤاس الحسن بن هانئ ، تحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي - دار الكتاب العربي - بيروت.
16 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير الآلوسي) لشهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي - طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت.
17 - رياض السالكين - شرح الصحيفة السجادية - لعلي بن أحمد بن معصوم المدني - طبعة سنة 1334 ه.
18 - شرح الأشموني على ألفية ابن مالك (منهج السالك إلى ألفية ابن مالك) لأبي الحسن نور الدين علي بن محمد الأشموني - طبعة دار إحياء الكتب العربية - مصر.
19 - شرح الألفية ، لبدر الدين محمد بن مالك.
20 - شرح التصريح على التوضيح ، لخالد بن عبد الله الأزهري - أوفسيت مكتبة ناصر خسرو - طهران.
21 - شرح السلم ، للشيخ عبد الرحمن الأخضري - طبعة مطبعة الاستقامة - القاهرة سنة 1358 ه.
22 - شرح العيني لشواهد الأشموني ، مطبوع بهامش شرح الأشموني على الألفية.
23 - شرح الكافية ، للإمام محمد بن الحسن الرضي الأسترآبادي - طبعة
ص: 304
شركة الصحافة العثمانية - سنة 1310 ه.
24 - شرح المفصل ، لابن يعيش - طبعة مصر.
25 - شواهد التوضيح والتصحيح لحل مشكلات الجامع الصحيح ، لجمال الدين محمد بن مالك - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - الطبعة الثالثة سنة 1403 ه - عالم الكتب ، بيروت.
26 - صحيح البخاري ، لمحمد بن إسماعيل البخاري - تحقيق أحمد محمد شاكر.
27 - الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ، لشهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي المكي - طبعة مكتبة القاهرة ، بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف.
28 - غرائب القرآن ورغائب الفرقان (تفسير النيسابوري) المطبوع بهامش تفسير الطبري ، للحسن بن محمد النيسابوري - طبعة المطبعة الأميرية بمصر سنة 1325 ه.
29 - فيض القدير - شرح الجامع الصغير ، لعبد الرؤوف المناوي - طبعة مصر سنة 1357 ه.
30 - الكشاف عن حقائق التنزيل (تفسير الزمخشري) لجار الله محمود بن عمر الزمخشري - طبعة دار المعرفة - بيروت.
31 - مجمع البيان في تفسير القرآن ، للإمام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي - أوفسيت المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.
32 - مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار ، للسيد عبد الله شبر - طبعة مطبعة الزهراء - بغداد.
33 - المطول في شرح تلخيص المفتاح ، لسعد الدين التفتازاني - طبعة
ص: 305
إسطنبول سنة 1310 ه.
34 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة ، للفقيه المحقق السيد محمد جواد العاملي - طبعة مطبعة الشورى بمصر - سنة 1326 ه.
35 - مكررات المدرس (شرح البهجة المرضية للسيوطي) للشيخ محمد علي المدرس الأفغاني - طبعة مطبعة النعمان - النجف الأشرف سنة 1389 ه.
36 - النهر الماد ، لأبي حيان الأندلسي - مطبوع بهامش البحر المحيط.
37 - همع الهوامع - شرح جمع الجوامع - ، لجلال الدين السيوطي - بتصحيح محمد بدر الدين النعماني - أوفسيت دار المعرفة ، بيروت.
* * *
ص: 306
السيد علي حسن مطر
عاشرا - مصطلح التنوين
للتنوين في اللغة معنيان : أولهما : إدخال النون (1) ، والثاني : التصويت (2).
ولأجل ذلك نجد توجيهين لاستعمال كلمة التنوين في معناها الاصطلاحي لدى النحاة ، يستند كل منهما إلى أحد المعنيين اللغويين.
الأول : قولهم : التنوين في اللغة مصدر (نون) الكلمة إذا أدخل عليها نونا ، ثم نقل إلى النون المدخلة مطلقا ، ثم غلب - لدى النحاة - في النون المخصوصة التي تلحق آخر الأسماء حتى صار اسما لها (3).
ص: 307
والثاني : أنه أطلق على النون الساكنة ، لأنها «تحدث رنينا خاصا وتنغيما عند النطق بها ، ولهذا يسمونها التنوين ، أي : التصويت والترنيم ، لأنها سببه» (1).
وقبل أن تستعمل كلمة (التنوين) عنوانا للمعنى الاصطلاحي ، عبر أبو الأسود الدؤلي (ت 69 ه) عنه بلفظ (الغنة) ، فإنه حينما أراد تنقيط المصحف نقط الإعراب ، أحضر كاتبا وقال له : «إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه ، فإن رأيتني ضممت فمي ، فانقط نقطة بين يدي الحرف ، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف ، فإن أتبعت شيئا من ذلك (غنة) فاجعل مكان النقطة نقطتين» (2).
وقد استعمل لفظ التنوين بعد أبي الأسود من قبل بعض تلاميذه ، وإن كنا لا نعلم من هو على وجه التحديد ، فقد روي «عن خالد الحذاء ، قال : سألت نصر بن عاصم ... كيف تقرأ (قل هو الله أحد ، الله الصمد)؟ فلم ينون ، فأخبرته أن عروة ينون ، فقال : بئس ما قال ، وهو للبئس أهل» (3).
واستفاد بعض الدارسين من هذا النص أن نصر بن عاصم هو أول من اهتدى لاستخدام مصطلح التنوين (4) ، ولكني لا أرى النص ظاهرا في أكثر من كون التنوين كان مستخدما في عهده. 5.
ص: 308
وفي كتاب سيبويه (ت 180 ه) استعمل لفظ (النون) (1) إلى جانب (التنوين).
واستعمل الفراء (ت 207 ه) النون ، والانصراف ، بمعنى التنوين الاصطلاحي ، قال : «وقد سمعت كثيرا من الفصحاء يقرؤون (قل هو الله أحد ، الله الصمد) فيحذفون (النون) من أحد» (2) ، وقال عند الكلام على قوله تعالى : (ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة) (3) : «نصبت (مواطن) لأن كل جمع كانت فيه ألف قبلها حرفان وبعدها حرفان ، فهو لا (يجرى) ، مثل صوامع ومساجد ... وإنما منعهم من (إجرائه) أنه مثال لم يأت عليه شئ من الأسماء المفردة ، وأنه غاية للجماع (4) ... فلذلك أيضا منعه من (الانصراف) (5).
وأقدم ما وجدته من تعريفات (التنوين) اصطلاحا ، قول ابن السراج (ت 316 ه) : «التنوين : نون صحيحة ساكنة ، وإنما خصها النحويون بهذا اللقب وسموها (تنوينا) ، ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع» (6) ، وبينها وبين «النون الأولى في (ضيفن) للطفيلي ، وهو الذي يجئ مع الضيف متطفلا ... والنون الأولى في (رعشن) للمرتعش ، لتحركهما وصلا» (7). 1.
ص: 309
ويلاحظ على هذا التعريف شموله لنون الكلمة الأصلية في نحو : قطن ورسن ، ولنون التوكيد الخفيفة في نحو قوله تعالى : (لنسفعا بالناصية) (1) ، والنون اللاحقة للقوافي المطلقة والمقيدة (وسيأتي بيانها) ، مع أن شيئا من ذلك ليس داخلا في التنوين اصطلاحا.
وعرفه ابن الخشاب (ت 567 ه) بتعريفين :
أولهما : «نون ساكنة تلحق آخر الاسم المتمكن علامة لخفته» (2).
ومراده بخفة الاسم «تمكنه في باب الاسمية ، لكونه لم يشبه الحرف فيبنى ، ولا الفعل فيمنع من الصرف» (3) ، ولكن هذا يجعل التعريف خاصا
بتنوين التمكين ، مما ينافي قسمته بعدئذ إلى أنواعه التي تضم أيضا تنوين التنكير والمقابلة والعوض ، فكان الأولى الاقتصار على قوله : (نون ساكنة تلحق آخر الاسم) ، وإن كان سيرد عليه عندئذ دخول النون اللاحقة لآخر القوافي مطلقة ومقيدة.
وثانيهما : التنوين «غنة تلحق آخر الاسم تثبت وصلا في اللفظ وتحذف في الخط» (4).
والمراد بالغنة هو النون الساكنة ، لما تقدم من أنها تحدث رنينا خاصا وتنغيما عند النطق بها.
وقد احترز بقيد (تحذف في الخط) من تنوين الترنم ، وهو «النون 2.
ص: 310
اللاحقة لآخر القوافي المطلقة ، أي : التي آخرها حرف مد ، كقوله :
أقلي اللوم عاذل والعتابن
وقولي إن أصبت : لقد أصابن
[أو اللاحقة لآخر] القوافي المقيدة زيادة على الوزن ... ، كقوله :
قالت بنات العم : يا سلمى وإنن
كان فقيرا معدما؟ قالت : وإنن
[فإنهما] ليسا من أنواع التنوين في شئ ، لثبوتهما مع (أل) ، وفي الفعل وفي الحرف ، وفي الخط والوقف ، ولحذفهما في الوصل» (1).
ويلاحظ أنه لم يقيد النون بكونها زائدة ، اكتفاء بأن مجيئها آخر الاسم يعني أنها ليست جزءا منه ، بل زائدة عليه.
وأما الشلوبيني (ت 645 ه) فقد عرف التنوين بأنه : «نون ساكنة وضعا ، زائدة ، تلحق الاسم بعد كماله ، تفصله عما بعده» (2) ، وتابعه عليه المكودي (ت 807 ه) (3).
فأضاف قيد (زائدة) وقد علمنا أنه لا ضرورة له ، ولم يقيده بسقوط النون خطا ، مما يجعله شاملا للتنوين اللاحق لأواخر القوافي.
وتجدر الإشارة إلى أن الشلوبيني وقبله ابن الخشاب خصا التنوين باللاحق للأسماء ، فلم يكونا بحاجة إلى الاحتراز عن دخول نون التوكيد الخفيفة ، لأنها إنما تدخل على الأفعال دون الأسماء ، ولكن هذه الصياغة لا تجعل التعريف كاشفا عن كون الكلمة اسما ، بل هي تجعل الفراغ عن معرفة اسمية الكلمة دخيلا في معرفة حد التنوين المراد اصطلاحا. 7.
ص: 311
وعرفه ابن الحاجب (ت 646 ه) بقوله : «التنوين : نون ساكنة تتبع حركة الآخر ، لا تأكيد الفعل» (1).
ومما قيل في شرحه :
أولا : أنه أطلق قوله : (حركة الآخر) ، ولم يقل : (آخر الاسم) ، ليشمل تنوين الترنم (2) ، وهذا ظاهر في أنه يريد بالتنوين الاصطلاحي كل نون ساكنة تلحق الكلمة لفظا أو خطا ، ولا يستثني من ذلك إلا نون التوكيد الخفيفة اللاحقة للفعل المضارع.
ثانيا : قوله : (تتبع حركة الآخر) «ولم يقل (تتبع الآخر) ، لأن المتبادر من متابعتها الآخر لحوقها به من غير تخلل شئ ، وهنا الحركة متخللة بين آخر الكلمة والتنوين. فإن قلت : فآخر الكلمة هي الحركة ، فلا حاجة إلى ذكر الحركة ، قلت : المتبادر من الآخر الحرف الآخر» (3).
ولست أرى داعيا لكل هذه الدقة ، إذ العرف لا يرى الحركات مانعة من اتصال الحروف ببعضها.
وعرفه ابن مالك (ت 672 ه) بقوله : «التنوين : نون ساكنة تزاد آخر الاسم» (4).
وهو واضح في أنه يريد بالتنوين اصطلاحا كل نون ساكنة تلحق الاسم لفظا أو خطا ، بل إنه صرح بشموله لتنوين الترنم (5) ، وصياغته 7.
ص: 312
للتعريف تشابه صياغة الشلوبيني وابن الخشاب في كونه لا يكشف عن اسمية الكلمة ، وإن تشخيصه متفرع على العلم باسميتها.
وعرفه ابن الناظم (ت 686 ه) بأنه «نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم لفظا وتسقط خطا» (1).
فأخرج بقوله : (تسقط خطا) تنوين الترنم ، وبقوله : (تلحق آخر الاسم) نون التوكيد الخفيفة اللاحقة للفعل.
ولعله أول تعريف يحصر التنوين الاصطلاحي بما يلحق الاسم خاصة دون قسيميه من الفعل والحرف ، فيكون بذلك كاشفا عن اسمية الكلمة ، وعليه ما كان ينبغي تقييده باللاحق للاسم ، بل الأفضل تقييده باللاحق للكلمة ، وإخراج نون التوكيد الخفيفة بقيد (لغير توكيد) ، وهذا ما فعله ابن هشام (ت 761 ه) ، إذ عرف التنوين بأنه : «نون زائدة ساكنة ، تلحق الآخر لفظا لا خطا لغير توكيد» (2) ، وأفضل منه تعريفه إياه أيضا : «نون ساكنة تلحق الآخر لفظا وتسقط خطا لغير توكيد» (3) ، بحذف قيد (زائدة) ، ولو قال : (يلحق آخر الكلمة) لكان أكمل.
وعرفه الأشموني (ت 900 ه) بأنه : «نون تلحق الآخر لفظا لا خطا لغير توكيد» (4).
ولم يقيد النون بأنها ساكنة لإخراج النون المتحركة ، اكتفاء بالاحتراز عنها بقوله : (لا خطا) ، إذ النون المتحركة تثبت خطا. 2.
ص: 313
وعرفه الأزهري (ت 905 ه) بتعريفين :
أولهما : «نون ساكنة ، تلحق الآخر ، تثبت وصلا ، غالبا [في الأسماء] وتحذف خطا ووقفا» (1).
وقوله : (غالبا) قيد لما تقدمه من الأمور الثلاثة ، أي : كونها ساكنة ، وتلحق الآخر ، وتثبت وصلا ، «ومن غير الغالب أن التنوين قد يتحرك لالتقاء الساكنين ، نحو : (مخطورا * انظر) (2) ، وقد يلحق الأول نحو : (شربت ما) بالقصر والتنوين (3) ، وقد يحذف وصلا إذا كان في علم موصوف بابن مضاف إلى علم ، نحو : (قال زيد بن عمرو) بحذف تنوين زيد تخفيفا» (4).
وثانيهما : «نون ساكنة أصالة تلحق الآخر لفظا لا خطا لغير توكيد».
وقال : «وقيدت السكون بالأصالة ، لئلا يخرج بعض أفراد التنوين ، إذا حرك لالتقاء الساكنين» (5).
ولا ضرورة لإثبات قيدي (غالبا) و (أصالة) في متن التعريف ، لأن الداعي لهما هو إخراج الأمور العارضة على التنوين بعد تحققه ، والتي يمكن بيانها في شرح التعريف.
وعرفه السيوطي (ت 911 ه) بأنه «نون تثبت لفظا لا خطا» وقال : «هذا أحسن حدوده وأخصرها وأوجزها ، إذ سائر النونات المزيدة الساكنة أو غيرها تثبت خطا» (6). 5.
ص: 314
وفيه أنه بلغ درجة عالية من التركيز لا تفي بإعطاء صورة واضحة للتنوين الاصطلاحي ، مضافا لكونه غير مانع من دخول نون التوكيد الخفيفة في نحو : (لنسفعا).
حادي عشر - مصطلح المفعول به
عبر سيبويه (ت 180 ه) عن (المفعول به) بكلمة (المفعول) فقط (1) ، وتابعه على ذلك غيره من النحاة كالمبرد (ت 285 ه) (2) والزجاجي (ت 337 ه) (3).
ولعل التعبير ب (المفعول به) حدث قبيل القرن الثالث الهجري ، إذ استعمله محمد بن سلام الجمحي (ت 231 ه) في قوله : إن أبا الأسود الدؤلي «وضع باب الفاعل والمفعول به والمضاف ...» (4) ، واستعمله من النحاة ابن السراج (ت 316 ه) (5) وشاع استعماله بعد ذلك.
وأقدم محاولة للتعريف بالمفعول به اصطلاحا - في حدود اطلاعي - هي قول ابن بابشاذ (ت 469 ه) : «المفعول به [ما] يذكر للبيان عن من وقع به الفعل ... [نحو] ضربت زيدا» (6). 2.
ص: 315
وعرفه الحريري (ت 516 ه) بأنه «كل اسم تعدى الفعل إليه» (1) ، وتابعه عليه ابن الأنباري (ت 577 ه) (2).
وعرفه الزمخشري (ت 538 ه) بأنه : «الذي يقع عليه فعل الفاعل» (3). وقد أخذ بهذا التعريف معظم من تأخر عنه من النحاة ، وذكروا في تفسيره ما يحدد المراد منه بنحو يجعله شاملا لكل أفراده ، وممن أخذ به :
أولا : ابن يعيش (ت 643 ه) ، وعقب عليه بقوله : «قد تقدم القول : إن المصدر هو المفعول في الحقيقة ... فمعنى قوله : (هو الذي وقع عليه فعل الفاعل) يريد يقع عليه المصدر ، لأن المصدر فعل الفاعل» (4).
ثانيا : ابن الحاجب (ت 646 ه) ، وعقب عليه بملاحظتين ، وهما :
1 - أن المراد بوقوع الفعل هو «تعلقه بما لا يعقل إلا به» (5) ، فلا يشكل على الحد بعدم شموله نحو «ما ضربت زيدا ، ولا تضرب زيدا ...
[لأن] زيدا في المثالين متعلق بضرب ، وإن (ضرب) يتوقف فهمه عليه أو على ما قام مقامه من المتعلقات» (6).
2 - أن مراده بوقوع فعل الفاعل عليه ، هو : تعلق فعل الفاعل به (7) ، 2.
ص: 316
وأن المفعول به ليس هو المفعول حقيقة ، بل هو ما يتعلق به المفعول الحقيقي ، وهي ملاحظة مماثلة للتي ذكرها ابن يعيش.
ثالثا : ابن هشام (ت 761 ه) (1) ، لكنه نسب التعريف إلى ابن الحاجب (2) ، وهذا عجيب من مثله ، سيما وأن ابن الحاجب نفسه يصرح بكونه للزمخشري (3).
وأما الرضي (ت 688 ه) فقد فسر المراد بما وقع عليه فعل الفاعل ، بأنه «ما وقع عليه أو جرى مجرى الواقع عليه ، ليدخل فيه المنصوب في [نحو] : ما ضربت زيدا» ، ثم أشكل على تفسير ابن الحاجب لوقوع الفعل بتعلقه بما لا يعقل إلا به ، لأنه مدخل للمجرورات في نحو : مررت بزيد ، مع أن لفظ المفعول به لا يصدق عليها إلا بواسطة حرف جر ، وأما مطلق المفعول به فلا يقع عليها ، والكلام هنا في المطلق.
وقد خلص الرضي إلى طرح صياغة جديدة لتعريف المفعول به ، وأنه «اسم مفعول ، غير مقيد ، مصوغ من عامله المثبت أو المجعول مثبتا».
ومما ذكره في شرحه : «بقولنا : اسم مفعول غير مقيد مصوغ من عامله ، يخرج جميع المعمولات ، أما المفعول المطلق ، فلأن الضرب في قولك : ضربت ضربا ... وإن كان مفعولا للمتكلم ... إلا أنه لا يقال ... إن ضربا مضروب ، وأما سائر المفاعيل فيطلق عليها اسم المفعول المصوغ من عامله ، لكن مقيدا بحرف الجر ... وكذا في قولك : مررت بزيد ... زيد 2.
ص: 317
ممرور به» (1).
وأما عبد الرحمن الجامي (ت 898 ه) فقد عاد إلى تعريف الزمخشري ، وفسره بنحو يدفع إشكال الرضي ، بأن قال : «المراد بوقوع فعل الفاعل عليه تعلقه به بلا واسطة حرف جر ، فإنهم يقولون في : ضربت زيدا : إن الضرب واقع على زيد ، ولا يقولون في (مررت بزيد) : إن المرور واقع عليه ، بل متلبس به ، فخرج به المفاعيل الثلاثة الباقية ، فإنه لا يقال في واحد منها : إن الفعل واقع عليه ، بل : فيه أو له أو معه ، و [يخرج] المفعول المطلق بما يفهم من مغايرته لفعل الفاعل ، فإن المفعول المطلق عين فعله.
والمراد بفعل الفاعل فعل ، اعتبر إسناده إلى ما هو فاعل حقيقة أو حكما ، فخرج به مثل (زيد) في : (ضرب زيد) على صيغة المجهول ، فإنه لم يعتبر إسناده إلى فاعله ، ولا يشكل بمثل : أعطي زيد درهما ، فإنه يصدق على (درهما) أنه واقع عليه فعل الفاعل الحكمي المعتبر إسناد الفعل إليه ، فإن مفعول ما لم يسم فاعله في حكم الفاعل.
وبما ذكرناه ظهر فائدة ذكر الفاعل [في الحد] فلا يرد أنه لو قال : (ما وقع عليه الفعل) لكان أخصر» (2).
وقال الأزهري (ت 905 ه) في تعريفه : «هو الاسم الذي وقع عليه فعل الفاعل ويصح نفيه عنه» (3) ، فأضاف القيد الأخير ليدخل في التعريف نحو : ما ضربت زيدا. 7.
ص: 318
وأما السيوطي (ت 911 ه) فقد أبقى التعريف على حاله ، وفسر وقوع الفعل بقوله : «المراد بالوقوع التعلق ، ليدخل نحو : أوجدت ضربا ... وما ضربت زيدا» (1) ، فأدخل بذلك المثال الأخير في الحد ، دون حاجة لأن يلحق به القيد الذي ذكره الأزهري.
وقد تبين من خلال البحث أن الرضي لم يحذو حذو الزمخشري في تعريف المفعول به ، بل طرح تعريفا يخصه ، ونريد الإشارة إلى أن ثمة نحويا آخر فعل ذلك أيضا ، وهو ابن عصفور الإشبيلي (ت 669 ه) ، فإنه عرف المفعول به بأنه : «كل فضلة انتصبت عن تمام الكلام ، يصلح وقوعها في جواب من قال : بأي شئ وقع الفعل ، أو يكون على طريقة من يصلح ذلك فيه» (2).
ولكن النحاة أعرضوا عن تعريفهما ، ومالوا إلى الأخذ بتعريف الزمخشري ، فكتب له البقاء دونهما. 3.
ص: 319
ثاني عشر - مصطلح الفاعل
الفاعل لغة : «من أوجد الفعل» (1) ، وقد استعملت كلمة (الفاعل) بمعناها الاصطلاحي منذ نشأة النحو ، فقد ذكر ابن سلام أن أبا الأسود الدؤلي «وضع باب الفاعل والمفعول به والمضاف» (2).
وأقدم من عرف الفاعل اصطلاحا هو ابن السراج (ت 316 ه) ، قال : «الفاعل : الذي بنيته على فعل تحدث به عنه ، نحو : قام عبد الله ... فعبد الله مبني على قام ، وقام حديث عنه» (3).
وكأنه لاحظ أن صياغة التعريف بهذا الشكل تجعله غير مانع من دخول المبتدأ ونائب الفاعل ، فعمد إلى صياغة أخرى للتعريف بقوله : الفاعل «هو الذي بنيته على الفعل الذي بنيته للفاعل ، ويجعل الفعل حديثا عنه مقدما قبله ، كان فاعلا في الحقيقة أو لم يكن ، كقولك : جاء زيد ، ومات عمرو» (4).
فقيد الفعل بكونه مبنيا للفاعل ، إخراجا لنائب الفاعل ، وبكونه مقدما على الفاعل ، إخراجا للمبتدأ.
ولا يخفى أن هذا التعريف بكلتا صياغتيه يظل قاصرا عن شمول 1.
ص: 320
فاعل الفعل الإنشائي ، إذ الفعل ليس حديثا عنه.
ولعله لأجل ذلك عمد أبو علي الفارسي (ت 377 ه) إلى صياغته بقوله : الفاعل : ما «يسند الفعل إليه مقدما عليه ... وبهذا المعنى الذي ذكرت يرتفع الفاعل ، لا بأنه أحدث شيئا على الحقيقة ، فلهذا يرتفع في النفي إذا قيل : لم يخرج عبد الله ، كما يرتفع في الإيجاب» (1).
فأبدل عبارة (المحدث به عن الفاعل) بقوله : (المسند إلى الفاعل) ، ليدخل في التعريف «فاعل الفعل الإنشائي ، نحو : بعت ، وهل ضرب زيد؟» (2) لكنه لم يقيد الفعل بكونه مبنيا للمعلوم مما يجعل التعريف غير مانع من دخول نائب الفاعل.
ويتضح مما صرح به ابن السراج والفارسي ومن بعدهما ، أن الفاعل «في عرف أهل هذه الصنعة أمر لفظي ، يدل على ذلك تسميتهم إياه فاعلا في الصور المختلفة من النفي والإيجاب والمستقبل والاستفهام ما دام [الفعل] مقدما عليه ... ويؤيد إعراضهم عن المعنى [الحقيقي] عندك وضوحا أنك لو قدمت الفاعل ، فقلت : زيد قام ، لم يبق عندك فاعلا ، وإنما يكون مبتدءا وخبرا» (3).
وتقدم ابن جني (ت 392 ه) بما يماثل تعريف الفارسي مضمونا ، فقال : «الفاعل ... اسم ذكرته بعد فعل ، وأسندت ونسبت ذلك الفعل إلى 4.
ص: 321
الاسم» (1) ، وفعل مثله ابن الأنباري (ت 577 ه) (2).
أما عبد القاهر الجرجاني (ت 471 ه) وابن الخشاب (ت 567 ه) ، فقد أخذا تعريف الفارسي بنصه (3) ، وعقب الجرجاني على ما ذكره
الفارسي من أنه لا يشترط في الفاعل أن يكون قد أحدث شيئا حقيقة ، بقوله : «وهذا التلخيص مما لم يسبق إليه الشيخ أبو علي» (4) ، وقد تقدم ما يثبت أن السابق إليه هو ابن السراج.
وقال الحريري (ت 516 ه) في تعريفه : «الفاعل ... اسم تقدمه فعل مقرر على صيغته ، وجعل الفعل حديثا عنه» (5).
ومراده بالمقرر على صيغته الفعل المبني للمعلوم ، احترازا من دخول نائب الفاعل ، وتعبيره بجعل الفعل حديثا عن الفاعل ، يمنع من شمول التعريف لفاعل الجملة الإنشائية.
وعرفه الزمخشري (ت 538 ه) بقوله : «الفاعل هو ما كان المسند إليه من فعل أو شبهه مقدما عليه أبدا ، كقولك : ضرب زيد ، وزيد ضارب غلامه ، وحسن وجهه» (6).
والجديد في هذه الصياغة للتعريف الإشارة إلى أن رافع الفاعل ليس الفعل وحده ، بل هو «ما أسند إليه من الفعل أو ما كان في معناه من 8.
