تراثنا المجلد 37

هوية الکتاب

المؤلف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم

الطبعة: 0

الموضوع : مجلّة تراثنا

تاریخ النشر : 1414 ه.ق

الصفحات: 254

ص: 1

الفهرس

*علم الأئمّة بالغیب ... والاعتراض علیه بالإلقاء إلی التهلکة ، والإجابات عنه عبر التاریخ.

.............................................. السیّد محمّدرضا الحسینی الجلالی 7

*تشیید المراجعات وتفنید المکابرات (2).

............................................... السیّد علیّ الحسینی المیلانی 108

*نهج البلاغة عبر القرون (6).

.................................................. السیّد عبدالعزیز الطباطبائی 152

ص: 2

* إحیاء التراث .. لمحة تاریخیة سریعة حول تحقیق التراث ونشره ، وإسهام ایران فی ذلک (2).

................................................... الشیخ عبدالجبّار الرفاعی 188

*من ذخائر التراث :

*عروض البلاء علی الأولیاء - للسیّد الخراسانی.

...................................... تقدیم : السیّد محمّدرضا الحسینی الجلالی 215

*من أنباء التراث

................................................................ هیئة التحریر 245

* * *

________________

*صورة الغلاف : الورقة الاُولی من إحدی مخطوطات کتاب قواعد الاحکام للعلّامة الحلّی (648 - 726 ه) الذی تقوم مؤسّستنا بتحقیقه ، بالاعتماد علی عدّة نسخ مخطوطة.

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

علم الأئمة بالغیب والاعتراض علیه بالإلقاء إلی التهلکة والإجابات عنه عبر التاریخ

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین الذی بنعمته تتم الصالحات ، وترفع الدرجات ، وأفضل السلام وأکمل الصلاة علی سید الکائنات وأشرف الموجودات ، محمد صاحب المعجزات الباهرات ، وعلی الأئمة المعصومین من آله ذوی الکرامات والحجج البینات.

وبعد :

فإن الإسلام یمر فی هذه الأیام بظروف صعبة إذ استهدف الکفار والملحدون قرآنه ، وکرامته ، وسنته ، وأولیاءه ، وأمته ، بأنواع من التزییف والتهجین والقذف والهتک والاتهام ، لتشویه سمعته وصورته بین شعوب العالم ، ولزعزعة الإیمان به فی قلوب معتنقیه والحاملین لاسمه ، خصوصا ذوی المعلومات السطحیة ، والدراسة القلیلة ، والاطلاع المحدود ، ومن المغفلین عن حقائق العلم والدین.

وقد استخدم أعداء الإسلام أحدث الأسالیب والأجهزة والأدوات ، فی هذا الغرض الخبیث.

السیّد محمّدرضا الحسینی الجلالی

ص: 7

ومن ذلک بعث المنبوذین ممن لجأ إلی أحضان أعداء الإسلام ، وتعمم بالیأس والقنوط من أن یصل إلی منصب أو مقام بین أمة الإسلام ، وتعهدوا له أن ینفخوا فی جلده ، ویکبروا رأسه ، ویصفوه بما یشتهی ویشتهون ، وقدموه وکتاباته إلی أمة الإسلام وقد ملأها بالهراء والسفسطة والکتابة الهزیلة الزائفة ضد عقائد الأمة وشریعتها ومصادر الإسلام ومقدساته ، باسم الاصلاح ، وباسم نقد العقل ، وباسم الصیاغة الجدیدة ، وباسم الإعادة لدراسة المعرفة ، وباسم التصحیح ، وباسم القراءة الجدیدة!

إن کل هذه الأسماء هی لمسمی واحد هو : (تشویه الإسلام) وإعطاء صورة تشکیکیة لفکره وشریعته ومصادره ، وبأقلام وعقول قاصرة عن درک أبسط المعانی ، سوی التلاعب بالألفاظ ، وتسطیر المصطلحات من دون وضعها فی مواقعها ، بل باستخدامها فی خلاف مقاصدها.

إن الاستعمار البغیض وأیدیه العمیلة ، یتصورون أن بإمکانهم زعزعة الإیمان بالإسلام فی قلوب الأمة الإسلامیة ، التی فتحت عیونها فی هذا القرن ، علی کل ألاعیب الأعداء وأسالیب عملهم ، وخاصة باستخدام هذه العناصر البغیضة.

وقد نشرت فی الآونة الأخیرة کتابات هزیلة حول علم الأئمة علیهم السلام بما أقدموا علیه فی حیاتهم ، فأصابهم علی أثر ذلک القتل والسجن وأنواع البلاء والإیذاء من الأعداء.

فرأینا أن ننشر هذا البحث لیکون مبینا لحقیقة الأمر ، وردا حاسما علی مزاعم الزیف الواردة فی تلک الکتابات ، وهو یستوعب العناوین التالیة :

*أصل المشکلة.

*تحدید محاور البحث العامة وعلم الغیب.

*صیغ الاعتراض عبر التاریخ :

1 - فی عصر الإمام الرضا علیه السلام (ت 203 ه).

ص: 8

2 - فی عصر الکلینی رحمه الله (ت 329 ه).

الجواب عن الاعتراضات علی الکافی.

3 - فی عصر الشیخ المفید رحمه الله (ت 413 ه).

4 - فی عصر الشیخ الطوسی رحمه الله (ت 460 ه).

5 - فی عصر الشیخ ابن شهرآشوب رحمه الله (ت 588 ه).

6 - فی عصر الشیخ العلامة الحلی رحمه الله (ت 726 ه).

7 - فی عصر الشیخ المجلسی رحمه الله (ت 1110 ه).

8 - فی عصر الشیخ البحرانی رحمه الله (ت 1186 ه).

9 - مع السید الخراسانی رحمه الله فی القرن السابق (ت 1368 ه).

10 - فی هذا القرن.

*خلاصة البحث

والمرجو من الله أن یأخذ بأیدینا إلی ما فیه رضاه ، وأن یفیض علینا من فضله وبره وإحسانه ، إنه کریم وهاب.

وکتب

السید محمد رضا الحسینی

20 جمادی الآخرة 1415 ه

قم المقدسة.

ص: 9

أصل المشکلة ووجه الاعتراض

الإمامة هی خلافة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فی أداء المهام التی کانت علی الرسول.

فلا بد أن یتمیز الإمام بکل ما یمکن من ممیزات الرسول : من العصمة ، والعلم ، والکمال ، وسائر الصفات الحمیدة ، وأن یتنزه عن کل الصفات الذمیمة والمشینة.

وقید (ما یمکن) هو لإخراج میزة (الرسالة والبنوة) فإنها خاصة بالرسول المصطفی ، والمبعوث بها من الله ، والمختار لهذا المقام العظیم ، لقیام الأدلة - کتابا وسنة - علی أنه صلی الله علیه وآله وسلم خاتم النبیین ، وأنه لا نبی بعده.

وقد أشبع علماء الکلام - فی کتبهم - البحث والاستدلال علی ما ذکرناه جملة وتفصیلا ، بما لا مزید علیه.

وفی بحث (العلم) التزم الشیعة الإمامیة بأن النبی لا بد أن یکون عالما بکل ما تحتاج إلیه الأمة ، لأن الجهل نقص ، ولا بد فی النبی أن یکون أکمل الرعیة ، حتی یستحق الانقیاد له ، واتباع أثره ، وأن یکون أسوة.

وکذا الإمام ، لا بد أن یکون عالما - بنحو ذلک - حتی یستحق الخلافة عن النبی فی الانقیاد له ، واتباع أثره ، ولکی یکون أسوة.

وبعد هذا ، وقع البحث فی دائرة (العلم الذی یجب أن یتصف به النبی والإمام).

هل هو العلم بالأحکام فقط؟

أو یعم العلم بالموضوعات الخارجة ، وسائر الحوادث الکونیة ، بما فی ذلک المغیبات المغیبات ، الماضیة والمستقبلة؟

ص: 10

فالتزام الإمامیة بإمکان هذا العلم بنحو مطلق ، وعدم تخصیصه أو تقییده بشئ دون آخر من المعلومات ، فی أنفسها ، إلا ما دلت الأدلة القطعیة علی إخراجه.

واعترض هذا الالتزام بوجهین :

الاعتراض الأول :

أن علم الغیب خاص بالله تعالی ذکره ، لدلالة الآیات العدیدة علی ذلک.

مثل قوله تعالی : ( قل لا یعلم من فی السماوات والأرض الغیب إلا الله ) الآیة (65) من سورة النمل (27) وهی مکیة.

وقوله تعالی : ( فقل إنما الغیب لله ... ) الآیة (20) من سورة یونس (10) وهی مکیة.

وقوله تعالی : ( وعنده مفاتح الغیب لا یعلمها إلا هو ) الآیة (59) من سورة الأنعام (6) وهی مکیة.

وقد وصف الله نفسه جل ذکره بأنه (عالم الغیب) فی آیات أخری : منها قوله تعالی : ( عالم الغیب والشهادة وهو الحکیم الخبیر ) الآیة (73) من سورة الأنعام (6) وهی مکیة.

وقوله تعالی : ( ثم تردون إلی عالم الغیب والشهادة ) الآیة (94) من سورة التوبة (9) وهی مدنیة.

وقوله تعالی : ( عالم الغیب والشهادة الکبیر المتعال ) الآیة (9) من سورة الرعد (13) وهی مدنیة.

وقوله تعالی : ( عالم الغیب فلا یظهر علی غیبه أحدا ) الآیة (26) من سورة الجن (72) وهی مکیة.

ص: 11

الاعتراض الثانی :

أن الرسول والإمام إذا کان یعلمان الغیب ، فلا بد أن یعرفا ما یضرهما ویسوءهما ، والعقل والشرع یحکمان بوجوب الاجتناب والابتعاد عما یسوء ویضر ، بینما نجد وقوع النبی والإمام فی ما أضرهما وآذاهما.

وقد جاء التصریح بهذه الحقیقة علی لسان النبی فی قوله تعالی : ( ولو کنت أعلم الغیب لاستکثرت من الخیر ، وما مسنی السوء ، إن أنا إلا نذیر وبشیر لقوم یؤمنون ) الآیة (188) من سورة الأعراف (7) وهی مکیة.

ولو کان الأئمة یعلمون الغیب ، لما أقدموا علی أعمال أدت إلی قتلهم وموتهم ، وورود السوء علیهم :

کما أقدم أمیر المؤمنین علی الذهاب إلی المسجد لیلة ضربه ابن ملجم ، فمات من ضربته.

وکما أقدم الحسین علیه السلام علی المسیر إلی کربلاء ، حیث قتل وسبیت نساؤه ، وانتهب رحله.

فإن کل ذلک - لو کان مع العلم به - لکان من أوضح مصادیق الالقاء للنفس فی التهلکة ، الذی نهی عنه الله فی قوله تعالی : ( ولا تلقوا بأیدیکم إلی التهلکة ، وأحسنوا إن الله یحب المحسنین ) الآیة (195) من سورة البقرة (2).

وقد أثیر هذا الاعتراض الثانی قدیما جدا ، حتی أنا نجده معروضا علی الأئمة علیهم السلام أنفسهم ، ونجده مطروحا فی القرون التالیة مکررا ، وقد تعددت الإجابات عنه کذلک عبر القرون.

وقد حاولنا فی هذا البحث أن نسرد الاعتراض بصیغة المختلفة ، ونذکر الإجابات عنه کذلک.

ص: 12

تحدید محور البحث بین الاعتراضین

وفی البدایة لا بد من التنبیه علی أمور :

الأمر الأول :

إن الاعتراض الثانی إنما یفرض ویکون واردا وقابلا للطرح والمناقشة ، فیما إذا التزم بالفراغ عن الاعتراض الأول ، وکان المعترض بالثانی ملتزما بأن الرسول والإمام یعلمان الغیب ، فیکون إقدامهما علی موارد الخطر إلقاء للنفس فی التهلکة.

وإلا ، فإن لم یقل بأنهما یعلمان الغیب ، فإن الإقدام لا محذور فیه ولیس من الالقاء فی التهلکة ، لأن غیر العالم بالخطر معذور فی الإقدام علیه.

فنفس اللجوء إلی الاعتراض الثانی وفرض وروده دلیل علی ثبوت الالتزام بفکرة العلم بالغیب لدی المعترض ، خصوصا مع عدم المناقشة بالاعتراض الأول ، کما هو المفروض فی صیغ الاعتراض الثانی منذ عصور الأئمة علیهم السلام.

وهذا یدل علی أن فکرة (علم الأئمة بالغیب) مفروضة عند السائلین ، ولا اعتراض لهم علیها ، وإنما أرادوا الخروج من الاعتراض الثانی فقط.

أو علی الأقل فرض التسلیم به ، والاعتراف به ولو جدلا ، حتی یکون فرض الاعتراض الثانی ممکنا.

وإلا ، لکان اللازم ذکر الاعتراض الأول ، الذی بتمامیته ینتفی اعتقاد (علم الغیب) وبذلک لا یبقی للاعتراض الثانی مجال.

ص: 13

الأمر الثانی :

ویظهر من الإجابات المذکورة التی تحاول توجیه مسألة الإقدام علی ما ظاهره الخطورة والتهلکة ، هو الموافقة علی أصل فکرة علم الأئمة بالغیب ، وعدم إنکار فرضه علی السائلین.

ومن المعلوم أن التوجیه إنما یلجأ إلیه عندما یکون أصل السؤال مقبولا ، وغیر منکر.

وإلا ، فإن الأولی فی الجواب هو نفی الأصل وإنکاره وعدم الموافقة علی فرض السؤال صحیحا.

وهذا الأمر واضح اشتراطه فی المحاورات والمباحثات.

الأمر الثالث :

إن الإمامة إذا ثبتت لأحد ، فلا بد أن تتوافر فیه شروطها الأساسیة ، ومن شروطها عند الشیعة الإمامیة : العصمة ، وهی تعنی الامتناع عن الذنوب والمعاصی بالاختیار ، ومنها العلم بالأحکام الشرعیة تفصیلا.

فمن صحت إمامته ، واستجمع شرائطها ، لم یتصور فی حقه أن یقدم علی محرم کإلقاء النفس فی التهلکة ، المنهی عنه فی الآیة.

وحینئذ لا بد أن یکون ما یصدر منه مشروعا.

فلا یمکن الاستناد إلی (حرمة الالقاء فی التهلکة) لنفی علم الغیب عنه ، لأن البحث عن علمه بالغیب إنما یکون بعد قبول إمامته ، وهی تنفی عنه الإقدام علی الحرام.

وهذا یعنی أن ما یقدم علیه هو حلال مشروع ، سواء علم الغیب أم لم یعلمه!

فلا یمکن نفی علمه بالغیب ، بفرض حرمة الالقاء فی التهلکة علیه.

ص: 14

ومن هنا توصلنا إلی أن الاعتراض الثانی - وهو (أداء الالتزام بعلم الأئمة للغیب إلی إلقائهم بأیدیهم إلی التهلکة) - اعتراض - لا یصدر ممن یعتقد بإمامة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام ، ویلتزم بشرائط الإمامة الحقة المسلمة الثبوت فی کتب الکلام والإمامة.

وما یوجد من صور الاعتراض فی تراثنا العلمی إنما هو افتراض بغرض دفع شبه المخالفین ، ورد اعتراضاتهم.

الأمر الرابع :

إن بعض أدعیاء العقل ونقده ، قد انبری للتطفل علی الکتب والکتابة ، وعلی التراث ومصادره القدیمة ، بادعاء الإعادة لقراءتها ، فعرض هذا البحث بشکل مشوه ینم عن جهل بأولیات المعرفة الإسلامیة ، وقصور فی فهم أبسط نصوصه ، وعرض مشبوه لها لإقدامه علی بتر المتون ، واقتصاره علی الجمل والعبارات التی توحی بغرضه علی حد زعمه ، مع ارتباک فی العرض واضطراب فی البحث واستخدام لأسلوب القذف والسب!

ولیس کل هذا ولا بعضه من شأن طالب للعلم ، فضلا عمن یدعی العقل ونقده ، والمعرفة وإعادتها!

ومن الخبط الجمع بین الالتزام بالاعتراضین فی عرض واحد ، وبصورة متزامنة ، فإن من غیر المعقول أن یحاول أحد أن ینفی عن الأئمة علم الغیب زاعما منافاة ذلک للعقل ویحاول الاستدلال بالآیات الکریمة التی ذکرنا بعضها فی صدر هذا البحث.

غافلا عن دلالة هذه الآیات علی اختصاص علم الغیب بذات الله تعالی ، مسلمة عند جمیع المسلمین ، شیعة وأهل سنة ، ولم یختلف فی ذلک اثنان ، ولیس موضع بحث وجدل حتی یحتاج إلی إثبات ونقاش ، ولم یدع أحد أن غیر الله تعالی یمکنه بصورة مستقلة العلم بالغیب.

ص: 15

وإنما یقول الشیعة بأن الله تعالی أوحی إلی نبیه من أنباء الغیب ، وقد أخبر عن ذلک فی قوله تعالی : ( ذلک من أنباء الغیب نوحیه إلیک ... ) الآیة (44) من سورة آل عمران (3) وهی مدنیة.

وقد استثنی الرسول ممن لا یظهر علی الغیب ، فقال تعالی : ( عالم الغیب فلا یظهر علی غیبه أحدا إلا من ارتضی من رسول ... ) الآیتان (25 و 26) من سورة الجن (72) وهما مکیتان.

فبالإمکان إذن صدور الغیب الإلهی إلی غیر الله تعالی ، لکن بإذنه تعالی وبوحیه وإلهامه.

وقد ثبت بطرق مستفیضة أن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم أخبر علیا وأهل البیت علیهم السلام بذلک ، وقد توارثه الأئمة علیهم السلام ، فهو مخزون عندهم.

وقد عنون الشیخ المفید رحمه الله لباب فی (أوائل المقالات) نصه : (القول فی علم الأئمة علیهم السلام بالضمائر والکائنات ، وإطلاق القول علیهم بعلم الغیب ، وکون ذلک لهم فی الصفات) قال فیه :

وأقول : إن الأئمة من آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم قد کانوا یعرفون ضمائر بعض العباد ، ویعرفون ما یکون قبل کونه.

ولیس ذلک بواجب فی صفاتهم ، ولا شرطا فی إمامتهم ، وإنما أکرمهم الله تعالی به ، وأعلمهم إیاه للطف فی طاعتهم والتمسک بإمامتهم.

ولیس ذلک بواجب عقلا ، ولکنه وجب لهم من جهة السماع.

فإما إطلاق القول علیهم بأنهم یعلمون الغیب! فهو منکر بین الفساد ، لأن الوصف بذلک إنما یستحقه من علم الأشیاء بنفسه لا بعلم مستفاد ، وهذا لا یکون إلا لله عزوجل.

وعلی قولی هذا جماعة أهل الإمامة إلا من شذ عنهم من المفوضة ومن

ص: 16

انتمی إلیهم من الغلاة (1).

وقد أثبت الشیخ المفید الروایات المنقولة بالسمع والدالة علی علم الأئمة علیهم السلام بالمغیبات - والتی هی دلائل علی إمامتهم واستحقاقهم للتقدیم - فی کتاب (الإرشاد) فی أحوال کل إمام ، فلیراجع.

فنسبة القول بأن الأئمة یعلمون الغیب ، بالإطلاق إلی الشیعة ، ومن دون تفسیر وتوضیح بأنه بتعلیم الرسول الآخذ له من الوحی ، أو بالإلهام والإیحاء والقذف فی القلب ، والنظر بنور الله ، کما جاء فی الخبر عن المؤمن أنه ینظر بنوره تعالی ، فهی نسبة ظالمة باطلة یقصد بها تشویه سمعة هذه الطائفة المؤمنة التی أجمعت علی اختصاص علم الغیب بالله تعالی ، تبعا لدلالة الآیات الکریمة ، والتزمت بما دلت علیه الآیات الأخری من إیصال ذلک العلم إلی الرسول ، وما دلت علیه الآثار والأخبار من وصول ذلک العلم إلی الأئمة.

فلم یکن فی تلک النسبة الظالمة إلا التقول علی الشیعة ، مضافا إلی کشفها عن الجهل بأفکار الطائفة وعقائدها ومبادئها.

فکیف یحق لمثل هذا المغرض المتقول أن یتدخل فی إعادة قراءة التراث الشیعی؟!

ومع أنه التزم بنفی علم الغیب عن الرسول والأئمة :

فهو یحاول أن یورد الاعتراض الثانی أیضا - فی عرض الاعتراض الأول - بأن فی أفعال الرسول والأئمة ما هو من الالقاء فی التهلکة ، وفی ما أصابهم علی أثر إقدامهم کثیر من السوء الذی وقعوا فیه.

وحاول جمع ما یدل علی ذلک مما أصاب الرسول وأهل البیت طول حیاتهم ، مؤکدا علی أن ذلک هو من (السوء) ومن (الهلکة).

مع أنه بعد إصراره علی نفی علم الغیب عنهم لم یکن عملهم إقداما

ص: 17


1- 1. أوائل المقالات : 67 ، وسیأتی نقل رأی المفید فی مسألة الالقاء فی التهلکة تفصیلا.

علی الهلکة ، فیجب أن لا یحاسبوا علی الإقدام علیها ، أو ینهوا عن الالقاء فیها ، لأن الجاهل بالشئ لا یحاسب علیه ، ولا یکلف بالاجتناب عنه ودفعه.

الأمر الخامس :

أن تسمیة الفعل الذی یقدم علیه الفاعل المختار سوء أو هلکة إنما یتبع المفسدة الموجودة فی ذلک الفعل ، فإذا خلا الفعل فی نظر فاعله عن المفسدة ، أو ترتبت علیها مصلحة أقوی وأهم فی نظره من المفسدة ، لم یسم سوء ولا هلکة.

فلیس لهذه العناوین واقعا ثابتا حتی یقال : إن ما أقدم علیه الأئمة هو سوء وهلکة ، بل هی أمور نسبیة تتبع الأهداف والأغراض والنیات ، بل یراعی فی تسمیتها الأهم ، فرب نفع فی وقت هو ضرر فی آخر ، ورب ضرر لشخص هو نفع لآخر.

قال تعالی : ( وعسی أن تکرهوا شیئا وهو خیر لکم ، وعسی أن تحبوا شیئا وهو شر لکم ) الآیة (216) من سورة البقرة (2).

وقال تعالی : ( فعسی أن تکرهوا شیئا ویجعل الله فیه خیرا کثیرا ) الآیة (19) من سورة النساء (4).

هذا فی المنظور الدنیوی المادی ، وأما فی المنظار الإلهی والمثالی ، وعالم المعنویات ، فالأمر أوضح من أن یذکر أو یکرر.

فهؤلاء الأبطال الذین یقتحمون الأهوال ، ویسجلون البطولات فی سبیل أداء واجباتهم الدینیة والعقیدیة ، أو الوطنیة والوجدانیة ، أو الشرف إنما یقدمون علی ما فیه فخرهم ، مع أنهم یحتضنون (الموت) ویعتنقون (الفناء) لکنه فی نظرهم (الحیاة) و (البقاء).

کما أن المجتمعات تمجد بأبطالها وتخلد أسماءهم وذکریاتهم ، لکونهم المضحین من أجل الأهداف السامیة ، ولیس هناک ما یسمی ذلک (هلاکا) أو

ص: 18

(سوء) إلا الساقط عن الصعود إلی مستوی الادراک ، وفاقد الضمیر والوجدان من المنبوذین.

دون الذین استبسلوا فی میادین الجهاد فی الحروب والنضالات الدامیة ، الساخنة أو الباردة ، ومن أجل إعلاء کلمة الله فی الأرض ، أولئک الذین قال عنهم الله أنهم : ( ... أحیاء عند ربهم یرزقون * فرحین بما آتاهم الله من فضله ویستبشرون بالذین لم یلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف علیهم ولا هم یحزنون * یستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا یضیع أجر المؤمنین ) الآیات (169 - 171) من سورة آل عمران (3).

هؤلاء الذین (قتلوا) فی سبیل الله.

ولا بد أن الشهداء قد قصدوا الشهادة وطلبوها وأرادوها ، إذ لا یسمی من لا یریدها (شهیدا) وهیهات أن یعطاها من یفر منها ، مهما کان مظلوما ، وکان قتله بغیر حق.

إن المسلم إذا اقتحم میدانا بهدف إحقاق الحق أو إبطال الباطل ثم أصابه ما لا یتحمل إلا فی سبیل الله ، أو أدرکه القتل ، وهو قاصد للتضحیة ، فإن ذلک لیس سوء ولا شرا ، بل هو خیر وبر ، بل هو فوق کل بر ، ولیس فوقه بر ، کما نطق به الحدیث الشریف عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : (إن فوق کل بر بر حتی یقتل الرجل فی سبیل الله).

فلا یدخل مثل هذا فی (التهلکة) التی نهی الله عنها فی الآیة ، بل هو من (الاحسان) الذی أمر الله به فی ذلک تلک الآیة فقال تعالی : ( ولا تلقوا بأیدیکم إلی التهلکة ، وأحسنوا إن الله یحب المحسنین ) الآیة (195) من سورة البقرة (2).

والشهادة هی إحدی الحسنیین - النصر أو الشهادة - فی قوله تعالی : ( قل هل تربصون بن إلا إحدی الحسنیین ... ) الآیة (52) من سورة التوبة (9).

وإذا لم یصح إطلاق (السوء) علی ما أصاب النبی والإمام ، من البلاء ،

ص: 19

فی سبیل الله ، وعلی طریق الرسالة والإمامة ، ومن أجل إعلاء کلمة الله ، والدفاع عن الحق ، ودحر الباطل ، فلیس الاستدلال بقوله تعالی : ( قل لا أملک لنفی نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو کنت أعلم الغیب لاستکثرت من الخیر وما مسنی السوء إن إنا إلا نذیر وبشیر لقوم یؤمنون ) الآیة (188) من سورة الأعراف (7) وهی مکیة.

لیس الاستدلال بهذه الآیة علی نفی علم الغیب عن الرسول ، وإثبات أن السوء یمسه فهو لا یعلم به ، استدلالا صحیحا.

لفرض أن ما أصاب الرسول - وکذا الأئمة - فی مجال الدعوة والرسالة الإسلامیة وأداء المهام الدینیة ، لا یعبر عنه بالسوء ، کما أوضحناه.

وأما معنی الآیة المراد منها :

فیما أن (لو) حرف امتناع لامتناع ، فهی تدل علی أن امتناع کونه عالما ، بالغیب أدی إلی امتناع استکثاره من الخیر ، وامتناع أن لم یمسه السوء ، وذلک قبل اتصال الوحی به.

فغایة ما یدل علیه ظاهر الآیة أنه کان بالإمکان أن یمسه السوء ، ولم تدل الآیة علی أنه فعلا - وبعد نزول الوحی ، وفی المستقبل - لم یعلم الغیب ، ولم یستکثر من الخیر ، وسوف یمسه السوء.

فظاهر الآیة أن الامتناعین کانا فی الماضی ، لکون الأفعال مستعملة بصیغة الماضی ، وهی : (کنت) (واستکثرت) و (ما مسنی).

فهو تعبیر عن إمکان ذلک فی الماضی لعدم علمه بالغیب سابقا ، لا علی وقوع ذلک ، ولا علی عدم علمه به مستقبلا أو امتناع حصول الغیب له فی المستقبل وبعد اتصاله بالوحی ، فلا ینافی ذلک أن یکون فی المستقبل (یعلم بالغیب) - من خلال الوحی طبعا - وأنه (یستکثر من الخیر) وأنه (لا یمسه السوء).

ص: 20

کما دلت آیات أخری علی حصول الأفعال له :

فقال تعالی : ( ذلک من أنباء الغیب نوحیه إلیک ... ) الآیة (44) من سورة آل عمران (3).

وقال تعالی : ( إنا أعطیناک الکوثر ) الآیة (1) من سورة الکوثر (108).

وقال تعالی : ( ذلک لنصرف عنه السوء والفحشاء ... ) الآیة (24) من سورة یوسف (12).

مع أن ذیل الآیة - المستدل بها - وهو قوله تعالی : ( ... إن أنا إلا نذیر وبشیر لقوم یؤمنون ) یدل علی المراد من صدرها :

فإن مهمة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم منحصرة بالإنذار والتبشیر ، وإنما خصصهما (لقوم مؤمنین) لاعترافهم وقناعتهم بالنبوة وإیمانهم بأنباء الغیب الذی یأتی به وینذر به ویبشر به.

بینما غیر المؤمنین ، لا یقتنعون بهذا الغیب ، فماذا یرید النبی نفیه من الغیب فی صدر الآیة؟!

إنه ینفی عن نفسه العلم بالغیب الذی طلبوا معرفته منه بالاستقلال وبلا وحی ، معرفة ذاتیة لدنیة ، فإنهم کانوا یطالبونه بالإخبار عن علم الساعة ، کأسئلة امتحانیة یریدون إبکات النبی وإفحامه بها کما صرحت بذلک الآیة السابقة علی هذه والمرقمة (187) من سورة الأعراف ، فکان النفی وأراد علی (علم الغیب بالساعة) ومن غیر الوحی ، ولا من خلال الرسالة ، ومن دون أن تتعلق مشیئة الله أن یعلمه نبیه.

وإلا ، فنفس النبوة والإنذار والتبشیر ، هی من الغیب الذی جاء به ، ومدح المؤمنین بأنهم (یؤمنون بالغیب).

فلو دل دلیل علی عدم إخبار نبیه به ، مما اختص الله علمه بنفسه ، کأمر الروح ، وعلم الساعة ، وما نص - من الأمور - علی أن علمها عند الله ، فهو من العلم المکنون الخاص بالله تعالی.

ص: 21

وأما أمور - مثل علم النبی بموته - مما قامت الآثار والأخبار علی أن النبی والأئمة کانوا علی علم بها ، من خلال الوحی وإخباره ، وجبرئیل ونزوله ، والکتب السماویة وأنبائها.

فلیس فی الالتزام بذلک تحدیا لاختصاص علم الغیب بالله جل ذکره ، ولیس ذلک منافیا لکتاب أو سنة ، أو أصل ثابت ، أو فرع ملتزم به.

الأمر السادس :

ومن جمیع ما ذکرنا ظهر عدم صحة الاستدلال علی نفی علم الغیب عن الرسول والإمام بمحدودیة وجودهما الذی هو من الممکنات ، وعدم أزلیتها ، وعدم أبدیتها ، مع أن الغیب لا حدود له ، والمحدود لا یستوعب غیر المحدود - بحکم العقل - ولذلک اختص (علم الغیب) بالله تعالی الذی لا یحد.

وذلک لأن محدودیة النبی والإمام أمر لا ریب فیه ، ولا شبهة تعتریه ، وکذلک اختصاص علم الغیب بالله أمر قد أثبتناه ، ولم ینکره أحد من المسلمین ، کما ذکرناه.

لکن المدعی أن الله تعالی أکرمهم وخصهم بأنباء من الغیب ووهبهم علمها ، فبإذنه علموا ذلک ، وأصبح لهم (شهودا) وإن کان لغیرهم (غیبا) محجوبا.

وإنما اختصهم الله بذلک ، لقربهم منه بالعمل الصالح ، والنیة الصادقة ، وإحراز الإخلاص والتقوی ، والجد فی البذل والفداء.

ولم یعطوا ذلک بالجبر والإکراه ، بل من جهة امتلاکهم للسمات المؤهلة للوصول إلی الدرجات ، واستحقاق المقامات التی أثبتتها لهم الفتنة والابتلاء والامتحان والمعاناة الطویلة التی قاسوها فی مختلف مراحل وجودهم فی الحیاة.

إن أمر الاستبعاد والاستهوال لعلم الأئمة بالغیب الشامل للماضی

ص: 22

والحاضر والمستقبل ، سوف یهون إذا عرف لیس بالاستقلال ، بل بواسطة الوحی الإلهی المنزل علی قلب الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، ومن خلال الالهام لآله الأطهار.

وقد استفاضت الأحادیث والأخبار والآثار الدالة علی کثیر من ذلک ، حتی عدت من (دلائل النبوة) ومعاجز الرسالة ، وقد جمعتها کتب بهذا العنوان ، وتناقلتها الرواة وملئت بها الصحف.

فإذا اتفقت علیه عقول السامعین لتلک الأخبار ، وشاهدتها عیون الشاهدین لتلک الأحداث ، واستیقنتها قلوب المؤمنین بالغیب وبالرسالة المحمدیة.

فماذا علی ذلک من جحود عقل خامد؟!

وإذا بلغت الروایات الدالة علی (إنباء السماء بأنباء کربلاء) حد التواتر ، وذاعت وانتشرت ، حتی رواها الشیعة وأهل ألسنة ، وأثبتها المؤلفون فی کتب (دلائل النبوة) کأبی نعیم والبیهقی ، حتی عد من أعظم معاجز النبوة ، وأهم ما یصدقها.

فماذا علیها من عقل واحد أن ینکرها ، ولا یصدق بها؟!

هذا ما نقوله فی الجواب عن الاعتراض الأول.

وحاصله ثبوت علم الغیب للنبی والإمام من خلال الوحی والإلهام ، وهو الذی التزم به جمهور علماء الإمامیة ، ولم نجد فیه مخالفا قط ، إلا ظاهر من التزم بإثبات العلم بالإجمال ببعض الأمور دون التفصیل ، وسیأتی نقل کلامه ، ومناقشته.

ومن هنا فإن المحور الذی سنتحدث عنه إنما هو حول الاعتراض الثانی ، وسنستعرض صیغه عبر القرون ، ونذکر أشکال الإجابة عنه.

ص: 23

العامة ومسألة (علم الغیب) :

إن تفسیرنا لآیات الغیب الواردة فی القرآن الکریم ، لم تنفرد به الشیعة الإمامیة ، بل التزم به کثیر من علماء العامة من أهل السنة : مفسرین ، وفقهاء ، وعلماء کلام ، وغیرهم.

وقد ذکر العلامة الحجة المتتبع السید عبد الرزاق الموسوی المقرم ، مؤلف (مقتل الحسین علیه السلام) (1) أقوالهم بهذا الصدد.

====

ولد من والدین شریفین ، وفی بیت مزدان بالعلماء والصلحاء ، هاجر جد والده (السید قاسم ابن حسون ، من مدینة (الحسکة) إلی مدینة النجف ، فولد السید عبد الرزاق سنة 1316 ه فیها.

نشأ فی مکاتب العلم ، والمدارس الدینیة ، وحضر فی الدراسات العلیا بحوث المجتهدین : الشیخ محمد جواد البلاغی (ت 1352 ه) والسید أبو الحسن الأصفهانی (ت 1365 ه).

وساهم مع أستاذه البلاغی فی نشر کتبه التی ناضل فیها عن شریعة الإسلام کالرحلة المدرسیة ، والهدی إلی دین المصطفی.

واختص بالشیخ محمد حسین الأصفهانی (ت 1361 ه) فی دروس الفلسفة والکلام ، وصحبه طویلا ، وبرغبة من السید ، نظم الشیخ أرجوزته (الأنوار القدسیة) فی المعصومین الأربعة عشر علیهم السلام ، التی استأثرت بعواطف السید ، فکان یلازم تلاوتها ، ونثرها فی مواضع من کتبه ، وبالخصوص مقتله.

أخرج الکثیر من المؤلفات القیمة بقلمه الشریف ، وطبع منها بعض ما یتعلق بالمعصومین علیهم السلام وشخصیات علویة وإسلامیة ، وأشهر مؤلفاته (مقتل الحسین علیه السلام) الذی یعد من أغنی المقاتل مادة ، وأفضلها جمعا وترتیبا ، وقد حسم السید المقرم فیه کثیرا مما کان عالقا من البحوث والقضایا التاریخیة والنسبیة.

وکان السید المقرم عالما ، شریفا ، شدیدا الغیرة علی الدین والحق ، لا تأخذه فی الله لومة لائم ، یثار غیظا إذا وجد مخالفة أو فسادا أو استهتارا بالموازین والقیم ، وکان مهیبا ، زاهدا.

التقیت به مرات عدیدة فکان یبعث فی روح الهمة والجد ، والتسابق فی درجات العلم

ص: 24


1- 1. هو العلامة الفاضل ، والمتتبع المحقق ، والزاهد السید عبد الرزاق بن محمد.

وإلیک ما نقله السید المقرم بنصه ومصادره :

قال ابن حرج الهیثمی (هو المکی صاحب الصواعق المحرقة) :

لا منافاة بین قوله تعالی : ( قل لا یعلم من فی السماوات والأرض الغیب

====

والعمل ، وکان کثیر الترحاب بکل الشباب من أهل العلم تمتلئ نظراته بالأمل والتوقع أن نسعی ونستعد لخوض معارک العلم والعقیدة ، وکان یؤکد بکلامه اللطیف ما کان علیه الآباء والأجداد من مقامات عالیة فی العلم والتحقیق ، والورع والتقوی ، ویستحث اللحوق بهم ، مشفعا ذلک بالدعاء والبرکة ، متبعا حدیثه بابتسامة ظریفة.

وقد کنت حین ألتقیه ، أرجع بنفس ملیئة بالعزیمة ، متطلعة إلی العمل ، تواقة إلی العلم.

وهکذا کان السید المقرم یسعی فی سبیل الأهداف الکبری التی واصلها تبعا للأئمة علیهم السلام فی النضال ، والتربیة والتعلیم ، بلسانه ، وقلمه ، وقدمه ، وإقدامه.

توفی فی النجف الأشرف سنة 1391 ه ، تغمده الله برحمته وأثابه فضله وبره وخیره ، ورفع درجته.

وقد ترجم له ولده السید محمد حسین ، فی مقدمة (مقتل الحسین علیه السلام) ترجمة ضافیة استفدنا منها.

ولم أرسم فی خطة بحثی هذا ، التعرض لکلمات العامة ، إلا أنی لما اطلعت علی ما کتبه السید المقرم فی (مقتل الحسین علیه السلام) عن هذا البحث ، وهی کتابة ثمینة ومفصلة تقع فی الصفحات6. 66 ، بالعناوین التالیة : (الإقدام علی القتل) و (آیة التهلکة) و (علم الحسین بالشهادة) أودع فیها ما ملخصه : أن علم الأئمة علیهم السلام إنما هو فیض اختصهم الله به لاستحقاقهم ذلک بخلافتهم عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، وقیامهم بواجب الدعوة ، فاقتضی أن یکون لهم من العلم ما یؤدون به حق الخلافة عن الرسالة التی کانت متصلة بالوحی تنهل من علمه وتنعم بفیضه.

وأثبت علم الحسین علیه السلام بما آل إلیه أمر نهضته ، ومن أبدع ما ذکره قوله : (وإنما لم یصارح بما عنده من العلم لکل من یرغب فی إعراضه عن السفر إلی الکوفة لعلمه بأن الحقائق لا تفاض لأی متطلب ، بعد اختلاف الأوعیة سعة وضیقا ، وتباین المرامی قربا وبعدا ، فلذلک یجیب علیه السلام کل أحد بما یسعه ظرفه وتتحمله معرفته وعقلیته) مقتل الحسین علیه السلام : ص 66.

وقد نقل السید المقرم فی بحثه بعض الأخبار وکلمات المفید والعلامة والبحرانی ، بشکل مختصر ، واقتصرنا هنا علی نقل کلمات العامة بواسطته تکریما له ، وتخلیدا لذکره ، وتثمینا لجهده ، ولیکون ذکرا منا لفضله وخدماته الجلیلة للدین والعلم وأهلهما.

ص: 25

إلا الله ) [الآیة (65) من سورة النمل (27)].

وقوله : ( عالم الغیب فلا یظهر علی غیبه أحدا ) [الآیة (26) من سورة الجن (72)].

وبین علم الأنبیاء والأولیاء بجزئیات من الغیب.

فإن علمهم إنما هو بإعلام من الله تعالی ، وهذا غیر علمه الذی تفرد به تعالی شأنه من صفاته القدیمة الأزلیة الدائمة الأبدیة المنزهة عن التغییر.

وهذا العلم الذاتی هو الذی تمدح به ، وأخبر - فی الآیتین - بأنه لا یشارکه أحد فیه.

وأما من سواه ، فإنما یعلم بجزئیات الغیب بإعلامه تعالی.

وإعلام الله للأنبیاء والأولیاء ببعض الغیوب ممکن ، لا یستلزم محالا ، بوجه.

فإنکار وقوعه عناد.

ومن البین أنه لا یؤدی إلی مشارکتهم له تعالی فیما تفرد به من العلم الذی تمدح به واتصف به من الأزل.

وعلی هذا مشی النووی فی فتاواه (1).

وقال النیسابوری صاحب التفسیر :

إن امتناع الکرامة من الأولیاء : إما لأن الله لیس (معاذ الله) أهلا لأن یعطی المؤمن ما یرید! وإما لأن المؤمن لیس أهلا لذلک!!

وکل منهما بعید ، فإن توفیق المؤمن لمعرفته لمن أشرف المواهب - منه تعالی - لعبده ، فإذا لم یبخل الفیاض بالأشرف ، فلأن لا یبخل بالدون أولی (2).

وقال ابن أبی الحدید : إنا لا ننکر أن یکون فی نوع من البشر أشخاص

ص: 26


1- 1. الفتاوی الحدیثیة : 222 ، بواسطة مقتل الحسین علیه السلام - للمقرم - : 53.
2- 2. النور السافر فی أعیان القرن العاشر - لعبد الله القادر العیدروسی - : 85.

یخبرون عن الغیوب ، وکله مستند إلی الباری جل شأنه ، بإقداره ، وتمکینه ، وتهیئة أسبابه (1).

وقال ابن أبی الحدید - أیضا - : لا منافاة بین قوله تعالی : ( وما تدری نفس ماذا تکسب غدا ) (الآیة (34) من سورة لقمان (31)).

وبین علمه صلی الله علیه وآله وسلم بفتح مکة ، وما سیکون من قتال الناکثین والقاسطین والمارقین.

فإن الآیة غایة ما تدل علیه : نفی العلم بما یکون فی الغد ، وأما إذا کان بإعلام الله عزوجل ، فلا.

فإنه یجوز أن یعلم الله نبیه بما یکون (2).

وفی عنوان ( آیة التهلکة ) قال المقرم : وقد أثنی سبحانه تعالی علی المؤمنین فی إقدامهم علی القتل والمجاهدة فی سبیل تأیید الدعوة الإلهیة (وذکر بعض آیات القتال فی سبیل الله).

ولم یتباعد عن هذه التعالیم محمد بن الحسن الشیبانی ، فینفی البأس عن رجل یحمل علی الألف مع النجاة أو النکایة ، ثم قال : (ولا بأس بمن یفقد النجاة أو النکایة إذا کان إقدامه علی الألف مما یرهب العدو ویقلق الجیش) معللا بأن هذا الإقدام أفضل من النکایة ، لأن فیه منفعة للمسلمین (3).

ویقول ابن العربی المالکی : جوز بعض العلماء أن یحمل الرجل علی الجیش العظیم طالبا للشهادة ، ولا یکون هذا من الالقاء بالتهلکة ، لأن الله تعالی یقول : ( من یشری نفسه ابتغاء مرضاة الله ... ) (الآیة (207) من سورة البقرة (2)).

خصوصا إذا أوجب الإقدام تأکد عزم المسلمین حین یرون واحدا منهم

ص: 27


1- 1. شرح نهج البلاغة - لابن أبی الحدید - 1 / 427 طبع أول - مصر.
2- 2. المصدر السابق 2 / 362.
3- 3. أحکام القرآن - للجصاص - 1 / 309 فی آیة التهلکة.

قابل الألوف (1).

فإذن ، لم یمنع مانع شرعی ، ولا عقلی ، من إمکان علم البشر بالغیب فی نظر هؤلاء ، وهذا ما یقوله الشیعة الإمامیة فی النبی والإمام.

والدلیل علی (علم النبی والإمام) بالغیب من طریق الوحی والإلهام ، هو ما أقاموه فی الکتب الکلامیة علی وجوب مثل ذلک العلم ، لهما ، لتصدیقهما لمقام الرسالة فی الرسول ، والإمامة فی الإمام ، وهذان المقامان یقتضیان العلم.

فمن أقر للأئمة بالإمامة ، فلا موقع عنده للاعتراض بالإلقاء إلی التهلکة ، کما أوضحنا فی الأمور التی قدمناها.

وکذلک من نفی عنهم علم الغیب ، لعدم التزامه بالإمامة لهم ، إذ علی فرض ذلک لم یصدق فی حقهم (الإقدام) المحرم.

وإثبات علمهم بالغیب ، مع نفی إمامتهم ، قول ثالث لم یقل به أحد.

نعم ، یمکن فرض علمهم بالغیب باعتبارهم أولیاء لله استحقوا ذلک لمقاماتهم الروحیة ، وقرباتهم المعنویة ، وتضحیاتهم فی سبیل الله ، وإخلاصهم فی العبادة والولایة لله - بقطع النظر عن مقام الإمامة - وحینئذ یتساءل : کیف أقدموا علی الموت والقتل ، وهم یعلمون؟!

فإن الأجوبة التالیة التی نقلناها وأثبتناها فی بحثنا تکون مقنعة لمثل من یقدم هذا السؤال ، مع التزامه بهذا الفرض!

ص: 28


1- 1. الأحکام - لابن العربی - 1 / 49 ، فی آیة التهلکة ، طبع أول سنة 1331 ه.

صیغ المشکلة وجوابها عبر العصور

1 - عصر الإمام الرضا علیه السلام (ت 203 ه)

عرضت المشکلة علی الإمام أبی الحسن الرضا علی بن موسی بن جعفر ابن محمد علیه السلام (ت 203 ه) فیما رواه الکلینی رحمه الله فی (الکافی) کتاب الحجة ، باب (أن الأئمة علیهم السلام یعلمون متی یموتون ، وأنهم لا یموتون إلا باختیار منهم) :

الحدیث الرابع : علی بن محمد ، عن سهل بن زیاد ، عن محمد بن عبد الحمید ، عن الحسن بن الجهم ، قال : قلت للرضا علیه السلام : إن أمیر المؤمنین علیه السلام قد عرف قاتله ، واللیلة التی یقتل فیها ، والموضع الذی یقتل فیه.

وقوله - لما سمع صیاح الإوز فی الدار - : (صوائح تتبعها نوائح)!

وقول أم کلثوم : (لو صلیت اللیلة داخل الدار ، وأمرت غیرک یصلی بالناس) فأبی علیها!

وکثر دخوله وخروجه تلک اللیلة ، بلا سلاح!

وقد عرف علیه السلام أن ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسیف!

کان هذا مما لم یجز (1) تعرضه؟!

فقال : ذلک کان ، ولکنه خیر (2) فی تلک اللیلة ، لتمضی مقادیر الله عز

====

وقد نقل المجلسی فی مرآة العقول عن بعض النسخ : (حین).

ص: 29


1- 1. علق محقق الکتاب : فی بعض النسخ (لم یحل) وفی بعضها (لم یحسن).
2- 2. علق المحقق : فی بعض النسخ (حیر) بالحاء المهملة.

وجل (1).

والمستفاد من هذا الحدیث أمور :

الأول : إن المشکلة کانت مطروحة منذ عهود الأئمة ، وعلی المستوی الرفیع ، إذ عرضها واحد من کبار الرواة وهو : الحسن بن الجهم بن بکیر بن أعین ، أبو محمد الزرای الشیبانی ، من خواص الإمام الرضا علیه السلام ، وروی عن الإمام الکاظم علیه السلام ، وعنه جمع من أعیان الطائفة ، وقد صرح بتوثیقه ، وله کتاب معروف رواه أصحاب الفهرستات ، وله حدیث کثیر فی الکتب الأربعة (2).

وهو من کبار آل زرارة ، البیت الشیعی المعروف بالاختصاص بالمذهب.

الثانی : إن علم الإمام ومعرفته بوقت مقتله ، وما ذکر فی الروایة من الأقوال والأفعال الدالة علی اختیاره للقتل وإقدامه علی ذلک ، کلها أمور کانت مسلمة الوقوع ، ومعروفة فی عصر السائل.

الثالث : إن الراوی إنما سأل عن وجه إقدام الإمام علی هذه الأمور ، وإنه مع العلم بترتب قتله علی ذلک ، کیف یجوز له تعریض نفسه له؟ وهو مضمون الاعتراض الثانی.

الرابع : إن جواب الإمام الرضا علیه السلام بقوله : (ذلک کان) تصدیق بجمیع ما ورد فی السؤال من أخبار (علم الإمام) والأقوال والأفعال التی ذکرها السائل ، وعدم معارضته الإمام الرضا علیه السلام لشئ ، من ذلک وعدم إنکاره ، کل ذلک دلیل علی موافقة الإمام الرضا علیه السلام علی اعتقاد السائل بعلم الإمام بوقت قتله.

الخامس : جواب الإمام الرضا علیه السلام عن السؤال بتوجیه إقدام

ص: 30


1- 1. الکافی ، الأصول 1 / 259 ح 4 ، ومرآة العقول 3 / 123 - 124.
2- 2. معجم الأعلام من آل أعین الکرام : 204 رقم 12.

الإمام ، وعدم الاعتراض علی أصل فرض علم الغیب ، دلیل علی قبول هذا الفرض ، وعدم ثبوت الاعتراض الأول.

السادس : قول الإمام علیه السلام فی الجواب : (لکنه خیر) صریح فی أن الإمام السلام أعطی الخیرة من أمر موته ، فأختار القتل لتجری الأمور علی مقادیرها المعینة فی الغیب ، ولیکون أدل علی مطاوعته لإرادة الله وانقیاده لتقدیره.

وهذا أوضح المعانی ، وأنسبها بعنوان الباب.

وعلی نسخة (حین) التی ذکرها المجلسی ، فالمعنی أن القتل قد عین حینه ووقته ، لمقادیر قدر الله أن تمضی وتتحقق ، فتکون دلالة الحدیث علی ما فی العنوان من مجرد ثبوت علم الإمام بوقت قتله وإقدامه ، وعدم امتناعه وعدم دفعه عن نفسه ، وذلک یتضمن أن الإمام وافق التقدیر وجری علی وفقه.

وأما نسخة (حیر) فلا معنی لها ، لأن تحیر الإمام لیس له دخل فی توجیه إقدامه علی القتل عالما به ، بل ذلک مناقض لهذا الفرض ، مع أنه لا یناسب عنوان الباب.

فیکون احتمالها مرفوضا.

ولعلها مصحفة عن (خبر) بمعنی أعلم ، فیکون الجریان علی التقدیر وإمضائه تعلیلا لإخبار الإمام وإعلامه ، لکنه لا یخلو من تأمل.

فالأولی بالمعنی ، والأنسب بالعنوان : هو (خیر) کما أوضحنا.

فدلالة الحدیث علی ثبوت علم الإمام بوقت موته ، واختیاره فی ذلک واضحة جدا.

والجواب عن الاعتراض بالإلقاء فی التهلکة : هو أن الإمام إنما اختار الموت والقتل بالکیفیة التی جری علیها التقدیر ، حتی یکشف عن منتهی طاعته لله وانقیاده لإرادته وحبه له وفنائه فیه وعشقه له ورغبته فی لقائه ، کما نقل عنهم قولهم علیهم السلام : (رضا لرضاک ، تسلیما لأمرک ، لا معبود سواک).

ص: 31

2 - عصر الشیخ الکلینی (ت 329 ه)

المحدث الأقدم أبو جعفر محمد بن یعقوب الکلینی الرازی ، مجدد القرن الرابع ، المتوفی سنة 329 ه وقد عاش فی عصر الغیبة الصغری وعاصر من الوکلاء ثلاثة ، وقد احتل بین الطائفة مکانة مرموقة ، وکانت له بین علماء الإسلام منزلة عظیمة ، وننقل بعض ما قاله الکبراء فی حقه :

قال النجاشی (ت 450 ه) : شیخ أصحابنا فی وقته بالری ووجههم ، وکان أوثق الناس فی الحدیث وأثبتهم.

وقال الطوسی (ت 460 ه) : ثقة عارف بالأخبار ، جلیل القدر.

وقال العامة فیه : من فقهاء الشیعة ، ومن أئمة الإمامیة وعلمائهم.

قال السید بحر العلوم (ت 1212 ه) : ثقة الإسلام ، وشیخ مشایخ الأعلام ، ومروج المذهب فی غیبة الإمام علیه السلام ، ذکره أصحابنا ...

واتفقوا علی فضله وعظم منزلته (1).

وکتابه العظیم (الکافی) أول الکتب الأربعة المعتمدة عند الشیعة فی الحدیث وأجلها وأوسعها ، والذی مجد به کبار الطائفة وأعلامهم :

فقال المفید (ت 413 ه) فیه : هو من أجل کتب الشیعة وأکثرها فائدة.

وقال الشهید الأول (ت 786 ه) : کتاب الکافی فی الحدیث الذی لم یعمل الإمامیة مثله.

ص: 32


1- 1. الرجال - للنجاشی - : 266 ، الفهرست - للطوسی - : 161 رقم 603 ، الرجال - للطوسی - : 495 رقم 27 ، الاکمال - لابن ماکولا - 4 / 575 ، الکامل فی التاریخ - لابن الأثیر - 8 / 364 ، الفوائد الرجالیة - لبحر العلوم - 3 / 325 ، وقد نقلنا هذه الأقوال بواسطة کتاب : الشیخ الکلینی البغدادی وکتابه الکافی ، تألیف السید ثامر هاشم حبیب العمیدی : 140 - 143.

وقال المازندرانی (ت 1081 ه) وهو شارح الکافی : کتاب الکافی أجمع الکتب المصنفة فی فنون علوم الإسلام ، وأحسنها ضبطا ، وأضبطها لفظا ، وأتقنها معنی ، وأکثرها فائدة ، وأعظمها عائدة ، حائز میراث أهل البیت ، وقمطر علومهم.

وقال السید بحر العلوم (ت 1212 ه) : إنه کتاب جلیل ، عظیم النفع ، عدیم النظر ، فائق علی جمیع کتب الحدیث بحسن الترتیب ، وزیادة الضبط والتهذیب ، وجمعه للأصول والفروع ، واشتماله علی أکثر الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار علیهم السلام (1).

لقد عقد الشیخ الکلینی فی کتابه (الکافی) بابا فی کتاب (الحجة) بعنوان : (باب أن الأئمة علیهم السلام یعلمون متی یموتون ، وأنهم لا یموتون إلا باختیار منهم).

وأورد فیه (ثمانیة) أحادیث تدل علی ما فی العنوان ، ومنها الحدیث المذکور سابقا ، عن الإمام الرضا علیه السلام.

وعقد الکلینی لهذا الباب بهذا العنوان یدل بوضوح علی أن المشکلة کانت معروضة فی عصره ، وبحاجة إلی حسم ، فلذلک لجأ إلی عقده.

فلنمر بمضمون الأحادیث ، کی نقف علی مدالیلها (2) :

الحدیث الأول : بسنده عن أبی بصیر ، قال :

قال أبو عبد الله علیه السلام : أی إمام لا یعلم ما یصیبه ، وإلی ما یصیر ، فلیس ذلک بحجة لله علی خلقه.

ودلالته علی عنوان الباب واضحة.

الحدیث الثانی : بسنده عمن أدخل علی موسی الکاظم علیه السلام

ص: 33


1- 1. نقلنا هذه التصریحات من المصدر السابق : 154 - 156.
2- 2. الأحادیث وردت فی الکافی ، الأصول 1 / 258 - 260.

فأخبر أنه قد سقی السم وغدا یحتضر ، وبعد غد یموت.

ودلالته علی علم الإمام بوقت موته واضحة.

الحدیث الثالث : بسنده عن جعفر الصادق علیه السلام ، عن أبیه الباقر علیه السلام : أنه أتی أباه علی بن الحسین السجاد علیه السلام ، قال له : إن هذه اللیلة یقبض فیها ، وهی اللیلة التی قبض فیها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

ودلالته علی علم الإمام بلیلة وفاته واضحة.

الحدیث الرابع : وقد أوردناه فی المقطع السابق بعنوان (عصر الإمام الرضا علیه السلام).

الحدیث الخامس : بسنده عن الإمام أبی الحسن موسی الکاظم علیه السلام ، وفیه : أن الله غضب علی الشیعة وأنه خیره نفسه ، أو الشیعة ، وأنه وقاهم بنفسه.

ودلالته علی تخییره بین أن یصیبهم بالموت ، أو یصیبه هو ، وعلی اختیاره الموت وقاء لهم ، واضحة.

الحدیث السادس : بسنده إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام ، أنه قال لمسافر الراوی : إنه رأی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو یقول له : یا علی ، ما عندنا خیر لک.

ومن الواضح أن هذا القول هو دعوة للإمام إلی ما عند رسول الله ، وهو کنایة واضحة عن الموت ، وقد مثل الإمام الرضا علیه السلام وضوح ذلک بوضوح وجود الحیتان فی القناة التی أشار إلیها فی صدر الحدیث.

الحدیث السابع : بسنده عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام ، أن أباه أوصاه بأشیاء فی غسله وفی کفنه وفی دخوله قبره ، ولیس علیه أثر الموت ، فقال الباقر علیه السلام : یا بنی ، أما سمعت علی بن الحسین علیه السلام ینادی من وراء الجدار : (یا محمد ، تعال ، عجل).

ص: 34

دلالته مثل الحدیث السابق ، فی کون الدعوة إلی الدار الأخری ، والقرینة هنا أوضح ، حین أوصی الإمام بتجهیزه.

ودلالة هذین الحدیثین علی الاختیار للإمام واضحة ، إذ أن مجرد الدعوة لیس فیها إجبار علی الامتثال ، بلی یتوقف علی الإجابة الاختیاریة لذلک.

الحدیث الثامن : بسنده عن عبد الملک بن أعین ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : أنزل الله تعالی النصر علی الحسین علیه السلام حتی کان بین السماء والأرض.

ثم خیر : النصر ، أو لقاء الله.

فاختار لقاء الله تعالی.

ودلالته علی ما فی عنوان الباب واضحة ، للتصریح فیه بالتخییر ثم اختیار الإمام لقاء الله.

ومع وضوح دلالة جمیع هذه الأحادیث علی ما فی عنوان الباب کما شرحناه ، فلا یرد نقد إلی الکلینی ، ولا الکافی ، ولا هذا الباب بالخصوص ، ومن حاول التهجم علی الکتاب والتشکیک فی صحة نسخه ، والمناقشة فی أسانید هذه الأحادیث ، فهو بعید عن العلم وأسالیب عمل العلماء.

والتشکیک فی دلالة الأحادیث علی مدلول عنوان الباب یدل علی الجهل باللغة العربیة ، ودلالتها اللفظیة والبعد عن أولیات علم الکلام بشکل مکشوف ومفضوح ، فلا نجد من اللازم التعرض لکل ما ذکر فی هذا المجال ، إلا أن محاولة التهجم علی الکتاب ، وأسانیده ، لا بد من ذکرها وتفنیدها ، وهی :

أولا : ما ذکر تبعا لمستشرق أمریکی أثار هذه الشبهة - من أن نسخ کتاب (الکافی) مختلفة ، وأن هناک فرقا بین روایة الصفوانی ، وروایة النعمانی ، للکتاب ، وبین النسخة المطبوعة المتداولة.

