إيضاح کفاية الأصول المجلد 5

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الحسیني الشیرازي، السيدجعفر، 1349 -

عنوان العقد: کفایه الاصول .شرح

عنوان واسم المؤلف: إيضاح کفاية الأصول/ تالیف السيدجعفر الحسیني الشیرازي.

تفاصيل المنشور: قم: دارالفکر، 1397.

مواصفات المظهر: 5 ج.

ISBN : دوره 978-600-270-236-4 : ؛ 120000 ریال: ج.1 978-600-270-237-1 : ؛ 120000 ریال: ج.2 978-600-270-238-8 : ؛ 120000 ریال: ج.3 978-600-270-239-5 : ؛ 120000 ریال: ج.4 978-600-270-240-1 : ؛ 120000 ریال: ج.5 978-600-270-241-8 :

حالة الاستماع: فیپا

ملاحظة : العربیة.

ملاحظة : ج. 2 - 5 (چاپ اول: 1397)(فیپا).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف لكتاب "کفاية الأصول" الذي المؤلف آخوند الخراساني.

ملاحظة : فهرس.

قضية : آخوند الخراساني، محمدکاظم بن حسین، 1255 - 1329ق. . کفاية الأصول -- النقد والتعليق

قضية : Akhond khorasani, Mohammad Kazem ibn Hosein . Kefayat ol - osul -- Criticism and interpretation

قضية : أصول الفقه الشيعي

* Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

المعرف المضاف: آخوند الخراساني، محمدکاظم بن حسین، 1255 - 1329ق . کفایه الاصول. شرح

المعرف المضاف: Akhond khorasani, Mohammad Kazem ibn Hosein. . Kefayat ol - osul

ترتيب الكونجرس: BP159/8/آ3ک7021326 1397

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5279147

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ومنها: صحيحة ثالثة لزرارة[1]: «وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث، قام فأضاف إليها أخرى[2]، ولا شيء عليه، ولا ينقض اليقين بالشك، ولا يدخل الشك في اليقين[3]، ولا يخلط أحدهما بالآخر[4]، ولكنه ينقض الشك باليقين[5]،

----------------------------------

المقصد السابع في الأصول العملية،

فصل في الاستصحاب صحيحة زرارة الثالثة

[1] ذكر منها المصنف محل الشاهد، ولا بأس بذكر صدرها، لأنه قد يساعد في فهم محل الشاهد:

في الكافي بسند صحيح عن زرارة، عن أحدهماعَلَيْهِمُا اَلسَّلاَمُ قال: (قلت له: من لم يَدرِ في أربع هو أم في ثنتين - وقد أحرز الثنتين - ؟ قال: يركع ركعتين وأربع سجدات، وهو قائم بفاتحة الكتاب، ويتشهد ولا شيء عليه، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع...)(1)

الحديث، إلى آخر ما نقله المصنف.

[2] أي: أضاف إلى الصلاة ركعة أخرى، «ولا شيء عليه» من إعادة أو سجدة سهو.

[3] هذا المقطع عبارة أخرى عن «لا ينقض اليقين بالشك» جاء به الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ تأكيداً؛ لأنه إذا اعتنى بالشك فقد أدخله في اليقين؛ وذلك بإعطاء الشك حكم اليقين.

[4] أيضاً هذه العبارة للتأكيد، فإن من جعل حكم الشك كحكم اليقين فقد خلط بينهما؛ وذلك بإعطاء حكم أحدهما للآخر.

[5] أي: لا يعتني بالشك؛ لأنه إذا استمر على يقينه السابق ولم يهتم بالشك اللاحق فقد نقض الشك باليقين.

ص: 5


1- الكافي 3: 351.

ويتم على اليقين[1]، فيبني عليه، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات»(1).

والاستدلال بها على الاستصحاب[2] مبني على إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة سابقاً والشك في إتيانها.

وقد أشكل[3]

----------------------------------

[1] أي: يستمر عليه، وهذه عبارة أخرى عن «لكنه ينقض الشك باليقين»، وكذا تأكيد العبارة بقوله: «ولا يعتدّ بالشك في حال من الحالات».

والحاصل: إن (اليقين لا ينقض بالشك) و(لا يدخل فيه) و(لا يخلط به) عبارات ثلاث بمعنى واحد، وكذا (ينقض الشك باليقين) و(يتم على اليقين فيبنى عليه) و(لا يعتد بالشك) أيضاً عبارات ثلاث بمعنى واحد.

[2] إن في الصحيحة الثالثة احتمالان:

الأول: استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة، حيث إنه قبل الدخول في الصلاة يعلم بأنه لم يأتِ بالركعة الرابعة، ثم يشك في إتيانه بها، فيستصحب عدم الإتيان.

الثاني: إنه متيقن باشتغال ذمته بركعة رابعة - لأن صلاته رباعية - فلابد من الإتيان بها على كل حال؛ لأن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.

ودلالة الرواية على الاستصحاب تتوقف على الاحتمال الأول، وأما الاحتمال الثاني فلا دلالة له على الاستصحاب، بل على قاعدة (الاشتغال اليقيني...).

إشکالان علی الاستدلال

الإشكال الأول

[3] ذكره الشيخ الأعظم(2)،

وحاصله: إن الاحتمال الأول - وهو الاستصحاب - لا يمكن إجراؤه؛ لأنه لا ينطبق على مذهب الشيعة في مورد السؤال؛ لأن معنى

ص: 6


1- الكافي 3: 351؛ الإستبصار 1: 373.
2- فرائد الأصول 3: 62 - 63.

بعدم إمكان إرادة ذلك[1] على مذهب الخاصة، ضرورة أن قضيته[2] إضافة ركعة أخرى موصولةً، والمذهب قد استقر على إضافة ركعة بعد التسليم مفصولةً[3]. وعلى هذا[4] يكون المراد باليقين اليقين بالفراغ، بما علّمه الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ[5] من الاحتياط بالبناء على الأكثر، والإتيان بالمشكوك بعد التسليم مفصولةً.

----------------------------------

جريان الاستصحاب في هذا المورد - وهو الشك بين الثلاث والأربع - هو لزوم الإتيان بالرابعة، مع أن المذهب هو البناء على الأربع والتسليم ثم إضافة ركعة احتياط، فلابد من حمل الرواية على الاحتمال الثاني - وهو أجنبي عن الاستصحاب - فلا يمكن الاستدلال بالصحيحة الثالثة عليه.

[1] أي: الاستصحاب.

[2] بيان وجه عدم انطباق الاستصحاب هنا على مذهب الشيعة، «قضيته» قضية الاستصحاب؛ وذلك لأن الاستصحاب يقضي بعدم الإتيان بالركعة الرابعة، وحينئذٍ فيجب إضافة ركعة أخرى لتتم الركعات، ولكن المذهب هو عدم جواز إضافة ركعة أخرى، بل الواجب البناء على الرابعة والتسليم ثم صلاة الاحتياط.

[3] وهي ركعة الاحتياط بعد السلام.

[4] ما بيناه من عدم إمكان إرادة الاستصحاب، فلابد من حمل الرواية على قاعدة (الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية)، وذلك بأن يبني على الأربع ويسلّم ثم يأتي بركعة احتياط، فإن كان صلّى ثلاث ركعات - واقعاً - فركعة الاحتياط تحلّ محل الركعة الرابعة، وإن كان صلى أربع ركعات فركعة الاحتياط لا تضرّ بالصلاة؛ لأنها بعد التسليم، فتكون نافلة.

والحاصل: إنه اشتغلت ذمته بأربع ركعات، فبإضافة ركعة الاحتياط يكون قد أدّى الركعات الأربع يقيناً.

[5] في روايات أخرى علّم الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كيفية إضافة الركعة، ففي موثقة عمار الساباطي عن الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت

ص: 7

ويمكن الذبّ عنه[1]: بأن الاحتياط كذلك[2] لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة[3]، بل كان أصل الإتيان بها باقتضائه[4]، غاية الأمر إتيانها

----------------------------------

وسلّمت فقُم فصلِّ ما ظننت أنك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شيء، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت)(1).

الجواب عن الإشكال الأول

[1] أي: يمكن الدفاع عن الاستدلال ودفع الإشكال بأن لزوم الإتيان بركعة الاحتياط مفصولة لا ينافي الاستصحاب.

بيانه: إن الاستصحاب يدل على عدم الإتيان بالركعة الرابعة، فلابد من إجراء كل آثار عدم الإتيان بها، ومن تلك الآثار هو لزوم الإتيان بالركعة موصولة.

ونحن نرفع اليد عن هذا الأثر؛ لوجود أدلة خاصة على لزوم فصلها، وأما باقي الآثار فهي باقية تحت إطلاق دليل الاستصحاب، فلا منافاة بين إجراء الاستصحاب حينئذٍ، وبين ما استقر عليه المذهب من لزوم كون صلاة الاحتياط مفصولة.

وبعبارة أخرى: لدليل الاستصحاب إطلاق يدل على ترتيب جميع آثار المستصحب - الذي هو عدم الإتيان بالرابعة - ومن الآثار لزوم الإتيان بركعة موصولة لتكون الركعة الرابعة، لكن هناك أدلة خاصة تُقيّد هذا الإطلاق، فتدل على لزوم الإتيان بالركعة مفصولة، ومن المعلوم أنه لا إشكال في تقييد الإطلاقات.

فتحصل: أن حمل الصحيحة الثالثة على الاستصحاب لا ينافي ما استقر عليه المذهب من إضافة ركعة مفصولة.

[2] أي: بإضافة ركعة مفصولة.

[3] وهو الاستصحاب وهو الاحتمال الأول، لا اليقين باشتغال الذمة - وهو الاحتمال الثاني - .

[4] «بها» بالركعة، «باقتضائه» باقتضاء الاستصحاب، حيث دل الاستصحاب

ص: 8


1- تهذيب الأحكام 2: 349؛ وسائل الشيعة 8: 213.

مفصولةً ينافي إطلاق النقض[1]، وقد قام الدليل على التقييد في الشك في الرابعة وغيره[2]، وأن المشكوكة[3] لابد أن يؤتى بها مفصولة، فافهم[4].

وربما أشكل[5] أيضاً بأنه لو سلم دلالتها على الاستصحاب كانت من الأخبار

----------------------------------

على عدم الإتيان بالركعة الرابعة، فلابد من تكميل الصلاة بإتيان ركعة.

[1] أي: إطلاق دليل الاستصحاب وهو (لا تنقض) يدل على ترتيب جميع آثار عدم الإتيان، فيحكم بأنه في الركعة الثالثة، فلابد من الإتيان بركعة أخرى موصولة.

[2] أي: غير الشك في الرابعة، كما لو شك بين الاثنتين والأربع - وقد ذكر حكمه في صدر هذه الصحيحة - وكذا الشك بين الاثنتين والثلاث - بعد السجدتين - .

[3] بيان للدليل الذي قيّد إطلاق دليل الاستصحاب.

[4] لعله إشارة إلى أن هذا الجواب جعل إرادة الاستصحاب - في الصحيحة الثالثة - ممكناً، ولكن يبقى في الصحيحة الاحتمال الآخر، ومعه لا يمكن الاستدلال بها على الاستصحاب؛ إذ مع احتمال الخبر لاحتمالين لا يصح الاستدلال بأحدهما أصلاً.

أو إشارة إلى أن الوصل أو الفصل لا يرتبط بدليل الاستصحاب - لا بمقتضاه ولا بإطلاقه - بل هو مرتبط بأدلة أخرى تدل على كيفية الصلاة، فإطلاق دليل يدل على الوصل ودليل آخر قيده بالفصل.

الإشكال الثاني

[5] حاصل الإشكال: إنه إن سلمنا دلالة الصحيحة على الاستصحاب فهي تدل على حجيته في خصوص الشك في الركعات، ولا دلالة لها على حجية الاستصحاب في سائر الموارد.

ص: 9

الخاصة الدالة عليه[1] في خصوص المورد، لا العامة لغير مورد، ضرورة ظهور الفقرات[2] في كونها مبنيةً للفاعل، ومرجع الضمير فيها هو المصلي الشاك.

وإلغاء[3] خصوصية المورد ليس بذاك الوضوح[4]، وإن كان يؤيده تطبيق قضية «لا تنقض اليقين» وما يقاربها على غير مورد، بل دعوى[5] «أن الظاهر من نفس

----------------------------------

[1] على الاستصحاب، «خصوص المورد» الشك في الركعات، «لغير مورد» أي: لغير مورد واحد، بل لعامة الموارد.

[2] أي: قوله: (لا ينقض) و(لا يدخل) و(لا يخلط) و(ينقض) و(يتم) و(يعتد) ظاهرة في أنها من الفعل المعلوم لا المجهول، فالفاعل هو الشاك في الركعات وهو مورد خاص. نعم، لو كانت الأفعال مبنية للمفعول - أي: مجهولة - كانت ظاهرة في التعميم.

الجواب الأول

[3] وردّ الإشكال الثاني بجوابين:

الأول: ادعاء عموم الكلام بأن يكون الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ذكر قاعدة عامة - وهي عدم نقض اليقين بالشك - وطبقها على المورد، وهو الشك في الركعات.

لكن يمكن رد هذا الجواب بأن إلغاء خصوصية المورد - عبر تعميم الكلام وجعله كالعِلة - ليس واضحاً؛ إذ هو يحتاج إلى قرينة قطعية، وهي مفقودة في المقام.

نعم، يمكن أن نجد تلك القرينة بأن هذه العبارة: (لا تنقض اليقين بالشك) قد استعملت في سائر الأخبار في الاستصحاب، وجعلت عِلة في تلك الأخبار مما يدل على أنها قاعدة عامة.

[4] الذي يستلزم منه تعميم حكم مورد خاص إلى سائر الموارد، «يؤيده» أي: يؤيد إلغاء الخصوصية.

الجواب الثاني

[5] هذا الجواب الثاني، وحاصله: تنقيح المناط، بأن نقول: إن كلام الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ

ص: 10

القضية[1] هو أن مناط حرمة النقض إنما يكون لأجل ما في اليقين والشك[2]، لا لما في المورد من الخصوصية، وأن مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك» غير بعيدة[3].

ومنها[4] قوله: «من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه، فإن الشك لا ينقض اليقين»(1) أو «فإن اليقين لا يدفع بالشك»(2).

وهو[5]

----------------------------------

وإن كان خاصاً بالركعات، لكن ملاك الحكم موجود في سائر الموارد؛ لأن الملاك هو كون اليقين أمراً مبرماً، وهذا كما يوجد في اليقين والشك في الركعات كذلك يوجد في سائر الموارد.

[1] أي: قوله: (لا تنقض اليقين بالشك).

[2] من إبرام اليقين وضعف الشك.

[3] خبر قوله: (بل دعوى أن...).

رواية محمد بن مسلم

اشارة

[4] هذان خبران، الأول: رواه الصدوق في الخصال، والثاني: رواه المفيد في الإرشاد.

وجه الاستدلال: هو أمر الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في الاستمرار في أحكام اليقين بقوله: (فليمض على يقينه)، وعدم الاعتناء بالشك، حيث قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في الأولى: (فإن الشك لا ينقض اليقين)، وفي الثانية: (فإن اليقين لا يدفع بالشك).

إشكال وجوابان

[5] أي: هذا الخبر، فقد أورد الشيخ(3) على الاستدلال بأن الخبرين كما يحتملان الاستصحاب كذلك يحتملان قاعدة اليقين، فيصير الكلام مجملاً؛ لتعدد

ص: 11


1- الخصال: 619، مع اختلاف يسير؛ وسائل الشيعة 1: 246.
2- الإرشاد 1: 302؛ مستدرك الوسائل 1: 228.
3- فرائد الأصول 3: 69.

وإن كان يحتمل قاعدة اليقين، لظهوره[1] في اختلاف زمان الوصفين، وإنما يكون ذلك[2] في القاعدة دون الاستصحاب، ضرورة إمكان اتحاد زمانهما[3]، إلاّ أن

----------------------------------

الاحتمال،فلا يمكن الاستدلال بهما، وذلك لأن قاعدة اليقين هي التيقن بشيء في زمان ثم الشك في زمان آخر بنفس ذلك الشيء، مثلاً: تيقن عدالة زيد يوم الجمعة، ثم يوم السبت يشك في أصل عدالته يوم الجمعة؛ وذلك لشكه في مستند يقينه.

ففي قاعدة اليقين زمان اليقين متقدم وزمان الشك لاحق، وليس كذلك في الاستصحاب، فإنه قد يجتمع اليقين والشك في زمان واحد، مثلاً: لعلك تقول: رأيت زيداً أمس وكان حياً، ولا أدري هل هو حي الآن أم لا؟ فزمان المتيقن والمشكوك مختلف، لكنك الآن جمعت بين اليقين والشك، اليقين بحياته أمس والشك في حياته اليوم، وهذا مورد الاستصحاب.

ولعلك تقول: رأيت شخصاً أمس وتيقنت أنه زيد، والآن طرأ عليّ شك أنه هل كان زيداً أم كان أخاه الذي يشبهه؟ فزمان اليقين والشك مختلف، لكن المتيقن والمشكوك - وهو حياة زيد أمس - واحد، وهذا مورد قاعدة اليقين.

إذ عرفت ذلك قلنا: الرواية هي: (من كان على يقين فأصابه شك)، وفاء العطف للترتيب، أي: كان زمان اليقين سابقاً وزمان الشك لاحقاً، وهذا ينسجم مع قاعدة اليقين - حيث لا يجتمع اليقين والشك في زمان واحد - لا مع قاعدة الاستصحاب.

[1] أي: ظهور هذا الخبر، «الوصفين» أي: اليقين والشك، ومنشأ الظهور هو فاء التفريع.

[2] أي: اختلاف زمان الوصفين - اليقين والشك - هو في قاعدة اليقين، وأما الاستصحاب فيمكن اجتماع الوصفين في زمان واحد، مع اختلاف الموصوفين - أي: المتيقن والمشكوك - .

[3] أي: زمان الوصفين - اليقين والشك - في الاستصحاب.

ص: 12

المتداول[1] في التعبير عن مورده[2] هو مثل هذه العبارة. ولعله[3] بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين لما بين اليقين والمتيقن من نحوٍ من الاتحاد[4]، فافهم[5]. هذا مع وضوح[6] أن قوله: «فإن الشك لا ينقض... إلى آخره» هي القضية المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من أخبار الباب.

----------------------------------

[1] الجواب الأول: وذلك بالاستفادة من صدر الحديث في قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (من كان على يقين فأصابه شك)، وحاصله: إنه في الاستصحاب وإن اجتمع اليقين والشك في زمان واحد، إلاّ أن الغالب هو حدوث اليقين أولاً ثم حدوث الشك، مثلاً: يتيقن في الصباح بطهارة شيء ثم يشك في الظهر في نجاسته، وهنا وإن اجتمع اليقين والشك في الظهر لكن زمان حدوثهما مختلف.

[2] عن مورد الاستصحاب، «مثل هذه العبارة» أي: (كان على يقين فشك).

[3] أي: لعل تعارف هذا التعبير في الاستصحاب إنما هو بملاحظة أن اليقين هو مرآة للمتيقن، فلذا لا يلاحظ نفس اليقين عادة، فتعارف التعبير عن أحدهما بالآخر.

[4] أي: بنحو المرآتية، فكأنّ اليقين هو المتيقن؛ وذلك للغفلة عن اليقين عادة.

[5] لعله إشارة إلى أن هذا النحو من الاتحاد إن أمكن في اليقين والمتيقن لكنه غير ممكن في الشك والمشكوك؛ إذ ليس الشك مرآة للمشكوك.

أو إشارة إلى أن صحة إرادة الاستصحاب لا توجب صحة الاستدلال بالرواية على الاستصحاب؛ إذ مع احتمال إرادة قاعدة اليقين تصير الرواية مجملة.

[6] الجواب الثاني: وذلك بالاستفادة من آخر الحديث في قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (فإن الشك لا ينقض اليقين) وقوله: (فإن اليقين لا يدفع بالشك)، وحاصل الجواب: إن هذا التعبير استفيد منه في عدة من روايات الاستصحاب للإشارة إلى القضية المرتكزة في أذهان العقلاء، فلابد من حمل هذه الرواية عليه أيضاً.

ص: 13

ومنها: خبر الصفّار: عن علي بن محمد القاساني. قال: كتبت إليه - وأنا بالمدينة - عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان[1] هل يصام أم لا[2]؟ فكتب: «اليقين لا يدخل فيه الشك، صم للرؤية وافطر للرؤية»(1).

حيث دل[3] على أن اليقين بالشعبان(2)

لا يكون مدخولاً[4] بالشك في بقائه وزواله بدخول شهر رمضان[5]، ويتفرع [عليه] عدم وجوب الصوم إلاّ بدخول شهر رمضان.

وربما يقال[6]:

----------------------------------

مكاتبة القاساني

اشارة

[1] سواء كان من أوله، بأن شك في أنه الثلاثين من شعبان أو الأول من شهر رمضان، أم من آخره بأن شك في أنه آخر شهر رمضان أو أول شوّال.

[2] أي: هل يجب فيه الصوم أم لا؟

[3] وجه الاستدلال أن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قال: إنّ اليقين بكون الأيام الماضية من شعبان لا يُنقض بالشك بدخول شهر رمضان، بل لابد من إجراء حكم شعبان، وكذا في شهر رمضان وشوال - وهذا هو الاستصحاب - .

[4] أي: منقوضاً، «بقائه» بقاء شعبان، «بدخول» متعلق بقوله: (مدخولاً) أي: لا يكون منقوضاً بالحكم بدخول شهر رمضان.

[5] أي: باليقين بدخول شهر رمضان، حتى يكون نقض اليقين بشعبان باليقين بشهر رمضان.

إشكال

[6] حاصل إشكال المصنف على الاستدلال بالرواية: إن قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (اليقين) يحتمل أن يراد به اليقين بدخول شهر رمضان، فيكون المعنى: إن وجوب الصوم

ص: 14


1- الاستبصار 2: 64؛ وسائل الشيعة 10: 255.
2- في نسخة: «بشعبان».

إن مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشك يشرف القطع[1] بأن المراد باليقين هو اليقين بدخول شهر رمضان، وأنه لابد في وجوب الصوم ووجوب الإفطار من اليقين بدخول شهر رمضان[2] وخروجه، وأين هذا من الاستصحاب؟! فراجع ما عقد في الوسائل[3] لذلك من الباب تجده شاهداً عليه.

ومنها[4]:

----------------------------------

يتوقف على اليقين بدخول شهر رمضان، ووجوب الإفطار يتوقف على اليقين بدخول شوال، ولا يكفي الشك في الدخول، وهذا المعنى أجنبي عن الاستصحاب، بل يتلاءم مع سائر أخبار الباب.

[1] لعلّه سقط من المتن شيء، والمقصود بمراجعة أخبار يوم الشك يشرف الفقيه على القطع بأن... الخ.

[2] عكس المستدل الذي جعله اليقين بشهر شعبان.

[3] كما عن الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني)(1). وكقوله: (صيام شهر رمضان بالرؤية وليس بالظن... الخ)(2).

وكقول الإمام الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية)(3)،

وغيرها.

أخبار الحلية والطهارة

اشارة

[4] قد اختلف في دلالة هذه الأخبار على أقوال - ولنتكلم حول الخبر الأول، ومنه يعلم حال الخبرين الآخرين - :

1- إنها دليل قاعدة الطهارة، فقد جعل الشارع كل مشكوك الطهارة طاهراً بحكم ظاهري.

ص: 15


1- وسائل الشيعة 10: 256.
2- وسائل الشيعة 10: 253.
3- وسائل الشيعة 10: 252.

----------------------------------

2- إنها دليل أمرين: القاعدة، والاستصحاب.

3- إنها دليل ثلاثة أمور: القاعدة، والاستصحاب، والحكم الواقعي - أي: طهارة كل شيء واقعاً وحليته واقعاً - .

4- إنها دليل الحكم الواقعي والاستصحاب فقط.

وظاهر المصنف هو اختيار رابع الأقوال، ودليله:

1- إن الموضوع في صدر الرواية (كل شيء طاهر) هو (شيء)، والكلمات موضوعة لمعانيها بما هي هي، لا بما هي معلومة، فالأسد - مثلاً - موضوع للحيوان المفترس الخاص سواء علمنا به أم لا، وليس الوضع لما نتصوره أسداً حتى وإن أخطأنا في تصورنا.

وعليه: ف- (الشيء) في صدر الرواية يراد به: بما هو هو، فمعنى الصدر هو كل شيء - بما هو هو - طاهر، وهذا هو الحكم الواقعي.

2- إن تتمة الرواية (حتى تعلم أنه قذر) غاية للطهارة، ومن المعلوم أن العلم بالقذارة ليس غاية للطهارة الواقعية، بل هو غاية للطهارة الظاهرية، حيث إن غاية الطهارة الواقعية هي ملاقاة النجاسة - مثلاً - سواء علمنا بها أم لم نعلم، أما العلم فهو غاية للطهارة الظاهرية، كما هو واضح.

وبعبارة أخرى: العلم ليس له دخل في الواقع؛ إذ الواقع موجود، سواء علمنا به أم لم نعلم، وإن اخطأ العلم فهو جهل مركب من غير وجود للواقع أصلاً، بل العلم له دخل في الظاهر.

وعليه ف- (حتى تعلم...) يراد به استمرار الطهارة ظاهراً إلى حين العلم بالنجاسة، وهذا الاستمرار هو الاستصحاب.

فتحصل: أن صدر الرواية يدل على الحكم الواقعي بأن خلق الله الأشياء طاهرة واقعاً،تتمة الرواية تدل على الاستصحاب.

ص: 16

قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «كل شيءٍ طاهر[1] حتى تعلم أنه قذر»(1)،

وقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس»(2)،

وقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «كل شيءٍ حلال حتى تعرف أنه حرام»(3).

وتقريب دلالة مثل هذه الأخبار على الاستصحاب أن يقال: إن الغاية فيها[2] إنما هو لبيان استمرار ما حكم على الموضوع واقعاً[3] - من الطهارة والحلية - ظاهراً[4] ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه[5]، لا لتحديد الموضوع[6]، كي يكون[7] الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته؛ وذلك[8] لظهور

----------------------------------

[1] نص الخبر وهو موثقة عمار: (كل شيء نظيف... الخ).

[2] «فيها» في هذه الأخبار، والغاية هي: (حتى تعلم...).

[3] الحكم الواقعي في صدر الرواية بقوله: (كل شيء نظيف) مثلاً.

[4] متعلق ب- (استمرار) أي: الغاية لبيان استمرار الحكم ظاهراً.

[5] قيل(4):

الحلية والحرمة ضدان لأنها أمران وجوديان، وأما الطهارة فهي عدم النجاسة، فهما نقيضان، فتأمل.

[6] أي: ليست الغاية لتحديد (شيء) وهو الموضوع في صدر الرواية، فلا يراد كل شيء - إلى حين العلم بقذارته - طاهر.

[7] أي: لو كانت الغاية لتحديد الموضوع تكون هذه الأخبار دالة على قاعدة الطهارة والحلية، وهي حكم ظاهري بمعاملة كل شيء على أنه طاهر وحلال.

[8] دليل على أن الغاية ليست لتحديد الموضوع، «المغيّى» الحكم في صدر الرواية وهو الطهارة والحلية، «فيها» في هذه الأخبار.

ص: 17


1- وسائل الشيعة 3: 467، وفيه: «كل شيء نظيف...».
2- وسائل الشيعة 1: 142، وفيه: «حتى تعلم أنه قذر».
3- الكافي 5: 313، مع اختلاف يسير.
4- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 4: 462.

المغيى فيها في بيان الحكم للأشياء بعناوينها[1]، لا بما هي مشكوكة الحكم، كما لا يخفى؛ فهو وإن لم يكن له بنفسه مساسٌ بذيل القاعدة[2] ولا الاستصحاب، إلاّ أنه بغايته[3] دل على الاستصحاب، حيث إنها[4] ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهراً ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه.

كما أنه[5] لو صار مغيى لغاية[6] - مثل الملاقاة بالنجاسة أو ما يوجب الحرمة - لدل على استمرار ذاك الحكم[7] واقعاً، ولم يكن له حينئذٍ بنفسه ولا بغايته دلالة

----------------------------------

[1] أي: بما هي هي، فإن الألفاظ موضوعة لحقائق الأشياء، لا للأشياء بما هي معلومة أو مشكوكة، «فهو» أي: المغيّى.

[2] مراد المصنف أن المغيّى - وهو صدر الرواية - لا علاقة له بقاعدة الطهارة والحلية؛ إذ الصدر في بيان الحكم الواقعي، وتعبيره ب- «ذيل القاعدة» مسامحة.

[3] أي: إلاّ أن المغيّى بواسطة الغاية دل على الاستصحاب، ومقصود المصنف: إن الغاية وهي (حتى تعلم...) دلت على استمرار الحكم الظاهري إلى حين حصول العلم بالنجاسة أو الحرمة.

[4] أي: الغاية، و«ظاهراً» قيد للاستمرار، أي: الاستمرار الظاهري للحكم بالطهارة والحلية.

[5] إشارة إلى أن الغاية لو لم تكن (العلم) لكانت دالة على استمرار الحكم الواقعي لا الظاهري، مثلاً: لو كان يقول: (حتى يلاقي النجس) فإن هذه الملاقاة لا ربط لها بالعلم والجهل، فكل ما لاقى النجس - بشروطه - يتنجّس، سواء علمنا بالملاقاة أم لم نعلم، ولكن لما كانت الغاية في الأخبار هي (حتى تعلم...) فإنها دالة على الاستمرار الظاهري.

[6] أي: إن المغيّى - وهو الصدر - لو لحقت به غاية أخرى غير العلم، وقوله: «لغاية» مضاف إلى «مثل الملاقاة...».

[7] من الطهارة والحلية، «له» للمغيّى، «حينئذٍ» حين كون الغاية شيئاً آخر غير العلم.

ص: 18

على الاستصحاب[1].

ولا يخفى[2]: أنه لا يلزم على ذلك[3] استعمال اللفظ في معنيين أصلاً؛ وإنما يلزم[4] لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده غاية لاستمرار حكمه،

----------------------------------

[1] إذ يكون كل الخبر - بصدره وتتمته - دالاً على الحكم الواقعي فقط.

إشكال وجوابه

[2] اعلم أن صاحب الفصول - على ما نسب إليه(1)

- قال: إنّ هذه الأخبار تدل على قاعدة الطهارة أو الحلية وعلى الاستصحاب - وهو ثاني الأقوال - . فأشكل عليه الشيخ الأعظم(2):

بأن ذلك يستلزم استعمال لفظ (حتى تعلم) في أكثر من معنى؛ وذلك لأن (حتى تعلم...) أولاً: يكون غاية للقاعدة، أي: كل شيء - حتى تعلم... - طاهر أو حلال، وثانياً: يكون دالاً على استمرار حكم الطهارة والحلية إلى حين العلم - وهو الاستصحاب - وهذا من استعمال اللفظ في أكثر من معنى. وبعبارة أخرى: فإن (حتى تعلم) استعمل في معنيين: حدّ القاعدة، واستمرار الحكم بالاستصحاب، وقد مرّ عدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

لكن هذا لا يرد على كلام المصنف؛ لأنه يقول: إنّ صدر الرواية يدل على الحكم الواقعي، وتتمة الرواية - وهي الغاية - تدل على الاستصحاب، فهنا جملتان كل واحدة منهما دلت على معنى، فلم يستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

[3] أي: على ما اخترناه من دلالة الصدر على الواقع، والتتمة على الاستصحاب.

[4] أي: يلزم استعمال اللفظ في معنيين، بناءً على ما قاله صاحب الفصول، «كونها» كون الغاية، «الموضوع» وهو (شيء)، و«قيوده» عطف تفسيري على «حدود الموضوع»، «غاية» مفعول ثانٍ ل- «جعلت»، «حكمه» حكم الموضوع.

ص: 19


1- فرائد الأصول 3: 74.
2- فرائد الأصول 3: 74.

ليدل على القاعدة والاستصحاب[1] من غير تعرض[2] لبيان الحكم الواقعي للأشياء أصلاً، مع وضوح ظهور مثل «كل شيء حلال أو طاهر» في أنه لبيان حكم الأشياء بعناوينها الأولية[3]، وهكذا «الماء كله طاهر»، وظهور الغاية[4] في كونها حداً للحكم لا لموضوعه، كما لا يخفى، فتأمل جيداً.

ولا يذهب عليك[5] أنه بضميمة عدم القول بالفصل قطعاً بين الحلية والطهارة وبين سائر الأحكام لعم الدليل وتم.

----------------------------------

[1] دلالته على القاعدة بجعل الغاية من قيود الموضوع، ودلالته على الاستصحاب بجعل الغاية دالة على استمرار الحكم إلى حين العلم.

[2] حيث إن القول الثاني - الذي اختاره صاحب الفصول - هو دلالة هذه الأخبار على القاعدة وعلى الاستصحاب، من غير دلالة لها على الحكم الواقعي.

أما مختار المصنف فهو القول الرابع، حيث دل الصدر على الحكم الواقعي ودلت التتمة على الحكم الظاهري.

[3] أي: بما هي هي، لا بما هي معلومة، إذن دل (كل شيء...) على الحكم الواقعي؛ وذلك لما مرّ من أن الألفاظ موضوعة لحقائق الأشياء.

[4] أي: ومع وضوح ظهور الغاية وهي (حتى تعلم...) في أنها حد للحكم الظاهري - وهو الطهارة والحلية - وذلك لأنها مقيدة بالعلم، وليس (العلم) حداً للحكم الواقعي، بل هو حد للحكم الظاهري.

[5] أي: إن قلت: إن دلت الرواية على الاستصحاب فهي دالة عليه في موردين خاصين - هما الحلية والطهارة - فيجري الاستصحاب فيهما فقط.

قلت: بضميمة عدم القول بالفصل يتم المطلوب، وهو حجية الاستصحاب مطلقاً؛ إذ لا يوجد قائل بجريان الاستصحاب فيهما فقط دون سائر المواضيع.

والأولى: الاستدلال بالملاك أو إلغاء الخصوصية.

ص: 20

ثم لا يخفى[1]: أن ذيل موثقة عمار: «فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك»(1) يؤيد[2] ما استظهرنا منها، من كون الحكم المغيى[3] واقعياً ثابتاً للشيء بعنوانه، لا ظاهرياً[4]

----------------------------------

[1] هذا تأييد لكون الخبر ليس لبيان قاعدة الطهارة، بل صدره لبيان الحكم الواقعي، وتتمته لبيان الاستصحاب.

وحاصله: إن لموثقة عمار - وهو الخبر الأول - ذيلاً، وهو قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك)، والظاهر أن هذا الذيل إنما هو توضيح للغاية من الخبر، وهي (حتى تعلم أنه قذر)، وذلك بتكرار منطوقها وهو (فإذا علمت فقد قذر)، وبيان مفهومها وهو (ما لم تعلم فليس عليك). ولا ربط لهذا الذيل بالمغيّى وهو (كل شيء نظيف)، لأن الذيل بيان لحالة العلم والجهل، فهو يناسب الغاية وهي قوله: (حتى تعلم أنه قذر).

في حين أن الرواية إن كانت لبيان قاعدة الطهارة كان الغاية والمغيّى كلاهما شيئاً واحداً، فلا يناسبه التفريع بالفاء في قوله: (فإذا علمت...).

[2] وإنما اعتبره مؤيداً لأن التفريع على قاعدة الطهارة أيضاً ليس بالبعيد، فيقال هكذا: كل شيء - لا يعلم أنه قذر - طاهرٌ، فإذا علمت بالقذارة فَتَجنَّبه، وإن لم تعلم فلا شيء عليك.

ولكن الأقرب أن الفاء في (فإذا علمت...) هو للتفريع على الغاية فقط، فتأمل.

[3] وهو قوله: (كل شيء نظيف) والمراد به الطهارة الواقعية، وأما قوله: (حتى تعلم...) فهو لبيان حكم ظاهري هو الاستصحاب.

[4] الذي هو مفاد قاعدة الطهارة فيقال: إن (حتى تعلم...) هو قيد للموضوع - وهو شيء - فتكون الموثقة هكذا (كل شيء - حتى تعلم قذارته - فهو طاهر)، «ثابتاً له» للشيء - وهو الموضوع - .

ص: 21


1- وسائل الشيعة 3: 467.

ثابتاً له بما هو مشتبه، لظهوره[1] في أنه متفرع على الغاية وحدها، وأنه بيان لها وحدها منطوقها ومفهومها، لا لها[2] مع المغيى، كما لا يخفى على المتأمل.

ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك مما هو مفاد الأخبار فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الأقوال[3] والنقض والإبرام في ما ذكر لها من الاستدلال.

ولا بأس بصرفه إلى تحقيق حال الوضع[4]

----------------------------------

[1] لظهور الذيل، وهذا بيان التأييد وأن وجه الظهور هو أن الغاية أخذ فيها العلم، والذيل أيضاً بيان لحالة العلم والجهل، «أنه» الذيل، «لها» للغاية.

[2] أي: ليس للذيل ظهور في أنه بيان للغاية مع المغيّى.

[3] أنهاها الشيخ الأعظم في الرسائل(1)

إلى تسعة. وقد ذكر المصنف في ما سبق منها: التفصيل بين الشك في المقتضي والمانع، والتفصيل بين الأحكام والموضوعات، والآن سيذكر المصنف التفصيل بين الأحكام الوضعية والتكليفية، أما سائر الأقوال فقد تبين الإشكال فيها من إقامة الأدلة على حجية الاستصحاب، فلا حاجة إلى ذكرها.

الأحكام الوضعيّة

اشارة

[4] أي: الأحكام الوضعيّة وقد اختلف في الأحكام الوضعية على ثلاثة أقوال:

الأول: وجودها بالاستقلال وبالانتزاع.

الثاني: إنها منتزعة عن الأحكام التكليفية فقط ولا وجود لها بالاستقلال.

الثالث: لا وجود للحكم الوضعي أصلاً، بل هو عبارة عن الحكم التكليفي.

والقول الأول مختار المصنف.

وأما الثاني والثالث فقد يظهران من عبارات الشيخ الأعظم في الرسائل(2)،

فتارة رجح الثاني، وتارة رجح الثالث، وعباراته مضطربة، وكأن المصنف يرى أن اختيار

ص: 22


1- فرائد الأصول 3: 49، 190.
2- فرائد الأصول 3: 130.

وأنه حكم مستقل بالجعل[1] كالتكليف، أو منتزع عنه وتابع له[2] في الجعل، أو فيه تفصيل؟ حتى يظهر[3] حال ما ذكر هاهنا بين التكليف والوضع من التفصيل، فنقول[4] - وبالله الاستعانة -:

لا خلاف - كما لا إشكال - في اختلاف التكليف والوضع مفهوماً[5]، واختلافهما

----------------------------------

الشيخ الأعظم هو القول الثاني.

[1] أي: يُنشؤه الشارع بالاستقلال ومع قطع النظر عن حكم تكليفي آخر.

[2] قوله: «وتابع له» عطف تفسيري على قوله: «منتزع عنه».

ولا يخفى أن هنالك فرقاً بين التابع وبين المنتزع، فالتابع قد يكون له وجود استقلالي؛ ولكن جُعل بسبب جعل المتبوع، وأما المنتزع فلا وجود مستقل له، ومراد المصنف من (التابع) هنا هو نفس المنتزع - أي: ما لا يُجعل استقلالاً - ولا مشاحة في الاصطلاح.

[3] أي: بحث حال الوضع إنما هو ليتضح القول بالتفصيل في الاستصحاب بين الوضع والتكليف.

[4] قدم المصنف مقدمات:

الأولى: إن المعنى الذي ينطبع في الذهن من كلمة (الوضع) يختلف عن كلمة (التكليف)، فبينهما تغاير في المفهوم.

الثانية: إنهما خارجاً قد يجتمعان وقد يفترقان، فبينهما عموم من وجه.

الثالثة: إن الحكم ينقسم إلى التكليفي والوضعي بداهة؛ إذ من معاني الحكم هو الاعتبار الشرعي، وهذا ينطبق عليهما.

الرابعة: قد وقع النزاع في عدد الأحكام الوضعية، ولا فائدة في هذا النزاع، والصحيح أن كل اعتبار شرعي لم يكن من الأحكام الخمسة فهو حكم وضعي.

[5] أي: المعنى المنطبع في الذهن.

ص: 23

في الجملة[1] مورداً[2]، لبداهة[3] ما بين مفهوم السببية أو الشرطية ومفهوم مثل الإيجاب أو الاستحباب من المخالفة والمباينة[4].

كما لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي[5] إلى التكليفي والوضعي، بداهة أن الحكم وإن لم يصح تقسيمه إليهما ببعض معانيه ولم يكد يصح إطلاقه على الوضع، إلاّ أن صحة تقسيمه بالبعض الآخر إليهما وصحة إطلاقه عليه بهذا المعنى[6] مما لا يكاد ينكر كما لا يخفى، ويشهد به[7] كثرة إطلاق الحكم عليه في كلماتهم، والالتزام بالتجوز فيه كما ترى.

----------------------------------

[1] فقد يكون تكليف من غير وضع مثل: (وجوب الصلاة). وقد يكون وضع من غير تكليف ك(إتلاف الصبي مال الغير) فهو ضامن غير مكلف.

وقد يجتمعان ك(الإفطار العمدي في شهر رمضان) فهو حرام تكليفاً، وسبب للكفارة وضعاً.

[2] أي: في الوجود الخارجي.

[3] هذا دليل المقدمة الأولى، أي: اختلافها مفهوماً.

[4] ولو كان المفهوم واحداً للزم انطباع شيء واحد في الذهن، وليس كذلك.

[5] وهذه المقدمة الثالثة، أي: إن معنى (الحكم) هو اصطلاح، والاصطلاح يرتبط بجاعله، فبعض معاني الحكم لا ينقسم إليهما، كقولهم: (الحكم هو المجعول اقتضائياً أو تخييرياً)؛ إذ (الاقتضاء) هو الوجوب والحرمة و(التخيير) هو الإباحة والاستحباب والكراهة.

لكن بعض معاني الحكم قابل للتقسيم إليهما، كقولهم: (الحكم هو المجعولات الشرعية).

[6] أي: المعنى الآخر كما ذكرناه في الحاشية السابقة.

[7] أي: بصحة الإطلاق، والمقصود حيث إنه اصطلاح وقد استعمل بكثرة في كلمات الفقهاء فلا بأس به، ولا وجه لحمل إطلاقهم على التجوّز.

ص: 24

وكذا لا وقع[1] للنزاع في أنه محصور في أمور مخصوصة، كالشرطية والسببية والمانعية[2] كما هو المحكي عن العلامة، أو مع زيادة العِلية والعلامية[3]، أو مع زيادة الصحة والبطلان[4] والعزيمة والرخصة[5]، أو زيادة غير ذلك[6] كما هو

----------------------------------

[1] هذه المقدمة الرابعة، «أنه» أن الوضع.

[2] (الشرط): ما له دخل في تأثير السبب في التكليف، كالبلوغ لوجوب الصلاة.

و(السبب): ما فيه اقتضاء التكليف، كزوال الشمس لوجوب الصلاة.

و(المانع) و(الرافع): ما يمنع عن تأثير المقتضي، فإن كان قبل تأثيره سُمّي مانعاً، وإن منعه بعد تأثيره سُمّي رافعاً، كالحيض قبل الوقت وبعده، فهو مانع أو رافع لوجوب الصلاة.

[3] (العِلة): وجود المقتضي وعدم المانع، ففرقه عن السبب أن ذاك كان وجود المقتضي مع قطع النظر عن المانع.

وقيل: السبب ما كان بالاختيار كأسباب الضمان غالباً، والعِلة ما ليس بالاختيار كدخول الوقت.

و(العلامة): ما تكشف عن المقتضي أو العِلّة، كخفاء الجدران والأذان، فهو علامة على قطع المسافة الموجبة للقصر والإفطار للمسافر.

[4] فإنهما حكمان وضعيان، كالصلاة في الثوب الطاهر فإنها صحيحة، والصلاة في الساتر النجس عمداً فهي باطلة.

وقد مرّ أن مطابقة المأتي به للمأمور به هو الصحة، وعدم المطابقة هو البطلان.

[5] لا وجه لجعلهما من الأحكام الوضعية لأنهما من التكليف؛ إذ العزيمة هي (الوجوب والحرمة)، والرخصة هي (الاستحباب والإباحة والكراهة).

[6] كالتقدير، مثل: تقدير الميت بمنزلة الحي في ملكيته للدية لتقسّم على الورثة على طبق سهم كل واحد منهم، وكتقدير الماء - المحتاج إلى شربه - بمنزلة العدم في جواز التيمم.

ص: 25

المحكي عن غيره، أو ليس بمحصور[1]، بل كلّ ما ليس بتكليف[2] مما له دخل فيه، أو في متعلقه وموضوعه[3]، أو لم يكن له دخل مما أطلق عليه الحكم في كلماتهم، ضرورة أنه لا وجه للتخصيص بها[4] بعد كثرة إطلاق الحكم في الكلمات على غيرها، مع أنه لا تكاد تظهر ثمرة مهمة علمية أو عملية للنزاع في ذلك.

وإنما المهم في النزاع هو أن الوضع كالتكليف في أنه مجعول تشريعاً[5] بحيث يصح انتزاعه بمجرد إنشائه، أو غير مجعول كذلك[6]، بل إنما هو منتزع عن التكليف ومجعول بتبعه وبجعله؟

----------------------------------

[1] عطف على قوله: (في أنه محصور في...).

[2] 1- إما له دخل في التكليف، كالزوجية في جواز الوطء، وكالاستطاعة في وجوب الحج.

2- وإما في متعلق التكليف - أي: موضوعه - كالجزئية التي تعلقت بالصلاة المأمور بها.

3- وإما في ما لا دخل له في التكليف، كالنجاسة في ما لا ابتلاء به.

وقد مثلّوا له بالوكالة(1)،

وفيه نظر؛ لأنها تتعلق بالتكليف، كجواز التصرف ضمن حدود الوكالة.

[3] قوله: «وموضوعه» عطف تفسيري على قوله: «في متعلقه».

[4] أي: بهذه المذكورات من السببية والشرطية... الخ، وهذا دليل عدم الحصر.

[5] أي: بالاستقلال، فهو ينتزع من جعل الشارع لمنشئه من غير أن يكون ذلك المنشأ حكماً تكليفياً، كما لو قال الشارع: هذه زوجة، فإنه تنتزع الزوجية من هذا الجعل بالاستقلال من غير توسط حكم تكليفي.

[6] «كذلك» أي: تشريعاً استقلالاً، فلا جعل تشريعي استقلالي.

نعم، قد يكون جعل تكويني بإيجاد منشأ الانتزاع، مثلاً: إيجاد الزوال تكويناً

ص: 26


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 4: 472.

والتحقيق أن ما عُدّ من الوضع على أنحاء:

منها: ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل تشريعاً أصلاً، لا استقلالاً ولا تبعاً[1]، وإن كان[2] مجعولاً تكويناً عرضاً بعين جعل موضوعه كذلك[3].

ومنها: ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلاّ تبعاً للتكليف[4].

ومنها: ما يمكن فيه الجعل استقلالاً - بإنشائه[5] -، وتبعاً[6] للتكليف - بكونه منشأ لانتزاعه -، وإن كان الصحيح[7] انتزاعه من إنشائه وجعله، وكون التكليف

----------------------------------

فينتزع منه السببيّة لوجوب صلاة الظهر.

أما جعله التشريعي فقد يقال بالجعل التبعي، بمعنى جعل التكاليف، كجواز النظر ووجوب النفقة وحرمة التزوج بالأخت، ونحو ذلك، فينتزع من هذه التكاليف الزوجية التي هي حكم وضعي.

أقسام الوضع

اشارة

[1] كسببيّة الزوال لوجوب الصلاة، فإن الزوال أمر تكويني لا يرتبط بالجعل التشريعي.

[2] أي: وإن كان الوضع مثلاً سببيّة الزوال أمر وضعي مجعول تكويناً بإيجاد الزوال خارجاً. فإيجاد الزوال تكويني استقلالي، وانتزاع السببيّة منه تكويني عرضي.

[3] أي: تكويناً، فإيجاد الزوال تكويناً يستتبع إيجاد السببيّة له تكويناً.

[4] كجزئية السورة للصلاة، فإن أمر الشارع بالصلاة - المركبة من عدة أفعال ومنها قراءة السورة - يستتبع انتزاع الجزئية للسورة.

[5] أي: بإيجاد الوضع استقلالاً، كجعل الملكية والرِقّية ونحوها.

[6] أي: ويمكن فيه الجعل التبعي، بأن يجعل التكليف أولاً، ثم ينتزع منه الوضع.

[7] أي: في هذا القسم يمكن ثبوتاً كلا الأمرين، لكن إثباتاً قد جعل الوضع أولاً ثم تبعه التكليف، والضمائر ترجع إلى الوضع.

ص: 27

من آثاره وأحكامه على ما يأتي الإشارة إليه.

أما النحو الأول[1]: فهو كالسببية والشرطية والمانعية والرافعية[2] لما هو[3] سبب التكليف وشرطه ومانعه ورافعه، حيث إنه لا يكاد[4] يعقل انتزاع هذه

----------------------------------

النحو الأول من الوضع
اشارة

[1] وهو الوضع الذي لا يكون عن طريق التشريع لا استقلالاً ولا بالتبع، فهو كالسببيّة لسبب التكليف، كسببيّة دلوك الشمس لوجوب صلاة الظهر.

وقد استدل المصنف لعدم كونه بالجعل الشرعي بدليلين، أولهما: خاص بالجعل التبعي،ثانيهما: عام للجعل الاستقلالي والتبعي.

[2] قد مرّ آنفاً معنى هذه الكلمات، فالمراد هنا من (سبب التكليف): ما كان علة للتكليف بحيث لا يكون تكليف من دونه، كالدلوك لوجوب صلاة الظهر، و(شرط التكليف): ما كان جزء علة التكليف، كالعقل لوجوب التكاليف و(مانع التكليف): ما يمنع عن أصل التكليف كالحيض قبل الوقت، و(رافع التكليف): ما يزيل التكليف بعد تعلقه، كالحيض بعد الوقت.

[3] أي: السببيّة للسبب، والشرطية للشرط، والمانعية للمانع، والرافعية للرافع، فكل هذه أمور وضعية غير مجعولة.

الدليل الأول

[4] وهذا الدليل خاص بمنع الجعل التبعي وحاصله:

1- إن التكليف متأخر عن هذه الأربعة، فلا وجوب قبل الدلوك، ولا تكليف قبل العقل، ولا تكليف مع المانع والرافع.

2- منشأ الانتزاع متقدم على المنتزع عنه تقدم السبب على مسببه.

3- فلا يعقل انتزاع هذه الأربعة من التكليف؛ لأن ذلك الانتزاع يستلزم تأخرها عنه، وقد بيّنا في المقدمة الأولى أن هذه الأربعة متقدمة على التكليف.

ص: 28

العناوين لها[1] من التكليف المتأخر عنها ذاتاً[2] حدوثاً أو ارتفاعاً[3]؛ كما أن اتصافها بها[4]

----------------------------------

[1] العناوين هي: السببيّة والشرطية والرافعية والمانعية، «لها» أي: للسبب والشرط والرافع والمانع.

[2] أما تأخر التكليف عن السبب فلأنّ السبب علة والتكليف معلول.

وأما تأخره عن الشرط فلأنّ شرط التكليف هو جزء العلة.

وأما تأخره عن المانع فلأنّ المانع متقدم على عدم التكليف، فيكون متقدماً على التكليف أيضاً؛ لأن التكليف وعدم التكليف متناقضان وهما في رتبة واحدة، فالمتقدم على أحدهما متقدم على الآخر.

وأما تأخره عن الرافع فلأنّ الرافع متقدم على عدم التكليف بقاءً، فيكون متقدماً على التكليف بقاءً أيضاً؛ لأنهما نقيضان.

[3] حدوث التكليف متأخر عن السبب والشرط، وارتفاع التكليف متأخر عن المانع والرافع. وقيل(1):

حدوث التكليف متأخر عن المانع أيضاً، وفيه نظر.

الدليل الثاني

[4] أي: اتصاف السبب وأخواته بالسببية وأخواتها، وهذا الدليل شامل للجعل التبعي والاستقلالي.

وحاصل هذا الدليل: هو أن العِليّة إنما هي لأجل ارتباط تكويني بين العِلة والمعلول، ويعبر عن هذا الارتباط بالخصوصية الموجودة في العلة، التي تستدعي صدور المعلول عنها، ولو لا هذه الخصوصية لأمكن صدور كل شيء من كل شيء.

بيانه: إنا نرى صدور الحرارة من النار، ولا نجد صدور البرودة منها، ولا صدور الحرارة من الثلج مثلاً، وليس ذلك إلاّ لوجود خصوصية في النار تستدعي

ص: 29


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 4: 475.

ليس إلاّ لأجل ما عليها من الخصوصية[1] المستدعية لذلك تكويناً، للزوم أن يكون في العلة بأجزائها[2] ربط خاص به[3] كانت مؤثراً في معلولها، لا في غيره[4]، ولا غيرها فيه، وإلاّ[5] لزم أن يكون كل شيء مؤثراً في كل شيء. وتلك الخصوصية[6] لا يكاد توجد فيها[7] بمجرد إنشاء مفاهيم العناوين ومثل قول[8]: (دلوك الشمس

----------------------------------

صدور الحرارة منها لا غير، وعدم وجود تلك الخصوصية في الثلج.

وفي ما نحن فيه: لمّا وجدنا الدلوك سبباً لوجوب صلاة الظهر علمنا بأنه واجد تكويناً لخصوصية ربطت بينه وبين الوجوب، وهذه الخصوصية أمر تكويني؛ لأن أحكام الشارع تابعة للملاكات - من المصالح والمفاسد - الموجودة في المواضيع، وحيث إنها أمر تكويني فلا تنالها يد التشريع. نعم، يمكن إيجاد الدلوك تكويناً فيوجد الوجوب قهراً.

[1] «ما» موصولة، وبيانها في قوله: «من الخصوصية»، «عليها» أي: في هذه الأربعة - السبب والشرط والمانع والرافع - و«المستدعية» تلك الخصوصية، «لذلك» أي: لذلك التكليف.

[2] أي: مع أجزائها، وهي ما لها دخل في العِلة، كالشرط وعدم المانع ونحوهما.

[3] «به» بذلك الربط الخاص، «كانت» العِلّة.

[4] كتأثير النار في الإحراق، «ولا غيرها فيه» كتأثير الثلج في الإحراق - مثلاً - .

[5] أي: إن لم يكن الربط الخاص بين العلة والمعلول تكويناً لزم... الخ.

[6] أي: لما كانت تلك الخصوصية تكوينية مرتبطة بذات العلة والمعلول لم يكن للتشريع دخل فيها؛ لأنه اعتبار، فلا يمكن إيجادها بإنشاء السببية والشرطية... الخ.

[7] أى: في العلة، «العناوين» كالسببية... الخ.

[8] عطف تفسيري لبيان «إنشاء مفاهيم العناوين».

ص: 30

سبب لوجوب الصلاة) إنشاءً لا إخباراً[1]، ضرورة بقاء الدلوك على ما هو عليه قبل إنشاء السببية له[2] من كونه واجداً لخصوصية مقتضية لوجوبها[3] أو فاقداً لها، وإن الصلاة لا تكاد تكون واجبة عند الدلوك ما لم يكن هناك ما يدعو إلى وجوبها[4]، ومعه[5] تكون واجبة لا محالة وإن لم ينشأ السببية للدلوك أصلاً.

ومنه[6] انقدح أيضاً عدم صحة انتزاع السببية له[7] حقيقة من إيجاب[8] الصلاة

----------------------------------

[1] لأنه لا بأس بالإخبار، فإنه كاشف عن الأمر التكويني، لكنه ليس إيجاداً لذلك الأمر.

فنخبر - مثلاً - عن أن الشمس سبب النهار، لا أنا نجعل السببيّة بقولنا هذا.

[2] أي: للدلوك، وقوله: «من كونه...» بيان لقوله: «ما هو عليه».

[3] «لوجوبها» لوجوب الصلاة، «فاقداً لها» للخصوصية.

[4] «وجوبها» وجوب الصلاة، و«ما يدعو» هو الخصوصية - التي هي الملاك - .

[5] أي: مع وجود ما يدعو - وهو الملاك - «تكون» الصلاة واجبة سواء أمر بها الشارع أم لم يأمر؛ لأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية، فإذا وجد الملاك ثبت التكليف واقعاً. نعم، قد لا نعلم بالملاك فيخبرنا الشارع به، وإن علمنا بالملاك - كالمستقلات العقلية - لم يكن حاجة إلى ذلك الإخبار إلاّ إرشاداً.

[6] أي: من بيان عدم إمكان الجعل الاستقلالي التشريعي تبين أن الجعل التبعي تشريعاً أيضاً غير ممكن.

والغرض هو أن هذا الدليل الثاني كما يجري في الجعل الاستقلالي كذلك يجري في الجعل التبعي.

[7] «له» للدلوك - في المثال - وقوله: «حقيقة» قيد للانتزاع، أي: لا انتزاع حقيقي. نعم، لا بأس بالعناية والمجاز - كما سيأتي - .

[8] أي: لا انتزاع حقيقي من التكليف - بوجوب الصلاة عند الدلوك - فإنه

ص: 31

عنده، لعدم اتصافه بها بذلك[1] ضرورة.

نعم[2]، لا بأس باتصافه بها[3] عنايةً، وإطلاق السبب عليه مجازاً. كما لا بأس[4] بأن يعبر عن إنشاء وجوب الصلاة عند الدلوك - مثلاً - بأنه سبب لوجوبها[5]، فكنّي به عن الوجوب عنده.

فظهر بذلك: أنه لا منشأ لانتزاع السببية وسائر ما لأجزاء العلة للتكليف[6] إلاّ عما[7]

----------------------------------

مضافاً إلى الإشكال الأول - من تأخر الشيء عن نفسه - يرد هذا الإشكال الثاني أيضاً.

[1] «اتصافه» اتصاف الدلوك، «بها» بالسببية، «بذلك» أي: بإيجاب الصلاة عنده.

[2] أي: لو لم يكن للدلوك خصوصية توجب كونه سبباً، ثم رأينا الشارع ربط الوجوب بالدلوك، فنقول: إنه تعبير مجازي يراد به بيان تقارنهما في الوجود وعدم انفكاكهما، كما أن السبب والمسبب لا ينفكان أبداً.

[3] «اتصافه» الدلوك، «بها» بالسببيّة.

[4] دفع إشكال وحاصله:

إن قلت: عبارة الشارع (أقم الصلاة لدلوك...) ظاهرة في السببية الحقيقية.

قلت: هذا مجاز، ولا بأس به؛ إذ لو تقارن شيئاًن دائماً فقد يصح التعبير عن أحدهما بأنه سبب للآخر مجازاً.

[5] بأن الدلوك سبب لوجوب الصلاة، «به» بلفظ السبب، «عنده» عند الدلوك، والكناية لأجل شباهة الدلوك بالسبب؛ لتلازمه الدائم مع الوجوب.

[6] أي: لا منشأ لانتزاع السببية، ولا انتزاع الشرطية والرافعية والمانعية التي هي أجزاء علة الوجوب.

[7] أي: لا تنتزع إلاّ عن أشياء فيها الخصوصية المذكورة، «عمّا» الموصول شرحه في «من الخصوصية»، و«هو» أي: التكليف، «عليها» يرجع إلى الموصول،

ص: 32

هو عليها من الخصوصية الموجبة لدخل كلٍّ فيه[1] على نحو غير دخل الآخر، فتدبر جيداً.

وأما النحو الثاني[2]: فهو كالجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية[3] لما هو جزء

----------------------------------

وتأنيثه باعتبار معنى الموصول وهو الخصوصية.

[1] أي: كل واحد من الأربعة المذكورات، «فيه» أي: في التكليف.

النحو الثاني من الوضع
اشارة

[2] وهو الحكم الوضعي الذي لا يمكن جعله التشريعي استقلالاً، مع إمكان جعله تبعاً للأحكام التكليفيّة، مثلاً: يأمر المولى بالصلاة المركبة من عدة أجزاء، فتنتزع الجزئية من كل جزء جزء، ولو لا أمر الشارع بالصلاة المركبة لما أمكن اعتبار الجزئية، فحتى لو قال: (الشيء الفلاني جزء) فإنه لا تتحقق الجزئية إلاّ بعد الأمر بذلك الجزء.

[3] الفرق بين الشرطية والمانعية المذكورة في النحو الأول مع الشرطية والمانعية في هذا النحو، هو أن النحو الأول كان الشرطية والمانعية لأصل التكليف كالوجوب، وكذا السببيّة والرافعيّة. أما في النحو الثاني فالشرطية والمانعية للمأمور به كالصلاة، وكذا الجزئية والقاطعية، فالاستطاعة شرط لأصل وجوب الحج، والوضوء شرط للصلاة لا شرط لوجوبها، فمن لم يستطع لا يجب عليه الحج، والصلاة واجبة سواء توضأ أم لا، لكن شرط صحة الصلاة هو الوضوء.

مثال الجزئية: السورة للصلاة، والشرطية: كالوضوء لها، والمانعية: كأجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة، والقاطعية: كالحدث في الصلاة.

والفرق بين القاطع والمانع هو أن المانع هو ما لا تصح الأجزاء معه، ولكنه لا يقطع الاتصال، فمن وقع عليه شعر قطة وهو في الصلاة يزيلها ويستمر في صلاته.

والقاطع هو ما يقطع الاتصال، فلا تكون للأجزاء اللاحقة قابلية الاتصال

ص: 33

المكلف به وشرطه ومانعه وقاطعه، حيث إن[1] اتصاف شيء بجزئية المأمور به أو شرطيته أو غيرهما لا يكاد يكون إلاّ بالأمر بجملة أمور[2] مقيدة بأمر وجودي[3] أو عدمي[4]، ولا يكاد يتصف شيء بذلك - أي كونه جزءاً أو شرطاً[5] للمأمور به - إلاّ بتبع ملاحظة الأمر[6] بما يشتمل عليه[7] مقيداً بأمرٍ آخر[8]، وما لم يتعلق بها الأمر كذلك[9]

----------------------------------

بالسابقة، فمن أحدث في وسط الصلاة بطلت حتى وإن توضأ فوراً؛ إذ بالحدث ينقطع الاتصال بين الأجزاء نهائياً.

[1] بيان لوجه عدم إمكان الجعل التشريعي الاستقلالي في هذه الموارد.

[2] أي: وجودات منفصلة تجتمع فيتألف منها المركب المأمور به، وهي ما يعبّر عنها بالأجزاء.

[3] وهو ما يعبّر عنه بالشرط، فهو ما يتوقف وجود المأمور به عليه، لكنه ليس من أجزاء المأمور به. ولذا قالوا(1):

الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود.

[4] أي: عدم القاطع والمانع، فالصلاة متوقفة على عدم لبس جلد غير المأكول، وعدم الحدث مثلاً.

[5] وكذا مانعاً وقاطعاً.

[6] لأن المفروض أنه جزء المأمور به لا جزء شيء آخر، وكذا هو شرط المأمور به لا شرط شيء آخر، والمأمور به متوقف على الأمر، فلو لا الأمر لم يتحقق المأمور به.

[7] أي: مع ما يشتمل عليه الأمر - وهي الأجزاء - لأن الأمر ينبسط ويتوزع على الأجزاء كلها - كما مرّ تفصيله - .

[8] أي: مقيداً بالشرط، وهكذا الأمر في المانع والقاطع، فالأمر مقيد بعدمها.

[9] «بها» بالأجزاء والشرائط وكذا عدم الموانع والقواطع، «كذلك» أي: في

ص: 34


1- هداية المسترشدين 2: 93؛ بدائع الأفكار: 299.

لما كاد اتصف بالجزئية أو الشرطية[1]، وإن أنشأ الشارع له الجزئية أو الشرطية.

وجعل الماهية[2] واختراعها ليس[3] إلاّ تصوير ما فيه المصلحة المهمة[4] الموجبة للأمر بها؛ فتصورها بأجزائها وقيودها لا يوجب اتصاف شيء منها بجزئية المأمور به أو شرطه قبل الأمر بها[5].

فالجزئية للمأمور به أو الشرطية له إنما ينتزع لجزئه أو شرطه بملاحظة الأمر به[6]

----------------------------------

ضمن مركب ذي أجزاء وشرائط.

[1] أي: للمأمور به.

إشكال وجوابه

[2] هنا إشكال، وحاصله: إنه يمكن للشارع اختراع ماهية اعتبارية قبل أن يأمر بها، فيمكنه جعل أجزاء فيها، فتنتزع الجزئية من هذا الجعل، وقد اشتهر بأن الصلاة من الماهيات الشرعية المخترعة، فما دامت الصلاة مجعولة فأجزاؤها أيضاً مجعولة، ثم يأمر بهذه الماهية المركبة، فلم تتوقف الجزئية على الأمر، بل كانت سابقة عليه؛ وذلك لأن هذا المركب هو الموضوع للأمر، ومن المعلوم تقدم الموضوع على الحكم، حيث لا يأمر الشارع بأمر مبهم، بل يعيّن الموضوع ثم يأمر به. فتحصل: أن الشارع يخترع الموضوع ذي الأجزاء فتنتزع الجزئية منه ثم يأمر به، فلم تتوقف الجزئية على الأمر، بل هي سابقة عليه.

والجواب: إن كلامنا إنّما في الجزئية للمأمور به، لا الجزئية لأمر ذهني اعتباري.

[3] هذا هو الجواب.

[4] أي: إيجاد هذا المركب في وعاء الاعتبار، بحيث يمكن للناس تصوره.

[5] بل هي أجزاء للماهية المتصورة، لا أجزاء للمأمور به - حيث لا أمر أصلاً - .

[6] أي: لمّا يأمر الشارع بالمركب ننتزع الجزئية لكل جزء، وكذا ننتزع الشرطية لكل شرط.

ص: 35

بلا حاجة إلى جعلها له[1]؛ وبدون الأمر به[2] لا اتصاف بها أصلاً، وإن اتصف بالجزئية أو الشرطية للمتصور[3] أو لذي المصلحة، كما لا يخفى.

وأما النحو الثالث[4]: فهو كالحجية[5]

----------------------------------

[1] لأنها أمور انتزاعية، ويكفي في انتزاعها وجود منشأ الانتزاع، فلا حاجة لجعل الزوجية للأربعة، بل بمجرد وجود الأربعة ينتزع منها الزوجية، «جعلها» الجزئية والشرطية ونحوها، «له» لجزء المأمور به أو شرطه أو نحوهما.

[2] أي: بدون الأمر بالمأمور به - كالصلاة - لا اتصاف لأجزاء الماهية وشرائطها، «بها» بالجزئية أو الشرطية أو نحوها.

[3] أي: الماهية المتصورة - بالاعتبار - ، «أو لذي المصلحة» أي: أجزاء وشرائط المركب الاعتباري الذي له مصلحة ليست أجزاء وشرائط للمأمور به، وكلامنا في أجزاء المأمور به وشرائطه ونحوهما.

النحو الثالث من الوضع
اشارة

[4] وهو ما يمكن فيه الجعل الاستقلالي والجعل التبعي، وهذا في مرحلة الثبوت.

وأما في مرحلة الإثبات: فإن الظاهر هو الجعل الاستقلالي لثلاث جهات سيذكرها المصنف.

قيل(1): وضابط هذا القسم هو كل أمر اعتباري له أثر شرعاً وعرفاً، فيمكن جعل الأثر أولاً ثم انتزاع ذلك الاعتبار، ويمكن جعل الاعتبار أولاً ثم تفريع الآثار عليه.

[5] وهي ما يوجب احتجاج العبد على المولى وبالعكس، فلو جعل المولى خبر الواحد حجة فيحتج به العبد لو عمل به، ويحتج به المولى لو لم يعمل به.

فقد يقول الشارع: (خبر الواحد حجة) ويتفرع عليه وجوب العمل طبقه، وقد يقول: (اعمل طبق خبر الواحد) فينتزع منه الحجية.

ص: 36


1- منتهى الدراية 7: 277.

والقضاوة[1] والولاية[2] والنيابة والحرية والرقية والزوجية والملكية إلى غير ذلك[3]، حيث إنها وإن كان من الممكن[4] انتزاعها من الأحكام التكليفية التي تكون في مواردها[5] - كما قيل - ومن[6] جعلها بإنشاء أنفسها، إلاّ[7] أنه لا يكاد يشك[8] في صحة انتزاعها من مجرد جعله «تعالى» أو من بيده الأمر من قبله[9] «جل

----------------------------------

[1] فقد يقول: (جعلته عليكم قاضياً) ويتفرع عليه وجوب الترافع إليه ووجوب قبول حكمه، وقد يكون العكس.

[2] وهي حق التصرف في الأمور العامة أو الخاصة، فقد تجعل ابتداء ويتفرع وجوب إطاعته ونفوذ أمره، وقد يكون العكس.

[3] كالبينونة بالطلاق، والضمان بالإتلاف، وغيرهما كثير.

[4] في مرحلة الثبوت.

[5] لأنه ما من حكم وضعي إلاّ ومعه أحكام تكليفية، «كما قيل» والقائل هو الشيخ الأعظم(1).

[6] عطف على (انتزاعها من الأحكام...) أي: ومن الممكن أيضاً جعلها بالاستقلال.

[7] هذا شروع لبيان مرحلة الإثبات، وأن الأدلة قامت على أن الشارع جعل الوضع أولاً، وبتبعه كانت الأحكام التكليفيّة، وقد ذكر المصنف أربعة أدلة:

الدليل الأول

[8] حاصله: إنه لا داعي لتأويل كلام الشارع، وصرفه عن ظاهره، فحينما يقول: (جعلته قاضياً) العبارة ظاهرة في الجعل الاستقلالي، فتأويله بأنه جعل تبعي خلاف الظاهر، فلا يصار إليه.

[9] كالنبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ والأئمة عَلَیْهِمُ اَلسَّلاَمُ، «لها» أي: لهذه المذكورات - كالحجية والقضاوة... الخ - .

ص: 37


1- فرائد الأصول 3: 126.

وعلا» لها بإنشائها بحيث[1] يترتب عليها آثارها، كما يشهد به[2] ضرورة صحة انتزاع الملكية والزوجية والطلاق والعتاق بمجرد العقد أو الإيقاع[3] ممن بيده الاختيار بلا ملاحظة[4] التكاليف والآثار، ولو كانت منتزعة[5] عنها لما كاد يصح اعتبارها إلاّ بملاحظتها، وللزم[6]

----------------------------------

[1] أي: إنشاؤها الاستقلالي بحيث تكون الأحكام تابعة.

الدليل الثاني

[2] حاصله: إنه يمكن انتزاع هذه الأمور بمجرد جعل الشارع من غير ملاحظة التكاليف أصلاً، أما لو كانت منتزعة من التكاليف لما أمكن انتزاعها إلاّ بعد ملاحظة التكاليف، كما لا يمكن انتزاع الزوجية إلاّ بعد ملاحظة الأربعة.

مثلاً: يمكن انتزاع الملكية بمجرد عقد البيع حتى مع الغفلة عن أحكام الملكية كلياً. وهكذا يمكن انتزاع الزوجية من مجرد عقد النكاح حتى مع عدم ملاحظة جواز المباشرة والنظر ووجوب النفقة... الخ.

[3] (العقد) في الملكية والزوجية؛ لأن قوام العقد بالطرفين وبالإيجاب والقبول.

و(الإيقاع) في الطلاق والعتاق؛ لأن قوامه بطرف واحد فقط، سواء علم الآخر أم لا.

[4] أي: يصح الانتزاع بلا ملاحظة... الخ.

[5] أي: هذه الأمور لو كانت منتزعة عن التكليف لما أمكن انتزاعها من غير ملاحظة التكاليف؛ لأنه لا يمكن تصور المنتزع إلاّ بعد تصور منشأ الانتزاع كزوجية الأربعة، «اعتبارها» اعتبار هذه الأمور كالملكية والزوجية... الخ، «بملاحظتها» أي: بملاحظة التكاليف.

الدليل الثالث

[6] المتعاقدان غالباً يقصدان تحقق البيع مع الغفلة عن الأحكام، والشارع يحكم بالصحة، فعلى القول بانتزاع الوضع عن التكليف يلزم:

ص: 38

أن لا يقع ما قصد[1]، ووقع ما لم يقصد[2].

كما لا ينبغي[3] أن يشك في عدم صحة انتزاعها[4] عن مجرد التكليف في موردها، فلا ينتزع الملكية عن إباحة التصرفات، ولا الزوجية من جواز الوطء، وهكذا سائر الاعتبارات في أبواب العقود والإيقاعات.

فانقدح بذلك[5] أن مثل هذه الاعتبارات إنما تكون مجعولة بنفسها، يصح انتزاعها بمجرد إنشائها كالتكليف، لا مجعولة بتبعه ومنتزعة عنه.

----------------------------------

1- أن لا يقع ما قصدا؛ لأن قصدهما البيع، وهو لم يتحقق؛ إذ لا حكم وضعي على هذا المبنى.

2- وأن يقع ما لم يقصدا؛ لأنهما كانا غافلين عن الأحكام ولم يقصداها، ولكن الشارع رتب هذه الأحكام.

[1] لأنهما قصدا البيع مثلاً، وهذا المبنى - بإنكار الحكم الوضعي - يقول بعدم تحققه، بل تحقق الأحكام.

[2] لم يقصدا الأحكام - لغفلتهما عنها - لكن الشارع حكم بوقوعها وتحققها.

الدليل الرابع

[3] حاصله: إن هناك موارد تجري فيها الأحكام مع عدم صحة انتزاع الوضع منها، مثلاً: الشارع أباح التصرف في المباحات الأصلية كالأنهار والبحار والغابات ونحوها، فتجوز جميع التصرفات - كتصرف المالك في ملكه - مع عدم كونها ملكاً، ولو كانت منتزعة عن الأحكام للزم انتزاعها من إباحة التصرفات، وهكذا قد يجوز وطء الأمة بالتحليل مع عدم كونها زوجة.

[4] أي: انتزاع هذه المذكورات - كالحجية والقضاوة... الخ - .

[5] بالوجوه الأربعة التي ذكرناها، «مجعولة بنفسها» في مرحلة الإثبات، «انتزاعها» هذه الاعتبارات.

ص: 39

وهم ودفع[1]: أما الوهم: فهو أن الملكية كيف جعلت من الاعتبارات الحاصلة

----------------------------------

وهم ودفع

[1] حاصل الإشكال: إنكم ذكرتم أن الملكية من المجعولات الشرعية، والحال أنها إحدى المقولات العشر التكوينية فلا ينالها يد التشريع أصلاً.

وحاصل الجواب: إن الملك يطلق على أمرين:

1- مقولة (الجِدة) وهي إحدى المقولات العشر، وهذا أمر تكويني.

2- اختصاص شيء بشيء، وهذا أمر يمكن فيه الجعل الاعتباري بالعقد ونحوه.

ثم إن المصنف ذكر هنا عدة مصطلحات لا بأس بالإشارة إليها مختصراً.

الأول: إن المقولات عشر - وهي الأجناس العالية - أحدها الجوهر، وهو الوجود القائم بنفسه، وتسعة هي الأعراض، وهي وجودات قائمة بغيرها، وهي: الكم، والكيف، والأين، ومتى، والإضافة، والفعل والانفعال، والملك، والوضع.

وجمعت الأعراض التسعة في هذا البيت:

كمٌ، وكيفٌ،

وضعٌ، أينٌ، له، متى

فعلٌ،

مضافٌ، وانفعال ثبتا(1)

الثاني: الملك، ويقال له الجدة، يطلق على نسبة الجسم إلى حاوٍ له، أو لبعض أجزائه، كالتسلح والتختم، فمنه ذاتي كحال الهرة عند إهابها [أي: جلدها]، ومنه عرضي كبدن الإنسان عند قميصه.

وفرقه عن (الأين) أن الأين لا ينتقل مع الجسم كالحيّز، ولكن في (الملك) ينتقل معه، ولذا قيل: الملك نسبة الجسم إلى ما يشمله ويلزمه في الانتقال، وللتفصيل راجع شرح التجريد للعلامة الحلي وحواشيه(2).

الثالث: العرض: إما (محمول بالضميمة)، وهو ما توقف انتزاعه على انضمام شيء، كتوقف انتزاع الأبيض من الجسم على انضمام البياض إليه.

ص: 40


1- شرح المنظومة 2: 137.
2- كشف المراد: 261.

بمجرد الجعل والإنشاء التي تكون من خارج المحمول[1]، حيث ليس بحذائها في الخارج شيء، وهي[2] إحدى المقولات المحمولات بالضميمة التي لا تكاد تكون

----------------------------------

وإما (خارج محمول) وهو ما لا يتوقف على انضمام شيء إلى الموضوع، كانتزاع الإمكان من الجسم، وكانتزاع العالي والسافل.

الرابع: منشأ الملك - بمعنى اختصاص شيء بشيء - :

1- إما لتوقف وجود شيء على شيء، كتوقف وجود العالَم على الباري تعالى، وهذا أمر تكويني.

2- وإما لاستعمال الشيء والتصرف فيه، كما لو حاز المباحات فملكها.

3- وإما لإنشاء الملك بالعقد ونحوه.

4- وإما لسبب قهري، كموت المورث فيملك الوارث التركة.

الخامس: الإضافة قد تكون إشراقية وقد تكون مقولية.

والإشراقية: هي إفاضة الوجود على شيء والقيمومية عليه، وهذا مختص بالله سبحانه تعالى.

والمقولية: وهي حصول الربط الخاص بين المالك والمملوك بالعقد والتصرف والإرث ونحوه، وهذه من مقولة الإضافة الاعتبارية لا الإضافة التكوينية؛ ولذا تسمى بالإضافة المقوليّة.

[1] أي: الاعتبارات هي من خارج المحمول، وفسّر المصنف «خارج المحمول» بقوله: «حيث ليس بحذائها في الخارج شيء».

[2] أي: والحال أن (الملك) من المقولات العشر، وهي أمور تكوينية خارجيّة، حيث لابد من إحاطة شيء بشيء خارجاً لتحقق هيئة خاصة يعبر عنها بالجِدة والملك.

ص: 41

بهذا السبب[1]، بل بأسباب أخر كالتعمم والتقمص والتنعل[2]، فالحالة الحاصلة منها للإنسان هو الملك، وأين هذه من الاعتبار الحاصل بمجرد إنشائه؟

وأما الدفع فهو: أن الملك يقال بالاشتراك على ذلك - ويسمى بالجدة أيضاً - واختصاص[3] شيء بشيء خاص؛ وهو[4] ناشئ إما من جهة إسناد وجوده إليه[5]، ككون العالم ملكاً للباري «جل ذكره»، أو من جهة الاستعمال والتصرف فيه[6]، ككون الفرس لزيد بركوبه له وسائر تصرفاته فيه، أو من جهة إنشائه والعقد مع من اختياره بيده[7]، كملك الأراضي والعقار البعيدة[8] للمشتري بمجرد عقد البيع شرعاً وعرفاً. فالملك الذي يسمى بالجدة أيضاً غير الملك الذي هو اختصاص

----------------------------------

[1] أي: بالاعتبارات، «بأسباب آخر» تكوينية.

[2] فهي هيئة حاصلة من إحاطة العمامة والقميص والنعل ببعض الإنسان وتنتقل بانتقاله.

[3] أي: وعلى اختصاص شيء بشيء، بل الصحيح إن الملك هو الهيئة الحاصلة بين المالك والمملوك، فقد تكون تكوينية تسمى بالجدة، وقد تكون اعتبارية وادعائية وهي اختصاص شيء بشيء.

[4] أي: اختصاص شيء بشيء.

[5] أي: في إيجاده واستمراره متوقف على المُوجد الذي أوجده بإرادته واختياره، وهذا الاختصاص أمر تكويني أيضاً.

[6] فإن الاستعمال والتصرف - في المباحات الأصلية - قد يوجب الملكية - بمعنى اختصاصها بمالكها - .

[7] أي: اختيار العقد بيده كالمالك أو الوكيل أو الولي.

[8] إنما قيده بالبعيدة لكي يظهر الاعتبار أكثر، فإنه لا إحاطة ولا سيطرة عليها حين العقد، ومع ذلك أصبحت ملكاً بمعنى الاختصاص.

ص: 42

خاص ناشئ من سبب اختياري كالعقد، أو غير اختياري[1] كالإرث، ونحوهما من الأسباب الاختيارية وغيرها.

فالتوهم إنما نشأ من إطلاق الملك على مقولة الجدة أيضاً، والغفلة عن أنه بالاشتراك بينه[2] وبين الاختصاص الخاص[3] والإضافة الخاصة الإشراقية كملكه «تعالى» للعالم، أو المقولية كملك غيره لشيء بسبب من تصرف واستعمال أو إرث أو عقد أو غيرها من الأعمال؛ فيكون شيء ملكاً لأحد بمعنى ولآخر بالمعنى الآخر[4]، فتدبر.

إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل[5]، فقد عرفت أنه لا مجال لاستصحاب

----------------------------------

[1] وهذا القسم الرابع، ولو كان يقدمه ويذكره بعد قوله: (شرعاً وعرفاً) لكان أولى.

[2] بين الملك بمعنى مقولة الجدة.

[3] وشرح المصنف «الاختصاص الخاص» بقوله: «والإضافة الخاصة الإشراقية... أو غيرها من الأعمال». فالاختصاص الخاص قد يكون بنحو الإضافة الإشراقية، وقد يكون بنحو الإضافة المقوليّة.

[4] فهذه الأرض ملك لله تعالى بمعنى إيجاده وقيموميته وهذا ملك حقيقي، وملك لزيد أيضاً بمعنى حقه في التصرف والاستعمال، وهذا ملك اعتباري.

الاستصحاب في الأحكام الوضعية

[5] وأنه على أنحاء ثلاثة، فقد عرفت عدم إمكان إجراء الاستصحاب في القسم الأول؛ لأنه أمر تكويني وليس أمراً شرعياً، ولا يلزمه أمر شرعي، فالدلوك سبب تكويني لوجوب صلاة الظهر، وهذا الوجوب ليس حكماً شرعياً، بل هو معلول لعلته التكوينية!!

وعرفت أيضاً إمكان إجراء الاستصحاب في القسم الثالث؛ لأنه مجعول شرعاً،

ص: 43

دخل ما له الدخل في التكليف[1] إذا شك في بقائه على ما كان عليه من الدخل، لعدم[2] كونه حكماً شرعياً، ولا يترتب عليه أثر شرعي؛ والتكليف[3] وإن كان مترتباً عليه إلاّ أنه ليس بترتب شرعي، فافهم[4].

وأنه لا إشكال[5] في جريان الاستصحاب في الوضع المستقل بالجعل حيث إنه كالتكليف[6].

وكذا[7] ما كان مجعولاً بالتبع، فإن أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ولو بتبع منشأ انتزاعه[8].

----------------------------------

وإمكان إجرائه في القسم الثاني؛ لأنه مجعول بالتبع.

[1] وهو النحو الأول.

[2] بيان لعدم جريان الاستصحاب، «كونه» كون ما له دخل في التكليف.

[3] أي: إن قلت: يترتب على سببية الزوال وجوب صلاة الظهر وهو حكم شرعي.

قلت: هذا الوجوب معلول لتلك الخصوصية، فهو ليس وجوباً شرعياً، بل أمر تكويني!!

[4] لعله إشارة إلى غرابة هذا الأمر، لأن - وكما مرّ - الخصوصية هي الملاك، والملاك من مقدمات الحكم، وليس العلة التامة للحكم، بل بعد الملاك لابد من إرادة ثم إنشاء ليتولد الحكم، فمع عدم الإرادة والإنشاء لا يكون حكم، بل يوجد ملاك فقط. نعم، المولى لحكمته يريد ويُنشئ في ما فيه الملاك، فالحكم صار بسبب الشارع لا بأمر تكويني فقط.

[5] أي: في النحو الثالث لا محذور من إجراء الاستصحاب؛ إذ هو مجعول شرعي.

[6] أي: مجعول شرعي، فتشمله أدلة الاستصحاب.

[7] أي: وكذا في النحو الثاني.

[8] فجزئية السورة مجعولة للشارع يمكنه وضعها ورفعها؛ وذلك عن طريق الأمر

ص: 44

وعدم[1] تسميته حكماً شرعياً - لو سلم - غير ضائر بعد كونه[2] مما تناله يد التصرف شرعاً.

نعم[3]، لا مجال لاستصحابه لاستصحاب سببه ومنشأ انتزاعه، فافهم[4].

ثم إن هاهنا تنبيهات:

الأول[5]:

----------------------------------

بالسورة أو عدم الأمر.

[1] أي: إن قلت: (الجزئية) - مثلاً - لا تسمى حكماً، فكيف تستصحب مع أن شرط الاستصحاب أن يكون حكماً أو موضوعاً ذا حكم؟

قلت: أولاً: إنها تسمى حكماً.

وثانياً: لو فرض عدم إطلاق الحكم عليها فذلك غير ضائر؛ لأن المستفاد من الأدلة أن يكون مورد الاستصحاب مما تناله يد الشارع، سواء سُمّي حكماً أم لم يُسَمّ.

[2] أي: كون المجعول بالتبع - وهو النحو الثاني - .

[3] أي: هناك إشكال آخر على الاستصحاب في النحو الثاني، وهو كون (الجزئية) مسبباً و(الأمر بالسورة) سبباً، ومع الشك يجري الاستصحاب في السبب - أي: بقاء الأمر بالسورة - فينتزع منه الجزئية بلا حاجة إلى استصحاب الجزئية؛ إذ لا يبقى موضوع للأصل المسببي مع جريان الأصل السببي - كما سيأتي مفصلاً - .

[4] لعله إشارة إلى أنه قد يسقط الأصل السببي لأجل التعارض أو لأيّ علة أخرى، فتصل النوبة إلى الأصل المسببي.

تنبيهات الاستصحاب

التنبيه الأول: فعلية اليقين والشك

[5] في لزوم أن يكون اليقين والشك فعليين، فلا يصح إجراء الاستصحاب مع الغفلة عنهما؛ وذلك لأن الألفاظ موضوعة للمعاني الحقيقية بما هي هي، ولم

ص: 45

----------------------------------

توضع للمعاني التقديرية، فلفظ الإنسان وضع للموجود الخاص الخارجي، ولم يوضع على التراب الذي نقدره إنساناً. ولو استعمل اللفظ في المعنى التقديري كان مجازاً، وقد يكون مجازاً بالأوْل، أي: سيؤول إليه.

1- ومثاله: لو أحدث ثم غفل - ويمكن أن يكون قد توضأ في زمن الغفلة - ثم صلى، فبعد الصلاة لا يجري الاستصحاب، بأن يقال: إنه لو كان ملتفتاً للزم عليه استصحاب الحدث، فتكون صلاته لا عن طهارة فهي باطلة، بل تجري قاعدة الفراغ؛ إذ نشك في وقوع الصلاة صحيحة أم لا، وحيث لم يجر الاستصحاب تجري قاعدة الفراغ.

ثم اعلم أن الصور متعددة: - مضافاً إلى الصورة المذكورة - منها:

2- لو أحدث ثم غفل - مع علمه بعدم التوضؤ في حالة الغفلة - ثم صلى، فلا إشكال في بطلان صلاته؛ لعلمه بعدم طهارته حين الصلاة، ولا تجري قاعدة الفراغ؛ لأنها في حالة الشك، وهنا لا شك، بل يقين بعدم التوضؤ.

3- لو أحدث ثم شك في الحدث فأجرى استصحاب الحدث، ثم غفل - مع علمه بعدم التوضؤ في حالة الغفلة - ثم صلى، فصلاته باطلة؛ إذ قبل الغفلة حكم الشارع عليه بالحدث، فصلاته كانت مع الحدث الاستصحابي، وهذا علم تنزيلي، فلا تجري قاعدة الفراغ أيضاً.

4- لو أحدث ثم شك في الحدث فأجرى استصحابه، ثم غفل - مع احتماله التوضؤ في حالة الغفلة - ثم صلى، فصلاته صحيحة لجريان قاعدة الفراغ، وعدم جريان الاستصحاب؛ وذلك لأنه في حال الغفلة لا استصحاب لعدم الالتفات، وبعد الصلاة يحتمل استمرار الحدث إلى حين الصلاة، ويحتمل ارتفاعه بالوضوء، فيكون المورد مورد اجتماع قاعدة الفراغ مع الاستصحاب، وسيأتي أن القاعدة مقدمة على الاستصحاب - إما للحكومة أو للورود - .

ص: 46

إنه يعتبر في الاستصحاب فعلية الشك واليقين، فلا استصحاب مع الغفلة[1]، لعدم الشك فعلاً، ولو فرض أنه يشك لو التفت، ضرورة[2] أن الاستصحاب وظيفة الشاك، ولا شك مع الغفلة أصلاً. فيحكم[3] بصحة صلاة من أحدث، ثم غفل وصلى، ثم شك في أنه تطهر قبل الصلاة[4]، لقاعدة الفراغ[5]. بخلاف[6] من التفت قبلها وشك، ثم غفل وصلى، فيحكم بفساد صلاته في ما إذا قطع بعدم تطهيره بعد الشك[7]، لكونه محدثاً قبلها بحكم الاستصحاب مع القطع بعدم رفع حدثه الاستصحابي.

لا يقال[8]:

----------------------------------

[1] إذ في حال الغفلة لا يقين ولا شك. نعم، هناك يقين وشك تقديري، أي: لو التفت لتيقن أو شك.

[2] بيان دليل عدم جريان الاستصحاب، وحاصله: إن المخاطب بإجراء الاستصحاب هو الشاك، ومن الواضح أن الشاك التقديري ليس بشاك، وقد ذكرنا أن الألفاظ موضوعة للأشياء بما هي هي لا بما هي مقدرة - مفروضة - .

[3] هذا بيان ثمرة عدم جريان الاستصحاب التقديري، وهنا يذكر المصنف الصورة الأولى.

[4] أم لم يتطهر، أما إذا علم بعدم تطهره - كما في الصورة الثانية - فلا مجرى لقاعدة الفراغ، بل هو الآن متيقن بأنه صلى مع الحدث.

[5] هذا دليل قوله: (فيحكم بصحة...).

[6] إشارة إلى الصورة الثالثة، «قبلها» قبل الصلاة.

[7] أما لو احتمل التوضؤ في حالة الغفلة فيكون من الصورة الرابعة، وصلاته صحيحة؛ لجريان قاعدة الفراغ.

[8] حاصله: إنه لا يجري الاستصحاب حين الدخول في الصلاة وذلك للغفلة،

ص: 47

نعم[1]، ولكن استصحاب الحدث في حال الصلاة بعد ما التفت بعدها يقتضي أيضاً فسادها.

فإنه يقال[2]: نعم[3]، لو لا قاعدة الفراغ المقتضية لصحتها المقدمة على أصالة فسادها.

الثاني[4]:

----------------------------------

ولكن بعد الانتهاء من الصلاة له يقين فعلي وشك فعلي؛ إذ له يقين بالحدث قبل الصلاة، وله شك في رفع الحدث قبل الصلاة، فبعد الصلاة يجري الاستصحاب.

[1] أي: نعم، حين الغفلة لا استصحاب، ولكن بعد الصلاة لماذا لا يجري الاستصحاب؟ «في حال الصلاة» متعلق بالحدث، «بعد» متعلق بالاستصحاب، فالمعنى: الحدث في حال الصلاة يستصحبه بعد الانتهاء منها، «بعدها» بعد الصلاة، «فسادها» فساد الصلاة.

[2] حاصل الجواب: إن ظرف قاعدة الفراغ والاستصحاب واحد وهو بعد الصلاة، وقاعدة الفراغ حاكمة أو واردة على الاستصحاب.

[3] أي: استصحاب الشيء الماضي ممكن بعد الالتفات - لأنه يستصحبه في ظرفه - لكن بشرط عدم المعارض الراجح، «لصحتها» لصحة الصلاة، «المقدمة» للحكومة أو الورود، «أصالة فسادها» أي: استصحاب الحدث المقتضي لفساد الصلاة.

التنبيه الثاني: تقديرية المتيقن وفعلية الشك

[4] حاصله: هو إمكان جريان الاستصحاب إذا كان المتيقن تقديرياً مع كون الشك فعلياً، وهذا التنبيه من لواحق التنبيه الأول.

بيانه: إنه قد أشلكوا على جريان الاستصحاب في ما لو كان الدليل أمارة؛ إذ لا يقين سابق فكيف في حال الشك نستصحب الحكم أو الموضوع - الثابت بالأمارة أو الطريق - ؟

ص: 48

إنه هل يكفي في صحة الاستصحاب الشك[1] في بقاء شيء على تقدير ثبوته وإن لم يحرز ثبوته[2] في ما رتب عليه[3]

----------------------------------

مثلاً: لو دل الخبر الواحد على حرمة العصير العنبي إذا غلا ولم يذهب ثلثاه، فالحرمة أمر ظني قامت عليه الأمارة، فلو صار العنب زبيباً فيشك في حرمته بالغليان، فتستصحب الحرمة الثابتة للعنب إلى الزبيب.

والإشكال إنه كيف تمَّ الاستصحاب مع عدم اليقين السابق، بل الظن المعتبر بحرمة العنب بالغليان؟

والجواب: إن نظر الشارع في الاستصحاب هو إبقاء الحكم في حالة الشك، وأما اليقين فلم يلاحظه بما هو هو، بل هو مرآة للواقع، ولا فرق في المرآتية بين القطع وبين الظن المعتبر، فكلاهما كاشف عن الواقع.

وبعبارة أخرى: العلم لم يؤخذ بما هو صفة نفسانية في الأحكام، بل الظاهر أخذه بما هو طريق، فكون العلم موضوعاً خلاف الظاهر من لفظه حين الاستعمال، إذن فقوله: (لا تنقض اليقين) أراد اليقين بما هو كاشف عن الواقع لا بما هو صفة نفسانية، فإذا كان المقصود المرآتية فإنه لا فرق فيها بين اليقين وبين الظن المعتبر.

وبعبارة ثالثة: دليل الاستصحاب يثبت الملازمة بين الثبوت وبين البقاء، فإذا ثبت شيء - سواء كان بالعلم أم بالظن المعتبر - فإن له البقاء إلى أن يأتي دليل آخر من يقين أو ظن معتبر فينقُضه.

[1] أي: الشك الفعلي، «بقاء شيء» كالحكم بالحرمة بعد الغليان، «على تقدير ثبوته» ثبوت الشيء، كالحرمة في المثال.

[2] أي: لم يحرز باليقين، بل أحرز بالظن المعتبر، فلا يقين أصلاً.

[3] «عليه» على البقاء، «أثر شرعاً» كحرمة شرب العصير بعد الغليان، «أو

ص: 49

أثر شرعاً أو عقلاً؟ إشكال: من[1] عدم إحراز الثبوت[2]، فلا يقين ولابد منه[3]، بل ولا شك[4]، فإنه على تقدير لم يثبت، ومن[5] أن اعتبار اليقين إنما هو[6] لأجل أن التعبد والتنزيل شرعاً إنما هو في البقاء لا في الحدوث، فيكفي الشك

----------------------------------

عقلاً» كوجوب إطاعة المولى في هذا الحكم، وليس المراد من الأثر العقلي اللوازم العقلية، فإنه سيأتي بأنها لا تترتب على الأصول العملية، بل هي أصل مثبت.

[1] دليل عدم جريان الاستصحاب، وحاصله: هو عدم فعلية الحكم أو الموضوع باليقين، بل اليقين تقديري، أي: لو ثبتت الحرمة واقعاً فهي باقية استصحاباً.

[2] أي: ثبوت الحكم - أو الموضوع - واقعاً.

[3] لابد من اليقين؛ لأن اليقين السابق هو الركن الأول للاستصحاب.

[4] أي: لا شك في البقاء؛ لأن البقاء فرع الثبوت فاختل الركن الثاني من الاستصحاب وهو الشك اللاحق. نعم، هناك شك في أصل الحكم، «فإنه» أي: فإن الشك، «تقدير» وهي الحرمة واقعاً للعصير العنبي في المثال، «لم يثبت» باليقين، بل بالظن المعتبر.

[5] دليل جريان الاستصحاب.

[6] أي: ليس لليقين موضوعيّة، بل إنما أخذ اليقين في لسان الدليل لأجل أن غرض الشارع في البقاء، والبقاء كما يكون مع اليقين السابق الفعلي كذلك يكون مع اليقين السابق التقديري. وسيأتي في آخر هذا التنبيه أن اليقين أخذ بنحو المرآتية - كما فصلنا شرحه - .

وبعبارة أخرى - كما في منتهى الدراية - : (إن التعبير باليقين إنما هو للتنبيه على أن مورد التعبد، وجعل الحكم المماثل هو البقاء؛ إذ لو عبّر بغير ذلك التعبير مثل: ابن على المشكوك، أو: اعمل بالشك، ونظائرهما لم يفهم منها كون محل التعبد هو الحدوث أو البقاء، لكن التعبير المزبور يدل على أن مورد التعبد هو البقاء؛ لأنه

ص: 50

فيه[1] على تقدير الثبوت، فيتعبد به على هذا التقدير، فيترتب عليه الأثر فعلاً[2] في ما كان هناك أثر، وهذا[3] هو الأظهر.

وبه[4]

----------------------------------

متعلق الشك دون الحدوث؛ إذ لا وجه للتعبد بشيء مع اليقين به)(1)،

انتهى.

والحاصل: إن دليل الاستصحاب يثبت الملازمة بين الثبوت والبقاء، فإذا ثبت شيء - باليقين أو بغيره - فقد دام إلى نقضه بما يثبت عكسه.

[1] «فيه» في البقاء، «على تقدير الثبوت» واقعاً، «به» بالبقاء، «هذا التقدير» تقدير الثبوت - بلا فرق بين الثبوت باليقين أم بغيره - «عليه» على البقاء.

[2] أي: الأمر الثابت بالأمارة الشرعية يستمر في حال الشك، فالحرمة الثابتة بالخبر الواحد للعصير العنبي بالغليان تستمر في الزبيب إذا غلا أيضاً.

[3] أي: الوجه الثاني، وهو جريان الاستصحاب. ووجه الأظهرية هو: إن العلم عادة يؤخذ بنحو الطريقية لا الموضوعية، فلا دخل لليقين أصلاً، بل الدخل للثبوت بأي طريقة كان.

[4] أي: بهذا الوجه الثاني يرتفع إشكال، وحاصله: إنه إذا قامت الأمارات أو الطرق على شيء - وهو في غالب الأحكام والمواضيع - كيف تستصحبونها في حال الشك مع عدم وجود يقين سابق، بل ظن معتبر؟

وجواب المشهور: إن لنا يقيناً بالحكم الظاهري فنستصحبه.

ولكن حيث لم يرتضِ المصنف الحكم الظاهري، بل قال: إنه لا حكم إلاّ الحكم الواقعي، فإن أصابت الأمارة تنجز ذلك الحكم، وإن أخطأت الأمارة كان معذوراً فقط، فهنا يشكل على المصنف بأنه حيث لا يقين بالحكم الواقعي، ولا اعتقاد بوجود حكم ظاهري، فليس هناك يقين أصلاً في موارد الأمارات والطرق.

فاحتاج المصنف إلى هذا الكلام لدفع الإشكال، ولو أجاب المصنف: بأن الظن

ص: 51


1- منتهى الدراية 7: 322.

يمكن أن يذب عما في استصحاب الأحكام[1] التي قامت الأمارات المعتبرة على مجرد ثبوتها[2] وقد شك في بقائها على تقدير ثبوتها[3] من الإشكال[4] بأنه لا يقين بالحكم الواقعي، ولا يكون هناك حكم آخر فعلي[5] بناءً على ما هو التحقيق من أن قضية حجية الأمارة ليست إلاّ تنجز التكاليف مع الإصابة والعذر مع المخالفة - كما هو[6] قضية الحجة المعتبرة عقلاً، كالقطع والظن في حال الانسداد على الحكومة - لا إنشاء أحكام فعلية شرعية ظاهرية، كما هو[7] ظاهر الأصحاب.

----------------------------------

المعتبر يقين تنزيلي لاستراح من عناء هذا الجواب المفصّل.

[1] وكذا المواضيع التي دلت عليها الطرق المعتبرة الظنية.

[2] أي: لا يوجد إطلاق أحوالي للحالات المختلفة، كمثال العنب والزبيب.

[3] أي: لو كانت الأمارة مصيبة للواقع في العنب، فهل الحكم باقٍ في الزبيب أم لا؟

[4] «من» بيان ل- (ما) في قوله: (عما في استصحاب... الخ)، «بأنه» للشأن.

[5] وهو الحكم الظاهري.

[6] أي: في الحجج الشرعية لا يوجد حكم ظاهري، كما أنه في الحجج العقلية لا حكم ظاهري، فالقطع - وهو حجة عقلية - يتنجز به الواقع عند الإصابة، ويعذر القاطع عند الخطأ، وكذا حجية الظن الانسدادي على الحكومة، فإن العقل يحكم بحجيته بمعنى التنجيز والتعذير.

[7] أي: إنشاء أحكام ظاهرية قال به أكثر الأصحاب وهو الظاهر من كلماتهم.

وللمصنف حاشية على قوله: (بناءً على ما هو التحقيق) يبين فيها الجواب عن الإشكال بناءً على القول بالحكم الظاهري، فقال: (وأما بناءً على ما هو المشهور من كون مؤديات الأمارات أحكاماً ظاهرية شرعية، كما اشتهر: أن ظنيّة الطريق لا تنافي قطعية الحكم، فالاستصحاب جارٍ؛ لأن الحكم الذي أدّت إليه الأمارة محتمل

ص: 52

ووجه الذب بذلك[1]: إن الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الطريق حينئذٍ[2] محكوم بالبقاء، فتكون الحجة على ثبوته حجة على بقائه تعبداً، للملازمة بينه وبين ثبوته واقعاً.

إن قلت[3]: كيف[4]! وقد أخذ اليقين بالشيء في التعبد ببقائه في الأخبار، ولا يقين في فرض تقدير الثبوت.

قلت[5]:

----------------------------------

البقاء؛ لإمكان إصابتها الواقع، وكان مما يبقى. والقطع بعدم فعليته - حينئذٍ - مع احتمال بقائه، لكونها بسبب دلالة الأمارة، والمفروض عدم دلالتها إلاّ على ثبوته لا على بقائه، غير ضائر بفعليته الناشئة باستصحابه فلا تغفل)(1)، انتهى.

[1] أي: بالوجه الثاني - وهو كفاية الشك في البقاء على تقدير الثبوت - وهذا بيان لكيفية تطبيق ذلك الوجه على الاستصحاب في الأمارات والطرق.

[2] أي: حين الشك، «فتكون الحجة...» أي: الأمارة الدالة على ثبوت الحكم تلازم بقاءه حين الشك؛ وذلك لدلالة دليل الاستصحاب على الملازمة بين الثبوت - أياً كان باليقين أم بغيره - وبين البقاء.

[3] حاصله: إنّ أدلة الاستصحاب دلت على لزوم اليقين ولا دلالة لها على الثبوت التقديري.

[4] أي: كيف ينفع الثبوت التقديري والحال أنه قد أخذ... الخ، وقوله: «في التعبد» متعلق ب- «أخذ» أي: اليقين أخذ في التعبد بالبقاء.

[5] حاصله: إن اليقين في أخبار الاستصحاب - وكذا العلم ونحوه في سائر الأدلة - أخذ على نحو الطريقية لا الموضوعية، فلا دخل لنفس اليقين بما هو صفة نفسانية، بل بما هو كاشف عن الواقع، فلا فرق حين الكشف بين اليقين وبين الظن المعتبر؛ لأن كليهما له كشف عن الواقع.

ص: 53


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 4: 496.

نعم، ولكن الظاهر أنه أخذ كشفاً عنه ومرآة لثبوته[1]، ليكون التعبد في بقائه، والتعبد[2] مع فرض ثبوته إنما يكون في بقائه، فافهم[3].

الثالث[4]:

----------------------------------

[1] أي: لثبوت الواقع، والغرض من كشف الثبوت هو الحكم بالبقاء، وإلاّ فأصل الثبوت لا ثمرة له، بل الثمرة للبقاء حيث يريد الإنسان معرفة وظيفته الحالية.

[2] أي: التكليف الشرعي لا يرتبط بالثبوت - لمضي وقته - بل يرتبط بالبقاء، فتحصل: أن الغرض هو البقاء لو ثبت، والثبوت كما يكون باليقين كذلك يكون بالظن المعتبر.

[3] لعله إشارة إلى أن هذا هو من قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الكشفي، والمصنف لم يرتضِ ذلك في بداية بحث القطع، فكلامه هنا يناقض ما ذكره هناك.

أو إشارة إلى أن الأمارة قطع تنزيلي، فيشملها دليل الاستصحاب بنفسه.

أو إشارة إلى أن حمل اليقين على مجرد الثبوت خلاف الظاهر.