ص: 322
الأسماء ... نحو أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بأسماء الفاعلين ، نحو قولك : زيد ضارب غلامه وحسن وجهه ومضروب أخوه ، فهذا في تقدير يضرب غلامه ، وحسن وجهه ، ويضرب أخوه» (1).
ومنه يتضح بناء الزمخشري على عدم التفرقة بين الفاعل ونائب الفاعل ، في اعتبار كل منهما فاعلا اصطلاحا ، ولأجله لم يقيد الفعل بكونه مبنيا للمعلوم ، وقد سبقه إلى هذا البناء عبد القاهر الجرجاني (2) ، وتابعهما عليه ابن يعيش (ت 643 ه) ، فقال : «وبعضهم يقول في وصفه : كل اسم تقدمه فعل غير مغير عن بنيته ، ... [لأجل] الانفصال من فعل ما لم يسم فاعله ، ولا حاجة إلى الاحتراز من ذلك ، لأن الفعل إذا أسند إلى المفعول ... صار ارتفاعه من جهة ارتفاع الفاعل ، إذ ليس من شرط الفاعل أن يكون موجدا للفعل أو مؤثرا فيه» (3).
وعرفه ابن الحاجب (ت 646 ه) بقوله : «الفاعل : هو ما أسند إليه الفعل أو شبهه ، وقدم عليه على جهة قيامه به ، مثل : قام زيد ، وزيد قام أبوه» (4).
«قوله : (على جهة قيامه به) ... أي : على طريقة قيامه به وشكله ، سواء كان قائما به أو لا ... ويعني بتلك الجهة ألا تغير صيغة الفعل إلى فعل ويفعل وأشباههما ... [وبه] يخرج مفعول ما لم يسم فاعله» (5).4.
ص: 323
«وتمثيله ب (زيد قائم أبوه) لرفع شبه الفعل للفاعل ، ليس نصا في ما قصد ، لاحتمال كون (قائم) خبرا مقدما على (أبوه) ، ولو قال : أبواه ، لكان نصا» (1).
وعرفه الشلوبيني (ت 645 ه) بقوله : «الفاعل : كل اسم أسند إليه فعل ، أو اسم في معنى الفعل ، وقدم عليه على معنى أنه فعل ، أو مشبها هو وما أسند إليه لما هو كذلك» (2).
والجديد إشارته بقوله : (أو مشبها ... الخ) إلى أن الفاعل كما يكون اسما صريحا ، يكون اسما مؤولا ، نحو : سرني أنك ناجح.
وعرفه ابن عصفور (ت 669 ه) بأنه «اسم أو ما في تقريره ، متقدم عليه ما أسند إليه لفظا أو نية ، على طريقة فعل أو فاعل» (3).
فلم يشر إلى كون المسند صريحا تارة ومؤولا أخرى ، لكنه أضاف جديدا بإشارته إلى أن تقدم الفعل على الفاعل ، قد يكون لفظيا ، وقد يكون بالنية والتقدير.
وقال ابن مالك (ت 672 ه) في تعريفه : الفاعل «هو المسند إليه فعل أو مضمن معناه ، تام مقدم فارغ غير مصوغ للمفعول» (4).
فأضاف قيدين للتعريف هما : كون الفعل المسند تاما ، لإخراج اسم كان وأخواتها من الأفعال الناقصة ، وكون الفعل فارغا لإخراج المبتدأ 5.
ص: 324
المتقدم خبره (1).
ويلاحظ أنه لم ينص في متن التعريف على مجئ الفاعل اسما صريحا تارة ومؤولا أخرى ، ولا على أن تقدم الفعل على الفاعل يكون تارة باللفظ وأخرى بالتقدير ، وترك بيان ذلك كله لشرح التعريف ، لكنه قسم المسند إلى فعل أو مضمن معناه.
وعرفه بدر الدين ابن الناظم (ت 686 ه) بأنه «الاسم المسند إليه فعل مقدم على طريقة فعل أو يفعل أو اسم يشبهه» (2).
فلم يقيد الفعل بكونه تاما فارغا.
أما عدم تقييده بالتام ، فيمكن توجيهه بأنه لا حاجة إليه ، «لخروج اسم كان بقيد الإسناد ، إذ لم تسند إليه أصلا ، أما على أنها لا حدث لها ، بل هي روابط وقيود للمسند وهو الخبر ، فواضح ، وأما على أن لها حدثا مطلقا وهو الحصول والثبوت ، فلأنه لم يسند الاسم ، بل لمضمون الجملة ، وهو مصدر خبرها مضافا لاسمها ، فمعنى كان زيد قائما : حصل قيام زيد» (3).
وأما عدم ذكره قيد المفرغ لإخراج نحو : قائم زيد ويقومان الزيدان ، فلعله لعدم الحاجة إليه ، لأن الفاعل لا يكون إلا واحدا ، فإسناد الفعل أو ما يشبهه إلى الضمير يجعله مرفوعا بالفاعلية ، ويمنع من كون الاسم الظاهر فاعلا أيضا ، فيعرب بإعراب آخر ، كأن يكون مبتدءا مؤخرا كما في المثال الأول ، أو بدلا من الفاعل كما في المثال الثاني. 2.
ص: 325
وعرفه ابن هشام (ت 761 ه) بأربعة تعاريف :
الأول : «الفاعل : اسم أو ما في تأويله ، أسند إليه فعل أو ما في تأويله ، وقدم عليه على طريقة فعل أو فاعل» (1).
وهو لا يختلف مضمونا عن تعريف الشلوبيني المتقدم ، وإن كان أوضح منه عبارة.
الثاني : الفاعل : «اسم أو ما في تأويله ، أسند إليه فعل أو ما في تأويله ، مقدم ، أصلي المحل والصيغة» (2).
ومما قال في شرحه : «أصلي المحل مخرج لنحو : قائم زيد ، فإن المسند وهو (قائم) أصله التأخير ، لأنه خبر ، وذكر (الصيغة) مخرج لنحو : ضرب زيد ، ... فإنها مضرعة عن صيغة (ضرب)» (3).
الثالث : الفاعل : «ما قدم الفعل أو شبهه عليه ، وأسند إليه على جهة قيامه به أو وقوعه منه» (4).
ومما قال في شرحه : «وقولي : (علي جهة قيامه به أو وقعه منه) مخرج لمفعول ما لم يسم فاعله ، نحو : ضرب زيد وعمرو مضروب غلامه ، فزيد والغلام والله ن صدق عليهما أنهما قدم عليهما فعل وشبهه وأسند إليهما ، لكن هذا الإسناد على جهة الوقوع عليهما ، لا على جهة القيام به كما في قولك : علم زيد ، أو الوقوع منه كما في قولك : ضرب 8.
ص: 326
عمرو» (1).
الرابع : الفاعل «اسم صريح أو مؤول به ، أسند إليه فعل ومؤول به ، مقدما عليه بالأصالة ، واقعا منه أو قائما به» (2).
وعرفه ابن عقيل (ت 769 ه) بأنه «الاسم المسند إليه فعل على طريقة فعل أو شبهه» (3).
فلم ينص على تقدم الفعل ، لكنه قال في شرح التعريف : «فخرج بالمسند إليه فعل ما أسند إليه غيره ، نحو : زيد أخوك ، أو جملة نحو : ... زيد قام» (4) ، فليس هناك - في رأيه - فعل مسند للاسم حال تأخره عنه ، لأن المسند حينئذ هو الجملة المركبة من الفعل وفاعله المضمر ، وقد صرح بذلك الملوي بقوله : «والتحقيق أن [زيدا في] زيد قام لم يسند إليه فعل ، لأن المسند جملة» (5).
وهناك توجيه آخر ذكره الخضري ، وهو أنه «لم يقيد الشرح الفعل وشبهه بالمقدم أصالة لإخراج المبتدأ ، ... لأن هذا حكم من أحكام الفاعل ، لا قيد في تعريفه» (6).
وعرفه المكودي (ت 807 ه) بأنه «الاسم المسند إليه فعل أو ما في 8.
ص: 327
مجراه ، مقدما عليه ، على طريقة فعل أو فاعل» (1).
فقيد الفعل بكونه مقدما ، وقد علمنا أنه لا ضرورة لهذا القيد.
وتجدر الإشارة إلى أن قول ابن عقيل : (على طريقة فعل أو شبهه) أرق من تعبير المكودي ب (فعل أو فاعل) ، لأن ما يعمل عمل الفعل المبني للمعلوم يشمل صيغة فاعل وغيرها كما تقدم ، وقد حاول الملوي توجيه عبارته بأن مراده من قوله (فاعل) هو «الوصف غير اسم المفعول ، فشمل اسم الفاعل وغيره» (2) ، ولا يخفى ما فيه من بعد عن ظاهر العبارة ، ومثله في البعد عن الظهور تفسيره لقول المكودي : (أو ما جرى مجراه) بأنه «راجع إلى الاسم والفعل ، أي ما جرى مجرى الاسم ، وما جرى مجرى الفعل ، فسقط الاعتراض بأنه لا يشمل الفاعل الذي في تأويل الاسم» (3).
وعرفه الأشموني (ت 900 ه) بأنه «الاسم الذي أسند إليه فعل تام أصلي الصيغة أو مؤول به» (4).
فقيد الفعل بكونه تاما ، وقد اتضح عدم ضرورته ، وقيده أيضا بكونه (أصلي الصيغة) يريد مبنيا للمعلوم ، وعقب عليه الصبان بقوله : «المراد بأصالتها عدم تحويلها إلى صيغة ما لم يسم فاعله ، لا عدم التصرف فيها مطلقا ... نعم ، لو قال : (على طريقة فعل) ، لكان أوضح» (5).
وعرفه السيوطي (ت 911 ه) بتعريفين :
أولهما : «المسند إليه فعل تام مقدم فارغ باق على الصوغ الأصلي ، 3.
ص: 328
أو ما يقوم مقامه» (1) ، وهو مشابه مضمونا لتعريف ابن مالك المتقدم.
وثانيهما : «ما أسند إليه عامل مفرغ على جهة وقوعه منه أو قيامه به» (2).
فاستبدل كلمة (فعل) بكلمة (عامل) الشاملة للفعل وما تضمن معناه :
ومن مجموع ما تقدم يتضح أن جمهور النحاة متفقون على حقيقة المعنى الاصطلاحي الفاعل ، وإنما حصل الاختلاف في صياغته لسببين :
الأول : الاختلاف في الألفاظ المستعملة للتعبير عن معنى واحد ، كاختلافهم في تسمية الفعل المبني للمعلوم.
والثاني : أن بعضهم قد يذكر في التعريف قيدا لا يذكره غيره ، إما لأنه يراه من أحكام الفاعل وليس من ذاتياته ، كتقديم الفعل عليه ، أو لأنه محترز عنه بما هو مذكور في التعريف ، كقيد الإسناد المغني عن تقييد الفعل بكونه تاما ، أو لأنه لا داعي لإثباته في متن التعريف ، ويفضل بيانه في شرحه ، كتقسيم الفاعل إلى اسم صريح ومؤول.
ويمكن تلخيص تعريفهم للفاعل بأنه : «اسم أسند إليه فعل مبني للمعلوم» على أن يراد بالاسم والفعل ما يشمل الصريح والمؤول ، ويراد بالفعل المقدم على الفاعل لفظا أو تقديرا. 3.
ص: 329
ثالث عشر - نائب الفاعل
طرح النحاة الأوائل عناوين شتى لهذا المصطلح قبل أن يستقر على عنوان نائب الفاعل ، فقد عبر عنه سيبويه (ت 180 ه) بأنه «المفعول الذي لم يتعد إليه فعل فاعل» (1) ، وعبر عنه الفراء (ت 207 ه) بما «لم يسم فاعله» (2) ، وأسماه المبرد (ت 285 ه) ب «المفعول الذي لا يذكر فاعله» (3) ، وقال ابن السراج (ت 316 ه) : «المفعول الذي لم يسم من فعل به» (4) ، وقال الفارسي (ت 377 ه) : «المفعول به في المعنى» (5) ، وقال الزبيدي (ت 379 ه) : «المفعول الذي لم يسم فاعله» (6) ، وقال ابن جني (ت 392 ه) : «المفعول الذي جعل الفعل حديثا عنه» (7)
ابن معطي (ت 628 ه) : «الاسم الذي يقام مقام الفاعل» (8) ، وقال ابن الحاجب (ت 646 ه) : «مفعول ما لم يسم فاعله» (9). 1.
ص: 330
وأول من عبر عنه بنائب الفاعل هو ابن مالك (ت 672 ه) (1).
«قال أبو حيان : لم أر مثل هذه الترجمة لغير ابن مالك» (2) ، وإن كان ابن معط قد سبقه إلى مضمونها في قوله المتقدم ، وهذه التسمية «أولى وأخصر من قول كثير : المفعول الذي لم يسم فاعله [وما كان بمعناه] ، لصدقه على (دينارا) من (أعطي زيد دينارا) ، وعدم صدقه على الظرف وغيره مما ينوب عن الفعل ، وإن أجيب بأن المفعول الذي لم يسم فاعله صار كالعلم بالغلبة على ما ينوب مناب الفاعل من مفعول وغيره» (3).
وأما المعنى الاصطلاحي لهذا العنوان فلعل أول من حاول تحديده هو ابن الحاجب (ت 646 ه) بقوله : هو «كل مفعول حذف فاعله ، وأقيم هو مقامه. وشرطه أن تغير صيغة الفعل إلى فعل ويفعل» (4) ، «ونظائرهما مما يضم أوله في الماضي ويكسر ما قبل آخره ... ويضم أوله ويفتح ما قبل آخره في المضارع» (5) من الأفعال غير الثلاثية ، «لكنه اقتصر على الثلاثي لكونه أصلا للرباعي وذي الزيادة» (6) ، ووضاح أن هذا الشرط 6.
ص: 331
مختص بما «كان عامله فعلا» (1).
والمراد بقوله : (وأقيم هو مقامه) أنه يقوم «مقام الفاعل في إسناد الفعل أو شبهه إليه» (2) ، فيكون جاريا مجرى الفاعل في كل ما له من أحكام (3) مثل «الرفع ، ووجوب التأخير عن الرافع ، وامتناع الحذف» (4) ، بل إن بعض النحاة أجروه مجرى الفاعل حتى في التسمية ، كالجرجاني والزمخشري (5) وابن يعيش (6) من المتقدمين ، والدكتور مهدي المخزومي من المعاصرين (7).
ويرد على تعريف ابن الحاجب الإشكال المتقدم على تسمية النائب عن الفاعل بمفعول ما لم يسم فاعله ، من عدم صدقه على بعض ما ينوب عن الفاعل كالظرف وغيره ، ولكن لا يشكل عليه بأنه صادق على بعض المفاعيل ، كالمفعول الثاني من نحو : أعطي زيد دينارا ، لعدم قيامه مقام الفاعل في الإسناد إليه وما يتبعه من الأحكام.
وعرفه ابن هشام (ت 761 ه) بأنه " ما حذف فاعله وأقيم هو 8.
ص: 332
مقامه» (1).
وعرفه الأزهري (ت 905 ه) بقوله : «اسم حذف فاعله ، وأقيم هو مقامه» (2).
ولا بد من تفسير (ما) و (اسم) الواردين في تعريفهما بالاسم الصريح أو المؤول ، ليكون التعريف شاملا لمثل : علم أن زيدا قائم.
ويلاحظ على هاتين الصياغتين عدم صيانتهما للتعريف من إشكال عدم صدقه على بعض ما ينوب عن الفاعل كالظروف ، لظهور عبارة (ما حذف فاعله) في خصوص المفعول به ، وإن صرح في شرحه بإرادة ما يشمل غيره.
ولعل الأولى تعريفه بأنه : «ما يقوم مقام الفاعل المحذوف» من الأسماء الصريحة والمؤولة ، ويجري مجراه في أحكامه. 8.
ص: 333
ص: 334
ص: 335
ص: 336
صورة
ص: 337
ص: 338
مقدمة التحقيق :
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وأصحابه الأوفياء المخلصين ، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
وبعد ...
قد يتصور البعض أن طرق المسائل الخلافية بين الشيعة وأهل السنة بالبحث ، أو التحقيق بات مملا ، لكثرة ما كتب حولها! والحق ، أن هذا التصور ينطلق من أفق ضيق ، لأن الاختلاف في تطبيق ما أمر به الشارع المقدس يرجع إلى أمور كثيرة ، وليس كل الناس يدركها ويأتي في مقدمتها الاجتهاد - في مقابل النص - في اختيار الخليفة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مما فتح هذا باب الاجتهاد بالرأي على مصراعيه فيما هو أقل خطرا من الاجتهاد في اختيار الخليفة.
وقد ساعدت السياسات السابقة التي ثبتت فكرة الاجتهاد بالرأي على
ص: 339
ترسيخ شقة الخلاف وتوسيعها مع الطرف الآخر الذي لم يتجاوز حدود الشريعة منذ صدورها ولم يلتجئ في الفتيا إلى ما يمحق الدين كالقياس والاستحسان ، والمصالح المرسلة وسد الذرائع ، التي ما أنزل الله بها من سلطان
كما أسهمت بعض السياسات المعاصرة على إبقاء ما كان على ما كان ، فحجبت الدراسات الموضوعية التي استهدفت تبصير المسلمين بملابسات التشريع ، وواقع تاريخهم الإسلامي ، عن الوصول إلى رعاياها ، لأن الوقوف على سر الخلاف وحقيقته لا يجري بصالحها ، فتراها كالخفافيش المختبئة في جحورها المظلمة هروبا من أشعة الشمس وضيائها.
وإذا ما نظرنا إلى ثقافة المسلمين أنفسهم ، ومدى انفتاح كل فريق منهم على ما عند الآخر ، وإلى ما يتصل بروح التعصب التي تحجر الفكر وتقيد حريته ، وتصيب العيون بحمى الألوان فلا ترى إلا ما استقر عليه السلف ، عرفت السر وراء صمت مدرسة الرأي وانغلاقها على نفسها ، وعدم نزوعها لنداء مدرسة النص التي أخذت على عاتقها دراسة مسائل الخلاف بروح موضوعية مقارنة ، مستهدية بنصوص الكتاب والسنة ، ودليل العقل الذي حرمت منه شرعية مسلمة واسعة ، فبرزت في سمائها أسماء لامعة سخرت طاقتها للكتابة في هذا الحقل ، فتركت تراثا إسلاميا خالدا يتسم بالموضوعية والمقارنة إلى حد بعيد ، ويأتي في طليعة تلك الأسماء اسم الشهيد الثالث (قدس سره) الشريف (السيد القاضي نور الله التستري / 956 - 1019 ه).
لقد خلف الشهيد الثالث تركة علمية ضخمة ما بين كتاب ورسالة معظمها في المسائل الخلافية العقائدية والفقهية ، ومن بينها رسالته في مسح
ص: 340
الرجلين في الوضوء ، وهي الماثلة بين يدي القارئ ، وقد سماها ب : «نهاية الإقدام في وجوب المسح على الأقدام» مستقرءا فيها حجج القائلين بوجوب غسل الرجلين وتفنيدها حجة بعد أخرى.
وأحسب أن المسلم الذين يغسل رجليه في الوضوء قبيل كل صلاة ولخمس مرات في اليوم الواحد ، إذا ما قدر له أن يقرأ هذه الرسالة ويمعن النظر في أدلتها ، سيكون له - بقيد الإنصاف - موقف آخر من الوضوء.
على أن هذه الرسالة لم تكن هي الوحيدة في مدرسة النص بل سبقتها وتلتها كتب ورسائل عديدة في الوضوء أو في بيان بعض أفعاله كما في كثير من الدراسات الوضوئية السابقة على هذه الرسالة أو اللاحقة بها.
ترجمة المؤلف
هو السيد الجليل العالم العابد الشهيد ضياء الدين القاضي نور الله ابن السيد العلامة شريف الدين ، ابن السيد ضياء الدين ، يتصل نسبه الشريف بالسيد الجليل أبي الحسن علي المرعشي - المعروف في كتب الرجال والتراجم الشيعية والعامية - وهو من سلالة الدوحة الحسينية العلوية الطاهرة ، إذ ينتهي نسبه إلى الإمام المعصوم زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
ولد السيد - قدس الشريف - من أبوين مرعشيين عالمين ، في بلدة (تستر) من خوزستان سنة (956 ه) ، ولهذا يعرف ب (التستري) ، ويقال له : الشوشتري) أيضا لكون (تستر) معرب (شوشتر).
ص: 341
أما لقب (المرعشي) ، فقد جاء نسبة إلى (مرعش) وهي بلدة تقع بين الشام وتركيا ، وكان جده الأعلى ، السيد الزاهد الفقيه المحدث أبو الحسن علي ، قد سكن تلك البلدة ، فنسب إليها ، وكذلك أولاده وأحفاده يعرفون إلى اليوم بالسادة المرعشية.
والأسرة المرعشية من الأسر الحسينية العريقة في الدين والتقوى والصلاح والعلم ، خرجت على امتداد قرون متعاقبة عددا كثيرا من العلماء والمحدثين والفقهاء ، ولهم في تراثنا الشيعي بصمات بارزة ، وآثار خالدة ، لا سيما آثار الشهيد صاحب الترجمة (قدس سره) الشريف الذي شهدت له آثاره العلمية على تبحره في العلوم الشرعية بأسرها.
أخذ الشهيد التستري (طاب ثراه) العلم في أوان شبابه من علماء بلدته (تستر). وأولهم والده السيد شريف الدين ، فقرأ عليه الكتب الأربعة والأصول الدين والفقه والكلام. كما أخذ العلم عن كثيرين غير والده. ثم انتقل بعد ذلك من «تستر» إلى مشهد المقدسة ، وكانت تعج يومذاك بمشاهير العلماء.
وما إن وصل مشهد - وكان عمره في ذلك الوقت ثلاثا وعشرين سنة - حتى حضر درس المولى عبد الواحد التستري الذي كان من مشاهير أهل الفضل في عصره ، ثم أخذ عن غيره من فطاحل العلماء في هذه المدينة المقدسة. ثم انتقل بعد ذلك إلى بلاد الهند في سنة (993 ه) ، ولما يبلغ الأربعين ، بعد أن تأكد له أن هذه البلاد لا ترفع فيها راية لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولما وصل بلاد الهند ، قربه سلطانها (أكبر شاه) ، لعلمه الجم وأدبه وفضله ، ونسكه ، وورعه. فطارت شهرته في كل بلاد الهند ، ورقي وحسن حاله : جاها ، ومالا ، ومثالا ، حتى نصبه (أكبر شاه) قاضيا ومفتيا في دولته.
لقد كان منصب القضاء والإفتاء لا يتسنمه - في تلك البلاد - إلا من
ص: 342
فاق الناس بعلمه وفقهه ، ولهذا فقد تعرض السيد من جراء هذا المنصب إلى حسد الحاسدين ، لا سيما من تلبس منهم بلباس الفقهاء ، ومن تقمص قميص العلماء.
وعلى الرغم من كثرة حاسديه في تلك البلاد مع شيوع النصب والعداء لأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم ، كان السيد الشهيد مجاهرا بالدعوة إلى التشيع أمام من يطمئن إلى دينه وورعه ، حتى قيل عنه : إنه أول من نشر مذهب الحق في بلاد الهند
ولهذا فقد حيكت الدسائس ضده (قدس) قبل أن ينكشف تشيعه ثم سعت زمرة من الأوغاد التتريين بزي العلماء من العامة ، إلى السلطان بإباحة دمه الشريف ، خصوصا وقد سمع بعضهم منه عبارة : (عليه الصلاة والسلام) قالها بحق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، بعد أن جرى ذكره العطر على لسانه. فاغتنمها حساده ، وزعموا أنها مختصة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفعوا ذلك إلى السلطان ، وقد علم أحد كبار علماء الهند المنصفين بهذه الدسيسة والمحاولة القذرة ، فكتب إلى سلطان الهند يعلمه أن عليا عليه السلام هو من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلا أن الجهال لا يفقهوا ذلك ، ولم يعرفوا حق أمير المؤمنين (عليه السلام) ، مع حسدهم لذلك السيد الجليل لما وصل إليه من مكان عال ومنزلة شامخة بين العلماء.
فانصرف السلطان عن قتله بعد أن عرف حقيقة الحال وواقعه.
ولم يلبث أولئك النواصب أن استغلوا وفاة السلطان (أكبر شاه) واغتنموا مجئ ابنه (جهانگير شاه التيموري) خلفا على البلاد ، وكان ضعيف الرأي سريع التأثر شديد التعصب ، فدس أولئك الحساد والأوغاد رجلا خسيسا منهم إلى السيد الشهيد لمعرفة أخباره والتجسس عليه
ص: 343
كما فعل أسيادهم من قبل في التجسس على أعلام الشيعة لأجل القضاء عليهم ، وتصفيتهم.
وقد تم لهم ما أرادوا ، فلازم ذلك الرجل مجلس السيد القاضي نور الله بصفة طالب العلم ، إلى أن عرف - من طول الملازمة والخدمة - أن قاضي الهند وفقيهها هو من أكبر دعاة الحق ، مع تمكنه من الاطلاع على مؤلفات السيد لا سيما كتابه الخالد (إحقاق الحق) الذي لم يبق فيه حجة لناصبي عنيد إلا وقد جعلها هشيما تذروه الرياح.
لقد استكتب الرجل الشقي نسخة من (إحقاق الحق) ، وأتى بها إلى السلطان في الوقت الذي أشعلت فيه حساد الشهيد نار غضب جهانكير شاه التيموري ملك البلاد ، على السيد الجليل ، فأمر - لعنه الله ومن آزره - بقتله بصورة بشعة ، إذ جردت ثيابه عن جسده الشريف ، ثم ضرب بالسياط الشائكة حتى تناثر لحم بدنه الشريف الطاهر ، وذلك في سنة 1019 ه على أشهر الأقوال.
وهكذا قضى السيد التستري نحبه شهيدا وحيدا فريدا تحيط به زمر الأوغاد ، ومحرفوا الكلم عن مواضعه منكل مكان - ثم دن جثمانه الطاهر في بلدة أكبر آباد بالهند ، ومرقده الشريف معروف يزار للتبرك والتقرب إلى الله تعالى به.
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).
كان الشهيد القاضي نور الله التستري (قدس سره) علما في عصره ، ومتكلما ، وأديبا بارعا ، وبحرا في الفقه والأصول والحديث والعربية. أثنى عليه جميع من ترجم له غاية الثناء ، حتى وصفوه بالشهيد الثالث.
ولعل خير ما يدل على علمه وطول باعه في علوم الشريعة الغراء كثرة
ص: 344
مؤلفاته ومصنفاته. فقد أحصى له السيد شهاب الدين المرعشي النجفي (قدس سره) مائة وأربعين مصنفا ما بين كتاب ورسالة ، وذلك في مقدمة تحقيق كتابه الخالد : «إحقاق الحق».