نقول : إن تلامیذ الکلینی الذین رووا عنه کتاب (الکافی) بالخصوص

ص: 35

کثیرون ، وقد صرح علماء الرجال بروایتهم للکتاب عن مؤلفه الکلینی ، وهم : الصفوانی ، والنعمانی ، وأبو غالب الزراری ، وأبو الحسن الشافعی ، وأبو الحسین الکاتب الکوفی ، والصیمری ، والتلعکبری ، وغیرهم (1).

وإن دلت کثرة الرواة علی شئ فإنما تدل علی أهمیة الکتاب والعنایة به ، والتأکد من نصه ، ولا بد أن یبذل المؤلف والرواة غایة جهدهم فی تحقیق عملیة المحافظة علیه ، والتأکد من بلوغه بالطرق الموثوقة المتعارفة لتحمل الحدیث وأدائه.

أما الاختلاف بین النسخ علی أثر وقوع التصحیف والسهو فی الکتابة ، وعلی طول المدة الزمنیة بیننا وبین القرن الرابع علی مدی عشرة قرون ، فأمر قد منی به تراثنا العربی ، فهل یعنی ذلک التشکیک فی هذا التراث؟!

کلا ، فإن علماء الحدیث قد بذلوا جهودا مضنیة فی الحفاظ علی هذا التراث وجمع نسخه والمقارنة بینها ، والترجیح والاختیار والتحقیق والتأکد من النص ، شأنهم فی ذلک شأن العلماء فی عملهم مع النصوص الأخری ، من دون أن یکون لمثل هذه التشکیکات أثر فی حجیتها أو سلب إمکان الإفادة منها ، ما دامت قواعد التحقیق والتأکد والتثبت ، متوفرة ، والحمد لله.

أما تهریج الجهلة بأسالیب التحقیق ، وبقواعد البحث العلمی فی انتخاب النصوص ، وإثارتهم وجود نسخ مختلفة ، فهو نتیجة واضحة للأغراض المنبعثة من الحقد والکراهیة للعلم ، وقدیما قیل : (الناس أعداء ما جهلوا).

وثانیا : مناقشة الأحادیث المذکورة ، من حیث أسانیدها ، ووجود رجال موسومین بالضعف فیها.

والرد علی ذلک : أن البحث الرجالی ، ونقد الأسانید بذلک ، لا بد أن یعتمد علی منهج رجالی محدد ، یتخذه الناقد ، ویستدل علیه ، ویطبقه ، ولیس

ص: 36


1- 1. لاحظ کتاب : الشیخ الکلینی ، للسید العمیدی : 96 - 112.

ذلک حاصلا بمجرد تصفح الکتب الرجالیة ، ووجدان اسم لرجل ، والحکم علیه بالضعف أو الثقة ، تبعا للمؤلفین الرجالیین وتقلیدا لهم ، مع عدم معرفة مناهجهم وأسالیب عملهم.

وإن من المؤسف ما أصاب هذا العلم ، إذ أصبح ملهاة للصغار من الطلبة ، یناقشون به أسانید الأحادیث ، مع جهلهم بالمناهج الرجالیة التی أسس مؤلفو علم الرجال کتبهم علیها ، وبنوا أحکامهم الرجالیة علی أساسها ، مع أهمیة ما یبتنی علی تلک الأحکام من إثبات ونفی ، ورد وأخذ ، لأحادیث وروایات فی الفقه والعقائد والتاریخ وغیر ذلک.

کما أن معرفة الحدیث الشریف ، وأسالیب تألیفه ومناهج مؤلفیه له أثر مهم فی مداولة کتبهم والاستفادة منها.

ولقد أساء من أقحم - ولا یزال یقحم - الطلبة فی وادی هذا العلم ، الصعب المسالک ، فیصرفون أوقاتهم الغالیة فی مناقشات ومحاولات عقیمة ، ویبنون علیها الأحکام والنتائج الخطیرة.

کالمناقشة فی أسانید أحادیث هذا الباب الذی نبحث عنه فی کتاب (الکافی) للشیخ الکلینی ، فقد جهل المناقش أمورا من مناهج النقد الرجالی ، ومن أسلوب عمل الکلینی ، فخبط خبط عشواء فی توجیه النقد إلی (الکافی).

فمن ناحیة : إن قسم الأصول من (الکافی) إنما یحتوی علی أحادیث ترتبط بقضایا عقائدیة ، وأخری موضوعات لا ترتبط بالتعبد الشرعی ، کالتواریخ وأحوال الأئمة ومجریات حیاتهم.

ومن المعلوم أن اعتبار السند ، وحاجته إلی النقد الرجالی بتوثیق الرواة أو جرحهم ، إنما هو لازم فی مقام إثبات الحکم الشرعی ، للتعبد به ، لأن طریق اعتبار الحدیث توصلا إلی التعبد به متوقف علی اعتباره سندیا ، بینما القضایا الاعتقادیة ، والموضوعات الخارجة لا یمکن التعبد بها ، لأنها لیست من الأحکام الشرعیة ، فلیس المراد منها هو التعبد بمدلولها والتبعیة للإمام فیها ،

ص: 37

وإنما المطلوب الأساسی منها هو القناعة والالتزام القلبی والیقین ، ولیس شئ من ذلک یحصل بالخبر الواحد حتی لو صح سنده ، وقیل بحجیته واعتباره ، لأنه علی هذا التقدیر لا یفید العلم ، وإنما یعتبر للعمل فقط.

نعم ، إن حاجة العلماء إلی نقل ما روی من الأحادیث فی أبواب الأصول الاعتقادیة ، لمجرد الاسترشاد بها ، والوقوف من خلالها علی أسالیب الاستدلال والطرق القویمة المحکمة التی یتبعها أئمة أهل البیت علیهم السلام فی الاقناع والتدلیل علی تلک الأصول.

ولا یفرق فی مثل هذا أن یکون الحدیث المحتوی علیه صحیح السند أو ضعیفة ، ما دام المحتوی وافیا بهذا الغرض وموصلا إلی الاقناع الفکری بالمضمون.

ولیس التشکیک فی سند الحدیث المحتوی علی الاقناع مؤثرا لرفع القناعة بما احتواه من الدلیل.

وکذا الموضوعات الخارجة ، کالتواریخ وسنی الأعمار وأخبار السیرة ، لیس فیها شئ یتعبد به حتی تأتی فیه المناقشة السندیة ، وإنما هی أمور ممکنة ، یکفی فی الالتزام بها ونفی احتمال غیرها ورود الخبر به.

فلو لم یمنع من الالتزام بمحتوی الخبر الوارد أصل محکم ، أو فرع ملتزم ، ولم تترتب علی الالتزام به مخالفة واضحة ، أو لم تقم علی خلافه أدلة معارضة ، کفی الخبر الواحد فی احتماله لکونه ممکنا.

وإذا غلب علی الظن وقوعه باعتبار کثرة ورود الأخبار به ، أو توافرها ، أو صدور مثل ذلک الخبر من أهله الخاصین بعلمه ، أو ما یماثل ذلک من القرائن والمناسبات المقارنة ، کفی ذلک مقنعا للالتزام به.

وبما أن موضوع قسم الأصول من الکافی ، وخاصة الباب الذی أورد فیه الأحادیث الدالة علی (علم الأئمة علیهم السلام بوقت موتهم وأن لهم الاختیار فی ذلک) هو موضوع خارج عن مجال الأحکام والتعبد بها ولیس الالتزام به

ص: 38

منافیا لأصل من الأصول الثابتة ، ولا لفرع من الفروع الشرعیة ، ولا معارضا لآیة قرآنیة ، ولا لحدیث ثابت فی السنة ، ولا ینفیه دلیل عقلی ، وقد وردت به هذه المجموعة من الأحادیث والآثار - مهما کان طریقها - فقد أصبح من الممکن والمحتمل والمعقول.

وإذا توافرت الأحادیث وتکررت ، کما هو فی أحادیث الباب ودلت القرائن الأخری المذکورة فی کتب السیرة والتاریخ ، وأیدت الأحادیث المنبئة عن تلک المضامین حصل من مجموع ذلک وثوق واطمئنان بثبوته.

ولا ینطر فی مثل ذلک إلی مفردات الأسانید ومناقشتها رجالیا.

ومن ناحیة أخری : فإن المنهج السائد فی عرف قدماء العلماء ، وأعلام الطائفة ، هو اللجوء إلی المناقشة الرجالیة فی الأسانید ، ومعالجة اختلاف الحدیث بذلک ، فی خصوص موارد التعارض والاختلاف.

وقد یستدل علی هذه السیرة وقیام العمل بها ، باعتمادهم فی الفقه وغیره علی الأحادیث المرسلة المقبولة والمتداولة وإن کانت لا سند لها ، فضلا عن المقطوعة الأسانید ، فی صورة انفرادها بالحکم فی الموقف.

وللبحث عن هذا المنهج ، وقبوله أو مناقشته ، مجال آخر.

هذا ، مع أن الکلینی لم یکن غافلا - قط - عن وجود هذه الأسماء فی أسانید الأحادیث ، لتسجیله لها وعقد باب لها فی کتابه.

کیف ، وهو من رواد علم الرجال ، وقد ألف کتابا فی هذا العلم باسم (الرجال) (1)؟!

أما اتهام الرواة لهذه الأحادیث بالارتفاع والغلو ، ومحاسبة المؤلف الکلینی علی إیرادها ، لأنها تحتوی علی ثبوت علم الغیب للأئمة علیهم

ص: 39


1- 1. الرجال - للنجاشی - : 267 ، جامع الرواة - للأردبیلی - 2 / 219 ، الفوائد الرجالیة 3 / 332 ، أعیان الشیعة 47 / 153 ، مصفی المقال : 427 ، الأعلام - للزرکلی - 8 / 17 ، ولاحظ کتاب : الشیخ الکلینی البغدادی ، للسید العمیدی : 120.

السلام.

فهذا مبنی علی الجهل بأبسط المصطلحات المتداولة بین العلماء : فالغلو اسم یطلق علی نسبة الربوبیة إلی البشر - والعیاذ بالله - ، بینما هذا معنون ب (أن الأئمة یعلمون متی یموتون ...) فالباب یتحدث عن (موت الأئمة) وهذا یناقض القول ب (الغلو) وینفیه.

فجمیع رواة هذا الباب ، یبتعدون - بروایتهم له - عن الغلو المصطلح ، قطعا.

فیکف یتهمهم بالغلو؟!

هذا ، والکلینی نفسه ممن ألف کتابا فی الرد علی (القرامطة) وهم فرقة تنسب إلی الغلاة (1) مما یدل علی استیعاب الکلینی وتخصصه فی أمر الفرق.

فیکف یحاسب بمثل ذلک؟!

ثم إن قول الکلینی فی عنوان الباب : (وأنهم لا یموتون إلا باختیار منهم) یعنی أن الموت الإلهی الذی قهر الله به عباده وما سواه ، بدون استثناء ، وتفرد هو بالبقاء دونهم ، لا بد أن یشملهم - لا محالة - ولا مفر لهم منه ، وإنما امتازوا بین سائر الخلائق بأن جعل الله اختیارهم لموتهم إلیهم ، وهذا یوحی :

أولا : أن لهم اختیار وقت الموت ، فیختارون الآجال المعلقة ، قبل أن تحتم ، فیکون ذلک بإرادة منهم واختیار وعلم ، رغبة منهم فی سرعة لقاء الله ، وتحقیقا للآثار العظیمة المترتبة علی شهادتهم فی ذلک الوقت المختار.

وهذا أنسب بکون إقداماتهم مع کامل اختیارهم ، وعدم کونها مفروضة علیهم ، وأنسب بکون ذلک مطابقا لقضاء الله وقدره ، فهو یعنی إرادة الله منهم

ص: 40


1- 1. الرجال - للنجاشی - : 267 ، الفهرست - للطوسی - : 161 ، معالم العلماء - لابن شهرآشوب - : 88 ، جامع الرواة 2 / 219 ، لؤلؤة البحرین - للبحرانی - : 393 ، هدیة العارفین - للبغدادی - مج 2 ج 6 / 35 ، الأعلام 8 / 17 ، الفوائد الرجالیة 3 / 332 ، أعیان الشیعة 47 / 153 ، ولاحظ کتاب : الشیخ الکلینی البغدادی ، للسید العمیدی : 115.

لما أقدموا علیه ، من دون حتم.

وإلا ، فإن کان قضاءا مبرما وأجلا حتما لازما ، فکیف یکونون مختارین فیه؟! وما معنی موافقتهم علی ما لیس لهم الخروج عنه إلی غیره؟!

ثانیا : أن لهم اختیار نوع الموت الذی یموتون به ، من القتل بالسیف ضربة واحدة ، کما اختار الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام ذلک ، أو بشرب السم أو أکل المسموم کما اختاره أکثر الأئمة علیهم السلام ، أو بتقطیع الأوصال وفری الأوداج واحتمال النصال والسهام وآلام الحرب ، والنضال ، وتحمل العطش والظمأ ، کما جری علی الإمام سید الشهداء علیه السلام.

ولا یأبی عموم لفظ العنوان (لا یموتون إلا باختیار منهم) عن الحمل علی ذلک کله.

مع أن فی المعنی الثانی بعدا اجتماعیا هاما ، وهو : أن الأئمة الأطهار علیهم السلام کانوا یعلمون من خلال الظروف ، والأحداث ، والمؤشرات والمجریات ، المحیطة بهم - بلا حاجة إلی الاعتماد علی الغیب وإخباره - أن الخلفاء الظلمة ، والمتغلبین الجهلة ، علی حکم العباد والبلاد ، سیقدمون علی إزهاق أرواحهم المقدسة بکل وسیلة تمکنهم ، لأنهم لا یطیقون تحمل وجود الأئمة علیهم السلام الرافضین للحکومات الجائرة والفاسدة ، والتی تحکم وتتحکم علی الرقاب بالباطل ، وباسم الإسلام لیشوهوا سمعته الناصعة بتصرفاتهم الشوهاء.

فکان الأئمة الأطهار تجسیدا للمعارضة الحقة الحیة ، ولو کانوا فی حالة من السکوت ، وعدم مد الید إلی الأسلحة الحدیدیة ، لکن وجوداتهم الشریفة کانت قنابل قابلة للانفجار فی أی وقت! وتعالیمهم کانت تمثل الصرخات المدویة علی أهل الباطل ، ودروسهم وسیرتهم کانت تمثل الشرارات ضد تلک الحکومات!

فکیف تطیق الأنظمة الفاسدة وجود هؤلاء الأئمة ، لحظة واحدة!

ص: 41

فإذا کان الأئمة علیهم السلام یعلمون أن مصیرهم - مع هؤلاء - هو الموت ، ویعرفون أن الظلمة یکیدون لهم المکائد ، ویتربصون بهم الدوائر ، ویدبرون لقتلهم والتخلص من وجودهم ، ویسعون فی أن ینفذوا جرائمهم فی السر والخفاء ، لئلا یتحملوا مسؤولیة ذلک ، ولا یحاسبوا علیه أمام التاریخ! ولو تم لهم إبادة هؤلاء الأئمة سرا وبالطریقة التی یرغبون فیها ، لکان أنفع لهم ، وأنجع لأغراضهم!

لکن الأئمة علیهم السلام لا بد أن یحبطوا هذه المکیدة علی الظلمة القتلة ، یأخذوا بأیدیهم زمام المبادرة فی هذا المجال المهم الخطر ، ویختاروا بأنفسهم أفضل أشکال الموت ، الذی یعلن مظلومیتهم ، ویصرخ بظلاماتهم ، ویفضح قاتلیهم ، ویعلن عن الإجرام والکید الذی جری علیهم ، ولا تضیع نفوسهم البریئة ، ولا دماؤهم الطاهرة ، هدرا.

فلو کان الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام یقتل فی بیته ، أو فی بعض الأزقة والطرق ، خارج المسجد.

فمن کان یفند الدعایات الکاذبة التی بثها بنو أمیة بین أهل الشام بأن علیا علیه السلام لا یصلی؟! فلما سمعوا أنه قتل فی المسجد ، تنبهوا إلی زیف تلک الدعایات المضللة.

وإذا کان الإمام الحسین علیه السلام ، یقتل فی المدینة ، فمن کان یطلع علیه قضیته؟! وحتی إذا کان یقتل فی (مکة) : فمضافا إلی أنه کان یعاب علیه أن حرمة الحرم قد هتکت بقتله! فقد کان یضیع دمه بین صخب الحجیج وضجیجهم!

بل إذا قتل الحسین علیه السلام فی أرض غیر کربلاء ، فأین؟! وکیف؟! وما هو : تفسیر کل النصوص التی تناقلتها الصحف ، والأخبار عن جده النبی المختار حول الفرات؟ وکربلاء؟ وتربتها الحمراء؟!

وهذا الاختیار یدل - مضافا إلی کل المعانی العرفانیة التی نستعرضها -

ص: 42

یدل علی : تدبیر حکیم ، وحنکة سیاسیة ، ورؤیة نافذة ، وحزم محکم ، قام به الأئمة علیهم السلام فی حیاتهم السیاسیة تجاه الظالمین المستحوذین علی جمیع المقدرات ، والذین سلبوا من الأمة کل الحریات حتی حریة انتخاب الموت کما وکیفا ووقتا ومکانا.

فإن خروج الأئمة علیهم السلام بتدابیرهم الحکیمة عن سلطة الحکام فی هذه المعرکة ، وتجاوزهم لإراداتهم ، وأخذ زمام الاختیار بأیدیهم ، وانتخابهم للطریقة المثلی لموتهم ، یعد انتصارا باهرا ، فی تلک الظروف الحرجة القاهرة.

ولقد قلت - عن مثل هذا - فی کتابی (الحسین علیه السلام سماته وسیرته) ما نصه :

(وهل المحافظة علی النفس ، والرغبة فی عدم إراقة الدماء ، والخوف من القتل ، أمور تمنع من أداء الواجب؟! وتعرقل مسیرة المسؤولیة الکبری ، وهی : المحافظة علی الإسلام وحرماته؟! وإتمام الحجة علی الأمة بعد دعواتها المتتالیة؟! واستنجادها المتتابع؟!

ثم هل تعقل المحافظة علی النفس ، بعد قطع تلک المراحل النضالیة ، والتی کان أقل نتائجها المنظورة : القتل؟!

إذ أن یزید صمم وعزم علی الفتک بالإمام علی السلام ، الذی کان یجده السد الوحید أمام استثمار جهود أبیه فی سبیل الملک الأموی العضوض ، فلا بد من أن یزیحه عن الطریق.

ویتمنی الحکم الأموی لو أن الحسین علیه السلام کان یقف هادئا ساکنا - ولو للحظة واحدة - حتی یرکز فی استهدافه ، ویقتله!!

وحبذا لو کان قتل الحسین علیه السلام بصورة اغتیال ، حتی یضیع دمه ، وتهدر قضیته!!

وقد أعلن الحسین علیه السلام عن رغبتهم فی أن یقتلوه هکذا ، وأنهم

ص: 43

مصممون علی ذلک حتی لو وجدوه فی جحر هامة!

وأشار یزید إلی جلاوزته أن یحاولوا قتل الحسین أینما وجدوه ، ولو کان متعلقا بأستار الکعبة!

فلماذا لا یبادر الإمام علیه السلام إلی انتخاب أفضل زمان ، وفی أفضل مکان ، وبأفضل شکل ، للقتل؟!

الزمان (عاشوراء) المسجل فی عالم الغیب ، والمثبت فی الصحف الأولی ، وما تلاها (من أنباء الغیب) التی سنستعرضها.

والمکان (کربلاء) الأرض التی ذکر اسمها علی الألسن منذ عصور الأنبیاء.

أما الشکل الذی اختاره للقتل : فهو النضال المستمیت ، الذی ظل صداه ، وصدی بطولاته وقعقعات سیوفه ، وصرخات الحسین علیه السلام المعلنة عن أهدافه ومظلومیته ، مدویة فی أذن التاریخ علی طول مداه ، یقض مضاجع الظالمین ، والمزورین للحقائق.

إن الإمام الحسین علیه السلام وبمثل ما قام به من الإقدام ، أثبت خلود ذکره ، وحدیث مقتله ، علی صفحات الدهر ، حتی لا تناله خیانات المحرفین ، ولا جحود المنکرین ، ولا تزییف المزورین ، بل یخلد خلود الحق والدین) (1).

وأخیرا : فإن الشیخ الکلینی وهو : (أوثق الناس فی الحدیث وأثبتهم) کما شهد له النجاشی ، قد بنی تألیف کتابه علی أساس محکم ، ومن شواهد الإحکام فیه : أنه رحمه الله عقد بابا بعنوان (باب نادر فی ذکر الغیب) أورد فیه أحادیث تحل مشکلة الاعتراض الأول علی (علم الأئمة للغیب) وفیها الجواب

====

وقد وجدت إشارة إلی نحو ما هنا فی کتاب (هزار ویک نکته) للشیخ حسن زاده آملی :2. 454 النکتة 660 نقلا عن بعض مشایخه رضوان الله تعالی علیه.

ص: 44


1- 1. الحسین علیه السلام سماته وسیرته : 112.

الصریح لقول السائل للأئمة : (أتعلمون الغیب؟) ویجعل نتیجة هذا الباب أصلا موضوعا للأبواب التالیة :

ومن تلک الأحادیث : حدیث حمران بن أعین ، قال لأبی جعفر علیه السلام : أرأیت قوله جل ذکره : ( عالم الغیب فلا یظهر علی غیبه أحدا ... ) (الآیة (25) من سورة الجن (72))؟

فقال أبو جعفر علیه السلام : ( إلا من ارتضی من رسول ... ) (الآیة (26) من سورة الجن (72)) وکان - والله - محمد ممن ارتضاه (1).

فقد کان الکلینی یراعی ترتیب أبواب کتابه ترتیبا ، منهجیا ، برهانیا ، حتی تؤتی نتائجها الحتمیة بشکل منطقی مقبول ، فجعل فی کتابه (الکافی) للدین سدا لا یستطیع الملحدون أن یظهروه بشبههم وتشکیکاتهم ، ولا یستطیعون له نقبا.

3 - عصر الشیخ المفید رحمه الله (ت 413 ه)

الشیخ الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، البغدادی العکبری ، الشهیر بالشیخ المفید ، وابن المعلم ، مجدد القرن الخامس (336 - 413 ه).

قال فیه النجاشی (ت 450 ه) : فضله أشهر من أن یوصف فی الفقه ، والکلام ، والروایة ، والثقة ، والعلم (2).

وقال الطوسی (ت 460 ه) : جلیل ثقة ، من جملة متکلمی الإمامیة ، انتهت إلیه رئاسة الإمامیة فی وقته ، وکان مقدما فی العلم ، وصناعة الکلام ،

ص: 45


1- 1. الکافی - الأصول 1 / 256 ح 2 ، وقد وافق أکثر المفسرین من الخاصة والعامة علی هذا المعنی.
2- 2. رجال النجاشی : 399 رقم 1067.

وکان فقیها متقدما فیه ، حسن الخاطر ، دقیق الفطنة ، حاضر الجواب (1).

قال ابن أبی طی (ت 630 ه) : کان أوحد فی جمیع فنون العلم : الأصلین ، والفقه ، والأخبار ، ومعرفة الرجال ، والتفسیر ، والنحو ، والشعر ، وکان یناظر أهل کل عقیدة ، مع العظمة فی الدولة البویهیة ، والرتبة الجسیمة عند الخلفاء ، وکان قوی النفس ، کثیر البر ، عظیم الخشوع ، کثیر الصلاة والصوم ، یلبس الخشن من الثیاب ، وکان مدیما للمطالعة والتعلیم ، ومن أحفظ الناس ، قیل : (إنه ما ترک المخالفین کتابا إلا وحفظه) وبهذا القدر علی حل شبه القوم ، وکان من أحرص الناس علی التعلیم ، یدور علی المکاتب وحوانیت الحاکة ، فیتلمح الصبی الفطن ، فیستأجره من أبویه ، وبذلک کثره تلامیذه (2).

وقال السید بحر العلوم (ت 1212 ه) : المفید رحمه الله شیخ المشایخ الجلة ، ورئیس رؤساء الملة ، فاتح أبواب التحقیق بنصب الأدلة ، والکاسر بشقاشق بیانه الرشیق حجج الفرق المضلة ، اجتمعت فیه خلال الفضل ، وانتهت إلیه رئاسة الکل ، واتفق الجمیع علی علمه وفضله وفقهه وعدالته وثقته وجلالته ، وکان - رضی الله عنه - کثیر المحاسن ، جم المناقب ، حدید الخاطر ، دقیق الفطنة ، حاضر الجواب ، واسع الروایة ، خبیرا بالرجال والأخبار والأشعار ، وکان أوثق أهل زمانه فی الحدیث ، وأعرفهم بالفقه والکلام ، وکل من تأخر عنه استفاد منه (3).

لقد وجه هذا الاعتراض إلی الشیخ المفید ضمن المسائل الحاجبیة فأجاب عنها ضمن الجوابات العکبریة المطبوعة ، وإلیک نص السؤال ثم الجواب :

ص: 46


1- 1. رجال الطوسی : 514 ، وفهرست الطوسی : 168 رقم 710.
2- 2. سیر أعلام النبلاء - للذهبی - 17 / 344.
3- 3. رجال السید بحر العلوم 3 / 311 - 312.

المسألة العشرون :

قال السائل : الإمام عندنا علی أنه یعلم ما یکون :

فما بال أمیر المؤمنین علیه السلام خرج إلی المسجد ، وهو یعلم أنه مقتول ، وقد عرف قاتله ، والوقت والزمان؟!

وما بال الحسین علیه السلام صار إلی أهل الکوفة ، وقد علم أنهم یخذلونه ولا ینصرونه؟! وأنه مقتول فی سفرته تلک؟!

ولم - لما حوصر ، وقد علم أن الماء منه ، لو حفر ، علی أذرع - لم یحفر؟! ولم أعان علی نفسه حتی تلف عطشا؟!

والحسن علیه السلام وداع معاویة ، وهو یعلم أنه ینکث ، ولا یفی ، ویقتل شیعة أبیه علیهما السلام؟!

والجواب - وبالله التوفیق - :

عن قوله : (إن الإمام یعلم ما یکون بإجماعنا) : أن الأمر علی خلاف ما قال ، وما أجمعت الشیعة - قط - علی هذا القول ، وإنما إجماعهم ثابت علی أن الإمام یعلم الحکم فی کل ما یکون ، دون أن یکون عالما بأعیان ما یحدث ویکون علی التفصیل والتمییز.

وهذا یسقط الأصل الذی بنی علیه الأسئلة بأجمعها.

فصل (1) : لسنا نمنع أن یعلم الإمام أعیان حوادث تکون بإعلام الله تعالی له ذلک.

فأما القول بأنه یعلم کل ما یکون ، فلسنا نطلقه ، ولا نصوب قائله ، لدعواه فیه من غیر حجة ولا بیان.

فصل (2) : والقول بأن أمیر المؤمنین علیه السلام کان یعلم قاتله ، والوقت الذی یقتله فیه ، وقد جاء الخبر متضافرا : أنه کان یعلم فی الجملة أنه

ص: 47

مقتول ، وجاء أیضا بأنه کان یعلم قاتله علی التفصیل.

فأما علمه بوقت قتله ، فلم یأت فیه أثر علی التفصیل ، ولو جاء فیه أثر لم یلزم ما ظنه المستضعفون ، إذ کان لا یمتنع أن یتعبده الله بالصبر علی الشهادة والاستسلام للقتل ، لیبلغه الله بذلک علو الدرجة ما لا یبلغه إلا به. ولعلمه تعالی بأنه یطیعه - فی ذلک - طاعة ، لو کلفها سواه لم یؤدها ، ویکون - فی المعلوم من اللطف بهذا التکلیف لخلق من الناس - ما لا یقوم مقامه غیره.

فلا یکون أمیر المؤمنین علیه السلام ملقیا بیده إلی التهلکة ، ولا معینا علی نفسه معونة مستقبحة فی العقول.

فصل (3) : فأما علم الحسین علیه السلام بأن أهل الکوفة خاذلوه : فلسنا نقطع علی ذلک ، إذ لا حجة علیه من عقل ولا سمع.

ولو کان عالما بذلک ، لکان الجواب عنه ما قدمناه فی الجواب عن علم أمیر المؤمنین علیه السلام بوقت قتله ، والمعرفة بقاتله ، کما ذکرناه.

فصل (4) : أما دعواه علینا : أنا نقول : إن الحسین علیه السلام کان عالما بموضع الماء ، وقادرا علیه.

فلسنا نقول ذلک ، ولا جاء به خبر علی حال ، وظاهر الحال التی کان علیها الحسین علیه السلام فی طلب الماء والاجتهاد فیه یقضی بخلاف ذلک.

ولو ثبت أنه کان عالما بموضع الماء ، لم یمتنع فی العقول أن یکون متعبدا بترک السعی فی طلب الماء من ذلک الموضع ، ومتعبدا بالتماسه من حیث کان ممنوعا عنه ، حسب ما ذکرناه فی أمیر المؤمنین علیه السلام ، غیر أن الظاهر خلاف ذلک ، علی ما قدمناه.

فصل (5) : والکلام فی علم الحسن علیه السلام بعاقبة حال موادعته معاویة ، بخلاف ما تقدم ، وقد جاء الخبر بعلمه ذلک ، وکان شاهد الحال یقضی به.

غیر أنه دفع به عن تعجیل قتله ، وتسلیم أصحابه إلی معاویة وکان فیه

ص: 48

ذلک لطف فی مقامه إلی حال معینة ، ولطف لبقاء کثیر من شیعته وأهله وولده ، ورفع لفساد فی الدین هو أعظم من الفساد الذی حصل عند هدنته.

وکان علیه السلام أعلم بما صنع ، لما ذکرناه وبینا الوجه فیه وفصلناه (1).

والمستفاد من مجموع السؤال والجواب :

إن الظاهر من السؤال ، هو ما أکد المفید علی نفیه وهو دعوی (علم الأئمة للغیب بلا واسطة).

وهذا أمر لم تقل به الشیعة فضلا عن أن تجمع علیه ، لما قد ذکرنا فی صدر هذه المقالة - من أن (علم الغیب بهذه الصورة) خاص بالله تعالی ، ومستحیل أن یکون لغیره من الممکنات.

والممکن علمه من الغیب بالنسبة إلی النبی والأئمة علیهم السلام هو الغیب بواسطة الوحی والإلهام من الله تعالی ، وهذا لم ینفه المفید.

والمجمع علیه - من هذا - بین الشیعة : أن الأئمة علیهم السلام یعلمون جمیع الأحکام الشرعیة بلا استثناء ، لارتباط ذلک بمقامهم فی الخلافة عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، کما أثبت ذلک فی علم الکلام.

وأما غیر الأحکام ، فالظاهر من المفید أنه وضع ذلک فی دائرة الإمکان ووقفه علی ورود الخبر والأثر به ، فما قامت علیه الآثار قبل والتزم به ، ولیس أصله مستحیلا عقلا ولا ممتنعا من جهة آیة أو سنة ، أو عقل.

وهکذا قال فی موضع (علم الأئمة بمقاتلهم وما جری علیهم) : فالتزم بعلم أمیر المؤمنین علیه السلام بالمقدار الذی جاءت به الأخبار ،

ص: 49


1- 1. المسائل العکبریة ، المسألة العشرون : 29 - 72 من المطبوعة مع مصنفات الشیخ المفید ، المجلد السادس ، وقد وقع فی المطبوعة تصحیفات صححناها من الهوامش ، وأخری من غیرها.

فما کان منها واردا بالتفصیل التزم بعلمه له بالتفصیل ، وما کان واردا بالإجمال التزم بعلمه بالإجمال.

وقد نفی المفید فی الفصل الثانی الاعتراض علی علی علیه السلام (بأنه ألقی بنفسه إلی التهلکة إذا کان عالما بوقت مقتله).

بأنه علیه السلام علی ذلک یکون مأمورا بتحمل ذلک والصبر علیه والاستسلام له ، لینال - بهذه الطاعة وهذا التسلیم - المقامات الربانیة العالیة المعدة له ، والتی لا یبلغها إلا بذلک.

فلیس المفید - رحمه الله - فی رد هذا الاعتراض مخالفا لما التزمته الطائفة من (علم الإمام بمقتله ، وإقدامه علیه بالاختیار) وإن ادعی أن الآثار لم تنص علی التفصیل ، بل علی مجرد الاجمال.

والتفصیل بتعیین الساعة والوقت ، وإن لم یذکر فی الآثار ، إلا أن المعلوم من القرائن کون ذلک واضحا ومتوقعا للإمام علیه السلام.

ویظهر من هذا أن مجئ الأثر بذلک - لو تم - لکان کافیا ، ووافیا للالتزام به ، وعدم حاجة ذلک إلی القطع به ، لما ذکرنا من أن ورود الأخبار - غیر المعارضة ولا المنافیة لأصل ثابت أو فرع مقبول - یکفی للالتزام فی مثل هذه المواضیع ، التی هی بحاجة إلی مقنعات متعارفة ، دون حاجة إلی مثبتات قطعیة ، أو حجج شرعیة.

والقول بأن الأئمة یعلمون الغیب بالإجمال دون التفصیل ، قول التزم به من الطائفة السید المرتضی وآخرون ، وسنذکرهم أیضا.

إلا أن المستفاد من مجموع کلام المفید - والطوسی فیما سیأتی - أن الطائفة مجمعة علی أن النبی والأئمة یعلمون الغیب - من الله وبوحیه وإلهامه - إما بالتفصیل أو بالإجمال ، ولیس فی الطائفة من ینکر علمهم هذا.

فالقول بنفی علم الغیب عنهم ، مخالف لإجماع الطائفة ، کما أن الالتزام بعلمهم بالغیب بالاستقلال مناف لعقائد الطائفة ، ومعارض بآیات القرآن

ص: 50

المطلقة الدالة علی اختصاص ذلک بالله تعالی.

وأما بالنسبة إلی الحسین علیه السلام :

فقد ورد فی السؤال البحث عن ثلاثة أمور :

1 - عن علم الإمام علیه السلام بأن أهل الکوفة یخذلونه ولا ینصرونه.

2 - عن علمه علیه السلام أنه مقتول فی سفرته تلک.

3 - عن السبب فی عدم حفره لتحصیل الماء.

والمفید - رحمه الله - لم ینف علم الإمام بذلک کله ، ولم یقال باستحالته وامتناعه.

بل هو لم یجب عن السؤال ، ولعل سکوته کان من أجل ثبوته ، لتضافر الأخبار المعلنة عن خبر مقتل الحسین علیه السلام ومکانه ، بما لم یبق ریب فیه للمخالفین ، حتی عدوه من دلائل النبوة وشواهدها الثابتة ، کما سیأتی بیانه.

وأما السؤال الأول : فقد نفی الشیخ المفید قطعه هو به ، لعدم قیام حجة علیه عنده ، ولکنه کما عرفت - لم ینفه مطلقا -.

فیمکن أن یقال : إن عدم ثبوت حجة عند الشیخ ، لا ینافی ثبوتها عند غیره ، خصوصا إذا لاحظنا إرسال السائل لذلک کالمسلم.

مع أن شواهد العلم بخذلان أهل الکوفة کانت واضحة - من غیر طریق علم الغیب - لکل ناظر إلی أحداث ذلک الیوم ومجریاته ، وقد تنبأ بذلک أکثر المروی عنهم الکلام فی هذا المقام ، وفیهم من لیس من ذوی الاهتمام بهذه الشؤون ، فکیف بالإمام الحسین علیه السلام الذی کان محور الأحداث تلک ومدارها؟!

ثم إن افتراض المفید لعلم الحسین علیه السلام بأنه یخذل ویقتل ، والجواب عن إقدامه علی ذلک بالتعبد ، قرینة واضحة علی إمکان العلم بذلک

ص: 51

عنده ، وأنه أمر لیس معارضا للعقل ولا للکتاب ، وإنما لم یلتزم به لعدم ورود أثر به عنده!

فلو أثبتنا علی ورود الأثر بذلک بتواتر الآثار والأخبار ، کفی دلیلا للالتزام به ، وعدم قابلیة الاعتراض الثانی للوقوف فی وجهه.

وکذلک أجاب المفید عن الأمر الثالث بعدم قیام الحجة علیه وعدم ورود أثر به ، مع مخالفته لمقتضی الحال وشواهده.

وبالنسبة إلی الإمام الحسن علیه السلام :

فقد صرح المفید - رحمه الله - بعلمه بمستقبل حال معاویة ، ونکثه وثیقة الصلح ، واستدل علی ذلک بمجرد مجئ الخبر به ، ومطابقته لمقتضی الحال.

فیدل علی کفایة ذلک لإثبات (علم الإمام بالغیب).

وأما الاعتراض بالإقدام علی التهلکة فقد أجاب عنه بالمصلحة واللطف ، ومقابلة ذلک بالأهم.

فقد ظهر أن الشیخ المفید رحمه الله لا یمنع من نسبة (علم الغیب) إلی الأئمة إذا کان من طریق إعلام الوحی والإلهام لهم بواسطة النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

وأنه فی إثبات جزئیات ذلک بحاجة إلی ورود الأخبار والآثار بذلک.

وأن شواهد الأحوال والسیرة تؤکد إثبات ذلک أو نفیه عند المعارضة.

وقد نقلنا فیما سبق - ص 47 - رأی الشیخ المفید فی علم الأئمة بالغیب مصرحا بثبوت ذلک لهم مستفادا ، من دون کونه صفة ذاتیة لهم ، ولا وجوب عقلی له ، بل إنما هو کرامة من الله لهم ، وأن السمع قد ورد به.

وقد نسب هذا القول إلی (جماعة أهل الإمامة) ولم یستثن إلا شواذا من

ص: 52

الغلاة (1) وأثبت فی کتابه (الإرشاد) نماذج من الروایات فی إخباراتهم الغیبیة سواء عن الماضیات أو المستقبلات ، وحتی عن أحوال المخاطبین وما یکنونه فی أنفسهم ، ذکر ذلک فی الدلالة علی إمامة کل واحد من الأئمة علیهم السلام فی فصل أحواله.

فما نسب إلیه - رحمه الله - من أن الحسین علیه السلام لم یکن یعلم بمقتله ، وأنه إنما توجه إلی الکوفة بغرض الاستیلاء علی الملک ، وأنه لو کان عالما بأنه یقتل لما ذهب ، لأنه إلقاء فی التهلکة!!!.

کلها نسب باطلة إلی الشیخ المفید - رحمه الله - لم تدل علی ذلک عبارته المذکورة هنا التی استند إلیها الناسبون ، وبتروا وقطعوا أوصالها ، لتؤدی ما یریدون!

4 - عصر الشیخ الطوسی (ت 460 ه)

الشیخ أبو جعفر ، محمد بن الحسن بن علی الطوسی (385 - 460 ه).

قال السید بحر العلوم : شیخ الطائفة المحقة ، رافع أعلام الشریعة الحقة ، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومین ، وعماد الشیعة الإمامیة فی کل ما یتعلق بالمذهب والدین ، محقق الأصول والفروع ، ومهذب فنون المعقول والمسموع ، شیخ الطائفة علی الاطلاق ، ورئیسها الذی تلوی إلیه الأعناق ، صنف فی جمیع علوم الإسلام ، وکان القدوة فی کل ذلک والإمام (2).

ص: 53


1- 1. لاحظ أوائل المقالات : 67 من طبعة مؤتمر الشیخ المفید ، وص 77 من طبعة شیخ الإسلام ، التی أعادتها مکتبة الداوری - قم.
2- 2. رجال السید بحر العلوم 3 / 227 - 228.

وقد عرض الشیخ الطوسی الاعتراض وأجاب عنه ، وهذا نص ما ذکره :

فإن قیل : ألیس فی أصحابکم من قال : (إن الحسین علیه السلام کان یعلم ما ینتهی إلیه أمره ، وأنه یقتل ویخذله من راسله وکاتبه ، وإنما تعبد بالجهاد والصبر علی القتل).

أیجوز ذلک عندکم ، أم لا؟!

وکذلک قالوا فی أمیر المؤمنین علیه السلام : (إنه کان یعمل أنه متقول).

والأخبار عنه مستفیضة به.

وأنه کان یقول : (ما یمنع أشقاها أن یخضب هذه من هذا) - ویومئ إلی لحیته ورأسه -.

وأنه کان یقول تلک اللیلة - وقد خرج وصحن الإوز فی وجهه : (إنهن صوائح تتبعها نوائح).

قالوا : (وإنما أمر بالصبر علی ذلک).

فهل ذلک جائز عندکم؟!

قیل : اختلف أصحابنا فی ذلک :

فمنهم من أجاز ذلک (1) وقال : لا یمتنع أن یتعبد بالصبر علی مثل ذلک ، لأن ما وقع من القتل - وإن کان ممن فعله قبیحا - فالصبر علیه حسن ، والثواب علیه جزیل.

بل ، ربما کان أکثر ، فإن مع العلم بحصول القتل - لا محالة - الصبر أشق منه إذا جوز الظفر وبلوغ الغرض.

====

وقد علق الکلینی فی أصول (الکافی) بابا خاصا بذلک سماه : (باب أن الأئمة علیهم السلام یعلمون متی یموتون) واستعرض فیه جملة من الروایات عن الأئمة فی إثبات ذلک.

ص: 54


1- 1. علق محقق (تخلیص الشافعی) : یقصد بذلک الشیخین المفید والکلینی - قدس الله سرهما - وعلی ذلک جری کثیر من علمائنا المتأخرین قدس الله أسرارهم ، کالعلامة الحلی ، والمجلسی ، والشهید ، وغیرهم.

ومنهم من قال : إن ذلک لا یجوز ، لأن دفع الضرر عن النفس واجب عقلا وشرعا ، ولا یجوز أن یتعبد بالصبر علی القبیح ، وإنما یتعبد بالصبر علی الحسن ، ولا خلاف أن ما وقع من القتل کان قبیحا ، بل من أقبح القبیح.

وتأول هذا القائل ما روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام ، من الأخبار الدالة علی علمه بقتله ، بأن قال : کان یعلم ذلک علی سبیل الجملة ، ولم یعلم بالوقت بعینه ، وکذلک علم اللیلة التی یقتل فیها بعینها ، غیر أنه لم یعلم الوقت الذی یحدث فیه القتل.

وهذا المذهب هو الذی اختاره المرتضی - رحمة الله علیه - فی هذه المسألة.

ولی - فی هذه المسألة - نظر (1).

والذی یستفاد من هذا النص سؤالا وجوابا :

1 - أن الطائفة لم تختلف فی أصل (أن الأئمة یعلمون متی یموتون ، وما یجری علیهم) لکن المرتضی خالف فی خصوص (الوقت المعین) للقتل ، هل یعرفه الإمام بالتفصیل ، أو یعرفه بالإجمال؟

وأما العلم بحوادث أخر فهو - أیضا مجمع علیه ، ولا خلاف فیه.

2 - أن الأخبار التی ظاهرها العلم بالتفصیل - حتی بوقت الموت - متضافرة وواردة ، وإنما القائل بالإجمال یحاول تأویلها!

3 - أن القائل بالإجمال إنما صار إلی ذلک ، لتصوره أن أمرا مثل الإقدام علی الشهادة أمر لا یمکن التعبد به ، لأنه قتل قبیح ، ولا تعبد بالقبیح! وأن دفع الضرر واجب عقلا وشرعا ، فلا یجوز ترکه علی الإمام.

ص: 55


1- 1. تلخیص الشافی 4 / 188 - 190 ، وعلق محققه : راجع فی تفصیل الباب : مرآة العقول - للمجلسی - 3 / 123 ، والبحار - له - 42 / 259 ، والدرة النجفیة - للبحرانی - 85 ، وغیرها.

لکن هذا التصور خاطئ لوجوه :

الأول : أن کون الفعل قبیحا صدورا من الفاعل ، لا یقتضی کونه قبیحا بالنسبة إلی الواقع علیه ، فبالإمکان أن یفرض العمل قبیحا صدورا باعتبار حرمته علی الفاعل أن یقوم به ، ولکنه یکون بالنسبة إلی القابل ، أو الواقع علیه جائزا مباحا ، أو مرادا.

فلا مانع من أن یکون قتل الأئمة علیهم السلام حراما علی القاتلین ، لکونه ظلما وتعدیا ، بل من أقبح صوره وأفحشها ، ولکن یکون الصبر علی ذلک من الإمام أمرا حسنا لکونه امتثالا لأمر الله ، وانقیادا لإرادته ، ورضا بقضائه ، وتعبدا بما عبد به الإمام ، لتحقیق المصالح الدنیویة علیه ، ولبلوغ الأئمة المقامات العالیة المفروضة لهم فی ظرف طواعیتهم وتحملهم لذلک.

الثانی : أنه مع ورود النص بثبوت علم الأئمة لا وجه للجوء إلی مثل هذا التصور ، لأن قبح القتل - فی موارد - إنما هو من جهة کونه ظلما وحراما ، وکذا الإقدام علی أن یقتل ، والإلقاء إلی التهلکة ، إنما یکون حراما إذا کان منهیا عنه ، أما إذا تعلق به أمر إلهی ، وصار موردا للتعبد به لمصلحة ، فهو لا یکون قبیحا للمتعبد بذلک ، والمفروض أن الأخبار قد وردت بذلک ، فلا بد من فرض جوازه وحسنه.

کما کان الإقدام علی الشهادة ، والقتل فی سبیل الله ، من أفضل القرب وأشرفها ، وأکثرها أجرا ، وتستوجب أرفع الدرجات مع الصدیقین.

الثالث : أن تحمل القتل والصبر علیه ، فی مثل هذا الفرض ، لا یصح تسمیته ضررا ، بل هو نفع ، من أنفع ما یقدم علیه عباد الله المخلصون ، ویختارونه لکونه لقاء الله ، ومقربا إلیه ، ولما یترتب علی ذلک من المصالح للإسلام وللأمة ، ولأنه محقق أروع الأمثلة للتضحیة والفداء فی سبیل الأهداف الإلهیة الکبیرة والجلیلة.

ص: 56

فلا حرمة فیه شرعا ، ولا عقلا ، بل هو محبوب ، وواجب فی بعض الأحیان.

4 - وقد دل هذا النص علی أن المتفرد بالقول بالإجمال إنما هو السید المرتضی ، وأن القائل بالإجمال یعارض التعبد بالصبر علی ذلک ، فظهر أن المفید - الذی مر افتراضه للتعبد - إنما یفترض ذلک علی تقدیر التفصیل ، وأن القول بالإجمال لیس بحاجة إلی افتراض ذلک.

مبیت علی علیه السلام علی فراش الرسول صلی الله علیه وآله وسلم

لیلة الهجرة.

ثم إن ما یؤکد جواز إقدام الإمام علیه السلام علی الأخطار مع علمه بها هو مبیت علی علیه السلام علی فراش النبی صلی الله علیه وآله وسلم لیلة هجرته من مکة إلی المدینة فادیا له بنفسه ، حتی نزلت فیه آیة ( ومن الناس من یشری نفسه ابتغاء مرضات الله ... ) الآیة (207) من سورة البقرة (2).

وقد کان ذلک بأمر النبی صلی الله علیه وآله وسلم ، فتوجه إلی الغار وأنام علیا علی فراشه وألبسه برده (1).

فقال علی السلام فی ذلک شعرا (2) :

وقیت بنفسی خیر من وطئ الحصی

ومن طاف بالبیت العتیق وبالحجر

وبت أراعی منهم ما ینوبنی

وقد صبرت نفسی علی القتل والأسر

ولم یکن یخفی علی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ما یتهدد الإمام علیه السلام من الخطر ، فکیف أمره بالمبیت وأنامه علی فراشه؟!

وما کان یخفی علی علی علیه السلام خطر القتل والأسر ، فکیف تعبد

ص: 57


1- 1. انظر : تفسیر الحبری : 242 ح 9 ، انظر : ص 410 - 416.
2- 2. المستدرک علی الصحیحین - للحاکم - 3 / 4 ، ولاحظ : شواهد التنزیل 1 / 131.

بذلک وأطاع؟!

ولو قیل : إنهما کانا یعلمان عدم إصابته بأذی فی ذلک ، فهو إثبات لعلم الغیب الذی یحاول إنکاره.

مع أنه قد کان القتل محتملا کما قال الله تعالی : ( وإذ یمکر بک الذین کفروا لیثبتوک أو یقتلوک أو یخرجوک ) (الآیة (3) من سورة الأنفال (8)) وکما احتمله الإمام علی علیه السلام فی شعره المذکور؟!

حول شهادة الحسین علیه السلام :

ثم إن للشیخ الطوسی کلاما حول أعذار الحسین علیه السلام فی مخرجه ومقتله ، ذکره فی (تلخیص الشافی) وهو بعین العبارة مذکور فی کتاب (تنزیه الأنبیاء) للسید المرتضی ، فلا بد من ذکره ، سؤالا وجوابا ، لارتباطه الوثیق بهذا المبحث :

فإن قیل : فما أعذار الحسین علیه السلام؟!

لأنه خرج بأهله وعیاله إلی الکوفة ، والمستولی علیها أعداؤه والمتأمر فیها من قبل یزید منبسط الید والأمر والنهی ، وقد رأی صنیع أهل الکوفة بأبیه وأخیه علیهما السلام ، وأنهم غادرون خوانون؟!

وکیف خالف ظنه ظن جمیع أصحابه ، لأن ابن عباس - رحمة الله علیه - أشار بالعدول عن خروجه ، وقطع علی العطب.

وابن عمر لما ودعه بقول : أستودعک الله من قتیل.

وأخوه محمد مثل ذلک.

إلی غیر ما ذکرناه ممن تکلم فی هذا الباب؟!

ثم لما علم بقتل مسلم بن عقیل - وقد أنفذه رائدا له - کیف لم یرجع ، ویعلم الغدر من القوم ، وتفطن بالحیلة والمکیدة؟!

ثم کیف استجاز أن یحارب بنفر قلیل ، لجموع عظیمة خلفها مواد لها

ص: 58

کثیرة؟!

ثم لما عرض علیه ابن زیاد الأمان ، وأن یبایع یزید ، کیف لم یستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهله وشیعته وموالیه؟!

ولم ألقی بیده إلی التهلکة؟!

وبدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن علیه السلام الأمر إلی معاویة؟!

وقد أجابا عن جمیع ما ورد فی السؤال بتفصیل ، ونحن نقسمه إلی مقاطع لتسهیل الارجاع إلیها :

قیل لهم :

1 - قد علمنا أن الإمام متی غلب علی ظنه أن یصل إلی حقه والقیام بما فوض إلیه - بضرب من الفعل - وجب علیه ذلک ، وإن کان فیه ضرب من المشقة یتحمل مثلها - تحملها.

وأبو عبد الله علیه السلام لم یسر إلی الکوفة إلا بعد توثق من القوم وعهود وعقود ، وبعد أن کاتبوه علیه السلام طائعین غیر مکرهین ، ومبتدئین غیر مجیبین.

وقد کانت المکاتبة من وجوه أهل الکوفة وأشرافها وقرائها ، تقدمت إلیه علیه السلام فی أیام معاویة ، وبعد الصلح الواقع بینه وبین الحسن علیه السلام ، فدفعهم وقال فی الجواب ما وجب.

ثم کاتبوه بعد وفاة الحسن علیه السلام - ومعاویة باق - فوعدهم ومناهم. وکانت أیام معاویة صعبة لا یطمع فی مثلها.

فلما مضی معاویة أعادوا المکاتبة وذلک الطاعة ، وکرروا الطلب والرغبة ، ورأی علیه السلام من قوتهم - علی من کان یلیهم فی الحال من قبل یزید وتسلحهم علیه وضعفه علیهم - ما قوی فی ظنه أن المسیر هو الواجب ، وتعین علیه فعله.

ص: 59

2 - ولم یکن فی حسابه أن القوم یغدر بعضهم ، ویضعف بعضهم عن نصرته ، ویتفق ما اتفق من الأمور الطریفة الغریبة ... إن أسباب الظفر بالعدو کانت لائحة ، وإن الاتفاق السیئ هو الذی عکس الأمر وقلبه حتی تم فیه ما تم.

3 - وقد هم أبو عبد الله علیه السلام لما عرف بقتل مسلم وأشیر علیه بالعود ، فوثب إلیه بنو عقیل فقالوا : والله ، لا ننصرف حتی ندرک ثارنا أو نذوق ما ذاق أخونا ، فقال علیه السلام : (لا خیر فی العیش بعد هؤلاء).

4 - ثم لحقه الحر بن یزید ومن معه من الرجال ... ومنعه من الانصراف ، وسامه أن یقدم علی ابن زیاد ، نازلا علی حکمه ، فامتنع ، ولما رأی ألا سبیل إلی العود ، ولا إلی دخول الکوفة ، سلک طریق الشام سائرا نحو یزید ، لعلمه علیه السلام بأنه - علی ما به - أرق به من ابن زیاد وأصحابه!

فسار حتی قدم علیه عمر بن سعد فی العسکر العظیم ، وکان من أمره ما قد ذکر وسطر.

فیکف یقال : إنه علیه السلام ألقی بیده إلی التهلکة؟!

وقد روی أنه علیه السلام قال لعمر بن سعد : اختاروا منی : إما الرجوع إلی المکان الذی أقبلت منه ، أو أن أضع یدی علی ید یزید - فهو ابن عمی یری فی رأیه - ، وإما أن تسیروا بی إلی ثغر من ثغور المسلمین ، فأکون رجلا من أهله ، لی ماله ، وعلی ما علیه.

وإن عمر کتب إلی عبید الله بن زیاد بما سأل ، فأبی علیه ، وکاتبه بالمناجزة ، وتمثل بالبیت المعروف ، وهو :

الآن إذ علقت مخالبنا به

یرجو النجاة ولات حین أوان

فلما رأی علیه السلام إقدام القوم ، وأن الدین منبوذ وراء ظهورهم ، وعلم أنه إن دخل تحت حکم ابن زیاد تعجل الذل والعار ، وآل أمره - من بعد - إلی القتل ، التجأ إلی المحاربة والمدافعة لنفسه ، وکان بین إحدی الحسنیین : إما الظفر ، أو الشهادة والمیتة الکریمة.

ص: 60

5 - وأما مخالفة ظنه لظن جمیع من أشار علیه من النصحاء ، کابن عباس وغیره ، فالظنون إنما تغلب بحسب الأمارات ، وقد تقوی عند واحد ، وتضعف عند آخر ، ولعل ابن عباس لم یقف علی ما کوتب به علیه السلام من الکوفة ، وما تردد فی ذلک من المکاتبات والمراسلات والعهود المواثیق ...

6 - فأما محاربة الکثیر بالنفر القلیل ، فقد بینا أن الضرورة دعت إلیها ، وأن الدین والحزم معا ما اقتضیا فی هذه الحال إلا ما فعل ...

7 - ولیس یمتنع أن یکون علیه السلام فی تلک الحال مجوزا أن یفئ إلیه قوم ممن بایعه وعاهده ثم قعد عنه ، ویحملهم ما یرون - من صبره وعدم استسلامه ، وقلة ناصره - علی الرجوع إلی الحق ، دینا أو حمیة ، فقد فعل ذلک نفر منهم حتی قتلوا بین یدیه علیه السلام شهداء.

ومثل هذا یطمع فیه ، ویتوقع فی أحوال الشدة ...

8 - ... والحسین علیه السلام لما قوی فی ظنه النصرة ممن کاتبه ووثق له ، فرأی من أسباب قوة نصار الحق وضعف نصار الباطل ، ما وجب معه علیه الطلب والخروج.

فلما انعکس ذلک ، وظهرت أمارات الغدر فیه وسوء الاتفاق ، رام الرجوع والمکافة والتسلیم ، کما فعل أخوه علیه السلام ، فمنع من ذلک ، وحیل بینه وبینه (1).

أقول :

لا بد من تفسیر ما ورد فی هذا النص - سؤالا وجوابا - من عبارة : (کیف خالف ظنه ظن جمیع أصحابه) فی السؤال.

ص: 61


1- 1. تلخیص الشافی 4 / 181 - 188 ، وقد نقله عنه وعن تنزیه الأنبیاء - للسید المرتضی - : 179 - 182 النقوی فی : السبطان فی موقفیهما - ص 51 فما بعدها - ، مع رد علی مفردات السؤال والجواب معا ، فلاحظه.

وعبارة : (غلب علی ظنه) و (قوی فی ظنه) فی الفقرة الأولی من الجواب ، وعبارة (وأما مخالفة ظنه لظن جمیع من أشار علیه) فی الفقرة الخامسة ، وعبارة : (لما قوی فی ظنه النصرة) فی الفقرة الثامنة.

حیث أضیفت کلمة (الظن) إلی الإمام علیه السلام ، وهی ظاهرة فی إرادة حالة الشک والتردد ، خصوصا بقرینة کلمات (غلب) و (قوی) و (قوی) وقیاسه بظنون الآخرین.

وهذا بلا شک ، یعطی الموافقة علی أن الإمام علیه السلام لم یکن متأکدا بصورة علمیة مما یقدم علیه.

فلا بد إذن من توجیه لهذا الاطلاق ، فأقول :

بما أن المرتضی والطوسی استعملا فی الجواب کلمة (الظن) فی مورد الحکم الشرعی حیث قالا فی الفقرة الأولی : (متی غلب ظنه أنه یصل إلی حقه ... بضرب من الفعل وجب علیه ذلک) وفی الفقرة الثامنة : (لما قوی فی ظنه النصرة ... ما وجب معه علیه الطلب والخروج).

وهذا (الوجوب) حکم شرعی.

وقد عرفنا فیما نقله المفید إجماع الطائفة علی أن الإمام یعلم الأحکام کلها ، ولا یعتمد فیها علی مجرد (الظن) حیث قال المفید : (وإنما إجماعهم ثابت علی أن الإمام یعلم الحکم فی کل ما یکون) وکذلک قال : (وعلی ذلک جماعة أهل الإمامة) فی إثبات علم الأئمة بالغیب المستفاد من الله تعالی ، واستثنی الغلاة.

وکذلک ما حصل من حصر الطوسی أقوال الطائفة فی مسألة علم الأئمة بالغیب بین قولین فقط ، ولم یختلفا فی أصل علم الأئمة بالغیب ، وإنما اختلفا فی معرفة (وقت القتل) بین التفصیل والإجمال ، واتفقا علی العلم بغیر ذلک بالتفصیل ، فإنه یقتضی أن یکون الإمام عالما بالأحکام.

کما عرفت أن الطوسی نسب القول بالعلم الاجمالی بوقت القتل إلی

ص: 62

خصوص المرتضی ، مما یقتضی ، عدم مخالفته للطائفة فی التزام العلم فی غیر هذا ، ومنه الأحکام.

