إيضاحُ کفاية الأصول المجلد 2

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الحسیني الشیرازي، السيدجعفر، 1349 -

عنوان العقد: کفایه الاصول .شرح

عنوان واسم المؤلف: إيضاح کفاية الأصول/ تالیف السيدجعفر الحسیني الشیرازي.

تفاصيل المنشور: قم: دارالفکر، 1397.

مواصفات المظهر: 5 ج.

ISBN : دوره 978-600-270-236-4 : ؛ 120000 ریال: ج.1 978-600-270-237-1 : ؛ 120000 ریال: ج.2 978-600-270-238-8 : ؛ 120000 ریال: ج.3 978-600-270-239-5 : ؛ 120000 ریال: ج.4 978-600-270-240-1 : ؛ 120000 ریال: ج.5 978-600-270-241-8 :

حالة الاستماع: فیپا

ملاحظة : العربیة.

ملاحظة : ج. 2 - 5 (چاپ اول: 1397)(فیپا).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف لكتاب "کفاية الأصول" الذي المؤلف آخوند الخراساني.

ملاحظة : فهرس.

قضية : آخوند الخراساني، محمدکاظم بن حسین، 1255 - 1329ق. . کفاية الأصول -- النقد والتعليق

قضية : Akhond khorasani, Mohammad Kazem ibn Hosein . Kefayat ol - osul -- Criticism and interpretation

قضية : أصول الفقه الشيعي

* Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

المعرف المضاف: آخوند الخراساني، محمدکاظم بن حسین، 1255 - 1329ق . کفایه الاصول. شرح

المعرف المضاف: Akhond khorasani, Mohammad Kazem ibn Hosein. . Kefayat ol - osul

ترتيب الكونجرس: BP159/8/آ3ک7021326 1397

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5279147

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

متواصل المقصد الأول في الأوامر

اشارة

الأمر الثالث: في تقسيمات الواجب:

منها: تقسيمه إلى المطلق والمشروط.

وقد ذكر لكل منهما تعريفات وحدود[1] تختلف[2] بحسب ما أخذ فيها من

-------------------------------------------------------------------

الأمر الثالث: في تقسيمات الواجب

التقسيم الأول: المطلق والمشروط

1- في تعريفهما

المقصد الأول في الأوامر، فصل في مقدمة الواجب

[1] منها: ما نسب إلى المشهور(1)

بأن (المطلق): ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده، كالصلاة التي يتوقف وجودها على الوضوء، لكن وجوبها غير متوقف عليه، فسواء توضأ المكلف أم لا كانت الصلاة واجبة، و(المشروط) بالعكس، كحجة الإسلام يتوقف وجوبها على الاستطاعة، وكذلك وجودها، فلو حجّ من غير استطاعة لم تكن حجة الإسلام.

وأشكل عليه(2):

بعدم الطرد والعكس، فإن صلاة الظهر - مثلاً - يتوقف وجوبها ووجودها على الوقت، مع أنها واجب مطلق عندهم.

[2] أي: الفرق بين تلك التعريفات هو في القيود التي أخذت في تلك التعريفات، كقيد (الأمر الزائد على الشرائط العامة) في تعريف بعضهم بأن (المطلق) ما لا يتوقف وجوبه على أمر زائد على الشرائط العامة للتكليف - البلوغ والعقل والقدرة والعلم - و(المقيد) بالعكس، وهكذا.

ص: 5


1- قوانين الأصول 1: 100؛ هداية المسترشدين 2: 87.
2- بدائع الأفكار: 304.

القيود، وربما أطيل الكلام بالنقض والإبرام في النقض[1] على الطرد والعكس(1)،

مع أنها[2] - كما لا يخفى - تعريفات لفظية لشرح الاسم[3]، وليست بالحد ولا بالرسم.

والظاهر أنه ليس لهم اصطلاح جديدٌ[4] في لفظ المطلق والمشروط، بل يطلق[5]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: في الإشكال على تلك التعريفات بعدم طردها للأغيار، فتدخل بعض الواجبات المطلقة في تعريف المشروط، وبعدم عكسها، أي: لا تشمل بعض أفراد المعرَّف، فتعريف المطلق مثلاً لا يشمل بعض أفراده.

[2] أي: لا وقع للإشكالات على التعريفات؛ لأنها ليست تعريفات حقيقية، فلا هي تعريف بالحدّ - الجنس والفصل - ولا هي تعريف بالرسم - الجنس والعرض الخاص - ، بل هي تعريفات لفظية يُراد بها تقريب المعنى إلى الذهن، كقول اللغويين: (سعدانة نبتٌ)(2)

ولا وقع للإشكال عليهم بأنه تعريف بالأعم، فيدخل فيه كل النباتات!!

[3] هذا حسب اصطلاح المصنف، حيث جعل (التعريف اللفظي) نفس (شرح الاسم).

لكن لأهل المعقول اصطلاح آخر، ف- : (شرح الاسم) هو تبديل لفظ بآخر، كما يفعله اللغويون، و(التعريف اللفظي) هو بيان المفهوم التقريبي للّفظ، و(التعريف الحقيقي) وهو بيان الحدّ أو الرسم.

[4] إذ لو كان لهم اصطلاح خاص فلا معنى للنقض والإبرام فيه؛ إذ لا مشاحة في الاصطلاح.

[5] أي: يستعمل كل من لفظ المطلق والمشروط بنفس المعنى اللغوي، يقال: دابة مطلقة، أي: غير مقيّدة بشيء، ويقال: هذا الشيء مشروط بكذا، أي: مقيّد به.

ص: 6


1- مطارح الأنظار 1: 223؛ بدائع الأفكار: 304.
2- مجمع البحرين 3: 70.

كل منهما بما له من معناه العرفي. كما أن الظاهر[1] أن وصفي الإطلاق والاشتراط وصفان إضافيان[2]، لا حقيقيان، وإلاّ[3] لم يكد يوجد واجب مطلق، ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الأمور، لا أقل من الشرائط العامة[4]، كالبلوغ والعقل.

فالحري[5] أن يقال: إن الواجب مع كل شيء يلاحظ معه، إن كان وجوبه غير مشروط به فهو مطلق بالإضافة إليه، وإلاّ[6] فمشروط كذلك، وإن كانا[7] بالقياس

------------------------------------------------------------------

[1] حاصله: إن الإطلاق والاشتراط أمران نسبيّان فلذا لابد من ملاحظة الوجوب بالنسبة إلى القيود المختلفة، فقد يكون مقيّداً بقيد، فهو مشروط بالنسبة إلى ذلك القيد، وقد لا يكون مقيّداً بقيد آخر، فهو مطلق بالنسبة إليه.

[2] أي: نسبيّان؛ لأنهما يُلاحظان بالنسبة إلى القيود، عكس الوصف الحقيقي الذي لا يُلاحظ بالنسبة إلى شيء أصلاً.

[3] أي: إن لم يكونا إضافيين، بمعنى عدم ملاحظتهما كذلك.

[4] أي: شرائط التكليف التي يشترك فيها الجميع، وبعضها اشتراطه عقلي، كالعقل والقدرة والعلم، وبعضها اشتراطه قد يكون عقلياً وقد يكون شرعياً كالبلوغ، ففي المميّز شرط شرعي، وفي غيره شرط عقلي، فتأمل.

[5] أي: بعد أن ذكرنا أن المطلق والمشروط بنفس المعنى اللغوي، وأنهما وصفان إضافيان، بعد ذلك نقول: المناسب تعريفهما كالتالي: إن كان وجوبه... الخ.

[6] أي: وإن كان وجوبه مشروط به فهو واجب مشروط، «كذلك» أي: بالإضافة إليه.

مثلاً: بالنسبة إلى الزوال، وجوب صلاة الظهر مشروط به، ووجوب صلاة الآيات غير مشروط به.

[7] أي: كان المطلق والمشروط، مثلاً: بالنسبة إلى الكسوف فوجوب صلاة الآيات مشروط به، ووجوب صلاة الظهر غير مشروط به.

ص: 7

إلى شيء آخر كانا بالعكس.

ثم الظاهر[1] أن الواجب المشروط - كما أشرنا إليه[2] - أن نفس الوجوب فيه مشروط بالشرط، بحيث لا وجوب حقيقةً ولا طلب واقعاً قبل حصول الشرط[3]، كما هو[4] ظاهر الخطاب التعليقي، ضرورة أن ظاهر خطاب (إن جاءك زيدٌ فأكرمه)

-------------------------------------------------------------------

2- رجوع القيد إلى الهيئة أو المادة
اشارة

[1] حاصله: إن هناك خلافاً في الواجب المشروط، في أن القيد يرجع إلى الهيئة - أي: الوجوب - أو يرجع إلى المادة - أي: المتعلق كالصلاة - ففي مثل: (إن جاءك زيد فأكرمه) هل الشرط يُقيّد (الوجوب)، فالمعنى لا وجوب قبل المجيء، وإنما يحدث الوجوب حين المجيء، أم أن الشرط يُقيّد (المجيء) ويكون الوجوب مطلقاً، فالمعنى الإكرام على تقدير المجيء واجب؟

والفرق بينهما أنه على الأول لا وجوب قبل تحقق الشرط، فلا يترشح الوجوب إلى المقدمات، وأما على الثاني فالوجوب مطلق حتى قبل تحقق الشرط، فيترشح الوجوب إلى المقدمات بناءً على الملازمة.

والمصنف يذهب إلى أن الشرط يُقيّد الهيئة، أي: الوجوب، والشيخ الأعظم يذهب إلى أنه يُقيّد المادة أي: المجيء - في المثال - ونحوه.

[2] في قوله: (إن كان وجوبه غير مشروط فمطلق...)، وفي قوله: (ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الأمور).

[3] لأن المشروط عدمٌ عند عدم شرطه، فقبل الاستطاعة لا وجوب للحج أصلاً - مثلاً - .

[4] أي: اشتراط الوجوب هو ظاهر تعليق الجزاء على الشرط، والمراد الظهور العرفي، فإن العرف يفهم من مثل: (إن جاءك زيد فأكرمه) أن الوجوب معلّق على المجيء، لا أن الوجوب يتحقق من حين أمر المولى وإنما الفعل - أي: الإكرام - متوقف

ص: 8

كون الشرط من قيود الهيئة وأن[1] طلب الإكرام وإيجابه معلق على المجيء؛ لا أن الواجب فيه[2] يكون مقيداً به - بحيث يكون الطلب والإيجاب في الخطاب فعلياً ومطلقاً[3]، وإنما الواجب يكون خاصاً ومقيداً - ، وهو الإكرام على تقدير المجيء، فيكون[4] الشرط من قيود المادة لا الهيئة، كما نسب ذلك إلى شيخنا العلامة (أعلى الله مقامه) مدعياً[5]

-------------------------------------------------------------------

على المجيء.

وفي الوصول: (ومن البديهي أنه لو قيل: وجوب الإكرام مشروط بالمجيء فهم العرف منه أن المضاف - أعني لفظ الوجوب - مقيد بالمجيء، لا أن المضاف إليه - أعني لفظ الإكرام - مقيد به... من أن عند الانحلال يكون مضافاً ومضافاً إليه، والحال وسائر القيود يرجع إلى المضاف، بل لا يجوز الإتيان بالقيد للمضاف إليه إلاّ مع القرينة، كما قال ابن مالك: ولا تجز حالاً مع المضاف له، الخ)(1)، انتهى.

[1] عطف تفسيري لبيان كيفية كونه من قيود الهيئة.

[2] «الواجب» هو متعلّق الأمر كالإكرام في المثال، «فيه» في الخطاب، «به» بالمجيء.

[3] فتعلق الوجوب بذمته ومن غير تقييد، والعطف في (فعلياً ومطلقاً) تفسيري.

[4] أي: فبناءً على ما ذكرنا من أن الشرط من قيود الهيئة - أي: الطلب - لا يكون الشرط من قيود المادة - أي: الإكرام مثلاً - .

دليلان على امتناع رجوع القيد إلى الهيئة
اشارة

[5] حاصل كلام الشيخ الأعظم - على ما نُسب إليه في تقريرات درسه(2) - هو أن الشرط يرجع إلى المادة، ولا يرجع إلى الهيئة، واستدل لذلك بأمرين:

أحدهما: برهاني، باستحالة تقييد الهيئة؛ لأنها معنى حرفي، والمعنى الحرفي

ص: 9


1- الوصول إلى كفاية الأصول 2: 44 - 45.
2- مطارح الأنظار 1: 237.

لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة واقعاً[1]، ولزوم كونه من قيود المادة لباً[2]، مع الاعتراف[3] بأن قضية القواعد العربية أنه من قيود الهيئة ظاهراً.

أما امتناع كونه[4] من قيود الهيئة: فلأنه لا إطلاق في الفرد الموجود من الطلب[5]

-------------------------------------------------------------------

جزئي، ولا يعقل تقييد الجزئي، بل التقييد خاص بالكليات؛ وذلك عبر إخراج بعض المصاديق وحصر الأمر في مصاديق أخرى.

والثاني: وجداني، بأنا نشعر بأن طلب المولى غير مقيّد بشيء، بل المقيّد هو متعلّق الطلب وهو الفعل؛ إذ الفعل هو الذي تختلف مصالحه ومفاسده باعتبار القيود العارضة عليه.

ولا يخفى أن الدليلين طوليّان.

[1] أي: ثبوتاً؛ وذلك للمحذور العقلي في تقييد الهيئة، وهذا إشارة إلى الدليل الأول.

[2] «لبّاً» أي: وجداناً، «كونه» كون الشرط، وهذا إشارة إلى الدليل الثاني.

[3] أي: يُسلّم الشيخ الأعظم بأن ظاهر اللفظ رجوع الشرط إلى الهيئة، لكن لابد من رفع اليد عن هذا الظاهر، «أنه» أن الشرط، «ظاهراً» حسب الظهور اللفظي.

[4] كون الشرط، «فلأنه» الضمير للشأن، وهذا تفصيل للدليل الأول، وحاصله: إن الشيخ الأعظم يرى أن وضع الحروف من (الوضع العام والموضوع له الخاص)، أي: تصور الواضع المعنى الكلي ثم وضع الحروف على المصاديق الجزئية، و(الهيئة) معنى حرفي كما مرّ، فهي جزئية، فلا إطلاق لها حتى يقيّد ذلك الإطلاق بالشرط ونحوه، فإذا استحال الإطلاق استحال التقييد؛ لأنهما من العدم والملكة.

[5] أي: مصداق الطلب، «المُنْشَأ» أي: الذي وُجد ذلك المصداق بواسطة هيئة افعل - مثلاً - .

ص: 10

المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة حتى[1] يصح القول بتقييده بشرط ونحوه[2]، فكل ما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدل عليه الهيئة فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادة[3].

وأما لزوم كونه[4] من قيود المادة لباً: فلأن العاقل إذا توجه إلى شيء والتفت

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لا إطلاق حتى يصحّ التقييد؛ لان - كما عرفت - التقييد هو إخراج بعض المصاديق، وهذا إنما يصحّ في الكليّات التي لها مصاديق متعددة، لا في الجزئيات.

[2] من سائر القيود كالوصف والحال والغاية.

[3] فيكون الوجوب فعلياً من حين الأمر، لا من حين تحقق الشرط.

[4] كون الشرط، وهذا تفصيل الدليل الثاني وهو الدليل الوجداني، ويتخذ الشيخ الأعظم طريقة في الاستدلال للتنبيه على هذا الوجدان، فيقول:

1- إذا توجّه المولى إلى شيء فحالته تدور بين أن يطلب ذلك الشيء أو لا يطلبه، ولا كلام في ما لو لم يطلبه.

2- وإذا طلبه، فإما يطلبه في كل الحالات، أو يطلبه في حالة معينة، ولا كلام في ما لو طلبه في كل الحالات.

3- وإذا طلبه في حالة معينة، فإما تكون تلك الحالة غير اختيارية أو تكون اختيارية، ولا كلام في ما كانت غير اختيارية.

4- وإذا كان الطلب في حالة معينة اختيارية، فإما أن يتعلق بالفعل على تقدير تحقّق تلك الحالة بشكل اتفاقي - كما لو استطاع اتفاقاً بالنسبة إلى الحج - وإمّا لم يتعلق الطلب بتحققها الاتفاقي - كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة - فعلى الأول لا يجب تحصيل تلك الحالة كالاستطاعة، وعلى الثاني يجب تحصيلها كالوضوء.

فتبيّن أن الذي تختلف مصالحه باعتبار الوجوه والحالات هو الفعل، فهو الذي يتعلّق به القيد، لا الطلب!!

ص: 11

إليه فإما أن يتعلق طلبه به، أو لا يتعلق به طلبه أصلاً. لا كلام على الثاني[1]. وعلى الأول[2]، فإما أن يكون ذاك الشيء مورداً لطلبه وأمره مطلقاً[3] على اختلاف طوارئه أو على تقدير خاص؛ وذلك التقدير تارة يكون من الأمور الاختيارية[4]، وأخرى لا يكون كذلك[5]؛ وما كان من الأمور الاختيارية قد يكون مأخوذاً فيه على نحوٍ يكون مورداً للتكليف[6]، وقد لا يكون كذلك[7] على اختلاف الأغراض[8]

-------------------------------------------------------------------

ولا يخفى أن المنبّه الوجداني يحصل بما ذكره في المرحلة الأولى والثانية، ولكن أضاف المرحلة الثالثة والرابعة زيادة في التنبيه، وأيضاً لدفع إشكال: أنه إذا كان القيد يرجع إلى المادة فما هو الفرق بين الاستطاعة والوضوء، حيث لا يجب تحصيل الاستطاعة للحج، لكن يجب الوضوء للصلاة؟

[1] لخروجه عن محل البحث؛ لأن كلامنا في القيد الراجع إلى صيغة الأمر.

[2] أي: في ما لو تعلّق به طلبه.

[3] شرح (مطلقاً) بقوله: (على اختلاف طوارئه) أي: في جميع الحالات التي تعرض عليه.

[4] كالاستطاعة والوضوء حيث يمكن تحصيلهما.

[5] أي: لا تكون اختيارية كالوقت للصلاة، وكالبلوغ لعامة التكاليف.

[6] كالوضوء الذي يترشح عليه وجوب غيري من الصلاة، فيجب الوضوء - بناء على الملازمة - .

[7] كالاستطاعة، فإنه لا يجب تحصيلها مع كونها من الأمور الاختيارية عادة، لكن إذا حصلت الاستطاعة اتفاقاً فيتحقق شرط الحج.

[8] أي: الطلب وعدمه، ثم الطلب المطلق أو المقيّد، ثم الطلب المقيد بأمر اختياري أو غير اختياري... الخ، كل ذلك لأجل أن غرض المولى يختلف، فقد لا يكون له غرض في طلب الشيء فلا يطلبه، وقد يتعلق غرضه به بشكل مطلق

ص: 12

الداعية إلى طلبه والأمر به، من غير فرق في ذلك[1] بين القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد والقول بعدم التبعية، كما لا يخفى.

هذا موافق لما أفاده بعض الأفاضل المقرر لبحثه بأدنى تفاوت(1).

ولا يخفى ما فيه: أما حديث عدم الإطلاق في مفاد الهيئة[2]: فقد حققناه سابقاً أنّ كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاماً كوضعها[3]، وإنما

-------------------------------------------------------------------

فيطلبه كذلك... الخ.

[1] أي: لا فرق في ما ذكرناه بين مذهب العدلية والأشاعرة، فإنه على الأول يكون الاختلاف ناشئاً من اختلاف المصالح، وعلى الثاني يكون الاختلاف ناشئاً من اختلاف الأغراض، والحاصل: إن الطلب وعدمه أو الطلب المتعلّق بالمطلق أو بالمقيّد،... إما لأجل اختلاف المصالح أو لأجل اختلاف الأغراض، فلا فرق في متعلق الطلب من هذه الجهة.

الإشكال على الدليل الأول

[2] حاصل الإشكال على الدليل الأول:

أولاً: بإشكال مبنائي، بأنا قد ذكرنا في بحث الوضع أن وضع الحروف من (الوضع العام والموضوع له العام والمستعمل فيه العام) فالهيئة ليست جزئية حتى يمتنع الإطلاق والتقييد فيها، بل تدل على معنى كلّي، وقد استعملت في ذلك المعنى الكلي، فيمكن تقييدها.

وثانياً: إنه لو سلّمنا جزئية المعاني الحرفية، فنقول: إن الهيئة بعد وجودها لا تقبل القيد، أما قبل وجودها فيمكن القيد، بمعنى إيجادها مقيدة؛ وذلك لأن كل وجود جزئي له مشخصات فردية، فليكن الشرط أحد تلك المشخصات.

[3] أي: كما أن الوضع عام، وقد مرّ في بحث المعنى الحرفي أن المراد (بالوضع) هو المعنى الذي تصوّره الواضع، و(بالعام) المطلق، أي: الكلي الطبيعي،

ص: 13


1- مطارح الأنظار 1: 267.

الخصوصية من قبل الاستعمال كالأسماء[1]؛ وإنما الفرق[2] بينهما أنها وضعت لتستعمل وقصد بها المعنى بما هو هو، والحروف وضعت لتستعمل وقصد بها معانيها بما هي آلة وحالة لمعاني المتعلقات؛ فلحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية ليس من طوارئ المعنى، بل من مشخصات الاستعمال[3] - كما لا يخفى على أولي الدراية والنُهى[4] - ؛ فالطلب المفاد من الهيئة المستعملة فيه مطلق قابل لأن يقيد.

مع[5] أنه لو سلم أنه فرد فإنّما يمنع عن التقييد لو أُنشأ أولاً غير مقيد، لا ما إذا

-------------------------------------------------------------------

و(بالموضوع له) المعنى الذي وضع الواضع اللفظ لذلك المعنى، و(بالمستعمل فيه) هو المعنى الذي أراده المتكلّم حين استعمال اللفظ، فالواضع يتصور معنىً، ثم يضع اللفظ لذلك المعنى، ثم يستعمل أهل اللسان ذلك اللفظ في ذلك المعنى، فالواضع تصور الإنسان المذكر فوضع له لفظ الرجل، ثم استعمل أهل اللسان الرجل لنفس المعنى، أما كون هذا الرجل هو زيد فهو من خصوصيات الاستعمال، فراجع.

[1] أي: أسماء الأجناس؛ لأن الوضع والموضوع له والمستعمل فيها عام.

[2] الفرق في شرط الواضع، حيث اشترط استعمال الاسم في ما لو أريد المعنى استقلالاً، والحرف في ما لو أريد المعنى آلة، فلا فرق في معنى (الابتداء) و(من) إلاّ في كيفية الاستعمال حسب شرط الواضع، «بينهما» بين الاسم والحرف، «أنها» أن الأسماء.

[3] فالآلية والاستقلالية توجب تشخص المعنى وجزئيته، لكنها من شؤون الاستعمال، وهو متأخر عن المعنى، فلا يمكن أخذهما قيداً في المعنى؛ لأنه لا يمكن أخذ المتأخر قيداً في المتقدم.

[4] «الدراية» الفهم، و«النُهى» العقل.

[5] هذا هو الجواب الثاني، «أنه» للشأن، «أنه فرد» أن الطلب في الهيئة فرد جزئي.

ص: 14

أُنشئ من الأول مقيداً، غاية الأمر قد دلّ عليه بدالّين[1]، وهو غير إنشائه أولاً ثم تقييده ثانياً، فافهم[2].

فإن قلت[3]: على ذلك[4] يلزم تفكيك الإنشاء من المُنشأ[5] حيث لا طلب قبل حصول الشرط[6].

-------------------------------------------------------------------

[1] الأول: الهيئة الدالة على الطلب، والثاني: الشرط الدال على القيد.

[2] لعله إشارة إلى أنه قد يكون القيد متأخراً عن الطلب، فبعد أن وُجد الطلب يقيّده، فلا يصح هذا الجواب حينئذٍ، وما أكثر القيود المنفصلة، كما لو قال: أكرم زيداً، ثم قال بعد ذلك: إكرامه مقيد بمجيئه.

[3] هذا إشكال على أصل المطلب، وهو كون الطلب مقيداً بشرط، كتقييد وجوب الحج بالاستطاعة، وحاصله: إن لازم تقييد الطلب هو تفكيك الإنشاء عن المُنشأ، وهو محال؛ وذلك لأن (الإنشاء) هو الإيجاد، و(المُنشأ) هو الوجود، والإيجاد هو علة للوجود فلا يعقل انفكاكهما؛ وذلك لتقارن العِلة والمعلول في الزمان، وإن اختلفا في الرتبة، بل قد يقال: إن الإيجاد عين الوجود، فإن نُسب إلى الفاعل كان إيجاداً، وإن نُسب إلى القابل كان وجوداً، وعليه: فكيف يمكن إيجاد الطلب من غير تحقق ذلك الطلب، بل توقف تحققه على حصول الشرط؟ ففي مثال: (حج إن استطعت) فالمولى بقوله: (حج) أوجد الطلب، لكن لا يتحقق ذلك الطلب إلاّ بعد الاستطاعة!!

[4] أي: بناء على رجوع الشرط إلى الهيئة - أي: الوجوب - .

[5] وذلك محال؛ لاستلزامه تفكيك العلة عن المعلول، أو تفكيك الشيء عن نفسه.

[6] فلا يطلب المولى الحج قبل الاستطاعة، مع أنه أنشأ الطلب بقوله: حُجّ إن استطعت - مثلاً - .

ص: 15

قلت[1]: المُنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله[2] فلابد أن لا يكون قبل حصوله طلب وبعث، وإلاّ[3] لتخلّف عن إنشائه، وإنشاء أمر[4] على تقدير كالإخبار به بمكان من الإمكان، كما يشهد به[5] الوجدان، فتأمل جيداً.

وأما حديث[6] لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبّاً: ففيه أنّ الشيء إذا

-------------------------------------------------------------------

[1] حاصل كلام المصنف أنه حتى مع رجوع الشرط إلى الهيئة فلا تفكيك بين الإنشاء والمنشأ؛ وذلك لأن الإنشاء والإيجاد إنما تعلّق بالطلب المشروط، لا بالطلب المطلق، ومع تعلق الإنشاء بالطلب المشروط لا يعقل وجود الطلب قبل تحقق الشرط.

وبعبارة أخرى: إن الإنشاء تعلّق بالطلب المقيّد، فإذا وُجد الطلب المطلق كان ذلك تفكياً بين الإنشاء والمنشأ، فالإشكال وارد على المستشكل لا على المصنف.

[2] أي: حصول الشرط.

[3] أي: إن تحقق الطلب قبل حصول الشرط، «لتخلّف» أي: المنشأ.

[4] هذا إشكال آخر، وحاصله: استحالة إنشاء الطلب المقيّد؛ وذلك لأن الإنشاء إيجاد ولا يعقل تقييد الإيجاد، فحال الإيجاد دائر بين الوجود والعدم.

والجواب: ان الإنشاء ليس مقيداً، بل المقيّد هو متعلّق الإنشاء - أي: المُنشأ - ، فالمولى أوجد الطلب المقيّد، فليس الإيجاد مقيداً.

وهذا نظير الإخبار كما لو قال: إن جاء زيد غداً فيُكرمه عمرو. وقد تحقق (الإخبار) لكن (المخبر به) هو المقيد، فلا نقول: إن المتكلّم لم يُخبر بشيء، فالخبر يتحقق حين تحقق الشرط، بل نقول: إن المتكلّم أخبر فعلاً لكن (المخبر به) هو الإكرام المقيّد.

[5] بإمكان إنشاء أمر على تقدير.

الإشكال على الدليل الثاني

[6] كان الدليل الثاني للشيخ الأعظم هو أن الوجدان قاضٍ بأن الشرط يرجع إلى المتعلّق لا إلى نفس الطلب.

ص: 16

-------------------------------------------------------------------

وجوابه: إن المصلحة قد تكون في نفس الحكم والتكليف، وقد تكون في متعلّق الحكم.

أما على الأول: فإن المولى قد يتوجه إلى الشيء ويرى وجود مصلحة فيه، لكنه لا يطلبه لوجود مانع عن الطلب، فحينئذٍ لا يصح أن يطلب ذلك الشيء بطلبٍ مطلق، بل لابد من تقييد الطلب بزوال المانع.

وأما على الثاني - أي: وجود المصلحة في المتعلّق - : فإن تلك المصلحة تكون سبباً للطلب الواقعي، فالمصلحة في الشيء تقتضي أن يطلبه المولى واقعاً، لكن قد يمنع مانع عن فعلية ذلك الطلب، وحينئذٍ لابد من كون الطلب الفعلي مقيداً بزوال المانع، وهناك موارد كثيرة في الشرع لا فعلية فيها للأحكام الواقعية، منها:

1- في موارد الأصول والأمارات المخالفة للواقع، فإن الطلب المتعلق بالواقع ليس فعلياً، بل نفس الطلب مقيّد.

2- في الأحكام في أوائل البعثة المباركة، فإن القرآن نزل على الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جملة واحدة في ليلة القدر من السنة الأولى - كما يظهر من بعض الأخبار(1)

- لكن عامة التكاليف الواردة فيه لم تكن فعلية، بل فعليتها كانت منوطة بنزول تلك الآيات مرة أخرى وبالتدريج.

3- في بعض الأحكام التي تصير فعلية بعد ظهور صاحب العصر والزمان عج الله تعالی فرجه الشریف، فهي أحكام نزلت على الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وبلّغها الرسول إلى الأئمه عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ لكنها لا تصير فعليه إلاّ بعد الظهور المبارك.

والحاصل: إنه في هذه الموارد وغيرها ليس الطلب مطلقاً، بل هو مقيد بشرط.

ص: 17


1- الاعتقادات في دين الإمامية: 82؛ بحار الأنوار 18: 250.

تُوُجّه[1] إليه وكان موافقاً للغرض بحسب ما فيه من المصلحة أو غيرها كما[2] يمكن أن يبعث فعلاً إليه ويطلبه حالاً لعدم مانع عن طلبه، كذلك[3] يمكن أن يبعث إليه معلّقاً ويطلبه[4] استقبالاً على تقدير شرط متوقّع الحصول لأجل مانع عن الطلب والبعث فعلاً قبل حصوله، فلا يصح منه إلاّ الطلب والبعث معلقاً بحصوله، لا مطلقاً[5] ولو متعلقاً بذاك على التقدير، فيصح منه طلب الإكرام بعد مجيء زيد[6]، ولا يصح منه الطلب المطلق الحالي للإكرام المقيد بالمجيء.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: توجّه المولى، و«كان» ذلك الشيء، «للغرض» أي: لغرض المولى إما لأجل كونه ذا مصلحة فوافق الغرض كما عليه العدلية، أو لغير جهة المصلحة كما نُسِب إلى الأشاعرة.

وظاهر كلام المصنف أنه لابد من الغرض على كلا القولين، فتارة هذا الغرض لوجود مصلحة، وتارة الغرض لجهة أخرى، ولكن الظاهر أن الأشاعرة كما لا يشترطون المصلحة كذلك لا يشترطون الغرض، بل يربطون التكليف بإرادة المولى فقط.

[2] «كما...» جزاء الشرط في قوله: (إذا توجه إليه...)، «يبعث» المولى، وقوله: «ويطلبه حالاً» عطف تفسيري على (يبعث فعلاً إليه).

[3] «كذلك» أي: بطلب فعلي.

[4] العطف تفسيري، لبيان معنى الطلب المعلّق، وقوله: «لأجل» متعلق ب- (معلّقاً)، أي: سبب الطلب المعلّق هو وجود مانع عن الطلب المطلق، «حصوله» حصول الشرط، «منه» من المولى.

[5] وشرح قوله: (مطلقاً) بقوله: (ولو متعلقاً... الخ)، «بذاك» أي: الشيء الذي توجه إليه، «على التقدير» أي: على تقدير تحقق الشرط، والمعنى لا يصح الطلب المطلق بحيث يكون متعلقه مقيداً، بأن يقال: إن الطلب الآن موجود لكن متعلقه مقيد، بل الطلب غير موجود، وإنما يحدث الطلب حين تحقق الشرط.

[6] بأن يكون الظرف - وهو بعد - متعلق بالطلب.

ص: 18

هذا[1] بناءً على تبعية الأحكام لمصالح فيها في غاية الوضوح.

وأما بناءً على تبعيتها للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها فكذلك[2]، ضرورة أن التبعية كذلك إنما تكون في الأحكام الواقعية بما هي واقعية[3]، لا بما هي فعلية، فإن المنع عن فعلية تلك الأحكام غير عزيز، كما في موارد الأصول والأمارات على خلافها[4]، وفي بعض الأحكام في أول البعثة، بل إلى قيام القائم، مع أن[5] حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرامٌ إلى يوم القيامة(1). ومع ذلك[6] ربما يكون المانع عن فعلية بعض الأحكام باقياً مر الليالي والأيام إلى أن تطلع شمس الهداية ويرتفع الظلام، كما يظهر من الأخبار المروية عن الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ[7].

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: تعليق الطلب على حصول الشرط، بأن يكون القيد للهيئه لا للمادة، «فيها» في نفس الأحكام، مثل أمر إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بذبح إسماعيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، فلم تكن المصلحة في المتعلّق، وإنما المصلحة في نفس الحكم.

[2] أي: في غاية الوضوح، «كذلك» أي: للمصالح والمفاسد في المأمور به.

[3] أي: المصلحة توجب الحكم الإنشائي، ولا توجب فعلية الحكم؛ وذلك لوجود موانع أحياناً عن الفعلية.

[4] أي: خلاف الأحكام الواقعية.

[5] فلا يمكن أن نقول: إن تلك الأحكام ستشرّع حين ظهوره؛ وذلك لأن الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بلّغ جميع الأحكام، وحلاله وحرامه لا ينسخ إلى يوم القيامة، بل نقول: إن تلك الأحكام شرّعت في زمان الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لكن فعليتها تتوقف على الظهور.

[6] أي: مع أن حلال محمد صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وحرامه باقيان إلى يوم القيامة.

[7] كما روي: (لو قد قام القائم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله: يقتل

ص: 19


1- الكافي 1: 58.

فإن قلت[1]: فما فائدة الإنشاء إذا لم يكن المُنشأ به طلباً فعلياً وبعثاً حالياً.

قلت[2]: كفى فائدةً له[3] أنه يصير بعثاً فعلياً بعد حصول الشرط، بلا حاجة إلى خطاب آخر، بحيث لولاه[4]

-------------------------------------------------------------------

الشيخ الزاني، ويقتل مانع الزكاة، ويورث الأخ أخاه في الأظلّه)(1).

أقول: قد ذكرنا في شرح أصول الكافي(2) أن القائم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يسير بسيرة الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ والإمام علي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ولا يأتي بحكم جديد أصلاً، بل يُحيي ما اندرس من الأحكام حتى يعود الإسلام غضاً طرياً، ولطول ما ترك الناس أحكام الشرع فكأنه يأتي بدين جديد، وقد ذكرنا معنى حكمه بحكم آل داود لا يسأل الناس بينة، وأما الروايات التي لا يمكن تأويلها فلابد من ردّ علمها إلى أهلها لمعارضتها للأخبار الصحيحة الصريحة.

[1] هذا إشكال وحاصله: إنه لو توقف الطلب على تحقق الشرط، فما هي فائدته؟ أليس هذا من اللغو؟ أما لو كان الطلب مطلقاً - بأن يرجع القيد إلى المادة - فلا لغوية فيه؛ وذلك لوجود الفائدة في هكذا طلب كوجوب مقدمته.

وبعبارة أخرى: لا فائدة في إنشاء الحكم قبل تحقق شرط الحكم، فلابد من الانتظار إلى حين تحقق شرط الحكم فيصدر الحكم حينئذٍ.

[2] الجواب من وجهين:

الأول: إنه قد يكون مانع عن إنشاء الوجوب حين تحقق الشرط، فيُشئ المولى الوجوب مقيداً بتحقق الشرط.

الثاني: إن هذا الخطاب المشروط يكون فعلياً لواجد الشرط، ومشروطاً لفاقد الشرط، من غير حاجة إلى توجيه خطاب جديد للفاقد حينما يجد الشرط.

[3] أي: للإنشاء إذا لم يكن المنشأ طلباً فعلياً.

[4] أي: لو لا الإنشاء قبل الشرط، «فعلاً» بعد حصول الشرط.

ص: 20


1- الخصال: 169.
2- شرح أصول الكافي 6: 83.

لما كان فعلاً متمكناً من الخطاب. هذا مع[1] شمول الخطاب كذلك للإيجاب فعلاً بالنسبة إلى الواجد للشرط، فيكون بعثاً فعلياً بالإضافة إليه، وتقديرياً بالنسبة إلى الفاقد له، فافهم وتأمل جيداً.

ثم الظاهر[2] دخول المقدمات الوجودية للواجب المشروط في محل النزاع أيضاً[3]،

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا الجواب الثاني، «كذلك» أي: مشروطاً، «فيكون» ذلك الخطاب المشروط، «بالإضافة إليه» إلى الواجد.

3- المقدمات الوجودية للواجب المشروط

[2] المقدمات الوجودية: هي ما يتوقف عليها وجود ذي المقدمة، ولا يتوقف عليها وجوبه، كالوضوء للصلاة، ولا إشكال في دخول المقدمات الوجودية للواجب المطلق في محلّ البحث والنزاع، فإن الواجب قد تحقق، وهو يتوقف على المقدمة، فهل يترشح وجوبه على المقدمة أم لا؟

وأما المقدمات الوجودية للواجب المشروط، كحفظ الزاد والراحلة للحج، فقد يتوهم خروجها عن محل البحث؛ إذ لا وجوب قبل الاستطاعة، فكيف يجب حفظ الزاد والراحلة؟

ويرد عليه: إنه إن وجب الشيء وجبت مقدماته - بناءً على الملازمة - فلو كان وجوبه مطلقاً كان وجوب مقدماته مطلقاً أيضاً، وإن كان وجوبه مشروطاً كان وجوب مقدماته كذلك، ففي المثال: وجوب الحج مشروط بالاستطاعة، فكذلك وجوب حفظ الزاد والراحلة أيضاً مشترط بها.

وبعبارة أخرى: لا نريد القول: إنّ المقدمات الوجودية للمشروط واجبة على كل حال، حتى يستشكل بأنه قبل تحقق الشرط لا وجوب فكيف يترشح على المقدمة؟ بل قولنا هو: إنه لو تحقق الشرط وجب ذو المقدمة، فيترشح الوجوب على المقدمة - بناء على الملازمة - .

[3] كدخول المقدمات الوجودية للواجب المطلق في محل البحث والنزاع

ص: 21

فلا وجه لتخصيصه بمقدمات الواجب المطلق، غاية الأمر[1] تكون في الإطلاق والاشتراط تابعة لذي المقدمة، كأصل الوجوب[2]، بناءً على وجوبها من باب الملازمة.

وأما الشرط[3]

-------------------------------------------------------------------

«لتخصيصه» أي: تخصيص محل النزاع.

[1] في الفرق بين المقدمات الوجودية للواجب المطلق والواجب المشروط، «تكون» أي: المقدمات الوجودية.

[2] أي: كما أن المقدمات الوجودية تتبع ذي المقدمة في أصل الوجوب بناء على الملازمة، «وجوبها» وجوب المقدمات الوجودية.

[3] المقدمات الوجوبية: هي ما يتوقف عليها وجوب ذي المقدمة كالاستطاعة للحج، فلو لا الاستطاعة لما وجب الحج، ولا إشكال في خروج هذه المقدمات عن محل البحث والنزاع.

أما على مبنى المصنف - من رجوع القيد إلى الهيئة أي: تقييد الوجوب بالشرط - فلأنه قبل تحقق المقدمة لا وجوب لذي المقدمة حتى يترشح على المقدمة، وبعد تحقق المقدمة يجب ذو المقدمة لكن لا يترشح الوجوب على المقدمة؛ لأنها موجودة، فيكون طلب إيجادها طلباً للحاصل. مثلاً: قبل الاستطاعة لا وجوب للحج كي تجب مقدمته، وبعد الاستطاعة يجب الحج لكن لا يترشح وجوبه على الاستطاعة؛ لأنها موجودة، فلا معنى لطلب إيجادها.

وأما على مبنى الشيخ الأعظم، من رجوع القيد إلى المادة، أي: تقييد الفعل بالشرط لا تقييد الوجوب، فلأنّ الشروط على قسمين - كما مرّ في دليله الثاني - :

فتارة يطلب ذا المقدمة على تقدير تحقق ذلك الشرط اتفاقاً، وتارة أخرى يطلب ذا المقدمة بدون هذا التقدير، فالأول كما لو قال: (الحج على تقدير حصول الاستطاعة اتفاقاً واجب)، فهنا الوجوب غير مقيّد بشيء وإنما الواجب - وهو الحج - مقيد بالتحقّق الاتفاقي للاستطاعة، والثاني كما لو قال: (الصلاة على تقدير

ص: 22

المعلق عليه الإيجاب في ظاهر الخطاب[1] فخروجه مما لا شبهة فيه ولا ارتياب. أما على ما هو ظاهر المشهور والمنصور[2] فلكونه مقدمة وجوبية[3]. وأما على المختار لشيخنا العلامة (أعلى الله مقامه) فلأنه[4] وإن كان من المقدمات الوجودية للواجب إلاّ أنه[5] أخذ على نحوٍ لا يكاد يترشّح عليه الوجوب منه،

-------------------------------------------------------------------

حصول الوضوء مطلقاً واجب) فهنا الوجوب غير مقيّد، والواجب مقيّد بالوضوء لكن لا بوجوده الاتفاقي، فيجب تحصيل الوضوء.

ومن المعلوم عدم وجوب المقدمة المأخوذة بنحو الوجود الاتفاقي، وبعبارة أخرى: الحج واجب من الآن على من سيستطيع في المستقبل، لكن لا يترشح وجوبه على الاستطاعة؛ وذلك لأن المولى صرّح بأخذ (الاستطاعة الاتفاقية) في الحج.

[1] إنما قال: «في ظاهر الخطاب» لأنه على مبنى الشيخ الأعظم لابد من رفع اليد عن هذا الظاهر، وإرجاع الشرط إلى الفعل الواجب، لا إلى الوجوب؛ لوجود المحذور في العمل بهذا الظاهر، وأما على مبنى المصنف فلابد من الأخذ بهذا الظاهر لوجوب العمل بالظواهر إذا لم يكن هناك محذور، ولا محذور في ما نحن فيه.

[2] من إمكان رجوع القيد إلى الهيئة، وبذلك يُقيّد الطلب والوجوب، «فلكونه» أي: الشرط المعلق عليه الإيجاب.

[3] فلا وجوب قبل الشرط، وبعد تحقق الشرط يجب ذو المقدمة، لكن لا يترشح الوجوب منه على الشرط؛ لأن الشرط موجود فلا معنى لطلب إيجاده.

[4] أي: لأن الشرط المعلّق عليه الإيجاب ظاهراً ليس هو شرط الإيجاب واقعاً، بل هو شرط الوجود.

[5] «أنه» أن هذا الشرط، «على نحو» وذلك النحو هو تحقُّقه اتفاقاً، «عليه» على هذا الشرط، «منه» من الواجب الذي هو ذوالمقدمة.

ص: 23

فإنه[1] جعل الشيء واجباً على تقدير حصول ذاك الشرط، فمعه[2] كيف يترشّح عليه الوجوب ويتعلق به الطلب؟ وهل هو[3] إلاّ طلب الحاصل؟

نعم[4]، على مختاره+ لو كانت له مقدمات وجودية غير معلق عليها

-------------------------------------------------------------------

[1] «فإنه» الضمير للشأن، «جُعِل» بالمجهول، «الشيء» كالحج، وحاصل المعنى: إن الشرط ليس هو الاستطاعة المطلقة، بل الشرط هو الاستطاعة الاتفاقية، ولا معنى لترشح الوجوب على الاستطاعة الاتفاقية؛ لأنه لو وجب تحصيلها لم تكن اتفاقية، والمفروض أن الشرط هو وجودها الاتفاقي.

[2] أي: ومع حصول الشرط، وقوله: (ويتعلق به...) عطف تفسيري، أي: وكيف يتعلق بالشرط الطلب؟

[3] «هو» أي: الوجوب، وهذا بيان وجه عدم تعلّق الوجوب بالشرط بعد تحققه.

[4] هذا بيان للفرق بين ما ذهب إليه الشيخ الأعظم وما ذهب إليه المصنف، وحاصله: إن الاستطاعة لا يجب تحصيلها، أما سائر المقدمات الوجودية للحج فعلى رأي المصنف لا يجب تحصيلها أيضاً؛ لعدم وجوب للحج قبل الاستطاعة كي يترشح على سائر المقدمات، وأما على رأي الشيخ الأعظم فيجب تحصيل تلك المقدمات؛ لأن الوجوب فعلي من حين صدور الأمر، لكن الاستطاعة أُخذت بوجودها الاتفاقي، فلا يترشح عليها الوجوب، أما سائر المقدمات - كحفظ الزاد والراحلة - فلم تؤخذ بوجودها الاتفاقي، وحينئذٍ يترشّح الوجوب عليها.

وبعبارة أخرى: على رأي المصنف من عدم الوجوب قبل الاستطاعة لا تجب كل المقدمات؛ لعدم وجوب ذي المقدمة، أما على رأى الشيخ الأعظم من الوجوب من حين الأمر فلا يجب تحصيل الاستطاعة؛ لأنها شرط اتفاقي، ولكن يجب تحصيل سائر المقدمات؛ لأنها شرط مطلق.

ص: 24

وجوبه[1] لتعلق بها الطلب في الحال[2] على تقدير اتفاق وجود الشرط في الاستقبال[3]. وذلك لأنّ إيجاب ذي المقدمة على ذلك[4] حالي، والواجب إنما هو استقبالي - كما يأتي في الواجب المعلق[5] - ، فإن الواجب المشروط على مختاره هو بعينه ما اصطلح عليه صاحب الفصول من المعلق، فلا تغفل.

-------------------------------------------------------------------

[1] في ظاهر الدليل، لأنه لو كان كذلك كانت شروطاً اتفاقية، أما لو لم يُعلّق عليها الوجوب في ظاهر الدليل كانت شروطاً مطلقاً.

[2] أي: حتى قبل تحقق الاستطاعة - في المثال - .

[3] بأن علم المكلّف بأن الاستطاعة - مثلاً - ستتحقق في المستقبل، فيجب عليه من الأول تحصيل سائر المقدمات، كمَن يعلم بأنه سيستطيع في شهر ذي القعدة، وكانت سائر مقدمات الحج في شهر شوال، كالتسجيل وأخذ التأشيرة والبطاقة... الخ. فيجب عليه فعل هذه المقدمات طُرّاً؛ لأن وجوب الحج سابق على الاستطاعة.

أما على رأي المصنف فحيث لا وجوب قبل الاستطاعة فلا يجب عليه تحصيل هذه المقدمات، إلاّ لو قلنا بوجوب تحصيل المقدمات المفوتة، وسيأتي الحديث عنها.

[4] «ذلك» أي: بناءً على مختار الشيخ، «حالي» لعدم تقييد الطلب، «والواجب» وهو الفعل - أي: المادة - ، «استقبالي» لتوقفه على شرط سيتحقق في المستقبل.

[5] «الواجب المعلّق» هو ما كان زمن الوجوب سابقاً على زمن الواجب، كالحج فإنه يجب من أول شوال، لكن وقت القيام به هو التاسع من ذي الحجة، ويقابله (الواجب المُنجَّز) وهو ما تقارن وقت الوجوب والواجب كالصلوات اليومية، فإن وقت الوجوب والواجب هو حين دخول الوقت.

ص: 25

هذا[1] في غير المعرفة والتعلم[2] من المقدمات.

-------------------------------------------------------------------

4- تعلّم مسائل الواجب المشروط قبل الشرط

[1] أي: ما ذكرنا من أن مقدمات الواجب المشروط مشروطة أيضاً، إنما هو في كل المقدمات الوجودية للواجب المشروط، لكن يستثنى من ذلك المعرفة، وهي تعلّم أحكام الواجب المشروط، فإنها مقدمة للواجب، لكنها غير مشروطة بشرطه، فيجب تعلّم مسائل الواجب المشروط - سواء تعلّم أصل وجوبه أم تعلم تفاصيل مسائله - حتى قبل تحقق الشرط.

وهنا نتسائل كيف وجبت هذه المقدمة حتى قبل تحقق الشرط، وما هو الوجه في استثنائها؟

والجواب: أما على مسلك الشيخ الأعظم فواضح؛ لأن الوجوب في الواجب المشروط فعلي، فيمكن ترشح الوجوب إلى مقدماته والتي منها المعرفة.

وأما على مسلك المصنف فلا يمكن القول بترشح وجوب ذي المقدمة على المعرفة؛ وذلك لعدم وجوب ذي المقدمة قبل تحقق الشرط، وإنما تجب المعرفة بحكم العقل.

بيانه: إن الإنسان يعلم إجمالاً بتوجه تكاليف إليه، وهذا العلم الإجمالي منجزّ عليه، ولا ينحل إلاّ بعد الفحص والظفر بمجموعة من التكاليف، بحيث لا يبقى علمٌ بوجود تكاليف أخرى، وهذا الفحص هو عبارة أخرى عن تعلّم المسائل، ثم بعد الفحص إن لم يظفر بالتكليف جاز له إجراء البراءة.

والحاصل: إن وجوب معرفة الأحكام الشرعية وتفاصيلها ليست لأجل كونها مقدمة، حتى يرد إشكالٌ في وجوبها قبل تحقق الشرط في الواجب المشروط، بل وجوب المعرفة بسبب آخر هو حكم العقل بتنجزّ العلم الإجمالي.

[2] العطف تفسيري؛ لأن معرفة الأحكام الشرعية وتفاصيلها تكون عادة عبر التعلّم.

ص: 26

وأما المعرفة: فلا يبعد القول بوجوبها - حتى في الواجب المشروط بالمعنى المختار[1] - قبل حصول شرطه، لكنه لا بالملازمة، بل من باب استقلال العقل[2] بتنجّز الأحكام على الأنام بمجرد قيام احتمالها إلاّ مع الفحص[3] واليأس عن الظفر بالدليل على التكليف، فيستقل بعده[4] بالبراءة، وأنّ العقوبة على المخالفة بلا حجة وبيان، والمؤاخذة عليها بلا برهان، فافهم[5].

-------------------------------------------------------------------

[1] من رجوع القيد إلى الهيئة، فلا وجوب قبل تحقق الشرط، وقوله: «قبل حصول...» متعلق ب- (القول بوجوبها)، «لكنه» أي: الوجوب.

[2] فإن العقل يستقل بأن التكليف الواقعي الذي صدر من المولى يتنجزّ على العبد لو احتمل العبد وجوده، فلابدّ على العبد من الفحص حتى ييأس عن الظفر بالتكليف، فحينئذٍ يستقل العقل باجراء البراءة؛ لأنه لو كان هناك تكليف واقعي لم يظفر به العبد رغم فحصه فإن العقاب عليه عقاب بلا بيان، وهو قبيح، وسيأتي تفصيل هذا في بحث البراءة.

[3] والفحص عبارة أخرى عن التعلّم.

[4] أي: بعد الفحص، وهذا أحد المباني، ومن المباني أنه يستقل بالاحتياط لو لا البراءة الشرعية، وقوله: «وأن العقوبة...» تفسير للبراءة العقلية.

[5] لعلّه إشارة إلى أن هذا الكلام - بوجوب تحصيل المعرفة - إنما يصح لو لم يمكن الاحتياط، ومع إمكانه لا يجب الفحص، مثلاً: من يحتمل وجوب شيء إذا أراد الاحتياط بإتيانه فلا يجب عليه الفحص - الذي هو تحصيل المعرفة - .

أو إشارة إلى أنه قبل حصول الشرط لا وجوب قطعاً، فالمكلف لا يحتمل التكليف فكيف يتنجز عليه التكليف مع القطع بعدم وجوده؟!

أو إشارة إلى أنه قد يمكن تحصيل المعرفة بعد حصول الشرط، فلا يستقل العقل بوجوبها من قبل.

ص: 27

تذنيب[1]: لا يخفى[2]: أن إطلاق الواجب على الواجب المشروط بلحاظ حال حصول الشرط[3] على الحقيقة مطلقاً.

وأما بلحاظ حال قبل حصوله[4]: فكذلك - على الحقيقة - على مختاره+ في الواجب المشروط، لأن الواجب وإن كان أمراً استقبالياً[5] عليه إلاّ أن تلبسه بالوجوب

-------------------------------------------------------------------

5 - في إطلاق الواجب على الواجب المشروط

[1] يبحث المصنف في هذا التذنيب في موضوعين:

الأول: في أن إطلاق الواجب على الواجب المشروط هل هو على نحو الحقيقة أم هو مجاز؟

الثاني: في أن صيغة الأمر في الواجب المشروط استعملت في معناها الحقيقي - وهو الطلب - .

[2] شروع في الموضوع الأول، ومحصّله: إنه بعد تحقق الشرط لا إشكال في أن إطلاق الواجب على المشروط إطلاق حقيقي، فالحج بعد الاستطاعة واجب قطعاً على جميع المباني.

وأما قبل تحقق الشرط، فعلى مبنى الشيخ الأعظم يكون الإطلاق حقيقياً؛ لأن الوجوب فعلي، وإنما وقت الإتيان به مستقبلي، وأما على مبنى المصنف يكون الإطلاق مجازياً؛ إذ لا وجوب ولا واجب فعلاً، وإنما صحّ هذا المجاز بعلاقة الأَوْل أو المشارفة.

[3] كأن نقول: إن الحج بعد تحقق الاستطاعة واجب، «مطلقاً» سواء على مبنى الشيخ من أن القيد يرجع إلى الهيئة، أم على مبنى المصنف من رجوع القيد إلى المادة.

[4] قبل حصول الشرط، وشرح قوله: (فكذلك) بقوله: (على الحقيقة)، «مختاره» ما اختاره الشيخ الأعظم.

[5] أي: زمان الفعل إنما هو في المستقبل، «الواجب» هو الفعل الذي تعلق به الوجوب كالحج، «عليه» أي: على مختاره.

ص: 28

في الحال[1]. ومجاز على المختار، حيث لا تلبس بالوجوب عليه قبله[2]، كما عن البهائي(1) تصريحه بأن لفظ الواجب مجاز في المشروط بعلاقة الأوْل أو المشارفة[3].

وأما الصيغة[4]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: في حال إطلاق الوجوب عليه - حتى قبل تحقق الشرط - .

[2] «عليه» على المختار، «قبله» قبل تحقق الشرط.

[3] والفرق بينهما: أن «الأَوْل» هو تبدل ذات إلى أخرى، كالعنب إلى الخمر، فإطلاق الخمر على العنب مجازي، كما في قوله: {إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ}(2)، و«المشارفة» تبديل الوصف مع وحدة الذات، كإطلاق الميّت على المحتضر، كما في قولهم: (إذا مات الميت).

[4] شروع في الموضوع الثاني، ومحصّله: إن صيغة الأمر تدل على الطلب المبهم - أي: الطلب الكلي الجامع بين الطلب المطلق والطلب المقيّد - وأما الإطلاق والاشتراط فيستفادان من دالٍّ آخر، فالإطلاق من مقدمات الحكمة والتقييد من الشرط.

فلو قال: (أكرم زيداً) فصيغة الأمر دلت على أصل الطلب، وإطلاق الوجوب استفيد من مقدمات الحكمة، ولو قال: (إن جاء زيد فأكرمه) فقد دلت الصيغة على أصل الطلب، ودلّ الشرط على تقييد الوجوب بالمجيء.

ومن كل ذلك نعلم أن استعمال الصيغة في الواجب المشروط هو استعمال بالمعنى الحقيقي، وأن القول بالمجازية فيه يستلزم القول بالمجازية في الواجب المطلق أيضاً؛ لأن معنى الصيغة هو الطلب المبهم.

والحاصل: إنّ الصيغة في كليهما استعملت في معناها الحقيقي، وأمّا الإطلاق والتقييد فقد استفيدا من دال آخر، فلا مجازية في كليهما أصلاً.

ص: 29


1- زبدة الأصول: 46؛ مطارح الأنظار 1: 229.
2- سورة يوسف، الآية: 36.

مع الشرط: فهي حقيقة على كل حال[1]، لاستعمالها على مختاره+ في الطلب المطلق[2]، وعلى المختار في الطلب المقيد على نحو تعدد الدال والمدلول[3]. كما هو الحال[4] في ما إذا أريد منها المطلق المقابل للمقيد، لا المبهم المقسم[5]، فافهم[6].

ومنها: تقسيمه[7] إلى المعلق والمنجّز.

-------------------------------------------------------------------

[1] سواء على مبنى الشيخ الأعظم أم على مبنى المصنف.

[2] أي: غير المقيّد بالشرط؛ وذلك لأن الشرط يرجع إلى المادة على مختاره.

[3] فلا مجازية أصلاً؛ لأن الصيغة استعملت على كل حال في معناها الحقيقي وهو الطلب المبهم.

[4] أي: إن تعدد الدال والمدلول ليس خاصاً بمبنى المصنف، بل يجرى على مبنى الشيخ الأعظم أيضاً؛ لأن أصل الطلب استفيد من الصيغة، والإطلاق استفيد من مقدمات الحكمة، «منها» من الصيغة.

[5] وهو اللابشرط المقسمي، فحينما نقول: (الطلب إما مطلق وإما مقيد) يكون المقسم هو (الطلب) ولابد من أن يكون جامعاً للمطلق والمقيد ليكونا من أقسامه، وليس هذا المقسم هو الطلب المطلق، وإلاّ لزم تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره وهو محال، بل هو طلب مبهم، الذي يمكن اتصافه بالإطلاق وبالتقييد.

[6] لعله إشارة إلى أن هذا الكلام إنما يصح لو قلنا: إنّ الصيغة وضعت للطلب، وأما على مبنى أن استفادة (الطلب) من الإطلاق أو بدلالة العقل فلا أساس لكل هذا البحث.

التقسيم الثاني: تقسيم الواجب إلى معلّق ومنجّز

اشارة

[7] أي: تقسيم الواجب، وفي الواقع إنه تقسيم للواجب المطلق إلى المنجز والمعلّق - كما سيتضح - .

ص: 30

قال في الفصول: «إنه ينقسم باعتبار آخر[1] إلى ما يتعلق[2] وجوبه بالمكلف ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له كالمعرفة، وليُسَمَّ: «منجّزاً»، وإلى ما يتعلق[3] وجوبه به، ويتوقف حصوله على أمر غير مقدور له، وليسمَّ: «معلقاً»، كالحج، فإن وجوبه يتعلق بالمكلف من أول زمن الاستطاعة[4] أو خروج الرفقة، ويتوقف فعله على مجيء وقته، وهو[5] غير مقدور له، والفرق بين هذا النوع[6] وبين الواجب المشروط هو أن التوقف هناك للوجوب وهنا للفعل»(1)، انتهى كلامه،

-------------------------------------------------------------------

[1] وهو باعتبار زمان الواجب.

[2] أي: هو واجب مطلق؛ لأن زمان وجوبه فعلي، كما أن زمان الواجب فعلي أيضاً، بمعنى أن الواجب لا يتوقف على شيء مستقبلي غير مقدور للمكلف كالزمان، مثلاً: معرفة أصول الدين زمان وجوبها فعلي، كما أن تلك المعرفة غير متوقفة على شيء.

[3] وهو أيضاً واجب مطلق؛ لأن زمان وجوبه فعلي أيضاً، لكن زمان الواجب مستقبلي، فيتوقف الواجب على أمر غير مقدور للمكلف كالزمان، مثلاً: الحج وجوبه من حين الاستطاعة، لكن زمان الواجب - أعني مناسك الحج - هو في التاسع من ذي الحجة، ومجيء هذا الزمان غير مقدور للمكلّف.

«وجوبه» وجوب الواجب - أي: الفعل - ، «به» بالمكلّف.

[4] على مبنى كثير من الفقهاء، وعلى مبنى آخرين وجوبه يتوقف على أمرين: الاستطاعة وخروج الرفقة، وفي مبنى آخر على الاستطاعة وحلول شهر شوال، وهو أول أشهر الحج، «فعله» أي: فعل الحج ومناسكه، وهذا هو الواجب.

[5] أي: ومجيء الوقت غير مقدور للمكلّف.

[6] أي: الواجب المعلّق، وحاصله: إن القيد قد يكون للمادة - أي: الفعل الواجب - فهذا هو المعلّق، وقد يكون للهيئة - أي: للوجوب والطلب - فهذا هو المشروط.

ص: 31


1- الفصول الغروية: 79.

رفع مقامه[1].

لا يخفى[2]: أن شيخنا العلامة (أعلى الله مقامه) - حيث اختار في الواجب المشروط ذاك المعنى[3]،

-------------------------------------------------------------------

إشكالات على الواجب المعلّق
اشارة

[1] وقد أشكل على الواجب المعلّق إشكالات متعددة:

منها: ما يرجع إلى عدم فرقه عن المشروط كإشكال الشيخ الأعظم.

ومنها: ما يرجع إلى عدم فائدته كإشكال المصنف.

ومنها: ما يرجع إلى استحالته كإشكال المحقق النهاوندي(1).

ومنها: ما يرجع إلى عدم القدرة عليه.

ومنها: إرجاع المعلّق إلى المشروط بواسطة الشرط المتأخر.

الإشكال الأول: للشيخ الأعظم

[2] قد اتضح أن الفرق بين المشروط والمعلق هو أن المشروط ما رجع القيد فيه إلى الهيئة، والمعلّق ما رجع القيد فيه إلى المادة. ولكن حيث أنكر الشيخ الأعظم رجوع القيد إلى الهيئة - أي: الطلب - لاستحالة ذلك على رأيه، فأرجع جميع القيود إلى المادة - أي: الفعل الواجب - فحينئذٍ لا فرق بين المشروط والمعلّق؛ لرجوع القيد في كليهما إلى المادة؛ ولذا أشكل الشيخ الأعظم على صاحب الفصول هذا التقسيم.

ولا يخفى أن إنكار الشيخ يرجع إلى إنكار الواجب المشروط بالمعنى الذي ذكره المشهور - وهو رجوع القيد إلى الهيئة - ففي الحقيقة يسلّم الشيخ بالواجب المعلق - الذي هو رجوع القيد إلى المادة - ولكنه يُسمّيه مشروطاً.

[3] بعدم رجوع الشرط إلى الهيئة - أي: الطلب - وإنما يرجع إلى المادة - أي: الفعل - .

ص: 32


1- تشريح الأصول: 191.

وجعل الشرط[1] لزوماً من قيود المادة ثبوتاً وإثباتاً[2]، حيث ادعى[3] امتناع كونه من قيود الهيئة كذلك، أي إثباتاً وثبوتاً[4]، على خلاف القواعد العربية[5] وظاهر المشهور[6]، كما يشهد به[7] ما تقدم آنفاً عن البهائي - أنكر[8] على الفصول هذا التقسيم(1)،

ضرورة[9] أن المعلّق بما فسّره يكون من المشروط بما اختار له من المعنى

-------------------------------------------------------------------

[1] هذه العبارة إلى قوله: (... عن البهائي) جملة معترضة، وهي تكرار لكلام الشيخ الأعظم في الواجب المشروط، كما مرّ.

[2] أي: واقعاً وظاهراً.

[3] هذا دليل لزوم رجوع القيد إلى المادة، «كونه» كون الشرط.

[4] «ثبوتاً» باستحالة رجوع القيد إلى الهيئة كما ذكره في دليله الأول، و«إثباتاً» بشهادة الوجدان برجوع القيد إلى المادة، كما ذكره في دليله الثاني.

[5] أي: خلاف ظاهر الشرط.

[6] أي: وعلى خلاف ظاهر مشهور الأصوليين من رجوع القيد إلى الهيئة.

[7] أي: بكونه خلاف القواعد العربية وخلاف ظاهر المشهور، «ما تقدم عن البهائي» حيث قال: إن إطلاق الواجب على المشروط مجاز، ومن الواضح أنه لا مجاز بناءً على رجوع القيد إلى المادة، لأن الوجوب موجود فعلاً حتى قبل تحقق الشرط، أما بناء على رجوع القيد إلى الهيئة فلا وجوب قبل تحقق الشرط، فإطلاق الوجوب عليه مجاز بعلاقة الأَوْل أو المشارفة - كما مرّ - ومن المعلوم أن مقتضى القواعد العربية وكذا ظاهر المشهور عدم المجازية.

[8] «أنكر» خبر (أن) في قوله: (لا يخفى أن شيخنا... الخ).

[9] بيان لوجه إنكاره، «بما فسره» أي: بالمعنى الذي بينه الفصول، «بما اختار» الشيخ الأعظم، «له» للمشروط.

ص: 33


1- مطارح الأنظار 1: 263.

على ذلك[1]، كما هو واضح، حيث لا يكون حينئذٍ هناك معنى آخر معقول كان هو المعلّق المقابل للمشروط.

ومن هنا[2] انقدح أنه في الحقيقة إنما أنكر الواجب المشروط بالمعنى الذي يكون هو ظاهر المشهور والقواعد العربية، لا الواجب[3] المعلق بالتفسير المذكور. وحيث[4] قد عرفت بما لا مزيد عليه إمكان رجوع الشرط إلى الهيئة، كما هو ظاهر القواعد وظاهر المشهور، فلا يكون مجال لإنكاره عليه[5].

نعم[6]، يمكن أن يقال:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: على جعل الشرط من قيود المادة - ثبوتاً وإثباتاً - .

[2] من كون المعلّق هو المشروط عند الشيخ، «أنه» أن الشيخ، والمقصود أن الشيخ في الواقع يقبل الواجب المعلّق لكنه ينكر المشروط بالمعنى المشهور، فكان عليه أن يذكر هذا الإشكال في التقسيم السابق، ويكون إشكاله على المشهور لا على صاحب الفصول.

[3] أي: لا أنه ينكر الواجب المعلّق، «التفسير المذكور» الذي ذكره صاحب الفصول.

[4] هذا إشكال من المصنف على الشيخ، وحاصله: إمكان الواجب المشروط على حسب تفسير المشهور - من رجوع القيد إلى الهيئة أي: الطلب - وحينئذٍ فلا يرجع المشروط إلى المعلّق - الذي هو رجوع القيد إلى المادة، أي: الفعل - .

[5] أي: لا مجال لإنكار الشيخ الأعظم على الفصول.

الإشكال الثاني: عدم فائدة هذا التقسيم

[6] هذا هو الإشكال الثاني على الواجب المعلّق، وهو إشكال ارتضاه المصنف، وحاصله: إنه لا ثمرة تترتب على الواجب المعلّق، ومن الواضح أنه لا يصح التقسيم إلاّ لفائدة.

ص: 34

إنه لا وقع لهذا التقسيم، لأنه[1] بكلا قسميه من المطلق[2] المقابل للمشروط، وخصوصية[3] كونه حالياً أو استقبالياً لا توجبه ما لم توجب الاختلاف في المهم[4]، وإلاّ[5] لكثر تقسيماته لكثرة الخصوصيات، ولا اختلاف فيه[6]، فإن[7]

-------------------------------------------------------------------

بيانه: إن الواجب المطلق - الذي لا تقييد لوجوبه - قد يكون الفعل فيه حالياً فهو المنجّز، وقد يكون استقبالياً فهو المعلّق، ففي كليهما الوجوب مطلق لا قيد فيه، فتجب مقدمة هذا الواجب مطلقاً إن قلنا بالملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة، فلا فرق بين المنجّز والمعلّق من هذه الجهة، ولا ثمرة أخرى تترتب، فيكون هذا التقسيم لغواً ومن غير فائدة.

[1] أي: لأن الواجب - سواء كان منجزاً أم معلقاً - .

[2] أي: نُسلّم بأن وقت الفعل - أي: الواجب - قد يكون استقبالياً وقد يكون حالياً، لكن الوجوب فعلي في كليهما، فيكونان من الواجب المطلق الذي لا قيد للوجوب فيه، المقابل للواجب المشروط الذي قُيّد الوجوب بحصول شرط.

[3] أي: الفرق بينهما بأن المنجز ما كان وقت الفعل الواجب حالياً، وبأن المعلّق ما كان وقت الفعل الواجب استقبالياً، «كونه» كون الواجب، «لا توجبه» أي: لا تكون سبباً لهذا التقسيم.

[4] أي: في الغرض، وهو ترشح الوجوب على المقدمة بناء على الملازمة.

[5] أي: لو كانت كل خصوصية موجبة للتقسيم.

[6] أي: ولا اختلاف في الأثر في الواجب المعلّق والمنجّز.

[7] أي: إن الثمرة التي رتبها صاحب الفصول على هذا التقسيم - وهي وجوب المقدمة فعلاً - إنما هي ثمرة للواجب المطلق، فهي تجري في كلا القسمين، أي: المعلّق والمنجز، حيث إن الوجوب في كليهما فعلي فيترشح على مقدمته بناء على الملازمة.

«ما رتبه» صاحب الفصول، «عليه» على هذا التقسيم، «فعلاً» أي: قبل تحقق الشرط.

ص: 35

ما رتبه عليه من وجوب المقدمة فعلاً - كما يأتي - إنما هو من أثر إطلاق وجوبه وحاليته[1]، لا من استقبالية الواجب[2]، فافهم[3].

ثم إنه ربما حكي عن بعض أهل النظر[4] من أهل العصر إشكال في الواجب

-------------------------------------------------------------------

[1] وحيث إن المنجز والمعلّق من أقسام المطلق فتجب المقدمة فيهما فعلاً بلا فرق.

[2] أي: الفعل الواجب حيث إنه استقبالي في المعلّق، وحالي في المنجز، ووجوب المقدمة لا يرتبط بهذا، بل يرتبط بما يشترك فيه المنجز والمعلّق.

[3] لعلّه إشارة إلى أن صاحب الفصول لم يكن بصدد بيان الفرق بين المنجزّ والمعلّق حتى يرد عليه هذا الإشكال، بل كان بصدد بيان الفرق بين المشروط والمعلّق، وأن الثمرة هي أنه في المشروط لا تجب المقدمة؛ لأن الوجوب استقبالي، وأنه في المعلّق تجب المقدمة؛ لأن الوجوب حالي رغم أن الفعل الواجب استقبالي، فمثلاً: قبل الزوال لا يجب حفظ الماء الذي هو مقدمة، أما قبل التاسع من ذي الحجة فإنه تجب الحركة إلى الحج على المستطيع.

الإشكال الثالث: انفكاك الإرادة عن المراد

[4] قيل هو المحقق النهاوندي في كتاب تشريح الأصول(1)،

وحاصل الإشكال: هو استحالة انفكاك الإرادة عن المراد في الإرادة التكوينية وكذلك في الإرادة التشريعية، فيستحيل الواجب المعلّق؛ لأن الطلب - وهو إرادة تشريعيّة - في المعلّق فعليٌ، لكن المراد وهو الواجب استقبالي.

أمّا استحالة الانفكاك في الإرادة التكوينية فلأنّها الشوق المؤكد المحرّك للعضلات نحو المراد، فإذا لم يكن تحريك لم تكن إرادة.

وأما استحالة الانفكاك في الإرادة التشريعية فلأنّه لا فرق بين الإرادتين إلاّ في المتعلّق، فحقيقتهما واحدة، غاية الأمر في التكوينية يكون المراد هو فعل النفس، وفي التشريعية يكون المراد فعل الغير.

ص: 36


1- تشريح الأصول: 191.

المعلق، وهو: أن الطلب والإيجاب إنما يكون بإزاء الإرادة المحركة للعضلات نحو المراد[1]. فكما لا تكاد تكون الإرادة[2] منفكة عن المراد فليكن الإيجاب غير منفك عمّا يتعلق به، فكيف يتعلق بأمر استقبالي؟! فلا يكاد يصح الطلب والبعث فعلاً نحو أمر متأخر.

قلت[3]:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: هو كالإرادة التكوينية.

[2] أي: التكوينية، «الإيجاب» وهو إرادة تشريعيّة، «عما يتعلق به» أي: عن الفعل الواجب، «فكيف يتعلّق» أي: الإيجاب.

[3] يجيب المصنف عن الإشكال بثلاثة أجوبة، فجوابان في المقيس عليه، أي: في الإرادة التكوينية، وجواب في المقيس، أي: في الإرادة التشريعية.

أما الجوابان في المقيس عليه فهما جوابان طوليان:

الجواب الأول: إمكان تأخر المراد عن الإرادة؛ وذلك لأنّ الإرادة التكوينية: تارة تتعلّق بشيء لا مقدمات له، فتتقارن الإرادة مع المراد، وتارة أخرى تتعلّق بشيء له مقدمات، فلا محالة يكون الانفكاك؛ وذلك لأن الإنسان يتحرك نحو المقدمات، وبعد الانتهاء منها أجمع يصل إلى المراد، وقد تكون المقدمات كثيرة وتحتاج إلى زمان طويل، مثلاً: من يريد السفر إلى مكان بعيد فإن المراد - وهو الوصول إلى ذلك المكان - لا يتحقق إلاّ بعد الإتيان بالمقدمات من الزاد والراحلة وقطع المسافة ونحو ذلك.

وحاصل هذا الجواب هو تسليم الاحتياج إلى التحريك الفعلي، لكن (المتحرّك إليه) تارة يكون المراد، وتارة أخرى يكون مقدمة له.

الجواب الثاني: ليس المراد من (التحريك) التحريك الفعلي؛ إذ لا يشترط في الإرادة (التحريك الفعلي)، ومقصودهم في تعريف الإرادة ب- (الشوق المؤكد المستتبع

ص: 37

فيه أن الإرادة[1] تتعلق بأمر متأخر استقبالي، كما تتعلق بأمر حالي، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل، فضلاً عن فاضل، ضرورة[2] أن تحمل المشاق في تحصيل المقدمات في ما إذا كان المقصود[3] بعيد المسافة وكثير المؤونة ليس إلاّ لأجل تعلق إرادته به، وكونه مريداً له قاصداً إياه لا يكاد يحمله على التحمل إلاّ ذلك[4].

ولعلّ[5] الذي أوقعه في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الإرادة بالشوق المؤكد(1)

المحرك للعضلات نحو المراد، وتوهم[6] أن تحريكها نحو المتأخر مما لا يكاد.

-------------------------------------------------------------------

لتحريك العضلات) هو التحريك الشأني، أي: إن الإرادة هي الشوق الأكيد الذي يمكن أن يُحرّك نحو المراد؛ وذلك لإمكان تعلّق الإرادة بشيء متأخر لا مقدمات له، فلا توجد حينئذٍ حركة لا نحو الفعل ولا نحو مقدماته.

والحاصل: إن معنى الإرادة هي الشوق الأكيد بحيث لو تعلق بشيء حالي لا مقدمات له لكان سبباً للحركة نحوه، ولو تعلق بشيء استقبالي له مقدمات لكان سبباً للحركة نحو مقدماته، ولو تعلق بشيء استقبالي لا مقدمات له لم يكن سبباً للحركة أصلاً.

وحاصل هذا الجواب عدم تسليم الاحتياج إلى التحريك الفعلي.

[1] هذا الجواب الأول، «الإرادة» التكوينية، «بأمر» أي: بشيء.

[2] بيان كيفية تعلقها بأمر استقبالي.

[3] أي: المراد الأصلي، وقوله: «ليس إلاّ...» خبر (أن تحمل...)، «إرادته» أي: إرادة المريد، «به» بالمقصود البعيد، و«كونه» كون المريد.

[4] أي: تعلق الإرادة.

[5] شروع في الجواب الثاني.

[6] أي: تصور استحالة الحركة نحو شيء متأخر.

ص: 38


1- شرح المنظومة: 184.

وقد غفل[1] عن أن كونه محركاً نحوه يختلف حسب اختلافه في كونه مما لا مؤونة له كحركة نفس العضلات[2]، أو مما له مؤونة[3] ومقدمات قليلة أو كثيرة. فحركة العضلات تكون أعم من أن تكون بنفسها مقصودة أو مقدمة له[4]، والجامع[5] أن يكون نحو المقصود.

بل مرادهم[6] من هذا الوصف في تعريف الإرادة بيان مرتبة الشوق الذي يكون هو الإرادة، وإن لم يكن هناك فعلاً تحريك، لكون[7] المراد وما اشتاق إليه كمال الاشتياق أمراً استقبالياً غير محتاج إلى تهيئة مؤونة أو تمهيد مقدمة، ضرورة[8] أن شوقه إليه ربما يكون أشد من الشوق المحرك فعلاً نحو أمر حالي أو استقبالي محتاج إلى ذلك[9] هذا.

-------------------------------------------------------------------

[1] ردّ للتوهم المذكور، وحاصله: إنه لا يراد الحركة الفعلية، بل الحركة الشأنية، «كونه» كون الإرادة، وكان الأولى تأنيث الضمير، «نحوه» نحو المراد، «اختلافه» أي: اختلاف كيفية المراد، «كونه» كون المراد.

[2] أي: ككون المراد حركة العضلات.

[3] أي: لا يحتاج إلى مقدمات أصلاً، كما لو أراد نفس حركة العضلات، فلا يحتاج إلى مقدمة، فحينئذٍ لا تنفك الإرادة عن المراد فعلاً.

[4] أي: مقدمة للمقصود.

[5] أي: الجامع بين هاتين الحركتين هو أن تكون الحركة نحو المقصود، سواء بالمباشرة أم عبر المقدمات.

[6] هذا الجواب الثاني، «هذا الوصف» أي: الشوق المحرّك للعضلات.

[7] بيان سبب عدم وجود التحريك الفعلي.

[8] هذا دليل وجود الإرادة مع عدم تحريك، «شوقه» أي: المريد، «إليه» إلى المراد.

[9] أي: إلى تمهيد مقدمة.

ص: 39

مع أنه[1] لا يكاد يتعلق البعث إلاّ بأمر متأخر عن زمان البعث، ضرورة[2] أن البعث إنما يكون لإحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به بأن يتصوره[3] بما يترتب عليه من المثوبة وعلى تركه من العقوبة، ولا يكاد يكون هذا[4] إلاّ بعد البعث بزمان، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان، ولا يتفاوت[5] طوله وقصره في ما هو ملاك الاستحالة[6] والإمكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب[7].

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا هو الجواب الثالث، وهو يتعلق ب- (المقيس) أي: في الإرادة التشريعية، كما أن الجوابين الأول والثاني كانا يتعلقان (بالمقيس عليه) أي: الإرادة التكوينية.

وحاصل الجواب الثالث: إنه لابد من انفكاك الإرادة عن المراد في الإرادة التشريعية - حتى لو لم نلتزم بالانفكاك في الإرادة التكوينية - ؛ وذلك لأنه بعد أن يُصدر المولى أمره لابد للعبد من أن يتصوّر ذلك الأمر، ويتصوّر ما فيه من الثواب وفي تركه من العقاب، وبعد ذلك يتحرّك نحو الامتثال، ومن الواضح أن المراد قد انفكّ عن الإرادة ولو بزمان قصير، فإذا أمكن الانفكاك بمقدار قليل كما في المنجزّ، فلا محذور من الانفكاك بمقدار كثير كما في المعلّق، «أنه» الضمير للشأن.

[2] دليل تأخر المراد في الإرادة التشريعية.

[3] أي: يتصوّر (المكلّف به) وهو الفعل المأمور به.

[4] أي: إيجاد الداعي المتوقف على تصوره وتصور الثواب فيه والعقاب على تركه، و«نحو» خبر يكون، «أمرٍ» أي: شيء، و«متأخرٍ» صفة (أمرٍ).

[5] أي: إذا أمكن التأخير فلا فرق حينئذٍ بين (المنجزّ) الذي يكون التأخير فيه قليلاً، و(المعلّق) الذي يكون التأخير فيه كثيراً.

[6] أي: انفكاك البعث عن الانبعاث، فلو كان الانفكاك مستحيلاً فلا فرق في الاستحالة بين المقدار القصير والمقدار الطويل، وحيث ثبت إمكان الانفكاك القصير ثبت أيضاً إمكان الانفكاك الطويل.

[7] أي: باب الإرادة.

ص: 40

ولعمري ما ذكرناه واضح لا سترة عليه، والإطناب إنما هو لأجل رفع المغالطة الواقعة في أذهان بعض الطلاب.

وربما أشكل[1] على المعلق أيضاً بعدم القدرة على المكلَّف به في حال البعث، مع أنها من الشرائط العامة.

وفيه[2]: إنّ الشرط إنما هو القدرة على الواجب في زمانه[3]، لا في زمان الإيجاب والتكليف، غاية الأمر يكون من باب الشرط المتأخر[4]، وقد عرفت بما لا

-------------------------------------------------------------------

أقول: إن المصنف بنى على أن المراد في الإرادة التشريعية هو الإرادة المتعلقة بفعل الغير، ولذا ذهب إلى انفكاكها عن المراد، ولكن الصحيح أن المراد في الإرادة التشريعيّة هو صدور نفس الحكم، فلا انفكاك بين إرادة المولى ومراده الذي هو صدور الحكم منه، وأما فعل الغير فهو الغرض من التشريع، وليس هو المراد، فتأمل.

الإشكال الرابع: عدم القدرة على المكلّف به

[1] حاصله: إن (القدرة) من الشرائط العامة للتكليف، فإذا لم يكن قادراً لا يكون مكلفاً؛ وذلك بحكم العقل، وفي الواجب المعلّق لا قدرة على الفعل قبل تحقق الشرط، فقبل حلول التاسع من ذي الحجة لا يتمكن المكلّف من أداء الحج، فكيف يكون الوجوب فعلياً قبل تحقق الشرط؟

[2] حاصل الجواب: إن الشرط عقلاً هو القدرة في زمان الفعل لا القدرة في زمان الوجوب، فإذا قال المولى: (أكرم زيداً غداً) فإن كان قادراً على إكرامه في الغد صحّ التكليف، حتى ولو لم يكن قادراً حين صدور الأمر، ولو انعكس الفرض لم يصح التكليف، كما لو كان قادراً على الإكرام الآن وكان عاجزاً عنه في الغد.

[3] أي: في زمان الواجب، لا في زمان الوجوب.

[4] أي: يكون الوجوب حالياً بشرط القدرة على الواجب في وقته، ففي المثال يكون وجوب الإكرام من حين صدور الأمر بشرط كونه قادراً عليه في يوم غد.

ص: 41

مزيد عليه أنه[1] كالمقارن من غير انخرام للقاعدة العقلية[2] أصلاً، فراجع.

ثم[3]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: إن الشرط المتأخر.

[2] وهي لزوم تقارن العِلة - بكل أجزائها - مع المعلول.

الإشكال الخامس: إرجاع المعلّق إلى المشروط

[3] هذا شروع في إشكال خامس على الواجب المعلّق، وحاصله: إنه يمكن الحصول على نتيجة الواجب المعلّق من الواجب المشروط إذا قلنا: إنّ الشرط في الواجب المشروط من الشرط المتأخر، بل كلّ واجب معلَّق يمكن أن نعتبره واجباً مشروطاً بشرط متأخر.

وبيان ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة، وهي: إن صاحب الفصول(1)

خصّ الواجب المعلّق في بداية كلامه بما إذا توقف الواجب على أمر غير مقدور، كحلول التاسع من ذي الحجة، ثمّ عمَّم الواجب المعلّق بما إذا توقف الواجب على أمر استقبالي، سواء كان غير مقدور أم كان مقدوراً، فأشكل عليه المحقق الرشتي(2)

بأن التعميم اشتباه، بل لابد من حصر المعلّق بما إذا توقف الواجب على أمر استقبالي غير مقدور.

والمصنف يقول: إنه لابد من تعميم الواجب المعلّق، كما فعله صاحب الفصول.

وعليه: فإذا توقف الواجب على أمر استقبالي - سواء كان مقدوراً أم غير مقدور - مع كون الوجوب فعلياً، فحينئذٍ يترشح الوجوب إلى المقدمات الوجودية، عكس الواجب المشروط الذي لا يكون واجباً قبل تحقق الشرط، فلا يترشح الوجوب على مقدماته.

ص: 42


1- الفصول الغروية: 79 - 80.
2- بدائع الأفكار: 321.

لا وجه لتخصيص المعلّق بما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور[1]، بل ينبغي تعميمه إلى أمر مقدور متأخر[2]، أخذ على نحوٍ يكون[3]

-------------------------------------------------------------------

إذا اتضحت هذه المقدمة، يقول المصنف: إنّه يمكن أن نحصل على هذه النتيجة - أي: وجوب المقدمات قبل تحقق الشرط - حتى في الواجب المشروط؛ وذلك بأن نعتبر الشرط من الشرط المتأخر، مثل أن نقول: إن الحج واجب من الآن بشرط حصول الاستطاعة في ما بعد، فلذا يجب تهيئة المقدمات، مثلاً: لو توقف الحج على التسجيل، وهذا التسجيل يكون في شهر رمضان مثلاً، وهذا الشخص غير مستطيع في شهر رمضان، لكنه يعلم بحصول الاستطاعة له في شهر شوال، فيمكن القول: إن وجوب الحج ثابت في ذمته من شهر رمضان، رغم عدم تحقق الشرط الذي هو الاستطاعة، وكانت الاستطاعة في شوال شرطاً متأخراً، وحينئذٍ تجب مقدمات الحج من شهر رمضان - بناءً على الملازمة - فإذن أمكن الحصول على نتيجة الواجب المعلّق - وهي وجوب المقدمات الوجودية - من الواجب المشروط بنحو الشرط المتأخر، فتبيّن أنه لا حاجة إلى الواجب المعلّق، بل في الحقيقة كان الواجب المعلّق من مصاديق الواجب المشروط دائماً.

[1] قال بعض المحشين والشرّاح(1):

إنه إشكال على صاحب الفصول، لكن قد عرفت أن صاحب الفصول عمّم الواجب المعلّق، فأشكل عليه المحقق الرشتي، والمصنف هنا يريد الانتصار لصاحب الفصول والإشكال على المحقق الرشتي.

[2] كما لو قال: (إكرام زيد على تقدير زيارتك له اتفاقاً واجب) فالوجوب فعلي، لكن الواجب - وهو الإكرام - استقبالي، وهو متوقف على أمر مقدور - وهو الزيارة - لكن مع عدم وجوب الزيارة، بل أخذت الزيارة الاتفاقية شرطاً للواجب.

[3] وفي بعض النسخ (لا يكون) وفي الوصول: (اختلفت النسخ في حذف حرف النفي - أعني كلمة لا - وإثباته، والمعنى واحد على التقديرين؛ إذ لو كان نفياً كان

ص: 43


1- حقائق الأصول 1: 248.

مورداً للتكليف ويترشح[1] عليه الوجوب من الواجب أو لا، لعدم تفاوت[2] في ما يهمّه من وجوب تحصيل المقدمات التي لا يكاد يقدر عليها في زمان الواجب المعلق[3] دون المشروط، لثبوت[4] الوجوب الحالي فيه، فيترشح منه الوجوب على المقدمة - بناءً على الملازمة - دونه[5]، لعدم ثبوته فيه إلاّ بعد الشرط.

نعم[6]، لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخر وفرض وجوده[7] كان الوجوب

-------------------------------------------------------------------

قوله بعد (أوْ لا) إثباتاً، لأنه نفي النفي، وإن كان هذا إثباتاً كان قوله (أوْ لا) نفياً، والمعنى: إنه لا يفرق في تعلق الواجب بأمر مقدور متأخر بين أن لا يكون المتأخر مورداً للتكليف... أو لا يكون كذلك، بل كان مورداً للتكليف)(1)،

انتهى.

[1] «يترشح» عطف على (يكون).

[2] هذا دليل التعميم، «يهمّه» يهمّ صاحب الفصول، فإن غرضه من إبداع الواجب المعلّق هو حل العويصة المشكلة، بأنه كيف تجب المقدمات مع عدم وجوب ذي المقدمة؟ فكان الحلّ هو الالتزام بالوجوب الفعلي والواجب الاستقبالي، ولا فرق في هذا الحلّ بين كون الشرط المستقبلي غير مقدور كالوقت، وبين كونه مقدوراً، كالزيارة في المثال الماضي.

[3] أي: إن المهم هو أن المقدمات يجب تحصيلها في المعلّق دون المشروط، ولا فرق في وجوب تحصيلها في المعلّق بين القدرة على القيد أو عدم القدرة عليه.

[4] دليل وجوب تحصيل المقدمات في المعلّق، «منه» من الوجوب الحالي.

[5] أي: دون المشروط فلا يترشح الوجوب على المقدمة؛ وذلك لعدم ثبوت الوجوب في المشروط إلاّ بعد تحقق الشرط.

إلى هنا ينتهي التمهيد للإشكال الخامس.

[6] شروع في بيان الإشكال الخامس.

[7] أي: تحقق الشرط بعد ذلك، «المشروط به» أي: بذلك الشرط، «أيضاً»

ص: 44


1- الوصول إلى كفاية الأصول 2: 75.

المشروط به حالياً أيضاً، فيكون[1] وجوب سائر المقدمات الوجودية للواجب أيضاً حالياً؛ وليس الفرق بينه[2] وبين المعلّق حينئذٍ إلاّ كونه مرتبطاً بالشرط، بخلافه وإن ارتبط به الواجب.

تنبيه: قد انقدح من مطاوي ما ذكرناه أن المناط في فعلية وجوب المقدمة الوجودية وكونه[3] في الحال بحيث يجب على المكلف تحصيلها هو[4] فعلية وجوب

-------------------------------------------------------------------

كالواجب المعلّق.

[1] أي: فنحصل من الواجب المشروط على نفس النتيجة في الواجب المعلّق، بل في الحقيقة يكون الواجب المعلق دائماً من مصاديق الواجب المشروط بالشرط المتأخر.

[2] وهذا الفرق غير فارق في المهم، «بينه» أي: بين المشروط، «حينئذٍ» أي: حين كون الشرط مأخوذاً على نحو الشرط المتأخر، «كونه» كون الوجوب في المشروط، «بخلافه» أي: بخلاف الواجب المعلّق، فإن الشرط يرتبط بالواجب لا بالوجوب «به» أي: بالشرط.

تنبيه: في المقدمات المفوتة

الغرض من عقد هذا التنبيه هو حل مشكلة المقدمات المفوتة، أي: المقدمات التي لو لم يأتِ بها لم يتمكن من أداء الواجب في وقته، كالغسل في الليل لصوم يوم غد، وكحفظ الماء قبل الوقت للوضوء لمن يعلم بعدم تمكنه من الماء بعد الوقت، وكوجوب الحركة إلى الحج قبل أشهر الحج لمن كان في مكان بعيد يحتاج إلى زمان طويل للوصول إلى مكة. فإن الفقهاء حكموا بوجوب هذه المقدمات قبل زمان ذي المقدمة، والسؤال إنه كيف وجبت قبل زمان ذيها؟ والمصنف في هذا التنبيه يشير إلى أربعة أجوبة، سنذكرها لاحقاً.

[3] العطف تفسيري لبيان معنى (فعلية وجوب المقدمة)، «كونه» كون وجوب المقدمة.

[4] خبر قوله: (أن مناط...)، «فعلية» أي: كون الوجوب حالياً زماناً.

ص: 45

ذيها ولو كان[1] أمراً استقبالياً - كالصوم في الغد، والمناسك في الموسم - كان[2] وجوبه مشروطاً بشرط موجود[3] أخذ فيه[4] ولو متأخراً، أو مطلقاً - منجزاً كان أو معلقاً - في ما إذا[5]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: حتى لو كان ذو المقدمة، «أمراً» أي: شيئاً استقبالياً بأن يكون زمان الفعل في المستقبل.

[2] أي: سواء كان وجوب ذي المقدمة مشروطاً بشرط متأخر - كما هو مقتضى الجواب الثالث - أم كان وجوبه مطلقاً منجزّاً - كما في الجواب الثاني - أم كان وجوبه مطلقاً معلقاً - كما في الجواب الأول - .

[3] أي: موجود في ظرفه، سواء كان ذلك الظرف متقدماً أم متأخراً أم مقارناً.

[4] في الوجوب، وقوله: «أو مطلقاً» عطف على (مشروطاً...).

[5] أي: فعلية وجوب المقدمة بشروط ثلاثة:

الشرط الأول: أن لا تكون المقدمةُ الوجودية مقدمةً وجوبية أيضاً، كالاستطاعة في الحج، فإنها مقدمة وجوبية ووجودية، فلو لا الاستطاعة لم يجب الحج، كما لا يمكن الوصول إلى الحج إلاّ بالاستطاعة؛ وذلك لأنها لو كانت مقدمة وجوبية فإنه لا يمكن أن تجب بالوجوب الغيري، لما مرّ من أنه قبل الاستطاعة لا وجوب للحج فكيف يترشح الوجوب منه إليها؟ وبعد الاستطاعة لا معنى لترشح الوجوب عليها؛ لأنها موجودة، فيكون وجوبها وطلبها طلباً للحاصل.

الشرط الثاني: أن لا تكون المقدمة عنواناً للواجب، مثل المسافر يقصّر، فمقدمة القصر هي السفر، ولكنها أخذت عنواناً - أي: موضوعاً - للتكليف بالقصر؛ وذلك لأن المقدمة لو كانت عنواناً فقبل السفر لا وجوب للقصر؛ لعدم تحقق موضوعه؛ فلا معنى لترشح الوجوب على مقدمته التي هي السفر، وبعد السفر يكون السفر حاصلاً، فيكون ترشح الوجوب عليه طلباً للحاصل.

ص: 46

لم تكن مقدمة للوجوب أيضاً[1] أو مأخوذة في الواجب[2] على نحوٍ يستحيل أن يكون مورداً للتكليف، كما إذا أخذ[3] عنواناً[4] للمكلف، كالمسافر والحاضر والمستطيع... إلى غير ذلك، أو جُعل[5] الفعل المقيد باتفاق حصوله وتقدير وجوده - بلا اختيار أو باختياره[6] - مورداً[7] للتكليف، ضرورة[8] أنه لو كان مقدمة

-------------------------------------------------------------------

الشرط الثالث: أن لا تؤخذ المقدمة قيداً في الواجب بوجودها الاتفاقي؛ وذلك للزوم الخلف، فإن وجوب تحصيلها يتنافى مع أخذها بوجودها الاتفاقي.

[1] «أيضاً» أي: ككونها مقدمة للوجود، وهذا هو الشرط الأول.

[2] هذا هو الشرط الثاني، أي: أو لم تكن تلك المقدمة مأخوذة... الخ.

[3] أي: أخذت المقدمة الوجودية، فالأولى تأنيث الضمير، وكذا الضمير في «حصوله» و«وجوده»، ولعل التذكير باعتبار أن المقدمة هي شرط.

[4] فيكون موضوعاً للتكليف، كقوله: (المسافر يقصّر) فإن المسافر عنوان للمكلّف، وهو موضوع لوجوب القصر.

[5] هذا هو الشرط الثالث، و«جُعل» معطوف على (أخذ عنواناً...)، «حصوله» أي: حصول المقدمة، وقوله: «تقدير وجوده» عطف تفسيري على (اتفاق حصوله).

[6] أي: سواء كان هذا القيد الاتفاقي مقدوراً كالاستطاعة، فإنه يمكن تحصيلها، لكن لم تؤخذ في الحج إلاّ الاستطاعة الاتفاقية، بحيث لو استطاع اتفاقاً لوجوب الحج، أم كان هذا القيد الاتفاقي غير مقدور، كحلول التاسع من ذي الحجة.

[7] «مورداً» مفعول ثانٍ لقوله: (جُعل)، وأما المفعول الأول فقد صار نائباً للفاعل، وهو الضمير الراجع إلى المقدمة، «تعلّقه» تعلق التكليف، «به» بالمقدمة.

[8] هذا دليل اشتراط هذه الشروط الثلاثة، «أنه» أن المقدمة، «حصوله» حصول وتحقق المقدمة.

ص: 47

الوجوب أيضاً لا يكاد يكون هناك وجوب إلاّ بعد حصوله، وبعد الحصول يكون وجوبه طلب الحاصل، كما أنه[1] إذا أخذ على أحد النحوين يكون كذلك، فلو لم يحصل لما كان الفعل مورداً للتكليف، ومع حصوله لا يكاد يصح تعلقه به[2]، فافهم[3].

إذا عرفت ذلك[4] فقد عرفت: أنه لا إشكال أصلاً في لزوم الإتيان بالمقدمة قبل

-------------------------------------------------------------------

[1] «أنه» أن المقدمة، «أحد النحوين» أي: إذا أخذت عنواناً، أو بوجودها الاتفاقي، وشرح المصنف قوله: (كذلك) بقوله: (فلو لم يحصل...).

[2] أي: تعلّق التكليف بالمقدمة.

[3] لعله إشارة إلى أن محذور طلب الحاصل لا يجري في الشرط الثالث؛ لأنه لو فرض حصول الاستطاعة في ما بعد يكون وجوب الحج فعلياً؛ لتحقق شرطه بنحو الشرط المتأخر، فلا يكون طلب تحصيل الاستطاعة الآن من طلب الحاصل؛ لعدم وجودها فعلاً، وإنما ستوجد في ما بعد.

فالأولى الاستدلال لهذا الشرط الثالث ببرهان الخُلف، كما شرحناه آنفاً.

[4] من هنا يبدأ المصنف في حلّ مشكلة المقدمات المفوّتة، وأنها كيف وجبت قبل وجوب ذي المقدمة، فيذكر أربعة أجوبة:

الجواب الأول: الالتزام بالواجب المشروط بالشرط المتأخر، مثلاً: من يبقى حياً قادراً في يوم عرفة فإنه يجب عليه الحج منذ لحظة الاستطاعة، فحينئذٍ تجب مقدمات الحج من تهيئة الزاد والراحلة وطيّ المسافة... الخ.

وبعبارة أخرى: إن وجوب الحج من حين الاستطاعة مشروطٌ بشرط متأخر، كالحياة والقدرة يوم عرفة الذي هو زمان الواجب، وهذا هو الجواب الذي ارتضاه المصنف.

الجواب الثاني: الالتزام بالواجب المعلّق، بأن يكون وجوب ذي المقدمة وجوباً فعلياً نفسياً قبل زمان الواجب - أي: يوم عرفه الذي هو زمان الحج - فحينئذٍ لا

ص: 48

زمان الواجب إذا لم يقدر عليه[1] بعد زمانه في ما كان وجوبه[2] حالياً مطلقاً[3]، ولو كان مشروطاً بشرطٍ متأخر كان معلوم الوجود[4] في ما بعد كما لا يخفى، ضرورة[5] فعلية وجوبه وتنجزه بالقدرة عليه بتمهيد[6]

-------------------------------------------------------------------

محذور في ترشح الوجوب منه إلى مقدماته، وهذا هو الطريق الذي سلكه صاحب الفصول.

الجواب الثالث: الالتزام بأن الشرط من قيود المادة لا الهيئة، فيكون الوجوب فعلياً، وهذا ما ارتضاه الشيخ الأعظم(1)،

ولكن لا يخفى رجوعه إلى الواجب المعلّق كما مرّ تفصليه.

الجواب الرابع: الالتزام بالوجوب النفسي للمقدمات، تهيُّؤاً لذي المقدمة؛ وذلك في ما لو علمنا بوجوب المقدمة وعدم وجوب ذي المقدمة قبل الوقت، وهذا ما سلكه صاحب الحاشية وتبعه المصنف أيضاً.

[1] على الإتيان بالمقدمة، «زمانه» زمان الواجب، «وجوبه» وجوب الواجب، فالكلام إنما هو في المقدمة المفوّتة، أما إذا قدر على المقدمة بعد زمان الواجب فلا كلام.

[2] بيان للجواب الأول.

[3] شرح (مطلقاً) بقوله: (ولو كان مشروطاً... الخ).

[4] أي: مع العلم بتحقق الشرط فيكون الوجوب ثابتاً، كمن يعلم بأنه سيستطيع في أشهر الحج، فيجب عليه الحج من الآن، فلابد أن يأتي بالمقدمات الوجودية، كالتسجيل للحج مثلاً، التي لا يتمكن منها في أشهر الحج.

[5] دليل عدم الإشكال، والمعنى أنه ما دُمنا نعلم بتحقق الشرط في ظرفه يثبت وجوب ذي المقدمة من البداية؛ وذلك لأن ذا المقدمة مقدور بواسطة الإتيان بمقدمته قبل تحقق الشرط، «وتنجزه» أي: تنجّز الوجوب، «عليه» على الواجب.

[6] أي: القدرة هي بواسطة تمهيد المقدمة.

ص: 49


1- مطارح الأنظار 1: 237.

مقدمته، فيترشح[1] منه الوجوب عليها - على الملازمة - ولا يلزم منه[2] محذور وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها، وإنما اللازم[3] الإتيان بها قبل الإتيان به، بل لزوم[4] الإتيان بها عقلاً - ولو لم نقل بالملازمة - لا يحتاج إلى مزيد بيان ومؤونة برهان، كالإتيان[5] بسائر المقدمات في زمان الواجب قبل إتيانه.

فانقدح بذلك[6]: أنه لا ينحصر التفصي عن هذه العويصة[7] بالتعلق بالتعليق[8] أو بما يرجع إليه[9] من جعل الشرط من قيود المادة في المشروط.

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا نتيجة فعلية الوجوب، «منه» من ذي المقدمة، «عليها» على المقدمة.

[2] أي: من ترشح الوجوب من ذي المقدمة على المقدمة.

[3] أي: غاية الأمر هو وجوب الإتيان بالمقدمة قبل ذي المقدمة، وهذا لا محذور فيه، حيث إن هذه المقدمة ليست عِلّة تامة، بل هي مُعِدّ.

[4] أي: حتى مع عدم القول بوجوب المقدمة شرعاً، فإن العقل يستقل بوجوبها.

[5] أي: الإتيان بالمقدمات المفوّتة كالإتيان بالمقدمات غير المفوّته، إما نقول بالملازمة الشرعية، أو نقول بلوزم الإتيان بها عقلاً.

[6] أي: بهذا الجواب الأول، وهو فعليّة وجوب ذي المقدمة عبر الشرط المتأخر.

[7] وهي إنه كيف تجب المقدمة قبل وجوب ذي المقدمة؟

[8] أي: بالذهاب إلى الواجب المعلّق، كما صنعه صاحب الفصول(1)، وهذا إشارة إلى الجواب الثاني.

[9] إشارة إلى الجواب الثالث، وهو الالتزام بأن القيود لا ترجع إلى الهيئة، بل إلى المادة، كما صنعه الشيخ الأعظم(2)، «بما يرجع إليه» أي: إلى المعلّق؛ لأنك قد عرفت أن الواجب المشروط عند الشيخ هو نفس الواجب المعلّق عند صاحب الفصول.

ص: 50


1- الفصول الغروية: 79 - 80.
2- مطارح الأنظار 1: 251.

فانقدح بذلك[1]: أنه لا إشكال في الموارد التي يجب في الشريعة الإتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب، كالغسل في الليل في شهر رمضان وغيره[2] مما وجب عليه الصوم في الغد، إذ[3] يكشف به بطريق الإن[4] عن سبق وجوب الواجب، وإنما المتأخر هو زمان إتيانه ولا محذور فيه[5] أصلاً.

ولو فرض العلم بعدم سبقه[6] لاستحال اتصاف مقدمته بالوجوب الغيري. فلو نهض دليل[7] على وجوبها فلا محالة يكون وجوبها نفسياً تهيّؤيّاً(1)،

ليتهيّأ بإتيانها، ويستعد لإيجاب ذي المقدمة عليه، فلا محذور أيضاً[8].

-------------------------------------------------------------------

[1] بالجواب الأول، أي: الواجب المشروط بالشرط المتأخر.

[2] غير شهر رمضان، أو غير الغسل كالنية قبل الفجر ولو بلحظة، وكحرمة النومة الثالثة لمن عليه غسل.

[3] هذا بيان لعدم الإشكال، «به» أي: بواسطة وجوب المقدمة.

[4] وهو الاستدلال بالمعلول على العلة، كمن يرى الدخان فيستدل به على وجود النار، وعكسه (الدليل اللمّي) وهو الاستدلال بالعلة على المعلول، كمن يرى ناراً من بعيد فيستدل به على وجود الحرارة هناك.

[5] أي: في تأخر زمان الواجب عن زمان الوجوب.

[6] أي: بعدم سبق الوجوب، والمعنى أنه لو قلنا: إنه لا وجوب قبل تحقق الشرط، فحينئذٍ يستحيل الوجوب الغيري للمقدمات المفوّتة؛ إذ لا وجوب لذي المقدمة حتى يترشّح على المقدمة.

[7] إشارة إلى الجواب الرابع، «بإتيانها» أي: بإتيان المقدمة، وقوله: (ويستعد...) عطف تفسيري لتوضيح معنى التهيّؤ.

[8] كما لم يكن محذور بناءً على الجواب الأول.

ص: 51


1- هكذا في بعض النسخ، وفي نسخة أخرى: «ولو تهيّؤاً».

إن قلت[1]: لو كان وجوب المقدمة في زمان كاشفاً عن سبق وجوب ذي المقدمة لزم وجوب جميع مقدماته ولو موسعاً[2]، وليس كذلك[3] بحيث[4] يجب عليه المبادرة لو فرض عدم تمكّنه منها لو لم يبادر.

قلت[5]:

-------------------------------------------------------------------

[1] حاصله: إنه لو كان الوجوب فعلياً ووجبت المقدمات المفوّتة فلازم ذلك وجوب المقدمات غير المفوّتة أيضاً؛ لأنه ما دام الوجوب حالياً فإنه كما يترشح الوجوب على مقدماته المفوتة كذلك يترشح على المقدمات غير المفوّتة، فهل يلتزم بوجوب شراء الهدي وثوب الإحرام... الخ من حين وجوب الحج قبل زمانه؟

ولا يخفى أن هذا إشكال على الدليل الإنّي الذي ذكره قبل الإشارة إلى الجواب الرابع.

[2] أي: ما دامت تلك المقدّمات ليست مفوّتة، فإن وجوب الإتيان بها يكون موسعاً، أي: يمكنه التأخير فيها؛ لعدم فوت الواجب بذلك التأخير.

[3] هذا بيان للإشكال، أي: مع وضوح أن تلك المقدمات غير واجبة قبل زمان الواجب، حتى لو علم بعدم تمكنه منها في وقته.

مثلاً: من يعلم بأنه لا يتمكن من الهدي في يوم النحر فهل يجب عليه تهيئة الهدي من حين وجوب الحج عليه في شهر رمضان - مثلاً - ؟!! كلاّ، لا يمكن الالتزام بذلك.

وحاصل الإشكال: إنّه كما لا تجب المقدمات غير المفوّتة حتى في ما لم يتمكن منها لو لم يبادر، كذلك لا تجب المقدمات المفوّتة.

[4] شرح المنفيّ، أي: لا يجب كل المقدمات بحيث تجب المبادرة... الخ، «تمكنه» أي: المكلف، «منها» من المقدمات.

[5] حاصل الجواب: إننا - بناء على الملازمة - نلتزم بوجوب كل المقدمات حتى غير المفوتة قبل زمان الواجب، ولا محذور فيه.

ص: 52

لا محيص عنه[1]، إلاّ إذا أخذ في الواجب من قِبَل سائر المقدمات قدرة خاصة، وهي: القدرة عليه[2] بعد مجيء زمانه، لا القدرة عليه في زمانه من زمان وجوبه[3]، فتدبر جيداً.

تتمة[4]:

-------------------------------------------------------------------

نعم، لو دلّ دليل خاص على أنه لا تجب تلك المقدمات قبل زمان الواجب، بل تجب في زمانه، فحينئذٍ لا يترشح عليها الوجوب؛ لوجود ذلك الدليل الخاص، وبعبارة أخرى: قد يأخذ الشارع - لوجوب المقدمة - قدرةً خاصة، هي القدرة في زمان الواجب لا قبله،

كالقدرة على شراء الهدي في يوم النحر لا قبله، فحينئذٍ لا تجب تلك المقدمة قبل زمان الواجب.

[1] أي: عن الالتزام بوجوب جميع المقدمات، «من قِبَل» أي: من جهة، «سائر المقدمات» وهي غير المفوّتة، «قدرة» نائب الفاعل ل- (أُخذ).

[2] أي: على سائر المقدمات، «زمانه» زمان الواجب.

[3] «عليه» أي سائر المقدمات، «زمانه» أي: الواجب، و«من» ابتدائية متعلقة بالقدرة، أي: القدرة التي ابتدأت من زمان الوجوب، وحاصل المعنى: ولم تُؤخذ القدرة المطلقة شرطاً بحيث تجب المقدمات من حين الوجوب حتى قبل زمان الواجب.

تتمة
في دوران القيد بين الرجوع إلى المادة أو الهيئة
اشارة

[4] قد ذكرنا أن القيد قد يرجع إلى الهيئة، أي: الطلب، فلا وجوب قبل القيد، كالحج الذي لا وجوب له قبل الاستطاعة، وقد يرجع إلى المادة، أي: فعل المكلّف، كالصلاة المقيّدة بالوضوء، فتجب الصلاة سواء توضأ أم لم يتوضأ، لكن وجود الصلاة خارجاً متوقف على الوضوء.

ص: 53

قد عرفت اختلاف القيود في وجوب التحصيل وكونه[1] مورداً للتكليف وعدمه. فإن علم حال قيد فلا إشكال، وإن دار أمره ثبوتاً[2] بين أن يكون راجعاً إلى الهيئة نحو الشرط المتأخر أو المقارن[3] وأن يكون راجعاً إلى المادة - على نهج يجب

-------------------------------------------------------------------

وعليه: لو علمنا برجوع القيد إلى المادة أو الهيئة فلا كلام، ولو لم نعلم وكان هناك دليل لفظي يُعيّن الرجوع إلى أحدهما فهو المُتَّبَع، ولو لم يكن دليل لفظي وصلت النوبة إلى الأصل العملي، ومقتضاه هو البراءة عن الوجوب قبل تحقق الشرط.

[1] «كونه» معطوف على (وجوب التحصيل)، «مورداً للتكليف» في ما لو كان قيداً للمادة، «أو عدمه» أي: عدم كونه مورداً للتكليف في ما لو كان قيداً للهيئة.

[2] أي: الصور المحتملة في مرحلة الثبوت أربعة:

1- أن يكون قيداً للهيئة على نحو الشرط المتأخر، وحينئذٍ يكون الوجوب فعلياً والواجب استقبالياً، فلو علمنا بتحقق القيد في المستقيل فحينئذٍ يترشح الوجوب إلى سائر المقدمات، كما لو علمنا بتحقق الاستطاعة لاحقاً، فيجب من الآن المقدمات الأخرى، أما لو لم نعلم بتحقق القيد في المستقبل فلا وجوب فعلي، ولا ترشح إلى سائر المقدمات.

2- أن يكون قيداً للهيئة على نحو الشرط المقارن، وحينئذٍ لا وجوب قبل تحقق القيد، فلا تجب المقدمات.

3- أن يكون قيداً للمادة، وحينئذٍ الوجوب فعلي، فيجب تحصيل القيد وسائر المقدمات.

4- أن يكون قيداً للمادة بوجوده الاتفاقي، أو كان القيد عنواناً للمكلّف، أو كان غير اختياري، فحينئذٍ لا يجب تحصيل ذلك القيد.

[3] قيل: لم يذكر الشرط المتقدّم لأنه مع فرض تقدّمه لا معنى للشك في

ص: 54

تحصيله[1] أو لا يجب[2] - فإن كان في مقام الإثبات ما يعين حاله[3] وأنه راجع إلى أيهما من القواعد العربية[4] فهو، وإلاّ[5] فالمرجع هو الأصول العملية.

وربما قيل[6] في الدوران بين الرجوع إلى الهيئة أو المادة بترجيح الإطلاق في طرف الهيئة وتقييد المادة، لوجهين:

أحدهما[7]: إنّ إطلاق الهيئة يكون شمولياً، كما في شمول العام لأفراده، فإن

-------------------------------------------------------------------

وجوب تحصيله؛ لأنه قد انتهى وقته، ومع فرض استمرار الوقت فيدخل في الشرط المقارن، فتأمل.

[1] تحصيل القيد، وهذه هي الصورة الثالثة.

[2] أي: أو لا يجب تحصيل القيد، وهذه هي الصورة الرابعة.

[3] أي: حال القيد، بأن يدل الدليل على أنه من أية صورة من الصور الأربعة.

[4] (من) بيان لقوله: (ما يعيّن حاله)، والمراد من «القواعد العربية» ما يوجب الظهور.

[5] أي: إن لم يكن هناك ظهور فالمرجع الأصل العملي، وهو يدل على البراءة.

[6] أي: قيل بوجود الدليل اللفظي في ترجيح رجوع القيد إلى المادة دون الهيئة، والقائل هو الشيخ الأعظم على ما في تقريرات بحثه(1).

إن قلت: إن الشيخ الأعظم ذهب إلى استحالة رجوع القيد إلى الهيئة، فلا معنى للشك في رجوعه إلى الهيئة أو المادة؟

قلت: لعل بحثه هنا على سبيل التنزّل والتسليم، أي: إنه يذهب إلى استحالة رجوع القيد إلى الهيئة، لكن لو فرض جواز رجوعه إلى الهيئة وشك في أنه راجع إليها أو إلى المادة فالترجيح مع رجوعه إلى المادة.

الوجه الأول: في ترجيح تقييد المادة

[7] وهو مركب من صغرى وكبرى:

ص: 55


1- مطارح الأنظار 1: 251.

وجوب الإكرام[1] على تقدير الإطلاق يشمل جميع التقادير التي يمكن أن يكون تقديراً له[2]، وإطلاق المادة يكون بدلياً غير شامل لفردين في حالة واحدة[3].

-------------------------------------------------------------------

أما الصغرى: فإن إطلاق الهيئة شمولي، بمعنى أن الوجوب شامل لحالة فقدان القيد، فالفعل واجب سواء كان القيد موجوداً أم غير موجود. وأما إطلاق المادة فهو بدلي؛ لأن مدلول المادة هو الطبيعة، وهي تنطبق على أيِّ فرد من أفرادها.

مثلاً: لو قال: (إن زرت زيداً فأكرمه) فرجوع القيد إلى الهيئة معناه تقييد وجوب الإكرام بحالة الزيارة، مع كون المادة - وهي الإكرام - على البدل بمعنى مصداق من مصاديق الإكرام، وأما رجوع القيد إلى المادة فمعناه بقاء الوجوب مطلقاً، فسواء زرته أم لم تزره فإن وجوب الإكرام محقق، مع كون الإكرام مقيداً بحالة المجيء.

وأما الكبرى: فهي ترجيح الإطلاق الشمولي على الإطلاق البدلي، ووجهه: إن التقييد في البدلي لا يوجب تصرّفاً في الحكم الشرعي؛ لأن الحكم تعلّق بالطبيعة التي تتحقق بفرد واحد، فسواء قيّدنا البدلي أم لم نقيّده فالحكم الشرعي يتحقق بفرد واحد، غاية الأمر تحديد دائرة الانطباق على الأفراد، وذلك بواسطة إخراج الأفراد التي لا قيد فيها.

بخلاف التقييد في الشمولي، فإن التقييد يوجب رفع الحكم عن بعض الأفراد، فلا وجوب للأفراد التي لا قيد فيها.

[1] هذا دليل كون إطلاق الهيئة شمولياً، فالوجوب شامل لكل الحالات.

[2] لا ما يستلزم المحال، كتقدير حرمة الإكرام، فإن (وجوب الإكرام على تقدير حرمة الإكرام) مثلاً اجتماع للضدين وهو محال، فالمعنى كل حالة يمكن أن يعرضها الوجوب فإن الإطلاق الشمولي يدل على شمول الوجوب لتلك الحالة.

[3] أي: الإكرام - مثلاً - شامل لأحد أفراد الإكرام على سبيل البدل، ولا يشمل فردين معاً، ففي حالة الإتيان بأحدهما لا يكون الواجب الآخر، فمراده من «حالة واحدة» هو حالة الإتيان بأحد الفردين.

ص: 56

ثانيهما[1]: إنّ تقييد الهيئة يوجب بطلان محل الإطلاق في المادة[2] ويرتفع به مورده[3]، بخلاف العكس[4]، وكلّما دار الأمر بين تقييدين كذلك[5] كان التقييد الذي لا يوجب بطلان الآخر أولى[6].

-------------------------------------------------------------------

الوجه الثاني: لترجيح تقييد المادة
اشارة

[1] وهذا الدليل أيضاً مركب من صغرى وكبرى.

أما الصغرى: فهي إن تقييد الهيئة يستلزم تقييدين، لكن تقييد المادة يستلزم تقييداً واحداً؛ وذلك لأنه لو قلنا برجوع القيد إلى الهيئة، ففي المثال لا يجب الإكرام في حالة عدم الزيارة، فكما أن الوجوب يُقيّد، فكذلك الإكرام يُقيّد أيضاً، فإن المولى يريد بيان مقصوده، ولا غرض له في الإكرام غير الواجب، فلا إطلاق لحالة عدم الزيارة.

وأما لو قلنا برجوع القيد إلى المادة، أي: الإكرام على تقدير الزيارة واجب مطلقاً، فحينئذٍ لا وجه لتقييد الوجوب، فيكون الوجوب فعلياً والواجب مقيد بحالة الزيارة، وللمولى غرض في الوجوب قبل الزيارة؛ وذلك لترتيب آثار الوجوب كوجوب المقدمات، بل قد يكون أصل الوجوب غير متوقف على القيد كالطهارة للصلاة، فإن الصلاة واجبة سواء تطهّر أم لم يتطهّر.

وأما الكبرى: فهي أنه لو دار الأمر بين تقييد واحد أو تقييدين، فالتقييد الواحد أولى.

[2] فلا يمكن انعقاد إطلاق في المادة؛ إذ لا غرض للمولى في الإكرام غير الواجب، فلا يكون في مقام البيان من هذه الجهة.

[3] أي: يرتفع بتقييد الهيئة مورد إطلاق المادة.

[4] أي: تقييد المادة لا يوجب بطلان محل إطلاق الهيئة.

[5] أحدهما يوجب تقييدين، والآخر يوجب تقييد واحد.

[6] لأن التقييد خلاف الظاهر، وخلاف ظاهر واحد أولى من خلاف ظاهرين.

ص: 57

أما الصغرى: فلأجل أنه لا يبقى مع تقييد الهيئة محل حاجة وبيان لإطلاق المادة، لأنها[1] لا محالة لا تنفك عن وجود قيد الهيئة؛ بخلاف تقييد المادة، فإن محل الحاجة[2] إلى إطلاق الهيئة على حاله، فيمكن الحكم بالوجوب على تقدير وجود القيد وعدمه.

وأما الكبرى[3]: فلأنّ التقييد وإن لم يكن مجازاً[4]، إلاّ أنه خلاف الأصل[5]، ولا فرق[6] في الحقيقة بين تقييد الإطلاق وبين أن يعمل عملاً يشترك مع التقييد في

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لأن المادة تُقيّد أيضاً؛ إذ لا غرض للمولى في المادة غير الواجبة، فينحصر غرضه في المادة المقيّدة، كالإكرام المقيّد بالزيارة كما عرفت.

[2] وهو وجود الوجوب حتى مع عدم القيد، ففائدة الوجوب قبل زمان الواجب هي وجوب المقدمات، وكذا قد لا تكون المصلحة من الوجوب متوقفة على القيد، فمصلحة الصلاة موجودة سواء توضأ أم لم يتوضأ.

[3] وهي أولوية تقييد واحد على تقييدين.

[4] فليست المشكلة في كثرة المجاز وقلّته؛ وذلك لأن التقييد ليس مجازاً، فمثل: (أعتق رقبة مؤمنة) لا مجاز فيه، بل كل الألفاظ استعملت في معانيها، وإنما هو من باب تعدد الدال والمدلول، وفي ما نحن فيه للهيئة إطلاق وللمادة إطلاق، وإنما التقييد استفيد من دالٍ آخر وهو الشرط في المثال.

وإنما المشكلة في أن التقييد خلاف الظاهر، وخلاف ظاهرٍ واحدٍ أولى من خلاف ظاهرين.

[5] أي: خلاف الظاهر.

[6] هذا دفع لإشكال، وحاصل الإشكال: هو أن تقييد الهيئة أيضاً يستلزم تقييداً واحداً؛ وذلك لأنه مع تقييد الهيئة لا يوجد إطلاق للمادة أصلاً، فهو من السالبة بانتفاء الموضوع، فلا محل لإطلاق المادة.

ص: 58

الأثر وبطلان[1] العمل به.

وما ذكرناه من الوجهين موافق لما أفاده بعض مقرري بحث الأستاذ العلامة (أعلى الله مقامه)(1).

وأنت خبير بما فيهما:

أما في الأول[2]: فلأن مفاد إطلاق الهيئة وإن كان شمولياً بخلاف المادة، إلاّ أنه[3] لا يوجب ترجيحه على إطلاقها، لأنه[4] أيضاً كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة، غاية الأمر أنّها[5] تارةً تقتضي العموم الشمولي وأخرى البدلي، كما ربما تقتضي التعيين أحياناً، كما لا يخفى.

-------------------------------------------------------------------

والجواب: إن ما ذكرتم صحيح، لكن لا فرق في أن نُقيّد المادة أو نعمل عملاً نمنع من انعقاد الإطلاق بأن نضيّق دائرة المادة من الأساس، فكلاهما خلاف الظاهر.

[1] عطف تفسيري على (الأثر)، «به» بالإطلاق.

الإشكال على الوجه الأوّل

[2] حاصله: هو أن المدار على الظهور، فيُقدّم الأظهر على غيره، وإذا تساويا في الظهور تساقطا. وليس المناط هو العموم الشمولي أو البدلي، بل يقدم الأظهر منهما سواء كان العموم شمولياً أم بدلياً، ومع عدم الأظهرية يتساقطان فنرجع إلى الأصل العملي.

وفي ما نحن فيه الشمول في الهيئة والبدليّة في المادة كلاهما مستندان إلى الإطلاق ومقدمات الحكمة، فيتساويان، ولا مرجّح لأحدهما على الآخر.

[3] «أنه» أي: إن شمولية مفاد الهيئة، «ترجيحه» أي: ترجيح إطلاق الهيئة، «إطلاقها» أي: إطلاق المادة.

[4] وجه عدم الترجيح، «لأنه» لأن شمولية الهيئة.

[5] أن مقدمات الحكمة، وهذا بيان أن مفاد الإطلاق مختلف حسب الموارد وذلك

ص: 59


1- مطارح الأنظار 1: 251.

وترجيح[1] عموم العام على إطلاق المطلق إنما هو لأجل كون دلالته[2] بالوضع، لا لكونه شمولياً[3]؛ بخلاف المطلق[4] فإنه بالحكمة، فيكون العام أظهر

-------------------------------------------------------------------

لخصوصية كل مورد:

1- فتارة مفاده شمولي، كقوله تعالى: {أَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ}(1) فإنه يشمل جميع البيوع، إلاّ ما دلّ الدليل على حرمته.

2- وتارة أخرى مفاده بدلي، كقوله: (أعتق رقبة) فإنه يجب عتق رقبة واحدة على سبيل البدل.

3- وتارة ثالثة مفاده يقتضي التعيين، كإطلاق صيغة الأمر، حيث يقتضي الوجوب النفسي العينيّ التعيينيّ.

فخصوصية الأول هي الامتنان المقتضي لتحليل كل البيوع، وخصوصية الثاني هو حكم العقل بعدم إمكان كل الأفراد، وخصوصية الثالث هو أن ما يقابلها يحتاج إلى مؤونة زائدة، فخصوصية هذه الموارد أوجبت اختلاف نتيجة الإطلاق.

[1] هذا دفع لإشكال، وحاصل التوهم: إنه لماذا يقدّم العام على المطلق حين تعارضهما؟ أليس هذا يدل على ترجيح الشموليّة على البدلية؟

وحاصل الدفع: هو أن المرجِّح هو أن العام أظهر من المطلق؛ لأن ظهور العام مستند إلى الوضع، وظهور المطلق مستند إلى مقدمات الحكمة؛ ولذا لو انعكس الفرض بأن دلّ العام على البدلية، ودلّ المطلق على الشمول، فحينئذٍ كان الترجيح مع العام، وليس ذلك الترجيح إلاّ لكون العام أظهر.

[2] دلالة العام، «بالوضع» فيكون أظهر.

[3] أي: ليس ترجيحه لكون العام شمولياً.

[4] فليس دلالته بالوضع، بل بمقدمات الحكمة، فيكون ظهوره أضعف، «منه» من المطلق، «فيقدّم» العام، «عليه» على المطلق.

ص: 60


1- سورة البقرة، الآية: 275.

منه فيقدم عليه. فلو فُرض أنهما[1] في ذلك على العكس - فكان عام بالوضع دل على العموم البدلي ومطلق بإطلاقه دل على الشمول - لكان العامُّ يقدم بلا كلام.

وأما في الثاني[2]: فلأن التقييد وإن كان خلاف الأصل[3]، إلاّ أن العمل الذي يوجب عدم جريان مقدمات الحكمة وانتفاء[4] بعض مقدماته لا يكون على خلاف الأصل أصلاً، إذ معه[5] لا يكون هناك إطلاق كي يكون بطلان العمل به في الحقيقة

-------------------------------------------------------------------

[1] «أنهما» العام والمطلق، «ذلك» الشمول والبدلية.

الإشكال على الوجه الثاني

[2] حاصله: إنه لو انعقد الإطلاق فحينئذٍ يكون التقييد مخالفاً للظاهر، ولكنّ الحيلولة عن انعقاد الإطلاق ليس مخالفاً للظاهر.

وفي ما نحن فيه: تقييد الهيئة يوجب عدم تمامية مقدمات الحكمة في المادة، فلا ينعقد لها إطلاق، وهذا ليس خلافاً للظاهر، فإذن في كل من تقييد المادة وتقييد الهيئة خلافُ ظاهرٍ واحدٍ فيتساويان.

ويستثنى من ذلك ما لو جرت مقدمات الحكمة في المادة والهيئة معاً وانعقد الإطلاق لهما، وذلك في ما لو كان المقيِّد منفصلاً، فحينئذٍ يدور الأمر بين تقييد واحد وتقييدين، وحيث إن التقييد خلاف الظاهر فيكون التقييد الواحد بإرجاع القيد إلى المادة، أولى من تقييدين عبر إرجاع القيد إلى الهيئة.

[3] أي: خلاف الظاهر.

[4] عطف تفسيري لبيان المراد من عدم جريان مقدمات الحكمة، وقد عرفت أنه مع تقييد الهيئة تنتفي المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة، وهي كون المولى في مقام البيان، فإنه من المعلوم أنه لا شأن للمولى في الإكرام غير الواجب.

[5] أي: مع انتفاء بعض مقدمات الحكمة، وهذا دليل عدم كون التقييد مخالفاً للظاهر، «به» بالإطلاق.

ص: 61

مثل التقييد الذي يكون على خلاف الأصل.

وبالجملة لا معنى لكون التقييد خلاف الأصل إلاّ كونه[1] خلاف الظهور المنعقد للمطلق ببركة مقدمات الحكمة، ومع انتفاء المقدمات[2] لا يكاد ينعقد له هناك ظهور كان ذاك العمل[3] - المشارك مع التقييد في الأثر[4] وبطلان العمل بإطلاق المطلق - مشاركاً معه في خلاف الأصل أيضاً.

وكأنه[5] توهم أن إطلاق المطلق كعموم العام ثابت ورفع اليد عن العمل به تارةً لأجل التقييد وأخرى بالعمل المبطل للعمل به.

وهو فاسد، لأنه لا يكون إطلاق إلاّ في ما جرت هناك المقدمات. نعم[6]، إذا كان

-------------------------------------------------------------------

[1] كون التقييد، والمقصود شرح معنى (خلاف الأصل) بأنه خلاف الظهور.

[2] أي: بعضها، «له» للّفظ الذي هو ذات المطلق، «ظهور» أي: في الإطلاق.

[3] أي: مع انتفاء مقدمات الحكمة لا ينعقد ظهور في الإطلاق، فلا يكون زوال محلّ الإطلاق مخالفاً للظاهر، كما كان التقييد مخالفاً له، «ذلك العمل» أي: تقييد الهيئة المستلزم لعدم جريان مقدمات الحكمة في المادة.

[4] وفسّر «الأثر» بقوله: (وبطلان العمل...)، «معه» مع التقييد، «أيضاً» كما كان التقييد خلافاً للظاهر.

[5] أي: كأنّ صاحب التقريرات تصوّر أن الإطلاق كالعموم، فكما أن رفع اليد عن العموم خلاف الظاهر مطلقاً كذلك رفع اليد عن الإطلاق.

ولكن يرد على هذا التوهم: أن عموم العام بالوضع، فرفع اليد عنه خلاف الظاهر دائماً، عكس إطلاق المطلق، فإنه يتوقف على مقدمات الحكمة، ومع عدم جريانها لا مخالفة للظاهر في عدم الإطلاق، «العمل به» أي: بإطلاق المطلق.

[6] هذا استثناء حالة كون القيد منفصلاً، فإنه حينئذٍ ينعقد ظهور للمطلق لجريان مقدمات الحكمة، فيكون للمادة إطلاق وللهيئة إطلاق، ويكون التقييد حينئذٍ خلاف الظاهر.

ص: 62

التقييد بمنفصل، ودار الأمر بين الرجوع إلى المادة أو الهيئة، كان لهذا التوهم مجالٌ حيث انعقد للمطلق إطلاق، وقد استقرّ له ظهور ولو بقرينة الحكمة، فتأمل[1].

ومنها: تقسيمه إلى النفسي والغيري. وحيث كان[2] طلب شيء وإيجابه[3] لا يكاد يكون بلا داعٍ[4]، فإن كان الداعي فيه هو التوصل به إلى واجب لا يكاد التوصل بدونه إليه لتوقّفه عليه[5] فالواجب غيري، وإلاّ[6] فهو نفسي، سواء كان الداعي[7] محبوبية الواجب بنفسه، كالمعرفة بالله، أو(1)

محبوبيته بما له من فائدة

-------------------------------------------------------------------

[1] لعله إشارة إلى أن الشيخ الأعظم لا يُفرِّق بين المقيّد المتصل والمنفصل في عدم انعقاد ظهور للمطلق، فلا مجال لهذا التوهم أصلاً.

التقسيم الثالث: تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري

تعريف الواجب النفسي والغيري
اشارة

[2] هذا شروع في التعريف، فالنفسي لا يُراد به الوصول إلى واجب آخر، بل وجوبه لنفسه، كمعرفة الله تعالى، والغيري يُراد الوصول به إلى واجب آخر كالوضوء للصلاة.

[3] العطف تفسيري.

[4] لأنه عبث، والله تعالى منزّه عن ذلك، فأحكامه لأجل أغراض، «فيه» في الطلب.

[5] «بدونه» بدون ذلك الشيء كالوضوء، «إليه» إلى الواجب كالصلاة، لتوقف الواجب على ذلك الشيء.

[6] أي: إن لم يكن الداعي التوصل إلى واجب آخر.

[7] أي: لا فرق في الواجب النفسي بين أن يكون الشيء بنفسه محبوباً فيكون ذلك سبباً لإيجابه، وبين أن يكون سبب المحبوبية هو ترتّب فائدة عليه، فتكون الفائدة سبباً لإيجابه.

ص: 63


1- كذا في الأصل، والصحيح: «أم».

مترتبة عليه،كأكثر الواجبات[1] من العبادات والتوصليات. هذا.

لكنه لا يخفى[2]: أن الداعي[3] لو كان هو محبوبيته كذلك - أي بما له من الفائدة المترتبة عليه - كان الواجب[4] في الحقيقة واجباً غيرياً، فإنه[5] لو لم يكن وجود هذه الفائدة لازماً لما دعا[6] إلى إيجاب ذي الفائدة.

فإن قلت[7]:

-------------------------------------------------------------------

[1] وأما القليل منها فإيجابه لمحبوبية نفسه كالمعرفة، «العبادات» التي يشترط فيها القربة، و«التوصليات» التي لا يشترط فيها قصد القربة كدفن الميّت.

إشكال على التعريف
اشارة

[2] هذا إشكال على التعريف بأن سبب وجوب عامة الواجبات النفسية هو ترتب الفائدة عليها، فيكون وجوبها لأجل الفائدة، فانطبق عليها تعريف الغيري، والحاصل: إن عامة الأحكام تابعة للمصالح، فيكون وجوبها لأجل تلك المصالح، فانطبق تعريف الغيري على عامة الواجبات النفسية.

[3] أي: سبب إيجابها.

[4] أي: الواجب النفسي الذي كان وجوبه لأجل الفائدة فيه.

[5] أي: إن الواجب هو في الواقع تلك الفائدة، فإن الوصول إليها كان لازماً، ولو لم يكن الوصول إلى تلك الفائدة لازماً لما صار الطريق إليها واجباً، مثلاً: سبب وجوب الصلاة هو نهيها عن الفحشاء والمنكر، فوجوبها لأجل التوصل إلى هذه الفائدة، التي هي لازمه.

[6] أي: لم يكن وجود هذه الفائدة داعياً إلى إيجاب ذي الفائدة، وهو الصلاة في المثال.