والحق ، إنه لو لم يكن من بين مؤلفاته إلا إحقاق الحق لكفى شاهدا على غزارة علمه ، وتفوقه على أقرانه لما فيه من مباحث كلاميه وعقائدية وفقهية وتفسيرية راقية قلما نجدها مجتمعة في كتاب في بابه.
رحم الله السيد الشهيد القاضي نور الله التستري ، وسلام عليه يوم ولد ، ويوم استشهد ، ويوم يبعث مع الشهداء حيا (1).
عملي في تحقيق الرسالة :
شرعت في تحقيق هذه الرسالة بعد أن توفرت لدي نسختان منها ، سيأتي وصفهما بعيد الانتهاء من سرد خطوات التحقيق الآتية : ة.
ص: 345
1 - قرأت النسختين معا (النسخة الرضوية ، والنسخة المرعشية) قراءة دقيقة ، وتابعت من خلالها مفردات النسختين مفردة مفردة ، لأجل تثبيت جميع الاختلافات الحاصلة بينهما ، مع الإشارة إليها - في خطوة لاحقة - في هوامش التحقيق ، فإن كان الاختلاف في اللفظ الواحد أو العبارة الواحدة من قبيل اختلاف التضاد ، اخترت الصواب منهما وجعلته متنا ، والإشارة إلى المتروك هامشا.
وإن كان الاختلاف اختلاف تنوع ، وكلاهما يؤديان المقصود ، اخترت أقربهما إلى الحس العربي ، والذوق الأدبي ، مع التنبيه عليه أيضا ، وإن كان ذلك لا يخضع غالبا لاعتبارات علمية غالبا.
2 - لم انتخب من النسختين أصلا لتكون الثانية فرعا ، لما سيأتي في وصفهما من أن في كل منهما ثغرات تسدها الأخرى ، فكان الاكتفاء برمز (ر) للرضوية و (م) للمرعشية ، في هوامش التحقيق هو الأولى.
2 - عدم التصرف في المتن مطلقا بلا إشارة ، كما تقتضيه الأمانة العلمية.
3 - إعطاء عناوين رئيسية وجنبية لمطالب الرسالة المهمة مع حصر تلك العناوين بين عضادتين ، للإشعار بإضافتها مني.
4 - تقطيع النص وتوزيعه بشكل منتظم وعلى طبق قواعد التحقيق ، وتقويم النصوص.
5 - حصر الألفاظ المضافة على متن الرسالة بين عضادتين ، مع عدم الإشارة لها في الهامش في صورة عدم وجود البديل المحذوف ، ومعها بوجوده.
6 - التوسع في بيان ما لم يذكره المصنف من الأمور المتصلة ببحث
ص: 346
الوضوء في هذه الرسالة ، أو ذكر فيها مقتضيا.
7 - الاستفادة التامة من جميع كتب التفسير السنية ، وكتب القراءات القرآنية المتيسرة وغيرها من الكتب الأسانيد الأخرى. لإغناء آراء المصنف (قدس سره) وتصديقها بما في كتب العامة أنفسهم.
8 - تصحيح الأغلاط اللغوية التي منيت بها النسختان لا سيما النسخة المرعشية التي اشتملت على أكثر من خمسين غلطا لغويا وبعضه نحويا.
9 - القضاء على التصحيفات والتحريفات اللفظية أينما وجدت في متن الرسالة ، مع الإشارة إليها في الهامش.
10 - تخريج الآيات الكريمة من المصحف الشريف ، والأحاديث المنسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتب الحديث ، وأقوال العلماء من كتبهم.
11 - توضيح وشرح لبعض العبارات الغامضة في المتن ، وبحسب ما نراه مناسبا في الهامش.
12 - ترجمت في الهوامش للأعلام الذين ورد ذكرهم في المتن ما عدا الصحابة.
13 - ربط المطالب المتكررة سواء كانت في المتن أو من تعليقاتنا في هوامش الرسالة ، وذلك بتعيين مواضعها والإرجاع إليها.
14 - بيان الفهرس التفصيلي لمصادر ومراجع التحقيق في آخر للرسالة.
15 - متابعة الرسالة بعد طبعتها الأولية وإعادة تدقيقها والتأكد من سلامتها قبل نشرها إن شاء الله تعالى.
ص: 347
وصف النسختين المعتمدتين في التحقيق :
اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على مصورتين لنسختين مخطوطتين :
الأولى (الرضوية) :
وهي نسخة مصورة على النسخة المخطوطة الموقوفة على مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) في مدينة مشهد المقدسة ، برقم / 2447 ، وقد تفضل بإهدائها إلينا مشكورا سماحة المحقق السيد الجليل محمد رضا الجلالي ، وفقه الله تعالى لمراضيه.
وفي هذه النسخة لم يذكر اسم الواقف ، ويظهر من فهرست (هاي خطي دو كتاب خانه مشهد ، مدرسة نواب ، استانة قدس رضوي 2 : 823 أن واقف النسخة هو الخواجة شير أحمد توني.
وقد بلغ عدد لوحاتها ثمان عشرة لوحة فقط ، ولم ترقم تلك اللوحات ، ومساحة اللوحة الواحدة منها = 5 / 18 سم طولا × 15 سم عرضا ، ومساحة الكتابة على اللوحة الواحدة = 14 سم طولا × 8 سم عرضا ، وعرض الحافة الجانبية بحدود 4 سنتمترات ، وعدد الأسطر في كل كل لوحة = 15 سطرا ما عدا اللوحة الأولى ، إذ ابتدأت بالبسملة في أعلى اللوحة ، ثم بالربع الأخير منها ، وما بينها بياض يسع لعشرة أسطر فقط. وكذلك اللوحة الأخيرة حيث انتهت في السطر الخامس ، وبه تمت الرسالة.
وكان طول السطر الواحد من الكتابة = 8 سم ، وعدد الكلمات في السطر الواحد = 12 كلمة.
وفي النسخة الرضوية إحدى وعشرون حاشية ، اثنتا عشرة منها مذيلة تارة بعبارة : «منه سلمه الله» ، وأخرى بها مع زيادة : «وأبقاه».
ص: 348
وأما الحواشي التسع الأخر ، فثمان ، منها معلمة بعلامة (الصح) ، وواحدة كتبت في اللغة الفارسية ، وهي في بيان مقدار الصاع الشرعي.
وفي أسفل اللوحة الأخيرة ختم بسنة 1218 هجري شمسي ، مع اسم : «باقي خان ، مشهد ، عضي عنهما» وبإزائه توقيع غلب عليه السواد.
وقد كتبت النسخة الرضوية بلغة الضاد وبخط النسخ الواضح الجميل ، بحيث لم أجد صعوبة في قراءة متن الرسالة ولا حواشيها إلا نادرا. وكانت كلماتها منقوطة ، وحروفها غير مشكوكة ، وهي خالية من البلاغات.
وأولها بعد البسملة : قال الله تعالى في سورة المائدة : (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) .. الآية».
وآخرها : «الحمد لله على توفيق الإتمام ، والصلاة والسلام على النبي وآله الطهر الكرام إلى يوم يؤخذ بالنواصي والأقدام».
وختمها الناسخ بعبارة : «تمت الرسالة للسيد الأجل الأكرم الأعلم الحسيني الأمير نور الله الشوشتري ، سلمه الله وأبقاه».
هذا ، ويوجد في هذه النسخة أكثر من ثلاثين غلطا لغويا ، مع بعض التصحيفات اللفظية ، والتحريفات ، مع عدم ورود بعض الألفاظ ، التي لا يتم المعنى بدونها ، وسقوط اليسير من العبارات وقد تم تدارك ذلك ومعالجته في محله ، وقد رمزنا لهذه النسخة بالحرف (ر).
وأهم ما يميزها : جودة الخط ، وقلة الأغلاط اللغوية بالقياس إلى النسخة الأخرى كما سيأتي في مواصفاتها
الثانية (المرعشية) :
وهي نسخة مصورة على النسخة المخطوطة الموجودة في خزانة
ص: 349
مخطوطات آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي (قدس سره) في مدينة قم المقدسة ، برقم / 7107.
وهذه النسخة المصورة من إهداء إدارة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ، إلينا ، فجزاهم الله تعالى عني ألف خير ، ووفقهم لمراضيه وسدد خطاهم لإحياء تراث العترة الطاهرة عليهم الصلاة والسلام ، إنه سميع مجيب.
وهذه النسخة بخط محمد كاظم المدرس الخادم ، ولم يثبت عليها تاريخ النسخ.
وعدد لوحاتها إحدى عشرة لوحة ، ولم ترقم لوحاتها ، ومساحة اللوحة الواحدة منها = 19 سم طولا × 12 عرضا ، ومساحة الكتابة في كل لوحة = 14 سم طولا × 8 سم عرضا ، وفي كل لوحة سبعة عشر سطرا ، وطول السطر الواحد = 8 سم ، وعدد كلماته = 14 كلمة ، وعرض الحافة الجانبية = 4 سم ، والعليا = 5 سم.
وفي أعلى اللوحة الأولى منها كتب اسم الرسالة : «نهاية الإقدام في وجوب المسح على الأقدام ، للقاضي نور الله الحسيني».
وهي خالية من البلاغات والأختام ، والحواشي سوى واحدة مذيلة بعبارة : «منه عفي عنه» ، وثمة كلمات قليلة في حواشيها معلمة بعلامة (الصح).
كتبت هذه النسخة بلغة الضاد أيضا ، وبخط النسخ أيضا واجبا يميل إلى الخط العادي ، وهي مقروءة وواضحة غالبا ، إلا أن قراءة بعض عباراتها لا تخلو من صعوبة أحيانا ، كما أن كلماتها منقطة في الغالب ، وحروفها غير مشكوكة.
وأولها بعد البسملة : «الحمد لله الذي رفع أيدي حججنا على
ص: 350
الخصام».
وآخرها : «والحمد لله على توفيق الاتمام» إلى آخر ما ذكرناه في وصف النسخة الرضوية.
وختمها الناسخ بقوله :
«كتبه العبد المحتاج إلى رحمة ربه الغني الدائم ، محمد كاظم المدرس ، الخادم ، وفقه الله تعالى لمراضيه ، وأيده ، وحفظه ، وسلمه ، بحرمة الرضا بن موسى ، عليه وعلى آبائه وأولاده الصلوات الزاكيات ، ما دامت الأرض والسماوات».
ويظهر منه أنه كتبها في مدينة مشهد المقدسة.
هذا ، ويوجد في النسخة (المرعشية) أكثر من ستين غلطا لغويا ، مع بعض التصحيفات والتحريفات ، مع عدم ورود بعض الكلمات ، واختلاف قليل في بعض العبارات ، مع سقوط بعض الفقرات منها ، زيادة على التقديم والتأخير في اليسر من العبارات. وقد رمزنا لها بالحرف (م).
وأهم ما يميزها عن النسخة الأولى أنها تامة الأول حيث تقدم أن في بداية (الرضوية) بياضا يسع لعشرة أسطر ، زيادة على ما يكتنف قرائتها من صعوبة أحيانا لا تعرف إلا بالرجوع إلى النسخة الرضوية ، مع وجود السقط والغلط فيها أكثر من الأولى ، وتتفقان بجهالة تاريخ نسخهما ، وإن أمكن تقدير عمر الثانية بإرجاعها إلى أوائل القرن الثاني عشر الهجري باعتبار أن ناسخها (محمد كاظم المدرس) كان حيا في ذلك الوقت ، فقد استنسخ كتاب (الأمان من الأخطار) للسيد ابن طاووس وفرغ منه في يوم الأحد ، 17 شعبان سنة 1103 ه ، كما في «الكواكب المنتشرة في القرن
ص: 351
الثاني بعد العشرة» من طبقات أعلام الشيعة 6 : 612.
والحمد لله الذي لا تحصى فضائله ولا تعد نعمه
والصلاة والسلام على أشرف مخلوقٍ في الدنيا والآخرة
محمدٍ ، وعلى عترته البررة ، الطاهرة المطهّرة ما ناح قمريٌّ على فننه ،
وما اشتاق الغريب إلى وطنه.
هدى
جاسم محمّد أبوطبرة
ماجستير آداب في الشريعة والعلوم الإسلامية
قم المشرّفة
ص: 352
صورة
ص: 353
صورة
ص: 354
صورة
ص: 355
صورة
ص: 356
[مقدمة المصنف]
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله الذي رفع أيدي حججنا على الخصام ، وثبت أقدامنا حيث دُحِضَتْ (1) أقدام كثير من الأقوام ، والصلاة والسلام على نبينا الذي مسح يد الشفاعة على نواصي المعاصي والآثام ، وعلى وصيه المؤيد بمزايا الأيادي والإكرام ، الذي ظهر علو كعبه لدى وجوه الأيام فوضع رجله كالبدر التمام على سماء كتف سيد الأنام لتطهير بيت الله الحرام عن لوث الأصنام.
أما بعد :
يقول تراب أقدام [المؤمنين] عفى الله عنه ابن الشريف الحسيني نور الله شكر الله تعالى إقدامه وثبت في نصرة الحق أقدامه : هذا نهاية الإقدام في بيان وجوب المسح على الأقدام ، حاولت فيه نشر ما في آية المائدة من الأيادي والفائدة ، وأوضحت دلالتها على وجوب مسح الرجل ، وأن القول بالغسل من تحريفات عبدة العجل ، وموضوعات دفع ».
ص: 357
الحق باليد والرجل ، وكان أقل فقها من ربة الحجل. ولقد آل خلاف الاختلاف ، واقتفائهم لأثر أقدام الأسلاف إلى أنهم لا يجوزون في غسل الأرجل ومسح الخفاف وضع إصبع من الاختلاف ولو قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، لكن لما علمت أن انكشاف ضعف أدلتهم يظهر دنو كعب أجلتهم ، ضربت سواعد الرد على صدور مقالاتهم ، ولطمت بأكف المنع وجوه دلالاتهم فنكصوا على أعقابهم خائبين ، ورجعوا القهقري في أمرهم معجزين ، بل شمرت عن ساق الجد والاهتمام ، ومسحت بيد المحو والطمس. والإعدام على ما نسخوه من وجوه النقض والإبرام ، فذهبت جل أدلتهم على غسل الأرجل أيدي سبأ ، وصارت نهاية أجوبتهم على أدلة مسحها كالهباء (1). وسيظهر لك بعد إزالة الشبهة من العين ، وإجالة الحجة في الفؤاد والعين أن القائل بغسل الرجلين يرجع بخفي حنين (2) ، ولا تصل
أيديهم إلى ساق هذا المساق (والتفت الساق بالساق) (3) (فإن آمنوا
بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) (4) والله المستعان ، وعليه التكلان (5). ة.
ص: 358
[من ذهب إلى وجوب المسح في آية الوضوء]
قال الله تعالى في سورة المائدة : (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (1) ... الآية.
اعلم إن صريح هذه (2) الآية يدل على وجوب مسح الرجلين (3) ، كما روي عن الشعبي (4) أنه قال : «نزل القرآن بالمسح ، والغسل
ص: 359
والسخاوي (ت 643 ه) في جمال القرّاء وكمال الاِقراء 2/41 ، ونسبه الزجّاج (ت 311 ه) في معاني القرآن وإعرابه 2/153 إلى بعضهم ، فقال : «وقال بعضهم : نزل جبريل بالمسح ، والسُنّة في الغسل».
هذا ، ويمكن القول بأنّ ذيل العبارة المنسوبة إلى الشعبي هي من زيادة راوي قوله تحكّماً في تحديد رأي الشعبي في حكم الرجلين في الوضوء ثمّ نقله الآخرون على أنّه من تتمّة قوله ، وممّا يدلّ على ذلك تصريح عشرات العلماء بأنّ الشعبي كان من القائلين بوجوب المسح على الرجلين في الوضوء ، وأنّه لا يرى أداء الفرض بالغسل ، ولو صحّ عنده أنّ الغسل سُنّة ، لما نسب علماء العامّة إليه خلافه.
وإليك بعض من تعرّض إلى بيان موقف الشعبي من حكم الرجلين في الوضوء :
1 - الفرّاء (ت 207 ه) ، وهو أقرب - من صرّح بما ذكرناه - إلى عصر الشعبي ، قال في معاني القرآن 1 : 302 - 303 ، عن الشعبي ، إنّه قال : «نزل جبرئيل بالمسح على محمّد صلّى الله عليهما ، وعلى جميع الاَنبياء».
2 - الطبري (ت 310 ه) في تفسيره ، أورد عن الشعبي عدّة أقوال ، هي :
الاَوّل في 10/59 ح 11480 : «نزل جبريل بالمسح ، ألا ترى أنّ التيمّم أنْ يمسح ما كان غسلاً ويلغى ما كان مسحاً؟!» ، ومثله في الجامع لاَحكام القرآن - للقرطبي (ت 671 ه) - 6/92.
الثاني في 10/ 59 ح11481 : «أمر بالتيمم في ما أمر به بالغسل».
الثالث في 10/ 59 ح 11482 : «انما هو المسح على الرجلين ، ألا ترى أنه ما كان عليه الغسل جعل عليه المسح ، وما كان عليه المسح أُهمل؟!».
الرابع في 10/ 59 ح11483 : «أمر أن يمسح في التيمم ما أمر أن يغسل في الوضوء ، وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء : الرأس والرجلان» ، وأخرجه عنه من طريق آخر 10/ 60 ح11484.
الخامس في 10 / 60 ح 11485 ، عن اسماعيل قال : «قلت لعامر [أي : الشعبي] : ان ناساً يقولون : ان جبريل عليه السلام نزل بغسل الرجلين ، فقال : نزل جبريل بالمسح» ، ومثله عند ابن كثير (ت 774 ه) في تفسيره 2/ 27 ، والشوكاني (ت 1250 ه) في فتح القدير 2/18.
3 - ابن ابي شيبة (ت 235 ه) في مصنفه ، في باب المسح على القدمين 1/ 18 أورد قول الشعبي : «نزل جبريل بالمسح على القدمين» من دون زيادة «والغسل سنة».
4 - ابو زرعة (ت بعد سنة 403 ه) في حجة القراءات : 222 ، أورد قول الشعبي : «نزل جبريل بالمسح ، ألا ترى أنه أهمل ما كان مسحاً ، ومسح ما كان غسلاً في التيمم؟!» ، ومثله عند البغوي (ت 510 ه- وقيل 516 ه) في معالم النزيل 2/ 217.
5 - عبدالله بن قدامة الحنبلي (ت 620 ه) في المغني 1/150 ، ونقل قول الشعبي : «الوضوء مغسولان وممسوحان ، فالممسوحان يسقطان في التيمم» ، ومثله عند عبدالرحمن بن قدامة (ت 682 ه) في الشرح الكبير 1/ 147.
6 - السيوطي (ت911 ه) في الدر المنثور 3/29 ، قال : «وأخرج عبدالرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير؛ عن الشعبي أنه قال : نزل جبريل بالمسح على القدمين ، ألا ترى أن التيمم أن يمسح ما كان غسلاً ، ويلغى ما كان مسحاً؟!» ، ومثله عند القاسمي (ت 1322 ه) في محاسن التأويل 6/111.
هذا ، وأما من صرح من علماء العامة بأن الشعبي من القائلين بوجوب المسح من غير اولئك فهم :
ابن حزم الظاهري (ت 460 ه) في المحلى 2/56 : مسألة 200 ، وابن عطية (ت 546 ه) في المحرر الوجيز 5/48 ، والفخر الرازي (ت606 ه) في التفسير الكبير 11/161 ، وأبو حيان الاندلسي (ت754 ه) في البحر المحيط 3/437 ، والنيسابوري (ت 850 ه) في غرائب القرآن 6/73 ، وابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) في فتح الباري 1/215.
وأما من نص على أن قراءة الشعبي لآية الوضوء بخفض «وأرجلكم» ، مع تأويلها بالمسح ، فهو الطبري في تفسير 10/61 ح 11491 ، وأبو حيان في البحر المحيط 3/437.
أقول : انما أطلت في تخريج قول الشعبي؛ لكي يعلم بأن ما زعمه الآلوسي الوهابي (ت 1270 ه) في تفسيره «روح المعاني» 6/74 من أن الشيعة كذبت على الشعبي وغيره بنسبة القول بالمسح اليهم؛ انما هو زعم مفترى لا يليق بمن يتصدى لتفسير الكتاب العزيز.
ص: 360
ولذلك ذهب إليه عبد الله بن عباس (1) ، وعبد الله بن 7.
ص: 361
[من قال بالجمع بين الغسل والمسح]
وذهب الحسن البصري (1) ، وداود (2) - (من الظاهرية) (3) - إلى أنه يجب الجمع بينهما (4). ).
ص: 367
ص: 368
وهو قول الناصر (1) من أئمة الزيدية (2) بل ليس في الصحاح الست ما يؤذن بتحتم الغسل على ما ذهب إليه جمهور أهل السنة (3).5.
ص: 369
وإنما الذي يوجد فيها يشعر بالمسح كما (سيجئ) (1) بيانه (2).
[تفصيل الكلام في قراءة : [وأرجلكم]
وتفصيل الكلام في المرام : إن (أرجلكم) في الآية الكريمة قرء بالجر عطفا على الممسوح ، أي : (الرؤوس) (3). وهذه القراءة .
ص: 370
ص: 371
ص: 372
[صريحة] (1) في مذهب الشيعة الإمامية (2).
وبالنصب عطفا على المغسول ، أي : (الوجوه) (3). وهذه القراءة ناظرة إلى مذهب أهل السنة (4) ، فتتعارض (5) القراءتان ظاهرا (6). ى.
ص: 373
والسبيل في مثله - على ما تقرر في الأصول - ترجيح إحديهما على الأخرى باعتبار المتن أو السند (1) ، إن لم يتساويا قوة في ذلك. وإلا فالحمل على نسخ المتقدم بالمتأخر ، إن علم التاريخ بوجه ما (2). وإلا فطلب المخلص من قبل الحال أو غيره ، والجمع بين المتعارضين إن أمكن (3) ، وإلا فالمصير إلى دليل دونهما كالسنة والإجماع والتمسك بالأصل كما فصل في الأصول.6.
ص: 374
[رأي الزمخشري في نصب (وأرجلكم) وجرها]
وقد اختار الزمخشري (1) في (الكشاف) قراءة النصب ، حيث قال : (قرأ) (2) جماعة (وأرجلكم) بالنصب ، فدل على أن الأرجل مغسولة.
ولما لم يلتفت إلى احتمال جر (الأرجل) بالمجاورة - لإبطاله إياه في سائر كتبه ، وتشنيعه على القائلين به ، حتى لم يره قابلا للرواية ، ولا ارتضاه) (3) للنقل والحكاية - تمحل في دفع تعارض قراءة الجر بما لا يغني من جوع (4) ، فقال :
إن قلت : فما تصنع بقراءة الجر ، ودخولها في حكم المسح؟ ظ.
ص: 375
قلت : الأرجل - من بين الأعضاء (الثلاثة المغسولة) (1) - تغسل بصب الماء عليها ، فكانت مظنة للإسراف (2) المذموم المنهى عنه ، فعطفت على
الرابع (3) الممسوح (4) لا لتمسح (5) ، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها. وقيل : (إلى الكعبين) ، فجئ بالغاية إماطة (6) لظن ظان يحسبها ممسوحة ، لأن المسح لم يضرب له غاية في الشرع (7). انتهى كلامه.
[تفنيد رأي الزمخشري]
وأقول : في المقامين نظر. 9.
ص: 376
[المقام الأول]
أما الأول (1) : فلأنه إن أراد بما اختاره من قراءة النصب كون (الأرجل) منصوبا (2) بعطفها على (الوجوه) (3).
فيرد عليه :
إن العطف على الوجوه مرجوع (4) من وجوه :
لأن القرب مرجح (5). ظ.
ص: 377
ولأنه يوجب حصول اللبس لعدم القرينة على ذلك (1).
ووقوع الفصل الكثير بالأجنبي بين المعطوف والمعطوف عليه (2) والإخلال بالفصاحة من حيث الانتقال عن جملة إلى أخرى قبل تمام الغرض من الأولى. وهذا لو فعله عربي أو عجمي (3) ، لاستسخر به ، فكيف يقع في كلام الله الذي تحدى فيه فصحاء ».
ص: 378
مدفوع وغير مسموع عند من لم يقل بوجوبه (1).
نعم ، المسلم (2) إفادة حسن الترتيب ، وهو غير مهم في العرض الذي سيقت الآية لأجله حتى ينسد به الخلل اللازم من الفصل المذكور.
ولا يمكن الجمع بين مقتضاهما (3) ، لأنه مخالف للإجماع ، إلا لناصر الحق من الزيدية (4).
ولا يمكن أن يقال بالتخيير ، لأنه أيضا مخالف للإجماع ، وقد 9.
ص: 380
انقرض القائل به وهو الجبائي ، وابن جرير الطبري كما مر (1). وعند ذلك يتعين العطف على محل (رؤوسكم) (2) ، مع تأييد قراءة الجر .
ص: 381
له (1). 4.
ص: 382
وإن أراد (1) نصبها بفعل مقدر كما قيل (2) ، أي : اغسلوا أرجلكم ، كقولهم :
علفتها تبنا وماء باردا (3). .
ص: 383
أي : سقيتها ماء.
فيرد عليه :
أولا : إنه قول بمجرد التشهي ، لأن الأصل عدم التقدير ، وعدم الحذف (1) ، لتمامية المعنى بدونهما.
وثانيا : إن ذلك إنما يجوز مع قيام القرينة وعدم اللبس كما في ما مثلتم فإن الماء لا يعلف ، فحذفوا الفعل لعدم اللبس (2).
وأما هنا فلا ، لأن (الأرجل) تمسح كما تغسل ، وإرادة المسح هو الظاهر ، ولا ضرورة إلى تقدير (اغسلوا) إلا ترويج المدعى.
وثالثا : إنه لو جاز تقدير (اغسلوا) - بقرينة (فاغسلوا) (3) - لجاز
تقدير (امسحوا) بقرينة (وامسحوا) ، بل هو أظهر لقرب القرينة (4). ى.
ص: 384
[المقام الثاني]
وأما الثاني (1) :
فلأن ما تمحله لدفع التعارض أفسد من ارتكاب جر الجوار - المهروب عنه - من وجوه :
أما أولا : فلأن النكتة التي ذكرت لعطف الأرجل على الممسوح مع إرادة غسلها إنما تصح (2) نكتة بعد أن يستفاد من خارج الآية ، أن الأرجل لا بد وأن تكون (3) مغسولة ، لا من هذه الآية (4).