کما أن استدلال الکلامیین من الطائفة علی ثبوت علم الإمام بالأحکام وضرورة ذلک معروف فی کتب الکلام.

ومع کل هذا ، فیکف یمکن أن یرید الطوسی والمرتضی مجرد الشک والاحتمال - ولو الاحتمال الراجح - من کلمة (الظن)؟!

فلا بد أن یکون المراد بالظن لیس ما یقابل الیقین ، بل یراد به هو (الیقین).

وقد استعمل (الظن) وأطلق علی (الیقین) لغة ، وصرح علماء اللغة بذلک :

قال الجوهری : الظن : معروف ، وقد یوضع موضع العلم.

وقال الأزهری : الظن : یقین ، وشک.

وقال ابن سیده : الظن : شک ، ویقین ، إلا أنه لیس بیقین عیان ، إنما هو یقین تدبر (1).

فإذا کان المراد بالظن هو الیقین ، فالمعنی : أن الإمام علیه السلام لما علم بأن الفعل الکذائی هو الواجب علیه حسب الظروف المعینة التی تحیط به ، فهو عالم بما یقوم به ، فی صلحه وسلمه ، وفی خروجه وحربه.

والإمام الحسین علیه السلام کان علی علم ویقین بأن حرکته هی إعلان عن حقه فی قیادة المسلمین التی آلت إلیه فی تلک الظروف ، وأنه بخروجه وقیامه یملأ الثغرة التی کادت الدولة الأمویة أن توسعها بعد ما أحدثتها ، والضربة القاضیة التی کاد یزید أن یوقعها بالأمة الإسلامیة والدین الإلهی ، بعد أن أنهکهما أبوه طعنا ، فکانت حرکته سدا منیعا یصد الجاهلیة أن تعود إلی

ص: 63


1- 1. لاحظ : لسان العرب ، مادة (ظن).

الحیاة.

ویدل علی أن مراد المرتضی والطوسی (علم الإمام بما یجری) قولهما فی آخر الفقرة الرابعة : (فلما رأی علیه السلام إقدام القوم ، وأن الدین منبوذ وراء ظهورهم ، وعلم أنه إن دخل تحت حکم ابن زیاد تعجل الذل ...).

فإذا کان الحسین علیه السلام علم هذا ، فأجدر به أن یعلم غیره مما جری!

وأما قولهما فی الفقرة الثانیة : (ولم یکن فی حسابه أن القوم یغدر بعضهم ...).

فمعناه : أن احتمالات الغدر والخیانة وطروء الظروف غیر المنظورة ، أمور لا تدخل فی الحساب ، لأنها تخمینات لا یمکن الاعتماد علیها لمن یقدم علی مثل ما أقدم علیه الإمام الحسین علیه السلام فی الخطورة والأهمیة ، وفی النتائج العظیمة والوخیمة التی کانت تترتب علیه إیجابا وسلبا.

فالإمام الحسین علیه السلام بنی حرکته علی أساس من علمه بوجوبها علیه ، وعلمه بما یترتب علیها من النتائج ، وما یجب أن یتحمله من المآسی والآلام ، فلا تمنعه الاحتمالات ولا تدخل فی حسابه التخمینات ، ولم یأبه بما یثار فی هذه الطریق من الأخطار ، إذ لا ینقض الیقین بیقین أحد من الناس العادیین ، فکیف بظنونهم واحتمالاتهم؟!

إن الحسین علیه السلام کان یعمل ویسیر من منطلق العلم بالحکم الشرعی المحدد له فی مثل ظرفه ، والواضح له من خلال تدبر مصالح الإسلام والمسلمین ، والمعروف له من بوابة الغیب المتصلة بطرق السماء من خلال الوحی النبوی والإلهام ، فکان یری کل شئ رأی العین ، ویسیر بثبات ویقین ، ولم یکن لیصرفه عن واجبه الإلهی المعلوم له ، کل ما یعرفه من غدر الکوفة وخیانة أهلها ، فکیف ینصرف باحتمال غدرهم ، وظن خیانتهم؟!

وقد شرحنا فی کتابنا (الحسین علیه السلام سماته وسیرته) جانبا من هذه

ص: 64

الحقیقة ، فی ذکر مواجهة الإمام الحسین علیه السلام لجواب الناصحین له بعدم الخروج ، والمتنبئین بأن مصیره (القتل) فکان الجواب الحاسم :

(أن الحسین علیه السلام إذا کان خارجا لأداء واجب الدعوة إلی الله ، فلا یکون خروجه لغوا ، ولا یحق لأحد أن یعاتبه علیه ، لأنه إنما یؤدی بإقدامه واجبا إلهیا ، وضعه الله علی الأنبیاء وعلی الأئمة من قبل الحسین علیه السلام ، ومن بعده.

وإذا أحرز الإمام تحقق شرط ذلک ، وتمت عنده العدة - ولو الظاهریة - للخروج ، من خلال العهود والمواثیق ومجموعة الرسائل والکتب التی وصلت إلیه.

فهو لا محالة خارج ، ولا تقف أمامه العراقیل المنظورة له والواضحة ، فضلا عن تلک المحتملة والقائمة علی الفرض والتخمین ، مثل الغدر به ، أو قتله وهلاکه! ذلک الذی عرضه الناصحون.

فیکف لو کان المنظور هو (الشهادة) والقتل فی سبیل الله ، التی هی من أفضل النتائج المتوقعة والتی یترقبها الإمام ، والمطلوبة لمن یدخل هذا السبیل ، ویسیر فی هذا الطریق الشائک.

مع أن الشهادة مقضیة ومأمور بها ، ویحتاج إلی توفیق عظیم لنیلها ، فهی إذن من صمیم الأهداف التی کان یضعها الإمام الحسین علیه السلام نصب عینیه ، ویسعی لطلبها ، لا أنها موانع فی طریق إقدامه!

وأما أهل العراق وسیرتهم ، وأنهم أهل النفاق والشقاق ، وعادتهم الغدر والخیانة ، فهی أمور لا تعرقل خطة الإمام فی قیامه بواجبه ، وإن کان فیها ضرر متصور ، فهی علی حیاة الإمام ، وتمس راحته ، ولیس هذا مهما فی مقابل أمر القیادة الأهم ، وأداء واجب الإمامة الإلهی ، حتی یترکها من أجل ذلک.

ولذلک لم یترک الإمام علی علیه السلام أهل الکوفة بالرغم من إظهاره استیاءه منهم إلی حد الملل والسأم! ولکن لا یجوز له - شرعا - أن یترک موقع

ص: 65

القیادة ، وواجب الإمامة من أجل أخلاقهم المؤذیة.

وکذلک الواجب الذی ألقی علی عاتق الإمام الحسین علیه السلام بدعوة أهل العراق ، وأهل الکوفة بالخروج إلیهم والقیام بقیادة أمرهم وهدایتهم إلی الإسلام ، لم یتأد إلا بالخروج ، ولم یسقط هذا الواجب بمجرد احتمال العصیان غیر المتحقق ، فی ظاهر الأمر ، فکیف یرفع الید عنه ، وما هو عذره عن الحجة التی تمت علیه بدعوتهم؟! ولم یبد منهم نکث وغدر به؟! فلا بد أن یمضی الإمام فی طریق أداء واجبه ، حتی تکون له الحجة علیهم ، إذا خانوا وغدروا ، کما حدث فی کربلاء ، ولو کان علی حساب وجوده الشریف) (1).

وقلت فیه أیضا :

(وغریب أمر أولئک الذین ینظرون إلی الموقف من زاویة المظاهر الحاضرة ، ویحذفون من حساباتهم الأمور غیر المنظورة ، ویریدون أن یحاسبوا حرکة الإمام وخروجه ، علی أساس أنه إمام عالم بالمصیر ، بل لا بد أن یعرف کل شئ من خلال الغیب! فیکف یقدم علی ما أقدم ، وهو عالم بکل ما یصیر؟!

والغرابة فی أن الإمام الحسین علیه السلام لو عمل طبقا لما یعلمه من الغیب ، لعاب علیه کل من یسمع بالأخبار ، ویقرأ التاریخ : أنه ترک دعوة الأمة المتظاهرة بالولاء له ، من خلال آلاف الکتب والعهود - والواصلة إلیه بواسطة أمناء القوم ورؤسائهم - استنادا إلی احتمالات الخیانة والتخاذل ، التی لم تظهر بوادرها إلا بالتخمین ، حسب ماضی هذه الجماعة وأخلاقهم.

فلو علم الإمام بعلمه بالغیب ، الذی لم یؤمن به کثیر من الناس فی عصره ومن بعده ، ولم یسلمه له غیر مجموعة قلیلة من شیعته ، وأطاع أولئک الناصحین له بعده الخروج ، لکان مطیعا لمن لم تجب علیه طاعتهم ، وتارکا

ص: 66


1- 1. الحسین سماته وسیرته - الباب - 3 ، الفقرة 27 - : عراقیل علی المسیر.

لنجدة من تجب علیه نجدتهم.

کما أن طاعة أولئک القلة من الناصحین ، لم تکن بأجدر من طاعة الآلاف من عامة الشعب ، الذی قدموا له الدعوة ، وبإلحاح ، وقدموا له الطاعة والولاء.

وقبل هذا وبعده : فإن الواجب الإلهی یحدوه ، ویرسم له الخطط ، للقیام بأمر الأمة ، فإذا تمت الحجة بوجود الناصر ، فهذا هو الدافع الأول والأساسی للإمام علی الإقدام ، دون الإحجام علی أساس الاحتمالات السیاسیة ، والتوقعات الظاهریة ، وإنما استند إلیها فی نصوص من کلماته وتصریحاته ، لإبلاغ الحجة ، وإفحام الخصوم ، وتوضیح المحجة ، لکل جاهل ومظلوم) (1).

إن حاصل ما ذکره المرتضی والطوسی فی أمر الحسین علیه السلام هو :

إنه علیه السلام علم بواجبه وتیقن بتمامیة الحجة ، بدعوة أهل العراق وتواتر کتبهم إلیه ، وطلبهم له ، واستقر علیه هذا الواجب ، فنهض لأداء واجبه ، وخرج إلیهم لیتم هو الحجة علیهم ، وهو إن کان عالما بالنتیجة المعلومة له من الغیب - أو من شواهد الحال - إلا أنه لم تقم حجة خارجیة عیانا ترد الحجة التی قدمها أهل الکوفة بدعوتهم للإمام ، إلا بعد حصر الإمام فی کربلاء.

والإمام لم یکلف - قبل کربلاء - بالعمل بواجبه الظاهر ، ولو أخبر - هو - بما یعلمه من الغیب ، هل کان یصدقه أحد؟! خصوصا من أهل الکوفة الذین دعوة؟! وبالأخص قبل أن یظهر منهم الغدر ، وقبل أن یحاط بالإمام فی کربلاء؟!

وأما فی کربلاء ، فإن الأمر قد اختلف ، وقد تمت الحجة علی أهل الکوفة بحضور الإمام ، وبظهور الغدر والخیانة منهم!

ص: 67


1- (35) الحسین سماته وسیرته - الفقرة 29 - : أنصار أوفیاء

وکان واجب الإمام هو حفظ کرامته وحرمته ، وکرامة الإسلام وحرمته التی ستهتک وتهدر باستسلامه.

مع أن مصیره المعلوم کان هو القتل حتی بعد الاستسلام!

وکما قال الطوسی والمرتضی - بنص العبارة - فی الفقرة السادسة : (فإن الضرورة دعت إلیها - أی المحاربة - وإن الدین ، والحزم - معا - ما اقتضیا - فی هذه الحال - إلا ما فعل).

فبعد إتمام الإمام علیه السلام الحجة بما قام به من الخروج والمسیر إلی أهل الکوفة ، وحتی عرضه علیهم الصلح والسلام - وبکل خیاراته وأشکاله - ورفضهم لها کلها ، تمت الحجة علیهم ، فحاربهم وقاومهم وجاهدهم ، وناضلهم ، حتی نال الشهادة.

ومن المخزی أن بعض المتطفلین علی العلم والدین ، والقلم والکتابة ، اتبع ما تشابه من عبارات الطوسی والمرتضی والمفید ، فاستشهد بظواهرها - ومن دون بحث وتحقیق عن الأعماق والدلالات المرادة فیها - علی ما وضعه نصب عینیه - من نفی علمهم بالغیب - یحاول إثباته والتأکید علیه ، بصور مختلفة :

فتارة : بدعوی أن الحسین علیه السلام لم یکن یعلم بما وقع علیه من القتل والبلاء ، وإنما خرج طالبا للحکم والسلطان والملک والخلافة! ولکنه فوجئ بجیش أقوی مما معه ، وبغدر من وعده النصر وخذلانه ، وانقلب الأمر علیه!

وبدعوی : أنه ما کان یرید أن یقتل ، وأنه کان فی خروجه یأمل النصر ویتوقعه ، ولذلک عرض علی جیش الکوفة عروضا سلمیة!

وأخری بدعوی : أنه لم یقم إلا منطلقا من خلال العناوین الفقهیة العامة ، من دون أن یکون لخصوصیة إمامته دخلا فی خروجه وحرکته!

إن هؤلاء لو جردوا الحسین علیه السلام عن قدسیة الإمامة التی قلده الله

ص: 68

بها ، وسلبوا عنه علم الإمامة بالغیب حتی الحکم الشرعی ومعرفة ما یجب علیه أن یفعل!

فلماذا جردوه وسلبوه من التنبه لما عرفه أناس عادیون عاصروا الأحداث - مثل الفرزدق ، وابن عباس ، وابن عمر ، وحتی بعض النساء - فأعلنوا أن ذهابه إلی العراق یؤدی إلی قتله؟!

ولماذا فرضوا أن الحسین علیه السلام لم یر ما رآه أولئک برؤیة واضحة؟! وقد أبلغوه آراءهم ورؤاهم ، فهلا تنبه - لو فرضت له غفلة -؟!

إن هؤلاء ینزلون بالحسین إلی مرتبة أقل من إنسان عادی عاصر الأحداث!

وکیف لهم أن یعرضوا - بغمضة عین - عن عشرات الآثار والروایات والأخبار والأحادیث ، وفیها الصحیح والمسند والمتصل ، وذات الدلالات الواضحة ، والتی ملئت بها کتب السیرة والحدیث والتاریخ ، والتی أخبرت عن (مقتل الحسین ومصرعه فی کربلاء) وعلی لسان النبی الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم ، وعلی أمیر المؤمنین علیه السلام؟!

تلک الأخبار التی عدت من (دلائل النبوة) و (معجزات الإمامة) والتی احتج بها المسلمون ، وتواتر خبرها بینهم!

فأخبرت عن (قتل الحسین فی کربلاء) قبل مولده ، وعنده ، وبعده ، وقد أحضر الرسول تربة مصرعه وشمها ، وحضر علی أرض کربلاء ، وصبر أبا عبد الله فیها وهو فی طریق صفین ذهابا وإیابا.

5 - عصر الشیخ ابن شهرآشوب (ت 588 ه)

هو الشیخ أبو جعفر ، محمد بن علی بن شهرآشوب بن أبی نصر ، السروی المازندرانی ، رشید الدین.

ص: 69

قال الصفدی : أحد شیوخ الشیعة ، حفظ القرآن وله ثمان سنین.

قال ابن أبی طی الحلبی : اشتغل بالحدیث ، ولقی الرجال ، ثم تفقه وبلغ النهایة فی فقه أهل البیت ، ونبغ فی الأصول ، ثم تقدم فی القراءات والقرآن ، والتفسیر ، والعربیة.

وکان مقبول الصورة ، ملیح العرض علی المعانی ، وصنف فی : المتفق والمفترق ، والمؤتلف المختلف ، والفصل والوصل ، وفرق بین رجال الخاصة ورجال العامة - یعنی أهل السنة والشیعة -.

کان کثیر الخشوع ، مات فی شعبان سنة ثمان وثمانین وخمسمائة.

وقال الصفدی : بلغ النهایة فی أصول الشیعة ، کان یرحل إلیه من البلاد ، ثم تقدم فی علم القرآن ، والغریب ، والنحو.

ووعظ علی المنبر أیام المقتفی ببغداد ، فأعجبه وخلع علیه ، وأثنی علیه کثیرا.

وقال الداوودی فی (طبقات المفسرین) : کان إمام عصره ، وواحد دهره ، أحسن الجمع والتألیف ، وغلب علیه علم القرآن والحدیث ، وهو عند الشیعة کالخطیب البغدادی لأهل السنة فی تصانیفه ، وتعلیقات الحدیث ورجاله ومراسیله ، ومتفقه ومفترقه ، وإلی غیر ذلک من أنواعه.

واسع العلم ، کثیر الفنون ، قال ابن أبی طی : ما زال الناس بحلب لا یعرفون الفرق بین ابن بطة الحنبلی ، وابن بطة الشیعی ، حتی قدم الرشید ، فقال : (ابن بطة الحنبلی بالفتح ، والشیعی بالضم) (1).

وقد تعرض للمشکلة فی ذیل آیة : ( ... ولا أعلم الغیب ... ) من الآیة (31) من سورة هود (11) وهی مکیة ، فقال :

ص: 70


1- 1. نقلنا هذه الکلمات من مقدمة العلامة الجلیل محمد صادق بحر العلوم - رحمه الله - لکتاب (معالم العلماء) لابن شهرآشوب : 3 - 5 ، فلاحظ مصادره ، وانظر أسماء مؤلفاته فی ذلک الکتاب : 119 رقم 791 ، وهو آخر من أسمه (محمد).

النبی والإمام یجب أن یعلما علوم الدین والشریعة.

ولا یجب أن یعلما الغیب ، وما کان ، وما یکون.

لأن ذلک یؤدی إلی أنهما مشارکان للقدیم تعالی فی جمیع معلوماته ، ومعلوماته لا تتناهی ، وإنما یجب أن یکونا عالمین لأنفسهما ، وقد ثبت أنهما عالمان بعلم محدث.

والعلم لا یتعلق - علی التفصیل - إلا بمعلوم واحد ، ولو علما ما لا یتناهی ، لوجب أن یعلما وجود ما لا یتناهی من المعلومات ، وذلک محال.

ویجوز أن یعلما الغائبات والکائنات الماضیات ، والمستقبلات ، بإعلام الله تعالی لهما شیئا منها.

وما روی أن أمیر المؤمنین علیه السلام کان یعلم أنه مقتول ، وأن قاتله ابن ملجم : فلا یجوز أن یکون عالما بالوقت الذی یقتله فیه علی التمییز ، لأنه لو علم ذلک لوجب علیه أن یدفعه عن نفسه ، ولا یلقی بیده إلی التهلکة! وإن هذا - فی علم الجملة - غیر واجب (1).

إن ما أثبته الشیخ ابن شهرآشوب موافق لما سبق ذکره سوی نقطة واحدة :

فما ذکره من نفی (علم الغیب بالاستقلال) عن الأئمة مجمع علیه بین المسلمین : وذلک لما ذکرنا فی صدر هذا البحث من دلالة الآیات الکریمة علی اختصاص ذلک بالله تعالی.

مضافا إلی ما ذکره ابن شهرآشوب من الاستدلال العقلی بأن النبی والإمام محدود متناه ، والغیب لا حد له ، ولا یمکن أن یحیط المحدود باللا منتهی.

ص: 71


1- 1. متشابه القرآن ومختلفه : 211.

ثم ما ذکره من إمکان علم الغیب بإعلام الله تعالی :

هو أیضا مما أجمعت علیه الطائفة ، ودلت علیه الآیات الکریمة التی ذکرناها فی صدر البحث.

وأما التفرقة بین علم الإمام بالحوادث ، وخصوصا ما یرتبط بقتله ، من الالتزام بالتفصیل فی غیر وقت القتل ، والالتزام بالإجمال فیه.

فهذا أیضا قد سبق قول المرتضی فیه ، والتزامه.

وقد أضاف ابن شهرآشوب تصریحا بأن علی فرض علم الإمام بوقت قتله بالعلم الاجمالی ، فلا یرد علیه اعتراض الالقاء فی التهلکة ، لأن الدفع حینئذ غیر واجب لفرض الاجمال فیه وعدم معرفته الأمر بالتفصیل.

وإنما اختص ابن شهرآشوب بالتزامه بالاعتراض علی تقدیر علم الإمام بوقت قتله تفصیلا ، فقال : (فلا یجوز أن یکون عالما بالوقت الذی یقتله فیه علی التمییز ، لأنه - لو علم ذلک - لوجب علیه أن یدفعه عن نفسه ، ولا یلقی بیده إلی التهلکة).

وهذه هی النقطة التی خالف فیها ابن شهرآشوب من سبقه ، لأن المفید الذی أشار إلی مسألة علم الجملة ، قال بإمکان القول بالتفصیل ، ومنع کون ذلک من الالقاء فی التهلکة ، لإمکان التعبد بالصبر علی القتل للإمام.

وحتی المرتضی - الذی التزم بالجملة ، ونفی التعبد - لم یصرح بالتزامه اعتراض الالقاء فی التهلکة علی تقدیر التفصیل ، فلعله دفعه بأحد الوجوه الکثیرة المتصورة ، والتی یکون تحمل القتل بها أمرا حسنا أیضا ولو بغیر التعبد!

ولعل ابن شهرآشوب عد فقدان الإمام ضررا وتهلکة فحکم فیه بوجوب الدفع ، وعدم الالقاء ، محافظة علی وجوده الشریف لأداء مهمات الإمامة.

لکن إطلاق لفظ (الضرر) ولفظ (التهلکة) علی ما جری علی الإمام ممنوع ، مطلقا :

فإنه إذا علم الإمام إرادة الله تعالی لما یجری علیه ، مع أنه یعلم ما فیه

ص: 72

من المصلحة للدین والأمة ، والمصلحة لنفسه الشریفة بالفوز بالشهادة ورفع الدرجات والکرامة الإلهیة ، بانقیاده المطلق لأوامر الله تعالی ، وتسلیمه المطلق لله ، ورضاه بما یرضاه تعالی ، فلا ریب ، أن لا یکون فی ما یقدم علیه أی ضرر ، ولا یمکن أن یسمی ذلک تهلکة بأی وجه ، إلا فی المنظار المادی ، والدنیوی.

ونظرة إلی قصة إبراهیم ، وولده الذبیح إسماعیل ، علیهما السلام ، التی جاءت فی القرآن الکریم ، حین أمر الله إبراهیم بذبح ابنه ، فقال تعالی فی نهایتها : ( فلما أسلما وتله للجبین ونادیناه أن یا إبراهیم * قد صدقت الرؤیا إنا کذلک نجزی المحسنین إن هذا لهو البلاء المبین ) الآیات (103 - 106) من سورة الصافات (37) ... فقد سمی الله ذلک تسلیما ، وتصدیقا ، وإحسانا ، وجعه (بلاء مبینا) مع أنه لم یتحقق فیه ذبح ، بل فدی إسماعیل بذبح عظیم.

فإذا لم یکن ما جری علی إسماعیل إلقاء فی التهلکة وکان شرعیا؟!

فلماذا لا یکون ما جری علی أهل البیت علیهم السلام من القتل - بأنواعه - أمرا شرعیا متعبدا به ، وقد تعبد به إبراهیم من قبل؟!

ولماذا لا یکون ما فعلوه تسلیما ، وتصدیقا لقضاء الله ، وإحسانا؟! وقد تحملوه فی سبیل الله ، وأهداف الدین السامیة؟

وأما (البلاء) هنا فهو (أبین) لأنه قد تحقق ، وأریقت دماء آل بیت الرسول علیهم الصلاة والسلام ، ولم یفد عنهم بشئ!

مع أن عمل الإمام ، لم یکن امتحانا خاصا وفردیا ، بل هو عمل أعظم وأهم ، لکونه إحیاء للإسلام ولرسالة الله الخالدة.

فإذا علم الإمام بتفصیل أسباب ما یجری علیه من الحوادث ، ونتائجه الباهرة ، فهو أحری أن ینقاد لامتثال ذلک والإطاعة لإرادة الله ، وعمل فی مثل هذه العظمة والأهمیة ، لا یکون الموت من أجله (تهلکة).

ص: 73

کل هذا مع عدم وجود (جبر) ولا إکراه للإمام علی شئ ، وإنما الأمور هی تحت اختیاره ، وبهذا یکون إقدامه أبلغ فی الکشف عن عظمته وحبه لله والانقیاد له تعالی ، لما یختار لقاء الله تعالی علی النصر الدنیوی.

وقد جاد هذا المعنی الأخیر فی بعض روایات الباب.

فإذا لم یکن إقدامهم علی ما أصابهم أمرا (مضرا) ولا یصح تسمیته (تهلکة) ولا مانع من أن یکونوا عالمین به ، وعارفین له ، فکیف یجعل إقدامهم علیه دلیلا علی نفی علمهم به؟!

6 - عصر الشیخ العلامة الحلی (ت 726 ه)

هو الإمام الشیخ جمال الدین الحسن بن یوسف بن المطهر ، أبو منصور ، الشهیر بالعلامة الحلی.

قال ابن داود : شیخ الطائفة ، وعلامة وقته ، وصاحب التحقیق والتدقیق ، کثیر التصانیف ، انتهت رئاسة الإمامیة إلیه فی المعقول والمنقول.

وقال ابن حجر : ابن المطهر عالم الشیعة وإمامهم ومصنفهم ، وکان آیة فی الذکاء ... واشتهرت تصانیفه فی حیاته ... وکان مشتهر الذکر حسن الأخلاق ، ولما بلغه بعض کتاب ابن تیمیة قال :

(لو کان یفهم ما أقول أجبته)

ومات فی المحرم سنة 726 ه عن 80 سنة (1).

وأما السید السائل :

فهو السید المهنا بن سنان بن عبد الوهاب بن نمیلة ، من آل یحیی النسابة

ص: 74


1- 1. نقلنا هذه الأقوال من مقدمة العلامة الجلیل السید محمد صادق بحر العلوم علی رجال العلامة الحلی : 9 - 14 ، فراجع.

ابن جعفر الحجة بن عبید الله الأعرج بن الحسین الأصغر بن الإمام زین العابدین علی السجاد علیه السلام.

فهو حسینی ، عبیدلی ، أعرجی ، مدنی.

قال ابن حجر فی الدرر الکامنة 4 / 318 : الحسینی ، الإمامی ، المدنی ، قاضی المدینة ، اشتغل کثیرا ، وکان حسن الفهم ، جید النظم ، ولأمراء المدینة فیه اعتقاد ، وکانوا لا یقطعون أمرا دونه ، وکان کثیر النفقة ، متحببا إلی المجاورین ، ویحضر مواعید الحدیث ... من فقهاء الإمامیة ، مع تحقق المعرفة ، وحسن المحاضرة ، ومات سنة 754.

ووصفه العلامة فی أول جوابه عن مسائله بقوله : السید الکبیر ، النقیب الحسیب النسیب ، المعظم المرتضی ، عز السادة ، زین السیادة ، معدن المجد والفخار ، الحکم والآثار ، الجامع للقسط الأوفی من فضائل الأخلاق ، والفائز بالسهم المعلی من طیب الأعراق ، مزین دیوان القضاء ، بإظهار الحق علی المحجة البیضاء عند ترافع الخصم ، نجم الحق والملة والدین.

وانظر الحقائق الراهنة فی أعلام المائة الثامنة ، ص 224 ، من طبقات أعلام الشیعة لشیخنا آقا بزرک الطهرانی رحمه الله (1).

ذکر السید المهنا بن سنان الحسینی المدنی فی المسائل الثالثة التی وجهها إلی العلامة الحلی ، المسألة 15 منها سؤالا هذا نصه :

ما یقول سیدنا ، فیما نقل أن مولانا أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام کان یعرف اللیلة التی یقتل فیها ویخبر بها؟!

فیکف خرج علیه السلام فی تلک اللیلة ، ملقیا بیده إلی التهلکة؟!

وإن فعله علیه السلام هو الحجة ، لکن نطلب وجها نجیب عن الشبهة ،

ص: 75


1- 1. نقلنا النصین من مقدمة (أجوبة المسائل المهنائیة) : 12 - 13 - ، وهی بقلم العلامة المفضال الشیخ محیی الدین المامقانی دام ظله.

فقد سأل المملوک عنها شخص بدمشق.

فأوضح لنا ذلک ، أحسن الله إلیک.

ویبدون أن الشبهة کانت مثارة من قبل غیر السائل ، بل الإثارة کانت من بعض المخالفین من أهل دمشق.

وفی هذا السؤال فائدة جیدة ، حیث ورد فیه التنبیه إلی أن فعل الإمام لو کان حجة ، فلا معنی للاعتراض علیه ، وذلک لأن من ثبتت إمامته ، وقامت الحجج علی کونه إماما مفترض الطاعة ، فهو لا شک فی کونه عالما بأحکام الله تعالی ، وکل ما یصدر منه هو طاعة لله ، ولا تصدر منه المعصیة ، لأن الإمام عندنا یشترط فیه العصمة عن الذنوب ، وکذلک یشترط فیه العلم بأحکام الشریعة بالإجماع.

فإذا ثبتت إمامته ، لم یحاسب علی شئ من إقدامه فعلا أو ترکا ، فیکف یتصور أن یکون ملقیا بنفسه إلی التهلکة ، حتی مع فرض علمه بما یجری علیه.

ففرض الالقاء فی التهلکة مناف لأصل ثبوت إمامته ، فهو منتف فی حقه ، قبل أن یبحث عن کونه عالما بالغیب وبما یجری علیه تفصیلا ... فلا یبتنی نفی علمه بالغیب علی فرض حرمة الالقاء للنفس إلی التهلکة.

وقد شرحنا هذا الأمر فی صدر البحث.

وقد أجاب العلامة الحلی علی هذا السؤال بقوله :

یحتمل أن یکون علیه السلام أخبر بوقوع القتل فی تلک اللیلة ، ولم یعلم أنه فی أی وقت من تلک اللیلة!

أو أنه لم یعلم فی أی مکان یقتل!

أو أن تکلیفه علیه السلام مغایر لتکلیفنا ، فجاز أن یکلف ببذل مهجته الشریفة - صلوات الله علیه - فی ذات الله تعالی ، کما یجب علی المجاهد

ص: 76

الثبات ، وإن أدی ثباته إلی القتل ، فلا یعذل فی ذلک (1).

والظاهر أن العلامة إنما أخذ فی الاعتبار فی جوابه فرض السائل أن إلقاء الشبهة لیس من قبل من یعتقد بالإمامة ومستلزماتها ، بل من رجل من المخالفین لا یعتقد إمامة الإمام ، ولا یلتزم بشرائطها المعروفة من العصمة والعلم وغیر ذلک.

وعلی ذلک ، فلو أرید إلزامه بعلم الإمام وتصدیق الأخبار الدالة علی معرفته بمقتله - والتی وردت ولم تنکر - فلا بد من الخروج بأحد الوجود التی ذکرها العلامة :

إما بالالتزام بتحدید الخبر الواصل إلیه ، وأنه عن أصل القتل وشخص القاتل ، دون زمانه المحدد.

أو بالالتزام بتحدید الخبر بما دون مکان معین.

وعلی هذین الفرضین فلا ینافی إقدام الإمام حتی علی قتله ، لأنه لم یخبر بالزمان والمکان الخاصین ، حتی یکلف باجتنابهما ، فلا یرد اعتراض أنه أقدم علی الهلکة.

وأما الجواب الثالث ، فهو مناسب حتی للسائل المعتقد بالإمامة ، وهو أن یکون الإمام متعبدا بتکلیف خاص ، وهو مثل المجاهد المأمور والمکلف بالجهاد حتی الشهادة.

فالإمام کالمجاهد الذی یستشهد - لا یعاتب ولا یعذل ، لأن فعله طاعة ، ولیس حراما ولا معصیة ، ولا یقال فی حقه : إنه ألقی بیده إلی التهلکة.

ص: 77


1- 1. أجوبة المسائل المهنائیة : 148 ، ونقله المجلسی فی مرآة العقول 3 / 126. وفی بحار الأنوار 42 / 259.

7 - فی عصر العلامة المجلسی (ت 1110 ه)

الشیخ محمد باقر بن محمد تقی بن المقصود علی الأصفهانی المجلسی (ت 1110 ه).

قال القمی : هو شیخ الإسلام والمسلمین ، ومروج المذهب والدین ، الإمام ، العلامة ، المحقق المدقق.

کان إماما فی الجمعة والجماعة ، وهو الذی روج الحدیث ونشره ، سیما فی بلاد العجم ، وترجم لهم الأحادیث بأنواعها ، مضافا إلی تصلبه فی الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، وقمع المعتدین والمخالفین من أهل الأهواء والبدع سیما الصوفیة والمبدعین ... (1).

وقد شرح الکتب الأربعة - الأصول الحدیثیة - بملاذ الأخیار فی شرح تهذیب الأخبار ، ومرآة العقول فی شرح الکافی ، وحاول جمل شتات کتب الحدیث والأخبار فی أکبر موسوعة حدیثیة وهی (بحار الأنوار).

وقد بحث فی المشکلة التی نبحث فیها فی کتابة (مرأة العقول) الذی شرح فی أحادیث (الکافی) التی وردت فی (باب أن الأئمة علیهم السلام یعلمون متی یموتون ...) ونقل فیه کلمات المفید فی الرسالة العکبریة ، والعلامة الحلی فی جوابات المسائل المهنائیة ، ومما قاله : منشأ الاعتراض أن حفظ النفس واجب عقلا وشرعا ، ولا یجوز إلقاؤها إلی التهلکة.

وقال فی شرح جواب الإمام فی بعض أحادیث الباب : هو مبنی علی منع کون حفظ النفس واجبا مطلقا ، ولعله کان من خصائصهم عدم وجوب ذلک عند

ص: 78


1- 1. الکنی والألقاب 3 / 121.

اختیارهم الموت.

وحکم العقل فی ذلک غیر متبع.

مع أن حکم العقل بالوجوب فی مثل ذلک غیر مسلم (1).

وقد أجاب عن الاعتراض بوجوه ثلاثة :

الأول : أن حفظ النفس لیس بواجب مطلقا.

وذلک لما ذکرنا سابقا من أن هذا الواجب یسقط إذا زاحمه واجب آخر أهم متوقف علی التضحیة بالنفس ، مثل حفظ الدین والإسلام ، فلا بد من تقدیم الأهم ، ویسقط غیره ، فیجب التضحیة بالنفس.

وقد احتمل المجلسی أن یکون عدم وجوب حفظ النفس خاصا بالأئمة علیهم السلام عند اختیارهم الموت.

وهذا الجواب مبنی علی فرض ثبوت إمامته ، وثبوت الاختیار له فی انتخاب الموت.

ومن الواضح أنه مع هذا الفرض ، لا یصح الاعتراض ، کما أسلفناه فی الأمر الثالث مما قدمناه فی صدر البحث.

إذ أن فعل الإمام - حینئذ - حجة فی نفسه ، ودلیل علی جواز إقدامه ، من دون احتمال کونه إلقاء محرما إلی التهلکة المنهی عنه.

الثانی : أن حکم العقل بوجوب حفظ النفس غیر مسموع ولا متبع.

إذ مع إقدام الإمام علی فعل ، وحسب المصلحة والهدف الصالح الأهم الذی ارتآه ، فلا أثر لحکم العقل واستهجانه ، لأنه إنما یدرک المنافع العاجلة الظاهریة ، لکن المتشرع إنما یصبوا إلی النعیم الأخروی والأهداف السامیة ،

ص: 79


1- 1. مرآة العقول 3 / 123.

غیر المرئیة للعقل ، ولا المطلوبة له.

الثالث : عدم تسلیم وجود حکم للعقل بوجوب حفظ النفس فی مثل هذا المقام :

لأن العقل إنما یدرک الکلیات ، دون الأمور الخاصة ، فلو فرضنا أن إلقاء النفس إلی التهلکة کان أمرا قبیحا عند العقل ، فهو بمعناه الکلی أمر یدرکه العقل العملی ، وبصورته المجردة عن أیة ملاحظة أو غرض یتدارک به ذلک القبح.

فلو ترتبت علی الالقاء مصلحة ، أوجبت حسنة ، لم یکن للعقل أن یعارض ذلک ، بل لا بد له أن یوازن بین ما یراه من القبح وما فیه من الحسن.

وبعبارة أخری لیس ما یدرکه العقل هنا وفی صورة المعارضة للأغراض ، واجب الإطاعة والاتباع ، وإنما المتبع هو الراجح من مصلحة الغرض أو مفسدة ما یراه العقل ، کالعکس فیما یدرک العقل حسنه ولکن الأغراض تبعده والشهوات تأباه!

والحاصل : أن درک العقل للحسن والقبح الذاتیین وإن کان مسلما ، إلا أن اتباعه لیس واجبا ، والعمل علیه لیس متعینا إذ أحرز الإنسان مصلحته فی مخالفته ، بعادة أو عرف أو شرع.

وإذا علمنا بأن الأئمة علیهم السلام إنما أقدموا علی القتل وتحمل المصائب لأغراض لهم - وهی الوجوه التی عرضنا بعضها وسنعرض بعضها الآخر - فلا أثر لحکم العقل فی موردهم بقبح الفعل ، ولا بوجوب حفظ النفس ، بل قد یحکم بوجوب الالقاء ، وحرمة المحافظة علی النفس ، نظرا للأخطار العامة ، والکبری المترتبة علی حفظ النفس ، ولفوات الآثار المهمة بذلک.

وهذان الأمران - الثانی والثالث - إنما طرحهما الشیخ المجلسی علی أثر

ص: 80

الافراط فی الاستناد إلی العقل وحکمه ، إلی حد الاعتراض به علی مسلمات دینیة وشرعیة وتاریخیة ، اعتمادا علی فرضیات واحتمالات نظریة بحتة ، لم یؤخذ فیها بالنظر مسائل التوفیقات الشرعیة ولا الآثار الواردة.

وهذا نظیر ما اعتاد أن یلهج به صغار الطلبة من استخدام کلمة العقل ونقده ، والفکر وصیاغته وتجدیده ، والفلسفة والتبجح بها ، علی حساب الدین والشرع والتاریخ ، والعقیدة ومسلماتها وأصولها ، والغریب أن ذلک یتم باسم الدین ، وعلی ید من یتزیی بزی أهل العلم والدین! وقد ذکر الشیخ المجلسی فی (بحار الأنوار) أجوبة المفید والعلامة الحلی بنصها ، أیضا (1).

8 - فی عصر الشیخ البحرانی (ت 1186 ه)

المحدث الشیخ یوسف بن أحمد بن إبراهیم آل عصفور الدرازی البحرانی.

قال أبو علی الحائری فی (منتهی المقال) :

عالم فاضل ، متبحر ماهر متتبع ، محدث ورع ، عابد صدوق ، من أجلة مشایخنا وأفاضل علمائنا المتبحرین.

وقال الشیخ التستری فی (مقابس الأنوار) : العالم العامل ، المحقق الکامل ، المحدث الفقیه ، المتکلم الوجیه ، خلاصة الأفاضل الکرام ، وعمدة الأماثل العظام ، الحاوی ، من الورع والتقوی أقصاهما ، ومن الزهد والعبادة أسناهما ، ومن الفضل والسعادة أعلاهما ، ومن المکارم والمزایا أغلاهما ، الزکی النقی التقی ...

ص: 81


1- 1. بحار الأنوار 42 / 259.

وقال المولی شفیع فی (الروضة البهیة) : من أجلاء هذه الطائفة ، کثیر العلم ، حسن التصانیف ، نقی الکلام ، بصیر بالأخبار المرویة عن الأئمة المعصومین صلوات الله علیهم أجمعین ... وکان ثقة ورعا عابدا زاهدا ... من فحول العلماء الأجلة.

وقال هو عن کتابه (الدرر النجفیة) : کتاب لم یعمل مثله فی فنه ، مشتمل علی تحقیقات رائقة ، وأبحاث فائقة.

وقال الحائری فی (منتهی المقال) : کتاب جید جدا ، مشتمل علی علوم ومسائل ، وفوائد ورسائل ، جامع لتحقیقات شریفة ، وتدقیقات لطیفة (1).

فقد أورد فی کتابه (الدرر النجفیة) هذا الاعتراض ، وأجاب عنه بالتفصیل ، نورد ما یناسب ذکره هنا ، قال :

درة نجفیة :

قد کثر السؤال من جملة من الاخلاء الأعلام ، والأجلاء الکرام عن الوجه فی رضا الأئمة علیهم الصلاة والسلام ، وإعطائهم بأیدیهم لما أوقعه بهم مخالفوهم من القتل بالسیف أو السم؟

حیث إنهم عالمون بذلک ، لما استفاضت به الأخبار من أن الإمام علیه السلام یعلم انقضاء أجله ، وأنه هل یموت بموت حتف أنفه ، أو بالقتل أو بالسم!

وحینئذ ، فقبوله ذلک ، وعدم تحرزه من الامتناع ، یستلزم الالقاء بالید إلی التهلکة ، مع أن الالقاء بالید إلی التهلکة محرم نصا ، قرآنا ، وسنة!

وقد أکثر المسؤولون من الأجوبة فی هذا الباب ، بل ربما أطنبوا فیه أی

ص: 82


1- 1. اعتمدنا فی نقل هذه الکلمات علی مقدمة (الحدائق الناضرة) بقلم الحجة المحقق السید الطباطبائی.

إطناب بوجوه لا یخلو أکثرها من الایراد ، ولا تنطبق علی المقصود والمراد.

وحیث إن بعض الأخوان العظام ، والخلان الکرام سألنی عن ذلک فی هذه الأیام ، رأیت أن أکتب فی المقام ما استفدته من أخبارهم علیهم الصلاة والسلام.

فأقول : - وبالله الثقة لإدراک المأمول وبلوغ کل مسؤول - :

یجب أن یعلم :

أولا : أن التحلیل والتحریم توقیفیة من الشارع عز شأنه ، فما وافق أمره ورضاه فهو حلال ، وما خالفهما فهو حرام.

ولیس للعقل - فضلا عن الوهم - مسرح فی ذلک القمام.

وثانیا : أن مجرد الالقاء بالید إلی التهلکة - علی إطلاقه - غیر محرم ، وإن أشعر ظاهر الآیة بذلک ، إلا أنه یجب تقییده وتخصیصه بما قام الدلیل علی جوازه.

وذلک : فإن الجهاد متضمن للإلقاء بالید إلی التهلکة ، مع أنه واجب ، نصا وإجماعا.

وکذلک الدفاع عن النفس ، والأهل ، والمال.

ومثله - أیضا - وجوب الاعطاء بالید إلی القصاص ، وإقامة الحد علیه ، متی استوجبه.

وثالثا : إنهم صلوات الله علیهم فی جمیع أحوالهم وما یتعلق بمبدئهم ومآلهم یجرون علی ما اختارته لهم الأقدار السبحانیة ، ورضیته لهم الأقضیة الربانیة.

فکل ما علموا أنه مختار له تعالی بالنسبة إلیهم - وإن اشتمل علی غایة الضرر والبؤس - ترشفوه - ولو ببذل المهج والنفوس -.

إذا تقررت هذه المقدمات الثلاث ، فنقول : إن رضاهم صلوات الله علیهم بما ینزل بهم ، من القتل بالسیف والسم ، وکذا ما یقع بهم من الهوان

ص: 83

والظلم علی أیدی أعدائهم ، مع کونهم عالمین به ، وقادرین علی دفعه ، إنما هو لما علموه من کونه مرضیا له سبحانه وتعالی ، ومختارا له بالنسبة إلیهم ، وموجبا للقرب من حضرة قدسه ، والجلوس علی بساط أنسه.

وحینئذ ، فلا یکون من قبیل الالقاء بالید إلی التهلکة ، الذی حرمته الآیة ، إذ هو ما اقترن بالنهی من الشارع نهی تحریم ، وهذا مما علم رضاه به واختیاره له ، فهو علی النقیض من ذلک.

ألا تری أنه ربما نزل بهم شئ من تلک المحذورات قبل الوقت المعد ، والأجل المحدد ، فلا یصل إلیهم منه شئ من الضرر ، ولا یتعقبه المحذور والخطر؟! فربما امتنعوا منه ظاهرا ، وربما احتجبوا منه باطنا ، وربما دعوا الله سبحانه فی رفعه فیرفعه عنهم ، وذلک لما علموا أنه غیر مراد له سبحانه فی حقهم ، ولا مقدر لهم.

وبالجملة : فإنهم صلوات الله علیهم یدورون مدار ما علموه من الأقضیة والأقدار ، وما اختاره لهم القادر المختار.

ولا بأس بإیراد بعض الأخبار الواردة فی هذا المضمار لیندفع بها الاستبعاد ، ویثبت بها المطلوب والمراد :

فمن ذلک ما رواه ثقة الإسلام - عطر الله مرقده - فی (الکافی) بسنده عن الحسن بن الجهم ، قال : قلت للرضا علیه السلام : إن أمیر المؤمنین علیه السلام قد عرف قاتله ، واللیلة التی یقتل فیها ، والموضع الذی یقتل فیه (إلی آخر الحدیث الذی نقلناه سابقا) (1) وأضاف بعده :

وحاصل سؤال السائل المذکور :

أنه مع علمه علیه السلام بوقوع القتل ، فلا یجوز له أن یعرض نفسه له ،

ص: 84


1- 1. وهی الروایة التی نقلناها بنصها تحت عنوان (فی عصر الإمام الرضا علیه السلام) عن الکافی 1 / 259.

لأنه من قبیل الالقاء بالید إلی التهلکة ، الذی حرمه الشارع؟!

فأجاب علیه السلام بما هذا تفصیله وبیانه :

أنه - وإن کان الأمر کما ذکرت من علمه علیه السلام بذلک - لکنه لیس من قبیل الالقاء بالید إلی التهلکة الذی هو محرم ، لأنه علیه السلام خیر فی تلک اللیلة بین لقاء الله تعالی علی تلک الحال ، أو البقاء فی الدنیا ، فاختار علیه السلام اللقاء علی الوجه المذکور ، لما علم أنه مختار ، ومرضی له ، عند ذی الجلال.

کما یدل علیه قوله علیه السلام ، لما ضربه اللعین ابن ملجم - الملجم بلجام جهنم وعلیه ما یستحقه - : (فزت ورب الکعبة).

وهذا معنی قوله : (لتمضی مقادیر الله تعالی) یعنی : أنه سبحانه قدر وقضی فی الأزل أنه علیه السلام لا یخرج من الدنیا إلا علی هذه الحال ، باختیاره ورضاه بها.

ومن ذلک ما رواه فی الکتاب المذکور عن عبد الملک بن أعین ، عن أبی جعفر علیه السلام (وذکر الحدیث الثامن الذی رواه الکلینی (1)).

ومن ذلک ما رواه - أیضا - عن أبی جعفر علیه السلام فی حدیث قال فیه :

فقال له حمران : جعلت فداک ، أرأیت ما کان من أمر قیام علی بن أبی طالب والحسن والحسین علیهم السلام ، وخروجهم ، وقیامهم بدین الله عز ذکره ، وما أصیبوا من قتل الطواغیت إیاهم ، والظفر بهم حتی قتلوا وغلبوا؟! فقال أبو جعفر علیه السلام : یا حمران ، إن الله تبارک وتعالی قد کان قدر ذلک علیهم ، وقضاه وأمضاه ، وحتمه ، علی سبیل الاختیار ، ثم أجراه.

فبتقدم علمه إلیهم من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قام علی

ص: 85


1- 1. الذی أوردناه سابقا فی صفحة 35.

والحسن والحسین ، وبعلم صمت من صمت منا.

ولو أنهم - یا حمران - حیث نزل بهم من أمر الله تعالی ، وإظهار الطواغیت علیهم سألوا الله تعالی أن یدفع عنهم ذلک ، وألحوا علیه فی طلب إزالة تلک الطواغیت ، وذهاب ملکهم ، إذا لأجابهم ، ودفع ذلک عنهم.

ثم کان انقضاء مدة الطواغیت وذهاب ملکهم ، أسرع من سلک منظوم انقطع فتبدد.

وما کان ذلک الذی أصابهم - یا حمران - لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصیة خالفوا الله فیها ، ولکن لمنازل ، وکرامة من الله أراد أن یبلغوها!

فلا تذهبن بک المذاهب فیهم (1).

أقول : وهو صریح فی المطلوب ، علی الوجه المحبوب (2).

ثم روی عدة أحادیث تدل علی أنهم علیهم السلام امتنعوا من فعل ما یؤدی إلی قتلهم ، لکون ذلک فی غیر الأجل المحدد لموتهم ، ولم یختاروا ذلک إلا فی الوقت المقدر ، حتی یکون اختیارهم موافقا للقضاء ورضا به.

ویبدو من المقدمة (الأولی) والمقدمة (الثانیة) مما قدمهما علی الجواب ، أنه یوافق المجلسی - رحمه الله - فی کلیهما.

ولعل لجوءه إلی هذه الأسلوب من جهة میله إلی استبعاد تحکیم العقل فی مثل هذه القضایا التی هی أمور خاصة ، ولیست کلیات وثوابت عامة حتی یمکن للعقل التدخل فیها ، کما أن ما ثبت من الشرع فیه حکم ، وجاء منه توقیف ، فلیس للعقل إلا التسلیم وترجیح المصلحة الشرعیة علی مدرکاته.

وهذا - کما أشرنا سابقا - نتیجة لرد الفعل الذی استحوذ علی علمائنا الأخباریین من التطرف الذی انغمر فیه بعض العقلانیین ، ممن قصرت یده عن

ص: 86


1- 1. الکافی - الأصول - 1 / 261 - 262.
2- 2. الدرر النجفیة : 84 - 86 بتصرف یسیر.

علوم الشریعة ونصوصها ، فراح یجول ویصول فی علوم الشریعة بجناح العقل وأدلته ، وبنی الدین أصولا وفروعا وموضوعات خارجیة وأمورا واقعة ، وأحداثا تاریخیة ، علی مدرکاته العقلیة.

مع أن من الواضح : أن الأمور التعبدیة ، وکذا الموضوعات الخارجیة ، وکل الأمور والحوادث ، والحقائق الشخصیة ، وصفات الأئمة علیهم السلام ، وما صدر منهم ... إلی غیر ذلک من الأمور الخاصة لیست مسرحا للعقل ، وإنما طریقها الإثبات بالنقل.

والعقل النظری إنما یدرک المعقولات العامة التی ترتبط بالحقائق الکونیة الثابتة ولذلک یجب أن تکون مدرکة لجمیع العقلاء ، ومقبولة لدیهم ، لا خاصة بعقل طائفة دون أخری ، ولا مبتنیة علی قضیة دون أخری.

أما العملی فهو یدرک حسن أمر أو قبح آخر ، ولا یستتبع عملا ، وإنما للعامل أن یراعی مصلحته ویوازن فیه ما یخصه بین ما یمسه وبین ما یدرکه العقل ، فیرجح ما یناسبه.

فالانسحاب وراء الخیالات الخاصة بعنوان العقل ، کما یفعله أدعیاء العقل ونقده - فی عصرنا الحاضر - جهل بأبسط المسائل العقلیة ، وهو مجال علمه.

9 - فی القرن الماضی

مع السید الإمام الخراسانی (ت 1368 ه)

هو المجتهد الکبیر ، والعلامة النحریر ، فرید دهره ، ووحید عصره ، قدوة العلماء المتبحرین ، سید الفقهاء والمجتهدین ، عمدة العلماء العاملین ، ونخبة الأفاضل والمجتهدین ، ملاذ الأنام ، وثقة الإسلام ، سیدنا الأعظم ، سماحة آیة الله العظمی السید میرزا محمد الهادی الحسینی الخراسانی الحائری ،

ص: 87

قدس الله سره (1).

وقال الشیخ محمد حسن کبة فی إجازته له : السید السند ، والمولی الجلیل المعتمد ، فخر المحققین ، وافتخار المدققین ، صفوة العلماء الکرام ، وعماد الفقهاء الأجلة الفخام ، التقی النقی ، الطاهر الزکی ، نتیجة الشرف الأقدم ، وسلالة سید الأمم صلی الله علیه وآله وسلم.

وقال شیخ الشریعة الأصفهانی (ت 1339 ه) فی إجازته له : العالم العامل ، الفاضل الکامل ، أبا الفضائل والفواضل ، صاحب القریحة القویمة ، والسلیقة المستقیمة ، والحدس الصائب ، والنظر الثاقب ، المستعد لإفاضة نتائج المطالب من الکریم الفیاض الواهب ، عمدة العلماء المحققین ، وزبدة الفضلاء المدققین ، العالم العلم العیلم ، الثقة الورع ، التقی النقی ، العدل الصفی.

وقال السید مهدی الأصفهانی الکاظمی (من تلامذته) : کان - رحمه الله - من أعاظم علماء الفقه والأصول ، وأکابر فضلاء المعقول والمنقول ، وکان عارفا بالرجال ، والتاریخ ، والحدیث ، والتفسیر ، والعربیة ، ماهرا فی الفنون العقلیة والنقلیة.

وقال الکاظمی فی (أحسن الأثر) ص 36 : وأما مناظراته : فإنه إذا صادف خارج ملة أو مذهب ، فهو یفحمهم ویلقمهم الحجر - لا محالة - لما علیه من عظیم المقدرة فی علم المناظرة ، وزیادة إلمام بکل العلوم معقولها ومنقولها.

أما فی المعقول : فإن له الید الطولی فی علم المنطق والحکمة والهیئة والریاضیات والکلام والفلسفة.

وأما فی المنقول : فلقد برع فیه ، واجتهد ، وحاز السبق بها علی

ص: 88


1- 1. هکذا ذکره المترجمون له ، لاحظ مصادر هذه الکلمات فی (سیرة آیة الله الخراسانی) الطبعة الأولی 1415 ه قم.

معاصریه (1).

وفی عصر السید الخراسانی فی القرن الهجری الماضی (القرن الرابع عشر الهجری) خیم شیح الاستعمار الغربی الملحد علی البلاد الإسلامیة ودنس الغربیون أرض الشرق الطاهرة بأرجلهم الدنسة ، وبدأوا بنفث سموم الفسق والإلحاد ، وبذر الشقاق والفساد ، فی کل قطر وبین کل العباد ، وحالوا التفرقة بین أجزاء الوطن الإسلامی ، وقطع أوصال الأمة الإسلامیة ، علی أساس من الطائفیة البشعة والعنصریة القذرة ، والنزاعات المفتعلة ، ونصبوا بینهم العداء لیأکل بعضهم بعضا ، فلا تکون لهم وحدة متشکلة ، ولئلا تکون أمة قویة متراصة.

وحالوا تأجیج شرر التفرقة بین المذاهب الإسلامیة الفقهیة ، وتوسیع رقعة الخلاف بینها مهما أمکن ، وتوسیع الخلافات الصغیرة ، وتأجیج النزاعات الحقیرة والقدیمة ، کما حاولوا تأسیس مذاهب فقهیة جدیدة ، وإبراز فقهاء جدد ومجددین!

وسعوا فی إثارة النزاعات والخلافات بین أهل المذهب الواحد ، لتتسع رقعة الخلاف علی راقعها ، ولقد جنوا علی البشریة عامة ، وعلی المسلمین خاصة ، بهذه الأعمال جنایة کبری ، لکنهم جنوا من أفعالهم تلک أنهم استولوا علی العباد والبلاد وخیراتها وتراثها وجمالها وحتی عقولها ، وذهبوا بکل ذلک إلی بلادهم فی شمال العالم الأرضی لتعیش بها شعوبهم - قرنا من الزمان - فی رفاه من العیش ورغد ، وأمن واستقرار ، وهدوء وقانون ، علی حساب عذاب ملایین من أفراد البشر فی سائر أقطار العالم الجنوبیة.

وقد وجدوا فی المذهب الشیعی الاثنی عشری طائفة متماسکة مؤمنة بمبادئ الإسلام الحقة ، لأنها تعتمد علی القرآن وأهل البیت ، الثقلین ، اللذین

ص: 89


1- 1. نقلنا هذه النصوص من کتاب (سیرة الإمام الخراسانی).

خلفهما الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، لبنی أمته ، ووعد أنها لا تضل ما تمسکت بهما ، وأنهما لا یفترقان - أبدا - إلی یوم القیامة.

فکان الشیعة أقوی مذاهب الأمة یدا ، وأکثرها صبرا وجلدا ، وأوفاها للإسلام ، وأشدها دفاعا عن القرآن ، وأعلاها نداءا بالوحدة الإسلامیة ، وأکثرها سعیا للتقرب بین المسلمین.

فلم یجد الاستعمار الغربی البغیض وأیدیه العمیلة إلا السعی فی تشویه سمعة هذه الطائفة بین المسلمین من جهة ، والسعی فی تشتیت وحدة الشیعة من جهة أخری.

وقد أثاروا الشبه بین عوام الشیعة ، والتشکیکات فی المذهب أصولا وفروعا ، ونبشوا التاریخ لیجدوا مثل هذه المشکلة (الاعتراض علی علم الأئمة بالغیب) فأثاروها ، رغبة فی أن توجد شقاقا فی الطائفة الشیعیة ، بالرغم من کونها شبهة بائدة قدیمة ، وقد أجاب عنها علماء الشیعة منذ عصور الأئمة وإلی الیوم بأجوبة سدیدة قویمة.

إلا أن الغربیین الحمقی ، لا یهمهم ذلک ، ولیس همهم إلا التشبث بکل ذریعة ووسیلة - ولو وهمیة - لإیقاع الفرقة.

فانبری السید الخراسانی (ت 1948 م) للتصدی لهذه الشبهة فی رسالة (عروض البلاء علی الأولیاء).

وقد ذکر فیها (عشرین وجها) من بنات أفکاره ، ومبدعات تحقیقاته ، من دون مراجعة أو إرجاع إلی مصدر أو کتاب.

ونجد بعض الوجوه منها قد وردت فی الأجوبة المذکورة فی ما سبق من العصور ، وخاصة فی الأحادیث الشریفة.

ومن المطمأن به أن ذلک کان فی مخزون فکر السید علی أثر مراجعته الواسعة للمصادر ، وخاصة کتب الحدیث الشریف.

وقد یکون بعضها من توارد الأفکار ، لأن تلک الوجوه کلها ، وخصوصا

ص: 90

ما ورد فی الأثر منها ، وجوه توافق الفطرة السلیمة ویقف علیها صاحب السلیقة المستقیمة ، کما أنه یوافق کثیرا من الحقائق الراهنة فی حیاة الأئمة الأطهار علیهم السلام وسیرتهم الکریمة.

والسید الخراسانی هو من عرفناه ابن هذه السلالة ، وسائر علی نهجهم ، ومتعمق بالغور فی علومهم ، وممتلئ مشبع بأفکارهم ومالک لأزمة تراثهم.

فلا غرو أن یکون ما توصل إلیه موافقا لما ذکروه فی النتیجة!

والوجوه التی ذکرها هی :

الأول : الفناء المحض فی ذات الله ، وإثبات کمال العبودیة له.

الثانی : الرضا والتسلیم لمشیئة الله ، والسیر بمقتضی تقدیره.

وهذا وارد فی الحدیث الشریف عن الإمام الرضا علیه السلام ، والإمام الباقر علیه السلام.