التنبيه الثالث: استصحاب الكلي وأقسامه
اشارة

[4] قد يستصحب الفرد كاستصحاب (زيد)، وقد يستصحب الكلي الذي كان في ضمن ذلك الفرد كاستصحاب (الإنسان)، وذلك في ما لو كان للكلي أثر.

واستصحاب الكلي على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يتيقن بتحقق فرد خاص ثم يشك في بقائه، فحينئذٍ يمكنه استصحاب الفرد، ويمكنه استصحاب الكلي الذي كان في ضمن ذلك الفرد.

القسم الثاني: أن يتيقّن بتحقق أحد الفردين، أحدهما طويل البقاء والآخر قصيره، ثم يشك في البقاء من جهة أنه لو كان الفرد الطويل لكان باقياً حتماً، وإن كان الفرد القصير لكان زائلاً حتماً.

ص: 54

إنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد الأحكام[1] أو ما يشترك[2] بين الاثنين منها أو الأزيد، من أمر عام.

فإن كان[3] الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي كان في

----------------------------------

كما لو تيقن بخروج قطرة إما هي بول أو مني ثم توضأ، فإن كانت بولاً فقد ارتفع الحدث، وإن كانت منياً فالحدث باقٍ، فيستصحب كلي الحدث - الموجود في البول والمني - .

القسم الثالث: أن يتيقن بحدوث فرد ثم يتيقن بارتفاعه، ولكن يحتمل تحقق فرد آخر، إما مقارناً لوجود ذلك الفرد الأول، أو مقارناً لارتفاعه.

كما لو علم بتحقق الوجوب ثم علم بارتفاعه، وشك في تحقق الاستحباب بدلاً عن الوجوب، فيستصحب كلي الطلب - الموجود في الوجوب والاستحباب - .

ولا إشكال في جريان الاستصحاب في القسم الأول إن كان له أثر، كما أن الأقوى جريانه في القسم الثاني. وأما القسم الثالث فلا يجري فيه الاستصحاب إلاّ إذا كان الفردان بنظر العرف واحداً، كاستصحاب السواد حين الشك في ارتفاعه أو ضعفه.

[1] أي: الأحكام الجزئية، وكذا في الموضوعات كما سيشير إليه المصنف في آخر التنبيه بقوله: (ومما ذكرنا في المقام يظهر أيضاً حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام)، ونحن سنذكر الأمثلة من الموضوعات لأنها أسهل للفهم.

[2] أي: أو أن يكون المتيقن السابق أمراً عاماً مشتركاً بين فردين أو أكثر، وقوله: «من أمر عام» بيان لقوله: «أو ما يشترك...»، «أمر عام» أي: الكلي الموجود بين الفردين أو الأفراد.

القسم الأول

[3] هذا القسم الأول، «الذي كان في ضمنه» أي: الذي كان العام في ضمن

ص: 55

ضمنه وارتفاعه كان استصحابه كاستصحابه[1] بلا كلام.

وإن كان[2] الشك فيه من جهة تردد الخاص الذي في ضمنه بين ما هو باقٍ أو مرتفع قطعاً[3] فكذا لا إشكال في استصحابه، فيترتب عليه كافة ما يترتب عليه[4] عقلاً أو شرعاً من أحكامه ولوازمه.

وتردد ذاك الخاص[5] - الذي يكون الكلي موجوداً في ضمنه، ويكون وجوده بعين

----------------------------------

ذلك الخاص، «وارتفاعه» عطف على «بقاء» في قوله: «من جهة الشك في بقاء الخاص».

[1] أي: كان استصحاب العام كاستصحاب الخاص، بلا فرق بين إجراء الاستصحاب في الكلي أو الفرد؛ وذلك لأن الكلي الطبيعي موجود بوجود فرده، فلمّا تيقن بالفرد فقد تيقن بالكلي، ولما شك فيه شك في الكلي، فأركان الاستصحاب تامة، سواء في الفرد أم في الكلي.

القسم الثاني
اشارة

[2] هذا القسم الثاني، «فيه» أي: في بقاء العام، «الذي في ضمنه» أي: الذي كان العام في ضمن ذلك الخاص.

[3] «قطعاً» قيد ل- «باق» و«مرتفع»، فالمعنى: الفرد الذي تحقق لا يعلم أنه الفرد الطويل فهو باقٍ قطعاً، أم الفرد القصير فهو مرتفع قطعاً، «في استصحابه» أي: العام.

[4] أي: يترتب على العام المستَصحب كافة ما يترتب على العام، «من» بيان لقوله: «ما يترتب...»، والأحكام يراد بها: الأحكام العقلية كوجوب الطاعة - مثلاً - واللوازم يراد بها: الآثار الشرعية.

إشكالان: الأول
اشارة

[5] الإشكال الأول: إن أركان الاستصحاب في هذا القسم الثاني غير تامة؛

ص: 56

وجوده[1] - بين متيقن الارتفاع[2] ومشكوك الحدوث[3] المحكوم بعدم حدوثه غير ضائر[4] باستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه[5] مع عدم إخلاله باليقين والشك في حدوثه وبقائه. وإنما كان التردد بين الفردين ضائراً باستصحاب أحد الخاصين اللذين كان أمره مردداً بينهما، لإخلاله[6] باليقين الذي هو أحد ركني الاستصحاب، كما

----------------------------------

إذ الأمر يدور بين الفرد الطويل، ولا يقين بحدوثه، وبين الفرد القصير، ولا شك في ارتفاعه، كما لا يقين أيضاً بحدوثه. فالطويل فقد الركن الأول - وهو اليقين السابق - والقصير فقد كلا الركنين، فلا يقين سابق بحدوثه، ولا شك لاحق في بقائه.

[1] أي: يكون وجود الكلي بعين وجود الفرد؛ إذ الكلي الطبيعي موجود بوجود فرده، فليس للإنسان وجود مستقل عن زيد وعمرو وسائر الأفراد، بل الإنسان موجود بوجود تلك الأفراد، وبعبارة أدق: هو منتزع عنها.

[2] وهو الفرد القصير، كما أنه مشكوك الحدوث، ففقد كلا ركني الاستصحاب.

[3] وهو الفرد الطويل، فهذا باقٍ على فرض حدوثه، ولكن المشكلة في عدم اليقين بحدوثه.

الجواب

[4] جواب عن الإشكال، وحاصله: إننا لا نريد استصحاب الفرد حتى يقال إنه لا يقين سابق أو لا شك لاحق، بل نريد استصحاب الكلي، وهو قد تحقق قطعاً في ضمن الفرد المردد، والآن يشك في زواله - لتردده بين القصير الزائل والطويل الباقي - .

[5] أي: المتحقق ذلك الكلي في ضمن الخاص، «عدم إخلاله» أي: عدم إخلال التردد بين فردين، وضميرا «حدوثه وبقائه» يرجعان إلى (الكلي).

[6] أي: لإخلال التردد بين فردين بأركان الاستصحاب فيهما، «باليقين» السابق فلا يقين بأي من الفردين، وكذا يخل بالشك اللاحق في خصوص الفرد القصير.

ص: 57

لا يخفى. نعم[1]، يجب رعاية التكاليف المعلومة إجمالاً المترتبة على الخاصين في ما علم تكليف في البين.

وتوهم(1)[2]

----------------------------------

[1] بعد أن ذكرنا عدم جريان الاستصحاب في خصوص الفردين أو الأفراد نقول: إنه قد يكون المورد من قبيل العلم الإجمالي فيجب الاحتياط بين الفردين.

مثلاً: مع تردد القطرة الخارجة بين البول والمني فلا استصحاب لأحدهما؛ لعدم اليقين السابق، ولكن يجب الاحتياط عبر الالتزام بالتكاليف المترتبة على الحدث الأصغر والحدث الأكبر؛ وذلك للعلم الإجمالي بأنه مكلف بأحدهما مع اشتباهه عليه، فيجب عليه الوضوء والغسل معاً - مثلاً - احتياطاً.

الإشكال الثاني
اشارة

[2] حاصله: إنه مع جريان الأصل السببي لا تصل النوبة إلى الأصل المسببي؛ وذلك لورود الأصل السببي على المسببي برفع موضوعه.

مثلاً: لو علم بأن الماء كر ثم شك في بقاء الكرية فهنا يَجري استصحاب الكرية، ثم إذ وضع يده المتنجسة في ذلك الماء فلا يجري استصحاب نجاسة اليد؛ إذ مع جريان استصحاب الكرية يحكم شرعاً بأن هذا الماء يُطهّر ما لاقاه، فلا شك في بقاء نجاسة اليد، بل هنا يقين تعبدي بطهارتها، فارتفع موضوع استصحاب النجاسة.

وفي ما نحن فيه: الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في وجود الفرد الطويل، فيجري استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل، فلا يبقى مجال لاستصحاب الكلي الذي في ضمن الفرد؛ لأنه مع الحكم بعدم بقاء الفرد يحكم أيضاً بعدم بقاء الكلي الذي فيه.

مثلاً: إذا خرجت قطرة مرددة بين البول والمني ثم توضأ، فإنه لا مجال لاستصحاب الحدث؛ لأن بقاء الحدث مسبب عن خروج المني، والأصل عدم

ص: 58


1- فرائد الأصول 3: 193.

«كون الشك في بقاء الكلي[1] الذي في ضمن ذاك المردد مسبباً عن الشك في حدوث الخاص المشكوك حدوثه المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه» فاسد قطعاً، لعدم[2] كون بقائه وارتفاعه[3]

----------------------------------

خروجه - أي: استصحاب عدم خروج المني - فإذا ثبت تعبداً عدم خروج المني فلا معنى للحكم ببقاء الحدث المسبب عن خروج المني.

[1] «الكلي» كالحدث في المثال، «المردد» بين البول والمني، «حدوث الخاص» المني، «حدوثه» حدوث المني، «بأصالة عدمه» أي: استصحاب عدم خروج المني، فإنه قبل خروج القطرة لم يكن المني خارجاً، فبعد خروجها نستصحب عدم خروج المني.

الجواب الأول

[2] حاصل الجواب أنه يشترط في عدم جريان الأصل المسببي أن يكون وجود المسبب وارتفاعه مرتبطاً بوجود السبب وارتفاعه، أما لو كان وجوده مرتبطاً بوجود السبب، ولم يرتبط ارتفاعه بارتفاع السبب فلا مانع من جريان الاستصحاب في الأصل المسببي.

مثلاً: وجود الابن متوقف على وجود الأب، ولكن ارتفاع الابن لا يرتبط بارتفاع الأب، فلذا كما يجري استصحاب بقاء الأب كذلك يجري استصحاب بقاء الابن.

وما نحن فيه من هذا القبيل؛ إذ بقاء الحدث بعد الوضوء يتوقف على كون الخارج منيّاً، ولكن ارتفاع الحدث بالوضوء يتوقف على أمر آخر، وهو كون الخارج بولاً؛ لأن عدم المني لا يوجب ارتفاع الحدث، بل كون الخارج بولاً هو سبب لارتفاع الحدث بالوضوء. إذن، ليس ما نحن فيه من قبيل الاستصحاب السببي والمسببي.

[3] أي: الكلي، وهو (الحدث) في المثال.

ص: 59

من لوازم حدوثه وعدم حدوثه[1]، بل من لوازم[2] كون الحادث المتيقن ذاك المتيقن الارتفاع أو البقاء.

مع أن[3] بقاء القدر المشترك إنما هو بعين بقاء الخاص الذي في ضمنه، لا أنه من لوازمه[4].

على أنه[5]

----------------------------------

[1] أي: حدوث الفرد وعدم حدوثه، كالمني في المثال، بل بقاؤه مرتبط بحدوث المني، ولكن ارتفاعه مرتبط بحدوث البول، لا بعدم حدوث المني.

[2] في العبارة إيجاز مُخلّ، والمقصود: بل ارتفاع الحدث من لوازم كون الحادث ذلك البول المتيقن الارتفاع، وبقاء الحدث من لوازم كون الحادث ذلك المني المتيقن البقاء.

الجواب الثاني

[3] الجواب الثاني: إنه يلزم التعدد في الأصل السببي والمسببي، فأحدهما علّة للآخر، وما نحن فيه لا تعدد بينهما ولا عليّة، بل الكلي عين الفرد، «القدر المشترك» أي: الكلي الذي بينهما، «الذي في ضمنه» أي: الذي يكون الكلي في ضمن ذلك الخاص.

[4] أي: ليس بقاء الكلي من لوازم الفرد الطويل، بل هو عينه.

الجواب الثالث

[5] «أنه» للشأن، وحاصل الجواب: سلمنا السببيّة، ولكن نقول: ليس كل أصل سببي مانع عن جريان الأصل المسببي، بل لابد أن تكون السببيّة شرعية، مثلاً: لو شك في بقاء الكرية فإنه يستصحبها، فإذا أدخل يده المتنجسة في هذا الماء طهرت اليد؛ لأن هذه الطهارة مسبّبة عن الكرية، وهذه السببيّة جعلها الشارع بأن جعل ملاقاة اليد النجسه للماء الكر سبباً لطهارتها؛ إذ مع جريان الأصل السببي - وهو استصحاب الكرية - يكون هنا علم تنزيلي بكون الماء كراً، فإذا لاقته اليد

ص: 60

لو سلم أنه[1] من لوازم حدوث المشكوك، فلا شبهة في كون اللزوم عقلياً[2]، فلا يكاد يترتب بأصالة عدم الحدوث إلاّ ما هو من لوازمه وأحكامه شرعاً.

وأما[3]

----------------------------------

المتنجسة لا مجال لاستصحاب النجاسة؛ لوجود يقين تنزيلي بطهارتها، فلا يوجد شك لاحق بالنجاسة كي تستصحب.

أما إذا كانت السببيّة عقلية أو عادية فإن جريان الأصل السببي لا يوجب يقيناً تنزيلياً في المسبّب - وذلك لعدم حجية الآثار العقلية والعادية للأصول العملية والذي يعبر عنها بالأصل المثبت - ومع عدم وجود يقين تنزيلي يبقى مورد الاستصحاب، الذي هو اليقين السابق والشك اللاحق، فيجري الاستصحاب في المسبّب بلا مانع.

وفي ما نحن فيه: الأصل السببي هو استصحاب عدم خروج المني، ولا تلازم شرعاً بين عدم خروجه وبين ارتفاع الحدث، بل العقل يقول بعد أن تيقنت بخروج أحد الأمرين إما البول أو المني، فإن الحكم بعدم خروج المني يلازم خروج البول، فيثبت ارتفاع الحدث بالوضوء، وهذا هو الأصل المثبت الذي ليس بحجة، بمعنى عدم حجية الآثار العقلية والعادية وما يترتب عليها من لوازم.

[1] «أنه» أن البقاء، «حدوث المشكوك» خروج المني في المثال.

[2] أي: اللزوم بين عدم خروج المني وبين ارتفاع الحدث؛ لأن الواسطة هي خروج البول، وثبوت أحد الضدين لانتفاء الضد الآخر عقلي لا شرعي.

القسم الثالث

[3] هذا القسم الثالث من استصحاب الكلي، وهو تحقق فرد ثم ارتفاعه قطعاً، مع احتمال تحقق فرد آخر مقارناً له أو حين ارتفاعه.

ولنضرب مثالين، الأول: المقارن للوجود، والثاني: المقارن للارتفاع:

1- لو خرجت منه قطرة بول ثم توضأ قطعاً، ولكن يحتمل أن تكون قد خرجت

ص: 61

إذا كان الشك في بقائه[1]، من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص

----------------------------------

منه قطرة مني أيضاً قبل الوضوء، فهنا قد قطع بالحدث، وبعد الوضوء يشك في ارتفاعه.

2- لو خرجت منه قطرة بول ثم توضأ، ثم احتمل خروج قطرة بول أخرى بمجرد الانتهاء من الوضوء - من غير فاصل - فهنا يقطع بحدوث كلي الحدث بخروج القطرة الأولى، ويشك في ارتفاع كلي الحدث لاحتمال خروج قطرة أخرى متزامنة مع الانتهاء من الوضوء.

والأظهر عدم جريان الاستصحاب هنا؛ لأن ما تيقن حدوثه قد ارتفع قطعاً، وما يحتمل بقاؤه لا يقين سابق به.

إن قلت: نستصحب الكلي الذي تيقنا بحدوثه ونشك في زواله.

قلت: الكلي موجود بوجود فرده، وليس شيئاً منفصلاً عن الفرد، لكن كل فرد تتحقق به حصة من الكلي مغايرة للحصة التي هي في الفرد الآخر، إذاً فالحصة من الكلي التي تيقّنا بحصولها قد ارتفعت قطعاً بارتفاع الفرد الذي تحققت في ضمنه، والحصة من الكلي التي نشك في بقائها لم نتيقن بوجودها سابقاً.

إن قلت: وهكذا في القسم الثاني.

قلت: الفرق أنه في القسم الثاني نتيقن بتحقق فرد واحد لكنه مردّد عندنا، فالحصة من الكلي تحققت في ضمن فرد واحد، ثم نشك في ارتفاع نفس الحصة التي تيقنا بوجودها؛ وذلك للشك في بقاء الفرد الذي كانت في ضمنه أو ارتفاعه، بخلاف القسم الثالث حين نتيقن بارتفاع الحصة المتحققة في الفرد الأول، ونشك بتحقق حصة أخرى في فرد آخر.

[1] «بقائه» بقاء الكلي، «الذي كان في ضمنه» أي: الذي كان الكلي في ضمن ذلك الفرد، «بارتفاعه» بارتفاع الخاص الأول، كما لو تيقن بدخول زيد في الدار ثم قطع بخروجه منها، ولكن مع احتمال دخول عمرو في الدار مقارناً لوجود زيد أو

ص: 62

الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه، ففي استصحابه[1] إشكال، أظهره عدم جريانه، فإن وجود الطبيعي وإن كان بوجود فرده إلاّ[2] أن وجوده[3] في ضمن المتعدد من أفراده ليس من نحو وجود واحد له، بل متعدد حسب تعددها، فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها[4] لقطع بارتفاع وجوده، وإن شك في وجود فرد آخر

----------------------------------

حين خروجه.

[1] أي: استصحاب الكلي، «أظهره» الضمير يرجع إلى المستفاد من الكلام مثلاً أظهر القول، «عدم جريانه» الاستصحاب.

[2] الاحتمالات في كيفية وجود الكلي الطبيعي متعددة، منها:

1- أن يكون الطبيعي موجوداً بوجود منفصل عن الأفراد، وهذا باطل قطعاً؛ لأنه وبالبداهة لا يوجد إنسان في غير الأفراد، فإذا وجد فرد كان الإنسان موجوداً، وإن ارتفع الفرد ارتفع الإنسان.

2- أن يكون الطبيعي واحداً منبسطاً وجوداً على جميع الأفراد، وهذا أيضاً لا يصح في الكلي والجزئي، بل هو يجري في الكل والجزء، مثل: الصلاة التي هي شيء واحد تنبسط على الركوع والسجود... الخ، فالأجزاء مترابطة يكمل بعضها بعضاً، عكس الجزئيات التي كل واحد منها مستقل في الوجود.

مضافاً إلى استلزامه اتصاف الكلي الواحد بالصفات المتضادة؛ لأن الأفراد متضادة في أكثر الأوصاف من علم وجهل وكفر وإيمان... الخ.

3- أن يكون الكلي موجوداً بنحو الحصص المتعددة بتعدد الأفراد، وهذا هو الصحيح، فكل فرد هو حصة من الكلي، لا مغاير للكلي ولا متحد مع سائر الحصص.

[3] «وجوده» الكلي، «له» للكلي وهو الاحتمال الثاني الذي ذكرناه في الحاشية السابقة.

[4] «ما علم» أي: الحصة التي علم، «وجوده» يرجع إلى الموصول، أي: (ما)، «منها» من الأفراد، «وجوده» وجود الكلي.

ص: 63

مقارن لوجود ذاك الفرد أو لارتفاعه[1] بنفسه أو بملاكه[2]، كما إذا شك في الاستحباب بعد القطع بارتفاع الإيجاب بملاك مقارن أو حادث.

لا يقال[3]:

----------------------------------

[1] إشارة إلى أن القسم الثالث له نوعان:

1- أن يتحقق الفرد الثاني مقارناً لتحقق الفرد الأول.

2- أن يتحقق الثاني مقارناً لارتفاع الفرد الأول.

وإنما ذكر هذين النوعين لأن الشيخ الأعظم(1)

ذهب إلى جريان الاستصحاب في النوع الأول دون النوع الثاني، ولكن المصنف لم يرتضِ هذا التفصيل.

[2] تارة يمكن اجتماع الفرد الثاني مع الفرد الأول، مثلاً: يقطع بدخول زيد ثم خروجه ويحتمل دخول عمرو، واجتماع زيد وعمرو ممكن.

وتارة لا يمكن اجتماع الفردين، فيوجد فرد ويوجد ملاك الفرد الثاني من غير وجود نفس الفرد الثاني، كالوجوب والاستحباب، فلا يعقل اجتماعهما معاً؛ لتضادهما، ولكن يمكن وجود الوجوب مع ملاك الاستحباب.

مثلاً: الزوجة الفقيرة تجب نفقتها لأنها زوجة، وملاك استحباب الصدقة - وهو الفقر - موجود لكنه غير مؤثر، فإذا طلقها فبانتهاء العدة يؤثر ملاك الاستحباب. فيرتفع وجوب النفقة - لأنها ليست بزوجة حينئذٍ - ويؤثر ملاك الاستحباب، فيستحب الإنفاق عليها لفقرها، فلو شك في فقرها، سواء كان فقراً مقارناً لكونها زوجة أم حدث الفقر بعد الطلاق، فإن إجراء استصحاب كليّ طلب الإنفاق يكون من القسم الثالث من أقسام الكلي.

[3] المقصود من الإشكال هو بيان أن الوجوب والاستحباب من مصاديق القسم الثالث، الذي يجري فيه الاستصحاب.

بيانه: إن هناك مصداقاً يجري فيه الاستصحاب في القسم الثالث، وهو ما إذا

ص: 64


1- فرائد الأصول 3: 195 - 196.

الأمر[1] وإن كان كما ذكر، إلاّ أنه حيث كان التفاوت بين الإيجاب والاستحباب - وهكذا بين الكراهة والحرمة - ليس إلاّ بشدة الطلب بينهما وضعفه، كان تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم[2] غير موجب لتعدد وجود الطبيعي بينهما[3]، لمساوقة الاتصال مع الوحدة، فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب وارتفاعه، لا في حدوث وجود آخر.

فإنه يقال[4]: الأمر وإن كان كذلك[5]، إلاّ أن العرف حيث يرى الإيجاب

----------------------------------

كان مورد الاستصحاب ما يقبل الشدة والضعف، مع كون الضعيف فرداً والشديد فرداً آخر.

مثلاً: لو كان سواد شديد ثم شك في ضعف ذلك السواد، أو تبدله إلى البياض بسبب الشمس فقالوا بجريان الاستصحاب؛ لأن العرف يرى السواد الخفيف نفس السواد الشديد ولكنه فقد شدّته، نظير نمو الجسم، فإن الضعيف نفس السمين، فيجري الاستصحاب.

وما نحن فيه كذلك؛ لأن الوجوب هو طلب شديد والاستحباب هو طلب ضعيف، فلا مانع من جريان الاستصحاب.

[1] أي: الواقع في الوجوب والاستحباب، «كما ذكر» من أنه تبدل فرد إلى فرد آخر.

[2] لأنه لو تخلل العدم تبدّل اليقين بالطلب إلى اليقين بعدم الطلب، ثم الشك في حدوث طلب آخر، فلا استصحاب للطلب المتيقن؛ لانقطاعه باليقين بزواله.

[3] لأنه يكون نظير السواد الشديد والسواد الضعيف، «مع الوحدة» عرفاً.

[4] حاصله: إنه حيث كان الملاك العرف فإن العرف يرى السواد الشديد والضعيف واحداً، لكنه يرى الوجوب والاستحباب شيئين.

[5] أي: نسلم أن الفرق بين الوجوب والاستحباب هو شدة الطلب وضعفه.

ص: 65

والاستحباب المتبادلين فردين متباينين، لا واحداً مختلف الوصف في زمانين[1]، لم يكن مجال للاستصحاب، لما مرت الإشارة إليه ويأتي[2] من أن قضية إطلاق أخبار الباب[3] أن العبرة فيه[4] بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضاً وإن لم يكن بنقض بحسب الدقة، ولذا لو انعكس الأمر[5] ولم يكن نقض عرفاً لم يكن الاستصحاب جارياً وإن كان هناك نقض عقلاً.

ومما ذكرنا في المقام يظهر أيضاً حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام[6] في

----------------------------------

[1] مثل: زيد الضعيف في زمان اليقين بوجوده، وزيد السمين في زمان الشك في بقائه، فإن السمنة والضعف لا توجب تعدّد زيد، وهذان الوصفان من الأعراض التي لا تغيّر الذات.

[2] مرّ في بحث النسخ أنه إذا نسخ الوجوب فهل يبقى الاستحباب أم لا؟ وكذا مرّ في أول بحث الاستصحاب في قوله: (إلاّ أنه لما كان الاتحاد بحسب نظر العرف كافياً في تحققه... الخ)، وسيأتي في بحث الاجتهاد والتقليد في مبحث اشتراط الحياة في المفتي.

[3] فمن النصوص (لا تنقض اليقين بالشك) وهذا الكلام ملقى إلى العرف، فينصرف إلى ما يفهمه العرف نقضاً أو عدم نقض.

[4] أي: في جريان الاستصحاب «بنظر العرف» متعلق بقوله: «نقضاً» أي: ما يكون رفع اليد عن اليقين في حال الشك نقضاً بنظر العرف.

[5] كما في ما نحن فيه، فإن الطلب في الوجوب والاستحباب واحد عقلاً، واختلافهما إنما هو بالشدة والضعف، ولكن حيث يراهما العرف متعددين لا يجري الاستصحاب؛ لأنه ليس بنقض لليقين بالشك.

[6] أي: استصحاب الموضوع، فقد ذكر استصحاب الحكم في أول التنبيه: (لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد الأحكام...) وهنا يذكر أن استصحاب الكلي في الموضوع كذلك بلا فرق بين الموضوع والحكم.

ص: 66

الشبهات الحكمية والموضوعية[1]، فلا تغفل.

----------------------------------

[1] قد يعرف الحكم ولكن يشتبه عليه الموضوع، كعلمه بنجاسة البول ثم يشتبه عليه في أن هذا بول أم ماء مثلاً، فهذه شبهة موضوعية.

وقد يعرف الموضوع ولكن يشتبه عليه الحكم، كما لو شك في أن المذي يوجب الحدث أم لا.

1- مثال استصحاب الموضوع في الشبهة الحكمية (ومرجعها إلى العلم بالموضوع مع الشك في الحكم).

القسم الأول: إذا علم بأن الخارج مذي، وشك في نقضه للوضوء (وهو شبهة في الحكم)، فيستصحب كلي الطهارة (وهو موضوع).

القسم الثاني: إذا علم بأن الخارج مذي، وعلم بأنه إما ناقض للوضوء أو الغسل (فهنا شبهة في الحكم)، فإذا توضأ يشك في بقاء الحدث (وهو موضوع) فيستصحبه.

القسم الثالث: إذا خرجت منه قطرة بول ثم توضأ، وقد خرجت منه قطرة مذي قبل الوضوء، أو مقارناً للانتهاء منه (فهنا يعلم بالموضوع وهو خروج المذي، لكنه لا يعلم حكمها وأنها ناقضة للوضوء أم لا)، فهنا إذا استصحب كلي الحدث - وهو موضوع - كان من استصحاب القسم الثالث.

2- ومثال استصحاب الموضوع في الشبهة الموضوعية.

القسم الأول: إذا كان محدثاً ثم شك في الوضوء - وهو موضوع - فيمكنه استصحاب كلي الحدث - وهو موضوع أيضاً - .

القسم الثاني: إذا تنجست يده إما ببول أو بدم - وحكم البول الغسل مرتين، وحكم الدم الغسل مرة واحدة - ثم غسل يده مرة واحدة، فهنا يشك في بقاء النجاسة، فيستصحب كلي النجاسة.

ص: 67

الرابع[1]: إنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الأمور القارّة[2] أو التدريجية الغير القارة[3]، فإن الأمور الغير القارة(1) وإن كان وجودها ينصرم ولا يتحقق منه

----------------------------------

القسم الثالث: إذا تنجست يده بدم فغسلها ثم شك في إصابة قطرة دم أخرى مقارناً مع انتهاء غسل اليد، فاستصحاب كلي النجاسة - وهو موضوع - يكون من القسم الثالث.

التنبيه الرابع: استصحاب الزمان والزمانيات
اشارة

[1] هذا التنبيه في استصحاب الزمان، والزماني، والفعل المقيد بالزمان.

فالزمان كاستصحاب الليل أو النهار.

والزماني: هو الفعل التدريجي الذي يتحقق جزء منه في الزمان الأول ثم ينعدم، ويتحقق جزء ثانٍ منه في الزمان الثاني كالتكلم.

والفعل المقيد بالزمان: هو الفعل الواحد الذي كان الزمان ظرفاً أو قيداً له كالجلوس يوم الجمعة، فإن الجلوس وجود واحد لكنه في زمان - وهو يوم الجمعة - .

وحاصل كلام المصنف: إنه كما يجري الاستصحاب في الأمور القارّة - أي: المجتمع أجزاؤها - كذلك يجري الاستصحاب في الأمور غير القارة التدريجيّة، وهي التي لا تجتمع أجزاؤها في الوجود، بل توجد بالتدريج بأن يوجد جزء ثم يزول فيوجد جزء آخر وهكذا؛ وذلك لأن دليل الاستصحاب يشمل الأمور غير القارة أيضاً.

[2] التي يجتمع كل أجزائها معاً في وقت واحد، مثل: استصحاب وجود زيد.

[3] وهي التي لا تجتمع أجزاؤها معاً، بل تتبادل في الوجود، كالتكلم، فإنه يوجد جزء ثم يزول فيوجد جزء آخر، وهكذا.

ص: 68


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير القارة».

جزء إلاّ بعد ما انصرم منه جزء وانعدم، إلاّ أنه[1] ما لم يتخلل في البين العدم[2] - بل وإن تخلل بما لا يخل بالاتصال عرفاً، وإن انفصل حقيقة[3] - كانت[4] باقية مطلقاً أو عرفاً، ويكون رفع اليد عنها[5] مع الشك في استمرارها وانقطاعها نقضاً، ولا يعتبر[6] في الاستصحاب بحسب تعريفه وأخبار الباب وغيرها من أدلته غير صدق[7] النقض والبقاء كذلك قطعاً. هذا.

مع[8]

----------------------------------

الدليل الأول

[1] هذا الدليل الأول لجريان الاستصحاب في الأمور غير القارة، «أنه» للشأن.

[2] مثل: جريان ماء النهر فإنه متصل بلا انقطاع.

[3] كجريان الدم في أيام العادة، فإن انقطاعه فترة قصيرة غير مضر بالاتصال عرفاً.

[4] «كانت» خبر (أنه) في قوله: (إلاّ أنه ما لم يتخلل...) أي: كانت الأمور غير القارة، «مطلقاً» أي: دقة وعرفاً، «أو عرفاً» لا دقة.

[5] عن الأمور غير القارة، وكذا الضمير في «استمرارها» و«انقطاعها».

[6] يقيم المصنف ثلاثة أدلة على كفاية الاتصال العرفي:

1- تعريف الاستصحاب ب- (الحكم بالبقاء).

2- أخبار الاستصحاب، كقوله: (لا تنقض اليقين بالشك) وحيث إن الكلام ملقى إلى العرف نأخذ معنى (النقض) منه.

3- سائر أدلة الاستصحاب كالإجماع وبناء العقلاء ونحوهما.

[7] «غير» فاعل قوله: (لا يعتبر)، «النقض» لو لم نُبقِ الحكم، «والبقاء» إذا أبقينا الحكم، «كذلك» أي: عرفاً.

الدليل الثاني
اشارة

[8] هذا الدليل الثاني، وحاصله: إن بعض الأمور غير القارة لا تبدل في الموضوع

ص: 69

أن الانصرام والتدرج في الوجود في الحركة في الأين وغيره[1] إنما هو في الحركة القطعية، وهي: «كون الشيء[2]

----------------------------------

فيها، بل يبقى الموضوع واحداً؛ وذلك لأن الحركة قسمان: قطعية، وتوسطية.

أما القطعية: فهي ما إذا لوحظ كون الشيء في كل وقت في مكان أو زمان خاص، مثلاً: السائر من النجف إلى كربلاء تلاحظ الخطوة الأولى بأنها في مكان خاص ووقت مخصوص، فهذه الخطوة تزول وتخلفها خطوة أخرى.

وأما التوسطية: فهي ملاحظة الشيء بين المبدأ والمنتهى، فهذا السائر نلاحظ أنه بين النجف وكربلاء، وكلما سار وكلّما مضى الزمان فإن التوسط بينهما - أو البينيّة - مستمرة لا تتغير، فهو في الصباح وفي الفرسخ الأول يكون بينهما، كذلك في العصر وهو في الفرسخ الثاني يكون بينهما أيضاً.

[1] اعلم أن الحركة تتوقف على ستة أمور:

1- ما منه الحركة (المبدأ).

2- ما إليه الحركة (المنتهى).

3- ما به الحركة (السبب - العلة الفاعلة -).

4- ما له الحركة (الجسم المتحرك).

5- الزمان الذي تقع فيه الحركة.

6- المقولة التي تكون فيها الحركة، وهي مقولات أربع:

أ: الكم، كالأجسام النامية، فنموّها حركة في الكم.

ب: الكيف، كالحار إذا صار بارداً.

ج: الأين، وهو انتقال الشيء من حيّز إلى آخر.

د: الوضع، كالقائم إذا قعد، ولا يخفى أن الحركة في الوضع تستلزم الحركة في الأين أيضاً.

[2] أي: الشيء المتصرم الوجود يتحقق منه في كل وقت ومكان جزء، ثم يزول

ص: 70

في كل آن في حد أو مكان»، لا التوسطية[1] وهي: «كونه بين المبدأ والمنتهى»، فإنه بهذا المعنى يكون قاراً مستمراً.

فانقدح[2] بذلك أنه لا مجال للإشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار وترتيب[3] ما لهما من الآثار.

وكذا[4] كلما إذا كان الشك في الأمر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته ووصوله إلى المنتهى أو أنه بعد في البين.

وأما إذا[5] كان من جهة الشك في كميته ومقداره[6] - كما في نبع الماء وجريانه

----------------------------------

ويتحقق جزء آخر في وقت آخر أو مكان آخر.

[1] فإن الشيء يكون واحداً اعتباراً.

[2] هذا بيان للاستصحاب في نفس الزمان، «بذلك» ببيان أن الوحدة العرفية كافية.

[3] أي: الإشكال على ترتيب آثار الليل والنهار - كالإفطار والإمساك - وذلك بتبع استصحابهما.

[4] هذا بيان للاستصحاب في الزماني - الفعل المتدرج في الزمان كالتكلم وجريان الماء - إذ الحركة توسطية، مضافاً إلى الوحدة العرفية.

[5] هذا الكلام إلى قوله: (حسبما عرفت) تكرار للإشكال مع جوابه، وحاصله: إنه لو كانت الحركة قطعية فكيف نستصحب مع اليقين بزوال الوجود السابق كالماء أول الجريان، مع عدم اليقين بوجود لاحق، كالماء مع الشك في استمرار الجريان؟ فإن المتيقن السابق - وهو الماء الأول - قد زال قطعاً، والمشكوك اللاحق - وهو الماء الجديد المستمر - لا يقين سابق فيه.

[6] أي: كمية الأمر التدريجي ومقداره، وهذا من قبيل الشك في المقتضي، فنحتمل جفاف منبع العين في آخر الصيف، فهل نستصحب جريان الماء أم لا؟

ص: 71

وخروج الدم وسيلانه[1] في ما كان سبب الشك في الجريان والسيلان الشك في أنه بقي في المنبع والرحم فعلاً شيء من الماء والدم غير ما سال وجرى منهما - فربما يشكل في استصحابهما حينئذٍ[2]، فإن الشك ليس في بقاء جريان شخص ما كان جارياً، بل في حدوث جريان جزء آخر شك في جريانه من جهة الشك في حدوثه. ولكنه ينحلّ[3] بأنه لا يختل به ما هو الملاك[4] في الاستصحاب بحسب تعريفه ودليله[5] حسبما عرفت.

ثم إنه لا يخفى[6] أن استصحاب بقاء الأمر التدريجي إما يكون من قبيل استصحاب

----------------------------------

ولا يخفى أن الإشكال وجوابه يجريان أيضاً في الشك في المانع أيضاً، كما لو احتمل إيجاد مانع على (العين) بحيث انقطع جريان الماء.

[1] بأن احتمل انقطاع دم الحيض لانتهاء الدم في الرحم.

[2] حين الشك في كمية الماء والدم - مثلاً - وأنه هل بقي شيء في المنبع والرحم أم لا؟ وكذا يقال لو شك في المانع أيضاً.

[3] هذا جواب الإشكال، «بأنه» للشأن، «به» بهذا التبدّل، أي: بزوال السابق يقيناً، وعدم العلم بحدوث اللاحق.

[4] وهو (النقض لليقين) إذا لم يُجر الاستصحاب.

[5] تعريفه بأنه: (الحكم بالبقاء)، ودليله: (الأخبار) و(سائر الأدلة كالإجماع وبناء العقلاء... الخ).

[6] حاصله: إنه في الأمور التدريجيّة كما يجري استصحاب الشخص الجزئي كذلك يجري فيها استصحاب الكلي بأقسامه الثلاثة، فاستصحاب الشخص كمن كان يقرأ سورة البقرة مثلاً ثم شك في إكمالها، فكما يمكنه استصحاب بقائها كذلك يمكنه استصحاب الكلي الذي كان في ضمنها - وهو القسم الأول - .

ولو تردد بين سورة البقرة وسورة التوحيد - مثلاً - كان الاستصحاب من القسم الثاني.

ص: 72

الشخص، أو من قبيل استصحاب الكلي بأقسامه؛ فإذا شك في أن السورة المعلومة التي شرع فيها تمت أو بقي شيء منها صح فيه[1] استصحاب الشخص والكلي؛ وإذا شك فيه[2] من جهة ترددها بين القصيرة والطويلة كان من القسم الثاني؛ وإذا شك في أنه[3] شرع في أخرى مع القطع بأنه قد تمت الأولى كان من القسم الثالث كما لا يخفى.

هذا في الزمان ونحوه من سائر التدريجيات[4].

وأما الفعل المقيد بالزمان[5]:

----------------------------------

ولو علم بانتهاء السورة وشك في شروعه في سورة أخرى مقارناً بانتهاء الأولى كان من القسم الثالث.

[1] أي: في هذا الشك، أو في هذا المورد، و«الكلي» من القسم الأول.

[2] أي: في بقاء السورة، «ترددها» أي: السورة.

[3] مرجع الضمير: الشاك.

[4] التي يعبّر عنها بالزمانيات، وهي الأفعال التي يوجد جزء منها ثم ينعدم ليوجد جزء آخر، فلا تجتمع كل أجزائها معاً.

[5] وهو الفعل الذي يجتمع أجزاؤه كلها في الوجود، ولكن أخذ الزمان فيه بنحو القيد، مثلاً: الصوم في شهر رمضان، فإن الصوم - وهو الإمساك - يتحقق بأول حلول الفجر، وهذا الإمساك فعل مقيد بأن يكون في وقت خاص هو شهر رمضان.

وهذا على صور أربعة: فقد يشك في بقاء الزمان، وقد يقطع بارتفاع الزمان مع احتماله بقاء الحكم، وهذا على ثلاثة أنواع، وتفصيل الصور هو أنه:

1- قد يكون الشك في حكم الفعل من جهة الشك في بقاء الزمان، مثلاً: يشك في وجوب الإمساك للشك في بقاء النهار، فهنا يتمكن من استصحاب الزمان وهو النهار، أو استصحاب الحكم وهو وجوب الإمساك، وهذه الصورة الأولى.

ص: 73

فتارةً[1] يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده؛ وطوراً[2] مع القطع بانقطاعه وانتفائه من جهة أخرى[3]، كما إذا احتمل[4] أن يكون التقييد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله.

----------------------------------

وقد يقطع بارتفاع الزمان ولكن يكون الشك في جهة أخرى، وهذا على أنواع:

2- كون الزمان ظرفاً لا قيداً، كما لو قال: (تصدق يوم الجمعة)، فإنه يستصحب مطلوبية الصدقة يوم السبت، فإنه وإن زال يوم الجمعة قطعاً، لكنه كان ظرفاً للحكم، ولم يكن الحكم مقيداً بها.

3- كون الزمان قيداً مع وحدة المطلوب، بأن نعلم أن المولى لا يريد إلاّ الفعل المقيد بذلك الزمان، فلا مجال للاستصحاب بعد انتهاء ذلك الزمان؛ لتبدل الموضوع.

4- كون الزمان قيداً مع تعدد المطلوب، بأن نحتمل أن يكون الفعل مطلوباً على كل حال، ولكن الزمان المعيّن إنما هو قيد لشدة الطلب، وكون الفعل في ذلك الزمان أفضل، كالصلاة في أول الوقت - مثلاً - حيث إن طلبها أشد، ولكن مع بقاء الطلب إلى آخر الوقت، وحينئذٍ فيجري الاستصحاب لبقاء الموضوع عرفاً، وهذه الصورة الرابعة.

[1] هذه الصورة الأولى، «حكمه» أي: حكم الفعل، «قيده» أي: الزمان فإنه يشك في وجوب الإمساك للشك في بقاء النهار.

[2] أي: وتارة أخرى، وهذا مقسم الصور: الثانية والثالثة والرابعة، «بانقطاعه» أي: انقطاع الزمان، فقوله: «وانتفائه» عطف تفسيري.

[3] أي: الشك من جهة أخرى غير انقطاع الزمان، فقوله: «من جهة أخرى» متعلق (بالشك) المقدّر، فالمعنى: وطوراً الشك من جهة أخرى مع قطعنا بانتفاء الزمان.

[4] إشارة إلى الصورة الرابعة، «به» بالزمان، «تمام المطلوب» أي: المطلوب

ص: 74

فإن كان[1] من جهة الشك في بقاء القيد[2]، فلا بأس باستصحاب قيده من الزمان، كالنهار الذي قُيِّد به الصوم - مثلاً -، فيترتب عليه وجوب الإمساك وعدم جواز الإفطار ما لم يقطع بزواله[3]، كما لا بأس باستصحاب نفس المقيد، فيقال: إن الإمساك كان قبل هذا الآن في النهار، والآن كما كان فيجب، فتأمل[4].

وإن كان من الجهة الأخرى[5]،

----------------------------------

الكامل التام الواجد للفضيلة، والحاصل: يكون الزمان قيداً للفضيلة، «لا أصله» لا أنه قيد لأصل الحكم، بل أصل الحكم موجود في ذلك الزمان وفي غيره.

[1] أي: فإن كان الشك، وهذا تفصيل جريان الاستصحاب في الصورة الأولى، فإنه يمكن إجراء الاستصحاب في الزمان، ويمكن إجراء الاستصحاب في الحكم. أما استصحاب الزمان: كأن يستصحب بقاء النهار، وأثره الشرعي هو وجوب الاستمرار في الإمساك. وأما استصحاب الحكم: كأن يستصحب وجوب الإمساك نفسه.

[2] أي: الزمان، «قيده» أي: قيد الحكم، وقوله: «من الزمان» بيان للقيد.

[3] أي: زوال النهار، «المقيد» أي: الحكم.

[4] لعله إشارة إلى أن الاستصحاب الأول هو سببي والثاني مسببي، فلا يجري الثاني مع جريان الأول.

أو إشارة إلى أن استصحاب المقيد إنما هو استصحاب وجوب الإمساك، لا استصحاب أن الإمساك في النهار.

[5] أي: مع القطع بزوال الزمان ولكن مع احتمال بقاء الحكم.

ولا يخفى أن عبارة المصنف فيها تعقيد، ومراده: إنه إن كان الزمان ظرفاً فإن الاستصحاب يجري وإلاّ - بأن كان الزمان قيداً - فقد تبدل الموضوع، ولا يقين سابق بالنسبة إلى هذا الموضوع الجديد، فيستصحب العدم الأزلي، أي: يقال: إنّ هذا الحكم لم يجعل لهذا الموضوع قبل الشريعة، فنستصحب عدمه.

ص: 75

فلا مجال إلاّ لاستصحاب الحكم في خصوص[1] ما لم يؤخذ الزمان فيه إلاّ ظرفاً لثبوته[2]، لا قيداً[3] مقوماً لموضوعه، وإلاّ[4] فلا مجال إلاّ لاستصحاب عدمه في ما بعد ذاك الزمان، فإنه[5] غير ما علم ثبوته له، فيكون الشك في ثبوته له[6] أيضاً شكاً في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه لا في بقائه.

لا يقال[7]: إن الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وإن أخذ ظرفاً

----------------------------------

[1] وهذه هي الصورة الثانية.

[2] أي: لم يؤخذ الزمان إلاّ بنحو الظرف لثبوت ذلك الحكم.

[3] أي: لا مجال لاستصحاب الحكم إذا أخذ الزمان قيداً.

[4] أي: وإن أخذ الزمان قيداً فلا يجري استصحاب الحكم؛ لتبدل الموضوع، بل يجري استصحاب العدم الأزلي، «عدمه» عدم الحكم.

[5] أي: الزمان اللاحق، «غير» أي: موضوع آخر يختلف عن، «ما» أي: الموضوع الأول الذي، «علم ثبوته» أي: ثبوت الحكم، «له» لذلك الموضوع الأول.

[6] أي: في ثبوت الحكم لذلك الزمان الثاني، «أيضاً» أي: كما لو شك في الحكم قبل تشريع ذلك الحكم مقيداً بذلك الزمان. والحاصل: إنه لا فرق بين الشك في الحكم قبل التشريع وبين الشك في الحكم بعد التشريع مقيد بزمان خاص، «أصل ثبوته» ثبوت الحكم، «القطع بعدمه» أزلاً - قبل الشريعة - «لا في بقائه» أي: ليس شكاً في بقاء الحكم حتى يستصحب.

إشكالان: الأول

[7] هذا الإشكال والإشكال الآتي على استصحاب الحكم مع كون الزمان ظرفاً.

وحاصل الإشكال الأول: إن أخذ الزمان ظرفاً للفعل إنما هو لمدخلية الزمان في ملاك الحكم، وإلاّ كان أخذه لغواً.

وبعبارة أخرى: الزمان لا يكون ظرفاً للحكم إلاّ إذا كان له دخل في ملاك الحكم، ومع دخالته في الملاك يكون قيداً، فلا يجري فيه الاستصحاب.

ص: 76

لثبوت[1] الحكم في دليله، ضرورة دخل مثل الزمان في ما هو المناط لثبوته[2]، فلا مجال إلاّ لاستصحاب عدمه.

فإنه يقال[3]: نعم[4]، لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقة ونظر العقل؛ وأما إذا كانت العبرة بنظر العرف فلا شبهة في أن الفعل بهذا النظر موضوع واحد في الزمانين، قطع بثبوت الحكم له[5] في الزمان الأول، وشك في بقاء هذا الحكم له وارتفاعه في الزمان الثاني، فلا يكون مجال[6] إلاّ لاستصحاب ثبوته.

لا يقال[7]: فاستصحاب كل واحد من الثبوت والعدم يجري، لثبوت كلا

----------------------------------

[1] «لثبوت» متعلق بقوله: «ظرفاً»، «في دليله» متعلق بقوله: «أخذ». أي: أخذ الزمان في دليل الحكم ظرفاً، لكنه قيد واقعاً.

[2] أي: في ملاك الحكم «لثبوته» أي: الحكم «عدمه» عدم الحكم.

[3] حاصل الجواب: إن الزمان هو قيد بالدقة العقلية، وأما حسب النظر العرفي فليس بقيد، والمناط في الاستصحاب هو النظر العرفي لا الدقي.

[4] أي: نعم، لا مجال للاستصحاب الحكم، بل يجري استصحاب عدم الحكم، «العبرة» في دليل الاستصحاب، «بهذا النظر» العرفي.

[5] «له» للفعل، «وارتفاعه» عطف على «بقاء هذا...» أي: شك في بقاء أو ارتفاع هذا الحكم، «له» للموضوع.

[6] أي: لا مجال لاستصحاب العدم الأزلي؛ وذلك لانقطاعه بتشريع الحكم، والشك في الزمان الثاني إنما هو في استمرار نفس الحكم - بحسب النظرة العرفية - فيجري استصحاب الحكم، «ثبوته» أي: ثبوت الحكم.

الإشكال الثاني

[7] حاصله: إن دليل الاستصحاب مطلق، حيث قال: (لا تنقض) فكما يوجد نقض مع الوحدة العرفية كذلك يوجد نقض مع الوحدة الدقيّة، فيكون الدليل عاماً

ص: 77

النظرين[1]، ويقع التعارض بين الاستصحابين، كما قيل.

فإنه يقال[2]: إنما يكون ذلك لو كان في الدليل[3] ما بمفهومه يعم النظرين، وإلاّ[4] فلا يكاد يصح إلاّ إذا سيق بأحدهما، لعدم إمكان الجمع بينهما، لكمال المنافاة بينهما[5]، ولا يكون في أخبار الباب ما بمفهومه يعمهما[6]، فلا يكون هناك إلاّ استصحاب واحد[7]، وهو استصحاب الثبوت في ما إذا أخذ الزمان ظرفاً،

----------------------------------

يشمل كلا النظرين - العرفي والدقي - .

[1] العرفي والدقي.

[2] حاصل الجواب: إن النظر العرفي والدقي متنافيان متعارضان، فلا يمكن إرادتهما في دليل واحد؛ إذ يستلزم أن يكون الدليل متناقضاً في نفسه، وهذا محال على الحكيم.

وإنما يصح التعارض لو كان الدليل عاماً لا تناقض فيه، ثم حصل التنافي بين بعض المصاديق، أو لكون المورد مصداقاً لأمرين لا يمكن الجمع بينهما.

[3] أي: لو أمكن في دليل الاستصحاب، «ما» أي: لفظاً مطلقاً أو عاماً، «بمفهومه» أي: بمعناه، وليس مراد المصنف المفهوم الاصطلاحي المقابل للمنطوق.

[4] أي: وإن لم يمكن أخذ كلا النظرين في دليل الاستصحاب، «فلا يكاد يصح» أي: لا يكاد يصح دليل الاستصحاب، «بأحدهما» أي: لوحظ بأحد النظرين - إما العرفي أو الدقي - .

[5] إذ بالنظرة الدقية يكون الموضوع متعدداً غالباً فلا يجري استصحاب الحكم، وبالنظرة العرفية يكون نفس الموضوع واحداً فيجري الاستصحاب، ولا يعقل التناقض في معنى دليل واحد.

[6] بل حتى لو كان للدليل عموم فإنه لابد من رفع اليد عنه؛ لاستحالة أخذ النظرين معاً؛ للزومه التناقض في نفس الدليل.

[7] وهو الاستصحاب بحسب النظر العرفي، فكلما كان الموضوع واحداً في نظره

ص: 78

واستصحاب العدم في ما إذا أخذ قيداً، لما عرفت من أن العبرة في هذا الباب بالنظر العرفي.

ولا شبهة في أن الفعل في ما بعد ذاك الوقت معه ما قبله[1] متحد في الأول ومتعدد في الثاني بحسبه[2]، ضرورة أن الفعل المقيد بزمان خاص غير الفعل في زمان آخر ولو بالنظر المسامحي العرفي.

نعم[3]، لا يبعد أن يكون بحسبه أيضاً متحداً في ما[4] إذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في أنه بنحو التعدد المطلوبي وأن حكمه[5] بتلك المرتبة التي

----------------------------------

جرى فيه استصحاب الحكم، وكلّما كان الموضوع متعدداً بالنظرة العرفية لم يجر استصحاب الحكم، بل يجري استصحاب العدم الأزلي، أي: عدم جعل الحكم لهذا الموضوع الجديد.

[1] أي: مع الفعل قبل ذلك الوقت، وحاصل الجملة: ولا شبهة في اتحاد الفعل قبل ذلك الوقت وبعده في ما لو كان الزمان ظرفاً.

[2] أي: ولا شك أن الفعل قبل ذلك الوقت مغاير للفعل بعد ذلك الوقت بحسب النظرة العرفية.

[3] تكرار لما ذكره في الصورة الرابعة، وهي ما إذا كان الزمان قيداً ولكن بنحو تعدد المطلوب، «أن يكون» أي: يكون الفعل المقيد بزمان خاص، «بحسبه» أي: بحسب النظر المسامحي العرفي، «حكمه» أي: حكم الفعل.

[4] أي: إن أخذ الزمان قيداً.

[5] هذا بيان للقيد بنحو تعدد المطلوب، «حكمه» حكم الفعل المقيد بالزمان، «بتلك المرتبة» العليا في الفضيلة - مثلاً - «مع ذلك الوقت» الذي قُيّد الفعل به، «بعده» بعد الوقت، «قطعاً» وإلاّ لم يكن معنى للتقييد بالزمان، بل كان لغواً، ففائدة التقييد هو بيان مرتبة الكمال.

ص: 79

كان مع ذاك الوقت وإن لم يكن باقياً بعده قطعاً إلاّ أنه يحتمل[1] بقاؤه بما دون تلك المرتبة من مراتبه، فيستصحب، فتأمل جيداً.

إزاحة وهم[2]

----------------------------------

[1] «أنه» المكلف، «يحتمل» بالمعلوم، «بقاؤه» أي: الحكم، «من مراتبه» مراتب الحكم. والحاصل: يكون كتقييد الصلاة في أول الوقت، فإنه قيد للفضيلة لا قيد لأصل المطلوبيّة.

إزاحة وهم
استصحاب الجعل والمجعول

[2] لو شككنا في استمرار المجعولات الشرعية، أي: إن الذي جعله الشارع هل له استمرار أم لا؟ فالمشهور على استصحاب المجعول. ولكن عن النراقي(1):

أن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم الجعل فيتساقطان.

مثلاً: الشارع جعل الطهارة والنجاسة، وجعل وجوب الصوم، وقبل هذه التشريعات لم يكن جعل لا للطهارة ولا للنجاسة ولا لوجوب الصوم.

فلو شككنا في استمرارها، كما لو غسل الثوب المتنجس بالدم مرة واحدة فشككنا في بقاء النجاسة، أو خرج منه مذي وشككنا في بقاء الطهارة الحدثية، أو أصيب بحمّى وشك في بقاء وجوب الصوم عليه، فهنا: استصحاب المجعول الشرعي يدل على استمرار نجاسة الثوب، وعلى استمرار الطهارة الحدثية، وعلى استمرار وجوب الصوم.

واستصحاب عدم الجعل يدل على عدم تشريع هذه الأحكام الوضعية والتكليفية، بمعنى أنا نشك في أن الشارع هل شرّع نجاسة الثوب الذي غُسل مرة من الدم؟ وهل شَرّع طهارة من خرج منه المذي؟ وهل شرّع وجوب الصوم على من أصيب بالحُمى؟

ص: 80


1- مناهج الأحكام والأصول: 237.

لا يخفى: أن الطهارة الحدثية والخبثية[1] وما يقابلها[2] يكون مما إذا وجدت بأسبابها[3] لا يكاد يشك في بقائها[4]

----------------------------------

ولا يخفى أن هذا استصحاب للعدم الأزلي.

فيقول النراقي بتعارض الاستصحابين وتساقطهما، والرجوع إلى أصول أخرى.

والمشهور عدم جريان استصحاب عدم الجعل؛ وذلك لأن الاستصحاب متوقف على الشك اللاحق، والحال أنه لا شك؛ وذلك لأنا على يقين بأن الأحكام الوضعية والتكليفية جُعلت مع قابليتها للاستمرار إلى الأبد ما لم يوجد رافع.

مثلاً: الطهارة الحدثية لها قابلية الاستمرار أبداً، كما في الحديث: (يكفيك الصعيد عشر سنين)(1)،

وكذا النجاسة والطهارة من الخبث، فلها الاستمرار إلى حصول الرافع، وكذا الأحكام الشرعية - كوجوب الصوم - فلها استمرار إلى حدوث النسخ.

إذن لا شك في بقائها، بل لنا العلم باستمرارها. نعم، قد يحصل شك في حدوث الرافع، فالأصل عدم حدوثه.

هذا في المجعولات الشرعية، أما الأمور التكوينية فلا معنى لاستصحاب عدم جعلها؛ لأنها بالأساس ليست مجعولة للشارع كي نستصحب عدم جعله لها.

[1] وهما من الأحكام الوضعية، وكذا وجوب الصوم وهو من الأحكام التكليفية، وغيرها من الأمثلة.

[2] أي: يقابل الطهارة، وهي القذارة الحدثيّة بالجنابة ونحوها، والنجاسة الخبثية كالتنجس بالبول والدم ونحوهما.

[3] لأن الشارع جعلها في ما تحققت أسبابها، كإصابة الدم، وكخروج المني ... الخ.

[4] فلا معنى لاستصحاب عدم الجعل لاختلال أحد ركني الاستصحاب، وهو الشك اللاحق؛ وذلك للعلم بأنها جُعلت مع قابليتها للاستمرار أبداً.

ص: 81


1- وسائل الشيعة 3: 369.

إلاّ من قِبَل الشك في الرافع لها[1]، لا من قبل[2] الشك في مقدار تأثير أسبابها، ضرورة[3] أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما لم يحدث رافع لها، كانت[4] من الأمور الخارجية أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية، فلا أصل[5] لأصالة عدم جعل الوضوء سبباً للطهارة بعد المذي، أو أصالة عدم جعل الملاقاة سبباً للنجاسة بعد الغسل مرة[6] - كما حكي عن بعض الأفاضل(1)،

ولا يكون

----------------------------------

[1] وأصالة عدم الرافع تتفق مع بقاء المجعول - وهو الحكم الوضعي أو التكليفي - ولا تعارضه.

[2] أي: ليس الشك في بقائها من جهة الشك في أصل الجعل، «أسبابها» أسباب الطهارة وما يقابلها.

[3] تعليل لعدم كون شك من جهة (الجعل)، بل إن حصل شك فهو من جهة (حدوث الرافع)، «أنها» الطهارة وما يقابلها، «بها» أي: بأسبابها.

[4] أي: لا فرق في استصحاب الحكم بين كونه من المجعولات الشرعية، أو من الأمور التكوينية التي لها آثار شرعية، كاستصحاب النهار؛ لأن أثره وجوب الإمساك في الصوم.

والغرض من هذه الجملة الردّ على المحقق النراقي الذي قال بعدم جريان الاستصحاب في المجعولات الشرعية؛ لتعارضه مع استصحاب عدم الجعل، ولكنه قال بجريان الاستصحاب في الأمور التكوينية التي لها أثر شرعي؛ وذلك لليقين بعدم جعلها شرعاً، فلا معنى لاستصحاب عدم الجعل، فيبقى استصحاب الأمر التكويني بلا معارض.

[5] أي: لا أصل من الشرع لاستصحاب عدم الجعل الذي أجراه المحقق النراقي.

[6] أي: مرة واحدة، كما لو شككنا بكفاية غسل المتنجس بالدم مرة واحدة أو لزوم غسله مرتين.

ص: 82


1- مناهج الأحكام والأصول: 237.

هاهنا أصل إلاّ أصالة الطهارة أو النجاسة[1].

الخامس[2]: إنه كما لا إشكال في ما إذا كان المتيقن حكماً فعلياً مطلقاً[3]، لا ينبغي الإشكال في ما إذا كان مشروطاً معلقاً[4]، فلو شك في مورد - لأجل[5] طروء بعض الحالات عليه - في بقاء أحكامه، ففي ما صح[6] استصحاب أحكامه المطلقة

----------------------------------

[1] وهي استصحاب المجعول الشرعي، فنحكم ببقاء الطهارة أو النجاسة حتى بعد خروج المذي أو الغَسل مرة واحدة.

التنبيه الخامس: الاستصحاب التعليقي
اشارة

[2] لو توقف الحكم على تحقق شرط فهذا هو الحكم التعليقي، كتوقف حرمة العنب على الغليان. فلو تغيرت بعض أوصاف ذلك الشيء وشككنا في بقاء هذا الحكم التعليقي، كما لو تغير العنب إلى الزبيب، وشككنا في حرمة الزبيب لو غلى، فهل يجري الاستصحاب بأن يقال: إن هذا الشيء لما كان عنباً كان يحرم بالغليان، كذلك بعد تبدله إلى الزبيب يحرم أيضاً بالغليان؟

الأقوى جريان الاستصحاب؛ وذلك لتحقق أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق، فتشمله أدلة الاستصحاب.

[3] «مطلقاً» عطف بيان لقوله: «فعلياً»، أي: الحكم الذي لا يتوقف على تحقق شرط، مثل: (ملكية زيد للعنب).

[4] «معلقاً» عطف بيان على قوله: «مشروطاً».

[5] هذا سبب الشك، فالعنب صار جافاً فتحول إلى زبيب، «عليه» على ذلك المورد.

[6] أي: في ما كان له أثر شرعي كي يصح الاستصحاب، مثلاً: استصحاب ملكية العنب، وكذا استصحاب حرمته عند الغليان.أما إذا لم يكن للاستصحاب أثر فلا معنى لجريانه - لا في المطلق ولا في المعلّق - .

ص: 83

صح استصحاب أحكامه[1] المعلقة، لعدم الاختلال بذلك في ما اعتبر[2] في قوام الاستصحاب من اليقين ثبوتاً والشك بقاءً.

وتوهم[3] «أنه لا وجود للمعلّق[4] قبل وجود ما علق عليه فاختل أحد ركنيه»، فاسد جداً[5]، فإن المعلق قبله[6]

----------------------------------

[1] «أحكامه» أحكام ذلك المورد، «بذلك» بطروء بعض الحالات عليه.

[2] أي: أدلة الاستصحاب تشمل الأحكام المعلّقة؛ وذلك لتمامية ركني الاستصحاب.

إشكالات ثلاثة: الأول

[3] حاصله: إنه قبل الغليان لا وجود للحرمة، فلا يقين بها من باب السالبة بانتفاء الموضوع، فكيف نستصحب هذه الحرمة مع اختلال الركن الأول للاستصحاب، وهو اليقين السابق؟

[4] أي: الحكم الذي توقف على شرط، كالحرمة المعلّقة على الغليان، «ما علّق عليه» أي: الشرط، كالغليان في المثال.

[5] والجواب من وجهين:

الأول: إنه لا يشترط الوجود التنجيزي، بل يكفي الوجود التعليقي، فإنه أيضاً وجود ولكن بمرتبة أخرى، فالحرمة لها وجود تعليقي - وهو أحد مراتب الوجود - إذن فيوجد يقين سابق بها.

الثاني: إذا لم يكن وجود للحرمة المعلقة على الشرط، بل هي لا شيء، فكيف شرّعها الشارع في العنب؟ وهل يشرّع الشارع (اللاشيء)؟

فنقول: كما صحّ تشريع الحرمة التعليقية في العنب، بأن قال الشارع: العنب إذا غلى حرم، ويحلّ إذا تبخّر ثلثاه، كذلك يصح للشارع تشريع بقاء هذه الحرمة التعليقيّة في الزبيب.

[6] أي: قبل وجود ما عُلّق عليه - أي: الشرط - .

ص: 84

إنما لا يكون موجوداً فعلاً[1]، لا أنه لا يكون موجوداً أصلاً ولو بنحو التعليق، كيف[2]! والمفروض أنه مورد فعلاً[3] للخطاب[4] بالتحريم - مثلاً - أو الإيجاب، فكان[5] على يقين منه قبل طروء الحالة فيشك فيه بعده. ولا يعتبر[6] في الاستصحاب إلاّ الشك في بقاء شيء كان على يقين من ثبوته. واختلاف نحو[7] ثبوته لا يكاد يوجب تفاوتاً في ذلك.

وبالجملة[8]: يكون الاستصحاب متمّماً لدلالة الدليل على الحكم في ما أهمل أو أجمل[9]،

----------------------------------

[1] أي: ليس له هذه المرتبة من الوجود، لكن له مرتبة أخرى منه - وهو الوجود التعليقي - .

[2] إشارة إلى الجواب الثاني، «أنه» أي: إن المعلّق - وهو العنب بعد الغليان - .

[3] أي: بحكم وصل إلى مرحلة الفعلية، لا أنه مجرد إنشاء أو اقتضاء.

[4] فيخاطبه الشارع ويقول: يحرم عليك العنب إذا غلى ولم يذهب ثلثاه.

[5] أي: كان المكلّف على يقين من التحريم قبل طروء الجفاف للعنب، «فيه» أي: في الخطاب والتكليف، «بعده» أي: بعد طروء الحالة.

[6] أي: فتحقق ركنا الاستصحاب؛ إذ لا يعتبر في الاستصحاب... الخ.

[7] أي: كيفية ثبوت الشيء - بالتنجز أو التعليق - «في ذلك» الاستصحاب أو في اليقين السابق والشك اللاحق.

والحاصل: إن دليل الاستصحاب يدل على لزوم اليقين السابق والشك اللاحق، فهو مطلق يشمل كل أنحاء الوجود ومراتبه.

[8] أي: دليل الحكم إذا كان مجملاً أو مهملاً، بحيث شك في شموله لحالةٍ ما، فإن الاستصحاب يكون مكمّلاً لذلك الدليل، فيكون الحكم شاملاً لحالة الشك أيضاً.

[9] (الإهمال) هو تعمّد عدم بيان الحكم، و(الإجمال) هو قصور الدليل بأن بيّن الشارع ولكن لم نفهم مراده.

ص: 85

كان[1] الحكم مطلقاً أو معلقاً، فببركته يعم الحكم للحالة الطارئة اللاحقة كالحالة السابقة، فيحكم مثلاً بأن العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقاً في حال عنبيّته من أحكامه المطلقة والمعلقة لو شك فيها، فكما يحكم ببقاء ملكيته[2] يحكم بحرمته على تقدير غليانه[3].

إن قلت[4]: نعم[5]، ولكنه لا مجال لاستصحاب المعلّق[6]، لمعارضته باستصحاب ضده المطلق[7]، فيعارض استصحاب الحرمة المعلقة للعصير باستصحاب حليته المطلقة.

----------------------------------

[1] أي: سواء كان الحكم منجزاً أم معلقاً - بلا فرق - «فببركته» أي: ببركة الاستصحاب.

[2] وهو من أحكامه المطلقة، فمالك العنب لو شك في خروج الزبيب عن ملكيته فإنه يستصحب الملكية؛ لأن الزبيب نفس العنب مع تبدل بعض الأوصاف.

[3] أي: يحكم ببقاء حكمه المعلق وهو (الحرمة لو غلى).

الإشكال الثاني وجوابه

[4] حاصله: إن هاهنا استصحابين:

الأول: استصحاب الحرمة المعلقة، فيقال: إنّ العنب يحرم بالغليان، فنستصحب هذه الحرمة إلى الزبيب.

الثاني: إن العنب حلال فعلاً - بلا اشتراطه بشيء - فنستصحب حليته إلى الزبيب.

فيتعارض استصحاب الحرمة المعلقة مع استصحاب الحلية الفعليّة فيتساقطان، فلا يجري الاستصحاب التعليقي.

[5] أي: سلّمنا أن المعلّق له حظ من الوجود، «لكنه» للشأن.

[6] أي: الحكم المعلّق على الشرط، كاستصحاب الحرمة المعلّقة على الغليان، «لمعارضته» أي: المعلق.

[7] أي: ضد الحكم المعلّق، وهذا الضد هو الحلية المطلقة، «المطلق» أي: غير

ص: 86

قلت[1]: لا يكاد يضر استصحابه[2] على نحوٍ كان قبل عروض الحالة[3] التي شك في بقاء الحكم المعلق بعده[4]، ضرورة[5] أنه كان مغيّى بعدم ما علق عليه

----------------------------------

المشروط بشيء فهو منجّز، فالعنب حلال من غير تقييد حليته بشرط.

[1] حاصل الجواب: إن الحلية لها غاية - وهو الغليان - والحرمة لها بداية - وهي الغليان أيضاً - فلا تنافي بينهما أصلاً، فلا تعارض ولا تساقط.

كما أنه لا تنافي بين حلية العنب قبل الغليان، وحرمته بعد الغليان مع القطع بهذه الحلية وهذه الحرمة، فإذا لم تكن منافاة بين القطعين في العنب فبطريق أولى لا توجد منافاة بين الاستصحابين في الزبيب.

[2] أي: استصحاب الضد المطلق - وهو الحلية المطلقة - لا يضر باستصحاب الحرمة المعلقة.

[3] «على نحوٍ» أي: على نفس الصفة التي كانت قبل عروض الجفاف والتحول إلى الزبيب. والمعنى: أنا نستصحب الحكم بنفس الكيفية الذي كان في حال كونه عنباً، وحيث إن الحلية في العنب كانت مغيّاة كذلك الحلية المستصحبة في الزبيب مغياة أيضاً.

واسم «كان» هو الضمير الراجع إلى «نحو» أي: كان ذلك النحو - والصفة - قبل عروض الحالة وهي الزبيبيّة.

[4] «الحكم المعلق» كالحرمة المشترطة بالغليان، «بعده» أي: بعد عروض الحالة - وهو التبدّل إلى الزبيب - .

[5] دليل على أن استصحاب الحلية المطلقة لا يضرّ باستصحاب الحرمة المعلّقة، «أنه» أي: ضده المطلق - وهو الحلية المطلقة - «مغيّى» أي: له غاية ينتهي عندها، فالحلية تنتهي عند الغليان، «بعدم ما» (ما) موصولة، أي: بعدم شرطٍ كالغليان، «عليه» الضمير راجع إلى الموصول، فالمعنى: إن الحلية المطلقة كانت مغياة بعدم

ص: 87

المعلق، وما كان كذلك[1] لا يكاد يضر ثبوته بعده بالقطع[2] فضلاً عن الاستصحاب، لعدم[3] المضادة بينهما، فيكونان بعد عروضها[4] بالاستصحاب كما كانا معاً بالقطع قبل[5] بلا منافاة أصلاً، وقضية ذلك[6] انتفاء الحكم المطلق بمجرد ثبوت ما عُلّق عليه المعلّق؛ فالغليان في المثال كما كان شرطاً للحرمة كان غاية للحلية، فإذا شك في حرمته[7] المعلقة بعد عروض حالة عليه شك في حليته المغياة

----------------------------------

تحقق الشرط، وهو الغليان الذي عُلّق الحكم المعلّق وهو الحرمة على ذلك الشرط.

[1] أي: كان مغيّى، «ثبوته» أي: ثبوت الحكم المعلق، «بعده» أي: بعد تحقق (ما عُلق عليه) وهو الغليان في المثال.

والمعنى: إن الحلية المغياة بالغليان - مثلاً - لا تنافي الحرمة بعد الغليان؛ لأن الحلية قبل، والحرمة بعد.

[2] أي: الثبوت القطعي بأن نقطع بالحلية المغياة والحرمة المعلّقة، فلا تنافي بين القطعين، كذلك لا تنافي بين الاستصحابين.

[3] دليل عدم الضرر، «بينهما» بين الحلية المغياة والحرمة المعلقة؛ لأن أحدهما قبل تحقق الشرط، والآخر بعد تحقق الشرط.

[4] أي: فيكون الحكم المغيّى والحكم المعلّق، «عروضها» أى: الحالة، كالغليان في المثال.

[5] أي: الحكمين اللذين قطعنا بهما قبل عروض حالة الزبيبيّة.

[6] أي: مقتضى كون الحلية مغيّاة بالغليان، والحرمة معلّقة على الغليان هو انتهاء الحلية وابتداء الحرمة عند تحقق الغليان، «ما عُلّق» أي: الشرط - كالغليان - الذي عُلّق على ذلك الشرط الحكم المعلّق وهو الحرمة.

[7] أي: حرمة الزبيب، «المعلقة» تلك الحرمة على الغليان، «عروض حالة عليه» أي: عروض حالة الزبيبية على العنب، «حليته» حلية الزبيب.

ص: 88

لا محالة أيضاً، فيكون[1] الشك في حليته أو حرمته فعلاً[2] بعد عروضها متحداً[3] خارجاً مع الشك في بقائه على ما كان عليه من الحلية والحرمة بنحوٍ[4] كانتا عليه،

----------------------------------

والمقصود هو عدم التنافي بين الشكين، وإمكان جريان الاستصحابين.

جواب الشيخ الأعظم

[1] هذا تعريض بجواب الشيخ الأعظم، والإشكال عليه. فقد أجاب الشيخ الأعظم عن الإشكال الثاني بما حاصله:

إن الاستصحاب التعليقي أصل سببي، فهو حاكم على الاستصحاب التنجيزي؛ لأنه مسببي؛ وذلك لأن الشك في بقاء الحلية الفعلية في الزبيب مسبب عن الشك في بقاء الحرمة المعلّقة، فإذا أجرينا الاستصحاب في الحرمة المعلقة فلا تبقى حلّية فعلية، وإن لم يجر الاستصحاب في الحرمة المعلقة لم ترتفع الحلية الفعلية.

ونص عبارة الشيخ هي: (لحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الإباحة قبل الغليان)(1).

وفيه: إنه ليس هنا شكّان اثنان حتى يكون أحدهما سببياً والآخر مسببياً، بل هو شك واحد فقط؛ لأن الشك في حلية أو حرمة الزبيب يساوي الشك في بقاء حلية أو حرمة العنب؛ إذ بقاء حلية العنب معناه حلية الزبيب، وبقاء حرمة العنب بعد الغليان معناه حرمة الزبيب بعد الغليان.

[2] أي: في حلية أو حرمة العصير، «فعلاً» بعد الغليان، «عروضها» أي: عروض حالة الزبيبيّة.

[3] خبر (كان) أي: لا يوجد شكّان حتى يكون أحدهما سببياً والآخر مسببياً، بل هما شك واحد، «بقائه» أي: العصير.

[4] أي: بنفس الكيفية التي كانت الحرمة والحلية على تلك الكيفية، فالحلية

ص: 89


1- فرائد الأصول 3: 223.

فقضية[1] استصحاب حرمته المعلقة - بعد عروضها الملازم[2] لاستصحاب حليته المغياة - حرمته[3] فعلاً بعد غليانه وانتفاء حليته، فإنه[4] قضية نحو ثبوتهما، كان[5] بدليلهما أو بدليل الاستصحاب، كما لا يخفى بأدنى التفات على ذوي الألباب، فالتفت ولا تغفل[6].

----------------------------------

مطلقة مغياة، والحرمة معلّقة، «عليه» أي: على ذلك النحو.

[1] هذا نتيجة عدم تنافي الاستصحابين - استصحاب الحلية المغيّاة واستصحاب الحرمة المعلقة - . فالمصنف بعد ردّ جواب الشيخ رجع لبيان نتيجة جوابه، «حرمته» العصير، «عروضها» الحالة، «حليته» العصير.

[2] فلا تعارض بين الاستصحابين، بل بينهما ملازمة؛ لأن الحلية هي قبل الغليان، والحرمة بعده.

[3] قوله: «حرمته» خبر قوله: (فقضية...) أي: مقتضى الاستصحابين هو الحرمة الفعلية بعد تحقق الغليان وانتفاء الحلية.

[4] أي: حرمته فعلاً بعد الغليان إنما هو مقتضى كيفية ثبوت الحرمة والحلية، فالحلية في العنب كانت مغياة بالغليان، فكذلك تكون مغياة بالغليان في استصحاب الحلية في الزبيب.

والحرمة في العنب كانت معلّقة على الغليان، فكذلك تكون معلّقة على الغليان في استصحاب الحرمة في الزبيب.

[5] أي: لا فرق في كيفية ثبوت الحكم بين كونه بالدليل الاجتهادي كما في العنب، أم بالأصل العملي وهو الاستصحاب كما في الزبيب.

[6] وللمصنف تعليقة يذكر فيها جواب الشيخ عن الإشكال الثاني ويستشكل عليه، ثم يذكر إشكالاً ثالثاً على الاستصحاب التعليقي ويُجيب عنه، قال(1)

- مع توضيحه - : «فالتفت ولا تغفل» (كي لا تقول في مقام التفصي عن) الإشكال الثاني

ص: 90


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 4: 534.

----------------------------------

وهو (إشكال المعارضة) بين استصحاب الحلية المطلقة مع الحرمة المعلّقة، وقولك: (إن الشك في الحلية فعلاً) أي: منجزاً (بعد الغليان يكون مسبّباً عن الشك في الحرمة المعلقة) كما ذكر ذلك الشيخ الأعظم (فيشكل) على جوابه (بأنه لا ترتب بينهما) أي: لا اثنينية حتى يكون أحدهما سببياً والآخر مسببياً، لا (عقلاً، ولا شرعاً، بل بينهما) بين الشكّين (ملازمة) أي: اتحاد (عقلاً)، وذلك (لما عرفت من أن الشك في الحلية أو الحرمة الفعليين بعده) أي: بعد الغليان (متحد مع الشك في بقاء حرمته) أي: حرمة العنب (وحليته المعلّقة) أي: الحلية المغياة والحرمة المعلّقة، فالبقاء يعني فعلية الحكم (و أن قضية الاستصحاب) أي: مقتضى استصحاب الحلية المغياة والحرمة المعلقة هو: (حرمته) الزبيب (فعلاً) أي: منجزاً (وانتفاء حليته بعد غليانه).

ثم يشير المصنف في هذه التعليقة إلى إشكال ثالث على الاستصحاب التعليقي:

الإشكال الثالث وجوابه

يقول المصنف - في تتمة التعليقة - : (فإن حرمته كذلك) أي: فعلاً مع انتفاء الحلية (وإن كان لازماً عقلاً لحرمته المعلقة المستصحبة) وهذا هو الأصل المثبت.

وحاصل الإشكال: إن الاستصحاب التعليقي أصل مثبت؛ لأن استصحاب بقاء الحرمة المعلّقة يدل على بقاء هذه الحرمة، وهذا لا ينفعنا، بل النافع هو الحرمة الفعلية؛ ولإثبات الحرمة الفعلية لابد من واسطة عقلية؛ وذلك لأن بقاء الحرمة المعلّقة معناه حرمة الزبيب بالغليان، والواسطة هي حكم العقل بتحوّل المعلق إلى منجز فعلي إن تحقق الشرط.

وبعبارة أخرى: كلّي الحرمة المعلقة لا ينفع، بل لابد من تطبيق هذا الكلي على الجزئي، وهذا التطبيق هو بحكم العقل.

ص: 91

السادس[1]:

----------------------------------

والجواب: إن اللازم على قسمين:

1- لازم الشيء بوجوده الواقعي، كضدية الصلاة للنوم، فإن الوجود الواقعي للصلاة يضادّ النوم.

2- لازم الشيء بمطلق وجوده - حتى الظاهري منه - مثل: وجوب المقدمة عقلاً فإنها لازم لوجوب الشيء حتى ظاهراً، والأصل المثبت هو القسم الأول دون القسم الثاني - كما سيأتي في التنبيه الثامن - .

وما نحن فيه هو من القسم الثاني، فإن المعلق يتحول إلى منجزّ حتى لو كان دليل التنجيز أمراً ظاهرياً، فيقول المصنف في تكملة تعليقته: (إلاّ أنه) أي: هذا اللازم العقلي (لازم لها) أي: للحرمة المعلّقة المستصحبة، حتى لو (كان ثبوتها) تلك الحرمة (بخصوص خطاب) أي: دليل اجتهادي ظاهري (أو عموم دليل الاستصحاب) وهو أيضاً دليل ظاهري. ثم قال المصنف: (فافهم) ولعله إشارة إلى جواب ثانٍ وهو أنه لا لازم عقلي هنا، بل الكبرى - وهي حرمة الزبيب بالغليان - قد وصلتنا بالاستصحاب، والصغرى - وهي الغليان خارجاً - قد ثبتت بالوجدان، فإذا غلى الزبيب وعلمنا به بالوجدان ترتب الحكم، وهو الحرمة قهراً بلا واسطة.

التنبيه السادس: استصحاب أحكام الشرائع السابقة
اشارة

[1] لو فرض ثبوت حكم في الشرائع السابقة على الإسلام، وشككنا في نسخ ذلك الحكم في شريعتنا، فهل يجري الاستصحاب أم لا؟

مثلاً: هل يجوز نكاح المرأة المرددة بين اثنتين ثم تعيينها بعد العقد أم لا يجوز؟

دل قوله تعالى: {قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ}(1) على أن شعيب

ص: 92


1- سورة القصص، الآية: 27.

----------------------------------

أنكح إحدى بنتيه لموسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وكان الإنكاح بنفس هذه العبارة - على ما قيل(1) - .

وكذا ضمان ما لم يجب ثبت في شريعة يوسف عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في قوله تعالى: {وَلِمَن جَآءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِيرٖ وَأَنَا بِهِۦ زَعِيمٞ}(2) - على ما قيل(3)

في معنى الآية - .

فهل يستصحب هذان الحكمان وأمثالهما إلى شريعتنا؟ والأقوى جريان الاستصحاب؛ وذلك لثبوت المقتضي وعدم المانع.

أما المقتضي للاستصحاب: فهو عموم أدلة الاستصحاب وعدم تقييدها.

وأما المانع فهو أحد أمرين، وكلاهما محل إشكال:

الأول: عدم اليقين السابق؛ لأن تلك الأحكام كانت ثابتة لأهل تلك الشريعة، ولم يعلم شمولها لنا، وإذا انتفى اليقين السابق انتفى الشك في البقاء أيضاً؛ لأن البقاء فرع الثبوت، وقد اختلّ بذلك كلا ركني الاستصحاب.

وفيه: إن أحكام الشرائع إنما هي على نحو القضية الحقيقية، فتشمل الأفراد المعاصرين لنزول الشريعة، وكل الأفراد اللاحقين ما لم ينسخ الحكم، فلمّا نزلت الشرائع السابقة شملتنا بالقطع واليقين، والشك الآن في النسخ.

الثاني: عدم الشك اللاحق؛ وذلك لعلمنا بنسخ الشرائع السابقة كلها، وما كان من أحكام مشتركة مع الشرائع السابقة - كحرمة السرقة مثلاً - فإنما هو بتشريع جديد.

وفيه: إن الثابت هو نسخ بعض الأحكام لا جميعها، بل بعض الأحكام هي مشتركات كل الشرائع.

إن قلت: مع علمنا إجمالاً بنسخ بعض الأحكام دون بعض لا يمكننا إجراء

ص: 93


1- زبدة البيان في أحكام القرآن: 463.
2- سورة يوسف، الآية: 72.
3- المبسوط 2: 322.

لا فرق أيضاً[1] بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة إذا شك في بقائه وارتفاعه[2] بنسخه في هذه الشريعة، لعموم[3] أدلة الاستصحاب، وفساد[4] توهم اختلال أركانه في ما كان المتيقن من أحكام الشريعة السابقة لا محالة. إما لعدم[5] اليقين بثبوتها في حقهم وإن علم بثبوتها سابقاً في حق آخرين، فلا شك[6]

----------------------------------

الاستصحاب؛ إذ لا يجري في أطراف العلم الإجمالي.

قلت: هذا العلم الإجمالي منحل؛ لأن المقدار المعلوم معروف، وأحكام هذه الشريعة أكثرها معلومة، فينحل العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي، فيجري حينئذٍ الاستصحاب في الموارد المشكوكة.

[1] أي: كما لا فرق بين الاستصحاب التعليقي والتنجيزي - وقد ذكرنا تفصيله في التنبيه الخامس - .

[2] أي: بقاء وارتفاع الحكم المتيقن، «بنسخه» متعلق ب- «ارتفاعه» أي: الارتفاع بالنسخ، «في هذه...» متعلق ب- «بقائه وارتفاعه».

[3] تعليل قوله: (لا فرق...) وهذا بيان وجود المقتضي للاستصحاب.

[4] أي: ولفساد التوهم، وهذا بيان عدم وجود المانع من الاستصحاب، «أركانه» أركان الاستصحاب من اليقين السابق أو الشك اللاحق.

[5] بيان للمانع الأول المتوهم، «بثبوتها» أي: أحكام الشريعة السابقة، «حقهم» حق أصحاب الشريعة اللاحقة، «حق آخرين» وهم المعاصرون لتلك الشريعة السابقة.

[6] أي: إذا لم يكن يقين سابق فلا يوجد شك في البقاء؛ لأن البقاء إنما هو في شيء موجود، فإذا لم يكن موجوداً فلا بقاء قطعاً. نعم، قد نشك في ثبوت حكم مماثل، وهذا شك بدوي لا ارتباط له بالاستصحاب، «بقائها» تلك الأحكام، «أيضاً» كما لا يقين بها، «ثبوت مثلها» أي: نشك في أن الشارع هل شرع لنا حكماً جديداً يشابه تلك الأحكام أم لا؟

ص: 94

في بقائها أيضاً، بل في ثبوت مثلها، كما لا يخفى. وإما لليقين[1] بارتفاعها بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة، فلا شك في بقائها حينئذٍ، ولو سلم اليقين بثبوتها في حقهم.

وذلك[2] لأن الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث[3] كان ثابتاً لأفراد المكلف، كانت محققة وجوداً أو مقدرة[4] - كما هو قضية القضايا المتعارفة المتداولة[5]، وهي قضايا حقيقية -، لا خصوص الأفراد الخارجية - كما هو قضية

----------------------------------

[1] بيان للمانع الثاني المتوهم، «بارتفاعها» أحكام الشريعة السابقة، «حينئذٍ» حين النسخ، «حقهم» أي: حق أصحاب الشريعة الجديدة.

[2] هذا جواب عن المانع الأول.

وحاصله أن القضايا على ثلاثة أقسام:

1- قضايا خارجية: ترتبط بالأفراد الموجودين، كالأمر بالجهاد في غزوة بدر.

2- قضايا طبيعية: ترتبط بالكلي، كقولنا الإنسان حيوان ناطق.

3- قضايا حقيقيّة: ترتبط بالأفراد، سواء كانوا موجودين في وقت الخطاب أم الذين سيوجدون في المستقبل.

وظاهر الأوامر الشرعية أنها على نحو القضايا الحقيقية، فلذا تشملنا كما تشمل المعاصرين لنزول الوحي، وهكذا الشرائع السابقة أحكامها بنحو القضايا الحقيقية، فحين تشريعها شملت كل الناس، سواء الموجودين وقت الخطاب أم الذين سيوجدون. إذن شملنا ذلك الخطاب حين صدوره بالقطع واليقين، والآن نشك في نسخه في هذه الشريعة، فتمّت أركان الاستصحاب.

[3] جزاء حيث سيأتي بعد أسطر في (كان الحكم في الشريعة السابقة... الخ).

[4] أي: سواء كانوا موجودين وقت الخطاب، أم سيوجدون بعد ذلك.

[5] لذا تحمل جميع الأحكام على أنها قضايا حقيقية، إلاّ إذا دلّ الدليل على أنها قضية خارجيّة.

ص: 95

القضايا الخارجية -، وإلاّ [1] لما صح الاستصحاب في الأحكام الثابتة في هذه الشريعة، ولا النسخ[2] بالنسبة إلى غير الموجود في زمان ثبوتها، كان الحكم[3] في الشريعة السابقة ثابتاً لعامة أفراد المكلف ممن وجد أو يوجد، وكان الشك[4] فيه كالشك في بقاء الحكم الثابت في هذه الشريعة لغير من وجد في زمان ثبوته[5].

والشريعة السابقة[6]

----------------------------------

[1] أي: لو كانت الأحكام قضايا خارجية لم يصح الاستصحاب حتى في أحكام هذه الشريعة؛ وذلك لعدم وجودنا حين صدور الخطاب.

ولكن حيث إن الأحكام الشرعية قضايا حقيقية صحّ لنا الاستصحاب في أحكام هذه الشريعة، كاستصحاب وجوب صلاة الجمعة في عهد الغيبة، وهكذا في استصحاب أحكام الشرائع السابقة؛ لأنها قضايا حقيقية.

[2] أي: ولا صح نسخ الشريعة اللاحقة للشريعة السابقة؛ لأن النسخ فرع ثبوت الحكم في حق اللاحقين، فإذا كان الحكم قضية خارجية لم تشمل بالأساس اللاحقين حتى تنسخ، مثلاً: الأمر بذبح البقرة كان قضية خارجية، فلا تشمل الأجيال اللاحقة، فلا يصح أن نقول: إن شريعتنا نسخت الأمر بذبح تلك البقرة، «غير الموجود» أي: الأجيال اللاحقة، «ثبوتها» ثبوت أحكام الشريعة السابقة.

[3] هذا جزاء قوله قبل أسطر: (حيث كان ثابتاً لأفراد... الخ) أي: حيث كانت الأحكام في الشريعة السابقة على نحو القضية الحقيقية كان الحكم في الشريعة السابقة شاملاً أيضاً للأفراد الذين سيوجدون في الشريعة اللاحقة.

[4] أي: كما أن أحكام هذه الشريعة عامة تشمل الأجيال اللاحقة، فإذا شكّوا في استمرار حكم استصحبوه، كذلك أحكام الشريعة السابقة عامة تشمل هؤلاء، فإذا شكّوا في بقاء حكم استصحبوه، «فيه» في الحكم في الشريعة السابقة.

[5] أي: في زمان التشريع حيث شُرّع الحكم.

[6] هذا جواب عن المانع الثاني، وحاصله: إن نسخ الشريعة السابقة ليس بمعنى

ص: 96

وإن كانت منسوخة بهذه الشريعة يقيناً، إلاّ أنه[1] لا يوجب اليقين بارتفاع أحكامها بتمامها، ضرورة أن قضية نسخ الشريعة ليس ارتفاعها كذلك، بل عدم بقائها بتمامها[2].

والعلم إجمالاً[3]

----------------------------------

ارتفاع تمام أحكامها، بل بمعنى ارتفاع بعض أحكامها، فلا يصح أن نقول: إن حرمة السرقة والقتل قد نسخ في هذه الشريعة، وشُرّعت حرمة جديدة للسرقة والقتل!!

ولا يخفى أن الدين واحد وهو الإسلام، كما قال تعالى: {إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ}(1)، والشرائع متعددة مع اشتراكها في ثلاثة أمور:

1- العقائد: فلا نسخ ولا تبديل لأية عقيدة، بل الكل كانوا على التوحيد، وعلى الاعتراف بالأنبياء والأوصياء والمعاد.

2- الأخلاق: فلا نسخ في الفضائل ولا في الرذائل.

3- الأحكام: وأصول الأحكام واحدة، ولكن النسخ والتغيير إنما هو في التفاصيل مع إضافة بعض الأحكام.

إذن، فالشرائع مشتركة في أكثر الأمور بلا نسخ إلاّ في بعض الأحكام وتفاصيلها.

[1] «أنه» النسخ، «كذلك» بتمامها.

[2] أي: لا تبقى كلها، بل الباقي بعضها.

[3] إشكال على هذا الجواب، وحاصله: إن نسخ بعض الأحكام وعدم نسخ بعضها سبب وجود علم إجمالي، ولا تجري الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي كما مرّ سابقاً.

ص: 97


1- سورة آل عمران، الآية: 19.

بارتفاع بعضها إنما يمنع[1] عن استصحاب ما شك في بقائه منها[2] في ما إذا كان من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالاً، لا في ما إذا لم يكن من أطرافه[3]، كما[4] إذا علم بمقداره تفصيلاً[5] أو في موارد[6] ليس المشكوك منها، وقد علم[7] بارتفاع ما في موارد الأحكام الثابتة في هذه الشريعة.

----------------------------------

فلو علمنا بطهارة إناء ثم سقطت قطرة دم مرددة على هذا الإناء أو على الإناء الآخر، فإنه لا يجري استصحاب طهارة ذلك الإناء، بل يجب الاحتياط من كلا الإناءين بمقتضى العلم الإجمالي.

[1] جواب عن هذا الإشكال، وحاصله: إن العلم الإجمالي منحل إلى علم تفصيلي بوجود موارد النسخ في الأحكام المعلومة في هذه الشريعة، وإلى شك بدوي، وإذا انحل العلم الإجمالي جرت الأصول العملية.

[2] «ما» أي: حكم، «شك في بقائه» بقاء ذلك الحكم، «منها» من الشريعة السابقة، «علم ارتفاعه» أي: نسخه.

[3] بانحلال العلم الإجمالي.

[4] بيان للانحلال وعدم كونه من أطرافه، وتوضيحه: إنا نعلم بنسخ مقدار معين من الأحكام، وقد عرفنا هذا الموارد إما معرفة تفصيلية بأنها من موارد النسخ، وإما معرفة إجمالية بأن نعلم أحكام هذه الشريعة، ونعلم أن موارد النسخ في ضمنها، فلا علم لنا بوجود أحكام منسوخة في موارد الشك.

[5] أي: بمقدار ما علم نسخه، «تفصيلاً» فينحل العلم الإجمالي كاملاً.

[6] أي: انحلال العلم الإجمالي الكبير إلى علم إجمالي صغير، ولم يكن المشكوك من موارد العلم الإجمالي الصغير.

[7] أي: كل حكم من أحكام هذه الشريعة ناسخ لما ينافيه من أحكام الشريعة السابقة.

وقد علمنا بوجود الأحكام المنسوخة في ضمن الأحكام التي نعلمها من هذه

ص: 98

ثم لا يخفى[1] أنه يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلامة - أعلى الله في الجنان مقامه - في الذب عن إشكال[2] تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلى

----------------------------------

الشريعة، ولا علم لنا بوجود نسخ في ما سوى الأحكام المعلومة، فتكون موارد الشك في الحكم خارجة عن أطراف العلم الإجمالي.

جوابان للشيخ الأعظم عن المانع الأول

[1] أجاب الشيخ الأعظم عن المانع الأول - وهو توهم عدم اليقين السابق - بوجهين:

الأول: جريان الاستصحاب لمن أدرك الشريعتين، فيجري الاستصحاب في حق غيره أيضاً، للاشتراك في التكليف.

الثاني: قال: (إن المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه)(1)

وهذا الكلام ظاهر في أنه أراد ما ذكره المصنف من أن الأحكام الشرعية هي قضايا حقيقية لأن (الجماعة) هم الأفراد و(لا مدخل للأشخاص) يعني به الموجودين في زمان الخطاب.

وليس مراد الشيخ الأعظم أن الخطاب متوجه إلى الكلي على نحو القضية الطبيعية، فإن توجه الخطاب إلى الكلي:

1- إن كان في الأمور الوضعية فلا محذور فيه، بل هو واقع إثباتاً أيضاً كما في الزكاة، فإن المالك فيها هو كلي الفقير، وكذا في الأوقاف العامة التي عُيّن فيها المنتفعون كالطلاب مثلاً.

2- وإن كان في الأحكام التكليفية فهذا غير معقول؛ لأن الغرض من الخطاب هو البعث والزجر، ولا معنى لهما في الكلي، بل البعث والزجر للأفراد.

[2] مقصوده في دفع الإشكال، «تغاير الموضوع» أي: عدم اليقين السابق لنا؛

ص: 99


1- فرائد الأصول 3: 226.

ما ذكرنا[1]، لا ما يوهمه ظاهر كلامه، من: «أن الحكم ثابت للكلي، كما أن الملكية له في مثل باب الزكاة والوقف العام، حيث لا مدخل للأشخاص فيها»، ضرورة[2] أن التكليف والبعث أو الزجر لا يكاد يتعلق به كذلك، بل لابد من تعلقه[3] بالأشخاص، وكذلك الثواب أو العقاب المترتب على الطاعة أو المعصية، وكأنّ غرضه من عدم دخل الأشخاص عدم أشخاص خاصة[4]، فافهم[5].

وأما ما أفاده من الوجه الأول[6]، فهو وإن كان وجيهاً بالنسبة إلى جريان

----------------------------------

لأن المكلفين كانوا أُناساً معاصرين للشريعة السابقة، وأصحاب هذه الشريعة لم يكونوا مكلفين، فتغاير الموضوع في القضية المتيقنة عن الموضوع في القضية المشكوكة.

[1] من أن الحكم بنحو القضية الحقيقية، «يوهمه ظاهر كلامه» من أنه بنحو القضية الطبيعية.

[2] أي: إن ما يوهمه ظاهر كلامه لا يمكن أن يكون مراده؛ إذ التكليف لا يتوجه إلى الكلي حتماً، «به» أي: بالكلي، «كذلك» من غير مدخلية الأشخاص.

ثم إن المصنف بين عدم إمكان تعلق الحكم بالكلي، سواء في مبادئ الحكم - أي: البعث أو الزجر - أم في نتيجة الحكم - وهي الثواب أو العقاب - .

[3] أي: تعلّق التكليف.

[4] أي: المعاصرين للشريعة السابقة.

[5] لعله إشارة إلى إمكان تعلق التكليف بالكلي؛ لأن الكلي الطبيعي لا يوجد إلاّ بوجود أفراده، فالقضية الطبيعية هنا مرجعها إلى القضية الحقيقية، فيصح بعث أو زجر الكلي، ولكن باعتبار وجوده في ضمن الأفراد.

[6] قال الشيخ الأعظم: (أولاً: إنا نفرض الشخص الواحد مُدركاً للشريعتين، فإذا حرم في حقه شيء سابقاً، وشك في بقاء الحرمة في الشريعة اللاحقة، فلا مانع

ص: 100

الاستصحاب في حق خصوص المدرك للشريعتين، إلاّ أنه غير مجدٍ[1] في حق غيره من المعدومين[2]. ولا يكاد يتم[3] الحكم فيهم، بضرورة اشتراك أهل الشريعة الواحدة أيضاً، ضرورة أن قضية الاشتراك ليس إلاّ أن الاستصحاب حكم كل من كان على يقين فشك، لا أنه حكم الكل ولو من لم يكن كذلك[4] بلا شك، وهذا واضح.

----------------------------------

عن الاستصحاب أصلاً)(1)،

انتهى. وبضميمة الاشتراك في التكليف يثبت الحكم للأجيال القادمة الذين لم يدركوا الشريعة السابقة.

[1] بيان الإشكال على هذا الوجه، وحاصله: إن الاشتراك في التكليف معناه أن الحكم ثابت للجميع لو تحققت شرائطه وارتفعت موانعه.

وفي ما نحن فيه يقال: إنّ الجميع مشترك في حجية الاستصحاب، ولكن إذا تحقق اليقين السابق والشك اللاحق، فالمدرك للشريعتين تحققت عنده أركان الاستصحاب فلذا عليه إجراؤه، لكن غيره من الأجيال اللاحقة لا يقين سابق لديهم، فلم تتم عندهم أركان الاستصحاب، فلا يجري.

إذن، فلا ينفعنا هذا الوجه، بل لابد من إثبات وجود يقين سابق؛ وذلك بالجواب السابق - وهو أن التكاليف على نحو القضية الحقيقية - .

[2] أي: غير المدرك للشريعتين من الذين لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت.

[3] دفع إشكال مقدر، وحاصله: إن مقتضى الاشتراك في التكاليف ثبوت تكاليف السابقين على اللاحقين من أهل شريعة واحدة، «ضرورة» بيان دفع الإشكال.

[4] أي: لم يكن على يقين فشك، «بلا شك» أي: بلا ريب لا يثبت الاستصحاب فيمن لم يكن له يقين، بل كل واحد يعمل حسب تكليفه، فمن علم بنجاسة فرش ثم شك فعليه استصحاب النجاسة، ومن كان شاكاً من الأول في النجاسة جرت في حقه أصالة الطهارة.

ص: 101


1- فرائد الأصول 3: 225.

السابع[1]:

----------------------------------

التنبيه السابع: الأصل المثبت
اشارة

[1] لا شك في ثبوت الآثار الشرعية للمستصحب - الذي كان على يقين منه سابقاً - فلو استصحب نجاسة الثوب ترتب أثره الشرعي، وهو عدم صحة الصلاة فيه - مثلاً - .

إنما الكلام في ثبوت اللوازم غير الشرعية - سواء كانت عادية أم عقلية - وكذا الآثار الشرعية لهذه اللوازم.

مثلاً: لازم بقاء الصبي حياً هو بلوغه، والبلوغ أمر تكويني، فهل يثبت باستصحاب حياة هذا الصبي بلوغه؟ وكذا لو كان للبلوغ آثار شرعية فهل تثبت هذه الآثار باستصحاب الحياة؟ وهذا يعبر عنه بالأصل المثبت.

وحيث إنّ غالب المتقدمين على الشيخ الأعظم كانوا يرون ثبوت هذه اللوازم وآثارها لذلك سموه بالأصل المثبت.

والمتأخرون عن الشيخ الأعظم لا يرون حجية الأصل المثبت، ويذهبون إلى أن هذا الأصل لا يُثبت لوازمه غير الشرعية، ولا آثار هذه اللوازم، ولكنه بقيت التسمية بالأصل المثبت؛ لأنها صارت اصطلاحاً.

والتنبيهات: السابع والثامن والتاسع تكفلت لبيان تفاصيل الأصل المثبت.

في بداية البحث يتطرق المصنف إلى أمرين:

الأول: إن معنى (لا تنقض اليقين بالشك) هو جعل حكم ظاهري، وهو مماثل للحكم الواقعي، وليس معناه جعل العلم وهو اعتبار الشاك عالماً، ولا جعل العمل، وهو إلزام الشاك بترتيب الآثار المترتبة على اليقين عملاً.

الثاني: إن هذا الحكم الظاهري له آثار - عقلية وشرعية - وتترتب تلك الآثار على هذا الحكم المجعول.

ص: 102

لا شبهة في أن قضية أخبار الباب هو[1] إنشاء حكم مماثل للمستصحب في استصحاب الأحكام، ولأحكامه[2] في استصحاب الموضوعات، كما لا شبهة[3] في ترتيب ما للحكم المنشأ بالاستصحاب من الآثار الشرعية والعقلية.

----------------------------------

وحاصل هذين الأمرين هو: إن الأثر إن كان للمستصحب فيجري فيه بحث الأصل المثبت، وأما إن كان الأثر للحكم - ظاهرياً كان أم واقعياً - فلا معنى لبحث الأصل المثبت؛ لأن آثار الحكم تترتب عليه.

مثلاً: لو استصحبنا النجاسة فهنا أثران:

1- أثر النجاسة - وهي المستصحب - فهنا يجري بحث الأصل المثبت.

2- أثر حكم الشارع - كوجوب الطاعة واستحقاق العقاب بالمخالفة - ولا معنى لعدم ترتب الأثر العقلي هنا.

[1] هذا الأمر الأول، فإن كان المستصحب حكماً شرعياً فقد جعل الشارع - بالاستصحاب - حكماً ظاهرياً يماثله، كاستصحاب وجوب الجمعة في عصر الغيبة، فقد جعل الشارع بالاستصحاب حكماً ظاهرياً بوجوبها.

وإن كان المستصحب موضوعاً له حكم فقد جعل الشارع بالاستصحاب نظير ذلك الحكم للموضوع المستصحب، كاستصحاب حياة زيد، فقد جعل الشارع أحكام النفقة ونحوهما بحكم ظاهري للحياة المستصحبة.

[2] أي: لأحكام المستصحب.

[3] هذا الأمر الثاني، فإن آثار الحكم غير مرتبطة بالأصل المثبت، بل الكلام في آثار المستصحب.

ومن آثار الحكم وجوب الطاعة - وهو أثر عقلي وأمر الشارع بالإطاعة إرشادي كما مرّ سابقاً - ومن آثار الحكم تحقق الفسق بالمخالفة أو بالإصرار عليها، وهو أثر شرعي.

ص: 103

وإنما الإشكال[1] في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على المستصحب بواسطة غير شرعية، عادية كانت أو عقلية[2]. ومنشؤه[3]

----------------------------------

وسيأتي تحقيق هذا الأمر في التنبيه التاسع.

[1] لا إشكال في ترتب الآثار الشرعية للمستصحب؛ إذ عدم اعتباره يستلزم لغوية حجية الاستصحاب؛ إذ لا معنى لاعتبار الشارع شيئاً من غير ترتيب أي أثر عليه. إنما الإشكال - في الأصل المثبت - هو ترتيب الآثار الشرعية إذا كانت أثراً للاّزم العقلي أو العادي.

مثلاً: استصحاب الحياة لازمه العقلي البلوغ، وأثر البلوغ هو انتهاء ولاية الأب والجد، وانتقال الولاية إلى الحاكم الشرعي الذي هو وليّ الغائب. كما أن لازمه العادي هو نمو الجسم، وأثر النمو الصدقة - بنذر مثلاً - .

[2] الواسطة العادية: هي ما يترتب على الشيء بنحو القضية الاتفاقية، لكن هذا الاتفاق موجود في كل المصاديق أو أغلبها بحيث يلحق غيره بالمعدوم، مثل: إنبات اللحية في الرجال.

والواسطة العقلية: هي ما كان ترتبها على الشيء بنحو اللازم أو الملزوم أو الملازم بحيث يكون أحدها سبباً للآخر - مثلاً - .

[3] أي: منشأ الإشكال هو مدى دلالة الأخبار، فالمشكلة في مرحلة الإثبات. خلافاً للشيخ في الرسائل(1) حيث جعل منشأ الإشكال عدم إمكان حجية الأصل المثبت، فيكون الإشكال في مرحلة الثبوت.