الجواب الأول عن الإشكال

[7] المقصود هو الجواب عن الإشكال، وحاصله: إن تلك الفائدة غير مقدورة

ص: 64

نعم[1]، وإن كان وجودها محبوباً لزوماً، إلاّ أنه حيث كانت من الخواص المترتبة على الأفعال التي ليست داخلة تحت قدرة المكلف لما كاد يتعلق بها[2] الإيجاب.

قلت[3]: بل هي داخلة تحت القدرة، لدخول أسبابها تحتها، والقدرة على السبب قدرة على المسبّب، وهو واضح، وإلاّ لما صح وقوع مثل[4] التطهير والتمليك والتزويج والطلاق والعتاق إلى غير ذلك من المسببات مورداً لحكم من الأحكام التكليفية.

فالأولى أن يقال[5]:

-------------------------------------------------------------------

فلذا لا تكون واجبة؛ فلذا لا يتعلق بها إيجاب، فلم يكن وجوب الواجب النفسي لأجل الوصول إلى واجب آخر.

[1] أي: نسلّم أن وجوب الواجبات النفسية لأجل فوائدها، «وجودها» أي: وجود الفائدة، «أنه» للشأن.

[2] أي: فلا يتعلق بالفوائد الإيجاب والطلب، لأنها غير مقدورة.

[3] حاصله: إن تلك الفوائد مقدورة؛ وذلك بالقدرة على أسبابها، فإن القدرة كما تتعلق ببعض الأشياء بغير واسطة، كذلك تتعلق ببعض الأشياء بالواسطة، «بل هي» أي: الفائدة، «تحتها» تحت القدرة.

[4] فإنها مقدورة بالقدرة على أسبابها، كالوضوء أو صيغة العقد أو صيغة الإيقاع، ومن المعلوم أنه قد يتعلق التكليف بالطهارة والتمليك... الخ، وليس ذلك إلاّ لكونها مقدورة بالواسطة.

الجواب الثاني عن الإشكال

[5] حاصله: إن وجوب عامة الواجبات، بسبب مصلحة في المتعلّق، ولكن مع ذلك فإن للمتعلق عنواناً حسناً أيضاً، مثلاً: الصلاة تتصف بالحُسن، وأيضاً لها فوائد، وحينئذٍ فالفرق بين النفسي والغيري أن الذي يُلاحظه المولى حين الإيجاب إن كان العنوان الحسن في الشيء كان الوجوب نفسياً، وإن كان الفائدة في الشيء كان

ص: 65

إن الأثر المترتب عليه[1] وإن كان لازماً، إلاّ أن ذا الأثر لما كان معنوناً بعنوان حسن يستقل[2] العقلُ بمدح فاعله بل وبذمّ تاركه، صار[3] متعلقاً للإيجاب بما هو كذلك[4]؛ ولا ينافيه[5] كونه مقدمة لأمر مطلوب واقعاً. بخلاف الواجب الغيري، لتمحّض وجوبه[6] في أنه لكونه مقدمة لواجب نفسي؛ وهذا[7] أيضاً لا ينافي أن

-------------------------------------------------------------------

الوجوب غيرياً.

وبعبارة أخرى: إن عامة الواجبات النفسية تتصف بوصفين: أحدهما حُسن الفعل، والآخر ترتب مصلحة عليه، لكن المولى يلاحظ الأول دون الثاني، وبعكسه الواجبات الغيرية التي يلاحظ المولى فوائدها دون عنوانها الحسن.

[1] أي: على الواجب، وذلك الأثر هو الفائدة والمصلحة، «ذا الأثر» وهو متعلق الوجوب، أي: الفعل.

[2] أي: هذا الحُسن ذاتي، بحيث إن العقل يمدح الفاعل، وقوله: (بل وبذمّ التارك) إضراب؛ لأن مجرد المدح لا يكون سبباً للوجوب؛ لأن المستحبات أيضاً قد يُمدح فاعلها، فلابد في الوجوب من استقلال العقل بذمّ التارك؛ إذ لا ذمّ في ترك المستحبات.

[3] «صار» جزاء الشرط في قوله: (لمّا كان معنوناً...)

[4] أي: باعتبار حسنه الذاتي، وكونه معنوناً بعنوان حسن.

[5] أي: الحسن الذاتي الذي كان سبباً للإيجاب لا ينافي كون ذلك الفعل مقدمة لشيء آخر، فاجتمع سبب الوجوب النفسي وسبب الوجوب الغيري، لكن المولى لاحظ الأول دون الثاني، «لا ينافيه» أي: لا ينافي الحسن الذاتي، «كونه» كون الواجب.

[6] أي: سبب وجوبه هو التوصل إلى واجب آخر، «وجوبه» أي: وجوب الغيري، وضميرا «أنه» و«لكونه» يرجعان إلى الواجب الغيري.

[7] أي: ملاحظة كونه مقدمة لا ينافي وجود حسن ذاتي فيه، كالوضوء، حيث إن وجوبه لكونه مقدمة للصلاة، مع أن الوضوء حسن في ذاته وهو نور.

ص: 66

يكون معنوناً بعنوان حسن في نفسه، إلاّ أنه لا دخل له[1] في إيجابه الغيري.

ولعلّه[2] مراد من فسّرهما بما أمر به لنفسه، وما أمر به لأجل غيره(1).

فلا يتوجّه عليه بأن جل الواجبات[3] لو لا الكل يلزم أن يكون من الواجبات الغيرية، فإن المطلوب النفسي[4] قلما يوجد في الأوامر، فإن جُلَّها مطلوبات لأجل الغايات التي هي خارجية عن حقيقتها[5]، فتأمل[6].

ثم إنه لا إشكال في ما إذا علم بأحد القسمين[7]. وأما إذا شك في واجب أنه

-------------------------------------------------------------------

[1] «له» للعنوان الحسن، «إيجابه» أي: إيجاب الواجب.

[2] أي: لعل ما ذكرناه في هذا الجواب الثاني من أن الذي يُلاحظه الآمر هل هو عنوانه الحسن أو مقدميته لغيره؟

[3] أي: النفسية، وقوله: «لو لا الكل» لأجل أنه يمكن أن يقال: إن المعرفة أيضاً واجبة لأجل غيرها، وذلك الغير هو شكر المنعم.

[4] الذي لا يكون سبب وجوبه شيئاً آخر.

[5] فينطبق عليها (أنها وجبت لغيرها)، وإنما كانت خارجة لأنها معلول، ويستحيل اتحاد المعلول مع علته.

[6] لعل وجهه أن انطباق عنوان حسن هو بسبب تلك الفائدة، فلو لا تلك الفائدة لم يكن الفعل حسناً أصلاً، فلا حُسن للصلاة إلاّ لكونها ناهية عن الفحشاء والمنكر ونحو ذلك.

بل يمكن القول: إن بعض الواجبات النفسية لا ينطبق عليها عنوان حسن أصلاً، بل وجوبها النفسي لمجرد ترتب الفائدة عليها، وبعبارة أخرى: إن ترتب الفائدة قد لا يوجب انطباق عنوان حسن عليها أصلاً.

الشك في النفسيّة والغيريّة
اشارة

[7] لو علم أن الواجب نفسي كالصلاة أو غيري كالوضوء فلا إشكال، ولكن

ص: 67


1- الفصول الغروية: 80.

نفسي أو غيري[1]، فالتحقيق أن الهيئة[2] وإن كانت موضوعة لما يعمهما إلاّ أنّ إطلاقها[3] يقتضي كونه نفسياً، فإنه لو كان شرطاً لغيره لوجب التنبيه عليه على المتكلم الحكيم.

-------------------------------------------------------------------

مع الشك في ذلك فهل هناك دليل لفظي أو أصل عملي لتعيين أحدهما؟

فالكلام في مرحلتين:

1- الدليل اللفظي، ويذهب المصنف إلى أن إطلاق الهيئة يدل على النفسيّة؛ لأن الوجوب لأجل الغير قيد زائد، فلابد للمولى إذا كان في مقام البيان من ذكر هذا القيد لو أراده، وحيث لم يُبَيِّن المولى ذلك علمنا بأنه لا يريد هذا القيد.

2- الأصل العملي، وسيأتي تفصيله.

[1] ومن أمثلته الشرعية - كما قيل(1)

- متابعة الإمام في صلاة الجماعة الواجبة، حيث إنها مردَّدة بين كونها واجباً نفسياً، وبين كونها غيرياً بمعنى شرطيّتها لصحة الاقتداء.

ومن أمثلته العرفية: ما لو أمر المولى عبده بالاستحمام، ولم يعلم العبد أن وجوبه لنفسه باعتبار مطلوبية النظافة، أو أنه مقدمة لواجب آخر كاستقبال ضيوف المولى.

وتظهر الثمرة في أنه لو كان واجباً نفسياً لوجب الامتثال مطلقاً، أما لو كان غيرياً فلا يجب الامتثال إلاّ مع وجوب ذي المقدمة، فمع سقوط وجوبه لأيّ سبب من الأسباب يسقط الوجوب الغيري أيضاً.

أ- لو كان للأمر إطلاق

[2] كهيئة (اغسل) في المثال، «لما يعمّهما» أي: ما يشمل النفسي والغيري؛ وذلك لأن الهيئة وُضعت للطلب المطلق، وهو جامع بين النفسي والغيري؛ إذ كلاهما مطلوبان.

[3] أي: إطلاق الهيئة، «كونه» كون الطلب، «فإنه» للشأن، «كان» الواجب،

ص: 68


1- بدائع الأفكار: 326.

وأما ما قيل[1] من: «أنه لا وجه للاستناد إلى إطلاق الهيئة لدفع الشك المذكور بعد كون مفادها[2] الأفراد التي لا يعقل فيها التقييد[3].

-------------------------------------------------------------------

«عليه» على كونه شرطاً.

[1] كما في تقريرات الشيخ الأعظم(1)،

وحاصله: عدم إمكان التمسك بالإطلاق لإثبات النفسيّة؛ وذلك لأن معنى الهيئة جزئي، ولا يعقل الإطلاق في المعنى الجزئي.

أما جزئية معنى الهيئة، فلما مرّ في بحث الوضع، وفي بحث الواجب المشروط، من أن الهيئات كالمعاني الحرفية، والمعنى الحرفي جزئي؛ لأنه من (الوضع العام والموضوع له الخاص)، فالمولى وضع الحروف وما يلحق بها على المعاني الجزئية.

وأما عدم إمكان الإطلاق في المعاني الجزئية، فلأنّ معنى الإطلاق هو قابلية الصدق على كثيرين، والمعنى الجزئي لا يصدق إلاّ على فرد واحد فقط، كما هو واضح.

وفي ما نحن فيه هيئة صيغة الأمر تدل على الطلب الجزئي، وهو الطلب الخارجي، فلا يمكن الإطلاق فيها.

نعم، لو كان معنى الهيئة هو (مفهوم الطلب) لأمكن التقييد؛ لأن هذا المفهوم كلي قابل للانطباق على الأفراد المختلفة، لكن من المعلوم أن معنى (اغسل) مثلاً ليس مفهوم الطلب، بل معناه هو الطلب الحقيقي الخارجي، وهو جزئي.

[2] أي: معنى الهيئة في صيغة الأمر هو فرد الطلب، «الأفراد» أي: أفراد الطلب، «فيها» في الأفراد.

[3] لأن التقييد إنما هو للمعاني الكُلّية، أما المعنى الجزئي فهو متشخّص بكل مشخصاته الفردية - لأن الشيء ما لم يتشخّص لم يوجود - فلا يعقل تقييده.

ص: 69


1- مطارح الأنظار 1: 333.

نعم[1]، لو كان مفاد الأمر هو مفهوم الطلب صحّ القولُ بالإطلاق، لكنه[2] بمراحل من الواقع، إذ لا شك في اتصاف الفعل بالمطلوبية بالطلب المستفاد من الأمر[3]، ولا يعقل[4] اتصاف المطلوب بالمطلوبية بواسطة مفهوم الطلب، فإن الفعل يصير مراداً بواسطة تعلق واقع الإرادة[5] وحقيقتها لابواسطة مفهومها، وذلك واضح لا يعتريه ريب»(1).

-------------------------------------------------------------------

وإذا استحال التقييد استحال الإطلاق أيضاً؛ لأنهما من العدم والملكة، فهما يحتاجان إلى المحلّ القابل، وهو المعاني الكُليّة دون المعنى الجزئي.

[1] أي: لو كان معنى الهيئة كُليّاً أمكن التقييد فيه، «مفهوم الطلب» وهو كلي لقابليته الانطباق على كثيرين.

[2] أي: لكن كون مفاد الهيئة هو مفهوم الطلب «بمراحل عن الواقع» أي: بعيد عن الواقع جداً؛ وذلك لأن العمل لا يتصف بالمطلوبية بواسطة مفهوم الطلب، بل بواسطة طلب خارجي؛ وذلك بأن يريده المولى واقعاً، وهذه الإرادة جزئية.

[3] وهو طلب خارجي، فيكون جزئياً، فحينما قال: (اغسل) صار الفعل - وهو الغَسل - مطلوباً.

[4] بحكم الوجدان، حيث إن ضمّ مفهوم الطلب إلى الشيء لا يجعل ذلك الشيء واجباً، وبعبارة أخرى - كما قيل - إنه لو قلنا: (طلب) و(الغَسل) معاً لما صار الغَسل واجباً، بل لابد من أن يتعلق طلب خارجي - وهو جزئي - بالغَسل ليصير واجباً.

[5] أي: الوجود الخارجي للإرادة، لا المفهوم الذهني لها، وقوله: (وحقيقتها) عطف تفسيري، «مفهومها» أي: مفهوم الإرادة.

ص: 70


1- مطارح الأنظار 1: 333.

ففيه[1]: إنّ مفاد الهيئة - كما مرّت الإشارة إليه[2] - ليس الأفراد، بل هو مفهوم الطلب - كما عرفت تحقيقه في وضع الحروف - ، ولا يكاد يكون[3] فرد الطلب الحقيقي والذي يكون بالحمل الشائع طلباً[4]، وإلاّ[5] لما صحَّ إنشاؤه بها،

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا جواب (أما ما قيل)، وحاصله: إن معنى الهيئة - كالمعاني الحرفية - كلّي؛ لأنها من (الوضع العام والموضوع له العام والمستعمل فيه العام)، لا من الموضوع له الخاص، كما مرّ تفصيله في بحث المعنى الحرفي.

وليس الطلب الجزئي الحقيقي هو معنى للهيئة؛ وذلك لأن الطلب الحقيقي شيءٌ تكويني قائم بنفس الآمر، ولا يعقل إيجاد الأمور التكوينية بواسطة الإنشاء.

نعم، الطلب الحقيقي قد يكون سبباً للإنشاء، بمعنى أن المولى إذا أراد (الغَسل) مثلاً فهذه الإرادة جزئية قائمة بنفسه، فقد تكون سبباً لإصداره الأمر، فيقول: (اغسل).

وبعبارة أخرى: إن هناك ثلاثة أشياء:

1- الطلب الحقيقي النفسي وهو جزئي.

2- الإنشاء بأن يقول: (اغسل).

3- معنى هذا الإنشاء، وهو مفهوم الطلب القابل للانطباق على مصاديق مختلفة من الغسل، فالهيئة والمادة كلاهما معنيان كلّيّان.

[2] مرّت الإشارة إلى أن المعاني الحرفية كُليّة، وأن الوضع والموضوع له والمستعمل فيه عام في الحروف، والهيئة ملحقة بالحروف.

[3] أي: لا يكاد يكون مفاد الهيئة هو الطلب الحقيقي القائم بالنفس.

[4] فإن الصفة التي في النفس هي الطلب الحقيقي، وملاك الحمل الشائع هو الاتحاد الوجودي حتى لو اختلف المفهوم.

[5] أي: لو كان مفاد الهيئة هو الطلب الحقيقي - الذي هو فرد الطلب - «بها» أي: بالصيغة.

ص: 71

ضرورة[1] أنه من الصفات الخارجية الناشئة من الأسباب الخاصة. نعم[2]؛ ربما يكون هو السبب لإنشائه كما يكون غيره[3] أحياناً.

واتصاف الفعل[4] بالمطلوبية الواقعية والإرادة الحقيقية - الداعية إلى إيقاع طلبه[5] وإنشاء إرادته بعثاً نحو مطلوبه الحقيقي وتحريكاً إلى مراده الواقعي - لا ينافي اتصافه[6] بالطلب الإنشائي أيضاً، والوجود الإنشائي[7] لكل شيء ليس إلاّ قصد حصول

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا علة عدم إمكان إنشاء الطلب الحقيقي، وحاصله: إن الأمور التكوينية لها أسبابها التكوينية الخاصة، وليس الإنشاء أحد تلك الأسباب.

[2] أي: قد يكون الطلب الحقيقي هو سبب للإنشاء، لكن ذلك الطلب ليس مفهوماً للإنشاء.

[3] أي: غير الطلب الحقيقي، كالامتحان فإنه قد يكون أيضاً سبباً للإنشاء.

[4] هذا جواب عن قوله: (ولا يعقل اتصاف الفعل بالمطلوبية...)، وحاصل الجواب: إن تعلق الطلب الحقيقي بالفعل لا ينافي تعلّق الطلب الإنشائي به، مثلاً: المولى الذي يريد (الغَسل) واقعاً فيمكنه إنشاء طلب الغسل، كما هو واضح، فلا تنافي بين الطلب الحقيقي والطلب الإنشائي، فالفعل متصف بكلا الطلبين، والأول جزئي وليس مدلولاً للصيغة، والثاني هو مفهوم الطلب وهو مدلول للصيغة.

[5] أي: طلب الفعل، وقوله: «وإنشاء إرادته» عطف تفسيري، و«بعثاً» مفعول لأجله، أي: الإنشاء لأجل البعث نحو الفعل الذي تعلّقت إرادة المولى به، وقوله: «وتحريكاً...» عطف تفسيري على (بعثاً...).

[6] «لا ينافي» خبر قوله: (واتصاف الفعل...).

[7] المقصود بيان كيفية اتصاف الفعل بالطلب الإنشائي، وحاصله: إن الطلب الحقيقي أو غيره - من الدواعي النفسانية كالامتحان - تكون سبباً لإنشاء مفهوم الطلب بواسطة الصيغة مثلاً، وهذا المفهوم قابل للإطلاق والتقييد؛ لأنه معنى كلّي.

ص: 72

مفهومه بلفظه، كان هناك طلب حقيقي أو لم يكن، بل كان إنشاؤه بسبب آخر.

ولعلّ[1] منشأ الخلط والاشتباه تعارف التعبير عن مفاد الصيغة بالطلب المطلق، فتوهم منه[2] أن مفاد الصيغة يكون طلباً حقيقياً يصدق عليه الطلب بالحمل الشائع. ولعمري أنّه[3] من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق، فالطلب الحقيقي إذا لم يكن قابلاً للتقييد لا يقتضي[4] أن لا يكون مفاد الهيئة قابلاً له، وإن تعارف تسميته[5] بالطلب أيضاً. وعدم تقييده بالإنشائي[6]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لعل سبب تصور الشيخ الأعظم أن مفاد الصيغة هو الطلب الحقيقي، و«تعارف» خبر (لعلّ)، وهو سبب هذا التصور، «المطلق» من غير تقييده بالحقيقي أو الإنشائي، مع أن مرادهم هو الطلب الإنشائي.

[2] أي: من تعبيرهم، وقوله: (يصدق عليه...) تفسير للطلب الحقيقي.

[3] إن هذا الخلط والاشتباه؛ وذلك لأن مفاد الصيغة ليس مصداق الطلب وهو الطلب الحقيقي، بل هو مفهوم الطلب.

[4] «لا يقتضي» خبر قوله: (فالطلب الحقيقي...)، «له» للتقييد، والحاصل: إنه لا منافاة بين أن يكون أحدهما جزئياً غير قابل للتقييد والإطلاق، وهو الطلب الحقيقي، وأن يكون الآخر مفهوماً كلياً قابلاً لهما، وهو الطلب الإنشائي.

[5] أي: تسمية مفاد الهيئة، «أيضاً» كتسمية الطلب الحقيقي، والحاصل: إن كليهما يُسمّى طلباً، لكن هذه التسمية لا تمنع من أن يكون أحدهما جزئياً والآخر مفهوماً كلياً.

[6] دفع لتوهم مقدّر، وحاصل التوهم: لو كان مرادهم أن مفاد الهيئة هو الطلب الإنشائي، فلماذا لم يقيدوه ب- (الإنشائي)، بل أطلقوا وقالوا: (إن مفاد الصيغة هو الطلب)؟

والجواب: إن عدم التقييد لوضوح أن الطلب الحقيقي لا يكون مفاداً للصيغة؛ لعدم إمكان إنشائه بها، بل يوجد بأسبابه التكوينية الخاصة، «عدم تقييده» أي:

ص: 73

لوضوح إرادة خصوصه وأن[1] الطلب الحقيقي لا يكاد ينشأ بها، كما لا يخفى.

فانقدح بذلك[2] صحة تقييد مفاد الصيغة بالشرط - كما مر هاهنا بعض الكلام وقد تقدم في مسألة اتحاد الطلب والإرادة ما يجدي في المقام - .

هذا[3] إذا كان هناك إطلاق، وأما إذا لم يكن[4]،

-------------------------------------------------------------------

عدم تقييد مفاد الهيئة، «خصوصه» أي خصوص الإنشائي.

[1] قوله: «وأن الطلب...» عطف تفسيري على (إرادة خصوصه)، «بها» بالهيئة.

[2] بما ذكرناه من أن مفاد الهيئة هو مفهوم الطلب وهو كلّي، «هاهنا» في أول هذا البحث - أي: بحث الشك في النفسية والغيرية - أو في بحث الواجب المطلق والمشروط، حيث ذكر المصنف إمكان رجوع القيد إلى الهيئة.

ب - لو لم يكن للأمر إطلاق

[3] أي: ما ذكرناه من أن مقتضى إطلاق الهيئة هو النفسيّة.

[4] بأن كان الأمر مستفاداً من دليل لُبّي كالإجماع، أو لم تتم مقدمات الحكمة في صيغة الأمر. فحيث لا يوجد دليل لفظي يدل على النفسيّة أو الغيريّة، فلابد من الرجوع إلى الأصل العملي. فلو أمره بالاستحمام إما لنفسه أو لأنه مقدمة لاستقبال الضيوف، فحينئذٍ قد يكون مقتضى الأصل العملي...

1- الاشتغال، كما لو جاء الضيوف وأراد استقبالهم، فإن المكلّف يعلم بوجوب الغَسل عليه إما لنفسه أو لأجل الاستقبال، فهو قاطع بالتكليف وباشتغال ذمته على كل حال. نعم، هو لا يعلم سبب وجوب الغسل، لكن عدم علمه بالسبب لا يضر بوجوب الغسل عليه على كل حال.

2- البراءة، كما لو لم يأتِ الضيوف، فحينئذٍ يشك في وجوب أو عدم وجوب الغَسل عليه، ومقتضى القاعدة هي البراءة حين الشك في التكليف.

ص: 74

فلابد من الإتيان به[1] في ما إذا كان التكليف بما احتمل كونه شرطاً له[2] فعلياً، للعلم بوجوبه[3] فعلاً، وإن لم يعلم جهة وجوبه، وإلاّ فلا[4]، لصيرورة الشك فيه بدوياً[5]، كما لا يخفى.

تذنيبان: الأول[6]:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: بالفعل المشكوك كونه واجباً نفسياً أم غيرياً، كالغسل في المثال.

[2] «بما» بالواجب الآخر كاستقبال الضيوف، «كونه» كون المشكوك النفسيّة أو الغيرية كالغَسل، «له» الضمير يرجع إلى الموصول، «فعلياً» خبر كان.

[3] أي: وجوب مشكوك النفسية والغيريّة، كالغَسل، «جهة وجوبه» أي: سبب وجوبه.

[4] أي: وإن لم يكن التكليف بذلك الشيء - كاستقبال الضيوف - فعلياً بأن لم يأت الضيوف مثلاً، فحينئذٍ لا يجب الغَسل لجريان البراءة فيه.

[5] أي: شك في أصل التكليف، مع عدم وجود علم إجمالي.

التذنيب الأول: الثواب والعقاب في الواجب الغيري

[6] حاصله: إن الإنسان يستحق الثواب على امتثال الواجب النفسي، والعقاب على مخالفته، وهذا أمر لا ريب فيه عند المصنف.

وأما الواجب الغيري فلا استحقاق للثواب على فعله، ولا للعقاب على تركه.

والدليل على ذلك حكم العقل، فإنه يستقل بأن من امتثل الواجب النفسي استحق ثواباً واحداً، حتى لو كان لذلك الواجب مقدمات كثيرة، كما أنه يستقل بأن من خالف الواجب النفسي استحق عقاباً واحداً، حتى لو ترك مقدمات ذلك الواجب كلها.

وسبب حكم العقل بذلك هو أن الثواب لأجل العمل المقرّب إلى المولى، والعقاب للعمل المُبعِّد عنه، ولا قرب ولا بُعد في الأمر الغيري، بل القرب إنما هو في

ص: 75

لا ريب في استحقاق الثواب على امتثال الأمر النفسي[1] وموافقته، واستحقاق العقاب على عصيانه ومخالفته عقلاً[2].

وأما استحقاقهما على امتثال الغيري ومخالفته: ففيه إشكال[3] وإن كان التحقيق عدم الاستحقاق على موافقته ومخالفته بما هو موافقة ومخالفة[4]، ضرورة[5] استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلاّ لعقاب واحد أو لثواب كذلك، في ما خالف الواجب ولم يأت بواحدة من مقدماته على كثرتها، أو وافقه[6] وأتاه بما له من المقدمات.

-------------------------------------------------------------------

امتثال النفسي والبعد في مخالفته؛ لأنه لا غرض للمولى في المقدمات، وإنما غرضه في ذي المقدمة.

[1] لكن الصحيح هو أن الثواب كلّه تفضّل منه تعالى؛ لأن كل الطاعات لا تُكافِئ جزءاً من النِعم التي أنعمها الله تعالى على الإنسان، بل فائدة كل الطاعات ترجع إلى الإنسان نفسه، فكيف يستحق شيئاً على المولى جلّ وعلا؟

نعم، لو كان المقصود الاستحقاق بسبب وعده تعالى فللبحث مجال.

وأما العقاب فلا إشكال في كونه عن استحقاق؛ لأنه تعالى ليس بظلاّم للعبيد.

[2] أي: هذا الاستحقاق هو بحكم العقل.

[3] بل أقوال(1)،

منها: استحقاق الثواب والعقاب، ومنها: عدم استحقاقهما، ومنها: التفصيل بين كون الأمر الغيري ورد في خطاب أصلي أو كونه تبعياً، ومنها: التفصيل بين الثواب والعقاب، وغير ذلك.

[4] أي: لا استحقاق بما هو موافقة ومخالفة للأمر الغيري. نعم، يمكن الاستحقاق بما هو موافقة أو مخالفة للأمر النفسي، كما سيأتي بيانه بعد قليل.

[5] هذا دليل عدم الاستحقاق، وهو استقلال العقل - الحاكم في باب الطاعة والمعصية - «كذلك» أي: واحد، «بواحدة» أي: لم يأت بكل المقدمات.

[6] أي: وافق الواجب عبر الإتيان بكل مقدماته، «بما» أي: مع موافقة كل

ص: 76


1- الوصول إلى كفاية الأصول 2: 112.

نعم، لا بأس باستحقاق العقوبة على المخالفة[1] عند ترك المقدمة، وبزيادة المثوبة على الموافقة[2] في ما لو أتى بالمقدمات بما هي مقدمات له[3] من باب[4] أنه يصير حينئذٍ من أفضل الأعمال حيث صار أشقها، وعليه[5] ينزل ما ورد في الأخبار

-------------------------------------------------------------------

المقدمات، «له» للواجب، وقوله: (من المقدمات) بيان الموصول في (بما).

[1] أي: مخالفة الواجب النفسي، بمعنى أنه لو ترك المقدمة فمن ذاك الوقت يستحق العقوبة لا لترك المقدمة، وإنما لترك الواجب النفسي؛ إذ يمتنع عليه حين ترك المقدمة الإتيان بذي المقدمة.

[2] أي: موافقة الأمر النفسي، والمقصود استحقاق زيادة المثوبة.

[3] أي: بغرض الوصول إلى ذي المقدمة، لا أنه أتى بالمقدمات بغرض آخر.

[4] هذا وجه زيادة الثواب، فكلّما كثرت المقدمات صار الواجب أصعب؛ لذا يكون ثوابه أكثر، فليست زيادة الثواب على المقدمات، بل على العمل حيث صار أصعب بسبب كثرة مقدماته وصعوبتها، «أنه» أن الواجب النفسي، «حينئذٍ» حين الإتيان بالمقدمات.

[5] أي: على زيادة الثواب في ذي المقدمة بسبب كثرة المقدمات أو صعوبتها، والحاصل: إن الآيات والروايات الدالة على الثواب على المقدمات تُحمل على أحد شيئين:

الأول: إن ذا المقدمة يزداد ثوابه بكثرة المقدمات أو صعوبتها.

الثاني: التفضّل من الله تعالى من غير استحقاق للثواب. كقوله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ}(1).

وكالروايات الواردة في فضل زيارة الإمام الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ماشياً، كقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (من

ص: 77


1- سورة التوبة، الآية: 120.

من الثواب على المقدمات(1)،

أو على التفضّل[1]، فتأمل جيداً.

وذلك[2] لبداهة أن موافقة الأمر الغيري بما هو أمر[3] - لا بما هو شروع في إطاعة الأمر النفسي - لا توجب قرباً[4]، ولا مخالفته بما هو كذلك بُعداً، والمثوبة والعقوبة إنما تكونان من تبعات[5] القرب والبعد.

إشكال ودفع. أما الأول[6]:

-------------------------------------------------------------------

أتى قبر الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ماشياً كتب الله له بكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل)(2).

[1] أي: أو ينزّل ما ورد في الأخبار على التفضل.

[2] هذا وجه استقلال العقل بعدم الثواب والعقاب على موافقة أو مخالفة الأمر الغيري، ويحتمل أن يكون هذا وجه تنزيل أخبار الثواب على المقدمات على التفضّل، أو أنه ثواب للأمر النفسي.

[3] أي: بما هو أمر غيري.

[4] لعدم تعلّق غرض المولى بها، «مخالفته» أي: مخالفة الأمر الغيري، «كذلك» بما هو أمر غيري.

[5] يقصد (من توابع)، لأن التبعة هي المظلمة، أو كان تعبيره هذا من باب التغليب، فالعقوبة من تبعات المخالفة، كما أن المثوبة من توابع الموافقة.

الأمر الغيري في الطهارات الثلاث
اشارة

[6] أي: الإشكال، وهو في الحقيقة إشكالان:

الأول: إن الطهارات الثلاث - الغُسل، الوضوء، التيمم - هي واجبات غيرية؛ لأنها مقدمة للصلاة وللطواف ونحوهما، ولا إشكال في كونها مقرّبة، كما لا إشكال في الثواب عليها بنفسها، للأخبار الكثيرة الدالة على الثواب عليها، ولا

ص: 78


1- وسائل الشيعة 14: 380.
2- بحار الأنوار 98: 36.

فهو أنه[1] إذا كان الأمر الغيري - بما هو - لا إطاعة له ولا قرب في موافقته ولا مثوبة على امتثاله، فكيف حال بعض المقدمات، كالطهارات، حيث لا شبهة في حصول الإطاعة والقرب والمثوبة بموافقة أمرها؟ هذا مضافاً[2] إلى أن الأمر الغيري لا شبهة في كونه توصلياً، وقد[3] اعتبر في صحتها إتيانها بقصد القربة.

وأما الثاني[4]:

-------------------------------------------------------------------

يمكن حمل تلك الأخبار على أن الثواب لذي المقدمة أو لأجل التفضّل. وهذا - أي: المقربيّة والثواب - ينافي ما ذكرتموه من أن الأوامر الغيرية لا ثواب ولا قرب فيها.

الثاني: إن الأوامر الغيرية توصلية، فحتى لو أتى بالمقدمات بطريقة محرّمة فإنه لا يكلّف بإعادتها، كمن ركب دابة مغصوبة للحج فلا يكلف بالرجوع والسير مرّة أخرى، فكيف تكون الطهارات الثلاث غيرية مع كونها عبادات يُشترط قصد القربة فيها؟

وقد ذكر المصنف أربعة أجوبة ستأتي تباعاً.

[1] هذا هو الإشكال الأول، «أنه» للشأن، «بما هو» أي: في نفسه، «لا طاعة له» أي: لا امتثال له، وإنما الامتثال للواجب النفسي.

ولا يخفى أن الطاعة والقرب والثواب مترتبة زماناً، فالطاعة أولاً، وبها يحصل القرب، ثم الثواب.

[2] هذا هو الإشكال الثاني.

[3] أي: والحال أن الطهارات الثلاث عبادية يشترط فيها قصد القربة.

الجواب الأول

[4] أي: دفع الإشكال، أما جواب الإشكال الأول: فهو أن الطهارات الثلاث هي مستحبات نفسيّة، فالغسل مستحب في نفسه حتى لو لم يكن مقدمة للصلاة، فالطاعة والقرب والثواب إنما هو لأجل امتثال الأمر النفسي الاستحبابي المتعلّق بها.

ص: 79

فالتحقيق أن يقال: إنّ المقدمة فيها[1] بنفسها مستحبة وعبادة، وغاياتها[2] إنما تكون متوقفة على إحدى هذه العبادات[3]، فلابد أن يؤتى بها عبادةً، وإلاّ[4] فلم يُؤتَ بما هو مقدمة لها. فقصد القربة[5] فيها إنما هو لأجل كونها في نفسها أموراً عبادية ومستحبات نفسية، لا لكونها مطلوبات غيرية.

والاكتفاء[6]

-------------------------------------------------------------------

وأما جواب الإشكال الثاني: فهو أن الذي كان مقدمة للصلاة ليس أفعال الوضوء مجردة عن قصد القربة، بل الذي جعله الشارع مقدمةً هو الوضوء العبادي، فلو أتى بالغسلتين أو المسحتين لا بقصد القربة لم يكن قد أتى بما هو مقدمة، وبعبارة أخرى: إن المقدمة هو الوضوء العبادي لا مجرد الغسل والمسح من غير قربة.

[1] أي: في الطهارات الثلاث، وهذا دفع للإشكال الأول.

[2] أي: والغاية من الطهارات الثلاث، كالصلاة والطواف، وهذا دفع للإشكال الثاني.

[3] أي: المقدمة ليست ذات الأفعال، بل تلك الأفعال بقصد القربة، «أن يؤتى بها» أي: بالطهارات الثلاث.

[4] أي: لو لم يُؤتَ بالطهارات الثلاث بقصد القربة، «لها» أي: لغاياتها.

[5] أي: اشتراط قصد القربة ليس لأجل الأمر الغيري، بل لأجل أن الغايات تتوقف على الطهارات العبادية، «فيها» في الطهارات الثلاث، «كونها» كون الطهارات.

[6] هذا اعتراض على الجواب وحاصله: إن المكلّف إذا لم ينوِ الأمر النفسي في الطهارات، بل أتى بها بنية الأمر الغيري المتعلّق بها، فلا أشكال في صحة تلك الطهارات، مع أن عباديتها لو كانت بسبب الأمر النفسي الاستحبابي لكان اللازم أن يقصد ذلك الأمر النفسي.

ص: 80

بقصد أمرها الغيري فإنما هو[1] لأجل أنه يدعو إلى ما هو كذلك في نفسه، حيث[2] إنه لا يدعو إلاّ إلى ما هو المقدمة(1)،

فافهم[3].

وقد تفصّى عن الإشكال بوجهين آخرين[4]:

-------------------------------------------------------------------

وبعبارة أخرى: إن منشأ العبادية لو كان الأمر النفسي الاستحبابي لكان اللازم قصد ذلك الأمر النفسي، والحال أن الفقهاء أجمعوا على كفاية قصد أمرها الغيري، وهذا يكشف عن أن عباديتها بسبب الأمر الغيري، فعاد المحذور.

[1] هذا جواب عن الاعتراض، وحاصله: إن الاكتفاء بالأمر الغيري هو لأجل أن الأمر الغيري لا يدعو إلاّ لما هو مقدمة وهو الطهارة العبادية، فإذا أتى بالطهارات بداعي أمرها الغيري فقد قصد الإتيان بما هو عبادة في نفسه.

وبعبارة أخرى: الأمر الغيري مرآة للأمر النفسي، فيكون المكلّف قاصداً للأمر الغيري تفصيلاً، وقاصداً للأمر النفسي إجمالاً، «هو» الاكتفاء، «أنه» أن الأمر الغيري، «كذلك» أي: عبادة.

[2] بيان وجه هذه الدعوة، «إنه» إن الأمر الغيري، «المقدمة» وهي الطهارة العبادية.

[3] لعله إشارة إلى أن الكثير من الناس لا يعلمون بالأمر النفسي الاستحبابي، أو قد يغفلون عنه حين الطهارة.

أو إشارة إلى أن الدليل أخص من المدّعى؛ لأن التيمم - على ما قيل(2)

- لا استحباب نفسي له، بل أمره غيري فقط، مع أنه لا شك في اشتراط قصد القربة فيه.

[4] بل ثلاثة أوجه ذكرها في التقريرات(3)،

فمجموع الأجوبة مع جواب المصنف أربعة.

ص: 81


1- مطارح الأنظار 1: 348.
2- مطارح الأنظار 1: 348.
3- مطارح الأنظار 1: 350.

أحدهما[1]: ما ملخصه: إنّ الحركات الخاصة[2] ربما لا تكون محصلة لما هو المقصود منها[3] من العنوان الذي يكون[4] بذاك العنوان مقدمةً وموقوفاً عليها، فلابد في إتيانها[5] بذاك العنوان من قصد أمرها، لكونه[6] لا يدعو إلاّ إلى ما هو

-------------------------------------------------------------------

الجواب الثاني

[1] حاصله: إن المقدمة واقعاً ليست ذوات الحركات الخاصة كالغسلتين والمسحتين، بل المقدمة هي تلك الحركات بعنوان خاص، ولكنّا لا نعلم بالتفصيل ذلك العنوان؛ فلذلك لابد من الإشارة إليه إجمالاً بواسطة الإتيان بتلك الحركات بداعي أمرها الغيري، لأن الأمر لا يدعو إلاّ إلى الإتيان بمتعلقه.

والحاصل: إن اعتبار قصد القربة - الذي هو قصد الأمر - في الطهارات ليس بسبب اشتراط القربة في الواجبات الغيريّة، بل لجهة إشارة قصد الأمر إلى العنوان الخاص الذي له دخل في مقدميتها، حيث لا يتمكن المكلّف من إحراز ذلك العنوان الخاص بالتفصيل.

[2] كالغسلتين والمسحتين في الوضوء.

[3] وهو العنوان الراجح الذي ينضمّ إلى تلك الحركات، فتكون المقدمة هي المجموع من الحركات والعنوان، «من العنوان...» بيان لقوله: (ما هو المقصود منها).

[4] أي: تكون الحركات، فالصحيح تأنيث الفعل، وقوله: «وموقوفاً عليها» عطف تفسيري على (مقدمة).

[5] أي: وحيث إن ذلك العنوان مجهول فلابد من الإشارة الإجمالية إليه؛ وذلك عبر الإتيان بالحركات بقصد القربة - الذي هو قصد الأمر المتعلّق بها - وقوله: «في إتيانها بذلك العنوان» بمعنى لأجل الإتيان بالحركات مع ذلك العنوان معاً، و«من قصد أمرها» خبر (لابدّ).

[6] هذا توقف الإتيان بذلك العنوان على قصد الأمر، وحاصله: إن الأمر لا

ص: 82

الموقوف عليه، فيكون عنواناً إجمالياً ومرآةً لها[1]، فإتيان الطهارات عبادةً وإطاعةً لأمرها[2] ليس لأجل أن أمرها المقدمي يقضي بالإتيان كذلك[3]، بل إنما كان لأجل إحراز نفس العنوان الذي يكون[4] بذاك العنوان موقوفاً عليها.

وفيه[5]: - مضافاً[6] إلى أن ذلك لا يقتضي الإتيان بها كذلك، لإمكان الإشارة

-------------------------------------------------------------------

يدعو إلاّ إلى الإتيان بمتعلقه، وذلك المتعلّق هو الحركات مع عنوانها الخاص، فيكون الأمر مشيراً إجمالياً إلى ذلك العنوان، «لكونه» أي: الأمر الغيري المتعلّق بالمقدمة، «الموقوف عليه» وهو المقدمة.

[1] أي: للمقدمة - التي هي الحركات مع العنوان الخاص - .

[2] أي: لزوم الإتيان بها بقصد القربة.

[3] أي: بنحو العبادة وطاعة أمرها.

[4] أي: تكون الحركات مع ذلك العنوان و«موقوفاً عليها» خبر (تكون).

[5] والمصنف يستشكل على هذا الجواب بإشكالين:

الأول: إن الإشارة إلى ذلك العنوان لا يتوقف على قصد الأمر بنحو الغاية بأن يقول: (أتوضأ بقصد الأمر بالوضوء)، بل يمكن الإشارة إلى العنوان بذكر الأمر وصفاً بأن يكون الداعي شيئاً آخر، كأن يقول: (آتي بالوضوء الواجب بقصد التبريد) ففي هذه النية قد أشار إلى العنوان الخاص عبر جعل الأمر بالوضوء وصفاً لا غاية ثم جعل الغاية شيئاً آخر، ومن الواضح عدم كفاية هذا القصد وبطلان الوضوء بذلك.

والحاصل: إنه إن كان يكفي الإشارة إلى ذلك العنوان الراجح لصحّ جعل قصد الأمر وصفاً لا غاية، لكن التالي باطل، فالمقدم مثله.

الثاني: إن هذا الجواب لا يدفع إشكال ترتب الثواب على امتثال الأمر الغيري.

[6] هذا هو الإشكال الأول، «ذلك» أي: كون المقدمة هي الحركات مع العنوان الراجح، «بها» بالطهارات، «كذلك» أي: بقصد أمرها بأن يكون قصد القربة

ص: 83

إلى عناوينها التي تكون بتلك العناوين موقوفاً عليها بنحوٍ آخر[1] ولو بقصد أمرها وصفاً[2]، لا غايةً وداعياً[3]، بل كان الداعي إلى هذه الحركات الموصوفة بكونها مأموراً بها[4] شيئاً آخر غير أمرها - : غير وافٍ[5] بدفع إشكال ترتب المثوبة عليها، كما لا يخفى.

ثانيهما[6]: ما محصله: إن لزوم وقوع الطهارات عبادة إنما يكون لأجل أن

-------------------------------------------------------------------

- أي: قصد أمرها - غاية، «لإمكان...» هذه دليل قوله: (لا يقتضي...).

[1] غير قصد امتثال الأمر الغيري، «بنحو» متعلق بقوله: (الإشارة إلى عناوينها).

[2] هذا أحد مصاديق النحو الآخر، «أمرها» أمر الطهارات.

وهناك طرق أخرى كأن يقول: (الوضوء بما يتضمن من عناوين لا أعلمها)، أو (الوضوء بالكيفية التي يريده الله)، أو (الوضوء الذي هو مقدمة) ونحو ذلك.

[3] العطف تفسيري، ولا يخفى أن الغاية وإن كانت آخر ما يتحقق إلاّ أنها أول ما ينقدح في الذهن فتكون داعياً إلى العمل.

[4] بالأمر الغيري، و«شيئاً» خبر كان، كالتبريد ونحوه.

[5] هذا هو الجواب الثاني، أي: وفيه - مضافاً إلى الجواب الأول - أنه غير كافٍ لدفع الإشكال؛ وذاك لبقاء إشكال ترتب الثواب على الأمر الغيري.

ولا يخفى عدم ورود هذا الإشكال على الشيخ الأعظم؛ لأنه كان في مقام الجواب عن كيفية اشتراط قصد القربة، لا الجواب عن كيفية ترتب الثواب.

الجواب الثالث

[6] وحاصله: إن الغرض من الأمر بالصلاة - مثلاً - كما لا يحصل إلاّ بإتيان نفس الصلاة بقصد القربة، كذلك لا يحصل إلاّ بإتيان الوضوء بقصد القربة، فليس وجه اشتراط قصد القربة في الوضوء هو أمره الغيري، بل هو عدم حصول الغرض من الصلاة إلاّ بقصد القربة في الوضوء.

ص: 84

الغرض من الأمر النفسي بغاياتها[1] كما لا يكاد يحصل بدون قصد التقرب بموافقته[2]، كذلك لا يحصل[3] ما لم يؤت بها كذلك، لا باقتضاء[4] أمرها الغيري.

وبالجملة: وجه لزوم إتيانها عبادةً إنما هو لأجل أن الغرض في الغايات لا يحصل إلاّ بإتيان خصوص الطهارات من بين مقدماتها[5] أيضاً[6] بقصد الإطاعة.

وفيه[7]: أيضاً إنه غير وافٍ بدفع إشكال ترتب المثوبة عليها.

-------------------------------------------------------------------

وبعبارة أخرى: إن اشتراط قصد القربة في الوضوء ليس لأجل الأمر الغيري بالوضوء، بل لأجل الأمر النفسي بالصلاة.

[1] أي: غايات الطهارات، كالصلاة والطواف.

[2] أي: بموافقة الأمر النفسي المتعلق بالغايات كالصلاة، و«بموافقته» متعلّق ب- (يحصل)، والمعنى لا يحصل الغرض بامتثال الأمر بالصلاة إذا لم يأت بها بقصد القربة.

[3] أي: لا يحصل ذلك الغرض، «بها» بالطهارات، «كذلك» أي: بقصد القربة بموافقة ذلك الأمر النفسي.

[4] أي: ليس اشتراط قصد القربة في الطهارات لأجل اقتضاء أمرها الغيري.

[5] أي: سائر مقدمات الغايات، فللصلاة مقدمات متعددة كلّها واجبة بوجوب غيري، فلا يشترط فيها قصد القربة سوى الطهارات، فإنه يشترط فيها قصد القربة؛ لأجل أن الغرض من الصلاة لا يحصل إلاّ بقصد القربة في خصوص هذه المقدمة التي هي الوضوء مثلاً.

[6] أي: كما لا يحصل الغرض إلاّ بإتيان الصلاة بقصد القربة.

[7] حاصله: إن هذا الإشكال لا يدفع ترتب الثواب على الطهارات، حيث إن ثوابها غيري، ولا يخفى عدم ورود هذا الإشكال على الشيخ الأعظم أيضاً؛ لأن الغرض من جوابه هو دفع إشكال قصد القربة لا إشكال ترتب الثواب.

ص: 85

وأما ما ربما قيل[1] في تصحيح اعتبار قصد الإطاعة في العبادات - من الالتزام بأمرين: أحدهما كان متعلقاً بذات العمل، والثاني بإتيانه بداعي امتثال الأول - لا يكاد يجدي[2] في تصحيح اعتبارها[3] في الطهارات[4]، إذ لو لم تكن[5] بنفسها

-------------------------------------------------------------------

الجواب الرابع

[1] كما في تقريرات الشيخ الأعظم، وحاصله: إن المقدمة هي (ذات الوضوء مع قصد القربة)، وحيث لا يمكن تعلّق أمر واحد بهذه المقدمة فلابد من أمرين: أحدهما يتعلق بذات الوضوء، والآخر يتعلق بالإتيان بالذات مع قصد القربة، وهذا هو أحد

الطرق في تصحيح أخذ قصد القربة في العبادات، كما مرّ تفصيله في التعبدي والتوصلي.

ثم إنه قد اختلفت الأنظار في شرح مقصود الشيخ الأعظم في هذا الجواب، حيث ذكره في كتاب الطهارة(1)

وفي تقريراته - مطارح الأنظار(2) - . فراجع عناية الأصول وبدائع الأفكار(3).

[2] أي: لو نفعنا هذا الجواب في كيفية أخذ قصد القربة في العبادات فإنه لا ينفعنا في هذا المقام، أي: في المقدمات العبادية كالوضوء.

[3] أي: قصد الإطاعة، وتأنيث الضمير باعتبار المضاف إليه - أي: الإطاعة - .

[4] بيان سبب عدم نفع هذا الجواب في ما نحن فيه:

أولاً: إن ذات الوضوء ليس مقدمة للصلاة، فلا يترشح من وجوب الصلاة وجوب غيري على ذات الوضوء، ليكون هو الأمر الأول.

وثانياً: إنا نعلم بعدم وجود أمرين، بل أمر واحد فقط.

[5] إشارة إلى الجواب الأول، «لم تكن» الطهارات، «أمر» غيري.

ص: 86


1- كتاب الطهارة 2: 55.
2- مطارح الأنظار 1: 349.
3- عناية الأصول 1: 362؛ بدائع الأفكار: 335.

مقدمة لغاياتها لا يكاد يتعلق بها أمر من قبل الأمر بالغايات. فمن أين يجيء طلب آخر[1] من سنخ الطلب الغيري متعلق بذاتها ليتمكن به[2] من المقدمة في الخارج؟ هذا مع[3] أن في هذا الالتزام ما في تصحيح اعتبار قصد الطاعة في العبادة على ما عرفته مفصلاً سابقاً، فتذكر.

الثاني[4]:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: فما هو منشأ تعلّق الأمر الأول بذات الطهارات؟

[2] أي: ليكون الأمر المتعلق بالذات سبباً لتعلّق الأمر الغيري بالمقدمة، التي هي (الذات مع قصد القربة).

[3] إشارة إلى الجواب الثاني، «في هذا...» أي: يرد عليه، «الالتزام» أي: بأمرين، «ما» أي: الإشكال الذي مرّ في تصحيح اعتبار... الخ، «سابقاً» في بحث التوصلي والتعبدي.

التذنيب الثاني: عدم اعتبار قصد الغايات في صحة الطهارات الثلاث

[4] حاصله: إن المكلّف لو أراد الوضوء - مثلاً - فهل يكفي أن يتوضأ من دون قصد التوصل بالوضوء إلى الصلاة، أم لابد في صحة الوضوء من قصد التوصل به إلى الصلاة؟

أما على مبنى المصنف في اختياره الجواب الأول - وهو أن الوضوء مستحب نفسي - فلا حاجة إلى قصد التوصل، بل يأتي بالوضوء لنفسه، ويقع هذا الوضوء صحيحاً.

وأما بناء على سائر الأجوبة - التي ذكرها الشيخ الأعظم - فإن مصحِّح اعتبار قصد القربة في الطهارة أحد وجهين:

الأول: إن المصحِّح هو الأمر الغيري المتعلّق بها؛ إذ في كل تلك الأجوبة كان اللازم قصد الوجوب الغيري ليتحقق العنوان الراجح، كما في الجواب الثاني، أو لتوقف الغرض على قصد الأمر الغيري، كما في الجواب الثالث، أو أن المقدمة

ص: 87

إنّه قد انقدح مما هو التحقيق في وجه اعتبار قصد القربة في الطهارات[1] صحتها ولو لم يؤت بها بقصد التوصل بها إلى غاية من غاياتها. نعم، لو كان المصحّح لاعتبار قصد القربة فيها أمرها الغيري[2] لكان قصد الغاية مما لابد منه في وقوعها صحيحة، فإن[3] الأمر الغيري لا يكاد يمتثل إلاّ إذا قُصد التوصل إلى الغير، حيث لا يكاد[4] يصير داعياً إلاّ مع هذا القصد، بل في الحقيقة[5] يكون هو الملاك لوقوع المقدمة عبادة ولو لم يقصد أمرها، بل ولو لم نقل بتعلق الطلب بها أصلاً.

-------------------------------------------------------------------

تتوقف على قصد الأمر الغيري، كما في الجواب الرابع، وحينئذٍ فلابد في صحة الوضوء من قصد التوصل إلى الصلاة ونحوها، فلا يصح الوضوء لو أتى به لا بقصد الأمر الغيري المتعلق به.

بل يمكن القول: إنه يكفي قصد التوصل إلى الصلاة، حتى لو لم يقصد الأمر الغيري، فمع الغفلة عن الأمر الغيري أو مع القول بعدم وجوب المقدمة - حيث لا أمر غيري حينئذٍ - يكفي قصد التوصل؛ وذلك لتوقف العنوان الراجح أو الغرض من الأمر النفسي، أو توقف المقدمية على قصد التوصل من غير حاجة إلى قصد الأمر.

الوجه الثاني: ما ذكره الشيخ الأعظم، وسيأتي توضيحه.

[1] وهو الجواب الأول الذي اختاره المصنف، من تعلّق الأمر الاستحبابي النفسي بالطهارات، «صحتُها» فاعل انقدح، أي: صحة الطهارات.

[2] كما في الأجوبة الثلاثة للشيخ الأعظم.

[3] هذا دليل اعتبار قصد التوصل، وحاصله: إن قصد القربة في الطهارات يتوقف على قصد أمرها الغيري.

[4] أي: لا يكاد الأمر الغيري.

[5] إضراب عن اشتراط قصد الأمر الغيري إلى كفاية قصد التوصل، حتى لو كان غافلاً عن الأمر الغيري، أو قلنا بعدم وجوب المقدمة شرعاً، «يكون» قصد التوصل، «أمرها» أمر المقدمة الغيري، «بها» بالمقدمة.

ص: 88

وهذا[1] هو السرُّ في اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمة عبادة. لا ما توهم[2] من أن المقدمة إنما تكون مأموراً بها بعنوان المقدمية، فلابد عند إرادة الامتثال بالمقدمة من قصد هذا العنوان[3]، وقصدها كذلك[4] لا يكاد يكون بدون قصد التوصل إلى ذي المقدمة بها؛ فإنه فاسدٌ جداً[5]، ضرورة أن عنوان المقدمية ليس

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: كون الملاك في عبادية الطهارات الثلاث هو قصد التوصل بناء على الأجوبة الثلاثة الأخيرة.

[2] هذا هو الوجه الثاني، وهو ما ورد في تقريرات الشيخ الأعظم(1)، وهو يتوقف على أمور ثلاثة:

1- أخذ (عنوان المقدمية) في متعلّق الأمر الغيري، فالوضوء - مثلاً - لم يتعلق الأمر الغيري بذاته، بل تعلق به بعنوان كونه مقدمة للصلاة.

2- امتثال المقدمة يتوقف على قصد عنوان المقدمية؛ لأن الامتثال إطاعة، ولا إطاعة إلاّ بالقصد.

3- ولا يمكن تحقق (قصد عنوان المقدميّة) إلاّ بقصد التوصل إلى ذي المقدمة.

والحاصل: إنه يجب (قصد التوصل) لأجل إحراز عنوان المقدمية المأخوذة في متعلّق الأمر الغيري.

ف- (إن المقدمة...) إشارة إلى الأمر الأول، و(فلابد عند...) إشارة إلى الأمر الثاني، و(وقصدها كذلك...) إشارة إلى الأمر الثالث.

[3] أي: عنوان المقدمة.

[4] أي: قصد المقدمة بعنوان المقدميّة، «بها» بالمقدمة.

[5] أي: هذا التوهم - وهو الوجه الثاني - غير صحيح؛ للخلل في الأمر الأول، فإن (عنوان المقدمية) لا يتعلّق به الوجوب الغيري؛ لأن ذا المقدمة - كالصلاة لا يتوقف على عنوان مقدمية الوضوء، بل يتوقف على الوجود الخارجي للوضوء.

ص: 89


1- مطارح الأنظار 1: 354.

بموقوف عليه الواجب[1]، ولا بالحمل الشائع مقدمة[2] له، وإنما كان المقدمة هو نفس المعنونات بعناوينها الأولية[3]، والمقدمية إنما تكون علة لوجوبها.

الأمر الرابع[4]: لا شبهة في أن وجوب المقدمة - بناءً على الملازمة - يتبع في الإطلاق

-------------------------------------------------------------------

نعم، سبب ترشّح الوجوب من الصلاة إلى ذات الوضوء هو عنوان المقدمية، لكن هذا العنوان لم يؤخذ في متعلّق الوجوب.

وبعبارة أخرى: إن عنوان المقدميّة (حيثٌ تعليلي) لا (حيثٌ تقييدي).

[1] أي: لا يتوقف الواجب النفسي - كالصلاة - على عنوان المقدمية، ومن المعلوم أن الوجوب الغيري يترشح على ما يتوقف عليه الواجب لا على ما لا يتوقف عليه.

[2] ما كان بالحمل الشائع مقدمة هو الوجود الخارجي للمقدمة.

[3] كذات الوضوء، فإن عنوانه الأصلي هو الوضوء، وليس عنوان المقدمية عنواناً أصلياً له.

الأمر الرابع: في المقدمة الموصلة

اشارة

[4] من الأمور التي قدّمها المصنف تمهيداً لبحث مقدمة الواجب، فكان الأمر الأول: حول أصولية المسألة وعقليتها، والأمر الثاني: في تقسيمات المقدمة، والأمر الثالث: في تقسيمات الواجب، والآن يذكر المصنف الأمر الرابع: في كيفية تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذي المقدمة، والأقوال أربعة:

1- لصاحب المعالم(1):

وهو أنّ وجوب المقدمة تابع لإرادة ذي المقدمة، أي: إن قصد ذا المقدمة فالمقدمة واجبة، وإن لم يقصده فلا تجب.

2- للشيخ الأعظم(2):

بأن وقوع المقدمة على صفة الوجوب تابع لإرادة ذي المقدمة، أي: لو قلنا بالملازمة فالمقدمة واجبة، لكن لو أتى بها من غير قصد ذي

ص: 90


1- معالم الدين: 71.
2- مطارح الأنظار 1: 354.

والاشتراط[1]

-------------------------------------------------------------------

المقدمة لم تقع على صفة الوجوب.

فالفرق بين القولين: إن الأول كان أصل الوجوب متوقف على الإرادة، والثاني كان الوجوب ثابت سواء أراد أم لم يُرد، لكن إذا لم يُرد ذا المقدمة لم تكن المقدمة مصداقاً للواجب.

3- لصاحب الفصول(1):

بأن الواجب خصوص المقدمة الموصلة، أي: لو أوصلت إلى ذي المقدمة انكشف بأنها كانت متصفة بالوجوب، حتى لو لم يقصد ذا المقدمة، وإن لم توصل إلى ذي المقدمة انكشف بأنها لم تكن واجبة، حتى لو قصد ذا المقدمة، فمن توضأ إن صلّى الفريضة بذلك الوضوء انكشف وجوب وضوئه، وإن لم يصلِّ الفريضة انكشف عدم وجوبه.

والفرق بين هذا وبين الثاني، هو بالعموم من وجه، فلو قصد بالوضوء الإتيان بالصلاة ثم لم يأت بها فالوضوء وقع على صفة الوجوب بناءً على الثاني، ولم يقع على صفة الوجوب بناءً على الثالث، ولو لم يقصد به الصلاة لكنه بدا له الصلاة فصلّى، فليس بواجب على الثاني وواجب على الثالث، ومورد الاجتماع ما لو أراد بالوضوء الصلاة ثم أتى بها.

4- للمصنف: بأن المقدمة واجبة - بناءً على الملازمة - سواء قصد التوصل أم لم يقصد، وسواء أتى بذي المقدمة أم لم يأت، فقطع الطريق للحج واجب بالوجوب الغيري مطلقاً.

[1] فلو كان ذو المقدمة واجباً مطلقاً - كالصلاة - وجبت مقدمته مطلقاً أيضاً، ولو كان واجباً مشروطاً - كالحج - ، فوجوب مقدمته تابعة للشرط أيضاً، فلا تجب الراحلة إلاّ بعد تحقق الاستطاعة مثلاً؛ وذلك لأن وجوب المقدمة معلول لوجوب ذي المقدمة، فمع عدم الشرط تنتفي العلة فينتفي المعلول، ومع وجود العلة - إما

ص: 91


1- الفصول الغروية: 81.

وجوب ذي المقدمة، كما أشرنا إليه في مطاوي كلماتنا[1].

ولا يكون[2] مشروطاً بإرادته، كما يوهمه[3] ظاهر عبارة صاحب المعالم في بحث الضد، قال: «وأيضاً فحجة[4] القول بوجوب المقدمة - على تقدير تسليمها - إنما تنهض دليلاً على الوجوب في حال كون المكلف مريداً للفعل المتوقف عليها، كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر»(1).

وأنت خبير[5] بأن نهوضها على التبعية واضح لا يكاد يخفى، وإن كان نهوضها[6] على أصل الملازمة لم يكن بهذه المثابة، كما لا يخفى.

-------------------------------------------------------------------

لكون الوجوب مطلقاً أو لتحقق الشرط في المشروط - يوجد المعلول.

[1] كقوله في أوائل الأمر الثالث حين تقسيم الواجب إلى المطلق والمشروط: (ثم الظاهر دخول المقدمات الوجودية للواجب المشروط في محل النزاع... غاية الأمر تكون في الإطلاق والاشتراط تابعة لذي المقدمة كأصل الوجوب).

القول الأول: الوجوب حين إرادة ذي المقدمة

[2] أي: لا يكون وجوب المقدمة مشروطاً بإرادة ذي المقدمة.

[3] وإنّما قال: «يوهمه» لاحتمال أن يكون مقصود صاحب المعالم هو القول الثاني الذي اختاره الشيخ، فقوله: «على الوجوب» كما يحتمل أن يكون (أصل وجوب المقدمة)، كذلك يحتمل أن يكون المراد (وقوع المصداق على صفة الوجوب).

[4] وهو الاستدلال بأنه لو لم تجب المقدمة لجاز تركها... الخ، وسيأتي تفصيله، «تسليمها» أي: تسليم الحجة.

[5] في الإشكال على هذا القول، «نهوضها» أي: نهوض الحجة، «التبعية» أي: في الإطلاق والاشتراط، «لا يكاد يخفى» لما ذكرناه من أن المعلول تابع للعلة.

[6] أي: دليل أصل الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة غير تام، ولكن لو سلمناه فإن دلالته على التبعية واضحة وجلية، «بهذه المثابة» من الوضوح.

ص: 92


1- معالم الدين: 71.

وهل يعتبر[1] في وقوعها على صفة الوجوب أن يكون الإتيان بها بداعي التوصل بها إلى ذي المقدمة - كما يظهر مما نسبه إلى شيخنا العلامة (أعلى الله مقامه) بعض أفاضل مقرري بحثه -(1)

أو ترتب[2] ذي المقدمة عليها بحيث لو لم يترتب عليها لكشف عن عدم وقوعها على صفة الوجوب - كما زعمه صاحب الفصول -(2)

أو لا يعتبر في وقوعها كذلك[3] شيء منهما؟

الظاهر عدم الاعتبار.

أما عدم اعتبار قصد التوصل[4]:

-------------------------------------------------------------------

[1] شروع في بيان سائر الأقوال، «وقوعها» وقوع المقدمة، «على صفة الوجوب» بأن يكون الفعل الذي أتى به مصداقاً للواجب.

[2] أي: أو هل يعتبر في وقوعها على صفة الوجوب أن تُوصِل إلى ذي المقدمة - سواء قصده أم لا -؟ «لم يترتب» ذو المقدمة، «عليها» على المقدمة.

[3] أي: على صفة الوجوب، «منهما» قصد التوصل، وترتّب ذي المقدمة.

القول الثاني: اشتراط الواجب بقصد التوصل

[4] من أدلة اعتبار قصد التوصل هو أنه لو لم يقصد التوصل إلى ذي المقدمة فلا يكون ممتثلاً للأمر الغيري في المقدمة، كمن ذهب إلى مكّة للسياحة ثم بدا له الإتيان بالحج، فلا يكون سيره إلى مكة امتثالاً للأمر الغيري.

والمصنف في مقام مناقشة هذا القول يذكر عدة نقاط:

1- إن ملاك الوجوب موجود حتى لو لم يقصد التوصل، فإن سبب وجوب قطع المسافة هو التمكّن من الحج، وهذا السبب كما هو موجود مع قصد التوصل كذلك موجود لو لم يقصد التوصّل.

2- ولذا يكون قطع المسافة مجزياً حتى لو لم يقصد الحج من غير حاجة إلى إعادته،

ص: 93


1- مطارح الأنظار 1: 354.
2- الفصول الغروية: 81.

فلأجل أن الوجوب لم يكن بحكم العقل[1] إلاّ لأجل المقدمية والتوقف، وعدم دخل

-------------------------------------------------------------------

فلا يقال للذي ذهب إلى مكة للسياحة ثم بدا له الحج: (كرّر قطع المسافة مرّة ثانية).

3- وعدم تحقق قصد الامتثال لو لم يقصد التوصل لا ربط له بالوجوب، فإن الامتثال هو الإطاعة وهي تتوقف على القصد، وأما الوجوب في التوصليات فلا يرتبط بالقصد، فمن غسل ثوبه لأجل النظافة - لا لأجل الصلاة - يكون فعله بالغسل متصفاً بالوجوب التوصلى، لكنه ليس امتثالاً للأمر بالغسل ولا ثواب فيه.

4- وتظهر الثمرة بين القول باعتبار قصد التوصل وعدم اعتباره، وتلك الثمرة هي بقاء المقدمة على حكمها السابق أو عدم بقائها.

مثلاً: لو توقف إنقاذ غريق على الدخول في ملك الغير بغير إذنه، فحينئذٍ يكون هذا الدخول واجباً على رأى المصنف مطلقاً، ولكن قد يكون فيها متجرّئاً لو لم يقصد التوصل.

وأما على رأي الشيخ فلو لم يقصد التوصل كان الدخول في ملك الغير باقياً على حرمته.

5- ولا يرد على كلامنا بأن المقدمة لو كانت محرمة - كما لو ذهب إلى الحج بالدابة المغصوبة - فلا يمكن أن تتصف بالوجوب؛ لاستحالة اجتماع الضدين مع وجود الملاك، وهو توقف ذي المقدمة عليها؛ وذلك لأن عدم اتصاف هذه المقدمة بالوجوب لأجل وجود المانع - وهو استحالة اجتماع الضدين - فلذا لا يؤثّر ملاك الوجوب، وهذا عكس ما نحن فيه، حيث إن الملاك للوجوب موجود من غير مانع، فلابد أن تتصف المقدمة بالوجوب حتى لو لم يقصد التوصل.

[1] إشارة إلى النقطة الأولى، وحاصلها: إن ملاك الوجوب هو التوقف، أي: توقف ذي المقدمة على المقدمة، ومن المعلوم أن هذا الملاك موجود سواء قصد

ص: 94

قصد التوصل فيه واضحٌ. ولذا(1) اعترف[1] بالاجتزاء بما لم يقصد به ذلك في غير المقدمات العبادية[2] لحصول[3] ذات الواجب. فيكون تخصيص الوجوب[4] بخصوص ما قصد به التوصل من المقدمة بلا مخصص، فافهم[5].

-------------------------------------------------------------------

التوصل أم لا، وبعبارة أخرى - كما قيل -(2):

لو كان قصد التوصل دخيلاً في ملاك الوجوب للزم الدور، حيث إن قصد التوصل موقوف على المقدّمية؛ إذ لا معنى لقصد التوصل بواسطة غير المقدمة، فلو توقفت المقدّمية على هذا القصد كان دوراً، «بحكم العقل» وكذا بحكم الشرع لو قلنا بالملازمة.

[1] إشارة إلى النقطة الثانية، «اعترف» الشيخ الأعظم، «بالاجتزاء» أي: الاكتفاء، «بما» أي: بمقدمةٍ، «به» الضمير للموصول، «ذلك» التوصل.

[2] وأما العبادية فقد مرّ أن الشيخ الأعظم اشترط قصد أمرها ليتحقق قصد القربة.

[3] هذا دليل الاجتزاء.

[4] أي: بوجود ملاك الوجوب في المقدمة التي لا يقصد بها التوصل، فلا وجه للقول بعدم وجوبها، وبعبارة أخرى: إن ملاك الوجوب هو التوقف، وهو موجود في المقدمة التي لا يقصد بها التوصل، كما أنه موجود في المقدمة التي يقصد بها التوصل، فلا فرق بينهما.

[5] لعله إشارة إلى أن مجرد الاجتزاء بالشيء لا يكون سبباً لاتصافه بصفة الوجوب، فإن حصول غرض المولى مسقط للأمر لا أنه سبب لوقوع الفعل واجباً، فغير المختار الذي حُمل إلى مكة قسراً لا يقع قطعه للمسافة على صفة الوجوب - لعدم كونه مختاراً - مع أن غرض المولى. وهو التمكن من الحج - قد تحقق، وبعبارة أخرى: لا يكون تخصيص الوجوب بالفعل الذي قُصد به التوصل من غير مخصص؛ وذلك لوجود المانع عن الوجوب في ما لم يقصد التوصل.

ص: 95


1- مطارح الأنظار 1: 354.
2- منتهى الدراية 2: 287.

نعم[1]، إنما اعتبر ذلك في الامتثال، لما عرفت من أنه لا يكاد يكون الآتي بها بدونه ممتثلاً لأمرها[2] وآخذاً في امتثال الأمر بذيها، فيثاب[3] بثواب أشق الأعمال. فيقع[4] الفعل المقدمي على صفة الوجوب ولو لم يقصد به التوصل كسائر الواجبات التوصليه[5]، لا على حكمه السابق[6] الثابت له لو لا عروض صفة

-------------------------------------------------------------------

[1] إشارة إلى النقطة الثالثة، «اعتبر ذلك» أي: قصد التوصل، «لما عرفت» في التذنيب الثاني، «بها» بالمقدمة، «بدونه» بدون قصد التوصل.

[2] لأن الطاعة عنوان قصدي، «وآخذاً» أي: لا يكاد يكون آخذاً، والمعنى: مع عدم قصد التوصل لا يكون فعله امتثالاً لأمرها الغيري، ولا شروعاً في امتثال أمر ذي المقدمة النفسي.

[3] أي: لكي يثاب، والمعنى: ولم يكن عمله شروعاً في امتثال ذي المقدمة حتى يكون ذو المقدمة شاقاً صعباً - لكثرة أو صعوبة مقدماته - فحينئذٍ يكون ثوابه أكثر؛ لأن العمل صار أشق وأصعب.

والحاصل: إن الثواب يترتب على قصد التوصل، أما الوجوب فلا يتوقف على هذا القصد.

[4] إشارة إلى النقطة الرابعة، أي: حيث كان ملاك الوجوب موجوداً حتى مع عدم قصد التوصل فحينئذٍ يقع الفعل المقدمي... الخ، ومن هنا يبيّن المصنف الثمرة بين القول باعتبار قصد التوصل وعدم القول به.

[5] حيث لا يتوقف اتصافها بالوجوب على قصد التوصل.

[6] عطف على (فيقع الفعل المقدمي على صفة الوجوب)، أي: ولا يبقى على حكمه قبل التوقف والمقدمية، بحيث لو كان مباحاً قبل أن يكون مقدمة، فيبقى على إباحته بعد المقدمية إلاّ إذا قصد التوصّل، وكذا في سائر الأحكام، «الثابت له» أي: للفعل.

ص: 96

توقف الواجب الفعلي المنجّز[1] عليه. فيقع الدخول في ملك الغير واجباً[2] إذا كان مقدمةً لإنقاذ غريق أو إطفاء حريق واجبٍ فعليٍ، لا حراماً[3]، وإن لم يلتفت[4] إلى التوقف والمقدمية. غاية الأمر[5] يكون حينئذٍ متجرئاً فيه. كما أنه[6] مع الالتفات يتجرأ بالنسبة إلى ذي المقدمة في ما لم يقصد التوصل إليه أصلاً. وأما إذا قصده[7] ولكنه لم يأت بها بهذا الداعي[8] بل بداعٍ آخر أكّده بقصد التوصل، فلا

-------------------------------------------------------------------

[1] «المنجّز» وصف توضيحي لقوله: (الفعلي)، أي: المقصود من الفعليّة هو التنجّز؛ وذلك لأن الواجب إذا لم يكن منجّزاً لم تجب مقدماته، «عليه» على الفعل.

[2] وترتفع حرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه؛ وذلك لأن الإنقاذ أو الإطفاء أهم، فيترجح عند التزاحم، وقوله: (واجب فعلي) لأنه لو لم يكن كذلك لم يتزاحم مع حرمة التصرّف.

[3] وتلك الحرمة هي حكم التصرف في ملك الغير قبل صيرورة التصرف مقدمة للإنقاذ أو الإطفاء.

[4] أي: الدخول الذي هو مقدمة للإنقاذ يصير واجباً، حتى لو دخل من غير نيّة الإنقاذ، وإنما دخل بنية التنزّه مثلاً.

[5] شروع في بيان صور التجرّي أو عدمه وهي صور ثلاث، «حينئذٍ» أي: حين عدم قصد التوصّل، «فيه» أي: في الدخول.

[6] أي: لو كان يعلم بالغريق أو الحريق، فدخل في ملك الغير من غير قصد لهما، فإنه لا يكون متجرئاً في دخوله لعلمه بأنه مقدمة للواجب، لكنه متجرئ بالنسبة إلى نفس الواجب - أي: الإنقاذ والإطفاء - حيث لم يقصد فعل الواجب.

[7] أي: قصد الواجب كالإنقاذ والإطفاء، ولكن ضمّ إلى هذا القصد قصداً آخر كالتنزه.

[8] أي: لم يأت بالمقدمة بداعي الواجب النفسي فقط، بل ضمّ إلى هذا الداعي داعياً آخر، «أكّده» أي: أكّد ذلك الداعي الآخر.

ص: 97

يكون متجرئاً أصلاً.

وبالجملة[1]: يكون التوصل بها إلى ذي المقدمة من الفوائد المترتبة على المقدمة الواجبة، لا أن يكون قصده قيداً وشرطاً لوقوعها على صفة الوجوب، لثبوت[2] ملاك الوجوب في نفسها بلا دخل له فيه أصلاً، وإلاّ[3] لما حصل ذات الواجب[4] ولما سقط الوجوب به[5]، كما لا يخفى.

ولا يقاس[6] على ما إذا أتى بالفرد المحرم منها، حيث يسقط به الوجوب مع أنه

-------------------------------------------------------------------

[1] حاصله: إن التوصل إلى ذي المقدمة هي ثمرة تترتب على المقدمة، وليس قصد التوصل شرطاً لاتصاف المقدمة بالوجوب، «بها» بالمقدمة، «قصده» أي: قصد التوصّل، «لوقوعها» أي: المقدمة.

[2] هذا دليل وجوب المقدمة حتى لو لم يقصد التوصل، «في نفسها» أي: ذات المقدّمة، «له» لقصد التوصل، «فيه» في الملاك.

[3] أي: لو كان قصد التوصل شرطاً في الواجب للزم إعادة المقدمة؛ وذلك لعدم تحقق الواجب - وهي المقدمة بقصد التوصل - فإن من يترك شرط الواجب لم يتحقق الواجب، فلابد له من الإعادة، مع وضوح أن من سافر إلى مكة للتنزّه ثم بدا له الإتيان بالحج لا يجب عليه تكرار قطع المسافة، بأن يرجع إلى بلده ثم يرجع إلى مكة.

[4] وهو الفعل بقصد التوصل.

[5] أي: وحيث لم يأت بالواجب فلا يسقط وجوب المقدمة، فلابد من التكرار، «به» أي: بالإتيان بغير قصد التوصل.

[6] إشارة إلى النقطة الخامسة، وحاصلها: إن الشيخ الأعظم أجاب عن عدم لزوم التكرار بأن الاجتزاء لا يدل على كون المقدمة مصداقاً للواجب، نظير الركوب على الدابة المغصوبة إلى الحج، فإنه يُجزي مع عدم اتصاف هذا الركوب بالوجوب لكونه محرّماً، وإلاّ لزم اجتماع الضدين.

ص: 98

ليس بواجب؛ وذلك[1] لأن الفرد المحرم إنما يسقط به الوجوب لكونه كغيره في حصول الغرض به بلا تفاوت أصلاً، إلاّ أنه[2] لأجل وقوعه على صفة الحرمة لا يكاد يقع على صفة الوجوب. وهذا بخلاف هاهنا[3]، فإنه إن كان كغيره مما يقصد به التوصل في حصول الغرض فلابد أن يقع[4] على صفة الوجوب مثله، لثبوت المقتضي فيه بلا مانع، وإلاّ[5] لما كان يسقط به الوجوب ضرورةً، والتالي[6] باطل

-------------------------------------------------------------------

وأجاب عنه المصنف بأن ملاك الوجوب موجود في ركوب الدابة المغصوبة، لكن منع عنه مانع اجتماع الضدين، فلا يقاس بما نحن فيه الذي لا يوجد مانع، «لا يُقاس» أي: لا تُقاس المقدمة بدون قصد التوصل، «منها» من المقدمة، «به» بالفرد المحرّم.

[1] هذا إشكال على جواب الشيخ.

[2] أي: الفرد المحرّم.

[3] أي: الفرد من غير قصد التوصل، «فإنه» فإن هذا الفرد، و«مما يقصد» صفة ل- (غيره) أي: كغيره الذي يقصد به التوصل، والمعنى أن الفرد بغير قصد التوصل كالفرد بقصد التوصل كلاهما يحصل بهما الغرض، ولا مانع عن الوجوب فيهما، فالمقتضي للوجوب ثابت - وهو حصول الغرض - والمانع مفقود، فلابد من الوجوب فيهما بلا فرق.

[4] أي: يقع ما لا يقصد به التوصل، «مثله» مثل الذي قُصد به التوصّل. «المقتضي فيه» أي: ملاك الوجوب في الفعل بلا قصد التوصل.

[5] أي: لو لم يكن المقتضي ثابتاً، «به» أي: بالفعل الذي لا يُقصد به التوصّل، وسبب عدم السقوط هو عدم تحقق الملاك والغرض من الأمر، وكلّما لم يتحقق الملاك كان الأمر باقياً بالضرورة.

[6] أي: عدم سقوط الوجوب بالمقدمة الفاقدة لقصد التوصل.

ص: 99

بداهةً، فيكشف هذا[1] عن عدم اعتبار قصده في الوقوع على صفة الوجوب قطعاً، وانتظر لذلك[2] تتمة توضيح.

والعجب[3] أنه شدد النكير على القول بالمقدمة الموصلة واعتبار[4] ترتب ذي المقدمة

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: سقوط الوجوب بهذه المقدمة، «قصده» قصد التوصل.

[2] لعدم اعتبار قصد التوصل؛ وذلك في قول المصنف: (قلت: نعم ولكن لا محيص... الخ).

[3] أي: إن الشيخ الأعظم أشكل على صاحب الفصول - في قوله بوجوب خصوص المقدمة الموصلة - بثلاثة إشكالات، وكلها ترد على كلام الشيخ الأعظم أيضاً في أن الواجب خصوص المقدمة التي قُصد بها التوصل، وهي:

1- سبب حكم العقل بوجوب المقدمة هو أن عدمها يوجب عدم ذي المقدمة، ولا فرق في ذلك بين ترتب ذي المقدمة أو عدم ترتبه.

2- إن القول بوجوب المقدمة الموصلة يستلزم وجوب مطلق المقدمة، حيث إن الأمر بالمقيَّد بقيد خارجي يستلزم الأمر بذات المقيّد.

3- شهادة الوجدان على أن طلب المقدمة يسقط بمجرد وجودها من غير انتظار تحقق المقدمة.

ولا يخفى أن هذه الإشكالات الثلاثة ترد على اعتبار قصد التوصل إلى ذي المقدمة، كما نسب ذلك إلى الشيخ الأعظم.

ثم اعلم أنه قيل: إن نسبة هذا القول إلى الشيخ الأعظم غير صحيحة، فإن كلام التقريرات يأبى عن ذلك، بل ظاهر التقريرات وكذا ظاهر كتاب الطهارة أنه يذهب إلى نفس ما ذهب إليه المصنف.

[4] عطف تفسيري لبيان معنى المقدمة الموصلة - الذى ذهب صاحب الفصول إلى وجوبها بالخصوص - .

ص: 100

عليها في وقوعها على صفة الوجوب(1) - على ما حرره بعض مقرري بحثه+(2) - بما[1] يتوجه على اعتبار قصد التوصل في وقوعها كذلك، فراجع تمام كلامه (زيد في علو مقامه) وتأمل في نقضه وإبرامه.

وأما عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة[2] عليها في وقوعها على صفة الوجوب: فلأنه[3]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: بإشكالاتٍ ترد بعينها على ما ذهب إليه من وجوب المقدمة التي قُصد بها التوصّل، «وقوعها» أي: وقوع المقدمة، «كذلك» أي: على صفة الوجوب.

القول الثالث: وجوب خصوص المقدمة الموصلة

اشارة

[2] خلافاً لصاحب الفصول، حيث اشترط في وجوب المقدمة إيصالها إلى ذي المقدمة، بمعنى أنه لو أتى بذي المقدمة فحينئذٍ نكتشف وجوب المقدمة التي أتي بها، وإن لم يأتِ بذي المقدمة اكتشفنا عدم وجوب المقدمة المأتي بها.

ثم إن المصنف يبدأ أولاً بالإشكال على المقدمة الموصلة ويذكر إشكالين، وربما عُدّت الإشكالات ثلاثة، ثم يذكر أدلة صاحب الفصول ويناقشها.

الإشكال الأول

[3] حاصل الإشكال: إن كل أمر وطلب إنما هو لأجل غرض، وليس الغرض إلاّ ما يترتب على فعل الواجب، مثلاً: الغرض من وجوب الصلاة هو النهي عن الفحشاء والمنكر، وهذا الغرض يترتب على فعل الصلاة الصحيحة.

وبعبارة أخرى: تصوُّر المولى للفائدة المترتبة على الشيء هو سبب لإصداره الأمر، والعبد بامتثاله يصل إلى تلك الفائدة خارجاً.

إذا اتضح ذلك نقول: في ما نحن فيه: الغرض من وجوب المقدمة هو التمكن من الإتيان بذي المقدمة، وهذا الغرض موجود في المقدمة الموصلة وغيرها، فلابد من

ص: 101


1- الفصول الغروية: 81.
2- مطارح الأنظار 1: 368.

لا يكاد يعتبر في الواجب[1] إلاّ ما له دخل في غرضه الداعي إلى إيجابه والباعث[2] على طلبه، وليس الغرض من المقدمة[3] إلاّ حصول ما لولاه لما أمكن حصول ذي المقدمة، ضرورة[4]

-------------------------------------------------------------------

وجوب كليهما، ولا وجه لاختصاص الموصلة بالوجوب مع عموم الغرض لغير الموصلة أيضاً.

وليس الغرض من وجوب المقدمة هو ترتب ذي المقدمة في الخارج، فإن هذا الترتّب ليس أثراً لجميع المقدمات في الغالب، فلا يمكن أن يكون غرضاً، فإن الغرض هو ما يترتب على فعل الواجب؛ وذلك لأن غالب الواجبات لا تتحقق بالإتيان بجميع مقدماتها، بل بعد الإتيان بجميع المقدمات يبقى المكلّف مختاراً بين فعل ذي المقدمة وبين تركه، مثلاً: من أتى بجميع مقدمات الحج من الزاد والراحلة وقطع المسافة إلى أن وصل إلى الميقات فهذا يمكنه الإتيان بالحج أو عدم الإتيان به. إذن، فالإتيان بالحج ليس مترتباً على فعل جميع المقدمات فلا يكون غرضاً من الأمر، وإنما المترتب على فعل المقدمات هو التمكن من الحج، ولا فرق في هذا التمكن بين المقدمات الموصلة والمقدمات غير الموصلة، كمن انصرف عن الحج حين وصوله إلى الميقات.

[1] أي: النفسي وهو ذو المقدمة.

[2] عطف تفسيري على (الداعي إلى إيجابه).

[3] أي: ليس الغرض من إيجاب المقدمة إلاّ التمكن من ذي المقدمة، «حصول ما» أي: حصول المقدمة التي، «لولاه» الضمير للموصول، أي: لو لا تلك المقدمة لم يتمكن من ذي المقدمة.

[4] بيان أن الغرض هو ما يترتب على الفعل، وفي وجوب المقدمة ليس الغرض هو الوصول إلى ذي المقدمة؛ لأن هذا لا يترتب على الوجوب، بل يترتب على شيء آخر هو اختيار المكلّف، «أنه» للشأن.

ص: 102

أنه لا يكاد يكون الغرض إلاّ ما يترتب عليه[1] من فائدته وأثره، ولا يترتب[2] على المقدمة إلاّ ذلك، ولا تفاوت فيه[3] بين ما يترتب عليه الواجب وما لا يترتب عليه أصلاً، وأنه لا محالة[4] يترتب عليهما، كما لا يخفى.

وأما ترتب الواجب[5]، فلا يعقل أن يكون الغرض الداعي إلى إيجابها والباعث على طلبها، فإنه[6] ليس بأثر تمام المقدمات - فضلاً عن إحداها - في غالب الواجبات[7]، فإن الواجب إلاّ ما قلَّ في الشرعيات والعرفيات فعل اختياري يختار

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: إلاّ ما يترتب خارجاً على الفعل؛ وذلك الذي يترتب هو أثر الفعل وفائدته.

[2] أي: والحال أن الشيء الذي يترتب على المقدمة هو التمكن، «ذاك» أي: التمكن من ذي المقدمة.

[3] أي: في الغرض، والمعنى أن هذا الغرض - وهو التمكن - يترتب على المقدمة الموصلة وعلى المقدمة غير الموصلة، فلا فرق بينهما، وحيث إن الوجوب تابع للغرض وكان الغرض في كليهما، فلابد من وجوبهما، لا وجوب خصوص الموصلة.

[4] عطف تفسيري لتوضيح الجملة السابقة، «أنه» الغرض، «عليهما» الموصلة وغير الموصلة.

[5] أي: ليس الغرض هو تحقق الواجب خارجاً؛ وذلك لأن تحقق الواجب لا يترتب على الإتيان بكل المقدمات.

[6] أي: فإن ترتب الواجب، أي: تحققه في الخارج.

[7] وهي الأفعال المباشريّة، وذلك لأن الأفعال على قسمين:

الأول: الفعل المباشري، وهو الذي يبقى اختيار الإنسان في الفعل أو تركه بعد الإتيان بجميع المقدمات، كالإكرام.

ص: 103

المكلف تارةً إتيانه بعد وجود تمام مقدماته وأخرى عدم إتيانه، فكيف يكون اختيار إتيانه[1] غرضاً من إيجاب كل واحدة من مقدماته مع عدم ترتبه على عامّتها - فضلاً عن كل واحدة منها - ؟

نعم، في ما كان الواجب من الأفعال التسبيبية والتوليدية[2] كان مترتباً لا محالة على تمام مقدماته، لعدم تخلف المعلول عن علته.

ومن هنا قد انقدح[3] أن القول بالمقدمة الموصلة يستلزم إنكار وجوب المقدمة في غالب الواجبات[4]، والقول بوجوب خصوص العلة التامة في خصوص الواجبات التوليدية.

فإن قلت[5]: ما من واجب إلاّ وله علة تامة، ضرورة استحالة وجود الممكن

-------------------------------------------------------------------

الثاني: الفعل التوليدي أو التسبيبي، وهو الذي لا يبقى اختيار للإنسان بعد فعل المقدمات، كالإحراق، فإنه بالإتيان بالمقدمة الأخيرة - كالإلقاء في النار - يتحقق الإحراق.

وفي غالب الواجب يبقى اختيار الإنسان في أن يفعل أو يترك، فإذن لا يترتب الفعل على الإتيان بالمقدمات، فلا يكون ترتّب الفعل غرضاً للإيجاب.

[1] أي: إتيان الفعل، والمقصود ترتب الإتيان، «عدم ترتبه» أي: عدم ترتب الواجب، «عامّتها» أي: جميعها.

[2] وهي التي تكون المقدمات علة تامة لذلك الفعل، فلا يبقى اختيار للإنسان بعد تحقق كل المقدمات، «كان» ذلك الواجب.

[3] هذا من تتمة الإشكال الأول، ويمكن عدّه إشكالاً آخر، «من هنا» بما ذكرناه من أن الغرض هو ما يترتب على الفعل... الخ.

[4] وهي الأفعال المباشريّة، «العلة التامة» وهي المقدمات في الأفعال التوليدية.

[5] حاصله: إن الأفعال المباشريّة أيضاً لها علة تامة؛ وذلك لاستحالة وجود المعلول من غير علة، «بدونها» أي: بدون العلة.

ص: 104

بدونها، فالتخصيص[1]بالواجبات التوليدية بلا مخصص.

قلت: نعم[2]، وإن استحال صدور الممكن بلا علة، إلاّ أن مبادئ اختيار[3] الفعل الاختياري من أجزاء علته، وهي لا تكاد تتصف بالوجوب، لعدم كونها بالاختيار[4]، وإلاّ لتسلسل[5]، كما هو واضح لمن تأمل.

ولأنه[6]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: تخصيص وجوب المقدمة بناء على المقدمة الموصلة.

[2] حاصل الجواب: إن كل معلول له علة، لكن في الأفعال المباشرية الجزء الأخير من العلة هو الاختيار ومقدماته، ومن مقدماته الإرادة، والإرادة غير اختيارية، فلذا لا يمكن تعلّق التكليف بالعلة التامة، حيث إن بعض أجزائها غير اختيارية.

نعم، التكليف يتوجه إلى الأجزاء الاختيارية، لكنها ليست بعلة تامة.

[3] ومنها: الإرادة ومقدماتها، أي: علة الفعل الاختياري، و«هي» أي: تلك المبادئ.

[4] ولا يصح تعلّق التكليف إلاّ بالشيء الاختياري.

[5] أي: لو كانت الإرادة من الأمور الاختيارية للزم التسلسل؛ لأن اختيارية الإرادة بمقدماتها ومنها إرادة أخرى، وتلك الإرادة الأخرى أيضاً اختيارية فمن مقدماتها إرادة ثالثة... وهكذا.

لكن لا يخفى قد مرّ الإشكال على هذا الكلام في (بحث الطلب والإرادة)، وذكرنا أن اختيارية كل شيء بالإرادة، واختيارية الإرادة بنفسها لا بإرادة أخرى، فراجع.

الإشكال الثاني

[6] معطوف على قوله: (فلأنه لا يكاد يعتبر في الواجب...) وهذا هو الإشكال الثاني على القول بالمقدمة الموصلة، وحاصله: إن الوجدان شاهد على سقوط طلب المقدمة بمجرد الإتيان بها بلا انتظار الإتيان بذي المقدمة، مع أنه لو كان الواجب خصوص المقدمة الموصلة لما سقط طلب المقدمة، بل يُراعي سقوطه

ص: 105

لو كان معتبراً فيه[1] الترتب لما كان الطلب يسقط بمجرد الإتيان بها من دون انتظار لترتب الواجب عليها، بحيث[2] لا يبقى في البين إلاّ طلبه وإيجابه كما[3] إذا لم تكن

-------------------------------------------------------------------

بالإتيان بذي المقدمة.

مثلاً: من قطع المسافة إلى مكة سقط عنه طلب قطع المسافة وجداناً، ولكن على القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة يلزم عدم سقوط هذا الطلب إلاّ بعد الإتيان بالحج، مع أن الوجدان شاهد بسقوط طلب قطع المسافة بمجرد الوصول إلى مكة.

وليس سقوط طلب المقدمة إلاّ لامتثاله، فإن الأمر يسقط إما بالموافقة أو بالمخالفة أو بفوات الموضوع.

فالأول: كما لو أمره بالصلاة، فصلّى صلاة صحيحة، فتفرغ ذمته عن التكليف بالصلاة.

والثاني: كما لو أمره بالصلاة على الميّت، فلم يُصلِّ عصياناً إلى أن دُفن الميت، فتسقط الصلاة عليه.

والثالث: كالسابق ولكن مع فقدان جثة الميّت.

وفي ما نحن فيه، الذي يأتي بالمقدمة فقبل الإتيان بذي المقدمة يسقط طلب المقدمة، وليس هذا عاصياً، ولا الموضوع فائتاً، فلم يبق إلاّ أنه امتثل الأمر، وهذا يكشف عن أن الواجب ليس خصوص المقدمة الموصلة، وإلاّ لم يكن ممتثلاً ولم تكن الموافقة حاصلة.

[1] في اتصاف المقدمة بالوجوب، «لما كان الطلب» أي: الطلب الغيري المتعلَّق بالمقدمة.

[2] متعلق ب- (يسقط)، «إلاّ طلبه» أي: طلب الواجب النفسي، و«إيجابه» عطف تفسيري على (طلبه).

[3] أي: يمتنع هنا تعلق الوجوب الغيري كما يمتنع في موردين، أحدهما: إذا لم يكن الشيء مقدمة فلا معنى لترشّح الوجوب إليه، والثاني: إذا كان مقدمة لكنّها

ص: 106

هذه بمقدمته أو كانت حاصلة من الأول قبل إيجابه، مع[1] أن الطلب لا يكاد يسقط إلاّ بالموافقة، أو بالعصيان والمخالفة، أو بارتفاع موضوع التكليف - كما في سقوط الأمر بالكفن أو الدفن بسبب غرق الميت أحياناً[2] أو حرقه - ، ولا يكون[3] الإتيان بها - بالضرورة - من هذه الأمور غير الموافقة.

إن قلت[4]: كما يسقط الأمر بتلك الأمور، كذلك يسقط بما ليس بالمأمور به

-------------------------------------------------------------------

تحقّقت قبل وجوب ذي المقدمة، كما لو ذهب إلى مكة قبل وجوب الحج عليه، فبعد وجوب الحج لا معنى لترشح الوجوب على هذه المقدمة؛ لأنه من طلب الحاصل.

وبعبارة أخرى: إنه مع الإتيان بالمقدمة وقبل الإتيان بذي المقدمة، فإنه يسقط طلبها، كما لو لم تكن مقدمةً، أو كما لو كانت موجودة قبل وجود ذي المقدمة، «إيجابه» أي: إيجاب ذي المقدمة.

[1] أي: وهنا نتسائل: لماذا سقط طلب المقدمة، هل للعصيان أم لفوات الموضوع أم للموافقة؟

والضرورة قاضية بعدم عصيان هذا المكلّف، ولا الموضوع فائت لتمكنه من تكرار المقدمة، فلم يبق إلاّ الموافقة، ومعنى الموافقة هو امتثال الأمر، وهذا يكشف عن أن الطلب لم يكن خاصاً بالمقدمة الموصلة.

[2] بحيث لم يتمكن من جثته أصلاً.

[3] وصورة البرهان - وهو من القياس الاستثنائي - هكذا:

1- لو كان ترتب ذي المقدمة معتبراً في وجوب المقدمة لم يسقط الطلب بمجرد الإتيان بالمقدمة.

2- لكن الطلب يسقط، لا للعصيان ولا لفوات الموضوع، بل لأجل الموافقة.

3- فترتب ذي المقدمة غير معتبر في وجوب المقدمة.

[4] حاصله: الإشكال على حصر مسقطات الطلب في ثلاثة، بل هناك مُسقط

ص: 107

في ما يحصل به الغرض[1] منه، كسقوطه[2] في التوصليات بفعل الغير أو المحرمات.

قلت[3]: نعم[4]، ولكن لا محيص عن أن يكون ما يحصل به الغرض من الفعل

-------------------------------------------------------------------

رابع وهو حصول الغرض، كما لو أمر المولى عبده زيداً بأن يسقيه الماء، فبادر عمرو فسقاه الماء، فإن التكليف يسقط عن زيد لتحقق غرض المولى.

وفي ما نحن فيه كذلك، ليس سقوط طلب المقدمة حين الإتيان بها قبل تحقق ذي المقدمة بسبب الموافقة، بل بسبب حصول غرض المولى من الأمر الغيري المتعلّق بالمقدمة، وهذا نظير ما لو قطع المسافة بالدابة المغصوبة، فليس هذا القطع مأموراً به - لاستحالة اجتماع الضدين - بل هو منهي عنه، لكن حيث يحصل به غرض المولى في الوصول إلى مكة لذلك يسقط الأمر الغيري المتعلّق بقطع المسافة، وكذا نظير ما لو أتى الغير بالمأمور به فيسقط التكليف عن المكلّف، مع أنه لا موافقة ولا عصيان ولا فوات الموضوع.

[1] أي: بالفعل الذي يحصل به الغرض من المأمور به.

[2] أي: نظير سقوط الأمر، «في التوصليات» التي يكون الغرض منها هو تحقق الفعل بأية كيفية كانت، فإذا أتى بها الغير أو أتي بها بكيفية محرمة سقط التكليف، كما لو طلب منه غسل الثوب فغسله غيره أو غسله بماء مغصوب.

[3] حاصله: إن مقدمة الواجب إذا كانت محقِّقةً للغرض وكانت فعلاً اختيارياً ولم تكن حراماً فلابد أن تكون مأموراً بها.

والمقدمة غير الموصلة محققة للغرض، وهي فعل اختياري وليست بمحرّمة، فلابد أن تكون مأموراً بها؛ لعدم الفرق بينها وبين الموصلة أصلاً، فتخصيص الوجوب بخصوص الموصلة بلا وجه.

[4] أي: نُسلّم أن تحقق الغرض مسقط رابع للأمر، ولكنه في ما نحن فيه لا يكون تحقق الغرض إلاّ لأجل الموافقة.

ص: 108

الاختياري للمكلف متعلقاً للطلب في ما لم يكن فيه مانع[1] - وهو كونه بالفعل[2] محرماً - ، ضرورة[3] أنه لا يكون بينهما تفاوت أصلاً. فكيف[4] يكون أحدهما متعلقاً له فعلاً دون الآخر؟

وقد استدل صاحب الفصول على ما ذهب إليه بوجوه[5]، حيث قال - بعد بيان

-------------------------------------------------------------------

[1] والحاصل: إنه لو اجتمعت أمور ثلاثة فلابد من تعلّق الأمر: 1- أن يكون محصِّلاً للغرض الإلزامي، 2- أن يكون فعلاً اختيارياً، 3- أن لا يكون مانعاً عن توجّه الأمر إليه.

[2] «هو» المانع، «كونه» كون ما يُحصِّل الغرض، «بالفعل» لا في مرحلة الاقتضاء والإنشاء، بل الحرمة الفعليّة حيث لا يمكن اجتماعها مع الوجوب الفعلي.

[3] دليل توجّه الطلب إلى ما يحصل به الغرض إذا لم يكن مانع وكان اختيارياً، «بينهما» بين الموصلة وغير الموصلة.

[4] أي: مع وجود المقتضي لتعلّق الطلب وعدم وجود المانع، يكون تعلّق الطلب بأحدهما دون الآخر ترجيحاً بلا مرجِّح، «أحدهما» أي: الموصلة، «له» للتكليف، «دون الآخر» غير الموصل.

أدلة أربع على وجوب خصوص المقدمة الموصلة

اشارة

[5] الأول: إن الحاكم بالملازمة هو العقل، والعقل لا يحكم إلاّ بالملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة الموصلة فقط دون غيرها، وهذا دليل وجداني.

الثاني: إن الملازمة بين شيئين إذا كانت بحكم العقل، فإنه لا يمكن الانفكاك بين المتلازمين أو اللازم والملزوم، وفي ما نحن فيه عدم الانفكاك إنما هو بين الواجب وبين المقدمة الموصلة، حيث لا يصحّ أن يقول الآمر: لا أريد المقدمة الموصلة، وأما المقدمة غير الموصلة فيمكن تصريح الآمر بعدم إرادته لها.

الثالث: إن الغرض من وجوب المقدمة هو الوصول إلى ذي المقدمة، وهذا الغرض خاص بالمقدمة الموصلة دون غيرها.

ص: 109

أن التوصل بها إلى الواجب من قبيل شرط الوجود لها[1]، لا من قبيل شرط الوجوب[2] - ما هذا لفظه: «والذي يدلّك على هذا - يعني الاشتراط بالتوصل[3] - أن وجوب[4] المقدمة لما كان من باب الملازمة العقلية، فالعقل لا يدل عليه زائداً على القدر المذكور.

وأيضاً[5] لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم: أريد الحج وأريد المسير الذي يتوصل به إلى فعل الواجب دون ما لم يتوصل به إليه، بل الضرورة[6] قاضية بجواز تصريح الآمر بمثل ذلك[7]، كما أنها[8] قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيتها له

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: شرط وجود الواجب، «لها» للمقدمة.

[2] كي لا يلزم طلب الحاصل، فإن اشتراط وجوبها بوجود ذي المقدمة معناه اشتراط وجوبها بوجود نفسها - إذ لا يمكن وجود ذيها إلاّ بعد وجودها - فمع وجودها لا معنى لوجوبها، فإنه طلب للحاصل.

[3] أي: اشتراط اتصاف المقدمة بالوجوب بكونها موصلة.

[4] هذا دليله الأول، «عليه» أي: على الوجوب، «القدر المذكور» أي: الموصلة.

[5] هذا دليله الثاني، «دون ما» أي: دون مسيرٍ، «به» الضمير للموصول، «إليه» إلى الحج.

[6] لعل وجه الاضراب لأن عدم إباء العقل قد يكون بسبب عدم العلم بالواقع، فلا يرى العقل محذوراً لعدم علمه بالمحذور، عكس قضاء الضرورة، فإنه بعد العلم والإطلاع.

[7] أي: إرادة المسير الموصل دون المسير غير الموصل.

[8] أي: الضرورة تقتضي بقبح عدم مطلوبية المقدمة الموصلة - سواء في ضمن عدم مطلوبية مطلق المقدمة أم عدم مطلوبيتها بالخصوص - وقد عرفت سبب القبح، وهو التفكيك بين المتلازمين، أو بين اللازم وملزومه، «مطلوبيتها» المقدمة،«مطلقاً»

ص: 110

مطلقاً أو على تقدير التوصل بها إليه، وذلك[1] آية عدم الملازمة بين وجوبه ووجوب مقدماته على تقدير عدم التوصل بها إليه.

وأيضاً[2] حيث إنّ المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها إلى الواجب وحصوله، فلا جرم[3] يكون التوصل بها إليه وحصوله معتبراً في مطلوبيتها، فلا تكون مطلوبة إذا انفكت عنه[4]، وصريح الوجدان[5] قاضٍ بأن من يريد شيئاً لمجرد[6] حصول شيء آخر لا يريده إذا وقع مجرداً عنه، ويلزم منه[7] أن يكون وقوعه على الوجه

-------------------------------------------------------------------

موصلة وغير موصلة، «بها» بالمقدمة، «إليه» إلى الواجب.

[1] أي: جواز التصريح بعدم إرادة غير الموصل، «وجوبه» أي: وجوب ذي المقدمة.

[2] هذا دليله الثالث، وهو استدلال بالغرض، فإن الوجوب تابع للغرض، ولا غرض في غير الموصلة، فلا وجوب لها، «المطلوب بالمقدمة» أي: الغرض المترتب على المقدمة.

[3] لأن الحكم - سعة وضيقاً، وجوداً وعدماً - تابع للغرض، «بها» بالمقدمة، «إليه» إلى الواجب، و«معتبراً» خبر يكون.

[4] أي: عن الواجب - وهو ذو المقدمة - .

[5] هذا شاهد وجداني للدليل الثالث، فإنا نجد في أنفسنا أن الغرض من طلب المقدمات إنما هو الوصول إلى ذي المقدمة فقط.

[6] أي: ليست إرادة ذلك الشيء - وهو المقدمة - إلاّ لأجل حصول شيء آخر الذي هو ذو المقدمة، فلا يريد المقدمة لغرض فيها، «لا يريده» أي: لا يريد ذلك الشيء - الذي هو المقدمة - «عنه» عن الشيء الآخر الذي هو ذوالمقدمة.

[7] أي: من صريح الوجدان، «وقوعه» وقوع الشيء الذي هو المقدمة، «الوجه المطلوب» أي: مأموراً به، «بحصوله» حصول الشيء الآخر الذي هو ذو المقدمة.

ص: 111

المطلوب منوطاً بحصوله»(1)

انتهى موضع الحاجة من كلامه (زيد في علو مقامه).

وقد عرفت[1] بما لا مزيد عليه أن العقل الحاكم بالملازمة دل على وجوب مطلق المقدمة، لا خصوص ما إذا ترتب عليها الواجب، في ما لم يكن هناك مانع[2] عن وجوبه - كما إذا كان بعض مصاديقه محكوماً فعلاً بالحرمة - ، لثبوت[3] مناط الوجوب حينئذٍ في مطلقها وعدم اختصاصه[4] بالمقيد بذلك منها.

-------------------------------------------------------------------

الإشكال على الدليل الأول

[1] أي: نُسلّم أن الحاكم بالملازمة هو العقل، لكن حكمه عام للموصلة وغير الموصلة؛ وذلك لما مرّ في ردّ القول الثاني حيث قال المصنف: (أن الوجوب لم يكن إلاّ لأجل المقدمية والتوقف... الخ).

وحاصله: إن الملازمة ثابتة بحكم العقل للموصلة وغير الموصلة؛ لأن سبب وجوب المقدمة هو (التمكن على ذي المقدمة) وهذا السبب موجود في الموصلة وغيرها.

ولا يخفى أن هذا الإشكال وارد أيضاً على دليله الثاني والثالث.

[2] أي: المقتضي للوجوب في كل المقدمات موجود. نعم، قد لا يحكم العقل بالوجوب في بعض المقدمات لوجود المانع، كما لو كانت المقدمة محرمة، وأمّا المقدمة غير الموصلة فلا مانع فيها، فلابد من حكم العقل بوجوبها أيضاً.

[3] هذا دليل حكم العقل بوجوب مطلق المقدمة، «مناط الوجوب» أي: المقتضي له - وهو التمكن على ذي المقدمة - «حينئذٍ» أي: حين عدم المانع، «مطلقها» أي: مطلق المقدمات - موصلة أو غير موصلة - .

[4] «عدم» معطوف على (ثبوت مناط...)، «اختصاصه» أي: المناط، «بذلك» أي: بالموصلة، «منها» من المقدمات.

ص: 112


1- الفصول الغروية: 86، مع اختلاف يسير.

وقد انقدح منه[1]: أنه ليس للآمر الحكيم الغير(1)

المجازف بالقول ذلك التصريح[2]. وأن دعوى أن الضرورة قاضية بجوازه مجازفة، كيف يكون ذا[3]؟! مع ثبوت الملاك في الصورتين بلا تفاوت أصلاً، كما عرفت.

نعم[4]، إنما يكون التفاوت بينهما في حصول المطلوب النفسي في إحداهما وعدم

-------------------------------------------------------------------

الإشكال على الدليل الثاني

[1] «منه» من وجود الملاك في مطلق المقدمات، وحاصل الإشكال هو: عدم التسليم بصحة هذا التصريح، بل الضرورة قاضية بعدم صحته؛ وذلك لأن ملاك الوجوب موجود في غير الموصلة أيضاً، وذلك الملاك هو التمكن من فعل ذي المقدمة.

وبعبارة أخرى: لا تفاوت بين المقدمة الموصلة وغيرها في ملاك الوجوب وهو التمكن، وإنما التفاوت في فعل ذي المقدمة أو عدم فعله، وهذا لا يرتبط بملاك وجوب المقدمة.

مثلاً: لو سار ثلاثة إلى الحج في راحلة واحدة، وبعد الوصول إلى مكة حجَّ أحدهم، وترك الآخر الحج عمداً، وترك الثالث الحج اضطراراً لمانع كالمرض، فإن العقل لا يرى تفاوتاً بين هؤلاء الثلاثة في المقدمة، فالملاك للوجوب الغيري موجود في مسيرهم، وإنما التفاوت في الإتيان بالحج أو عدم الإتيان به، وهذا لا ارتباط له بملاك وجوب المقدمة، وإنما يرتبط بحسن اختيار المكلف أو سوء اختياره أو عدم توفيقه.

[2] أي: التصريح بعدم مطلوبية المقدمة غير الموصلة، «بجوازه» أي: بجواز التصريح.

[3] أي: كيف يمكن التصريح بعدم مطلوبية غير الموصلة؟ «الصورتين» الموصلة وغيرها.

[4] أي: التفاوت الموجود إنما هو في ذي المقدمة، لا في ملاك المقدمة، وهذا لا يوجب اختلافاً في وجوب المقدمات، «بينهما» الموصلة وغير الموصلة، «إحداهما»

ص: 113


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير المجازف».

حصوله في الأخرى، من دون دخل لها[1] في ذلك أصلاً، بل كان بحسن اختيار المكلف وسوء اختياره، وجاز للآمر[2] أن يصرح بحصول هذا المطلوب في إحداهما وعدم حصوله في الأخرى. بل من حيث إنّ الملحوظ بالذات[3] هو هذا المطلوب[4]، وإنما كان الواجب الغيري ملحوظاً إجمالاً بتبعه[5] - كما يأتي أن

-------------------------------------------------------------------

وهي الموصلة، «الأخرى» وهي غير الموصلة.

[1] للمقدمة، «ذلك» في حصول ذي المقدمة.

[2] أي: يجوز للآمر أن يصرّح بعدم حصول ذي المقدمة في غير الموصلة، وبحصول ذي المقدمة في الموصلة، لكن هذا لا يوجب تفاوتاً في المقدمة، بل التفاوت في ذي المقدمة.

[3] حاصله: في غير الموصلة يمكن للمولى أن يصرّح بعدم حصول مطلوبه، لكن ليس تصريحه هذا بمعنى عدم حصول مطلوبه الغيري، حتى يتخذ هذا التصريح ذريعة للقول بعدم وجوب غير الموصلة، بل صحة هذا التصريح باعتبار أن المطلوب الأصلي هو ذو المقدمة، وهو لم يحصل مع المقدمة غير الموصلة، فتعبيره في الحقيقة مسامحة، وإلاّ ففي الواقع فقد حصل المطلوب الغيري ولم يحصل المطلوب النفسي؛ ولذا يصح للمولى أن يقول: حصل ما أردته من المقدمات، ولم يحصل ما أردته من ذي المقدمة.

وبعبارة أخرى: ما يذكره المصنف هنا دفع لدخل مقدّر، وهو أن المولى يمكنه أن يصرّح بعدم حصول مطلوبه، في ما لو أتى بالمقدمة غير الموصلة، وهذا دليل عدم وجوبها، ودفعه: إن هذا تصريح مسامحي لا دقّي.

[4] أي: النفسي وهو ذو المقدمة.

[5] لأن وجوب المقدمة إنما هو بسبب ترشّح وجوب ذي المقدمة على المقدمة، فالمقدمة ليست مطلوبة بالذات، وإنما بتبع مطلوبية ذي المقدمة.

ص: 114

وجوب المقدمة على الملازمة تبعيّ[1] - جاز[2] في صورة عدم حصول المطلوب النفسي التصريح بعدم حصول المطلوب أصلاً، لعدم الالتفات[3] إلى ما حصل من المقدمة فضلاً عن كونها مطلوبة، كما جاز التصريح[4] بحصول الغيري مع عدم فائدته[5] لو التفت إليها، كما لا يخفى، فافهم[6].

إن قلت[7]: لعل التفاوت بينهما في صحة اتصاف إحداهما بعنوان الموصلية دون الأخرى أوجب التفاوت بينهما في المطلوبية وعدمها وجواز[8] التصريح بهما،

-------------------------------------------------------------------

[1] غالباً، فإنه سيأتي أن وجوبها قد يكون تبعياً وقد يكون أصلياً.

[2] قوله: «جاز» جزاء لقوله: (بل من حيث إن الملحوظ).

[3] أي: ذلك التصريح مسامحي، بسبب عدم ملاحظة المقدمة، ولا ملاحظة الأمر الغيري التبعي فيها.

[4] أي: يجوز التعبير الدقي؛ وذلك بالتصريح بحصول... الخ، وقوله: «لو التفت إليها» أي: في حالة الالتفات يصرّح هذا التصريح.

[5] أي: إن المطلوب الغيري حصل، لكن من غير فائدة - أي: من غير ترتب الغرض الأقصى - وهي حصول ذي المقدمة.

[6] لعلّه إشارة إلى أنه لو لم يكن مفيداً فلا معنى لتعلّق الوجوب الغيري به، اللهم إلاّ أن نقول: إن الغرض الأدنى - وهو التمكن - قد حصل، وهذا يكفي في فائدة الوجوب وخروجه عن اللغوية.

[7] حاصله: إن العقل يحكم بتساوي الأفراد إذا كانت الخصوصيات واحدة، وأما إذا اختلفت الخصوصيات فقد لا يحكم بتساويها، باعتبار أن لتلك الخصوصية دخلاً في حكمه، وفي ما نحن فيه تختلف الموصلة وغير الموصلة في وصف الإيصال، فلعل لهذا الوصف دخالة في حكمه بوجوب الموصولة دون غير الموصلة، حتى وإن كان أثرهما واحداً.

[8] أي: وفي جواز التصريح...، بمعنى أن نتيجة التفاوت في المطلوبية هي جواز

ص: 115

وإن لم يكن بينهما تفاوت في الأثر[1]، كما مر.

قلت[2]: إنما يوجب ذلك[3] تفاوتاً فيهما لو كان ذلك لأجل تفاوت في ناحية المقدمة، لا في ما إذا لم يكن في ناحيتها أصلاً، كما هاهنا، ضرورة[4] أن الموصلية إنما تنتزع من وجود الواجب[5] وترتبه عليها من دون اختلاف في ناحيتها، وكونها[6]

-------------------------------------------------------------------

أن يصرّح بأني أريد الموصلة ولا أريد غير الموصلة، «بهما» أي: بالمطلوبية وعدمها.

[1] وهو التمكن من الإتيان بذي المقدمة.

[2] حاصله: إن الخصوصيات قد توجب تفاوتاً في المطلوبية وعدمها إذا كانت توجب تغييراً في الذات أو في عوارض الذات، أما لو لم يكن هناك تغيير أصلاً وإنما كان الفارق أمراً انتزاعياً فلا يوجب تفاوتاً في المطلوبية.

وفي ما نحن فيه الإيصال وعدمه لا يوجب تفاوتاً في ذات المقدمة ولا في عوارضها، بل هو وصف انتزاعي بملاحظة الإتيان بذي المقدمة اختياراً، أو عدم الإتيان به لسوء الاختيار أو لعدم التوفيق، فالأشخاص الذين ذهبوا إلى الحج براحلة واحدة لا تفاوت في قطعهم للمسافة أصلاً، لا في ذاتها ولا في خصوصياتها العرضية، بل نحن ننتزع الإيصال أو عدمه حينما يأتي بعضهم بالحج ولم يأتِ بعضهم به.

[3] «يوجب ذلك» الاتصاف بوصف الإيصال أو عدمه، لو كان «ذلك» التفاوت.

[4] دليل أن الاتصاف بالموصلية لا يوجب تفاوتاً في المقدمة.

[5] أي: وجود ذي المقدمة كالحج في المثال، «ترتبه» الواجب، «عليها» على المقدمة.

[6] عطف على قوله: (أن الموصلية...) أي: كون المقدمة في صورتي الإيصال وعدمه.

ص: 116

في كلتا الصورتين على نحوٍ واحد وخصوصيةٍ واحدة، ضرورة[1] أن الإتيان بالواجب بعد الإتيان بها بالاختيار تارةً وعدم الإتيان به كذلك[2] أخرى لا يوجب تفاوتاً فيها، كما لا يخفى.

وأما ما أفاده+[3] من أن مطلوبية المقدمة حيث كانت بمجرد التوصل بها، فلا

-------------------------------------------------------------------

[1] دليل عدم التفاوت في المقدمة في كلتا الصورتين.

[2] أي: عدم الإتيان بالواجب «كذلك» أي: بالاختيار.

الإشكال على الدليل الثالث

[3] تضمّن الدليلُ الثالث أمرين:

1- إن الغرض هو التوصل إلى ذي المقدمة - وهذا صغرى البرهان - .

2- وإنه لو لم يتحقق التوصل لا تكون المقدمة مطلوبة لشهادة الوجدان - وهذا كبرى البرهان - .

والمصنف يستشكل على كلا الأمرين:

أما الأول: فقد عرفت أن الغرض ليس هو التوصل، بل هو التمكن من ذي المقدمة بالاختيار، والتمكن موجود في المقدمة غير الموصلة أيضاً، كما هو موجود في الموصلة.

وأما الثاني فيرد عليه: أولاً: لزوم انقلاب الواجب النفسي إلى واجب غيري، أي: يكون وجود ذي المقدمة مقدمةً لوجود المقدمة، فتحقق المقدمة يتوقف على قيد الإيصال، وهو متوقف على تحقق ذي المقدمة؛ إذ لو لا تحقق ذي المقدمة لما كانت المقدمة موصلة، فبالنتيجة كان تحقق المقدمة متوقفاً على تحقق ذي المقدمة، فصار وجود الحج - مثلاً - مقدمةً لمقدميّة قطع الطريق، وهذا مع وضوح بطلانه - حيث إن الحج ليس مقدمة - مستلزم للدور.

وثانياً: ما مرّ من أن الغرض ليس هو التوصل، بل التمكن، فتكون المقدمة مطلوبة حتى لو لم يتوصل بها إلى ذي المقدمة.

ص: 117

جرم يكون التوصل بها إلى الواجب معتبراً فيها. ففيه[1]: أنّه إنما كانت مطلوبيتها لأجل عدم التمكن من التوصل بدونها، لا لأجل التوصل بها، لما عرفت[2] من أنه ليس من آثارها، بل مما يترتب عليها أحياناً بالاختيار بمقدمات أخرى[3] - وهي مبادئ اختياره - ، ولا يكاد يكون مثل ذا[4] غاية لمطلوبيتها وداعياً إلى إيجابها.

وصريح الوجدان[5] إنما يقتضي بأن ما أريد لأجل غاية وتجرد عن الغاية بسبب عدم حصول سائر[6] ما له دخل في حصولها يقعُ على ما هو عليه من المطلوبية

-------------------------------------------------------------------

[1] حاصله: إن مطلوبية المقدمة إنما هو لأجل عدم التمكن من ذي المقدمة بدونها، فحيث يريد المولى ذا المقدمة نفسياً يريد المقدمة غيرياً أيضاً، وليس مطلوبيتها لأجل التوصل فعلاً، وهذا جواب عن صغرى البرهان.

[2] حيث ذكرنا أن الغرض هو ما يترتب على الشيء، وليس التوصل مما يترتب على المقدمة في الأفعال المباشريّة - وهي غالب التكاليف - ، «أنه» أن التوصل، «آثارها» أي: المقدمة، «أحياناً» فلا يكون غرضاً؛ لأن الغرض هو ما يترتب على الشيء دائماً.

[3] أي: مع مقدمات أخرى، وهي مبادئ الاختيار، فمن قَطَع المسافة للحج فوصل إلى مكة، فانه لا يتوصل إلى الحج إلاّ لو توفرت مبادئ الاختيار فاختار الحج.

[4] «ذا» أي: ما لا يترتب على الشيء دائماً، بل احياناً، «غاية» وذلك لما مرّ مراراً أن الغرض هو ما يترتب على الشيء دائماً، «مطلوبيتها» أي: المقدمة.

[5] هذا الردّ الأول على الكبرى - وهي عدم مطلوبية المقدمة لو لم يتوصل بها إلى ذي المقدمة - «ما أريد...» أي: المقدمة.

[6] أي: بسبب عدم حصول بقية المقدمات، فالمقدمة التي أتى بها تتصف بالمطلوبية، حتى مع عدم تحقق ذي المقدمة لأجل فقدان مقدمات أخرى و«يقع» خبر قوله: (بأن ما أريد...).

ص: 118

الغيرية، كيف[1]؟ وإلاّ يلزم أن يكون وجودها[2] من قيوده ومقدمة لوقوعه على نحوٍ[3] تكون الملازمة بين وجوبه[4] بذاك النحو ووجوبها، وهو كما ترى[5]، ضرورة أن الغاية لا تكاد تكون قيداً لذي الغاية بحيث كان تخلفها موجباً لعدم وقوع ذي الغاية على ما هو عليه من المطلوبية الغيرية، وإلاّ[6] يلزم أن تكون مطلوبة

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: المقدمة غير الموصلة كيف لا تقع على صفة المطلوبية؟ «وإلاّ» أي: لو لم تكن المقدمة غير الموصلة مطلوبةً للزم الانقلاب والدور - كما عرفت توضيحه - .

[2] أي: وجود الغاية وهي ذي المقدمة - كالحج في المثال - ، «من قيوده» أي: من قيود (ما أريد) وهو المقدمة كقطع المسافة، ثم فسر المصنف كيفية كونها من قيوده بقوله: «ومقدمة لوقوعه» أي: مقدمة لوقوع (ما أريد)، فالحج يكون مقدمةً للمقدمة.

[3] أي: لو كان وجود الحج مقدمةً كان وجوبه غيرياً، عن طريق الملازمة بين وجود المقدمة ووجود الحج، فإن وجود المقدمة الموصلة متوقف على الحج؛ إذ لو لا الحج لما كانت مقدمة موصلة.

[4] أي: وجوب (ما أريد) وهو المقدمة، «بذلك النحو» أي: بوجوب غيري، «وجوبها» أي: وجوب (الغاية) وهي الحج في المثال.

[5] أي: بطلانه واضح كما ترى؛ لاستحالة الدور وبطلان، انقلاب الواجب النفسي إلى واجب غيري، وقوله: (ضرورة...) بيان لوجه البطلان، «الغاية» كالحج، «ذي الغاية» كقطع المسافة، «تخلّفها» أي: الغاية بأن لم يأتِ بالحج، وحاصل المعنى: ضرورة أن الإتيان بالحج لا يكون قيداً لمطلوبية قطع المسافة.

[6] أي: لو كانت الغاية قيداً لذي الغاية، بحيث لو تخلّفت لم يكن مطلوباً، «تكون» الغاية كالحج، «مطلوبة» غيّرياً، «بطلبه» أي: بسبب طلب ذي الغاية، وهو قطع المسافة في المثال.

ص: 119

بطلبه كسائر قيوده[1]، فلا يكون[2] وقوعه على هذه الصفة منوطاً بحصولها كما أفاده[3].

ولعلّ منشأ توهمه[4] خلطه بين الجهة التقييدية والتعليلية.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: كبقية قيود ذي الغاية، أي: المقدمة، فإن ما يتوقف عليه المقدمة واجب غيري ناشئ من طلب المقدمة، مثلاً: قطع المسافة يتوقف على استئجار الدابة، فهذا الاستئجار يكون مطلوباً غيرياً بسبب طلب قطع المسافة، الذي هو أيضاً مطلوب غيري لأجل الحج.

[2] هذا نتيجة الإشكال على صاحب الفصول، والمعنى: حيث إنّ قيد الإيصال يوجب الدور والانقلاب فلا يكون هذا القيد مأخوذاً في المقدمة الواجبة، «وقوعه» أي: وقع ذي الغاية وهو المقدمة «هذه الصفة» أي: صفة الوجوب، «بحصولها» أي: بحصول الغاية وهو ذو المقدمة.

[3] أي: كما قاله صاحب الفصول(1)،

حيث ذكر أن وقوع المقدمة على صفة الوجوب منوط بالإيصال إلى ذي المقدمة.

[4] هذا توجيه لكلام صاحب الفصول، وحاصله: إن (التوصل) لا شك في دخالته في الوجوب الغيري، لكن لا بنحو التقييد، بل بنحو التعليل.

بيان ذلك: إن الوصف قد يكون جزءاً من الموضوع، فحينئذٍ بانتفاء الوصف ينتفي الموضوع - وهذا ما يُسمّى ب- (الحيث التقييدي) مثل قوله: صلّ خلف الإمام العادل، فوصف العدالة جزء للموضوع بحيث لو لم يكن إمام الجماعة عادلاً لما جازت الصلاة خلفه.

وقد يكون الوصف عِلة للحكم - لا جزءاً من الموضوع - فحينئذٍ بانتفاء الوصف لا ينتفي الموضوع، كما لو قال: (ينجس الماء المتغيّر) فوصف (التغيّر) عِلة لنجاسة ماء الكر، وليس جزءاً من الموضوع؛ ولذا لو زال التغيّر لا تزول النجاسة.

ص: 120


1- الفصول الغروية: 86.

هذا مع ما عرفت[1] من عدم التخلف[2] هاهنا، وأن الغاية إنما هو حصول ما لولاه لما تمكن من التوصل إلى المطلوب النفسي، فافهم واغتنم.

ثم[3]

-------------------------------------------------------------------

ومن الفروق بين الحيث التقييدي والتعليلي، هو عدم صحة الاستصحاب في الأول؛ وذلك لتبدّل الموضوع، وجواز الاستصحاب في الثاني، وذلك لبقاء الموضوع.

[1] هذا الردّ الثاني على الكبرى، «هاهنا» في المقدمة غير الموصلة.

والحاصل: إنه يرد على الكبرى إشكالان: الأول: استحالة أخذ التوصل قيداً في وجوب المقدمة للدور والانقلاب، والثاني: إن التوصل ليس هو الغرض كي يلزم عدم مطلوبية المقدمة غير الموصلة.

[2] أي: علة وجوب المقدمة لا تتخلّف عن مطلق المقدمة - سواء كانت موصلة أم غير موصلة - وذلك لأن علة الوجوب هي التمكن لا التوصل. ثم شرح المصنّف كيفية عدم التخلّف بقوله: (وأن الغاية... الخ).

الدليل الرابع: لوجوب المقدمة الموصلة، وجوابه

[3] وقد يستدل على وجوب خصوص المقدمة الموصلة دون غيرها بدليل رابع - غير الأدلة الثلاثة التي ذكرها صاحب الفصول - وهو صحة المنع عن المقدمة غير الموصلة، ولو كان ملاك الوجوب موجوداً في غير الموصلة لم يصح النهي عنها، لكنّا بالوجدان نرى صحة هذا النهي، وهذا دليل عدم وجود ملاك الوجوب في المقدمة غير الموصلة.

ثم لا يخفى الفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الثاني مما ذكره صاحب الفصول؛ لأن هذا في صحة المنع عن غير الموصلة، والوجه الثاني في التصريح بعدم إرادته لا المنع عنه.

ص: 121

إنه لا شهادة على الاعتبار[1] في صحة منع المولى عن مقدماته بأنحائها[2] إلاّ في ما إذا رتب عليه الواجب - لو سُلّم[3] - أصلاً، ضرورة[4] أنه وإن لم يكن الواجب منها حينئذٍ غير الموصلة إلاّ أنه[5] ليس لأجل اختصاص الوجوب بها في باب المقدمة،

-------------------------------------------------------------------

والجواب بوجهين:

الأول: لو سلمنا صحة المنع فنقول: إن الملاك يقتضي الوجوب إذا لم يوجد مانع، والمفروض أن منع المولى هو مانع عن تأثير المقتضي.

وأما صحة المنع فلأجل أنه قد تكون مفسدة في المقدمة، لكن مصلحة ذي المقدمة أقوى، وحينئذٍ فالمقدمة غير الموصلة فيها المفسدة مع عدم تعارضها بمصلحة أقوى؛ فلذا كان لابد من المنع عنها، أما المقدمة الموصلة فمفسدتها معارضة بمصلحة ذي المقدمة، التي هي أقوى، فلابد من وجوبها الغيري.

الثاني: استحالة المنع عن غير الموصلة لاستلزامه أحد محذورين: عدم وجوب ذي المقدمة، أو طلب الحاصل، وسيأتي توضيحه.

[1] أي: على اعتبار ترتب ذي المقدمة على المقدمة لكي تكون المقدمة واجبة، والمعنى: لا تشهد صحة المنع على اشتراط وجوب المقدمة بكونها موصلة، وقوله: «في صحة...» متعلق ب- (لاشهادة).

[2] أي: جميع المقدمات على اختلاف أوصافها وكيفياتها إلاّ الموصلة، «الواجب» أي: ذو المقدمة.

[3] أي: حتى لو سلّمنا بصحة هذا المنع فإنه لا يدل على وجوب خصوص الموصلة.

[4] بيان للجواب الأول، «أنه» للشأن، «منها» من المقدمات، «حينئذٍ» حين المنع.

[5] إن عدم وجوب غير الموصلة، «بها» بالموصلة، والمراد: إن عدم وجوب غير الموصلة ليس لأجل عدم الملاك فيها، بل لأجل وجود المانع مع أن الملاك موجود.

ص: 122

بل لأجل المنع عن غيرها المانع[1] عن الاتصاف بالوجوب هاهنا، كما لا يخفى.

مع أن[2] في صحة المنع عنه[3] كذلك نظراً. وجهه أنه يلزم[4] أن لا يكون تركُ الواجب حينئذٍ مخالفةً وعصياناً، لعدم التمكن شرعاً منه[5]، لاختصاص جواز

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: ذلك المنع يكون مانعاً عن اتصاف المقدمة غير الموصلة بالوجوب، «هاهنا» أي: في المقدمة غير الموصلة؛ وذلك لاستحالة اجتماع الأمر والنهي، فمع فعلية النهي لا يكون ملاك الأمر مؤثراً.

[2] بيان للجواب الثاني، وحاصله: إنه لا يمكن المنع عن المقدمة غير الموصلة، وذلك لمحذورين:

الأول: جواز ترك ذي المقدمة، وبيانه بعبارة الوصول: (إنه إذا كان جواز المقدمة متوقفاً على الإتيان بالواجب فقبل الإتيان بالواجب لا جواز للمقدمة، وحيث لا تجوز المقدمة يكون ذو المقدمة غير مقدور؛ لعدم التمكن شرعاً منه، والممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً)(1)،

انتهى.

االثاني: طلب الحاصل، وبيانه: إنه لا طلب للمقدمة إلاّ بعد الإتيان بذي المقدمة، حيث إن المطلوب هو خصوص الموصلة، ومن المعلوم أن الإتيان بذي المقدمة إنما هو بعد وجود المقدمة، وحينئذٍ فطلب إيجاد المقدمة يكون طلباً للحاصل.

[3] «عنه» عن المقدمات، والأولى تأنيث الضمير، «كذلك» في ما لم يترتب الواجب عليها.

[4] هذا إشارة إلى المحذور الأول، «أنه» للشأن، «حينئذٍ» أي: حين المنع عن غير الموصلة.

[5] «منه» أي: من الواجب؛ وذلك للنهي عن مقدمات الواجب، فيمتنع الواجب شرعاً؛ لامتناع مقدماته.

ص: 123


1- الوصول إلى كفاية الأصول 2: 163.

مقدمته بصورة الإتيان به. وبالجملة[1]: يلزم أن يكون الإيجاب مختصاً بصورة الإتيان، لاختصاص جواز المقدمة بها، وهو محال، فإنه يكون من طلب الحاصل المحال[2]، فتدبر جيداً.

بقي شيء[3] وهو: أن ثمرة القول بالمقدمة الموصلة هو تصحيح العبادة التي يتوقف

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا إشارة إلى المحذور الثاني، والتعبير بقوله: «وبالجملة» لأجل أن روح المحذورين واحد، فتأمل، «الإيجاب» أي: إيجاب ذي المقدمة، «الإتيان» بذي المقدمة، «بها» أي: بصورة الإتيان؛ لأن المفروض أن الواجب خصوص المقدمة الموصلة.

[2] قال المصنف في الهامش: (حيث كان الإيجاب فعلاً متوقفاً على جواز المقدمة شرعاً، وجوازها كذلك كان متوقفاً على إيصالها، المتوقف على الإتيان بذي المقدمة بداهة، فلا محيص إلاّ عن كون إيجابه على تقدير الإتيان به، وهو من طلب الحاصل الباطل)(1)، انتهى.

ثمرة المقدمة الموصلة
اشارة

[3] في ثمرة القول بالمقدمة الموصلة، وملخّصها: إنه لو قلنا: إنّ ترك أحد الضدين مقدمة للضد الآخر، وقلنا: إنّ مقدمة الواجب واجبة، وقلنا: إنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام، وقلنا: إنّ النهي في العبادة يوجب الفساد، فحينئذٍ تظهر الثمرة بين القول بوجوب المقدمة الموصلة، أو وجوب مطلق المقدمة.

أما على القول بوجوب مطلق المقدمة: فلو وجبت إزالة النجاسة عن المسجد فوراً، وكانت الصلاة موسعة، فيجب عليه المبادرة إلى الإزالة، فلو لم يبادر إلى الإزالة، بل انشغل بالصلاة، فنقول: ترك الصلاة مقدمة للإزالة، فصار ترك الصلاة واجباً، ووجوب ترك الصلاة يقتضي النهي عن ضده العام، الذي هو الصلاة، فتقع الصلاة فاسدة؛ لأنها عبادة منهي عنها.

ص: 124


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 1: 586.

على تركها فعل الواجب[1]، بناءً على كون[2]

-------------------------------------------------------------------

وأما على القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة: فالصلاة صحيحة؛ وذلك لوجهين:

الأول: إنه مع الإتيان بالصلاة لا تتحقق الإزالة أصلاً، فلا يكون ترك الصلاة واجباً؛ وذلك لعدم ترتب الإزالة عليه، والمفروض أن الواجب خصوص ترك الصلاة الموصل، فإذا لم يكن ترك الصلاة واجباً لم يكن فعل الصلاة محرّماً، فتصحّ الصلاة لعدم النهي عنها.

وبعبارة أخرى: الواجب هو المقدمة الموصلة، ومع الانشغال بالصلاة لا توجد إزالة، فلا يوجد شيء يوصل إليها، فلا يكون ترك الصلاة واجباً؛ لعدم كونه موصلاً، فلا يكون فعل الصلاة محرّماً.