الثالث : العلم بعموم قدرة الله تعالی وکمال حکمته.

الرابع : إظهار عظمة الله تعالی ، وأنه مستحق لکل تعظیم وتسلیم من العبد.

الخامس : ظهور مقام العبد وسمو مرتبة هذه العبادة.

السادس : حتی یهون الخطب علی سائر العباد.

السابع : حتی لا یعترض الخلق ، ویسلموا لأمر الله تعالی ، وترضی خواطرهم.

الثامن : حتی یستحق الأئمة المثوبات والأجور العظیمة فیکونون الأولین بمقام الخلافة والإمامة.

وهذا الوجه ورد فی جواب للإمام الباقر علیه السلام ، وقد ذکره البحرانی.

وقد استطرد السید الخراسانی - فی هذا المورد - إلی ذکر :

(الإشکال فی فائدة الصلاة علی النبی الأکرم صلی الله علیه وآله

ص: 91

وسلم).

و (أن الفائدة تعود إلی النبی صلی الله علیه وآله وسلم أو إلی المصلی علیه؟).

التاسع : أن التوجه إلی الله تعالی - مع البلاء - یکون أکمل.

العاشر : أن الفرج بعد الشدة ، فیه لذة عظیمة.

الحادی عشر : أن الضغط العارض علی النفس مثل الزناد القادح ، فالتنورات القلبیة والأشعة الروحیة ، لا تعقل فعلیتها إلا بتلک الآلام والمصائب.

الثانی عشر : أن تمییز الخبیث من الطیب ، متوقف علی الابتلاء.

وفی ضمنه أجاب عن : (فائدة فعلیة معرفة الخبیث).

الثالث عشر : أن العبد إذا علم أن البلاء إنما جاءه من جهة القرب من الله وحبه له ، سیستبشر بالبلاء ، ویشکر الله علیه.

الرابع عشر : أن مصائب الأئمة علیهم السلام - والحسین علیه السلام خاصة - لها منافع عظیمة لجمیع الخلق.

وفیه حدیث عن الشعائر والمجالس الحسینیة وأهمیتها ، ومدی اهتمام الأعداء بإزالتها ومحاربتها.

الخامس عشر : أن بقاء الشریعة الإسلامیة إنما تم بمظلومیة الأئمة علیهم السلام وصبرهم.

السادس عشر : أن ما جری علی الأئمة یثبت صحة النبوة والرسالة ، ببیان انفرد بذکره المصنف.

السابع عشر : أن فی وقوع البلاء علی أهل بیت الرسول ، تصدیقا لأخبار النبی صلی الله علیه وآله وسلم بها ، وذلک من أعظم (دلائل النبوة) وهی من المعاجز التی تحققت بعد وفاته صلی الله علیه وآله وسلم.

الثامن عشر : رضا الأئمة علیهم السلام وتسلیمهم لهذه المصائب دلیل

ص: 92

علی کمال إیمانهم ، وصحة أعمالهم ، وقوة نیاتهم ، وذلک دلیل علی استحقاقهم للإمامة.

التاسع عشر : أن مظلومیة الأئمة علیهم السلام دلیل علی لزوم وجود (المعاد) ببیان فرید ذکره المصنف.

متم العشرین : أن تحمل الأئمة علیهم السلام للبلایا والمصائب لطف من جهة دلالته علی دناءة الدنیا وحقارتها.

وقد ذکر السید فی نهایة هذا الوجه نکتة عرفانیة مهمة ، حاصلها : (أن من فدی روحه فی (الحج) بدل الأضحیة ، شوقا إلی لقاء الله ، فهو فی أعلی مراتب القرب والقبول).

أقول : ولذلک جعل الله لمن مات مهاجرا إلی الله ورسوله - فی الحج - أجرا وقع علی الله تعالی.

هذا إذا مات بغیر اختیاره ، فیکف إذا مات باختیاره للموت؟!

ویلاحظ أن الوجوه التی ذکرها السید الخراسانی قد وضعت بشکل فنی من حیث تفاعل المؤمن بالإسلام معها ، لأنها تعتمد علی ربط الجوابات بالعقیدة :

ففیها ما یرتبط بعقیدة التوحید وصفات الله تعالی.

وأنه فی منتهی العظمة واستحقاقها ، وأنه قادر ، حکیم ، وأنه قدر الأمور بحکمته ، ومولویته البالغة :

وفیها ما یرتبط بالنبوة وصدق النبی صلی الله علیه وآله وسلم : وأن دعوة الإسلام صحیحة ، لأن فداءها والواقفین فی مقدم صفوف المدافعین عنها هم أهل بیت النبی ، ولو کان دینا مزیفا لوقف هؤلاء فی المواقع الخلفیة حتی یستلذوا من دنیاهم ومما زیفوا ، ولکنهم أثبتوا بتضحیاتهم ، أن الدین حق ، وأنهم لم یجیئوا به ، ولم یحملوا رایته إلا أداء لواجب الرسالة والإمامة وحقها.

ص: 93

وهذا مما انفرد بذکره السید الخراسانی.

وکذلک تصدیق النبی صلی الله علیه وآله وسلم الذی أخبر متواترا بما یجری فیما بعده علی أهل بیته ، فکان کما قال.

وفیها ما یرتبط بالإمامة :

وأن الأئمة أثبتوا إخلاصهم لله وللنبی ولهذا الدین وحقانیته ، وأنهم لم یطلبوا بالإمامة دنیا فانیة ، وإنما هو الحق الذی أرادوا تحقیقه ، ولذلک ضحوا بأنفسهم فی سبیله.

وفیها ما یرتبط بالعدل والمعاد :

إذ إن المظالم التی جرت علی أهل البیت الطاهر لا بد أن یکون لهم بها مقابل وأجر ، والذین قاموا بهذه المظالم ووطدوا بها حکمهم فی الخلافة ، والتذوا بالحکم فی دنیاهم ، لا بد أن یحاسبوا ویجازوا علی ظلمهم ، وقد ماتوا وهم مالکو أرائکها ، أین یجدون جزاء ما جنوا بعد هذه الدنیا؟! إن العدل والوجدان ، یقتضیان أن تقام محکمة تأخذ الحق وتحاکم العدوان وتنزل القصاص ، وتوصل المجرمین إلی الهوان ، وتعطی المظلومین حقوقهم.

وقد ملئت رسالة السید الخراسانی بالمعانی الدقیقة والفوائد الجلیلة ، والإفادات الروحیة والعرفانیة الرفیعة ، مما یزید من روعتها وعظمتها العلمیة والروحیة.

وقد رأیت خلال سعیی للکتابة عن هذا البحث أن أحقق هذه الرسالة ، وأقدمها لمحبی العلم والمعرفة ، بعون الله.

10 - وفی هذا العصر :

فی مطلع القرن الخامس عشر الهجری ، وفی العقد الأخیر من القرن

ص: 94

العشرین ، حین هبت ریاح النصر الإلهی للأمة الإسلامیة ، من خلال حرکة دینیة قادها زعیم عظیم من سادة أهل البیت ، السید الورع التقی ، المجتهد المجاهد ، الإمام الخمینی ، فجدد للإسلام رسمه واسمه وقوته ، وأعاد إلی المسلمین ثقتهم بأنفسهم ، وصدقوا بقدرتهم ، ووجدوا ذاتهم العظیمة بعد تیاه ویأس وبؤس وشقاء ، فرضتها علیهم إیحاءات الغربیین بالتخلف والضعف والعجز ، والاستخفاف بالشرق ودینه وعرفه وذوقه وتراثه!

فنفث الإمام الخمینی فی الأمة روح القوة والوحدة والألفة والمجد والعزة ، وأیده الله تعالی بجنود لم یرها المستعمرون الملحدون ، من بین شباب الأمة ومستضعفیها ، ومن لم یحسب لهم الطواغیت حسابا ، فانتصروا بأید خالیة من السلاح - سوی الإیمان - علی أکبر دول المنطقة عمالة وغطرسة ، وأوسعها مساحة وإمکانیات ، وهی دولة (إیران) الشاه العمیل ، والمرتمی فی أحضان أمریکا ، والذی جعل من بلده ترسانة لأنواع الأسلحة الاستراتیجیة.

کان هذا الانتصار العظیم ، بعد قرن من سیطرة الغرب الکافر علی أرض الإسلام ، من حدوده الشرقیة إلی سواحله الغربیة - وبعد عمل دقیق ودؤوب وماکر - بالاستیلاء علی کل مرافق الحیاة الحساسة ، وقد سلط علیها - من بعد - عملاءه.

لکن الأمة الإسلامیة ، أصبحت من الرشد والوعی ، وبفضل أجهزة الإعلام الحدیثة ، بحیث لا یخفی علیها ما یجری فی أنحاء العالم کله ، وفی العالم الإسلامی بالذات.

فلا یخفی علیها دجل تلک الدعایات الکاذبة التی تروجها الوهابیة السعودیة ، والسلفیة الممقوتة ، والعلمانیة الملحدة ، وکل الذین وضعوا أیدیهم أمس - أو یضعونها الیوم ، أو غدا - فی أیدی الصهیونیة الحاقدة علی الإسلام والمسلمین!

إن الصحوة الإسلامیة المجیدة ، والعودة الحمیدة إلی الإسلام ، التی

ص: 95

عمت البلاد الإسلامیة من الشرق إلی الغرب ، إنما هی ثمرة یانعة من ثمار حرکة الإمام الخمینی المقدسة ، وإن الوعی الإسلامی العظیم لن تنطلی علیه أسالیب الاستعمار وذیوله الماکرة ، والتی بلیت وتهرأت فی سبیل تشتیت کلمة المسلمین وتفتیت قواهم ، وإثارة الفتن والقلاقل - بالکذب والبهتان والتکفیر - فیما بینهم.

لقد استخدموا هذه المرة - وفی هذه الأیام بالذات - عناصر من داخل الإطار الشیعی ، ببعث بعض المنبوذین من المنتمین بالاسم أو المواطنة أو العائلة ، إلی الإسلام ، ودفعهم إلی الکتابة باسم الشیعة ، ضد الثورة الإسلامیة.

ومن ذلک ما صدر أخیرا من إثارات تشکیکیة ضد عقائد المذهب وتراثه ومصادره وتاریخه.

عادوا إلی بث بذور النفاق والشقاق بین الطائفة الشیعیة - العمود الفقری للحرکة الإسلامیة الجدیدة - لیقصموا بذلک ظهرها ، ویخنقوها فی مهدها! وذلک بإثارة الشبه والدعایات المغرضة ، ومما أثاروه هذه الشبهة البائدة القدیمة ، وقد تولی کبرها وإثارتها من یدعی (العقل ونقده) سارقا لمجموعة من النصوص من هذا الکتاب وذاک ، ومراوغا فی الکلمات والجمل والفصول ، زاعما أنه اهتدی إلی هذه (المشکلة وحلها) وأنه یقوم بقراءة جدیدة للفکر الإسلامی والعقل الشیعی! أو یصوغهما صیاغة جدیدة!

إن الشبهة هذه قد أکل الدهر علیها وشرب ، وقد أرهقها علماؤنا منذ القدم وفی مختلف العصور ردا وتفنیدا! فلم یکن فی إثارتها فی هذه الظروف ، إلا لغرض سیاسی مشؤوم ولزلزلة التزام المؤمنین العقیدی ، وفصل عری الوحدة الإیمانیة بینهم.

ولقد وفقنی الله - حمایة للعقیدة ، ودفاعا عن الفکر الإسلامی ، وانتصارا لحرکة الإسلام الجدیدة ، وتزییفا لمثل تلک المحاولات اللئیمة ، وتحصینا

ص: 96

لمعتقدات المؤمنین - أن أقوام بهذا الجهد المتمثل فی البحث عن أصول المشکلة ، وتحدید محل البحث منها ، وعرض الأجوبة الموروثة منذ عصر الأئمة علیهم السلام وحتی الیوم.

والهدف - بعد نسف تلک الدعوی التی أثارتها أجهزة الکفر ، وإبطال ما توهموه حلا لها ، والذی هو الهدف من إثارتها ، وهو نفی علم الأئمة بالغیب! - هو إشباع المسألة بحثا وتنقیبا حتی یقف المسلم علی حقیقة الأمر وجلیته ، بکل أبعاده.

وقد توصلنا من خلال ذلک إلی نتائج مهمة ، نلخصها فیما یأتی من صفحات :

ص: 97

خلاصة البحث :

1 - تعتقد الشیعة الإمامیة أن علم الغیب ، بالاستقلال خاص بالله تعالی ، بنص القرآن الکریم.

2 - وتعتقد أن الله تعالی یطلع النبی صلی الله علیه وآله وسلم علی الغیب بوسیلة الوحی أو الالهام ، وهذا أیضا منصوص علیه فی القرآن الکریم ، ومذکور فی الحدیث الشریف.

وکذا الإمام یعلم ذلک بواسطة النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

3 - أجمعت الطائفة الإمامیة علی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم والإمام یعلمان - بإعلام الله واطلاعه - الغیب ، سواء فی الأحکام ، أو فی الموضوعات ، ویدخل فی ذلک علمهم بأسباب موتهم والمصائب الجاریة علیهم ، وما یرتبط بذلک من الزمان والمکان والفاعل ، علما تفصیلیا.

إلا أن أفرادا خالفوا فی خصوص (وقت القتل) فاعتقدوا فیه بالعلم الاجمالی ، وعدم التحدید التفصیلی ، حذرا من ورود الاعتراض التالی علیهم.

ویترتب علی القول بالتفصیل کونهم علیهم السلام مختارین فی انتخاب الموت لأنفسهم.

وقد دلت علی ذلک الأحادیث والآثار المنقولة.

4 - لقد اعترض المنحرفون والخارجون عن المذهب علی الشیعة فی أصل (علم الأئمة بالغیب).

واستدلوا علی ذلک بالآیات ، وبدلیل العقل بمحدودیة المخلوقین فلا یمکنهم الإحاطة بالغیب الذی هو غیر محدود.

ورد هذا الاعتراض : بأن الله تعالی نص فی القرآن بأنه یطلع من یشاء من الرسل علی الغیب.

وأما العقل ، فبأن ما ذکر من اللازم ، إنما یلزم علی تقدیر ادعاء أن غیر

ص: 98

الله یعلم بالغیب بالاستقلال وبنفسه ، وقد عرفت أن ذلک خاص بالله تعالی ، ولا یشرکه فیه أحد من المخلوقات بشرا أو ملائکة أو غیرهما.

وإنما نقول فی مسألة علم النبی - ویتبعه الإمام - بما یطلعهما الله تبارک وتعالی علیه من مخزون علمه ، وبإرادته.

وقد استأثر الله لنفسه بکثیر من العلوم کعلم الساعة ووقتها ، وأمر الروح.

ولکنه بفضله علی أولیائه من الرسل والأئمة علیهم السلام یلهمهم علوما اختصهم بذلک دون البشر ، کرامة لهم وإعظاما لشأنهم.

وقد استثنی الله تعالی ذلک مما دل علی حصر الغیب بنفسه ، فی القرآن الکریم.

فلیس اعتقاد ذلک منافیا لمدلول تلک الآیات التی هی حق.

5 - ومع اعتقادنا بأن النبی والإمام یعلمان الغیب بإعلام الله ویطلعان علیه بالوحی والإلهام ، فإن علمها لا بد أن یکون محددا بحدود الوحی والإلهام والإعلام الإلهی واطلاعه جل وعز لهما علی ما یشاء من الغیب.

وقد دلت الأحادیث والآثار والنقول - المتواترة بالمعنی - علی حصول علم الغیب لهم علیهم السلام فی بعض القضایا والأمور الماضیة والمستقبلة.

وهذا فی نفسه کاف لإبطال ما أقیم من الشبه - فی وجه هذا المعتقد - باسم الأدلة العقلیة ، فلو تحقق علمهم بالغیب بنحو الموجبة الجزئیة انقضی الدلیل علی سلب ذلک کلیا ، ونفیه بشکل عام.

لکن ذلک لا یستلزم الإثبات الکلی إلا إذا دل الدلیل علیه ، کما وردت به الروایات والآثار العدیدة.

وحیث لا مانع - شرعی ولا عقلی - من الالتزام بها ، بعد کونها ممکنة ، فلا نری فی الالتزام بمدالیلها ومضامینها محذورا.

6 - وقد أثیرت فی وجه الالتزام بهذه الروایات والآثار ، والاعتقاد بعلم الغیب للنبی والأئمة علیهم السلام (شبه) من قبیل الحوادث التاریخیة المنقولة

ص: 99

فی سیرتهم علیهم السلام والتی تتضمن قضایا ظاهرها عدم علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام بالنتائج المترتبة علیها.

مثل ما فی قضیة (خالد) وفعلته المنکرة فی إحدی قبائل العرب ، التی قتل فیها جماعة من المسلمین ، ولما اطلع الرسول علی فعله تبرأ منه وبعث من فداهم.

فلو کان الرسول صلی الله علیه وآله وسلم علم ما سیفعله خالد لما أرسله ، ولمنعه ولا بد له بغیره؟!

وکذلک تأمیر الإمام علی علیه السلام زیاد ابن أبیه ، الذی أدی بعد میله إلی معاویة إلی فتکه بالشیعة.

فلو کان الإمام یعلم بعاقبة أمره ، لما ولاه ، ولما اعتمد علیه؟!

وقضایا أخری ظاهرها أن النبی والإمام کانا یظهران أسفهما علی ما صدر منهما ، مما یدل علی عدم علمهما بالنتائج!

أقول : إن هذه القضایا التاریخیة لا یمکن الاعتماد علیها فی بحث علم الغیب ، لکونها قضایا مبتورة لم تنقل بتفاصیلها الواضحة ، بل لا یعتمد علی ناقلیها الذین لیسوا إلا من کتاب الأجهزة الحکومیة ومؤرخی السلطات ، والذین یسعون إلی إخفاء حقائق کثیرة من کل ما یروونه ، فلم نعرف عنها تفصیلا لکل جزئیاتها وخصوصیاتها ، ومع ذلک لا یمکن الحکم من خلالها علی الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ولا الإمام علیه السلام بشئ ما لم نعرف کل ظروفها ومجریاتها.

ثم إن النبی والإمام علیهما السلام لم یکن بإمکانهما إبداء کل ما یعلمان ، والتصریح بکل شئ إلی من حولهما من الناس ، لاختلاف مقاماتهم فی العقیدة والإیمان والالتزام والتصدیق ، وقابلیة الادراک والتعقل ، وسعة المعرفة ، وبعد النظر ، والتقوی ، والزهد فی الشهوات ، ولذلک تجد اختلافا فی الخطابات الصادرة إلیهم حسب مستویاتهم ، فلیس بإمکان النبی والإمام

ص: 100

التصریح بکل الحقائق لکل السامعین ، ولیس من المفروض أن یقبل جمیع السامعین ما یسمعون ، وکذلک لیس کل الناقلین أمناء فی ما ینقلون.

ومع هذه الحقائق لم یبق اعتماد علی مثل هذه القضایا المبتورة بحیث یرد به الأخبار والآثار المتضافرة الواردة عن علم الأئمة علیهم السلام بالغیب.

وإن صحت ، فالنبی والإمام علیهما السلام مکلفون أن یتصرفوا ویتعاملوا مع الآخرین حسب ظواهر الأمور والأسباب الطبیعیة ، لا علی أساس ما یعلمونه من الغیب.

إن من الغریب أن یحاول المغرضون مواجهة ما ورد من روایات علم الغیب بالإشکالات السندیة ، ومعارضتها بمثل هذه القضایا التی لم تثبت حتی بسند ضعیف ، وإنما هی أخبار تاریخیة ، لا یعتمد علی ناقلیها فی مجال القصص ، فضلا عن مجال الأحکام والعقائد!

7 - وقد اعترضوا علی علم الأئمة علیهم السلام بالغیب أنه یستلزم أن یکونوا قد أقدموا علی إلقاء أنفسهم إلی التهلکة ، لأن خروجهم إلی موارد الخطر - مع علمهم بذلک - یلزم منه ما ذکر.

والإلقاء إلی التهلکة حرام شرعا بنص القرآن الکریم ، وحرام عقلا لأنه إضرار بالنفس ، وهو قبیح.

مع أنه لا ریب فی قبح ما أجراه الظالم علی أهل البیت علیهم السلام ، بل هو من أقبح القبیح ، فیکف یقدم الأئمة العالمون بقبحه علیه؟!

وقد أجیب عن ذلک بوجوه :

الجواب الأول : أن هذا الاعتراض إنما یتصور ویفرض بعد الاعتقاد بعلم الأئمة للغیب ، أما لو أنکر ذلک ، ولم یعتقد بعلمهم به ، فلا یرد الاعتراض ، لأنه مع عدم العلم لا یکون الإقدام إلا علی ما یجوز ، ولیس إلقاء إلی التهلکة ، فلا یکون الاجتناب علیه واجبا ، لعدم التکلیف بما لا یعلم ورفعه عمن لا یعلم ، فلا یکون الاعتراض واردا.

ص: 101

ومن ذلک یعلم أن الجمع بین الاعتراضین فی الأسئلة التی وردت فی هذا المجال ، وکذا الکتب الباحثة عنه ، إنما هو مبنی علی الجهل والغرض الباطل.

وکذلک نعلم أن الأسئلة إنما یوجهها غیر الشیعة ویعترضون بها علی الشیعة بفرض اعتقادهم فی الأئمة بعلم الغیب ، وأنه علی هذا التقدیر یأتی الاعتراض بالإلقاء إلی التهلکة.

ولکن إذا ثبت أو فرض علم الأئمة بالغیب ، فالجواب عن الاعتراض بما سیأتی من الوجوه الأخر.

الجواب الثانی : أن الأئمة إذا ثبتت إمامتهم بالأدلة القطعیة الواردة فی کتب الإمامة ، فلا بد أن تتوفر فیهم شروطها التی منها (العصمة) و (العلم بالأحکام الشرعیة) لاقتضاء مقام خلافة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ذلک.

وحینئذ فالمعتقد بالإمامة یسلم بأن الإمام لا یقدم علی فعل الحرام ، فلا یکون إقدامهم علی ذلک من الالقاء المحرم ، ولا بد من الالتزام بأحد التوجیهات الآتیة.

وأما غیر المعتقد بالإمامة فلا یری لزوما لأصل الاعتقاد بعلم الأئمة ، فلا وجه فی اعتراضه! لأنه لا یراهم مقدمین علی ما یعلمون! فهذا الاعتراض علی کلا الفرضین غیر وارد.

الجواب الثالث : إن درک العقل لقبح صدور ذلک من الظالمین لا ینکر ، لکنه لا یستلزم قبحا علی المظلومین ، لعده رضاهم بذلک ، وعدم تمکینهم ، وإنما قاموا بما یلزمهم القیام به ، حسب وظائفهم وما یراد منهم ، وهو حکم علیهم من قبل الله تعالی ، فلا یکون إقدامهم علی الأمور الحسنة أو المباحة ، قبیحا بإرادة الظالم وفعله ، وکل من الظالم والمظلوم مکلف ومحاسب بما یقوم به حسب وظیفته ونیته ، وعلی ما صدر منه ، فالأعمال بالنیات ، ولک امرئ

ص: 102

ما نوی.

الجواب الرابع : إن شمول (الالقاء المحرم) لإقدام الأئمة علیهم السلام غیر صحیح ، لا شرعا ، ولا عقلا.

أما شرعا ، فإن الالقاء إنما یکون حراما إذا کان إلی التهلکة ، ولیس (الموت) فی سبیل الله (تهلکة) وإنما هو عین (الفوز) و (النجاة) و (السعادة) و (الحیاة) فی نظر الأئمة علیهم السلام وشیعتهم.

کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام - لما ضرب بالسیف علی رأسه - : (فزت ورب الکعبة).

وکما قال الحسین علیه السلام : (إنی لا أری الموت إلا سعادة ، والحیاة مع الظالمین إلا برما).

وأما عقلا : فلما مر من أن الحکم بحرمة الالقاء إلی التهلکة لیس مطلقا ، بل إنما هو - علی فرض وروده - خالیا عن مصلحة وأدرک العقل قبحه ، ولا یکون حراما إذا کان فیه نفع أهم وأعم ، وکان فی صالح الإنسان المقدم علیه نفسه ، أو فی صالح أمته أو دینه ، أو وطنه ، لأن العقل حینئذ یقدم مصلحة الفعل علی مفسدة القبح المدرک ، فلا یحکم بحرمته ، ولا یعاقب المقدم علیه ، بل یثاب.

وعلی فرض وروده ، وإطلاق حکمه ، فهو لیس إلزامیا إذا عارضته أحکام دینیة وأغراض شرعیة ومصالح عامة إلهیة ، وإنما هو مجرد إدراک وجدانی یصادمه إدراک ضرورة وجدانیة باتباع الأحکام الدینیة والإرادة الإلهیة.

وأما المصالح التی ذکروها فی الإقدام علی الأخطار ، وعروضها علی الأئمة الأطهار ، فهی الوجوه التالیة :

الأول : العمل بمقتضی القضاء الإلهی والقدر الربانی ، والانصیاع للإرادة المولویة ، التی یعلمها الأئمة علیهم السلام.

وقد ورد هذا الوجه فی حدیث للإمام الباقر علیه السلام وللأمام الرضا

ص: 103

علیه السلام ، وذکره عدة من العلماء الأبرار.

الثانی : اختیار لقاء الله تعالی علی البقاء فی الدنیا الفانیة.

وقد ورد فی الحدیث الشریف أیضا.

الثالث : التعبد بأوامر الله تعالی بأن یقدموا أنفسهم قرابین فی سبیل الدین ، ویضحوا بأرواحهم الطاهرة من أجل إعلاء کلمة الدین.

ذکره الشیخ المفید ، ونسبه الطوسی إلی جمهور الطائفة ، وذکره جمع من بعده کالعلامة الحلی وغیره.

الرابع : أن ما ترتب علی ذلک من المصالح الدنیویة والمقامات الدائمة الأخرویة ، یتدارک بها ما فیها من الآلام الزائلة.

وهناک وجوه أخر ، ومصالح دقیقة عرفانیة ، مستنبطة من سائر أحوالهم وأقوالهم ، جمعها سماحة آیة الله العظمی الإمام الخراسانی فی کتابه (عروض البلاء علی الأولیاء) ذکرناها مجملا ، ولا نطیل هذا الملخص بإعادتها.

وسوف یقرؤها العلماء فی النص المحقق لکتابه (1).

وقد وفقنی الله تبارک وتعالی ، لإعداد هذا البحث فی هذه الفترة العصیبة من تاریخ الإسلام والمذهب ، حیث یستهدف الکفر العالمی الحضارة الإسلامیة بأعنف الحملات الطائشة.

وکان دوری - بعد التجمیع لنصوص الإجابات المعروضة فی طول التاریخ - أنی وضعتها فی إطار قراءات تحلیلیة یمکن من خلالها الوقوف علی الأبعاد الدلالیة والعقیدیة غیر المنظورة.

وأسأل الله أن یتقبل هذه الخدمة للحق ، وأن یثیبنا فی الدنیا بالتوفیق للعلم والعمل الصالح ، وفی الآخرة بالمغفرة والجنة ، وأن یلحقنا بالصالحین والحمد لله رب العالمین.

ص: 104


1- 1. وستقرأه فی هذا العدد من (تراثنا) فی الصفحات 213 - 242.

المصادر والمراجع

1 - أجوبة المسائل المهنائیة ، للعلامة الحلی ، الحسن بن یوسف بن المطهر (ت 726 ه) مطبعة الخیام - قم 1401 ه.

2 - أوائل المقالات فی المذاهب المختارات ، للشیخ المفید محمد بن محمد بن النعمان (ت 413 ه) طبعة مؤتمر الشیخ المفید - قم 1413 ه ، وطبعة مکتبة الداوری - قم.

3 - بحار الأنوار ، للعلامة المحدث المجلسی محمد باقر بن محمد تقی الأصفهانی (ت 1110 ه) دار إحیاء التراث العربی - بیروت 1043 ه ، الجزء 42.

4 - تفسیر الحبری ، للحسین بن الحکم بن مسلم الحبری الکوفی (ت 282) تحقیق السید محمد رضا الحسینی الجلالی ، بیروت 1408 ه.

5 - الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة ، للمحدث الفقیه الشیخ یوسف بن أحمد آل عصفور البحرانی الدرازی (ت 1186 ه) ، دار الکتب الإسلامیة - النجف 1376 ه.

6 - الحسین علیه السلام سماته وسیرته ، للسید محمد رضا الحسینی الجلالی - مخطوط.

7 - الدرر النجفیة ، للمحدث الفقیه الشیخ یوسف بن أحمد آل عصفور البحرانی الدرازی (ت 1186 ه) مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم.

8 - رجال السید بحر العلوم ، للسید الإمام محمد مهدی بحر العلوم النجفی (ت 1212 ه) تحقیق السید محمد صادق بحر العلوم ، نشر مکتبة العلمین - النجف ، أعادته مطبعة الصادق - طهران.

9 - رجال الطوسی ، لشیخ الطائفة الفقیه المحدث الشیخ محمد بن الحسن الطوسی (ت 460 ه) تحقیق السید محمد صادق بحر العلوم - المطبعة الحیدریة - النجف 1380 ه.

10 - رجال العلامة الحلی ، للإمام العلامة الشیخ حسن بن یوسف بن المطهر الحلی (ت 726 ه) تحقیق السید محمد صادق بحر العلوم - المطبعة الحیدریة - النجف

ص: 105

1381 ه.

11 - رجال النجاشی ، للشیخ الرجالی الأقدم أحمد بن علی أبی العباس النجاشی البغدادی (ت 450 ه) تحقیق السید موسی الشبیری الزنجانی ، طبعة جماعة المدرسین - قم.

12 - السبطان فی موقفیهما ، للسید علی نقی النقوی اللکهنوی الهندی (ت 1049 ه) مکتبة الداوری - قم.

13 - سیرة آیة الله الخراسانی (ت 1368 ه) ، تألیف لجنة التأبین ، تمهیدا له بمناسبة مرور نصف قرن علی وفاته ، مطبعة باقری - قم 1415 ه.

14 - الشیخ الکلینی البغدادی وکتابه الکافی (الفروع) ، للسید ثامر هاشم حبیب العمیدی ، مرکز النشر فی مکتب الإعلام الإسلامی - قم 1414 ه.

15 - عروض البلاء علی الأولیاء ، للسید آیة الله العظمی الإمام السید محمد هادی الحسینی الخراسانی الحائری (ت 1368 ه) تحقیق السید محمد رضا الحسینی الجلالی - نشر فی مجلة (تراثنا) العدد 37.

16 - الفهرست ، لشیخ الطائفة الفقیه المحدث الشیخ محمد بن الحسن الطوسی (ت 460 ه) تحقیق السید محمد صادق بحر العلوم ، المطبعة الحیدریة - النجف.

17 - الکافی (قسم الأصول) ، للشیخ ثقة الإسلام المحدث الأقدم أبی جعفر محمد ابن یعقوب الکلینی الرازی البغدادی (ت 329 ه) صححه وعلق علیه علی أکبر الغفاری ، دار الأضواء - بیروت 1405 ه.

18 - الکنی والألقاب ، للإمام اللغوی محمد بن مکرم ابن منظور الأنصاری الإفریقی (ت ...) دار المعارف - مصر.

20 - متشابه القرآن ومختلفه ، للشیخ الإمام الفقیه المحقق محمد بن علی بن شهرآشوب المازندرانی السروی (ت 588 ه) صححه الشیخ حسن المصطفوی - مکتبة بیدار - قم 1410 ه.

21 - مرآة العقول فی شرح أخبار آل الرسول ، للعلامة المحدث الشیخ المجلسی

ص: 106

محمد باقر بن محمد تقی الأصفهانی (ت 1110 ه) إخراج ومقابلة وتصحیح السید هاشم الرسولی ، دار الکتب الإسلامیة - طهران 1402 ه.

22 - المستدرک علی الصحیحین ، للحاکم النیسابوری محمد بن عبد الله بن البیع (ت 405 ه) طبع حیدر آباد فی 4 أجزاء. 23 - معالم العلماء ، لابن شهرآشوب السروی (ت 588 ه) تحقیق السید محمد صادق بحر العلوم - المطبعة الحیدریة - النجف 1381 ه.

24 - معجم الأعلام من آل زرارة الکرام ، للسید محمد رضا الحسینی الجلالی ، طبع مع رسالة أبی غالب الزراری ، مرکز الأبحاث والدراسات الإسلامیة التابع لمکتب الإعلام المرکزی - قم 1411 ه.

25 - مقتل الحسین علیه السلام ، للسید عبد الرزاق الموسوی المقرم ، دار الثقافة - قم 1411 ه.

ص: 107

تشیید المراجعات

وتفنید المکابرات

(2)

قد فرغنا من البحث حول کلام السید شرف الدین - طاب ثراه - فی مقدمة (المراجعات).

وکتاب المراجعات یحتوی علی مبحثین :

الأول : فی إمامة المذهب.

والثانی : فی الإمامة ، وهی الخلافة عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

ویشتمل کل منهما علی مراجعات ...

ولا بد قبل الورود فیها من مقدمات :

إن (التشیع) مذهب کسائر المذاهب ، له أصوله وقواعده فی الأصول والفروع ، والشیعة الإمامیة الاثنا عشریة غیر محتاجة - فی إثبات حقیة ما تذهب إلیه - إلی روایات الآخرین وأخبارهم ، ولا إلی ما قاله علماء الفرق الأخری فی کتبهم وأسفارهم ... فلا یتوهمن أحد أنهم - لاستدلالهم بشئ خارج عن نطاق أدلتهم وحججهم - یفقدون فی ذلک المورد المستدل علیه الدلیل المتقن علی رأیهم ، فیلجأون إلی قول من غیرهم ، أو إلی خبر من غیر طرقهم ...

إلا أنهم لما کانوا واقعیین فی بحوثهم ، منصفین فی مناظراتهم مع أتباع

السیّد علیّ الحسینی المیلانی

ص: 108

کل فرقة من الفرق ، یستندون إلی ما جاء فی کتب تلک الفرقة وعلی لسان علمائها المعتمدین فیها ، وهذا ما تفرضه طبیعة المناظرة ، وتقتضیه آدابها وقواعدها المقررة.

فاستشهاد الشیعة بخبر من کتاب ... أو استدلالهم بکلام عالم ... لفرقة من الفرق ... لا یعنی القبول بکل ما جاء فی ذلک الکتاب ، أو علی لسان ذاک العالم ... وإنما هو احتجاج علی الطرف الآخر بما لا مناص له من الالتزام به ، بعد الاقرار بذلک الکتاب ، وبکون ذلک العالم من علماء مذهبه ...

ویکفی للاحتجاج أن یکون ذلک الخبر المستدل به مقبولا لدی رواته ، وفی نظر المحدث الذی أورده فی کتابه ، ولا یشترط أن یکون معتبرا عند جمیع علماء تلک الطائفة ، وذلک :

لأن الغرض إثبات أن الذی تذهب إلیه الشیعة مروی من طرق الخصم وموجود فی کتبه ، وأن الراوی له موثوق به عنده ولو علی بعض الآراء ، فیکون الخبر متفقا علیه ، والمتفق علیه بین الطرفین - فی مقام المناظرة - لا ریب فیه.

ولان الخبر أو الراوی المقبول المعتبر لدی کل علماء تلک الطائفة نادر جدا.

نعم ، إذا کان ضعیفا عند أکثرهم لم یتم الاستدلال والاحتجاج به علیهم.

وعلی الجملة ، فإنه یکفی لصحة الاستدلال بکتاب أو بخبر أو بکلام عالم ... ألا یکون معرضا عنه لدی أکثر أئمة الفرقة المقابلة ، وأما أن یرد الاحتجاج - بما رواه الراوی الموثق من قبل بعضهم - بجرح البعض ... فهذا مما لا یسمع ، وإلا یلزم سقوط أخبار حتی مثل (البخاری) و (مسلم) فی کتابیهما المعروفین ب (الصحیحین) لوجود الطعن فیهما وفی کتابیهما ، من غیر

ص: 109

واحد من کبار الأئمة الحفاظ (1).

فقد ذکر کبار الحفاظ امتناع الإمامین الجلیلین : أبی زرعة وأبی حاتم الرازیین عن الروایة عن (محمد بن إسماعیل البخاری) لأجل انحرافه فی العقیدة فی نظرهما ، وقال الحافظ عبد الرحمن بن أبی حاتم : کان أبو زرعة ترک الروایة عن البخاری من أجل ما کان منه فی المحنة.

ولأجل هذا ، فقد أورد ابن أبی حاتم الرازی البخاری فی کتابه فی (الجرح والتعدیل) (2).

ولأجل تکلم أبی زرعة وأبی حاتم ، وما صنعه ابن أبی حاتم ... فقد أورد الحافظ الذهبی البخاری فی کتابه (المغنی فی الضعفاء) فقال : (حجة إمام ، ولا عبرة بترک أبی زرعة وأبی حاتم له من أجل اللفظ) (3).

وأضاف الحافظ الذهبی بترجمة البخاری تکلم الإمام الکبیر محمد بن یحیی الذهلی فیه ، وأنه کان یقول : (من ذهب بعد هذا إلی محمد بن إسماعیل البخاری فاتهموه ، فإنه لا یحضر مجلسه إلا من کان علی مثل مذهبه) (4).

بل ذکر الذهبی أن الإمام الذهلی أخرج البخاری ومسلما من مدینة نیسابور (5).

وقال بترجمة الذهلی : (کان الذهلی شدید التمسک بالسنة ، قام علی محمد بن إسماعیل ، لکونه أشار فی مسألة خلق أفعال العباد إلی أن تلفظ

ص: 110


1- 1. هذا حال البخاری إمامهم فی الحدیث ، وسنشیر إلی حال إمامهم فی العقائد وهو : أبو الحسن الأشعری. ولعلنا نتعرض لحال أئمتهم فی الفقه وهم : الأئمة الأربعة! وإمامهم فی التفسیر وهو : الفخر الرازی ... فی المواضع المناسبة. إن شاء الله تعالی.
2- 2. وذکر ذلک الذهبی فی : سیر أعلام النبلاء 12 / 462.
3- 3. المغنی فی الضعفاء 2 / 557.
4- 4. سیر أعلام النبلاء 12 / 453.
5- 5. سیر أعلام النبلاء 12 / 455.

القاری بالقرآن مخلوق ... وسافر ابن إسماعیل مختفیا من نیسابور وتألم من فعل محمد بن یحیی.

وقد تألم غیر واحد من أعلام القوم من موقف الذهبی من البخاری حین أورده فی کتاب (الضعفاء).

قال السبکی : (ومما ینبغی أن یتفقد عند الجرح : حال العقائد واختلافها بالنسبة إلی الجارح والمجروح فی العقیدة فجرحه بذلک.

وإلیه أشار الرافعی بقوله : وینبغی أن یکون المزکون برآء من الشحناء والعصبیة فی المذهب ، خوفا من أن یحملهم علی جرح عدل أو تزکیة فاسق ، وقد وقع هذا لکثیر من الأئمة ، جرحوا بناء علی معتقدهم ، وهم المخطئون والمجروح مصیب.

وقد أشار شیخ الإسلام ، سید المتأخرین : تقی الدین ابن دقیق العید فی کتابه (الاقتراح) إلی هذا وقال : أعراض المسلمین حفرة من حفر النار ، وقف علی شفیرها طائفتان من الناس : المحدثون والحکام.

قلت : ومن أمثلته : قول بعضهم فی البخاری : ترکه أبو زرعة وأبو حاتم ، من أجل مسألة اللفظ.

فیا لله والمسلمین! أیجوز لأحد أن یقول : البخاری متروک؟! وهو حامل لواء الصناعة ، ومقدم أهل السنة والجماعة) (1).

فهذه عبارة السبکی ، ولم یصرح باسم القائل بذلک وهو الذهبی ، لکن المناوی صرح باسمه ، واتهمه بالغض والغرض من أهل السنة ، وکأنه لیس الذهبی من أهل السنة!! فقال بترجمة البخاری :

(زین الأمة ، افتخار الأئمة ، صاحب أصح الکتب بعد القرآن ، ساحب

====

2. طبقات الشافعیة 1 / 190.

ص: 111


1- 1. سیر أعلام النبلاء 12 / 283.

ذیل الفضل علی مر الزمان ، الذی قال فیه إمام الأئمة ابن خزیمة : ما تحت أدیم السماء أعلم منه. وقال بعضهم : إنه آیة من آیات الله یمشی علی وجه الأرض.

قال الذهبی : کان من أفراد العالم ، مع الدین والورع والمتانة. هذا کلامه فی الکاشف.

ومع ذلک غلب علیه الغض من أهل السنة فقال فی (کتاب الضعفاء والمتروکین) : ما سلم من الکلام لأجل مسألة اللفظ ، ترکه لأجلها الرازیان.

هذه عبارته ، وأستغفر الله تعالی. نسأل الله السلامة ، ونعوذ به من الخذلان) (1).

ونستفید من هذه القضیة أمورا :

1 - ما ذکرناه سابقا من أنه لو اشترط - فی صحة استدلالاتنا بأخبار القوم وأقوالهم - کون الخبر معتبرا عند جمیعهم ، أو کون روایة موثقا عند کلهم ...

لانسد باب البحث ، لعدم وجود هکذا خبر أو راو فیما بینهم.

2 - إن البخاری ومسلما مجروحان عند جماعة من الأئمة ، فتکون روایاتهما فی کتابیهما - کسائر الکتب والروایات - خاضعة لموازین الجرح والتعدیل ... إن لم نقل بأن مقتضی الطعن المذکور فیهما سقوط روایاتهما عن الاعتبار رأسا ... وهناک أحادیث کثیرة فی الکتابین قد نص العلماء المحققون الکبار علی بطلانها ، یطول بنا المقام لو أردنا ذکرها ، فراجع بعض مؤلفاتنا (2).

3 - إن الذهبی - وهو من أکابر أئمة القوم فی الجرح والتعدیل - له مجازفات فی تعدیلاته وتجریحاته ... فلیس کل ما یقوله الذهبی فی حق الرجال حقا ، وإلا کان ما قاله وفعله فی حق (البخاری) صحیحا مقبولا ، وقد قال

ص: 112


1- 1. فیض القدیر 1 / 24.
2- 2. التحقیق فی نفی التحریف عن القرآن الشریف : 293 - 336.

المناوی بعد نقله : (نسأل الله السلامة ونعوذ به من الخذلان).

4 - إنه ینبغی أن یتفقد حال العقائد واختلافها بالنسبة إلی الجارح والمجروح ، وأن یکون المزکون والجارحون برآء من الشحناء والعصبیة فی المذهب. وهذا ما أکده الحافظ ابن حجر العسقلانی أیضا ، حین قال : (وممن ینبغی أن یتوقف فی قبول قوله فی الجرح : من کان بینه وبین من جرحه عداوة سببها الاختلاف فی الاعتقاد ، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبی إسحاق الجوزجانی لأهل الکوفة رأی العجب ، وذلک لشدة انحرافه فی النصب وشهرة أهلها بالتشیع ، فتراه لا یتوقف فی جرح من ذکره منهم ، بلسان ذلقة وعبارة طلقة ، حتی أنه أخذ یلین مثل الأعمش وأبی نعیم وعبید الله بن موسی وأساطین الحدیث وأرکان الروایة. فهذا إذا عارضه مثله أو أکبر منه فوثق رجلا ضعفه قبل التوثیق ...) (1).

وقد تبع الجوزجانی بعض من کان علی مسلکه من المتأخرین ، فأخذوا یطعنون فی الروای بمجرد روایته ما یدل علی فضیلة لعلی وأهل البیت علیهم السلام ، أو ما یدل علی قدح فی واحد من مناوئیهم ، ویقولون عنه (شیعی) (رافضی) ونحو ذلک ، والحال أن التشیع - کما یقول الحافظ ابن حجر - : (محبة علی وتقدیمه علی الصحابة) (2).

والذین یقدمون علیا علیه السلام علی غیره من الصحابة کثیرون حتی فی الصحابة ... قال الحافظ ابن عبد البر : (وروی عن سلمان وأبی ذر والمقداد وخباب وجابر وأبی سعید الخدری وزید بن أرقم : إن علی بن أبی طالب - رضی الله عنه - أول من أسلم. وفضله هؤلاء علی غیره) (3).

فالتشیع لا یضر بالوثاقة عندهم ولا یمنع من الاعتماد. قال ابن حجر

ص: 113


1- 1. لسان المیزان 1 / 16.
2- 2. هدی الساری : 460.
3- 3. الاستیعاب 3 / 1090.

بترجمته (خالد بن مخلد القطوانی الکوفی) وهو من رجال البخاری :

(من کبار شیوخ البخاری ، روی عنه وروی عن واحد عنه. قال العجلی : ثقة وفیه تشیع. وقال ابن سعد : کان متشیعا مفرطا. وقال صالح جزرة : ثقة إلا أنه یتشیع. وقال أبو حاتم ، یکتب حدیثه ولا یحتج.

قلت : أما التشیع فقد قدمنا أنه إذا کان ثبت الأخذ والأداء لا یضره ، سیما ولم یکن داعیة إلی رأیه) (1).

وقال ابن حجر بترجمة (عباد بن یعقوب الرواجنی) من رجال البخاری :

(رافضی مشهور ، إلا أنه کان صدوقا ، وثقه أبو حاتم ، وقال الحاکم : کان ابن خزیمة إذا حدث عنه یقول : حدثنا الثقة فی روایته المتهم فی رأیه : عباد ابن یعقوب. وقال ابن حبان : کان رافضیا داعیة. وقال صالح بن محمد : کان یشتم عثمان رضی الله عنه.

قلت : روی عنه البخاری فی کتاب التوحید حدیثا واحدا مقرونا ، وهو حدیث ابن مسعود : أی العمل أفضل؟ وله عند البخاری طریق أخری من روایة غیره) (2).

وقال الذهبی بترجمة (أبان بن تغلب) :

(شیعی جلد ، لکنه صدوق ، فلنا صدقه وعلیه بدعته ، وقد وثقه أحمد بن حنبل وابن معین وأبو حاتم. وأورده ابن عدی وقال : کان غالیا فی التشیع. وقال السعدی : زائغ مجاهر.

فلقائل أن یقول : کیف ساغ توثیق مبتدع ، وحد الثقة العدالة والإتقان؟! فیکف یکون عدلا من هو صاحب بدعة؟!

وجوابه : إن البدعة علی ضربین ، فبدعة صغری ، کغلو التشیع ، أو

ص: 114


1- 1. هدی الساری : 398.
2- 2. هدی الساری : 410.

کالتشیع بلا غلو وتحرق ، فهذا کثیر فی التابعین وتابعیهم ، مع الدین والورع والصدق ، فلو رد حدیث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبویة ، وهذه مفسدة بینة) (1).

أقول :

وعلی هذا الأساس أیضا تسقط مناقشات بعض الکتاب فی أسانید الأحادیث التی یستدل بها الشیعة الاثنا عشریة من کتب أهل السنة ... لکن بعض المتعصبین یقدح فی الرجل إذا کان شیعیا - أی یفضل علیا علیه السلام علی غیره من الصحابة - ویکره الروایة عنه ، حتی وإن کان من الصحابة ، مع أن المشهور فیما بین أهل السنة عدالة الصحابة أجمعین! قال الحافظ ابن حجر بترجمة (عامر بن واثلة أبو الطفیل اللیثی المکی) :

(قال ابن عدی : کان الخوارج یرمونه باتصاله بعلی وقوله بفضله وفضل أهل بیته ، ولیس بحدیثه بأس. وقال ابن المدینی : قلت لجریر : أکان المغیرة یکره الروایة عن أبی الطفیل؟ قال : نعم. وقال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبیه : مکی ثقة. وکذا قال ابن سعد وزاد : کان متشیعا.

قلت : أساء أبو محمد بن حزم فضعف أحادیث أبی الطفیل وقال : کان صاحب رایة المختار الکذاب. وأبو الطفیل صحابی لا شک فیه ، ولا یؤثر فیه قول أحد ، ولا سیما بالعصبیة والهوی) (2).

قلت :

فالحمد لله الذی أجری علی لسان مثل ابن حجر العسقلانی أن ابن حزم

ص: 115


1- 1. میزان الاعتدال 1 / 5.
2- (16) هدی الساری : 410

یتکلم (بالعصبیة والهوی) وقد حط علی هذا الرجل أبو بکر ابن العربی.

وقال أبو العباس ابن العریف الصالح الزاهد : (لسان ابن حزم وسیف الحجاج شقیقان).

وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان ابن حبان : (ومما یزید فی بغض الناس له تعصبه لبنی أمیة ، ماضیهم وباقیهم ، واعتقاده بصحة إمامتهم ، حتی نسب إلی النصب).

وقال ابن خلکان : (کان کثیر الوقوع فی العلماء المتقدمین ، لا یکاد یسلم أحد من لسانه. قال ابن العریف : کان لسان ابن حزم وسیف الحجاج شقیقین. قاله لکثرة وقوعه فی الأئمة ، فنفرت منه القلوب ، واستهدف لفقهاء وقته ، فتمالؤا علی بغضه ، وردوا قوله ، واجتمعوا علی تضلیله ...).

ووصفه الآلوسی عند ذکره ب (الضال المضل).

انظر : لسان المیزان 4 / 189 ، وفیات الأعیان 3 / 325 ، تفسیر الآلوسی 21 / 76.

قلت :

ومما یشهد بنصبه قوله فی المحلی 10 / 482 : (ولا خلاف بین أحد من الأمة فی أن عبد الرحمن بن ملجم لم یقتل علیا رضی الله عنه إلا متأولا مجتهدا مقدرا علی أنه صواب ، وفی ذلک یقول عمران بن حطان شاعر الصفریة ...).

وقد کان علی شاکلة ابن حزم فی القول بالعصبیة والهوی :

أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزی ، فقد أفرط هذا الرجل فی کتبه لا سیما فی کتابیه (العلل المتناهیة) و (الموضوعات) حتی رد علیه کبار المحققین ، فنصوا علی بطلان کثیر من أقواله وآرائه.

قال الحافظ النووی : (وقد أکثر جامع الموضوعات فی نحو مجلدین ،

ص: 116

أعنی أبا الفرج ابن الجوزی ، فذکر کثیرا مما لا دلیل علی وضعه ...).

وقال الحافظ السیوطی : (فذکر فی کتابه کثیرا مما لا دلیل علی وضعه ، بل هو ضعیف ، بل وفیه الحسن والصحیح ، وأغرب من ذلک : أن فیها حدیثا من صحیح مسلم کما سأبینه.

قال الذهبی : ربما ذکر ابن الجوزی فی الموضوعات أحادیث حسانا قویة.

قال : ونقلت من خط السید أحمد بن أبی المجد قال : صنف ابن الجوزی کتاب (الموضوعات) فأصاب فی ذکره أحادیث شنیعة مخالفة للنقل والعقل ما لم یصب فیه إطلاقه بالوضع علی أحادیث ، بکلام بعض الناس فی أحد رواتها ، کقوله : فلان ضعیف أو : لیس بالقوی أو : لین ، ولیس ذلک الحدیث مما یشهد القلب ببطلانه ، ولا فیه مخالفة ولا معارضة لکتاب ولا سنة ولا إجماع ، ولا حجة بأنه موضوع سوی کلام ذلک الرجل فی روایة. وهذا عدوان ومجازفة) (1).

وقال ابن عراق : (وللإمام الحافظ أبی الفرج ابن الجوزی فیها کتاب جامع ، إلا أن علیه مؤاخذات ومناقشات ...) (2).

وقد أورد ابن الجوزی فی کتابه (العلل المتناهیة فی الأحادیث الواهیة) حدیث : (إنی تارک فیکم الثقلین : کتاب الله وعترتی أهل بیتی) فاعترضه بشدة کبار المحدثین المتأخرین عنه.

قال السخاوی : (وتعجبت من إیراد ابن الجوزی له فی (العلل المتناهیة) بل أعجب من ذلک قوله : إنه حدیث لا یصح. مع ما سیأتی من طرقه التی بعضها فی صحیح مسلم) (3).

ص: 117


1- 1. تدریب الراوی 1 / 235.
2- 2. تنزیه الشریعة 1 / 3.
3- 3. استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط.

وقال السمهودی : (ومن العجیب ذکر ابن الجوزی له فی (العلل المتناهیة) فإیاک أن تغتر به. وکأنه لم یستحضره حینئذ) (1).

وقال المناوی : (ووهم من زعم ضعفه کابن الجوزی) (2)

بل هناک کلمات کثیرة فی الحط علی ابن الجوزی) نفسه :

قال ابن الأثیر : (وفی هذه السنة - فی شهر رمضان - توفی أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن الجوزی الحنبلی ، الواعظ ببغداد ، وتصانیفه مشهورة ، وکان کثیر الوقیعة فی الناس ، لا سیما فی العلماء المخالفین لمذهبه) (3).

وقال أبو الفداء : (کان کثیر الوقیعة فی العلماء) (4).

وقال الذهبی : (له وهم کثیر فی توالیفه ، یدخل علیه الداخل من العجلة والتحول إلی مصنف آخر ، ومن أن جل علمه من کتب وصحف ما مارس فیه أرباب العلم کما ینبغی) (5).

وقال ابن حجر : (... دلت هذه القصة علی أن ابن الجوزی حاطب لیل لا ینتقد ما یحدث به) (6).

وقال السیوطی : (قال الذهبی فی التاریخ الکبیر : لا یوصف ابن الجوزی بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة ، بل باعتبار کثرة اطلاعه وجمعه) (7).

وقال الیافعی : (وفیها أخرج ابن الجوزی من سجن واسط وتلقاه الناس ،

ص: 118


1- 1. جواهر العقدین - مخطوط.
2- 2. فیض القدیر 3 / 14.
3- 3. الکامل فی التاریخ - حوادث سنة 597 ه.
4- 4. المختصر من أخبار البشر - حوادث سنة 597 ه.
5- 5. تذکرة الحفاظ 4 / 1342.
6- 6. لسان المیزان 2 / 84 ، ترجمة ثمامة بن أشرس.
7- 7. طبقات الحفاظ : 478.

وبقی فی المطمورة خمس سنین ، کذا ذکره الذهبی ...) (1).

وأحمد بن عبد الحلیم بن تیمیة الحرانی ، فقد طعن فی کثیر من الرجال وفی کثیر من الأحادیث والأخبار ، وفی کثیر من مصنفات أهل السنة لروایتها ما یتمسک به الإمامیة ... ولقد تمادی هذا الرجل فی غیه حتی انبری کبار علماء أهل السنة من أهل المذاهب الأربعة للفتوی ضده ، ثم أمر بأن ینادی بالحط علیه والمنع من اتباعه ، ثم حبس ، حتی مات فی الحبس.

وشمس الدین الذهبی ، صاحب المؤلفات الکثیرة ، وتلمیذ ابن تیمیة الحرانی والملازم له (2) فقد حکم علی کثیر من الأحادیث الصحیحة بالوضع ، وطعن فی کثیر من الرجال وأسقط روایاتهم عن درجة الاعتبار ... وقد فعل ذلک بالنسبة إلی کثیر من أئمة أهل السنة ومحدثیهم المشاهیر فی کتابیه (میزان الاعتدال) و (المغنی فی الضعفاء) حتی أدرج فی الثانی (محمد بن إسماعیل البخاری) کما تقدم.

وقال السبکی بترجمته : (کان شدید المیل إلی آراء الحنابلة ، کثیر الازدراء بأهل السنة ، الذین إذا حضروا کان أبو الحسن الأشعری فیهم مقدم القافلة ، فلذلک لا ینصفهم فی التراجم ، ولا یصفهم بخیر إلا وقد رغم منه أنف الراغم. صنف (التاریخ الکبیر) وما أحسنه لولا تعصب فیه ، وأکمله لولا نقص فیه وأی نقص یعتریه) (3).

وقال : (وأما تاریخ شیخنا الذهبی غفر الله له ، فإنه - علی حسنه وجمعه - مشحون بالتعصب المفرط ، لا واخذه الله. فلقد أکثر الوقیعة فی أهل الدین ، أعنی الفقراء الذین هم صفوة الخلق ، واستطال بلسانه علی أئمة الشافعیین

ص: 119


1- 1. مرآة الجنان - حوادث سنة 595 ه.
2- 2. وکم لقی الذهبی من الأذی والعنت لهذه العلاقة بابن تیمیة. قاله محقق کتاب (العبر) فی المقدمة.
3- 3. طبقات الشافعیة 2 / 22.

والحنفیین ، ومال فأفرط علی الأشاعرة ، ومدح فزاد فی المجسمة. هذا وهو الحافظ المدره ، والإمام المبجل ، فما ظنک بعوام المؤرخین) (1).

وعن تلمیذه صلاح الدین العلائی : (الشیخ الحافظ شمس الدین الذهبی ، لا أشک فی دینه وورعه وتحریه فیما یقوله الناس ، ولکنه غلب علیه مذهب الإثبات ، ومنافرة التأویل ، والغفلة عن التنزیه ، حتی أثر ذلک فی طبعه انحرافا شدیدا عن أهل التنزیه ، ومیلا قویا إلی أهل الإثبات. فإذا ترجم لواحد منهم یطنب فی وصفه بجمیع ما قیل فیه من المحاسن ، ویبالغ فی وصفه ، ویتغافل عن غلطاته ویتأول له ما أمکن ، وإذا ذکر أحدا من الطرف الآخر کإمام الحرمین والغزالی ونحوهما لا یبالغ فی وصفه ، ویکثر من قول من طعن فیه ، ویعید ذلک ویبدیه ، ویعتقده دینا وهو لا یشعر ، ویعرض عن محاسنهم الطافحة فلا یستوعبها ، وإذا ظفر لأحد منهم بغلطة ذکرها ...) (2).

قال السبکی : (والذی أدرکنا علیه المشایخ : النهی عن النظر فی کلامه وعدم اعتبار قوله ، ولم یکن یستجرئ أن یظهر کتبه التاریخیة إلا لمن یغلب علی ظنه أنه لا ینقل عنه ما یعاب علیه) (3).

قال : (کان یغضب عند ترجمته لواحد من علماء الحنفیة والمالکیة والشافعیة غضبا شدیدا ، ثم یقرطم الکلام ویمزقه ، ثم هو مع ذلک غیر خبیر بمدلولات الألفاظ کما ینبغی ، فربما ذکر لفظة من الذم لو عقل معناها لما نطق بها) (4).

ص: 120


1- 1. طبقات الشافعیة 9 / 103.
2- 2. طبقات الشافعیة 2 / 13.
3- 3. طبقات الشافعیة 2 / 13.
4- 4. طبقات الشافعیة 2 / 14.

أقول :

عجیب! ابن الجوزی سجن ، ابن تیمیة سجن حتی مات فی السجن ، ابن حزم مزقت کتبه وأحرقت ونفی حتی مات فی المنفی ، والذهبی ینهی عن النظر فی کلامه ، ولا یعتمد قوله ، ویلاقی الأذی ... وقد أصبحوا أئمة.