وخلاصة كلام الشيخ: هو عدم إمكان جعل الأمر التكويني بالاعتبار الشرعي، فالاعتبار لا يكون سبباً للتكوين.

وفيه: إن القائلين بحجية الأصل المثبت لا يقولون: إنّ الشارع يجعل تكويناً الواسطة العادية أو العقلية، بل يقولون: إنّه يجعل الحكم الشرعي المترتب على

ص: 104


1- فرائد الأصول 3: 233.

أن مفاد الأخبار هل هو تنزيل[1] المستصحب والتعبد به[2] وحده بلحاظ[3] خصوص ما له من الأثر بلا واسطة، أو تنزيله[4] بلوازمه العقلية أو العادية كما هو الحال[5] في تنزيل مؤديات الطرق والأمارات، أو بلحاظ[6] مطلق ما له من الأثر

----------------------------------

تلك الواسطة.

وحاصل كلام المصنف: هو عدم المحذور الثبوتي لحجية الأصل المثبت، فاللازم ملاحظة مدى دلالة الأخبار، وفيها ثلاثة احتمالات:

1- فهل تدل الأخبار على تنزيل المستصحب منزلة الواقع بلحاظ خصوص الأثر الشرعي بلا واسطة؟

2- أم تدل على تنزيل المستصحب مع تنزيل لوازمه العقلية أو العادية.

3- أم تدل على تنزيل المستصحب بلحاظ مطلق الآثار ولو بالواسطة.

[1] هذا هو الاحتمال الأول، والمراد تنزيله منزلة الواقع اعتباراً.

[2] عطف تفسيري على قوله: «تنزيل المستصحب»، وقيد «وحده» مقابل الاحتمال الثاني، حيث فيه تنزيلان: تنزيل المستصحب، وتنزيل اللوازم.

[3] إنما لزم هذا اللحاظ لأن التنزيل مع قطع النظر عن الأثر يكون لغواً، فأيّ فائدة باعتبار شيء من غير أن يكون له أثر؟ «ما» موصولة وبيانها في قوله: «من الأثر»، «له» للمستصحب.

[4] أي: تنزيل المستصحب مع تنزيل لوازمه، وهذا هو الاحتمال الثاني.

[5] سيأتي البحث في أن دليل حجية الطرق والأمارات هل هو تنزيل مؤداها منزلة الواقع فقط، أم تنزيل مؤداها وتنزيل لوازم المؤدّى منزلة الواقع؟

[6] هذا هو الاحتمال الثالث. والمعنى: تنزيل المستصحب منزلة الواقع بلحاظ مطلق الآثار حتى وإن كانت بواسطة عادية أم عقلية.

والفرق بين الاحتمال الثاني والثالث هو أنّ في الثاني تنزيلين، تنزيل المستصحب

ص: 105

ولو بالواسطة بناءً[1] على صحة التنزيل بلحاظ أثر الواسطة أيضا، لأجل أن أثر الأثر أثر؟ وذلك[2]

----------------------------------

وتنزيل اللوازم، وفي الثالث تنزيل واحد بلحاظ أثره الشرعي ولو مع الواسطة.

[1] أي: الاحتمال الثالث إنما يصح لو قلنا بصحة تنزيل الشيء منزلة الواقع بلحاظ آثار لازمه العقلي أو العادي؛ وذلك لأن أثر الأثر أثر، فالإحراق إذا كان أثراً للحرارة، وكانت الحرارة أثراً للنار، فإن الإحراق أثر للنار قطعاً ولكن بواسطة الحرارة - مثلاً - .

ولكن في صحة هذا التنزيل نظر، قال المصنف في التعليقة: (ولكن الوجه عدم صحة التنزيل بهذا اللحاظ، ضرورة أنه ما يكون شرعاً لشيء من الأثر لا دخل له بما يستلزمه عقلاً أو عادة. وحديث أثر الأثر أثر، وإن كان صادقاً، إلاّ أنه إذا لم يكن الترتب بين الشيء وأثره، وبينه وبين مؤثره مختلفاً؛ وذلك ضرورة أنه لا يكاد يعد الأثر الشرعي لشيء أثراً شرعياً لما يستلزمه عقلاً أو عادة أصلاً - لا بالنظر الدقيق العقلي ولا النظر المسامحي العرفي - إلاّ في ما عدّ أثر الواسطة أثراً لذيها، لخفائها، أو لشدة وضوح الملازمة بينهما، بحيث عدّا شيئاً واحداً ذا وجهين، وأثر أحدهما أثر الاثنين كما يأتي الإشارة إليه، فافهم)(1)،

انتهى.

[2] هذا بيان ثمرة هذه الاحتمالات الثلاثة، وحاصله:

1- إنه على الاحتمال الأول لا يكون الأصل المثبت حجة؛ لأن الواسطة غير الشرعية لم تثبت، لا وجداناً للشك فيها، ولا تعبداً لفرض أن مقدار دلالة دليل الاستصحاب هو تنزيل المستصحب منزلة الواقع فقط.

2- وإنه على الاحتمال الثاني يكون الأصل المثبت حجة؛ وذلك لأنه ثبتت الواسطة غير الشرعية؛ لأن المفروض دلالة الدليل على تنزيل الواسطة منزلة الواقع أيضاً، وبثبوتها تترتب آثارها؛ لأن موضوعها ثابت تعبداً.

ص: 106


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 4: 548.

لأن مفادها[1] لو كان هو تنزيل الشيء وحده بلحاظ أثر نفسه[2] لم يترتب عليه ما كان مترتباً عليها، لعدم إحرازها[3] حقيقةً ولا تعبداً، ولا يكون تنزيله بلحاظه[4]، بخلاف[5] ما لو كان تنزيله بلوازمه أو بلحاظ ما يعم آثارها، فإنه[6] يترتب باستصحابه ما كان بوساطتها.

والتحقيق[7]:

----------------------------------

3- وإنه على الاحتمال الثالث أيضاً يكون الأصل المثبت حجة؛ وذلك لدلالة دليل الاستصحاب على ثبوت جميع الآثار ولو كانت مع الواسطة.

[1] أي: مفاد الأخبار، بمعنى مقدار دلالتها.

[2] كما كان في الاحتمال الأول، «عليه» على الشيء المشكوك، «عليها» أي: على لوازمه؛ إذ لم يوجد تعبّد ولا وجدان بثبوت اللوازم فكيف يرتب آثار اللوازم؟

[3] أي: اللوازم، «حقيقةً» أي: لا بالوجدان، «ولا تعبداً» لعدم دلالة دليل الاستصحاب على ثبوت اللوازم، ولا دليل آخر.

[4] أي: بناءً على الاحتمال الأول لا يكون تنزيل الشيء المشكوك بلحاظ أثر الواسطة.

[5] أي: في الاحتمال الثاني والثالث يكون الأصل المثبت حجة وأثر الواسطة أيضاً، «تنزيله بلوازمه» كما هو الاحتمال الثاني، «أو بلحاظ ما يعم آثارها» كما هو الاحتمال الثالث، «آثارها» آثار اللوازم.

[6] للشأن، «باستصحابه» أي: الشيء المشكوك، «بوساطتها» أي: بواسطة اللوازم.

المختار عدم حجية الأصل المثبت

[7] المختار هو عدم حجية الأصل المثبت؛ وذلك لعدم دليل عليه، فإن مفاد

ص: 107

أن الأخبار إنما تدل على التعبد بما كان على يقين منه[1] فشك، بلحاظ[2] ما لنفسه من آثاره وأحكامه، ولا دلالة لها بوجه[3] على تنزيله بلوازمه التي لا تكون كذلك - كما هي محل ثمرة الخلاف[4] - ولا على تنزيله[5] بلحاظ ما له مطلقاً ولو بالواسطة،

----------------------------------

الأخبار هو (لا تنقض اليقين بالشك) فلابد من كون الشيء متيقناً حتى تترتب آثاره، والواسطة العقلية والعادية لم تكن متيقنة فلا يشملها (لا تنقض اليقين)، فلا تترتب آثارها الشرعية.

وبعبارة أخرى: إنما يجري الاستصحاب إذا كان على يقين، ولكن لم يكن على يقين من الواسطة، فعدم ترتيب أثرها ليس نقضاً لليقين، وليس لنا دليل آخر يُعبّدنا بترتيب آثار الواسطة.

نعم، لو كنّا على يقين من الواسطة نفسها فنجري استصحابها بنفسها، ويترتب عليها أثرها الشرعي، ولا وجه لاستصحاب ملزومها لتترتب عليه الواسطة.

[1] ولم يكن يقين بالواسطة فلا يشملها مفاد الأخبار.

[2] أي: التعبد هو بلحاظ آثارها بنفسها؛ لأن التعبد بالبقاء من دون ترتيب أيّ أثر لغو.

[3] هذا رد للاحتمال الثاني، أي: لا دلالة للأخبار بأيّ وجه من الوجوه، «تنزيله» أي: المستصحب المشكوك منزلة المتيقن، «بلوازمه» أي: مع لوازمه العقلية العادية، «التي لا تكون كذلك» أي: التي لم يكن على يقين منها.

[4] أي: الخلاف في الأصل المثبت؛ لأن اللوازم إن كانت متيقنة بنفسها سابقاً جرى استصحابها بنفسها، وترتب عليها آثارها، ولم يكن ذلك من الأصل المثبت، كما لو تيقن بالعلة، فلو شك فإنه كما يمكنه استصحاب العلة كذلك يمكنه استصحاب المعلول.

[5] هذا ردّ للاحتمال الثالث، أي: لا دلالة للأخبار على تنزيل المستصحب المشكوك منزلة الواقع بلحاظ كل الآثار، ولو كانت تلك الآثار بالواسطة.

ص: 108

فإن المتيقن[1] إنما هو لحاظ آثار نفسه[2]، وأما آثار لوازمه فلا دلالة[3] هناك على لحاظها أصلاً، وما لم يثبت لحاظها بوجه[4] أيضاً لما كان وجه لترتيبها عليه باستصحابه، كما لا يخفى.

نعم[5]،

----------------------------------

[1] أي: القدر المتيقن من الحديث، والمقصود أنه لا يوجد إطلاق - من جهة الآثار - في قوله: (لا تنقض اليقين بالشك)، بل الإطلاق إنما هو في (اليقين) فكل يقين لا يجوز نقضه بالشك، ولكن الدليل مجمل أو مهمل من حيث (الآثار)، لأن كلمة الآثار لم ترد في النص حتى نتمسك بإطلاقها لنقول: إنها تشمل كل الآثار حتى لو كانت بواسطة، فلابد من التمسك بالقدر المتيقن من الآثار؛ وذلك لكي لا يكون الاستصحاب لغواً - إذ لا معنى للاستصحاب من غير ترتيب أي أثر - والقدر المتيقن هو خصوص الآثار الشرعية بلا واسطة.

[2] أي: آثار نفس المستصحب.

[3] لأن الأخبار مجملة أو مهملة من حيث الآثار، فلا دلالة لها على لحاظ آثار الواسطة.

[4] أي: إن لم يقم دليل على لحاظ آثار اللوازم، «بوجه» أي: بأي وجهٍ من الوجوه، «أيضاً» كما لوحظ آثار المستصحب نفسه، «لما كان وجه» أي: مبرّر، «لترتيبها» أي: آثار اللوازم، «عليه» أي: على المستصحب، «باستصحابه» أي: المشكوك المستصحب.

صورتان لحجية الأصل المثبت
الصورة الأولى

[5] هنا صورتان يمكن القول بحجية الأصل المثبت فيهما:

الأولى: إذا كانت الواسطة خفيّة، بحيث يكون عدم ترتيب آثار الواسطة نقضاً

ص: 109

لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوباً[1] بنظر العرف من آثار نفسه، لخفاء ما بوساطته[2]، بدعوى[3] أن مفاد الأخبار عرفاً ما يعمه أيضاً حقيقةً، فافهم[4].

كما لا يبعد[5]

----------------------------------

لليقين عرفاً.

مثلاً: لو كان الثوب رطباً ثم شك في جفافه، فلاقى نجاسةً يابسة، فإن استصحاب الرطوبة يجري فيترتب الأثر، وهو نجاسة الثوب، مع أن هذا الأثر إنما هو أثر للواسطة؛ إذ النجاسة أثر السراية، والسراية لازم لاستصحاب الرطوبة. إذن، فنستصحب الرطوبة فتلزم السراية، فيترتب أثرها وهو نجاسة الثوب.

مثال آخر: يوم الشك يستصحب فيه شهر رمضان، ولازمه كون يوم غد أول شوال، وأثر دخول شوال هو ثبوت العيد وحرمة صومه ونحو ذلك، لكن الواسطة خفية.

[1] «منها» من آثار الواسطة، «محسوباً» وفي بعض النسخ محسوساً، «آثار نفسه» أي: نفس المستصحب.

[2] أي: لخفاء اللازم الذي بواسطته ترتب الأثر.

[3] أي: (لا تنقض اليقين بالشك) يدل على ترتب الأثر - وإن كان بواسطة خفية - لأن عدم ترتيب هذا الأثر يُعَدّ عرفاً نقضاً لليقين بالشك.

[4] لعله إشارة إلى أن نظر العرف متّبع في الكبرى - أي: المفاهيم - لا في تطبيق الكبرى، فالمسامحات العرفية لا دليل على اعتبارها أصلاً. نعم، فهم العرف حجة لقوله تعالى: {وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ}(1).

الصورة الثانية

[5] المورد الثاني من موارد حجية الأصل المثبت هو: ما لو كانت الواسطة جلية جداً، بحيث لا يمكن التفكيك بينها وبين المستصحب في التنزيل، فإذا نُزّل أحدهما

ص: 110


1- سورة إبراهيم، الآية: 4.

ترتيب ما كان[1] بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفاً بينه وبين المستصحب تنزيلاً، كما لا تفكيك بينهما واقعاً، أو بوساطة[2] ما لأجل وضوح لزومه له[3] أو ملازمته معه[4] بمثابة[5]

----------------------------------

منزلة الواقع لابد أن ينزل الآخر أيضاً - وهو اللازم البيّن بالمعنى الأخص - وذلك في موردين:

1- في العلة والمعلول، حيث لا تفكيك بينهما واقعاً، فكذلك لا تفكيك في التنزيل، فهنا ملازمة عرفيّة بين تنزيل المستصحب وبين تنزيل الواسطة، كما أن الأثر يعتبر أثراً لكليهما عرفاً.

2- في اللازم والملزوم، حيث يعتبر الأثر عرفاً أثراً لهما - للمستصحب وللازمه أو ملازمه - .

[1] «ما كان» أي: الأثر الذي كان، «ما لا يمكن التفكيك» وهي في العلة والمعلول، «بينه» الضمير راجع إلى «ما» الموصولة، أي: بين تلك الواسطة وبين المستصحب، لا في الواقع، ولا في التنزيل، «بينهما» بين المستصحب وبين الواسطة، «واقعاً» لأنهما علة ومعلول.

[2] إشارة إلى المورد الثاني، وهو ما كان ارتباط جلي بين المستصحب والواسطة، ولم يكن بنحو العلة والمعلول، بل بنحو اللازم والملزوم أو الملازم.

[3] أي: لزوم المستصحب للواسطة، كالجود لحاتم، والشجاعة للأسد.

ومثاله الشرعي: استصحاب النهار ولازمه بقاء ضوء الشمس، وأثر الضوء هو تطهيره للأرض المتنجسة - كذا قيل(1)

- .

[4] كما في المتضايفين - كالأبوة والبنوة - فباستصحاب أحدهما يترتب أثر الآخر أيضاً.

[5] متعلق ب- (وضوح)، أي: وضوح وجلاء الواسطة كانت بكيفية يعتبر

ص: 111


1- كفاية الأصول، تعليق السبزواري 3: 242.

عد أثره أثراً لهما، فإن عدم ترتيب مثل هذا الأثر[1] عليه يكون نقضاً ليقينه بالشك أيضاً بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفاً، فافهم[2].

ثم لا يخفى[3] وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الأصول التعبدية[4] وبين الطرق والأمارات[5]، فإن الطريق والأمارة حيث إنه كما يحكي عن المؤدى ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه[6]

----------------------------------

العرف أثر أحدهما أثراً للآخر، «أثره» أي: أثر الملازم، «لهما» للملازم وللمستصحب.

[1] الجلي الواضح، «ليقينه» أي: الشخص المتيقن.

[2] لعله إشارة إلى أنه مع الوضوح كيف يعد أثر الملزوم أثراً للمستصحب، مع أن الملازمة ملاك الاثنينيّة؟!

مثبتات الأمارات والطرق

[3] حاصله: إن مثبتات الأمارات والطرق حجة - كالخبر الواحد مثلاً - وذلك لأن الإخبار عن الشيء إخبار عن لوازمه أيضاً، والأمارات والطرق لها كشف عن الواقع، فكما تكشف عن مؤداها كذلك تكشف عن لوازم المؤدى، فإطلاق دليل حجية الخبر - مثلاً - يشمل الإخبار عن اللوازم أيضاً، بخلاف الأصول العملية؛ لأن دليل حجيتها يدل على جعل حكم مماثل، ومن غير المعلوم جعل حكم مماثل للاّزم، وبعبارة أخرى: في الأصول العملية يكون تعبّد، وقد يكون التعبّد بشيء دون التعبد بلوازمه.

[4] فإن مثبتات كل الأصول العملية ليست بحجة.

[5] فإن مثبتاتها حجة، وقد مرّ أن الطريق هو في الأحكام، كخبر الواحد، والأمارات في الموضوعات الخارجية، كالبينة.

[6] أي: أطراف المؤدى، «ملزومه» أي: ما كان مقدماً عليه. لأنه من أسبابه أو معداته، «ولوازمه» أي: ما كان مؤخراً عنه وفي مرتبة معلوله، «وملازماته» أي:

ص: 112

- من ملزومه ولوازمه وملازماته - ويشير إليها[1]، كان[2] مقتضى إطلاق دليل اعتبارها[3] لزوم تصديقها في حكايتها، وقضيته[4] حجية المثبت منها كما لا يخفى؛ بخلاف مثل دليل الاستصحاب[5]، فإنه لابد من الاقتصار بما فيه من الدلالة على

----------------------------------

ما كان مقارناً معه، كأن يكونا معلولين لعلة واحدة.

[1] عطف تفسيري على قوله: (كذا يحكي)، «إليها» أي: الأطراف.

[2] خبر إن في قوله: (فإن الطريق والأمارة...) والمعنى: إن الطريق والأمارة كما يحكي عن المؤدى كذلك يحكي عن أطراف المؤدى - من اللازم والملزوم والملازم - وحيث إن دليل حجية الطريق والأمارة مطلق فقد جعل الحجية للخبر بشكل مطلق، من دون تقيد الحجية بالخبر بالمطابقة، فيشمل الخبر بالتضمن وبالالتزام، فلمّا صار حجة بشكل مطلق وجب تصديق الخبر بكل أطرافه، ومعنى ذلك ترتيب الآثار بشكل مطلق.

[3] أي: الطرق والأمارات، وكذا الضمير في «تصديقها» و«حكايتها».

[4] أي: مقتضى التصديق هو حجية المثبت منها؛ إذ هناك إخبار عن اللازم والملزوم والملازم، ودل دليل حجية الخبر على وجوب تصديق هذه الإخبار، فيترتب عليها الآثار الشرعية؛ لأنا لا نريد إثبات الواسطة عن طريق إثبات المؤدى، بل الخبر يدل على المؤدى وعلى الواسطة معاً، ثم يترتب على كل واحد منهما آثاره الشرعية.

[5] فإن الأصول العملية ليس لها كشف عن الواقع، بل هي صرف تعبّد، والتعبّد بشيء لا يكون تعبداً بلوازمه، لما عرفت من إمكان الانفكاك بين الشيء وبين لازمه في التعبد، فلابد من النظر في مقدار دلالة دليل الحجية، والمقدار المعلوم من جعل الحجية هو التعبد بنفس الشيء، ولا دليل على التعبد بلوازمه، «فإنه» للشأن، «بما» بالمقدار الذي، «فيه» في مثل دليل الاستصحاب، «من الدلالة» بيان ل- «ما»، «بثبوته» بثبوت مثل دليل الاستصحاب.

ص: 113

التعبد بثبوته، ولا دلالة له إلاّ على التعبد بثبوت المشكوك[1] بلحاظ أثره[2] حسبما عرفت، فلا دلالة له[3] على اعتبار المثبت منه كسائر الأصول التعبدية[4] إلاّ في ما عد أثر الواسطة أثراً له[5]، لخفائها أو لشدة وضوحها وجلائها[6] حسبما حققناه.

الثامن[7]: إنه لا تفاوت[8]

----------------------------------

[1] وهو المستصحب الذي كان متيقناً سابقاً؛ لأنه قال: (لا تنقض اليقين بالشك)، واللازم لم يكن متيقناً، فعدم ترتيب أثره ليس نقضاً لليقين - لعدم اليقين به - .

[2] المباشر؛ لأن التعبد بثبوت المستصحب من غير ترتيب أثره يكون لغواً، فلابد من ترتيب الأثر المباشر ليخرج عن اللغوية، أما الأثر غير المباشر فلا دليل عليه - كما مرّ - .

[3] أي: لدليل الاستصحاب، «منه» من الأثر، أي: الأثر الذي ثبت بواسطة اللازم أو الملزوم أو الملازم.

[4] أي: سائر الأصول العملية كالاستصحاب، فلا حجية لمثبتاتها.

[5] أي: للمشكوك - المستصحب - «لخفائها» أي: الواسطة.

[6] بحيث عدّ أثر الواسطة أثراً للمستصحب أيضاً.

التنبيه الثامن: موارد ثلاثة ليست من الأصل المثبت
اشارة

[7] هذا التنبيه تتمة للتنبيه السابق، يذكر فيه المصنف ثلاثة موارد تُوهِّم كونها من الأصل المثبت، والحال أنها ليست كذلك، وكل هذه الموارد في الموضوعات الخارجية.

المورد الأول

[8] هذا المورد الأول، حيث ذهب الشيخ الأعظم(1)

إلى عدم الفرق بين كون

ص: 114


1- فرائد الأصول 3: 235.

----------------------------------

اللازم العقلي أو العادي مبايناً للمستصحب، وبين كونه متحداً معه وجوداً - ومتغايراً مفهوماً - فاعتبرها كلها من الأصل المثبت.

لكن المصنف ذكر أن اللازم المتحد مع المستصحب وجوداً على ثلاث صور:

1- كون اللازم المتحد عنواناً منتزعاً عن الذات، كما لو شك في بقاء الخمر أو انقلابه خلاً، فباستصحاب الخمرية يلزم تحقق الخمر الكلي، وحكم الخمر الكلي هو الحرمة والنجاسة؛ لأن الأحكام تتعلق بالطبائع لا بالأفراد كما مرّ سابقاً، فليس أثر هذا الخمر الحرمة والنجاسة، بل هذا الخمر يلازم وجود كلي الخمر، فيترتب أثره الشرعي، وهو الحرمة والنجاسة.

وكلي الخمر متحد مع الخمر الخارجي؛ لأن الكلي الطبيعي متحد مع فرده، ففي الحقيقة الأثر - كالحرمة والنجاسة - إنما هو للفرد؛ لأن الكلي لا وجود له إلاّ في ضمن الفرد.

2- كون اللازم المتحد، عنواناً ليس بذاتي، ولا وجود خارجي له لكنه ينتزع من الفرد، مثلاً: لو شك في بقاء الغصب - والغصب أمر ليس بذاتي للأشياء، بل هو عرض ولا وجود خارجي له، بل الموجود إنما هو منشأ الانتزاع - فباستصحاب وجود المغصوب يلزم

تحقق الغصب الكلي، وحكم الغصب الكلي هو حرمة التصرف، فليس أثر هذا المغصوب الحرمة، بل هذا المغصوب يلازم وجود كلي الغصب، فيترتب أثره الشرعي، وهو حرمة التصرف، لكن كلي الغصب متحد مع هذا المغصوب خارجاً؛ لأن منشأ انتزاعه هو هذا المغصوب، فالأثر في الحقيقة هو أثر لهذا المغصوب، فليس بأصل مثبت.

3- كون اللازم منتزعاً عن الشيء بلحاظ عرض من الأعراض، التي لها وجود

ص: 115

في الأثر المترتب على المستصحب بين أن يكون مترتباً عليه بلا وساطة شيء[1] أو بوساطة[2] عنوان كلي ينطبق ويحمل عليه بالحمل الشائع[3] ويتحد معه وجوداً، كان[4] منتزعاً عن مرتبة ذاته[5]، أو بملاحظة[6] بعض عوارضه مما هو خارج المحمول لا بالضميمة[7]،

----------------------------------

خارجي، كما لو شك في بقاء جسم أسود، فاستصحاب بقاء ذلك الجسم يلازم بقاء السواد، فلو فرض أن للسواد أثراً شرعياً فإن ترتيب ذلك الأثر يكون من الأصل المثبت؛ وذلك لتغاير الجسم مع السواد، فالجسم جوهر والسواد عرض، وليسا متحدين خارجاً، بل السواد منضم إلى الجسم، فلا يكون أثر السواد أثراً للجسم حقيقة.

[1] كغالب موارد الاستصحاب، كاستصحاب الحياة وأثرها الشرعي وجوب النفقة - مثلاً - .

[2] إشارة إلى الصورة الأولى والثانية، وهو اللازم المتحد وجوداً مع المستصحب، ويحمل عليه بالحمل الشائع.

[3] الذي هو في التغاير المفهومي والاتحاد الخارجي، كقولنا: (زيد عالم) حيث يختلف مفهوم عالم عن مفهوم زيد، لكنهما متحدان خارجاً.

[4] أي: سواء كان منتزعاً... الخ.

[5] هذه الصورة الأولى، ومرتبة الذات لا فرق بين أن يكون ذاتي باب الكليات الخمس، أي: الجنس والفصل والنوع، وبين أن يكون ذاتي باب البرهان، وهو كون المحمول مشتقاً من مبدأ قائم بذات الموضوع، ومنتزع عن نفس ذاته، كالإمكان من الممكن.

[6] هذه الصورة الثانية، أي: يكون منتزعاً لا عن الذات، بل بملاحظة بعض الاعتبارات، كالغصب المنتزع من العين المغصوبة.

[7] اصطلاح المصنف خلاف اصطلاح أهل المعقول، فحسب اصطلاحه (الخارج

ص: 116

فإن الأثر[1] في الصورتين إنما يكون له حقيقة حيث لا يكون بحذاء ذلك الكلي في الخارج سواه، لا لغيره[2] مما كان مبايناً معه[3] أو من أعراضه[4] مما كان محمولاً عليه بالضميمة كسواده مثلاً أو بياضه؛ وذلك[5] لأن الطبيعي إنما يوجد بعين وجود فرده، كما أن العرضي[6] كالملكية والغصبية ونحوهما لا وجود له إلاّ بمعنى وجود منشأ انتزاعه، فالفرد[7] أو منشأ الانتزاع في الخارج هو عين ما رتب عليه

----------------------------------

المحمول): هو العرض الاعتباري الذي ليس له ما بإزاء بالخارج - وهذا هو النحو الثاني - . و(المحمول بالضميمة): هو العرض الحقيقي الذي له ما بإزاء في الخارج - وهذه هي الصورة الثالثة - .

[1] بيان عدم كون الأصل مثبتاً في الصورة الأولى والثانية، «له» أي: للفرد، «سواه» سوى الفرد، فالمعنى: إنه وإن جعل الأثر للكلي لكنه في الواقع أثر للفرد، والكلي مرآة له.

[2] عطف على قوله: (إنما يكون له حقيقة)، «لغيره» أي: لغير الكلي.

[3] وهو غالب صور الأصل المثبت، فإنبات اللحية مباين للحياة - في مثال اللازم العادي - .

[4] إشارة إلى الصورة الثالثة، فإن الأثر ليس للمستصحب، بل للواسطة، فوجوب الصدقة كان أثراً للسواد، وليس أثراً للجسم، فباستصحاب الجسم لا يمكن إثبات الصدقة إلاّ لو أثبتنا السواد - وهو ذو وجود خارجي - .

[5] دليل عدم كون الأصل مثبتاً في الصورة الأولى والثانية.

[6] اصطلاح المصنف هو أن (العَرَضي) ما ليس بإزائه شيء في الخارج، و(العَرَض) ما كان بإزائه شيء في الخارج، وهذا أيضاً يخالف اصطلاح أهل المعقول، فإنهم اصطلحوا (بالعرضي): على الذات الواجدة للعرض كالأسود والأبيض، و(بالعرض): ما يقابل الجوهر كالسواد والبياض.

[7] بيان أن الأثر إنما هو للفرد حقيقة في الصورة الأولى والثانية.

ص: 117

الأثر[1]، لا شيء آخر، فاستصحابه لترتيبه[2] لا يكون بمثبت، كما توهم(1).

وكذا لا تفاوت[3] في الأثر المستصحب أو المترتب عليه[4] بين أن يكون مجعولاً شرعاً بنفسه - كالتكليف وبعض أنحاء الوضع[5] - أو بمنشأ انتزاعه[6] - كبعض أنحائه كالجزئية والشرطية والمانعية[7] -،

----------------------------------

[1] «ما» أي: الكلي والعرضي الذي رتب الأثر الشرعي، «عليه» الضمير يرجع إلى «ما» الموصولة.

[2] أي: استصحاب الفرد أو منشأ الانتزاع، «لترتيبه» أي: لترتيب الأثر.

المورد الثاني

[3] لو استصحب ذات الجزء - مثلاً - كالقراءة فلازمه العقلي هو تحقق الجزئية، فإن كان هناك أثر شرعي للجزئية فإن ترتيب هذا الأثر يكون من الأصل المثبت على ما يظهر من كلام الشيخ الأعظم.

لكن المصنف يذهب إلى أن الجزئية وأمثالها ليست لازماً عقلياً، بل هي أمور مجعولة شرعاً؛ وذلك لما مرّ في بحث الحكم الوضعي بأن النحو الثاني من الوضع وهو المجعول بالتبع كالجزئية، وكذا النحو الثالث من الوضع كالولاية مجعولات شرعيّة.

[4] أي: الأثر المترتب على المستصحب مثل لازمه.

[5] وهو النحو الثالث من أقسام الوضع - كما مرّ - .

[6] أي: وبين أن يكون مجعولاً بمنشأ انتزاعه، بمعنى أن الشارع جعل منشأ الانتزاع فانتزع منه ذلك الحكم الوضعي، كما لو أمر بالمركب فتنتزع الجزئية من كل جزء من المأمور به، «كبعض أنحائه» أي: القسم الثاني من أقسام الوضع.

[7] كما لو أمر بالمركب فتنتزع الجزئية من كل جزء من المأمور به، أو اشترط في الصلاة الوضوء فتنتزع الشرطية، أو اشترط عدم لبس جلد غير المأكول اللحم فتنتزع المانعية.

ص: 118


1- فرائد الأصول 3: 235 - 236.

فإنه[1] أيضاً مما تناله يد الجعل شرعاً، ويكون أمره بيد الشارع وضعاً ورفعاً ولو بوضع منشأ انتزاعه ورفعه. ولا وجه لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب مجعولاً مستقلاً، كما لا يخفى[2]، فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت - كما ربما توهم - بتخيل أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية بل من الأمور الانتزاعية، فافهم[3].

وكذا لا تفاوت[4] في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر

----------------------------------

[1] أي: فإن الأثر المجعول بمنشأ انتزاعه.

[2] لعدم دلالة دليل على ذلك، بل إطلاق دليل الاستصحاب يشمل هذه الصورة أيضاً.

[3] لعله إشارة إلى أن الشرطية وأمثالها ليست من آثار الاستصحاب، بل الشرطية ترتبط بالدليل الدال على الاشتراط، وهذه الشرطية مستمرة إلى ثبوت نسخها، فشرطية الوضوء للصلاة لا ترتبط بالعلم أو بالشك بتحقق الوضوء، فسواء علمنا بالوضوء أم بعدمه أم شككنا فهذه الشرطية مستمرة.

أو إشارة إلى أن هذا المورد لا ربط له ببحث الأصل المثبت؛ لأن كون المستصحب أو الأثر المترتب عليه مجعولاً أو غير مجعول لا يرتبط بكون الواسطة غير شرعية، كما لا يخفى.

المورد الثالث

[4] هذا المورد الثالث من الموارد التي ذهب الشيخ الأعظم(1) إلى كونه أصلاً مثبتاً، ولكن المصنف لا يراه من الأصل المثبت، بيانه: إنه قد استدلوا للبراءة باستصحاب عدم الحكم، سواء العدم الأزلي بمعنى عدم جعل الحكم قبل الشريعة، أم العدم النعتي بمعنى عدم جعل الحكم على المكلف قبل بلوغه.

ص: 119


1- فرائد الأصول 3: 236.

ووجوده[1] أو نفيه وعدمه، ضرورة[2] أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته.

وعدم إطلاق الحكم[3]

----------------------------------

لكن الشيخ الأعظم أشكل على هذا الاستصحاب بأنه أصل مثبت؛ وذلك لأن استصحاب عدم الحكم يراد منه إثبات عدم العقاب على المخالفة، وعدم العقاب لازم عقلي، فلا يثبت بالاستصحاب.

لكن المصنف يقول: إن هذا اللازم - وإن كان عقلياً - لكنه ليس بأصل مثبت؛ لما ذكرناه في بداية التنبيه السابع، وسيذكره المصنف في التنبيه العاشر، من أن لازم المستصحب إذا كان عقلياً أو عادياً فلا يثبت آثاره الشرعية، لكن إذا كان اللازم لازماً للحكم الظاهري فليس أصلاً مثبتاً.

وبعبارة أخرى: لا يثبت بالاستصحاب اللوازم المترتبة على الوجود الواقعي للمستصحب كإنبات اللحية، فانها لازم الحياة واقعاً، ولكن لا إشكال في ترتيب لازم الوجود الظاهري، وفي ما نحن فيه: استحقاق العقاب ليس أثراً للحكم الواقعي - فلذا لا يترتب مع الجهل به - بل هو أثر الحكم، سواء كان واقعياً أم ظاهرياً، فلذا لا إشكال في ترتيبه وليس بأصل مثبت.

[1] عطف تفسيري على «ثبوت الأثر»، وكذا «عدمه» عطف تفسيري على «نفيه».

[2] دليل عدم الفرق، أي: إن نفي الحكم بيد الشارع، فلذا ليس بأمر عقلي أو عادي، بل نفي الحكم أمر شرعي أيضاً، كما أن ثبوته شرعي.

[3] دفع إشكال، حاصله: إن نفي الحكم ليس بحكم، والاستصحاب إنما هو في الحكم.

والجواب: إن (الحكم) لم يؤخذ في دليل الاستصحاب، بل المأخوذ فيه (اليقين) و(الشك)، فكما قد يكون الحكم متيقناً أو مشكوكاً كذلك قد يكون نفي الحكم متيقناً أو مشكوكاً.

ص: 120

على عدمه[1] غير ضائر، إذ ليس هناك ما دل على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع[2] اليد عنه كصدقه برفعها من طرف ثبوته، كما هو واضح.

فلا وجه للإشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف وعدم المنع عن الفعل بما في الرسالة من: «أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية[3]»(1)،

فإن[4] عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير مجعول[5]، إلاّ أنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع، وترتب[6] عدم الاستحقاق مع كونه عقلياً على استصحابه إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر[7]،

----------------------------------

[1] أي: عدم الحكم، «إذ ليس» بيان للجواب، «اعتباره» أي: اعتبار إطلاق الحكم.

[2] أي: صدق النقض يكون برفع اليد، «عنه» أي: عن عدم الحكم، «برفعها» اليد، «طرف ثبوته» أي: ثبوت الحكم، فلا فرق في صدق النقض بين رفع اليد عن المتيقن وجوده أو المتيقن عدمه.

[3] لأن الاستدلال للبراءة لا يتم إلاّ بإثبات عدم العقاب في المخالفة، فباستصحاب عدم الحكم يثبت عدم العقاب، وهذا لازم عقلي.

[4] هذا هو الجواب عن إشكال الشيخ الأعظم.

[5] لأن استحقاق أو عدم استحقاق العقاب هو بحكم العقل فقط.

[6] «ترتب» مبتدأ، وخبره (إنما هو...)، «كونه» أي: كون عدم الاستحقاق، «استصحابه» أي: عدم الحكم، «لكونه» أي: لكون عدم استحقاق العقاب.

[7] أي: ليس لازماً للوجود الواقعي لعدم الحكم، بل لازم حتى للحكم الظاهري بعدم الحكم. فإن من عمل بتكليفه الظاهري لا يستحق العقاب حتى لو خالف الواقع - وسيأتي دليله في التنبيه التاسع - .

ص: 121


1- فرائد الأصول 2: 60، مع اختلاف يسير.

فتأمل[1].

التاسع[2]: إنه لا يذهب عليك أن عدم ترتب الأثر الغير الشرعي(1)

ولا الشرعي

----------------------------------

[1] لعله إشارة إلى أن الشيخ لم يدّعِ أن عدم التحريم ليس مجعولاً، بل صرّح بعدم الفرق بين الحكم أو عدم الحكم، فلا يرد عليه قولنا: إلاّ أنه لا حاجة إلى ترتب أثر مجعول في الاستصحاب.

أو إشارة إلى أن هذا المورد أيضاً لا يرتبط بالأصل المثبت، بل هو بحث مستقل؛ لأنا لا نريد إثبات أثر شرعي بواسطة غير شرعية، بل نريد إثبات أثر غير شرعي، فدقق.

التنبيه التاسع: ما خرج عن الأصل المثبت

[2] هذا التنبيه لبيان خروج بعض الآثار العقلية عن الأصل المثبت.

وحاصله: إن الأثر إذا كان للحكم الظاهري فإنه يترتب قهراً، لأنه بالاستصحاب يتولد حكم ظاهري قطعاً، فيترتب على هذا الحكم الظاهري آثاره، كوجوب الطاعة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة ونحوها؛ لأن موضوع هذه الآثار - وهو الحكم الظاهري - متحقق بالوجدان قطعاً، وكلّما تحقق الموضوع ترتب عليه أثره.

وبعبارة أخرى: قد يكون الأثر للوجود الواقعي للشيء، فاللحية لا تترتب على اعتبار الحياة، بل على نفس الحياة واقعاً، فلا تثبت هذه اللحية بالاستصحاب؛ إذ لا دليل على الوجود الواقعي، ودليل التعبد لا يثبت إلاّ التعبد بما كان على يقين منه، ولم يكن ذا يقين بالنسبة إلى اللحية.

وقد يكون الأثر لوجود الشيء حتى في الظاهر، فالأثر أعم من وجوده الواقعي والظاهري، مثلاً: وجوب الطاعة وحرمة المخالفة كما تكون للأحكام الواقعية كذلك تكون للأحكام الظاهرية، فبالاستصحاب يثبت حكم ظاهري بالوجدان والقطع، فيتحقق موضوع هذه الأحكام، فتترتب عليه لا محالة.

ص: 122


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير الشرعي».

بوساطة غيره[1] من العادي أو العقلي بالاستصحاب إنما هو بالنسبة إلى ما[2] للمستصحب واقعاً، فلا يكاد يثبت به[3] من آثاره إلاّ أثره الشرعي الذي كان له بلا واسطة أو بوساطة أثر شرعي آخر - حسبما عرفت في ما مر -، لا بالنسبة[4] إلى ما كان للأثر الشرعي[5] مطلقاً، كان[6] بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب، فإن آثاره[7] - شرعية كانت أو غيرها[8] - يترتب عليه إذا ثبت، ولو[9]

----------------------------------

[1] أي: غير الشرعي، وقوله: «من العادي أو العقلي» بيان ل- «غيره»، و«بالاستصحاب» متعلق ب- (عدم ترتب الأثر...).

[2] أي: الأثر الذي يكون للمستصحب، «واقعاً» أي: بوجوده الواقعي.

[3] أي: بالاستصحاب، و«آثاره» أي: آثار المستصحب، وكذا ضمير «أثره» و«له».

[4] عطف على قوله: (إنما هو بالنسبة...) أي: عدم ترتب الأثر العقلي ليس بالنسبة إلى الأثر الذي هو للمستصحب بوجوده الأعم من الواقعي والظاهري.

[5] مراده من (الأثر الشرعي) هو: الحكم، أي: لا بالنسبة إلى الأثر الذي كان للحكم، «مطلقاً» أي: بوجوده الأعم من الواقعي والظاهري.

[6] تفسير لقوله: «مطلقا» أي: سواء كان بخطاب الاستصحاب - الذي يتولد منه حكم ظاهري - «أو بغيره» أي: بغير خطاب الاستصحاب، كدليل حجية قول الثقة مثلاً، فإنه يتولد منه أيضاً حكم ظاهري.

[7] أي: آثار الحكم الشرعي الثابتة للحكم مطلقاً.

[8] أي: سواء كانت تلك الآثار شرعية أم غير شرعية، «عليه» أي: على الأثر الشرعي - وهو الحكم - «إذا ثبت» أي: ثبت ذلك الأثر الشرعي - وهو الحكم - .

[9] أي: ولو كان الحكم ظاهرياً، فإنه بتحقق الحكم - ولو الظاهري - تترتب آثاره حتى العقلية كوجوب الطاعة ونحوها.

ص: 123

بأن يستصحب[1]، أو كان من آثار المستصحب، وذلك[2] لتحقق موضوعها حينئذٍ حقيقة. فما للوجوب[3] عقلاً يترتب على الوجوب الثابت شرعاً باستصحابه أو استصحاب موضوعه من[4] وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة إلى غير ذلك، كما يترتب[5] على الثابت بغير الاستصحاب بلا شبهة ولا ارتياب، فلا تغفل.

العاشر[6]:

----------------------------------

[1] هذا في الحكم الذي يُستصحب، وقوله: «أو كان من آثار المستصحب» في الموضوع الذي له أثر.

[2] دليل ترتب الآثار غير الشرعية على الحكم الظاهري الثابت بالاستصحاب ونحوه، «موضوعها» أي: موضوع تلك الآثار، «حينئذٍ» أي: حين ثبوت الحكم ولو الظاهري منه، «حقيقة» أي: قطعاً وبالوجدان.

وحاصله: إن موضوع وجوب الطاعة مثلاً - وهو الحكم الشرعي - قد تحقق قطعاً بالوجدان؛ إذ بالاستصحاب يتولد حكم ظاهري، وبتحقق الموضوع يترتب حكمه عليه قهراً.

[3] أي: آثار الوجوب وأحكامه تترتب حتى على الحكم الظاهري.

[4] بيان لقوله: (فما للوجوب عقلاً).

[5] أي: كما يترتب ما للوجوب من الآثار على الوجوب الثابت بالأمارات والطرق وكذا الوجوب الثابت بالقطع.

التنبيه العاشر: زمان الأثر

[6] في أنه يكفي في صحة الاستصحاب وجود الأثر في زمان الاستصحاب، ولا حاجة لوجود الأثر في زمان اليقين، مثلاً: لو كان زيد مجتهداً ولم يكن بالغاً، فلا أثر لاجتهاده، ثم قطعنا ببلوغه مع شكنا في بقاء اجتهاده، فإن استصحاب اجتهاده

ص: 124

إنه قد ظهر مما مر[1] لزوم أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو ذا حكم كذلك. لكنه لا يخفى أنه لابد أن يكون كذلك[2] بقاءً، ولو لم يكن كذلك ثبوتاً[3]. فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته[4] حكماً ولا له أثر شرعاً وكان في زمان استصحابه

----------------------------------

له أثر حينئذٍ، وهو جواز تقليده. ففي مرحلة اليقين لا أثر - لعدم بلوغه - وفي مرحلة الشك ببقاء الاجتهاد يوجد أثر لو استصحبنا - وهو جواز التقليد - وهذا مثال لاستصحاب الموضوع.

أما استصحاب الحكم: فقبل الشريعة نقطع بعدم وجود الحكم، وهذا لا أثر له أصلاً، ثم بعد الشريعة نشك في جعل حكم أو نفيه، فهنا استصحاب عدم الحكم له أثر شرعي، وهو جواز الارتكاب - مثلاً - .

والدليل: هو أنه لم يؤخذ (الأثر) في دليل الاستصحاب، وإنما قلنا بلزوم الأثر لكي لا يكون التعبد بالبقاء لغواً، فلو تعبدنا الشارع بشيء لا أثر له يكون هذا التعبد لغواً. ويكفي في الإخراج عن اللغوية وجود الأثر في مرحلة البقاء.

وبعبارة أخرى: دليل الاستصحاب هو: (لا تنقض اليقين بالشك) فمع وجود الأثر في مرحلة البقاء إذا لم نجرِ الاستصحاب كان نقضاً لليقين بالشك.

[1] مثل قولنا في تعريف الاستصحاب: (حكم الشارع ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم)، وكذا في مطاوي البحوث السابقة، «ذا حكم كذلك» أي: شرعي، «لكنه» للشأن، «أنه» للشأن أيضاً.

[2] أي: حكماً شرعياً، أو ذا حكم شرعي.

[3] أي: حين ثبوت اليقين.

[4] «ثبوته» أي: زمان اليقين به، «ولا» أي: ولم يكن، «له» للمستصحب أثر شرعي في زمان اليقين به، «وكان» أي: المستصحب.

ص: 125

كذلك - أي حكماً أو ذا حكم - يصح[1] استصحابه. كما[2] في استصحاب عدم التكليف، فإنه وإن لم يكن بحكم مجعول في الأزل ولا ذا حكم، إلاّ أنه[3] حكم مجعول في ما لا يزال[4]، لما عرفت[5] من أن نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعاً. وكذا استصحاب موضوع لم يكن له حكم ثبوتاً[6]، أو كان[7] ولم يكن حكمه فعلياً، وله حكم كذلك بقاءً[8]. وذلك[9] لصدق نقض اليقين بالشك على رفع

----------------------------------

[1] جزاء (لو) في قوله: (فلو لم يكن المستصحب...).

[2] مثال لكونه حكماً في حال الاستصحاب، «فإنه» أي: عدم التكليف، «في الأزل» أي: قبل الشريعة.

[3] أي: إلاّ أن عدم الحكم، «حكم مجعول» أي: أمر جعله ورفعه بيد الشارع، وقوله: «حكم مجعول» ينافي ما مرّ من المصنف في التنبيه السابق بأنه ليس بحكم، فلذا شرحناه بأن مراده أن أمر جعله ورفعه بيد الشارع.

[4] أي: بعد الشريعة.

[5] بيان عدم الفرق بين ثبوت الحكم وبين نفيه، «نفيه» أي: نفي الحكم، «كثبوته» أي: الحكم، «في الحال» أي: في زمان الاستصحاب.

[6] أي: في حال اليقين، ومثاله كما ذكرناه: المجتهد غير البالغ الذي شككنا في بقاء اجتهاده بعد بلوغه.

[7] أي: كان له حكم لكن ذلك الحكم لم يكن فعلياً، كما لو كان له مال في قاع البحر، فإن آثار الملكية غير فعلية، فإذا جفّ البحر وشككنا في بقاء ذلك المال فإن استصحاب وجوده له حكم شرعي فعلي، أي: يجوز بيعه ونحو ذلك.

[8] «له» لذلك الموضوع، «كذلك» فعلي، «بقاء» أي: حين الشك والاستصحاب.

[9] هذا دليل عدم لزوم وجود الأثر في زمان اليقين، بل يكفي وجود الأثر في زمان الاستصحاب. وحاصله: إن أدلة الاستصحاب قد أخذ فيها اليقين السابق

ص: 126

اليد عنه[1] والعمل[2] كما إذا قطع بارتفاعه يقيناً، ووضوح[3] عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتاً فيه وفي تنزيلها بقاءً.

فتوهم «اعتبار الأثر سابقاً كما ربما يتوهمه الغافل من[4] اعتبار كون المستصحب حكماً أو ذا حكم»، فاسد قطعاً، فتدبر جيداً.

الحادي عشر [5]:

----------------------------------

والشك اللاحق، ولم يؤخذ فيها الأثر، وإنما أوجبناه لكي لا يكون التعبّد بالاستصحاب لغواً، ويكفي في عدم اللغوية وجود الأثر في زمان الاستصحاب.

[1] أي: عن المستصحب الذي له أثر في زمان الشك.

[2] عطف على «رفع اليد عنه»، أي: ولصدق النقض على العمل بكيفية كأنّه حصل له يقين بارتفاع الحالة السابقة.

[3] عطف على قوله: (لصدق نقض اليقين...)، أي: وذلك لوضوح عدم... الخ، «فيه» أي: في النقض، «تنزيلها» أي: الحالة السابقة، «بقاءً» أي: التعبد ببقاء الحالة السابقة لا يتوقف على الأثر سابقاً، بل يكفي الأثر حين الاستصحاب.

[4] بيان لمنشأ التوهم، أي: التوهم الناشئ من قولنا: يلزم أن يكون المستصحب حكماً أو ذا حكم، فيتوهم لزوم كونه كذلك سابقاً.

التنبيه الحادي عشر: الشك في التقدم والتأخر
اشارة

[5] في جريان الاستصحاب في المتقدم والمتأخر، وقبل ذلك يذكر المصنف أن الاستصحاب على أقسام:

1- اليقين والشك في أصل الوجود مع قطع النظر عن الزمان، كاستصحاب حياة زيد.

2- الشك في وقوع الشيء في الزمان الأول أو الزمان الثاني، كالشك في أن

ص: 127

لا إشكال[1] في الاستصحاب في ما كان الشك في أصل تحقق حكم أو موضوع.

وأما إذا كان الشك في تقدمه وتأخره بعد القطع بتحققه وحدوثه في زمان:

فإن[2] لوحظ بالإضافة إلى أجزاء الزمان[3]

----------------------------------

موت زيد كان يوم الخميس أو الجمعة.

3- مع العلم بوقوع شيئين والشك في كون أيهما المتقدم وأيهما المتأخر، كما لو علمنا بموت والد وولده وشككنا في الميّت أولاً.

[1] إشارة إلى القسم الأول.

[2] إشارة إلى القسم الثاني، وهو الشك في كون شيء واحد وقع في الزمان الأول أم الثاني. وحاصله:

1- يمكن استصحاب عدم وقوعه في الزمان الأول، فتترتب آثاره عليه، مثلاً: لو شككنا في موت زيد يوم الخميس أم الجمعة فنستصحب حياته يوم الخميس، ومن آثاره وجوب إعطاء نفقة الخميس إلى زوجته.

2- ولا يمكن إثبات تأخر الموت عن الخميس؛ لأنه أصل مثبت؛ إذ اللازم العقلي لعدم وقوعه في يوم الخميس هو تأخره عن الخميس.

3- ولا يمكن إثبات وقوع الموت في يوم الجمعة؛ لأنه أصل مثبت أيضاً، فاستصحاب عدم الموت يوم الخميس لازمه العقلي وقوعه في الجمعة؛ لأنّا علمنا إجمالاً بموته إما في الجمعة أو الخميس، فإذا لم يكن الخميس فقهراً يكون الجمعة عقلاً.

اللهم إلاّ أن يدعى أحد أمرين: إما خفاء الواسطة أو وضوح الواسطة جداً، بحيث يكون تنزيل أحدهما يلازم تنزيل الآخر.

[3] أي: لا بالإضافة إلى حادث آخر، بل هنا حادث واحد لا ندري وقوعه في أيّ الزمانين.

ص: 128

فكذا لا إشكال[1] في استصحاب عدم تحققه[2] في الزمان الأول وترتيب آثاره. لا آثار[3] تأخره عنه، لكونه بالنسبة إليها مثبتاً، إلاّ بدعوى خفاء الواسطة أوعدم التفكيك[4] في التنزيل بين عدم تحققه إلى زمان[5] وتأخره عنه عرفاً كما لا تفكيك بينهما واقعاً. ولا آثار[6] حدوثه في الزمان الثاني، فإنه نحو وجود خاص. نعم[7]،

----------------------------------

[1] لتمامية أركان الاستصحاب مع عدم كونه مثبتاً؛ لليقين بعدم الموت يوم الأربعاء، ثم الشك في تحقق الموت في يوم الخميس، ولا نريد إثبات لازم عقلي، بل نريد ترتيب أثر شرعي، وهو وجوب النفقة لزوجته - مثلاً - .

[2] عدم تحقق الشيء، «وترتيب» عطف على (في استصحاب عدم...)، «آثاره» أي: آثار الشيء الشرعية.

[3] أي: لا يترتب آثار تأخر الشيء عن الزمان الأول، «لكونه» أي: الاستصحاب، «إليها» أي: آثار التأخر.

[4] أي: جلاء الواسطة بحيث يكون تنزيل أحدهما تنزيلاً للآخر عرفاً، فالتعبد بعدم الوقوع يوم الخميس يكون تعبداً بتأخره عنه!!

[5] أي: مستمراً إلى زمان، «تأخره» أي: الشيء، «عنه» عن ذلك الزمان.

[6] أي: كما لا تترتب آثار حدوث الشيء في الزمان الثاني، كالموت في يوم الجمعة - في المثال - ، «فإنه» أي: الحدوث في الزمان الثاني، «نحو وجود خاص» أي: أمر وجودي ملازم عقلاً لعدم وقوعه في الزمان الأول.

[7] أي: يمكن إثبات حدوث الشيء في الزمان الثاني، إن قلنا: إنّ (الحدوث) أمر مركب من أمرين:

أ: عدم الوجود في الزمان الأول، ويتكفل بهذا الاستصحاب.

ب: الوجود في الزمان الثاني، ويتكفل بهذا الوجدان.

فمثلاً: بالاستصحاب نثبت عدم الموت في الخميس، ونحن نعلم بالوجدان أنه

ص: 129

لا بأس بترتيبها[1] بذاك الاستصحاب بناءً على أنه عبارة عن أمر مركب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق.

وإن[2] لوحظ بالإضافة إلى حادث آخر علم بحدوثه أيضاً، وشك في تقدم ذاك عليه[3] وتأخره عنه، كما إذا علم بعروض حكمين[4] أو موت متوارثين[5] وشك في المتقدم والمتأخر منهما[6]:

----------------------------------

كان في عداد الموتى في يوم الجمعة - سواء مات في الخميس أم في الجمعة - .

[1] أي: آثار الحدوث، «بذاك» أي: بمعونته، «أنه» أي: الحدوث.

[2] إشارة إلى القسم الثالث، وهو أن نعلم بحدوث شيئين، ولكنا لا نعلم أيهما المقدّم وأيهما المؤخر.

[3] «ذاك» الحادث الأول، «عليه» على هذا الحادث الآخر.

[4] كما لو علم بالناسخ والمنسوخ، ولكن لم يعلم بأن أيهما المتقدم فهو المنسوخ، وأيهما المتأخر فهو الناسخ.

[5] وهذا مثال للاستصحاب في الموضوع، كما لو مات أب وابن، ولا نعلم أن أيهما المتقدم، وتظهر الثمرة في أن الذي مات متقدماً لا يكون وارثاً عن المتأخر، بل الوارث هو الذي مات متأخراً، فيرث حصته ثم يورثها إلى ورثته.

فإن مات الأب أولاً ورثه الابن، ثم تنتقل حصة الابن إلى ورثته - أحفاد الميت مثلاً - إضافة إلى إرث الأحفاد كل مال الابن.

وإن مات الابن أولاً ورثه الأب فيأخذ حصته، كالسدس، ثم تنقل هذه الحصة إلى ورثته - كأبنائه وهم إخوة الميت - فلا يصل شيء إلى الأحفاد من إرث الأب - وهو جدهم - بل يقتطع من أموال الابن إلى إخوة الميت بمقدار حصة الأب.

[6] من الحكمين، أو من موت المتوارثين.

ثم هنا مقامان:

الأول: في مجهولي التاريخ، بأن نجهل تاريخ كلا الحادثين.

ص: 130

فإن كانا مجهولي التاريخ[1]،

----------------------------------

الثاني: في كون تاريخ أحدهما مجهولاً والآخر معلوماً.

المقام الأول: في مجهولي التاريخ
اشارة

[1] فهنا صور أربع:

الأولى: الأثر للشيء بنحو مفاد كان التامة، أي: وجود الشيء بما هو هو، والتقدم أو التأخر أو التقارن منتزع عنه، فالأثر لحصة من الوجود.

وفي المنتقى: (إن الأمور الانتزاعية تنتزع عن الذات باعتبار تخصصها بخصوصية غير زائدة في الوجود عن أصل الذات، فالفوقية تنتزع عن السقف باعتبار تخصصه بخصوصية، وهذه الخصوصية غير زائدة عن ذاته. والتقدم وأخواه من الأمور الانتزاعية التي تنتزع عن الوجود باعتبار خصوصية غير زائدة عن ذاته. فمراد صاحب الكفاية يكون: إن الأثر المترتب على حصة خاصة من الوجود إذا لوحظت انتزع عنها وصف التأخر أو التقدم أو التقارن)(1)، انتهى.

مثلاً: لو أسلم الوارث الكافر وشككنا في أن إسلامه هل كان قبل قسمة التركة فيشارك سائر الورثة في التركة، أم كان إسلامه بعد قسمة التركة فلا يرث شيئاً؟ فالأثر مترتب على حصة من إسلامه وهي الواقعة قبل القسمة.

وفي هذه الصورة قد يجري الاستصحاب وقد لا يجري، كما سيذكره المصنف.

الثانية: الأثر للشيء بنحو مفاد كان الناقصة، أي: وجود الشيء متصفاً بالتقدم أو التأخر أو التقارن، فهنا شيئاًن: (الشيء)، و(وصفه).

مثلاً: الإرث متوقف على موت زيد المتصف بكونه متقدماً على موت عمرو، فيستصحب موت زيد المتصف بالتقدم.

ص: 131


1- منتقى الأصول 6: 238.

فتارةً[1] كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحوٍ خاص[2] من التقدم أو التأخر أو التقارن، لا للآخر[3]

----------------------------------

الثالثة: الأثر للعدم النعتي، أي: بنحو مفاد ليس الناقصة، أي: الأثر للحادث المتصف بالعدم في زمان حدوث الآخر.

مثلاً: كون الإرث مترتباً على موت الوارث المتصف بعدم التقدم حين موت المورث.

الرابعة: الأثر لعدم أحدهما حين حدوث الآخر، أي: بنحو مفاد ليس التامة.

مثلاً: كون إرث الوارث متوقفاً على عدم موته - أي: بقاؤه حياً - حين موت المورث. وفي هذه الصور الثلاث لا يجري الاستصحاب، كما سيتبيّن.

الصورة الأولى

[1] إشارة إلى الصورة الأولى، وحكمها: إن كان الأثر لأحدهما في نحو واحد فيجري استصحاب عدمه، كما كان الأثر لتقدم أحدهما، ولا أثر لتقارنه أو تأخره، ولم يكن للآخر أثر لا لتقدمه ولا لتأخره ولا لتقارنه.

أما لو كان للآخر أثر فيتعارض الاستصحابان، كما أنهما يتعارضان لو كان لتأخره بنفسه أو لتقارنه أثر أيضاً.

[2] شرح «بنحو خاص» بقوله «من التقدم...» أي: كان لتقدمه أثر، أو كان لتقارنه، أو كان لتأخره، فيجري استصحاب العدم.

[3] أي: ولم يكن للحادث الآخر أثر، لا لتقدمه ولا لتأخره ولا لتقارنه.

ومثاله - كما قيل - : (إذا كان أحد المتوارثين كافراً، فإن استصحاب عدم موت مسلمهما إلى زمان موت الآخر الكافر جارٍ، ويترتب عليه الأثر، وهو إرث المسلم منه، ولا يجري استصحاب عدم موت الكافر إلى زمان موت المسلم؛ لعدم أثر شرعي له حتى في ظرف العلم بتأخر موته عن موت المسلم، حيث إن الكافر لا

ص: 132

ولا له بنحوٍ آخر[1]، فاستصحاب عدمه[2] جارٍ بلا معارض؛ بخلاف ما إذا كان الأثر لوجود كل منهما كذلك[3]، أو لكل من أنحاء وجوده[4]، فإنه حينئذٍ يعارض[5]، فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد، للمعارضة باستصحاب العدم في آخر، لتحقق أركانه في كل منهما. هذا إذا كان الأثر المهم مترتباً على وجوده الخاص[6] الذي كان مفاد كان التامة.

وأما إن كان[7] مترتباً على ما إذا كان متصفاً بالتقدم أو بأحد ضديه الذي كان

----------------------------------

يرث المسلم)(1).

وفي المثال نظر، فإن عدم موت الكافر إلى زمان موت المسلم له أثر، وهو عدم إرث ذلك المسلم منه.

[1] أي: ولم يكن لنفس أحدهما أثر بنحو آخر، كما كان له أثر بالنحو الخاص، مثل أن يكون لتقدمه أثر ولتأخره أثر آخر.

ومثاله: الوارثان المسلمان، فتقدم موت أحدهما له أثر، وهو كونه مورثاً، وتأخر موته له أثر آخر وهو كونه وارثاً.

[2] أي: عدم وجود أحدهما بنحو خاص.

[3] «منهما» من الحادثين، «كذلك» بنحو خاص من التقدم والتأخر والتقارن.

[4] أي: أحد الحادثين لتقدمه أثر ولتأخره أثر آخر، ولتقارنه أثر ثالث - مثلاً - .

[5] أي: فإن الاستصحاب - حين كون الأثر لكليهما أو لكل من أنحاء وجود أحدهما - معارض باستصحاب عدم الآخر أو عدم النحو الآخر.

[6] أي: حصة من وجوده، فإذا لوحظت تلك الحصة انتزع عنها وصف التأخر أو التقدم أو التقارن، فما له الأثر أمر بسيط وهو حصة من الوجود.

الصورة الثانية

[7] إشارة إلى الصورة الثانية، أي: كان الأثر مترتباً على أمرين معاً - أي:

ص: 133


1- منتهى الدراية 7: 604.

مفاد كان الناقصة، فلا مورد هاهنا للاستصحاب، لعدم اليقين السابق فيه[1] بلا ارتياب.

وأخرى[2]، كان الأثر[3] لعدم أحدهما في زمان الآخر، فالتحقيق أنه أيضاً ليس بمورد للاستصحاب[4] في ما كان[5]

----------------------------------

الحادث المتصف بالتقدم أو التأخر أو التقارن - وهنا لا يجري الاستصحاب؛ لعدم اليقين السابق بهذا الحادث بهذا الوصف، ففي موت زيد وعمرو مع عدم معرفة المتقدم منهما عن المتأخر، إن (موت زيد بوصف تقدمه) لم يكن على يقين منه في أي زمان من الأزمنة. نظير ما لو وجد ماء لم يعلم بكريته أو عدم كريته من حين وجوده، فالماء الموصوف بعدم الكرية لا حالة سابقة له؛ إذ المتيقن سابقاً هو العدم المطلق، أما (الماء بوصف عدم كريته) فلا حالة سابقة له.

[1] أي: في هاهنا - وهو كون الحادث بقيد كونه متصفاً بالتقدم أو أحد ضديه - .

[2] إشارة إلى الصورتين الثالثة والرابعة، فقوله: «وأخرى» أي: وتارة أخرى، عطف على (تارة) في قوله: (فإن كانا مجهولي التاريخ فتارة... الخ).

[3] بمفاد ليس - ناقصة أو تامة - .

[4] لعدم تمامية أركانه، أما الصورة الثالثة فلعدم اليقين السابق، وأما الرابعة فلعدم اتصال الشك باليقين - كما سيأتي التوضيح - .

الصورة الثالثة

[5] إشارة إلى الصورة الثالثة، وهي ما كان الأثر للشيء بمفاد ليس الناقصة - أي: العدم النعتي - .

مثلاً: كان الإرث متوقفاً على موت الوارث المتصف بعدم التقدم على موت المورث، فلا يجري الاستصحاب؛ لعدم اليقين السابق.

نظير الماء القليل إذا لاقى نجساً وصار كراً، ولا نعلم بالمتقدم من الملاقاة والكرية،

ص: 134

الأثر المهم مترتباً على ثبوته[1] المتصف بالعدم[2] في زمان حدوث الآخر، لعدم[3] اليقين بحدوثه كذلك[4] في زمان، بل قضية[5] الاستصحاب عدم حدوثه كذلك، كما لا يخفى.

----------------------------------

فإن كانت الكرية متقدمة فلا تضرّه ملاقاة النجاسة؛ إذ الكر لا ينجس بالملاقاة، وإن كانت الملاقاة متقدمة فالماء نجس؛ إذ القليل ينجس بالملاقاة ولا ينفع تتميمه كراً بعد النجاسة. فينجس الماء بوصف عدم الكرية في زمن الملاقاة، كما لا ينجس الماء بوصف عدم الملاقاة في زمان الكرية.

وهنا لا يجري الاستصحاب؛ إذ لا حالة سابقة ل- (الماء بوصف عدم الكرية) ولا ل- (الماء بوصف عدم الملاقاة).

[1] أي: ثبوت أحدهما كموت الوارث في المثال، «المتصف بالعدم» أي: عدم التقدم - مثلاً - «زمان حدوث الآخر» كموت المورث، والحاصل: موت الوارث متصف بعدم التقدم حين حدوث موت المورّث.

وفي بعض النسخ هكذا (في ما كان الأثر المهم مترتباً على ثبوته للحادث، بأن يكون الأثر للحادث المتصف بالعدم... الخ) فالمعنى: على ثبوت الأثر للحادث - الذي هو أحدهما موت الوارث في المثال - ... الخ.

[2] أي: عدم التقدم - أو أحد أخويه - وفي المثال عدم التقدم؛ لأن الوارث إنما يرث لو لم يكن موته موصوفاً بالتقدم على موت المورث؛ لأن الميت قبلاً لا يرث الميت بعداً.

[3] دليل عدم جريان الاستصحاب، وبيانه كبيان الصورة الثانية، فإن (موت الوارث بوصف عدم التقدم) لا يقين سابق به؛ إذ لا نعلم بذلك في أي زمان من الأزمنة.

[4] «بحدوثه» بحدوث أحدهما، «كذلك» بوصف عدم التقدم.

[5] أي: لا يجري استصحاب (الموت بوصف التقدم) الذي كان له الأثر، بل

ص: 135

وكذا[1] في ما كان[2] مترتباً على نفس عدمه في زمان الآخر واقعاً[3]، وإن

----------------------------------

يجري استصحاب عدمه، أي: (عدم الموت بوصف التقدم) فإن هذا من قبيل استصحاب العدم الأزلي، لكنه معارض باستصحاب (عدم الموت بوصف التأخر)، كما يتعارض مع استصحاب (عدم موت الآخر بهذه الأوصاف)، «حدوثه» أي: أحدهما، «كذلك» أي: بوصف العدم.

الصورة الرابعة
اشارة

[1] إشارة إلى الصورة الرابعة وهي العمدة، ولها الثمرة؛ لأن الصور السابقة لا مثال واقعي لها، بل مجرد فروض إلاّ نادراً.

وفي هذه الصورة الأثر مترتب على العدم الذي هو مفاد ليس التامة. وبعبارة أخرى: الأثر لعدم أحدهما في زمان حدوث الآخر.

مثلاً: إرث الوارث متوقف على عدم موته حين موت المورّث. وفي هذه الصورة أيضاً لا يجري الاستصحاب، ولكن لماذا لا يجري؟

اختلف الشيخ الأعظم والمصنف في سبب عدم جريانه.

فالشيخ الأعظم(1)

يرى عدم الجريان لتعارض الاستصحابين، وعليه: فإذا لم يجرِ أحدهما - لكونه بلا أثر أو لكونه مثبتاً - فحينئذٍ يجري الآخر؛ لارتفاع التعارض - وسيأتي مثاله - .

والمصنف يرى عدم جريان الاستصحاب؛ لعدم تمامية أركانه، فأحد الأركان - وهو اتصال زمان الشك بزمان اليقين - غير محرز، وعليه: فلا يجري الاستصحابان مطلقاً.

[2] «كان» أي: الأثر، «نفس عدمه» بمفاد ليس التامة، أي: عدم الشيء كعدم موت الوارث.

[3] أي: زمان الوجود الواقعي للآخر، فالوارث يرث إذا لم يكن ميّتاً حين

ص: 136


1- فرائد الأصول 3: 249 - 250.

كان[1] على يقين منه في آن[2] قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما، لعدم[3] إحراز

----------------------------------

موت المورث، ويراد بالاستصحاب إحراز عدم موته تعبداً.

[1] أي: لا ينفع اليقين بعدم الموت سابقاً؛ وذلك لاختلال ركن آخر من أركان الاستصحاب، وهو الاتصال.

[2] مثلاً: يعلم بحياتهما يوم الأربعاء ثم يعلم بموت أحدهما في الخميس والآخر في الجمعة، فقبل موتهما كان عالماً بحياة الوارث في يوم الأربعاء، «زمان اليقين بحدوث أحدهما» هو الخميس في المثال، حيث يعلم إجمالاً بأنه مات أحدهما في الخميس.

[3] هذا دليل عدم جريان الاستصحاب، وحاصله: إن اتصال زمان المتيقن بزمان المشكوك لازم، فإن انقطع الاتصال لم يجر الاستصحاب قطعاً.

مثلاً: لو علم بالطهارة ثم علم بالنجاسة ثم شك فإنه لا يجري استصحاب الطهارة؛ وذلك لأن زمان الشك بالطهارة منقطع عن زمان اليقين بها، والانقطاع حصل بسبب اليقين بالنجاسة، بل هنا يجري استصحاب النجاسة؛ لأن اليقين بها متصل بالشك، وهذا واضح.

وهكذا لو كان الفاصل علماً إجمالياً، كما لو علم بطهارة الإناء الأول ثم علم بتنجس أحد الإناءين، ثم شك في طهارة الإناء الأول فإنه لا يجري استصحاب طهارة الإناء الأول؛ وذلك لاحتمال انقطاع زمان المتيقن عن زمان المشكوك؛ لأن الإناء المتنجس إن كان الإناء الأول فقد انقطع اليقين بطهارته عن زمان الشك، وإن كان المتنجس الإناء الثاني فلم ينقطع زمان اليقين عن زمان الشك، فهنا يحتمل الانقطاع ويحتمل عدم الانقطاع، فلا يجوز له التمسك بأدلة الاستصحاب؛ لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية؛ إذ الاستصحاب يجري لو أحرزنا أركانه، فإذا شككنا في الأركان فإنه لا يمكننا التمسك بأدلة الاستصحاب؛ لأنا نشك في أن

ص: 137

اتصال زمان شكه[1] - وهو زمان حدوث الآخر[2] - بزمان يقينه، لاحتمال[3] انفصاله عنه باتصال[4] حدوثه[5] به.

وبالجملة[6]:

----------------------------------

هذا مصداق للاستصحاب أم لا. وهذا نظير ما لو أمرنا المولى بإكرام العلماء ثم شككنا بأن زيداً عالم أم لا، فلا يمكن التمسك لإكرامه بقوله: (أكرم العلماء) كما هو واضح.

[1] مرجع الضمير يستفاد من السياق، أي: شك المستصِحب - بكسر الصاد - .

[2] لأن الشك في هذا الزمان هو الركن الثاني للاستصحاب، أي: حين موت المورث يكون شاكاً في موت الوارث فيستصحب عدم موته، لكن لا يوجد هنا الركن الثالث للاستصحاب - وهو الاتصال - .

[3] أي: كما أن اليقين اللاحق يقطع اليقين السابق عن الشك اللاحق كذا العلم الإجمالي أيضاً يقطع، «انفصاله» أي: زمان الشك، «عنه» عن زمان اليقين.

[4] بيان كيفية انقطاع اليقين عن الشك، والمعنى: باتصال موت الوارث بزمان الشك، أي: كنا على يقين من حياة الوارث يوم الأربعاء، ونعلم إجمالاً إما بموته أو موت المورث يوم الخميس، ثم نشك في حياة الوارث حال موت المورث، فهذا الشك قد انقطع عن اليقين السابق؛ وذلك لتحقق العلم الإجمالي بين اليقين والشك.

[5] أي: اتصال حدوث موت الوارث، «به» أي: باليقين بعدم موت الوارث، أي: يحتمل موت الوارث قبل موت المورث، فيكون احتمال موت الوارث قد قطع الاتصال؛ لأن هذا الاحتمال بسبب العلم الإجمالي، والعلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في قطعه الاتصال - كما بيناه - .

[6] حاصله: إنه في الساعة الأولى يعلم بعدم موتهما، وفي الساعة الثانية يعلم موت أحدهما لا على التعيين، وفي الساعة الثالثة يعلم موت الآخر، فالساعة

ص: 138

كان بعد ذاك الآن[1] - الذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما - زمانان[2] أحدهما زمان حدوثه[3]، والآخر زمان حدوث الآخر[4] وثبوته الذي يكون ظرفاً للشك[5] في أنه[6] فيه أو قبله، وحيث[7] شك في أن أيهما مقدم وأيهما مؤخر لم يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، ومعه لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز[8] معه كون

----------------------------------

الأولى هي زمان اليقين بعدم موت الوارث، والساعة الثانية يحتمل موته بالعلم الإجمالي، ثم بعد هذا العلم الإجمالي هو شاك في موت الوارث قبل موت المورث، فهذا الشك قد انقطع عن الساعة الأولى.

[1] «ذاك الآن» هو زمان اليقين بحياتهما - الساعة الأولى في المثال - وقوله: «الذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما» جملة معترضة لبيان «ذاك الآن» أي: الذي قبل حصول العلم الإجمالي بحدوث أحدهما.

[2] اسم كان، أي: كان بعد ذلك الآن - وهو زمان اليقين بهما - زمانان.

[3] أي: حدوث هذا الشيء الذي يراد استصحاب عدمه، كموت الوارث.

[4] كموت المورث، «و ثبوته» عطف تفسيري على «حدوث الآخر».

[5] أي: زمان موت المورث هو الوقت الذي يشك في أن الوارث مات قبله أو مات بعده، فهنا شك في موت الوارث في ذلك الوقت مع يقين سابق بعدم موته، ولكن لا يجري الاستصحاب للانقطاع.

[6] «أنه» أن موت الوارث، «فيه» أي: بعد حدوث الآخر وهو موت المورث، «أو قبله» أي: قبل حدوث الآخر - موت المورث - .

[7] بيان وجه الانقطاع، «أيهما» أيّ الحادثين؛ لأن زمان الشك هو وقت موت المورّث، ويمكن واقعاً أن يكون موت المورث في الساعة الثالثة، فصار زمان الشك منفصلاً عن زمان اليقين - وهو الساعة الأولى في المثال - «ومعه» عدم إحراز الاتصال.

[8] أي: فيكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية؛ لأن الدليل هو:

ص: 139

رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض اليقين بالشك.

لا يقال[1]: لا شبهة في اتصال مجموع الزمانين بذاك الآن[2]، وهو[3] بتمامه زمان الشك في حدوثه، لاحتمال[4] تأخره عن الآخر. مثلاً: إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما[5] في ساعة، وصار على يقين من حدوث أحدهما بلا

----------------------------------

(لا تنقض اليقين بالشك) ولا يعلم أن المورد من مصاديق النقض، «بعدم حدوثه» أي: اليقين بعدم موت الوارث، «بهذا الشك» أي: الشك بموت الوارث في زمان كان المورث ميتاً.

إشكال

[1] حاصله: إن تمام الساعتين - الثانية والثالثة - هما زمان الشك بالوجدان؛ لأنا نعلم بحياة الوارث يوم الأربعاء، ولا نعلم بموته يوم الخميس أو الجمعة، فالشك - وهو عدم العلم بموت - يكون في كل يوم الخميس إلى قبيل نهاية يوم الجمعة.

[2] «مجموع الزمانين» أي: زمان حدوث أحدهما لا على التعيين أولاً، ثم زمان حدوث الآخر لا على التعيين ثانياً، «بذلك الآن» أي: زمان اليقين بعدم موت أيٍّ منها - يوم الأربعاء في المثال - .

[3] أي: مجموع الزمانين، «في حدوثه» أي: حدوث الحادث الذي يراد استصحاب عدمه، كموت الوارث.

[4] بيان أن مجموع الزمانين هو زمان الشك، والمعنى: أن زمان حدوث أحدهما - كموت الوارث الذي يُراد استصحاب عدمه - يحتمل تأخره عن الآخر - كموت المورث - كما يحتمل أنه متقدم عليه، وهذا الاحتمال هو الشك، وهذا الشك يكون منذ الساعة الثانية ويستمر إلى الساعة الثالثة، فاتصل اليقين بالشك.

[5] أي: عدم حدوث أيِّ واحد منهما، «في ساعة» الأربعاء في المثال، «ساعة أخرى بعدها» كالخميس في المثال.

ص: 140

تعيين في ساعة أخرى بعدها، وحدوث الآخر في ساعة ثالثة، كان زمان الشك في حدوث كل منهما[1] تمام الساعتين، لا خصوص إحداهما، كما لا يخفى.

فإنه يقال[2]: نعم[3]، ولكنه إذا كان بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان، والمفروض[4] أنه بلحاظ إضافته إلى الآخر وأنه[5] حدث في زمان حدوثه وثبوته

----------------------------------

[1] من الحادثين - كموت الوارث وموت المورث - «تمام الساعتين» لاحتمال التقدم والتأخر في كل واحد منهما.

جواب الإشكال

[2] حاصل الجواب: إنه إن لوحظ كل واحد من الحادثين بلحاظ نفس الزمان فيقال: إن موت الوارث مشكوك في يوم الخميس، كما أنه مشكوك في يوم الجمعة، فالاتصال بين اليقين والشك موجود.

ولكن إن لوحظ بالإضافة إلى الآخر - كما هو مورد هذه الصورة - فلا اتصال؛ لأن زمان الشك هو زمان تحقق الآخر - أي: موت المورث - فنحن نشك في موت الوارث في الوقت الذي كان المورث ميتاً، وتحقق الآخر - وهو موت المورث - يحتمل أن يكون يوم الخميس، فاتصل زمان الشك بزمان اليقين، ويحتمل أن يكون يوم الجمعة فلا اتصال.

[3] أي: نسلم اتصال زمان الشك بزمان اليقين، لكن في فرض آخر خارج عن محل البحث - وهو الصورة الرابعة - «ولكنه» أي: لكن الشك، «إضافته» أي: نسبة الشك، «أجزاء الزمان» ففي يوم الخميس مشكوك موت الوارث، كما أنه في يوم الجمعة كذلك مشكوك.

[4] أي: محل البحث هو فرض نسبة الحادث إلى حادث آخر، لا نسبته إلى نفس الزمان، «إضافته» أي: الحادث - كموت الوارث - .

[5] بيان صورة الفرض «أنه» أن الحادث كموت الوارث «حدوثه» أي: حدوث

ص: 141

أو قبله، ولا شبهة أن زمان شكه[1] بهذا اللحاظ إنما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر وحدوثه[2] لا الساعتين.

فانقدح أنه لا مورد هاهنا[3] للاستصحاب، لاختلال أركانه[4]، لا أنه مورده[5]، وعدم جريانه إنما هو بالمعارضة[6]، كي يختص[7]

----------------------------------

الآخر كموت المورث «و ثبوته» عطف تفسيري على «حدوثه» أي: في الوقت الذي كان المورث ميتاً «أو قبله» أي: قبل حدوث الآخر في الوقت الذي كان المورث حياً.

[1] أي: شك من يريد الاستصحاب، «بهذا اللحاظ» أي: بلحاظ نسبته إلى الآخر.

[2] وثبوت الآخر يحتمل أن يكون في الساعة الثالثة فانفصل زمان الشك عن اليقين، كما يحتمل أن يكون في الساعة الثانية فاتصل.

[3] أي: في الصورة الرابعة - وهو ما إذا كان الأثر مترتباً على عدم أحدهما في زمان الآخر - كعدم موت الوارث في زمان موت المورث.

[4] أي: لعدم استجماع الأركان، فأحد الأركان - وهو الاتصال - غير معلوم التحقق.

[5] أي: لا أن هاهنا - في هذه الصورة - مورد الاستصحاب، «عدم جريانه» أي: الاستصحاب، «هو» عدم الجريان.

[6] كما ذهب إليه الشيخ الأعظم(1)،

فاستصحاب عدم موت الوارث إلى حين موت المورث معارض باستصحاب عدم موت المورث إلى حين موت الوارث.

[7] أي: عدم الجريان، بأن يقال: ما دامت المعارضة موجودة فلا يجري الاستصحاب، فلو ارتفعت المعارضة بعدم جريان أحد الاستصحابين لعدم أثر له - مثلاً - فحينئذٍ يجري الآخر.

ص: 142


1- فرائد الأصول 3: 249.

بما كان الأثر لعدم كل[1] في زمان الآخر، وإلاّ [2] كان الاستصحاب في ما له الأثر جارياً.

وأما لو علم بتاريخ أحدهما[3]،

----------------------------------

[1] أي: كل من الحادثين كان له أثر.

[2] أي: لو لم يكن لكيهما أثر، بل كان الأثر لأحدهما فقط.

مثلاً: لو أجاز الراهن بيع العين المرهونة ثم رجع عن إذنه، وقد باع المرتهن تلك العين، ولا يعلم بأن بيعه كان قبل الرجوع فيكون صحيحاً، أم كان بعد الرجوع فيكون فاسداً فهنا استصحابان:

1- استصحاب عدم الرجوع إلى حين البيع، وهذا أثره صحة البيع.

2- استصحاب عدم البيع إلى حين الرجوع، وهذا لا أثر له؛ لأن الفساد ليس أثراً لعدم البيع، بل الفساد أثر للبيع بعد الرجوع، وهو لازم عقلي لعدم البيع إلى حين الرجوع، فإذا استصحب عدم البيع إلى حين الرجوع فإنّ لازمه البيع بعد الرجوع، وأثر اللازم هو الفساد، وهذا أصل مثبت.

إذن، لا يجري الاستصحاب الثاني، فيجري الاستصحاب الأول بلا معارضة.

المقام الثاني: في مجهول التاريخ ومعلومه
اشارة

[3] مع الجهل بتاريخ الآخر، كما لو كان أحد الورثة كافراً ثم أسلم، وقد علمنا بأن قسمة الإرث كانت يوم الجمعة، وشككنا في أن إسلام هذا كان يوم الخميس فيكون وارثاً، أو كان يوم السبت فلا إرث له؛ لأن الكفر مانع عن الإرث إذا استمر إلى حين القسمة.

ويذهب المصنف إلى عدم الفرق بين هذا المقام وبين المقام السابق في مجهولي التاريخ في كل الصور الأربع، لكن الشيخ الأعظم فرّق بين المقامين في الصورة

ص: 143

فلا يخلو أيضاً: إما يكون[1] الأثر المهم مترتباً على الوجود الخاص[2] من المقدم أو المؤخر أو المقارن، فلا إشكال في استصحاب عدمه[3]، لو لا المعارضة باستصحاب العدم في طرف الآخر[4] أو طرفه[5]، كما تقدم.

----------------------------------

الرابعة - ما كان الأثر للشيء بمفاد ليس التامة - .

الصورة الأولى

[1] هذه الصورة الأولى، وهي كون الأثر مترتباً على وجود الشيء بمفاد كان التامة.

مثلاً: الإرث يترتب على تقدم الإسلام على القسمة، فيستصحب (عدم الحصة المتقدمة من الإسلام).

وعدم الإرث يترتب على تأخر الإسلام عن القسمة أو تقارنهما فيستصحب (عدم الحصة المتأخرة من الإسلام) أو (عدم الحصة المتقارنة).

وكذا عدم الإرث يترتب على تقدم القسمة، فيستصحب (عدم الحصة المتقدمة من القسمة)، وكذا في التقارن.

فهذه استصحابات متعارضة، فلا تجري لأجل المعارضة.

[2] قد مرّ في المقام الأول - مجهولي التاريخ - أن المراد من الوجود الخاص هو الحصة من الوجود، فلم يؤخذ وصف التقدم أو التأخر أو التقارن في موضوع الأثر، لكن الحصة التي ظرفها التقدم أو التأخر أو التقارن قد يكون لها أثر، فدقق.

[3] أي: عدم الوجود الخاص.

[4] أي: الحادث الآخر، فاستصحاب (عدم الإسلام وقت القسمة) معارض باستصحاب (عدم القسمة وقت الإسلام).

[5] أي: طرف نفس الحادث، كاستصحاب (عدم الحصة المتقدمة من الإسلام) معارض باستصحاب (عدم الحصة المتأخرة منه) - مثلاً - .

ص: 144

وإما يكون[1] مترتباً على ما إذا كان متصفاً بكذا[2]، فلا مورد للاستصحاب أصلاً، لا في مجهول التاريخ ولا في معلومه، كما لا يخفى، لعدم[3] اليقين بالاتصاف به[4] سابقاً فيهما.

وإما يكون[5] مترتباً على عدمه الذي هو مفاد ليس التامة في زمان الآخر، فاستصحاب العدم[6] في مجهول التاريخ منهما كان جارياً، لاتصال زمان شكه

----------------------------------

الصورة الثانية والثالثة

[1] إشارة إلى الصورة الثانية والثالثة، وهي كون الأثر للحادث المتصف بوصف التقدم أو التأخر أو التقارن - وهذا مفاد كان الناقصة - أو كون الأثر للحادث المتصف بعدم التقدم أو أحد أخويه - وهذا مفاد ليس الناقصة - .

[2] «كذا» أي: التقدم أو التأخر أو التقارن.

[3] أي: لعدم اليقين السابق، فإن (الإسلام المتصف بالتقدم) غير معلوم سابقاً أصلاً، وكذا (الإسلام المتصف بعدم التقدم).

[4] «به» أي: بكذا - وهو التقدم أو التأخر أو التقارن - .

الصورة الرابعة

[5] إشارة إلى الصورة الرابعة، وهي كون الأثر مترتباً على عدم أحدهما في زمان الآخر، مثلاً: الإرث مترتب على عدم القسمة في زمان إسلام الوارث الكافر.

[6] حاصل كلام المصنف أن:

1- استصحاب عدم الحادث - المجهول تاريخه - جارٍ بلا معارضة، مثلاً: استصحاب عدم الإسلام إلى حين القسمة، وأثره عدم إرث هذا الكافر الذي أسلم؛ وذلك لتمامية أركان الاستصحاب، فنحن نعلم بعدم إسلامه سابقاً، ونشك في تحقق الإسلام قبل القسمة، فنستصحب عدم الإسلام، وزمان المتيقن متصل بزمان المشكوك؛ لأن زمان المشكوك هو قبل القسمة، وهذا الوقت متصل

ص: 145

بزمان يقينه، دون معلومه[1]، لانتفاء[2] الشك فيه في زمان، وإنما الشك[3] فيه بإضافة زمانه إلى الآخر، وقد عرفت[4] جريانه فيهما تارةً وعدم جريانه كذلك أخرى.

فانقدح[5]

----------------------------------

بالوقت الذي كان الوارث فيه كافراً يقيناً.

2- استصحاب عدم الحادث - المعلوم تاريخه - كعدم القسمة.

أ: فإن أريد استصحاب عدم القسمة بالإضافة إلى الزمان فهنا لا شك أصلاً؛ لأنا نعلم بأن القسمة كانت في يوم الجمعة، فقبل الجمعة قطع بعدم القسمة، ويوم الجمعة قطع بالقسمة، فلا شك أصلاً.

ب: وإن أريد استصحاب عدم القسمة بالإضافة إلى الإسلام فهذا يرجع إلى الصورة الأولى أو الثانية؛ لأن القسمة إن لوحظت بأنها حصة وجودية فصارت مفاد كان التامة، فاستصحاب عدمها جارٍ لو لا المعارضة، وإن لوحظت القسمة بوصف التقدم أو التأخر أو التقارن، فصارت مفاد كان الناقصة، فلا يجري استصحابها لعدم اليقين السابق.

[1] أي: لا يجري الاستصحاب في معلوم التاريخ - القسمة في المثال - .

[2] أي: لا شك في معلوم التاريخ - القسمة - في أي زمان من الأزمنة.

هذا إذا لوحظت القسمة بالإضافة إلى الزمان، أشرنا إليه في البند (أ).

[3] إشارة إلى البند (ب)، «فيه» أي: في معلوم التاريخ.

[4] مقصود المصنف هو رجوع هذه الصورة الرابعة إلى الصورة الأولى أو الثانية، «جريانه» أي: الاستصحاب، «فيهما» أي: في معلوم التاريخ ومجهوله، «تارة» إذا كان الأثر للشيء بمفاد كان التامة، «كذلك» أي: فيهما، «أخرى» في ما كان الأثر للشيء بمفاد كان الناقصة.

[5] أي: اتضح بما ذكرناه عدم الفرق بين المقام الأول - وهو مجهولي التاريخ -

ص: 146

أنه لا فرق بينهما[1]، كان الحادثان مجهولي التاريخ أو كانا مختلفين، ولا بين مجهوله ومعلومه في المختلفين، في ما[2] اعتبر في الموضوع[3] خصوصية ناشئة من إضافة أحدهما إلى الآخر بحسب[4] الزمان من التقدم أو أحد ضديه وشك فيها، كما لا يخفى.

كما انقدح[5]

----------------------------------

وبين المقام الثاني - وهو كون أحدهما معلوم التاريخ والآخر مجهوله - .

كما أنه لا فرق بين معلوم التاريخ وبين مجهوله، فإن كان الأثر للشيء بمفاد كان التامة جري الاستصحاب في كلّها لتمامية أركانه - لو لا المعارضة - وإن كان الأثر للشيء بمفاد كان الناقصة أو ليس الناقصة، فلا يجري الاستصحاب في جميعها؛ لعدم اليقين السابق، وإن كان الأثر للشيء بمفاد ليس الناقصة، فإن لم يتصل زمان الشك بزمان اليقين فلا يجري الاستصحاب، وإلاّ جرى - لو لا المعارضة - .

وبذلك يتضح الإشكال على كلام الشيخ الأعظم، حيث فرّق بين معلوم التاريخ فلا يجري فيه الاستصحاب، وبين مجهوله فيجري، كما اتضح الإشكال في كلامه في مجهولي التاريخ، وقد مرّ تفصيله.

[1] أي: بين الحادثين، «كان» أي: سواء كان.

[2] أي: في ما لو لوحظ أحد الحادثين بالإضافة إلى الآخر.

نعم، لو لوحظا بالإضافة إلى نفس الزمان فلا يجري الاستصحاب في معلوم التاريخ - لعدم الشك فيه أصلاً - مع جريانه في مجهول التاريخ لتمامية الأركان.

[3] أي: الموضوع الذي يراد استصحابه.

[4] «بحسب» متعلقه ب- «إضافة» و«من التقدم...» بيان للخصوصية، أي: تلك الخصوصية هي التقدم أو التأخر أو التقارن، «فيها» في الخصوصية.

تعاقب حالتين

[5] هنا بيان حكم تعاقب حالتين، حيث لا يعلم المتقدم من المتأخر، كما لو

ص: 147

أنه لا مورد للاستصحاب[1] أيضاً في ما تعاقب حالتان متضادتان - كالطهارة والنجاسة - وشك في ثبوتهما وانتفائهما[2]، للشك[3] في المقدم والمؤخر منهما، وذلك[4]

----------------------------------

توضأ وأحدث، ولا يعلم بالسابق عن اللاحق، فقد قيل بتعارض استصحاب الوضوء مع استصحاب الحدث فيتساقطان، لكن المصنف يرى عدم تمامية أركان الاستصحاب؛ وذلك لاحتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين.

ففي استصحاب الوضوء لو كان المقدّم واقعاً هو الحدث فإن زمان اليقين بالوضوء متصل بزمان الشك به، ولكن لو كان المقدم واقعاً هو الوضوء فقد انفصل زمان اليقين بالوضوء عن زمان الشك به؛ وذلك لتوسط الحدث بينهما، وحيث لا يعلم الانفصال والاتصال فإنه يحتمل الانفصال، فلم تتم أركان الاستصحاب.

ثم إن الفرق بين (تعاقب الحالتين) وبين (مجهولي التاريخ) في أمور، منها:

1- هنا الموضوع واحد (زيد المتوضؤ والمحدث)، وهناك الموضوع متعدد (الأب والابن في موتهما).

2- هنا التردد في زمان المتيقن، فهو متيقن بالوضوء وبالحدث، لكن لا يدري أيهما أسبق، وهناك التردد في زمان المشكوك، حيث كان ظرف الشك هو الحادث الآخر - ولا يعلم زمان الحادث الآخر - .

3- هنا يراد استصحاب الوجود - أي: الوضوء مثلاً - وهناك يراد استصحاب العدم، كعدم موت الولد - مثلاً - .

[1] لعدم تمامية الأركان، «حالتان» فاعل «تعاقب».

[2] فنعلم إجمالاً بثبوت أحدهما وبانتفاء الآخر، ولكن حيث لا ندري بالتفصيل فيكون كل واحد منهما محتملاً، فيكون الشك فيهما.

[3] أي: سبب الشك في ثبوتهما وانتفائهما هو عدم علمنا بالمتقدم عن المتأخر.

[4] هذا علّة عدم مورد للاستصحاب باختلال أحد أركانه.

ص: 148

لعدم إحراز[1] الحالة السابقة المتيقنة المتصلة بزمان الشك في ثبوتهما وترددها[2] بين الحالتين، وأنه[3] ليس من تعارض الاستصحابين، فافهم وتأمل في المقام، فإنه دقيق.

الثاني عشر[4]: إنه قد عرفت[5] أن مورد الاستصحاب لابد أن يكون حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم كذلك، فلا إشكال في ما كان المستصحب من الأحكام الفرعية[6]

----------------------------------

[1] النفي يرجع إلى صفة «المتصلة»، أي: عدم إحراز اتصال زمان اليقين بزمان الشك، و«بزمان الشك» متعلق ب- «المتصلة»، و«في ثبوتهما» متعلق ب- «الشك».

[2] عطف على (لعدم إحراز الحالة...)، أي: وذلك لتردد الحالة السابقة المتصلة، «بين الحالتين» التي لا يعلم المتقدم منهما عن المتأخر كالطهارة والنجاسة.

[3] أي: وانقدح أنه ليس...، فليس عدم جريان الاستصحاب للتعارض، بل لعدم تمامية الأركان.

التنبيه الثاني عشر: استصحاب العقائد
اشارة

[4] وقعت مناظرة بين أحد العلماء وبين يهودي في قرية ذي الكفل - بين النجف وكربلاء - فتمسك اليهودي باستصحاب نبوة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لنفي نبوة رسول الله محمد صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ.

ومن قبل حدثت مناظرة بين الإمام الرضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وبين الجاثليق قريبة بهذا المضمون.

[5] ذكره المصنف كمقدمة لهذا التنبيه، وهو أنه قد مرّ لزوم كون الاستصحاب مما يرتبط بالأحكام الشرعية، إما مباشرة كاستصحاب نفس الحكم، أو بواسطة كاستصحاب موضوع له حكم شرعي؛ وذلك لأن الاستصحاب إنما هو تعبد بالبقاء شرعاً، فلابد من أن يكون مرتبطاً بالشرع، وإلاّ كان لغواً، «كذلك» أي: شرعاً.

[6] مما تقابل أصول الدين، فالفرعية تشمل المسائل الفقهية، كما تشمل مسائل أصول الفقه.

ص: 149

أو الموضوعات الصرفة الخارجية[1] أو اللغوية[2] إذا كانت ذات أحكام شرعية.

وأما الأمور الاعتقادية[3]

----------------------------------

[1] وكذا الموضوعات غير الصرفة.

فالِصرفة: ما لا مدخل للشرع في الموضوع لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يبيّن الشرع حكمه، مثل: (خمرية الخمر).

وغير الصِرفة: ما كان موضوعاً خارجياً ولكن ينتزع منه الشرع، فصار للشرع فيه دخل، مثل: (نجاسة البول)، فإن (البول) موضوع خارجي ينتزع منه الشارع النجاسة.

وهناك قسم ثالث وهو الموضوع المستنبط، وهو ما كان من اختراع الشارع كالصلاة - مثلاً - .

[2] كما لو علمنا باستعمال العرب قبل الإسلام هذه الكلمة لهذا المعنى، ثم شككنا في أن الشارع استعملها بنفس المعنى أم أن المعنى تغيّر بفعل تحرّك اللغات ومطاطيتها، فيستصحب بقاء ذلك المعنى.

ولا يخفى أن هذا أصل مثبت؛ لأن بقاء المعنى لا يفيدنا إلاّ إذا استعمله الشارع بذلك المعنى، فاستصحاب المعنى يلازم استعمال الشارع لتلك الكلمة في ذلك المعنى، إلاّ إذا اُدعي خفاء الواسطة.

[3] قد مرّ في باب الانسداد أن الأمور العقائدية على قسمين:

الأول: ما لا يلزم تحصيل العلم بها، ولكن لو علم بها وجب عليه الاعتقاد بها - أي: عقد القلب عليها - وهذه في بعض تفاصيل الاعتقاديات، كبعض تفاصيل الجنة والنار ونحوها.

الثاني: ما يجب تحصيل العلم بها، فلا يكفي الظن ولا يجوز الشك، وتحصيل العلم يكون عن طريق إيجاد المقدمات التي توصل إلى العلم، ويدخل في هذا القسم التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.

ص: 150

التي كان المهم فيها شرعاً[1] هو الانقياد والتسليم والاعتقاد[2] - بمعنى عقد القلب عليها[3] - من [4] الأعمال القلبية الاختيارية، فكذا[5] لا إشكال في الاستصحاب

----------------------------------

القسم الأول

[1] بل وعقلاً للزوم تصديق الله ورسوله صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ والأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

[2] أي: لا يجب فيها تحصيل العلم، ولكن لو علم وجب عليه التصديق بها، وقوله: «الانقياد والتسليم والاعتقاد» كلمات متقاربة المعنى، أي: قبول تلك الحقيقة الاعتقادية التي علم بها.

[3] شرح للانقياد والتسليم والاعتقاد، وقد مرّ أن العلم لا يلازم الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد هو الإذعان بالشيء، أي: البناء على قبوله، فكم من منافق أو كافر يعلم الحق لكنه لا يعتقد به، أي: يبني على عدم قبوله، كما قال تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ}(1).

[4] بيان للانقياد والتسليم والاعتقاد، والغرض هو ذكر أن الانقياد وأخويه من الأمور الاختيارية، فيمكن تعلق تكليف بها.

[5] أي: مثل الأحكام الفرعية والموضوعات الخارجية أو اللغوية، «فيها» في الأمور الاعتقادية. والاستصحاب هنا قد يكون في الحكم أو الموضوع: (فاستصحاب الحكم) بمعنى: أنه لو كان لنا يقين بوجوب الاعتقاد بشيء ثم شككنا في بقاء هذا الوجوب فنستصحبه، وهو استصحاب حكم - أي: الوجوب - .

و(استصحاب الموضوع) بمعنى: لو تيقنا بوجود شيء من الأمور الاعتقادية، ثم شككنا في بقائه، كما لو علمنا بوجود سؤال منكر ونكير في النجف، ثم بعد دفن أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ شككنا في بقاء سؤال القبر في النجف، فهنا نستصحب بقاءه إذا فرض له أثر شرعي!!

ص: 151


1- سورة النمل، الآية: 14.

فيها حكماً وكذا موضوعاً في ما كان هناك يقين سابق وشك لاحق، لصحة[1] التنزيل وعموم الدليل.

وكونه[2] أصلاً عملياً إنما هو[3] بمعنى أنه وظيفة الشاك تعبداً، قبالاً للأمارات الحاكية عن الواقعيات، فيعم[4] العمل بالجوانح كالجوارح.

----------------------------------

[1] يستدل المصنف لجريان الاستصحاب بعدم المانع مع وجود المقتضي.

الأول: عدم المانع عن التعبد، فإن الحكم بيد الشارع، والموضوع له حكم شرعي فأيضاً ارتبط بالشارع، فلا إشكال في تنزيل المشكوك منزلة المتيقن وإبقاء أحكام المتيقن.

الثاني: وجود المقتضي؛ وذلك لعموم دليل الاستصحاب، فقوله: (لا تنقض اليقين بالشك) مطلق يشمل اليقين والشك في الاعتقاديات أيضاً.

[2] «كونه» كون الاستصحاب، وهذا دفع إشكال، حاصله: إن الاستصحاب أصل عملي، فلا يجري في الاعتقاديات التي لا ترتبط بالعمل.

والجواب: إن قولهم: (أصل عملي) هو اصطلاح العلماء ولم يرد في الأخبار، فلا يقيّد به الدليل.

مضافاً إلى أن مقصودهم من (العملي) ليس الفعل المقابل للاعتقاد، بل مرادهم كل أمر اختياري، سواء كان عملاً بالجوارح، أم أمراً بالجوانح.

[3] أي: العمل ليس بمعنى الفعل الجوارحي، بل المراد من العمل هو الوظيفة التعبدية، يقابلها الأمارات التي تكشف عن الواقع، وليست مجرد بيان الوظيفة تعبداً.

[4] أي: يعم الاستصحاب، «بالجوانح» الجانحة هي الضلع؛ ولأن الأضلاع تحيط بالقلب؛ لذا سميت أفعال القلوب بالأعمال الجوانحية، «الجوارح» يراد بها الأعضاء الظاهرة؛ لأن الجرح والصيد يكون باليد والرجل، ثم عممت الجوارح

ص: 152

وأما التي[1] كان المهم فيها شرعاً وعقلاً[2] هو القطع بها ومعرفتها، فلا مجال له موضوعاً[3]، ويجري حكماً[4]. فلو كان متيقناً بوجوب تحصيل القطع بشيء - كتفاصيل القيامة[5] -

----------------------------------

لتشمل كل الأعضاء الظاهرة.

القسم الثاني

[1] أي: القسم الثاني التي يجب تحصيل العلم بها؛ وذلك بترتيب مقدمات العلم.

[2] بعضها يجب عقلاً فقط كالتوحيد والنبوة، لأن الشرع متأخر عنهما، ولا معنى للوجوب الشرعي فيهما إلاّ بطريق دائر.

وبعضها يجب شرعاً فقط كالمعاد - حسب قول من قال: إن طريق إثباته منحصر بالشرع - .

وبعضها يجب عقلاً وشرعاً كالإمامة، وكالمعاد - بناءً على الأصح من قيام دليل العقل عليه أيضاً - .

وهذه يجري الاستصحاب فيها حكماً، أي: استصحاب وجوب الاعتقاد، فمن شك في بقاء وجوب الاعتقاد بالإمام استصحب الوجوب، فعليه تحصيل القطع به.

ولا يجري استصحاب الموضوع فيها؛ لأن الاستصحاب لا يفيد القطع، بل الظن على أقصى حد، وهذه يجب تحصيل العلم فيها؛ وذلك عن طريق إيجاد مقدمات العلم، وليس الاستصحاب مقدمة للعلم كما هو واضح.

[3] أي: لا يمكن إجراء الاستصحاب في الموضوع، وهو التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.

[4] أي: كان يجب تحصيل القطع، والآن أيضاً يجب تحصيل القطع.

[5] هذا المثال فيه تأمل؛ لأنه من القسم الأول، وكلامنا الآن في القسم الثاني، فدقق.

ص: 153

في زمان وشك في بقاء وجوبه، يستصحب[1].

وأما لو شك في حياة إمام زمان[2] - مثلاً - فلا يستصحب، لأجل[3] ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه، بل يجب تحصيل اليقين بموته أو حياته[4] مع إمكانه[5].

ولا يكاد يجدي[6]

----------------------------------

[1] أي: يستصحب الوجوب وهو حكم، «وجوبه» أي: وجوب ذلك الشيء.

[2] إذ يجب الاعتقاد بإمام الزمان، وفي الحديث المتفق عليه بين الفريقين - وبألفاظ متقاربة - : (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)(1).

فهنا لو احتمل موت إمام، وقيام إمام آخر مقامه، فلابد له من الفحص لتحصيل العلم ببقاء إمامه أو موته، وقيام الآخر مقامه ليكون ذا معرفة بإمام زمانه.

[3] «لأجل» علة للمنفي لا للنفي، أي: الاستصحاب لأجل أن يكتفي بمعرفة من كان يعرفه بأنه إمام زمانه، لكن لا يصح هذا الاستصحاب، بل لابد له من تحصيل اليقين.

[4] فإن تيقن بموته فلابد من الفحص ليتيقن بالإمام اللاحق الذي هو إمام زمانه فعلاً، وإن تيقن بحياته استمر في اتخاذه إماماً للزمان.

[5] أي: مع إمكان اليقين بموته أو حياته، فإن كان عاجزاً - كالمحبوس المنقطع عن الخارج - فلا تكليف له؛ لأن القدرة شرط للتكليف، بل يجب أن يعتقد إجمالاً إلى أن يفرّج الله عنه.

[6] أي: لا يفيد الاستصحاب في ما يحتاج إلى المعرفة إلاّ بشرطين - وكلاهما مفقود في المقام - :

1- أن يكون الاستصحاب كاشفاً عن الواقع لتكون معرفة ظنيّة؛ لأنه لو لم يكن كاشفاً عن الواقع فلا معرفة، بل وظيفة عملية.

ص: 154


1- كمال الدين وتمام النعمة: 409.

في مثل وجوب المعرفة عقلاً أو شرعاً[1]، إلاّ إذا كان حجةً من باب إفادته الظن[2] وكان[3] المورد مما يكتفى به أيضاً.