وأما جعلها دليلا عليه بواسطة هذه النكتة فمما لا وجه له في مقام الاستدلال ، لأنهم إنما يستفيدون غسل الأرجل من قراءة الآية بالنصب ، ويجعلونها دليلا عليه.
والحاصل : إن قراءة النصب لكونها معارضة بقراءة (5) الجر ، في معرض السقوط! فثبوت مدلولها موقوف على نفي مدلول الثانية ، بوجه ».
ص: 385
لا يتوقف صحة (1) شئ من مقدمات نفي الثانية على ثبوت مدلول الأولى ، وإلا لدار ، لأن ثبوت مدلول قراءة النصب يتوقف على نفي مدلول قراءة الجر (2).
فلو توقف نفي مدلول قراءة الجر على ثبوت مدلول قراءة النصب لزم الدور لزوما لا سترة (3). .
ص: 386
وأما ثانيا : فلأن حقيقة العطف تقتضي (1) أن يكون المعطوف في حكم المعطوف عليه في كل اللغات كما لا يشك فيه من له أدنى تمييز.
وهل يجوز عاقل فضلا عن فاضل أن تقول (2) : أكرمت زيدا وعمروا ،
ومررت بخالد وبكر ، بالجر عطفا على خالد ، ويكون المراد : إني أكرمت بكرا؟!!
وأما ثالثا : فلأن قوله : الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها ، فكانت مظنة للإسراف المذموم ... فعطفت على الرابع (3) الممسوح لا لتمسح ... إلى آخره (4).
مردود ، بأن كل الأعضاء المغسولة تغسل بصب الماء عليها ، لأن حقيقة الغسل صب الماء على المغسول مع الجريان أو غمسه في الماء (5).ا.
ص: 387
والأرجل كثيرا ما تغسل بالأخير ، كالخوض في النهر والحوض ، وباقي الأعضاء قد تغسل بالصب (1) من آنية ، وقد تغسل (2) بالصب (3) في اليد ، أو الاغتراف بها ثم الصب على العضو.
وبالجملة ، إن ذلك لا انضباط له ، لاختلافه باختلاف البلاد وأهاليها.
ففي البلاد الكثيرة الماء المتخذ أهلها في بيوتهم الحياض والأنهار ، كالشام ، والعراقين (4) ، وآذربيجان ، وفارس ، وكرمان ، وخراسان وما شاكلها ، ففي الأكثر يكون غالب (5) فعل أهلها غسل الأرجل بالغمس في ما (6) بين أيديهم من الحياض والأنهار.
وفي البلاد القليلة الماء - وهي الأقل - يكون الغالب على أهلها غسل الأرجل بالصب من آنية.
وأما ما ظن (7) من «أن غسل الأرجل (8) مظنة الاسراف (9)».
فإن أراد به : أنه مظنة التكرار والمبالغة باستعمال ما يبلغ مقدار مد من الماء (10) ، فهو ليس بإسراف شرعا ، بل هو مستحب ، كما رووه عن .
ص: 388
ص: 389
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاتفاق (1) ، وصرحوا بأن المد زائد عن أداء فرائض الوضوء ومستحباته (2). .
ص: 390
على أن القسطلاني (1) - شارح البخاري - روى في باب السباغ الوضوء
بسند صحيح - عنده (2) - عن ابن المنذر (3) ، عن ابن عمر ، أنه كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات (4). ظ.
ص: 391
وإن أراد : أنه مظنة لاستعمال ما يزيد (1) عن مقدار المد (2) ونحوه بكثير.
فهو ممنوع ، والعرف والعادة شاهدة (3) ، على أن الزيادة على ذلك
لا تصدر إلا عن صبي جاهل ، أو جلف جاف (4) ، يلعب ويلهو بالماء.
ثم كيف يكون المسح في معنى الغسل ، وفائدة اللفظين - في الشرع - مختلفة ، لفظ الكتاب والسنة قد فرق بين الأعضاء المغسولة والممسوحة؟!
ولهذا جعلوا بعض أعضاء الطهارة ممسوحا (5) ، وبعضها مغسولا ، وفضلوا بين الحكمين ، وفرقوا بين قول القائل : فلان يرى أن الفرض في الرجلين المسح ، وبين قوله : فلان يرى الغسل (6). .
ص: 392
ص: 393
وأيضا ، إن (1) شبهة من جعل المسح غسلا ، إنا نشأت من حيثية اشتمال الغسل على المسح (2).
ولو جعل ذلك مصححا لاستعمال المسح في الغسل ، لصح استعمال الغسل في المسح أيضا ، لأن الأول من باب إطلاق اسم الجزء على الكل ، والثاني من باب إطلاق اسم الكل على الجزء ، وكلاهما علاقتان معتبرتان عند أرباب العربية (3).
وحينئذ يسقط استدلالهم بسائر (4) الأحاديث المتضمنة لقولهم : أنه ر.
ص: 394
(عليه السلام) توضأ وغسل رجليه (1) ، لأنه حينئذ لا ينكر أن يكون الغسل المذكور مرادا به المسح (2) ، فصار تأويل الآية على هذا الوجه مبطلا لما هو العمدة في استدلالهم (3) على غسل الرجلين (4).
[والحال] (5) ، أنه ليس كل شئ يشتمل على غيره يصح أن يسمى
باسمه ، لأنا نعلم أن الغسل مثلا يشتمل على أفعال فعل الاعتماد والحركة ، ولا يجوز أن يسمى بأسماء ما يشتمل عليه ، وكذا (السكنجين) (6) مشتمل على الخل والعسل ، ولا يسمى بأحدهما.
وأما استشهاد أبي زيد (7) ، بقولهم : !
ص: 395
فمردود ، بأنه كنابة عن الطهارة ببعض أفعالها ، كما يقال : تغسلت لها فكأنهم استطالوا (اغتسلت وتمسحت للصلاة) فتجوزوا ذلك ، تعويلا على فهم المراد ، روما للاختصار (3).
والحاصل : إن ما ذكره فرار (4) من مخالفة القواعد ا.
ص: 396
النحوية (1) ، والوقوع في مخالفة الوضع اللغوي والشرعي (2) ، لأن المعلوم منهما اختلاف حقيقتي الغسل والمسح. فأي باعث على التعبير بأحدهما على الآخر بغير قرينة؟
ولهذا ذهب القفال (3) وجماعة من قدماء الشافعية ، إلى أن الغسل لا .
ص: 397
يجزي عن المسح ، مستدلين بأنه ليس بمسح ، وهو المأمور به. نقل ذلك شارح (الينابيع في فقه المذاهب الأربعة) (1).
وذكر صاحب (تقريب المتدارك) (2) - وهو من علماء أهل السنة - : أن المالكية أيضا على الفرق بينهما ، وأنه لا يجوز أن يراد بالمسح الغسل ، وبالغسل المسح (3) ، فلا بد للفرق من فائدة.
وأما رابعا : فلأنه إذا كانت (الأرجل) معطوفة على (الرؤوس) والمقصود غسلها ، يكون قد استعمل (سبحانه وتعالى) لفظ (امسحوا) - وهو لفظ واحد - حقيقة (4) في (الرؤوس) ، ومجازا (5) في (الأرجل) (6) بغير قرينة (7)!! ي.
ص: 398
وتفصيل هذا الإجمال :
إنه لو أريد بالمسح معناه الحقيقي بالنسبة إلى (الرؤوس) ، والغسل الشبيه به بالنسبة إلى (الأرجل) بقرينة التحديد المذكور (1) ، لزم : إما الجمع بين الحقيقة والمجاز - كما ذكره العلامة التفتازاني (2) - بأن.
ص: 399
يراد حقيقة المسح بالنسبة إلى المعطوف عليه ، والغسل الشبيه به بالنسبة إلى المعطوف!
وذلك غير جائز (1).
وإما عموم المجاز مع الاجمال المحتاج إلى البيان ، بأن يراد من المسح (2) ، ما يعم المسح الحقيقي ، والغسل الشبيه به مطلقا!! وهذا مما لا يتكلم به رشيد ، فكيف يأتي به الباري (جل اسمه) في كتابه العزيز لتعليم الخواص والعوام ، ويجعله مضلة للأفهام (3) ، وعرضة للأوهام؟!
وكان يمكن أن يقول [عزوجل] : (فاغسلوا أرجلكم) ، ولو جاز مثل هذا التأويل في القرآن ، أو الكلام ، لارتفع الأمان عن فهم المرام ، وخرج القرآن عن كونه دليلا للمحقين ، وأمكن للفرق المضلة أن يؤولوه بما يوافق مدعاهم ، بل بما هو أقرب منه بيقين. م.
ص: 400
وأما خامسا : فلأنا نمنع كون (الأرجل) مظنة لإسراف الغسل فيها ، وكونهما قريبين من الأرض - كما قد علل بعضهم (1) - لا يوجب السرف (2).
ولو كان الدين بالرأي ، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه (3) ، مع أن المسح على ظاهرهما وفاقا منهم (4) .
ص: 401
بالأرجل ، ولا بالوضوء ، فقد يكون مكروها (1) ، وقد يكون حراما كما إذا أدى إلى ضرر (2) ، أو ضياع مال (3). بل قد يكون الإسباغ (4) المستحب ، بل الوضوء الواجب حراما ، كما إذا احتيج إلى الماء لحفظ نفس محترم (5).
وهذه أمور مقررة بين أهل الإسلام ، مؤيدة بحكم العقل (6) ، كما أشار إليها ابن همام الحنفي (7) في شرح الهداية ، قبيل فصل نواقض .
ص: 403
الوضوء (1).
وليست الآية منساقة لتعليم شئ من ذلك (2). وتكلف ذلك - لتخرج الآية عن دلالتها على المسح - خبط بغير ضبط.
وأما سادسا : فلأن ما ذكره من أنن فائدة العطف على الوجه المذكور التنبيه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها (3). فرية بلا مرية. وكأنه صدر (4) عمن لا خبر له عن الشرع ، ولا عن أهله.
وأي حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو أثر عن الصحابة ، أو
تابعيهم (5) ، أو قول للفقهاء الأربعة (6) ، ومن يحذو حذوهم ، يدل على وجوب الاقتصاد في صب الماء على الأرجل؟ (سبحانك هذا بهتان عظيم) (7) ، (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم) (7). 4.
ص: 404
بل الذي ورد في السنة المطهرة ، وعمل وبه جميع العلماء ، إسباغ الوضوء (1). وهو : المبالغة في الغسل وتكريره.
ولو كانت الأرجل ممّا تغسل ، لكان ينبغي أن يكون الإسباغ فيها ، ة.
ص: 405
والمبالغة في صب الماء عليها ، آكد وأفضل ، لأنها أكثر الأعضاء تعلقا بالوسخ ، وأكثرها عرضة للنجاسة ، خصوصا في الحجاز ، للبسهم النعال العربية (1) ، وهي لا تحجب إلا (2) أسفل القدم الملاصق للأرض ، ولا ترد وسخا ولا غبارا ، ولا تمنع (3) النجاسة (4).
فكيف يجب الاقتصاد في صب الماء عليها؟ والحال ، أن إسباغ الوضوء مستحب إجماعا (5). ة.
ص: 406
وأما سابعا : فلأن قوله : (لم يضرب لمسح غاية) (1) ، أوضح فسادا ، وأكثر تهافتا.
أما أولا : فلأنه أول المسألة.
وأما ثانيا : فلأنه افتراء على الشرع ، فكيف ، وقد ضربوا للمسح - على الخفين عندهم ، ومسح الرأس - غاية؟! فكيف ينكرون الغاية هنا؟!
قال شيخ الإسلام التفتازاني في (حاشية شرح الوقاية) : وإنما حمل على ذلك لما اشتهر من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، لا لأن المسح لم يضرب له غاية في الشرع ، وذلك أنه ليس في الشرع ولا في اللغة (2) ما يقتضي أن لا بد (3) للمسح [من] غاية.
غاية الأمر ، أنه لم يذكر سوى هذا الموضع. ومع أنه نقل في الكافي (4) ، أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم : التيمم ضربتان : ضربة للوجه : وضربة لليدين إلى المرفقين ، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم (5) ، وضع يديه (6) على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحدة (7) .. انتهى كلامه.
وقال بعض الحنفية - في بحث التعارض ، من شرحه الموسوم ي.
ص: 407
ب «المنتخب لكتاب المغني» (1) في أصولهم - معترضا على أصحابه في هذه المسألة : ثم قولكم : ضرب الغاية يمنع الحمل على المحل ، لأن المسح لم يضرب له غاية. منظور فيه ، [إذ] (2) الكعب عندهم (3) عبارة عن معقد الشراك ، وهم يقولون بوجوب المسح إليه (4) ، انتهى.
وأما ثالثا : فلأن ضرب الغاية لا يدل على الغسل بوجه ، فإنه تعالى لو لم يعطف ، وقال : (امسحوا بأرجلكم إلى الكعبين) ، لم ينكر ، وكان يجب المسح عليها (5) فكذا إذا عطف على الممسوح (6).
وبالجملة ، ضرب الغاية ، سنبه إلى الغسل والمسح على سواء ، فالوجه قد أمر بغسله ولم يضرب له غاية ، ولا يلزم من ضرب الغاية في بعض الغسل - وهو غسل اليدين - أن يكون بكل ما ضرب له غاية غسلا ، وهو ظاهر.
وأما رابعا : فأي محذور (7) في عطف المحدود على غير المحدود؟ بل هو في هذه الآية أفصح وأبلغ (8) ، لأنه تعالى قال : (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) فعطف الغسل المحدود على غيره ، فالمناسب فيح.
ص: 408
الآية : أن يعطف في المسح كذلك (1) الجملتان فيها. فإن الترتب والتناسب في الآية إنما يحصل بهذا الوجه دون ما ذهبوا إليه ، لأنها - كما ذكرنا - قد تضمنت ذكر عضو مغسول غير محدود وهو الوجه - وعطف عليه مغسول غير محدود - وهو اليد (2) - ثم استؤنف (3) ذكر عضو ممسوح غير محدود - وهو الرأس - فحسن أن تكون (4) الأرجل ممسوحة ، وهي محدودة معطوفة عليه دون غيره ، [لتتقابل] (5) الجملتان.
في عطف مغسول محدود ، على مغسول غير محدود (6).
وفي عطف ممسوح محدود ، على ممسوح غير محدود (7).
وأيضا ، فقد أمر الله بغسل الوجوه ، وجعل الأيدي مثل حكمها - من الغسل - بواو العطف ، ثم ابتدأ (8) جملة أخرى ، فقال : (وامسحوا برؤوسكم) ، فأوجب للرؤوس المسح ، وجعل للأرجل مثل حكمها
بالعطف.
فلو جاز أن يخالف بين حكم الأرجل والرؤوس في المسح ، جاز أن يخالف بين حكم الوجوه والأيدي في الغسل ، لأن الحال واحدة.
فقد بان لك ، إنه لا يجوز أن يكون نصب (وأرجلكم) للعطف على ء.
ص: 409
(وجوهكم وأيديكم) ، لأن الجملة المأمور فيها بالغسل ، قد نقضت وبطل حكمها باستيناف الجملة الثانية (1).
ولا يجوز بعد انقطاع الجملة الأولى أن يعطف عليها ، إذ يجري ذلك مجرى : ضربت زيدا وعمروا ، ومررت بخالد وبكرا! وهو ظاهر.
وعلى ما قلناه يتطابق معنى القراءتين ولا تتنافيان (2).
[جر الأرجل بالمجاورة عند البيضاوي!]
ثم أقول :
ولورود ما أوردناه على صاحب الكشاف ، ترى القاضي البيضاوي (3) -
مع كونه في تفسيره إنما يقتبس من أنواره ويهتدي بآثاره - لم يرتض في دفع معارضة قراءة الجر بالتزام عطف الأرجل على الرؤوس ، بل استحقره عن النقل. واضطر في دفع التعارض إلى ارتكاب أن قراءة الجر مبنية على الجر بالمجاورة (4)! .
ص: 410
ص: 411
ص: 412
ص: 413
ص: 414
ومثل له ب- :
قوله تعالى : (عذاب يوم أليم) (1) (وحور عين) (2) ، بالجر في قراءة حمزة (3) والكسائي (4).
وقولهم : جحر ضب خرب.
وحكم بأن فائدة ذلك : التنبيه على أنه ينبغي أن يقتصد في صب الماء عليها ، وتغسل (5) غسلا يقرب من المسح (6) ، انتهى. 4.
ص: 415
[بطلان الجر بالمجاورة] (1)
وأقول : فيه نظر من وجوه :
أما أولا : فلأنه مبني على عطف الأرجل على المغسول - أعني : الوجوه - وقد بان بطلانه من وجوه (2) ، وأنه يتحتم عطفها على الرؤوس.
وأما ثانيا : فلأنه (3) - في نفسه - ضعيف جدا (4) ، بل ذكر فخر الدين الرازي (5) في تفسيره الكبير : (أنه لا يجوز الكسر بالجوار ، لأنه معدود في اللحن ، ولأنه إنما يكون بدون حرف العطف ، وأما مع حرف العطف فلم يتكلم به العرب). انتهى (6).
وبالجملة : قد أنكر ذلك جميع المحققين من أهل العربية ، والقائل به شاذ من الناس ، فلا يليق بكتاب الله تعالى.
ص: 416
وأما ثالثا : فلأن من جوزه ، إنما جوزه بشرطين :
عدم اللبس.
وعدم الفصل بينهما بحرف عطف.
ولم يجوز أحد مع الفصل ، ولا مع اللبس أصلا.
وفي الآية كالا الشرطين مفقود ، فعدم جوازه في الآية إجماعي ، ومن قال به ، فلتعصب الجاهلية الأولى ، أو لجهله بقواعد الإعراب (1).
وأما رابعا : [فلأنه] (2) في مثل : أكرمت زيدا وعمروا ، ومررت (3) بخالد وبكر ، إذا جعل بكر معطوفا (4) على عمرو المكرم المنصوب!!
وقيل : إنه جر (5) بالمجاورة كما يقولون (6).
[وهذا] (7) لا يرتضيه من له أدنى تمييز ، لما فيه من التعسف ، والركاكة ، والإبهام (8) ، والبعد عن أسلوب كلام (9) حاضري الأحلام (10) م.
ص: 417
وأما خامسا : فإن (1) ما استشهد به للجر من نحو قولهم : (جحر ضب خرب) لمجاورة خرب للضب (2) ، وقوله تعالى : (وحور عين) (3) ، لمجاورتها (لحم طير) (4). و (عذاب يوم أليم) (5) ، لمجاورة (يوم).
مدفوع بظهور (6) مخالفة المثال (7) الأول للآية (8) ، لوجود الشرطين الذين يشترطهما مجوز الجر بالمجاورة ، وهما :
عدم صرف العطف ، وعدم اللبس فيهما.
لأن (الخرب) معلوم أنه صفة للجحر ، لا للضب. وأما الأرجل فيصح أن تغسل ، وأن تمسح (9) وهو الأظهر.
وأما المحققون النافون للجر بالمجاورة أصلا ، فقالوا : المراد خرب جحره. على نحو : مررت برجل ضارب أبوه ، فحذف المضاف (10) واستكن المضاف إليه في (خرب) (11). .
ص: 418
وأما (حور عين) فجرها [حمزة ، والكسائي] بالعطف على (جنات النعيم) (1). كأنه قال : في جنات وفاكهة ولحم طير وحور عين. كما يقال : فلان في أكل وشرب (2) ، أو معطوف على (أكواب. فمعناه : ينعمون
بأكواب وحور عين قال (3) ذلك أبو علي الفارسي (4) في كتاب الحجة في القراءة (5) ، والبيضاوي في تفسيره (6) ، وأكثر المفسرين (7). 4.
ص: 419
وأما (عذاب يوم أليم) فإنه صفة ليوم ، كما يقال : يوم أليم ، وعذاب أليم ، وحر أليم ، وذلك في كلام العرب شايع صحيح. مع أنه لا فصل فيه ، ولا لبس.
فلو سلم جره بالمجاورة ، لم يكن دليلا على ما نحن فيه
نعم يكون ضعيفا شاذا ، وجعله صفة ليوم يكون من فصيح المجازات ولطيفها كما صرح به الفاضل الإسفرائيني في هذا المقام في حاشيته على شرح الوقاية (1).
وأما سادسا ، وسابعا ، وثانيا : فلما يرد على النكتة التي لخصها من كلام صاحب الكشاف (2) ، عدة (3) مما أوردناه سابقا (4) ، فتذكر.
[رأي الإسفراييني في تفسير الزمخشري والبيضاوي لقراءة الجر]
قال الفاضل الإسفراييني في هذا المقام : وقد أجرى هذه النكتة صاحب الكشاف (5) في العطف على (رؤوسكم) ، وجعله تحت المسح (6) - لا في جر الجوار (7) ، إذ استفادته بجر الجوار ، لكونه في صورة العطف .
ص: 420
ضعيف جدا (1) ، بخلاف جعله (2) في تحت المسح - إذ (3) في تعبير الغسل بالمسح فائدة جلية (4) لأن هذا الغسل ينبغي أن يكون بمنزلة المسح في تقليل الماء.
وكأنه عدل عن توجيهه ، أو أول توجيهه بهذا (5) ، وحمل قوله : (وعطفت على الممسوح) (6) على العطف صورة بجر الجوار (7) ، كما أوله غيره (8) ، هربا (9) مما يلزمه من الجمع بين الحقيقة والمجاز ، حيث يراد بالمسح حقيقة للرؤوس ، والغسل الضعيف للأرجل (10)! حتى أوله بعض آخر ، بأنه أراد بالعطف على الممسوح : العطف صورة ، وإلا فحقيقة العطف عطف الجملة على الجملة ، لوجوب تقدير (امسحوا) بمعنى الغسل ، لئلا ي.
ص: 421
يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.
فإن فيه - مع بعد استفادة التنبيه حينئذ أيضا - : إنه يلزم الجر بإضمار الجار ، وهو ضعيف.
ولو حمل التعبير - عن الغسل بالمسح - على التغليب ، لم يرد الإشكال ، لأن التغليب مما لا ينكر.
ولو لم يكن له بد (1) من ذلك الجمع ، فلا بد أن يقال : الجمع مفتقر مع التغليب ، انتهى كلامه (2).
[ما يرد على رأي الإسفراييني]
وأقول :
يستفاد من تقريره - مضافا إلى (3) ما أوردناه على القاضي من الأنظار الثمانية (4) - إيرادان آخران :
أحدهما : بعد استفادة النكتة المذكورة من توجيه القاضي.
والآخر : لزوم الجر بإضمار الجار.
ف- (تلك عشرة كاملة) (5) لا يخفى وقعها على النظار.
وأما ما استحسنه هذا الفاضل في مقام التوجيه ، من بناء الكلام على التغليب.6.
ص: 422
فمردود بمثل ما أوردناه سابقا على النكتة التي ذكرها الزمخشري والقاضي (1) ، ل البناء على التغليب ، فرع ثبوت وجوب غسل الأرجل ، وذلك لم يثبت بعد والتمسك بقراءة النصب يستلزم الدور كما مر مفصلا (2).
[حملهم قراءة الجر على المسح على الخفين!!]
هذا ، وأما حمل قراءة الجر على المسح بالخفين (3)!! فأقبح وأبعد من .
ص: 423
كل ما تقدم ، لأن الخفين لم يجر لهما ذكر ، ولا عليها دليك ، ولا إيماء وعدم لبسهما - وهو الأغلب (1) - خصوصا في الحجاز.
فكيف تختص (2) الآية بهما وقد وردت لتعليم جميع المكلفين؟
وتسمية الخف رجلا ، أو تقدير محذوف بغير دليل ، ترويج للمدعى بالتخمين.
والحاصل : إن الحمل على ذلك عدول عن ظاهر القرآن إلى التجوز والاستعارة من غير أن تدعو إليه ضرورة ، أو توجيه دلالة. وذلك خطأ (3) لا محالة.
والظاهر يتضمن ذكر الأرجل بأعيانها ، فوجب أن يكون المسح متعلقا بها أنفسها دون أغيارها (4). ا.
ص: 424
ولا خلاف في أن الخفاف لا يعبر عنها (بالأرجل ، كما أن العمائم لا يعبر عنها) (1) بالرؤوس ، ولا البراقع بالوجوه.
فوجب أن يكون الفرض متعلقا بنفس المذكور (2) دون غيره على جميع الوجوه ، ولو ساغ سوى ذلك في الأجل حتى تكون (3) هي المذكورة والمراد سواها!! ، لساغ نظيره في الوجوه والرؤوس ، ولجاز مثله أيضا في قوله تعالى : (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ...) (4).
فإن هذه الآية دالة بظاهرها على قطع الأيدي والأرجل بأعيانها ، مع أنه لا يجوز أن [تصرف] (5) عن ظاهرها.
فكذلك آية الطهارة ، لأنها مثلها في الظهور والتبيين.
(إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) (6).
[خلاصة القول في قراءة (وأرجلكم) وبيان فرضها]
ثم أقول :
تلخيص الكلام في تحقق المرام ، إن الراجح في المقام : 49
ص: 425
إما المصير إلى قراءة نافع (1) ، وابن عمر (2) ، والكسائي (3) ، وحفص (4)
بنصب الأرجل عطفا على محل (برؤوسكم) (5).
وإما المصير إلى قراءة غير هم بالجر عطفا على (رؤوسكم) (6).
وعلى التوجيهين يستفاد وجوب المسح كما لا يخفى (7). .
ص: 426
وهذان التوجيهان ، وإن كانا غير ظاهرين في حد ذاتهما ، لكنهما مرجحان على عطفهما على مفعول (اغسلوا) (1) :
لموافقة قراءة الجر.
ولقرب المعطوف عليه إلى المعطوف (2).
وبأن العطف على المحل ، مع عدم الفصل (بين المعطوف والمعطوف عليه ، أظهر من العطف على اللفظ مع الفصل) (5) بينهما بجملة أجنبية (6) ، ة.
ص: 427
من غير فائدة مهمة (1) ، أو تقدير فعل بلا قرينة كما عرفت (2).
والحاصل : إن التوجيهين المذكورين - مع كونهما شائعين ذائعين في كلام العرب - ليسا بعيدين بعدا تاما ، بخلاف توجيه قراءة الجر بحيث يوافق وجوب الغسل ، فإنه - بعد تسليم صحة الحمل عليه - بعيد نادر جدا كما سبق (3).
ومن البين ، أن حمل القراءتين على معنى لا يكون بعيدا عن شئ منهما ، أولى من حمله على معنى يكون بعيدا (4) عن أحدهما.
وبعبارة أخرى ، تقول : على تقدير عطف (الأرجل) - في قراءة وقراءة الجر واحدا ، وهو وجوب المسح.
وأما على تقدير عطفهما - على هذه القراءة - على لفظ (وجوهكم) فلا ، لاقتضاء النصب - على ذلك التقدير - الغسل ، والجر (5) المسح ، والجمع بينهما خلاف الاجماع ، وكذا التخيير بينهما كما مضى (6).