الثاني: إن الضد العام هو النقيض، و(الصلاة) و(ترك الصلاة الموصل إلى الإزالة) ليسا نقيضين؛ وذلك لإمكان ارتفاعهما، حيث يوجد شقّ ثالث، وهو (ترك الصلاة غير الموصل) كمن لا يصلى ولا يزيل النجاسة، بل نام مثلاً، فارتفعت الصلاة، وارتفع تركها الموصل، بل النقيضان هما (ترك الصلاة الموصل) و(ترك ترك الصلاة الموصل)، فإذا وجب ترك الصلاة الموصل؛ لكونه مقدمة للإزالة، حرم نقيضة وهو ترك الترك، لا الصلاة بنفسها.

ثم اعلم أن المصنف قرّر الثمرة على الوجه الأول، لكن ذكر الإشكال على النحو الثاني.

[1] كتوقف الإزالة الواجبة على ترك الصلاة في سعة من الوقت.

[2] قد عرفت أن الصحة تتوقف على أمور أربعة:

1- مقدمية ترك أحد الضدين للضد الآخر - وهذا ما ذكره المصنف هنا - .

2- وجوب مقدمة الواجب.

ص: 125

ترك الضد مما يتوقف[1] عليه فعل ضده، فإن تركها[2] - على هذا القول - لا يكون مطلقاً واجباً ليكون فعلها محرماً[3] فتكون فاسدة[4]، بل[5] في ما يترتب عليه الضد الواجب، ومع الإتيان بها[6] لا يكاد يكون هناك ترتب[7]، فلا يكون تركها مع ذلك[8] واجباً، فلا يكون فعلها منهياً عنه، فلا تكون فاسدة.

-------------------------------------------------------------------

3- اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده العام - أي: نقيضه - .

4- اقتضاء النهي في العبادة للفساد.

وسيتضح في ما بعد عدم صحة الأول، والإشكال في الثاني، وبحثٌ في الثالث، وأما الرابع فلا إشكال فيه.

[1] أي: يكون ترك الضد مقدمة لوجود الضد الآخر.

[2] أي: ترك العبادة - كالصلاة في المثال - «هذا القول» أي: وجوب خصوص المقدمة الموصلة، وهذا إشارة إلى الأمر الثاني.

[3] إشارة إلى الأمر الثالث.

[4] إشارة إلى الأمر الرابع.

[5] أي: بناءً على وجوب خصوص المقدمة الموصلة لا يكون ترك الصلاة المطلق واجباً، بل الواجب هو ترك الصلاة الموصل إلى الإزالة، «عليه» على الترك.

[6] هذا بيان للوجه الأول، وهو الكيفية التي قرّرها المصنف للثمره، «بها» أي: بالعبادة.

[7] أي: لا يوجد ترتّب بين الترك وبين الإزالة؛ لأنه مع الإتيان بالصلاة لا توجد إزالة، فلا يتحقق الترك الموصل إليها، وبعبارة أخرى: يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

[8] أي: مع عدم ترتب الإزالة، «واجباً» لأن المفروض أن الواجب خصوص الموصلة.

ص: 126

وربما أورد(1)

على تفريع هذه الثمرة بما حاصله[1]: بأن فعل الضد[2] وإن لم يكن نقيضاً للترك الواجب مقدمة - بناءً على المقدمة الموصلة - إلاّ أنه[3] لازم لما هو

-------------------------------------------------------------------

إشكال التقريرات على الثمرة

[1] ملخّص الإشكال أنه لا فرق في صحة أو بطلان العبادة بين القول بوجوب مطلق المقدمة، أو القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة؛ وذلك لأنه إن قلنا: إنّ الحرمة خاصة بالضد العام، ولا تسري إلى ملازمه، فلا تبطل العبادة على القولين. وإن قلنا: إن حرمة الضد العام تسري إلى لازم النقيض، فالعبادة باطلة مطلقاً على القولين.

بيان ذلك: إنه قد ذكرنا أن الضد العام هو النقيض، وإن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فبناء على وجوب مطلق المقدمة فإن ترك الصلاة واجب؛ لأنه مقدمة للإزالة، وليس فعل الصلاة نقيضاً لترك الصلاة؛ لأن نقيض كل شيء رفعه، فنقيض ترك الصلاة هو (ترك ترك الصلاة) وهو ملازم لفعل الصلاة، وأمّا بناء على وجوب خصوص المقدمة الموصلة فالواجب هو ترك الصلاة الموصل، ونقيضه (ترك ترك الصلاة الموصل) لا فعل الصلاة. نعم، هذا النقيض ملازم لفعل الصلاة.

وعليه: فإذا قلنا: إن الحرمة تسري من الشيء إلى ملازمه فتكون الصلاة منهياً عنها على كلا القولين، وإن لم نقل بسراية الحرمة من الشيء إلى لازمه فلا تكون الصلاة منهياً عنها على كلا القولين. إذن، فلا ثمرة بين القولين.

[2] كالصلاة، فهي ليست نقيضاً ل- (ترك الصلاة الموصل) الذي هو مقدمة للإزالة، بل النقيض هو (ترك ترك الصلاة الموصل).

[3] أي: إلاّ أن فعل الضد لازم للنقيض.

ص: 127


1- مطارح الأنظار 1: 378.

من أفراد النقيض[1]، حيث[2] إنّ نقيض ذاك الترك الخاص رفعه، وهو[3] أعم من الفعل والترك الآخر المجرد. وهذا[4] يكفي في إثبات الحرمة، وإلاّ[5] لم يكن الفعل المطلق محرماً في ما إذا كان الترك المطلق واجباً، لأن الفعل أيضاً ليس نقيضاً للترك، لأنه[6] أمر وجودي، ونقيض الترك إنما هو رفعه، ورفع الترك إنما يلازم الفعل مصداقاً، وليس عينه؛ فكما[7] أن هذه الملازمة تكفيفي إثبات الحرمة لمطلق الفعل،

-------------------------------------------------------------------

[1] والأولى إسقاط كلمة (أفراد)، فإن الصلاة لازم لنفس النقيض لا أنه لازم لأفراده.

[2] هذا دليل كون الصلاة لازم للنقيض؛ وذلك لأن (الترك الموصل إلى الإزالة) نقيضُ رفع هذا الترك - أي: ترك الترك الموصل - ومن الواضح أن لهذا النقيض مصداقين أحدهما الفعل كالصلاة، والآخر الترك المطلق بأن لا يفعل شيئاً.

[3] أي: رفع الترك الخاص، «المجرّد» عن الإيصال.

[4] أي: كون الفعل لازماً للنقيض، «إثبات الحرمة» للصلاة حتى على القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة.

[5] أي: لو لم يكن اللزوم كافياً في الحرمة فلا تحرم الصلاة حتى على القول بوجوب مطلق المقدمة؛ لأن الصلاة ليست نقيضاً لترك الصلاة، بل النقيض هو (ترك ترك الصلاة) كما عرفت.

[6] هذا دليل على عدم كون الصلاة نقيضاً لترك الصلاة؛ وذلك لأن الصلاة أمر وجودي، والحال أن نقيض الترك أمرٌ عدمي، «رفعه» وهو بمعنى عدم الترك. نعم، عدم الترك ملازم للفعل خارجاً لا أنه عينه؛ لأن الوجود ليس متحداً مع العدم، «مصداقاً» أي: في الوجود الخارجي.

[7] هذه هي النتيجة، أي: فثبت عدم وجود الثمرة بين القولين؛ لأن المناط هو سراية الحكم من الملازم إلى ملازمه، ولا فرق في ذلك بين القولين، «لمطلق الفعل» بناء على وجوب مطلق المقدمة، «في المقام» أي: بناء على وجوب خصوص المقدمة الموصلة.

ص: 128

فكذلك تكفي في المقام؛ غاية الأمر[1] أن ما هو النقيض في مطلق الترك[2] إنما ينحصر مصداقه في الفعل فقط، وأما النقيض للترك الخاص فله فردان، وذلك[3] لا يوجب فرقاً في ما نحن بصدده، كما لا يخفى.

قلت[4]:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: هناك فرق، لكنه غير فارق، وحاصل الفرق: إنه بناء على وجوب مطلق المقدمة فالواجب ترك الصلاة مقدمةً للإزالة، ونقيضه هو (ترك الترك المطلق) وهو يلازم الفعل فقط، أما بناء على وجوب خصوص المقدمة الموصلة فالنقيض هو (ترك الترك الموصل) وهو يلازم الفعل والترك المجرد، فعلى الأول هناك لازم واحد، وعلى الثاني هناك لازمان.

لكن هذا غير فارق؛ وذلك لأن الصلاة في المثال ليست هي النقيض، بل هي لازم النقيض على كلا القولين، فإن كانت الحرمة خاصة بالنقيض فلا تحرم الصلاة على كليهما، وإن كانت الحرمة تسري إلى لازم النقيض فتحرم الصلاة على كليهما.

[2] مراده ما هو لازم النقيض، فإن النقيض هو (ترك الترك) ولازمه الفعل فقط، وكذا قوله: «أما النقيض للترك الخاص» أي: أما لازم النقيض للترك الخاص فله مصداقان: أحدهما الفعل كالاتيان بالصلاة، والآخر ترك الفعل بدون الإتيان بالواجب، كترك الصلاة وترك الازالة معاً.

[3] أي: ذلك الفرق ليس بفارق، «نحن بصدده» من إثبات حرمة الصلاة وفسادها.

الردّ على إشكال التقريرات

[4] المصنف لا يرتضي إشكال التقريرات، ويذهب إلى صحة الثمرة التي ذكرها صاحب الفصول، وحاصل ردّه لإشكال التقريرات هو أنه:

ص: 129

-------------------------------------------------------------------

1- بناءً على القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة لا تكون الصلاة نقيضاً لترك الصلاة الموصل، بل تكون مقارناً اتفاقياً، ولو سلمنا أن الصلاة لازم فلا نسلّم سراية الحكم إلى اللازم.

بيان ذلك: إن (ترك الصلاة الموصل) واجب باعتبار أنه مقدمة للإزالة الواجبة، ونقيضه هو (ترك الترك الموصل)، وهو غير ملازم لفعل الصلاة؛ وذلك لإمكان تحققه من غير فعل الصلاة، كما لو نام أو انشغل بالأكل، فقد تحقّق ترك الترك الموصل من غير أن تتحقق الصلاة، وهذا يكشف عن عدم الملازمة بينهما؛ وذلك لعدم الانفكاك بين اللازم والملزوم، وعدم الانفكاك بين المتلازمين.

وحتى لو سلمنا الملازمة بين (ترك الترك الموصل) وبين (فعل الصلاة)، فإنا لا نسلّم سراية حكم أحد المتلازمين إلى الآخر.

2- وأما بناء على القول بوجوب مطلق المقدمة - حتى لو لم تكن موصلة - فإن الصلاة هي نفس النقيض لترك الصلاة المطلق، لا أنها مقارن اتفاقي أو لازم، فتكون الصلاة منهياً عنها بناء على حرمة الضد العام، فتكون فاسده.

بيان ذلك: إن المعاندة والتناقض إنما هو بين (ترك الصلاة) وبين (الصلاة)، فإذا وجب ترك الصلاة حرمت الصلاة، وحتى لو قبلنا: إن نقيض (ترك الصلاة) هو (ترك ترك الصلاة)، إذ إن مفهوم ترك ترك الصلاة وإن كان يختلف عن مفهوم الصلاة إلاّ أنهما مصداقاً وخارجاً واحد، مثلاً: نقيض اللا إنسان هو الإنسان، ولو قلتم: إن نقيضه هو (عدم اللا إنسان)، قلنا: إن هذا متحد خارجاً مع الإنسان.

فاتضح أن (ترك ترك الصلاة) منهي عنه باعتباره ضداً للواجب المقدمي، الذي هو (ترك الصلاة)، وترك الترك إما هو نفس الصلاة، وإمّا متحد مع الصلاة خارجاً، فتكون الصلاة منهياً عنها فتقع فاسدة.

ص: 130

وأنت خبير بما بينهما[1] من الفرق، فإن الفعل في الأول[2] لا يكون إلاّ مقارناً[3] لما هو النقيض من رفع الترك المجامع[4] معه تارةً ومع الترك المجرد أخرى، ولا تكاد يسري حرمة الشيء إلى ما يلازمه[5] فضلاً عما يقارنه أحياناً. نعم[6]، لابد أن

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: بين نقيض الترك الموصل ونقيض الترك المطلق.

[2] أي: بناءً على وجوب خصوص المقدمة الموصلة.

[3] فليس الفعل نفس النقيض، ولا ملازماً له، وقوله: «من رفع الترك» بيان للنقيض.

[4] هذا بيان لكونه مقارناً لا أنه نفسه ولا ملازمه، فيجتمع النقيض مع الصلاة أحياناً، وينفصل عنه أحياناً أخرى، كمن لا يصلّي ولا يزيل النجاسة عن المسجد، فهنا تحقق (ترك الترك الموصل) من غير تحقق الصلاة، «معه» أي: مع الفعل، «المجرّد» أي: المجرد عن الإيصال إلى ذي المقدمة.

[5] وذلك لأن الحرمة إنما هي بسبب المفسدة، وقد لا تكون مفسدة في الملازم، بل قد تكون مصلحة فيه، مثلاً: قد يحرم إشعال النار في مكان لوجود مفسدة فيه، ولازم النار هو النور، فقد يكون فيه المصلحة، فلا معنى لسراية الحرمة من النار إلى النور، مضافاً إلى أن الوجدان حاكم بأنه مع تحريم شيء لا يوجد عدة تحريمات بعدد الملازمات أو اللوازم، مثلاً: لو حرم استقبال القبلة في حال التخلي، ولازم الاستقبال هو استدبار الشمال، وكون الشرق على اليسار، وكون الغرب على اليمين، فهل هنا أربعة تحريمات؟

[6] دفع لتوهم، وحاصل التوهم إنه لا تخلو الوقائع من حكم، فإذا لم يكن الملازم محكوماً بحكم ملازمه فلابد أن يكون محكوماً بحكم آخر، وهذا واضح البطلان.

والجواب: إنا لا نسلّم بأنه لا تخلو واقعة عن حكم، فلذا لا يكون الملازم محكوماً بحكم ملازمه، ولا بحكم آخر من الأحكام، وسيأتي تفصيل الكلام في بحث الضد.

ص: 131

لا يكون الملازم محكوماً فعلاً[1] بحكم آخر على خلاف حكمه، لا أن يكون محكوماً بحكمه. وهذا بخلاف الفعل في الثاني[2]، فإنه بنفسه يعاند الترك المطلق وينافيه، لا ملازم لمعانده ومنافيه، فلو لم يكن عين ما يناقضه[3] بحسب الاصطلاح مفهوماً، لكنه[4] متحد معه عيناً وخارجاً. فإذا كان الترك واجباً[5] فلا محالة يكون الفعل منهياً عنه قطعاً، فتدبر جيداً.

ومنها[6]: تقسيمه إلى الأصلي والتبعي.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: بحكم فعلي منجّز، «حكمه» أي: على خلاف حكم ملازمه، فإذا كان ترك الصلاة واجباً كان ترك الترك حراماً، وملازم ترك الترك - وهو فعل الصلاة - لا يكون حراماً. نعم، لابد أن لا يكون محكوماً بحكم آخر كالوجوب.

إن قلت: إذا لم تكن الصلاة واجبة فكيف يمكن الحكم بصحتها؟

قلت: صحتها لأجل وجود الملاك فيها، كما مرّ توضيحه في بحث التعبدي والتوصلي.

[2] أي: بناءً على وجوب مطلق المقدمة، «فإنه» أي: الفعل كالصلاة، فالصلاة هي نقيض ترك الصلاة، فإذا وجب ترك الصلاة؛ لكونه مقدمة للإزالة، فيحرم نقيضه وهو نفس الصلاة.

[3] أي: لو لم يكن فعل الصلاة عين النقيض، وهو ترك ترك الصلاة من جهة المفهوم، لكنه نفسه مصداقاً، «لم يكن» أي: الفعل، «يناقضه» أي: يناقض الواجب، فإن ترك ترك الصلاة نقيض للمقدمة الواجبة التي هي ترك الصلاة.

[4] أي: لكن الفعل، «معه» أي: مع النقيض.

[5] لكون ترك الصلاة مقدمة للإزالة الواجبة، «قطعاً» بناء على حرمة الضد العام.

التقسيم الرابع: تقسيم الواجب إلى الواجب الأصلي والتبعي

اشارة

[6] لا يخفى أن هذا مرتبط بالأمر الثالث - وهو في تقسيمات الواجب - فذكره في ذيل الأمر الرابع خلاف الترتيب الفنيّ.

ص: 132

والظاهر[1] أن يكون هذا التقسيم بلحاظ الأصالة والتبعية في الواقع ومقام الثبوت[2]؛ حيث يكون الشيء تارةً متعلقاً للإرادة والطلب مستقلاً،

-------------------------------------------------------------------

[1] قد يكون هذا التقسيم بلحاظ عالم الثبوت والواقع، وقد يكون بلحاظ عالم الإثبات ودلالة الدليل.

أما على الأول - أي ملاحظة الثبوت - : ف- (الأصلي) هو كل واجب لاحظه المولى بشكل مستقل، فأراده بإرادة خاصة به، وهذا كما يكون في الواجب النفسي يكون في الواجب الغيري أيضاً، فالمولى يلاحظ الصلاة ويريدها بإرادة مستقلة، وكذا يلاحظ الطهارة من الحدث والخبث للصلاة فيريدها بإرادة مستقلة أيضاً.

و(التبعي) هو ما لم يلاحظه المولى بلحاظ مستقل فلم يرده بإرادة خاصة به، بل أراده بالتبع وارتكازاً، وهذا يكون في الواجب الغيري فقط، كما لو أمره بشراء اللحم، وكان شراؤه متوقفاً على دخول السوق - مثلاً - فلم يلاحظ المولى دخول السوق ولا أراده بإرادة مستقلة، وانما أراده بتبع إرادته شراء اللحم، وهذا القسم لا يمكن في الواجب النفسي؛ لأنه لو لم يلاحظه فلا إرادة تتعلق به - لأنه ليس مقدمة لغيره حتى تتعلق به إرادة غيرية - فلا يكون واجباً.

وأما على الثاني - أي ملاحظة عالم الإثبات -: ف- (الأصلي) هو ما كان بخطاب مستقل - سواء كان نفسياً أم غيرياً - و(التبعي) هو ما كان بتبع خطاب غيره، كالمفاهيم ودلالة الإشارة، وهذا يشمل النفسي كشموله للغيري، فقد يريد الشيء مستقلاً لكن يجعل الدليل عليه مفهوماً أو نحوه.

فالفرق بين الاصطلاحين إنما هي في أن الواجب النفسي قد يكون تبعياً على الثاني، ولا يمكن كونه تبعيّاً على الأول.

ثم إن المصنف يرجّح الاصطلاح الأول، لما سيأتي.

[2] «ومقام الثبوت» العطف تفسيري، «مستقلاً» من غير تبعية لإرادة شيء آخر.

ص: 133

للالتفات[1] إليه بما هو عليه مما يوجب طلبه، فيطلبه، كان[2] طلبه نفسياً أو غيرياً؛ وأخرى متعلقاً للإرادة تبعاً لإرادة غيره لأجل[3] كون إرادته لازمة لإرادته من دون التفات إليه[4] بما يوجب إرادته. لا بلحاظ[5] الأصالة والتبعية في مقام الدلالة والإثبات، فإنه[6] يكون في هذا المقام تارةً مقصوداً بالإفادة وأخرى غير مقصود

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا سبب الطلب المستقل، وهو ملاحظة المولى للمصلحة في ذلك الشيء، «إليه» إلى الشيء، «بما هو عليه» من المصلحة، وقوله: (مما يوجب طلبه) بيان لقوله: (بما هو عليه).

[2] أي: سواء كان الطلب نفسياً كالصلاة، أم غيرياً كالوضوء، فكلاهما واجب أصلي لتعلّق إرادة مستقلة به.

[3] هذا بيان لوجه التبعية، فإن إرادة الحج - مثلاً - تلازم إرادة المسير إليه، أي: كون إرادة الشيء لازمة لإرادة الغير.

[4] «إليه» إلى الشيء، أي: لم يلاحظ المولى ذلك الشيء فلم يطلبه بطلب مستقل.

[5] عطف على قوله: (بلحاظ الإصالة والتبعية...)، أي: ليس التقسيم إلى الأصلي والتبعي بلحاظ عالم الإثبات - أي: الخطاب والأمر - والعطف في (الدلالة والإثبات) تفسيري.

[6] أي: فإن الشيء، «هذا المقام» أي: مقام الإثبات، «مقصوداً بالإفادة» بأن يكون اللفظ دالاً على الوجوب بالمطابقة كقوله: {وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ}(1) وقوله: {فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ...}(2).

ص: 134


1- سورة البقرة، الآية: 43.
2- سورة المائدة، الآية: 6.

بها[1]

على حدة، إلاّ أنه لازم الخطاب، كما في دلالة الإشارة[2] ونحوها[3].

وعلى ذلك[4]، فلا شبهة في انقسام الواجب الغيري إليهما[5]، واتصافه بالأصالة والتبعية كلتيهما، حيث يكون متعلقاً للإرادة على حده عند الالتفات إليه بما هو مقدمة[6]، وأخرى لا يكون متعلقاً لها كذلك[7] عند عدم الالتفات إليه كذلك[8]، فإنه يكون لا محالة مراداً تبعاً لإرادة ذي المقدمة على الملازمة[9].

-------------------------------------------------------------------

[1] «بها» بالإفادة، «حدّة» أي: في نفسه فلا يكون مقصوداً بالمطابقة، «أنه» أي: الشيء.

[2] وهي نتيجة الجمع بين دليلين من غير دلالة أيِّ واحد منهما عليها، مثل: أقلّ الحمل فإنه ستة أشهر، وهو يستفاد من جمع بين آيتين، قال تعالى: {وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ}(1) وقال: {وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ}(2)، فإذا كان الفصال - أي: الفطم عن الرضاع - سنتين كما هو مدلول الآية الأولى، فيبقى للحمل ستة أشهر من الثلاثين المذكورة في الآية الثانية.

[3] كمفهوم الشرط ونحوه، كما مثّل به صاحب الفصول(3)، وقد أشكلوا عليه بأن المفهوم مقصود بالإفادة أيضاً كالمنطوق، فتأمل.

[4] أي: بناءً على ما استظهره المصنف من أن التقسيم بلحاظ عالم الثبوت لا الإثبات.

[5] أي: إلى الأصلي والتبعي، وقوله: (واتصافه...) عطف تفسيري.

[6] أي: يلاحظه المولى ويأمر به باعتباره مقدمةً، لا أنه يأمر به باعتباره واجباً في نفسه.

[7] «لها» للإرادة، «كذلك» أي: على حدّه ومستقلاً.

[8] «إليه» إلى الشيء، «كذلك» أي: بما هو مقدمة، «فإنه» فإن الواجب الغيري.

[9] أي: بناء على الملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة.

ص: 135


1- سورة البقرة، الآية: 233.
2- سورة الأحقاف، الآية: 15.
3- الفصول الغروية: 82.

كما لا شبهة في اتصاف النفسي أيضاً بالأصالة، ولكنه[1] لا يتصف بالتبعية، ضرورة أنه لا يكاد يتعلق به الطلب النفسي ما لم يكن فيه[2] مصلحة نفسية، ومعها يتعلق بها الطلب مستقلاً ولو لم يكن هناك شيء آخر مطلوب أصلاً، كما لا يخفى.

نعم[3]، لو كان الاتصاف بهما بلحاظ الدلالة اتصف النفسي بهما أيضاً، ضرورة أنه[4] قد يكون غير مقصودة بالإفادة، بل أفيد بتبع غيره المقصود بها.

لكن الظاهر[5] - كما مر - أن الاتصاف بهما إنما هو في نفسه، لا بلحاظ حال الدلالة عليه، وإلاّ[6] لما اتصف بواحدٍ منهما إذا لم يكن بعد مفاد دليل، وهو

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لكن النفسي لا يتصف بكونه واجباً تبعيّاً؛ لعدم كونه مقدمة للغير حتى يُراد بتبع إرادة ذلك الغير، كما أنّه إذا لم يُلاحظ بشكل مستقل لا يكون واجباً أصلاً؛ لأن الطلب النفسي فرع ملاحظة الشيء بشكل مستقل.

والحاصل: إن كونه نفسياً فرع ملاحظته وطلبه مستقلاً، فصار واجباً أصلياً لا تبعياً.

[2] أي: في الواجب النفسي، «ومعها» أي: مع المصلحة النفسيّة، «بها» أي: بالواجب النفسي، والأولى تذكير الضمير.

[3] أي: بناءً على الاصطلاح الثاني - أي: التقسيم بلحاظ عالم الإثبات - «بهما» الأصلي والتبعي، «أيضاً» كالواجب الغيري.

[4] أن الواجب النفسي، «غيره» واجب آخر كالمنطوق، «المقصود» ذلك الواجب الآخر، «بها» بالدلالة اللفظية.

[5] هذا وجه ترجيح الاصطلاح الأول على الاصطلاح الثاني، فالأولى هو التقسيم بلحاظ عالم الثبوت، «الاتصاف» أي: اتصاف الواجب «في نفسه» بلحاظ عالم الثبوت، «عليه» على الواجب.

[6] أي: لو كان الاتصاف بلحاظ عالم الإثبات لزم خروج بعض الواجبات عن هذا التقسيم، وهي الواجبات التي كان دليلها لُبيّاً من إجماع وعقل ونحوهما، فإن

ص: 136

كما ترى[1].

ثم إنه[2] إذا كان الواجب التبعي ما لم يتعلق به إرادة مستقلة فإذا شك في واجب

-------------------------------------------------------------------

الواجب لا يكون أصلياً ولا تبعيّاً حينئذٍ؛ لعدم كون الوجوب مستفاداً من لفظ بالمطابقة ولا بالالتزام.

[1] لأنه خلاف ظاهر الأصوليين من عدم خلوّ الواجب عنهما!!

الشك في الأصالة والتبعيّة

[2] لو شككنا في واجب أنه أصلي أم تبعي، فقد ذهب الشيخ الأعظم(1)

إلى عدم وجود أصل يعيّن أحدهما، لكن المصنف يرى جريان الأصل لو فسرنا الواجب التبعي بأنه (واجب لا توجد فيه إرادة مستقلة)، ولو فسرناه بأنه (الذي فيه إرادة تبعية) فلا يجري الأصل.

أما على الأول، فلأنّ الموضوع مركب من (واجب) و(ليس فيه إرادة مستقلة)، والجزء الأول ثابت بالعلم حيث نعلم بوجوبه، والجزء الثاني ثابت بالاستصحاب، حيث إن الإرادة أمر حادث، فنشك في تحقق إرادة مستقلة والاستصحاب على عدمها.

وهذا نظير ما لو لاقت نجاسة ماءً غير معلوم الكرية، فالملاقاة للنجاسة ثابتة بالوجدان، وجميع مياه الأرض نزلت بالأمطار، فحين النزول لم تكن كراً فنستصحب عدم الكرية، وحينئذٍ نحكم بنجاسة هذا الماء الملاقي للنجاسة!!

وأما على الثاني، فلا يجري الاستصحاب؛ لأنه أصل مثبت؛ وذلك لأن وجود الإرادة التبعية أمر وجودي ولا حالة سابقة له، فلابد لإثباته من استصحاب عدم تعلّق إرادة مستقلة، ولازمه العقلي تعلّق إرادة تبعية - لعدم خلوّ الإرادة عنهما - فبنفي أحد الضدين نريد إثبات الضد الآخر، وهو مثبت، والأصل المثبت ليس بحجة.

ص: 137


1- مطارح الأنظار 1: 383.

أنه أصلي أو تبعي، فبأصالة[1] عدم تعلق إرادة مستقلة به[2] يثبت أنه تبعي ويترتب عليه آثاره إذا فرض له أثر شرعي، كسائر الموضوعات المتقومة بأمور عدمية[3]. نعم[4]، لو كان التبعي أمراً وجودياً خاصاً غير متقوم بعدمي - وإن كان يلزمه[5] - لما كان يثبت[6] بها إلاّ على القول بالأصل المثبت، كما هو واضح، فافهم[7].

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: فبحسب التفسير الأول، فبأصالة... الخ.

[2] بالواجب، «أنه» أن الواجب، «آثاره» أي: آثار الواجب التبعي، «له» للواجب التبعي، «أثر شرعي» ولا يخفى عدم وجود أثر إلاّ في مثل النذر ونحوه.

[3] حيث إنها مركبة، فأحد الجزءين يثبت بالدليل، والجزء الآخر - وهو الأمر العدمي - يثبت بالاستصحاب، كما عرفت في مثال ملاقاة النجاسة للماء المشكوك الكرية، فالملاقاة ثابتة بالوجدان، وعدم الكرية بالاستصحاب.

[4] حسب التفسير الثاني للواجب التبعي، «وجودياً خاصاً» أي: الواجب الذي تعلّق به إرادة تبعيّة.

[5] لأنهما ضدان لا ثالث لهما، فوجود أحدهما يستلزم عدم الآخر؛ وذلك لأن الإرادة لا تخلو من أن تكون مستقلة أو تبعية ولا شقّ ثالث.

[6] «لما...» جزاء (لو)، «بها» بأصالة عدم تعلق إرادة مستقلة، «بالأصل المثبت» وهو ليس بحجة.

[7] لعله إشارة إلى المعارضة بين أصالة عدم تعلق إرادة مستقلة، وأصالة عدم تعلّق إرادة تبعية، فلا يجري الاستصحاب حتى على القول بحجية الأصل المثبت.

أو إشارة إلى عدم وجود ثمرة في تقسيم الواجب إلى الأصلي والتبعي، فلا يجري الاستصحاب؛ لأن جريانه متوقف على وجود أثر له.

ص: 138

تذنيب: في بيان الثمرة[1] وهي في المسألة الأصولية[2] - كما عرفت سابقاً[3] - ليست إلاّ أن تكون نتيجتها صالحة للوقوع في طريق الاجتهاد واستنباط حكم فرعي[4]. كما لو قيل بالملازمة في المسألة[5]، فإنه بضميمة مقدمة[6] كون شيء مقدمةً لواجب، يستنتج أنه واجب.

-------------------------------------------------------------------

تذنيب:

في ثمرة مسألة مقدمة الواجب

اشارة

[1] ويذكر المصنف خمس ثمرات، ويرتضي الأولى، ثم يشكل على الباقي.

[2] حاصل الثمرة الأولى: هو أنك قد عرفت أن المسألة الأصولية هي ما تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي، بأن تكون كبرى البرهان، وهذا الضابط ينطبق على مسألة مقدمة الواجب، فإن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته أو عدم الملازمة تقع في كلّي البرهان.

مثلاً يقال: قطع المسافة هي مقدمة للحج الواجب، وهناك ملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، فقطع المسافة واجب، أو يقال: وليس هناك ملازمة بين وجوبهما، فقطع المسافة ليس بواجب.

ويكفي في الثمرة أن تترتّب على أحد الأقوال في المسألة.

[3] في أوائل الكتاب في تعريف علم الأصول بأنه: (العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية)، وكذلك في بحث الصحيح والأعم.

[4] أي: حكم فقهي.

[5] أي: مسألة مقدمة الواجب.

[6] أي: صغرى البرهان، فالملازمة هي الكبرى، والصغرى هي كون شيءٍ - كالسير - مقدمة للحج مثلاً، «أنه واجب» أن هذا الشيء الذي هو مقدمة.

ص: 139

ومنه[1] قد انقدح أنه ليس منها[2] مثل برء النذر[3] بإتيان مقدمة واجب عند نذر الواجب؛ وحصول الفسق بترك واجب[4] واحد بمقدماته إذا كانت له مقدمات كثيرة، لصدق[5] الإصرار على الحرام بذلك؛ وعدم جواز أخذ الأجرة على المقدمة.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: من أن المسألة الأصولية هي ما تقع في طريق الاستنباط.

[2] أي: ليس من الثمرة، فقد ذكر ثمرات أخرى وهي:

الثمرة الثانية: الوفاء بالنذر، فمن نذر أن يأتي بواجب فإنه لو أتى بالمقدمة فقد وفى بنذره، بناءً على وجوب المقدمة، ولم يفِ بنذره بناء على عدم وجوبها.

الثمرة الثالثة: لو ترك واجباً له مقدمات، فبناءً على وجوب المقدمة يصير فاسقاً؛ لأنه ترك عدّة واجبات، إذا كان تركها صغيرة، فهذا قد أصَرّ على الصغائر - والإصرار يحصل بارتكاب صغيرتين - وبناء على عدم وجوب المقدمة لا يصير فاسقاً.

الثمرة الرابعة: عدم جواز أخذ الأجرة على المقدمات بناءً على وجوب المقدمة، وجواز أخذ الأجرة عليها بناءً على عدم وجوبها.

ويرد إشكال عام على كل هذه الثمرات بأنها أحكام جزئية وليست أحكاماً كليّة، فالحكم الكلي هو (وجوب الوفاء بالنذر)، و(حصول الفسق بالإصرار على الصغيرة)، و(عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات)، والثمرات المذكورة هي مصاديق جزئية لهذه الأحكام الفقهية الكلية، بل يمكن القول: إن هذه الثمرات ليست أحكاماً، بل هي تنقيح لموضوع الأحكام الثلاثة، والمسألة الأصولية لا ترتبط بتنقيح الموضوعات، بل لابد أن تكون نتيجتها في طريق استنباط الأحكام.

[3] الأولى (بِرّ النذر) أي: الوفاء به، وإن صحّ التعبير بالبرء باعتبار إفراغ الذمة وبرائتها بالوفاء بالنذر.

[4] إذا كان تركه صغيرة، فبضمّ ترك المقدمات يتحقق الإصرار على الصغيرة.

[5] هذا علة حصول الفسق، «الحرام» أي: الصغيرة المحرّمة.

ص: 140

مع[1] أن البرء وعدمه إنما يتبعان قصد الناذر، فلا برء بإتيان المقدمة لو قصد الوجوب النفسي - كما هو[2] المنصرف عند إطلاقه - ولو قيل بالملازمة. وربما يحصل البرء به لو قصد ما يعم المقدمة[3] ولو قيل بعدمها، كما لا يخفى.

ولا يكاد[4] يحصل الإصرار على الحرام بترك واجب ولو كانت له مقدمات غير عديدة[5]، لحصول العصيان بترك أول مقدمة لا يتمكن معه[6] من الواجب، ولا

-------------------------------------------------------------------

[1] بعد أن أشكل إشكالاً عاماً على كل هذه الثمرات الثلاث، يبدأ المصنف بالإشكال على كل ثمرة على حدة، فيرد على الثمرة الثانية: أن النذر يتبع قصد الناذر، فإن نذر أن يأتي بواجب نفسي فلا يتحقق الوفاء لو أتى بالمقدمة، حتى لو قلنا بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، وإن نذر أن يأتي بما هو أعم من كونه واجباً شرعياً أم عقلياً فحينئذٍ يحصل الوفاء لو أتى بالمقدمة، حتى لو لم نقل بالملازمة، كما هو واضح.

[2] أي: الوجوب النفسي «إطلاقه» أي: إطلاق الوجوب، ولعلّ مقصود المصنف دفع دخل مقدّر، وهو أنه قد ينذر الإتيان بواجب مع الغفلة عن تقييده بالنفسي أو الغيري أو الأعم، فحينئذٍ تظهر الثمرة، والجواب: إنه حينئذٍ ينصرف إلى الواجب النفسي، فتأمل.

[3] أي: قصد الوجوب الأعم من كونه شرعياً أم عقلياً، «بعدمها» أي: عدم الملازمة.

[4] أي: ويرد على الثمرة الثالثة: إنه بترك المقدمة الأولى يعجز عن ذي المقدمة وعن سائر المقدمات، فلا يحصل إصرار على الصغيرة؛ لأنه ارتكب صغيرةً واحدةً، وهي ترك المقدمة الأولى، وحينئذٍ فلا يقدر على ذي المقدمة، فلا تجب سائر مقدماته.

[5] المقصود: غير معدودة لكثرتها.

[6] أي: مع ترك أول مقدمة لا يتمكن من ذي المقدمة، وحينئذٍ يسقط وجوبه

ص: 141

يكون ترك سائر المقدمات بحرام أصلاً، لسقوط التكليف حينئذٍ[1]، كما هو واضح لا يخفى.

وأخذ الأجرة[2]

-------------------------------------------------------------------

بسبب العصيان، فلا تجب سائر مقدماته؛ لأنها انقلبت إلى مقدمات لشيء غير مقدور وغير واجب.

[1] أي: حين ترك المقدمة الأولى.

[2] أي: ويرد على الثمرة الرابعة: إنّ أخذ الأجرة قد يكون في الواجب التوصلي، وقد يكون في الواجب التعبدي.

أما الواجب التوصلي: فلا دليل على حرمة أخذ الأجرة عليه، إلاّ لو دل دليل خاص على وجوب كونه مجاناً، كما يقال في دفن الميت، بل الدليل يدل على جواز أخذ الأجرة على بعض الواجبات التوصلية، كالصناعات الواجبة كفاية حيث تتوقف عليها الحياة، كالنجارة والحدادة والطبابة... الخ، فإنه لو لم يجز أخذ الأجرة عليها لتركها الناس ولاختلّت الحياة.

وأما الواجب التعبّدي: فأيضاً لا دليل على حرمة أخذ الأجرة عليه، إلاّ إذا تعارضت مع قصد القربة، أو كانت المعاملة عليها سفهية، وأكل المال عليها أكلاً له بالباطل.

ولكن لا تتعارض مع قصد القربة؛ لأجل أن الأجرة هي داعٍ على الداعي، فالذي يأخذ الأجرة على قضاء صلاة الميّت مثلاً، إنّما يأتي بالصلاة قربة إلى الله تعالى، لكن الداعي للصلاة القربيّة هو أخذ الأجرة، فلا يأتي بالصلاة بداعي الأجرة، بل يأتي بالصلاة بداعي القربة، لكن سبب إتيانه بالصلاة بداعي القربة هو أخذ الأجرة.

كما أنه يمكن فرض أخذ الأجرة غير سفهية ولا أكلاً للمال بالباطل، كما لو كان يعود نفع إلى دافع الأجرة، فالولد الأكبر يجب عليه قضاء صلاة والده، وحيث

ص: 142

على الواجب لا بأس به إذا لم يكن إيجابه[1] على المكلف مجاناً وبلا عوض، بل كان وجوده المطلق[2] مطلوباً، كالصناعات الواجبة كفائيةً التي لا يكاد ينتظم بدونها البلاد، ويختل لولاها معاش العباد، بل ربما يجب أخذ الأجرة عليها[3] لذلك - أي لزوم الاختلال وعدم الانتظام لو لا أخذها - . هذا في الواجبات التوصلية.

وأما الواجبات التعبدية: فيمكن أن يقال بجواز أخذ الأجرة على إتيانها بداعي امتثالها[4]، لا على نفس الإتيان كي ينافي عباديتها، فيكون من قبيل الداعي إلى الداعي. غاية الأمر[5] يعتبر فيها كغيرها أن يكون فيها منفعة عائدة إلى المستأجر، كيلا تكون المعاملة سفهية وأخذ[6] الأجرة عليها أكلاً بالباطل.

-------------------------------------------------------------------

يريد الخلاص عن القضاء يستأجر مُصلياً، وهذه معاملة عقلائية.

[1] هذا في الواجبات التوصلية، كما سيصرّح به المصنف بعد قليل.

[2] «وجوده» أي: وجود الواجب، «المطلق» أي: غير المقيد بالمجانية.

[3] أي: على الصناعات الواجبة كفاية، «أخذها» أي: أخذ الأجرة.

[4] بأن يأتي بالعبادة بقصد القربة، ويكون أخذ الأجرة داعياً على هذا الإتيان.

وبعبارة أخرى: يكون أخذ الأجرة داعياً على الإتيان بالعبادة بداعي أمرها - الذي هو قصد القربة - .

وبهذا يدفع الإشكال عن الإتيان بصلاة الحاجة، أو الصلوات التي تزيد في الرزق، ونحو ذلك من الحوائج الدنيوية، فإنه يأتي بالصلاة القُربية بداعي قضاء الحاجة أو زيادة الرزق ونحوه، فتأمل.

[5] أي: لا منافاة مع قصد القربة، لكن يشترط أن يعود نفع إلى المستأجر، «فيها» أي: في الإجارة على العبادات، «كغيرها» كغير العبادات.

[6] أي: وكي لايكون أخذ الأجرة... الخ.

ص: 143

وربما يجعل من الثمرة[1] اجتماع الوجوب والحرمة إذا قيل بالملازمة في ما كانت المقدمة محرمة، فيبتني[2] على جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه، بخلاف ما لو قيل بعدمها.

-------------------------------------------------------------------

الثمرة الخامسة والإشكال عليها

[1] وهي الثمرة الخامسة: وهي منسوبة إلى الوحيد البهبهاني(1)، وحاصلها: إنه لو كانت المقدمة محرّمة - كركوب الدابة المغصوبة للحج - فإن قلنا: بوجوب المقدمة لزم اجتماع الأمر والنهي، وإن قلنا: بعدم وجوبها تكون المقدمة محرّمة فقط ولا أمر فيها.

أما الأول - أي: لو قلنا بوجوب المقدمة - : فالأمر باعتبار وجوب المقدمة، والنهي باعتبار كون المقدمة محرّمة، وحينئذٍ فإن قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي فتكون المقدمة واجبة من جهة، ومحرمة من جهة أخرى، وإن قلنا بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي، سقط أحد التكليفين ويبقى الآخر، وهذا ما سيأتي تفصيله في بحث الاجتماع.

وأما الثاني - أي: لو قلنا بعدم وجوب المقدمة - : فلا اجتماع للأمر والنهي أصلاً، بل يوجد نهي عن المقدمة فقط - لفرض كونها محرّمة - .

والحاصل: إن القول بوجوب المقدمة يجعل المقدمة المحرمة - كركوب الدابة المغصوبة - من مصاديق اجتماع الأمر والنهي، وأما على القول بعدم وجوبها فلا اجتماع، بل حرمة فقط.

[2] أي: يبتني اجتماع الوجوب والحرمة في المقدمة على كليِّ مسألة الاجتماع، وبعبارة أخرى: يكون حكم المقدمة حينئذٍ من مصاديق مسألة الاجتماع، «وعدمه» أي: عدم جواز الاجتماع، «بعدمها» أي: عدم الملازمة.

ص: 144


1- مطارح الأنظار 1: 396؛ بدائع الأفكار: 346.

وفيه[1] أولاً: إنّه[2] لا يكون من باب الاجتماع كي تكون مبتنية عليه، لما أشرنا إليه غير مرة أنّ الواجب[3] ما هو بالحمل الشائع مقدمة، لا بعنوان المقدمة، فيكون

-------------------------------------------------------------------

[1] يستشكل المصنف على الثمرة الخامسة بثلاثة إشكالات، فالأول: عدم كون مسألة المقدمة من مصاديق مسألة الاجتماع؛ لعدم تعدد العنوان، والثاني: بعدم لزوم الاجتماع في المقدمة أصلاً؛ لارتفاع أحد التكليفين، والثالث: بعدم الثمرة حتى لو كانت مسألة المقدمة من مصاديق مسألة الاجتماع.

الإشكال الأول: إن مسألة المقدمة ليست من مصاديق مسألة الاجتماع؛ وذلك لأن الاجتماع إنما يكون حين تعلّق الوجوب بعنوانٍ، وتعلّق الحرمة بعنوان آخر، ثم اجتماع العنوانين في شيء خارجي، نظير حرمة الغصب، ووجوب الصلاة، فلو صلّى في المغصوب كانت تلك الصلاة الخارجية مجمعاً للعنوانين.

وليست مسألة المقدمة من هذا القبيل، فإنه لا وجوب لعنوان المقدمية، حتى نقول باجتماع عنوانين في ركوب الدابة المغصوبة، بحيث كانت المقدميّة واجبة والغصب محرّم، فاجتمعا في هذا الركوب!!، بل مرّ مراراً أن الواجب هو واقع المقدمة ووجودها الخارجي، فلا يوجد عنوانان حتى تكون مسألة المقدمة من مصاديق مسألة الاجتماع، بل هذا الوجود الخارجي أخص من العنوان الحرام، فالغصب مطلقاً حرام، وهذا الركوب من مصاديق الغصب، فصار المورد من مصاديق مسألة النهي في العبادة والمعاملة.

[2] أن هذا المورد وهو كون المقدمة محرّمة، «من باب الاجتماع» أي: من مصاديق باب الاجتماع، «كي تكون» ثمرة باب المقدمة، «مبنية عليه» بما يذكر في بحث الاجتماع.

[3] أي: في باب المقدمة، ليس الواجب هو عنوان المقدمية، «ما هو بالحمل الشائع» أي: بوجوده الخارجي، فالوجوب لا يتعلّق بالعنوان، بل بالواقع الخارجي.

ص: 145

على الملازمة[1] من باب النهي في العبادة والمعاملة[2].

وثانياً[3]: لا يكاد يلزم الاجتماع أصلاً، لاختصاص الوجوب[4] بغير المحرّم في غير صورة الانحصار به. وفيها[5] إما لا وجوب للمقدمة لعدم وجوب ذي المقدمة لأجل المزاحمة[6]،

-------------------------------------------------------------------

إذن، فلا يوجد عنوانان حتى يكون من مصاديق باب الاجتماع.

[1] أي: حيث كان عنوان واحد، فذلك العنوان - وهو الغصب مثلاً - منهي عنه، وهذه المقدمة من مصاديق الغصب، فتكون منهياً عنها.

[2] أي: من مصاديق تلك المسألة، فإن كانت المقدمة عبادية - كالوضوء بالمغصوب - كان من النهي في العبادة، وإن كانت المقدمة غير عبادية - كركوب الدابة المغصوبة - كان من النهي في المعاملة - بمعناها العام - .

[3] حاصل الإشكال الثاني: هو ارتفاع أحد التكليفين دائماً، فلا اجتماع أصلاً؛ وذلك لأنه إما لا تنحصر المقدمة في الحرام أو تنحصر، فعلى عدم الانحصار، يترشح الوجوب إلى خصوص المقدمة المباحة، ولا يترشح على المقدمة المحرمة؛ لوجود مانع عن وجوبها.

وعلى الانحصار يحصل تنافٍ بين ذي المقدمة وبين المقدمة المحرمة، كما لو انحصر أداء الدين الواجب بركوب الدابة المغصوبة، فمصلحة أداء الدين تتنافى مع مفسدة الغصب، وحينئذٍ يتقدّم أقواهما ملاكاً فلا يتحقق الاجتماع.

[4] أي: الوجوب الغيري المقدمي.

[5] أي: وفي صورة الانحصار يتنافى وجوب ذي المقدمة مع حرمة المقدمة، فيتقدّم أقواهما ملاكاً.

[6] كما لو انحصر الذهاب إلى الحج بقتل النفس المحترمة، وإنما كان تزاحماً لوجود الملاك في كليهما، عكس التعارض الذي ينحصر الملاك في أحدهما.

ص: 146

وإما لا حرمة لها لذلك[1]، كما لا يخفى[2].

وثالثاً[3]: إنّ الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصل(1) بالمقدمة[4] المحرمة وعدمه

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لا حرمة للمقدمة لأجل المزاحمة، كما لو انحصر إنقاذ الغريق في المرور في الأرض المغصوبة.

[2] وقد شطب المصنف في النسخة المصحّحة - على ما قيل - على هذا الإشكال؛ وذلك لأن جميع موارد الاجتماع يكون من هذا القبيل، فتأمل.

[3] حاصل الإشكال الثالث: إنه لو سلّمنا كون مسألة المقدمة من مصاديق مسألة الاجتماع، فنقول: إنه لا ثمرة في إدخال المقدمة في مسألة الاجتماع أصلاً؛ وذلك لأن المقدمة إما توصلية وإما تعبديّة...

فإن كانت توصلية، فالغرض يحصل حتى من المقدمة المحرّمة، فسواء ركب الدابة المباحة أم ركب الدابة المغصوبة فإنه يصل إلى مكة، ولا فرق في ذلك بين أن نقول بوجوب المقدمة أم عدم وجوبها، كما لا فرق سواء قلنا بجواز الاجتماع أم امتناعه.

وإن كانت تعبديّة - وهو منحصر في الطهارات الثلاث - فلا فرق في صحة العبادة أو بطلانها، سواء قلنا بوجوب المقدمة أم عدم وجوبها؛ وذلك لأنه لو قلنا بجواز الاجتماع وقع الوضوء صحيحاً مطلقاً؛ لأنه مستحب في نفسه، فسواء كان الوضوء واجباً غيرياً أم لم يكن واجباً فإنه مستحب في نفسه، ولا محذور في اجتماعه مع عنوان محرّم، فلا إشكال في صحته، وكذا لو قلنا بامتناع الاجتماع، فيقع الوضوء باطلاً مطلقاً؛ لأن حرمة الغصب أهم من استحباب الوضوء، وكذا هي أهم من الوجوب الغيري للوضوء، وسبب الأهمية أن الوضوء له بدل وهو التيمم، فلذا تكون حرمة الغصب أقوى ملاكاً، وسيأتي تفصيل ذلك في بحث الاجتماع.

[4] الذي هو علة وجوبها، كما مرّ أن التوصل (حيثٌ تعليلي) لا (حيثٌ تقييدي).

ص: 147


1- في نسخة: «التوسل».

أصلاً، فإنه[1] يمكن التوصل(1)

بها إن كانت توصلية، ولو لم نقل بجواز الاجتماع، وعدم جواز التوصل(2)

بها[2] إن كانت تعبدية على القول بالامتناع - قيل[3] بوجوب المقدمة أو بعدمه - وجواز التوصل(3)

بها على القول بالجواز كذلك - أي قيل بالوجوب أو بعدمه - . وبالجملة: لا يتفاوت الحال في جواز التوصل(4) بها وعدم جوازه أصلاً بين أن يقال بالوجوب أو يقال بعدمه، كما لا يخفى.

في تأسيس الأصل في المسألة.

اعلم أنه لا أصل[4]

-------------------------------------------------------------------

[1] الضمير للشأن، «بها» بالمقدمة.

[2] عطف على (فإنه يمكن التوصل)، وكان الأصح أن يقول: (كما لا يمكن التوصل بها...).

[3] أي: سواء قيل بوجوب المقدمة أم لا، فانتفت الثمرة بين القولين.

أدلة وجوب أو عدم وجوب المقدمة
أولاً: الأصل العملي
اشارة

[4] لو لم تنهض الأدلة التي سنذكرها على الملازمة أو عدم الملازمة، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي، فحينئذٍ فقد يكون البحث عن جريان الأصل في المسألة الأصولية، أي: الملازمة، أو جريانه في المسألة الفقهية، أي: الوجوب.

الأول: جريان الأصل في (الملازمة).

فنقول: إن الملازمة أو عدمها أزلية، أي: في نفس الأمر وفي علم الله تعالى من الأزل إما توجد ملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة، أو لا توجد. فإذن، لا حالة سابقة للملازمة أو عدمها كي نستصحب تلك الحالة.

وبعبارة أخرى: القائل بالملازمة يثبتها من الأزل، والنافي لها ينفيها من الأزل، فلا توجد حالة سابقة متيقنة لكي نقول في ذلك الزمان كانت الملازمة أو عدمها

ص: 148


1- ([1] - 4) في نسخة: «التوسل».
2-
3-
4-

في محل البحث[1] في المسألة، فإن الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة وعدمها ليست لها حالة سابقة، بل تكون الملازمة أو عدمها أزلية[2].

نعم، نفس وجوب المقدمة يكون مسبوقاً بالعدم، حيث يكون[3] حادثاً بحدوث وجوب ذي المقدمة، فالأصل عدم وجوبها.

وتوهم[4]

-------------------------------------------------------------------

متيقنة، والآن الملازمة مشكوكة فنستصحب تلك الحالة السابقة.

الثاني: جريان الأصل في (الوجوب)، بأن نقول: قبل وجوب ذي المقدمة لم تكن المقدمة واجبة، ونشك في وجوب المقدمة بعد وجوب ذي المقدمة، فنستصحب عدم الوجوب السابق، مثلاً: قبل الاستطاعة لا وجوب للحج ولا لمقدماته، وبعد الاستطاعة نشك في وجوب المقدمات فنستصحب عدم الوجوب.

[1] وهو الملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة.

[2] لأن الملازمة شيء ثابت في نفس الأمر، ولا تدور مدار وجود الطرفين، بل هي من لوازم الماهية، التي تجتمع مع الوجوب والامتناع والإمكان، ومع العدم والوجود.

[3] أي: يكون وجوب المقدمة، «فالأصل» أي: الاستصحاب.

الإشكال الأول على جريان الاستصحاب

[4] حاصل التوهم: إنه لا يمكن جريان استصحاب عدم وجوب المقدمة؛ لأنه لابد في الاستصحاب من أن يكون المستصحب مجعولاً شرعياً، كاستصحاب وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة، أو موضوعاً لمجعول شرعي كاستصحاب الخمر لو شك في انقلابها خلاًّ، فإنه موضوع لحكم شرعي وهو الحرمة والنجاسة.

وليس وجوب المقدمة مجعولاً؛ لأن وجوبها - على القول به - لازم لوجوب ذيها، ولوازم الماهية غير مجعولة لا بالجعل البسيط، أي: إيجادها لوحدها، ولا بجعل مركب بأن يكون هناك جعلان أحدهما للماهية والآخر للوازمها.

ص: 149

عدم جريانه[1] - لكون وجوبها على الملازمة من قبيل لوازم الماهية غير مجعولة ولا أثر آخر[2] مجعول مترتب عليه[3]، ولو كان لم يكن بمهم هاهنا - مدفوعٌ[4]

-------------------------------------------------------------------

كزوجية الأربعة، فإن الزوجية غير موجودة لوحدها من غير الأربعة، ولا أنه تجعل الزوجية كما تجعل الأربعة. ودليل ذلك - أي: عدم الجعل البسيط أو المركب للوازم الماهية - هو استحالة وجود الزوجية مع قطع النظر عن الأربعة، كاستحالة إيجادها بعد إيجاد الأربعة، بل كلّما وجدت الزوجية وجدت الأربعة.

والحاصل: إن وجوب المقدمة لازم ذاتي لوجوب ذي المقدمة - على القول بالملازمة - واللوازم الذاتية غير مجعولة شرعاً، فلا يمكن جريان الاستصحاب فيها؛ إذ لابد في الاستصحاب من كون المستصحب مجعولاً شرعياً - بأن كان حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي - .

[1] أي: عدم جريان الاستصحاب، «وجوبها» أي: وجوب المقدمة، «على الملازمة» أي: على القول بملازمة وجوب ذي المقدمة لوجوب المقدمة.

لا يقال: على عدم الملازمة لا يكون عدم الوجوب من لوازم الماهية.

لأنه يقال: إذا لم يكن الوضع شرعيّاً فلا يكون الرفع شرعيّاً أيضاً، فتأمل.

[2] أي: وليس الوجوب موضوعاً لأثر شرعي مجعول، فإنه كما عرفت لابد من أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي.

إن قلت: النذر وشبهه أثر شرعي، ووجوب المقدمة قد يكون موضوعاً لهذا الأثر.

قلت: هذا ليس أثراً يعتد به، فلا يخرج الجعل عن اللغوية عرفاً بأمثال هذا الأثر.

[3] أي: على وجوب المقدمة، «ولو كان» أي: لو كان أثر كما في النذر.

[4] جواب عن التوهم، وحاصله: إنه يوجد جعل تبعي، أي: جعل وجوب المقدمة بتبع جعل وجوب ذي المقدمة، كما أنه لا شك في جعل الزوجية لكن جعلها بتبع جعل الأربعة، وهذا المقدار يكفي في صحة الاستصحاب وإخراجه عن اللغوية.

ص: 150

بأنه[1] وإن كان غير مجعول بالذات، لا بالجعل البسيط الذي هو مفاد كان التامة[2]، ولا بالجعل التأليفي الذي هو مفاد كان الناقصة[3]، إلاّ أنه[4] مجعول بالعرض وبتبع جعل وجوب ذي المقدمة، وهو[5] كافٍ في جريان الأصل.

ولزوم التفكيك[6] بين الوجوبين مع الشك لا محالة - لأصالة عدم وجوب المقدمة مع وجوب ذي المقدمة[7] - لا ينافي[8]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: بأن وجوب المقدمة، «بالذات» أي: بنفسه ومستقلاً.

[2] وكان التامة هي التي لا تحتاج إلى خبر، بل يُراد بها إثبات أصل الوجود، كما نقول: (كان زيد) أي: وُجد.

[3] «التأليفي» أي: المركّب، وكان الناقصة هي التي تحتاج إلى خبر؛ إذ يُراد بها إثبات شيء لشيء، كما نقول: (كان زيد قائماً).

[4] أن وجوب المقدمة، وفسّر قوله: (بالعرض) بقوله: (وبتبع جعل... الخ).

[5] أي: الجعل بالتبع يكفي لجريان الاستصحاب؛ لعدم كونه لغواً.

الإشكال الثاني على جريان الاستصحاب

[6] هذا إشكال آخر، وحاصله: إنه مع وجوب ذي المقدمة وإجراء أصل عدم وجوب المقدمة، يثبت التفكيك بين الوجوبين؛ وذلك يعني عدم وجود الملازمة، فكيف قلتم: إنه لا يوجد أصل في الملازمة؟

وبعبارة أخرى: إن استصحاب عدم وجوب المقدمة هو بمعنى عدم وجود الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة.

[7] أي: لو ثبت بالدليل وجوب ذي المقدمة، كما لو استطاع فوجب الحج، فيكون جريان استصحاب عدم وجوب المقدمة بمعنى عدم وجود الملازمة.

[8] جواب عن الإشكال، وحاصله: إن الاستصحاب ينفي وجوب المقدمة ظاهراً، وهذا لا ينافي وجود الملازمة واقعاً.

ص: 151

الملازمة بين الواقعيين[1]، وإنما ينافي الملازمة بين الفعليين[2]. نعم، لو كانت الدعوى هي الملازمة المطلقة حتى في المرتبة الفعلية لما صح التمسك بالأصل[3]، كما لا يخفى.

إذا عرفت ما ذكرنا فقد تصدى غير واحد من الأفاضل(1) لإقامة البرهان على الملازمة[4]؛ وما أتى منهم بواحد[5] خالٍ عن الخلل.

-------------------------------------------------------------------

وهذا نظير ما لو توضأ بماء مشكوك النجاسة، فمقتضي الاستصحاب هو طهارة اليد وبقاء الحدث، مع أنه واقعاً إمّا يده طاهره وهو متوضئ، وإما يده نجسة وهو غير متوضّئ، لكن لا بأس بذلك؛ لأن التفكيك ظاهري لا واقعي.

[1] أي: الوجوب الواقعي للمقدمة، والوجوب الواقعي لذي المقدمة.

[2] أي: لو كان وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة فعليين وفي الظاهر، فحينئذٍ لا يمكن إجراء استصحاب عدم الوجوب؛ لحصول التنافي بين الوجوب الظاهري وعدم الوجوب الظاهري، لكن لا منافاة بين الوجوب الواقعي وعدم الوجوب الظاهري، كما سيأتي تفصيله في بحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي.

[3] لأن الملازمة الظاهرية تتنافي مع عدم الوجوب الظاهري، لكن الدعوى ليست هذا.

ثانياً: الأدلة الاجتهادية على وجوب المقدمة

[4] يذكر المصنف ثلاثة أدلة على وجوب المقدمة، ويرتضي الأوليين ويناقش في الثالث.

الدليل الأول: الوجدان، فإن مراجعة الوجدان كافية في إدراك استقلال العقل بأن من أراد شيئاً أراد مقدماته، التي يتوقف عليها وجوده أيضاً. نعم، قد يلتفت إلى المقدمات فتتعلّق بها إرادة تفصيلية، وقد لا يلتفت إليها فتتعلّق بها إرادة إجمالية.

[5] أي: بدليل واحد لا إشكال فيه، وقد نقل في التقريرات اثني عشر دليلاً

ص: 152


1- مطارح الأنظار 1: 407، حيث نسبه إلى أبي الحسن البصري وجماعة.

والأولى إحالة ذلك إلى الوجدان حيث إنّه أقوى شاهد على أن الإنسان إذا أراد شيئاً له مقدمات أراد تلك المقدمات لو التفت إليها بحيث ربما يجعلها في قالب الطلب مثله[1]، ويقول مولوياً: (ادخل السوق واشتر اللحم) - مثلاً - ، بداهة[2] أن الطلب المنشأ بخطاب: (ادخل) مثل المنشأ بخطاب: (اشتر) في كونه بعثاً مولوياً، وأنه[3] حيث تعلقت إرادته بإيجاد عبده الاشتراء ترشحت منها له إرادة أخرى بدخول السوق بعد الالتفات إليه[4] وأنه يكون مقدمة له، كما لا يخفى.

ويؤيد الوجدان[5] بل يكون من أوضح البرهان وجود الأوامر الغيرية في الشرعيات

-------------------------------------------------------------------

للقوم، «ذلك» أي: البرهان.

[1] أي: مثل الشيء - الذي هو ذو المقدمة - .

[2] هذا دفع لتوهم أن الطلب إرشادي لا مولوي، والجواب: إنه لا نشعر بالفرق بين الطلبين، فلا فرق بين (ادخل) وبين (اشتر)، «كونه» أي: كون خطاب اشتر.

[3] معطوف على قوله: (أن الطلب المنشأ...)، والمعنى أنا بالوجدان نشعر بأن الطلب مولوي، كما أن الإرادة متعلقة بالمقدمات أيضاً، «أنه» للشأن، «إرادته» أي: المولى، «منها» من إرادته الشراء، «له» للمولى.

[4] إلى دخول السوق، «وأنه يكون...» أي: وبعد الالتفات إلى أن دخول السوق مقدمة للشراء.

[5] هذا هو الدليل الثاني، وحاصله: إن هناك في الشرع والعرف أوامر تعلقت بالمقدمات كقوله: {فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ...}(1) الآية، وليس تعلّق الأمر إلاّ لكونها مقدمة، فإذا كان الملاك في الوجوب هو المقدمية ثبت وجوب كل المقدمات؛ لوجود هذا الملاك فيها.

إن قلت: لعل الملاك هو كون الأوامر الشرعية أو العرفية شرطاً أو سبباً،

ص: 153


1- سورة المائدة، الآية: 6.

والعرفيات، لوضوح أنه[1] لا يكاد يتعلق بمقدمة أمر غيري إلاّ إذا كان فيها مناطه. وإذا كان[2] فيها كان في مثلها، فيصح تعلقه به[3] أيضاً لتحقق ملاكه ومناطه.

والتفصيل[4] بين السبب وغيره(1)

والشرط الشرعي وغيره(2) سيأتي بطلانه.

وأنه[5] لا تفاوت في باب الملازمة بين مقدمة ومقدمة.

ولا بأس بذكر الاستدلال[6] الذي هو كالأصل لغيره مما ذكره الأفاضل عن

-------------------------------------------------------------------

فالوضوء شرط لصحة الصلاة، ودخول السوق سبب لشراء اللحم مثلاً، ولذا أُمر به مستقلاً.

قلت: سيأتي بطلان التفصيل بين الشرط وغيره وبين السبب وغيره، فحينئذٍ لا يكون الملاك إلاّ المقدميّة.

[1] للشأن، وهذا بيان أن الملاك هو المقدميّة، وهذا الملاك موجود في كل المقدمات، «فيها» في المقدمة، «مناطه» أي: ملاك الأمر الغيري.

[2] أي: إذا كان المناط «فيها» في المقدمات التي تعلّق بها أمر شرعي أو عرفي، «في مثلها» لأن حكم الأمثال في ما يجوز وفي ما لا يجوز واحد.

[3] أي: تعلق الأمر الغيري، «به» بمثلها، «أيضاً» كتعلقه بالمقدمات التي صرّح بالأمر فيها، «ملاكه» أي: ملاك الأمر الغيري.

[4] إشارة إلى الإشكال على تعميم الوجوب لكل المقدمات.

[5] عطف تفسيري على (بطلانه).

[6] هذا هو الدليل الثالث، وهو مركب من مقدمتين:

الأولى: إن المقدمة إذا لم تكن واجبة لجاز تركها؛ لأن كل واجب يجوز تركه، مثلاً: لو لم يجب قطع المسافة إلى الحج لجاز الجلوس في البلد إلى أن يحين الحج.

ص: 154


1- وهو ما يفهم من كلام السيد المرتضي في الذريعة 1: 83.
2- هداية المسترشدين 2: 104؛ مطارح الأنظار 1: 447.

الاستدلالات، وهو ما ذكره أبو الحسن الحسين البصري(1)، وهو: أنه لو لم يجب المقدمة لجاز تركها، وحينئذٍ فإن بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق، وإلاّ[1] خرج الواجب المطلق عن وجوبه.

وفيه - بعد إصلاحه[2]

-------------------------------------------------------------------

الثانية: وحينئذٍ يلزم أحد محذورين:

1- إما التكليف بما لا يطاق، وهو التكليف بذي المقدمة في حال عدم الإتيان بالمقدمة.

2- وإما سقوط الوجوب المطلق وتحوّله إلى واجب مشروط، أي: لا وجوب للحج أصلاً ما دام لم يأت بالمقدمة، فإذا أتى بالمقدمة صدفة واتفاقاً فحينئذٍ يجب الحج.

وحيث بطل التالي - وهو كلا المحذورين - فالمقدم، وهو جواز ترك المقدمة باطل أيضاً، فلابد من وجوبها.

[1] أي: لو لم يبق الواجب المطلق على وجوبه، بل ينقلب إلى واجب مشروط حيث لا وجوب قبل تحقق المقدمة.

[2] قبل الجواب عن الدليل، لابد من تصحيحه...

أولاً: أن يكون المراد من (لجاز تركه) في المقدمة الأولى هو الجواز بالمعنى الأعم، الشامل للاستحباب والكراهة والإباحة، أما لو كان المراد الجواز بالمعنى الأخص - أي: خصوص الإباحة - فبطلان المقدمة الأولى واضح لا يخفى؛ إذ لا تلازم بين عدم الوجوب وبين الإباحة، فقد لا يكون الشيء واجباً ولا مباحاً، بل يكون مستحباً أو مكروهاً.

وثانياً: أن يكون المراد من (حينئذٍ) في المقدمة الثانية هو حين الترك لا حين جواز الترك، فإن جواز الترك من غير ترك فعلي لا محذور فيه، فلو جاز ترك المسير إلى

ص: 155


1- مطارح الأنظار 1: 407.

بإرادة عدم المنع الشرعي[1] من التالي في الشرطية الأولى، لا الإباحة الشرعية، وإلاّ[2] كانت الملازمة واضحة البطلان؛ وإرادة[3] الترك عما أضيف إليه الظرف[4]، لا نفس الجواز، وإلاّ[5] فمجرد الجواز بدون الترك لا يكاد يتوهم صدق القضية الشرطية الثانية[6] -: ما لا يخفى[7]،

-------------------------------------------------------------------

الحج لكن المكلف لم يتركه، بل سار إلى الحج فلا يلزم لا التكليف بما لا يطاق، ولا خروج الحج عن الوجوب.

[1] وهو الإباحة بالمعنى الأعم، «التالي» وهو قوله: لجاز تركه، «الشرطية الأولى» وهي المقدمة الأولى للدليل.

[2] أي: لو لم يُرِد الجواز بالمعنى الأعم، بل أراد خصوص الإباحة الشرعية «الملازمة» بين عدم الوجوب والإباحة.

[3] هذا التصحيح الثاني، وهو عطف على (إرادة عدم المنع الشرعي...)، أي: وإصلاحه بإرادة الترك.

[4] في قوله: (حينئذٍ)، فإن (حين) ظرف بمعنى الزمان، فأضيف إلى (إذ) وقد أُضيفت (إذ) إلى جملة، وقد حذفت وعُوّض عنها بالتنوين، والحاصل: إن المراد من (حينئذٍ) ليس حين جواز الترك، بل حين الترك فعلاً.

[5] أي: لو كان المراد (حين جواز الترك) لم يلزم المحذوران أصلاً.

[6] فإن التالي يبطل فيبطل المقدم معه؛ لأن جواز الترك لا يلزم منه لا التكليف بما لا يطاق، ولا خروج الواجب المطلق عن وجوبه، مثلاً: من جاز له ترك السفر إلى مكة، لكنه سافر إليها جوازاً، فإنه يقدر على الإتيان بالحج مع بقاء الحج على وجوبه.

[7] أي: وفيه - بعد الإصلاح - ما لا يخفى، وحاصله: إن المقصود من (لجاز تركه) في المقدمة الأولى، هل جواز الترك شرعاً أم جواز الترك شرعاً وعقلاً؟

ص: 156

فإنّ الترك بمجرد عدم المنع شرعاً[1] لا يوجب صدق إحدى الشرطيتين[2]، ولا يلزم أحد المحذورين، فإنه[3] وإن لم يبق له وجوب معه، إلاّ أنه كان ذلك بالعصيان، لكونه[4] متمكناً من الإطاعة والإتيان، وقد اختار تركه[5] بترك مقدمته

-------------------------------------------------------------------

فإن كان المراد الأول - أي: جواز الترك شرعاً - فلا يلزم المحذوران المذكوران في المقدمة الثانية، أي: فلا يسقط وجوب الحج أصلاً؛ لأنه مع جواز ترك قطع المسافة شرعاً يبقى حكم العقل بوجوب السفر، فلو لم يقطع المسافة إلى أن فاته الحج فإنه يكون عاصياً؛ إذ كان يمكنه الحج لكنه لم يحجّ، وقد مرّ سابقاً أن التكليف كما يسقط بالامتثال كذلك قد يسقط بالعصيان.

وإن كان المراد الثاني - أي: جواز الترك شرعاً وعقلاً - فلا تصحّ المقدمة الأولى؛ لأن عدم الوجوب الشرعي لا يلازم جواز الترك عقلاً وشرعاً، فإنه وإن لم يكن مانع شرعي عن الترك إلاّ أنه يمكن أن لا تكون المقدمة محكومة بأيِّ حكم من الأحكام الشرعية، ومع ذلك تكون محكومة بالوجوب العقلي.

[1] أي: لو كان المراد من (لجاز تركه) هو الجواز الشرعي.

[2] أي: الشرطية الثانية، والمعنى أنه لو جاز الترك شرعاً لم يلزم لا التكليف بما لا يطاق، ولا سقوط الواجب عن وجوبه، وفي بعض النسخ (الشرطين) والمراد المحذورين.

[3] للشأن، «له» لذي المقدمة، «معه» أي: مع ترك المقدمة، «ذلك» الترك.

[4] أي: لكون المكلّف، «متمكناً» أي: حين الترك كان متمكناً من عدم الترك، وقد كان العقل يحكم عليه بعدم الترك، فلا يكون معذوراً في تركه، فيكون عاصياً حين ترك ذي المقدمة.

[5] أي: ترك الواجب كالحج في المثال، وهذا الترك كان بسوء اختياره، فلا مانع من عقابه.

ص: 157

بسوء اختياره، مع حكم العقل بلزوم إتيانها[1] إرشاداً[2] إلى ما في تركها من العصيان المستتبع للعقاب.

نعم[3]، لو كان المراد من الجواز جواز الترك شرعاً وعقلاً يلزم أحد المحذورين، إلاّ أن الملازمة[4] على هذا[5] في الشرطية الأولى ممنوعة، بداهة أنه لو لم يجب شرعاً لا يلزم أن يكون جائزاً شرعاً وعقلاً، لإمكان أن لا يكون محكوماً بحكمٍ شرعاً وإن كان واجباً[6] عقلاً إرشاداً، وهذا واضح.

وأما التفصيل بين السبب وغيره(1):

فقد استدل على وجوب السبب[7]، بأن

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: المقدمة، فلا وجوب شرعي فيها، لكن العقل يحكم بلزومها ليتمكن من إطاعة أمر ذي المقدمة.

[2] لا يخفى أن المصنف في الدليل الأول الوجداني ادعى أن وجوبها مولوي لا إرشادي، فكلامه هنا يخالف كلامه هناك، فلاحظ.

[3] أي: لو كان المراد من (لجاز تركها) هو جواز الترك شرعاً وعقلاً فحينئذٍ تصدق المقدمة الثانية، أي: يلزم المحذوران، لكن لا نسلّم بالمقدمة الأولى.

[4] أي: الملازمة في الشرطية الأولى حيث قال: (لو لم تجب المقدمة لجاز تركها).

[5] أي: جواز الترك شرعاً وعقلاً؛ وذلك لأن جواز الترك شرعاً لا يلازم جواز الترك عقلاً وشرعاً، بل قد لا يكون للمقدمة حكم أصلاً.

[6] أي: وإن كانت المقدمة واجبة عقلاً.

التفصيل في وجوب المقدمة
1- التفصيل بين السبب وغيره

[7] حاصله: وجوب المقدمة إذا كانت سبباً، وعدم وجوبها إذا لم تكن سبباً، مثلاً:

ص: 158


1- الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 83.

التكليف لا يكاد يتعلق إلاّ بالمقدور، والمقدور لا يكون إلاّ هو السبب، وإنما المسبب من آثاره المترتبة عليه قهراً[1]، ولا يكون[2] من أفعال المكلف وحركاته أو سكناته، فلابد من صرف الأمر المتوجّه إليه عنه إلى سببه.

ولا يخفى ما فيه[3] من أنه[4] ليس بدليل على التفصيل، بل على أن الأمر النفسي

-------------------------------------------------------------------

إذا وجبت الملكية فمقدمتها، وهو العقد، يكون واجباً، لأنه سبب للملكية فتترتب عليه قهراً، وأما الحج فقطع المسافة ليس سبباً؛ لأنه لا يترتب عليه الحج، بل يتمكن للمكلّف بعد الوصول إلى مكة من الحج أو تركه، وقد مرّ تفصيل الكلام في الأفعال التوليدية والأفعال المباشرية.

والدليل على ذلك أن المسبب غير مقدور؛ فلذا لا يتعلق التكليف به، بل يتعلق بمقدمته وهي مقدورة، أما غير المسبب فإنه مقدور، فيكون واجباً بنفسه، ولا وجوب لمقدمته.

[1] من غير اختيار للمكلّف على تلك الآثار، فهي ليست من أفعاله، والتكليف إنما يتوجه إلى فعل المكلّف، مثلاً: الإلقاء في النار فعل اختياري للمكلف، وأما الإحراق فهو نتيجة قهرية وليست فعلاً للمكلّف!!

[2] أي: لا يكون المسبب.

[3] يستشكل المصنف عليه بإشكالين:

الأول: إن هذا ليس تفصيلاً في المقدمة، بل هو تفصيل في ذي المقدمة، بأن الواجب النفسي قد يكون السبب وقد يكون شيئاً آخر، فالسبب خرج عن كونه مقدمة وواجباً غيرياً إلى أنه واجب نفسي.

الثاني: إن المسبب مقدور وذلك بالقدرة على سببه؛ لأن القدرة قد تتعلق بالشيء بلا واسطة، وقد تتعلق بالشيء مع الواسطة، ومن الواضح صحة التكليف بما هو مقدور بالواسطة.

[4] هذا هو الإشكال الأول، «أنّه» أن هذا الدليل، «التفصيل» في المقدمة، «بل»

ص: 159

إنما يكون متعلقاً بالسبب دون المسبّب. مع[1] وضوح فساده، ضرورة أن المسبب مقدور المكلف وهو متمكن عنه بواسطة السبب، ولا يعتبر في التكليف أزيد من القدرة، كانت[2] بلا واسطة أو معها، كما لا يخفى.

وأما التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره[3]: فقد استدل على الوجوب في الأول[4] بأنه لو لا وجوبه شرعاً لما كان شرطاً[5] حيث[6] إنّه ليس مما لابد منه عقلاً أو عادةً[7].

-------------------------------------------------------------------

تفصيل في ذي المقدمة.

[1] هذا الإشكال الثاني، «فساده» أي: فساد الدليل.

[2] أي: سواء كانت، «معها» أي: مع الواسطة.

2- التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره

[3] أي: غير الشرعي وهو الشرط العادي والعقلي(1).

وحاصله الدليل على التفصيل هو: إنه لا طريق لمعرفة الشرط الشرعي - وهو مقدمة شرعية - إلاّ عن طريق أمر الشارع به أمراً غيرياً، فلو لا أمر الشارع بالوضوء للصلاة لم نكن نعلم بأنه مقدمة شرعية، بخلاف المقدمة العقلية والعادية حيث يمكن معرفتهما عبر العقل أو العادة.

والحاصل: إنه لابد في الشرط الشرعي من الأمر الشرعي فيكون واجباً شرعاً، عكس المقدمة العقلية والعادية.

[4] وهو الشرط الشرعي، «بأنه» للشأن، «وجوبه» أي: وجوب الشرط شرعاً.

[5] إذ لا طريق إلى معرفة شرطيته، فلو لم يأمر الشارع به كشف ذلك عن عدم كونه شرطاً، وإلاّ كان ناقضاً لغرضه.

[6] هذا وجه عدم كونه شرطاً لو لا أمر الشارع، «إنه» إن الشرط الشرعي.

[7] فكيف يمكن معرفة شرطيته؟ أما المقدمة العقلية أو العادية فلا حاجة إلى الأمر

ص: 160


1- هداية المسترشدين 2: 104؛ مطارح الأنظار 1: 447.

وفيه[1] - مضافاً[2] إلى ما عرفت من رجوع الشرط الشرعي إلى العقلي - : أنه[3] لا يكاد يتعلق الأمر الغيري إلاّ بما هو مقدمة الواجب[4]، فلو كانت مقدميته[5] متوقفة على تعلقه بها لدار[6].

والشرطية[7]

-------------------------------------------------------------------

بهما لمعرفة الناس مقدميتهما.

[1] والجواب بوجهين:

الأول: إنه قد ذكرنا في أول بحث المقدمة في تقسيم المقدمة إلى عقلية وشرعية وعادية، أن المقدمة الشرعية ترجع إلى المقدمة العقلية، وحينئذٍ فصارت المقدمة الشرعية عقلية، فلا فرق بينها وبين سائر المقدمات العقلية، فإما أن تجب جميعاً أو لا يجب أيٌّ منها.

الثاني: إنه لا يمكن معرفة الشرطية من الأمر الشرعي بالشرط، وإلاّ لزم الدور؛ وذلك لأن تعلّق الأمر الغيري بشيء متوقف على مقدميته، لأنه لو لم يكن مقدمةً لم يكن مأموراً به غيريّاً، فلو كانت مقدميته متوقفة على الأمر الغيري للزم الدور.

[2] هذا هو الإشكال الأول، «عرفت» في تقسيمات المقدمة.

[3] هذا هو الإشكال الثاني، «أنه» للشأن.

[4] لأن المقدميّة حيثٌ تعليلي، أي: هي علة وجوب المقدمة.

[5] أي: مقدمية الشرط الشرعي، «تعلقه» أي: تعلق الأمر الغيري، «بها» بالمقدمة التي هي الشرط الشرعي.

[6] أي: لصار دوراً صريحاً.

[7] دفع لإشكال، والإشكال هو أن هذا الدور أيضاً يلزم على قول المصنف؛ لأن الشرطية متوقفة على الأمر الغيري؛ إذ لولاه لما كنا نعلم بشرطية الوضوء للصلاة - مثلاً - ، والأمر الغيري متوقف على ثبوت الشرطية؛ إذ لو لا الشرطية لما أمر المولى بالشرط!!

ص: 161

وإن كانت منتزعة عن التكليف[1]، إلاّ أنه عن التكليف النفسي المتعلق بما قُيّد بالشرط[2]، لا عن الغيري[3]، فافهم[4].

تتمة: لا شبهة[5] في أن مقدمة المستحب كمقدمة الواجب، فتكون مستحبة لو

-------------------------------------------------------------------

والجواب: إن الشرطية ليست متوقفة على الأمر الغيري، فانهدم الركن الأول للدور.

بيانه: إن الشرطية ليست متوقفة على الوجوب الغيري، بل هي منتزعة عن الوجوب النفسي بالصلاة المقيدة بالوضوء، فارتفع الدور؛ وذلك لأن الأمر الغيري متوقف على ثبوت الشرطية، وهي متوقفة على الوجوب النفسي.

[1] أي: من الأمر النفسي المتعلّق بذي المقدمة، فإن الأمر النفسي تعلّق بالصلاة المقيدة بالوضوء، ومن ذلك عرفنا مقدمية الوضوء للصلاة!!

[2] كالصلاة المقيدة بالوضوء في المثال.

[3] أي: ليست المقدمية متوقفة على الأمر الغيري.

[4] لعله إشارة إلى أن هذا لا يدفع الدور، بل ينقله من الدور في الأمر الغيري إلى الدور في الأمر النفسي؛ وذلك لأن الأمر النفسي بالصلاة المقيدة بالطهارة يتوقف على مقدمية الطهارة، ومقدمية الطهارة متوقفة على الأمر النفسي بالصلاة المقيّدة بالطهارة، فرجع الدور.

والصحيح في جواب الدور - سواء في الأمر الغيري أم في الأمر النفسي - أن يقال: إن تعلق الوجوب بالوضوء أو بالصلاة المقيدة بالوضوء يتوقف على شرطية الوضوء ثبوتاً وفي الواقع. وانتزاع عنوان الشرطية يتوقف على وجوب الوضوء، أو وجوب الصلاة المقيدة بالوضوء إثباتاً وفي مرحلة معرفة المكلّفين للشرط. فصار أحد الطرفين في مرحلة الإثبات، والآخر في مرحلة الثبوت فلا دور.

تتمة: في مقدمة المستحب والمكروه والحرام

[5] وذلك لوحدة الملاك فيهما؛ لأنه بناء على الملازمة لا يجد العقل فرقاً بين

ص: 162

قيل بالملازمة. وأما مقدمة الحرام والمكروه[1] فلا تكاد تتصف[2] بالحرمة أو الكراهة، إذ منها[3] ما يتمكن معه من ترك الحرام أو المكروه اختياراً[4] كما كان متمكناً قبله[5]،

-------------------------------------------------------------------

مقدمة الواجب ومقدمة المستحب، فإن إرادة ذي المقدمة تتوقف على إرادة المقدمة غيرياً.

[1] مقدمات المكروه والحرام على قسمين:

الأول: ما يبقى الاختيار بعد المقدمة، كمن يريد القتل، فإنّ له مقدمات كشراء السلاح ونحوه، ومن المعلوم أنه بفعل هذه المقدمات لا يتحقق القتل، فلا تترشح الحرمة على المقدمة.

والفرق بين مقدمة الواجب ومقدمة الحرام أن المطلوب في الواجب هو الفعل، والفعل يتوقف على المقدمات، فتجب بناءً على الملازمة، لكن المطلوب في الحرام هو الترك، وهذا الترك لا يتوقف على ترك المقدمات؛ إذ يمكن ترك الحرام مع فعل كل مقدماته.

الثاني: ما لا يبقى الاختيار بعد المقدمة، كمن يُلقي المقتول من فوق مرتفع، فإنه بعد الإلقاء لا يتمكن من منع زهوق روح المقتول، فهذه المقدمة نلتزم بحرمتها بناء على الملازمة.

[2] في القسم الأول، وهي ما يبقى بعدها اختيار فعل الحرام والمكروه أو تركهما.

[3] من مقدمات الحرام والمكروه، «يتمكن» المكلّف «معه» الضمير يرجع إلى الموصول الذي هو المقدمة.

[4] فلم يتوقف تركهما على ترك تلك المقدمات، فلا وجه لترشّح الحرمة أو الكراهة إلى تلك المقدمات؛ لأن مناط الترشّح هو التوقف.

[5] الضمير للموصول، والمراد منه المقدمة.

ص: 163

فلا دخل له[1] أصلاً في حصول ما هو المطلوب من ترك الحرام أو المكروه، فلم يترشح[2] من طلبه طلب ترك مقدمتهما.

نعم[3]، ما لا يتمكن معه من الترك المطلوب لا محالة يكون مطلوب الترك[4]، ويترشّح من طلب تركهما طلب ترك خصوص هذه المقدمة، فلو لم يكن[5] للحرام مقدمة لا يبقى معها اختيارُ تركه لما اتصف بالحرمة مقدمة من مقدماته.

لا يقال[6]: كيف[7]؟ ولا يكاد يكون فعلٌ إلاّ عن مقدمة[8] لا محالة معها يوجد،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لترك المقدمة.

[2] أي: حيث لم يتوقف ترك الحرام أو المكروه على ترك هذه المقدمات، فلا يوجد فيها مناط الحرمة، «طلبه» أي: طلب ترك الحرام أو المكروه.

[3] هذا القسم الثاني من مقدمات الحرام والمكروه، «ما» أي: المقدمات التي، «لا يتمكن» أي: المكلّف، «معه» الضمير يرجع للموصول وهو المقدمات، «لا محالة» أي: بعدها يقع الحرام أو المكروه من غير تمكن المكلّف من منع الوقوع.

[4] أي: ترك تلك المقدمات، فتترشح الحرمة أو الكراهة إليها، بناءً على الملازمة.

[5] أي: لو فعل جميع المقدمات، ومع ذلك بقي على اختياره في فعل الحرام والمكروه أو تركهما، بأن كان الحرام من الأفعال المباشرية لا التوليدية، و«لا يبقى» صفة للمقدمة، «تركه» ترك الحرام.

[6] حاصله: كيف تقولون: إنّ جميع المقدمات غير محرّمة لعدم توقف الحرام عليها، مع أنه من الواضح أنه لابد في وجود الشيء من تحقق علته التامة، فالحرام لا يخلو من جزء أخير للعلة، وهذا الجزء لابدّ أن يكون محرّماً؛ لتحقق الحرام به لا محالة!! وكذا في مقدمة المكروه.

[7] أي: كيف لا تتصف المقدمات جميعاً بالحرمة؟

[8] وهي الجزء الأخير من العلة، «معها» أي: مع هذه المقدمة التي هي الجزء الأخير للعلة، «يوجد» ذلك الفعل.

ص: 164

ضرورة أن الشيء ما لم يجب لم يوجد.

فإنه يقال[1]: نعم، لا محالة يكون من جملتها[2] ما يجب معه صدور الحرام، لكنه لا يلزم أن يكون ذلك من المقدمات الاختيارية، بل من المقدمات الغير(1)

الاختيارية، كمبادئ الاختيار[3] التي لا تكون بالاختيار، والاّ لتسلسل[4]، فلا تغفل وتأمّل.

-------------------------------------------------------------------

[1] حاصله: إن الجزء الأخير في الأفعال المباشرية هو الاختيار، فمن فعل جميع المقدمات يبقى مختاراً في أن يفعل الحرام أو يتركه، فكل تلك المقدمات لا تتصف بالحرمة؛ لعدم توقف الحرام عليها، وأما الجزء الأخير - وهو الاختيار - فلا يتصف بالحرمة أيضاً؛ لعدم كونه اختيارياً، وإلاّ لزم التسلسل، بأن يقال: إن سبب الاختيار هو اختيار آخر تعلق بهذا الاختيار الأول، وهكذا، كما مرّ تفصيله في بحث الطلب والإرادة، وحيث لم يكن الجزء الاخير اختيارياً فلا يتعلق به التكليف؛ لأن التكليف لا يتعلق إلاّ بالاختياريات.

[2] أي: من جملة المقدمات، وهو المقدمة التي تكون الجزء الأخير للعلّة، «يجب» أي: يتحقق لا محالة، «لكنه» الضمير للشأن، «ذلك» أي: ما يجب صدور الحرام وهو الجزء الأخير للعلة.

[3] من التصور والتصديق والعزم والجزم الخ، وقد مرّ تفصيلها في بحث الطلب والإرادة.

[4] وقد مرّ الإشكال على هذا الكلام، بأن اختيارية كل شيء بالإرادة، واختيارية الإرادة بنفسها، لا بإرادة أخرى، فراجع.

ص: 165


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير الاختيارية».

فصل: الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده أو لا؟ فيه أقوال(1).

وتحقيق الحال يستدعي رسم أمور:

الأول: الاقتضاء في العنوان أعم[1] من أن يكون بنحو العينية(2)

أو الجزئية أو اللزوم من جهة التلازم بين طلب أحد الضدين وطلب ترك الآخر(3)

أو المقدمية، على ما سيظهر. كما أن المراد بالضد هاهنا هو مطلق المعاند والمنافي، وجودياً كان أو عدمياً[2].

-------------------------------------------------------------------

فصل: هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده

الأمر الأول:في معني «الاقتضاء» في العنوان

[1] أي: عندما نقول: (يقتضي) نريد به المعنى الأعم للاقتضاء - ليشمل البحث كل الأقوال - «العينية» بأن يكون الأمر بالشيء هو نفس النهي عن ضده، فالفرق يكون في الألفاظ لكن المعنى واحد كالترادف، و«الجزئية» بأن يكون الأمر مركباً من جزءين أحدهما الأمر بالشيء والآخر النهي عن ضده، و«اللزوم» وهو على قسمين:

1- «التلازم» بأن لا ينفك أحدهما عن الآخر من غير أن يكون أحدهما عِلّة ولا جزء عِلّة للآخر.

2- «المقدمية» بأن يكون وجود أحدهما مقدمة لوجود الآخر، فيكون عِلّة أو جزء عِلّة.

[2] فيشمل النقيضين أيضاً، فالعدمي مثل عدم الصلاة منافٍ للصلاة، فهل

ص: 166


1- مطارح الأنظار 1: 554.
2- وهو ما اختاره صاحب الفصول: 92.
3- قوانين الأصول 1: 108 و 113.

الثاني[1]: إن الجهة المبحوثة عنها في المسألة وإن كانت أنه هل يكون للأمر اقتضاء بنحوٍ من الأنحاء المذكورة[2]؟ إلاّ أنّه لما كان عمدة القائلين بالاقتضاء في الضد الخاص[3] إنّما ذهبوا إليه لأجل توهم مقدمية ترك الضد[4]، كان المهم صرف عنان الكلام في المقام إلى بيان الحال وتحقيق المقال في المقدمية وعدمها، فنقول - وعلى الله الاتكال - :

إن توهم(1)[5]

توقف الشيء على ترك ضده ليس إلاّ من جهة المضادة والمعاندة

-------------------------------------------------------------------

الأمر بها يقتضي النهي عن عدمها أم لا؟ والوجودي مثل الأمر بالإزالة هل يقتضي النهي عن الصلاة الموسعة أم لا؟

الأمر الثاني: في عدم مقدميّة أحد الضدين للآخر ولا تلازم

اشارة

[1] ردّ للقول بالمقدميّة، وللقول بالتلازم، وحاصله: أن ترك أحد الضدين ليس مقدمة لوجود الضد الآخر، ولا تلازم بينهما والغرض إبطال أهم دليل للقائلين باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده حيث إن عمدة دليلهم هو المقدميّة، ولذلك خصّ المصنف هذا الأمر لبيان عدم المقدميّة، ولردّ القول الآخر وهو التلازم كما سيتضح.

[2] في الأمر الأول من (العينيّة) و(الجزئية) و(اللزوم) و(المقدميّة).

[3] أما في الضد العام فالكثير ذهبوا إلى العينيّة كما سيتضح لاحقاً.

[4] أي: مقدميّة الترك إلى فعل الضد الآخر، مثلاً: توهموا أن ترك الصلاة الموسعة مقدمة لفعل الإزالة الواجبة.

[5] حاصل الدليل كالتالي:

1- وجود كل ضدٍ مانعٌ عن حصول الضد الآخر، وذلك لاستحالة اجتماع الضدين.

2- وعدم المانع من مقدمات وجود الشيء.

ص: 167


1- والمتوهم هو الحاجبي والعضدي، كما ذكره في مطارح الأنظار 1: 516.

بين الوجودين[1]، وقضيتها الممانعة بينهما، ومن الواضحات[2] أن عدم المانع من المقدمات.

وهو توهم فاسد[3]، وذلك لأن المعاندة والمنافرة بين الشيئين لا تقتضي إلاّ عدم

-------------------------------------------------------------------

3- فعدم كل ضد من مقدمات وجود الضد الآخر.

مثلاً: إزالة النجاسة عن المسجد ضد الصلاة، لعدم إمكان اجتماعهما معاً، فالصلاة مانع عن الإزالة، فترك الصلاة مقدمة لتحقق الإزالة الواجبة.

ثم يضمّ إلى هذا برهان آخر وهو:

أ - إن ترك الصلاة مقدمة للإزالة الواجبة.

ب - ومقدمة الواجب واجبة.

ج - فترك الصلاة حينئذٍ واجب.

د - وإذا كان ترك الصلاة واجباً ففعل الصلاة حرام.

[1] أي: بين وجود الضدين تنافي ومعاندة، «وقضيتها» أي: مقتضى المضادة والمعاندة، «بينهما» بين الضدين.

[2] لأن وجود الشيء يتوقف على وجود المقتضي وعلى عدم المانع، مثلاً الاحتراق يتوقف على وجود النار وعلى عدم الرطوبة مثلاً.

[3] أجاب المصنف عن دليل المقدميّة بجوابين:

الجواب الأول: إن الضدين وعدمهما كلها في رتبة واحدة، فليس أحدهما مقدمة لترك الآخر، بيانه:

1- إن النقيضين في رتبة واحدة، فالصلاة وعدمها في رتبة واحدة.

2- وإن الضدين في رتبة واحدة أيضاً، فالصلاة والإزالة في رتبة واحدة.

3- وينتج من ذلك ببرهان المساواة كون عدم الصلاة والإزالة في رتبة واحدة، هكذا:

الصلاة وعدمها في رتبة واحدة، والصلاة والإزالة في رتبة واحدة، فعدم الصلاة

ص: 168

اجتماعهما في التحقق[1]، وحيث لا منافاة أصلاً بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديله[2]، بل بينهما كمال الملاءمة[3]، كان[4] أحد العينين مع نقيض الآخر وما هو بديله في مرتبة واحدةٍ، من دون أن يكون[5] في البين ما يقتضي تقدم أحدهما على الآخر[6]، كما لا يخفى.

-------------------------------------------------------------------

والإزالة في رتبة واحدة.

وبذلك تنتفي المقدميّة، لأن المقدمة من أجزاء علة ذي المقدمة، ومن المعلوم تقدم العلة وجميع أجزائها على المعلول.

[1] من غير اقتضاء لكون ترك أحدهما مقدمة للآخر.

[2] «لا منافاة» لاتحاد الرتبة، «أحد العينين» أي: أحد الشيئين كالإزالة، «نقيض الآخر» كعدم الصلاة التي هي نقيض الصلاة، «بديله» عطف تفسيري على (نقيض الآخر).

[3] الكاشف عن اتحاد الرتبة، فالإزالة وعدم الصلاة متلائمان جداً مما يكشف عن وحدة رتبتهما.

[4] «كان» جزاء قوله: (وحيث لا منافاة اصلاً...)، «أحد العينين» كالإزالة، «نقيض الآخر» كترك الصلاة، «وما هو بديله» عطف تفسيري على نقيض الآخر، لأن أحد النقيضين بديل الآخر إذ لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإذا وجد أحدهما ارتفع الآخر.

[5] أي: حيث كانا في رتبة واحدة فلا يعقل تقدّم أحدهما على الآخر.

[6] وذلك لأنّه لا يمكن أن يكون المتقدم الوجود أو العدم، وذلك لعدم وجود مرجح للتقدّم، ولا يمكن أن يرتفع كلاهما معاً وهذا باطل لاستلزامه ارتفاع النقيضين وهو محال، فلم يبق إلاّ عدم وجود متقدّم بينهما، بل كلاهما في رتبة واحدة.

ص: 169

فكما أنّ قضيّة المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدم ارتفاع أحدهما في ثبوت الآخر، كذلك في المتضادين.

كيف[1]؟! ولو اقتضى التضاد توقّف وجود الشيء على عدم ضدّه[2] - توقف الشيء على عدم مانعه - لاقتضى[3] توقف عدم الضد على وجود الشيء - توقف عدم الشيء على مانعه - ، بداهة[4]

-------------------------------------------------------------------

[1] الجواب الثاني: وحاصله: أن القول بالمقدميّة يستلزم الدور، وذلك لأن كل واحد من الضدين يتوقف على عدم الآخر، ولازم هذا أن عدم الآخر متوقف على وجود هذا لأن عدم الشيء يتوقف على وجود المانع، وهذا دور واضح. مثلاً: الإزالة تتوقف على عدم الصلاة - كما يقول المستدل - حيث إن وجود الشيء يتوقف على عدم مانعه، وكذلك عدم الصلاة يتوقف على الإزالة لأن عدم الشيء يتوقف على وجود مانعه. «كيف» أي: كيف تكون مقدميّة والحال أنه لو اقتضى التضاد... الخ.

[2] كتوقف وجود الإزالة على عدم الصلاة، «توقف الشيء» أي: من باب أن الشيء يتوقف على عدم مانعه.

[3] جزاء (لو) أي: كان لازم المانعية هو توقف عدم الشيء على وجود المانع كعدم الإزالة تتوقف على وجود الصلاة.

[4] كأنه جواب عن إشكال مقدر، والإشكال: أن وجود الشيء يتوقف على عدم مانعه، لكن عدم المانع لا يتوقف على وجود الشيء، مثلاً: الإحراق يتوقف على عدم الرطوبة، لكن عدم الرطوبة لا تتوقف على الإحراق!

والجواب: أن المانعية في مثال الإحراق إنما هي من جانب واحد، أي الرطوبة مانعة عن الإحراق فيتوقف الإحراق على عدم الرطوبة، دون العكس إذ ليس عدم الرطوبة متوقفة على الإحراق.

ص: 170

ثبوت المانعية في الطرفين وكون المطاردة[1] من الجانبين، وهو دور واضح.

وما قيل(1)

في التفصي عن هذا الدور[2] بأنّ التوقف من طرف الوجود فعلي[3]، بخلاف التوقف من طرف العدم[4]، فإنه يتوقف على فرض ثبوت

-------------------------------------------------------------------

وليس ما نحن فيه كذلك، بل المانعية في كلا الجانبين، إذ الصلاة مانعة عن الإزالة كما أن الإزالة مانعة عن الصلاة، فكما أن وجود الإزالة متوقف على عدم الصلاة كذلك عدم الصلاة متوقف على وجود الإزالة.

[1] عطف تفسيري.

[2] جواب المحقق الخوانساري عن الدور، وحاصله: أن توقف الإزالة على عدم الصلاة توقف فعلي، لكن توقف عدم الصلاة على الإزالة توقف تقديري، مع عدم تحقق هذا التقدير، فاندفع الدور.

أما كونه تقديرياً: فلأن عدم الشيء يُنسب إلى عدم المقتضي، لا إلى وجود المانع، نعم لو تحقق المقتضي ولم يتحقق الشيء كان عدم تحققه بسبب وجود المانع، مثلاً: لو لم يحترق الشيء وكان ذلك حين عدم وجود النار ووجود الرطوبة، فإن عدم الاحتراق ينسب إلى عدم وجود النار لا إلى وجود الرطوبة.

وأما عدم تحقق هذا التقدير في ما نحن فيه: فلأنّ الذي يريد الإزالة لا يريد الصلاة لعدم إمكان إرادة الضدين، فعدم الصلاة ليس لأجل وجود المانع الذي هو الإزالة، بل لأجل عدم وجود المقتضي أي عدم إرادة الصلاة.

والحاصل: الإزالة توقفت على عدم الصلاة، لكن عدم الصلاة توقف على عدم إرادة الصلاة لا على وجود الإزالة.

[3] أي: توقف الإزالة على عدم الصلاة، هذا توقف فعلي، بمعنى أن الإزالة تتحقق مع عدم تحقق المانع الذي هو الصلاة.

[4] إذ هو توقف تقديري، مثلاً: عدم الصلاة لا يتوقف على الإزالة إلاّ لو

ص: 171


1- مطارح الأنظار 1: 524، والقائل هو المحقق الخوانساري.

المقتضي له مع شراشر شرائطه غير عدم وجود ضده، ولعلّه[1] كان محالاً، لأجل[2] انتهاء عدم وجود أحد الضدين مع وجود الآخر إلى عدم تعلق الإرادة الأزلية به[3] وتعلقها بالآخر حسب ما اقتضته الحكمة البالغة، فيكون العدم دائماً مستنداً إلى عدم المقتضي، فلا يكاد يكون مستنداً إلى وجود المانع كي يلزم الدور.

إن قلت[4]:

-------------------------------------------------------------------

فرض وجود مقتضي الصلاة وجميع شرائطه، «فإنه» أي: فإن التوقف من طرف العدم، «المقتضي له» أي: المقتضي للصلاة، «شراشر» أي: سائر، «شرائطه» شرائط وجود الصلاة، «غير عدم وجود ضده» أي: المقتضي وجميع شرائط الوجود متحققة لكن وُجد المانع الذي هو الإزالة فحينئذٍ يقال: عدم الصلاة يتوقف على الإزالة.

[1] هذا بيان لعدم تحقق الفرض، «لعلّه» أي: لعلّ ثبوت المقتضي.

[2] أي: المقتضي للصلاة هو إرادة الصلاة، ولكن مع إرادة الإزالة لا يعقل إرادة الصلاة، «عدم وجود أحد الضدين» كعدم الصلاة، «الضد الآخر» كالإزالة.

[3] بيان لعدم وجود المقتضي، إذ لا إرادة للصلاة، فعدمها ينسب إلى عدم الإرادة لا إلى وجود الإزالة.

«الإرادة الأزلية» كأنّه يقصد عدم إرادة الله تعالى من الأزل، ولو كان يقول لعدم تعلق إرادة المكلف لكان أولى وأصح، إذ في كلامه إشكالان:

الأول: إن الإرادة الإلهية من صفات الفعل، وهي إيجاد الشيء كما مرّ في بحث الطلب والإرادة.

الثاني: إن هذا الكلام يشعر بالقول بالجبر، وهو باطل قطعاً كما مرّ.

[4] يريد المحقق الخوانساري دفع إشكال على كلامه، وحاصل الإشكال: أنّه إنما يُنسب عدم الصلاة إلى عدم إرادتها - لا إلى وجود الإزالة - في ما لو كان كلاهما من شخص واحد حيث لا يمكنه إرادة الضدين، وأما لو كان هناك شخصان أحدهما

ص: 172

هذا إذا لوحظا[1] منتهيين إلى إرادة شخص واحد. وأما إذا كان كل منهما متعلقاً لإرادة شخص، فأراد - مثلاً - أحد الشخصين حركة شيءٍ، وأراد الآخر سكونه، فيكون المقتضي لكل منهما[2] حينئذٍ موجوداً، فالعدم[3] لا محالة يكون فعلاً مستنداً إلى وجود المانع.

قلت[4]: هاهنا أيضاً مستند إلى عدم قدرة المغلوب منهما في إرادته[5] - وهي ممّا لابد منه في وجود المراد، ولا يكاد يكون[6] بمجرد الإرادة بدونها - ، لا إلى وجود الضد، لكونه مسبوقاً بعدم قدرته، كما لا يخفى.

-------------------------------------------------------------------

يريد الصلاة والآخر يريد الإزالة، فحينئذٍ لو تحققت الإزالة فيكون عدم تحقق الصلاة لوجود المانع الذي هو الإزالة، لا لعدم المقتضي، إذ المقتضي وهو إرادة الصلاة موجود!

[1] أي: لوحظ الضدين، كالصلاة والإزالة، «منهما» من الضدين.

[2] «المقتضي» وهو إرادتهما، «منهما» من الضدين.

[3] أي: فلو تحقق أحدهما، فعدم الآخر يكون مستنداً إلى وجود مانعه، «فعلاً» أي: لا فرضاً وتقديراً.

[4] جواب المحقق الخوانساري عن الإشكال، وحاصله: أن المقتضي لا ينحصر في الإرادة بل هي جزء منه، وهناك جزء آخر وهو القدرة، وفي المثال: المغلوب لا قدرة له فلذا لم يتحقق ما أراده، فرجع الأمر إلى عدم وجود المقتضي أيضاً لا إلى وجود المانع، أو نقول: إن القدرة من شرائط المقتضي، فرجع الأمر إلى عدم المقتضي لعدم شرطه.

[5] أي: في ما أراده المغلوب، «وهي» أي: القدرة، «في وجود المراد» إما لأنها جزء المقتضي أو لأنها شرطه.

[6] أي: لا يوجد الشيء، «بدونها» بدون القدرة، «وجود الضد» الذي هو المانع، «لكونه» لكون وجود الضد، «بعدم قدرته» عدم قدرة الشخص.

ص: 173

غير سديد[1]، فإنه[2] وإن كان قد ارتفع به الدور، إلاّ أنه غائلة لزوم توقف الشيء على ما يصلح أن يتوقف عليه على حالها، لاستحالة[3] أن يكون الشيء الصالح لأن يكون موقوفاً عليه الشيء موقوفاً عليه، ضرورة[4] أنه لو كان في مرتبة يصلح لأن يستند إليه لما كاد يصح أن يستند فعلاً إليه.

-------------------------------------------------------------------

والحاصل: إنه لا يصح نسبة عدم الصلاة إلى الإزالة، بل ينسب إلى عدم القدرة على الصلاة.

[1] جواب المصنف عن إشكال المحقق الخوانساري، وحاصل الجواب: أن الدور وإن ارتفع، لكن ملاك استحالة الدور لم يرتفع.

بيانه: إنه كما يستحيل توقف الشيء على نفسه، كذلك يستحيل قابلية الشيء للتوقف على نفسه، مثلاً: يستحيل أن تكون (الإزالة) متوقفة فعلاً على (ترك الصلاة)، في حين كون (ترك الصلاة) صالحاً تقديراً لأن يكون متوقفاً على (الإزالة).

وبعبارة أخرى: الشيء الصالح للعلية يستحيل أن يكون معلولاً.

[2] «فإنه» الضمير للشأن، «به» بهذا التفصّي، «توقف الشيء» كالإزالة، «على ما» على ترك الصلاة الذي يصلح، «أن يتوقف» الشيء الذي هو الإزالة، «عليه» الضمير يرجع إلى ما الموصوله، أي: ترك الصلاة في المثال، «على حالها» خبر (غائلة) أي: الغائلة باقية.

[3] «أن يكون الشيء» كالإزالة «الصالح» شأناً «لأن يكون موقوفاً عليه» على تلك الإزالة «الشيء» أي: ترك الصلاة، وقوله: «موقوفاً عليه» خبر (يكون)، والمعنى: أن يكون موقوفاً عليه فعلاً.

[4] بيان وجه الاستحالة، وذلك لأن الصالح لأن يكون موقوفاً عليه إنما هو في رتبة سابقة، فيكون أسبق، في حين أنه متأخر فعلاً فيكون غير أسبق، فصارت رتبته متقدمة ومتأخرة في آن واحد، وهذا محال، «أنه» الشأن، «كان» كان الإزالة، «يستند إليه» أي: يستند عدم الصلاة إلى الإزالة، «أن يستند» الإزالة، «إليه» إلى عدم الصلاة.

ص: 174

والمنع عن صلوحه[1] لذلك - بدعوى أن قضية كون العدم[2] مستنداً إلى وجود الضد لو كان مجتمعاً مع وجود المقتضي وإن كانت صادقة[3]، إلاّ أن صدقها[4] لا يقتضي كون الضد[5] صالحاً لذلك، لعدم اقتضاء صدق الشرطية صدق طرفيها - مساوق[6]

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا إشكال على كلام المصنف في وجود ملاك الدور، وحاصله: أن الصلاحية المذكورة مستحيلة لأنّها متوقفة على المحال، وهو وجود المقتضي للصلاة.

وجه المحالية: امتناع اجتماع إرادتين (إرادة الصلاة، وإرادة الإزالة) وحينئذٍ: لا صلاحية لاستناد عدم الصلاة إلى وجود الإزالة، «لذلك» أي: للتوقف الشأني.

[2] أي: عدم الصلاة في المثال، «وجود الضد» كالإزالة، «لو كان» أي: لو كان العدم، «المقتضي» أي: المقتضي للصلاة وهو إرادتهما.

[3] أي: كانت هذه القضية الشرطية صادقة.

[4] أي: صدق القضية الشرطية لا يقتضي إمكان طرفيها، مثلاً قوله تعالى: {لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ}(1) قضية صادقة، مع وضوح استحالة طرفيها، لاستحالة تعدد الآلهة، ولاستحالة فساد السموات والأرض.

والسبب في ذلك: أن القضية الشرطية تبيّن الارتباط بين طرفيها، لكنها لا تدلّ على وقوع الطرفين، فإنه من الواضح ارتباط الفساد بتعدد الآلهة، لكن هل وقع الطرفان؟ القضية الشرطية لا تدل على الوقوع ولا على عدم الوقوع، بل يستفاد ذلك من دليل آخر.

[5] «الضد» كالإزالة، «لذلك» أي: لأن يتوقف عليه عدم ضده كترك الصلاة.

[6] هذا جواب عن الإشكال، وحاصله: أنه في ما نحن فيه لا يمكن منع الصلاحية وإلاّ لزم الخلف.

بيانه: إن المستدل يقول بأن الإزالة مانعة عن الصلاة لكونهما ضدين وكل

ص: 175


1- سورة الأنبياء، الآية: 22.

لمنع مانعية الضد[1]، وهو يوجب رفع التوقف رأساً من البين، ضرورة أنه لا منشأ لتوهم توقف أحد الضدين على عدم الآخر إلاّ توهم مانعية الضد - كما أشرنا إليه - وصلوحه لها[2].

إن قلت[3]: التمانع بين الضدين كالنار على المنار، بل كالشمس في رائعة النهار، وكذا كون عدم المانع مما يتوقف عليه ممّا لا يقبل الإنكار، فليس ما ذكر إلاّ شبهة في مقابل البديهة.

-------------------------------------------------------------------

ضد مانع عن الضد الآخر.

ولازم ذلك هو صلاحية توقف عدم الصلاة على الإزالة، لأن الإزالة مانعة عن الصلاة، فعدم الصلاة متوقف على الإزالة.

نعم يمكن إنكار الصلاحية بإنكار مانعية الإزالة عن الصلاة وهذا خلاف الفرض، لأن المستدل ذهب إلى أن عدم الصلاة مقدمة للإزالة.

وبعبارة أخرى - كما في عناية الأصول(1)

-: (إن المستدل قد اعترف بالتوقف التقديري من طرف العدم، أي: على تقدير فرض وجود المقتضي لذلك الضد، فكيف يمنع عن صلاحية هذا الضد لاستناد عدم ذلك الضد إليه، وهل التوقف التقديري إلاّ بمعنى صلوحه لذلك)، انتهى.

[1] أي: كون كل ضد مانع عن الضد الآخر، «التوقف» أي: المقدميّة، «ضرورة» بيان وجه رفع التوقف رأساً، «أنه» الضمير للشأن.

[2] عطف على قوله: (مانعية الضد)، «وصلوحه» أي: الضد، «لها» للمانعية.

[3] حاصله: أن إنكار كون أحد الضدين مانعاً عن الآخر، إنما هو إنكار للبديهي، وكذلك إنكار توقف أحد الضدين على عدم الآخر أيضاً إنكار للبديهي، لأننا بوجداننا ندرك التمانع والتوقف، فكل استدلال على عدم التمانع وعدم التوقف إنما هو مغالطة وسفسطة مخالفة للوجدان!

ص: 176


1- عناية الأصول 1: 427 - 428.

قلت[1]: التمانع بمعنى التنافي والتعاند الموجب لاستحالة الاجتماع مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، إلاّ أنه لا يقتضي إلاّ امتناع الاجتماع وعدم وجود أحدهما إلاّ مع عدم الآخر الذي[2] هو بديل وجوده المعاند له، فيكون في مرتبته، لا مقدماً عليه ولو طبعاً. والمانع[3] الذي يكون موقوفاً على عدمه الوجود هو ما كان ينافي ويزاحم المقتضي في تأثيره، لا ما يعاند الشيء ويزاحمه في وجوده.

نعم[4]، العلة التامة لأحد الضدين ربما تكون مانعاً عن الآخر ومزاحماً لمقتضيه

-------------------------------------------------------------------

«التمانع بين الضدين» فالإزالة مانعة عن الصلاة، كما أن الصلاة مانعة عن الإزالة، «عدم المانع مما يتوقف عليه» أي: المأمور به يتوقف عليه، كالإزالة المتوقفة على ترك الصلاة.

[1] حاصل جواب المصنف: إنا لا ننكر التنافي بين الضدين، فإن ذلك أمر بديهي، وإنما أنكرنا كون أحدهما (مانعاً) بالمعنى الاصطلاحي للمانع، وهو: (ما يتوقف وجود الشيء على عدمه) كالرطوبة المانع عن الاحتراق، فإن وجود الاحتراق يتوقف على عدم الرطوبة، وهذا المانع هو المتقدّم على الوجود وجزء من أجزاء العلة، وليس أحد الضدين مانعاً عن الآخر بهذا المعنى.

[2] «الذي» و«المعاند» صفتان ل- (الآخر)، و«هو» و«له» يرجعان إلى (أحدهما)، «فيكون» الآخر، «مرتبته» مرتبة أحدهما، «عليه» على أحدهما، «ولو طبعاً» أي: رتبة.

[3] أي: وأما المانع الاصطلاحي، والذي تعريفه: هو ما يكون موقوفاً... الخ، «عدمه» عدم المانع، «الوجود» إسم يكون، «في تأثيره»، تأثير المقتضي، كالرطوبة التي تمنع النار عن الاحتراق.

[4] هذا استدراك عمّا تقدّم، حيث قلنا: إن بين الضدين تمانع لا مانعيّة، وذلك لأنّه قد تكون علة أحد الضدين مانعاً عن الآخر، وذلك في ما إذا كان المقتضي لكل واحد من الضدين موجوداً، وكان مقتضي أحدهما أقوى من مقتضي الآخر، فالأقوى يؤثر، فيُوجد، ويعدم الآخر، فحينئذٍ عدم أحدهما مستند إلى علة

ص: 177

في تأثيره، مثلاً: تكون شدة الشفقة على الولد الغريق وكثرة المحبة له تمنع عن أن يؤثر ما في الأخ الغريق من المحبة والشفقة لإرادة إنقاذه مع المزاحمة، فينقذ به[1] الولد دونه، فتأمل جيداً[2].

ومما ذكرنا ظهر أنه لا فرق[3] بين الضد الموجود والمعدوم في أن عدمه الملائم للشيء المناقض لوجوده المعاند لذاك لابد أن يجامع معه من غير مقتض ٍ لسبقه، بل قد عرفت ما يقتضي عدم سبقه.

فانقدح بذلك ما في تفصيل بعض الأعلام(1) حيث قال بالتوقف على رفع الضد الموجود، وعدم التوقف على عدم الضد المعدوم[4]. فتأمل في أطراف ما ذكرناه،

-------------------------------------------------------------------

وجود الآخر.

والحاصل: أن عدم هذه العِلّة التامة هي من مقدمات وجود الضد الآخر.

[1] «به» بشدة الشفقة، «دونه» دون الأخ.

[2] وفيه: ما قيل: من أن الشفقة على الولد اقتضت فعلية أثرها، وهو إنقاذ الولد، ولمّا كان إنقاذ الولد مضاداً لإنقاذ الأخ - لأن الضدين لا يجتمعان - فعدم تأثير الشفقة على الأخ في إنقاذه إنّما هو بسبب عدم قابلية الضدين للاجتماع، لا لأجل المانعيّة(2)، فتأمل.

[3] شرح العبارة: «أنه لا فرق بين الضد الموجود والمعدوم» كالصلاة وعدمها، «في أن عدمه» عدم الصلاة، «الملائم للشيء» كالإزالة، «المناقض» عدم الصلاة، «لوجوده» لوجود الصلاة، «المعاند» تلك ا لصلاة، «لذلك» الإزالة، «لابد أن يجامع» عدم الصلاة، «معه» مع الإزالة، «من غير مقتض» أي: سبب وعلة، «لسبقه» سبق عدم الصلاة، فليس بمانع اصطلاحي.

[4] حاصله: الفرق بين الرفع والدفع.

ص: 178


1- وهو المحقق الخوانساري على ما في مطارح الأنظار 1: 524.
2- راجع حقائق الأصول 1: 311.

فإنه دقيق وبذلك حقيق.

فقد ظهر عدم حرمة الضد من جهة المقدمية[1].

وأما[2] من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين في الوجود في الحكم، فغايته[3] أن لا يكون أحدهما فعلاً[4] محكوماً بغير ما حكم به الآخر، لا أن يكون محكوماً بحكمه.

-------------------------------------------------------------------

مثاله: إذا كان الشيء بلا لون، فحينئذٍ تحقق البياض لا يتوقف على عدم السواد. أما إذا كان ذا لون أسود فإن تحقق البياض يتوقف حينئذٍ على رفع السواد.

وحاصل إشكال المصنف: هو أنه لا مقدميّة، بل تنافي ومعاندة.

[1] بأن يقال: إن عدم أحد الضدين مقدمة للضد الآخر، فإذا حَرُمَ الآخر حرمته مقدمته - وهي عدم الضد الآخر - .

ردّ القول بالتلازم

[2] حاصل هذا القول: أن ترك الصلاة مثلاً ملازم للإتيان بالإزالة، فحينئذٍ لو أمر المولى بالإزالة كان ذلك الأمر مقتضياً للأمر بترك الصلاة، وذلك لأن حكم المتلازمين واحد.

وإنما قلنا بوحدة حكم المتلازمين لأن الاختلاف في حكمهما يوجب عدم تمكن المكلّف من امتثال أحدهما أبداً.

مثلاً: استقبال الشمال يلازم استدبار الجنوب، فالأمر باستقبال الشمال يلازم الأمر باستدبار الجنوب.

[3] ردّ القول بالتلازم، وحاصله: أن الدليل يدل على أنه لابد من عدم مخالفتهما في الحكم، ولا دليل على لزوم توافقهما في الحكم.

مثلاً: في حالة التخلي يحرم استقبال القبلة واستدبارها، ويلازم ذلك كون المنكبين إلى طرف الشرق والغرب مثلاً، فهل حرمة الاستقبال والاستدبار يلازم حرمة ذلك؟ بحيث لو تخلى باتجاه القبلة كان مرتكباً لحرامين؟!

[4] «أحدهما» أحد المتلازمين، «فعلاً» بالحكم الفعلي، «به» الضمير يرجع

ص: 179

وعدم[1] خلو الواقعة عن الحكم فهو[2] إنما يكون بحسب الحكم الواقعي لا الفعلي. فلا حرمة للضد من هذه الجهة أيضاً[3]، بل على ما هو عليه[4] - لو لا الابتلاء بالمضادة للواجب الفعلى - من الحكم الواقعي.

الأمر الثالث[5]:

-------------------------------------------------------------------

إلى «ما» الموصولة، «يكون» أحدهما، «بحكمه» بحكم الآخر.

[1] هذا إشكال، وحاصله: إن لكل شيء حكم، إذ لا يخلو موضوع عن حكم شرعي، فإذا كان لأحد المتلازمين حكم فلا يمكن أن لا يكون للمتلازم الآخر حكم، وهنا نحن بين خيارين: إما أن نقول: بأن حكم الآخر مختلف! وهذا غير ممكن، لما ذكرناه من أنه حينئذٍ لا يمكن امتثال أحدهما. وإما أن نقول: بأن حكم الآخر هو نفس حكم الأول، وهو المطلوب.

[2] هذا جواب عن الإشكال، وحاصله: إن لكل شيء حكماً واقعياً، وهذا الحكم الواقعي قد يصير فعلياً وقد لا يصير، والملازمة ليست من أسباب تشريع الحكم، بل قد ترفع فعلية الحكم الواقعي.

مثلاً: ترك الصلاة حرام واقعاً، وحينما تجب الإزالة - وهي ملازمة لترك الصلاة - لا يصير ترك الصلاة واجباً بسبب الملازمة، بل يبقى على حكمه الواقعي وهو الحرمة، لكن هذه الحرمة لا تكون فعلية حينئذٍ، وعليه: فلا حكم فعلي لترك الصلاة حين وجوب الإزالة، نعم حكمه الواقعي الشأني هو الحرمة.

[3] أي: من جهة التلازم، «أيضاً» أي: كما لا حرمة من جهة المقدميّة.

[4] أي: بل الضد على نفس حكمه الواقعي الشأني - سواء ابتلي بضدّه أم لا - ، وقوله: (من الحكم الواقعي) بيان لقوله: (على ما هو عليه).

الأمر الثالث: حول الضد العام، أي الترك

[5] الكلام حول الضد العام، وهو الترك، مثلاً: لو أمر المولى بالصلاة، فهل

ص: 180

إنّه قيل بدلالة الأمر[1] بالشيء بالتضمن على النهي عن الضد العام - بمعنى الترك -، حيث إنّه يدل على الوجوب المركب من طلب الفعل والمنع عن الترك.

والتحقيق[2]: أنه لا يكون الوجوب إلاّ طلباً بسيطاً ومرتبة وحيدة أكيدة من

-------------------------------------------------------------------

هذا الأمر يقتضي النهي عن ترك الصلاة؟

في المسألة أقوال ثلاثة:

1- قول صاحب المعالم: بالدلالة التضمنية، لأن معنى الوجوب هو: طلب الشيء مع النهي عن تركه، فالوجوب مركب منهما، فيكون دلالته على النهي عن الترك بالدلالة التضمنية.

والإشكال عليه: بأن الوجوب ليس مركباً، بل هو بسيط، إذ معناه الطلب الشديد، فليس النهي عن الترك جزء معناه.

2- قول صاحب الفصول: بالعينية، أي الأمر بالشيء هو نفس النهي عن الترك، فمعنى وجوب الصلاة هو حرمة تركها.

والإشكال عليه: بأن النهي عن الترك إنما يستفاد عبر الدلالة الالتزامية، وهذه الدلالة تقتضي الاثنينيّة، إذ اللازم والملزوم شيئان، ولا معنى لكون الشيء لازماً لنفسه.

3- قول المصنف: باللزوم، أي: الأمر بالشيء يلزم منه النهي عن تركه، وذلك لأن المولى إذا أوجب الصلاة فلا يرضى بتركها قطعاً، فحينما يأمر بالصلاة يلزم منه النهي عن تركها.

[1] القائل صاحب المعالم، حيث استدل بأن الوجوب مركب من أمرين:

1- رجحان الفعل؛ 2- مع المنع عن تركه.

[2] جواب المصنف عن كلام صاحب المعالم، وحاصله: أن الوجوب بسيط، أي له مفهوم واحد، وهو الطلب الأكيد الناشء عن الإرادة الحتمّة، وليس المنع عن الترك إلاّ من لوازم ذلك، وليس جزؤه بالتضمن.

ص: 181

الطلب، لا مركباً من طلبين. نعم[1]، في مقام تحديد تلك المرتبة[2] وتعيينها ربما يقال: «الوجوب يكون عبارة من طلب الفعل مع المنع عن الترك»(1)،

ويتخيل منه أنه يذكر له حداً. فالمنع عن الترك ليس من أجزاء الوجوب ومقوماته، بل من خواصه ولوازمه، بمعنى أنه لو التفت الآمر إلى الترك لما كان راضياً به لا محالة، وكان يبغضه البتة.

ومن هنا انقدح أنه لا وجه لدعوى العينية[3]، ضرورة أن اللزوم يقتضي الاثنينية، لا الاتحاد والعينية. نعم، لا بأس بها[4] بأن يكون المراد بها أنه يكون هناك طلب واحد، وهو كما يكون حقيقة منسوباً إلى الوجود وبعثاً إليه، كذلك يصح أن ينسب إلى الترك بالعرض والمجاز[5]،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: إن المفهوم وإن كان بسيطاً، لكن بما أنه ماهية فيجب أن يتركب ذهناً من الجنس والفصل، كما أن مفهوم (الإنسان) بسيط، لكنه ماهية مركبة.

فالجنس هو: الطلب، والفصل هو: إنشاء بداعي الإرادة الحتميّة.

لكن هذا لنوع من التركب لا يفيد مقالة صاحب المعالم، لأنه يقصد التركب التحقيقي، لا هذا النوع من التركب الذهني.

[2] أي: بيان ماهيتها لتتميّز عن غيرها، «يتخيل منه» من هذا التحديد، «أنه» للشأن، «له» للوجوب، «حداً» أي: تعريفاً.

[3] وهو قول صاحب الفصول، وذلك لأن اللزوم معناه عدم العينية، لأن الشيء لا يكون لازماً لنفسه، بل هو هو، والملازمة تقتضي المغايرة بين الشيئين.

والحاصل: أنه لا اقتضاء لفظي، لا بالمطابقة، ولا بالتضمن، ولا بالملازمة، نعم يمكن القول بالاقتضاء العقلي بمعنى اللزوم العقلي فقط.

[4] أي: بالعينيّة، «أنه» للشأن، «وهو» ذلك الطلب الواحد.

[5] أي: ليس هو طلب الترك حقيقة، كي يقال: كيف يصح أن نقول إن المولى

ص: 182


1- معالم الدين: 64.

ويكون زجراً وردعاً عنه، فافهم[1].

الأمر الرابع: تظهر الثمرة[2] في أن نتيجة المسألة - وهي النهي عن الضد بناءً على الاقتضاء - بضميمة أن النهي في العبادات يقتضي الفساد، ينتج فساده إذا كان عبادة.

وعن البهائي(1) أنه أنكر الثمرة، بدعوى[3] أنه لا يحتاج في استنتاج الفساد

-------------------------------------------------------------------

يطلب الصلاة ويطلب ترك الصلاة! أ ليس هذا من التناقض، وضد مقصود المولى؟!

بل هو طلب الترك مجازاً، أي: المراد الزجر عن الترك، وعبّر عن الزجر بالطلب مجازاً.

[1] يمكن أن يكون إشارة إلى أنه لا يمكن إرادة الطلب والزجر من شيء واحد لأنه من استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

أو إشارة إلى أن الزجر يختلف عن الطلب فلا يمكن دعوى العينيّة.

أو إشارة إلى أن المجاز يحتاج إلى العلائق المعهودة، ولا أقل من قبول الطبع كما ذهب إليه المصنف، ولا يوجد هنا أيٌّ منهما.

الأمر الرابع: في ثمرة بحث الضد

[2] وحاصلها هو: فساد الضد إن كان عبادة، ومثاله: لو قلنا بوجوب قضاء الصلاة فوراً، لكن المكلّف لم يقضها وبدأ بالصلاة الحاضرة، فإنها تقع باطلة للنهي عنها، وذلك لأن الأمر بقضاء الصلاة الفائتة يقتضي النهي عن ضدها - التي هي الصلاة الحاضرة - ، «فساده» أي: فساد العمل العبادي.

والحاصل: أن ضم (الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده) إلى (النهي في العبادة موجب لفسادها) يقتضي فساد العبادة التي أمر المولى بضدها.

[3] حاصل كلامه: أن الضد لا أمر له، والعبادة التي لا أمر لها تكون باطلة.

بيانه: أنه لا إشكال في عدم الأمر بالضد - سواء قلنا بأنه منهي عنه أم لا - وذلك

ص: 183


1- هداية المسترشدين 2: 275.

إلى النهي عن الضد، بل يكفي عدم الأمر به، لاحتياج العبادة إلى الأمر.

وفيه[1]: إنه يكفي مجرد الرجحان والمحبوبية للمولى، كي يصح أن يتقرب به منه[2]، كما لا يخفى. والضد - بناءً على عدم حرمته - يكون كذلك، فإن

-------------------------------------------------------------------

لعدم إمكان الأمر بالضدين، فسواء قلنا بأن الأمر يقتضي النهي عن ضده أم لم نقل، فإن الضد يقع باطلاً إذا كان عبادة، لعدم الأمر به، مثلاً: لو أمره المولى بالإزالة فوراً فلا يعقل أن يأمره بالصلاة، فحينئذٍ الصلاة لا أمر فيها، والعبادة التي لا أمر فيها باطلة، «أنه» للشأن، «به» بالضد.

والجواب عن الإشكال بأحد وجهين:

الأول: ما اختاره المصنف: من عدم احتياج العبادة إلى الأمر، بل يكفي الرجحان والمحبوبيّة.

الثاني: ما اختاره كاشف الغطاء وآخرون: من أن الضد صحيح مطلقاً سواء قلنا بالاقتضاء أم لا، وذلك للترتب، إذ بناءً على الترتب يكون الضد كالصلاة منهياً عنه، لكن النهي في ظرف عدم العصيان أمر الإزالة، فلو عصى أمر الإزالة فإن المولى يأمره بالصلاة مترتباً.

[1] هذا الجواب الأول، وحاصله: ثبوت الثمرة، أما الكبرى فإنه:

1- إذا قلنا بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فالعبادة المنهي عنها غير راجحة، فتكون باطلة.

2- أما إذا قلنا بعدم الاقتضاء، فإن العبادة - وإن لم تكن مأموراً بها لعدم إمكان طلب الضدين - لكنها راجحة ومحبوبة، فتصحّ، لكفاية الرجحان والمحبوبية في تصحيح العبادة.

وأما الصغرى: فهي ما أشار إليه بقوله: (والضد بناء على... الخ).

[2] «به» بذلك العمل، «منه» من المولى، «كذلك» أي: راجحاً ومحبوباً للمولى.

ص: 184

المزاحمة[1] - على هذا[2] - لا يوجب إلاّ ارتفاع الأمر المتعلق به فعلاً مع بقائه على ما هو عليه من ملاكه من المصلحة - كما هو مذهب العدلية - أو غيرها أي شيء كان[3] - كما هو مذهب الأشاعرة - وعدم حدوث[4] ما يوجب مبغوضيته وخروجه

-------------------------------------------------------------------

[1] دفع إشكال، وحاصل الإشكال: أنه بعد ارتفاع الأمر بالصلاة مثلاً كيف حكمتم ببقاء محبوبية؟

وحاصل الجواب: أن الأمر بالصلاة إنما ارتفع بسبب المزاحمة مع الأهم - الذي هو الإزالة - ، وهذه المزاحمة لا توجد في الملاكات في ما نحن فيه، إذ لا تضاد بين ملاك الصلاة مع ملاك الإزالة.

[2] أي: بناء على عدم الاقتضاء، «به» بالضد كالصلاة، «فعلاً» أي: الحكم الفعلي، دون مرحلة المصلحة والمفسدة في الشيء، «بقائه» بقاء الضد كالصلاة، «على ما هو عليه» أي: على الملاك الذي ذلك الضد عليه، وقوله: (من المصلحة) بيان للموصول في (ما هو عليه).

[3] أي: غير المصلحة، وذلك هو الغرض!

حيث تصوّر المصنف أن الأشعري يجعل الملاك هو غرض المولى، لا المصلحة حيث ينكرها.

لكن الظاهر أن الأشعري ينكرهما معاً، إذ الغرض هو نفس المصلحة أو ملازم لها.

[4] عطف على قوله: (بقائه)، أي: الملاك موجود، ولا شيء يدل على عدم زوال الملاك حين المزاحمة، مثلاً: حين دخول وقت الصلاة توجد مصلحة فيها، فيأمر بها المولى، فإذا وجبت الإزالة فحينئذٍ يسقط الأمر بالصلاة للمزاحمة، لكن المصلحة في الصلاة باقية ولم ترتفع، نعم لو نهى المولى عن الصلاة دلّ ذلك على تبدل مصلحتها إلى المفسدة، إذ لا نهي إلاّ بسبب وجود مفسدة للشيء.

ص: 185

عن قابلية التقرب به، كما حدث[1] بناءً على الاقتضاء.

ثم إنه تصدى جماعة من الأفاضل(1)

لتصحيح الأمر بالضد بنحو الترتب[2] على العصيان[3] وعدم إطاعة الأمر بالشيء بنحو الشرط المتأخر، أو البناء على

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: كما حدث ما يوجب المبغوضية، أي: حدثت مفسدة ولذلك نهى المولى، فالنهي يكشف عنها، إذ النهي تابع للمفسدة، «على الاقتضاء» أي: اقتضاء الأمر للنهي عن ضده.

بحث الترتب

اشارة

الغرض من عقد هذا البحث، هو: تصحيح الضد إذا كان عبادة - حتى على القول بتوقف صحة العبادة على الأمر - . بأن يقال: إنه مع وجود الأمر بالأهم، لو عصى هذا الأمر فإن المولى يأمره بالمهم. وليس فيه طلب الضدين؛ إذ عصيان الأهم موضوع للأمر بالمهم:

الأمر بالأهم كالإزالة

عصيانه الأمر بالمهم كالصلاة.

[2] الترتب على نحوين:

النحو الأول: الترتب على (العصيان) بنحو الشرط المتأخر فقط، دون المتقدم أو المقارن.

النحو الثاني: الترتب على (قصد العصيان) بنحو الشرط المتقدم أو المقارن، دون الشرط المتأخّر.

[3] هذا النحو الأول، وذلك لأن العصيان هو موضوع الأمر بالمهم - كالصلاة - ولا يحدث العصيان إلاّ حين الإتيان بالمهم - كالصلاة - .