فالاعتقاديات[4] كسائر الموضوعات لابد في جريانه فيها من أن يكون في المورد أثر شرعي يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه، كان ذاك[5] متعلقاً بعمل الجوارح أو الجوانح.

وقد انقدح بذلك[6]

----------------------------------

2- أن يكون المورد مما لا يحتاج إلى المعرفة اليقينية، بل يُكتفى فيه بالمعرفة الظنية.

وقد مرّ أن الاستصحاب حجة من باب الأخبار، وهي قد دلت على أنه وظيفة في مقام العمل، فانتفى الشرط الأول.

كما أن أصول العقائد يجب فيها المعرفة العلمية، ولا يكفي الظن، فانتفى الشرط الثاني.

[1] أي: الوجوب العقلي في التوحيد والنبوة، بل والإمامة والمعاد أيضاً، والشرعي في الإمامة والمعاد.

[2] وهذا الشرط الأول؛ لأنه لو لم يفد الظن لم تكن معرفة أصلاً، بل وظيفة.

[3] إشارة إلى الشرط الثاني، «به» أي: بالظن، «أيضاً» كما يُكتفى بالعلم.

[4] هذا نتيجة لكل ما سبق، «جريانه» أي: الاستصحاب، «فيها» في الاعتقاديات، «في المورد» الذي يراد استصحابه، «يتمكن» المكلف المستصحِب، «من موافقته» أي: الأثر، «فيه» أي: في الموضوع.

[5] ذاك الموضوع لا فرق في أن يكون جوارحياً أم جوانحياً.

استصحاب النبوة

[6] أي: بالذي ذكرناه في استصحاب الاعتقاديات.

ص: 155

أنه لا مجال له[1] في نفس النبوة إذا كانت[2] ناشئةً من كمال النفس بمثابة يوحى إليها وكانت[3] لازمة لبعض مراتب كمالها، إما[4] لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس

----------------------------------

ولا يخفى أن استصحاب النبوة على أربعة أقسام:

1- إن قلنا: إنّ النبوة كمال نفسي غير قابل للزوال فلا مورد للاستصحاب أصلاً؛ لعدم الشك اللاحق.

2- وإن قلنا: إنها كمال نفسي قابل للزوال - كسائر الملكات النفسية - فإن أركان الاستصحاب تامة، ولكن لا أثر لهذا الاستصحاب؛ إذ وجوب الاتباع ليس أثراً لها، فكم من نبيّ نسخت شريعته، فكماله النفسي لم يلازم اتباعه، وكذا كم من نبي لا شريعة له.

3- وإن قلنا - كما هو الصحيح - إن النبوة منصب إلهي يمنحه الله لمن يصطفيه بتكميل نفسه، فهنا أركان الاستصحاب تامة، بشرط أن لا يكون دليل الاستصحاب مأخوذاً من نفس شريعة ذلك النبي، وإلاّ كان دوراً؛ إذ استمرارها متوقف على الاستصحاب، وهو متوقف على ثبوت تلك النبوة.

4- وإن كان المراد من استصحاب النبوة هو استصحاب بعض أحكام شريعة ذلك النبي، فقد مرّ في التنبيه السادس صحة هذا الاستصحاب.

[1] أي: للاستصحاب، «نفس النبوة» أي: استصحابها بنفسها - لا بأحكام الشريعة - .

[2] أي: كانت النبوة، «بمثابة» أي: ذلك الكمال كان بمرتبة بحيث أوحي إليه فعلاً - وحي نبوة - .

[3] عطف تفسيري، أي: كانت النبوة لازمة لبعض مراتب كمال النفس، وهي مرتبة عليا لا يصل إليها أحد إلاّ باصطفاء الله تعالى.

[4] إشارة إلى القسم الأول، وهو كونها غير قابلة للزوال، «فيها» في النبوة.

ص: 156

بها، أو[1] لعدم كونها مجعولة[2]، بل من الصفات الخارجية التكوينية، ولو فرض[3] الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها بتلك المثابة[4] - كما هو الشأن في سائر الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات -، وعدم[5] أثر شرعي مهم[6] لها يترتب عليها باستصحابها.

نعم[7]، لو كانت النبوة من المناصب المجعولة[8] وكانت كالولاية - وإن كان لابد في إعطائها من أهلية[9]

----------------------------------

[1] إشارة إلى القسم الثاني، وهو لو فرض إمكان زوالها فإنه لا يجري الاستصحاب؛ لعدم كون الموضوع مجعولاً شرعياً، وليس له أثر شرعي.

[2] فالنبوة بهذا المعنى أمر تكويني كان باصطفاء الله تعالى تكويناً، فليست مجعولة بالتشريع، فلا يمكن استصحابها، وأما أنها ليس لها أثر شرعي فسيأتي بعد أسطر.

[3] هذا مجرد فرض غير واقع، وكان الأولى الإعراض عن ذكره إجلالاً لمقام النبوة وإعظاماً للأنبياء، «بقائها» أي: النبوة.

[4] أي: بمرتبة يوحى إليها فعلاً - وحي نبوة - .

[5] عطف على قوله: (لعدم كونها مجعولة...) أي: ولعدم أثر شرعي للنبوة بهذا المعنى؛ لأن لزوم الاتباع لا يلازم النبوة كما بيناه.

[6] أما الأثر الثابت بالنذر وشبهه فليس بمهم، وضمائر «لها» و«عليها» و«باستصحابها» ترجع إلى النبوة.

[7] إشارة إلى القسم الثالث.

[8] كما هو الحق، فالنبوة منصب جعله الله لمن اصطفاه، فلابد من مرتبة سامية من الكمال تكون مقدمة لها.

[9] وتتحقق الأهلية بالاصطفاء من الله تعالى، «وخصوصية» عطف تفسيري

ص: 157

وخصوصية يستحق بها لها - لكانت[1] مورداً للاستصحاب بنفسها، فيترتب عليها آثارها[2] ولو كانت عقلية[3] بعد استصحابها، لكنه[4] يحتاج إلى دليل كان هناك غير منوط بها[5]، وإلاّ لدار[6]، كما لا يخفى.

وأما استصحابها[7]، بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها، فلا إشكال فيها[8] كما مر.

ثم لا يخفى[9]: أن الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم إلاّ إذا اعترف بأنه على

----------------------------------

على «أهلية»، «يستحق» النبيُ، «بها» أي: بتلك الخصوصية، «لها» للنبوة.

[1] جزاء (لو)، أي: لو كانت النبوة منصباً عن اصطفاء لأمكن استصحابها لو شك فيها.

[2] أي: فيترتب على النبوة المستصحبة آثار النبوة كلّها.

[3] كما مرّ في التنبيه العاشر من أن الآثار العقلية المترتبة على الواقع لا يمكن ترتيبها في الاستصحاب، لكن الآثار المترتبة على الواقع والظاهر تترتب في الاستصحاب، مثل: (وجوب الطاعة).

[4] أي: لكن استصحاب النبوة - بمعنى المنصب - .

[5] أي: غير مرتبط بتلك النبوة، بأن يكون ثابتاً بالعقل أو بناء العقلاء - مثلاً - .

[6] أي: وإن كان دليل الاستصحاب متخذاً من نفس تلك النبوة لكان دوراً؛ لأن بقاءها متوقف على الاستصحاب، والاستصحاب متوقف عليها؛ لأنه مأخوذ منها.

[7] إشارة إلى الصورة الرابعة.

[8] أي: في هذا الاستصحاب، وتأنيث الضمير باعتبار أن متعلق الاستصحاب أحكام الشريعة.

هل لاستصحاب النبوة فائدة؟

[9] الغرض من الاستصحاب:

ص: 158

يقين فشك في ما صح[1] هناك التعبد والتنزيل[2] ودل عليه الدليل[3]، كما لا يصح أن يقنع به[4] إلاّ مع اليقين والشك والدليل على التنزيل.

ومنه انقدح[5]

----------------------------------

1- إما إلزام الخصم، والمفروض أنه لا شك له، فلا يمكن لليهودي - مثلاً - إلزام المسلم باستصحاب نبوة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لنفي نبوة رسول الله محمد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؛ وذلك لأن المسلم متيقن بنبوة محمد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

2- وإما إقناع النفس؛ لأن الإنسان يريد الاطمئنان بصحة معتقده، ولكن لا يصح الاستصحاب لأجل ذلك؛ لعدم كفاية الشك والظن في النبوة، بل لابد من المعرفة اليقينية.

[1] أي: في الأقسام التي يمكن الاستصحاب فيها - وهي بعض الصور من الأقسام الأربعة - .

[2] أي: تنزيل المشكوك منزلة الواقع.

[3] من غير أن يكون مأخوذاً من تلك النبوة.

[4] «به» بالاستصحاب، بأن تتمّ أركانه من اليقين والشك، وبأن يكون هناك دليل على هذا الاستصحاب، الذي هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقن، كما لابد من الأثر له.

استصحاب الكتابي لنبوة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ

[5] «منه» مما ذكرناه في استصحاب النبوة، وحاصل البحث: هو أنه لا يصح تمسك اليهودي باستصحاب نبوة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ؛ وذلك لأن غرضه من الاستصحاب أحد أمرين: إما إلزام المسلم في المجادلة، وإما إقناع نفسه.

1- أما إلزام المسلم فلا يمكن عن طريق هذا الاستصحاب؛ لأن المسلم غير شاك في نبوة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بل جميع المسلمين يعترفون بها، كما يعترفون بنبوة سائر

ص: 159

أنه [1] لا موقع لتشبث الكتابي باستصحاب نبوة موسى أصلاً، لا إلزاماً للمسلم[2]، لعدم الشك في بقائها[3] قائمة بنفسه المقدسة واليقين[4] بنسخ شريعته، وإلاّ[5]

----------------------------------

الأنبياء عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، ولا يفرّقون بين أحد من رسله، ومن أنكر نبوة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كان كافراً؛ لأن الاعتراف بنبوة جميع الأنبياء من أصول الدين، هذا إذا كان المراد استصحاب نفس النبوة بأقسامها الثلاثة، وإن كان المراد استصحاب كل الشريعة فإنه لا يجري لليقين بنسخها الناقض لليقين بوجوب العمل بها.

2- وأما إقناع النفس فأيضاً لا يمكن عن طريق الاستصحاب؛ إذ أصول الدين أمور هامة يتوقف على الاعتقاد بها المصير الأبدي للإنسان، فلا يجوز عقلاً الاعتقاد الظني أو الوهمي أو مع الشك، بل لابد بحكم العقل من تحصيل اليقين بها، والاستصحاب لا يفيد سوى الظن على أحسن الفروض، هذا إذا كان متمكناً من اليقين.

وأما إن كان عاجزاً عنه فلابد - بحكم العقل - من الاحتياط بأن يعمل بكلا الشريعتين؛ لأن إحداهما وظيفته، وحيث لا يتمكن من تعيينها يحكم العقل بلزوم الاحتياط.

[1] «أنه» للشأن، «لا موقع» أي: لا وجه صحيح.

[2] إذ لو أراد إلزامه بنبوة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فإن المسلم معترف بها ويجاهر باعترافه، لكن ذلك لا ينفع اليهودي في شيء. ولو أراد إلزامه بشريعة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فإن المسلم متيقن بنسخها، فليس شاكاً حتى يصح إلزامه بالاستصحاب.

[3] «بقائها» أي: النبوة، «بنفسه» أي: بنفس سيدنا موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[4] عطف على (لعدم الشك...) أي: ولليقين بنسخها، فلا مجال للإلزام باستصحاب شريعته.

[5] أي: وإن لم يعترف المسلم بنبوة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، أو لم يكن متيقناً بنسخ

ص: 160

لم يكن بمسلم؛ مع أنه[1] لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بأنه على يقين وشك؛ ولا إقناعاً مع الشك[2]، للزوم معرفة النبي[3] بالنظر إلى حالاته ومعجزاته[4] عقلاً وعدم الدليل[5] على التعبد بشريعته لا عقلاً ولا شرعاً، والاتكال[6] على

----------------------------------

شريعته، «لم يكن بمسلم» لأن عدم الاعتراف بأحد الأنبياء كفر، وعدم اليقين بنسخ شريعة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يساوي الشك في شريعة الإسلام، بل والشك في نبوة رسول الله محمد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

[1] أي: حتى لو فرض شك المسلم بنبوة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو في بقاء شريعته فلا يمكن إلزامه بالاستصحاب إذا لم يعترف بشكه؛ لأن الإلزام إنما يتم في ما يعترف به الخصم، فإن كابر ولم يعترف فلا طريق إلى إلزامه، «يلزم به» أي: بالاستصحاب.

[2] أي: لو كان اليهودي شاكاً في بقاء نبوة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو في بقاء شريعته فلا يمكنه إقناع نفسه عن طريق الاستصحاب، لا بالنبوة ولا بالشريعة.

[3] باليقين، فلا تكفي حتى المعرفة الظنية، وهذا بيان عدم كفاية الاستصحاب لإثبات النبوة.

[4] لأن طريق اليقين بنبوة شخص عن أحد أمرين:

1- حالاته: فمن عُرف بالصدق والورع وحسن العمل فقد يوجب ادعاؤه للنبوة اليقين بصدقه.

2- المعاجز: فإنها طريق لعامة الناس لمعرفة صدق مدعي النبوة.

[5] هذا بيان عدم كفاية الاستصحاب لإثبات الشريعة؛ إذ لا يوجد دليل عقلي ولا نقلي على وجوب العمل بشريعة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[6] أي: لا يمكن لليهودي لإقناع نفسه أن يتمسك بدليل الاستصحاب المأخوذ من شريعتنا؛ إذ قبول دليل الاستصحاب - وهو الأخبار - متوقف على لزوم العمل بشريعة الإسلام، واليهودي يريد بالاستصحاب إقناع نفسه بعدم العمل بشريعة

ص: 161

قيامه[1] في شريعتنا لا يكاد يجديه إلاّ على نحوٍ محال، ووجوب[2] العمل بالاحتياط عقلاً[3] في حال عدم المعرفة[4] بمراعاة الشريعتين ما لم يلزم منه الاختلال،

----------------------------------

الإسلام، وإنما العمل بشريعة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وهذا خلف.

وبعبارة أخرى: لازم صحة شريعة الإسلام جريان الاستصحاب، واستصحاب شريعة موسى لازمه عدم صحة شريعتنا، وهذا خلف.

وبعبارة ثالثة: بقاء شريعة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يتوقف على الاستصحاب، والاستصحاب يتوقف على صحة شريعة الإسلام، وصحة شريعة الإسلام تتوقف على عدم بقاء شريعة موسى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[1] أي: قيام الاستصحاب، «لا يكاد» هذا الاتكال، «يجديه» أي: اليهودي، «نحوٍ محال» هو الخلف.

[2] كل ما سبق كان في حالة التمكن من المعرفة اليقينية، وأما مع عدم التمكن منها فلا يجديه الاستصحاب أيضاً؛ لأن المورد من موارد العلم الإجمالي، و«وجوب العمل...» عطف على (للزوم معرفة النبي...) أي: ولوجوب العمل... الخ.

[3] لأنه من موارد العلم الإجمالي، والحكم بالاحتياط فيه عقلي، مضافاً إلى أنه لا يصح التمسك بالشريعة المشكوكة لإثبات وجوب الاحتياط؛ إذ هو دور.

ولكن يشترط في هذا الاحتياط أمران:

أ: أن لا يوجب الاختلال في النظام.

ب: أن لا يقال: إنّ العقل يحكم بالبناء على الشريعة السابقة إلى أن يثبت نسخها، وفي الواقع مرجع هذا الشرط إلى الاستصحاب العقلي، فتأمل.

[4] أي: في حال عدم التمكن من المعرفة، أو في حال التحقيق قبل حصول اليقين.

ص: 162

للعلم[1] بثبوت إحداهما على الإجمال، إلاّ إذا علم[2] بلزوم البناء على الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال.

الثالث عشر[3]:

----------------------------------

[1] دليل وجوب الاحتياط عقلاً.

[2] بدليل عقلي قطعي، ولكن كيف يحصل هذا الدليل؟

التنبيه الثالث عشر: استصحاب حكم المخصص
اشارة

[3] لو كان هناك عام ثم خُصِّص بخاص، وبعد زمان الخاص شككنا في أن المورد هل هو مورد الخاص أم العام، فهل يستصحب العام أم الخاص أم لا يجري استصحاب أيٍّ منهما؟

وحاصل ما ذهب إليه المصنف أن الزمان قد يؤخذ ظرفاً وقد يؤخذ مُفرّداً. ومعنى أخذ الزمان ظرفاً هو كون الحكم شيئاً واحداً وقع في الزمان، نظير الأعيان - مثل: زيد - التي هي شيء واحد يكون الزمان ظرفاً لها.

ومعنى أخذ الزمان مُفَرِّداً هو أن يكون الحكم متعدداً بتعدد الزمان، فلكل وقت حكم ينتهي بانتهاء ذلك الوقت، ويكون للزمان اللاحق حكم مشابه للحكم السابق، وهكذا في سائر الأوقات، فيكون الزمان داخلاً في الموضوع.

ثم إن أخذ الزمان في العام والخاص في مرحلة الثبوت يكون بأربعة أنحاء:

1- أن يكون الزمان في كليهما ظرفاً، فهنا يجري استصحاب الخاص.

2- أن يكون الزمان في كليهما مفرداً، فالمرجع هو العام ولا مجال لاستصحاب الخاص.

3- أن يكون في العام ظرفاً وفي الخاص مفرداً فلا مجال للاستصحاب أصلاً، بل لابد من الرجوع إلى الأصول الأخرى.

4- بالعكس، بأن يكون الزمان العام مفرّداً، وفي الخاص ظرفاً فالمرجع هو العام.

ص: 163

إنه لا شبهة[1] في عدم جريان الاستصحاب في مقام[2] مع دلالة مثل العام، لكنه[3] ربما يقع الإشكال والكلام في ما إذا خُصِّص في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام.

والتحقيق أن يقال: إن مفاد العام تارةً يكون - بملاحظة الزمان[4] - ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام، وأخرى[5] على نحو جعل كل يوم[6] من

----------------------------------

وأما مرحلة الإثبات: فاللازم النظر إلى لسان الدليل، وفي الغالب يكون الزمان ظرفاً في كليهما - العام والخاص - وأحياناً يكون العام مفرداً والخاص ظرفاً، فلا يوجد في مرحلة الإثبات إلاّ النحو الأول والرابع.

[1] هذا كالمقدمة للتنبيه، وحاصله: إنه مع وجود الأدلة الاجتهادية لا تصل النوبة إلى الأصول العملية، وحيث إن العام دليل لفظي فمع ثبوته لا مجال للاستصحاب - الذي هو أصل عملي - أصلاً.

[2] أي: في أيّ مقام من المقامات، «مع دلالة» أي: مع وجود عام يدل على المطلب.

[3] للشأن، «خُصِّص» أي: خُصِّص العام، «بعد هذا الزمان» أي: بعد زمان الخاص المعلوم، فيكون شك في استمرار الخاص أو الرجوع إلى العام.

[4] قوله: «بملاحظة الزمان» جملة معترضة، «ثبوت» اسم يكون، «على نحو...» خبر يكون، وضميرا «حكمه لموضوعه» يرجعان إلى العام. والمعنى: أن الزمان قد لا يكون جزءاً من الموضوع، ولكنه ظرف، فيكون الحكم واحداً مستمراً في جميع الأوقات.

[5] تارة أخرى يكون الزمان جزءاً من الموضوع، بحيث كان لكل وقت حكم مماثل للوقت الآخر.

[6] «كل يوم» مثال، وإلاّ فقد يكون الزمان المفرّد في أقل من يوم.

ص: 164

الأيام فرداً لموضوع ذاك العام[1]. وكذلك مفاد مخصصه[2] تارةً يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه، وأخرى على نحوٍ يكونُ مفرِّداً ومأخوذاً في موضوعه.

فإن كان مفاد كلٍّ من العام والخاص على النحو الأول فلا محيص[3] عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته[4]، لعدم[5] دلالة للعام على

----------------------------------

[1] «العام» هو الحكم، والموضوع يكون مركباً من الشيء ومن الزمان، مثلاً: تصرف المالك في ملكه جزء من الموضوع، والزمان - مثلاً: كل يوم من الأيام - الجزء الآخر من الموضوع، والحكم هو الجواز فيقال: (تصرف المالك في كل يوم في ملكه جائز).

[2] أي: مخصص العام.

النحو الأول: أخذ الزمان ظرفاً في العام والخاص

[3] أي: إن العام حيث كان حكماً واحداً فقط مستمراً في الزمان فقد انقطع بمجيء الخاص، وبعد انتهاء الزمان المعلوم للخاص فإن جريان العام يحتاج إلى دليل آخر؛ لأن الدليل السابق قد أثبت حكماً واحداً وقد انقطع ذلك الحكم.

وبعدم جريان العام تصل النوبة إلى الأصل العملي، وهنا هو الاستصحاب، ولا يجري استصحاب العام؛ لعدم اتصال زمانه بزمان الشك، فيجري استصحاب الخاص بلا محذور لتمامية أركانه، ولاتصال زمان الشك به.

[4] أي: في غير مورد جريان دليل الخاص؛ إذ لا شك حينئذٍ، وإنما الكلام في ما بعد ذلك الزمان، حيث يشك في شمول الخاص له، فيجري استصحاب الخاص.

[5] دليل عدم جريان دليل العام، ولا استصحاب العام:

1- أما عدم جريان دليل العام، فلأن المفروض أن الحكم كان واحداً، وقد انقطع ذلك الحكم بمجيء الخاص، ولم يكن العام مُفرِّداً حتى يكون في كل زمان حكم

ص: 165

حكمه[1]، لعدم دخوله على حدة في موضوعه، وانقطاع[2] الاستمرار بالخاص الدال على ثبوت الحكم له في الزمان السابق[3] من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق، فلا مجال[4] إلاّ لاستصحابه. نعم[5]، لو كان الخاص غير قاطع

----------------------------------

- حتى وإن كان ذلك الزمان بعد الخاص - .

2- وأما عدم جريان الاستصحاب فلعدم اتصال الشك في العام باليقين به، حيث انقطع الاتصال بمجيء الخاص.

[1] أي: حكم ما بعد الخاص - وهو وقت الشك - «دخوله» أي: دخول ما بعد الخاص، «على حدة» حيث لم يكن الزمان مُفَرّداً، «موضوعه» موضوع العام.

[2] دليل عدم جريان استصحاب العام، حيث إن مجيء الخاص قطع اتصال العام بزمان الشك، «بالخاص» أي: بسبب الخاص، «الدال» صفة للخاص، «له» للخاص.

[3] أي: السابق على الشك، فهو المورد للخاص قطعاً، «دلالته» أي: الخاص ليس له دلالة على ما بعد زمانه فصار زمان الشك، «ثبوته» أي: الخاص، «الزمان اللاحق» وهو زمان الشك.

[4] أي: حيث لم يجر دليل العام، ولا استصحاب العام، فلا يبقى مانع من جريان الخاص لتمامية أركانه.

[5] أي: لو كان وقت العام بعد الخاص فحينئذٍ يمكن التمسك بدليل العام.

مثلاً: العام هو {أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ}(1)، والخاص هو (خيار المجلس) ومن المعلوم أن خيار المجلس يبدأ من حين العقد، وأما لزوم العقد بجريان {أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ} فإنما هو بعد افتراق المتبايعين، فلو شك في أنه قد انقضى الخيار أم لا، فيمكن التمسك بعموم {أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ} إذ لا مجال للاستصحاب مع وجود الدليل الاجتهادي.

ص: 166


1- سورة المائدة، الآية: 1.

لحكمه[1]، كما إذا كان مخصصاً له من الأول لما ضرّ به[2] في غير مورد دلالته، فيكون أول زمان استمرار حكمه[3] بعد زمان دلالته؛ فيصح التمسك ب- {أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ}(1) ولو خصص بخيار المجلس ونحوه[4]، ولا يصح[5] التمسك به في ما إذا خصص بخيار لا في أوله[6]، فافهم[7].

----------------------------------

[1] أي: لحكم العام؛ وذلك في ما كان زمان الخاص قبل زمان العام «إذا كان» الخاص، «مخصصاً له» أي: للعام.

[2] «لما» جزاء (لو)، أي: لم يضرّ الخاص بالعام، بل يجري العام في زمان الشك، «دلالته» دلالة الخاص.

[3] أي: أول زمان شروع حكم العام، «دلالته» أي: دلالة الخاص.

[4] كخيار الحيوان.

[5] كما في خيار الغبن، حيث يبدأ بعد العلم بالغبن، فمن حين العقد بدأ العام: {أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ}.

[6] أي: لا في أول العقد، بل بعد فاصل.

[7] لعله إشارة إلى أن الشك في انقضاء الخيار مسبب عن الشك في الافتراق في خيار المجلس، وحيث لا يعلم الافتراق فلا يمكن التمسك ب{أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ} لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بل يجري استصحاب عدم الافتراق نظير ما لو قال: (أكرم العلماء إلاّ الفساق منهم) وعلمنا بفسق أحدهم فلا يجوز إكرامه، ثم شككنا في بقاء الفسق، فلا يمكن التمسك بالعام وهو: (أكرم العلماء) بل لابد من استصحاب بقاء الفسق.

وقيل غير ذلك في وجه «فافهم».

ص: 167


1- سورة المائدة، الآية: 1.

وإن كان مفادهما[1] على النحو الثاني فلابد من التمسك بالعام بلا كلام، لكون موضوع الحكم[2] بلحاظ هذا الزمان من أفراده، فله[3] الدلالة على حكمه، والمفروض[4] عدم دلالة الخاص على خلافه.

وإن كان[5] مفاد العام على النحو الأول والخاص على النحو الثاني فلا مورد

----------------------------------

النحو الثاني: أخذ الزمان مُفَرِّداً في العام والخاص

[1] إذا أخذ الزمان في العام والخاص مُفرّداً فمعنى ذلك أن الحكم يتعدد بتعدد الأوقات، فيكون لكل وقت حكم. فالعام شمل زمان الشك أيضاً باعتباره وقتاً من الأوقات، وأما الخاص فلا يعلم شموله لذلك الزمان؛ إذ المفروض أن الخاص شمل أوقاتاً معينة ولم يعلم شموله لسائر الأوقات، عكس العام الذي عُلم شموله لجميع الأوقات، ثم خرج منه المقدار المعلوم من الخاص.

وعليه: فزمان الشك يجري فيه العام؛ لأنه كان شاملاً له، ولا يمكن استصحاب الخاص؛ وذلك لتبدل الموضوع؛ لأن المعلوم من الخاص كان في وقت، والمشكوك منه في وقت آخر، والزمان - في المفرّد - جزء من الموضوع، فبتغيّر الزمان يتغير الموضوع.

[2] حيث كان الموضوع مركباً من الشيء ومن الزمان، «هذا الزمان» أي: زمان الشك، «من أفراده» أي: من أفراد العام، فإن العام - لعمومه - كان يشمل جميع الأزمنة، ومنها زمان ما بعد الخاص، ثم عُلم خروج الخاص، ولم يُعلم خروج ما بعد الخاص المعلوم.

[3] أي: فللعام، «حكمه» حكم زمان الشك - وهو ما بعد الخاص - .

[4] أي: لما كان الخاص لزمان معيّن فيتمسك به في ذلك الزمان، وفي غيره لم يعلم شمول الخاص له فيبقى فيه عموم العام سليماً عن المعارض.

النحو الثالث: أخذ الزمان ظرفاً في العام ومُفرّداً في الخاص

[5] لو كان العام ظرفاً فإنه ينقطع حكمه بمجيء الخاص، فلا يشمل ما بعد الخاص.

ص: 168

للاستصحاب[1]، فإنه وإن لم يكن هناك دلالة أصلاً إلاّ أن انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته[2] من إسراء حكم موضوع إلى آخر، لا استصحاب حكم الموضوع ولا مجال[3] أيضاً للتمسك بالعام، لما مر آنفاً، فلابد من الرجوع إلى سائر الأصول[4].

وإن كان[5] مفادهما على العكس كان المرجع هو العام، للاقتصار في تخصيصه بمقدار دلالة الخاص. ولكنه[6] لو لا دلالته لكان الاستصحاب مرجعاً، لما عرفت

----------------------------------

ولو كان الخاص مفرداً فإن كل وقت يكون موضوعاً مختلفاً عن الوقت الآخر، فما بعد الخاص موضوع آخر، ولا يصح جريان الاستصحاب لتعدد الموضوع؛ إذ من شروط الاستصحاب وحدة الموضوع.

[1] أي: استصحاب الخاص، «فإنه» للشأن، «دلالة» أي: دلالة من العام على ما بعد الخاص؛ وذلك لانقطاع حكم العام بمجيء الخاص.

[2] وهو الزمان المعلوم كونه من الخاص، «موضوع آخر» لفرض أن الزمان مُفرّد، فالوقت جزء من الموضوع، وحيث تعدد الوقت فإن الموضوع يتعدد.

[3] بيان لعدم الأخذ بحكم العام، «لما مرّ» من انقطاع حكم العام إذا كان الزمان ظرفاً.

[4] كأصل البراءة عن التكليف.

النحو الرابع: أخذ الزمانُ مفرّداً في العام وظرفاً في الخاص

[5] العام كان يشمل ما بعد الخاص، لفرض أن العام مُفرّد، ولا يُعلم خروج ما بعد الخاص عن عموم العام، فيجري العام لأنه دليل اجتهادي، ولا يجري استصحاب الخاص؛ لأنه أصل عملي، فلا تصل النوبة إليه مع وجود دليل اجتهادي، «تخصيصه» أي: تخصيص العام.

[6] للشأن، أي: إن عدم جريان استصحاب الخاص ليس لجهة عدم تمامية

ص: 169

من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على نحوٍ[1] صح استصحابه.

فتأمل تعرف أن إطلاق كلام شيخنا العلامة[2] «أعلى الله مقامه» في المقام نفياً وإثباتاً[3] في غير محله.

الرابع عشر[4]: الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف

----------------------------------

أركانه، بل لوجود الدليل الاجتهادي وهو العام، فلولاه لجرى استصحاب الخاص، «دلالته» أي: دلالة العام.

[1] وهو أخذ الزمان ظرفاً، فالموضوع واحد.

[2] قال الشيخ الأعظم: (الحق هو التفصيل في المقام، بأن يقال: إن أخذ فيه عموم الأزمان أفرادياً - بأن أخذ كل زمان موضوعاً مستقلاً لحكم مستقل لينحل العموم إلى أحكام متعددة بتعدد الزمان - ... فحينئذٍ يعمل عند الشك بالعموم ولا يجري الاستصحاب.

وإن أخذ لبيان الإستمرار... ثم خرج فرد في زمان، وشك في حكم ذلك الفرد بعد ذلك الزمان، فالظاهر جريان الاستصحاب؛ إذ لا يلزم من ثبوت ذلك الحكم للفرد بعد ذلك الزمان تخصيص زائد على التخصيص المعلوم؛ لأن مورد التخصيص الأفراد دون الأزمنة، بخلاف القسم الأول)(1)، انتهى.

[3] فإن كان العام ظرفاً فقد أطلق الشيخ وقال: بنفي مرجعية العام وإثبات استصحاب الخاص، مع أن الحق هو ملاحظة الخاص أيضاً، فإن كان ظرفاً جرى استصحابه - وهو النحو الأول - وإن كان الخاص مفرّداً لم يجر الاستصحاب - وهو النحو الثالث - .

التنبيه الرابع عشر: في معنى الشك

[4] هل يجري الاستصحاب مع الظن أم لابد من الشك المنطقي - وهو تساوي الاحتمالين - ؟

ص: 170


1- فرائد الأصول 3: 274 - 275.

اليقين، فمع الظن بالخلاف[1] فضلاً عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب.

ويدل عليه - مضافاً[2] إلى أنه كذلك لغةً كما في الصحاح(1)، وتعارف[3] استعماله

----------------------------------

تكفّل هذا التنبيه لبيان أن الشك يشمل الظن بالوفاق، أي: متطابقاً اليقين السابق، كما يشمل الظن بالخلاف، أي: متخالفاً مع اليقين أيضاً كشموله للشك المنطقي. إذن لا فرق في الاستصحاب بين الشك أو الظن - بالوفاق أو الخلاف - ويدل على ذلك ثلاثة أدلة.

الأول: إن معنى (الشك) في اللغة عام يشمل الظن أيضاً، وتخصيص الشك بتساوي نسبة الاحتمالين هو اصطلاح منطقي، وليس معنى لغوياً.

الثاني: استعمال الشك في الأخبار بهذا المعنى العام اللغوي.

الثالث: دلالة نفس أخبار الاستصحاب بأن المراد هو المعنى العام.

[1] وهو وهمٌ بالوفاق، أي: تعلق الظن بخلاف ما تعلق به اليقين، كما لو كان على يقين من الطهارة ثم ظن بالنجاسة، والظن بالوفاق هو أن يظن باستمرار ما كان على يقين منه، كما لو تيقن بالطهارة ثم ظن بها.

[2] هذا الدليل الأول، «أنه» أن الشك، «كذلك» أي: خلاف اليقين - فيشمل الظن - .

[3] هذا الدليل الثاني، «استعماله» أي: الشك، «فيه» في خلاف اليقين، «في غير باب» أي: في غير باب واحد، بل في أبواب متعددة.

وليس الغرض الاستدلال بالاستعمال، فإنه أعم من الحقيقة، بل المقصود هو بيان ظهور الشك في خلاف اليقين؛ ولذا استعمل في كثير من الأخبار في المعنى الأعم، مثل قول الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك قد نقصت)(2).

ص: 171


1- الصحاح 4: 1594.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 340.

فيه في الأخبار في غير باب - قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ[1]

----------------------------------

[1] فاعل قوله: (ويدل عليه)، وهذا الدليل الثالث. وحاصله: إن أخبار الاستصحاب تدل على أن المراد من (الشك) هو (خلاف اليقين).

مثلاً: صحيحة زرارة الأولى: قلت له: (الرجل ينام وهو على وضوء، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال: يا زرارة، قد تنام العين ولا ينام القلب والاُذُن، فإذا نامت العين والاُذُن والقلب فقد وجب الوضوء، قلت: فإن حرّك في جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال: لا، حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن، وإلاّ فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبداً بالشك، ولكن ينقضه بيقين آخر)(1).

ويمكن الاستدلال بثلاثة مقاطع من هذا الحديث الشريف:

1- قوله: (ولكنه ينقضه بيقين آخر) دلّ على أن الناقض لليقين السابق إنما هو يقين آخر لاحق، فلا ينقض الظن.

إن قلت: الحديث دلّ على أن اليقين الآخر ناقض، ولم يدل على حصر الناقض باليقين اللاحق.

قلت: إن قوله: (ولكنه ينقضه بيقين آخر) في مقام تحديد الناقض، وأن الناقض لا يكون إلاّ يقين آخر.

2- قوله: (لا، حتى يستيقن أنه قد نام) فإن من يحرّك في جنبه شيء وهو لا يلتفت يظن بنومه - عادة - ومع ذلك أمر الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بالاستصحاب.

ولو فرض أن (تحريك شيء بجنبه وهو لم يلتفت) لا يوجب الظن بالنوم دائماً، فلا أقل من أنه يوجب الظن أحياناً كثيرة، ومع ذلك ترك الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ الاستفصال، أي: لم يفصّل بين الشك في النوم وبين الظن، وهذا علامة عدم الفرق.

ص: 172


1- تهذيب الأحكام 1: 8.

في أخبار الباب: «ولكن تنقضه بيقين آخر»(1)،

حيث إن ظاهره أنه[1] في بيان تحديد ما ينقض به اليقين، وأنه ليس إلاّ اليقين.

وقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أيضاً[2]: «لا، حتى يستيقن أنه قد نام»(2)،

بعد السؤال عنه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عما إذا حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم، حيث دل[3] بإطلاقه - مع ترك الاستفصال[4] بين ما إذا أفادت هذه الأمارة[5] الظن وما إذا لم تفد، بداهة أنها[6] لو لم تكن

----------------------------------

3- قوله: (لا، حتى يستيقن...) يتضمن مغيّى، وهو قوله: (لا) أي: لا يعيد الوضوء، ويتضمن غاية، وهي قوله: (حتى يستيقن)، ثم استدل لذلك بقوله: (ولا ينقض اليقين بالشك)، فالمعنى: إنه ما دام هو لم يستيقن بالنوم فلا تجب عليه الإعادة لجريان الاستصحاب، وهذا التعليل يدل على أن المراد من (الشك) هو (خلاف اليقين).

[1] أي: ظاهر قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (ولكن...)، «أنه» أن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وهذا بيان إشكال وجوابه، وقد بيناه في الحاشية السابقة بعبارة (إن قلت... قلت...)، «وأنه ليس...» أي: إن الناقض ليس إلاّ يقين آخر.

[2] إشارة إلى المقطع الثاني، و«قوله» أي: ويدل عليه قوله أيضاً... عطف على (قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في أخبار...).

[3] أي: إطلاق قوله: (لا) أي: لا يعيد الوضوء، سواء شك في النوم، أم ظن به، أم ظن بخلافه.

[4] الفرق بين الإطلاق وترك الاستفصال هو أن الإطلاق إنما هو من لفظ معيّن، وترك الاستفصال لا يرتبط بلفظ معين، وعادة يجتمعان.

[5] أي: العلامة، وهي تحريك شيء بجنبه مع عدم التفاته.

[6] بيان وجه الإطلاق ودلالة ترك الاستفصال على عدم الفرق، «أنها» أن

ص: 173


1- تهذيب الأحكام 1: 8.
2- تهذيب الأحكام 1: 8.

مفيدة له دائماً لكانت مفيدة له أحياناً - على[1] عموم النفي لصورة الإفادة.

وقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ[2] بعده: «ولا تنقض اليقين بالشك»(1)،

أن[3] الحكم في المغيى مطلقاً[4] هو[5] عدم نقض اليقين بالشك، كما لا يخفى.

وقد استدل عليه[6] أيضاً بوجهين آخرين:

----------------------------------

هذه الأمارة، «له» للظن.

[1] متعلق بقوله: (حيث دلّ...)، «النفي» في قوله: (لا، حتى يستيقن...)، «لصورة الإفادة» أي: إفادة الأمارة للظن.

[2] عطف على فاعل (دل) في قوله: (حيث دلّ بإطلاقه...).

وهذا إشارة إلى المقطع الثالث في الرواية وهو قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (ولا ينقض اليقين بالشك) فإنه علة عدم لزوم تجديد الوضوء - كما شرحناه - .

[3] أي: على أن الحكم، فمعنى العبارة هكذا: حيث دلّ قوله: (ولا ينقض...) بعد قوله: (لا، حتى يستيقن...)، على إطلاق الحكم (وهو عدم تجديد الوضوء) في المغيّى، وهو قوله: (لا) أي: لا يعيد.

[4] أي: سواء شك، أم ظن بالخلاف، أم ظن بالوفاق.

[5] المراد أن علّة الحكم بعدم الإعادة مطلقاً هي جريان الاستصحاب، فالغاية والمغيّى وهما (لا، حتى يستيقن) لهما علّة، والعلة هي (ولا تنقض...)، وحيث إنه يلزم تطابق الدليل مع المدعى - وقد كان المدعى عدم الوضوء حتى اليقين بالنوم - فلابد من أن يكون المراد من (الشك) في الدليل هو خلاف اليقين، وإلاّ كان الدليل أخص من المدعى؛ إذ المدعى هو أن لا إعادة ما دام هو لم يتيقن بالنوم، والدليل هو أن الشك لا ينقض اليقين، فدقق، ولايخفى الخلل في عبارة المصنف والمسامحة فيها.

[6] على أن الشك يشمل الظن أيضاً، والمستدل هو الشيخ الأعظم(2).

ص: 174


1- تهذيب الأحكام 1: 8، مع اختلاف يسير.
2- فرائد الأصول 3: 285.

الأول[1]: الإجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف[2] على تقدير[3] اعتباره من باب الأخبار.

وفيه[4]: إنه لا وجه لدعواه[5] ولو سلم[6] اتفاق الأصحاب على الاعتبار، لاحتمال[7] أن يكون ذلك[8] من جهة ظهور دلالة الأخبار عليه.

----------------------------------

[1] أما الدليل الأول: فهو الإجماع، أي: جميع من استدل بالأخبار قال: إنّ الشك أعم، ومن لم يستدل بالأخبار أيضاً يذعن بأن الدليل إن كان الأخبار فدلالتها أعم، وهذا إجماع تعليقي.

[2] فضلاً عن الظن بالوفاق.

[3] أي: هذا الإجماع تعليقي، بمعنى أنهم لو قالوا بحجيته من باب الأخبار لقالوا: إنّ الشك أعم.

[4] ويرد على هذا الإجماع، أولاً: إن من لم يستدل بالأخبار فإنا لا نعلم ماذا كان يقول لو استدل بها، فهل كان يعتبر الشك أعم أم لا؟ ومجرد احتمال أنه كان يقول بذلك لا يصحح نسبته إليه، فإنه رجم بالغيب.

وثانياً: إن هذا الإجماع ليس بحجة؛ لأنه محتمل الاستناد، وقد مرّ أن الإجماع الحجة إنما هو الإجماع الكاشف عن قول المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وأما مع احتمال استنادهم إلى دليل فلابد من مراجعة ذلك الدليل، وليس له كشف عن قول المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[5] أي: ادعاء الإجماع.

[6] إشارة إلى الإشكال الأول.

[7] إشارة إلى الإشكال الثاني.

[8] أي: ذلك الإجماع، «عليه» على اعتبار الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف.

ص: 175

الثاني[1]: إن الظن الغير المعتبر(1)

إن علم بعدم اعتباره بالدليل فمعناه[2] أن وجوده كعدمه عند الشارع، وإن[3] كلّ ما يترتب شرعاً على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده؛ وإن كان[4] مما شك في اعتباره فمرجع[5] رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك، فتأمل جيداً.

وفيه[6]:

----------------------------------

[1] حاصله: إنه حتى مع الظن يمكن أن نقول بوجود الشك شرعاً؛ وذلك لأن الظن:

1- إما منهي عنه، كالقياس، ومعنى النهي عنه أن وجوده كعدمه، وجميع آثار عدمه مترتبة على وجوده، فهذ الظن حكمه حكم الشك تعبداً.

2- وإما لا دليل على حجيته، فهذا يشك في حجيته، فلا يصح رفع اليد عن اليقين السابق بما هو مشكوك الحجية؛ لأنه نقض اليقين بالشك - حيث إن الشك في الحجيّة - !!

[2] أي: معنى عدم اعتباره بالدليل - أي: النهي عنه - «وجوده» أي: وجود الظن، «عند الشارع» أي: تعبداً.

[3] هذه العبارة بيان لقوله: «أن وجوده كعدمه عند الشارع»، «عدمه» عدم الظن.

[4] أي: كان الظن، والمعنى: إنه لم يكن نهي خاص عن ذلك الظن، بل عدم حجيته لعدم وجود دليل على اعتباره.

[5] أي: هنا شك في الحجية، فلو رفعنا اليد عن اليقين السابق فقد نقضنا اليقين بما هو مشكوك الحجية، «بسببه» أي: بسبب الظن، «إلى» متعلق ب- (فمرجع).

[6] وحاصل الإشكال: إن عدم اعتبار الظن - سواء كان لأجل النهي عنه أم لأجل عدم الدليل على حجيته - إنما هو بمعنى عدم ترتيب أيّ أثر على الظن، وليس

ص: 176


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير المعتبر».

إن قضية عدم اعتباره[1] - لإلغائه أو لعدم الدليل على اعتباره - لا يكاد يكون إلاّ عدم إثبات مظنونه به تعبداً[2] ليترتب[3] عليه آثاره شرعاً، لا ترتيب[4] آثار الشك مع عدمه، بل لابد حينئذٍ في تعيين أن الوظيفة أيَّ أصل من الأصول العملية من الدليل[5]، فلو فرض عدم دلالة الأخبار معه على اعتبار الاستصحاب فلابد من الانتهاء إلى سائر الأصول بلا شبهة ولا ارتياب. ولعله[6] أشير إليه بالأمر بالتأمل، فتأمل جيداً.

تتمة: لا يذهب عليك[7]: أنه لابد في الاستصحاب من بقاء الموضوع وعدم

----------------------------------

بمعنى ترتيب آثار الشك عليه. ففرق بين عدم اعتبار شيء وبين ترتيب آثار ضده عليه.

[1] عدم اعتبار الظن، «لإلغائه» أي: للنهي عنه وهذا هو الشق الأول، «لعدم الدليل...» وهذا الشق الثاني، و«لا يكاد» خبر (أنّ).

[2] أي: لا يحكم الشارع بثبوت متعلق الظن، «مظنونه» أي: متعلق الظن، «به» بالظن.

[3] هذا علة المنفي، أي: لو كان يثبت المظنون لكان يترتب، «عليه» على المظنون، «آثاره» أي: آثار الظن.

[4] أي: عدم الحجيّة ليست بمعنى ترتيب آثار الشك، «عدمه» أي: عدم الاعتبار، «حينئذٍ» أي: حين عدم الاعتبار.

[5] «من» متعلقة ب- (لابد)، «معه» أي: مع الظن.

[6] أي: قول الشيخ الأعظم: (فتأمل جيداً) لعله إشارة إلى هذا الإشكال، «إليه» إلى الإشكال.

لكن لا يخفى أنهم اصطلحوا على أن (فتأمل) يشير إلى إشكال، أمّا (فتأمل جيداً) فإشارة إلى دقة المطلب، لا إلى إشكال فيه.

تتمة
اشارة

[7] هناك ثمانية أمور تعتبر في الاستصحاب، وقد مرّ في مطاوي البحوث السابقة

ص: 177

أمارة معتبرة هناك ولو على وفاقه، فهنا مقامان:

المقام الأول[1]:

----------------------------------

ستة منها، وبقي منها اثنان، وقد تكفلت هذه التتمة بهما.

أما ما مرّ فهي:

1- اليقين السابق. 2- الشك اللاحق. 3- كون الشك طارئاً لا سارياً، وبهذا القيد تخرج قاعدة اليقين. 4- اتصال الشك باليقين. 5- كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً ذا حكم. 6- الفحص إلى حد اليأس قبل إجراء الاستصحاب.

وأما ما بقي فأمران:

1- بقاء الموضوع - وهذا ما يذكر في المقام الأول - .

2- عدم أمارة في مورد الاستصحاب، سواء كانت موافقة أم مخالفة - وهذا يذكر في المقام الثاني - .

المقام الأول
اشارة

[1] يبحث في هذا المقام عن أمرين:

الأمر الأول: في معنى بقاء الموضوع
اشارة

الأول: في معنى بقاء الموضوع، فهنا احتمالان:

1- إنه بمعنى اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة في الموضوع، كما أنهما متحدان في المحمول.

2- إنه بمعنى بقاء الموضوع خارجاً. وهذا غير مراد قطعاً؛ لأنه في استصحاب الموضوعات يكون الشك في بقائها، مثلاً: نشك في حياة زيد فلا نعلم ببقاء الموضوع، ولكن عن طريق الاستصحاب نحكم ببقائه، فليس بقاء الموضوع خارجاً شرطاً في صحة الاستصحاب، بل الحكم ببقائه خارجاً هو نتيجة استصحابه.

الثاني: إن مناط الاتحاد هل هو الدقة العقلية، أم بحسب لسان الدليل، أم النظرة العرفية؟

ص: 178

إنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع، بمعنى[1] اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعاً كاتحادهما حكماً، ضرورة[2] أنه بدونه[3] لا يكون الشك في البقاء، بل

----------------------------------

المعنى الأول لبقاء الموضوع

[1] إشارة إلى المعنى الأول لبقاء الموضوع، «موضوعاً» أي: الاتحاد من جهة الموضوع، كما كان يلزم الاتحاد من جهة الحكم. مثلاً: في يوم الجمعة له يقين بأن (الثوب طاهر)، وفي يوم السبت يشك، فالموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة هو (الثوب)، والحكم فيهما هو (الطهارة).

[2] دليل لزوم اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة، فهنا ثلاثة أدلة:

1- إنه مع تبدل الموضوع يكون الشك في حدوث حكمٍ للموضوع الجديد، وليس في بقاء الحكم السابق.

مثلاً: لو كان على يقين من (عدالة زيد) ثم شك في (عدالة عمرو)، فإن الشك في حدوث (عدالة لعمرو)، وليس في بقاء (عدالة زيد).

2- مع تبدل الموضوع فان رفع اليد عن اليقين السابق لا يكون نقضاً لليقين بالشك، ففي المثال السابق: عدم الحكم (بعدالة عمرو) لا يكون نقضاً لليقين السابق (بعدالة زيد).

3- إنه مع عدم وحدة الموضوع في القضيتين يكون الاستصحاب نقل عرض من موضوع لآخر؛ وهذا محال، وهذا ما استدل به الشيخ الأعظم(1)،

وسيأتي إشكال المصنف عليه.

[3] هذا إشارة إلى الدليل الأول، «أنه» للشأن، «بدونه» أي: بدون وحدة الموضوع، «في البقاء» أي: بقاء (عدالة زيد) في المثال، «بل في الحدوث» أي: في حدوث (عدالة لعمرو).

ص: 179


1- فرائد الأصول 3: 291.

في الحدوث، ولا رفع[1] اليد عن اليقين في محل الشك نقض اليقين بالشك. فاعتبار البقاء بهذا المعنى[2] لا يحتاج إلى زيادة بيان وإقامة برهان.

والاستدلال عليه[3] ب- «استحالة انتقال العرض إلى موضوع آخر لتقومه بالموضوع[4] وتشخصه به»[5]،

----------------------------------

[1] إشارة إلى الدليل الثاني، أي: مع عدم وحدة الموضوع فإن رفع اليد عن (عدالة عمرو) لا يكون نقضاً لليقين بالشك، «ولا» عطف على قوله: (لا يكون الشك...) و«رفع اليد» مبتدأ، و«نقض اليقين بالشك» خبر.

[2] أي: اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة.

[3] إشارة إلى الدليل الثالث، وقد استدل به الشيخ الأعظم(1)

وحاصله: إن معنى تعدد الموضوع مع بقاء الحكم هو انتقال الحكم - وهو عارض على الموضوع - من موضوع إلى موضوع آخر.

وقد ثبت في الحكمة استحالة انتقال العرض من جوهر إلى جوهر آخر.

وفي الوصول: (إن العرض هو الذي يقوم بغيره، فانتقاله عنه محال؛ إذ في حال الانتقال لا يخلو إما أن يكون قائماً بالمنتقل عنه، أو بالمنتقل إليه، أو بهما، فالأول: يسبب عدم الانتقال، والثاني: خلف؛ إذ المفروض أنه في حال الانتقال لا بعد الانتقال، والثالث: محال؛ إذ الشيء الواحد لا يمكن قيامه بشيئين)(2)،

انتهى.

[4] أي: تقوّم العرض بالجوهر؛ لأن الفرق بينهما هو أن الجوهر قائم بذاته، والعرض قائم بغيره، فلا يمكن فرض عرض بلا محل.

[5] أي: تشخص العرض بالموضوع، فإن العرض الخارجي إنما هو وجود جزئي، ومن المعلوم لزوم تشخص الشيء الموجود، ومن مشخصات العرض هو موضوعه، فلو انتقل العرض عن موضوعه زال تشخصه فيزول شخصه - كذا

ص: 180


1- فرائد الأصول 3: 290.
2- الوصول إلى كفاية الأصول 5: 235.

غريب[1]، بداهة أن استحالته حقيقة[2] غير مستلزم لاستحالته تعبداً والالتزام بآثاره شرعاً.

وأما بمعنى[3] إحراز وجود الموضوع خارجاً فلا يعتبر[4] قطعاً في جريانه، لتحقق أركانه بدونه. نعم[5]،

----------------------------------

قيل(1)

- .

[1] خبر قوله: (والاستدلال عليه)، وإشكال عليه، وحاصله: إنه لا يراد بالاستصحاب إثبات الوجود الخارجي للشيء، بل يراد التعبد ببقائه ليترتب عليه الآثار، والتعبد ببقاء العرض حتى مع تغيّر موضوعه أمر ممكن.

وبعبارة أخرى: لا يراد بالاستصحاب إبقاء الشيء خارجاً، بل يراد التعبد ببقائه لترتيب آثاره، وهذا أمر اعتباري، فلا مانع منه.

[2] أي: استحالة انتقال العرض، «حقيقة» أي: في الخارج، «تعبداً» أي: باعتبار شرعي، والغرض من هذا التعبد هو «الالتزام بالآثار الشرعية».

المعنى الثاني لبقاء الموضوع

[3] أي: المعنى الثاني لبقاء الموضوع: هو إحراز وجود الموضوع خارجاً، بأن نعلم بأنه باقٍ.

وهذا المعنى غير معتبر في الاستصحاب؛ وذلك لتمامية أركان الاستصحاب حتى مع عدم إحراز وجود الموضوع، بل قد نستصحب نفس الموضوع، ومعنى ذلك الشك في بقاء الموضوع، ونريد عبر الاستصحاب إحراز بقاء الموضوع تعبداً.

[4] أي: لا يعتبر بقاء الموضوع بهذا المعنى، «جريانه» أي: الاستصحاب، «أركانه» أي: الاستصحاب، «بدونه» أي: بدون إحراز وجود الموضوع خارجاً.

[5] أي: قد يلزم إحراز بقاء الموضوع لا لأجل الاستصحاب، بل لأجل أن

ص: 181


1- منتهى الدراية 7: 730.

ربما يكون[1] مما لابد منه في ترتيب بعض الآثار. ففي استصحاب عدالة زيد لا يحتاج إلى إحراز حياته لجواز تقليده[2]، وإن كان[3] محتاجاً إليه في جواز الاقتداء به أو وجوب إكرامه أو الإنفاق عليه.

وإنما الإشكال[4] كله في أن هذا الاتحاد هل هو بنظر العرف أو بحسب دليل الحكم أو بنظر العقل؟

----------------------------------

بعض الآثار تترتب على إحراز الموضوع، فإحراز بقاء الموضوع إنما لزم لأجل خصوصية في ذلك الأثر.

مثلاً: جواز البقاء على التقليد يشترط فيه بقاء العدالة، ولا يشترط فيه الحياة، فيمكن استصحاب العدالة ليترتب عليها جواز البقاء على التقليد، مع عدم إحراز حياته.

ولكن في الإنفاق على المجتهد يشترط إحراز حياته؛ لأن الإنفاق أمر يرتبط بالحي لا الميت، عكس البقاء على التقليد الذي لا يشترط فيه إحراز الحياة، فتأمل.

[1] أي: يكون إحراز وجود الموضوع خارجاً، «في ترتيب بعض الآثار» لخصوصية في تلك الآثار، وهذا لا يرتبط بالاستصحاب بما هو.

[2] أي: لجواز البقاء على تقليده، فمع الشك في بقاء العدالة يمكن استصحابها، فيترتب على الاستصحاب جواز البقاء على التقليد، حتى وإن لم يحرز بقاء زيد خارجاً، بل حتى لو لم يحرز بقاؤه تعبداً.

[3] أي: كان إحراز الحياة، «في جواز الاقتداء به» في صلاة الجماعة مثلاً، فلو اقتدى بإمام جماعة وفي أثناء الصلاة شك في بقاء حياته لا يمكنه استصحاب جواز الاقتداء به؛ إذ إحراز حياته شرط لصحة صلاة الجماعة، وهكذا وجوب الإكرام والانفاق، وفي هذه الأمثلة إحراز بقاء الموضوع غير مرتبط بالاستصحاب، بل لخصوصية الصلاة والإنفاق والإكرام.

الأمر الثاني: ما هو ملاك الاتحاد
اشارة

[4] عطف على قوله: (إنه لا إشكال في اعتبار بقاء الموضوع)، وحاصله: إن

ص: 182

فلو كان[1] مناط الاتحاد هو نظر العقل، فلا مجال للاستصحاب في الأحكام، لقيام احتمال تغير الموضوع[2] في كل مقام شك في الحكم بزوال[3] بعض خصوصيات

----------------------------------

الملاك في اتحاد موضوع القضية المتيقنة والمشكوكة هل هو العرف أم لسان الدليل أم الدقة العقلية؟

والمختار: إن الملاك هو النظرة العرفية، وقبل ذلك لابد من بيان الفرق بين هذه المحتملات الثلاثة؛ لتظهر الثمرة العملية لهذا البحث.

الاتحاد بحسب الدقة العقلية

[1] إن الشك قد يكون في بقاء الحكم، وقد يكون في بقاء الموضوع.

1- ففي بقاء الحكم: لا يكون الشك إلاّ بعد تغيّر بعض الخصوصيات من الأوصاف أو الزمان والمكان ونحوها؛ إذ لو لم يكن هناك تغيّر في أية خصوصية لم يكن معنى للشك أصلاً، بل يستمر اليقين.

ومع تغيّر خصوصية يحتمل العقل دخلها في الحكم فلا يحرز العقل اتحاد الموضوع؛ إذ لعل موضوع الحكم مركب من عدة أمور، أحدها تلك الخصوصية، ومع عدم إحراز اتحاد الموضوع لا يمكن التمسك بدليل الاستصحاب؛ لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

2- وفي بقاء الموضوع: يجري الاستصحاب؛ لأن الموضوع في القضية المتيقنة نفسه في القضية المشكوكة، مثلاً: لو شككنا في حياة زيد بعد اليقين بها، فإن (زيداً) في القضيتين واحد عقلاً، كما هو واضح.

[2] إذ لعل الخصوصية التي تغيّرت كانت جزءاً من الموضوع، ومن المعلوم أنّ الكل ينعدم بانعدام جزئه، وأما سائر الأجزاء فإنها تكون موضوعاً آخر.

[3] أي: سبب الشك هو تغيّر بعض الخصوصيات، والغرض من هذا القيد هو إخراج النسخ؛ إذ مع كونه شكاً في بقاء الحكم مع ذلك يجري استصحابه؛ وذلك

ص: 183

موضوعه[1]، لاحتمال دخله فيه، ويختص[2] بالموضوعات، بداهة[3] أنه إذا شك في حياة زيد شك في نفس ما كان على يقين منه حقيقة.

بخلاف[4] ما لو كان[5] بنظر العرف أو بحسب لسان الدليل، ضرورة أن انتفاء بعض الخصوصيات وإن كان موجباً للشك في بقاء الحكم، لاحتمال دخله في موضوعه[6]، إلاّ أنه[7] ربما لا يكون بنظر العرف ولا في لسان الدليل من مقوماته،

----------------------------------

لعدم تغيّر في موضوع الحكم أصلاً؛ إذ لا تغيّر في الخصوصيات في النسخ، بل النسخ هو انتهاء أمد الحكم فقط من غير تغير في أي شيء آخر، فتأمل.

[1] أي: موضوع الحكم، «دخله» أي: دخل بعض الخصوصيات، «فيه» أي: في الحكم.

[2] عطف على قوله: (فلا مجال...)، والمعنى: بناءً على اعتبار الدقة العقلية يختص الاستصحاب بالموضوعات.

[3] بيان وجه جريانه في الموضوعات، وحاصله: إنه لا تغيّر في الموضوع أصلاً حتى بالدقة العقلية، فإن حياة زيد - مثلاً - في القضية المتيقنة نفس حياته في القضية المشكوكة.

الاتحاد بحسب العرف أو لسان الدليل

[4] حيث يجري استصحاب الحكم غالباً حتى مع تغيّر تلك الخصوصيات، حيث لا تكون تلك الخصوصيات في لسان الدليل، ولا يراها العرف من المقومات، بل يراها من الحالات التي لا دخل لها في الحكم. نعم، قد تكون مقوماً للموضوع - حسب العرف أو لسان الدليل - فحينئذٍ لا يجري الاستصحاب.

[5] أي: الاتحاد، «ضرورة» دليل جريان الاستصحاب.

[6] «دخله» أي: دخل بعض الخصوصيات، «موضوعه» أي: في موضوع الحكم، بأن يكون مقوماً للموضوع.

[7] «أنه» أن بعض الخصوصيات، «ربّما» للتكثير، «مقوماته» أي: مقومات

ص: 184

كما أنه[1] ربما لا يكون موضوع الدليل[2] بنظر العرف بخصوصه موضوعاً، مثلاً: إذا ورد (العنب إذا غلى يحرم)، كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفاً[3] هو خصوص العنب، ولكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم ويتخيلونه[4] من

----------------------------------

الموضوع، بل يراها العرف أو في لسان الدليل من الحالات المتبادلة.

[1] إن المرجع في فهم معنى الدليل هو العرف، فما كان ظاهراً عند العرف كان حجة. والسؤال هو: كيف يمكن التغاير بين النظرة العرفية وبين لسان الدليل؟

والجواب: إن العرف هو المرجع لمعرفة ظاهر الألفاظ، وهذا ما يعبّر عنه بلسان الدليل. ولكن قد يُلغي العرف الخصوصية وذلك بفهم الملاك، وأن معنى اللفظ كان من باب المثال، وحينئذٍ فظهور اللفظ محفوظ، ولكن العرف يعمّم الحكم لأنه فهم المناط.

مثلاً: لفظ (العنب) ظاهر في الفاكهة الخاصة حين رطوبتها، ولكن العرف يرى أن ملاك الحكم في مثل: (العنب إذا غلى يحرم) يشمل الزبيب أيضاً؛ وذلك لفهم الملاك وإلغاء خصوصية الرطوبة الموجودة في العنب - مثلاً - .

وبعبارة أخرى: هنا إرادتان: جدية واستعمالية، والإرادة الاستعمالية هي ما يظهر من لسان الدليل، والإرادة الجدية هي ما يفهمه العرف، فتأمل.

[2] أي: اللفظ الظاهر في المعنى - وهو ما يستفاد من لسان الدليل - قد لا يكون مراداً بخصوصه، بل المراد أعم منه بحسب الإرادة الجدية، «بخصوصه» بل الموضوع أعم واقعاً، وقوله: «موضوعاً» خبر (يكون).

[3] أي: حسب لسان الدليل - والذي يكون المرجع فيه العرف أيضاً - فإن ظاهر لفظ (العنب) عندهم هو خصوص العنب، وهذا اللفظ لا يشمل الزبيب، لكنّهم يُعمِّمون الحكم؛ وذلك لفهم الملاك، بحسب المناسبات الخارجية بين الحكم والموضوع.

[4] أي: يتصورونه، مثلاً: لفظ الحنطة لا يشمل (الدقيق) حسب لسان الدليل،

ص: 185

المناسبات بين الحكم وموضوعه يجعلون الموضوع للحرمة[1] ما يعم الزبيب، ويرون العنبية والزبيبية من حالاته المتبادلة[2]، بحيث لو لم يكن الزبيب محكوماً بما حكم به العنب كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه، ولو كان محكوماً به كان من بقائه، ولا ضير[3] في أن يكون الدليل[4] بحسب فهمهم[5] على خلاف ما ارتكز

----------------------------------

ولكن العرف لا يرى فرقاً من جهة الحكم بينهما، وإن اختلفا من حيث التسمية.

ومثاله الشرعي: هناك فرق حسب لسان الدليل بين (الماء المتغير بالنجاسة ينجس) وبين (الماء ينجس إذا تغيّر) حيث يكون التغيّر داخلاً في الموضوع في الأول فإذا، زال التغير طهر، وخارجاً عنه في الثاني، فإذا زال التغير بقيت النجاسة.

ولكن العرف لا يرى فرقاً بين المثالين، ويعتبر (التغيّر) حيثاً تعليلياً، أي: سبب لحدوث النجاسة، وليس سبباً لبقائها، بل تبقى النجاسة حتى وإن زال التغيّر.

[1] أي: إن حكم الحرمة غير خاضٍ بما ورد في الدليل، بل الحرمة للأعم.

[2] «حالاته» أي: حالات الموضوع، «المتبادلة» التي لا دخل لها في الموضوع، «بقائه» بقاء الحكم.

[3] أي: إن مناسبات الحكم والموضوع قد تُغيّر ظهور اللفظ؛ وذلك إذا كانت واضحة جداً، بحيث كانت قرينة صارفة للّفظ عن معناه، فحينئذٍ يتفق المعنى حسب لسان الدليل حسب النظرة العرفية.

ولكن قد لا تكون تلك المناسبات من الوضوح بحيث تغيّر ظهور اللفظ، فحينئذٍ يختلف المعنى حسب النظرة العرفية عن المعنى حسب لسان الدليل.

[4] أي: اللفظ المستعمل في الدليل يكون له ظهور في معنى.

[5] أي: إن لسان الدليل أيضاً مأخوذ من العرف، فإن ظهور الألفاظ عرفي، ولكن مع ذلك يكون خلاف المرتكز في أذهانهم.

ص: 186

في أذهانهم[1] بسبب ما تخيلوه من الجهات والمناسبات في ما إذا لم تكن[2] بمثابة تصلح قرينة على صرفه عمّا هو ظاهر فيه.

ولا يخفى[3]: أن النقض وعدمه حقيقة يختلف بحسب الملحوظ من الموضوع، فيكون نقضاً بلحاظ موضوع، ولا يكون بلحاظ موضوع آخر. فلابد[4] في تعيين أن

----------------------------------

[1] لأن المرتكز قد يرتبط بالإرادة الجدية وبالملاك، وذلك لا يغيّر من ظهور اللفظ، بل يعمّم في المراد.

مثلاً: قول الطبيب: (لا تأكل الليمون الحامض) للعرف فيه فهمان:

الأول: حسب لسان الدليل: وهو أن (الليمون الحامض) ظاهر في فاكهة معلومة.

الثاني: حسب مرتكزه: وهو أن مراد الطبيب كل حامض حتى وإن كان الرمان الحامض.

فلفظ (الليمون الحامض) لا يشمل (الرمان الحامض) لكن ملاكه يشمله حسب الارتكاز العرفي.

[2] أي: لم تكن تلك المناسبات قرينة تصرف اللفظ عن معناه إلى المعنى المرتكز، فحينئذٍ يتحد لسان الدليل مع النظرة العرفية، «صرفه» أي: صرف الدليل - اللفظ - «عما» أي: عن معنىً، «هو» اللفظ، «فيه» في المعنى، والضمير يرجع إلى الموصول في «عمّا».

[3] بعد أن بيّن المصنف أنه قد يكون فرق بين لسان الدليل وبين النظرة العرفية أراد أن يبيّن أنه لا ضابطة هناك لتعيين الموارد، بل المناط هو مراجعة كل موردٍ موردٍ بنفسه، وملاحظة ما يفهمه العرف من ذلك الدليل.

[4] أي: بعد أن ذكرنا أن وحدة الموضوع يمكن أن تكون بلحاظ الدقة العقلية، وقد تكون بلحاظ لسان الدليل، وقد تكون بلحاظ النظرة العرفية يأتي دور البحث

ص: 187

المناط في الاتحاد هو الموضوع العرفي أو غيره من بيان[1] أن خطاب «لا تنقض» قد سيق بأي لحاظ؟

فالتحقيق[2] أن يقال: إن قضية إطلاق[3] خطاب «لا تنقض» هو أن يكون بلحاظ الموضوع العرفي، لأنه[4] المنساق من الإطلاق في المحاورات العرفية، ومنها الخطابات الشرعية، فما لم يكن هناك دلالة على أن النهي فيه بنظر آخر غير ما هو الملحوظ في محاوراتهم، لا محيص[5] عن الحمل على أنه بذاك اللحاظ، فيكون المناط في بقاء الموضوع هو الاتحاد بحسب نظر العرف وإن لم يحرز بحسب العقل أو لم يساعده النقل، فيستصحب مثلاً ما ثبت بالدليل للعنب[6] إذا صار زبيباً، لبقاء

----------------------------------

عن مرحلة الإثبات، وهو البحث عن دلالة دليل الاستصحاب على أيٍّ من هذه الثلاثة. و«فلابد» عطف على قوله: (وإنما الإشكال كله في أن هذا الاتحاد... الخ).

[1] «من» متعلق ب- (لابد) أي: لابدّ من بيان... الخ.

[2] وحاصله: إن كلام الشارع ملقى إلى العرف، ففهم العرف حجة؛ إذ لو لم يُرد الشارع ما يفهمه العرف كان عليه بيان مقصوده بنصب قرينة، وإلاّ كان إغراءً بالجهل وإلقاءً في المفسدة؛ وذلك قبيح عقلاً.

[3] أي: مقتضى هذا الإطلاق، أي: عدم تعيين أن المراد أيّة نظرة فكلامه مطلق، ولكن لابد من حمل إطلاق كلامه على أن مراده النظرة العرفية.

[4] أي: لأن لحاظ الموضوع العرفي - أي: النظرة العرفية - .

[5] «لا محيص» جزاء قوله: (فما لم يكن...) والأفضل إضافة الفاء، أي: فلا محيص... الخ، «عن الحمل» أي: حمل كلام الشارع، «أنه» أي: إن النهي في (لا تنقض)، «بذلك اللحاظ» أي: العرفي.

[6] أي: الحكم الذي ثبت بالدليل الاجتهادي للعنب، كالحرمة بعد الغليان وقبل ذهاب الثلثين.

ص: 188

الموضوع واتحاد القضيتين عرفاً. ولا يستصحب في ما لا اتحاد كذلك[1] وإن كان هناك اتحاد عقلاً، كما مرت الإشارة إليه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، فراجع.

المقام الثاني: إنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب مع الأمارة المعتبرة في مورده[2]، وإنما الكلام في أنه[3]

----------------------------------

[1] أي: عرفاً، حتى وإن كان هناك اتحاد حسب الدقة العقلية، ففي استصحاب القسم الثالث من الكلي الموضوع - وهو الكلي - واحد دقة، لكنه متغاير عرفاً، فلا استصحاب، مثلاً: كلي الطلب في الوجوب والندب شيء واحد بالدقة العقلية، لكن العرف يرى التغاير بين الوجوب والندب، فلا يجري استصحاب كلي الطلب في ما علمنا بزوال الوجوب وشككنا في تحقق الاستحباب.

المقام الثاني
اشارة

[2] مثلاً: لو كان الثوب نجساً صباحاً ثم شك في نجاسته ظهراً، وقامت البينة على طهارته، فإنه يعمل بالبينة ولا يستصحب النجاسة.

[3] أي: إن عدم جريان الاستصحاب هل لورود الأمارة عليه، أم لحكومتها عليه، أم لأجل الجمع العرفي كالتخصيص؟

ولابد قبل البحث من تبيين معاني هذه الكلمات:

1- (فالتخصيص): هو إخراج بعض الأفراد عن الحكم مع حفظ فرديتها، مثلاً: لو قال (أكرم العلماء)، ثم قال: (لا تكرم العالم الفاسق) فإن العالم الفاسق عالم، لكنه خرج عن وجوب الإكرام وهو حكم العام.

2- (والتخصص): هو خروج بعض الأفراد عن موضوع الدليل، بلا حاجة إلى ما يخرجه، مثلاً: (أكرم العلماء) لا يشمل زيداً الجاهل، بلا حاجة إلى دليل لإخراجه.

ص: 189

للورود أو الحكومة أو التوفيق[1] بين دليل اعتبارها وخطابه[2]؟

والتحقيق أنه للورود[3]، فإن رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة

----------------------------------

3- (والورود): هو خروج بعض الأفراد عن موضوع الدليل، مع الحاجة إلى ما يخرجه، مثلاً: الأمارة بيان ترتفع بها البراءة العقلية، فقبح العقاب بلا بيان دليل عام، ومع قيام الأمارة لا يبقى موضوع له؛ إذ الأمارة بيان.

4- (والحكومة): هو نظر أحد الدليلين إلى الآخر مع التصرف فيه، إما تصرفاً في الحكم كأن يقول: (أكرم العالم)، ثم يقول: (السجدة للعالم ليس بإكرام له)، وإما تصرفاً في الموضوع بالتضيق كأن يقول: (لا شك لكثير الشك)، وذلك لإخراجه عن أدلة شكيّات الصلاة، أو بالتوسعة، كأن يقول: (الطواف بالبيت صلاة) فيُوسّع الصلاة لتشمل الطواف مثلاً.

5- (التقييد): وهو كالتخصيص، إلاّ أنه تقييد للمطلق، والتخصيص للعام.

[1] والتوفيق بين الدليلين: إما بالجمع العرفي، بأن يقال: إن دليل الأمارة أظهر. وإما لكي يبقى للأمارة مورد لكيلا تكون لغواً، وإلاّ ففي جميع مواردها يوجد أصل من الأصول. وإما بالتخصيص بأن يقال: إن دليل الأمارة يخصص دليل الاستصحاب.

[2] اعتبار الأمارة، وخطاب الاستصحاب - أي: الدليل الدال عليه - .

1- الورود

[3] وذلك لأن الأمارة حجة يقيناً، فرفع اليد عن اليقين السابق رفع لليد عن اليقين باليقين، كما قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (ولكن ينقضه بيقين آخر)(1).

وبعبارة أخرى: إن موضوع الاستصحاب هو (نقض اليقين بالشك) ومع قيام الأمارة ينتفي هذا الموضوع ويتحوّل إلى (نقض اليقين باليقين).

ص: 190


1- تهذيب الأحكام 1: 8.

على خلافه[1] ليس من نقض اليقين بالشك، بل باليقين[2]. وعدم رفع[3] اليد عنه[4] مع الأمارة على وفقه ليس لأجل أن لا يلزم نقضه به[5]، بل من جهة لزوم العمل بالحجة[6].

لا يقال[7]:

----------------------------------

ويمكن بيان الورود بطريقة أخرى بأن نقول: إن موضوع الاستصحاب هو الشك، والأمارات رافعة للشك؛ إذ هي علم تنزيلي.

[1] خلاف اليقين السابق، وهذا في ما كانت الأمارة مخالفة لليقين السابق، كمثال يقينه السابق بالنجاسة، ثم قيام الأمارة على الطهارة.

[2] فارتفع موضوع الاستصحاب وهو نقض اليقين بالشك، وتبدل إلى نقض اليقين باليقين، وهذا هو الورود.

[3] وهذا في ما كانت الأمارة متوافقة مع اليقين السابق، كما لو كان متيقناً سابقاً بالنجاسة، ثم شك وقامت البينة على النجاسة.

[4] أي: عن اليقين السابق، والمراد هو أن العمل على طبق اليقين السابق ليس لأجل الاستصحاب، بل لأجل قيام البينة على وفقه، ففي الحقيقة ليس هناك عمل باليقين السابق، بل العمل بالحجة وهي البينة، «وفقه» أي: مطابقاً لليقين السابق.

[5] نقض اليقين السابق بالشك.

[6] الذي هو يقين لاحق.

[7] حاصله: إن دليل الاستصحاب ودليل الأمارة كلاهما في عرض واحد، فدليل الاستصحاب أخبار معتبرة، وكذلك دليل الأمارات - عادة - أخبار معتبرة، وهذه الأخبار في عرض واحد، ونسبتها هي العموم والخصوص من وجه، فكيف رجّحتم دليل الأمارات على دليل الاستصحاب، مع أن القاعدة تقتضي تعارضهما تعارض العامين من وجه؟

ص: 191

نعم[1]، هذا لو أخذ بدليل الأمارة في مورده، ولكنه لِمَ لا يؤخذ بدليله[2]، ويلزم[3] الأخذ بدليلها؟

فإنه يقال[4]: ذلك[5]

----------------------------------

[1] أي: نعم، الأمارة واردة على الاستصحاب، «لو أخذ» أي: لو رجحنا دليل الأمارة، «مورده» أي: مورد الاستصحاب.

[2] أي: ما هو الوجه في عدم ترجيح دليل الاستصحاب على دليل الأمارة؟

[3] عطف على (لا يؤخذ)، أي: ولماذا يلزم الأخذ بدليل الأمارة؟

[4] حاصل الجواب: إن ترجيح دليل الأمارة لا يلزم منه محذور أصلاً؛ إذ بهذا الترجيح ينتفي موضوع الاستصحاب، فإن دليل الأمارة يُوجد اليقين اللاحق، فينتفي (نقض اليقين بالشك).

ولكن ترجيح دليل الاستصحاب يلزم منه أحد محذورين: إما التخصيص بلا مخصص، لو لم يكن هناك دليل يدل على تخصيص دليل الاستصحاب لدليل الأمارة. وإما الدور؛ وذلك لو قلنا: إنّ نفس دليل الاستصحاب يخصص دليل الأمارة.

بيان الدور: إن جريان الاستصحاب يتوقف على تخصيصه للأمارة (كي لا يكون نقضاً لليقين باليقين). وتخصيصه للأمارة يتوقف على جريان الاستصحاب (إذ لو لم يجرِ الاستصحاب لكان نقضاً لليقين باليقين).

وبعبارة أخرى - كما قيل(1)

- : مخصّصية الاستصحاب لها تتوقف على اعتبار الاستصحاب معها. واعتبار الاستصحاب معها يتوقف على مخصصيته لها، وإلاّ فلا مورد لها للورود.

[5] أي: الأخذ بدليل الأمارة، وعدم الأخذ بدليل الاستصحاب.

ص: 192


1- منتهى الدراية 7: 765.

إنما هو لأجل أنه لا محذور في الأخذ بدليلها[1]؛ بخلاف الأخذ بدليله[2]، فإنه يستلزم تخصيص دليلها بلا مخصص[3] إلاّ على وجهٍ دائر[4]، إذ التخصيص به[5] يتوقف على اعتباره معها، واعتباره كذلك[6] يتوقف على التخصيص به، إذ لولاه[7] لا مورد له معها، كما عرفت آنفاً.

----------------------------------

[1] إذ لو رجحنا دليل الأمارة كان هناك يقين بالحجية، وهو يرفع موضوع الاستصحاب؛ لأنه نقض لليقين باليقين، وهذا لا محذور فيه أصلاً.

[2] أي: ترجيح دليل الاستصحاب يستلزم منه أحد المحذورين المذكورين، «فإنه» أي: الأخذ بدليله.

[3] هذا إذا لم نجعل المخصص نفس دليل الاستصحاب؛ إذ حينئذٍ يقال: إن دليل الأمارة لا يشمل مورد الاستصحاب من غير دليل يخصص عموم أدلة الأمارات التي تشمل المورد، سواء كان يقين سابق أم لم يكن.

[4] أي: يمكن إيجاد مخصص وهو نفس دليل الاستصحاب، لكن يلزم منه الدور.

[5] هذا الطرف الأول من الدور، وهو أن التخصيص بدليل الاستصحاب متوقف على اعتبار دليل الاستصحاب مع الأمارة؛ إذ لو لم يكن معتبراً لم يتمكن من التخصيص.

[6] هذا الطرف الثاني من الدور، وهو أن اعتبار دليل الاستصحاب، «كذلك» أي: مع الأمارة يتوقف على تخصيص دليل الأمارة؛ لأنها إن بقيت عامة كان معناها حجيتها حتى في مورد الاستصحاب، فتكون يقيناً لاحقاً، فلا يبقى مورد للاستصحاب.

[7] «لولاه» أي: لو لا تخصيص دليل الاستصحاب لدليل الأمارة، «له» لدليل الاستصحاب، «معها» مع الأمارة، «كما عرفت» في بيان (الورود).

ص: 193

وأما حديث الحكومة[1]: فلا أصل له[2] أصلاً، فإنه[3] لا نظر لدليلها إلى مدلول دليله إثباتاً وبما هو مدلول الدليل، وإن كان[4] دالاً على إلغائه معها ثبوتاً وواقعاً، لمنافاة[5]

----------------------------------

2- الحكومة

[1] وهو ما ذهب إليه الشيخ الأعظم(1)،

بأن الأمارة حاكمة على الأصل العملي.

وفيه: أولاً: إن شرط الحكومة هو نظر الدليل الحاكم إلى الدليل المحكوم، ومن المعلوم أن أدلة الأمارات - كمفهوم آية النبأ - لا نظر لها إلى أدلة الأصول العملية مثل: (لا تنقض اليقين بالشك).

وثانياً: إن شرط الحكومة هو تصرف الدليل الحاكم في المحكوم - توسعة أو تضييقاً - فلو كان الأصل العملي مطابقاً للأمارة فلا يتحقق شرط الحكومة؛ إذ لا توسعة ولا تضييق، بل تطابق، وحينئذٍ لابد من القول بجريان الأصل العملي، وهذا ما لا يلتزم به الشيخ الأعظم.

[2] أي: لا وجه له، «له» لحديث الحكومة.

[3] إشارة إلى الإشكال الأول، «لدليلها» أي: الأمارة، «دليله» أي: الأصل، «إثباتاً» أي: النظر خارجاً بحيث جيء بالدليل الحاكم بغرض التصرف في الدليل المحكوم.

[4] أي: في الواقع يوجد تنافٍ بين الدليلين؛ ولذا لا يبقى مجال لأحدهما ولابد من إلغائه مع الآخر، لكن ذلك لا يرتبط بالحكومة التي شرطها النظر إثباتاً. «كان» دليل الأمارة، «دالاً» بالدلالة الالتزامية، «إلغائه» أي: إلغاء مدلول الأصل، «معها» مع الأمارة.

[5] تعليل لدلالة دليل الأمارة على إلغاء الأصل، «بها» بالأمارة، «به» بالأصل.

ص: 194


1- فرائد الأصول 3: 314.

لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها، كما[1] أن قضية دليله إلغاؤها كذلك، فإن[2] كلاً من الدليلين بصدد بيان ما هو الوظيفة للجاهل[3]، فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة، هذا. مع لزوم[4] اعتباره معها في صورة الموافقة، ولا أظن أن يلتزم به القائل بالحكومة، فافهم، فإن المقام لا يخلو من دقة.

وأما التوفيق[5]: فإن كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق، وإن كان بتخصيص دليله

----------------------------------

[1] أي: المنافاة من الطرفين، فكما يكون لازم دليل الأمارة إلغاء الأصل كذلك لازم دليل الأصل هو إلغاء الأمارة، «كذلك» أي: ثبوتاً وواقعاً.

[2] بيان وجه المنافاة، فكل واحد من الدليلين في مقام بيان تكليف غير القاطع، فمع التخالف بينهما تحصل المنافاة.

[3] أي: غير القاطع؛ إذ يجب عقلاً العمل بالقطع، ومع عدم القطع جُعلت طرق للوصول إلى الواقع، ويعبر عنها بالأمارة، وإن جعلت لا للوصول إلى الواقع، بل كمجرد وظيفة عملية، فهي الأصول.

[4] إشارة إلى الإشكال الثاني، «اعتباره» الأصل، «معها» مع الأمارة، «في صورة الموافقة» إذ لا تنافي، فلا توسعة ولا تضييق فلا توجد حكومة!

3- التوفيق

[5] أي: الجمع بين دليل الأصل ودليل الأمارة.

فإن كان المراد هو الورود فقد اتفقنا مع هذا القائل، والاختلاف إنما هو في التعبير.

وإن كان المراد تخصيص دليل الأصل بدليل الأمارة ففيه نظر؛ وذلك لأن التخصيص فرع فردية الخاص للعام موضوعاً، وخروجه حكماً، مثل: (أكرم العلماء إلاّ الفساق)، فالعالم الفاسق فرد للعام لكنه غير مشمول بحكمه.

وهنا مع وجود الأمارة لا يكون مورد الأصل داخلاً في العام، وهو (نقض اليقين

ص: 195

بدليلها[1] فلا وجه له، لما عرفت من أنه[2] لا يكون مع الأخذ به نقض يقين بشك، لا أنه غير منهي عنه[3] مع كونه من نقض اليقين بالشك.

خاتمة: لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول العملية، وبيان التعارض بين الاستصحابين.

أما الأول[4]:

----------------------------------

بالشك) إذ هو (نقض لليقين باليقين) كما عرفته مفصلاً.

[1] بأن يقال: إن (لا تنقض اليقين بالشك) عام يشمل مورد الأمارة، لكن تمّ تخصيصه بدليل الأمارة، أي: إخراجه عن حكم (لا تنقض).

[2] للشأن، «به» بدليل الأمارة، أي: لا شمول لدليل الأصل لمورد الأمارة أصلاً، لا أنه شامل له موضوعاً لكنها خارج حكماً.

[3] أي: لا أنه خارج حكماً - وذلك بجواز النقض - «أنه» أن النقض، «كونه» كون مورد الأمارة.

والحاصل: إن مورد الأمارة ليس داخلاً في عموم نقض اليقين بالشك لكنه خرج عنه حكماً بالتخصيص.

خاتمة
1- النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول

[4] حاصله: هو أن الاستصحاب وارد على سائر الأصول العملية - سواء كانت شرعية أم عقلية - .

1- أما الأصول العملية الشرعية فإن موضوعها الشك، والاستصحاب يرفع الشك ويُبدّله إلى اليقين التعبدي.

إن قلت: هذا إذا لاحظنا نفس الاستصحاب مع سائر الأصول العملية الشرعية، ولكن لو لاحظنا دليل الاستصحاب مع أدلة سائر الأصول تعارض الدليلان.

ص: 196

فالنسبة بينه وبينها[1] هي بعينها النسبة بين الأمارة وبينه، فيقدم عليها، ولا مورد معه لها[2]، للزوم[3] محذور التخصيص إلاّ بوجهٍ دائرٍ في العكس وعدم محذور

----------------------------------

قلت: إن ترجيح دليل الاستصحاب لا محذور فيه؛ لأنه ينتج منه ورود الاستصحاب على سائر الأصول، وهذا ليس بمحذور، وأما ترجيح دليل سائر الأصول فمعنى ذلك تخصيص دليل الاستصحاب بحيث لا يشمل مورد الاجتماع مع سائر الأصول، وفي هذا التخصيص أحد محذورين: إما التخصيص بلا مخصص؛ لأنا لا نجد دليلاً يدل على هذا التخصيص.

وإمّا الدور إذا كان المخصص نفس دليل سائر الأصول، فإن مخصصية تلك الأدلة لدليل الاستصحاب تتوقف على اعتبارها معه - لأن غير المعتبر لا يخصِّص - واعتبارها معه يتوقف على مخصصيتها له - إذ لو لا ذلك لكان الاستصحاب وارداً عليها - .

2- أما الأصول العملية العقلية فإنه يرتفع موضوعها مع الاستصحاب حقيقةً.

أ: ف- (عدم البيان) موضوع البراءة العقلية، والاستصحاب بيان.

ب: و(عدم الأمن من العقوبة) موضوع الاحتياط العقلي في العلم الإجمالي، والاستصحاب سبب انحلال العلم الإجمالي، وبه يحصل الأمن.

ج: و(عدم الترجيح) في دوران الأمر بين المحذورين موضوع التخيير العقلي، والاستصحاب مرجِّح.

[1] وهي الورود، «بينه» الاستصحاب، «بينها» سائر الأصول، «بعينها» أي: بعين النسبة، «فيقدّم» الاستصحاب، «عليها» على سائر الأصول.

[2] لارتفاع موضوعها، وهو الشك في الأصول الشرعية، واللابيان وعدم الأمن وعدم الترجيح في الأصول العقلية.

[3] بيان لوجه عدم تقديم أدلتها على أدلته، «في العكس» أي: في تقديم سائر

ص: 197

فيه[1] أصلاً، هذا في النقلية منها.

وأما العقلية: فلا يكاد يشتبه وجه تقديمه عليها، بداهة عدم الموضوع معه لها، ضرورة أنه إتمام حجة وبيان[2] ومؤمّن من العقوبة وبه الأمان[3]، ولا شبهة في أن الترجيح به عقلاً صحيح[4].

وأما الثاني[5]: فالتعارض بين الاستصحابين إن كان[6] لعدم إمكان العمل بهما

----------------------------------

الأصول على الاستصحاب، والمراد تقديم دليلها على دليله.

[1] أي: في تقديم الاستصحاب؛ إذ يلزم من تقديمه (الورود) وهو ليس بمحذور أصلاً، «منها» من الأصول العملية.

[2] فارتفع موضوع البراءة العقلية، وهو (اللابيان).

[3] فارتفع موضوع الاحتياط العقلي، وهو (عدم المؤمِّن من العقوبة).

[4] فارتفع موضوع التخيير العقلي، وهو (عدم وجود مرجح).

2- التعارض بين الاستصحابين
اشارة

[5] 1- قد يكون سبب تعارض الاستصحابين هو عجز المكلف عن العمل بهما، مع تمامية أركانهما.

2- وقد يكون السبب هو العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما، وهذا على قسمين:

أحدهما: أن يكون الاستصحابان طوليين، بأن كان الشك في أحدهما مسبباً عن الشك في الآخر، بحيث لو ارتفع الشك في السبب لارتفع الشك في المسبب.

وثانيهما: أن يكون الاستصحابان عرضيين.

[6] إشارة إلى صورة عجز المكلف، مثل: ما لو وجب إكرام شخصين ثم شك في ذلك، فالاستصحاب يدل على وجوب إكرامهما، لكن لو عجز المكلف عن إكرامهما معاً فعدم وجوب إكرامهما ليس لجهة إشكال في الاستصحابين، بل بسبب عدم قدرة المكلّف.

ص: 198

بدون[1] علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما- كاستصحاب وجوب أمرين حدث بينهما التضاد[2] في زمان الاستصحاب - فهو من باب تزاحم الواجبين[3].

وإن كان[4] مع العلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما، فتارةً[5] يكون

----------------------------------

[1] أي: لا يوجد علم إجمالي بانتقاض الحالة السابقة، وهذا عكس الصورة الثانية - بقسميها - .

[2] بسبب عجز المكلف عن الإتيان بهما.

[3] لقيام الدليل على وجوبهما، وعدم التنافي بينهما، وإنما في مقام الامتثال لم يتمكن المكلف من إتيانهما.

ثم إن المصنف علّق على كلامه هذا بقوله: (فيتخيّر بينهما إن لم يكن أحد المستصحبين أهم، وإلاّ فيتعيّن الأخذ بالأهم. ولا مجال لتوهم أنه لا يكاد يكون هناك أهم، لأجل أن إيجابهما إنما يكون من باب واحد، وهو استصحابهما من دون مزية في أحدهما أصلاً، كما لا يخفى؛ وذلك لأن الاستصحاب إنّما يتبع المستصحب، فكما يثبت به الوجوب والاستحباب يثبت به كل مرتبة منهما فتستصحب، فلا تغفل)(1)، انتهى.

[4] إشارة إلى الصورة الثانية، وهي العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحد الاستصحابين.

الأصل السببي والمسببي

[5] إذا كان بقاء أحد المستصحبين سبباً لبقاء أو عدم بقاء الآخر، فهنا يجري الاستصحاب في السبب دون المسبب مثلاً:

1- لو استصحب طهارة الماء ثم غسل به الثوب المتنجس، فإن بقاء طهارة الماء سبب لعدم بقاء نجاسة الثوب.

ص: 199


1- حقائق الأصول 2: 541.

المستصحب[1] في أحدهما من الآثار الشرعية لمستصحب الآخر، فيكون الشك فيه[2] مسبباً عن الشك فيه، كالشك في نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة وقد كان[3]

----------------------------------

2- أو استصحب نجاسة الماء فغسل به الثوب المتنجس، فإن بقاء نجاسة الماء سبب لبقاء نجاسة الثوب.

أما جريان الاستصحاب في السبب فلتمامية أركان الاستصحاب مع عدم محذور فيه، وعدم جريانه نقض لليقين بالشك وهو منهي عنه.

أما عدم جريان الاستصحاب في المسبب فلأنّه قد نُقض اليقين السابق بيقين لاحق؛ وذلك لأن استصحاب الطهارة - في المثال الأول - ينتج حكماً ظاهرياً بالطهارة، فالمكلف على يقين من طهارة الماء تعبداً، وبغسل الثوب المتنجس بماء طاهر تعبداً يحصل يقين بطهارة ذلك المتنجس تعبداً، فقد نقض اليقين بنجاسة الثوب سابقاً باليقين بطهارته تعبداً.

وبعبارة أخرى: الأصل السببي (وارد) على الأصل المسببي؛ إذ يرفع (الشك) الذي هو موضوع الأصل المسببي.

والإشكال: بأنه لماذا لا يُخصَّص دليل الاستصحاب المسببي بأن يقال: لا يجوز نقض اليقين بالشك إلاّ في هذا المورد - وهو الاستصحاب السببي - . قد مرّ جوابه: بأنه إما تخصيص بلا مخصص، أو تخصيص بنحو دائر.

[1] أي: بقاء المستصحب في أحدهما - كنجاسة الثوب - من الآثار الشرعية لبقاء المستصحب الآخر - كنجاسة الماء - في المثال الأول أو عدم بقاء المستصحب في أحدهما - كنجاسة الثوب - من آثار بقاء المستصحب الآخر - كطهارة الماء - في المثال الثاني.

[2] أي: في المستصحب الآخر مسبباً عن الشك في المستصحب في أحدهما.

[3] أي: قد كان الماء طاهراً، فاستصحبت طهارته.

ص: 200

طاهراً، وأخرى[1] لا يكون كذلك؛ فإن[2] كان أحدهما أثراً للآخر، فلا مورد إلاّ للاستصحاب في طرف السبب، فإن الاستصحاب في طرف المسبب موجبٌ لتخصيص الخطاب[3] وجواز[4] نقض اليقين بالشك في طرف السبب بعدم[5] ترتيب أثره الشرعي، فإن من آثار طهارة الماء طهارة الثوب المغسول به ورفع نجاسته، فاستصحاب نجاسة الثوب نقض لليقين بطهارته[6]؛ بخلاف[7] استصحاب

----------------------------------

[1] وهو القسم الثاني من موارد الاستصحاب مع العلم الإجمالي، ومورده الاستصحابان العَرْضيان، وسيأتي البحث فيه في قوله: (وإن لم يكن المستصحب في أحدهما... الخ).

[2] شروع في الاستدلال على عدم جريان الأصل المسببي، وحاصله: إن الحكم ببقاء نجاسة الثوب بعد غسله بماء كان طاهراً سابقاً، معناه عدم الحكم بطهارة ذلك الماء - لأن الماء لو كان محكوماً بالطهارة لكان مطهّراً للثوب - وعدم الحكم بطهارة الماء معناه نقض اليقين السابق بطهارة الماء بالشك اللاحق في طهارته، مع أن الشارع نهى عن نقض اليقين بالشك؛ إذ يلزم الحكم بطهارة الماء شرعاً بالاستصحاب، والماء الطاهر شرعاً يكون مطهّراً للمتنجسات، فقد طهر الثوب المتنجس بالحجة الشرعية.

[3] وهو قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (لا تنقض اليقين بالشك).

[4] عطف تفسيري على قوله: «تخصيص الخطاب».

[5] بيان لكيفية نقض اليقين بالشك في طرف السبب، فإن الأثر الشرعي لطهارة الماء هو مُطهريته للمتنجسات، فعدم مُطهريته معناه عدم طهارته، وهذا نقض لليقين بالطهارة بالشك فيها.

[6] أي: بطهارة الماء.

[7] أي: لو أجرينا الاستصحاب في السبب فإنه يزول موضوع الاستصحاب

ص: 201

طهارته، إذ لا يلزم منه نقض يقين بنجاسة الثوب بالشك، بل باليقين بما هو رافع لنجاسته، وهو غسله بالماء المحكوم شرعاً بطهارته.

وبالجملة: فكل من السبب والمسبب وإن كان مورداً للاستصحاب[1]، إلاّ أن الاستصحاب في الأول[2] بلا محذور، بخلافه في الثاني، ففيه محذور التخصيص بلا وجه إلاّ بنحوٍ محال؛ فاللازم الأخذ بالاستصحاب السببي[3].

----------------------------------

في المسبب؛ إذ يتبدل اليقين بنجاسة الثوب إلى يقين تعبدي بطهارته.

[1] أي: يمكن جعله مورداً للاستصحاب بأن يدعى تمامية الأركان فيه، لكن تماميتها في المسبب يحتاج إلى الشك اللاحق، ولا يكون شك لاحقاً إلاّ إذا لم يجر الاستصحاب السببي؛ إذ مع جريانه ينقلب الشك اللاحق في المسبب إلى يقين لاحق.

[2] «الأول» وهو السبب، «الثاني» وهو المسبب، «بنحوٍ محال» الدور المذكور سابقاً.

[3] وقد علّق المصنف(1)

على (بلا محذور) بقوله - مع توضيحاتنا - : (وسر ذلك) أي: عدم المحذور في استصحاب السبب (أن رفع اليد عن اليقين في مورد السبب يكون فرداً لخطاب لا تنقض اليقين، و) يكون (نقضاً لليقين بالشك مطلقاً) أي: سواء جرى الاستصحاب في المسبب أم لم يجر (بلا شك) ولا شبهة.

(بخلاف رفع اليد عن اليقين في مورد المسبب، فإنه إنما يكون فرداً له) أي: لخطاب لا تنقض (إذا لم يكن حكم حرمة النقض يعمّ النقض في مورد السبب، وإلاّ) أي: إذا جرى الاستصحاب في السبب (لم يكن) المسبب (بفرد له) أي: لخطاب لا تنقض، (إذ حينئذٍ) حين جريان الاستصحاب في السبب (يكون) مورد المسبب (من نقض اليقين باليقين، ضرورة أنه يكون رفع اليد عن نجاسة الثوب المغسول بماء محكوم بالطهارة شرعاً باستصحاب طهارته) خبر «يكون» محذوف،

ص: 202


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 5: 20.

نعم[1]،

----------------------------------

وهو «رفعاً لليقين باليقين»، وذلك (لليقين بأن كل ثوب نجس يغسل بماء كذلك) أي: محكوم بالطهارة شرعاً (يصير طاهراً شرعاً).

(وبالجملة: من الواضح لمن له أدنى تأمل أن اللازم في كل مقام كان للعام فرد مطلق، وفرد كان فرديته له) أي: مصداقية ذلك الفرد للعام (معلّقة على عدم شمول حكمه لذاك الفرد المطلق كما في المقام) حيث دليل الاستصحاب يشمل السببي مطلقاً، ويشمل المسببي إذا لم يكن السببي فرداً لدليل الاستصحاب، (أو كان هناك عامان) كدليل حجية الخبر ودليل الاستصحاب (كان لأحدهما فرد مطلق) فدليل حجية الخبر مطلق، أي: سواء كانت حالة سابقة أم لم تكن، (و) كان (للآخر) كدليل الاستصحاب (فرد كانت فرديته معلقة على عدم شمول حكم ذاك العام لفرده المطلق) فإن دليل حجية الخبر إذا لم يشمل ما له حاله سابقة فحينئذٍ يجري الاستصحاب (كما هو الحال في الطرق في مورد الاستصحاب) أي: في ما كان هناك حالة سابقة، وقوله: (هو) خبر لقوله قبل أسطر «أن اللازم في كل مقام...» (الالتزام بشمول حكم العام لفرده المطلق، حيث لا مخصص له، ومعه) أي: مع شمول العام لفرده المطلق (لا يكون فرد آخر يعمّه أو لا يعمّه).

(ولا مجال لأن يلتزم بعدم شمول حكم العام للفرد المطلق ليشمل حكمه) أي: حكم العام (لهذا الفرد، فإنه) أي: عدم شمول العام للفرد المطلق (يستلزم التخصيص بلا وجه، أو) التخصيص (بوجهٍ دائر، كما لا يخفى على ذوي البصائر) انتهت تعليقة المصنف بتوضيحها.

[1] أي: إذا لم يجر الأصل السببي لِعلة من العلل كالتعارض، فإن جريان الأصل المسببي بلا محذور؛ لأن عدم جريان الأصل السببي هو بمعنى عدم وجود يقين لاحق في الأصل المسببي؛ إذ لا حجة شرعية في البين.

ص: 203

لو لم يجر هذا الاستصحاب[1] بوجهٍ لكان الاستصحاب المسببي جارياً، فإنه لا محذور فيه حينئذٍ[2] مع وجود أركانه وعموم خطابه.

وإن لم يكن[3] المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر[4] فالأظهر جريانهما[5]

----------------------------------

مثلاً: لو كان إناءان طاهران ثم وقعت نجاسة في أحدهما، فلا يجري الاستصحاب في أيٍّ منهما، فلو غسل الثوب المتنجس بأحد الإناءين جرى استصحاب نجاسة الثوب بلا محذور.

[1] «هذا الاستصحاب» أي: السببي، «بوجهٍ» أي: بأيِّ وجه من الوجوه.

[2] حين عدم جريان الأصل السببي.

تعارض الاستصحابين العَرْضيين
اشارة

[3] وهذا هو القسم الثاني من صورتي العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة، وهو ما إذا كان الاستصحابان في عرض واحد - من غير أن يكون بينهما سبب ومسبب - وهذا على نحوين:

النحو الأول: أن لا يلزم من جريانهما مخالفة عملية، كما في استصحاب نجاسة إناءين عُلم إجمالاً بطهارة أحدهما، فإن إبقاء النجاسة فيهما مطابق للاحتياط، حيث لا يلزم مخالفة عملية أصلاً.

النحو الثاني: أن يلزم من جريانهما الترخيص في المخالفة العملية، كاستصحاب طهارة إناءين عُلم إجمالاً بنجاسة أحدهما، فإن جريانهما ترخيص في المخالفة العملية.

[4] أي: لا توجد سببيّة بينهما، بل كلاهما في عرض واحد.

النحو الأول

[5] أي: الاستصحابين؛ وذلك لوجود المقتضي - أي: شمول دليل الاستصحاب لهما - مع فقد المانع.

ص: 204

في ما لم يلزم منه محذور المخالفة القطعية[1] للتكليف الفعلي المعلوم إجمالاً، لوجود المقتضي إثباتاً[2] وفقد المانع عقلاً[3].

----------------------------------

وأشكل على المقتضي(1):

بأنه لا يشمل أطراف العلم الإجمالي؛ وذلك لأن جريان الاستصحابين يوجب التناقض بين صدر الرواية وذيلها، فإن شمول الصدر وهو (لا تنقض اليقين بالشك) لموارد العلم الإجمالي يوجب تناقضه مع الذيل، وهو (ولكن ينقضه بيقين آخر) لأن العلم الإجمالي (يقين آخر)، إذن لابد من القول بأن دليل الاستصحاب لا يشمل موارد العلم الإجمالي؛ وذلك للإجمال.

وفيه: أولاً: عدم التناقض؛ لأن (اليقين) في الصدر والذيل بمعنى واحد، ف- (لا تنقض اليقين بالشك، بل انقضه بيقين آخر) إنما هو بمعنى (بل انقضه بيقين آخر مثل اليقين السابق)، ومن المعلوم أن اليقين الإجمالي ليس مثل اليقين التفصيلي السابق.

وثانياً: لو سلمنا المناقضة في هذه الرواية مما يوجب إجمالها، فإن بعض أخبار الاستصحاب لا يوجد فيها الذيل، فلا تكون مجملة، فيكون لها إطلاق يشمل حتى أطراف العلم الإجمالي.

وأما المانع(2):

فقد قيل: إن جريانهما يوجب المخالفة الالتزامية!

وفيه: أولاً: عدم المحذور منها، بل المحذور في المخالفة العملية.

وثانياً: ما مرّ من أن الالتزام الإجمالي يكفي، بأن يلتزم بما هو حكم الله واقعاً في هذه الموارد.

[1] بل يلزم أن لا تكون مخالفة احتمالية - كما سيشير إليه المصنف في مطاوي البحث - .

[2] أي: لدلالة الدليل، وهو إطلاق خطاب الاستصحاب.

[3] لأن المانع العقلي يقيّد الدليل اللفظي أو يصرفه عن إطلاقه.

ص: 205


1- منتهى الدراية 7: 796.
2- منتهى الدراية 7: 801.

أما وجود المقتضي: فلإطلاق الخطاب وشموله[1] للاستصحاب في أطراف المعلوم بالإجمال، فإن قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ[2] - في ذيل بعض أخبار الباب -: «ولكن تنقض اليقين باليقين»(1) لو سلم[3] أنه يمنع عن شمول قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ - في صدره -: «لا تنقض اليقين بالشك» لليقين والشك[4] في أطرافه، للزوم[5] المناقضة في مدلوله[6]، ضرورة المناقضة بين السلب الكلي[7] والإيجاب الجزئي[8]،

----------------------------------

[1] عطف تفسيري على إطلاق الخطاب.

[2] إشارة إلى دفع قصور المقتضي - وهو مناقضة الصدر والذيل لو شملت أخبار الاستصحاب أطراف العلم الإجمالي - .

[3] إشارة إلى الإشكال الأول على المناقضة.

[4] متعلق ب- (شمول) أي: يمنع عن شمول الصدر لليقين والشك، «في أطرافه» أي: في أطراف العلم الإجمالي.

[5] تعليل كيفية المناقضة، وقوله: (ضرورة...) شرح لهذا التعليل.

[6] أي: لو قلنا: إنّ هذه الرواية تشمل أطراف العلم الإجمالي لحصل التناقض بين الصدر والذيل؛ إذ الصدر يدل على جريان الاستصحاب لوجود الشك، والذيل يدل على عدم جريانه لحصل العلم الإجمالي، ومن المعلوم استحالة التناقض في كلام الإمام، فلابد من القول بأن الرواية مجملة لا يعلم شمولها لأطراف العلم الإجمالي.