على أن القرآن قد فرق بين الأعضاء المغسولة والممسوحة ، والتفصيل قاطع (7) للشركة ، وتعيين (8) أحدهما ترجيح من غير مرجح. ن.
ص: 428
وقد عرفت : إن دفع التنافي بحمل الجر على الجوار ، لا يليق بالاعتبار (1) ، وإن من حملة على مسح الخفين (رجع بخفي حنين) (2).
وإن حمل الغسل على الخفيف منه الشبيه بالمسح - كما فعله الزمخشري - يشهد ببطلانه (3) القطع بأن أهل الشرع لا يعدونه مسحا حقيقة ، ويفرقون بين مفهومه ومفهوم المسح باشتراط الجريان فيه خاصة (4).ا.
ص: 429
وأيضا ، يأباه صريح الآية لاشتمالها على التفصيل القاطع للشركة ، إذ لو أراد الله سبحانه من لفظ المسح - بعد أن انتقل عن جملة الغسل - لزم الاغراء بالجهل ، ووضع الظاهر بإزاء الخفي!! ومعلوم أنه لا يجوز وقوعه في الحكمة ، فكيف يجوز أن ينسب صدوره منه سبحانه؟ مع علو حكمته ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
[مناقشة أحاديثهم المستدل بها على غسل الرجلين]
إن قيل : لعل الباعث للقوم على ارتكاب التمحلات المذكورة في توجيه الآية ، الأحاديث الصحيحة - عندهم - الدالة على وجوب غسل الرجلين.
منها :
[حديث ابن عباس]
[1] ما رواه البخاري (1) في صحيحه ، عن ابن عباس أنه توضأ - إلى أن قال - ثم أخذ غرفة أخرى ، فغسل بها رجله اليسرى ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتوضأ (2).وء
ص: 430
[حديث عثمان]
[2] وما رواه عن ابن شهاب (1) : أن عطاء بن يزيد (2) أخبره (أن حمران مولى عثمان أخبره) (3) أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ، ثم أدخل يمينه في الإناء فتمضمض واستنشق ، ثم فصل وجهه ثلاثا ، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات ، ثم مسح برأسه (4) ، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين ، ثم قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه غفر الله له ما بقدم من ذنبه (5). ).
ص: 431
[حديث عبد الله بن زيد]
[3] وروى أيضا في صحيحه عن عبد الله بن زيد (1) ، أنه سئل عن وضوء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فدعا بتور (2) من ماء ، فتوضأ لهم وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأكفا على يده من التور ، فغسل يديه ثلاثا ، ثم أدخل (يده في التور فتمضمض واستنشق ، واستنثر ثلاث غرفات ، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثا ، ثم أدخل يده) (3) فغسل يديه مرتين إلى المرفقين ، ثم أدخل يده فمسح رأسه ، فأقبل بها وأدبر مرة واحدة ، ثم غسل رجليه إلى الكعبين (4).).
ص: 432
[حديث عبد الله بن عمر وبن العاص]
[4] وروى أيضا عن عبد الله بن عمر (و) ، قال : تخلف النبي عنا في سفرة (سافرناها) ، فأدركنا وقد أرهقنا العصر ، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : ويل للأعقاب من النار. مرتين ، أو ثلاثا (1).
[حديث أبي هريرة]
[5] وروى أيضا عن أبي هريرة ، أنه كان يقول : إن أبا القاسم ظ.
ص: 433
قلنا : الكل مجاب :
[جواب حديث ابن عباس (1)]
أما الجواب عن حديث ابن عباس فقد تقدمت الإشارة إلى أن مذهبه المنقول بين العلماء هو المسح (1).
وقد روي عنه أيضا في بيان وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه مسح على رجليه (2).
فهذا الحديث إن صح دل على الاستحباب (3) وإرادته الوضوء الكامل ه.
ص: 435
- كما يأتي (1) - وإلا ناقضت روايته مذهبه.
وأي عاقل يتصور أن يكون قد رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توضأ وغسل رجليه غسلا واجبا داخلا في حقيقة الوضوء ، ثم يذهب إلى وجوب المسح ، ويمسح (عليهما) (2) بالآية الكريمة ، وينقل عنه ذلك المخالفون والموالفون (3)؟
[جواب حديث عثمان (2) وحديث عبد الله بن زيد (3)]
وأما الجواب عن الحيث الثاني والثالث فمن وجوه :
الأول : إنه لو (سلمت) (4) صحتهما ، فليس فيهما أن غسل الرجلين
واجب ، ولا أمر بغسلهما ، ولو كان فيهما أمر بالغسل كان الأظهر حمله على الاستحباب ، كما يدل عليه أولي (5) الحديث وسوقه (6) ، كما نبينه.
وإنما فيهما حكاية حال فعل النبي (عليه السلام) (7) ، وهو أعم ، فلا يدل على الوجوب كما لا يخفى. ).
ص: 436
الثاني : إن ظاهر سوق الحديثين إن غسل الأرجل كان على سبيل الندب لأن في حديث عثمان : أنه أفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ، ثم أدخل يمينه في الإناء فتمضمض واستنشق.
وتثليث الغسل كله مستحب (1). وكذا الحديث الثاني (2).
وظاهر أنهما وردا لبيان مستحبات الوضوء ومكملاته - [ومنها] (3)
غسل الرجلين - وترك بيان مسح الرجلين لأنه ليس فيه تكرار ولا إسباغ ، وهو مقدر - بالآية - إلى الكعبين فلا يحتاج - بعد الآية (4) إلى بيان.
(وإذا احتمل الحديثان وشبههما إرادة الاستحباب بغسل الرجلين سقط الاستدلال بهما (5). ي.
ص: 437
كيف ، وهو الظاهر من [سوقهما] (1)؟
الثالث : إن ظاهر حال الصحابة وتابعيهم أنهم إنما (2) أرادوا بيان مستحبات الوضوء ومكملاته ، لأن الآية قد دلت صريحا على الأفعال الواجبة ، وحدت ما يحتاج إلى التحديد كالأيدي والأرجل (3) ، وعلم منهما أن الواجب : غسلة واحدة ، ومسحة واحدة ، لحصول الامتثال بذلك (4).
فعلم أن (5) المقصد الحقيقي من الوضوء البياني ، تعليم الوضوء الكامل ، وبيان ما لم يبين في الآية وهي : المندوبات ، وصفاتها ، وأعدادها ، ومنها : غسل الرجلين (6). ا.
ص: 438
وأما الواجبات فكانت معروفة متداولة بينهم من حين إسلامهم ، يفعلونه في وضوئهم ، فلم يحتاجوا إلى بيانها.
ومما يؤكد ذلك ، أنهما (1)إذ لا يعقل عدم معرفتهم بها وهم يرون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يتوضأ عدة مرات في اليوم الواحد ، بما لو جمعت وضوءاته (صلى الله عليه وآله وسلم ابتداء من البعثة المشرفة إلى الوفاة لزادت على أربعين ألف وضوء ، هذا مع تقدير خمس وضوءات في اليوم الواحد من أيامه المباركة ، فكيف تجهل مثل هذه السنة الفعلية ، لولا السياسة الأموية ودعمها للوضوء البدعي الذي ما أنزل الله به من سلطان؟!(2)في ر : لكان وهو صحيح أيضا.(3) لم يعينا في الحديثين وأمثالهما ، واجب الوضوء من مندوبه ، لأن واجباته كانت معروفة عندهم (2).
ولولا ما قلناه ، لوجب أن يميزوا الواجب من الندب ليفعل كل واحد على وجهه ، وإلا كان (3) هذا البيان إيقاعا لهم في الجهل كما لا يخفى ولهذا لم يقل أحد بوجوب التثليث (4) ، والمضمضة ونحوهما (5). فكذلك غسل الرجلين.
إن قلت : لعل من تعلم بيان ذلك الوضوء ، علم استحباب الأمور الذكورة من موضع آخر فلهذا (6) لم يميزها عن الواجبات. .
ص: 439
قلت : وذا وجوب مسح الرجلين ، يحتمل أن يكون معلوما لهم من موضع آخر ، ويكون عدم الإتيان به في الوضوء البياني لأجل ذلك) *.
إن قلت : لم فعل مسح الرأس في ذلك الوضوء البياني ، والمناسب
- لما قلت - أن لا يفعل لأنه قد ذكر في الآية كمسح الرجلين؟
قلت : إنما (فعله) (1) لوجوه :
الأول : بيان الترتيب (سيما وقد ذهب بعضهم إلى استحبابه) (2).
الثاني : بيان أنه لا تكرار ولا إسباغ فيه كما في الغسل.
الثالث : بيان (3) أنه لا يستحب غسله كما في الرجلين (4).
فقد ظهر الحق والقول السديد (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا ا.
ص: 440
عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) (1).
[جواب أحاديث : ويل للأعقاب من النار (2) و (3) وغير هما]
وأما حديث ابن عمرو (4) ، وقوله : فجعلنا نتوضأ ونمسح على
أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : ويل للأعقاب من النار .. (5) ، (كما رواه البخاري) (4).
(وحديث أبي هريرة : إن أبا القاسم (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : ويل للأعقاب من النار (5)) (6).
[6] وحديث جابر للعراقيب ، كما هو مذكور في الكشاف (7) ، فهي دلائل على وجوب المسح.
وبيان ذلك - على ما أشار إليه الشيخ الفاضل أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي (8) ، في كتابه الموسوم ب (كنز الفوائد) - : .
ص: 441
إن أهل الحجاز - ليبس (هوائهم) (1) ، ولبسهم النعال العربية - كانت أعقابهم (2) ربما تشقق ، فيداوونها بالبول على قديم عادتهم (3).
ويزعمون أنه يزيل (الشقوق) (4) ، ولهذا تسمعهم يقولون : أعرابي بوال على عقبيه (5) ، فربما تركوا غسلها (6) نسيانا لتهاون أو نحو ذلك. م.
ص: 442
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) تارة : ويل للأعقاب من النار ، وتارة : ويل للعراقيب ، لينبه من كان بال على عقبه أن يغسله ، ولأن البول (1) إنما كان على الأعقاب (فقال بلفظ الأعقاب والعراقيب ، ولم يقل بلفظ الأرجل) (2).
ولو كان المراد إيجاب غسلها للوضوء لقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : اغسلوا أرجلكم ، ولم يأت - في عدة من الأحاديث - بلفظين صريحين في كون الغسل للعقب فقط ، وظاهر هما كونه لإزالة النجاسة.
وهلا قال مرة واحدة : ويل للأرجل ، أو اغسلوا أرجلكم ، لأن الواجب عليكم غسل الرجل إلى الكعبين؟
ولم خص الأعقاب والعراقيب (3) بالذكر لولا ما ذكرناه من التوجيه والبيان الوجيه؟
ويؤيده ما وقع في :
[7] الحديث الآخر - المذكور في الكشاف - عن ابن عمر أيضا (4). قال : كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ، فتوضأ قوم وأعقابهم بيض تلوح ، فقال ويل للأعقاب من النار (5) ... الحديث.
فإن الظاهر من قوله : وأعقابهم بيض تلوح ، إن ذلك الابيضاض ئ.
ص: 443
[واللياح] (1) من الأجزاء المالحة من البول كما لا يخفى على من نظر في الأراضي التي بال عليها الإنسان ، أو غيره من الحيوانات ، أو شاهد بعض الصبيان السوقية (2) الذين لا يبالون بالبول قائما على ساقهم ، إن لم تتفق (3) له مشاهدة الأعرابي الذي شأنه ما ذكرناه.
وأيضا ، يجوز أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى [أولئك] (4) القوم غسلوا أرجلهم في الوضوء عوضا عن مسحها ، فرأى أعقابهم تلوح ، عليها الماء. فقال : ويل للأعقاب من النار.
وعلى التقديرين ، لا دلالة لهذا الحديث (5) أيضا على مدعاهم ، بل هو عليهم لا لهم كما أوضحناه ، وهذا - بحمد الله - واضح - ، وكاف في سقوط الاستدلال هذين الحديثين (6) ، بل الأحاديث الثلاثة (7).
ص: 444
ثم أقول حينئذ :
إن عبد الله بن عمر ، والذين توضؤوا ومسحوا (1) على أرجلهم بمرأى من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا من أصحابه قطعا.
ولا شك ولا شبهة أن أصحابه (صلى الله عليه وآله وسلم (2) أعلم ممن سواهم - منا ومنكم - بسنن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لمشاهدتهم له في أفعاله - سيما في الأسفار - ولأخذهم معالم دينهم ، وواجباتهم ، وسننهم عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بغير واسطة ، خصوصا الضرورية المتكررة.
فلولا علمهم بوجوب المسح ما مسحوا ، وهل يتصور من مثل عبد الله بن عمر إنه من حين بلوغه (3) ، بل من أيام تمرينه (على الصلاة) (4) إلى حين وقوع ذلك السفر ، لم يشاهد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا من أبيه الفارق (5)!!).
ص: 445
وضوءا ، ولا تعلم منهم (1) الوضوء الشرعي ، وكان يصلي بالوضوء المخترع من تلقاء نفسه (2)؟
[8] [حديث ابن عمرو في كتاب المشكاة]
ونظير حديث عبد الله بن عمر ، ما ذكره في كتاب المشكاة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : رجعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة إلى المدينة (3) ، حتى إذا كنا بماء في الطريق ، تعجل قوم عند العصر ، فتوضؤوا وهم عجال ، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ويل للأعقاب من النار ، اسبغوا الوضوء. رواه مسلم (4) (5). انتهى. ء.
ص: 446
[جواب حديث عبد الله بن عمرو بن العاص [8]]
وفيه :
أولا : إن الإسباغ إنما يقال في الزائد على الواجب ، فلو كان غسل الأعقاب داخلا في أصل واجب الوضوء - كما يدل عليه الوعيد بالويل - كان ذكر الإسباغ لغوا ، بل كان الواجب أن يقال : تمموا الوضوء ونحوه (1).ظ.
ص: 447
فهذا أول دليل على وضع الحديث (1). .
ص: 448
ص: 449
وثانيا : إن الظاهر هو أن (أولئك) (1) القوم - مع إسلامهم - كانوا من
الصحابة ، فكيف يتصور منهم أن لا يعلموا - في مدة إسلامهم وعبادتهم إلى ذلك الوقت - أن الوضوء التمام المشروع هو أن تغسل كل الرجل (2) ، حتى نبههم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك؟ ى.
ص: 450
ولو قيل : إن العجلة دعتهم إلى ذلك!!
قلنا : هذا يؤول إلى نسبة التشريع إلى الصحابة (1) ، وتواطؤ قوم منهم على ذلك.
على أن متن الحديث لا يقتضي أن يكون عدم غسل الأعقاب للعجلة ، بل ظاهره أن تقديم الوضوء قبل وقت العصر عند الوصول - في الطريق - إلى ذلك الماء - كان على سبيل الاستعجال ، وخوف فقد الماء
- في ذلك الطريق - عند تضيق وقت العصر.
فعلى ما ذكرنا ، يجب أن يحمل ذلك على أن في أعقابهم كان نجاسة (2) لم يزيلوه ، وذلك لأنهم - كما مر (3) - ليبس هواء الحجاز ، ولبس النعال العربية كثيرا ما يتشقق (4) وأعقابهم ، فيداوونها بالبول.
وهذا الاهمال منهم ليس بمستبعد ، على تقدير القول بوجوب المسح لأنها لم تكن (5) محلا لمسح الوضوء.
والمعتبر في صحة الوضوء : طهارة موضع العضو المختص به لا باقي ن.
ص: 451
الأعضاء (1) ، وإنما تشترط طهارة سائر الأعضاء في الصلاة ، وهو ظاهر.
ومعنى الإسباغ متجه أيضا على هذا التقدير لأن القائلين بالمسح ، يقولون باستحباب تقديم (2) غسل الرجلين لو احتاج إليه ، لتنظيف أو تبريد ، واو نسيه تراخى به عن المسح والدلك باليد.
وأما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ويل للأعقاب من النار. فقد بان وجهه.
على أن خبر أبي هريرة ، ونحوه ، غايته الإخبار (3) بحصول الويل للأعقاب ، وليس السبب بمعلوم ، فالمراد غير مفهوم.
ولو سلمنا العلم بالسبب المقتضي للتوعد ، لكنا لا نعلم بماذا يحصل الأمان لها ، فلعل ذلك يعني الغسل.
[الإحتجاج بالقياس على وجوب غسل الرجلين]
هذا ، وقد يحتج الخصم لمذهبه من طريق القياس (4) ، فيقول : إنَّ الأرجل عضو تجب فيه الدية (5) ، أمرنا بإيصال الماء إليه ، فيجب أن يكون 4.
ص: 452
مغسولا كاليدين (1)!
[بطلان هذا الاحتجاج وإثبات أن القياس يفيد المسح]
ولا يذهب عليك ، أن هذا احتجاج باطل ، وقياس فاسد ، لأن الرأس عضو تجب (2) فيه الدية (3) ، وقد أمرنا بإيصال الماء إليه ، وهو - مع ذلك - ممسوح.
ولو تركنا والقياس ، لكانت لنا منه حجة هي أولى من حجتهم ، وهي : إن الأرجل عضو من أعضاء الطهارة الصغرى يسقط حكمه في التيمم ، فيجب أن يكون فرضه المسح في الرأس (4).
لا يقال : هذا (5) ينتقض عليكم بالجنب ، لأن غسل جميع بدنه م.
ص: 453
وأعضائه يسقط في التيمم ، وفرضه - مع ذلك - الغسل!
لأنا قد احترزنا عن هذا بقولنا : إن الأرجل عضو من أعضاء الطهارة الصغرى ، فلا يتوجه علينا النقض بالجنب (1).
[مسلك الشيعة في إنكار مشروعية غسل الرجلين]
هذا ، وللشيعة المنكرين لمشروعية الغسل ، مسلك آخر. ى.
ص: 454
قالوا : إن الوضوء فريضة عامة ، فلو تعين فيها الغسل ، لما خفي عن أعيان الصحابة ، والمخالفة ثابتة بخلاف علي (عليه السلام) (1) ، وابن عباس (2) ، وأنس (3) ، وغيرهم من الصحابة (4) ، فالتعين منتف.
لا يقال : هذه النكتة مقلوبة ، إذ لو تعين فيه المسح لما خالف بعض الصحابة :
لأنا نقول (5) : عنه جوابان :
أحدهما : إن المخالف ربما يكون قد اعتقد إن الغسل أسبغ ، فإن المسح يدخل فيه ، فاستعمله ندبا ، واستمر ، فاشتبه المقصد.
وهذا غير بعيد ، ولهذا ذهب جماعة إلى التخيير (6).
أو يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غسل رجلين تطهيرا من نجاسة [قبيل] (7) الوضوء. فظن بعض الصحابة أن ذلك لرفع الحدث ، وقوي ذلك في ظنه ، فاجتزأ به عن السؤال ، واستمرت حاله فيه.
وليس كذلك المسح ، لأنه لا يحصل فيه الاحتمال المذكور. ه.
ص: 455
الثاني : أن يسلم تساوي الاحتمالين (1).
ويقال : إذا اشتبه على الصحابة ما فعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى اختلفوا فيه على طائفتين ، فلأن يستمر الاشتباه على غيرهم أولى. فتكون (2) دلالة الآية
- حينئذ - سليمة عن معارضة فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
[صريح الآية وظاهرها يدلان على وجوب المسح].
ولقد تلخص مما أسلفناه تصريحا وتلويحا :
إن صريح الآية الكريمة - على قراءة الجر ، وظاهرها على قراءة النصب - يدل على وجوب المسح ، وما تقدمت روايته من حديث ابن عباس (3) (رضي الله عنه) (4) ، المشتمل على حكاية وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنه غسل رجليه. وكذا ما اشتمل على حكاية وضوء عثمان (5) ، ووضوء عبد الله بن زيد (6) ، وما شابه ذلك (7). فليس في شئ منها دليل على وجوب الغسل كما بيناه (8). بل تدل بظاهره (9) على ه.
ص: 456
إرادة بيان الوضوء الكامل ، والسنن. فإن صحت ، فإنما تدل على الاستحباب.
[نبذة من أحاديثهم المصرحة بوجوب المسح]
هذا ، مع أن صريح الأحاديث الآخر المسندة إلى ابن عباس ، وعبد الله (1) ، وحذيفة بن اليمان ، وأوس الثقفي - على ما رواها صاحب المبسوط (2) من الحنفية (3) - يدل على وجوب المسح.
فقد روى عن ابن عباس ، أنه وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فمسح على رجليه (4).
وروى عن أوس الثقفي ، أنه قال : رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على (5) كظامة ر.
ص: 457
قوم بالطائف ، أو بالمدينة ، فتوضأ ومسح على قدميه (1).
قال الجوهري (2) : الكظامة - بكسر الكاف - بئر إلى جنبها (بئر ، وبينهما) (3) مجرى (4).
وروى عن حذيفة بن (5) اليمان ، أنه رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) توضأ ومسح على نعليه (6). .
ص: 458
والمراد : النعل العربية ، أي : مسح على رجله وهو لابس النعل العربية ، فوق سيورها (1) ، وليس المراد الخف قطعا ، لأنه لا يسمى نعلا.
وقد روى بعض شارحي الهداية (2) ، عن الطحاوي (3) ، عن ابن عمر ، أنه كان إذا توضأ - ونعلاه في قدميه - مسح ظهور قدميه بيديه ، ويقول : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنع هكذا (4).
وقد روى الطحاوي بإسناده عن علي (عليه السلام) ، أنه توضأ ، فمسح على ظهر القدم ، وقال : لولا أني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعله ، لكان باطن القدم أحق من ظاهره (5).
[اعترافهم بصحة الأحاديث الموجبة للمسح]
وقال صاحب تقريب المتدارك (6) - في كتابه الذي يذكر فيه الناسخ ة.
ص: 459
والمنسوخ ، وهو من أفاضل أهل السنة القائلين بوجوب الغسل - : إنا قد أوردنا في كتاب تقريب المتدارك ، عن أنس بن مالك - في رفع الموقوف ، ووصل المقطوع من حيث مالك (1) - حديثين صحيحين (2) بمسح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على رجليه - خلاف حديث مغيرة في المسح على النعلين (3) - ين
ص: 460
من رواية علي بن أبي طالب [عليه السلام] ، وغيره (1).
ثم قال : وقد حكى ابن العربي (2) وغيره ، عن أنس بن مالك ، أنه كان على رجليه.
وحكاه عن ابن عباس ، وقتادة (3).
[تصريحهم بأن رعاية المذهب أولى من قبول الأحاديث الصحيحة!]
والعجب من هذا الفاضل ، إنه بعدما اعترف في سوابق كلامه - [الذي] (4) لم يذكر هاهنا - بأن الآية الكريمة دالة على المسح ، وأخبر ثانيا بوجود الأحاديث الصحيحة الدالة على وجوب المسح.
كيف يخالف مقتضى القرآن والسنة ، ويعدل عن المسح إلى الغسل؟! ح.
ص: 461
ولعل رعاية المذهب [سهلت] (1) عليه الرد عليهما!! كما روي عن بعضهم أنه لما أورد عليه في بعض المسائل : بأن ما قلته رد للكتاب المجيد.
قال : أيش (2) أصنع ، إذا كان هذا هو المذهب؟!!
وليس هذا أول قارورة كسرت في الإسلام (3). بل قد نقل النيسابوري (4) في تفسير سورة التوبة ، عن إمامه فخر الدين الرازي ، إنه قال : قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء ، قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالى في مسائل ، كانت تلك الآيات مخالفة لمذهبهم فيها. لم يقبلوا تلك الآيات ولم يلتفتوا إليها!! وكانوا ينظرون إلي كالمتعجب! يعني : كيف يمكن العمل بظواهر تلك الآيات ، مع أن الرواية عن سلفنا وردت بخلافها؟!6.
ص: 462
ولو تأملت ، وجدت هذا ساريا في عرف الأكثرين (1) ، انتهى.
وأما القياس ، فمع انهدامه عن الأساس ، بانتساب إلى أول من قاس.
أعني : (الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس) (2) ، كما أخبر به (3) ابن عباس (4).س.
ص: 463
قد عرفت أنه لا دلالة [فيه] على مطلوبهم ، ولا مساس (1).
ولقد ظهر بما نشرته أيدينا من الأيادي والإنعام ، قصور باع هؤلاء الأقوام ، ودنو كعبهم عن الوصول إلى ساق المرام.
والحمد لله على توفيق الإتمام والصلاة والسلام على النبي وآله الطهر الكرام يوم يؤخذ بالنواصي والأقدام (2).
(كتبه العبد المحتاج إلى رحمة ربه الغني الدائم ، محمد كاظم المدرس ، الخادم ، وفقه الله تعالى لمراضيه ، وأيده ، وحفظه ، وسلمه ، بحرمة الرضا بن موسى عليه وعلى آبائه وأولاده الصلوات الزاكيات ، ما دامت الأرض والسماوات) (3).
(تمت الرسالة للسيد الأجل الأكرم الأعلم الحسيني الأمير نور الله الشوشتري ، سلمه الله وأبقاه) (4).
قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفىٰ.
ص: 464
1 - القرآن الكريم.
2 - إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع / أبو شامة ، وزارة الأوقاف ، القاهرة 1994 م.
3 - أحكام القرآن / للجصاص ، دار الفكر ، بيروت.
4 - أحكام القرآن / لابن العربي ، تحقيق البجاوي ، دار المعرفة ، بيروت.
5 - أحكام القرآن / للكيا الهراسي ، ط 2 ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
6 - إرشاد الأذهان / العلامة الحلي ، جماعة المدرسين في قم ، 1410 ه.
7 - إرشاد الساري / القسطلاني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
8 - الإرشاد في معرفة علماء الحديث / الخليلي ، دار الفكر ، بيروت 1414 ه.
9 - الإستبصار / الشيخ الطوسي ط 3 ، دار الكتب الإسلامية ، طهران 1390 ه.
10 - الإستيعاب / القرطبي ، - بهامش الإصابة - دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
11 - أسد الغابة / ابن الأثير ، دار الفكر ، بيروت 1409 ه.
12 - الأشباه والنظائر / السيوطي ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1403 ه.
13 - الإصابة / ابن حجر العسقلاني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
14 - أصول السرخسي / تحقيق أبو الوفا الأفغاني ، دار المعرفة ، بيروت.
15 - أصول الفقه / المظفر ، مكتب الإعلام الإسلامي ، قم 1414 ه.
16 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ / أبو بكر الهمداني.
17 - إعراب القراءات السبع وعللها / ابن خالويه ، ط 1 ، مطبعة المدني ، القاهرة 1413 ه.