هذا حال هؤلاء فی أهل السنة .... وقد أصبحوا أئمة یقتدی بهم المتأخرون من الکتاب ویستندون إلی أقوالهم!!

وأیضا إذا کان هؤلاء مشهورین بالتعصب وبالوقیعة فی العلماء - إذا لم یکونوا علی مذاهبهم - فی أقوالهم فی السیر والتواریخ وغیرها ، فکیف یرتجی منهم الإنصاف والإقرار بالحق مع الشیعة وأئمتهم ورجالهم ....؟!!

ص: 121

المبحث الأول

فی إمامة المذهب

المراجعة - 4

قال السید رحمة الله تعالی علیه :

1 - إن تعبدنا فی الأصول بغیر المذهب الأشعری ، وفی الفروع بغیر المذاهب الأربعة لم یکن لتحزب أو تعصب ، ولا للریب فی اجتهاد أئمة تلک المذاهب ، ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علما وعملا. لکن الأدلة الشرعیة أخذت بأعناقنا إلی الأخذ بمذهب الأئمة من أهل بیت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائکة ، ومهبط الوحی والتنزیل.

أقول :

الأشعری هو : أبو الحسن علی بن إسماعیل ... من ذریة أبی بردة ابن أبی موسی الأشعری. قال الذهبی : (مات ببغداد سنة 324. حط علیه جماعة من الحنابلة والعلماء ، وکل أحد فیؤخذ من قوله ویترک ، إلا من عصم الله تعالی. اللهم اهدنا وارحمنا) (1).

قال : (وقد ألف الأهوازی جزءا فی مثالب ابن أبی بشر ، فیه أکاذیب ، وجمع أبو القاسم فی مناقبه فوائد بعضها أیضا غیر صحیح) (2).

ص: 122


1- 1. سیر أعلام النبلاء 15 / 86.
2- 2. سیر أعلام النبلاء 15 / 89.

قال : (فقیل : إن الأشعری لما قدم بغداد جاء إلی أبی محمد البربهاری فجعل یقول : رددت علی الجبائی ، رددت علی المجوس ، وعلی النصاری.

فقال أبو محمد : لا أدری ما تقول ، ولا تعرف لا ما قاله الإمام أحمد. فخرج وصنف الإبانة ، فلم یقبل منه) (1).

والأدلة الشرعیة من الکتاب والسنة مذکورة فی کتبنا المعدة لهذا الشأن ، وسیأتی ذکر بعض ما هو المتفق علیه منها ، إن شاء الله تعالی. فإن مفادها وجوب اتباع الأئمة من أهل البیت فی جمیع الشؤون ، والمنع عن أتباع غیرهم مطلقا.

کما أن وصف الأئمة علیهم السلام بالأوصاف التی وصفوا بها فی عبارة السید موجود فی کتبنا ، وفی کتب القوم. وسنذکر الحدیث الوارد من طرقهم فی ذلک.

قیل :

کلامه فی هذه المراجعة یوحی بأن أئمة المذاهب الأربعة یناصبون أئمة أهل البیت العداء ، ویسیرون علی غیر مذهبهم ، ویشیر إلی أن أهل السنة قد خالفوا الأئمة من آل محمد.

أقول :

أما أن کلام السید یوحی بأن (أئمة المذاهب الأربعة) یناصبون العداء لأئمة أهل البیت. فإن کان المراد خصوص (الأئمة الأربعة) فکلام السید لا یوحی بذلک ، وإن کان مالک بن أنس معدودا فی الخوارج - کما فی بعض المصادر (2) - ، وهم أعداء أمیر المؤمنین علیه السلام. وإن کان المراد سائر

ص: 123


1- 1. سیر أعلام النبلاء 15 / 90.
2- 2. الکامل - للمبرد - 1 / 159.

أئمة المذاهب الأربعة فقد کان بینهم من یناصب العداء لآل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم.

وأما أن کلامه یوحی بأن (الأئمة الأربعة) یسیرون علی غیر مذهب أئمة أهل البیت علیهم السلام ، وأنه یشیر إلی أن أهل السنة قد خالفوا الأئمة ... فهذا واضح جدا ولا سبیل إلی إنکاره. لأن أئمة المذاهب یدعون لأنفسهم الاجتهاد فی الدین ، فیفتون ویعملون بما یرتأون ، فهم یسیرون علی مذاهبهم ، وهی مغایرة لمذهب أهل البیت فی کثیر من المسائل ، ویتبعهم جمهور أهل السنة لکونهم - فی الأغلب - مقلدین لهم ...

قال ابن تیمیة : (وأما الکتاب المنقول عن علی ففیه أشیاء لم یأخذ بها أحد من العلماء) (1).

قال : (وقد جمع الشافعی ومحمد بن نصر المرزوی کتابا کبیرا فی ما لم یأخذ به المسلمون من قول علی ، لکون قول غیره من الصحابة أتبع للکتاب والسنة!!) (2).

وقال السبکی بترجمة المرزوی نقلا عن أبی إسحاق الشیرازی : (وصنف کتابا فی ما خالف فیه أبو حنیفة علیا وعبد الله رضی الله عنهما) (3).

فهذا بالنسبة إلی مخالفة الأئمة وأتباعهم لأهل البیت علیهم السلام.

لکن فی القوم من بقایا بنی أمیة وأشیاعهم من یتفوه بأشیاء واضحة الدلالة علی النصب والعداء ، (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفی صدورهم أکبر) (4).

وإلا فما معنی قول أحدهم :

ص: 124


1- 1. منهاج السنة 4 / 217.
2- 2. منهاج السنة 4 / 217.
3- 3. طبقات الشافعیة 2 / 247.
4- 4. سورة آل عمران 3 : 118.

(إن الغایة من الخلافة هی إصلاح الأمة وهدایتها ، وخلافة المرتضی لم تحقق هذه الغایة ، ولم یکن من واجب الأئمة أن تناضل تحت رایته کما کانت مأمورة بذلک فی عصر من سبقه ، ولقد وجدنا - کما دلت الأحادیث - انقطاع العنایة الربانیة عن الأمة فی عصره بعد استمرارها فی عصرهم ...)!!

(وإن من أعظم أنواع الورع ترک المقاتلات بین المسلمین کما کان من الشیخین ، بخلاف المرتضی)!!

(وإن النبی إنما شرف المرتضی بشرف الأخوة ، لحزنه ، وبکائه ، لا لشئ آخر)!! (1).

وما معنی قول الآخر فی سید شباب أهل الجنة الإمام الحسین السبط الشهید علیه السلام :

(قتل بسیف جده)!!

قال العلامة المناوی : (وقد غلب علی ابن العربی الغض من أهل البیت حتی قال : قتل بسیف جده) (2).

وما معنی قول ثالث فی الإمام أبی عبد الله الصادق علیه السلام :

(فی نفسی منه شئ)!! (3).

وما معنی قول رابع فی الإمام موسی بن جعفر علیه السلام :

(یحتج بحدیثه من غیر روایة أولاده عنه) (4).

وما معنی قوله فی الإمام أبی الحسن الرضا علیه السلام :

(یروی عن أبیه العجائب) (5).

ص: 125


1- 1. قرة العینین - لشاه ولی الله - : 150 - 152.
2- 2. فیض القدیر 1 / 250.
3- 3. الکاشف 1 / 186 عن القطان.
4- 4. تهذیب التهذیب 2 / 104 عن ابن حبان.
5- 5. تهذیب التهذیب 7 / 388 عن ابن حبان.

وما معنی قول خامس فی الإمام الحسن العسکری علیه السلام :

(لیس بشئ) (1).

ففی القوم من یقول - أو یرتضی أن یقال - مثل هذه الأشیاء فی أئمة أهل البیت علیهم السلام ، ومع ذلک یدعی بعضهم أنهم هم المقتدون بأهل البیت والمتمسکون بحبل ودادهم.

لکنهم إذا ما نقل الشیعی عن تاریخ ابن خلکان وغیره : أن مالکا - أحد الأئمة الأربعة - بقی فی بطن أمه ثلاث سنین ... قالوا : لماذا نقل هذا؟! وماذا قصد؟! وإذا کان الناقلون لهذه القضیة : قاضی القضاة ابن خلکان الشافعی ، وحافظ المغرب ابن عبد البر المالکی ، والمؤرخ الشهیر ابن قتیبة ... وأمثالهم ، فما ذنب الشیعی إذا نقلها عنهم؟! بل لقد حکی الحافظ الذهبی ذلک ولم یتعقبه بشئ ، قال :

(قال معن والواقدی ومحمد بن الضحاک : حملت أم مالک بمالک ثلاث سنین. وعن الواقدی قال : حملت به سنتین) (2).

وقال : (قال معن القزاز وجماعة : حملت بمالک أمه ثلاث سنین) (3).

وقال الحافظ المالکی القاضی عیاض فی کتابه المؤلف فی فضائل مالک وعلماء مذهبه : (باب فی مولد مالک - رحمه الله تعالی - والحمل به ومدة حیاته ووقت وفاته) : (واختلف فی حمل أمه به ، فقال ابن نافع الصائغ والواقدی ومعن ومحمد بن الضحاک : حملت به أمه ثلاث سنین. وقال نحوه بکار بن عبد الله الزبیری وقال : أنضجته - والله - الرحم. وأنشد الطرماح :

تضن بحملنا الأرحام حتی

تنضجنا بطون الحاملات

ص: 126


1- 1. اللآلی المصنوعة 1 / 396 ، الموضوعات 1 / 415.
2- 2. سیر أعلام النبلاء 8 / 132.
3- 3. العبر فی خبر من غبر 1 / 210.

قال ابن المنذر : وهو المعروف.

وروی عن الواقدی أیضا : (إن حمل أمه بن سنتان. قال عطاف بن خالد) (1).

هذه کلمات أئمة القوم ، وفیهم رؤساء أتباع مالک ، کالقاضی عیاض وابن عبد البر.

والسید رحمه الله لم یقل إلا : (ذکر ابن خلکان فی أحوال مالک من وفیات الأعیان : إن مالکا بقی جنینا فی بطن أمه ثلاث سنوات. ونص علی ذلک ابن قتیبة حیث ذکر مالکا فی أصحاب الرأی من کتابه (المعارف) ص 170 ، وحیث أورد جماعة زعم أنهم قد حملت بهم أماتهم أکثر من وقت الحمل ، صفحة 198 من (المعارف) أیضا).

فقیل :

(لیس فی وفیات الأعیان فی ترجمة مالک ما ادعی المؤلف ، بل فیه : وقال ابن السمعانی فی کتاب الأنساب فی ترجمة الأصبحی : إنه ولد فی سنة ثلاث أو أربع وتسعین. والله أعلم بالصواب).

أقول :

جاء فی (وفیات الأعیان) بترجمة مالک : (وکانت ولادته فی سنة خمس وتسعین للهجرة ، وحمل به ثلاث سنین.

وتوفی فی شهر ربیع الأول سنة تسع وسبعین ومائة ، رضی الله عنه ، فعاش أربعا وثمانین سنة. قال الواقدی : مات وله تسعون سنة. وقال ابن الفرات فی تاریخه المرتب علی السنین : وتوفی مالک بن أنس الأصبحی لعشر

ص: 127


1- 1. ترتیب المدارک 1 / 111.

مضین من شهر ربیع الأول سنة تسع وسبعین ومائة. وقیل : إنه توفی سنة ثمان وسبعین ومائة. وقیل : إن مولده سنة تسعین للهجرة. وقال السمعانی فی کتاب (الأنساب) فی ترجمة الأصبحی : إنه ولد فی سنة ثلاث أو أربع وتسعین.

والله أعلم بالصواب) (1).

فلماذا التکذیب والإنکار؟!

قال السید رحمه الله :

2 - علی أنه لا دلیل للجمهور علی رجحان شئ من مذاهبهم فضلا عن وجوبها ... وما أظن أحدا یجرؤ علی القول بتفضیلهم - فی علم أو عمل - علی أئمتنا ، وهم أئمة العترة الطاهرة ...

أقول :

مضافا إلی :

1 - أن الأئمة الأربعة تنتهی علومهم إلی أئمة العترة.

2 - أن تفضیلهم علی غیرهم من أئمة المذاهب السنیة غیر معلوم.

3 - أنه وقد وقع الکلام فیما بین أهل السنة أنفسهم حول الأئمة الأربعة علما وعملا.

قال السید :

3 - علی أن أهل القرون الثلاثة مطلقا لم یدینوا بشئ من تلک المذاهب أصلا ... والشیعة یدینون بمذهب الأئمة من أهل البیت - وأهل البیت أدری بالذی فیه - وغیر الشیعة یعملون بمذاهب العلماء من الصحابة والتابعین ...

ص: 128


1- 1. وفیات الأعیان 4 / 139.

قیل :

(قوله : وأهل البیت أدری بالذی فیه حجر علی عباد الله وتضییق علیهم أن یعلموا ...)

أقول :

أما أن أهل البیت أدری بالذی فیه ، فلا یمتری فیه أحد ، لأنه مقتضی کونهم (أهل البیت). ومقتضی کونهم (أدری) أن یکونوا الأولی بالاقتداء والاتباع لمن یرید الوصول إلی (الذی فیه) وإلا لزم ترجیح المفضول ، وهو قبیح عند ذوی الألباب والعقول.

وقد نص الأئمة الشارحون للحدیث علی هذا المعنی ، ونکتفی بعبارة القاری إذ قال فی شرحه فی (المرقاة فی شرح المشکاة) : (الأظهر هو أن أهل البیت غالبا یکونون أعرف بصاحب البیت وأحواله ...) وستأتی عبارته کاملة.

وأما أن غیر الشیعة یعملون بمذاهب العلماء من الصحابة والتابعین ، فهذا ما لا یخفی علی من راجع سیر الصحابة والتابعین وأخبارهم ، ولاحظ کتب غیر الشیعة وأسفارهم ... وقد أورد السید - رحمه الله - موارد کثیرة من تلک المذاهب ، وبین کیفیة مخالفتها للنصوص الشرعیة الواجب العمل بها ... فی کتابه (النص والاجتهاد) المطبوع غیر مرة ، المنتشر فی سائر البلاد ...

قال السید :

4 - وما الذی أرتج باب الاجتهاد فی وجوه المسلمین بعد أن کان فی القرون الثلاثة مفتوحا علی مصراعیه ...؟!

ص: 129

قیل :

(نری المؤلف فی هذه الفقرة قد خرج عن القضیة الأساسیة فی النقاش ، وأثار قضایا فرعیة مثل قضیة فتح باب الاجتهاد ، وهی قضیة خلافیة لیس بین السنة والشیعة ، بل بین أهل السنة أنفسهم ...)

أقول :

لم یجب الرجل عن سؤال السید! أما أن أهل السنة عادوا فی هذه العصور یدعون إلی فتح باب الاجتهاد فذاک رد قطعی علی أئمتهم السابقین الذین غلقوه ، وإن کان فی القرون الماضیة فیهم من یرد علی سد باب الاجتهاد بشدة ، حتی ألف الحافظ السیوطی رسالة : (الرد علی من أخلد إلی الأرض وجهل أن الاجتهاد فی کل عصر فرض).

هذا ، وقد ثبت تاریخیا أن الحکم فی القرن السابع بسد باب الاجتهاد وانحصار المذاهب فی الأربعة المعروفة إنما کان استجابة لأمر الحکام الذین ارتأوا ذلک لأغراض سیاسیة ، وللتفصیل فی هذه القضیة مجال آخر.

قال السید :

5 - هلم بنا إلی المهمة التی نبهتنا إلیها من لم شعث المسلمین ...

أقول :

ذکر السید فی جواب الشیخ نقطتین مهمتین للوصول إلی تلک المهمة :

الأولی : إن لم شعث المسلمین لیس موقوفا علی عدول الشیعة عن مذهبهم ، ولا علی عدول السنة عن مذهبهم.

وفی هذا رد علی بعض الکتاب المعاصرین من أهل السنة ، وقول

ص: 130

بعضهم بأن المهمة لا تتحقق إلا بعدول الشیعة عن مذهبهم ، وقول البعض الآخر : بأن الشیعة یریدون من أهل السنة العدول عن مذهبهم بحجة تحقیق لم شعث المسلمین.

والثانیة : إن تکلیف الشیخ وغیره الشیعة بالأخذ بمذاهب الجمهور ، وعدولهم عن مذهبهم - لو دار الأمر بین عدولهم وعدول الجمهور - فی غیر محله ، لأن توجیه التکلیف بذلک - فی الفرض المذکور - إلی أحدهما دون الآخر یحتاج إلی مرجح ، وتکلیف الشیعة دون غیرهم ترجیح بلا مرجح ، بل ترجیح للمرجوح ، بل تکلیف بغیر المقدور.

نعم ، لا ریب فی أن أهل السنة أکثر عددا من الشیعة ، ولکن الأکثریة العددیة لا تکون دلیلا علی الحقیة فضلا عن الأحقیة ، وإلا لزم أن یکون الحق مع غیر المسلمین ، لأنهم أکثر عددا منهم فی العالم ، وهذا باطل ، مضافا إلی الأدلة والشواهد من الکتاب والسنة.

قیل :

(ولم لا تکون المقابلة کاملة ، فیکون تکلیف أهل السنة بذلک ترجیح) (1) بلا مرجح ، بل ترجیح للمرجوح).

أقول :

وهذا کلام فی غیر محله ، لأن الهدف هو لم شعث المسلمین ، وقد قال السید : (الذی أراه أن ذلک لیس موقوفا علی عدول الشیعة عن مذهبهم ، ولا علی عدول أهل السنة عن مذهبهم) فهلا لا یکلفهم بالعدول لتحقق لم الشعث حتی یکون ترجیحا بلا مرجح أو مع المرجح. لکن الشیخ هو الذی کلف

ص: 131


1- 1. کذا.

الشیعة بالعدول عن مذهبهم ، فأجاب السید بما أوضحناه.

علی أن تکلیف أهل السنة بالعدول عن مذهبهم ترجیح مع المرجح ، وذلک للأدلة التی سیقیمها السید بالتفضیل. وخلاصة الکلام فی ذلک : أنه لو دار الأمر بین اتباع أحد المذاهب الأربعة واتباع مذهب أهل البیت فلا یشک المسلم ، بل العاقل الخبیر ، فی تقدم مذهب أهل البیت علی المذاهب الأربعة المشکوک فی تقدمها علی سائر مذاهب السنیة.

قال السید :

(نعم یلم الشعث وینتظم عقد الاجتماع بتحریرکم مذهب أهل البیت ، واعتبارکم إیاه أحد مذاهبکم ، حتی یکون نظر کل من الشافعیة والحنفیة والمالکیة والحنبلیة ، إلی شیعة آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم کنظر بعضهم إلی بعض. وبهذا یجتمع شمل المسلمین فینتظم عقد اجتماعهم).

قیل :

(بعد السب والشتم) : (وإن من أبسط ما یرد به علیه : إن الأئمة الذین یزری بهم وبأتباعهم کل منهم یجل الآخر ، ویعترف بعلمه وفضله ، فالشافعی أخذ عن مالک ، وأخذ عن محمد بن الحسن تلمیذ أبی حنیفة ، وأحمد أخذ عن الشافعی. ولم یزل المسلمون یأخذون بعضهم عن بعض ، المالکی عن الشافعی ، والحنفی عن المالکی ، والحنبلی عن الشافعی. وکل منهم عن الآخر ، فهل نظرة هذا المفتری وأمثاله إلی هؤلاء وأتباعهم هی نظرة بعضهم إلی بعض؟).

أقول :

کأن الرجل لا یفهم مراد السید! أو لا یرید أن یفهمه! إن السید یقول :

ص: 132

لینظر کل من أصحاب المذاهب الأربعة إلی شیعة آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم کنظر بعضهم إلی بعض. أی : فکما یری الشافعیة أن مذهب الحنفیة مذهب من مذاهب المسلمین ، ویری الحنفیة المالکیة کذلک ... وهکذا ... فلینظروا إلی مذهب شیعة آل محمد کذلک ، فإذا نظروا إلیهم بهذه النظرة ، وکانت المذاهب کلها من دین الإسلام ، اجتمع شمل المسلمین وانتظم عقد اجتماعهم ، لأنه حین یری شیعة آل محمد أن أرباب المذاهب الأربعة ینظرون إلیهم کنظر بعضهم إلی بعض ، فإنهم أیضا سینظرون إلیهم تلک النظرة.

وقد أوضح السید - رحمه الله - مقصوده من (النظر) فی عباراته اللاحقة فقال فیها : (فإذا جاز أن تکون المذاهب أربعة ، فلماذا لا یجوز أن تکون خمسة؟!).

وتلخص : أن تحقق (المهمة) لیس موقوفا علی عدول أحد الجانبین إلی الآخر ، بل یکفی لتحققها قبول أهل السنة لأن تکون المذاهب الخمسة.

وحینئذ ، فلو تباحث فی هذا الظرف شیعی وسنی علی أصل من الأصول ، أو فرع من الفروع ، فاقتنع أحدهم بما یقوله الآخر وانتقل إلی مذهبه ، کان کانتقال الحنفی إلی الشافعیة أو بالعکس ، وهکذا ... وما أکثره فی تراجم الرجال وکتب السیر (1).

====

(محمد بن حمد بن خلف أبو بکر البندنیجی حنفش ، الفقیه ، تحنبل ثم تحنف ثم تشف�2. فلذا لقب حنفش.

ولد سنة 453 وسمع الصیریفینی وابن النقور وأبا علی بن البناء ، وتلا علیه.

وعنه : السمعانی ، وابن عساکر ، وابن سکینة.

قال أحمد بن صالح الختلی : کان یتهاون بالشرائ�5. ویعطل ، ویستخف بالحدیث وأهله ویلعنهم.

وقال السمعانی : کان یخل بالصلوات.

توفی سنة 538) میزان الاعتدال 3 / 528.

ص: 133


1- (53) ومن أطرف ما رأیته فی الباب ما ذکره الذهبی ، وأنقله بنصه :

وأما قوله : (إن الأئمة الذین یزری بهم وبأتباعهم کل یجل الآخر ویعترف بعلمه وفضله) ففیه :

أولا : إنا لم نجد کلمات السید إزراء بأحد.

وثانیا : إن ما فی کتب تراجم علمائهم وسیر رجالهم مما یکذب دعوی (کل یجل الآخر ..) کثیر ... ولو شئت أن أذکر لذکرت ، لکن یطول بنا المقام ، ویکفیک أن تعلم أن مالکا کان یتکلم فی أبی حنیفة کما ذکره الحافظ الخطیب فی عداد من کان یتکلم فیه ویرد علیه (تاریخ بغداد 13 / 371) وأن مالکا نفسه تکلم فیه أحمد بن حنبل (العلل ومعرفة الرجال 1 / 179) وآخرون أیضا (کما فی تاریخ بغداد 10 / 224 وجامع بیان العلم - للحافظ ابن عبد البر

====

أقول : کأن هذا الفقیه!! علم أنه لن یفلح بالعمل بمذهب ابن حنبل فالتجأ إلی مذهب أبی حنیفة ، ثم إلی مذهب الشافعی ، فلم یر شیئا من هذه المذاهب بمبرئ للذمة ، ولم یجد فیها ضالته ، وهو یحسب أن لا مذهب واها! فخرج عن الدین وضل!!

أما التهاون والإخلال بالصلوات ... فهو موجود فی أئمتهم فی الفقه والحدیث ... نکتفی بذکر واحد منهم ، وهو : الشیخ زاهر بن طاهر النیسابوری الشحامی المستملی - المتوفی سنة 533 ه - الموصوف فی کلمات القوم بالشیخ العالم ، المحدث ، المفید ، المعمر ، مسند خراسان!! الشاهد! العمدة فی مجلس الحکم!! والذی حدث عنه - فی خلق کثیر - غیر واحد من أئمتهم کأبی موسی المدینی ، والسمعانی ، وابن عساکر ... فقد ذکروا بترجمته أنه کان یخل بالصلاة إخلالا ظاهرا ، حتی أن أخاه منعه من الخروج إلی أصبهان لئلا یفتضح ، لکنه سافر إلی هناک وظهر الأمر کما قال أخوه ، وعرف أهل أصبهان ذلک ، فترک الروایة عنه غیر واحد من الحفاظ تورعا ، وکابر وتجاسر آخرون کما قال الذهبی.

ومن هنا ذکره الذهبی فی میزان الاعتدال 2 / 64 ، بل أدرجه فی الضعفاء 1 / 236 ، وابن

حجر فی لسان المیزان 2 / 4. وراجع ترجمته أیضا فی سیر أعلام النبلاء 20 / 9 ، والعبر 2 / 445.

وقال الذهبی بترجمة أخیه المشار إلیه : (أبو بکر وجیه بن طاهر بن محمد الشحامی ، أخو زاهر ... کان خیرا متواضعا متعبدا لا کأخیه).

وهل ینفعه - بعد شهادة السمعانی والذهبی وغیرهم - الاعتذار له بشئ من المعاذیر؟!

ولو شئت أن أذکر المزید لذکرت!!.

ص: 134

المالکی 2 / 157 - 158) وکان من الفقهاء من یتکلم فی الحنابلة ویبالغ فی ذمهم ، فدس الحنابلة علیه سما ، فمات هو وزوجته وولده له صغیر!! (المنتظم فی تاریخ الأمم 10 / 239) ومنهم من کان یقول : لو کان لی أمر لأخذت الجزیة من الشافعیة (لسان المیزان 5 / 402).

قال السید :

فی آخر المراجعة مخاطبا الشیخ : (ما هکذا الظن بکم ولا المعروف من مودتکم فی القربی).

قیل :

(ثم إن قوله : ما هکذا الظن بکم ولا المعروف من مودتکم فی القربی) تناقض منه ، فإذا کان أهل السنة یحفظون المودة فی القربی ، فلماذا یجهد الشیعة فی اتهام أهل السنة بأنهم لم یودوا ذوی القربی ، بل ظلموهم وغصبوهم حقهم؟).

أقول :

لقد لمس السید من الشیخ - لدی اجتماعه به - کما نص علیه فی (بغیة الراغبین) وکذا فی مقدمة (المراجعات) المودة فی القربی ، فهذا الخطاب للشیخ لا لکل أهل السنة ، فأین التناقض؟! أما أهل السنة فإن کثیرین منهم لم یحفظوا المودة فی القربی ، وقد أوردنا فیما تقدم کلمات بعضهم فی حق ذوی القربی ، تلک الکلمات التی أورثت جراحات لا تقل ألما وأثرا عن جراحات السیوف والأسنة لأسلافهم فی ذوی القربی وأشیاعهم ، علی مدی القرون المتمادیة ...

ص: 135

المراجعة - 6

قال السید :

1 - ولذا قرنهم بمحکم الکتاب وجعلهم قدوة ...

أقول :

هذا إشارة إلی عدة من الأحادیث النبویة الآمرة باتباع العترة والتمسک بهم والأخذ عنهم ، والناهیة عن تعلیمهم والتقدم علیهم والتخلف عنهم ...

وسیتعرض لها بالتفصیل.

قال رحمه الله :

2 - وقد قال أمیر المؤمنین علیه السلام : (فأین تذهبون! وأنی تؤفکون! ...).

وقال علیه السلام : (انظروا أهل بیت نبیکم فالزموا سمتهم ...).

وقال علیه السلام : (عترته خیر العتر ...).

وقال علیه السلام : (نحن الشعار والأصحاب ...).

وقال علیه السلام : (واعلموا أنکم لن تعرفوا الرشد ...)

وقال علیه السلام : (بنا اهتدیتم فی الظلماء ...).

أقول :

هذه نصوص روایات واردة عن أمیر المؤمنین الإمام علی علیه السلام فی کتاب (نهج البلاغة) فهنا مطالب :

1 - إن هذه الأوصاف التی نقلها السید عن نهج البلاغة عن أمیر المؤمنین

ص: 136

علیه السلام لا یشک مسلم فی کونها حقا وحقیقة واقعة ، سواء کانت أسانید هذه الکلمات معتبرة أو لا ، وسواء کانت فی (نهج البلاغة) أو غیره من الکتب ، وسواء کان (نهج البلاغة) للشریف الرضی أو لأخیه أو غیرهما ... وبالجملة فإن متونها تشهد بصدقها!

فهل تشکون - أیها المسلمون - فی أن أهل بیت النبوة (لن یخرجوکم من هدی ولن یعیدوکم فی ردی)؟! وأنهم یصلحون لأن یکونوا قدوة لکم (فإن لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلکوا)؟!

وهل یشک عاقل فاهم فی جلالة النبی صلی الله علیه وآله وسلم ، وأن (عترته خیر العتر ، وأسرته خیر الأسر ، وشجرته خیر الشجر ...)؟! فإن لم یکونوا کذلک ، فأی عترة خیر العتر؟ وأی أسرة خیر الأسر؟ وأی شجرة خیر الشجر؟! آل فلان؟! أم فلان؟! أم بنو أمیة؟!

ألیس أهل بیته (شجرة النبوة ، ومحط الرسالة ، ومختلف الملائکة ...)؟!

ومن ینکر قوله : (ناظرنا ومحبنا ینتظر الرحمة ، وعدونا ومبغضنا ینتظر السطوة) إلا العدو والمبغض؟!

ومن المخالف فی أن المخالفین لأهل البیت (آثروا عاجلا وأخروا آجلا ...)؟!

وتلخص : أن هذه حقائق ثابتة ، لا شک فیها کی تحتاج إلی سند أو برهان ...

2 - علی أن السید - رحمه الله - إنما استدل بما جاء فی (نهج البلاغة) باعتبار أن هذا الکتاب من الکتب المتفق علیها ، لأن الکثیرین من العلماء المحققین من غیر الشیعة الإمامیة تلقوه بالقبول ، وتناولوه بالشرح والتفسیر والتعلیق.

ص: 137

وعلی الجملة ، فإن أحدا لم یشک فی أن ما فی (نهج البلاغة) من کلام الإمام علی علیه السلام.

نعم ، قال بعضهم : (أکثره) من کلامه ... لوجود (الخطبة الشقشقیة) فیه ، کما سنشیر.

ولولا صحة إسناد الکتاب إلی الإمام علی علیه السلام لما تکلم بعضهم فی جامعه ، کابن خلکان حین شکک فی أنه الرضی أو المرتضی ، وکالذهبی حین اختلف کلامه ... کما سیأتی.

ولولا صحة إسناده لما شکک آخرون استنادا إلی شبهات واهیة کاشتمال الکتاب علی (دقة الوصف) و (التنمیق اللفظی) ونحو ذلک ... مما ستأتی الإشارة إلیه.

ومن هنا :

قیل :

(والعجب کل العجب من الشیخ محمد محیی الدین عبد الحمید ، فإنه لما ساق حجج المشککین فی نسبة نهج البلاغة إلی علی - رضی الله عنه - لم یتعرض لقضیة السند أبدا ، مع أنه کان ینبغی أن یتعرض لهذه القضیة أولا ، فإذا صح السند نظرنا فی المتن).

أقول :

کأن هذا القائل لم یر بعینه کلمة هذا الشیخ الصریحة فی أن أحدا لم یشک فی أن أکثر ما تضمنه نهج البلاغة من کلام أمیر المؤمنین علیه السلام ... وستأتی عبارته ، مع التنبیه علی السبب فی تعبیره ب (الأکثر).

وعلی کل حال ، فإن ذکر هذا الشیخ وغیره الأوهام المشککة فی (نهج البلاغة) من تلک الجهات ، هو من خیر الأدلة علی ثبوت الکتاب وصحة نسبته ،

ص: 138

لأنهم یعلمون أن التطرق إلی هذه الأمور إنما یکون بعد الفراغ من البحث السندی.

3 - وإن ما حواه کتاب (نهج البلاغة) قد ثبت وتحقق وجوده فی کتب العلماء المتقدمین علی مؤلفه ، من شیعة وسنة (1).

4 - نعم ، یصعب علیهم قبول (الخطبة الشقشقیة) ... والظن الغالب أنه لولا وجودها فی (نهج البلاغة) لما شکک المتشککون منهم فی نسبة شئ من الخطب والکتب الکلمات المرویة فیه إلی أمیر المؤمنین علیه السلام ...

قیل :

(ومن قرأ خطبته المعروفة بالشقشقیة جزم أنه لا یمکن لمن هو فی مثل مقام علی - رضی الله عنه - أن یقول ذلک ، فإن هذا مما یتعارض مع ما صح عنه من أکثر من طریق من تفضیل أبی بکر وعمر - رضی الله عنهما - والثناء علیهما. وهذه الخطبة المنسوبة زورا وبهتانا إلیه - رضی الله عنه - تنطوی علی أسوأ الازراء بکبار الصحابة الکرام : أبی بکر وعمر وعثمان ، وباقی العشرة ، بل فیها سب صراح ، واتهام بخیانة الأمة ، وسخریة لا تصدر إلا عن أمثال الرافضة الذین یجل علی ویسمو عن مثل ما یقولون :

ففی الصحیحین : عن ابن عباس ، قال : وضع عمر علی سریره ، فتکنفه الناس یدعون ویثنون ، ویصلون علیه قبل أن یرفع ، وأنا فیهم ، فلم یرعنی إلا رجل قد أخذ بمنکبی من ورائی ، فالتفت فإذا هو علی ، وترحم علی عمر ، وقال : ما خلفت أحدا أحب أن ألقی الله عزوجل بعمله منک ، وأیم الله إن کنت لأظن أن یجعلک الله مع صاحبیک ، وذلک أنی کنت کثیرا ما أسمع النبی صلی الله علیه (وآله) وسلم یقول : جئت أنا وأبو بکر وعمر ... ودخلت أنا

ص: 139


1- 1. یراجع بهذا الصدد کتاب : (مصادر نهج البلاغة).

وأبو بکر وعمر ... وخرجت أنا وأبو بکر وعمر ... فإن کنت لأرجو أو أظن أن یجعلک الله معهما.

البخاری 4 / 197 ، ومسلم 2 / 1858).

أقول :

ولعل وجود هذه الخطبة فی (نهج البلاغة) هو السبب فی قول بعضهم بأن أکثره من کلام الإمام علیه السلام ، فهم من جهة لا یتمکنون من إنکار أصل الکتاب ، ومن جهة أخری لا یتمکنون من تصدیق الخطبة الشقشقیة ، لأنها - فی الحقیقة - تهدم أساس المذهب الذی هم علیه :

یقول الشیخ محمد محیی الدین عبد الحمید : (ولیس من شک عند أحد من أدباء هذا العصر ، ولا عند أحد ممن تقدمهم ، فی أن أکثر ما تضمنه نهج البلاغة من کلام أمیر المؤمنین علیه السلام. نعم لیس من شک عند أحد فی ذلک ...) (1).

لکن الدلیل علی کونها من کلامه هو التعرض لها أو ذکرها فی کلمات العلماء السابقین علی الشریف الرضی والمتأخرین عنه ، من إمامیة ومعتزلة وسنة ، وإن شئت التفصیل فراجع (2).

وأما أنها تتناقض وما رواه القوم عن الإمام علیه السلام فی الثناء علی الشیخین وغیرهما ، فالجواب عن ذلک :

أولا : إن الخطبة مرویة عند الشیعة وغیرهم ، فهی متفق علیها ، وما رووه عن أمیر المؤمنین علیه السلام من الثناء علیهم متفردون بروایته ، ولا تعارض بین المتفرد به والمتفق علیه.

ص: 140


1- 1. لاحظ مقدمة شرحه علیه (نهج البلاغة).
2- 2. مصادر نهج البلاغة وأسانیده.

وثانیا : إن شرط التعارض هو الحجیة فی طرفی التعارض کلیهما ، وحجیة الخطبة ثابتة دون أخبارهم المشار إلیها ، کما لا یخفی علی من نظر فی أسانیدها.

وثالثا : إن عمدة أخبارهم فی ثناء الإمام علیه السلام علی القوم هو الخبر الذی أورده عن کتابی البخاری ومسلم المعروفین بالصحیحین. لکنک إذا لاحظت سنده - بغض النظر عن البخاری ومسلم ، المجروحین لدی کبار أئمة القوم من السابقین واللاحقین - رأیته ینتهی فی جمیع طرقه إلی (ابن أبی ملیکة) :

وهو رجل لا یجوز الاعتماد علی روایته مطلقا ، ولا سیما فی مثل هذه الأمور! لأنه تیمی من عشیرة أبی بکر ، ولأنه کان من مناوئی أمیر المؤمنین علیه السلام ، ولأنه کان قاضی عبد الله بن الزبیر فی مکة! ولأنه کان مؤذن عبد الله بن الزبیر!

وله قوادح غیر ما ذکر ، فراجع ترجمته (1).

علی أنا نکذب کل خبر جاء فیه أسماء الخلفاء الأربعة علی ترتیب الخلافة ، وقد حققت ذلک فی رسالة مفردة (2).

شبهات حول نهج البلاغة :

5 - وبقیت شبهات ذکرها المعترض ، وهی : إن فی نهج البلاغة :

أ - التعریض بالصحابة.

ب - التنمیق اللفظی.

ج - دقة الوصف.

ص: 141


1- 1. تهذیب التهذیب 5 / 268.
2- 2. تراثنا ، العدد 28 ، ص 15 - 56 رجب - رمضان 1412 ه.

د - عبارات یستشم منها ریح ادعاء صاحبها علم الغیب.

أقول :

لکن الشبهات أکثر من هذه الأربعة ... ولعل المعترض ملتفت إلی سقوط البقیة فلم یتعرض لها ، لکنها مذکورة فی کلمات غیره.

وقد أوردها کلها مؤلف کتاب (مصادر نهج البلاغة وأسانیده) تحت عنوان : (شبهات حول النهج) وأجاب عنها بالتفصیل ، فراجعه.

6 - وأما أن (نهج البلاغة) هو للسید الشریف الرضی ، فهذا هو الثابت الواقع ، بالأدلة المتینة والشواهد القویمة ، وباعتراف السابقین واللاحقین من العلماء من مختلف فرق المسلمین.

وأول من شکک فی المقام هو : قاضی القضاة ابن خلکان ، صاحب (وفیات الأعیان) وتبعه بعض المتأخرین عنه ، کالذهبی والصفدی وأمثالهما.

قیل :

(وأما المتهم - عند المحدثین - بوضع النهج فهو أخوه علی.

قال فی المیزان : علی بن الحسین العلوی الشریف المرتضی المتکلم الرافضی المعتزلی ، صاحب التصانیف ، حدث عن سهل الدیباجی والمرزبانی وغیرهما. وولی نقابة العلویة. ومات سنة 436 عن 81 سنة ، وهو المتهم بوضع نهج البلاغة ، وله مشارکة قویة فی العلوم. ومن طالع کتابه نهج البلاغة جزم بأنه مکذوب علی أمیر المؤمنین علی رضی الله عنه ، ففیه السب الصراح والحط علی السیدین : أبی وعمر ، رضی الله عنهما. وفیه من التناقض والأشیاء الرکیکة والعبارات التی من له معرفة بنفس القرشیین الصحابة ، وبنفس غیرهم ممن بعدهم من المتأخرین ، جزم بأن الکتاب أکثره باطل. ریاض الجنة لمقبل الوادعی 162 - 163).

ص: 142

أقول :

أما مقبل الوادعی فلا أعرفه ، وما أدری لماذا نقل عبارة المیزان بواسطته.

و (المیزان) هو : (میزان الاعتدال فی نقد الرجال) للحافظ الذهبی ، والعبارة موجودة فیه ج 3 / 124.

لکن فی (العبر) للحافظ الذهبی ، أثنی علی الشریف المرتضی ، ولم یتعرض لکتاب نهج البلاغة ، فقال فیمن توفی سنة 436 ه : (والشریف المرتضی نقیب الطالبیین وشیخ الشیعة ورئیسهم بالعراق ، أبو طالب : علی بن الحسین بن موسی الحسینی الموسوی ، وله 81 سنة ، وکان إماما فی التشیع والکلام والشعر والبلاغة ، کثیر التصانیف متبحرا فی فنون العلم. أخذ عن الشیخ المفید ، وروی الحدیث عن سهل الدیباجی الکذاب ، وولی النقابة بعده ابن أخیه عدنان ابن الشریف الرضی) (1).

وفی (سیر أعلام النبلاء) للحافظ الذهبی أیضا ، ترجم له فقال : (هو جامع کتاب نهج البلاغة) ثم قال : (وقیل : بل جمع أخیه الشریف الرضی) فعلق علیه الناشرون له : (وهذا هو المشهور) (2).

وهذه الاضطرابات فی التشکیکات تکشف عن أن الغایة منها لیس إلا تضعیف الکتاب بکل وسیلة ، ولیس إلا لأنهم منزعجون من الخطبة الشقشقیة ... ولذا تراه یقول فی (المیزان) موضحا علة الجزم بکون الکتاب مکذوبا : (ففیه السب الصراح ...) ویقول فی (سیر أعلام النبلاء) : (المنسوبة ألفاظه إلی الإمام علی رضی الله عنه ، ولا أسانید لذلک ، وبعضها باطل ، وفیه حق ، ولکن فیه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها).

ص: 143


1- 1. العبر فی خبر من غبر 2 / 272.
2- 2. سیر أعلام النبلاء 17 / 589.

ولا یخفی الفرق بین العبارتین فی الکتابین حول الکتاب ، وهذا دلیل آخر علی الاضطراب.

وعلی کل حال ، فقد حقق هذه القضیة غیر واحد من المحققین ، وجزموا بکون الکتاب للشریف الرضی محمد بن الحسین.

وقال الشیخ محمد عبده : (ذلک الکتاب الجلیل هو جملة ما اختاره السید الشریف الرضی - رحمه الله - من کلام سیدنا ومولانا أمیر المؤمنین علی ابن أبی طالب ، کرم الله وجهه ، جمع متفرقة وسماه هذا الاسم : نهج البلاغة ...) (1).

وقال الأستاذ محمد کرد علی ، فی مقال نشرته مجلة المجمع العلمی السوری : (ونهج البلاغة الذی جمعه الشریف الرضی من کلامه ...) (2).

وقال الشیخ محمد محیی الدین عبد الحمید : (نهج البلاغة هو ما اختاره الشریف الرضی ...) (3).

وإن شئت الوقوف علی حقیقة کتاب (نهج البلاغة) ومصادره ، وما قیل فیه ، ونصوص العلماء والمحققین علی أنه خطب وکتب وکلمات أمیر المؤمنین علیه السلام ، وأنه من تآلیف الشریف الرضی ، فراجع کتاب (مصادر نهج البلاغة وأسانیده).

قال السید :

وقوله علیه السلام : (نحن شجرة النبوة ، ومحط الرسالة ، ومختلف الملائکة ، ومعدن العلم ، وینابیع الحکم ...).

ص: 144


1- 1. شرح نهج البلاغة - المقدمة.
2- 2. تراثنا ، العدد 34 ، ص 100 - 101 ، محرم ، ربیع الأول 1414 ه.
3- 3. شرح نهج البلاغة - المقدمة.

وأضاف فی الهامش : (وقال ابن عباس : نحن أهل البیت ، شجرة النبوة ، ومختلف الملائکة ، وأهل بیت الرسالة ، وأهل بیت الرحمة ، ومعدن العلم) (قال) : نقل هذه الکلمة عنه جماعة من أثبات السنة ، وهی موجودة فی آخر باب خصوصیاتهم صفحة 142 من الصواعق المحرقة لابن حجر).

أقول :

وأخرج الحافظ أبو القاسم الطبرانی بإسناده عن جابر بن عبد الله وعبد الله ابن عباس فی خبر هبوط ملک الموت لقبض روح النبی صلی الله علیه وآله وسلم : أنه وقف بالباب فقال : (السلام علیکم یا أهل بیت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائکة ... (1).

وروی الحموئی عن طریق الحافظ أبی نعیم ، عن الحافظ الطبرانی ، بإسناده عن سعید بن جبیر ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : (نحن أهل البیت مفاتیح الرحمة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائکة ، ومعدن العلم ...) (2).

وقد ذکرنا من قبل : أن مضمون هذا الکلام حقیقة لا تحتاج إلی إثبات ، وهو بالإضافة إلی کونه مرویا عن ملک الموت مخاطبا النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بیته ، کما فی روایة الطبرانی وغیره ، وعن أمیر المؤمنین علیه السلام ، کما فی (النهج) مروی عن ابن عباس کما ذکر السید فی الهامش.

قیل :

(لم یبین لنا المؤلف من هم الأثبات الذین نقلوا هذه العبارة؟ ومعه أنه

ص: 145


1- 1. إحقاق الحق 9 / 401 عن (المعجم الکبیر) للطبرانی.
2- 2. فرائد السمطین 1 / 44.

نقلها عن الصواعق لکن أمانته دفعته إلی أن یتغاضی عن قول ابن حجر الهیتمی عندما نقلها فقال : وجاء عن ابن عباس بسند ضعیف أنه قال : نحن ...

وقول ابن عباس - علی فرض صحته - یدل علی خلاف ما تذهب إلیه الرافضة من أن أهل البیت هم : علی وفاطمة وأبناؤهما فقط. لکن أهل السنة عمدتهم فی تحدید من هم أهل البیت علی الکتاب والسنة الصحیحة ، لا علی أقوال ضعیفة أو موضوعة).

أقول :

یقول السید : (نقل هذه الکلمة عنه جماعة من أثبات السنة) وهذا هو محل الاستدلال ، إذ المقصود - کما قلنا سابقا - روایة أثبات أهل السنة فی کتبهم المعروفة ، لما یدل علی ما تذهب إلیه الشیعة ، فیکون المطلب متفقا علیه ، أما أن أولئک الأثبات یروون الأخبار الضعیفة والموضوعات مع علمهم بکونها کذلک فیکونون من الکاذبین (1) فما ذنب الشیعة؟!

ومن رواته : ابن الأثیر ، حیث رواه بسند له یشتمل علی بعض الحفاظ المشاهیر ، قائلا : (أخبرنا أبو یاسر بن أبی حبة وغیر واحد - إجازة - قالوا : أخبرنا أبو القاسم إسماعیل بن أحمد ، أخبرنا أبو الحسین ابن النقور ، أخبرنا المخلص ، حدثنا یحیی بن محمد بن صاعد ، حدثنا یوسف بن محمد بن سابق ، حدثنا أبو مالک الجنبی ، عن جویبر ، عن الضحاک ، عن ابن عباس ، قال : نحن أهل البیت شجرة النبوة ، ومختلف الملائکة ، وأهل بیت الرسالة ، وأهل بیت الرحمة ، ومعدن العلم) (2).

وأما الاستدلال بخصوص (الصواعق المحرقة) فلأن هذا الکتاب إنما

ص: 146


1- 1. صحیح مسلم بن الحجاج 1 / 7.
2- 2. أسد الغابة 3 / 193.

ألف للرد علی الشیعة والصد عن انتشار التشیع ، یقول ابن حجر فی خطبته :

(سئلت قدیما فی تألیف کتاب یبین حقیة خلافة الصدیق وإمارة ابن الخطاب ، فأجبت إلی ذلک مسارعة فی خدمة هذا الجناب ... ثم سئلت فی إقرائه فی رمضان سنة 950 بالمسجد الحرام ، لکثرة الشیعة والرافضة ونحوهما الآن بمکة المکرمة ، أشرف بلاد الإسلام ، فأجبت إلی ذلک ، رجاء لهدایة بعض من زل به قدمه عن أوضح المسالک).

وبما ذکرنا یظهر الوجه فی عدم الاعتناء بتضعیفه.

علی أنه إذا کان ابن حجر ممن یعتمد علی آرائه ، کان تصحیحه أیضا معتبرا ، لکن هذا القائل لا یعتنی به متی صحح حدیثا من أحادیث الفضائل ویقول بأن ابن حجر لیس من علماء الحدیث. والحال أنه من کبار أئمة الفقه والحدیث.

بل السبب فی توهین ابن حجر ، هو کونه ممن أفتی بصراحة بضلالة ابن تیمیة الذی هو شیخ إسلام نواصب هذا العصر ...!!

وأما أن (أهل البیت) فی (آیة التطهیر) و (أحادیث الثقلین) ونحوها هم (علی وفاطمة والحسنان) فسیأتی توضیحه علی أساس الکتاب والسنة الصحیحة ، فانتظر.

قال السید :

(وقوله علیه السلام : نحن النجباء ، وأفراطنا أفراط الأنبیاء ، وحزبنا حزب الله عزوجل ، والفئة الباغیة حزب الشیطان ، ومن سوی بیننا وبین عدونا فلیس منا).

قال فی الهامش : (نقل هذه الکلمة عنه جماعة کثیرون ، أحدهم ابن حجر ، فی آخر باب خصوصیاتهم من آخر الصواعق ، صفحة 142 وقد أرجف فأجحف).

ص: 147

أقول :

جاء هذا فی کتاب (فضائل الصحابة) وهذا نصه :

(وفیما کتب إلینا محمد بن عبید الله بن سلیمان یذکر أن موسی بن زیاد حدثهم ، قال : ثنا یحیی بن یعلی ، عن بسام الصیرفی ، عن الحسن بن عمر الفقیمی ، عن رشید بن أبی راشد ، عن حبة - وهو العرنی - ، عن علی ، قال :

نحن النجباء ، وأفراطنا أفراط الأنبیاء ، وحزبنا حزب الله ، وحزب الفئة الباغیة حزب الشیطان ، ومن سوی بیننا وبین عدونا فلیس منا) (1).

وأخرجه الحافظ ابن عساکر بترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام ، قال :

(أخبرنا أبو القاسم السمرقندی ، أنبأنا أبو الحسین ابن النقور ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ، أنبأنا أحمد بن عبد الله بن یوسف ، أنبأنا عمر بن شبة ، أنبأنا أبو أحمد الزبیری ، أنبأنا الحسن بن صالح ، عن الحسن بن عمر ، عن رشید ، عن حبة ، قال :

سمعت علیا یقول : نحن النجباء ، وأفراطنا أفراط الأنبیاء ، وحزبنا حزب الله ، والفئة الباغیة حزب الشیطان ، ومن سوی بیننا وبین عدونا فلیس منا) (2).

وأخرجه الحافظ السخاوی فی (استجلاب ارتقاء الغرف).

وابن حجر المکی فی (الصواعق المحرقة) فی باب (خصوصیاتهم الدالة علی أعظم کراماتهم).

هذا ، ولا یخفی اعتبار سند هذا الحدیث ، وصحة الاحتجاج به ، لأن رواته أئمة فی الحدیث ، وفطاحل ثقات ، لا یظن بهم أن یتعمدوا روایة خبر مکذوب وهم یعلمون!

ص: 148


1- 1. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل. طبعة جامعة أم القری بمکة ، الحدیث 1160.
2- 2. تاریخ ابن عساکر - ترجمة أمیر المؤمنین علیه السلام - الحدیث 1189.

أنظر إلی سنده فی (تاریخ دمشق) (1) :

فابن عساکر حافظ ثقة جلیل ، غنی عن التعریف.

وأبو القاسم السمرقندی ، قال الذهبی : (الشیخ الإمام المحدث ، المفید المسند ، أبو القاسم إسماعیل بن أحمد ...) ثم نقل ثقته عن غیر واحد ، وأرخ وفاته بسنة 536 ه (2).

وأبو الحسین ابن النقور ، قال الذهبی : (الشیخ الجلیل الصدوق ، مسند العراق ، أبو الحسین أحمد بن محمد بن أحمد ...) ثم نقل ثقته عن جماعة ، وأرخ وفاته بسنة 407 ه (3).

وأبو طاهر المخلص ، قال الذهبی : (الشیخ المحدث المعمر ، الصدوق ، أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن ...) ثم نقل ثقته عن جماعة ، وأرخ وفاته بسنة 393 ه (4).

والحسن بن صالح ، قال الذهبی : (الإمام الکبیر ، أحد الأعلام ، أبو عبد الله الهمدانی الثوری الکوفی ، الفقیه العابد ...) ثم أطنب فی ترجمته ، ونقل الکلمات فی حقه ، وأرخ وفاته بسنة 169 ه (5). وقال ابن حجر : (ثقة ، فقیه عابد ، رمی بالتشیع) (6).

والحسن بن عمر الفقیمی ، قال ابن حجر : (ثقة ثبت ، من السادسة ، مات سنة 142) وجعل علیه علامة روایة : البخاری وأبی داود والنسائی وابن

====

7. سیر أعلام النبلاء 7 / 368.

8. تقریب التهذیب 1 / 167.

ص: 149


1- 1. نکتفی فی الترجمة بقدر الضرورة اختصارا.
2- 2. سیر أعلام النبلاء 20 / 28.
3- 3. سیر أعلام النبلاء 18 / 372.
4- 4. سیر أعلام النبلاء 16 / 478.
5- 5. سیر أعلام النبلاء 12 / 369.
6- 6. سیر أعلام النبلاء 9 / 529.

ماجة عنه (1).

رشید ، وهو الهجری ، من أصحاب أمیر المؤمنین علی علیه السلام ، یکفی لوثاقته روایة هؤلاء الأئمة لهذا الحدیث عنه ، إلا أنهم نقموا علیه تشیعه للإمام علیه السلام ، وروایته لفضائله ومناقبه کما لا یخفی علی من نظر فی ترجمته فی (لسان المیزان) وغیره ، فهم لا ینفون وثاقته ولا یرمونه بالکذب ، إلا أنهم یقولون - کما فی (الأنساب) - : (کان یؤمن بالرجعة) وینقلون عن یحیی ابن معین - مثلا - أنه قال فی جواب من سأله عنه : (لیس برشید ولا أبوه).

وحبة العرنی ، قال ابن حجر : (صدوق) له أغلاط ، وکان غالیا فی التشیع ، من الثانیة ، وأخطأ من زعم أن له صحبة) (2).

أقول :

وقد قصدنا بیان اعتبار سند هذا الحدیث الشریف - علی أساس کتب القوم - أمورا :

الأول : إن هذا الحدیث معتبر سندا علی ضوء کتبهم وآراء علمائهم ، وحینئذ یکون هذا الکلام القول الفصل ، وإن علی الذین یدعون التمسک بالسنة الکریمة ، والسیر علی هدی الإسلام ، والاتباع للأحادیث الصحیحة ... الالتزام بهذا الحدیث وبلوازمه ...

والثانی : إن السید - رحمه الله - یذکر بعض المصادر ویشیر إلی سائرها بقوله : (رواه جماعة) اختصارا ، فلو کان أراد التفصیل لأورد أسماء رواته ودلل علی اعتبار سنده وصحة الاحتجاج به ، لکن الشیخ البشری - وهو المخاطب له أولا وبالذات - مطلع علی ما یقوله السید ، فتکفی الإشارة.

ص: 150


1- 1. تقریب التهذیب 1 / 169.
2- 2. تقریب التهذیب 1 / 148.

والثالث : إن الحق مع السید فی قوله عن ابن حجر المکی : (وقد أرجف فأجحف) لأنه قال : (وجاء عن ابن عباس بسند ضعیف ...) إذ قد عرفت اعتبار السند وصحة الاحتجاج لنا به.

للبحث صلة ...

ص: 151

نهج البلاغة عبر القرون

(6)

شروحه حسب التسلسل الزمنی

السید عبد العزیز الطباطبائی

(2)

شرح نهج البلاغة للوبری

قال البیهقی فی (معارج نهج البلاغة) الذی ألفه سنة 552 ه ، فی ص 4 : ولم یشرح قبلی من الفضلاء السابقین هذا الکتاب! ....

إلی أن قال فی ص 37 : وممن سمعت خبره وعاینت أثره ولم أره الإمام أحمد بن محمد الوبری الخوارزمی ، الملقب بالشیخ الجلیل ، فقد شرح من طریق الکلام مشکلات (نهج البلاغة) شرحا أنا أورده وأنسبه إلیه وأثنی علیه ...

وقد نقل البیهقی فی (معارج نهج البلاغة) من (شرح نهج البلاغة) للوبری فی أکثر من سبعین موردا.

وکذلک معاصره قطب الدین الکیدری نقل من (شرح نهج البلاغة) للوبری فی شرحه علی نهج البلاغة : (حدائق الحقائق) فی بضع وخمسین موردا.

وکذلک السید علی بن ناصر وابن العتایقی ینقلان فی شرحیهما علی

السیّد عبدالعزیز الطباطبائی

ص: 152

(نهج البلاغة) من شرح الوبری علیه.

وکان الوبری متکلما ، شرح (نهج البلاغة) من الناحیة الکلامیة شرحا موجزا مقتصرا علی حل مشکله وتوضیح غامضه ، وأفاد منه من بعده کما ذکرنا ، ویبدو أنه بقی إلی القرن الثامن حیث اعتمده ابن العتایقی فی شرحه.

الإمام الوبری :

والوبری أحمد بن محمد الخوارزمی هذا - فیما أظن - هو : أبو نصر أحمد بن محمد بن مسعود الوبری الحنفی ، الموصوف بالإمام الکبیر ، شارح مختصر الطحاوی.

المترجم فی الجواهر المضیئة 1 / 36 رقم 2 وج 4 / 339 ، وفی تاج التراجم 52 رقم 56 ، وفی الطبقات السنیة 2 / 90 رقم 361 (1).

کما وأظن أن أباه : إما محمد بن أبی بکر زین الأئمة ، المعروف بخمیر الوبری الحنفی الخوارزمی ، الذی ذکره الزبیدی فی تاج العروس (خمر) وقال : کان عالما مناظرا متکلما ...

وإما أبو عبد الله محمد بن إبراهیم بن محمد الوبری الخوارزمی ، المتوفی 25 رجب سنة 483 ه.

ص: 153


1- 1. وله ترجمة فی الجواهر المضیئة 2 / 183 و 4 / 340 ، وتاریخ التراجم : 99 رقم 109 ، والفوائد البهیة : 161 ، ورجال تاج العروس 4 / 64 ، وتکملة الاکمال - لابن نقطة - 2 / 438 وکناه أبا المعالی ولقبه بالزاهدی ، وفی المشتبه 3 / 337 ، وتبصیر المنتبه 1 / 465 ، وهدیة العارفین 2 / 83 وفیه : وفاته حدود سنة 510.

(3)

شرح نهج البلاغة

المسمی

(معارج نهج البلاغة)

لظهیر الدین البیهقی ، فرید خراسان ، ابن فندق ، أبی الحسن علی بن زید ، الأنصاری الأوسی (493 - 565 ه) (1) کان علامة مشارکا فی جملة من العلوم ، متضلعا بها ، متمکنا منها ، مصنفا فیها ، کاللغة العربیة وآدابها وعلوم القرآن والفقه والفلسفة والکلام والتاریخ والریاضیات والفلک والتنجیم وعلم الأنساب ونحوها ، وله فی کل منها عدة مؤلفات.

مولده ووفاته :

قال المؤلف فی مشارب التجارب : مولدی فی یوم السبت سابع عشرین شعبان سنة 499 (2).