فإن قلت: إن العصيان متأخر عن الإتيان بالمهم رتبة (وإن قارنه زماناً)، فكيف يكون موضوعه؟

قلت: إنه على نحو الشرط المتأخر، أي: العصيان المتأخر رتبةً شرطٌ متأخر

ص: 186


1- جامع المقاصد 5: 12؛ كشف الغطاء 1: 171؛ تقريرات المجدد الشيرازي 2: 273.

معصيته[1] بنحو الشرط المتقدم أو المقارن، بدعوى أنه لا مانع عقلاً عن تعلق الأمر بالضدين كذلك[2]، أي بأن يكون الأمر بالأهم مطلقاً[3]، والأمر بغيره[4] معلقاً

-------------------------------------------------------------------

لحصول موضوع الأمر بالمهم.

أما كون العصيان شرطاً: فلأنّه موضوع الأمر بالمهم.

أما كونه متأخراً: فلأنّه يحدث حين الإتيان بالمهم، فالإتيان بالمهم عِلّة للعصيان، والعلة متقدمة رتبة على المعلول.

وأما الشرط المتقدم والمقارن - في عدم الإطاعة - فخارج عن بحث الترتب:

1- إذ المتقدم معناه أزِل فإن عصيت الإزالة فَصَلِّ، ومرجع ذلك إلى سقوط أمر الإزالة بعد العصيان، فالأمر بالصلاة بلا مزاحم.

2- والمقارن كذلك؛ إذ معناه أزِل فإن عصيت الإزالة ومقارناً للمعصية صليت، فصلاتك مأمور بها، وهنا أيضاً حين الصلاة الأمر بالإزالة ساقط بعصيانه، فتأمل.

[1] هذا النحو الثاني، أي: على البناء على المعصية، فيمكن تصور الشرط المتقدم أو المقارن على نحو الترتب.

1- أما المتقدم: بأن يقول المولى: أزِل فإن بنيت على العصيان فصَلِّ، حيث إن البناء على العصيان شرط للصلاة، وهو شرط متقدم.

2- وأما المقارن: بأن يقول المولى: أزِل فإن صليت بانياً على العصيان فإن هذا البناء علة الأمر بالصلاة، وهذا تقدم رتبي وتقارن زماني.

ولم يذكر المصنف الشرط المتأخر هنا لعدم إمكانه؛ وذلك لأن البناء على العصيان لا يكون متأخّراً عن نفس العصيان، فتأمل.

[2] أي: بنحو الترتب.

[3] من غير تقييد بشيء.

[4] بغير الأهم، أي: الأمر بالمهم، «معلقاً على عصيان...» وهو النحو الأول، «أو البناء...» وهو النحو الثاني.

ص: 187

على عصيان ذاك الأمر، أو البناء والعزم عليه، بل هو واقع كثيراً عرفاً[1].

قلت: ما هو ملاك استحالة[2] طلب الضدين في عرض واحد آتٍ في طلبهما كذلك، فإنه[3] وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهم اجتماع طلبهما إلاّ أنه كان في مرتبة الأمر بغيره اجتماعهما، بداهة فعلية الأمر بالأهم في هذه المرتبة[4]، وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصية في ما بعد ما لم يعص[5]، أو العزم عليها، مع فعلية

-------------------------------------------------------------------

[1] بعد أن أثبت الإمكان العقلي حيث قال: (بدعوى... الخ)، الآن يثبت الوقوع.

ومن أمثلته: لو أمره بالسفر في شهر رمضان فعصى فإنّه عليه الصوم في وطنه، أي: كان يجب عليه السفر وفي السفر يحرم الصوم لكنه بالعصيان وبالبقاء في الوطن يأمره المولى بالصوم، فالأمر بالصوم كان متوقفاً على عصيان الأمر بالأهم وهو السفر.

الإشكال الأول على الترتب

[2] الإشكال الأول على الترتب وهو إرادة وطلب الضدين، «كذلك» أي: بنحو الترتب.

[3] «فإنه» للشأن، وحاصله: إنه يستحيل أن يكون للمولى إرادتان متضادتان؛ وكذا طلبان متضادان، وفي مسألة الترتب لا طلب للضدين في مرتبة الأهم؛ لأنه يريده لا غير، لكن في مرتبة المهم توجد الإرادتان المتضادتان، وكذلك الطلبان المتضادان، أي: بعد العصيان أو بعد البناء عليه، فإن المولى كما يأمره بالأهم كذلك يأمره بالمهم، فاجتمع الضدان، «إلاّ أنه» للشأن، «بغيره» بغير الأهم، أي: بالمهم، «اجتماعهما» اجتماع الضدين - في إرادة المولى وفي طلبه - .

[4] أي: في مرتبة الأمر بالمهم، فالمولى لا زال يريد الأهم ويطلبه، كذلك يريد المهم ويطلبه، «عدم سقوطه» أي: عدم سقوط الأمر بالأهم.

[5] لأن كلامنا أن الترتب محال بسبب أنه (طلبٌ محال)، فنحن لا نتكلم عن مرحلة الامتثال، بل نتكلم عن مرحلة الطلب، وحاصله: كيف يعقل أن يريد

ص: 188

الأمر بغيره أيضاً[1]، لتحقق ما هو شرط فعليته فرضاً.

لا يقال: نعم[2]، لكنه بسوء اختيار المكلف حيث يعصي في ما بعد بالاختيار، فلولاه لما كان متوجهاً إليه إلاّ الطلب بالأهم، ولا برهان على امتناع الاجتماع إذا كان بسوء الاختيار[3].

فإنه يقال: استحالة طلب الضدين[4]

-------------------------------------------------------------------

المولى أمرين متضادين يعلم بتضادهما ولو في مرتبة من المراتب؟

نعم، لو عصى الأمر بالأهم وفات موضوعه فإنه يسقط حينئذٍ، لكن هذا يرتبط بالامتثال، وكلامنا في الإرادة والطلب، فدقق. «ما لم يعص» هذا النحو الأول، «أو العزم...» هذا النحو الثاني، «عليها» على المعصية.

[1] «بغيره» أي: بغير الأهم، وهو المهم؛ وذلك لأنه قد تحقق عصيان الأهم أو نية عصيانه، فتحقق شرط المهم، «فعليته» فعلية المهم، «فرضاً» أي: حسب الفرض وهو عصيان الأمر بالأهم.

[2] حاصل الإشكال: إن هنا طلب الضدين مع عدم تمكن المكلف امتثالهما معاً، لكن ذلك كان بسبب سوء اختيار المكلف، فهو الذي ألقى بنفسه في المحذور، «لكنه» أي: لكن طلب الضدين، «في ما بعد» في ما بعد الأمر بالأهم، «فلولاه» لو لا سوء الاختيار.

[3] وذلك مثل ما لو دخل الأرض المغصوبة عمداً وتوسطها، فإن المولى ينهاه عن البقاء وعن الحركة للخروج؛ لأن كل واحد منهما تصرف في الغصب، وهنا طلب الضدين بسوء الاختيار، «الاجتماع» أي: اجتماع طلب الأهم وطلب المهم.

[4] جواب الإشكال، وحاصله: الفرق بين المثالين؛ وذلك لأنه في مثال الغصب لم يكن الإشكال في مرحلة طلب المولى، بل في مرحلة امتثال العبد - رغم عدم قبولنا طلب الضدين هنالك أيضاً - .

لكنَّ هنا الإشكال في نفس طلب المولى، وسوء الاختيار لا يُصَحِّح طلب

ص: 189

ليس إلاّ لأجل استحالة طلب المحال[1]، واستحالة طلبه من الحكيم الملتفت إلى محاليته لا تختص بحال دون حال، وإلا لصح في ما علق[2] على أمر اختياري في عرضٍ واحد بلا حاجة في تصحيحه إلى الترتب، مع أنه محال بلا ريب ولا إشكال.

إن قلت: فرق بين الاجتماع[3] في عرض واحد والاجتماع كذلك، فإن الطلب في كل منهما في الأول يطارد الآخر، بخلافه في الثاني، فإن الطلب بغير الأهم لا يطارد طلب الأهم، فإنه[4] يكون على تقدير عدم الإتيان بالأهم، فلا يكاد يريد غيره على تقدير إتيانه وعدم عصيان أمره.

-------------------------------------------------------------------

الضدين ولا إرادتهما، «طلبه» طلب المحال.

[1] والمحال هو الجمع بين الضدين، «واستحالة» الواو للاستيناف.

[2] أي: لو كان سوء الاختيار مجوزاً لطلب الضدين لجاز في ما إذا كانا في عرض واحد في غير الترتب، كما لو قال المولى: إنَّ عقوبة العاصي هي وجوب الحركة والسكون عليه في وقت واحد، وبطلان هذا النوع من الطلب بديهي يسلّمه القائل بالترتب، مع أنه بسوء الاختيار، «لصحّ» أي: صحّ طلب المحال، «مع أنه» أن التعليق على أمر اختياري في عرض واحد؛ وذلك لاشتراك العلة في الضدين اللذين في عرض ٍ واحد أو في طوله.

[3] هذا تكرار لدليل الترتب، وحاصله: إنه لا اجتماع في مرتبة الأهم، حيث إنه لو امتثل الأهم لما تحقق موضوع المهم - وهو عصيان الأهم - فلا أمر بالمهم حينئذٍ، «عرض واحد» بلا ترتب، «كذلك» على نحو الترتب، «الأول» أي: لو كانا في عرض واحد، «الثاني» لو كانا طوليين - على نحو الترتب - .

[4] أي: فإن الطلب بالمهم. وضمائر «غيره» و«إتيانه» و«أمره» ترجع إلى (الأهم).

ص: 190

قلت[1]: ليت شعري كيف لا يطارده الأمر بغير الأهم؟ وهل يكون طرده له إلاّ من جهة فعليته، ومضادة متعلقه للأهم؟ والمفروض فعليته ومضادة متعلقه له، وعدم[2] إرادة غير الأهم على تقدير الإتيان به لا يوجب عدم طرده لطلبه مع تحققه على تقدير عدم الإتيان به وعصيان أمره، فيلزم اجتماعهما على هذا التقدير مع ما هما عليه[3] من المطاردة من جهة المضادة بين المتعلقين[4]. مع أنه[5] يكفي الطرد

-------------------------------------------------------------------

[1] جواب الإشكال، وهو جوابان:

الأول: صحيح أنه لو امتثل الأمر بالأهم فإنه لا مطاردة؛ لعدم تحقق موضوع المهم، ولكن في صورة العصيان يتطاردان، فطلب الصلاة يطارد طلب الإزالة، حيث إنه في ظرف العصيان للأهم يقول له المولى: أزل وصلّ - في المثال - ، «لا يطارده» أي: لا يطارد الأمر بالأهم، «طرده» طرد المهم، «له» للأهم، وضمائر «فعليته» و«متعلقه» ترجع إلى المهم، «له» للأهم.

وأما الجواب الثاني فسيأتي بعد قليل.

[2] «وعدم إرادة» الواو استينافيّة، «به» بالأهم، «طرده» الأهم، «لطلبه» لطلب المهم، «تحققه» تحقق طلب المهم، «به» بالأهم، «أمره» أمر الأهم، «اجتماعهما» طلب الأهم والمهم، «هذا التقدير» تقدير عدم الإتيان بالأهم وعصيانه.

[3] «هما» طلب الأهم والمهم، «عليه» الضمير يرجع إلى (ما) الموصولة، وقوله: «من المطاردة» بيان ل(ما) الموصولة.

[4] أي: تنافي الطلبين لأجل تنافي متعلقهما حيث يتضاد الفعلان.

[5] هذا الجواب الثاني: وحاصله: إنه حتى لو لم نقل بالتطارد من الطرفين يكفي في الامتناع كون الأهم طارداً للمهم على كل حال؛ وذلك لأن الأمر بالأهم (كالإزالة) مطلق، فهو جارٍ على كل حال، سواء أطاع أم عصى، فلو أطاع فلا أمر بالمهم (كالصلاة)، ولو عصى الأمر بالأهم (كالإزالة) فإن الأمر به باقٍ لم يسقط

ص: 191

من طرف الأمر بالأهم، فإنه[1] - على هذا الحال - يكون طارداً لطلب الضد، كما كان في غير هذا الحال، فلا يكون له معه[2] أصلاً بمجال.

إن قلت: فما الحيلة في ما وقع كذلك[3] من طلب الضدين في العرفيات[4]؟

قلت[5]:

-------------------------------------------------------------------

لعدم فوات موضوعه، فحينئذٍ مع وجود الأمر بالأهم - ولو في ظرف العصيان - لا يبقى مجال لطلب الضد المهم.

[1] «فإنه» الأمر بالأهم، «على هذا الحال» حال العصيان أو العزم عليه، «يكون طارداً» الطرد هنا بمعنى المنع عن حدوث الأمر بالمهم، «لطلب الضد» الذي هو المهم، «غير هذا الحال» أي: غير حال العصيان أو العزم عليه.

والحاصل: إن طلب الأهم يتنافى مع طلب المهم على كل حال، سواء عصى أو نوى العصيان أم لم يعصِ.

[2] لا يكون للمهم مع الأهم.

[3] على نحو الترتب.

[4] وكذلك في الشرعيات، ومن أمثلته: إذا وجب عليه السفر في شهر رمضان فعصى وأقام، فيجب عليه الصوم، وكذا إذا حرمت عليه الإقامة لكنه أقام، فيجب عليه الصوم.

ومن العرفيات: قول الأب لولده: اذهب هذا اليوم إلى المعلم، فإن عصيت فاكتب في الدار ولا تلعب مع الصبيان.

[5] الجواب من وجهين:

1- إما أن يتنازل المولى - في تلك الأمثلة - عن الأمر بالأهم.

2- وإما يرشد إلى بقاء ملاك المهم ومحبوبيته، وفائدة هذا الإرشاد هو تخفيف العقوبة على ترك الأهم.

ص: 192

لا يخلو إما أن يكون الأمر بغير الأهم بعد التجاوز عن الأمر به[1] وطلبه حقيقةً، وإما أن يكون الأمر به إرشاداً إلى محبوبيته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة، وأن الإتيان به يوجب استحقاق المثوبة، فيذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفة الأمر بالأهم، لا أنه[2] أمر مولوي فعلي كالأمر به، فافهم وتأمل جيداً.

ثم[3] إنه لا أظن أن يلتزم القائل بالترتب بما هو لازمه من الاستحقاق في صورة مخالفة الأمرين لعقوبتين، ضرورة قبح العقاب على ما لا يقدر عليه العبد. ولذا كان سيدنا الأستاذ+(1) لا يلتزم به[4] على ما هو ببالي، وكنا نورد به على الترتب، وكان بصدد تصحيحه[5].

-------------------------------------------------------------------

[1] «عن الأمر به» بالأهم، «يكون الأمر به» بالمهم، وهكذا ضمائر «محبوبيته» و«بقائه» و«الإتيان به» ترجع إلى المهم، «بها» بالمصلحة.

[2] أي: لا أن الأمر بالمهم بمعنى الأمر المولوي الفعلي، بل هو أمر إرشادي، «به» بالأهم.

الإشكال الثاني على الترتب
اشارة

[3] شروع في الإشكال الثاني على الترتب.

وحاصله: هو أنه لو خالف الأمرين - فلم يُزِل النجاسة ولم يُصلّ - فإنه يستحق عقوبتين. والعقاب على تركهما قبيح؛ لأنه مؤاخذه على مالا يقدر عليه العبد من فعل الضدين.

وبطلان اللازم وهو تعدد العقاب، يكشف عن بطلان الملزوم وهو وجود أمرين، «لازمه» لازم الترتب.

[4] بتعدد العقاب.

[5] ولعلّ من طرق التصحيح هو أن تعدد العقاب بسوء اختياره فلا قبح فيه،

ص: 193


1- وهو المجدّد الشيرازي الكبير.

فقد ظهر أنه[1] لا وجه لصحة العبادة مع مضادتها لما هو أهم منها إلاّ ملاك الأمر.

نعم[2]، في ما إذا كانت[3] موسعة وكانت مزاحمة بالأهم ببعض الوقت، لا في تمامه، يمكن أن يقال: إنه حيث كان الأمر بها[4] على حاله - وإن صارت مضيقة

-------------------------------------------------------------------

حيث كان يتمكن من إتيان الأمر بالأهم - كالإزالة - ويُنهي الغائلة.

النتيجة

[1] أي: لا يمكن تصحيح العبادة بالأمر الترتبي، بل يمكن تصحيحها بالملاك فقط، «أنه» الضمير للشأن، «مضادتها» مضادة العبارة، «منها» من العبادة.

[2] هذا لتصحيح العبادة بداعي الأمر - لا بالملاك فقط - في بعض الصور، وهو ما إذا كان الأمر بالأهم مضيقاً والأمر بالمهم موسعاً، مثلاً: إنقاذ الغريق واجب مضيق، والصلاة واجب موسّع، فإنّ أمرها من الزوال إلى المغرب.

فإنّه في أول الزوال إلى نصف ساعة - مثلاً - يتوجه الأمر بالأهم وهو الإنقاذ، وفي هذا الوقت لا أمر بالصلاة للتضاد.

ولكن بما أن الأمر توجه إلى طبيعة الصلاة - ولو أنه خرج منه الأفراد الواقعة في أول الوقت - فإن العقل يرى أن الصلاة في أول الوقت لها نفس ملاك الصلاة في آخره، وأنه يؤدي نفس الغرض؛ فلذا يجوِّز العقل قصد الأمر المتعلق بالطبيعة في تلك الأفراد الواقعة في أول الوقت، فتأمل.

والحاصل: هذا الكلام لبيان الفرق بين الأمر بالمهم إذا كان موسعاً أو مضيقاً، فالطبيعة مأمور بها في الموسع، فالفرد وان لم يكن مأموراً به للمزاحمة لكنه يتضمن الطبيعة، وهي مأمور بها، فيأتي بالفرد بداعي الأمر بالطبيعة الموجودة ضمن ذلك الفرد.

[3] كانت العبادة.

[4] أي: بطبيعة الصلاة، «على حاله» أي: لم يسقط الأمر بالصلاة بسبب الأمر بالإنقاذ، بل تضيق الأمر بالصلاة، فإنه كان من الزوال إلى الغروب، لكن بعد

ص: 194

بخروج ما زاحمه الأهم من أفرادها من تحتها - أمكن أن يؤتى بما زوحم منها[1] بداعي ذاك الأمر، فإنه[2] وإن كان خارجاً عن تحتها بما هي مأمور بها إلاّ أنه لما كان وافياً بغرضها - كالباقي تحتها - كان عقلاً مثله[3] في الإتيان به في مقام الامتثال[4] والإتيان به بداعي ذاك الأمر، بلا تفاوت في نظره بينهما أصلاً.

ودعوى[5] أن الأمر لا يكاد يدعو إلاّ إلى ما هو من أفراد الطبيعة المأمور بها، وما زوحم منها[6] بالأهم وإن كان من أفراد الطبيعة لكنه[7] ليس من أفرادها بما

-------------------------------------------------------------------

الأمر بالأهم - وهو الإنقاذ - صار الأمر بالصلاة من بعد نصف ساعة من الزوال إلى الغروب مثلاً، «صارت» الصلاة، «بخروج» أي: بسبب خروج، «ما زاحمه الأهم» مقدار نصف ساعة بعد الزوال، «أفرادها» أفراد الصلاة، «تحتها» تحت الصلاة المأمور بها.

[1] أي: أفراد الصلاة التي زاحمها الأمر بالإنقاذ.

[2] أي: فإن الفرد المزاحَم - بالفتح - «تحتها» تحت الصلاة، «بما هي مأمور بها» أي: ليس فرداً للصلاة المأمور بها، لكنه فرد لطبيعة الصلاة، وهو وافٍ بغرض الصلاة.

[3] أي: كان الفرد الخارج عن المأمور به، مثل الفرد المأمور به، لوفائه بتمام الغرض، فلا فرق لدى العقل بينهما.

[4] أي: يختلف عنه في مقام الأمر، لكن في مقام الامتثال لا فرق حيث يؤدّى الغرض بكليهما، فلذا يمكن قصد الأمر المتعلق بطبيعة الصلاة، وقوله: «والإتيان به بداعي ذلك الأمر» عطف تفسيري على قوله: (الإتيان به في مقام الامتثال).

[5] أي: ادّعاء أن الأمر لم يتعلق بالطبيعة المطلقة، بل بالطبيعة المأمور بها فقط، كما أن الأمر بالصلاة لم يتعلق بالصلاة قبل الوقت.

[6] أي: ومن الواضح أن الأفراد التي زاحمها الأهم.

[7] أي: لكن ما زوحم منها، «أفرادها» أفراد الطبيعة.

ص: 195

هي مأمور بها؛ فاسدة[1]، فإنّه إنّما يوجب ذلك[2] إذا كان خروجه عنها بما هي كذلك تخصيصاً[3]، لا مزاحمة[4]، فإنه معها وإن كان لا تعمه الطبيعة المأمور بها إلاّ أنه ليس لقصور فيه، بل لعدم إمكان تعلق الأمر بما يعمه[5] عقلاً.

وعلى كل حال، فالعقل لا يرى تفاوتاً في مقام الامتثال وإطاعة الأمر بها بين هذا الفرد وسائر الأفراد أصلاً.

هذا على القول بكون الأوامر متعلقة بالطبائع.

وأما بناءً على تعلقها بالأفراد فكذلك[6]، وإن كان جريانه عليه أخفى[7]،

-------------------------------------------------------------------

[1] حاصل الجواب: إن الصلاة قبل الوقت - مثلاً - ليست فرداً للطبيعة لخروجها تخصصاً، أما الفرد المزاحم فإنّ له الملاك، وهو فرد للطبيعة، لكنه خرج عن عنوان المأمور به - لا الطبيعة - لأجل المزاحمة.

[2] «فإنه» فإن خروج الفرد المزاحَم عن تحت الأمر، «ذلك» عدم صحة الإتيان به بداعي الأمر، «عنها بما هي كذلك» أي: عن الطبيعة بما هي مأمور بها.

[3] فلا يكون ملاك الأمر موجوداً في الفرد الخارج.

[4] أي: فيكون الملاك موجوداً، «فإنه» فإن الفرد، «معها» مع المزاحمة، «فيه» في الفرد المزاحَم.

[5] بما يعمّ الفرد المزاحم؛ وذلك لاستلزامه محذور الترتب كطلب الضدين.

[6] لعدم الفرق بين الأفراد، حيث يوجد فيها جميعاً الملاك، فالفرد المأمور به مع الفرد غير المأمور به - للمزاحمة - كلاهما واجد للملاك المُحقِّق لغرض المولى.

فالفرد المزاحَم وإن كان مبايناً للفرد المأمور به لكنه يقوم مقامه حيث يفي بالغرض؛ وذلك كالملاك الموجود في الواجب التخييري، حيث كل فرد من الأفراد يقوم مقام سائر الأفراد؛ لوجود الملاك فيها.

[7] وجه الخفاء هو وجود فرق، والفرق أن الفرد المزاحَم مباين للفرد المأمور به، في حين أن الفرد المزاحم مصداق من مصاديق الطبيعة المأمور بها، لكن هذا الفرق

ص: 196

كما لا يخفى، فتأمل[1].

ثم[2] لا يخفى أنه - بناءً على إمكان الترتب وصحته - لابد من الالتزام بوقوعه من دون انتظار دليل آخر عليه؛ وذلك لوضوح أن المزاحمة على صحة الترتب[3] لا تقتضي عقلاً إلاّ امتناع الاجتماع في عرض واحد، لا كذلك[4].

-------------------------------------------------------------------

ليس بفارق.

[1] لعله إشارة إلى أن خروج الفرد عن تحت الأمر لا يُصَحِّح الإتيان به بداعي الأمر الموجود في الطبيعة أو في فرد آخر.

أما في الطبيعة: فلأن الفرد المزاحَم ليس فرداً للطبيعة المأمور بها، بل للطبيعة المطلقة.

وأما في الفرد: فلا يصح الإتيان بفرد بداعي الأمر في فرد آخر، ولو كانا واجدين للملاك، فهل يصح الإتيان بصلاة الظهر بداعي الأمر بصلاة الصبح مثلاً؟!

الإشكال الثالث على الترتب وردّه

[2] هنا إشكال ثالث هو: أن إثبات إمكان الترتب لا يلازم وقوعه، والقائلون بالترتب لم يذكروا دليلاً على وقوعه.

وحاصل الجواب: إنه حيث وجد أمران تعلق أحدهما بالإزالة - وهو الأهم - والآخر بالصلاة - وهو المهم - فلو قلنا بإمكان الترتب، فإن المهم له أمر، فلا يحتاج إلى أمر آخر لتصحيحه - بناءً على احتياج العبادة للأمر - .

وبعبارة أخرى: كان أمران لهما إطلاق (أزِلْ)، (صَلِّ)، وبالمزاحمة قيدنا الأمر بالمهم، ففي صورة الإتيان بالأهم يسقط الأمر بالمهم، ولا وجه لسقوط الأمر بالمهم مع عدم الإتيان بالأهم، فحينئذٍ الأمر بالمهم باقٍ، فلا نحتاج إلى أمر آخر.

[3] أي: بناءً على القول بصحة الترتب وعدم استحالته.

[4] أي: لا على نحو الترتب، أي: طلب الضدين محال في غير الترتب، وأما بناءً على إمكان الترتب فلا محذور.

ص: 197

فلو قيل بلزوم الأمر في صحة العبادة - ولم يكن في الملاك كفاية[1] - كانت العبادة مع ترك الأهم صحيحةً، لثبوت الأمر بها في هذا الحال[2]، كما إذا لم تكن هناك مضادة.

فصل: لا يجوز أمر[3] الآمر مع علمه بانتفاء شرطه[4]، خلافاً لما نسب إلى أكثر مخالفينا(1)؛

ضرورة[5] أنه لا يكاد يكون الشيء مع عدم علته، كما هو المفروض

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: قلنا: إنه لا يكفي وجود الملاك في صحة العبادة، بل لابد من الأمر حتى تصح العبادة.

[2] أي: في حال ترك الأهم.

فصل أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه

[3] أي: لا يمكن ذلك وقوعاً كما سيأتي، والأمر هو البعث الفعلي نحو متعلقه.

[4] الضمير في «شرطه» يرجع إلى (الأمر)، أي: مع العلم بانتفاء شرط الأمر بمعنى عدم قدرة المكلف على الفعل، ويمكن ارجاعه إلى (المأمور به)، مثلاً: يقول لها: (صلِّ غداً) مع علمه بأنها ستحيض.

[5] إذ فعلية البعث لا تكون إلاّ بحصول عِلتها التامة - التي من أجزائها الشرط - ومع العلم بانتفاء الشرط لا يتحقق البعث الفعلي؛ لفقدان علته.

فشرط صدور الأمر من المولى علمه بقدرة المكلف؛ إذ لو علم بعدم قدرته كيف يبعثه نحوها؟

وبعبارة أخرى - كما قيل(2)

- : الأمر حقيقة في الطلب بداعي الإرادة الحتمية، ومع العلم بانتفاء قدرة المكلف يستحيل تعلق الإرادة القلبية به.

نعم، يمكن الأمر الصوري - كما يأتي - .

ص: 198


1- معالم الدين: 82؛ قوانين الأصول 1: 126.
2- عناية الأصول 1: 431.

هاهنا، فإن الشرط من أجزائها، وانحلال المركب[1] بانحلال بعض أجزائه مما لا يخفى.

وكون الجواز[2] في العنوان بمعنى الإمكان الذاتي بعيد[3] عن محل الخلاف بين الأعلام.

نعم، لو كان المراد من[4] لفظ «الأمر» الأمر ببعض مراتبه، ومن الضمير الراجع إليه بعض مراتبه الأخر - بأن يكون النزاع في أن أمر الآمر يجوز إنشاءً مع علمه بانتفاء شرطه بمرتبة فعلية؟ وبعبارة أخرى: كان النزاع في جواز إنشائه مع العلم بعدم بلوغه إلى المرتبة الفعلية لعدم شرطه - لكان[5] جائزاً، وفي وقوعه في الشرعيات والعرفيات[6] غنىً وكفاية، ولا يحتاج معه إلى مزيد بيان أو مؤونة برهان.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: انتفاؤه، وهنا المركب هو العلة التامة؛ لأن أحد أجزائها هو الشرط - أي: قدرة المكلّف - .

[2] بيان لتوهم أن: (يجوز) في العنوان بمعنى الإمكان الذاتي، وإن كان ممتنعاً بالغير - أي: في ظرف عدم علته - إذ كل ممكن بالذات ممتنع حين عدم عِلّته.

[3] رد لهذا التوهم فإن القائلين بالجواز لا يقصدون مجرد الإمكان الذاتي، بل مرادهم الوقوع خارجاً أيضاً؛ وذلك لاستدلالهم بنحو أمر إبراهيم بذبح إسماعيل عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[4] لمّا قال المصنف بعدم الجواز استدرك هنا وقال بالجواز على بعض الصور. وهو أنه يجوز الأمر الإنشائي مع العلم بعدم وصوله إلى مرحلة الفعلية، أي: انتفاء شرط الفعلية. فالمتحصل: يجوز للآمر الأمر الإنشائي مع علمه بانتفاء شرط فعليته.

[5] «لكان» جزاء (لو) في قوله: (نعم، لو كان المراد...)، أي: لكان أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه جائزاً.

[6] أي: في وقوع الأمر الإنشائي مع العلم بعدم تحقق شرط الفعلية، «غنىً وكفاية» في إمكانه؛ لأن الوقوع أدلّ دليل على الإمكان.

فأما مثال الشرعيات: فهو كموارد الطرق والأمارات - إذا كانت خلاف الواقع - فإن الواقعيات محفوظة في مرحلة الإنشاء لكنها ليست فعلية.

ص: 199

وقد عرفت سابقاً[1] أن داعي إنشاء الطلب لا ينحصر بالبعث والتحريك جداً حقيقةً، بل قد يكون صورياً امتحاناً، وربما يكون غير ذلك.

ومنع كونه أمراً[2] إذا لم يكن بداعي البعث جداً واقعاً وإن كان في محله[3]، إلاّ أن إطلاق الأمر عليه - إذا كانت هناك قرينة على أنه بداعٍ آخر غير البعث - توسعاً مما لا بأس به أصلاً، كما لا يخفى.

-------------------------------------------------------------------

وكذلك في أوائل البعثة كانت الأحكام إنشائية، ثم وصلت إلى الفعلية بالتدريج - على القول بنزول القرآن دفعة - .

وكذلك الأحكام المودعة عند الإمام الحجة على فرض ثبوتها.

وأما مثال العرفيات: فكالأوامر الصادرة من المجالس النيابية، قبل توقيعها من قبل رئيس الجمهورية، وقبل نشرها في الجريدة الرسمية - مثلاً - .

[1] هنا إشكالٌ وحاصله: كيف يصح الإنشاء مع العلم بعدم وصوله إلى مرتبة الفعلية؟ وهل هذا إلاّ محال أو لغو من الكلام؟

وجوابٌ وحاصله: إن الإنشاء لا ينحصر بداعي البعث والتحريك، بل قد يكون دواعٍ أخرى، كالامتحان والتعجييز والتهديد والتسخير ونحو ذلك؛ فلذا لا استحالة، ولا لغوية.

[2] إشكال ملخصه: إن الأوامر الامتحانية وأمثالها ليست بأمر حقيقة، فإذا علم بعدم وصوله إلى مرحلة الفعلية فلا يوجد أمر إنشائي حقيقة، ففي عنوان البحث في قولهم: (هل يجوز أمر الأمر...) لا ينبغي جعل (الأمر) بمعنى الأمر الإنشائي.

[3] جوابه وملخصه: نعم، ليس بأمر حقيقة إلاّ ما كان بداعي البعث، لكنه أمر مجازاً وتوسعاً، وذلك كثير في عباراتهم، فلا مانع من حمل (الأمر) في العنوان على هذا المعنى المجازي.

ص: 200

وقد ظهر بذلك[1] حال ما ذكره الأعلام(1) في المقام من النقض والإبرام. وربما يقع به التصالح[2] بين الجانبين، ويرتفع النزاع من البين، فتأمل جداً.

فصل: الحق أن الأوامر والنواهي تكون متعلقة بالطبائع دون الأفراد[3].

ولا يخفى: أن المراد[4] أن متعلق الطلب في الأوامر هو صرف الإيجاد، كما أن

-------------------------------------------------------------------

[1] إشارة إلى عدم تنقيح محل النزاع، فالبعض خلط بين مرتبة الفعلية ومرتبة الإنشاء، والبعض خلط بين شرط الوجوب - وهو شرط الأمر - وبين شرط الوجود - وهو شرط المأمور به - .

[2] هذا التصالح تأباه عباراتهم.

فصل تعلق الأوامر والنواهي بالطبائع دون الأفراد

اشارة

[3] الفرق بين القولين هو:

1- إن المتعلق هو شيء واحد وهو الطبيعة.

2- أو أن المتعلق أمران: الطبيعة إضافة إلى الخصوصيات الفردية.

فعلى كلا القولين الطبيعة متعلق للأمر، وإنما الكلام في دخول الخصوصيات الفردية فيها أو عدم الدخول، فكلا القولين يقولان: إن المتعلق كلي لا جزئي. وفي القول الأول يكون مأموراً بإيجاد الطبيعة المحضة، وفي القول الثاني يكون مأموراً بإيجاد الفرد، أي: الطبيعة المنضمة إليها الخصوصيات.

[4] غرضه بيان أن الماهية بما هي ليست قابلة للجعل، فلا تكون تحت الاختيار، فلا يعقل الأمر بها. فمرادنا من قول: (تعلق الأوامر بالطبائع) هو: أن متعلق الأمر هو طلب إيجاد الطبيعة، وأما الخصوصيات الفردية فهي لازم للوجود، ولكنها ليست داخلة تحت الطلب.

ص: 201


1- قوانين الأصول 1: 124، الفصول الغروية: 109؛ هداية المسترشدين 2: 605.

متعلقه في النواهي هو محض الترك، ومتعلقهما هو نفس الطبيعة المحدودة بحدود والمقيدة بقيود[1] تكون بها[2] موافقة للغرض والمقصود، من دون تعلق غرض بإحدى الخصوصيات اللازمة للوجودات[3]، بحيث لو كان الانفكاك عنها بأسرها ممكناً، لما كان ذلك مما يضر بالمقصود أصلاً - كما هو الحال في القضية الطبيعية في غير الأحكام[4]، بل في المحصورة[5] على ما حقق في غير المقام - .

وفي مراجعة الوجدان[6] للإنسان غنىً وكفاية عن إقامة البرهان على ذلك،

-------------------------------------------------------------------

فمثلاً: العطشان يطلب الماء ولا يهمه كونه في أي إناء، ومن أي نهر أو نحو ذلك؟ نعم، في الخارج تلك الخصوصيات لازمة للماء لا ينفك عنها.

وبعبارة أخرى: الأمر هو طلب إيجاد الشيء، وهذا الشيء الطبيعة لا الفرد.

[1] (الحدود) ذاتية، و(القيود) خارجية، كالنطق والضحك، ويمكن أن يكون العطف في قوله: (المحدودة بحدود والمقيدة بقيود) تفسيري.

[2] أي: تكون الطبيعة بتلك الحدود والقيود.

[3] أي: الخصوصيات المقومة لفردية الفرد.

[4] مثلاً: (الإنسان ناطق) فالمحمول وهو (ناطق) ثابت لطبيعة (الإنسان) في ضمن أي خصوصية وفرد كان، ووجه الشبه: عدم النظر إلى الأفراد في كليهما.

[5] القضية المحصورة ما اشتملت على سور، مثلاً: (كل إنسان ناطق) فإن الإنسان هنا وإن كان المراد به الأفراد، ولكن الحكم فيه للطبيعة.

وفي قبال الطبيعية والمحصورة: (القضية المهملة) وهي غير المسوَّرة بما يبيّن كمية الأفراد، كالنكرة مثلاً.

[6] هذا دليل أن متعلّق الأوامر هو طلب إيجاد الطبيعة، ومتعلّق النواهي هو طلب ترك الطبيعة، فإن الوجدان حاكم بأنه في هكذا أوامر لا نرى طلب المولى للخصوصيات، ولا نرى أنها دخيلة في غرضه. «يرى» الإنسان، «راجعه» الوجدان، «له» للمولى، «إليها» إلى الطبائع.

ص: 202

حيث يرى إذا راجعه أنه لا غرض له في مطلوباته إلاّ نفس الطبائع، ولا نظر له إلاّ إليها من دون نظر إلى خصوصياتها الخارجية وعوارضها العينية[1]، وإن نفس وجودها السِعِي[2] بما هو وجودها تمام المطلوب[3]، وإن كان ذاك الوجود لا يكاد ينفك[4] في الخارج عن الخصوصية.

فانقدح بذلك: أن[5] المراد بتعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد أنها بوجودها

-------------------------------------------------------------------

[1] عطف تفسيري لقوله: (خصوصياتها الخارجيّة)، أي: العوارض التي هي خارج عن الذات لكنها مقومة لفردية الفرد.

[2] أي: الذي فيه سعة، حيث إنه يتحد مع وجود كل فرد، بخلاف وجود الفرد حيث لا يتحد مع سائر الأفراد.

[3] عكس القائل بالفردية، فإنه يقول: بتعلق الطلب بالوجود السعي وبوجود الخصوصيات الفردية معاً. أما المصنف فإنه يقول: إن الوجود السعي هو تمام المطلوب من غير طلب للخصوصيات.

[4] إشارة إلى أن الخصوصيات الفردية لازمة، لكن ليس كل لازم داخل تحت طلب الملزوم.

[5] المقصود دفع إشكال، وحاصله: إنه لا يمكن تعلق الطلب بالماهية - بما هي - فإن الطبيعة بما هي ليست مطلوبة وليست غير مطلوبة، أي: الطبيعة في مرحلة ذاتها قابلة للأمرين، ولو كانت مطلوبة في ذاتها لا يعقل طلب تركها وكذا العكس.

كما أن الماهية في حد ذاتها ليست بموجودة ولا معدومة؛ ولذا هي قابلة للوجود والعدم. نعم، في الخارج إما هي موجودة وإما معدومة.

وهذا الإشكال إنّما هو من صاحب الفصول لأنّه ينكر تعلق الأمر بالطبيعة؛ لأن الطبيعة مما يمتنع وجودها في الخارج. وبعبارة أخرى: الماهية هي هي فلا يعقل تعلق الطلب بها، أي: طلب أن تجعل الماهية ماهية.

وأما الجواب: فحاصله: إن المطلوب هو إيجاد الماهية.

ص: 203

السِعِي بما هو وجودها - قبالاً لخصوص الوجود[1] - متعلقة للطلب، لا أنها بما هي هي كانت متعلقة له - كما ربما يتوهم(1)

-، فإنها كذلك ليست إلاّ هي[2]. نعم، هي كذلك تكون[3] متعلقة للأمر، فإنه طلب الوجود، فافهم[4].

دفع وهم[5]: لا يخفى أن كون وجود الطبيعة أو الفرد متعلقاً للطلب إنما يكون

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: الوجود الفردي.

[2] في الحقائق: (من المعلوم ان كل شيء بما هو هو ليس إلاّ هو، ولكن لا ينافي ذلك كونه معروضاً لعوارضه، فإن زيداً من حيث هو - أي: في مرحلة ذاته - لا صحيح ولا مريض، بمعنى أنه ليست الصحة والمرض من مقوماته وذاتياته، وإن كان بلحاظ طروء الصحة عليه أو المرض يكون صحيحاً أو مريضاً، فكون الطبيعة من حيث هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة لا ينافي كونها بلحاظ تعلق الطلب بها تكون مطلوبة، أو عدم تعلقه فلا تكون مطلوبة.

فالعمدة: في عدم تعلق الطلب بالطبيعة من حيث هي أنها كذلك ليست موضوعاً للأثر ومحطاً للغرض)(2).

[3] أي: الماهية بما هي هي تكون متعلقة للأمر؛ لأن الأمر طلب الوجود، فنقول: آمرك بالماهية، أي: أطلب منك إيجادها.

[4] لعله إشارة إلى أنّه إن كان الوجود داخلاً في المفهوم فالطلب والأمر ممكن، وإن لم يكن داخلاً فكلاهما غير ممكن، فلا فرق.

دفع وهم

[5] الوهم - وقد ينسب إلى صاحب الفصول(3)

- هو أن مقتضي تعلق الطلب بالوجود هو عروضه على الوجود:

ص: 204


1- الفصول الغروية: 125.
2- حقائق الأصول 1: 327.
3- الفصول الغروية: 126.

بمعنى أن الطالب يريد صدور الوجود من العبد وجعله بسيطاً[1] - الذي هو مفاد كان التامة - وإفاضته. لا أنه يريد ما هو صادر وثابت في الخارج كي يلزم طلب

-------------------------------------------------------------------

1- فإن كان عروض الطلب قبل الوجود لزم وجود العارض بدون المعروض.

2- وإن كان عروض الطلب بعد الوجود فهو طلب للحاصل.

وكلا الأمرين محال.

مثلاً: لو قال المولى: (صلّ)، فعلى الأول: يكون المعنى (أريد وجود الصلاة المعدومة)، فالطلب تعلق بأمر معدوم، فصار عارضٌ - وهو الطلب - بدون معروض وهو محال أيضاً.

وعلى الثاني: يكون المعنى (أريد وجود الصلاة الموجودة)، فقد أراد الحاصل، وهو محال.

جواب الوهم: إن متعلق الطلب ليس الوجود، بل صدور الوجود - أي: الإيجاد - فلا يطلب المولى الطبيعة من حيث هي - لما تقدم من استحالته - ولا يطلب الطبيعة الموجودة - لأنه طلب للحاصل - بل يطلب إيجاد الطبيعة، وهو فعل المأمور به.

وحينئذٍ نقول في تصحيح هذا الطلب: إن المولى يتصور ذلك الوجود في ذهنه - بنحو المرآتية - ثم يطلبه، بمعنى يطلب إيجاده خارجاً، فليس طلباً للحاصل؛ لأنه بعد لم يوجد في الخارج، ولا عارض بدون معروض، لأن الطلب عرض على الوجود الذهني.

[1] أي: إيجاده في الخارج؛ لأن الوجود ينقسم إلى قسمين:

1- وجود الشيء في نفسه - وهو مفاد كان التامة - مثل: (كان زيد). ويُسمّى الجعل في هذا بسيطاً.

2- وجود الشيء لا في نفسه - وهو مفاد كان الناقصة - مثل: (كان زيد قائماً). ويُسمّى الجعل في هذا جعلاً مؤلفاً - مركباً - .

ص: 205

الحاصل - كما توهم(1)

- . ولا جعل الطلب[1] متعلقاً بنفس الطبيعة وقد جعل وجودها غاية لطلبها. وقد عرفت أن الطبيعة[2] بما هي هي ليست إلاّ هي، لا يعقل أن يتعلق بها طلب لتوجد أو تترك، وأنه لابد في تعلق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها فيلاحظ وجودها فيطلبه ويبعث إليه كي يكون ويصدر منه[3]. هذا بناءً على أصالة الوجود[4].

-------------------------------------------------------------------

توهم ثان

[1] هذا المتوهم أراد التخلص من إشكال طلب الحاصل أو وجود العارض قبل المعروض فقال بهذا الكلام، وحاصله: إن متعلق الطلب هي الطبيعة من حيث هي، ولكن الغاية من الطلب هو الإيجاد، فالإيجاد ليس متعلقاً للطلب، بل غايته.

[2] جواب عن هذا التوهم، وحاصله: إنه قد مرّ أن الطبيعة من حيث هي لا يعقل أن تكون محلاً للطلب؛ لأنها من حيث هي لا مطلوبة ولا غيرمطلوبة، وحيث إن الغرض:

1- بناءً على أصالة الوجود: تعلق ذلك الغرض بوجودها، فلا يعقل أن يأمر المولى بما لا ربط له بغرضه.

2- وكذلك بناءً على أصالة الماهية: تعلق ذلك الغرض بتحقق الماهية في الخارج، ولم يتعلق بها من حيث هي هي - أي: في مرحلة نفسها - وبعبارة أخرى: تعلق الطلب بالماهية الخارجية، أي: ليجعلها المكلف من الخارجيات.

[3] أي: كي يوجد - بمفاد كان التامة - .

[4] وحاصل أصالة الوجود: هو أن الماهية أمر اعتباري ذهني، والوجود هو المتحقق في الخارج.

ص: 206


1- الفصول الغروية: 126.

وأما بناءً على أصالة الماهية[1] فمتعلق الطلب[2] ليس هو الطبيعة بما هي أيضاً، بل بما هي بنفسها في الخارج، فيطلبها كذلك لكي يجعلها بنفسها من الخارجيات والأعيان الثابتات، لا بوجودها[3]. كما كان الأمر بالعكس على أصالة الوجود.

وكيف كان فيلحظ الآمر ما هو المقصود من الماهية الخارجية أو الوجود فيطلبه ويبعث نحوه، ليصدر منه، ويكون ما لم يكن، فافهم وتأمل جيداً.

فصل: إذا نسخ الوجوب فلا دلالة[4] لدليل الناسخ[5]

-------------------------------------------------------------------

[1] وحاصل أصالة الماهية: هو أن الوجود أمر اعتباري، وأن المتحقق في الخارج هو الماهية، والوجود مجعول بتبعها ومن عوارضها الذهنية.

[2] على أصالة الماهية لا معنى لجعل متعلق الطلب الوجود؛ لأن المطلوب يلزم أن يكون أمراً حقيقياً، والأمر الحقيقي - على أصالة الماهية - هو الطبيعة المتحققة، فطلبها يكون بمعنى طلب تحقيق تلك الماهية، فتأمل.

[3] لأن الوجود - على القول بأصالة الماهية - أمر اعتباري لا يتعلق به الطلب.

فصل في بقاء أو عدم بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب

اشارة

[4] عكس ما ذهب إليه جماعة: ودليلهم أن الوجوب مركب من (جواز الفعل مع المنع عن الترك)، والنسخ رفع المنع، فيبقى الجواز بحاله - كما عن صاحب المعالم -(1).

وفيه: إن الوجوب بسيط وهو المرتبة الشديدة من الطلب - ومعنى البسيط أن له مفهوماً واحداً - فبزواله لا يبقى الجواز الذي كان بضمنه.

[5] وذلك لأن الناسخ نفي للوجوب، ولا دلالة للنفي على إثبات غيره، فلا منشأ لدلالة الناسخ على حكم آخر من الأحكام.

ص: 207


1- معالم الدين: 87 - 88.

ولا المنسوخ[1] على بقاء الجواز بالمعنى الأعم[2]، ولا بالمعنى الأخص[3]، كما لا دلالة لهما[4] على ثبوت غيره من الأحكام، ضرورة[5] أن ثبوت كل واحد من الأحكام الأربعة الباقية بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممكن، ولا دلالة لواحد من دليلي الناسخ والمنسوخ بإحدى الدلالات[6] على تعيين واحد منها، كما هو أوضح من أن يخفى. فلابد للتعيين من دليل آخر.

-------------------------------------------------------------------

[1] لأن المنسوخ كان بسيطاً وقد ارتفع بورود الناسخ.

وحتى على القول بتركبه فإن الجواز كان متقوماً بفصله - وهو المنع من الترك - فبزوال الفصل يزول الجنس معه أيضاً؛ لأن الجنس والفصل موجودان بوجود واحد.

وبعبارة أخرى: إن المنسوخ دل على الجواز المتحصل بالوجوب، وبعد ارتفاع الوجوب لا يكون الجواز على تقدير ثبوته متحصلاً بالوجوب، بل بغيره، فلا يدل عليه. - كما في الحقائق -(1).

[2] الذي هو جنس، ويدخل تحته المستحب والمكروه والمباح والواجب، فلا يدل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجنس للجواز.

[3] أي: الإباحة الشرعية، التي هي قبال الوجوب والحرمة والكراهة والاستحباب.

[4] أي: لا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على ثبوت غير الإباحة - الجواز بالمعنى الأخص - .

[5] هذا بيان لعدم دلالة دليل الناسخ ولا المنسوخ، وحاصله: إنه بارتفاع الوجوب لا ينحصر الأمر في ثبوت حكم واحد حتى يلزم القول بثبوته، بل بارتفاع الوجوب يحتمل كل واحد من الأحكام الأربعة الأخر، ولا مُعيّن لأحدها.

[6] المطابقية أو التضمنية أو الالتزامية.

ص: 208


1- حقائق الأصول 1: 330.

ولا مجال لاستصحاب الجواز[1] إلاّ بناءً على جريانه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، وهو ما إذا شك في حدوث فرد كلي مقارناً لارتفاع فرده الآخر[2]. وقد حققنا في محله أنه لا يجري الاستصحاب فيه ما لم يكن الحادث المشكوك من المراتب القوية أو الضعيفة المتصلة بالمرتفع[3] بحيث عدّ عرفاً[4] - لو كان[5] - أنه باقٍ، لا أنه أمر حادث غيره.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: الجواز بالمعنى الأعم، فبعد عدم وجود الدليل اللفظي نرجع إلى الدليل العملي.

وقد قيل(1):

باستصحاب الجواز بالمعنى الأعم؛ إذ الفعل حين الوجوب كان جائزاً، ولمّا ارتفع الوجوب نشك في ارتفاع الجواز، فنستصحب بقاء الجواز.

والإشكال عليه هو: إن الجواز الكلي لا يكون إلاّ ضمن أحد الأحكام الأربعة - الوجوب، الكراهة، الإباحة، الاستحباب - وهي متباينات، فإذا ارتفع أحدها فمعنى استصحاب الجواز الذي كان فيه هو إبقاء الجواز في ضمن حكم ثانٍ من تلك الأحكام، وهذا هو القسم الثالث من استصحاب الكلي.

[2] هذه إحدى الصور من القسم الثالث، وله صور أخرى: منها: احتمال حدوث الفرد الثاني مقارناً لحدوث الفرد الأول المعلوم، وحين زوال الفرد المعلوم يحتمل بقاء الفرد المحتمل. ومنها: ما اختلفت المراتب شدة وضعفاً.

[3] كالسواد الذي يشك في زواله أو اشتداده أو ضعفه، فإنه يستصحب كلي السواد.

[4] لأن من أركان الاستصحاب وحدة الموضوع، وفي الوحدة نحتاج إلى الوحدة العرفية لا الدقيّة، وإلاّ لما جرى استصحاب إطلاقاً؛ ولأن الكلام ملقى إلى العرف ففهمه حجة.

[5] أي: لو علمنا ببقاء السواد الخفيف فإنه عرفاً يعتبر السواد باقياً، وحين

ص: 209


1- عناية الأصول 1: 460.

ومن المعلوم[1] أن كل واحد من الأحكام مع الآخر - عقلاً وعرفاً - من المباينات والمتضادات غير الوجوب والاستحباب، فإنه وإن كان بينهما التفاوت بالمرتبة والشدة والضعف عقلاً إلاّ أنهما متباينان عرفاً، فلا مجال للاستصحاب إذا شك في تبدل أحدهما بالآخر، فإن حكم العرف ونظره يكون متبعاً في هذا الباب[2].

-------------------------------------------------------------------

ارتفاع السواد الشديد إذا شككنا في بقاء السواد الخفيف فإنه يجري الاستصحاب لوحدة الموضوع عرفاً.

[1] هذا لبيان أنه لا يجري استصحاب الجواز - في ما نحن فيه - لأنه من القسم الثالث الممتنع فيه جريان الاستصحاب، لا من القسم الثالث الجاري فيه الاستصحاب.

وذلك لأن:

1- الكراهة والإباحة ليستا من الدرجات الضعيفة للوجوب.

2- والاستحباب أيضاً ليس من درجات الوجوب الضعيفة عرفاً، وإن كان كذلك دقة، لكن في الاستصحاب يراعى نظر العرف في التباين أو الشدة والضعف، لا الدقة العقلية، وهنا العرف يرى أن الاستحباب يباين الوجوب، وإن كان دقةً هو مرتبة ضعيفة من الوجوب.

[2] أي: باب الاستصحاب. فلذا يستصحب السواد - في الضعيف والشديد - ويستصحب الليل والنهار وسائر الأمور التدريجية، ويستصحب ما تبدل بعض أوصافه أو حالاته، مع أنه عقلاً تبدل للموضوع، لكن عرفاً الموضوع نفسه.

وفي عكسه: لا يحكم ببقاء النجاسة لو غسل الشيء مع بقاء لون النجاسة - كالدم - لزوال الدم عرفاً مع أنه باقٍ دقة - بأجزائه الصغار - .

تتمة

استصحاب الكلي ثلاثة أقسام:

ص: 210

فصل: إذا تعلق الأمر[1] بأحد الشيئين أو الأشياء ففي وجوب كل واحد على

-------------------------------------------------------------------

1- لو علم بالفرد وشك في زوال الفرد فيستصحب الكلي الذي كان في الفرد، كما لو علم بدخول رجل إلى الدار وشك في خروجه، فيجوز استصحاب بقاء الإنسان في الدار، كما يجوز استصحاب الفرد.

2- لو علم بالفرد لكنه لا يدري الفرد الطويل أم القصير، ثم علم بأنه إن كان الطويل فهو باقٍ، وإن كان القصير فهو زائل قطعاً، فإنه يستصحب الكلي فقط، ولا يجوز استصحاب الفرد؛ لليقين السابق بالكلي وعدم اليقين السابق بالفرد. ومثاله المتعارف مثال الفيل والبَق.

3- لو علم بفرد وعلم بزواله ولكنه يحتمل وجود فرد آخر من حين وجود الفرد الأول، أو حين زوال الفرد الأول.

كما لو دخل زيد إلى الدار ثم خرج، ونحتمل دخول عمرو معه أو دخول عمرو حين خروج زيد، وهنا لا يجري استصحاب الفرد ولا استصحاب الكلي، فلا يجوز استصحاب بقاء الإنسان في الدار.

فصل في الوجوب التخييري

اشارة

[1] بعد عدم الإشكال في مرحلة الإثبات، أي: الاتفاق على وقوع الواجب التخييري، يأتي الكلام في كيفية تصوير الواجب التخييري في مرحلة الثبوت؛ إذ هنا إشكال وحاصله: إن حقيقة الوجوب متقومة بالمنع من الترك. لكن الواجب التخييري يجوز تركه في الجملة، فكيف يكون ما جاز تركه - ولو في الجملة - واجباً؟

وهذا إشكال عام يرد على الكفائي وعلى الموسع أيضاً.

وتوضيحه: في التخييري، ما هو الواجب؟

ص: 211

التخيير[1] - بمعنى عدم جواز تركه[2] إلاّ إلى بدل -، أو وجوب الواحد لا بعينه[3]،

-------------------------------------------------------------------

1- إن كان كل واحد واحد منها، فعليه لا يحصل الامتثال بالواحد.

2- وإن كان المجموع - بما هو مجموع - فكذلك لا يحصل الامتثال بالواحد.

3- وإن كان واحداً معيناً، فلازمه اختصاص الوجوب بذلك المعين وعدم حصول الامتثال بغيره.

4- وإن كان واحداً غير معين، فلازمه وجوب الاحتياط بإتيان الجميع للوصول إلى الواجب غير المعين.

القول الأول

[1] وهو قول أصحابنا(1)

بمعنى أن الواجب كل واحد واحد من الأبدال على التخيير. فالخطاب شرعي والتخيير شرعي، كما لو قال المولى: جئني بهذا الإناء أو ذلك الإناء، فهنا الأمر شرعي، والتخيير أيضاً من الشارع.

[2] هذا بيان لمعنى (التخيير). وحاصله: إن الوجوب التعييني ما لا يجوز تركه حتى إلى البدل، أما التخييري فهو ما لا يجوز تركه إلاّ إلى البدل. وهذا هو الفارق بينهما.

القول الثاني

القول الثاني(2)

[3] وهو قول الأشاعرة(3)

بمعنى أن الواجب واحد وهو الكلي، فيكون المراد: وجوب مفهوم أحدهما، الصادق على كل واحد من مصاديقه لا بعينه - كما عن العضدي - .

وعليه يكون الخطاب شرعياً والتخيير عقلياً، أي: الخطاب توجه إلى الكلي وهو خطاب واحد. وبما أن له مصاديق فإن العقل يرى تخيير المكلف بين تلك المصاديق، كما لو قال المولى: جئني بإناء، وفي الخارج يوجد إنائان، فإن العقل يرى تخيّر المكلف بينهما.

ص: 212


1- العدة في أصول الفقه 1: 220.
2- ذهب إليه الشيخ المفيد في التذكرة بأصول الفقه: 31، ونسبه له الشيخ الطوسي في العدة 1: 220.
3- الإحكام في أصول الأحكام 1: 100، حيث قال: إنه مذهب الفقهاء والأشاعرة.

أو وجوب كل منهما[1] مع السقوط[2] بفعل أحدهما(1)،

أو وجوب المعين عند الله[3]، أقوال.

والتحقيق[4] أن يقال: إنه إن كان الأمر بأحد الشيئين بملاك أنه هناك غرض واحد يقوم به كل واحد منهما بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض، ولذا

-------------------------------------------------------------------

القول الثالث

[1] بمعنى أن كلا الطرفين أو الأطراف واجب تعييني، لكن إذا فعل أحدهما سقط الآخر.

كما قيل: في سقوط الواجب بغير الواجب كقراءة الإمام المسقطة لقراءة المأموم، فتأمل.

[2] أي: سقوط الباقي.

القول الرابع

القول الرابع(2)

[3] فيه وجهان: 1- يستكشف ذلك الواجب باختيار المكلّف.

2- أو أن الواجب معين عند الله ويسقط بالإتيان به أو الإتيان بعدله الآخر.

أما الوجه الأول: ففي غاية السقوط؛ إذ لازمه أن المكلف إذا لم يختر فلا وجوب عليه، ولو فعلها جميعاً دفعة فلا يمكن تمييز الواجب.

وأما الوجه الثاني: فكذلك؛ إذ لا معنى لعدم وجوب الآخر ما دام هو يحصّل الغرض دائماً.

مختار المصنف

اشارة

[4] حاصله: إن الملاك الموجب للأمر التخييري أحد احتمالين:

الأول: إن يكون الملاك واحداً، وكل من أطراف التخيير محصل له، فهنا الواجب واحد - هو الجامع بين الأطراف - والتخيير عقلي، فمرجعه إلى القول الثاني.

ص: 213


1- وهو ما ذهب إليه السيد المرتضى في الذريعة 1: 88.
2- المحصول 2: 160.

يسقط به الأمر[1]، كان[2] الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما، وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقلياً لا شرعياً[3]، وذلك[4] لوضوح أن الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان، ما لم يكن بينهما جامع في البين، لاعتبار نحوٍ من السنخية بين العلة والمعلول[5]. وعليه فجعلهما متعلقين للخطاب الشرعي لبيان أن

-------------------------------------------------------------------

الثاني: أن تكون الملاكات متعددة، ولا يمكن تحصيلها كُلُّها، بل أحدها فقط، فهنا يكون كل واحد منها واجباً في ظرف عدم الآخر - فمرجعه إلى القول الأول - .

[1] أي: لحصول الغرض يسقط الأمر؛ وذلك لأن المسقط للأمر إما الامتثال أو فوات الغرض بالعصيان، أو بأي كيفية أخرى، وهنا لمّا أتى بأحد الواجبين التخييريين حصل الغرض فيسقط الأمر.

كما لو أمره المولى بإتيان إناء ماء أو عصير لرفع العطش، فإن المسقط للأمر هو: الإتيان بأحدهما وشرب المولى له بحيث يرتفع به العطش.

[2] هذا جزاء (إن) في قوله: (إن كان الأمر... الخ).

[3] التخيير الشرعي: هو أن يأمر الشارع بكل واحد منهما، ولا يكون بينهما جامع.

والتخيير العقلي: هو أن يأمر الشارع بالجامع - لأنه المحصل للغرض - فيحكم العقل بالتخيير بين أفراد ذلك الجامع.

[4] دليل على كون التخيير عقلياً لا شرعياً.

وحاصله: إن الغرض الواحد لا يعقل صدوره من أمرين مختلفين؛ وذلك لأن الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد - هكذا قالوا(1)

- .

[5] هذا دليل لقاعدة (الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد)، ولو لم يكن اعتبار بالسنخية لصدر كل شيء من كل شيء.

وفيه نظر: لأنه على القول بالتوافي كما قال: (أو بالتوافي عادة الله جرت) فلا تكون العلل حقيقية.

ص: 214


1- مفاتيح الأصول: 27.

الواجب هو الجامع بين هذين الاثنين[1].

وإن كان[2] بملاك أنه يكون في كل واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه[3]، كان كل واحد واجباً بنحوٍ من الوجوب[4].

-------------------------------------------------------------------

وأما على غيره، كما قال: (وهل بتوليد أو إعداد)، فإنه كان يمكن عقلاً إصدار كل شيء لكل شيء في مرحلة الثبوت، ولكن المصلحة في مرحلة الإثبات اقتضت جعل القابلية لصدور بعض الأشياء، وعليه يمكن أن يكون المعلول النوعي صادراً عن أمرين مختلفين، بمعنى أن تكون علة شخصية يصدر منها معلول، وعلة شخصية أخرى يصدر منها معلول آخر مثل المعلول الأول، من دون أن يكون جامع بين العلتين، فتأمل.

[1] لأنه لم يكن الجامع واضحاً للمكلفين، وكذلك لم يكن واضحاً لديهم المُحَصِّل لذلك الجامع، فلذا بيّن الشارع المقدس أفراد التخيير.

[2] هذا الشق الثاني من تحقيق المصنف.

ومثاله العرفي: لو كان المولى مشرفاً على الهلاك من العطش، وكان ولده مشرفاً على الموت غرقاً فيقول المولى له: (جئني بماء) أو (أنقذ ولدي) لعلمه بأن فعل أحدهما يوجب فوت الآخر.

[3] أي: بإتيان ذلك الآخر، فإنه يحصل غرض ذلك الآخر، فلا يمكن تحصيل غرض الأول.

[4] أي: الوجوب التخييري الشرعي الذي ليس بوجوب تعييني، ولا تخييري عقلي.

أما الأول: فلأن الغرض لم يكن مطلقاً - حتى يكون من التعييني الذي يجب فيه الإتيان بهما معاً - بل كان الغرض مقيداً بصورة عدم الإتيان بالآخر.

وأما الثاني: فلأن الغرض لم يكن واحداً حتى يكون الواجب الجامع، بل الغرض متعدد.

ص: 215

يستكشف عنه تبعاته[1] من عدم جواز تركه إلاّ إلى الآخر[2]، وترتب الثواب على فعل الواحد منهما[3] والعقاب على تركهما[4].

فلا وجه في مثله[5] للقول بكون الواجب هو أحدهما لا بعينه مصداقاً[6]؛ ولا

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لهذا النحو من الوجوب - وهو التخييري الشرعي - لوازم.

وكان الأولى أن يقول: (يستكشف عن تبعاته)؛ لأن تلك اللوازم تكشف عن هذا النحو من الوجوب، وليس العكس - كما توهم العبارة - .

وهذه اللوازم ثلاثة: 1- عدم جواز الترك إلاّ إلى الآخر. 2- ترتب الثواب على فعل الواحد. 3- ترتب العقاب على تركهما معاً.

[2] لأن غير الواجب يجوز تركه مطلقاً، أما هذا فلا يجوز تركه مطلقاً، بل فقط إلى البدل، وهذا يكشف عن نحو من الوجوب.

[3] لأنه لو لم يكن واجباً لم يترتب عليه ثواب، ولو كان كلاهما واجباً تعيينياً لزم الثواب على كليهما، في حين أنه يترتب ثواب على واحد منهما فقط.

[4] ولو لم يكن وجوب لم يكن عقاب إطلاقاً، ولو كان وجوب تعييني لوجب العقاب على ترك واحد منهما، في حين أنه لو تركهما معاً لاستحق العقاب، ولو ترك أحدهما وفعل الآخر لم يستحق العقاب.

[5] أي: بناءً على الشق الثاني - وهو وجود غرضين - لا معنى للاحتمالات التالية:

1- الواجب مصداق أحدهما لا بعينه، 2- الواجب مفهوم أحدهما لا بعينه، 3- الواجب أحدهما المعيّن، 4- الواجب كلاهما تعييناً مع السقوط بفعل أحدهما.

الاحتمال الأول

[6] وذلك لعدم إمكان امتثاله؛ لعدم وجود مصداق له؛ لأن ما في الخارج إما مصداق هذا أو مصداق ذاك، وليس في الخارج شيء يصدق عليه (أحدهما)؛ لأن الفرد الخارجي معين وليس مردَّداً حتى يصدق عليه عنوان (أحدهما).

ص: 216

مفهوماً[1]،

-------------------------------------------------------------------

الاحتمال الثاني
اشارة

[1] لأن ملاكات الأحكام من المصالح والمفاسد تتعلق بالوجودات الخارجيّة، لا الأمور الذهنية، والمفهوم ليس من الأمور الخارجيّة، فلا يكون عنواناً مُحسّناً للتكليف.

شرح الحاشية

قال المصنف في هامش الكتاب: (فإنّه وإن كان (أ) ممّا يصحّ (ب) أن يتعلّق به بعض الصفات الحقيقيّة ذات الإضافة كالعلم، فضلاً عن الصفات الاعتباريّة المحضة، كالوجوب والحرمة وغيرهما، ممّا كان من خارج المحمول (ج) الّذي ليس بحذائه في الخارج شيء غير ما هو منشأ انتزاعه، إلاّ أنّه لا يكاد يصحّ البعث حقيقة إليه والتحريك نحوه، كما لا يكاد يتحقق الداعي (د) لإرادته والعزم عليه، ما لم يكن نائلاً إلى إرادة الجامع والتحرك نحوه فتأمّل جيّداً)(1).

(أ) إشارة إلى إشكال وجوابه - كما في الوصول -(2): أما الإشكال: فإنه لا مانع في كون الواجب أحدهما المفهومي؛ وذلك لأن سبب الوجوب ترتب غرض على كل واحد منهما يختلف عن الغرض المترتب على الآخر، وهذا السبب يقتضي إيجاب أحدهما لا بعينه.

لا يقال: الوجوب صفة معينة فلا يعقل تعلقه بالمبهم.

فإنه يقال: العلم مع كونه من الصفات الحقيقية يصح تعلقه بأمر مردد، كموارد العلم الإجمالي، فالوجوب وهو أمر اعتباري تعلقه بالمردَّد بطريق أولى.

وأما الجواب: فإن الوجوب للبعث أي: لإحداث الداعي في نفس العبد ليأتي بالمأمور به، والمردَّد لا يعقل إتيانه في الخارج فلا يعقل البعث نحوه.

ص: 217


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 72.
2- الوصول إلى كفاية الأصول 2: 282.

كما هو واضح، إلاّ أن يرجع[1] إلى ما ذكرنا في ما إذا كان الأمر بأحدهما بالملاك الأول من أن الواجب[2] هو الواحد الجامع بينهما. ولا أحدهما معيناً[3] مع كون كل منهما[4] مثل الآخر في أنه وافٍ بالغرض. ولا كل واحد[5] منهما تعيّناً مع

-------------------------------------------------------------------

(ب) فيه تأمل، فإن المعلوم إجمالي وليس العلم، مضافاً إلى أن العلم والتردّد ضدان فكيف يجتمعان؟

(ج) الخارج المحمول - كما أشار المصنف - هو ما ليس بإزائه شيء في الخارج سوى منشأ انتزاعه كزوجية الأربعة، والوجوب كذلك فإن ما في الخارج هو الواجب فقط وينزع منه الوجوب.

أما المحمول بالضميمة فهو ما بإزائه شيء في الخارج، مثل: (زيد عالمٌ) حيث إن العلم بإزائه شيء في الخارج.

(د) وذلك لعدم قدرة العبد على امتثاله، فلا يتحقق الداعي.

[1] أي: يكون رجوع إلى الشق الأول من وحدة الملاك وكونه في الجامع.

[2] هذا بيان لقوله: (ما ذكرنا).

الاحتمال الثالث

[3] عطف على قوله: (بكون الواجب هو أحدهما لا بعينه)، وهو إشارة إلى الاحتمال الثالث، أي: إن الواجب أحدهما المعيّن - وهو رابع الأقوال في صدر المسألة - .

[4] هذا رد للقول بوجوب أحدهما المعين، وحاصل الرد: إنه مع كون كل واحد من الفردين وافياً بالغرض، فإن إيجاب أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، وهو قبيح.

الاحتمال الرابع
اشارة

[5] وهو إشارة إلى الاحتمال الرابع - وهو ثالث الأقوال في صدر المسألة - .

ص: 218

السقوط بفعل أحدهما، بداهة[1] عدم السقوط مع إمكان استيفاء ما في كل منهما من الغرض وعدم جواز الإيجاب كذلك[2] مع عدم إمكانه، فتدبر[3].

بقي الكلام في أنه هل يمكن[4] التخيير عقلاً أو شرعاً[5] بين الأقل والأكثر، أولا؟

ربما يقال(1) ب«أنه محال[6]،

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا رد لهذا القول. وحاصله: إنه مع إمكان استيفاء الغرضين فلا وجه لسقوط الثاني حين استيفاء الأول، ومع عدم إمكان استيفائها فلا وجه لإيجاب كليهما معيناً.

[2] أي: تعييناً.

[3] لعله إشارة إلى أن مرجع هذا القول هو إلى واجبين مشروطين؛ وذلك مما لا إشكال فيه، أي: يجب هذا بشرط عدم الإتيان بذاك وبالعكس.

التخيير بين الأقل والأكثر
اشارة

[4] فلو ثبتت الاستحالة فإنه حينئذٍ لابد من تأويل ما ورد في الشرع مما ظاهره التخيير بين الأقل والأكثر، كأن يقال باستحباب الأكثر مثلاً.

[5] العقلي في ما لو كان الغرض واحداً ومتعلق الوجوب كان الجامع بينهما، والشرعي في ما لو كان الغرض متعدداً - على ما مرّ - .

الإشكال الأول

[6] بيّن بعضهم الاستحالة بأنه مع الإتيان بالأقل يحصل الغرض، وبحصول الغرض يسقط الأمر، فلا مجال لامتثال الأكثر.

لكنه لا ينطبق على كل الموارد؛ إذ منها:

1- ما يحصل الأقل والأكثر دفعة واحدة لا بالتدريج، كالمسح بالأصابع الثلاثة وبالواحد، والنزح دفعة ثلاثين أو أربعين دلواً.

ص: 219


1- جواهر الكلام 10: 43.

فإن الأقل إذا وجد[1] كان هو الواجب لا محالة ولو كان في ضمن الأكثر، لحصول الغرض به[2]، وكان الزائد عليه من أجزاء الأكثر زائداً على الواجب».

لكنه[3] ليس كذلك، فإنه إذا فرض أن المُحصّل[4] للغرض في ما إذا وجد الأكثر

-------------------------------------------------------------------

2- وقوع الأجزاء الزائدة التي يتحقق بها الأكثر في أثناء الأقل، كما في التخيير بين القصر والتمام، فإن الركعتين الزائدتين واقعتان قبل السلام.

فلذا عدل المصنف عن هذا إلى تقريره الذي ذكره.

[1] حاصل الإشكال: إن الأقل يحصل به الغرض مطلقاً - سواء كان في ضمن الأكثر أم لم يكن في ضمنه - ومع قيام الغرض بشيء فإن الزائد عليه لا يكون واجباً قطعاً؛ لعدم الغرض فيه.

[2] أي: لحصول الغرض بالأقل، «عليه» على الأقل، «الواجب» أي: الأقل، وخبر (كان) قوله: (زائداً على الواجب).

الجواب

[3] حاصل الجواب: إن الأقل - في مرحلة الثبوت - على قسمين:

القسم الأول: أن يكون الأقل محصلاً للغرض بشرط عدم انضمام الأكثر إليه، أما إذا انضم الأكثر إليه فإن الأقل لا يكون محصلاً للغرض، بل الأكثر محصل للغرض، فهنا يكون التخيير بين الأقل والأكثر لا محالة، وإلى هذا القسم أشار المصنف بقوله: (فإنه إذا فرض... الخ).

القسم الثاني: أن يكون الأقل محصلاً للغرض مطلقاً - سواء انضم إليه سائر أجزاء الأكثر أم لا - وهنا يرد الإشكال ويستحيل التخيير بينهما، وإلى هذا القسم أشار المصنف بقوله: (نعم، لو كان الغرض مترتباً... الخ).

[4] وحاصله: إن الغرض هو (الأقل بشرط لا) محصل للغرض، فلو انضم إليه الأكثر لا يكون الأقل محصلاً للغرض، بل يكون الأكثر محصلاً للغرض.

ص: 220

هو الأكثر، لا الأقل الذي في ضمنه - بمعنى أن يكون لجميع أجزائه[1] حينئذٍ دخل في حصوله، وإن كان الأقل لو لم يكن في ضمنه كان وافياً به[2] أيضاً - فلا محيص[3] عن التخيير بينهما، إذ تخصيص الأقل بالوجوب حينئذٍ كان بلا مخصص[4]، فإن الأكثر بحده يكون مثله على الفرض[5]، مثل أن يكون الغرض[6]

-------------------------------------------------------------------

ومثاله العرفي: لو أمر المولى ببناء دار، فإن العبد مخير بين بناء دار كبيرة ودار صغيرة. وكما لو أمره بصبغ الشيء، وكان الماء لو وضع فيه مادة بمقدار كيلو مثلاً كان لونه أصفر، وبمقدار كيلوين كان لونه أحمر، وكان المولى لا فرق عنده بين الأصفر والأحمر، فإن العبد مخيّر بين وضع المادة بمقدار الأقل، وبين وضعها بمقدار الأكثر وهكذا.

ومثاله الشرعي: التخيير بين القصر والتمام في مواطن التخيير. وكذا بين التسبيحات ثلاث مرات ومرة واحدة. وكذا نزح ثلاثين أو أربعين دلواً في بعض المنزوحات.

[1] أي: أجزاء الأكثر، «حينئذٍ» أي: حين الإتيان بالأكثر، «حصوله» حصول الغرض.

[2] أي: لو لم يكن في ضمن الأكثر كان وافياً بالغرض أيضاً، أي: كوفاء الأكثر بالغرض.

[3] هذا جزاء (إذا) في قوله: (إذا فرض).

[4] أي: بلا وجه صحيح، حيث إن كلا الأمرين وافيان بالغرض، ولا مانع من وجوبهما، فلا معنى لكون أحدهما واجباً دون الآخر.

[5] أي: يكون الأكثر - بما هو أكثر - مثل الأقل في الوفاء بالغرض، «على الفرض» وهو كون المُحصِّل للغرض إمّا الأقل إن لم ينضم إليه الأجزاء الأخرى، وإمّا الأكثر إن انضم إليه.

[6] فإذا أمر المولى برسم خط، ويحصل غرضه بالخط الطويل وكذلك بالخط

ص: 221

الحاصل من رسم الخط مترتباً على الطويل إذا رسم بما له من الحد، لا على القصير في ضمنه، ومعه[1] كيف يجوز تخصيصه بما لا يعمه؟ ومن الواضح كون هذا الفرض[2] بمكان من الإمكان[3].

إن قلت[4]: هبه[5] في مثل ما إذا كان للأكثر وجود واحد لم يكن للأقل في

-------------------------------------------------------------------

القصير، وكان حصول الغرض بأحد أمرين: إما القصير بحدّه، وإما بالخط الطويل بكلّه لا بالقصير الذي في ضمنه، فإنه حينئذٍ لا وجه لتخصيص الواجب ببعض الخط الطويل.

[1] أي: مع حصول الغرض بالأكثر - بحدّه - كيف يجوز تخصيص الوجوب بشيء لا يشمل الأكثر؟ أي: تخصيصه بالأقل، بل اللازم شمول الوجوب لما يعم الأكثر، أي: للأقل وللأكثر.

[2] أي: دخل خصوصية الوجود - من الأكثر أو الأقل - وبعبارة أخرى: دخل (بشرط لا) و(بشرط شيء) في الغرض.

[3] إذن: لا محذور عقلي في التخيير بين الأقل والأكثر، فلا اضطرار إلى التأويل وحمل الأكثر على استحباب الأجزاء الزائدة مثلاً.

الإشكال الثاني

[4] حاصل الإشكال: هو إمكان التخيير بين الأقل والأكثر في ما لو وجد الأكثر دفعة، أما لو وجد بالتدريج فلا يمكن التخيير؛ وذلك لأنه بمجرد حصول الأقل يحصل الغرض، ومع حصوله يسقط الوجوب، فلا معنى لكون سائر الأجزاء باقية على صفة الوجوب، فلو أتى بالتسبيحات بالمرة الأولى سقط الوجوب؛ لحصول الغرض، فلا معنى لوجوب المرة الثانية والثالثة من التسبيحات.

[5] (هَبْ) بمعنى افرض، والهاء في «هبه» ضمير، أي: لنفرض أن التخيير بينهما ممكن في صورة الوجود الدفعي للأكثر، «ضمنه» ضمن الأكثر.

ص: 222

ضمنه وجود على حدة - كالخط الطويل الذي رسم دفعةً بلا تخلل سكون في البين -، لكنه[1] ممنوع في ما كان له في ضمنه وجود - كتسبيحة في ضمن تسبيحات ثلاث، أو خط طويل رسم مع تخلل العدم في رسمه -، فإن الأقل قد وجد بحده، وبه[2] يحصل الغرض على الفرض، ومعه لا محالة يكون الزائد عليه مما لا دخل له في حصوله، فيكون زائداً على الواجب، لا من أجزائه.

قلت[3]: لا يكاد يختلف الحال بذاك[4]، فإنه مع الفرض لا يكاد يترتب الغرض على الأقل في ضمن الأكثر، وإنما يترتب عليه بشرط عدم الانضمام، ومعه[5] كان مترتباً على الأكثر بالتمام.

وبالجملة: إذا كان كل واحد من الأقل والأكثر بحده[6] مما يترتب عليه الغرض، فلا محالة يكون الواجب هو الجامع بينهما[7]، وكان التخيير بينهما عقلياً إن كان

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لكن التخيير بين الأقل والأكثر، «له» للأقل، «ضمنه» ضمن الأكثر.

[2] أي: وبوجود الأقل بحده، «الفرض» وهو وجوب الأقل تخييراً، «ومعه» مع حصول الغرض بالأقل، «عليه» على الأقل، «حصوله» حصول الغرض.

الجواب

[3] حاصل الجواب: إن الأقل (بشرط لا) كان محصلاً للغرض، فإذا انضم إليه شيء لا يكون (بشرط لا)، فلا يحصل الغرض به.

[4] أي: لا يختلف الحال بتدريجية الوجود ودفعيته، «فإنه» للشأن، مع الفرض الذي ذكرناه، وهو حصول الغرض (بشرط لا) و(بشرط الزيادة).

[5] مع الانضمام إلى سائر الأجزاء.

[6] حد الأقل: هو وجوده بشرط عدم الانضمام، وحد الأكثر: هو وجوده بشرط الانضمام.

[7] حتى لا يتوهم أحد أنه كيف أمكن صدور الغرض الواحد من أمرين متباينين، وهما (بشرط لا) و(بشرط شيء)؟ فنقول: إن المُحصِّل للغرض هو شيء

ص: 223

هناك غرض واحد، وتخييراً شرعياً في ما كان هناك غرضان على ما عرفت.

نعم، لو كان الغرض[1] مترتباً على الأقل، من دون دخل للزائد، لما كان الأكثر مثل الأقل وعِدلاً له، بل كان فيه اجتماع الواجب وغيره - مستحباً كان أو غيره[2] - حسب اختلاف الموارد، فتدبر جيداً.

فصل: في الوجوب الكفائي[3].

-------------------------------------------------------------------

واحد هو جامع بينهما. أو أن هنا غرضين لا يمكن الجمع بينهما - كما مرّ - .

[1] هذا هو القسم الثاني من القسمين اللذين أشرنا إليهما في دفع شبهة استحالة التخيير بين الأقل والأكثر.

وحاصله: إنّ الغرض إن كان يترتب على الأقل مطلقاً، سواء انضم إليه سائر الأجزاء أم لا، فإنه في هذه الصورة يستحيل التخيير بين الأقل والأكثر.

[2] المستحب: كالتسبيحة الثانية والثالثة - على قول -(1).

والمكروه: كالقِران بين السورتين في الصلاة - على قول -(2).

والمباح: كالعشرة الرابعة في النزح - في ما توهم التخيير بين الثلاثين والأربعين -(3).

والحرام: كالغسل الثالث في الوضوء(4)

- لو قلنا بالحرمة التكليفية - .

فصل الواجب الكفائي

[3] لا إشكال في وقوع الواجب الكفائي في الخارج، إنّما الكلام في كيفية تصويره.

ص: 224


1- الحدائق الناضرة 8: 435؛ روض الجنان 1: 105؛ كشف الغطاء 3: 185.
2- الألفية والنفلية: 86؛ رسائل المحقق الكركي 1: 109؛ تذكرة الفقهاء 1: 116.
3- مختلف الشيعة 1: 201.
4- من لا يحضره الفقيه 1: 47؛ جواهر الكلام 2: 267 - 279.

والتحقيق[1] أنه سنخ من الوجوب، وله تعلق بكل واحد[2]، بحيث لو أخل[3] بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعاً، وإن سقط عنهم[4] لو أتى به بعضهم. وذلك[5] لأنّه قضية ما إذا كان هناك غرض واحد حصل بفعلٍ واحدٍ[6]، صادرٍ

-------------------------------------------------------------------

وخلاصة الإشكال هو: إن ترك الجميع للواجب الكفائي موجب لاستحقاقهم جميعاً للعقاب لعصيانهم جميعاً، ولازم عصيانهم جميعاً وجوبه على الجميع، في حين أن الكفائي واجب على البعض دون الكل ويسقط بفعل بعضهم.

[1] حاصله: إن الوجوب تعلق بكل المكلفين على نحو الوجوب الاستغراقي، فهنا ثلاث صور:

1- إن تركه جميعهم استحقوا العقاب بأجمعهم؛ لترك كل واحد منهم واجباً.

2- إن أتوا به جميعاً دفعة فقد امتثلوه جميعاً، ويستحقون الثواب جميعاً - إما ثواب واحد موزع عليهم، أو لكل واحد ثواب - .

3- إن أتى به أحدهم سقط عن الباقين؛ لأحد أمرين: إمّا لحصول الغرض، وعليه لا معنى لبقاء الوجوب، كما لو صلى أحدهم على الميت، وإمّا لفوات الموضوع، كما لو أمرهم المولى بقتل حيوان فقتله أحدهم.

[2] أي: هو واجب بنحو عام استغراقي يدخل تحته جميع المكلفين.

[3] إشارة إلى الصورة الأولى.

[4] إشارة إلى الصورة الثالثة.

[5] بيان لعلة السقوط، وإشارة إلى الأمر الأول من عِلّة السقوط، وهو حصول الغرض، فلا معنى لبقاء الوجوب، «لأنّه» لأن السقوط عن الباقين.

نعم، يمكن أن يقال - كما قيل في التخييري - : بإمكان غرضين وسقوط أحدهما بحصول الآخر؛ لعدم تمكن العبد من الإتيان بهما.

[6] «واحد» صفة فعل، أي: المهم هو حصول الفعل؛ لأن الغرض كان متعلقاً بالطبيعة وهذه الطبيعة تحصل بالفعل مرة واحدة، سواء كان الفاعل متعدداً أم واحداً.

ص: 225

عن الكل أو البعض. كما أن الظاهر[1] هو امتثال الجميع لو أتوا به دفعة، واستحقاقهم للمثوبة، وسقوط الغرض بفعل الكل، كما هو قضية[2] توارد العلل المتعددة على معلول واحد.

فصل[3]: لا يخفى أنه وإن كان الزمان مما لابد منه عقلاً[4] في الواجب، إلاّ أنه

-------------------------------------------------------------------

[1] إشارة إلى الصورة الثانية.

ولعل قوله: «الظاهر» للإشارة إلى عدم إمكان ذلك في بعض الصور، كما لو كان غرض المولى يتعلق بتحقق الفعل مستنداً إلى الواحد لا إلى الأكثر - لوجود محاذير في الأكثر مثلاً- .

[2] هذا دليل الصورة الثانية، وحاصله: إن اجتماع الجميع على الفعل الواحد سبب لتحقق المأمور به، فيكون كل واحد جزءاً من العلة؛ لامتناع استقلال كل واحد بحيث يكون الأثر مستنداً إلى كل واحد واحد بالاستقلال؛ لاستحالة تعدد العِلة المستقلة على المعلول الواحد، بل يكون كل واحد جزء العلة.

فصل الواجب الموسع والموقت وغيرهما

اشارة

[3] لا إشكال في الواجب الموسع لا ثبوتاً ولا إثباتاً، كما أنه واقع خارجاً كالصلوات اليومية. وأما الإشكال ثبوتاً: بعدم إمكان الموسع فلابد من تأويل ما ورد في الشرع منه! فهو إشكال باطل كما سيأتي.

[4] لأن المأمور به فعل للممكن، وفعله لا يخرج عن الزمان والمكان.

وبعبارة أخرى: الأفعال زمانية فلابد من وقوعها في زمان، وكذلك مكانية فلابد من وقوعها في المكان، فالزمان والمكان ظرفان مطلقاً.

ص: 226

تارةً[1]

مما له دخل فيه شرعاً[2] فيكون «موقتاً»، وأخرى لا دخل له فيه أصلاً فهو «غير موقت».

والموقت إما أن يكون الزمان المأخوذ فيه بقدره ف«مضيق»، وإما أن يكون أوسع منه ف«موسع».

ولا يذهب عليك[3]: أن الموسع كلي، كما كان له أفراد دفعية[4] كان له أفراد تدريجية[5]، يكون التخيير بينها[6] كالتخيير بين أفرادها الدفعية عقلياً.

-------------------------------------------------------------------

[1] تقسيم للواجب بلحاظ دخالة الوقت.

1- فالموقت: ما جعل الشارع الزمان قيداً للواجب، كالصلاة والصوم.

أ: فإن كان الوقت أكثر من الواجب فهو الموسع، كالصلوات اليومية.

ب: وإن كان الوقت بمقدار الواجب فهو المضيق، كالصوم نهاراً.

2- وغير الموقت: ما لم يجعل الشارع الزمان قيداً فيه، كصلاة الزلزلة،و كقضاء الصلوات - بناءً على المواسعة - .

[2] أي: له دخل في الواجب؛ وذلك لمدخليته في المصلحة.

التخيير عقلي

[3] هذا بيان أن التخيير عقلي لا شرعي؛ وذلك لأنه مع وحدة الغرض فالأمر يكون بالجامع - وهو الطبيعة الكلية - وحينئذٍ يكون التخيير عقلياً لا محالة.

[4] أي: أفراد عرضية كما في أول الوقت يمكنه القيام بالصلاة في أمكنة متعددة وبكيفيات مختلفة.

[5] أي: طولية كأن يأتي بها في الزمان الأول أو الثاني أو الثالث وهكذا.

[6] أي: بناءً على وحدة الغرض، فإنه لا فرق بين الأفعال المختلفة في الزمان الواحد، وبين الأوقات المختلفة - كأول الوقت ووسطه وآخره - من جهة أن مراد المولى الطبيعة، وطريقة إيجاد الطبيعة موكول إلى العبد، وهو تخيير عقلي.

ص: 227

ولا وجه لتوهم أن يكون التخيير بينها شرعياً، ضرورة[1] أن نسبتها إلى الواجب نسبة أفراد الطبائع إليها، كما لا يخفى.

ووقوع الموسع فضلاً عن إمكانه مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، ولا اعتناء ببعض التسويلات[2]، كما يظهر من المطولات[3].

ثم إنه[4]

-------------------------------------------------------------------

[1] بيان وجه كون التخيير عقلياً لا شرعياً، و«نسبتها» أي: نسبة الأفراد الطولية كنسبة الأفراد العرضية في كونها جميعاً أفراداً للطبيعة الواحدة.

ادعاء الاستحالة

[2] منها: إن جواز الترك في بعض الأوقات في الموسع ينافي الوجوب؛ إذ قوام الوجوب عدم جواز الترك.

وفيه: ما مرّ في التخييري، من أن هذا لا يجوز تركه إلاّ إلى بدل، وهو نحو وجوبٍ.

ومنها: لو جاز تركه في أول الوقت لجاز تركه في كل الوقت؛ لأنه يجوز تركه في أي زمان.

وفيه: إن جواز الترك مشروط بكونه إلى بدل.

[3] وهؤلاء القائلون بالاستحالة في الأوامر الظاهرة في الموسع اضطروا إلى تأويلات، منها: إن الواجب في أول الوقت فقط أو أنه في آخر الوقت، لكن لو فعله في أول الوقت كان مستحباً، ولكنه يسقط الواجب.

هل القضاء تابع للأداء؟

[4] لو فات الواجب الموقت فهل يجب تداركه بالقضاء خارج الوقت أم لا؟

والكلام تارة يكون في مقام الثبوت، وتارة في مقام الإثبات:

أما مقام الثبوت: فإنه لو كان بنحو تعدد المطلوب - بأن كان المولى يريد الفعل

ص: 228

لا دلالة للأمر بالموقت[1] بوجه على الأمر[2] به في خارج الوقت بعد فوته في الوقت لو لم نقل بدلالته[3] على عدم الأمر به.

-------------------------------------------------------------------

مطلقاً، ويريد أيضاً الوقت بحيث لو خرج الوقت كان مطلوبه بأصل الفعل باقياً - فإن الوجوب يبقى بعد فوات الوقت، فيجب القضاء.

وإن كان بنحو وحدة المطلوب - بأن كان المولى يريد الفعل في وقت خاص فقط دون غيره - فلا يبقى الوجوب بعد فوات الوقت.

أما في مقام الإثبات، ففيه أقوال، ومنها:

1- قد يقال(1):

إن القضاء تابع للأداء، فلا نحتاج إلى دليل آخر للقضاء، بل يلزم قضاء كل واجب فات.

2- وقد يقال(2):

بعدم تبعية القضاء للأداء، فالقضاء يحتاج إلى دليل مستقل.

3- والمصنف فصّل: بين كون دليل التوقيت متصلاً فلا دلالة، وبين كونه منفصلاً وفيه دلالة في صورة، وعدم الدلالة في ثلاث صور.

[1] هذا في صورة كون دليل التوقيت متصلاً، كقوله: {أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمۡسِ...}(3) الآية. فهنا لا دلالة لدليل الأمر على تعدد المطلوب، فلا يلزم القضاء بعد فوت الوقت.

نعم، يمكن إيجاب القضاء بأمر مستقل آخر.

[2] أي: لا دلالة بوجه من الوجوه على تعدد المطلوب، لا الدلالة المطابقية ولا التضمنية ولا الالتزامية ولا الاقتضاء ونحوها.

[3] القول بالدلالة على عدم لزوم القضاء مبني على حجية مفهوم الوصف، فإن الوقت قيدٌ يفيد معنى الوصف - على ما قيل - .

ص: 229


1- تذكرة الفقهاء 4: 354.
2- قوانين الأصول 1: 133.
3- سورة الإسراء، الآية: 78.

نعم، لو كان التوقيت[1] بدليل منفصل لم يكن له إطلاق[2] على التقييد بالوقت، وكان لدليل الواجب إطلاق[3]، لكان قضية إطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت، وكون التقييد[4] به بحسب تمام المطلوب[5] لا أصله.

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا في صورة كون التقييد بالوقت بدليل منفصل والأقسام - حينئذٍ - أربعة:

1- كون دليل الوجوب ودليل التوقيت مطلقين.

2- كون الدليلين مهملين أو مجملين.

3- كون دليل الوجوب مهملاً أو مجملاً ودليل التوقيت مطلقاً.

4- عكس الصورة السابقة، بأن كان دليل الوجوب مطلقاً ودليل التوقيت مهملاً أو مجملاً.

ففي الصور الثلاث الأولى لا دلالة على الوجوب خارج الوقت. وفي الصورة الرابعة يبقى الوجوب خارج الوقت؛ لأنه من باب تعدد المطلوب.

[2] «لم يكن له إطلاق» صفة لقوله: (دليل منفصل)، ومعنى إطلاق دليل التوقيت: هو كون التقييد لجميع مراتب المصلحة لا لبعضها، فجميع مراتب المصلحة مقيدة بالوقت، فلا مصلحة في غير الوقت، أما لو لم يكن مطلقاً كان معناه التقييد لبعض مراتب المصلحة دون كلِّها، فيخرج عن هذا القسم.

[3] أي: إطلاق الدليل بأن يكون وجوبه في الوقت وفي خارجه، وهذه الصورة الرابعة.

[4] عطف على ثبوت الوجوب، «به» بالوقت؛ وذلك لأن الوجوب كان مطلقاً في الوقت وفي خارجه الوقت، وكان للوقت مصلحة زائدة، فبانتفاء الوقت يبقى أصل الوجوب.

[5] أي: المطلوب التام؛ وذلك لأن في الوقت مصلحتين، مصلحة أصل الفعل ومصلحة الوقت، أو أنها مصلحة واحدة شديدة، وفي خارج الوقت مصلحة واحدة من مرتبة دانية.

ص: 230

وبالجملة: التقييد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب[1]، كذلك ربما يكون بنحو تعدد المطلوب[2] - بحيث كان أصل الفعل ولو في خارج الوقت مطلوباً في الجملة وإن لم يكن بتمام المطلوب -، إلاّ أنه لابد[3] في إثبات أنه بهذا النحو من دلالة، ولا يكفي الدليل على الوقت إلاّ في ما عرفت[4].

ومع عدم الدلالة[5] فقضية أصالة البراءة[6] عدم وجوبها في خارج الوقت. ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت[7] بعد انقضاء الوقت، فتدبر جيداً.

-------------------------------------------------------------------

[1] وهذه الصورة الثالثة.

[2] وهذه الصورة الرابعة.

[3] أي: يلزم إثبات كون دليل الوجوب مطلقاً، ودليل الوقت مهملاً أو مجملاً.

[4] أي: مجرد كون الدليل على الوقت منفصلاً لا يكفي في إثبات الوجوب بعد الوقت، إلاّ إذا كان بالنحو الذي عرفته من كون الدليل على الوقت مهملاً أو مجملاً، مع كون الدليل على الوجوب مطلقاً.

ومن ذلك يتضح حكم الصورة الأولى والثانية، إذ في الأولى يتعارض الإطلاقان، وفي الثانية دليل الوقت مهمل فلا دلالة على الحكم في خارج الوقت في الصورتين.

الأصل العملي

[5] أي: مع عدم وجود دليل لإثبات تعدد المطلوب - كما في الصور الثلاث الأولى - فلابد من الرجوع إلى الأصل العملي، وهو على أحد نحوين: إما البراءة أو الاستصحاب.

[6] لأنه شك في أصل التكليف في خارج الوقت.

[7] بيان الاستصحاب: هو أنه في الوقت يعلم الوجوب، وبعد الوقت يشك في بقاء الوجوب، فنستصحب الوجوب.

ص: 231

فصل: الأمر بالأمر[1] بشيء أمر به لو كان[2] الغرض حصوله، ولم يكن له غرض في توسيط أمر الغير به إلاّ تبليغ أمره به، كما هو المتعارف في أمر الرسل بالأمر أو النهي.

وأما لو كان الغرض[3] من ذلك يحصل بأمره بذاك الشيء - من دون تعلق غرضه

-------------------------------------------------------------------

بيان عدم جريانه: إنه يلزم في الاستصحاب وحدة الموضوع. وهنا الموضوع هو الوجوب المقيد بالوقت، وبانتفاء القيد ينتفي الموضوع، ببيان (أن الزمان إذا أخذ قيداً للفعل كان الفعل المقيد به غير الفعل الواقع خارجه، فتسرية الحكم من الأول إلى الثاني من قبيل تسرية الحكم من موضوع إلى آخر، فيكون من القياس لا من الاستصحاب) - كما في الحقائق -(1).

فصل الأمر بالأمر

اشارة

[1] تارة يكون البحث في مقام الثبوت، وفيه يمكن أحد أمور:

أ - أن يكون الغرض مجرد التبليغ.

ب - أن لا يكون هنالك غرض إلاّ صدوره من الآمر الثاني.

ج - أن يكون هنالك غرض لا يتحقق إلاّ بشرط صدوره من الآمر الثاني.

وتارة في مقام الإثبات، وهو ما سيأتي في قول المصنف: (وقد انقدح... الخ).

[2] هذه هي الصورة الأولى من مرحلة الثبوت، أي: يريد المولى حصول الفعل في الخارج، والآمر الثاني مجرد واسطة لإيصال وتبليغ الحكم. ففي هذه الصورة يجب على المأمور به الالتزام والعمل بذلك الحكم، حتى إذا لم يبلغه الآمر الثاني - عصياناً أو نسياناً أو لمانع آخر - .

[3] هذه هي الصورة الثانية من مرحلة الثبوت، أي: لو كان غرض المولى من

ص: 232


1- حقائق الأصول 1: 341.

به، أو مع تعلق غرضه[1] به لا مطلقاً، بل بعد تعلق أمره[2] به - فلا يكون أمراً بذاك الشيء، كما لا يخفى.

وقد انقدح بذلك[3]: أنه لا دلالة بمجرد الأمر بالأمر على كونه أمراً به، ولابد في الدلالة عليه من قرينة عليه.

-------------------------------------------------------------------

ذلك الأمر يحصل إذا بلّغ الرسول ذلك الحكم، كما لو أراد اختبار الناس في إطاعتهم للرسول - مثلاً - .

[1] هذه هي الصورة الثالثة من مرحلة الثبوت، أي: مع تعلق غرض المولى بذلك العمل، لكن بشرط صدور أمر الرسول به، فيكون وزانه وزان القطع الموضوعي الذي يكون القطع جزءاً من الموضوع.

[2] أي: أمر الرسول - الواسطة - .

[3] إشارة إلى مقام الإثبات. حيث إنه يمكن في مقام الثبوت الاحتمالات الثلاثة، ولا مرجح في مقام الإثبات لأحدها على الآخر، فلابد من وجود قرينة على أحدها، ومع فقد القرينة فالأصل يقتضي البراءة، وعدم لزوم تنفيذ المأمور به لذلك الأمر، إلاّ بعد صدوره من الآمر الثاني.

وان كان الأقوى هو انعقاد القرينة النوعية العرفية في كونه من التبليغ.

الثمرة

ثم إن ثمرة هذا البحث هو إثبات شرعية عبادات الصبي وأنها ليست تمرينية؛ وذلك لقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين)(1)، فلو قلنا: إنّ الأمر بالأمر بالشيء أمر به فإن صلاة الصبي مأمور بها من الشارع، فتكون شرعية لا تمرينية، فتأمل.

ص: 233


1- الكافي 3: 409.

فصل: إذا ورد أمر بشيء بعد الأمر به[1] قبل امتثاله[2]، فهل يوجب تكرار ذاك الشيء، أو تأكيد الأمر الأول والبعث الحاصل به[3]؟

قضية إطلاق المادة[4] هو التأكيد، فإن الطلب تأسيساً لا يكاد يتعلق بطبيعة واحدة مرتين من دون أن يجيء[5] تقييد لها في البين، ولو كان بمثل «مرة أخرى»،

-------------------------------------------------------------------

فصل الأمر بعد الأمر

اشارة

[1] كأن يقول: (أعتق رقبة) ثم يقول مرة أخرى: (أعتق رقبة). فهل الثاني تأسيس بحيث يجب عليه عتق رقبتين، بمعنى وجوب امتثالين، أم أن الثاني تأكيد، فلا يجب إلاّ عتق رقبة واحدة، بمعنى وجوب امتثال واحد؟

[2] أي: قبل امتثال الأمر الأول، أما لو امتثل الأمر الأول ثم صدر الأمر الثاني فلا معنى للتأكيد، ويجب القول بالتأسيس صوناً لكلام المولى من اللغوية؛ لأن التأكيد بعد الامتثال لغو لا يصدر من الحكيم.

[3] عطف على (الأمر الأول)، أي: تأكيد الأمر الأول وتأكيد البعث الحاصل بالأمر الأول.

[4] فإن المادة وهي (العتق) مطلقة غير مقيدة بشيء، وهذا الإطلاق يقتضي اتحاد المادة، وإلاّ لزم اجتماع المثلين، أي: اجتماع أمرين متماثلين على مأمور به واحد؛ وذلك محال.

ببيان: إن طبيعة العتق واحدة لا تكثر فيها، إلاّ إذا كانت هنالك قيود - توجب تلك القيود تنوع المادة بالنوع أو الصنف أو الشخص - ولو لم تكن قيود فإن الطبيعة تبقى واحدة، وكون الأمر الثاني تأسيساً يقتضي اجتماع أمرين متماثلين على مأمور به واحد؛ وذلك من اجتماع المثلين المحال.

[5] أما لو جاء قيد للمادة الثانية فإنها تختلف عن المادة الأولى؛ لأن المقيد غير

ص: 234

كي يكون متعلق[1] كل منهما غير متعلق الآخر، كما لا يخفى.

والمنساق من إطلاق الهيئة[2] وإن كان هو تأسيس الطلب لا تأكيده، إلاّ أن الظاهر[3] هو انسباق التأكيد عنها في ما كانت مسبوقة بمثلها ولم يذكر هناك سبب[4] أو

-------------------------------------------------------------------

المطلق، فحينئذٍ الظاهر هو التأسيس.

ولا فرق في القيد بين أي نحوٍ من القيود حتى بمثل (مرّة أخرى) كأن يقول: (أعتق رقبة) ثم يقول: (أعتق رقبة مرة أخرى)، فإن العتق الثاني غير العتق الأول؛ لأنهما فردان أو صنفان.

[1] أي: لو قيدنا المادة انتج ذلك كون متعلق الأمرين شيئين متغايرين، فلا يكون اجتماع للمثلين.

إشكال

[2] المراد من الإطلاق هنا هو الأصل المعول عليه في باب دلالة الكلام مع عدم القرينة على خلافه - كما في الحقائق -(1).

وبتعبير آخر: المراد من الإطلاق: الاستعمال.

وحاصل الإشكال: هو أن المتبادر من الهيئة هو التأسيس لا التأكيد، حيث إن الهيئة في الأمر الثاني تكشف عن إرادة أخرى غير الإرادة في الأمر الأول.

الجواب

[3] أي: الأصل هو التأسيس لكن هنا توجد قرينة دالة على التأكيد، وهو الظهور النوعي في التأكيد في مثل هذه الموارد.

[4] أما إذا ذكر لأحدهما سبب ولم يذكر للآخر، فالظاهر هو التأسيس، كما لو قال: (أعتق رقبة) ثم قال: (إن أفطرت فأعتق رقبة) وذلك لعدم التنافي بين المثبتين، فلا يحمل المطلق على المقيد، وعدم وجود القرينة النوعية على التأكيد، فلابد من

ص: 235


1- حقائق الأصول 1: 343.

ذكر سبب واحد[1].

-------------------------------------------------------------------

التمسك بإطلاق الهيئة ووجود إرادتين، مما يلزم كونه أمرين.

[1] أي: ذكر لهما سبب واحد، كما لو قال: (إن أفطرت فأعتق) ثم قال: (إن أفطرت فأعتق)، فإن القرينة النوعية على التأكيد، أما لو كان هنالك سببان، كما لو قال: (إن أفطرت فأعتق) ثم قال: (إن حنثت اليمين فأعتق) فالظاهر التأسيس لا التأكيد.

ص: 236

المقصد الثاني في النواهي

اشارة

ص: 237

ص: 238

المقصد الثاني في النواهي، فصل: الظاهر أن النهي بمادته وصيغته في الدلالة على الطلب مثل الأمر بمادته وصيغته، غير أن متعلق الطلب في أحدهما الوجود وفي الآخر العدم، فيعتبر فيه ما استظهرنا[1] اعتباره فيه بلا تفاوت[2] أصلاً.

نعم، يختص النهي بخلافٍ[3]، وهو أن متعلق الطلب فيه، هل هو الكفّ[4] أو مجرد الترك[5] وأن لا يفعل؟

-------------------------------------------------------------------

فصل مادة النهي وصيغته

اشارة

[1] لما قال: إنّ النهي مثل الأمر، تفرع على ذلك أنّه يعتبر في النهي جميع ما يعتبر في الأمر: كالعلو، والإلزام، وكونه طلباً إنشائياً، وكذا عدم دخل خصوصية المصاديق - كالتهديد والتمني وغيرها - في مفهومه، فإنها من الدواعي لا المعاني، وكذلك عدم دخل الاستعلاء والمرة والتكرار في حقيقته، إلى غير ذلك.

[2] لأن ذلك مقتضى المثليّة.

معنى النهي

[3] لأنه لا إشكال في كون الأمر طلب الفعل - على ما قيل(1)

- وأما النهي فهل هو طلب الكف أم طلب الترك، فيه خلاف.

[4] الكف هو: زجر النفس وصرفها عن إرادة الفعل، وهو أمر وجودي.

[5] فهو عدم محض.

والفرق بين الكف والترك أن بينهما عموماً مطلقاً؛ إذ كلما تحقق الكف تحقق

ص: 239


1- قوانين الأصول 1: 137؛ الفصول الغروية: 119.

والظاهر هو الثاني[1].

وتوهم أن الترك[2] ومجرد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار فلا يصح أن يتعلق به البعث والطلب؛ فاسد، فإن الترك[3] أيضاً يكون مقدوراً، وإلاّ لمّا كان الفعل مقدوراً وصادراً بالإرادة والاختيار.

وكون العدم الأزلي[4]

-------------------------------------------------------------------

الترك، ولكن قد يتحقق الترك من دون أن يكون كف، كما في الغفلة أو في الأمور التي لا رغبة فيها.

[1] للتبادر العرفي من مادة أو صيغة النهي، حيث إن الغرض يتعلق بمجرد عدم تحقق الشيء في الخارج. نعم، تحقق الكف يتوقف على الرغبة في الشيء، كذلك الثواب أيضاً يتوقف على الكف لا على مجرد الترك. والحاصل: إن الامتثال يحصل بمجرد الترك، لكن الثواب يتوقف على الكف.

إشكال على الترك وجوابه

[2] حاصل الإشكال هو: إنه يلزم في متعلق التكليف أن يكون مقدوراً، والترك ليس بمقدور؛ لأنه بسبب القدرة يحصل أثر في المقدور، والعدم المحض غير قابل لأن يتأثر بالقدرة ولا بغيرها، مضافاً إلى أن القدرة حادثة فكيف تؤثر في العدم الأزلي؟

[3] حاصل الجواب هو: إن القدرة لها طرفان: الفعل والترك، وإن امتنع أحدهما اضطر للآخر، فكان اضطراراً لا قدرة، كالنار التي يمتنع منها البرودة ويصدر منها الحرارة اضطراراً، وعليه: فإن قدرته على الفعل معناها قدرته على الترك أيضاً، ولا يشترط في المقدور أن يكون أثراً للقدرة.

إشكال ثانٍ وجوابه

[4] حاصل الإشكال: استحالة كون العدم تحت القدرة؛ لأنه سابق عليها، ولا يعقل تأثير القدرة اللاحقة في العدم الأزلي.

ص: 240

لا بالاختيار لا يوجب[1] أن يكون[2] بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلاً للتكليف.

ثم إنه لا دلالة لصيغته[3] على الدوام والتكرار، كما لا دلالة لصيغة الأمر، وإن كان قضيتهما عقلاً تختلف[4]، ولو مع وحدة متعلقهما؛ بأن يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها[5]

-------------------------------------------------------------------

[1] حاصل الجواب: إنا لا ندعي أن العدم الأزلي هو تحت القدرة، بل بعد حدوث القدرة يمكن للمكلف الإيجاد، ويمكنه أن لا يوجد علة الشيء فلا يوجد، وبعبارة أخرى: يمكنه استمرار العدم - إذا صحّ التعبير - .

[2] أي: يكون العدم لا بالاختيار استمراراً.

المرّة والتكرار

[3] أي: لا دلالة لصيغة النهي على الدوام؛ وذلك - لما مرّ - من أن المادة تدل على الطبيعة، والهيئة تدل على طلب الترك، فلا دلالة بوجه من الوجوه على التكرار أو المرّة.

[4] أي: لا توجد دلالة لفظية على المرّة أو التكرار، لكن العقل يحكم بكفاية المرّة في الأمر، ولزوم الدوام في النهي؛ وذلك لأن متعلقهما الطبيعة فقط، والعقل يحكم بأن الطبيعة توجد بوجود أول فرد، ولا تترك إلاّ بترك كل الأفراد الطولية والعرضية. والسر في ذلك - كما في الوصول(1)-

: أن النهي يكشف عن كراهة المولى للطبيعة، فتحقق ولو فرد واحد يكون مكروها. والأمر يكشف عن محبوبية الطبيعة للمولى، ويحصل المحبوب ولو بفرد واحد.

وهذا التفاوت ليس بسبب دلالة الأمر والنهي على المرّة والتكرار، بل بملاحظة حكم العقل.

[5] أقول: هذان القيدان زائدان؛ إذ كلام المصنف عام يشمل الطبيعة المطلقة

ص: 241


1- الوصول إلى كفاية الأصول 2: 309، مع اختلاف يسير.

تعلق بها الأمر مرة والنهي أخرى، ضرورة[1] أن وجودها يكون بوجود فرد واحد وعدمها لا يكاد يكون إلاّ بعدم الجميع، كما لا يخفى.

ومن ذلك يظهر أن الدوام والاستمرار إنما يكون في النهي إذا كان متعلقه طبيعة مطلقة غير مقيدة بزمان أو حال، فإنه حينئذٍ لا يكاد يكون مثل هذه الطبيعة معدومة إلاّ بعدم جميع أفرادها الدفعية والتدريجية[2].

وبالجملة: قضية النهي[3] ليس إلاّ ترك تلك الطبيعة التي تكون متعلقة له، كانت مقيدة أو مطلقة، وقضية تركها عقلاً إنما هو ترك جميع أفرادها.

ثم إنه[4]

-------------------------------------------------------------------

والمقيدة، وهذان يخصصان البحث بالطبيعة المقيدة، كما لو قال: في اليوم والمكان المعلومين افعل كذا أو لا تفعل كذا.

اللهم إلاّ أن يكون تصحيف في العبارة بأن تكون كلمة (أو) بدل (الواو) فالعبارة (بذاتها أو قيدها)، فالأولى تكون للطبيعة المطلقة، والثانية للطبيعة المقيدة.

[1] هذا دليل لاختلاف مقتضاهما عقلاً.

[2] وأما الطبيعة المقيدة فالنهي عنها يمتثل بترك كل أفراد الطبيعة المقيدة - طولياً وعرضياً - ولا يلزم ترك سائر أفراد الطبيعة.

[3] أي: مقتضاه حسب الدلالة اللفظية، «له» للنهي، سواء كانت مقيدة أم مطلقة.

استمرار النهي بعد المخالفة

[4] الكلام تارة في مرحلة الثبوت، وأخرى في مرحلة الإثبات.

أما في مرحلة الثبوت: فالنهي يتصور على ثلاثة أنحاء - كما في العناية -(1):

الأول: أن يكون المطلوب هو مجموع التروك من حيث المجموع، فالمخالفة ولو لمرة واحدة تُسقط غرض المولى كاملاً، فلا يبقى النهي بعد المخالفة، كما لو أمر

ص: 242


1- عناية الأصول 2: 6 - 7 و 4: 116.

لا دلالة للنهي[1] على إرادة الترك لو خولف أو عدم إرادته، بل لابد في تعيين ذلك من دلالة ولو كان إطلاق المتعلق[2] من هذه الجهة، ولا يكفي إطلاقها من سائر

-------------------------------------------------------------------

بالسكوت ساعة لكي لا يشعر بهم العدو، فخالف وتكلّم، فإن غرض المولى سقط بسبب شعور العدو بهم، فلا يفيد السكوت اللاحق. وهذا القسم عكس المأمور به الارتباطي.

الثاني: أن يكون المطلوب متعدداً بتعدد التروك، فكل ترك مطلوب مستقل، كقوله: (لا تكذب)، فلا يسقط غرض المولى بالمخالفة مرة أو مرات، ويلزمه ترك باقي الأفراد. وهذا القسم عكس المأمور به غير الارتباطي.

الثالث: أن يكون المبغوض هو المجموع من حيث المجموع. وهو المحرم الارتباطي وهو على قسمين:

1- أن تكون أجزاؤه وجودية، كالغناء والرقص، فالحركة والصوت الواحد غير محرم، بل المحرم ما صدق عليه الغناء أو الرقص.

2- أن تكون أجزاؤه عدمية، كقوله: لا تهجر الفراش أربعة أشهر، حيث إنّ المحرّم هو مجموع الهجران، أما لو ترك تمام المدة إلاّ يوماً واحداً فإنه لم يخالف النهي؛ لعدم تحقق المنهي عنه وهو المجموع. هذا كله في مرحلة الثبوت.

[1] هذا ذكر لمرحلة الإثبات. فإنّ تعيين كون النهي من أي الأقسام يحتاج إلى دلالة خاصة، حيث إنها تدل على ترك الطبيعة من دون النظر إلى الأفراد، وحيث كان ترك جميع الأفراد بدلالة العقل فلا توجد دلالة لفظية في البين، فلابد من وجود دليل آخر.

[2] المتعلق هو (المنهي عنه)، كالكذب، فإنّ المولى لم يقيد الكذب بكونه مسبوقاً بالمخالفة أو الموافقة للنهي، فقوله: (لا تكذب) معناه أن عليك ترك الكذب مطلقاً - سواء كذبت مرّة أو مرّات أم لم تكذب إطلاقاً - .

ص: 243

الجهات[1]، فتدبر جيداً.

فصل: اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد[2] وامتناعه على أقوال[3]، ثالثها جوازه عقلاً وامتناعه عرفاً[4].

-------------------------------------------------------------------

[1] وذلك لإمكان الإطلاق من جهة والإهمال أو التقييد من جهة أخرى. ومن أمثلة سائر الجهات: الإطلاق من جهة الفور والتراخي، والإطلاق من جهة الزمان والمكان ونحوهما.

فصل في اجتماع الأمر والنهي

اشارة

[2] أي: لو تعلق الأمر والنهي بطبيعتين متصادقتين على موجود واحد فهل يلزم منه اجتماع الأمر والنهي أم لا؟

لأن اجتماع المتضادين محال بالبداهة، فلا خلاف في الكبرى، وإنّما الخلاف في أن ما نحن فيه من مصاديق الاجتماع أم لا.

[3] القول الأول: المنع مطلقاً(1). وهو مذهب أكثر أصحابنا، وجمهور المعتزلة، وبعض الأشاعرة، وأدعي عليه الإجماع، بل والضرورة. لأن تعدد العنوان والوجه لا يوجب تعدد المتعلق، فلا يعقل تعلق الأمر والنهي به؛ إذ هو من اجتماع الضدين المحال.

القول الثاني: الجواز مطلقاً(2).

وهو مذهب أكثر الأشاعرة، ووافقهم المحقق الخوانساري والمحقق القمي وغيرهما، بل حُكي عن الفضل بن شاذان. لأن تعدد الوجه والعنوان يوجب تعدد المتعلق فلا يلزم اجتماع الضدين.

القول الثالث: التفصيل. وهو المحكي عن الأردبيلي.

[4] لأن العقل - بالدقة - يرى التعدد فلا مانع عنده، لكن العرف ينظر بنظرة مسامحيّة فيراه واحداً.

ص: 244


1- الفصول الغروية: 125؛ معالم الدين: 93.
2- قوانين الأصول 1: 140.

وقبل الخوض في المقصود يقدم أمور:

الأول: المراد بالواحد مطلق[1] ما كان ذا وجهين ومندرجاً تحت عنوانين، بأحدهما كان مورداً للأمر وبالآخر للنهي، وإن كان كلياً مقولاً[2] على كثيرين كالصلاة في المغصوب.

وإنما ذكر[3] لإخراج[4] ما إذا تعدد متعلق الأمر والنهي ولم يجتمعا وجوداً - ولو

-------------------------------------------------------------------

الأمر الأول: معنى الواحد

[1] ظن صاحب الفصول أن المراد بالواحد هو الواحد الشخصي، وأما الواحد النوعي أو الواحد بالجنس فلا إشكال في الاجتماع فيه باعتبار أفراده أو أصنافه المختلفة، كالسجود فإنه واجب وحرام، واجب لله، وحرام للصنم.

لكن هذا التخصيص محل إشكال؛ إذ المراد بالواحد هو ما تصادق عنوانان كليان في الخارج على شيء واحد، سواء كان واحداً شخصياً أم نوعياً أم واحداً بالجنس، وليس المراد الواحد بالمفهوم، مثلاً: الصلاة في المكان المغصوب فإنه كلي ينطبق على أفراد كثيرة، لكن في الخارج المصداق واحد، حيث إنّ الذي هو صلاة هو غصب أيضاً.

أمّا مثال السجود، ففيه: إنّ المصداق الخارجي متعدد وليس واحداً؛ لعدم اجتماع السجود لله وللصنم في فرد واحد، بل في مصداقين لا يجتمعان.

فمسألة الاجتماع إنما تكون إذا كان الشيء مصداقاً لعنوانين - كلياً كان أم جزئياً - أما إذا لم يكن الشيء مصداقاً لعنوانين، بل كان فردان أحدهما مصداق لهذا والآخر مصداق لذاك فليس من مسألة الاجتماع في شيء.

[2] أي: كلياً صادقاً على كثيرين.

[3] أي: إنّما ذكر قيد الوحدة لإخراج ما إذا تعدد المصداق.

[4] أي: ليس قيد الوحدة لإخراج الواحد النوعي أو الواحد بالجنس.

ص: 245

جمعهما واحد مفهوماً، كالسجود لله تعالى والسجود للصنم مثلاً - لا لإخراج الواحد الجنسي أو النوعي، كالحركة والسكون[1] الكليين المعنونين بالصلاتية والغصبية.

الثاني[2]: الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادة هو أن الجهة المبحوث

-------------------------------------------------------------------

[1] فإنهما ليسا واحداً بالشخص، ومع ذلك داخلان في حريم النزاع، حيث ينطبق عليهما عنوان الصلاة والغصب في المصداق الخارجي.

الأمر الثاني: الفرق بين المسألتين

اشارة

[2] توهم البعض عدم الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة النهي عن العبادة؛ وذلك: لأن الأمر والنهي مجتمعان في كلا المسألتين؛ ولذا عقد المصنف هذا الأمر لبيان الفرق.

وما قيل في الفرق عدة أمور:

1- جواب المصنف: حيث يرى تعدد الجهة المبحوث عنها، حيث نبحث أولاً عن إمكان الاجتماع أو عدم الإمكان، ثم بعد ثبوت عدم الإمكان نبحث عن ترجيح أيٍ من الطرفين؟ فهل يُرجَّح جانب الأمر أم جانب النهي؟

2- جواب الفصول(1):

حيث يرى تعدد الموضوع، ففي مسألة الاجتماع الموضوع هو طبيعتان متغايرتان كالصلاة والغصب، وفي مسألة النهي عن العبادة الموضوع طبيعة واحدة - مطلقة في أحدهما ومقيدة في الآخر - .

3- جواب المحقق القمي(2):

في الاجتماع، النسبة بين متعلقي الأمر والنهي عموم من وجه، كالصلاة والغصب. وفي النهي عن العبادة، النسبة بينهما عموم مطلق، كقوله: (صلّ) وقوله: (لا تصلّ في غير المأكول).

4- جواب آخر: حيث يرى أن البحث في أحدهما - الاجتماع - عقلي، وفي الآخر - النهي عن العبادة - لفظي.

ص: 246


1- الفصول الغروية: 140.
2- قوانين الأصول 1: 142.

عنها[1] فيها - التي بها تمتاز المسائل[2] - هي أن تعدد الوجه والعنوان في الواحد يوجب تعدد متعلق الأمر والنهي - بحيث يرتفع به غائلة[3] استحالة الاجتماع في الواحد بوجهٍ واحد - أو لا يوجبه، بل يكون حاله حاله[4]؟ فالنزاع[5] في سراية كل

-------------------------------------------------------------------

[1] المبحوث عن تلك الجهة، «فيها» في مسألة الاجتماع.

[2] تمايز العلوم بالغرض، كما مرّ في صدر الكتاب. وتمايز مسائل العلم الواحد بعضها عن البعض ليس بتعدد الموضوع، بل بتعدد المحمول حتى إذا كان الموضوع واحداً.

وهنا البحث في الاجتماع في إمكانه، فيقال: هل الاجتماع ممكن أم لا؟ وهناك بعد الفراغ عن إمكانه، فيقال: الاجتماع مُبطلٌ أم لا؟

[3] أي: بحيث ترتفع الاستحالة بتعدد متعلق الأمر والنهي؛ لأن اجتماع الضدين في شيء واحد من جهة واحدة محال قطعاً، ومن شروط الاستحالة هو كون الجهة واحدة، وهي شروط ثمانية - في التناقض وكذا في التضاد - جمعها الشاعر:

در تناقض هشت وحدت شرط دان

وحدت

موضوع ومحمول ومكان

وحدت

شرط وإضافه، جزء وكل

قوه

وفعل است در آخر زمان(1)

فلو قلنا بتعدد الجهة خرج عن اجتماع الضدين لفقد أحد شروطه.

[4] أي: يكون حال الشيء متعدد العنوان، كحال الشيء متحد العنوان، فلا ترتفع الاستحالة حينئذٍ.

[5] كقوله: (لا تغصب) و(صلّ)، مع اتحاد المصداق الخارجي لهما، كما في الصلاة في الدار المغصوبة، فهذه الحركات الخاصة من جهة أنها غصب حرام، ومن جهة أنها صلاة واجب. فهل يسري الوجوب إلى الغصب حتى يجتمع الضدان فيه؟ وكذلك هل تسري الحرمة إلى الصلاة بحيث يجتمع فيها الضدان - أي: الوجوب والحرمة -؟

ص: 247


1- الحاشية على تهذيب المنطق: 71.

من الأمر والنهي إلى متعلق الآخر، لاتحاد متعلقيهما وجوداً، وعدم سرايته لتعددهما وجهاً. وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها في المسألة الأخرى، فإن البحث فيها في أن النهي في العبادة أو المعاملة يوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجه إليها[1].

نعم، لو قيل بالامتناع[2] مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع يكون مثل الصلاة في الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة.

فانقدح أن الفرق بين المسألتين في غاية الوضوح.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: توجه النهي إلى العبادة، فتكون مسألة الاجتماع صغرى، ومسألة النهي عن العبادة كبرى. فيقال: - بناءً على أن النهي في العبادة يوجب الفساد - الصلاة اجتمع فيها الأمر والنهي... وكلما اجتمعا غلب جانب النهي... فالصلاة منهي عنها.

[2] أي: بناءً على بعض الأقوال تكون مسألة (الاجتماع) تنقيحاً لمصداق مسألة (النهي عن العبادة).

ببيان: إن النهي عن العبادة موجب لفسادها، ومن مصاديقها الصلاة في الدار المغصوبة؛ لأنها عبادة منهي عنها، حيث امتنع اجتماع الأمر والنهي فيها وقدّمنا جانب النهي.

وعلى هذا القول فلا يمكن تصحيح العبادة مطلقاً، لا بالأمر لفرض سقوطه، ولا بالملاك لأنها منهي عنها مما يكشف عن بغضها، فلا محبوبية.

نظير ما لو قال المولى: (أكرم العالم) فنبحث عن حال (زيد) هل هو عالم أم لا؟ فإن هذا البحث لتنقيح مصداق المأمور به.

ونظيره الشرعي: إثبات أن صلاة الغريق هي صلاة، حيث إن كل مرّة من التسبيحات تعتبر في الغريق ركعة واحدة، فإن إثبات هذا الأمر تنقيح لموضوع مسألة (الصلاة واجبة)، وليس مسألة أخرى.

ص: 248

وأما ما أفاده في الفصول[1]، من الفرق - بما هذه عبارته: «ثم اعلم أن الفرق بين المقام والمقام المتقدم[2] - وهو أن الأمر والنهي هل يجتمعان في شيء واحد أو لا؟ - أما في المعاملات فظاهر[3]، وأما في العبادات فهو أن النزاع هناك في ما إذا تعلق الأمر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة[4] وإن كان بينهما عموم مطلق[5]،

-------------------------------------------------------------------

كلام الفصول في الفرق

[1] خلاصته إرجاع الفرق إلى تعدد الموضوع.

ففي المعاملات لا يوجد نهي، فلا مصداق لها في بحث الاجتماع، وينحصر البحث فيها في أن النهي يوجب فسادها أم لا.

أما العبادات: فالبحث في (الاجتماع) إنّما هو في توجه الأمر والنهي إلى طبيعتين متغايرتين، سواء كان بينهما عموم من وجه، كالصلاة والغصب، أم كان بينهما عموم مطلق كالناطق والشاعر.

وفي (النهي عن العبادة أو المعاملة) البحث في ما إذا كانا من طبيعة واحدة، لكن إحداهما مطلقة والأخرى مقيدة، كالصلاة، والصلاة في غير المأكول.

[2] المراد بالمقام هو مسألة النهي عن العبادة أو المعاملة. والمراد بالمقام المتقدم هو مسألة الاجتماع؛ لأن الفصول بحث الفرق في المسألة الثانية، أي: مسألة النهي عن العبادة أو المعاملة.

[3] وجه الظهور هو أنه لا يوجد أمر للمعاملات، فلا مورد لمسألة الاجتماع فيها.

[4] أي: تختلف الماهيتان مفهوماً، مع إمكان اجتماعهما في شيء واحد مصداقاً، وهذا مقابل المطلق والمقيد، فإن حقيقتهما وماهيتهما واحدة.

رد الفصول للمحقق القمي

[5] هذا تعريض بالمحقق القمي، حيث رأى أن الفرق بين المسألتين: هو أنّ مسألة الاجتماع من العموم من وجه، ومسألة النهي في العبادة من العموم المطلق.

ص: 249

وهنا[1] في ما إذا اتحدتا حقيقةً وتغايرتا بمجرد الإطلاق والتقييد بأن تعلق الأمر بالمطلق، والنهي بالمقيد[2]»(1)، انتهى موضع الحاجة - فاسد[3]، فإن مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات لا يوجب التمايز بين المسائل ما لم يكن هناك اختلاف الجهات، ومعه[4] لا حاجة أصلاً إلى تعددها، بل لابد من عقد مسألتين

-------------------------------------------------------------------

فردّه صاحب الفصول بأنّه يمكن في مسألة الاجتماع أن يكون بين الطبيعتين عموم مطلق، كالناطق والشاعر، حيث إنّ الناطق أعم مطلقاً من الشاعر. فالملاك هو تغاير الطبيعتين مفهوماً، سواء كان بينهما عموم من وجه - كالصلاة والغصب - أم عموم مطلق.

[1] أي: في مسألة النهي عن العبادة.

[2] كقوله: (صل) حيث تعلق الأمر بمطلق الصلاة. وقوله: (لا تصل في الحمام) حيث تعلق النهي بصنف من الصلاة، وهو ما كان في مكان مخصوص.

الإشكال على الفصول

[3] أي: ففاسد، لأنه جواب قوله: (أما ما أفاده...) وخلاصة جواب المصنف: إن تعدد الموضوع لا يوجب تعدد المسألة، إلاّ إذا صارت الجهة المبحوث عنها متعددة.

وعلى كلام الفصول هنا الجهة واحدة، فلا يجدي تعدد الموضوع، بل لابد من دمج المسألتين في مسألة واحدة، حيث إن الجهة المبحوث فيها في المسألتين هي صحة الصلاة في المكان المغصوب - مثلاً - فإذن لابد من جعلهما مسألة واحدة!!.

[4] أي: مع اختلاف الجهات لا حاجة إلى تعدد الموضوعات، بل حتى لو كان الموضوع واحداً كانت مسائل متعددة.

مثل: الأمر يدل على الفور أم لا، الأمر ظاهر في الوجوب أم لا، الأمر يدل على المرّة أم لا... الخ، فهي مسائل متعددة وإن كان الموضوع واحداً.

ص: 250


1- الفصول الغروية: 140.

مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها، وعقد مسألة واحدة في صورة العكس[1]، كما لا يخفى.

ومن هنا انقدح[2] أيضاً فساد الفرق بأن النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلاً، وهناك في دلالة النهي لفظاً، فإن مجرد ذلك[3] لو لم يكن تعدد الجهة في البين لا يوجب إلاّ تفصيلاً في المسألة الواحدة، لا عقد مسألتين. هذا مع عدم اختصاص[4] النزاع في تلك المسألة بدلالة اللفظ، كما سيظهر.

-------------------------------------------------------------------

[1] كما لو كانت الجهة واحدة والموضوع متعدداً، مثل: الاستثناء المتعقب للجمل هل يرجع إلى الأخير أم إلى الكل؟ وهكذا الصفة والغاية والحال المتعقبة للجمل.

فتعقد مسألة واحدة للكل مع أن الموضوعات مختلفة؛ وذلك لأن الجهة واحدة، وهي استعلام حال القيد، سواء كان استثناءً أم غيره.

تفريق آخر بين المسألتين

[2] حاصل هذا التفريق: إن هذه المسألة يبحث فيها من الجهة العقلية، أي: هل يمكن الاجتماع عقلاً أم لا؟ وفي تلك المسألة البحث من الجهة اللفظية، أي: هل النهي يدل لفظاً على الفساد أم لا؟

[3] هذا الجواب الأول للمصنف، وحاصله: إنه إذا لم يرجع ذلك إلى اختلاف الجهة فلا معنى لعقد بحثين، بل لابد من بحثهما في مسألة واحدة، بأن يقال: أمّا عقلاً فيجوز أو لا يجوز الاجتماع، وأمّا لفظاً فيدل على الفساد أو لا يدل.

[4] هذا الإشكال الثاني على هذا القول، وحاصله: هو أن بحث دلالة النهي غير منحصر بما إذا كان النهي مستفاداً من لفظ، بل كان مستفاداً من إجماع ونحوه. فالبحث هناك في بيان أنّ الحرمة تنافي العبادية، أياً كان الدليل لفظياً أم غير لفظي.

لا يقال: المصنف هنالك يختار أن المسألة لفظية.

لأنه يقال: إنّ الأكثر على أن المسألة عقلية، ويكفي في الإشكال على هذا القول

ص: 251

الثالث[1]: إنه حيث كانت نتيجة هذه[2] المسألة مما تقع في طريق الاستنباط[3] كانت المسألة من المسائل الأصولية، لا من[4]

-------------------------------------------------------------------

عدم صحته على بعض المباني.

الأمر الثالث: أصولية المسألة

[1] عقد هذا الأمر لأجل إثبات أن مسألة الاجتماع مسألة أصولية، حيث تعددت الآراء.

1- فالمحقق القمي(1)

يرى أنها مسألة كلامية، ولكن لتفرع كثير من الأحكام الشرعية عليها تمَّ بحثها في الأصول.

2- والشيخ الأعظم - كما في التقريرات(2) - يرى أنها من المبادئ الأحكامية.

3- والمحقق النائيني على أنها من المبادئ التصديقية(3).

4- وبعض على أنها مسألة فقهية.

5- والمصنف على أنها مسألة أصولية، وإن أمكن بحثها في غير الأصول.

[2] لأن المسألة الأصولية هي ما تقع كبرى في دليل استنباط الحكم الشرعي.

فيقال هنا: بناءً على جواز الاجتماع - مثلاً - : الصلاة في المغصوب ممّا اجتمع فيها الأمر والنهي (الصغرى)، وكل ما اجتمع فيه الأمر والنهي صحيح (الكبرى)، فالصلاة في المغصوب صحيحة (النتيجة).

[3] أي: طريق استنباط صحة العبادة أو فسادها، أو طريق استنباط الإعادة أو عدمها.

[4] أي: في بحث الأصول لم تذكر للجهات الأربعة الأخرى، بل بحثت لأنها من مسائل الأصول.

ص: 252


1- قوانين الأصول 1: 140.
2- مطارح الأنظار 1: 594.
3- فوائد الأصول 2: 40؛ أجود التقريرات 1: 331.

مبادئها الأحكامية[1] ولا التصديقية[2]، ولا من المسائل الكلامية[3]، ولا من المسائل الفرعية[4]، وإن كانت فيها جهاتها[5]، كما لا يخفى، ضرورة أن مجرد[6]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: المبادئ الأحكامية للمسائل، وهي أوصاف الأحكام الخمسة ولوازمها والأمور المتعلقة بها، كالبحث عن لوازم الوجوب وأوصافه وتضاده مع الحرمة ونحو ذلك.

ومَن جعل مسألة الاجتماع من المبادئ الأحكامية، قال - كما في التقريرات - : حيث يناسب عند ذكرها وتحقيقها، ذكر بعض أحكامها وأوصافها من ملازمة وجوب شيء لوجوب مقدمته، ومن جواز اجتماع حكمين مع تضادهما، فالتكلم عن الاجتماع بحث عن أمر متعلق بالوجوب والحرمة.