18 - إعراب القرآن / النحاس ، تحقيق د. زهير غازي ، ط 3 ، عالم الكتب ، بيروت.
19 - الأعلام / الزركلي ، ط 7 ، دار العلم للملايين ، بيروت 1986 م.
20 - أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين ، دار التعارف ، بيروت 1406 ه.
ص: 465
21 - الإكمال / ابن ماكولا ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1411 ه.
22 - الأمالي / للصدوق ، ط 5 ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت 1400 ه.
23 - أمالي - القالي - / دار الكتاب العربي ، بيروت.
24 - الأمالي / للمرتضى ، ط 2 ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1387 ه.
25 - إملاء ما من به الرحمن / أبو البقاء العكبري ، ط 2 ، مصر 1389 ه.
26 - الإنتصار / للمرتضى ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم 1415 ه.
27 - الأنساب / السمعاني ، ط 2 ، نشر محمد أمين دمج ، بيروت 1400 ه.
28 - الإنصاف في مسائل الخلاف / أبو البركات الأنباري ، ط 4 ، 1380 ه.
29 - أنوار التنزيل وأسرار التأويل / البيضاوي ، ط 3 ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر 1388 ه.
30 - الأوزان والمقادير / البياضي ، ط 1 ، مطبعة صور ، لبنان 1381 ه.
31 - بحار الأنوار / ط 1 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1403 ه.
32 - البحر الزخار / ابن المرتضى ، مؤسسة الرسالة ، بيروت 1394 ه.
33 - البحر المحيط / أبو حيان ، ط 2 ، دار الفكر ، بيروت.
34 - بدائع الصنائع / الكاساني الحنفي ، ط 2 ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1402 ه.
35 - بداية المجتهد / ابن رشد ، تحقيق يوسف المرعشي ، ط 1 ، عالم الكتب ، بيروت.
36 - البداية والنهاية / ابن كثير ، دار الفكر ، بيروت 1402 ه.
37 - البدر الطالع / الشوكاني ، دار المعرفة ، بيروت.
38 - بلغة السالك / الصاوي المالكي ، دار المعرفة ، بيروت 1398 ه.
39 - بغية الملتمس / الضبي ، ط 1 ، تحقيق إبراهيم الأبياري ، دار الكتاب اللبناني 1410 ه.
40 - بغية الوعاة / السيوطي ، تحقيق محمد أبو الفضل ، دار الفكر ، بيروت.
41 - البيان في غريب إعراب القرآن / ابن الأنباري ، منشورات دار الهجرة ، قم.
42 - تاج التراجم / ابن قطلوبغا الحنفي ، ط 1 ، دار المأمون للتراث ، بيروت
ص: 466
1412 ه.
43 - تاريخ الإسلام / الذهبي ، ط 1 ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1407 ه.
44 - تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ، المكتبة السلفية ، المدينة المنورة.
45 - تاريخ الطبري.
46 - التاريخ الكبير / البخاري ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
47 - تاريخ النور السافر / العيدروسي ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1405 ه.
48 - التبيان في إعراب القرآن / أبو البقاء العكبري ، ط 2 ، دار الجيل ، بيروت 1407 ه.
49 - تبيين كذب المفتري / ابن عساكر ، ط 3 ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1404 ه.
50 - تذكرة الحفاظ / الذهبي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
51 - تذكرة الفقهاء / العلامة الحلي ، المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
52 - التذكرة في القراءات / ابن غلبون ، تحقيق د. عبد الفتاح بحيري ، ط 1 ، القاهرة 1411 ه.
53 - تذكرة المتبحرين / الحر العاملي ، تحقيق السيد أحمد الحسيني ، قم 1404 ه.
54 - ترتيب إصلاح المنطق / ابن السكيت ، مجمع البحوث الإسلامية ، مشهد 1412 ه.
55 - التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي ، دار الفكر ، بيروت.
56 - تعليقة أمل الآمل / الأفندي ، نشر المكتبة المرعشية ، قم 1410 ه.
57 - تفسير التبيان / الشيخ الطوسي ، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
58 - تفسير ابن جزي الكلبي / دار الكتاب العربي ، بيروت 1403 ه. وهو المتقدم برقم (55)
59 - تفسير الجلالين / مطبوع بهامش تفسير أنوار التنزيل للبيضاوي.
60 - تفسير أبي السعود / دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
ص: 467
61 - تفسير السمرقندي ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
62 - التفسير الكبير / لابن تيمية ، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
63 - التفسير الكبير / للفخر الرازي ، ط 3 ، (بقية المعلومات لم تذكر).
64 - تفسير ابن كثير / إسماعيل بن كثير الدمشقي ، ط 1 ، دار المعرفة ، بيروت ، 1406 ه.
65 - تفسير المراغي / أحمد مصطفى المراغي ، ط 2 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1985 م.
66 - تفسير النووي / مطبعة دار إحياء الكتب العربية ، مصر (مطبوع مع الوجيز في تفسير القرآن العزيز - للواحدي -).
67 - التفسير الوسيط / الواحدي ، تحقيق علي محمد عوض وآخرين ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1415 ه.
68 - تهذيب الأحكام / الشيخ الطوسي ، ط 3 ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، 1390 ه.
69 - تهذيب الأسماء واللغات / النووي (أفسيت عن الطبعة المنيرية) دار الكتب العلمية ، بيروت.
70 - تهذيب التهذيب / ابن حجر العسقلاني ، ط 1 ، دار الفكر ، بيروت 1404 ه.
71 - تهذيب الكمال / المزي ، تحقيق د. بشير عواد ، مؤسسة الرسالة ، بيروت.
72 - التوحيد / الشيخ الصدوق ، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم ، 1398 ه.
73 - تيسير التفسير / محمد بن يوسف أطفيش ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة.
74 - التيسير في القراءات السبع / الداني ، جمعية المستشرقين الألمانية ، مطبعة الدولة إستانبول ، 1920 م.
75 - الثقات / ابن حيان ، ط 1 ، دائرة المعارف العثمانية ، الهند 1393 ه.
76 - ثواب الأعمال / الشيخ الصدوق ، نشر مكتبة الصدوق ، طهران 1319 ه.
ص: 468
77 - جامع أحاديث الشيعة / الملايري ، نشر المؤلف ، قم.
78 - جامع البيان / الطبري ، ط 2 ، دار المعرفة بيروت 1392 ه.
79 - جامع الشواهد / المولى محمد باقر ، مطبعة المحمدية ، أصبهان.
80 - الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1973 م.
81 - الجرح والتعديل / ابن أبي حاتم ، بيروت 1371 ه.
82 - جمال القراء وكمال الإقراء / السخاوي ، تحقيق د. عبد الكريم الزبيدي ، ط 1 ، دار البلاغة ، بيروت.
83 - الجمل في النحو / الزجاجي ، ط 4 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت 1408 ه.
84 - جواهر الكلام / الشيخ محمد حسن ، ط 7 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
85 - حجة القراءات / أبو زرعة ، ط 4 ، مؤسسة الرسالة بيروت.
86 - الحجة في القراءات السبع / أبو علي الفارسي ، ط 1 ، دار المأمون ، بيروت 1407 ه.
87 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء / للحافظ الأصبهاني ، ط 5 ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1407 ه.
88 - حلية العلماء / القفال ، ط 1 ، دار الباز ، مكة 1988 م.
89 - خاتمة مستدرك الوسائل / النوري ، مؤسسة إسماعيليان ، قم ، (طبعة حجرية).
90 - خزانة الأدب / البغدادي ، ط 2 ، نشر مكتبة الخانجي ، القاهرة.
91 - الخصال / الشيخ الصدوق ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم ، 1403 ه.
92 - خلاصة تذهيب الكمال / صفي الدين الخزرجي ، ط 2 ، مكتب المطبوعات الإسلامية ، بيروت 1391 ه.
93 - الخلاف / الشيخ الطوسي ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم ، ، 1407 ه.
94 - الدر اللقيط / تاج الدين الحنفي ، ط 2 ، دار الفكر ، بيروت.
95 - الدر المصون في علم الكتاب المكنون / السمين الحلبي ، تحقيق علي محمد عوض وآخرون ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
ص: 469
96 - الدر المنثور / السيوطي ، ط 2 ، دار الفكر ، بيروت.
97 - الدرر الكامنة / ابن حجر العسقلاني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
98 - الدروس الشرعية / الشهيد الأول ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم -.
99 - دعائم الإسلام / القاضي النعمان ، دار المعارف ، مصر 1383 ه.
100 - رجال السيد بحر العلوم / ، ط 1 ، مطبعة الآداب ، النجف الأشرف.
101 - رجال ابن داود / المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف 1392 ه.
102 - رجال العلامة / ط 2 ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف 1381 ه / 1961 م.
103 - رجال النجاشي / جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم 1413 ه.
104 - رسالة في : الأصل في الاستعمال الحقيقة أو أعم من الحقيقة والمجاز / أبو المعالي الكرباسي ، مطبوعة ضمن مجموعة رسائل الكرباسي ، طبع حجري.
105 - روائع البيان / الصابوني ، ط 6 ، مؤسسة مناهل العرفان ، بيروت 1413 ه.
106 - روح المعاني / الآلوسي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
107 - روضات الجنات / الخوانساري ، نشر إسماعيليان ، طهران.
108 - الروضة الندية في شرح الدرر البهية / القنوجي البخاري ، دار المعرفة ، بيروت.
109 - رياض العلماء / عبد الله أفندي ، مطبعة الخيام ، قم 1401 ه.
110 - ريحانة الأدب / التبريزي ، چاپخانه علمي ، إيران 1367 ه.
111 - زاد المسير / ابن الجوزي ، ط 4 ، المكتب الإسلامي ، بيروت.
112 - سبل السلام / الصنعاني ، تصحيح محمد عبد العزيز الخوني ، دار الجبل ، بيروت.
113 - السرائر / ابن إدريس الحلي ، ط 2 ، تحقيق جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم 1410 ه.
114 - سنن الأوزاعي / ط 1 ، دار النفائس ، بيروت 1413 ه.
115 - سنن البيهقي (السنن الكبرى / دار المعرفة ، بيروت.
116 - سنن الترمذي / تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي ،
ص: 470
بيروت.
117 - سنن الدارقطني / دار المحاسن للطباعة ، القاهرة.
118 - سنن الدارمي / دار الفكر ، بيروت.
119 - سنن أبي داود / نشر دار إحياء السنة النبوية.
120 - سنن ابن ماجة / دار المعرفة ، بيروت.
121 - سنن النسائي / بشرح السيوطي وحاشية السندي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
122 - سير أعلام النبلاء / الذهبي ، ط 3 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت 1405 ه.
123 - شرائع الإسلام / المحقق الحلي ، ط 3 ، مؤسسة اسماعيليان ، قم 1409 ه.
124 - شذرات الذهب / ابن العماد ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت.
125 - شرح جمل العلم والعمل / ابن البراج ، نشر جماعة مشهد 1352 ه ش.
126 - شرح الرضي على الكافية / منشورات مؤسسة الصادق ، طهران.
127 - شرح السنة / البغوي ، دار الفكر ، بيروت ، 1414 ه.
128 - شرح شافية ابن الحاجي / دار الكتب العلمية ، بيروت 1395 ه.
129 - شرح شواهد المغني / السيوطي ، تصحيح محمد الشنقيطي ، لجنة التراث العربي.
130 - شرح ابن عقيل / ط 7 ، ناصر خسرو ، طهران 1411 ه.
131 - شرح العناية / البابرتي ، مطبوع في هامش فتح القدير.
132 - شرح فتح القدير / ابن الهمام ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
133 - الشرح الكبير على متن المقنع / أبو الفرج ابن قدامة ، ط 1 ، دار الفكر ، بيروت.
134 - شرح معاني الآثار / الطحاوي ، ط 2 ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
135 - شرح الهداية / لأبي الفيض الغماري.
136 - الشعر والشعراء / ابن قتيبة ، ط 2 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1405 ه.
137 - شهداء الفضيلة / الأميني ، دار الشهاب ، قم.
138 - الصحاح / الجوهري ، ط 3 ، دار العلم للملايين ، بيروت 1404 ه.
ص: 471
139 - صحيح البخاري / محمد بن إسماعيل البخاري ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
140 - صحيح البخاري بشرح الكرساني / دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1401 ه.
141 - صحيح مسلم / تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، ط 2 ، دار الفكر ، بيروت 1398 ه.
142 - صفوة التفاسير / الصابوني ، ط 1 ، عالم الكتب ، بيروت.
143 - الصلة / لابن بشكوال ، تحقيق إبراهيم الأبياري ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت 1410 ه.
144 - الضعفاء والمتروكين / الدارقطني ، ط 2 ، مؤسسة الرسالة 145 - بيروت 1406 ه.
145 - الضوء اللامع / السخاوي ، نشر دار مكتبة الحياة ، بيروت.
146 - طبقات أعلام الشيعة (الكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة) / آغا بزرك الطهراني ، ط 2 ، مؤسسة إسماعيليان.
147 - طبقات الحنابلة / ابن أبي يعلى ، دار المعرفة ، بيروت.
148 - طبقات ابن خياط / تحقيق د. سهيل بكار ، دار الفكر ، بيروت 1414 ه.
149 - طبقات الحفاظ / للسيوطي.
150 - طبقات الشافعية / الأسنوي ، ط 2 دار الكتب العلمية ، بيروت 1407 ه.
151 - طبقات الشافعية / السبكي.
152 - طبقات الفقهاء / الشيرازي ، دار القلم ، بيروت.
153 - الطبقات الكبرى / محمد بن سعد (ت 230 ه) ، دار صادر ، بيروت.
154 - طبقات المفسرين / للداودي ، ط 1 - مطبعة الاستقامة الكبرى - مصر 1392 ه.
155 - طبقات المفسرين / للسيوطي ، مطبعة الاستقلال ، مصر 1392 ه.
156 - طبقات النحويين واللغويين / أبو بكر الأندلسي ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف ، مصر.
157 - العبر في أخبار من غبر / الذهبي ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1405 ه.
ص: 472
158 - عدة الأصول / للطوسي ، طبعة حجرية 1312 ه.
159 - العقد الفريد / دار الكتاب اللبناني 1406 ه ، وط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1404 ه.
160 - علل الشرائع / الصدوق ، المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف 1385 ه.
161 - عمدة القاري/ شرح صحيح البخاري، العيني ، دار الفكر، بيروت 1399 ه.
162 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) / الصدوق ، انتشارات جهان ، طهران 1378 ه.
163 - غاية النهاية / نشر ج براجستراسر ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1352 ه.
164 - غرائب القرآن ورغائب الفرقان / النيسابوري ، أوفست عن طبعة بولاق ، مصر 1325 ه.
165 - غريب الحديث / لابن الجوزي ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1405 ه.
166 - غريب الحديث / للهروي ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1396 ه.
167 - الفائق في غريب الحديث / الزمخشري ، ط 2 ، دار المعرفة ، بيروت.
168 - فتاوى العلمين / (رسالتان مجموعتان من فتاوى العلمين علي بن بابويه وابن أبي عقيل) جمع الشيخ عبد الرحيم البروجردي ، قم 1406 ه.
169 - فتح الباري / لابن حجر العسقلاني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
170 - فتح العزيز / الرافعي ، دار الفكر ، بيروت ، مطبوع مع (المجموع شرح المهذب في الفقه الشافعي).
171 - فتح القدير / الشوكاني ، دار المعرفة ، بيروت.
172 - الفتوحات الإلهية/ سليمان بن عمر الشافعي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
173 - الفرق بين الفرق / عبد القادر البغدادي ، دار المعرفة ، بيروت.
174 - فروع الكافي / الكليني ، مطبعة الحيدري ، دار الكتب الإسلامية ، طهران 1391 ه.
175 - الفصول المهمة/ ابن الصباغ، ط 1، مؤسسة الأعلمي ، بيروت 1408 ه.
176 - الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام) ، ط 1 ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام)
ص: 473
- مشهد 1406 ه.
177 - فهرست ابن خير الأموي ، تحقيق إبراهيم الأبياري ، ط 1 ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت 1410 ه.
178 - فهرست منتجب الدين ، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي ، مجمع الذخائر الإسلامية ، قم.
179 - فهرست ابن النديم (ت 385 ه) ، المطبعة الرحمانية ، مصر 1348 ه.
180 - فهرست هاى خطى دو كتاب خانه مشهد ، مدرسة نواب استانه قدس رضوي.
181 - الفوائد الرضوية / الشيخ عباس القمي ، مطبعة المركزي ، طهران 1327 ه.
182 - فيض الإله في ترجمة القاضي نور الله / (مطبوع في مقدمة الصوارم المهرقة للشهيد التستري) مطبعة نهضت ، طهران.
183 - فيض القدير شرح الجامع الصغير ، للسيوطي - / عبد الرؤوف المناوي الشافعي (ت 1031 ه).
184 - القراءات الشاذة وتوجيهها / عبد الفتاح القاضي ، ط 1 ، دار الكتاب العربي - بيروت.
185 - قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة / السيوطي ، ط 1 ، المكتب الإسلامي ، بيروت 1405 ه.
186 - القول المبين عن وجوب مسح الرجلين / رسالة للشيخ الكراجكي ، نشرت في مجلة تراثنا العدد 19 ، السنة الخامسة 1410 ه ، بتحقيق علي موسى الكعبي.
187 - الكاشف / للذهبي ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1403 ه.
188 - الكافي / الكليني ، دار الأضواء ، بيروت 1405 ه.
189 - الكافي في الفقه / لأبي الصلاح الحلبي ، تحقيق رضا استادي ، أصفهان 1400 ه.
190 - الكافي في فقه أحمد بن حنبل / ابن قدامة ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1414 ه.
191 - الكامل في التاريخ / ابن الأثير ، دار صادر ، بيروت 1399 ه / 1979 م.
192 - الكامل في ضعفاء الرجال / ابن عدي ، ط 2 ، بيروت 1405 ه / 1985 م.
ص: 474
193 - كتاب السبعة في القراءات / ابن مجاهد ، تحقيق د. شوقي ضيف ، ط 2 ، دار المعارف ، مصر.
194 - الكتاب - لسيبويه - / تحقيق عبد السلام هارون ، عالم الكتب ، بيروت.
195 - الكشاف / الزمخشري ، دار المعرفة ، بيروت.
196 - الكفاية على الهداية / مطبوع بهامش فتح القدير.
197 - كشف الرموز / المحقق الآبي ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم 1408 ه.
198 - الكنى والأسماء / الدولابي ، ط 2 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1403 ه.
199 - الكنى والألقاب / الشيخ عباس القمي (أوفسيت عن طبعة مطبعة العرفان ، صيدا 1358 ه).
200 - كنز الفوائد / الكراجكي ، دار الأضواء ، بيروت 1405 ه.
201 - اللباب في شرح الكتاب / الميداني ، دار الحديث ، بيروت.
202 - لسان العرب / ابن منظور ، نشر أدب الحوزة ، قم 1405 ه.
203 - لسان الميزان / ابن حجر العسقلاني ، ط 3 ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت 1406 ه.
204 - اللمعة الدمشقية / الشهيد الأول ، تحقيق السيد محمد كلانتر ، النجف الأشرف (مطبوع مع شرح الروضة البهية).
205 - المبسوط / للسرخسي ، ط 3 ، دار المعرفة ، بيروت.
206 - المبسوط / للطوسي ، ط 2 ، المطبعة الحيدرية ، طهران 1387 ه.
207 - مجاز القرآن / أبو عبيدة ، مكتبة الخانجي ، القاهرة.
208 - المجدي في الأنساب / العمري ، تحقيق د. أحمد المهدي ،
209 - المجروحين / ابن حبان ، تحقيق محمود إبراهيم زايد ، دار المعرفة ، بيروت.
210 - مجمع الأمثال / النيسابوري الميداني ، ط 2 ، دار الجبل ، بيروت 1407 ه ، ط 3 ، دار الفكر ، بيروت 1392 ه.
211 - مجمع البحرين / فخر الدين الطريحي ، ط 2 ، منشورات المكتبة
ص: 475
المرتضوية ، طهران 1395 ه.
212 - مجمع البيان / الطبرسي ، ط 1 - دار إحياء التراث العربي - بيروت 1406 ه.
213 - مجمع الرجال / القهبائي ، مؤسسة إسماعيليان ، قم.
214 - مجمع الزوائد / الهيثمي ، ط 3 ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1402 ه.
215 - مجمل اللغة / ابن فارس ، مؤسسة الرسالة ، بيروت 1406 ه.
216 - المجموع شرح المهذب / النووي ، دار الفكر ، بيروت.
217 - محاسن التأويل / القاسمي ، ط 2 ، دار الفكر ، بيروت.
218 - المحاسن / البرقي ط 2 ، دار الكتب الإسلامية ، قم.
219 - المحتسب / ابن جني ، تحقيق د. عبد الحليم النجار ، القاهرة 1386 ه.
220 - المحرر الوجيز / ابن عطية ، تحقيق : المجلس العلمي بفاس 1399 ه.
221 - المحصول / الرازي ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1408 ه.
222 - المحلى / ابن حزم ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت.
223 - المحيط في اللغة / الصاحب بن عباد ط 1 - عالم الكتب ، بيروت 1414 ه.
224 - المختار المصون من أعلام القرون / محمد بن حسن بن عقيل ط 1 ، دار الأندلس ، السعودية 1415 ه.
225 - مختصر شواذ القراءات / ابن خالويه ، مكتبة الخانجي ، القاهرة.
226 - المختصر النافع / المحقق الحلي ، دار الكتاب العربي ، مصر.
227 - مختلف الشيعة / للعلامة الحلي جماعة المدرسين ، قم 1412 ه.
228 - المدونة الكبرى / مالك بن أنس ، مطبعة السعادة ، مصر.
229 - مرآة الجنان / اليافعي ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت 1390 ه.
230 - المراسم في الفقه الأمامي/ سلار الديلمي ، منشورات الحرمين - قم 1404 ه.
231 - مراقد المعارف / حرز الدين ، مطبعة الآداب ، النجف الأشرف ، 1391 ه.
232 - مسالك الإفهام / الشهيد الثاني ، ط 1 ، مؤسسة الوفاء ، بيروت 1404 ه.
233 - المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري ، طبعة دار الفكر ، بيروت 1398 ه ، وطبعة دار الكتب العلمية ، بيروت 1411 ه.
234 - مستدرك الوسائل / النوري ، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث
ص: 476
ط 1 ، قم 1407 ه.
235 - المستصفى / الغزالي ، أوفسيت عن طبعة بولاق ، مصر 1322 ه.
236 - المستقصى من أمثال العرب / الزمخشري ، ط 3 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1408 ه.
237 - مسند أحمد بن حنبل (ت 240 ه) ، دار الفكر ، بيروت.
238 - مسند الحميري ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، عالم الكتب ، بيروت.
239 - مسند أبي داود الطيالسي ، دار المعرفة ، بيروت.
240 - مسند أبي عوانة ، دار المعرفة ، بيروت.
241 - مسند أبي يعلى الموصلي / أحمد بن علي بن المثنى التميمي ، ط 1 ، دار المأمون للتراث ، دمشق - بيروت 1404 ه.
242 - مشاهير علماء الأمصار / ابن حبان ، مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت 1408 ه.
243 - مشكاة المصابيح / الخطيب التبريزي ، تحقيق سعيد محمد اللحام ، دار الفكر ، بيروت 1411 ه.
244 - مشكل الآثار / الطحاوي ، ط 1 ، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند ، حيدرآباد الدكن 1333 ه.
245 - مشكل إعراب القرآن / القيسي ، تحقيق ياسين محمد السواس ، طبع إيران 1362 ه. ش.
246 - المصنف / عبد الرزاق ، تحقيق عبد الرحمن الأعظمي ، المجلس العلمي!
247 - المصنف / ابن أبي شيبة ، تحقيق عامر الأعظمي ، الدار السلفية ، بومباي ، الهند.
248 - المعارف / ابن قتيبة ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1407 ه.
249 - معالم التنزيل / البغوي ، دار الفكر ، بيروت 1405 ه.
250 - معالم العلماء / ابن شهرآشوب ، مطبعة الحيدرية - النجف الأشرف 1380 ه.
251 - معاني الأخبار / الشيخ الصدوق ، دار المعرفة ، بيروت 1399 ه.
252 - معاني القرآن / للأخفش ط 1 ، عالم الكتب ، بيروت.
ص: 477
253 - معاني القرآن / الفراء ، تحقيق محمد علي النجار ، ناصر خسرو ، طهران.
254 - معاني القرآن وإعرابه / للزجاج ، ط 1 ، عالم الكتب ، بيروت.
255 - المعتبر / المحقق الحلي ، مؤسسة سيد الشهداء (عليه السلام) ، قم.
256 - معجم الأدباء / الحموي ، ط 3 ، دار الفكر ، بيروت 1400 ه.
257 - معجم رجال الحديث / السيد الخوئي ، ط 3 ، بيروت 1403 ه.
258 - المعجم الكبير / للطبراني ، نشر مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ، ودار إحياء التراث العربي ، بيروت.
259 - المعرفة والرجال ، مطبعة الإرشاد ، بغداد 1396 ه.
260 - المغني على مختصر الخرقي / أبو محمد بن قدامة ، ط 1 ، دار الفكر ، بيروت.
261 - مغني اللبيب / ابن هشام الأنصاري ، مكتبة سيد الشهداء (عليه السلام) ، قم 1408 ه.
262 - مغني المحتاج / الخطيب الشربيني ، دار الفكر ، بيروت.
263 - المقتضب / المبرد ، تحقيق محمد عبد الخالق ، عالم الكتب ، بيروت.
264 - مقدمات ابن رشد ، دار صادر ، بيروت (أوفسيت عن طبعة مطبعة السعادة
- مصر).
265 - مقدمة فتح الباري / ابن حجر العسقلاني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
266 - المقنع / الشيخ الصدوق ، المكتبة الإسلامية ، طهران 1377 ه.
267 - المقنعة / الشيخ المفيد ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم 1410 ه.
268 - الملل والنحل / للشهرستاني ، ط 3 ، مطبعة أمير ، قم 1409 ه.
269 - المنتظم / ابن الجوزي ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1412 ه.
270 - المنتخب في تفسير القرآن / ابن إدريس الحلي ، تحقيق مهدي الرجائي ، ط 1 ، قم 1409 ه.
271 - منتهى المطلب / العلامة الحلي ، ط 1 ، مجمع البحوث الإسلامية ، مشهد 1413 ه.
272 - من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق ، تحقيق السيد حسن الموسوي
ص: 478
الخرسان ، دار التعارف ، بيروت 1401 ه.
273 - منهاج الصالحين / السيد الخوئي ، ط 28 ، مدينة العلم ، قم 1410 ه.