[7] في قوله: (لا تنقض اليقين بالشك) حيث نهى الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عن النقض بشكل كلي، وهذه قضية سالبة كليّة.

[8] في قوله: (ولكن ينقضه بيقين آخر) حيث أمر بالنقض في صورة حصول اليقين، وهذه قضية موجبة جزئية. ومن المعلوم أن نقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية.

ص: 206


1- وسائل الشيعة 2: 356، وفيه: «وإنما تنقضه بيقين آخر».

إلاّ أنه[1] لا يمنع عن عموم النهي في سائر الأخبار - مما ليس فيه الذيل - وشموله[2] لما في أطرافه، فإن إجمال ذاك الخطاب[3] لذلك لا يكاد يسري إلى غيره مما ليس فيه ذلك.

وأما فقد المانع[4]: فلأجل أن جريان الاستصحاب في الأطراف لا يوجب إلاّ المخالفة الالتزامية[5]، وهو ليس بمحذور، لا شرعاً ولا عقلاً.

ومنه[6]

----------------------------------

[1] «أنه» أن هذا الذيل، وهذا هو الإشكال الثاني على المناقضة بين الصدر والذيل.

ولا يخفى أن المصنف بيّن الإشكال الأول ثم بيّن المناقضة ثم بين الإشكال الثاني.

والحاصل: إن إجمال إحدى الروايات لا يسرى إلى سائر الروايات، فإن بعض الروايات لا يوجد فيها هذا الذيل، وفيها الصدر فقط، وهو عام يشمل حتى أطراف العلم الإجمالي.

[2] عطف على قوله: «عموم النهي»، أي: إلاّ أنه لا يمنع عن شموله لأطراف العلم الإجمالي.

[3] الذي فيه الذيل، «لذلك» أي: للزوم المناقضة، «غيره» أي: غير ذلك الخطاب الذي فيه الذيل، «ليس فيه ذلك» أي: ذلك الذيل.

[4] وهذا إشارة إلى المانع والجواب عنه.

[5] لأن المفروض في (النحو الأول) أن لا يوجب مخالفة عملية أصلاً.

النحو الثاني

[6] أي: ممّا بيناه في النحو الأول اتضح عدم جريان الاستصحاب في النحو الثاني - وهو ما استلزم جريان الاستصحاب المخالفة العملية - وذلك لأن العقل يحكم

ص: 207

قد انقدح عدم جريانه في أطراف العلم بالتكليف فعلاً أصلاً[1]، ولو في بعضها[2]، لوجوب الموافقة القطعية له[3] عقلاً، ففي جريانه لا محالة يكون محذور المخالفة القطعية أو الاحتمالية[4]، كما لا يخفى.

تذنيب: لا يخفى[5]:

----------------------------------

بلزوم الموافقة القطعية لأمر المولى، فمخالفته حتى لو كانت احتمالية غير مجوّزة عقلاً؛ لأن الاشتغال اليقيني للذمة يستدعي البراءة اليقينية.

[1] «أصلاً» قيد لعدم الجريان، و«فعلاً» يعني إذا كان التكليف فعلياً، أما مخالفة الشأني فلا مانع منه؛ لأنه ليس بتكليف حقيقةً.

[2] أي: لا يجري الاستصحاب حتى في بعض الأطراف؛ لأن جريانه فيها يوجب المخالفة الاحتمالية للتكليف المعلوم بالإجمال.

[3] أي: للتكليف المعلوم بالإجمال.

[4] أي: محذور الترخيص في المخالفة القطعية إذا جرى الاستصحاب في جميع الأطراف، والاحتمالية إذا جرى في بعض الأطراف.

تذنيب
نسبة قاعدة الفراغ والتجاوز وأصالة الصحة مع الاستصحاب
اشارة

قد ذكرنا في ما سبق:

1- نسبة الاستصحاب إلى الأمارات.

2- نسبته إلى الأصول العملية.

3- نسبة الاستصحابات بعضها إلى بعض.

والآن تذكر الصورة الرابعة، وهي نسبة الاستصحاب إلى قواعد أخرى، كالفراغ والتجاوز واليد وأصالة الصحة ونحوها.

[5] (قاعدة التجاوز): هي أن ينتقل المصلّي إلى جزء آخر من الصلاة فيشك في

ص: 208

أن مثل قاعدة التجاوز في حال الاشتغال بالعمل[1] وقاعدة الفراغ بعد الفراغ عنه[2] وأصالة صحة عمل الغير، إلى غير ذلك من القواعد[3] المقررة في الشبهات الموضوعية

----------------------------------

الأفعال السابقة، مثلاً: وهو في الركوع يشك بأنه هل قرأ الحمد أم لا، أو يشك في أن قراءته كانت صحيحة أم لا؟

و(قاعدة الفراغ): هي الشك في العمل بعد الانتهاء منه، سواء كان شكاً في الإتيان بجزء أو شرط أم كان شكاً في صحتهما.

و(أصالة صحة عمل الغير): معناها واضح، فيحمل فعل الغير على ما يتطابق مع الشرع حين الشك فيه.

وهذه القواعد وغيرها تقدّم على الاستصحاب.

والدليل عليه: إن دليل الاستصحاب أعم فيشمل الشبهات الموضوعية والحكمية، وهذه القواعد أخص؛ لأنها خاصة في موارد يكون الشك في الموضوع، أي: الإتيان بجزء وشرط أو عدم الإتيان به في قاعدة الفراغ والتجاوز، وكذا الشك في صحة فعل الغير، وهذا أيضاً شك في الموضوع.

وحينئذٍ، فمن فرغ من الصلاة إذا شك في جزء منها فإن مقتضى الاستصحاب هو عدم الإتيان بذلك الجزء، لكن قاعدة الفراغ تقدم على الاستصحاب.

ومن غسّل ميتاً وشككنا في صحة عمله فإن مقتضى الاستصحاب هو عدم الصحة، لكن أصالة الصحة تدل على صحته، وهكذا.

[1] أي: قبل الانتهاء منه، وهذه القاعدة مختصة بالصلاة.

[2] عن العمل، وقيل: تجري هذه القاعدة في الصلاة وغيرها، على تفصيل مذكور في الفقه.

[3] كقاعدة اليد، فإنها أمارة الملكية.

ص: 209

- إلاّ القرعة[1] - تكون[2] مقدمة على استصحاباتها المقتضية لفساد[3] ما شك فيه من الموضوعات، لتخصيص دليلها بأدلتها[4].

وكون[5]

----------------------------------

[1] فإن لها بحثاً خاصاً بها وسيأتي بعد قليل.

[2] «تكون» خبر قوله: (أن مثل قاعدة... الخ)، «استصحاباتها» أي: الاستصحابات الجارية في موارد هذه القواعد.

[3] أي: المقتضية تلك الاستصحابات للفساد؛ لأنها استصحاب العدم، أي: عدم الإتيان بالجزء أو الشرط أو عدم تحقق السبب، أو عدم ترتب الأثر ونحو ذلك.

[4] «دليلها» دليل الاستصحابات، «بأدلتها» بأدلة هذه القواعد.

ثم إنه هذه القواعد هل هي أصول أم أمارات؟

فإن قيل: إنها أصول فلا إشكال في التخصيص.

ولكن إن قيل: إنها أمارات فمقتضى القاعدة هو (الورود) لا التخصيص، لكن لما أخذ في لسان دليلها الشك فلا فرق بينها وبين الاستصحاب من هذه الجهة، فتأمل.

[5] إشكال وجوابه، وحاصلهما: أما الإشكال: فهو إن بعض هذه القواعد قد تجري في ما لا حالة سابقة، كقاعدة اليد. فهنا تكون النسبة عموم وخصوص من وجه، فمورد الاجتماع: هو ما في اليد مع سبق ملك الغير، ومورد افتراق الاستصحاب هو في الشبهات الحكمية، ومورد افتراق قاعدة اليد هو في ما تولد في اليد بلا حالة سابقة، كما لو رأينا في يد زيد بيضاً، ويحتمل أن يكون قد وجد في ملكه بأن كان مالكاً للدجاجة - مثلاً - .

ومن المعلوم أن النسبة إن كانت عموماً من وجه كان مورد الاجتماع من التعارض بين الدليلين.

ص: 210

النسبة بينه وبين بعضها[1] عموماً من وجه لا يمنع[2] عن تخصيصه بها[3] بعد الإجماع[4] على عدم التفصيل بين مواردها؛ مع لزوم[5] قلة المورد لها جداً لو قيل بتخصيصها بدليلها، إذ قلَّ مورد منها لم يكن هناك استصحاب على خلافها، كما لا يخفى.

وأما القرعة[6]: فالاستصحاب في موردها يقدم عليها، لأخصّيّة دليله من

----------------------------------

وأما الجواب: أولاً: الإجماع على عدم التفصيل في موارد هذه القواعد، فهذا الإجماع يكون مرجحاً لهذه القواعد في محل الاجتماع.

وثانياً: إن تقديم الاستصحاب عليها يستلزم قلّة مواردها جداً؛ لأن الغالب هو أن يكون في مواردها حالة سابقة، وهذا يستلزم لغوية جعلها.

[1] كقاعدة اليد وأصالة الصحة.

[2] مع أن القاعدة في صورة العموم من وجه هي التعامل مع الدليلين معاملة المتعارضين في مورد الاجتماع.

[3] تخصيص الاستصحاب، «بها» أي: ببعض هذه القواعد.

[4] هذا الجواب الأول، فإن هذا الإجماع يرجح أدلتها على دليل الاستصحاب.

[5] هذا الجواب الثاني، «لها» لبعض تلك القواعد، «بتخصيصها» أي: بعض تلك القواعد، «بدليلها» أي: بدليل استصحاباتها، بل حتى لو قيل بتساقط الدليلين حين التعارض أيضاً يكون لتلك القواعد موارد قليلة جداً.

نسبة الاستصحاب والقرعة
اشارة

[6] الاستصحاب يقدّم على القرعة بلا إشكال، ولكن ما هو سبب تقديمه عليها؟

المصنف في بداية كلامه يذهب إلى أنه بالتخصيص، ولكن في نهاية البحث يقول بالورود، ولعله يشير إلى هذا التردد بقوله: (فافهم).

ص: 211

دليلها[1]، لاعتبار سبق الحالة السابقة فيه دونها. واختصاصها[2] بغير الأحكام

----------------------------------

[1] دليل القرعة مطلق، سواء كانت حالة سابقة أم لم تكن، كقوله: (القرعة لكل أمر مشكل)(1). أما الاستصحاب فهو خاص بما كانت حالة سابقة، فدليل الاستصحاب أخص، فيقدم على القرعة.

إشكال وجوابه

[2] أي: القرعة، وهذا إشكال وحاصله: إن بين دليل القرعة ودليل الاستصحاب عموماً من وجه؛ لأن الاستصحاب عام للشبهات الحكمية والموضوعية، وأما القرعة فهي - إجماعاً - خاصة بالشبهات الموضوعية.

فمورد الاجتماع: الشبهات الموضوعية مع وجود الحالة السابقة.

ومورد افتراق القرعة: ما لا حالة سابقة له.

ومورد افتراق الاستصحاب: الشبهات الحكمية.

والجواب: أولاً: إن دليل القرعة بنفسه عام، فقوله: (القرعة لكل أمر مشكل) يشمل ما له حالة سابقة، كما يشمل الأحكام. ثم خُصص مرتين، مرة بالإجماع على عدم القرعة في الأحكام، ومرة أخرى بالاستصحاب، فلا قرعة مع وجود الحالة السابقة. وهذان الخاصان في عرض واحد، فلا يصح تخصيص العام بأحدهما أولاً، ثم ملاحظة النسبة بين العام المخصّص بالأول وبين الخاص الثاني. إذا تبيّن ذلك اتضح أن دليل الاستصحاب أخص مطلقاً من دليل القرعة.

وسيأتي البحث في هذا مفصلاً في بحث (انقلاب النسبة) فإن المصنف يذهب إلى عدم انقلابها، بل يلزم ملاحظة الأدلة الخاصة في رتبة واحدة.

وأما ثانياً: فحتى لو فرض أن النسبة هي العموم من وجه لكن دليل الاستصحاب أقوى فيرجح.

ص: 212


1- هداية الأمة 8: 348؛ وراجع وسائل الشيعة 27: 257.

إجماعاً[1] لا يوجب الخصوصية في دليلها[2] بعد عموم لفظها لها، هذا.

مضافاً[3] إلى وهن دليلها بكثرة تخصيصه[4] حتى صار العمل به في مورد محتاجاً إلى الجبر بعمل المعظم[5] - كما قيل(1) - وقوة دليله بقلة تخصيصه بخصوص دليل[6].

لا يقال[7]:

----------------------------------

[1] أي: دل الإجماع على عدم القرعة في الأحكام إطلاقاً.

[2] أي: لا يوجب أن يتحول دليلها العام إلى خاص، بل هو عام لفظاً. نعم، خرج منه الأحكام بدليل وهو الإجماع، كما خرج ما فيه الحالة السابقة بدليل آخر وهو الاستصحاب.

[3] هذا الجواب الثاني، وحاصله: إنه حتى لو فرضنا أن النسبة بين دليل القرعة ودليل الاستصحاب هي العموم من وجه، فيحصل التعارض في مورد الاجتماع، ولابد من تقديم دليل الاستصحاب؛ لقوته سنداً ودلالة بعدم تخصيصه إلاّ قليلاً، وضعف دليل القرعة؛ لضعف سنده وضعف دلالته بكثرة التخصيص فيه.

[4] «تخصيصه» تخصيص دليل القرعة، «به» بدليل القرعة.

[5] وإنما احتاج إلى الجبر لضعف السند أولاً، ولضعف الدلالة فإن كثرة التخصيصات توجب ضعف دلالة العام.

[6] «بخصوص دليل» أي: بسبب دليل من الأدلة، مثلاً: تخصيص الاستصحاب بقاعدة الفراغ والتجاوز والشك في الركعات، وموارد نادرة أخرى.

إشكال آخر وجوابه

[7] حاصله: إنه يستفاد من بعض أدلة القرعة أنها أمارة، كقوله: (ليس من قوم فوّضوا أمرهم إلى الله ثم اقترعوا إلاّ خرج سهم المحق)(2)،

فإن ظاهره أن القرعة

ص: 213


1- الفصول الغروية: 362.
2- تهذيب الأحكام 6: 238.

كيف يجوز تخصيص دليلها بدليله[1] وقد كان دليلها رافعاً لموضوع دليله، لا لحكمه، وموجباً[2] لكون نقض اليقين باليقين بالحجة على خلافه، كما هو الحال بينه وبين أدلة سائر الأمارات، فيكون[3] هاهنا أيضاً من دوران الأمر بين التخصيص بلا وجه غير دائر[4] والتخصص[5].

فإنه يقال[6]:

----------------------------------

كاشفة عن الواقع، وليست مجرد وظيفة.

وحينئذٍ فتكون القرعة واردة على الاستصحاب بعين ما ذكرناه في بحث تقدم الأمارات على الأصول العملية، حيث إن القرعة يقين تعبدي، فارتفع موضوع الاستصحاب - وهو الشك في البقاء - فلا مجال لتخصيص دليل القرعة بدليل الاستصحاب؛ إذ لا مخصِّص إلاّ دليل الاستصحاب، والتخصيص بالاستصحاب مستلزم للدور - كما مرّ تفصيله - .

[1] دليل القرعة بدليل الاستصحاب، «رافعاً» بالورود؛ إذ القرعة يقين تعبدي و«موضوع دليله» هو الشك، «لا لحكمه» خلافاً للشيخ الأعظم الذي كان يذهب إلى الحكومة.

[2] عطف على «رافعاً» أي: وكان دليل القرعة موجباً لكون... الخ، «خلافه» على خلاف اليقين السابق.

[3] أي: يكون الأمر هنا.

[4] بناءً على تقديم الاستصحاب على القرعة.

[5] أي: (الورود)، وهذا بناءً على تقديم القرعة.

[6] حاصل الجواب: إن دليل الاستصحاب هو الوارد على دليل القرعة - حتى وإن كانت أمارة - وذلك لأنه أخذ في موضوع القرعة (المشكل)، أو (المجهول)، أو (المشتبه)، ومن الواضح أن هذه الأمور ترتفع مع الاستصحاب؛ إذ مع إبقاء الحالة السابقة لا مشكل ولا مجهول ولا مشتبه.

ص: 214

ليس الأمر كذلك[1]، فإن المشكوك مما كانت له حالة سابقة، وإن كان من المشكل والمجهول والمشتبه[2] بعنوانه الواقعي[3]، إلاّ أنه ليس منها[4] بعنوان ما طرأ عليه من نقض[5] اليقين بالشك، والظاهر من دليل القرعة أن يكون منها بقول مطلق[6] لا في الجملة[7]، فدليل الاستصحاب الدال على حرمة النقض الصادق عليه[8] حقيقةً

----------------------------------

إن قلت: يرتفع الإشكال والجهل والاشتباه ظاهراً لا واقعاً.

قلت: ارتفاعها ظاهراً يكفي؛ ولذا تقدم سائر الأمارات - كاليد والبينة ونحوها - على القرعة، مع أنها لا ترفع الاشتباه والجهل والإشكال واقعاً، بل ظاهراً.

[1] أي: ليس الأمر ورود القرعة على الاستصحاب، بل الأمر بالعكس.

[2] هذه التعابير الثلاثة وردت في الروايات - على ما قيل(1)

- ولذا ذكرها المصنف جميعاً.

[3] لأن استصحاب الحالة السابقة إنما هو حكم ظاهري.

[4] «أنه» المشكوك، «منها» من المشكل والمجهول والمشتبه، «عليه» على المشكوك.

[5] أي: من جريان الاستصحاب، فإن الاستصحاب يرفع الاشتباه والجهل والإشكال.

[6] أي: إنما تجري القرعة إذا كان مشتبهاً واقعاً وظاهراً معاً، ولا تجري القرعة إذا ارتفع الاشتباه ولو ظاهراً؛ إذ لا يصدق الاشتباه مع رفعه ظاهراً، وكذا المشكل والمجهول.

[7] أي: لا تشمل ما كان اشتباه واقعاً فقط، ولم يكن اشتباه ظاهراً.

[8] أي: الصادق دليل الاستصحاب، «عليه» أي: على المشكوك، «لموضوعه» أي: موضوع دليل القرعة.

ص: 215


1- تهذيب الأحكام 9: 258 «مشكوك فيه»؛ وسائل الشيعة 26: 280 «المشتبه»؛ مستدرك الوسائل 4: 80 «المجهول»؛ هداية الأمة 8: 348 «المشكل»؛ مستدرك الوسائل 17: 374 «الملتبس».

رافع لموضوعه أيضاً[1]، فافهم[2]، فلا بأس[3] برفع اليد عن دليلها عند دوران الأمر بينه[4] وبين رفع اليد عن دليله، لوهن عمومها وقوة عمومه، كما أشرنا إليه آنفاً.

والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على محمد وآله باطناً وظاهراً.

----------------------------------

[1] كما سائر الأمارات ترفع موضوع دليل القرعة.

[2] لعله إشارة إلى أن قوله: (بالورود هنا) ينافي قوله: (بالتخصيص) في أول بحث القرعة.

أو إن القول بأن موضوع القرعة هو الاشتباه بقول مطلق - أي: ظاهراً وواقعاً - ليس بأولى من أن يقال: إن موضوع الاستصحاب هو الشك وعدم اليقين بقول مطلق، فإذا اقترع فقد زال الشك ظاهراً، وحينئذٍ فلابد من الرجوع إلى الجواب السابق من القول بالتخصيص.

[3] أي: بعد الإشكال على الورود، سواء كان من جهة القرعة أم من جهة الاستصحاب، لابد من الرجوع إلى كلامنا الأول، وهو أن بين دليل الاستصحاب ودليل القرعة إما عموم مطلق فيخصص الاستصحابُ القرعةَ، أو عموم من وجه مع ترجيح الاستصحاب لقوة دليله، شأن كل عامين من وجه، حيث يقدّم الأقوى منهما على الآخر.

[4] أي: بين دليل القرعة، «دليله» دليل الاستصحاب.

ص: 216

المقصد الثامن في تعارض الأدلة والأمارات

اشارة

ص: 217

ص: 218

المقصد الثامن في تعارض الأدلة والأمارات. فصل: التعارض[1] هو:

----------------------------------

المقصد الثامن في تعارض الأدلة والأمارات

عبر بعضهم ب- (التعادل والتراجيح)، لكن عدل عنه المصنف إلى (تعارض الأدلة والأمارات)، وذلك لأن التعادل والتراجيح فرع التعارض؛ إذ بعد حصول التعارض يتم البحث عن تساويهما أو ترجيح أحدهما على الآخر.

و(الأدلة) في الأحكام، و(الأمارات) في الموضوعات.

في تعريف التعارض

فصل في تعريف التعارض

اشارة

[1] تذكر في مطاوي هذا الفصل بعض البحوث المقدماتيّة، منها:

1- إن التعارض إنما هو (بحسب الدلالة) فتعبير الشيخ الأعظم ب- (تنافي المدلولين)(1)

محل تأمل؛ إذ المدلول هو (معنى الكلمة)، وقد يكون تنافٍ بين المدلولين لكن من غير منافاة في الدلالة؛ وذلك في موردين:

المورد الأول: في الحكومة، فإن بين معنى الدليل الحاكم والدليل المحكوم تنافياً، ولكن لا تنافي في مقام الدلالة؛ إذ الحاكم يوسّع أو يضيق المحكوم كما مرّ.

المورد الثاني: في موارد الجمع العرفي، كالأدلة الأولية والثانوية، فإن هناك تنافياً في مدلولها، ولكن في مقام الدلالة يجمع العرف بتقديم الأدلة الثانوية على الأولية غالباً، والعكس أحياناً.

ص: 219


1- فرائد الأصول 4: 11.

«تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة[1] ومقام الإثبات[2] على وجه[3] التناقض

----------------------------------

فعلى تعبير الشيخ الأعظم يدخل هذان الموردان في التعارض، مع أنهما ليسا من مصاديقه.

2- إن التعارض إنما هو في مقام الإثبات والظاهر، وإلاّ فلا تنافي بين الأدلة في الواقع ومقام الثبوت؛ إذ الشارع المقدّس عالم بكل شيء، فلا يعقل التنافي في إرادته.

3- إن التنافي قد يكون بنحو التناقض، مثل: (تجب) و(لا تجب)، وقد يكون بنحو التضاد مثل: (يجب) و(يحرم)، والتضاد قد يكون حقيقياً بأن لا يمكن الجمع بين الدليلين بنفسهما، كذلك قد يكون عرضياً بأن دل دليل من الخارج بمخالفة أحدهما للواقع، مثل: (وجوب صلاة الجمعة) و(وجوب صلاة الظهر في يوم الجمعة)، حيث لا تنافي بين الدليلين بنفسهما، ولكن حصل التنافي بينهما حيث علمنا من الخارج عدم وجوب صلاتين في ظهر يوم الجمعة.

4- إنه في الحكومة لا يشترط تأخر الحاكم، بل يمكن تقدمه، خلافاً للشيخ حيث اشترط تأخر الحاكم؛ وذلك لأن النظر كما يمكن تحققه من المتأخر للمتقدم كذلك العكس؛ لأن الشارع عالم بما سيصدره من أحكام، فيمكن توسعته أو تضييقه قبل صدوره.

5- التوفيق العرفي بين دليلين قد يكون بالتصرف في أحدهما كما هو الغالب، وقد يكون بالتصرف في كليهما وسيأتي مثاله.

[1] لا بحسب المدلول - كما ذكره الشيخ الأعظم - وقد عرفت الفرق بينهما في المقدمة الأولى.

[2] لا في مقام الثبوت، كما عرفته في المقدمة الثانية.

[3] إشارة إلى ما ذكر في المقدمة الثالثة.

ص: 220

أو التضاد حقيقةً أو عرضاً بأن[1] علم بكذب أحدهما إجمالاً مع[2] عدم امتناع اجتماعهما أصلاً».

وعليه[3] فلا تعارض بينهما بمجرد تنافي مدلولهما إذا كان بينهما حكومة[4] رافعة للتعارض والخصومة، بأن يكون أحدهما قد سيق ناظراً إلى بيان كمية[5] ما أريد من الآخر، مقدماً كان أو مؤخراً[6].

أو كانا[7]

----------------------------------

[1] هذا بيان للتضاد العرضي، «كذب أحدهما» أي: عدم مطابقة للواقع، «إجمالاً» بدون العلم التفصيلي؛ إذ معه لا معنى للتعارض.

[2] أي: الدليلان في نفسهما لا تنافي بينهما، بل يمكن كونهما معاً حكمين واقعيين، لكن لأجل دليل آخر علمنا بعدم مطابقة أحدهما للواقع، فلا محذور في وجوب الظهر والجمعة معاً في يوم الجمعة، لكن الإجماع ونحوه دل على عدم وجوب إلاّ صلاة واحدة عند الزوال في يوم الجمعة.

[3] أي: بناءً على أن التنافي إنما هو بحسب الدلالة.

[4] إشارة إلى المورد الأول من الفرق بين (التعارض حسب الدلالة) وبين (التعارض حسب المدلول) ففي الحكومة لا تعارض بحسب الدلالة مع وجود تعارض بحسب المدلول.

[5] إما توسعة كقولهم: (الطواف بالبيت صلاة) حيث تعميم الصلاة لتشمل الطواف، فيشترط فيه ما يشترط فيها، أو تضييقاً كقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (لا شك لكثير الشك) حيث تضييق أدلة شكيّات الصلاة كقولة عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (إذا شككت فابن على الأكثر)(1)

ونحوه.

[6] إشارة إلى ما ذكر في المقدمة الرابعة.

[7] أي: الدليلان، وهذا إشارة إلى المورد الثاني من الفرق بين (التعارض حسب

ص: 221


1- الفصول المهمة في أصول الأئمة 2: 115.

على نحو إذا عرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف[1] في خصوص أحدهما، كما هو[2] مطرد في مثل الأدلة المتكفلة لبيان أحكام الموضوعات بعناوينها الأولية مع مثل الأدلة النافية[3] للعسر والحرج والضرر والإكراه والاضطرار مما يتكفل لأحكامها[4] بعناوينها الثانوية، حيث يقدم في مثلهما الأدلة النافية، ولا تلاحظ النسبة بينهما[5] أصلاً، ويتفق في غيرهما[6] كما لا يخفى.

أو بالتصرف فيهما[7]،

----------------------------------

الدلالة) و(التعارض حسب المدلول).

[1] فمع الجمع العرفي لا تعارض بحسب الدلالة، مع وجوده بحسب المدلول، فهذا المورد خارج عن بحث التعارض، مع أنه حسب بيان الشيخ الأعظم يلزم إدخاله في هذا البحث.

المورد الأول من موارد الجمع العرفي

[2] أي: التصرف في أحدهما.

[3] (العُسر): هو المشقة البدنية، و(الحرج): هو المشقة النفسية، و(الضرر): هو النقيصة في النفس أو المال، و(الإكراه): هو جعل الغير يفعل فعلاً لا يرغب فيه تحت التهديد، و(الاضطرار): هو قيام الإنسان بما لا يرغب فيه أو ما لا يجوز لعروض عارض أهم، كاضطراره لدفع الموت إلى أكل لحم الخنزير - مثلاً - .

[4] أي: أحكام الموضوعات، «مثلهما» أي: مثل الأدلة الأولية مع الثانوية.

[5] من العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والتباين... الخ.

[6] «يتفق» معطوف على (مطرد في مثل...) «غيرهما» غير العناوين الأولية والثانوية، مثلاً: لا تعارض بين الخاص والعام؛ إذ الخاص أظهر أو نص فيقدّم على العام؛ إذ لا تنافي في مقام الدلالة مع وجود التنافي في المدلول.

[7] عطف على قوله: (بالتصرف في خصوص أحدهما) أي: إذا عُرضا على

ص: 222

فيكون مجموعهما[1] قرينة على التصرف فيهما، أو في أحدهما المعين ولو كان الآخر أظهر[2].

ولذلك[3]

----------------------------------

العرف وفق بينهما بالتصرف فيهما معاً، وموارد هذا قليلة، بل قيل بعدم وجود مورد له.

ومثلوا له بقوله: (ثمن العذرة من سحت)(1)

وقوله: (لا بأس ببيع العذرة)(2) بحمل الأولى على عذرة الإنسان، والثانية على عذرة الحيوان(3)،

فهذا تصرف في كلا الدليلين، ولا يخفى إنه جمع تبرعي وليس بعرفي.

[1] أي: مجموع الدليلين، ومقصود المصنف أنه مع الجمع العرفي لا تصل النوبة إلى ملاحظة الأظهر كي يُقدّم على الظاهر، بل المناط ما يفهمه العرف من ملاحظة الدليلين، حتى لو كان أحد الدليلين أظهر. فلو فرض أن دليل الحكم الأولى كان نصاً، ودليل الضرر كان ظاهراً، فإن دليل الضرر يكون مقدماً؛ وذلك باقتضاء الجمع العرفي.

[2] اختلفت نسخ الكتاب ففي بعضها «ولو كان الآخر أظهر» وفي بعضها بدون الواو، وفي بعضها (ولو كان من الآخر أظهر) والظاهر هو صحة النسخة الثالثة، فمعنى العبارة: (أو التصرف في أحدهما المعيّن ولو كان الذي تصرف فيه أظهر من الآخر)، وكان شرحنا في الحاشية السابقة بناءً على هذه النسخة، فدقق.

المورد الثاني من موارد الجمع العرفي

[3] أي: لأجل أن العرف يوفق بين الدليلين بالتصرف.

وهذا مورد آخر من موارد الجمع العرفي، وهو ورود الأمارات على الأصول

ص: 223


1- الاستبصار 3: 56.
2- الكافي 5: 226.
3- الاستبصار 3: 56.

تقدم الأمارات المعتبرة[1] على الأصول الشرعية، فإنه لا يكاد يتحير أهل العرف في تقديمها[2] عليها بعد ملاحظتهما، حيث[3] لا يلزم منه محذور تخصيص[4] أصلاً؛ بخلاف العكس[5] فإنه يلزم منه محذور التخصيص بلا وجهٍ أو بوجه دائر، كما أشرنا إليه في أواخر الاستصحاب.

وليس وجه[6]

----------------------------------

العملية، وقد مرّ أكثر بحثه في أواخر الاستصحاب، وإنما كررّه لأجل بيان وجه ادعاء الشيخ الأعظم (الحكومة) وردّ هذا الادعاء وإثبات (الورود).

[1] أما غير المعتبرة - كالقياس - فلا إشكال في تقدم الأصول العملية عليها؛ وذلك لإلغاء الشارع تلك الأمارات، فوجودها كالعدم.

[2] تقديم الأمارات المعتبرة، «عليها» على الأصول العملية، «بعد ملاحظتهما» أي: الأمارات والأصول.

[3] هذا وجه تقديم العرف للأمارة على الأصل، «منه» تقديم الأمارة، ولا يخفى أنه لو ثبت الجمع العرفي فلا حاجة إلى هذا الوجه.

[4] أي: لا تخصيص كي يلزم محذور، بل هنا ورود الأمارة على الأصل، ولا محذور في ذلك أصلاً - كما مرّ - .

[5] أي: تقديم الأصل على الأمارة، «التخصيص» تخصيص دليل الأمارة بحيث لا يشمل المورد الذي يجري فيه الأصل، «بلا وجهٍ» إن لم يكن هناك مخصص، «أو بوجه دائر» إن كان المخصص نفس دليل الأصل - وقد مرّ تفصيله فراجع - .

[6] شروع في رد الحكومة، حاصل الرد: هو أنّ وجه اعتبار الأمارات أحد ثلاثة:

1- جعل حكم مماثل للحكم الواقعي - أي: جعل حكم ظاهري - .

2- جعل الحجيّة بالتنجيز حين الإصابة، والتعذير حين الخطأ.

3- جعل العِلْميّة، أي: وجوب إلغاء احتمال الخلاف.

ص: 224

تقديمها[1] حكومتها على أدلتها، لعدم كونها ناظرة إلى أدلتها بوجه.

وتعرضها[2] لبيان حكم موردها لا يوجب كونها ناظرة إلى أدلتها وشارحة

----------------------------------

وعلى الأول: لا نظر لأدلة الأمارات إلى أدلة الأصول؛ لأن مثل: (صدق العادل) - مثلاً - إنما هو بمعنى وجوب العمل على طبق كلامه، ولا نظر له إلى الاستصحاب والبراءة ونحوهما، كما هو واضح.

وعلى الثاني: فكذلك لا نظر؛ لأن معنى المنجزية والمعذرية هو عقابه لدى المخالفة إن صادف الواقع، وعدم عقابه إن خالف الواقع، وليس فيه دلالة على إلغاء الأصول العملية بنحو من الأنحاء.

وأما الثالث: فإن (ألغِ احتمال الخلاف) ناظر إلى احتمال الخلاف لذا أمَر بإلغائه، ولكن الإشكال هو أنه لا يستفاد من أدلة الأصول العملية هذا المعنى - أي: إلغاء احتمال الخلاف - نعم، اللازم العقلي للعمل بشيء هو عدم العمل بما يخالفه، وهذا ليس بمعنى (النظر)، لأن النظر يتعلّق بالدلالة اللفظية لا العقلية.

إذن، تبين أن ذهاب الشيخ إلى الحكومة بسبب ذهابه إلى المعنى الثالث في أدلة اعتبار الأمارات، ولكن المصنف حيث لا يقول بالثالث لذا لا يقول بالحكومة.

[1] تقديم الأمارات، «حكومتها» الأمارات، «أدلتها» أدلة الأصول العملية، «كونها» الأمارات، «إلى أدلتها» أدلة الأصول العملية.

[2] أي: إن شمول الأمارات لموارد الأصول ليس بمعنى النظر. مثلاً: (صدق العادل) يشمل الموارد التي كان فيها يقين سابق - وهي مورد الاستصحاب - لكن الشمول ليس بمعنى النظر.

ويدل على ذلك أن دليل الاستصحاب - مثلاً - أيضاً عام يشمل موارد الأمارات، فهل يلتزم أحد بحكومة الاستصحاب على الأمارات بأن يقال: إن الشمول بمعنى النظر؟

ص: 225

لها[1]، وإلاّ[2] كانت أدلتها أيضاً دالة - ولو بالالتزام[3] - على أن حكم مورد الاجتماع فعلاً[4] هو مقتضى الأصل لا الأمارة[5]، وهو مستلزم[6] عقلاً نفي ما هو قضية الأمارة، بل[7] ليس مقتضى حجيتها[8] إلاّ نفي ما قضيته عقلاً من دون

----------------------------------

ولتقريب هذا الكلام إلى الذهن نقول: لو قال المولى: (أكرم العلماء) ثم قال: (لا تكرم الفساق) فإن مورد الاجتماع وهو: (العالم الفاسق) يشمله كلا العامين، لكن هذا الشمول ليس بمعنى النظر؛ ولذلك لا حكومة بين هذين العامين؛ وذلك لأنه يشترط في النظر: الدلالة اللفظية، ولا توجد هكذا دلالة بين هذين العامين. وكذلك أدلة الأمارات والأصول عامة، وفي مورد الاجتماع لا نظر لأحدهما إلى الآخر.

[1] عطف تفسيري لبيان معنى النظر.

[2] أي: لو كان مجرد (التعرض لحكم المورد) هو بمعنى الحكومة، «أدلتها» أي: أدلة الأصول العملية.

[3] لأن جريان دليل يلازمه عقلاً نفي ما يخالفه.

[4] أي: الحكم الفعلي.

[5] لأن كلا الدليلين - دليل الأصل ودليل الأمارة - عام، وهناك مورد اجتماع، فكلاهما بعمومه يشمل مورد الاجتماع، فإذا كان مجرد الشمول للمورد هو حكومة، لكانت الحكومة من الطرفين، وهذا لا يمكن الالتزام به أصلاً.

[6] أي: دلالة دليل الأصل على أن حكم مورد الاجتماع هو مقتضى الأصل لازمه العقلي نفي الحكم الذي تدل عليه الأمارة.

[7] أي: بعد نفي الحكومة نقول: إن دليل الأمارة لا يدل لفظاً على نفي الأصل، بل هو ينفي موضوع الأصل، فينتفي حكمه من غير دلالة لفظية لذلك، بل هو بملازمة عقلية.

[8] حجية الأمارة، «قضيته» أي: مقتضى الأصل، «عليه» على نفي مقتضى الأصل.

ص: 226

دلالة عليه لفظاً، ضرورة[1] أن نفس الأمارة لا دلالة له إلاّ على الحكم الواقعي[2]، وقضية حجيتها[3] ليست إلاّ لزوم[4] العمل على وفقها شرعاً المنافي عقلاً للزوم العمل على خلافه وهو قضية الأصل، هذا؛ مع احتمال[5] أن يقال: إنه ليس قضية الحجية شرعاً إلاّ لزوم العمل على وفق الحجة عقلاً وتنجز[6] الواقع مع المصادفة وعدم تنجزه في صورة المخالفة.

وكيف كان ليس مفاد[7] دليل الاعتبار هو وجوب إلغاء احتمال الخلاف تعبداً[8]

----------------------------------

[1] شروع لبيان وجه اعتبار الأمارة، وأنه إما جعل حكم مماثل أو جعل الحجية، وكلاهما لا نظر له إلى سائر الأدلة، بل كشف عن الحكم الواقعي فقط، «لا دلالة له» أي: لنفس الأمارة.

[2] لأن الأمارات لها كشف عن الواقع، عكس الأصول العملية التي تبين الوظيفة فقط من غير كشف.

[3] أي: حجية الأمارة.

[4] هذا الوجه الأول لاعتبار الأمارة، وهو جعل حكم مماثل الذي هو الحكم الظاهري، «وفقها» أي: الأمارة، «المنافي» ذلك العمل على وفقها، «عقلاً» وليس بدلالة لفظية - كي يكون نظراً وحكومة - «على خلافه» أي: خلاف العمل على وفقها.

[5] هذا الوجه الثاني لاعتبار الأمارة، «إنه» للشأن.

[6] قوله: «وتنجز... الخ» عطف تفسيري لقوله: «لزوم العمل على وفق الحجة عقلاً».

[7] شروع في ردّ الوجه الثالث لاعتبار الأمارة، وهو الوجه الذي كان سبباً لذهاب الشيخ الأعظم إلى القول بالحكومة.

[8] أي: جعل العلم التعبدي بإلغاء احتمال الخلاف.

ص: 227

كي يختلف الحال[1] ويكون مفاده في الأمارة نفي حكم الأصل[2] حيث إنه[3] حكم الاحتمال؛ بخلاف[4] مفاده فيه، لأجل أن الحكم الواقعي[5] ليس حكم احتمال خلافه، كيف[6]! وهو حكم الشك فيه واحتماله. فافهم وتأمل جيداً.

----------------------------------

[1] وذلك بحصول النظر من الأمارة إلى الأصل - بناءً على هذا الوجه - «مفاده» أي: مفاد دليل الاعتبار.

[2] لأن معنى اعتبار الأمارة على هذا الوجه الثالث هو: إلغاء احتمال الخلاف، وحكم الأصل هو من احتمال الخلاف، فتكون الأمارة ناظرة إلى الأصل.

[3] «إنه» حكم الأصل، «حكم الاحتمال» أي: الاحتمال المخالف للأمارة.

[4] أي: بخلاف مفاد الدليل في الأصل، والمعنى: أنه بناءً على هذا الوجه الثالث لا يوجد نظر من الأصل إلى الأمارة، فلا يمكن الإشكال بأن الأصل أيضاً يكون حاكماً على الأمارة.

بيانه: إنّ دليل اعتبار الأصل لا يدل على إلغاء احتمال الخلاف؛ لأن معنى هذا الإلغاء هو جعل العلم التعبدي، وبجعل العلم التعبدي يزول الشك، وينقلب إلى علم تعبدي، فلا يبقى موضوع للأصل العملي، فالقول بأن دليل اعتبار الأصل هو جعل العلم التعبدي محال؛ لأنه يلزم منه عدم اعتبار الأصل بزوال موضوعه. إذن فلا يدل الأصل على إلغاء احتمال الخلاف، فلا يكون حاكماً على الأمارة.

[5] الذي كان مدلولاً للأمارة، «احتمال خلافه» أي: خلاف الأصل، والمعنى: إن مدلول الأمارة هو الحكم الواقعي، وهو ليس مختصاً باحتمال خلاف الأصل حتى يقال: إن الأصل يلغي الاحتمال المخالف، بل الحكم الواقعي يجري، سواء احتمل الخلاف أم لم يحتمل.

[6] أي: كيف يكون اعتبار الأصل بمعنى إلغاء احتمال الخلاف؟ «وهو» أي: الأصل، «فيه» أي: في الحكم الواقعي، «واحتماله» عطف تفسيري لقوله: «حكم الشك فيه».

ص: 228

فانقدح بذلك أنه لا يكاد ترتفع غائلة المطاردة والمعارضة بين الأصل والأمارة إلاّ بما أشرنا[1] سابقاً وآنفاً، فلا تغفل. هذا.

ولا تعارض[2] أيضاً إذا كان أحدهما قرينةً على التصرف في الآخر، كما في الظاهر مع النص أو الأظهر، مثل العام والخاص والمطلق والمقيد أو مثلهما[3] مما كان أحدهما نصاً أو أظهر، حيث إن بناء العرف[4] على كون النص أو الأظهر قرينةً على التصرف في الآخر.

وبالجملة[5]: الأدلة في هذه الصور وإن كانت متنافية بحسب مدلولاتها، إلاّ أنها غير متعارضة، لعدم تنافيها في الدلالة وفي مقام الإثبات، بحيث[6] يبقى أبناء المحاورة

----------------------------------

[1] من ورود الأمارة على الأصل.

المورد الثالث من موارد الجمع العرفي

[2] من موارد الجمع العرفي هو التصرف في الظاهر مع النص أو الأظهر، فلا يرى أهل اللسان تعارضاً، بل يتصرفون في الظاهر، فلا تعارض بين العام والخاص؛ لأن العام ظاهر والخاص أظهر، فمثل: (أكرم العلماء) يشمل زيداً العالم؛ وذلك لظهور الجمع المحلّى باللام في العموم، لكن (لا تكرم زيداً) أظهر، فيخصص به العام - أي: يتصرف في العام - .

[3] بيّن المماثلة بقوله: «مما كان أحدهما...»، مثلاً: (افعل) ظاهر في الوجوب، و(لا بأس بتركه) نص في عدم الوجوب.

[4] وحيث إن الشرع خاطبهم بأسلوبهم فلابد من حمل كلامه على طريقتهم.

[5] عود إلى أن التعارض إنما هو في (الدلالة)، لا في (المدلول)، «مدلولاتها» مدلولات الأدلة، «أنها» الأدلة، «تنافيها» الأدلة.

[6] «بحيث» متعلق ب- «تنافيها» أي: التنافي الذي يجعل أبناء المحاورة متحيرين ليس موجوداً في هذه الصور.

ص: 229

متحيرة، بل[1] بملاحظة المجموع أو خصوص بعضها يتصرف في الجميع أو في البعض عرفاً بما ترتفع به المنافاة التي تكون في البين.

ولا فرق فيها[2] بين أن يكون السند فيها قطعياً أو ظنياً أو مختلفاً، فيقدم النص أو الأظهر - وإن كان بحسب السند ظنياً - على الظاهر ولو كان بحسبه قطعياً.

وإنما يكون التعارض في غير هذه الصور[3] مما كان التنافي فيه بين الأدلة بحسب الدلالة ومرحلة الإثبات.

وإنما يكون التعارض بحسب السند[4] في ما إذا كان كل واحد منها قطعياً دلالةً

----------------------------------

[1] أي: بملاحظة مجموع الأدلة يتصرف في الجميع، مثل: (افعل) و(لا تفعل) بحمل الأول على الجواز والثاني على الكراهة، أو بملاحظة خصوص بعض الأدلة يتصرف في البعض مثل: (افعل) و(لا بأس بالترك) بحمل الأول على الاستحباب. وفي عبارة المصنف لف ونشر مرتب.

متى يُرجّح بالسند؟

[2] أي: في الأدلة، والمقصود بيان أنه مع الجمع العرفي لا تصل النوبة إلى المرجحات السندية، فيقدم الخاص حتى لو كان دليله خبراً معتبراً على العام حتى وإن كان بدلالة آية قرآنية، كقوله: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا}(1) فإن أخبار الآحاد المعتبرة الدالة على حرمة بعض الأشياء تخصص هذا العموم، مع أن سندها ظني، وسنده قطعي.

[3] أي: في غير صورة الجمع العرفي مما لم يكن تنافٍ بحسب الدلالة - وإن كان تنافٍ بحسب المدلول - وضمير «فيه» يرجع إلى الموصول في «ممّا».

[4] من الواضح أن التعارض في السند إنما هو في ما كان كلا السندين ظنياً، وإلاّ فلا يعقل التعارض بين القطعيين، كما لا تعارض بين المقطوع والمظنون.

ص: 230


1- سورة البقرة، الآية: 29.

وجهةً[1]، أو ظنياً[2] في ما إذا لم يكن التوفيق بينها بالتصرف في البعض أو الكل، فإنه[3] حينئذٍ لا معنى للتعبد بالسند في الكل[4]، إما[5] للعلم بكذب أحدهما، أو[6] لأجل أنه لا معنى للتعبد بصدورها مع إجمالها، فيقع التعارض بين أدلة السند[7] حينئذٍ، كما لا يخفى.

فصل: التعارض[8]

----------------------------------

[1] «دلالةً» بأن كان كلاهما نصاً، و«جهةً» بأن علم أنهما أو أحدهما لم يكن للتقية، بل كان كلاهما لبيان الحكم الواقعي.

[2] أي: دلالةً وجهةً، مع تساوي الظنين بحيث لا يجمع العرف بينهما، بل يراهما متعارضين.

[3] «فإنه» للشأن، «حينئذٍ» حين قطعيّة أو ظنيّة كليهما في الدلالة وجهة الصدور؛ وذلك لأن هذا التعارض إن لم يتسبب في إجمال الدلالة فإنه يتولد علم إجمالي بعدم مطابقة أحدهما للواقع، فكيف يحكم بمطابقتهما معاً للواقع؟

وإن تسبب التعارض في إجمال الدلالة فإن جعل الحجية لهما لغو؛ إذ لا فائدة في هذا الجعل بعد عدم فهم المراد.

[4] بل لابد من إعمال المرجحات أو التساقط.

[5] إشارة إلى صورة عدم إجمال الدلالة.

[6] إشارة إلى صورة إجمال الدلالة، «لا معنى» للّغوية، «بصدورها» الأدلة.

[7] ولو قال المصنف: (فيقع التعارض بين سند الأدلة) لكان أحسن، «حينئذٍ» حين عدم الجمع العرفي.

فصل القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين

فصل القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين

اشارة

[8] ما هي القاعدة الأولية حين تعارض الخبرين؟

ص: 231

وإن كان لا يوجب[1] إلاّ سقوط أحد المتعارضين عن الحجية رأساً حيث لا يوجب[2] إلاّ العلم بكذب أحدهما، فلا يكون هناك مانع[3] عن حجية الآخر، إلاّ أنه حيث كان[4] بلا تعيين ولا عنوان واقعاً، فإنه لم يعلم كذبه إلاّ كذلك[5]، واحتمال كون كل منهما كاذباً، لم يكن[6] واحد منهما بحجة في خصوص

----------------------------------

إنا قد نقول: إنّ الخبر حجة من باب الطريقية، وقد نقول: إنه حجة من باب السببيّة.

القاعدة الأولية بناءً على الطريقيّة

1- أما بناءً على الطريقيّة، فنقول: إن مقتضى القاعدة الأولية هي تساقطهما؛ إذ نعلم إجمالاً بعدم مطابقة أحدهما للواقع، فلا يكون طريقاً إلى الواقع. وحيث لا نتمكن من تشخيص الخبر المطابق للواقع عن الخبر غير المطابق للواقع، يسقط كلاهما عن الحجيّة.

نعم، الأمور المشتركة بين الخبرين يكون حجة؛ وذلك لأنا نعلم بأن الخبر المطابق للواقع قد دلّ على ذلك الأمر، مثلاً: (الاحتمال الثالث) حيث اتفق الخبران على نفيه، فإنه نعلم بأن الخبر المطابق للواقع - أيّاً كان - قد نفى هذا الثالث.

[1] بحسب الواقع؛ وذلك لأنا نعلم بكذب أحدهما فقط فلا يشمله دليل الحجية، أما أحدهما الآخر فيحتمل صدقه فيدخل تحت أدلة الحجية.

[2] أي: لا يوجب التعارض، «العلم بكذب أحدهما» إذ لا يعقل أن يكون كلاهما طريقاً إلى الواقع بعد تنافيهما؛ لأن الواقع واحد لا تعدد فيه.

[3] لدخوله تحت أدلة الحجيّة.

[4] «أنه» للشأن، أي: كان الآخر الداخل تحت أدلة الحجية غير معلوم لنا، فيكون المورد من اختلاط الصدق بالكذب مع عدم التمييز بينهما.

[5] أي: بلا تعيين.

[6] جواب قوله: (حيث كان بلا تعيين).

ص: 232

مؤدّاه[1]، لعدم التعيّن في الحجة[2] أصلاً، كما لا يخفى.

نعم، يكون نفي الثالث[3] بأحدهما، لبقائه على الحجية[4]، وصلاحيته[5] - على ما هو عليه من عدم التعين - لذلك، لا بهما[6].

هذا بناءً على حجية الأمارات من باب الطريقية - كما هو كذلك[7] -، حيث لا يكاد يكون حجة طريقاً إلاّ ما احتمل إصابته[8]، فلا محالة كان العلم بكذب أحدهما

----------------------------------

[1] أي: ما دلّ عليه من دون دلالة الآخر، وبتعبير آخر: ما اختص كل واحد منهما بدلالته.

[2] فيكون من اختلاط الحجة بغير الحجة مع عدم التمييز، وحكم العقل وبناء العقلاء بالتساقط.

[3] لاشتراك كلا الخبرين في نفيه، فنحن نعلم بأن الخبر الحجة المطابق للواقع قد نفى هذا الثالث. مثلاً: لو دل أحد الخبرين على الوجوب، والآخر على الحرمة، فإن كلا الخبرين ينفيان الاستحباب. فالوجه في نفي حجية هذا الثالث ليس هو دلالة كلا الخبرين؛ لأن غير الحجة لا يمكنه نفي الثالث؛ لعدم حجيته، بل سبب نفي الثالث هو أن الخبر الذي هو حجة - وإن كنّا لا نعلمه على التعيين - قد نفى هذا الثالث.

[4] أي: لشمول أدلة الحجية له واقعاً، وإن لم نكن نعلمه نحن إثباتاً.

[5] أي: صلاحية أحدهما الذي هو حجة واقعاً، «على ما هو عليه» أي: مع الكيفية التي ذلك الخبر الحجة عليها، وبيّنه بقوله: «من عدم التعيين»، «لذلك» أي: لنفي الثالث.

[6] أي: نفي الثالث ليس بكلا الخبرين؛ لأن أحدهما ليس بحجة قطعاً.

[7] كما مرّ مفصلاً من أن الأمارات كاشفة عن الواقع، وليست سبباً لإيجاد مصلحة سلوكية في الطريق.

[8] للواقع، فيكون كاشفاً عن الواقع، فيجعله الشارع طريقاً.

ص: 233

مانعاً عن حجيته[1].

وأما[2] بناءً على حجيتها من باب السببية فكذلك[3] لو كان الحجة[4] هو خصوص

----------------------------------

[1] للقطع بأنه ليس بطريق للواقع.

القاعدة الأولية بناءً على السببية

[2] إن المبنى في السببيّة أحد أمرين:

المبنى الأول: حصول المصلحة السلوكية إذا لم يعلم بكذب الخبر، وأما مع العلم بكذبه فلا مصلحة سلوكية. فعلى هذا المبنى لا يكون الحجة إلاّ أحدهما، وحيث إنه غير معيّن فيتساقطان - بنفس ما قلناه على مبنى الطريقيّة - .

ووجه هذا المبنى - أي: السببية إنما هي مع عدم العلم بكذب الخبر - هو أن الخبر يتركب من أمور ثلاثة:

1- 2- الدلالة، وجهة الصدور - أي: عدم التقية والهزل والسهو... - ومدرك حجيتهما بناء العقلاء، وهم إنما يحكمون بحجية الدلالة وجهة الصدور في ما لو لم يعلموا بالكذب.

3- الصدور - أي: السند - ومدرك حجيته: إمّا بناء العقلاء، فكالسابق حيث لا يحكمون بحجية سندٍ علموا بكذبه، وإما الآيات والروايات الدالة على حجية خبر الواحد، وظاهرها هو حجية الخبر مع الظن أو الاطمئنان بصدقه، فلا دلالة لها على حجية خبر عُلم بكذبة.

المبنى الثاني: حصول المصلحة السلوكية حتى مع العلم بالكذب، وسيأتي توضيحه.

[3] أي: كالطريقية، لا حجية لما كان غير مطابق للواقع، وحيث لا تمييز فيتساقطان.

[4] إشارة إلى المبنى الأول.

ص: 234

ما لم يعلم كذبه، بأن لا يكون المقتضي للسببية فيها[1] إلاّ فيه، كما هو[2] المتيقن من دليل اعتبار غير السند منها، وهو بناء العقلاء على أصالتي الظهور والصدور، لا للتقية ونحوها[3]؛ وكذا السند[4] لو كان دليل اعتباره هو بناؤهم أيضاً، وظهوره فيه[5] لو كان هو الآيات والأخبار، ضرورة ظهورها فيه لو لم نقل بظهورها في خصوص[6] ما إذا حصل الظن منه أو الاطمئنان.

وأما لو كان[7]

----------------------------------

[1] «فيها» في الأمارات، «إلاّ فيه» أي: ما لم يعلم كذبه.

[2] شروع في مدرك الحجية في الدلالة وجهة الصدور والسند، مع بيان أن مدرك الحجية فيها لا يكون في ما عُلِم كذبه، «هو» أي: حجية ما لم يعلم كذبه.

[3] كالهزل والسهو والغفلة والغلط ونحوها.

[4] أي: المتيقن من دليل حجية السند هو ما لم يُعلم بكذبه.

[5] أي: ظهور دليل الاعتبار، «فيه» في ما لم يعلم بكذبه، «لو كان هو» أي: دليل الاعتبار، «ظهورها» الآيات والأخبار، «فيه» في ما لم يعلم كذبه.

[6] أي: في حجية خصوص الخبر الذي حصل منه الظن بالواقع أو الاطمئنان به.

[7] شروع في البحث على المبنى الثاني في السببيّة، فهنا صورتان:

الصورة الأولى: أن يكون مؤدّى كلا الخبرين حكماً إلزامياً كالوجوب والحرمة، فهنا توجد لكلا الحكمين مصلحة سلوكية، وحيث لا يتمكن المكلّف من الجمع بين المصلحتين حصل التزاحم بينهما، فيتخيّر.

الصورة الثانية: أن يكون مؤدّى أحد الخبرين حكماً إلزامياً، ومؤدّى الآخر حكماً غير إلزامي، كالوجوب والاستحباب، فهنا احتمالان:

1- أن يرجح الإلزامي؛ لأن غير الإلزامي حيث إنه (لا اقتضائي) لا يزاحم الإلزامي الذي هو (اقتضائي).

ص: 235

المقتضي للحجية[1] في كل واحد من المتعارضين لكان التعارض[2] بينهما من تزاحم الواجبين[3] في ما إذا كانا مؤديين إلى وجوب الضدين[4] أو لزوم المتناقضين[5]، لا[6] في ما إذا كان مؤدى أحدهما حكماً غير إلزامي[7]،

----------------------------------

نظير ما لو دعا مؤمنٌ لأكل الحرام، فإن إجابة دعوة المؤمن مستحبة - وهو حكم لا اقتضائي - فلا ترتفع بها حرمة أكل الحرام - وهو اقتضائي - .

2- أن يرجح غير الإلزامي؛ وذلك لأن الحكم غير الإلزامي معتبر - لفرض وجود المصلحة السلوكية فيه - فيزاحم الحكم الإلزامي، ويرجح عليه؛ لأن مصلحة الحكم الإلزامي لم تكن بحدّ العلة التامة للإلزام - وإلاّ لم يكن لغير الإلزامي مصلحة أصلاً - وحيث لم تكن مصلحة الإلزامي علة تامة فلا تؤثر أثرها، فيمكن الحكم بخلافها.

[1] بأن قلنا بشمول أدلة الحجية - وذلك بإيجاد المصلحة السلوكية - لكلا الخبرين، حتى مع العلم بكذب أحدهما.

[2] بيان للصورة الأولى.

[3] وذلك لوجود المصلحة السلوكية في كليهما.

[4] كوجوب الصلاة في آخر الوقت - مع تضيقها - ووجوب إزالة النجاسة عن المسجد فوراً. والحكم هنا ترجيح الأهم، وإلاّ فالتخيير - كما سيأتي - .

[5] كما لو دل أحدهما على وجوب إنقاذ هذا الغريق، والآخر على وجوب عدم إنقاذه.

وهنا شق آخر، وهو ما إذا كانا مؤديين إلى لزوم الضدين، كوجوب شيء وحرمته.

[6] بيان للصورة الثانية.

[7] مع كون الآخر إلزامياً، كدلالة أحدهما على حرمة (العصير العنبي إذا غلى)، ودلالة الآخر على عدم حرمته.

ص: 236

فإنه حينئذٍ[1] لا يزاحم الآخر، ضرورة[2] عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه أن يزاحم به ما فيه الاقتضاء.

إلاّ أن يقال[3]: بأن قضية اعتبار[4] دليل الغير الإلزامي(1)

أن يكون عن اقتضاء، فيُزاحم به[5] حينئذٍ ما يقتضي الإلزامي، ويحكم فعلاً[6] بغير الإلزامي، ولا يزاحم[7]

----------------------------------

[1] هذا هو الاحتمال الأول - وهو ترجيح الإلزامي - «فإنه» أي: فإن غير الإلزامي، «الآخر» وهو الإلزامي، «حينئذٍ» أي: حين كون أحدهما إلزامياً والآخر غير إلزامي.

[2] قيل في وجه ذلك: إن الإلزامي ناشئ ٍ من وجود المقتضي، بخلاف غير الإلزامي، فإنه ليس فيه المقتضي، بل يكفي فيه عدم تحقق مقتضي الإلزام.

[3] هذا هو الاحتمال الثاني - وهو ترجيح غير الإلزامي - : وذلك لأن الحكم غير الإلزامي أيضاً فيه المصلحة السلوكية، التي نشأت من قيام الأمارة، فتحقق التزاحم بين الملاكين، ولكن ملاك الإلزامي لا يؤثر لوجود المانع عنه - وهو الحكم غير الإلزامي - .

[4] أي: حجية دليله مع وجود المصلحة السلوكية فيه، «عن اقتضاء» أي: وجود الملاك - وهو المصلحة السلوكية - .

[5] بصيغة المجهول، أي: يزاحم باقتضاء غير الإلزامي، «حينئذٍ» حين وجود هذا الاقتضاء. وبعبارة أخرى: التزاحم قبل مرحلة الفعلية فقط، وأما في مرحلة الفعلية فالحكم لغير الإلزامي فقط.

[6] أي: غير الإلزامي يصير فعلياً دون الإلزامي، فيبقى في مرحلة الاقتضاء دون الوصول إلى الفعليّة.

[7] أي: في مرحلة الفعلية، «بمقتضاه» أي: بمقتضى الإلزامي.

ص: 237


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير الإلزامي».

بمقتضاه ما يقتضي الغير الإلزامي(1)،

لكفاية عدم تمامية علة الإلزامي[1] في الحكم بغيره.

نعم[2]، يكون باب التعارض من باب التزاحم مطلقاً[3] لو كان قضية الاعتبار[4] هو لزوم البناء والالتزام بما يؤدي إليه[5] من الأحكام، لا مجرد العمل على وفقه بلا لزوم الالتزام به.

وكونهما[6] من تزاحم الواجبين حينئذٍ وإن كان واضحاً، ضرورة[7] عدم إمكان

----------------------------------

[1] وذلك لوجود المانع - وهو ملاك غير الإلزامي - «بغيره» أي: بغير الإلزامي.

[2] ذكرنا احتمالين بناءً على الحجية على السببيّة، أحدهما هو ترجيح الإلزامي على غير الإلزامي، والآخر العكس.

وهنا يذكر المصنف: إنه بناءً على وجوب الموافقة الالتزامية لا ترجيح لأحدهما على الآخر، بل يبقى الحكمان - الإلزامي وغير إلزامي - متعارضين؛ إذ كما يجب الالتزام بالأحكام الإلزامية كذلك يجب الالتزام بالأحكام غير الإلزامية أيضاً.

[3] أي: سواء كان كلا الحكمين إلزامياً أم كان أحدهما غير إلزامي.

[4] أي: مقتضى حجية الخبر هو الالتزام القلبي بذلك الحكم مضافاً إلى الموافقة العملية.

[5] أي: بما يؤدي الخبر، «إليه» الضمير للموصول، «من الأحكام» بيان للموصول في «بما يُؤدي».

[6] أي: كون الخبرين - بناءً على السببية مع وجود المصلحة السلوكية في كليهما - «حينئذٍ» حين وجوب الموافقة الالتزامية.

[7] بيان التزاحم، أي: لما كان كلاهما معتبراً فيجب الالتزام بهما معاً، لكن لا يتمكن المكلّف من الالتزام بحكمين متنافيين في موضوع واحد.

ص: 238


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير الإلزامي».

الالتزام بحكمين في موضوع واحد من الأحكام، إلاّ[1] أنه لا دليل نقلاً ولا عقلاً على الموافقة الالتزامية للأحكام الواقعية فضلاً عن الظاهرية، كما مر تحقيقه.

وحكم التعارض[2] بناءً على السببية في ما كان من باب التزاحم هو التخيير لو لم يكن أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها في الجملة، حسبما فصلناه في مسألة الضد[3]، وإلاّ[4] فالتعيين. وفي ما لم يكن من باب التزاحم[5] هو لزوم[6] الأخذ

----------------------------------

[1] شروع في رد هذا الوجه الذي ذكر بقوله: (نعم، يكون... الخ).

حكم التزاحم

[2] أي: بعد تحقق التزاحم في بعض صور التعارض بناءً على السببيّة فإن التكليف هو ترجيح الأهم، أو محتمل الأهمية، وإلاّ فيكون مخيّراً، وهذا هو الوظيفة في كل متزاحمين.

[3] لم يذكر هذا البحث في مسألة الضد، بل ذكره في مسألة الدوران بين المحذورين مختصراً.

وقال المصنف في حاشية الرسائل: ولو كان احتمال الأهمية ناشئاً من أشدية المناط وآكديته فالظاهر استقلال العقل بالاشتغال وعدم الفراغ عن العهدة على سبيل الجزم إلاّ بإتيان ما فيه الاحتمال، حيث إن التكليف به في الجملة ثابت قطعاً، وإنما الشك في تعيينه هل هو على سبيل التخيير أو التعيين(1)، انتهى بتصرف.

[4] أي: إن كان أحدهما معلوم الأهمية أو محتملها.

[5] هذا تكرار لما ذكره المصنف في قوله: (لا في ما إذا كان مؤدى أحدهما حكماً... الخ).

[6] حاصله: إنه لو تعارض الحكم الإلزامي مع غير الإلزامي فالترجيح للإلزامي؛ لأنه اقتضائي - وهذا هو الاحتمال الأول كما مرّ - .

ص: 239


1- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد: 450.

بما دل على الحكم الإلزامي لو لم يكن[1] في الآخر مقتضياً لغير الإلزامي، وإلاّ فلا بأس بأخذه والعمل عليه، لما أشرنا إليه من وجهه آنفاً، فافهم[2].

هذا[3] هو قضية القاعدة في تعارض الأمارات، لا الجمع بينها[4] بالتصرف في أحد المتعارضين أو في كليهما، كما هو[5] قضية ما يتراءى مما قيل(1)

من «أن الجمع

----------------------------------

[1] إشارة إلى الاحتمال الثاني، وحاصله: إن الحكم الآخر أيضاً له اقتضاء للحكم غير الإلزامي، حيث توجد المصلحة السلوكية فيه أيضاً، «وإلاّ» أي: لو كان الآخر فيه اقتضاء الحكم غير الإلزامي.

[2] لعله إشارة إلى أن الاحتمال الثاني كان وجوب ترجيح الحكم غير الإلزامي لا جوازه، فلا معنى لقوله: (فلا بأس بأخذه).

أو إشارة إلى أن غير الإلزامي إما لضعف الاقتضاء كما في الاستحباب، أو لعدم الاقتضاء كالإباحة، فيكون الإلزامي هو المرجح لقوة اقتضائه أو لغير ذلك.

[3] أي: التساقط على الطريقيّة، والصورة الأولى من السببيّة، والتزاحم في بعض صور السببيّة، وسائر ما ذكرناه من التفاصيل.

قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح

اشارة

[4] بين الأدلة المتعارضة؛ وذلك لأنه يرد على قاعدة (الجمع مهما أمكن...) ثلاثة إشكالات:

الأول: إنه لا دليل عليها، إلاّ إذا كان الجمع عرفياً.

الثاني: إن الجمع بالتصرف في أحدهما طرح لظهوره، وبالتصرف في كليهما طرح لظهورهما، إذن وقعنا في (الطرح) الذي فررنا منه.

الثالث: إن الدليل يدل على التساقط في الجملة - حسب القاعدة - فما هو الوجه في الإعراض عن الدليل الدال على التساقط إلى الجمع بينهما؟

[5] أي: الجمع بينهما مهما أمكن.

ص: 240


1- عوالي اللئالي 4: 136.

مهما أمكن أولى من الطرح»، إذ لا دليل عليه[1] في ما لا يساعد عليه العرف مما كان[2] المجموع أو أحدهما قرينة عرفية على التصرف في أحدهما بعينه أو فيهما، كما عرفته في الصور السابقة؛ مع[3] أن في الجمع كذلك أيضاً طرحاً للأمارة أو الأمارتين، ضرورة سقوط أصالة الظهور في أحدهما[4] أو كليهما معه.

وقد عرفت[5] أن التعارض بين الظهورين في ما كان سنداهما قطعيين[6]، وفي السندين إذا كانا ظنيين. وقد عرفت أن قضية التعارض إنما هو سقوط المتعارضين في خصوص كل ما يؤديان إليه من الحكمين[7]،

----------------------------------

[1] هذا هو الإشكال الأول، «عليه» على هذا الجمع.

[2] هذا بيان للمنفي لا للنفي، والمعنى: إذ لا دليل على الجمع إذا لم يساعد عليه العرف، والذي يساعد عليه العرف هو لو كان المجموع أو أحدهما... الخ.

[3] إشارة إلى الإشكال الثاني، «كذلك» بلا مساعدة العرف عليه.

[4] إذا تصرفنا في أحدهما، «أو كليهما» إذا تصرفنا فيهما، «معه» مع هذا الجمع الذي لا يساعد عليه العرف.

[5] إشارة إلى الإشكال الثالث.

[6] إذ لا يعقل التعارض في السند في ما علم صدوره من الشارع؛ لأن معنى التعارض فيه هو عدم صدور أحدهما وكذبه، ولا يخفى أن المصنف لم يذكر هذا التعارض سابقاً.

وغرض المصنف من ذكر هذا المقطع هو دفع توهم عدم إمكان التعارض بين ما عُلم صدوره من الشارع، وبيان أن التعارض لا ينحصر في تكاذب السندين، بل يمكن تعارض الظهورين في مقطوعي السند أيضاً.

[7] أي: الحكم المختص في كل واحد منهما، أما الحكم المشترك بينهما فهو معلوم، ودل عليه الحجة منها - كما مرّ في أوائل هذا الفصل - .

ص: 241

لا بقاؤهما[1] على الحجية بما يتصرف فيهما أو في أحدهما، أو بقاء[2] سنديهما عليها كذلك بلا دليل[3] يساعد عليه من عقل أو نقل.

فلا يبعد[4] أن يكون المراد، من إمكان الجمع هو إمكانه عرفاً. ولا ينافيه[5] الحكم بأنه أولى مع لزومه حينئذٍ وتعيّنه، فإن أولويته[6]،

----------------------------------

[1] في صورة قطعية السند، «بقاؤهما» أي: المتعارضين، «بما» الباء سببيّة، و(ما) مصدرية، أي: البقاء على الحجية بسبب التصرف فيها أو في أحدهما.

[2] في صورة ظنيّة السند، «عليها» على الحجية، «كذلك» أي: بالتصرف فيهما أو في أحدهما.

[3] يوجب رفع اليد عن مقتضى القاعدة الأولية - وهي التساقط - .

توجيه القاعدة

[4] أي: لعل مرادهم هو الجمع مهما أمكن عرفاً، بأن كان أحدهما أظهر من الآخر أو كان نصاً.

[5] أي: لا ينافي هذا التوجيه كلمة (أولى) في قولهم: (الجمع مهما أمكن أولى من الطرح)، حيث يتوهم الأفضلية، مع أن الجمع العرفي لازم وليس أفضل فقط، «لزومه» أي: الجمع، «حينئذٍ» حين كونه عرفياً، «وتعيّنه» أي: الجمع العرفي، وهذا عطف تفسيري على «لزومه».

[6] هذا جواب عن التوهم، وحاصله: إن (الأولوية) قد تستعمل بمعنى الأفضلية - وهذا غير مراد هنا - وقد تستعمل بمعنى اللزوم، كقوله تعالى: {وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِۚ}(1)، فإن الأقرب إلى الميت يمنع الأبعد عن الإرث، وكذلك الإمرة متعينة في أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لأنه أقرب إلى الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، ومع ذلك قال تعالى: (أولى).

ص: 242


1- سورة الأنفال، الآية: 75.

من قبيل الأولوية في أولي الأرحام، وعليه[1] لا إشكال فيه ولا كلام.

فصل: لا يخفى: أن ما ذكر[2] من قضية التعارض بين الأمارات إنما هو بملاحظة القاعدة في تعارضها، وإلاّ [3] فربما يدعى الإجماع على عدم سقوط كلا المتعارضين في الأخبار، كما اتفقت[4] عليه كلمة غير واحد من الأخبار.

ولا يخفى[5]:

----------------------------------

[1] أي: بناءً على هذا التوجيه، بكون المراد (الجمع العرفي).

فصل الأصل الثانوي (النقلي) في المتعارضين

فصل الأصل الثانوي (النقلي) في المتعارضين

اشارة

[2] أي: التساقط في الجملة، «القاعدة» أي: القاعدة الأولية العقلية، «تعارضها» الأمارات.

البحث الأول: دليل عدم التساقط

[3] أي: وإن لم نلاحظ القاعدة الأولية، وإنما لاحظنا الأدلة الشرعية، فنجد دليلين يدلان على عدم التساقط، بل لزوم العمل بأحدهما:

1- الإجماع على عدم سقوط كلا الخبرين.

2- الأخبار العلاجية المستفيضة.

[4] إشارة إلى الدليل الثاني، «عليه» عدم سقوطهما، «الأخبار» وهي الأخبار العلاجية، حيث اتفقت تلك الأخبار على لزوم العمل بأحدهما. نعم، تلك الأخبار اختلفت في التفاصيل - من التخيير أو الترجيح ونحو ذلك - .

البحث الثاني: في التخيير أو الترجيح

[5] بعد دلالة الإجماع والأخبار على لزوم العمل بأحدهما فهل يجب الترجيح بإعمال المرجحات المنصوصة أو الأعم من المنصوصة وغير المنصوصة، أم المكلّف

ص: 243

أن اللازم[1] في ما إذا لم تنهض حجة[2] على التعيين أو التخيير بينهما هو الاقتصار على الراجح منهما، للقطع بحجيته[3] تخييراً أو تعييناً، بخلاف الآخر، لعدم القطع

----------------------------------

مخيّر بين الخبرين؟

يدل على لزوم الترجيح ثلاثة وجوه:

الأول: القاعدة العقلية في دوران الأمر بين التعيين والتخيير، حيث إن المعيّن - وهو ذو المزية - حجة قطعاً، سواء قلنا بانحصار الحجيّة فيه أم قلنا إنّ كليهما حجة، ولكن فاقد المزية مشكوك الحجية، ومقتضى الأصل هو عدم الحجيّة إلاّ ما قطعنا بحجيّته.

الثاني: الإجماع على حجية خصوص الراجح.

الثالث: الأخبار الدالة على الترجيح.

والمصنف لا يرتضي هذه الوجوه.

أما الأول: فلأن أصالة التعيين إنما تجري لو لم يكن دليل نقلي على التخيير، وقد وردت روايات معتبرة في التخيير كما سيأتي.

وأما الثاني: فالإجماع موهون بمخالفة جمع من الأعلام ومصيرهم إلى التخيير دون الترجيح.

وأما الثالث: فللزوم العمل بأخبار التخيير، وأما أخبار الترجيح فلا يمكنها تقييد إطلاق أخبار التخيير - لما سيأتي - .

[1] إشارة إلى الدليل الأول.

[2] لأن أصالة التعيين هي أصل عملي، فلا تجري مع وجود الدليل النقلي على التخيير - مثلاً - وضميرا «بينهما» و«منهما» يرجعان إلى الخبرين المتعارضين.

[3] أي: الراجح - وهو ذو المزية - حجة على كل حال سواء قلنا بالتعيين فهو الحجة لا غير، أم قلنا بالتخيير فهو حجة مع مشاركته للآخر في الحجية، «حجيته» أي: الراجح، «الآخر» أي: غير الراجح - الذي لا مزية فيه - .

ص: 244

بحجيته[1]، والأصل عدم حجية ما لم يقطع بحجيته[2]، بل ربما[3] ادعي الإجماع أيضاً على حجية خصوص الراجح.

واستدل عليه بوجوه أخر، أحسنها الأخبار[4].

وهي[5] على طوائف:

----------------------------------

[1] بل نحتمل حجيته، فإنه لو كان الحكم هو التخيير لكان غير الراجح حجة، ولكن لو كان الحكم هو تعيين الراجح لم يكن غير الراجح حجة، فصارت حجيته مشكوكة.

[2] لأن - وكما مرّ - الشك في الحجية مسرح عدم الحجية، أو موضوع عدم الحجيّة.

[3] إشارة إلى الدليل الثاني.

[4] الدالة على ترجيح ذي المزية، وهذا إشارة إلى الدليل الثالث.

وقد ذكر الشيخ الأعظم(1)

وجوه أخرى، منها: أنه لو لا الترجيح لاختل نظم الاجتهاد، بل نظام الفقه... الخ، فراجع الرسائل، لكنه أشكل عليها، وقد أعرض المصنف عنها لوهنها.

البحث الثالث: الأخبار العلاجيّة

اشارة

[5] أي: الأخبار العلاجية على أربع طوائف، وما دل على الترجيح هو الطائفة الرابعة فقط، وهي:

1- أخبار التخيير ابتداءً من غير إعمال المرجحات.

2- ما دلّ على التوقف.

3- ما دلّ على الأخذ بالخبر المطابق للاحتياط.

4- أخبار الترجيح بمرجحات خاصة.

ص: 245


1- فرائد الأصول 4: 48.

منها: ما دل على التخيير على الإطلاق[1].

كخبر الحسن بن الجهم عن الرضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ[2]: قلت: يجيئنا الرجلان - وكلاهما ثقة - بحديثين مختلفين، ولا يعلم أيهما الحق؟ قال: «فإذا لم يعلم فموسع عليك بأيهما أخذت»(1).

وخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبدالله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ[3]، «إذا سمعت من أصحابك الحديث

----------------------------------

1- أخبار التخيير

[1] أي: سواء كان أحد الخبرين أرجح أم لا، وعليه فلابد من حمل أخبار الترجيح على الاستحباب - كما سيأتي - .

[2] صدر الحديث: قلت له - أي للرضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ - تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة؟ فقال: ما جاءك عنّا فقس على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو منا، وإن لم يكن يشبههما فليس منا، قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة... الخ.

إن قلت: هذا الخبر يدل على أن التخيير بعد فقد المرجح - الذي هو موافقة الكتاب هنا - .

قلت: سيأتي بعد قليل أن المصنف يرى أن موافقة الكتاب إنما هي لتمييز الحجة عن اللاحجة، وليس للترجيح بين الخبرين المتعارضين.

[3] دلالة هذا الخبر على التخيير واضحة، حيث إن المراد هو تعارض أخبار الثقات؛ إذ لو لم يكن تعارض وجب الأخذ بها، ولم يكن المكلف في سعة، فقوله: (فموسع عليك) دليل على أن الأخبار متعارضة بحيث لا يمكن العمل بجميعها، فحينئذٍ يكون المكلف موسعاً عليه.

وهذا حكم ظاهري، ومن المعلوم أنه مع لقاء الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ينتهي أمد الحكم الظاهري، حيث يمكن تحصيل العلم بالحكم الواقعي، وذلك عن طريق السؤال عنه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

ص: 246


1- وسائل الشيعة 27: 121،مع اختلاف يسير.

وكلهم ثقة، فموسع عليك حتى ترى القائم[1] فترد عليه»(1).

ومكاتبة عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد الله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في ركعتي الفجر[2]، فروى بعضهم: صل في المحمل، وروى بعضهم: لا تصلّها إلاّ في الأرض، فوقع عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «موسع عليك بأية عملت»(2).

ومكاتبة الحميري إلى الحجة عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ[3] ... إلى أن قال في الجواب عن ذلك حديثان... إلى أن قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «وبأيهما أخذت من باب التسليم كان صواباً»(3).

----------------------------------

[1] أي: القائم بأمر الإمامة، وفي زمان الراوي كان الإمام صادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وفي زماننا الإمام المهدي.

[2] أي: نافلة الصبح، فهل على المسافر أن ينزل من المحمل ويصليهما على الأرض، أم يجوز له الصلاة على المحمل في حال السير؟

وأما تعارض الخبرين فهو دلالة الأول على عدم اشتراط الاستقرار، بل جواز الصلاة في حال السير، بل على عدم اشتراط القبلة وكفاية الركوع والسجود إيماءً، ودلالة الثاني على اشتراط الاستقرار والقبلة... الخ.

[3] نص الحديث: مكاتبة محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإن بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير، ويجزيه أن يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، فكتب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في الجواب: إن فيه حديثين أما أحدهما: فإنه إذا انتقل من حالة أخرى فعليه التكبير، وأما الآخر، فإنه روي: أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في

ص: 247


1- وسائل الشيعة 27: 122.
2- وسائل الشيعة 27: 122.
3- وسائل الشيعة 27: 121.

إلى غير ذلك من الإطلاقات[1].

ومنها: ما دل على التوقف مطلقاً[2].

ومنها: ما دل على الأخذ بما هو الحائط منها[3].

----------------------------------

القيام بعد القعود تكبير، وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى، وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان صواباً)(1).

[1] كالذي رواه سماعة عن أبي عبدالله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قال: (سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه، أحدهما يأمر بأخذه، والآخر ينهاه عنه، كيف يصنع؟

قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: يُرجئه حتى يلقى من يخبره، فهو في سعة حتى يلقاه)(2).

ودلالة الحديث واضحة، فإنه مخيّر إلى أن يلقى الإمام فيسأله عن الحكم الواقعي، وقال الكليني:وفي رواية أخرى: (بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك)(3).

2- ما دل على التوقف

[2] «مطلقاً» أي: سواء كان أحدهما أرجح أم تساويا.

ومنها: قال: (كتبت إلى أبي الحسن عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أسأله عن العلم المنقول إلينا من أبائك وأجدادك صلوات الله عليهم، قد اختلف علينا فيه، فكيف العمل به على اختلافه، والرد إليك في ما اختلف فيه؟ فكتب عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ما علمتم أنه قولنا فالزموه، وما لم تعلموه فردوده إلينا)(4).

3- ما دلّ على الاحتياط

[3] لم نجد في أخبار المتعارضين ما يدل على الاحتياط، إلاّ مرفوعة زرارة

ص: 248


1- الاحتجاج 2: 483.
2- الكافي 1: 66.
3- الكافي 1: 66.
4- الفصول المهمة في أصول الأئمة 1: 614.

ومنها: ما دل على الترجيح[1] بمزايا مخصوصة ومرجحات منصوصة[2] من

----------------------------------

الآتية، والأمر بالاحتياط فيها إنما هو بعد فقد المرجحات.

فالظاهر أن مراد المصنف - على ما قيل - هو الأخبار الدالة على الاحتياط في مطلق الشبهات، ومن مصاديق مطلق الشبهات: الخبران المتعارضان، فتأمل.

4- أخبار الترجيح

[1] الأخبار الدالة على الترجيح كثيرة، وقد ذكر فيها مرجحات مخصوصة، وهذه الأخبار مختلفة، ففي بعضها ذكر مرجح واحد، وفي بعضها مرجحين أو أكثر، ثم هي مختلفة في ترتيب المرجحات، ولذا لابد من رفع التعارض بين هذه الأخبار أولاً.

وقد حاول العلماء رفع هذا التعارض، وكلٌ سلك مسلكاً:

أ: فالمصنف: رجح أخبار التخيير، وحمل الترجيح على الاستحباب، لكنه لم يعتبر موافقة الكتاب ومخالفة القوم من المرجحات، بل من تمييز الحجة عن اللاحجة - كما سيأتي - .

ب: والمشهور هو وجوب الترجيح، واختلفت أنظار هؤلاء: فمنهم: من اكتفى بالمرجحات المنصوصة فقط.

ومنهم: من استفاد العلة من بعض فقرات هذه الأخبار، أو استنبط الملاك، فذهب إلى الترجيح بكل مرجح يوجب أقربية الخبر إلى الواقع، كما صار إليه الشيخ الأعظم(1).

وبعضهم: ذهب إلى الترجيح بكل مرجح يوجب الظن بالواقع، كما صار إليه صاحب القوانين.

[2] عطف تفسيري، وبعض هذه المرجحات تتعلق بنفس الخبر كمخالفة القوم،

ص: 249


1- فرائد الأصول 4: 73.

مخالفة القوم، وموافقة الكتاب والسنة، والأعدلية والأصدقية والأفقهية والأورعية والأوثقية، والشهرة، على اختلافها[1] في الاقتصار على بعضها[2] وفي الترتيب بينها[3].

ولأجل اختلاف الأخبار اختلفت الأنظار.

فمنهم من أوجب الترجيح بها[4] مقيدين بأخباره إطلاقات التخيير. وهم[5] بين من اقتصر على الترجيح بها ومن تعدى منها إلى سائر المزايا الموجبة لأقوائية ذي المزية وأقربيته[6] - كما صار إليه شيخنا العلامة أعلى الله مقامه(1)،

أو المفيدة

----------------------------------

وموافقة الكتاب، والشهرة، وبعضها تتعلق بالراوي كالأعدلية ونحوها.

[1] أي: اختلاف هذه الأخبار العلاجيّة.

[2] أي: بعض المرجحات مع عدم ذكر سائر المرجحات الموجودة في الأخبار الأخرى.

[3] أي: وعلى اختلافها في الترتيب بين المرجحات، مثلاً: في المقبولة تقدم الترجيح بالشهرة على مخالفة القوم، وفي المرفوعة بالعكس.

وكذلك الترجيح بصفات الراوي والشهرة، حيث تقدمت الصفات على الشهرة في المقبولة، عكس المرفوعة.

[4] أي: بهذه المرجحات المنصوصة، «أخباره» أي: أخبار الترجيح، والمعنى: إنهم حملوا أخبار التخيير على صورة فقد المرجحات؛ وذلك لأن أخبار التخيير مطلقة - أي سواء وُجد مرجح أم لا - وأما أخبار الترجيح فهي أخص، وبذلك يتم العمل بكليهما عبر تقييد أخبار التخيير بأخبار الترجيح.

[5] أي: القائلون بوجوب الترجيح، «بها» أي: بالمرجحات المنصوصة فقط، «ومن» أي: وبين من، «منها» من المنصوصة.

[6] أي: إلى الواقع، والعطف تفسيري لبيان معنى الأقوائية.

ص: 250


1- فرائد الأصول 4: 75 - 78.

للظن[1] كما ربما يظهر من غيره.

فالتحقيق أن يقال[2]:

----------------------------------

[1] أي: تعدّى إلى سائر المزايا الموجبة للظن، والفرق أن (الموجبة للأقوائية) هي موجبة للظن النوعي حيث قوة الدلالة، سواء أورث الظن الشخصي أم لا، و(المفيدة للظن) أي: الظن الشخصي.

البحث الرابع: المقبولة والمرفوعة

اشارة

[2] حاصله: إن أهم الأخبار العلاجية هي مقبولة عمر بن حنظلة المروية في الكافي والفقيه والتهذيب، ومرفوعة زرارة التي رواها ابن أبي جمهور الأحسائي.

فلا بأس بنقل نص الروايتين أولاً، ثم بيان الإشكال على الاستدلال بهما:

أما المقبولة، فعن عمر بن حنظلة قال: (سألت أبا عبدالله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك؟

قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً، وإن كان حقه ثابتاً له؛ لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ}(1).

قلت: فكيف يصنعان؟

قال: ينظران [إلى] من كان منكم ممّن روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حَكَماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخفّ بحكم الله، وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله.

ص: 251


1- سورة النساء، الآية: 60.

----------------------------------

قلت: فإن كان كلّ رجل اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكون الناظرين في حقهما، واختلفا في ما حكما، وكلاهما اختلف في حديثكم؟

قال: الحكم ما حَكَم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يُلتفت إلى ما يحكم به الآخر.

قال: قلت: فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا، لا يفضُل واحد منهما على الآخر.

قال: فقال: يُنظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به، المجمع عليه من أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه، وإنما الأمور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيُتبّع، وأمر بيّن غَيّه فيُجتنب، وأمر مشكل يُردُّ علمه إلى الله ورسوله. قال رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: حلال بيّن، وحرام بيّن، وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات، وهلك من حيث لا يعلم.

قال: قلت: فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟

قال: يُنظر، فما وافق حُكمه حكمَ الكتاب والسنة، وخالف العامة فيؤخذ به، ويُترك ما خالف حكمُه حكمَ الكتاب والسنة ووافق العامة.

قلت: جعلت فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفاً لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟

قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد.

فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهم الخبران جميعاً؟

قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيُترك ويؤخذ بالآخر.

قلت: فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعاً؟

ص: 252

إن أجمع خبر للمزايا المنصوصة في الأخبار هو المقبولة[1]

----------------------------------

قال: إذا كان ذلك فأرجه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الإقتحام في الهلكات)(1).

وأما المرفوعة، فقد ذكر ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي: وروى العلامة مرفوعاً إلى زرارة قال: (سألت الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فقلت: جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان، فبأيّهما آخذ؟

فقال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: يا زرارة، خذ بما اشتهر بين أصحابك ودَع الشاذ النادر.

فقلت: يا سيدي، إنهما معاً مشهوران، مرويان، مأثوران عنكم.

فقال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: خذ بما يقول أعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك.

فقلت: إنهما معاً عدلان مرضيان موثقان.

فقال: انظر إلى ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه، وخذ بما خالفهم، فإن الحق في ما خالفهم.

فقلت: ربما كانا معاً موافقين لهم أو مخالفين، فكيف أصنع؟

فقال: إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك، واترك ما خالف الاحتياط.

فقلت: إنهما معاً موافقين للاحتياط أو مخالفين له، فكيف أصنع؟

فقال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به، وتدع الآخر)(2).

[1] إنما سميّت مقبولة لأن الأصحاب تلقّوها بالقبول، رغم ما قيل من جهالة الراوي - وهو عمر بن حنظلة - وإن كان الأقوى وثاقته لكونه من مشايخ الثلاثة، وهذا التلقي إنما هو من جهة السند، وأما الدلالة ففيها كلام وخلاف مذكور في المفصلات.

ص: 253


1- الكافي 6: 67؛ تهذيب الأحكام 6: 218؛ الاحتجاج 2: 355.
2- عوالي اللئالي 4: 133.

والمرفوعة[1] مع اختلافهما[2] وضعف سند المرفوعة جداً[3].

والاحتجاج بهما[4] على وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو عن إشكال،

----------------------------------

[1] الخبر المرفوع هو من أنواع الخبر المرسل، واصطلح على ما إذا حذف الراوي كل الوسائط، ونسب الخبر إلى المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أو الراوي عنه، وهنا نسب العلامة الخبر إلى زرارة من غير ذكر للوسائط.

إشكالات على الاستدلال
الإشكال الأول

[2] هذا هو الإشكال الأول، وحاصله: تعارض نفس الخبرين الواردين لعلاج الأخبار المتعارضة.

فالمقبولة: ذكرت أولاً مرجحات الحكم في القضاء - وهذا خارج عن بحثنا الآن - ثم ذكرت مرجحات الخبر وهي: الشهرة، وموافقة الكتاب والسنة، ومخالفة العامة، ومخالفة ميل حكامهم.

والمرفوعة: لم تذكر موافقة الكتاب والسنة، وذكرت بدلاً عن ذلك الأعدلية والأوثقية، وذكرت موافقة الاحتياط بدلاً عن مخالفة ميل حكامهم.

الإشكال الثاني

[3] قال الشيخ الأعظم: (وقد طعن صاحب الحدائق فيها، وفي كتاب العوالي وصاحبه، فقال: إن الرواية المذكورة لم نقف عليها في غير كتاب العوالي، مع ما عليها من الإرسال، وما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار، والإهمال، وخلط غثّها بسمينها، وصحيحها بسقيمها، كما لا يخفى على من لاحظ الكتاب المذكور)(1)، انتهى.

الإشكال الثالث

[4] الظاهر أن هذا الإشكال خاص بالمقبولة؛ لأن أصل السؤال حول قضية

ص: 254


1- فرائد الأصول 2: 116.

لقوة احتمال[1] اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة لرفع المنازعة وفصل الخصومة[2]، كما هو موردهما[3]، ولا وجه معه[4] للتعدي منه إلى غيره، كما لا يخفى.

ولا وجه[5]

----------------------------------

قضائية - هي تنازع في دين أو ميراث - وأما المرفوعة فهي ظاهرة في تعارض الخبرين بشكل مطلق.

وعلى كل حال، حاصل الإشكال: إن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في المقبولة ذكر أولاً مرجحات القاضيين، وبعد تساوي القاضيين انتقل إلى الترجيح في الخبرين اللذين استندا إليهما، وهنا لا يمكن التخيير؛ لأن كل خصم يختار الخبر الذي هو في صالحه، فلذا كان لابد من المرجّحات لقطع الخصومة.

وأما في غير الخصومة فلا محذور في التخيير، فيمكن الأخذ بأيّ من الخبرين من باب التسليم.

إن قلت: نستفيد من المقبولة المناط في الترجيح بين الخبرين المتعارضين.

قلت: إن هذا المناط ظني، فيكون الأخذ به من القياس المنهي عنه.

[1] ومع وجود هذا الاحتمال يكون المناط ظنياً، «بها» أي: بالمرجحات المنصوصة، «الحكومة» أي: القضاء.

[2] فلا يمكن التخيير أصلاً، مع إمكانه في الخبرين المتعارضين في غير مقام الخصومة.

[3] أي: رفع المنازعة، «موردهما» أي: مورد المقبولة والمرفوعة، لكن قد ذكرنا أن الصحيح هو أن المقبولة فقط هي في مورد الخصومة، وأما المرفوعة فهي مطلقة.

[4] أي: مع هذا الاحتمال القوي، «منه» من المورد - وهو الخصومة - «غيره» وهو مقام الفتوى في غير المنازعات.

[5] هذا ردّ لتوهم تنقيح المناط، من وجهين.

ص: 255

لدعوى تنقيح المناط مع ملاحظة[1] أن رفع الخصومة بالحكومة في صورة تعارض الحكمين[2] وتعارض ما استندا إليه من الروايتين لا يكاد يكون إلاّ بالترجيح، ولذا[3] أمر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بإرجاء الواقعة إلى لقائه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في صورة تساويهما في ما ذكر من المزايا؛ بخلاف مقام الفتوى[4].

ومجرد مناسبة[5] الترجيح لمقامها[6] أيضاً لا يوجب ظهور الرواية[7] في وجوبه مطلقاً ولو في غير مورد الحكومة، كما لا يخفى.

وإن أبيت[8]

----------------------------------

[1] هذا الوجه الأول لعدم صحة تنقيح المناط؛ لأنه من المحتمل أن الترجيح في مورد الخصومة لأجل عدم إمكان التخيير؛ إذ كل واحد سيختار الخبر الذي يكون بصالحه.

[2] أي: القاضيين، «يكون» أي: يكون رفع الخصومة.

[3] هذا الوجه الثاني لردّ تنقيح المناط، وحاصله: إن القائلين بالترجيح قالوا بالتخيير عند فقدان المرجّحات، ولكن في المقبولة ذكر الإمام التوقف إلى حين لقاء الإمام وسؤاله، وهذا يدل على أن المقبولة لا تشمل مقام غير الخصومة - لا بموردها ولا بملاكها - .

[4] حيث إن الحكم هو التخيير بعد فقد المرجحات، حتى عند القائلين بلزوم إعمالها.

[5] أي: إن هذا المناط محتمل، بل مظنون، لكن لا يمكن الاستناد إلاّ على المناط المقطوع به، وإلاّ كان قياساً.

[6] أي: مقام الفتوى، «أيضاً» كمقام القضاء.

[7] بحيث يصير المناط قطعياً، «وجوبه» أي: الترجيح، «مطلقاً» شرحه بقوله: «ولو في غير...».

الإشكال الرابع

[8] وحاصله: إن قول الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في آخر المقبولة: «إذا كان ذلك فأرجه حتى

ص: 256

إلاّ عن ظهورهما[1] في الترجيح في كلا المقامين، فلا مجال لتقييد إطلاقات التخيير في مثل زماننا مما لا يتمكن من لقاء الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بهما، لقصور المرفوعة سنداً[2] وقصور المقبولة دلالة[3]؛ لاختصاصها بزمان التمكن من لقائه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ؛ ولذا ما أرجع إلى التخيير بعد فقد الترجيح.

مع[4]

----------------------------------

تلقى إمامك» يوجب اختصاصها بزمان الحضور - حيث يمكن لقاء الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ - ولذا لم يُرجعه الإمام إلى التخيير. وأما في زمان الغيبة فلا مورد للمقبولة، فلابد من الرجوع إلى إطلاقات التخيير؛ لعدم وجود مخصص لها.

أما المرفوعة فضعيفة سنداً فلا يمكنها تخصيص تلك الإطلاقات.

[1] أي: المقبولة والمرفوعة، أما ظهور المقبولة فلأجل تنقيح المناط، وأما ظهور المرفوعة فلأجل إطلاقها بحيث تشمل كلا المقامين - مقام الفتوى ومقام الخصومة - .

[2] هذا ليس تكراراً للإشكال الثاني. فإن الغرض هناك كان لبيان عدم وجود دليل معتبر على الترجيح، والغرض هنا بيان عدم إمكان تقييد أخبار التخيير.

ولا يخفى أن المرفوعة مطلقة تشمل زمان الحضور وزمان الغيبة، لكن لما كان الغرض هو الترجيح في هذا الزمان - وهو زمان الغيبة - فلذا خصّ المصنف هذا الزمان بالذكر، وأنه لا يمكن في هذا الزمان تقييد أخبار التخيير بالمرفوعة لضعف سندها - كما لم يمكن ذلك في زمان الحضور أيضاً - .

[3] أي: بملاحظة آخر المقبولة حيث أمر الإمام بإرجاء الواقعة حتى لقائه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وعدم الإرجاع إلى التخيير نكتشف أن المقبولة لا دلالة لها على الحكم في زمان الغيبة، «ما أرجع» (ما) نافية.

الإشكال الخامس

[4] حاصله: إن أدلة التخيير آبية عن التقييد؛ وذلك لأن تساوي الخبرين في

ص: 257

أن تقييد الإطلاقات[1] الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين بلا استفصال[2] عن كونهما متعادلين أو متفاضلين - مع ندرة[3] كونهما متساويين جداً - بعيد قطعاً، بحيث[4] لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص[5] لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها[6] من الحمل على الاستحباب - كما فعله بعض

----------------------------------

جميع المرجحات أمر نادر جداً، ومع ذلك ترك الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ الاستفصال، بل حكم بالتخيير، ولو كان الترجيح واجباً لكان اللازم بيان لزومه، ثم بيان حكم الفرد النادر، وهو التخيير في صورة التساوي، وهذا الوجه يوجب عدم إمكان تقييد أخبار التخيير بالمقبولة، بل لابد من أحد أمرين:

1- إما القول بأن المقبولة ظاهرة في اختصاصها بزمان الحضور.

2- وإما حمل المقبولة على الاستحباب، فالحكم هو التخيير مع استحباب الترجيح.

[1] أي: إطلاقات التخيير.

[2] أي: ترك الإمام التفصيل بين المتساويين فالتخيير، وبين المتفاضلين فالترجيح.

[3] فيكون الجواب بالتخيير جواباً لصورة نادرة، وهذا قبيح. نعم، لو كانت صورة شايعة لم يكن ترك الاستفصال قبيحاً.

[4] أي: تلك الإطلاقات توجب ظهور المقبولة في اختصاصها بزمان الحضور.

ولو فرض عدم ظهورها في ذلك فإنه لابد من حملها على ذلك، وإن كان خلافاً للظهور؛ تنزيهاً لكلام الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عن القبح - أي: كلامه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في إطلاقات أخبار التخيير - .

[5] أي: الاختصاص بزمان التمكن من لقاء الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، «حملها» المقبولة، «عليه» على ذلك الاختصاص.

[6] أي: أو حمل المقبولة على ما لا يتعارض مع تلك الإطلاقات؛ وذلك بحملها على الاستحباب.

ص: 258

الأصحاب(1) - . ويشهد به[1] الاختلاف الكثير بين ما دل على الترجيح من الأخبار.

ومنه[2] قد انقدح حال سائر أخباره.

مع أن[3]

----------------------------------

[1] أي: بالاستحباب، وهنا يرجح المصنف حمل المقبولة على الاستحباب؛ وذلك لكثرة الاختلاف في الأخبار العلاجية، ولا طريق لدفع التنافي بين الأخبار العلاجية إلاّ بالقول بالاستحباب.

[2] أي: مما ذكرناه في المقبولة والمرفوعة، «أخباره» أخبار الترجيح.

البحث الخامس: أخبار موافقة الكتاب ومخالفة العامة

اشارة

[3] حاصله: إنه قد عُدّ من المرجحات موافقة الكتاب ومخالفة العامة.

وفيه إشكالان:

الإشكال الأول: إن الترجيح إنّما هو بين خبرين مستجمعين لشرائط الحجيّة - بحيث كان كل واحد منها حجة في نفسه - والخبر المخالف للكتاب ليس بحجّة أصلاً.

وحاصل هذا الكلام: هو لزوم العمل بالخبر الموافق للكتاب والمخالف للعامة لا لأجل ترجيحه على الخبر الآخر، بل لأجل أن الآخر ليس بحجة أصلاً.

1- والدليل على أن الخبر المخالف للكتاب ليس بحجّة، هو أولاً: أنه ورد في متعدد الروايات أن هذا الخبر زخرف، وباطل ونحو ذلك، وهذه التعبيرات نص في عدم حجيته.

وثانياً: إن أدلة حجية الخبر الواحد - وهو بناء العقلاء - لا تجري في الخبر المخالف للكتاب؛ إذ لا بناء لهم على حجيته، بل بناؤهم على عدم حجيته.

2- والدليل على أن الخبر الموافق للعامة ليس بحجة هو عدم شمول دليل حجية الخبر الواحد لهذا الخبر؛ إذ لا بناء للعقلاء بأنه صادر لبيان الحكم الواقعي؛ فلا

ص: 259


1- فرائد الأصول 4: 55، حيث نسبه للسيد الصدر، صاحب شرح الوافية.

في كون أخبار موافقة الكتاب أو مخالفة القوم من أخبار الباب[1] نظراً. وجهه قوة[2] احتمال أن يكون الخبر المخالف للكتاب في نفسه غير حجة[3]، بشهادة[4] ما ورد في أنه زخرف وباطل وليس بشيء، أو أنه لم نقله، أو أمر بطرحه على الجدار[5].

----------------------------------

تجري أصالة عدم التقيّة، بل بناؤهم على الوثوق بصدور الخبر المخالف للعامة.

الإشكال الثاني: إن الترجيح بالشهرة ذكر قبل الترجيح بالموافقة والمخالفة - في المقبولة والمرفوعة - ومعنى ذلك هو لزوم الترجيح بموافقة الكتاب إلاّ إذا كان الآخر مشهوراً، فيرجّح المشهور حتى إذا كان مخالفاً للكتاب. وهذا كما ترى لا يصح؛ لأن موافقة الكتاب آبية عن التخصيص، كما هو واضح.

[1] أي: أخبار الترجيح في المتعارضين، «نظراً» خبر (أنّ).

الإشكال الأول

[2] هذا الإشكال الأول، «وجهه» أي: وجه النظر.

[3] والترجيح إنما هو بين أخبار هي مستكملة لشرائط الحجيّة، لكنها متعارضة بحيث لا يمكن العمل بها أجمع.

وأما إذا كان أحدهما غير حجة فلا يعارض الآخر، بل لابد من العمل بالآخر الذي استكمل شرائط الحجيّة.

[4] وهذه العبارات نص في عدم حجيته، وهذا الدليل الأول على أن الخبر المخالف للكتاب ليس بحجة.

[5] عن الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف)(1).

وعنه عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (إذا جاءك الحديثان المختلفان فقِسهما على كتاب الله وأحاديثنا، فإن أشبهها فهو حق، وإن لم يشبهها فهو باطل)(2).

ص: 260


1- الكافي 1: 69.
2- وسائل الشيعة 27: 123.

وكذا الخبر الموافق للقوم[1]، ضرورة[2] أن أصالة عدم صدوره تقية - بملاحظة الخبر المخالف لهم[3] مع الوثوق بصدوره[4] لو لا القطع به - غير[5] جارية، للوثوق[6] حينئذٍ بصدوره كذلك. وكذا الصدور[7]

----------------------------------

وعن رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أنه قال: (ما خالف كتاب الله فليس من حديثي)(1).

وعن الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (وما جاء كم يخالف كتاب الله فلم أقله)(2).

وقال النبي صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: (إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط)(3).

[1] أي: قوة احتمال أن يكون هذا الخبر ليس بحجة أصلاً.

[2] وهذا دليل عدم شمول أدلة الحجية للخبر الموافق للعامة؛ لأن دليل الحجية هو بناء العقلاء على الصدور لأجل بيان الواقع، ولا بناء لهم في الخبر الموافق لهم، فلا يجرون أصالة عدم التقيّة.

[3] أي: عدم بناء العقلاء على عدم التقية إنما هو مع وجود خبرين أحدهما موافق للعامة والآخر مخالف لهم.

نعم، لو كان خبر واحد موافق للعامة من غير معارض فإن بناءهم على أصالة عدم التقية حينئذٍ.

[4] بصدور الخبر المخالف لهم، وكذا ضمير «به».

[5] خبر (أن) في (ضرورة أن أصالة عدم صدوره تقية).

[6] دليل عدم جريان أصالة عدم التقية، «حينئذٍ» حين موافقة الخبر للعامة، «بصدوره» صدور الخبر الموافق، «كذلك» أي: تقية.

[7] وهذا الدليل الثاني على أن الخبر المخالف للكتاب ليس بحجة.

ص: 261


1- قرب الإسناد: 92.
2- الكافي 1: 69.
3- التبيان 1: 5؛ تفسير الصافي 1: 36.

أو الظهور[1] في الخبر المخالف للكتاب يكون موهوناً بحيث لا يعمه[2] أدلة اعتبار السند، ولا الظهور، كما لا يخفى. فتكون هذه الأخبار[3] في مقام تميز الحجة عن اللاحجة، لا ترجيح الحجة على الحجة، فافهم[4].

وإن أبيت عن ذلك[5]،

----------------------------------

[1] أي: لا بناء للعقلاء على صدور الخبر المخالف للكتاب، أو لا بناء لهم على ظهوره فيرون أن ظاهره غير مراد.

ومن المعلوم أن حجية الخبر تتوقف على الدليل على صدوره، وعلى حجيّة ظهوره. فإذا لم يكن دليل على صدوره، أو لم يكن دليل على حجية ظهوره كان ذلك الخبر غير حجة أصلاً.

[2] أي: الخبر مخالف للكتاب لا تشمله أدلة الحجيّة.

[3] أي: أخبار الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة.

[4] لعلّه إشارة إلى أن المخالفة والموافقة ذكرتا في المقبولة والمرفوعة ضمن المرجحات، بل ذكرتا بعد الترجيح بالشهرة.

فالظاهر أن المراد من المخالفة والموافقة للكتاب - هنا - ليس مخالفة وموافقة نص الكتاب، بل المراد هو موافقة أو مخالفة الظاهر.

[5] أي: نحن ذكرنا ظهور أخبار الموافقة والمخالفة في تمييز الحجة عن اللاحجة.

فإن أبيت، وقلت: إن هذه الأخبار ظاهرة في الترجيح بين حجيتين.