[2] أي: ليست من المبادئ التصديقية، فإنّ المبادئ التصديقية: هي ما تتوقف عليها مسائل العلم، وهنا بحث الاجتماع يبحث عن أن تطابق الأمر والنهي هل هو تعارض أم تزاحم؟ فكان من المبادئ التصديقية لمسألة أصولية وهي (التعارض والتزاحم).

[3] التي تبحث عن أحوال المبدأ والمعاد. فيقال: هل يجوز للحكيم أن يأمر بشيء لجهة وينهى عنه لجهة أخرى؟

[4] أي: المسائل الفقهية التي تبحث عن أحوال المكلف، وذلك إذا حصرنا البحث في صحة الصلاة في المغصوب وعدم الصحة.

[5] أي: وإن كانت في مسألة الاجتماع جهات الأمور المذكورة، أي: المبادئ الأحكامية، والمبادئ التصديقية، والجهة الكلامية، والجهة الفقهية.

[6] مرجع الضمائر: «ضرورة أن مجرد ذلك» أي: وجود سائر الجهات، «لا يوجب كونها» كون هذه المسألة، «منها» أي: من تلك الجهات، «إذا كانت فيها» أي: في مسألة الاجتماع، «يمكن عقدها» أي: هذه المسألة، «معها» أي: مع تلك الجهة، «من المسائل» أي: المسائل الأصولية، «إذ لا مجال حينئذٍ» أي: حين إمكان

ص: 253

ذلك لا يوجب كونها منها إذا كانت فيها جهة أخرى يمكن عقدها معها من المسائل، إذ لا مجال حينئذٍ لتوهم عقدها من غيرها في الأصول، وإن عقدت كلامية في الكلام، وصح عقدها فرعية أو غيرها بلا كلام. وقد عرفت في أول الكتاب[1]: أنه لا ضير في كون مسألة واحدة يبحث فيها عن جهة خاصة[2] من مسائل علمين، لانطباق جهتين عامتين[3] على تلك الجهة، كانت بإحداهما من مسائل علمٍ وبالأخرى من آخر، فتذكر.

الرابع: إنه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه[4]: أن المسألة عقلية، ولا اختصاص

-------------------------------------------------------------------

عقدها أصولية، «لتوهم عقدها» أي: هذه المسألة، «من غيرها» أي: غير الجهة الأصولية من سائر العلوم أو المبادئ.

[1] غرضه جواب إشكال: وهو كيف يمكن للمسألة الواحدة أن تعقد في عدة علوم؟

والجواب: إنّه قد مرّ إمكان تداخل بعض العلوم في بعض المسائل.

[2] أي: عن محمول مخصوص.

[3] أي: لانطباق غرضين مختلفين، بأحد الغرضين كان من مسائل علم، وبالغرض الآخر كان من مسائل علم آخر. وهنا ينطبق غرض علم الكلام، حيث إنها بحث عن جوازه على الله تعالى، وينطبق غرض علم الأصول، حيث إنها بحث عن استنباط الحكم الشرعي، كما ينطبق عليها المبادئ الأحكامية، والمبادئ التصديقيّة.

الأمر الرابع: عقلية المسألة

اشارة

[4] حيث إنّ البحث عن الامتناع والإمكان، وهو بحث عقلي.

وكذلك ما ذكرناه في الفرق بين هذه المسألة والمسألة الآتية - من تعدد الجهة - حيث قلنا: إنّ النزاع في سراية أو عدم سراية الأمر والنهي من متعلق أحدهما إلى الآخر، وهو بحث عقلي وليس بلفظي.

وكذلك ما ذكرناه في آخر الأمر الثاني.

ص: 254

للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع فيها[1] بما إذا كان الإيجاب والتحريم باللفظ[2]، كما ربما يوهمه التعبير بالأمر والنهي الظاهرين في الطلب بالقول[3]، إلاّ أنه لكون الدلالة عليهما غالباً بهما، كما هو أوضح من أن يخفى.

وذهاب البعض[4] إلى الجواز عقلاً والامتناع عرفاً ليس[5] بمعنى دلالة اللفظ، بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنين(1)، وأنه بالنظر المسامحي العرفي

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: في هذه المسألة وهي مسألة الاجتماع.

[2] 1- فيجري النزاع حتى إذا كان الوجوب والحرمة مستفادين من أدلة لُبيّة كالإجماع والعقل 2- بل حتى لو انحصر الدليل في الأدلة اللفظية، فإن البحث في الاجتماع ليس من جهة دلالة اللفظ، بل من جهة إمكان أو امتناع الاجتماع من جهة العقل.

[3] وإنّما قال: «الظاهرين» لجهتين:

1- ما مرّ من الاختلاف في معنى الأمر والنهي، وقد رجحنا أن معناهما الطلب بالقول اللفظي.

2- قد يطلق الأمر والنهي على الطلب بالكتابة أو الإشارة، لكن المتبادر منه أو المنصرف هو الطلب بالكلام.

إشكال وجوابه

[4] وحاصل الإشكال أنّ المحقق الأردبيلي(2)

يقول بالجواز العقلي والامتناع العرفي. ولا معنى للامتناع العرفي إلاّ لجهة دلالة اللفظ على عدم الإمكان، وإلاّ فمع الإمكان العقلي ما المحذور لو لا اللفظ؟

[5] أي: دلالة اللفظ على الامتناع، وحاصل الجواب:

1- الفرق بين النظر الدقي والنظر السطحي المسامحي.

ص: 255


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «اثنان».
2- مجمع الفائدة والبرهان 2: 112.

واحد ذو وجهين، وإلاّ فلا يكون معنىً محصلاً[1] للامتناع العرفي. غاية الأمر[2] دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار جواز الاجتماع، فتدبر جيداً.

الخامس: لا يخفى[3] أن ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع

-------------------------------------------------------------------

2- إن اللفظ يدل على عدم الوقوع لا على الامتناع في الخارج.

بمعنى أنه على القول بجواز الاجتماع عقلاً وفي مرحلة الثبوت، فإنه في مرحلة الإثبات يدل اللفظ على عدم وقوع الاجتماع لا امتناعه.

[1] أي: لو كان مراده الامتناع الحقيقي فلا معنى لدلالة اللفظ عليه؛ لأن الامتناع غير مرتبط باللفظ أصلاً، بل بالعقل حصراً.

[2] لو غير المصنف عبارته فقال: (دعوى عدم دلالة اللفظ على الوقوع) لكانت أبعد من الإشكالات ولصحت العبارة؛ إذ مراد المصنف هو تأويل كلام الأردبيلي: بأن يقال: إنّه في مرحلة الثبوت جائز، ولكن لم يقم دليل على الوقوع الخارجي، وكثير من الأمور لا مانع عقلاً منها لكنها لم تقع في الخارج، والاجتماع جائز في مرحلة الثبوت عقلاً، لكنه ممتنع عرفاً، بمعنى عدم قيام الدليل على وقوعه خارجاً.

الأمر الخامس: ملاك النزاع عام لجميع أقسام الوجوب والتحريم

اشارة

[3] الغرض من هذا الأمر هو تحرير محل النزاع، حيث إن صاحب الفصول(1)

حصره في الأمر العيني التعييني النفسي. والشيخ الأعظم - على ما في التقريرات(2) - أخرج بعض الصور، والمصنف عمَّم البحث لجميع أقسام الوجوب والتحريم. والدليل وجهان:

1- ملاك الامتناع جار في جميع الصور، حيث يمتنع اجتماع الضدين مطلقاً، وكذلك على القول بالجواز لا مانع مطلقاً - لكفاية تعدد الجهة - .

2- إطلاق العنوان، حيث عنون القدماء المسألة ب(اجتماع الأمر والنهي) والأمر والنهي لهما إطلاق لجميع الأقسام.

ص: 256


1- الفصول الغروية: 124.
2- مطارح الأنظار 1: 541.

أقسام الإيجاب والتحريم[1]، كما هو قضية إطلاق لفظ الأمر والنهي.

ودعوى الانصراف[2] إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادتهما[3] غير خالية عن الاعتساف[4]، وإن سلم في صيغتهما، مع أنه فيها ممنوع[5].

-------------------------------------------------------------------

[1] ومنها: 1- النفسيان والغيريان والمختلفان. 2- عينيان أو كفائيان أو مختلفان. 3- تعبديان أو توصليان أو مختلفان.

كلام الفصول

[2] صاحب الفصول يلتزم بالوجه الأول وهو عموم الملاك، لكنه ينكر الوجه الثاني، حيث يدعي أن لفظ الأمر والنهي ينصرفان إلى العيني التعييني النفسي، فنزاع القوم في هذا القسم لانصراف لفظهم إليه.

[3] لأن المستعمل في العنوان هو مادة الأمر والنهي، أي: (أ، م، ر) (ن، ه- ، ي)، فلابد من حمل كلامهم على ظاهره.

الإشكال على الفصول

[4] هذا رد على كلام صاحب الفصول وحاصله:

1- مادة الأمر والنهي لا تنصرف إلى النفسي العيني التعييني؛ لأن هذا الانصراف لا منشأ له.

وما قيل في منشأ الانصراف من غلبة الوجود أو كثرة الاستعمال غير صالح للتقييد؛ لأن المهم الظهور اللفظي، والغلبة والكثرة كثيراً ما لا توجب الظهور أو صرف الظهور.

2- صيغة الأمر، أيضاً لا تنصرف لفظاً، بل بمقدمات الحكمة، ومقدمات الحكمة هنا غير جارية.

[5] أي: إن الانصراف في المادة لا وجه له إطلاقاً، وفيه اعتساف، ولكن في الصيغة قد يكون له وجه، ولكننا نمنع ذلك الوجه.

ص: 257

نعم، لا يبعد دعوى الظهور[1] والانسباق من الإطلاق بمقدمات الحكمة الغير(1)

الجارية في المقام[2]، لما عرفت من عموم الملاك لجميع الأقسام، وكذا ما وقع في البين من النقض والإبرام.

مثلاً: إذا أمر[3] بالصلاة والصوم تخييراً بينهما، وكذلك[4] نهى عن التصرف في الدار والمجالسة مع الأغيار، فصلى فيها مع مجالستهم، كان حال الصلاة فيها حالها كما إذا أمر بها تعييناً ونهى عن التصرف فيها كذلك[5] في جريان النزاع في الجواز والامتناع، ومجيء أدلة الطرفين وما وقع من النقض والإبرام في البين. فتفطن.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: ما قلناه في صيغة الأمر في البحث السادس، من أن (إطلاق الصيغة يقتضي كون الوجوب نفسياً تعيينياً عينياً) ليس المراد به الانصراف من جهة اللفظ الناشئ من الوضع، بل لجهة مقدمات الحكمة، حيث إن الغيري والتخييري والكفائي بحاجة إلى مؤونة زائدة، ننفيها بمقدمات الحكمة.

[2] أي: مقدمات الحكمة لا تجري هنا؛ لأن من مقدمات الحكمة هو عدم وجود القرينة، وهنا القرينة موجودة، وهي عموم الملاك، وكذلك عموم البحث بين الأعلام فإنه قرينة أخرى.

[3] مثال للواجب والحرام التخييري حيث يجري فيه النزاع.

ولا يخفى أن امتثال الواجب التخييري يتحقق بفعل أحدهما، ولكن مخالفته بتركهما.

أما الحرام التخييري فإن امتثاله يتحقق بترك أحدهما، ومخالفته تتحقق بفعلهما معاً؛ ولذا في مثاله ذكر فعل الصلاة فقط في الأمر، ومخالفة الأمرين معاً في النهي.

[3] أي: تخييراً، فنهى عن أحد الأمرين بالتخيير بأن يترك إما هذا أو ذاك.

[5] أي: تعييناً.

ص: 258


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير الجارية».

السادس: إنه ربما[1] يؤخذ في محل النزاع قيد «المندوحة»(1)

في مقام الامتثال[2]. بل ربما قيل[3] بأن الإطلاق[4] إنما هو للاتكال على الوضوح، إذ بدونها[5] يلزم التكليف بالمحال.

-------------------------------------------------------------------

الأمر السادس: هل المندوحة معتبرة؟

[1] إذا انحصر مصداق الأمر والنهي في واحد، فلا إشكال في سقوط أحدهما أو كليهما، كما لو كان محبوساً في المكان المغصوب، فلا يعقل أن يأمره بالصلاة في غير المغصوب؛ وذلك لأنه تكليف بما لا يطاق.

أما إذا لم ينحصر مصداقهما في واحد، كما لو تمكن من الصلاة في المغصوب وغيره، فلا مانع من أمره بالصلاة ونهيه عن الغصب.

وهذا هو منشأ كلام الفصول ومن تبعه في اشتراط المندوحة في مسألة الاجتماع؛ إذ لو لا المندوحة لا يوجد تكليف بهما؛ لاستلزامه طلب ما لا يطاق.

[2] أي: مقام الطاعة، فحين إرادته لامتثال أمر المولى يتمكن من الإتيان بالمنهي عنه، ويتمكن من عدم إتيان المنهي عنه، كأن يصلي في المغصوب أو في المباح، فهو يقدر على امتثال الأمر والنهي معاً.

[3] القائل صاحب الفصول(2).

[4] أي: عدم تقييد البحث بوجود المندوحة، فكلامهم مطلق لكن مرادهم ليس المطلق، بل المقيد بوجود المندوحة، ولوضوح هذا القيد لم يُذكر.

[5] أي: مع عدم تقييد البحث بالمندوحة يلزم التكليف بالمحال، حيث إنه يكون من المتزاحمين اللذين يكون في كليهما ملاك، لكن لا يتمكن المكلف من الجمع بينهما.

ص: 259


1- قوانين الأصول 1: 140 و 142 و 153؛ الفصول الغروية: 124.
2- الفصول الغروية: 124.

ولكن التحقيق[1] - مع ذلك[2] -: عدم اعتبارها[3] في ما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال[4]، وهو اجتماع الحكمين المتضادين وعدم الجدوى[5] في كون موردهما موجهاً بوجهين[6] في رفع غائلة اجتماع الضدين، أو عدم لزومه[7] وأن

-------------------------------------------------------------------

[1] حيث إنّ الكلام في مسألة الاجتماع يقع في أمرين:

1- مرحلة الجعل وطلب المولى.

2- مرحلة امتثال العبد.

وفي الأولى: لا ننظر إلى امتثال العبد وعدمه، بل ننظر إلى إمكان طلب المولى وإمكان جعله، وهذا يعبر عنه (التكليف المحال) فهل يمكن أن يريد المولى الضدين في شيء لتعدد الجهة أو لا يمكن؟ فلو قلنا بعدم جدوى تعدد الجهة، فإن الاجتماع محال، سواء كان مندوحة أم لم يكن.

وفي الثانية: ننظر إلى أنه لا يجوز تكليف العبد بما لا يقدر، فمع عدم وجود المندوحة يكون التكليف بما لا يطاق - كما مثلنا بإيجاب الصلاة وحرمة الغصب على المحبوس في المغصوب - ومع وجود المندوحة لا يكون تكليفاً بما لا يطاق، فيأمره بالصلاة، وهو قادر على الإتيان بها في المباح، وينهاه عن الغصب.

[2] مع استحالة التكليف بما لا يطاق وهو التكليف بالمحال.

[3] أي: عدم اعتبار المندوحة في ما يرتبط ببحثنا وهو مرحلة الجعل.

[4] إشارة إلى أحد القولين - وهو المختار - من استحالة اجتماع الأمر والنهي في مرحلة الجعل والطلب.

[5] في رفع غائلة طلب الضدين.

[6] أي: كونه ذا جهتين، بإحداهما حرم، وبالأخرى وجب.

[7] إشارة إلى القول الآخر، وهو جواز اجتماع الأمر والنهي في مرحلة الجعل والطلب.

ص: 260

تعدد[1] الوجه يجدي في رفعها. ولا يتفاوت في ذلك[2] أصلاً وجود المندوحة وعدمها. ولزوم التكليف بالمحال بدونها[3] محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع.

نعم، لابد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلاً[4] لمن يرى التكليف[5] بالمحال محذوراً ومحالاً، كما ربما لابد[6] من اعتبار أمر آخر في الحكم به[7] كذلك أيضاً.

وبالجملة: لا وجه لاعتبارها إلاّ لأجل اعتبار القدرة على الامتثال وعدم[8] لزوم التكليف بالمحال، ولا دخل له بما هو المحذور في المقام من التكليف المحال[9]. فافهم واغتنم.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: إن تعدد الجهة يكفي لرفع طلب الضدين، فالاجتماع ممكن.

[2] أي: لا دخل للمندوحة أو عدمها في رفع الاستحالة أو بقائها في مرحلة الجعل.

[3] أي: التكليف بما لا يطاق يرتبط بمرحلة الامتثال، ولا ربط له بمرحلة الجعل، فهو أجنبي عن بحث الاجتماع.

[4] أي: الجواز الفعلي بمعنى التكليف الواصل إلى مرحلة الفعلية لابد من كونه تكليفاً بالمقدور لا بما لا يطاق، الذي هو محال.

[5] أي: العدلية، أما الأشاعرة فيرون جواز التكليف بالمحال.

[6] لتأكيد كون البحث في المندوحة أجنبي عن مسألة الاجتماع، فمرحلة الامتثال لها شروط مختلفة: أحدها المندوحة، والآخر البلوغ، والثالث العقل وهكذا، فهل يصح أن يقال: إن البحث في مسألة الاجتماع هو بشرط البلوغ والعقل وغيرهما؟

[7] أي: في الحكم بالجواز، «كذلك» أي: فعلاً، «أيضاً» كاشتراط المندوحة.

[8] هذا توضيح لاعتبار القدرة على الحكم.

[9] ظهر من مطاوي ما ذكرنا الفرق بين (التكليف المحال) و(التكليف بالمحال). فالأول: في مرحلة الجعل والطلب، كأن يريد المولى المتناقضين.

ص: 261

السابع: إنه ربما يتوهم[1]:

تارةً: أن النزاع في الجواز والامتناع يبتني على القول بتعلق الأحكام بالطبائع. وأما الامتناع على القول بتعلقها بالأفراد فلا يكاد يخفى، ضرورة لزوم[2] تعلق الحكمين بواحدٍ شخصي - ولو كان ذا وجهين - على هذا القول.

وأخرى[3]: إن القول بالجواز مبنيّ على القول بالطبائع، لتعدد متعلق الأمر والنهي ذاتاً عليه[4]، وإن اتحد وجوداً؛ والقول بالامتناع على القول بالأفراد،

-------------------------------------------------------------------

والثاني: في مرحلة الامتثال بأن لا يتمكن العبد من تنفيذ أمر المولى، ومثاله: أن يطلب المولى الطيران من العبد، فإنه تكليف بالمحال، أي: غير المقدور.

الأمر السابع: عدم ارتباط

المسألة بمسألة تعلق الأمر بالطبائع أو الأفراد

[1] التوهم الأول: هو أنه بناءً على القول بتعلق الأمر والنهي بالطبائع فالنزاع جارٍ، وبناءً على القول بتعلقهما بالأفراد فلا نزاع، بل يلزم القوم بالامتناع.

التوهم الثاني: بناءً على القول بتعلقهما بالطبائع فلا نزاع، بل لابد من القول بالجواز، وبناءً على القول بتعلقهما بالأفراد فلا نزاع أيضاً، بل يلزم القول بالامتناع.

فالفرق بين التوهمين: إنّه بناءً على القول بتعلقهما بالطبائع فعلى الأول يجري النزاع وعلى الثاني لا نزاع، وأما بناءً على القول بتعلقهما بالأفراد فلا نزاع أصلاً على كلا التوهمين.

[2] دليل المتوهم، وحاصله: إنه بناءً على الأفراد فإنه لابد من وقوع طلب الضدين فلذا يمتنع؛ لأن الفرد واحد جزئي شخصي، فهذا الفرد الخارجي بخصوصياته الفردية تعلق به الأمر والنهي، فهو من طلب الضدين المحال.

[3] هذا التوهم الثاني.

[4] أي: بناءً على القول بتعلقهما بالطبائع.

ص: 262

لاتحاد متعلقهما شخصاً خارجاً وكونه فرداً واحداً.

وأنت خبير بفساد كلا التوهمين[1]، فإن تعدد الوجه إن كان يجدي بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود والإيجاد[2] لكان يجدي ولو على القول بالأفراد[3]، فإن الموجود الخارجي[4] الموجه بوجهين يكون فرداً لكل من الطبيعتين، فيكون مجمعاً لفردين موجودين بوجود واحد، فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين، لا يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من الطبيعتين، وإلاّ لما كان

-------------------------------------------------------------------

[1] إذ لا ارتباط لمسألة الاجتماع بمسألة متعلق الأمر والنهي، وأنه الطبيعة أو الأفراد؛ وذلك لأن المأمور به هي الطبيعة على كلا القولين، وإنّما الفرق في أنه على القول بالطبائع لا دخل للخصوصيات الفردية في المأمور به، وعلى القول بالأفراد تكون الخصوصيات الفردية داخلة في المأمور به.

فسواء قلنا بالطبائع أو الأفراد فإن الطبيعة مأمور بها، وطبيعة أخرى منهي عنها، وكان هذا الفرد الشخصي الجزئي هو مجمع الطبيعتين - على كلا القولين - فإن كان تعدد الوجه يكفي لرفع طلب الضدين فلا فرق بين القولين، وإن لم يكن يجدي فكذلك لا فرق.

[2] الفرق بين الوجود والإيجاد اعتباري؛ لأنا إن نظرنا إلى الوجود من حيث فاعله كان الإيجاد، وإن نظرنا إليه من حيث نفسه كان الوجود.

[3] لأن الطبيعة مأمور بها على هذا القول أيضاً، منتهى الأمر الخصوصيات الفردية أيضاً مأمور بها، وكذلك الطبيعة الأخرى منهي عنها، وكذلك الخصوصيات الفردية.

[4] أي: العقل لا يرى فرقاً بين كون المطلوب هو الوجود السعي، أي: الطبيعة بحيث تكون الخصوصيات من لوازم المطلوب، وبين كون المطلوب الوجود الخاص - أي الفرد - بحيث كانت الخصوصيات داخلة في المطلوب.

ص: 263

يجدي[1] أصلاً حتى على القول بالطبائع كما لا يخفى، لوحدة الطبيعتين وجوداً واتحادهما خارجاً؛ فكما أن وحدة[2] الصلاتية والغصبية في الصلاة في الدار المغصوبة وجوداً غير ضائر بتعددهما[3] وكونهما طبيعتين، كذلك وحدة ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها[4] وجوداً غير ضائر بكونه فرداً للصلاة فيكون مأموراً به، وفرداً للغصب فيكون منهياً عنه، فهو - على وحدته وجوداً - يكون اثنين، لكونه مصداقاً للطبيعتين، فلا تغفل.

الثامن: إنه لا يكاد يكون[5] من باب الاجتماع إلاّ[6] إذا كان في كل واحد من

-------------------------------------------------------------------

[1] عطف على قوله: (إن كان يجدي بحيث...)، أي: إن تعدد الوجه إن لم يكن مجدياً، فلا فرق بين القولين في عدم الجواز.

[2] هذا مثال لعدم الفرق بين اتحاد الطبيعتين وبين اتحاد الفردين.

[3] أي: بتعدد الطبيعتين.

[4] أي: في الصلاة في الدار المغصوبة، «وجوداً» قيد الوحدة، أي: الوحدة وجوداً، «فهو» أي: ما وقع في الخارج.

الأمر الثامن: اشتراط التزاحم في مسألة الاجتماع

اشارة

[5] يتكلم المصنف في مقامات ثلاثة - وتفصيلها في العناية(1)- :

1- إنه في الاجتماع يشترط التزاحم لا التعارض، وهذا ما عقد له الأمر الثامن.

2- كيفية إحراز المناط في مورد الاجتماع، وعقد له الأمر التاسع.

3- حكم التزاحم بين المقتضيين، وسيأتي في التنبيه الثاني.

البحث ثبوتاً

[6] حاصل الكلام خروج مورد التعارض عن بحث الاجتماع، وانحصار البحث في مورد التزاحم، في مرحلة الثبوت.

ص: 264


1- عناية الأصول 2: 29.

متعلقي الإيجاب والتحريم مناط حكمه[1] مطلقاً حتى[2] في مورد التصادق والاجتماع، كي يحكم على الجواز[3] بكونه فعلاً[4] محكوماً بالحكمين، وعلى الامتناع بكونه[5] محكوماً بأقوى المناطين[6] أو بحكم آخر غير الحكمين في ما لم يكن

-------------------------------------------------------------------

والتعارض: هو ما كان لأحدهما ملاك دون الآخر، فيتعارض الدليلان.

والتزاحم: هو ما كان لكليهما ملاك ولكن لا يمكن الجمع بينهما.

وإنّما لزم كونه من باب التزاحم لكي يكون لكليهما ملاك، فيبحث في جدوى تعدد الجهة فيجتمعان، أو عدم جدواها فلا يجتمعان، أمّا لو لم يكن لأحدهما أو لكليهما ملاك، فبحث الاجتماع يكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

[1] أي: مناط حكم كل واحد من الإيجاب والتحريم. بمعنى أن يكون ملاك الحكم بالوجوب في متعلق الوجوب كالصلاة، وملاك الحكم بالحرمة في متعلق الحرمة كالغصب.

[2] «حتى» شرح لقوله: (مطلقاً)، أي: يكون الملاك موجوداً حتى في مورد الاجتماع.

[3] أي: على القول بالجواز يحكم بكون المجمع قد اجتمع فيه الوجوب والحرمة الفعليتين.

[4] أي: في مرحلة الفعلية؛ لأنها مورد البحث، أما مرحلة الاقتضاء ومرحلة الإنشاء فلا كلام فيها، ولو أخّر المصنف كلمة (فعلاً) إلى ما بعد قوله: (بالحكمين) كانت العبارة أوضح، وأبعد عن التوهم.

[5] أي: وعلى القول بالامتناع يحكم (بكونه... الخ).

[6] لأنه في باب التزاحم يترجح الذي له ملاك أقوى، بشرط كون القوة بحدّ الإلزام، كما لو غرق مؤمن عادي ونبيّ فإنه يجب إنقاذهما، وإن لم يتمكن إلاّ من إنقاذ أحدهما ترجّح إنقاذ النبيّ؛ لأن ملاكه أقوى.

ص: 265

هناك أحدهما أقوى[1]، كما يأتي تفصيله[2]. وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك[3]، فلا يكون من هذا الباب، ولا يكون مورد الاجتماع محكوماً إلاّ بحكم واحد منها إذا كان له مناطه[4]، أو حكم آخر غيرهما في ما لم يكن لواحد منهما[5]، قيل بالجواز أو الامتناع[6]. هذا بحسب مقام الثبوت.

وأما بحسب مقام الدلالة والإثبات: فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان

-------------------------------------------------------------------

[1] لأنه في صورة التساوي يتساقطان فنرجع إلى حكم آخر - سواء من الأدلة الاجتهادية أم الأصول العملية - .

وهذا الحكم الآخر قد يكون مماثلاً لأحدهما، وقد يكون مغايراً لهما.

[2] وهو المقام الثالث الذي أشرنا إليه في أول هذا الأمر وسيأتي في التنبيه الثاني، وكذلك في باب التعادل والتراجيح.

[3] أي: مناط مطلقاً، بأن كان الملاك قاصراً عن شمول مورد الاجتماع، وهو صورتان:

الأولى: كان أحد الملاكين شاملاً لمورد الاجتماع دون الآخر.

والثانية: كلا الملاكين لم يشملا مورد الاجتماع.

[4] أي: إذا كان لمورد الاجتماع مناط حكم ذلك الواحد ولم يكن مناط الآخر، كما لو قال: (أكرم العالم وأهن الفاسق)، وعلمنا أن العالم الفاسق لا مناط لإكرامه، ويوجد مناط الإهانة فيه.

[5] أي: لم يكن لأيٍّ منهما مناط.

ولا يخفى أن هذه الصورة خارجة عن بحث التعارض؛ لأن التعارض إنّما يكون في مقام الإثبات، وهنا البحث في مقام الثبوت؛ ولأن التعارض فرع وجود الملاك في أحدهما، والمفروض أنه لا ملاك لأيٍّ منهما.

[6] أي: لا فرق حينئذٍ بين القولين.

ص: 266

إذا أحرز أن المناط من قبيل الثاني[1]، فلابد من عمل المعارضة حينئذٍ[2] بينهما من الترجيح والتخيير، وإلاّ فلا تعارض[3] في البين، بل كان من باب التزاحم[4] بين المقتضيين. فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلاً[5] لكونه أقوى مناطاً، فلا مجال حينئذٍ لملاحظة مرجحات الروايات[6] أصلاً، بل لابد من مرجحات المقتضيات

-------------------------------------------------------------------

البحث إثباتاً

[1] وهو وجود المناط في أحدهما دون الآخر.

[2] أي: العمل بقواعد باب التعارض حين وجود المناط في أحدهما فقط، وتلك القواعد تُرَجِّح أحدهما على الآخر، كالجهات السندية أو الدلالية أو جهة الصدور. ومع فقد المرجحات المرجع هو التخيير - على بعض المباني - .

[3] أي: إن لم يكن من قبيل الثاني فلا يوجد تعارض؛ لاحتمال صدقهما معاً، فما هو التكليف؟

الجواب: هو لزوم اعتبارهما من قبيل الأول، وهو وجود الملاك لكل واحد منهما؛ وذلك لاقتضاء دليل حجيّة الروايتين؛ لأنّ كلاً من الروايتين تحكي عن وجود المناط المقتضي للحكم - الذي تضمنته - فدليل حجيتها يقتضي ترتب أثر وجود المناطين معاً، فيقع التزاحم بينهما على القول بالامتناع - كما في الحقائق(1)

- .

[4] بناءً على القول بالامتناع.

[5] لأنّ المتبع في باب التزاحم ليس المرجحات السندية أو الدلالية، بل المتبع هو ترجيح المناط بكونه أقوى. فلو دل الدليل المعتبر على إنقاذ مؤمن، ودل دليل آخر - أقوى سنداً مثلاً - على إنقاذ الإنسان غير المسلم، وتزاحم الدليلان، فإن الترجيح للمؤمن لأقوائية الملاك، وهكذا في باب الاجتماع.

[6] كالمرجحات السندية أو الدلالية أو الخارجية، ونحوها.

ص: 267


1- حقائق الأصول 1: 360.

المتزاحمات[1]، كما يأتى الإشارة إليها[2].

نعم، لو كان كل منها[3] متكفلاً للحكم الفعلي لوقع بينهما التعارض، فلابد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة لو لم يوفق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة[4]. فتفطن[5].

التاسع: إنه قد عرفت[6]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: الملاكات المتزاحمة.

[2] في الأمر التاسع وكذلك في باب التعادل والتراجيح.

[3] إشارة إلى أنه قد يحصل التعارض بين المتزاحمين. ببيان: إنه لو كان كلا الدليلين يدلان على الحكم الفعلي - مع وجود مناط لكليهما - لحصل التعارض بينهما، لكذب أحدهما - لو لا التأويل - .

فإن أمكن التوفيق بين الدليلين، بأن كان مناط أحدهما أقوى للزم حمل الأقوى على الفعلي، والأضعف على الاقتضائي.

ولو لم يمكن التوفيق بينهما، بأن تساوى المناطان أو لم نعلم الأقوى رجعنا إلى المرجحات في باب التعارض.

[4] وهي الأقوائية في الملاك.

[5] لعله إشارة إلى دقة المطلب، أو أن الجمع العرفي منوط بكون أحدهما أظهر، وأقوائية المناط لا توجب الأظهرية.

الأمر التاسع: طريق إحراز المناط في الجمع

[6] عن الشيخ الأعظم - في التقريرات(1)

- : بأنه لو قلنا بالامتناع فالدليلان متعارضان، ولو قلنا بالجواز فالدليلان غير متعارضين بل متزاحمان.

فأراد المصنف ردّ هذا الكلام، فلذا عقد الأمر التاسع، مع أنه كان من المناسب دمج الأمر التاسع في الأمر الثامن؛ لأن الأمر التاسع يبحث عن مرحلة الإثبات التي

ص: 268


1- مطارح الأنظار 1: 614.

أن المعتبر في هذا الباب[1] أن يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملة على مناط الحكم مطلقاً حتى في حال الاجتماع.

فلو كان هناك ما دل على ذلك[2] من إجماع أو غيره[3] فلا إشكال[4]. ولو لم يكن إلاّ إطلاق[5] دليلي الحكمين ففيه تفصيل[6]، وهو: إن الإطلاق لو كان في

-------------------------------------------------------------------

ذكرت في ذيل الأمر الثامن.

[1] أي: باب الاجتماع.

[2] أي: على وجود المناط مطلقاً حتى في حال الاجتماع.

[3] بما يوجب العلم بثبوت المناط فيهما.

[4] أي: لا إشكال في دخوله في مسألة الاجتماع، لكن لم يثبت وجود هكذا دليل، فالبحث فرضي صرف.

[5] أي: لو لم يوجد دليل يدل على وجود المناط فيهما، بل كان هنالك مجرد إطلاق الدليلين، كما لو قال: (صلّ) وقال: (لا تغصب)، فكلاهما مطلق يشمل المجمع.

[6] التفصيل حسب لسان الدليل:

1- فإن دل الدليل على أن المولى في صدد بيان وجود المصلحة ووجود المفسدة، فهنا يكون من باب الاجتماع - سواء قلنا بكفاية تعدد الجهة أم قلنا بعدم الكفاية - لكن هذا الفرض غير واقع.

2- وإن دل الدليل على أن المولى في صدد بيان فعلية الحكم: فعلى القول بالجواز: نستكشف من الدليلين وجود المقتضي في كليهما، حيث لا يكون حكم فعلي إلاّ إذا كان يحتوى على مصلحة أو مفسدة.

وعلى القول بالامتناع: يتنافى الإطلاقان؛ لعدم إمكان فعلية الضدين، فلابد من معاملتهما معاملة المتعارضين.

نعم، لو أمكن الجمع العرفي: بأن كان أحدهما أظهر فيحمل الآخر على أنه

ص: 269

بيان الحكم الاقتضائي[1] لكان دليلاً على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع، فيكون من هذا الباب[2]. ولو كان بصدد الحكم الفعلي[3] فلا إشكال في استكشاف[4] ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز إلاّ إذا علم إجمالاً[5] بكذب أحد الدليلين، فيعامل معهما معاملة المتعارضين؛ وأما على القول بالامتناع: فالإطلاقان متنافيان[6] من غير دلالة[7] على ثبوت المقتضي للحكمين في

-------------------------------------------------------------------

بصدد بيان المصلحة أو المفسدة، أما لو كانا متساويين في الظهور فيحملان على أنهما بصدد بيان المصلحة أو المفسدة، وليس فعلية الحكم.

[1] أي: المرحلة الأولى من مراحل الحكم الأربع وهي: الاقتضاء، الإنشاء، الفعلية، التنجيز أو الإعذار، ومعنى الاقتضاء وجود المصلحة أو المفسدة.

وهذا الشق الأول من التفصيل.

[2] أي: باب اجتماع الأمر والنهي.

[3] هذا الشق الثاني من التفصيل. ولا يخفى أن جميع الأوامر والنواهي الشرعية من هذا القبيل.

[4] وذلك لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، فإن كان هنالك حكم فعلي كشف عن وجود مناط له من مصلحة أو مفسدة، فيكون على هذا من مصاديق اجتماع الأمر والنهي، أي: من باب التزاحم لا التعارض.

[5] بعد أن بيّن: أن الحكمين الفعليين - بناءً على مبنى الجواز - من قبيل المتزاحمين، أراد استثناء صورة واحدة، وهي ما إذا علم بكذب أحد الدليلين، فيدخلان في باب المتعارضين فلا اجتماع؛ وذلك لأن الدليل الكاذب لا يكشف عن وجود المناط، فيدخل في باب التعارض حيث اشتبه الحجة باللاحجة.

[6] حيث يمتنع اجتماع حكمين فعليين؛ لكونه من طلب الضدين، فيحصل التعارض بين الدليلين.

[7] حيث إن مقتضى التعارض هو عدم وجود ملاك في أحدهما.

ص: 270

مورد الاجتماع أصلاً، فإن انتفاء أحد[1] المتنافيين كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضي له يمكن أن يكون لأجل انتفائه[2]. إلاّ أن يقال[3]: إن قضية التوفيق[4] بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي لو لم يكن أحدهما أظهر، وإلاّ فخصوص الظاهر منهما.

فتلخص: أنّه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضي في الحكمين كان من مسألة الاجتماع، وكلما لم تكن هناك دلالة عليه فهو من باب التعارض مطلقاً[5] إذا كان هناك دلالة[6] على انتفائه في أحدهما بلا تعيين ولو[7] على الجواز، وإلاّ

-------------------------------------------------------------------

[1] تعليل لكونه من التعارض؛ وذلك لأنه على مبنى امتناع الاجتماع فإن ذلك الامتناع قد يكون لإحدى جهتين:

1- وجود المقتضي لكليهما، ولكن مع المانع - وهو طلب الضدين - فإن أحد المقتضيين لا يؤثر أثره، فيكون من باب الاجتماع.

2- لا يوجد مقتضٍ لأحدهما، لكنه اختلط بما له مقتضٍ، فلا يكون من الاجتماع. وحيث لا دليل يعيّن، فلا يمكننا الحكم بدخول المورد في محل الاجتماع.

[2] أي: لأجل انتفاء المقتضي.

[3] لمّا أجرى المصنف أحكام التعارض على الدليلين الدالين على فعلية الحكم - بناءً على الامتناع - استثنى ما إذا أمكن الجمع العرفي بين الدليلين، فلا تصل النوبة إلى إجراء أحكام التعارض.

[4] هذا إذا كان الجمع عرفياً.

[5] كلمة «مطلقاً» تتعلق بكلا الشقين، أي: (من مسألة الاجتماع) و(من باب التعارض). ومعناها سواء قلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي أم قلنا بالجواز.

[6] حيث لا مجال للتزاحم مع العلم بأن أحدهما لا ملاك له؛ إذ باب التزاحم ينحصر في ما إذا كان لهما الملاك.

[7] قوله: «ولو على الجواز» شرح لقوله: (مطلقاً)، أي: حتى لو قلنا بجواز

ص: 271

فعلى الامتناع[1].

العاشر: إنه لا إشكال[2]

-------------------------------------------------------------------

الاجتماع، فهنا لابد من الحمل على التعارض؛ للعلم بانتفاء الملاك في أحدهما غير المعين.

[1] أي: وإن لم تكن دلالة على انتفاء المقتضي في أحدهما: فعلى الامتناع يكون من باب التعارض، وأما على القول بالجواز فلا يكون من باب التعارض.

الأمر العاشر: في ثمرة بحث الاجتماع

[2] حاصل كلام المصنف أنه: على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي فالمجمع مأمور به، فالإتيان به إتيان بالمأمور به، فيحصل الامتثال ويسقط التكليف، ولكنه عاصٍ أيضاً.

وأما على القول بالامتناع: فلو قلنا بترجيح جانب الأمر مع سقوط النهي فالمجمع مأمور به، فيحصل الامتثال بإتيانه، وليس بعاصٍ؛ لعدم وجود نهي.

ولو قلنا بترجيح جانب النهي وسقوط الأمر: فإن كان توصلياً: سقط الأمر بحصول الغرض. وإن كان تعبدياً: فإن كان عالماً لم يحصل الامتثال، وإن كان جاهلاً مقصراً فكذلك؛ لأن فعله حرام، والحرام غير قابل لأن يقع مقرباً. وإن كان جاهلاً قاصراً صحت عبادته؛ وذلك لوجود الملاك وقابلية عمله للتقرب للحسن الفاعلي.

والجدول التالي يوضّح الأقسام:

ص: 272

في سقوط الأمر وحصول الامتثال[1] بإتيان المجمع بداعي الأمر[2] على الجواز[3] مطلقاً، ولو في العبادات[4]، وإن كان معصية للنهي أيضاً.

وكذا الحال[5] على الامتناع[6] مع ترجيح جانب الأمر، إلاّ أنه لا معصية عليه[7].

وأما عليه[8] وترجيح جانب النهي: فيسقط به الأمر به[9] مطلقاً[10] في غير العبادات، لحصول الغرض[11]

-------------------------------------------------------------------

[1] [القسم الأول] وجه عدم الإشكال كون المجمع مأموراً به، وبالإتيان بالمأمور به يحصل الغرض، فيسقط الأمر.

[2] متعلق ب(إتيان)، وهذا القيد يجري في العبادات فقط، حيث إنه يشترط فيها قصد القربة، أما في غيرها فلا حاجة إلى الإتيان بداعي الأمر.

[3] أي: على القول بالجواز.

[4] أي: سواء كان في التوصليات أم التعبديات، فقوله: (ولو...) شرح لقوله: (مطلقاً).

[5] [القسم الثاني] أي: وكذا سقوط الأمر وحصول الامتثال بإتيان المجمع.

[6] أي: على القول بالامتناع.

[7] لسقوط النهي بسبب التزاحم.

[8] [القسم الثالث] أي: على الامتناع.

[9] أي: يسقط بالإتيان بالمجمع الأمر بالشيء الذي كان المجمع مصداقاً لطبيعي ذلك الشيء.

[10] سواء كان عامداً أم جاهلاً، قاصراً أم مقصراً.

[11] لأنه في التوصليات ليس المهم كيفية الوقوع، وإنّما المقصود هو الوقوع بأية كيفية كانت، فلو غسل الثوب بالماء المغصوب طهر الثوب، وصحت الصلاة به بعد يبسه.

وأشكل عليه: بمثل كفن الميت بالثوب المغصوب، وكذا دفنه في المكان المغصوب، فإنه لا يحصل به الامتثال مع أنه توصلي.

ص: 273

الموجب له[1].

وأما فيها[2]: فلا، مع الالتفات إلى الحرمة، أو بدونه تقصيراً[3]، فإنه وإن كان متمكناً مع عدم الالتفات من قصد القربة وقد قصدها، إلاّ أنه مع التقصير[4] لا يصلح لأن يتقرب به أصلاً، فلا يقع مقرباً، وبدونه[5] لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادةً[6]، كما لا يخفى.

وأما إذا لم يلتفت إليها[7] قصوراً وقد قصد القربة بإتيانه: فالأمر يسقط[8]،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: الغرض الموجب للأمر؛ وذلك لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.

[2] [القسم الرابع] أي: في العبادات مع العلم بالحرمة موضوعاً وحكماً، فإنه مع ترجيح جانب النهي فالمجمع لا أمر فيه وهو حرام فقط، ولا يمكن فيه قصد القربة لعلمه بالحرمة، فلا يقع عبادة؛ لاشتراط قصد القربة.

[3] [القسم الخامس] أي: بدون الالتفات إلى الحرمة وكان جاهلاً مقصراً، فإنه وإن أمكنه قصد القربة، لكن فعله حرام - ولذا يعاقب عليه - والحرام لا يصلح للمقربية.

[4] أي: المكلف الذي أتى بالمجمع بقصد القربة. فإن عمله حرام؛ ولذا تصح عقوبته، ولا يكون جهله عذراً، حيث إن طرق الطاعة والمعصية عقلائية، والعقلاء يعتبرون المقصّر مرتكباً للحرام، ويرونه مستحقاً للعقاب، والحرام لا صلاحية له للمقربيّة.

[5] أي: بدون وقوعه مقرباً لا يحصل غرض المولى من العبادة.

[6] حال أو تمييز، أي: الأمر به حال كونه عبادة، أو الأمر به من جهة كونه عبادة.

[7] [القسم السادس] أي: إلى الحرمة.

[8] أي: وإن لم يكن المجمع مأموراً به، لفرض ترجيح جانب النهي، لكن بما أنه يُحصِّل الغرض بالإتيان بالمجمع فإن الأمر يسقط.

ص: 274

لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به، لاشتماله[1] على المصلحة، مع صدوره حسناً، لأجل الجهل[2] بحرمته قصوراً، فيحصل به[3] الغرض من الأمر، فيسقط به قطعاً وإن لم يكن امتثالاً له[4]، بناءً على[5] تبعية الأحكام لما هو الأقوى من

-------------------------------------------------------------------

[1] بيان وجه سقوط الأمر؛ وذلك لاحتواء المجمع على أمرين:

1- المصلحة؛ إذ باب الاجتماع من قبيل التزاحم، وفي التزاحم توجد المصلحة الواقعية، لكن لم يصل الأمر إلى مرتبة الفعلية لغلبة جانب النهي، وهذا الحسن الفعلي.

2- الحسن الفاعلي؛ لأن الجاهل القاصر أتى بالعمل لأجل التقرب إلى المولى عزوجل، فهو ممدوح من طرف العقلاء.

[2] حيث إن الجهل القصوري لا يمنع من الحسن الفاعلي.

[3] أي: بالإتيان بالمجمع.

[4] أي: ليس المجمع امتثالاً للأمر، حيث الفرض سقوط الأمر وغلبة جانب النهي، ولكنه بما أنه يحصل بالمجمع غرض المولى فإنّ الأمر يسقط. وهذا على مبنى المصنف - كما مرّ في بحث الترتب - حيث جوّز سقوط الأمر العبادي بفعلٍ ليس بمأمور به، لكنه مُحصِّل لغرض المولى.

[5] قيد للنفي، أي: كون المجمع غير مأمور به في حال الجهل القصوري مبني على هذا القول، وتوضيحه أن لنا أمرين:

1- المصلحة والمفسدة الواقعيتان.

2- الحسن والقبح.

والأول: مرتبط بالواقع ولا ربط له بالعلم، فسواء علم المكلف أم جهل لا تتغير المصلحة أو المفسدة الواقعيّة.

والثاني: مرتبط بعلم المكلف، فإذا لم يعلم بالمصلحة الواقعية وأتى بالعمل فلا يتصف عمله بالحسن، وكذا لو لم يعلم بالمفسدة الواقعية وأتى به فلا يتصف عمله بالقبح.

ص: 275

جهات المصالح والمفاسد واقعاً، لا لما هو المؤثر منها[1] فعلاً للحسن أو القبح ، لكونهما تابعين[2] لما علم منهما، كما حقق في محلّه[3].

مع أنه يمكن أن يقال[4]

-------------------------------------------------------------------

فالملاك في الأمر والنهي - عند المصنف - هو المصلحة والمفسدة الواقعيان، فالجاهل القاصر لا أمر في فعله، لكن يسقط بفعله الأمر؛ لحصول الغرض. أما لو قلنا بالمبنى الآخر، وهو تبعية الأحكام للحسن والقبح، فإن عمل الجاهل القاصر حسن، فهو مأمور به، فيحصل بالعمل الامتثال فيسقط الأمر.

فالفرق بين مبنى المصنف والمبنى الآخر: هو أنّ المصنف لا يرى وجود أمرٍ، بل حصول غرضٍ فيسقط الأمر، والمبنى الآخر يرى وجود الأمر فيحصل الامتثال فيسقط الأمر.

[1] أي: من جهات المصالح والمفاسد. وهذا هو المبنى الآخر.

[2] الحسن والقبح تابعان لما علم من المصالح والمفاسد، فالمصلحة الواقعية لا تؤثر في الحكم، بل المصلحة المعلومة. وكذلك المفسدة الواقعية لا تؤثر في الحكم، بل المعلومة منها.

[3] حيث يذكر أن الحسن والقبح الفاعلي لا يرتبط بالمصلحة والمفسدة الواقعية إطلاقاً، فالمتجري مذموم حتى وإن كان في فعله مصلحة، والمنقاد ممدوح حتى إذا كان فعله حرام واقعاً.

والحكم الواقعي لا يمكن ربطه بالعلم والجهل؛ لأنهما متأخران عن الحكم، فلا يمكن أن يتوقف الحكم عليهما.

[4] لما قال المصنف بسقوط الأمر لحصول الغرض لا لأجل الامتثال، أضرب عن كلامه وترقى فقال بحصول الامتثال وإن لم يكن المجمع مأموراً به؛ وذلك لما مرّ في بحث الضد ويكرره المصنف هنا، وحاصله: إن العبادة الموسعة لمّا كانت مزاحمة بالأهم - لأن الفرض هنا تقدم جانب النهي - لا يصل الأمر بها إلى مرتبة الفعلية في

ص: 276

بحصول الامتثال مع ذلك[1]، فإن العقل لا يرى تفاوتاً بينه وبين سائر الأفراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمور بها، وإن لم تعمه بما هي مأمور بها[2]، لكنه لوجود المانع لا لعدم المقتضي.

ومن هنا انقدح: أنه يجزئ ولو قيل باعتبار قصد الامتثال[3] في صحة العبادة وعدم كفاية[4] الإتيان بمجرد المحبوبية، كما يكون كذلك في ضد الواجب[5] حيث لا يكون هناك أمر يقصد أصلاً[6].

وبالجملة: مع الجهل قصوراً بالحرمة موضوعاً أو حكماً يكون الإتيان بالمجمع امتثالاً وبداعي الأمر[7] بالطبيعة لا محالة، غاية الأمر أنه لا يكون مما تسعه[8] بما

-------------------------------------------------------------------

الفرد المزاحم. لكنه لما كان هذا الفرد المزاحم وافياً بغرض المولى، لا يرى العقل تفاوتاً بينه وبين سائر الأفراد في أنه امتثال لأمر المولى.

[1] أي: على مبنانا من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد الواقعية، «بينه» بين المجمع.

[2] أي: وإن لم تشمل الطبيعة الفرد المزاحم بما هي طبيعة مأمور بها؛ وذلك لسقوط الأمر بذلك الفرد بالتزاحم، «لكنه» لكن عدم العموم للمجمع، «المانع» وهو المزاحمة بالفرد الأهم.

[3] أي: لزوم إتيان المأمور به بقصد الأمر، مثل أن ينوي (أصلي صلاة الظهر لوجوبها).

[4] عطف على (اعتبار قصد...)، وهو عطف تفسيري.

[5] أي: يكون مجزياً في ضد الواجب، والمراد به الضد المضيّق، أما الموسّع فقد مرّ من المصنف إمكان الإتيان به بقصد الأمر.

[6] ومع ذلك تصح العبادة.

[7] عطف تفسيري على قوله: (امتثالاً).

[8] أي: مما تسعه الطبيعة المأمور بها؛ وذلك لابتلائه بالمزاحم الأهم، لكن

ص: 277

هي مأمور بها لو قيل بتزاحم الجهات[1] في مقام تأثيرها للأحكام الواقعية؛ وأما لو قيل بعدم التزاحم[2] إلاّ في مقام فعلية الأحكام لكان مما تسعه وامتثالاً لأمرها بلا كلام.

وقد انقدح بذلك[3]: الفرق بين ما إذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين وقُدِّم دليل الحرمة تخييراً[4] أو ترجيحاً، حيث لا يكون معه[5] مجال للصحة أصلاً، وبين ما إذا كانا من باب الاجتماع وقيل بالامتناع وتقديم جانب الحرمة، حيث يقع صحيحاً في غير مورد[6] من موارد الجهل والنسيان، لموافقته[7] للغرض، بل للأمر.

-------------------------------------------------------------------

التزاحم لا يخرجه عن كونه فرداً للطبيعة بما هي هي، كما لا يسبب عدم وفائه بالغرض، بل يفي بالغرض وإن لم يكن مأموراً به فيسقط الأمر.

[1] إشارة إلى المبنى الذي اختاره المصنف - وقد مرّ - من أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية بما هي هي.

وعليه: فالإنشاء وإصدار الأمر تابع لما هو المؤثر منها، إذن لا يوجد حكم - حتى في مرحلة الإنشاء - للمهم، بل الحكم الإنشائي منحصر في الأهم.

[2] إشارة إلى المبنى الآخر - الذي مرّ أيضاً - من أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد المعلومة فقط. فالتزاحم لا يكون في مقام الإنشاء، فلا مانع من إنشاء الحكمين، وإنما التزاحم في مقام الفعلية، فالأمر بالمهم صدر ولكنه ليس بفعلي، فحينئذٍ يكون العمل بقصد ذلك الأمر الإنشائي.

[3] الغرض بيان الفرق بين التعارض فيخرج عن مسألة الاجتماع، وبين التزاحم فيدخل فيه.

[4] إما لعدم وجود المرجحات، أو لعدم القول بالترجيح، بل التخيير رأساً.

[5] أي: مع التعارض وتقديم جانب الحرمة.

[6] أي: في موارد متعددة، كالجهل القصوري بالحكم أو الموضوع أو كليهما.

[7] أي: لموافقة العمل، وهذا دليل للصحة.

ص: 278

ومن هنا عُلِم: أن الثواب عليه من قبيل الثواب على الإطاعة، لا الانقياد[1] ومجرد اعتقاد الموافقة.

وقد ظهر بما ذكرناه وجه حكم الأصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مع النسيان أو الجهل بالموضوع، بل أو الحكم، إذا كان عن قصور، مع أن الجل لو لا الكل قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة، ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر[2]، فلتكن من ذلك على ذكر.

إذا عرفت هذه الأمور فالحق هو القول بالامتناع، كما ذهب إليه المشهور(1). وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل أو يمكن أن يقال من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال يتوقف على تمهيد مقدمات:

إحداها: إنه لا ريب في أن الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها[3]

-------------------------------------------------------------------

[1] مقابل التجري، ومعنى الانقياد كون العبد ذا نيّة حسنة ويريد إطاعة المولى.

[2] كالعمد والجهل تقصيراً.

دليل الامتناع

اشارة

يتوقف على مقدمات أربع:

المقدمة الأولى

[3] مراتب الحكم أربع:

1- الاقتضاء، أي: وجود المصلحة أو المفسدة؛ وذلك لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.

2- الإنشاء، أي: صدور الحكم من المولى، كأن ينطق به أو يكتبه.

3- الفعلية، أي: تحقق جميع شرائط الحكم وبعث المولى نحوه، أو زجره عن الشيء بمعنى أنه يريده أو يكرهه فعلاً - مثلاً - .

ص: 279


1- الفصول الغروية: 125؛ معالم الدين: 93؛ قوانين الأصول 1: 140.

وبلوغها[1] إلى مرتبة البعث والزجر، ضرورة[2] ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان[3] والزجر عنه في ذاك الزمان. وإن لم يكن[4] بينها مضادة ما لم يبلغ إلى تلك المرتبة، لعدم المنافاة والمعاندة[5] بين وجوداتها الإنشائية قبل

-------------------------------------------------------------------

4- المنجزية والمعذرية، بمعنى أنه: لو علم المكلف تنجز عليه، ولا عذر له على المخالفة، وإذا لم يعلم - قصوراً - كان معذوراً في المخالفة.

والتضاد لا يكون في مرحلة الاقتضاء، فما أكثر الأشياء التي اجتمعت فيها المصلحة والمفسدة، كقوله تعالى: {قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ}(1).

كما لا يكون تضاد في مرحلة الإنشاء؛ لعدم المعارضة بين الوجودات اللفظية والكتبيّة.

وإنّما التضاد في مقام الفعلية؛ لعدم معقولية اجتماع إرادة الفعل وإرادة الترك - مثلاً بالنسبة إلى شيء واحد - مع تحقق سائر شرائط التناقض.

[1] عطف تفسيري لشرح الفعلية.

[2] دليل تضاد الأحكام - في مرتبة الفعلية - إذ الفعلية إرادة الفعل والبعث نحوه، أو كراهته والزجر عنه، ولا يعقل اجتماعها في شخص واحد.

[3] شروط التناقض والتضاد ثمانية، وذكر المصنف اتحاد الزمان من باب ذكر المثال الواضح، والشروط هي الوحدة في الموضوع والمحمول والزمان والمكان والشرط والإضافة، ثم الجزء والكل ثم القوة والفعل.

[4] أي: لا تضاد في مرحلة الاقتضاء والإنشاء، «تلك المرتبة» أي: الفعلية.

[5] بيان لعدم التضاد في المرحلة الثانية وهي مرحلة الإنشاء. وحاصله: إن الوجود اللفظي أو الكتبي لا تضاد بينه ما لم يصل إلى الإرادة أو الكراهة.

والوجود الإنشائي يصح حتى لو وُجد المانع عن الفعلية؛ لأن الوجود الإنشائي تابع للمصلحة أو المفسدة. نعم، يمكن أن يقال: بلغوية الأمر الإنشائي إذا كان

ص: 280


1- سورة البقرة، الآية: 219.

البلوغ إليها، كما لا يخفى. فاستحالة اجتماع الأمر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال[1]، بل من جهة أنه بنفسه محال[2]، فلا يجوّز عند من يجوّز التكليف بغير المقدور أيضاً.

ثانيتها: إنه لا شبهة في أن متعلق الأحكام هو فعل المكلف[3] وما هو في الخارج يصدر عنه، وهو فاعله وجاعله؛ لا ما هو اسمه[4] - وهو واضح - ؛ ولا ما هو عنوانه[5]

-------------------------------------------------------------------

للوجود مانع، لكن هذا غير الامتناع العقلي، «البلوغ إليها» إلى مرتبة الفعلية.

[1] وهو التكليف بما لا يطاق كالأمر بالطيران. وهذا النحو من التكليف يمكن صدوره من المولى الغافل أو الجاهل، وأما صدوره من المولى الملتفت فهو قبيح - خلافاً للأشاعرة - .

[2] أي: يستحيل اجتماع الإرادة والكراهة في شخص واحد بالنسبة إلى شيء واحد، فلذا لا يجوّزه حتى الأشاعرة.

المقدمة الثانية

[3] قصد المصنف هو الإيجاد والإصدار، لا الفعل بما هو هو، كما يتضح من عطفه التفسيري، حيث قال: (ما هو في الخارج يصدر عنه)، وقال: (وهو فاعله وجاعله).

أما الفعل بما هو هو فلا يعقل تعلق التكليف به؛ لأنه إن كان موجوداً فيكون التكليف طلب الحاصل، وإن كان معدوماً فهو من طلب المحال، إلاّ إذا كان بمعنى طلب إيجاده وإصداره، فتأمل.

[4] لأن الغرض لا يتعلق بالاسم، وكذلك المصلحة أو المفسدة لا ترتبط به، بل المصلحة والمفسدة وكذلك الغرض تتعلق بالواقع، أياً كان الاسم.

[5] لعل المراد ما ينتزع من الفعل، مثلاً: قول الشخص: (بعت) اسمه (العقد) وينتزع منه (الملكيّة)، ولا يخفى أن بين الاسم والعنوان عموماً من وجه. فقد

ص: 281

مما قد انتزع عنه[1] - بحيث لو لا انتزاعه تصوراً واختراعه ذهناً لما كان بحذائه شيء خارجاً[2] - ويكون خارج المحمول[3] كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات[4]،

-------------------------------------------------------------------

يجتمعان كالصلاة، فإنه اسم للحركات المخصوصة كما أنه ينتزع منها. وقد يكون اسم وليس بعنوان كالعقد. وقد يكون عنوان - منتزع - وليس باسم كالملكية.

[1] اصطلاح المصنف في الانتزاع يشمل الاعتبار أيضاً، في حين أن اصطلاح المشهور هو الفرق بين الانتزاع والاعتبار، فالانتزاع(1)

ما ليس بإزائه شيء في الخارج، لكن لا يمكن للمعتبر رفعه أو جعله إلاّ برفع أو جعل منشأ الانتزاع، كزوجية الأربعة، حيث لا يوجد في الخارج بإزاء الزوجية شيء، ولا يمكن إلغاء زوجية الأربعة برفع منشأ الانتزاع، كأن يعدم أحد الأشياء - المكوَّن منها الأربعة - .

والاعتبار ما ليس بإزائه شيء في الخارج، ويمكن للمعتبر رفعه أو وضعه، كالملكية حيث يمكن للمعتبر إلغائها بدون إلغاء منشأ الاعتبار.

[2] في العبارة قصور، فلا يوجد شيء في الخارج سواء كان هنالك منتزع أم لم يكن.

ولعل مراد المصنف هو أن لا موطن له إلاّ في الذهن.

[3] قدّ مرّ أن «خارج المحمول» هو ما ليس بإزائه شيء في الخارج وينتزع من صميم وحاق الشيء، كالوحدة المنتزعة من الشيء الواحد. وإنّما سُمّي خارج المحمول؛ لأنه يخرج من الشيء ويحمل عليه، مثلاً نقول: (زيد واحد).

ويقابله المحمول بالضميمة، حيث إن بإزائه شيء في الخارج، ويحمل على الشيء - بمعنى أنه يُضَمّ إلى ذلك الشيء - مثلاً: (الجدار أبيض)، فالبياض عرض خارجي - وليس ذهنياً - وقد ضم إلى الجدار.

[4] «الاعتبارات» ما يعتبره المعتبر في الشيء الواحد، مثلاً: الحرية، و«الإضافات» ما يعتبره في شيئين، مثلاً: الرقية حيث إنها نسبة بين شخصين.

ص: 282


1- فوائد الأصول 2: 401.

ضرورة[1] أن البعث ليس نحوه[2]، والزجر لا يكون عنه، وإنما يؤخذ[3] في متعلق الأحكام آلة للحاظ متعلقاتها والإشارة إليها بمقدار الغرض منها والحاجة إليها، لا بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله وحياله.

ثالثتها[4]: إنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون، ولا ينثلم به وحدته، فإن المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد[5] وتصدق على الفارد الذي لا كثرة فيه من جهة[6]، بل بسيط من جميع الجهات، ليس فيه حيث غير حيث[7]،

-------------------------------------------------------------------

[1] بيان ودليل لعدم تعلق الحكم بالعنوان والاسم.

[2] أي: ليس نحو كل واحد من الاسم والعنوان، ولو قال المصنف: (نحوهما) و(عنهما) لكان أحسن.

[3] أي: الاسم والعنوان إذا جعل موضوعاً للتكليف فإنما هو للإشارة إلى المعنون، حيث هما مرآة له.

المقدمة الثالثة

[4] غرض المصنف بيان أنه أحياناً قد يكون العنوان متعدداً والمعنون واحداً، فلا تلازم بين التعدد في العنوان وبين التعدد في المعنون، وليس مراده الدوام؛ إذ قد يكون العنوان متعدداً والمعنون كذلك متعدد. ولذا قال: (ربما تنطبق... الخ)، «به» بتعدد العنوان، «وحدته» وحدة المعنون.

وبهذه المقدمة يُبطل المصنف دليل المجوزين حيث استدلوا بتعدد العنوان، فيقال لهم: إن تعدد العنوان لا يكفي لتعدد المعنون، بل لابد من دليل لتعدد المعنون.

[5] وذلك إذا لم يكن بينها مضادة مثلاً: (الطويل الأبيض العالم) قد تنطبق على (زيد) وهو واحد، وكذلك صفات الله تعالى.

[6] أي: لا كثرة فيه من أية جهة من الجهات.

[7] أي: لا تعدد في الحيثيات فيه، بمعنى أنه لا تتغاير فيه الحيثيات، كما في

ص: 283

وجهة مغايرة لجهة[1] أصلاً، كالواجب تبارك وتعالى، فهو على بساطته[2] ووحدته وأحديته[3] تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية[4] والجمالية[5]. له الأسماء الحسنى والأمثال العليا[6]، لكنها بأجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الأحد[7].

عباراتنا شتى وحسنك واحدٌ

وكلٌ إلى ذاك الجمال يشير

-------------------------------------------------------------------

الممكنات، فيقال: هذا من حيث إنه ابن زيد فهو ولد، ومن حيث إنه أب عمرو فهو والد.

[1] أي: لا تغاير في الوجود. نعم، في المفهوم الذهني يوجد تغاير.

[2] حيث لا منشأ لانتزاع تلك الصفات إلاّ ذاته وهي بسيطة، بعكس الممكنات حيث إن منشأ انتزاع الصفات منها هو تلبسها بالمبادئ المختلفة.

[3] الألفاظ الثلاثة مترادفة - هنا - ويراد بها معنى واحد، وان كانت بالأساس لمعنيين، فالواحد ما لا شريك له، والبسيط والأحد ما لا جزء له.

[4] أي: الصفات السلبية، فإنّ الله تعالى أجلّ من أن يتصف بها، كالجسمية والتركب والرؤية والمحل... الخ.

[5] أي: الصفات الثبوتية، كالعلم والقدرة والحياة... الخ.

[6] المراد ب- «الأمثال العليا» هنا نفس (الأسماء الحسنى) جيء بها للسجع، وإن كان المراد - في غير هذا المكان - الأمثال التي ضربها الله تعالى لنفسه، كقوله تعالى: {ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةٖ}(1) الآية.

[7] يراد بها معنى واحد فهي - هنا - مترادفات، وإن كانت بالأساس لمعانٍ مختلفةٍ، فالواحد ما لا شريك له، والأحد ما لا جزء له، والفرد المستقل في التدبير.

ص: 284


1- سورة النور، الآية: 35.

رابعتها[1]: إنه لا يكاد يكون للموجود بوجودٍ واحد إلاّ ماهية واحدة[2] وحقيقة فاردة، لا يقع في جواب السؤال عن حقيقته بما هو[3] إلاّ تلك الماهية؛ فالمفهومان المتصادقان على ذاك[4] لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقة[5] وكانت عينه في الخارج[6]، كما هو شأن الطبيعي وفرده، فيكون[7] الواحد وجوداً واحداً ماهيةً وذاتاً[8] لا محالة؛ فالمجمع وإن تصادق عليه متعلقا الأمر والنهي، إلاّ أنه كما

-------------------------------------------------------------------

المقدمة الرابعة
اشارة

[1] الغرض من عقد هذه المقدمة هو دفع ما يتوهم من أنه يكفي في جواز الاجتماع تعدد الماهية - ولو كان الوجود واحداً - كما سيأتي في الدليل الأول للمجوزين.

مضافاً إلى دفع توهمين أوردهما الفصول.

[2] وذلك لأن الماهية مركبة من الجنس والفصل، وتغاير الماهيات بتباين الفصول، والفصول متضادة، فلا يمكن اجتماعها في وجود واحد.

مثلاً: الإنسان والفرس، بعد اشتراكهما في الجنس - وهو الحيوان - يتغايران بالفصل، وبين الفصلين - الناطق والصاهل - تضاد فلا يجتمعان.

[3] أي: باعتبار ذاته، لا حسب العوارض والطوارئ.

[4] أي: ذلك المجمع وهو موجود بوجود واحد.

[5] فالحركات الخاصة - المنطبق عليها عنوان الصلاة وعنوان الغصب - ليس لها ماهيتان.

[6] أي: فلا يصح أن يقال: كما أن الطبيعي يوجد بوجود فرده في الخارج، كذلك ماهية الصلاة وجدت بوجود هذه الحركات، وكذلك ماهية الغصب، فلدينا ماهيتان؛ وذلك لأن الوجود الواحد له ماهية واحدة فقط.

[7] نتيجة عدم تعدد الماهيات.

[8] «ذاتاً» عطف تفسيري على (ماهية).

ص: 285

يكون واحداً وجوداً يكون واحداً ماهيةً وذاتاً؛ ولا يتفاوت فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية.

ومنه ظهر عدم[1] ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة على القولين في تلك المسألة - كما توهم في الفصول(1)، كما ظهر عدم الابتناء[2] على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدم تعدده، ضرورة عدم كون[3] العنوانين المتصادقين

-------------------------------------------------------------------

التوهم الأول

[1] حاصل التوهم: إن صاحب الفصول بنى الجواز على أصالة الماهية، والامتناع على أصالة الوجود فقال: إنه على أصالة الوجود، فإن ما في الخارج هو شيء واحد، فلا يعقل أن يتعلق به أمر ونهي؛ للزوم اجتماع الضدين. أما على أصالة الماهية، فإن الماهية متعددة، فالمتحقق في الخارج ماهيتان، إحداهما كانت واجبة، والأخرى محرّمة، فلا اجتماع للضدين.

وجوابه: يظهر ممّا بيناه من أنه لا تعدد للماهية، فالوجود الواحد له ماهية واحدة، سواء قلنا بأصالة الوجود أم بأصالة الماهية.

التوهم الثاني

[2] الجنس والفصل مقومان للماهية؛ لأن الماهية تتركب منهما، وعلى أصالة الماهية فإن الجنس والفصل متحققان في الخارج. فقد يقال بتعددهما - أي: إن المتحقق في الخارج أمران - . وقد يقال باتحادهما - أي: إن المتحقق في الخارج شيء واحد له اعتباران - .

وحاصل توهم الفصول: إنه لو قلنا بتعدد الجنس والفصل في الخارج فيبتنى عليه جواز الاجتماع؛ إذ المأمور به شيء والمنهي عنه شيء آخر. أما لو قلنا بعدم التعدد فلا محيص من الامتناع؛ لاتحاد المأمور به والمنهي عنه.

[3] جواب عن توهم الفصول، وحاصله: إن هذه المسألة لا تبتنى على مسألة

ص: 286


1- الفصول الغروية: 126.

عليه من قبيل الجنس والفصل له، وأن مثل الحركة[1] في دار - من أي مقولة كانت[2] - لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها، وقعت جزءاً للصلاة أو لا، كانت تلك الدار مغصوبة أو لا.

إذا عرفت ما مهدناه[3] عرفت:

أن المجمع حيث كان واحداً وجوداً وذاتاً[4] كان تعلق الأمر والنهي به محالاً ولو

-------------------------------------------------------------------

تعدد الجنس والفصل أو اتحادهما؛ لأن عنوان الصلاة وعنوان الغصب ليسا من الجنس والفصل أصلاً؛ وذلك لأن الحركة الخاصة لا يختلف جنسها وفصلها، سواء كانت جزءاً من الصلاة أم لا، وسواء كانت تصرفاً في الغصب أم لا.

[1] لبيان أن عنوان الغصب وعنوان الصلاة ليسا من قبيل الجنس والفصل؛ إذ لو كانا جنساً أو فصلاً لاختلفت حقيقة الحركة الخاصة بتغيرهما، مضافاً إلى أن بين الجنس والفصل عموماً مطلقاً، وبين الصلاة والغصب عموم من وجه.

[2] الظاهر أنها من مقولة الوضع؛ لأن الصلاة - مثلاً - مركبة من:

أ- الكيف المسموع - كالقراءة والذكر - .

ب - الكيف النفساني - كالنية - .

ج - مقولة الوضع - كالهيئة في الركوع والسجود - .

والغصب - مثلاً - هو من مقولة الوضع - ظاهراً - .

النتيجة

[3] أي: نتيجة تلك المقدمات الأربع هو الامتناع؛ لأن: 1- الأحكام متضادة، 2- ومتعلقها إيجاد المكلف للفعل، 3- وتعدد العنوان لا يوجب تعدد المتعلق، 4- وكما أن وجودها واحد كذلك ماهيتها واحدة.

فالنتيجة: أن متعلق الحكم شيء واحد فقط، فلا يعقل أن يكون له حكمان متضادان.

[4] المراد بالذات الماهية.

ص: 287

كان تعلقهما به بعنوانين، لما عرفت من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنه متعلقاً للأحكام، لا بعناوينه الطارئة عليه.

وأن غائلة اجتماع الضدين فيه[1] لا تكاد ترتفع بكون الأحكام تتعلق بالطبائع لا الأفراد، فإن غاية تقريبه أن يقال[2]:

إن الطبائع من حيث هي هي[3] وإن كانت ليست إلاّ هي، ولا تتعلق بها الأحكام

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: في المجمع.

أدلة المجوزين

الدليل الأول
اشارة

[2] خلاصة الدليل الأول - وهو من شطرين - هو أن:

1- الأحكام تتعلق بالطبائع، فالواجب طبيعة الصلاة، والحرام طبيعة الغصب.

2- الفرد الخارجي مقدمة لتحقق الطبيعتين؛ وذلك الفرد حرام فقط، لكنه مقدمة للواجب وللحرام. فلم يستلزم اجتماع أمر ونهي في شيء واحد أصلاً؛ لأن الواجب طبيعة والحرام طبيعة أخرى، والفرد - وهو مقدمة للطبيعتين - حرام فقط، فهو حرام ومقدمة للغصب الحرام، كما أنه مقدمة للصلاة الواجبة، ولا محذور في كون الشيء مقدمة لحرام ولواجب، كما لو ركب الدابة المغصوبة للوصول إلى الحج وإلى الخمر معاً. فإن الركوب حرام فقط، ولو وصل وأدى الحج فقد فعل واجباً، ولو شرب الخمر فقد فعل محرماً أيضاً.

[3] أي: في مرحلة ذاتها - كما مرّ - ، «ليست إلاّ هي» أي: (لا بشرط) فلذا تجتمع مع كافة الشروط. ولو كانت الطبيعة في مرحلة ذاتها بشرط الوجود صارت من قبيل واجب الوجود؛ لعدم تخلف الذاتي. ولو كانت في مرحلة ذاتها بشرط العدم صارت من قبيل ممتنع الوجود.

ص: 288

الشرعية[1] - كالآثار العادية والعقلية[2] -، إلاّ أنها[3] مقيدةً بالوجود - بحيث كان القيد خارجاً والتقيد داخلاً[4] - صالحةٌ لتعلق الأحكام بها. ومتعلقا الأمر والنهي[5] على هذا[6] لا يكونان متحدين أصلاً، لا في مقام تعلق البعث والزجر، ولا في مقام

-------------------------------------------------------------------

[1] مثلاً: الكذب في ذاته ليس بحرام ولا واجب، فلذا يمكن أن يتصف بالوجوب - كما في إنقاذ المؤمن - ويمكن أن يتصف بالحرمة - كما في أكثر الموارد - . أما العدل - مثلاً - فإنه في مرحلة ذاته واجب، فلذا الوجوب ضروري له.

[2] (الأثر العادي) ما يمكن انفكاكه مثل حرارة النار، حيث يمكن الانفكاك كنار إبراهيم عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ. و(الأثر العقلي) ما لا يمكن انفكاكه كالتحيز للجسم. وكلا الأثرين ممّا لا يدخلان في الماهية، بل هما من لوازم الوجود.

[3] خبر (أن) قوله: (صالحةٌ)، وقوله: (مقيدةً) حال.

فالمعنى أن الماهية من حيث هي وفي مرحلة ذاتها لا يتعلق بها الأحكام، لكنها بشرط الوجود تكون متعلقاً للأحكام. وليس الوجود جزءاً من الماهية، بل التقيد عارض عليها، والوجود خارج، ككل وصف، مثلاً: حينما نقول: (زيد أبيض)، فالبياض ليس جزءاً من ماهية زيد، بل هو خارج عن الذات، لكن في زيد تحقق وصف وحالة سببت ارتباط البياض به.

[4] أي: ليست الطبيعة الموجودة مأموراً بها أو منهيّاً عنها حتى يستلزم اجتماع الضدين، بل المأمور به والمنهي عنه هو الطبيعة بقيد الوجود، بحيث كان الوجود خارجاً عن المأمور به؛ وذلك لأن الطبيعة الموجودة هي أمر حاصل، فلا معنى لطلب حصولها.

[5] أي: حيث تعلق الأمر والنهي بالطبيعة، فالطبيعتان متغايرتان ولا اتحاد بينهما. لا في مرحلة الطلب - أي: البعث في الأمر والزجر في النهي - ولا في مرحلة الامتثال أو العصيان. والأول مرتبط بالمولى، والثاني مرتبط بالعبد.

[6] أي: على القول بتعلق الأمر بالطبائع.

ص: 289

عصيان النهي وإطاعة الأمر بإتيان المجمع بسوء الاختيار[1].

أما في المقام الأول[2]: فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وإن كانا متحدين في ما هو خارج عنهما[3]، بما هما كذلك[4].

وأما في المقام الثاني[5]: فلسقوط أحدهما بالإطاعة والآخر بالعصيان بمجرد الإتيان؛ ففي أي مقام اجتمع الحكمان في واحد؟

وأنت خبير[6]:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: في ما أمكنه فعل الواجب في غير مورد الحرام، كما لو أتى بالصلاة في غير المغصوب. أمّا لو انحصرت الصلاة في المغصوب فوجوبها وحرمة الغصب يكون من التكليف بما لا يطاق، فإما أن يسقط وجوب الصلاة، وإما أن تسقط حرمة الغصب.

[2] أي: مقام طلب المولى؛ وذلك لأن المولى يريد الطبيعتين، ولا تنافي بينهما؛ إذ هما متعددان. نعم، في الوجود يتحدان، لكن الوجود ليس متعلقاً للأمر والنهي حتى يصير طلب الضدين.

[3] أي: خارج المتعلق وهو الوجود.

[4] أي: بما هما متعلقان للبعث والزجر.

وحاصل العبارة: أما في المقام الأول - وهو حين إرادة المولى - فلا تنافي؛ لتعدد الطبيعتين بما هما متعلقان للبعث والزجر، وإن كانت الطبيعتان في مرحلة الوجود متحدتين؛ وذلك الوجود خارج الطبيعتين المتعلقتين للبعث والزجر.

[5] أي: حين فعل العبد لا يجتمع الأمر والنهي أصلاً؛ وذلك لسقوطهما فلا يجتمعان، أمّا سقوط الأمر فبالإطاعة حيث لا يبقى أمرٌ بعد إطاعته. وأمّا سقوط النهي فبالعصيان؛ وذلك لفوات غرض المولى، كما لو قال: (أكرم الضيف) فعصى إلى أن سافر الضيف، حيث يسقط أمر (أكرم) بفوات الغرض.

رد الشطر الأول من الدليل الأول

[6] حاصل الجواب: هو أن الفعل الخارجي - الذي اجتمع فيه الصلاة والغصب -

ص: 290

بأنه لا يكاد يجدي[1] بعد ما عرفت من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون، لا وجوداً ولا ماهيةً، ولا تنثلم به وحدته أصلاً؛ وأن المتعلق للأحكام هو المعنونات لا العنوانات، وأنها إنما تؤخذ في المتعلقات بما هي حاكيات - كالعبارات[2] -، لا بما هي على حيالها واستقلالها.

كما ظهر ممّا حققناه[3]: أنه لا يكاد يجدي أيضاً كون الفرد مقدمة[4] لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه، وأنه لا ضير في كون المقدمة محرمة في صورة عدم الانحصار[5]

-------------------------------------------------------------------

واحد وجوداً، وواحد ماهيةً. وأن انطباق طبيعة الغصب وطبيعة الصلاة عليه لا يوجب تعدده، بل يوجب تعدد عنوانه، وقد مرّ في مقدمات دليل الامتناع أن تعدد العنوان لا يجدي في رفع التضاد.

[1] أي: لا يجدي تعدد العنوان.

[2] بالراء، أي: الألفاظ، فلو قلنا: (أكرم زيداً) يراد به إكرام الشخص الخارجي، لا إكرام اسم (زيد).

الشطر الثاني من الدليل الأول
اشارة

[3] هذا هو الشطر الثاني من الدليل الأول للمجوزين.

[4] وحاصله: إنهم يقولون: إنّ الفرد الخارجي هو حرام فقط، لكنه مقدمة للطبيعي الواجب، ومقدمة للطبيعي الحرام. فلم يلزم من ذلك اجتماع الضدين إطلاقاً.

[5] أي: مع وجود مقدمات مباحة، كما لو وجدت الدابة المستأجرة أو المملوكة، لكنه سافر بالمغصوبة، فإن العقل لا يرى مانعاً من كون التصرف في الدابة المغصوبة حرام، وفي الوقت نفسه مقدمة للواجب بحيث يكون قد أتى بفريضة الحج. أما لو انحصر الذهاب إلى الحج الواجب بركوب الدابة المغصوبة، فإن الأمر بالحج مع النهي عن التصرف في الدابة تكليف بما لا يطاق، ولا يصدر من المولى الحكيم؛ إذ عليه إما أن يرفع اليد عن وجوب الحج، أو أن يرفع اليد عن حرمة التصرف في المغصوبة.

ص: 291

بسوء الاختيار[1]، وذلك[2] - مضافاً إلى وضوح[3] فساده، وأن الفرد هو عين الطبيعي في الخارج، كيف[4] والمقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود، ولا تعدد كما هو واضح - أنه إنما يجدي[5] لو لم يكن المجمع واحداً ماهيةً، وقد عرفت بما لا

-------------------------------------------------------------------

[1] متعلق بقوله: (محرمة)، أي: حرمتها بسوء اختيار المكلف، حيث كان يمكنه ركوب المباحة، لكنه عصى بسوء اختياره فركب المغصوبة، فصارت المقدمة محرمة.

[2] شروع في رد هذا الاستدلال (وهو الشق الثاني من الدليل الأول للمجوزين)، والرد من وجهين.

الرد الأول

[3] حاصل الرد: إن الفرد ليس مقدمة للطبيعي، بل الفرد نفس الطبيعي؛ لأن الطبيعي موجود بوجود فرده، فزيد مثلاً ليس مقدمة للإنسان، بل هو الإنسان بعينه.

[4] بيان للعينية وأن الفرد عين الطبيعي. وحاصله: إن الشيء لا يكون مقدمة لنفسه، حيث إن المقدمة علة أو جزء علة، ولا يعقل كون الشيء علة لنفسه، فالمقدمية تقتضي التغاير بين المقدمة وذي المقدمة، في حين أن الطبيعي عين الفرد.

الرد الثاني

[5] أي: إن المقدمية إنما تدفع اجتماع الضدين إذا قلنا: إنّ المجمع له ماهيتان، بإحدى الماهيتين كان مقدمة لطبيعي الصلاة، وبالأخرى كان مقدمة لطبيعي الغصب.

لكنا أثبتنا أن المجمع له وجود واحد وماهية واحدة، فلا يمكن أن يكون مقدمة للطبيعتين.

هذا غاية ما يخطر بالبال لتوجيه كلام المصنف، وإلاّ فالعبارة لا تخلو من غموض.

فإما نجعل الردين رداً واحداً، فيكون قوله: (أنه إنّما يجدي) من تتمة الردّ الأول. وإما أن نشكل على المصنف بأن إشكاله الثاني غير وارد؛ لأن المستدل يرى حرمة المجمع فقط، لكنه مقدمة لواجب ولحرام، فكون المجمع ذا ماهية واحدة لا يضر بما يستدل، فتأمل.

ص: 292

مزيد عليه أنه بحسبها[1] أيضاً واحد.

ثم إنه قد استدل[2] على الجواز بأمور:

منها[3]: إنه لو لم يجز اجتماع الأمر والنهي لما وقع نظيره[4]، وقد وقع، كما في العبادات المكروهة، كالصلاة في مواضع التهمة[5] وفي الحمام(1)، والصيام في

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: المجمع بحسب الماهية.

الدليل الثاني للمجوزين
اشارة

[2] كان الأولى تقديم هذه العبارة؛ لأن هذا هو الدليل الثاني للمجوزين، وقد سبق أن ذكر الدليل الأول - بشقّيه - والجواب عنه.

[3] حاصل الدليل: إن الوقوع دليل الإمكان، وحيث رأينا اجتماع الأحكام - مع تضادها - كالوجوب والكراهة، علمنا أن تعدد الجهة كاف في دفع غائلة اجتماع الضدين.

[4] أي: نظير اجتماع الوجوب والحرمة، والنظير هو الاجتماع في سائر الأحكام؛ وذلك لأن العلة واحدة، حيث إن تعدد الجهة ان كان كافياً في الجواز كان الاجتماع جائزاً، سواء بين الوجوب والحرمة أم بين غيرهما من الأحكام. وإن لم يكن اجتماع الجهة كافياً لما جاز مطلقاً. وحيث رأينا الوقوع في بعض الأحكام علمنا أن تعدد الجهة كاف في رفع التضاد.

[5] 1- التهمة مصدر بمعنى الاتهام، أي: الصلاة في الأماكن التي توجب سوء ظن الناس واتهامهم له، كالصلاة في المخامر والمواخير ونحوها.

2- وعن لسان العرب(2)

(التَهمة) كهمزة، ما يُتهم عليه، والمراد الأمكنة التي يتهم المصلي فيها على استخفافه بالصلاة، كمرابض الغنم، ومعاطن الإبل، والمزابل، والحمام، فيكون قوله: (وفي الحمام) من عطف الخاص على العام.

ص: 293


1- قوانين الأصول 1: 142.
2- لسان العرب 12: 74.

السفر[1] وفي بعض الأيام[2].

بيان الملازمة[3]: إنه لو لم يكن تعدد الجهة مجدياً في إمكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين آخرين في مورد[4] مع تعددها، لعدم اختصاصهما[5] من بين الأحكام بما يوجب الامتناع من التضاد[6]، بداهة تضادها بأسرها[7]، والتالي باطل، لوقوع[8] اجتماع الكراهة والإيجاب أو الاستحباب في مثل الصلاة في الحمام، والصيام في السفر[9]

-------------------------------------------------------------------

[1] إن قلنا بجوازه في الصوم المستحب.

[2] كيوم عاشوراء، ويوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء.

[3] أي: بين (امتناع اجتماع الحرمة والوجوب) وبين (امتناع اجتماع سائر الأحكام) حيث إما يجوزان أو لا يجوزان، وحيث جاز في غير الوجوب والحرمة جاز فيهما أيضاً.

[4] أي: في أي مورد من الموارد.

[5] أي: الوجوب والحرمة. والمعنى أن العلة واحدة في كلا الموردين.

[6] بيان ل(ما) في قوله: (بما يوجب)، والمعنى لعدم اختصاص الوجوب والحرمة من بين الأحكام الخمسة، (بما) أي: بتضاد يوجب الامتناع للاجتماع.

[7] كما مرّ في المقدمة الأولى من الدليل للامتناع.

[8] الأمثلة: 1- الوجوب والكراهة: كالصلاة الواجبة في الحمام.

2- الوجوب والاستحباب: كالصلاة الواجبة في المسجد.

3- الوجوب والإباحة: كالصلاة الواجبة في الدار.

4- 5- 6- الاستحباب مع هذه الأحكام كالصلاة المستحبة في هذه الأماكن.

[9] أي: الصيام المستحب على القول بجوازه في السفر، ولعل المشهور(1) عدم الجواز إلاّ بالنذر.

ص: 294


1- المهذب 1: 194؛ الوسيلة: 148؛ المعتبر 2: 645.

وفي العاشوراء[1] - ولو في الحضر - ، واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الإباحة أو الاستحباب في[2] مثل الصلاة في المسجد أو الدار.

والجواب عنه:

أما إجمالاً[3]: فبأنه لابد من التصرف والتأويل في ما وقع في الشريعة مما ظاهره الاجتماع بعد قيام الدليل على الامتناع، ضرورة[4] أن الظهور لا يصادم البرهان.

-------------------------------------------------------------------

[1] أما ما ورد من الروايات(1)

باستحباب الصوم فيه فمحمول على التقية؛ لأن العامة روت استحبابه؛ وذلك لأن الأمويين(2)

صاموا شكراً لقتل الحسين عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[2] كالنافلة في المسجد، فيكون من اجتماع الاستحباب والاستحباب، وهذا المثال وإن كان خارجاً عن البحث لكنه داخل في ملاكه حيث اجتمع المثلان، وحيث إنّ اجتماع المثلين محال فنقول بكفاية تعدد الجهة لرفع اجتماعهما.

رد الدليل الثاني

[3] الجواب أمران:

1- بعد قيام الدليل العقلي على امتناع الاجتماع، وعدم كفاية تعدد الجهة لرفع الاجتماع، لابد من تأويل الظواهر الدالة على الاجتماع.

2- إن هذا الإشكال ليس خاصاً بالقول بالامتناع، بل يجري حتى على القول بالجواز؛ وذلك لأن المجوِّز يرى الجواز في صورة تعدد الجهة، ولا يرى الجواز في صورة اتحاد الجهة. وفي هذه الأمثلة الجهة واحدة، فالصلاة في الحمام نفس الصلاة واجبة، ونفس الصلاة مكروهة. فلابد للمجوزين من التفصي عن هذا الإشكال أيضاً.

[4] هذا الجواب الأول، وحاصله: لزوم تأويل ظهور الألفاظ حين قيام الدليل العقلي أو النقلي القطعي على خلاف ذلك الظهور.

ص: 295


1- الاستبصار 2: 134.
2- الاستبصار 2: 134.

مع[1] أن قضية ظهور تلك الموارد اجتماع الحكمين فيها بعنوانٍ واحد[2]، ولا يقول الخصم بجوازه كذلك[3]، بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين. فهو أيضاً لابد له من التفصي عن إشكال الاجتماع فيها، لا سيما إذا لم يكن هناك مندوحة[4]، كما في العبادات المكروهة[5] التي لا بدل لها. فلا يبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه أصلاً، كما لا يخفى.

وأما تفصيلاً: فقد أجيب(1)

عنه بوجوه يوجب ذكرها بما فيها من النقض والإبرام طول الكلام بما لا يسعه المقام.

فالأولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادة الإشكال، فيقال - وعلى الله الإتكال -:

إن العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام:

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا الجواب الثاني.

[2] لأن تلك الموارد من قبيل العام والخاص المطلق أو التساوي، في حين أن موارد اجتماع الأمر والنهي من قبيل العام والخاص من وجه.

[3] أي: من وجه واحد، «فهو» فالخصم المجوِّز للاجتماع.

[4] لأن في مورد وجود المندوحة لعل البعض يقول بالإمكان بشبهة أنه بسوء الاختيار، وما بالاختيار لا ينافي الاختيار، أو يقال: إنه في صورة وجود المندوحة الأمر لم يتوجه إلى هذا الفرد المكروه لكن الملاك موجود، لكن في صورة عدم المندوحة لا توجد شبهة سوء الاختيار، ولا يمكن أن يقال بعدم توجه الأمر إلى هذا الفرد المكروه؛ وذلك لانحصار الوجوب به فقط.

[5] ومنها يتضح اجتماع الوجوب وغيره في غير العبادات، «له» للخصم، وقوله: «على جوازه» متعلق ب(للاستدلال).

ص: 296


1- الفصول الغروية: 128؛ مطارح الأنظار 1: 617.

أحدها: ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته[1] ولا بدل له[2]، كصوم يوم العاشوراء[3] والنوافل المبتدئة(1)[4]

في بعض الأوقات[5].

ثانيها: ما تعلق به النهي كذلك[6] ويكون له البدل، كالنهي عن الصلاة في الحمام[7].

ثالثها: ما تعلق النهي به لا بذاته، بل بما هو مجامع معه وجوداً[8] أو ملازم له

-------------------------------------------------------------------

الجواب التفصيلي

[1] «ذاته» عطف تفسيري، والمعنى تعلق النهي بنفس الشيء لا بما يلازمه - كما في القسم الثالث - .

[2] أي: ليس متعلق الأمر شيئاً عاماً ومتعلق النهي شيئاً خاصاً - مطلقاً أو من وجه - بل هنالك تساوٍ في متعلق الأمر والنهي.

[3] حيث إنه مكروه ولا بدل له؛ لأن صوم كل يوم هو مستحب في نفسه، ولا يقع الصوم المستحب بديلاً عن يوم آخر.

[4] أي: النوافل التي ليس لها سبب خاص أو وقت خاص، بل كانت مستحبة حيث إن الصلاة خير موضوع، فيستحب الصلاة في أي وقت من الأوقات بلا سبب خاص.

[5] قيل(2):

بكراهة النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس وعند غروبها، ونحوها.

[6] أي: تعلق به النهي بعنوانه وبذاته لكن له البدل.

[7] حيث إن للصلاة عموماً بدلياً بالنسبة إلى المكان، والصلاة في الحمام أخص مطلقاً. فالصلاة في الحمام مكروهة، ولها بدل وهو الصلاة في المسجد، أو في أي مكان آخر، فنفس الحركات هي صلاة واجبة أو مستحبة وفي الوقت نفسه مكروهة.

[8] بأن كان ذلك العنوان جزءاً من الصلاة - لا كلّها عكس الشقين الأولين - .

ومثاله: الصلاة في مواضع التهمة، حيث إن المكروه هو الكون في مواضع

ص: 297


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «المبتدأة».
2- شرائع الإسلام 1: 50؛ مدارك الأحكام 3: 104؛ الحدائق الناضرة 6: 304.

خارجاً[1]، كالصلاة في مواضع التهمة، بناءً على كون النهي عنها لأجل اتحادها مع الكون في مواضعها.

أما القسم الأول: فالنهي تنزيهاً عنه[2] - بعد الإجماع[3] على أنه يقع صحيحاً(1)،

ومع ذلك يكون تركه أرجح كما يظهر من مداومة الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ على الترك[4] - إما لأجل[5] انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك. فيكون الترك

-------------------------------------------------------------------

التهمة، والكون هو جزء من الصلاة - على بعض الأقوال - حيث إن الصلاة مركبة من الكيف والوضع والكون.

وهذا في الحقيقة يرجع إلى القسم الثاني كما سيأتي من المصنف في قوله: (حيث إنه بالدقة يرجع إليه).

[1] أي: النهي لم يتعلق بذات العبادة، بل بما يلازمها خارجاً، ومثاله: الكون في الصلاة بناءً على أن (الكون) ليس جزءاً للصلاة - على بعض الأقوال الأخرى - .

القسم الأول
اشارة

[2] أي: عن هذا القسم الأول، فالنهي عنه ليس نهياً تحريمياً، بل تنزيهياً بمعنى الكراهة.

[3] هذا دليل على أن النهي ليس تحريمياً؛ لأن العبادة المحرمة تقع باطلة - كما سيأتي في بحث دلالة النهي على الفساد - ، «ومع ذلك» أي: مع صحة العبادة.

[4] حيث إن المداومة على ترك شيء دليل على مرجوحيته؛ لأن الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ كانوا ملتزمين بالمستحبات، أو لا أقل من الإتيان بالمستحب أحياناً، فمع مشاهدة تركهم لأمر دائماً يستكشف عدم رجحانه، بل مرجوحيته. وكان الأولى الاستدلال بنفس كلام الأئمة عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ - حيث نهوا - .

العلة الأولى للنهي

[5] قوله: «إما لأجل...» خبر قوله: (فالنهي)، أي: النهي لأجل أن في الفعل

ص: 298


1- جواهر الكلام 17: 108.

- كالفعل - ذا مصلحة موافقة للغرض[1]، وإن كان مصلحة الترك أكثر[2]، فهما حينئذٍ[3] يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين، فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهم في البين، وإلاّ[4] فيتعين الأهم، وإن كان الآخر يقع صحيحاً حيث إنه كان راجحاً وموافقاً للغرض، كما هو الحال في سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات[5]. وأرجحية الترك[6] من الفعل لا توجب حزازة ومنقصة فيه أصلاً،

-------------------------------------------------------------------

والترك مصلحة، لكن مصلحة الترك أرجح، مثل: صيام يوم عرفة لمن يضعف عن الدعاء، فإن الصوم مستحب، وترك الصوم مستحب؛ لأن الترك انطبق عليه عنوان التقوّي على الدعاء مما أوجب استحبابه.

[1] المراد أن وجود تلك المصلحة أوجب تعلق غرض المولى بالترك، كما أن وجود مصلحة أخرى أوجب تعلق غرض المولى بالفعل.

[2] أي: أقوى، وقوة ملاك الترك أوجب رجحانه، فالنهي التنزيهي عن العبادة في الواقع هو أمر بالترك.

[3] أي: الفعل والترك حين وجود مصلحة في كليهما.

[4] أي: إن كان أحدهما أهم وكانت الأهمية بحيث لا توجب الإلزام، فإن الأهم يتعين ولكن يقع الآخر صحيحاً أيضاً.

والأهم - هنا - هو الترك؛ لذا كان الترك أرجح، ومع ذلك جاز الفعل؛ لوجود الملاك والأمر به.

[5] إذا لم تكن الأرجحية إلى حد المنع عن النقيض.

[6] دفع توهم، وحاصله: إذا كان الترك أرجح فإن الفعل مرجوح وتوجد فيه منقصة، وما كان فيه منقصة كيف يكون مقرِّباً؟

وحاصل الجواب: إن الأرجحيّة ليست لأجل وجود منقصة في الفعل، بل الفعل فيه المصلحة فقط دون منقصة، ولكن أرجحية الترك لقوة مصلحته.

ص: 299

كما يوجبها[1] ما إذا كان فيه مفسدة غالبة على مصلحته، ولذا لا يقع صحيحاً على الامتناع، فإن الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية التقرب به، بخلاف المقام[2]، فإنه[3] على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض - كما إذا لم يكن تركه راجحاً - بلا حدوث حزازة فيه أصلاً.

وإما لأجل ملازمة[4] الترك لعنوان كذلك[5] من دون انطباقه عليه[6]، فيكون كما[7]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: يوجب المنقصة. فما نحن فيه يختلف عن المورد الذي تكون في الفعل مفسدة غالبة على المصلحة، حيث تكون في الفعل منقصة، فلا يكون مقرباً - عند القول بالامتناع وترجيح جانب النهي - .

[2] أي: العبادة المكروهة - من القسم الأول - .

[3] أي: فإن الفعل فيه مصلحة فقط ولا مفسدة فيه إطلاقاً.

العلة الثانية للنهي

[4] في هذه الصورة ليس في الترك مصلحة، بل الترك يلازم أمراً؛ وذلك الأمر فيه مصلحة راجحة. ومثاله صيام عاشوراء، حيث إن مخالفة بني أمية أمر راجح ومستحب، وهو يلازم ترك الصوم، فلذا كان ترك الصوم راجحاً لملازمته لأمر مستحب.

والفرق بين صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء وصوم عاشوراء يتضح مما بيناه. حيث إن ترك الصوم في عرفة مستحب وعلة ذلك التقوية على الدعاء، وترك صوم عاشوراء يلازم مخالفة بني أمية والمخالفة أمر مستحب. وقيل غير ذلك، فتأمل.

[5] أي: عنوان ذي مصلحة وموافق للغرض.

[6] أي: دون انطباق العنوان على الترك.

[7] أي: نتيجة الملازمة أن الترك يكون أرجح - مع أن الترك ليس فيه مصلحة، ولكنه ملازم لما فيه المصلحة الراجحة - .

ص: 300

إذا انطبق عليه[1] من غير تفاوت، إلاّ في أن الطلب المتعلق به حينئذٍ[2] ليس بحقيقي، بل بالعرض والمجاز، فإنّما يكون في الحقيقة متعلقاً بما يلازمه من العنوان بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به[3] حقيقةً، كما في سائر المكروهات[4] من غير فرق، إلاّ أن منشأه فيها حزازة ومنقصة في نفس الفعل وفيه رجحان في الترك من دون حزازة في الفعل أصلاً، غاية الأمر كون الترك أرجح.

نعم، يمكن[5] أن يحمل النهي في كلا القسمين[6] على الإرشاد إلى الترك[7] الذي هو أرجح من الفعل[8] أو ملازم لما هو الأرجح[9] وأكثر ثواباً[10] لذلك،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: فيكون كالقِسم السابق، وهو ما انطبق العنوان الراجح والمصلحة على الترك.

[2] أي: المتعلق بالترك حين كون المصلحة للملازم وليس للترك.

[3] أي: لتعلق الطلب بالترك؛ وذلك لأن المصلحة في الترك نفسه.

[4] أي: كما في المكروهات، حيث إن الطلب - وهو النهي - يتعلق بنفس الفعل. فكذلك في ما نحن فيه يتعلق الطلب - وهو الأمر - بنفس الترك. «فيها» في سائر المكروهات، «فيه» في العبادة المكروهة.

جواب آخر

[5] في هذا الجواب نقول: إنّ النهي التنزيهي هو نهي إرشادي في كلا الشقين، فيكون الطلب الإرشادي حقيقياً.

[6] أي: العنوان المنطبق على الترك، والعنوان الملازم للترك.

[7] أي: ليس طلباً مولوياً - الذي قوامه إرادة المولى أو كراهته للفعل - بل طلب إرشادي لا إرادة ولا كراهة فيه، بل هو في الحقيقة إخبار بالأفضل فقط، وهو الترك هنا.

[8] وهو القسم الأول من القسمين - أي: المصلحة في العنوان المنطبق على الترك - .

[9] وهو القسم الثاني من القسمين - أي: المصلحة في العنوان الملازم - .

[10] هذا وجه الإرشاد، أي: يُرشد المولى إلى أن الترك يكون أكثر ثواباً، أو

ص: 301

وعليه[1] يكون النهي على نحو الحقيقة[2] لا بالعرض والمجاز، فلا تغفل.

وأما القسم الثاني[3]: فالنهي فيه يمكن أن يكون لأجل ما ذكر في القسم الأول[4] طابق النعل بالنعل. كما يمكن أن يكون[5] بسبب حصول منقصة في الطبيعة

-------------------------------------------------------------------

ملازماً لما هو أكثر ثواباً. وكونه أكثر ثواباً لأجل أن الترك أرجح من الفعل.

[1] أي: بناءً على الإرشاديّة.

[2] أي: في كلا القسمين؛ إذ هو إرشاد إلى أن الترك أرجح، وهذا نهي حقيقي، أو إرشاد إلى أن الترك ملازم لما هو أرجح، وهذا حقيقي أيضاً.

القسم الثاني
اشارة

[3] وهو ما تعلق النهي بذات العبادة لكن يوجد بدل للمنهي عنه، وبعبارة أخرى:

للمأمور به عموم بدلي، كالصلاة في أماكن مختلفة، والمنهي عنه أخص مطلقاً؛ إذ هو صنف من الصلاة، كالصلاة في الحمام.

[4] أي: في الجواب الأول من القسم الأول، حيث ذكرنا أن حقيقة النهي هي أمر بالترك لوجود مصلحة في الترك، كما كانت توجد مصلحة في الفعل؛ فلذا أمر بها، لكن مصلحة الترك أكثر؛ لذا كان الترك أرجح.

[5] هذا عمدة الجواب في هذا القسم. وحاصله: إن الطبيعة المأمور بها يمكن أن توجد في الخارج في ضمن أصناف ثلاثة:

1- ما لا مزية زائدة فيه ولا منقصة، ونعبِّر عنه بالفرد المتوسط.

2- ما فيه مزية زائدة، وهو الفرد المستحب.

3- ما هو أقل مزية من الفرد المتوسط، وهو الفرد المكروه.

ولا يخفى أن في عبارة المصنف مسامحة كثيرة وخاصة تعبيره ب- (المنقصة) و(مشخصٌ غير ملائم).

ص: 302

المأمور بها[1]، لأجل تشخّصها في هذا القسم[2] بمشخِّص غير ملائم لها[3]، كما في الصلاة في الحمام، فإن تشخصها بتشخص وقوعها فيه[4] لا يناسب كونها معراجاً، وإن لم يكن نفس الكون في الحمام بمكروهٍ ولا حزازة فيه[5] أصلاً، بل كان راجحاً كما لا يخفى. وربما يحصل لها[6] - لأجل تخصصها بخصوصية شديدة الملاءمة معها - مزية فيها، كما في الصلاة في المسجد والأمكنة الشريفة. وذلك لأن[7] الطبيعة المأمور بها في حد نفسها - إذا كانت مع تشخص لا يكون له شدة الملاءمة ولا

-------------------------------------------------------------------

الصنف الثالث

[1] المراد قلة المزية التي فيها عن الفرد المتوسط.

[2] أي: ما كان النهي عن الشيء بذاته مع وجود بدل.

[3] مثلاً: طبيعة الصلاة تقتضي المعراجية، والكون في الحمام - على رغم أنه مطلوب للنظافة مثلاً - لكنه غير ملائم للمعراجية.

[4] حيث إن المكان من مشخصات الطبيعة؛ لأن الطبيعة أمر ذهني لا توجد في الخارج إلاّ لو تحددت بحدود، ومن تلك الحدود وقوعها في مكان معين.

[5] الفرق بين النقص والحزازة، أن النقص باعتبار نفس الشيء، والحزازة باعتبار كراهة المولى للشيء.

الصنف الثاني

[6] أي: للطبيعة، وهذا الصنف هو ما فيه مزية زائدة عن الفرد المتوسط، وذلك كالصلاة في المسجد، حيث إن المعراجية - مثلاً - لها شدة ارتباط وملاءمة للمسجد. و(مزية) فاعل (يحصل)، وضمائر «تخصصها» و«معها» و«فيها» ترجع إلى الطبيعة.

الصنف الأول

[7] بيان للصنف الأول وهو الفرد المتوسط الذي له المزيّة العاديّة - لا ناقصاً ولا زائداً - .

ص: 303

عدم الملاءمة - لها مقدار من المصلحة والمزية[1]، كالصلاة في الدار - مثلاً -، وتزداد تلك المزية في ما كان تشخصها بما له شدة الملاءمة، وتنقص في ما إذا لم تكن له ملاءمة. ولذلك[2] ينقص ثوابها تارةً، ويزيد أخرى. ويكون النهي فيه[3] - لحدوث نقصان في مزيتها فيه[4] - إرشاداً[5] إلى ما لا نقصان فيه من سائر الأفراد ويكون[6] أكثر ثواباً منه. وليكن هذا مراد[7] من قال: «إن الكراهة في العبادة بمعنى أنها تكون أقل ثواباً».

-------------------------------------------------------------------

[1] قوله: «لها مقدار...» خبر (أن) في قوله: (وذلك لأن). وتركيب الجمله هكذا: وذلك لأن الطبيعة المأمور بها في حد نفسها لها مقدار من المصلحة والمزية - إذا وجدت مع تشخّص لا يكون له شدة الملاءمة ولا عدم الملاءمة - ثم تزداد المصلحة والمزية في فرد، وتنقص في آخر.

[2] أي: لأجل شدة المصلحة في الفرد الملائم، وضعف المصلحة في الفرد غير الملائم.

[3] الضمير راجع إلى (ما) الموصولة، و(في) بمعنى (عن)، أي: النهي عن هذا الفرد المتشخص بما فيه منقصة كالصلاة في الحمام، وقوله: «لحدوث نقصان» خبر (يكون).

[4] أي: في ذلك الفرد. فالمعنى هو: النهي عن ذلك الفرد لوجود نقصان فيه.

[5] خبر ثانٍ لقوله: (يكون النهي)، أو هو تمييز، أي: النهي لأجل الإرشاد إلى نقصان هذا الفرد، ويلازمه البعث نحو سائر الأفراد.

[6] عطف تفسيري لقوله: (ما لا نقصان فيه)، وضمير «منه» راجع إلى الفرد الناقص.

[7] أي: لعل من قال: إنّ الكراهة في العبادة بمعنى أقلية الثواب مراده أن النهي إرشاد إلى منقصة في الصلاة في الحمام - مثلاً - .

ص: 304

ولا يرد عليه(1):

بلزوم اتصاف[1] العبادة التي تكون أقل ثواباً من الأخرى بالكراهة، ولزوم اتصاف[2] ما لا مزية فيه ولا منقصة بالاستحباب، لأنه أكثر ثواباً مما فيه المنقصة. لما عرفت[3] من أن المراد من كونه أقل ثواباً إنما هو بقياسه إلى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها[4] ولا منقصة من المشخصات[5]، وكذا كونه أكثر ثواباً.

-------------------------------------------------------------------

إشكالان وجوابهما

[1] حاصل الإشكال هو: إنه إذا كانت الكراهة بمعنى الأقل ثواباً فيلزم القول بكراهة أكثر المستحبات؛ لأن بعض مصاديقها أكثر ثواباً من بعضها، مثلاً: الصلاة في مسجد المحلة أقل ثواباً من الصلاة في المسجد الجامع، فهل يلتزم فقيه بكراهة الصلاة في مسجد المحلة - مثلاً -؟!

[2] إشكال ثانٍ وحاصله: إن الفرد الذي لا مزية زائدة فيه - مثل الصلاة في الدار - أكثر ثواباً من الفرد الناقص الثواب، كالصلاة في الحمام، فهل يلتزم أحد بأن الصلاة في الدار مستحبة؛ لأنها أكثر ثواباً من الصلاة في الحمام؟!

[3] حاصل الجواب هو: إن (الأقل ثواباً) و(الأكثر ثواباً) إنما هو بالنسبة إلى الفرد الذي لا مزية زائدة فيه ولا منقصة - وقد عبرنا عنه بالفرد المتوسط - والصلاة في مسجد المحلة هو أكثر ثواباً من هذا الفرد المتوسط؛ لذا كان مستحباً، كما أن الصلاة في المسجد الجامع أكثر ثواباً منه. وأما الصلاة في الدار فهي نفس الفرد المتوسط، وليس ثوابها أكثر من نفسها؛ لذا لا توصف بالاستحباب.

[4] أي: مزية زائدة، والمعنى: الطبيعة المتشخصة بفرد لا يحدث مع ذلك الفرد مزية زائدة للطبيعة.

[5] «من المشخصات» بيان ل- (ما) في قوله: (بما لا يحدث).

ص: 305


1- قوانين الأصول 1: 143.

ولا يخفى: أن النهي في هذا القسم[1] لا يصح إلاّ للإرشاد. بخلاف القسم الأول، فإنه يكون فيه مولوياً، وإن كان حمله على الإرشاد بمكان من الإمكان.

وأما القسم الثالث: فيمكن أن يكون[2] النهي فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: القسم الثاني وهو ما تعلق النهي بذاته وله بدل.

ولا يخفى أن هذا بناءً على الجواب الثاني، أما على الجواب الأول الذي أشار إليه بقوله: (فالنهي فيه يمكن أن يكون لأجل ما ذكر في القسم الأول طابق النعل بالنعل) فإنه يمكن أن يكون مولوياً.

ولعل نظر المصنف أن الأقرب في القسم الأول هو المولوية، والأقرب في القسم الثاني هو الإرشادية، وإن أمكنت المولوية والإرشادية في كلا القسمين - على ما مرّ - .

القسم الثالث
اشارة

وهو ما تعلق النهي به لا بذاته، بل بما هو مجامع معه وجوداً أو ملازم له خارجاً.

1- فتارة يكون البحث على القول بجواز الاجتماع.

2- وأخرى على القول بالامتناع في صورة الملازمة.

3- وثالثة على القول بالامتناع في صورة الاتحاد.

1- على القول بالجواز
اشارة

[2] هذا على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي، وهنا جوابان لاجتماع الكراهة والعبادة.

الجواب الأول

إن المأمور به هي العبادة - كالصلاة - والمنهي عنه هو العنوان الآخر - مثل الكون المتحد أو الملازم للصلاة - فإطلاق النهي على الصلاة مجازي، وإنّما صح هذا المجاز بعلاقة الملازمة، كما في جرى الميزاب، حيث إن الجاري هو ماء المطر، ولكن بما أن ماء المطر ملازم للميزاب صح نسبة الجريان إلى الميزاب مجازاً، ولا مانع - على الجواز - من تعلق الأمر والنهي بشيء واحد لتعدد العنوان.

ص: 306

العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز[1]. وكان المنهي عنه به[2] حقيقة ذاك العنوان. ويمكن أن يكون[3] - على الحقيقة - إرشاداً إلى غيرها[4] من سائر الأفراد مما لا يكون متحداً معه[5] أو ملازماً له[6]، إذ المفروض[7] التمكن من استيفاء مزية العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذاك العنوان أصلاً.

هذا على القول بجواز الاجتماع.

-------------------------------------------------------------------

[1] قوله: «بالعرض والمجاز» خبر لقوله: (يكون النهي)، أي: يكون النهي عرضياً ومجازياً.

[2] أي: كان المنهي عنه بذلك النهي هو ذلك العنوان على نحو الحقيقة، مثلاً: الكون هو المنهي عنه حقيقة، وتعلق النهي بالصلاة مجازي.

الجواب الثاني

[3] إن المأمور به العبادة، والمنهي عنه أيضاً العبادة، لكن بالنهي الإرشادي، وهذا النهي يتعلق بالعبادة حقيقة - لا ما اتحد معها أو لازمها - .

[4] أي: إرشاد إلى أفراد أخرى غير الفرد المنهي عنه، وضمير «غيرها» يرجع إلى العبادة المنهي عنها. مثلاً: النهي عن الصلاة في مواضع التهمة هو إرشاد إلى الصلاة في الأماكن الأخرى.

[5] أي: مع ذلك العنوان، مثل الكون في مواضع التهمة على القول بأنه جزء من الصلاة.

[6] أي: ممّا لا يكون ملازماً لذلك العنوان، كالكون على القول بأنه ليس جزءاً من الصلاة.

[7] بيان كيفية كونه إرشادياً. وحاصله: إنه يمكن تحصيل مصلحة العبادة مع الابتلاء بالحزازة - كالصلاة في مواضع التهمة - ويمكن تحصيل المصلحة من غير ابتلاء بالحزازة، فأمر المولى إرشاد له إلى العبادة التي لا حزازة فيها.

ص: 307

وأما على الامتناع: فكذلك[1] في صورة الملازمة. وأما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الأمر[2] - كما هو المفروض[3]، حيث إنه صحة العبادة - فيكون حال النهي فيه[4] حاله في القسم الثاني، فيحمل على ما حمل عليه فيه[5] طابق النعل بالنعل، حيث إنه بالدقة يرجع إليه[6]، إذ على الامتناع ليس الاتحاد مع العنوان الآخر[7]

-------------------------------------------------------------------

2- على القول بالامتناع والملازمة

[1] أي: يجري الجوابان المذكوران من المولوية مجازاً، أو الإرشادية حقيقة؛ وذلك لتعدد المتعلق، فيكون حاله كالنظر إلى الأجنبية في الصلاة، حيث إن النظر حرام والصلاة واجبة، ولا اجتماع لتعدد المتعلق.

ولكن على المصنف حل إشكال اختلاف حكم المتلازمين، حيث مرّ منه عدم إمكان اختلافهما.

3- على القول بالامتناع والاتحاد
اشارة

[2] حيث المفروض أنها عبادة صحيحة، فلابد من القول: إنّ جانب الأمر أرجح، أما لو رجحنا النهي فإن العبادة تكون باطلة؛ لاقتضاء النهي في العبادة البطلان.

[3] أي: ترجيح جانب الأمر هو المفروض، «حيث إنه» أي: حيث إن المفروض أن العبادة صحيحة؛ وذلك يقتضي ترجيح جانب الأمر.

[4] أي: في هذا القسم الثالث بناءً على الاتحاد.

[5] أي: فيحمل القسم الثالث في صورة الاتحاد على ما حمل عليه في القسم الثاني.

[6] لأن القسم الثاني هو تعلق النهي بذات العبادة مع وجود بدل، وهذه الصورة - التي هو تعلق النهي بما يتحد مع العبادة في الحقيقة - هي نفس القسم الثاني.

[7] المنهي عنه.

ص: 308

إلاّ من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزية - زيادة ونقيصة - بحسب اختلافها[1] في الملاءمة، كما عرفت.

وقد انقدح بما ذكرناه[2]: أنه لا مجال أصلاً لتفسير الكراهة في العبادة بأقلية الثواب في القسم الأول[3] مطلقاً[4]، وفي هذا القسم على القول بالجواز[5].

كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها[6]؛ وأن الأمر الاستحبابي

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: حسب اختلاف المشخصات.

تلخيص معنى الأقلية ثواباً

[2] من أن الأقلية ثواباً إنّما بالنسبة إلى الفرد المتوسط - على ما مرّ - .

[3] حيث إن القسم الأول ليس له إلاّ فرد واحد، وهو (ما تعلّق النهي بذات العبادة مع عدم وجود بديل)، فلا فرد متوسط حتى نقول: إن هذا أقل مزية منه.

[4] أي: على الجواز وعلى الامتناع.

[5] أي: في القسم الثالث على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي. فإنه لا معنى لتأويل الكراهة مع إمكان حملها على المعنى الحقيقي - وهو مبغوضية العمل مع عدم المنع عن النقيض - وذلك لكفاية تعدد الجهة بناءً على القول بالجواز.

أما في القسم الثاني، وفي القسم الثالث على القول بالامتناع، فإنه يمكن أو يلزم تفسير الكراهة بمعنى الأقل ثواباً.

اجتماع الوجوب والاستحباب
اشارة

[6] أي: في العبادة، وحاصل الكلام في اجتماع الوجوب والاستحباب - كالصلاة الواجبة جماعة - أنه يمكن الجواب بأربعة أنحاء:

1- الأمر الاستحبابي للإرشاد، فالصلاة الواجبة لها أفراد مختلفة من حيث الفضيلة، والأمر الاستحبابي بالجماعة إنّما هو إرشاد إلى أن هذا الفرد - وهو الصلاة جماعة - هو أفضل الأفراد. وكان الأولى إضافة قيد - أو من أفضل الأفراد - وذلك لاختلاف درجات الفضيلة - .

ص: 309

يكون على نحو الإرشاد إلى أفضل الأفراد مطلقاً[1] على نحو الحقيقة، ومولوياً اقتضائياً كذلك[2]، وفعلياً بالعرض والمجاز[3] في ما كان ملاكه[4] ملازمتها لما هو

-------------------------------------------------------------------

2- الأمر الاستحبابي مولوي، ولكن في مرحلة الاقتضاء - لا مرحلة الفعلية - وذلك بمعنى وجود مصلحة الاستحباب في هذا الفرد، لكنه لم يصل إلى مرحلة الفعلية؛ لوجود المانع - وهو اجتماع حكمين - وفائدة هذا الأمر الاقتضائي الوصول إلى المصلحة.

وهذا القسم في الحقيقة يرجع إلى الإرشاد، فتأمل.

3- الأمر الاستحبابي مولوي ولكنه مجاز، بمعنى أن المستحب شيء آخر غير الواجب، ولكن بما أن ذلك الشيء الآخر متلازم أو ملازم للواجب جرى الحكم على ذلك الواجب - مجازاً - كما في جرى الميزاب.

و مثاله أن يقال: إن المستحب هو اجتماع المسلمين - مثلاً - لكن نسب الاستحباب إلى صلاة الجماعة لأنها تلازم الاجتماع.

4- على القول بالجواز نقول: إن عنوان المستحب يختلف عن عنوان الواجب، وإن كانا متحدين وجوداً، فالصلاة جماعة بما أنها صلاة فهي واجبة، وبما أنها جماعة فهي مستحبة؛ إذ على القول بالجواز يكفي تغاير العنوانين.

[1] أي: على القولين: الجواز، والامتناع. وهذا النحو الأول.

[2] أي: على نحو الحقيقة، حيث إن الأمر الاقتضائي توجه إلى نفس الواجب. وهذا النحو الثاني.

[3] أي: الأمر الاستحبابي يكون مولوياً فعلياً لكن بنحو المجاز، حيث إن المستحب شيء آخر ملازم للواجب. وهذا النحو الثالث.

[4] أي: ملاك الأمر الاستحبابي، «ملازمتها» أي: ملازمة الطبيعة الواجبة كالصلاة في المثال، «لما هو مستحب» كاجتماع المسلمين في المثال.

ص: 310

مستحب، أو متحداً معه[1] على القول بالجواز.

ولا يخفى: أنه لا يكاد يأتي القسم الأول هاهنا[2]، فإن انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذي لا بدل له إنما يؤكد إيجابه[3]، لا أنه يوجب[4] استحبابه أصلاً، ولو بالعرض والمجاز[5]، إلاّ على القول بالجواز[6]. وكذا في ما إذا[7] لازم

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا النحو الرابع، وكان الأولى وحق العبارة أن تكون (أو الاتحاد معه)، لأن (متحد معه) عطف على ملازمتها.

وحاصل المعنى أنه على القول بجواز الاجتماع يمكن الجواب بنحو رابع، وهو أن عنوان الواجب يختلف عن عنوان المستحب - وإن اتحدا خارجاً - وذلك يكفي في جواز الاجتماع بناءً على القول بالجواز.

الأقسام الممكنة في اجتماع الوجوب والاستحباب

[2] ذكرنا في اجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الكراهة ثلاثة أقسام، لكن في اجتماع الوجوب والاستحباب لا يجري القسم الأول، بل يجري القسمان الأخيران فقط؛ وذلك لأن القسم الأول هناك كان وجود المصلحة في الفعل، ووجود المصلحة في الترك. وأما هنا فلا مصلحة في الترك، بل توجد مصلحة في الفعل فقط؛ لذا كان واجباً ومستحباً، ومتعلق كليهما الفعل.

[3] حيث إن المصلحة سببت إيجابه، كما أن قوة المصلحة سببت استحباب هذا الفرد، فالمصلحة في الحقيقة واحدة لكنها صارت قوية.

[4] وذلك لامتناع اجتماع الضدين؛ لأن الوجوب ضد الاستحباب كما مرّ.

[5] لأن المجاز إنّما هو إذا كان شيئان متلازمان فينسب حكم أحدهما إلى الآخر مجازاً، أما ما نحن فيه فهو شيء واحد - أعني الفعل - فلا طريق إلى المجازية أصلاً.

[6] لأنه عليه يكفي تعدد الوجه والعنوان - كما مرّ - .

[7] أي: لا يجري القسم الأول إذا كان (العنوان الراجح استحباباً) متلازماً مع (العنوان الراجح وجوباً)؛ وذلك لأنه:

ص: 311

مثل هذا العنوان[1]، فإنه لو لم يؤكد الإيجاب لما يصحح الاستحباب إلاّ اقتضائياً بالعرض والمجاز، فتفطن.

ومنها: إن أهل العرف[2] يعدون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم مطيعاً وعاصياً من وجهين، فإذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاص - كما مثل به الحاجبي والعضدي(1)

- فلو خاطه في ذاك المكان عُدَّ مطيعاً لأمر الخياطة، وعاصياً للنهي عن الكون في ذلك المكان.

وفيه: - مضافاً إلى المناقشة في المثال[3]، بأنه ليس من باب الاجتماع، ضرورة أن الكون المنهي عنه غير متحد مع الخياطة وجوداً أصلاً[4]

-------------------------------------------------------------------

1- لا يمكن اجتماع الوجوب والاستحباب؛ إذ لكل واحد منهما موضوع خاص، فلا معنى لسراية حكم أحدهما إلى الآخر.

2- ولا يمكن تأكيد الوجوب؛ لأن استحباب شيءٍ لا يؤكد وجوب شيء آخر.

3- ولا يمكن أن يكون أحد المتلازمين واجباً والآخر مستحباً فعلياً؛ لأنه قد مرّ عدم إمكان اختلاف المتلازمين في الحكم.

4- فلا يبقى إلاّ القول بأن أحد المتلازمين واجب فعلي، والآخر مستحب اقتضائي، ونسب الاستحباب إلى الواجب مجازاً.

[1] أي: مثل هذا العنوان الراجح يكون متلازماً مع الواجب من غير أن يكون متحداً معه.

الدليل الثالث للمجوّزين

[2] وفيهم العقلاء، مما يكشف عن الجواز العقلي، لأن العقلاء لا يجوّزون غير المعقول.

[3] هذا الجواب الأول.

[4] «الكون» من مقولة الأين. و«الخياطة» من مقولة الفعل. ولا يعقل اتحاد

ص: 312


1- شرح العضدي على مختصر الحاجبي 1: 92.

كما لا يخفى - المنع[1] إلاّ عن صدق أحدهما: إما الإطاعة بمعنى الامتثال[2] في ما غلب جانب الأمر، أو العصيان في ما غلب جانب النهي، لما عرفت من البرهان على الامتناع[3]. نعم، لا بأس بصدق الإطاعة - بمعنى حصول الغرض[4] - والعصيان في التوصليات، وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها إلاّ في ما صدر من المكلف فعلاً غير محرم[5] وغير مبغوض عليه، كما تقدم.

بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام(1)

والقول بالجواز[6] عقلاً والامتناع عرفاً.

-------------------------------------------------------------------

المقولتين، بل هما أمران، أحدهما واجب، والآخر حرام، مثل النظر إلى الأجنبية في الصلاة.

[1] هذا الجواب الثاني - وهو العمدة - وحاصله: إنه لا يُعدّ عرفاً مطيعاً وعاصياً، بل العرف ينظر إلى الأقوى ملاكاً، فإن كان الوجوب أقوى ملاكاً سقطت الحرمة، ورآه العرف ممتثلاً فقط، وإذا كانت الحرمة أقوى ملاكاً سقط الوجوب، ورآه العرف عاصياً.

[2] وهو المتبادر من كلمة الإطاعة.

[3] أي: لو التفت العرف إلى الامتناع عقلاً فإنه لا يراه مطيعاً عاصياً.

[4] هذا معنى مجازي للإطاعة. وحاصل الكلام: إنه في التوصليات يحصل الغرض حتى بالحرام، مثلاً: لو أمره بغسل الثوب، ونهاه عن الغصب، فغسله بماء مغصوب، فإن غرض المولى - وهو الطهارة - يحصل.

أما في العبادات فقد مرّ بأنه لا يمكن للفعل المحرم أن يكون مقرّباً لله تعالى.

[5] كما لو نسي أو غفل، فإن فعله غير محرم فيمكن أن يكون مقرباً، وعلى مبنى المصنف يكفي وجود الغرض في العبادة حتى لو لم يكن أمر - فراجع - .

القول بالتفصيل وردّه

[6] حاصل كلامه هو: كفاية تعدد الوجه والعنوان، وعليه يجوز اجتماع الأمر

ص: 313


1- مجمع الفائدة والبرهان 2: 112.

وفيه: إنه[1] لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع إلاّ طريق العقل، فلا معنى لهذا التفصيل إلاّ ما أشرنا إليه من النظر المسامحي الغير المبتني(1) على التدقيق والتحقيق، وأنت خبير بعدم العبرة به بعد الاطّلاع على خلافه بالنظر الدقيق.

وقد عرفت في ما تقدم: أن النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الأمر والنهي، بل في الأعم. فلا مجال لأن يتوهم[2] أن العرف هو المحكم في تعيين المداليل؛ ولعله كان بين مدلوليهما حسب تعيينه تنافٍ لا يجتمعان في واحد ولو بعنوانين وإن كان العقل يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين. فتدبر.

وينبغي التنبيه على أمور: الأول[3]:

-------------------------------------------------------------------

والنهي عقلاً. لكن العرف يرى التضاد بين الأحكام وعدم إمكان اجتماعها، وبما أن الأحكام من أوامر ونواهٍ ملقاة إلى العرف، فهو المتبع في تعيين مداليل الألفاظ.

[1] حاصل الرد أمران:

1- الإمكان والجواز أمر عقلي، ولا سبيل في الأمر العقلي إلاّ إلى الدقّة العقلية، ولا يهتم بالمسامحة العرفية.

2- البحث في الاجتماع غير منحصر بالأوامر والنواهي، بل يشمل الأحكام المأخوذة من الإجماع ونحوه أيضاً.

[2] هذا التوهم - في الحقيقة - هو تكميل لدليل المُفصِّل، حيث يقول: إنّ المُحكَّم في معاني ومفاهيم الألفاظ هو العرف، ولعل العرف يرى منافاة بين مدلول الأمر والنهي، فلا يجتمعان في شيء واحد. فقوله: (ولعلّه كان...) هو تتمة لدليل المفصِّل، و«لعلّه» الضمير للشأن، «تعيينه» تعيين العرف.

تنبيهات بحث الاجتماع

التنبيه الأول لو توقف واجب على مقدمة محرمة

[3] عقد هذا التنبيه لبيان حكم (توقف الواجب الأهم على مقدمة محرمة وكان

ص: 314


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير المبتني».

إن الاضطرار[1] إلى ارتكاب الحرام وإن كان يوجب ارتفاع حرمته[2] والعقوبة عليه[3] مع بقاء ملاك وجوبه - لو كان[4] - مؤثراً له[5]، كما إذا لم يكن بحرام بلا

-------------------------------------------------------------------

التوقف بسوء الاختيار). كما لو دخل داراً مغصوبة عالماً عامداً، وكان خروجه من تلك الدار يتوقف على قطع المسافة إلى الباب، فالخروج وهو واجب أهم توقف على التصرف في المغصوب - بأن يقطع المسافة إلى الباب ليخرج - .

[1] إن الأقسام المتصوَّرة للاضطرار أربعة:

1- الاضطرار لا عن سوء اختيار مع عدم ملاك الوجوب، كسقوط الصائم في الماء من غير قصد الغسل.

2- الاضطرار لا عن سوء اختيار مع وجود ملاك الوجوب، كسقوط الصائم في الماء مع قصده للغسل الارتماسي.

3- الاضطرار بسوء الاختيار بلا ملاك للوجوب، كإلقاء النفس من شاهق ليسقط بعده في الماء اضطراراً، ولم يكن قاصداً للغسل.

4- الاضطرار بسوء الاختيار مع وجود ملاك الوجوب، كإلقاء النفس في الماء من شاهق مع نية الغسل.

والكلام في هذا التنبيه في الصورة الثالثة والرابعة.

[2] لأن بقاء الحرمة مع الاضطرار تكليف بما لا يطاق، وهو قبيح عقلاً، مضافاً إلى الأدلة النقلية كحديث الرفع.

[3] أي: ارتفاع العقوبة على ارتكاب الحرام؛ لأنه إذا جاز العمل فلا معنى للعقوبة عليه.

[4] كان تامة، بمعنى لو تحقق ملاك الوجوب فإن هذا الملاك يؤثر أثره بفعلية الوجوب؛ وذلك لوجود المقتضي - وهو الملاك - وزوال المانع - وهو الحرمة - بسبب الاضطرار.

[5] حال من (بقاء الملاك)، أي: يبقى الملاك مؤثراً للوجوب.

ص: 315

كلام، إلاّ أنه إذا[1] لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار بأن يختار[2] ما يؤدي إليه لا محالة، فإن الخطاب بالزجر عنه[3] حينئذٍ وإن كان ساقطاً، إلاّ أنه حيث[4] يصدر عنه مبغوضاً عليه وعصياناً لذاك الخطاب[5] ومستحقاً عليه العقاب لا يصلح لأن يتعلق بها الإيجاب[6]. وهذا في الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب.

وإنما الإشكال[7]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: إلاّ أن تأثير ملاك الوجوب بحيث يصير فعلياً إنما هو إذا لم يكن الوقوع في الاضطرار بسوء الاختيار.

[2] بيان لصورة سوء الاختيار، وحاصله: أن يتعمد الإنسان فعل أمر يؤدي به إلى الاضطرار لارتكاب الحرام، كأن يلقي بنفسه من شاهق، فإنه لا محالة يحصل له الارتماس في الماء، ولا يصح الغسل لو نواه؛ لأن هذا الارتماس مبغوض للمولى، فلا يصلح لأن يكون امتثالاً للواجب.

[3] أي: نهي المولى عن ذلك الحرام يسقط بسبب الاضطرار، ووجه سقوطه هو لغوية بقاء النهي؛ إذ النهي إنما يصدر لو كان الانزجار ممكناً، أما لو استحال الانزجار فبقاء النهي لغو لا يصدر عن المولى الحكيم. «حينئذٍ» أي: حين الاضطرار.

[4] أي: إلاّ أن الحرام الذي اضطر إليه حيث يصدر عن العبد.

[5] الظاهر أن مراده ملاك العصيان، وإلاّ فإن المصنف ذكر سقوط الخطاب - بسبب الاضطرار - .

[6] لأن الإيجاب فرع المحبوبية، وهذا المضطر إليه مبغوض فلا أمر فيه. نعم، إذا كان توصلياً قد يتحقق به غرض المولى - من دون أن يكون مأموراً به - .

[7] الفرق بين هذه الصورة، والصورة السابقة - مع اشتراكهما في سوء الاختيار - أن الكلام في السابقة كان حول عدم تأثير ملاك الوجوب - في الجملة - والكلام في هذه حول ثبوت أو عدم ثبوت الوجوب المقدمي للحرام المضطر إليه.

ص: 316

في ما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره مما ينحصر به التخلص[1] عن محذور الحرام - كالخروج عن الدار المغصوبة في ما إذا توسطها بالاختيار - في كونه[2] منهياً عنه[3] أو مأموراً به مع جريان حكم المعصية[4] عليه أو بدونه[5]،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: انحصر التخلص من الحرام في ارتكاب الفعل المضطر إليه، كما لو دخل داراً مغضوبة، فإن تخلصه من الغصب يتوقف على قطع المسافة إلى باب الدار، وهذا القطع للمسافة مضطر إليه لكنه تصرف في المغصوب.

الأقوال في المسألة

[2] خبر ثانٍ لقوله: (إنما الإشكال)، والخبر الأول قوله: (في ما إذا كان).

وحاصل الأقوال خمسة، أربعة على الامتناع، والآخر على الجواز:

1- المقدمة المضطر إليها محرمة، قاله صاحب الإشارات(1).

2- المقدمة واجبة، ويجري عليها أحكام المعصية، قاله صاحب الفصول(2).

3- المقدمة واجبة، ولا يجري عليها أحكام المعصية، نسبه في التقريرات(3) إلى الشيخ الأعظم.

4- المقدمة واجبة ومحرمة، وهو على القول بالجواز، اختاره أبو هاشم الجبائي من العامة(4).

5- المقدمة ليست بواجبة ولا بمحرمة، لكن يجري عليها حكم المعصية، اختاره المصنف.

[3] هذا القول الأول.

[4] وهو استحقاق الذم والعقاب، وهذا القول الثاني.

[5] أي: بدون جريان حكم المعصية عليه، وهو القول الثالث.

ص: 317


1- إشارات الأصول: 113.
2- الفصول الغروية: 138.
3- مطارح الأنظار 1: 709.
4- نسبه إلى أبي هاشم في مطارح الأنظار 1: 707.

فيه أقوال(1).

هذا على الامتناع[1].