274 - منهاج الصالحين / السيد السيستاني ، ط 1 ، مكتب السيد السيستاني ، قم 1414 ه.
275 - مهذب الأحكام / السيد السبزواري ، ط 4 ، مؤسسة المنار ، قم 1413 ه.
276 - المهذب البارع / ابن فهد الحلي ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم 1407 ه.
277 - المهذب في فقه الشافعية / الفيروزآبادي ، ط 2 ، دار المعرفة ، بيروت 1379 ه / 1959 م.
278 - الموسوعة الفقهية الكويتية ، ط 1 ، وزارة الأوقاف الكويتية 1412 ه.
279 - ميزان الاعتدال / الذهبي ، دار الفكر ، بيروت 1382 ه / 1969 م.
280 - الناسخ والمنسوخ / لابن العربي ، المكتبة الثقافية ، القاهرة 1413 ه.
281 - الناصريات (المسائل الناصريات) / السيد المرتضى ، طبع حجر (ضمن كتاب الجوامع الفقهية).
282 - النجوم الزاهرة / الأتابكي ، مصورة عن طبعة دار الكتب ، مصر.
283 - النشر في القراءات العشر / ابن الجزري ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
284 - نصب الراية / الزيلعي (ت 762 ه) ، المكتبة الإسلامية ، بيروت.
285 - نفحات الروضات.
286 - نفع الطيب / التلمساني ، ط 1 ، دار الفكر ، بيروت 1406 ه.
287 - النكت الاعتقادية / الشيخ المفيد ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، ط 1 ، قم 1413 ه.
288 - النهاية ونكتها / الشيخ الطوسي ، المحقق الحلي ، ط 1 ، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم 1412 ه.
289 - نهاية الأحكام / العلامة الحلي ، ط 1 ، دار الأضواء ، بيروت ، 1406 ه.
290 - النهاية / للشيخ الطوسي ، ط 1 ، دار الكتاب العربي ، بيروت 1390 ه.
291 - النهاية في غريب الحديث / لابن الأثير ، المكتبة الإسلامية - القاهرة 1383 ه.
ص: 479
292 - نواسخ القرآن / ابن الجوزي ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
293 - الهداية في تخريج أحاديث البداية / أبو الفيض الغماري ، تحقيق يوسف المرعشي ، ط 1 ، عالم الكتب ، بيروت.
294 - هدية العارفين / إسماعيل باشا البغدادي ، دار الفكر ، بيروت 1402 ه.
295 - الوافي بالوفيات / الصفدي ، إصدار جمعية المستشرقين الألمانية دار صادر
- بيروت 1389 ه / 1969 م.
296 - وسائل الشيعة / الحر العاملي ، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ، ط 1 ، قم 1409 ه.
297 - وضح البرهان في مشكل القرآن / الغزنوي ، ط 1 ، دار القلم ، دمشق ، بيروت.
298 - وضوء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) / للشهرستاني ، ط 1 ، بيروت 1415 ه.
299 - وفيات الأعيان / ابن خلكان ، دار صادر ، بيروت 1398 ه / 1978 م.
ص: 480
كتب صدرت محققة
* مصباح الزائر وجناح المسافر.
تأليف : السيد ابن طاووس الحلي ، رضي الدين علي بن موسى بن جعفر الحسني (589 - 664 ه).
من كتب الزيارات النفيسة ، الذي ظل رهين المخطوطات وبعيدا عن متناول القراء والباحثين ، والمعتمد لكثير من مصنفي كتب الزيارات والأدعية اللاحقين.
رتبه المصنف (رحمه الله) في 20 فصلا ، أورد فيها جملة كبيرة من مقدمات وآداب السفر ومستحباته ، ثم آداب وكيفية زيارة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) وبيان فضلها ، واستحباب الصلاة والدعاء عند مشاهدهم المباركة ومراقدهم الشريفة.
تم تحقيق الكتاب ، - الذي يصدر لأول مرة - اعتمادا على ثلاث مخطوطات محفوظة في مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي العامة في قم :
الأولى : رقمها 4946 ، تاريخ كتابتها سنة 1024 ه.
الثانية : رقمها 160 ، تاريخ كتابتها سنة 1087 ه.
الثالثة : رقمها 597 ، عليها حواش وتعليقات.
تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم / 1417 ه.
* تقريب المعارف.
تأليف : أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي (374 - 447 ه).
ص: 481
من كتب علم الكلام البارزة ، يعد من المصادر المهمة لعلوم الكلام والحديث والتاريخ منذ القرن الخامس الهجري ، لواحد من أفاضل علماء الإمامية ، بحث فيه المعارف الإسلامية وأهم المباحث الكلامية في أصول الدين ، بأسلوب علمي وأدلة عقلية ونقلية محكمة ، متوسعا في بحثه - الذي شغل نصف الكتاب تقريبا - عن الإمامة ، مستدلا بالقرآن والسنة المطهرة على إمامة الأئمة (عليهم السلام) مثبتا بطلان الاستدلال بهما على خلافة من تقدم على أمير المؤمنين (عليه السلام) وبمقتضى المذاهب الإسلامية المختلفة. موردا أقوال أمير المؤمنين والعترة الطاهرة والصحابة والتابعين المنكرة عليهم أفعالهم والمصرحة بذمهم.
كما ركز البحث على إمامة الإمام الثاني عشر الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وإثباتها ، وحفظ الشريعة وتنفيذ الأحكام حال الغيبة.
نقل المصنف عن بعض المصادر المفقودة - الآن - نصوصا مهمة في بحث النكير على الخلفاء ، تغير بعض الثوابت التاريخية المعروفة ، وتعرض إلى مطالب لم يسبقه إليها أحد ، واستدل بالروايات من طريق الخاصة والعامة ، جاعلا روايات الخاصة حجة ، بإثبات وصولها إلى حد التواتر الذي يجب على الجميع قبوله.
طبع الكتاب بتحقيق الشيخ رضا الأستادي سنة 1404 ه ، بدون البحث المتعلق ببطلان خلافة القوم ، معتمدا مخطوطة واحدة مكتوبة في القرن 10 ه أو 11 ه.
تم التحقيق اعتمادا على نفس المخطوطة بالإضافة إلى المطبوعة المحققة.
تحقيق : فارس تبريزيان الحسون.
صدر في قم سنة 1417 ه.
* سواطع الإلهام ، ج 1 - 6.
تأليف : الشيخ أبو الفيض الناگوري ، فيضي بن المبارك بن خضر الهندي اليماني (954 - 1004 ه).
تفسير غير منقوط للقرآن الكريم ، يعد الثاني من نوعه ، في أسلوبه المتميز وطريقته الفريدة ، إذ تكونت جميع كلماته من الحروف غير المنقطة - 13 حرفا فقط من حروف العربية.
ملحقا به معجم للألفاظ والكلمات الغريبة متعددة الشكل متحدة المعنى.
طبع سابقا في لكهنو - الهند ، سنة
ص: 482
1306 ه ، مع معجم ألفاظه.
تم تصحيح الكتاب ومراجعته اعتمادا على 3 نسخ مخطوطة ، بالإضافة إلى المطبوعة حجريا ، ذكرت مواصفات النسخ في المقدمة ، التي تضمنت كذلك : ترجمة المؤلف ، نسبه وأسرته ، نظرة عامة إلى أوضاع وأجواء الهند في عصره.
كما تضمن الجزء الأول بحثا للسيد محمد بحر العلوم ، عن تفسير القرآن عند الإمامية ، ومفسري الشيعة ، وتراثهم التفسيري.
وأدرج في ذيل الكتاب ، تفسير آخر هو تفسير العلامة السيد عبد الله شبر ، المتوفى سنة 1242 ه.
تصحيح ومراجعة : السيد مرتضى آية الله زاده الشيرازي.
صدر في قم سنة 1417 ه.
* منتهى المقال في أحوال الرجال ، ج 4 - 7.
تأليف : أبي علي الحائري ، الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني (1159 - 1216 ه).
من الكتب الرجالية المهمة ، مقسم إلى مقدمة وأصل وخاتمة ، ضمت المقدمة 5 مقدمات فرعية ، والخاتمة 5 فوائد رجالية.
أما الأصل فيذكر فيه المصنف أسماء الرجال مرتبة حسب الحروف الهجائية ، ذاكرا في كل ترجمة ملخصا لما ذكره الميرزا محمد الأسترآبادي - المتوفى سنة 1028 ه - في كتابه منهج المقال ، وملخصا لما ذكره الشيخ محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني - المتوفى سنة 1205 ه - في تعليقته على منهج المقال ، ثم ما يضيفه هو من كلام أو تعليق ، ويختم بما ذكره الشيخ محمد أمين الكاظمي في كتابه هداية المحدثين المعبر عنه ب : المشتركات.
مع إضافة بعض التراجم التي لم تذكر في المنهج ولا في التعليقة.
تم التحقيق اعتمادا على 3 نسخ ، مخطوطة ومطبوعة ، هي :
الأولى محفوظة في خزانة مكتبة جامعة طهران ، يحتمل أن يكون تاريخ كتابتها سنة 1194 ه.
والثانية محفوظة في مكتبة السيد المرعشي العامة في قم ، وهي بخط ولد المصنف ، تاريخ كتابتها سنة 1245 ه.
والثالثة مطبوعة حجريا لم يذكر عليها سنة الطبع ولا مكانها.
اشتملت الأجزاء :
الرابع : من بداية حرف الصاد ولغاية
ص: 483
حرف العين.
الخامس : تكملة حرف العين ولغاية حرف الميم.
السادس : تكملة حرف الميم ولغاية حرف الهاء.
السابع : حرف الياء ، الكنى ، الألقاب ، باب لذكر النساء اللاتي لهن رواية أو صحبة ، والخاتمة - في خمس فوائد -.
تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم / 1416 ه.
* الأمالي.
للشيخ الصدوق ، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، المتوفى سنة 381 ه.
كتاب له مكانته بين مصنفات الشيعة ، لعلم بارز من أعلام علماء الإمامية ، يشتمل على طائفة - أكثر من 1000 - من الأحاديث النبوية الشريفة وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ، في موضوعات متنوعة ، شملت جوانب من سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ، وأحوالهم ، وفضائلهم ومناقبهم ، ومواعظهم ، كما تضمنت الكثير من الموضوعات التاريخية والعقائدية والأخلاقية المختلفة.
وهو عبارة عن مجالس كان يعقدها المصنف (قدس سره) بانتظام ، لإملاء هذه الأحاديث العالية الأسانيد على تلامذته ، بلغت 97 مجلسا ، أملاها في مدن الري ونيسابور ومشهد الإمام الرضا (عليه السلام) ، كان أولها في 18 رجب سنة 367 ه ، وآخرها في 19 شعبان سنة 368 ه.
طبع الكتاب أكثر من مرة في إيران ولبنان ، وهذه الطبعة تصدر محققة ، اعتمادا على نسختين مطبوعتين ، تم مقابلة إحداهما بخمس نسخ مخطوطة ، والأخرى بواحدة من هذه النسخ الخمس ، ذكرت مواصفاتهما في المقدمة.
تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة.
نشر : مؤسسة البعثة - قم / 1417 ه.
* مستند الشيعة في أحكام الشريعة ، ج 8 - 10.
تأليف : العلامة الشيخ أحمد النراقي (1185 - 1245 ه).
من أهم الكتب المصنفة في الفقه الاستدلالي ، لواحد من كبار علماء الإمامية في تلك الفترة ، يشتمل على أمهات المسائل الفقهية ، وأهم الأحكام الفرعية ، بذكر أدلة كل مسألة ثم إيراد الإشكال والرد على المخالف منه ، مع بيان تعارض الآراء
ص: 484
والأقوال المختلفة للعلماء فيها.
يمتاز الكتاب بالدقة البالغة والأسلوب العميق ، وكثرة التفريعات لكل مسألة ، بعد تحقيق أصلها ، وإثبات حجيتها عند المصنف (رحمه الله).
تم تحقيق الكتاب بالاعتماد على 8 نسخ مخطوطة لأبواب الكتاب المختلفة.
إحداها بخط المصنف (رحمه الله) ، من أول كتاب المطاعم والمشارب إلى آخر كتاب
النكاح ، يعود تاريخها إلى سنة 1245 ه.
وأخرى كتبت عن الأصل في عهده (رحمه الله) سنة 1235 ه.
واثنتين أخريين لم يدون عليهما تاريخ الكتابة ، احتوت إحداهما على قرائن تفيد أنها كتبت في عهد المؤلف.
أما باقي النسخ فقد كتبت في السنين 1248 ، 1253 ، 1258 ، 1264 ه.
واعتمد أيضا في التحقيق على نسختين مطبوعتين على الحجر ، طبعت الأولى سنة 1273 ه على نسخة المصنف ، والثانية مصححة في سنة 1335 ه.
اشتمل الجزء 8 على البابين الأخيرين من المقصد الأخير من كتاب الصلاة.
فيما اشتمل الجزء 9 على كتاب الزكاة في مقصدين : الأول في أربعة أبواب ، والثاني في خمسة أبحاث.
والجزء 10 على كتابي الخمس ، بمسائله الموزعة في ثلاثة مقاصد ، والصوم والاعتكاف ، في أربعة مقاصد.
ويحتمل صدور الكتاب في 18 جزءا.
تحقيق : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - مشهد.
نشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم / 1416 و 1417 ه.
* الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية.
تأليف : المحدث الشيخ عباس القمي (1294 - 1359 ه).
كتاب يعرض جانبا من سيرة وحياة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) في أربعة عشر فصلا بعدد المعصومين (عليهم السلام) ، يذكر فيه تواريخ ولادتهم ، ووفياتهم ، ونبذا مختصرة من أحوالهم وفضائلهم وكراماتهم ، ومكارم أخلاقهم ، ومواعظهم.
طبع الكتاب لأول مرة سنة 1344 ه.
وطبعته دار الأضواء في بيروت سنة 1404 ه.
تم التحقيق اعتمادا على مخطوطة واحدة إضافة إلى النسخة المطبوعة.
تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة
ص: 485
العلمية - قم / 1417 ه.
* شرح شافية أبي فراس في مناقب آل الرسول ومثالب بني العباس.
تأليف : السيد أبو جعفر محمد بن أمير الحاج الحسيني ، المتوفى حدود سنة 1180 ه.
الشافية : ميمية من غرر قصائد الأمير الشاعر أبو فراس الحمداني ، الحارث بن سعيد بن حمدان (320 - 357 ه) ، التي يرد فيها على ابن المعتز العباسي ، بعد بعض فضائل ومناقب آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وما قابلها من مثالب لملوك بني العباس ، مثبتة في ديوانه المطبوع ، ولها شروح عديدة.
وشرحها - الأدبي التاريخي - هذا ، اشتمل على فصولا من سيرة وتاريخ وعلم أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) والأئمة المعصومين من ولده (عليهم السلام) ، ومواقفهم مع ملوك زمانهم ، وما فعله ملوك بني العباس مع بني علي (عليه السلام) من سجن وتعذيب وقتل وتشريد.
كذلك يشتمل على لطائف وطرائف من الأخبار والروايات ، والوقائع والحوادث التاريخية ، والقصص والعبر ، والأشعار والمعميات.
يعتمد الشارح على مصادر تعد من تراثنا المفقود في الوقت الحاضر.
تم التحقيق اعتمادا على 4 نسخ مخطوطة ونسخة مطبوعة حجريا ، ذكرت مواصفاتها في المقدمة.
تحقيق : صفاء الدين البصري.
نشر : مؤسسة الطباعة والنشر ، التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - طهران / 1416 ه.
* عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال ، ج 20 / 1 و 2.
تأليف : الشيخ عبد الله بن نور الله البحراني ، من أعلام القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين.
الجزء الخاص بالإمام الصادق (عليه السلام) ، من هذه الموسوعة الحديثية الكبيرة ، التي قد تقع في 100 جزء أو أكثر ، وهي على غرار موسوعة بحار الأنوار للعلامة المجلسي - شيخ المصنف - المتوفى سنة 1111 ه.
اشتمل هذان القسمان من هذا الجزء على سيرة وحياة الإمام السادس من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، الإمام أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد بن علي (عليهم السلام) ،
ص: 486
في أبواب عديدة ، منها في : مولده ، ألقابه ، النص عليه بالإمامة ، فضائله ومناقبه ، سيرته وطريقته ، كراماته ، أحواله مع ملوك زمانه ، مناظراته مع المخالفين ، مواعظه لأتباعه ولأصناف الخلق ، حكمه وكلماته القصيرة ، شعراءه ، أحوال أصحابه ومناظراتهم ، أحوال أهل زمانه ، وأخيرا وفاته وفضل زيارته.
كما أضيفت مستدركات لكل باب تشتمل على روايات وأحاديث تناسب ما ورد في الباب ، وعلى ترتيب المصنف ، من تأليف السيد محمد باقر الأبطحي الأصفهاني.
تم التحقيق اعتمادا على مخطوطتين ، ذكرت مواصفاتهما في المقدمة.
القسم 1 صدر بتحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف - قم سنة 1415 ه ، فيما صدر القسم 2 - بتحقيق المؤسسة نفسها سنة 1417 ه.
* حاشية مجمع الفائدة والبرهان.
تأليف : العلامة محمد باقر الوحيد البهبهاني (1117 - 1205 ه).
حاشية وتعليقات ، كتبها المصنف على بعض موارد كتاب مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان للمقدس الأردبيلي ، الشيخ أحمد بن محمد ، المتوفى في النجف الأشرف سنة 993 ه والصادر - محققا - في 14 جزءا ، والذي يعد من الكتب الموسوعية في الفقه الاستدلالي ، لسعة وعمق أبحاثه ، واستيعابه أبواب الفقه المعروفة ، إذ هو شرح استدلالي علمي لمسائل كتاب إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان للعلامة الحلي ، الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (648 - 726 ه) ، مع الاستعانة بالأدلة الشرعية ، والتعرض إلى آراء العلماء السابقين ، ومناقشة الروايات - المستدل بها - متنا وسندا.
تم التحقيق اعتمادا على 5 مخطوطات ذكرت مواصفاتها في المقدمة.
تحقيق ونشر : مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني - قم / 1417 ه.
* زبدة البيان في أحكام القرآن.
تأليف : الشيخ أحمد المقدس الأردبيلي ، المتوفى سنة 993 ه.
كتاب يشتمل على تفسير الآيات القرآنية الكريمة الخاصة بالأحكام الشرعية - وحسب كتب الفقه المعروفة - أي الآيات التي يستفاد منها في استنباط الأحكام
ص: 487
الفقهية ومسائل الحلال والحرام ، والمعروفة ب «آيات الأحكام» ، وهي أساس دراسة الفقه ، ولا يمكن للفقيه الاستغناء عنها في اجتهاداته واستنباطاته.
والكتاب عليه شروح وتعليقات لكثير من الفقهاء والمفسرين.
تم التحقيق اعتمادا على 7 نسخ مخطوطة ذكرت مواصفاتها في المقدمة.
نشر : مؤتمر المقدس الأردبيلي ، المنعقد في أردبيل إحياء لذكراه (قدس سره) / 1417 ه.
* العروة الوثقى ، ج 1.
تأليف : آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ، المتوفى سنة 1337 ه.
رسالة الأحكام الشرعية العملية لفقيه عصره ، ومرجع الإمامية في زمانه ، امتازت بعمق وتنوع المسائل العملية ، ودقة النظر في بيان الأحكام الشرعية ، لذلك صارت محورا للأبحاث الاستدلالية في الفقه لمن جاء بعده من مراجع الطائفة وفقهائها ، إذ كتبت عليها الكثير من التعليقات والحواش والمباحث الفقهية.
ضم الكتاب خمس عشرة تعليقة مختارة لخمسة عشر فقيها عالما من كبار المراجع المتأخرين.
اشتمل هذا الجزء على : الاجتهاد والتقليد ، الطهارة.
تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزةالعلمية - قم / 1417 ه.
* هداية الأمة إلى معارف الأئمة.
تأليف : محمد جواد بن المحسن بن الحسين الخراساني (1331 - 1397 ه).
معارف الأئمة : أرجوزة ألفية علمية ، نظمها المصنف ملخصا فيها مضمون كتابه معارف الشيعة ، المتضمن : مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في توحيد الله سبحانه وعدله ، المعارف الإلهية والأمور الاعتقادية ، أحاديث أئمة الهدى (عليهم السلام) وأقوالهم وتوجيهاتهم في هذا الباب ، الكشف عن جملة من الاعتقادات الفاسدة المدسوسة الدخيلة على عقائد الإسلام من قبل أهل الفلسفة والعرفان والتصوف المتظاهرين بالتشيع والموالاة لأهل البيت (عليهم السلام).
والكتاب هذا شرح - لناظم الأرجوزة - عليها ، وبيان لرموزها وعباراتها ، وتخريج لأقوال المعصومين (عليهم السلام) المشار إليها في الأرجوزة تصريحا أو تلميحا. متناولا توحيد الله بمقاصد خمسة مرتبة - حسب
ص: 488
مقاصد الأرجوزة - في : إثبات وجوده سبحانه ، ذاته تعالى ، صفاته الذاتية ، أفعاله ، أسماؤه الحسنى جل وعلا.
صدر الكتاب مع تعليقات وتخريجات لابن المؤلف.
نشر : مؤسسة البعثة - قم / 1416 ه.
* كشف الالتباس عن موجز أبي العباس ، ج 1.
تأليف : الشيخ مفلح بن الحسن الصيمري ، المتوفى حدود سنة 900 ه.
شرح استدلالي لرسالة : الموجز الحاوي لتحرير الفتاوي ، لابن فهد الحلي ، الشيخ جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمدابن فهد الأسدي (757 - 841 ه) ، وهي رسالة فقهية شملت ثلاثة كتب : الطهارةفي 3 أبواب ، الصلاة في 4 أبواب ، الزكاة في باب واحد ، والمطبوعة ضمن كتابالرسائل العشر للمصنف ، الذي أصدرته مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي العامة في قم سنة 1409 ه ، بتحقيق السيد مهدي الرجائي.
يذكر مصنف هذا الشرح أقوال العلماء في كل مسألة ، ويرجح إحداها ، أو يتوقف في الحكم مكتفيا بعرض الآراء فقط ، كما لم يتعرض لتوثيق أو تضعيف الروايات الواردة ، التي يستدل بها هو ، أو المخالف لرأيه الفقهي.
تم تحقيق الشرح اعتمادا على 4 نسخ مخطوطة ، والمتن - الموجز - اعتمادا على مخطوطة واحدة ، ذكرت مواصفاتها في المقدمة.
تحقيق ونشر : مؤسسة صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف - قم / 1417 ه.
* الحاشية على إلهيات الشرح الجديد على التجريد.
تأليف : الشيخ أحمد المقدس الأردبيلي ، المتوفى سنة 993 ه.
حاشية كلامية ، كتبها المصنف للرد على آراء أحد فقهاء الحنفية ، الفاضل القوشجي ، المتوفى سنة 897 ه ، في كتابه شرح تجريد العقائد المعروف بالشرح الجديد ، والذي تصدى فيه لدفع ما استدل به المحقق الخواجة نصير الدين الطوسي (597 - 672 ه) - في كتابه تجريد الاعتقاد - لإثبات إمامة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ، وأفضليته على جميع الصحابة ، وإمامة الأئمة الاثني عشر ، وبيان مطاعن الخلفاء الثلاثة وعدم صلاحيتهم لها.
ص: 489
ويرد أيضا في مباحث التوحيد والرؤية والنبوة على آراء القاضي عضد الدين الأيجي (المتوفى سنة 756 ه) في كتابه المواقف ، وشارحه الشريف الجرجاني (المتوفى سنة 812 ه).
كما يتعرض في مبحث الإمامة لآراء فخر الدين الرازي - إضافة للقوشجي - (المتوفى سنة 606 ه) في كتابه الأربعين في أصول الدين ، الذي حاول فيه - متكلفا - رد بعض أدلة الشيعة في مسألة الإمامة ، مجيبا عن شبهاتهما ، مبينا صحة استدلالات المحقق الطوسي ، منتصرا للاعتقادات الحقة ، ذابا عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
تم التحقيق اعتمادا على 5 مخطوطات ذكرت مواصفاتها في المقدمة.
تحقيق : أحمد العابدي.
نشر : مؤتمر المقدس الأردبيلي ، المنعقد في أردبيل إحياء لذكراه (قدس سره) / 1417 ه.
* العناوين ، ج 1.
تأليف : السيد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي ، المتوفى سنة 1250 ه.
من كتب الأصول ، يعنى ببيان القواعد الفقهية المتلقاة عن أئمة الهدى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، متقنة الأصول ، كثيرة الفروع ، وبيان قوانين الفصول التي ينبغي الاستناد عليها في معرفة أحكام الشريعة واستنباط حلالها وحرامها.
شمل هذا الجزء 26 عنوانا من عناوين : المشتركات ، والعبادات.
تم التحقيق اعتمادا على نسختين مخطوطتين ونسختين مطبوعتين حجريا ، ذكرت مواصفات النسخ في المقدمة.
تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم / 1417 ه.
* عقائد الإمامية.
تأليف : العلامة الشيخ محمد رضا المظفر (1322 - 1383 ه).
عرض مبسط وموجز لأصول عقائد الشيعة الإمامية ومعتقداتهم الإسلامية ، يوضح ويثبت الآراء والأفكار التي تعتمدها الإمامية - وفق منهج أهل البيت (عليهم السلام) - كأساس ومنطلق لفهم ومعرفة الأحكام الشرعية التكليفية الواجبة ومن ثم العمل - الصحيح - بمقتضاها.
إذ يبين اعتقادهم ب : المعرفة ، التقليد ، الاجتهاد ، الإلهيات ، النبوة ، الإمامة ، المعاد ، وأخيرا بعض الآداب التي أدب
ص: 490
أهل البيت (عليهم السلام) شيعتهم وأتباعهم بها ، ويرد - ضمنا - على الشبهات المثارة للتشنيع على الإمامية في هذه المعتقدات.
ولشمولية الكتاب وعرضه وبيانه
الواضح صار من كتب الدراسة الأساسية للمراحل الأولى في الحوزات العلمية ، وطبع مرارا وفي أكثر من مكان.
تصدرت هذه الطبعة المحققة - لأول مرة - مقدمة تضمنت دراسة أصول العقائد عند الإمامية ، استعراض الخطوط الرئيسية والخلفية التاريخية لنظرية العقيدة الإسلامية في ضوء منهج أهل البيت (عليهم السلام) ، ومدرستهم ، ومراحل تكوينها ، وما تركته من آثار ونتائج مقارنة بمدارس المذاهب الإسلامية الأخرى.