وهذا ینافی قوله الآخر فی تاریخ بیهق ، ص 132 ، ما معربه : (وقتل فخر الملک (ابن نظام الملک الوزیر) فی یوم عاشوراء من سنة 500 ، أنا أتذکر ذلک ، وکنت آنذاک فی نیسابور صبیا أختلف إلی الکتاب ...) (3).

====

4. وفخر الملک قتل سنة 500 ه بالاتفاق.

ص: 154


1- 1. هو أبو الحسن علی بن الإمام شمس الإسلام أبی القاسم زید ابن شیخ الإسلام جمال القضاة والخطباء أبی سلیمان أمیرک محمد ابن الإمام المفتی فخر القضاة أبی علی الحسین ابن القاضی الإمام ، إمام الآفاق أبی سلیمان فندق ابن الإمام أیوب ابن الإمام الحسن بن عبد الرحمن القاضی أحمد بن عبید الله بن عمر بن الحسن بن عثمان بن أیوب بن خزیمة ابن محمد بن عمارة بن خزیمة بن ثابت بن ذی الشهادتین ، الصحابی الجلیل رضی الله عنه.
2- هکذا سرد المؤلف نسبه فی مقدمة کتبه : معارج نهج البلاغة وجوامع أحکام النجوم وتاریخ بیهق ، وزاد فی هذا الأخیر فی سرده إلی نوح علیه السلام.
3- 3. حکاه عنه یاقوت فی معجم الأدباء 5 / 208.

فلا أقل من أن یکون فی ذلک الوقت ابن سبع سنین فتکون ولادته سنة 493 ه ، فصحفت إلی سنة 499 ه.

وهذا هو الصواب کما حققه الأستاذ السید محمد المشکاة فی رسالة أفردها عن حیاة البیهقی ، وتوصل بمراجعة تقویم وستنفلد إلی أن السنة التی یصادف 27 شعبانها یوم السبت هما سنتی 488 و 493 فلا تخرج ولادته من أن تکون فی إحدی هاتین السنتین ، ورجح الثانیة لأنها أقرب شبها ب 499 فتکون مصحفة عنها.

وأما مکان ولادته ففی ما حکاه یاقوت فی معجم الأدباء 5 / 208 عنه أنه قال : (ومولدی یوم السبت ... فی قصبة السابزوار من ناحیة بیهق ...).

وقال فی ص 209 : (ثم عدت إلی مسقط الرأس وزیارة الوالدة ببیهق ...).

وقال فی تاریخ بیهق ، ص 74 ، فی کلامه علی قریة ششتمذ : (وبها کان مولدی!).

وربما یوجه بأنه ولد فی ششتمذ من قری سبزوار من نواحی بیهق.

وأما وفاته فکانت فی سنة 565 ه بالاتفاق ، ذکرها یاقوت والذهبی الصفدی ومن بعدهم ، ولم یذکر أحد منهم یوم الوفاة والشهر! نعم ، ذکر بروکلمن وآهلورث أنه توفی سنة 570 ه ، ولا أدری من أین لهم ذلک؟!

ألقابه :

1 - حجة الدین :

جاء فی مقدمة کتابیه (جوامع أحکام النجوم) و (معارج نهج البلاغة) ففیه فی ص 2 : (قال الشیخ الإمام السید ، حجة الدین ، فرید خراسان ،

ص: 155

أبو الحسن ...).

وذکره الذهبی بهذا اللقب فی سیر أعلام النبلاء 20 / 585.

2 - ظهیر الدین :

وجاء هذا اللقب فی مقدمة کتابه (تتمة صوان الحکمة) المطبوع باسم : تاریخ حکماء الإسلام ، وفیه : (قال الشیخ الإمام ظهیر الدین أبو الحسن ...).

وذکره الشهرزوری من مؤلفی القرن السابع بهذا اللقب فی کتابه (تاریخ الحکماء) المسمی : نزهة الأرواح 2 / 81 فی ترجمة محمد بن الحارثان السرخسی ، قال : (قال الظهیر : وقد جری بینی وبینه کلام ...) فنقل کلامه الموجود فی ترجمته فی تاریخ حکماء الإسلام ، ص 160 ، واشتهر البیهقی بهذا اللقب وثبت له علی ظهر کتبه المطبوعة کتاریخ حکماء الإسلام وتاریخ بیهق.

وهل کان یلقب شرف الدین؟

کما لقبت به فی خریدة القصر ومعجم الأدباء ووفیات الأعیان وسیر أعلام النبلاء!

والتحقیق : أن البیهقی الملقب بشرف الدین هو رجل آخر یشترک معه فی عصره وبلده ونسبته ، وفی اسمه وکنیته ، وهو : ظهیر الملک أبو الحسن علی ابن الحسن شرف الدین البیهقی ، المتوفی سنة 536 ه.

ترجم له البیهقی فرید خراسان فی تاریخ بیهق ، ص 389 ، وترجم لأبیه وأسرته ، وذکره فی تاریخ الحکماء ، ص 105 ، قال : (وکان شرف الدین ظهیر الملک علی بن الحسن البیهقی عامل هراة مدة ...).

أقول : وهو الذی تقلب فی مناصب الإمارة والوزارة ، وکان جواد بذولا ،

ص: 156

مدحه شعراء العرب والفرس ، ومنهم الشاعر البغدادی حیص بیص ، مدحه بعدة قصائد مثبتة فی دیوانه فی ص 201 و 226 و 242 و 327 ، ففی ص 201 : (وقال یمدح شرف الدین علی بن الحسن البیهقی وهو یومئذ أمیر الأمراء بخراسان) أولها :

أقول لقلب هاجه لاعج الهوی

بصحراء مرو واستشاطت بلابله

ووهم فیه محققا الدیوان ، وحسباه علی بن زید البیهقی فرید خراسان شارح النهج.

وأول من خلط بینهما هو العماد الکاتب ، فقد ترجم له فی الخریدة وقال : (شرف الدین أبو الحسن علی بن الحسن البیهقی ، من أفاضل خراسان ، وأماثل الزمان ، وأعیان الأنام ، وأعوان الکرام ... حدثنی والدی أنه لما مضی إلی الری ... أصبح ذات یوم وشرف الدین البیهقی قد قصده فی موکبه وهو حینئذ والی الری ... وکان یترشح حینئذ لوزارة السلطان سنجر ، وهو کبیر الشأن).

ثم خلط بینه وبین صاحبنا البیهقی علی بن زید فقال : (وکان یثنی أبدا والدی علی فضله ویقول : إنه لم ینظر قط إلی نظیره ، ولا مثلت لعینه عین مثله ، وقد صنف أیضا کتابا فی شعراء عصره سماه : وشاح دمیة القصر! ...).

فالبیهقی الوزیر لم یوصف بالعلم والفضل والتألیف ، وقد مات قبل البیهقی صاحبنا بنحو ثلاثین سنة ، و (وشاح دمیة القصر) تألیف البیهقی علی بن زید ، وقد حکی یاقوت کلام العماد فی الخریدة وتنبه للتضارب بینه وبین کلام البیهقی عن نفسه ، ولم ینتبه للحل وأنهما اثنان حصل الخلط بینهما!

کما خلط الذهبی بینهما خلطا فاحشا ، فترجم للبیهقی صاحبنا فی سیر أعلام النبلاء 20 / 585 وقال : (البیهقی الوزیر ، العلامة ذو التصانیف ،

ص: 157

شرف الدین وحجة الدین أبو الحسن علی بن أبی القاسم زید ...).

قال أبو النضر الفامی : صدر السیف والقلم! وأخبار سؤدده کنار فی العلم نادرة الدهر ، افتتح ولایة هراة خمس عشرة سنة وإلیه الحل والعقد ، قلت : مدحه الحیص بیص ...).

أقول : وأول من نبه علی هذا الخلط هو صاحبنا العلامة المغفور له السید جلال الدین المحدث الأرموی فی تعالیقه علی دیوان القوامی الرازی ، من شعراء الفرس فی القرن السادس ، ممن مدح شرف الدین البیهقی.

مشایخه :

أ - فمن أساتذته فی اللغة العربیة والعلوم الأدبیة :

1 - أبو جعفر أحمد بن علی المقری البیهقی ، المقیم بنیشابور ، المتوفی سنة 544 ه ، المشتهر ب : بوجعفرک ، مؤلف : ینابیع اللغة ، وتاج المصادر ، والمحیط بلغات القرآن.

حضر علیه سنة 514 ه ، وقرأ علیه نحو ابن فضال ، وفصلا من کتاب (المقتصد فی النحو) وکتاب (الأمثال) لأبی عبید ، و (الأمثال) لأبی الفضل المیکالی.

2 - أحمد بن محمد المیدانی النیشابوری ، المتوفی سنة 518 ه ، مؤلف (مجمع الأمثال) حضر علیه سنة 516 ه ، صحح علیه کتابه (السامی فی الأسامی) فی اللغة ، وکان قد حفظه ، وقرأ علیه کتاب (المصادر) فی اللغة للزوزنی ، وکان حفظه ، وکتاب (المنتحل) و (غریب الحدیث) لأبی عبید ، و (إصلاح المنطق) وکان قد حفظه ، و (مجمع الأمثال) تألیفه ، و (صحاح اللغة).

3 - الحسن بن یعقوب بن أحمد القاری النیشابوری ، المتوفی سنة 517 أو 519 ه.

ص: 158

قرأ علیه سنة 516 ه کتاب نهج البلاغة ورواه عنه ، وقال عنه فی شرحه : (هو وأبوه فی فلک الأدب قمران ، وفی حدائق الورع ثمران).

ب - ومن مشایخه فی الحدیث :

4 - أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدی الفراوی النیسابوری ، المتوفی سنة 530 ه.

5 - الإمام محمد الفزاری.

قرأ علیه غریب الحدیث للخطابی ، ولعله الفراوی السابق صحف فی معجم الأدباء 5 / 209 إلی الفزاری.

6 - السید الأجل ، کمال الدین ، شیخ آل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أبو الغنائم حمزة بن هبة الله الحسینی ، المتوفی سنة 525 ه.

هکذا وصفه فی لباب الأنساب : 320 ، و 603 ، وقال : (لی منه سماع الأحادیث الکثیرة ، منها : کتاب الصحیحین ومسند أبی عوانة ومسند الجوزقی ، ولی منه إجازة جمیع مسموعاته بخطه).

7 - العالم الواعظ السید حسین بن أبی المعالی محمد بن أبی القاسم حمزة الحسینی الموسوی الخراسانی الطوسی.

قال فی اللباب ، ص 705 : (حضرت مجلسه فی نوقان طوس سنة 522).

8 - علی بن محمود النصر آبادی : روی عنه فی المعارج : 305 ، وفی اللباب : 187 و 214 ، وقال فیها : (وحدثنی الإمام ...).

9 - شیخ القضاة إسماعیل بن أحمد بن الحسین البیهقی ، المتوفی سنة 507 ه.

قال فی تاریخ بیهق : (وکان قاضی خوارزم ، وقد رأیته وسمعت منه الحدیث حین عاد إلی بیهق فی شهور سنة 506).

10 - الشیخ الإمام علی بن أبی صالح الصالحی الخواری النیشابوری ،

ص: 159

مؤلف : تاریخ بیهق (1).

ج - ومن أساتذته فی الفقه :

11 - تاج القضاة أبو سعد یحیی بن عبد الملک بن عبید الله بن صاعد المرزوی ، قرأ علیه فی مرو سنة 519 ه.

قال عنه : (وکان ملکا فی صورة إنسان! وعلقت من لفظه کتاب الزکاة والمسائل الخلافیة ثم سائر المسائل علی غیر الترتیب).

د - ومن أساتذته فی علم الکلام.

قال فی معارج نهج البلاغة ، ص 35 : (وقد لقیت فی زمانی من المتکلمین من له السنام الأضخم ، والمقام الأکرم ، یتصرف فی الأدلة والحجج ، تصرف الریاح فی اللجج ...).

منهم :

12 - أبوه أبو القاسم زید بن محمد ، المتوفی سنة 517 ه.

عده فی المعارج : 35 أول مشایخه فی الکلام ، قال : (ومن تأمل تصنیفه المعنون ب : لباب الألباب ، وحدائق الحقائق ، ومفتاح باب الأصول ، عرف أنه فی هذا الفن سباق غایات وصاحب آیات).

13 - إبراهیم بن محمد الخزاز. 14 - علی بن عبد الله بن محمد بن الهیصم النیسابوری.

ذکره فی اللباب : 217 ، وفی المعارج : 36 وقال : (هو إمام ، لسانه فصیح ، بیانه صریح ، وبرهانه صحیح ، لفظه لؤلؤ منثور ...).

ه - ومن أساتذته فی الفلسفة والحکمة :

15 - قطب الدین محمد النصیری الطبسی المرزوی ، نزیل سرخس ، رحل إلیه سنة 530 ه ، وبقی بها إلی 27 شوال سنة 532 ه یقرأ علیه

ص: 160


1- 1. روی عنه فی اللباب ، ص 511.

الفلسفة إلی أن أتقنها ومهر فیها).

16 - الفیلسوف المشهور عمر بن سهلان الساوی.

ترجم له فی تاریخ حکماء الإسلام ، ص 132 ، وقال : (کان من ساوة ، وارتحل إلی نیسابور ، وتوطن بها ... وکنت أختلف إلیه غارقا من بحره أمواجا من العلوم! ...).

17 - عثمان بن جادوکار.

قال فی (مشارب التجارب) (1) عن فترة قضاها فی الری : (وکنت فی تلک المدة أنظر فی الحساب والجبر والمقابلة ، وطرفا من الأحکام ، فلما رجعت إلی خراسان أتممت تلک الصناعة علی الحکیم أستاذ خراسان عثمان بن جادوکار).

18 - أحمد بن حامد النیسابوری.

ترجم له البیهقی فی تاریخ حکماء الإسلام ، ص 156 ، وقال : (کان ممن رسا طوده فی الریاضیات ، وقد رأیته فی آخر عمره واستفدت منه ...).

و - ومن أساتذته فی العلوم الریاضیة :

19 - السید القاضی الصابر الونکی أبو القاسم علی بن محمد بن نصر ابن مهدی الحسینی.

قال فی اللباب ، ص 631 : (کان جاری فی الری ، واستفدت منه هذا العلم).

ز - علم الأنساب :

20 - نسابة الری السید الإمام مجد الدین أبو هاشم المجتبی بن حمزة ابن زید بن مهدی الحسینی الرازی.

قال فی اللباب 2 / 635 : (رأیته بالری ، وحضرت مجلسه ، وکان یجری

ص: 161


1- 1. فیما حکاه عنه یاقوت.

بینا مذاکرة فی علم الأنساب فی شهور سنة 526).

وعلی أثر مکانته الاجتماعیة وصلاته البیتیة وشهرته العلمیة کانت له لقاءات واجتماعات مع کبار علماء عصره أینما حل وارتحل ، وکانت تجری بینه وبینهم مذاکرات ومفاوضات ومطارحات علمیة فیستفید ویفید.

قال فی شرح نهج البلاغة - بعد عد شیوخه - : (وأما الذین عاشرتهم فمنهم الفقیه إسماعیل المقیم بمرو ... (1).

ومنهم الإمام رشید الدین عبد الجلیل الرازی (2) الذی هو متکلم ، بیانه سحر حلال ، وطبعه ماء زلال ، أبو الکلام وابن بجدته ... ومن أراد أن یعرف کماله فی صناعته تأمل تصانیفه ...

ومنهم الإمام محمود الملاحمی الخوارزمی (3).

ومنهم علی بن شاهک القصاری ، الفیلسوف البیهقی).

ترجم له فی تاریخ حکماء الإسلام ، ص 171 ، وقال : (وبینی وبین ظهیر الدین مباحثات مذکورة فی کتاب (عرائس النفائس) من تصنیفی).

والصاحب ابن محمد البخاری.

ترجم له فی حکماء الإسلام ، ص 149 ، وقال : (وقد ذکرت کمال فضائله فی مسألة الوجود الذی تکلمنا فیه فی کتابی المعنون بعرائس النفائس ، وله إلی رسائل وفوائد منها استفدت ... ومن الفوائد التی جرت بیننا وکتبتها إلیه ...).

وناصر الهرمزدی الماسور آبادی.

ترجم له فی حکماء الإسلام ، ص 159 ، وقال : (وقد اختلف مدة إلی

ص: 162


1- 1. معارج نهج البلاغة : 36.
2- 2. معارج نهج البلاغة : 36.
3- 3. معارج نهج البلاغة : 36.

ثم إلی قطب الزمان ، ومات حتف أنفه).

ومحمد الحارثان السرخسی.

ترجم له فی حکماء الإسلام ، ص 160 ، وقال : (وقد جری بینی وبینه کلام فی أنه یجب أن یتقدم علی التصدیق تصوران أو ثلاث تصورات ... وقد ذکرت ذلک فی شرح النجاة فی تصنیفی).

وکانت هذه الاحتکاکات واللقاءات العلمیة تحدث مقصودة وغیر مقصودة منذ صباه وحتی آخر أیام حیاته ، فمن غرائب هذه المطارحات ما حدیث له فی صباه مما یدل علی نبوغه وتفوقه ومواهبه ، یقول فی ترجمة عمر الخیام فی تاریخ حکماء الإسلام ، ص 122 : (وقد دخلت علی الإمام (عمر الخیام) فی خدمة والدی رحمه الله فی سنة سبع وخمسمائة فسألنی عن بیت فی الحماسة وهو :

ولا یرعون أکناف الهوینا

إذا حلوا ولا أرض الهدونا

فقلت : الهوینا تصغیر لا تکبیر له کالثریا والحمیا ، والشاعر یشیر إلی عز هؤلاء ومنعتهم ، یعنی لا یسفون إذا حلوا مکانا إلی التقصیر ، ولا إلی الأمر الحقیر ، بل یقصدون الأسد فالأسد من معالی الأمور.

ثم سألنی عن أنواع الخطوط القوسیة؟ فقلت : أنواع الخطوط القوسیة أربعة ، منها : محیط دائرة ، ومنها : قوس نصف دائرة ، ومنها : قوس أقل من نصف دائرة ، ومنها : قوس أعظم من نصف دائرة.

فقال لوالدی : (شنشنة أعرفها من أخزم).

أجل ، من کانت له محفوظات هائلة منذ الصغر أمکنه أن یجیب علی ما یسأل عنه وهو ابن 14 سنة ، فمن محفوظاته التی ذکرها فی کتابه (مشارب التجارب) أنه حفظها فی صباه هی :

1 - الهادی للشادی ، فی الصرف ، ، للمیدانی.

2 - السامی فی الأسامی ، له أیضا ، وهو کتاب لغة عربی فارسی.

3 - المصادر ، للزوزنی ، لغة.

ص: 163

4 - غریب القرآن ، للعزیزی.

5 - إصلاح المنطق ، لابن السکیت.

6 - الحماسة ، لأبی تمام.

7 - السبعیات.

8 - تاج المصادر ، لبوجعفرک ، لغة.

9 - المجمل فی اللغة ، لابن فارس.

10 - والمنتحل ، للمیکالی.

11 - وشعر المتنبی.

12 - والمعلقات.

13 - والتلخیص فی النحو.

مؤلفاته :

وللبیهقی نتاج کثیر طیب ، وکتب ممتعة نحو الثمانین کتابا فی شتی ألوان المعرفة ، کعلوم القرآن والفقه والکلام والتاریخ واللغة العربیة وآدابها والطب والفلک والتنجیم والحساب و...

فأول ما نبدأ منها ب :

1 - معارج نهج البلاغة :

أوله : (الحمد لله الذی حمده یفیض شعاب العرفان ... ولم یشرح قبلی من الفضلاء السابقین هذا الکتاب ... وأنا المتقدم فی شرح هذا الکتاب ... وقد دعانی بعض الأفاضل من أصدقائی إلی شرح ألفاظ نهج البلاغة ... ومن قبل التمس منی الإمام السعید جمال المحققین أبو القاسم علی بن الحسن الحولعی (الجوبقی. ظ) النیسابوری رحمه الله ، أن أشرح کتاب نهج البلاغة شرحا ... وبعده فاضل من أفاضل الزمان ... فی أثناء المحاورة حرک بسبب إتمام هذا الکتاب

ص: 164

حوار خاطری ... وبعض الأفاضل من بیهق ظن بسبب إعراض الفضلاء عن شرح هذا الکلام (أنه) غیر مقدور لواحد من الأنام ... وخدمت بهذا الکتاب خزانة کتب الصدر الأجل ... أبی الحسن علی بن محمد بن یحیی بن هبة الله الحسینی ...).

وجعله جزءین ، فرغ من أولهما فی التاسع من ربیع الآخر سنة 552 ه ، ومن ثانیهما 13 جمادی الأولی سنة 552 ه.

وقد اعتمد فی هذا الشرح علی شرح الإمام الوبری ، ونقل عنه فی أکثر من سبعین موردا ، کما أن قطب الدین الکیدری اعتمد فی شرحه لنهج البلاغة المسمی : (حدائق الحقائق فی فسر دقائق أفصح الخلائق) علی شرحی البیهقی وقطب الدین الراوندی الآتی ، ویرمز إلیهما ب ج ، ع. قال : (مستمدا - بعد توفیق الله تعالی - من کتابی المعارج والمنهاج ، غائصا علی جواهر دررهما فی أعماق بحرهما المواج ...).

مخطوطه :

منه مخطوطة فریدة فی مکتبة الإمام الرضا علیه السلام ، فی مشهد ، رقم 2052 ، ذکرت فی فهرسها 5 / 171 ، کتبها التاج الکرمانی وفرغ منها 14 صفر سنة 705 ه کما جاء فی نهایة الجزء الأول.

ولکن المخطوطة فیما یبدو أجد من هذا ، وربما کتبت فی القرن التاسع أو العاشر علی نسخة التاج الکرمانی ، وهذا التاریخ للمنتسخ منه ، وهی نسخة خالیة عن الاعجام صعبة القراءة.

طبعاته :

طبع حتی الآن طبعة واحدة سنة 1409 ه من منشورات مکتبة المرعشی فی قم ، بتحقیق الأستاذ محمد تقی دانش پژوه ، الخبیر الماهر فی هذا الفن ،

ص: 165

والله یعلم ما قاسی فی قراءته وتصحیحه حتی بلغ به إلی هذه المرحلة ، ولولاه لم ینشر الکتاب ، فکم أقدموا علی تحقیقه وأحجموا ، وقد بقی الکتاب بحاجة إلی جهد مستأنف لتصحیح أخطاؤه ویکمل تحقیقه ، قیض الله فی العاملین من یقوم به ، إنه ولی التوفیق.

2 - لباب الأنساب والألقاب والأعقاب :

فی أنساب الذریة الطاهرة من آل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

أوله : (الحمد لله الذی خلق الخلائق من بسائط متباینة الأقسام ...).

قال المؤلف فی وصفه ، فی ص 473 : (ولما کان کتابی هذا علی جبهة کتب الأنساب عصابة ، وعلی قمم المشجرات تاجا ، جعلته بین مصنفاتی بحرا مواجا).

ألفه فی بیهق بإیعاز من نقیبها وهو السید عماد الدین أبو الحسن علی بن محمد بن یحیی آل زیارة الحسینی (1).

ألفه فی ثلاثة أشهر ، بدأ بتصنیفه فی أواخر جمادی الآخرة سنة 558 ه ، وفرغ من المجلد الأول فی شهر رمضان منها ، وذکره المؤلف فی (تاریخ بیهق) کما ذکر فیه (تاریخ بیهق).

والذی وصلنا منه هو المجلد الأول ، ولا ندری هل صنف المجلد الثانی وأتم الکتاب أم لا؟ علی أنا نراه قال فی ص 624 : (وتحقیق هذا النسب مذکور فی المجلد الثانی) فمخطوطاته الموجودة کلها للمجلد الأول وحده ، وهی :

ص: 166


1- 1. وقد أثنی علیه فیه ، فی ص 473 - 476 ، فملأ أربع صحائف فی الثناء علیه وبالغ فی إطرائه وقال : (لولا مکارمه ولطائفه لم أتنسم من شواهق التصانیف الریاح ، ولم أخفض للعلم الجناح ، ولم أشم البرق ، ولم أفضل علی الغرب والشرق ، ولم أرفع القلم ، ولم أؤلف الکلم ، ولم أستزل در سحائب المحابر ، ولم أستنزف درر أصداف الدفاتر ، ولم أرکب أثباج المنابر ، ولکنی بحبائه حبیت ... ولولا مناقبه ومناقب أسلافه النقباء الأشراف لما بقی فی خراسان من یحمل قلما ، ویظهر کلما ... فهو - أدام الله علوه - أحیا من العلوم رمما ، ورعی للعلماء ذمما ...).

1 - مخطوطه فی مکتبة الإمام الرضا علیه السلام ، برقم 5740 ، ربما کتب فی القرن التاسع ، وعنها مصورة فی جامعة طهران ، رقم الفیلم 928.

2 - مخطوطة مکتبة سبهسالار العامة فی طهران ، رقم 2695 ، ذکرت فی فهرسها 5 / 469.

3 - مخطوطة فی مکتبة الإیروانی الوقفیة ، المنقولة حالیا من تبریز إلی طهران ، کتبت سنة 1333 ه.

4 - مخطوطة فی مکتبة المحدث الأرموی الخاصة فی طهران.

5 - مخطوطة فی مکتبة ملک العامة فی طهران ، رقم 3656 ، کتبت سنة 1293 ه ، ذکرت فی فهرسها 1 / 613.

6 - نسخة فی مکتبة المرعشی العامة فی قم ، منتسخة سنة 1376 ه عن مخطوطة مکتبة الإیروانی المتقدمة.

7 - مخطوطة فی المتحف البریطانی ، رقم or 1406.

طبعاته :

طبع فی قم سنة 1410 ه لأول مرة من مطبوعات مکتبة المرعشی فی جزءین ، طبعة سقیمة مشوهة ملؤها أخطاء ، والذنب للناسخین السابقین ، فقد کانوا بعیدین عن علم الأنساب ، جاهلین بمصطلحاته ، فحرفوا وصحفوا ، قیض الله محققا عالما بالأنساب ، خبیرا بمصطلحاته ، عارفا باللغة العربیة وکنایاتها ومجازاتها ، أدیبا بارعا یجید التحقیق ، یحیی هذا الکتاب وینقذه مما منی به طول هذه المدة.

3 - تتمة صوان الحکمة :

المطبوع باسم : تاریخ حکماء الإسلام.

صوان الحکمة فی تراجم الفلاسفة ، لأبی سلیمان محمد بن طاهر بن

ص: 167

بهرام المنطقی السجزی (السجستانی) المتوفی حدود سنة 380 ه ، مطبوع.

وذیل علیه البیهقی بهذه التتمة فترجم فیه لمائة وأحد عشر فیلسوفا ، منهم السجزی هذا ، ترجم له فیه ص 82.

أوله : (الحمد لله المنعم الذی له نعم أبت أوضاحها (أوصافها) إلا امتدادا ، وأمدادها إلا ازدیادا ...).

مخطوطاته :

1 - مخطوطة کتبت فی خوارزم سنة 697 ه ، فی معهد أبی ریحان البیرونی للدراسات الشرقیة فی طاشقند ، رقم 1448 ، رآها الأستاذ دانش پژوه فی رحلته إلی روسیا ، وذکرها فی نشرة المکتبة المرکزیة لجامعة طهران 9 / 129.

2 - مخطوطة بدون تاریخ ، فی مکتبة الإمام الرضا علیه السلام ، فی مشهد ، رقم 4096 ، ذکرت فی فهرسها 3 / 8.

3 - نسخة فی مکتبة بشر آقا ، فی إستانبول ، رقم 494.

4 - نسخة فی مکتبة مراد ملا ، فی إستانبول ، رقم 1431.

5 - نسخة فی برلین ، رقم 10072 ، ذکرها آهلورث فی فهرسته 9 / 457.

6 - نسخة فی مکتبة کوپرلی ، فی إستانبول ، فی المجموعة رقم 902 ، من مخطوطات القرن السابع ، بخط نسخی ، من 124 - أ - 172 / أو علیها بلاغ المقابلة والتصحیح ، ذکرت فی فهرسها 1 / 445.

وله مختصر یوجد فی لیدن ، ذکره دوزی فی فهرسته 2 / 294.

وله تتمة توجد فی کوپرلی ، فی إستانبول ، من مخطوطات القرن السابع ، بآخر المجموعة المتقدمة رقم 902 ، من 172 - 204 ، کما فی فهرسها 1 / 446 باسم : إتمام التتمة لصوان الحکمة.

ص: 168

طبعاته :

1 - طبع فی الهند سنة 1351 ه.

2 - وحققه الأستاذ محمد کرد علی علی مخطوطة برلین ، وطبعه فی دمشق من مطبوعات مجمع اللغة العربیة سنة 1365 ه.

3 - وأعاد المجمع طبعه فی دمشق سنة 1396 ه.

ترجمته :

وترجمه ناصر الدین بن خواجة منتجب الدین عمدة الملک المنشی ، الیزدی الأصل ، الکرمانی ، فی القرن السابع إلی الفارسیة وسماه : درة الأخبار ولمعة الأنوار ، وطبع من منشورات جامعة پنجاب فی لاهور سنة 1358 ه وطبع فی طهران سنة 1358 ه أیضا.

4 - تاریخ بیهق :

بیهق کورة کبیرة بین قومس ونیسابور ، قال فی معجم البلدان : (وقد أخرجت هذه الکورة من لا یحصی من الفضلاء والعلماء والفقهاء والأدباء ، ومع ذلک فغالب علی أهلها مذهب الرافضیة ...).

وکان قصبتها سبزوار ، وخسر وجرد ، والآن بقی منها سبزوار مدینة کبیرة وخسروجرد ، قریة من قراها باقیة إلی الآن بهذا الاسم ، ولعلی بن أبی صالح الخواری البیهقی کتاب (تاریخ بیهق) ذکره البیهقی فی (تاریخ بیهق) وأفاد منه الکثیر.

و (تاریخ بیهق) ألفه البیهقی بالفارسیة وفرغ منه فی قریة ششتمذ فی 4 شوال سنة 563 ه ، فهو آخر مؤلفاته ومن أحسنها ، فیه معلومات قیمة وتراجم کثیرة.

ص: 169

مخطوطاته :

1 - مخطوطة فی المتحف البریطانی ، کتبت سنة 385 ه ، رقم or 3587 ، وصفها ریو فی فهرست المتحف ، ص 60 - 61.

2 - نسخة فی معهد أبی ریحان البیرونی للدراسات الشرقیة ، فی طاشقند ، رقم 1524 ، کتبت سنة 1057 ه ، عن نسخة کان تاریخها سنة 888 ه.

3 - مخطوطة فی برلین ، رقم 737 مخطوطات شرقیة ، کتبت فی لکهنو سنة 1265 ه عن نسخة مکتوبة سنة 888 ه ، ذکرها پرچ فی فهرسها ، ص 516 ، برقم 535.

طبعاته :

1 - حققه الدکتور السید کلیم الله الحسینی القاری الهندی الحیدر آبادی ، وطبعه فی حیدر آباد سنة 1388 ه.

2 - وحققه الأستاذ أحمد بهمنیار ، وطبعه فی طهران سنة 1357 ه.

3 - وأعید طبعه فی طهران سنة 1385 ه ، بتحقیق الأستاذ بهمنیار.

4 - وطبع فی طهران بالتصویر علی الطبعة المتقدمة.

وأما ما لم یطبع من کتبه ، فمنها :

5 - غرر الأمثال ودرر الأقوال :

فی أمثال العرب ، رتبه علی الحروف ، فی مجلدین ، المجلد الأول إلی حرف الطاء ، کل حرف فی فصل ، وفی نهایة کل فصل یذکر أمثال المولدین ، وربما قال : (ما جاء علی أفعل).

ص: 170

قال فی کشف الظنون : 1200 : (رتب الأمثال علی الحروف ، وذکر لکل منها السبب والضرب ، ثم شرحها إعرابا ومعانی ، وذکر حلها أیضا ، وهو مأخذ المیدانی!!

صدره بأسم الصدر الأجل یمین الدولة مجد الدین أبی علی أحمد بن إسماعیل.

مخطوطة منه فی لیدن فی مکتبة معهد لوکدونو باتاویا warn 1044 ، بخط نسخی ، فی 255 ورقة ، ناقص الطرفین.

وعنها مصورة فی المکتبة المرکزیة بجامعة طهران ، رقم الفیلم 814 ، والمکبر 1610 - 1615 ، ذکر فی فهرس مصوراتها 1 / 286.

6 - وشاح دمیة القصر ولقاح روضة العصر :

مجلد ضخم ، ذیل به علی (دمیة القصر فی شعراء العصر) للباخرزی ، المتوفی سنة 474 ه.

بدأ به المؤلف فی غرة جمادی الأولی سنة 528 ه ، وکان یشتغل فیه إلی سنة 537 ه ، إذ فیه تاریخ وفاة الشریف ابن أبی الضوء الحسن بن محمد العلوی ، نقیب الکاظمیة ، المتوفی سنة 537 ه ، ولعله استمر یزید فیه بعد هذا التاریخ أیضا.

رأیت مخطوطة منه من القرن السابع ، ناقصة الطرفین ، فی مکتبة حسین چلپی ، فی بورسه من بلاد ترکیا ، رقم 870 فی 253 ورقة.

وعنها مصورة فی معهد المخطوطات بالقاهرة کما فی فهرس المخطوطات المصورة ، تاریخ 1 / 545 و 2 / 175.

وعنها مصورة أیضا فی جامعة طهران ، رقم الفیلم 355 و 2608 ، ذکرا فی فهرس مصوراتها 1 / 396.

ص: 171

7 - أزاهیر الریاض المریعة (المونقة) وتفاسیر ألفاظ المحاورة والشریعة.

1 - منه مخطوطة فی المکتبة المرکزیة لجامعة إستانبول ، رقم 3331.

2 - ومخطوطة فی دار الکتب المصریة ، من کتب التیموریة.

8 - جوامع أحکام النجوم :

وعد فی هدیة العارفین 1 / 699 من مؤلفاته : جوامع الأحکام وتوابع الابهام ، وأظنه هو هذا.

والبیهقی وإن أتقن هذا العلم ومهر فیه وصنف فیه أحکام القرانات ، وأمثلة الأعمال النجومیة ، إلا أنه کان من معارضیه ومناهضیه ، ملأ فی (معارج نهج البلاغة) أربع صفحات فی ذم هذا العلم وتهجینه ، من ص 150 - 154.

وألف هذا الکتاب بطلب من المنجمین بعد أن نصحهم وذم هذا العلم ، فقالوا : لا بد لنا منه ، فإن السلطان یراجعنا ویطلب منا التنجیم ، ونحن ملجؤون إلی تعاطیه ، فألف لهم هذا الکتاب بالفارسیة وجمعه من 275 کتابا فی التنجیم ، ورتبه علی عشرة فصول ، أوله : (الحمد لله رب العالمین ، والصلاة علی من امتطی غوارب الرسالة ، واعتلی مناکب الهدایة من الضلالة ...).

ومخطوطاته :

شائعة متوفرة ، له فی إیران وحدها نحو ثلاثین مخطوطة ، ونقتصر هنا علی أهمها :

1 - مخطوطة القرن الثامن ، فی کلیة الإلهیات فی مشهد ، رقم 118 ، ذکرت فی فهرسها 1 / 76.

2 - 4 - ثلاث نسخ فی مکتبة ملک العامة فی طهران ، بالأرقام 3231 و 3620 و 3368 ، وهذه الأخیرة من القرن التاسع ، ذکرت فی فهرسها 2 / 191.

ص: 172

5 - مخطوطة سنة 890 ه ، فی مکتبة الإمام الرضا علیه السلام ، فی مشهد ، رقم 5485.

6 - وأخری فیها رقم 12264 ، کتبت سنة 949 ه ، وفیها ثلاث نسخ أخری ذکرت فی فهرسها 9 / 44 و 45 و 124.

هذه ثمانیة کتب وصلت إلینا من مؤلفاته ، طبع منها أربعة وبقیت أربعة ، وأما ما لم یصلنا فعرفناه من ذکره له فی کتابه (مشارب التجارب) وهو من آخر مؤلفاته ، فقد سرد فیه بضعا وسبعین من کتبه ، وأوردها یاقوت فی ترجمته من معجم الأدباء ، وسردها الصفدی أیضا فی ترجمته فی الوافی بالوفیات ، وأظنه أخذها من یاقوت ، وسردها أیضا إسماعیل باشا فی هدیة العارفین ، وذکر جبلی بعضها فی کشف الظنون ، وذکرها شیخنا - رحمه الله - فی الذریعة کلا فی محله أخذا من یاقوت ، ونحن نسردها هنا حسب الحروف ، وهی :

9 - آداب السفر.

وفی هدیة العارفین 1 / 699 : آداب الشعر.

10 - أحکام القرانات.

11 - الإراحة عن شدائد المساحة.

12 - أزهار أشجار الأشعار.

13 - أسئلة القرآن مع الأجوبة.

14 - أسامی الأدویة وخواصها ومنافعها = تفاسیر العقاقیر ، مجلد ضخم.

15 - أسرار الاعتذار.

16 - أسرار الحکم.

17 - کتاب أشعاره.

18 - أصول الفقه.

19 - أطعمة المرضی.

20 - إظهار الأزهار علی أشجار الأسرار ، نقل عن (غرر الأمثال) للمؤلف.

ص: 173

21 - الاعتبار بالإقبال والإدبار.

ذکره فی (معارج نهج البلاغة) فی الصفحات 103 ، 195 ، 197.

22 - إعجاز القرآن.

23 - الإفادة فی إثبات الحشر والإعادة.

24 - الإفادة فی کلمة الشهادة.

وفی معالم العلماء ، ص 52 : الإفادة للشهادة.

25 - الأمارات (1) فی شرح الإشارات.

26 - أمثلة الأعمال النجومیة.

27 - الانتصار علی الأشرار (2).

28 - إیضاح البراهین فی الأصول. (أصول الدین).

29 - بساتین الأنس ودساتیر الحدس فی براهین النفس.

30 - البلاغة الخفیة.

31 - التحریر فی التذکیر ، مجلدتان.

32 - تحفة السادة (منشآته).

33 - تعلیقات فصول بقراط.

تفاسیر العقاقیر = أسامی الأدویة.

34 - تفضیل التطفیل.

35 - تنبیه العلماء علی تمویه المتشبهین بالعلماء ، مجلدین.

36 - تلخیص مسائل الذریعة.

لخص فیه کتاب (الذریعة فی أصول الفقه) للشریف المرتضی ، ذکره

ص: 174


1- 1. کذا عند الصفدی والذهبی ، ویؤیده السجع ، وعند یاقوت : الأمانات.
2- 2. وعند الصفدی : الانتصار علی الأشرار ، مجلدان.

ابن شهرآشوب فی معالم العلماء ، ص 52.

37 - جلاء صدأ الشک فی الأصول.

38 - جواب یوسف الیهودی العراقی ، معالم العلماء ، ص 52.

39 - الحجج فی الأصول. (أصول الدین).

40 - کتاب فی الحساب.

41 - حصص الأصفیاء فی قصص الأنبیاء علی طریق البلغاء. بالفارسیة.

42 - خلاصة الزیجات (الزیجة).

43 - درة الوشاح.

مجلد خفیف ، هو تتمة وشاح دمیة القصر ، له کما ذکره المؤلف فی تاریخ الحکماء ص 170.

دیوانه = وقد ذکره یاقوت والصفدی باسم کتاب أشعاره ، وتقدم برقم 17 ، وذکره الذهبی فی سیر أعلام النبلاء باسم : (دیوانه) وقال عنه فی السیر : وشعره کثیر سائر.

44 - درر السخاب ودرر السحاب ، فی الرسائل.

45 - ذخائر الحکم.

ذکره المؤلف فی (جوامع أحکام النجوم) وفی مقدمة (تاریخ بیهق).

46 - ربیع العارفین (العارف).

47 - رسائله المتفرقة.

کذا عند یاقوت والصفدی ، وذکر له الصفدی بعده :

48 - الرسائل ، بالفارسی ، مما یبدو أن له مجموعتین عربیة وفارسیة ، وذکر هو فی کتابه جوامع أحکام النجوم : (رسائل ومختصرات کثیرة).

49 - الرسالة العطارة فی مدح بنی زیارة.

50 - ریاحین العقول.

ص: 175

51 - کتاب السموم.

52 - شرح الحماسة.

53 - شرح رسالة الطیر.

54 - شرح شعر البحتری وأبی تمام.

55 - شرح شهاب الأخبار.

56 - شرح (مشکل المقامات) للحریری.

57 - شرح الموجز المعجز.

58 - طرائق الوسائل إلی حدائق الرسائل ، أو : حدائق الوسائل إلی طرق الرسائل ، بالفارسیة ، ذکر فی هدیة العارفین کلیهما.

مختار منه فی مکتبة جستربیتی ، فی المجموعة 3968.

59 - عرائس النفائس.

ذکره المؤلف فی معارج نهج البلاغة : 210 ، وفی تاریخ الحکماء : 171 ، وفی غرر الأمثال.

60 - کتاب العروض.

61 - عقود المضاحک ، بالفارسیة.

62 - غرر الأقیسة.

63 - الفرائض ، بالجداول.

64 - قرائن آیات القرآن.

65 - قضایا التشبیهات علی خفایا المختلطات ، بالجداول ، مجلد.

66 - قوام علوم الطب.

قال فی معارج نهج البلاغة ، ص 157 : وأما التشریح وترکیب الإنسان ... فذکر فی کتاب الطب.

67 - رسالة فی الکبیسة.

ذکرها المؤلف فی کتابه تاریخ حکماء الإسلام ، ص 172.

ص: 176

68 - کنز الحجج فی الأصول ، أصول الدین ، ومر له : الحجج فی الأصول.

69 - مجامع الأمثال وبدائع الأقوال ، أربع مجلدات.

قال المؤلف فی معارج نهج البلاغة ، ص 90 : (وقد ذکرت فی مجامع الأمثال من تصنیفی : قول العرب ...) وفی ص 106 : (ذکرت مشاهیر أیام العرب).

70 - المختصر (مختصر) فی الفرائض.

71 - مشارب التجارب وغوارب الغرائب.

باللغة العربیة ، أربع مجلدات ذیل به علی تاریخ الیمینی المنتهی إلی سنة 410 ه ، سجل فیه تاریخ إیران وحوادثها لفترة 150 سنة ، من سنة 410 إلی حدود سنة 560 ه ، فیه تواریخ الغزنویین والسلاجقة والخوارزمشاهیة ، وهو من آخر تصانیفه ، ذکره فی تاریخ بیهق ، ص 31 ، اعتمده کل من ابن الأثیر ویاقوت وابن أبی أصیبعة والجوینی فی (جهانگشای) وعده حمد الله المستوفی من مصادر کتابه (تاریخ گزیده) مما یدل علی وجوده إلی منتصف القرن الثامن.

72 - المشتهر فی نقض المعتبر.

المعتبر فی الفلسفة لمعاصره أبی البرکات هبة الله بن علی ابن ملکا ، الطبیب الیهودی ، المتوفی سنة 574 ه ، ترجم له المؤلف فی تاریخ حکماء الإسلام ، ص 152 ، والمعتبر مطبوع بالهند فی 3 مجلدات.

73 - المعالجات الاعتباریة.

74 - معرفة ذات الحلق والکرة والأسطرلاب.

75 - ملح البلاغة.

76 - مناهج الدرجات فی شرح کتاب النجاة.

فی ثلاث مجلدات ، والنجاة فی الفلسفة لابن سینا.

77 - مؤامرات الأعمال النجومیة.

ص: 177

وفی هدیة العارفین : مرموزات.

78 - نصائح الکبراء ، فارسی.

79 - نهج الرشاد فی الأصول.

80 - الوقیعة فی منکر الشریعة.

81 - نار الحطاحب.

ذکره المؤلف فی معارج نهج البلاغة ، ص 151 ، قال : (وذکرت فی نار الحطاحب من إنشائی) ولا شک أن الاسم مصحف ، ولم یتمکن محقق المعارج من قراءة المخطوطة ، ولم أهتد إلی وجه الصواب فیه فذکرته کما هو.

مجالسه للإملاء والوعظ والتذکیر :

وکان یعقد له مجالس الواعظ فی مرو فی مدرستها وفی جامعها ، وکان بها من سنة 518 - 521 ه.

وفی نیشابور کان له فی أسبوع ثلاثة مجالس : مجلس فی جامعها القدیم فی أیام الجمعة ، وهو وراثة له من أبیه ، وفی مسجد المربع فی أیام الأربعاء ، وفی مسجد الحاج فی أیام الاثنین.

أسرته :

وبیته بیت عریق فی العلم والفقه ، والقضاء والإفتاء ، والتقدم والوجاهة ، وقد کان أجداده من الطرفین فیهم القضاء والإفتاء والمناصب الدینیة ، تحدث عنهم البیهقی فی (تاریخ بیهق) فی نحو عشرین صفحة ، من 174 - 194.

وکان آباؤه من أهل سیوار من نواحی والشتان من أعمال بست ، وأول من هاجر منهم إلی نیشابور هو جد جده الحاکم أبو سلیمان فندق بن أیوب ، ففوض إلیه السلطان محمود الغزنوی القضاء والإفتاء ، وتوفی 9 شوال سنة 419 ه ، فولی القضاء ابنه فخر القضاة أبو علی الحسین - المولود سنة 399 ، والمتوفی

ص: 178

سنة 480 ه تولی القضاء والإفتاء ، فترة بنیشابور وأخری ببیهق.

ولما عزم علی الحج کتب السلطان طغرل بک السلجوقی إلی الخلیفة ببغداد ووزیره یعرفهما به ویأمرهما بإکرامه ، وفیه : وهذا الحاکم الإمام أبو علی ابن أبی سلیمان ، أدام الله إفضاله ، ممن له البیت القدیم والمحتد الصمیم ... وأوجبنا علی من یجتاز به ویحل بجانبه أن یوطئ له کنفا وسیعا ، وینزله منزلا مبارکا مریعا ، ویعینه بالإنعام علیه ، وخفیر إن احتاج إلیه ...

فی أواخر جمادی الآخرة سنة 455.

وجد البیهقی هو الحاکم الإمام شیخ الإسلام أمیر محمد بن الحسین ابن فندق ، ولد بنیشابور سنة 420 ه ، کانت إلیه الخطابة بها نیابة عن إسماعیل الصابونی ثم أصالة بأمر الخلیفة القادر بالله ، وکان له مجلس وعظ فی کل جمعة بعد صلاة العصر فی الجامع القدیم بمرسوم من قبل الخلفاء والسلاطین ، وتولی قضاء نیشابور فترة نیابة وأخری أصالة ، وتولی قضاء بیهق عشر سنین ، وتوفی سنة 501 ه.

أبوه :

أبو شمس الإسلام أبو القاسم زید بن محمد بن الحسین ، ولد یوم الفطر سنة 447 ه ، وتوفی یوم الخمیس 27 جمادی الآخرة سنة 517 ه.

رحل إلی بخاری وأقام بها بضعا وعشرین سنة ، وحصل من مختلف العلوم علی الشئ الکثیر ، ومن مشایخه محمد بن أحمد بن الفضل الفارسی ، وأبو عبد الله الحسین بن أبی الحسن الکاشغری ، وشمس الأئمة السرخسی ، وأبو بکر محمد بن علی بن حیدر الجعفری ، ومن شرکاء درسه ... برهان الدین عبد العزیز ابن مازه ، وعمی فی سنة 503 ه.

ترجم له عبد الغافر فی السیاق ، وعلی بن أبی صالح الخواری فی تاریخ بیهق ، وابنه فرید خراسان فی تاریخ بیهق ص 183 ، وفی معارج نهج البلاغة ص 35 عده من مشایخه فی الکلام من کبار المتکلمین وذکر من مؤلفاته فی علم

ص: 179

الکلام : لباب الألباب ، وحدائق الحقائق ، ومفتاح باب الأصول ، قال : (ومن تأمل کتبه عرف أنه سباق غایات وصاحب آیات).

ولفخر العلماء أبی عبد الله محمد بن المظفر البیهقی فی مدح أبی القاسم زید هذا ، قوله :

ورث الإمامة زید بن محمد

عن جده وأبیه بالإسناد

أضحی کمثل أبیه أوحد عصره

وکجده فردا من الأفراد (1)

ومما قرأ البیهقی علی أبیه : کتاب نهج البلاغة ، قال فی مقدمة شرحه علی نهج البلاغة : (والکتاب بأسره سماع لی عن والدی الإمام أبی القاسم ... وله إجازة عن الشیخ جعفر الدوریستی ...).

ومن تلامذته فی الفقه : فخر الزمان مسعود بن علی بن أحمد الصوابی البیهقی ، المتوفی سنة 544 ه (2).

وترجم له ابن شهرآشوب فی معالم العلماء ، ص 51 ، وعد من کتبه حلیة الأشراف.

وله ترجمة فی طبقات أعلام الشیعة فی القرن السادس ، ص 113 ، وفی أعیان الشیعة 7 / 97.

أمه :

أمه بنت الرئیس العالم أبی القاسم علی بن الحسین البیهقی ، المولود فی رابع المحرم سنة 433 ه ، والمتوفی سنة 483 ه (3).

وکانت حافظة للقرآن ، عالمة بوجوه تفاسیره ، وتوفیت فی بیهق سنة 549 (4).

ص: 180


1- 1. تاریخ بیهق : 164.
2- 2. تاریخ بیهق : 408.
3- 3. تاریخ بیهق : 185.
4- 4. معجم الأدباء 5 / 211.

وکان أخوها وجیه العلماء أبو نصر أحمد بن علی بن الحسین البیهقی - المتوفی سنة 521 ه أدیبا حافظا لکتاب الله تعالی ، عالما بعلوم القرآن (1).

ولأجداده لأمه عرق إلی المیکالیین (2) أمراء خراسان ، وعرق إلی أبی بکر الخوارزمی (3) وهو ابن أخت الطبری المؤرخ.

شعره :

کان البیهقی قویا فی اللغة والأدب والبلاغة ، کثیر المحفوظ کما تقدم ، تخرج علی أساتذة هم من کبار علماء اللغة والأدب ومشاهیرهم ، کالمیدانی وبوجعفرک المقری ونحوهما ممن تقدم ذکرهم ، وکان یتعاطی الشعر وینظم فی شتی الأغراض ، وجمع شعره بنفسه فأصبح دیوانا ، ذکره فی کتابه (مشارب التجارب) فی عداد مؤلفاته باسم : کتاب أشعاره ، کما حکاه عنه یاقوت ، وذکره الذهبی فی مؤلفاته فی السیر باسم الدیوان.

ولکن شعره شعر العلماء ، والتکلف باد علیه! ومن أحسن ما نظم وأشهره قوله :

یا خالق العرش حملت الوری

لما طغی الماء علی الجاریة

وعبدک الیوم طغی ماؤه!

فاحمله یا رب علی جاریة

واستجاب الله دعاؤه وصاهر شهاب الدین محمد بن مسعود المختار ، والی الری ومشرف المملکة ، ولما رحل إلی الری سنة 526 ه قال : (والوالی بها شهاب الدین صهری ، فتلقانی أکابرها وقضاتها وسائر الأجلاء).

ومن أجود شعره :

ضجیعی فی لیلی جوی ونحیب

وإلفی فی نومی ضنی ولغوب

ص: 181


1- 1. تاریخ بیهق : 194.
2- 2. تاریخ بیهق : 187.
3- 3. تاریخ بیهق : 185 - 187.

دجی لیل آمالی وأبطأ صبحه

وللمنذرات السود فیه نعیب

وتلسعنی الأیام فهی أراقم

وتخدعنی الآمال فهی کذوب

ألا لیت شعری هل أبیتن لیلة

وباعی فی ظل الوصال رحیب

خلیلی لا ترکن إلی الدهر آمنا

فإحسانه بالسیئات مشوب

راجع ترجمته فی معجم الأدباء فقد أورد له عدة مقاطع شعریة نقلها من کتابه (وشاح دمیة القصر).

مذهبه :

لم یظهر بوضوح من کتبه المعدودة الواصلة إلینا انتماؤه المذهبی إلا بصیص من نور یؤید ما هو المشهور عنه من تشیعه.

فاهتمامه هو وأبوه بنهج البلاغة قراءة وروایة ، وإطراؤه الکثیر علیه وشرحه له ، مما یؤید هذه الشهرة.

ثم تعبیره عن أمیر المؤمنین علیه السلام تعبیر شیعی ، فلا تراه یذکره إلا بقوله : (أمیر المؤمنین علیه السلام) ولم یقل مرة واحدة : (علی رضی الله عنه).

وأوضح من ذلک کله قوله فی مقدمة معارج نهج البلاغة ، ص 3 : (ولا شک أن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام کان باب مدینة العلوم ، فما نقول فی سقط انفض من زند خاطره الواری ، وغیض بدا من فیض نهره الجاری ، لا بل فی شعلة من سراجه الوهاج ، وغرفة من بحره المواج ، وقطرة من سحاب علمه الغزیر؟! ولا ینبئک مثل خبیر ...).

وقوله فی أهل البیت علیهم السلام وعصمتهم بنص الکتاب العزیز فی لباب الأنساب 1 / 177 : (ورذائل صور أفعالهم بصیقل التنزیل مجلوة ، وسور مناقبهم من اللوح المحفوظ متلوة ، ونهضوا من بیوت أذن الله أن ترفع ویذکر فیها اسمه ...).

ولکن فرید خراسان بحکم معایشته لمجتمع عصره عصر السلاجقة ،

ص: 182

ولمکانته الاجتماعیة ، ومسایرته لمختلف الطبقات ، کان یتحفظ فی کتاباته فلا یظهر علیه تطرف ، ففی نفس الفترة والبیئة نری حتی الطبرسی یلتزم التحفظ فی تفسیره (مجمع البیان).

ففی نیشابور فی تلک الفترة قتل العالم الجلیل والواعظ البارع : الفتال النشابوری ، صاحب (روضة الواعظین) و (التنویر فی التفسیر) قتله رئیس نیشابور شهاب الإسلام عبد الرزاق بن عبد الله بن علی بن إسحاق ، المتوفی سنة 515 ه ، ابن أخی نظام الملک ، قتله سنة 508 ه علی الرفض! فراح ضحیة عقیدته وشهید ولائه لآل بیت نبیه صلی الله علیه وآله وسلم.

علی أن البیهقی لم یدعه مؤلفو الطبقات ، ولیس له ذکر فیها ، ولا فی طبقات الحنفیة ولا فی طبقات الشافعیة ولا فی غیرهما ، ولا نسبه مترجموه منهم إلی أحد المذاهب الأربعة.

ولکن أصحابنا عدوه من أنفسهم وترجموا له فی کتبهم ، فقد شهد بتشیعه معاصره الجلیل ومعاشره عبد الجلیل الرازی فی کتاب (النقض) الذی ألفه بالری سنة 552 ه عند المباهاة والمفاخرة بالغرر والأوضاح من کبار أعلام الطائفة فی عصره ، حیث قال ما معربه : (ومن متبحری علمائنا المتأخرین ...) فعد جمعا من أعلام الطائفة إلی أن قال ص 212 : (والشیخ الإمام أبو الحسن الفرید ، وأبو جعفر الإمامی ...).

وعده معاصره الآخر - وهو ابن شهرآشوب - من أعلام الطائفة فترجم له ولأبیه فی معالم العلماء ، ص 51 و 52.

وتجده مترجما هو وأبوه فی کثیر من کتب التراجم الشیعیة ، کریاض العلماء ، وأمل الآمل ، وخاتمة المستدرک ، وأعیان الشیعة ، وطبقات أعلام الشیعة ، ومعجم رجال الحدیث ، وغیرها مما یأتی فی مصادر ترجمته.

بینما نری أن غیرنا أهملوه ، فلم یترجم له منهم إلا یاقوت والذهبی والصفدی ، وترجم له ابن خلکان تبعا فی ترجمة الباخرزی!

ص: 183

أضف إلی ذلک أن ثلاثة من أعلامنا تصدوا لدراسة حیاته وتألیف رسالة مفردة عنه ، هم :

1 - الباحث المحقق محمد القزوینی ، المتوفی سنة 1368 ه.

2 - العلامة الجلیل السید محمد المشکاة الخراسانی البیرجندی ، أستاذ جامعة طهران ، المتوفی 30 ذی القعدة سنة 1400 ه.

3 - وآیة الله العظمی السید شهاب الدین النجفی المرعشی ، المتوفی 7 صفر سنة 1411 ه ، ألف رسالة سماها : کشف الارتیاب فی ترجمة صاحب لباب الأنساب ، طبعت فی مقدمة (لباب الأنساب) فی قم سنة 1410 ه.

ونسب جلبی فی کشف الظنون إلی البیهقی کتابین تفرد فی نسبتهما إلیه! لم یذکرهما المؤلف فی کتابه (جوامع أحکام النجوم) ولا فی (مشارب التجارب) وقد عد فیه 81 کتابا من مؤلفاته ، ولا أحال إلیهما فی شئ من کتبه علی عادته فی ذکر کتبه بعضها فی بعض ، ولم یذکرهما یاقوت ولا الصفدی ولا غیرهما! وهما :

المواهب الشریفة فی مناقب أبی حنیفة ، ووسائل الألمعی فی فضائل أصحاب الشافعی. یبدو أنه وهم فی نسبتهما إلیه ، کما وهم فی (غرر الأمثال) للبیهقی فقال : (وهو مأخذ المیدانی!).

والمیدانی توفی سنة 518 ه قبل البیهقی بنحو نصف قرن ، وهو أستاذ البیهقی ، أدرکه فی صباه فقرأ علیه من تألیفه (السامی فی الأسامی) و (مجمع الأمثال) فیکف یکون کتاب البیهقی مأخذا لمجمع الأمثال؟!

ولعل الکتابین لبیهقی آخر فنسبهما إلیه غلطا ، بل المفروض أن یکونا لمؤلفین حنفی وشافعی ، ولا لمؤلف واحد کما هو واضح.

ص: 184

الجدول الزمنی لأعمال البیهقی :

سنة 493 ولد فیها البیهقی فی الیوم السابع والعشرین من شعبان.

سنة 499 أحضر إلی الکتاب فی نیشابور.

سنة 503 عمی فیها أبوه وفقد بصره.

سنة 506 حضر علی شیخ القضاة إسماعیل بن أحمد البیهقی ، وسمع منه الحدیث ، کما فی تاریخ بیهق : 318.

سنة 507 دخل علی عمر الخیام - صحبة أبیه - فسأله الخیام عن مسألة أدبیة وأخری ریاضیة فأجابه عنهما ، کما فی تاریخ الحکماء : 122.

سنة 514 حضر علی أستاذ اللغة والأدب العربی بوجعفرک المقری النیشابوری ، وقرأ علیه اللغة العربیة وآدابها.

سنة 516 حضر علی المیدانی ، صاحب (مجمع الأمثال) وصحح علیه کتابه : السامی فی الأسامی - وکان یحفظه - وأخذ منه اللغة.

سنة 516 قرأ (نهج البلاغة) علی الحسن بن یعقوب بن أحمد القاری النیشابوری.