وأما على القول بالجواز[2]، فعن أبي هاشم(2):

«أنه مأمور به ومنهي عنه». واختاره الفاضل القمي(3)

ناسباً له إلى أكثر المتأخرين[3] وظاهر الفقهاء.

والحق أنه[4] منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه[5]، وعصيان

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: هذاالخلاف على الأقوال الثلاثة - مضافاً إليها القول الخامس وهو مختار المصنف - إنّما هو على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي.

[2] على هذا القول ينطبق عنوانان على الحرام المضطر إليه، فمن جهة أنه تصرف في الغصب يكون حراماً، ومن جهة أنه مقدمة للواجب يكون واجباً.

[3] (والوجه في النسبة هو قولهم: بوجوب الحج على المستطيع وإن فاتت الاستطاعة الشرعية) - كما في التقريرات(4)

- ، حيث جاز التكليف بما لا يطاق على من سوَّف الحج حتى زالت الاستطاعة، وكذلك ما نحن فيه، حيث إن اجتماع الوجوب والحرمة وإن كان من التكليف بما لا يطاق لكنه جاز بسبب سوء الاختيار.

وفيه: إن كلامهم في حج المتسكع ليس من التكليف بما لا يطاق، بل هو تكليف بما يستطاع عقلاً لكن فيه مشقة.

مختار المصنف
اشارة

[4] هذا القول الخامس وهو مختار المصنف، وكلامه ينحل إلى ثلاث دعاوى:

الأولى: عدم الحرمة فعلاً، حيث ذكر سقوط النهي؛ وذلك للاضطرار. الثانية: جريان حكم المعصية عليه. الثالثة: عدم الوجوب المقدمي.

الدعوى الأولى

[5] أي: كان تصرفه في الغصب منهياً عنه، لكن هنا سقط النهي بسبب مانع،

ص: 318


1- إشارات الأصول: 113؛ مطارح الأنظار 1: 707.
2- مطارح الأنظار 1: 707، وفيه: «فالأقوال فيه ثلاثة: فقيل بالجواز، وهو المحكي عن أبي هاشم».
3- قوانين الأصول 1: 153.
4- مطارح الأنظار 1: 708.

له بسوء الاختيار، ولا يكاد يكون مأموراً به - كما إذا لم يكن هناك[1] توقف عليه أو بلا انحصار به - . وذلك ضرورة أنه[2] حيث كان قادراً على ترك الحرام رأساً[3] لا يكون عقلاً معذوراً في مخالفته في ما اضطر إلى ارتكابه بسوء اختياره، ويكون معاقباً

-------------------------------------------------------------------

وهو عدم إمكان امتثاله، والاضطرار إليه.

[1] لا يجب ما اضطر إليه في ما:

1- إذا لم يتوقف الخروج من الحرام عليه، كما لو تمكن من إرضاء المالك مثلاً.

2- إذا لم ينحصر الخروج من الحرام على المضطر إليه، بأن كان هناك طريقان: أحدهما مباح والآخر مغصوب.

وهذان في الحقيقة خروج موضوعي عن محل الكلام؛ إذ بعدم التوقف أو بعدم الانحصار ينتفي الاضطرار إلى الحرام.

وضمير «عليه» و«به» راجعان إلى (ما اضطر إليه).

وللمصنف تعليقة على قوله: (إذا لم يكن هناك توقف) وحاصلها(1): إن الخروج ليس مقدمة للواجب، بل هو مقدمة للكون في خارج المغصوب، والكون في الخارج ليس من الواجبات حتى تكون مقدمته واجبة. نعم، هو ملازم لترك التصرف في الغصب، لكنا نتكلّم على فرضهم، ونقول حتى على فرض المقدمية فإنه لا وجوب وذلك للمبغوضية.

الدعوى الثانية

[2] دليل لجريان حكم المعصية على ما اضطر إليه. وحاصله: إن استحقاق العقاب والذم وعدمهما أمر عقلي، والعقل لا يرى بأساً في ذم وعقاب من اضطر للحرام بسوء اختياره.

[3] فهو كان قادراً على ترك التصرف في الغصب، بأن لا يدخل فيه حتى لا يضطر إلى التصرف للخروج.

ص: 319


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 167.

عليه[1] - كما إذا كان ذلك[2] بلا توقف عليه أو مع عدم الانحصار به - .

ولا يكاد يجدي[3] توقف انحصار التخلص عن الحرام به، لكونه بسوء الاختيار.

إن قلت: كيف لا يجديه[4]، ومقدمة الواجب واجبة؟

قلت[5]: إنما يجب المقدمة لو لم تكن محرمة، ولذا لا يترشح الوجوب من الواجب إلاّ على ما هو المباح من المقدمات، دون المحرمة، مع اشتراكهما في المقدمية.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: مستحقاً للعقاب على فعله - كالتصرف في المغصوب بالخروج في المثال - .

[2] أي: إذا كان التخلص من الحرام غير متوقف على التصرف في الغصب، كما إذا أمكن إرضاء المالك، أو كان طريق مباح بجنبه. وضميرا «عليه» و«به» راجعان إلى الحرام - كالتصرف في المغصوب في المثال - .

الدعوى الثالثة

[3] بيان لعدم وجوب الخروج المضطر إليه؛ لأن منشأ القول بالوجوب، توهم أن التخلص من الغصب الحرام منحصر في التصرف بالخروج؛ وذلك الانحصار يوجب الوجوب.

وجوابه: إن انحصار التخلص من الحرام في شيء إذا لم يكن بسوء الاختيار كان كافياً لإثبات الوجوب المقدمي، لكن إذا كان بسوء الاختيار فلا.

أدلة الوجوب
الدليل الأول وجوابه

[4] أي: كيف لا يجدي الانحصار في إثبات الوجوب للخروج؟ وحاصل الدليل: إن الخروج مقدمة للواجب، ومقدمة الواجب واجبة عقلاً، فيكون الخروج واجباً عقلاً.

[5] حاصله: إن المبغوضية مانع شرعي عن الوجوب، فالمقدمة وإن كان فيها مقتضي الوجوب، لكن هذا المقتضي لا يؤثر أثره مع وجود المانع.

ص: 320

وإطلاق الوجوب[1] بحيث ربما يترشح منه الوجوب عليها مع انحصار المقدمة بها إنما[2] هو في ما إذا كان الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة؛ والمفروض هاهنا وإن كان ذلك إلاّ أنه كان بسوء الاختيار، ومعه لا يتغير عما هو عليه من الحرمة والمبغوضية[3]، وإلاّ لكانت الحرمة[4] معلقة على إرادة المكلف واختياره لغيره،

-------------------------------------------------------------------

إشكال وجوابه

[1] حاصل الإشكال: إن بعض الواجبات تسقط عن الوجوب بسبب حرمة المقدمة، وانحصار الوصول إلى الواجب بهذه المقدمة المحرمة. ولكن بعض الواجبات لا تسقط عن الوجوب لحرمة المقدمة، بل المقدمة تتغير حرمتها إلى الوجوب؛ وذلك تبعاً للأهمية، فإن كان ذو المقدمة أهم بقي على وجوبه، وسقطت حرمة المقدمة المنحصرة، وإن كانت المقدمة أهم بقيت على الحرمة، وسقط وجوب ذي المقدمة.

وحيث لا نعلم الأهمية يكون المحكّم هو إطلاق وجوب ذي المقدمة، حيث يثبت وجوبه، سواء كانت المقدمة مباحة أم محرمة مع الانحصار، ومع بقاء ذي المقدمة على الوجوب تسقط حرمة المقدمة.

[2] هذا جواب الإشكال، وحاصله: إن انقلاب المقدمة من المحرمة إلى الواجبة له ثلاثة شروط:

1- إثبات أهمية ذي المقدمة. 2- الانحصار، بأن ينحصر الوصول إلى الواجب بهذه المقدمة المحرمة. 3- عدم سوء الاختيار.

وفي توسط الدار المغصوبة وإن تحقق الشرط الأول والثاني، إلاّ أن الشرط الثالث مفقود؛ لأن المفروض أن دخوله كان بسوء الاختيار.

[3] كان الأولى عدم ذكر الحرمة؛ لأن المصنف صرح بسقوط النهي، ومع السقوط لا حرمة، لكن أثر الحرمة باقٍ لبقاء المبغوضية.

[4] ذكر المصنف دليلين على أن المقدمة لا تخرج عن الحرمة لو كان بسوء

ص: 321

وعدم حرمته مع اختياره له، وهو كما ترى، مع أنه خلاف الفرض[1] وأن الاضطرار[2] يكون بسوء الاختيار.

-------------------------------------------------------------------

الاختيار.

الأول: لو خرجت المقدمة عن الحرمة في صورة سوء الاختيار فإن لازمه تعلق التكليف بإرادة المكلف، والتالي باطل، فالمقدم مثله، بيانه: إن إرادة المكلف للامتثال متأخرة عن الحكم؛ لأن الحكم كالموضوع للامتثال، فلا يعقل تقدم الإرادة على الامتثال.

وهنا لو قلنا بوجوب المقدمة لزم منه توقف التكليف على إرادة المكلف؛ إذ لو لم يُرِد المكلّف الدخول في المغصوب فإن الدخول محرّم والتصرف أيضاً محرّم - ومنه التصرف الخروجي - أما إذا أراد الدخول ودخل في المغصوب، فإن الدخول وإن كان محرماً لكن التصرف - بالخروج - لا يكون محرماً.

وهذا معناه تعلق حرمة التصرف الخروجي بإرادة المكلف.

اللهم إلاّ أن يقال: إنّ الحكم لا يتعلق بإرادة المكلف، لكن إرادته قد تغير موضوع الحكم، فيتغير الحكم بتغير موضوعه.

[1] هذا هو الدليل الثاني على أن المقدمة لا تخرج عن المبغوضية إلى الوجوب - في ما إذا كان بسوء الاختيار - وحاصله: إن القول بانقلاب المقدمة المحرمة إلى واجب معناه أن لا يضطر إلى الحرام، بل يضطر إلى الواجب، مضافاً إلى أن الاضطرار إلى الواجب ليس من سوء الاختيار، بل من حسن الاختيار. فلزم من القول بوجوب المقدمة المحرمة أمران، كلاهما خلاف الفرض:

1- أن لا يكون اضطرار إلى الحرام، بل إلى الواجب.

2- أن لا يكون بسوء الاختيار، بل بحسنه.

[2] بيان للفرض.

ص: 322

إن قلت(1): إن التصرف[1] في أرض الغير بدون إذنه بالدخول والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام[2]. وأما التصرف بالخروج الذي يترتب عليه رفع الظلم[3] ويتوقف عليه التخلص عن التصرف الحرام فهو ليس بحرام في حالٍ من الحالات[4]، بل حاله حال مثل شرب الخمر المتوقف عليه النجاة من الهلاك في الاتصاف بالوجوب[5] في جميع الأوقات.

-------------------------------------------------------------------

الدليل الثاني للوجوب

[1] حاصله: إن التصرف في أرض الغير يتصور على ثلاثة أنحاء: 1- التصرف بالدخول، 2- التصرف بالبقاء، 3- التصرف بالخروج. والأولان محرمان بلا إشكال، أما الثالث فليس بحرام مطلقاً - سواء قبل الاضطرار أم بعده - وذلك لأن التصرف بالخروج لا مفسدة فيه حتى يحرم، بل فيه المصلحة مطلقاً؛ فلذا هو واجب دائماً، وعليه فلا إشكال في وجوب (التصرف بالخروج) من باب المقدمة، ولا يلزم عليه إشكال: أن مقدمة الواجب إذا كانت محرمة فلا يترشح عليها الوجوب.

[2] لأن التصرف بالدخول والتصرف بالبقاء فيهما المفسدة؛ لكونهما من مصاديق الغصب المحرّم، من غير معارض.

[3] أي: ليس كل تصرف بالخروج واجباً، فغاصب الدار إذا سكنها وكان خروجه لأجل شؤونه ليعود إليها - كما يخرج كل مالك من داره لأعماله - فإن خروجه أيضاً تصرف محرّم، بل التصرف بالخروج يجب إذا كان بنية التخلص من الحرام ورفع الظلم.

ويمكن شرح العبارة بنحو مطلق؛ لأن هذا الواجب من الأمور التوصلية التي لا تحتاج إلى النية، فيكون مطلق الخروج مما يترتب عليه رفع الظلم والتخلص من الحرام، فتأمل.

[4] أي: مطلقاً سواء قبل الاضطرار إليه أم بعده.

[5] أي: الشرب المنجي من المهلكة واجب على كل حال - بنحو القضية الحقيقة - .

ص: 323


1- القائل هو الشيخ الأنصاري في مطارح الأنظار 1: 709.

ومنه ظهر[1] المنع عن كون جميع أنحاء التصرف في أرض الغير - مثلاً - حراماً قبل الدخول وأنه يتمكن من[2] ترك الجميع حتى الخروج. وذلك[3] لأنه لو لم يدخل لما كان متمكناً من الخروج وتركه[4]، وترك الخروج بترك الدخول[5] رأساً ليس في الحقيقة إلاّ ترك الدخول. فمن لم يشرب الخمر لعدم وقوعه في المهلكة التي يعالجها به[6] - مثلاً - لم يصدق عليه إلاّ أنه لم يقع في المهلكة، لا أنه ما شرب الخمر

-------------------------------------------------------------------

الدليل الثالث للوجوب

[1] أي: من بيان أن التصرف بالخروج ليس بحرام أصلاً، بل هو واجب دائماً.

[2] عطف على (كون) أي: وظهر المنع عن أنه يتمكن من... الخ.

وحاصله: إن الخروج لا يمكن أن يتصف بالحرمة أصلاً - لا قبل الدخول، ولا بعده - .

أما قبل الدخول: فلأن الخروج غير مقدور، والتكليف لا يتعلق بغير المقدور، وأما التعبير بأنه يتمكن من ترك الخروج لو ترك الدخول فإنّما هو تعبير مجازي.

وأما بعد الدخول: فإن الخروج يكون واجباً؛ لأنه مقدمة للواجب. وعليه فلا يحرم الخروج مطلقاً.

[3] بيان لوجه المنع عن التمكن من ترك الخروج.

[4] حيث إن القدرة تتعلق بالطرفين: الفعل والترك، فلو لم يدخل في الدار فإنه غير قادر لا على الخروج ولا على ترك الخروج.

[5] دفع توهم، وحاصل التوهم: إنه قادر على (ترك الخروج)؛ وذلك بأن يترك الدخول، فلو لم يدخل فإنه متمكن حينئذٍ من ترك الخروج بلا محذور، فإذا قدر على ترك الخروج كان قادراً على الخروج، فيصح أن يتعلق التحريم بالخروج.

وحاصل جوابه: إن التعبير بترك الخروج هو تعبير مجازي من باب السالبة بانتفاء الموضوع، وإلا فإن القدرة تعلقت بالدخول وترك الدخول، لا بالخروج وترك الخروج.

[6] أي: يتجنب من المهلكة بالشرب.

ص: 324

فيها، إلاّ على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع[1]، كما لا يخفى.

وبالجملة: لا يكون الخروج - بملاحظة كونه مصداقاً للتخلص عن الحرام أو سبباً له[2] - إلاّ مطلوباً[3]، ويستحيل أن يتصف[4] بغير المحبوبية، ويحكم عليه[5] بغير المطلوبية.

قلت: هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأموراً به. وهو موافق لما[6] أفاده شيخنا العلامة أعلى الله مقامه - على ما

-------------------------------------------------------------------

[1] فهو بنحو مجازي، لا بنحو حقيقي، فهو في الواقع لم يقع في التهلكة، لا أنه لم يشرب في التهلكة.

[2] كون الخروج مصداقاً للتخلص يستفاد من عبارات المحقق القمي(1)، بل والتقريرات(2)

- كما قيل - ولكن لما كان هذا الكلام لا يخلو من إشكال؛ وذلك لأن الخروج مصداق للتصرف في المغضوب لا أنه مصداق للتخلص، لذا غيّر المصنف العبارة، وقال: - كما سيأتي - بأن الخروج سبب للتخلص من الغصب الحرام.

[3] إن قلنا: إنّ الخروج مصداق للتخلص كان مطلوباً نفسياً، وإن قلنا: إنه سبب للتخلص كان مطلوباً غيرياً؛ لأنه مقدمة الواجب - كذا قيل(3) - .

[4] لأن المطلوب لا يمكن أن يكون مبغوضاً، وإلاّ كيف يطلب المولى ما يبغضه؟

[5] أي: يستحيل أن يحكم عليه بغير المطلوبية؛ لأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد، فإذا كان مصلحة في الفعل أحبّه المولى، وإذا أحبّه طلبه لا غير.

[6] أما الدليل الثاني فهو موافق لما في التقريرات. وأما الدليل الثالث فلا أثر له في التقريرات - على ما قيل(4)

- .

ص: 325


1- قوانين الأصول 1: 154.
2- مطارح الأنظار 1: 709.
3- منتهى الأصول 1: 408.
4- عناية الأصول 2: 96.

في تقريرات بعض الأجلة(1)

- . لكنه لا يخفى[1]: أن ما به التخلص عن فعل الحرام[2] أو ترك الواجب إنما يكون حسناً عقلاً ومطلوباً شرعاً بالفعل[3] - وإن كان قبيحاً ذاتاً - إذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه ولم يقع بسوء اختياره[4] إما في

-------------------------------------------------------------------

جواب الدليل الثاني

[1] هذا الجواب عن الدليل الثاني وحاصله: إن القبيح الذي به التخلص من الحرام إنما ينقلب إلى الحسن والواجب إذا استجمع ثلاثة شروط:

1- انحصار التخلص من الحرام بذلك القبيح، كما لو انحصر النجاة من المهلكة بأكل الميتة.

2- أن لا يكون وقوعه في ذلك الحرام بسوء الاختيار.

3- أن يكون التخلص من ذلك الحرام أهم من ارتكاب ذلك القبيح، فحفظ النفس من الهلكة أهم من ترك أكل الميتة - في المثال - .

وقد مرت الإشارة إلى الشرط الثالث، ولذا لم يكرره المصنف هنا؛ لأنه خارج عن محل النزاع. فاقتصر بذكر الشرط الأول والثاني.

[2] كالتخلص عن الغصب، «أو ترك واجب» كالتخلص عن ترك نجاة النفس في المهلكة، حيث إن نجاة النفس واجب، والتخلص عن ترك هذا الواجب يكون بأكل الميتة.

[3] كونه مطلوباً شرعاً وفي مرحلة الفعلية إنّما يكون إذا كان ارتكاب القبيح للوصول إلى الواجب الأهم كأكل الميتة لأجل إنقاذ النفس من التهلكة.

[4] في المثال يكون الاضطرار الناشئ من سوء الاختيار بأحد أمرين: 1- البقاء في المغصوب. 2- التصرف بالخروج.

فإنه لو لا سوء اختياره لم يكن مضطراً لأحد هذين الأمرين: إما البقاء وإما التصرف الخروجي، لكن بما أنه كان عامداً عالماً سبَّب لنفسه الاضطرار إلى هذا التصرف.

ص: 326


1- مطارح الأنظار 1: 709.

الاقتحام[1] في ترك الواجب أو فعل الحرام[2]، وإما في الإقدام[3] على ما هو قبيح وحرام لو لا أن به التخلص بلا كلام[4]، كما هو المفروض في المقام، ضرورة تمكنه[5] منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره.

وبالجملة[6]:

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا الأمر الأول من الاضطرار الناشئ من سوء الاختيار. والواجب في مثال المصنف هو حفظ النفس من الهلكة، وهذا الشخص بسوء اختياره سبب لنفسه الاضطرار: إما بأن يترك حفظ النفس حتى يهلك، أو أن يرتكب أكل الميتة.

[2] الحرام في مثال المصنف هو البقاء في الغصب، فهذا الشخص بسوء اختياره سبب لنفسه الاضطرار، إما بأن يرتكب الحرام بالبقاء في المغصوب، أو بأن يتصرف فيه بالخروج.

[3] هذا الأمر الثاني من الاضطرار الناشئ من سوء الاختيار.

[4] متعلق بقوله: (قبيح وحرام)، أي: إذا لم يكن التخلص من الغصب منحصراً في التصرف بالخروج - في المثال - فإن هذا التصرف حرام بلا خلاف من أحد، كما لو تمكن من إرضاء المالك. وإنّما الخلاف في ما إذا كان التخلص من الحرام منحصراً بالتصرف الخروجي.

[5] أي: ضرورة تمكن المكلف من التخلص من الحرام قبل اقتحام هذا المكلف في ذلك الحرام، وهذا دليل اشتراط عدم سوء الاختيار لكي تنقلب المقدمة المحرمة إلى واجب.

وحاصل الكلام هو: إن التكليف بغير الممكن قبيح، وأما التكليف بالممكن فلا إشكال فيه، وهذا الشخص كان متمكناً من (عدم التصرف بالخروج في المغصوب)، لذا صح تكليفه بحرمة هذا التصرف.

جواب الدليل الثالث
اشارة

[6] شروع في جواب الدليل الثالث. والجواب من أوجه:

ص: 327

كان قبل ذلك[1] متمكناً من التصرف خروجاً كما يتمكّن منه دخولاً، غاية الأمر يتمكن منه[2] بلا واسطة ومنه[3] بالواسطة: ومجرد عدم التمكن منه[4] إلاّ بواسطة لا يخرجه عن كونه مقدوراً. كما[5] هو الحال في البقاء؛ فكما يكون تركه[6] مطلوباً في جميع الأوقات فكذلك الخروج، مع أنه مثله في الفرعية على الدخول، فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيته قبله وبعده[7]، كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيته[8]،

-------------------------------------------------------------------

أولاً

[1] أي: قبل الدخول كان متمكناً من الخروج، وحاصله: إنه لا يشترط كون القدرة بالمباشرة؛ وذلك لأن المقدور بالواسطة مقدور أيضاً، فالإحراق - مثلاً - مقدور للمكلف بواسطة قدرته على إشعال النار، «منه» أي: من التصرف.

[2] أي: من التصرف دخولاً.

[3] أي: ويتمكن من التصرف خروجاً بواسطة الدخول.

[4] أي: من الخروج.

ثانياً

[5] هذا جواب ثانٍ، وهو جواب نقضي. وحاصله: عدم الفرق بين البقاء والخروج؛ لأن البقاء لا يمكن إلاّ بواسطة الدخول، فمن لا يدخل فإنه لا يمكنه البقاء، كذلك من لا يدخل فإنه لا يمكنه الخروج، فكيف قال في التقريرات (التصرف في أرض الغير بدون إذنه بالدخول والبقاء حرام)!! ثم قال باستحالة حرمة الخروج لأنه غير مقدور!! فما الفرق بين الخروج والبقاء؟ حيث إن كليهما غير مقدور بلا واسطة الدخول، وكلاهما مقدور بواسطة الدخول.

[6] أي: ترك البقاء، «أنه» أن البقاء، «مثله» مثل الخروج.

[7] أي: مطلوبية ترك البقاء قبل الدخول وبعد الدخول.

[8] أي: كذلك فرعية الخروج لم تكن مانعة عن مطلوبية الخروج.

ص: 328

وإن كان العقل يحكم[1] بلزومه[2] إرشاداً إلى اختيار أقل المحذورين[3] وأخف القبيحين.

ومن هنا[4] ظهر حال شرب الخمر علاجاً وتخلصاً عن المهلكة، وأنه إنّما يكون مطلوباً على كل حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار، وإلاّ فهو[5] على ما هو عليه من الحرمة، وإن كان العقل يلزمه[6] إرشاداً إلى ما هو أهم وأولى[7] بالرعاية من تركه، لكون الغرض فيه أعظم[8]. فمن ترك الاقتحام[9] في ما

-------------------------------------------------------------------

[1] إنما قال العقل يحكم لأنه قد مرّ من المصنف: سقوط الحرمة الشرعية وبقاء القبح والذم والعقوبة، ولا يمكن أن يكون القبيح والمذموم واجباً شرعياً.

[2] أي: لزوم الخروج.

[3] حيث إن التصرف خروجاً قبيح، والبقاء أقبح، فأخف المحذورين والقبيحين هو التصرف خروجاً.

[4] رد للمثال الذي ذكره التقريرات(1)

- لتقريب المطلب - بعدم قبح الشرب المتوقف عليه النجاة من الهلكة مطلقاً. وخلاصة الرد: إن هذا الشرب قبيح إذا كان الوقوع في الهلكة بسوء الاختيار.

[5] أي: وإن كان الاضطرار بسوء الاختيار، فإن شرب الخمر قبيح وإن توقف عليه النجاة من الهلكة.

[6] أي: يلزم المكلف بالشرب حتى في صورة سوء الاختيار.

[7] أي: النجاة من الهلكة أهم وأولى من ترك الشرب.

[8] أي: للمولى غرض في ترك الشرب، وله أيضاً غرض في النجاة من الهلكة، وحين تزاحم الغرضين يكون الغرض في النجاة أعظم من الغرض في ترك الشرب.

ثالثاً

[9] حاصله: يصح نسبة ترك الشيء إلى المكلف؛ لأنه ترك أسباب ذلك الشيء،

ص: 329


1- مطارح الأنظار 1: 718.

يؤدي[1] إلى هلاك النفس أو شرب الخمر لئلا يقع[2] في أشد المحذورين منهما، فيصدق أنه[3] تركهما ولو بتركه ما لو فعله[4] لأدى لا محالة إلى أحدهما، كسائر الأفعال التوليدية[5]، حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى أسبابها واختيار تركها

-------------------------------------------------------------------

فمن لم يشعل النار يصح أن يقال: إنه لم يحرق شيئاً؛ لأنه ترك سبب الإحراق.

وفي هذا رد على التقريرات حيث قال: (فمن لم يشرب الخمر لعدم وقوعه... الخ)(1)، يقول المصنف إنه يصح أن يقال إنه لم يضطر إلى شرب الخمر لأنه لم يوقع نفسه في التهلكة.

[1] أي: ترك الاقتحام في السير في صحراء مثلاً، بحيث إنه لو كان يقتحم فإنه كان سيضطر بعد حين إلى أحد أمرين: 1- الهلاك من شدة العطش. 2- شرب الخمر للنجاة من الهلكة.

[2] تعليل لشرب الخمر، أي: كان الشرب ينجّيه من الهلكة، حيث إن الهلكة أشد محذوراً من الشرب.

[3] أي: يصح أن يقال: إن زيداً لم يقع في الهلكة ولم يشرب الخمر الاضطراري؛ لأنه لم يجازف بالسير في الصحراء - مثلاً - .

[4] أي: يصدق ذلك حتى إذا لم يسر في الصحراء - في المثال - .

[5] قد مرّ أن الأفعال التوليدية ما كانت مقدورة للمكلف بواسطة قدرته على أسبابها، عكس الأفعال المباشرية التي هي مقدورة بلا واسطة، وفي ما نحن فيه هلاك النفس من الأفعال التوليدية، حيث الواسطة هي الاقتحام في الصحراء - في المثال - .

وأما شرب الخمر فإنه من الأفعال المباشرية ولا واسطة فيه. نعم، الاضطرار إلى الشرب إنما يحصل بواسطة الاقتحام، لكن الاضطرار ليس من أفعال المكلف، بل من العوارض.

ص: 330


1- إيضاح كفاية الأصول 2: 324.

بعدم العمد إلى الأسباب. وهذا يكفي[1] في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج وإن كان لازماً عقلاً للفرار عما هو أكثر عقوبةً.

ولو سلم[2] عدم الصدق إلاّ بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع فهو غير ضائرٍ[3] بعد تمكنه من الترك[4] - ولو على نحو هذه السالبة - ومن الفعل بواسطة

-------------------------------------------------------------------

وكذلك الخروج من المغصوب من الأفعال المباشرية لا التوليدية. نعم، الاضطرار إلى الخروج أو البقاء إنما يحصل بعد الدخول؛ فلذا كان الأولى أن يقول المصنف: (كالأفعال التوليدية) فتأمل.

[1] أي: هذا المقدار من القدرة - وهو التمكن من الشيء بالواسطة - يكفي في استحقاق العقاب.

رابعاً

[2] كان من كلام المستدل إن عدم الاضطرار إلى الشرب بسبب عدم الاقتحام في الهلكة إنما هو من باب السالبة بانتفاء الموضوع. فنقول: إن ما نحن فيه ليس من ذلك الباب؛ لأنه في ذلك الباب يشترط أن يكون المنفي محمولاً لموضوع معدوم، مثلاً: يقال (أب عيسى لم يأكل) حيث إن الموضوع المعدوم هو (أب عيسى) والمحمول المنفي هو (عدم الأكل).

وما نحن فيه: الخروج المنفي ليس محمولاً للدخول المعدوم، بل عدم الدخول سبب لعدم تحقق الخروج.

خامساً

[3] أي: لو سلمنا كون ما نحن فيه من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع، فإن ذلك لا يضر في الحكم على (الخروج) بأنه حرام؛ وذلك لصحة هذا النوع من التكليف؛ إذ إن الخروج بالواسطة مقدور، فلا مانع من كونه محرماً.

[4] أي: يتمكن من الطرفين، أي: من الترك ومن الفعل بالواسطة، فكان مقدوراً - لأن القدرة تتعلق بالطرفين: الفعل والترك - فصح التكليف.

ص: 331

تمكنه مما هو من قبيل الموضوع[1] في هذه السالبة فيوقع نفسه بالاختيار[2] في المهلكة أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر ويتخلص بالخروج أو يختار ترك الدخول والوقوع فيهما، لئلا يحتاج إلى التخلص والعلاج.

إن قلت[3]: كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعاً عنه شرعاً ومعاقباً عليه

-------------------------------------------------------------------

[1] وهو الدخول.

[2] في المثال الأول: كان مختاراً بين المهلكة ممّا يضطر إلى الشرب، وبين عدم الاقتحام فيها. وفي المثال الثاني: كان مختاراً بين دخول الدار مما يضطر للتصرف خروجاً وبين عدم الدخول. ففي كلا المثالين كان قادراً على الفعل والترك، فلا مانع من تعلق التكليف به.

إشكال وجوابه

[3] حاصله: هو أنه لا إشكال في سقوط وجوب الشيء بامتناع مقدمته المنحصرة، فمن انحصر وصوله إلى الحج بركوب الطائرة مثلاً، ولكنه لم يتمكن ركوبها، فلا إشكال في سقوط الحج عن الوجوب.

وفي ما نحن فيه (إن مقدمة التخلص) المنحصرة هو (الخروج)، فإذا كانت هذه المقدمة محرمة فإن التخلص يسقط عن الوجوب؛ وذلك لامتناع مقدمته شرعاً، والممتنع الشرعي كالممتنع العقلي - بلا فرق - وكذلك مثال (إنقاذ النفس) المتوقف حصراً على (الشرب) بلا فرق بين سوء الاختيار وحسنه؛ لأنه سواء كان الانحصار بسوء الاختيار أم لا، فإنه إذا امتنعت المقدمة المنحصرة امتنع ذو المقدمة، ولا تكليف بالممتنع.

والحاصل: إن الإشكال مركب من ثلاث مقدمات ونتيجة:

1- بقاء ذي المقدمة على الوجوب.

2- لو امتنعت المقدمة المنحصرة سقط الوجوب.

3- الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي.

ص: 332

عقلاً مع بقاء ما يتوقف عليه[1] على وجوبه، ووضوح سقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ولو كان بسوء الاختيار، والعقل قد استقل بأن الممنوع شرعاً كالممتنع عادةً أو عقلاً[2]؟!

قلت: أولاً[3]: إنما كان الممنوع كالممتنع[4] إذا لم يحكم العقل بلزومه إرشاداً إلى ما هو أقل المحذورين. وقد عرفت لزومه بحكمه[5]، فإنه مع لزوم الإتيان بالمقدمة عقلاً لا بأس في بقاء ذي المقدمة على وجوبه، فإنه حينئذٍ ليس من التكليف بالممتنع، كما إذا[6] كانت المقدمة ممتنعة.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: مع بقاء ذي المقدمة على وجوبها - وهو التخلص من الغصب، وإنقاذ النفس في المثالين - لأن ذا المقدمة يتوقف على المقدمة المنحصرة.

[2] الممتنع العادي: كطيران الإنسان بلا وسيلة، فإنه لا امتناع عقلي فيه؛ لعدم رجوعه إلى اجتماع النقيضين، لكنه ممتنع عادة لجريان قوانين في الكون تمنع ذلك.

والممتنع العقلي: ما كان مرجعه إلى اجتماع النقيضين.

[3] حاصل الجواب الأول هو: إنكار إطلاق قاعدة (الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي)، بل هذه القاعدة لا تجري في بعض الصور، وهو: ما إذا حكم العقل بلزوم ذلك الممتنع الشرعي، فإنه حينئذٍ ليس الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي.

[4] أي: الممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً.

[5] أي: عرفت لزوم المقدمة المحرّمة بحكم العقل، وإنّما حكم العقل بلزوم هذه المقدمة المحرمة لدوران الأمر بين المحذورين، والإتيان بالمقدمة الأقل محذورية.

[6] أي: لايكون من التكليف في صورة امتناع المقدمة عقلاً، فإنه محال، أما ما نحن فيه - وهو حرمة المقدمة شرعاً مع لزومها عقلاً - فلا إشكال في وجوب ذي المقدمة وليس بمحال.

ص: 333

وثانياً: لو سلم[1] فالساقط[2] إنما هو الخطاب[3] فعلاً بالبعث والإيجاب، لا لزوم[4] إتيانه عقلاً، خروجاً[5] عن عهدة ما تنجز عليه سابقاً، ضرورة[6] أنه لو لم يأت به لوقع في المحذور الأشد ونقض الغرض الأهم، حيث إنه[7] الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبية بلا حدوث قصورٍ أو طروء فتورٍ فيه[8] أصلاً، وإنّما كان

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لو سلمنا إطلاق قاعدة (الممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً)، وأن بقاء وجوب ذي المقدمة مع حرمة المقدمة أمر ممتنع.

[2] حاصل الجواب هو: بقاء المقدمة على مبغوضيتها مع التزام سقوط الوجوب الشرعي لذي المقدمة، لكن يحكم العقل بلزوم الإتيان بذي المقدمة للوصول إلى غرض المولى؛ وذلك لأنّ ذا المقدمة - إنقاذ النفس والتخلص من الغصب في المثالين - كان واجباً، ولكن يسقط وجوبه لأجل مانع عن تنجز الوجوب في صورة الاضطرار بسوء الاختيار مع بقاء الملاك على حاله؛ لأن المانع كان من تنجز الحكم الشرعي، ولا يوجد مانع يزيل الملاك، فلمّا كان الملاك باقياً حكم العقل بلزوم إتيان ذي المقدمة للوصول إلى غرض المولى.

[3] مراده سقوط التكليف، «فعلاً» أي: المانع إنّما هو في التكليف الفعلي لذا يسقط، وأما التكليف في مرحلة الاقتضاء والإنشاء فلا وجه لسقوطه.

[4] أي: ليس الساقط الملاك - وهو مرحلة الاقتضاء - فلمّا بقي الملاك حكم العقل بلزوم إتيانه.

[5] عِلّة (اللزوم العقلي) أي: بالحكم السابق في وجوب ذي المقدمة اكتشفنا الملاك، فلمّا سقط التكليف بسبب المانع بقي الملاك بحاله.

[6] عِلّة بقاء الملاك وعدم سقوط اللزوم العقلي، «به» بذي المقدمة.

[7] أي: حيث إن ذي المقدمة، «الآن» أي: حين اضطراره بسوء اختياره، وذلك بعد دخوله في المغصوب، وكذلك بعد اقتحامه في المهلكة - في المثالين - .

[8] أي: في الملاك، وهذا دليل على بقاء الملاك بحاله؛ لأن سقوط التكليف لم

ص: 334

سقوط الخطاب لأجل المانع، وإلزام العقل به لذلك[1] إرشاداً كافٍ لا حاجة معه[2] إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه[3] والإيجاب له فعلاً، فتدبر جيداً.

وقد ظهر[4] ممّا حققناه فساد القول[5] بكونه مأموراً به مع إجراء حكم المعصية عليه نظراً إلى النهي السابق[6].

-------------------------------------------------------------------

يكن لأجل إشكال في الملاك، بل لجهة أخرى.

[1] أي: إلزام العقل بالإتيان بذي المقدمة لأجل ذلك الملاك.

[2] أي: مع الإلزام العقلي.

[3] إلى ذي المقدمة، «له» لذي المقدمة، «فعلاً» أي: في مرحلة الفعليّة.

القول الثالث
اشارة

القول الثالث - لصاحب الفصول(1)-

[4] ذكرنا مختار المصنف مع أدلته، وكذلك مختار الشيخ وأدلته والجواب عنها. ومن هنا يبدأ المصنف في نقل قول صاحب الفصول والإشكال عليه.

[5] كلام الفصول هو أن مَن دخل في المغصوب بسوء اختياره فإن الخروج مأمور به، ويجري عليه حكم المعصية، وهو الذم واستحقاق العقاب، وحاصل كلامه مركب من ثلاثة أمور:

1- وجوب الخروج؛ لأنه مقدمة للواجب الأهم، وهو التخلص من الغصب - في المثال - ومقدمة الواجب واجبة عقلاً.

2- عدم حرمة الخروج؛ وذلك لعدم إمكان اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد.

3- إجراء حكم المعصية على الخروج - أي: الذم والعقاب - وذلك لوجود المبغوضية وملاك النهي في الخروج.

[6] هذا دليل (إجراء حكم المعصية عليه)، وحاصله: إن النهي السابق وإن سقط لكن أثر النهي باقٍ، يمكن أن يستدل له بأن العقل يرى استحقاقه للعقاب، وعدم ذم المولى إذا عاقبه.

ص: 335


1- الفصول الغروية: 138.

مع ما فيه[1] من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد[2] بالوجوب والحرمة.

ولا يرتفع[3] غائلته[4] باختلاف زمان التحريم والإيجاب قبل الدخول وبعده - كما في الفصول(1)- مع[5] اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما، وإنما المفيد اختلاف

-------------------------------------------------------------------

الإشكال على الفصول

[1] الإشكال الأول: أشار إليه المصنف بقوله: (وقد ظهر... الخ). وحاصله: إن الخروج لا يمكن أن يكون واجباً، بل هو مبغوض، وإنما تجب مقدمة الواجب إذا كانت مباحة لا إذا كانت محرمة، فراجع.

الإشكال الثاني: ذكره المصنف بقوله: (مع ما فيه... الخ). وحاصله: إن لازم هذا الكلام اجتماع الوجوب والحرمة في شيء واحد بعنوان واحد، وهو محال حتى على القول بالجواز، فالخروج يكون واجباً لأنه مقدمة، وحراماً لأنه تصرف في المغصوب.

[2] قد مرّ أن المقدميّة علة للوجوب وليست عنواناً للواجب، وعليه: فيكون الواجب هو نفس التصرف خروجاً، والحرام أيضاً نفس التصرف خروجاً لأنه غصب، فاجتمع الوجوب والحرمة في شيء واحد بعنوان واحد.

جواب الفصول عن الإشكال الثاني

[3] لقد تنبه صاحب الفصول لمشكلة اجتماع الوجوب والتحريم بناءً على قوله، فقال(2): بأنه لا اجتماع لاختلاف الزمان، فالوجوب بعد الدخول، والحرمة قبل الدخول، كما في البداء حيث يكون الوجوب في زمانٍ قبل البداء، والحرمة في زمانٍ آخر بعد البداء.

[4] أي: مشكلة الاجتماع.

رد الجواب

[5] أي: المجدي لرفع الاجتماع هو اختلاف زمان متعلق الوجوب والتحريم،

ص: 336


1- الفصول الغروية: 138.
2- الفصول الغروية: 139.

زمانه[1] ولو مع اتحاد زمانهما. وهذا أوضح من أن يخفى، كيف ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول عصياناً للنهي السابق وإطاعة للأمر اللاحق فعلاً[2]، ومبغوضاً ومحبوباً كذلك[3] بعنوانٍ واحد[4]؟ وهذا ممّا لا يرضى به القائل بالجواز[5] فضلاً عن القائل بالامتناع.

كما لا يجدي[6]

-------------------------------------------------------------------

ولا يفيد اختلاف زمان الإيجاب والتحريم.

ففي غير البداء والنسخ، لو قال المولى: (يحرم عليك كذا يوم الجمعة)، ثم قال في وقت آخر: (يجب عليك نفس الشيء يوم الجمعة) كان متناقضاً. ولو قال في وقت واحد: (يجب عليك كذا يوم الخميس، ويحرم عليك نفس الشيء يوم الجمعة) لم يكن متناقضاً.

وفي ما نحن فيه: الخروج وهو فعل واحد وفي زمان واحد، وفيه حكمان، وهذا من التضاد حتى وإن اختلف زمان الإيجاب وزمان التحريم.

[1] أي: زمان الفعل المتعلق.

[2] أي: يكون الأمر والنهي فعليين وهذا من الاجتماع.

[3] أي: في مرحلة الفعليّة.

[4] أي: التصرف بالخروج يكون واجباً ويكون حراماً، وقد مرّ قبل قليل أن الوجوب لا يتعلق بعنوان المقدمية، بل بنفس المقدمة وهو الخروج.

[5] لأنه يرى إمكان الاجتماع إذا كان بعنوانين - كالغضب والصلاة - لا في ما إذا كان بعنوان واحد.

جواب آخر للفصول عن الإشكال

[6] حاصل كلام الفصول هو أن النهي عن الخروج مطلق، والأمر بالخروج مشروط بما إذا دخل في المغصوب، فارتفعت غائلة الاجتماع بكون أحدهما مطلقاً والآخر مشروطاً.

ص: 337

في رفع هذه الغائلة كون النهي مطلقاً وعلى كل حال[1] وكون الأمر مشروطاً بالدخول، ضرورة[2] منافاة حرمة شيء كذلك مع وجوبه في بعض الأحوال.

وأما القول[3]

-------------------------------------------------------------------

[1] شرح لقوله: (مطلقاً) أي: على كل حال سواء قبل الدخول أم بعد الدخول.

رد الجواب

[2] حاصل الرّد: إن إطلاق الحرمة واشتراط الوجوب لا يرفع الغائلة؛ لأنه من الواضح في صورة تحقق الشرط يكون الفعل واجباً؛ لتحقق الشرط، ويكون حراماً؛ لأن الحرمة كانت مطلقة، فهي تشمل صورة الاشتراط أيضاً، «كذلك» بشكل مطلق، «بعض الأحوال» حين تحقق الشرط.

فلو قال: (أكرم زيداً دائماً حتى في يوم الجمعة)، ثم قال: (لا تكرم زيداً في يوم الجمعة) يكون متضاداً.

القول الرابع - للمحقق القمي -
اشارة

[3] هذا ما اختاره المحقق القمي(1)،

وحاصله: إن الخروج تخلصاً من الغصب واجب وحرام، وسيأتي ذكر دليل هذا القول، لكن المصنف قدّم ردّه عليه.

وحاصل دليله: هو أن المقتضي - وهو إطلاق الأدلة الدالة على حرمة الغصب ووجوب التخلص - موجود، ولا مانع منه؛ لأن المانع: إما اجتماع الضدين، أو التكليف بما لا يطاق، وشيء منهما لا يصلح لذلك.

أما الأول: فلما عرفت من إجداء تعدد الجهتين في اجتماعهما.

وأما الثاني: فلأنه لا نسلم بطلان التكليف بما لا يطاق في ما إذا كان المكلّف سبباً له، فإن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

ص: 338


1- قوانين الأصول 1: 153.

بكونه مأموراً به ومنهياً عنه: ففيه[1] - مضافاً[2] إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع في ما إذا كان بعنوانين، فضلاً[3] عما إذا كان بعنوانٍ واحد، كما في المقام، حيث كان الخروج بعنوانه سبباً للتخلص، وكان بغير إذن المالك؛ وليس التخلص[4] إلاّ منتزعاً عن ترك الحرام[5] المسبب عن الخروج، لا عنواناً له[6] - : أن الاجتماع

-------------------------------------------------------------------

ردّ القول الرابع

[1] قد أشكل المصنف على كلامه بعدة إشكالات.

الإشكال الأول والثاني

[2] الإشكال الأول: مبنائي حيث بيّنا استحالة الاجتماع مفصلاً.

[3] الإشكال الثاني: ما مرّ من أن ما نحن فيه ليس فيه عنوانان، وإنما عنوان واحد، فالخروج - بما هو - يكون مأموراً به ومنهياً عنه. وقوله: «سبباً للتخلّص» وجه الوجوب، وقوله: «بغير إذن المالك» وجه الحرمة.

[4] وهذا لبيان أن التخلص الواجب - حسب كلام القوانين - ليس عنواناً للخروج؛ وذلك لأن الخروج سبب للتخلص، ولا يعقل أن يكون المعلول عنواناً للعلة. وبعبارة أوضح: إن التصرف الخروجي ليس تخلصاً، بل هو تصرف في الغصب. نعم، هو سبب للتخلص، حيث إن الغاصب بالتصرف الخروجي يتمكن من الوصول إلى خارج الغصب، فيتخلص منه.

[5] الحرام هو البقاء في المغصوب. وأما الكون في المكان المباح - خارج الغصب - فهو ترك للحرام، وسبب ترك هذا الحرام هو الخروج. فالغاصب بسبب خروجه من المغصوب يكون قد ترك الحرام، وينتزع التخلص من هذا الترك.

[6] أي: ليس التخلص عنواناً للخروج، ثم إنه يرد على المحقق القمي إيرادان:

أولهما: إنه لا يقول بوجوب مقدمة الواجب، فالخروج حتى إذا كان مقدمة للتخلص الواجب، فإنه - على مبناه - لا يكون واجباً.

ص: 339

هاهنا[1] لو سلم أنه لا يكون بمحال، لتعدد العنوان وكونه مجدياً[2] في رفع غائلة التضاد، كان محالاً[3]، لأجل كونه طلب المحال، حيث لا مندوحة هنا، وذلك لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقيقة[4] بما هو واجب[5] أو ممتنع، ولو

-------------------------------------------------------------------

ثانيهما: ما ذكره المصنف في الحاشية(1)

وحاصله: إن التخلص ليس مسبباً عن الخروج، بل الخروج علّة للكون في خارج المغصوب، والكون في خارجه يلازم ترك الحرام.

الإشكال الثالث

[1] حاصل الإشكال: إن اجتماع الأمر والنهي - على القول بالجواز - إنما يمكن إذا كان المكلّف متمكناً من التخلص من الحرام، كما في الصلاة في المغصوب مع تمكنه من الصلاة في المباح. وأما إذا لم يتمكن المكلّف من التخلص من الحرام فإنه لا يعقل الاجتماع فيه، كصلاة المحبوس في المغصوب، فإن حرمة الغصب ساقطة عنه لاضطراره إلى الغصب. وقد مرّ أن وجود المندوحة شرط حتماً - لكنه خارج عن محل البحث كاشتراط العقل والبلوغ ونحوهما - .

[2] بيان وجه عدم الاستحالة - حيث كان هذا دليل القائلين بالجواز - .

[3] قوله: «كان محالاً» خبر (أن) في قوله: (أن الاجتماع). وحاصل الكلام: إنه على القول بالجواز فإن استحاله الاجتماع هنا ليس من جهة طلب الضدين، بل لأجل طلب الممتنع، والمولى لا يطلب شيئاً مع الالتفات إلى امتناعه، وكذلك ما هو ضروري الوقوع لا يصح تعلق طلب المولى به، كأن يقول للعبد: كن جسماً مع استحالة غير الجسميّة عليه.

[4] أي: مع التفات المولى لا يعقل أن يريد ما يمتنع تحققه، ثم يقبح منه هذا الطلب، إذا كان طلباً حقيقياً.

[5] كلامنا في الممتنع، لكن ذكر المصنف الواجب أيضاً لعدم الفرق بينهما من

ص: 340


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 181.

كان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختيار[1].

وما قيل[2]: «إن الامتناع أو الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار»(1) إنما هو في قبال[3] استدلال الأشاعرة للقول بأن الأفعال غير اختيارية بقضية «إن الشيء ما لم يجب لم يوجد»(2).

-------------------------------------------------------------------

هذه الجهة.

[1] (لأن المانع من تعلق التكليف بالواجب والممتنع ليس إلاّ أن قوام التكليف قصد إحداث الداعي العقلي للفعل أو الترك، وهذا إنّما يكون في ظرف القدرة، الذي هو ظرف الإمكان، لا ظرف الوجوب أو الامتناع، ولو كان بسوء الاختيار) - كما في الحقائق(3) - .

والحاصل: إن الطلب - حتى في صورة سوء الاختيار - يكون لغواً، وهو قبيح لا يصدر من الحكيم.

ردّ تصحيح طلب المحال

[2] حيث إن المحقق القمي(4)

كان ملتفتاً إلى إشكال طلب المحال والتكليف بما لا يطاق، لذلك أجاب عنه بهذه المقولة المعروفة: (ما بالاختيار لا ينافي الاختيار)، حيث إن الغاصب للتخلص من الغصب وإن كان مضطراً للتصرف الخروجي، لكن هذا الاضطرار كان باختياره، أي: هو أوقع نفسه في هذا الاضطرار، فلذا يصح تكليفه بأمر غير مقدور له؛ لأنه هو السبب!!

كلام الأشاعرة وردّهم
اشارة

[3] لنذكر أولاً كلام الأشاعرة، ثم ردهم، ثم بيان عدم ارتباط قاعدة (ما بالاختيار) بما نحن فيه.

ص: 341


1- مفاتيح الأصول: 319؛ قوانين الأصول 1: 153.
2- الفصول الغروية: 322؛ بدائع الأفكار: 344.
3- حقائق الأصول 1: 401.
4- قوانين الأصول 1: 153.

فانقدح(1)

بذلك[1] فساد الاستدلال لهذا القول: بأن الأمر بالتخلص والنهي

-------------------------------------------------------------------

فالأشاعرة قوم يقولون بالجبر، حيث يزعمون أن الإنسان مكره في أعماله ولا اختيار له.

ودليلهم: إن الشيء إذا وجدت علته كان ضروري الوجود؛ لاستحالة تخلف المعلول عن علته، وإن لم توجد علته كان ضروري العدم؛ لاستحالة وجود الشيء من غير علّة.

وأفعال العباد حيث وجدت علّتها كانت ضرورية الوجود، فلا تكون بالاختيار!! فمن صلّى أو قتل كانت صلاته وقتله ضرورية الوجود لوجود علّتها، فلا تكون صلاته ولا قتله باختياره!!

وحاصل الرد عليهم: إن علّة الصلاة وعلّة القتل كانتا باختيار المصلّى والقاتل، وهما أوجدا العلّة فوجد المعلول، والاضطرار إلى وجود المعلول لا يخرجه عن القدرة والاختيار بعد كون العلّة بيدهما واختيارهما، فإن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار، فالصلاة والقتل وجدا حيث أوجد الفاعل علتهما، فلا يخرجان عن الاختيار.

فقاعدة (ما بالاختيار) أجنبيّة عن مقامنا، حيث إن كلامنا هنا في عدم إمكان تعلق التكليف بالممتنع. فالداخل في المغصوب حينما يريد التخلص من الغصب يضطر إلى التصرف الخروجي، وهذا التصرف وإن كان بسوء اختياره لكن لا يعقل تكليفه بأنه حرام وواجب، فإن هذا التكليف لغو حيث لا باعثية له - فضلاً عن أنه تكليف محال كما مرّ - .

دليل المحقق القمي

دليل المحقق القمي(2)

[1] كان الأولى تقديم الدليل على الإشكالات عليه.

ص: 342


1- قوانين الأصول 1: 153.
2- قوانين الأصول 1: 153.

عن الغصب دليلان يجب إعمالهما ولا موجب للتقييد[1] عقلاً، لعدم استحالة كون الخروج واجباً وحراماً باعتبارين مختلفين[2]، إذ منشأ الاستحالة إما لزوم اجتماع الضدين وهو غير لازم مع تعدد الجهة، وإما لزوم التكليف بما لا يطاق وهو ليس بمحال إذا كان مسبباً عن سوء الاختيار. وذلك[3] لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلاً ولو كانا بعنوانين، وأن اجتماع الضدين لازم ولو مع تعدد الجهة؛ مع عدم تعددها هاهنا، والتكليف بما لا يطاق محال على كل حال. نعم، لو كان بسوء[4] الاختيار لا يسقط العقاب بسقوط التكليف[5] بالتحريم أو الإيجاب.

ثم لا يخفى[6]: أنه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقاً في الدار المغصوبة، على

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: دليل وجوب التخلص مطلق يشمل حتى مورد الاجتماع، وكذلك دليل حرمة الغصب، ولا شيء يوجب تقييد أحد الدليلين، لا شرعاً؛ لعدم وجود خبر ونحوه دال على التقييد، ولا عقلاً؛ لعدم استحالة اجتماع الأمر والنهي.

[2] أي: بعنوانين، أحدهما التخلص، والآخر التصرف في الغصب.

رد الدليل

[3] فإن تقييد أحد الدليلين لازم عقلاً، لاستحالة طلب الضدين وعدم إجداء تعدد الجهة.

[4] التكليف بما لا يطاق محال مطلقاً، لكن استحقاق العقاب ليس بقبيح إذا كان بسوء الاختيار، وهذا فرق بين أقسام (ما لا يطاق)، فإن لم يكن ما لا يطاق بسوء الاختيار قبح العقاب، وإن كان بسوئه لم يقبح، بل يراه العقلاء مستحقاً للعقاب.

[5] قد مرّ أن المصنف يرى سقوط التكليف وبقاء أثره من استحقاق العقاب، وإن كانت عباراته مضطربة.

ثمرة المسألة
اشارة

[6] يبدأ المصنف في بيان ثمرة المسألة، مع الإجابة على إشكال اُورد على

ص: 343

القول بالاجتماع.

وأما على القول

بالامتناع: فكذلك[1] مع الاضطرار إلى الغصب لا بسوء الاختيار،

-------------------------------------------------------------------

المشهور(1)،

حيث حكموا بصحة الصلاة في المغصوب في ضيق الوقت، وبطلانها في سعته.

والإشكال: إنه إن قلنا بجواز الاجتماع صحت الصلاة مطلقاً، وإن قلنا بامتناع الاجتماع بطلت الصلاة مطلقاً، فكيف فصّل المشهور؟

وللجواب عن الإشكال وبيان ثمرة المسألة يذكر حكم الصلاة في المغصوب: فعلى القول بجواز الاجتماع، فالصلاة صحيحة مطلقاً.

وأما على القول بالامتناع ففيها صور:

الأولى: الاضطرار إلى الغصب بلا سوء اختيار فالصلاة صحيحة مطلقاً.

الثانية: الاضطرار إلى الغصب مع سوء الاختيار ووقعت الصلاة في حال الخروج واخترنا قول الشيخ الأعظم من كون الخروج مأموراً به غير منهي عنه، فالصلاة صحيحة مطلقاً.

الثالثة: غلبة ملاك الأمر على النهي في ضيق الوقت فالصلاة صحيحة مطلقاً.

الرابعة: غلبة ملاك الأمر على النهي في سعة الوقت فالصلاة صحيحة على رأي المصنف، إن لم يكن إجماع على البطلان في بعض الصور. وباطلة على رأي من يقول: إنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، سواء كان بسوء الاختيار أم لا، وسواء كان في ضيق الوقت أم في سعته، وسواء كان في حال الخروج أم لا، وكذلك في جميع الحالات الأخرى.

الصورة الأولى

[1] أي: الصلاة صحيحة؛ وذلك لسقوط النهي بالاضطرار، وبقاء الأمر بالصلاة بلا مزاحم.

ص: 344


1- غاية المسؤول في علم الأصول 1: 316؛ درر الفوائد في الحاشية على الفرائد: 272؛ أجود التقريرات 1: 381.

أو معه[1] ولكنها وقعت في حال الخروج على القول بكونه[2] مأموراً به بدون إجراء[3] حكم المعصية عليه. أو مع غلبة[4] ملاك الأمر[5] على النهي مع ضيق الوقت.

أما مع السعة[6]: فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي

-------------------------------------------------------------------

الصورة الثانية

[1] أي: مع سوء الاختيار.

[2] كما اختاره الشيخ الأعظم(1)

حيث اختار أن الخروج مأمور به غير منهي عنه، فحينئذٍ تكون الصلاة من غير مزاحم إطلاقاً.

ولا يخفى إمكان الصلاة في حال الحركة مع مراعاة شروطها من الاستقرار والقبلة وسائر الشروط، كما لو كان في سيارة أو سفينة ونحوهما.

[3] لأنه لو أجرينا على الخروج حكم المعصية كان مبغوضاً للمولى، والمبغوض لا يصلح لأن يكون مقرباً، وحكم المعصية هو العقاب والذم.

الصورة الثالثة

[4] عطف على قوله مع الاضطرار، فالمعنى فكذلك الصلاة صحيحة مع غلبة ملاك الأمر... الخ.

[5] أي: المصلحة الموجودة في الصلاة تغلب المفسدة الموجودة في الغصب، أمّا لو كان العكس بأن غلبت مفسدة الغصب فتكون الصلاة حينئذٍ باطلة؛ لعدم صلاحية ما مفسدته أقوى للمقربيّة. فتكون الصلاة صحيحة بشرطين: ضيق الوقت، وغلبة المصلحة.

الصورة الرابعة

[6] أي: مع سعة الوقت وأقوائية ملاك الأمر على النهي، فإن الصلاة باطلة بشرطين:

ص: 345


1- مطارح الأنظار 1: 707.

عن الضد واقتضائه، فإن[1] الصلاة في الدار المغصوبة وإن كانت مصلحتها غالبة[2] على ما فيها من المفسدة، إلاّ أنه لا شبهة في أن الصلاة في غيرها[3] تضادها[4]، بناءً[5] على أنه لا يبقى مجال مع إحداهما للأخرى[6] مع كونها[7] أهم منها[8]،

-------------------------------------------------------------------

1- كون الصلاة في المغصوب ضداً للصلاة في المباح.

2- اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده.

فالأمر بالصلاة خارج الغصب يقتضي النهي عن الصلاة في الغصب - لأنها ضدها - فتكون الصلاة في المغصوب منهياً عنه فتقع باطلة.

أما لو لم نقبل أحد الشرطين كانت الصلاة في المغصوب صحيحة، كما لو رفضنا الشرط الأول؛ إذ الصلاتان متماثلتان لا متضادتان، أو رفضنا الشرط الثاني وقلنا: إن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده - كما هو مختار المصنف - .

[1] بيان لوجه صحة الصلاة.

[2] لأن مفروض الصورة الرابعة هو غلبة ملاك الأمر على النهي.

[3] أي: الصلاة في غير الدار المغصوبة.

[4] بيان للشرط الأول وهو تضاد الصلاة في المغصوب مع الصلاة في المباح، وبعبارة أخرى - كما قيل - : بتقريب: (أن كلاً منهما وافٍ بالغرض الداعي إلى إيجاب الصلاة، فلا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال؛ لسقوط الأمر بإتيان إحداهما، وعدم بقاء المجال لإتيان الأخرى).

[5] أي: التضاد بناءً على سقوط الغرض بإتيان أحدهما وعدم بقاء مجال للإتيان بالآخر.

[6] أي: لا يبقى مجال مع الإتيان بالصلاة في المغصوب، للصلاة في المباح.

[7] أي: مع كون الأخرى وهي الصلاة في المباح.

[8] أي: أهم من أحدهما وهي الصلاة في المغصوب.

ص: 346

لخلوها[1] من المنقصة الناشئة من قِبل اتحادها مع الغصب. لكنه عرفت[2] عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه، فالصلاة في الغصب اختياراً في سعة الوقت صحيحة وإن لم تكن مأموراً بها[3].

الأمر الثاني[4]: قد مر في بعض المقدمات أنه لا تعارض بين مثل خطاب (صل) وخطاب (لا تغصب) على الامتناع[5]، تعارض الدليلين[6] بما هما دليلان

-------------------------------------------------------------------

[1] بيان لوجه الأهميّة، أي: الصلاة في المباح فيها مصلحة راجحة من غير مفسدة، والصلاة في المغصوب فيها مصلحة راجحة مع وجود مفسدة الغصب.

[2] بيان لمختار المصنف في الصورة الرابعة، وحاصله: عدم قبول الشرط الثاني؛ لعدم الصحة - وهو اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص - حيث مرّ من المصنف اختيار عدم الاقتضاء، فحينئذٍ فالمختار في الصورة الرابعة هو صحة الصلاة.

[3] لما مرّ من استحالة الاجتماع، فالصلاة لا أمر فيها لكنها صحيحة لوجود ملاك الأمر، وعلى رأي المصنف يكفي وجود الملاك في صحة العبادة بلا حاجة إلى الأمر - كما مرّ - .

التنبيه الثاني
مرجحات باب الاجتماع
اشارة

[4] الغرض من هذا التنبيه هو بيان المرجحات في باب اجتماع الأمر والنهي، بحيث يرجح بها أحد الجانبين: النهي أو الأمر، وقد قدّم المصنف مقدمة فيها تكرار لما مرّ سابقاً في الأمر الثامن والتاسع من مقدمات بحث الاجتماع، كما أن المصنف كرر ما مرّ في الأمر العاشر من صحة العبادة في موارد الجهل والاضطرار وغيرهما من الاعذار، وفي هذا الأمر بيان لإشكال على ما ذكره الشيخ الأعظم كما سيأتي.

[5] أي: على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي، أمّا على القول بالجواز فعدم التعارض واضح.

[6] أي: كتعارض الدليلين، والمعنى لا تعارض في مورد الاجتماع كتعارض

ص: 347

حاكيان[1]، كي يقدم الأقوى[2] منهما دلالةً أو سنداً، بل إنما هو[3] من باب تزاحم المؤثرين والمقتضيين[4]، فيقدم الغالب منهما[5]، وإن كان الدليل على مقتضى الآخر[6] أقوى من دليل مقتضاه[7].

-------------------------------------------------------------------

الدليلين، بل هو من باب التزاحم، وقوله: «تعارض» مفعول مطلق لبيان النوع، كقولنا: (جلس جلسة العبد).

[1] لأن باب التعارض هو في مرحلة الإثبات، حيث إن أحد الدليلين غير كاشف عن الواقع، بخلاف باب التزاحم، حيث إن الدليلين كاشفان عن الواقع، لكن بما أنه لا يمكن امتثالهما معاً كانا متزاحمين.

[2] هذه الوظيفة في باب التعارض، حيث إنه لما نعلم بعدم كشف أحدهما عن الواقع، فنحتاج إلى ترجيح أحدهما على الآخر بالمرجح الدلالي، كأن يكون أحدهما نصاً والآخر ظاهراً، وإن تساويا دلالة فبالمرجح السندي.

[3] والصور التي ذكرها المصنف:

1- مع فعلية كلا الحكمين وإحراز الغالب ملاكاً فيرجح الغالب.

2- مع فعلية كليهما وعدم إحراز الغالب فيقع التعارض.

3- مع فعلية أحدهما دون الآخر فيرجح الفعلي.

4- مع عدم فعلية كليهما فيرجع إلى الأصول العلمية.

[4] عطف تفسيري، والمراد الملاك - أي: المصلحة أو المفسدة - التي اقتضت صدور الحكم، من وجوب أو تحريم.

الصورة الأولى

[5] أي: من المقتضيين؛ لأنه في باب التزاحم يكون الترجيح للأقوى ملاكاً.

[6] أي: الدليل الذي هو طبق الملاك الآخر كان أقوى سنداً أو دلالة، لكنه أضعف ملاكاً.

[7] أي: من مقتضى الغالب. والحاصل: هو ترجيح الغالب ملاكاً وإن كان

ص: 348

هذا في ما إذا أحرز الغالب منهما، وإلاّ[1] كان بين الخطابين تعارض[2] فيقدم الأقوى منهما دلالةً أو سنداً، وبطريق الإن[3] يحرز به[4] أن مدلوله أقوى مقتضياً. هذا لو كان كل من الخطابين متكفلاً لحكم فعلي، وإلاّ[5] فلابد من الأخذ بالمتكفل

-------------------------------------------------------------------

أضعف دليلاً.

الصورة الثانية

[1] أي: وإن لم يحرز الغالب من الملاكين.

[2] والتعارض إنّما يكون في فعلية الخطابين - لا في مرحلة الإنشاء والاقتضاء - لأن كلا الدليلين يدلان على فعلية الحكم، ومع التزاحم يعلم بعدم فعلية أحدهما، وحيث لا نعلم بالأقوى ملاكاً كان بين الدلالتين الفعليتين تعارض، وفي التعارض نرجع إلى المرجحات الدلالية والسندية - كما مرّ - .

[3] في الحقائق: (بل كان المراد أن الأقوى لما كان دالاً على فعلية مؤداه مطابقة، فقد دلّ على أقوائية ملاكه التزاماً، كما أن الأضعف كذلك، فإذا دلّ دليل الترجيح على حجية الأقوى وعدم حجية الأضعف، فقد دل على ثبوت مدلولي الأقوى المطابقي والالتزامي معاً، فتثبت أقوائية ملاكه ظاهراً)(1).

وقال أيضاً: (وليس المراد كون قوة الدليل معلولة لقوة المدلول، أو هما معاً معلولان لعلة ثالثة، كما هو المصطلح في الطريق الإنيّ؛ لعدم اللزوم بينهما...)(2)

الخ.

[4] «به» بالتقديم، «مدلوله» مدلول الأقوى سنداً أو دلالةً.

الصورة الثالثة

[5] أي: إن لم يكونا متكفلين للحكم الفعلي، بل كان أحدهما متكفلاً فقط دون الآخر، فإنه لا تعارض بين حكم إنشائي وحكم فعلي، بل يرجح الحكم الفعلي.

ص: 349


1- حقائق الأصول 1: 410.
2- حقائق الأصول 1: 410.

لذلك منهما لو كان، وإلاّ[1] فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الأصول العملية[2].

ثم لا يخفى[3]: أن ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر[4] به في المسألة لا يوجب خروج[5]

-------------------------------------------------------------------

ولا يخفى أنه لا مصداق خارجي لهذه الصورة وكذا الصورة الآتية؛ لأن أدلة جميع الأحكام دالة على الفعلية.

الصورة الرابعة

[1] أي: وإن لم يكن هناك حكم فعلي أصلاً، بل كلا الدليلين دلاّ على مرحلة الاقتضاء أو الإنشاء فقط.

[2] والظاهر أن مقتضاها هنا هو التخيير، لأن الملاكين متزاحمان مع لزومهما وعدم وجود مرجح، فيكون المكلف مخيراً بينهما.

صحة الصلاة في المغصوب مع العذر

[3] يستفاد من كلام التقريرات(1) أنه لو قيل: بترجيح النهي في (لا تغصب) على الأمر في (صل) فإن الصلاة في المغصوب باطلة على كل حال، حتى في حال الغفلة والسهو ونحوهما، فمورد الاجتماع خارج عن المطلوب بجميع أحواله وأطواره، وهو يوجب فساد المورد بواسطة ارتفاع المطلوبية والأمر ولو في حال الغفلة عن الحرمة.

والمصنف بقوله هذا يردّ على التقريرات.

[4] كما لو رجحنا دليل (لا تغصب) على دليل (صل)، وقلنا: إنّ الصلاة قُيّدت فلا يشمل (صل) للصلاة في المغصوب.

[5] هذا بيان للإشكال على كلام التقريرات، وحاصله: إنه مع وجود الملاك في كلا الحكمين وتزاحم الملاكين فإن ترجيح أحدهما لا يوجب سقوط ملاك الآخر، بل ملاكه موجود لكن لا فعلية لحكمه، فإذا حدث عذر - كما لو غفل المكلف

ص: 350


1- مطارح الأنظار 1: 707.

مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأساً كما هو قضية[1] التقييد والتخصيص في غيرها[2] ممّا لا يحرز فيه المقتضي لكلا الحكمين، بل قضيته[3] ليس إلاّ خروجه[4] في ما كان الحكم الذي هو مفاد الآخر فعلياً، وذلك[5] لثبوت المقتضي في كل واحد من الحكمين فيها[6]. فإذا لم يكن المقتضي لحرمة الغصب مؤثرا لها - لاضطرار أو

-------------------------------------------------------------------

عن الأقوى ملاكاً، وأتى بالآخر - فإن عمله الآخر كان واجداً للملاك، وقد كان مانع عن فعلية هذا الأمر، ولكن بالعذر يزول ذلك المانع، فيؤثر ملاك الآخر ويوجب فعلية حكمه.

مثلاً: الصلاة لها ملاك وأمر، والغضب له ملاك ونهي، فبترجيح دليل الغصب لا يكون لدليل الصلاة فعلية، ولكن مع بقاء مصلحتها وأمرها الإنشائي لكن من غير فعلية له، وبالعذر - كالغفلة عن الغصب - يزول المانع عن فعلية حكم الصلاة، فأمرها يكون فعلياً، فلو صلّى فصلاته ذات مصلحة وذات أمر، فتقع صحيحة.

[1] أي: خروج الآخر عن الدليل رأساً - ملاكاً وحكماً - هو مقتضى التخصيص والتقييد، كما لو قال: (أكرم العلماء) ثم خصصه بقوله: (لا تكرم فساقهم) فإن العالم الفاسق يخرج عن (أكرم) ملاكاً وحكماً، فليس في إكرام فساقهم مصلحة ولا أمر.

[2] أي: غير هذه المسألة - وهي مسألة الاجتماع - .

[3] أي: مقتضي الترجيح في مسألة الاجتماع هو عدم فعلية أحد الدليلين فقط - صلِّ في المثال - مع بقاء ملاكه وحكمه الإنشائي.

[4] أي: خروج مورد الاجتماع عن فعلية الحكم المرجوح، مثلاً: خروج (الصلاة في المغصوب) عن قوله: (صلِّ) في مرحلته الفعلية.

[5] دليل المدعي وهو أنه في باب الاجتماع لا يسقط ملاك الآخر، ولا حكمه الإنشائي.

[6] أي: في مسألة الاجتماع، «لها» أي: للحرمة؛ لأن الأعذار ترفع فعلية الحكم، كما في حديث الرفع وغيره.

ص: 351

جهل أو نسيان - كان المقتضي لصحة الصلاة مؤثراً لها[1] فعلاً، كما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى[2]، أو لم يكن واحد من الدليلين[3] دالاً على الفعلية أصلاً.

فانقدح بذلك[4] فساد الإشكال[5] في صحة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما[6]، في ما إذا قدم خطاب (لا تغصب)، كما هو الحال[7] في ما إذا كان الخطابان من أول الأمر متعارضين ولم يكونا من باب الاجتماع أصلاً. وذلك[8] لثبوت المقتضي في هذا الباب[9]، كما إذا لم يقع بينهما تعارض ولم يكونا متكفّلين للحكم الفعلي. فيكون وزان التخصيص[10] في مورد الاجتماع وزان التخصيص

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: مؤثراً لصحة الصلاة، «فعلاً» أي: في فعلية حكم (صلّ)، - مثلاً - .

[2] أي: موارد العذر عن الدليل الأقوى ملاكاً - لا تغصب في المثال - هي مثل ما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى، بل كان دليل (صلِّ) أقوى، وكذلك مثل ما إذا لم يكن دليل الحرمة فعلياً. فإنه كما يرجح (صلِّ) في المثالين كذلك في مورد العذر عن دليل (لا تغصب). وعدم الفرق هو لأجل وجود الملاك في (صلِّ) وفعليته في كل الصور الثلاث.

[3] وهو دليل الحرمة - في المثال - .

[4] أي: بوجود المقتضي والخطاب الإنشائي في دليل (صلِّ).

[5] الذي ذكره في التقريرات وقد بيناه في ما مرّ.

[6] كالغفلة، كل ذلك إذا كانت عن قصور لا عن تقصير.

[7] أي: فساد الصلاة ثابتة في مورد التعارض وترجيح جانب النهي، كذلك هنا وهو باب التزاحم.

[8] بيان لوجه فساد الإشكال، وقد مرّ مفصلاً.

[9] أي: باب الاجتماع، حيث إنه من باب التزاحم.

[10] (الفرق بين التخصيص العقلي والتخصيص العرفي أن التخصيص العرفي

ص: 352

العقلي الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلاً، المختص[1] بما إذا لم يمنع عن تأثيره[2] مانع، المقتضي[3] لصحة مورد الاجتماع مع الأمر أو بدونه[4] في ما كان هناك مانع عن تأثير المقتضي للنهي له[5] أو عن فعليته[6]، كما مر تفصيله.

وكيف كان فلابد في ترجيح أحد الحكمين من مرجح. وقد ذكروا(1)

لترجيح

-------------------------------------------------------------------

- كما في العام والخاص - هو ممّا ينقطع به الحكم من أصله، والتخصيص العقلي - كما في المتزاحمين - هو مما ينقطع به الحكم في المرتبة الفعلية والتنجز مع بقاء مرتبة الإنشاء على حالها)(2)

- كما قيل - .

[1] صفة التخصيص العقلي، أي: التخصيص العقلي مختص... الخ.

[2] أي: تأثير أحد المقتضيين.

[3] صفة ثانية للتخصيص، أي: التخصيص يقتضي صحة مورد الاجتماع لو كان مانع عن الملاك الأقوى.

[4] قد مرّ في الأمر العاشر، أنه إن قلنا بتبعية الأحكام لما هو الأقوى فالصلاة لا أمر لها؛ لأن الأقوى هو ملاك النهي، لكنها صحيحة بالملاك. وإن قلنا بتبعية الأحكام لما هو المؤثر منها فعلاً للحسن أو القبح فالصلاة لها أمر. وقيل في شرح العبارة غير ذلك.

[5] أي: مع وجود مانع يمنع عن تأثير المفسدة لإنشاء النهي، فقوله: «المقتضي للنهي» هي المفسدة، و«له» متعلق بالتأثير.

[6] أي: عن فعلية النهي.

وهذا من اللف والنشر المرتب؛ لأنه مع وجود الأمر لا يوجد نهي، وبدون الأمر يوجد نهي لكن من غير فعلية.

ص: 353


1- قوانين الأصول 1: 152؛ الفصول الغروية: 127؛ مطارح الأنظار 1: 701.
2- عناية الأصول 2: 115.

النهي وجوهاً[1]:

منها: إنه أقوى دلالة[2]، لاستلزامه انتفاء جميع الأفراد بخلاف الأمر.

وقد أورد عليه[3]: بأن ذلك فيه[4] من جهة إطلاق متعلقه بقرينة الحكمة،

-------------------------------------------------------------------

مرجحات النهي على الأمر
اشارة

[1] ذكر منها المصنف ثلاثة:

1- النهي دلالته بالوضع، والأمر بمقدمات الحكمة، والوضع أقوى دلالة.

2- دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.

3- الاستقراء في موارد أحكام الشرع.

المرجح الأول: أقوائية دلالة النهي
اشارة

[2] لأن دلالته بالوضع؛ لأن النهي يدل على طلب ترك الطبيعة، ولازمه ترك جميع الأفراد، فدلالة النهي بالوضع - مطابقة والتزاماً - بخلاف الأمر، فإن دلالته على طلب الطبيعة، وبمقدمات الحكمة يثبت العموم البدلي لأي فرد من أفراد الطبيعة.

فالحاصل: إن دلالة النهي بالوضع، ودلالة الأمر بمقدمات الحكمة، والدلالة الوضعية أقوى، وهذا الوجه منسوب للإشارات.

إشكال وجوابه

[3] أي: على هذا الدليل بما حاصله: إن النهي أيضاً يحتاج إلى مقدمات الحكمة، فلا فرق بين الأمر والنهي، فلا يكون النهي أقوى.

بيانه: إن النهي له مدخول وهو فعل من أفعال المكلف، ففي (لا تغصب) قد تعلق النهي بالغصب، والغصب قد يكون مطلقاً شاملاً لكل أفراده، وقد يكون مقيداً يشمل البعض دون البعض، وعموم الغضب يستفاد من مقدمات الحكمة؛ إذ لو كان مراد المولى النهي عن بعض أفراد الغضب كان عليه البيان.

[4] «ذلك» انتفاء جميع الأفراد، «فيه» في النهي، «متعلقه» متعلق النهي.

ص: 354

كدلالة الأمر على الاجتزاء بأي فرد كان.

وقد أورد عليه[1]: بأنه لو كان العموم المستفاد من النهي بالإطلاق بمقدمات الحكمة وغير مستند إلى دلالته عليه[2] بالالتزام[3]، لكان استعمال مثل: (لا تغصب) في بعض أفراد الغصب حقيقةً[4]؛ وهذا واضح الفساد. فتكون دلالته[5] على العموم من جهة أن وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي[6] يقتضي عقلاً[7]

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا دفع للإشكال، وانتصار للدليل. وحاصله: إن استعمال المطلق وإرادة بعض أفراده ليس من المجاز، بل هو حقيقة؛ لأن التقييد لا يخرج اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز، فلو قال: (أعتق رقبة مؤمنة) لم يكن لفظ (رقبة) مجازاً؛ لأنه استعمال له في معناه الحقيقي. وأما في النهي لو كان استفادة العموم من النهي بمقدمات الحكمة فلازمه أن يكون استعمال مثل (لا تغصب) وإرادة بعض أفراد الغصب حقيقياً لا مجازياً، وليس كذلك، فإن إرادة البعض منه مجاز قطعاً، مما يكشف أن النهي ليس من المطلق، بل هو موضوع للعموم.

[2] أي: إلى دلالة النهي على العموم.

[3] لما مرّ من أن دلالة لا تغصب على طلب ترك الطبيعة دلالة مطابقية، وبالالتزام يدل على طلب ترك الجميع، وهي دلالة التزامية مستندة إلى الوضع لا إلى مقدمات الحكمة.

[4] لأن استعمال المطلق وإرادة المقيد ليس من المجاز، بل من الحقيقة.

[5] أي: دلالة النهي.

[6] البحث هو في النهي، لكن ذكر النفي - وإن كان خارجاً عن البحث - لاشتراكه مع النهي، وعدم الفرق بينهما من جهة الدلالة على العموم الشمولي.

[7] الدلالة الالتزامية هنا دلالة عقلية لكنها مستندة إلى الوضع، أي: وضع النهي لطلب ترك الطبيعة، ولازم هذا الوضع عقلاً هو ترك جميع الأفراد.

ص: 355

سريان الحكم إلى جميع الأفراد، ضرورة[1] عدم الانتهاء عنها أو انتفائها إلاّ بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه.

قلت[2]: دلالتهما[3] على العموم والاستيعاب ظاهراً مما لا ينكر، لكنه من الواضح أن العموم المستفاد منهما كذلك[4] إنما هو بحسب[5] ما يراد من متعلقهما، فيختلف[6]

-------------------------------------------------------------------

[1] دليل المدعي وهو سريان الحكم إلى جميع الأفراد.

مختار المصنف

[2] مختار المصنف هو قبول هذا الوجه - أي: كون دلالة النهي على العموم بالوضع - ولكن في الجملة. وحاصله: إن دلالة النهي والنفي على العموم واضحة، وهذه الدلالة تكون بالوضع وبمقدمات الحكمة معاً، لا كما كان يقول المستشكل: إنه من مقدمات الحكمة، ولا كما كان يقوله المستدل: إنه من الوضع، فبالوضع يدل النهي على استيعاب كل أفراد المتعلق، وبمقدمات الحكمة يتعين سعة أو ضيق المتعلق.

فلو قال: (لا تغصب)، أو قال: (لا تغصب يوم الجمعة)، فكلمة (لا) تدل على استيعاب المتعلق، وهو الغصب، ففي الأول بمقدمات الحكمة يشمل جميع أفراد الغصب، وفي الثاني يشمل بعض أفراد الغصب، وهو الغصب الواقع في يوم الجمعة.

[3] أي: النهي والنفي، «لكنه» الضمير للشأن.

[4] أي: بالدلالة عليه بالوضع.

[5] أي: إنّما ذلك العموم هو حسب المدخول، فلفظة (لا) تدل على عموم جميع ما أريد من مدخولها.

[6] أي: ذلك العموم، فإن أريد من المدخول شيء واسع كانت (لا) دالة على النهي، أو نفي ذلك الشيء الواسع، وإن أريد من المدخول شيء محدود كانت (لا) دالة على النهي، أو نفي بمقدار ذلك الشيء المحدود.

ص: 356

سعة وضيقاً؛ فلا يكاد[1] يدل على استيعاب جميع الأفراد إلاّ إذا أريد منه الطبيعة مطلقةً وبلا قيد؛ ولا يكاد[2] يستظهر ذلك - مع عدم دلالته عليه بالخصوص - إلاّ بالإطلاق وقرينة الحكمة[3]، بحيث لو لم يكن هناك قرينتها[4] - بأن يكون الإطلاق[5] في غير مقام البيان - لم يكد يستفاد[6] استيعاب أفراد الطبيعة. وذلك لا ينافي[7] دلالتهما على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلق، إذ الفرض عدم الدلالة

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لا يكاد المتعلق وهو مدخول (لا)، «منه» من المتعلّق.

[2] بيان أنه في عموم المتعلق يحتاج إلى مقدمات الحكمة، «ذلك» أي: كون الطبيعة مطلقة وبلا قيد، مع عدم دلالة المتعلق على الإطلاق.

[3] قوله: «وقرينة الحكمة» عطف تفسيري على قوله: (بالإطلاق)، والمعنى أن المتعلق إذا كان دالاً بالوضع على العموم فلا نحتاج إلى مقدمات الحكمة، لكن المتعلق إذا لم يكن بالوضع دالاً على العموم فإنا نحتاج إلى مقدمات الحكمة لإثبات إطلاقه، فالنتيجة: إن النهي والنفي دلاّ على استيعاب المتعلق، لكن سعة المتعلق لجميع أفراد الطبيعة يحتاج إلى مقدمات الحكمة.

[4] أي: قرينة الحكمة، كما لو قال: (لا تكرم الفاسق) ولم يكن في مقام البيان، بل كان في مقام ضرب القانون من غير بيان تفاصيلة، وكما لو قال: (لا تُهن العالم) وكان هنالك قدر متيقن وهو العالم بمسائل الدين، فإنه حينئذٍ - لفقدان مقدمات الحكمة - لا يستفاد الاستيعاب لأفراد العالم ولأفراد الفاسق.

[5] بيان لفقدان بعض مقدمات الحكمة.

[6] قوله: «لم يكد...» جزاء (لو) في قوله: (بحيث لو لم يكن... الخ).

[7] أي: عدم استيعاب أفراد الطبيعة لا ينافي دلالة النهي والنفي بالوضع على استيعاب أفراد المتعلق. وفي الحقائق: (إذ الاستيعاب أمر إضافي يختلف باختلاف موضوعه، فتعيينه يجوز أن يستند إلى قرينة الحكمة)(1).

ص: 357


1- حقائق الأصول 1: 412 - 413.

على أنه[1] المقيد أو المطلق.

اللهم إلاّ أن يقال[2]: إن في دلالتهما[3] على الاستيعاب كفايةً ودلالةً[4] على أن المراد من المتعلق هو المطلق - كما ربما يدعى(1) ذلك[5] في مثل: (كل رجل) - وأن مثل[6] لفظة (كل) تدل على استيعاب جميع أفراد الرجل من غير حاجة إلى ملاحظة إطلاق مدخوله وقرينة الحكمة، بل يكفي إرادة ما هو معناه[7] - من الطبيعة المهملة[8]

-------------------------------------------------------------------

والحاصل: (لا) تدل على استيعاب أفراد المتعلق، وسعة المتعلق تحتاج إلى مقدمات الحكمة، ومع فقد بعض تلك المقدمات لا تكون له سعة.

[1] أي: المتعلق.

[2] هذا تأييد لكون دلالة النهي على الاستيعاب بالوضع فقط من غير حاجة إلى مقدمات الحكمة. وحاصله: إنه مع دخول النهي عن الطبيعة يتبادر استيعاب جميع أفراد المدخول من غير حاجة إلى مقدمات الحكمة، وذلك يدل على أن النهي موضوع لاستيعاب جميع أفراد الطبيعة.

[3] أي: النهي والنفي.

[4] من غير احتياج إلى مقدمات الحكمة.

[5] أي: الكفاية وعدم الاحتياج إلى مقدمات الحكمة. فلفظة (كل) في (كل عالم) تدل على استيعاب جميع أفراد العالم من غير احتياج إلى مقدمات الحكمة، ودليل ذلك تبادر الاستيعاب بهذا النحو.

[6] عطف تفسيري على (ذلك) في قوله: (كما ربما يدعى ذلك)، فالمعنى كما ربما يدعى أن مثل لفظة... الخ.

[7] أي: معنى الرجل.

[8] الطبيعة قد تكون (بشرط شيء) كقولنا: (رجل عالم). وقد تكون (بشرط لا) كقولنا: (رجل غير فاسق). وقد تكون (لا بشرط) وهي الطبيعة المهملة، وفي

ص: 358


1- الفصول الغروية: 161.

ولا بشرط - في دلالته[1] على الاستيعاب، وإن كان لا يلزم مجاز[2] أصلاً لو أريد

-------------------------------------------------------------------

الطبيعة المهملة يمكن إرادة العموم والإطلاق، ويمكن إرادة الخصوص والتقييد؛ لأن (لا بشرط) يجتمع مع ألف شرط.

[1] أي: دلالة مثل (كل رجل).

رد إشكال المجازية

[2] جواب عن إشكال طرحه المنتصر للدليل حيث قال - كما مرّ - : (لو كان العموم المستفاد من النهي بالإطلاق بمقدمات الحكمة، وغير مستند إلى دلالته عليه بالالتزام، لكان استعمال مثل لا تغصب في بعض أفراد الغصب حقيقة، وهذا واضح الفساد... الخ)(1).

وهنا المصنف رجح أن دلالة النهي والنفي على استيعاب جميع أفراد المتعلق إنما هو بالوضع، من غير حاجة لمقدمات الحكمة، فلذا يبيّن دفع هذا الإشكال، وأنه لا مجازية إذا أريد عدم الاستيعاب بنصب قرينة.

وحاصل كلام المصنف: إنه لو نصبت قرينة على إرادة بعض الأفراد فلا يلزم مجازية إطلاقاً؛ لأن المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له، وهنا استعمل اللفظ في ما وضع له - حتى لو أريد التقييد - ؛ وذلك لأن النهي استعمل في معناه، وهو طلب ترك جميع أفراد المتعلق، والمدخول أيضاً استعمل بمعناه، وهو الطبيعة المهملة. نعم، الخصوصية استفيدت من لفظ آخر وهو القيد، وذلك مما لا يوجب المجازية أصلاً، مثلاً: لو قال: (لا تكرم الرجل الفاسق) فكلمة (لا) دلت على معناها الموضوع له وهو طلب ترك ما يستوعبه المدخول، و(الرجل) يدل على ما وضع له، وهو جنس الرجل الذي هو مقابل المرأة، وأما الفسق فإنه استفيد من لفظة أخرى من غير أن يتغيّر معنى الرجل. فكلمة (الرجل) معناها واحد سواء قلنا: (لا تكرم الرجل) أو قلنا: (لا تكرم الرجل الفاسق).

ص: 359


1- إيضاح كفاية الأصول 2: 355.

منه خاص بالقرينة[1]، لا فيه[2] لدلالته[3] على استيعاب أفراد ما يراد من المدخول، ولا فيه[4] إذا كان بنحو تعدد الدال والمدلول[5]، لعدم استعماله[6] إلاّ في ما وضع له، والخصوصية مستفادة من دال آخر، فتدبر[7].

ومنها[8]: إن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة[9].

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لو أريد من المتعلق. وهذه القرينة ليست قرينة المجازية، بل هي قرينة التخصيص أو التقييد.

[2] أي: لا يلزم مجاز في كلمة (لا) الناهية أو النافية، وكذا لفظ (كل).

[3] أي: دلالة مثل: (كل) و(لا)، وهذا دليل عدم المجازية فيه لاستعماله في ما وضع له.

[4] أي: ولا يلزم مجاز في المتعلق وهو مدخول مثل: (كل) و(لا).

[5] فكل لفظ يدل على معناه الحقيقي من غير أن يتغير ذلك المعنى.

[6] وجه عدم المجازية في المدخول - أي: المتعلق - .

[7] لعلّه إشارة إلى الفرق بين (كل) وبين النفي والنهي، حيث يتبادر عموم المتعلق من لفظة كل، وليس كذلك في النفي والنهي، فلا تبادر لعموم المدخول.

أو يكون إشارة إلى أن إثبات كون النهي وضع للعموم، وأنّ الأمر لم يوضع للعموم، بل يحتاج إلى مقدمات الحكمة لا يكفي لترجيح النهي على الأمر؛ لأن الأقوائية يجب أن تكون عرفيّة، والعرف لا يرى (لا تغصب) أقوى من (صلِّ) في مورد الاجتماع.

المرجح الثاني: أولوية دفع المفسدة
اشارة

[8] أي: مما ذكر من مرجحات النهي على الأمر في مورد الاجتماع.

[9] فقول المولى: (لا تغصب) يكشف عن مفسدة في الغصب، وقوله: (صل) يكشف عن مصلحة في الصلاة، فدفع المفسدة في الغصب بترك المجمع أولى من جلب مصلحة الصلاة.

ص: 360

وقد أورد(1)

عليه - في القوانين[1] -: بأنه مطلقاً ممنوع[2]، لأن في ترك[3] الواجب أيضاً مفسدة إذا تعين[4].

ولا يخفى ما فيه[5]، فإن الواجب - ولو كان معيناً - ليس إلاّ لأجل أن في فعله مصلحة يلزم استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة. كما أن الحرام ليس إلاّ لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.

-------------------------------------------------------------------

إشكال القوانين وردّه

[1] لعل مراد القوانين هو أن قاعدة (دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة) لا تنطبق على ما نحن فيه وهو باب الاجتماع؛ وذلك لأن في مخالفة الأمر أيضاً مفسدة، كما أن في مخالفة النهي مفسدة، فصار من تزاحم دفع مفسدتين، لا تزاحم جلب مصلحة مع دفع مفسدة.

[2] لعل المراد أن انطباق القاعدة على ما نحن فيه ممنوع بشكل مطلق.

[3] بيان لعدم انطباق القاعدة على ما نحن فيه.

[4] أي: الواجب المعيّن في تركه مفسدة، كما لو انحصرت الصلاة في المغصوب، أما لو كان الواجب مخيراً فليس في ترك بعض أفراده مفسدة، كما لو كان يمكنه الصلاة في خارج المغصوب، فإن ترك الصلاة في المغصوب حينئذٍ لا مفسدة فيه.

[5] حاصل الإشكال: هو الفرق بين المفسدة وبين فوات المنفعة، فلو منعه عن التكسب فلم يربح، فلا يقال إن الممنوع تضرر، بل يقال إنه لم ينتفع، وتفصيله مذكور في قاعدة لاضرر. وفي الحقائق(2):

(لأن الوجوب والتحريم المتعلقين بشيء واحد، يحكيان عن الإرادة والكراهة، والإرادة إنما تكون لأجل المصلحة، والكراهة إنما تكون لأجل المفسدة، فاجتماع الواجب والحرام في واحد يقتضي اجتماع المصلحة والمفسدة فيه، فيكون في فعله مفسدة، وفي تركه ترك المصلحة).

ص: 361


1- قوانين الأصول 1: 153.
2- حقائق الأصول 1: 413.

ولكن يرد عليه: أن الأولوية مطلقاً ممنوعة[1]، بل ربما يكون العكس أولى، كما يشهد به مقايسة فعل بعض المحرمات مع ترك بعض الواجبات[2]، خصوصاً مثل الصلاة وما يتلو تلوها[3].

ولو سلم[4]

-------------------------------------------------------------------

الإشكال على المرجح الثاني
أولاً

[1] أي: هذا الأولوية ليست مطلقة، بل بعض الأحيان دفع المفسدة أولى، وأحياناً العكس، حيث يكون جلب المنفعة أولى.

[2] كما لو توقف إنقاذ غريق على التصرف في ملك الغير بلا إذن منه، فإن جلب المنفعة في الواجب - وهو إنقاذ الغريق - أولى من دفع مفسدة الغصب.

[3] أي: ما بُني عليها الإسلام في قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (بُني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية)(1).

فإنها تتقدم عادة على أكثر المحرمات لو تعارضت معها أو زاحمتها.

ثانياً

[4] أي: لو سلّم إطلاق قاعدة (دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة) وأنها تجري في كل الموارد، «فهو» أي: دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة، «المقام» وهو باب الاجتماع؛ وذلك لأن هذه القاعدة إنما هي في مقام امتثال المكلف للحكم، ولا ترتبط بمقام جعل المولى للحكم، ببيان أن المولى حين إرادته لجعل الحكم ينظر إلى حسن الفعل عقلاً فيأمر به، أو إلى قبحه عقلاً فينهى عنه، ولا ينظر إلى المصلحة أو المفسدة حتى تكون إحداهما أولى من الأخرى. نعم، المكلف حين الامتثال يرجح دفع المفسدة على جلب المنفعة، وما نحن فيه في باب الاجتماع هو من مقام جعل الحكم لا من مقام الامتثال.

ص: 362


1- الكافي 2: 18.

فهو أجنبي عن المقام، فإنه[1] في ما إذا دار بين الواجب والحرام[2]، ولو سلم[3] فإنّما يجدي في ما لو حصل به القطع[4].

ولو سلم أنه[5]

-------------------------------------------------------------------

وهذا حاصل ما ذكره المصنف في الحاشية حيث قال: (فإن الترجيح به إنّما يناسب ترجيح المكلف واختياره للفعل أو الترك بما هو أوفق بغرضه، لا المقام، وهو مقام جعل الأحكام، فإن المرجح هناك ليس إلاّ حسنها وقبحها العقليين لا موافقة الأغراض ومخالفتها كما لا يخفى، تأمل تعرف)(1)،

انتهى.

ويمكن أن يرد عليه بأن الحسن والقبح العقليين تابعان للمصلحة والمفسدة غالباً، بل دائماً.

[1] أي: فإن أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة.

[2] أي: في مقام الامتثال كما لو تردد الحكم بين وجوب صلاة الجمعة وبين حرمتها في زمن الغيبة - وهذا مثال الشبهة الحكمية - . وكما لو تردد بين وجوب الوضوء وحرمته للمريض - وهذا مثال الشبهة الموضوعية - .

ثالثاً

[3] أي: لو سلم جريان القاعدة حتى في مرحلة جعل الحكم، ودخول باب الاجتماع تحتها.

[4] وليس كذلك؛ لأن هذه القاعدة ظنيّة، مبتنية على الاستحسان، والظن ليس بحجة إلاّ إذا دل دليل على حجيته.

رابعاً

[5] أي: الظن بأولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة، «يجدي» أي: في ترجيح النهي على الأمر.

ص: 363


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 194.

يجدي ولو لم يحصل[1] فإنّما يجري[2] في ما لا يكون هناك مجال لأصالة البراءة أو الاشتغال، كما[3] في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيين[4]، لا في ما يجري[5]، كما في محل الاجتماع، لأصالة البراءة عن حرمته[6]، فيحكم بصحته،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: ولو لم يحصل القطع.

[2] حاصل الإشكال هو: أن الأصول العملية حاكمة، بل واردة على هذه القاعدة؛ لأنه بالأصل العملي نحرز عدم المفسدة - ظاهراً - فيسقط النهي، ويبقى الأمر بلا معارض، وفي ما نحن فيه - وهو باب الاجتماع - قد تجري أصالة البراءة عن الحرمة، وحينئذٍ لا حرمة حتى يقال إن دفع المفسدة أولى.

[3] مثال لعدم وجود مجال للأصل العملي، فإنه في دوران الأمر بين المحذورين يتساقط الأصلان بالتعارض، أو لا يجريان أصلاً، فلا تجري أصالة البراءة من الوجوب، ولا أصالة البراءة من الحرمة، كما أنه لا تجري أصالة الاشتغال؛ لعدم إمكان العلم بالموافقة أو المخالفة، بل يؤول أمره إلى التخيير.

[4] فيكون من قبيل الدوران بين المحذورين، أما إذا كان أحدهما تخييرياً والآخر تعيينياً، فعلى رأي المصنف يجري الأصل في التعييني بلا معارض، ولا يجري في التخييري.

[5] أي: في مورد جريان الأصل العملي لا تصل النوبة إلى قاعدة (دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة)، بل نعمل طبقاً للأصل، وفي ما نحن فيه - وهو باب الاجتماع - قد يرجح الأصل جانب الوجوب.

[6] أي: عن حرمة محل الاجتماع، فإن الحرمة تعيينيّة - حيث يحرم بالتعيين الغصب - وأما الوجوب فهو تخييري، حيث يكون المكلّف مختاراً في الصلاة في أي مكان شاء.

وحين التزاحم - كما لو صلى في المغصوب - فإن وجوب الصلاة كان تخييرياً فلا يجري فيها أصالة البراءة، أما الغصب فإن حرمته تعيينياً فيجري فيه أصالة البراءة.

ص: 364

ولو قيل[1] بقاعدة الاشتغال في الشك في الأجزاء والشرائط، فإنه[2] لا مانع عقلاً إلاّ فعلية الحرمة[3] المرفوعة بأصالة البراءة عنها[4] عقلاً ونقلاً.

نعم[5]،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: هناك فرق بين باب الاجتماع وبين الشك في الجزئية أو الشرطية، فلذا نحكم هنا بالبراءة من الحرمة، ونحكم هناك بالاحتياط؛ وذلك لأن أصل البراءة في باب الشك في الجزئية أو الشرطية لا يرفع المانع عن الصحة إلاّ في الظاهر، مع احتمال البطلان واقعاً إذا كان الشيء جزءاً أو شرطاً واقعاً؛ لأن الكل عدم عند عدم جزئه، وكذلك المشروط عدم عند عدم شرطه، فإذا أجرينا أصل البراءة عن الجزء أو الشرط فإنا لا نجزم بالصحة؛ لأن البراءة حكم ظاهري، فلذا صح القول بأننا لا نجزم ببراءة الذمة إلاّ بالاحتياط.

وأما في باب الاجتماع فإن المانع هو فعلية حرمة الغصب، وبأصل البراءة ترتفع تلك الفعلية، فلا يوجد مانع عن صحة الصلاة أصلاً، فتصح واقعاً؛ لوجود المقتضي لصحة الصلاة مع ارتفاع المانع.

[2] تعليل للحكم بصحة المجمع في باب اجتماع الأمر والنهي.

[3] حيث لا يمكن قصد القربة بالحرام الفعلي، فإذا ارتفعت الحرمة الفعلية بأصالة البراءة أمكن قصد القربة.

[4] أي: عن فعلية الحرمة، بأصل البراءة العقلي الذي منشأه قبح العقاب بلا بيان، وبأصل البراءة الشرعي الذي من أدلته حديث الرفع.

[5] استدراك على الإشكال الرابع، وذكر عدم فائدة جريان أصالة البراءة.

ببيان أن المصنف أشكل على قاعدة (دفع المفسدة أولى) إشكالاً رابعاً حاصله: إن هذه القاعدة لا تجري مع جريان الأصول العملية، وفي ما نحن فيه تجري أصالة البراءة عن الحرمة.

ص: 365

لو قيل[1]

-------------------------------------------------------------------

وفي هذا الاستدراك يبيّن المصنف عدم جريان أصالة البراءة ولا غيرها من الأصول العملية، ولازمه جريان قاعدة (دفع المفسدة أولى)، واندفاع الإشكال الرابع.

ثم إن للمصنف هاهنا حاشية قال فيها: (كما هو غير بعيد كله، بتقريب أن إحراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتية كافٍ في تأثيرها بما لها من المرتبة، ولا يتوقف تأثيرها كذلك على إحرازها بمرتبتها؛ ولذا كان العلم بمجرد حرمة شيء موجباً لتنجز حرمته على ما هي عليه من المرتبة، ولو كانت في أقوى مراتبها، ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب شدتها، كما لا يخفى.

هذا لكنه إنما يكون إذا لم يحرز أيضاً ما يحتمل أن يزاحمها ويمنع عن تأثيرها المبغوضية، وأما معه فيكون الفعل كما إذا لم يحرز أنه ذو مصلحة أو مفسدة مما لا يستقل العقل بحسنه أو قبحه، وحينئذٍ يمكن أن يقال بصحة عبادة لو أتى بها بداعي الأمر المتعلق بما عليه من الطبيعة، بناءً على عدم اعتبار أزيد من إتيان العمل قربياً في العبادة وامتثالاً للأمر بالطبيعة، وعدم اعتبار كونه ذاتاً راجحاً. كيف ويمكن أن لا يكون جل العبادات ذاتاً راجحاً، بل إنما يكون كذلك في ما إذا أتى بها على نحو قربي. نعم، المعتبر في صحة العبادة إنما هو أن لا يقع منه مبغوضاً عليه كما لا يخفى، وقولنا: (فتأمل) إشارة إلى ذلك)(1)،

انتهى.

[1] حاصل الاستدراك: إن المفسدة الغالبة مؤثرة في مبغوضية العمل، وفي باب الاجتماع يحتمل أن تكون المفسدة غالبة، فالعمل يحتمل أن يكون مبغوضاً، ومع هذا الاحتمال لا يمكن قصد القربة، فلا تصح العبادة، والمصنف في صدر حاشيته إلى قوله: (كما لا يخفى) رجّح هذا الاستدراك، وحاصله: إن للمفسدة مراتبَ،

ص: 366


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 201.

بأن المفسدة الواقعية الغالبة[1] مؤثرة في المبغوضية ولو لم يكن الغلبة بمحرزة، فأصالة البراءة غير جارية[2]، بل كانت أصالة الاشتغال[3] بالواجب - لو كان عبادة[4] - محكمة، ولو قيل[5] بأصالة البراءة في الأجزاء والشرائط[6]، لعدم[7]

-------------------------------------------------------------------

فقد تكون غالبة على المنفعة، وقد تكون متساوية، وقد تكون مغلوبة، ومجرد إحراز المفسدة - حتى إذا لم نعلم درجتها - يكفي في تأثيرها للمبغوضية، وكذلك الحرمة مراتب، ومجرد إحرازها يكفي لتنجزها بالمرتبة القوية. فتأمل.

[1] حتى إذ شك المكلف في غلبتها؛ إذ مع احتمال الغلبة لا يمكنه قصد القربة.

[2] لعدم أثر لجريانها، والأصل إذا لم يكن ذا أثر فلا يجري؛ وذلك لأن أصالة البراءة ترفع الحرمة الفعلية، ولكنها لا ترفع احتمال غلبة المفسدة - لأن هذا الاحتمال وجداني - ومعه لا يمكن قصد القربة، فلا تصح العبادة.

وفي بعض النسخ (فأصالة البراءة غير مجدية) وهو أقرب للتوضيح الذي ذكرناه، وقيل في توضيح عدم جريان أصالة البراءة غير ذلك.

[3] للعلم بانشغال الذمة بالواجب، والاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية.

[4] لأن وجه عدم جريان البراءة هو عدم تأتي قصد القربة، وفي غير العبادات لا حاجة إلى قصد القربة، فلا مانع من جريان أصل البراءة.

[5] «لو» وصلية، وهذا القول هو مبنى بعض الأصوليين حيث يُجرون أصالة البراءة في الشك في الأجزاء والشرائط - أي: في الأقل والأكثر الارتباطيين - .

[6] وذلك لما مرّ من عدم ارتباط مسألة الاجتماع بمسألة الشك في الأجزاء والشرائط؛ لوجود الفارق بينهما.

[7] هذا دليل جريان قاعدة الاشتغال.

والصحيح هو عدم جريان قاعدة الاشتغال أيضاً، وذلك للقطع ببطلان الصلاة بلا قصد القربة، ومع احتمال غلبة المبغوضية حيث لا يمكنه قصد القربة، فإن

ص: 367

تأتي قصد القربة مع الشك في المبغوضية، فتأمل[1].

ومنها[2]: الاستقراء[3]، فإنه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب، كحرمة الصلاة في أيام الاستظهار[4]، وعدم جواز الوضوء من الإناءين

-------------------------------------------------------------------

صلاته باطلة جزماً، ومع القطع بالبطلان لا تصل النوبة إلى الأصول العملية التي مجراها هو الشك.

[1] أشار المصنف في الحاشية(1) إلى وجه هذا التأمل من قوله: (لكنه إنما يكون... الخ)، وحاصله: إن احتمال غلبة المبغوضية لا يمنع من قصد القربة؛ لأنه لا يشترط في العبادة أن يكون العمل راجحاً ذاتاً، بل يكفي إتيان العمل بقصد القربة لامتثال الأمر المتوجه إلى طبيعة الصلاة - مثلاً - (إذ ربما يتعلق أمر عبادي بشيء من دون رجحان متعلقه لكون الغرض متعلقاً بإتيانه بداعي الأمر) - كما قيل - ، وما نحن فيه - وهو المجمع في باب الاجتماع - من هذا القبيل، حيث بالصلاة في المغصوب يقصد امتثال الأمر المتوجه إلى طبيعة الصلاة، ولا يحتاج إلى العلم برجحان هذه الصلاة ذاتاً، بل يكفي عدم العلم بمبغوضيتها.

المرجح الثالث: الاستقراء
اشارة

[2] أي: من مرجحات النهي على الأمر.

[3] وهو تتبع الأشباه والنظائر، فوجدنا أن الشارع يرجح النهي على الأمر كلّما دار الحكم بين الوجوب والحرمة.

[4] وهي الأيام المشكوك كونها من الحيض أو الاستحاضة بعد انتهاء أيام العادة، فإن المرأة تطلب ظهور حالها، وذلك لأن ذات العادة العددية - كالتي عادتها ثلاثة أيام - إذا رأت الدم بعد العادة - كاليوم الرابع في المثال - فإنها تنتظر انقطاع الدم، فإن انقطع الدم بعد عشرة أيام تبيّن أن ما بعد العادة كان استحاضة، وإن انقطع الدم

ص: 368


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 201.

المشتبهين[1].

وفيه: إنه لا دليل على اعتبار الاستقراء[2] ما لم يفد القطع[3].

ولو سلم[4] فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار[5].

-------------------------------------------------------------------

قبل تجاوز العشرة فيتبيّن أنه حيض.

وخلال هذه المدة، أي: اليوم الرابع - في المثال - إلى انقطاع الدم، يكون أمرها في الصلاة مردد بين الحرمة إذا كان حيضاً، وبين الوجوب إذا كان استحاضة. والشارع هنا رجح جانب الحرمة ونهى عن الصلاة. نعم، إذا تجاوز الدم العشرة يتبين أنه كان استحاضة، فيجب عليها قضاء ما فاتها من الصلاة.

[1] فلو انحصر ماء الوضوء بإناءين أحدهما طاهر والآخر نجس واشتبها، فإن أمر المكلف دائر بين وجوب الوضوء بهما لطهارة أحدهما، وبين حرمة الوضوء بهما لنجاسة أحدهما الآخر. والشارع هنا رجح جانب الحرمة وأمر بإراقة الإناءين والتيمم.

إشكالات على المرجح الثالث

[2] هذا هو الإشكال الأول: وذلك لأن الحجية إما ذاتية كالقطع، وإما تعبدية بجعل الشارع، وكلاهما مفقود في الاستقراء، فإنه لا يوجب القطع - عادة - ولا يوجد دليل شرعي على اعتباره.

[3] أي: القطع بعلّة الحكم، حتى نجري ذلك الحكم في كل مورد ثبتت تلك العلة، وفي ما نحن فيه من المثالين لا قطع بكون علّة التقديم هو ترجيح جانب الحرمة على الوجوب - بما هما هما - فلا يفيدنا هذا الاستقراء.

[4] هذا هو الإشكال الثاني: أي لو سلّم عدم لزوم القطع في حجية الاستقراء، بل يكفي الظن.

[5] وهو مثالان، فإنه لا يتم الاستقراء الموجب للظن إلاّ بعد تحصيل أمثلة كثيرة.

ص: 369

ولو سلم[1] فليس حرمة الصلاة في تلك الأيام ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطاً بالمقام[2]، لأن حرمة الصلاة فيها[3] إنما تكون لقاعدة الإمكان[4] والاستصحاب[5] المثبتين[6] لكون الدم[7] حيضاً، فيحكم بجميع أحكامه[8] ومنها

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا هو الإشكال الثالث، أي: لو سلّم حصول الاستقراء بموردين.

[2] أي: مقام ترجيح الحرمة على الوجوب.

أما مثال الصلاة فعدم ارتباطه بالمقام لجهتين:

الأولى: إن الترجيح ليست بهذه العلة، بل لأسباب أخرى، فلا يفيدنا هذا الاستقراء لكشف علة الترجيح.

الثانية: في المثال لا توجد حرمة، ولا نهي مولوي.

الجهة الأولى

[3] أي: في تلك الأيام - وهي أيام الاستظهار - .

[4] وهي قاعدة (كل دم أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض) الثابتة هذه القاعدة بالنصوص.

وفي أيام الاستظهار يمكن أن يكون الدم حيضاً؛ لاحتمال انقطاعه قبل العشرة، فلذا جرى عليه أحكام الحيض.

[5] أي: استصحاب كون المرأة حائضاً؛ لأنها بانتهاء العادة واستمرار الدم تشك في استمرار كونها حائضاً أو انقطاعه، فتستصحب كونها حائضاً. كما يمكن استصحاب كون الدم حيضاً - لوحدة الدمين عرفاً - فتجري عليه الآثار الشرعية لدم الحيض.

[6] صفة ل- (قاعدة الإمكان) و(الاستصحاب)، فإنهما يثبتان أن الدم حيض، كما يثبتان كون المرأة حائضاً.

[7] بعد انتهاء العادة واستمرار الدم.

[8] أي: أحكام الحيض، كحرمة دخول المساجد، وحرمة قراءة العزائم،

ص: 370

حرمة الصلاة عليها، لا لأجل تغليب جانب الحرمة[1] كما هو المدعى. هذا[2] لو قيل بحرمتها الذاتية في أيام الحيض، وإلاّ[3] فهو خارج عن محل الكلام.

ومن هنا[4] انقدح: أنه ليس منه ترك الوضوء من الإناءين، فإن[5] حرمة الوضوء

-------------------------------------------------------------------

وحرمة الوطء، وعدم العفو عن قليله في الصلاة ونحوها، «ومنها» أي: ومن أحكام الحيض.

[1] أي: إن الترجيح لم يكن لأجل العلة التي يراد كشفها من الاستقراء حتى تجري في سائر الموارد، وتلك العلة المزعومة هي ترجيح النهي بما هو هو على الأمر بما هو هو.

الجهة الثانية

[2] أي: ترجيح النهي على الأمر في المثالين، «بحرمتها» أي: حرمة الصلاة، «الذاتية» مقابل الحرمة التشريعيّة.

[3] أي: لو لم نقل بحرمة الصلاة الذاتية، بل قلنا بجواز الصلاة أيام الاستظهار، كما عن المحقق المشكيني(1)

نسبته إلى المشهور، وأن حرمة الصلاة إنما تكون للتشريع، وحينئذٍ فإن لم تقصد التشريع كانت الصلاة جائزة من باب الاحتياط، وإن قصدت التشريع كانت الصلاة محرمة بلا احتمال للوجوب أصلاً، فلا يكون المثال من دوران الأمر بين الحرمة والوجوب أصلاً.

[4] أي: مما بيناه في المثال الأول، وأنه لا حرمة في البين أصلاً - إلاّ الحرمة التشريعية وهي أجنبية عن المقام - ، «أنه» الضمير للشأن، «منه» أي: من ترجيح النهي على الأمر، والحرمة على الوجوب.

[5] بيان لوجه الانقداح، وتوضيح عدم كون المثال من ترجيح الحرمة. وحاصله: إن الوضوء بالماء المتنجس القطعي ليس حراماً بحرمة تكليفية، فكيف بالماء المشتبه؟ إلاّ من باب التشريع - وهو خارج عن محل الكلام - .

ص: 371


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 203.

من الماء النجس ليس إلاّ تشريعياً، ولا تشريع في ما لو توضأ منهما[1] احتياطاً[2]، فلا حرمة في البين غلب جانبها. فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك[3]، بل إراقتهما - كما في النص[4] - ليس إلاّ من باب التعبد[5] أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن[6] ظاهراً بحكم الاستصحاب[7]،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: من الإناءين، أي: بالماء الموجود فيهما.

[2] أو بقصد الرجاء، ولو لا النص لوجب الاحتياط بأن يتوضأ بأحدهما ويصلي بهذا الوضوء، ثم بالماء الثاني يطهر أعضاء الوضوء، ويتوضأ به ويصلي مرّة أخرى، فإنه بهذه الكيفية يحصل له القطع بوقوع إحدى الصلاتين بوضوء صحيح.

[3] أي: ولو احتياطاً.

[4] ومنه ما عن أبي عبدالله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أنه: (سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر، لا يدري أيهما هو؟ وليس يقدر على ماء غيرهما؟، فقال عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: يهريقهما جميعاً ويتيمم)(1).

[5] أي: عدم جواز الوضوء ليس إلاّ لأجل النص من غير أن تكون العلّة معلومة لنا، ولو لا النص لوجب الاحتياط بالطريقة السابقة.

[6] فدار أمر هذا الشخص بين الصلاة بتيمم أو الصلاة مع احتمال النجاسة واقعاً، وثبوتها ظاهراً، ولعل الشارع رأى أن المصلحة مع الأول دون الثاني، فلم يكن ذلك لأجل ترجيح النهي على الأمر.

[7] أي: النجاسة ظاهرية؛ وذلك بحكم الاستصحاب الذي مجراه حين الشك، حيث لا يعلم بنجاسة الأعضاء - واقعاً - بعد الوضوء بالثاني، بل يشك في النجاسة فيستصحبها، هذا إذا طهّر الأعضاء بالماء الثاني ثم توضأ به، وإلاّ فلا حاجة للاستصحاب، بل يقطع بالنجاسة الواقعيّة.

ص: 372


1- وسائل الشيعة 3: 345.

للقطع[1] بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الإناء الثانية إما بملاقاتها أو بملاقاة الأولى[2] وعدم[3] استعمال مطهّر بعده ولو[4] طهّر بالثانية مواضع الملاقاة بالأولى. نعم[5]،

-------------------------------------------------------------------

[1] بيان لعلة جريان الاستصحاب. وحاصله: إنه مع علمه بنجاسة أحد الإناءين فإن توضأ بهما، فإنه يحصل له القطع بنجاسة أعضاء الوضوء في زمانٍ ما، ثم يشك في بقاء هذه النجاسة أو زوالها، فتمت أركان الاستصحاب، وهي اليقين السابق بالنجاسة والشك اللاحق في زوالها؛ وذلك لأنه حينما يتوضأ بالإناء الأول فإنه لا يعلم بنجاسة أعضائه، لكنه بمجرد ملاقاة أعضائه لماء الإناء الثاني - وقبل انفصال الغسالة - فإنه يقطع بنجاسة الأعضاء، إما بسبب الماء الأول أو بسبب الماء الثاني، وبعد انفصال غسالة الماء الثاني يحتمل طهارة الأعضاء؛ لاحتمال أن يكون الماء الأول هو النجس، والماء الثاني طاهراً، وبملاقاة الأعضاء للماء الثاني وانفصال الغسالة يكون قد طهرت الأعضاء، ومع اليقين السابق بالنجاسة والشك اللاحق في زوالها يجري استصحاب النجاسة.

[2] هذا منشأ القطع بنجاسة أعضاء الوضوء.

[3] عطف على (القطع) في قوله: (للقطع بحصول النجاسة... الخ)، أي: منشأ الاستصحاب هو القطع بالنجاسة مع عدم العلم باستعمال مطهّر بعد حصول هذا القطع، بل يشك في حصول المطهّر، «بعده» أي: بعد القطع بحصول النجاسة.

[4] «لو» وصلية، أي: حتى لو طهّر بالآنية الثانية أعضاء الوضوء ثم توضأ بها؛ وذلك لأنّ اليقين بالنجاسة حصل بمجرد استعمال الثانية، وبانفصال الغسالة في الثانية يحتمل الطهارة، فيكون مورداً لاستصحاب النجاسة.

[5] بيان لصورة لا يجري فيها الاستصحاب، فلا يحتمل كون الأمر بإهراق الإناءين هو لأجل احتمال النجاسة؛ وذلك لعدم حكم الشارع بالنجاسة.

ص: 373

لو طهرت[1] - على تقدير نجاستها[2] - بمجرد ملاقاتها بلا حاجة إلى التعدد وانفصال الغسالة[3] لا يعلم[4] تفصيلاً بنجاستها[5] وإن[6] علم بنجاستها حين ملاقاة الأولى أو الثانية إجمالاً[7]،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: طهرت مواضع الملاقاة - وهي أعضاء الوضوء - .

[2] أي: نجاسة أعضاء الوضوء، فعلى تقدير كون الماء الأول نجساً فإن أعضاء الوضوء أصبحت متنجسة، ولكنها تطهر بمجرد غمسها دفعة في الماء الكر - مثلاً - أما لو كان الماء الثاني هو النجس فإن الأعضاء تتنجس به.

ولمّا لم يعلم بنجاسة الأول أو الثاني فلا يحصل العلم بالنجاسة في أي زمان من الأزمان؛ إذ بمجرد الملاقاة مع الأول لا قطع بالنجاسة، وبالملاقاة بالثاني أيضاً لا يحصل قطع؛ إذ المفروض أن الثاني كر - مثلاً - ولا تحتاج الطهارة به إلى التعدد ولا إلى انفصال الغسالة - حتى يكون فاصلاً زمنياً يحصل فيه القطع بالنجاسة - .

[3] كما لو كان الإناء الثاني كراً، وغمس فيه أعضاء الوضوء دفعة.

[4] قوله: «لا يعلم...» جزاء (لو) في قوله: (نعم لو طهرت... الخ).

[5] أي: بنجاسة مواضع الملاقاة وهي أعضاء الوضوء.

[6] «إن» وصلية، أي: لا يجري الاستصحاب حتى مع العلم الإجمالي.

[7] أي: علم إجمالاً بتعاقب الطهارة والنجاسة على أعضاء الوضوء؛ وذلك لأنه لمّا أصاب الماءان أعضاء الوضوء يعلم بأنها تنجست وطهرت، لكنه لا يعلم المتقدم منهما، فلا يجري الاستصحاب، نظير من توضأ وأحدث ولا يعلم السابق منهما.

هذا إذا لم يعلم الحالة السابقة على استعمال الإناءين، وإلاّ فيجري استصحاب ما يخالفها - على تفصيل - .

ص: 374

فلا مجال لاستصحابها[1]، بل كانت قاعدة الطهارة محكمةً.

الأمر الثالث[2]: الظاهر لحوق تعدد الإضافات بتعدد العنوانات والجهات[3] في أنه لو كان تعدد الجهة والعنوان كافياً مع وحدة المعنون وجوداً في جواز الاجتماع

-------------------------------------------------------------------

[1] لأنه بعد عدم جريان الاستصحاب في أي من الطرفين نرجع إلى الأصول الأخرى، وهنا الأصل في الأشياء الطهارة، للنصوص ومنها قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر)(1).

التنبيه الثالث في تعدد الإضافات

[2] ما تعلق به الأمر والنهي يسمى عنواناً. وهذا العنوان قد يتعلق بشيء ويسمى ذلك الشيء (مضافاً إليه) مثلاً: لو قال: (أكرم العلماء) فالأمر تعلق بالإكرام، وهذا الإكرام أضيف إلى العلماء.

والمشهور تعاملوا مع تعدد الإضافات معاملة المتعارضين، فلو قال: (أكرم العلماء) و(لا تكرم الفساق)، ففي (العالم الفاسق) يقع التعارض بين الدليلين.

والمصنف يرى لزوم إجراء أحكام التزاحم؛ وذلك لعدم الفرق بين تعدد العنوان - كالصلاة والغصب - وبين تعدد الإضافات. ثم يوجه المصنف كلام المشهور بأحد أمرين:

1- إن المشهور قائلون بامتناع الاجتماع، وحيث لم يعلم الأقوى مقتضياً يلزم الرجوع إلى مرجحات باب التعارض - كما مرّ من المصنف اختياره - .

2- أو إنهم لا يرون وجود المقتضي لأحد الدليلين في مورد الاجتماع، فلا محيص عن التعارض وإجراء أحكامه.

[3] قوله: «والجهات» عطف توضيحي (للعنوانات)، «في أنه» متعلق بقوله: (لحوق)، «في جواز...» متعلق بقوله: (كافياً).

ص: 375


1- تهذيب الأحكام 1: 285.

كان تعدد الإضافات مجدياً[1]، ضرورة[2] أنه يوجب أيضاً اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلاً[3]، وبحسب الوجوب والحرمة شرعاً[4]. فيكون مثل: (أكرم العلماء) و(لا تكرم الفساق) من باب الاجتماع ك(صل) و(لا تغضب) لا من باب التعارض، إلاّ[5] إذا لم يكن للحكم في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتضٍ، كما[6] هو الحال أيضاً في تعدد العنوانين.

-------------------------------------------------------------------

[1] لأنه على القول بالجواز يكفي التغاير بالعنوان حتى لو اتحدا في الوجود، وهنا يكفي انطباق عنوان (العالم) وعنوان (الفاسق) على شخص واحد لجريان الحكمين.

[2] تعليل لكون تعدد الإضافات مجدياً.

[3] أي: بناءً على القول بالجواز يكون الفعل ذا مصلحة وحسن عقلاً باعتبار إضافة، ويكون ذا مفسدة وقبح باعتبار إضافة أخرى.

ولعل الحسن هو منشأ المصلحة، والقبح هو سبب المفسدة، ويمكن أن يكون العكس، فتأمل.

[4] أي: تعدد الإضافات توجب الوجوب باعتبار، والحرمة باعتبار آخر، ويمكن الإشكال على كلام المصنف بأن القائل بجواز الاجتماع يرى إمكانه مع وجود مندوحة، كالصلاة في المغصوب مع إمكانها في المباح، أما مع عدم وجود المندوحة فيكون من التكليف بما لا يطاق وهو محال، وما نحن فيه لا يوجد مندوحة، فوجوب وحرمة إكرام العالم الفاسق من التكليف بما لا يطاق وهو محال، بل هو تكليف محال، فتدبر جيداً.

[5] أي: لا يكون من باب الاجتماع إذا لم يكن مقتضٍ لأحد الحكمين، كوجوب الإكرام أو عدم وجوبه؛ لأن باب الاجتماع هو في التزاحم وهو ما كان لكليهما مقتضٍ.

[6] أي: حتى في صورة تعدد العنوان لا يكون من باب الاجتماع إذا لم يكن لأحد الحكمين مقتضٍ، فلا فرق بين تعدد الإضافات وتعدد العنوانات، فإن كان

ص: 376

فما يتراءى منهم[1] - من المعاملة مع مثل: (أكرم العلماء) و(لا تكرم الفساق) معاملة تعارض العموم من وجه - إنما يكون بناءً على الامتناع[2] أو عدم المقتضي[3] لأحد الحكمين في مورد الاجتماع.

فصل: في أن النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا[4]؟ وليقدم أمور:

-------------------------------------------------------------------

في الحكمين مقتضٍ كان من باب التزاحم في كليهما، وإن لم يكن مقتضٍ في أحدهما كان من باب التعارض في كليهما.

[1] شروع من المصنف لتوجيه كلام المشهور حيث تعاملوا مع تعدد الإضافات معاملة التعارض، ففي العالم الفاسق - في المثال - أجروا مرجحات باب التعارض لا باب التزاحم، وقد وجه المصنف كلامهم بأحد وجهين.

[2] هذا هو التوجيه الأول، وحاصله: إن المشهور قائلون بامتناع اجتماع الأمر والنهي، وقد مرّ بأنه لو علمنا بالأقوى مقتضياً فهو المرجح، وإن لم نعلم نرجع إلى مرجحات باب التعارض، فنأخذ بالأقوى سنداً - مثلاً - وبدليل الإن نكتشف أنه الأقوى مقتضياً.

[3] هذا هو التوجيه الثاني، وحاصله: إن المشهور استظهروا من ظاهر الدليلين عدم وجود المقتضي لأحدهما، فلو اُلقي مثل: (أكرم العلماء) و(لا تكرم الفساق) إلى العرف رأى التعارض في العالم الفاسق، وأنه يوجد مقتضٍ لواحد من الإكرام أو من عدم الإكرام.

فصل في أن النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا؟

[4] كالنهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة، قال تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ}(1)، وكالنهي عن الصلاة في جلود

ص: 377


1- سورة الجمعة، الآية: 9.

المقصد الثاني في النواهي، فصل في أن النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا؟

اشارة

الأول[1]: إنه قد عرفت في المسألة السابقة[2] الفرق بينها وبين هذه المسألة[3]، وأنه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما بما هو جهة البحث في الأخرى، وأن البحث في هذه المسألة في دلالة النهي - بوجه يأتي تفصيله - على الفساد، بخلاف تلك المسألة، فإن البحث فيها في أن تعدد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الأمر والنهي في مورد الاجتماع أم لا.

الثاني[4]: إنه لا يخفى أن عدّ هذه المسألة من مباحث الألفاظ إنما هو لأجل أنه

-------------------------------------------------------------------

ما لا يؤكل لحمه.

الأمر الأول الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة اقتضاء الفساد

[1] عقد هذه المقدمة لبيان الفرق بين هذه المسألة، والمسألة السابقة - وهي مسألة اجتماع الأمر والنهي - .

[2] في المقدمة الثانية من بحث الاجتماع.

[3] وحاصل الفرق هو: إنه في مسألة الاجتماع كان البحث حول إمكان تعلق الأمر والنهي بشيء واحد أو عدم إمكانه. وفي هذه المسألة البحث في أنه بعد إمكان التعلق هل يقع العمل صحيحاً أم فاسداً؟

وقد مرّ أنه على بعض الأقوال في تلك المسألة وهو الامتناع مع ترجيح جانب النهي تتحد المسألتان، حيث تكون أمثلة باب الاجتماع هي من صغريات هذه المسألة، فراجع.

الأمر الثاني في كون المسألة من مباحث الألفاظ

اشارة

[4] عقد هذا الأمر لبيان كون المسألة من مباحث الألفاظ، وحاصله: إن هذه المسألة هي مسألة عقلية - واقعاً - وذلك لأن محور البحث حول الملازمة بين الحرمة والفساد، ولكن يوجد قول في المسألة وهو أن لفظ النهي يدل على الفساد في المعاملات من غير أن تكون ملازمة عقلية، ولأجل هذا القول تم عقد هذه المسألة في مباحث الألفاظ.

ص: 378

في الأقوال قول بدلالته على الفساد في المعاملات مع إنكار الملازمة بينه وبين الحرمة التي هي مفاده فيها[1]. ولا ينافي ذلك أن الملازمة[2] على تقدير ثبوتها في العبادة إنما تكون بينه[3] وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة، وعلى تقدير عدمها[4] تكون منتفية بينهما، لإمكان[5] أن يكون البحث معه[6] في دلالة الصيغة بما تعم دلالتها بالالتزام، فلا تقاس بتلك المسألة[7] التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس، فتأمل جيداً.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: التي الحرمة مفاد النهي في المعاملات.

كلام التقريرات والإشكال عليه

[2] وعن الشيخ الأعظم في التقريرات: (ومن هنا يظهر أن المسألة لا ينبغي أن تعد من مباحث الألفاظ، فإن هذه الملازمة على تقدير ثبوتها إنما هي موجودة بين مفاد النهي المتعلق بشيء، وإن لم يكن ذلك النهي مدلولاً عليه بالصيغة اللفظية، وعلى تقدير عدمها إنّما يحكم بانتفائها بين المعنيين)(1).

[3] أي: بين الفساد.

[4] أي: على تقدير عدم الملازمة، وحاصل المراد: إن الملازمة إثباتاً ونفياً تدور بين الحرمة وبين الفساد، ولا دخل للّفظ في ذلك.

[5] علة لقوله: (ولا ينافي)، وهو جواب عن كلام التقريرات، وحاصله: إرجاع الدلالة إلى اللفظ ولكن بالالتزام، بأن يقال: إن النهي يدل بالمطابقة على الحرمة، ويدل بالالتزام على الفساد؛ وذلك للملازمة بين الحرمة والفساد، فإذن كان اللفظ هو منشأ الدلالة على الفساد.

[6] أي: مع القائل بدلالة اللفظ على الفساد في المعاملة مع إنكاره الملازمة بين الحرمة والفساد، فنحن نناقش هذا القائل ونثبت الدلالة الالتزامية.

[7] أي: مسألة اجتماع الأمر والنهي، حيث إنها عقلية صرفة.

ص: 379


1- مطارح الأنظار 1: 728.

الثالث[1]: ظاهر لفظ النهي وإن كان هو النهي التحريمي[2]، إلاّ أن ملاك البحث[3] يعم التنزيهي. ومعه[4] لا وجه لتخصيص العنوان[5]. واختصاص[6] عموم ملاكه[7]

-------------------------------------------------------------------

الأمر الثالث عموم النهي لكل أنواعه

اشارة

[1] عقد هذا الأمر لبيان عموم النهي، وأنه يشمل النهي التنزيهي في المكروهات أيضاً، وكذلك النهي الغيري - أصلياً أم تبعياً - .

[2] لما مرّ من أن إطلاق النهي يتبادر منه النهي التحريمي التعييني العيني النفسي.

[3] وهو التنافي بين المرجوحية وبين الصحة، فإن علة البطلان هو مرجوحية الشيء وكونه مبغوضاً، والمرجوح المبغوض لا يمكن أن يكون مقرباً في العبادات، وقد مرّ البحث في العبادات المكروهة وتصوير معنى الكراهة فيها وأقسامها.

[4] أي: مع عمومية الملاك.

[5] لأن المقصود في البحوث هو معرفة الملاكات والعلل للنتائج؛ ولذا يشكلون على اختيار عنوان خاص مع كون البحث في العام، ولفظ النهي وإن كان ينصرف إلى خصوص التحريمي لكنه عام وضعاً ومعناً، ومع عمومية الملاك لا داعي إلى حمل اللفظ على ما ينصرف إليه.

إشكال وجواب

[6] حاصل الإشكال: إن النهي التنزيهي يوجب الفساد في العبادة فقط، ولكنه لا يوجب فساد المعاملة؛ لأنه لا إشكال في صحة المعاملات المكروهة كبيع الأكفان مثلاً، فلكي يكون البحث عاماً للعبادات والمعاملات لابد من القول بأن المراد من النهي هو التحريمي فقط.

[7] أي: ملاك البحث.

ص: 380

بالعبادات لا يوجب[1] التخصيص به[2]، كما لا يخفى.

كما لا وجه لتخصيصه[3] بالنفسي، فيعم الغيري[4] إذا كان أصلياً[5]. وأما إذا كان تبعياً[6] فهو وإن كان خارجاً عن محل البحث - لما عرفت أنه[7] في دلالة النهي،

-------------------------------------------------------------------

[1] جواب الإشكال، وحاصله: إنه يلزم أن يكون العنوان شاملاً لجميع المصاديق الممكنة، حتى إذا كان بعض المصاديق خاصاً لبعض الصور، فلو حملنا لفظ النهي في العنوان على المعنى الأعم من التحريمي والتنزيهي كان العنوان شاملاً لجميع الصور، بما فيها النهي التنزيهي في العبادة.

[2] أي: بالنهي التحريمي.

إشكال وجوابه

[3] أي: تخصيص النهي، حيث إن النهي ظاهر في النفسي - كما مرّ - ولكن لا وجه للتخصيص به؛ لعموم الملاك للغيري أيضاً، خلافاً لما يظهر من المحقق القمي(1) في النهي التبعي - كما سيأتي - .

[4] أي: البحث في دلالة النهي على الفساد يعمّ النهي الغيري، وهو النهي عن المقدمة، كما لو نهى عن الصلاة لكون تركها مقدمة لإزالة النجاسة عن المسجد.

[5] الغيري الأصلي: ما تعلقت به إرادة مستقلة فذكره المولى باللفظ كما لو قال: (لا تصل في جلد مالايؤكل لحمه).

[6] الغيري التبعي: ما كان مقدمة، ولكن لم تتعلق به إرادة مستقلة، ولم يذكره المولى باللفظ، لكنه كان لازماً للمراد عقلاً، كما لو أمر بالإزالة فوراً وكانت الإزالة متوقفة على ترك الصلاة، فتكون الصلاة منهياً عنها لا باللفظ، بل بدلالة العقل - بناءً على أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص - .

[7] أي: إن البحث في الألفاظ وهو دلالة لفظ النهي، «منه» من النهي.

ص: 381


1- قوانين الأصول 1: 102.

والتبعي منه من مقولة المعنى[1] -، إلاّ أنه داخل في ما هو ملاكه، فإن دلالته[2] على الفساد - على القول به[3] في ما لم يكن للإرشاد[4] إليه - إنما يكون لدلالته على الحرمة من غير دخل لاستحقاق العقوبة[5] على مخالفته في ذلك، كما توهمه القمي+[6].