فنقول: لابد من رفع اليد عن هذا الظهور؛ وذلك للجمع بين هذه الأخبار وبين إطلاقات أخبار التخيير، ولا يمكن تقييد إطلاقات التخيير - لأن التساوي في المرجحات فرض نادر كما مرّ تفصيله - فلابد إذن من رفع اليد عن هذا الظهور، وحمل أخبار الموافقة والمخالفة إما على التمييز بين الحجة أو اللاحجة، وإما على الاستحباب.

ص: 262

فلا محيص عن حملها[1] - توفيقاً بينها وبين الإطلاقات - إما على ذلك أو على الاستحباب، كما أشرنا إليه آنفاً، هذا.

ثم[2] إنه لو لا التوفيق بذلك[3] للزم التقييد أيضاً[4] في أخبار المرجحات[5]، وهي آبية عنه[6]، كيف يمكن تقييد مثل «ما خالف قول ربنا لم أقله، أو زخرف، أو باطل»؟!، كما لا يخفى.

فتلخص مما ذكرنا: أن إطلاقات التخيير محكمة، وليس في الأخبار ما يصلح لتقييدها.

نعم، قد استدل على تقييدها[7]، ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر:

----------------------------------

[1] أي: حمل أخبار الموافقة والمخالفة، «الإطلاقات» أي: إطلاقات أخبار التخيير، «ذلك» أي: على تمييز الحجة عن اللاحجة.

الإشكال الثاني

[2] هذا هو الإشكال الثاني على جعل أخبار الموافقة والمخالفة من المرجحات، وحاصله: إن جعل أخبار الموافقة والمخالفة من المرجحات يستلزم تخصيصها بالشهرة؛ لأن الشهرة ذكرت قبلهما في المقبولة والمرفوعة، فمعنى ذلك أن الخبر المخالف للكتاب إذا كان مشهوراً يكون مقدماً! وهذا لا يمكن الالتزام به.

[3] أي: بحمل أخبار الترجيح على أحد أمرين: إما تمييز الحجة عن اللاحجة، أو على الاستحباب.

[4] أي: كتقييد أخبار التخيير بأخبار الترجيح.

[5] من الأخبار: المقبولة والمرفوعة، حيث ذكرت الشهرة قبل الموافقة والمخالفة - كما بيناه - .

[6] أي: أخبار الترجيح بالموافقة والمخالفة غير قابلة للتقيد أصلاً.

البحث السادس: أدلة أخرى على الترجيح - غير الأخبار -

اشارة

[7] أي: تقييد إطلاقات التخيير، «المتفاضلين» أي: ما كان أحدهما أرجح من

ص: 263

منها: دعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين(1).

وفيه: إن دعوى الإجماع - مع مصير مثل الكليني إلى التخيير، وهو في عهد الغيبة الصغرى، ويخالط النواب والسفراء، قال في ديباجة الكافي[1]: «ولا نجد شيئاً أوسع ولا أحوط من التخيير» - مجازفة[2].

ومنها[3]: إنه لو لم يجب[4] ترجيح ذي المزية لزم ترجيح المرجوح على الراجح، وهو قبيح عقلاً، بل ممتنع قطعاً(2).

وفيه[5]:

----------------------------------

الآخر، «أخر» غير الأخبار.

[1] نص كلامه: (ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم)(3)،

انتهى.

[2] خبر (أن) في قوله: (أن دعوى الإجماع).

[3] هذا استدلال بوجه عقلي، وحاصله: إن ذا المزية راجح، فلا يصح ترجيح غيره عليه؛ لأنه ترجيح المرجوح على الراجح، وهو قبيح، بل يمكن القول بأن ترجيح المرجوح على الراجح محال.

[4] عدم الوجوب بسبب التوسعة عليه بالتخيير، «المرجوح» وهو ما لا مزية له، «الراجح» الذي له مزية.

[5] حاصله إشكالان - صغروي وكبروي - :

الإشكال الأول - صغروي - : فليس ما نحن فيه من موارد هذه القاعدة؛ لأنّ موردها إنما هو إذا كانت المزيّة موجبة لأقوائية الخبر - أي: أقربيته للواقع - أما إذا

ص: 264


1- فرائد الأصول 4: 48.
2- مفاتيح الأصول: 687.
3- الكافي 1: 9.

إنه إنما يجب الترجيح لو كانت المزية موجبة لتأكد ملاك الحجية[1] في نظر الشارع، ضرورة[2] إمكان أن تكون تلك المزية بالإضافة إلى ملاكها من قبيل الحجر في جنب الإنسان، وكان الترجيح بها[3] بلا مرجح، وهو قبيح، كما هو واضح. هذا.

مضافاً[4] إلى ما هو في الإضراب من الحكم بالقبح إلى الامتناع من[5] أن الترجيح بلا مرجح في الأفعال الاختيارية[6]

----------------------------------

لم توجب المزيّة ذلك - مثلاً: كون الراوي هاشمياً أو أعدل - فليس من القبيح ترجيح غيره عليه؛ لأن هذه المزية لا دخل لها في ملاك الحجية - أي: الأقربية للواقع - بل نفس الترجيح بها بلا مرجح.

الإشكال الثاني - كبروي - : هو أن ترجيح المرجوح قبيح وليس ممتنعاً؛ وذلك لأن الممتنع هو المعلول بلا علّة، وأما ترجيح المرجوح فله علة، وهي الإرادة والاختيار؛ ولذا نرى كثيراً ترجيح الناس للمرجوح على الراجح.

وبعبارة أخرى: إن القبيح هو الفعل الذي يمكن وقوعه ولكن لا غرض عقلائي فيه، وأما الممتنع فهو ما لا يمكن وقوعه أصلاً.

نعم، القبيح لا يصدر عن الحكيم، لا لامتناعه، بل لترفّع الحكيم عنه.

[1] وهي الأقربيّة إلى الواقع، «في نظر الشارع» لا في نظر غيره؛ لأن الخبرين إنما هما طريق لمعرفة حكم الشرع.

[2] أي: إذا لم تكن المزية موجبة لتقوية الملاك، فلا وجه للترجيح بها؛ إذ هي مزية لا ترتبط بملاك الحجيّة.

[3] أي: بالمزية التي لا توجب تقوية الملاك، والمعنى: إن الترجيح بالمزايا التي لا توجب تقوية الملاك بلا مرجح فهو القبيح، لا عدم الترجيح بها.

[4] إشارة إلى الإشكال الثاني - الكبروي - .

[5] بيان للإشكال.

[6] التي عِلّتها الإرادة والاختيار، فلا يكون الترجيح بلا مرجح محالاً، بل هو

ص: 265

- ومنها[1] الأحكام الشرعية - لا يكون إلاّ قبيحاً، ولا يستحيل وقوعه إلاّ على الحكيم تعالى، وإلاّ[2] فهو بمكان من الإمكان، لكفاية إرادة المختار علة لفعله[3]، وإنما الممتنع هو وجود الممكن بلا علة، فلا استحالة في ترجيحه تعالى للمرجوح إلاّ من باب امتناع صدوره منه[4] تعالى، وأما غيره[5] فلا استحالة في ترجيحه لما هو المرجوح مما باختياره.

وبالجملة: الترجيح بلا مرجح بمعنى «بلا علة» محال، وبمعنى «بلا داعٍ» عقلائي قبيح ليس بمحال، فلا تشتبه.

ومنها: غير ذلك[6] مما لا يكاد يفيد الظن، فالصفح عنه أولى وأحسن.

ثم إنه لا إشكال[7]

----------------------------------

فعل ممكن لإمكان عِلّته.

[1] أي: من الأفعال الاختيارية.

[2] أي: مع قطع النظر عن قبحه، وامتناع القبيح على الحكيم - امتناعاً عرضياً لحكمته - «فهو» أي: ترجيح المرجوح.

[3] فلا يكون ممتنعاً لإمكان عِلّته. نعم، المعلول بلا علة محال، فلذا كان الترجّح بلا مرجح محال؛ إذ هو معلول بلا علة.

[4] لحكمته، كالظلم واللغو ونحو ذلك، حيث يمتنع عليه، أي: لا يفعله تعالى أصلاً.

[5] أي: غير الله تعالى.

[6] كما نقل الشيخ الأعظم فقال: (وقد يستدل على وجوب الترجيح بأنه لو لا ذلك لاختل نظم الاجتهاد...)(1)

الخ.

كيفية اختيار المجتهد والمقلّد

[7] ليس المراد من التخيير: الحكم بالإباحة؛ لأنها قد تكون مخالفة لكلا الخبرين،

ص: 266


1- فرائد الأصول 4: 53.

في الإفتاء بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه وعمل مقلديه[1]. ولا وجه للإفتاء بالتخيير في المسألة الفرعية[2]، لعدم الدليل عليه فيها.

----------------------------------

مثلاً: لو دلّ أحدهما على الوجوب والآخر على الحرمة فلا يجوز الحكم بالإباحة - وهذا يعبّر عنه بالتخيير في المسألة الفرعية - بل المراد هو التخيير في العمل بمقتضى أحد الخبرين - ويعبر عنه بالتخيير في المسألة الأصولية - .

والمجتهد في عمل نفسه يختار أحد الخبرين - وهذا واضح - .

ولكن كيف يفتي المجتهد لمقلديه؟

الجواب: إن المجتهد يمكنه أحد أمرين:

1- أن يختار المجتهد أحد الخبرين ثم يُفتي للمقلدين بذلك، من غير أن يخبرهم بتعارض الخبرين. وفي العناية: (فلأنّ ما اختاره المجتهد من الخبرين المتعارضين في عمل نفسه هو حكم الله الظاهري بمقتضى الدليل القائم على التخيير بينهما شرعاً، فإذا أفتى على طبق ما اختاره من الخبرين فقد أفتى بحكم الله الظاهري)(1)،

انتهى.

2- أن يخبر المقلدين بأن في المسألة خبرين ويمكنهم العمل بأيٍّ منهما؛ وذلك لأن التخيير حكم شرعي مشترك بين الكل. وفي العناية أيضاً: (فإذا أخبر المفتي بتحقق الموضوع في مورد خاص، وأحرز المقلد ذلك بإخبار المفتي أو بغير ذلك، ثم أفتى المفتي أن حكمه الشرعي الأصولي هو التخيير لم يبق مانع للمقلّد أن يقلّد المفتي في هذا الحكم الشرعي الأصولي، ويرتبه على موضوعه بنفسه، فيختار أحد الخبرين ويعمل على طبقه وإن كان مخالفاً لما اختاره المفتي من الخبرين)(2)،

انتهى.

[1] وهذا الأمر الأول لعمل المقلدين.

[2] أي: الإباحة في المسألة الفقهية، «عليه» على التخيير، «فيها» في المسألة الفرعيّة، بل الدليل على عدم جوازه؛ لأن الخبرين متفقان على نفي الثالث - كما مرّ - .

ص: 267


1- عناية الأصول 6: 81.
2- عناية الأصول 6: 81.

نعم[1]، له الإفتاء به في المسألة الأصولية، فلا بأس حينئذٍ باختيار المقلد غير ما اختاره المفتي، فيعمل بما يفهم منه[2] بصريحه أو بظهوره الذي لا شبهة فيه.

وهل[3] التخيير بدوي أم استمراري؟ قضية الاستصحاب لو لم نقل بأنه[4] قضية الإطلاقات أيضاً كونه استمرارياً.

----------------------------------

[1] وهذا الأمر الثاني لعمل المقلدين.

[2] «فيعمل» المقلّد، «بما» بالخبر الذي، «منه» مما اختاره، «بصريحه» أي: بنصّه.

التخيير بدوي أم استمراري

[3] إذا اختار أحد الخبرين وعمل به، فهل يجوز له اختيار الخبر الآخر في المرة الأخرى؟ قولان:

فالمصنف ذهب إلى استمرار التخيير واستدل له:

1- بإطلاقات التخيير، كقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (فموسع عليك بأيّهما أخذت)(1).

2- ولو لم تجر الإطلاقات فباستصحاب التخيير الثابت ابتداءً.

وذهب الشيخ الأعظم(2)

إلى أن التخيير بدوي، فإذا اختار أحد الخبرين لا يجوز له بعد ذلك العدول إلى الآخر.

واستدل له بأن موضوع الإطلاقات والاستصحاب هو (المتحيّر)، ولا تحيّر بعد الاختيار أولاً.

وفيه: إن كلمة (المتحيّر) لا توجد في الأدلة، فلا تدور الإطلاقات والاستصحاب عليها، بل إن معنى (المتحيّر) إن كان: (من تعارضت عنده الأدلة) فهذا الموضوع مستمر، فإن الأدلة متعارضة حتى بعد اختياره لأحد الخبرين.

[4] بأن التخيير، «كونه» كون التخيير.

ص: 268


1- وسائل الشيعة 27: 121.
2- فرائد الأصول 4: 43.

وتوهم[1] «أن المتحير(1)

كان محكوماً بالتخيير، ولا تحير له بعد الاختيار[2]، فلا يكون الإطلاق ولا الاستصحاب مقتضياً للاستمرار، لاختلاف الموضوع فيهما[3]» فاسدٌ[4]، فإن التحير بمعنى تعارض الخبرين باقٍ على حاله، وبمعنى آخر[5] لم يقع في خطاب موضوعاً للتخيير[6] أصلاً؛ كما لا يخفى.

فصل: هل على القول بالترجيح[7] يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة

----------------------------------

[1] إشارة إلى الإشكال على كلام الشيخ الأعظم.

[2] ونص كلام الشيخ الأعظم: (لأن دليل التخيير إن كان الأخبار الدالة عليه فالظاهر أنها مسوقة لبيان وظيفة المتحيّر في ابتداء الأمر، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحيّر بعد الالتزام بأحدهما، وأما العقل الحاكم بعدم جواز طرح كليهما فهو ساكت من هذه الجهة، والأصل عدم حجية الآخر بعد الالتزام بأحدهما...)(2)

الخ.

[3] أي: في الإطلاق والاستصحاب، فالموضوع هو (المتحيّر) قبل الاختيار الأول، ولكن لا تحيّر بعده فلا يبقى الموضوع.

[4] حاصله: بقاء موضوع التخيير، وهو: (من تعارضت لديه الأدلة).

[5] مثل: (من ليس له حكم ظاهري) فإذا اختار أحدهما صار ذلك حكماً ظاهرياً له.

[6] فلا يدور التخيير مداره.

فصل في المرجحات غير المنصوصة

اشارة

[7] أما على القول باستحباب الترجيح فلا فرق بين المنصوصة وغير المنصوصة؛ وذلك لعدم لزوم الأخذ بها، بل يكون مخيراً مطلقاً، اللهم إلاّ أن يقال: إن استحباب

ص: 269


1- فرائد الأصول 4: 43.
2- فرائد الأصول 4: 43 - 44.

المنصوصة، أو يتعدى إلى غيرها؟

قيل: بالتعدي[1]، لما في الترجيح[2] بمثل الأصدقية والأوثقية ونحوهما[3] مما فيه[4] من الدلالة على أن المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للأقربية إلى الواقع.

ولما في التعليل[5]

----------------------------------

الترجيح هل هو خاص بالمنصوصة أم يجري في غير المنصوصة؟

1- أدلة التعدي إلى غير المنصوصة

[1] القائل هو الشيخ الأعظم(1)،

ونسبه إلى جمهور الأصوليين، وقد استدل بوجوه ثلاثة، أحدها: بتنقيح المناط، والآخران: بالعلة المنصوصة في الأخبار.

[2] هذا هو الدليل الأول، وحاصله: تنقيح المناط؛ وذلك باستكشاف العلة من بعض فقرات أخبار الترجيح، فإن الترجيح بمثل: (الأصدقية) و(الأوثقية) و(الأورعية) إنما هو لأجل كون هذا الخبر أقرب إلى الواقع، فكانت الأقربية إلى الواقع هي المناط والعلة، وحينئذٍ فكل ما أوجب أقربية الخبر إلى الواقع يكون مرجحاً.

[3] كالأورعية؛ لأن معناها شدّة التحرز عن المحرّمات، ومنها الكذب؛ فالراوي الأبعد عن الكذب يكون خبره أقرب إلى الواقع.

[4] أي: من المرجحات التي في الترجيح بها، «بها» بتلك المرجحات، «هو» المناط، «كونها» المرجحات.

[5] هذا هو الدليل الثاني، وحاصله: الاستدلال بالتعليل الوارد في المقبولة، حيث قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (خذ بما اشتهر بين أصحابك)(2) و(فإن المجمع عليه لا ريب فيه)(3)

ص: 270


1- فرائد الأصول 4: 75.
2- مستدرك الوسائل 17: 303.
3- الكافي 1: 68.

ب«أن المشهور مما لا ريب فيه» من[1] استظهار أن العلة هو عدم الريب فيه بالإضافة إلى الخبر الآخر ولو كان فيه[2] ألف ريب.

ولما في التعليل[3] بأن الرشد في خلافهم.

ولا يخفى ما في الاستدلال بها:

أما الأول[4]:

----------------------------------

فالعلة في ترجيح المشهور هي (عدم الريب)، وليس المراد عدم الريب أصلاً بحيث يطمئن بصدوره - إذ كثيراً ما يكون الخبر المشهور فيه إشكالات متعددة - بل المراد (عدم الريب الإضافي) أي: عدم الريب بالنسبة إلى الخبر الآخر. فكل خبر فيه مزية - ولو غير منصوصة - يكون من تلك الجهة لا ريب فيه بالنسبة إلى الخبر الآخر الذي لا توجد فيه تلك المزية.

[1] «من» بيان ل- (ما) في قوله: (لما في التعليل...).

[2] أي: في المشهور، والمعنى: ولو كان فيه إشكالات من جهات أخرى - من غير جهة المزية - .

[3] هذا هو الدليل الثالث، وحاصله: الاستدلال بالتعليل الوارد في أخبار الترجيح بمخالفة العامة بأن (الرشد في خلافهم)، و(الرشد) هو الأقرب إلى الواقع، فكل خبر كان أقرب إلى الواقع يجب ترجيحه لأجل هذه العلة.

[4] حاصل الإشكال: إن هذا المناط - وهو الأقربية إلى الواقع - ليس مقطوعاً به، ويشترط في تنقيح المناط القطع بالمناط؛ وذلك لأن مجرد كون بعض المرجحات توجب الأقربية إلى الواقع لا توجب كون الأقربية هي العلة؛ وذلك لجهتين:

1- احتمال أن تكون لتلك المرجحات خصوصية أوجبت الترجيح بها، ونظير ذلك اعتبار حجية خبر الثقة؛ فإنه ليس لأجل الظن بالواقع - مع أنه غالباً يحصل الظن بالواقع منه - بل لأجل خصوصية في نفس خبر الثقة، فلا يجوز التعدي عنه

ص: 271

فإن جعل خصوص شيء فيه جهة الإراءة والطريقية[1] حجة أو مرجحاً لا دلالة فيه على أن الملاك فيه بتمامه جهة إراءته، بل لا إشعار فيه[2] كما لا يخفى، لاحتمال دخل خصوصيته في مرجحيته أو حجيته، لا سيما[3] قد ذكر فيها ما لا يحتمل الترجيح به إلاّ تعبداً[4]، فافهم[5].

وأما الثاني[6]:

----------------------------------

إلى كل ما أوجب الظن بالواقع.

2- إن بعض المرجحات - كالأفقهيّة - لا توجب كون الخبر أقرب إلى الواقع، فإنه لا فرق بين الفقيه وغيره في نقل الخبر أصلاً، ومن هذا نكتشف أن المناط في المرجحات ليست الأقربية إلى الواقع.

[1] «والطريقيّة» عطف تفسيري، والمعنى: إرادة الواقع، والطريقية إليه، «حجة» كخبر الثقة، «مرجحاً» كالترجيح بالأصدقية والأوثقية، «فيه» في ذلك الشيء الذي جُعل حجة أو مرجحاً، «بتمامه» تمام الملاك، «جهة» خبر «أن الملاك...».

[2] (الإشعار) هو الدلالة الخفية، أو الدلالة المحتملة، ويمكن أن يقال: إن فيه إشعار بالوجدان، لكن هذا الإشعار غير حجة.

[3] إشارة إلى الجهة الثانية، «فيها» في المرجحات، «به» مرجع الضمير هو «ما» الموصولة.

[4] من غير معرفتنا للعلة، وذلك كالأفقهية - كما مرّ - .

[5] لعلّه إشارة إلى أن جميع المرجحات المنصوصة توجب الأقربية إلى الواقع، حتى الأفقهية؛ لأن الأفقه أعرف بالمراد وخاصة مع كثرة النقل بالمعنى.

[6] حاصل الإشكال: إن (لا ريب فيه) يحتمل أمران:

1- ما ذكره المستدل من أنه (لا ريب إضافي) وعليه يتمّ الاستدلال.

ص: 272

فلتوقفه[1] على عدم كون الرواية المشهورة في نفسها مما لا ريب فيها[2]، مع أن الشهرة في الصدر الأول بين الرواة وأصحاب الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ موجبة[3] لكون الرواية مما يطمأن بصدورها، بحيث يصح أن يقال عرفاً: «إنها مما لا ريب فيها[4]»، كما لا يخفى. ولا بأس بالتعدي منه[5] إلى مثله مما يوجب الوثوق والاطمئنان بالصدور[6]، لا إلى كل مزية ولو لم يوجب إلاّ أقربية ذي المزية إلى الواقع من المعارض الفاقد لها[7].

----------------------------------

2- احتمال آخر هو (لا ريب فيه في حدّ نفسه) أي: يوجب الاطمئنان بصدوره عن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

وهذا هو الاحتمال الأظهر؛ وذلك لأن الرواية المشهورة التي يكثر تداولها بين الرواة، مع قلّة الوسائط في عصر الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ ومعرفة الرواة بعضهم للبعض كل ذلك يوجب الاطمئنان، بل القطع بصدور الخبر عن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فالخبر المشهور في عصرهم لا ريب فيه في حدّ نفسه، وكل خبر أورث الاطمئنان يشمله أدلة الحجية مطلقاً، من غير حاجة إلى الاستناد إلى هذا التعليل المذكور في الرواية - أي: التعليل ب- (لا ريب فيه) - .

[1] أي: توقف الاستدلال على الاحتمال الأول.

[2] أي: كون الريب إضافياً، وبالنسبة إلى الخبر الآخر.

[3] بسبب قلة الوسائط، ومعرفة الرواة بعضهم للبعض الآخر.

[4] أي: في حدّ نفسها، لكونها موجبة للاطمئنان أو القطع بصدورها عن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[5] أي: من هذا المرجح.

[6] لأنه تشمله أدلة الحجية، من غير حاجة إلى الاستدلال بهذا التعليل.

[7] أي: لتلك المزية غير المنصوصة، كما هو مراد القائلين بالتعدي عن المرجحات

ص: 273

وأما الثالث[1]: فلاحتمال[2] أن يكون الرشد في نفس المخالفة، لحسنها. ولو سلم[3] أنه لغلبة الحق في طرف الخبر المخالف، فلا شبهة في حصول الوثوق بأن الخبر الموافق المعارض بالمخالف[4]

----------------------------------

المنصوصة إلى غيرها.

[1] حاصل الإشكال: إن في قوله: (الرشد في خلافهم) ثلاثة احتمالات:

1- حُسن نفس المخالفة، مع قطع النظر عن الواقع، وعلى هذا الاحتمال لا يستفاد التعليل من قوله: (الرشد في خلافهم).

2- إن الحق في طرف المخالف - غالباً - للاطمئنان بخلل في الخبر الموافق، أي: نطمئن بعدم صدور الخبر الموافق أو بصدوره لأجل التقية، وعلى هذا الاحتمال أيضاً لا يستفاد التعليل؛ وذلك لأن الاطمئنان بعدم صدور خبر أو بكونه تقية يُسقط ذلك الخبر عن الحجية رأساً، فلا تشمله أدلة الحجية، ويبقى الخبر الآخر سليماً عن المعارض، فليست العِلة أقربية المخالف للواقع - كما كان ذلك مقصود المستدل - .

3- إن الموافق يحتمل فيه التقية، وذلك لا يحتمل في المخالف، بل يطمئن الإنسان بكون الموافق صدر تقية فيسقط عن الحجية، ويبقى الآخر حجة بلا معارض.

والفرق بين الاحتمال الثاني والثالث اعتباري، أي: إن الثاني لاحظ من زاوية الخبر المخالف، والثالث من زاوية الخبر الموافق، فتأمل.

فتحصل: أن قوله: (فإن الرشد في خلافهم) فيه احتمالات ثلاثة، وكلها لا ترتبط بالعلة التي استفادها المستدل - وهي الأقربية إلى الواقع - ليتعدى منها إلى غيرها.

[2] هذا هو الاحتمال الأول.

[3] هذا هو الاحتمال الثاني، «أنه» أي: كون الرشد في خلافهم.

[4] أي: ليس كل خبر موافق يُطمأن بخلل فيه، بل الخلل إنما هو في الخبر الموافق الذي عارضه خبر المخالف للعامة.

ص: 274

لا يخلو من الخلل صدوراً أو جهةً[1]، ولا بأس بالتعدي منه[2] إلى مثله، كما مر آنفاً[3].

ومنه[4] انقدح حال ما إذا كان التعليل[5] لأجل انفتاح باب التقية فيه، ضرورة كمال الوثوق بصدوره كذلك[6] مع الوثوق بصدورهما[7] لو لا القطع به في الصدر الأول لقلة الوسائط ومعرفتها، هذا.

----------------------------------

[1] أي: يُطمأن إما بعدم صدوره أصلاً، أو أنه صادر للتقية.

[2] أي: من هذا الذي أوجب اطمئناناً بخلل في الصدور أو الوثوق نتعدى إلى كل خبر حصل اطمئنان بخلل فيه صدوراً أو جهةً.

[3] في جواب الدليل الثاني.

[4] إشارة إلى الاحتمال الثالث، «منه» مما ذكرناه في الاحتمال الثاني - أي: الاطمئنان بالخلل في الصدور أو الجهة - .

[5] في قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (فإن الرشد في خلافهم)، فانقدح أنه على هذا الاحتمال الثالث أيضاً يُطمأن بأن الخبر الموافق صدر تقية، فلا يكون حجة أصلاً، ويلزم العمل بالآخر - المخالف - لا لأنه أقرب إلى الواقع، بل لأجل كونه حجة بلا معارض.

[6] «بصدوره» صدور الموافق، «كذلك» تقية.

[7] أي: الاطمئنان أو القطع في ذلك العصر بأنهما صادران عن المعصوم؛ وذلك:

1- لقلة الوسائط، بحيث تكون واسطة واحدة فقط - عادة - .

2- ولمعرفة الرواة بعضهم للبعض الآخر.

ومع اجتماع هذين الأمرين يحصل الاطمئنان أو القطع بصدور كلا الخبرين عن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وحينئذٍ يُطمأن أو يقطع بأن الموافق صدر للتقية.

ص: 275

مع[1] ما في عدم بيان الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ للكلية[2]، كي لا يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مراراً، وما في أمره عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ[3] بالإرجاء - بعد فرض التساوي في ما ذكره من المزايا المنصوصة - من الظهور[4] في أن المدار في الترجيح على المزايا المخصوصة، كما لا يخفى.

----------------------------------

نعم، في مثل عصرنا حيث كثرت الوسائط، مع عدم المعرفة الشخصية بالرواة، بل يستفاد توثيقهم من بعض الكتب، ففي هذا العصر قد لا يحصل اطمئنان بصدور كليهما.

2- أدلة الاقتصار على المرجحات المنصوصة

[1] بعد أن أشكلنا على أدلة القول بالتعدي من المرجحات المنصوصة إلى غيرها، يستدل المصنف بدليلين على لزوم الاقتصار على المرجحات المنصوصة:

الأول: إن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ذكر مرجحات متعددة - في المقبولة والمرفوعة وغيرهما - ولذا أكثر الراوي السؤال عن التساوي في تلك المرجحات، ولم نجد في الأخبار العلاجية ذكراً للضابطة الكلية - وهي الأقربية إلى الواقع - . ولو كان المرجح هو كل ما يوجب الأقربية لكان على الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بيانها بحيث لا يحتاج الرواة إلى كثرة السؤال.

الثاني: إن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في ذيل المقبولة بعد التساوي في كل المرجحات المنصوصة، يأمر بإرجاء الواقعة حتى يلقاه، ولو كان الترجيح بكل ما يوجب الأقربية إلى الواقع لم يكن معنى للإرجاء، بل كان لابد من القول بالأخذ بكل مزية توجب الأقربية.

[2] أي: القاعدة الكلية - وهي كل مزية أوجبت الأقربية إلى الواقع، وهذا هو الدليل الأول.

[3] هذا هو الدليل الثاني.

[4] «من» بيان ل- (ما) في قوله: (ما في عدم بيان) و(ما في أمره...).

ص: 276

ثم[1] إنه بناءً على التعدي حيث كان في المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن بذي

----------------------------------

3- حدود التعدي - على القول به -

[1] على القول بلزوم التعدي من المرجحات المنصوصة إلى غيرها فما هي حدود التعدي؟ فيه احتمالات ثلاثة:

الأول: التعدي إلى كل مزية توجب الظن الشخصي بصدور الخبر.

الثاني: التعدي إلى المزايا التي توجب الظن النوعي بالصدور.

الثالث: التعدي إلى كل مزية حتى وإن لم توجب الظن بالأقربية إلى الواقع - لا شخصاً ولا نوعاً - .

اختار الشيخ الأعظم(1)

الاحتمال الثاني، وذهب المصنف إلى الاحتمال الثالث، واستدل المصنف على مختاره، بأنّ في المزايا المنصوصة: الأورعية والأفقهيّة، وهما لا يوجبان لا الظن الشخصي ولا الظن النوعي بالصدور. فإن كلاً من الأورعية والأفقهيّة تحتمل ثلاثة معان، أكثرها لا توجب أقربية المضمون إلى الواقع.

أما الأورعية فتحتمل:

1- التورع عن الشبهات كأكل الطعام المشبوه مثلاً.

2- الجد في العبادات كالإتيان بالصلوات المسنونة والنوافل ونحوها.

3- التورع عن المحرمات.

ولا يخفى أن الأولين لا يوجبان لا الظن الشخصي ولا النوعي بأقربية خبر الأورع للواقع.

نعم، الثالث يوجب الأقربية؛ لأن الكذب من المحرمات، وشدة التحرز عنه توجب الظن.

وأما الأفقهية فتحتمل:

ص: 277


1- فرائد الأصول 4: 75.

المزية ولا أقربيته - كبعض صفات الراوي[1]، مثل: الأورعية أو الأفقهية إذا كان موجبهما[2] مما لا يوجب الظن أو الأقربية، كالتورع من الشبهات والجهد في العبادات[3]، وكثرة التتبع في المسائل الفقهية أو المهارة في القواعد الأصولية[4] - فلا وجه للاقتصار على التعدي إلى خصوص ما يوجب الظن[5] أو الأقربية[6]، بل إلى كل مزية ولو لم تكن بموجبة لأحدهما[7]، كما لا يخفى.

----------------------------------

1- الإطلاع على الأشباه والنظائر؛ وذلك بكثرة التتبع في المسائل الفقهية.

2- المهارة في أصول الفقه.

3- الدقة والعمق في المسائل.

ولا يخفى أن الأولين لا يرتبطان بأقربية الخبر إلى الواقع؛ لأن الخبر يرتبط بالنقل والأمانة فيه، ولا يرتبط بكثرة العلم في الفقه أو الأصول.

أما الثالث فقد يرتبط بالأقربية إذا كان نقل الخبر بالمعنى؛ إذ لعل غير الأدق يغفل عن بعض الدقائق في الكلام. نعم، لو كان النقل باللفظ فهذا أيضاً لا يرتبط بالأقربية - كما هو واضح - .

[1] لا يخفى أن الأورعية والأفقهية ليستا من صفات الراوي، بل من صفات القاضي كما في المقبولة، ومن المعلوم أن أورعية وأفقهية القاضي توجبان أقربية حكمه إلى الواقع، لكنه مطلب لا يرتبط ببحثنا.

[2] أي: سبب الأورعية والأفقهية.

[3] وهذان يرتبطان بالأورعية.

[4] وهذان يرتبطان بالأفقهية.

[5] أي: الشخصي.

[6] أي: الظن النوعي الموجب لأقربية المضمون للواقع.

[7] الظن أو الأقربية.

ص: 278

وتوهم[1]: «أن ما يوجب الظن[2] بصدق أحد الخبرين لا يكون بمرجح، بل موجب لسقوط الآخر عن الحجية، للظن بكذبه حينئذٍ» فاسدٌ[3]، فإن الظن بالكذب لا يضر بحجية ما اعتبر من باب الظن نوعاً[4]،

----------------------------------

مختار الشيخ الأعظم والإشكال عليه

[1] اختار الشيخ الأعظم(1)

التعدي من المرجحات المنصوصة إلى كل مرجح يوجب الظن النوعي بالصدور - لا الظن الشخصي - .

واستدل لذلك: بأنه لو حصل الظن الشخصي بصدور أحدهما فلابد من حصول الظن الشخصي بكذب الآخر، ومع الظن بالكذب لا يكون الخبر حجة أصلاً، بل يسقط عن الحجية رأساً؛ لأن أدلة الحجية لا تشمله. وحينئذٍ فلا يكون الظن الشخصي مرجحاً، بل يكون من تمييز الحجية عن اللاحجة.

[2] أي: الشخصي، «حينئذٍ» أي: حين الظن بصدق معارضه. والحاصل: إن هناك تلازماً بين الظن الشخصي بصدق أحدهما مع الظن الشخصي بكذب الآخر.

[3] حاصل الإشكال:

أولاً: إن الظن الشخصي بالكذب لا يسقط الخبر عن الحجية، بل المُسقط هو الظن النوعي بالكذب.

وثانياً: لا تلازم بين الظن الشخصي بصدق أحدهما مع الظن الشخصي بكذب الآخر؛ وذلك لإمكان الظن الشخصي بصدور كليهما، ولكن مع عدم إرادة الظاهر في أحدهما أو في كليهما، أو صدور أحدهما تقية.

[4] أي: كلّما كان حجة لأنه يورث الظن النوعي، فلا يضر بحجيته عدم الظن الشخصي، نظير بناء العقلاء على قبول شهادة الثقة في المحاكم، فهو حجة عندهم من باب إفادته الظن نوعاً، فلا يسقطون شهادة الثقة عن الحجية في واقعه إذا لم

ص: 279


1- فرائد الأصول 4: 116 - 117.

وإنما يضر[1] في ما أخذ في اعتباره عدم الظن بخلافه، ولم يؤخذ[2] في اعتبار الأخبار صدوراً ولا ظهوراً ولا جهة ذلك. هذا.

مضافاً[3] إلى اختصاص حصول الظن بالكذب بما إذا علم بكذب أحدهما صدوراً[4]، وإلاّ فلا يوجب الظن بصدور أحدهما[5]، لإمكان صدورهما مع عدم إرادة الظهور في أحدهما أو فيهما أو إرادته تقية، كما لا يخفى.

نعم[6]،

----------------------------------

يحصل الظن للقاضي من شهادته.

[1] أي: نعم، لو دل الدليل على حجية شيء بشرط عدم حصول الظن الشخصي بخلافه سقط عن الحجية، ولكن لا نجد في الأدلة الشرعية مورداً لذلك، «يضر» أي: يضر الظن الشخصي، «في ما» في دليل، «اعتباره» الضمير للموصول، «عدم الظن» الشخصي.

[2] أي: لا نجد في الأدلة هذا الشرط، لا في أدلة الصدور ولا في الظهور ولا في الجهة، «ذلك» أي: عدم الظن الشخصي بالخلاف.

[3] إشارة إلى الإشكال الثاني.

[4] أي: مع وجود علم إجمالي بكذب أحدهما - بأن لم يكن صادراً عن المعصوم وإنما نسب إليه كذباً - ولكن لا علم إجمالي بهذه الصورة في غالب الأخبار المتعارضة، «وإلاّ» أي: إن لم يكن علم إجمالي بكذب أحدهما صدوراً.

[5] ومفعول «لا يوجب» الظن بكذب الآخر.

دليل رابع على التعدي

[6] هذا هو دليل رابع للتعدي من المرجحات المنصوصة إلى غيرها، وكان الأولى تقديمه، وذكره في ذيل الأدلة الثلاثة التي أقامها الشيخ الأعظم على التعدي.

وحاصله: إن قاعدة لزوم التمسك بأقوى الدليلين تجري هنا، حيث إن ما له

ص: 280

لو كان وجه التعدي[1] اندراج ذي المزية في أقوى الدليلين لوجب الاقتصار على ما يوجب القوة في دليليته[2] وفي جهة إثباته وطريقيته، من دون التعدي إلى ما لا يوجب ذلك[3]، وإن كان موجباً لقوة مضمون ذيه[4] ثبوتاً، كالشهرة الفتوائية أو الأولوية الظنية ونحوهما[5]، فإن المنساق[6] من قاعدة «أقوى الدليلين» أو المتيقن منها

----------------------------------

المزية أقوى من الفاقد لها.

لكن القدر المتيقن أو المنصرف من قاعدة أقوى الدليلين إنما هو في ما أوجب قوة السند، بحيث تكون المزية سبباً لقوة صدور الخبر، فلا تجري القاعدة في المزية التي توجب قوة المضمون.

[1] من المرجحات المنصوصة إلى غيرها، «ذي المزية» أي: الخبر الواجد للمزية غير المنصوصة، والمراد كونه أحد مصاديق قاعدة (أقوى الدليلين).

[2] أي: في السند، قوله: «وفي جهة إثباته» عطف تفسيري، أي: إثبات الخبر وأنه صادر عن المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وكذا قوله: «وطريقيته» عطف تفسيري.

[3] أي: ما لا يوجب قوة الدليليّة.

[4] أي: ذي المزية، وقوة المضمون هو أقربيته إلى الواقع، وأنه حكم الله الواقعي. فإن قوة المضمون لا توجب قوة السند، مثلاً: إذا كانت شهرة فتوائية في حكم من الأحكام، وكان هناك خبر مطابق للشهرة وآخر معارض لها، فإن هذه الشهرة لا توجب قوة السند، وإنما توجب قوة المضمون، أي: الظن القوي بأن هذا المضمون هو الحكم الواقعي.

ولا يخفى أن الشهرة الفتوائية ليست من المرجحات المنصوصة، بل المنصوص هو الشهرة الروائية - أي: وجود الرواية في مختلف الكتب مثلاً - .

[5] مثل: الإجماع المنقول.

[6] أي: بالانصراف.

ص: 281

إنما هو الأقوى دلالة[1]، كما لا يخفى، فافهم[2].

فصل: قد عرفت سابقاً[3] أنه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي، ولا يعمها[4] ما يقتضيه الأصل في المتعارضين من سقوط أحدهما رأساً، وسقوط كل

----------------------------------

[1] مراد المصنف (الأقوى دليلية) أي: سنداً وصدوراً، وفي العبارة مسامحة واضحة.

[2] لعله إشارة إلى أن دليل قاعدة (لزوم العمل بأقوى الدليلين) هو الإجماع المنقول، ولم يثبت هذا الإجماع.

أو أن القاعدة عامة، فكل ما أوجب قوة الدليل - سواء كان في الصدور أم الظهور أم الجهة - يكون سبباً للاندراج في القاعدة، ولا وجه لدعوى الانصراف؛ إذ دليل القاعدة ليس لفظاً حتى يقال بانصرافه، بل الدليل هو الإجماع، كما لا وجه لادعاء القدر المتيقن؛ إذ المفيد هو القدر المتيقن في مقام التخاطب - كما سيأتي في الفصل اللاحق - وهنا لا تخاطب، فتأمل.

فصل التخيير والترجيح في موارد الجمع العرفي

اشارة

[3] قال في أول فصول التعارض: (وعليه فلا تعارض... أو كانا على نحو إذا عرضا على العرف وفّق بينهما بالتصرف في خصوص أحدهما).

والحاصل: إن مقتضى الأصل الأوّلي - وهو التساقط - لا يجري في موارد الجمع العرفي، كما لو كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً؛ وذلك لأن التساقط فرع التنافي، ولا تنافي مع إمكان الجمع العرفي.

[4] أي: لا يعمّ موارد الجمع العرفي، «الأصل» أي: الأوّلي، «سقوط أحدهما» لا على التعيين حيث يعلم بكذب أحدهما.

ص: 282

منهما[1] في خصوص مضمونه كما إذا لم يكونا في البين؛ فهل[2] التخيير أو الترجيح يختص أيضاً بغير مواردها[3] أو يعمها؟ قولان:

أولهما المشهور(1).

وقصارى ما يقال في وجهه: إن الظاهر[4] من الأخبار العلاجية - سؤالاً وجواباً - هو التخيير أو الترجيح في موارد التحيّر مما لا يكاد يستفاد المراد[5]

----------------------------------

[1] أي: كليهما، فكل واحد منها لا حجية له في مدلوله المطابقي. نعم، المدلول الالتزامي لهما - وهو نفي الثالث - يكون حجة، كما مرّ تفصيله.

[2] أي: مقتضى القاعدة الثانوية في المتعارضين التي دلت عليها الأخبار هل تجري في موارد الجمع العرفي أم لا تجري؟

ومقتضى الأخبار هو التخيير كما ذهب إليه المصنف، والترجيح على مبنى المشهور.

[3] موارد الجمع العرفي، أم أن تلك الأخبار تشمل حتى موارد الجمع العرفي، فلابد من إعمالها في العام والخاص - مثلاً - .

وقد ذكر المصنف ثلاثة أدلة على عدم شمول الأخبار العلاجية لموارد الجمع العرفي.

الدليل الأول

[4] هذا هو الدليل الأول، وحاصله: إن الأخبار العلاجية منصرفة إلى موارد التحيّر، بحيث يبقى أبناء المحاورة على حيرة في الخبرين، ومن المعلوم أنه لا تحيّر لهم مع الجمع العرفي. والحاصل: إنه لا نرتاب في أن الأخبار العلاجية - في أسئلتها وأجوبة المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ - ظاهرة في حالة التحيّر.

[5] أي: لا يُعرف الحكم بسبب التعارض الحاصل بين الخبرين.

ص: 283


1- فرائد الأصول 4: 82.

هناك عرفاً، لا في ما يستفاد[1] ولو بالتوفيق، فإنه[2] من أنحاء طرق الاستفادة عند أبناء المحاورة.

ويشكل[3]: بأن مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجه وثيق لا يوجب اختصاص[4] السؤالات بغير موارد الجمع، لصحة السؤال[5]

----------------------------------

[1] أي: لا ظهور في الأخبار العلاجية في شمولها للموارد التي يعرف فيها الحكم - ولو بعد التوفيق بين الخبرين عرفاً - .

[2] هذا دليل على استفادة المراد، والمعنى: فإن التوفيق هي طريقة عليها بناء العقلاء في فهم المرادات الجدية.

[3] حاصل الإشكال: إنه حتى مع الجمع العرفي فإنه يمكن تصور بقاء التحيّر من وجوه ثلاثة، وحينئذٍ الأخبار العلاجية تعمّ موارد الجمع العرفي؛ وذلك لبقاء التحيّر.

1- التحيّر البدوي: إذ قبل التأمل والجمع العرفي فإن الإنسان متحيّر في المراد من الخبرين.

2- التحيّر في الحكم الواقعي: فإن مدلول الخبرين بعد الجمع إنما هو حكم ظاهري.

3- التحيّر في ردع الشارع عن طريقة أبناء المحاورة: حيث يحتمل أن الشارع لا يرتضي طريقتهم.

فتحصّل: أن التحير باقٍ حتى مع الجمع العرفي، فتشمله الأخبار العلاجية الواردة لدفع تحيّر المتحيّر.

وفيه نظر واضح، فراجع المفصلات.

[4] أي: لا يوجب انصراف الأسئلة في الأخبار العلاجية لغير موارد إمكان الجمع العرفي.

[5] إشارة إلى الوجه الأول للتحيّر، «في الحال» أي: بدواً وقبل الجمع العرفي.

ص: 284

بملاحظة التحير في الحال، لأجل ما يتراءى من المعارضة، وإن كان يزول عرفاً بحسب المآل، أو للتحير[1] في الحكم واقعاً وإن لم يتحير فيه ظاهراً، وهو[2] كافٍ في صحته قطعاً؛ مع إمكان[3] أن يكون لاحتمال الردع[4] شرعاً عن هذه الطريقة المتعارفة بين أبناء المحاورة؛ وجل[5] العناوين المأخوذة في الأسئلة - لو لا كلها - تعمها، كما لا يخفى.

ودعوى[6]:

----------------------------------

[1] إشارة إلى الوجه الثاني للتحيّر، «فيه» في الحكم.

[2] أي: التحيّر في الحكم الواقعي، والمعنى: إنه يصح السؤال بأنّي متحيّر في الحكم الواقعي فماذا أصنع؟ ومقصود المصنف منع الانصراف؛ لأن السؤال وجيه؛ لأنه متحير في الحكم الواقعي.

[3] إشارة إلى الوجه الثالث للتحيّر، «يكون» سؤال الراوي.

[4] أي: احتمال السائل بأن تكون طريقة أبناء المحاورة منهيّاً عنها شرعاً، فهو متحيّر في ذلك؛ ولذا سأل عن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[5] المقصود أن الأسئلة والأجوبة مطلقة بحيث تشمل موارد الجمع العرفي، ومع هذه الاحتمالات لا انصراف، فلابد من التمسك بالإطلاق!! «تعمّها» أي: موارد الجمع العرفي.

الدليل الثاني

[6] بعد أن تبيّن الإشكال في الانصراف يذكر المصنف الدليل الثاني والإشكال عليه.

وحاصل الدليل: هو الادعاء بأن الإطلاق - في الأسئلة والأجوبة في الأخبار العلاجية - غير منعقد؛ لوجود القدر المتيقن، وقد مرّ أن من مقدمات الحكمة هو عدم وجود القدر المتيقن.

ص: 285

«أن المتيقن منها غيرها[1]» مجازفة، غايته[2] أنه كان كذلك خارجاً، لا بحسب مقام التخاطب.

وبذلك[3] ينقدح وجه القول الثاني.

اللهم إلاّ أن يقال[4]: إن التوفيق في مثل الخاص والعام والمقيد والمطلق كان

----------------------------------

وحاصل الإشكال: إ ن القدر المتيقن المانع عن انعقاد الإطلاق هو القدر المتيقن في مقام الخطاب واللفظ، لا القدر المتيقن في الوجود الخارجي، وإلاّ فكل مطلق له أفراد خارجية متيقنة بأنها من مصاديقه.

[1] «منها» من الأسئلة في الأدلة العلاجية، «غيرها» غير موارد الجمع العرفي.

[2] أي: غاية الأمر، «أنه» للشأن، «كان» المتيقن، «كذلك» أي: متيقناً منها، «خارجاً» في وجوده الخارجي، وهذا لا يفيد في منع انعقاد الإطلاق.

[3] أي: بالإشكال على الدليل الأول اتضح دليل القائل بجريان الأخبار العلاجية حتى في موارد إمكان الجمع العرفي، وحاصل دليله: هو إطلاق الأخبار العلاجية مع عدم وجود انصراف ولا قدر متيقن مانع عن الإطلاق.

الدليل الثالث

[4] وهذا هو الدليل الثالث - لعدم شمول الأخبار العلاجية لموارد الجمع العرفي - .

وحاصله: إن السيرة القطعية قائمة على التوفيق العرفي مع عدم إعمال المرجحات أو التخيير، وهذه السيرة تدل على أحد أمور ثلاثة:

1- إما وجود مخصِّص للأخبار العلاجيّة، وإن كنّا لا نعلم بذلك المخصص تفصيلاً، ولكن نعلم بأن سيرة العلماء لا تكون من غير مستند، فلابد من وجود مخصص.

2- وإما نفس السيرة قرينة متصلة بالسؤال والجواب في الأخبار العلاجيّة، فهي تمنع من انعقاد ظهور هذه الأخبار في العموم.

ص: 286

عليه السيرة القطعية[1] من لدن زمان الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، وهي كاشفة إجمالاً[2] عما يوجب تخصيص أخبار العلاج بغير موارد التوفيق العرفي، لو لا[3] دعوى اختصاصها به وأنها سؤالاً وجواباً بصدد الاستعلاج والعلاج في موارد التحير[4] والاحتياج، أو دعوى[5] الإجمال وتساوي احتمال العموم مع احتمال الاختصاص. ولا ينافيها[6]

----------------------------------

3- وإما القول بأن وجود هذه السيرة يوجب إجمال الأخبار العلاجيّة، فلا يثبت بهذه الأخبار ردع عن هذه السيرة.

[1] سيرة العقلاء، وسيرة العلماء.

[2] هذا الأمر الأول، «هي» هذه السيرة، «إجمالاً» أي: بدون معرفتنا بذلك المخصص بالتفصيل.

[3] إشارة إلى الأمر الثاني، «اختصاصها» أي: أخبار العلاج، «به» أي: بغير موارد التوفيق العرفي، «أنها» أن أخبار العلاج، «الاستعلاج» في الأسئلة، أي: طلب طريقة لرفع التعارض، «والعلاج» في أجوبة الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[4] الأفضل تغيير «التحيّر» إلى (في موارد التعارض) كي لا يرد على هذا الجواب ما أورده المصنف على الجواب الأول من إمكان فرض التحير بثلاثة أنحاء - فراجع - .

[5] إشارة إلى الأمر الثالث، وقوله: «وتساوي...» عطف تفسيري على «الإجمال»، «احتمال العموم» أي: عموم الأخبار العلاجية لموارد الجمع العرفي، «الاختصاص» أي: الاختصاص بغير موارد الجمع العرفي.

[6] أي: لا ينافي دعوى الإجمال، وهذا دفع توهم، وحاصل التوهم هو: كيف تصورتم (الإجمال) مع أن صحة السؤال عن كيفية العلاج - حتى في موارد الجمع العرفي - دليل على عدم الإجمال، بل دليل على عموم الأخبار العلاجيّة؟ كما ذكرتم نظير هذا في الإشكال على الجواب الأول، حيث قال المصنف: (لصحة السؤال

ص: 287

مجرد صحة السؤال لما لا ينافي العموم[1] ما لم يكن هناك ظهور أنه لذلك، فلم يثبت بأخبار العلاج ردع عما هو عليه بناء العقلاء[2] وسيرة العلماء من التوفيق وحمل الظاهر على الأظهر والتصرف[3] في ما[4] يكون صدورهما قرينة عليه، فتأمل[5].

----------------------------------

بملاحظة التحير في الحال).

والجواب: بالفرق بين الموردين، فهناك كنا بصدد بيان إمكان التحيّر حتى مع التوفيق العرفي، وهنا نقول: إن مجرد صحة السؤال لا يرفع الإجمال، بل لابد في رفع الإجمال من تحقق الظهور، مع أنه بوجود السيرة القطعية لا ظهور للأخبار العلاجية في العموم.

وفي بعض النسخ (لا ينافيهما) أي: دعوى الاختصاص ودعوى الإجمال.

[1] أي: السؤال عمّا لا ينافي العموم، والمعنى: إن الأسئلة يمكن أن يراد بها العموم حتى لموارد الجمع العرفي، «هناك» في الأخبار العلاجية - سؤالاً وجواباً - «أنه» أن السؤال، «لذلك» للعموم.

[2] أي: لا ردع عن التوفيق العرفي الذي هو بناء العقلاء وسيرة العلماء.

[3] عطف تفسيري لبيان التوفيق العرفي، وكذا قوله: «وحمل...» أيضاً عطف تفسيري.

[4] أي: كيفية التصرف ترتبط بنفس الدليلين، فإما تصرف في أحدهما أو في كليهما.

ومعنى العبارة: «والتصرف» بالجمع «في ما» أي: في أحدهما أو كليهما الذي «يكون صدورهما»، أي: مع القطع بأنهما صادران عن المعصوم، أو قيام الدليل المعتبر على صدورهما، «قرينة عليه» ضمير عليه راجع إلى الموصول، أي: (ما).

[5] لعله إشارة إلى أن حجيّة السيرة تتوقف على إثبات عدم الردع ولا يكفي مجرد عدم الثبوت.

ص: 288

فصل: قد عرفت حكم تعارض الظاهر والأظهر وحمل[1] الأول على الآخر، فلا إشكال في ما إذا ظهر أن أيهما ظاهر وأيهما أظهر.

وقد ذكر في ما اشتبه الحال لتمييز ذلك[2] ما لا عبرة به أصلاً. فلا بأس بالإشارة إلى جملة منها وبيان ضعفها:

منها[3]: ما قيل(1)

في ترجيح ظهور العموم على الإطلاق وتقديم التقييد على

----------------------------------

فصل في اشتباه الظاهر مع الأظهر

اشارة

3المقصد الثامن في تعارض الأدلة والأمارات، فصل في اشتباه الظاهر مع الأظهر

[1] أي: ولزوم حمل الظاهر على الأظهر؛ وذلك بالتصرف في الظاهر.

[2] أي: لتمييز الظاهر عن الأظهر.

1- ترجيح العموم على الإطلاق

[3] وحاصله: إنه لو دار الأمر بين عام ومطلق، كما لو قال: (أكرم العالم)، وقال: (لا تكرم الفسّاق)، ففي العالم الفاسق هل الأظهر هو العام أو ليس هناك أظهر في البين؟

فقد ذهب الشيخ الأعظم(2)

إلى ترجيح العام لأنه أظهر، لدليلين:

الدليل الأول: إن دلالة العام على العموم هي بالوضع فلا نحتاج إلى مقدمات لإثبات العموم، بخلاف دلالة المطلق على الإطلاق؛ إذ هي متوقفة على مقدمات الحكمة، التي هي كون المولى في مقام البيان، وأن لا ينصب قرينة على الخلاف، وأن لا يوجد قدر متيقن.

فمع اجتماع العام والمطلق تختل المقدمة الثانية للإطلاق؛ وذلك لأن العام يكون بياناً، فهو قرينة على خلاف الإطلاق.

ص: 289


1- فرائد الأصول 4: 97 - 98.
2- فرائد الأصول 4: 97 - 98.

التخصيص[1]

- في ما دار الأمر بينهما - من[2] «كون ظهور العام في العموم تنجيزياً، بخلاف ظهور المطلق في الإطلاق، فإنه معلق[3] على عدم البيان، والعام يصلح بياناً، فتقديم العام حينئذٍ[4] لعدم تمامية مقتضى الإطلاق معه، بخلاف العكس[5]، فإنه موجب لتخصيصه بلا وجه[6]

----------------------------------

إن قلت: لماذا لا تقولون: إنّ المطلق يُخصص العام، ف(أكرم العالم) يكون مخصصاً ل- (لا تكرم الفساق)؟

قلت: المخصص إما نفس المطلق أو غيره.

فإن كان غيره، فنتسائل ونقول: ما هو؟ حيث لا نعلم مخصصاً لهذا العام.

وإن كان المخصص نفس المطلق لزم الدور؛ وذلك لأن إطلاق المطلق متوقف على تخصيصه للعام، وإلاّ كان العام بياناً ومانعاً عن انعقاد الإطلاق. وتخصيصه للعام متوقف على إطلاقه؛ إذ لو لم يكن مطلقاً لما خصّص العام!!

الدليل الثاني: إن التقييد أكثر من التخصيص.

[1] ففي المثال: يُقيّد (أكرم العالم) بكونه غير فاسق، ويبقى عموم (لا تكرم الفساق) سليماً عن التخصيص.

[2] هذا هو الدليل الأول، و«من» بيان ل- (ما قيل)، «تنجيزياً» أي: غير متوقف على مقدمات، حيث إنه بالوضع.

[3] أي: متوقف على مقدمات الحكمة، والتي منها: (أن لا ينصب قرينة على الخلاف) وبعبارة أخرى: عدم بيان أنه لا يريد الإطلاق.

[4] أي: حين دوران الأمر بين العام والمطلق، «مقتضى الإطلاق» وهو مقدمات الحكمة، «معه» أي: مع العام.

[5] أي: تقديم المطلق، «فإنه» أي: فإن العكس، «لتخصيصه» أي: تخصيص العام.

[6] إن كان المخصص غير المطلق.

ص: 290

إلاّ على نحو دائر[1]»؛ ومن[2] «أن التقييد أغلب من التخصيص».

وفيه[3]: إن عدم البيان الذي هو جزء المقتضي في مقدمات الحكمة إنما هو عدم البيان في مقام التخاطب[4]، لا إلى الأبد؛ وأغلبية[5] التقييد مع كثرة التخصيص - بمثابة قد قيل: «ما من عام إلاّ وقد خص» - غير مفيد؛ فلابد[6] في كل قضية من ملاحظة خصوصياتها الموجبة لأظهرية أحدهما من الآخر، فتدبر.

----------------------------------

[1] إن كان المخصص نفس المطلق.

[2] هذا هو الدليل الثاني.

[3] حاصل الإشكال: أما على الدليل الأول فهو: إن مقدمات الحكمة تامة في المطلق، ولا يصلح العام لأن يكون بياناً حتى تختلّ المقدمة الثانية؛ وذلك لأن (عدم وجود قرينة على الخلاف) يراد به عدم وجودها في مقام التخاطب، فإذا كمل كلام المتكلم ولم ينصب قرينة على الخلاف فقد انعقد الإطلاق، والقرينة بعد ذلك لا تضرّ بالإطلاق، بل تقيّده. وفرق واضح بين عدم انعقاد الإطلاق أصلاً، وبين انعقاده ثم تقييده.

وعليه، فإن العام المنفصل عن المطلق لا يكون قرينة على عدم إرادة الإطلاق. إذن قد انعقد الإطلاق بتمامية مقدمات الحكمة، كما انعقد العموم بالوضع فيتعارضان.

[4] أي: حين الكلام والسؤال والجواب.

[5] هذا إشكال على الدليل الثاني، وحاصله: إن التخصيص أيضاً كثير جداً، فأغلبية التقييد لا توجب ضعف ظهوره مقابل ظهور العام.

[6] هذه نتيجة ما سبق، أي: حيث لم تثبت أظهرية العام على المطلق فلابد من ملاحظة كل مورد من موارد تعارضهما بالخصوص، فإن كان أحدهما أظهر لزم تقديمه، وإلاّ وصلت النوبة إلى التخيير أو الترجيح.

ص: 291

ومنها[1]: ما قيل(1)

في ما إذا دار بين التخصيص والنسخ[2] - كما إذا ورد عام

----------------------------------

2- ترجيح التخصيص على النسخ

اشارة

[1] حاصله: إنه إذا دار الأمر بين التخصيص والنسخ فلابد من ترجيح التخصيص على النسخ؛ لأن التخصيص أكثر؛ وذلك يوجب أظهرية الكلام فيه.

ولابد أولاً من تصوير دوران الأمر بينهما، فنقول: يمكن تصوير الدوران بأحد نحوين:

الأول: إذا ورد خاص وحضر وقت العمل به ثم صدر عامٌ، كما لو قال: (لا تكرم زيداً العالم) فترك العبد إكرامه مدة، ثم قال: (أكرم العلماء)، فهل (لا تكرم...) خاص بحيث يخصص الأمر في (أكرم العلماء)، أم إن (أكرم العلماء) ناسخ ل- (لا تكرم زيداً العالم)؟

والثمرة هي أنه على النسخ يجب إكرام زيد، وعلى التخصيص لا يجوز إكرامه.

الثاني: إذا ورد عام وحضر وقت العمل به ثم صدر خاص، كما لو قال: (أكرم العلماء) فأكرمهم لفترة، ثم قال: (لا تكرم زيداً)، فهل هو ناسخ أم هو خاص؟

وتظهر الثمرة في الفترة المتخلّلة بين القولين، فعلى النسخ: كان يجب إكرام زيد في تلك الفترة، فلو ترك إكرامه كان عاصياً، ووجب عليه القضاء في بعض الصور، وعلى التخصيص: نكتشف عدم وجوب إكرامه في تلك الفترة - إذ الخاص يُبيّن عدم الإرادة الجدية في العام من الأوّل - فلو ترك إكرامه في تلك الفترة كان متجرياً ولا قضاء عليه.

[2] سواء كان الدوران في دليلين، كما في النحو الأول، أم كان في دليل واحد، كما في النحو الثاني.

ص: 292


1- فرائد الأصول 4: 93 - 94.

بعد حضور وقت العمل بالخاص[1]، حيث يدور بين أن يكون الخاص مخصصاً، أو يكون العام ناسخاً؛ أو ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام، حيث يدور بين أن يكون الخاص مخصصاً للعام أو ناسخاً له[2] ورافعاً[3] لاستمراره ودوامه - في[4] وجه تقديم التخصيص على النسخ: «من غلبة التخصيص وندرة النسخ[5]».

ولا يخفى[6]: أن دلالة الخاص أو العام على الاستمرار والدوام إنما هو بالإطلاق،

----------------------------------

[1] قوله: «بعد حضور وقت العمل» لأنه أدعي الاتفاق على أن النسخ لا يكون إلاّ بعد حضور وقت العمل، وقد اختلف في لزوم نفس العمل بعد حضور وقته.

أما قبل حضور وقت العمل فلا نسخ أصلاً، بل ينحصر الأمر في التخصيص، سواء كان العام سابقاً على الخاص أم العكس.

[2] أي: وبين أن يكون الخاص ناسخاً للعام.

[3] عطف تفسيري لبيان كيفية نسخ الخاص المتأخر للعام المتقدّم، وضميرا «لاستمراره» و«دوامه» يرجعان إلى العام.

[4] «في» يتعلق ب- (ما قيل...).

[5] وحاصله: إن للعام ظهورين:

الأول: ظهور في الاستمرار زماناً، فلا نسخ - إذ النسخ هو عدم استمرار زمان الحكم - .

الثاني: ظهور في الشمول لجميع الأفراد، فلا تخصيص - إذ هو خروج بعض الأفراد عن الحكم - .

وأغلبية التخصيص توجب ضعف الظهور الثاني، وقوة الظهور الأول.

الإشكال على الدليل

[6] حاصله إشكالان على الشيخ الأعظم:

الإشكال الأول - وهو نقضيّ - وحاصله: إن الشيخ الأعظم ذهب إلى تقديم

ص: 293

لا بالوضع[1]؛ فعلى الوجه العقلي[2] في تقديم التقييد على التخصيص، كان اللازم في هذا الدوران تقديم النسخ على التخصيص[3] أيضاً. وأن غلبة[4] التخصيص إنما توجب أقوائية ظهور الكلام في الاستمرار والدوام من ظهور العام في العموم إذا

----------------------------------

العموم على الإطلاق، بأن العموم أظهر من الإطلاق بتفصيل مرّ قبل قليل.

فعلى ذلك المبنى لابد من ترجيح النسخ على التخصيص؛ وذلك لأن للعام ظهورين، ظهوراً في العموم الأفرادي، وظهوراً في الإطلاق الأزماني - بمعنى استمرار الحكم في كل الأزمان - .

فعليه: لابدّ من ترجيح الظهور الأفرادي على الظهور الأزماني؛ وذلك لعدم التخصيص؛ لأن التخصيص ينافي العموم الأفرادي، عكس النسخ الذي ينافي الظهور الأزماني، الذي هو يستفاد من الإطلاق، فالنتيجة هي تقديم النسخ على التخصيص، وهكذا الأمر بالنسبة للخاص، حيث إن له ظهورين - أفرادي وأزماني - .

الإشكال الثاني - وهو حلّيّ - وحاصله: إن الغلبة لا عبرة بها إذا لم توجب أقوائية الظهور.

[1] وأما دلالتهما على الشمول لأفرادها فهي بالوضع.

[2] من أن ظهور العام تنجيزي، وظهور المطلق تعليقي إلى آخر ما مرّ ذكره.

[3] إذ مع النسخ يُحفظ العموم الأفرادي ويختلّ الإطلاق الأزماني، فلابد من ترجيح العموم.

[4] بيان للإشكال الثاني، وحاصله: إن الغلبة قد لا توجب الأظهرية، بل لابد من ارتكازها في أذهان العرف، بحيث يرونها قرينة متصلة بالكلام موجبة لقوة الظهور.

ولكنّ من أين نعلم بهذا الارتكاز، مع غفلة العرف عن موضوع النسخ عادة؟ فتأمّل.

ص: 294

كانت مرتكزة في أذهان أهل المحاورة بمثابة تعد من القرائن المكتنفة بالكلام، وإلاّ[1] فهي وإن كانت مفيدة للظن بالتخصيص، إلاّ أنها غير موجبة لها، كما لا يخفى.

ثم[2] إنه بناءً على اعتبار عدم حضور[3] وقت العمل في التخصيص - لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة - يشكل الأمر[4] في تخصيص الكتاب أو السنة

----------------------------------

[1] أي: إن لم تكن مرتكزة في الأذهان، ولم تُعدّ من القرائن المكتنفة بالكلام، «فهي» أي: الغلبة، «أنها» أن الغلبة، «لها» للأقوائية؛ وذلك لأن هذا الظن لا دليل على اعتباره.

تخصيص الكتاب والسنة بأقوال الأئمة^

[2] حاصله: إن عمومات الكتاب العزيز، وسنة الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قد خصصت بأقوال الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ في موارد لا تحصى كثرة، وقد يشكل ذلك سواء قلنا بالتخصيص أم بالنسخ.

أما على التخصيص: فإن السنوات الطوال بين نزول أو صدور العام وبين التخصيص هي سنوات وقت العمل بالعام، فكيف تَمّ تأخير البيان عن وقت الحاجة، مع وضوح عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة؟

وأما على النسخ: فأولاً: يشكل النسخ بعد إكمال الدين ورحيل الرسول الكريم صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

وثانياً: على فرض جوازه، فإن اعتبار هذه التخصيصات - وهي كثيرة جداً - من النسخ قول ضعيف؛ لوضوح قلة النسخ جداً حتى في زمان الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

[3] أي: لابد من صدور الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام، لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ وذلك بعمل الناس طبقاً للعام وتركهم الخاص لعدم بيانه، وهذا قبيح.

[4] سواء قلنا بالتخصيص أم قلنا بالنسخ، «أو السنة» المراد سنة رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

ص: 295

بالخصوصات الصادرة عن الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، فإنها صادرة بعد حضور وقت العمل بعموماتهما[1]. وإلتزام نسخهما بها[2] - ولو قيل[3] بجواز نسخهما بالرواية عنهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ - كما ترى[4].

فلا محيص في حله[5]

----------------------------------

[1] عمومات الكتاب والسنة.

[2] إشارة إلى ورود الإشكال حتى على القول بالنسخ من جهة أخرى - غير تأخير البيان عن وقت الحاجة - «نسخهما» الكتاب والسنة، «بها» بالخصوصات الصادرة عن الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

[3] إشارة إلى الإشكال الأول.

لكن يمكن دفعه، بأن للأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ حق التشريع، وهذا لا ينافي كمال الدين؛ إذ كماله بمعنى نصب من يمكنه التشريع بإذن الله تعالى.

[4] إشارة إلى الإشكال الثاني، وحاصله: إن الخصوصات كثيرة جداً بحيث لا تحصى كثرة، ولا يمكن الالتزام بهذا الكم الهائل من النسخ.

[5] دفع الإشكال، وحاصله: إمكان ذلك سواء قلنا بالتخصيص أو النسخ.

أما على التخصيص: فلجواز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ وذلك لمصلحة أهم - كتدرج الأحكام - .

فيقال: إنّ الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قد أودع جميع تلك الخصوصات عند أمير المؤمنين والأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، وهم يبيّنوها بالتدريج وطبقاً للمصلحة.

ولعل الجواب الأصح أن يقال: إن رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قد بيّنها جميعاً، ولكن لم تصلنا عنه صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لمنع تدوين الحديث، وإحراقه بواسطة حكام الجور، وقتلهم وتشريدهم للثقات من الأصحاب، ثم بينها الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ ووصلتنا عن طريقهم.

والذي يدل على هذا أن بعض الأحكام وصلتنا بنفسها ومكرراً عن عدة من

ص: 296

من أن يقال: إن اعتبار ذلك[1] حيث كان لأجل قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة - وكان من الواضح[2] أن ذلك في ما إذا لم يكن هناك[3] مصلحة في إخفاء الخصوصات أو مفسدة في إبدائها، كإخفاء[4] غير واحد من التكاليف في الصدر الأول - لم يكن[5] بأس بتخصيص عموماتهما بها[6]، واستكشاف[7] أن موردها كان خارجاً[8]

----------------------------------

الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، يذكر اللاحق ذلك الحكم تأكيداً لحكم السابق وبياناً لمن عاصره، ولم يسمع كلام السابقين، عليهم جميعاً الصلاة والسلام.

وأما على النسخ: فبالتزام نسخ الحكم الظاهري دون الحكم الواقعي.

[1] أي: اعتبار عدم حضور وقت العمل في التخصيص.

[2] أي: التأخير عن وقت الحاجة ليس علّة تامة للقبح، بل هو مقتضٍ للقبح، ويمكن أن يمنع عن هذا المقتضي مانع، «ذلك» أي: القبح.

[3] أي: لم يكن مانع سواء كان هذا المانع هو المصلحة في الإخفاء، أم كان مفسدة في الإبداء، «إبدائها» أي: الخصوصات.

[4] هذا تنظير لبيان أنه قد تكون مصلحة في التأخير أو مفسدة في الإبداء.

والمراد من (الإخفاء): عدم البيان، مثلاً: الخمر كانت محرمة في جميع الشرائع، ولكن لم يبيّن الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حرمتها في مكة، ولا في أوائل المدينة، بل تمّ البيان بالتدريج - على ما قيل - .

[5] جواب (حيث) في قوله: (حيث كان لأجل قبح... الخ).

[6] عمومات الكتاب والسنة، بالخصوصات الصادرة عن الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ

[7] عطف تفسيري على (بتخصيص) أي: لم يكن بأس باستكشاف... الخ، «موردها» مورد الخصوصات.

[8] من حين صدور العام؛ لأنّ العام لا يشمل الخاص بالإرادة الجِديّة، وإن شمله بالإرادة الاستعمالية.

ص: 297

عن حكم العام واقعاً، وإن كان داخلاً فيه ظاهراً. ولأجله[1] لا بأس بالالتزام بالنسخ بمعنى رفع اليد بها عن ظهور تلك العمومات بإطلاقها[2] في الاستمرار والدوام أيضاً، فتفطن[3].

فصل: لا إشكال في تعيين[4] الأظهر - لو كان في البين - إذا كان التعارض بين الاثنين. وأما إذا كان بين الزائد عليهما[5] فتعيينه ربما لا يخلو عن خفاء.

----------------------------------

[1] أي: يمكن الالتزام بالنسخ، بأن نقول: إنّ الخصوصات الصادرة عنهم ناسخة لعموم الكتاب والسنة، ولكنّه بمعنى نسخ الحكم الظاهري، أي: كان حكماً ظاهرياً بالعموم - مع عدم كونه حكماً واقعياً في مورد الخاص - ثم بالخاص نسخ هذا الحكم الظاهري، «لأجله» أي: لأجل هذا الاستكشاف، «بها» بالخصوصات.

[2] أي: رفع اليد عن إطلاق تلك العمومات في الاستمرار.

[3] لعله إشارة إلى أن هذا لا يسمى نسخاً، وتسميته نسخاً خلاف الاصطلاح؛ إذ النسخ هو بيان انتهاء أمد الحكم الواقعي وليس الظاهري.

فصل في انقلاب النسبة

اشارة

[4] أي: في لزوم التمسك بالأظهر.

[5] كما لو كانت ثلاثة أدلة أو أكثر. وحاصل البحث: إنه إذا وقع تعارض: فقد تكون النسبة مختلفة، وسيأتي البحث عنها في قوله: (وقد ظهر منه حالها...).

وقد تكون النسبة متحدة، وهذه على ثلاثة أنواع:

1- أن تكون النسبة: التساوي - أي: موضوع الأدلة شيء واحد - مثل: (يجب إكرام العلماء) و(يحرم إكرامهم) و(يستحب إكرامهم).

والوظيفة هي الترجيح أو التخيير - على الخلاف السابق - .

2- أن تكون النسبة: العموم من وجه، مثل: (يجب إكرام العلماء) و(يستحب

ص: 298

ولذا[1] وقع بعض الأعلام[2] في اشتباه وخطأ، حيث توهم أنه إذا كان هناك

----------------------------------

إكرام الشعراء) و(يحرم إكرام الفساق).

والوظيفة هي الترجيح أو التخيير - أيضاً - .

3- أن تكون النسبة: العموم المطلق - أي: يكون عام وخاصان - وهذا على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون بين الخاصين عموم مطلق أيضاً. مثل: (أكرم العلماء) و(يحرم إكرام فساقهم) و(يكره إكرام زيد - وهو عالم فاسق - ) . فالوظيفة إخراج الخاصين من غير مشكلة، أي: تخصيص العام بالخاصين، وتخصيص الخاص الأول بالخاص الثاني؛ لأن هذا هو مقتضى الجمع الدلالي.

القسم الثاني: أن يكون بين الخاصين تباين - مع استيعابهما لكل أفراد العام - . مثل: (أكرم العلماء) و(يحرم إكرام فساق العلماء) و(يستحب إكرام عدول العلماء). فلا يمكن تخصيص العام بكلا الخاصين، وإلاّ بقي العام بلا مورد أصلاً، فهنا يحصل تعارض بين الخاصين، فيلزم الترجيح أو التخيير، وكذا إذا استلزم تخصيص الأكثر.

القسم الثالث: أن يكون بين الخاصين عموم من وجه. مثلاً: (أكرم العلماء) و(يحرم إكرام فساقهم) و(يكره إكرام النحويين). وهنا يُخصص العام بالخاصين، ويقع التعارض بين الخاصين في مورد الاجتماع، فالترجيح أو التخيير.

[1] أي: لأجل خفاء التعيين.

كلام المحقق النراقي

كلام المحقق النراقي(1)

[2] إذا ورد عام وخاصان، فإذا لاحظنا العام مع الخاص الأول فإنه يلزم تخصيص ذلك العام بذلك الخاص، ثم إذا لاحظنا العام المخصص مع الخاص الثاني فقد

ص: 299


1- عوائد الأيام: 349.

عام وخصوصات، وقد خصّص ببعضها، كان اللازم ملاحظة النسبة بينه[1] وبين سائر الخصوصات بعد تخصيصه به، فربما تنقلب النسبة إلى عموم وخصوص من وجه، فلابد من رعاية هذه النسبة وتقديم الراجح منه ومنها[2]، أو التخيير بينه وبينها لو لم يكن هناك راجح، لا تقديمها عليه[3]، إلاّ [4] إذا كانت النسبة بعده على حالها.

----------------------------------

تنقلب النسبة، أي: النسبة بين العام المخصص وبين الخاص الثاني قد تصبح العموم من وجه، مثلاً العام: (يجب إكرام العلماء).

الخاص الأول: (إجماع بحرمة إكرام فساقهم).

الخاص الثاني: (يكره إكرام المستأكلين بعلمهم).

فلو خصصنا العام بالخاص الأول صار الحكم: (أكرم العلماء غير الفساق)، والنسبة بين (العلماء غير الفساق) وبين (العلماء المستأكلين) هي نسبة العموم من وجه.

إن قلت: كيف قدّم الخاص الأول على الخاص الثاني مع أنهما في مرتبة واحدة؟

قلت: المفروض أن الخاص الأول لُبّي فهو موجود مع العام أو قبله.

[1] بين العام، «تخصيصه» تخصيص العام، «به» بالبعض - وهو الخاص الأول اللُبّي - وحاصل الجملة: ملاحظة نسبة العام المخصَّص بالخاص الأول مع سائر الخصوصات.

[2] من العام المخصص بالخاص الأول، و«منها» من سائر الخصوصات هذا على القول بالترجيح، «أو التخيير» بناءً على عدم وجود مرجحات، هذا على القول بالترجيح، وإلاّ فالتخيير من الأول.

[3] أي: لابد من رعاية النسبة الجديدة، لا تقديم الخصوصات على العام.

[4] أي: نعم، لو خصصنا العام بالخاص الأول، ثم لاحظنا أن النسبة مع سائر الخصوصات لم تنقلب، وبقيت على حالها من العموم المطلق، فحينئذٍ تقدّم

ص: 300

وفيه[1]: إن النسبة إنما هي بملاحظة الظهورات[2]، وتخصيص العام بمخصص منفصل[3] - ولو كان قطعياً[4] - لا ينثلم به ظهوره، وإن انثلم به حجيته[5]، ولذلك[6]

----------------------------------

الخصوصات على العام؛ وذلك لبقاء النسبة مع كون الخاص المطلق أظهر من العام، ومثاله قد ذكرناه في القسم الأول، فراجع.

[1] حاصله: إن المناط في الألفاظ هو الظهور، وليس المناط هو مراد المتكلّم، والعام ظاهر في العموم حتى بعد تخصيصه. نعم، هو ليس بحجة في الخاص، لكن ذلك لا يخلّ بظهوره في العموم.

وحيث إن الملاك في الألفاظ هو ظهورها فلابد من ملاحظة الظهور حين إجراء النسبة. والعام لا يفقد ظهوره بالتخصيص، فلابد من ملاحظة ذلك العموم مع الدليل الآخر، لا ملاحظة المراد من ذلك العموم.

[2] لأن طريقة العقلاء هي العمل بالظهورات، وكذا من طريقتهم تقديم الأظهر على الظاهر.

[3] أي: منفصل لفظاً. نعم، لو كان المخصص متصلاً لفظاً لم ينعقد ظهور في العموم، كما مرّ في بحث العام والخاص.

[4] أي: مقطوع الصدور؛ وذلك لأن المناط في التقديم هي الدلالة لا السند؛ فلذا يُخصص القرآن بالحديث المعتبر، مع أن القرآن قطعي الصدور، والحديث المعتبر ظني الصدور عادة، وقد مرّ أنه مع إمكان الجمع الدلالي العرفي لا تصل النوبة إلى المرجحات السندية، «به» بالتخصيص، «ظهوره» ظهور العام.

[5] فلا يكون العام حجة في مورد الخاص؛ إذ بالتخصيص يتبيّن أن مورد الخاص لم يكن مراداً من العام، لكن ذلك لا يضرّ بظهوره؛ إذ المراد مرتبط بالإرادة الجدية، والظهور مرتبط بالإرادة الاستعمالية.

[6] أي: لأجل عدم انثلام ظهوره يكون العام... الخ.

ص: 301

يكون بعد التخصيص حجة في الباقي، لأصالة[1] عمومه بالنسبة إليه.

لا يقال[2]: إن العام بعد تخصيصه بالقطعي[3] لا يكون مستعملاً في العموم قطعاً، فكيف يكون ظاهراً فيه.

فإنه يقال[4]: إن المعلوم عدم إرادة العموم، لا عدم استعماله فيه لإفادة[5]

----------------------------------

وهذا دليل بقاء ظهور العام على العموم حتى بعد التخصيص. وحاصله: إن انثلام عموم العام بعد التخصيص يستلزم استعمال العام في غير ما وضع له - وهو العموم - وهذا يوجب المجاز، فيقال: ما هو المراد من العام بعد التخصيص؟ فهل يراد ما تبقّى بعد إخراج الخاص، وهذا أعلى المراتب، أو يراد ما دونه من المراتب؟

لا دليل على أية مرتبة، وهذا يوجب الإجمال في العام المخصص.

ولكن لا يلتزم أحد بذلك، بل يقولون: إن العام حجة في الباقي، وهذا يكشف عن بقاء ظهوره على العموم بحيث شمل جميع الأفراد، لكن خرج عن المراد - وليس عن اللفظ - مقدار الخاص، وقد مرّ تفصيل البحث في بحوث العام والخاص.

[1] هذا أصل لفظي، أي: الأصل اللفظي هو شمول العام لأفراده، «عمومه» أي: عموم العام، «إليه» إلى الباقي.

[2] حاصل الإشكال: إن الظهور فرع الاستعمال، فإذا لم يستعمل لفظ في معنى فلا يكون ظاهراً فيه.

[3] أي: بالخاص القطعي، وذكر القطعي من باب المصداق البارز، وإلاّ فالأمر كذلك مع الخاص الظني المعتبر.

[4] حاصل الجواب: إن العام مستعمل في العموم - بالإرادة الاستعمالية - نعم، هو غير مراد بالإرادة الجدية.

[5] أي: فائدة استعمال العام في العموم حتى بعد تخصيصه هي ضرب القاعدة الكلية، بحيث يدخل في الحكم جميع المصاديق إلاّ المقدار المعلوم التخصيص، فكلّما شككنا في مصداق كان داخلاً في الحكم الكلي، وقوله: «لإفادة» عِلّة المنفيِّ لا

ص: 302

القاعدة الكلية، فيعمل بعمومها ما لم يعلم بتخصيصها، وإلاّ [1] لم يكن وجهٌ[2] في حجيته في تمام الباقي، لجواز استعماله حينئذٍ[3] فيه وفي غيره من المراتب التي يجوز أن ينتهي إليها التخصيص.

وأصالة[4] عدم مخصص آخر لا توجب[5]

----------------------------------

النفي، «بعمومها» أي: بعموم القاعدة الكلية.

[1] أي: إذا لم يكن العام مستعملاً في العموم بعد تخصيصه.

[2] كما ذكرنا أن العام إذا لم يستعمل في العموم يكون مستعملاً في غير ما وضع له، فيكون مجازاً، ومراتب المجاز كثيرة، ولا ترجيح لبعضها على البعض، فينتهي العام إلى الإجمال.

[3] استعمال العام، «حينئذٍ» حين تخصيصه وعدم إرادة العموم منه، «فيه» في تمام الباقي، «التي يجوز...» بأن لا يكون تخصيصاً للأكثر، «إليها» إلى تلك المراتب.

[4] أراد الشيخ الأعظم(1)

تصحيح استعمال العام في تمام الباقي حتى مع عدم استعماله في العموم؛ وذلك بأن يقال: إن مراتب المجاز وإن كانت كثيرة، لكن لابد من حمل العام المخصص على تمام الباقي؛ وذلك لأصالة عدم وجود مخصص آخر.

[5] إشكال على كلام الشيخ الأعظم، حاصله: إن أصالة عدم مخصِّص آخر إنما هي من مقدمات الحكمة، فلابد من تمامية تلك المقدمات حتى يدل العام المخصَّص على تمام الباقي دلالة بالإطلاق - لعدم وضع العام إلاّ للعموم لا لتمام الباقي - فلابد حينئذٍ من إثبات أن الشارع كان في مقام بيان حكمه، وأنه لم ينصب مخصصاً آخر، أي: لم ينصب قرينة على الخلاف، وأنه لا يوجد قدر متيقن، فإذا كملت هذه المقدمات دلّ العام المخصَّص على تمام الباقي.

والمشكلة أنه لا يمكن إثبات هذه المقدمات في كل مورد من موارد العام المخصَّص،

ص: 303


1- فرائد الأصول 4: 104.

انعقاد ظهور له[1]، لا فيه ولا في غيره من المراتب، لعدم الوضع ولا القرينة المعينة لمرتبة منها، كما لا يخفى، لجواز إرادتها[2] وعدم نصب[3] قرينة عليها.

نعم[4]، ربما يكون عدم نصب قرينة مع كون العام في مقام البيان قرينة على إرادة التمام، وهو[5] غير ظهور[6] العام فيه في كل مقام.

فانقدح بذلك[7] أنه لابد من تخصيص العام بكل واحد من الخصوصات مطلقاً[8]،

----------------------------------

فلا يمكن إثبات دلالة العام على تمام الباقي في تلك الموارد، مع أن المفروض أنهم يلتزمون بحجية العام على تمام الباقي في كل موارد العام المخصص.

[1] «له» للعام، «لا فيه» في تمام الباقي، «غيره» غير الباقي من سائر المراتب، «لعدم الوضع» إذ لم يوضع العام للدلالة على الباقي، بل وُضع للدلالة على الجميع، «ولا القرينة...» بيان عدم تمامية مقدمات الحكمة كثيراً ما.

[2] أي: إمكان إرادة مرتبة من المراتب.

[3] كما لو لم يكن في مقام البيان، فلم تتمّ مقدمات الحكمة.

[4] أي: قد تتمّ مقدمات الحكمة، وهناك لابد من حمل العام المخصَّص على تمام الباقي.

[5] أي: كون عدم نصب القرينة قرينة، «فيه» في تمام الباقي.

[6] للفرق بينهما؛ إذ لابد من حمل اللفظ على ظاهره دائماً، لكن لا يحمل اللفظ على الإطلاق إلاّ مع تمامية مقدمات الحكمة، وكثيراً ما لا تتم مقدمات الحكمة.

[7] هذا نتيجة الكلام، أي: فتحصل أن العام بعد تخصيصه لا يخرج عن ظهوره في العموم، فلا تنقلب نسبته أصلاً مع سائر الخصوصات؛ وذلك لظهوره في العموم دائماً.

[8] وشرح «مطلقاً» بقوله: «ولو كان بعضها... الخ»، «بعضها» أي: بعض الخصوصات، «مقدّماً» زماناً.

ص: 304

ولو كان بعضها مقدماً أو قطعياً، ما لم يلزم[1] منه محذور انتهائه إلى ما لا يجوز الانتهاء إليه عرفاً، ولو لم تكن مستوعبة لأفراده[2]، فضلاً عما إذا كانت مستوعبة لها[3]، فلابد حينئذٍ[4] من معاملة التباين بينه وبين مجموعها[5] ومن ملاحظة الترجيح بينهما وعدمه. فلو رجح جانبها أو اختير في ما لم يكن هناك ترجيح[6] فلا مجال للعمل به[7]

----------------------------------

[1] إشارة إلى القسم الثاني الذي ذكرناه في أول الفصل.

[2] أي: لو لم تكن الخصوصات شاملة لجميع أفراد العام لكنها تستلزم تخصيص الأكثر، فحينئذٍ يكون التخصيص بكلّها ممتنعاً، لاستلزامه قبح استعمال العام.

[3] أي: لو كانت الخصوصات شاملة لجميع أفراد العام، فحينئذٍ قبح استعمال العام يكون أوضح، فلا يمكن التخصيص بكلّها.

[4] أي: حين لم يمكن التخصيص بكلّها فالوظيفة هي: الترجيح أو التخيير بين العام من جهة، وبين الخصوصات من جهة أخرى.

1- فإن ترجّح أو اختير جانب العام فلا كلام، فيعمل بالعام ويترك الخصوصات.

2- وإن ترجح أو اختير جانب الخصوصات فلا معنى لطرح العام رأساً؛ إذ التعارض بين العام وبين مجموع الخصوصات، لا بين العام وبعضها، فلابد من الترجيح أو التخيير بين الخاصين، فيرجح أحدهما فيخصص به العام، وقد يطرح الآخر.

[5] بين العام من جهة، وبين مجموع الخصوصات من جهة أخرى، «بينهما» أي: بين العام وبين الخصوصات، «جانبها» جانب الخصوصات.

[6] أو كان ترجيح ولكن لم نقل بالترجيح أصلاً.

[7] بالعام؛ وذلك لترجيح الخصوصات عليه، وسقوط العام رأساً بقبحه بعد خروج كل أفراده أو أكثرها.

ص: 305

أصلاً؛ بخلاف ما لو رجح طرفه[1] أو قدم تخييراً، فلا يطرح منها إلاّ خصوص[2] ما لا يلزم مع طرحه المحذور من[3] التخصيص بغيره، فإن التباين[4] إنما كان بينه وبين مجموعها لا جميعها، وحينئذٍ[5] فربما يقع التعارض بين الخصوصات فيخصص ببعضها ترجيحاً أو تخييراً، فلا تغفل.

هذا في ما كانت النسبة بين المتعارضات متحدة[6].

وقد ظهر منه[7] حالها في ما كانت النسبة بينها متعددة، كما إذا ورد هناك عامان

----------------------------------

[1] طرف العام، «منها» من الخصوصات.

[2] حاصل المراد: إنه لو كان في طرح أحدهما محذور فلابد من طرح الآخر.

أما لو لم يكن في طرح أيّ منهما محذور فنلاحظ المرجحات بين الخاصين أو نتخيّر بينهما.

[3] أي: المحذور الناشئ من التخصيص بالخاص الآخر.

[4] دليل عدم طرح كلا الخاصين، «بينه» بين العام، «مجموعها» أي: كلها مجتمعة، «لا جميعها» أي: لا مع كل واحد واحد منها، والحاصل: إن التباين بين العام من جهة وبين كل الخصوصات مجتمعة، ولا تباين بين العام وبين كل خاص بمفرده.

[5] حين ترجيح طرف العام، «فربّما» أي: قد لا يكون هناك مرجح دلالي، فيقع التعارض بين الخاصين.

[6] كالتساوي، أو العموم من وجه، أو كان عام وخاصان، وقد ذكرنا أمثلتها في صدر الفصل.

تعدد النسبة

[7] أي: من صورة اتحاد النسبة يتضح حكم اختلاف النسبة، مثل: أن تكون النسبة بين بعضها العموم من وجه، وبين بعضها الآخر العموم المطلق.

مثلاً لو قال: (يجب إكرام العلماء) و(يستحب إكرام العدول) و(يحرم إكرام

ص: 306

من وجهٍ مع ما هو أخص مطلقاً من أحدهما، وأنه[1] لابد من تقديم الخاص على العام[2] ومعاملة العموم من وجه بين العامين[3] من الترجيح والتخيير بينهما، وإن انقلبت النسبة بينهما إلى العموم المطلق بعد تخصيص أحدهما، لما عرفت[4] من أنه لا وجه إلاّ لملاحظة النسبة قبل العلاج[5].

نعم[6]،

----------------------------------

فساق العلماء). فالنسبة بين الأول والثاني: هي نسبة العموم من وجه، فيتعارضان في مورد الاجتماع - وهو العالم العادل - .

وأما النسبة بين الأول والثالث فهي العموم المطلق.

فعلى القول بانقلاب النسبة يخصص الأول بالثالث، فتكون النتيجة: (يجب إكرام العلماء غير الفساق) فصار أخص مطلقاً من الثاني، أي: (يستحب إكرام العدول)، لأن العلماء غير الفساق هم من مصاديق العدول.

ولكن بناءً على عدم انقلاب النسبة تبقى نسبة العموم من وجه بين الدليل الأول والثاني.

[1] عطف تفسيري على قوله: (قد ظهر منه حالها).

[2] للقاعدة العامة من تقديم الأظهر على الظاهر ولا محذور، ففي المثال نخصص (يجب إكرام العلماء) ب- (يحرم إكرام فساقهم).

[3] ففي المثال: (يجب إكرام العلماء) و(يستحب إكرام العدول) يتعارضان في مورد الاجتماع وهو (العالم العادل).

[4] هذا دليل بقاء النسبة وعدم انقلابها.

[5] ففي المثال قبل تخصيص (وجوب إكرام العلماء) ب(حرمة إكرام فساقهم).

[6] أي: إذا لم يبق مورد للعام الأول بعد تخصيصه، وبعد ترجيح العام الثاني عليه، فحينئذٍ يرجح العام الأول على العام الثاني، لا لانقلاب النسبة، بل لأجل دلالة الاقتضاء، لكي لا يكون العام الأول لغواً أو قبيحاً.

ص: 307

لو لم يكن الباقي تحته[1] بعد تخصيصه إلاّ ما لا يجوز أن يجوز عنه التخصيص أو كان بعيداً جداً[2] لقدم على العام الآخر لا لانقلاب النسبة بينهما، بل لكونه كالنص فيه[3]، فيقدم على الآخر الظاهر فيه[4] بعمومه، كما لا يخفى.

فصل: لا يخفى[5]: أن المزايا المرجحة لأحد المتعارضين الموجبة للأخذ به وطرح

----------------------------------

ففي المثال: (يجب إكرام العلماء) خصص ب- (يحرم إكرام فساقهم) فلو ترجح عليه العام الثاني وهو: (يستحب إكرام العدول)، فحينئذٍ لم يبق أيّ مورد للعام الأول؛ إذ (حرم إكرام فساق العلماء) و(استحب إكرام عدول العلماء)، ولا واسطة بين العدالة والفسق.

[1] أي: تحت العام من المصاديق، «أن يجوز عنه» أي: أن يعبر عنه التخصيص، والمراد أن يخصص أيضاً بمقدار استلزم تخصيص الكل أو الأكثر المستهجن.

[2] كتخصيص المساوي بأن يكون الخاص نصف أفراد العام، وهذا وإن لم يكن مستهجناً، لكنه قد يكون بعيداً عن أسلوب الفصحاء، فتأمل.

[3] أي: لكون العام المخصص كالنص في الباقي، مع كون العام الآخر كالظاهر فيه.

وإنما قال: (كالنص) لأن دلالة العقل بصون كلام المولى عن اللغوية توجب قطعية المراد.

[4] أي: الظاهر في الباقي، ومنشأ هذا الظهور هو عموم هذا العام.

فصل الترتيب بين المرجحات

اشارة

يذكر المصنف في هذا الفصل موضوعين، لا يرتبط أحدهما بالآخر، وكان الأولى إفراد الثاني في فصل مستقل.

1- رجوع المرجحات إلى الصدور

[5] مصب المرجحات مختلف، ولكنها كلها ترجع إلى صدور الخبر - أي: ترجيح

ص: 308

الآخر - بناءً على وجوب الترجيح[1] - وإن كانت[2] على أنحاء مختلفة ومواردها متعددة من راوي الخبر ونفسه ووجه صدوره ومتنه ومضمونه - مثل الوثاقة والفقاهة، والشهرة، ومخالفة العامة، والفصاحة، وموافقة الكتاب، والموافقة لفتوى الأصحاب... إلى غير ذلك مما يوجب مزية في طرف من أطرافه[3]،

----------------------------------

سنده - فجميع المرجحات ترجع إلى أن الشارع تعبَّدنا بصدور الخبر ذي المزية فيلزم العمل به، ولم يتعبدنا بصدور الخبر المرجوح، فلا يعمل به.

[1] أما بناءً على عدم لزوم الترجيح وأن الوظيفة هي التخيير فلا ترجع المرجحات إلى الصدور، بل يمكن أن يعبده الشارع بصدور الخبر المرجوح إذا اختاره المكلف.

[2] أي: متعلّق المرجحات مختلف، ولكن مرجعها جميعاً إلى صدور الخبر ذي المزية، مثلاً:

1- مرجحات الراوي، كالوثاقة والفقاهة، ترجح الصدور، أي: يعبّدنا الشارع بصدور الخبر الذي يرويه الأوثق والأفقه دون الخبر الآخر.

2- مرجحات نفس الخبر، كالشهرة الروائية، فإنها مزية للخبر من غير ارتباط بالراوي والمضمون وغيرها، فيعبّدنا الشارع بصدور هذا الخبر المشهور دون غيره.

3- جهة الصدور، كمخالفة العامة، فإنها ترجح صدور ذلك الخبر دون الموافق.

4- مرجحات المتن، كالفصاحة، وهذا مرجح غير منصوص، فبناءً على التعدي يعتبر مرجحاً في صدور الكلام الفصيح دون غيره.

5- مرجحات المضمون، كموافقة الكتاب - وهو مرجح منصوص - وموافقة الشهرة الفتوائية - وهذا مرجح غير منصوص - فهذا أيضاً يرجح صدور هذا الخبر دون المخالف لهما.

[3] أطراف الخبر، أي: ما يرتبط بالخبر مما تعلّق به المرجح، من راوي الخبر أو نفس الخبر أو جهة صدوره... الخ.

ص: 309

خصوصاً[1] لو قيل بالتعدي من المزايا المنصوصة -، إلاّ أنها[2] موجبة لتقديم أحد السندين وترجيحه وطرح الآخر، فإن[3] أخبار العلاج دلت على تقديم رواية ذات مزية في أحد أطرافها ونواحيها. فجميع هذه من مرجحات السند حتى موافقة الخبر للتقية[4]،

----------------------------------

[1] حيث تكثر الأطراف، مثلاً: مرجحات المتن - كالفصاحة - غير منصوصة، فعلى القول بالتعدي صارت الأطراف أكثر.

[2] أي: جميع هذه المرجحات - مع اختلاف متعلقاتها - فإنما ترجع إلى الصدور، أي: سند الخبر، وقد استدل المصنف لذلك بأمرين:

الدليل الأول: إن ظاهر الأخبار العلاجية هو أخذ الخبر الراجح، أي: اعتباره صادراً، وطرح الخبر المرجوح، أي: اعتبار عدم صدوره.

الدليل الثاني: إن التعبد بصدور الخبر المرجوح لغو؛ إذ لا معنى لأن يقول الشارع نزّلت هذا الخبر منزلة المقطوع لكن لا تعمل به، فأي فائدة في التعبد إذا لم يستتبع العمل؟

[3] بيان الدليل الأول، «تقديم...» أي: ترجيحها والعمل بها مع طرح الرواية الأخرى.

[4] مقصوده مخالفة الخبر للعامة، وإنما خصص هذا المرجح بالذكر لخفاء ارتباطه بالصدور، فقد يتوهم أن مخالفة العامة مرجحٌ لا يرجع إلى الصدور!!

ويردّه: أن التعبد بصدور الموافق لغو، فأيّ فائدة في اعتبار صدوره مع المنع عن العمل به؟

إن قلت: إذا كان الخبران - الموافق والمخالف لهم - مقطوعي الصدور فإن المرجح لا يرجع إلى الصدور؛ إذ لا يعقل اعتبار عدم صدور ما هو مقطوع الصدور، كما لا معنى لاعتبار صدوره؛ إذ هو من أردأ أنواع تحصيل الحاصل.

ص: 310

فإنها أيضاً مما يوجب ترجيح أحد السندين وحجيته فعلاً[1] وطرح الآخر رأساً. وكونها[2] في مقطوعي الصدور متمحّضة في ترجيح الجهة لا يوجب[3] كونها كذلك في غيرهما، ضرورة[4] أنه لا معنى للتعبد بسند ما يتعين حمله على التقية[5]، فكيف يقاس على ما لا تعبد فيه[6] للقطع بصدوره؟

----------------------------------

قلت: القياس مع الفارق؛ إذ في الخبرين المقطوعين لا تعبّد بالصدور، فلابد من إرجاع المرجح إلى غير الصدور، فلا لغوية في البين أصلاً.

وأما في الخبرين الظنيين لابد من التعبد بالصدور - أي: تنزيل المظنون منزلة المقطوع - وحينئذٍ يكون التعبد بصدور الموافق لغواً، وهو قبيح.

[1] عطف تفسيري لبيان معنى ترجيح أحد السندين، وحاصله: إن كلا الخبرين له مقتضي الحجية، لكن لمّا تعارضا فإنّ ذا المزية تكون حجيته فعلية، دون ما لا مزية له.

[2] بيان للإشكال، وقد ذكرناه بعبارة (فإن قلت)، «كونها» الضمير يرجع إلى قوله: (موافقة الخبر للتقية)، والمرجح إنما هو المخالفة لا الموافقة.

[3] بيان الجواب، «كونها» أي: كون موافقة الخبر للتقية، «كذلك» أي: متمحضة في ترجيح الجهة، «غيرهما» غير مقطوعي الصدور.

[4] بيان الدليل الثاني لرجوع جميع المرجحات إلى الصدور.

[5] «بسند» مضاف، و«ما» مضاف إليه، أي: لا معنى لأن يعبّدنا الشارع بصدور ذلك الخبر مع النهي عن العمل به، وهذا الدليل يجري في سائر المرجحات أيضاً.

[6] إذ مع القطع بالصدور لا معنى للتعبد به؛ إذ مع وجود الشيء لا معنى لاعتبار وجوده، بل هو من أردأ أنواع تحصيل الحاصل، «للقطع» علة عدم وجود التعبد.

ص: 311

ثم[1]

----------------------------------

2- الترتيب بين المرجحات

[1] هل يلزم مراعاة الترتيب بين المرجحات، حسب ما هو مذكور في المقبولة - مثلاً - أم لا ترتيب بينها؟

والثمرة تظهر في ما لو كان لكلا الخبرين مرجح، لكن أحدهما مرجح متقدم، والآخر مرجح متأخر، فعلى القول بالترتيب لابد من الترجيح بالمرجح المتقدم، وعلى القول بعدم الترتيب يتساويان.

وحاصل ما يذهب إليه المصنف:

1- على القول بالتعدي عن المرجحات المنصوصة فإن علة الترجيح هي الظن الشخصي، أو الظن النوعي كما مرّ، فيلزم ترجيح ما أوجب الظن - نوعاً أو شخصاً - سواء كان مقدماً أم مؤخراً، وسواء كان منصوصاً أم غير منصوص؛ وذلك لأن الحكم يدور مدار العلة.

2- وعلى القول بالاقتصار على المرجحات المنصوصة:

أ: فيحتمل لزوم مراعاة الترتيب؛ وذلك لذكر المرجحات مترتبة في المقبولة والمرفوعة.

ب: ويحتمل عدم الترتيب، بل التساوي في المرجحات، وحمل المقبولة والمرفوعة على ذكر المرجح من دون إيجاب الترتيب؛ وذلك بقرينة سائر الأخبار العلاجية، فهي أخبار كثيرة ولم يذكر فيها إلاّ مرجح واحد عادة، ومن البعيد تقييد كل تلك الأخبار بالمقبولة والمرفوعة، بأن يقال: إن هذه المرجحات في تلك الأخبار إنما هي بعد المرجحات المذكورة ابتداءً في المقبولة والمرفوعة.

فبهذه القرينة نرفع اليد عن ظاهر المقبولة والمرفوعة، ونقول: إنّ الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ذكر مرجحاً - كمثال - ثم لما فرض الراوي التساوي ذكر الإمام مرجحاً آخر، وهكذا

ص: 312

إنه لا وجه لمرإعاة الترتيب بين المرجحات لو قيل بالتعدي وإناطة[1] الترجيح بالظن أو بالأقربية إلى الواقع، ضرورة[2] أن قضية ذلك تقديم الخبر الذي ظن صدقه أو كان أقرب إلى الواقع[3] منهما، والتخيير بينهما إذا تساويا، فلا وجه لإتعاب النفس في بيان أن أيها يقدم أو يؤخر إلاّ[4] تعيين أن أيها يكون فيه المناط في صورة مزاحمة بعضها مع الآخر.

وأما لو قيل بالاقتصار على المزايا المنصوصة فله[5] وجه، لما يُتراءى من ذكرها مرتباً في المقبولة والمرفوعة.

مع إمكان أن يقال[6]: إن الظاهر كونهما - كسائر أخبار الترجيح - بصدد بيان أن هذا[7]

----------------------------------

من غير إرادة الترتيب، فتأمل.

[1] عطف تفسيري على «التعدي»، و«الظن» أي: الشخصي، و«الأقربية إلى الواقع» أي: الظن النوعي، كما مرّ تفصيله.

[2] دليل عدم الوجه لمراعاة الترتيب، «ذلك» أي: إناطة الترجيح بالظن أو بالأقربيّة.

[3] فكل مرجح أوجب ذلك وجب الأخذ به؛ لأنه العلّة في الترجيح، سواء كان مقدماً في المقبولة والمرفوعة أم كان متأخراً، وسواء كان منصوصاً أم لا.

[4] أي: يكون البحث عن المقدم والمأخّر ذا فائدة إذا كان الغرض بيان وجود العِلّة في بعض المرجحات دون بعض في حال التزاحم.

[5] أي: لمراعاة الترتيب بين المرجحات، «ذكرها» المرجحات.

[6] أي: حتى على القول بالاقتصار فإنه يمكن التزام عدم الترتيب بين المرجحات، «كونهما» المقبولة والمرفوعة.

[7] أي: كونهما بصدد بيان مصاديق المرجحات، وبعبارة أخرى: بيان أصل المرجحات دون ترتيبها.

ص: 313

مرجح وذاك مرجح، ولذا[1] اقتصر في غير واحد منها على ذكر مرجح واحد، وإلاّ [2] لزم تقييد جميعها - على كثرتها - بما في المقبولة[3]، وهو بعيد جداً. وعليه[4] فمتى وجد في أحدهما مرجح وفي الآخر آخر منها كان المرجع هو إطلاقات التخيير، ولا كذلك على الأول[5]، بل لابد من ملاحظة الترتيب، إلاّ إذا كانا في عرض واحد[6].

وانقدح بذلك[7] أن حال المرجح الجهتي حال سائر المرجحات في أنه لابد في

----------------------------------

[1] بيان وجه رفع اليد عن ظاهر المقبولة والمرفوعة في الترتيب، «منها» من أخبار الترجيح.

[2] أي: إن لم نقل: إن المقبولة والمرفوعة بصدد بيان... الخ، وبعبارة أخرى: إن قلنا بدلالتهما على الترتيب، «جميعها» أي: جميع الأخبار العلاجية الأخرى.

[3] ولم يذكر المرفوعة لضعف سندها، فلا تصلح لتقييد سائر الأخبار.

[4] أي: بناءً على عدم لزوم مراعاة الترتيب حتى على القول بالاقتصار، «آخر منها» أي: مرجح آخر من المرجحات.

[5] «لا كذلك» أي: لا يكون المرجع إطلاقات التخيير، بل لابد من ترجيح ما فيه المرجح المتقدم دون ما فيه المرجح المتأخر، «الأول» أي: بناءً على لزوم الترتيب حسب ظاهر المقبولة والمرفوعة.