سنة 517 فقد أباه فی 27 جمادی الآخرة.

سنة 518 رحل إلی مرو.

سنة 521 رجع من مرو إلی نیشابور.

سنة 522 کان فی طوس وحضر مجلس السید حسین بن محمد بن حمزة النوقانی.

سنة 526 فوض إلیه قضاء بیهق.

سنة 526 استعفی من القضاء وغادر بیهق إلی الری ، فخرج لاستقباله والیها وأکابرها وقضاتها وسائر الأجلاء. سنة 527 غادر الری ورجع إلی خراسان.

ص: 185

سنة 528 بدأ بتصنیف وشاح دمیة القصر.

سنة 529 عاد إلی نیشابور.

سنة 530 رحل إلی سرخس لیقرأ الفلسفة علی قطب الدین النصیری.

سنة 531 رأی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فی المنام.

سنة 532 عاد من سرخس إلی نیشابور.

سنة 535 فرغ من تألیف وشاح الدمیة.

سنة 536 ذهب إلی بیهق.

سنة 537 عاد منها إلی نیشابور.

سنة 543 بعث ملک (أبخاز) دیمطریوس بن داود بن یعقوب ، الملقب : حسام المسیح ، بأسئلة بالعربیة والسریانیة إلی بلاط الملک سنجر السلجوقی ، فأمر الملک فرید خراسان أن یجیب عنها ، فأجاب عنها باللسانین العربی والسریانی ، وانتشرت عنها نسخ کثیرة فی البلاد وسار بها الرکبان (1).

سنة 549 ذهب إلی بیهق.

سنة 549 ماتت أمه فی بیهق وابنه أحمد.

سنة 552 ألف فیها شرح نهج البلاغة.

سنة 555 ورد إلی بیهق من علماء یوزجند یریدون الحج ، فقرأوا علیه فی تفسیر القرآن واستجازوه فی روایة الحدیث فأجاز لهم ، کما ذکره فی تاریخ بیهق : 70.

سنة 558 ألف فیها لباب الأنساب.

سنة 563 أنهی فیها تاریخ بیهق.

ص: 186


1- 1. تاریخ بیهق : 283.

مصادر ترجمته :

کتاب النقض - لعبد الجلیل الرازی - : 212 ، معالم العلماء - لابن شهرآشوب - : 52 ، معجم الأدباء - لیاقوت - 5 / 208 ، وفیات الأعیان 3 / 387 ، سیر أعلام النبلاء 20 / 585 ، الوافی بالوفیات - للصفدی - 21 / 122 ، أمل الآمل - للحر العاملی - 2 / 352 ، تعلیقات أمل الآمل - لمیرزا عبد الله التبریزی - : 337 ، ریاض العلماء - له أیضا - 1 / 188 و 2 / 360 و 5 / 448 وفی (البیهقی) من ألقاب الخاصة ، روضات الجنات 1 / 253 ، خاتمة المستدرک - للمحدث النوری - : 492 ، الکنی والألقاب - للشیخ عباس القمی - 3 / 28 ، طبقات أعلام الشیعة - لشیخنا العلامة الطهرانی - فی القرن : 6 : 189 ، مصفی المقال : 281 ، أعیان الشیعة - للسید محسن الأمین العاملی - 2 / 325 و 326 و 7 / 97 و 8 / 241 - 246 و 8 / 397 ، مرآة الکتب 1 / 181 - 184 ، هدیة العارفین 1 / 699 ، عروبة العلماء 2 / 351 ، معجم رجال الحدیث - للإمام الخوئی - 21 / 112 ، الأعلام - للزرکلی - 4 / 290 ، معجم المؤلفین 7 / 96 ، بروکلمن الأصل 1 / 324 والذیل 1 / 557 ، کنوز الأجداد - لمحمد کرد علی - 299 - 305 ، ریحانة الأدب 1 / 309 و 4 / 334.

ومقدمات کتبه المطبوعة : تاریخ حکماء الإسلام ، ومعارج نهج البلاغة ، وتاریخ بیهق ، ولباب الأنساب.

للبحث صلة ...

ص: 187

إحیاء التراث

لمحة تاریخیة سریعة حول تحقیق التراث ونشره

وإسهام إیران فی ذلک

(2)

حرکة تحقیق التراث فی إیران

1 - آداب النفس.

العیناثی ، محمد بن محمد الشهیر ، بابن القاسم ، توفی بعد سنة 1088 ه نشره : کاظم الموسوی المیاموی.

طهران : المکتبة الرضویة ، ط 1 ، 1380 ه ، 280 ص ، 24 سم.

2 - آفة أصحاب الحدیث فی الرد علی عبد المغیث.

ابن الجوزی (508 - 597 ه).

تحقیق : علی المیلانی.

طهران : مکتبة نینوی.

3 - آیات الأحکام.

محمد بن علی بن إبراهیم الأسترآبادی (ت 1028 ه).

تصحیح : محمد باقر شریف زاده.

طهران : مکتبة معراجی ، 389 ص.

4 - الأبحاث المفیدة فی تحصیل العقیدة.

العلامة الحلی (648 - 726 ه) تحقیق : یعقوب جعفری.

قم : کلام ، ع 3 ، 1371 ه. ش ، ص 24 - 40.

5 - إبطال العمل بأخبار الآحاد.

الشریف المرتضی (ت 436 ه).

الشیخ عبدالجبّار الرفاعی 188

ص: 188

إعداد : مهدی الرجائی.

قم : دار القرآن الکریم ، 1405 ه (رسائل الشریف المرتضی ، مج 3 ، ص 307 - 313).

6 - الأبنیة عن حقائق الأدویة.

أبو منصور موفق بن علی الهروی.

تصحیح : بهمنیار.

بعنایة : محبوبی أردکانی

طهران : بنیاد فرهنک إیران ، 1344 ه. ش ، 251 ص.

جامعة طهران : 1346 ه. ش، (منشورات جامعة طهران ، 1163).

7 - إثبات العقل المفارق.

نصیر الدین الطوسی (597 - 672 ه).

باهتمام : عبد الله نورانی.

طهران : مؤسسة مطالعات إسلامی.

جامعة مک کیل / کندا وجامعة طهران ، 1980 م ، مع : (تلخیص المحصل) وغیره للمؤلف ، ص 479 - 481.

8 - إثبات الواحد الأول

نصیر الدین الطوسی (597 - 672 ه).

باهتمام : عبد الله نورانی.

طهران : مؤسسة مطالعات إسلامی جامعة مک کیل / کندا وجامعة طهران ، 1980 م ، مع : (تلخیص المحصل) وغیره للمؤلف ، ص 475 - 476.

9 - إثبات الوصیة :

العلامة الحلی (648 - 726 ه).

تحقیق : محمد هادی الأمینی.

النجف : دار الکتب التجاریة ، (1960 م) ، 38 ص.

10 - الاثنا عشریة الصومیة.

الشیخ البهائی ، محمد بن الحسین ابن عبد الصمد الحارثی الهمدانی العاملی (953 - 1030 ه).

تحقیق : علی المروارید.

قم : تراثنا ، س 3 ، ع 2 (11) ، 1048 ه ، ص 191 - 226.

11 - الاثنا عشریة فی الرد علی الصوفیة.

محمد بن الحسن ، الحر العاملی (ت 1104 ه).

إعداد : مهدی اللاجوردی

قم : دار الکتب العلمیة.

ص: 189

12 - الاثنا عشریة فی الصلاة الیومیة.

الشیخ البهائی ، محمد بن الحسین بن عبد الصمد الحارثی الهمدانی العاملی (953 - 1030 ه).

تحقیق : محمد الحسون.

قم : تراثنا ، س 3 ، ع 3 [12] ، 1408 ه ، ص 135 - 199.

13 - أثولوجیا.

أفلوطین ، المعروف بالشیخ الیونانی.

تصحیح : جلال الدین آشتیانی.

مشهد : أنجمن حکمت وفلسفة ، 1976 م (منتخباتی از آثار حکمای إلهی إیران 3 / 1 - 88).

14 - الإجازة الکبیرة.

عبد الله الموسوی الجزائری (1112 - 1173 ه)

تحقیق : محمد السمامی الحائری.

إشراف : محمود المرعشی.

قم : مکتبة السید المرعشی ، ط 1 ، 1409 ه ، 416 ص ، 24 سم.

15 - الاجتهاد والتقلید.

محمد حسین الغروی الأصفهانی

(1296 - 1361 ه).

تحقیق : جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة.

قم : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ، 1409 ه ، ضمن : (بحوث فی الأصول) للمؤلف.

16 - أجوبة الشیخ حسن بن مفلح الصیمری.

علی بن الحسین الکرکی (ت 940 ه).

تحقیق : محمد الحسون.

إشراف : محمود المرعشی.

قم : مکتبة السید المرعشی ، ط 1 ، 1409 ه (رسائل المحقق الکرکی ، 2 / 233 - 244).

17 - الأجوبة عن المسائل الغریبة.

العشرینیة.

ابن سینا.

باهتمام : محمد تقی دانش بزوه.

طهران : منشورات جامعة طهران ، 1370 ه. ش ، مع : (منطق ومباحث ألفاظ) ، ص 79 - 101.

ص: 190

18 - أجوبة المسائل.

صدر الدین الشیرازی (ت 1050 ه).

تصحیح : جلال الدین الآشتیانی.

مشهد : جامعة مشهد ، کلیة الإلهیات والمعارف الإسلامیة، 1392 ه ، (رسائل فلسفی، ص 123 - 198).

19 - أجوبة المسائل البهبهانیة.

یوسف البحرانی.

تحقیق : أحمد العصفور.

قم : ط 1 ، 1364 ه. ش ، 118 ص ، 24 سم.

20 - أجوبة مسائل السید رکن الدین الأسترآبادی.

نصیر الدین الطوسی (597 - 672 ه).

باهتمام : عبد الله نورانی.

طهران : منشورات جامعة طهران ، 1370 ه. ش ، مع : (منطق ومباحث ألفاظ) ، ص 249 - 276.

21 - أجوبة المسائل القرآنیة.

الشریف المرتضی (ت 436 ه).

إعداد : مهدی الرجائی.

قم : دار القرآن الکریم ، 1405 ه (رسائل الشریف المرتضی ، مج 3 ، ص 83 - 119).

22 - أجوبة مسائل متفرقة من الحدیث وغیره.

الشریف المرتضی.

إعداد : مهدی الرجائی.

قم : دار القرآن الکریم ، 1405 ه ، 30 ص ، 24 سم.

23 - أجوبة المسائل الهندیة.

محمد باقر بن محمد تقی المجلسی (ت 1110 ه).

تحقیق : مهدی الرجائی.

قم : دار الکتاب الإسلامی ، 1411 ه.

24 - إحقاق الحق وإزهاق الباطل.

مع التعلیقات.

نور الدین الحسینی المرعشی التستری (ت 1019 ه).

تصحیح : إبراهیم المیانجی.

طهران : المطبعة المبارکة الإسلامیة ، 1376 ه = 1956 م.

قم : مکتبة السید المرعشی ، 16 ج.

ص: 191

25 - أحکام الخلل فی الصلاة.

الشیخ مرتضی الأنصاری (1214 - 1281 ه).

إعداد : لجنة تحقیق تراث الشیخ الأعظم.

قم : الأمانة العامة للمؤتمر العالمی بمناسبة الذکری المئویة الثانیة لمیلاد الشیخ الأنصاری ، 413 ه.

26 - أحکام النساء.

الشیخ المفید (ت 413 ه).

تحقیق : محمد مهدی نجف.

قم : المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ، ط 1 ، 1413 ه ، 64 ص (مصنفات الشیخ المفید ، 9).

27 - إحیاء المیت بفضائل أهل البیت.

جلال الدین عبد الرحمن السیوطی (849 - 911 ه).

طهران : منشورات توحید ، 1408 ه (تحقیق : جلال جمال فخری).

طهران : منظمة الإعلام الإسلامی ، 1408 ه (تحقیق : کاظم الفتلی).

طهران : مؤسسة أنصار الحسین علیه السلام الثقافیة ، 1410 ه (تحقیق :

محمود شریعت زاده الخراسانی).

28 - أخبار السید الحمیری.

محمد بن عمران المرزبانی (ت 385 ه).

تلخیص : محسن الأمین العاملی (ت 1371 ه). تحقیق وتعلیق : محمد هادی الأمینی.

النجف : دار الباقر ، ط 1 ، 1965 م ، 71 ص.

29 - أخبار شعراء الشیعة.

محمد بن عمران المرزبانی (ت 385 ه).

تلخیص : محسن الأمین العاملی (ت 1371 ه).

نشره : محمد هادی الأمینی.

النجف: ط 1، 1968 م، 135 ص.

30 - کتاب الاختصاص.

الشیخ المفید محمد بن محمد بن النعمان (ت 413 ه).

طهران : مکتبة الصدوق ، 1379 ه ، 456 ص ، 24 سم (تصحیح : علی أکبر الغفاری).

قم : جماعة المدرسین فی الحوزة

ص: 192

العلمیة ، 1404 ه ، 453 ص ، 24 سم (تصحیح : علی أکبر الغفاری ، رتب فهارسه : محمود الزرندی المحرمی).

31 - اختیار مصباح السالکین.

کمال الدین أبو الفضل میثم بن علی بن میثم البحرانی (ت 679 ه).

وهو شرحه الوسیط علی (نهج البلاغة) لخصه من شرحه الکبیر المسمی : (مصباح السالکین).

تحقیق : محمد هادی الأمینی.

مشهد: مؤسسة البحوث الإسلامیة، ط 1 ، 1408 ه ، 724 ص ، 24 سم.

32 - اختیار معرفة الرجال.

المعروف ب : رجال الکشی (محمد بن عمر الکشی ، ق 4 ه).

اختیار : الشیخ الطوسی ، محمد بن الحسن (ت 460 ه).

کربلاء: مؤسسة الأعلمی، 1969 م، 535 ص(تحقیق أحمد الحسینی).

مشهد : جامعة مشهد ، 1970 م ، 616 + و 343 صفحة فهارس (تحقیق : حسن المصطفوی).

قم : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث ، 1404 ه ، 2 مج ،

904 ص (تحقیق : مهدی الرجائی ، معه تعلیقات : المعلم الثالث المیرداماد).

33 - الأدب الوجیز للولد الصغیر.

ابن المقفع.

تحقیق : محمد غفرانی.

34 - أربعون حدیثا.

حسین الحارثی العاملی (ت 984 ه).

تحقیق : حسین علی محفوظ.

طهران : مطبعة الحیدری ، 1957 م ، 35 ص (ذخائر الشیعة).

35 - الأربعون حدیثا.

فی المعارف ، مع الشرح.

محمد سعید بن محمد مفید القمی ، کان حیا سنة 1099 ه.

تصحیح : المیرزا علی خان العلی آبادی.

تقدیم : السید نصر الله التقوی.

طهران.

36 - الأربعون حدیثا.

الشهید الأول ، محمد بن مکی العاملی (734 - 786 ه).

تحقیق : مدرسة الإمام المهدی علیه

ص: 193

السلام.

قم : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام ، 1407 ه.

37 - الأربعون حدیثا عن أربعین شیخا من أربعین صحابیا.

فی فضائل الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام.

منتجب الدین علی بن عبید الله بن بابویه الرازی (ق 6 ه).

تحقیق : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام.

قم : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام ، 1408 ه ، 24 ص.

38 - الأربعون حدیثا عن الأربعین فی فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام.

الشیخ المفید ، محمد بن أحمد بن الحسین الخزاعی النیسابوری (ق 5 ه).

تحقیق : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام.

قم : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام ، ط 1 ، 1411 ه ، 40 ص ، 24 سم.

39 - الأربعون حدیثا فی حقوق الأخوان.

ابن زهرة ، محمد بن عبد الله الحسینی الحلبی (565 - 639 ه).

تحقیق : نبیل رضا علوان.

قم: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث ، ط 1 ، 1406 ه ، 112 ص ، 24 سم.

40 - کتاب الأربعین المنتقی من مناقب المرتضی علیه رضوان العلی الأعلی.

أحمد بن إسماعیل بن ذ الطالقانی القزوینی (512 - 590 ه).

تحقیق : عبد العزیز الطباطبائی.

قم : تراثنا ، س 1 ، ع 1 ، (صیف 1405 ه) ، ص 93 ، 128.

41 - الأرجوزة اللطیفة فی علوم البلاغة.

میرزا محمد بن محمد بن رضا بن إسماعیل ابن جمال الدین القمی المشهدی (ق 11 ه).

تحقیق : محمد رضا الحسینی الجلالی.

قم : تراثنا ، س 1 ، ع 4 (ربیع 1406 ه) ، ص 209 - 217.

ص: 194

42 - إرشاد الأذهان إلی أحکام الإیمان.

العلامة الحلی (ت 726 ه).

تحقیق : فارس الحسون.

قم : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ، 1410 ه = 1369 ه. ش ، ج 1 : 511 ص ، ج 2 : 330 ص.

43 - إرشاد الزراعة.

قاسم بن یوسف أبو منصور الهروی.

باهتمام : محمد مشیری.

جامعة طهران : 1346 ه. ش (منشورات جامعة طهران ، 1134).

44 - إرشاد الطالبین إلی نهج المسترشدین.

تحقیق : مهدی الرجائی.

قم : مکتبة السید المرعشی ، ط 1 ، 1405 ه = 1363 ه. ش ، 456 ص ، 24 سم.

45 - إرشاد العباد إلی استحباب لبس السواد علی سید الشهداء والأئمة الأمجاد علیهم السلام.

أو : رسالة فی استحباب لبس السواد

علی الحسین والأئمة علیهم السلام.

جعفر الطباطبائی الحائری - حفید صاحب (ریاض المسائل) - (ت 1321 ه).

صححه وعلق علیه : محمد رضا الحسینی الأعرجی الفحام.

قم : المطبعة العلمیة ، ط 1 ، 1404 ه ، 64 ص ، 21 سم.

46 - الإرشاد فی أحوال الصاحب الکافی إسماعیل بن عباد.

أبو القاسم أحمد بن محمد الحسینی الأصفهانی.

باهتمام : جلال الدین الطهرانی.

طهران : 1352 ه = 1312 ه. ش ، 142 + 56 ص ، 21 سم ، مع : (محاسن أصفهان).

47 - الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد.

تحقیق : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.

قم: المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید، ط 1 ، 1413 ه ، 2 ج : 363 + 562 ص ، (مصنفات الشیخ المفید ، 11).

ص: 195

48 - إرشاد المسترشدین فی أصول الدین.

فخر الدین محمد بن الحسن بن یوسف ابن المطهر ، المعروف ب : فخر المحققین (682 - 771 ه).

تحقیق : یعقوب جعفری.

قم : کلام ، ع 5 ، 1372 ه. ش ، ص 21 - 32.

49 - إرصاد الأدلة فی معرفة الوقت والقبلة :

جعفر بن محمد بن عبد الله الستری العوامی البحرانی (1281 - 1342 ه).

تحقیق : عبد الأمیر المؤمن.

قم : دار الاعتصام ، 1413 ه.

50 - الأسئلة والأجوبة.

رسالة إلی أبی ریحان البیرونی فی أجوبة مسائل أنفذها إلی ابن سینا.

أبو ریحان البیرونی ، وابن سینا.

تصحیح : حسین نصر ، ومهدی محقق.

طهران : شورای عالی فرهنک وهنر ، 1970 م ، 90 ص (مع مقدمة بالفارسیة والإنجلیزیة).

51 - أساس الاقتباس.

نصیر الدین الطوسی.

تصحیح : مدرس رضوی.

طهران : جامعة طهران ، 1326 ه. ش ، 2 ، 599 ص ، 25 سم.

52 - الاستشفاء بالتربة الشریفة الحسینیة.

محمد بن محمد إبراهیم الکلباسی

الأصفهانی (1247 - 1315 ه).

تحقیق : حسین غیب غلامی.

قم : 1413 ه.

53 - الاستخارة من الکتاب المبین.

میرزا أبو المعالی بن محمد بن إبراهیم الکلباسی الأصفهانی (1247 - 1315 ه).

تحقیق : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام.

قم : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام ، 1411 ه.

54 - استقصاء النظر فی البحث عن القضاء والقدر.

العلامة الحلی (648 - 726 ه).

تحقیق : یعقوب جعفری.

ص: 196

قم : کلام ، ع 6 ، 1372 ه. ش ، ص 34 - 48.

55 - أسرار الآیات.

صدر الدین الشیرازی.

تصحیح : محمد خواجوی.

طهران : أنجمن فلسفة إیران ، 1360 ه. ش ، 246 ص.

56 - أسرار الحکم.

ملا هادی السبزواری.

تعلیق وتقدیم : أبو الحسن الشعرانی.

طهران : المکتبة الإسلامیة.

57 - کتاب الأسرار وسر الأسرار.

محمد بن زکریا الرازی (ت 311 ه).

تحقیق : محمد تقی دانش بزوه.

طهران : منشورات جامعة طهران ، ط 1 ، 1964 م ، 128 ص.

58 - الإسطنبولیة فی الواجبات العینیة.

أو : ما لا یسع المکلف جهله.

الشهید الثانی (911 - 965 ه).

تحقیق : أحمد العابدی ، ورضا المختاری.

قم : تراثنا ، س 6، ع 1 (22) ،

1411 ه ، ص 169 - 204.

59 - أسماء السور القرآنیة.

ضمن مقطوعتین أدبیتین فی مدح النبی خیر البریة.

إبراهیم بن علی الحارثی العاملی

الکفعمی (ت 905 ه).

إعداد : محمد رضا الحائری.

قم : تراثنا ، س 7 ، ع 3 ، (28) ، 1412 ه ، ص 193 - 234.

60 - أسمی المطالب فی مناقب سیدنا علی بن أبی طالب.

شمس الدین محمد بن محمد الجزری الشافعی (ت 833 ه).

تقدیم وتحقیق وتعلیق : محمد هادی الأمینی.

أصفهان : مکتبة الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام العامة ، 1361 ه. ش ، 160 ص ، 24 سم.

61 - الإشراف.

الشیخ المفید (ت 413 ه).

تحقیق : محمد مهدی نجف.

قم : المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ، ط 1 ، 1413 ه ، 48 ص

ص: 197

(مصنفات الشیخ المفید ، 9).

62 - أصل الأصول.

محمد نعیما طالقانی ، کان حیا سنة 1152 ه.

تصحیح : جلال الدین آشتیانی.

مشهد : أنجمن حکمت وفلسفة ، 1976 م (منتخباتی أز آثار حکمای إلهی إیران ، 3 : 359 - 542).

63 - الأصول الستة عشر.

وهی تشمل علی :

1 - أصل زید بن الزراد الکوفی.

2 - أصل أبی سعید عباد العصفری.

3 - أصل عاصم بن حمید الحناط.

4 - أصل زید النرسی.

5 - أصل جعفر بن محمد بن شریح الحضرمی.

6 - أصل محمد بن المثنی بن القاسم الحضرمی.

7 - أصل عبد الملک بن حکیم الخثعمی.

8 - کتاب مثنی بن الولید الحناط.

9 - کتاب خلاد السندی.

10 - کتاب الحسین بن عثمان بن شریک.

11 - أصل سلام بن أبی عمرة.

12 - کتاب عبد الله بن یحیی الکاهلی.

13 - نوادر علی بن أسباط.

14 - دیات ظریف بن ناصح.

15 - مختصر أصل العلاء بن رزین.

16 - ما وجد من کتاب درست بن منصور.

باهتمام : حسن المصطفوی.

طهران : 1371 ه ، 174 ص.

64 - الأصول علی النهج الحدیث.

محمد حسین الغروی الأصفهانی (1296 - 1361 ه).

تحقیق : جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة.

قم : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة ، 1409 ه ، ضمن : (بحوث فی الأصول) للمؤلف.

65 - أصول المعارف.

محمد بن شاه مرتضی ، المعروف بالفیض الکاشانی (ت 1091 ه).

تعلیق وتصحیح وتقدیم : جلال الدین آشتیانی.

مشهد : کلیة الإلهیات والمعارف الإسلامیة ، 1354 ه. ش ، 24 سم.

ص: 198

66 - أطائب الکلم فی بیان صلة الرحم.

حسن بن علی بن عبد العالی الکرکی العاملی.

إعداد : أحمد الحسینی.

قم : ط 1 ، 1394 ه ، 47 ص ، 24 سم.

67 - أعاجیب الأکاذیب.

محمد جواد البلاغی (1282 - 1352 ه).

إعداد : محمد علی الحکیم.

قم : دار الإمام السجاد علیه السلام ، 1412 ه.

68 - الاعتراض علی من یثبت حدوث الأجسام من الجواهر.

الشریف المرتضی (ت 436 ه).

إعداد : مهدی الرجائی.

قم : دار القرآن الکریم ، 1405 ه.

(رسائل الشریف المرتضی ، مج 3 : ص 329 - 334).

69 - اعتراضات أبی ریحان علی أجوبة ابن سینا.

تحقیق : مهدی محقق.

قم : بیدار ، 1400 ه ، مع : رسائل ابن

سینا ، ص 481 - 519.

70 - الاعتقادات.

الشیخ الصدوق (381 ه).

تحقیق : عصام عبد السید.

قم : المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ، ط 1 ، 1413 ه، 128 ص (مصنفات الشیخ المفید ، 5).

71 - الاعتقادات.

محمد باقر المجلسی (ت 1110 ه).

تحقیق : مهدی الرجائی.

أصفهان : مکتبة العلامة المجلسی ، 1409 ه.

72 - الاعتماد فی شرح واجب الاعتقاد.

المقداد بن عبد الله السیوری الحلی الأسدی (ت 826 ه).

تحقیق : صفاء الدین البصری.

مشهد : مجمع البحوث الإسلامیة ، ط 1 ، 1412 ه ، 175 ص ، 24 سم.

73 - الإعلام بحقیقة إسلام أمیر المؤمنین علیه السلام.

محمد بن علی بن عثمان الکراجکی.

تحقیق : علی موسی الکعبی.

ص: 199

قم : تراثنا ، س 5 ، ع 4 (21) ،1410 ه ، ص 389 - 420.

74 - الإعلام بما اتفقت علیه الإمامیة من الأحکام.

الشیخ المفید (ت 413 ه).

تحقیق : محمد الحسون.

قم : المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ، ط 1 ، 1413 ه ، 80 ص (مصنفات الشیخ المفید ، 9).

75 - أعلام الدین فی صفات المؤمنین.

الحسن بن أبی الحسن الدیلمی ، صاحب : إرشاد القلوب (ق 8 ه).

تحقیق : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.

قم : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث ، ط 1 ، 1408 ه = 1367 ه. ش ، 532 ص ، 24 سم.

76 - أعلام النبوة.

أبو حاتم الرازی.

تحقیق : صلاح الصاوی ، وغلام رضا أعوانی.

قدم له بالإنجلیزیة : سید حسین نصر.

طهران : أنجمن فلسفة إیران ،

1397 ه = 1356 ه. ش ، 354 ص ، 24 سم.

77 - إعلام الوری بأعلام الهدی.

الفضل بن الحسن الطبرسی (468 - 548 ه).

تصحیح : علی أکبر الغفاری.

طهران : 1338 ه. ش ، 463 ص.

78 - کتاب إفاضة القدیر فی أحکام العصیر.

شیخ الشریعة الأصفهانی.

تصحیح : یحیی بن محمد صالح العراقی.

قم : مطبعة مهر ، 1370 ه ، 147 ص ، 21 سم.

79 - إفحام الأعداء والخصوم بتکذیب ما افتروه علی سیدتنا أم کلثوم علیها سلام الملک الحی القیوم.

ناصر حسین الموسوی الهندی.

تقدیم وتحقیق وتعلیق : محمد هادی الأمینی.

طهران : مکتبة نینوی الحدیثة ، د. ت ، ج 1 ، 186 ص ، 24 سم.

ص: 200

80 - الافصاح فی إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام.

الشیخ المفید (ت 413 ه).

تحقیق : قسم الدراسات الإسلامیة فی مؤسسة البعثة.

قم : مؤسسة البعثة ، 1412 ه.

81 - الافصاح فی الإمامة.

الشیخ المفید (ت 413 ه).

تحقیق : مؤسسة البعثة.

قم : المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ، ط 1 ، 1413 ه ، 288 ص (مصنفات الشیخ المفید ، 8).

82 - أفعال العباد بین الجبر والتفویض.

نصیر الدین الطوسی (597 - 672 ه).

باهتمام : عبد الله نورانی.

طهران : مؤسسة مطالعات إسلامی جامعة مک کیل وجامعة طهران ، 1980 م ، مع : (تلخیص المحصل) وغیره للمؤلف ، ص 477 - 478.

83 - أفلاطون فی الإسلام.

نصوص حققها وعلق علیها :

عبد الرحمن بدوی.

طهران : مؤسسة مطالعات إسلامی

جامعة مک کیل وجامعة طهران ، 1974 م ، 352 ص.

84 - أقاویل العرب فی الجاهلیة.

الشریف المرتضی (ت 436 ه). إعداد : مهدی الرجائی.

قم : دار القرآن الکریم ، 1405 ه ، 10 ص ، (رسائل الشریف المرتضی ، مج ص : ص 221 - 231).

85 - أقسام المولی فی اللسان.

الشیخ المفید (ت 413 ه).

تحقیق : محمد مهدی نجف.

قم : المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ، ط 1، 1413 ه، 48 ص (مصنفات الشیخ المفید ، 8).

86 - الأقطاب الفقهیة علی مذهب الإمامیة.

ابن أبی جمهور الأحسائی ، محمد بن علی بن إبراهیم الهجری الأحسائی (ق 9 ه).

تحقیق : محمد الحسون.

إشراف : محمود المرعشی.

ص: 201

قم : مکتبة السید المرعشی ، 1410 ه ، 206 ص.

87 - أقل ما یجب الاعتقاد به.

نصیر الدین الطوسی (597 - 672 ه).

باهتمام : عبد الله نورانی.

طهران : مؤسسة مطالعات إسلامی مک کیل وجامعة طهران ، 1980 م ، مع : (تلخیص المحصل) وغیره للمؤلف ، ص 471 - 472).

88 - الأقوال الذهبیة.

حمید الدین کرمانی.

تحقیق : صلاح الصاوی.

تقدیم : غلام رضا أعوانی.

طهران : جمعیة الفلسفة الإیرانیة ، 1397 ه ، 142 ص.

89 - الألفاظ المستعملة فی المنطق.

الفارابی ، محمد بن محمد (ت 339 ه).

نشره : محسن مهدی.

بیروت : المطبعة الکاثولیکیة ، ط 1 ، 1968 م ، 124 ص.

طهران : مکتبة الزهراء ، ط 3 ،

1363 ه. ش ، 124 ص ، 24 سم.

90 - الألفیة والنفلیة فی الصلاة الیومیة.

الشهید الأول (734 - 786 ه).

تحقیق : علی الفاضل القائینی.

قم : مکتب الإعلام الإسلامی ، 1408 ه.

91 - الألواح العمادیة.

شهاب الدین السهروردی.

تصحیح : نجف قلی حبیبی.

طهران : 1397 ه (ثلاث رسائل الشیخ الاشراق ، ص 1 - 78).

92 - الأمالی.

الشیخ المفید (ت 413 ه).

تحقیق : حسین الأستاد ولی ، وعلی أکبر الغفاری.

قم : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ، 418 ص.

93 - الإمامة.

أسد الله الموسوی الأصفهانی بن محمد باقر الشفتی الجیلانی (1227 - 1290 ه).

ص: 202

تحقیق : مهدی الرجائی.

أصفهان : مکتبة مسجد حجة الإسلام الشفتی ، 1411 ه.

94 - الإمامة والتبصرة من الحیرة.

علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی (ت 329 ه).

قم : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام ، 1406 ه ، تحقیق : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام).

بیروت : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث ، 1407 ه ، تحقیق : محمد رضا الحسینی).

95 - الأمان من أخطار الأسفار والأزمان.

ابن طاووس ، رضی الدین علی بن موسی بن جعفر الحسنی (ت 664 ه).

تحقیق : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.

قم : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث ، ط 1 ، 1409 ه ، 266 ص ، 24 سم.

96 - أمثال القرآن الکریم.

إعداد: ضیاء الدین الحدائق الشیرازی.

باهتمام : مهدی ماحوزی.

إیران : ط 1 ، 1363 ه. ش ، 304 ص ، 21 سم.

97 - أمل الآمل.

محمد بن الحسن الحر العاملی (ت 1104 ه).

تحقیق : أحمد الحسینی.

بغداد : مکتبة الأندلس ، ط 1 ، 1385 ه = 1966 م ، 2 ج : 242 + 484 ص.

قم : 1362 ه. ش ، 2 ج ، 242 + 484 ص ، 24 سم.

98 - إنجاح المطالب.

شرح المنظومة المحبیة فی علوم البلاغة.

محمد بن محمد رضا القمی المشهدی (ق 12 ه).

تحقیق : محمد رضا الحسینی الجلالی.

قم : تراثنا ، س 6 ، ع 4 (25) ، 1411 ه ، ص 115 - 242.

99 - أنساب الأشراف.

البلاذری ، أحمد بن یحیی (ت

ص: 203

279 ه).

تحقیق : محمد باقر المحمودی.

بیروت : ط 1 ، 1977 م ، ج 3 ، 501 ص.

100 - إنقاذ البشر من الجبر والقدر.

الشریف المرتضی (ت 436 ه).

إعداد : مهدی الرجائی.

قم : دار القرآن الکریم ، 1405 ه (رسائل الشریف المرتضی ، مج 2 : ص 178 - 249).

101 - أنموذج العالم.

جلال الدین محمد بن أسعد الدوانی (830 - 908 ه).

تحقیق : أحمد التویسرکانی.

مشهد: مجمع البحوث الإسلامیة، 1411 ه (مع رسائل أخری للمؤلف).

102 - أنوار البدرین فی تراجم علماء القطیف والأحساء والبحرین.

علی بن حسن البلادی البحرانی (1274 - 1340 ه).

أشرف علی طبعه وتصحیحه : محمد علی محمد رضا الطبسی.

قم : مکتبة السید المرعشی ، ط 2 ،

1407 ه ، 433 ص ، 24 سم.

103 - الأنوار اللامعة فی شرح الزیارة الجامعة.

عبد الله شبر الحسینی (ت 1242 ه).

تصحیح : جعفر المحمودی.

مشهد : مؤسسة البعثة ، 1408 ه.

104 - أنوار الملکوت فی شرح الیاقوت العلامة الحلی (ت 726 ه).

تصحیح : محمد نجمی الزنجانی.

طهران : جامعة طهران : 1338 ه. ش ، 100 + 249 ص ، (منشورات جامعة طهران ، 543).

105 - أنوار الولایة.

زین العابدین الکلبایکانی (1218 - 1289 ه).

هذا الکتاب عبارة عن ثمان رسائل ، سمیت بهذا الاسم من قبل لجنة التحقیق ، وهذه الرسائل هی :

1 - کتاب : روح الإیمان ، فی شرح حدیث : (لو اجتمع الناس علی حب علی ما خلق الله النار).

2 - رسالة فی تحقیق حال الصراط.

3 - رسالة فی شرح حدیث إسلام

ص: 204

أعرابی بعد شهادة الضب.

4 - رسالة فی علم الإمام المعصوم وسعته.

5 - رسالة فی شرح حدیث المعرفة.

6 - رسالة فی فضل محبة أمیر المؤمنین علی علیه السلام ومعنی الحب له.

7 - رسالة فی تحقیق حال علم المعصومین علیهم السلام بالموضوعات.

8 - رسالة : إیضاح الجوامع ، فی شرح الخطبة النبویة فی فضائل شهر رمضان المبارک.

إیران : 1409 ه.

106 - إهداء الحقیر فی معنی حدیث الغدیر إلی أخیه البارع البصیر.

مرتضی بن أحمد بن محمد الحسینی الخسروشاهی التبریزی.

باهتمام : هادی الخسروشاهی.

قم : 1398 ه.

107 - أوائل المقالات فی المذاهب المختارات.

الشیخ المفید (ت 413 ه).

طهران : مؤسسة مطالعات إسلامی جامعة مک کیل وجامعة طهران ، 1413 ه ، 95 ص (مقدمة بالفارسیة) +

182 ص + 8 ص (لاتینی) (باهتمام : مهدی محقق).

قم : المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ، 1413 ه ، 140 ص (تحقیق : إبراهیم الأنصاری الزنجانی) (مصنفات الشیخ المفید ، 4).

108 - الایجاز فی الفرائض والموارث.

الشیخ الطوسی ، محمد بن الحسن (ت 460 ه).

تحقیق : هادی الأمینی.

النجف : مطبعة دار الحکمة ، ط 1 ، 1963 م ، 32 ص.

قم : مؤسسة النشر الإسلامی ، (الرسائل العشر ، ص 267 - 281) (تصحیح : رضا الأستادی).

109 - الایضاح.

الفضل بن شاذان الأزدی النیسابوری (ت 260 ه).

حققه وخرج أحادیثه وقدم له : السید جلال الدین الحسینی الأرموی المحدث.

طهران : جامعة طهران ، 1351 ه. ش ، 102 ، 676 ص ، (منشورات جامعة طهران ، 1347).

ص: 205

110 - إیضاح ترددات الشرائع.

جعفر بن الزهدری الحلی (ق 8 ه).

تحقیق : مهدی الرجائی.

إشراف : محمود المرعشی.

قم : مکتبة السید المرعشی ، ط 1 ، 1408 ه ، 2 ج فی 1 مج.

111 - الایقاد.

محمد علی بن محمد الحسینی الشاه عبد العظیمی النجفی (1258 - 1334 ه).

قم : منشورات الفیروزآبادی ، 1411 ه.

112 - إیقاظ النائمین.

صدر الدین الشیرازی.

تقدیم وتصحیح : محسن مؤیدی.

طهران : مؤسسة التحقیقات والبحوث

الإسلامیة ، 1361 ه. ش ، 32 ، 87 ص.

113 - إیمان أبو طالب.

الشیخ المفید (ت 413 ه).

تحقیق : مؤسسة البعثة.

قم : مؤسسة البعثة ، 1412 ه.

قم : المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ

المفید ط 1 ، 1413 ه ، 48 ص (مصنفات الشیخ المفید 10).

114 - الباقیات الصالحات.

فی أصول الدین الإسلامی علی مذهب الشیعة الإمامیة الاثنی عشریة.

محمد هادی الخراسانی الحائری (1297 - 1368 ه).

تقدیم : محمد رضا الحسینی الجلالی.

قم : تراثنا س 7 ، ع 1 (26) ، 1412 ه ، ص 191 - 225.

115 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار.

محمد باقر بن محمد تقی المجلسی (1037 - 1110 ه).

تحقیق : محمد باقر المحمودی.

طهران : وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی ، 1047 ه ، ج 32 ، 1409 ه ، ج 33 ، 1413 ه ، ج 34.

116 - بحوث فی الفقه.

محمد حسین الغروی الأصفهانی.

تحقیق : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة.

ص: 206

قم : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ، 1409 ه.

117 - بدایة الهدایة ولب الوسائل.

محمد بن الحسن ، الحر العاملی (ت 1104 ه).

تحقیق : محمد علی الأنصاری.

قم : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث ، 1047 ه.

118 - البراهین الجلیة فی رفع تشکیکات الوهابیة.

محمد حسن القزوینی.

تحقیق: محمد منیر الحسینی المیلانی.

بیروت : دار القارئ ط 1 ، 1047 ه.

119 - برهان السالکین.

عبد الحسین ذو الریاستین نعمت اللهی مؤنس علی شاه.

باهتمام : جواد نور بخش.

طهران : خانقاه نعمت اللهی ، 1976 م، 12، 290 ص، (انتشارات خانقاه أحمد).

120 - بشارات الشیعة.

محمد إسماعیل المازندرانی الخواجوئی (ت 1173 ه).

تحقیق : مهدی الرجائی.

قم : دار الکتاب الإسلامی ، ط 1 ، 1411 ه (الرسائل الاعتقادیة 1 : 1 - 247).

121 - بصائر الدرجات فی فضائل آل محمد.

محمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمی (ت 290 ه).

تصحیح : میرزا محسن کوجه باغی التبریزی.

قم : مکتبة السید المرعشی ، 1404 ه ، 18 + 557 ص (أوفسیت).

122 - بقاء النفس بعد بوار البدن.

نصیر الدین الطوسی (597 - 672 ه).

باهتمام : عبد الله نورانی.

طهران : مؤسسة مطالعات إسلامی جامعة مک کیل وجامعة طهران ، 1980 م ، مع : (تلخیص المحصل) وغیره للمؤلف ، ص 485 - 490).

ص: 207

123 - بلغة المحدثین.

سلیمان بن عبد الله الماحوزی.

تحقیق : عبد الزهراء العویناتی البلادی.

قم : مطبعة سید الشهداء ، 1412 ه ، مع : (معراج أهل الکمال) للمؤلف.

124 - بناء المقالة الفاطمیة فی نقض الرسالة العثمانیة.

جمال الدین أحمد بن موسی بن طاووس الحسنی الحلی (ت 673 ه).

تحقیق : علی العدنانی الغریفی.

قم : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث ، 1411 ه ، 535 ص ، 24 سم.

125 - بهج الصباغة فی شرح نهج البلاغة.

محمد تقی بن کاظم التستری.

تحقیق : أحمد باکتجی.

طهران : مؤسسة نهج البلاغة ، 1409 ه ، ج 1.

126 - بهجة الآمال فی شرح زبدة المقال.

ملا علی العلیاری التبریزی (1236 -

1327 ه).

تصحیح : هدایة الله المسترحمی.

قم : مؤسسة الثقافة الإسلامیة ، ط 1 ، 1364 ه. ش ، 5 ج ، 24 سم.

127 - البیان.

فی الفقه.

الشهید الأول ، محمد بن مکی الجزینی العاملی.

تحقیق : محمد الحسون.

قم : مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام الثقافیة ، 1412 ه ، 408 ص.

128 - بیان الحق بضمان الصدق: المنطق.

1 - المدخل.

أبو العباس فضل بن محمد اللوکری.

تحقیق : إبراهیم الدیباجی.

طهران : أمیر کبیر ، ط 1 ، 1364 ه. ش ، 242 ص ، 24 سم.

129 - البیان فی أخبار صاحب الزمان علیه السلام.

محمد بن یوسف الکنجی الشافعی (ت 658 ه).

النجف : المطبعة الحیدریة ، 1970 م ،

ص: 208

مع : (کفایة الطالب) للمؤلف (تحقیق : محمد هادی الأمینی).

قم : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ، 1409 ه ، مع : (أحادیث المهدی من مسند أحمد بن حنبل) (تحقیق : محمد جواد الحسینی الجلالی).

130 - البیان فی شرح غریب القرآن.

قاسم بن حسن محیی الدین.

تحقیق : مرتضی الحکمی.

النجف : المطبعة العلمیة ، 1955 م ، 3 ج.

131 - تأویل الآیات الظاهرة فی فضائل العترة الطاهرة.

شرف الدین علی الحسینی الأسترآبادی النجفی (ق 10 ه).

تحقیق : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام.

قم : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام ، 1409 ه ، ج 2.

132 - تاج المصادر.

فی اللغة.

أبو جعفر أحمد بن علی بن محمد

المقری البیهقی السبزواری.

تصحیح : هادی عالم زاده.

طهران : وزارة الثقافة والتعلیم العالی ، 1366 ه. ش ، ج 1 : 560 ص ، 24 سم.

133 - تاریخ أهل البیت علیهم السلام.

نقلا عن الأئمة: الباقر والصادق والرضا والعسکری عن آبائهم علیهم السلام.

بروایة : نصر الجهضمی ، والفریابی ، وابن أبی الثلج ، والعمی، وابن همام ، والخصیبی ، والذراع ، وابن الخشاب ، وابن النجار، وابن طاوس، والأربلی، وغیرهم.

تحقیق : السید محمد رضا الحسینی.

قم : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث ، ط 1 ، 1410 ه ، 227 ص ، 24 سم.

134 - تاریخ حصر الاجتهاد.

آقا بزرک الطهرانی (ت 1389 ه).

تحقیق : محمد علی الأنصاری.

قم : مطبعة الخیام ، 130 ص 24 سم.

135 - تاریخ نیسابور.

(المنتخب من السیاق).

ص: 209

عبد الغافر بن إسماعیل الفارسی (451 - 529 ه).

انتخاب : إبراهیم بن محمد بن الأزهر الصریفینی.

إعداد : محمد کاظم المحمودی.

قم : جماعة المدرسین فی الحوزة ، ج 1.

136 - تبصرة المتعلمین فی أحکام الدین.

العلامة الحلی (ت 726 ه).

تحقیق : أحمد الحسینی ، وهادی الیوسفی.

قم : مجمع الذخائر الإسلامیة ، 1361 ه. ش ، 230 ص ، 24 سم.

137 - تبصرة الولی فیمن رأی القائم المهدی علیه السلام.

هاشم بن سلیمان البحرانی (ت 1107 ه).

تحقیق: مؤسسة المعارف الإسلامیة.

قم : مؤسسة المعارف الإسلامیة ، 1411 ه.

138 - تبیان المسالک فی باب الوجود والموجود.

میرزا أحمد الآشتیانی (ت 1395 ه).

تصحیح : رضا الأستادی.

قم : نور علم ، ع 10 ، 1405 ه ، ص 127 - 142.

139 - تتمة الیتیمة.

أبو منصور عبد الملک الثعالبی النیشابوری.

باهتمام : عباس إقبال آشتیانی.

طهران : 1353 ه ، 2 ج ، 168 + 128 ص.

140 - تتمیم أمل الآمل.

عبد النبی القزوینی (ق 12 ه).

تحقیق : أحمد الحسینی.

باهتمام : محمود المرعشی.

قم : مکتبة السید المرعشی، ط 1، 1407 ه، 222 ص، 24 سم(مخطوطات مکتبة آیة الله المرعشی العامة ، 16).

للبحث صلة ...

ص: 210

من ذخائر التراث

ص: 211

ص: 212

صورة

ص: 213

ص: 214

المقدمة :

بسم الله الرحمن الرحیم

ترجمة المؤلف

اسمه ولقبه ونسبه :

سماه أبوه (علی نقی) وعرف ب : (هادی) ویذکر ب : (المیرزا هادی) و (محمد هادی).

الحسینی ، الخراسانی ، البجستانی ، الحائری.

ابن العالم العامل التقی ، العلامة الورع الجلیل السید الأمیر علی الحسینی ، البجستانی ، ابن السید محمد ، بن الأمیر أبی طالب ، بن الأمیر کلان ، وهذا الجد الأعلی هو من الشخصیات المرموقة فی مدینة (بجستان) من توابع محافظة خراسان.

ولادته ومنشؤه :

ولد السید المؤلف فی کربلاء المقدسة ، فی غرة ذی الحجة الحرام سنة 1297 ه.

نشأ فی مسقط رأسه ، ودخل الکتاب ، فأتقن القراءة والکتابة ، وهو ابن سبع سنین ، وانتهی فی سنة 1309 من دراسة أولیات الأدب من النحو والصرف ، حیث هاجر به والده إلی خراسان.

تقدیم : السیّد محمّدرضا الحسینی الجلالی

ص: 215

دراسته :

ومکث فی مشهد الإمام الرضا علیه السلام من سنة 1309 - 1314 ه ، مکبا علی تحصیل المقدمات لدی أساتذتها ، وإکمال الکتب الأدبیة کالألفیة والکافیة والشافیة وشروحها ، والمغنی والمطول ، وعلوم المنطق والأصول ، والریاضیات ، والأخلاق والآداب ، فی کتبها المتداولة ، ومن بین أساتذته : السید والده ، والأدیب النیشابوری الکبیر.

ورجع سنة 1314 ه إلی کربلاء ، وانقطع إلی دراسة الفقه والأصول ، وفی شوال سنة 1315 ه هاجر إلی النجف الأشرف ، حاضرة العلم ، فاشتغل بتکمیل کتب السطوح العالیة ، مضافا إلی حضور دروس المعقول عند أساتذته ، منهم : الشیخ میرزا محمد باقر الاصطهباناتی ، الشهید سنة 1326 فی شیراز.

ثم بدأ بحضور دروس الخارج فی الفقه والأصول علی أعلام النجف من الفقهاء والأصولیین ، منهم : شیخ الشریعة فتح الله الغروی الأصفهانی الشیرازی (ت 1339 ه) ، والمحقق الآخوند الخراسانی المولی محمد کاظم ، صاحب (الکفایة) ت (1329 ه) ، والفقیه المرجع السید محمد کاظم الطباطبائی الیزدی (ت 1338 ه).

وجد فی التحصیل فی النجف طیلة خمس سنوات من دون انقطاع ، حتی هاجر فی سنة 1320 ه إلی سامراء ، فبقی هناک بطلب من کبیر علمائها الشیخ میرزا محمد تقی الشیرازی زعیم ثورة العشرین ، والسید میرزا علی آقا نجل السید المجدد ، فأقام فی سامراء مشتغلا بالحضور لدی الشیخ الشیرازی ، وکان یعد من أفاضل تلامذته المرموقین ، وقام بتدریس الخارج فقها وأصولا ، کما درس المعقول الکلام.

ص: 216

جهاده :

وقد اشترک مع شیخه التقی المجاهد فی عدة قضایا اجتماعیة أدت به إحداها سنة 1330 ه إلی السجن فی بغداد ، بصفته الناطق عن الشیخ.

ولما استعر أوار الحرب العالمیة الأولی سنة 1333 ه انتدبه أستاذه الشیخ التقی لیمثله فی بعض المهمات الخاصة ، وأوفده إلی إیران.

وفی شهر شوال من سنة 1335 ه خرج بصحبة الشیخ الأستاذ مهاجرین من سامراء ، وأقاموا مدة فی الکاظمیة ، والسید یلازمه ملازمة الظل ، حتی وردوا کربلاء فی 18 صفر 1336 ه.

ولما دخل الشیخ التقی معمعة الجهاد المقدس ، دفاع عن حوزة الإسلام وکرامة المسلمین ، ضد الإنکلیز الکفرة المحتلین ، کان السید إلی جانبه ، طول المدة التی وقف فیها علماء الإسلام ، حتی توفی زعیم الثورة الشیخ التقی فی الثالث من ذی الحجة سنة 1338 ه.

وفی ما خلفه السید من أوراق ومؤلفات نتف من المذکرات الهامة حول ذلک الجهاد المقدس.

مرجعیته :

وعندما استقرت الأوضاع ، انقطع السید إلی التدریس والتألیف ، والإفتاء ، وقضاء أمور المؤمنین ، فکانت له الزعامة العلمیة فی کربلاء ، وقلده جماعة من أهلها ، کما قلده جمع من أهالی بغداد وخراسان وطهران ، وکان یعد من کبار فقهاء الطائفة وأصولییها ، مع التبحر فی العلوم العقلیة ، والکلامیة ، وعلوم القرآن والحدیث.

وله مواقف نضالیة فی مواجهة الحکومة العراقیة ، فی قضایا خاصة ، مذکورة فی تاریخ حیاته.

ص: 217

وکذلک فی الدفاع عن حریم أهل البیت علیهم السلام عندما أقدم الوهابیون الجهلة علی هدم قبورهم فی المدینة المنورة ، فکان للسید المؤلف سعی بلیغ فی إثارة الأمة لاستنکار هذه الجریمة النکراء ، کما جد فی فضح القائمین بها بالکتب التی ألفها ردا علیها ، ومنها کتاب (دعوة الحق إلی أئمة الخلق).

ووقف من تصرفات شاه إیران الأسبق ، المشبوهة ، والهادفة لمحو آثار الدیانة ، ومسخ الشعب الإیرانی المسلم ، وعلمنة البلد ، وقفة حازمة ، فکانت له مساجلات ومناقشات حادة مع الشاه نفسه ، ومع جلاوزته وأعوانه ، کما کان یثیر الأمة وعلمائها للتحرک ضد تلک الإجراءات الفاسقة.

کلمات الأعلام فی حقه :

قد مر ذکر أغلب ما قیل فی حقه من هذه الکلمات ص 87 - 89 من مقالنا المنشور فی أول هذا العدد ، وفیما یلی نثبت منها ما لم نذکره هناک :

قال السید الأصفهانی : الإمام (1).

وقال الإمام الشیخ الشیرازی : الورع البارع الهادی المهدی (2).

وفاته :

وبعد عمر مبارک قضاه السید بین التحصیل ، والتألیف ، والجهاد ، والفتوی ، والعمل لله ، قضی نحبه فی 12 ربیع الأول 1368 ه عن عمر یناهز السبعین عاما.

ورثاه الشعراء والخطباء ، وأبنه العلماء ، وممن أرخ وفاته العالم المرحوم

ص: 218


1- 1. أنوار الکاظمین : 125.
2- (2) إجازة الإمام الشیخ الشیرازی للسید ، طبع نصها فی سیرة آیة الله الخراسانی : 106 - 107

الشیخ عبد الحسین الحویزی فی قوله :

عن هذه الدنیا مضی سید

ساد الوری بالجد والجد

نواحسا أیامها أصبحت

مذ غاب نجم الیمن والسعد

إذ کان نورا ومنارا به

للخلق یزهو منهج الرشد

والعلم أضحی جیده عاطلا

وأنبت سمط جوهر العقد

أروع فی تاریخه : (ماجد

هاد البرایا قر فی الخلد).

مشایخه فی العلم والروایة :

1 - السید والده ، العلامة التقی السید علی البجستانی ، أخذ منه بعض مقدمات العلوم.

2 - الأدیب النیشابوری الکبیر ، در عنده الکتب الأدبیة فی مشهد.

3 - الشیخ محمد کاظم الخراسانی الآخوند ، صاحب کفایة الأصول ، وقد شرحها السید بشروح ثلاثة ، حضر علیه فی النجف الأشرف.

4 - السید محمد کاظم الطباطبائی الیزدی ، صاحب العروة الوثقی ، حضر علیه برهة فی النجف الأشرف ، وشرح کتابه العروة.

5 - الشیخ محمد تقی الشیرازی الحائری ، زعیم ثورة العشرین العراقیة ، وقد أجازه بالاجتهاد ، والروایة المدبجة.

6 - الشیخ فتح الله الغروی ، شیخ الشریعة الأصفهانی ، الشیرازی ، وقد أجازه بروایة الحدیث.

7 - الشیخ محمد حسن ، الشهیر بکبة ، البغدادی ، وهو من مشایخ إجازته فی الحدیث.

8 - السید حسن الصدر العاملی الکاظمی ، وهو من مشایخ إجازته فی الحدیث.

ص: 219

9 - السید إبراهیم الروای الشافعی البغدادی ، وهو من علماء العامة ، وقد أجازه بروایة الحدیث من طرقهم.

10 - الشیخ فضل الله المازندرانی ، من أفاضل علماء کربلاء ، وقد أجازه بالاجتهاد والروایة.

تلامذته والراوون عنه :

1 - الشیخ آقا بزرک الطهرانی (ت 1389 ه) وهو زمیل السید المؤلف فی الدراسة ، وإنما تبادلا الإجازة لروایة الحدیث ، فهی بینهما مدبجة.

2 - السید محمد مهدی الأصفهانی الکاظمی ، من علماء الکاظمیة والمؤلفین المکثرین ، وقد حضر علی السید المؤلف برهة فی کربلاء ، وحصل منه علی إجازة الحدیث.

3 - السید محمد طاهر البحرانی البوشهری ، من علماء کربلاء وأئمة الجماعة فیها.

4 - السید مهدی بن السید حبیب الشیرازی ، من علماء کربلاء وأئمتها فی الجماعة ، یروی عن السید المؤلف بالإجازة ، کما ذکره المجاز فی إجازته لسماحة السید الکاشانی دام ظله.

5 - الشیخ محمد علی سیبویه الیزدی ، من أئمة کربلاء فی الجماعة.

6 - الشیخ محمد علی الأوردبادی الغروی ، من علماء النجف وأدبائها والمحققین البارعین ، توفی سنة 1380 ه.

7 - السید علی نقی اللکنوی الهندی ، استجاز السید المؤلف فی روایة الحدیث.

8 - السید محمد صادق بحر العلوم النجفی ، من العلماء المحققین ، یروی عن السید المؤلف بالإجازة.

9 - السید محسن الحسینی الجلالی الکشمیری (ت 1396 ه) ، من

ص: 220

مدرسی الفقه فی کربلاء ، وکان إمام الحرمین الحسینی والعباسی ، وهو صهر السید المؤلف.

10 - السید شهاب الدین المرعشی النجفی (ت 1411 ه) ، من علماء مدینة قم ومراجعها ، یروی عن السید المؤلف بالإجازة.

هذا الکتاب وعملی فیه :

أحتفظ فی مکتبتی بمجلد مخطوط یحتوی علی عدة کتب کلها بخطی ، وأکثرها من مؤلفات جدی - أبی والدتی - سماحة آیة الله العظمی السید الخراسانی رحمه الله ، وهی :

1 - مرقاة الثقات فی تمییز المشترکات.

وهو أوسع مؤلف یعالج مشکلة التمییز بین الأسماء الرجالیة المشترکة بین أکثر من واحد ، بتعیین الراوی والمروی عنه.

وقد انتهیت من استنساخه فی شهر رمضان سنة 1386 ه.

2 - علم الإنسان بخلق القرآن.

رسالة تعالج موضوع خلق القرآن فی نظر الشیعة الإمامیة ، وهو من نوادر الرسائل فی هذا الموضوع ، وهو قید الإعداد من قبل کاتب هذه السطور.

3 - إفراط الغم والهمة فی إفراد العم وجمع العمة.

یبحث عن حکمة إفراد کلمة (عم) وجمع کلمة (عمة) فی آیة : ( وبنات عمک وبنات عماتک ... ) .

وقد ألف السبکی من العامة رسالة فی ذلک باسم : (بذل الهمة فی إفراد العم وجمع العمة).

4 - الأسئلة اللطیفة من الذروة الشریفة.

إجابة لخمسة أسئلة عن مواضیع متفرقة بطرز ظریف ، ألفها المصنف فی ذی القعدة الحرام سنة 1349 ه.

ص: 221

5 - رسالة فی البحث عن (عرض الجنة) والجمع بین آیاتها الواردة فی القرآن الکریم.

6 - عروض البلاء علی الأولیاء.

وهی الرسالة التی نقدمها ، ونقدم لها بهذه الأسطر.

ملاحظة السید بحر العلوم :

إن فضیلة العلامة المحقق الحجة السید محمد صادق بحر العلوم رحمه الله ، اطلع علی هذه المجموعة فاستعارها منی ، واستنسخ هذه الرسائل الصغار من خطی لیضیفها فی آخر مجموعة من مجامیعه التی کان یرغب ویتمنی أن تبلغ أربع عشر ، بعدد المعصومین علیهم السلام ، وقد وفق إلی ذلک بحصوله علی هذه الرسائل.