-------------------------------------------------------------------

[1] لأن الدلالة عليه عقلية لا لفظية، «أنه» أي: النهي التبعي، «ملاكه» أي: ملاك البحث، وهو - كما مرّ - التنافي بين المرجوحية وبين الصحة.

[2] أي: دلالة النهي، وحاصل الكلام: إنه لو قلنا: إنّ المنهيّ بالنهي التبعي يقع فاسداً فلا وجه لفساده إلاّ حرمته؛ لأن هذا النهي إما للإرشاد إلى الفساد، وإما لأجل الدلالة على الحرمة، وهو يقتضي الفساد في كلتا الصورتين، أما الأول فواضح، وأما الثاني فلأن الحرمة تقتضي الفساد - على المبنى - .

[3] أي: على القول: إنّ النهي يدل على الفساد.

[4] لأنه لا معنى للنهي الإرشادي إلاّ البطلان والفساد؛ وذلك لأن النهي إذا لم يكن للتحريم فلابد من أن يكون للإرشاد إلى البطلان؛ لعدم وجود معنى آخر متصور للنهي الإرشادي، فالنهي عن الصلاة في جلد غير المأكول حيث لا يدل على الحرمة فلابد من دلالته على بطلان الصلاة في الجلد.

[5] أي: الحرمة تقتضي الفساد - على المبنى - سواء كانت المخالفة توجب العقاب كما في النهي النفسي، أم لا توجبه كما في الغيري، وقد مرّ أنه في الغيري العقاب على ترك ذي المقدمة لا على ترك المقدمة، فمن ترك المسير إلى الحج فإنه يعاقب على تركه للحج لا على تركه الزاد والراحلة.

[6] نقل عنه أنه قال: (إن النهي المستلزم للفساد ليس إلاّ ما كان فاعله معاقباً)(1) ولازم هذا الكلام خروج النهي الغيري - أصلياً كان أم تبعياً - عن محل البحث.

ص: 382


1- قوانين الأصول 1: 102.

ويؤيد ذلك[1] أنه جعل[2] ثمرة النزاع في أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فساده[3] إذا كان عبادة[4]، فتدبر جيداً.

الرابع[5]: ما يتعلق به النهي إما أن يكون عبادة أو غيرها. والمراد بالعبادة هنا

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: دخول النهي الغيري التبعي في محل البحث.

[2] الضمير للشأن، والفعل مجهول، والجاعل هم مشهور الأصوليين.

[3] مفعول ثانٍ ل«جعل» أي: جعلت الثمرة الفساد.

[4] فإن النهي عن الصلاة في المثال نهي تبعي؛ إذ الأمر تعلق بالإزالة، ولازمه العقلي النهي عن الضد الخاص وهو الصلاة - بناءً على القول بالملازمة - وهذا النهي لم يكن بدلالة اللفظ، بل كان لازماً عقلياً فهو نهي تبعي، ومع ذلك حكموا بفساد هذه الصلاة، وهذه الثمرة تدل على أن بحثهم في الفساد أعم فيشمل النهي التبعي أيضاً.

الأمر الرابع في معنى العبادة

اشارة

[5] عقد هذا الأمر لبيان معنى العبادة - التي تفسد بالنهي عنها - . حيث أشكل بأن العبادة مأمور بها، فكيف يتعلق بها النهي؟ أليس هذا من اجتماع الأمر والنهي على شيء واحد؟

وقد أجاب المصنف بأمرين يُدفع بهما هذا الإشكال:

1- العبادة الذاتية: وهي ما لا تحتاج إلى أمر حتى تكون عبادة، بل هي عبادة حتى لو لم يكن أمر، فحينئذٍ لو تعلق بها نهي فإنها عبادة منهي عنها من غير أن تكون مأموراً بها.

2- العبادة الشأنية: وهي ما لو تعلق بها الأمر كانت عبادية لا توصلية، كالصلاة التي لو أمر بها كانت عبادة، فحينئذٍ لو تعلق بها النهي لا يتعلق بها الأمر، فلا يكون اجتماع.

ص: 383

ما يكون بنفسه[1] وبعنوانه[2] عبادةً له تعالى، موجباً بذاته للتقرب[3] من حضرته لو لا حرمته، كالسجود والخضوع والخشوع[4] له وتسبيحه وتقديسه[5]؛ أو[6] ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمراً عبادياً لا يكاد[7] يسقط إلاّ إذا أتي به بنحوٍ قربي، كسائر أمثاله[8]،

-------------------------------------------------------------------

[1] حتى لو لم يتعلق به أمر الشارع، وهي عادة تكون في الأمور التي يفهم عباديتها كل أحد حتى غير المسلمين، وهذا هو المعنى الأول للعبادة.

[2] عطف تفسيري، أي: السجود مثلاً بوجوده الخارجي وبعنوانه يعتبر عبادة.

[3] بحكم العقل حيث إن العقل يرى العبادة الذاتية مقرباً للخالق تعالى.

[4] «الخضوع» الانقياد وهو عادة يكون بالأعضاء والجوارح، قال تعالى: {فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ}(1)، و«الخشوع» هو السكون من الذل، قال تعالى: {وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ}(2)، أي سكنت من الذل، وقال سبحانه: {خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ}(3).

[5] «التسبيح» هو التنزيه، أي: التبرئة عما لا يليق به، و«التقديس» هو ذكر طهارته من الأدناس، وفي القرآن: {وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ}(4).

[6] هذا المعنى الثاني للعبادة، وبه يدفع إشكال الاجتماع أيضاً.

[7] شرح للأمر العبادي، أي: لا يسقط ذلك الأمر العبادي إلاّ بالامتثال، وذلك بالإتيان بالعمل بقصد القربة.

[8] بمعنى أنّ نوع ذلك الفعل كان عبادياً يحتاج إلى قصد القربة، فهذا العمل المنهي عنه لو كان مأموراً به كان عبادة، كالصلاة أيام الحيض، فإنه منهي عنه، لكنه لو كان مأموراً به بأن كان الشارع أوجب عليها الصلاة كان يجب عليها الإتيان بها بقصد القربة؛ لأن نوع الصلاة عبادي.

ص: 384


1- سورة الشعراء، الآية: 4.
2- سورة طه، الآية: 108.
3- سورة القمر، الآية: 7.
4- سورة البقرة، الآية: 30.

نحو صوم العيدين والصلاة في أيام العادة. لا[1] ما أمر به لأجل التعبد به؛ ولا ما يتوقف صحته على النية[2]؛ ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء[3] - كما عرّفت بكل منها العبادة - . ضرورة[4] أنها بواحدٍ منها لا يكاد يمكن أن يتعلق

-------------------------------------------------------------------

تعاريف العبادة

[1] أي: ليس معنى العبادة في هذا البحث ما ذكره التقريرات(1):

من أن الأمر بذلك الشيء ليس لأجل مجرد حصوله في الخارج؛ بل لأجل أن يعبد المخلوق الخالق بذلك الفعل، كالصلاة حيث يراد بها حصول التعبد.

[2] وليس التعريف ما ذكره جمع من الأصوليين، و«النية» أي: قصد القربة، فعلى هذا التعريف كل عمل لا يحتاج إلى قصد القربة - كغسل الثوب - لا يكون عبادة، وما احتاج إليها بحيث لا يصح لولاها - كالصلاة - يكون عبادة.

[3] قاله المحقق القمي والظاهر أن مراده التعريف الثاني، قال في القوانين في المقدمة الأولى: (المراد بالعبادات هنا ما احتاج صحتها إلى النية)(2)

ثم قال: (وبعبارة أخرى: ما لم يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء)(3).

ومعناه أن الشيء الذي لا ينحصر في غرض ويمكن إتيانه لأغراض مختلفة فلابد من تعيين المراد، أما ما انحصر فإن نفس قصده هو النية من غير حاجة إلى نية التعيين. فتأمل.

الإشكال على التعاريف

[4] فالصلاة في حال الحيض لا أمر فيها حتى ينطبق عليها تعريف التقريرات، ولا تصح بأي وجه من الوجوه حتى ينطبق عليها التعريف الثاني، ولا مصلحة فيها أبداً حتى ينطبق عليها التعريف الثالث، «أنها» أن العبادة، «بواحدٍ منها» أي: بأي

ص: 385


1- مطارح الأنظار 1: 729.
2- قوانين الأصول 1: 154.
3- قوانين الأصول 1: 154.

بها[1] النهي؛ مع ما أورد عليها[2] بالانتقاض طرداً[3]

-------------------------------------------------------------------

واحد من هذه التعاريف.

[1] أي: بالعبادة: وذلك لأن ما أمر به لا يعقل تعلق النهي به، وكذلك ما هو صحيح يمكن إتيانه بقصد القربة لا يتعلق النهي به، وكذا ما فيه المصلحة لا يعقل النهي عنه لأنه تابع للمفسدة.

[2] أما التعريف الأول فيشمل جميع الواجبات التوصلية إذا أتى بها لأجل أمر المولى، فمن يغسل الثوب النجس امتثالاً لأمره تعالى يكون متعبداً بفعله هذا.

وأما التعريف الثاني، فإن كان المراد بالصحة: الامتثال، فيدخل في التعريف الواجبات التوصلية إذا أتى بها لامتثال أمرها قاصداً القربة.

وإن كان المراد بها سقوط الإعادة أو القضاء فتخرج العبادات التي لا إعادة فيها، مثل الخمس حيث إنه إذا أتى به سقط الواجب مطلقاً، حتى لو كان دفعه للخمس من غير قصد للقربة - لحصول الغرض - .

مضافاً إلى إشكال الدور؛ لأن معرفة العبادة متوقفة على معرفة الصحة، حيث أخذت (الصحة) في تعريف العبادة، ومعرفة الصحة متوقفة على معرفة العبادة، حيث لا يمكن معرفة صحة شيء من فساده إلاّ بعد معرفة ذلك الشيء، وهذا دور مصرح.

وأما التعريف الثالث: فلأن المصلحة في بعض العبادات منحصرة في شيء واحد كالوضوء، حيث إنّ مصلحته منحصرة في الطهارة. كما أن مصلحة بعض التوصليات غير معلومة فقد لا تكون منحصرة في شيء، كتوجيه الميت نحو القبلة - كذا عن الفصول(1)،

وفيه تأمل - .

[3] أي: بعض التعاريف لا تطرد الأغيار، كالتعريف الأول، والثالث، والمعنى الأول للتعريف الثاني.

ص: 386


1- الفصول الغروية: 139.

أو عكساً[1]، أو بغيره[2] - كما يظهر من مراجعة المطولات - . وإن كان الإشكال بذلك[3] فيها في غير محله، لأجل كون مثلها من التعريفات ليس بحدٍ ولا برسم، بل من قبيل شرح الاسم[4]، كما نبهنا عليه غير مرة، فلا وجه لإطالة الكلام بالنقض والإبرام في تعريف العبادة، ولا في تعريف غيرها كما هو العادة.

الخامس[5]:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: لا تشمل كل أفرادها، كالتعريف الثالث، والمعنى الثاني للتعريف الثاني.

[2] أي: بغير الانتقاض طرداً وعكساً، كالدور على التعريف الثاني.

[3] أي: بالانتقاض طرداً وعكساً وبغير الانتقاض، «فيها» أي: في هذه التعاريف.

[4] وهو الإتيان بالمرادف أو بلفظ آخر لتقريب المعنى إلى الذهن، كما يقال: (سعدانة نبت)، ولا يشكل عليه بأنه تعريف بالأعم؛ لأن الغرض تقريب المعنى إلى الذهن لا بيان حقيقته. ولا يخفى أن مراد المصنف من (شرح الاسم) هو (التعريف اللفظي اللغوي).

الأمر الخامس في معنى المعاملة

[5] عقد هذا الأمر لبيان المقصود من (المعاملة) في قولنا: (النهي عن المعاملة يقتضي الفساد أم لا).

ويقسّم المصنف المعاملة - بالمعنى الأعم - إلى أقسام ثلاثة:

1- ما يكون قابلاً للصحة والفساد وله أثر شرعي، كالصلاة.

2- ما لا أثر شرعي له، كشرب الماء.

3- ما لا يكون قابلاً للصحة والفساد وله أثر شرعي، كالغصب حيث لا يوجد غصب فاسد، بل الفعل إمّا غصب أو ليس بغصب، وأثره الشرعي الضمان مثلاً.

والداخل في البحث هو القسم الأول فقط؛ لأن القسمين الأخيرين لا معنى للفساد فيهما كي يبحث بأن النهي يوجبه أم لا.

ص: 387

إنه لا يدخل في عنوان النزاع إلاّ ما كان قابلاً[1] للاتصاف بالصحة والفساد[2]، بأن يكون تارةً تاماً يترتب عليه ما يترقب عنه من الأثر، وأخرى لا كذلك[3]، لاختلال بعض ما يعتبر في ترتبه[4].

أما ما لا أثر له شرعاً[5]، أو كان أثره مما لا يكاد ينفك عنه[6] - كبعض أسباب الضمان -[7] فلا يدخل في عنوان النزاع، لعدم طروء الفساد عليه[8] كي ينازع في أن

-------------------------------------------------------------------

[1] المراد القابلية التي تصل إلى الفعليّة.

[2] أي: ما كان مركباً من أجزاء وشرائط ونحوها، فإنه حينئذٍ يمكن أن يكون تاماً بكل الأجزاء والشرائط وعدم الموانع فيكون صحيحاً، ويمكن أن ينقص منه شيء من الأجزاء أو يفقد بعض الشرائط أو يوجد بعض الموانع فحينئذٍ يكون الشيء فاسداً.

أما ما لا أجزاء له بأن كان بسيطاً فأمره دائر بين الوجود والعدم، فلا يتصور فيه الفساد؛ لأن الفساد بمعنى نقصان بعض الأجزاء ونحوها والبسيط لا أجزاء له، فإتلاف مال الغير سبب للضمان، ولا أجزاء له، أي: لا يوجد إتلاف فاسد وإتلاف صحيح، بل إما الإتلاف موجود وإما معدوم.

[3] أي: لا يكون تاماً فلا يترتب عليه الأثر المتوقع منه.

[4] أي: في ترتب الأثر، كفقده لبعض الأجزاء أو الشرائط أو لوجود بعض الموانع.

[5] هذا القسم الثاني.

[6] هذا القسم الثالث.

[7] كالغصب حيث يوجب الضمان، فليس هنالك غصب صحيح وآخر فاسد.

[8] أما القسم الثاني فلعدم وجود أثر شرعي مترقب له، حتى نقول: إنه صحيح لترتب الأثر، أو فاسد لعدم ترتبة.

وأما القسم الثالث فلعدم انفكاك الأثر الشرعي عنه، حيث إنه غير مركب، فأمره دائر بين الوجود فيترتب الأثر، وبين العدم فلا يترتب.

ص: 388

النهي عنه يقتضيه[1] أو لا.

فالمراد بالشيء في العنوان هو العبادة[2] بالمعنى الذي تقدم[3]، والمعاملة بالمعنى الأعم[4] مما يتصف بالصحة والفساد، عقداً كان[5] أو إيقاعاً[6] أو غيرهما[7]، فافهم[8].

السادس[9]:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: الفساد.

[2] هذه العبارة استطراد لإكمال البحث؛ لأن العبادة دائماً من القسم الأول؛ لأنها مركبة ولها أثر شرعي، وهذا الأمر إنما عقد لأجل المعاملة - بالمعنى الأعم - لأنها التي تنقسم إلى الأقسام الثلاثة.

[3] تقدم في الأمر الرابع: وهو ما كان عبادة بالذات أو ما كان عبادة لو أمر بها.

[4] فتشمل العقد، والإيقاع، وسائر الأفعال التي لها أثر شرعي كالتحجير والرضاع، أما المعاملة بالمعنى الأخص فيراد منها العقود.

[5] العقد ما احتاج إلى الإيجاب والقبول، كالبيع والنكاح.

[6] الإيقاع ما يحتاج إلى الإيجاب فقط، ولا يحتاج إلى القبول، كالطلاق.

[7] أي: ما لا يحتاج لا إلى إيجاب ولا إلى قبول، بل هو فعل يترتب عليه أثر شرعي، كالتحجير والرضاع.

[8] لعله إشارة إلى أن علة عدم دخول القسم الثالث في البحث هو عدم التركب، حيث ليس له أجزاء وشرائط، لا عدم انفكاك الأثر، وقيل في معنى (فافهم) أمور أخرى فراجع الوصول والحقائق(1).

الأمر السادس في معنى الصحة

اشارة

[9] عقد هذا الأمر لبيان معنى الصحة في العنوان، وأن الصحة في العبادة والمعاملة بمعنى واحد، وكذلك مراد الفقيه والمتكلم من الصحة شيء واحد، وفيه

ص: 389


1- الوصول إلى كفاية الأصول 2: 475؛ حقائق الأصول 1: 426.

إن الصحة والفساد وصفان إضافيان[1] يختلفان بحسب الآثار والأنظار. فربما يكون شيء واحد صحيحاً بحسب أثر أو نظر، وفاسداً بحسب آخر.

ومن هنا[2] صح أن يقال: إن الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف، بل فيهما[3] بمعنى واحد وهو «التمامية[4]»، وإنما الاختلاف في ما هو المرغوب منهما من الآثار التي بالقياس عليها[5] تتصف بالتمامية وعدمها.

وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلم[6] في صحة العبادة إنما يكون لأجل

-------------------------------------------------------------------

ردّ على ما قاله المحقق القمي.

[1] لأنهما - في ما نحن فيه - من الأمور الاعتبارية التي يمكن ملاحظتها بالنسبة إلى الأشياء المختلفة، وقوله: «يختلفان» عطف بيان يشرح معنى الوصف الإضافي، أي: الوصف الإضافي هو ما يختلف بحسب الآثار والأنظار، وقوله: «بحسب الآثار» فقد يترتب أثر فيكون صحيحاً بالنسبة إليه، ولا يترتب أثر آخر فيكون فاسداً بالنسبة إليه، وقوله: «والأنظار» فمن يريد أثراً فلم يجده يعتبر الشيء فاسداً، ومن أراد أثراً آخر

فوجده يعتبر الشيء صحيحاً.

[2] أي: من إثبات أن الصحة والفساد أمران إضافيان.

[3] أي: في العبادة والمعاملة.

[4] أي: استجماع الأجزاء والشرائط، مضافاً إلى فقد الموانع.

[5] أي: على تلك الآثار، فيقال: إن الصحة في العبادة هو سقوط الإعادة والقضاء لأنه الأثر المترقب، وفي المعاملة يقال: إن الصحة فيها هو تحقق الأمر الاعتباري كالملكية والزوجية ونحوهما.

[6] الفقيه فسّرها: بما يسقط القضاء والإعادة في العبادة، وأما المتكلم فقد فسّرها: بالموافق للأمر أو الشريعة. ولا اختلاف بينهما واقعاً، وإنّما ذكر كل واحد منهما الأثر الذي يبحث عنه في علمه. فلمّا كان موضوع الفقه فعل المكلفين كان

ص: 390

الاختلاف في ما هو المهم لكل منهما من الأثر - بعد الاتفاق ظاهراً[1] على أنها بمعنى التمامية، كما هي معناها لغةً[2] وعرفاً[3] - ، فلما كان غرض الفقيه[4] هو وجوب القضاء أو الإعادة أو عدم الوجوب فسّر صحة العبادة بسقوطهما؛ وكان غرض المتكلم[5] هو حصول الامتثال الموجب عقلاً لاستحقاق المثوبة فسّرها بما يوافق الأمر تارةً، وبما يوافق الشريعة أخرى[6].

وحيث[7] أن الأمر في الشريعة يكون على أقسام - من الواقعى الأولي والثانوي،

-------------------------------------------------------------------

البحث في القضاء والإعادة، وأما علم الكلام فموضوعه المبدأ والمعاد فلذا كان البحث في الامتثال واستحقاق الثواب وعدم العقاب.

[1] أي: الفقيه والمتكلم متفقان في معنى الصحة - وهي التمامية - لكن كل واحد عبّر عنها بالأثر الذي يبحثه في علمه، «أنها» أي: الصحة.

[2] قيل(1): لم نجد في كتب اللغة ذكر هذا المعنى. ولكن الصحيح ما ذكره المصنف، لأن المعنى اللغوي لا يأخذ من كتب اللغة فقط، بل لمعرفته طرق متعددة منها الكتب، ومنها التبادر، والاستعمال - إذا وجدت قرينة على أنه في المعنى الحقيقي - .

[3] أي: استعمال أهل اللسان. وهو قد يتطابق مع المعنى اللغوي - كما هو العادة - وقد يختلف بسبب النقل أو غيره.

[4] لأنه يبحث عن فعل المكلفين.

[5] لأنه يبحث عن أحوال المبدأ والمعاد.

[6] الفرق بين موافقة الأمر وموافقة الشريعة، هو أن الثاني يكفي فيه الملاك حتى لو لم يكن أمر، كما مرّ من المصنف.

النسبة بين كلام الفقيه والمتكلم

[7] المقصود هو الرّد على من زعم أن الصحة عند المتكلم أعم مطلقاً من الصحة عند الفقيه، حيث توهم أن الصحة لما كانت عند المتكلم بمعنى موافقة الأمر، سواء

ص: 391


1- كفاية الأصول، تعليق السبزواري 2: 75.

-------------------------------------------------------------------

كان واقعياً أم ظاهرياً، ولما كانت عند الفقيه بمعنى سقوط القضاء والإعادة، وهما لا يسقطان بالأمر الظاهري؛ لعدم إجزائه عن الواقعي، فحينئذٍ الصلاة بالأمر الظاهري صحيحة عند المتكلم لموافقتها للأمر، وغير صحيحة عند الفقيه لعدم سقوط القضاء والإعادة بها، مع اتفاق الفقيه والمتكلم في الصحة لو وافق الأمر الواقعي، فالنتيجة أن الصحة عند المتكلم أعم مطلقاً من الصحة عند الفقيه.

والجواب عن ذلك أن الصحة عندهما بمعنى واحد هي التمامية - كما مرّ - والنسبة تختلف باختلاف الأنظار:

1- فقد تكون التساوي، كما لو أراد المتكلم من مطابقة الأمر: المطابقة مع الواقعي، ولم يقل الفقيه بالإجزاء، فحينئذٍ الصلاة المأمور بها بالأمر الظاهري لا توافق الأمر الواقعي، فليست صحيحة عند المتكلم، كما أنها غير مجزية فليست صحيحة عند الفقيه، وفي العكس تكون صحيحة عندهما، كما لو صلّى بالأمر الواقعي فصلاته مطابقة للأمر ومجزية.

2- وقد تكون النسبة عموماً مطلقاً، مع كون العموم من طرف المتكلّم، كما لو أراد المتكلم من مطابقة الأمر: المطابقة مع الأمر الظاهري أو الواقعي، ولم يقل الفقيه بالإجزاء، فحينئذٍ لو صلى بالأمر الظاهري فهي صحيحة عند المتكلم، غير صحيحة عند الفقيه؛ لعدم سقوط القضاء والإعادة لو تبين أنها خلاف الواقع.

3- وقد تكون النسبة عموماً مطلقاً، مع كون العموم من طرف الفقيه، كما لو أراد المتكلم من مطابقة الأمر: المطابقة مع الأمر الواقعي فقط، وقال الفقيه بالإجزاء، فحينئذٍ لو صلى بالأمر الظاهري فهي ليست صحيحة عند المتكلم؛ لعدم مطابقتها للأمر الواقعي - لو تبين الخلاف - وصحيحة عند الفقيه لقوله بإجزاء الأمر الظاهري عن الواقع.

ص: 392

والظاهري[1] - ، والأنظار تختلف في أن الأخيرين يفيدان الإجزاء أو لا يفيدان، كان[2] الإتيان بعبادة موافقةً لأمر ومخالفة لآخر[3]، أو مسقطاً للقضاء والإعادة بنظر وغير مسقط لهما بنظر آخر[4]. فالعبادة[5] الموافقة للأمر الظاهري تكون صحيحة عند المتكلم والفقيه، بناءً على أن الأمر في تفسير الصحة بموافقة الأمر أعم من الظاهري مع اقتضائه للإجزاء. وعدم[6] اتصافها بها[7] عند الفقيه بموافقته[8] - بناءً على عدم الإجزاء، وكونه[9] مراعى بموافقة الأمر الواقعي - وعند[10] المتكلم - بناءً على كون الأمر في تفسيرها[11] خصوص الواقعى - .

-------------------------------------------------------------------

[1] مثال الواقعي الأولي الصلاة بوضوء، والواقعي الثانوي الصلاة بتيمم، والظاهري الصلاة باستصحاب الوضوء.

[2] قوله: «كان» جزاء (حيث).

[3] لاختلاف أنظار المتكلمين في المطابقة مع الأمر، هل هو خاص بالمطابقة مع الواقعي أو أعم؟

[4] حسب اختلاف الفقهاء في إجزاء الأمر الظاهري والاضطراري عن الواقع.

[5] بيان للقسم الأول وهو التساوي.

[6] بيان للقسم الثاني وهو كون الصحة عند المتكلم أعم مطلقاً.

[7] أي: عدم اتصاف العبادة بالصحة.

[8] أي: بموافقة الأمر الظاهري.

[9] أي: كون الإجزاء.

[10] بيان للقسم الثالث وهو كون الصحة عند الفقيه أعم مطلقاً، وقوله: «عند المتكلم» عطف على قوله: (عند الفقيه) أي: وعدم اتصاف العبادة بالصحة عند المتكلّم.

[11] أي: في تفسير الصحة، وفي بعض النسخ لا يوجد (واو) في قوله: (وعند المتكلم) فتضطرب العبارة ويتعسر شرحها، فراجع.

ص: 393

تنبيه[1]: وهو أنه لا شبهة[2] في أن الصحة والفساد عند المتكلم وصفان اعتباريان ينتزعان[3] من مطابقة المأتي به مع المأمور به[4] وعدمها[5].

-------------------------------------------------------------------

[1] الغرض من عقد هذا التنبيه هو الإشكال على (التقريرات)(1)

حيث ذهب إلى أن الصحة والفساد انتزاعيان مطلقاً. فيقول المصنف: إنهما قد يكونان انتزاعيين، وقد يكونان بحكم العقل، وقد يكونان بحكم الشرع.

أولاً: في العبادات
1- انتزاع الصحة والفساد

[2] بيان للمورد الذي يكونان وصفين انتزاعيين، وذلك عند المتكلمين، حيث عرّفوهما بأثرهما المقصود في علم الكلام، وهو (مطابقة المأتي به للمأمور به)، والمطابقة ليس لها ما بإزاء في الخارج، بل مما ينتزع من الأفعال الخارجيّه الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط مع عدم الموانع، فتلك الأفعال الخارجيّة منشأ الانتزاع. وفي هذا المورد يتفق المصنف مع التقريرات.

[3] لا يخفى أن اصطلاح المصنف يختلف عن اصطلاح المشهور، حيث إنهم فرّقوا بين الاعتباري والانتزاعي، فالأول: ما يكون أمره بيد المعتبر وجوداً وعدماً، كالقوة الشرائية في النقود، والثاني: ما لا يكون بيد المعتبر إلاّ منشأ الانتزاع، مثلاً: زوجية الأربعة لا تنفك عنها، ولا يمكن اعتبار عدمها. نعم، يمكن إزالة الأربعة فتزول الزوجية بزوالها.

ولعل المصنف رأى عدم الفرق بين القسمين عملاً فاعتبرهما واحداً.

[4] هذا في انتزاع الصحة.

[5] هذا في انتزاع الفساد، والضمير في «عدمها» راجع إلى المطابقة.

ص: 394


1- مطارح الأنظار 1: 737.

وأما الصحة[1] - بمعنى سقوط القضاء والإعادة - عند الفقيه: فهي من لوازم الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي عقلاً[2]، حيث[3] لا يكاد يعقل ثبوت الإعادة أو القضاء معه[4] جزماً. فالصحة بهذا المعنى فيه وإن كان[5] ليس بحكمٍ وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف[6]، إلاّ أنه[7] ليس بأمر اعتباري ينتزع - كما

-------------------------------------------------------------------

2- حكم العقل

[1] بيان للمورد الذي تكون الصحة والفساد فيه بحكم العقل.

[2] «عقلاً» متعلق ب- (لوازم) أي: السقوط لازم عقلي للإتيان.

[3] بيان وجه اللزوم العقلي، وحاصله: إن المكلّف إذا أتى بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي - كما لو صلى بالوضوء واجداً لكل الشرائط والأجزاء مع عدم الموانع - فإن غرض المولى يتحقق فيسقط أمره قهراً؛ لأن الأحكام تابعة للأغراض، وهذا السقوط عقلي، فتبيّن أن الصحة بمعنى سقوط القضاء والإعادة كانت بحكم العقل.

[4] مع الإتيان، «بهذا المعنى» أي: بمعنى سقوط القضاء والإعادة، «فيه» أي: في المأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي.

[5] اسم كان هو الضمير الراجع إلى الصحة، وتذكيره باعتبار قوله: (بهذا المعنى).

[6] جملة معترضة لبيان قسمي الحكم الوضعي وهما:

1- ما وضع بنفسه، كالحكم بالملكية والزوجية والنجاسة.

2- ما وضع بتبع تكليف، كما لو أمر بقراءة السورة في الصلاة، وبتبع هذا الوجوب جعلت الجزئية - التي هي من الأحكام الوضعيّة - .

[7] أي: إن الصحة. والتوهم من التقريرات(1)

- حسب النقل - .

ص: 395


1- مطارح الأنظار 1: 737.

توهم(1)

-، بل مما يستقل به[1] العقل، كما يستقل[2] باستحقاق المثوبة به. وفي غيره[3] فالسقوط ربما يكون مجعولاً[4] وكان الحكم به[5] تخفيفاً ومِنّةً على العباد مع ثبوت المقتضي لثبوتهما[6] - كما عرفت في مسألة الإجزاء - كما ربما يحكم بثبوتهما[7]، فيكون الصحة والفساد فيه حكمين مجعولين، لا وصفين انتزاعيين.

نعم[8]،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: بهذا المعنى وهو سقوط القضاء والإعادة.

[2] أي: كسائر الأحكام العقلية التي لا تنتزع من الوجودات الخارجيّة، بل يحكم بها العقل مستقلاً، مع قطع النظر عن المنشأ.

3- حكم الشرع

[3] بيان للمورد الذي تكون الصحة والفساد فيه بحكم الشرع، وضمير «غيره» راجع إلى المأمور به بالأمر الواقعي الأولي، فالمعنى: وفي الظاهري أو في الثانوي الصحة - بمعنى السقوط - تكون بحكم الشرع.

[4] كما في الأوامر الاضطرارية، وكذا في غيرها على مبنى القائلين بالإجزاء.

[5] أي: بسقوط القضاء.

[6] وهو عدم الإتيان بما أراده المولى، أو عدم تحقق غرضة، أو غير ذلك، والعذر يرفع العقاب ولا يرفع التكليف.

[7] أي: القضاء والإعادة على مبنى عدم الإجزاء.

[8] أي: بالنسبة إلى الحكم الكلي الفقهي تكون الصحة والفساد مجعولين، ولكن بالنسبة إلى المصاديق الجزئية يكونان انتزاعيين؛ وذلك لأن انطباق الكلي على الجزئي - بمعنى كون هذا الفعل الخاص الخارجي مصداقاً للحكم الكلي - يكون بالانتزاع، أي: نلاحظ وجدان الفعل الخارجي لجميع الأجزاء والشرائط مع فقدانه للموانع، فننتزع منه أنه مصداق لذلك الكلي.

ص: 396


1- مطارح الأنظار 1: 737.

الصحة والفساد في الموارد الخاصة[1] لا يكاد يكونان مجعولين[2]، بل إنما هي[3] تتصف بهما بمجرد الانطباق[4] على ما هو المأمور به[5]. هذا في العبادات.

وأما الصحة في المعاملات: فهي تكون مجعولة[6]، حيث كان ترتب الأثر على معاملة إنما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها[7] ولو إمضاءً، ضرورة أنه لو لا جعله لما كان يترتب عليه، لأصالة الفساد[8].

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: المصاديق الجزئية الخارجية.

[2] أي: لا تكون الصحة والفساد مجعولة شرعاً.

[3] أي: الموارد الخاصة الجزئية، «بهما» أي: بالصحة والفساد.

[4] بلا حاجة إلى جعل شرعي أو حكم عقلي، أي: إذا انطبق ذلك الكلي - كالصلاة - على هذه الأفعال الخارجية فإنها تكون صحيحة، وإن لم ينطبق فإنها تكون فاسدة، وهذا الانطباق أمر قهري ليس بمجعول شرعاً أو عقلاً.

[5] أي: الأمر الكلي الذي أمر به الشارع، مثلاً قوله: (أقيموا الصلاة) الصلاة فيها كلي قابل للانطباق على كثيرين، فمتى أتى العبد بالأفعال الخارجية من التكبيرة إلى التسليم كانت هذه الأفعال مصداقاً للصلاة المأمور بها، فتكون صحيحة، وإلاّ كانت فاسدة.

ثانياً: في المعاملات

[6] لأن الصحة فيها هو ترتب الأثر كنقل الملك في البيع مثلاً، وهذا الأثر هو بحكم الشرع - ولو إمضاءً - .

[7] عطف لتفسير معنى (جعل الشارع)، أي: ترتيب الشارع الأثر على المعاملة.

[8] وهو عبارة أخرى عن الاستصحاب، ففي البيع - مثلاً - يستصحب ملكية البائع على بضاعته، وملكية المشتري على الثمن، وفي الإجارة يستصحب جواز تصرف المؤجر في ملكه وعدم جواز تصرف المستأجر، وكذا سائر العقود والإيقاعات ونحوهما.

ص: 397

نعم[1]، صحة كل معاملة شخصية وفسادها ليس إلاّ لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سبباً وعدمه[2]، كما هو الحال في التكليفية من الأحكام[3]، ضرورة أن اتصاف المأتي به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما[4] ليس لانطباقه[5] مع ما هو الواجب أو الحرام.

السابع[6]:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: إن وجدت الشرائط وفقدت الموانع فالمعاملة الجزئية الخارجية ينطبق عليها الكلي، فيكون ذلك بالانتزاع لا بحكم الشرع أو العقل، كما مرّ نظيره في العبادات.

[2] أي: أو عدم الانطباق فيكون فاسداً.

[3] الحكم الشرعي بالوجوب أو الحرمة وغيرهما كلي، وهو مجعول من طرف الشارع، أما المصاديق الجزئية فإن الكلي إذا انطبق عليها كانت صحيحة وإلاّ كانت فاسدة.

والأحكام التكليفية - في غير العبادات الواجبة أو المستحبة - وإن كانت خارجة عن محل البحث والكلام، لكن التنظير بها باعتبار أن الكلي مجعول والجزئي انتزاعي كالعبادات والمعاملات.

[4] أي: غير الوجوب والحرمة، وهي سائر الأحكام التكليفية كالاستحباب والكراهة والإباحة.

[5] أي: انطباق الفرد الجزئي على الموضوع الكلي المحكوم بالوجوب أو الحرمة.

الأمر السابع الأصل العملي في المسألة

[6] عقد هذا الأمر لبيان أنه لو لم تكف الأدلة الدالة على الفساد أو عدم الفساد ووصلت النوبة إلى الأصل العملي، فهل هنالك أصل يعتمد عليه؟ فيقول المصنف:

1- في المسألة الأصولية: لا يوجد أصل عملي.

ص: 398

لا يخفى: أنه لا أصل في المسألة[1] يعول عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد. نعم[2]، كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة.

-------------------------------------------------------------------

2- في المسألة الفقهية: فالاستصحاب في المعاملة يقتضي بقاء الملك أو التصرف ونحوهما على ما كان عليه، فتكون نتيجة الأصل الفساد، والاشتغال في العبادة يقتضي عدم فراغ الذمة.

[1] أي: في مسألة دلالة النهي على الفساد وعدمه، ففي هذه المسألة الأصولية لا يوجد أصل عملي يرجح أحد الطرفين.

إن قلت: الأصل عدم الدلالة على الفساد.

قلت: لا يجري هذا الأصل، قال في الحقائق: (لأن الدلالة كالعلم من الأمور الوجدانية التي لا تقبل الشك، فيمتنع الشك في الحجيّة أيضاً)(1)، بمعنى أن الشك في الدلالة مساوق للقطع بعدم الدلالة، ولو فرض جريان الأصل فإنه أصل مثبت؛ لأن الصحة لازم عقلي لعدم الدلالة على الفساد.

[2] أي: في المسألة الفقهية: إن كان هنالك عموم أو إطلاق يقتضي الصحة أخذنا به، كما لو شككنا في فساد العقد وقت نداء يوم الجمعة، فإن عموم {أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ}(2) يدل على صحة ذلك العقد.

وإن لم يكن هنالك عموم أو إطلاق فاستصحاب بقاء الملك لمالكه يقتضي عدم تحقق أثر المعاملة، فيكون الأصل دالاً على الفساد؛ ولذا ذكروا أن الأصل في المعاملات الفساد، أي: عدم ترتب الأثر، وكذا في العبادات، فإن اشتغال الذمة اليقيني يقتضي البراءة اليقينية، وبالإتيان بالعبادة المنهي عنها يشك في براءة ذمته، فيجب عليه الإتيان مرة أخرى ليتيقن منها.

ص: 399


1- حقائق الأصول 1: 431.
2- سورة المائدة، الآية: 1.

وأما العبادة فكذلك[1]، لعدم الأمر بها مع النهي عنها[2]، كما لا يخفى.

الثامن[3]: إن متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة، أو جزأها، أو شرطها

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: الأصل في المسألة الفقهية هو الفساد.

[2] لأن العبادة المنهي عنها لايعقل أن تكون مأموراً بها؛ لاستحالة اجتماع الأمر والنهي، فإذن لا أمر فيها، وحيث لا أمر في العبادة فتكون فاسدة.

أقول: قد مرّ من المصنف عدم احتياج العبادة إلى الأمر، بل يكفي فيها وجود الملاك، وحينئذٍ لو وصلت النوبة إلى الأصل العملي فيكون هو الاشتغال - كما مرّ في التعليقة السابقة - .

الأمر الثامن أقسام تعلق النهي بالعبادة

اشارة

[3] عقد هذا الأمر لبيان أقسام النهي عن العبادة، وبيان حكم كل واحد من الأقسام، ليتضح محل النزاع بين الأعلام.

فيقول المصنف إن الأقسام خمسة:

1- النهي عن نفس العبادة، كالصلاة في حال الحيض، وهذا القسم داخل في محل النزاع، ويرجّح المصنف دلالته على فساد العبادة.

2- النهي عن جزء العبادة، كقراءة العزائم في الصلاة، وهذا أيضاً داخل في محل النزاع، لكن بطلان الجزء لا يوجب بطلان العبادة إلاّ في موردين:

الأول: لو اكتفى بهذا الجزء المنهي عنه، فإنه تبطل العبادة؛ لفقدان جزئها، حيث لم يأت بالقراءة في المثال.

الثاني: إذا استلزم محذوراً آخر مبطلاً للعبادة، كالجمع بين السورتين أو فوات الموالاة مثلاً.

3- النهي عن شرط العبادة الخارج عنها، كالوضوء أو التطهر بالماء المغصوب، فهنا صورتان:

ص: 400

الخارج عنها[1]، أو وصفها الملازم لها كالجهر والإخفات للقراءة[2]، أو وصفها

-------------------------------------------------------------------

الأولى: إن كان الشرط عبادة دخل في محل النزاع؛ لأنه بالنهي عن الشرط يبطل، وببطلان الشرط يبطل المشروط، كالوضوء حيث إنه عبادة يبطل بالنهي عنه.

الثانية: إن لم يكن الشرط عبادة لم يكن داخلاً في محل النزاع، كما لو أزال الخبث عن جسمه بالماء المغصوب ثم صلّى، فإن صلاته صحيحة.

4- النهي عن الوصف الملازم، كالنهي عن الجهر في قراءة صلاة الظهر، فإن الجهر لا يمكن أن يوجد إلاّ في ضمن القراءة، فكان وصفاً ملازماً، وهذا أيضاً داخل في محل النزاع، ويرى المصنف بطلان القراءة حينئذٍ، ولا تبطل الصلاة إلاّ في الموردين المذكورين في القسم الثاني.

5- النهي عن الوصف غير الملازم، كالنهي عن الغصب في الصلاة، فإنّ أكوان الصلاة قد تكون ضمن الغصب، وقد تكون ضمن المباح، فالنهي لا يسري من الغصب إلى الصلاة، إلاّ إذا اتحدت الصلاة مع الغصب، كما مرّ في مسألة الاجتماع.

[1] عبارة «الخارج عنها» قيد توضيحي؛ لأن كل شرط هو خارج. نعم، التقيّد به داخل.

[2] وحيث كان هنا مظنة إشكال حيث يمكن أن يقال: إن القراءة تنفك عن الجهر كالقراءة الإخفاتية، وكذلك تنفك عن الإخفات في القراءة الجهرية، أجاب المصنف عن هذا الإشكال فقال في الهامش: (فإن كل واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراءة، وإن كانت هي تنفك عن أحدهما، فالنهي عن أيهما يكون مساوقاً للنهي عنها، كما لا يخفى)(1).

ص: 401


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 232.

الغير(1)

الملازم كالغصبية لأكوان الصلاة[1] المنفكة عنها.

لا ريب في دخول القسم الأول في محل النزاع. وكذا القسم الثاني، بلحاظ أن جزء العبادة عبادة، إلاّ أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها، إلاّ مع الاقتصار عليه[2]، لا مع الإتيان بغيره مما لا نهي عنه، إلاّ أن يستلزم محذوراً آخر[3].

وأما القسم الثالث: فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجباً لفساد العبادة إلاّ في ما كان عبادة[4] كي تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به[5].

وبالجملة: لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجباً لفساد العبادة المشروطة به لو لم يكن موجباً لفساده كما إذا كان عبادةً.

وأما القسم الرابع: فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه[6]،

-------------------------------------------------------------------

[1] قد مرّ أن الأكوان ليست جزءاً من الصلاة، فلو كان المثال كالغصبية في الركوع والسجود كان أصح. والحاصل: إن بين الغصب وأكوان الصلاة عموماً من وجه، فقد يكون غصباً بلا صلاة، وقد تكون صلاة في المكان المباح، وقد يجتمعان.

[2] لأنه لو اكتفى بالجزء المنهي عنه فحيث إن ذلك الجزء باطل للنهي عنه، صارت العبادة بلا ذلك الجزء، فتبطل لفقدانها للجزء؛ لأن الكل عدم عند عدم جزئه.

[3] كفقدان الموالاة، أو الجمع بين سورتين ونحوهما.

[4] أي: إذا كان الشرط عبادة، كالوضوء حيث يشترط فيه قصد القربة، فلو بطل الوضوء بطلت الصلاة؛ لأنها وقعت من غير شرطها.

[5] أي: المشروط بذلك الشرط.

[6] فإذا كان الوصف الملازم وصفاً لكل العبادة بطلت تلك العبادة، وإن كان وصفاً لجزئها، بطل ذلك الجزء ورجع إلى القسم الثاني.

ص: 402


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير الملازم».

فيكون النهي عن الجهر في القراءة - مثلاً - مساوقاً للنهي عنها، لاستحالة[1] كون القراءة التي يجهر بها مأموراً بها مع كون الجهر بها منهياً عنه فعلاً، كما لا يخفى.

وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقاً، - كما في القسم الخامس - ، فإن النهي عنه[2] لا يسري إلى الموصوف إلاّ في ما إذا اتحد معه وجوداً، بناءً على امتناع الاجتماع. وأما بناءً على الجواز: فلا يسري إليه، كما عرفت في المسألة السابقة[3].

هذا حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.

وأما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور[4]:

-------------------------------------------------------------------

[1] دليل لما ادعاه المصنف من أن النهي عن الوصف الملازم نهي عن الموصوف. وحاصله: إن النهي عن الوصف الملازم مع الأمر بالموصوف تكليف بما لا يطاق فيكون محالاً.

ولكن قد مرّ من المصنف أن المحال هو الاتصاف بحكم مخالف، ولا استحالة في ما إذا لم يتصف بحكم مخالف، كما لو كان الجهر منهياً عنه مع عدم كون القراءة مأموراً بها، بل صحتها من باب وجود الملاك فيها، فراجع.

[2] أي: عن الوصف المفارق.

[3] أي: مسألة اجتماع الأمر والنهي.

النهي عن العبادة بسبب النهي عن الجزء ونحوه

[4] أي: نهي عن الصلاة مثلاً؛ لأن الجزء أو الشرط أو الوصف مبغوض له، فحينئذٍ يكون النهي على صورتين:

1- النهي عن تلك الأمور لا عن العبادة، ولكن تعلق النهي بالعبادة مجازاً، كانت العبادة واسطة في العروض، بمعنى أن المولى يريد النهي عن الجزء واقعاً، ولكن تعبيره كان نهياً عن العبادة مجازاً، كما في (جرى الميزاب) فإن الميزاب واسطة في العروض، أي: النسبة، فإن المتكلم يريد نسبة الجريان إلى الماء، ولكن بتعبير جريان الميزاب مجازاً. وحكم هذه الصورة هي أحكام الثاني إلى الخامس من الأقسام

ص: 403

فحاله حال[1] النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق[2]؛ وبعبارة أخرى: كان النهي عنها بالعرض. وإن كان[3] النهي عنها على نحو الحقيقة، والوصف بحاله[4] - وإن كان بواسطة أحدها، إلاّ أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض[5] - كان حاله حال النهي في القسم الأول[6]، فلا تغفل.

وممّا ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة يظهر حال الأقسام في المعاملة[7]، فلا

-------------------------------------------------------------------

التي مرّت قبل قليل.

2- النهي عن نفس العبادة، ولكن كانت علة النهي هي الخلل في الجزء أو الشرط أو الوصف، فيكون الخلل في أحدها واسطة لثبوت النهي في نفس العبادة، وحكم هذه الصورة هو حكم القسم الأول من الأقسام السابقة.

[1] إشارة إلى الصورة الأولى.

[2] كما في المثال: (زيد قائم أبوه) ف- (قائم) وصف ل- (زيد) ولكن ليس له حقيقة، بل الوصف حقيقة لمتعلق زيد وهو (أبوه)، وهنا النهي ليس للعبادة واقعاً، بل لتلك الأمور - من الجزء أو الشرط أو الوصف - .

[3] إشارة إلى الصورة الثانية، «عنها» أي: عن العبادة.

[4] أي: الوصف ليس باعتبار المتعلق، بل الوصف لنفس الشيء، كما نقول: (زيد قائم) حيث المسند إليه - وهو القيام - وصف لنفس زيد.

[5] قد مرّ الفرق بينهما، وحاصله: إن كان الشيء علة للحكم - مثلاً - كان واسطة في الثبوت، أي: علة لثبوت الشيء.

وإن لم يكن الشيء علة للحكم، بل كان واسطة في الإسناد فقط كان واسطة في العروض، كما في قولنا: جرى الميزاب.

[6] وهو ما كان النهي عن نفس العبادة.

[7] حيث النهي:

1- قد يكون عنها بنفسها، كالبيع الربوي، ونكاح الخامسة.

ص: 404

يكون بيانها على حدة بمهم. كما أن تفصيل الأقوال في الدلالة على الفساد وعدمها، التي ربما تزيد على العشرة - على ما قيل[1] - كذلك[2].

إنما المهم بيان ما هو الحق في المسألة، ولا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الأقوال من بسط المقال في مقامين:

الأول: في العبادات فنقول - وعلى الله الاتكال -: إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها ولو كانت جزء عبادة[3] بما هو عبادة - كما عرفت[4] - مقتضٍ لفسادها،

-------------------------------------------------------------------

2- وقد يكون عن جزئها، كبيع الشاة بالخنزير.

3- وقد يكون عن شرطها، كبيع العنب بشرط أن يعمل خمراً.

4- وقد يكون عن وصفها اللازم كبيع الحصاة، وهو ما يكون تعيين المبيع برمي الحصاة عليه، وهذا الوصف ملازم لكي يكون البيع بيع الحصاة.

5- وقد يكون عن الوصف المفارق، كالنكاح في حال الإحرام.

[1] كما في تقريرات(1)

الشيخ الأعظم.

[2] أي: ليس بمهم.

المقام الأول
اقتضاء النهي عن العبادة للفساد
اشارة

[3] أي: فساد الجزء لأجل كونه عبادة في نفسه، لا باعتبار جزئيته، مثلاً: قراءة العزائم في الصلاة منهي عنها، فيوجب النهي فساد هذه القراءة؛ وذلك ليس لأجل كونها جزءاً من الصلاة، بل لأجل أن القراءة هي عبادة، «بما هو عبادة» أي: بما أن الجزء هو عبادة أيضاً، فالنظر إلى الجزء ليس من حيثية جزئيته، بل من حيثية عباديته.

[4] حيث قال في الأمر الثامن: (إلاّ أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها إلاّ مع الاقتصار عليه... الخ). وحاصل الدليل: إن ركن العبادة هو المحبوبية الموجبة

ص: 405


1- مطارح الأنظار 1: 749.

لدلالته[1] على حرمتها ذاتاً، ولا يكاد[2] يمكن اجتماع الصحة - بمعنى موافقة الأمر أو الشريعة[3] - مع الحرمة، وكذا[4] بمعنى سقوط الإعادة، فإنه[5] مترتب على

-------------------------------------------------------------------

للمقربية، ومع النهي لا توجد محبوبية، بل مبغوضية؛ لأن النهي لأجل المفسدة، وهي موجبة لبغض الشارع لذلك العمل.

ولازم الصحة - وهو موافقة الأمر - مفقود في العبادة المنهي عنها؛ وذلك لعدم وجود أمر لامتناع اجتماع الأمر والنهي.

ولا يوجد ملاك الأمر - وهو المصلحة والمحبوبية - لما عرفت من أن العمل المنهي عنه فيه مفسدة ومبغوض.

كما أن اللازم الآخر للصحة - وهو سقوط الإعادة - أيضاً لا يترتب على العبادة المنهي عنها؛ وذلك لأن السقوط فرع حصول غرض المولى بإتيانها بقصد القربة، والمنهي عنها لا يمكن إتيانها بقصد القربة للعلم بمبغوضيتها، وحتى مع الجهل بالمبغوضية فإنها لا تصلح للمقربية لما فيها من المفسدة.

[1] «لدلالته» أي: النهي، والحرمة الذاتية هي ما كانت لأجل مفسدة في العمل، ويقابلها الحرمة التشريعيّة: وهي ما كانت لأجل التقوّل، أي: نسبة العمل إلى الشارع كذباً، كما قال تعالى: {قُلۡ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡۖ أَمۡ عَلَى ٱللَّهِ تَفۡتَرُونَ}(1).

[2] أي: اللازم الأول للصحة - وهو موافقة الأمر - لا يمكن حصوله مع النهي.

[3] «موافقة الأمر» في ما كان أمر مولوي من الشارع، وموافقة «الشريعة» يشمل ما كان الملاك موجوداً من غير أمر.

[4] أي: اللازم الآخر للصحة وهو (سقوط القضاء والإعادة) أيضاً لا يمكن حصوله مع النهي.

[5] أي: سقوط الإعادة - وكذا القضاء - فرع تحقق أمرين:

1- أن يقصد القربة، ومع العلم بالحرمة لا يمكن قصد القربة، فمن يعلم بأن

ص: 406


1- سورة يونس، الآية: 59.

إتيانها بقصد القربة وكانت مما يصلح لأن يتقرب به، ومع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك[1] ويتأتى قصدها[2] من الملتفت إلى حرمتها، كما لا يخفى.

لا يقال[3]:

-------------------------------------------------------------------

المولى يبغض العمل ونهى عنه، كيف يمكنه الإتيان به بقصد التقرب إلى المولى؟

2- أن يكون للعمل - في حد نفسه - صلاحية التقرب، فلو كان يجهل النهي فإنه وإن أمكنه قصد القربة - لجهله بالحرمة - لكن العمل بحد ذاته إن لم يكن صالحاً للمقربيّة فإنه لا يقع بكيفية أرادها المولى، فلا يتحقق غرضه من الأمر، فلا تسقط الإعادة.

[1] أي: للمقربية فيفقد العمل الأمر الثاني - وهو صلاحية المقربية - .

[2] أي: لا يكاد يتأتى قصد القربة، فيفقد العمل الأمر الأول - وهو قصد القربة فعلاً - .

إشكال على الفساد وجوابه

[3] حاصل الإشكال هو: إن الحرمة إما ذاتية وإما تشريعية: فأما الذاتية فغير ممكنة في العبادات؛ لأنها دائرة بين صورتين:

1- بدون قصد القربة، وحينئذٍ لا توجد حرمة أصلاً، كالحائض التي تأتي بصورة الصلاة لتعليم الصغار، ولا إشكال في جوازه.

2- مع قصد القربة، وهذا غير ممكن؛ لأنه مع العلم بالمفسدة كيف يمكن قصد القربة؟

وحيث امتنعت الحرمة الذاتية انحصر أمر الحرمة في التشريعيّة، وهو الإتيان بالعمل منسوباً إلى الشارع، ومع الحرمة التشريعية لا توجد حرمة ذاتية أخرى؛ لاستحالة اجتماع حرمتين في عمل واحد؛ لأنه اجتماع للمثلين، فيبقى ملاك العبادة موجوداً في هذه العبادة المنهي عنها، فتصح هذه العبادة للملاك - إن لم يقصد التشريع - .

ص: 407

هذا[1] لو كان النهي عنها دالاً على الحرمة الذاتية، ولا يكاد يتصف بها العبادة[2]، لعدم الحرمة بدون قصد القربة[3]، وعدم القدرة عليها مع قصد القربة[4] بها إلاّ تشريعاً، ومعه[5] تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة[6]، ومعه لا تتصف بحرمة أخرى، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين.

فإنه يقال[7]:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: الفساد في العبادة المنهي عنها.

[2] أي: لا تتصف العبادة بالحرمة الذاتية أصلاً.

[3] إشارة إلى الصورة الأولى.

[4] إشارة إلى الصورة الثانية، أي: ولعدم القدرة على العبادة المقترنة بقصد القربة.

[5] أي: ومع التشريع وهو: نسبة الشيء إلى الشارع كذباً.

[6] حتى لا يكون نهي الشارع لغواً؛ لأن الحرمة إما ذاتية وإما تشريعية، فإذا امتنع الأول تعين الثاني، «ومعه» مع الحرمة التشريعيّة.

[7] المصنف أجاب عن الإشكال بثلاثة أجوبة:

الأول: إن مرادنا من العبادة هو: ما لو لا النهي لكان عبادة، فلو لم ينه الشارع عن صلاة الحائض لكان يشملها عمومات وجوب الصلاة، فلا محذور من النهي عن العبادة بهذا المعنى، مضافاً إلى أن بعض أقسام العبادة لا تحتاج إلى قصد القربة - وهي العبادة الذاتية كالسجود - فهي عبادة منهي عنها - كما مرّ - .

الثاني: اجتماع الحرمة الذاتية مع الحرمة التشريعية لا مانع منه، وليس من قبيل اجتماع المثلين لاختلاف متعلقهما، فالتشريعية متعلقها الاعتقاد وهو فعل القلب، والذاتية متعلقها العمل وهو فعل الجوارح.

الثالث: إن الحرمة التشريعية تدل على الفساد أيضاً؛ لأنه مع وجود النهي والحرمة التشريعية فإنه يستحيل وجود أمر؛ لامتناع اجتماع الأمر والنهي، كما أنه لا يوجد ملاك الأمر وذلك لوجود المفسدة.

ص: 408

لا ضير[1] في اتصاف ما يقع عبادة - لو كان مأموراً به[2] - بالحرمة الذاتية، مثلاً: صوم العيدين كان عبادةً منهياً عنها بمعنى أنه لو أمر به كان عبادةً لا يسقط الأمر به إلاّ إذا أتى به بقصد القربة، كصوم سائر الأيام. هذا[3] في ما إذا لم يكن ذاتاً عبادةً، كالسجود لله تعالى ونحوه، وإلاّ[4] كان محرماً مع كونه فعلاً عبادةً[5]، مثلاً: إذا نهي الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى كان[6] عبادة محرمة ذاتاً حينئذٍ، لما فيه من المفسدة والمبغوضية في هذا الحال.

مع[7] أنه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية، بناءً[8] على أن

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا هو الجواب الأول.

[2] أي: لو كان دليل عام يشمل هذا المورد، كأدلة وجوب الصلاة، حيث إن هذا الدليل يدل على أن الصلاة عبادة وواجبة على كل أحد، لكن خرج منه الصلاة المنهي عنها، كصلاة الحائض، كما مرّ تفصيله في (الأمر الرابع) من مقدمات البحث.

[3] أي: حمل معنى العبادة على (ما يقع عبادة لو لم ينه عنه).

[4] أي: وإن كان عبادة ذاتية - كالسجود - فلا يستحيل النهي عنه مع كونه عبادة فعليّة.

[5] أي: عبادة فعلية لا عبادة شأنية، أي: هو عبادة حقيقة مع كونه منهياً عنه.

[6] أي: كان السجود، «محرمة ذاتاً» لوجود المفسدة، لا حرمة تشريعية، «حينئذٍ» أي: حين النهي عنها.

[7] هذا هو الجواب الثاني، أي: لا مانع من اجتماع الحرمة الذاتية مع الحرمة التشريعية، ولا يستلزم اجتماع المثلين، «اتصافه» أي: اتصاف ما يقع عبادة، «بهذه الحرمة» أي: بالحرمة الذاتية.

[8] أي: وجه عدم اجتماع المثلين هو تغاير متعلق الحرمتين، فإحداهما مرتبطة بالقلب، والأخرى مرتبطة بالعمل.

ص: 409

الفعل فيها[1] لا يكون في الحقيقة متصفاً بالحرمة، بل إنما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب، كما هو الحال في التجري والانقياد[2]، فافهم[3].

هذا مع[4] أنه لو لم يكن النهي فيها دالاً على الحرمة لكان دالاً على الفساد، لدلالته[5] على الحرمة التشريعية، فإنه لا أقل من دلالته على أنها ليست بمأمور بها[6] وإن عمّها[7] إطلاق دليل الأمر بها أو عمومه.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: متعلق الحرمة في الحرمة التشريعيّة.

[2] فلو شرب ماءً بزعم أنه خمر فإن الحرمة ترتبط بهذا الاعتقاد، وكذا لو صلى من غير وضوء جهلاً، فإن الثواب يرتبط باعتقاده.

[3] إما إشارة إلى أن الاعتقاد لوحده ليس حراماً، ولا يوجب التشريع ولا التجري، بل الاعتقاد المنضم إلى العمل هو ما يوجب، فإذن العمل اجتمع فيه حرمة ذاتية وتشريعيّة.

وإما إشارة إلى أنه لا مانع من وجود حرمتين، ولا يلزم اجتماع مثلين، بل تندك الحرمتان في بعضهما، ويصير العمل محرماً شديداً، كما في كل مورد يجتمع عنوانان محرمان في عمل واحد.

[4] إشارة إلى الجواب الثالث، وحاصله: إن الحرمة التشريعية توجب الفساد أيضاً؛ وذلك لكشفها عن عدم وجود أمر وعدم ملاك أمر.

[5] أي: لدلالة النهي.

[6] لامتناع اجتماع الأمر والنهي، مثلاً: دليل وجوب الصلاة وإن كان مطلقاً لكنه خرج منه بالتقييد صلاة الحائض، فلا أمر في صلاتها، كما أن هذه الصلاة لا ملاك فيها - وإلاّ لم تكن منهياً عنها - وحينئذٍ العبادة التي لا أمر فيها ولا ملاك الأمر لا تكون صحيحة.

[7] أي: الدليل العام أو المطلق كان شاملاً لها، لكنها خرجت عن عمومه أو إطلاقه لأجل النهي.

ص: 410

نعم[1]، لو لم يكن النهي عنها[2] إلاّ عرضاً[3]، كما إذا نهي عنها في ما كانت ضد الواجب[4] - مثلاً - لا يكون مقتضياً للفساد، بناءً على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد إلاّ كذلك - أي عرضاً - فيخصص به أو يقيد[5].

-------------------------------------------------------------------

النهي عن العبادة مجازاً

[1] حاصله: إن النهي إذا لم يتعلق بالعبادة حقيقة، وإنما تعلق بشيء آخر، أو كان المراد الأمر بشيء آخر لا النهي عن العبادة، فإنه حينئذٍ لا تكون العبادة فاسدة؛ وذلك لعدم النهي عنها حقيقةً.

[2] كما لو أمر المولى بإزالة النجاسة عن المسجد، وكانت الصلاة ضد الإزالة، فالصلاة منهي عنها، لكن لا بالنهي الحقيقي، بل المجازي، أي: هو دعوة إلى الإزالة لا نهي حقيقي عن الصلاة، هذا على مبنى من يقول: إنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده مجازاً، أما على مبنى المصنف فلا نهي عن الضد حتى مجازاً، وأما على مبنى القائلين بالدلالة فإن الصلاة باطلة؛ لتعلق النهي بها حقيقة.

[3] أي: مجازاً، بحيث لا يراد النهي عن العبادة حقيقة.

[4] الواجب كالإزالة الفورية، والانشغال بالصلاة ضد الإزالة؛ لعدم إمكان الجمع بينهما.

[5] أي: قولنا: إنّ (النهي يقتضي الفساد مطلقاً) يخصّص أو يقيّد بهذا النوع من النهي، وهو النهي العرضي، فإنه لا يقتضي الفساد.

ويمكن إرجاع هذه الفقرة إلى قبل قوله: (نعم)، أي: (وإن عمها إطلاق دليل الأمر بها أو عمومه فيخصص به أو يقيد).

ص: 411

المقام الثاني: في المعاملات ونخبة القول: إن النهي الدال على حرمتها لا يقتضي الفساد، لعدم الملازمة[1] فيها - لغةً ولا عرفاً - بين حرمتها وفسادها أصلاً، كانت الحرمة متعلقة[2]

-------------------------------------------------------------------

المقام الثاني
عدم اقتضاء النهي عن المعاملة للفساد
اشارة

[1] حاصل الدليل: إن الدلالة إما عقلية أو لفظية.

أما الدلالة العقلية: فإنه لا منافاة بين الحرمة وبين الصحة عقلاً؛ وذلك لأن الصحة بمعنى التمامية ولازمها ترتب الأثر على المعاملة، ولا يرى العقل منافاة بين النهي وبين الصحة.

وأما الدلالة اللفظية: فليس الفساد مدلولاً للفظ النهي لا لغةً ولا عرفاً؛ لأن النهي ظاهر في الحرمة، ومع عدم دلالة النهي على الفساد لا بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام.

اقسام النهي عن المعاملة

[2] النهي المتعلق بالمعاملة يتصور على أربعة أنحاء:

1- النهي عن السبب، أي: العقد، مثلاً: نهى المولى عن إجراء الصيغة، كحرمة البيع - أي: التلفظ بالعقد - وقت نداء يوم الجمعة.

2- النهي عن المسبب، مثلاً: ملكية الكافر للمسلم، فإن المبغوض ليس الألفاظ، بل الملكية، وهي مسببة عن العقد.

3- النهي عن التسبيب، أي: ليس المبغوض السبب ولا المسبب، وإنما تحقق هذا المسبب بهذا السبب الخاص، مثلاً: البيع الربوي، فليس المنهي البيع، ولا إعطاء الزيادة إلى الغير، فإنها تجوز في الهدية، وإنما الحرام هو إعطاء الزيادة عبر البيع الربوي.

ص: 412

بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة[1]، أو بمضمونها بما هي فعل بالتسبب[2]، أو بالتسبيب بها إليه[3] وإن لم يكن السبب ولا المسبّب - بما هو[4] فعل من الأفعال - بحرام. وإنما يقتضي الفساد[5] في ما إذا كان دالاً على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها[6]، مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن في بيع[7]

-------------------------------------------------------------------

4- النهي عن مقتضى العقد، أي: النهي عن الأثر الذي يترتب على المعاملة الصحيحة، بحيث إذا كانت المعاملة صحيحة ترتب الأثر لا محالة، مثلاً: النهي عن تصرف البائع في الثمن، كقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (ثمن العذرة من السحت)(1).

[1] هذا القسم الأول، فالمبغوض هو الفعل المباشر الذي يأتي به الإنسان مباشرة، كالإيجاب والقبول من غير أن يكون المسبب، وهو الملكية الحاصلة من العقد - مثلاً - مبغوضاً، ومثاله العرفي: ما لو كان الكلام مضراً، فنهيه عن العقد - وهو لفظ - لأجل المفسدة في اللفظ.

[2] هذا القسم الثاني، فالمبغوض ليس السبب، وإنّما المسبب الذي أتي به بواسطة الإتيان بسببه، ومثاله العرفي: ما لو نهاه عن بيع ماله لعدوه، فإن المفسدة في انتقال ماله إلى عدوه.

[3] هذا القسم الثالث، فالمبغوض ليس السبب ولا المسبب، وإنما المبغوض الوصول إلى ذلك المسبب بهذا السبب.

[4] قوله: «بما هو فعل من الأفعال» متعلق بقوله: (وإن لم يكن السبب)، أي: السبب بما هو فعل ليس بمحرم ولا مبغوض.

[5] هذا هو القسم الرابع، «كان» أي: كان النهي، «ما» موصولة بمعنى الأثر.

[6] وهو ينحصر - ظاهراً - في ما كان النهي عن مقتضى العقد، أي: الذي كان به حقيقة العقد وماهيته، فمعنى النهي عنه هو الإرشاد إلى فساد المعاملة.

[7] كالنهي عن صنف خاص من أصناف المعاملات، كالبيع الربوي.

ص: 413


1- الاستبصار 3: 56.

أو بيع شيء[1].

نعم، لا يبعد دعوى ظهور[2] النهي عن المعاملة في الإرشاد إلى فسادها[3]، كما[4] أن الأمر بها يكون ظاهراً في الإرشاد إلى صحتها من دون دلالته على إيجابها أو استحبابها، كما لا يخفى. لكنه[5] في المعاملات بمعنى العقود والإيقاعات، لا المعاملات بالمعنى الأعم المقابل للعبادات[6].

-------------------------------------------------------------------

[1] كالنهي عن بيع الخمر، فالفرق بينهما أن الأول: النهي باعتبار نفس المعاملة، والثاني: باعتبار متعلق المعاملة.

دليل اقتضاء النهي للفساد في المعاملة

[2] أي: إن النهي وإن كان ظاهراً في الحرمة التكليفية - كما مرّ - إلاّ أنه في خصوص المعاملات لا ظهور له فيها؛ وذلك لأن الغرض من بيان أحكام المعاملات هو بيان الصحيح من الفاسد، فلذا فالأوامر في المعاملات لا ظهور لها في الوجوب، بل ظهورها في صحة هذه المعاملة، وأن الشارع أمضاها، كذلك النواهي في المعاملات لا ظهور لها في التحريم التكليفي، بل ظهورها في عدم الصحة والفساد.

[3] أي: عدم تمامية المعاملة، مما يستلزم منه عدم ترتب الأثر المطلوب عليها.

[4] استيناس للظهور في الحكم الوضعي لا التكليفي، أي: النهي في المعاملات لا يدل على الحرمة التكليفية، كما أن الأمر بها لا يدل على الوجوب التكليفي.

[5] أي: هذا الظهور في الوضع، أي: الفساد في العقود والإيقاعات موجود، أما في سائر التوصليات فلا ظهور في الفساد، بل الظهور في المعنى المتبادر الأولي، وهو الحرمة التكليفية، مثلاً: النهي عن غسل الثوب بالماء المغصوب لا يدل على فساد هذا الغسل وبقاء النجاسة، بل ظاهر في حرمة هذا العمل تكليفاً.

[6] أي: التوصليات المنهي عنها مما لا تحتاج إلى قصد القربة.

ص: 414

فالمعوّل[1] هو ملاحظة القرائن في خصوص المقامات، ومع عدمها[2] لا محيص عن الأخذ بما هو قضية صيغة النهي من الحرمة[3]؛ وقد عرفت أنها غير مستتبعة للفساد، لا لغةً ولا عرفاً.

نعم[4]، ربما يتوهم استتباعها له شرعاً من جهة دلالة غير واحد من الأخبار عليه:

منها: ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، سأله عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: «ذلك إلى سيده، إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما». قلت: - أصلحك الله تعالى - إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: «إن أصل النكاح فاسد ولا يحل إجازة السيد له». فقال أبو جعفر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «إنه لم يعص الله، إنما عصى سيده، فإذا أجاز فهو له جائز»(1).

حيث دل بظاهره[5] أن النكاح لو كان مما حرمه الله تعالى عليه كان فاسداً.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: المعوّل في المعاملات بالمعنى الأعم هو ملاحظة القرائن، فإن كانت قرينة توجب حمل النهي على الإرشاد إلى الفساد فهو، وإن لم توجد قرينة لزم حمل النهي على معناه الأوّلي، وهو الحرمة التكليفية، وهي لا تستتبع الفساد.

[2] أي: عدم القرائن.

[3] أي: التكليفية دون الدلالة على الفساد.

دليل آخر لاقتضائة للفساد في المعاملة

[4] استدراك عن قوله: (غير مستتبعة للفساد لا لغةً ولا عرفاً)، فالحرمة لا تلازم الفساد لغةً وعرفاً، ولكنها تلازم الفساد شرعاً، بمعنى أن الشارع المقدس لم يمض المعاملات المنهي عنها.

[5] أي: بمفهومه، فهذه العبارة (لم يعص الله) دلت على أنه إذا كان عصياناً لله كانت المعاملة باطلة، فنكاح العبد غير المأذون إنّما لم يفسد مع لحوق الإجازة؛ لأنه

ص: 415


1- الكافي 5: 478؛ من لا يحضره الفقيه 3: 541.

ولا يخفى[1]:

-------------------------------------------------------------------

لم يعص الله فيه، فيدل على أن عصيان الله في النكاح - الذي هو من أقسام المعاملة - يوجب الفساد، كذا عن الفصول(1)

- .

رد الدليل

[1] ويوضح هذا الرد ما في الروايات الأخرى، ومنها: (فقلت لأبي جعفر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: فإن: أصل النكاح كان عاصياً؟ فقال أبو جعفر عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إنما أتى شيئاً حلالاً وليس بعاص لله، إنما عصى سيده ولم يعص الله، إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عزّ وجلّ عليه من نكاح في عدة وأشباهه)(2).

وتوضيح الرد، كما في الحقائق، حيث قال: (إنّ حقيقة المعصية: الجري على خلاف مقتضى التكليف، مقابل الإطاعة: التي هي الجري على وفق مقتضاه. والوضع لما لم يكن له اقتضاء لم يكن له طاعة ولا معصية، فالعاقد فضولاً على مال الغير ليس عاصياً لله تعالى. نعم؛ الجري على مقتضى العقد وترتيب آثار الصحة من دفع المال إلى المشتري وقبض المشتري له معصية؛ لحرمة التصرف في مال الغير.

وحينئذٍ نقول: عقد العبد بدون إذن سيده - المفروض في مورد السؤال في الرواية - : إن كان من التصرف في ملك الغير المحرم شرعاً ففعله معصية لله تعالى، وليس معصية للسيد؛ لعدم نهيه عنه. وإن لم يكن منه فليس معصية لله تعالى ولا للسيد. فقوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (إنه لم يعص الله تعالى وإنما... الخ) لابد أن يكون تطبيق معصية السيد فيه على نكاح العبد، ونفي معصية الله تعالى عنه، مبنياً على أن يكون المراد من المعصية عدم الإذن.

فمعنى قوله عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (لم يعص الله) أن عقده في نفسه مأذون فيه من قبله سبحانه، قوله: (عصى سيده) أن عقده غير مأذون فيه من قبل السيد، فتكون أجنبية عن

ص: 416


1- الفصول الغروية: 144.
2- الكافي 5: 478.

أن الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية هاهنا[1] أن النكاح ليس مما لم يمضه الله ولم يشرعه كي يقع فاسدا[2]، ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى[3] للفساد[4] كما لا يخفى، ولا بأس[5] بإطلاق المعصية على عمل لم يمضه الله ولم يأذن به، كما أطلق عليه بمجرد عدم إذن السيد فيه أنه معصية[6].

-------------------------------------------------------------------

الدلالة على دلالة النهي على الفساد)(1)،

انتهى.

[1] أي: في هذه الرواية وأشباهها، فالمعصية لها معنيان:

1- مخالفة المولى في أمره أو نهيه، وهذا يستتبع الحرمة التكليفية.

2- عدم الإذن منه، وهذا يستتبع الفساد؛ لأن ما لم يمضه الشارع باطل.

والمتبادر هو المعنى الأول، ولكن هنا لوجود القرينة لابد من أن يكون المراد المعنى الثاني، والقرينة هي: أولاً: الروايات الأخرى في هذا الباب - كما مرّ أحدها - . وثانياً: تقابل (لم يعص الله) ب- (عصى سيده)، حيث إنه من الواضح أن عصيان السيد ليس تكليفياً، بل بمعنى عدم استئذانه.

[2] أي: لو لم يكن ممضى لكان فاسداً، سواء أجاز المولى أم لم يجز.

[3] أي: بمعنى عدم الإذن.

[4] لأن المعاملات إمضائية، فما أجازه الشارع فإنه يترتب عليه الآثار، أما ما لم يُجزه الشارع فلا يترتب عليه أي أثر شرعي.

[5] إشارة إلى القرينة على حمل لفظ (المعصية) على خلاف ظاهره، وهو ما ذكرناه في ثاني القرائن.

[6] قال المصنف في الهامش: (وجه ذلك أن العبودية تقتضي عدم صدور فعل عن العبد إلاّ عن أمر سيده وإذنه. حيث إنه كَلٌّ عليه لا يقدر على شيء، فإذا استقل بأمر كان عاصياً، حيث أتى بما ينافيه مقام عبوديته، لا سيما مثل التزوج الذي كان خطيراً.

ص: 417


1- حقائق الأصول 1: 443.

وبالجملة: لو لم يكن ظاهراً في ذلك[1] لما كان ظاهراً في ما توهم[2].

وهكذا حال سائر الأخبار الواردة في هذا الباب، فراجع وتأمل.

تذنيب: حكي(1)

عن أبي حنيفة والشيباني دلالة النهي على الصحة[3]، وعن الفخر[4] أنه وافقهما في ذلك(2).

والتحقيق[5]:

-------------------------------------------------------------------

وأما وجه أنه لم يعص الله فيه، فلأجل كون التزوج بالنسبة إليه أيضاً كان مشروعاً ماضياً، غايته أنه يعتبر في تحققه إذن سيده ورضاه، وليس كالنكاح في العدة غير مشروع من أصله. فإذا أجاز ما صدر عنه بدون إذنه فقد وجد شرط نفوذه، وارتفع محذور عصيانه، فعصيانه لسيده)(3)،

انتهى.

[1] الذي ذكرناه من أن معنى المعصية هو عدم الإذن.

[2] من أن معنى المعصية هو الحرمة التكليفية التي تلازم الفساد هنا.

تذنيب

[3] أي: النهي يكشف عن صحة العبادة أو المعاملة؛ وذلك لأن القدرة شرط في التكليف، ومع عدم إمكان الإتيان بمتعلق التكليف لا يصح الأمر أو النهي، فلو دل النهي على الفساد كان معناه عدم إمكان إتيان متعلقه دائماً، مما يجعل النهي لغواً لتعلقه بغير المقدور.

[4] فخر المحققين نجل العلامة الحلي، وعن العلامة التوقف في الأمر(4).

[5] حاصله: إن هنالك أربع صور.

ففي النهي في المعاملات:

الصورة الأولى: إذا كان عن المسبب أو التسبيب - أي: القسم الثاني والثالث من

ص: 418


1- قوانين الأصول 1: 163؛ مطارح الأنظار 1: 763.
2- مطارح الأنظار 1: 763، حيث قال: «ووافقهما فخر المحققين في نهاية الأصول...».
3- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 254.
4- مطارح الأنظار 1: 763، وفيه: «والمنقول عن نهاية العلامة التوقف».

أنه في المعاملات كذلك[1] إذا كان عن المسبب أو التسبيب، لاعتبار القدرة في متعلق النهي كالأمر، ولا يكاد يقدر عليهما[2] إلاّ في ما كانت المعاملة مؤثرة صحيحة[3].

وأما إذا كان عن السبب فلا[4]، لكونه مقدوراً وإن لم يكن صحيحاً[5].

-------------------------------------------------------------------

أقسام النهي عن المعاملة - فهو يكشف عن صحة تلك المعاملة؛ لأن المسبب والتسبيب غير مقدورين مع الفساد.

الصورة الثانية: إن كان عن السبب - أي: القسم الأول - فإن ذات السبب مقدور للمكلف، مثلاً: في البيع وقت النداء فإن ألفاظ البيع مقدورة، سواء كان البيع صحيحاً أم فاسداً، فالنهي هنا لا يدل على الصحة كما أنه لا يدل على الفساد.

وفي النهي عن العبادات:

الصورة الثالثة: إن كان عن العبادة الذاتية - كالسجود - فهي مقدورة حتى مع النهي؛ لعدم اشتراط الأمر والقربة فيها، فلا يكشف النهي عن الصحة.

الصورة الرابعة: إن كان عن العبادة غير الذاتية، أي: ما كان عباديتها يتقوم بقصد القربة فليست مقدورة مع النهي، فصحة تعلق النهي بها إنما باعتبار أن المراد من العبادة: العبادة الشأنية، أي ما لو لا النهي لصح الإتيان بها عبادة - كما مرّ - فهذا النهي لا يكشف عن الصحة.

[1] أي: يكشف النهي عن الصحة.

[2] أي: على المسبب والتسبيب.

[3] أما في المسبب - كملكية الكافر للمصحف - فإن كان البيع فاسداً لم تحصل الملكية أصلاً، فالنهي عنها لغو؛ لأنه نهي عن غير مقدور.

وأما التسبيب - كالظهار - فإن كان النهي دالاً على الفساد كان المعنى عدم تحقق العلية فأيضاً يصير التسبيب غير مقدور.

[4] أي: فلا يدل النهي على الصحة.

[5] أي: ذات السبب مقدور وإن لم يكن فيه وصف السببيّة، مثلاً: ذات ألفاظ

ص: 419

نعم[1]، قد عرفت أن النهي عنه لا ينافيها[2].

وأما العبادات: فما كان منها عبادةً ذاتيةً - كالسجود والركوع والخشوع والخضوع له تبارك وتعالى - فمع النهي عنه[3] يكون مقدوراً[4]، كما إذا كان مأموراً به. وما كان[5] منها عبادة لاعتبار قصد القربة فيه لو كان مأموراً به، فلا يكاد يقدر عليه إلاّ إذا قيل باجتماع الأمر والنهي[6] في شيء ولو بعنوان واحد[7]، وهو محال. وقد عرفت[8] أن النهي في هذا القسم[9] إنما يكون نهياً عن العبادة، بمعنى أنه لو كان مأموراً به كان الأمر به أمر عبادة لا يسقط إلاّ بقصد القربة، فافهم[10].

-------------------------------------------------------------------

العقد ممكنة، فلو نهى المولى عنها لا يكون نهياً عن غير مقدور.

[1] أي: كما لا يدل النهي على الصحة فإنه لا يدل على الفساد أيضاً.

[2] أي: لا ينافي الصحة؛ وذلك لعدم الدلالة.

[3] أي: السجود ونحوه من العبادات الذاتية.

[4] لأن الأمر وقصد القربة لم يكونا مقومين لعبادية السجود ونحوه، فلذا أمكن هذا السجود حتى مع نهي المولى عنه.

نعم، هذا السجود لا يُجزي؛ لعدم تعلق غرض المولى به وللمفسدة فيه.

[5] إشارة إلى الصورة الرابعة، «منها» أي: من العبادات.

[6] الأمر: ليتحقق العبادية فيه ويمكن قصد القربة، والنهي: ليتحقق الفرض وهو النهي عن العبادة.

[7] لأن المفروض أن الصلاة بما هي صلاة مأمور بها، وبما هي صلاة منهي عنها.

[8] بيان لإمكان تعلق النهي بالعبادة غير الذاتية، ولكن بالمعنى المذكور وهو العبادة الشأنية.

[9] أي: العبادة غير الذاتية.

[10] لعله إشارة إلى أن النهي التكليفي لا يتعلق بغير المقدور، وأما النهي الإرشادي فيتعلق به، أي: يكون النهي إرشاداً إلى بطلان المعاملة أو العبادة.

ص: 420

-------------------------------------------------------------------

تلخيص تحقيق المصنف

ثم إن المصنف لخص تحقيقه في المقام في الهامش بقوله: (ملخصه أن الكبرى - وهي أن النهي حقيقة إذا تعلق بشيء ذي أثر كان دالاً على صحته وترتب أثره عليه لاعتبار القدرة في ما تعلق به النهي كذلك(1) - وإن كانت مسلّمة، إلاّ أن النهي كذلك لا يكاد يتعلق بالعبادات، ضرورة امتناع تعلق النهي كذلك بما تعلق به الأمر. وتعلقه بالعبادات بالمعنى الأول وإن كان ممكناً، إلاّ أن الأثر المرغوب منها عقلاً أو شرعاً غير مترتب عليها مطلقاً، بل على خصوص ما ليس بحرام منها.

وهكذا الحال في المعاملات: فإن كان الأثر في معاملة مترتباً عليها ولازماً لوجودها كان النهي عنها دالاً على ترتبه عليها لما عرفت)(2)، يعني لاعتبار القدرة في ما تعلق به النهي حقيقة، انتهى.

ص: 421


1- يعني: حقيقة.
2- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 256.

ص: 422

المقصد الثالث في المفاهيم

اشارة

ص: 423

ص: 424

المقصد الثالث في المفاهيم، مقدمة[1] وهي: أن المفهوم - كما يظهر من موارد إطلاقه[2] - هو عبارة عن حكم إنشائي[3] أو إخباري[4] تستتبعه[5]

-------------------------------------------------------------------

[1] هذه المقدمة في بيان معنى المفهوم.

[2] أي: موارد الاستعمال، وهنا في صدد بيان المعنى الاصطلاحي للمفهوم وهو يقابل المنطوق، وأما حسب المعنى اللغوي فإن المفهوم هو المعنى الذي يفهم من اللفظ فيشمل المنطوق أيضاً.

[3] مثل: (إن جاءك زيد فأكرمه)، حيث إن الجزاء أمر، والأمر إنشاء.

[4] مثل: (إذا طلعت الشمس فالنهار موجود) فالجزاء - وهو وجود النهار - خبرٌ وليس إنشاءً.

[5] أي: الخصوصية تستتبع ذلك المعنى المفهوم، بمعنى أنها تجعل المفهوم تابعاً للمعنى المنطوق؛ وذلك بأن يكون في المنطوق خصوصية أوجبت المفهوم، وتلك الخصوصية هي الأولوية أو العلية المنحصرة.

فالأولوية كقوله: {فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ}(1) حيث إن معنى هذه الآية فيه خصوصية، وهي أولوية الضرب من كلمة (أف)، وهذه الأولوية جعلت للآية مفهوماً هو حرمة ضربهما.

والعلية المنحصرة كما يقال: (إن طلعت الشمس فالنهار موجود) حيث نعلم بانحصار وجود النهار بطلوع الشمس، فهذا الانحصار خصوصية جعلت لهذا الكلام مفهوماً، وهو عدم النهار عند عدم الطلوع.

ص: 425


1- سورة الإسراء، الآية: 23.

خصوصية المعنى[1] الذي أريد من اللفظ بتلك الخصوصية[2]، ولو بقرينة الحكمة[3]، وكان يلزمه لذلك[4]، وافقه في الإيجاب والسلب[5] أو خالفه[6]. فمفهوم (إن جاءك زيد فأكرمه) مثلاً - لو قيل به - قضية شرطية سالبة بشرطها

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: المعنى المنطوق الذي يراد من اللفظ أولاً وبالذات.

[2] أي: أريد ذلك المعنى المنطوق مع تلك الخصوصية، والباء هنا بمعنى (مع)، فيخرج من المفاهيم المعاني التي دل عليها العقل، كوجوب المقدمة وحرمة الضد ودلالة الاقتضاء ودلالة الإشارة ونحوها؛ لأنها لا تستفاد من اللفظ.

[3] أي: لا فرق في ثبوت المفهوم بين كون منشأه الوضع، بمعنى وضع الواضع الألفاظ أو الهيئات للدلالة عليه أيضاً، وبين كون المنشأ الإطلاق الحاصل من مقدمات الحكمة.

[4] أي: وكان المفهوم - وهو الحكم الإنشائي أو الإخباري - يلزم المنطوق - وهو المعنى الذي أريد من اللفظ - لذلك الخصوصية، بمعنى أن هذا اللزوم لأجل تلك الخصوصية. وسيأتي - بعد قليل - أنه لا يكفي التقارن الاتفاقي بين الشرط والجزاء مثلاً، بل لابد من اللزوم.

[5] أي: سواء وافق المفهوم المنطوق في الإيجاب والسلب أم لا، ومفهوم الموافقة هو الفحوى والأولوية. ومثال الموافقة في الإيجاب: (صل من قطعك) حيث مفهومه بالأولوية هو صلة من لم يقطعك بأن كان وصولاً. ومثال الموافقة في السلب: قوله تعالى: {فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ}(1) ومفهومه هو لا تضربهما بالأولوية.

[6] أي: كان المنطوق موجباً والمفهوم سالباً أو بالعكس. مثل: (إن طلعت الشمس فالنهار موجود) و(إن لم يعص فلا تهنه).

ولا يخفى أنه في مثل الشرط قد يكون الشرط والجزاء موجبين، وقد يكونان سالبين، وقد يكونان مختلفين، فيكون المفهوم عكسهما تماماً.

ص: 426


1- سورة الإسراء، الآية: 23.

وجزائها[1] لازمة[2] للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية ويكون لها[3] خصوصية بتلك الخصوصية كانت مستلزمة لها[4]. فصح[5] أن يقال: «إن المفهوم إنما هو حكم غير مذكور[6]»؛ لا أنه حكم لغير مذكور - كما فسر به[7] -؛ وقد وقع فيه النقض والإبرام بين الأعلام(1)،

مع أنه لا موقع له[8]، كما أشرنا إليه

-------------------------------------------------------------------

[1] مراده أن الشرط سالب والجزاء سالب، وجعل (سالبة) صفة للقضية إنّما هو من باب الوصف بحال المتعلق، وإلاّ فمثل: (إن لم يجئك فلا تكرمه) القضية موجبة؛ لأنها إثبات ارتباط الجزاء بالشرط، وإنّما السلب في الشرط والجزاء، فتأمل.

[2] صفة للقضية السالبة، أي: تلك القضية السالبة - وهي المفهوم - لازمة للقضية الشرطية الموجبة التي هي المنطوق.

[3] أي: يكون للقضية الشرطية الموجبة وهي المنطوق، «خصوصية» أي: علية منحصرة، فإن وجوب الإكرام منحصر في حال المجيء.

[4] أي: بسبب تلك الخصوصية كانت القضية اللفظية وهو المنطوق، مستلزمة للقضية السالبة وهو المفهوم.

[5] تفريع على ما ذكره من معنى المفهوم، حيث فسره بأنه حكم تابع لمعنى المنطوق، فبناءً على هذا التعريف فإن المفهوم هو حكم غير مذكور في الكلام، لكنه لازم للكلام لفظاً.

[6] وذلك لأن الموضوع مذكور في الكلام، فقولنا: (إن جاء زيد فأكرمه) ومفهومه: (إن لم يجئ زيد فلا تكرمه)، فإن موضوع المفهوم وهو (زيد) مذكور في الكلام.

[7] المفسر هو العضدي(2)

حيث قال - على المحكي عنه - : بأن يكون حكماً لغير مذكور وحالاً من أحواله.

[8] أي: لا فائدة في النقض والإبرام.

ص: 427


1- كما عن العضدي في شرح المختصر: 306.
2- الفصول الغروية: 145؛ مطارح الأنظار 2: 12.

في غير مقام، لأنه من قبيل شرح الاسم، كما في التفسير اللغوي.

ومنه قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام ، فلا يهمنا التصدي لذلك، كما لا يهمنا[1] بيان أنه من صفات المدلول أو الدلالة[2]؛ وإن كان بصفات المدلول أشبه[3]، وتوصيف الدلالة به أحياناً[4] كان من باب التوصيف بحال المتعلق.

وقد انقدح من ذلك[5]: أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في الحقيقة إنما يكون

-------------------------------------------------------------------

[1] وذلك لعدم ترتب أثر عملي على ذلك.

[2] صفة المدلول: ما كان مرتبطاً بالمعنى، كالكلية والجزئية.

وصفة الدلالة: ما كان مرتبطاً بالهيئة، أي: بنسبة اللفظ إلى المعنى، كالظهور فإنه لا يرتبط لا باللفظ ولا بالمعنى وإنّما بدلالته عليه.

وهنا قيل(1):

إنّ المفهوم حكم ملازم لخصوصية المعنى فهو إذن صفة المدلول. وقيل: إنّ المعنى لا يتصف بالمفهوم، وإنما الدلالة لو كانت تابعة سميت مفهوماً.

[3] لأنهم فسروا المفهوم بأنه حكم إنشائي أو إخباري... الخ، والحكم هو مدلول اللفظ لا الدلالة.

[4] حيث إنهم قالوا: إن الدلالة تنقسم إلى منطوق ومفهوم(2).

وعن التقريرات: (وأما ما قيل من أن تقسيم الدلالة إليهما يدل على ذلك. ففيه: أن التقسيم المذكور لم نعثر عليه في كلام من يرى أنها من الأوصاف المنتزعة من المدلول. نعم، عدّهم دلالة الإشارة(3)من

المنطوق دليل عليه. والظاهر إرادة دخول مدلولها فيه)، انتهى.

[5] أي: من قولنا: إن المفهوم حكم ينشأ من خصوصة المعنى المنطوق، وحاصله: إن النزاع في أصل ثبوت المفهوم وعدم ثبوته، لا أن النزاع في حجيته بعد

ص: 428


1- الوصول إلى كفاية الأصول 3: 11.
2- الحاشية على قوانين الأصول 1: 121.
3- يعني كدلالة الآيتين على أقل الحمل؛ مطارح الأنظار 2: 9.

في أن القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل تدل بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الأخرى[1] أم لا؟

فصل: الجملة الشرطية هل تدل[2] على الانتفاء عند الانتفاء[3] - كما تدل على الثبوت عند الثبوت[4] بلا كلام[5] - أم لا؟ فيه خلاف بين الأعلام.

لا شبهة[6] في استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام[7]، إنما الإشكال والخلاف في أنه[8] بالوضع أو بقرينة عامة بحيث لابد من الحمل

-------------------------------------------------------------------

فرض ثبوته، فإنه لا إشكال في حجيته لو فرض وجوده، فمن ينكر حجية المفهوم إنما ينكر أصل وجوده، ومن يثبت الحجيّة يدعي أصل وجوده.

[1] أي: المفهوم.

فصل مفهوم الشرط

اشارة

[2] بالوضع أو بالانصراف أو بالإطلاق.

[3] أي: انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط.

[4] أي: تدل على ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط في المنطوق.

[5] لوضوح أن الشرط وضع لذلك، ولا خلاف فيه وقوله: «كما تدل على الثبوت عند الثبوت بلا كلام» جملة معترضة.

[6] أي: إن الجملة الشرطية قد تستعمل ويراد منها المفهوم، كما أنها قد تستعمل ولا يراد منها المفهوم. وليس كلامنا في الاستعمال، بل نريد إثبات الوضع أو الانصراف أو الإطلاق كي يكون المفهوم مدلولاً عليه في الكلام، بحيث حين الشك نقول بالمفهوم.

[7] أي: في غير مقام واحد، بل في مقامات متعددة.

[8] أي: الدلالة على المفهوم، «بالوضع» بأن تكون أداة الشرط أو الهيئة في

ص: 429

عليه[1] لو لم يقم على خلافه قرينة[2] من حالٍ أو مقالٍ؟

فلابد للقائل بالدلالة[3] من إقامة الدليل على الدلالة بأحد الوجهين[4] على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة[5].

-------------------------------------------------------------------

الشروط وضعت للدلالة على المنطوق والمفهوم معاً، «بقرينة عامة» كالانصراف أو مقدمات الحكمة، وإنّما قال: «عامة» لأن القرائن الخاصة لا تفيد؛ إذ في كل مجاز أو تخصيص توجد القرائن الخاصة، ولا يمكن حمل اللفظ على المعنى المجازي أو الخاص من دونها، وإنّما نحتاج إلى قرينة عامة حتى نحمل اللفظ على ذلك المعنى في موارد الشك. ثم إن القرينة العامة قد تكون الانصراف، وقد تكون مقدمات الحكمة.

[1] أي: حمل اللفظ على المعنى المفهوم - إضافة إلى المنطوق - .

[2] أي: قرينة خاصة؛ إذ مع وجود قرينة خاصة يرفع اليد عن المعنى الموضوع له - ككل مجاز - وكذلك لا يتم الانصراف، كما لا تتم مقدمات الحكمة؛ إذ من المقدمات أن لا يضع المولى قرينة على الخلاف.

[3] أي: دلالة الشرط على المفهوم.

[4] أي: الوضع أو القرينة العامة.

[5] أي: يحتاج القائل بالمفهوم إلى إثبات أربعة أمور:

الأول: اللزوم بين الشرط والجزاء، أي: يكون الارتباط بينهما بنحو يمتنع في نظر العقل أن يوجد الشرط ولا يوجد الجزاء؛ إذ لو لم يكن لزوم، بل كان من باب القضية الاتفاقية لم يكن له مفهوم، فمثل: (كلّما جئتك كنت غائباً) لا مفهوم له؛ لأن مجيئي وغيابك لا ارتباط بينهما باللزوم، بل قضية اتفاقية، فلا مفهوم لها بحيث يكون (كلّما لم أجئك لم تكن غائباً) إذ يجوز غيابه في فترات أخرى أيضاً غير فترة المجيء.

ص: 430

وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة[1]، فإن له منع دلالتها على اللزوم - بل[2] على

-------------------------------------------------------------------

الثاني: الترتب، بأن يكون الشرط متقدماً، والجزاء متأخراً - ولو بالرتبة - فلو لم يكن ترتب بأن كان الشرط معلولاً والجزاء علة مثل: (إن كانت الحرارة موجودة فالشمس طالعة)، أو كان الشرط والجزاء معلولين لعلة أخرى مثل: (إن كان الضياء موجوداً فالحرارة موجودة) وكلاهما معلول للنار، فحينئذٍ لا يوجد مفهوم، فتأمل.

الثالث: أن يكون الترتب على نحو العِلّية، أي: يكون الشرط علة للجزاء؛ إذ في صورة عدم العلية لا يكون انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط، فالترتب بالطبع - كما في العلل الناقصة حيث يمكن وجودها من دون وجود المعلول - مثل: (إن كانت النار موجودة فالاحتراق حاصل) لا مفهوم له؛ لأن وجود النار مقتضٍ وليس علة تامة.

وفي الحقائق: (كالترتب بالطبع وهو ما يكون المتقدم فيه من العلل الناقصة، بحيث يجوز فيه وجود المتقدم مع عدم وجود متأخر ويمتنع العكس، أو بالرتبة وهو ما يكون الترتب بين السابق واللاحق معتبراً فيه حسياً كان، كما بين الإمام والمأموم، أو عقلياً، كما بين الأجناس والأنواع، أو بالزمان وهو ما لا يجتمع فيه المرتبتان، أو بالشرف وهو ما يكون للمتقدم كمال ليس للمتأخر)(1)،

انتهى.

الرابع: أن تكون العلة منحصرة بحيث لا يكون للجزاء علّة غير الشرط، أما إذا لم تكن منحصرة مثل: (إن طلعت الشمس فالضياء موجود) فلا مفهوم لها؛ إذ يمكن غياب الشمس ووجود الضياء بالسراج ونحوه.

[1] أي: إنكاره لإحدى المقدمات الأربع كافٍ لإثبات مدعاه في عدم الدلالة على المفهوم؛ لأن الدلالة بحاجة إلى إثبات بالوضع أو بالقرينة العامة، أما عدم الدلالة فيكفي فيها عدم ثبوت إحدى مقدماتها.

[2] أي: يقول: بل الجملة الشرطية تدل على مجرد الثبوت... الخ، - وهو إنكار الأمر الأول - .

ص: 431


1- حقائق الأصول 1: 448.

مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق - . أو منع دلالتها على الترتب[1]، أو على[2] نحو الترتب على العلة، أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية[3].

لكن[4] منع دلالتها على اللزوم، ودعوى كونها اتفاقية في غاية السقوط، لانسباق اللزوم منها[5] قطعاً.

وأما المنع[6] عن أنه بنحو الترتب على العلة - فضلاً عن كونها منحصرة - فله مجال واسع.

ودعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة - مع كثرة استعمالها[7] في الترتب على نحو الترتب على الغير المنحصرة(1)

منها بل في مطلق

-------------------------------------------------------------------

[1] وهذا إنكار للأمر الثاني.

[2] أي: أو منع دلالتها على نحو الترتب على العلة - وهو إنكار الأمر الثالث - .

[3] أي: بعد أن يسلّم وجود العِلية ينكر انحصار العلة - وهو إنكار الأمر الرابع - .

[4] من هنا يبدأ المصنف في بيان رأيه، وحاصل كلامه: إنه لا يمكن منع اللزوم بين الشرط والجزاء، بل الجملة الشرطية تدل على اللزوم بالوضع، فإنه يتبادر من الجملة الشرطية أن الارتباط بين الشرط والجزاء بنحو اللزوم لا بنحو الاتفاق، والتبادر آية الوضع.

[5] أي: تبادر اللزوم من الجملة الشرطية.

[6] أي: المقدمات الثلاث الأخرى، وهي الترتب، والعليه، والانحصار، فإنه يمكن منعها؛ إذ لا دليل عليها - حسب رأي المصنف - .

أدلة القائلين بالمفهوم

الدليل الأول: الوضع

[7] أي: استعمال الجملة الشرطية في العلة غير المنحصرة كثيرة، بل قد يقال: إنها الأكثر، ومع هذه الكثرة كيف يمكن ادعاء التبادر؟

ص: 432


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير المنحصرة».

اللزوم - بعيدة[1]، عهدتها على مدعيها[2]. كيف[3]! ولا يرى في استعمالها فيهما عناية ورعاية علاقة، بل إنما تكون إرادته كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية، كما يظهر[4] على من أمعن النظر وأجال البصر في موارد الاستعمالات وفي عدم الإلزام والأخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات وصحة الجواب بأنه لم يكن لكلامه مفهوم[5]، وعدم صحته[6] لو كان له ظهور فيه[7] معلوم.

-------------------------------------------------------------------

[1] خبر قوله: (ودعوى)، وهو رد لهذه الدعوى.

[2] لأنه إذا وصل الكلام إلى التبادر انقطع البحث والنقاش. نعم، يمكن لمدعي التبادر أو منكره تقريب الادعاء بذكر أمثلة وشواهد ونحوها.

[3] بيان لبُعد التبادر المزعوم، وحاصله: إنه لو ثبت التبادر في العلة المنحصرة كان معناه أن الوضع فيها دون غيرها، فيكون الاستعمال في العلة غير المنحصرة مجازاً؛ لأنه استعمال اللفظ في غير ما وضع له! فعلى هذا الكلام مثل: (إن طلعت الشمس فالضياء موجود) مجاز؛ لأن علة الضياء غير منحصرة في طلوع الشمس، وادعاء المجازية باطل قطعاً، «استعمالها» استعمال الجملة الشرطية، «فيهما» في غير المنحصرة وفي اللزوم المطلق.

[4] يستدل المصنف لرد التبادر في العلة المنحصرة بأمرين:

الأول: إنه يكثر استعمال الشرط في العلة غير المنحصرة ولا يرى أحد المجاز فيها.

الثاني: عدم الأخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات - وهي مقامات يتشبث كل خصم بأدنى دليل لإثبات مدعاه - فعدم الأخذ بالمفهوم في المخاصمات دليل على عدم ثبوته أصلاً.

[5] فمثلاً: لو قال المدعي: (لو جئت بصك فكلامي صحيح) ثم لم يأت بالصك، ولكنه تراه مستمراً في دعواه، ولا يقال له: إذن ثبت عدم صحة كلامك بمفهومه.

[6] أي: عدم صحة الجواب لو كان للكلام مفهوم.

[7] أي: لو كان للكلام ظهور في المفهوم.

ص: 433

وأما دعوى الدلالة بادعاء انصراف[1] إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل أفرادها، وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها(1)؛

ففاسدة جداً[2]، لعدم[3] كون الأكملية موجبة للانصراف إلى الأكمل، لا سيما مع كثرة الاستعمال في غيره، كما لا يكاد يخفى. هذا مضافاً[4] إلى منع كون اللزوم بينهما[5] أكمل مما إذا

-------------------------------------------------------------------

الدليل الثاني: الانصراف

[1] هذا هو الدليل الثاني لادعاء المفهوم للشرط، وحاصله: إن الشرط وإن وضع للأعم، لكنه ينصرف إلى العلة المنحصرة، ودليل الانصراف هو الأكملية، فإن اللفظ ينصرف إلى أكمل الأفراد، فإن العلاقة بين الشرط والجزاء لها أقسام، ولكن أكمل تلك الأقسام هو العلاقة بنحو العلة المنحصرة.

[2] الإشكال على الانصراف، صغرىً وكبرىً:

أما الكبرى: فإشكالها أن الأكملية ليست منشأ للانصراف أصلاً، فمثل: (جاء إنسان) لا ينصرف إلى أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً، وخاصة مع كثرة الاستعمال في غير الأكمل.

وأما الصغرى: فإشكالها أن العلة المنحصرة ليست أكمل أفراد اللزوم، قال في العناية:(فإن الربط والسنخية بين كل علة ومعلولها لابد وأن يكون بحدّ يوجب التأثير والتأثر، وأما الانحصار وعدمه فممّا لا ربط له بشدة الربط والسنخية، كما لا يخفى)(2).

[3] هذا الإشكال في الكبرى.

[4] هذا الإشكال في الصغرى، فنحن لا نرى فرقاً في نحو الربط بين (إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود) وهو علية منحصرة، وبين (إذا كانت الشمس طالعة فالضياء موجود) وهو علية غير منحصرة.

[5] أي: بين الشرط والجزاء.

ص: 434


1- وهو دليل الشيخ في مطارح الأنظار 2: 26.
2- عناية الأصول 2: 172.

لم تكن العلة بمنحصرة، فإن الانحصار لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاص[1] الذي لابد منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى.

إن قلت[2]: نعم[3]، ولكنه قضية الإطلاق بمقدمات الحكمة، كما أن قضية إطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسي.

قلت: أولاً[4]:

-------------------------------------------------------------------

[1] كالسنخية بالتوليد أو الإعداد أو التوافي - حسب المباني - .

الدليل الثالث: الإطلاق في الشرط أو الهيأة

ويمكن أن يبين الإطلاق بثلاثة أوجه، كل واحد منها يمكن أن يكون دليلاً مستقلاً لإثبات المفهوم، فتكون الأدلة خمسة.

[2] حاصل الدليل: هو إثبات الإطلاق في أداة الشرط أو الهيئة في الجملة الشرطية؛ لأن عدم انحصار العلة بحاجة إلى مؤنة زائدة - وهو بيان العلة الأخرى - في حين أن انحصار العلة لا يحتاج إلى مؤنة زائدة، فبالإطلاق ننفيها.

نظير الوجوب حيث إن النفسي منه لا يحتاج إلى مؤنة زائدة، عكس الغيري - أي: الوجوب المقدمي - الذي فيه مؤنة زائدة، وهي إثبات وجوب ذي المقدمة حتى يثبت وجوب المقدمة.

[3] أي: نسلم أن العلة المنحصرة لا تستفاد من الوضع أو الانصراف، لكنها تستفاد من الإطلاق، «لكنه» أي: لكن انحصار العلة في الشرط.

[4] الجواب الأول من وجهين:

الوجه الأول: إن أداة الشرط حرف، وكذلك الهيئة في الجملة الشرطية معنى حرفي، والمعنى الحرفي جزئي، والجزئي غير قابل للإطلاق؛ لأن الإطلاق معناه عدم امتناع صدقه على كثيرين، وهو يتضاد مع الجزئي الذي معناه امتناع الصدق على كثيرين، فإذا امتنع الإطلاق امتنع التقييد؛ لأنهما من العدم والملكة - كما سيأتي في باب المطلق والمقيد - .

ص: 435

هذا في ما تمت هناك مقدمات الحكمة، ولا تكاد تتم[1] في ما هو مفاد الحرف[2]، كما هاهنا[3]، وإلاّ[4] لما كان معنى حرفياً[5]، كما يظهر وجهه بالتأمل.

وثانياً[6]: تعينه[7] من بين أنحائه[8] بالإطلاق المسوق في مقام البيان بلا معين.

-------------------------------------------------------------------

والوجه الثاني: إن الإطلاق يتوقف على لحاظ المعنى بالاستقلال، والمعنى الحرفي لا يلاحظ مستقلاً وإنما لحاظه آلي.

[1] أي: لا تتم مقدمات الحكمة؛ لأن إحدى المقدمات هي: (عدم وجود قدر متيقن)، وهذه المقدمة إنما تتم لو كان الشيء قابلاً للإطلاق.

[2] لكن تقدم من المصنف أن المعنى الحرفي: الوضع والموضوع له والمستعمل فيه عام، ولعل هذا الجواب على مبنى المستدل.

[3] إذ (إن) حرف، و(الهيئة الشرطية) معنى حرفي.

[4] أي: وإن تمت مقدمات الحكمة.

[5] للوجهين الذين ذكرناهما قبل قليل.

[6] حاصل الإشكال الثاني: إنه لا فرق بين العلة المنحصرة والعلة غير المنحصرة، فكلاهما يحتاج إلى البيان، فلا يمكن إثبات أحدهما بالإطلاق؛ وذلك: لأن المنحصرة وغير المنحصرة مشتركتان في العلية، أي: كل واحد منهما علة، والانحصار وعدمه غير مرتبط بعليتهما، بل هو أمر خارج عنها، فإثبات أي منهما يحتاج إلى دليل.

وبعبارة أخرى: الإطلاق يثبت اللزوم والترتب، واللزوم له أفراد، منها: العلة المنحصرة، ومنها: العلة غير المنحصرة، وكلاهما فردان للزوم والترتب بلا تفاوت، فإثبات أحدهما - أياً كان - بحاجة إلى مؤنة زائدة.

[7] أي: تعين اللزوم في العلة المنحصرة.

[8] أي: أنحاء اللزوم حيث إن له أفراداً منها المنحصرة ومنها غير المنحصرة.

ص: 436

ومقايسته مع تعين الوجوب النفسي بإطلاق صيغة الأمر مع الفارق[1]، فإن النفسي هو الواجب على كل حال، بخلاف الغيري، فإنه واجب على تقدير دون تقدير[2]، فيحتاج بيانه[3] إلى مؤونة التقييد بما إذا وجب الغير، فيكون الإطلاق في الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولاً عليه[4]، وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة، ضرورة أن كل واحد من أنحاء اللزوم والترتب[5] محتاج في تعينه إلى القرينة مثل الآخر[6] بلا تفاوت أصلاً، كما لا يخفى.

ثم[7] إنه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط بتقريب أنه لو لم

-------------------------------------------------------------------

[1] لأن الغيري بحاجة إلى مؤنة زائدة فيمكن نفيها بالإطلاق، والنفسي لا مؤنة زائدة له، بخلاف ما نحن فيه، حيث إن الانحصار أو عدمه كلاهما بحاجة إلى مؤنة زائدة.

[2] فإنه إذا وجب ذو المقدمة وجبت المقدمة بالوجوب الغيري، وإذا لم يجب ذو المقدمة لم تجب المقدمة بالوجوب الغيري.

[3] أي: بيان الواجب الغيري.

[4] أي: على النفسي لعدم احتياجه إلى مؤنة زائدة.

[5] نحو العلة المنحصرة ونحو العلة غير المنحصرة، بل وغيرهما.

[6] لأنهما فردان للمطلق وهما في عرض واحد.

الدليل الرابع: الإطلاق في الشرط

[7] هذا وجه آخر لبيان الإطلاق، ويمكن عدّه دليلاً رابعاً لإثبات مفهوم الشرط، وفرقه عن الدليل السابق أن ذاك كان لإثبات إطلاق الشرط أو الهيئة، وهذا لإثبات إطلاق الشرط، كالمجيء في إن جاء زيد فأكرمه - مثلاً - .

وحاصل الدليل هو: إنه لو لم يكن ترتب الجزاء على الشرط على نحو العلة المنحصرة لزم التقييد في الشرط، فيُنفى تقييد الشرط بالإطلاق، فيثبت انحصار العلة.

ص: 437

يكن بمنحصر يلزم تقييده، ضرورة أنه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده[1]، وقضية إطلاقه أنه يؤثر كذلك مطلقاً[2].

وفيه[3]:

-------------------------------------------------------------------

بيانه: إن المولى لو قال: (إن جاءك زيد فأكرمه) فلو كانت عِلّة الإكرام منحصرة في المجيء فإن المجيء يكون علّة على كل حال، أما لو لم تكن العلة منحصرة بمعنى وجود علة أخرى للإكرام، فإن المجيء لا يكون علة دائماً، بل يكون علة إذا لم تسبقه ولم تقارنه العلة الأخرى؛ لامتناع اجتماع علتين على معلول واحد، فإذا سبقت العلة الأخرى كانت هي العلة، فيتحقق المعلول وهو وجوب الإكرام، فإذا تحقق المجيء فإنه لا يكون علة لوجوب الإكرام - لتحقق هذا المعلول سابقاً - وإذا تقارن المجيء مع العلة الأخرى فإن المجيء لا يكون علة، بل يكون جزء علّة. فبإطلاق المجيء - بمعنى أنه علّة على كل حال سواء سبقه أو قارنه شيء أم لا - يثبت انحصار العلّة.

[1] المقصود أنه لو قارنه الآخر كان كل واحد منهما جزء علة، فلا يؤثر المجيء - مثلاً - وحده، بل يكون جزء علة. وإذا سبقه الآخر كان السابق هو العلّة، فلا يؤثر المجيء - مثلاً - أصلاً؛ لاستحالة تحصيل الحاصل.

[2] «أنه» أنّ الشرط - كالمجيء - يؤثر، «كذلك» أي: وحده، «مطلقاً» أي: سواء سبقه شيء أو قارنه أم لا، وهذا الإطلاق يثبت الانحصار.

[3] حاصل الإشكال هو: إن تأثير الشرط وحده له معنيان:

الأول: إن المولى في مقام بيان أن الشرط يؤثر في الجزاء من دون احتياج ضمّ شيء إليه، مثلاً: المجيء علّة للإكرام، وليس جزء علّة بحيث يحتاج إلى ضم شيء إلى المجيء حتى يجب الإكرام، والتمامية تثبت بالإطلاق.

الثاني: أن يكون المولى في مقام بيان عدم وجود شرط آخر للجزاء.

ص: 438

أنه[1] لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه كذلك[2] إلاّ أنه من المعلوم ندرة تحققه[3] لو لم نقل بعدم اتفاقه.

فتلخص - بما ذكرناه - أنه لم ينهض دليل على وضع مثل (إن) على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء، ولم تقم عليها قرينة عامة. أما قيامها[4] أحياناً - كانت مقدمات الحكمة أو غيرها - مما لا يكاد ينكر، فلا يجدي القائل بالمفهوم أنه قضية الإطلاق في مقامٍ من باب الاتفاق[5].

وأما توهم[6]

-------------------------------------------------------------------

وهذا غير ثابت، ففي المثال لا يريد المولى بيان أن الإكرام منحصر في المجيء، بحيث لا يجب الإكرام أصلاً مع عدم المجيء، فالانحصار لا يثبت بالإطلاق.

[1] الضمير للشأن.

[2] أي: مع إطلاق الشرط، سواء سبقه شيء آخر أم قارنه أم لا.

[3] أي: ندرة تحقق هذا الإطلاق بأن يكون المولى في مقام بيان تأثيره، سواء قارنه أم سبقه شيء أم لا.

[4] أي: قيام القرينة العامة.

[5] أي: لا يجدي القائل بمفهوم الشرط أن المفهوم مقتضى إطلاق الشرط في مورد من الموارد اتفاقاً؛ لقيام قرينة خاصة.

الدليل الخامس: الإطلاق بنفي العدل
اشارة

[6] هذا بيان للإطلاق من وجه آخر، ويمكن عده دليلاً خامساً لمفهوم الشرط. وحاصله: إن الإطلاق ينفي وجود عِدل للشرط، كما أن إطلاق الوجوب ينفي الوجوب التخييري.

وفرق هذا عن سابقه، أن الدليل السابق كان مصب الإطلاق هو الشرط الآخر، أي: نقول: إنّ الإطلاق ينفي شرطاً آخر للجزاء، وأما في هذا الدليل فمصبّ الإطلاق هو نفس الشرط، أي: نقول: إنّ الإطلاق يحصر العلة في الشرط.

ص: 439

أنه[1] قضية إطلاق الشرط، بتقريب: أن مقتضاه تعينه[2]، كما أن مقتضى إطلاق الأمر تعين الوجوب[3].

ففيه[4]: أن التعين ليس في الشرط[5] نحواً يغاير نحوه في ما إذا كان متعدداً، كما كان في الوجوب كذلك[6]، وكان الوجوب في كل منهما متعلقاً بالواجب بنحوٍ آخر لابد في التخييري منهما من العدل، وهذا بخلاف الشرط[7]، فإنه - واحداً كان أو

-------------------------------------------------------------------

[1] الضمير يرجع إلى المفهوم.

[2] أي: مقتضى الإطلاق تعين الشرط وانحصاره.

[3] وقد مرّ من المصنف قبوله لهذا الإطلاق، أي: إنه إذا دار الأمر بين الوجوب التعييني والوجوب التخييري فإن الإطلاق يقتضي التعييني.

[4] حاصل الإشكال: إن قياس ما نحن فيه مع الوجوب قياس مع الفارق؛ وذلك لأن الوجوب التخييري يغاير الوجوب التعييني في مقام الثبوت والإثبات، أما الثبوت: فإن المصلحة قائمة بالجامع في التخييري، وبالفرد في التعييني، وأما الإثبات: فإن كيفية الوجوب تختلف؛ إذ في التعييني الشيء واجب على كل حال، وفي التخييري إذا أتى بالعِدل فإن الشيء لا يكون واجباً. مثلاً: صلاة الصبح واجبة على كل حال؛ لأنها واجب تعييني، وأما خصال الكفارة فإن الإطعام يجب بشرط عدم الإتيان بالعتق والصيام، فلو أتى بأحدهما سقط وجوب الإطعام.

وهذا بخلاف العلة المنحصرة والعلة غير المنحصرة، فإن كيفية العلّية في المنحصرة لا تختلف عن غير المنحصرة، لا ثبوتاً ولا إثباتاً، فإنّ كلاً منهما علّة بكيفية واحدة.

[5] أي: الشرط المنحصر فيه العلّية لا يغاير الشرط غير المنحصر.

[6] أي: في الوجوب التعييني والتخييري كيفية الوجوب تختلف، فقوله: (كما) تشبيه للمنفي.

[7] أي: هذا النحو في الوجوب يختلف عن الكيفية في الشرط.

ص: 440

متعدداً - كان نحوه واحداً ودخله في المشروط بنحوٍ واحد[1]، لا تتفاوت الحال فيه ثبوتاً، كي تتفاوت عند الإطلاق إثباتاً[2]، وكان[3] الإطلاق مثبتاً لنحو لا يكون له عدل، لاحتياج[4] ما له العدل إلى زيادة مؤونة، وهو ذكره بمثل: (أو كذا[5]). واحتياج[6] ما إذا كان الشرط متعدداً إلى ذلك إنما[7] يكون لبيان التعدد، لا لبيان

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: العلة المنحصرة هي علة وتؤثر في المعلول، كذلك العلة غير المنحصرة هي علة وتؤثر في المعلول، فالتأثير في المعلول بكيفية واحدة.

[2] إذ إن الإثبات فرع الثبوت، فإذا كان في مرحلة الثبوت يحتمل أصنافاً مختلفة أمكن في مرحلة الإثبات تعيين أحدهما بالإطلاق أو بقرينة أخرى، وأما إذا كان في مرحلة الثبوت لا يحتمل إلاّ شيء واحد فإنه لا يمكن إثبات غيره في مرحلة الإثبات.

[3] عطف تفسيري على (تتفاوت عند الإطلاق إثباتاً)، أي: لا يتفاوت ثبوتاً حتى يتفاوت إثباتاً بأن كان الإطلاق مثبتاً... الخ، ولو بدل المصنف «كان» بقوله: (يكون) كانت الجملة أوضح، وبقواعد العربية أوفق. وفي بعض الشروح جعل قوله: «وكان الإطلاق» من تتمة بحث الوجوب، فتكون جملة (و هذا بخلاف الشرط) إلى قوله: (عند الإطلاق إثباتاً) كالجملة المعترضة.

[4] علّة حمل الوجوب على التعييني، ومحصّله: إن التخييري بحاجة إلى مؤنة زائدة وهو العِدل، بخلاف التعييني.

[5] كأن يقول: (أعتق رقبة أو صم ستين يوماً أو أطعم ستين مسكيناً).

دفع وهم

[6] إشكال، وحاصله: إن الشرط إذا كان متعدداً فإن بيانه بحاجة إلى مؤنة زائدة، كأن يقول: (إذا جاءك زيد أو سلّم عليك فأكرمه). فبالإطلاق ننفي هذه المؤنة الزائدة ونثبت تعين الشرط، «ذلك» زيادة مؤنة.

[7] جواب الإشكال، وحاصله من وجهين:

ص: 441

نحو الشرطية. فنسبة إطلاق الشرط إليه لا تختلف، كان هناك شرط آخر أم لا، حيث[1] كان مسوقاً لبيان شرطيته بلا إهمال ولا إجمال[2]. بخلاف إطلاق الأمر، فإنه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب التعييني، فلا محالة يكون في مقام الإهمال أو الإجمال[3]، تأمل تعرف. هذا.

-------------------------------------------------------------------

الوجه الأول: إن زيادة المؤنة في الشرط ليست لبيان كيفية الشرط، بل لبيان التعدد، أما الكيفية فهي على حالها دائماً، فإن الشرط مؤثر مطلقاً متعدداً كان أم واحداً.

مثلاً: السفر علة لقصر الصلاة، كما أن الخوف علّة أخرى لقصر الصلاة، فلو قال: (إن سافرت أو خفت فقصر) فإن هذا التعدد لا يغير الكيفية، فإن السفر علّة للقصر مطلقاً - سواء خاف أم لا، وسواء كان الخوف علّة للقصر أم لا - فهذا الترديد لم يقيّد عليّة السفر للقصر. بخلاف قوله: (أعتق) وقوله: (أعتق أو صم أو أفطر)، فإن نحو الوجوب وكيفيته في الأول يختلف عن الثاني، فإنه في الثاني العتق قيّد بما إذا لم يأت بالصوم والإفطار، فلو أتى بأحدهما فإنه لا يجب عليه العتق.

والدليل على الفرق هو أنه لو قال: (إن سافرت فقصّر) ولم يبين الشرط الآخر وهو الخوف، فإنه لا يعتبر ناقضاً للغرض ومقصراً، بخلاف ما إذا قال: (أعتق) ولم يبين العدل الآخر، فإنه يعتبر ناقضاً للغرض ومقصراً.

[1] بيان لعدم اختلاف كيفية تأثير الشرط.

[2] أي: بيان أن الشرط علة تامة ومؤثر في الجزاء مطلقاً، سواء كان منحصراً أم غير منحصر، فلا يوجد في الكلام إهمال ولا إجمال، والإهمال هو في مرحلة الثبوت - ولا يتصور في الشارع الأقدس - والإجمال في مرحلة الإثبات - أي: كون النص غير واضح وغير كاشف عن مراد المولى - .

[3] لاختلاف كيفية الوجوب في التعييني والتخييري، فلو لم يكن الإطلاق مقتضياً للتعييني فلا محالة يكون معنى الوجوب مجملاً مهملاً في مرحلة الثبوت، بأن

ص: 442

مع أنه[1] لو سلم لا يجدي القائل بالمفهوم، لما عرفت أنه لا يكاد ينكر في ما إذا كان مفاد الإطلاق من باب الإتفاق.

ثم إنه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه:

أحدها[2]: ما عُزِي إلى السيد(1)

من أن تأثير الشرط إنما هو تعليق الحكم به، وليس بممتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه[3]، ولا يخرج[4] عن كونه شرطاً، فإن قوله تعالى[5]: {وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ}(2) يمنع من قبول الشاهد الواحد حتى ينضم إليه شاهد آخر، فانضمام الثاني إلى الأول شرط في القبول، ثم علمنا: أن ضم امرأتين إلى الشاهد الأول شرط في القبول، ثم علمنا،

-------------------------------------------------------------------

لم يقصد المولى أياً منهما، أو مجملاً في مرحلة الإثبات بأن يكون النص قاصراً في الدلالة على مراد المولى.

[1] هذا الوجه الثاني لدفع الإشكال، وحاصله: إنه لو سلمنا أن تعدد الشرط هو كالوجوب التخييري، فنجيب بأنه من النادر أن يكون المولى في مقام بيان انحصار الشرط، فعدم كونه في مقام البيان لا يدع مجالاً لانعقاد الإطلاق.

أدلة المنكرين لمفهوم الشرط

الدليل الأول

[2] حاصله: إمكان تعدد الشرط للجزاء، بأن يكون أمرٌ مؤثراً مع كون أمر آخر أيضاً مؤثراً، فحينئذٍ انتفاء الشرط لا يدل على انتفاء الجزاء؛ لإمكان أن يحل شرط آخر محل الشرط.

[3] أي: في العلية والتأثير في الجزاء.

[4] أي: في صورة نيابة شرط آخر، فإن الشرط الأول يبقى على شرطيته.

[5] مثال شرعي لنيابة الشروط بعضها عن البعض الآخر.

ص: 443


1- الذريعة إلى أصول الشريعة 1: 406.
2- سورة البقرة، الآية: 282.

أن ضم اليمين يقوم مقامه أيضاً. فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى، مثل الحرارة[1]، فإن انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة، لاحتمال قيام النار مقامها. والأمثلة لذلك كثيرة شرعاً وعقلاً.

والجواب[2]: إنه+ إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع، فهو ممّا لا يكاد ينكر، ضرورة أن الخصم يدعي عدم وقوعه في مقام الإثبات[3] ودلالة القضية الشرطية عليه. وإن كان بصدد إبداء احتمال وقوعه[4] فمجرد الاحتمال لا يضره ما لم يكن بحسب القواعد اللفظية راجحاً أو مساوياً[5]، وليس في ما أفاده[6]

-------------------------------------------------------------------

[1] مثال في الطبيعيات لنيابة الشروط.

[2] حاصل الإشكال على كلام السيد: إن الكلام في المفهوم ليس في الإمكان العقلي أو الوقوع، فإن هذا لا اختلاف فيه. وإنّما الكلام في أنّ اللفظ ظاهر في الانتفاء عند الانتفاء حينما لا تكون هنالك قرينة خاصة، أم لا يكون ظاهراً.

[3] فليس الدليل ينفي مُدّعى القائل بالمفهوم؛ لأن الدليل بيّن إمكان تعدد الشرط ونيابة بعض الشروط عن البعض الآخر، والقائل بالمفهوم لا إشكال له في مرحلة الثبوت، وإنّما كلامه أنه في مرحلة الإثبات لم يقع التعدد والنيابة.

[4] أي: إن كان المستدل - وهو المرتضى - يريد بيان احتمال وقوع تعدد الشرط - في مرحلة الإثبات - ونيابة بعض الشروط عن بعضها، فجوابه: إن مجرد الاحتمال لا يضر بالظهور؛ لأن ما نحن فيه بحث في الدلالة اللفظية والاحتمال لا يضرها. نعم، في الأدلة العقلية الاحتمال يضر؛ ولذا قالوا: (إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال)(1) أي: العقلي؛ لأن العقل لا يحكم إلاّ في ما كان قطعياً.

[5] لو كان راجحاً كان هو المقدم، ولو كان مساوياً منع انعقاد الظهور في المفهوم.

[6] من الدليل بامكان تعدد الشروط ونيابتها ووقوعه أحياناً.

ص: 444


1- الفوائد الحائرية: 198.

ما يثبت ذلك[1] أصلاً، كما لا يخفى.

ثانيها: إنه لو دل[2] لكان بإحدى الدلالات، والملازمة[3] - كبطلان التالي[4] - ظاهرة.

وقد أجيب(1)

عنه[5]: بمنع بطلان التالي وأن الالتزام ثابت. وقد عرفت[6] بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه، فلا تغفل.

ثالثها: قوله تبارك وتعالى[7]: {وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا}(2).

-------------------------------------------------------------------

[1] رجحان أو مساواة احتمال التعدد على انحصار الشرط.

الدليل الثاني

[2] أي: إن الشرط لو دل على المفهوم لكانت دلالته بإحدى الدلالات الثلاث - المطابقية أو التضمنية أو الالتزامية - .

[3] أي: الملازمة - وهي لو دل لكان بإحدى الدلالات - واضحة؛ لأن الدلالة منحصرة في هذه الدلالات الثلاث.

[4] وهي وجود إحدى الدلالات الثلاث. والحاصل: إن الملازمة يجب أن تكون بإحدى الثلاث، وهذا أمر واضح، لكن في الشرط لا توجد أية واحدة من الثلاث.

[5] حاصله: منع بطلان الدلالة الالتزامية.

[6] حاصله: إنا قد ذكرنا أن الدلالة على المفهوم بالدلالة الالتزامية متوقفة على وجود خصوصية في المنطوق - كما مرّ - وقد بين المصنف عدم وجود الخصوصية، فلا دلالة على المفهوم.

الدليل الثالث

[7] حاصل الدليل: هو وضوح بطلان المفهوم في بعض الشروط، فلو كان

ص: 445


1- مطارح الأنظار 2: 33.
2- سورة النور، الآية: 33.

وفيه[1] ما لا يخفى، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطية في ما لا مفهوم له أحياناً وبالقرينة[2] لا يكاد ينكر، كما في الآية وغيرها. وإنما القائل به إنما يدعي ظهورها في ما له المفهوم وضعاً أو بقرينة عامة، كما عرفت.

بقي هاهنا أمور: الأمر الأول[3]:

-------------------------------------------------------------------

للشرط مفهوم، كان لمثل: {لَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ} مفهوم، فيكون المعنى جواز إكراههن على البغاء إن لم يردن التحصن، وهذا بديهي البطلان.

و«تبارك» بمعنى دام خيره، و«تعالى» بمعنى استعلى على غيره؛ وذلك لعلوه الذاتي.

[1] حاصل الجواب: إن عدم وجود المفهوم في مورد بسبب وجود قرينة لا ينكره القائل بالمفهوم.

[2] لعل القرينة في الآية هو أن الشرط محقق للموضوع، وفي مثله لا يوجد مفهوم، مثلاً: (إن رزقت ولداً فاختنه) فان تحقق الشرط يحقق موضوع الختان، فلا مفهوم له بأن يقال: (إن لم ترزقه فلا تختنه) لأن الختان وعدمه فرع وجود الولد.

وهذا بعكس (إن جاءك زيد فأكرمه) فإن موضوع الإكرام هو (زيد)، والمجيء - الشرط - ليس سبباً لوجود زيد في الخارج، فإنه موجود سواء جاء أم لم يجيء.

والآية التي استدل بها من قبيل الشرط المحقق للموضوع، حيث إن الإكراه لا يتحقق مع عدم إرادة التحصن، ف(إن أردن التحصن فلا تكرهوهن) لا مفهوم له بأن يكون (إذا لم يردن التحصن فاكرهوهن) إذ لا يتحقق الإكراه مع الرغبة، كما هو واضح.

أمور في مفهوم الشرط

الأمر الأول
انتفاء نوع الجزاء

[3] يبحث في هذا الأمر عن أن الجزاء المنفي عند انتفاء الشرط هو نوع الجزاء لا شخصه، فلو قال: (إن جاءك زيد فأكرمه) فمفهومه إن لم يجئك فلا تكرمه، فالإكرام المنفي هو نوع الإكرام.

ص: 446

إن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم[1] المعلّق على الشرط عند انتفائه، لا انتفاء شخصه[2]، ضرورة[3] انتفائه عقلاً[4] بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده[5]، فلا يتمشى الكلام[6] في أن للقضية الشرطية مفهوماً أو ليس لها مفهوم إلاّ في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء[7]

-------------------------------------------------------------------

أما شخص الجزاء فهو منفي قطعاً، ولا كلام فيه حتى عند المنكرين للمفهوم، ففي المثال: الإكرام المعلول للمجيء قطعاً منتفٍ عند عدم المجيء؛ لأن المعلول عدم عند عدم علته.

ويدل على ذلك أنه لا يقول أحد بمفهوم اللقب - أي: موضوع الحكم - مع أنه لا إشكال في انتفاء شخص الحكم بانتفاء موضوعه، مثلاً في: (أكرم زيداً) زيد لقب - حسب اصطلاح الأصوليين؛ لأنه موضوع الحكم - وليس له مفهوم، بأن يكون المفهوم (لا تكرم غير زيد)، ومن الواضح أن شخص الإكرام الذي موضوعه زيد ينتفي بانتفاء زيد؛ لأن الحكم ينتفي بانتفاء موضوعه، ومع ذلك لم يقل أحد من أصحابنا بالمفهوم للّقب؛ لأن انتفاء الشخص لا ربط له بالمفهوم.

[1] أي: طبيعة الحكم ونوعه.

[2] أي: مصداق الحكم وصنفه، وهو ما كان معلولاً للشرط.

[3] أي: انتفاء شخص الحكم عند انتفاء الشرط أمر بديهي لا كلام فيه، فليس هو محل الخلاف في إثبات المفهوم وعدمه.

[4] أي: انتفاء شخص الحكم عقلي؛ لأنه معلول للشرط، وانتفاء المعلول عند انتفاء علته من الواضحات.

[5] لأن العلة المركبة تنتفي بانتفاء بعض أجزائها أو شرائطها، وحينئذٍ ينتفي المعلول.

[6] أي: الخلاف والبحث في وجود المفهوم وعدم وجوده.

[7] أي: سنخ الحكم الذي هو الجزاء، فأكرمه - في المثال - هو الجزاء وهو (نوع) وله أصناف ومصاديق متعددة.

ص: 447

وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكناً[1]. وإنما وقع النزاع في أن لها دلالةً على الانتفاء عند الانتفاء أو لا يكون لها دلالة.

ومن هنا[2] انقدح: أنه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والأوقاف والنذور والأيمان[3]، كما توهم(1)، بل عن الشهيد في تمهيد القواعد(2): «أنه لا إشكال في دلالتها على المفهوم[4]». وذلك[5]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: في الواقع ومرحلة الثبوت يمكن الانتفاء عند الانتفاء، وبعد ذلك نبحث في مرحلة الإثبات أن للجملة ظهوراً في المفهوم أم لا.

موارد خارجة عن بحث المفهوم

[2] أي: كون البحث في انتفاء السنخ لا الشخص.

[3] كما لو قال: (أوصيت بداري لأولادي إن كانوا فقراء)، وكذا: (وقفتها أو نذرتها لهم إن كانوا فقراء)، وكذا: (والله ملكت داري لهم إن كانوا كذلك - أي: فقراء - ) .

[4] ففي: المثال أولاده غير الفقراء لا يدخلون في الوصية؛ لأن المنطوق: (إن كانوا فقراء)، والمفهوم: (فليس الدار لهم إن لم يكونوا فقراء)، وكذا في النذر واليمين والوقف.

الإشكال على كلام الشهيد
اشارة

[5] وحاصل الإشكال:

إن في الوصايا والنذور والأيمان والأوقاف ينتفي الحكم عن غير الموضوع، سواء كان في الجملة الشرطية أم الوصفية أم في اللقب. وليس هذا الانتفاء لأجل المفهوم، بل لعلة أخرى وهي فوات الموضوع، ومع فوات الموضوع لا يبقى حكم.

ص: 448


1- هداية المسترشدين 2: 423؛ مطارح الأنظار 2: 37؛ تقريرات المجدد الشيرازي 3: 139.
2- تمهيد القواعد: 110، وفيه: «ذهب جماعة من الأصوليين إلى أن مفهوم الصفة والشرط حجة، ... ولا إشكال في دلالتهما في مثل الوقف والوصايا والنذور والأيمان...».

لأن انتفاءها[1] عن غير ما هو المتعلق لها من الأشخاص التي تكون بألقابها[2] أو بوصف شيء أو بشرطه مأخوذة في العقد أو مثل العهد ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه، بل[3] لأجل أنه إذا صار شيء وقفاً على أحد أو أوصى به أو نذر له - إلى غير ذلك - لا يقبل أن يصير وقفاً على غيره أو وصية أو نذراً له، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غير مورد المتعلق قد عرفت أنه عقلي[4] مطلقاً[5]، ولو قيل[6] بعدم المفهوم في مورد صالح له.