[6] كالأفقهية والأعدلية حيث ذكرا في المقبولة معاً، حيث قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما» فإذا كان راوي أحد الخبرين أفقه، وراوي الآخر أعدل، فقد تساويا؛ لأن هذه مرجحات في عرض واحد.

تقديم المرجح الجهتي وعدمه

اشارة

[7] حاصله: بما ذكرناه من عدم الترتيب بين المرجحات، وأنها جميعاً ترجع

ص: 314

صورة مزاحمته[1] مع بعضها من ملاحظة أن أيهما فعلاً[2] موجب للظن بصدق ذيه بمضمونه[3] أو الأقربية كذلك[4] إلى الواقع، فيوجب[5] ترجيحه وطرح الآخر؛ أو أنه[6] لا مزية لأحدهما على الآخر، كما إذا كان الخبر الموافق للتقية بما

----------------------------------

إلى الصدور يتضح تساوي جميع المرجحات، ولا تفضيل لأحدها على الآخر، فإن كان أحد الخبرين ذا مزية والخبر الآخر له مزية أخرى فهما متساويان، فلابد من الرجوع إلى أدلة التخيير.

خلافاً للوحيد البهبهاني والمحقق الرشتي(1)

حيث ذهبا إلى ترجيح المرجح بالجهة على جميع المرجحات. وخلافاً للشيخ الأعظم(2)

حيث ذهب إلى ترجيح مرجحات الصدور على مرجح جهة الصدور.

[1] مزاحمة المرجح بالجهة مع بعض المرجحات الأخرى، «أيهما» أيّ: المرجحين - بالجهة أو بالصدور - .

[2] بناءً على مبنى أن علة الترجيح هو الظن الشخصي، «ذيه» أي: الخبر الواجد لتلك المزية.

[3] أي: الصدق بالمضمون، والمعنى: إن أيّهما موجب للظن بصدق مضمون ذي المزية.

[4] بناءً على مبنى أن علة الترجيح هو الظن النوعي، «كذلك» أي: موجب فعلاً للأقربية إلى الواقع.

[5] أي: بعد ملاحظة الظن الشخصي أو النوعي، فإن ذلك المرجح يوجب ترجيح الخبر الذي له تلك المزية.

[6] عطف على (أن أيهما فعلاً...).

ص: 315


1- الفوائد الحائرية: 219؛ بدائع الأفكار: 434.
2- فرائد الأصول 4: 75.

له من المزية[1] مساوياً للخبر المخالف لها بحسب المناطين، فلابد حينئذٍ من التخيير بين الخبرين.

فلا وجه لتقديمه على غيره[2]، كما عن الوحيد البهبهاني+(1) وبالغ فيه بعض أعاظم المعاصرين[3] «أعلى الله درجته».

ولا لتقديم غيره عليه[4]، كما يظهر من شيخنا العلامة «أعلى الله مقامه»[5]،

----------------------------------

[1] ككون راويه أعدل وأوثق - مثلاً - «المخالف لها» للتقية، «المناطين» الظن الشخصي والظن النوعي - الأقربية للواقع - «حينئذٍ» حين التساوي.

[2] تقديم المخالف للعامة، «غيره» غير المخالف، أي: الموافق.

[3] المحقق الشيخ حبيب الله الرشتي(2)

وسيأتي ذكر دليله مع الإشكال عليه، في قول المصنف: (والعجب كل العجب أنه لم يكتف بما أورده... الخ) فانتظر.

كلام الشيخ الأعظم في تقديم سائر المرجحات على المرجح بالجهة
اشارة

[4] تقديم غير المخالف على المخالف، أي: تقديم سائر المرجحات على مخالفة العامة.

[5] حاصل كلامه: إن المرجح الجهتي إنما هو بعد ثبوت الصدور، فلا معنى للبحث عن جهة الصدور مع عدم ثبوت أصل الصدور.

والمرجح الجهتي لا يثبت الصدور، وأما المرجحات المتعلقة بالصدور فهي تثبت الصدور. فإذا كان أحد الخبرين موافقاً للعامة لكن راويه أوثق وأعدل، فبهذا المرجح يثبت صدوره، وأما الخبر المخالف للعامة فلا شيء يثبت صدوره، إذن لا تصل النوبة إلى جهة الصدور أصلاً.

ص: 316


1- الفوائد الحائرية: 219.
2- بدائع الأفكار: 434.

قال: «أما لو زاحم الترجيحُ[1] بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور - بأن كان الأرجح صدوراً موافقاً للعامة - فالظاهر تقديمه على غيره[2]، وإن كان مخالفاً للعامة، بناءً[3] على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق، لأن هذا الترجيح[4] ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعاً كما في المتواترين، أو تعبداً كما في الخبرين بعد عدم إمكان[5] التعبد بصدور أحدهما وترك التعبد

----------------------------------

نعم، لو ثبت الصدور - كما لو كان سند الخبرين قطعياً، أو تساوى الخبران في سائر المرجحات - فحينئذٍ تصل النوبة إلى الترجيح بجهة الصدور.

إن قلت: أدلة حجية خبر الواحد تشمل كلا الخبرين، فكلاهما حجة بمعنى أن الشارع يعبّدنا بصدورهما معاً.

قلت: لا معنى للتعبد بصدور خبر ثم المنع عن العمل به، فإنه لغو كما مرّ.

[1] أي: كان أحد الخبرين له مرجح سندي، والآخر له مرجح في جهة الصدور، بأن كان مخالفاً للعامة.

[2] تقديم الأرجح صدوراً الموافق، «على غيره» أي: غير الأرجح صدوراً.

[3] قد مرّ أن الترجيح بمخالفة العامة إما من باب كون الرشد في نفس المخالفة لحسنها، وإما من باب الحق في طرف المخالف، وإما من باب انفتاح باب التقية فيه، فراجع قول المصنف: (وأما الثالث فلاحتمال أن يكون الرشد في... الخ).

يقول الشيخ الأعظم(1):

إن ما نذكره هنا إنما هو على المبنى الأخير، وهو أن الترجيح لانفتاح باب التقية في الموافق.

[4] أي: الترجيح بمخالفة العامة.

[5] لأنه مع شمول دليل الحجية لكليهما يكون ترجيح صدور أحدهما على الآخر ترجيحاً بلا مرجح، وهو قبيح.

ص: 317


1- فرائد الأصول 4: 137.

بصدور الآخر، وفي ما نحن فيه[1] يمكن ذلك بمقتضى أدلة الترجيح من حيث الصدور.

إن(1) قلت[2]: إن الأصل[3] في الخبرين الصدور، فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضى ذلك[4] الحكم بصدور الموافق تقيةً، كما يقتضي[5] ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما، فيكون هذا المرجح[6] نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدماً على الترجيح بحسب الصدور.

----------------------------------

[1] حيث كان الموافق أرجح صدوراً على المخالف، «يمكن ذلك» أي: يمكن التعبد بصدور أحدهما وترك الآخر؛ وذلك لوجود مزية في صدور أحدهما - وهو الموافق الذي له مزية سنديّة - .

[2] حاصله: إن دليل الحجية يشمل كلا الخبرين، فيُعبّدنا الشارع بصدورهما معاً، وحينئذٍ تصل النوبة إلى المرجح الجهتي.

[3] أي: القاعدة، وذلك لشمول دليل الحجية لكليهما.

[4] أي: تعبدنا بصدورهما، وبعبارة أخرى: حجيتهما، «الحكم...» لعدم إمكان صدورهما كليهما لبيان الحكم الواقعي - لتنافيهما - فتصل النوبة إلى المرجح الجهتي.

[5] يذكر المستشكل مثالاً لإمكان التعبد بصدور الدليلين المتعارضين، وهو حكم الشارع بحجية الظاهر والأظهر مع لزوم حمل الظاهر على الأظهر كالعام والخاص، فإن دليل الحجية يشملهما معاً، لكن مع لزوم حمل العام على الخاص، «ذلك» أي: التعبد بالصدور، «الحكم» مفعول يقتضي، «أضعفهما» أي: أضعف دلالة.

[6] أي: المرجح الجهتي، والحاصل: إن الأدلة العامة لحجية الخبر تشمل كلا الخبرين، فكلاهما حجة مع حمل الخبر الموافق على التقية.

ص: 318


1- في المصدر: «فإن...».

قلت[1]: لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية، لأنه إلغاء لأحدهما في الحقيقة»(1).

وقال - بعد جملة من الكلام - : «فمورد هذا الترجيح[2] تساوي الخبرين من حيث الصدور، إما علماً كما في المتواترين، أو تعبداً[3] كما في المتكافئين من الأخبار. وأما ما وجب فيه التعبد بصدور أحدهما المعين[4] دون الآخر، فلا وجه لإعمال هذا المرجح فيه، لان جهة الصدور متفرع(2)

على أصل الصدور»(3).

انتهى موضع الحاجة من كلامه «زيد في علو مقامه».

وفيه[5]:

----------------------------------

[1] حاصله: إن حجية كلا الخبرين لا معنى له، بل حجية أحدهما لغو؛ إذ كيف يعبدنا الشارع به ثم يقول لا تعمل به؟!!

[2] أي: الترجيح بمخالفة العامة.

[3] أي: تساوي الخبرين تعبداً.

[4] وذلك في ما كان المرجح الصدوري في ذلك المعيّن، «فيه» في هذا الذي له مرجح صدوري.

إشكالان على كلام الشيخ الأعظم

[5] يذكر المصنف إشكالين:

الأول: إن علة الترجيح عند الشيخ الأعظم هي الأقربية للواقع - أي: الظن النوعي - فالترجيح يدور مدار هذه العلة، فقد يكون مع المخالف وقد يكون مع الموافق، وكذا على مبنى الظن الشخصي.

الثاني: إن جميع المرجحات ترجع إلى الصدور، وحتى المرجح الجهتي يرجع

ص: 319


1- فرائد الأصول 4: 136 - 137.
2- في المصدر: «متفرعة».
3- فرائد الأصول 4: 137 - 138.

- مضافاً إلى ما عرفت[1] - أن حديث[2] فرعية جهة الصدور على أصله إنما يفيد إذا لم يكن المرجح الجهتي من مرجحات أصل الصدور، بل من مرجحاتها. وأما إذا كان من مرجحاته بأحد المناطين[3]، فأي فرق بينه وبين سائر المرجحات؟ ولم يقم[4] دليل بعد في الخبرين المتعارضين على وجوب التعبد بصدور الراجح منهما من حيث غير الجهة مع كون الآخر راجحاً بحسبها، بل هو[5] أول الكلام، كما لا يخفى. فلا محيص من ملاحظة الراجح من المرجحين بحسب أحد المناطين، أو من دلالة أخبار العلاج على الترجيح بينهما[6] مع المزاحمة، ومع عدم الدلالة[7] ولو لعدم التعرض لهذه الصورة، فالمحكم هو إطلاق التخيير، فلا تغفل.

----------------------------------

إلى السند.

[1] وهو الإشكال الأول.

[2] بيان للإشكال الثاني، «أصله» أي: أصل الصدور، «مرجحاتها» أي: مرجحات الجهة.

[3] مرجحات الصدور بمناط الظن الشخصي، أو بمناط الظن النوعي، «بينه» أي: بين المرجح الجهتي.

[4] أي: أثبتنا أن كل المرجحات ترجع إلى الصدور، وهي متساوية، ولا يوجد دليل خاص في ترجيح المزية التي موردها الجهة على المزية التي موردها غير الجهة، «بحسبها» بحسب الجهة.

[5] أي: الدليل الدال على ترجيح المرجح الصدوري على غيره هو أول الكلام.

[6] المرجح الجهتي والمرجح من غير الجهة.

[7] أي: الأخبار العلاجية لم تتعرض لهذه الصورة، وهي كون أحد الخبرين راجحاً بمخالفة العامة، والآخر راجحاً بالشهرة مثلاً.

ص: 320

وقد أورد بعض أعاظم تلاميذه(1)

عليه بانتقاضه[1] بالمتكافئين من حيث الصدور، فإنه لو لم يعقل التعبد بصدور المتخالفين[2] من حيث الصدور مع حمل أحدهما على التقية لم يعقل التعبد بصدورهما مع حمل أحدهما عليها، لأنه إلغاء لأحدهما أيضاً في الحقيقة.

وفيه[3]: ما لا يخفى من الغفلة، وحسبان أنه التزم[4] في مورد الترجيح بحسب الجهة باعتبار تساويهما من حيث الصدور إما للعلم بصدورهما وإما للتعبد به فعلاً، مع بداهة أن غرضه من التساوي من حيث الصدور تعبداً تساويهما بحسب

----------------------------------

إشكالان للمحقق الرشتي

[1] الإشكال الأول هو على قول الشيخ الأعظم: (بعد فرض صدورهما... تعبداً كما في الخبرين) وقوله: (تساوي الخبرين من حيث الصدور... تعبداً كما في المتكافئين).

وحاصل الإشكال: كما لا يمكن التعبد بصدور الخبرين غير المتكافئين؛ للغوية التعبد بما لا يعمل به كذلك لا يمكن التعبد بصدور الخبرين المتكافئين.

[2] بأن كان أحدهما ذا مرجح سندي والآخر لا مرجح سندي له، وقوله: «لم يعقل» جزاء قوله: «لو لم يعقل»، «بصدورهما» المتكافئين، «عليها» على التقية.

[3] حاصله: إن الشيخ لم يدّع أن الشارع عبَّدنا بالمتكافئين، بل مراده تساوي نسبة كلا الخبرين إلى دليل الحجيّة، وبعبارة أخرى: الحجية الشأنيّة لكليهما، ولكن الفعلية لأحدهما.

[4] لا يخفى أن تركيب الجملة غير صحيح؛ لأن مفعول «التزم» هو «فعلاً» - بعد سطرين - وقوله: «في مورد الترجيح... وإما للتعبد به» جملة معترضة.

ص: 321


1- بدائع الأفكار: 457.

دليل التعبد بالصدور قطعاً[1]، ضرورة[2] أن دليل حجية الخبر لا يقتضي التعبد فعلاً بالمتعارضين، بل ولا بأحدهما، وقضية دليل العلاج ليس إلاّ التعبد بأحدهما تخييراً أو ترجيحاً.

والعجب كل العجب أنه لم يكتف بما أورده من النقض حتى ادعى[3] استحالة تقديم الترجيح بغير هذا المرجح على الترجيح به، وبرهن عليه بما حاصله:

----------------------------------

[1] «قطعاً» متعلق بقوله: (بداهة أن غرضه...) أي: غرضه قطعاً ليس هو التعبد الفعلي، بل غرضه هو أنهما متساويان بالنسبة إلى دليل الحجية.

[2] أي: دليل الحجية أحد أمرين، وكلاهما لا يدل على الحجية الفعلية للمتعارضين، قطعاً.

الأول: الأدلة العامة على حجية الخبر الواحد، وهذه لا تقتضي حجية المتعارضين، لا كليهما لتعارضهما، ولا أحدهما المعيّن لعدم الترجيح، ولا أحدهما المخيّر؛ لعدم دلالة الأخبار العامة على التخيير.

الثاني: الأخبار العلاجية، وهي تقتضي حجية أحد الخبرين فقط دون الآخر، كما هو واضح.

[3] وهذا دليل المحقق الرشتي على تقديم المرجح الجهتي على سائر المرجحات، وقد جعله إشكالاً ثانياً على كلام الشيخ الأعظم.

وحاصله: إنه يستحيل حجية الخبر الموافق للعامة؛ وذلك لأن أمر الخبر الموافق الظني الصدور يدور بين عدم صدوره أصلاً، وبين صدوره عن الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لكنه للتقية، ويستحيل التعبد بهذا الخبر؛ لعدم جواز العمل به؛ لأنه لم يصدر أو صدر لعدم بيان الحكم الواقعي. وأما الخبر الموافق القطعي الصدور فينحصر أمره في صدوره للتقية، وهذا الخبر أيضاً يستحيل التعبد به؛ لأنه لم يصدر لبيان الواقع. فلابد من حجية الخبر المخالف فقط.

ص: 322

«امتناع التعبد بصدور الموافق، لدوران أمره بين عدم صدوره من أصله وبين صدوره تقيةً، ولا يعقل التعبد به على التقديرين[1] بداهةً، كما أنه لا يعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق، بل الأمر في الظني الصدور أهون[2]، لاحتمال عدم صدوره بخلافه».

ثم قال: «فاحتمال تقديم المرجحات السندية على مخالفة العامة، مع نص الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ[3] على طرح موافقهم(1)،

من العجائب والغرائب التي لم يعهد صدورها(2) من ذي مُسكة فضلاً عمن هو تالي(3) العصمة علماً وعملاً»(4).

ثم قال: «وليت شعري إن هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه، مع أنه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شق القمر»(5).

وأنت خبير بوضوح فساد برهانه [4]، ضرورة عدم دوران أمر الموافق بين الصدور تقية وعدم الصدور رأساً؛ لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعاً وعدم

----------------------------------

[1] عدم الصدور، والصدور للتقية.

[2] مقصوده (أوضح)، لأن الموافق القطعي أمره منحصر في الصدور للتقية، وأما الموافق الظني فأمره يدور بين عدم الصدور وبين الصدور للتقية.

[3] أي: إضافة إلى الدليل العقلي.

[4] حاصل الإشكال عليه: إن الموافق الظني يدور أمره بين ثلاثة احتمالات، لا كما توهم المحقق الرشتي من دورانه بين أمرين، والثالث هو احتمال صدور ذلك الخبر لبيان حكم الواقع؛ إذ ليس كل خبر موافق لهم خلاف الواقع؛ إذ بعض الأحكام الواقعية لم يحرفوها، بل قالوا بها، كما هو واضح.

ص: 323


1- في المصدر: «ما يوافقهم».
2- في المصدر: «صدوره».
3- في المصدر: «مآل».
4- بدائع الأفكار: 457.
5- بدائع الأفكار: 457.

صدور المخالف المعارض له أصلاً، ولا يكاد[1] يحتاج في التعبد إلى أزيد من احتمال صدور الخبر لبيان ذلك بداهة؛ وإنما دار احتمال الموافق بين الاثنين[2] إذا كان المخالف قطعياً صدوراً وجهةً[3] ودلالةً، ضرورة دوران معارضه حينئذٍ[4] بين عدم صدوره وصدوره تقية، وفي غير هذه الصورة[5] كان دوران أمره بين الثلاثة لا محالة، لاحتمال صدوره لبيان الحكم الواقعي حينئذٍ أيضاً.

ومنه[6] قد انقدح إمكان التعبد بصدور الموافق القطعي لبيان الحكم الواقعي

----------------------------------

وكذا في الموافق القطعي لا ينحصر الأمر في التقية، بل هناك احتمال ثانٍ وهو صدوره لبيان الواقع.

[1] أي: فلا إشكال في التعبد بالخبر الموافق للعامة؛ لأنه يكفي في صحة التعبد بالخبر الظني احتمال الصدور لبيان الواقع، «في التعبد» أي: صحة التعبد، «لبيان ذلك» أي: لبيان الواقع.

[2] أي: بين عدم الصدور أو الصدور للتقية، والمعنى: إن الدوران بين هذين إنما هو في ما لو كان أحدهما قطعياً من كل الجهات - السند، والدلالة، والجهة - فالآخر أمره يدور بين الاثنين.

وغالب الأخبار المتعارضة - الموافقة والمخالفة - ليست كذلك، بل هي ظنيّة الصدور غالباً، ودلالتها ظاهرة وليست نصاً، وجهتها مظنونة.

[3] أي: القطع بأنه صادر لبيان الواقع لا للتقية، «ودلالة» أي: يكون نصاً.

[4] حين كون المخالف للعامة قطعياً صدوراً وجهةً ودلالةً.

[5] «هذه الصورة» أي: في غير صورة القطع بالسند والدلالة والجهة، «الثلاثة» عدم الصدور والصدور تقية والصدور لبيان الواقع.

[6] أي: من إمكان صدور الخبر الموافق الظني لبيان الواقع يتضح إمكان صدور الخبر الموافق القطعي لبيان الواقع أيضاً.

ص: 324

أيضاً، وإنما لم يكن التعبد بصدوره لذلك[1] إذا كان معارضه المخالف قطعياً بحسب السند والدلالة[2]، لتعيّن[3] حمله على التقية حينئذٍ لا محالة.

ولعمري إن ما ذكرنا أوضح من أن يخفى على مثله، إلاّ أن الخطأ والنسيان كالطبيعة الثانية للإنسان، عصمنا الله من زلل الأقدام والأقلام في كل ورطة ومقام.

ثم[4] إن هذا كله إنما هو بملاحظة أن هذا المرجح[5] مرجح من حيث الجهة. وأما بما[6] هو موجب لأقوائية دلالة ذيه من معارضه - لاحتمال التورية في المعارض

----------------------------------

[1] بصدور الموافق، «لذلك» لبيان الواقع.

[2] والجهة أيضاً، أي: كون المخالف قطعياً بحسب الجهة أيضاً صادراً لبيان الواقع لا للتقية.

[3] علة عدم إمكان التعبد في هذه الصورة، «حمله» حمل الموافق، «حينئذٍ» حين كون معارضه - وهو المخالف - قطعياً صدوراً ودلالةً وجهةً.

[4] أي: ما مرّ من أن مخالفة العامة هل هو متساوي مع سائر المرجحات أم مقدم عليها أم هي تقدم عليه؟ كل ذلك بناءً على أن المخالفة من مرجحات الصدور أو من مرجحات جهة الصدور.

أما لو رجعت المخالفة والموافقة إلى الدلالة - بأن ضعفت دلالة الموافق بسبب احتمال التورية - فلا تصل النوبة إلى سائر المرجحات أصلاً؛ وذلك لما مرّ من تقدّم قوة الدلالة على مرجحات الصدور ومرجحات جهة الصدور.

[5] أي: مخالفة العامة.

[6] أي: أما بملاحظة ما يوجب أقوائية الدلالة... الخ، وضمير «هو» يرجع إلى «ما» الموصولة، «لاحتمال» علة أقوائية الدلالة، «فيه» أي: في المعارض، «دونه» دون ذي المزية - وهو المخالف للعامة - .

ص: 325

المحتمل فيه التقية دونه - فهو[1] مقدم على جميع مرجحات الصدور بناءً على ما هو المشهور[2] من تقدم التوفيق بحمل الظاهر على الأظهر على الترجيح بها.

اللهم إلاّ أن يقال[3]: إن باب احتمال التورية وإن كان مفتوحاً في ما احتمل فيه التقية، إلاّ أنه[4] حيث كان بالتأمل والنظر لم يوجب أن يكون معارضه أظهر بحيث يكون[5] قرينةً على التصرف عرفاً في الآخر، فتدبر.

فصل: موافقة الخبر[6] لما يوجب الظن بمضمونه - ولو نوعاً - من المرجحات في

----------------------------------

[1] أي: هذا المرجح - وهو مخالفة العامة - .

[2] وقد مرّ أن الجمع الدلالي مقدّم على الترجيح بالصدور أو جهة الصدور، «بحمل» متعلق ب- «التوفيق»، «بها» أي: بمرجحات الصدور.

[3] حاصله: إن احتمال التورية لا يُضعّف الظهور؛ وذلك لأن التورية أمر خفي لا يُطّلع عليه إلاّ بعد التأمل والتدقيق، ولو كان احتمال التورية يخرّب الظهور العرفي لما كان معنى للتورية أصلاً؛ إذ الغرض منها إخفاء أمر على السامع. فتستعمل ألفاظ لها ظهور في غير المراد، وقد مرّ أن الإرادة الجدية لا تضعف الظهور، بل الظهور يرتبط بالإرادة الاستعمالية.

[4] أن احتمال التورية، «لم يوجب» جواب «حيث»، «معارضه» أي: معارض ما احتمل فيه التقية.

[5] أي: يكون المعارض الأظهر، «الآخر» الموافق للتقية.

فصل المرجحات الخارجية

اشارة

[6] المرجح قد يكون غير مستقل عن الخبر، كصفات الراوي ونحو ذلك، فهذا يعبر عنه بالمرجحات الداخلية، وقد مرّ ذكرها في الفصول الماضية.

ص: 326

الجملة[1]، بناءً[2] على لزوم[3] الترجيح لو قيل[4] بالتعدي من المرجحات المنصوصة،

----------------------------------

وقد يكون مستقلاً لا ارتباط له بالخبر، ولكن تطابق مضمونه مع مضمون الخبر، كالشهرة الفتوائية، فهذا يعبر عنه بالمرجحات الخارجية أو مرجحات المضمون، وهي على أربعة أقسام.

1- ما ليست بحجة لعدم الدليل عليها، كالشهرة الفتوائية.

2- ما ليست بحجة للمنع عنها، كالقياس.

3- ما تكون حجة في نفسها وتُعاضد المضمون، كالكتاب والسنة.

4- ما تكون حجة في نفسها ولا تعاضد المضمون، كالأصول العملية حيث هي تبين الوظيفة العملية ولا ترتبط ببيان الواقع.

[1] لأنها ترجح في بعض الصور الأربعة كالصورة الثالثة، دون الصور الأخرى.

القسم الأول

[2] شروع في بيان وجه الترجيح بالمرجح الخارجي في القسم الأول. وحاصله: إن للترجيح بمثل الشهرة الفتوائية شرطين:

الأول: أن نقول بالترجيح، أما لو كان المبنى عدم الترجيح، بل التخيير، ولو في المرجحات المنصوصة فلا معنى للترجيح بالمرجح الخارجي، كما هو واضح.

الثاني: أن نقول بالتعدي إلى المرجحات غير المنصوصة، وعدم الاقتصار على المنصوصة بأحد دليلين:

أ: استفادة المناط أو العلة من الأخبار.

ب: التمسك بقاعدة أقوى الدليلين.

[3] هذا هو الشرط الأول.

[4] هذا هو الشرط الثاني، ووجه التعدي هو المناط أو العلة المنصوصة.

ص: 327

أو قيل[1] بدخوله في القاعدة المجمع عليها - كما ادعي -، وهي: «لزوم العمل بأقوى الدليلين».

وقد عرفت[2] أن التعدي محل نظر، بل منع[3]؛ وأن الظاهر[4] من القاعدة هو ما كان الأقوائية من حيث الدليلية[5] والكشفية. وكون[6] مضمون أحدهما مظنوناً

----------------------------------

[1] هذا الدليل الثاني للشرط الثاني، وكان الأفضل صياغة العبارة هكذا (لو قيل بالتعدي من المرجحات المنصوصة إما لاستفادة المناط والعلة، وإما لدخوله في القاعدة المجمع...).

[2] شروع في الإشكال على هذه المباني.

أما لزوم الترجيح فقد مرّ عدم ثبوته عند المصنف، بل دلت الأدلة على التخيير ابتداءً - وهذا إشكال لم يذكره المصنف هنا تعويلاً على ذكره سابقاً - .

وأما التعدي: فقد اشكلنا على أدلته الثلاثة التي أقامها الشيخ الأعظم.

وأما قاعدة أقوى الدليلين فقد مرّ أن المتيقن منها ما كانت الأقوائية من حيث الصدور، ولا يُعلم شمول القاعدة للأقوى من حيث المضمون.

[3] إشكال على أصل التعدي؛ لعدم استفادة المناط أو العلة من الأخبار العلاجية.

[4] هذا إشكال على الدليل الثاني للتعدي.

[5] أي: الصدور، «والكشفيّة» عطف تفسيري.

[6] هذا استدلال برجوع المرجح المضموني إلى المرجح الصدوري، فيدخل تحت قاعدة (أقوى الدليلين). وحاصله: إن مطابقة مثل الشهرة الفتوائية مع أحد الخبرين توجب الظن بصدوره، فيدخل هذا الخبر تحت عموم قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر)(1).

و: (فإن المجمع عليه لا ريب فيه)(2).

ص: 328


1- مستدرك الوسائل 17: 303.
2- الكافي 1: 68.

- لأجل مساعدة أمارة ظنية عليه - لا يوجب[1] قوةً فيه من هذه الحيثية[2]، بل هو على ما هو عليه من القوة لو لا مساعدتها[3]، كما لا يخفى.

ومطابقة[4] أحد الخبرين لها[5] لا يكون[6] لازمه الظن بوجود خلل في الآخر

----------------------------------

[1] ردّ هذا الاستدلال، وحاصله: إن مجرد الظن بمضمون أحد الخبرين لا يوجب قوة احتمال صدوره، مثلاً: الخبر الضعيف الذي تطابق مع الشهرة لا يصير سنده قوياً بذلك التطابق، بل يقوى مضمونه، بمعنى الظن بأن هذا المضمون مطابق للواقع.

[2] أي: من حيث الدليليّة - أي: الصدور - «بل هو» أي: أحدهما الذي ساعدت أمارة ظنية عليه.

[3] أي: القوة التي كانت له بدون تلك الأمارة الظنية باقية بحالها بعد تطابقه مع تلك الأمارة الظنيّة.

[4] استدل الشيخ الأعظم(1)

على لزوم الترجيح بالمرجح الخارجي بأن الأمارة الظنيّة - كالشهرة الفتوائية - إذا طابقت أحد الخبرين فلازمه حصول الظن بخلل في الخبر الآخر، إما يظن بعدم صدوره، أو يظن بأنه لم يصدر لبيان الواقع. ومع الظن بخلل فيه يسقط عن الحجية، فيكون من تعارض الحجة مع اللاحجة، فيقدم الخبر المطابق للشهرة - مثلاً - .

[5] للأمارة الظنية - كالشهرة الفتوائية - .

[6] هذا جواب عن إشكال الشيخ الأعظم، وحاصله: إن المراد من الخلل في الخبر الآخر:

1- إن كان عدم وجود شرائط الحجية فهذا محل تأمل؛ إذ قد يحصل القطع بوجود تمام شرائط الحجية في الخبر المخالف للشهرة الفتوائية - مثلاً - فنقطع بصحة سنده، ونقطع بظهوره، ونقطع بعدم موافقته للعامة - مثلاً - ومع ذلك كله يكون

ص: 329


1- فرائد الأصول 4: 140.

إما من حيث الصدور أو من حيث جهته. كيف[1]! وقد اجتمع[2] مع القطع بوجود جميع ما اعتبر في حجية المخالف لو لا معارضة الموافق. والصدق واقعاً[3] لا يكاد يعتبر في الحجية، كما لا يكاد يضر بها الكذب كذلك، فافهم[4].

هذا حال الأمارة الغير المعتبرة(1)

لعدم الدليل على اعتبارها.

أما ما ليس بمعتبر بالخصوص - لأجل الدليل على عدم اعتباره[5] - كالقياس:

----------------------------------

مخالفاً للشهرة الفتوائية - مثلاً - فثبت أن وجود أمارة ظنية مطابقة لأحد الخبرين ليس لازمها الظن بالخلل في الخبر الآخر.

2- وإن كان المراد الظن بعدم مطابقة الآخر مع الواقع فهذا أيضاً محل تأمل؛ وذلك لأنه لا يشترط في لزوم العمل بالخبر أن يظن بمطابقته للواقع، بل يلزم العمل بالخبر الذي له شرائط الحجيّة حتى وإن ظن بكذبه.

[1] أي: كيف يكون لازمه الظن بوجود خلل في الآخر؟

[2] هذا رد الاستدلال بناءً على المراد الأول، «اجتمع» أي: اجتمعت مطابقة أحد الخبرين للأمارة، «جميع ما اعتبر...» أي: القطع بوجود شرائط الحجية في الخبر المخالف للأمارة - من الصدور وجهته ودلالته - «لو لا» أي: جميع شرائط الحجية موجودة إلاّ شرط عدم التعارض.

[3] هذا رد للاستدلال بناءً على المراد الثاني، «بها» بالحجيّة، «كذلك» أي: واقعاً.

[4] لعله إشارة إلى أن دليل حجية الخبر هو بناء العقلاء، ولا بناء لهم على الحجية في صورة كونه خلاف الشهرة الفتوائية.

القسم الثاني

[5] حاصله: إنه لو لا النهي كان يمكن الترجيح بالقياس وأمثاله؛ وذلك للأخبار

ص: 330


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير المعتبرة».

فهو[1] وإن كان كالغير المعتبر(1)، لعدم الدليل بحسب[2] ما يقتضي الترجيح به من الأخبار - بناءً على التعدي - والقاعدة - بناءً على دخول مظنون المضمون في أقوى الدليلين -، إلاّ أن الأخبار الناهية عن القياس وأن السنة[3] إذا قيست محق الدين(2)

مانعة عن الترجيح به، ضرورة[4] أن استعماله في ترجيح أحد الخبرين استعمال له

----------------------------------

العلاجية بناءً على التعدي إلى غير المنصوصة، وكذا لقاعدة أقوى الدليلين بناءً على شمولها لأقوائية المضمون.

ولكن النهي عن استعمال القياس في الدين في أحاديث متواترة يوجب عدم جواز استعماله في الترجيح؛ وذلك لأن ترجيح أحد الخبرين على الآخر أمر مرتبط بالدين.

[1] أي: لو لا النهي لم يكن فرق بين القياس وبين سائر المرجحات غير المعتبرة التي لا نهي عنها، «لعدم الدليل» علة عدم الاعتبار، والمعنى: (كان كالمرجح غير المعتبر الذي عدم اعتباره لأجل عدم قيام دليل على حجيته).

[2] أي: نفس الدليل الذي ذكر في القسم الأول يجري في هذا القسم الثاني لو لا المانع، «ما يقتضي» أي: بحسب الدليل الدال على الترجيح، وهو الأخبار بناءً على التعدي، وكذا قاعدة أقوى الدليلين، وقوله: «من الأخبار... والقاعدة» بيان ل- «مايقتضي...».

وبعبارة أخرى: يوجد في القياس مقتضي الترجيح، ولكن يوجد مانع وهو الأدلة الناهية عن القياس.

[3] هذا نص أحد الأخبار الناهية، ولعل ذكره هنا لبيان أن الأخبار الناهية عن العمل بالقياس غير قابلة للتخصيص.

[4] بيان أن الترجيح بالقياس من مصاديق موضوع الأخبار الناهية، «له» للقياس.

ص: 331


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «كغير المعتبر».
2- الكافي 1: 57.

في المسألة الشرعية الأصولية، وخطره ليس بأقل من استعماله في المسألة الفرعية.

وتوهم[1] «أن حال القياس هاهنا ليس في تحقيق الأقوائية به[2] إلاّ كحاله في ما ينقح به موضوع آخر ذو حكم، من دون اعتماد عليه في مسألة أصولية ولا فرعية» قياس[3] مع الفارق، لوضوح الفرق بين المقام والقياس في الموضوعات الخارجية الصرفة، فإن القياس المعمول فيها ليس في الدين، فيكون[4] إفساده أكثر من إصلاحه؛

----------------------------------

[1] حاصله: إن استعمال القياس في الترجيح ليس استعمالاً له في الدين، بل استعمال له في موضوع خارجي، وهذا ليس منهياً عنه.

مثلاً: من تضرر بالصوم في العام الماضي، ثم يقيس هذه السَنَة بذلك العام، ونتيجة القياس هو أن الصوم ضرري في هذا العام أيضاً، فالضرر ليس حكماً شرعياً، بل هو موضوع خارجي.

[2] جملة «في تحقيق الأقوائية به» معترضة، وكان الأفضل تقديمها على (ليس) بأن يقول: (حال القياس هاهنا في تحقيق الأقوائية به ليس إلاّ كحاله...)، والمعنى: إن الأقوائية موضوع خارجي فلا بأس باستفادتها من القياس، «كحاله» أي: كحال القياس، «به» الضمير يرجع إلى الموصول، «آخر» غير الأقوائية، كالضرر في مثال الصوم، «عليه» على القياس.

[3] هذا جواب التوهم، وحاصله الفرق بين الموردين: فإن تنقيح الموضوع الخارجي لا ربط له بالحكم الشرعي أصلاً، بخلاف الترجيح بالقياس؛ وذلك لأنه لو لا الترجيح بالقياس كانت الوظيفة الشرعية هي التخيير، فبالقياس تغيّر هذا الحكم الشرعي إلى التعيين - أي: ترجيح الخبر المطابق للقياس - وهذا من أظهر مصاديق إعمال القياس في الدين.

وبعبارة أخرى: بالقياس تمّ تغيير الحكم الشرعي من التخيير إلى التعيين.

[4] تفريع على المنفي، لا النفي، والمعنى: القياس المعمول في الموضوعات الصرفة ليس في الدين حتى يكون إفساده... الخ.

ص: 332

وهذا بخلاف المعمول في المقام، فإنه نحو إعمال له في الدين، ضرورة[1] أنه لولاه لما تعين الخبر الموافق له للحجية بعد سقوطه[2] عن الحجية - بمقتضى[3] أدلة الاعتبار - والتخيير[4] بينه وبين معارضه - بمقتضى أدلة العلاج[5] -، فتأمل جيداً.

وأما[6] ما إذا اعتضد بما كان دليلاً مستقلاً في نفسه - كالكتاب والسنة القطعية - :

----------------------------------

[1] بيان لكيفية إعمال القياس في الدين في المقام - وهو الترجيح به - «لولاه» لو لا القياس.

[2] هذا حسب مقتضى القاعدة الأولية، من سقوط الخبرين المتعارضين جميعاً.

[3] أي: لأن أدلة اعتبار الخبر الواحد لا تشمل الخبرين المتعارضين.

[4] عطف على (سقوطه)، أي: وبعد التخيير الذي هو مقتضى القاعدة الثانوية؛ وذلك للإجماع على عدم سقوطهما، وكذا بحسب مقتضى الأخبار العلاجية الدالة على حجية أحدهما.

[5] وكذا الإجماع، كما مرّ، حيث قال المصنف: (فربما يدعى الإجماع على عدم سقوط كلا المتعارضين).

القسم الثالث

[6] بيان للقسم الثالث من المرجحات الخارجية، وهو إذا اعتضد أحد الخبرين بموافقة الكتاب والسنة، فهذا على ثلاثة أنواع:

الأول: أن يكون المخالف مبايناً لهما، فلا إشكال في سقوطه عن الحجية رأساً حتى لو لم يكن له معارض.

الثاني: أن يكون المخالف أخص مطلقاً، مثلاً دل الكتاب على: {أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ}(1)، ودل خبر على حرمة لحم البغل، ودل خبر آخر على حليته - مثلاً - فدليل الحرمة مخالف مع عموم الكتاب، ولكن مخالفة بنحو

ص: 333


1- سورة المائدة، الآية: 1.

فالمعارض المخالف لأحدهما إن كانت[1] مخالفته بالمباينة الكلية فهذه الصورة خارجة عن مورد الترجيح، لعدم حجية الخبر المخالف كذلك من أصله، ولو مع عدم المعارض، فإنه[2] المتَيقن من الأخبار الدالة على أنه زخرف أو باطل أو أنه لم نقله أو غير ذلك.

وإن كانت[3]

----------------------------------

الأخص المطلق، ودليل الحلية متطابق مع عموم الكتاب.

الثالث: أن تكون المخالفة بنحو العموم من وجه.

[1] هذا النوع الأول، «مخالفته» أي: مخالفة المعارض، «كذلك» أي: بالمباينة الكلية.

[2] أي: فإن الخبر المخالف بالمباينة الكلية.

والمقصود: إنه قد اختلف في معنى (المخالف للكتاب)، ولكن القدر المسلّم منه هو المخالف بالمباينة الكلية.

[3] هذا النوع الثاني، مثلاً: ورد خبران في صحة بيع الصبي وعدم صحته، وهناك عموم قرآني وهو: {أَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ}(1)، فالخبر الدال على الصحة متطابق مع هذا العموم، والخبر الدال على عدم الصحة أخص مطلقاً من هذا العموم، فلو كان هذا الخاص لوحده من غير معارض لكان مخصصاً للعموم؛ وذلك لجواز تخصيص عام القرآن بالخبر الواحد.

ولكن مع وجود معارض لهذا الخبر، فهل يُرجح الخبر الآخر المتطابق مع العموم القرآني أم لا؟

مقتضى القاعدة هو شمول أدلة حجية الخبر الواحد لكليهما، فلا يرجح أحدهما على الآخر، فلابد من ملاحظة سائر المرجحات أو التخيير.

إلاّ أن الأخبار الدالة على أخذ الموافق لها إطلاق، فتشمل صورة الموافقة في

ص: 334


1- سورة البقرة، الآية: 275.

مخالفته بالعموم والخصوص المطلق، فقضية القاعدة[1] فيها وإن كانت ملاحظة المرجحات بينه وبين الموافق وتخصيص الكتاب به تعييناً أو تخييراً لو لم يكن[2] الترجيح في الموافق - بناءً[3] على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد -، إلاّ [4] أن الأخبار الدالة على أخذ الموافق من المتعارضين غير قاصرة عن العموم لهذه الصورة[5] لو قيل[6] بأنها في مقام ترجيح أحدهما، لا تعيين الحجة عن اللا حجة، كما نزلناها عليه.

----------------------------------

العموم والخصوص المطلق أيضاً، فلابد من ترجيح الخبر الموافق لعموم القرآن على غيره.

[1] أي: شمول أدلة حجية الخبر الواحد لكليهما، «ملاحظة المرجحات» على مبنى الترجيح، «بينه» أي: بين هذا المخالف، «به» بالمخالف، «تعييناً» إن كان الترجيح مع هذا المخالف، «أو تخييراً» بناءً على عدم الترجيح أو عدم القول بالترجيح.

[2] أي: ترجيح المخالف أو التخيير إنما هو في صورة عدم وجود المرجحات في الموافق، وإلاّ بأن كان الترجيح في الموافق لزم ترجيحه - على مبنى الترجيح - .

[3] أي: تعين المخالف أو التخيير بينهما إنما هو على القول بجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، وأما على مبنى عدم جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد، فإن هذا الخبر ساقط سواء كان له معارض أم لا.

[4] أي: مقتضى القاعدة ما ذكرناه، لكن الدليل يدل على ترجيح الموافق؛ وذلك الدليل هو إطلاق الأدلة الدالة على لزوم أخذ الموافق.

[5] أي: إطلاقها يشمل صورة الموافقة بالعموم والخصوص المطلق.

[6] أي: في مدلول أخبار الموافقة للكتاب احتمالان:

الأول: إنها في مقام التمييز بين حجتين، فعلى هذا الاحتمال إطلاق أخبار الموافقة يشمل ما نحن فيه - وهو تعارض خبرين خاصين، أحدهما موافق للعموم

ص: 335

ويؤيده[1] أخبار العرض على الكتاب الدالة على عدم حجية المخالف من أصله، فإنهما[2]

----------------------------------

القرآني والآخر مخالف لعمومه - .

الثاني: إنها في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة، فالموافق حجة، والمخالف ليس بحجة. فعلى هذا الاحتمال إطلاق أخبار الموافقة لا يشمل ما نحن فيه؛ وذلك لأن الخاصين المتعارضين كلاهما حجة.

وحيث إن المصنف رجح هذا الاحتمال سابقاً فلا يمكنه ترجيح الخاص الموافق على الخاص المخالف؛ لعدم إطلاق لأخبار الموافقة.

[1] «يؤيده» أي: يؤيد أن أخبار الموافقة لتعيين الحجة عن اللاحجة، بعد أن رجح المصنف الاحتمال الثاني أيّده بأن أخبار العرض على القرآن دلت على عدم حجية المخالف للقرآن من أصله.

فلنا طائفتان من الأخبار:

1- ترجيح الموافق على المخالف في المتعارضين.

2- عرض الأخبار - حتى وإن لم يكن لها معارض - على القرآن، وترك المخالف.

فالطائفة الثانية هي في المخالف بالمباينة، ولا تشمل الخاص؛ ولذا ذهب المشهور إلى جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد، فكذلك الطائفة الأولى موردها المخالف بالتباين؛ وذلك لأن ألفاظ الطائفتين واحدة، وهذا يدل على أن المعنى واحد، وحيث إن المعنى في الطائفة الثانية هو المخالفة بالمباينة كذلك في الطائفة الأولى.

فالحاصل: إنه لا يمكن التمسك بأخبار الموافقة لترجيح الخاص الموافق على الخاص المخالف.

[2] أي: أخبار الترجيح بالموافقة، وأخبار العرض على الكتاب.

ص: 336

تفرغان عن لسان واحد، فلا وجه[1] لحمل المخالفة في أحدهما على خلاف المخالفة في الأخرى، كما لا يخفى.

اللهم إلاّ أن يقال[2]: نعم[3]، إلاّ أن «دعوى اختصاص هذه الطائفة[4] بما إذا كانت المخالفة بالمباينة، بقرينة القطع بصدور المخالف الغير(1) المباين عنهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ كثيراً،

----------------------------------

[1] أي: حيث إن لفظ الطائفتين واحد، فلا يصح أن نقول: إن معنى (المخالفة) في الطائفة الأولى هو المخالفة بما يشمل العموم والخصوص المطلق، ثم نقول: إن المخالفة في الطائفة الثانية هو المخالفة بالتباين فقط.

[2] هذا رجوع عن التأييد، ودليل على ترجيح الخاص الموافق على الخاص المخالف. وحاصله: صحيح أن كلا الطائفتين تفرغان عن لسان واحد، لكن لابد من حملهما على معنيين.

ففي الطائفة الأولى: لا محذور من حمل المخالفة على الإطلاق، فتشمل المخالفة بالتباين وبالخصوص المطلق.

وأما الطائفة الثانية: فيراد بها المخالفة بالتباين فقط، ولا يراد بها المخالفة بالعموم والخصوص المطلق؛ وذلك لصدور الأخبار المخصِّصة للقرآن عن الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ قطعاً.

إن قلت: الأخبار المخالفة للقرآن زخرف وباطل، إلاّ الأخبار المخصصة للقرآن التي نقطع بصدورها عن الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ

قلت: تلك الأخبار غير قابلة للتخصيص، فإن مثل: (ما خالف قول ربنا لم نقله) و(زخرف) و(باطل) غير قابل للتخصيص.

[3] أي: نقبل أنهما تفرغان عن لسان واحد، لكن... الخ.

[4] أي: أخبار الطائفة الثانية - وهي أخبار العرض - .

ص: 337


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح «غير المباين».

وإباء مثل: ما خالف قول ربنا لم أقله، أو زخرف، أو باطل، عن التخصيص» غير بعيدة[1].

وإن كانت[2] المخالفة بالعموم والخصوص من وجه، فالظاهر أنها كالمخالفة في الصورة الأولى، كما لا يخفى.

وأما الترجيح[3] بمثل الاستصحاب - كما وقع في كلام غير واحد من الأصحاب(1) - : فالظاهر أنه[4]

----------------------------------

[1] خبر (أن) في قوله: (إلاّ أن دعوى).

[2] هذا النوع الثالث من القسم الثالث.

وحاصله: إن الخبرين المتعارضين إذا كان أحدهما مخالفاً للقرآن بالعموم والخصوص من وجه فلابد من طرحه؛ وذلك لتعارضه مع القرآن في بعض الموارد.

وإنما قال: «فالظاهر» لاحتمال أن يقال بسقوطه في مورد المخالفة وعدم سقوطه في غيره.

القسم الرابع

[3] بيان للقسم الرابع من المرجحات الخارجية، وهو ما إذا كان أحد الخبرين موافقاً للأصل العملي كالاستصحاب.

والظاهر أن الأصل العملي لا يكون مرجحاً أصلاً؛ وذلك لعدم كونه موجباً للأقربية إلى الواقع، ولا الظن به؛ لأن الأصل العملي لا يكشف عن الواقع، بل هو وظيفة عملية.

أما لو قيل: إنّ الاستصحاب وأمثاله هي أمارات وكاشفة عن الواقع، فحينئذٍ يمكن الترجيح بها؛ وذلك لشمول علة الترجيح لهذا المورد، بناءً على التعدي عن المرجحات المنصوصة.

[4] أي: إن الترجيح، «اعتباره» أي: اعتبار مثل الاستصحاب.

ص: 338


1- فرائد الأصول 4: 151.

لأجل اعتباره من باب الظن والطريقية[1] عندهم. وأما بناءً على اعتباره[2] تعبداً من باب الأخبار وظيفةً للشاك - كما هو المختار - كسائر الأصول العملية التي تكون كذلك[3] عقلاً أو نقلاً، فلا وجه للترجيح به أصلاً، لعدم تقوية مضمون الخبر بموافقته، ولو بملاحظة دليل اعتباره[4]، كما لا يخفى.

هذا آخر ما أردنا إيراده، والحمد لله أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً.

----------------------------------

[1] أي: كونه موجباً للظن وكاشفاً عن الواقع.

[2] أي: اعتبار مثل الاستصحاب، «من باب الأخبار» أي: اعتباره عن طريق الأخبار الدالة على أنه أصل عملي.

[3] أي: وظيفة للشاك، «عقلاً» أي: الأصول العملية العقلية، كالبراءة العقلية، «أو نقلاً» أي: الأصول العملية الشرعية كالبراءة الشرعية، «للترجيح به» أي: بمثل الاستصحاب، «بموافقته» أي: بموافقة بمثل الاستصحاب.

[4] أي: الأخبار الدالة على حجية الأصل العملي، تلك الأخبار لا تقوي مضمون الخبر الموافق للأصل العملي.

والمقصود: إن الأصل العملي لا يقوّي مضمون الخبر الموافق له، كما أن دليل الأصل العملي - كصحيحة زرارة في حجية الاستصحاب - لا يقوي مضمون الخبر الموافق للأصل.

ص: 339

ص: 340

الخاتمة في الاجتهاد والتقليد

اشارة

ص: 341

ص: 342

أما الخاتمة: فهي في ما يتعلق بالاجتهاد والتقليد فصل: الاجتهاد لغةً(1)

تحمل المشقة.

واصطلاحاً - كما عن الحاجبي والعلامة(2) - «استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالحكم الشرعي[1]».

وعن غيرهما «ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي[2] من الأصل[3] فعلاً أو قوةً قريبةً[4]».

----------------------------------

فصل في الاجتهاد

[1] أي: أن يفرّغ وقته لكي يحصّل الظن بالحكم الشرعي.

[2] أي: الفقهي، فلا يكفي الملكة في المسائل الأصولية فقط من غير تمكن تطبيقها على المسائل الشرعية الجزئية.

[3] أي: دليل الحكم سواء كان اجتهادياً أم أصلاً عملياً.

[4] فقد يستنبط الحكم بالفعل، وقد يحتاج إلى مراجعة إلى الكتب والروايات، فيستخرج الحكم منها.

وقوله: «أو قوة قريبة» لإخراج مثل طلاب المقدمات والسطوح، حيث قد يتمكنون من الاستنباط بعد إكمالهم دراساتهم، لكن قوتهم بعيدة وليست قريبة.

ص: 343


1- كتاب العين 3: 386؛ الصحاح 2: 460؛ معجم مقاييس اللغة 1: 486.
2- مبادئ الوصول: 240.

ولا يخفى[1]: أن اختلاف عباراتهم في بيان معناه اصطلاحاً ليس من جهة الاختلاف في حقيقته وماهيته[2]، لوضوح أنهم ليسوا في مقام بيان حده أو رسمه، بل إنما كانوا في مقام شرح اسمه والإشارة إليه بلفظٍ آخر وإن لم يكن مساوياً له بحسب مفهومه، كاللغوي في بيان معاني الألفاظ بتبديل لفظ بلفظٍ آخر ولو كان أخص منه مفهوماً أو أعم[3].

ومن هنا[4] انقدح أنه لا وقع للإيراد على تعريفاته بعدم الانعكاس أو الاطراد[5]،

----------------------------------

[1] يرى المصنف أن تعاريفهم كلها شرح الاسم لجهتين:

1- إنه يلزم في التعريف أن يكون أجلى من (المعرَّف)، ولكن في تعاريف القوم يكون المعنى المركوز في الذهن أوضح من تعاريفهم، فلابد أن يكون غرضهم ليس التعريف بل شرح الاسم، وقد ذكر المصنف هذا الإشكال في بحث العام والخاص.

2- إن حقيقة الأشياء خافية على الجميع إلاّ على الله ومن علّمه الله، فلذا لا يمكننا معرفة فصل الأشياء ولا عرضها الخاص.

وفي كلا الأمرين نظر، وسيأتي بيانهما في وجه قول المصنف: (فافهم).

[2] أي: إن الاختلاف إنما هو في التعبير عن حقيقة الاجتهاد، مع اتفاقهم على معناه المركوز في أذهانهم.

[3] (الأخص) مثل: تعريف بني هاشم بأنهم آل محمد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، و(الأعم) مثل: تعريف سعدانة بأنها نبت.

[4] أي: كونهم في مقام شرح الاسم.

[5] أي: بعدم الانعكاس على المصاديق، مثلاً: التعريف الأول لا يشمل استفراغ الوسع لتحصيل القطع بالحكم، أو الوظيفة العملية.

وعدم طرد الأغيار، ففي التعريف الأول يدخل العامي الذي يجنّد كل قواه لاستنباط الحكم الشرعي، فهذا ليس اجتهاداً مع أنه استفراغ الوسع.

ص: 344

كما هو الحال في تعريف جل الأشياء لو لا الكل، ضرورة[1] عدم الإحاطة بها بكنهها أو بخواصها[2] الموجبة لامتيازها عما عداها لغير علام الغيوب، فافهم[3].

وكيف كان، فالأولى[4] «تبديل الظن بالحكم» ب«الحجة عليه»، فإن المناط فيه هو تحصيلها قوةً أو فعلاً، لا الظن، حتى[5] عند العامة القائلين بحجيته مطلقاً، أو بعض

----------------------------------

[1] دليل عدم كون هذه التعاريف حقيقيّة، وهو الدليل الثاني الذي ذكرناه قبل قليل.

[2] (الكنه) في الحدّ، و(الخواص) في الرسم.

[3] إشارة إلى أن القوم كانوا في صدد التعريف الحقيقي؛ ولذا أطالوا الكلام والنقض والإبرام. نعم، يرد عليهم الإشكال، لكن وروده عليهم ليس بمعنى عدم قصدهم للتعريف الحقيقي.

وأما الإشكال: بأن المعنى المركوز أوضح وأجلى من تعريفاتهم. ففيه - كما قيل(1)

- : أن معنى الأجلى هو كونه أجلى وأوضح في بيان الحقيقة والماهية، لا كونه أوضح وأجلى من (المعرَّف) مفهوماً، وإلاّ فما من تعريف حقيقي بالحد أو الرسم إلاّ و(المعرَّف) هو أوضح وأجلى منه مفهوماً، كالإنسان والحيوان الناطق.

[4] أي: الأحسن في التعريف الأول، «عليه» على الحكم، «فيه» في الاجتهاد، «تحصيلها» الحجة.

[5] حاصله: إ ن الذين قالوا بحجية الظن اعتبروه أحد أفراد الحجة، فالعلم أيضاً حجة، والأصل العملي أيضاً حجة، فتحصيل العلم بالحكم الشرعي أيضاً اجتهاد، كما أن تحصيل الأصل العملي اجتهاد أيضاً، «بحجيته» الظن، «بها» بحجية الظن.

ص: 345


1- عناية الأصول 2: 234.

الخاصة القائل بها عند انسداد باب العلم بالأحكام(1)،

فإنه[1] مطلقاً عندهم أو عند الانسداد عنده من أفراد الحجة؛ ولذا لا شبهة في كون استفراغ الوسع في تحصيل غيره من أفرادها[2] - من العلم بالحكم أو غيره مما اعتبر من الطرق التعبدية الغير المفيدة(2)

للظن ولو نوعاً[3] - اجتهاداً أيضاً.

ومنه[4] قد انقدح أنه لا وجه لتأبي الأخباري عن الاجتهاد بهذا المعنى[5]، فإنه لا محيص عنه، كما لا يخفى. غاية الأمر[6] له أن ينازع في حجية بعض ما يقول الأصولي باعتباره، ويمنع عنها. وهو غير ضائر بالاتفاق على صحة الاجتهاد بذاك المعنى، ضرورة أنه ربما يقع بين الأخباريين، كما وقع بينهم وبين الأصوليين.

----------------------------------

[1] فإن الظن، «مطلقاً» سواء انسد باب العلم أم لا، «عندهم» العامة، «عنده» بعض الخاصة.

[2] غير الظن من أفراد الحجة، «من العلم...» (من) بيانية لبيان غير الظن من أفراد الحجة، «غيره» غير العلم كالأصل العملي، «مما» بيان ل- «غيره».

[3] أي: الأصول العملية التي هي طرق تعبدية لكنها لا تفيد الظن - لا الظن النوعي ولا الظن الشخصي - و«اجتهاداً» خبر (كون).

[4] أي: مما بيناه من أن الاجتهاد هو لتحصيل الحجة يظهر أن إشكال الأخباريين على الاجتهاد لا وجه له، بل نفس علماء الأخباريين يستفرغون وسعهم لتحصيل الحجة الشرعية.

[5] أي: بمعنى تحصيل الحجة.

[6] أي: كبرى الاجتهاد - وهو تحصيل الحجة - لازمة، وحتى الأخباريين أيضاً يفعلون ذلك.

نعم، قد يكون اختلاف في الصغرى - وهو مصاديق الحجة - وهذا الاختلاف

ص: 346


1- قوانين الأصول 1: 282.
2- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير المفيدة».

فصل: ينقسم الاجتهاد إلى مطلق وتجزّي:

فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الأحكام الفعلية[1] من أمارة معتبرة، أو أصل معتبر عقلاً أو نقلاً في الموارد التي لم يظفر فيها بها[2].

----------------------------------

لا يضر بالكبرى؛ ولذا قد يختلف الأصوليون في ما بينهم في حجيّة بعض الأدلة، كما قد يختلف الأخباريون في ما بينهم؛ ولذا قد تختلف فتاوى علمائهم في بعض المسائل، كما قد يختلف الأصوليون والأخباريون في بعض مصاديق الحجة - مثل: حجية ظاهر الكتاب - .

فصل الاجتهاد المطلق والمتجزئ

اشارة

الغرض من هذا الفصل هو بيان إمكان التجزئ في الاجتهاد، وقد استطرد المصنف في أثناء البحث وتكلم حول صحة أوعدم صحة تقليد المجتهد الانسدادي، وكان الأفضل بحثه في فصل مستقل.

وكيف كان فهنا عدة أمور:

1- إمكان ووقوع الاجتهاد المطلق.

2- في تقليد المجتهد المطلق.

3- في نفوذ حكم المجتهد المطلق.

4- في التجزئ في الاجتهاد.

الأمر الأول: امكان ووقوع الاجتهاد المطلق

[1] أي: التي وصلت إلى مرحلة الفعلية، سواء كانت عن طريق أمارة أم أصل.

وإنما لم يقل: (الشرعية) لتدخل الأحكام التي دليلها العقل، كما قال: (أو أصل معتبر عقلاً).

[2] لم يظفر في تلك الموارد بالأمارة.

ص: 347

والتجزي هو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام.

ثم إنه لا إشكال في إمكان المطلق وحصوله[1] للأعلام. وعدم التمكن[2] من الترجيح في المسألة وتعيين حكمها والتردد منهم في بعض المسائل إنما هو[3] بالنسبة إلى حكمها الواقعي، لأجل عدم دليل مساعد في كل مسألة عليه، أو عدم الظفر به بعد الفحص عنه بالمقدار اللازم، لا لقلة الإطلاع أو قصور الباع. وأما بالنسبة إلى حكمها الفعلي[4] فلا تردد لهم أصلاً.

كما لا إشكال[5]

----------------------------------

[1] «إمكانه» عقلاً، و«حصوله» خارجاً.

[2] إشكال، وحاصله: هناك مسائل كثيرة تردد فيها العلماء، ودونك كتاب (الشرائع) حيث تردد المحقق الحلي في عشرات المسائل، مع أنه لا إشكال في كونه مجتهداً مطلقاً، فكيف عرّفتم الاجتهاد المطلق ب- (ما يقدر به على استنباط... الخ)؟

[3] هذا جواب عن الإشكال، وحاصله: إن ترددهم في الحكم الواقعي لعدم وجود دليل أو لعدم العثور عليه بعد الفحص، وأما الحكم الظاهري فلا تردد لهم فيه؛ وذلك بإجراء مثل: أصل البراءة ونحوها.

[4] أي: الظاهري.

الأمر الثاني: العمل بفتوى المجتهد المطلق

اشارة

[5] هنا بحوث أربعة:

الأول: عمل المجتهد المطلق برأيه، وهذا لا إشكال فيه بالإجماع؛ ولأنه قاطع بالحكم الظاهري، فلا يجوز له الرجوع إلى غيره.

الثاني: عمل العامي بفتوى المجتهد الانفتاحي، وهذا لا إشكال فيه أيضاً؛ لشمول أدلة التقليد له.

الثالث: عمل العامي بفتوى المجتهد الانسدادي إذا كان يرى حجية الظن من

ص: 348

في جواز العمل بهذا الاجتهاد[1] لمن اتصف به.

وأما لغيره[2] فكذا لا إشكال فيه، إذا كان المجتهد ممن كان باب العلم أو العلمي بالأحكام مفتوحاً له، على ما يأتي من الأدلة على جواز التقليد.

بخلاف ما إذا انسد عليه بابهما[3]، فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال[4]، فإن رجوعه إليه ليس من رجوع الجاهل إلى العالم بل إلى الجاهل، وأدلة جواز التقليد إنما دلت على جواز رجوع غير العالم إلى العالم، كما لا يخفى؛ وقضية

----------------------------------

باب حكومة العقل.

الرابع: عمل العامي بفتوى المجتهد الانسدادي إذا كان يرى حجية الظن من باب الكشف عن الحكم الشرعي.

[1] أي: المطلق، وهذا البحث الأول.

[2] أي: لغير المتصف بهذا الاجتهاد المطلق «فكذا...» إشارة إلى البحث الثاني.

[3] على المجتهد باب العلم والعملي.

تقليد الانسدادي على الحكومة

[4] هذا هو البحث الثالث، وهو تقليد المجتهد الانسدادي على الحكومة، فإن أدلة التقليد لا تشمله؛ وذلك لأن أدلة التقليد دلت على رجوع الجاهل إلى العالم، والانسدادي على الحكومة غير عالم بالحكم الشرعي، لا الواقعي ولا الظاهري، وإنما حَكَم عليه العقل بلزوم اتباع الظن، فاتباعه للظن ليس حكماً شرعياً، ولا يُنتج حكماً شرعياً، فهو جاهل بالحكم الشرعي، وإنما يعمل بالوظيفة العقلية.

إن قلت: دليل الانسداد دل على حجية الظن.

قلت: دليل الانسداد لا يثبت جواز التقليد، بل يثبت جواز العمل بالظن لمن جرت في حقه مقدمات الانسداد - وهو المجتهد فقط - .

وقد يستدل على جواز تقليده بدليلين:

ص: 349

مقدمات الانسداد ليست إلاّ حجية الظن عليه لا على غيره. فلابد في حجية اجتهاد مثله[1] على غيره من التماس دليل آخر غير دليل التقليد وغير دليل الانسداد الجاري في حق المجتهد من[2] إجماع أو جريان مقدمات دليل الانسداد في حقه بحيث تكون منتجة لحجية الظن الثابت حجيته[3] بمقدماته له أيضاً.

ولا مجال[4] لدعوى الإجماع. ومقدماته كذلك[5]

----------------------------------

الأول: الإجماع. وفيه: إن مسألة تقليد الانسدادي مستحدثة فلا مجال للإجماع فيها.

الثاني: إجراء المقلد لمقدمات الانسداد بنفسه. وفيه: عدم تمكنه من إثبات مقدماته، كما سيأتي بعد قليل.

[1] أي: المجتهد الانسدادي على الحكومة.

[2] «من» بيانية، لبيان (دليل آخر)، «في حقه» حق العامي، «تكون» مقدمات الانسداد التي يجريها العامي.

[3] أي: بعد إجراء العامي لمقدمات الانسداد تنتج حجية الظن له، ومن الظنون فتوى المجتهد الانسدادي، «بحيث تكون» المقدمات التي يجريها العامي، «منتجة لحجية الظن» أي: فتوى المجتهد الانسدادي التي وصل إليها عبر الظن، «الثابت حجيته» حجية ظن المجتهد، «بمقدماته» أي: بمقدمات الانسداد؛ لأن المفروض أن المجتهد انسدادي، «له» للعامي و«له» متعلق ب- (لحجيّة).

والحاصل: أن يجري العامي مقدمات الانسداد ليكون ظن المجتهد الانسدادي حجة له أيضاً، كما كان حجة لنفس المجتهد.

[4] شروع في الإشكال على الدليلين الذين أقيما على جواز تقليد المجتهد الانسدادي على الحكومة.

[5] أي: بحيث تكون منتجة لحجية ظن المجتهد للعامي.

ص: 350

غير جارية في حقه؛ لعدم[1] انحصار المجتهد به، أوعدم[2] لزوم محذور عقلي من عمله بالاحتياط، وإن لزم منه العسر إذا لم يكن له[3] سبيل إلى إثبات عدم وجوبه مع عسره.

نعم[4]، لو جرت المقدمات كذلك[5]، بأن انحصر المجتهد ولزم من الاحتياط المحذور، أو لزم منه العسر مع التمكن من إبطال وجوبه حينئذٍ كانت[6] منتجة لحجيته

----------------------------------

ولكن بعض مقدمات الانسداد غير جارية في حق العامي، وهي المقدمة الثانية والرابعة.

أما عدم جريان المقدمة الثانية - وهي (انسداد باب العلم والعلمي) - فلانفتاح باب العلمي على العامي مع وجود المجتهد الانفتاحي.

وأما عدم جريان المقدمة الرابعة فلأنّ العامي لا يتمكن من إثبات عدم وجوب الاحتياط إذا أوجب العسر؛ إذ هذا حكم لا يتمكن من إثباته إلاّ المجتهد، ولا دليل عقلي على عدم لزوم الاحتياط العَسِر. نعم، إذا أوجب الاحتياط اختلال النظام فإن العقل يدل على عدم وجوبه، وهذا الحكم واضح للجميع.

[1] هذا بيان عدم تمامية المقدمة الثانية، «به» بالانسدادي.

[2] هذا بيان عدم تمامية المقدمة الرابعة.

[3] للعامي، «عدم وجوبه» الاحتياط.

[4] أي: إذا تمت مقدمات الانسداد، بأن انحصر المجتهد في الانسدادي، بحيث يقطع العامي بانسداد باب العلم والعلمي، وكذا إذا كان العامي فاضلاً بحيث تمكن من إثبات عدم وجوب الاحتياط العَسِر، أو كان الاحتياط موجباً لاختلال النظام، فحينئذٍ تتم مقدمات الانسداد للعامي، فيجوز له تقليد المجتهد الانسدادي.

[5] أي: بحيث تكون منتجة لحجية الظن للعامي، «المحذور» أي: اختلال النظام، «منه» من الاحتياط، «وجوبه» وجوب الاحتياط، «حينئذٍ» أي: حين استلزامه للعسر.

[6] جزاء (لو) في قوله: (نعم، لو جرت المقدمات...) «لحجيته» الظن، «حقه»

ص: 351

في حقه أيضاً، لكن دونه خرط القتاد.

هذا على تقدير الحكومة.

وأما على تقدير الكشف[1] وصحته[2]: فجواز الرجوع إليه في غاية الإشكال، لعدم[3] مساعدة أدلة التقليد على جواز الرجوع إلى من اختص حجية ظنه به، وقضية

----------------------------------

العامي، «أيضاً» كالمجتهد، «دونه» أي: دون جريان المقدمات.

تقليد الانسدادي على الكشف

[1] حاصله: ورود إشكالين على جواز تقليد المجتهد الانسدادي القائل بحجية الظن من باب كشفه عن الحكم الشرعي.

الأول: إن مقدمات الانسداد تدل على حجية الظن على من تمّت في حقه تلك المقدمات لا غيره، والعامي لم تتم في حقه تلك المقدمات؛ لأنها بحاجة إلى إعمال نظر.

وأما أدلة التقليد فهي لا تشمل هذا المجتهد؛ لأنها تدل على جواز الرجوع إلى من توصل إلى الحكم العام للجميع، أما من توصل إلى حكم خاص بنفسه فلا يجوز تقليده في ذلك الحكم.

مثلاً: من جاز له شيء لاضطراره إليه لا يجوز تقليده في ذلك الجواز إلاّ إذا اضطر المقلِّد أيضاً، أما غير المضطر فلا يجوز له ذلك كما هو واضح، وهكذا حجية الظن على الانسداد إنما هي لمن تمت في حقه تلك المقدمات لا لغيره.

[2] هذا إشارة إلى الإشكال الثاني، أي: بناءً على صحة الكشف، ولكن المصنف لا يرتضي ذلك، وكما سيأتي بعد قليل إن مقدمات الانسداد لو تمت فإنما تدل على حجية الظن من باب حكومة العقل لا الكشف.

[3] هذا الإشكال الأول، وهو مركب من مقدمتين:

1- الصغرى: وهي قوله: (و قضية مقدمات... الخ)، أي: مقدمات الانسداد

ص: 352

مقدمات الانسداد اختصاص حجية الظن بمن جرت[1] في حقه دون غيره؛ ولو سلم[2] أن قضيتها كون الظن المطلق معتبراً شرعاً، كالظنون الخاصة التي دل الدليل على اعتبارها بالخصوص، فتأمل[3].

إن قلت[4]:

----------------------------------

تقتضي حجية الظن لمن تمت في حقه تلك المقدمات لا لغيره؛ إذ من تلك المقدمات أن الاحتياط موجب للعسر والحرج، وهما شخصيّان لا نوعيان، وكذا من المقدمات انسداد باب العلمي، وهذا أيضاً شخصي.

2- الكبرى: وهي قوله: (لعدم مساعدة... الخ).

[1] أي: جرت تلك المقدمات.

[2] وهذا بيان للإشكال الثاني، «قضيتها» مقدمات الانسداد، «معتبراً شرعاً» أي: الحجية على الكشف.

[3] لعلّه إشارة إلى أن عمدة أدلة التقليد هي (سيرة العقلاء في الرجوع إلى أهل الخبرة)، ومن المعلوم أن الانسدادي - سواء على الحكومة أم على الكشف - هو من أهل الخبرة، لا فرق بينه وبين الانفتاحي إلاّ في الدليل على حجية مثل: الخبر الواحد؛ ولذا لا نجد فرقاً في الفتاوى بين المجتهد الانفتاحي والانسدادي، إلاّ بالمقدار الموجود بين الانفتاحيين أنفسهم.

[4] حاصله: إنّ دليل التقليد كما لا يشمل الانسدادي، كذلك لا يشمل الانفتاحي؛ وذلك لأن الانفتاحي أيضاً غير عالم بالحكم الواقعي، أما الحكم الظاهري فقد سبق إنكار المصنف وجوده، بل قال بالتنجيز في صورة الإصابة والتعذير في صورة الخطأ.

والحاصل: المجتهد الانفتاحي لا يعلم بالحكم الواقعي - لأن أدلته ظنية غالباً - ولا يعلم بالحكم الظاهري؛ لعدم وجود حكم ظاهري أصلاً، فتكون سالبة بانتفاء الموضوع.

ص: 353

حجية الشيء شرعاً، مطلقاً[1]، لا يوجب القطع بما أدى إليه من الحكم ولو ظاهراً[2]، كما مر تحقيقه، وأنه ليس أثره إلاّ تنجز الواقع مع الإصابة والعذر مع عدمها، فيكون رجوعه إليه[3] مع انفتاح باب العلمي عليه أيضاً رجوعاً إلى الجاهل، فضلاً عما إذا انسد عليه.

قلت[4]: نعم، إلاّ أنه عالم بموارد قيام الحجة الشرعية على الأحكام، فيكون من رجوع الجاهل إلى العالم.

إن قلت[5]: رجوعه إليه في موارد فقد الأمارة المعتبرة عنده - التي يكون المرجع

----------------------------------

[1] «مطلقاً» قيد ل- «الشيء»، أي: سواء كان من الأمارات أم من الظن الانسدادي على الكشف، أما على الحكومة فلا يكون حجية شرعية، بل يكون بحكم العقل.

[2] أما الحكم الواقعي فلا يحصل به القطع من الأدلة الظنية.

وأما القطع بالحكم الظاهري فهو سالبة بانتفاء الموضوع؛ إذ لا حكم ظاهري أصلاً، بل تنجيز وتعذير، «بما» فسّر الموصول بقوله: «من الحكم»، «وأنه» العطف تفسيري لبيان ما حقَّقه سابقاً، «أنه» للشأن، «أثره» أي: أثر الحجيّة.

[3] رجوع الجاهل إلى المجتهد، «عليه» المجتهد.

[4] الجواب: إن العامي لا يرجع إلى المجتهد الانفتاحي في الحكم، بل في دليل الحكم، والمجتهد قاطع بالدليل، مثلاً: لو قام خبر واحد معتبر على حكم فإن المجتهد يقطع بقيام الدليل، فهو عالم بذلك فيرجع إليه المقلد. نعم، المجتهد قد يفصّل للمقلد فيقول له: هذا مما قام عليه الدليل المعتبر، وقد يبين له الحكم من دون هذا التفصيل.

«نعم» اعتراف بأن المجتهد الانفتاحي ليس عالماً بغالب الأحكام، «أنه» المجتهد الانفتاحي.

[5] حاصله: إن هناك مواردَ لا يكون المجتهد الانفتاحي عالماً بقيام الحجة الشرعية،

ص: 354

فيها الأصول العقلية[1] - ليس إلاّ الرجوع إلى الجاهل[2].

قلت[3]: رجوعه إليه فيها إنما هو لأجل اطلاعه على عدم الأمارة الشرعية فيها[4]، وهو عاجز عن الاطلاع على ذلك. وأما تعيين ما هو حكم العقل وأنه مع عدمها هو البراءة أو الاحتياط[5] فهو إنما يرجع إليه؛ فالمتبع ما استقل به عقله ولو

----------------------------------

وتلك الموارد هي مع فقد الأمارات والأصول العملية الشرعية، ووصول النوبة إلى الأصول العقلية، فهنا المجتهد عالم بالحكم العقلي وليس بالحكم الشرعي، والتقليد إنما هو في الأحكام الشرعية لا غيرها، «رجوعه» العامي، «إليه» إلى المجتهد الانفتاحي، «عنده» عند هذا المجتهد.

[1] وهي البراءة العقلية الذي دليلها قبح العقاب بلا بيان، والاحتياط العقلي الذي مورده بعض موارد العلم الإجمالي، والتخيير العقلي الذي مورده في دوران الأمر بين الفعل والترك - كما مرّ مفصلاً - .

[2] أي: الجاهل بالحكم الشرعي.

[3] حاصل الجواب: إن العامي يقلّد المجتهد في أمر شرعي، وهو عدم وجود أمارة أو أصل عملي شرعي في المورد، وحينئذٍ يتحقق موضوع الأصل العقلي، فلا تقليد فيه، بل يرجع العامي إلى عقله ليرى أن المورد من مصاديق أيّ الأصول العقلية، حتى وإن خالف تشخيص المجتهد!! نظير الموضوعات الخارجية، حيث يأخذ العامي حكمها من المجتهد، أما تشخيص تلك الموضوعات فهي مرتبطة به لا بالمجتهد.

[4] أي: في موارد فقد الأمارة... الخ، «ذلك» أي: فقد الأمارة والأصل الشرعي.

[5] أو التخيير العقلي، «فهو» العامي، «إليه» أي: إلى حكم العقل لا إلى حكم المجتهد.

ص: 355

على خلاف ما ذهب إليه مجتهده، فافهم[1].

وكذلك[2] لاخلاف ولا إشكال في نفوذ حكم المجتهد المطلق إذا كان باب العلم أو العلمي له مفتوحاً.

وأما إذا انسد عليه[3] بابهما: ففيه إشكال على الصحيح من تقرير المقدمات

----------------------------------

[1] لعله إشارة إلى أن تشخيص حكم العقل لا يتيسر للعامي عادة؛ لأن مقدماته غامضة عليه في أغلب الموارد؛ ولذا كان بحث العلم الإجمالي من المسائل الصعبة في الأصول مع كونه بحكم العقل.

الأمر الثالث: نفوذ حكم المجتهد المطلق

[2] المجتهد الانفتاحي عالم بالحكم الشرعي فتنطبق عليه أدلة نفوذ حكم القاضي، كقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في المقبولة: (ينظران إلى من كان منكم مَن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حَكَماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف... الخ)(1).

[3] على القول بأن مقدمات الانسداد تنتج حجية الظن على الكشف، فإن المجتهد الانسدادي عالم بالحكم الشرعي، فتشمله أدلة نفوذ حكم القاضي.

وأمّا على الحكومة - كما يذهب إليه المصنف لو تمت المقدمات - : فإن في نفوذ حكمه إشكالاً؛ وذلك لعدم شمول أدلة القضاء لهذا المجتهد الانسدادي، فلا ينطبق عليه قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (عرف أحكامنا) بل هو عرف أحكام العقل!!

وقيل(2)

في الجواب عن الإشكال: أولاً: بأنه لم يفصّل أحد بين جواز القضاء للانفتاحي وعدم جوازه على الانسدادي.

وثانياً: إن الانسدادي على الحكومة عالم بجملة لا بأس بها من أحكام الشرع،

ص: 356


1- تهذيب الأحكام 6: 302.
2- الوصول إلى كفاية الأصول 5: 400.

على نحو الحكومة[1]، فإن مثله - كما أشرت آنفاً - ليس ممن يعرف الأحكام، مع أن معرفتها معتبرة في الحاكم، كما في المقبولة[2].

إلاّ أن يدعى[3] عدم القول بالفصل؛ وهو[4] وإن كان غير بعيد، إلاّ أنه ليس بمثابة يكون حجة على عدم الفصل.

إلاّ أن يقال[5] بكفاية انفتاح باب العلم في موارد الإجماعات والضروريات من الدين أو المذهب والمتواترات إذا كانت جملة يعتد بها، وإن انسد باب العلم بمعظم

----------------------------------

كموارد الإجماعات المحصّلة، والضروريات، والمتواترات ونحوها، فصدق عليه (عرف حلالنا وحرامنا).

وفيهما نظر: أما الأول: فإن عدم القول بالفصل لا ينفع؛ إذ لعلّه للغفلة عن بحث الانسداد، وخاصّة إنه بحث مستحدث، وإنما النافع القول بعدم الفصل؛ وذلك بأن يصرّح بعدم الفرق.

وأما الثاني: فقد ارتضاه المصنف لكنه لا يخلو من تأمل؛ لأن المراد في المقبولة معرفة حكم الواقعة لا معرفة أحكام شرعية لا ترتبط بالواقعة.

[1] نعم، لو قيل بالكشف فلا إشكال، «مثله» أي: المجتهد الانسدادي على الحكومة، «أشرت آنفاً» في الإشكال على تقليد الانسدادي.

[2] في قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (عرف أحكامنا).

[3] إشارة إلى الجواب الأول عن هذا الإشكال.

[4] أي: عدم القول بالفصل غير مستبعد؛ لأنا لم نجد فقيهاً قال بعدم نفوذ حكم القاضي الانسدادي، «إلاّ أنه...» إشارة إلى عدم فائدة (عدم القول بالفصل)، إذ المفيد (القول بعد الفصل).

[5] إشارة إلى الجواب الثاني عن الإشكال، وكان الأولى تغيير العبارة إلى (أو يقال...)، لأنه عطف على قوله: (إلاّ أن يدعى عدم القول بالفصل).

ص: 357

الفقه، فإنه يصدق عليه حينئذٍ أنه ممن روى حديثهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ ونظر في حلالهم وحرامهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وعرف أحكامهم عرفاً حقيقةً[1].

وأما قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ[2] في المقبولة: «فإذا حكم بحكمنا»: فالمراد أن مثله[3] إذا حكم كان بحكمهم حكم، حيث كان منصوباً منهم، كيف[4]! وحكمه غالباً يكون في الموضوعات الخارجية، وليس مثل ملكية دار لزيد أو زوجية امرأة له من أحكامهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، فصحة إسناد حكمه إليهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ إنما هو لأجل كونه من المنصوب من قبلهم.

وأما التجزي في الاجتهاد ففيه مواضع من الكلام:

----------------------------------

[1] متعلق بقوله: (فإنه يصدق عليه)، أي: يصدق على الانسدادي صدقاً عرفياً وحقيقياً لا مجازياً بأنه عرف أحكامهم ونظر... الخ.

[2] هذا إشكال على الجواب الثاني مع دفعه، وحاصله:

إن قلت: صحيح أن الانسدادي - على الحكومة - يعرف جملة من أحكامهم، ولكن في خصوص الواقعة التي يحكم فيها لا يعرف حكمهم، بل يحكم طبقاً للعقل لا لحكمهم، فلا تصدق عليه أدلة نفوذ حكم القاضي كقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (فإذا حكم بحكمنا).

قلت: إن المراد من (بحكمنا) ليس الحكم الشرعي، بل المراد منه (بتعييننا) أي: حكم بسبب نصبنا له للقضاء. والدليل على هذا المراد أن غالب أحكام القاضي هي في الموضوعات الخارجية، وهي لا ترتبط بالأحكام الشرعية!!

[3] أي: المجتهد الذي نظر في حلالهم وحرامهم... الخ، «بحكمهم» أي: بنصبهم له في القضاء.

[4] أي: كيف يمكن في قوله: (فإذا حكم بحكمنا) أن يريد عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ الحكم الشرعي، مع أن غالب أحكام القضاة في الموضوعات الخارجية؟

ص: 358

الأول: في إمكانه[1] وهو وإن كان محل الخلاف بين الأعلام(1)،

إلاّ أنه لا ينبغي الارتياب فيه، حيث كان[2] أبواب الفقه مختلفة مدركاً، والمدارك متفاوتة سهولة وصعوبة، عقلية ونقلية، مع[3] اختلاف الأشخاص في الاطلاع عليها وفي طول الباع وقصوره بالنسبة إليها، فرب شخص كثير الاطلاع وطويل الباع في مدرك باب بمهارته في النقليات أو العقليات، وليس كذلك في آخر، لعدم مهارته فيها[4] وابتنائه عليها. وهذا بالضرورة ربما يوجب حصول القدرة على الاستنباط في بعضها

----------------------------------

الأمر الرابع: في التجزي في الاجتهاد

[1] يدل على إمكان التجزي في الاجتهاد أمور، منها:

1- تفاوت أدلة الأحكام، فبعض الأبواب أدلتها سهلة، وبعضها أدلتها صعبة، وقد يصل بعض الفضلاء إلى درجة تمكنهم من استنباط الأحكام التي أدلتها سهلة.

2- اختلاف الأشخاص في مهاراتهم بالنسبة إلى بعض الأدلة، فبعض الناس له قوة عقلية بحيث يتمكن من استنباط الأحكام إذا كانت مداركها عقلية، وبعضهم له قوة في الألفاظ والمنقولات.

3- استحالة الاجتهاد المطلق إذا لم يكن مسبوقاً بالتجزي؛ وذلك لاستحالة الطفرة، بل لابد في تغيّر الشيء من مقدمات. والطفرة محال عادي لا محال ذاتي؛ إذ يمكن أن يفيض الله تعالى هذه الأمور من غير مقدمات.

[2] إشارة إلى الدليل الأول.

[3] إشارة إلى الدليل الثاني، «عليها» على المدارك.

[4] لعدم مهارة ذلك الشخص، «فيها» في العقليات أو النقليات، «ابتنائه» المدرك، «عليها» على العقليات أو النقليات، «هذا» طول الباع وقصره في المدرك.

ص: 359


1- معالم الدين: 238.

لسهولة مدركه أو لمهارة الشخص فيه مع[1] صعوبته مع عدم القدرة على ما ليس كذلك، بل[2] يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادةً غير مسبوق بالتجزي، للزوم الطفرة[3]. وبساطة[4] الملكة وعدم قبولها التجزية لا تمنع[5] من حصولها بالنسبة

----------------------------------

[1] أي: المهارة مع كونه صعباً، «مع عدم...» هذا عِدل قوله: (حصول القدرة على...).

[2] إشارة إلى الدليل الثالث، «عادة» لأنه محال عادي وليس محالاً ذاتياً.

[3] أي: تبدل وجود إلى آخر، أو انتقال من حالة إلى أخرى من غير مقدمات، فإنه يستحيل وجود الشيء من دون مقدمته.

[4] استدل القائلون بعدم إمكان التجزي:

أولاً: بأنّ التجزي معناه تقسيم الملكة إلى أجزاء، وهذا غير صحيح؛ لأن الملكة أمر بسيط لا جزء له حتى يمكن تقسيمه.

وفيه: إن التجزي لا يستلزم تقسيم الملكة، بل هي أمر بسيط ذو مراتب، فبعض مراتبها شديد وبعضها ضعيف، وبعبارة أخرى: متعلق الملكة مختلف لا أن الملكة ذو أجزاء.

وثانياً: بأن مدارك الأحكام متناثرة في مختلف الأبواب، فالمهارة في باب قد لا يوجب الاطلاع على كل مداركه.

وفيه: بأن الاطلاع على كل مدارك أيِّ باب من الأبواب أمر متيسر، وخاصة مع المراجعة إلى مختلف الكتب الفقهية؛ إذ ذكر الفقهاء في تصنيفاتهم في كل باب جميع الأدلة وما استدل به، بل حتى ما يحتمل أن يكون دليلاً، إذن فلا احتمال لوجود دليل في سائر الأبواب، ولو فرض وجود هذا الاحتمال فلا يكون مضراً في المتجزي، كما لم يكن مضراً في المجتهد المطلق؛ لأن الفحص بالمقدار الكافي كافٍ.

[5] الجواب عن الدليل الأول للمانعين، «حصولها» الملكة، «بها» أي: بسبب تلك الملكة، «بمداركه» أي: مدارك ذلك البعض.

ص: 360

إلى بعض الأبواب بحيث يتمكن بها من الإحاطة بمداركه، كما إذا كانت هناك ملكة الاستنباط في جميعها؛ ويقطع[1] بعدم دخل ما في سائرها به أصلاً، أو لا يعتنى باحتماله، لأجل الفحص بالمقدار اللازم الموجب للاطمئنان بعدم دخله، كما في الملكة المطلقة[2]، بداهة أنه لا يعتبر في استنباط مسألة معها من الاطلاع فعلاً على مدارك جميع المسائل، كما لا يخفى.

الثاني: في حجية ما يؤدي إليه على المتصف به[3] وهو أيضاً محل الخلاف، إلاّ أن[4] قضية أدلة المدارك[5] حجيته، لعدم اختصاصها بالمتصف بالاجتهاد المطلق، ضرورة أن بناء العقلاء على حجية الظواهر مطلقاً[6]، وكذا ما دل على حجية خبر الواحد، غايته تقييده[7]

----------------------------------

[1] هذا إشارة إلى الجواب عن الدليل الثاني، «سائرها» سائر الأبواب، «به» أي: ببعض الأبواب، «بعدم دخله» أي: عدم دخل ما في سائرها.

[2] أي: لا يشترط في استنباط حكم باب من الأبواب من استحضار كل أدلة الأحكام الشرعية حتى للمجتهد المطلق، كما هو واضح، «معها» مع الملكة المطلقة.

[3] أي: في حجية اجتهاد المتجزي على نفسه، «به» بالتجزّي في الاجتهاد.

[4] هذا دليل الحجيّة، وحاصله: عموم دليل اعتبار الخبر الواحد والظواهر وغيرهما، فدليل الاعتبار دل على وجوب العمل بتلك الأدلة، لكن خرج العامي لعدم تمكنه من ذلك.

[5] أي: الأدلة الدالة على اعتبار الخبر الواحد والظواهر ونحوهما.

[6] أي: على الجميع سواء كان مجتهداً مطلقاً أم متجزياً أم غيرهما، ثم إن ذكر الظواهر والخبر الواحد من باب المثال.

[7] أي: تقييد بناء العقلاء على الاعتبار في المثالين، «معارضاته» أي: معارضات الخبر، وكذا معارضات الظهور، مثل: أن لا يكون هناك مخالف أظهر.

ص: 361

بما إذا تمكن من دفع معارضاته، كما هو المفروض[1].

الثالث[2]: في جواز رجوع غير المتصف به إليه في كل مسألة اجتهد فيها وهو أيضاً محل الإشكال، من أنه[3] من رجوع الجاهل إلى العالم، فتعمه أدلة جواز التقليد؛ ومن[4] دعوى عدم إطلاق فيها وعدم إحراز أن بناء العقلاء أو سيرة المتشرعة على الرجوع إلى مثله أيضاً؛ وستعرف إن شاء الله تعالى ما هو قضية الأدلة.

وأما جواز حكومته[5] ونفوذ فصل خصومته، فأشكل[6].

----------------------------------

[1] أي: فرض كلامنا في المجتهد المتجزي وهو قادر على دفع المعارضات.

[2] في جواز تقليد العامي للمجتهد المتجزي، وفي جواز رجوع المتخاصمين إليه مع نفوذ حكمه.

[3] دليل جواز تقليده في ما اجتهد فيه.

[4] دليل عدم الجواز، وحاصله: إن أدلة جواز التقليد إمّا لفظيّة أو لُبيّة - وهي الإجماع وبناء العقلاء - .

أما اللفظية: فلا إطلاق لها لتشمل المجتهد المتجزئ.

وأما اللبيّة: فلها قدر متيقن وهو المجتهد المطلق.

وفيه نظر: وذلك لوجود الإطلاق، وثبوت بناء العقلاء، واللُبي يؤخذ بالقدر المتيقن منه في حالة الشك، ولا شك في رجوع العقلاء إلى المتخصص المتجزي في مجال تخصصه.

[5] أي: هل يجوز أن يكون قاضياً؟ «وفصل خصومته» أي: وهل ينفذ حكمه في المتخاصمين؟

[6] أي: أكثر إشكالاً من جواز تقليده.

ووجه أشدية الإشكال - على ما قيل - : هو أن أدلة التقليد هي الروايات وبناء العقلاء، فإذا لم يكن للروايات إطلاق فيمكن الاعتماد على بناء العقلاء في الرجوع

ص: 362

نعم[1]، لا يبعد نفوذه في ما إذا عرف جملةً معتداً بها، واجتهد فيها بحيث يصح أن يقال في حقه عرفاً: «إنه ممن عرف أحكامهم»، كما مر في المجتهد المطلق المنسد عليه باب العلم والعلمي في معظم الأحكام.

فصل: لا يخفى[2]

----------------------------------

إلى المتجزئ، بخلاف أدلة القضاء فهي الروايات فقط، فمع الإشكال في إطلاقها لا دليل آخر يمكن التمسك به في جواز قضاء المتجزي.

وبعبارة أخرى: للتقليد دليلان، فمع الإشكال في أحدهما يمكن التمسك بالآخر، ولكن للقضاء دليل واحد فقط.

[1] لتصحيح قضائه يمكن التمسك بقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (من قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا) وقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (فإذا حكم بحكمنا) فإن إطلاق هذه الألفاظ يشمل المتجزئ أيضاً؛ لأنه روى حديثهم ونظر في حلالهم وحرامهم وعرف أحكامهم، ثم حكم بحكمهم.

وفيه نظر: أشرنا إليه في بحث المجتهد المطلق الانسدادي.

فصل من العلوم المقدميّة للاجتهاد

[2] احتياج الاجتهاد إلى جملة من العلوم ذكر المصنف منها:

1- العلوم العربية، كالنحو والصرف واللغة؛ وذلك ليفهم معاني الآيات والروايات، التي هي عمدة مدارك الأحكام.

2- التفسير، في ما يخص آيات الأحكام، كي يعرف معنى الآيات ويميّز ظاهرها، ويعرف ناسخها من منسوخها وعامها عن خاصها... الخ.

3- أصول الفقه، وحيث إنّ الأخباريين أنكروا الحاجة إليه، بل اعتبره بعضهم بدعة، لذا بين المصنف وجه الحاجة مع ردّ بعض الإشكالات.

ص: 363

احتياج الاجتهاد إلى معرفة العلوم العربية في الجملة[1]، ولو بأن يقدر[2] على معرفة ما يبتني عليه الاجتهاد في المسألة بالرجوع إلى ما دُوّن فيه، ومعرفة التفسير كذلك[3].

وعمدة ما يحتاج إليه هو علم الأصول، ضرورة[4] أنه ما من مسألة إلاّ ويحتاج في استنباط حكمها إلى قاعدة أو قواعد بُرهِنَ عليها في الأصول[5]، أو بُرهِنَ عليها مقدمة في نفس المسألة الفرعية، كما هو طريقة الأخباري.

وتدوين[6]

----------------------------------

[1] لا كل تلك العلوم، فبعضها - كالبديع مثلاً - لا ضرورة له في الاستنباط، وكذا العربي المسلط على لغته قد لا يحتاج إليها في كثير من الأحيان.

نعم، كلّما كان الإنسان أكثر تسلطاً على تلك العلوم، ممارساً لها، كلّما كان أجود فهماً للآيات والروايات.

[2] أي: لا يحتاج إلى الاجتهاد في العلوم العربية، بل يكفي مراجعة كتب أهل الخبرة.

[3] أي: في الجملة.

[4] أي: جميع المسائل الفقهية تبتني على المسائل الأصولية، مثلاً: عمدة الأدلة هو الخبر الواحد، وبيان حجيته ومداركها في الأصول، وكذا تبحث مسألة حجية الظواهر - وهي ترتبط بغالب المسائل الفقهية - في الأصول أيضاً؛ ولذا فإن الأصوليين أفردوا تلك القواعد في علم مستقل - وهو أصول الفقه - .

وأما الأخباريون فقد بحثوا في تلك المسائل في طيّ مباحثهم الفقهية، مثلاً: صاحب الحدائق ابتدأ موسوعته (الحدائق الناضرة) بمقدمات هي من مسائل علم الأصول، وكذا في طيّ أبحاثه في المسائل الفقهية بحث كثيراً من المسائل الأصولية، فراجع.

[5] أي: ذكر دليلها في علم أصول الفقه - هذه طريقة الأصوليين - .

[6] أشكل بعض الأخباريين على أصول الفقه، بأن (الأصول) بدعة؛ لعدم

ص: 364

تلك القواعد المحتاج إليها على حدة لا يوجب كونها بدعةً[1]، وعدم تدوينها في زمانهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ لا يوجب ذلك[2]، وإلاّ[3] كان تدوين الفقه والنحو والصرف بدعةً.

وبالجملة: لا محيص لأحد في استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها إلاّ الرجوع إلى ما بنى عليه[4] في المسائل الأصولية، وبدونه لا يكاد يتمكن من استنباط واجتهاد، مجتهداً كان أو أخبارياً.

----------------------------------

تدوين هكذا علم في زمان الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، بل هو من مخترعات العامة، ثم أدخله البعض في علوم الشيعة.

وفيه: أولاً: إن عدم التدوين في ذلك الزمان لا يوجب كونه بدعة، وإلاّ لزم كون كثير من العلوم بدعة، كعلم الفقه وبعض العلوم العربية - وهذا جواب نقضي - .

وثانياً: عدم التدوين ليس بمعنى عدم وجود تلك القواعد مبثوثة في أقوال الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ وفي كتب أصحابهم، وإنما لم يدونوه بشكل مستقل لقلّة الحاجة إلى تلك القواعد؛ وذلك لتوفر النصوص الخاصة عندهم، عن طريق سؤال الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ في كل واقعة. كقلة الاحتياج إلى العلوم العربية في الصدر الأول؛ إذ كانت تلك اللغة هي لغتهم الأم، وكلام الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ كان بحسب كلام الجميع، عكس الأزمنة اللاحقة، حيث صارت العامية هي لغة الأم، وتحولت الفصحى كأنها لغة أخرى.

[1] لأن (البدعة) هي إدخال ما ليس من الدين في الدين، وهذه العلوم ليست إدخال شيء في الدين، بل هي محاولة لفهم الدين كما هو واضح.

[2] أي: لا يوجب كونه بدعة.

[3] إشارة إلى الجواب النقضي.

[4] «بنى» بالمعلوم، والمعنى: إلاّ بالرجوع إلى ما استقر رأيه عليه في أصول الفقه، «بدونه» بدون الرجوع إلى مبانيه في الأصول.

ص: 365

نعم[1]، يختلف الاحتياج إليها بحسب اختلاف المسائل والأزمنة والأشخاص[2]، ضرورة خفة مؤونة الاجتهاد في الصدر الأول وعدم حاجته إلى كثير مما يحتاج إليه في الأزمنة اللاحقة مما لا يكاد يحقق ويختار[3] عادةً إلاّ بالرجوع إلى ما دوّن فيه من الكتب الأصولية.

فصل: اتفقت الكلمة[4] على التخطئة في العقليات، واختلفت في الشرعيات:

----------------------------------

[1] إشارة إلى الجواب الثاني، «إليها» إلى المسائل الأصولية.

[2] فبعض المسائل فيها روايات متواترة ظاهرة الدلالة من غير معارض، فالحاجة فيها إلى بحث حجية الظهور فقط، ولكن بعض المسائل فيها أخبار متعارضة بعضها أظهر وبعضها، أعم فلابد من ملاحظة عدة مسائل أصولية، وكلّما كان الزمان أقرب إلى عصر المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ كانت الحاجة أقل.

وقد يكون شخص سريع القطع حينما يرى الأدلة، وآخر كثير الشك بحيث يحتاج إلى تأمل أكثر.

[3] أي: بحاجة إلى التحقيق في تلك المسألة، ثم اختيار أحد الأقوال مثلاً.

فصل في التخطئة والتصويب

[4] الأمور العقلية تكشف عن حقائق خارجية، فلا يتصور الاختلاف في الحقائق الخارجية؛ ولذا لا خلاف في أن الواقع واحد قد يصيبه الإنسان وقد يُخطئه.

وأما الشرعيات، فذهب قاطبة أهل الحق إلى التخطئة، بمعنى اعترافهم بأن الحكم الواقعي واحد، قد يصيبه المجتهد وقد يُخطئه، وقد ذهبت العامة إلى التصويب.

والمعاني المتصورة للتصويب ثلاثة - بعضها محال، وبعضها وإن كان ممكناً لكنه باطل بالإجماع والأخبار - :

ص: 366

فقال أصحابنا بالتخطئة(1)

فيها أيضاً، وأن له[1] تبارك وتعالى في كل مسألة حكماً يؤدي إليه الاجتهاد تارةً، وإلى غيره أخرى.

وقال مخالفونا بالتصويب(2)،

وأن له تعالى[2] أحكاماً بعدد آراء المجتهدين، فما يؤدي إليه الاجتهاد هو حكمه تبارك وتعالى.

ولا يخفى: أنه لا يكاد يعقل[3] الاجتهاد في حكم المسألة إلاّ إذا كان لها حكم واقعاً، حتى صار المجتهد بصدد استنباطه[4] من أدلته وتعيينه بحسبها ظاهراً.

----------------------------------

1- إن الله قد أنشأ أحكاماً كثيرة بعدد آراء المجتهدين، فكل مجتهد توصل إلى حكم فقد أصاب أحد تلك الأحكام، وهذا النوع ليس بمحال عقلي، لكنه باطل قطعاً.

2- أن لا يكون في الواقع حكم أصلاً، بل كلّما افتى المجتهد به يتحول إلى حكم الله الواقعي، وهذا النوع من التصويب محال؛ إذ معناه عدم وجود حكم واقعي أصلاً، فالمجتهد يبحث عن أيِّ شيء؟

3- أن يكون هنالك حكم واحد في مرحلة الإنشاء، فإن أصابه المجتهد فقد تنجّز، وإن وصل إلى غيره أنشأه الله تعالى، وجعله حكماً فعلياً منجزاً، وبعبارة أخرى: هناك حكم واقعي لكن إذا افتى المجتهد بغيره أمضاه الله، وجعله حكماً فعلياً أيضاً.

[1] عطف تفسيري، لبيان معنى التخطئة.

[2] عطف تفسيري، لبيان معنى التصويب.

[3] إذ لو لم يكن هنالك حكم أصلاً فعن أي شيء يبحث المجتهد؟ ولماذا يكلّف نفسه عناء البحث عن شيء غير موجود؟

[4] ضمائر «استنباطه» و«أدلته» و«تعيينه» ترجع إلى (الحكم واقعاً)، «بحسبها» أي: بحسب أدلة الحكم.

ص: 367


1- العدة في أصول الفقه 2: 725؛ قوانين الأصول 1: 449؛ فرائد الأصول 2: 284.
2- إرشاد الفحول: 261.

فلو كان غرضهم من التصويب هو الالتزام[1] بإنشاء أحكام في الواقع بعدد الآراء - بأن تكون الأحكام المؤدي إليها الاجتهادات أحكاماً واقعية، كما هي ظاهرية - فهو[2] وإن كان خطأ من جهة تواتر الأخبار وإجماع أصحابنا الأخيار على أن له تبارك وتعالى في كل واقعة حكماً يشترك فيه الكل[3]، إلاّ أنه غير محال.

ولو كان غرضهم[4] منه الالتزام بإنشاء الأحكام على وفق آراء الأعلام بعد الاجتهاد، فهو مما لا يكاد يعقل، فكيف يتفحص عما لا يكون له عين ولا أثر؟ أو يستظهر من الآية أو الخبر؟

إلاّ أن يراد[5] التصويب بالنسبة إلى الحكم الفعلي[6]، وأن المجتهد وإن كان يتفحص عما هو الحكم واقعاً وإنشاءً[7]، إلاّ [8] أن ما أدى إليه اجتهاده يكون هو

----------------------------------

[1] إشارة إلى المعنى الأول للتصويب.

[2] أي: هذا المعنى الأول باطل إجماعاً وبالأخبار، لكنه ليس بمحال.

[3] أي: العالم والجاهل، فهذا الحكم ينشأ للجميع، لكن لا يتنجّز إلاّ على العالم، «إلاّ أنه» هذا المعنى من التصويب.

[4] إشارة إلى المعنى الثاني من التصويب، «بعد الاجتهاد» متعلق ب- «بإنشاء»، أي: إنشاء الحكم يكون بعد فتوى المجتهد!!

[5] إشارة إلى المعنى الثالث للتصويب.

[6] أي: يكون هناك حكم واقعي واحد في مرحلة الإنشاء، لكن بسبب آراء المجتهدين تنشأ أحكام أخرى فعليّة.

[7] عطف تفسيري، أي: كونه حكماً واقعياً بمعنى إنشائه من الشارع المقدس.

[8] أي: إلاّ أن الحكم الفعلي لكل أحد هو ما توصل إليه باجتهاده، وضميرا «إليه» و«هو» يرجعان إلى الموصول «ما»، وضميرا «اجتهاده» و«حكمه» يرجعان إلى (المجتهد).

ص: 368

حكمه الفعلي حقيقةً[1]، وهو مما يختلف باختلاف الآراء ضرورةً، ولا يشترك فيه الجاهل والعالم بداهة. وما يشتركان فيه ليس بحكم حقيقةً، بل إنشاءً، فلا استحالة[2] في التصويب بهذا المعنى، بل لا محيص عنه في الجملة[3]، بناءً على اعتبار الأخبار من باب السببية والموضوعية[4]، كما لا يخفى. وربما يشير إليه[5] ما اشتهر بيننا «أن ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم».

نعم[6]،

----------------------------------

[1] لا مجرد حكم ظاهري، بل هو حكم حقيقي له، بمعنى أن الشارع المقدس ينشئ حكماً جديداً وفعلياً، «وهو» أي: الحكم الفعلي، ومراد المصنف من (الفعلي) مرحلة التنجز، كما لا يخفى.

[2] أي: التصويب - بهذا المعنى - ليس بمحال؛ لأن الحكم الواقعي هو حكم إنشائي واحد فقط، والمتعدد هو الحكم الفعلي، وتعدد الحكم الفعلي لا محذور فيه، بل لابد من القول به على مبني السببيّة، «عنه» عن التصويب بهذا المعنى.

[3] أي: في بعض الصور، كحال الانسداد دون الانفتاح، أو إذا انكشف الخلاف - كذا قيل(1) - .

[4] عطف تفسيري، وقد مرّ معنى السببيّة، وحاصله: إن قيام الأمارة على أمر يوجب إيجاد مصلحة في المتعلّق واقعاً.

[5] أي: إلى التصويب بهذا المعنى - أي: في الحكم الفعلي - فلعلّ مراد القائل بهذه الجملة هو أن الطريق وإن كان ظنياً - أي: يظن بوجود حكم إنشائي - لكنه يتسبب في إيجاد مصلحة في المتعلق، فيوجد حكم فعلي قطعاً.

وإنما قال: «ربما يشير...» لاحتمال أن يكون مراد قائلها معنى آخر، مثلاً: القطع بالحجيّة، أي: ظنية الطريق لا ينافي القطع بحجيته ولزوم العمل طبقه.

[6] أي: المعنى الثالث للتصويب باطل أيضاً، على مبنى الطريقيّة - بأن لا تسبب

ص: 369


1- منتهى الدراية 8: 453.

بناءً على اعتبارها من باب الطريقية - كما هو كذلك[1] - فمؤديات الطرق والأمارات المعتبرة ليست بأحكام حقيقية نفسية[2]، ولو قيل بكونها أحكاماً طريقية[3]. وقد مر[4] غير مرة إمكان منع كونها أحكاماً كذلك أيضاً، وأن قضية حجيتها ليس إلاّ تنجز مؤدياتها عند إصابتها والعذر عند خطئها، فلا يكون حكم أصلاً إلاّ الحكم الواقعي، فيصير منجزاً في ما قام عليه حجة من علم أو طريق معتبر، ويكون غير منجز - بل غير فعلي[5] - في ما لم تكن هناك حجة مصيبة، فتأمل جيداً.