كما تضمنت ترجمة للمصنف (رحمه الله) : سيرته الذاتية ، مساهماته ، مواقفه ، ومنهجه العلمي في البحث والاستقراء في دراساته وبحوثه.
تم التحقيق باعتماد نسخ الكتاب المطبوعة في النجف - الطبعتين الأولى والثانية - والمطبوعة في القاهرة - الطبعة الثالثة -.
تحقيق : محمد جواد الطريحي.
نشر : مؤسسة الإمام علي (عليه السلام) - قم / 1417 ه.
طبعات جديدة
لمطبوعات سابقة
* الرد على الوهابية.
تأليف : العلامة المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي (1282 - 1352 ه).
رسالة صغيرة الحجم ، كبيرة المحتوى ، شملت جل المباحث اللازمة للرد على شبهات هذه الفرقة الضالة ، باعتماد الدليل النقلي القوي من أمهات المصادر المعتمدة لدى المسلمين - كالبخاري ومسلم .. وغيرها - ، والبرهان العقلي المقنع.
تضمنت : البحث في توحيد الله تعالىفي العبادة وفي الأفعال ، زيارة القبور ، التبرك بها ، البناء عليها ، الصلاة عندها ، التوسل إلى الله بالأنبياء والأولياء والاستغاثة والاستشفاع بهم إليه جل وعلا.
طبعت الرسالة لأول مرة في النجف ، وفيها تاريخ الفراغ من كتابتها في 14 ربيع الأول سنة 1345 ه ، وليس عليها تاريخ الطبع.
ثم نشرت محققة على صفحات نشرتنا هذه تراثنا في العدد 35 - 36 في ربيع الثاني 1414 ه ، بتحقيق السيد محمد علي الحكيم اعتمادا على النسخة
ص: 491
المطبوعة حجريا.
وأعادت طبعها بالتصوير مستقلة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث في قم سنة 1416 ه ، وصدرت ضمن : سلسلة ذخائر تراثنا برقم 6 بعد تعديلات وإضافات أجراها المحقق.
* حدائق الحقائق في فسر دقائق أفصح الخلائق ، ج 1 و 2.
تأليف : قطب الدين الكيدري ، الشيخ محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي ، من أعلام القرن السادس الهجري.
من الشروح القديمة - فرغ منه سنة 576 ه - لكتاب نهج البلاغة الذي جمعه السيد الشريف الرضي (359 - 406 ه) من كلام أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، رسائله وخطبه وحكمه ومواعظه (عليه السلام).
وهو شرح أدبي لغوي كلامي ، تطرق فيه إلى مسائل من شتى العلوم - كالطب والفلك ونحوهما - والمعارف والآداب ، وبحث فيه المسائل الكلامية واختلاف الأمة في أمر الخلافة والإمامة بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مستفيدا من شرح النهج للوبري (من أعلام القرن السادس الهجري) ، وشرح علي بن زيد البيهقي (493 - 565 ه) : معارج نهج البلاغة ، وشرح قطب الدين الراوندي (المتوفى سنة 573 ه) : منهاج البراعة.
تم التحقيق اعتمادا على 3 نسخ مخطوطة ، ذكرت مواصفاتها في المقدمة.
طبع في دلهي - الهند ، سنة 1404 ه ، بتحقيق الشيخ عزيز الله العطاردي.
وأعيد طبعه في طهران سنة 1415 ه.
ثم أعادت طبع الكتاب مؤسسة نهج البلاغة - طهران سنة 1416 ه بالتصوير على الطبعة المحققة.
* عجالة المعرفة في أصول الدين.
تأليف : ظهير الدين الراوندي ، الشيخ محمد بن سعيد بن هبة الله بن الحسن ، من أعلام القرن السابع الهجري
من كتب الكلام النادرة ، إذ كان في عداد المفقود من التراث ، يبحث في أصول الدين الاعتقادية - التوحيد ، النبوة ، الإمامة ، العدل ، المعاد - بمنهج فريد ، اعتمد - كأساس - الحاجة التي يحسها الإنسان في وجوده ، وبأسلوب واضح ومحكم في عبارته البليغة المختصرة ، وترتيبه المتناسق في عرض القواعد الكلامية وربط فصول الكتاب.
ص: 492
سبق أن نشر الكتاب محققا على صفحات نشرتنا هذه تراثنا في العدد 29 في شوال 1412 ه ، بتحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، معتمدا على مخطوطة واحدة.
وأعادت طبعه بالتصوير مستقلا مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث في قم سنة 1417 ه ، وصدر ضمن : سلسلة ذخائر تراثنا ، برقم 8 ، بعد إضافات وتعديلات أجراها المحقق.
* عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال ج 11 / 1 و 2.
تأليف : الشيخ عبد الله بن نور الله البحراني ، من أعلام القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين.
الجزء الخاص بحياة سيدة نساء العالمين ، الزهراء (عليها السلام) ، من هذه الموسوعة الحديثية الكبيرة ، التي قد تقع في أكثر من 100 جزء ، والتي هي على غرار موسوعة بحار الأنوار للعلامة المجلسي - شيخ المصنف - المتوفى سنة 1111 ه.
يشتمل هذا الجزء بقسميه على ذكر سيرة وحياة بضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، من الولادة حتى الشهادة وما بعد الشهادة ، مرورا بذكر : أسمائها وألقابها ، فضائلها وكراماتها ، أقوالها وخطبها ، مكارم أخلاقها وعبادتها ، تزويجها ، وضعها بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكل ما يتعلق بتفصيلات حياتها (عليها السلام).
كما أضيفت مستدركات ، لكل باب من أبواب الكتاب ، تشتمل على روايات تناسب الأحاديث الواردة في الباب ، وعلى ترتيب المصنف ، من تأليف السيد محمد باقر الأبطحي الأصفهاني.
سبق أن حققت هذا الجزء ونشرته مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في قم ، والقسم الأول من هذا الجزء نشرته المؤسسة نفسها - مع إضافات جديدة - في قم سنة 1415 ه ، فيما صدر القسم الثاني - بتحقيقها أيضا - في قم سنة 1416 ه.
* نقض فتاوى الوهابية.
تأليف : الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (1294 - 1373 ه).
رسالة مختصرة ، أفردت من كتاب المصنف الآيات البينات في قمع البدع والضلالات ، الذي رد فيه على عدد من فرق الزيغ والضلال ، ومنها الوهابية.
تضمنت الرسالة الرد على فتوى لعلماء
ص: 493
المدينة جوابا لاستفتاء قاضي قضاة الوهابيين ، عبد الله بن بليهد ، المنشورة في جريدة «العراق» الصادرة في 13 ذي القعدة سنة 1344 ه ، والتي قررت - في ما قررت - بأن البناء على القبور ممنوع ، ويجب هدمه.
تم - في هذه الرسالة - الاستدلال على مشروعية بناء القبور ، وبيان فضل زيارتها ، استنادا للأحاديث الصحيحة الواردة عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإيراد رأي عدد من علماء العامة في الموضوع.
طبعت الرسالة لأول مرة في النجف - ضمن الكتاب المذكور - سنة 1345 ه.
ثم نشرت مستقلة على صفحات
نشرتنا هذه تراثنا في العدد 13 في شوال 1408 ه ، بتحقيق السيد غياث طعمة.
وأعادت طبعها بالتصوير مستقلة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث في قم / 1416 ه ، وصدرت ضمن : سلسلة ذخائر تراثنا ، برقم 5 ، بعد إجراء التعديلات اللازمة وإعداد الفهارس الفنية للكتاب.
كما ألحق بالكتاب ، معجم ما ألفه علماء الأمة الإسلامية للرد على خرافات الدعوة الوهابية ، المعد من قبل السيد عبد الله محمد علي ، والمنشور على صفحات تراثنا في العدد 17 في شوال 1409 ه.
* ميزان الحكمة ، ج 1 - 4.
تأليف : محمد الري شهري.
موسوعة حديثية معاصرة ، جامعة لأحاديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحاديث أئمة الهدى (عليهم السلام) من أمهات المصادر الحديثية المعتمدة لدى الخاصة والعامة ، شاملة ما يختص منها بالقضايا الفكرية والاجتماعية والأخلاقية والعقائدية دون ما يتعلق بالدراسات الفقهية.
أحصت الموسوعة 2303 حديث ، تم تبويبها في 4260 باب ، وضعت الأبواب في 564 عنوان ورتبت العناوين هجائيا.
صدرت الطبعة الثامنة هذه بعد التصحيح والتنقيح والتغييرات التي أجراها المؤلف ، مختزلا الكتاب من 10 أجزاء إلى 4 أجزاء.
نشر : دار الحديث - قم / 1416 ه.
* القول المبين عن وجوب مسح الرجلين.
تأليف : العلامة الكراجكي ، الشيخ أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان ، المتوفى سنة 449 ه.
ص: 494
رسالة مختصرة ، أفردت من كتاب كنز الفوائد للمصنف ، تتعلق بالخلاف الفقهي في مسألة مسح أو غسل الرجلين في الوضوء.
أوضحت بأسلوب متين ورصين وبالدليل والبرهان المرتكزين على الأصول الثابتة ، المتفق عليها ، صحة ما تقول به الإمامية من أن الشريعة جاءت بالمسح دون الغسل.
طبع كتاب كنز الفوائد في إيران سنة 1322 ه على الحجر - وبضمنه هذه الرسالة - ، ثم طبع طبعة حديثة بتحقيق الشيخ عبد الله نعمة في بيروت معتمدا على الطبعة الحجرية.
كما نشرت مستقلة على صفحات نشرتنا هذه تراثنا في العدد 19 في ربيع الثاني 1410 ه ، بتحقيق علي موسى الكعبي ، معتمدا مخطوطة مكتوبة سنة 677 ه ، بالإضافة إلى المطبوعة حجريا.
وأعادت طبعها بالتصوير مستقلة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث في قم سنة 1417 ه ، وصدر ضمن : سلسلة ذخائر تراثنا ، برقم 7.
* * *
كتب صدرت حديثا
* مباني النظرية الاجتماعية في الإسلام.
تأليف : السيد زهير الأعرجي.
دراسة لبيان وإرساء القواعد الأساسية للنظرية الاجتماعية الإسلامية ، وتحديد ملامحها وتوضيح معالمها وخصوصياتها.
بحثت - عبر أبوابها الأربعة الرئيسية - عدة مواضيع : النظرية الاجتماعية وعلم الاجتماع ، والتفريق بينهما ، النظريات الاجتماعية المعاصرة ، ونقدها ، العلوم الاجتماعية الحديثة وارتباطها بالمجتمع ، ومواجهتها للدين ، النظريات العلمانية في تفسير الدين ، ونقدها ، فرضية «العقد الاجتماعي» والفلسفة الاشتراكية ، ونظريات «اجتماعية المعرفة» ، ونقدها.
ثم قدمت أطروحة ومباني النظرية الاجتماعية الإسلامية عبر الاستدلال الشرعي والفلسفي على إثباتها في الإسلام ، واستقصاء دور علم الأصول في تحديد ملامحها ، باعتماد المباني الفقهية والأصولية النابعة من فقه أهل البيت (عليهم السلام) وآراء علماء وفقهاء الإمامية.
كما بحثت طبيعة المشكلة الاجتماعية في عصر الغيبة - غيبة الإمام المعصوم
ص: 495
المنتظر عجل الله فرجه - ودور ولاية الفقيه الجامع للشرائط في التصدي لها ومعالجتها ، وفلسفة الزمان والمكان ، وتأثيرهما على النظام الاجتماعي.
وأخيرا عرض نماذج من مفردات ، النظرية الاجتماعية الإسلامية : نظام العقوبات ، العدالة الاجتماعية ، القضاء ، الحج.
والدراسة هذه تمثل الحلقة الأولى من سلسلة أبحاث تصدر ضمن «موسوعة النظرية الاجتماعية الإسلامية».
صدرت في قم سنة 1417 ه.
* أهل البيت (عليهم السلام) في المكتبة العربية.
تأليف : المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي (1348 - 1416 ه).
إعداد : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
جمع وإحصاء وفهرسة ، لمصنفات وكتب - أكثر من 850 كتاب - ، لعلماء ومحدثين وكتاب مسلمين من غير الشيعة الإمامية ، صنفت بشكل خاص عن أهل بيت الوحي (عليهم السلام) : الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في حقهم ، فضائلهم ، مناقبهم ، علومهم ، ظلامتهم ، ومقاتلهم.
واستقصاء وتتبع لمخطوطاتها ، وأماكن وجودها ، وللمطبوع وللمحقق منها ، ولشروح الكتاب ، وترجماته إن وجدت.
أعد هذا الكتاب باعتماد التعديلات والإضافات والمستدركات التي أجراها السيد المحقق على المطبوع منه - ضمن مقالاته المنشورة على صفحات نشرتنا هذه «تراثنا» وما كان قد أعده (قدس سره) من مسودات لإكماله.
تضمن الكتاب بحوثا تخص بعض الأحاديث النبوية الشريفة - عند ذكر المصنفات المفردة بشأنها - والمتعلقة ببيان وإثبات إمامة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة المعصومين من ولده (عليهم السلام).
وإسهابا في ترجمة بعض المصنفين ، للاطلاع على أحوالهم ومعاناتهم بسبب مصنفاتهم المذكورة.
صدر الكتاب في الذكرى السنوية الأولى لرحيل السيد المؤلف (رحمه الله).
نشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم / 1417 ه.
* المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي.
إصدار : مركز الرسالة.
بحث عن الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وحقيقته في
ص: 496
الفكر الإسلامي.
تعرض إلى بعض الآيات القرآنية المفسرة بالإمام المهدي وظهوره ، والأحاديث النبوية الشريفة الخاصة بذلك ، من أخرجها من الحفاظ والمحدثين ، من رواها من الصحابة ، طرقها في كتب السنة إجمالا ، ذكر بعض العلماء ممن صرح بصحتها ، وممن صرح بتواترها.
ثم الأحاديث التي تثبت نسب الإمام المهدي ، وكونه ابن الإمام الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) ، وأنه التاسع من ولد الإمام السبط الحسين (عليه السلام) ، وأنه من ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وأنه آخر الخلفاء - الأئمة - الاثني عشر ، وأنه الذي بشر الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بخروجه آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن تملأ ظلما وجورا ، ورد الأخبار المعارضة لهذه الأحاديث.
كما تضمن البحث رد الشبهات المثارة للتشكيك بصحة هذه الأحاديث ، منها عدم ورود أحاديث المهدي في الصحيحين ، وتضعيف ابن خلدون لبعض منها ، وكذلك إجابة علمية على أسئلة مهمة تتعلق ب : الإمامة للصبي ، طول عمر الإمام ، غيبته الطويلة ، كيفية الاستفادة من الإمام الغائب ، وفائدة انتظاره.
صدر ضمن : سلسلة المعارف الإسلامية ، برقم 1.
نشر : مركز الرسالة - قم / 1417 ه.
* ما رواه الحواريون ج 2 و 3.
تأليف : الشيخ كاظم جعفر المصباح.
كتاب جامع للروايات والأحاديث الواردة عن طريق حواريي الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) المقربين منهما ، الذين وردت في مدحهم وتوثيقهم عدة أحاديث وروايات بينت اعتماد الإمامين (عليهما السلام) عليهم في إيصال أحاديثهم وأفكارهم إلى الناس دون زيف أو تشويه ، والذين نقلوا عنهما - بدون واسطة - أكثر الأحاديث المعتمدة من قبل فقهاء المسلمين في استنباط الأحكام الشرعية.
اشتمل الكتاب على قسمين : ترجمة حياة هذه الصفوة ، وتدوين كل الأحاديث المروية عنها في شتى أبواب الفقه والمعارف الإسلامية.
صدر الجزء 1 بعنوان مسند محمد بن مسلم الثقفي شاملا روايات هذا الحواري الجليل في أبواب العبادات ، فيما شمل هذان الجزءان مروياته في أبواب المعاملات والعقائد.
نشر : مؤسسة أنصار الحسين (عليه السلام)
ص: 497
الثقافية - قم.
* موسوعة أحاديث أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام ، ج 1.
تأليف : الهيئة العلمية في مؤسسة نهج البلاغة.
موسوعة تضم أحاديث وأقوال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، والمتضمنة : أقواله المفسرة للآيات القرآنية ، خطبه ، ومواعظه ووصاياه ، وكل ما روي عنه (عليه السلام) ، والتي لا تكاد تخلو منها كتب الحديث والفقه والتاريخ والأدب والتفسير المعروفة عند كافة المسلمين ، ثم تبويبها حسب مواضيع مختلفة.
إذ شمل هذا الجزء ما روي عنه بشأن الإمام المهدي عجل الله فرجه ، من أحاديث وأقوال وتفسيرات وروايات : اسمه وصفته ، وأنه من أهل البيت (عليهم السلام) ، ومن ولد علي (عليه السلام) ، ومن ولد فاطمة (عليها السلام) ، ومن ولد الحسين (عليه السلام) ، ومن الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ، غيبته ، ومحن الشيعة فيها ، والمهدي في القرآن ، وفي نهج البلاغة ، وأحوال السفياني ، والدجال ، ومجريات الأحداث قبل ظهوره ، وحين ظهوره المقدس ، وبعده ، ثم حكومته في الأرض ، وختم الدين به عجل الله تعالى فرجه الشريف.
نشر : مؤسسة نهج البلاغة - طهران / 1416 ه.
* البحوث الرجالية والكلامية والأصولية في مجمع الفائدة والبرهان وزبدة البيان.
ثلاثة كتب في مجلد واحد ، ضمت بحوثا تخص كتابي مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان وزبدة البيان في أحكام القرآن لمصنفهما الشيخ أحمد المقدس الأردبيلي ، المتوفى سنة 993 ه.
الأول ، لماجد الغرباوي : دراسة وفرز للأبحاث الرجالية المبثوثة في الأجزاء ال 14 للكتاب الأول ، المتضمنة فوائد المصنف ومبانيه الرجالية ، ورأيه بشأن الرجال المذكورين في الكتاب - حسب الحروف الهجائية - ، وتعليقاته على الطرق والأسانيد الواردة فيه.
والثاني ، للشيخ إبراهيم الأنصاري
الزنجاني : شمل المباحث الكلامية الواردة في الكتابين.
والثالث ، للسيد جواد شيخ الإسلامي : تناول بحوث أصول الفقه الواردة في الكتابين.
نشر : مؤتمر المقدس الأردبيلي ،
ص: 498
المنعقد في أردبيل إحياء لذكراه (قدس سره) / 1417 ه.
* معجم أعلام الشيعة ، ج 1.
تأليف : المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي (1348 - 1416 ه).
إعداد : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
كتاب رجالي ، يشتمل على تراجم لرجال من أعلام الشيعة ، وردت جلها في كتب رجال السنة دون كتب رجال الشيعة.
تتبعها السيد وجمعها - خلال مراجعاته لكتب التراجم والمعاجم - في مسودات ، مشيرا في بعضها إلى اسم المترجم ومصادر ترجمته فقط ، حالت وفاته (رحمه الله) دون إتمامها.
قامت المؤسسة بتهيئة وإعداد مسودات الجزء الأول هذا ، شاملا ما تم جمعه منها ، مرتبا هجائيا - من الألف إلى الياء - وإكمال نواقص بعضها ، وأصدرت الكتاب في الذكرى السنوية الأولى لرحيل السيد (قدس سره).
نشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم / 1417 ه.
* تنبيهات حول المبدأ والمعاد.
تأليف : الميرزا حسن علي مرواريد.
كتاب معني بدراسة المعتقد الإسلامي في التوحيد والصفات ، وخلق الروح الإنسانية ، وأفعال الإنسان ، والمصير والعودة إلى الله سبحانه وتعالى ، وما يتصل به من فروع وتفصيلات.
يشتمل على بعض الأمور الاعتقادية المرتبطة بمعرفة الحق جل وعلا ، ومعرفة النفس التي فيها معرفة الرب جلت عظمته.
تم الوصول إليها استنارة بالآيات القرآنية الكريمة ، وبما روي عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) ، في بيان الحقائق ووجوه الاستدلال.
نشر : مجمع البحوث الإسلامية - مشهد / 1416 ه.
* ألف حديث في المؤمن.
تأليف : الشيخ هادي النجفي.
جمع لألف من الأحاديث والرويات - من المصادر الحديثية المعروفة - الواردة عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن الأئمة (عليهم السلام) ، في المؤمن : صفاته ، وعمله ، ومعاملاته مع إخوانه المؤمنين ، وما يجب له ، وما يجب عليه.
تم تصنيف الأحاديث في 224 عنوانا حسب مواضيعها المختلفة ، وترتيب هذه
ص: 499
العناوين على حروف المعجم.
كما تم ذكر أسانيد الروايات والتنبيه على الصحيح والموثق والمعتبر منها.
نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم / 1416 ه.
* المحقق الطباطبائي في ذكراه السنوية الأولى ، ج 1 - 3.
إعداد : اللجنة التحضيرية لإحياء الذكرى السنوية الأولى لرحيله (قدس سره).
كتاب في ثلاثة أقسام ، صدر في الذكرى السنوية الأولى لرحيل المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي (1348 - 1416 ه).
اشتمل على مقالات عديدة لمحققين وباحثين ، تحدثوا فيها عن ذكرياتهم مع السيد وانطباعاتهم عنه نتيجة علاقاتهم الشخصية به ، وتأثرهم لفقده ، وقصائد شعرية لشعراء وخطباء ، أبنته ورثته وأرخت لوفاته ، وحوارات ولقاءات أجريت معه أيام حياته ، وعملين من أعماله ، أعدتهما اللجنة التحضيرية : الأول مستل من كتابه أهل البيت في المكتبة العربية مع إضافات وتصحيحات أجراها السيد قبل رحيله.
والآخر لم ينشر سابقا.
خصص القسم الثالث من الكتاب لمقالات - في نفس المضامين - باللغة الفارسية.
نشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم / 1417 ه.
* نظرة إلى الغدير.
اقتباس وتلخيص لبعض البحوث المهمة ، التي تضمنها كتاب الغدير في الكتاب والسنة والأدب للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي (1220 - 1390 ه) ، الذي يعد موسوعة علمية ودينية وتاريخية وأدبية وأخلاقية - في 11 جزءا - ، شاملة ما يخص واقعة الغدير التي جرت في 18 ذي الحجة سنة 10 ه ، وإعلان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاية أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في ذلك اليوم ، والمتضمنة كذلك تراجم كثير من رجالات العلم والدين والأدب ممن صنفوا أو نظموا ، شعر في هذه الواقعة.
طبع الكتاب مرارا وفي أكثر من مكان.
تضمنت هذه النظرة خمسة فصول في بابها الأول لمباحث : الشعر والشعراء ، واقعة الغدير ، العناية بحديث الغدير ، مفاده ، شعراء الغدير ، مع ذكر 1400 بيتا
ص: 500
شعريا ل 40 فقط من رجال العلم والدين والأدب.
فيما ضم بابها الثاني : فهرس ترتيبي مفصل لمواضيع موسوعة «الغدير».
إعداد وتنسيق : الشيخ علي أصغر المروج الخراساني.
نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم / 1416 ه.
* مسند محمد بن مسلم الثقفي.
جمع وترتيب : الشيخ بشير المحمدي المازندراني.
جمع لما رواه أحد أكابر الحفاظ والمحدثين وأحد وجوه الشيعة الإمامية في الكوفة ، وهو «محمد بن مسلم الثقفي الطائفي» (8 - 150 ه) المعروف بالأوقص ، الذي صحب الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام) ، ونقل عنهما الشئ الكثير من علومهما ، وكان له دورا كبيرا في نقل حديث أهل البيت (عليهم السلام) ونشر معارفهم ، والذي وردت في مدحه وتعريف منزلته الكبيرة - مع نظرائه - أحاديث وروايات عديدة.
تم ترتيب روايات هذه المسند وفق الكتب الفقهية.
نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم / 1416 ه.
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تأليف : الشيخ نوري حاتم.
دراسة في قسمين ، تناول الأول منهما الجوانب الفقهية لهذه الفريضة ، مستعرضا بعض الآراء في حسن المعروف وقبح المنكر ، وأنهما واجب عقلي أم شرعي.
متعرضا لمبدأ التقية ، ومواردها ، وحالات ضرورتها ، وبيان مدى ارتباطها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ببيان موقعها في فقه أهل البيت (عليهم السلام).
ثم تحديد شروط الأمر والنهي ، ومراتبهما ، والبحث في مسألة الخروج على الحاكم الفاسق امتثالا لهما ، وأدلة جوازه ، وجوبه ، منعه.
فيما تناول الآخر قضايا فكرية عامة ، اشتملت على دوافع وأهداف الأمر والنهي والدور الذي يفترض أن يقوم به الفرد والمجتمع والحكومة في تطبيقهما ، والأسباب المتوقعة لعدم العمل بهما.
صدر في قم مؤخرا.
ص: 501
* فهارس مجمع الفائدة والبرهان.
إعداد : إسماعيل الموسوي ، علي رضا برازش.
مجموعة من الفهارس الفنية لكتاب مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان لمصنفه الشيخ أحمد المقدس الأردبيلي المتوفى سنة 993 ه ، والذي صدر - محققا - سابقا في 14 جزءا ، والمعد من أحسن الشروح وأجمعها فوائد لكتاب إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان للعلامة الحلي ، الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (648 - 726 ه).
اشتملت هذه الفهارس على : الآيات القرآنية ، الأحاديث ، الأعلام ، الكتب ، الأماكن والبقاع ، الأطعمة ، المعادن ، الأوزان ، الوقائع والأيام اللباس والزينة ، الحيوانات ، الفرق والمذاهب ، الأشعار ، ومصادر التحقيق.
نشر : مؤتمر المقدس الأردبيلي ، المنعقد في أردبيل إحياء لذكراه (قدس سره) / 1417 ه.
* سلامة القرآن من التحريف.
إصدار : مركز الرسالة.
بحث موضوعي لمسألة تحريف القرآن - بالزيادة أو النقصان يثبت سلامته منها بالأدلة والبراهين الواضحة والمتقنة ، تضمن : معنى التحريف وأنواعه ، وأدلة نفيه ، نماذج من روايات التحريف في كتب الشيعة وكتب أهل السنة ، وأقوال وآراء علماء الفريقين في ردها أو تأويلها.
وعرضا لمراحل جمع القرآن ، مبينا تناقض الأخبار الواردة بجمعه في عهد أبي بكر وعمر وعثمان ، ومخالفتها لأدلة جمعه في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
موضحا عدد من الشبهات التي يحاول بعض أن يثيرها ليستدل بها على اتهام الشيعة بالقول بتحريف القرآن.
صدر ضمن : سلسلة المعارف الإسلامية ، برقم 2.
نشر : مركز الرسالة - قم / 1417 ه.
ص: 502