ولما أعاد إلی المجموعة وجدتها موشحة بملاحظات تصحیحیة بقلمه الشریف وبخطه الجمیل ، وفی هذه الرسالة بالخصوص کثیر من ذلک.

وقد التزمت بتلک الملاحظات فی طبع هذا الکتاب ، اعتزازا بها ، وتثمینا لجهده ، وسجلنا ذلک هنا تخلیدا لذکره ، رحمه الله وتغمده بالمغفرة والرضوان.

وکنت قد اتصلت به فی سنة 1394 ه بغرض الاستفادة من نسخة کانت عنده من (المکاسب) للشیخ الأنصاری ، وکانت مصححة علی خط الشیخ نفسه رحمه الله ، وذلک اثنا تدریسی للکتاب.

فلما عرفنی ، وعرفت أنه من المجازین من سماحة جدی السید الخراسانی رحمه الله ، استجزته ، فأجازنی ب (الإجازة الجلالیة) المبسوطة ، وهی محفوظة بخطه عندی.

وتوطدت علاقتی بالسید ، بعد أن ضعفت قواه وفقد بصره ، وانقطعت زیارة الآخرین إیاه ، فکنت لوحدی ، أستفید من مکتبته العامرة ، ویبث إلی أحزانه وشجونه ، وقد أجازنی فی آخر عمره بإجازة فریدة تحتوی علی تطبیق

ص: 222

(الطرق الثمانیة) بأسرها.

وقد توفی السید الصادق فی الحادی والعشرین من شهر رجب المرجب سنة 1399 ه ، خلال الأزمة العاصفة بالعراق ، فلم یؤد له ما یستحق من التبجیل والتکریم ، وفی العزم أن نسجل له (ذکری) تخلده.

رحمه الله وجزاه خیرا بما قدم من خدمات للعلم والتراث.

عملی فی الکتاب :

1 - قمت بتقطیع الکتاب ، وتنقیطه بالعلامات ، وضبطه بالحرکات ، تسهیلا لقراءته.

2 - بما أن المصنف لا یلتزم بوضع النقط فی الکتابة ، ویستعمل الاختزال فی کثیر من الکلمات ، فیما لم یعهد فیه مثل ذلک ، فقد حاولت تعدیل کل ذلک وفک الاختزال ، وإثبات الصورة المتداولة للکلمات.

کما عدلت ما وقع فی الکتاب من التأنیث والتذکیر والإشارة طبقا للقواعد العربیة ، وابتعادا عن العجمة التی قد تحدث علی أثر السرعة أو المسامحة أو الغفلة.

ومما عملته فی الکتاب هو إظهار بعض الضمائر ، التی کان وجودها مؤدیا إلی تعقید العبارة ، وکذلک بعض التقدیم والتأخیر ، فرارا عن الإرباک.

کل ذلک من دون إخلال بالمعانی ، ولا تحریف أو تصحیف فی الألفاظ ، ولا نقص فی شئ منها.

3 - وکانت لی تعلیقات معدودة ، غرضی منها توضیح المقصود ، ومساعدة القارئ علی المطالعة الواضحة ، والتنبیه علی المعانی العمیقة التی تختفی وراء عبارة الکتاب.

ص: 223

وبعد :

فهذا ما ساعدنی التوفیق علی تقدیمه لهذه الرسالة الشریفة ، الفریدة فی بابها.

ولم أتحدث هنا عن موضوع الکتاب اکتفاءا بما کتبته فی فی دراسة موسعة عنه بعنوان : (علم الأئمة بالغیب والاعتراض علیه بالإلقاء إلی التهلکة والإجابات عنه عبر التاریخ) المنشور فی هذا العدد ، ص 7 - 107.

وأنا أرجو بما أکتبه الزلفی عند الله یوم نلقاه.

والحمد لله رب العالمین ، وصلی الله علی سیدنا محمد ، وعلی أهل بیته الطیبین الطاهرین.

حرر فی العشرین من شهر جمادی الآخرة سنة خمسة عشر وأربعمائة وألف.

وکتب

السید محمد رضا الحسینی الجلالی

فی قم المقدسة.

ص: 224

عروض البلاء علی الأولیاء

بسم الله الرحمن الرحیم

إنما أذن الله تعالی ، ورضی أولیاؤه بعروض البلایا ، ووقع المظالم علیهم ، وصبروا ، وسلموا أنفسهم ، حتی تسلط الأشرار والکفار علیهم ، ولم یسببوا الموانع والمدافع ، حتی أنهم لم یسألوا الله تبارک وتعالی فی کشف الکروب وهلاک الأعداء.

بل قال الخلیل علیه السلام - بعد سؤال جبرئیل - :(علمه بحالی یکفی عن سؤالی).

وأعظم من ذلک قول الحسین علیه السلام : (هون ما نزل بی أنه بعین الله).

کل ذلک لوجوه :

ص: 225

الأول

وهو أفضلها

للفناء المحض ، وکمال العبودیة لله تعالی ، وعدم الاعتناء بما سواه ، وأنه (1) لا یری نفسه شیئا ، وذهل عن نفسه مع کمال قربه ، فکیف یتوجه إلی عدوه مع کمال بعده؟!

فیعد الشکوی ، والانضجار ، والدعاء علیه ، توجها إلی ما سوی الواحد الأحد المحبوب الصمد ، وذلک انحطاطا لمرتبته الشامخة ، بل منقاضة لفنائه المحض.

الثانی

لأن الرضا والتسلیم لمشیئة الله تعالی من أعلی مراتب العبادة.

وذلک مناف للمعالجة فی الدفع.

الثالث

للعلم بعموم قدرته ، وکمال حکمته ، وأنه تعالی لا یعزب عن عمله مثقال ذرة ، ولا یتصرف أحد من سلطانه أقل من رأس إبرة ، وأن الملک له ، لا شریک له ، وأنه لولا المصلحة التامة لا یوجد شئ فی العالم ، لأنه

ص: 226


1- 1. الضمیر یعود إلی الشخص المبتلی.

بشراشره (1) فی حیطة تصرفه ، ومداره علی وفق حکمته.

فکل ما یقع من الکائنات لا بد وأن یکون بعلم سابق من الله ، وتقدیر أزلی ، وقضاء حتمی ، وخیره أکثر من شره.

وإلا ، لکانت الحکمة الإلهیة ، والقوة الربانیة مانعة عن وجوده.

وهذا ، من غیر أن یلزم جبر فی أفعال العباد ، أو بطلان الثواب والعقاب (2).

الرابع

إظهار عظمة الله تعالی ، وصفاته الجمالیة والجلالیة ، وأنه مستحق لکل ما یمکن من العبد من الفناء والتسلیم (3).

ص: 227


1- 1. الشراشر : الأثقال ، والمراد هنا : جمیع شؤون العالم.
2- 2. یعنی أن الإرادة الربانیة ، والحکمة الإلهیة مهیمنة علی کل ما یقع ، ولله أن یفعل ما یشاء ، إلا أنه بحکمته جعل الاختیار لعباده ، ولمصلحة خلقه قرر لهم شریعة ومنهاجا ، لیحیی من حی عن بینة ویهلک من هلک عن بینة ، من دون أن ینقص من هیمنته شئ ، فهو القاهر فوق عباده ، وبإمکانه سلب ما أعطاهم من الاختیار ، إلا أنه لا یظلم أحدا ، ولا یعاقب عبدا إلا علی ما اختار من السوء.
3- (4) فإن التوغل فی مشاغل الحیاة ، والانهماک فی مشاکلها ، أو الانغماس فی ملذاتها ، قد تلهی الإنسان عن عظمة الله ، وقد تصرف المؤمن عن التفکیر فی هذه العظمة وعن واجبه فی التسلیم المطلق ، وعن مقام الرب فی استحقاق ذلک!

الخامس

ظهور علو مقام ذلک العبد ، وسمو مرتبة تلک العبادة (1)

حتی یتأسی به المتأسون [کما قال الله تعالی :] ( لقد کان لکم فی رسول الله أسوة حسنة ) [الآیة (21) من سورة الأحزاب (33)].

السادس

حتی یهون الخطب والکرب علی سائر الخلق فی عالم الکون والفساد ، فهذا لطف من الله تعالی ومن أولیائه ، بل أعظم نعمة علی العباد.

ولذلک قد اجتمع للحسین علیه السلام ، من کل ما یتصور - من أنواع البلیات والمصیبات - أعظم الأفراد ، حتی یتسلی بملاحظته أرباب المصائب (2) ، ویتوجه کل مکروب إلی الله تعالی ، ویبکی بتذکر ما یوافق کربه وشدته من مصائب الحسین علیه السلام ، فیسأل الله کشف کربه ، فیقضی حاجته البتة ، وقد جربنا ذلک.

وهذه غنیمة أهدیت إلیک ، فاحتفظ بها ، بعون الله.

ص: 228


1- المراد بالعبادة ، ذلک البلاء الذی یتحمله العبد قربة إلی الله ، وفی سبیل الله ودینه.
2- وفی هذا المعنی یقول الشیخ عبد الحسین الأعسم (ت 1247 ه) : أنست رزیتکم رزایانا التی

السابع

حتی لا یعترض سائر الخلق ، ویسلموا ، وترضی خواطرهم ، إذا رأوا مقاماتهم العالیة فی الدنیا والآخرة.

[قال الله تعالی :] ( ومن اللیل فتهجد به نافلة لک ، عسی أن یبعثک ربک مقاما محمودا ) [الآیة (79) من سورة الإسراء (17)].

الثامن

حتی یستحقوا المثوبات العظیمة ، والأجور الثمینة ، فإن الأجر علی قدر المشقة.

فلولا سجن یوسف علیه السلام ، وبکاؤه ، وغربته ومخالفة هواه ، ومجانبته الحرام ، لم یکن یستحق تلک السلطنة العظمی مع النبوة وعظیم الزلفة ، [قال الله تعالی :] ( وکذلک مکنا لیوسف فی الأرض یتبوأ منها حیث یشاء ، نصیب برحمتنا من نشاء ولا نضیع أجر المحسنین ، ولأجر الآخرة خیر ) [الآیتان (56 و 57) من سورة یوسف (12)].

وهذا لا ینافی أن یکون لله تعالی أن یعطی جمیع تلک المقامات لنبینا صلی الله علیه وآله وسلم ، أو للحسین علیه السلام ، وإن لم تعرض علیهما تلک البلیات من القتل والأذی أصلا.

فإن ذلک یکون - حینئذ - (تفضلا) لکون المحل لائقا لکل جمیل ، والمبدأ لا نقص فی جوده وفیضه.

فکان له أن یعطیهم (بلاء ابتلاء ، عین) ما یعطیهم مع الابتلاء ، وإنما

ص: 229

الفرق بین الحالتین هو (التفضل) و (الاستحقاق).

ومعلوم أن فی (الاستحقاق) مسرة وکمالا لا یوجد فی غیره ، من دون استلزام نقص فی المبدأ الفیاض ، لأن التسبب إلی تکمیل العبد ، وتحصیل المسرة والقرب بالعبودیة فیض ، هو أفضل من التحفظ علی صرف (التفضل).

مع ما فی ذلک من المصالح السالفة ، والآتیة ، وغیرها مما لا یحصی.

وبما حققنا یجاب عن الإشکال فی :

فائدة الصلاة علی النبی صلی الله علیه وآله وسلم!

وأن فائدتها له علیه السلام ، أو للمصلی؟

وأنه کیف یزید علی مقامات النبی صلی الله علیه وآله وسلم بصلاة أمته علیه؟

فنقول : أثر للصلاة ، وطلب الرحمة من الله تعالی هو (الاستحقاق) وإن کان ما یعطیه الله تعالی بعد الصلاة ، کان یعطیه ولو لم یضل أحد علیه ، ولکن کان العطاء من حیث (التفضل).

أو : أثر الصلاة هو شدة الاستحقاق ، وإن کان أصله ثابتا.

ومعلوم أن الاستحقاق ، وتأکد وجوده ، کمال آخر ، لا یکون مع (التفضل).

التاسع

أن التوجه إلی الله تعالی مع البلاء أکمل ، وأتم من التوجه مع الرخاء.

ألا تری أن الأنین والحنین مع حرقة القلب له أثر عظیم ، ربما یؤثر فی

ص: 230

الصخرة الصماء والنسمة البهماء.

و (ما خرج من القلب یدخل فی القلب ، وما یخرج من اللسان لم یتجاوز الآذان).

وفی الخبر : (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلی السماء کأنها شرارة).

وقال الله تعالی : ( أم من یجیب المضطر إذا دعاه ویکشف السوء ) [الآیة (62) من سورة النمل (27)].

وفی الشریعة المطهرة ترتفع الحرمة والوجوب لدی الاضطرار.

فالمضطر مورد للترحم ، والمظلوم مورد للإعانة ، لقربه من الله.

فکلما اشتد العبد بلاء ازداد إلی الله قربا.

العاشر

أن الفرج بعد الشدة ، والفرج بعد الکربة ، فیه لذة عظیمة لا توجد فیما سواه.

فکلما کانت مرارة الدنیا أقوی ، کانت حلاوة العقبی أحلی.

وکذلک الشکر علی ذلک یکون بتوجه أکمل ورغبة إلی الله أعظم.

ألا تری کلام أهل الجنة : ( الحمد لله الذی أذهب عنا الحزن وصدقنا وعده ) [الآیة (34) من سورة فاطر (35)].

الحادی عشر

أن الضغطات العارضة علی النفس ، والاصطکاک الوارد علی الروح ،

ص: 231

والصدمات الواقعة علی الجسم ، نظیر الزناد القادح ، فکما أنه لا تخرج النار من الحجر إلا بشدة ضرب الزناد ، کذلک التنورات القلبیة والأشعة الروحیة لا تعقل فعلیتها إلا تبلک الآلام والمصائب.

أما سمعت قول سید الأنبیاء صلی الله علیه وآله وسلم لسید الشهداء علیه السلام : (إن لک درجة لن تنالها إلا بالشهادة).

فتلک الدرجة هی القوة النوریة المکنونة فی ذاته المقدسة ، وفعلیتها کانت متوقفة علی الشهادة.

الثانی عشر

أن تمیز الخبیث من الطیب ، وبلوغ کل ممکن إلی غایته ، التی هی ذاتی الممکنات المستنیرة من ساحة نور الأنوار ، متوقف علی هذه البلیات.

فلولا صبر النبی وعترته الطاهرة صلوات الله علیه وعلیهم ، لما کان یصدر من الأعداء والمنافقین تلک القبائح والمظالم.

فإن قلت : وما الفائدة فی فعلیة قبح أولئک الظالمین ، ذاتا ، وأفعالا ، وظهور أحوالهم الخبیثة؟

قلت :

منها : تحرز العباد من تلک الأخلاق والأفعال ، فإنه لما یلعنهم اللاعنون ویتبرأ منهم العاقلون ، یکون ذلک تحذیرا وتخویفا لمن سواهم ، وموعظة بلیغة لمن عداهم.

ومنها : کمال معرفة مقام الأولیاء ، فإنه (تعرف الأشیاء بأضدادها).

ومنها : تعذیبهم بأشد العذاب ، ویکون الإخبار بذلک مانعا للمؤمنین عن المعاصی فی الدنیا ، وسرورا لهم فی الآخرة.

ص: 232

ومنها : ظهور الحجة وبلوغها وإثبات العذر للنبی صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین علیه السلام فی قتل الکفار والمنافقین.

فإنه لولا تحمل الحسین علیه السلام وأصحابه فی عرصة کربلاء وأسر عیاله وسیرهم إلی الشام ، لم یکن لأحد العلم بأحوال رجال ذلک العصر.

فلربما یستشکل أحد ، ویعترض ، فی تلک الحروب والقتال الواقع من النبی صلی الله علیهما وآلهما!

فإنهما علیهما السلام کانا مدافعین فی جمیع الوقائع لا مهاجمین ، حتی خروجه صلی الله علیه وآله وسلم إلی عیر أبی سفیان ، فإنه کان للدفاع عن المؤمنین المبتلین فی مکة ، فوقعت حرب أحد بمجئ کفار قریش ، وهجومهم علی المسلمین.

ولهذا کان أمیر المؤمنین علیه السلام لا یبتدئ بالقتال فی (حربی) الجمل وصفین ، وکان ابتداء القتال من الأعداء.

ولهذا قال علیه السلام لعمرو بن عبد ود :

أولا : أسألک أن تشهد الشهادتین.

فأبی ذلک.

وثانیا : ارجع بقریش إلی مکة ، وتنح عن القتال.

فأبی.

وثالثا : إن لم تقبل إلا القتال ، فانزل عن فرسک وقاتل.

وبالجملة : إنما قتل النبی والوصی علیهما السلام مثل أولئک المنافقین الذین کانوا فی کربلاء ، وکلهم کانوا یستحقون القتل لنهایة خبثهم وظلمهم وفسادهم فی الأرض ، وسوء أخلاقهم ، وقبح سرائرهم ، وعظم جرائمهم ، فکانوا لا یرجی منهم الخیر أصلا.

ص: 233

ولم یعلم ذلک ، ولم ینکشف ، إلا بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم ، فی یوم کربلاء ، حیث کانت العترة الطاهرة یتحملون ، ویصبرون کی ینکشف ذلک تمام الانکشاف.

وإنما لم یفعلوا ذلک فی حیاته صلی الله علیه وآله وسلم لعدم مقتضیه ، ولتأیید من الله والملائکة ، ومع ذلک ، فإن مظالمهم - للنبی صلی الله علیه وآله وسلم وبنی هاشم وسائر المسلمین فی مکة - قد بلغت الغایة!

ألم یحبسوهم ثلاث سنین فی شعب أبی طالب ، وقطعوا عنهم المیرة ، فبلغ الجوع والضیق بهم ما بلغ؟!

ولولا مهاجرة المسلمین إلی الحبشة والمدینة ، لقتلوهم أشد قتلة ، سیما بعد قتل النبی صلی الله علیه وآله ، إلا إذا کانوا یرتدون إلی الکفر!

الثالث عشر

أن العبد إذا علم من نفسه أن البلاء لیس من جهة البعد من الله ، بل إنه من جهة قربه إلیه تعالی ، وحبه له ، بظهور کمال صبره ولیاقته للمثوبات وعلو الدرجات ، وعلم بما ذکرنا من الجهات ، یستبشر بتلک البلیات ، ویشکر الله علیها ، ویستأنس بها.

ألم تسمع عن شهداء الطف ، کیف کانوا یأنسون لوقع السیوف ، وإصابة السهام؟!

فکان عابس بن شبیب قد نزع ثیابه ، وحمل عاریا.

وکان سیدهم الحسین علیه السلام کلما اشتد علیه البلاء تهلل وجهه ، وزاد نوره ، وقوی قلبه.

ص: 234

والعباس علیه السلام دخل الشریعة (1) وملأ القربة ، ولم یذق الماء طلبا للقربة ، فلیس ذلک نقصا فی کماله ، بل لو شرب لکان منافیا لجلاله.

ولهذا کانت تحف الله تعالی لعباده المقربین هی البلاء المبین.

وکان البلاء للولاء.

وإن من یحب الله تعالی ینتظر بلاءه.

وکلما کان العبد أقرب إلی الله وأحب کان بلاؤه عظیم.

ولذا قال سید الأنبیاء صلی الله علیه وآله وسلم : (ما أوذی نبی مثل ما أوذیت).

وأذیة عترته عین أذیته ، فقد علم بها ، وکان یراها رأی العین ، ویتحملها قبل وجودها ، ولذا کان یبکی حین تذکرها.

الرابع عشر

إن مصائب الأئمة علیهم السلام - وبالخصوص الحسین علیه السلام - لها منافع عظیمة لجمیع المخلوقین.

أعظمها غفران الله تعالی ورضوانه لمن بکی علیهم ، فقد صارت الجنة واجبة لمن دمعت عینه قطرة فی رزایاهم.

مضافا إلی ما نری من إقامة المآتم ، ومجامع التعازی ، فینتفع بها العالمون منافع دنیویة وأخرویة ، ویؤید بها الدین ، وتنشر العلوم والأحکام والمواعظ ، وتقوی العقائد ویجدد الإسلام سنة بعد سنة ، ففی طوال السنة تندرس أعلام الشرع ، فإذا هل هلال محرم تجددت حیاة الدیانة ، وهاجت

ص: 235


1- 1. الشریعة : مورد الشاربة من النهر ونحوه.

روح الملة ، وبزغت شمس التدین ، وغرقت سفن أعداء الدین ، وانهدم بنیانهم ، واستؤصلت شأفتهم.

ولهذا نشاهد - والمشتکی إلی الله - کمال جدیة الأجانب وتشدیداتهم ، فی المنع من مجالس التعزیة ، ودفع المظاهر الدینیة ، وتشبثهم بکل وسیلة لسد هذا الباب ، ودرس آثاره ، ویساعدهم علی ذلک جهال المسلمین! ولا یتأملون ما فیه من اضمحلال آثار الإسلام ، وانطماس أعلامه.

فهلموا یا إخواننا إلی هذه المأدبة الإلهیة ، المائدة الربانیة (1) واغتنموا الفرصة ، ولا تدعو الأجانب یسلبوا ما به قوتکم وسمو شوکتکم ، وإعزاز نصرکم ، ورسوخ إیمانکم.

الخامس عشر

أن بمظلومیة الحسین علیه السلام بقیت الشریعة ، وحفظ الإسلام ، وحمی الدین ، وسلم عن تغییر الفاسقین ، وتحریف المنافقین.

وإلا ، لکان یزید وبنو أمیة أعادوا الکفر الجاهلیة ، وأبادوا الدین أصولا وفروعا بالکلیة ، إذا کان یصفو لهم الملک ، ویستقر عرش السلطنة.

====

وقد تحدثنا عن آثارها الحمیدة فی کتابنا (حول نهضة الحسین علیه السلام) وهو أول مؤلف لنا ، طبع سنة 1384 ه.

ولکن المؤسف أن یسعی الأعداء - بالتزییف والتسخیف والمنع وبشتی الأسالیب الدنیئة الأخری - لیمحوا هذه النعمة الإلهیة ، ویضیعوا الفرص الثمینة علی الأمة ، ویسلبوا أغلی ما به رقیها وما یؤدی إلی انتشار المعرفة والعلم بینها.

ص: 236


1- 1. یعنی المجالس الحسینیة والمظاهر العزائیة.

ألم تر أنه - لعنه الله - بمجرد نیله (الخلافة) فی أول أمره : قتل الحسین علیه السلام ، وأباح المدینة ، وأحرق الکعبة ، مع تزلزل سلطانه؟!

فکان الحسین علیه السلام ، بقبوله القتل ، قد أظهر ظلمهم وکفرهم ، وصرف وجوه الناس وقلوبهم - عنهم - إلی دین جده.

فکان إحیاء الدین من جده صلی الله علیه وآله وسلم بغلبته ، ومن الحسین علیه السلام بمغلوبیته ومظلومیته.

فلو کان علیه السلام یبقی فی المدینة أو مکة ، لکانوا یقتلونه غیلة ، وإن کان یبایعهم! إلا إذا کان یتابع رأیهم فی تغییر الدین ، والردة إلی الکفر.

وحاشاه ثم حاشاه.

وکذلک صبر علی علیه السلام خمسا وعشرین سنة علی أمر من العلقم ، أبان للعالمین أن حروبه ومجاهداته وقتله الکافرین ، لم یکن إلا بأمر من الله تعالی ، دون الهوی وطلب الدنیا والمیل إلی سفک الدماء.

وإلا ، فلا یعقل ممن حاله ذلک ، أن یضع الید علی الید ، ویحمل المسحاة علی الکتف ، فیصیر حبیس بیته ، وراهب داره! لکنه علیه السلام رأی توقف حفظ الإسلام ، ورسوخه بین الأنام ، علی جعل نفسه من أضعف الرعایا ، وأقل البرایا.

وإلا ، فهو لو سل ذا الفقار ، لقالوا : کان قتاله فی بدء الإسلام لمثل هذا الیوم!

ولا ریب أن صبره هو الجهاد الأکبر ، لأنه جهاد النفس وقد ( فضل الله المجاهدین علی القاعدین أجرا عظیما ) [الآیة (95) من سورة النساء (4)].

ص: 237

السادس عشر

أن فی شهادة الحسین علیه السلام ومصائب العترة ، وانصراف الخلافة عنهم ، وغصبها منهم ، تصدیقا لرسالة النبی صلی الله علیه وآله وسلم ، وتحقیقا لنبوته.

لأنه صلی الله علیه وآله وسلم کان یبعث أعز أهله وأبا نسله ، علیا علیه السلام ، إلی قتال أبطال القبائل ، وذؤبان العرب ، فکان صلی الله علیه وآله وسلم یعلم البتة - ولو من غیر طریق الوحی ، بل یشاهد الحال من أحوال الرجال وسیرة هؤلاء العرب - أن علیا علیه السلام لا یقتل من عشیرة أحدا إلا وطلب کل واحد من آحاد تلک العشیرة دم المقتول من القاتل ، أو من عشیرته! فهم لا ینامون حتی یأخذوا ثارهم.

فکان کل أحد یعلم أن العرب لا یستقیمون لعلی علیه السلام بعد تلک المقاتلات والثارات.

ولأجل ذلک کان الخلفاء الثلاث یحترزون عن المقاتلة فی الحروب ، فلم یسمع عن أحد منهم أنه حارب ، أو قتل أحدا ، ولو من أراذل العرب وأذلائهم!

وقد أخبر صلی الله علیه وآله وسلم بأن حاصل تلک المقاتلات والمجاهدات هو القتل والأسر والظلم والجور علی عترته من بعده.

ومع ذلک ، فقد أقدم صلی الله علیه وآله وسلم علی تأسیس الدین ، وقتال الکافرین بمباشرة أمیر المؤمنین علیه السلام.

فلو کان نظره صلی الله علیه وآله وسلم إلی الدنیا ، لم یتحمل هذه المشاق ، ولم یکن یدع أمیر المؤمنین علیه السلام یقتل أحدا ، فضلا عن

ص: 238

أن یبعثه علی القتال مع جمیع الأبطال.

فیقطع الناقد البصیر بأنه صلی الله علیه وآله وسلم لم یکن له هم سوی الآخرة ، فبذل نفسه ونفیسه ، وتحمل أعظم الرزایا ، وأشد الأذی ، فی نشر الإسلام ، کما قال صلی الله علیه وآله وسلم : (نحن أهل بیت اختار الله لنا الآخرة علی الدنیا).

السابع عشر

أن فی وقوعها (1) ظهور المعجزات القاهرة المصدقة للنبوة ، حیث أخبر صلی الله علیه وآله وسلم عن جمیع ذلک ، فوقع کل ما أخبر.

وفیه الاعجاز من جهتین :

الأولی : علمه صلی الله علیه وآله وسلم بها.

الثانیة : صدقه فی جمیع ما أخبر ، ووقوعه ، حتی أنه لم یکن فیه بداء ، فکان صدره الشریف کاللوح المحفوظ.

الثامن عشر

رضاهم ، وتسلیمهم ، وتحملهم لها ، دلیل قاطع علی إیمانهم ، وکمال عقائدهم ، وقوة یقینهم بالله تعالی ، وبوعده ووعیده.

ولولاها ، فلعل أحدا یحتمل ، أو أمکن أن یقول : إنهم ظنوا ، ولم یقطعوا ، أو احتملوا فاحتاطوا (2)!

ص: 239


1- 1. الضمیر یعود علی البلایا والمصائب الواردة علی أهل البیت علیهم السلام.
2- (10) استدلال إنی ظریف من المصنف بنوعیة المصائب الواردة علی أهل البیت علیهم السلام

لکن رزایاهم موجبة للیقین بأن الحاصل لهم هو أعلی مراتب حق الیقین ، فیکون علمهم حجة علی العالمین.

وإن لم یتیقن فإنما لضعف فی بصیرته ، فیجب علیه متابعة هؤلاء المتیقنین ، المتقین.

التاسع عشر

ابتلاؤهم فی الدنیا دلیل علی المعاد ویوم الجزاء وإلا فلیزم أعظم وهن فی صنع العالم ، لمخالفة الحکمة الواجبة ، ونقض ما یشاهد ویحکم به الحدس الصائب من إتقان الصنع ، علی أحسن نظام وأکمل وضع ، وأجمل ترصیف.

فیجب - بحکم نظام العالم - أن لا یضیع أجر المحسنین ، ولا یفوت جزاء الظالمین.

وبما أن ذلک لیس فی الدنیا ، وجب - بالضرورة - أن یکون فی الآخرة.

متم العشرین

إن تحملهم للرزایا ، وشهاداتهم ، وقصر أعمارهم ، لطف لهم ،

====

بظروفها ومقارناتها وتحملهم لها ، علی لزوم علمهم بها وتیقنهم بنتائجها ، إذ أن الإقدام علی تحمل مثلها لا یکون علی أساس من الظن والاحتمال ، والرجاء والاحتیاط ، بل خطورتها وفداحتها تقتضی الیقین والقطع.

وهذه فائدة عظیمة ، ودلالة قطعیة حکیمة.

ص: 240

وتقریب إلی الفوز بنعیم المعاد ، وتحصیل المراد.

من جهة دلالة ذلک علی عدم قابلیة هذه الحیاة ، ودناءة مرتبة الدنیا ، وعدم لیاقتها ، وأنها قنطرة إلی الآخرة.

ولذا قالوا : (الدنیا ساعة ، فأجعلها طاعة).

فکأنهم علیهم السلام برضاهم وتسلیمهم بمنزلة من خیرة الله تعالی بین البقاء فی الدنیا والرحیل ، فاختار الرحیل ، وأسرع عمدا ، وعانق الموت رغبة عن الدنیا ، وشوقا إلی الآخرة (1).

وبهذا (2) یجاب عن إشکال :

إنهم علیهم السلام إذا کانوا یعلمون بأوقات وفیاتهم ، وأسبابها ، فلم لم یحترزوا عنها؟!

وکیف باشروها ، وحضروها مع قوله تعالی : ( ولا تلقوا بأیدیکم إلی التهلکة ) [الآیة (159) من سورة البقرة (3))؟! ... (4)

====

فاختار لقاء الله تعالی.

الکافی - الأصول - 1 / 260 باب أن الأئمة علیهم السلام یعلمون متی یموتون ، وأنهم لا یموتون إلا باختیار منهم ، الحدیث 8.

7. هذا إشارة إلی الوجه الأخیر ، بل إلی الکتاب کله ، لأن الوجوه السابقة تصلح - أیضا - للإجابة عن هذا الإشکال ، وقد تقدم منا مقال مفصل تضمن إجابة أوسع عن الإشکال ، فراجع.

(13) فی مخطوطة المصنف هنا بیاض بمقدار نصف صفحة

ص: 241


1- 1. وقد ذکر هذا فی الروایات بعنوان : (اختیار لقاء الله) ..
2- کما فی حدیث عبد الملک بن أعین ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال :
3- أنزل الله تعالی النصر علی الحسین علیه السلام ، حتی کان بین السماء والأرض.
4- ثم خیر النصر ، أو لقاء الله.

__________________

ولعل المصنف أراد تفصیل الإجابة عن ذلک الإشکال الذی تحدثنا نحن بالتفصیل عن أصله وکذا عن الرد علیه فی مقال مستقل بعنوان : (علم الأئمة علیهم السلام بالغیب) وقد طبع فی الصفحات 7 - 107 من هذا العدد من هذه المجلة الموقرة.

ومما ذکر - فی هذه الرسالة ، وفی المقالة - ظهر ما فی کلام السید الطباطبائی - رضی الله عنه - حول علم النبی والأئمة علیهم الصلاة والسلام بالغیب فی رسالته المفردة عن الموضوع ، حیث قال بعد تفریقه بین علم الله وبین علم الأئمة ، بالأصالة فی الأول والاستقلالیة به ، والفرعیة فی الثانی والتبعیة به ، ما نصه :

إن من المعلوم أن الإنسان الفعال بالعلم والإرادة إنما یقصد ما یتعلق به علمه من الخیر والنفع ، ویهرب مما یتعلق به علمه من الشر والضرر.

فللعلم أثر فی دعوة الإنسان إلی العمل ، وبعثه نحو الفعل والترک بالتوسل بما ینفعه فی جلب النفع أو دفع الضرر.

وبذلک یظهر أن علم الإنسان بالخیر ، وکذا الشر والضرر فی الحوادث المستقبلة إنما یؤثر أثره لو تعلق بها العلم من جهة إمکانها لا من جهة ضرورتها.

وذلک کأن یعلم الإنسان أنه لو حضر مکانا کذا فی ساعة کذا من یوم کذا قتل قطعا ، فیؤثر العلم المفروض فیه ببعثه نحو دفع الضرر ، فیختار ذلک الحضور فی المکان المفروض تحرزا من القتل.

وأما إذا تعلق بالضرر - مثلا - من جهة کونه ضروری الوقوع ، واجب التحقق ، کما إذا علم أنه فی مکان کذا فی ساعة کذا من یوم کذا مقتول لا محالة ، بحیث لا ینفع فی دفع القتل عنه عمل ، ولا تحول دونه حیلة ، فإن مثل هذا العلم لا یؤثر فی الإنسان أمرا ببعثه إلی نوع من التحرز والاتقاء ، لفرض علمه بأنه لا ینفع فیه شئ من العمل ، فهذا الإنسان مع علمه بالضرر المستقبل یجری فی العمل مجری الجاهل بالضرر.

إذا علمت ذلک ، ثم راجعت الأخبار الناصة علی أن الذی علمهم الله تعالی من العلم بالحوادث لا بداء فیه ولا تخلف ، ظهر لک اندفاع ما ورد علی القول بعلمهم بعامة الحوادث من :

(أنه لو کان لهم علم بذلک لاحترزوا مما وقعوا فیه من الشر ، کالشهادة قتلا بالسیف ، وبالسم ، لحرمة إلقاء النفس فی التهلکة)!

وجه الاندفاع : أن علمهم بالحوادث علم بها من جهة ضرورتها ، کما هو صریح نفی

ص: 242

__________________

البداء عن علمهم.

والعلم الذی هذا شأنه لا أثر له فی فعل الإنسان ببعثه إلی نوع من التحرز ، وإذا کان الخطر بحیث لا یقبل الدفع بوجه من الوجوه ، فالابتلاء به وقوع فی التهلکة ، لا إلقاء فی التهلکة!

قال تعالی : ( قل لو کنتم فی بیوتکم لبرز الذین کتب علیهم القتل إلی مضاجعهم).

رسالة فی علم النبی صلی الله علیه وآله وسلم والإمام علیه السلام بالغیب ، للسید محمد حسین الطباطبائی ، تحقیق رضا الأستادی ، طبع مع الرسائل الأربعة عشر ، جماعة المدرسین - قم 1415 ه.

أقول : وجوه النظر فیه عدیدة ، هی :

1 - عدم فرضه أن ما وقعوا فیه ، مما عده الأغیار تهلکة وشرا وضررا ، إنما هو فی اعتبار الأئمة علیهم السلام خیر وبر ورحمة ، کما هو عند الأخیار کافة.

2 - فرضه أن ما جری علی الأئمة من قبیل ضروری الوقوع ، واجب التحقق ، وأنه لا بداء فیه ، یقتضی الجبر لعدم تمکنهم من التخلص منه.

وهو مناف لصریح الروایات الدالة علی اختیارهم لما وقع ، وأنهم لو شاؤوا لم یقع.

3 - وفرضه أن العالم بالضرر یجری فی العمل مجری الجاهل ، ینافی إثبات العلم لهم ، فإنه لو فقد أثره لم یفرق فی ذلک فی مقام العمل بینه وبین الجاهل ، فمحاولة فرضه وإثباته لغو لا محالة.

4 - وفرضه أن علمهم لا بداء فیه ، مخالف للنصوص الدالة علی أنهم یختارون ذلک رغبة فی لقاء الله ، ورفضا للحیاة الدنیا ، مع تخییرهم فی ذلک.

5 - وفرضه أن ما جری علیهم وقوع فی التهلکة ، ینافی إصرارهم علیهم السلام علی ما أقدموا علیه ورفضهم لکل أنواع التحذیرات والتوسل بهم لدفعهم علی الامتناع ، کما أعلنت عنها السیرة الشریفة لکل منهم.

6 - وأما استشهاده بالآیة ، فغیر مرتبط بالمقام ، لأنها :

أولا : فی مقام تبکیت المنافقین الذین قد أهمتهم أنفسهم والذین یظنون بالله غیر الحق ظن الجاهلیة.

فأین هؤلاء من الذین طلبوا الشهادة ، واستیقنت بها أنفسهم ، وأعلنوها (فوزا) مقسمین

ص: 243

وبذلک تعرف :

أن من فدی روحه فی الحج ، وضحی بنفسه بدل الأضحیة ، شوقا وعشقا للقاء الله تعالی هو فی أعلی مراتب القرب والقبول.

لکن لا یلیق ذلک بکل أحد ، بل إنما هو مشروط بحصول الیقین الکامل العشق الخارق.

أما مع عدم التهیؤ وکمال الاستعداد ، ومع الشک والتردید فهو من أعظم المآثم.

والحمد لله رب العالمین.

====

(برب الکعبة)؟!

وثانیا : إن ما دل من الأخبار الصحیحة ، والمشهورة ، والسیرة الموثوقة ، تخصص الأئمة علیهم السلام بکون موتهم باختیارهم کما عنون لذلک ثقة الإسلام الکلینی فی الباب الذی عنونه ب : (أن الأئمة یعلمون متی یموتون ، وأن ذلک باختیارهم).

وبالله التوفیق وهو المستعان.

ص: 244

من أنباء التراث

کتب تری النور لأول مرة

*شرح جمل العلم والعمل.

تألیف : الشریف المرتضی ، علم الهدی أبی القاسم علی بن الحسین الموسوی (355 - 436 ه).

وهو شرح لقسم الکلام من کتاب (جمل العلم والعمل) للمرتضی نفسه ، أملاه علی أحد تلامذته بطلب من ذلک التلمیذ ، وقد طبع الأصل مرارا ، علما أن (جمل العلم والعمل) یتکون من قسمین : الکلام والفقه ، وعلی کلیهما شروح لتلامذة المرتضی ، فالشیخ الطوسی شرح قسم الکلام منه (جمل العلم) وسماه : (التمهید) وهو مطبوع أیضا ، وابن البراج الطرابلسی شرح قسم الفقه منه (جمل

العمل) ، وهو مطبوع کذلک.

تم التحقیق اعتمادا علی عدة نسخ ، ذکرت مواصفاتها فی مقدمة التحقیق.

تحقیق: الشیخ یعقوب الجعفری المراغی.

نشر : دار الأسوة للطباعة والنشر التابعة لمنظمة الأوقاف والشؤون الخیریة - قم / 1414 ه.

* الرجعة.

تألیف : المیرزا محمد مؤمن بن دوست محمد الحسینی الأسترآبادی ، المتوفی سنة 1088 ه.

کتاب یشتمل علی ما روی عن الرسول

هیئة التحریر 245

ص: 245

الکریم صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب والأئمة من ولده علیهم السلام فی موضوع الرجعة ، والتی تعد من الأمور المسلم بها عند الشیعة الإمامیة ، یذکر الکتاب 111 حدیثا مع محاورات للأئمة علیهم السلام مع من یسألهم عن الرجعة واستدلالاتهم بالآیات القرآنیة الخاصة بها.

تم التحقیق اعتمادا علی عدة نسخ مخطوطة ذکرت مواصفاتها فی مقدمة التحقیق.

تحقیق : فارس حسون کریم.

نشر: دار الاعتصام - قم / 1415 ه.

*أعلام نهج البلاغة.

تألیف : علی بن ناصر السرخسی ، من أعلام القرن السادس الهجری.

شرح لکتاب (نهج البلاغة) الذی جمعه الشریف الرضی - المتوفی سنة 406 ه - من کلام أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام ، وتفسیر لبعض کلماته علیه السلام وتوضیح لها ، فالکتاب یتناول المختار من خطبه وکتبه إلی أعدائه وأمراء بلاده وحکمه علیه السلام.

تم تحقیق الکتاب اعتمادا علی نسختین

مخطوطتین ذکرت مواصفاتهما فی مقدمة التحقیق.

تحقیق : الشیخ عزیز الله العطاردی.

نشر : مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی - طهران 1415 ه.

*الأربعین فی فضائل الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام.

تألیف : الأمیر المحدث جمال الدین عطاء الله بن فضل الله الحسینی الفارسی الدشتکی الهروی ، المتوفی سنة 930 ه.

کتاب یروی أربعین حدیثا فی فضائل ومناقب أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام بطرق مختلفة عن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم ، مع ملحق خاص یذکر أسماء أولاد الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام من الذکور والإناث وأمهاتهم ووفیاتهم.

تم التحقیق اعتمادا علی نسختین مخطوطتین ذکرت مواصفاتهما فی مقدمة التحقیق.

تحقیق : محمد حسن زبری.

نشر : مجمع البحوث الإسلامیة - بیروت / 1413 ه.

ص: 246

*أنوار الهدایة فی التعلیقة علی الکفایة ، ج 1 و 2.

تألیف : السید الإمام روح الله الموسوی الخمینی (1320 - 1409 ه).

تعلیقة علی کتاب (کفایة الأصول) للمحقق الأکبر الشیخ محمد کاظم الآخوند الخراسانی - المتوفی سنة 1329 ه - والکتاب یعرض نظرات آراء المعلق - قدس سره - من خلال استعراض ونقد الآراء الفلسفیة - لبعض العلماء - وکشف مکامن أخطائها ، ومعالجة مواضع ضعفها.

تم التحقیق اعتمادا علی النسخة الأصلیة بخط المعلق قدس سره.

تحقیق ونشر : مؤسسة تنظیم ونشر آثار الإمام الخمینی قدس سره - قم / 1413 ه.

*الرسائل التوحیدیة.

تألیف : العلامة السید محمد حسین الطباطبائی ، المتوفی سنة 1401 ه.

والکتاب عبارة عن مجموعة رسائل ضمنها المؤلف آراءه وأفکاره فی ما یتعلق ب : توحید الله وصفاته وأسمائه وأفعاله سبحانه وتعالی ، والوسائط بین الخالق

المخلوق ، والتی تزید من ترسیخ وتعمیق الإیمان بالله عزوجل.

تحقیق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة - قم / 1415 ه.

کتب صدرت محققة

*تذکرة الفقهاء ، ج 5.

تألیف : العلامة الحلی ، الشیخ جمال الدین أبی منصور الحسن بن یوسف ابن المطهر الأسدی (648 - 726 ه).

أهم وأکبر کتاب فی الفقه الاستدلالی المقارن ، یوجد منه من أوائل کتاب الطهارة إلی کتاب النکاح ، لخص فیه مؤلفه - قدس سره - فتاوی علماء المذاهب المختلفة وقواعد الفقهاء فی استدلالاتهم ، وأشار فی کل مسألة إلی الخلاف الواقع فیها ، ویذکر ما اختاره وفق الطریقة المثلی وهی طریقة الإمامیة ، ویوثقه بالبرهان الواضح القوی.

طبع منه أربعة أجزاء ضمت کتابی الطهارة والصلاة ، واشتمل هذا الجزء علی کتاب الزکاة وأبوابها (زکاة الفطرة ، الخمس).

تم تحقیق الکتاب اعتمادا علی 15 نسخة مخطوطة ، منها ما هو مقروء علی المصنف

ص: 247

- قدس سره - ومنها ما علیه إجازة مهمة ، ذکرت مواصفاتها فی مقدمة التحقیق ، ومن المتوقع أن یصدر فی 20 جزء.

تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث - قم / 1414 ه.

*دلائل الإمامة.

تألیف : الطبری الصغیر ، أبی جعفر محمد بن جریر بن رستم ، من أعلام القرن الخامس الهجری.

عرض لفضائل ومعجزات أئمة الهدی علیهم السلام والاستدلال بهذه المعجزات علی إمامتهم ، إذ هی من أهم الدلائل علی الإمامة وتصدیقا لها کأصل من أصول الدین والعقیدة الإسلامیة ، ویشتمل الکتاب کذلک علی تواریخ وأحوال وکرامات الأئمة علیهم السلام بشکل مفصل ، وکذا فصل مخصص لفضائل ومعجزات سیدة نساء العالمین الزهراء البتول علیها السلام.

تم التحقیق اعتمادا علی نسختین مخطوطتین ، وأخری مطبوعة ، ذکرت مواصفاتها فی مقدمة التحقیق.

تحقیق ونشر: قسم الدراسات الإسلامیة فی مؤسسة البعثة - قم/ 1413 ه.

*الأربعون حدیثا.

تألیف : الشیخ البهائی ، بهاء الدین محمد بن الحسین الجبعی العاملی (953 - 1030 ه).

یضم الکتاب أربعین حدیثا مرویا عن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة المعصومین علیهم السلام فی أبواب مختلفة وأغراض متعددة شملت بعض الأحکام الشرعیة والوصایا والمواعظ والأدعیة ، وقد قدم المؤلف - قدس الله سره - شرحا وتوضیحا وافیا لمفردات کل حدیث منها ، مع بحوث ودراسات تخص موضوع الحدیث.

تم التحقیق اعتمادا علی ثلاث نسخ مخطوطة ذکرت مواصفاتها فی مقدمة التحقیق.

تحقیق : أبو جعفر الکعبی.

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة - قم / 1415 ه.

*البرهان فی تفسیر القرآن ، ج 1.

تألیف : السید هاشم الحسینی البحرانی ، المتوفی سنة 1107 ه.

یعد الکتاب من أجمع ما ألفه علماء

ص: 248

الشیعة الإمامیة فی مجال التفسیر الروائی ، إذ أنه جمع ما ورد عن أهل البیت علیهم السلام من روایات وأحادیث فی تفسیر آیات القرآن الکریم ، وبدون تمییز وتصنیف بین الصحیح والضعیف والموضوع.

وقد اعتمد المؤلف - رحمه الله - علی عدد کبیر من المصادر الروائیة المتخصصة بالتفسیر وغیر التفسیر ، ذکرها فی مقدمة الکتاب التی جعلها فی سبعة عشر بابا ومتضمنة لعدة بحوث فی مواضیع متعددة ومتنوعة تختص بالقرآن وتفسیره.

وقد أضیف إلی أصل الکتاب فی نهایة کل سورة مستدرکات للآیات التی ترکها المؤلف لعدم عثوره علی روایات فی تفسیرها.

ضم هذا الجزء تفسیر سورة الفاتحة إلی تفسیر سورة آل عمران.

تحقیق ونشر : قسم الدراسات الإسلامیة فی مؤسسة البعثة - قم / 1415 ه.

*الاحتجاج ، ج 1 و 2.

تألیف : الشیخ الجلیل أبی منصور أحمد بن علی بن أبی طالب الطبرسی ، من علماء القرن السادس الهجری.

یتناول الکتاب احتجاجات ومجادلات

بالرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام والأئمة من ولده علیهم السلام ، مع الیهود والنصاری والملحدین والزنادقة فی إثبات وجود الله ونفی الصفات عنه تعالی ، وکذلک خطبهم ومجادلاتهم علیهم السلام فی إثبات حق الإمام علی علیه السلام وأهل بیته علیهم السلام فی الإمامة والخلافة مع الکثیر من الصحابة والتابعین.

خصص الجزء الأول بما ورد عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین علیه السلام ، فیما خصص الجزء الثانی لما ورد عن بضعة الرسول الزهراء البتول علیها السلام وباقی الأئمة الطاهرین علیهم السلام.

وقد طبع الکتاب - من قبل - عدة مرات فی العراق وإیران ولبنان ، وقد تم تحقیقه اعتمادا علی عدة نسخ مخطوطة ومطبوعة ، ذکرت فی مواصفاتها فی مقدمة التحقیق.

تحقیق : الشیخ إبراهیم البهادری والشیخ محمد هادی به.

نشر : منشورات الأسوة التابعة لمنظمة الأوقاف والشؤون الخیریة - قم / 1413 ه.

ص: 249

*محاسبة النفس :

تألیف : السید ابن طاووس ، جمال العارفین علی بن موسی بن جعفر الحلی ، المتوفی سنة 664 ه.

رسالة صغیرة فی کیفیة محاسبة النفس وتهذیبها ، تتضمن الآیات القرآنیة والروایات المعنیة بذلک، مع ذکر أیام وأوقات وجهات معظمات تقتضی زیادة التحفظ من السیئات وذکر فضل المحاسبة.

تم تحقیقها اعتمادا علی عدة نسخ مخطوطة ذکرت مواصفاتها فی مقدمة التحقیق.

تحقیق : محمد رضا عبد الأمیر الأنصاری.

نشر : مجمع البحوث الإسلامیة - بیروت / 1413 ه.

*کتاب الأربعین عن الأربعین فی فضائل علی أمیر المؤمنین علیه السلام.

تألیف : الشیخ عبد الرحمن بن أحمد ابن الحسین النیسابوری الخزاعی ، من أعلام القرن الخامس الهجری.

یذکر الکتاب أربعین حدیثا من أحادیث الرسول الکریم صلی الله علیه وآله وسلم

فی حق أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام وفضائل ، یرویها عن أربعین رجلا من مشایخه من رواة الأحادیث النبویة الشریفة.

تحقیق : الشیخ محمد باقر المحمودی.

نشر : مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی - طهران / 1414 ه.

طبعات جدیدة لمطبوعات سابقة

*مراقد المعارف ، ج 1 و 2

تألیف : الشیخ محمد حرز الدین ، المتوفی سنة 1365 ه.

کتاب فرید فی بابه ، یبحث فی تعیین بقاع مراقد وقبور عدد کبیر من العلویین والصحابة والتابعین والرواة والأدباء والشعراء ، مع نبذة من ترجمتهم ، مع ذکر الأحداث التاریخیة المتعلقة بذلک ، مع صور لکثیر من المراقد ، وقد أثبت المؤلف بعض المراقد بالنصوص التاریخیة ، وبعضها بالشهرة القطریة وهو القسم الأکبر منها ، وبعضها بالشهرة الموضعیة - أی التی زارها بنفسه - وهی قبور المجاهیل ، وسجل المؤلف کل ما رآه ووقف علیه من أوصاف

ص: 250

للمرقد ، ورتب ذلک کله حسب حروف المعجم.

تحقیق : محمد حسین حرز الدین.

أعادت طبعة بالتصویر منشورات سعید ابن جبیر - قم / 1992 م.

*أجوبة المسائل الحاجبیة.

أو : المسائل العکبریة.

تألیف : الشیخ المفید ، محمد بن محمد بن النعمان بن أبی عبد الله العکبری البغدادی (336 - 413 ه).

وهی أجوبة کتبها الشیخ المفید - قدس سره - عن واحد وخمسین سؤالا وجهها أبو اللیث بن سراج الأوانی - حاجب خلیفة ذلک العصر - فی إشکالات معانی بعض الآیات والروایات وبعض المسائل التی ترتبط بموضوع النبوة والإمامة وشؤونهما.

تم التحقیق اعتمادا علی عدة نسخ مخطوطة ، ذکرت مواصفاتها فی مقدمة المحقق.

سبق وأن نشر الکتاب بتحقیق القس مارتن مکدرموت فی مجلة (المشرق) الصادرة فی بیروت سنة 1412 ه ، کما صدر ثانیة فی قم سنة 1413 ه من قبل المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید بتحقیق الشیخ علی أکبر الإلهی

الخراسانی.

ثم أعاد مجمع البحوث الإسلامیة فی بیروت طبعه بصف جدید سنة 1414 ه ، معتمدا علی طبعته الثانیة.

*لقد شیعنی الحسین علیه السلام

أو : الانتقال الصعب فی رحاب المعتقد والمذهب.

تألیف : إدریس الحسینی.

دراسة موضوعیة عمیقة للتاریخ الإسلامی ، ورحلة ممتعة فی أعماقه ، ووقفات وبحوث فی مستویات مهمة من هذه الأعماق ، لمعرفة وفهم التاریخ علی حقیقته ، والتوصل إلی تحدید الفرقة الوحیدة من الإسلام الناجیة من النار.

والکتاب تسجیل لآراء وأفکار ومعتقدات المؤلف ، والتی انتقل انتماؤه من مذهبه بعد مناقشتها علمیا إلی مذهب الإمامیة الاثنی عشریة.

سبق وأن صدر الکتاب بعنوانه الثانی فی بیروت سنة 1414 ه ، وصدرت طبعته الثانیة بالعنوان الأول - بالتصویر - فی بیروت مؤخرا.

أعادت مکتبتا سعید بن جبیر ودار الاعتصام فی قم طبعه بالتصویر علی طبعة دار النخیل الصادرة فی بیروت.

ص: 251

*المطالب المهمة فی تاریخ النبی والزهراء والأئمة علیهم السلام.

تألیف : السید علی بن الحسین الهاشمی الخطیب المتوفی سنة 1396 ه.

عرض لمناقب وفضائل الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم والزهراء والأئمة علیهم السلام ، مع ذکر موالیدهم ووفیاتهم وکراماتهم وعلومهم ، مع بعض قصائد المدح والرثاء التی قیلت فی حقهم ، أوردها المؤلف فی خاتمة الکتاب.

سبق وأن طبع الکتاب لأول مرة فی النجف الأشرف سنة 1388 ه ، ثم أعادت منشورات الشریف الرضی طبعه بالتصویر فی قم سنة 1373 ه. ش

صدر حدیثا

*المسیح فی القرآن.

تألیف : السید رضا الصدر ، المتوفی سنة 1415 ه.

والکتاب یتناول تفسیر الآیات القرآنیة التی تخص سیرة وحیاة السید المسیح عیسی بن مریم علیه السلام وأمه الصدیقة علیها السلام ، مضافا إلیها ما ورد عن الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم

وعترته علیهم السلام من أحادیث وأقوال تتعلق بهذه السیرة المبارکة وذکر بعض کراماته وتوجیهاته وإرشاداته.

نشر: دار الأرقم للطباعة والنشر - صور / 1413 ه.

*أسالیب البیان فی القرآن.

تألیف : السید جعفر الحسینی.

بحث مفصل عن الفصاحة والبلاغة ، مع دراسة مفصلة شاملة لعلم البیان وتشعباته (کالتشبیه ، الحقیقة والمجاز ، الاستعارة ، الکنایة) من خلال استعراض الشواهد القرآنیة والشواهد البلیغة للرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم وربیبه الإمام علی علیه السلام وما أثر من الشعر العربی ، کما یحتوی الکتاب خلاصة ما کتبه رواد هذا العلم وما کتبه الأدباء والنقاد ، حول الفصاحة والبلاغة والإعجاز ومعظم أسالیب البیان ، منذ النشأة الأولی إلی آخر ما وصلت إلیه العلوم البلاغیة.

نشر : مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی - طهران / 1413 ه.

ص: 252

*مسند الإمام المجتبی أبی محمد الحسن ابن علی علیهما السلام.

تألیف : الشیخ عزیز الله العطاردی.

بحث عن سیرة وحیاة الإمام الثانی الحسن بن علی بن أبی طالب علیهما السلام بکل تفصیلاتها وجزئیاتها ، مع معجم للرواة الذین حدثوا ورووا عنه متصلا أو مرسلا ، مع تراجم مختصرة لهم.

وقد اعتمد کتب الشیعة الإمامیة وکتب العامة، کمصادر لهذه السیرة المبارکة.

صدر ضمن سلسلة مسانید أهل البیت علیهم السلام.

نشر : منشورات عطارد - قم / 1373 ه. ش.

*معجم المطبوعات العربیة فی إیران.

تألیف : عبد الجبار الرفاعی.

یضم المعجم کل کتاب أو رسالة طبعت فی إیران باللغة العربیة منذ ظهور الطباعة وحتی عام 1412 ه / 1992 م ، وقد بلغت عناوین الکتب المذکورة فی هذا المعجم نحو 5000 عنوان ، وقد تم اعتماد عنوان الکتاب کمدخل ، ثم یذکر اسم المؤلف ، ثم المترجم أو المحقق إن وجد ، ثم طبعات الکتاب مبدوءة بذکر اسم

المدینة ، ثم اسم الناشر ورقم الطبعة وسنة الطبع وعدد الصفحات وحجم الکتاب ونوع الطبعة ، وقد صنفت عناوین الکتب تحت رؤوس موضوعات وعلی أساس الترتیب الهجائی ، ویحتوی المعجم علی کشافات لرؤوس الموضوعات التی تم تصنیف عناوین الکتب تحتها وللمؤلفین ولعناوین الکتب والرسائل.

نشر : مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی - طهران / 1414 ه.

کتب قید التحقیق

*ذوب النضار فی شرح الثار.

تألیف : الشیخ نجم الدین جعفر بن محمد بن جعفر بن أبی اللقاء هبة الله ، المعروف ب : ابن نما الحلی ، من أعلام القرن السابع الهجری

کتاب مرتب فی أربعة مراتب جلها فی أخبار المختار بن أبی عبید الثقفی ، وکیفیة انتقامه من قتلة الإمام الشهید أبی عبد الله الحسین علیه السلام.

یقوم بتحقیقه : فارس حسون کریم ، معتمدا علی نسخة مخطوطة محفوظة فی

ص: 253

إحدی مکتبات مدینة خوانسار.

*منهج الشیعة فی فضائل وصی خاتم الشریعة.

تألیف : السید جلال الدین عبد الله بن شرف شاه الحسینی ، المتوفی سنة نیف وثمانمائة هجریة.

کتاب یشتمل علی فضائل أمیر المؤمنین الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام من طرق العامة ، وقد رتب الکتاب علی مقدمة وخاتمة بینهما عدة أبواب ذوات فصول.

یقوم بتحقیقه : السید هاشم المیلانی معتمدا علی نسختین مخطوطتین ، إحداهما فی مکتبة جامعة طهران ، برقم 665 ، والأخری فی نفس الجامعة فی مکتبة کلیة الحقوق ، برقم 334 ج حقوق.

*شرح شافیة أبی فراس فی مناقب آل الرسول ومثالب بنی العباس.

تألیف : السید أبی جعفر محمد بن أمیر

الحاج الحسینی ، کان حیا سنة 1173 ه.

کتاب أدبی تاریخی قیم ، یعرض فیه المؤلف مجمل تاریخ أهل البیت علیهم السلام ومعاصریهم من الملوک حسب تسلسل الأمیر أبی فراس الحمدانی فی طرح القضایا والمطالب فی قصیدته.

یقوم بتحقیقه : محمد جمعة بادی وعباس ملا عطیة الجمری ، بالاعتماد علی أربع نسخ مخطوطة ، هی :

1 - نسخة محفوظة فی مکتبة الإمام الرضا علیه السلام فی مشهد ، برقم 4844 ، تاریخها سنة 1277 ه.

2 - نسخة محفوظة فی مکتبة آیة الله المرعشی فی قم ، برقم 3379 ، تاریخها سنة 1282 ه.

3 - نسخة حجریة طبعت فی إیران سنة 1296 ه مع رسالة (الاعتقادات) للعلامة المجلسی.

4 - نسخة حجریة أخری طبعت سنة 1315 ه.

ص: 254

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.