----------------------------------

الأمارات مصلحة في متعلقاتها غير مصلحة الواقع - .

[1] أي: كما هو المختار من كون الأمارات من باب الطريقيّة دون السببيّة.

[2] (الحكم الحقيقي النفسي): هو ما كان ناشئاً عن المصلحة أو المفسدة في متعلق الحكم، و(الحكم الطريقي): هو الحكم الظاهري المقدّمي الذي شُرّع لأجل الوصول به إلى الحكم الواقعي.

ومعنى العبارة: بناءً على مبنى الطريقيّة لا تكون مؤديات الأمارات أحكاماً نفسيّة حقيقية ناشئة عن المصلحة أو المفسدة في المتعلق، بل هي إمّا أحكام ظاهريّة مُقدمّيّة بناءً على وجود الحكم الظاهري، وإمّا ليست بأحكام أصلاً، بل تنجّز الواقع في صورة الإصابة، وموجبة للعذر في صورة الخطأ، «بكونها» يكون مؤديات الطرق والأمارات.

[3] معنى (الطريقيّة) هنا هو الظاهرية التي تكون مقدمة للوصول إلى الواقع، وقيل معناها - هنا - هو المصلحة السلوكية.

و هذا المعنى يختلف عن معنى (الطريقيّة) التي هي مقابل (السببيّة) فتدبّر.

[4] إشارة إلى أنه بناءً على الطريقيّة يمكن القول بعدم وجود حكم ظاهري، بل تنجيز وتعذير كما فصلّه المصنف سابقاً، «كونها» كون مؤديات الطرق، «كذلك» طريقيّة، بمعنى ظاهرية مقدميّة، «أيضاً» أي: كمنع كونها أحكاماً نفسيّة.

[5] أي: يبقى الحكم الواقعي إنشائياً، ولا يصل إلى مرحلة الفعلية والتنجّز،

ص: 370

فصل: إذا اضمحل الاجتهاد السابق[1] بتبدل الرأي الأول بالآخر أو بزواله

----------------------------------

وقد مرّ أن مراحل الحكم أربعة: الاقتضاء، والإنشاء، والفعليّة، والتنجّز، فراجع.

فصل في تبدّل رأي المجتهد

اشارة

[1] قد يتبدّل رأي المجتهد إلى رأي جديد، وقد يتغيّر إلى التوقف والتردد، وقد يموت المجتهد فيرجع المقلّد إلى غيره - والذي له آراء مخالفة لرأي المجتهد الميّت - .

ولا يخفى ارتباط هذا البحث ببحث الإجزاء من جهات متعددة، فكان الأفضل دمج البحثين في موضع واحد.

كما أننا نتكلم حسب مقتضى القاعدة الأولية، فكلّما لا يوجد دليل خاص فإنا نرجع إلى هذه القاعدة، ولكن مع وجود دليل خاص (كقاعدة لا تعاد في الصلاة) فالمرجع هو ذلك الدليل الخاص، كما هو واضح.

وعلى كل حال: فبالنسبة إلى الأعمال القادمة لابد من العمل على طبق الرأي الجديد؛ وذلك لعدم بقاء الحجة على الرأي القديم بعد التبدل.

وأما بالنسبة إلى الأعمال السابقة، فهنا صور متعددة:

1- لو كان مستند الرأي الأول هو القطع فحينئذٍ لا يوجد حكم ظاهري أصلاً؛ لأن حجية القطع ذاتيّة وليست مستندة إلى الشرع، فالعمل على طبق الرأي الأول لم يكن مطابقاً للحكم الواقعي ولا للحكم الظاهري، فيقع العمل باطلاً.

2- لو كان مستند الرأي الأول هو الأمارة على مبنى الطريقيّة مع إنكارنا للحكم الظاهري، فحينئذٍ لا حكم واقعي ولا حكم ظاهري على الرأي الأول، فيقع العمل باطلاً.

ص: 371

بدونه[1]، فلا شبهة في عدم العبرة به في الأعمال اللاحقة ولزوم اتباع اجتهاد اللاحق مطلقاً[2] أو الاحتياط فيها[3].

وأما الأعمال السابقة الواقعة على وفقه[4] المختل فيها ما اعتبر في صحتها بحسب هذا الاجتهاد: فلابد من معاملة البطلان معها في ما لم ينهض[5] دليل على صحة العمل في ما إذا اختل فيه[6]

----------------------------------

3- لو كان مستند الرأي الأول هو الأمارة على مبنى السببيّة فلابد من القول بصحة الأعمال السابقة؛ وذلك لوقوعها طبقاً على الحكم الواقعي الفعلي - كما شرحناه قبل قليل - .

4- لو كان العمل بحسب الاجتهاد الأول مجرى الاستصحاب أو أصالة الطهارة فيكون العمل صحيحاً.

[1] أي: زوال الرأي الأول بدون التبدل إلى الرأي الآخر، «به» بالرأي الأول.

[2] سواء كان الرأي الجديد عن علم أم ظن معتبر أم أصل شرعي، وهذا في ما حصل له رأي جديد.

[3] في ما لم يحصل له رأي جديد.

[4] وفق الرأي الأول، «المختل» صفة للأعمال السابقة، «فيها» في الأعمال السابقة، «هذا الاجتهاد» الجديد، «معها» مع الأعمال السابقة.

[5] أي: كلامنا إنما هو حسب مقتضى القاعدة الأوليّة. نعم، لو قام دليل خاص فهو المتبّع. وقد قام هذا الدليل الخاص في عدة موارد إذا كانت المخالفة عن عذر، مثل: ما لو حصل خلل في الصلاة في غير الطهور والقبلة والركوع والسجود والوقت، من غير عمد، كما لو أخل في القراءة من غير عمدٍ، فإن صلاته صحيحة، وذلك لقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس... الخ)(1).

[6] أي: في ما إذا اختل ما اعتبر في الصحة، «فيه» في العمل.

ص: 372


1- الخصال: 284؛ وسائل الشيعة 1: 371.

لعذر كما نهض في الصلاة وغيرها[1]، مثل «لا تعاد» و«حديث الرفع»[2]، بل الإجماع على الإجزاء في العبادات على ما ادعي[3].

وذلك[4] في ما كان بحسب الاجتهاد الأول قد حصل القطع بالحكم وقد اضمحل واضح، بداهة[5] أنه لا حكم معه شرعاً، غايته المعذورية في المخالفة عقلاً.

وكذلك[6] في ما كان هناك طريق معتبر شرعاً عليه بحسبه، وقد ظهر خلافه بالظفر بالمقيد أو المخصص أو قرينة المجاز أو المعارض[7]، بناءً على ما هو التحقيق

----------------------------------

[1] أي: غير الصلاة من سائر العبادات، كما لو كانت فتواه دخول الليل باستتار القرص فأفطر صومه، ثم تبدل رأيه إلى دخول الليل بزوال الحمرة المشرقية.

[2] حيث قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (رفع عن أمتي... الخطأ)(1).

[3] نسب الشيخ الأعظم(2)

ادعاء الإجماع إلى بعض من لا تحقيق له، لكن كلامه في مطلق الإجزاء، ولا يختص بتبدّل رأي المجتهد ولا بالعبادات.

الصورة الأولى

[4] «ذلك» مبتدأ، وخبره «واضح» إشارة إلى الصورة الأولى، «ذلك» البطلان.

[5] دليل البطلان في صورة كون مستند الحكم هو القطع، «معه» مع القطع، «شرعاً» لأن القطع حجيته ذاتية وليست بجعل الشارع، «غايته» أي: لا يوجد حكم شرعي، بل فقط تنجيز وتعذير.

الصورة الثانية

اشارة

[6] أي: بطلان العمل، وهذا إشارة إلى الصورة الثانية، «بحسبه» أي: بحسب الاجتهاد الأول، «خلافه» خلاف الاجتهاد الأول.

[7] وكان اللازم العمل بذلك المعارض بناءً على قواعد التعارض والتراجيح.

ص: 373


1- التوحيد: 353؛ وسائل الشيعة 15: 369.
2- مطارح الأنظار 1: 169.

من اعتبار الأمارات من باب الطريقية، قيل[1] بأن قضية اعتبارها إنشاء أحكام طريقية أم لا، على[2] ما مرّ منا غير مرة، من غير فرق بين تعلقه بالأحكام أو بمتعلقاتها[3]، ضرورة[4] أن كيفية اعتبارها فيهما على نهج واحد.

ولم يعلم وجه للتفصيل بينهما[5]

----------------------------------

[1] أي: سواء قيل: إنّ مقتضى اعتبار الأمارات هو القول بالأحكام الظاهرية أم التنجيز والتعذير.

[2] قوله: «على ما...» هذا توضيح لقوله: «أم لا» أي: لم نقل بالأحكام الظاهرية.

[3] أي: موضوع الأحكام، مثلاً: لو كان يرى عدم جزئية شيء للصلاة فكان يتركه، ثم اعتقد بجزئيته.

[4] دليل عدم الفرق بين (الأحكام) و(متعلقاتها)، وحاصله: إن المناط في كليهما واحد؛ وذلك لعدم الإتيان بما هو مأمور به واقعاً في كلا الصورتين، «اعتبارها» أي: اعتبار الطريقية، «فيهما» في الأحكام ومتعلقاتها.

تفصيل صاحب الفصول

[5] وحاصل تفصيله: إنه لو تبدل الاجتهاد في الموضوعات فالأعمال السابقة صحيحة، وأما لو تبدل في الأحكام فالأعمال السابقة باطلة، واستدل لذلك بثلاثة أدلة:

الأول: إن الموضوعات غير قابلة للتبدل؛ لأنها أمور خارجيّة تكوينيّة، فهي لا تتغيّر بالتشريع. أما الأحكام فهي قابلة للتبدّل؛ لأنها اعتبارات شرعيّة، فهي قابلة للتغيّر بالتشريع.

إذن، إذا تعلق الاجتهاد بموضوع فهو غير قابل للتبديل، أما لو تعلق بحكم فهو قابل للتبديل.

ص: 374

- كما في الفصول(1)

- وأن المتعلقات[1] لا تتحمل اجتهادين، بخلاف الأحكام، إلاّ حسبان[2] أن الأحكام قابلة للتغير والتبدل بخلاف المتعلقات والموضوعات. وأنت خبير[3] بأن الواقع واحد فيهما[4] وقد عُيّن أولاً بما ظهر خطؤه ثانياً.

ولزوم[5] العسر والحرج والهرج والمرج المخل بالنظام والموجب للمخاصمة بين

----------------------------------

الثاني: إن الحكم بالبطلان في متعلق الأحكام يستلزم العسر والحرج.

الثالث: إن الحكم بالبطلان في المتعلقات يستلزم الهرج والمرج.

وكل هذه الأدلة محلّ تأمل كما سيتضح.

[1] إشارة إلى الدليل الأول.

[2] هذا تفسير المصنف لعبارة (القضية الواحدة لا تتحمل اجتهادين).

[3] هذا الجواب عن الدليل الأول، وحاصله: إن الواقع واحد سواء في الأحكام أم في الموضوعات، وسواء اكتشفه المجتهد أم لم يكتشفه، فمع الاجتهاد الأول والثاني لم يتغير الواقع.

ف- (الأحكام قابلة للتغيير) ليس بالاجتهاد الخاطئ؛ لأنه لا يغيّر الواقع.

كما أن (الموضوعات غير قابلة للتغيير) ليس بمعنى أنه لو أخطأ المجتهد فيها بحيث لا يمكن تصحيح ذلك الخطأ بالقضاء أو الإعادة، كما هو واضح.

[4] في الموضوعات، ومتعلقات الأحكام التي هي الموضوعات، «عُيّن» بالاجتهاد الأول.

[5] إشارة إلى الدليل الثاني والثالث.

و«العسر والحرج» في العبادات - عادة - لأن القضاء والإعادة خصوصاً لعبادات سنوات طويلة من أوضح مصاديق العسر والحرج، ثم (العسر) عادة في البدن، و(الحرج) عادة في النفس.

ص: 375


1- الفصول الغروية: 409.

الأنام - لو قيل بعدم صحة العقود والإيقاعات والعبادات الواقعة على طبق الاجتهاد الأول الفاسدة[1] بحسب الاجتهاد الثاني ووجوب[2] العمل على طبق الثاني من[3] عدم ترتيب الأثر على المعاملة وإعادة العبادة - لا يكون[4] إلاّ أحياناً، وأدلة نفي العسر لا ينفي إلاّ خصوص ما لزم منه العسر فعلاً[5]؛ مع[6] عدم اختصاص ذلك بالمتعلقات، ولزوم العسر في الأحكام كذلك أيضاً لو قيل بلزوم ترتيب الأثر على طبق الاجتهاد الثاني في الأعمال السابقة؛ وباب[7] الهرج والمرج ينسد بالحكومة وفصل الخصومة.

----------------------------------

و«الهرج والمرج» في المعاملات - عادة - لأن بطلان المعاملات التي جرت خلال سنوات موجب لاختلال النظام.

[1] صفة للعقود والإيقاعات والعبادات.

[2] «وجوب» عطف على (عدم صحة العقود...) أي: لو قيل بعدم الصحة وقيل بوجوب العمل... الخ.

[3] «من» بيان ل- (العمل على طبق الاجتهاد الثاني).

[4] خبر (لزوم)، وهذا جواب عن الدليل الثاني - العسر والحرج - وحاصله:

أولاً: إن الدليل أخص من المدعى، فإن تكرار أو قضاء العبادات، أو بطلان المعاملات قد لا يوجب حرجاً وعسراً. مع أن (العسر والحرج) شخصي، فكلّما كان عسر وحرج ارتفع الحكم، أما لو لم يكن عسر وحرج فلا يرتفع الحكم.

وثانياً: لا فرق في العسر والحرج بين الأحكام والمتعلقات، فإن صحّ الاستدلال بالعُسر فهو يجري في كليهما، فلا وجه للتفصيل.

[5] «فعلاً» شخصاً لا نوعاً.

[6] بيان للجواب الثاني، «كذلك» أي: المخل بالنظام.

[7] هذا جواب عن الدليل الثالث - وهو الهرج والمرج - وحاصله: إنه يراجعون

ص: 376

وبالجملة[1]: لا يكون التفاوت بين الأحكام ومتعلقاتها بتحمل الاجتهادين، وعدم التحمل بيّناً ولا مبيّناً بما يرجع إلى محصل في كلامه «زيد في علو مقامه»، فراجع وتأمل.

وأما بناءً[2] على اعتبارها من باب السببية والموضوعية: فلا محيص عن القول بصحة العمل على طبق الاجتهاد الأول، عبادةً كان أو معاملةً، وكون مؤداه[3] - ما لم يضمحل - حكماً حقيقةً.

----------------------------------

الحاكم الشرعي فيقضي بينهم ويفصل في المعاملات السابقة!! فتأمل.

[1] رجوع إلى الدليل الأول لصاحب الفصول، فيذكر المصنف أن عبارة (القضية الواحدة لا تتحمل اجتهادين) هي عبارة غامضة، بل نُقل أن الشيخ الأعظم أرسل بعض تلامذته إلى كربلاء عند صاحب الفصول ليوضّح مراده من العبارة فلم يرجع بأمر واضح.

ثم اعلم أن مقصود صاحب الفصول شيء آخر غير ما فهمه المصنف، فراجع المفصلات.

الصورة الثالثة

[2] هذا إشارة إلى الصورة الثالثة، «اعتبارها» أي: الأمارات، وحاصله: إن مؤدى الأمارة قد تحققت فيه المصلحة الواقعية، فصار حكماً واقعياً، فيكون العمل مطابقاً للواقع، وكلّما كان العمل مطابقاً للواقع كان صحيحاً.

[3] أي: مؤدى الاجتهاد الأول و«كون» معطوف على (صحة العمل) و«مؤداه» اسم «كون»، وخبرها «حكماً»، وقوله: «ما لم يضمحل» جملة معترضة، والمعنى: إن المصلحة تستمر إلى حين تبدل الرأي، ولكن قبل تبدله كانت مصلحة واقعية - بسبب قيام الأمارة - فكان العمل مطابقاً للحكم الواقعي.

ص: 377

وكذلك الحال[1] إذا كان بحسب الاجتهاد الأول مجرى الاستصحاب أو البراءة النقلية[2]، وقد ظفر في الاجتهاد الثاني بدليل على الخلاف، فإنه عمل بما هو

----------------------------------

الصورة الرابعة

[1] إشارة إلى الصورة الرابعة، وقد مرّ تفصيله في بحث الإجزاء، حيث قال المصنف: (لمقام الثاني: في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري وعدمه، والتحقيق: إن ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه، وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره، كقاعدة الطهارة أو الحلية، بل واستصحابهما - في وجه قوي - ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة والحلية، يجزي، فإن دليله يكون حاكماً على دليل الاشتراط، ومبيناً لدائرة الشرط، وأنه أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية، فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجباً لانكشاف فقدان العمل لشرطه، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل)(1)،

انتهى.

وحاصله: حكومة قاعدة الحل والطهارة ونحوهما على أدلة الاشتراط؛ وذلك بتوسيع دائرة الشرط، مثلاً: تشترط الطهارة في الصلاة وكون الجلد من حيوان مأكول اللحم، فقاعدة الطهارة تعمّم الشرط، أي: سواء كانت طهارة واقعية أم ظاهرية، وكذا قاعدة الحلية تعمم، أي: سواء كان جلد حيوان حلال اللحم واقعاً أم ظاهراً.

وقد مرّ أن الدليل الحاكم قد يوسع في دليل المحكوم وقد يضيّق.

[2] بشرط أن يكون في متعلقات الأحكام - أي: في الموضوع - كما مرّ في كلام المصنف في بحث الإجزاء، ونقلناه في الحاشية السابقة حيث قال: (بالنسبة إلى كل ما اشترط... الخ).

ص: 378


1- إيضاح كفاية الأصول 1: 378.

وظيفته[1] على تلك الحال.

وقد مر في مبحث الإجزاء تحقيق المقال، فراجع هناك.

فصل: في التقليد وهو[2] أخذ قول الغير ورأيه للعمل به في الفرعيات، أو للالتزام به في الاعتقاديات تعبداً[3]، بلا مطالبة دليل على رأيه(1).

----------------------------------

و«مجرى الاستصحاب» فيه وجه قوي، وهو كون الاستصحاب من الأصول التنزيلية، أي: ينزل المستصحب منزلة الواقع.

[1] أي: وظيفته الواقعية، «تلك الحال» أي: في حال الاجتهاد الأول.

فصل في التقليد

اشارة

[2] عرفوا التقليد بعدة تعريفات، منها:

1- أخذ قول الغير لأجل العمل به من غير مطالبته بالدليل في فروع الدين، ويتحقق بأخذ رسالة المجتهد وقصد العمل بها.

وأما في أصول الدين فهو الاعتقاد بقول الغير من غير مطالبة بالدليل.

2- العمل بقول الغير في الفروع، من غير مطالبة بالدليل.

ويظهر الفرق بين التعريفين في البقاء على تقليد الميت، فإن قلنا بالأول جاز البقاء، سواء في المسائل التي عمل بها أم لم يعمل بها، وإن قلنا بالثاني فلا يجوز البقاء إلاّ في المسائل التي عمل بها؛ لعدم تحقق التقليد في غيرها، فلا تقليد حتى يجوز البقاء.

[3] شرح «تعبداً» بقوله: «بلا مطالبة دليل على رأيه»، إذ مع المطالبة لا يكون تقليداً، كما لو سأل المجتهد مجتهداً آخر عن مستند فتواه، ثم اقتنع بالدليل، فهذا ليس تقليداً، بل اجتهاداً.

ص: 379


1- معارج الأصول: 200؛ الفصول الغروية: 411.

ولا يخفى[1]: أنه لا وجه لتفسيره بنفس العمل، ضرورة سبقه عليه، وإلاّ كان بلا تقليد، فافهم[2].

ثم إنه لا يذهب عليك[3] أن جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم في

----------------------------------

[1] المصنف رجّح التعريف الأول؛ ولذا اشكل على التعريف الثاني.

وحاصل إشكاله: إن عمل العامي يجب أن يكون مسبوقاً بالتقليد، فلو كان التقليد نفس العمل لم يكن عمله مسبوقاً بالتقليد!! «لتفسيره» أي: تعريف التقليد، «سبقه» سبق التقليد، «عليه» على العمل، «كان» أي: كان العمل.

[2] إشارة إلى التأمل في الإشكال:

أولاً: إن سبق التقليد على العمل لم يدل عليه دليل أصلاً.

ثانياً: إن نفس العمل هو تقليد، فلا يكون عملاً بلا تقليد، وبعبارة أخرى: التقليد متزامن مع العمل، فيقع العمل موصوفاً بأنه تقليد.

أدلة جواز التقليد

[3] يستدل المصنف على جواز التقليد بستة أدلة، ويناقش في أربعة منها:

1- سيرة العقلاء ومنشؤها الفطرة.

2- الإجماع.

3- ضرورة الدين.

4- سيرة المتدينين.

5- الآيات، كآية النفر والسؤال.

6- الأخبار الدالة بالمطابقة أو بالالتزام على جواز التقليد.

أما الدليل الأول: وهو أن رجوع الجاهل إلى العالم في كل المسائل استقرت عليه سيرة العقلاء، ومنشؤ هذه السيرة الفطرة القاضية بالرجوع إلى أهل الخبرة في كل الأمور؛ إذ لا يتمكن من ليس من أهل الخبرة من العلم بالأمور عادة؛ وذلك لعجزه عن معرفة الأدلة.

ص: 380

الجملة[1] يكون بديهياً جبلياً فطرياً[2] لا يحتاج إلى دليل، وإلاّ لزم سد باب العلم به على العامي مطلقاً[3] غالباً[4]، لعجزه عن معرفة ما دل عليه كتاباً وسنة؛ ولا يجوز التقليد فيه[5] أيضاً، وإلاّ لدار أو تسلسل؛ بل هذه[6] هي العمدة في أدلته.

وأغلب ما عداه قابل للمناقشة:

لبعد تحصيل الإجماع[7] في مثل هذه المسألة مما يمكن أن يكون القول فيه لأجل

----------------------------------

إن قلت: يقلّد في مسألة جواز التقليد.

قلت: هذا مستلزم للدور إن رجع إلى العالم الأول، أو التسلسل إن رجع إلى عالم آخر وهكذا.

وبعبارة أخرى: هل يجوز للعامي التقليد؟ إن قلنا: إنّ عليه أن يجتهد في هذه المسألة فهذا أمر متعذر عادة، لعدم تمكن العامي من الاجتهاد، وإن قلنا: إن عليه الرجوع إلى المجتهد في مسألة جواز التقليد فهذا مستلزم للدور أو التسلسل، فلم يبق إلاّ أن نقول: إن فطرته تقضي بجواز التقليد.

[1] أي: في بعض الصور، وهو اجتماع الشرائط في المجتهد.

[2] أي: هذا أمر شديد الوضوح؛ لأن منشؤه الفطرة، و(الجِبِلّة) بنفس معنى (الفطرة).

[3] سواء كان عامياً بحتاً أم له حظ من العلم.

[4] في ما لم يكن مجتهداً متجزياً، بحيث يتمكن من الاجتهاد في مسألة جواز التقليد، «لعجزه» العامي، «عليه» الضمير راجع إلى الموصول.

[5] أي: في مسألة جواز التقليد.

[6] أي: الفطرة، والأصح أن يقال: إن الدليل هو بناء العقلاء ومستندهم هو الفطرة، «أدلته» أي: أدلة التقليد.

[7] الدليل الثاني: الإجماع على جواز التقليد.

ص: 381

كونه من الأمور الفطرية الارتكازية. والمنقول منه[1] غير حجة في مثلها، ولو قيل بحجيتها في غيرها، لوهنه بذلك.

ومنه قد انقدح[2] إمكان القدح في دعوى كونه من ضروريات الدين، لاحتمال أن يكون من ضروريات العقل وفطرياته[3]، لا من ضرورياته.

----------------------------------

وفيه: إن الإجماع إما محصل أو منقول، أما المنقول فغير حجة، وأما المحصل فغير حاصل؛ إذ هذا الإجماع مدركي، أي: إن كل فقيه استند إلى هذا الدليل أو أدلة أخرى، وقد مرّ أن الإجماع المدركي - سواء كان معلوم الاستناد أم محتمله - غير حجة؛ إذ وجه حجية الإجماع انتهاؤه إلى قول المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، بأن يكون أصحاب الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ سمعوا منهم فقالوا بما سمعوا من غير ذكر كلام الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، وهكذا إلى أن وصل إلينا.

أما الإجماع الذي لا ينتهي إلى قول المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فلا دليل على حجيته أصلاً، بل إن استندوا إلى دليل فلابد من ملاحظة ذلك الدليل. والدليل هنا هو الفطرة، فلا يكون هذا الإجماع دليلاً آخر في مقابل الفطرة.

«لبعد تحصيل الإجماع» أي: الإجماع الحجة الكاشف عن قول المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[1] أي: المنقول من الإجماع ليس بحجة.

أولاً: لعدم حجية الإجماع المنقول - وهذا إشكال مبنائي - .

وثانياً: على فرض حجية الإجماع المنقول فهذا الإجماع المنقول هنا غير حجة؛ لكونه مدركياً. «في مثلها» أي: مثل هذه المسألة، «لوهنه» الإجماع المنقول، «بذلك» أي: بكونه مدركياً.

[2] الدليل الثالث: ضرورة الدين بجواز التقليد.

وفيه: إنه من ضروريات العقل، لا من ضروريات الدين، «ومنه» أي: من الإشكال على الإجماع، «كونه» كون التقليد.

[3] أي: منشأ كونه ضرورياً لدى العقل هو كونه من الأمور الفطرية.

ص: 382

وكذا[1] القدح في دعوى سيرة المتدينين.

وأما الآيات[2]: فلعدم دلالة آية النفر والسؤال على جوازه[3]، لقوة احتمال

----------------------------------

وهل الفطرة غير العقل أم أنها مرتبة من مراتبه؟ فيه بحث مذكور في مظانه.

[1] الدليل الرابع: قيام سيرة المتشرعة على جواز التقليد.

وفيه: إن منشأ سيرتهم هو الفطرة، فلا تكون هذه السيرة دليلاً آخر غير الدليل الأول.

[2] الدليل الخامس: الاستدلال بآية السؤال وآية النفر. قال تعالى: {فَسَۡٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ}(1)، وقال سبحانه: {فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ}(2).

وجه الاستدلال: هو التلازم بين السؤال والقبول وإلاّ كان السؤال لغواً، وكذا التلازم بين الإنذار والحذر، وقد مرّ تفصيل الاستدلال بالآيتين في أدلة حجية الخبر الواحد، فراجع.

وفيه: أولاً: عدم التلازم؛ وذلك لجواز أن يكون الغرض من السؤال والإنذار هو تحصيل العلم، لا لأجل العمل تعبداً، نظير وجوب بيان أصول الدين لكي يحصل العلم للناس بسبب بيان مختلف العلماء.

والحاصل: إنه لا تلازم بين السؤال والقبول، وبين الإنذار والحذر، كما لا ملازمة بين البيان وبين القبول في أصول الدين، بل لعل الغرض هو تحصيل العلم من جهة كثرة مَن يُبيّن الحق.

وثانياً: إن آية السؤال لا ترتبط بسؤال العلماء، بل المراد من (أهل الذكر) إما أهل الكتاب أو الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

[3] أي: جواز التقليد.

ص: 383


1- سورة النحل، الآية: 43؛ سورة الأنبياء، الآية: 7.
2- سورة التوبة، الآية: 122.

أن يكون الإرجاع لتحصيل العلم، لا للأخذ تعبداً[1]؛ مع أن[2] المسؤول في آية السؤال هم أهل الكتاب كما هو ظاهرها، أو أهل بيت العصمة الأطهار كما فسر به في الأخبار.

نعم[3]، لا بأس بدلالة الأخبار عليه بالمطابقة أو الملازمة، حيث دل بعضها[4] على وجوب اتباع قول العلماء، وبعضها[5] على أن للعوام تقليد العلماء، وبعضها على جواز الإفتاء مفهوماً - مثل: ما دل[6] على المنع عن الفتوى بغير علم -، أو

----------------------------------

[1] أي: الأخذ به لأنه قول الغير من غير معرفة الدليل.

[2] بيان الإشكال الثاني، وهو خاص بالاستدلال بآية السؤال.

[3] الدليل السادس: الأخبار الدالة على جواز التقليد - وهذا الدليل يرتضيه المصنف - وهي على نحوين:

الأول: الأخبار الدالة بالمطابقة على جواز التقليد.

الثاني: الأخبار الدالة بالالتزام على جوازه - سواء بمفهومها أم بمنطوقها - .

[4] كقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)(1)،

والرجوع فيها بمعنى الاتباع، وهذا دليل مطابقي.

[5] وهذه أيضاً بالمطابقة، كقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (وأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلدوه)(2).

[6] كقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه)(3)،

وقد دلت مفهوماً على جواز الإفتاء مع الهدى، ومن الواضح أن جواز الإفتاء يلازم جواز التقليد عرفاً.

فهذا دليل الجواز بالدلالة الالتزامية وبالمفهوم.

ص: 384


1- وسائل الشيعة 27: 140.
2- وسائل الشيعة 27: 131.
3- المحاسن 1: 205.

منطوقاً[1]، مثل ما دل على إظهاره عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ المحبة لأن يرى في أصحابه من يفتي الناس بالحلال والحرام.

لا يقال[2]: إن مجرد إظهار الفتوى للغير لا يدل على جواز أخذه واتباعه.

فإنه يقال[3]: إن الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء وجواز اتباعه واضحة، وهذا[4] غير وجوب إظهار الحق والواقع، حيث لا ملازمة بينه وبين وجوب أخذه تعبداً، فافهم وتأمل.

وهذه الأخبار[5] على اختلاف مضامينها وتعدد أسانيدها لا يبعد دعوى القطع

----------------------------------

[1] أي: ما دلّ منطوقه بالدلالة الالتزامية على جواز التقليد، كقول الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لأبان بن تغلب: (اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك)(1).

[2] حاصله: عدم التلازم بين جواز الفتوى وبين قبولها، فلعل جواز الفتوى لكي يكثر بيان الأحكام الشرعية، حتى يحصل للناس العلم بها، كما قلتم بنظيره في مورد عدم كتمان أصول الدين، «أخذه» أي: أخذ الفتوى واتباعها، وتذكير الضمير باعتبار (القول).

[3] الجواب هو: بالفرق بين مسائل أصول الدين وبين المسائل الفرعية؛ وذلك لقلّة مسائل أصول الدين وإمكان تحصيل العلم بها مع كثرة من يُبيّنها، عكس المسائل الفقهية، فهي كثيرة جداً واختلاف العلماء فيها أكثر، فلا ملازمة عرفية بين بيانها وبين حصول العلم، بل الملازمة العرفية بين جواز الإفتاء وبين القبول تعبداً.

[4] بيان للفرق بين مسائل الفروع ومسائل أصول الدين، «بينه» أي: بين إظهار الحق وعدم كتمانه في أصول الدين.

[5] أي: إن الأخبار الدالة على جواز التقليد متواترة إجمالاً؛ إذ أسنادها متعددة ومضامينها مختلفة، بحيث يحصل القطع بصدور بعضها، فهي تخصّص الأدلة الدالة

ص: 385


1- مستدرك الوسائل 17: 11.

بصدور بعضها، فيكون[1] دليلاً قاطعاً على جواز التقليد، وإن لم يكن كل واحد منها بحجة؛ فيكون مخصصاً[2] لما دل على عدم جواز اتباع غير العلم والذم على التقليد من الآيات والروايات، قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ}(1)، وقوله تعالى: {إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ}(2)؛ مع احتمال أن الذم إنما كان على تقليدهم للجاهل أو في الأصول الاعتقادية التي لابد فيها من اليقين.

----------------------------------

على عدم جواز العمل بالظن.

وقد مرّ أن التواتر على ثلاثة أقسام:

1- التواتر اللفظي: أي ينقل مجموعة كبيرة يمتنع تواطؤهم على الكذب لفظاً واحداً، كقوله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه)(3).

2- التواتر المعنوي: وهو أن ينقل مجموعة كبيرة يمتنع تواطؤهم على الكذب، مضموناً واحداً بألفاظ مختلفة.

3- التواتر الإجمالي: وهو أن تكون روايات كثيرة بألفاظ ومضامين مختلفة، لكن نقطع بصدور بعضها، كأخبار شجاعة أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ في مختلف الحروب، وحينئذٍ يقطع بالقدر المشترك بين تلك الأخبار.

[1] أى: يكون هذا البعض.

[2] حاصله: إن في الآيات الدالة على عدم جواز اتباع الظن احتمالين:

1- إنها عامة للأصول والفروع، فحينئذٍ يتمّ تخصيصها بهذه الأخبار المتواترة إجمالاً.

2- إن الآيات الناهية عن اتباع الأباء خاصة بأصول الدين، أو أنها خاصة باتباع

ص: 386


1- سورة الإسراء، الآية: 36.
2- سورة الزخرف، الآية: 23.
3- الكافي 1: 420.

وأما قياس[1] المسائل الفرعية على الأصول الاعتقادية في أنه كما لا يجوز التقليد فيها مع الغموض فيها كذلك لا يجوز فيها بالطريق الأولى، لسهولتها، فباطل[2]؛ مع أنه[3] مع الفارق، ضرورة أن الأصول الاعتقادية مسائل معدودة، بخلافها[4]، فإنها مما لا تعد ولا تحصى ولا يكاد يتيسر من الاجتهاد فيها فعلاً طول العمر إلاّ

----------------------------------

الجاهل للجاهل - لأن آباءهم كانوا جهلة - فحينئذٍ لا دلالة لتلك الآيات على عدم جواز تقليد العالم في الفروع.

ردّ دليل عدم جواز التقليد

[1] استدلوا على عدم جواز التقليد بأنّه كما لا يجوز التقليد في أصول الدين فكذلك لا يجوز التقليد في فروع الدين بطريق أولى.

وأما الأولوية فلأجل أن مسائل أصول الدين غامضة لارتباطها بالماورائيات والأمور غير المحسوسة، عكس مسائل فروع الدين فإنها سهلة عادة، «أنه» للشأن، «فيها» في الأصول، «لا يجوز فيها» أي: في الفروع، «لسهولتها» الفروع.

[2] وجه البطلان: هو عدم الأولوية، بل المسائل الاعتقادية غير غامضة، وأدلتها أوضح من أدلة المسائل الفرعية؛ وذلك لأن دليلها الفطرة والمعجزات والضرورة ونحوها، عكس المسائل الفرعية، ومع عدم الأولوية يكون القياس منهياً عنه.

[3] إشكال آخر على هذا القياس، وهو أنه قياس مع الفارق؛ وذلك لأن المسائل الاعتقادية - التي يجب تحصيل العلم بها - قليلة جداً، فحتى لو فرض غموضها فإنه لا صعوبة في تحصيل العلم بها لقلّتها، عكس المسائل الفرعية، فحتى لو فرض سهولتها فإنها لكثرتها لا يمكن تحصيل العلم بها.

وقد ذكر الشيخ الأعظم في التنبيه الخامس(1)

من باب الانسداد: المسائل التي يجب تحصيل العلم فيها من مسائل أصول الدين، فراجع.

[4] أي: بخلاف المسائل الفرعيّة، وكذا ضمير «فإنها».

ص: 387


1- فرائد الأصول 1: 553.

للأوحدي في كلياتها، كما لا يخفى.

فصل: إذا علم المقلد[1] اختلاف الأحياء[2] في الفتوى مع اختلافهم في العلم[3] والفقاهة[4]

----------------------------------

فصل في تقليد الأعلم

اشارة

[1] هل يجب تقليد الأعلم أم يجوز تقليد غير الأعلم؟ فهنا صورتان:

الصورة الأولى: العامي الذي لا يمكنه الاجتهاد مطلقاً فإنه يلزم عليه مراجعة عقله في هذه المسألة؛ إذ لا يمكنه التقليد في هذه المسألة لاستلزامه الدور.

وحكم العقل هو تقليد الأعلم؛ وذلك للقاعدة العقلية الواضحة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير، فعقل العامي يحكم عليه بأن تقليد الأعلم مجزٍ سواء وجب تقليده حصراً أم تخيّر بين تقليده وتقليد غيره، أما تقليد غير الأعلم فلا يعلم بأنه مجزٍ.

الصورة الثانية: الذي يتمكن من الاجتهاد في هذه المسألة - أي: وجوب تقليد الأعلم - فقد أقيمت عدة أدلة لوجوب تقليده، وأدلة أخرى على عدم وجوبه، والمصنف يفنّد كل تلك الأدلة، ويذهب إلى لزوم تقليد الأعلم بمقتضى الأصل.

[2] أما الأموات فلا حجية لآرائهم كما سيأتي في الفصل الآتي، وأما مع عدم اختلاف الأحياء في مسألة فلا دليل على لزوم تقليد الأعلم، بل يقلّد أيّاً منهم شاء في تلك المسألة.

[3] بأن كان أحدهم أعلم.

[4] عطف تفسيري، لبيان أن المهم في التقليد هو الأعلميّة في الفقه - أي: الأحكام الشرعية - فلا تنفع الأعلمية في غير الفقه مع عدم الأعلمية فيه، كما لو كان أحدهما أعلم في العلوم العربية، لكنه غير أعلم في المسائل الفقهية.

ص: 388

فلابد من الرجوع إلى الأفضل إذا احتمل تعينه[1]، للقطع بحجيته[2] والشك في حجية غيره. ولا وجه[3] لرجوعه إلى الغير في تقليده إلاّ على نحو دائر.

نعم[4]، لا بأس برجوعه إليه إذا استقل عقله بالتساوي وجواز[5] الرجوع إليه أيضاً، أو جوز له الأفضل بعد رجوعه إليه.

هذا[6] حال العاجز عن الاجتهاد في تعيين ما هو قضية الأدلة في هذه المسألة.

وأما غيره[7]: فقد اختلفوا في جواز تقليد المفضول وعدم جوازه. ذهب بعضهم

----------------------------------

[1] أي: تعيّن الأفضل في أحد المجتهدين الأحياء، فلا يحتاج إلى القطع بالأعلم، بل يكفي احتماله.

[2] لأنه مع دوران الأمر بين التعيين والتخيير فإن المعيّن حجة على كل حال، سواء انحصرت الحجية فيه أم كان مخيراً بينه وبين غيره.

[3] إشارة إلى عدم إمكان تقليد غير الأعلم في هذه المسألة - أي: مسألة وجوب تقليد الأعلم - لاستلزامه الدور؛ لأن الرجوع إلى المجتهد لابد أن يستند إلى غير فتواه، وإلاّ كان دوراً، فإذا أفتى غير الأعلم بجواز تقليد غير الأعلم لا يمكن الرجوع إليه في هذه الفتوى.

[4] أي: يجوز للعامي تقليد غير الأعلم في صورتين:

1- إذا حكم عقله بعدم الفرق، فيكون مستنده لتقليد غير الأعلم هو عقله.

2- إذا أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم، فيقلّد الأعلم في هذه المسألة، ويرجع في سائر المسائل إلى غير الأعلم ولا دور؛ لأن مستند تقليده لغير الأعلم هو فتوى الأعلم.

[5] عطف تفسيري لبيان معنى (التساوي)، «برجوعه» العامي، «إليه» إلى غير الأعلم «أيضاً» كما يجوز الرجوع إلى الأعلم.

[6] أي: هذه هي الصورة الأولى، «هذه المسألة» مسألة تقليد الأعلم.

[7] غير العاجز، كالمجتهد المتجزي أو المطلق، وهذه الصورة الثانية.

ص: 389

إلى الجواز(1).

والمعروف بين الأصحاب - على ما قيل(2) - عدمه. وهو الأقوى، للأصل[1] وعدم دليل على خلافه.

ولا إطلاق[2] في أدلة التقليد بعد الغض[3] عن نهوضها على مشروعية أصله، لوضوح[4] أنها إنما تكون بصدد بيان أصل جواز الأخذ بقول العالم، لا في كل

----------------------------------

[1] هذا الأصل: إما هو أصالة التعيين لو دار الأمر بين التعيين والتخيير، وإما أصالة عدم حجية الظن إلاّ ما خرج بدليل قطعي، ولم يُعلم خروج فتوى غير الأعلم بدليل قطعي.

أدلة جواز تقليد غير الأعلم

[2] الدليل الأول: هو إطلاق أدلة التقليد، فكما تشمل الأعلم كذلك تشمل غير الأعلم.

وفيه: إن أدلة التقليد نوعان:

1- أدلة لبيّة - كبناء العقلاء - : وهي لا إطلاق لها؛ لأن الإطلاق مرتبط بالألفاظ.

2- أدلة لفظية - كالأخبار - : ولا إطلاق لها؛ لعدم تمامية مقدمات الحكمة؛ وذلك لأن من مقدماتها كون المتكلّم في مقام البيان، وليست تلك الأخبار في مقام بيان حكم اختلاف فتاوى المجتهدين، بل في مقام بيان أصل جواز التقليد، كما هو الحال في سائر الطرق والأمارات، فأدلتها في مقام بيان أصل الحجية، لا بيان صورة التعارض.

[3] لأن بعض أدلة التقليد - كالاستدلال بالآيات - كان محل تأمل، فلا دلالة لها على أصل التقليد فضلاً عن إطلاقها في موارده.

[4] بيان عدم الإطلاق في الأدلة اللفظية، وعدم تمامية مقدمات الحكمة، «أنها»

ص: 390


1- الفصول الغروية: 424.
2- مطارح الأنظار 2: 525.

حال، من غير تعرض أصلاً لصورة معارضته بقول الفاضل، كما هو[1] شأن سائر الطرق والأمارات، على ما لا يخفى.

ودعوى[2] السيرة على الأخذ بفتوى أحد المخالفين في الفتوى من دون فحص عن أعلميته مع العلم بأعلمية أحدهما، ممنوعة.

ولا عسر[3] في تقليد الأعلم، لا عليه لأخذ فتاويه من رسائله وكتبه، ولا لمقلديه

----------------------------------

أي: أدلة التقليد، «لا في كل حال» أي: ليست أدلة التقليد في مقام بيان الحالات المختلفة ومنها حالة التعارض، «معارضته» معارضة فتوى الأعلم.

[1] أي: عدم الإطلاق، والمعنى: إن أدلة الطرق والأمارات أيضاً لا إطلاق لها من هذه الجهة؛ لأنها ليست في مقام البيان للحالات المختلفة.

[2] الدليل الثاني: ادعاء سيرة المتشرعة على الأخذ من غير الأعلم أيضاً، فهم يتّبعون المجتهد ولا يفحصون عن أعلميته.

وفيه: عدم قيام هذه السيرة، بل قيل: إنه عند تعارض أهل الخبرة في أمر يفحص الناس عن أعلمهم، وكذا المتشرعة.

[3] الدليل الثالث: لزوم العسر لو قيل بوجوب تقليد الأعلم.

1- إما عسر للمجتهد الأعلم، حيث يضطر إلى الإجابة عن مسائل الملايين من الناس.

2- أو عسر للمكلف إذا كان بعيداً عن الأعلم بحيث يصعب عليه الرجوع إليه.

3- أو عسر في تشخيص الأعلم.

وفيه: أولاً: لا عسر أصلاً، لا على المجتهد ولا على المقلد؛ وذلك بكتابة المجتهد رسالته العملية، فيرجع إليها المقلّد من غير حاجة إلى السؤال المباشر عن المجتهد.

كما لا عسر في تشخيص الأعلم؛ وذلك عن طريق سؤال أهل الخبرة.

ص: 391

لذلك أيضاً[1]؛ وليس تشخيص الأعلمية بأشكل من تشخيص أصل الاجتهاد؛ مع[2] أن قضية نفي العسر الاقتصار على موضع العسر، فيجب في ما لا يلزم منه عسر، فتأمل جيداً.

وقد استدل للمنع أيضاً[3] بوجوه:

----------------------------------

وثانياً: على فرض لزوم العسر، فهو شخصي، فيرتفع الوجوب بمقدار العسر لا أكثر.

[1] أي: لأخذ فتاويه من رسائله وكتبه.

[2] إشارة إلى الجواب الثاني، «فيجب» تقليد الأعلم، «منه» مرجع الضمير «ما» الموصولة.

أدلة وجوب تقليد الأعلم

[3] أي: استدل للمنع عن تقليد غير الأعلم بوجوه، منها:

الأول: الإجماع، وفيه: إنه مدركي؛ لاحتمال كون مستندهم هو الأصل - أي: أصالة التعيين أو أصالة عدم حجية الظن كما مرّ بيانهما - .

الثاني: الأخبار، وهي طائفتان:

1- ما دل على ترجيح الأعلم عند معارضته مع غيره.

2- ما دلّ على لزوم اختيار الأعلم.

وفيه: إن هذه الأخبار في باب القضاء، لا في باب التقليد.

الثالث: إن قول الأعلم أقرب إلى الواقع، ويجب الأخذ بالأقرب.

ويرد على الصغرى: إن قوله ليس دائماً أقرب إلى الواقع، بل قد يكون قول غيره أقرب.

وعلى الكبرى: إنه لا دليل على لزوم الأخذ بالأقرب؛ لأن ملاك الحجية هو الكشف عن الواقع لا الأقربية إليه.

ص: 392

أحدها: نقل الإجماع على تعين تقليد الأفضل.

ثانيها: الأخبار الدالة على ترجيحه مع المعارضة، كما في المقبولة[1] وغيرها[2]، أو على اختياره[3] للحكم بين الناس، كما دل عليه المنقول عن أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك»(1).

ثالثها: إن قول الأفضل أقرب[4] من غيره جزماً، فيجب الأخذ به عند المعارضة عقلاً.

ولا يخفى ضعفها:

أما الأول: فلقوة احتمال أن يكون وجه القول بالتعيين[5] للكل أو الجُلّ هو الأصل، فلا مجال لتحصيل الإجماع[6]

----------------------------------

[1] حيث قال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقهما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر)(2).

[2] كخبر داود بن الحصين عن الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف:... فقال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما، فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر)(3).

[3] أي: اختيار الأعلم، والحديث من عهد الإمام أمير المؤمنين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه.

[4] أي: أقرب إلى الواقع، «غيره» غير الأفضل، وهذه صغرى الدليل، وقوله: «فيجب...» الكبرى.

[5] أي: تعيين الأعلم.

[6] أي: المستند إلى قول المعصوم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، «مع الظفر...» أي: حتى لو كان هذا

ص: 393


1- نهج البلاغة، كتاب: 53.
2- الكافي 1: 68.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 8.

مع الظفر بالاتفاق، فيكون نقله[1] موهوناً؛ مع عدم حجية نقله ولو مع عدم وهنه.

وأما الثاني: فلأن الترجيح مع المعارضة[2] في مقام الحكومة لأجل رفع الخصومة[3] التي لا تكاد ترتفع إلاّ به لا يستلزم[4] الترجيح في مقام الفتوى، كما لا يخفى.

وأما الثالث: فممنوع، صغرى وكبرى.

أما الصغرى[5]: فلأجل أن فتوى غير الأفضل ربما يكون أقرب من فتواه، لموافقته لفتوى من هو أفضل منه ممن مات.

----------------------------------

الاتفاق محصلاً.

[1] أي: نقل هذا الاتفاق موهون من جهتين:

1- إنه نقل ما ليس بحجّة - وهو الاتفاق المدركي - .

2- عدم حجية الإجماع المنقول أصلاً.

[2] أي: معارضة فتوى الأعلم مع فتوى غير الأعلم، «الحكومة» القضاء.

[3] هذا بيان الفرق بين باب القضاء وباب الفتوى، وعدم التلازم بينهما؛ وذلك لأن تشريع القضاء هو لفصل الخصومة، ومن المعلوم عدم إمكان رفع الخصومة بالتخيير؛ لأن كل طرف سيختار ما هو بصالحه، فلذا كان لابد من الترجيح، وهذا عكس باب الفتوى؛ إذ لا مانع من تخيير العامي بينهما، «لا تكاد» تلك الخصومة، «به» بالترجيح.

[4] لاختلاف المناط في البابين - كما عرفت - .

[5] فهي أخص من المدعى؛ إذ فتوى الأعلم قد لا تكون أقرب إلى الواقع، «فتواه» فتوى الأعلم، «لموافقته» أي: موافقة فتوى غير الأعلم، «أفضل منه» أي: من الأعلم.

ص: 394

ولا يصغى[1] إلى أن فتوى الأفضل أقرب في نفسه، فإنه لو سلم[2] أنه كذلك إلاّ أنه[3] ليس بصغرى لما ادعي عقلاً من الكبرى، بداهة أن العقل لا يرى تفاوتاً بين أن تكون الأقربية في الأمارة لنفسها أو لأجل موافقتها لأمارة أخرى، كما لا يخفى.

وأما الكبرى: فلأن ملاك حجية قول الغير تعبداً[4] - ولو على نحو الطريقية - لم يعلم أنه القرب من الواقع[5]،

----------------------------------

[1] لتصحيح الصغرى قالوا: إنّ فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع من فتوى غيره، في نفسه مع قطع النظر عن المرجحات الخارجية، والموافقة مع فتوى الأعلم الميت مرجح خارجي.

وفيه: أولاً: إن قيد (في نفسه) لا دليل عليه، بل الأدلة الدالة على التقليد تكون من باب الطريقية إلى الواقع، ولا فرق في الطريقية بين كونها باقتضاء الذات أم بمعونة قرينة خارجية.

وثانياً: إن (الأقربية في نفسها) ليست من مصاديق الكبرى (وهي لزوم الأخذ بالأقرب) لأن العقل لا يرى تفاوتاً بين كون الأقربية ناشئة عن خصوصية في ذات الأمارة أم كونها ناشئة عن قرينة خارجية.

[2] إشارة إلى الإشكال الأول، «أنه» أي: فتوى الأفضل، «كذلك» أي: أقرب في نفسه.

[3] إشارة إلى الإشكال الثاني، «أنه» أي: إن الأقرب في نفسه.

[4] أي: من غير مطالبته بالدليل.

[5] إذ لعل الملاك هو الفقاهة - مثلاً - وهذا الملاك موجود في الأعلم وغير الأعلم.

نظير الخبرين المتساويين في المرجحات المنصوصة، مع كون أحدهما أرجح براجح غير منصوص.

ص: 395

فلعله[1] يكون ما هو في الأفضل وغيره سيان، ولم يكن لزيادة القرب في أحدهما دخل أصلاً. نعم[2]، لو كان تمام الملاك هو القرب، كما إذا كان[3] حجة بنظر العقل، لتعين الأقرب قطعاً، فافهم[4].

فصل: اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي[5]. والمعروف بين الأصحاب الاشتراط،

----------------------------------

[1] الضمير للشأن، «ما» أي: الملاك الذي، «هو» يرجع إلى الموصول، «غيره» غير الأفضل، والحاصل: فلعله يكون الملاك في الحجية موجوداً في كليهما مع عدم كون الأقربية دخيلة في الملاك أصلاً.

[2] أي: إذا كان (الانسداد على الحكومة) هو دليل جواز التقليد، فإن المناط حينئذٍ هو الأقربية إلى الواقع؛ ولذا يؤخذ بالظن دون الوهم؛ لأن الظن أقرب إلى الواقع.

[3] أي: كما إذا كان قول المجتهد حجة بحكم العقل، حيث انسد باب العلم.

[4] لعله إشارة إلى أنه لا يلزم أن يكون القرب إلى الواقع هو تمام الملاك، بل يكفي أن يكون القرب إلى الواقع دخيلاً في الملاك، فيكون الأقرب واجداً للملاك، وغير الأقرب فاقداً للملاك - بفقدانه لجزئه وهو الأقربية - .

فصل في تقليد الميّت

اشارة

[5] سواء في التقليد الابتدائي أم الاستمراري، وعمدة الأقوال هي:

1- عدم جوازه مطلقاً، واختاره المصنف.

2- الجواز مطلقاً، اختاره المحقق القمي(1)، وذهبت إليه العامة.

3- التفصيل بين الابتدائي فلا يجوز، والاستمراري فيجوز، اختاره صاحب الفصول(2)،

وهو خيرة مشهور المعاصرين.

ص: 396


1- قوانين الأصول 1: 270.
2- الفصول الغروية: 422.

وبين العامة عدمه، وهو خيرة الأخباريين[1] وبعض المجتهدين من أصحابنا. وربما نقل تفاصيل، منها: التفصيل بين البدوي فيشترط، والاستمراري فلا يشترط.

والمختار ما هو المعروف بين الأصحاب، للشك[2] في جواز تقليد الميت، والأصل عدم جوازه.

ولا مخرج عن هذا الأصل إلاّ ما استدل به المجوز على الجواز من وجوه

----------------------------------

[1] قيل: إن الأخباريين لم يجوزوا الاجتهاد ولا التقليد، فكيف ينسب إليهم جواز تقليد الميّت؟

والصحيح أنهم أوجبوا على الجميع - من علماء وعامة - العمل بالروايات، ولكن حيث إن بعض العامة لا يفهمون معانيها، أو لا يتمكنون من إرجاع عامها إلى خاصها ونحو ذلك فإنه يقوم العالم بتبديل لفظ إلى لفظ آخر، فهو في الحقيقة ناقل للروايات بمعانيها، وفي الإخبار لا يشترط استمرار حياة المخبر بداهة.

دليل عدم الجواز مطلقاً

[2] حاصله: إن الأصل عدم جواز تقليد الميت، ولا دليل مخرج عن هذا الأصل.

ويمكن بيان هذا الأصل بنحوين:

1- أصالة عدم حجية الظن، والفتوى توجب الظن بالحكم الشرعي، خرج فتوى الحيّ بالدليل، ولم يدل دليل على خروج فتوى الميت عن هذا الأصل.

2- أصالة التعيين؛ لأنه يجوز تقليد الحي على كل حال، سواء قلنا بتعيّنه أم قلنا بالتخيير بينه وبين الميت، وأما تقليد الميت فمشكوك فيه. وحينئذٍ فنشك في حجية فتوى الميت، ومن المعلوم أن الشك في الحجية مسرح عدم الحجية قطعاً - كما مرّ سابقاً - .

ص: 397

ضعيفة[1]:

منها: استصحاب[2] جواز تقليده في حال حياته(1)[3].

----------------------------------

أدلة الجواز

اشارة

[1] استدل ببعضها على جواز تقليد الميت مطلقاً، وببعضها على جواز الاستمرار دون الابتداء - كما ستعرف - .

1- الاستصحاب
اشارة

[2] لا يخفى أن هنا ثلاثة استصحابات:

1- الاستصحاب في جانب المفتي - المرجع - وهو استصحاب رأيه.

2- الاستصحاب في جانب المستفتي - المقلِّد - وهو استصحاب جواز عمله بالأحكام التي أفتى بها المفتي.

3- الاستصحاب في الأحكام، فيقال: إن الحكم كان ما أفتى به المرجع، فيستصحب ذلك الحكم.

ولا يخفى أن الأول والثاني يدلان على جواز التقليد ابتداءً واستمراراً، وأما الثالث فيدل على جوازه استمراراً فقط، كما سيتضح.

أ- الاستصحاب في التقليد الابتدائي

[3] هذا هو الاستصحاب الأول، أي: كان يجوز العمل برأي المجتهد سابقاً، وهكذا يجوز العمل به الآن.

إن قلت: إنه استصحاب تعليقي - في التقليد الابتدائي - أي: لو كان المقلّد موجوداً في حال حياة المرجع كان يجوز له تقليده، فيستصحب هذا الجواز.

قلت: قد ذهب المصنف إلى صحة الاستصحاب التعليقي - كما مرّ سابقاً - وقوله: «في حال حياته» متعلق ب- «الجواز» أي: الجواز في حال الحياة يستصحب

ص: 398


1- مفاتيح الأصول: 624.

ولا يذهب[1] عليك أنه لا مجال له[2]، لعدم بقاء موضوعه عرفاً، لعدم بقاء الرأي معه[3]، فإنه متقوم بالحياة بنظر العرف - وإن لم يكن كذلك واقعاً - حيث إن الموت عند أهله موجب لانعدام الميت ورأيه.

ولا ينافي[4] ذلك[5] صحة استصحاب بعض أحكام حال حياته، كطهارته

----------------------------------

إلى حال الموت.

[1] إشكال على هذا الاستصحاب، وحاصله: عدم بقاء الموضوع، مع وضوح أنه يشترط في الاستصحاب بقاء الموضوع - أي: وحدة الموضوع في القضية المشكوكة والمتيقنة - وذلك لأن موضوع جواز التقليد هو (رأي المجتهد)، وهذا الرأي قد زال بالموت.

إن قلت: الرأي باقٍ؛ لأنه يرتبط بالنفس، وهي باقية بعد الموت لا تنعدم.

قلت: هذا بالدقة العقلية، وأمّا بالنظرة العرفية - التي هي الملاك في الاستصحاب - فإنّ الرأي قد زال بالموت.

[2] أي: لاستصحاب الجواز الذي كان في حال الحياة، «موضوعه» أي: موضوع جواز التقليد.

[3] أي: مع الموت، «فإنه» أي: الرأي، «كذلك» متقوماً بالحياة، «أهله» أهل العرف.

[4] جواب عن إشكال، وحاصله: إنه قد تستصحب بعض الأحكام إلى بعد الموت، فالمسلم تستصحب طهارته بعد موته، والكافر نجاسته، وجواز نظر الزوج إلى زوجته وهكذا.

والجواب: إن الموضوع في هذه الأحكام وأمثالها هو (البدن) وهو لم يتغير بالموت. عكس الرأي فإنه مرتبط بالمشاعر والإدراكات - عند العرف - وهي قد انعدمت عندهم.

[5] أي: لا ينافي عدم صحة استصحاب جواز التقليد، و«ذلك» لانعدام الرأي.

ص: 399

ونجاسته وجواز نظر زوجته إليه؛ فإن ذلك[1] إنما يكون في ما لا يتقوم بحياته عرفاً، بحسبان بقائه[2] ببدنه الباقي بعد موته، وإن احتمل[3] أن يكون للحياة دخل في عروضه واقعاً.

وبقاء الرأي[4] لابد منه في جواز التقليد قطعاً، ولذا لا يجوز التقليد في ما إذا تبدل الرأي أو ارتفع لمرض أو هرم إجماعاً.

وبالجملة: يكون انتفاء الرأي بالموت بنظر العرف بانعدام موضوعه[5]، ويكون حشره في القيامة إنما هو من باب إعادة المعدوم، وإن لم يكن كذلك حقيقةً[6]،

----------------------------------

[1] أي: استصحاب بعض أحكام حال الحياة، «لا يتقوّم بحياته عرفاً» بل يتقوّم ببدنه.

[2] أي: بقاء بعض أحكام حال الحياة، «حسبان» - بكسر الحاء - بمعنى الظن والتوهم.

[3] وهذا وجه الاستصحاب؛ لأنه لو لم يحتمل هذا الاحتمال لكان متيقناً ببقاء تلك الأحكام، فلا معنى للاستصحاب، لكن هذا الاحتمال يوجب الشك في بقاء تلك الأحكام فتستصحب، «عروضه» أي: عروض بعض تلك الأحكام.

[4] دفع إشكال، وحاصله: إن حدوث الرأي يكفي في جواز التقليد، ولا يشترط استمرار الرأي، وبعبارة أخرى: إن فتوى المجتهد علّة محدثة لجواز التقليد، وليست علّة مبقية.

والجواب: إنه لابد من بقاء الرأي إجماعاً؛ ولذا لا يجوز التقليد مع تبدل الرأي، مع أن الرأي الأول قد حدث سابقاً، وكذا لو زال الرأي بمرض ونحوه فإنه لا يجوز التقليد حينئذٍ، ومن هذا يستكشف أن بقاء الرأي شرط في جواز التقليد، والميت لم يبق رأيه عرفاً، فلا موضوع للاستصحاب.

[5] أي: موضوع الرأي، وهو المجتهد الحيّ.

[6] أي: لم يكن انعدام الرأي، «كذلك» أي: بالموت، «موضوعه» أي: موضوع الرأي.

ص: 400

لبقاء موضوعه وهو النفس الناطقة الباقية حال الموت، لتجرده[1]. وقد عرفت في باب الاستصحاب أن المدار في بقاء الموضوع[2] وعدمه هو العرف، فلا يجدي بقاء النفس عقلاً في صحة الاستصحاب مع عدم مساعدة العرف عليه وحسبان أهله أنها غير باقية وإنما تعاد يوم القيامة بعد انعدامها، فتأمل جيداً.

لا يقال[3]: نعم[4]، الاعتقاد والرأي وإن كان يزول بالموت، لانعدام موضوعه،

----------------------------------

[1] دليل بقاء النفس بعد الموت. قالوا: إن النفس مجردة عن المادة، أي: ليست بجسم. وقد التزم بعضهم - على ما قيل - بقدم المجردات واستحالة طروء العدم عليها؛ إذ يستحيل العدم على القديم.

وفيه نظر: إذ لم يدل دليل على تجرّد ما سوى الله تعالى، والأدلة التي أقاموها إنما هي أدلة خطابية، بل يستفاد من بعض الروايات أن جميع المخلوقات إنما هي أجسام، فبعضها أجسام كثيفة لها جِرم، وبعضها أجسام لطيفة كالملائكة والروح والجن.

ثم على فرض تجردها فإنها مخلوقة مسبوقة بالعدم، وما كان كذلك لا يستحيل عليه العدم.

فالصحيح هو أن الأدلة النقلية دلّت على بقاء النفس والروح بعد الموت، وفي أجسام مثالية إلى يوم القيامة، حيث ترجع إلى نفس الأبدان الدنيوية.

[2] الصحيح: إن المراد من بقاء الموضوع هو وحدة الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة، وإلاّ لما أمكن استصحاب مثل: (حياة زيد)، فتأمل.

[3] قد أشار المصنف إلى هذا الإشكال مع جوابه في قوله: (و بقاء الرأي لابدّ منه... الخ)، فتكراره إنما هو للتوضيح أكثر.

[4] أي: صحيح أن المدار في الاستصحاب هو على العرف لا الدقة العقلية، والرأي يزول بالموت، إلاّ أن جواز التقليد يرتبط بحدوث الرأي لا ببقائه، «حدوثة» أي: حدوث الرأي.

ص: 401

إلاّ أن حدوثه في حال حياته كافٍ في جواز تقليده في حال موته، كما هو الحال في الرواية[1].

فإنه يقال[2]: لا شبهة في أنه لابد في جوازه من بقاء الرأي والاعتقاد، ولذا لو زال بجنون أو بدل ونحوهما لما جاز قطعاً، كما أشير إليه آنفاً.

هذا بالنسبة إلى التقليد الابتدائي.

وأما الاستمراري[3]: فربما يقال بأنه[4] قضية استصحاب الأحكام التي قلده

----------------------------------

[1] تنظير للرأي بالرواية، فلو أخبرنا مخبر ثقة بأمرٍ ما فإنه يجوز، بل قد يجب الاعتماد عليه حتى لو مات؛ لأنه لا يشترط استمرار الحياة بعد الإخبار، فكذا في الرأي.

[2] القياس مع الفارق؛ وذلك لقيام الدليل - وهو الإجماع - على لزوم استمرار الرأي، عكس الرواية، فلم يقم دليل على لزوم استمرار الإخبار، بل يعتمدون عليه حتى لو نسي أو فسق أو مات بعد كونه عادلاً.

ب - الاستصحاب في التقليد الاستمراري

[3] أي: في البقاء على تقليد الميت قد يستدل باستصحاب الحكم؛ وذلك لأن الحكم بالنسبة إلى المقلّد كان هو ما أفتى به المرجع، ونشك في بقاء ذلك الحكم بعد موته، فيستصحب ذلك الحكم.

مثلاً: لو أفتى المرجع بنجاسة العصير العنبي بالغليان قبل ذهاب الثلثين، فالحكم بالنسبة إلى المقلّد هو النجاسة، والموضوع هو (العصير العنبي)، وليس الموضوع (العصير العنبي مقيداً بفتوى المجتهد)، فليس رأيه جزءاً من الموضوع، بل كان رأيه سبباً لعروض ذلك الحكم على الموضوع، إذن فالموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة واحد وهو (العصير العنبي).

[4] أي: بأنّ جواز البقاء على تقليد الميت.

ص: 402

فيها[1]، فإن رأيه[2] وإن كان مناطاً لعروضها وحدوثها، إلاّ أنه[3] عرفاً من أسباب العروض، لا من مقومات الموضوع والمعروض.

ولكنه[4] لا يخفى: أنه لا يقين بالحكم شرعاً[5] سابقاً، فإن جواز التقليد إن كان

----------------------------------

[1] وهذا القيد لأجل أن يتحقق اليقين السابق، فيقال: كان الحكم بالنسبة إلى هذا المقلّد هو نجاسة العصير العنبي، وهذا الحكم باقٍ بالنسبة إليه بعد موت المرجع.

[2] أي: رأي المجتهد، «مناطاً» أي: سبباً، «لعروضها» أي: عروض تلك الأحكام على الموضوعات، كعروض النجاسة على العصير العنبي، «وحدوثها» عطف تفسيري؛ إذ لو لا فتوى المرجع لم تعرض تلك الأحكام على موضوعاتها.

[3] أن رأي المجتهد، «أسباب العروض» أي: علّة محدثة، لا علّة مبقية، «لا من مقومات الموضوع» أي: ليس رأيه قيداً في الموضوع كي يقال: (العصير العنبي مقيداً برأي المجتهد) هو الموضوع، «والمعروض» عطف تفسيري على «الموضوع».

[4] إشكال على هذا الاستصحاب - وهذا إشكال أول - وسيأتي الإشكال الثاني في قوله: (هذا كله مع إمكان... الخ).

وحاصله: إن الحكم إن أريد منه الواقعي فلا يقين سابق به فلا مجال للاستصحاب. وإن أريد الحكم الظاهري فقد بينا سابقاً عدم وجود حكم ظاهري أصلاً، بل الأمارات والطرق توجب التنجيز والعذر.

نعم، من قال بوجود الحكم الظاهري فيمكنه استصحابه، لكن يرد عليه إشكال أن الظاهر أنّ رأي المجتهد هو جزء من الموضوع - كما سيتضح - .

[5] لا الحكم الواقعي ولا الحكم الظاهري، أما عدم اليقين بالحكم الواقعي فواضح؛ لاحتمال خطأ الأمارة والطريق، وأما الحكم الظاهري فنقول: إن الفتوى لا توجبه؛ وذلك لأن دليل جواز التقليد إما الفطرة، وهي لا تقتضي جعل حكم ظاهري مماثل، وإما النقل وهو كذلك لا يقتضي أكثر من التنجيز والعذر كما بيناه سابقاً.

ص: 403

بحكم العقل وقضية الفطرة[1] - كما عرفت - فواضح، فإنه[2] لا يقتضي أزيد من تنجز ما أصابه من التكليف والعذر في ما أخطأ، وهو واضح.

وإن كان[3] بالنقل فكذلك على ما هو التحقيق من أن قضية الحجية شرعاً ليس إلاّ ذلك، لا إنشاء أحكام شرعية[4] على طبق مؤداها. فلا مجال لاستصحاب ما قلده، لعدم القطع به سابقاً[5] إلاّ على ما تكلفنا في بعض تنبيهات الاستصحاب[6]،

----------------------------------

[1] عطف تفسيري على «حكم العقل»، وقد مرّ أن الأصح التعبير ببناء العقلاء الناشئ عن الفطرة.

[2] أي: حكم العقل والفطرة.

[3] أي: كان جواز التقليد بالأدلة النقلية، «فكذلك» أي: لا يقتضي أزيد من التنجيز والعذر، ولا يقتضي جعل حكم مماثل - هو الحكم الظاهري - «ذلك» التنجيز والعذر.

[4] ظاهرية، «مؤداها» مؤدى الأمارات والطرق.

[5] أي: لعدم القطع بالحكم الواقعي، وعدم وجود حكم ظاهري أصلاً، فلم يبق مجال للاستصحاب.

[6] وهو التنبيه الثاني، حيث صوّر المصنف إمكان استصحاب الحكم الذي كان مؤدى الأمارات والطرق.

قال المصنف: (هل يكفي في صحة الاستصحاب: الشك في بقاء شيء على تقدير ثبوته وإن لم يحرز ثبوته... ومن أن اعتبار اليقين إنما هو لأجل أن التعبد والتنزيل شرعاً إنما هو في البقاء لا في الحدوث، فيكفي الشك فيه على تقدير الثبوت، فيتعبد به على هذا التقدير، فيترتب عليه الأثر فعلاً في ما كان هناك أثر، وهذا هو الأظهر، وبهذا يمكن أن يذب عما في استصحاب الأحكام التي قامت الأمارات المعتبرة على مجرد ثبوتها، وقد شك في بقائها على تقدير ثبوتها من الإشكال بأنه لا يقين بالحكم

ص: 404

فراجع. ولا دليل[1] على حجية رأيه السابق في اللاحق.

وأما بناءً[2] على ما هو المعروف بينهم - من كون قضية الحجية الشرعية جعل مثل ما أدت إليه من الأحكام الواقعية التكليفية أو الوضعية شرعاً في الظاهر[3] -: فلاستصحاب ما قلده من الأحكام وإن كان مجال، بدعوى بقاء الموضوع عرفاً، لأجل[4] كون الرأي عند أهل العرف من أسباب العروض لا من مقومات المعروض، إلاّ أن الإنصاف[5] عدم كون الدعوى خالية عن الجزاف، فإنه من المحتمل

----------------------------------

الواقعي، ولا يكون هناك حكم آخر فعلي... ووجه الذب بذلك أن الحكم الواقعي الذي هو مؤدى الطريق حينئذٍ محكوم بالبقاء، فتكون الحجة على ثبوته حجة على بقائه تعبداً، للملازمة بينه وبين ثبوته واقعاً)(1)،

انتهى.

[1] أي: كما لا يدل الاستصحاب على حجية رأي المجتهد الميت استمراراً كذلك لا دليل آخر على حجية رأيه، «في اللاحق» أي: في الزمان اللاحق وهو بعد موته.

[2] أي: بناءً على القول بالحكم الظاهري فيمكن القول بإجراء استصحاب ذلك الحكم الظاهري، الذي كان في حال حياة المرجع.

لكن فيه نظر؛ لأجل عدم بقاء الموضوع.

[3] «في» متعلقه ب- «جعل»، أي: جعل في الظاهر لمثل الأحكام الواقعية.

[4] ففي المثال السابق (العصير العنبي ينجس)، لا (العصير العنبي المقيّد برأي المجتهد).

[5] أي: لا يمكن جريان الاستصحاب حتى على مبنى وجود الحكم الظاهري؛ وذلك لأن رأي المجتهد هو قيد في الموضوع عرفاً، لا أقل من احتماله، فلا إحراز لوحدة الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة؛ لأنه ليس حكم العصير العنبي النجاسة، بل العصير العنبي مع قيد فتوى المرجع يكون محكوماً بالنجاسة.

ص: 405


1- إيضاح كفاية الأصول 5: 49.

- لو لا المقطوع - أن الأحكام التقليدية[1] عندهم أيضاً ليست أحكاماً لموضوعاتها بقول مطلق[2]، بحيث[3] عُدّ من ارتفاع الحكم عندهم من موضوعه بسبب تبدل الرأي ونحوه[4]، بل إنما كانت أحكاماً لها[5] بحسب رأيه، بحيث[6] عُدّ من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عند التبدل. ومجرد احتمال ذلك[7] يكفي في عدم صحة استصحابها، لاعتبار إحراز بقاء الموضوع ولو عرفاً، فتأمل جيداً.

هذا كله مع إمكان[8] دعوى أنه إذا لم يجز البقاء على التقليد بعد زوال الرأي

----------------------------------

[1] أي: الأحكام التي يفتي بها المجتهد، «عندهم» عند العرف.

[2] أي: بما هي هي، بل يقولون لأن المرجع أفتى بالنجاسة - مثلاً - ترتبت تلك الأحكام على تلك الموضوعات.

[3] أي: لو تغيّر ذلك الحكم بسبب تبدل الرأي لا يعتبرونه من تغير الموضوع فتغيّر الحكم بتبعه، بل يعتبرونه من تغير حكم موضوع واحد، فمرّة كان حكمه الطهارة مثلاً، ثم تبدل الرأي فصار حكمه النجاسة.

[4] كالنسيان والهرم.

[5] أي: لموضوعاتها، «بحسب رأيه» أي: صيرورتها أحكاماً بسبب فتوى المجتهد.

[6] أي: تبدل الحكم كان تابعاً لتبدل الموضوع؛ لأن الرأي كان جزءاً من الموضوع عند العرف.

[7] أي: لا نحتاج في بطلان الاستصحاب إلى القطع بكون الرأي جزءاً من الموضوع، بل يكفي احتماله؛ إذ مع الاحتمال لا إحراز لوحدة الموضوع، «ذلك» أي: انتفاء الموضوع - لأجل كون الرأي قيداً له - «استصحابها» تلك الأحكام.

[8] إشارة إلى الجواب الثاني عن استصحاب الأحكام التي أفتى بها المرجع.

وحاصله: الأولوية، فإنه لا يجوز البقاء على تقليد المجتهد لو تبدّل رأيه أو أصيب بالمرضِ فنسى معلوماته، فبطريق أولى لا يجوز تقليده بعد موته؛ لأن الموت فقدان لكل شيء، والمرض ونحوه فقدان لبعض الشيء.

ص: 406

بسبب الهرم أو المرض إجماعاً، لم يجز في حال الموت بنحو أولى قطعاً، فتأمل[1].

ومنها[2]: إطلاق الآيات الدالة على التقليد.

وفيه[3] : - مضافاً إلى ما أشرنا إليه من عدم دلالتها عليه - منع إطلاقها على تقدير دلالتها، وإنما هو[4] مسوق لبيان أصل تشريعه، كما لا يخفى.

ومنه[5] انقدح حال إطلاق ما دل من الروايات على التقليد، مع إمكان دعوى الانسباق إلى حال الحياة فيها.

----------------------------------

وعليه فلا شك لاحق لكي نستصحب تلك الأحكام.

[1] لعله إشكال على الأولوية، فإن العرف لا يرى فرقاً - بالنسبة إلى زوال الرأي - بين هذه الأمور وبين الموت، بل قد يُدّعى أن القضية معكوسة.

2- إطلاق الأدلة اللفظية

[2] من أدلة المجوزين لتقليد الميّت، هو إطلاق مثل قوله تعالى: {وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ}(1) فإنها دلت على جواز التقليد من غير تقييد بالحياة.

[3] إشكالان:

1- مبنائي: وهو عدم دلالة تلك الآيات على أصل التقليد، كما مرّ سابقاً، فالإطلاق سالبة بانتفاء الموضوع.

2- بنائي: وهو أنه لو فرض دلالتها على أصل التقليد فلا إطلاق لها؛ لأن من مقدمات الحكمة كون المتكلّم في مقام البيان، وليست تلك الأدلة إلاّ لبيان تشريع أصل التقليد، وليست في مقام بيان تفاصيله، «عدم دلالتها» الآيات، «عليه» على التقليد.

[4] أي: الآيات، والأولى تأنيث الضمير.

[5] أي: من الإشكال على الاستدلال بالآيات اتضح الإشكال على الاستدلال بالروايات.

ص: 407


1- سورة التوبة، الآية: 122.

ومنها[1]: دعوى أنه لا دليل على التقليد إلاّ دليل الانسداد، وقضيته[2] جواز تقليد الميت كالحي بلا تفاوت بينهما أصلاً، كما لا يخفى.

وفيه[3]: إنه لا يكاد تصل النوبة إليه، لما عرفت من دليل العقل والنقل عليه.

ومنها[4]: دعوى السيرة على البقاء، فإن المعلوم من أصحاب الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ عدم رجوعهم عما أخذوه تقليداً بعد موت المفتي.

----------------------------------

فأولاً: الروايات مسوقة لبيان أصل تشريع التقليد، لا لبيان تفاصيله، فلا إطلاق لها؛ لعدم كون المولى في مقام البيان.

وثانياً: يمكن ادعاء انصراف تلك الروايات إلى الحيّ دون الميت، فإن مثل: (اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس... الخ)(1)

يفهم منه اتباع الحي في فتواه دون الميت.

3- دلالة دليل الانسداد

[1] حاصله: إن دليل التقليد هو انسداد باب العلم والعلمي على العامي، ودليل الانسداد يدل على حجية مطلق الظن، وكما يحصل الظن من فتوى الحيّ كذلك يحصل من فتوى الميت.

[2] أي: مقتضى دليل الانسداد هو حجية الظن، بلا تفاوت بين المجتهد الحي والميت؛ لأن فتوى كليهما توجب الظن بالحكم الشرعي.

[3] حاصله: منع كون دليل التقليد هو الانسداد؛ إذ باب العلم بجواز التقليد منفتح وهو دليل العقل، كما أن الدليل العلمي أيضاً موجود وهو الأخبار.

4- السيرة

[4] أي: سيرة المتشرعة تدل على جواز تقليد الميّت، وهذه السيرة متصلة بزمان المعصوم، مما يكتشف منها رضاهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، فكان الناس يراجعون الفقهاء من أصحاب الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ ويعملون بفتواهم، دون التوقف عن العمل بموت المفتى.

ص: 408


1- مستدرك الوسائل 17: 315.

وفيه[1]: منع السيرة في ما هو محل الكلام[2]. وأصحابهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ إنما لم يرجعوا[3] عما أخذوه من الأحكام، لأجل أنهم غالباً إنما كانوا يأخذونها ممن ينقلها عنهم عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ بلا واسطة أحد، أو معها من دون دخل رأي الناقل فيه أصلاً، وهو ليس بتقليد كما لا يخفى، ولم يعلم[4] إلى الآن حال من تعبد بقول غيره ورأيه أنه كان قد رجع أو لم يرجع بعد موته[5].

ومنها: غير ذلك مما لا يليق بأن يسطر أو يذكر[6].

----------------------------------

[1] حاصل الإشكال: إن الرجوع إلى أصحاب الأئمة لم يكن تقليداً، بل كان استعلام كلام الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فكان الراوي ينقل لهم كلام الإمام عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بالنص أو بالمعنى.

نعم، القليل من الأصحاب كانوا يُفتون، ولا نعلم ماذا كان يعمل المستفتي بعد وفاة المفتي؟ ولو فرض استمرار العمل فإن هذا المورد كان قليلاً جداً، بحيث لا تتحقق معه سيرة المتشرعة، بل هو عمل مجموعة قليلة.

[2] أي: التقليد بمعنى الأخذ بفتوى المجتهد.

[3] بعد موت من أخذوا الحكم منه، «أنهم» أن الأصحاب، «يأخذونها» الأحكام، «معها» مع الواسطة، «فيه» في الحكم.

[4] أي: في غير الغالب الذي كان يفتي فقهاء أصحاب الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ «ورأيه» عطف تفسيري على «قول غيره».

[5] وحتى لو فرض عدم رجوعه فإنه لا تنعقد السيرة بهذا المقدار القليل.

[6] لوضوح ضعفه. مثل قولهم: إنّ أنبياء بني اسرائيل كان يجوز العمل بقولهم بعد موتهم فكذا العلماء، لقوله: (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل)(1).

ومثل الاستدلال بأن فتوى الحي توجب الظن كذا فتوى الميت.

ص: 409


1- مستدرك الوسائل 17: 320.

----------------------------------

ومثل العسر في الرجوع إلى الحي لاحتياج المقلّد إلى تعلّم المسائل من جديد، ونحو ذلك.

وهذه أدلة بيّنة الضعف لذا أعرض عنها المصنف.

** *** **

وكان الفراغ من هذا الشرح في ليلة الثلاثاء رابع شهر ربيع الأول من سنة ألف وأربعمائة واثنين وثلاثين للهجرة في بلدة قم المقدسة.

أسأل الله أن يتقبله بقبول حسن.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ص: 410

مصادر التحقيق

1. القرآن الكريم.

2. نهج البلاغة.

3. أجود التقريرات، تقريرات درس الشيخ النائيني، مطبعة العرفان، الطبعة الأولى، 1354ش.

4. الاحتجاج، الشيخ أحمد بن علي الطبرسي، نشر المرتضى، الطبعة الأولى، 1403ق.

5. الإحكام في أصول الأحكام، الشيخ علي بن أبي علي الآمدي، دار الكتب العلمية، الطبعةالثانية، 1402ق.

6. الاختصاص، الشيخ المفيد، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، الطبعة الأولى، 1413ق.

7. إرشاد الفحول، محمد بن علي الشوكاني، الطبعة الأولى، 1399ق.

8. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، الشيخ المفيد، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ،

الطبعة الأولى،

1413ق.

9. الاستبصار، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الأولى، 1390ق.

10. إشارات الأصول، الشيخ إبراهيم الكرباسي، الطبعة الحجرية.

11. الإشارات والتنبيهات، ابن سينا.

12. الأصول الأصيلة، السيد عبد الله شبّر، مكتبة المفيد، الطبعة الأولى، 1404ق.

13. أصول الجصاص (الفصول في الأصول)، أحمد بن علي الجصاص الرازي، دار الكتب العلمية،

الطبعة الأولى،

1420ق.

14. أصول الفقه، الشيخ محمد رضا المظفر، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الخامسة، 1430ق .

ص: 411

15. الاعتقادات في دين الإمامية، الشيخ الصدوق، الطبعة الثانية، 1414ق.

16. الألفية والنفلية، الشهيد الأول، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1408ق .

17. الأمالي، الشيخ الصدوق، كتابجي، الطبعة السادسة، 1376ق.

18. الأمالي، الشيخ الطوسي، دار الثقافة، الطبعة الأولى، 1414ق.

19. الأمالي،

الشيخ المفيد، الطبعة الأولى، 1413ق.

20. أوثق الوسائل في شرح الرسائل، الشيخ موسى التبريزي، كتبي نجفي، الطبعة الأولى، 1369ق.

21. أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ابن هشام، المكتبة العصرية.

22. إيضاح الفوائد، فخر المحققين، مؤسسة إسماعيليان، الطبعة الأولى، 1387ق.

23. الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية.

24. بحار الأنوار، الشيخ محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403ق.

25. بدائع الأفكار، الشيخ حبيب الله الرشتي، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، الطبعة الأولى.

26. البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، مؤسسة البعثة، الطبعة الأولى، 1374ش.

27. بصائر الدرجات، الشيخ محمد بن الحسن الصفار، مكتبة المرعشي، الطبعة الثانية، 1404ق.

28. التبيان في تفسير القرآن، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، دار إحياء التراث العربي.

29. تبيين القرآن، السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار العلوم، الطبعة الأولى،1423ق.

30. تحف العقول، الشيخ حسن بن علي بن شعبة الحراني، جامعة المدرسين، الطبعة الثانية، 1404ق.

31. التذكرة بأصول الفقه، الشيخ المفيد، دار المفيد، الطبعة الثانية، 1414ق.

32. تشريح الأصول، الشيخ علي بن فتح الله النهاوندي، الطبعة الحجرية.

33. التعليقة على القوانين، السيد علي القزويني، الطبعة الحجرية.

34. تعليقة على معالم الأصول، السيد علي القزويني، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1427ق.

ص: 412

35. التفسير الأصفى، الشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية،

الطبعة الأولى، 1418ق.

36. تفسير الصافي، الشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني، مكتبة الصدر، الطبعة الثانية، 1415ق.

37. تفسير العياشي، المحدث محمد بن مسعود العياشي، المطبعة العلمية، الطبعة الأولى، 1380ق.

38. تفسير القمي، المحدث علي بن إبراهيم القمي، مؤسسة دار الكتاب، الطبعة الثالثة، 1404ق.

39. التفسير الكبير، الفخر الرازي، دار إحياء التراث العربي.

40. تقريرات المجدد الشيرازي، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، 1409ق.

41. تمهيد القواعد، الشهيد الثاني، مؤسسه النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1416ق.

42. التوحيد، الشيخ الصدوق، جامعة المدرسين، الطبعة الأولى، 1398ق.

43. تهذيب الأحكام، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1407ق.

44. جامع المقاصد، المحقق الكركي، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، الطبعة الثانية، 1414ق.

45. جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة السابعة.

46. الحاشية على تهذيب المنطق، الملا عبد الله بن حسين اليزدي، جامعة المدرسين، الطبعة الثانية.

47. الحاشية على كفاية الأصول، السيد حسين البروجردي، أنصاريان، الطبعة الأولى، 1412ق.

48. الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1405ق.

49. حقائق الأصول، السيد محسن الحكيم، بصيرتي، الطبعة الخامسة، 1408ق.

ص: 413

50. الخصال، الشيخ الصدوق، جامعة المدرسين، الطبعة الأولى، 1362ش.

51. خلاصة الأقوال، العلامة الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي.

52. الخلاف، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1407ق.

53. درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، للآخوند الخراساني، مؤسسة الطبع والنشر، الطبعة الأولى 1410ق.

54. درر الفوائد، الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، مؤسسه النشر الإسلامي، الطبعة السادسة، 1418ق.

55. الدرر النجفية، الشيخ يوسف البحراني، دار المصطفى لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1423ق.

56. دعائم الإسلام، القاضي نعمان بن محمد، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، الطبعة الثانية، 1385ق.

57. ذخيرة المعاد، الشيخ محمد باقر السبزواري، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ،الطبعة الأولى.

58. الذريعة إلى أصول الشريعة، السيد المرتضى، جامعة طهران، 1363ق.

59. الرجال، المحدّث أحمد بن محمد بن خالد البرقي، انتشارات جامعة طهران.

60. رسائل الشريف المرتضى، دار القرآن الكريم، الطبعة الأولى، 1405ق.

61. رسائل الشهيد الثاني، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1421ق.

62. رسائل المحقق الكركي، مكتبة المرعشي، الطبعة الأولى، 1409ق.

63. روض الجنان، الشهيد الثاني، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1402ق.

64. الروضة البهية، الشهيد الثاني، مكتبة الداوري، الطبعة الأولى، 1410ق.

65. روضة المتقين، الشيخ محمد تقي المجلسي، الطبعة الثانية، 1406ق.

66. زبدة الأصول، الشيخ البهائي، مرصاد، الطبعة الأولى، 1423ق.

67. زبدة البيان في أحكام القرآن، الشيخ أحمد الأردبيلي، المكتبة الجعفرية، الطبعة الأولى.

ص: 414

68. السرائر، الشيخ ابن إدريس الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1410ق.

69. شرائع الإسلام، المحقق الحلي.

70. شرح أصول الكافي، السيد جعفر الشيرازي، دار العلوم، الطبعة الأولى، 1436ق.

71. شرح الإشارات والتنبيهات، الشيخ نصير الدين الطوسي، مركز نشر الكتاب، 1403ق.

72. شرح الرضي على الكافية، رضي الدين الأستر آبادي، دار الكتب العلمية، 1399ق.

73. شرح العضدي على مختصر الحاجبي، عبد الرحمن بن أحمد الشافعي.

74. شرح المطالع، محمد بن محمد الرازي، مكتبة الكتبي.

75. شرح المنظومة، الشيخ هادي السبزواري، مكتبة العلامة، 1369ش.

76. شرح مختصر الأصول، عضد الدين الإيجي.

77. الصحاح، إسماعيل بن حماد الجوهري، دار العلم للملايين.

78. العدة في أصول الفقه، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مطبعة ستارة، 1417ق.

79. علل الشرائع ، الشيخ الصدوق، مكتبة الداوري، الطبعة الأولى، 1385ش.

80. عناية الأصول في شرح كفاية الأصول، السيد مرتضى الفيروز آبادي، مكتبة الفيروز آبادي،

الطبعة الرابعة، 1400ق.

81. عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي، دار سيد الشهداء عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ للنشر، الطبعة الأولى، 1405ق.

82. عوائد الأيام، الشيخ أحمد النراقي، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي،

الطبعة الأولى، 1417ق.

83. العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، دار الهجرة، الطبعة الثانية، 1409ق.

84. غاية المسؤول في علم الأصول، السيد محمد حسين الشهرستاني، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ،

الطبعة الأولى.

ص: 415

85. الغدير، الشيخ عبدالحسين الأميني، دار الكتاب العربي، الطبعة الرابعة، 1397ق.

86. غنية النزوع، الشيخ ابن زهرة الحلبي، مؤسسة الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، الطبعة الأولى، 1417ق.

87. فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1419ق.

88. الفصول الغروية، الشيخ محمد حسين الإصفهاني، دار إحياء العلوم الإسلامية، الطبعة الحجرية، 1404ق.

89. الفصول المهمة إلى أصول الأئمة، الشيخ الحرّ العاملي، مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

90. فوائد الأصول، الآخوند الخراساني، المطبوع ضمن حاشية الرسائل، وزارة الإرشاد، ،

الطبعة الأولى، 1407ق.

91. فوائد الأصول، تقريرات بحث الشيخ النائيني، مؤسسة النشر الإسلامي، 1414ق.

92. الفوائد الحائرية، الشيخ محمد باقر الوحيد البهبهاني، مجمع الفكر الإسلامي، 1415ق.

93. الفوائد المدنية، الشيخ محمد أمين الأسترآبادي، مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1426ق.

94. قرب الإسناد، المحدّث عبد الله بن جعفر الحميري، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ،الطبعة الأولى،

1413ق.

95. قواعد المرام، الشيخ ابن ميثم البحراني، مطبعة الصدر، الطبعة الثانية، 1406ق.

96. قوانين الأصول، المحقق القمي، الطبعة الحجرية.

97. القول السديد في شرح التجريد، السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار الإيمان.

98. الكافي، المحدّث الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1407ق.

99. كامل الزيارات، المحدث جعفر بن محمد ابن قولويه، الدار المرتضوية، الطبعة الأولى، 1356ش.

ص: 416

100. كتاب الطهارة، الشيخ مرتضى الأنصاري، مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1415ق.

101. كشف الغطاء، الشيخ جعفر بن خضر النجفي، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1422ق.

102. كشف القناع عن وجوه حجية الإجماع، الشيخ أسد الله التستري، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

103. كشف المراد، العلامة الحلي، مؤسسة نشر الإسلامي، الطبعة السابعة، 1417ق.

104. كفاية الأصول مع حواشي المشكيني، الشيخ ابو الحسن المشكيني، لقمان، الطبعة الأولى، 1413ق.

105. كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1395ق.

106. لسان العرب، ابن منظور، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1408ق.

107. مبادئ الوصول، العلامة الحلي، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404ق.

108. المبسوط، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، المكتبة المرتضوية، الطبعة الثالثة، 1387ق.

109. مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين بن محمد الطريحي،المكتبة المرتضوية، الطبعة الثالثة، 1375ق.

110. مجمع البيان، الشيخ فضل بن الحسن الطبرسي، مؤسسه الأعلمي.

111.مجمع الفائدة والبرهان، الشيخ أحمد الأردبيلي، مؤسسة النشر الإسلامي،1403ق.

112. المحاسن، المحدث أحمد بن محمد البرقي، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية، 1371ق.

113. المحصول في علم أصول الفقه، فخر الدين الرازي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1412ق.

ص: 417

114. مختصر المعاني، الخطيب القزويني، دار الفكر.

115. مختلف الشيعة، العلامة الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1413ق.

116. مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، الطبعة الأولى، 1411ق.

117. المراجعات، السيد شرف الدين.

118. مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى، 1413ق.

119. مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ،الطبعة الأولى، 1408ق.

120. المسلك في أصول الدين، المحقق الحلي، آستانة الرضوية المقدسة، الطبعة الأولى، 1414ق.

121. مشارق الشموس، السيد حسين بن محمد الخوانساري، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ.

122. مصابيح الظلام، الشيخ محمد باقر الوحيد البهبهاني، الطبعة الأولى، 1424ق.

123. مصباح الفقيه، الشيخ رضا الهمداني، مؤسسة الجعفرية، الطبعة الأولى، 1416ق.

124. مصباح الهدى، الميرزا محمد تقي الآملي، 1380ق.

125. مطارح الأنظار، تقريرات درس الشيخ مرتضى الأنصاري، مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى.

126. المطول، مسعود بن عمر التفتازاني، مكتبة الداوري، الطبعة الرابعة.

127. معارج الأصول، المحقق الحلي، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، 1403ق.

128. معالم الدين، الشيخ حسن بن زين الدين العاملي، مؤسسة النشر الإسلامي.

129.معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة 1. الأولى، 1403ق.

ص: 418

130. المعتبر، المحقق الحلي، مؤسسة سيد الشهداء عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ،الطبعة الأولى، 1407ق.

131. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، مكتبة الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1404ق.

132. مغني اللبيب، ابن هشام الأنصاري، مكتبة المرعشي، الطبعة الرابعة.

133. مفاتيح الأصول، السيد محمد المجاهد، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ،الطبعة الأولى.

134. مفاتيح العلوم، يوسف بن أبي بكر السكاكي، دار الكتب العلمية.

135. مفتاح الكرامة، السيد جواد العاملي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى.

136. المفردات في غريب القرآن، الراغب الإصفهاني، دفتر نشر الكتاب، الطبعة الثانية، 1404ق.

137. المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1415ق.

138. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1413ق.

139. مناقب آل أبي طالب عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، الشيخ محمد بن علي ابن شهر آشوب، المطبعة العلمية، الطبعة الأولى، 1379ق.

140. مناهج الأحكام والأصول، الشيخ أحمد النراقي، الطبعة الحجرية.

141. منتهى الأصول، السيد حسن البجنوردي، مكتبة بصيرتي، الطبعة الثانية.

142. منتهى الدراية، السيد محمد جعفر الجزائري، مؤسسة دار الكتاب، الطبعة الرابعة، 1415ق.

143. المنطق، الشيخ محمد رضا المظفر، مؤسسه النشر الإسلامي.

144. موسوعة الفقيه الشيرازي، السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي، دارالعلم، الطبعة الأولى، 1437ق.

145. المهذب، القاضي ابن البراج، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1406ق.

146. نظم درر السمطين، الشيخ محمد الزرندي الحنفي، الطبعة الأولى، 1377ق.

ص: 419

147. نهاية الأفكار، تقريرات المحقق العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي، 1405ق.

148. نهاية الدراية، الشيخ محمد حسين الإصفهاني، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ،الطبعة الثانية، 1429ق.

149. نهاية الوصول إلى علم الأصول، العلامة الحلّي، مؤسسة الإمام الصادق عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ،الطبعة الأولى، 1425ق.

150. النهاية في غريب الحديث، ابن أثير، مؤسسة إسماعليان، الطبعة الرابعة، 1367ش.

151. الوافية في أصول الفقه، الفاضل التوني، مجمع الفكر الإسلامي، 1415ق.

152. وسائل الشيعة، الشيخ الحرّ العاملي، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ،الطبعة الأولى، 1409ق.

153. وسيلة الوصول، السيد أبو الحسن الإصفهاني، جامعة المدرسين، الطبعة الأولى، 1422ق.

154. الوصائل إلى الرسائل، السيد محمد الشيرازي، مؤسسة عاشوراء، الطبعة الثانية، 1421ق .

155. الوصول إلى كفاية الأصول، السيد محمد الشيرازي، دار الحكمة، الطبعة الثالثة، 1426ق.

156. وقاية الأذهان، الشيخ محمد رضا الإصفهاني، مؤسسة آل البيت عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ،1413ق.

157. هداية الأمة إلى أحكام الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ، الشيخ الحرّ العاملي، آستانة الرضوية المقدسة، الطبعة الأولى، 1414ق.

158. هداية المسترشدين، الشيخ محمد تقي الإصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1429ق.

ص: 420

فهرست الموضوعات

صحيحة زرارة الثالثة... 5

إشكالان على الاستدلال... 6

الإشكال الأول... 6

الجواب عن الإشكال الأول... 8

الإشكال الثاني... 9

الجواب الأول... 10

الجواب الثاني... 10

رواية محمد بن مسلم... 11

إشكال وجوابان... 11

مكاتبة القاساني... 14

إشكال... 14

أخبار الحلية والطهارة... 15

إشكال وجوابه... 19

الأحكام الوضعيّة... 22

أقسام الوضع... 27

النحو الأول من الوضع... 28

الدليل الأول... 28

الدليل الثاني... 29

النحو الثاني من الوضع... 33

إشكال وجوابه... 35

النحو الثالث من الوضع... 36

الدليل الأول... 37

الدليل الثاني... 38

الدليل الثالث... 38

الدليل الرابع... 39

ص: 421

وهم ودفع... 40

الاستصحاب في الأحكام الوضعية... 43

تنبيهات الاستصحاب... 45

التنبيه الأول: فعلية اليقين والشك... 45

التنبيه الثاني: تقديرية المتيقن وفعلية الشك... 48

التنبيه الثالث: استصحاب الكلي وأقسامه... 54

القسم الأول... 55

القسم الثاني... 56

إشكالان: الأول... 56

الجواب... 57

الإشكال الثاني... 58

الجواب الأول... 59

الجواب الثاني... 60

الجواب الثالث... 60

القسم الثالث... 61

التنبيه الرابع: استصحاب الزمان والزمانيات... 68

الدليل الأول... 69

الدليل الثاني... 69

إشكالان: الأول... 76

الإشكال الثاني... 77

إزاحة وهم: استصحاب الجعل والمجعول... 80

التنبيه الخامس: الاستصحاب التعليقي... 83

إشكالات ثلاثة: الأول... 84

الإشكال الثاني وجوابه... 86

جواب الشيخ الأعظم... 89

الإشكال الثالث وجوابه... 91

التنبيه السادس: استصحاب أحكام الشرائع السابقة... 92

جوابان للشيخ الأعظم عن المانع الأول... 99

ص: 422

التنبيه السابع: الأصل المثبت... 102

المختار عدم حجية الأصل المثبت... 107

صورتان لحجية الأصل المثبت... 109

الصورة الأولى... 109

الصورة الثانية... 110

مثبتات الأمارات والطرق... 112

التنبيه الثامن: موارد ثلاثة ليست من الأصل المثبت... 114

المورد الأول... 114

المورد الثاني... 118

المورد الثالث... 119

التنبيه التاسع: ما خرج عن الأصل المثبت... 122

التنبيه العاشر: زمان الأثر... 124

التنبيه الحادي عشر: الشك في التقدم والتأخر... 127

المقام الأول: في مجهولي التاريخ... 131

الصورة الأولى... 132

الصورة الثانية... 133

الصورة الثالثة... 134

الصورة الرابعة... 136

إشكال... 140

جواب الإشكال... 141

المقام الثاني: في مجهول التاريخ ومعلومه... 143

الصورة الأولى... 144

الصورة الثانية والثالثة... 145

الصورة الرابعة... 145

تعاقب حالتين... 147

التنبيه الثاني عشر: استصحاب العقائد... 149

القسم الأول... 151

القسم الثاني... 153

ص: 423

استصحاب النبوة 155

هل لاستصحاب النبوة فائدة؟... 158

استصحاب الكتابي لنبوة موسى... 159

التنبيه الثالث عشر: استصحاب حكم المخصص... 163

النحو الأول: أخذ الزمان ظرفاً في العام والخاص... 165

النحو الثاني: أخذ الزمان مُفَرِّداً في العام والخاص... 168

النحو الثالث: أخذ الزمان ظرفاً في العام ومُفرّداً في الخاص... 168

النحو الرابع: أخذ الزمانُ مفرّداً في العام وظرفاً في الخاص... 169

التنبيه الرابع عشر: في معنى الشك... 170

تتمة... 177

المقام الأول... 178

الأمر الأول: في معنى بقاء الموضوع... 178

المعنى الأول لبقاء الموضوع... 179

المعنى الثاني لبقاء الموضوع... 181

الأمر الثاني: ما هو ملاك الاتحاد... 182

الاتحاد بحسب الدقة العقلية... 183

الاتحاد بحسب العرف أو لسان الدليل... 184

المقام الثاني... 189

1- الورود... 190

2- الحكومة... 194

3- التوفيق... 195

خاتمة... 196

1- النسبة بين الاستصحاب وسائر الأصول... 196

2- التعارض بين الاستصحابين... 198

الأصل السببي والمسببي... 199

تعارض الاستصحابين العَرْضيين... 204

النحو الأول... 204

النحو الثاني... 207

ص: 424

تذنيب: نسبة قاعدة الفراغ والتجاوز وأصالة الصحة مع الاستصحاب... 208

نسبة الاستصحاب والقرعة... 211

إشكال وجوابه... 212

إشكال آخر وجوابه... 213

المقصد الثامن في تعارض الأدلة والأمارات

فصل في تعريف التعارض... 219

المورد الأول من موارد الجمع العرفي... 222

المورد الثاني من موارد الجمع العرفي... 223

المورد الثالث من موارد الجمع العرفي... 229

متى يُرجّح بالسند؟... 230

فصل القاعدة الأولية في الخبرين المتعارضين... 231

القاعدة الأولية بناءً على الطريقيّة... 232

القاعدة الأولية بناءً على السببية... 234

حكم التزاحم... 239

قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح... 240

توجيه القاعدة 242

فصل الأصل الثانوي (النقلي) في المتعارضين... 243

البحث الأول: دليل عدم التساقط... 243

البحث الثاني: في التخيير أو الترجيح... 243

البحث الثالث: الأخبار العلاجيّة... 245

1- أخبار التخيير... 246

2- ما دل على التوقف... 248

3- ما دلّ على الاحتياط... 248

4- أخبار الترجيح... 249

البحث الرابع: المقبولة والمرفوعة... 251

إشكالات على الاستدلال... 254

ص: 425

الإشكال الأول... 254

الإشكال الثاني... 254

الإشكال الثالث... 254

الإشكال الرابع... 256

الإشكال الخامس... 257

البحث الخامس: أخبار موافقة الكتاب ومخالفة العامة... 259

الإشكال الأول... 260

الإشكال الثاني... 263

البحث السادس: أدلة أخرى على الترجيح - غير الأخبار - 263

كيفية اختيار المجتهد والمقلّد... 266

التخيير بدوي أم استمراري... 268

فصل في المرجحات غير المنصوصة... 269

1- أدلة التعدي إلى غير المنصوصة... 270

2- أدلة الاقتصار على المرجحات المنصوصة... 276

3- حدود التعدي - على القول به - 277

مختار الشيخ الأعظم والإشكال عليه... 279

دليل رابع على التعدي... 280

فصل التخيير والترجيح في موارد الجمع العرفي... 282

الدليل الأول... 283

الدليل الثاني... 285

الدليل الثالث... 286

فصل في اشتباه الظاهر مع الأظهر... 289

1- ترجيح العموم على الإطلاق... 289

2- ترجيح التخصيص على النسخ... 292

الإشكال على الدليل... 293

تخصيص الكتاب والسنة بأقوال الأئمة... 295

ص: 426

فصل في انقلاب النسبة... 298

كلام المحقق النراقي... 299

تعدد النسبة... 306

فصل الترتيب بين المرجحات... 308

1- رجوع المرجحات إلى الصدور... 308

2- الترتيب بين المرجحات... 312

تقديم المرجح الجهتي وعدمه... 314

كلام الشيخ الأعظم في تقديم سائر المرجحات على المرجح بالجهة... 316

إشكالان على كلام الشيخ الأعظم... 319

إشكالان للمحقق الرشتي... 321

فصل المرجحات الخارجية... 326

القسم الأول... 327

القسم الثاني... 330

القسم الثالث... 333

القسم الرابع... 338

الخاتمة في الاجتهاد والتقليد

فصل في الاجتهاد... 343

فصل الاجتهاد المطلق والمتجزئ... 347

الأمر الأول: امكان ووقوع الاجتهاد المطلق... 347

الأمر الثاني: العمل بفتوى المجتهد المطلق... 348

تقليد الانسدادي على الحكومة... 349

تقليد الانسدادي على الكشف... 352

الأمر الثالث: نفوذ حكم المجتهد المطلق... 356

الأمر الرابع: في التجزي في الاجتهاد... 359

فصل من العلوم المقدميّة للاجتهاد... 363

ص: 427

فصل في التخطئة والتصويب... 366

فصل في تبدّل رأي المجتهد... 371

الصورة الأولى... 373

الصورة الثانية... 373

تفصيل صاحب الفصول... 374

الصورة الثالثة... 377

الصورة الرابعة... 378

فصل في التقليد... 379

تعريف التقليد... 379

أدلة جواز التقليد... 380

ردّ دليل عدم جواز التقليد... 387

فصل في تقليد الأعلم... 388

أدلة جواز تقليد غير الأعلم... 390

أدلة وجوب تقليد الأعلم... 392

فصل في تقليد الميّت... 396

دليل عدم الجواز مطلقاً 397

أدلة الجواز... 398

1- الاستصحاب... 398

أ- الاستصحاب في التقليد الابتدائي... 398

ب - الاستصحاب في التقليد الاستمراري... 402

2- إطلاق الأدلة اللفظية... 407

3- دلالة دليل الانسداد... 408

4- السيرة 408

مصادر التحقيق... 411

فهرست الموضوعات 421

ص: 428

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.