-------------------------------------------------------------------

ففي اللقب، لو قال: (وقفت داري لزيد) - وزيد لقب لأنه موضوع الحكم - فحينئذٍ لا تصلح الدار وقفاً لغير زيد، لا لأجل أن اللقب له مفهوم، بل لأجل أن الدار الموقوفة لا تصلح لأن توقف مرة أخرى. وكذا في الوصف لو قال: (وقفت داري للرجل الفقير)، أو الشرط كما لو قال: (إن كان فقيراً فالدار وقف له).

[1] أي: انتفاء الوصايا والأيمان والنذور والأوقاف.

[2] إنما ذكر المصنف ما يكون فيه اللقب مثل: (أوصيت داري للفقير) لوضوح عدم المفهوم للّقب ، كي يتضح أن ثبوت عدم الوقف لغير الفقير ليس من باب المفهوم، بل لعلة أخرى. وكذا ذكره لما فيه الوصف مثل: (أوصيت داري للرجل الفقير).

[3] هذا بيان لعلة انتفاء الحكم في الوقف والوصية والنذر واليمين، وأنه ليس لأجل المفهوم، بل لأجل زوال الموضوع لهذه الأحكام.

[4] لأن شخص المعلول ينتفي بانتفاء علته وهذا الأمر واضح.

[5] شرح المصنف قوله: (مطلقاً) بقوله: (ولو قيل... الخ).

[6] أي: حتى لو لم نقل بالمفهوم، فإن انتفاء شخص الحكم عند انتفاء الموضوع أمر واضح؛ لأنه بحكم العقل.

ص: 449

إشكال ودفع: لعلك تقول[1]: كيف يكون المناط في المفهوم هو سنخ الحكم، لا نفس شخص الحكم في القضية، وكان[2] الشرط في الشرطية إنما وقع شرطاً بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه دون غيره؟ فغاية قضيتها[3] انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه، لا انتفاء سنخه. وهكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة للمفهوم[4].

ولكنك[5]

-------------------------------------------------------------------

إشكال وجوابه

[1] حاصل الإشكال هو: إن الجزاء في المنطوق هو شخص الحكم لا سنخه، فمثلاً: (إن جاءك زيد فأكرمه) فالإكرام في الجزاء إنما هو الإكرام الجزئي الذي هو معلول للمجيء، فإذا كان الشخص هو الجزاء في المنطوق فلا محالة في المفهوم يكون المنفي هو شخص الجزاء لا سنخه.

وبيان الإشكال - كما عن التقريرات - : (وقد يستشكل في المقام نظراً إلى أن الشرط المذكور إنما وقع شرطاً بالنسبة إلى الإنشاء الخاص الحاصل بذلك الكلام دون غيره،فأقصى ما تفيده الشرطية انتفاء ذلك، وأين ذلك من دلالته على انتفاء نوع الوجوب؟)(1)، انتهى.

إذن، لا فرق بين الوصايا والأوقاف ونحوها وبين سائر الجمل الشرطية.

[2] أي: والحال أنه في المنطوق الشرط إنّما هو للجزاء الحاصل بإنشاء ذلك الجزاء، فقولك: (إن جاء زيد فأكرمه) المجيء إنّما هو شرط للإكرام الحاصل بقولك: (فأكرمه).

[3] أي: أقصى ما يمكن أن يقال هو انتفاء شخص الحكم عند انتفاء الشرط.

[4] كالوصف والغاية والحصر - بناءً على القول بالمفهوم فيها - .

[5] حاصل الجواب: إن الجزاء في المنطوق ليس الشخص، بل السنخ، فيكون في المفهوم - على القول به - أيضاً السنخ؛ وذلك لأن الوضع والموضوع له والمستعمل

ص: 450


1- مطارح الأنظار 2: 38.

غفلت عن أن المعلق على الشرط[1] إنما هو نفس الوجوب[2] الذي هو مفاد الصيغة ومعناها، وأما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها[3] فيه لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه[4] كما لا يخفى. كما[5] لا تكون

-------------------------------------------------------------------

فيه في الحروف والمعاني الحرفية عام، والهيئة في صيغة الأمر - مثلاً - معنى حرفي يدل على الوجوب وهو عام، أي: يراد به طبيعة الوجوب لا شخصه.

[1] أي: الجزاء في المنطوق.

[2] أي: مفاد الهيئة في مثل: (أكرم) معنى حرفي، وهو عام يراد به طبيعة الوجوب لا وجوب جزئي شخصي.

[3] كما مرّ في المعنى الحرفي، فإنه في الوضع والاستعمال:

أولاً: يتصور الواضع المعنى، والمعنى المتصور يقال له اصطلاحاً (الوضع).

وثانياً: عملية وضع اللفظ للمعنى الذي تصوره، فهذا المعنى يقال له (الموضوع له).

وثالثاً: يستعمل الناس اللفظ في ذلك المعنى، فالمعنى يقال له (المستعمل فيه).

ورابعاً: بعد الاستعمال تكون هنالك بعض ما يترتب على الاستعمال من الملازمات نحوها، وهذا ما يقال له (خصوصيات الاستعمال).

مثلاً: الواضع يتصور معنى ما يشار إليه ثم يضع لفظ (هذا) لذلك المعنى، ثم يستعمل الناس لفظ (هذا) في نفس المعنى، أي: ما يشار إليه، لكن تخصيص (هذا) بزيد - مثلاً - في قولنا: (جاء هذا) مع الإشارة إلى زيد إنّما يكون من خصوصيات الاستعمال، ولا ربط له بالوضع والموضوع له والمستعمل فيه.

[4] لأن ما ينشأ من الاستعمال يكون متأخراً عن الاستعمال، و(المعنى المستعمل فيه) مقدم على الاستعمال، فلا يمكن أخذ ما يتأخر عن الاستعمال في ما يتقدمه.

[5] هذا تعريض بما في التقريرات وتمهيد للإشكال عليه - كما سيأتي بعد قليل - .

ص: 451

الخصوصية الحاصلة من قبل الإخبار به[1] من خصوصيات ما أخبر به واستعمل فيه إخباراً لا إنشاءً[2].

وبالجملة[3]: كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط خاصاً بالخصوصيات الناشئة من قبل الإخبار به كذلك المنشأ بالصيغة المعلق عليه؛ وقد عرفت[4] بما حققناه في معنى الحرف وشبهه: أن ما استعمل فيه الحرف عام[5] كالموضوع له[6]،

-------------------------------------------------------------------

وحاصل الكلام: إنه لو قال: (إن جاءك زيد فإكرامه واجب) بنحو الخبر، فإن المعنى المستعمل فيه عام، كذلك لو قاله بنحو الإنشاء مثل: (إن جاءك زيد فأكرمه) فإن المعنى المستعمل فيه عام أيضاً. لما مرّ في المعنى الحرفي أنه لا فرق بين الإنشاء والإخبار، لا في الوضع ولا في الموضوع له ولا في المستعمل فيه، وإنّما فرقها في خصوصيات الاستعمال بأن وضع الخبر ليحكى به، ووضع الإنشاء ليوجد به - لأن الإنشاء إيجاد المعنى كما مرّ سابقاً - .

[1] أي: الإخبار بالمعنى.

[2] متعلق ب- (استعمل فيه) أي: استعمل فيه لأجل الإخبار لا لأجل الإنشاء.

[3] حاصله: إنه لا فرق بين كون الجزاء خبراً أم إنشاءً، في كون المعنى عاماً يراد به طبيعة الوجوب، فإذا كان في المنطوق كذلك يكون في المفهوم مثله، أي: عاماً يراد به الطبيعة - السنخ دون الشخص - .

[4] حاصله: إن المنشأ بالصيغة في قوله: (أكرمه) - مثلاً - هو الهيئة الدالة على الوجوب، وهي وإن كانت معنى حرفياً، لكن قد مرّ أن المعنى الحرفي عام، سواء الوضع أم الموضوع له أم المستعمل فيه.

[5] العام هنا بمعنى المطلق، أي: الطبيعة، فقولنا: (المستعمل فيه) عام، أي: مطلق يراد به الطبيعة.

[6] أي: كما أن الموضوع له عام، ولم يشر المصنف إلى أن الوضع عام أيضاً؛ لوضوح أنه لا يمكن أن يكون (الموضوع له) عاماً إلاّ إذا كان (الوضع) عاماً.

ص: 452

وأن خصوصية لحاظه بنحو الآلية والحالية لغيره[1] من خصوصية الاستعمال، كما أن خصوصية لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك[2]، فيكون اللحاظ الآلي كالاستقلالي من خصوصيات الاستعمال، لا المستعمل فيه.

وبذلك[3] قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات(1)

- في مقام التفصي عن هذا الإشكال - من[4] التفرقة بين الوجوب الإخباري والإنشائي بأنه كلي في الأول[5]

-------------------------------------------------------------------

[1] قوله: «الحالية لغيره» عطف تفسيري لبيان معنى (الآلية).

[2] أي: من خصوصيات الاستعمال، إذن لا فرق بين (يجب الإكرام) وبين (أكرم) لا في الوضع ولا في الموضوع له ولا في المستعمل فيه، بل في كليهما المعنى هو وجوب مطلق الإكرام، وإنما الفرق: أن الوجوب في الأول وضع ليستعمل بالاستقلال، وفي الثاني وضع ليستعمل آلة.

جواب التقريرات

[3] أي: بما ذكرناه من أن المعنى في الجزاء كليٌّ.

[4] شروع في توضيح كلام التقريرات في رد الإشكال، وحاصله: إن الجزاء قد يكون إخباراً وقد يكون إنشاءً.

1- فإن كان إخباراً فالموضوع له والمستعمل فيه في الخبر عام.

2- وإن كان إنشاءً، فالموضوع له والمستعمل فيه خاص، لكن ننفي سنخ الجزاء وطبيعته في المفهوم لأجل انتفاء علته المنحصرة؛ إذ مع انتفاء العلة المنحصرة ينتفي المعلول مطلقاً، إذن فالجزاء المنفي في المفهوم وإن كان الشخص لكن ننفي السنخ أيضاً بسبب آخر، وهي انتفاء العلة المنحصرة للجزاء.

[5] أي: في الإخبار في قولنا - مثلاً - : (يجب إكرامه) حيث مادة الوجوب مستعملة في معناها، وهو طبيعة الوجوب.

ص: 453


1- مطارح الأنظار 2: 39.

وخاص في الثاني[1]، حيث دفع الإشكال بأنه لا يتوجه في الأول لكون الوجوب كلياً، وعلى الثاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلية[2] المستفادة من الجملة الشرطية، حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستنداً إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها[3]، فإنه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط، كما في اللقب والوصف.

وأورد[4] - على ما تفصي به عن الإشكال بما ربما يرجع إلى ما ذكرناه[5] - بما حاصله[6]:

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: في الوجوب الإنشائي؛ لأن الوجوب مستفاد من الهيئة في أكرمه - مثلاً -، ومبنى الشيخ هو أن الوضع في الحروف عام، لكن الموضوع له خاص، وكذلك المستعمل فيه خاص أيضاً.

[2] أي: العلية المنحصرة، فيرتفع شخص الوجوب بارتفاع الشرط؛ ولأن الشرط علة منحصرة للجزاء فبارتفاعه يرتفع سنخ الوجوب أيضاً، حيث إن المعلول يرتفع مطلقاً بارتفاع علته المنحصرة.

[3] أي: في الجملة الشرطية، فارتفاع شخص الوجوب يكون بسبب زوال موضوعه، وهذا غير مرتبط بالمفهوم؛ لأنه في اللقب والوصف يكون كذلك، أي: يرتفع شخص الوجوب بزوال الوصف أو اللقب. نعم، ارتفاع سنخ الوجوب في الشرط يكون بسبب زوال علته المنحصرة.

[4] أي: صاحب التقريرات.

[5] أي: ذكر صاحب التقريرات جواب المصنف، لكنه لم يرتض الجواب وأشكل عليه.

[6] أي: حاصل كلام التقريرات على جواب المصنف إشكالان:

1- إنه لا نحتاج إلى جعل الجزاء في المنطوق كلياً حتى يكون الجزاء في المفهوم كلياً، بل يكفي كون الشرط علة منحصرة.

ص: 454

إن التفصي[1] لا يبتني على كلية الوجوب لما أفاده[2]، وكون[3] الموضوع له في الإنشاء عاماً لم يقم عليه دليل، لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه، حيث[4] إن الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الألفاظ.

وذلك[5] لما عرفت من أن الخصوصيات في الإنشاءات والإخبارات إنما تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلاً بينهما.

ولعمري لا يكاد ينقضي تعجبي كيف تجعل خصوصيات[6] الإنشاء من خصوصيات المستعمل فيه؟! مع أنها كخصوصيات الإخبار تكون ناشئة من

-------------------------------------------------------------------

2- إن الموضوع له في الإنشاء جزئي لا كلّي.

[1] هذا هو الإيراد الأول وهو إشكال بنائي.

[2] أي: لما أفاده صاحب التقريرات، وحاصل إفادته أن ارتفاع مطلق الوجوب من فوائد العلية.

[3] هذا هو الإيراد الثاني وهو إشكال مبنائي.

[4] هذا دليل على أن (الموضوع له) خاص في الإنشاءات، وحاصله: كيف يمكن فهم الخصوصيات الإنشائية لو لم تكن دخيلة في المعنى الموضوع له؟ لكنّا نفهم تلك الخصوصيات من الألفاظ، مما يدل على وضع الألفاظ لتلك الخصوصيات.

رد المصنف لجواب التقريرات

[5] شروع في الإشكال على التقريرات، و«ذلك» إشارة إلى قوله قبل أسطر: (قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات).

[6] بيان لكون الخصوصيات لا دخل لها في المعنى الموضوع له، فلا يكون الموضوع له جزئياً، بل هو عام كما أن المستعمل فيه عام أيضاً.

ص: 455

الاستعمال[1]، ولا يكاد يمكن[2] أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال، كما هو واضح لمن تأمل.

الأمر الثاني: إنه إذا تعدد الشرط[3]، مثل: (إذا خفي الأذان فقصر) و(إذا خفي الجدران فقصر)، فبناء على ظهور الجملة الشرطية في المفهوم[4] لابد من التصرف ورفع اليد عن الظهور[5]:

-------------------------------------------------------------------

[1] فكيف فرّق صاحب التقريرات(1)

بين الإخبار والإنشاء، حيث قال بأن تلك الخصوصيات خارجة عن الإخبار فلذا يكون الموضوع له في الخبر عاماً، وأن تلك الخصوصيات داخلة في الإنشاء فيكون الموضوع له في الإنشاء خاصاً؟

مع أنه إن أمكن دخل الخصوصية فلا فرق بين الخبر والإنشاء فيكونان خاصين، وإن لم يكن دخل لهما فلا فرق بينهما أيضاً فيكونان عامين.

[2] دليل على أن الموضوع له والمستعمل فيه عام في الخبر والإنشاء؛ وذلك لأن خصوصيات الاستعمال متأخرة عن الاستعمال، فلا تكون مأخوذة في ما هو متقدم على الاستعمال، أي: الموضوع له والمستعمل فيه.

الأمر الثاني
تعدد الشرط ووحدة الجزاء

[3] واتحد الجزاء ماهية، وعلمنا بعدم لزوم تكرار الجزاء إما لعدم إمكانه كالقتل، أو لقيام الدليل على عدم لزوم تكراره كالصلاة قصراً.

[4] أما لو قلنا بعدم ظهورها في المفهوم فلا كلام، بل كل شرط هو سبب مستقل لحدوث الجزاء من غير أن يكون تعارض.

[5] وذلك لتعارض ظهور المنطوق مع ظهور المفهوم.

فمفهوم جملة: (إذا خفي الأذان فقصر) هو (إذا لم يخفَ الأذان فلا تقصر

ص: 456


1- مطارح الأنظار 2: 39.

إما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر[1]، فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين[2].

-------------------------------------------------------------------

مطلقاً - سواء خفيت الجدران أم لا - )، وهذا الإطلاق يتعارض مع منطوق الجملة الأخرى، أي: (إذا خفي الجدران فقصر)، وكذلك العكس. فلرفع هذا التعارض لابد من رفع اليد عن الظهور.

وفي الحقائق: (وحيث إن القضية الشرطية - بناءً على المفهوم - مشتملة على ظهورات متعددة، وهي: ظهورها في المفهوم، وظهورها في عموم المفهوم، وظهورها في استقلال الشرط، وظهورها في دخل خصوصيته. وكان رفع اليد عن واحد منها كافياً في رفع التنافي بين القضيتين، فالكلام يقع في تعيين الأضعف من هذه الظهورات ليتعين للسقوط، ويجب الأخذ بما سواه. فمرجع الوجه الأول إلى سقوط الظهور الثاني، والثاني إلى سقوط الأول، والثالث إلى سقوط الثالث، والرابع إلى سقوط الرابع)(1)،

انتهى.

احتمالات مقام الثبوت
الاحتمال الأول

[1] ففي المثال يقال: (إذا خفي الأذان فقصر)، ومفهومه (إذا لم يخف الأذان فلا تقصر إلاّ إذا خفيت الجدران) ففي صورة عدم خفاء الأذان عدم القصر ليس مطلقاً، بل إذا خفيت الجدران يجب القصر أيضاً.

[2] أي: إذا لم يخف الأذان والجدران معاً فلا تقصر، أما إذا خفي أحدهما فيجب القصر. وحاصل هذا الاحتمال كفاية تحقق أحد الشرطين لحصول الجزاء، فالمفهوم موجود لكنه لا عموم له.

ص: 457


1- حقائق الأصول 1: 459.

وإما برفع اليد عن المفهوم فيهما[1]، فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شيء آخر في الجزاء[2]. بخلاف الوجه الأول، فإن فيهما الدلالة على ذلك[3].

وإما بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر[4]، فيكون الشرط هو خفاء الأذان والجدران معاً، فإذا خفيا وجب القصر، ولا يجب عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما.

وإما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما[5]. بأن يكون تعدد الشرط قرينة على

-------------------------------------------------------------------

الاحتمال الثاني

[1] فيسقط ظهور الجملة في المفهوم بسبب التعارض.

[2] فمقدار دلالة كل منطوق هو أن الشرط علّة للجزاء، وسكوت عن عليّة شيء آخر، فلا مفهوم أصلاً.

[3] أي: وإن كان النتيجة في الوجه الأول والثاني واحدة، أي: عِلية كل واحد من الشرطين للجزاء، إلاّ أن طريقة الوصول إلى هذه النتيجة تختلف، ففي الأول الجملة تدل على المفهوم لكن المفهوم مقيّد، وفي الثاني الجملة لا تدل على المفهوم أصلاً.

الاحتمال الثالث

[4] أي: إن الشرط ليس علّة مطلقاً، بل هو جزء علّة والجزء الآخر للعلة هو الشرط الآخر، ففي مثل: (إن خفي الأذان فقصر) يُقيّد خفاء الأذان، فيقال: الشرط هو خفاء الأذان مقيداً بخفاء الجدران، أي: إن خفي الأذان والجدران معاً فقصر، فلا يكفي تحقق أحدهما. فحينئذٍ في المنطوق نرفع اليد عن إطلاق الشرط، فالشرط في كل واحد منهما مقيد بالشرط الآخر.

الاحتمال الرابع

[5] أي: إن الشرط هو الجامع، وهذا الجامع موجود في كلا الشرطين، فلو تحقق أحد الشرطين فإنه تحقق الجامع، فحينئذٍ يترتب الجزاء على الشرط.

ص: 458

أن الشرط في كل منهما ليس بعنوانه الخاص، بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان[1].

ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني[2]، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه[3]، بملاحظة أن الأمور المتعددة - بما هي مختلفة - لا يمكن أن يكون كل منها مؤثراً في واحد، فإنه لابد من الربط الخاص بين العلة والمعلول[4]، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطاً بالاثنين - بما هما اثنان -، ولذلك أيضاً لا يصدر من الواحد إلاّ الواحد[5].

-------------------------------------------------------------------

[1] «من» بيان ل- (ما) أي: للجامع الذي يعمهما وموجود فيهما.

حاصل الاحتمالات هو: إن كل واحد من الشروط مؤثر في الجزاء على الاحتمال الأول والثاني والرابع، وأما على الثالث فإن الشرطين معاً مؤثران في الجزاء، ولا يكون كل واحد بالاستقلال مؤثراً.

ترجيح الاحتمالات في مقام الإثبات

[2] وذلك لأن المفهوم تابع للخصوصية الموجودة في المنطوق، ومع تعدد الشرط لا توجد تلك الخصوصية، أي: لا يراها العرف.

وبعبارة أخرى: على القول: إنّ الجملة الشرطية تكون ظاهرة في المفهوم فإن العرف يرى المفهوم إذا لم تكن هنالك قرينة، وتعدد الشرط قرينة على عدم إرادة المفهوم.

[3] أي: الوجه الرابع؛ وذلك لقاعدة الواحد، حيث إن الجزاء الواحد لا يمكن أن يصدر إلاّ من واحد، وذلك هو الجامع بين الشرطين.

[4] هذا الدليل على قاعدة الواحد، والرابط الخاص يعبر عنه بالسنخيّة.

[5] أي: عكس القاعدة، فإنهم قالوا: كما أن المعلول الواحد لا يصدر إلاّ من علة واحدة، كذلك العلة الواحدة لا يصدر منها إلاّ المعلول الواحد.

ص: 459

فلابد[1] من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد، وهو المشترك بين الشرطين[2] بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم[3] وبقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله[4]، وإن كان بناء العرف[5] والأذهان العامية على تعدد الشرط وتأثير كل

-------------------------------------------------------------------

ولا يخفى بطلان القاعدتين - كما مرّ - لأنهما لا تجريان في الفاعل بالإرادة؛ لبداهة تحقق صدور المتعدد من الذات الإلهية، مع أنه تعالى الواحد من جميع الجهات، مضافاً إلى وقوع صدور المعلول الواحد بالنوع من المتعدد، كالحرارة من الحركة والنار وإرجاعها إلى جامع بينهما تحكم لا دليل عليه.

مضافاً إلى أن قاعدة السنخية محل تأمل، وقولهم: (وإلاّ صدر كل شيء من كل شيء) غير صحيح؛ لأن العليّة في الممكنات ليس من لوازم الذات، بل من العوارض المجعولة لمصلحة، أضف إلى أنه لا يجري على مبنى الإعداد والتوافي.

[1] أي: بعد أن كان العرف يساعد على الوجه الثاني، والعقل يعيّن الوجه الرابع، فلابد من طريقة تجمع بين العرف والعقل؛ لأنه لا يمكن معارضة حكم العقل، كما لابدّ في الظهورات من الأخذ بما يراه العرف.

وحاصل الجمع: هو القول بعدم المفهوم في الشرطين أخذاً بالعرف، وبأن المؤثر هو الجامع أخذاً بحكم العقل.

[2] هذا الأخذ بحكم العقل حسب قاعدة الواحد.

[3] هذا أخذ بالظهور المستند إلى العرف.

[4] ردّ للوجه الأول - حيث كان يقيّد المنطوق في كل منهما بالمفهوم في الآخر - وذلك لأن هذا الوجه خلاف الظهور العرفي.

[5] أي: هذا الحكم العقلي خلاف مبنى العرف، لكننا نضطر إلى رفع اليد عن بناء العرف لأجل حكم العقل. نعم، عدم المفهوم للجملتين الشرطيتين هو مبنى العرف، ولا يتعارض مع حكم العقل فيلزم الأخذ به.

والحاصل: إن للعرف بناءين: 1- إنّ الجملتين لا مفهوم لهما، وهذا يلزم الأخذ

ص: 460

شرط بعنوانه الخاص، فافهم[1].

الأمر الثالث[2]: إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء فلا إشكال على الوجه

-------------------------------------------------------------------

به لعدم إشكال فيه 2- إنّ كل شرط هو مؤثر بنفسه لا بالجامع الموجود فيه، وهذا لا يمكن الأخذ به لتعارضه مع العقل.

[1] لعله إشارة إلى أن قاعدة الواحد لا تجري في الأمور الاعتبارية، أو إشارة إلى أن الوجه الرابع راجع إلى الوجه الأول فلا فرق بينهما.

ثم إن في بعض النسخ بعد قوله فافهم هكذا: (وأما رفع اليد عن المفهوم في خصوص أحد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه فلا وجه؛ لأن يصار إليه بدليل آخر إلاّ أن يكون ما أبقي على المفهوم أظهر، فتدبر جيداً)(1)،

انتهى.

وهو إشارة إلى وجه خامس منسوب إلى ابن إدريس الحلي(2)،

وحاصله القول بالمفهوم لإحدى الجملتين الشرطيتين مع عدم المفهوم للأخرى.

وفيه: إن هذا ترجيح بلا مرجح، فلا يصار إليه إلاّ إذا دل دليل من الخارج، أو كان أحد الظهورين أقوى من الآخر، فيبقى مفهوم الأقوى.

الأمر الثالث
تداخل الأسباب

[2] لو تعدد الشرط واتحد الجزاء: فالجزاء قد يكون قابلاً للتكرار كالإكرام، وقد لا يكون كالقتل، والثاني سيأتي بحثه في آخر هذا الأمر.

وفي ما كان قابلاً للتكرار: فإن قلنا: إنّ كلاً من الشرطين يكون جزء علة والمؤثر كلاهما معاً مجموعين - كما هو مقتضى القول الثالث في الأمر السابق - فلا كلام ولا إشكال. وأما إذا قلنا: إنّ كل واحد منهما علّة بالاستقلال، فهنا يأتي إشكال اجتماع المثلين في شيء واحد وهو محال. فلو قال: (إن جاء زيد فأكرمه) ثم قال:

ص: 461


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 296.
2- السرائر 1: 331؛ كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 296.

الثالث[1]، وأما على سائر الوجوه[2] فهل اللازم لزوم الإتيان بالجزاء متعدداً حسب تعدد الشروط أو يتداخل[3]، ويكتفى بإتيانه دفعة واحدة؟ فيه أقوال.

والمشهور: عدم التداخل[4]. وعن جماعة - منهم المحقق الخوانساري - التداخل(1).

-------------------------------------------------------------------

(إن سلّم عليك زيد فأكرمه) كيف يجتمع وجوبان في إكرام زيد؟

فلدفع الإشكال ذكرت أجوبة:

الأول: للمصنف حيث لا يرى التداخل أصلاً فيجب إكرامان، مرّة للمجيء، وأخرى للسلام، فلم يجتمع وجوبان في شيء واحد، بل وجوبان لشيئين.

الثاني: إن الشرط الثاني يسقط عن العلية.

الثالث: إن الجزاء له جهتان أو جهات حسب تعدد الشروط، وتلك الجهات توجب انطباق عنوان الوجوب عليه.

الرابع: إن الشرط الثاني يؤكد الوجوب فقط. وهذه الثلاثة على التداخل.

الخامس: التفصيل بين كون الشرط من نوع واحد فيتداخل، وبين كونه من أنواع مختلفة فلا يتداخل.

[1] المذكور في الأمر السابق، وحاصله: إنّ كل شرط يكون جزء علة، فمجموع الشرطين أو الشروط تشكل علة واحدة، ومعلولها وجوب واحد، فلم يجتمع المثلان في الوجوب، ولا اجتمعت علّتان تامتان على معلول واحد.

[2] وحاصلها هو كون كل شرط علّة تامة مستقلة.

[3] التداخل قد يكون في الأسباب ونتيجته سقوط الشرط الثاني عن الشرطية.

وقد يكون تداخل المسببات بأن يكون الوجوب مؤكداً، بأن يحدث الوجوب بالشرط الأول، ويتأكد الوجوب بالشرط الثاني.

[4] فيجب تكرار الجزاء حسب تعدد الشرط.

ص: 462


1- مشارق الشموش: 61، وفيه: «وموجبات الوضوء يتداخل، أي: إذا وجدت أسباب متعددة للوضوء، كالبول والغائط والريح مثلاً، يكفي وضوء واحد للجميع، وهذا الحكم موضع وفاق».

وعن الحلي(1)

التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده[1].

والتحقيق[2]: إنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية حدوث الجزاء عند حدوث الشرط[3] بسببه، أو بكشفه عن سببه[4]، وكان قضيته[5] تعدد الجزاء عند تعدد الشرط، كان[6]

-------------------------------------------------------------------

[1] الاتحاد كما لو قال: (إن جاء زيد فأكرمه) فجاء مرات متعددة، فلا يجب إلاّ إكرام واحد، والتعدد كما لو قال: (إن جاء زيد فأكرمه، وإن سلم عليك فأكرمه) فلو جاء وسلم وجب إكرامان.

تحقيق الأمر
اشارة

[2] حاصل التحقيق: هو أنه على القول بعدم التداخل يكون الموضوع في الجزاء محكوماً بأحكام متعددة؛ لأن مقتضى تعدد الشرط هو تعدد الجزاء - حكماً - وحيث يستحيل تعدد الحكم على موضوع واحد؛ لاستلزامه اجتماع المثلين - هنا - يلزم رفع اليد عن الظاهر بأحد الطرق الثلاثة المذكورة.

ولمّا كان القول بعدم التداخل لا يستلزم خلاف الظاهر أصلاً كان هو المتعيّن، فالقاعدة هي تعدد الجزاء بتعدد الشرط.

[3] أي: كون الشرط علة للجزاء، ولا يخفى أن كلام المصنف هذا من باب المجاراة في النقاش، وإلاّ فقد مرّ منه عدم الظهور في العلية.

[4] حسب ما يأتي بعد قليل من الخلاف في كون الأسباب الشرعية مؤثرات بنحو العلّة، أو أنها معرفات، أي: تكشف عن علّة وليست هي العلة.

[5] أي: مقتضى السببيّة أو الكشف عن السبب هو التعدد؛ وذلك لتعدد المعلول بتعدد العلة؛ لاستحالة توارد علتين على معلول واحد.

[6] جزاء قوله: (لما كان ظاهر... الخ)، أي: كان الأخذ بظاهر الجملة الشرطية - وهو تعدد الجزاء بتعدد الشرط - .

ص: 463


1- السرائر 1: 258.

الأخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقةً[1] أو وجوداً[2] محالاً، ضرورة[3] أن لازمه[4] أن يكون الحقيقة الواحدة[5] - مثل الوضوء - بما هي واحدة - في مثل[6]: (إذا بلت فتوضأ، وإذا نمت فتوضأ)، أو[7] في ما إذا بال مكرراً، أو نام كذلك - محكوماً بحكمين متماثلين، وهو[8] واضح الاستحالة كالمتضادين. فلابد على القول بالتداخل من التصرف فيه[9]:

إما بالالتزام[10]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: ماهية في ما إذا اختلف نوع الشرط، كما لو نام وبال.

[2] في ما إذا كان الشرط من نوع واحد، لكنه تكرر، كما لو نام مرات متعددة، فالماهية من نوع واحد لكن في ضمن فردين أو أكثر.

[3] بيان لوجه المحالية، وهو لزوم اجتماع حكمين متماثلين على طبيعة واحدة.

[4] أي: لازم الأخذ بالظاهر، وهو حدوث الجزاء عند حدوث كل شرط.

[5] أي: الطبيعة الواحدة؛ لأن الأحكام تتعلق بالطبائع لا بالأفراد كما مرّ سابقاً، والمراد بالطبيعة الماهية، «بما هي واحدة» لا الطبيعة بما أنها في ضمن أفراد متعددة.

[6] مثال لتعدد الشرط حقيقة؛ لأن ماهية النوم متغايرة مع ماهية البول.

[7] مثال لتعدد الشرط وجوداً مع اتحاده ماهية، «كذلك» أي: مكرراً.

[8] أي: اجتماع المثلين محال، كما أن اجتماع الضدين محال، والمثلان هنا الوجوبان اللذان تعلقا بالوضوء.

[9] أي: في الظهور، بأن نرفع اليد عنه؛ لعدم إمكان مخالفة الحكم العقلي، وأمامنا حينئذٍ ثلاثة طُرق:

الطريق الأول

وهو تصرف في ظهور الشرط.

[10] أي: نرفع اليد عن دلالة الشرط الثاني على العلية للجزاء، فنقول: إن

ص: 464

بعدم دلالتها[1] في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث بل على مجرد الثبوت[2].

أو الالتزام[3] بكون متعلق الجزاء وإن كان واحداً صورة، إلاّ أنه حقائق متعددة - حسب تعدد الشرط - متصادقة على واحد[4]. فالذمة وإن اشتغلت بتكاليف متعددة حسب تعدد الشروط إلاّ أن الاجتزاء بواحد، لكونه مجمعاً لها[5]، كما في (أكرم هاشمياً) و(أضف عالماً)، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة، ضرورة[6] أنه

-------------------------------------------------------------------

الشرط الأول دال على حدوث الجزاء، وأما الشرط الثاني فلا يدل على حدوث الجزاء، بل يكشف عن وجود الجزاء فقط.

[1] أي: عدم دلالة الجملة الشرطية، والمراد الشرطية الثانية - أي: المتأخرة زماناً - .

[2] أي: إن الجزاء ثابت بعد الشرط الثاني، ولكن لا بسببه، بل بسبب الشرط الأول حصراً، ودور الشرط الثاني هو الكشف عن ثبوت الجزاء.

الطريق الثاني
اشارة

وهو تصرف في ظهور الجزاء.

[3] فنقول في مثال (فتوضأ): ليس موضوع الوجوب هو الوضوء، بل الوجوب تعلق بشيء آخر انطبق عليه الوضوء. فكل شرط يؤثر بالاستقلال في حكم حقيقة من الحقائق المختلفة، والوضوء الواحد ينطبق على كل تلك الحقائق.

[4] فلو نام مرتين ثم توضأ، فالوضوء وإن كان صورة واحداً إلاّ أنه حقيقتان، وهكذا لو تعدد مرّات وكرّات.

[5] فيكون الوجوب واحداً، لكنه مؤكد بسبب تعدد الجهات، فلا اجتماع لمثلين.

[6] دليل الاجتزاء بالمجمع من غير حاجة إلى التكرار. وحاصله: إن الأمر يسقط بتحقق الغرض، والإتيان بالمجمع يحقق الغرضين في الأمرين معاً. فالمكلَّف حينما أضاف الهاشمي فإنه يصدق عليه أنه امتثل كلا الأمرين - أي: الأمر بإكرام العالم والأمر بضيافة الهاشمي - .

ص: 465

بضيافته بداعي الأمرين يصدق أنه امتثلهما، ولا محالة يسقط الأمر بامتثاله وموافقته[1]، وإن كان له[2] امتثال كل منهما على حدة، كما إذا أكرم الهاشمي بغير الضيافة وأضاف العالم الغير الهاشمي(1).

إن قلت[3]: كيف يمكن ذلك - أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان - مع استلزامه[4] محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه؟

قلت[5]: انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب[6] وانتزاع صفته له؟ مع أنه[7]

-------------------------------------------------------------------

[1] لتحقق غرض المولى بامتثال الأمر، وقوله: «ومُوافقته» عطف تفسيري.

[2] أي: كان يجوز له امتثال كل أمر بالاستقلال؛ لأن المولى لم يعيّن طريقة خاصة للامتثال.

إشكال وجوابه

[3] حاصل الإشكال: إن جعل الجزاء حقائق متعددة لا يدفع الإشكال في الوجود الذي هو مجمع تلك الحقائق؛ وذلك لأن ذلك الوجود الخارجي يكون له وجوبان أو أكثر، وجوب لحقيقة، ووجوب لحقيقة ثانية، وهكذا.

[4] أي: استلزم الامتثال بالمجمع الذي تصادق عليه العنوانان.

[5] حاصل الجواب الأول: إن انطباق عنوانين لا يستلزم اتصاف الشيء بوجوبين، بل بوجوب واحد مؤكد، ويعتبر امتثال الأمرين لتحقق غرضهما.

[6] أي: وجوب واحد مؤكد، «صفته له» أي: انتزاع صفة الوجوب للمجمع؛ لأن الوجوب ينتزع من تعلق طلب المولى بالفعل.

[7] هذا الجواب الثاني، وحاصله: إنه بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي في واحدٍ له جهتان، فإن اجتماع أمرين على واحد يجوز بطريق أولى.

ص: 466


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير الهاشمي».

على القول بجواز الاجتماع لا محذور في اتصافه بهما[1]، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد، فافهم[2].

أو الالتزام[3] بحدوث الأثر عند وجود كل شرط، إلاّ أنه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأول وتأكد وجوبه عند الآخر.

ولا يخفى[4]: أنه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها، فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه. مع ما في الأخيرين من[5] الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: اتصاف المجمع بالوجوبين من غير أن يكون الثاني تأكيداً.

[2] لعله إشارة إلى أن الجزاء دائماً فيه عنوان واحد لا أكثر، ففي مثل: إذا نمت فتوضأ، وإذا بلت فتوضأ، فإن الوضوء الواقع في الجزاء له عنوان واحد، ومع وحدة العنوان لا يجوز الاجتماع حتى عند القائل بالجواز.

الطريق الثالث
اشارة

وهو تصرف في ظهور الجملة الشرطية.

[3] حاصله: إن ظاهر الجملة الشرطية هو كون الشرط سبباً مستقلاً للجزاء، فنرفع اليد عن هذا الظاهر، ونقول: الشرط الأول سبب لمرتبة من الوجوب، والشرط الثاني سبب لمرتبة أخرى، فيتحصل أن الشرط الثاني يؤكد الوجوب.

إشكالات على هذه الطرق

[4] حاصله: إن هذه الطرق الثلاثة كلها تستلزم خلاف الظاهر، أي: رفع اليد عن ظهور الشرط أو الجزاء أو الجملة الشرطية، ومع إمكان رفع إشكال اجتماع الضدين بلا رفع اليد عن الظاهر لا وجه لسلوك هذه الطرق الثلاثة. فإنه يمكن رفع الإشكال وحفظ الظاهر بعدم القول بالتداخل، وبتعدد الجزاء بتعدد الشرط.

[5] هذا إشكال على الوجه الثاني - وهو التزام كون الجزاء حقائق متعددة - .

وحاصله: إن هذا الالتزام وإن كان ممكناً ثبوتاً، لكنه بحاجة إلى إثبات؛ لأن

ص: 467

على واحد وإن كان صورة واحداً سمي باسم واحد كالغسل[1]، وإلى[2] إثبات أن الحادث بغير الشرط الأول تؤكد(1)

ما حدث بالأول، ومجرد الاحتمال لا يجدي ما لم يكن في البين ما يثبته.

إن قلت[3]: وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية، لعدم إمكان الأخذ بظهورها، حيث إن قضيته[4] اجتماع الحكمين في الوضوء في المثال، كما مرت الإشارة إليه[5].

قلت[6]: نعم، إذا لم يكن المراد بالجملة في ما إذا تعدد الشرط - كما في المثال -

-------------------------------------------------------------------

المحتملات لا يؤخذ بها إلاّ بدليل.

[1] حيث دل الدليل في مرحلة الإثبات على التداخل فيه، فلا يلزم تعدد الغسل بتعدد أسبابه من جنابة وحيض ولمس ميت... الخ. فإذا كانت أسباب الغسل متعدداً فيكفي الغسل الواحد، وهو حقائق متعددة، ودليل تعدد حقائقه هو اختلاف الآثار الكاشف عن تعدد الماهية.

[2] هذا إشكال على الوجه الثالث، وحاصله: إن تأكيد الشرط الثاني للوجوب وإن كان في مرحلة الثبوت ممكناً، لكنه خلاف الظاهر، ولا دليل عليه في مرحلة الإثبات.

إشكال وجوابه

[3] حاصل الإشكال: إن وجه ارتكاب خلاف الظاهر - بأحد هذه الوجوه الثلاثة وخاصة الأخيرين - هو استلزام المحذور العقلي لو أبقينا الجملة الشرطية على ظاهرها.

[4] أي: مقتضى الظهور في الجملة الشرطية.

[5] في قوله: (ضرورة أن لازمه... الخ)، في أوائل البحث.

[6] حاصل الجواب: هو أن رفع إشكال اجتماع المثلين لو انحصر في خلاف

ص: 468


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «تَأكُدُ».

هو وجوب وضوء - مثلاً - بكل شرط غير ما وجب بالآخر[1]، ولا ضير[2] في كون فرد محكوماً بحكم فرد آخر أصلاً، كما لا يخفى.

إن قلت[3]: نعم، لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الإطلاق.

قلت[4]: نعم، لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سبباً أو كاشفاً

-------------------------------------------------------------------

الظهور كان رفع اليد عن الظهور لابد منه، ولكن رفع الإشكال يمكن مع إبقاء الجملة على ظهورها؛ وذلك بالقول بعدم التداخل، وتعدد الجزاء بتعدد الشرط، أي: يجب فرد من طبيعة الوضوء في الشرط الأول، وفرد آخر في الشرط الثاني.

[1] أي: بفرد آخر وجب بالشرط الثاني غير الفرد الذي وجب بالشرط الأول.

[2] أي: لو تعدد الموضوع فلا إشكال في كون كل موضوع له حكم حتى إذا كانا متماثلين، فلا محذور في وجوب صلاتين، وليس ذلك من اجتماع المثلين؛ لتعدد الموضوع؛ وذلك لتباين أفراد الطبيعة الواحدة.

إشكال وجوابه

[3] حاصل الإشكال: هو أن القول بتعدد الجزاء أيضاً مستلزم لخلاف الظاهر، فلا فرق بين هذا الطريق الذي اختاره المصنف وبين الطرق الثلاثة التي مرّت؛ وذلك لأن تعدد الفرد خلاف إطلاق موضوع الجزاء؛ لأن إطلاق مثل: (فتوضأ) هو أن الواجب طبيعة الوضوء، وليس فرد الوضوء حتى يرتفع الإشكال بتعدد الفرد.

[4] حاصل الجواب: هو أن الإطلاق بحاجة إلى مقدمات الحكمة، ومن مقدمات الحكمة أن لا تكون قرينة على الخلاف، وما نحن فيه توجد هكذا قرينة، وهي ظهور الجملة في كون الشرط سبباً أو كاشفاً عن سبب، فلا ينعقد لمثل: (توضأ) ظهور في كون الطبيعة هي المأمور به، فيبقى ظهور الشرط في تعدد الجزاء سليماً من المعارض.

ص: 469

عن السبب[1]، مقتضياً[2] لذلك - أي: لتعدد الفرد[3] - ، وبياناً[4] لما هو المراد من الإطلاق.

وبالجملة: لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الإطلاق، ضرورة أن ظهور الإطلاق يكون معلقاً على عدم البيان، وظهورها في ذلك صالح لأن يكون بياناً، فلا ظهور له مع ظهورها[5]، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلاً[6]، بخلاف القول بالتداخل كما لا يخفى.

فتلخص بذلك: أن قضية ظاهر الجملة الشرطية هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط.

-------------------------------------------------------------------

[1] حسب الخلاف في أن الأسباب الشرعية مؤثرات، أو معرِّفات.

[2] قوله: «مقتضياً» خبر قوله: (لو لم يكن ظهور الجملة).

[3] فلا تراد الطبيعة.

[4] أي: قرينة تُبيِّن المراد من اللفظ، وقوله: «من الإطلاق» بمعنى من اللفظ الذي لو لا القرينة لكان مطلقاً.

[5] أي: لا ظهور للإطلاق بإرادة الطبيعة، مع ظهور الجملة الشرطية في تعدد أفراد الجزاء.

[6] لا في الشرط، ولا في الجزاء، ولا في الجملة الشرطية، كذلك لا يستلزم رفع اليد عن الإطلاق؛ ولذا كان هذا هو المتعين، أخذاً بالظهور بلا محذور.

وللمنصف حاشية مفادها(1):

أن ما ذكرناه من عدم انعقاد الإطلاق للطبيعة إنما يتم على مذهب الشيخ الأعظم، حيث جعل القرائن المنفصلة مانعة عن الإطلاق - كالقرائن المتصلة - وأما على مختار المصنف من أن المنفصلة لا تمنع الظهور فحينئذٍ ينعقد إطلاق في الطبيعة، فيدور الأمر بين إطلاق الطبيعة وبين ظهور الجملة الشرطية في التعدد، والعرف يرجح الثاني، فيكون هو المتعين.

ص: 470


1- كفاية الأصول، مع حواشي المشكيني 2: 305.

وقد انقدح[1] مما ذكرناه[2]: أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها، لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات[3]. فلا وجه لما عن الفخر وغيره[4] من ابتناء المسألة[5] على أنها معرفات أو مؤثرات. مع[6]

-------------------------------------------------------------------

تفصيل فخر المحققين
اشارة

[1] الغرض رد تفصيل فخر المحققين، حيث قال ما حاصله: إن الأسباب الشرعية إن كانت معرفات - أي: كاشفة عن العلة - فتتداخل الأسباب، لإمكان أن يكون معلول واحد له عدة علامات، وإن كانت مؤثرات - أي: علل حقيقية - فلا تداخل؛ لعدم إمكان توارد علل متعددة على معلول واحد.

[2] من أن تداخل الأسباب إنما يصح لو قلنا بإحدى الوجوه الثلاثة، وهي:

1- عدم دلالتها على العلية، بل على مجرد الثبوت.

2- إن المؤثر هو الجامع.

3- إن الشرط السابق علة للحكم، والشرط اللاحق مؤكد للحكم.

[3] لعدم الفرق، فعلى كلا الاحتمالين يمكن القول بالتداخل أو عدم التداخل.

[4] فخر المحققين(1)

نجل العلامة الحلي، ونسب أيضاً إلى المحقق النراقي في العوائد(2).

[5] أي: مسألة التداخل وعدمه.

الإشكال على التفصيل

[6] الإشكال على هذا التفصيل من وجهين:

الوجه الأول: وأشار إليه بقوله: (فلا وجه لما عن... الخ). وحاصله: إن مجرد كونها معرفات لا يسوغ التداخل؛ لأنها قد تكون كاشفة عن عدة علل لا علة واحدة، فيلزم إحراز أنها كاشفة عن واحدة لا أكثر.

ص: 471


1- إيضاح الفوائد 1: 145.
2- عوائد الأيام: 294.

أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها[1] في كونها معرفات تارةً ومؤثرات أخرى، ضرورة[2] أن الشرط للحكم الشرعي في الجمل الشرطية ربما يكون مما له دخل في ترتب الحكم[3] بحيث لولاه لما وجدت له[4] علة، كما أنه في الحكم الغير الشرعي(1) قد يكون أمارة على حدوثه بسببه[5]، وإن كان ظاهر التعليق أن له

-------------------------------------------------------------------

الوجه الثاني: وأشار إليه بقوله: (مع أن الأسباب... الخ). وحاصله: إن الأسباب الشرعية قد تكون مؤثرات، أي: علل للأحكام، وقد تكون معرفات، أي: كاشفة وعلامة على الأحكام، كما أن الأسباب العرفية قد تكون مؤثرات وقد تكون معرفات.

[1] أي: الأسباب العرفية.

[2] دليل كون الأسباب الشرعية كالأسباب العرفية - مؤثرة تارة ومعرف تارة أخرى - فقد يكون الشرط علّة للحكم الشرعي، كقوله: (إذا شككت فابن على الأكثر) حيث إن الشك علّة لوجوب البناء على الأكثر.

وقد يكون كاشفاً عن العلة كقوله: (إذا خفي الأذان فقصر) حيث إن علّة وجوب القصر هو الوصول إلى حدّ الترخص، وخفاء الأذان علامة على الوصول إليه.

كذلك الشرط غير الشرعي قد يكون علّة، وقد يكون كاشفاً، كما في: (إذا طلعت الشمس فالنهار موجود) حيث إنه علّة، وفي: (إذا كان النهار موجوداً فالعالم مضيء) حيث إن النهار يكشف عن وجود علة الضياء وهي الشمس.

[3] بأن يكون علّة حقيقية أو جزء علّة.

[4] أي: لو لا الشرط لما وجدت للحكم علة.

[5] أي: على حدوث الحكم بالسبب الحقيقي لذلك الحكم، ويكون الشرط كاشفاً عن ذلك السبب، ففي مثال: (إذا كان النهار موجوداً فالعالم مضيء) فوجود النهار يكشف عن السبب الحقيقي للضياء، وذلك السبب هو الشمس.

ص: 472


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير الشرعي».

الدخل فيهما[1]، كما لا يخفى.

نعم[2]، لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الأحكام[3] التي هي في الحقيقة علل لها، وإن كان لها دخل في تحقق موضوعاتها[4]، بخلاف الأسباب الغير(1)

الشرعية[5]، فهو[6] وإن كان له وجه إلاّ

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: في الحكم الشرعي وفي الحكم غير الشرعي، فظاهر الجملة الشرطية في كليهما هو أنه مؤثر لا معرف.

والحاصل: إنه لا فرق سواء قلنا بالمعرفية أو المؤثرية، فإنه يمكن القول بالتداخل أو القول بعدم التداخل.

توجيه تفصيل الفخر

[2] حاصله: إنه إن كان مراد الفخر أن علل الأحكام الشرعية هي المصالح والمفاسد، والشروط إنما هي محققة للموضوع، أي: تكشف عن وجود المصلحة أو المفسده، ففي مثل: (إذا شككت فابن على الأكثر) علّة وجوب البناء على الأكثر هو المصلحة الملزمة، والشك يحقق موضوع المصلحة، فهذا الكلام صحيح، لكنه لا يرتبط بتفصيل الفخر.

[3] لأن علل الأحكام هي المصالح والمفاسد.

[4] أي: تحقق الموضوع الخارجي الذي يكون ذا مصلحة أو مفسدة، ففي المثال السابق: الشك موضوع خارجي تتحقق به المصلحة، وتلك المصلحة صارت علّة لوجوب البناء على الأكثر.

[5] حيث إنها علل لأحكامها، لا أنها محققة لموضوع العلة.

[6] أي: هذا المراد والمعنى صحيح؛ لتبعية الأحكام الشرعية للمصالح والمفاسد.

ص: 473


1- هكذا في بعض النسخ، والصحيح: «غير الشرعية».

أنه ممّا لا يكاد يتوهم أنه يجدي في ما همّ وأراد[1].

ثم[2] إنه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس[3] وعدمه[4] واختيار عدم التداخل في الأول والتداخل في الثاني(1)، إلاّ توهم[5] عدم صحة التعلق بعموم اللفظ[6] في الثاني[7]، لأنه[8] من أسماء الأجناس، فمع تعدد أفراد

-------------------------------------------------------------------

[1] وذلك لأن الشروط كما يمكن أن تكشف عن مصلحة واحدة فتتداخل الأسباب، كذلك يمكن أن تكشف عن مصالح متعددة فلا تداخل.

تفصيل ابن إدريس
اشارة

[2] وهو منسوب إلى ابن إدريس الحلي(2)

حيث حكي عنه أنه قال: لو وطأ الحائض مرات متعددة فعليه كفارة واحدة. وقال: لو سها في الصلاة بنوعين وجب تكرار سجدتي السهو.

[3] أي: ما يكون الشرط من ماهيات مختلفة كالنوم والبول.

[4] أي: عدم اختلاف الشروط بحسب الأجناس، بأن كانت الشروط من نوع واحد بلا اختلاف في الماهية، كالنوم مرتين.

[5] دليل التفصيل، وحاصله: إن اسم الجنس موضوع للطبيعة، ومع تكرر الشرط من جنس واحد لا تتكرر الطبيعة، بل تبقى نفسها، فيكون الجزاء واحداً، وأما لو كانت الأجناس متعددة فإن الطبيعة تتكرر بتعدد الشرط، فلا محيص عن تكرار الجزاء.

[6] أي: عموم لفظ الشرط، كالنوم في مثال: (إذا نمت فتوضأ) فنام مرات متعددة، فلا يمكن التمسك بعموم النوم كي يثبت لكل فرد من النوم وضوء مستقل.

[7] أي: ما كان الجنس واحداً.

[8] دليل عدم صحة التمسك بالعموم؛ لأن أسماء الأجناس هي أسماء للطبائع،

ص: 474


1- السرائر 1: 258.
2- السرائر 1: 549، وفيه: «وإذا وطأ بعد وطء لزمته كفارة بكل وطء، سواء كفر من الأول أم لم يكفر».

شرط واحد لم يوجد إلاّ السبب الواحد؛ بخلاف الأول[1]، لكون كل منها سبباً، فلا وجه لتداخلها.

وهو فاسد[2]، فإن[3] قضية إطلاق الشرط في مثل: (إذا بلت فتوضأ) هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات، وإلاّ[4] فالأجناس المختلفة لابد من رجوعها إلى واحد[5] في ما جعلت شروطاً وأسباباً لواحد[6]، لما مرت إليه الإشارة من أن الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسباباً لواحد.

هذا كله[7] في ما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلاً للتعدد، وأما ما لا يكون

-------------------------------------------------------------------

والطبيعة لا تتكرر بتعدد الأفراد.

[1] أي: تعدد الأجناس؛ لأنه تحققت طبيعتان أو طبائع، وكل واحدة منها سبب.

الإشكال على التفصيل

[2] يرد على كلام ابن إدريس إشكالان:

الأول: إن المناط هو ظهور اللفظ في التكرار وعدم الظهور، وقد ذكرنا أن اللفظ ظاهر في التعدد، فلا تصل النوبة إلى ما ذكره من الدليل.

الثاني: إن الشرط الحقيقي واحد - سواء كان الجنس متعدداً أم واحداً - وذلك لقاعدة الواحد.

[3] هذا هو الإشكال الأول.

[4] هذا هو الإشكال الثاني.

[5] وهو الموجود في كل الشروط المختلفة، وهو العلة الحقيقية.

[6] أي: لجزاء واحد بالنوع.

[7] أي: كل هذه التفاصيل والخلاف في التداخل وعدمه.

ص: 475

قابلاً لذلك[1] فلابد من تداخل الأسباب في ما لا يتأكد المسبب ومن التداخل فيه في ما يتأكد[2].

فصل: الظاهر أنه لا مفهوم للوصف[3] وما بحكمه[4] مطلقاً[5]؛ لعدم ثبوت

-------------------------------------------------------------------

صورة عدم إمكان تكرار الجزاء

[1] كالقتل، فلو قال: (إن قتل فيقتل، وإن قطع الطريق فيقتل)، فلو تحقق الشرطان في رجل واحد، بأن قطع الطريق وقتل، فلا يمكن قتله مرتين. وحينئذٍ فإما نقول بتداخل الأسباب وإما بتداخل المسببات. أما تداخل الأسباب - بمعنى أن المؤثر هو السبب الأول فقط - : فهو في ما لا يمكن تأكد المسبب كالوضوء، فإن الحدث الأول هو الموجب له، والأحداث اللاحقة لا تأثير لها أصلاً.

أما تداخل المسببات - بمعنى أن السبب الأول يوجب الحكم، والأسباب اللاحقة تؤكده - فهو في ما يمكن تأكد الحكم، بأن يشتد وجوبه أو حرمته - مثلاً - كالقتل حيث إنه يجب بقطع الطريق ويتأكد الوجوب بالقتل ظلماً.

[2] أي: التداخل في المسبب في ما كان قابلاً للتأكد.

فصل مفهوم الوصف

اشارة

[3] المراد بالوصف المشتقات التي تُحمل على الذات، كاسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة ونحوها.

[4] أي: ما يؤدي معناه، مثل إضافة (ذو) إلى المصدر كقولنا: (ذو علم) أي: عالم. وكذلك الكناية عن الوصف، كما عن رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: (لئن يمتلئ جوف الرجل قيحاً خير من أن يمتلئ شِعراً)(1) وهو كناية عن الشِعر الكثير.

[5] رد للتفصيلات - التي سيأتي بعضها - فلا فرق بين كون الوصف معتمداً على

ص: 476


1- وسائل الشيعة 7: 403.

الوضع[1]؛ وعدم لزوم اللغوية بدونه[2]، لعدم انحصار الفائدة به؛ وعدم قرينة

-------------------------------------------------------------------

الموضوع، نحو: (أكرم الرجل العادل)، أم غير معتمد، نحو: (أكرم العالم)، وبين كونه علة للحكم أم لا، وبين كونه أعم من وجه أم مطلقاً أم غيرهما إلى آخره.

أدلة القائلين بالوصف وردّها

الدليل الأول

[1] احتج المثبتون بدعوى التبادر عرفاً - كما عن التقريرات(1) - .

والجواب: إن كان مرادهم بالتبادر هو الانسباق إلى الذهن المستند إلى الوضع، فلم يثبت ذلك، بل ثبت عدمه؛ إذ إن استعمال الوصف لغير المفهوم ليس بمجاز قطعاً، ولو كان موضوعاً للمفهوم كان استعماله لغير المفهوم مجازاً.

الدليل الثاني

[2] أي: بدون المفهوم، وهذا هو الدليل الثاني لهم، وحاصله: ان الوصف لو لم يكن له مفهوم لكان الإتيان به لغواً، فلو كان الواجب إكرام كل إنسان، فيكون قوله: (أكرم الإنسان العالم) لغواً؛ لعدم الفرق بين العالم وغيره في لزوم الإكرام.

أما لو كان للوصف مفهوم فلا يكون لغواً؛ إذ المعنى: أكرم الإنسان العالم ولا تكرم الإنسان غير العالم.

والجواب: إن فائدة الوصف إن كانت منحصرة في المفهوم صح ما ذكروه، ولكن ليست الفائدة بمنحصرة، بل للوصف فوائد أخرى:

منها: بيان شدة أهمية الموضوع المتصف بهذا الوصف، مثل: (إياك وظلم اليتيم).

ومنها: عدم ابتلاء المكلف بغير مورد الوصف.

ومنها: كون السؤال عن مورد الوصف وغير ذلك.

ص: 477


1- مطارح الأنظار 2: 86.

أخرى ملازمة له[1].

وعليته - في ما إذا استفيدت[2] - غير مقتضية له[3]، كما لا يخفى. ومع[4] كونها بنحو الانحصار وإن كانت مقتضية له[5]، إلاّ أنه لم يكن من مفهوم الوصف، ضرورة أنه[6]

-------------------------------------------------------------------

الدليل الثالث

[1] أي: للمفهوم، وهذا هو الدليل الثالث للمثبتين وهو الانصراف.

وبيانه: هو أن الوصف ينصرف إلى كونه العلة للحكم، ومن المعلوم أن العلة إذا زالت انتفى المعلول، فمثل (أكرم الرجل العالم) ينصرف الوصف إلى كون العلم هو العلة للإكرام، فبانتفائه لا علة للإكرام أصلاً، ولذا قالوا: تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية(1).

والجواب: أولاً: بعدم استفادة العِلية من الوصف؛ إذ للوصف فوائد متعددة - مرّ بعضها - .

ثانياً: إن مجرد العلية لا تكفي في ثبوت المفهوم؛ إذ يمكن أن يكون للحكم عِلَلٌ متعددة، وكان الوصف أحد تلك العلل، فانتفاء أحدها لا يستلزم انتفاء المعلول - وهو الحكم - لجواز توفر علة أخرى، بل لابد من إحراز العلية المنحصرة.

ثالثاً: لو أحرزت العلية المنحصرة فانتفاء الحكم بانتفاء الوصف لا يكون مرتبطاً بالمفهوم، بل بأمر عقلي، وهو انتفاء المعلول بانتفاء علته المنحصرة.

[2] إشارة إلى الإشكال الأول.

[3] إشارة إلى الإشكال الثاني، «له» للمفهوم.

[4] إشارة إلى الإشكال الثالث.

[5] أي: للمفهوم، وذلك لانتفاء المعلول بانتفاء علته المنحصرة.

[6] أي: إن المفهوم، وهذا دليل عدم كونه من المفهوم.

ص: 478


1- قوانين الأصول 1: 181؛ غاية المسؤول: 345.

قضية العلة الكذائية[1] المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام، وهو[2] مما لا إشكال فيه ولا كلام، فلا وجه لجعله تفصيلاً في محل النزاع[3] ومورداً للنقض والإبرام.

ولا ينافي ذلك[4] ما قيل(1) من أن الأصل في القيد أن يكون احترازياً[5]، لأن

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: إن العلة المنحصرة في تلك القضية إنما كانت لأجل دليل خاص، حيث لم يكن ذلك بالوضع أو بالانصراف.

[2] أي: استفادة قرينة خاصة دالة على العلية المنحصرة لا مانع منه، لكنه لا يثبت مفهوم الوصف بشكل عام.

[3] كما نسب إلى العلامة الحلي(2)

وهو ثبوت المفهوم للوصف إذا كان علة، كما لو قال: (أكرم الرجل لأنه عالم)، وعدم المفهوم للوصف إذا لم يكن علة.

وأما عدم الوجه لهذا التفصيل: فهو أن الكلام في دلالة الوصف بنفسه على المفهوم، وأما لو دلت قرينة خارجية على المفهوم فلا إشكال فيه، ولا ينكره حتى من أنكر المفهوم؛ لأن ذلك غير مرتبط بالدلالة المفهومية، بل بالقرينة الخارجية. هذا مضافاً إلى أن القرينة هي العلية المنحصرة لا مطلق العلية.

الدليل الرابع

[4] أي: عدم الدلالة على المفهوم.

[5] هذا يمكن أن يجعل دليلاً رابعاً للقائلين بالمفهوم، ويمكن جعله من تتمة الدليل الثالث؛ وذلك بجعل «الاحترازية» قرينة ملازمة للمفهوم. وعلى كل حال حاصل الكلام هو أن القيد قسمان:

1- توضيحي: مثل: (أكرم العادل غير الفاسق)، حيث إن (غير الفاسق) توضيح للعادل.

ص: 479


1- هداية المسترشدين 2: 471.
2- نهاية الوصول إلى علم الأصول 1: 447.

الاحترازية[1] لا توجب إلاّ تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية، مثل ما إذا كان[2] بهذا الضيق بلفظ واحد. فلا فرق أن يقال: (جئني بإنسان) أو (بحيوان ناطق). كما أنه[3] لا يلزم في حمل المطلق على المقيد[4] في ما وجد شرائطه[5] إلاّ

-------------------------------------------------------------------

2- احترازي: أي: لإخراج فرد أو نحوه مثل: (أكرم الرجل العالم)؛ لأن الرجل صنفان: عالم وغير عالم.

والأصل كون القيود احترازية لا توضيحية، وعليه فيرتفع الحكم عند عدم القيد، وهذا هو معنى المفهوم، وهنا الوصف قيد فينتفي الحكم عند انتفاء الوصف.

[1] هذا هو الجواب عن الدليل الرابع، وحاصله: إن القيد الاحترازي يضيّق دائرة الموضوع، لا أنه ينفي الحكم عن غير الموضوع.

ففي قولنا: (أكرم الإنسان العادل) الوصف - وهو العادل - ضيق موضوع وجوب الإكرام، لا أنه ينفي الحكم عن موضوع آخر وهو الفاسق.

[2] أي: كان الموضوع.

الدليل الخامس

[3] ومن أدلة المثبتين للمفهوم هذا الوجه، وهو منسوب إلى الشيخ البهائي(1)، وحاصله: إنه إذا كان الحكم واحداً وورد في لسان الدليل بشكل مطلق تارة، ومقيد أخرى، فإنه لا ريب في حمل المطلق على المقيّد، فلو قال: (أعتق رقبة) و(أعتق رقبة مؤمنة) فلا إشكال في وجوب عتق رقبة مؤمنة، وعدم كفاية الرقبة الكافرة. وليس سبب ذلك إلاّ ثبوت المفهوم للوصف، أي: (لا تعتق رقبة غير مؤمنة) ولو لم يكن للوصف مفهوم كان يجوز عتق رقبة مطلقاً - مؤمنة أم كافرة - لعدم حصول التنافي بين الخطابين حتى نضطر إلى الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد.

[4] أي: إلغاء إطلاق المطلق، والقول: إنّ المراد الجديّ منه هو المقيد.

[5] أي: شرائط حمل المطلق على المقيد، والمراد هنا هو اتحاد الموجب - أي:

ص: 480


1- قوانين الأصول 1: 329؛ هداية المسترشدين 2: 475.

ذلك[1]، من دون حاجة فيه إلى دلالته[2] على المفهوم، فإنه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلاّ أن المراد بالمطلق هو المقيد، وكأنه لا يكون في البين غيره. بل ربما قيل[3]: «إنه لا وجه للحمل[4] لو كان بلحاظ المفهوم، فإن ظهوره فيه[5] ليس

-------------------------------------------------------------------

السبب - ففي المثال نعلم بوجوب عتق رقبة واحدة لا أكثر، ولو لا اتحاد الموجب لم يكن وجه للحمل؛ لعدم تنافي المثبتين.

[1] أي: تضييق دائرة الموضوع. وحاصل الجواب عن الدليل الخامس أمران:

الجواب الأول: إن حمل المطلق على المقيد لا يرتبط بالمفهوم، بل هو من باب تضييق موضوع الحكم، فالمطلق كان يشمل أفراداً كثيرين، والتقييد ضيّق دائرة الموضوع، أي: بيّن أن المراد الجديّ من المطلق ليس كل الأفراد، بل بعض الأفراد؛ وذلك لأن دائرة المطلق وسيعة والمقيد دائرته ضيقة، ولما علمنا أن المطلوب شيء واحد لا أكثر حصل تعارض بين المطلق والمقيد، ولرفع التعارض حملنا المطلق على المقيد، أي: قلنا: إنّ المراد من المطلق هو المقيد؛ وذلك لأن المقيد أظهر من المطلق.

[2] أي: في حمل المطلق على المقيّد لا نحتاج إلى دلالة المقيّد على المفهوم.

والحاصل: إن التعارض بين (أعتق رقبة) و(أعتق رقبة مؤمنة) لم يكن بسبب مفهوم الوصف، بل بسبب التعارض في المنطوق بين سعة دائرة الموضوع وضيقه.

[3] هذا هو الجواب الثاني، قاله في التقريرات(1)،

وحاصله: إن حمل المطلق على المقيد لا يصح إذا كان لأجل مفهوم الوصف؛ وذلك لأنه في التعارض يقدّم الأقوى، ومنطوق المطلق أقوى من مفهوم الوصف في المقيد، فالقاعدة تقتضي تقديم المطلق على المقيد لا العكس، ومن هنا نستكشف أن حمل المطلق على المقيد ليس لأجل مفهوم الوصف.

[4] أي: حمل المطلق على المقيد.

[5] أي: ظهور المقيد في المفهوم، وهذا دليل عدم صحة الحمل لو كان بلحاظ المفهوم.

ص: 481


1- مطارح الأنظار 2: 83.

بأقوى من ظهور المطلق في الإطلاق كي يحمل عليه[1]، لو لم نقل بأنه الأقوى لكونه بالمنطوق، كما لا يخفى[2]».

وأما الاستدلال[3] على ذلك - أي: عدم الدلالة على المفهوم - بآية {وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم}(1)، ففيه[4]: أن الاستعمال في غيره أحياناً مع القرينة مما لا يكاد

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: حتى يحمل المطلق على المقيد.

[2] ولعل المصنف لم يرتضِ هذا الجواب الثاني، ولذا قال: (بل ربما قيل)؛ وذلك لأن المناط عنده هو الأقوائية في الظهور العرفي، وهو يختلف باختلاف الموارد، فقد يكون المفهوم أقوى، وقد يكون المنطوق.

من أدلة عدم المفهوم للوصف

[3] حيث إن الربيبة - وهي بنت الزوجة - محرمة على الزوج مطلقاً، سواء كانت صغيرة فيربيها في حِجره، أم كانت كبيرة، أم ولدت بعد ذلك من زوج آخر، فلو كان للوصف مفهوم كان معناه عدم حرمة الربيبة التي لا تكون في الحِجر، وهو واضح البطلان.

[4] والإشكال من وجهين:

الأول: إن عدم المفهوم للوصف في بعض الموارد ليس دليلاً على عدم الوضع للمفهوم؛ لجواز استعمال اللفظ في غير ما وضع له، أو في غير ما يتبادر منه، ونحو ذلك.

الثاني: إنه يعتبر في مفهوم الوصف - على القول به - أن لا يكون وارداً مورد الغالب؛ وذلك لأن الغرض من القيود الغالبية هو التوضيح، أو بيان خصوصية أخرى، ولا يستفاد منها العلية المنحصرة، فمثل قوله تعالى: {وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم} الغالب أن المرأة تصطحب معها بناتها الصغار حتى لو تزوجت بزوج آخر، كما أن فيه حثّ للرجال بأن يتعاملوا مع أطفال زوجاتهم كما يتعاملون مع

ص: 482


1- سورة النساء، الآية: 23.

ينكر، كما في الآية قطعاً، مع أنه يعتبر في دلالته عليه[1] - عند القائل بالدلالة - أن لا يكون وارداً مورد الغالب - كما في الآية -، ووجه الاعتبار[2] واضح، لعدم دلالته معه[3] على الاختصاص[4]، وبدونها[5] لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم، فافهم[6].

تذنيب[7]: لا يخفى: أنه لا شبهة في جريان النزاع في ما إذا كان الوصف أخص

-------------------------------------------------------------------

أبنائهم، وخاصة الطفلة التي فقدت أباها بموت أو طلاق، فإنها بحاجة إلى حنان الأب، ويمكن لزوج الأم أن يعوضها عن ذلك.

[1] أي: في دلالة الوصف على المفهوم.

[2] أي: وجه اشتراط المفهوم بأن لا يكون الوصف غالبياً.

[3] أي: لعدم دلالة الوصف مع كونه غالبياً.

[4] حاصله: إن مفهوم الوصف يستفاد من العلية المنحصرة، ومع كون الوصف غالبياً لا يفهم العرف العلية المنحصرة.

[5] أي: بدون الدلالة على الاختصاص.

[6] لعله إشارة إلى أن الوجه الثاني راجع إلى الوجه الأوّل؛ لأنّ الوجه الأول كان عدم إنكار استعمال الوصف في غير المفهوم إذا كانت قرينة، وهذا الوجه الثاني يدل على أن الورود مورد الغالب قرينة على عدم إرادة المفهوم، فإذن رجع الوجه الثاني إلى الأول.

تذنيب

لتحرير محل النزاع

[7] هذا التذنيب لتحرير محل النزاع في مفهوم الوصف.

وحاصله: هو لزوم بقاء الموضوع عند زوال الوصف. فيقال: هل عند زوال الوصف يكون للموضوع عكس الحكم أم لا؟ مثلاً: (أكرم الإنسان العالم) هل له

ص: 483

من موصوفه، ولو من وجه في مورد الافتراق من جانب الموصوف[1].

وأما في غيره[2]: ففي جريانه إشكال[3]. أظهره عدم جريانه[4]. وإن كان

-------------------------------------------------------------------

مفهوم؟ أي: لا تكرم الإنسان الجاهل، حيث إن الموضوع وهو (الإنسان) بقي بعد زوال الوصف - وهو العلم - أم ليس له مفهوم؟

فلا يجري النزاع في الوصف المساوي للموضوع (كالإنسان الضاحك) لزوال الموضوع مع زوال الوصف، ولا في الوصف الأعم مطلقاً من الموضوع (كالإنسان الجسم) لأنه لو لم يكن جسماً فليس بإنسان فلا يبقى الموضوع. ولا في الوصف الأعم من وجه في جانب افتراق الوصف - أي: زوال الموضوع وبقاء الوصف - (كالإنسان الأبيض) ففي الأبيض غير الإنسان لا يجري المفهوم، وكذلك في جانب افتراق الوصف والموصوف معاً كالفرس الأسود؛ وذلك لعدم بقاء الموضوع.

والحاصل: إن النزاع في المفهوم ينحصر في ما لو كان الوصف أخص مطلقاً، أو أخص من وجه في جانب افتراق الموصوف - أي: بقاء الموصوف مع زوال الوصف - .

[1] أي: بقاء الموصوف - وهو الموضوع - وزوال الوصف.

[2] أي: غير الوصف الأخص، سواء الأخص المطلق، أم الأخص من وجه في مورد افتراق الموصوف.

[3] وذلك لعدم بقاء الموضوع، فيخرج عن مفهوم الوصف ويدخل في مفهوم اللقب. فلو قال: (أكرم الإنسان الناطق) فزال الإنسان فالقول بعدم لزوم إكرام غير الإنسان لا يرتبط بمفهوم الوصف، بل هو من مفهوم اللقب - وسيجيء قريباً عدم دلالته على المفهوم - .

[4] لأن المفهوم - في مفهوم المخالفة - نقيض المنطوق، وفي النقيضين يشترط وحدة الموضوع. ومع اختلاف الموضوع لا يكونان من النقيضين، فلا يكون مفهومٌ.

فالرجل الأسود نقيض الرجل غير الأسود؛ لوحدة الموضوع، فيكون من المفهوم، وليس نقيضاً للمرأة غير السوداء؛ لاختلاف الموضوع، فلا يكون من المفهوم. فتأمل.

ص: 484

يظهر[1] ممّا عن بعض الشافعية(1) - حيث قال: «قولنا: في الغنم السائمة[2] زكاة، يدل على عدم الزكاة في معلوفة الإبل[3]» - جريانه فيه، ولعل وجهه[4] استفادة العلية المنحصرة منه. وعليه فيجري[5] في ما كان الوصف مساوياً أو أعم مطلقاً[6] أيضاً، فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه[7]؛ فلا وجه في التفصيل[8] بينهما

-------------------------------------------------------------------

[1] فاعل يظهر قوله - بعد سطر - (جريانه فيه).

[2] أي: التي كان أكلها من نباتات الأرض من غير أن يعلفها صاحبها.

[3] مع اختلاف الموضوع، لأن الموضوع في الحديث هو (الغنم) وفي المورد (الإبل) وهذا من موارد العموم والخصوص من وجه، مع كون الافتراق من جانب الوصف والموصوف، أي: زوال (الغنم) و(السوم).

[4] أي: استفادة عدم الزكاة في الإبل المعلوفة ليس مرتبطاً بمفهوم الوصف، بل لعله من باب أنهم استفادوا أن علّة زكاة الأنعام هو السوم، وفي الإبل المعلوفة لا توجد علة الزكاة؛ لأنها ليست سائمة.

[5] أي: على هذا الوجه - وهو استفادة العلية المنحصرة - فيجري النزاع من هؤلاء الشافعية.

[6] لأنه لو عُلِمت (العلة المنحصرة) فيدور الحكم مدارها في كل الأحوال.

[7] أي: عند انتفاء الوصف؛ لأن الوصف كان العلّة للحكم.

[8] حيث فصّل في التقريرات(2):

بين الموصوف المساوي والأعم المطلق، وبين الوصف الأعم من وجه في جانب افتراق الوصف والموصوف. ففي الأول قال بعدم جريان النزاع؛ لعدم بقاء الموضوع. وفي الثاني أجرى النزاع بسبب فهم البعض للعِلة المنحصرة.

وأشكل المصنف عليه: بعدم بقاء الموضوع في جميعها، والعِليّة إن استفيدت فلا

ص: 485


1- نقل عنهم الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 3: 72.
2- مطارح الأنظار 2: 80.

وبين ما إذا كان أخص من وجه في ما إذا كان الافتراق من جانب الوصف[1] بأنه لا وجه للنزاع فيهما معللاً بعدم الموضوع واستظهار جريانه من بعض الشافعية فيه، كما لا يخفى[2]، فتأمل جيداً.

فصل: هل الغاية[3] في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية - بناءً

-------------------------------------------------------------------

يجري الحكم في جميعها، فلا فرق بين المساوي والعموم المطلق والعموم من وجه.

[1] مراده الافتراق في جانب الوصف والموصوف، كالإبل المعلوفة، حيث زال الموصوف - أي: الغنم - والوصف - أعني السوم - .

[2] والظاهر عدم ورود الإشكال على التقريرات؛ لأنه بصدد بيان وجه نزاع الشافعية في مثل الغنم السائمة، وإلاّ فهو لا يرى للوصف مفهوماً في كل تلك الموارد.

فصل مفهوم الغاية

اشارة

[3] الغاية لها معان، منها: أدوات الغاية مثل: (حتى) و(إلى). ومنها: مدخول الأدوات، والمصنف استعمل الغاية هنا بمعنى المدخول؛ ولذا قال: (ارتفاع الحكم عما بعد الغاية) و(عنها وبعدها)، فمثل: (سِر إلى الكوفة) هل يرتفع الحكم عما بعد الغاية؟ أي: ما بعد الكوفة، أو عن الكوفة وما بعدها، إذن الغاية بمعنى مدخول الأدوات.

ثم إنّ في الغاية مقامين، وقع البحث فيهما:

البحث الأول: في الدلالة المفهومية، وأن الغاية هل تدل على ارتفاع الحكم عن الغاية، أو عن الغاية وما بعدها، فيكون هذا الارتفاع بالمفهوم، أم لا تدل على الارتفاع، فلا مفهوم لها؟

البحث الثاني: في منطوق الغاية، وأن الغاية هل هي داخلة في حكم المغيّى أم خارجة عنها؟

ص: 486

على دخول الغاية في المغيّى[1] - أو عنها وبعدها - بناءً على خروجها[2] - أو لا[3]؟ فيه خلاف. وقد نسب إلى المشهور الدلالة على الارتفاع(1)،

وإلى جماعة - منهم السيد والشيخ(2) - عدم الدلالة عليه[4].

والتحقيق[5]:

-------------------------------------------------------------------

[1] فلو قال: (صُم إلى اليوم العاشر)، فيجب صيام اليوم العاشر أيضاً؛ لأنه داخل في حكم المغيّى، وهو الشيء الذي جعلت له الغاية - وهو وجوب الصوم - .

[2] فقوله: {أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ}(3) يكون الليل خارجاً عن المغيّى وهو وجوب الصوم، فلا يجب صومه.

[3] أي: أو لا تدل على ارتفاع الحكم، بل يكون الحكم مهملاً في الغاية، أو فيها وما بعدها بمعنى السكوت عن حكمه.

[4] أي: عدم الدلالة على الارتفاع، والسيد هو السيد المرتضى علم الهدى والشيخ هو الشيخ الطوسي شيخ الطائفة. وتوجد النسبة إلى المشهور في تقريرات الشيخ الأعظم(4).

البحث الأول

الدلالة المفهومية

[5] حاصل التحقيق: هو الفرق بين ما إذا كانت الغاية قيداً للحكم، أو كانت قيداً للموضوع - حسب متفاهم أهل اللغة - .

فإن كانت قيداً للحكم دلت على ارتفاع الحكم؛ للتبادر، ولكي لا يلزم التناقض. فمثل: (كل شي لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه) يتبادر انتهاء الحلية

ص: 487


1- مطارح الأنظار 2: 98.
2- الذريعة إلى أصول الشيعة 1: 407؛ العدة في أصول الفقه 2: 478.
3- سورة البقرة، الآية: 187.
4- مطارح الأنظار 2: 98.

إنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية[1] قيداً للحكم - كما في قوله: «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام[2]»(1)،

و«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر»(2)

- كانت[3] دالة على ارتفاعه عند حصولها[4]، لانسباق ذلك منها[5]، كما لا يخفى، وكونه قضية تقييده بها، وإلاّ[6] لما كان ما جعل غاية له بغاية، وهو واضح إلى النهاية.

وأما إذا كانت بحسبها[7] قيداً للموضوع[8]

-------------------------------------------------------------------

حين العلم بالحرمة، مع أن بقاء الحلية مع العلم بالحرمة يستلزم اجتماع الضدين - أي: الحرمة والحلية - في شيء واحد.

[1] لعل المراد بحسب متفاهم أهل اللسان - سواء كان منشأ فهمهم القواعد أم التبادر - .

[2] كون الغاية قيداً للحكم من جهتين:

1- الأقربية، أي: الحكم وهو (حلال) أقرب إلى (حتى تعرف).

2- عدم قابلية الموضوع وهو (كل شيء) لأن يكون له ابتداء وانتهاء، وكذا في الحديث الثاني.

[3] جزاء إذا في قوله: (إذا كانت الغاية... الخ).

[4] أي: على ارتفاع الحكم عند حصول الغاية.

[5] أي: انسباق ذلك الارتفاع من الغاية، وهذا الدليل الأول على ارتفاع الحكم، «تقييده» الحكم، «بها» بالغاية.

[6] هذا هو الدليل الثاني، والمعنى: لو استمر الحكم إلى ما بعد الغاية لما كانت غاية وهذا خلف، فلو كانت الحلية مستمرة إلى ما بعد العلم بالحرمة لم يكن العلم غاية، مع أنه جعل غاية، «له» أي: للحكم.

[7] أي: بحسب القواعد العربية.

[8] المراد بالموضوع متعلق الحكم.

ص: 488


1- الكافي 5: 313، وفيه: «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام».
2- مستدرك الوسائل 2: 583؛ وسائل الشيعة 3: 467، وفيه: «كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر».

- مثل: (سر من البصرة إلى الكوفة)[1] - فحالها[2] حال الوصف في عدم الدلالة، وإن كان تحديده بها[3] بملاحظة حكمه[4] وتعلق الطلب به، وقضيته[5] ليس إلاّ عدم الحكم فيها[6] إلاّ بالمغيّى، من دون دلالة لها[7] أصلاً على انتفاء سنخه عن غيره، لعدم[8]

-------------------------------------------------------------------

[1] الموضوع هو السير، وحكمه هو الوجوب، وهنا الابتداء والانتهاء قيد للسير، أي:السير مبتدئ من البصرة ومنتهٍ إلى الكوفة؛ وذلك لأن مقتضى القواعد العربية رجوع القيد إلى المادة - وهي السير - لا إلى الهيئة - وهي الوجوب - .

أما على مبنى الشيخ فلأنّ الهيئة معنى حرفي وهو جزئي غير قابل للإطلاق والتقييد.

وأما على مبنى المصنف فلأن ظهور الكلام في رجوع القيد إلى المادة.

[2] أي: حال الغاية كحال الوصف في عدم المفهوم، أي: لا تدل على ارتفاع الحكم عن الغاية.

[3] إن وصلية، أي: حتى وإن كان تحديد الموضوع بالغاية، والمعنى: إن ارتفاع شخص الحكم لا إشكال فيه، لكن هذا لا يرتبط بالمفهوم كما مرّ في الشرط، بل المفهوم هو ارتفاع سنخ الحكم، ولا دلالة على انتفائه عن الغاية إذا كانت الغاية قيداً للموضوع، وعدم الدلالة لجهتين سيأتي ذكرهما.

[4] أي: حكم الموضوع شخصاً.

[5] أي: مقتضى كون الحكم الشخصي تعلق بالمغيّى.

[6] أي: في القضية، وحاصل العبارة هو: (ومقتضى تعلق الحكم الشخصي بالموضوع هو تعلق الحكم بالمغيّى، والسكوت عن الغاية).

[7] أي: لا دلالة للغاية على ارتفاع سنخ الحكم عن غير المغيّى.

[8] هذا الدليل الأول، وحاصله: إن الغاية لم توضع للدلالة على المفهوم، «لذلك» أي: انتفاء السنخ - وهو المفهوم - .

ص: 489

ثبوت وضع لذلك، وعدم[1] قرينة ملازمة لها ولو غالباً[2] دلت على اختصاص الحكم به، وفائدة[3] التحديد بها كسائر أنحاء التقييد[4] غير منحصرة بإفادته[5]، كما مر في الوصف.

ثم إنه في الغاية خلاف آخر[6] - كما أشرنا إليه - . وهو أنها هل هي داخلة في

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا الدليل الثاني، وحاصله: عدم وجود قرينة عامة - من انصراف أو إطلاق - يدل على المفهوم، «لها» أي: للدلالة على انتفاء سنخ الحكم عن الغاية.

[2] لأن الغلبة في الوجود قد تكون سبباً للانصراف، فيقول المصنف لا توجد قرينة في غالب الموارد حتى نقول بالانصراف بسبب الغلبة.

[3] دفع إشكال، وحاصله: هو إذا لم يكن للغاية مفهوم كان وجودها لغواً، فمثل: (سر من البصرة إلى الكوفة) لو كان السير ما بعد الكوفة واجباً كان قيد (إلى الكوفة) بلا وجه.

والجواب: هو عدم انحصار الفائدة في المفهوم، بل قد تكون فوائد أخرى، مثل أن يكون الغرض دفع توهم عدم شمول الحكم للمغيّى، كقوله: (أكرم من أساء إليك حتى يحبك)، أو لبيان شدة أهمية المغيّى، مثل: (اقرأ القرآن من أول شهر رمضان إلى آخره) أو لغير ذلك.

[4] كالوصف والحال ونحوهما.

[5] أي: إفادة انتفاء الحكم عن الغاية.

البحث الثاني

في منطوق الغاية

[6] عن التقريرات: (فاختلف القوم فيه على أقوال: فذهب نجم الأئمة: إلى الخروج مطلقاً نظراً إلى أن حدود الشيء خارجة عنه، وحمل الموارد التي يظهر فيها الدخول على وجود القرينة فيها. وقيل: بالدخول مطلقاً.

ص: 490

المغيّى بحسب الحكم[1] أو خارجة عنه؟

والأظهر خروجها، لكونها من حدوده[2]، فلا تكون محكومة بحكمه. ودخوله فيه[3] في بعض الموارد إنما يكون بالقرينة. وعليه[4] تكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأول، كما أنه على القول الآخر[5] تكون محكومة بالحكم منطوقاً.

-------------------------------------------------------------------

وفصل ثالث: بين (حتى) و(إلى) فقال بالدخول في الأول وبعدمه في الثاني، اختاره الزمخشري على ما نسب إليه، وادعى بعض النحاة الإجماع على الدخول في (حتى) ولعله خلط بين العاطفة والخافضة، كما نص عليه ابن هشام.

وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما قبل الغاية وما بعدها متحدين في الجنس فقال بالدخول، وبين غيره، وهنا أقوال أخر)(1)، انتهى.

[1] أي: دخولها في حكم المغيّى أم أن الغاية خارجة عن حكمه، فلو قال: (سِر إلى الكوفة) هل يكتفي بالوصول إلى باب الكوفة - بناءً على خروج الغاية عن حكم المغيّى - أم لابد من استمرار السير والدخول في الكوفة - بناءً على دخولها في حكمه - ؟

[2] أي: لكون الغاية من حدود المغيّى، والحد خارج عن المحدود.

[3] الإشكال: علمنا بدخول الغاية في المغيّى في بعض الموارد مثل: (صم إلى آخر الشهر).

والجواب: في هذه الموارد توجد قرينة خاصة، ولا إشكال مع وجود القرينة، إنما الكلام في الدلالة بحسب الوضع، أو بقرينة عامة حتى يحمل عليها الموارد المشكوكة.

[4] أي: بناءً على خروج الغاية من المغيّى يجري فيها البحث الأول، وهو الخلاف في ارتفاع الحكم عنها بالمفهوم، أو عدم ارتفاعه؛ لعدم المفهوم.

[5] وهو دخول الغاية في المغيّى، فيجري عليها الحكم حسب منطوقه، فمثل: (صم إلى آخر الشهر) يدل منطوق الكلام على وجوب صيام اليوم الأخير أيضاً، مضافاً إلى سائر الأيام، كل ذلك بالمنطوق.

ص: 491


1- مطارح الأنظار2 : 96.

ثم لا يخفى[1] أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريانه في ما إذا كانت قيداً للحكم، فلا تغفل.

فصل: لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم[2] سلباً أو إيجاباً بالمستثنى منه، ولا يعم[3] المستثنى. ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتاً[4] ومن الإثبات نفياً[5]. وذلك[6] للانسباق عند الإطلاق قطعاً.

-------------------------------------------------------------------

[1] توضيحه بلفظ العناية: (ووجه عدم الجريان على ما يظهر من تعليقته على الكتاب: أن الغاية إذا كانت قيداً للحكم فالمغيّى نفس الحكم، ولا يعقل دخول الغاية في نفس الحكم. نعم، يعقل النزاع حينئذٍ بنحو آخر، بأن يقال: هل الحكم ينقطع بمجرد حصول الغاية أو لا ينقطع إلاّ بتحقق تمام الغاية؟ فإذا قال مثلاً: يجب عليك الصوم من أول الشهر إلى العاشر، فهل الوجوب ينقطع بمجرد الشروع في العاشر أم لا ينقطع إلاّ بتحقق تمام العاشر؟)(1)،

انتهى.

وفي كلام المصنف تأمل، والأولى الاستدلال بالتناقض، فإنه لا يعقل بقاء الحلية مع العلم بالحرمة، كما مرّ.

فصل مفهوم الاستثناء

اشارة

[2] أي: شخص الحكم المذكور في الكلام.

[3] أي: الحكم لا يشمل المستثنى، بل ينتفي ذلك الحكم عنه.

[4] فمثل: (ما جاء القوم إلاّ زيد) معناه: عدم مجيء القوم ومجيء زيد.

[5] فمثل: (أكرم العلماء إلاّ الفساق) معناه: وجوب إكرام العلماء العدول، وعدم وجوب إكرام فساقهم.

[6] هذا وجه الدلالة، وهو التبادر، «عند الإطلاق» أي: مع عدم وجود

ص: 492


1- عناية الأصول 2: 217.

فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة(1) من عدم الإفادة[1]، محتجاً بمثل: «لا صلاة إلاّ بطهور[2]»(2)؛ ضرورة ضعف احتجاجه[3]:

-------------------------------------------------------------------

قرينة خاصة.

كلام أبي حنيفة والإشكال عليه

[1] أي: عدم دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم بالمستثنى منه، بل قد يكون الحكم فيه شاملاً للمستثنى أيضاً.

[2] حاصل احتجاجه هو: إنه لو كان للاستثناء دلالة كان المعنى: صحة الصلاة مع الطهور، والحال أنه كثيراً ما تكون الصلاة مع الطهور باطلة؛ لفقدانها لأجزاء أو شرائط أخرى. إذن حكم المستثنى منه - وهو بطلان الصلاة - شمل المستثنى أي: (الصلاة مع الطهور)، فإنها باطلة أحياناً لخلل فيها من جهة سائر الأجزاء أو الشروط.

[3] أشكل عليه المصنف بثلاثة إشكالات، وحاصلها:

أولاً: إن هذا النوع من الاستثناء - الذي يراد به إثبات شرطية شيء أو جزئيته للمستثنى منه كالطهارة والفاتحة للصلاة - يكون معنى المستثنى منه هو الواجد لجميع الأجزاء والشرائط الأخرى، فلا يصح إلاّ بما يذكر في الاستثناء، فمثل: (لا صلاة إلاّ بطهور) تكون الصلاة - وهي المستثنى منه - معناها الصلاة التي لها جميع الأجزاء والشرائط الأخرى، فلا تصح هذه الصلاة إلاّ بالوضوء، ومن المعلوم أن هذه الصلاة تصح مع الطهور، وتبطل مع عدمه.

وثانياً: لو فرض استعمال الصلاة في أمثال هذا التركيب من غير دلالة على انتفاء الحكم عن المستثنى، فإنه لا يضر بالمدعى، لجواز الاستعمال مع القرينة في خلاف المعنى الحقيقي.

ص: 493


1- الإحكام في أصول الأحكام 2: 308.
2- وسائل الشيعة 1: 315.

أولاً، بكون المراد من مثله[1] أنه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لأجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة[2] إلاّ إذا كانت واجدة للطهارة، وبدونها[3] لا تكون صلاة على وجه[4]، وصلاة تامة مأموراً بها على آخر[5]. وثانيا، بأن الاستعمال مع القرينة - كما في مثل التركيب مما علم الحال[6] - لا دلالة له على مدعاه أصلاً، كما لا يخفى.

ومنه[7]

-------------------------------------------------------------------

وثالثاً - ما ذكره المصنف في الهامش(1)

- : وهو أن في أمثال هذه الجملة - التي يراد فيها إثبات شرطية شيء أو جزئيته - الخبر المقدر في المستثنى منه هو (ممكن)، أي: لاصلاة ممكنة إلاّ بطهور، فتكون الدلالة تامة أي: لا تمكن الصلاة بلا طهور، وتمكن هذه الصلاة مع الطهور، وليس معنى الإمكان الوقوع الفعلي حتى يرد الإشكال.

[1] أي: مثل: (لا صلاة إلاّ بطهور)، وذلك في ما يراد إثبات شرط أو جزء.

[2] قوله: «صلاة» خبر (لا تكون).

[3] أي: بدون الطهارة.

[4] أي: على القول بالصحيح، حيث تنتفي ماهية الصلاة بفقدان شرطها أو جزئها على هذا القول.

[5] أي: على القول بالأعم، حيث بالخلل لا تنتفي الماهية، بل لا تكون تامة ولا يشملها الأمر.

[6] أي: علمنا بأن متعلق الحكم له أجزاء وشرائط أخرى لا يصح بدونها أيضاً.

الاستدلال بكلمة التوحيد على الدلالة

[7] أي: من الجواب الثاني، وهو أن الاستعمال مع القرينة لا يدل على المدعى.

ص: 494


1- كفاية الأصول، تعليق السبزواري 2: 128.

قد انقدح: أنه لا موقع للاستدلال على المدعى[1]، بقبول[2] رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إسلام من قال كلمة التوحيد(1).

لإمكان[3] دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال[4].

والإشكال[5]

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: دلالة الاستثناء على انتفاء الحكم عن (المستثنى).

[2] حاصل الاستدلال: إن كلمة التوحيد وهي (لاإله إلاّ الله) تدل على نفي الألوهية عن كل شيء وإثباتها للباري تعالى، فلو لم يكن للاستثناء دلالة لكان معناها هو السكوت عن إثباتها لله تعالى.

[3] هذا رد للاستدلال.

[4] القرينة الحالية: هو أن قائل الكلمة كان يريد الدخول في زمرة المسلمين.

القرينة المقالية: إعلان الرسول صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أن هذه الكلمة اصطلاح في التوحيد، أو أن من كان يريد قولها يتبرأ من الشركاء لفظاً ثم يقولها.

ولا يخفى أن هذه الدعوى غريبة، قال في التقريرات: (والقول بأن ذلك للقرينة، أو أنها تدل على التوحيد شرعاً، بمكان من السخافة)(2).

[5] هذا استطراد لأنه لا يرتبط ببحث دلالة الاستثناء، وإنما شبهة في دلالة هذه الكلمة الطيبة على التوحيد.

وحاصل الشبهة هو: إن خبر (لا) النافية للجنس غير مذكور، فلابد من تقديره، وهو لا يخلو من أحد أمرين:

الأول: تقدير (ممكن)، أي: لا إله ممكن إلاّ الله، وهذا لا يثبت وجوده تعالى، بل يثبت إمكانه.

الثاني: تقدير (موجود)، أي: لا إله موجود إلاّ الله، وهذا وإن نفى وجود

ص: 495


1- والمستدل الشيخ الأنصاري في مطارح الأنظار 2: 106.
2- مطارح الأنظار 2: 106.

في دلالتها عليه[1] بأن خبر (لا) إما يقدّر (ممكن) أو (موجود)، وعلى كل تقدير لا دلالة لها عليه. أما على الأول[2]: فإنه حينئذٍ لا دلالة لها إلاّ على إثبات إمكان وجوده تبارك وتعالى، لا وجوده. وأما على الثاني[3]: فلأنّها وإن دلت على وجوده تعالى، إلاّ أنه لا دلالة لها على عدم إمكان إله آخر.

مندفع[4] بأن المراد من الإله هو واجب الوجود[5]،

-------------------------------------------------------------------

غيره تعالى لكن لا يدل على امتناع الآلهة، فيكون المعنى أن الآلهة غير موجودة، وعدم وجودها قد يكون مع إمكانها. مع أنه يشترط في التوحيد الاعتقاد باستحالة سائر الآلهة.

[1] أي: في دلالة هذه الكلمة الطيبة على التوحيد.

[2] أي: تقدير (ممكن)، وضمير «فإنه» للشأن، و«حينئذٍ» بمعنى حين تقدير ممكن.

[3] أي: تقدير (موجود)، وضمير «فلأنّها» يرجع إلى كلمة التوحيد.

[4] جواب الشبهة وهو: إن المراد ب- (إله) هو واجب الوجود، وسواء كان الخبر المقدر (ممكن) أم (موجود) فإن الجملة تثبت وجود الله وتنفي إمكان غيره.

أما على الأول - أي: تقدير (ممكن) - : فإن الإمكان في الواجب يساوي وجوده الخارجي؛ لأن معنى الوجوب هو ضرورة الوجود، فسائر الآلهة غير ممكنه، والله ممكن فهو موجود، ولا يخفى أن الإمكان هنا بالمعنى الأعم - أي: مقابل الامتناع - .

وأما على الثاني - أي: تقدير (موجود) - : فإن حصر وجود الواجب في الله تعالى يساوي امتناع تحقق الواجب في غيره تعالى؛ لأن ما يحتمل كونه واجباً إذا نفينا عنه الوجود كان معنى ذلك عدم كونه واجباً؛ إذ لو كان واجباً لتحقق في الخارج، فتحصل امتناع تحقق الواجب في غيره تعالى.

[5] لا يخفى أن (الإله) بمعنى المعبود، وكونه بمعنى واجب الوجود لم يعهد لا في اللغة ولا في اصطلاح الشرع، بل لم يرد في لسان المعصومين عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ إطلاق لفظ الواجب عليه تعالى.

ص: 496

ونفي ثبوته ووجوده[1] في الخارج وإثبات فرد منه فيه[2] - وهو الله - يدل بالملازمة البينة[3] على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك وتعالى، ضرورة[4] أنه لو لم يكن ممتنعاً لوجد، لكونه من أفراد الواجب[5].

ثم[6] إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم، وأنه[7]

-------------------------------------------------------------------

ثم إن التوحيد هو نفي وجود سائر الآلهة، ولم يؤخذ في التوحيد الاعتقاد بعدم إمكانها، بل يكفي فيه الاعتقاد بعدم وجودها.

[1] العطف تفسيري، والمراد أن المقدر هو (موجود). ونفي الثبوت - أي: الوجود - يساوق الامتناع.

[2] أي: فرد من الواجب في الخارج.

[3] أي: من غير واسطة؛ لأن الملازمة قد تكون بواسطة، وقد تكون بلا واسطة، والواسطة قد تكون في الثبوت، وقد تكون في العروض، وقد مرّ شرح ذلك في أول الكتاب.

[4] دليل لامتناع تحقق الواجب في غيره تعالى، وضمير «أنه» راجع إلى (غيره تعالى).

[5] المراد إثبات الخلف، وهو أن ما يزعم أنه من أفراد الواجب إذا كان غير موجود فمعناه عدم كونه واجباً، وهذا خلف، فتأمل.

دلالة الاستثناء بالمفهوم أو المنطوق؟

[6] هل انتفاء الحكم عن (المستثنى) بالمنطوق أم المفهوم؟ فمثل: (أكرم العلماء إلاّ الفساق) عدم وجوب إكرام الفساق استفيد من المنطوق أو من المفهوم؟ المشهور على أنه بالمفهوم، واختاره المصنف.

[7] بيان لكون الدلالة بالمفهوم، وحاصل مايراه المصنف هو: إن الجملة تدل بالمنطوق على أن الحكم الشخصي فيها منحصر في (المستثنى منه)، وإن ذلك الحكم

ص: 497

لازم خصوصية الحكم[1] في جانب المستثنى منه التي دلت عليها[2] الجملة الاستثنائية.

نعم[3]، لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء[4]، لا بتلك الجملة، كانت بالمنطوق، كما هو ليس ببعيد، وإن كان تعيين ذلك[5] لا يكاد يفيد[6].

-------------------------------------------------------------------

الشخصي غير موجود في (المستثنى)، ويفهم العرف من هذه الخصوصية - أي: الانحصار - انتفاء سنخ الحكم عن (المستثنى)، وهذا معنى المفهوم، فمثل: (أكرم العلماء إلاّ الفساق) الحكم الشخصي خاص بالمستثنى منه، وغير شامل للمستثنى، وهذا هو المنطوق، ثم لمّا يلقى هذا الكلام إلى العرف يفهم من الخصوصية - أعني: الانحصار - انتفاء نوع الإكرام من الفساق.

[1] «خصوصية» هي حصر الحكم الشخصي في المستثنى منه، والمراد بالحكم هو الحكم الشخصي؛ لأن الحكم النوعي غير منحصر في المستثنى منه إلاّ على القول بمفهوم اللقب، فمثل: (جاء الرجال إلاّ زيداً) لا يدل على عدم مجيء النساء.

[2] أي: على الخصوصية، فإن الجملة المركبة من (المستثنى منه) و(حكمه) و(المستثنى) تدل على قطع الحكم عن (المستثنى) وحصره في (المستثنى منه).

[3] حاصل الاستدراك: إن حكم (المستثنى) - أي: انتفاء سنخ الحكم عنه - لو استفيد من أداة الاستثناء كانت الدلالة بالمنطوق. ففي مثل: (جاء القوم إلاّ زيداً) لو قلنا: إنّ كلمة (إلاّ) تدل على عدم مجيء زيد، كانت الدلالة بالمنطوق لا بالمفهوم.

[4] أي: في طرف المستثنى بنفس أداة الاستثناء - مثل: إلاّ - .

[5] أي: كون الدلالة بالمفهوم أو المنطوق.

[6] لعدم ترتب أثر عملي على ذلك، لكنه قيل بترتب ثمرة في صورة تعارض مدلول المستثنى مع دليل آخر، فلو بلغه (أكرم القوم إلاّ زيداً)، ثم بلغه (أكرم زيداً)، فقد حصل التعارض، فلو قلنا: إنّ دلالة الاستثناء بالمفهوم كان مدلول (أكرم زيداً) وهو بالمنطوق أقوى من مدلول (إلاّ زيداً) وهو بالمفهوم.

ص: 498

ومما يدل على الحصر والاختصاص (إنما). وذلك[1] لتصريح أهل اللغة بذلك[2]، وتبادره منها[3] قطعاً عند أهل العرف والمحاورة.

ودعوى[4] «أن الإنصاف أنه لا سبيل لنا إلى ذلك، فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة[5]،

-------------------------------------------------------------------

لكن المصنف لا يرى هذه الثمرة؛ لأن المناط في الأقوائية عنده هو الظهور العرفي، سواء كان في جانب المنطوق أم المفهوم.

من أدوات الحصر

اشارة

بمناسبة كون الاستثناء يدل على الحصر، استطرد المصنف بذكر بعض الأدوات الأخرى الدالة على الحصر، أو قيل بدلالتها عليها فمنها: إنّما، وبل، وتعريف المسند إليه باللام.

1- دلالة «إنما» على الحصر

[1] أي: دلالتها على الحصر من وجهين: تنصيص أهل اللغة وعلماء البلاغة، والتبادر عند العرف وأهل اللسان.

[2] أي: بدلالتها على الحصر.

[3] أي: تبادر الحصر من (إنّما).

[4] حاصل الدعوى: إن كلمة (إنّما) في اللغة العربية تستعمل للحصر ولغيره، فمثل: {إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ... الآية}(1) تدل على الحصر، ومثل: {إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ}(2) لا تدل على الحصر؛ لوجود أرجاس ومحرمات أخرى كثيرة.

[5] ولا غلبة لاستعمالها في الحصر حتى نجعل الغلبة دليلاً لإفادتها الحصر.

ص: 499


1- سورة التوبة، الآية: 60.
2- سورة المائدة، الآية: 90.

ولا يعلم[1] بما هو مرادف لها في عرفنا[2] حتى يستكشف منها ما هو المتبادر منها»(1) غير مسموعة[3]، فإن السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا، فإن الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضاً سبيل.

وربما يعد مما دل على الحصر[4] كلمة (بل)(2)

الإضرابية[5].

والتحقيق[6]: أن الإضراب على أنحاء:

-------------------------------------------------------------------

[1] هذا من طرق استكشاف التبادر، وهو أن غير أهل اللغة العربية يرجع إلى ترجمة الكلمة وما يرادفها في لغته، فيستكشف من تبادر معنى في لغته أن ذلك المعنى يتبادر في اللغة العربية!!

[2] مثلاً: في اللهجة العربية العامية، وكذا اللغة الفارسية والتركية ونحوهما.

[3] ردّ الإشكال وحاصله: إن عدم التبادر إلى أذهاننا لا يضر؛ لأن المناط هو التبادر في أذهان العرف، بل التبادر في أذهاننا إنما يفيد إذا كان مرآة لأذهان العرف.

2- دلالة «بل» على الحصر

[4] أي: حصر الحكم في ما بعدها، ونفيه عما قبلها، أو نفي حكم ما قبلها.

[5] والإضراب هو الإعراض عمّا قبلها: إما لكونه غلطاً، أو للترقي فيه، أو لإبطال أمر، وما قبلها يقال له: (المُضرَب عنه)، وما بعدها يقال له: (المُضرَب إليه).

[6] حاصله: أن (بل) تستعمل في أربعة موارد، ودلالتها على الحصر في مورد واحد فقط وهو الثالث:

1- الإضراب عن الغلط - سواء كان الغلط بسبب الغفلة أم بسبب سبق اللسان - .

2- ما كان للترقي، وهو لتأكيد المطلب.

3- ما كان في مقام الردع وإبطال ما ذكر قبلها.

ص: 500


1- مطارح الأنظار 2: 110.
2- مطارح الأنظار 2: 108.

منها: ما كان لأجل أن المضرب عنه إنما أتى به غفلةً[1]، أو سبقه به لسانه[2] فيضرب بها عنه[3] إلى ما قصد بيانه، فلا دلالة له على الحصر أصلاً[4]، فكأنه أتى بالمضرب إليه ابتداء، كما لا يخفى.

ومنها: ما كان لأجل التأكيد[5]، فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه، فلا دلالة له عليه أيضاً.

ومنها: ما كان في مقام الردع وإبطال ما أثبت أولاً[6]،

-------------------------------------------------------------------

4- ما جيء به لإبطال دليلية ما قبلها - ذكره المصنف في الهامش(1) - .

[1] هذا المورد الأول: أي: كان يزعم أمراً ثم تبين له خطؤه، كما لو رأى شخصاً قادماً فزعمه زيداً فقال: (جاء زيدٌ) ثم تبين له أنه غيره فقال: (بل عمرو).

[2] أي: سَبَق المتكلمَ بذلك الكلام لسانُ المتكلم، أي: كان يعلم بالأمر فلما تكلم أخطأ في وضع الجملة، فيصحح كلامه بالإضراب، كما لو أراد أن يقول: (اشتريت داراً من زيد) فقال: (اشتريت زيداً، بل داراً منه).

[3] أي: يضرب بواسطة (بل) عمّا ذكره غفلة أو سبقاً للّسان.

[4] لعدم وضع أو تبادر أو قرينة عامة.

[5] هذا هو المورد الثاني: أي: للترقي كما يقال: (فلان قمر، بل شمس)، فإن الإضراب لأجل تأكيد جماله، فشُبِّهَ بالقمر مقدمةً، ثم أضرب إلى التشبيه بالشمس.

[6] هذا المورد الثالث: كقوله تعالى: {وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۚ بَلۡ عِبَادٞ مُّكۡرَمُونَ}(2)، فأولاً حكى تعالى قولهم، ثم أبطله وحصرهم في كونهم عباداً مكرمين، وهذا من قبيل نفي حكم ما قبلها وهو اتخاذ الولد، وإثبات حكم آخر لما بعدها، أي: إثبات عبوديتهم، ومعنى قوله: «ما أثبت أولاً» أي: ما ذكره أولاً.

ص: 501


1- كفاية الأصول، تعليق السبزواري 2: 130.
2- سورة الأنبياء، الآية: 26.

فيدل عليه[1] وهو واضح[2].

ومما يفيد الحصر - على ما قيل(1) - تعريف المسند إليه[3] باللام.

والتحقيق أنه لا يفيده[4] إلاّ في ما اقتضاه المقام[5]، لأن الأصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس[6]،

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: على الحصر؛ وذلك للتبادر.

[2] ثم إن المصنف أضاف في الهامش(2)

قسماً رابعاً، وحاصل كلامه: هو أن (بل) قد تكون لإبطال دليلية ما قبلها لا لإبطال حكمه، مثلاً: (أكرم زيداً لأنه شاعر، بل لأنه عالم) فلا يراد بالإضراب إبطال شاعريته، وإثبات أنه ليس بشاعر، وإنّما يراد إثبات أن عِلة الإكرام ليست لأنه شاعر، بل لأجل أنه عالم، وهذا في الحقيقة راجع إلى المورد الأول أو الثاني - حسب المقامات - .

3- دلالة «تعريف المسند إليه باللام» على الحصر

[3] يراد به خصوص المبتدأ، أو ما قام مقامه مثل اسم إنّ وكان ونحوهما، ولا يشمل الفاعل، فمثل: (جاء الضارب) خارج عن البحث.

[4] أي: إن تعريف المسند إليه لا يفيد الحصر، حاصل تحقيق المصنف أن منشأ الحصر أحد أمرين: الأول: أن تدل اللام - أي: حرف التعريف - على الحصر. والثاني: أن يدل الحمل - أي: نسبة المحمول إلى الموضوع - على الحصر.

وكلاهما مفقود هنا؛ وذلك لأن الأصل في حرف التعريف أن يكون للجنس، وهو لا يدل على الحصر، والأصل في الحمل أن يكون بنحو الشائع الصناعي، وهذا الحمل أيضاً لا يدل على الحصر.

[5] أي: مع وجود قرينة خاصة.

[6] إشارة إلى الأمر الأول: أي: لتعريف الماهية، مثلاً: (إنسان) يدل على

ص: 502


1- قوانين الأصول 1: 190.
2- كفاية الأصول، تعليق السبزواري 2: 130.

كما أن الأصل في الحمل[1] في القضايا المتعارفة[2] هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود[3]، فإنه الشائع فيها[4]، لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم[5]، كما لا يخفى. وحمل[6] شيء على جنس وماهية كذلك[7] لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به وحصرها عليه[8].

-------------------------------------------------------------------

الماهية، و(الإنسان) تعريف للماهية، وهذا التعريف لا يغيّر المعنى، وإنما يغير في أحكام اللفظ فقط من حيث قواعد اللغة، فلا فرق في المعنى بين (إنسان) و(الإنسان) - إذا كان التعريف للجنس - فمثلاً: قوله: (تمرة خير من جرادة) بمعنى (التمرة خير من الجرادة)، فتأمل.

وتعريف الجنس لا دلالة له على الحصر أصلاً لا بالوضع ولا بالإطلاق.

[1] إشارة إلى الأمر الثاني.

[2] في ألسُن الناس، فإنهم لا يعرفون إلاّ قليلاً، وأكثر حملهم هو الحمل الشائع الصناعي؛ ولذا سُمي شائعاً.

[3] مع التغاير في المفهوم، فمثل: (زيد قائم) مفهوم زيد يختلف عن معنى قائم، ولكن في الخارج اتحد (زيد) و(قائم) وجوداً.

[4] أي: في القضايا المتعارفة.

[5] فمثل: (الإنسان حيوان ناطق) معنى (الإنسان) ومعنى (حيوان ناطق) واحد، والفرق بالإجمال والتفصيل، ولا يخفى أن اتحاد الحمل الذاتي الأوَّليّ بحسب الماهية.

[6] بيان لعدم إفادة الحصر في الحمل الشائع.

[7] أي: بالحمل الشائع.

[8] أي: بذلك الشيء وحصر الماهية على ذلك الشيء، فمثل: (القائم زيد) حمل شائع، يراد به إثبات اتحاد زيد مع القائم، وهذا الحمل الشائع لا دلالة له على الحصر، بل إثبات أن هذا الموضوع أحد أفراد الطبيعة - سواء وجد فرد آخر أم لا - .

ص: 503

نعم[1]، لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق[2]، أو أن مدخوله أخذ بنحو الإرسال والإطلاق[3]، أو على أن الحمل عليه[4] كان ذاتياً، لأفيد حصر مدخوله على محموله واختصاصه به[5].

وقد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الأعلام(1) في المقام، وما وقع منهم من النقض والإبرام. ولا نطيل بذكرها، فإنه بلا طائل، كما يظهر للمتأمل، فتأمل جيداً[6].

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: مع قيام قرينة خاصة يكون لتعريف المسند إليه دلالة على الحصر، ولكن ذلك لا يفيد في موارد فقدان تلك القرينة والشك في المراد.

والقرينة تكون على ثلاثة أنحاء:

الأول: كون (اللام) للاستغراق، فيكون معنى (القائم زيد) أن كل القائم زيد، فينتفي القيام عن غيره.

الثاني: كون (المسند إليه) مطلقاً، والمطلق يفيد العموم بمقدمات الحكمة.

الثالث: إن الحمل ذاتي.

[2] أي: دلالة لفظ (اللام) على العموم.

[3] أي: مقدمات الحكمة دلت على الإطلاق.

[4] أي: على مدخول اللام.

[5] أي: حصر مدخول اللام على محمول المدخول، واختصاص المدخول بالمحمول؛ وذلك لأن الاستغراق والإطلاق يدل على أن كل المسند إليه هو المسند، فكل القائم هو زيد؛ ولأن الحمل الذاتي معناه حمل الشيء على نفسه بلفظين مختلفين، والشيء منحصر في نفسه قطعاً.

[6] ولكن الإنصاف الظهور العرفي في الحصر، ويتبادر ذلك في أذهان أهل اللسان، ويعضده اتفاق علماء البلاغة على إفادة المسند إليه المعرف باللام للحصر.

ص: 504


1- قوانين الأصول 1: 190؛ مطارح الأنظار 2: 111.

فصل: لا دلالة للّقب[1] ولا للعدد[2] على المفهوم وانتفاء[3] سنخ الحكم عن غير موردهما أصلاً. وقد عرفت[4] أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم.

-------------------------------------------------------------------

فصل مفهوم اللقب والعدد

[1] (اللقب) لغة(1)

هو الاسم الدال على مدح في المسمى مثل: المصطفى، أو ذم فيه مثل: الناصب.

واصطلاحاً - في الأصول(2)

- هو كل اسم وقع طرف النسبة في الكلام، سواء كان ركناً كالمبتدأ والفاعل، أم لا كالمفعول والحال والزمان ونحوها - بشرط أن لا يكون وصفاً أو شرطاً ونحوهما مما ذكر مستقلاً في المفاهيم - فمثل: (زيد قائم) لا دلالة له على عدم قيام غيره مثلاً.

ولا يخفى أنه من قواعد رسم الخط هو أنه كلّما اجتمعت ثلاث لامات في أول الكلام كتبت لامين مع تشديد الثانية؛ وذلك يحصل في ما كان فاء الفعل لاماً، ودخل على اللفظ لام التعريف، ثم دخل عليه اللام الجارة، فلا يكتب (لللقب)، بل يكتب (للّقب).

[2] يراد به ما يشمل الواحد أيضاً.

[3] شرح للمفهوم، أي: ليس للعدد واللقب دلالةٌ على هذا الانتفاء.

[4] دفع لتوهم وهو: إن انتفاء شخص الحكم من اللقب واضح، والجواب هو: إن المفهوم ليس ذلك، بل هو انتفاء نوع الحكم. وقد ذكر المصنف هذا الأمر مفصلاً في مفهوم الشرط.

ص: 505


1- شرح الرضي على الكافية 1: 149؛ أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: 26.
2- هداية المسترشدين 2: 590؛ غاية المسؤول: 357.

كما أن قضية[1] التقييد بالعدد منطوقاً عدم جواز الاقتصار على ما دونه، لأنه ليس بذاك الخاص والمقيد[2]، وأما الزيادة فكالنقيصة[3] إذا كان التقييد به للتحديد[4] بالإضافة إلى كلا طرفيه[5].

نعم[6]، لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه الأقل لما كان في الزيادة ضير

-------------------------------------------------------------------

[1] حاصل كلام المصنف في العدد هو: إن العدد له منطوق ومفهوم.

أما المنطوق: فهو لو أمر بالعدد فلا يجوز الاقتصار بالأقل، فلو قال: (صم عشرة أيام) فلا يجوز ترك اليوم العاشر؛ وذلك لأن منطوق الكلام دل على وجوب الصوم في اليوم العاشر.

وأما المفهوم: فهو لو أخذ العدد (بشرط لا) عن الزيادة فيدل على عدم جواز الزيادة، لكن هذا بالقرينة. أما لو كان (لا بشرط) عن الزيادة فلا يدل على المفهوم، فتجوز الزيادة، بل قد يكون فيها فضيلة.

فمجموع الصور التي ذكرها المصنف ثلاثة.

[2] أي: الموضوع الذي قيّد بالعدد، سواء كان مأموراً به مثل: (صم عشرة أيام)، فلو صام تسعة لم يكن ممتثلاً للأمر في اليوم العاشر، أم كان للتحديد مثل: تقييد الحيض بثلاثة، فإن الدم الأقل من الثلاثة ليس بحيض، لأنه ليس الموضوع المقيّد بالعدد.

[3] أي: في عدم الجواز، فلا يجوز تعدي العدد في هذه الصورة.

[4] أي: كان التقييد بالعدد لبيان أنه (بشرط لا) عن الزيادة والنقيصة، مثلاً: في تحديد الأطباء للأدوية بالعدد، فإنه بشرط عدم الزيادة وعدم النقيصة، وكالتسبيحات في صلاة جعفر الطيار عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ.

[5] أي: الزيادة والنقيصة.

[6] أي: العدد كان لأجل بيان عدم جواز الأقل، أما بالنسبة للأكثر فكان (لا بشرط) فلا مفهوم أصلاً، كما في قوله: (لو نويت الإقامة عشرة أيام فأتم صلاتك).

ص: 506

أصلاً، بل ربما كان فيها فضيلة وزيادة[1]، كما لا يخفى.

وكيف كان[2] فليس عدم الاجتزاء بغيره[3] من جهة دلالته على المفهوم، بل إنما يكون[4] لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق[5]، كما هو معلوم.

-------------------------------------------------------------------

[1] أي: زيادة في الفضيلة، أو زيادة في الأجر، ونحو ذلك، كما لو قال: (صل كل يوم إحدى وخمسين ركعة)، فلو صلى صلوات مستحبة أخرى كان فضيلة.

[2] بيان أن عدم الاكتفاء بغير العدد ليس من باب المفهوم أصلاً، بل من باب المنطوق.

[3] بغير العدد - أي الأقل أو الأكثر - ، «دلالته» دلالة العدد.

[4] أي: يكون عدم الاجتزاء.

[5] أي: (بشرط لا) الذي يكون في المنطوق هو الدال على عدم الاكتفاء.

انتهى الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث في بحث:

المقصد الرابع: في العام والخاص

ص: 507

ص: 508

فهرست الموضوعات

الأمر الثالث: في تقسيمات الواجب... 5

التقسيم الأول: المطلق والمشروط... 5

1- في تعريفهما 5

2- رجوع القيد إلى الهيئة أو المادة... 8

دليلان على امتناع رجوع القيد إلى الهيئة... 9

الإشكال على الدليل الأول... 13

الإشكال على الدليل الثاني... 16

3- المقدمات الوجودية للواجب المشروط... 21

4- تعلّم مسائل الواجب المشروط قبل الشرط... 26

5 - في إطلاق الواجب على الواجب المشروط... 28

التقسيم الثاني: تقسيم الواجب إلى معلّق ومنجّز... 30

إشكالات على الواجب المعلّق... 32

الإشكال الأول: للشيخ الأعظم... 32

الإشكال الثاني: عدم فائدة هذا التقسيم... 34

الإشكال الثالث: انفكاك الإرادة عن المراد... 36

الإشكال الرابع: عدم القدرة على المكلّف به... 41

ص: 509

الإشكال الخامس: إرجاع المعلّق إلى المشروط... 42

تنبيه: في المقدمات المفوتة... 45

تتمة في دوران القيد بين الرجوع إلى المادة أو الهيئة... 53

الوجه الأول: في ترجيح تقييد المادة... 55

الوجه الثاني: لترجيح تقييد المادة... 57

الإشكال على الوجه الأوّل... 59

الإشكال على الوجه الثاني... 61

التقسيم الثالث: تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري... 63

تعريف الواجب النفسي والغيري... 63

إشكال على التعريف... 64

الجواب الأول عن الإشكال... 64

الجواب الثاني عن الإشكال... 65

الشك في النفسيّة والغيريّة... 67

أ- لو كان للأمر إطلاق... 68

ب - لو لم يكن للأمر إطلاق... 74

التذنيب الأول: الثواب والعقاب في الواجب الغيري... 75

الأمر الغيري في الطهارات الثلاث... 78

الجواب الأول... 79

الجواب الثاني... 82

الجواب الثالث... 84

الجواب الرابع... 86

التذنيب الثاني: عدم اعتبار قصد الغايات في صحة الطهارات الثلاث 87

الأمر الرابع: في المقدمة الموصلة... 90

ص: 510

القول الأول: الوجوب حين إرادة ذي المقدمة... 92

القول الثاني: اشتراط الواجب بقصد التوصل... 93

القول الثالث: وجوب خصوص المقدمة الموصلة... 101

الإشكال الأول... 101

الإشكال الثاني... 105

أدلة أربع على وجوب خصوص المقدمة الموصلة... 109

الإشكال على الدليل الأول... 112

الإشكال على الدليل الثاني... 113

الإشكال على الدليل الثالث... 117

الدليل الرابع: لوجوب المقدمة الموصلة، وجوابه... 121

ثمرة المقدمة الموصلة... 124

إشكال التقريرات على الثمرة... 127

الردّ على إشكال التقريرات... 129

التقسيم الرابع: تقسيم الواجب إلى الواجب الأصلي والتبعي... 132

الشك في الأصالة والتبعيّة... 137

تذنيب: في ثمرة مسألة مقدمة الواجب... 139

الثمرة الخامسة والإشكال عليها 144

أدلة وجوب أو عدم وجوب المقدمة... 148

أولاً: الأصل العملي... 148

الإشكال الأول على جريان الاستصحاب... 149

الإشكال الثاني على جريان الاستصحاب... 151

ثانياً: الأدلة الاجتهادية على وجوب المقدمة... 152

التفصيل في وجوب المقدمة... 158

ص: 511

1- التفصيل بين السبب وغيره... 158

2- التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره... 160

تتمة: في مقدمة المستحب والمكروه والحرام... 162

فصل هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده... 166

الأمر الأول: في معنى «الاقتضاء» في العنوان... 166

الأمر الثاني: في عدم مقدميّة أحد الضدين للآخر ولا تلازم... 167

ردّ القول بالتلازم... 179

الأمر الثالث: حول الضد العام، أي الترك... 180

الأمر الرابع: في ثمرة بحث الضد... 183

بحث الترتب... 186

الإشكال الأول على الترتب... 188

الإشكال الثاني على الترتب... 193

النتيجة... 194

الإشكال الثالث على الترتب وردّه... 197

فصل أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه... 198

فصل تعلق الأوامر والنواهي بالطبائع دون الأفراد... 201

دفع وهم... 204

توهم ثان... 206

فصل في بقاء أو عدم بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب... 207

تتمة... 210

فصل في الوجوب التخييري... 211

ص: 512

القول الأول... 212

القول الثاني... 212

القول الثالث... 213

القول الرابع... 213

مختار المصنف... 213

الاحتمال الأول... 216

الاحتمال الثاني... 217

شرح الحاشية... 217

الاحتمال الثالث... 218

الاحتمال الرابع... 218

التخيير بين الأقل والأكثر... 219

الإشكال الأول... 219

الجواب... 220

الإشكال الثاني... 222

الجواب... 223

فصل الواجب الكفائي... 224

فصل الواجب الموسع والموقت وغيرهما 226

التخيير عقلي... 227

ادعاء الاستحالة... 228

هل القضاء تابع للأداء؟... 228

الأصل العملي... 231

فصل الأمر بالأمر... 232

ص: 513

الثمرة... 233

فصل الأمر بعد الأمر... 234

إشكال... 235

الجواب... 235

المقصد الثاني في النواهي

فصل مادة النهي وصيغته... 239

معنى النهي... 239

إشكال على الترك وجوابه... 240

إشكال ثانٍ وجوابه... 240

المرّة والتكرار... 241

استمرار النهي بعد المخالفة... 242

فصل في اجتماع الأمر والنهي... 244

الأمر الأول: معنى الواحد... 245

الأمر الثاني: الفرق بين المسألتين... 246

كلام الفصول في الفرق... 249

رد الفصول للمحقق القمي... 249

الإشكال على الفصول... 250

تفريق آخر بين المسألتين... 251

الأمر الثالث: أصولية المسألة... 252

الأمر الرابع: عقلية المسألة... 254

ص: 514

إشكال وجوابه... 255

الأمر الخامس: ملاك النزاع عام لجميع أقسام الوجوب والتحريم... 256

كلام الفصول... 257

الإشكال على الفصول... 257

الأمر السادس: هل المندوحة معتبرة؟... 259

الأمر السابع: عدم ارتباط المسألة بمسألة تعلق الأمر بالطبائع أو الأفراد 262

الأمر الثامن: اشتراط التزاحم في مسألة الاجتماع... 264

البحث ثبوتاً 264

البحث إثباتاً 267

الأمر التاسع: طريق إحراز المناط في الجمع... 268

الأمر العاشر: في ثمرة بحث الاجتماع... 272

دليل الامتناع... 279

المقدمة الأولى... 279

المقدمة الثانية... 281

المقدمة الثالثة... 283

المقدمة الرابعة... 285

التوهم الأول... 286

التوهم الثاني... 286

النتيجة... 287

أدلة المجوزين... 288

الدليل الأول... 288

رد الشطر الأول من الدليل الأول... 290

الشطر الثاني من الدليل الأول... 291

ص: 515

الرد الأول... 292

الرد الثاني... 292

الدليل الثاني للمجوزين... 293

رد الدليل الثاني... 295

الجواب التفصيلي... 297

القسم الأول... 298

العلة الأولى للنهي... 298

العلة الثانية للنهي... 300

جواب آخر... 301

القسم الثاني... 302

الصنف الثالث... 303

الصنف الثاني... 303

الصنف الأول... 303

إشكالان وجوابهما 305

القسم الثالث... 306

1- على القول بالجواز... 306

الجواب الأول... 306

الجواب الثاني... 307

2- على القول بالامتناع والملازمة... 308

3- على القول بالامتناع والاتحاد... 308

تلخيص معنى الأقلية ثواباً 309

اجتماع الوجوب والاستحباب... 309

الأقسام الممكنة في اجتماع الوجوب والاستحباب... 311

ص: 516

الدليل الثالث للمجوّزين... 312

القول بالتفصيل وردّه... 313

تنبيهات بحث الاجتماع... 314

التنبيه الأول لو توقف واجب على مقدمة محرمة 314

الأقوال في المسألة... 317

مختار المصنف... 318

الدعوى الأولى... 318

الدعوى الثانية... 319

الدعوى الثالثة... 320

أدلة الوجوب... 320

الدليل الأول وجوابه... 320

إشكال وجوابه... 321

الدليل الثاني للوجوب... 323

الدليل الثالث للوجوب... 324

جواب الدليل الثاني... 326

جواب الدليل الثالث... 327

أولاً... 328

ثانياً 328

ثالثاً 329

رابعاً 331

خامساً 331

إشكال وجوابه... 332

القول الثالث - لصاحب الفصول - ... 335

ص: 517

الإشكال على الفصول... 336

جواب الفصول عن الإشكال الثاني... 336

رد الجواب... 336

جواب آخر للفصول عن الإشكال... 337

رد الجواب... 338

القول الرابع - للمحقق القمي - 338

ردّ القول الرابع... 339

الإشكال الأول والثاني... 339

الإشكال الثالث... 340

ردّ تصحيح طلب المحال... 341

كلام الأشاعرة وردّهم... 341

دليل المحقق القمي... 342

رد الدليل... 343

ثمرة المسألة... 343

الصورة الأولى... 344

الصورة الثانية... 345

الصورة الثالثة... 345

الصورة الرابعة... 345

التنبيه الثاني مرجحات باب الاجتماع... 347

الصورة الأولى... 348

الصورة الثانية... 349

الصورة الثالثة... 349

الصورة الرابعة... 350

ص: 518

صحة الصلاة في المغصوب مع العذر... 350

مرجحات النهي على الأمر... 354

المرجح الأول: أقوائية دلالة النهي... 354

إشكال وجوابه... 354

مختار المصنف... 356

رد إشكال المجازية... 359

المرجح الثاني: أولوية دفع المفسدة... 360

إشكال القوانين وردّه... 361

الإشكال على المرجح الثاني... 362

أولاً... 362

ثانياً 362

ثالثاً 363

رابعاً 363

المرجح الثالث: الاستقراء... 368

إشكالات على المرجح الثالث... 369

الجهة الأولى... 370

الجهة الثانية... 371

التنبيه الثالث في تعدد الإضافات... 375

فصل في أن النهي عن الشيء هل يقتضي فساده أم لا؟... 377

الأمر الأول الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة اقتضاء الفساد... 378

الأمر الثاني في كون المسألة من مباحث الألفاظ... 378

كلام التقريرات والإشكال عليه... 379

ص: 519

الأمر الثالث عموم النهي لكل أنواعه... 380

إشكال وجواب... 380

إشكال وجوابه... 381

الأمر الرابع في معنى العبادة... 383

تعاريف العبادة... 385

الإشكال على التعاريف... 385

الأمر الخامس في معنى المعاملة... 387

الأمر السادس في معنى الصحة... 389

النسبة بين كلام الفقيه والمتكلم... 391

أولاً: في العبادات... 394

1- انتزاع الصحة والفساد... 394

2- حكم العقل... 395

3- حكم الشرع... 396

ثانياً: في المعاملات... 397

الأمر السابع الأصل العملي في المسألة... 398

الأمر الثامن أقسام تعلق النهي بالعبادة... 400

النهي عن العبادة بسبب النهي عن الجزء ونحوه... 403

المقام الأول اقتضاء النهي عن العبادة للفساد... 405

إشكال على الفساد وجوابه... 407

النهي عن العبادة مجازاً 411

المقام الثاني عدم اقتضاء النهي عن المعاملة للفساد... 412

اقسام النهي عن المعاملة... 412

دليل اقتضاء النهي للفساد في المعاملة... 414

ص: 520

دليل آخر لاقتضائة للفساد في المعاملة... 415

رد الدليل... 416

تذنيب... 418

تلخيص تحقيق المصنف... 421

المقصد الثالث في المفاهيم

فصل مفهوم الشرط... 429

أدلة القائلين بالمفهوم... 432

الدليل الأول: الوضع... 432

الدليل الثاني: الانصراف... 434

الدليل الثالث: الإطلاق في الشرط أو الهيأة... 435

الدليل الرابع: الإطلاق في الشرط... 437

الدليل الخامس: الإطلاق بنفي العدل... 439

دفع وهم... 441

أدلة المنكرين لمفهوم الشرط... 443

الدليل الأول... 443

الدليل الثاني... 445

الدليل الثالث... 445

أمور في مفهوم الشرط... 446

الأمر الأول انتفاء نوع الجزاء... 446

موارد خارجة عن بحث المفهوم... 448

الإشكال على كلام الشهيد... 448

ص: 521

إشكال وجوابه... 450

جواب التقريرات... 453

رد المصنف لجواب التقريرات... 455

الأمر الثاني تعدد الشرط ووحدة الجزاء... 456

احتمالات مقام الثبوت... 457

الاحتمال الأول... 457

الاحتمال الثاني... 458

الاحتمال الثالث... 458

الاحتمال الرابع... 458

ترجيح الاحتمالات في مقام الإثبات... 459

الأمر الثالث تداخل الأسباب... 461

تحقيق الأمر... 463

الطريق الأول... 464

الطريق الثاني... 465

إشكال وجوابه... 466

الطريق الثالث... 467

إشكالات على هذه الطرق... 467

إشكال وجوابه... 468

إشكال وجوابه... 469

تفصيل فخر المحققين... 471

الإشكال على التفصيل... 471

توجيه تفصيل الفخر... 473

تفصيل ابن إدريس... 474

ص: 522

الإشكال على التفصيل... 475

صورة عدم إمكان تكرار الجزاء... 476

فصل مفهوم الوصف... 476

أدلة القائلين بالوصف وردّها 477

الدليل الأول... 477

الدليل الثاني... 477

الدليل الثالث... 478

الدليل الرابع... 479

الدليل الخامس... 480

من أدلة عدم المفهوم للوصف... 482

تذنيب لتحرير محل النزاع... 483

فصل مفهوم الغاية... 486

البحث الأول الدلالة المفهومية... 487

البحث الثاني في منطوق الغاية... 490

فصل مفهوم الاستثناء... 492

كلام أبي حنيفة والإشكال عليه... 493

الاستدلال بكلمة التوحيد على الدلالة... 494

دلالة الاستثناء بالمفهوم أو المنطوق؟... 497

من أدوات الحصر... 499

1- دلالة «إنما» على الحصر... 499

2- دلالة «بل» على الحصر... 500

ص: 523

3- دلالة «تعريف المسند إليه باللام» على الحصر... 502

فصل مفهوم اللقب والعدد... 505

فهرست الموضوعات... 509

ص: 524

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.